
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
كتاب الصلاة
وفيه أبواب (الباب الأول) في المقدمات :
المقدمة الاولى
في فضل الصلوات
اليومية وانها أفضل الأعمال الدينية وان قبول سائر الأعمال موقوف
على قبولها وانه لا يقبل منها إلا ما اقبل عليه بقلبه وانه يجب المحافظة عليها في
أوائل أوقاتها والإتيان بحدودها وان من استخف بها كان في حكم التدارك لها ، وينتظم
ذلك في فصول :
(فصل) روى ثقة
الإسلام والصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى ربهم وأحب ذلك الى
الله تعالى ما هو؟ فقال ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ألا ترى ان
العبد الصالح عيسى بن مريم قال «وَأَوْصانِي
بِالصَّلاةِ» وزاد في الكافي «وَالزَّكاةِ ما
دُمْتُ حَيًّا».
__________________
وروى المشايخ
الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى ربهم؟ فقال ما أعلم
شيئا بعد المعرفة أفضل من الصلاة».
بيان : في هذا
الخبر الشريف فوائد يحسن التنبيه عليها والتعرض إليها لأن كتابنا هذا كما يبحث عن
الأحكام الفقهية يبحث ايضا عن تحقيق معاني الأخبار المعصومية :
(الفائدة
الأولى) ـ يحتمل ان يكون المراد بالمعرفة في الخبر معرفة الله عزوجل ويحتمل الحمل على معرفة الإمام (عليهالسلام) فان هذا المعنى مما شاع في الاخبار كما تكاثر في
أخبارهم من إطلاق العارف على ما قابل المخالف. ويحتمل الأعم منهما بل ومن سائر
المعارف الدينية والأصول اليقينية والأول يستلزم الأخيرين غالبا ، وفي كتاب الفقه
الرضوي «واعلم ان أفضل الفرائض بعد معرفة الله عزوجل الصلوات الخمس».
وهو ظاهر في
تأييد المعنى الأول ، والمراد بالصلوات هي اليومية والإشارة بهذه انما هو إليها
لأنها الفرد المتعارف المتكرر المنساق الى الذهن عند الإطلاق ، وفي العدول إلى
الإشارة عن التسمية تنبيه على مزيد التعظيم وتمييز بذلك لهذا الفرد أكمل تمييز كما
قرر في محله من علم المعاني.
(الثانية) ـ ظاهر
الخبر يقتضي نفي أفضلية غير الصلاة عليها والمطلوب ثبوت أفضليتها على غيرها
وأحدهما غير الآخر فان نفى وجود الأفضل منها لا يمنع المساواة ومعها لا يتم
المطلوب ، قال شيخنا البهائي زاده الله بهاء وشرفا في كتاب الحبل المتين : ما قصده
(عليهالسلام) من أفضلية الصلاة على غيرها من الأعمال وان لم يدل
عليه منطوق الكلام إلا ان المفهوم منه بحسب العرف ذلك كما يفهم من قولنا ليس بين
أهل البلد أفضل من زيد أفضليته عليهم وان كان منطوقه نفى أفضليتهم عليه وهو لا يمنع
المساواة. انتهى. أقول : ويؤيده ان السؤال في الخبر عن أفضلية ما يتقرب به العبد
__________________
وأحبه الى الله عزوجل فلو لم يحمل على المعنى الذي ذكره شيخنا المشار اليه
للزم عدم مطابقة الجواب للسؤال.
(الثالثة) ـ ظاهر
الخبر ان الصلاة أفضل مطلقا سواء كانت في أول وقتها أو في وقت الاجزاء إلا انه روى
عنه (صلىاللهعليهوآله) «أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها». فيجب ان يقيد به إطلاق هذا الخبر عملا
بقاعدة وجوب حمل المطلق على المقيد وعلى هذا لا يتم المدعى. وأجيب بأن الخبر الأول
دل على انها أفضل مطلقا وقعت في أول الوقت أو آخره والخبر الآخر دل على كونها في
أول الوقت أفضل الأعمال ولا منافاة بينهما ليحتاج الى الحمل المذكور فإن الصلاة
مطلقا إذا كانت أفضل من غيرها من العبادات كان الفرد الكامل منها أفضل الأعمال
قطعا بالنسبة إلى باقي إفرادها والى غيره.
(الرابعة) ـ قال
بعض مشايخنا (قدسسره) في جعله (عليهالسلام) قول عيسى على نبينا وآله وعليهالسلام «وَأَوْصانِي
بِالصَّلاةِ ... الآية» مؤيدا لافضلية الصلاة بعد المعرفة على غيرها نوع خفاء ،
ولعل وجهه ما يستفاد من تقديمه (عليهالسلام) ما هو من قبيل الاعتقادات في مفتح كلامه ثم إردافه ذلك
بالأعمال البدنية والمالية وتصديره لها بالصلاة مقدما لها على الزكاة ، ولا يبعد
ان يكون التأييد لمجرد تفضيل الصلاة على غيرها من الأعمال من غير ملاحظة تفضيل
المعرفة عليها ويؤيده عدم إيراده (عليهالسلام) صدر الآية في صدر التأييد ، والآية هكذا «قالَ إِنِّي عَبْدُ
اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما
كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا» انتهى كلامه زيد مقامه.
وروى في الكافي
عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال :
__________________
«سمعته يقول أحب الأعمال الى الله تعالى الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء فما
أحسن من الرجل ان يغتسل أو يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يتنحى حيث لا يراه أنيس فيشرف
عليه وهو راكع أو ساجد ، ان العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاع
وعصيت وسجد وأبيت». ورواه في الفقيه مرسلا قال في الوافي في بعض نسخ الكافي «إبليس» مكان «أنيس»
وهو تصحيف وفي بعض نسخ الفقيه «انسى» وفي بعض نسخه «فيشرف الله عليه» بإثبات لفظ
الجلالة ولكل وجه وان كان إثبات الجلالة والانسي أوجه والمستتر في «يشرف» بدون
الجلالة يعود إلى الانسي أو الأنيس ، والغرض على التقادير البعد عن شائبة الرياء.
وروى في الكافي
عن الوشاء قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول : «أقرب ما يكون العبد من الله عزوجل وهو ساجد وذلك قوله : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» .
وعن يزيد بن
خليفة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا قام المصلي إلى الصلاة نزل عليه الرحمة من أعنان
السماء إلى أعنان الأرض وحفت به الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في
الصلاة ما انفتل».
وعن أبي حمزة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله اليه أو قال
اقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلته الرحمة من فوق رأسه الى أفق السماء والملائكة
تحفه من حوله إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول له أيها
المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت من موضعك ابدا».
__________________
وروى المشايخ
الثلاثة بأسانيدهم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت
مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى». وفي بعضها خال من قوله «مملوء» وفي بعض «حتى لا
يبقى منه شيء» عوض «يفنى» بيان : الحجة المرة من الحج بالكسر على غير قياس والجمع
حجج كسدرة وسدر ، قال ثعلب قياسه الفتح ولم يسمع من العرب.
أقول : وهذا
الخبر بحسب ظاهر لا يخلو من إشكالات : منها ـ ان الحجة مشتملة على صلاة فريضة وهي
ركعتا الطواف وان كانت الحجة ندبة فإن الصلاة فيها واجبة فيلزم تفضيل الشيء على
نفسه بمراتب. ومنها ـ انه قد ورد «ان الحج أفضل من الصلاة» . ومنها ـ انه قد ورد «أفضل الأعمال أحمزها» .
وقد أجيب عن ذلك
بوجوه أظهرها ثلاثة (أحدها) ان تحمل الفريضة على اليومية لأنها الفرد المتبادر كما
تقدم في الحديث الأول ويحمل حديث أفضلية الحج على الصلاة على غير اليومية وحديث «أفضل
الأعمال أحمزها» على ما عدا الصلاة اليومية أو على ان المراد أفضل كل نوع من
الأعمال احمزه اي أحمز ذلك النوع ، مثلا ـ الوضوء في الحر والبرد والحج ماشيا
وراكبا والصوم والصلاة في الصيف والشتاء ونحو ذلك.
و (ثانيها) ـ ان
يراد بالفريضة اليومية كما تقدم وان يراد بالحج المتطوع به دون حجة الإسلام إذ لا
تعدد فيها حتى يوزن متعددها بشيء والصلاة التي في الحج المتطوع به ليست بفريضة
حيث لم يفرضها الله تعالى عليه ابتداء وانما جعلها المكلف على نفسه بإحرامه للحج
فصارت شرطا لصحة حجه ، وعلى هذا فيكون الغرض من الحديث الحث على المحافظة على
الصلوات المفروضة في طريق الحج بالإتيان بها بشروطها وحدودها
__________________
وحفظ مواقيتها ، فان كثيرا من الحاج يضيعون فرائضهم اليومية في طريقهم الى
الحج اما بتفويت أوقاتها أو بأدائها على المركب أو في المحمل أو بالتيمم أو مع عدم
الطهارة في الثوب أو البدن أو نحو ذلك تهاونا بها واستخفافا بشأنها ، والثواب انما
يترتب للحاج على حجته المندوبة مع عدم الإخلال بشيء من صلواته اليومية وإلا
فالصلاة المفروضة التامة في الجماعة بل في البيت أفضل من حجة يتطوع بها.
و (ثالثها) ـ انه
يحتمل ان يكون ذلك مختلفا باختلاف الأحوال ومقتضيات الحال في الأشخاص كما روى انه (صلىاللهعليهوآله) «سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال الصلاة لأول وقتها». وسئل ايضا مرة أخرى «أي
الأعمال أفضل؟ فقال بر الوالدين». وسئل أيضا «أي الأعمال أفضل؟ فقال حج مبرور». فخص
كل سائل بما يليق بحاله من الأعمال ، فيقال ان السائل الأول كان عاجزا عن الحج ولم
يكن له والدان فكان الأفضل بحسب حاله الصلاة والثاني كان له والدان محتاجان فجعل
الأفضل له برهما وهكذا الثالث.
وروى الشيخ في
التهذيب بسنده عن ابى بصير عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل منه في كل يوم
خمس مرات كان يبقى في جسده شيء من الدرن؟ قلنا لا. قال فان مثل الصلاة كمثل النهر
الجاري كلما صلى صلاة كفرت ما بينهما من الذنوب».
وروى الصدوق قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) ما من عبد من شيعتنا يقوم إلى الصلاة إلا اكتنفته بعدد
من خالفه ملائكة يصلون خلفه ويدعون الله تعالى له حتى يفرغ من صلاته».
__________________
(فصل) روى
الشيخان في الكافي والتهذيب مسندا عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والصدوق مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت
الاطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء».
وروى الشيخ في
التهذيب بسنده عن علي (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان عمود الدين الصلاة وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن
آدم فان صحت نظر في عمله وان لم تصح لم ينظر في بقية عمله».
وروى في الكافي
ومثله في التهذيب عن ابي بصير قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كل سهو في الصلاة يطرح منها غير ان الله تعالى
يتم بالنوافل ، ان أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها ، ان
الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك
الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول
ضيعتني ضيعك الله».
بيان : قوله :
كل سهو الى قوله بالنوافل في الكافي خاصة والمعنى ان ما ذهل عنه في صلاته ولم يقبل
عليه بقلبه فهو لا يرفع له ولا يحسب منها غير ان الله سبحانه يتمه بالنوافل.
وروى الشيخان
ثقة الإسلام وشيخ الطائفة عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «بينا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه
ولا سجوده فقال (صلىاللهعليهوآله) نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على
غير ديني».
__________________
وروى في الكافي
عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تتهاون بصلاتك فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال عند موته ليس مني من استخف بصلاته ليس مني من شرب
مسكرا لا يرد علي الحوض لا والله».
وروى في الفقيه
والكافي عنه (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته لا يرد علي
الحوض لا والله».
وروى في الكافي
قال : «قال أبو الحسن الأول (عليهالسلام) لما حضر أبي الوفاة قال لي يا بني لا ينال شفاعتنا من
استخف بالصلاة».
وروى في الكافي
والتهذيب في الصحيح عن العيص عن الصادق (عليهالسلام) قال : «والله انه ليأتي على الرجل خمسون سنة ما قبل
الله منه صلاة واحدة فأي شيء أشد من هذا والله انكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم
من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها ان الله عزوجل لا يقبل إلا الحسن فكيف يقبل ما يستخف به؟».
وروى في الكافي
في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا أدى الرجل صلاة واحدة تامة قبلت جميع صلواته
وان كن غير تامات وان أفسدها كلها لم يقبل منه شيء منها ولم تحسب له نافلة ولا
فريضة وانما تقبل النافلة بعد قبول الفريضة وإذا لم يؤد الرجل الفريضة لم تقبل منه
النافلة وانما جعلت النافلة ليتم بها ما أفسد من الفريضة».
وروى في الكافي
في الصحيح عن ابان بن تغلب قال : «صليت خلف ابي عبد الله (عليهالسلام) المغرب بالمزدلفة ، الى ان قال ثم التفت الي فقال يا
ابان هذه
__________________
الصلوات الخمس المفروضات من أقامهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم
القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذلك
اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه».
وفي الحسن عن
هارون بن خارجة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصلاة وكل بها ملك ليس له عمل غيرها فإذا فرغ
منها قبضها ثم صعد بها فان كانت مما تقبل قبلت وان كانت مما لا تقبل قيل له ردها
على عبدي فينزل بها حتى يضرب بها وجهه ثم يقول له أف لك ما يزال لك عمل يعييني».
وروى في الفقيه
بسنده عن مسعدة بن صدقة انه قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه
كافرا وما الحجة في ذلك؟ فقال لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة
لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها ، وذلك لأنك لا تجد الزاني
يأتي المرأة إلا وهو مستلذ بإتيانه إياها قاصدا إليها وكل من ترك الصلاة قاصدا لتركها
فليس يكون قصده لتركها اللذة فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف
وقع الكفر».
بيان : في هذه
الاخبار الشريفة جملة من النكات الطريفة والفوائد المنيفة يحسن التعرض لذكرها
والتوجه لنشرها وذلك يقع في مقامات :
(الأول) ـ ما
دل عليه حديث ابي بصير المتقدم من قوله (عليهالسلام): برواية صاحب الكافي «كل سهو في الصلاة يطرح منها غير
ان الله تعالى يتم بالنوافل». قد ورد نحوه في جملة من الاخبار : منها ـ رواية علي
بن أبي حمزة عن ابي بصير قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليهالسلام) وانا اسمع جعلت فداك اني كثير السهو في الصلاة؟
__________________
فقال وهل يسلم منه أحد؟ فقلت ما أظن أحدا أكثر سهوا مني فقال له أبو عبد
الله (عليهالسلام) يا أبا محمد ان العبد يرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة
أرباعها وأقل وأكثر على قدر سهوه فيها لكنه يتم له من النوافل. فقال له أبو بصير
ما ارى النوافل ينبغي ان تترك على حال فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) أجل لا». وصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو
ربعها أو خمسها فما يرفع له إلا ما اقبل عليه منها بقلبه وانما أمروا بالنافلة
ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة». وفي معناها أخبار أخر.
قال شيخنا
الشهيد الثاني ـ في شرح الرسالة النفلية عند ذكر المصنف بعض الاخبار المشار إليها
ـ ما صورته : واعلم ان ظاهر الخبر يقتضي أن النوافل تكمل ما فات من الفريضة بسبب
ترك الإقبال بها وان لم يقبل بالنوافل بل متى كانت صحيحة إذ لو لا ذلك لاحتاجت
النوافل حينئذ إلى مكمل آخر ويتسلسل ويبقى حينئذ حكم النافلة التي لم يقبل بها عدم
قبولها في نفسها وعدم ترتب الثواب أو كثيرة عليها وان حصل بصحيحها جبر الفريضة مع
الثواب الجزيل عليها ولو أقل بها تضاعف الثواب وتم القرب والزلفى. انتهى كلامه زيد
مقامه.
وعندي انه محل
نظر نشأ من الغفلة وعدم التأمل في الأخبار الواردة في المقام وذلك فان الظاهر منها
ان ذلك انما هو على جهة التوسعة للمكلف لو أخل بالإقبال في صلاته فإنه يمكن تدارك
ذلك بالنوافل ، والمستفاد من الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان لهذا التدارك
مراتب أولها ان يتدارك ما سهى به في الركعة الاولى وأخل به من الإقبال فيها كلا أو
بعضها في الركعة الثانية وان فاته ذلك فإنه يتدارك في الركعتين الأخيرتين وان فاته
ذلك فإنه يتدارك ذلك بالإقبال على النوافل ، يدلك على ما ذكرنا ما رواه الصدوق في
كتابي العلل والعيون في حديث علل الفضل بن شاذان المروية عن
__________________
الرضا (عليهالسلام) حيث قال : «انما جعل أصل الصلاة ركعتين وزيد على بعضها
ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شيء لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة
لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عزوجل ان العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة
أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها فقرن إليها ركعة أخرى ليتم بالثانية ما
نقص من الاولى ففرض الله عزوجل أصل الصلاة ركعتين فعلم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به
وكماله فضم الى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون بهما تمام
الركعتين الأوليين. الحديث». ثم ذكر (عليهالسلام) ضم ركعة للمغرب وعدم ضم شيء لصلاة الصبح. والاخبار
بضم الركعات الزائدة على الثنتين الأوليين لذلك غير هذا الخبر كثيرة ، وأنت إذا
ضممت هذه الاخبار الى اخبار هذا المقام وجدت الحاصل منها ما ذكرناه من ارادة
التوسعة على العباد في تدارك ما يحصل منهم من السهو والغفلة وحينئذ فإذا أهملوا
التدارك في جميع هذه المراتب فقد قصروا في حق أنفسهم وصاروا حقيقين بالرد وعدم
القبول إذ لا أعظم من هذه التوسعة ، لا ان المراد ما توهمه (قدسسره) من ترتب التكميل على كل نقص في العبادات فكل ناقص منها
يحتاج الى مكمل فيلزم التسلسل لو لم يلتزم ما ذكره. ثم انه لا يخفى ان الغرض من
التكميل انما هو متى كانت الفريضة كلا أو بعضا لم يقبل عليها فإنه لا يثاب عليها
على الأول ويثاب على ما اقبل عليه منها على الثاني ، والتكميل انما يحصل بشيء فيه
ثواب يسد هذا النقص في جميع الفريضة أو بعضها ، والنصوص قد دلت على ان ما لا يقبل
عليه من العبادة فريضة أو نافلة فلا ثواب عليه وبذلك قد اعترف ايضا (قدسسره) في كلامه المذكور فكيف يعقل من النافلة التي لم يقبل
فيها ولا قبول لها ان تكون مكملة للفريضة؟ فإنه لا ثواب عليها على هذا التقدير
ليكمل به ناقص الفريضة ولا يعقل للتكميل معنى غير ما ذكرناه
__________________
ويدلك على ما ذكرنا صحيحة زرارة الثانية وقوله فيها «وان أفسدها كلها ـ يعني الفريضة والنافلة
بعدم الإقبال فيهما ـ لم يقبل منه شيء منها ولم تحسب له نافلة ولا فريضة. الحديث»
وبالجملة فكلام شيخنا المذكور (نور الله ضريحه) لا يخلو من الغفلة عن ملاحظة
الأدلة في المقام.
(الثاني) ـ ان
ما دلت عليه هذه الاخبار من عدم قبول صلاة من لا يقبل بقلبه عليها وانه لا يقبل
منها إلا ما اقبل عليه بقلبه هل المراد به القبول الكامل أو عدم القبول بالمرة
بحيث يعود العمل الى مصدره؟ ونحوه ايضا ما ورد من عدم قبول صلاة شارب الخمر إلى
أربعين يوما وعدم قبول صلاة الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشز حتى ترجع الى زوجها
ونحو ذلك مما وردت به الاخبار ، المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الأول
وهو الظاهر وقيل بالثاني ، ولا خلاف بين الجميع في صحة صلاتهم وانها مجزئة ومبرءة
للذمة ما لم يعرض لها مبطل من خارج اتفاقا ونصا وفتوى ، وانما الكلام كما عرفت في
القبول المنفي هل المراد منه القبول الكامل فيصير النفي متوجها الى القيد خاصة وان
كانت موجبة للقبول وترتب الثواب في الجملة بناء على استلزام الاجزاء للثواب كما هو
القول المشهور والمؤيد المنصور أو ان المراد به القبول بالكلية بان لا يترتب عليها
ثواب بالكلية وان كانت مجزئة بناء على ان قبول العبادة أمر مغاير للاجزاء وانه لا
تلازم بينهما فقد تكون صحيحة مجزئة وان لم تكن مقبولة كما هو مرتضى المرتضى (رضياللهعنه) واليه يميل كلام شيخنا البهائي في كتاب الأربعين.
والأظهر عندي
هو الأول ولنا عليه وجوه : (الأول) ـ ان الصحة المعبر عنها بالاجزاء اما ان تفسر
بما هو المشهور من انها عبارة عن موافقة الأمر وامتثاله وحينئذ فلا ريب في ان ذلك
موجب للثواب وعلى هذا فالصحة مستلزمة للقبول ، واما ان تفسر بما أسقط القضاء كما
هو المرتضى عند المرتضى وعليه بنى ما ذهب إليه في المسألة. وفيه
__________________
انه يلزم القول بترتب القضاء على الأداء وهو خلاف ما يستفاد من الاخبار
وخلاف ما صرح به غير واحد من محققي علمائنا الأبرار من ان القضاء يتوقف على أمر
جديد ولا ترتب له على الأداء.
(الثاني) ـ الظاهر
انه لا خلاف بين كافة العقلاء في ان السيد إذا أمره عبده أمر إيجابيا بعمل من
الأعمال ووعده الأجر على ذلك العمل فامتثل العبد ما امره به مولاه وأتى به فإنه
يجب على السيد قبوله منه والوفاء بما وعده فلو رده عليه ومنعه الأجر الذي وعده مع
انه لم يخالف في شيء مما امره به فإنهم لا يختلفون في لوم السيد ونسبته الى خلاف
العدل سيما إذا كان السيد ممن يتمدح بالعدل والإكرام والفضل والانعام ، وما نحن
فيه من هذا القبيل فإن الأوامر الإيجابية قد اتى بها كما هو المفروض والإخلال
بالإقبال الذي هو روح العبادة كما ورد أو الإخلال بأمر خارج عن العبادة كما في
الأمثلة الأخر لا يوجب الرد ، اما الأول فلان الأمر به انما هو أمر استحبابي
وقضيته ثبوت الكمال في العمل والكلام مبني على الأمر الإيجابي فلا منافاة ، واما
الثاني فلأنه خارج كما هو المفروض ولو ترتب قبول العبادة على عدم الإخلال بواجب أو
عدم فعل معصية لم تقبل إلا صلاة المعصومين.
(الثالث) ـ انه
لا خلاف بين أصحاب القولين المذكورين في ان هذه العبادة المتصفة بالصحة والاجزاء
مسقطة للعقاب المترتب على ترك العبادة ومع فرض عدم القبول بالكلية بحيث يعود العمل
الى مصدره كما كان قبل الفعل فكأنه لم يفعل شيئا بالمرة ولا يعقل إسقاطها العقاب ،
إذ إرجاع العمل عليه على الوجه المذكور مما يوجب بقاءه تحت عهدة التكليف فكيف
يتصور سقوط العقاب حينئذ؟ واللازم من ذلك ان سقوط العقاب انما يترتب على القبول
كما هو ظاهر لذوي العقول وحينئذ فيستلزم الثواب البتة. ومن أراد تحقيق المسألة
زيادة على ما ذكرنا فليرجع الى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية فإنه
قد أحاط بأطراف الكلام زيادة على ما ذكرناه في هذا المقام.
(المقام الثالث)
ـ ما دل عليه خبر مسعدة بن صدقة من كفر تارك الصلاة تهاونا واستخفافا قد ورد في
جملة من الاخبار ايضا : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبيد ابن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الكبائر فقال هن في كتاب علي (عليهالسلام) سبع : الكفر بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وأكل
الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما ، الى ان قال قلت فأكل درهم من مال اليتيم
ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال ترك الصلاة. قلت فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟
فقال اي شيء أول ما قلت لك؟ قال قلت الكفر بالله. قال فان تارك الصلاة كافر يعني
من غير علة». ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب ثواب الأعمال والبرقي في المحاسن بسندهما
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما بين المسلم وبين ان يكفر إلا ان يترك الصلاة
الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها». وروى ايضا في كتاب ثواب الأعمال عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) عن جابر قال «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ما بين الكفر والايمان إلا ترك الصلاة».
والمفهوم من
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الكفر هنا على غير المعنى المشهور المتبادر
منه وذلك فان للكفر في الاخبار إطلاقات عديدة :
(الأول) ـ كفر
الجحود وهذا مما لا خلاف في إيجابه للقتل وثبوت الارتداد به عن الدين.
(الثاني) ـ كفر
النعمة وعدم الشكر عليها ومنه قوله عزوجل حكاية عن سليمان على نبينا وآله وعليهالسلام «لِيَبْلُوَنِي
أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» وقوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
__________________
عَذابِي
لَشَدِيدٌ» وغيرهما من الآيات.
(الثالث) ـ كفر
البراءة كقوله سبحانه حكاية عن إبراهيم (عليهالسلام) «كَفَرْنا
بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ» يعني تبرأنا منكم ، وقوله تعالى حكاية عن إبليس وتبرؤه
من أوليائه في الآخرة «إِنِّي
كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ» .
(الرابع) ـ الكفر
بترك ما أمر الله تعالى من كبار الفرائض وارتكاب ما نهى عنه من كبار المعاصي كترك
الزكاة والحج والزنا ، وقد استفاضت الروايات بهذا الفرد.
والكفر بهذا
المعنى يقابله الإيمان الذي هو الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان
، والكافر بهذا المعنى وان أطلق عليه الكفر إلا انه مسلم تجري عليه أحكام الإسلام
في الدنيا واما في الآخرة فهو من المرجئين لأمر الله اما يعذبهم واما يتوب عليهم ،
هذا على ما اخترناه وفاقا لجملة من متقدمي أصحابنا كالصدوق والشيخ المفيد واما على
المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) من عدم أخذ الأعمال في الايمان فإنه عندهم
مؤمن وان كان يعذب في الآخرة ثم يدخل الجنة وتناله الشفاعة.
ومن الأخبار
الصريحة فيما ذهبنا اليه ما رواه في الكافي عن عبد الرحيم القصير قال : «كتبت مع عبد الملك بن أعين
الى ابي عبد الله (عليهالسلام) اسأله عن الايمان ما هو؟ فكتب الي مع عبد الملك سألت
رحمك الله عن الايمان والايمان هو الإقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالأركان
والايمان بعضه من بعض ، وهو دار وكذلك الإسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد
مسلما قبل ان يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما فالإسلام قبل الايمان وهو
يشارك الايمان فإذا اتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر
__________________
المعاصي التي نهى الله عنها كان خارجا من الايمان ساقطا عنه اسم الايمان
وثابتا عليه اسم الإسلام فإن تاب واستغفر عاد الى دار الايمان ، ولا يخرجه الى
الكفر إلا الجحود والاستحلال ، ان يقول للحلال هذا حرام وللحرام هذا حلال ودان
بذلك فعندها يكون خارجا من الايمان والإسلام داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل
الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج من الكعبة والحرم وضربت عنقه وصار
الى النار».
وأصرح من ذلك
دلالة على ان مرتكب الكبائر إنما يخرج من الايمان الى الإسلام دون ان يكون كافرا
بالمعنى المتبادر صحيحة ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك
من الإسلام وان عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع؟ فقال من ارتكب
كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب وان كان
معترفا انه ذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون
من عذاب الأول».
قال شيخنا
العلامة قدسسره) في كتاب المنتهى : ان تارك الصلاة مستحلا كافر إجماعا
وان من تركها معتقدا لوجوبها لم يكفر وان استحق القتل بعد ثلاث صلوات والتعزير
فيهن ، وقال أحمد في رواية يقتل لا حدا بل لكفره ثم قال في المنتهى ولا يقتل عندنا في أول مرة ولا إذا
ترك الصلاة ولم يعزر وانما يجب القتل إذا تركها مرة فعزر ثم تركها ثانية فعزر ثم
تركها ثالثة فعزر فإذا تركها رابعة فإنه يقتل وان تاب ، وقال بعض الجمهور يقتل أول
مرة .
وقال شيخنا
المجلسي في كتاب البحار بعد نقل ذلك عن العلامة ونقل خبر
__________________
مسعدة وغيره : وحمل تلك الاخبار على الاستحلال بعيد إذ لا فرق حينئذ بين
ترك الصلاة وفعل الزنا بل الظاهر انه محمول على أحد معاني الكفر التي مضت في كتاب
الايمان والكفر وهو مقابل للايمان الذي لا يصدر معه من المؤمن ترك الفرائض وفعل
الكبائر بدون داع قوى ، وهذا الكفر لا يترتب عليه وجوب القتل ولا النجاسة ولا
استحقاق خلود النار بل استحقاق الحد والتعزير في الدنيا والعقوبة الشديدة في
الآخرة ، وقد يطلق على فعل مطلق الكبائر وترك مطلق الفرائض وعلى هذا المعنى لا فرق
بين ترك الصلاة وفعل الزنا. انتهى.
أقول : لقائل
أن يقول انه وان أطلق الكفر على أصحاب الكبائر بهذا المعنى المذكور وترك الصلاة من
جملتها إلا انه من المحتمل قريبا تخصيص الصلاة بهذا الحكم وهو كون تركها موجبا
للكفر الحقيقي فإنه ظاهر الاخبار الواردة في المقام حيث انه في خبر مسعدة سئل عن الحجة في تخصيص تارك الصلاة باسم الكفر دون
الزاني ، ونحوه ايضا خبر آخر له نقله في الكافي ونقله شيخنا المجلسي في البحار عن
كتاب قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة قال : «قيل لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما فرق بين من نظر الى امرأة فزنى بها أو خمر فشربها
وبين من ترك الصلاة حتى لا يكون الزاني وشارب الخمر مستخفا كما استخف تارك الصلاة
وما الحجة في ذلك وما العلة التي تفرق بينهما؟ قال الحجة ان كل ما أدخلت أنت نفسك
فيه لم يدعك اليه داع ولم يغلبك عليه غالب شهوة مثل الزنا وشرب الخمر ، وأنت دعوت
نفسك الى ترك الصلاة وليس ثم شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما». ويشير
الى ذلك حديث عبيد بن زرارة المتقدم حيث انه (عليهالسلام) عد الكفر أولا في الكبائر والمتبادر منه هو المعنى
المشهور ثم لما اعترضه السائل بأنه لم يذكر ترك الصلاة في الكبائر احاله على الكفر
الذي ذكره في صدر الخبر وان تارك الصلاة داخل فيه مع عده في الخبر جملة من الكبائر
الموجبة لصحة
__________________
إطلاق الكفر بالمعنى الذي ذكروه على فاعلها وقد اخرج (عليهالسلام) ترك الصلاة عنها واضافه الى الكفر الحقيقي كما هو ظاهر
، ويؤيده أيضا ما تقدم في الاخبار من ان الصلاة عمود الدين وانه لا يقبل شيء من
الأعمال وان كانت سالمة من المبطلات إلا بقبول الصلاة ونحو ذلك مما دل على ان
الشفاعة لا تنال تاركها ولا يرد عليه الحوض ، وفي حديث القداح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «جاء رجل الى النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال يا رسول الله أوصني فقال لا تدع الصلاة متعمدا
فان من تركها متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام». ونحو ذلك مما يشير الى زوال
الايمان من أصله بتركها وكون تاركها كافرا كفرا حقيقيا فتكون مختصة من بين سائر
الكبائر بذلك لما عرفت ، ومقابلة ذلك بمجرد الاستبعاد مع ظهور الاخبار فيه خروج عن
نهج السداد ، ولعله لما ذكرناه مال المحدث الحر العاملي إلى حمل الكفر هنا على
الكفر الحقيقي حيث قال في كتاب الوسائل : «باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الصلاة
الواجبة جحودا لها واستخفافا» إلا انه ايضا من المحتمل قريبا ان المراد بذلك هو
المبالغة في حق الصلاة والتنويه بشأنها وان مرتبتها فوق مرتبة سائر الفرائض ،
ويشير الى ذلك ما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوله تعالى : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ» قال ترك العمل الذي أقر به من ذلك ان يترك الصلاة من
غير سقم ولا شغل». وعن عبيد بن زرارة أيضا في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله تعالى «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ
حَبِطَ عَمَلُهُ» قال من ترك العمل الذي أقر به. قلت فما موضع ترك العمل
حتى يدعه اجمع؟ قال منه الذي يدع الصلاة متعمدا لا من سكر ولا من علة». والتقريب
فيهما انه
__________________
فسر الكفر هنا بكفر الترك وعد منه ترك الصلاة متعمدا لا من علة ، والعمل في
الخبرين وان كان أعم من المدعى إلا انه يجب تقييده بالأخبار الدالة على ان موجب
الكفر انما هو ترك كبائر العبادات وارتكاب كبائر المعاصي ، وكيف كان فالظاهر قوة
ما ذكرناه أولا من اختصاص ترك الصلاة بهذا الحكم دون سائر كبائر الطاعات إلا ان
الخطب يعظم في المسامع ويتسع الخرق على الراقع لاستلزام كفر جمهور الناس إذ لا فرق
بين تارك الصلاة بالكلية وبين من صلى صلاة باطلة ولا يخفى ان الصلاة الصحيحة في
عامة الناس أعز من الكبريت الأحمر ، نسأل الله سبحانه العفو عن الزلات واقالة
الخطيئات. والله العالم.
(المقام الرابع)
ـ ما دل عليه صحيح ابان بن تغلب وحديث ابي بصير ـ من الحث على المحافظة على الصلوات في أوقاتها وانها
إذا صلاها لغير وقتها رجعت اليه تدعو عليه ـ مما يدل على مذهب الشيخين في ان الوقت
الثاني انما هو لأصحاب الاعذار واما من ليس كذلك فوقته انما هو الأول ، والمراد
بالمواقيت المأمور بالمحافظة فيهن هي أوائل الأوقات التي هي على المشهور وقت فضيلة
والوقت الثاني وقت اجزاء وعلى مذهب الشيخين الأول وقت الاختيار والثاني وقت
الاضطرار وأصحاب الاعذار ، وسيأتي مزيد بسط ان شاء الله تعالى في بيان صحة ما
قلناه وحيث إن له محلا أليق أخرنا الكلام فيه اليه.
(فصل) ـ روى
الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أخبرني عما فرض الله تعالى من الصلوات قال خمس صلوات
في الليل والنهار. قلت هل سماهن الله وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله عزوجل لنبيه «أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» ودلوكها زوالها
__________________
ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن لله وبينهن ووقتهن
وغسق الليل انتصافه ، ثم قال : «وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» فهذه الخامسة ، وقال في ذلك «أَقِمِ الصَّلاةَ
طَرَفَيِ النَّهارِ» طرفاه المغرب والغداة «وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ» وهي صلاة العشاء الآخرة ، وقال : «حافِظُوا عَلَى
الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر ،
وقال في بعض القراءة «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله
قانتين في الصلاة الوسطى» قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلىاللهعليهوآله) في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر
وأضاف للمقيم ركعتين وانما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلىاللهعليهوآله) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الامام فمن صلى
يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها اربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام».
بيان : قد وقع
الخلاف في المراد بالوسطى من الخمس المذكورة وللعامة فيها أقوال متعددة قال بكل من
الفرائض الخمس قائل وعلله بعلة تناسبه إلا ان المذكور في. إلا ان المذكور في
__________________
كلام أصحابنا والمروي في أخبارنا منحصر في قولين (أحدهما) أنها الظهر وهذا
هو المشهور والمؤيد المنصور. و (ثانيهما) ما نقل عن المرتضى (رضياللهعنه) وجماعة انها العصر ويدل على ما هو المشهور الصحيحة
المذكورة
وما رواه
الصدوق (طاب ثراه) في كتاب معاني الاخبار في الصحيح عن ابي بصير يعني ليث المرادي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول الصَّلاةِ
الْوُسْطى صلاة الظهر وهي أول صلاة أنزل الله على نبيه». وروى الطبرسي في مجمع البيان
عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) في الصَّلاةِ
الْوُسْطى «أنها صلاة الظهر» . وعن علي (عليهالسلام) «انها الجمعة يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام». وروى الثقة الجليل علي بن
إبراهيم في تفسيره في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة
العصر وقوموا لله قانتين. الحديث». وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن ابي
جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له الصلاة الوسطى؟ فقال حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ، والوسطى هي الظهر وكذلك كان
يقرأها رسول الله (صلىاللهعليهوآله)». ووجه التسمية على هذا القول ظاهر مما ذكره (عليهالسلام) في الخبر وقيل لأنها وسط النهار وغير ذلك ، والمعتمد
ما دل عليه الخبر المذكور.
__________________
ومما يدل على
ما ذهب اليه المرتضى ما ذكره في الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) «قال العالم الصلاة الوسطى العصر». ويشير اليه ما في الفقيه في باب علة
وجوب خمس صلوات في خمسة مواقيت في حديث نفر من اليهود سألوا النبي (صلىاللهعليهوآله) عن مسائل كان من جملتها السؤال عن فرض الصلوات الخمس
في هذه المواقيت الخمسة حيث قال (صلىاللهعليهوآله): «واما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل فيها آدم من
الشجرة فأخرجه الله تعالى من الجنة فأمر الله عزوجل ذريته بهذه الصلاة الى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات الى
الله عزوجل وأوصاني أن احفظها من بين الصلوات. الحديث».
هذا ما وقفت
عليه مما يصلح ان يكون حجة له ، ولا يخفى ما فيه في مقابلة تلك الاخبار ، والأظهر
حمل خبر كتاب الفقه على التقية ، واما الخبر الآخر فهو غير ظاهر في المنافاة لأن
الأمر بالمحافظة عليها لا يستلزم ان تكون هي الوسطى المأمور بها في تلك الآية بل
يجوز ان تكون منضمة إليها في المحافظة كما دلت عليه القراءة المذكورة في صحيح عبد
الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم المرويتين في تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي ،
قوله في الخبر المذكور «وقال في بعض القراءة» يحتمل ان يكون من كلام الامام (عليهالسلام) وهو الأقرب ويحتمل ان يكون من كلام الراوي.
ثم ان نسخ
الاخبار المروي فيها هذا الخبر قد اختلفت في ذكر الواو وعدمه في هذه القراءة المنقولة
قبل لفظ صلاة العصر ، ففي الفقيه كما عرفت وكذا في العلل والكافي بدون الواو ويلزم
على ذلك تفسير الوسطى بصلاة العصر كما ذهب اليه المرتضى (رضياللهعنه) والذي في التهذيب هو عطف صلاة العصر على الصلاة الوسطى
، وبما ذكرنا صرح المحقق الحسن في كتاب المنتقى ايضا فقال : ان نسخ الكتاب اختلفت
في إثبات
__________________
الواو مع صلاة العصر في حكاية القراءة ففي بعضها بالواو وفي بعضها بدونها.
انتهى.
أقول : والأظهر
عندي حمل حذف الواو وإسقاطها من تلك الكتب اما على السهو من قلم المصنفين أو
النساخ من أول الأمر ثم جرى عليه النقل ، والدليل على ذلك استفاضة الاخبار من طرق
الخاصة والعامة الدالة على نقل هذه القراءة بنقل الواو فيها غير هذا الخبر ، فمن
ذلك ما قدمناه من صحيحة عبد الله بن سنان ورواية محمد بن مسلم المنقولتين عن
تفسيري علي بن إبراهيم والعياشي ، ومن ذلك ما نقله السيد الزاهد العابد رضي الدين
بن طاوس في كتاب فلاح السائل قال (قدسسره) : رويت عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «كتبت امرأة الحسن بن علي (عليهماالسلام) مصحفا فقال الحسن للكاتب لما بلغ هذه الآية حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين». ورويت من كتاب إبراهيم
الخزاز عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وقوموا لله قانتين». قال ورواه الحاكم النيسابوري في الجزء الثاني من تاريخ
نيسابور من طريقهم في ترجمة أحمد بن يوسف السلمي بإسناده الى ابن عمر قال : «أمرت
حفصة بنت عمران يكتب لها مصحف فقالت للكاتب إذا أتيت على آية الصلاة فآذني حتى
آمرك ان تكتبه كما سمعته من رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلما آذنها امرته ان يكتب «حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى وصلاة العصر». وروى أبو جعفر بن بابويه في كتاب معاني الاخبار في باب معنى الصلاة الوسطى مثل هذا الحديث عن عائشة.
انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : وقد نقل
الصدوق في كتاب معاني الأخبار اخبارا عديدة من طرق القوم بهذه الكيفية ، ومن جميع
هذه الاخبار يظهر ايضا ان المراد بالصلاة الوسطى صلاة الظهر ، والمفهوم منها ايضا
ان هذه القراءة قد أسقطها أصحاب الصدر الأول حين جمعوا
__________________
القرآن ولهذا ان هؤلاء المذكورين يتلافون نقلها في مصاحفهم لعلمهم بثبوتها
عنه (صلىاللهعليهوآله) وقد عرفت من روايتي علي بن إبراهيم والعياشي ان تلك
القراءة أيضا ثابتة عن أهل البيت (عليهمالسلام) لدلالة الأولى على ان الصادق (عليهالسلام) كان هكذا يقرأها ودلالة الثانية على ان الرسول (صلىاللهعليهوآله) كان هكذا يقرأها قوله (عليهالسلام) «أنزلت هذه الآية يوم الجمعة. الى آخره».
الظاهر ان
الغرض من هذا بيان ان القنوت إنما أمر به في ذلك الوقت في الصلاة الوسطى في
الركعتين الأوليين اللتين صلاهما يوم الجمعة وهو في السفر كما يدل عليه قوله (عليهالسلام) «وقوموا لله قانتين في صلاة الوسطى» واما قوله «وتركها
على حالها في السفر والحضر». اي ترك هاتين الركعتين في ذلك الوقت من هذا اليوم على
حالهما في السفر من غير زيادة لوجوب القصر في السفر وفي الحضر لأنها تصلى جمعة
وأضاف للمقيم الغير المصلي للجمعة أو المقيم يعني في غير الجمعة ركعتين ، والأول
أظهر كما يشعر به تتمة الخبر ، ثم علل وضع الركعتين عن المقيم المصلي جمعة بالنسبة
إلى المقيم الغير المصلي جمعة بان الخطبتين قائمة مقامهما ، وحينئذ فما توهمه بعض
الأفاضل من الإشكال في هذا المجال ناشىء من عدم التأمل في أطراف المقال.
ثم ان ظاهر
الخبر مما يدل على وجوب القنوت في الصلاة الوسطى خاصة فالاستدلال بالآية على وجوب
القنوت مطلقا كما نقل عن الصدوق ومن تبعه ليس في محله ، وتقريب الاستدلال بعدم
القائل بالفصل فيطرد في غير الوسطى مردود عندنا بعدم الاعتماد على الإجماع بسيطا
كان أو مركبا ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.
وعن محمد بن
الفضيل قال : «سألت عبدا صالحا (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل «الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال هو التضييع».
__________________
وعن السكوني عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات
الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم».
وعن الفضيل في
الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل «الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» قال هي الفريضة. قلت «الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» قال هي النافلة».
وعن داود بن
فرقد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) «إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً»
قال كتابا ثابتا وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع
تلك الإضاعة فإن الله عزوجل يقول لقوم : أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» .
وروى الصدوق في
كتاب عيون الاخبار بسنده عن الرضا عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شيء يسأل عنه
الصلاة فإن جاء بها تامة وإلا زخ في النار» قال : «وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تضيعوا صلاتكم فان من ضيع صلاته حشر مع قارون
وهامان وكان حقا على الله ان يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على
صلاته وأداء سنة نبيه».
بيان : قد تقدم
ان من جملة التضييع التأخير إلى الوقت الثاني من غير علة ولا عذر كما سيأتي تحقيقه
ان شاء الله تعالى في محله من الأوقات.
__________________
المقدمة الثانية
في أعداد
الصلوات اليومية ونوافلها وما يتبع ذلك من الأحكام ، روى ثقة الإسلام في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة : منها
ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة وهو قائم ، الفريضة منها سبع عشرة ركعة
والنافلة أربع وثلاثون ركعة».
وبهذا الاسناد
عن الفضيل والبقباق وبكير قالوا : «سمعنا أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة ويصوم من التطوع مثلي
الفريضة».
وروى في الكافي
والتهذيب عن ابن ابي عمير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين».
وروى في الكافي
والتهذيب عن حنان قال : «سأل عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا جالس فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) قال كان النبي يصلي ثماني ركعات الزوال وأربعا الاولى
وثماني بعدها وأربعا العصر وثلاثا المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا
وثماني صلاة الليل وثلاثا الوتر وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين. قلت جعلت فداك
فان كنت أقوى على أكثر من هذا يعذبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال لا ولكن يعذب على
ترك السنة».
وروى في الفقيه
عن الصيقل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اني لأمقت الرجل يأتيني فيسألني عن عمل رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فيقول أزيد كأنه يرى ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قصر في شيء ، وانى لأمقت الرجل قد قرأ
__________________
القرآن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر
بصلاته».
بيان : الظاهر
ان مقت الأول لما يفهم من كلامه من انه بزيادته في الصلاة على ما كان يأتي به (صلىاللهعليهوآله) كأنه يريد ان يفوقه ويعلو عليه بالزيادة وهو ان لم يكن
كفرا فهو جهل محض لأن العبرة ليس بكثرة الصلاة بل بالإقبال عليها الذي هو روح
العبادة والإتيان بها على أكمل وجوهها ، ومن ذا الذي يروم بلوغه في المقام الأول؟ وكذا
في المقام الثاني حتى انه روى «انه كان يقوم في الصلاة على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه اجهادا لنفسه في
العبادة حتى عاتبه الله تعالى على ذلك رأفة به فقال : طه ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى» . «وكان يقسم الليل انصافا فيقوم في صلاة الليل بطوال
السور وكان إذا ركع يقال لا يدرى متى يرفع وإذا سجد يقال لا يدرى متى يرفع» . ونحو ذلك. والظاهر ان مقت الثاني لمزيد الكسل عن صلاة
الليل إذا كان ممن يقرأ القرآن ويحفظ سورة وتلاوتها ينتبه في وقت صلاة الليل فلا
يقوم إليها حتى إذا فجأه الصبح قام مبادرا بها يصليها بعجل وقلة توجه وإقبال أو
يزاحم بها الفريضة في وقتها.
وروى في الكافي
والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال لا غير اني
أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». بيان : الظاهر ان الاستفهام عن
توظيف شيء من النوافل قبل أو بعد مثل سائر النوافل الموظفة فأجاب ب «لا» وذلك لان
العلة كما سيأتي بيانه في المقام ان شاء الله تعالى ان هاتين الركعتين انما زيدتا
على الموظف في اليوم والليلة لإحدى جهتين يأتي ذكرهما ان شاء الله ، وفي قوله : «ولست
أحسبهما من صلاة الليل» رد على ما ذهب إليه العامة من جواز تقديم الوتر الموظف آخر
الليل في أوله
__________________
فإن استيقظوا آخر الليل اعادوه وصلوا وترين في ليلة .
وروى الشيخ في
التهذيب في الحسن عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا تصل أقل من اربع وأربعين ركعة. قال ورأيته
يصلي بعد العتمة أربع ركعات». بيان : قال في الوافي أما الأربع ركعات فلعلها كانت
غير الرواتب أو قضاء لها. انتهى.
وروى الشيخان
المذكوران في الكتابين عن احمد بن محمد بن ابى نصر قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) ان أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع : بعضهم يصلي أربعا
وأربعين وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى اعمل بمثله؟ فقال
أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال أمسك ـ وعقد بيده ـ الزوال ثمانية وأربعا بعد الظهر
وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد
العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثا وركعتي الفجر
والفرائض سبع عشرة فذلك احدى وخمسون ركعة».
وروى في الكافي
في الصحيح عن حماد بن عثمان قال : «سألته عن التطوع بالنهار فذكر انه يصلي ثماني
ركعات قبل الظهر وثماني بعدها».
وعن الحارث بن
المغيرة في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام)
__________________
أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في حضر ولا سفر». ونحوه في خبر آخر عنه (عليهالسلام) ايضا وزاد فيه «وان طلبتك الخيل».
وروى الشيخ في
التهذيب عن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت قدر
نصف إصبع صلى ثماني ركعات فإذا فاء الفيء ذراعا صلى الظهر ثم صلى بعد الظهر
ركعتين ويصلي قبل وقت العصر ركعتين فإذا فاء الفيء ذراعين صلى العصر وصلى المغرب
حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وأخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب
الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل ، وكان لا يصلي بعد العشاء حتى
ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا
طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت صلى
ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء
وتهب الريح وينظر الله الى خلقه فإذا فاء الفيء ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد
الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفيء ذراعا ثم
لا يصلي بعد العصر شيئا حتى تؤوب الشمس فإذا آبت وهو ان تغيب صلى المغرب ثلاثا
وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلى العشاء ثم
أوى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال
نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات
__________________
فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم
ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل
الركوع ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده ثم يصلي ركعتي الصبح وهو
الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا ، فهذه صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) التي قبضه الله عزوجل عليها».
وروى في
التهذيب عن يحيى بن حبيب قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن أفضل ما يتقرب به العباد الى الله تعالى من الصلاة؟
قال ست وأربعون ركعة فرائضه ونوافله قلت : هذه رواية زرارة؟ قال أو ترى أحدا كان
اصدع بالحق منه؟».
وعن ابى بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التطوع بالليل والنهار فقال الذي يستحب ان لا يقصر
عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس وبعد الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان وبعد المغرب
ركعتان وقبل العتمة ركعتان ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة
ثم ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل». بيان : من المحتمل
قريبا ان يكون قوله في آخر الخبر «وأحب صلاة الليل إليهم» من كلام ابي بصير والمراد
بضمير «إليهم» الأئمة (عليهمالسلام) ويحتمل ان يكون من قول الامام (عليهالسلام) ويكون الضمير راجعا الى الآمرين بها وهم الرسول
والأئمة (صلوات الله عليهم).
وروى الشيخ في
الموثق عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما جرت به السنة في الصلاة؟ قال ثمان ركعات الزوال
وركعتان بعد الظهر وركعتان قبل العصر وركعتان بعد المغرب وثلاث عشرة ركعة من آخر
الليل منها الوتر وركعتا الفجر. قلت فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال نعم. فقال أبو
الخطاب أفرأيت ان قوي فزاد؟ قال فجلس وكان متكئا قال ان قويت فصلها كما كانت تصلى
وكما ليست في ساعة
__________________
من النهار فليست في ساعة من الليل ان الله عزوجل يقول :
وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ» . بيان : هذا الخبر مؤيد لما قدمناه في بيان مقت الصادق (عليهالسلام) لمن سأل عن عمل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيقول أزيد ، وحاصل كلامه (عليهالسلام) ان هذا العدد وان قل في النظر إلا انه صعب من حيث أخذ
الإقبال والخشوع فيه وتفريقه في الساعات المذكورة والمداومة عليه ونحو ذلك مما
تقدم.
وروى الشيخ في
الصحيح عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) انى رجل تاجر اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة
على صلاة الزوال وكم أصلي؟ قال تصلي ثماني ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر
وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ، وتصلي بعد المغرب ركعتين وبعد ما ينتصف
الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى
الفريضة ، وانما هذا كله تطوع وليس بمفروض ، ان تارك الفريضة كافر وان تارك هذه
ليس بكافر ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه».
وروى في الكافي
عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سئل عن الخمسين والواحدة ركعة فقال ان ساعات
النهار اثنتا عشرة ساعة وساعات الليل اثنتا عشرة ساعة ومن طلوع الفجر الى طلوع
الشمس ساعة غير ساعات الليل والنهار ومن غروب الشمس الى غروب الشفق غسق فلكل ساعة
ركعتان وللغسق ركعة».
وروى الشيخ في
التهذيب عن الحجال عن ابى عبد الله (عليهالسلام) «انه كان يصلي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما
وركعتين وهو جالس
__________________
يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون فان استيقظ من الليل صلى
صلاة الليل وأوتر وان لم يستيقظ حتى يطلع الفجر صلى ركعة فصارت شفعا واحتسب
بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا». وفي بعض نسخ الحديث «صلى ركعتين فصارت
شفعا» وفي بعضها «فصارت سبعا» والظاهر ان الأخير تصحيف.
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «اعلم يرحمك الله ان الفريضة والنافلة في اليوم والليلة احدى وخمسون ركعة ،
الفرض منها سبع عشرة ركعة فريضة وأربعة وثلاثون ركعة سنة : الظهر اربع ركعات
والعصر اربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان
فهذه فريضة الحضر ، وصلاة السفر الفريضة إحدى عشرة ركعة : الظهر ركعتان والعصر
ركعتان والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة ركعتان والغداة ركعتان ، والنوافل في
الحضر مثلا الفريضة لأن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال فرض علي ربي سبع عشرة ركعة ففرضت على نفسي وأهل
بيتي وشيعتي بإزاء كل ركعة ركعتين ليتم بذلك الفرائض ما يلحقه من التقصير والثلم :
منها ـ ثمان ركعات قبل زوال الشمس وهي صلاة الأوابين وثمان بعد الظهر وهي صلاة
الخاشعين واربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة وهي صلاة الذاكرين وركعتان عند
صلاة العشاء الآخرة من جلوس تحسب بركعة من قيام وهي صلاة الشاكرين وثمان ركعات
صلاة الليل وهي صلاة الخائفين وثلاث ركعات الوتر وهي صلاة الراغبين وركعتان بعد
الفجر وهي صلاة الحامدين ، والنوافل في السفر اربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد
العشاء الآخرة من جلوس وثلاث عشرة ركعة صلاة الليل مع ركعتي الفجر ، وان لم يقدر
بالليل قضاها بالنهار أو من قابله في وقت صلاة الليل أو من أول الليل».
أقول : في هذه
الاخبار الجليلة عدة طرائف نبيلة وجملة لطائف جميلة :
(الاولى) ـ اختلفت
هذه الاخبار في عدد النافلة الموظفة في اليوم والليلة ،
__________________
فمنها ما دل على انها اربع وثلاثون وهذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بل نقل الشيخ فيه الإجماع ، ومنها ما دل على انها ثلاث وثلاثون بإسقاط
الوتيرة بعد العشاء ، ومنها ما دل على انها تسع وعشرون بإسقاط أربع قبل العصر
مضافة إلى الوتيرة ، ومنها ما دل على انها سبع وعشرون بإسقاط ركعتين من نافلة
المغرب زيادة على ما ذكر ، والوجه في الجمع بينها في ذلك ـ كما ذكره جملة من
أصحابنا ـ ان يحمل الفرد الأقل على ما كان أوكد استحبابا إذ الأمر بالأقل لا يوجب
نفي استحباب الأكثر ، نعم ربما أوهم صحيح زرارة المتقدم ـ لقوله فيه «أخبرني عما
جرت به السنة في الصلاة». فأجابه بأن جميع ما جرت به السنة ما عده وهو سبع وعشرون
ـ خلاف ذلك فان الظاهر نفى السنة والتوظيف عما عدا السبع والعشرين ، والشيخ (قدسسره) قد حمل الرواية المذكورة على انه سوغ ذلك لزرارة لعذر
كان فيه. ولا يخلو من بعد بل الأظهر الحمل على السنة المؤكدة التي لا مرتبة بعدها
في النقصان ، ويشير الى ذلك رواية ابن ابي عمير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة؟ فقال تمام الخمسين».
والتقريب فيها ان النوافل منها بعد إخراج الفرائض ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة
لأنها ليست من الرواتب وانما زيدت عليها ليتم بها عدد النوافل بان يكون بإزاء كل
ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة ، فهذه هي المرتبة العليا في الفضل وان جاز
النقصان فيها من حيث التوظيف منتهيا الى السبع والعشرين التي هي السنة المؤكدة لا
مرتبة دونها.
بقي الإشكال
هنا في موضعين : (الأول) ان أكثر الأخبار دل على انه (صلىاللهعليهوآله) لم يكن يصلي الوتيرة التي بعد العشاء وانه كان بعد
صلاة العشاء يأوي إلى فراشه الى نصف الليل. وأظهر منها ما رواه الصدوق في كتاب
العلل عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث في الوتيرة «قال فقلت هل صلى رسول الله
__________________
(صلىاللهعليهوآله) هاتين الركعتين؟ قال لا. قلت ولم؟ قال لان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم انه هل يموت في هذه الليلة
أم لا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما». مع ان رواية الفضيل
والبقباق وبكير وهي الثانية من الروايات المتقدمة دلت على انه (صلىاللهعليهوآله) يصلي من التطوع مثلي الفريضة وهذا لا يكون إلا بضم
الوتيرة حتى تتم المماثلة وان يكون بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة.
واما ما أجاب به في الوافي ـ من حمل أخبار انه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى فراشه
على ان المراد بالعشاء نافلتها ـ ففيه انه وان تم له في هذه الاخبار مع بعده إلا
انه لا يتم في خبر العلل الذي ذكرناه. وما أجاب به في الوسائل أيضا ـ من الجمع
بينها بأنه كان يصليها تارة ويترك تارة ـ في غاية البعد ولا سيما من خبر العلل كما
لا يخفى.
(الثاني) ما
تضمنه خبر زرارة في وصف صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من الاقتصار على تسع وعشرين بترك الوتيرة واربع ركعات
من الثمان التي بعد الظهر وكذلك مرسلة الفقيه التي بعدها ودلالة المرسلة المذكورة
على انه هذه صلاته التي قبض عليها ، مع ان جملة الأخبار الواردة في وصف صلاته انما
اختلفت في الوتيرة خاصة فأكثرها دال على عدمها واما ما عداها فلا ومنها الرواية
الثانية من الروايات التي قدمناها والرابعة وهي رواية حنان ورواية كتاب الفقه
الرضوي. فإنها قد اشتركت في الدلالة على صلاة ثمان بعد الظهر كما استفاضت به
الاخبار. وحمل الخبرين الدالين على السقوط على كون ذلك في آخر عمره كما احتمله
البعض لا يخلو من الإشكال لأنه ان كان عن نسخ فكيف استفاضت الاخبار عنهم (عليهمالسلام) بفعلها وان كان عن ضعف وعلة بالنسبة إليه (صلىاللهعليهوآله) فبعده أظهر من ان ينكر.
(الطريفة
الثانية) ـ ما دل عليه قوله (عليهالسلام) في آخر خبر حنان «ولكن يعذب على ترك السنة». ربما أشكل
بحسب ظاهره حيث ان المستحب مما يجوز تركه شرعا
فكيف يترتب على تركه العذاب؟ ولهذا قال المحدث الكاشاني ذيل هذا الخبر : يعني
ان السنة في الصلاة ذلك فمن زاد عليه وجعل الزائد سنة فقد أبدع وترك سنة النبي (صلىاللهعليهوآله) وبدلها بسنته التي ابدعها فيعذبه الله على ذلك لا على
كثرة الصلاة من غير ان يجعلها بدعة مرسومة ويعتقدها سنة قائمة لما ورد من ان
الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل . انتهى.
أقول : لا يخفى
انه قد ورد في الأخبار ما هو ظاهر التأييد لما دل عليه ظاهر هذا الخبر مثل قوله (عليهالسلام) «معصية» في صحيحة زرارة المذكورة في المقام من الدلالة
على كون ذلك معصية وان كان مستحبا ومتى ثبت كونه معصية حسن ترتب العذاب عليه ،
ويؤيد ذلك استفاضة الاخبار بان تارك صلاة الجماعة من غير علة مستحق لان يحرق عليه
بيته مع ان صلاة الجماعة ليست بواجبة ، وكذلك ما ورد من انه لو أصر أهل مصر على
ترك الأذان لقاتلهم الامام .
نعم يبقى
الإشكال في انه قد ورد أيضا في جملة من الاخبار ان العبد إذا لقي الله عزوجل بصلاة الفريضة لم يسأله عما سواها ، ومن تلك الاخبار
حديث عائذ الأحمسي المروي بعدة أسانيد ومتون مختلفة : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج عن عائذ الأحمسي
قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليهالسلام) وانا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا
ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال وعليك السلام اي والله انا لولده وما نحن بذوي
قرابته ، ثلاث مرات
__________________
قالها ثم قال من غير ان أسأله إذا لقيت الله بالخمس المفروضات لم يسألك عما
سوى ذلك». وروى في الفقيه مرسلا عن معمر بن يحيى قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا جئت بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة وإذا جئت
بصوم شهر رمضان لم تسأل عن صوم». وبهذا المضمون أخبار عديدة قد تضمن بعضها ايضا عدم
السؤال عن الصدقة إذا أدى الزكاة الواجبة.
أقول : ووجه
الجمع بين هذه الاخبار والاخبار المتقدمة محتمل بأحد وجهين :
(الأول) حمل
عدم السؤال في هذه الاخبار على الإتيان بالفرائض كاملة صحيحة مقبولة لا تحتاج الى
تكميل حيث ان النوافل انما وضعت لتكميل الفرائض كما عرفت فيما تقدم وحينئذ فإذا
اتى بها على الوجه المذكور لم يحتج الى النوافل ولم يسأل عنها.
(الثاني) ـ ان
يحمل الترك الموجب للعذاب والمؤاخذة في الاخبار الأولة على ترك يكون على جهة
الاستخفاف بالدين والتهاون بكلام سيد المرسلين (صلىاللهعليهوآله) وعدم المبالاة بكمالات الشرع المبين وبذلك لا يبعد
ترتب العقاب على ذلك كما يشير الى ذلك قوله (عليهالسلام) في بعض تلك الاخبار في تارك النافلة «لقي الله مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
(الثالثة) ـ قال
الصدوق (قدسسره) : أفضل هذه الرواتب ركعتا الفجر ثم ركعة الوتر ثم
ركعتا الزوال ثم نافلة المغرب ثم تمام صلاة الليل ثم تمام نوافل النهار. قال في
المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولم نقف له على دليل يعتد به. أقول : ستعرف دليله ان
شاء الله تعالى في المقام. ونقل عن ابن ابي عقيل لما عد النوافل وثماني عشرة ركعة
بالليل منها نافلة المغرب والعشاء ثم قال بعضها أوكد من بعض وأوكدها الصلوات التي
تكون بالليل لا رخصة في تركها في سفر ولا حضر. وقال في المعتبر ركعتا الفجر أفضل
من الوتر ثم
__________________
نافلة المغرب ثم صلاة الليل ، وذكر روايات تدل على فضل هذه الصلوات. وقال
في الذكرى بعد نقلها ـ ونعم ما قال ـ هذه المتمسكات غايتها الفضيلة اما الأفضلية
فلا دلالة فيها عليها. انتهى. ومنه يظهر ايضا ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث انه
قال أفضل الرواتب صلاة الليل لكثرة ما ورد فيها من الثواب ولقول النبي (صلىاللهعليهوآله) في وصيته لعلي (عليهالسلام) «وعليك بصلاة الليل ، ثلاثا». رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) ثم صلاة الزوال لقوله (صلىاللهعليهوآله) في الوصية بعد ذلك «وعليك بصلاة الزوال ، ثلاثا». ثم نافلة المغرب
لقوله (عليهالسلام) في رواية الحارث بن المغيرة «أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا في سفر». ثم ركعتا الفجر.
أقول : لم أقف
لهذه الأقوال على مستند من الاخبار زيادة على ما عرفت سوى ما ذكره في الفقيه فإنه
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت سابقا وستعرف قال (عليهالسلام) في الكتاب المذكور «واعلم ان أفضل النوافل ركعتا الفجر وبعدها ركعة الوتر وبعدها ركعتا الزوال
وبعدها نوافل المغرب وبعدها صلاة الليل وبعدها نوافل النهار». انتهى. وبه يظهر لك
مستند الصدوق (قدسسره) فيما ذكره إلا ان الكتاب لم يصل الى نظر المتأخرين
فكثيرا ما يعترضون عليه وعلى أبيه في مثل ذلك مما مستنده مثل هذا الكتاب كما تقدم
في غير موضع ويأتي أمثاله ان شاء الله تعالى
(الرابعة) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر وتبعهم المحدث الصالح الشيخ عبد
الله بن صالح البحراني والمحقق الفاضل الشيخ احمد بن إسماعيل الجزائري المجاور في
النجف الأشرف حيا وميتا بان في الوتر التي هي عبارة عن الركعات الثلاث المشهورة في
كلام الأصحاب بركعتي الشفع ومفردة الوتر قنوتات ثلاثة أحدها في ركعتي
__________________
الشفع والثاني في مفردة الوتر قبل الركوع والثالث فيها ايضا بعد الركوع.
والمستفاد من الاخبار المستفيضة الصحيحة الصريحة انه ليس فيها إلا قنوت واحد في
الركعة التي سموها مفردة الوتر قبل الركوع. واستدلوا على استحباب القنوت في ركعتي
الشفع بإطلاق الأخبار الدالة على ان القنوت في كل ركعتين من الفريضة والنافلة في
الركعة الثانية وفي بعضها أيضا بزيادة قبل الركوع وستأتي ان شاء الله
في باب القنوت. أقول : ويدل على ذلك خصوص ما رواه في كتاب عيون الاخبار عن رجاء بن
ابي الضحاك الذي حمل الرضا (عليهالسلام) الى خراسان في حديث وصف صلاته (عليهالسلام) قال : «فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد
وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في الثانية. الحديث».
وصرح شيخنا
البهائي (قدسسره) في حواشي كتاب مفتاح الفلاح بان القنوت في الوتر التي
هي عبارة عن الثلاث انما هو في الثالثة وان الأوليين المسماتين بركعتي الشفع لا
قنوت فيهما ، واستدل على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «القنوت في المغرب في الركعة الثانية وفي العشاء
والغداة مثل ذلك وفي الوتر في الركعة الثالثة». ثم قال (قدسسره) وهذه الفائدة لم يتنبه عليها علماؤنا ، انتهى. وظاهر
كلامه شهرة القول باستحباب القنوت في ركعتي الشفع حتى انه لم يحصل فيه مخالف قبله
، وهو كذلك إلا انه قد سبقه الى ما ذكره السيد السند (قدسسره) في المدارك والظاهر انه لم يقف عليه حيث قال في أول
كتاب الصلاة في الفوائد التي قدمها : الثامنة ـ يستحب القنوت في الوتر في الركعة
الثالثة. انتهى. وقد ذكر في الفائدة السابعة الركعتين الأوليين من الوتر وذكر
القراءة فيهما ولم يتعرض للقنوت ثم ذكره في الثامنة التي بعدها كما نقلناه وهو
ظاهر في تخصيصه القنوت بالثالثة من الثلاث ، وجرى على منواله الفاضل الخراساني في
الذخيرة ، وهو الأظهر
__________________
عندي وعليه اعمل.
ولشيخنا
المعاصر الفاضل الشيخ أحمد الجزائري المتقدم ذكره (طاب ثراه) هنا كلام قد انتصر
فيه للقول المشهور وطعن فيما خالفه بالقصور لا بأس بنقله وبيان ما فيه مما يكشف عن
ضعف باطنه وخافية ، قال في جواب من سأله عن صلاة الشفع هل فيها قنوت أم لا؟ فأجاب
باستحباب القنوت فيها واستدل بنحو ما قدمناه دليلا للقول المشهور ، الى ان قال : واما
صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : القنوت ثم ساق الرواية كما قدمنا ، ثم قال وقد
تراءى لبعض الفضلاء عدم الاستحباب ولعله من جهة ما ورد من صحة إطلاق الوتر على
الثلاث وتعريف المبتدأ باللام يشعر باختصاص القنوت في المواضع الأربعة وقد ذكر انه
في الركعة الثالثة فيدل على ان الثانية ليس فيها قنوت. وهذا باطل ورأى فاسد
بالإجماع ودلالة الاخبار على استحباب القنوت فيما عدا الأربعة المذكورة من الفرائض
والنوافل كما هو واضح بلا شك ولا شبهة فتعين المصير الى حملها على تأكد الاستحباب
في الأربعة المذكورة لا نفيه عما سواها ، مع انه يمكن ان يكون التنصيص على الثالثة
لأنه فرد خفي لأنها مفردة مفصولة وقد اشتهر ان القنوت انما يكون في كل ركعتين لا
انه لا يستحب في ثانية الشفع ، أو لجواز حملها على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو
على ضرب من التقية كما ورد في بعض الاخبار فلا تنافي استحبابه في الشفع عند صلاتها
مفصولة. انتهى كلامه زيد مقامه.
وهو محل نظر من
وجوه : (الأول) قوله : «ولعله من جهة ما ورد من صحة إطلاق الوتر على الثلاث» فإنه
يؤذن بندور هذا الإطلاق وانه مجاز لا حقيقة وان الوتر حقيقة انما يطلق على هذه
المفردة وان الإطلاق الشائع في الأخبار وأعصار الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم)
انما هو التعبير بركعتي الشفع ومفردة الوتر كما عبر به كثير من الأصحاب ، وهو غلط
محض بل الأمر بالعكس كما لا يخفى على الممارس للاخبار والمتلجلج في تيار تلك
البحار فإن الذي استفاضت به الاخبار هو إطلاق الوتر على الثلاث ولم
يوجد فيها ما يخالف ذلك سوى رواية رجاء بن ابي الضحاك المتقدمة وبه صرح السيد السند في المدارك ايضا فقال : ان
المستفاد من الروايات الصحيحة المستفيضة ان الوتر اسم للركعات الثلاث لا الركعة
الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات المتأخرين. انتهى وهو كذلك فإن جملة
من الاخبار الواردة في أحكام صلاة الوتر وانها مفصولة أو موصولة وما يقرأ فيها
ونحو ذلك قد اشتملت على إطلاقها على الثلاث وقد حضرني منها ما يقرب من ثلاثة عشر
حديثا : منها ـ الأحاديث المتقدمة في المقام ولو لا انها تأتي ان شاء الله تعالى
في محلها لسردناها في هذا المقام ، ولم أقف على خلاف ذلك إلا في الرواية المذكورة
وهي لشذوذها وضعفها لا تبلغ قوة في معارضة خبر واحد من هذه الاخبار.
و (ثانيها) ـ قوله
: وتعريف المبتدإ إلى آخر ما يتعلق به ، فان فيه ان الاستدلال بالخبر المذكور على
كون القنوت في ثالثة الوتر لا الثانية لا توقف له على هذا الكلام حتى انه يسجل
عليه بأنه كلام باطل ورأى فاسد بالإجماع ودلالة الاخبار ونحو ذلك مما أطال به. فإن
أحدا لم يدع من الرواية المذكورة اختصاص القنوت بهذه المواضع الأربعة فلا وجه
للتطويل به بالكلية ، بل وجه الاستدلال انما هو ما سلمه ووافق عليه من دلالة هذه
الاخبار على استحباب القنوت وتأكده في هذه الفرائض الثلاث والنافلة ، فإن مقتضاه
انه هو الموظف شرعا في هذه المواضع المذكورة في الخبر ومتى ثبت توظيفه في هذه
المواضع من الفرائض المذكورة والنافلة فغيره يحتاج الى دليل ، فكما انه لا دليل
على غير الثانية من الفرائض كذلك لا دليل على غير الثالثة من الوتر إلا ما يتراءى من
إطلاق الاخبار المشار إليها آنفا ورواية عيون الأخبار ، فاما إطلاق الاخبار فيقيد
بهذه الرواية لأنها
__________________
ظاهرة في تخصيص القنوت في الوتر بالثالثة. ومما يؤكد ذلك بأوضح تأكيد
ويؤيده بأظهر تأييد بناء على ما عرفت من ان الوتر في الأخبار الدالة على ان ذلك في
عرفهم (عليهمالسلام) عبارة عن الثلاث جملة وافرة من الاخبار الدالة على انه
يدعو في قنوت الوتر بكذا ويستغفر كذا وكذا مرة ويستحب فيه كذا ويدعو بعد رفع رأسه
منه بكذا وكان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وكان علي بن الحسين (عليهالسلام) يدعو في قنوت الوتر بكذا وأمثال ذلك ، فإنه متى كان
الوتر اسما للثلاث كما ذكرنا انه المستفاد من الاخبار فلو كان فيها قنوتان كما
يدعيه الخصم لم يحسن هذا الإطلاق في جملة هذه الاخبار ولكان ينبغي ان يقيد ولو في
بعضها بالقنوت الثاني. واما رواية كتاب العيون فهي ضعيفة قاصرة عن معارضة هذه
الصحيحة المؤيدة بهذه الأخبار المشار إليها. على ان التحقيق ان يقال ـ وهو الأقرب
من الخبر المذكور واليه يشير كلام المعترض إلا انه لم يأته من وجهه ـ ان المراد
انما هو الاخبار عن ان القنوت موضعه الركعة الثانية من هذه الفرائض والثالثة من
الوتر فيصير قوله : «في الركعة الثانية» هو الخبر عن المبتدأ وكذا قوله «في الركعة
الثالثة» بالنسبة إلى الوتر وقوله «في المغرب» ظرف لغو وكذا في ما عطف عليه ،
فيصير الخبر دالا على حصر القنوت في ثانية الفرائض المذكورة وثالثة الوتر وهو حصر
إضافي بالنسبة الى غير هذه الركعات بمعنى ان القنوت في الثانية لا الاولى ولا
الثالثة وكذا في الوتر في الثالثة لا في الاولى ولا في الثانية لأن الحصر حقيقي
على الوجه الذي ذكره ليتم ما سجل به وأكثر من التشنيع فإنه مبني على جعل خبر
المبتدأ قوله «في المغرب» وهكذا في باقي الأفراد المذكورة وان يكون حصرا حقيقيا
فإنه باطل كما أشرنا إليه آنفا وبينا صحة الاستدلال على ذلك التقدير وما ذكرناه من
هذا الوجه أظهر في الاستدلال بالخبر المذكور لانه من حيث الحصر يتضمن النفي لغير
هذه المواضع المذكورة.
و (ثالثها) ـ قوله
: مع انه يمكن ان يكون التنصيص على الثالثة. إلخ ، فإن
فيه انه مع الإغماض عما فيه من التكلف والبعد يتم لو انحصر الدليل في هذه
الرواية وقد عرفت مما قدمنا انه ظاهر جملة من الاخبار بل هو مشتهر فيها غاية
الاشتهار ، وما عداه فهو فيها على العكس من الاستتار وان اشتهر في كلام علمائنا
الأبرار إلا انه من قبيل رب مشهور لا أصل له ورب متأصل غير مشهور. وأبعد من ذلك
حمله ايضا الخبر على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو على ضرب من التقية فإنه بمحل من
التكلف البعيد والتمحل الشديد ، وما أدرى ما الحامل على هذه التكلفات المتعسفة
والتمحلات المتصلفة مع ظهور الخبر في المراد؟ وغفلة الأصحاب عن الحكم المذكور وعدم
تنبههم له وحكمهم بخلافه لا يوجب ذلك ، فكم لهم من غفلة عن الأحكام المودعة في
الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار.
والظاهر ان
منشأ الشبهة في المقام هو دلالة الاخبار على فصل الركعتين الأوليين من الوتر وجواز
وقوع المبطلات قبل الثالثة فجعلوهما بهذا التقريب صلاة منفصلة يحكم عليهما بما
يحكم على سائر النوافل ، ولهذا استدلوا على استحباب القنوت فيهما بما دل على
القنوت في كل ركعتين من النوافل ، والمفهوم من الاخبار ان الثلاث صلاة واحدة مسماة
بالوتر كما سميت الفرائض كل باسم مثل الظهر والعصر ونحوهما ، غاية الأمر ان الشارع
جوز الفصل فيها والإنسان مخير بين الفصل والوصل كما هو مقتضى الجمع بين أخبار
المسألة ومتى ثبت كونها صلاة واحدة فليس فيها إلا قنوت واحد كسائر الصلوات وان جعل
محله في الثالثة منها. هذا.
واما ما ذكروه
من القنوت الثالث الذي بعد الرفع من الركوع فالذي دل عليه الخبر الوارد بذلك انما
هو استحباب الدعاء بعد رفع الرأس من الركوع الثالث بهذا الدعاء الموظف كما رواه في
الكافي بسنده قال : «كان أبو الحسن (عليهالسلام) إذا رفع رأسه في آخر ركعة من الوتر قال : هذا مقام من
حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله
__________________
الدعاء الى آخره». فإن أرادوا أنه يطلق على الدعاء كذلك انه قنوت فلا مشاحة
في الاصطلاح وان أرادوا أنه قنوت شرعي يستحب فيه ما يستحب في القنوت من رفع اليدين
قبال الوجه فالخبر المذكور لا دلالة له عليه وليس غيره في الباب ، مع ان المستفاد
من الاخبار المتكاثرة ان قنوت الوتر انما هو قبل الركوع عموما في كثير منها وخصوصا
في صحيحة معاوية بن عمار «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت في الوتر؟ قال قبل الركوع. قال فان نسيت
اقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا». وفي هذا الخبر أيضا إشارة الى ما قدمنا البحث فيه من
عدم القنوت في الركعتين الأوليين بتقريب ما قدمناه من ان الوتر اسم للركعات الثلاث
حيث انه انما أمر فيها بقنوت واحد قبل الركوع ، ولا جائز ان يحمل على القنوت في
الركعتين الأوليين لكونه خلاف الإجماع نصا وفتوى فإن القائل به يجعله ثانيا لا انه
يخصه به. وبالجملة فإني لا اعرف لهذا القنوت الثالث وجها إلا الحمل على التجوز في
تسمية الدعاء قنوتا وفيه ما لا يخفى. والله العالم.
(الخامسة) ـ قد
اشتهر في كلام الأصحاب استحباب الدعاء لأربعين من إخوانه في قنوت الوتر ، قال في
المدارك بعد الكلام في استحباب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة : ويستحب الدعاء
فيه لإخوانه المؤمنين بأسمائهم وأقلهم أربعون ، فروى الكليني في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «دعاء المرأ لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع
المكروه». وفي الحسن عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له». أقول
: لا ريب في استحباب الدعاء للإخوان وكذا الأربعين من الاخوان كما ورد في عدة
أخبار زيادة على ما ذكره إلا انها لا تقييد فيها بوقت
__________________
مخصوص من صلاة أو غيرها ، واما الروايات الواردة في قنوت الوتر على تعددها
وكثرتها فلم ينهض شيء منها على استحباب الدعاء للأربعين بل ولا الاخوان بقول مطلق
ولعل من ذكر ذلك من أصحابنا نظر الى كون هذا الوقت من أفضل الأوقات وانه مظنة
للإجابة فذكر هذا الحكم فيه وإلا فلا اعرف لذكره في خصوص الموضع وجها مع خلو
الأخبار عنه ، وكيف كان فالعمل بذلك بقصد ما ذكرناه لا بأس به. واما ما نقل عن بعض
مشايخنا المعاصرين من المبالغة في الدعاء للأربعين في هذا القنوت حتى انه يأتي به
بعد الفراغ من الركعة لو أخل به فالظاهر انه وهم من الناقل لما عرفت.
(السادسة) ـ لا
خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في سقوط نافلة الظهرين في السفر وعليه تدل
الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما
شيء إلا المغرب». وعن حذيفة بن منصور في الصحيح عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا
بعدهما شيء». وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما
شيء إلا المغرب فان بعدها اربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا سفر». وعن أبي يحيى
الحناط قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بني لو
صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة».
وانما الخلاف
في ركعتي الوتيرة فالمشهور بين الأصحاب سقوطها ايضا ونقل ابن إدريس فيه الإجماع
ونقل عن الشيخ في النهاية انه قال يجوز فعلها ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه :
وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) انه قال : «انما صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها
لأنها
__________________
زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع».
وقواه في الذكرى قال : لانه خاص ومعلل وما تقدم خال منهما إلا ان ينعقد الإجماع
على خلافه. وهو جيد لو صح السند لكن في الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد
القتيبي ولم يثبت توثيقهما فالتمسك بعمومات الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط
اولى. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : الأظهر
عندي هو القول بما صرح به في النهاية من بقاء استحبابها في السفر كما في الحضر
لعدة من الاخبار زيادة على الخبر المذكور : منها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل
والأحكام بسنده عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر. قال قلت تعني الركعتين بعد العشاء
الآخرة؟ قال نعم فإنهما تعدان بركعة فمن صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر
وان لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في آخر الليل». وروى في الكتاب المذكور عن
زرارة بن أعين في الصحيح قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر». وروى
هذه الرواية أيضا الشيخ في التهذيب في الصحيح عن زرارة عنه (عليهالسلام) وروي في كتاب العلل ايضا بسند ليس في رجاله من ربما
يتوقف فيه إلا محمد بن عيسى المشترك بين العبيدي والأشعري عن حمران عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يبيتن الرجل وعليه وتر». وروى في الكافي في الصحيح
أو الحسن بإبراهيم بن هاشم في باب التفويض الى رسول الله والأئمة (صلوات الله
عليهم) عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث طويل قال فيه «الفريضة والنافلة احدى وخمسون
ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة مكان الوتر».
__________________
والتقريب في
هذه الاخبار انها قد دلت بأظهر تأكيد وأصح تشديد على الحث على الإتيان بهاتين
الركعتين حتى نسب التارك لهما الى عدم الايمان بالله واليوم الآخر ، ولفظ الوتر في
أكثر هذه الاخبار لا يخلو من إجمال إلا أن رواية أبي بصير وهي الأولى قد أوضحت
وصرحت بكون المراد بهما الوتيرة التي بعد صلاة العشاء الآخرة ، وإطلاقها المؤيد
بما ذكرنا من هذا التأكيد الذي ليس عليه مزيد ظاهر في شمول الحضر والسفر فإنها قد
تضمنت انه لا يتبين إلا على وتر أعم من ان يكون في سفر أو حضر ، ويؤكده أيضا حديث
ابي بصير والحديث الأخير الدالان على ان العلة فيها انها تقوم مكان الوتر التي
تستحب في آخر الليل لو مات في ليلته ولا يخفى ان استحباب الوتر ثابت سفرا وحضرا ،
وأظهر من جميع ما ذكر عبارة الفقه الرضوي المتقدمة وقوله فيها «والنوافل في السفر
اربع ركعات ، الى ان قال وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس. الحديث» وبالجملة
فالأخبار المذكورة ظاهرة في الاستحباب مطلقا أتم الظهور لا يعتريها نقص ولا قصور.
وبذلك يظهر ما
في كلام السيد السند ، وفيه زيادة على ما عرفت بالنسبة إلى طعنه في الرواية التي
نقلها في المقام انه قال ـ في كتاب الصوم في مسألة الإفطار على محرم وبيان الخلاف
في وجوب كفارة واحدة أو ثلاث بعد ان نقل الرواية التي استدل بها الصدوق على الثلاث
عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري عن علي بن محمد بن قتيبة ونقل عن العلامة في
المختلف ان عبد الواحد بن عبدوس لا يحضرني الآن حاله فان كان ثقة فالرواية صحيحة
يتعين العمل بها ـ ما صورته : أقول عبد الواحد بن عبدوس وان لم يوثق صريحا لكنه من
مشايخ الصدوق (قدسسره) المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث فلا يبعد الاعتماد
على روايته لكن في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة وهو غير موثق بل ولا
ممدوح مدحا يعتد به. انتهى.
أقول : ما ذكره
في عبد الواحد بن عبدوس من الاعتماد على حديثه حيث انه من مشايخ الإجازة هو المشهور
بين أصحاب هذا الاصطلاح ، فإنهم صرحوا بان مشايخ
الإجازة يعد حديثهم في الصحيح وان لم ينقل توثيقهم في كتب الرجال لان
اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم وأخذ الاخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد
على قولهم في كتب الرجال «فلان ثقة» وقد ناقض كلامه هنا بالطعن في عبد الواحد
المذكور فقال انه لم يثبت توثيقه. واما ما ذكره في علي بن محمد بن قتيبة فإن
الكلام فيه ليس كذلك فان المفهوم من الكشي في كتاب الرجال انه من مشايخه الذين
أكثر النقل عنهم ، ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين على كلام السيد في هذا المقام
ما صورته : صحح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن عبد الرحمن طريقين فيهما علي
بن محمد بن قتيبة وأكثر الكشي الرواية عنه في كتابه المشهور في الرجال ، فلا يبعد
الاعتماد على حديثه لانه من مشايخه المعتبرين الذين أخذ الحديث عنهم ، والفرق بينه
وبين عبد الواحد بن عبدوس تحكم لا يخفى ، وسؤال الفرق متجه بل هذا اولى بالاعتماد
لإيراد العلامة له في القسم الأول من الخلاصة وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمل
وأنصف. انتهى. أقول : ويؤيد ما ذكره شيخنا المذكور ان العلامة في المختلف بعد ذكره
حديث الإفطار على محرم لم يذكره التوقف في صحة الحديث إلا من حيث عبد الواحد بن
عبدوس وقال انه كان ثقة والحديث صحيح. وهو يدل على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة
حيث انه مذكور معه في السند كما لا يخفى.
تنبيه
قد وقع لجملة
من الاعلام في هذا المقام أوهام ناشئة عن عدم الوقوف على ما نقلناه من اخبارهم (عليهمالسلام) : منهم ـ المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى وابنه
الفاضل الشيخ محمد في شرحه على الفقيه ، ولا بأس بذكر كلامهما وبيان ما فيه لتطلع
على ما في الزوايا من الخبايا :
فاما المحقق
المذكور فإنه قال في كتاب المنتقى ـ بعد نقل صحيحة زرارة المتقدمة برواية الشيخ
لها في التهذيب ـ ما صورته : قلت هذا الخبر محمول على المبالغة في كراهة
ترك الوتر في كل ليلة ، وفهم منه بعض الأصحاب إرادة التقديم في أول الليل
كما قد ورد في جملة من الاخبار ـ وستأتي في بابها ـ فحمله على الضرورة ، وفيه تكلف
ظاهر مع عدم الحاجة إليه فإن المبيت بغير وتر صالح لإرادة أخلاء الليل من الوتر
ولو مجازا فان بابه واسع ، والقرينة على ارادة هذا المعنى من الكلام واضحة وان
استبعد ذلك بالنظر الى ظاهر اللفظ ، فالوجه حينئذ حمله على التقية كما احتمله بعض
الأصحاب. انتهى.
أقول : ظاهر
كلامهم يعطي انهم حملوا الوتر في الخبر المذكور على الوتر المضاف إلى صلاة الليل ،
ولما كان وقته آخر الليل وهذا الخبر يدل بظاهره على تقديمه أول الليل اضطروا إلى
تأويله واضطربوا في التفصي عن ذلك ، فبين من حمل تقديمه في أول الليل على الضرورة
بالنظر الى ما ورد من جواز تقديم صلاة الليل لذوي الاعذار ، وبين من حمله على
التقية ، وبين من حمله ـ كما اختاره المحقق المذكور ـ على ان المراد الإتيان به في
جزء من الليل وان كان في آخره وان معنى المبيت عليه ان لا ينقضي الليل إلا وفيه
وتر. والكل كما عرفت تكلف ناشىء عن عدم الوقوف على رواية أبي بصير الكاشفة عن هذا
الإجمال.
واما الفاضل
الشيخ محمد ابن المحقق المذكور فإنه قال في شرح قول الصدوق في الفقيه «واما الركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس فإنهما تعدان بركعة فإن أصاب
الرجل حدث قبل ان يدرك آخر الليل ويصلى الوتر يكون قد مات على الوتر وإذا أدرك آخر
الليل صلى الوتر بعد صلاة الليل ، وقال النبي (صلىاللهعليهوآله) : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر»
فكتب الفاضل المذكور على صدر العبارة : كأن المصنف أراد بيان معنى الحديث الوارد
بعد هذا الكلام وهو قول النبي (صلىاللهعليهوآله) «مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر» وحاصل كلامه ظاهر غير انه بعيد
المناسبة لسياق الحديث كما لا يخفى على المتأمل ، ويخطر بالبال ان يكون المراد
__________________
بقوله «فلا يبيتن إلا بوتر» صلاة العشاء لأنها الخامسة وهي وتر بالنسبة إلى
العدد وقد ورد في روايات كثيرة تسمية العشاء بالوتر. انتهى.
أقول : لا يخفى
عليك ما فيه من النظر الظاهر والقصور بعد مما عرفت مما ذكرناه وأظهرناه غاية
الظهور ، وكأن منشأ الاستبعاد عنده في حمل الوتر في الحديث النبوي ـ على قائله
وآله أفضل الصلاة والسلام ـ على الركعتين بعد العشاء المذكورتين في كلام المصنف هو
دلالة الخبر بحسب ظاهره على كفر تاركه فاستبعد انطباق الخبر على الركعتين
المذكورتين وتمحل لحمله على صلاة العشاء ولم يتفطن (قدسسره) الى ان هذه العبارة وأمثالها كثيرا ما يذكرونها (عليهمالسلام) في المستحبات لمزيد التأكيد عليها كما ورد من انه «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تدع
عانتها زيادة على عشرين يوما». وورد لعن من بات على سطح غير محجر . ومن سافر وحده . ومن بات في بيت وحده . ونحو ذلك ، وأعجب من ذلك دعواه كثرة الروايات بتسمية
العشاء وترا فانا لم نقف بعد التتبع على إشارة الى ذلك في رواية واحدة فضلا عن
وجود الروايات الكثيرة ولم ينقله ناقل غيره. والله العالم.
(السابعة) ـ المفهوم
من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ترك النافلة لعذر ومنه الهم والغم ،
واستدلوا على ذلك برواية علي بن أسباط عن عدة من أصحابنا «ان أبا الحسن موسى (عليهالسلام) كان إذا اهتم ترك النافلة». وعن معمر بن خلاد عن ابي
الحسن الرضا (عليهالسلام) «ان أبا الحسن (عليهالسلام) كان إذا
__________________
اغتم ترك الخمسين». قال في التهذيب : يريد به تمام الخمسين لأن الفرائض لا
يجوز تركها على حال.
واعترضهم في
المدارك بان في الروايتين قصورا من حيث السند ، قال والاولى ان لا تترك النافلة
بحال للحث الأكيد عليها في النصوص المعتمدة وقول ابي جعفر الصادق (عليهالسلام) «وان تارك هذا ليس بكافر ـ يعني النافلة ـ ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل
الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه». وقول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان الواردة في من فاته شيء من النوافل
«ان كان شغله
في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه وان كان شغله لدنيا
يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله عزوجل مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
أقول : فيه (أولا)
ان ما طعن به في الخبرين المذكورين فهو لا يقوم حجة على المتقدمين كما سلف بيانه
في غير موضع.
و (ثانيا) ـ انه
مما يؤيد هذين الخبرين ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قال النبي (صلىاللهعليهوآله) ان للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا
أدبرت فعليكم بالفريضة». ومثله عن أمير المؤمنين (عليهالسلام) في كتاب نهج البلاغة قال : «ان للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فاحملوها
على النوافل وان أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض». ولا ريب أن الهم والغم موجبان
لادبارها.
و (ثالثا) ـ ان
ما ذكره من الخبرين معارض بما تكاثر في الاخبار من ان «من لقي الله عزوجل بالفرائض الخمس لم يسأله عما سواهن». وقد تقدم الكلام
في
__________________
ذلك قريبا وذكرنا وجه الجمع بين الاخبار بأحد وجهين ، ونزيد هنا وجها ثالثا
ولعله الأقرب وهو حمل اخبار جواز ترك النافلة على ظاهرها وحمل اخبار الذم وجعلها
معصية يستحق عليها العذاب على مجرد التأكيد ، فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا
بأخبارهم (عليهمالسلام) انهم كثيرا ما يؤكدون في المستحبات على وجه يكاد
يلحقها بالواجبات وفي النهي عن المكروهات بما يكاد يدخلها في حيز المحرمات ، ويؤيد
هذا التوجيه سوق الصلاة في قرن الصوم الواجب والزكاة الواجبة في تلك الأخبار
الدالة على الجواز مع ان تارك الصوم المستحب والزكاة المستحبة بأي نحو كان لا يكون
مؤاخذا فإنه لم يرد فيهما ما يدل على ان تركهما معصية أو يكون موجبا لاستحقاق
العقاب وحينئذ فذكر ذلك في الصلاة دونهما محمول على مجرد التأكيد والحث على
النوافل. والله العالم.
(الثامنة) ـ ما
تضمنته مرفوعة الفضل بن أبي قرة من تقسيم الإحدى وخمسين ركعة على الساعات المذكورة
في الخبر قد روى الصدوق في كتاب العلل عن ابي هاشم الخادم قال : «قلت لأبي الحسن الماضي (عليهالسلام) لم جعلت صلاة الفريضة والنافلة خمسين ركعة لا يزاد
فيها ولا ينقص منها؟ قال لان ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وما بين طلوع الفجر الى
طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة فجعل لكل ساعة ركعتين وما بين سقوط
الشمس الى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة». وهذا الخبر وان تضمن السؤال عن
الخمسين إلا ان الجواب ـ كما ترى ـ يشتمل على احدى وخمسين فيشبه ان يكون قد وقع
فيه سهو بإسقاط «احدى» من السؤال من المصنف أو أحد الرواة ، ويحتمل ان السؤال انما
كان كذلك فأجاب بما ذكر وفيه تنبيه للسائل على انه كان الاولى ان يسأل عن احدى
وخمسين ، إلا ان الصدوق في الخصال قد روى هذا الخبر بغير قوله «فجعل للغسق ركعة»
وحينئذ فيكون الجواب موافقا للسؤال ، إلا انه يبقى الاختلاف بين هذا الخبر على هذه
الرواية وبين مرفوعة الفضل المتقدمة ،
__________________
والصدوق في الفقيه عبر بمضمون هذه الرواية التي ذكرها في الخصال فقال «وانما
صارت خمسين ركعة لأن ساعات الليل اثنتا عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة
وما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة» قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه) ـ في كتاب
بحار الأنوار بعد نقل خبر ابي هاشم الخادم من كتابي العلل والخصال ـ ما صورته : بيان
ـ هذا اصطلاح شرعي للساعات وهي مختلفة باختلاف الاصطلاحات فمنها مستوية ومنها
معوجة والركعة التي جعلت للغسق لعلها ركعتا الوتيرة فإنهما تعدان بركعة. انتهى.
أقول : وفي
هذين الخبرين اشكال لم أر من تنبه له في هذا المجال وهو انهما يشعران بان ما بين
طلوع الفجر الى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل ولا من ساعات النهار والإجماع نصا
وفتوى إلا ما يظهر من هذين الخبرين على ان هذه الساعة من ساعات النهار ولهذا ان
صلاة الفجر من صلاة النهار فتوى ورواية.
وقد ورد نظير
هذين الخبرين فيما رواه جملة من أصحابنا : منهم ـ السيد الزاهد العابد المجاهد رضي
الدين بن طاوس في كتاب الأمان من إخطار الاسفار والأزمان في حديث الامام الباقر (عليهالسلام) مع قسيس النصارى حيث قال له القسيس «أخبرني عن ساعة
ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فقال (عليهالسلام) هي ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس يهدأ فيها
المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق فيها المغمى عليه جعلها الله في الدنيا رغبة
للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا وحجابا مانعا على الجاحدين
المتكبرين التاركين لها. الحديث».
وشيخنا البهائي
(قدسسره) قد أجاب عن هذا الخبر في صدر كتاب مفتاح الفلاح بعد
ذكر نحو ما ذكرناه من اتفاق الأصحاب (رضي الله عليهم) على عد هذه الساعة من النهار
بأنه يمكن التفصي عن الاشكال فيها بأنه لعل الامام (عليهالسلام) أجاب السائل على ما يوافق عرفه واعتقاده حيث انه سأله
عن مسائل لم تكن معروفة
__________________
إلا بين أكابر علمائهم وهذه المسألة من جملتها. وأنت خبير بان جوابه هذا
انما ينطبق على هذا الخبر خاصة ، وكأنه غفل عن الخبرين المتقدمين أو لم يطلع
عليهما في البين فالإشكال فيهما باق على حاله.
وقال المحقق
الفيلسوف العماد مير محمد باقر الداماد (طيب الله تعالى مرقده) في هذا المقام :
واما إخراج ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من الليل والنهار واعتبار زمانه على
حياله ساعة فقد ورد به بعض الاخبار عنهم (عليهمالسلام) ومن ذلك ما رواه جماعة من مشيخة علمائنا عن مولانا
الصادق (عليهالسلام) «ان مطران النصراني سأل أباه الباقر (عليهالسلام) عن مسائل عديدة عويصة : منها ـ الساعة التي ليست من
ساعات الليل ولا من ساعات النهار آية ساعة هي؟ فقال هي الساعة التي بين طلوع الفجر
الى طلوع الشمس». فاستشكل ذلك من باعه في تتبع العلوم وتعرف المذاهب قاصر زاعما ان
هذا أمر لم ينعقد عليه اصطلاح ولم يذهب اليه ذاهب أصلا ، الى ان قال أليس هذا
الاصطلاح منقولا في كتب أعاظم علماء الهيئة من حكماء الهند وأ ليس الأستاذ أبو
ريحان البيروني في القانون المسعودي ذكر ان براهمة الهند ذهبوا الى ان ما بين طلوع
الفجر وطلوع الشمس وكذلك ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شيء من الليل
والنهار وان ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما ، وأورد ذلك الفاضل البيرجندي في شرح
الزيج الجديد وفي شرح التذكرة. ثم ان ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين (عليهمالسلام) وما عليه العمل عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا
هو ان زمان ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته ، وكذلك
زمان غروب الشمس الى ذهاب الحمرة من جانب المشرق فان ذلك امارة غروبها في أفق
المغرب ، والنهار الشرعي في باب الصلاة والصوم وفي سائر الأبواب من طلوع الفجر
المستطير الى ذهاب الحمرة المشرقية ، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين
الإلهيين والرياضيين من حكماء اليونان ، الى ان قال واما أصحاب الأحكام من
المنجمين فالنهار
عندهم محدود في طرفي المبدأ والمنتهى بطلوع مركز الشمس من أفق المشرق
وغروبه في أفق المغرب ، وزمان ظهور جرم الشمس الى طلوع مركزها محسوب عندهم من
الليل وزمان غروب المركز الى اختفاء الجرم ايضا كذلك فليعرف. انتهى.
أقول : أنت
خبير بأن غاية ما افاده كلامه هو ثبوت الاصطلاح بذلك ردا على من أنكر القول به
وانه لم يذهب اليه ذاهب. واما الجواب عن الخبرين المذكورين وكذا خبر النصراني فلم
يتعرض له. ويقرب عندي ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان هذه الساعة وان كانت من
النهار كما عرفت إلا انها لما كانت أشرف ساعاته كما يستفاد من كلام الباقر (عليهالسلام) في جواب النصراني ويدل عليه الأمر بالتعقيب والاشتغال
بالدعاء فيها وكراهة النوم فيها كراهة مؤكدة ونحو ذلك جعلت مفصولة مستقلة وأفردت
بالذكر على حدة تنويها بشأنها وعلو رتبتها على غيرها من الساعات. والله العالم.
(التاسعة) ـ المشهور
بين الأصحاب ان نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها ونافلة العصر ثمان ركعات قبلها ،
وقال ابن الجنيد تصلى قبل الظهر ثمان ركعات وثمان ركعات بعدها منها ركعتان نافلة
العصر. ومقتضاه ان الزائد على الركعتين ليس للعصر ، قيل وربما كان مستنده رواية
سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل
الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر». وهي لا تعطي كون الست للظهر مع انه
قد تقدم في رواية البزنطي انه يصلي أربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر ، وبالجملة
فالمفهوم من كلامه اضافة هذه النوافل التي قبل الظهر إليها وكذا التي قبل العصر
الى العصر والتي بعد المغرب الى المغرب والاخبار لا تنهض بذلك إلا ان كان بنوع
اشارة وإلا فلا ظهور لها فيه وان قرنت بالقبلية لها والبعدية ، ويؤيده ان الشارع
قد حد لها وقتا معينا من القدم والقدمين والذراع والذراعين ونحوهما كما سيأتي ان
شاء الله تعالى. وحينئذ فالأولى في نيتها الاقتصار على ملاحظة الامتثال بها خاصة
__________________
من دون إضافتها إلى الفرائض.
قيل : وتظهر
فائدة الخلاف في اعتبار إيقاع الست قبل القدمين أو المثل ان جعلناها للظهر ، وفي
ما إذا نذر نافلة العصر فان الواجب الثمان على المشهور وركعتان على قول ابن
الجنيد. قال في المدارك ويمكن المناقشة في الموضعين (اما الأول) فبان مقتضى النصوص
اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل والثمان التي بعدها قبل
الأربعة أو المثلين سواء جعلنا الست منها للظهر أم للعصر. و (اما الثاني) فلان
النذر يتبع قصد الناذر فان قصد الثماني أو الركعتين وجب وان قصد ما وظفه الشارع
للعصر أمكن التوقف في صحة هذا النذر لعدم ثبوت الاختصاص كما بيناه. انتهى. وهو جيد
إلا انه ينقدح عليه مناقشة أخرى وهي ان ظاهر قوله «مقتضى النصوص اعتبار إيقاع
الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو المثل. إلخ» يدل على وجود روايات تدل على
كون المثل وقتا لنافلة الظهر والمثلين وقتا لنافلة العصر ، وليس كذلك وان قيل به
بل ربما كان هو المشهور فانا لم نقف في الاخبار على ما يدل عليه ، وبذلك اعترف هو
أيضا في رده لكلام المحقق فيما ذكره في شرح قوله في الشرائع «وقت النوافل اليومية
للظهر. إلخ» حيث ذكر الرواية التي استدلوا بها على اعتبار المثل وطعن فيها بعدم
الدلالة على ذلك وان المراد من القامة فيها قامة الإنسان. وليس غيرها في الباب كما
سيأتي تحقيقها ان شاء الله تعالى في موضعه فكيف يسند المثل هنا الى النصوص وهي
عارية عن ذلك على العموم والخصوص؟ والله العالم.
(العاشرة) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب بكراهة الكلام بين المغرب ونافلتها لرواية أبي العلاء الخفاف
عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين
كتبتا له في عليين فان صلى اربع ركعات كتبت له حجة مبرورة». واستدل على ذلك في
المدارك ايضا بما رواه الشيخ
__________________
عن ابي الفوارس قال : «نهاني أبو عبد الله (عليهالسلام) ان أتكلم بين الأربع ركعات التي بعد المغرب». قال :
وكراهة الكلام بين الأربع يقتضي كراهة الكلام بينها وبين المغرب بطريق أولى. أقول
: وأنت خبير بأنه لا وجه لهذه الأولوية في المقام إذ من الجائز اختصاص الكراهة
بالكلام بين الأربع وان جاز الكلام بينها وبين المغرب بان تجعل الأربع مرتبطة
بعضها ببعض كأنها صلاة واحدة ، وهذا الحكم لم يذكره الأصحاب مع ان الرواية
المذكورة صريحة فيه وان كان في الأولى أيضا نوع اشارة اليه فإن قوله (عليهالسلام) «فان صلى أربعا» داخل تحت حيز «ثم عقب ولم يتكلم» يعني
ان صلى ركعتين مع عدم الفصل بالكلام كان له كذا وان صلى أربعا كان له كذا.
وظاهر رواية
الخفاف استحباب تقديم التعقيب على صلاة النافلة ، ونقل عن الشيخ المفيد في المقنعة
ان الاولى القيام إلى نافلة المغرب عند الفراغ منها قبل التعقيب وتأخيره الى ان
يفرغ من النافلة ، واحتج له في التهذيب بهذه الرواية وهي كما عرفت بالدلالة على
خلافه أشبه. وقال السيد السند في المدارك ـ بعد ان نقل عن الشيخ المفيد في المقنعة
والشيخ في التهذيب ما قدمناه ـ ما صورته : وقال الشهيد في الذكرى الأفضل المبادرة
بها ـ يعني نافلة المغرب ـ قبل كل شيء سوى التسبيح ونقل عن المفيد مثله. واستدل
عليه بان النبي (صلىاللهعليهوآله) فعلها كذلك فإنه لما بشر بالحسن (عليهالسلام) صلى ركعتين بعد المغرب شكرا فلما بشر بالحسين (عليهالسلام) صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منها . ومقتضى هذه الرواية أولوية فعلها قبل التسبيح أيضا إلا
انها مجهولة السند ومعارضة بالأخبار الصحيحة المتضمنة للأمر بتسبيح الزهراء (عليهاالسلام) قبل ان يثني المصلي رجليه من صلاة الفريضة انتهى أقول : ظاهر قوله «واستدل عليه»
__________________
ان المستدل هو الشهيد وليس كذلك بل ظاهر الذكرى ان المستدل انما هو الشيخ
المفيد (قدسسره) واختيار الذكرى الذي نقله عنه مؤخر عن هذا النقل
والاستدلال ، وذلك فإنه في الذكرى صرح أولا بأن وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب
الشفق المغربي قاله الشيخ (قدسسره) في النهاية ثم نقل احتجاج المعتبر على ذلك ، الى ان
قال وقال المفيد تفعل بعد التسبيح وقبل التعقيب كما فعلها النبي (صلىاللهعليهوآله) لما بشر بالحسن (عليهالسلام) فإنه صلى ركعتين شكرا فلما بشر بالحسين (عليهالسلام) صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منهما ، وابن الجنيد لا
يستحب الكلام ولا عمل شيء بينها وبين المغرب ، وبالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ (قدسسره) لم نقف عليه ، الى ان قال ولو قيل بامتداد وقتها بوقت
المغرب أمكن لأنها تابعة لها وان كان الأفضل المبادرة بها قبل كل شيء سوى
التسبيح. انتهى. وبذلك يظهر ما في نقل السيد (قدسسره) من الإجمال الموجب للوقوع في الاشكال.
ثم انه لا يخفى
ان الرواية الواردة في تعليل النوافل بولادة الحسنين (عليهماالسلام) لا اشعار فيها بهذه الزيادة التي ذكرها وهي قوله : «ولم
يعقب حتى فرغ منها» وبدونها لا يتم ما ذكره ، وهذه صورة الخبر على ما نقل في كتب
الأخبار برواية الصدوق والشيخ عنه ونقله في الذكرى ايضا متقدما على هذا الموضع «وسئل
الصادق (عليهالسلام) لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها
تقصير في حضر ولا سفر؟ فقال ان الله تبارك وتعالى انزل على نبيه كل صلاة ركعتين
فأضاف إليها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا
المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد فاطمة (عليهاالسلام) فأضاف إليها ركعة شكرا لله عزوجل فلما ان ولد الحسن (عليهالسلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عزوجل فلما ان ولد الحسين (عليهالسلام) أضاف إليها ركعتين شكرا لله عزوجل فقال
«لِلذَّكَرِ مِثْلُ
__________________
حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ» فتركها على حالها في الحضر والسفر». هذا صورة ما روى من
الخبر وليس فيه اشعار فضلا عن الدلالة على كون النافلة متقدمة على التعقيب أو
متأخرة عنه إذ غايته الدلالة على صلاة هذه الركعات بعد المغرب.
واما ما أجاب
به في المدارك بناء على ثبوت هذه الزيادة فهو محل نظر ايضا (اما أولا) فلان الطعن
فيها بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين كما عرفت ، مع انه انما استند في حكمه
بكراهة الكلام بين المغرب ونافلتها الى خبر ضعيف ايضا ولم يطعن فيه بالضعف ولكنهم
لا قاعدة لهم يقفون عليها كما عرفت في غير موضع مما تقدم و (اما ثانيا) فانا لم
نقف في شيء من الاخبار على ان الرسول (صلىاللهعليهوآله) كان يسبح بعد الصلاة هذا التسبيح الذي علمه فاطمة (عليهاالسلام) واشتهر بتسبيحها وترادفت النصوص بفضله واستحبابه بعد
الصلاة ، وبالجملة فغاية ما يفهم من الاخبار انه بعد أمره لفاطمة (عليهاالسلام) بذلك شاع استحبابه واما انه (صلىاللهعليهوآله) فعله فغير معلوم من الاخبار ، نعم ما ذكره جيد بالنسبة
إلى غيره لاستفاضة الاخبار بما ذكره من استحبابه قبل ان يثني المصلي رجليه من
جلوسه للتشهد.
(الحادية عشرة)
ـ قال في المنتهى : سجود الشكر في المغرب ينبغي ان يكون بعد نافلتها لما رواه
الشيخ عن حفص الجوهري قال : «صلى بنا أبو الحسن (عليهالسلام) صلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة فقلت له كان
آباؤك يسجدون بعد الثالثة فقال ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة».
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : وفي السند ضعف مع انه روى جهم بن ابي جهم قال : «رأيت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) وقد سجد بعد الثلاث الركعات من المغرب فقلت له جعلت
فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث فقال ورأيتني؟ فقلت نعم. قال
__________________
فلا تدعها فان الدعاء فيها مستجاب». والظاهر ان المراد به سجدة الشكر والكل
حسن ان شاء الله تعالى. انتهى.
وظاهر كلامه
أخيرا هو التخيير بين الأمرين ، وبذلك صرح في الذكرى ايضا فقال : في موضع سجدتي
الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل بهما إحداهما رواية حفص الجوهري والثانية
رواية جهم.
أقول : لا يخفى
ان القول بالتخيير هنا لا يخلو من الاشكال حيث ان ظاهر كل من الخبرين يدفع الآخر
فان ظاهر الأول استحباب السجود بعد السابعة وانه هو الموظف خاصة لفعله (عليهالسلام) ذلك ولإنكاره على الراوي بأنه لم يسجد أحد من آبائي
إلا بعد السابعة ، والمراد بابي الحسن هنا هو الهادي (عليهالسلام) كما صرح به في التهذيب وظاهر الخبر الثاني ـ حيث رآه
سجد بعد الثالثة وقوله (عليهالسلام) : فلا تدعها فان الدعاء فيها مستجاب ـ هو كون ذلك هو
السنة الموظفة فكيف يتم القول بالتخيير فيهما كما ذكروه؟
والأظهر عندي
وفاقا للمحدث الكاشاني في الوافي هو حمل الرواية الأولى على التقية كما يشعر به
قول الكاظم (عليهالسلام) «ورأيتني» وكأنه يستخفي بذلك ، ويؤيده ما ورد في
توقيعات صاحب الأمر (عجل الله نصره وظهوره) من انها بعد الفريضة أفضل ، روى
الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان (عليهالسلام) «انه كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها
بدعة فهل يجوز ان يسجدها الرجل بعد الفريضة فإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد
الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب (عليهالسلام) سجدة الشكر من الزم السنن وأوجبها. ولم يقل ان هذه
السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد
صلاة المغرب والاختلاف في
__________________
انها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على
الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل ان يكون
بعد الفرض وان جعلت بعد النوافل ايضا جاز» انتهى.
وجمع بعض الأصحاب
بين الخبرين بحمل الأول الدال على انها بعد السبع على الجواز والثاني على الأفضل
ويدل عليه خبر التوقيع المذكور ، والظاهر انه لم يطلع عليه وليته كان حيا فاهديه
اليه ، إلا انك قد عرفت ان الخبر الأول لا يخلو من منافرة لذلك حيث انه (عليهالسلام) مع فعله ذلك أنكر ان أحدا من آبائه لم يسجد إلا بعد
السبع ولا يبعد ملاحظة التقية في التجويز بعد السبع في التوقيع المذكور. والله هو
العالم.
(الثانية عشرة)
ـ ذكر جمع من الأصحاب ان الجلوس في الركعتين اللتين بعد العشاء أفضل من القيام
لورود جملة من النصوص بالجلوس فيهما ، ومنها صحيحة الفضيل بن يسار أو حسنته وهي
الرواية الاولى من الروايات المتقدمة صدر المقدمة ورواية أحمد بن محمد بن ابي نصر ورواية كتاب الفقه
الرضوي ، وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابي عبد الله القزويني قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) لأي علة تصلى الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟
فقال لان الله فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مثليها فصارت احدى وخمسين ركعة فتعد هاتان الركعتان من
جلوس بركعة». وعن المفضل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين
وانا جالس فقال اما أنهما واحدة ولو متّ متّ على وتر». وروى الكشي في كتاب الرجال
عن هشام المشرقي عن الرضا (عليهالسلام) قال : «ان أهل البصرة سألوني فقالوا يونس يقول من السنة
ان يصلي الإنسان ركعتين وهو جالس فقلت صدق يونس».
إلا انه قد روى
الشيخ في الموثق عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه
__________________
السلام) في حديث قال : «وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية
قائما أو قاعدا والقيام أفضل ولا تعدهما من الخمسين». وهو صريح في أفضلية القيام ،
ويقرب منه ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحارث بن المغيرة النصري قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة النهار ، الى ان قال وركعتان بعد العشاء
الآخرة كان ابي يصليهما وهو قاعد وانا أصليهما وانا قائم. الحديث». والتقريب فيه
مواظبته (عليهالسلام) على القيام فيهما وحمل صلاة أبيه (عليهالسلام) وهو قاعد على كونه ثقيل البدن يشق عليه القيام كما ورد
عنه (عليهالسلام) في خبر حنان بن سدير عن أبيه قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أتصلي النوافل وأنت قاعد؟ قال ما أصليها إلا وانا قاعد
منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا السن». وبذلك يظهر ما في الحكم بأفضلية الجلوس كما
قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب
والجمع بين
أخبار المسألة لا يخلو من اشكال ، واما ما ذكره في الذكرى ـ في الجمع بين الاخبار
بجوازها من قعود ومن قيام ـ ففيه ان محل البحث وتصادم الاخبار في الأفضل لا في أصل
الجواز. ورجح في المدارك العمل بالخبرين الأولين وطعن في سند الخبرين الأخيرين.
وهو متجه بناء على نقله صحيح ابن المغيرة عن الكافي فإن سنده فيه ضعيف واما في
التهذيب فهو صحيح لانه رواه فيه عن احمد بن محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن علي بن
النعمان عن الحارث النصري. ويمكن ترجيح الأخبار الأولة بأوفقية البدلية لأن
الركعتين من جلوس تعدان بركعة قائما بخلاف صلاتهما قائما فإنه ربما حصلت الزيادة
على العدد ، ويؤيد ذلك ما رواه في العلل عن ابي عبد الله القزويني إلا انه يتوقف
على وجود محمل للخبرين المذكورين ولا يحضرني الآن محمل يحملان عليه. والله العالم.
(الثالثة عشرة)
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز الجلوس في النافلة اختيارا بل قال
في المعتبر وهو اطباق العلماء. وقال في المنتهى انه لا يعرف
__________________
فيه خلافا. ونقل الشهيد (قدسسره) في الذكرى عن ابن إدريس انه منع من جواز النافلة جالسا
مع الاختيار إلا الوتيرة ونسب الجواز الى الشيخ (قدسسره) في النهاية والى رواية شاذة ، قال واعترض على نفسه
بجواز النافلة على الراحلة مختارا سفرا وحضرا وأجاب بان ذلك خرج بالإجماع ، ثم قال
في الذكرى قلت دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار عجيبة والمجوزون للنافلة على الراحلة
هم المجوزون لفعلها جالسا وذكر النهاية هنا والشيخ يشعر بالخصوصية مع انه قال في
المبسوط يجوز ان يصلي النوافل جالسا مع القدرة على القيام وقد روى انه يصلي بدل كل
ركعة ركعتين وروى انه ركعة بركعة ، وهما جميعا جائزان. وقد ذكره ايضا المفيد (قدسسره) فإنه قال وكذلك من أتعبه القيام في النوافل كلها وأحب
ان يصليها جالسا للترفه فليفعل ذلك وليجعل كل ركعتين ركعة. انتهى ما ذكره في
الذكرى. وهو جيد.
ومن الاخبار ما
رواه في الكافي والفقيه عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت له انا نتحدث نقول من صلى وهو جالس من غير
علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة؟ فقال ليس هو هكذا هي تامة لكم». وروى
الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن معاوية بن ميسرة «أنه سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول أو سئل أيصلي الرجل وهو جالس متربعا أو مبسوط
الرجلين فقال لا بأس». وروى في الكافي عن معاوية بن ميسرة «أن سنانا سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يمد احدى رجليه بين يديه وهو جالس قال لا بأس
ولا أراه إلا قال في المعتل والمريض». قال في الكافي وفي حديث آخر «يصلي متربعا ومادا رجليه كل ذلك واسع». وفي
التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه وفي الفقيه عن أبيه
__________________
«انه سأل أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن الرجل يصلي النافلة قاعدا وليست به علة في سفر أو
حضر قال لا بأس به». وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة فإذا أراد
ان يختمها قام فركع بآخرها ، قال صلاته صلاة القائم». وفي الصحيح عن حماد عن ابي
الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي وهو جالس فقال إذا أردت ان
تصلي وأنت جالس وتكتب لك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت في آخر السورة فقم
فأتمها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم». وروى في الفقيه عن حماد بن عثمان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) قد يشتد علي القيام في الصلاة؟ فقال إذا أردت أن تدرك
صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتم ما بقي واركع
واسجد فذلك صلاة القائم». وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلي التطوع جالسا؟ قال يضعف
ركعتين بركعة». وعن الصيقل قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا صلى الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف».
أقول : قد
اتفقت هذه الاخبار في رد ما ذكره ابن إدريس من منع جواز النافلة جالسا مع الاختيار
ونسبة الرواية الدالة على ذلك الى الشذوذ.
بقي الكلام في
ان الروايتين الأخيرتين قد دلتا على استحباب التضعيف متى صلى جالسا وعلى ذلك
حملهما الشيخ ومن تبعه من الأصحاب وبه صرح الشيخ المفيد فيما قدمناه من عبارته
المنقولة عنه في الذكرى. وأنت خبير بأن رواية أبي بصير قد تضمنت بعد الاخبار عما
دلت عليه هاتان الروايتان من نقصان الصلاة من جلوس الموجب في تحصيل إتمامها إلى
التضعيف ان الصلاة من جلوس تامة لكم يعني ثوابها تام لا يحتاج
__________________
الى التضعيف ، وهو بظاهره مدافع لما دل عليه الخبران المذكوران ، ولم أقف
على من تعرض لوجه الجواب عن ذلك مع ظهور التدافع كما عرفت ، ولا يحضرني الآن وجه
للجواب عن ذلك الا بان يحمل تمامها على القيام فيها في آخر السورة ثم الركوع عن
قيام كما دل عليه صحاح حماد وزرارة لما دلت عليه من انه من صلاها على هذا الوجه
حسب له ثواب صلاة القائم واما لو صلاها لا كذلك فإن الأفضل التضعيف.
وقال في
المدارك : وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام قولان أظهرهما العدم
لتوقف العبادة على النقل وعدم ثبوت التعبد به. وقيل بالجواز لأن الكيفية تابعة
للأصل فلا تجب كالأصل. وضعفه ظاهر لان الوجوب هنا بمعنى الشرط كالطهارة في النافلة
وترتيب الأفعال فيها. انتهى. وهو جيد. والله العالم.
(الرابعة عشرة)
ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل في الصلاة جالسا ان يكون متربعا ، قال في
المنتهى واما استحباب التربيع في حال الجلوس فهو قول علمائنا والشافعي ومالك
والثوري واحمد وإسحاق وروى عن ابن عمر وابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير خلافا لأبي
حنيفة ثم قال : لنا ما رواه الجمهور عن أنس «انه صلى متربعا فلما ركع ثنى رجليه». ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن
حمران بن أعين عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «كان ابي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه».
انتهى
ولم يفسر
التربيع الذي ذكره ولم يبين كيفيته ولم أقف على من بين كيفيته إلا على كلام لشيخنا
الشهيد الثاني (قدسسره) في الروضة في الفصل الرابع في بيان مستحبات الصلاة حيث
قال بعد قول المصنف : «وتربع المصلى قاعدا» ما لفظه : لعجز أو لكونها نافلة بأن
يجلس على ألييه وينصب ساقيه ووركيه كما تجلس المرأة للتشهد. انتهى ولم أقف في شيء
من الاخبار على ما يدل على هذه الكيفية في صلاة القاعد نعم فيها كما
__________________
عرفت من رواية حمران استحباب التربع ولكن لم تبين كيفيته.
وفي المقام
اشكال لم أر من تنبه له ولا نبه عليه وهو ان معنى رواية حمران المذكورة استحباب
التربع في الصلاة من جلوس وقد عرفت دعوى العلامة اتفاق علمائنا وأكثر العامة على
ذلك ، مع ان هنا جملة من الاخبار قد وردت بكراهة ذلك وإطلاقها شامل للصلاة وغيرها
، ومنها ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضع
احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها». وفي
بعض الاخبار «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يجلس ثلاثا : القرفصاء وعلى ركبتيه وكان يثنى رجلا
واحدة ويبسط عليها الأخرى ، ولم ير متربعا قط». وظاهر هذين الخبرين ـ كما ترى ـ عموم
الكراهة في جميع الحالات من صلاة وغيرها ، إلا انه قد ورد بإزاء هذين الخبرين ايضا
ما يدل على الجواز كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي ابن أبي شعبة «أنه رأى أبا عبد الله (عليهالسلام) متربعا. الحديث». وروى الصدوق عن حماد بن عثمان عن عمر
بن أذينة عن ابي سعيد «انه رأى أبا عبد الله (عليهالسلام) يأكل متربعا».
قال الشيخ
الفاضل الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح النجفي (قدسسره) في كتاب مجمع البحرين بعد نقل الحديث النبوي «ولم ير
متربعا قط» : التربع عبارة عن ان يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى الى جانب يمينه
وقدمه الى جانب شماله واليسرى بالعكس ، ثم قال قاله في المجمع ، ثم حمل خبر أكل
الصادق (عليهالسلام) متربعا على الضرورة أو بيان الجواز ، وحينئذ فإن كان
التربع عبارة عن هيئة واحدة ـ كما هو ظاهر الشيخ فخر الدين حيث حمل حديث الصادق (عليهالسلام) على الضرورة
__________________
أو الجواز ، ومثله الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل حيث
ان ظاهر كلامه بعد حكمه بكراهة التربع حمل الحديث المذكور على بيان الجواز ـ أشكل
الحكم في الجميع بين هذه الاخبار فإن الاستحباب والكراهة حكمان متقابلان لا يتصف
بهما أمر واحد ، واحتمال الاستحباب والكراهة بالنظر الى حالتي الصلاة والأكل
فيستحب في حال الصلاة ويكره في الجلوس للأكل يدفعه عموم أخبار الكراهة من قوله : «لم
ير متربعا قط» وقوله «إنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها» وان كان له
كيفيات متعددة ـ كما يظهر من عبارة القاموس حيث قال : «وتربع في جلوسه خلاف جثى
وأفعى» وظاهره صدق التربع على جميع هيئات الجلوس إلا الجلوس جائيا ومقعيا ـ زال الإشكال
، إلا اني لم أقف على دليل واضح من الاخبار لبيان هيئة من هيئاته. نعم روى الكشي في ترجمة جعفر بن عيسى في حديث عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال فيه : «وكان جالسا الى جنب رجل وهو متربع رجلا على
رجل». ويمكن ان يحمل خبر ابي بصير المتقدم وقوله فيه : «ولا يضع احدى رجليه على
الأخرى ولا يتربع» على ان التربع هو وضع احدى الرجلين على الأخرى كما دل عليه خبر
الكشي فيكون قوله «ولا يتربع» عطفا تفسيريا وهو الأوفق بقوله «فإنها جلسة يبغضها
الله تعالى» بان يكون وضع احدى الرجلين على الأخرى هو التربع الذي يبغضه الله تعالى
، والكلام في جلوسه (عليهالسلام) متربعا يحمل على ما حملت عليه الاخبار المتقدمة من
الضرورة أو بيان الجواز أو تعدد الهيئات. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب
الإشكال إلا ان المقام مقام استحباب أو كراهة.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في كيفية ركوع القاعد حالتين (إحداهما)
ان ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى
القائم. و (ثانيتهما) أن ينحني بحيث تحاذي جبهته موضع سجوده
__________________
وأدناه أن ينحني بحيث تصل جهته الى قدام ركبتيه ، وأكمل ركوع القائم أن
يستوي ظهره وعنقه وهو يستلزم محاذاة الجبهة موضع السجود. والظاهر ان كلا منهما
محصل ليقين البراءة لكن المنقول عن الشهيد (قدسسره) في بعض كتبه انه أوجب رفع الفخذين من الأرض استنادا
إلى انه واجب حال القيام والأصل بقاؤه. واعترض عليه بان ذلك غير مقصود حال القيام
بل انما جعل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة وهي منتفية ههنا وانه ينتقض بإلصاق
البطن فإنه يحصل في حال القعود أكثر مما يحصل في حال القيام ولم يحكم باعتبار
التجافي. والله العالم.
(الخامسة عشرة)
ـ قد تكاثرت الاخبار باستحباب صلاة ركعتين بين المغرب والعشاء وتسمى ركعتي الغفيلة
وركعتي الغفلة وركعتي ساعة الغفلة ، ومن ذلك ما رواه الشيخ في كتاب المصباح عن
هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من صلى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى
الحمد وقوله تعالى «وَذَا
النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ... الى وَكَذلِكَ
نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» وفي الثانية الحمد وقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ
الْغَيْبِ ... الى آخر الآية» فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللهم إني أسألك
بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ان تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا
وكذا ، ويقول اللهم أنت ولي نعمتي والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمد وآله
(عليهمالسلام) لما قضيتها لي ، وسأل الله حاجته أعطاه الله تعالى ما
سأل». ورواه السيد الزاهد العابد رضي الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بإسناده
عن هشام بن سالم مثله وزاد «فإن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين العشاءين». ومنها
ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال : قال رسول الله (صلى الله
__________________
عليه وآله) وفي كتاب العلل مسندا في الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمد عن
أبيه (عليهماالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما
تورثان دار الكرامة» قال : وفي خبر آخر «دار السلام وهي الجنة». وساعة الغفلة ما
بين المغرب والعشاء الآخرة. وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن وهب أو السكوني عن
جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تنفلوا. الحديث الى قوله دار الكرامة» ثم زاد «قيل يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما ساعة الغفلة؟ قال ما بين المغرب والعشاء». وروى
هذه الرواية أيضا ابن طاوس في كتاب فلاح السائل وزاد «قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما معنى خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما الحمد وحدها. قيل يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فمتى أصليها؟ قال ما بين المغرب والعشاء». وروى الصدوق
في الفقيه عن الباقر (عليهالسلام) «ان إبليس إنما يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس. الى مغيب الشفق
ويبث جنود النهار من حين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وذكر ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يقول : أكثروا ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين
وتعوذوا بالله عزوجل من شر إبليس وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين
فإنهما ساعتا غفلة».
أقول : وفي
المقام فوائد (الأولى) ـ ظاهر الاخبار المذكورة ان محل الصلاة المذكورة بين صلاتي
المغرب والعشاء متى صليتا في وقت فضيلتهما ، وظاهر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح
الفلاح ان وقتهما من غروب الشمس الى غروب الشفق المغربي ، قال في الكتاب المذكور ـ
بعد ذكر حديث السكوني أو وهب المنقول برواية الشيخ في
__________________
التهذيب وقوله فيه «ما بين المغرب والعشاء» ما لفظه : ولا يخفى ان المراد
ما بين وقت المغرب ووقت العشاء اعني ما بين غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق كما يرشدك
اليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ان أول وقت
العشاء غيبوبة الشفق . ومن هذا يستفاد ان وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين
الغروب وذهاب الشفق فان خرج صارت قضاء. انتهى. أقول : أشار بالحديث السابق الى ما
نقلناه أخيرا من حديث بث إبليس جنوده من حين تغيب الشمس الى مغيب الشفق. وأنت خبير
بأن غاية ما يدل عليه الخبر المذكور ان ابتداء البث من ذلك الوقت ولا دلالة فيه
على كون الصلاة من ذلك الوقت ، ومجرد كون هذه الصلاة تصلى في ساعة الغفلة لا
يستلزم جواز تقديمها على الفريضة سيما مع استفاضة النصوص بالمنع من النافلة بعد
دخول وقت الفريضة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محلها ، على انها بين الفرضين
واقعة في الساعة المذكورة متى صلى الفرضين في وقت فضيلتهما ، ورواية هشام بن سالم
صريحة في كونها بين الفرضين وكذا المرسلة المنقولة في كتاب فلاح السائل عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ونحوهما المرسلة الثانية. وبالجملة فالظاهر من الاخبار
ان وقتها انما هو بين الصلاتين وان كانت ساعة الغفلة ممتدة من غروب الشمس ، ولعل
السر في تخصيصها بما ذكرناه من حيث الاخبار المانعة من التطوع بعد دخول وقت
الفريضة.
(الثانية) ـ المفهوم
من الاخبار اختصاص القضاء بالرواتب اليومية بعد فوات أوقاتها ، وصريح شيخنا
المتقدم ان هاتين الركعتين تقضيان بعد فوات وقتهما ، ولم أقف له على دليل بل ولا
قائل سواه (قدسسره) ولعل منشأ ما ذهب اليه من حيث التوقيت إلا ان مجرد ذلك
لا يوجب القضاء فإنه كما يتوقف الإتيان بها في ذلك الوقت على دليل كذلك يتوقف
القضاء على الدليل على الأشهر الأظهر ، ومجرد فوات الأداء لا يستلزم القضاء كما
عليه المحققون من أصحابنا (رضوان الله عليهم).
__________________
(الثالثة) ـ ذهب
بعض مشايخنا المعاصرين ـ على ما نقل عنه ـ إلى انه يكفي في أداء هذه الوظيفة
الإتيان بنافلتي المغرب. ولعله نظر الى الأمر بالتنفل في ساعة الغفلة بقول مطلق ،
وهو وان أمكن احتماله إلا ان ورود الخبر بتعيين صلاة معينة بقراءة خاصة وكيفية
تفارق بها كيفية نافلتي المغرب الموظفة يعطي تقييد ذلك الإطلاق بهذه الصلاة الخاصة
الزائدة على نافلتي المغرب ، ولا ريب ان الاحتياط في تحصيل هذه الوظيفة انما يتم
بما ذكرنا ، وهو ظاهر الأصحاب أيضا حيث انهم ذكروا في هذا المقام هذه الصلاة
المخصوصة زيادة على نافلتي المغرب.
(الرابعة) ـ ما
ورد في الرواية المنقولة من كتاب فلاح السائل من تفسير الخفيفتين بالاقتصار على
الحمد وحدها مع ما عرفت من رواية هشام بن سالم من استحباب قراءة الآيتين
المذكورتين لعله محمول على ضيق الوقت أو الاستعجال لحاجة ونحو ذلك ، وظاهر شيخنا
الشهيد في الذكرى ان هاتين الركعتين في هذه الرواية غير ركعتي الغفيلة المذكورة في
رواية هشام بن سالم حيث قال : يستحب ركعتان ساعة الغفلة وقد رواهما الشيخ ، ثم نقل
الرواية المشتملة على الركعتين الخفيفتين ثم قال ويستحب ايضا بين المغرب والعشاء
ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد : وذا النون إذ ذهب مغاضبا. إلخ ، الى ان قال فان
الله تعالى يعطيه ما يشاء. والظاهر عندي ان الركعتين المذكورتين في الروايتين انما
هما صلاة واحدة وان اختلفت العبارتان كما ذكرنا.
(الخامسة) ـ نقل
الشيخ الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابن عباس في تفسير قوله سبحانه حكاية عن
موسى على نبينا وآله وعليهالسلام «وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها»
ان دخوله كان فيما بين المغرب والعشاء. انتهى. وفيه إشارة الى ما دلت عليه
هذه الاخبار ان ثبت النقل المذكور.
(السادسة) ـ قوله
في الدعاء المذكور في القنوت «لما قضيتها لي» يجوز
__________________
قراءته بالتشديد والتخفيف فعلى تقدير التشديد يكون «لما» بمعنى «إلا» يعني «إلا
قضيتها لي» وعلى تقدير التخفيف تجعل «ما» زائدة للتأكيد واللام فيها جواب القسم
والتقدير «لتقضيها لي» كذا في كتاب مجمع البيان.
(تذنيب) من
المستحب في هذه الساعة أيضا صلاة ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الزلزلة
ثلاث عشرة مرة وفي الثانية بعد الحمد التوحيد خمس عشرة مرة. روى الشيخ (طاب ثراه)
في كتاب المصباح عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : «أوصيكم بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى
الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة
فإنه من فعل ذلك كل شهر كان من الموقنين ، فان فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين
، فان فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين ، فان فعل ذلك كل ليلة زاحمني في الجنة
ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى».
(السادسة عشرة)
ـ ما تضمنه خبر الحجال ـ من صلاة الصادق (عليهالسلام) الركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ثم ركعتين
من جلوس وانه متى لم يدرك صلاة الليل والوتر في آخره أضاف إليها ركعة كما في بعض
الاخبار أو ركعتين كما في الرواية الأخرى واحتسب بها مع ما قدمه وترا ـ لا يخلو من الاشكال.
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل الخبر المذكور بالرواية المشتملة على لفظ الركعة ـ ما
صورته : وفيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع في أول الليل وهو خلاف المشهور ، نعم في
خبر زرارة عنه (عليهالسلام) «مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن حتى يوتر». وهذا يمكن حمله على الضرورة ، وفي
المصباح يستحب ان يصلي بعد ركعتي الوتيرة ركعتين من قيام ، وأنكرهما ابن إدريس
استسلافا لان الوتيرة
__________________
خاتمة النوافل كما صرح به الشيخان في المقنعة والنهاية حتى في نافلة شهر
رمضان وهو مشهور بين الأصحاب ، والذي في رواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». ولكنه في سياق الوتر لا الوتيرة. ونسب ابن
إدريس الرواية بالركعتين الى الشذوذ ، وفي المختلف لا مشاحة في التقديم والتأخير
لصلاحية الوقت للنافلة.
أقول : ما ذكره
من ان في الخبر إيماء إلى جواز تقديم الشفع وانه خلاف المشهور صحيح ولكنه بهذا
التقريب يجب حمله على التقية ، لأن المنقول عن العامة أنهم يستحبون تقديم الوتر في
أول الليل فان انتبهوا في آخر الليل صلوا صلاة الليل وأوتروا فصلوا وترين في ليلة
وإلا احتسبوا بما قدموه والاخبار قد نفت عليهم فعل وترين في ليلة واحدة إلا ان
يكون أحدهما قضاء ومما يشير الى ذلك ما في صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال لا غير اني
أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». قال في الوافي : فيه رد على
العامة فإنهم أبدعوا وترا بعد صلاة العشاء يحسبونه من صلاة الليل إذا لم يستيقظوا
آخر الليل فان استيقظوا أعادوها فيصلون وترين في ليلة. انتهى. واما ما ذكره ـ من
دلالة خبر زرارة على ذلك ايضا حتى انه تأوله بحمله على الضرورة ـ فقد تقدم الكلام
فيه منقحا وبينا ان المراد بالوتر هنا انما هي الوتيرة التي تستحب بعد العشاء فلا
إشكال في الخبر المذكور. واما ما نقله عن ابن إدريس ـ من إنكاره لما ذكره الشيخ
ونسبة الرواية إلى الشذوذ ـ ففيه ان ما دل على الصلاة بعد الوتيرة ليس منحصرا في
رواية الشيخ المذكورة بل هو مدلول الخبر الذي هو محل البحث وصحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة في صدر المقدمة إلا ان ظاهر
__________________
قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة أو حسنته المشار إليها في كلامه «وليكن
آخر صلاتك وتر ليلتك» هو ان خاتم صلاة تلك الليلة الوتيرة ، واستبعاد إطلاق الوتر
على الوتيرة كما يفهم من كلامه مدفوع بما تقدم في الفائدة السادسة من الاخبار
الدالة على صحة هذا الإطلاق وان كان سياق الخبر انما هو في الوتر الذي في آخر
الليل والكلام في قضائه إلا انه لا منافاة في ذلك ، وبالجملة فالكلام في المسألة
غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.
وقال المحدث
الكاشاني في الوافي ذيل الخبر المشار اليه : لعل المراد انه صلى ركعة فصارت مع
اللتين صلاهما جالسا شفعا فتصيران نافلة الفجر فقوله «واحتسب بالركعتين» بيان
لعدهما واحدة لتصيرا مع هذه شفعا ، وفي بعض النسخ «صلى ركعتين» فيكون المراد فصارت
صلاته هذه شفعا وهي مع اللتين صلاهما جالسا تحتسب بصلاة الوتر لأنهما تعدان بواحدة
وربما يوجد «سبعا» مكان «شفعا» وكأنه تصحيف انتهى. ولا يخلو من اضطراب وتناقض.
والذي يقرب
عندي في معنى الخبر المذكور ان الركعتين اللتين صلاهما (عليهالسلام) بعد العشاء بلا فصل وقرأ فيهما مائة آية هما ركعتا
الوتيرة بقرينة قراءة مائة آية التي قد ورد في غير هذا الخبر استحبابها فيها
وقرينة قوله «ولا يحتسب بهما» يعني من صلاة الليل كما تقدم ذكره ، واما الركعتان
من جلوس اللتان بعدهما فان الغرض منهما انه متى لم يستيقظ حتى يطلع الفجر فإنه
يضيف إليهما ركعة من قيام كما في إحدى الروايتين أو ركعتين يعني من جلوس كما في
الرواية الأخرى ويحتسب بذلك عن صلاة الفجر ، واما قوله «واحتسب بالركعتين» فهو
راجع الى الوتيرة بقرينة قوله «اللتين صلاهما بعد العشاء» فإنهما اللتان يحتسب
بهما عن الوتر لما عرفت من ان من جملة التعليلات في الوتيرة هو قيامها مقام الوتر
في آخر الليل لو مات ولم يوتر ، ومورد ذلك الخبر وان كان الموت إلا ان ظاهر هذا
الخبر فوات الوقت ايضا ، وكيف كان فالحكمان المذكوران
لا يخلوان من غرابة ولعل ذلك من جملة الرخص الواردة في الشريعة.
ومما يؤيد هذا
الخبر باعتبار دلالته على الزيادة على الوتيرة بعد العشاء الآخرة ما تقدم في حسنة
عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) الى ان قال ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات». وقد
تقدم النقل عن صاحب الوافي أنه حملها على غير الرواتب أو انها قضاء لها والظاهر
حملها على ما دل عليه هذا الخبر ، وكذلك الخبر الذي نقله في الذكرى عن الشيخ في
المصباح إلا ان خبر المصباح تضمن الركعتين من قيام والخبر الذي نحن فيه من جلوس
وخبر ابن سنان مجمل.
(السابعة عشرة)
ـ روى الصدوق (قدسسره) في من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «من قال في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب
ليلة الجمعة ـ وان قال كل ليلة فهو أفضل ـ : اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك
العظيم ان تصلي على محمد وآل محمد وان تغفر لي ذنبي العظيم ـ سبع مرات انصرف وقد
غفر له». وظاهر الشهيد في الذكرى ان محل هذا الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع حيث
قال بعد ذكر الخلاف في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب وذكر روايتي حفص الجوهري وجهم
المتقدمتين في الفائدة الحادية عشرة : ويستحب ان يقال في السجدة بعد السبع ليلة
الجمعة : اللهم إني أسألك ، وساق الدعاء الى آخره ، وهو وهم منه (قدسسره) لما عرفت من الرواية المذكورة التي هي المستند في هذا
الحكم.
(الثامنة عشرة)
ـ المعروف من مذهب الأصحاب ـ وبه صرح جملة منهم ـ ان كل النوافل يسلم فيها على
الركعتين إلا مفردة الوتر وصلاة الأعرابي بل نقل عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس
دعوى الإجماع عليه.
قال في الذكرى
: ومنع في المبسوط من الزيادة على ركعتين اقتصارا على ما نقل
__________________
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته ، وقال في الخلاف ان فعل خالف السنة واحتج
بإجماعنا وبما رواه ابن عمر «ان رجلا سأل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم
الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى». ثم نقل عن ابن عمر عنه (صلىاللهعليهوآله) قال : «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى». ثم قال فدل على
ان ما زاد على مثنى لا يجوز. وظاهر كلامه في الكتابين عدم شرعيته وانعقاده. وهل
يجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟ منع منه في الخلاف والمعتبر اقتصارا على المتفق
عليه من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) ولرواية ابن مسعود عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «انه نهى عن البتراء يعني الركعة الواحدة». وقد ذكر الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار الجمعة
عشر ركعات يقرأ في الركعتين الأوليين الحمد مرة والفلق سبعا وفي الثانية بعد الحمد
الناس سبعا ويسلم ويقرأ آية الكرسي سبعا ثم يصلي ثمان ركعات بتسليمتين يقرأ في كل
ركعة الحمد مرة والنصر مرة والإخلاص خمسا وعشرين مرة ثم يدعو بالمرسوم ، ولم يذكر
سندها ولا وقفت لها على سند من طريق الأصحاب قال ابن إدريس قد روى رواية في صلاة
الأعرابي فإن صحت لا تعدى لأن الإجماع على ركعتين بتسليمة. انتهى ما ذكره في
الذكرى.
أقول : الأظهر
في الاستدلال على الحكم المذكور هو ما أشاروا إليه مما ملخصه ان العبادات توقيفية
متلقاة من صاحب الشرع والذي ثبت وصح عنه ان كل ركعتين بتسليمة خرج منها ركعة الوتر
بالنصوص المستفيضة ، ويزيده تأكيدا ما رواه عبد الله بن
__________________
جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر
عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال : «سألته عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له ان يصلي
اربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال لا إلا ان يسلم بين كل ركعتين». وما رواه ابن إدريس
في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حريز بن عبد الله عن ابي بصير قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) في حديث : وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم». واما
صلاة الأعرابي فلم يثبت طريقها من روايات الأصحاب كما اعترف به شيخنا المذكور
وغيره والخبر الوارد بها عامي لا يمكن تخصيص الاخبار به. والله العالم.
(التاسعة عشرة)
ـ اتفق أصحابنا (رضوان الله عليهم) على ان صلاة الضحى بدعة. قال الشيخ في الخلاف
صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها وخالف جميع الفقهاء في ذلك فقالوا انها سنة ثم قال دليلنا إجماع الفرقة ثم نقل بعض الروايات الدالة
على ذلك من طرقهم. وقال العلامة في المنتهى صلاة الضحى بدعة عند علمائنا خلافا
للجمهور فإنهم أطبقوا على استحبابها.
__________________
واستدل في المنتهى على ذلك بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن
مسلم والفضيل قالوا : «سألناهما (عليهماالسلام) عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا ان النبي
(صلىاللهعليهوآله) قام على منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس
ان الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا
تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ألا وان
كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها الى النار ، ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من
كثير في بدعة».
أقول : ويدل
على ذلك ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ما صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الضحى قط. قال فقلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر
النهار اربع ركعات؟ فقال بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر». أقول
سيأتي الكلام ان شاء الله تعالى في تقديم نافلة الزوال في صدر النهار ، والمراد
بقوله «بعد الظهر» يعني بعد وقت الظهر وهو الزوال لا الصلاة.
وعن بكير بن
أعين عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ما صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الضحى قط». وعن عبد الواحد بن المختار الأنصاري عن ابي
جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الضحى قال أول من صلاها قومك انهم
كانوا من الغافلين فيصلونها ولم يصلها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقال ان عليا (عليهالسلام) مر على رجل وهو يصليها فقال ما هذه الصلاة؟ قال أدعها
يا أمير المؤمنين؟ فقال علي (عليهالسلام) أكون أنهى عبدا إذا صلى». وروى الصدوق في كتاب عيون
الاخبار في حديث رجاء بن ابي الضحاك الذي صحب الرضا (عليهالسلام) من المدينة إلى خراسان قال : «ما رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر». وروى في
الكافي
__________________
في الصحيح عن سيف بن عميرة رفعه قال : «مر أمير المؤمنين (عليهالسلام) برجل يصلي الضحى في مسجد الكوفة فغمز جنبه بالدرة وقال
نحرت صلاة الأوابين تحرك الله. قال فأتركها؟ قال فقال : «أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) وكفى بإنكار علي (عليهالسلام) نهيا».
واما ما رواه
في الكافي عن معاوية بن وهب ـ قال : «لما كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خيمة سوداء من شعر بالأبطح ثم أفاض عليه الماء من جفنة
يرى فيها اثر العجين ثم تحرى القبلة ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قبل ذلك ولا بعد». ـ فحمله في الوافي على ما دل عليه
صحيح زرارة المتقدم من كون ذلك من نافلة الظهر التي يجوز تقديمها صدر النهار. وفيه
انه (صلىاللهعليهوآله) كان مسافرا فرضه التقصير فكيف يصلي نوافل الظهر؟ والأظهر
عندي حمل هذه الصلاة على الشكر لله سبحانه في التوفيق للفتح كما يشير اليه قوله «لم
يركعها قبل ذلك ولا بعد».
واما ما رواه
في كتاب البحار عن كتاب الاختصاص في الموثق عن يونس ابن يعقوب ـ قال : «دخل
عيسى بن عبد الله القمي على ابي عبد الله (عليهالسلام) فلما انصرف قال لخادمه ادعه فانصرف اليه فأوصاه بأشياء
ثم قال يا عيسى بن عبد الله ان الله تعالى يقول «وَأْمُرْ أَهْلَكَ
بِالصَّلاةِ» وانك منا أهل البيت فإذا كانت الشمس من ههنا بمقدارها
من ههنا من العصر فصل ست ركعات ، قال ثم ودعه وقبل ما بين عيني عيسى وانصرف ، قال
يونس بن يعقوب فما تركت الست ركعات منذ سمعت أبا عبد الله
__________________
(عليهالسلام) يقول ذلك لعيسى بن عبد الله». ـ فالظاهر حمله على
التقية أو الاتقاء على الرجل المذكور لئلا يتضرر بترك ذلك. وعلى ذلك يحمل قول أمير
المؤمنين (عليهالسلام) «أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى»
فإنه (عليهالسلام) غير متمكن حسب الواقع من زجرهم عن بدع الثلاثة
المتقدمين وربما احتجوا عليه بالآية المذكورة ، ويشير الى ما ذكرنا قول ابي عبد
الله (عليهالسلام) في مرفوعة سيف بن عميرة «وكفى بإنكار علي (عليهالسلام) نهيا». فإنه ظاهر في ان إنشاده (عليهالسلام) الآية ليس للتجويز وانما هو لما ذكرناه ، وبالجملة فإن
غمزه (عليهالسلام) للرجل بالدرة ودعاءه بان ينحره الله تعالى يعني يذبحه
ظاهر في التحريم ولكنه لما كان الرجل جاهلا غيبا أو معاندا شقيا راجع في السؤال
مرة ثانية فلم ير (عليهالسلام) المصلحة في إظهار ذلك له زيادة على ما قدمه. والمراد
بصلاة الأوابين هي نافلة الزوال كما تقدم نقله عن عبارة الفقه الرضوي ، ونحرها
عبارة عن اختزال هذه الصلاة منها وقطعها فكأنهم نحروها ، وصلاة الضحى عند العامة
أقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات وفعلها وقت اشتداد الحر كذا ذكره في المنتهى.
(فان قيل) انه
لا ريب في استحباب الصلاة وانها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر ويؤيده قوله سبحانه «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ... الآية» فكيف صارت هذه الصلاة بدعة؟
(قلنا) ـ لا
ريب في ان الصلاة خير موضوع الا انه متى اعتقد المكلف في ذلك أمرا زائدا على ما
دلت عليه هذه الدلالة من عدد مخصوص وزمان مخصوص أو كيفية خاصة ونحو ذلك مما لم يقم
عليه دليل في الشريعة فإنه يكون محرما وتكون عبادته بدعة ، والبدعية ليست من حيث
الصلاة وانما هي من حيث هذا التوظيف الذي أعتقده في هذا الوقت والعدد والكيفية من
غير ان يرد عليه دليل فمن أجل ذلك ترادفت الاخبار بالإنكار عليهم في
__________________
ذلك والتصريح بكونها بدعة وضلالة.
(العشرون) ـ قد
ورد في جملة من الاخبار تعيين ما يستحب قراءته في النوافل اليومية :
روى ثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تدع أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا ايها
الكافرون في سبع مواطن : في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال وركعتين بعد المغرب
وركعتين من أول صلاة الليل وركعتي الإحرام والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف». ورواه
في الفقيه مرسلا مقطوعا قال في الكافي ونحوه في التهذيب : وفي رواية اخرى «انه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد
وفي الركعة الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل
يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد».
وعن صفوان
الجمال قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد». بيان
: قد تقدم في كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي ان صلاة الأوابين هي نافلة
الزوال وبه صرح في الفقيه وبذلك صرحت ايضا مرفوعة سيف بن عميرة المتقدمة قريبا
وقوله فيها «نحرت صلاة الأوابين تحرك الله» ومثله في رواية محمد بن مسلم «وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين». وظاهر هذا
الخبر يدل على ان صلاة الأوابين مجموع الخمسين نوافلها وفرائضها وهو غريب لم يسمع
به في غيره من الأخبار ولا في كلام الأصحاب ، قيل
__________________
ولعل المراد بالأوابين الذين يصلون الخمسين فان من يصلي الزوال يبعد ان لا
يصلي البواقي. والمراد بالحديث اما استحباب قراءة هذه السورة في كل ركعة من
الخمسين أو في كل صلاة منها ولو في إحدى الركعتين ، ولعل الثاني أقرب لئلا ينافي
توظيف جملة من السور في الفرائض والنوافل.
وروى في الكافي
عن ابي هارون المكفوف قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر كم اقرأ في الزوال؟ فقال ثمانين آية فخرج
الرجل فقال يا أبا هارون هل رأيت شيخنا أعجب من هذا سألني عن شيء فأخبرته ولم
يسألني عن تفسيره؟ هذا الذي يزعم أهل العراق انه عاقلهم ، يا أبا هارون ان الحمد
سبع آيات وقل هو الله أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات والزوال ثماني ركعات فهذه
ثمانون آية». بيان : في هذا الخبر دلالة على انه يجب الرجوع إليهم (عليهمالسلام) في مجملات الاخبار ومتشابهاتها ولا يجوز الاعتماد في
فهم معانيها على ما يتسارع الى الفهم بل يجب مع عدم إمكان السؤال والفحص والوقوف
على جادة الاحتياط.
وروى الشيخ في
التهذيب عن محسن الميثمي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يقرأ في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل
هو الله أحد وفي الركعة الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون وفي الركعة الثالثة
الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي وفي الركعة الرابعة الحمد وقل هو الله أحد وآخر
البقرة «آمَنَ
الرَّسُولُ ... الى آخرها» وفي الركعة الخامسة الحمد وقل هو الله أحد والخمس آيات من آل
عمران «إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ» وفي الركعة السادسة الحمد وقل هو الله أحد وثلاث آيات
السخرة «إِنَّ
رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلى قوله
إِنَّ
__________________
رَحْمَتَ
اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» وفي الركعة السابعة الحمد وقل هو الله أحد والآيات من
سورة الانعام «وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»
وفي الركعة الثامنة الحمد وقل هو الله أحد وآخر سورة الحشر من قوله «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا
الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ إلى آخرها» فإذا فرغت قلت : اللهم مقلب القلوب والأبصار
ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب
، سبع مرات ثم تقرأ أستجير بالله من النار سبع مرات».
وعن عبد الخالق
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه كان يقرأ في الركعتين بعد العتمة بالواقعة وقل هو الله أحد». ورواه
بطريق آخر في الصحيح عن ابن ابي عمير قال : «كان أبو عبد الله (عليهالسلام) يقرأ. الحديث».
وروى الصدوق في
كتاب المجالس عن أبيه عن الحسن بن أحمد المالكي عن منصور بن العباس عن محمد بن ابي
عمير عن هشام بن سالم عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين
مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله عزوجل ذنب». وروى في التهذيب مرسلا قال : «روى ان من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة
الليل في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه
وبين الله ذنب إلا غفر له». وكذا نقله في الفقيه بلفظ «وروى».
وروى الشيخ في
المصباح مرسلا قال : «روى انه يقرأ في الركعة الأولى
__________________
من نافلة المغرب سورة الجحد وفي الثانية سورة الإخلاص وفي ما عداه ما اختار».
قال : «وروى ان أبا الحسن العسكري (عليهالسلام) كان يقرأ في الركعة الثالثة الحمد وأول الحديد الى
قوله وَهُوَ
عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر».
وروى في الكافي
عن ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الوتر ما يقرأ فيهن جميعا؟ قال ب قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ ... قلت في ثلاثتهن؟ قال نعم». وقال في الفقيه : «وروى ان من قرأ في الوتر بالمعوذتين وقُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ قيل له أبشر يا
عبد الله فقد قبل الله وترك». وروى في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن يقطين قال : «سألت العبد الصالح (عليهالسلام) عن القراءة في الوتر وقلت ان بعضا روى قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ في الثلاث
وبعضا روى المعوذتين وفي الثالثة قُلْ
هُوَ اللهُ أَحَدٌ؟ فقال اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد». وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان ابي يقول قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن وكان يحب ان يجمعها في الوتر ليكون
القرآن كله».
وروى الشيخ في
الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اقرأ في ركعتي الفجر أي سورتين أحببت ، وقال اما
انا فأحب ان اقرأ فيهما ب قُلْ
هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ
يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ». وعن يعقوب بن سالم البزاز قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا
الْكافِرُونَ وفي الثانية قُلْ
هُوَ اللهُ أَحَدٌ».
بيان : توضيح
الكلام في ما يستفاد من هذه الاخبار يقع في مواضع :
(الأول) ـ في
حكم صلاة الزوال وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة التي بعدها على حكم
الركعتين الأوليين منها وان السنة فيها ان يقرأ في الركعة الأولى
__________________
بالتوحيد والثانية بالجحد ، ودلت رواية أبي هارون المكفوف على التوحيد في
الجميع ودلت رواية الميثمي بالنسبة إلى الأوليين على ما دلت عليه رواية معاذ بن
مسلم مع المرسلة المذكورة بعدها وبالنسبة إلى الباقي منها على زيادة الآيات
المذكورة على التوحيد ، ولا منافاة فإن رواية أبي هارون محمولة على الجواز
والروايتين الأخريين على الفضل والاستحباب ، ويؤيده أيضا قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي بعد ذكر صلاة الليل : «واقرأ في الركعة الأولى بفاتحة
الكتاب وقل هو الله أحد وفي الثانية بقل يا ايها الكافرون وكذلك في ركعتي الزوال
وفي الباقي ما أحببت».
(الثاني) ـ في
حكم نافلة المغرب وقد دلت رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة المذكورة التي على أثرها
على التوحيد في الركعة الاولى والجحد في الثانية والمرسلة التي ذكرها الشيخ في
المصباح على العكس والمرسلة التي نقلها عن العسكري (عليهالسلام) على الآيتين بعد الحمد في الركعتين الأخيرتين ،
والأقرب في الركعتين الأوليين هو الأول والظاهر ترجيحه بعمل الأصحاب على الرواية
المذكورة في جميع ما تضمنته مضافا الى أنها مسندة صحيحة أو حسنة نقلها الأكثر منهم
وضعف ما عارضها بالإرسال وقلة الناقل لها. وذكر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح
الفلاح انه يقرأ في الأوليين بعد الحمد التوحيد ثلاثا في الاولى والقدر في الثانية
، قال : وان شئت قرأت في الأولى الجحد وفي الثانية التوحيد. والأول لم أقف له على
مستند والثاني مستنده المرسلة المشار إليها
(الثالث) ـ في
حكم الوتيرة وقد عرفت دلالة الروايتين المتقدمتين على قراءة الواقعة فيهما مع
التوحيد ، وفي بعض الاخبار المتقدمة يقرأ فيهما مائة آية ويمكن حمله على الروايتين
المذكورتين.
(الرابع) ـ حكم
الركعتين الأوليين من صلاة الليل وقد اختلف في ذلك كلام أصحابنا ، فنقل شيخنا في
الذكرى عن الرسالة والنهاية انه يقرأ في أوليي صلاة
__________________
الليل في الأولى التوحيد وفي الثانية الجحد ، قال وفي موضع آخر منهما قدم
الجحد وروى العكس وكذا في المبسوط ، ونقل في الكتاب المذكور عن الشيخ المفيد وابن
البراج في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد وفي الثانية ثلاثون مرة الجحد ، وابن إدريس
في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة التوحيد ، قال وقد روى ان في الثانية الجحد
والأول أظهر ، قال في الذكرى بعد نقل ما ذكرناه : قلت الكل حسن والبحث في الأفضلية
وينبغي للمتهجد ان يعمل بجميع الأقوال في مختلف الأحوال. انتهى.
أقول : قد عرفت
ان الذي وردت به الاخبار في المقام هو سورة التوحيد والجحد مرة مرة بتقديم التوحيد
كما في المرسلة المتقدم نقلها عن الكافي والتهذيب ذيل رواية معاذ بن مسلم وعبارة
كتاب الفقه الرضوي ، أو سورة التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين كما تقدم في
رواية كتاب المجالس ومرسلة الشيخ والصدوق ، واما القول بالثلاثين في الجحد في
الركعة الثانية ـ كما نقله عن الشيخ المفيد أو مرة مع التوحيد ثلاثين مرة في
الأولى كما ذكره شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح فلم نقف له على دليل ، قال
الصدوق في الفقيه في باب صلاة الليل : ثم صل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وقل هو
الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون وتقرأ في الست ركعات ما أحببت ان
شئت طولت وان شئت قصرت ، وروى ان من قرأ في الركعتين الأوليين ثم ، ساق المرسلة
المتقدم نقلها عن الشيخ وعنه ، وحينئذ فالتعارض واقع بين هاتين الروايتين في
المقام ، وظاهر كلامه في الذكرى حمل رواية الثلاثين على سعة الوقت ورواية التوحيد
والجحد على ضيقه كما يشير اليه قوله مختلف الأحوال. وهو جيد.
(الخامس) ـ في
حكم الوتر وفيها روايات : الاولى التوحيد في الثلاث. والثانية المعوذتين في
الأوليين والتوحيد في الثالثة وقد تقدم في الاخبار. والثالثة ما رواه في التهذيب
عن ابي الجارود عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول كان علي (عليه
__________________
السلام) يوتر بتسع سور». قيل لعل المراد انه (عليهالسلام) كان يقرأ في كل من الثلاث بكل من الثلاث والرابعة ما
ذكره الشيخ في المصباح قال : «روى ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي الثلاث ركعات بتسع سور في الأولى ألهيكم
التكاثر وانا أنزلناه وإذا زلزلت وفي الثانية الحمد والعصر وإذا جاء نصر الله وانا
أعطيناك الكوثر وفي المفردة من الوتر قل يا ايها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد». أقول
: يمكن حمل رواية أبي الجارود على هذه الرواية ان ثبت كونها من طرقنا وحينئذ فترجع
الروايتان إلى رواية واحدة. والخامسة ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي قال : «وتقرأ في ركعتي الشفع سبح اسم ربك وفي الثانية
قل يا ايها الكافرون وفي الوتر قل هو الله أحد». وأكثر الاخبار على الرواية الاولى
ثم الرواية الثانية وباقي الروايات لا تخلو من الشذوذ ، وتحقيق المقام كما ينبغي
يأتي ان شاء الله تعالى.
المقدمة الثالثة في المواقيت
والكلام فيها
يقع في مقاصد أربعة (الأول) في مواقيت الفرائض الخمس ، وتفصيل البحث فيه يقع في
مسائل :
(الاولى) ـ اجمع
المسلمون على ان كل صلاة من الصلوات الخمس موقتة بوقت لا يجوز التقدم عليه ولا
التأخر عنه ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كاد ان يكون إجماعا ان
لكل صلاة وقتين أولا وآخرا سواء في ذلك المغرب وغيرها
وقد وقع الخلاف
هنا في موضعين (الأول) ما نقله في المختلف عن ابن البراج انه قال وفي أصحابنا من
ذهب الى انه لا وقت للمغرب إلا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب. أقول : ولعل
المستند لهذا القول هو ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت المغرب فقال
__________________
ان جبرئيل اتى النبي (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحد
ووقتها وجوبها». أقول : يعني سقوطها كقوله سبحانه «فَإِذا وَجَبَتْ
جُنُوبُها» والضمير راجع الى الشمس بقرينة المقام.
وعن أديم بن
الحر في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ان جبرئيل أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالصلوات كلها فجعل لكل صلاة وقتين غير المغرب فإنه
جعل لها وقتا واحدا».
وروي في الكافي
في الصحيح عن زرارة والفضيل قالا : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) ان لكل صلاة وقتين غير المغرب فان وقتها واحد ووقتها
وجوبها ووقت فوتها سقوط الشفق».
قال في الكافي : «وروى ايضا ان لها وقتين آخر وقتها سقوط الشفق». ثم
قال : وليس هذا مما يخالف الحديث الأول ان لها وقتا واحدا لان الشفق هو الحمرة
وليس بين غيبوبة الشمس وبين غيبوبة الحمرة إلا شيء يسير ، وذلك ان علامة غيبوبة
الشمس بلوغ الحمرة القبلة وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين غيبوبتها إلا قدر ما
يصلي الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاها على تؤيده وسكون وقد تفقدت ذلك غير
مرة ولذلك صار وقت المغرب ضيقا. انتهى. ومثله الشيخ في التهذيب وقال انما نفى
بالخبرين سعة الوقت
أقول : ومما
يدل على الامتداد الى غروب الشفق رواية إسماعيل بن مهران قال : «كتبت الى الرضا (عليهالسلام) الى ان قال فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق
وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض في أفق المغرب». وروى الشيخ عن ابن
سنان ـ يعني عبد الله ـ عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك
النجوم». وفي رواية ذريح عن ابي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) «ان جبرئيل اتى النبي (صلىاللهعليهوآله) في الوقت الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق». وعن
إسماعيل بن جابر في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى
سقوط الشفق».
وحمل أصحابنا (رضوان
الله عليهم) الأخبار الأولة على أفضلية الإسراع بها في أول الوقت. وقال في كتاب
الوافي بعد نقل كلام صاحب الكافي : أقول : والذي يظهر لي من مجموع الاخبار
والتوفيق بينها ان مجموع هذا الوقت هو الوقت الأول للمغرب واما الوقت الثاني لها
فهو من سقوط الشفق الى ان يقي مقدار اربع ركعات الى انتصاف الليل وانما ورد نفى
وقتها الثاني في بعض الاخبار لشدة التأكيد والترغيب في فعلها في الوقت الأول زيادة
على الصلوات الأخر حتى كأن وقتها الثاني ليس وقتا لها إلا في الاسفار وللمضطرين
وذوي الأعذار. انتهى. وهو جيد ويرجع بالأخرة الى ما ذكره الأصحاب
(الثاني) ـ ان
المشهور بين المتأخرين من المحقق والعلامة ومن تأخر عنهما وهو المنقول عن المرتضى
وابن إدريس في الوقتين اللذين لكل فريضة ان الأول للفضيلة والثاني للاجزاء ، وذهب
الشيخان وابن ابي عقيل وأبو الصلاح وابن البراج ومن متأخري المتأخرين المحدث
الكاشاني ان الوقت الأول للمختار والثاني للمضطرين وذوي الأعذار قال في المبسوط
والعذر أربعة : السفر والمطر والمرض وشغل يضر تركه بدينه أو دنياه ، والضرورة خمسة
: الكافر يسلم والصبي يبلغ والحائض تطهر والمجنون يفيق والمغمى عليه يفيق. قال في
المدارك : واختلف الأصحاب في الوقتين فذهب الأكثر ومنهم المرتضى وابن الجنيد وابن
إدريس وسائر المتأخرين إلى أن الأول للفضيلة والآخر للاجزاء ، وقال الشيخان الأول
للمختار والآخر للمعذور والمضطر ، والأصح الأول لقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «وأول الوقتين أفضلهما». والمفاضلة تقتضي الرجحان
__________________
مع التساوي في الجواز.
أقول : لا يخفى
على من اعطى التأمل حقه في الاخبار والتدبر قسطه من النظر فيها بعين التفكر
والاعتبار وأحاط علما بما جرى في هذا المضمار ان الأصح من القولين المذكورين هو
الثاني ، وحيث ان المسألة المذكورة لم يعطها أحد من الأصحاب حقها من التحقيق ولم
يلج أحد منهم في لجج هذا المضيق فحري بنا ان نرخي عنان القلم في ساحة هذا المضمار
ونذكر جميع ما وقفنا عليه من الاخبار ونميز القشر فيها من اللباب ونحقق ما هو الحق
فيها والصواب بتوفيق الملك الوهاب :
فنقول : من
الاخبار الدالة على القول المختار ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله
وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في عذر من غير علة». قال في الوافي قوله :
«من غير علة» بدل من قوله «إلا في عذر».
ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون
إلا عن ذنب».
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «انا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال من أخطأ وقت
الصلاة فقد هلك وانما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها».
أقول : ذكر هذه المعدودات خرج مخرج التمثيل لا الحصر فلا ينافي ما تقدم في كلام
الشيخ.
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما
__________________
ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير
ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس الى
ان تشتبك النجوم وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة».
وما رواه ايضا
عن إبراهيم الكرخي قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) متى يدخل وقت الظهر؟ وساق الخبر كما سيأتي ان شاء الله
تعالى بتمامه في موضعه الى ان قال : متى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان
تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو ان رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة
والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا من غير
علة لم تقبل منه ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقت للصلوات المفروضات أوقاتا وحد لها حدودا في سنته
للناس فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان كمن رغب عن فرائض الله تعالى».
ومنها ـ ما
رواه في الكافي عن داود بن فرقد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) قوله تعالى «إِنَّ الصَّلاةَ
كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً»
قال كتابا ثابتا ، وليس ان عجلت قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم
تضيع تلك الإضاعة فإن الله عزوجل يقوم لقوم : أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا
الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» . قال بعض المحدثين أريد التعجيل والتأخير اللذان يكونان
في طول أوقات الفضيلة والاختيار لا اللذان يكونان خارج الوقت وأريد بالإضاعة
التأخير عن وقت الفضيلة بلا عذر. انتهى. وهو جيد.
__________________
ومنها ـ ما
رواه في التهذيب عن ابى بصير في الموثق قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان الموتور اهله وماله من ضيع صلاة العصر. قلت وما
الموتور؟ قال لا يكون له أهل ومال في الجنة. قلت وما تضييعها؟ قال يدعها حتى تصفر
أو تغيب». ومثله روى في الفقيه عن ابي بصير .
ومنها ـ ما في
كتاب الفقه الرضوي قال : «اعلم ان لكل صلاة وقتين أول وآخر فأول الوقت
رضوان الله وآخره عفو الله ، ويروى ان لكل صلاة ثلاثة أوقات أول ووسط وآخر فأول
الوقت رضوان الله ووسطه عفو الله وآخره غفران الله وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد
ان يتخذ آخر الوقت وقتا انما جعل آخر الوقت للمريض والمعتل والمسافر». وقال فيه
ايضا بعد ذلك بعد ان ذكر صلاة الظهر في استقبال القدم الثالث والعصر في استقبال
القدم الخامس «فإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو قاض بعد الوقت» وقال أيضا في
الباب المذكور بعد ذلك «ان لكل صلاة وقتين أولا وآخرا كما ذكرنا في أول الباب وأول
الوقت أفضلهما وانما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته
ونفسه وماله. الى آخره». وقال في موضع آخر ايضا بعد ما ذكر التحديد بالقدمين
والأربعة : «وقد رخص للعليل والمسافر منها الى ان يبلغ ستة أقدام وللمضطر الى مغيب
الشمس».
فهذه جملة من
الاخبار العلية المنار واضحة الظهور على القول المذكور ولم نقف في الاخبار على ما
يعارضها صريحا ، وغاية ما ربما يتوهم منه المنافاة إطلاق بعض الاخبار القابل
للتقييد بهذه الأخبار كاخبار امتداد وقتي الظهرين الى الغروب كما سيأتي ان شاء
الله تعالى إيضاحه. واما ما ذكروه في المدارك وقبله غيره من الاحتجاج على ما ذهبوا
إليه بالأخبار الدالة على أفضلية أول الوقتين فلا منافاة فيها كما أوضحه المحدث
الكاشاني في كتاب الوافي حيث قال بعد نقل صحيحة عبد الله بن سنان ـ ونعم ما قال ـ :
والمستفاد
__________________
من هذا الخبر وما في معناه ان الوقت الأول للمختار والثاني للمضطر كما فهمه
صاحب التهذيب وشيخه المفيد. ويؤيده أخبار أخر يأتي ذكرها ، ولا ينافي ذلك كون
الأول أفضل وكون الثاني وقتا لان ما يفعله المختار أفضل مما يفعله المضطر ابدا
وكما ان العبد يقدر التقصير متعرض للمقت من مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل
مستوجب للبعد عنه ، نعم إذا كان الله هو الذي عرضه للحرمان فلا يعاتبه عليه لان ما
غلب الله عليه فالله اولى بالعذر ، فالوقت الثاني أداء للمضطر ووقت له وفي حقه بل
المضطر ان كان ناسيا أو نائما فالوقت في حقه حين يتفطن أو يذكر وذلك لانه غير
مخاطب بتلك الصلاة في حال النوم والنسيان فان الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها. الى
آخره.
أقول : ومما
يؤيد ما ذكرناه ويؤكد ما سطرناه ما ورد بطريقين ـ أحدهما ما رواه في الكافي في
الصحيح والآخر بسند فيه العبيدي عن يونس ـ عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «يا ابان هذه الصلوات الخمس المفروضات من اقام
حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن
لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذاك اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه».
وما رواه في
الفقيه مرسلا قال : «دخل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المسجد وفيه ناس من أصحابه فقال أتدرون ما قال ربكم؟
قالوا الله ورسوله اعلم. فقال ان ربكم جل جلاله يقول ان هذه الصلوات الخمس
المفروضات من صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم القيامة وله عندي عهد ادخله به
الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن فذاك الي ان شئت عذبته وان شئت غفرت له».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) «ان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول
__________________
حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها
وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله».
والتقريب في
هذه الاخبار ان المراد بهذه المواقيت المأمور بالمحافظة عليها هي الأوقات الأوائل
وهي أوقات الفضائل بلا ريب ولا اشكال وهي التي تتصف فيها الصلاة بمزيد الشرف
والكمال والقبول من حضرة ذي الجلال ، وان الأوقات الأخيرة متى لم يكن التأخير
إليها ناشئا عن عذر من تلك الأعذار المذكورة جملة منها في الاخبار فصاحبها مستوجب
لمزيد البعد منه سبحانه كما دلت عليه هذه الاخبار وانه داخل تحت المشيئة بمعنى انه
ليس ممن يستحق بعمله ذلك الجزاء بالثواب وما أعده الله تعالى على تلك العبادة من
الأجر الذي لا تحيط به الألباب بل هو من المرجئين لأمر الله ان شاء عذبه بتقصيره
وتأخيره الصلاة عن ذلك الوقت الأول وان شاء عفى عن تقصيره بكرمه ورحمته ، وهذا ما
تضمنه حديث الفقيه المتقدم من ان «آخر الوقت عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب»
ولا جائز ان يحمل هذا الوقت الأخير الذي جعل صاحبه تحت المشيئة على خارج الوقت
الذي هو المشهور عندهم وهو ما بعد غروب الشمس بالنسبة إلى الظهرين مثلا كما ربما
يتوهمه بعض معكوسي الأذهان ومن ليس من فرسان هذا الميدان ، فإنه لو كان كذلك لم
يحكم على صاحبه بأنه تحت المشيئة بل يجب الحكم عليه بالفسق بل الكفر كما دلت عليه
الاخبار المتقدمة من ان «تارك الصلاة عمدا كافر». فهو مستحق لمزيد النكال
والعذاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
ومما يزيد ذلك
تأييدا ويعليه تشييدا الأخبار الواردة في وضع الأوقات واشارة جبرئيل بها على النبي
(صلىاللهعليهوآله) فإنها إنما تضمنت أوائل الأوقات خاصة دون أواخرها ،
ففي موثقة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه أتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة
فأمره فصلى العصر ثم
__________________
أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى
العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل
قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه
حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم
أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح ثم قال ما بينهما وقت». ونحو هذه الرواية
غيرها ايضا ، والظاهر ان وضع هذه الأوقات في أول الأمر للمكلفين ثم حصلت الرخصة
لذوي الاعذار والاضطرار بالوقت الثاني بعد ذلك كما سيأتي بيانه ان شاء الله ،
تعالى ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين الاخبار الدالة على الوقتين بحمل ما دل
على الثاني على ذوي الاعذار والاضطرار وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدا على ذلك.
قال المحدث
الكاشاني في الوافي بعد نقل الأخبار المتقدمة : بيان ـ انما اقتصر في هذه الاخبار
على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض لبيان أواخرها لان أواخر الأوقات الأوائل تعرف
من أوائل الأوقات الأواخر وأواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها ، أو نقول لم يؤت
للأوقات الأواخر بتحديد تام لأنها ليست بأوقات حقيقة وانما هي رخص لذوي الأعذار
كخارج الأوقات لبعضهم وانما اتى بأوائلها ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان
بيانها من المهمات وأهمل أواخرها لأنها تضييع للصلاة ، وعلى الثاني لا خفاء في
قوله : «ما بينهما وقت» في الحديث الأول وقوله «ما بين هذين الوقتين وقت» في
الحديث الأخير ، واما على الأول فلا بد لهما من تأويل بأن يقال يعني بذلك ان ما
بينهما وبين نهايتهما وقت ، وبالجملة لا تستقيم هذه الاخبار إلا بتأويل.
وأنت خبير بما
فيه فان ما ذكره من الاحتمال بأن أواخر الأواخر كانت معلومة من غيرها ممنوع لان
هذه الاخبار دالة على ان ذلك بعد وضع الأوقات للصلوات ومقتضاه انه قبل ذلك الوقت
لم يتعين شيء من الأوقات لها فمن اين تكون أواخر الأواخر معلومة يومئذ؟ بل الوجه
في معنى الأخبار المذكورة والجمع بينها وبين تلك
الأخبار الدالة على الامتداد الى آخر الوقت الثاني انما هو ما ذكرناه ثانيا
وهو وجه وجيه لا يداخله الشك ولا يعتريه ، وحينئذ فلا يحتاج الى ما تكلفه أخيرا من
التطبيق والتشديد بناء على ما ذكره من الاحتمال الأول فإنه كما عرفت بعيد وغير
سديد.
ومن الاخبار
الدالة على ما اخترناه أيضا جملة من الاخبار الصحاح الدالة على ان وقت الظهر من
زوال الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت العصر الى ان يذهب قامتين والأصحاب وان حملوها على أوقات الفضيلة جمعا بينها وبين
ما دل على ان لكل صلاة وقتين والاخبار الدالة على امتداد الوقتين الى الغروب فليس بأولى من حملنا لها على المختار وحمل ما عارضها
على ذوي الاعذار والاضطرار ، بل ما ذكرناه هو الأولى لتأيده بما عرفت من الاخبار
ولا سيما روايات وضع الأوقات وروايات دخول أصحاب الوقت الثاني تحت المشيئة .
واما ما أجاب
به جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا الشهيد في الذكرى عما رواه الصدوق من قوله (عليهالسلام) «أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله». ـ من جواز
توجيه العفو بترك الاولى مثل «عفى الله عنك» وزاد الفاضل الخراساني انه يمكن الجواب أيضا بأنه يجوز
ان يكون المراد الصلاة في آخر الوقت توجب غفران الذنوب والعفو عنها ـ ففيه (أولا)
ان تتمة الخبر تنادي بأن العفو لا يكون إلا عن ذنب وهو صريح في كون التأخير موجبا
للتأثيم فكيف يحمل العفو على ترك الاولى؟ وقياس الخبر على الآية قياس مع الفارق
لظهور قرينة المجاز في الآية من حيث عصمته (صلىاللهعليهوآله) وصراحة الخبر فيما ذكرناه باعتبار تتمته ، وأبعد من
ذلك الاحتمال الثاني فإنه مما لا ينبغي ان يصغى اليه ولا يعرج في مقام التحقيق
عليه. و (ثانيا) ـ الأخبار التي قدمناها الدالة على ان من لم يحافظ على ذلك
__________________
الوقت كان لله فيه المشيئة ان شاء غفر له وان شاء عذبه بتقصيره في التأخير
إلى الوقت الأخير فإنه صريح في استحقاق العقوبة بالتأخير لغير عذر إلى الأوقات
الأخيرة.
ومن الاخبار
الدالة على الحث على الوقت الأول أيضا زيادة على ما قدمناه وان التأخير عنه الى
الثاني لغير عذر موجب للتضييع ما رواه الصدوق في كتاب المجالس في الموثق عن عمار
الساباطي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام
حدودها رفعها الملك الى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به حفظك الله كما حفظتني
فأستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما ، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم
حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك
الله كما لم ترعني. الحديث».
وروى الشيخ أبو
علي في المجالس وغيره في غيره ونحوه في كتاب نهج البلاغة أيضا فيما كتب أمير
المؤمنين (عليهالسلام) لمحمد بن ابي بكر (رضياللهعنه) «ارتقب وقت الصلاة فصلها لوقتها ولا تعجل بها قبله لفراغ ولا تؤخرها عنه
لشغل فان رجلا سأل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أوقات الصلاة فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر
حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أتاني وقت العصر فكان ظل كل شيء مثله
ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ثم صلى العشاء الآخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح
فأغلس بها والنجوم مشتبكة ، فصل لهذه الأوقات والزم السنة المعروفة والطريق الواضح
، الى ان قال واعلم ان لكل شيء من عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة كان لغيرها
أضيع».
وروى في كتاب
ثواب الأعمال قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لفضل الوقت الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده وماله».
وقال في حديث آخر
__________________
قال الصادق (عليهالسلام) «فضل الوقت الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا».
وفي صحيحة
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها
فلا يضرك». أقول : المراد بغير وقتها يعني غير وقت الفضيلة وهو الوقت الأول لأن
السفر أحد الأعذار كما تقدم ، ويظهر من جملة من الاخبار ما ذكر في المقام وما لم
يذكر ولا سيما الخبر الأخير ان أكثر إطلاق لفظ الوقت انما هو على هذا المعنى اعني
الوقت الأول خاصة إلا مع القرينة الصارفة عنه.
وقد استفيد من
الاخبار المذكورة في المقام بضم بعضها الى بعض ان المراد بالوقت المرغب فيه وهو
الذي يكون للعبد فيه عهد عند الله سبحانه بإيقاع الصلاة فيه انما هو الوقت الأول
وان ترتب الفضل فيه أيضا أولا فأولا وهو الوقت الذي أول ما فرض وان كان الثاني
وقتا في الجملة ، وان التأخير الى الثاني ان كان لضرورة أو عذر فلا اشكال ولا ريب
في كونه وقتا له وانه غير مؤاخذ بالتأخير وان كان فضله أقل وثوابه انقص ، وان كان
لا كذلك فهو تضييع للصلاة وان وقعت فيه أداء وأسقطت القضاء إلا ان صاحبها تحت
المشيئة بسبب تقصيره في التأخير فإن شاء الله عفى عنه وقبل منه وان شاء عذبه ،
وملخصه أن وقتية هذا الوقت الثاني أولا وبالذات انما هي لأصحاب الاعذار والاضطرار
ورخصة لهم من حيث ذلك وان أجزأت لغيرهم مع استحقاقهم البعد والمؤاخذة من الله
سبحانه إلا ان يعفو بفضله وكرمه ، والى ما ذكرنا يشير كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب الفقه حيث قال : «وانما جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت
رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة للقوى الفارغ لعلة الضعيف والمعلول». ثم
أطال بذكر بعض النظائر ومرجعه الى ما ذكرناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه
__________________
وان كان خلاف المشهور لظهوره من الاخبار كالنور على الطور.
ومما حققناه في
المقام يعلم الوجه فيما نقل عن شيخنا مفيد الطائفة المحقة ورئيس الفرقة الحقة (قدسسره وأعلى في جوار أئمته مقعده) في كتاب المقنعة حيث حكم
انه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو
ما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه. والأصحاب بهذه العبارة نسبوا اليه وجوب المبادرة
في أول الوقت وجعلوه مخالفا لما هو المشهور عندهم من الاستحباب حيث ان الصلاة من
الواجبات الموسعة. أقول : وصورة عبارته لا تحضرني الآن إلا ان الظاهر ان بناء
كلامه انما هو على ما نحن فيه من ان الوقت الشرعي للمختار انما هو الوقت الأول
والثاني انما هو من قبيل الرخص لأصحاب الاعذار وهو تضييع بالنسبة إلى غيرهم ومن
أجل ذلك أوجب الصلاة في ذلك الوقت الذي هو الوقت الشرعي له غاية الأمر أنه ان بقي
إلى الوقت الثاني وأداها فيه عفى عن ذنبه ، وكلامه هذا وان كان خلاف ما هو المشهور
بينهم إلا انه هو الموافق لمذهبه في المسألة والمطابق لما ذكرناه وحققناه من
الاخبار كما عرفت واما ما ذكره الشيخ في التهذيب في شرح هذا الموضع ـ مما يشعر بان
الخلاف بينه وبين الأصحاب لفظي حيث استدل له بالأخبار الدالة على فضل الوقت الأول
وحمل الوجوب في كلامه على ما يستحق به اللوم والعتاب دون ما يستحق به العقاب ـ فهو
من غفلاته الناشئة عن استعجاله في التأليف فإن الأدلة ـ كما عرفت ـ ظاهرة منطبقة
على كلامه (قدسسره) كالمرسلة المروية من الفقيه وصحيحة أبان بن تغلب
والروايات التي بعدها لا ما أورده من الروايات الدالة على مجرد أفضلية الوقت الأول
، وسيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة آخر وقت الظهر ما فيه مزيد تأكيد لما ذكرناه
وتشييد لما أسسناه.
تتمة
وجدت في بعض
الكتب المشتملة على جملة من رسائل شيخنا الشهيد الثاني وجملة
من الأسئلة وأجوبتها والظاهر ايضا انها له (قدسسره) على صورة سؤال وجواب بهذه الكيفية : مسألة ـ قيل ان
تأخير الصلاة الى آخر الوقت لا يجوز إلا لذوي الأعذار فهل يأثم غيرهم على هذا
القول فيجتمع الأداء والإثم أم لا؟ فان كان الأول فقد اجتمعا وان كان الثاني فقد
ورد «أول الوقت رضوان الله وأخره عفو الله». فعلى ما يحمل الخبر؟ الجواب : المشهور
بين المتأخرين اشتراك وقت الفرضين على الوجه الذي فصلوه جمعا بين الاخبار وان دل
بعضها على ذلك وبعضها على اختصاص كل واحدة بوقت مع الاختيار بحمل هذه على الفضيلة
، وخالف جماعة فحكموا باختصاص جواز التأخير بذوي الاعذار ، وعليه فمن أخر لا لعذر
اثم ويبقى أداء ما دام وقت الاضطرار باقيا ، والخبر الذي ذكرتموه ظاهر في هذا
القول لان العفو يقتضي حصول الذنب وأصحاب القول الأول حملوه على المبالغة في
الكراهة ونقصان الثواب. انتهى.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اختصاص الظهر من أول الوقت
بمقدار أدائها ثم اشتراك الوقت بين الفرضين الى ان يبقى مقدار أداء العصر قبل
الغروب فيختص به العصر ، وهكذا في المغرب والعشاء يختص المغرب من اوله بثلاث ركعات
ثم يشترك الوقتان الى ان يبقى من الانتصاف قدر صلاة العشاء فتختص به. ونقل عن
الصدوق في الفقيه القول باشتراك الوقتين من أول الوقت الى آخره لنقله الأخبار
الدالة على الاشتراك من أول الوقت الى آخره وعدم نقل ما يخالفها وإلا فإنه لم يصرح
بذلك في الكتاب ولو بالإشارة ، وغاية ما يمكن التعلق به في هذه النسبة هو ما
ذكرناه وهو لا يخلو من اشكال ، حيث انهم نقلوا عنه الاشتراك من أول الوقت الى آخره
كما هو ظاهر الاخبار المذكورة مع ان كلامه في الفقيه كما سيأتي نقله ان شاء الله
تعالى صريح في اختصاص آخر الوقت بالفريضة الأخيرة كما هو القول المشهور ونقله
المرتضى (رضياللهعنه) في المسائل الناصرية عن الأصحاب ، حيث قال : يختص
أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا الا ان الظهر
قبل العصر ، قال وتحقيق هذا الموضع انه إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا
المقدار اشترك الوقتان ومعنى ذلك انه يصح ان يؤدى في هذا الوقت المشترك الظهر
والعصر بطوله والظهر مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار اربع ركعات خرج وقت الظهر وخلص
للعصر. قال العلامة في المختلف وعلى هذا التفسير الذي ذكره السيد يزول الخلاف.
وكيف كان
فالواجب هو بسط الأخبار الواردة في المسألة ونقل ما ذكروه وبيان ما فيه من صحة أو
فساد وتحقيق ما هو الحق المطابق للسداد :
فنقول من
الاخبار الدالة على ما نسبوه الى الصدوق ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن
ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فإذا
غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».
وعن عبيد بن
زرارة في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر والعصر فقال إذا زالت الشمس دخل وقت
الصلاتين الظهر والعصر جميعا إلا ان هذه قبل هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى
تغيب الشمس».
وروى الشيخ في
التهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»
قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها زوال الشمس الى انتصاف
الليل : منها ـ صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه
قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه
قبل هذه». وروى العياشي في تفسيره عن عبيد بن زرارة مثله .
وروى الشيخان
في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابى عبد الله (عليه
__________________
السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه
قبل هذه».
وروى في
التهذيب عن الصباح بن سيابة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
وعن مالك
الجهني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين».
وروى في الفقيه
قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين
فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما بدا لك».
وروى في الكافي
عن إسماعيل بن مهران قال : «كتبت الى الرضا (عليهالسلام) ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر
والحضر وإن وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق.
الحديث».
وروى في
التهذيب عن سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
وعن منصور بن
يونس عن العبد الصالح (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
هذا ما حضرني
من الاخبار الدالة على القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في
الاشتراك من أول الوقت الى آخره.
واما ما يدل
على القول المشهور مما اشتمل عليه كلامهم في المقام من البحث في
__________________
المسألة بإبرام النقض ونقض الإبرام فوجوه :
(الأول) ـ رواية
داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي
مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى
من الشمس مقدار ما يصلي اربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت
العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما
يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى
من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت
المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».
(الثاني) ـ ما
ذكره السيد السند في المدارك من انه لا معنى لوقت الفريضة إلا ما جاز إيقاعها فيه
ولو على بعض الوجوه ولا ريب ان إيقاع العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع وكذا
مع النسيان على الأظهر لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه وانتفاء ما يدل على
الصحة مع المخالفة وإذا امتنع وقوع العصر عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك وقتا لها
، ثم قال ويؤيده رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا ثم ساق من الرواية ما يتعلق
بالظهرين.
(الثالث) ما
ذكره في المختلف وملخصه ان القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم
لأحد الباطلين اما تكليف ما لا يطاق أو خرق الإجماع فيكون باطلا ، بيان الاستلزام
ان التكليف حين الزوال اما ان يقع بالعبادتين معا أو بإحداهما لا بعينها أو بواحدة
معينة والثالث خلاف فرض الاشتراك فتعين أحد الأولين ، على ان المعينة ان كانت هي
الظهر ثبت المطلوب وان كانت هي العصر لزم خرق الإجماع ، وعلى الاحتمال الأول يلزم
تكليف ما لا يطاق وعلى الثاني يلزم خرق الإجماع إذ لا خلاف
__________________
في ان الظهر مرادة بعينها حين الزوال لا لأنها أحد الفعلين.
(الرابع) ـ رواية
الحلبي «في من نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس؟ قال (عليهالسلام) ان كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم
ليصل العصر وان هو خاف ان تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه
جميعا». وفي معناها أخبار أخر تأتي ان شاء الله تعالى في موضعها.
(الخامس) ـ ما
ذكره المحقق في المعتبر حيث انه نقل عن ابن إدريس انه نقل عن بعض الأصحاب وبعض
الكتب انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر إلا ان هذه قبل هذه ثم أنكره وجعله
ضد الصواب ، فاعترضه المحقق وبالغ في إنكار كلامه والتشنيع عليه استنادا الى ما
قدمناه من الاخبار ، قال لان ذلك مروي عن الأئمة (عليهمالسلام) في اخبار متعددة ، على ان فضلاء الأصحاب رووا ذلك
وأفتوا به فيجب الاعتناء بالتأويل لا الاقدام بالطعن ، ثم قال ويمكن ان يتأول ذلك
من وجوه : (أحدها) ان الحديث تضمن «إلا ان هذه قبل هذه» وذلك يدل على ان المراد
بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص (الثاني) انه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل اي وقت
فرض وقوعها فيه أمكن فرض وقوعها في ما هو أقل منه حتى لو كانت الظهر تسبيحة كصلاة
شدة الخوف كانت العصر بعدها ، ولانه لو ظن الزوال وصلى ثم دخل الوقت قبل إكمالها
بلحظة أمكن وقوع العصر في أول الوقت إلا ذلك القدر فلقلة الوقت وعدم ضبطه كان
التعبير عنه بما ذكر في الرواية من الخص العبارات وأحسنها (الثالث) ان هذا الإطلاق
مقيد برواية داود بن فرقد ، واخبار الأئمة (عليهمالسلام) وان تعددت في حكم الخبر الواحد. انتهى.
وقال شيخنا
الشهيد في الذكرى بعد نقل بعض الاخبار المتقدمة ما لفظه : وفهم بعض من هذه الاخبار
اشتراك الوقتين وبمضمونها عبر ابنا بابويه ونقله المرتضى في الناصرية
__________________
عن الأصحاب حيث قال : يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل
وقت الظهر والعصر معا إلا ان الظهر قبل العصر ، قال وتحقيقه ، ثم نقل كلام المرتضى
كما قدمناه ونقل قول العلامة بعده انه على هذا يزول الخلاف ثم نقل تأويل المحقق
الذي ذكرناه وقال بعده : قلت ولانه يطابق مدلول الآية في قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»
وضرورة الترتيب تقتضي الاختصاص مع دلالة رواية داود بن فرقد المرسلة ثم
ساق الرواية كما قدمناه.
أقول : هذا ما
وقفت عليه من كلامهم (رضوان الله عليهم) المتضمن لاستدلالهم على القول المشهور
بينهم ، وأنت خبير بما في هذا الكلام كما قدمنا نقله عنهم من الدلالة على شهرة
القول بالاشتراك في الصدر الأول استنادا الى هذه الاخبار سيما عبارة المرتضى في
الناصرية حيث أسنده إلى أصحابنا وان تأوله بما ذكره.
ولا يخفى عليك
ان جميع ما ذكروه في تشييد القول المشهور لا يخلو في نظري القاصر من الضعف والقصور
:
أما الرواية
فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بقواعدهم واصطلاحاتهم التي بنوا عليها الكلام في
جميع الأحكام ان الاستناد الى هذه الرواية غير جيد في المقام لان من قواعدهم تنويع
الروايات إلى الأنواع الأربعة المشهورة وطرحهم قسم الضعيف من البين بل الموثق عند
جملة منهم ايضا كما لا يخفى وقضية ذلك طرح هذه الرواية لضعفها ، ومن قواعدهم انه
متى تعارضت الاخبار عملوا على الصحيح منها ورموا الضعيف أو تأولوه تفاديا من الرمي
بالكلية فالتأويل انما يكون في جانب المرجوح فكيف خرجوا عن هاتين القاعدتين في
المقام من غير صارف ولا موجب كما لا يخفى على ذوي الأفهام؟
ويمكن الجواب
عن الرواية المذكورة بما ذكره بعض المحققين من متأخري المتأخرين من ان المراد بوقت
الظهر في قوله : «فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار أربع
__________________
ركعات» الوقت المختص بالظهر عند التذكر لا مطلقا وكذا بالنسبة إلى العصر ،
قال والإضافة لا تقتضي أكثر من ذلك. وهذا الجواب لا يخلو من بعد إلا انه في مقام
الجمع لا بأس به وهو أقرب الى هذا الخبر مما تأولوا به الاخبار المتقدمة الدالة
على القول الآخر واما ما ذكره في المدارك فإنه مدخول بأن قضية الاشتراك من أول
الوقت على القول به جار على مقتضى الاشتراك المتفق عليه وهو بعد مضي قدر الأربع
فبعين ما يقال ثمة يقال في ما نحن فيه ، ولا ريب ان الوقت المتفق على اشتراكه لا
يجوز تقديم العصر فيه عمدا فلو قدمها بطلت البتة اما لو قدمها نسيانا أو بناء على
انه صلى الظهر فإنها تقع صحيحة اتفاقا فكذا في ما نحن فيه ، فقوله «انه يمتنع وقوع
العصر ولو نسيانا» لا يخلو من مصادرة ولهذا ان جملة من الأصحاب قد فرعوا على
الخلاف المذكور فروعا : منها ـ ما لو صلى العصر ناسيا في أول الوقت. ومنها ـ لو
كان الوقت مشتبها لغيم ونحوه فصلى الظهر والعصر ثم انكشف له ان صلاة العصر كانت في
أول الوقت فإنها تصح في الصورتين المذكورتين على قول الصدوق ومن معه وتبطل على
المشهور بينهم.
واما ما ذكره
في المختلف فإنه مدخول أيضا بأن غاية ما يلزم منه وجوب الإتيان بالظهر دون العصر
بالنسبة إلى الذاكر وهو غير مستلزم للاختصاص ، فإن القائل بالاشتراك لا يخالف في
ذلك في صورة التذكر وانما مطرح الخلاف ومظهر الفائدة في صورة النسيان والاشتباه
كما قدمنا ذكره فإنها تقع صحيحة على هذا القول ، وهذا هو المراد بالاشتراك في
الوقت بعين ما قرروه واتفقوا عليه في ما بعد مضي قدر الظهر الى ما قبل قدر العصر
من الغروب ، ولو صح ما ذكره للزم ان لا يكون شيء من الوقت مشتركا أصلا لأنه في كل
جزء من الوقت ان لم يأت بالظهر سابقا يلزم اختصاصه بالظهر لعين الدليل المذكور وان
اتى بها سابقا فالوقت مختص بالعصر ، وهو (قدسسره) قد استشعر هذا الجواب عما ذكره حيث انه اعترض على نفسه
به ثم أجاب عن ذلك بما ملخصه ان الاشتراك على ما فسرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل
ونحن قد بينا عدم تعلق التكليف.
وفيه نظر لأنه ان أراد عدم التكليف مع التذكر فمسلم ولا ضرر فيه ، وان أراد
ولو في الصور التي قدمناها فهو ممنوع لأنا لا نسلم عدم تعلق التكليف في ذلك الوقت
ولم يلزم ذلك من دليله الذي ذكره فإنه غير آت عليه كما عرفت. وبالجملة فالأمر هنا
جار على قياس الوقت المشترك فيه اتفاقا كما ذكرنا.
واما ما ذكره
في المعتبر من التأويل لتلك الاخبار فمع الإغماض عما فيه لا ريب انه خروج عن الظاهر
وهو انما يكون عند وجود معارض أقوى يجب ترجيحه وتقديمه في العمل ليتجه إرجاع ما
سواه اليه ، وما ذكروه من الأدلة في المقام قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه
وخافية ، والاستناد في الاختصاص الى قوله «إلا ان هذه قبل هذه» مردود (أولا) بأن
غاية ما تدل عليه هذه العبارة وجوب الترتيب وهو مما لا خلاف فيه إلا انه انما
ينصرف الى الذاكر بعين ما قالوا في الوقت الذي اتفقوا على اشتراكه. و (ثانيا) بأنه
لو كان ذلك منافيا للاشتراك المطلق للزم اختصاص الوقت بالظهر ما لم يؤدها ولا
اختصاص له بمقدار أدائها.
واما ما ذكره
في الذكرى من الاستدلال بالآية ففيه ان الآية بالدلالة على خلاف ما رامه أشبه ،
ولهذا ان العلامة في المختلف جعلها من أدلة الصدوق على القول بالاشتراك من أول
الوقت وذلك لان غاية ما تدل عليه الآية المذكورة التكليف بالصلاتين أو الصلوات
الأربع في ذلك الوقت المحدود ولا يلزم من ذلك وجوب الترتيب بل الترتيب انما قام
بدليل من الخارج وهو انما ينصرف الى الذاكر كما عرفت فعند عدم التذكر يبقى إطلاق
الآية على حاله.
واما ما
استدلوا به من رواية الحلبي ونحوها ففيه انه وان اشتهر في كلامهم نسبة القول
بالاشتراك من أول الوقت الى آخره الى الصدوق وفرعوا على ذلك جملة من الفروع كما
مضى وسيأتي إلا ان معلومية ذلك من كلام الصدوق غير ظاهر حيث انه لم يصرح بهذا
القول وانما نسبوه اليه باعتبار نقله جملة من الروايات المتقدمة ، وصريح كلامه
بالنسبة إلى آخر الوقت يوافق كلام الأصحاب فإنه قال في باب أحكام السهو في
الصلاة ما صورته : وان نسيت الظهر والعصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل
الظهر ثم صل العصر ان كنت لا تخاف فوت إحداهما وان خفت ان تفوتك إحداهما فابدأ
بالعصر ولا تأخرها فيكون قد فاتتاك جميعا ثم صل الاولى بعد ذلك على أثرها. انتهى
وحينئذ فالخلاف لو سلم انما هو في أول الوقت خاصة. بقي الكلام بالنسبة الى من نقل
عنه القول بذلك غيره فهل هو على حسب ما ذكرناه عن الصدوق أو مطلقا؟ كل محتمل.
نعم يبقى
الإشكال في الاخبار حيث ان ظاهر الاخبار التي قدمناها امتداد الاشتراك الى آخر
الوقت وبموجبه انه لو لم يبق من الوقت إلا بقدر اربع ركعات فإنه يختص بالظهر
ورواية الحلبي المذكورة ونحوها تدفعه ، وربما صارت هذه الاخبار قرينة على ارتكاب
التأويل في أول الوقت في تلك الأخبار الدالة على الاشتراك مطلقا فإنها وان كانت لا
معارض لها بالنسبة إلى أول الوقت إلا ان المعارض بالنسبة الى آخره موجود كما عرفت.
وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال فإن الخروج عما عليه جل الأصحاب مع تأيده بما
عرفت مشكل والقول بتخصيص الاشتراك بأول الوقت دون آخره كما هو المفهوم من الاخبار
بالتقريب الذي ذكرناه مع عدم ذهاب أحد إليه فيما اعلم أشكل والاحتياط بحمد الله
سبحانه واضح.
(تنبيه) اعلم
ان جماعة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المتقدم في المسألة فروعا : (منها) ـ ما
قدمناه من صلاة العصر في الوقت المختص بالظهر ساهيا وما لو صلى الظهرين بناء على
ظن دخول الوقت ثم ظهر وقوع العصر في الوقت المختص بالظهر ، فعلى القول بالاشتراك
تصح العصر ويصلي الظهر بعدها لان غايته الإخلال بواجب وهو الترتيب سهوا أو بناء
على ما جوزه الشارع من العمل بالظن ولا ضير فيه ، وعلى القول بالاختصاص تبطل العصر
ويجب أداؤها بعد الظهر.
و (منها) ـ ان
من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء العصر فإنه يتعين عليه
الإتيان بالعصر فلو صلى ثم تبين الخطأ ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة
مثلا فحينئذ يجب عليه الإتيان بالظهر أداء على القول بالاشتراك حسب ، كذا ذكره بعض
الأصحاب ولا يخلو من شوب الارتياب فان من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء أربع ركعات أو
تيقن ذلك فإنه على القول بالاشتراك فالواجب عليه الإتيان بالظهر لقولهم (عليهمالسلام) «إلا ان هذه قبل هذه» واما على القول بالاختصاص
فالواجب الإتيان بالعصر كما دلت عليه رواية الحلبي المتقدمة ، وكذا لو لم يبق من
الوقت إلا بقدر أداء ركعة فإنها تختص بالظهر أداء على القول بالاشتراك وبالعصر على
القول بالاختصاص.
و (منها) ـ ان
من أدرك أربع ركعات من آخر وقت العشاءين فإنه يجب عليه الإتيان بالمغرب أولا ثم
العشاء وان لم يدرك منها إلا ركعة على القول بالاشتراك وتتعين العشاء على القول
بالاختصاص.
و (منها) ـ ان
من صلى الظهر ظانا سعة الوقت ثم تبين الخطأ ووقوعها في الوقت المختص بالعصر على
القول المشهور فإنه يجب قضاء العصر خاصة على القول بالاشتراك وقضاؤهما معا بناء
على الاختصاص. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت الظهر زوال الشمس الذي هو عبارة عن
ميلها وانحرافها عن دائرة نصف النهار وقد نقل الإجماع على ذلك في المعتبر والمنتهى
، والأصل فيه الآية والأخبار قال الله عزوجل «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»
والدلوك هو الزوال كما نص عليه أهل اللغة ودل عليه صحيح زرارة عن ابي جعفر
(عليهالسلام) «قال الله عزوجل لنبيه (صلىاللهعليهوآله) أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ودلوكها زوالها. الحديث». وقد تقدم بتمامه مع البحث في
ذيله عن معناه منقحا في فصول المقدمة الاولى وروى
__________________
الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر
وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».
الى غير ذلك من
الأخبار المستفيضة التي تقدم كثير منها في سابق هذه المسألة وربما يتوهم دلالة بعض
الأخبار على ما ينافي ذلك كصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر قال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في
يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول». وعن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال
بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». ونحوهما
غيرهما ، فإنها محمولة على وقت المتنفل والوقت الأول لغيره كما سيأتي توضيحه ان شاء
الله تعالى في محله مفصلا ، وبالجملة فالتحديد بالزوال لاولية وقت الظهر مما وقع
الاتفاق عليه نصا وفتوى.
وانما الخلاف
بينهم في آخر وقتها وقد اختلفت فيه أقوالهم ، قال العلامة في المختلف : اختلف
علماؤنا في آخر وقت الظهر فقال السيد المرتضى (رضياللهعنه) إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى مقدار صلاة
أربع ركعات اشتركت الصلاتان الظهر والعصر في الوقت الى ان يبقى الى مغيب الشمس
مقدار اربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويبقى وقت العصر وبالغروب ينقضي وقت العصر وهو
اختيار ابن الجنيد وسلار وابن إدريس وابن زهرة ، وقال الشيخ في المبسوط إذا زالت
الشمس دخل وقت الفريضة ويختص به مقدار ما يصلى فيه اربع ركعات ثم يشترك الوقت بعده
بينه وبين العصر الى ان يصير ظل كل شيء مثله ، وروى حتى يصير الظل أربعة أقدام
وهو أربعة أسباع الشاخص المنتصب ثم يختص بعد ذلك بوقت العصر الى ان يصير ظل كل شيء
مثليه
__________________
فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر ، هذا وقت الاختيار واما وقت الضرورة فهما
مشتركان فيه الى ان يبقى من النهار مقدار ما يصلى فيه اربع ركعات فإذا صار كذلك
اختص بوقت العصر الى ان تغرب الشمس ، وفي أصحابنا من قال ان هذا ايضا وقت الاختيار
الا ان الأول أفضل ، وافتى في الخلاف بمثل ذلك وكذلك في الجمل ، وقال في النهاية
آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت الشمس على أربعة أقدام ، وقال في الاقتصاد
آخره إذا زاد الفيء أربعة أسباع الشاخص أو يصير ظل كل شيء مثله وهو اختياره في
المصباح وقال في عمل يوم وليلة إذا زاد الفيء أربعة أسباع الشاخص ، وقد جعل في
المبسوط أربعة أسباع الشاخص رواية ولم يتعرض لهذه الرواية في الخلاف والجمل وافتى
في النهاية وعمل يوم وليلة بهذه الرواية ولم يتعرض للظل المماثل وافتى في الاقتصاد
بأحدهما لا بعينه وقال المفيد وقت الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفيء سبعي
الشاخص. وقال ابن ابي عقيل أول وقت الظهر زوال الشمس الى ان ينتهي الظل ذراعا
واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، مع
انه حكم ان الوقت الآخر لذوي الأعذار فإن أخر المختار الصلاة من غير عذر الى آخر
الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عند آل محمد (عليهمالسلام) إذا صلاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته.
وقال ابن البراج آخر الوقت ان يصير ظل كل شيء مثله ، وقال أبو الصلاح آخر وقت
المختار الأفضل ان يبلغ الظل سبعي القائم وآخر وقت الاجزاء ان يبلغ الظل أربعة
أسباعه وآخر وقت المضطر ان يصير الظل مثله. وللشيخ في التهذيب قول آخر وهو ان وقت
الظهر أربعة أقدام وهي أربعة أسباع الشاخص وبه قال السيد المرتضى في المصباح. ثم
قال في المختلف ، والذي نذهب اليه نحن ما اختاره السيد المرتضى أولا.
أقول : وما ذهب
اليه (قدسسره) هو المشهور بين المتأخرين ومتأخريهم واستدلوا عليه كما
ذكره العلامة في المختلف والسيد في المدارك وغيرهما بقوله عزوجل
«أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» والمعنى ـ والله اعلم ـ أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس
ممتدا ذلك الى غسق الليل فتكون أوقاتها موسعة ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ففي ما بين الزوال الى غسق الليل اربع صلوات
سماهن وبينهن ووقتهن».
وقال في
المدارك ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر خاصة إلى الغروب ليتحقق كون الوقت
المذكور ظرفا للصلوات الأربع بمعنى ان كل جزء من اجزائه ظرف لشيء منها. وقال في
المنتهى وكل من قال بان وقت العصر يمتد الى غروب الشمس فهو قائل بامتداد الظهر الى
ما قبل ذلك. ثم روى في المدارك عن احمد بن محمد ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي
نصر عن الضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في قوله تعالى أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال
الشمس الى انتصاف الليل : منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب
الشمس إلا ان هذه قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف
الليل إلا ان هذه قبل هذه». قال : وليس في طريق هذه الرواية من قد يتوقف في شأنه
إلا الضحاك بن زيد فإنه غير مذكور في كتب الرجال بهذا العنوان لكن الظاهر انه أبو
مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون السند صحيحا ومتنها صريح في المطلوب ، ثم
قال في المدارك ويشهد لهذا القول ايضا روايتا داود بن فرقد والحلبي المتقدمتان ورواية
زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) أحب الوقت الى الله عزوجل حين يدخل وقت
__________________
الصلاة فصل الفريضة فان لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس». ثم نقل
موثقة عبد الله بن سنان الدالة على ان الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس فلتصل
الظهر والعصر وان طهرت في آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء ثم صحيحة زرارة الدالة على ان من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة وان
الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وربما أخر. الحديث ، الى ان قال : واما انتهاء وقت
الفضيلة بصيرورة ظل كل شيء مثله فيدل عليه صحيحة أحمد بن عمر عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت الظهر والعصر فقال وقت الظهر إذا
زالت الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت العصر قامة ونصف الى قامتين». وصحيحة أحمد
بن محمد قال : «سألته عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر
وقامة للعصر». قال وانما حملناهما على وقت الفضيلة لأن اجراءهما على ظاهرهما اعني
كون ذلك آخر الوقت مطلقا ممتنع إجماعا فلا بد من حملهما اما على وقت الفضيلة أو
الاختيار ولا ريب في رجحان الأول لمطابقته لظاهر القرآن ولصراحة الأخبار المتقدمة
في امتداد وقت الاجزاء الى الغروب ولقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما». انتهى.
أقول وبه
سبحانه الثقة لإدراك المأمول ـ : انا قدمنا البحث في المقام بما أزال عنه غشاوة
اللبس والإبهام ونقول هنا أيضا في الكلام على كلامه (قدسسره) في هذا المقام ان فيه نظرا من وجوه :
(أحدها) انه لا
مدفع لدلالة الآية والاخبار المذكورة على الامتداد في الجملة وكون
__________________
ذلك وقتا في الجملة إنما البحث في تخصيص ذوي الأعذار به أو عمومه لهم ولذوي
الاختيار وهذه الأدلة كلها لا تصريح ولا ظاهرية فيها بكون الامتداد الى الغروب
والى الانتصاف وقتا للمختار كما هو المطلوب بالاستدلال وانما تدل على كونه وقتا في
الجملة ويكفي في صدقه كونه وقتا لذوي الاعذار والاضطرار ، ومما يؤيد ما ذكرنا ما
صرح به شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين حيث نقل عن العلامة الاحتجاج للقول
المشهور بالآية وانها تدل على التخيير في إيقاع الصلاة بين هذين الوقتين ، ثم قال (قدسسره) واما الآية فلا تدل على ان ما بين الدلوك والغسق وقت
للمختار وانما تدل على ان ما بينهما وقت في الجملة وهذا لا ينافي كون البعض وقتا
للمختار والبعض الآخر وقتا للمعذور. انتهى. وقد وفق الله سبحانه للاطلاع عليه بعد
خطور ما ذكرناه بالبال أولا فهو من قبيل توارد الخاطر.
و (ثانيها) ـ ان
ما ذكره (قدسسره) في الرواية المشتملة على الضحاك بن زيد ـ من ان الظاهر
انه أبو مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون السند صحيحا لا اعرف له وجه
استقامة ولا لهذه الظاهرية وجه ظهور ، فان مجرد ذكر النجاشي للضحاك وانه أبو مالك
الحضرمي وانه ثقة لا يقتضي حمله على الرجل المذكور في الرواية المعبر عنه بالضحاك
بن زيد ، ومجرد الاشتراك في الاسم أو الطبقة لا يقتضي حمل أحدهما على الآخر ،
والذي يستفاد من النجاشي توثيق الرجل الذي ذكره واما كونه هو هذا المذكور في الخبر
فلا يستفاد من كلامه بوجه من الوجوه ، وبالجملة فإن ما ذكره (قدسسره) لا يخلو من عجب من مثله كما ترى ، وأعجب من ذلك قوله
ايضا «ومتنها صريح في المطلوب» وأي صراحة في الدلالة على الامتداد بالنسبة إلى
المختار كما هو المدعى ومحل البحث؟ وانما غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على ما دلت
عليه الآية والاخبار الباقية من كونه وقتا في الجملة.
و (ثالثها) ـ قوله
بعد ذكر صحيحتي الاحمدين الدالتين على التحديد بالقامة والقامتين من ان الأظهر
حملهما على الفضيلة دون الاختيار لظاهر القرآن وصراحة
الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الاجزاء الى الغروب ، فان فيه انه لا ريب
ان هاتين الصحيحتين من جملة الصحاح التي أشرنا سابقا الى دلالتها على ما اخترناه
من ان الوقت الأول هو الوقت الأصلي لجملة الفرائض وان الثاني انما وقع رخصة لذوي
الاعذار والاضطرار وان من أخر اليه مختارا فهو مستحق للمؤاخذة إلا ان يعفو الله عزوجل.
ومنها ـ زيادة
على الخبرين المذكورين ما رواه في الكافي عن يزيد بن خليفة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا لا يكذب علينا. قلت ذكر انك قلت ان أول صلاة
افترضها الله عزوجل على نبيه الظهر وهو قول الله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت
الظهر الى ان يصير الظل قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم
تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء؟ قال صدق». وما رواه الشيخ في
التهذيب عن محمد بن حكيم قال : «سمعت العبد الصالح (عليهالسلام) وهو يقول ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة
من الزوال وأول وقت العصر قامة وآخر وقتها قامتان. قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال
نعم». ومنها ـ موثقة معاوية بن وهب المتقدمة في المسألة الأولى الدالة على نزول جبرئيل بالأوقات على
النبي (صلىاللهعليهوآله). إلا انه يبقى الإشكال في هذه الاخبار من حيث الدلالة
على امتداد الفضيلة أو الاختيار إلى صيرورة ظل كل شيء مثله فإنه مبني على حمل
القامة على قامة الإنسان ، وفيه ما سيأتي تحقيقه في المسألة الآتية ان شاء الله
تعالى.
واما ما ذكره
هنا من حمل هذا الوقت على وقت الفضيلة فقد عرفت انه مجرد دعوى لا دليل عليها
واستنادهم الى الآية والاخبار قد عرفت ما فيه إذ محل البحث في المسألة
__________________
وقت المختار ولا دلالة في الآية عليه ولا في شيء من تلك الاخبار ،
وبالجملة فإنا لا نمنع دلالة الآية وهذه الاخبار على انه وقت في الجملة واما كونه
وقتا للمختار كما هو المدعى فلا فإن قضية الجمع بينها وبين ما قدمناه من الأخبار
الدالة على كون الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار وانه بالنسبة إلى غيرهم تضييع
وانه موجب لوقوف عمله عن القبول وبقائه تحت المشيئة هو حمل هذه الأخبار على ما
ذكرناه ، واما على ما ذهبوا إليه فإنه لا مناص لهم عن طرح تلك الاخبار مع ما هي
عليه من الاستفاضة والكثرة والصحة في كثير منها والصراحة.
ومما يزيدها
تأكيدا زيادة على ما قدمناه ما رواه الصدوق في كتاب العيون عن الرضا (عليهالسلام) وفي كتاب المجالس وثواب الأعمال عن الصادق عن آبائه عن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : «لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ـ وفي بعضها
هائبا لابن آدم ذعرا منه ـ ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه
وأوقعه في العظائم». وروى في كتاب العيون عن الرضا (عليهالسلام) قال : «لا تضيعوا صلاتكم فان من ضيع صلاته حشر مع قارون
وهامان وكان حقا على الله تعالى ان يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ
على صلاته وسنة نبيه (صلىاللهعليهوآله)». وروى الصدوق في كتاب المجالس بسند صحيح عن خالد بن
جرير عن ابي الربيع عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا ينال شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها».
وروى في الخصال عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) ليس عمل أحب الى الله عزوجل من الصلاة فلا يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا
فان الله عزوجل ذم أقواما فقال : الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ
يعني أنهم غافلون استهانوا بأوقاتها». وروى
__________________
الطبرسي في مجمع البيان عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «هذه الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا
يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة لا يعذبه ومن صلاها لغير وقتها مؤثرا
عليها غيرها فان ذلك اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه». وروى الثقة الجليل علي بن
إبراهيم في تفسير قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال : عنى به تاركون لان كل أحد يسهو في الصلاة. وعن
ابي عبد الله (عليهالسلام) «تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر». وفي كتاب
المجمع هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها عن ابن عباس وروى ذلك مرفوعا. وفي تفسير
العياشي في تفسير الآية المذكورة عن يونس بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ ساهُونَ» أهي وسوسة الشيطان؟ قال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن ان
يغفلها ويدع ان يصلي في أول وقتها». وعن أبي أسامة زيد الشحام قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال هو الترك لها والتواني عنها». وعن محمد بن الفضيل عن
ابي الحسن (عليهالسلام) «هو التضييع لها».
أقول : انظر
أيدك الله تعالى بعين الاعتبار في هذه الاخبار وأمثالها مما قدمناه مما هو صريح
الدلالة واضح المقالة في ان التأخير عن الوقت الأول تضييع وان المراد بالوقت في
جميع هذه الاخبار السابقة واللاحقة هو الوقت الأول فربما أطلق في بعضها وربما قيد
بأول الوقت من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف اي الوقت الأول وان التأخير عنه تضييع
للصلاة غير مستحق للقبول بل مستحق للعقاب والحشر مع قارون وهامان وانه لا تناله
الشفاعة إلا ان يعفو الله بكرمه ، وكيف يلائم هذا كله القول بأنه وقت شرعي للمختار
يجوز له التأخير إليه في حال الاختيار؟
__________________
و (رابعها) ـ ان
ما ادعاه ـ من صراحة الأخبار المتقدمة وامتداد وقت الاجزاء ـ ففيه ان تلك الاخبار
لم يصرح في شيء منها بكونه وقت اجزاء ولا غيره وهذه التسمية إنما وقعت في كلامهم
باعتبار حملهم الوقت الأول على وقت الفضيلة فسموا الوقت الثاني وقت اجزاء. وغاية
ما دلت عليه الأخبار المتقدمة ان الوقت يمتد الى غروب الشمس لقوله (عليهالسلام) في بعضها «أنت في وقت حتى تغيب الشمس». ولكن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الدالة
على التحديد بالقامة والقامتين يدل على ان ما بعد القامة في الظهر والقامتين في
العصر وقت مرجوح مفضول ليس كالوقت الأول إلا انهم سموه باعتبار حملهم اخبار القامة
والقامتين على الفضيلة وقت اجزاء والآخرون خصوه بأصحاب الضرورات والاعذار وان أسقط
القضاء عن غيرهم أيضا إلا انه على الحال التي عرفت من الأخبار المتقدمة. وهذا هو
الأرجح والأظهر للأخبار المذكورة كما عرفت.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان جملة من الأصحاب قد نقلوا عن الشيخ في الخلاف الاحتجاج على ما ذهب اليه
من انتهاء وقت الاختيار بصيروة ظل كل شيء مثله بأن الإجماع منعقد على ان ذلك وقت
للظهر وليس على ما زاد عليه دليل ، وبما رواه عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد
ذلك قال لعمر وبن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم
أخبره فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان
ظلك مثليك فصل العصر». وبصحيحتي أحمد بن عمر واحمد بن محمد المتقدمتين.
وأجاب عن ذلك
في المدارك قال : والجواب عن الأول انا قد بينا الدلالة
__________________
على كون الزائد وقتا للظهر وعن الرواية الأولى بمنع الدلالة على المدعى بل
هي بالدلالة على نقيضه أشبه لأن أمره (عليهالسلام) بالصلاة بعد المثل يدل على عدم خروجه به. وعن
الروايتين الأخيرتين بالحمل على وقت الفضيلة كما بيناه. انتهى.
وفيه ما عرفت
ونزيده هنا ان الشيخ (قدسسره) انما احتج هنا على انتهاء وقت الاختيار لا انتهاء
الوقت مطلقا والذي أشار إليه من الأدلة ليس فيها ما يدل على كون الزائد وقتا
للمختار وانما غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على كونه وقتا في الجملة فكلام الشيخ
في محله لا يندفع بما ذكره. واما استدلال الشيخ برواية زرارة فهو ليس في محله
والظاهر حملها على الإبراد المأمور به كما سيأتي ان شاء الله تعالى في موضعه. واما
الصحيحان الآخران فهما من أوضح الأدلة على ما ادعاه والحمل على وقت الفضيلة قد
عرفت ما فيه.
واما ما افتى
به الشيخ في بعض كتبه ونسبه الى الرواية في بعض آخر ـ من انتهاء الوقت بأربعة
أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص لمن لا عذر له واما من له عذر فهو في فسحة إلى آخر
النهار ـ فاستدل عليه في التهذيب بما رواه عن إبراهيم الكرخي قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) متى يدخل وقت الظهر؟ قال إذا زالت الشمس. فقلت متى
يخرج وقتها؟ فقال من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام ان وقت الظهر ضيق ليس
كغيره. قلت فمتى يدخل وقت العصر؟ قال ان آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر. قلت فمتى
يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له
لو ان رجلا صلى الظهر من بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد
لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر
العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا
__________________
من غير علة لم تقبل منه». وعن الفضل بن يونس قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) قلت المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟
قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر لان
وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج عنها الوقت وهي في الدم.».
قال في المدارك
بعد نقل ذلك : والجواب عن الروايتين بالطعن في السند (أما الأولى) فبجهالة إبراهيم
الكرخي مع ان فيها ما أجمع الأصحاب على خلافه وهو قوله «ان آخر وقت الظهر هو أول
وقت العصر» ومن المعلوم ان أوله عند الفراغ منها لا بعد مضى أربعة أقدام. و (اما
الثانية) فبالفضل بن يونس فإنه واقفي مع انها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان
المتقدمة عن الصادق (عليهالسلام) وهي أوضح سندا من هذه الرواية إذ ليس في طريقها من
يتوقف فيه الا على بن الحسن بن فضال وقال النجاشي في تعريفه انه كان فقيه أصحابنا
بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه فإنه سمع منه شيئا كثيرا
ولم يعثر له على زلة فيه. انتهى.
أقول : اما
الطعن في السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم انه لا يقوم حجة على المتقدمين ولا
على من لا يرى هذا الاصطلاح. واما ما طعن به في متنها من دلالتها على ان أول وقت
العصر هو آخر وقت الظهر والحال ان أول وقتها انما هو الفراغ من الظهر فيمكن الجواب
عنه بان المراد بالوقت هنا هو أول وقت الفضيلة كما ذهب إليه جملة من الأصحاب من
استحباب تأخير العصر الى بعد مضى المثل أو الإقدام كما سيأتي نقله عن الشيخ المفيد
وابن الجنيد في المسألة الآتية لا ان المراد الوقت الحقيقي ، ومثل ذلك أيضا يأتي
ان شاء الله تعالى في أول وقت العشاء فان الشيخين ذهبا إلى انه انما يدخل بذهاب
الحمرة المغربية وعليه يدل بعض النصوص والأصحاب حملوها على أول وقت الفضيلة ،
فليكن ما اشتمل عليه هذا الخبر من ذلك القبيل وبه يندفع الطعن المذكور.
__________________
واما طعنه في
الرواية الثانية بالفضل بن يونس وانه واقفي ففيه انه وان كان واقفيا كما ذكره
الشيخ إلا انه ثقة كما ذكره النجاشي ولم يذكر كونه واقفيا ، ويأتي على ما يختاره
البعض من تقديم قول النجاشي لأنه أضبط واثبت الحكم بصحة الرواية ، ومع التنزل
والعمل بقول الشيخ فيكون من قسم الموثق فلا معنى لترجيح موثقة عبد الله بن سنان
عليها. واما ما سجل به من ترجيح موثقة عبد الله بن سنان بعد أوصاف علي بن الحسن
ابن فضال ففيه انه قد رد روايته في غير موضع من شرحه كما سيظهر لك ان شاء الله
تعالى فيما يأتي.
نعم يبقى
الكلام في الرواية المذكورة من حيث دلالتها على خروج وقت الظهر في الحيض بعد
الأربعة أقدام والعلامة (قدسسره) قد ادعى الإجماع على ان آخر وقت الظهر للمعذور الى قبل
الغروب بمقدار العصر وبه طعن في هذه الرواية ، وتنظر فيه بعضهم بان الشيخ (قدسسره) صرح في التهذيب والاستبصار بأن الحائض إذا طهرت بعد ما
يمضي من الوقت أربعة أقدام لم يجب عليها صلاة الظهر فادعاء الإجماع على خلافه مع
مخالفة الشيخ محل تأمل.
أقول : ومما
يدل على ما دلت عليه الرواية المذكورة من الحكم المذكور حسنة معمر بن يحيى قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الحائض تطهر بعد العصر تصلي الاولى؟ قال لا انما
تصلي الصلاة التي تطهر عندها». وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها
حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلي العصر وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان». إلا انه يمكن
حمل هاتين الروايتين على الوقت المختص بالعصر فلا يكون سبيلها سبيل تلك الرواية.
وبالجملة فإن
رواية الكرخي لا اشكال فيها لما عرفت وانما الإشكال في رواية
__________________
الفضل بن يونس بما دلت عليه من ان وقت الظهر انما هو الى مضي الأربعة أقدام
وبعده يخرج حتى بالنسبة إلى ذوي الأعذار كالحيض ، ولا يحضرني في ذلك محمل غير
التقية وبه صرح الفاضل الخراساني في الذخيرة وزاد مع ذلك احتمال حمل رواية ابن
سنان على الاستحباب ، والأظهر هو العمل برواية ابن سنان لاعتضادها بالأخبار
المستفيضة الدالة على وجوب الصلاة وامتداد الوقت سيما لذوي الأعذار إلى الغروب
وحمل تلك الرواية على التقية وان لم يعلم بها الآن قائل منهم لما قدمناه في
المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب من انه لا يشترط في الحمل عليها وجود قائل منهم ،
ولما علم من الأخبار من انه لا منشأ للاختلاف في أخبارنا إلا التقية ، ولما تطابقت
فتوى علمائنا وتظافرت أخبارنا بما دلت عليه رواية ابن سنان وجب حمل ما يخالفها على
ذلك. واما ما ذهب اليه الشيخ مما قدمنا نقله عنه من العمل بالرواية المذكورة فهو
مما لا يلتفت إليه في معارضة الأخبار المشار إليها المعتضدة بعمل الطائفة المحقة
قديما وحديثا ومنهم الشيخ في غير الكتابين المذكورين. نعم ما دلت عليه رواية ابن
سنان من امتداد وقت العشاءين الى آخر الليل محمول عندي على التقية لما تقدم تحقيقه
في باب التيمم ويأتي مزيد كلام فيه ان شاء الله تعالى في باب قضاء الصلاة.
واما ما نقل عن
الشيخ المفيد (قدسسره) ـ من ان وقت الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفيء
سبعي الشاخص ـ فاستدل له العلامة في المختلف بما رواه ابن بابويه والشيخ في الصحيح
عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين وبكير بن أعين ومحمد ابن مسلم وبريد بن معاوية
العجلي عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر
بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت الى ان يمضي أربعة أقدام للعصر». وما رواه الشيخ عن
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس
ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس». قال في المدارك ـ ونعم
ما قال
__________________
هنا ـ : والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الظهر بذلك بل مقتضى
صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) استحباب تأخير الظهر الى ان يصير الفيء على قدمين من
الزوال فإنه (عليهالسلام) قال «ان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان قلت لم جعل
ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي الفيء ذراعا فإذا
بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة». والظاهر ان ذلك هو مراد
المفيد (قدسسره) وان كانت عبارته مجملة وهو الذي فهمه منه الشيخ في
التهذيب ، فإنه قال بعد نقل كلامه : وقت الظهر على ثلاثة أضرب : من لم يصل شيئا من
النوافل فوقته حين تزول الشمس بلا تأخير ، ومن صلى النافلة فوقتها حين صارت على
قدمين أو سبعين أو ما أشبه ذلك ، ووقت المضطر ممتد الى اصفرار الشمس ، ثم استدل
على الضرب الثاني برواية زرارة وما في معناها. وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر
بصيرورة الفيء على قدمين مقطوع بفساده. انتهى. وهو جيد
واما ما نقل عن
ابن ابي عقيل فاحتج له في المختلف برواية زرارة المتقدمة في ما استدل به للشيخ
المفيد ورواية محمد بن حكيم قال : «سمعت العبد الصالح (عليهالسلام) يقول ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من
الزوال». قال وقد روى علي بن أبي حمزة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول القامة هي الذراع». وقال له أبو بصير : «كم القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كانت ذراعا». وأجاب عنه بما يرجع الى ما قدمناه نقله
عن صاحب المدارك في الجواب عن كلام الشيخ المفيد (قدسسره). وبالجملة فالمعتمد من هذه الأقوال ما قدمنا لك تحقيقه
وأوسعنا مضيقة في هذا المجال. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ المشهور في كلام الأصحاب ان الوقت الأول للظهر وهو
__________________
وقت الفضيلة أو الاختيار على الخلاف المتقدم من الزوال الى مضى مثل الشاخص
وللعصر الى مضي مثليه ، قال في المعتبر آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله ثم
يمتد وقت الاجزاء حتى يبقى للغروب مقدار اربع ركعات فيختص الوقت بالعصر ، واليه
ذهب علم الهدى وابن الجنيد. وقد نقل في المدارك ايضا عن السيد المرتضى انه يمتد
وقت الفضيلة في الظهر الى ان يصير ظل كل شيء مثله ووقت الاجزاء الى ان يبقي
للغروب قدر اربع ركعات فيختص بالعصر. وقد تقدم في صدر المسألة الثالثة كلام الشيخ
بنحو ذلك.
والمشهور في
كلام المتأخرين أفضلية تأخير العصر الى أول المثل الثاني ، قال في الذكرى يمتد وقت
الفضيلة للظهر أو الاختيار الى ان يصير الظل الحادث بعد الزوال مماثلا للشاخص في
المشهور ، ثم نقل خلاف المشهور التقدير بالاقدام الأربعة لرواية إبراهيم الكرخي ،
ثم قال في موضع آخر بعد البحث في المقام : نعم الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان
يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر بالنافلتين والظهر واما المقدر بما سلف من المثل
والاقدام وغيرهما.
وقد تقدم في
سابق هذه المسألة تصريح صاحب المدارك بما ذكرنا أولا من امتداد وقت فضيلة الظهر
الى تمام مثل الشاخص واستدلاله على ذلك بصحيحتي أحمد بن عمر واحمد بن محمد
المشتملتين على التحديد بالقامة وان وقت الظهر قامة ووقت العصر قامة وفي معناهما
روايات أخر قدمنا ذكرها ايضا. وفي الاستدلال بها عندي إشكال حيث ان مبنى الاستدلال
بها على حمل القامة على قامة الشاخص والمفهوم من الاخبار ان لفظ القامة الوارد
فيها انما هو بمعنى الذراع والقامتين بمعنى الذراعين ، فمن ذلك ما رواه الشيخ في
التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال له : «كم القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) كانت ذراعا».
__________________
وعن علي بن أبي حمزة قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول القامة هي الذراع». وعن علي بن حنظلة قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) القامة والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي (عليهالسلام)». قال في الوافي : نصبهما بالحكاية. وعن علي بن حنظلة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في كتاب علي (عليهالسلام) القامة ذراع والقامتان ذراعان». قال في الوافي : تفسير
القامة بالذراع انما يصح إذا كان قامة الشاخص ذراعا فيعبر عن أحدهما بالآخر كما دل
عليه حديث ابي بصير لا مطلقا كما زعمه صاحب التهذيب أو أريد به في زمان يكون فيه
الظل الباقي بعد نقصانه ذراعا ويراد بالقامة قامة الظل الباقي لا قامة الشاخص كما
دل عليه حديث أول الباب. انتهى. أقول : من المحتمل قريبا بل الظاهر ان المراد
باللام في القامة والقامتين في هذه الاخبار العهد وتكون إشارة الى ما قدمنا من
الاخبار الدالة على تحديد وقت الظهر بالقامة ووقت العصر بالقامتين بمعنى ان القامة
الواردة في تلك الاخبار المراد منها الذراع لا قامة الشاخص ، وبه يظهر ان حمل
القامة في تلك الاخبار على قامة الشاخص ليكون دليلا على امتداد وقت الفضيلة
بامتداد المثل والمثلين لا وجه له.
واما ما ذكره
من استحباب تأخير العصر الى أول المثل الثاني فاستدلوا عليه برواية زرارة المتقدمة
المتضمنة لسؤاله أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر في القيظ وقد تقدمت في سابق هذه المسألة وهي مع كونها أخص من المدعى ومع اشتمالها على خلاف
المدعى ايضا حيث دلت على الصلاة بعد نقص المثل محمولة على الإيراد كما يأتي تحقيقه
ان شاء الله تعالى في محله. نعم يدل على ذلك ما قدمنا من رواية الشيخ في كتاب
المجالس مما كتبه الأمير (عليهالسلام) لمحمد بن ابي بكر حين ولاه مصر حيث قال في الحديث «فان رجلا سأل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أوقات الصلاة
__________________
فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن
ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شيء مثله. الحديث». وهو مع ضعفه معارض بالأخبار
المستفيضة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى ، ومنها اخبار نزول جبرئيل بالأوقات ويمكن حمله على التقية حيث انه هو المعمول عليه عند
العامة قديما وحديثا
ويؤيد ما ذكرنا
ما صرح به شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ ثم انه لما
كان المشهور بين المخالفين تأخير الظهرين عن أول الوقت بالمثل والمثلين فلذا
اختلفت الاخبار في ذلك ففي بعضها «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك
فصل العصر» . وفي بعضها «ان آخر وقت الظهر المثل وآخر وقت العصر
المثلان». كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من أصحابنا ، وفي بعضها «ان وقت نافلة
الزوال قدمان ووقت الظهر ونافلة العصر بعدهما قدمان». ووقت فضيلة العصر أربعة
اقدام في بعض الاخبار وفي بعضها قدمان ونصف وفي كثير منها «لا يمنعك من الفريضة
إلا سبحنك إن شئت طولت وان شئت قصرت» . والذي ظهر لي من جميعها ان المثل والمثلين انما وردا
تقية لاشتهارهما بين المخالفين ، وقد أولهما في بعض الاخبار بالذراع والذراعين
تحرجا من الكذب ، أو المثل والمثلان وقت الفضيلة بعد الذراع والذراعين والأربع أي
إذا أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي ان لا يؤخروها
__________________
عن السبعة وهي المثل وإذا أخروا العصر عن الثمانية فينبغي ان لا يؤخروها عن
الأربعة عشر اعني المثلين ، فالأفضل في الأوقات الاقدام لكن لا بمعنى ان الظهر لا
يقدم على القدمين بل بمعنى ان النافلة لا توقع بعد القدمين وكذا نافلة العصر لا
يؤتى بها بعد الأربعة أقدام فاما العصر فيجوز تقديمها قبل مضي الأربعة ان فرغ من
النافلة قبلها بل التقديم فيهما أفضل ، واما آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب الأولى
ستة أقدام والثانية ستة أقدام ونصف والثالثة ثمانية أقدام والرابعة المثلان على
احتمال ، فإذا رجعت الى الاخبار الواردة في هذا الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا
الوجه في الجمع بينها. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : لم أقف
فيما حضرني من الاخبار على ما يدل على المثل والمثلين سوى الخبرين اللذين ذكرتهما وقد عرفت الوجه فيهما ، وظني ان ما تكلفه زيادة على ذلك
لا وجه له إذ التقية في ذلك أظهر ظاهر في المقام فلا ضرورة في ارتكاب ما ذكره (طيب
الله مرقده).
والواجب هو بسط
الأخبار المتعلقة بالمسألة كما هي عادتنا في الكتاب ليظهر بذلك تحقيق الحق بغير شك
ولا ارتياب فأقول : ان جملة من الأخبار قد وردت في نزول جبرئيل بالأوقات :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اتى جبرئيل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر
ثم أتاه حين زاد من الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى
المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره
فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين
زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم
أتاه حين ذهب ثلث الليل
__________________
فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح وقال ما بينهما
وقت». وعن معاوية بن ميسرة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : اتى جبرئيل وساق الخبر مثل السابق إلا انه قال
بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين. وعن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله (عليهالسلام) نزل جبرئيل على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وساق الخبر كالأول إلا انه ذكر بدل القامة والقامتين
قدمين وأربعة أقدام.
أقول : وهذه
الاخبار بانضمام بعضها الى بعض ظاهرة الدلالة في ان الوقت الأول للظهرين هو الذراع
والذراعان والقدمان والأربعة أقدام لان القامة في الخبر الأول كما عرفت بمعنى
الذراع إلا انها ظاهرة الاختصاص بغير المتنفل وكأن النوافل وتحديدها بالذراع
والذراعين انما وقع بعد ذلك ، وحينئذ فيكون هذا الوقت وقت فضيلة بالنسبة الى غير
المتنفل وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة أيضا كصحيحتي الاحمدين ورواية محمد ابن
حكيم ، واما رواية يزيد بن خليفة فالظاهر حمل القامة فيها على قامة الشاخص حيث قال
في آخرها : «ووقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء». فان المساء انما يترتب
على قامة الشاخص دون الذراعين كما لا يخفى إلا ان يحمل على المبالغة وهو بعيد بل
الظاهر هو حملها على التقية ، ويؤيده دلالتها على عدم دخول وقت العصر حتى يصير
الظل قامة الشاخص يعني وقت فضيلتها وهو مذهب العامة حيث انهم يؤخرون العصر الى ذلك
الوقت ولعل من هذا الخبر ونحوه حكم المتأخرون باستحباب تأخير العصر الى أول
المثل الثاني كما قدمنا نقله عن الذكرى والحق فيه ما عرفت ، ويمكن ان يجعل هذا
الخبر دليلا لما قدمناه عن المشهور بين الأصحاب من امتداد فضيلة الظهر الى المثل
والعصر الى المثلين حيث قال فيه : «ثم لا تزال في وقت الظهر الى ان يصير الظل قامة»
وقد عرفت ان المراد بالقامة هنا قامة الإنسان ، قوله «وهو آخر الوقت» اي وقت
__________________
الفضيلة وقوله : «فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر» اى الوقت المختص فضله
بالعصر بحيث لا يشاركه الظهر فيه لان ما قبل ذلك وقت فضيلة لهما معا كما دلت عليه
الاخبار من ان كل ما قرب من أول الوقت فهو أفضل وانه لا يمنعه إلا السبحة أو
الذراع والذراعان ، وحينئذ فإذا بلغ الظل المثل الثاني اختصت الفضيلة بالعصر الى
تمام المثل الثاني ، وهذا المعنى وان كان محتملا إلا انه لا يخلو من تكلف ولعل حمل
الخبر على الخروج مخرج التقية أظهر كما ذكرنا.
وجملة من
الاخبار قد دلت على التحديد بالذراع والذراعين والقدم والقدمين والأربعة ونحو ذلك
، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس
ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس ، وقال زرارة قال لي
أبو جعفر (عليهالسلام) حين سألته عن ذلك : ان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل
ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي الفيء ذراعا فإذا
بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت
بالفريضة وتركت النافلة». قال في التهذيبين : قال ابن مسكان حدثني بالذراع
والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب الفلانس وابن ابي يعفور
ومن لا أحصيه منهم. أقول القامة في هذا الخبر مراد بها قامة الإنسان وكذا في الذي
بعده.
وعن زرارة في
الموثق قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قامة فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر
__________________
وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟
قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت
النافلة».
أقول : حيث انه
قد دلت الاخبار على انه لا تطوع في وقت فريضة بل أكثر الأخبار الدالة على هذا
المعنى إنما أريد بها هذا المقام حيث ان الشارع قد عين للنافلة من أول الوقت هذا
المقدار من الذراع والذراعين والقدمين والأربعة فمتى خرج هذا الوقت ولم يأت
بالنافلة وجبت البدأة بالفريضة واما لو فرغ من النافلة قبل هذا المقدار فإنه يجوز
بل يستحب مزاحمة الفريضة لها في هذا المقدار كما سيأتيك ان شاء الله تعالى ذكره في
الاخبار
وعن إسماعيل
الجعفي عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كان فيء الجدار ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين
صلى العصر. قال قلت ان الجدران تختلف بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال كان جدار مسجد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يومئذ قامة». وعن إسحاق بن عمار مثله سندا ومتنا وزاد «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في
وقت الفريضة».
وعن إسماعيل
الجعفي عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال : قلت لم؟
قال لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه».
وعن زرارة في
الموثق عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قال قلت لم؟ قال
لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس
__________________
الى ان يبلغ ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة».
وعن زرارة في
الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت الظهر على ذراع». وعن يعقوب بن شعيب عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الظهر فقال إذا كان الفيء ذراعا.
قلت ذراعا من أي شيء؟ قال ذراعا من فيئك. قلت فالعصر؟ قال الشطر من ذلك. الحديث».
وعن الحلبي عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي الظهر على ذراع والعصر على نحو ذلك».
وعن عبيد بن
زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل وقت الظهر قال ذراع بعد الزوال. قال : قلت في
الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم».
وروى في الفقيه
والتهذيب في الصحيح عن الفضيل وزرارة وبكير ومحمد بن مسلم وبريد قالوا : «قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهماالسلام) وقت الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان
وهذا أول الوقت الى ان يمضي أربعة أقدام للعصر».
أقول : ربما
سبق الى بعض الأوهام كما وقع فيه بعض الاعلام ان المراد من هذا الخبر انما هو
تحديد وقت فضيلة الظهر أو الاختيار بمعنى ان الأفضل إيقاعها في هذا المقدار وكذلك
العصر فيكون منافيا لما دل على التحديد بالقامة والقامتين والمثل والمثلين ومن أجل
ذلك حكم بطرح اخبار المثل والمثلين لصحة هذا الخبر. وأنت خبير بان ظاهر الصحيحة
المذكورة وان أوهم ذلك في بادئ النظر الا ان الظاهر ان المراد انما هو التحديد بما
بعد القدمين والأربعة ، فمعنى قوله (عليهالسلام) : «وقت الظهر بعد الزوال قدمان» يعني مضي قدمين وهكذا
وقت العصر ، كما وقع نظيره في موثقة زرارة
__________________
المتقدمة حيث قال : «إذا دخل وقت الذراع والذراعين بدأت بالفريضة». فإن
ظاهر وقت الذراع يعني أول الذراع مع ان المراد انما هو مضي الذراع كما هو صريح صدر
الرواية ، وقد وقع مثل ذلك في صدر صحيحة زرارة التي في صدر هذه الجملة حيث قال
فيها «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر»
فان المراد بعد ذراع كما تنادي به تتمة الرواية وقوله فيها «ان حائط مسجد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة فكان إذا مضي من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
مضى من فيئه ذراعان صلى العصر. الخبر».
وروى في
التهذيب عن عبد الله بن محمد قال : «كتبت اليه جعلت فداك روى أصحابنا عن ابي جعفر
وابي عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا
ان بين يديها سبحة إن شئت طولت وان شئت قصرت. وروى بعض مواليك عنهما ان الظهر على
قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة أقدام من الزوال فان صليت قبل ذلك لم يجزئك
، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت جعلت
فداك ان أعرف موضع الفضل في الوقت؟ فكتب (عليهالسلام) القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا».
أقول : ظاهر هذه
الرواية كما ترى ان جملة من معاصري الأئمة (عليهمالسلام) قد فهموا الاختلاف بين روايات التقدير بالنافلة كما
يأتي في المقام ان شاء الله تعالى وبين روايات التحديد بالاقدام والأذرع ، ورجح
بعضهم العمل بروايات الاقدام على روايات التحديد بالنافلة حتى بالغ بعضهم وأوجب
تأخير الفريضة إلى مضي المقدار المذكور وحكم بعدم اجزائها قبله ولا ريب ان التأخير
ظاهر منها كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى. ثم انه لا يخفى ما في الجواب من
الإجمال وعدم الانطباق على السؤال وصاحبه اعرف بتحقيق الحال ولعله قد سقط الشيء
من البين وربما كان فيه اشعار وإيماء إلى ترجيح العمل بروايات الاقدام.
__________________
ومنها ـ موثقة
سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال
بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». وروى
الصدوق في الفقيه في باب صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مرسلا عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى يزول النهار فإذا زال صلى
ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء
وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه ، فإذا فاء ألفي ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد
الظهر ركعتين وصلى ركعتين أخراوين ثم صلى العصر أربعا إذا فاء الفيء ذراعين».
وفي خبر آخر
رواه الكليني بطريقين أحدهما صحيح أو حسن بإبراهيم بن هاشم في باب بناء مسجد النبي
(صلىاللهعليهوآله) قال : «وكان جداره قبل ان يظلل قامة فكان إذا كان الفيء
ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر».
وروى محمد بن
الفرج قال : «كتبت اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب
ان يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من
العصر والشمس على أربعة أقدام. الحديث».
وقد تقدمت
رواية إبراهيم الكرخي الدالة على خروج وقت الظهر بعد ما يمضي من الزوال أربعة
أقدام وان أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر وان آخر وقت العصر حتى تغرب الشمس. وهو
محمول على خروج وقت الفضيلة يمضي الأربعة أقدام للظهر.
ورواية سليمان
بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العصر على
__________________
ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك التضييع».
وعن ابي بصير قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) صل العصر يوم الجمعة على ستة أقدام». وعن منصور بن
حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «صل العصر على أربعة أقدام». وعن سليمان بن جعفر قال : «قال الفقيه (عليهالسلام) آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف». وعن صفوان الجمال عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ قال
على قدر ثلثي قدم بعد الظهر».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال : «وقت الظهر زوال الشمس وآخره ان يبلغ الظل ذراعا
أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان ، ووقت العصر بعد القدمين الأولين إلى قدمين
آخرين وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا أو مقصرا فصار قدمان للظهر وقدمان للعصر ،
فان لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا مقصرا ولا يريد ان يطيل التنفل فإذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمنعه منهما إلا السبحة بينهما والثمان ركعات قبل
الفريضة والثمان بعدها فان شاء طول الى قدمين وان شاء قصر ، الى ان قال فإذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاة وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل الى ان يبلغ
ظل قامته قدمين بعد الزوال فإذا بلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه ان
يصلي الظهر في استقبال القدم الثالث ، وكذلك يصلي العصر إذا صلى في آخر الوقت في
استقبال القدم الخامس وإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع الصلاة وهو قاض للصلاة بعد الوقت».
أقول : قوله «وله
مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل الى ان يبلغ ظل قامته قدمين» الظاهر ان
معناه بيان اتساع الوقت الى الحد المذكور بمعنى ان وقت الظهر من الزوال إلى أول
القدم الثالث فهو في هذه المدة مرخص في اشتغاله بنافلة أو نوم أو شغل
__________________
أو نحو ذلك لاتساع الوقت في هذه المدة فإذا كان أول القدم الثالث تعين
إيقاع الظهر فيه وليس له سعة في الاشتغال بنافلة ولا غيرها ، وهكذا بالنسبة إلى
العصر الى أول القدم الخامس فهو في سعة منها الى الحد المذكور فلو أخرها عن الحد
المذكور مختارا كان مضيعا وهو قاض اي آت وفاعل للصلاة بعد الوقت المعين لها
اختيارا لا ان المراد بالقضاء فعل الشيء خارج وقته ، وهو مفسر ومبين لجملة من الاخبار
المتقدمة وموضح لها ودال بأظهر دلالة على ان الوقت الأول للظهر من الزوال الى مضي
القدمين أو الذراع وللعصر الى مضي الأربعة اقدام أو الذراعين وانه مع الاشتغال
بالنافلة يزاحم بفريضة الظهر القدم الثالث وبفريضة العصر القدم الخامس وانه بعد
ذلك يخرج الوقت الأول لكل منهما ويدخل الوقت الثاني الذي نسبه الى التضييع.
ثم قال (عليهالسلام): «وقد جاءت أحاديث مختلفة في الأوقات ولكل حديث معنى
وتفسير. ان أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة رجل ، قدم وقدمان ، وجاء على
النصف من ذلك وهو أحب الي ، وجاء آخر وقتها إذا تم قامتين ، وجاء أول وقت العصر
إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم أربعة أقدام ، وجاء أول وقت العصر إذا تم
الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين ، وجاء لهما جميعا وقت واحد مرسل قوله : إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين. وجاء ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين الظهر والعصر ثم العشاء والعتمة من غير سفر
ولا مرض. وجاء ان لكل صلاة وقتين أول وآخر كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت
أفضلهما وانما جعل آخر الوقت للمعلول. الى آخره». وهذه الاخبار التي نقلها (عليهالسلام) كلها تدور على التحديد بالاقدام زيادة ونقيصة وليس في
شيء ما يدل على المثل والمثلين كما هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم).
فهذه جملة
وافرة من الاخبار التي تضمنت تحديد الوقت بالاقدام والأذرع وهي ظاهرة في ان الفضل
في هذا المقدار ولا سيما كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي وان ما خرج
عن هذا المقدار فهو المراد بالوقت الثاني وهو المفضول المعين لأصحاب
الاعذار والضرورات
وجملة من
الاخبار قد تضمنت التحديد بالنافلة ، ومنها رواية يزيد بن خليفة وقد تقدم الكلام
فيها .
وما رواه في
الكافي عن ذريح في الحسن قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى أصلي الظهر؟ قال صل الزوال ثمانية ثم صل الظهر ثم
صل سبحتك طالت أو قصرت ثم صل العصر».
وعن عمر بن
حنظلة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا ان بين
يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت».
وعن ابن ابي
عمير قال : «إذا صليت الظهر فقد دخل وقت العصر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك
ان شئت طولت وان شئت قصرت».
وفي الصحيح عن
الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم قالوا : «كنا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) الا أنبئكم بابين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الظهر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت». ورواه في
التهذيب عن الحارث وعمر ومنصور مثله وفيه «إليك فإن أنت خفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وان
أنت طولت فحين تفرغ من سبحتك».
وروى الشيخ في
التهذيب عن الحسن عن عيسى بن ابي منصور قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر».
وعن سماعة في
الموثق قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت
__________________
الشمس فصل ثماني ركعات ثم صل الفريضة أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو
طولت فصل العصر».
وروى في الفقيه
قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما بدا لك».
وروى في
التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى قال : «كتب بعض أصحابنا الى ابي الحسن (عليهالسلام) روى عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة
والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين؟ فكتب (عليهالسلام) لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل الظهر
فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وان شئت قصرت ثم
صل العصر».
فهذه جملة من
الاخبار المتعلقة بالمسألة وكلها ظاهرة الدلالة متطابقة المقالة في ان فضيلة الظهر
والوقت الأول لها من أول الزوال الى انتهاء الاقدام أو الأذرع المذكورة في الاخبار
وان الأفضل من ذلك هو تقديم الفريضتين قبل بلوغ ذلك الحد بالإسراع في النافلة لو
كان ممن يتنفل كما يدل عليه قوله : (عليهالسلام) في رواية أبي بصير قال : «ذكر أبو عبد الله (عليهالسلام) أول الوقت وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف
ما استطعت».
وجملة من
أصحابنا ـ كما تقدم في كلام صاحب المدارك ومثله المحدث الكاشاني ـ قد استدلوا على
القول المشهور وهو امتداد وقت فضيلة الظهرين بالمثل والمثلين بصحيحتي الاحمدين
المتقدمتين بحمل القامة فيهما على قامة الإنسان ومثلهما رواية يزيد بن خليفة
__________________
ومحمد بن حكيم المتقدم جميع ذلك ، وهو وان احتمل إلا ان احتمال حمل القامة
فيها على الذراع قائم إلا في رواية يزيد بن خليفة كما تقدم. وبالجملة فإني لم أقف
للقول بالمثل والمثلين كما هو المشهور على دليل تطمئن به النفس سيما مع ما عرفت من
احتمال التقية واشتهار القول بذلك بين العامة فالخروج عن مقتضى هذه الاخبار
المستفيضة التي سردناها بمجرد ذلك مشكل.
بقي هنا شيئان
يجب التنبيه عليهما في المقام : (أحدهما) ان ظاهر الاخبار المتقدمة مما دل على
التحديد بالاقدام والأذرع والاخبار الدالة على التحديد بالنافلة لا يخلو من تدافع
، وذلك فان مقتضى الأخبار الدالة على التحديد بالنافلة هو ان الأفضل إيقاع الفريضة
بعد الفراغ من النافلة وان كان قبل بلوغ القدمين والأربعة والذراع والذراعين
ومقتضى أخبار الاقدام والأذرع هو تأخير الفريضة إلى تمام القدمين والأربعة والذراع
والذراعين وان كان قد فرغ من النافلة قبل ذلك ، والجمع بينهما لا يخلو من الاشكال
والقصور إذ كل من اخبار الطرفين ظاهر فيما ذكرنا تمام الظهور.
وظاهر المحقق
الشيخ حسن في كتاب المنتقى الميل الى العمل باخبار التحديد بالاقدام والأذرع وان
الأفضل عنده تأخير الفريضة وان أتم النافلة إلى القدم الثالث والخامس والذراع
الثاني والثالث ، قال (عطر الله مرقده) في الكتاب المذكور بعد ذكر الاخبار المشار
إليها : إذا تبين ان المراد من التقدير بالذراع والذراعين ما قد علم وكذا من
القدمين والأربعة في الخبر الأول فيرد عليهما مع سائر ما في معناهما ان الاخبار
الكثيرة المتضمنة لدخول الوقت بزوال الشمس تعارضها وخصوصا حديث محمد بن احمد ابن
يحيى السابق حيث نفى فيه اعتبار القدم والقدمين وكذلك الأخبار الدالة على ترجيح
أول الوقت مطلقا ، ويجاب بان المراد من الوقت الداخل بزوال الشمس وقت الاجزاء ومما
بعد القدمين والأربعة وقت الفضيلة في الجملة وقد وقع التصريح بهذا في بعض الاخبار
السابقة ، وإذا ثبت ذلك حملنا الأخبار الواردة برجحان أول الوقت على إرادة الأول
مما بعد وقت الفضيلة لا من ابتداء الوقت ، ويبقى الكلام في الخبر النافي
لاعتبار القدم والقدمين وقد ذكر الشيخ (قدسسره) انه انما نفى ذلك فيه لئلا يظن انه وقت لا يجوز غيره ،
وهو متجه ، ويحتمل ايضا ان يكون واردا على جهة التقية لما هو معروف من حال أكثر
أهل الخلاف في إنكار ذلك والعمل بخلافه. انتهى كلامه زيد مقامه.
وبعض أفاضل
متأخري المتأخرين قد رجح العمل بالأخبار الأخر الدالة على التحديد بالنافلة وتأول
الأخبار الأخر الدالة على التحديد بالاقدام والأذرع فحمل جملة أخبار رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الدالة ظاهرا على تأخيره الصلاة الى مضي القدر المذكور
في تلك الاخبار على استيعاب الوقت بالنافلة والإطالة فيها لغرض حصول الجماعة أو
انه يفرغ قبل ذلك ولكنه ينتظر اجتماع الناس بهذا المقدار أو ينتظر فراغ الجماعة من
النوافل بهذا المقدار.
أقول : وعندي
في ما ذكره كل من هذين الفاضلين (قدسسرهما) نظر ، اما ما ذكره الشيخ حسن فوجه النظر المتطرق اليه
ان ما ادعاه ـ من ان الوقت الداخل بالزوال انما هو وقت الاجزاء لا الفضيلة وانما
وقت الفضيلة بعد مضي الذراع والذراعين وجملة الأخبار الدالة على رجحان أول الوقت
وأفضليته على إرادة الأول مما بعد دخول وقت الفضيلة عنده لا من ابتداء الوقت
والزوال ـ مما يجب القطع بفساده :
(أما أولا)
فلبعده غاية البعد عن سياق الأخبار الدالة على ان لكل صلاة وقتين وأول الوقتين
أفضلهما ، فإنه انما عنى بالوقت الأول للظهرين ما بعد الزوال لا ما بعد الذراع.
و (اما ثانيا)
فللأخبار الكثيرة الدالة على استحباب مزاحمة الفريضة للنافلة في الذراع والذراعين
، ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الفرج قال : «كتبت اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت
الشمس فصل سبحتك وأحب ان
__________________
يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من
العصر والشمس على أربعة أقدام». وما رواه في الموثق عن ذريح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله أناس وانا حاضر فقال إذا زالت الشمس فهو
وقت لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو تقصرها. فقال بعض القوم انا نصلي الأولى إذا
كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) النصف من ذلك أحب الي». ورواية صفوان الجمال المروية
في التهذيب ايضا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ فقال
على قدر ثلثي قدم بعد الظهر». الى غير ذلك من الاخبار الدالة على المزاحمة وأفضلية
ما قرب من الزوال ، وفي رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ذكر أبو عبد الله (عليهالسلام) أول الوقت وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف
ما استطعت».
و (اما ثالثا) فلما
رواه الشيخ في الصحيح الى سعيد بن الحسن قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما».
ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود
الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني». وروى
الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان
واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع
__________________
له عند ذلك عمل صالح». ومن ذلك رواية الصدوق المتقدم نقلها في باب صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقوله : «فإذا زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين
تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه».
الى غير ذلك من الاخبار الصريحة في ان أول الزوال هو المخصوص بالفضل لا انه وقت
الاجزاء والفضل انما هو بعده كما توهمه (قدسسره).
و (اما رابعا)
فان ما نقله عن الشيخ في معنى رواية محمد بن احمد بن يحيى واستوجهه فهو بعيد غاية
البعد وانما المعنى فيها والمراد منها هو انه لما كان سؤال السائل يعطي انه فهم من
هذه الاخبار كما فهمه هذا المحقق وغيره ممن تقدم ايضا كما أشارت إليه رواية عبد
الله بن محمد المتقدمة من ان أول وقت فضيلة الظهر انما هو بعد مضي المدة المذكورة
كما ينادي به ظاهر تلك الاخبار نفاه (عليهالسلام) في هذا الخبر وجعل الفضيلة بعد الفراغ من النافلة طالت
أو قصرت ، وفيه إشارة إلى انه ليس الغرض من التحديد بالذراع والذراعين ما توهمه
السائل مما ذكرناه وانما الغرض من ذلك ما ذكروه (عليهمالسلام) في جملة من الاخبار من بيان الوقت الذي تختص به
النافلة بحيث لا يجوز الإتيان بها بعده ، هذا هو ظاهر معنى الرواية المذكورة.
و (اما خامسا)
فان ما احتمله ـ من الحمل على التقية باعتبار ان العامة لا يقولون بالاقدام ـ ففيه
ايضا ان العامة لا يقولون بما افتى به (عليهالسلام) في الرواية من تعجيل الصلاتين في أقل من مقدار الاقدام
المذكورة فإنهم يعتبرون التفريق بين الفرضين في المثل والمثلين كما هو الآن معمول
عليه بينهم .
واما ما ذكره
الفاضل الآخر (ففيه أولا) انه على تقدير تمامه انما يتمشى في الظهر خاصة اما العصر
الواقعة بعد اجتماع الناس فلا يجرى فيها ما ذكره مع ان الاخبار قد دلت على التأخير
فيها ايضا بذلك المقدار ، اللهم إلا ان يقال انه يفرق بين الوقتين
__________________
بالمثل والمثلين فلا يصليهما في وقت واحد. إلا ان فيه مع الإغماض عن
المناقشة فيه كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى ان الحكم لا يتم حينئذ كليا لانه
ربما فرق وربما جمع.
و (ثانيا) انه
يستفاد من بعض الاخبار ان المسارعة بالفريضة في أول وقتها أفضل من انتظار الاجتماع
، وهو
ما رواه القطب
الرواندي في كتاب الخرائج والجرائح بسنده عن إبراهيم بن موسى القزاز قال «خرج الرضا (عليهالسلام) يستقبل بعض الطالبيين وجاء وقت الصلاة فمال الى قصر
هناك فنزل تحت صخرة فقال اذن فقلت ننتظر يلحق بنا أصحابنا فقال غفر الله لك لا
تؤخرن صلاة عن أول وقتها الى آخر وقتها من غير علة عليك أبدا بأول الوقت فأذنت
فصلينا». قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه» في كتاب البحار ذيل هذا الخبر : يدل على
انه لا ينبغي التأخير عن أول الوقت لانتظار الرفقة للجماعة أيضا. انتهى.
و (ثالثا) ان
التطويل في النافلة على وجه يستوعب ذلك المقدار ترده الأخبار المتقدمة الدالة على
أفضلية التخفيف في النافلة ومزاحمة الفريضة لها في ذلك المقدار ، ونحوها الأخبار
الدالة على أفضلية ما قرب من الزوال. وبالجملة فإن فضل أول الوقت مما لا اشكال فيه
لاستفاضة الاخبار به واستحباب التأخير لانتظار الجماعة مما لم يقم عليه دليل بل
الدليل على خلافه واضح السبيل.
ثم انه (قدسسره) تأول باقي الأخبار بتأويلات عديدة إلا انها تكلفات
سخيفة بعيدة.
والأظهر عندي
ان منشأ هذا الاختلاف في الاخبار انما هو التقية التي هي أصل كل محنة في الدين
وبلية كما يدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم ابي خديجة عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله إنسان وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد
وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر؟ فقال انا أمرتهم بهذا لو
__________________
صلوا في وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم». وما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج
بسنده فيه عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت انه ليس شيء أشد علي من اختلاف أصحابنا قال
ذلك من قبلي». وما رواه الشيخ في كتاب العدة عن الصادق (عليهالسلام) مرسلا «انه سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت فقال
انا خالفت بينهم». وما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن الخزاز عن من حدثه عن
ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «اختلاف أصحابي لكم رحمة وقال اني إذا كان ذلك
جمعتكم على أمر واحد. وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال انا فعلت بكم ذلك ولو اتفقتم
على أمر واحد لأخذ برقابكم». الى غير ذلك من الاخبار الدالة بعمومها أو خصوصها على
المراد ، والمستفاد من هذه الاخبار ونحوها ان إيقاعهم الاختلاف في الأحكام لا
يتوقف على القول بالحكم المخالف من العامة ولا على حضور أحد منهم في مجلس الفتوى
كما تقدم تحقيقه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، والمسألة هنا من مسائل
الأوقات التي دلت على إيقاع الاختلاف فيها تقية جل هذه الروايات بل لو ادعى ان هذه
الاخبار انما خرجت في هذه المسألة لم يكن بعيدا لأنا لم نقف في مسائل الأوقات على
مسألة انتشرت فيها الاخبار من الطرفين وتصادمت من الجانبين ما بلغ في هذه المسألة
كما عرفت مما شرحناه ونقلناه ، وتشير الى ذلك رواية عبد الله بن محمد المتقدمة الدالة على وقوع هذا الاختلاف في عصر الأئمة (عليهمالسلام) واختلاف أصحابهم يومئذ في ذلك حتى ان منهم من يوجب
تأخير الظهرين عن ذينك المقدارين ومنهم من يحمل ذلك على وجه الأفضلية.
بقي الكلام في
ان التقية في أي الطرفين في هذه الاخبار ولعل الأقرب كونها في اخبار التحديد
بالاقدام والأذرع ، وذلك (أولا) من حيث اعتضاد اخبار التحديد بالنافلة بعمل
الأصحاب قديما وحديثا ولم نقف على قائل بظاهر ترجيح أخبار الاقدام
__________________
سوى المحقق المذكور. و (ثانيا) من حيث اعتضادها باخبار استحباب تخفيف
النافلة واخبار أفضلية ما قرب من أول الوقت. و (ثالثا) انه الأقرب الى جادة
الاحتياط وقد عرفت ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل بذلك من العامة
وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) تخصيص الحمل على التقية بذلك إلا ان
ظاهر اخبارهم يرده فان المستفاد من الاخبار المذكورة في المقام وكذا نحوها مما
تقدم ذكره في المقدمة الأولى ان منشأ التقية انما هو من حيث ان اتفاقهم على أمر
واحد واجتماع كلمتهم على ذلك يوجب الأخذ برقابهم ودخول الضرر عليهم وإذا كانت
كلمتهم متفرقة وتقولهم عن الامام (عليهالسلام) مختلفة هانوا في نظر العدو ونسبوهم الى عدم الدين
والمذهب فلم يعبأوا بهم ولا بمذهبهم. هذا ما ادى اليه الفكر القاصر في المقام
والله سبحانه وأولياؤه اعلم بالأحكام.
و (ثانيهما) قد
عرفت في ما تقدم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) امتداد وقت فضيلة الظهر
من الزوال الى تمام مثل الشاخص وكذا وقت فضيلة العصر الى مثليه ، والمماثلة
المعتبرة انما هي بين ظل الشاخص الحادث من الزوال وبين قامة الشاخص ، قال في
المعتبر وهو الأظهر لأنه المستفاد من الروايات الدالة على المماثلة كرواية زرارة
عن الصادق (عليهالسلام) المتضمنة لأمره عمرو بن سعيد بن هلال ان يقول لزرارة «إذا
صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر». وروايات القامة كما تقدم
في صحيحتي الاحمدين بناء على حمل القامة فيها على قامة الشاخص كما ذكروه ، ورواية
يزيد بن خليفة الظاهرة في ذلك كما تقدم. أقول : ومثلها رواية كتاب المجالس
المتقدمة أيضا
وذهب الشيخ في
التهذيب ومثله المحقق في الشرائع إلى أن المماثلة انما هي بين الفيء الزائد بعد
الزوال والظل الأول وهو الباقي منه عند الزوال لا الشاخص.
واستدل على ذلك
بما رواه عن صالح بن سعيد عن يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عما جاء في الحديث
__________________
ان صل الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من
هذا ومن هذا ، فمتى هذا وكيف هذا وقد يكون الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال انما
قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك ان ظل القامة يختلف مرة يكثر ومرة يقل
والقامة قامة أبدا لا تختلف ، ثم قال ذراع وذراعان وقدم وقدمان فصار ذراع وذراعان
تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين
ذراعين فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان معروفين
مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به فإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت
ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر
كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ، فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع
والذراعين».
وقد رد هذا
الخبر جملة من المتأخرين ومتأخريهم بضعف الاسناد والدلالة كما ذكره في الذكرى مع
المعارضة بالأخبار المتقدمة ولزوم اختلاف الوقت بالطول والقصر بحسب الأزمنة
والأمكنة بخلاف الشاخص.
قال في المدارك
بعد ذكر الخبر المذكور : وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعيد ومتنها
متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب ، وأيضا فإن قدر الظل الأول غير منضبط وقد ينعدم
في بعض الأوقات فلو نيط الوقت به لزم التكليف بعبادة موقتة في غير وقت أو في وقت
يقصر عنها وهو معلوم البطلان.
وجملة من
متأخري المتأخرين قد تصدوا لتصحيح معناه وتكلفوا لتشييد مبناه كالمحدث الكاشاني في
الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه في المقام فإنه جيد ينجلي به غشاوة الإبهام عن بعض
مواضع الخبر وان بقي الباقي في الأكمام.
قال (قدس الله
سره ونور ضريحه) بعد ذكر الخبر المذكور : لا بد في هذا المقام من تمهيد مقدمة
ينكشف بها نقاب الارتياب من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث التي نتلوها عليك في هذا
الباب وما بعده من الأبواب ان شاء الله تعالى فنقول ـ وبالله التوفيق ـ ان
الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد ،
ثم قد تقرر ان قامة كل إنسان سبعة أقدام بإقدامه وثلاث اذرع ونصف بذراعه والذراع
قدمان فلذلك يعبر عن السبع بالقدم وعن طول الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وان
كان في غير الإنسان ، وقد جرت العادة بأن يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا
لمعرفة الوقت ذراعا كما تأتي الإشارة إليه في حديث تعريف الزوال ، وكان رحل رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) الذي كان يقيس به الوقت ايضا ذراعا ، فلأجل ذلك كثيرا
ما يعبر عن القامة بالذراع وعن الذراع بالقامة ، وربما يعبر عن الظل الباقي عند
الزوال من الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان اصطلاحا معهودا وبناء على هذا الحديث على
ارادة هذا المعنى كما ستطلع عليه. ثم ان كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول
وقتي فضيلة الفريضتين كما في هذا الحديث وقد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما
يأتي في الاخبار الأخر ، فكل ما يستعمل لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص
وكل ما يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة
الذراع وفي الثاني بالعكس ، وربما يستعمل لتعريف الآخر لفظة «ظل مثلك وظل مثليك»
ويراد بالمثل القامة ، والظل قد يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق على ما
يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له الفيء من «فاء يفيء إذا رجع» لانه كان أولا
موجودا ثم عدم ثم رجع وقد يطلق على مجموع الأمرين. ثم ان اشتراك هذه الألفاظ بين
هذه المعاني صار سببا لاشتباه الأمر في هذا المقام حتى ان كثيرا من أصحابنا عدوا هذا
الحديث مشكلا لا ينحل وطائفة منهم عدوه متهافتا ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما
أسلفناه لا أحسبك تستريب في معناه ، إلا انه لما صار على الفحول خافيا فلا بأس ان
نشرحه شرحا شافيا نقابل به ألفاظه وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته ، فنقول ـ والهداية
من الله ـ تفسير الحديث على وجهه ـ والله اعلم ـ ان يقال ان مراد السائل انه ما
معنى ما جاء في الحديث من تحديد أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة
بصيرورة
الظل قامة وقامتين واخرى بصيرورته ذراعا وذراعين واخرى قدما وقدمين وجاء من
هذا القبيل من التحديد مرة ومن هذا اخرى فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ
متباينة المعاني وكيف يصح التعبير عن شيء واحد بمعاني متعددة مع ان الظل الباقي
عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم؟ فلا بد من مضي مدة مديدة حتى يصير مثل قامة
الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل هذه المدة الطويلة من الزوال؟ فأجاب (عليهالسلام) بان المراد بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي
بإزاء الذراع ليس قامة الشاخص الذي هو شيء ثابت غير مختلف بل المراد به مقدار
ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر عنه بظل القامة وهو يختلف بحسب
الأزمنة والبلاد مرة يكثر ومرة يقل وانما يطلق عليه القامة في زمان يكون مقداره
ذراعا فإذا زاد الفيء أعني الذي يزيد من الظل بعد الزوال بمقدار ذراع حتى صار
مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر وإذا زاد ذراعين فهو أول الوقت للعصر. واما قوله (عليهالسلام) : «فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا
بالذراع والذراعين» فمعناه ان الوقت انما ينضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون
القامة والقامتين. واما التحديد بالقدم فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين
والأربعة أقدام وهو مساو للتحديد بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم والقدمين
فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول ولعل
الامام (عليهالسلام) انما لم يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه لما
استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك وانه انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب
العلة في تأخير أول الوقت الى ذلك المقدار ، وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر
بما يبقى عند الزوال من الظل سواء كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة
الفيء الزائد مثل الظل الثاني كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا (طاب ثراهم)
بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما
إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا بل يستلزم الخلو من التوقيت في اليوم الذي تسامت
فيه الشمس رأس
الشاخص لانعدام الظل الأول حينئذ ، ونعني بالعبادة النافلة لأن هذا التأخير
عن الزوال انما هو للإتيان بها كما ستقف عليه. أقول : اما الاختلاف الفاحش فغير
لازم وذلك لان كل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه شيئا يسيرا فإنما يزيد الفيء
فيه في زمان طويل لبطئه حينئذ في التزايد ، وكل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه
كثيرا فإنما يزيد الفيء فيه في زمان يسير لسرعته في التزايد حينئذ فلا يتفاوت الأمر
في ذلك ، واما انعدام الظل فهو أمر نادر لا يكون إلا في قليل من البلاد وفي يوم
تكون الشمس فيه مسامتة لرؤوس اهله لا غير ولا عبرة بالنادر. نعم يرد على تفسير
صاحب التهذيب أمران (أحدهما) انه غير موافق لقوله (عليهالسلام) : «فإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا
بالذراع والذراعين» لانه على تفسيره يكون دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما
كان و (الثاني) انه غير موافق للتحديد الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة
كما يأتي ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها ،
وعلى المعنى الذي فهمناه من الحديث لا يرد عليه شيء من هذه المؤاخذات إلا انه
يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص ولا بأس بذلك. (ان قيل) اختلاف وقتي
النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين
التابع لذلك لازم على اي التقادير ولما ذكرت من سرعة تزايد الفيء تارة وبطوئه
اخرى فكيف ذلك؟ (قلنا) نعم ذلك كذلك ولا بأس بذلك لانه لطول اليوم وقصره كسائر
الأوقات في الأيام والليالي. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : ويقرب
مما دل عليه هذا الخبر ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي حيث قال بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه آنفا في هذه المسألة
ما صورته : «وانما سمي ظل القامة قامة لان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة انسان فسمي ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين وظل
قدم وظل قدمين وظل أربعة أقدام وذراع ، وذلك
__________________
انه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا مسح بالذراع كان ذراعا وإذا مسح
بالذراعين كان ذراعين وإذا مسح بالقامة كان قامة أي هو ظل القامة وليس هو بطول
القامة سواء مثله لان ظل القامة ربما كان قدما وربما كان قدمين ظل مختلف على قدر
الأزمنة واختلافها لان الظل قد يطول وينقص لاختلاف الأزمنة والحائط المنسوب إلى
قامة الإنسان قائم معه غير مختلف ولا زائد ولا ناقص ، فلثبوت الحائط المقيم
المنسوب إلى القامة كان الظل منسوبا اليه ممسوحا به طال الظل أم قصر». انتهى.
ويتلخص من
الخبرين ان المعتبر في ذلك انما هو الذراع والذراعان كما في سائر الاخبار وان وقت
الظهر بعد الأول والعصر بعد الثاني وهو لا يختلف باختلاف الأزمان والأحوال ، وان
التقدير بالقامة انما هو لما كان جدار مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قامة إنسان ، قال في وقت كان ظل ذلك الجدار المتخلف
عند الزوال ذراعا إذا كان الفيء مثل ظل القامة فصلوا الظهر وإذا كان مثليه فصلوا
العصر ، وقال مثل القامة وغرضه ظل القامة لقيام القرينة بذلك فلم يفهم المخالفون
ذلك وتوهموا ان المراد بالقامة قامة الجدار فجعلوا للظهر قامة وللعصر قامتين وهما
المعبر عنهما بالمثل والمثلين وانما مراده مثل الظل في ذلك الوقت وهو الذراع
ومرجعه إلى زيادة الظل ذراعا من الزوال من قامة الإنسان ، وبهذا يتم قوله (عليهالسلام) «فيكون ظل القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين
في كل زمان» يعني به انا لما فسرنا القامة أو ظل القامة بالظل الحاصل في الزمان
المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وكان في ذلك الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف
البلاد والفصول وكان اللفظان مفادهما واحدا مفسرا أحدهما أي ظل القامة بالآخر اي
الذراع. واما التحديد بالاقدام فأكثر ما جاء في الاخبار بالقدمين والأربعة ومرجعه
الى الذراع والذراعين. واما ما نقص عن ذلك فقد عرفت وجهه من كلام المحدث الكاشاني.
والله العالم.
(المسألة
الخامسة) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت العصر
الفراغ من الظهر ولو تقديرا وقد تقدم القول في تحقيق الاشتراك من أول الوقت
وعدمه وادعى في المعتبر والمنتهى الإجماع على ان وقتها بعد الفراغ من الظهر ،
والاخبار بذلك مستفيضة : منها ـ الأخبار الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل
الوقتان إلا ان هذه قبل هذه والاخبار المتكاثرة الدالة في كل من الظهرين انه لا
يمنعك إلا سبحتك طولت أو قصرت ويزيده تأكيدا ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) بين الظهر والعصر حد معروف؟ فقال لا».
بقي الكلام في
الفضل والاستحباب فهل الأفضل تعجيل العصر بعد الظهر لغير المتنفل وبعد النافلة أو
مضي الذراعين لغيره على الخلاف المتقدم أو ان الأفضل تأخيرها إلى مضي المثل الأول؟
الأشهر الأول ونقل في المدارك عن جمع من الأصحاب انهم ذهبوا الى استحباب تأخير
العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر وهو المثل أو الإقدام ، قال وممن صرح بذلك
المفيد في المقنعة فإنه قال في باب عمل الجمعة : والتفريق بين الصلاتين في سائر
الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل وقد ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن
الجمع بينهما أفضل. انتهى. وقريب من ذلك عبارة ابن الجنيد فإنه قال : لا نختار أن
يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي صلاها مع الزوال إلا مسافرا أو عليلا أو خائفا
ما يقطعه عنها بل الاستحباب للحاضر ان يقدم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئا من
التطوع الى ان تزول الشمس قدمين أو ذراعا من وقت زوالها ثم يأتي بالظهر ويعقبها
بالتطوع من التسبيح والصلاة ليصير الفيء أربعة اقدام أو ذراعين ثم يصلي العصر.
هذا كلامه وهو مضمون رواية زرارة إلا ان أكثر الروايات تقتضي استحباب المبادرة
بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار للإقدام والأذرع. انتهى ما ذكره في المدارك.
أقول : الظاهر
من عبارتي الشيخ المفيد وابن الجنيد انما هو استحباب التفريق (عليهالسلام)
__________________
بين الفرضين بالنافلة كما هو المتفق عليه نصا وفتوى لا التفريق بتأخير
العصر الى أول المثل الثاني ، واما تأخير العصر الى مضي الاقدام الأربعة أو
النافلة طالت أم قصرت فهي مسألة أخرى قد تقدم الكلام فيها ، نعم من يخص وقت فضيلة
الظهر بالقدمين من الزوال والذراع وقدر الفريضة وفضيلة العصر بالأربعة والذراعين
والفريضة كما هو القول الأظهر من الاخبار فإنه يتجه فيه ما ذكره ، إنما الإشكال في
من يقول بامتداد وقت فضيلة الظهر إلى أول الثاني وفضيلة العصر بأول المثل الثاني
إلى تمام المثل فهل يستحب له تأخير العصر الى مضي وقت فضيلة الظهر؟ قد تقدم في صدر
المسألة الرابعة تصريح شيخنا الشهيد في الذكرى بأن الأقرب استحباب تأخير العصر الى
ان يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر بالنافلتين والظهر واما المقدر بالمثل
والاقدام ، وقد عرفت ان التأخير في المواضع المذكورة في كلامه مما لا إشكال في شيء
منها لوروده في الاخبار المتفق عليها إلا في التأخير إلى مضي المثل فإنه لم يدل
عليه إلا رواية زرارة المتضمنة لسؤاله عن وقت الظهر في القيظ ورواية كتاب المجالس وقد تقدم الكلام فيهما وبينا الوجه في ما تضمناه.
وبالجملة فإن
المستفاد من الاخبار التي عليها الاعتماد والمدار في الإيراد والإصدار هو ان
الأفضل المبادرة بالعصر بعد الظهر لمن لا يتنفل أو كان في سفر أو يوم جمعة وبعد
النافلة لمن يتنفل أو بعد مضي الذراع على الخلاف المتقدم ، والتفريق الموجب للأذان
للثانية يحصل بالفصل بالنافلة ولا يتوقف على بلوغ المثل الثاني.
قال في الذكرى
: لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر والعصر حضرا وسفرا للمختار وغيره وقد
رواه العامة عن علي (عليهالسلام) الى ان قال وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز
الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات
بذلك. وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه
__________________
جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي المشغري وكان ايضا تلميذ السيد ابن طاوس ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) ان كان يجمع بين الصلاتين فلا حاجة الى الأذان الثاني
إذ هو للاعلام وللخبر المتضمن انه عند الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وان كان
يفرق فلم ندبتم الى الجمع وجعلتموه أفضل؟ فأجابه المحقق ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يجمع تارة ويفرق اخرى ، ثم ذكر الروايات كما ذكرنا
وقال انما استحببنا الجمع في الوقت الواحد إذا اتى بالنوافل والفرضين فيه لأنه
مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث ثبت دخول وقت الصلاتين ، ثم ذكر خبر عمرو بن حريث
المتقدم عن الصادق (عليهالسلام) المتضمن انه سأله عن صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : «كان النبي (صلىاللهعليهوآله) يصلي ثمان ركعات الزوال ثم يصلي أربعا الاولى وثماني
بعدها وأربعا للعصر وثلاثا للمغرب وأربعا بعدها. الحديث الى آخره». وقد تقدم .
أقول : لا يخفى
ان كلا من السؤال والجواب لا يخلو من الإجمال بل الإشكال في هذا الباب.
اما السؤال فإن
ظاهره ان الجمع الموجب لسقوط الأذان هو جمع الصلاتين في وقت واحد وهو المثل الأول
بناء على القول المشهور من ان المثل الأول للظهر وان فصل بالنافلة حيث علله بأن
الأذان للثانية للإعلام ومع اجتماع الناس للأولى فلا يحتاج إلى الاعلام ، وللخبر
ان الجمع بين الصلاتين موجب لسقوط الأذان يعني الجمع بينهما في وقت واحد والتفريق
انما هو عبارة عن جعل العصر في أول المثل الثاني كما هو المشهور من انه وقت فضيلة
العصر ، وعلى الثاني فكيف ندبتم الى الجمع وقلتم انه أفضل؟ هذا حاصل كلامه ، ووجه
الاشكال فيه ان الجمع والتفريق وان حصل بما ذكره إلا ان المستفاد من الروايات ان
الجمع والتفريق المترتب عليه سقوط الأذان وعدمه انما هو باعتبار الإتيان بالنافلة
وعدمه ولو في وقت واحد فالأول يسمى تفريقا والثاني جمعا كما
__________________
سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في بحث الأذان ، وتعليله سقوط الأذان في
صورة الجمع في وقت واحد وان فصل بالنافلة كما يظهر من كلامه ـ بأن الأذان للإعلام
وهو غير محتاج إليه في الصورة المذكورة فإنه مع اجتماع الناس للأولى لا معنى
للاعلام حينئذ ـ مردود بان المستفاد من الاخبار على وجه لا يقبل الإنكار ان الأذان
كما يستحب في أوائل الأوقات بأن يأتي به المؤذن على المنارة للاعلام إذا دخل وقت
الظهر أو دخل وقت العصر وهو أول المثل الثاني كما يدعونه وكذا في غروب الشمس لصلاة
المغرب وزوال الحمرة المغربية للعشاء وهذا الأذان ليس من محل البحث في شيء ، كذلك
يستفاد منها ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من انه يستحب لكل مصل منفردا كان أو
جامعا ذكرا كان أو أنثى ان يأتي في أول صلاته بأذان واقامة في أول الوقت كان أو في
آخره وهذا الأذان هو الذي يسقط بالجمع بين الصلاتين وعدم الفصل بالنافلة كما في ما
نحن فيه وفي عصر عرفة وعشاء المزدلفة وعصري الجمعة والسفر ونحو ذلك واما مع
الإتيان بالنافلة فإنه يحصل التفريق ولا يسقط هذا الأذان وان كان في وقت واحد
ومقام واحد ، على ان ما ادعاه من انه (صلىاللهعليهوآله) ان كان يفرق باعتبار تأخير العصر الى المثل الثاني
مثلا ووافقه عليه المحقق في جوابه لم يرد به دليل يعتمد عليه وان اشتهر ذلك في
كلامهم ، ولو ورد ثمة دليل كان سبيله الحمل على التقية لما عرفت من الاخبار
المتقدمة سابق هذه المسألة واستفاضة الاخبار عنه (صلىاللهعليهوآله) في ما كان يفعله وعن أهل بيته في ما فعلوه وأمروا به
انما هو التفريق بالنافلة وان العصر بعد صلاة النافلة أو الإقدام الأربعة ونحوها
خاصة دون المثل وان العمل بما ذكر انما هو مذهب العامة كما هو الآن معلوم. هذا ما
في السؤال المذكور.
واما الجواب
فظاهره موافقة السائل فيما ذكره من معنى الجمع والتفريق وانه باعتبار الأوقات
وظاهره انه مع الفصل بالنافلة في الوقت الواحد فلا أذان ، وهو غلط محض لمخالفته
الروايات المتكاثرة الدالة على ما قدمناه من ان الجمع والتفريق انما هو باعتبار
الفصل بالنافلة وعدمه ، وملخص كلامه هو ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يجمع بين الصلاتين في وقت واحد تارة ويفرق في
وقتين تارة ، ونحن انما استحببنا الجمع في وقت وندبنا اليه بالإتيان بالفرضين
والنوافل كملا دون التفريق وهو التأخير إلى المثل الثاني لما ثبت من دخول الوقتين
بالزوال فصارت الذمة مشغولة بهما ، والمبادرة إلى تفريغ الذمة من الواجب أمر مندوب
اليه ومحثوث عليه. وهو مشعر بموافقته السائل في سقوط الأذان في الصورة المذكورة
حيث جعله جمعا لا تفريقا ومن شأن الجمع سقوط الأذان فيه كما ذكره السائل ، وفيه ما
عرفت. والعجب ان شيخنا الشهيد في الذكرى جرى على ذلك من غير تنبيه على ما ذكرنا
وأهمل السبب فيه من حيث قوله بتحديد الوقت بالمثل والمثلين لفضيلتي الظهر والعصر كما
تقدم نقله عنه إلا ان الكلام في سقوط الأذان مع الإتيان بالنوافل كما يشعر به
كلامهما متى جمع الفرضين في وقت واحد فإن الأخبار دالة على ثبوت الأذان في الصورة
المذكورة ، وقد تنبه لذلك السيد السند في المدارك حيث قال بعد ان نقل عن الذكرى
ملخص ما ذكرناه ما صورته : قلت ما ذكره (قدسسره) جيد والأذان إنما يسقط مع الجمع بين الفرضين إذا لم
يأت المكلف بالنافلة بينهما اما مع الإتيان بها فيستحب الأذان للثانية كما سيجيء
بيانه ان شاء الله تعالى. انتهى.
(المسألة
السادسة) ـ اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر فذهب السيد المرتضى في الجمل وفي جواب
المسائل الناصرية إلى أنه غروب الشمس وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس وابن زهرة.
وقال المفيد يمتد وقتها الى ان يتغير لون الشمس باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي
إلى مغيبها. وقال الشيخ في الخلاف آخره إذا صار ظل كل شيء مثليه. وقال في المبسوط
آخره إذا صار ظل كل شيء مثليه فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر. هذا وقت الاختيار
فاما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه الى ان يبقى من النهار بمقدار ما يصلي فيه اربع
ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر الى ان تغرب الشمس ، واختاره ابن البراج وابن
حمزة وأبو الصلاح وهو
الظاهر من كلام سلار. وقال ابن ابي عقيل الى ان ينتهي الظل ذراعين بعد زوال
الشمس فإذا جاوز ذلك فقد دخل في الوقت الآخر ، كذا نقل عن العلامة في المختلف ثم
قال : والحق عندي قول السيد المرتضى. ونقله في المدارك عن عامة المتأخرين ونقل فيه
عن المرتضى في بعض كتبه انه يمتد حتى يصير الظل بعد الزيادة ستة أسباعه للمختار ثم
اختار ما ذهب اليه المرتضى أولا.
أقول : ومن
الأخبار المتعلقة بالمقام رواية سليمان بن جعفر قال : «قال الفقيه (عليهالسلام) آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف». وهذه الرواية نقلها في
المختلف حجة للشيخ المفيد ، قال واحتج المفيد بما رواه سليمان بن جعفر في الصحيح
ثم ساق الرواية ثم قال وهو إشارة إلى الاصفرار لان الظل الى آخر النهار يقسم سبعة
أقدام. أقول : الظاهر ان المراد بالستة أقدام ونصف هنا يعني بعد المثل الأول
ليتحقق ما ذكره من الاصفرار ثم حمله في المختلف على ان ذلك وقت الفضيلة ، وهو متجه
بناء على ما ذكروه من ان وقت فضيلة العصر في المثل الثاني الى آخره ، وقد تقدم في
كلام الشيخ ان وقت الاختيار الى مضي المثلين.
ورواية سليمان
بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العصر على ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة
أقدام فذلك المضيع». وهو محمول على ان وقت الفضيلة أو الاختيار بعد الذراعين
وتركها الى ان يمضي ستة أقدام وقت الاجزاء على المشهور والاضطرار على القول الآخر.
وبالجملة فإنه
لا ريب ان المفهوم من الاخبار هو الامتداد الى الغروب ولكن هل ذلك مخصوص بأصحاب
الاعذار والاضطرار كما هو أحد القولين المتقدمين أو محمول على الاجزاء كما هو
المشهور؟ واما ما قبله من وقت الاختيار أو الفضيلة فقد تقدم الكلام فيه من انه
المثل كما هو المشهور أو الأربعة اقدام مع الفريضة أو الستة ونصف. والكل مروي إلا
__________________
انك قد عرفت ما في روايات المثل والمثلين. والله العالم.
(المسألة
السابعة) ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لمعرفة الزوال طرقا : منها ـ زيادة
الظل بعد انتهاء نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ، قالوا والمراد بالظل هو المبسوط
المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق لا الظل المنكوس وهو المأخوذ من
المقاييس الموازية للأفق ، وتوضيح ذلك ان الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص قائم على
سطح الأرض بحيث يكون عمودا على سطح الأفق ظل طويل في جانب المغرب ثم لا يزال ينقص
كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى دائرة نصف النهار ، وهي دائرة
عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة الأفق على نقطتين هما نقطتا
الجنوب والشمال وقطباها منتصف النصف الشرقي ومنتصف النصف الغربي من الأفق وهما
نقطتا الشرق والغرب ، وحينئذ فيكون ظل الشاخص المذكور واقعا على خط نصف النهار وهو
الخط الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهناك ينتهي نقصان الظل المذكور وقد لا
يبقى للشاخص ظل أصلا في بعض البلاد ، وإذا بقي الظل فمقداره مختلف باختلاف البلاد
والفصول فكلما كان بعد الشمس عن مسامتة رؤوس أهل البلاد أكثر كان الظل فيها أطول ،
فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار الى المغرب فان لم يكن
بقي الظل حدث حينئذ في جانب المشرق وكان ذلك علامة الزوال وان كان قد بقي أخذ في
الزيادة حينئذ فيكون ذلك علامة الزوال ايضا. والذي ورد في الاخبار وكذا في جملة من
عبارات الأصحاب هو الثاني خاصة وهو مبني على الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان ،
وطريق استعلام ذلك ان ينصب مقياسا ويقدر ظله عند قرب الشمس من الاستواء ثم يصبر
قليلا ويقدر فان كان دون الأول أو بقدره فالى الآن لم تزل وان زاد فقد زالت.
وقد ورد هذا
الاعتبار في جملة من الاخبار : منها ـ رواية سماعة قال :
__________________
«قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا
كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب؟ قال نعم فأخذ العود
فنصبه بحيال الشمس ثم قال ان الشمس إذا طلعت كان الفيء طويلا ثم لا يزال ينقص حتى
تزول الشمس فإذا زالت زاد فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر ثم تمهل قدر ذراع وصل
العصر».
وعن علي بن أبي
حمزة قال : «ذكر عند ابي عبد الله (عليهالسلام) زوال الشمس فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) تأخذون عودا طوله ثلاثة أشبار وان زاد فهو أبين فيقام
فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت».
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) تبيان زوال الشمس ان تأخذ عودا طوله ذراع واربع أصابع
فتجعل أربع أصابع في الأرض فإذا نقص الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس
وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضى الحوائج العظام».
وهذا الطريق
عام النفع للعالم والعامي إلا انه انما يعلم به زوال الشمس بعد زمان طويل كما لا
يخفى وبه صرح في الروض ايضا.
والمفهوم من
هذه الاخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار ـ ان الاعتبار في العلم بالزوال
بظهور الزيادة بعد النقص كما يدل عليه قوله (عليهالسلام) في رواية سماعة
«فإذا استبنت
الزيادة فصل الظهر» وكذا قوله (عليهالسلام) في رواية علي بن أبي حمزة «فإذا زاد الظل بعد النقصان
فقد زالت» ونحوه في مرسلة الفقيه وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى الاكتفاء
بعدم النقص ، قال والدي (قدسسره) في حاشيته على شرح اللمعة : وجعل العلامة (طاب ثراه)
في المنتهى عدم نقص الظل علامة للزوال ، وهو كما ترى فان الظل عند قرب الزوال جدا
ربما لا يحس بنقصانه ويرى مكانه واقفا لا يزيد ولا ينقص فلا يعلم حينئذ عدم نقصه
ليعلم به الزوال ، وعدم ظهور النقص غير كاف في الحكم به
__________________
لانه يجامع حصول النقص كما عرفت. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول : ومن أظهر
الأدلة في بطلان ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه قال : «روى حريز بن عبد الله انه قال : «كنت عند ابي
عبد الله (عليهالسلام) فسأله رجل فقال جعلت فداك ان الشمس تنقض ثم تركد ساعة
من قبل ان تزول؟ فقال انها تؤامر أتزول أو لا تزول». وروى في الكتاب المذكور قال : «سئل الصادق (عليهالسلام) عن الشمس كيف تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة
ركود؟ قال لان الله عزوجل جعل يوم الجمعة أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق
الأيام؟ قال لانه لا يعذب المشركين في ذلك اليوم لحرمته عنده». وروى في الكافي عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليهالسلام) قال : «قلت له بلغني ان يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال
كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال ان الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين
الشمس فإذا ركدت عذب الله أرواح المشركين بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا
يكون للشمس ركود يرفع الله عنهم العذاب لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود». وقد
دلت هذه الاخبار على ان الشمس بوصولها إلى دائرة نصف النهار يحصل لها ركود ووقوف
عن الجريان وهو غاية نقصان الظل وان الزوال انما يحصل بعد ذلك وهو ميلها عن
الدائرة إلى جهة المغرب ، فكيف يصح ما ذكره من الاكتفاء في ثبوت الزوال بعدم النقص؟
وفي هذه الاخبار أبحاث شريفة وشحناها بها في شرحنا على كتاب من لا يحضره الفقيه
ومنها ـ استعلام
ذلك بالاقدام روى ذلك الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله
بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم
وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف
__________________
من آب على قدمين ونصف وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف
من تشرين الأول على خمسة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة أقدام ونصف
وفي النصف من كانون الأول على تسعة أقدام ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة
ونصف وفي النصف من شباط على خمسة ونصف وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف
من نيسان على قدمين ونصف وفي النصف من أيار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على
نصف قدم».
أقول : قد
اشتمل هذا الخبر على بيان اختلاف الظل الباقي عند الزوال بحسب اختلاف الأزمنة إلا
ان جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في المنتهى وشيخنا
البهائي ذكروا ان هذه الرواية مختصة بالعراق وما قاربها لان عرض البلاد العراقية
يناسب ذلك ، ولأن الراوي لهذا الحديث وهو عبد الله بن سنان عراقي فالظاهر انه (عليهالسلام) بين له علامة الزوال بما يناسب بلاده. وما ذكروه مما
لا محيص من الحمل عليه إذ لا ريب ان ما كان عرضه مساويا للميل الكلي ينعدم فيه
الظل يوما واحدا حقيقة وبحسب الحس أياما وما كان عرضه أقل ينعدم فيه الظل يومين
حقيقة وأياما حسا فهذا انما يتم في ما يكون عرضه أكثر من الميل الكلي ، والمناسب
له من البلدان الكثيرة العروض ولاية العراق ، والقدم ـ على ما ذكره أصحابنا وعليه
تدل ظواهر الاخبار ـ سبع الشاخص بناء على ان قامة الإنسان المستوي الخلقة سبعة
أقدام بقدمه ، والنصف من حزيران ـ على ما ذكره بعض محققي أصحابنا ـ من أوائل
السرطان والنصف من تموز في أوائل الأسد والنصف من آب في أوائل السنبلة والنصف من
أيلول في أوائل الميزان والنصف من تشرين الأول في أوائل العقرب والنصف من تشرين
الآخر أول القوس تقريبا والنصف من كانون الأول أول الجدي تقريبا والنصف من كانون
الآخر أول الدلو تقريبا والنصف من شباط أول الحوت تقريبا والنصف من آذار في أوائل
الحمل والنصف من نيسان في أوائل الثور والنصف من أيار في أوائل الجوزاء
بقي الكلام ان
في الحديث اشكالا ظاهرا يمنع من الاعتماد عليه في المقام وان كان قد غفل عنه جملة
من علمائنا الاعلام ، وذلك انه من المعلوم المشاهد بالوجدان والمستغني بالعيان عن
البيان ان ظل الزوال يتزايد من أول السرطان الذي هو أول الرجوع من انتهاء الميل
الكلي إلى آخر القوس وينقص من أول الجدي إلى آخر الجوزاء يوما فيوما وشهرا فشهرا
على سبيل التزايد في كل من النقيصة والزيادة ، بمعنى ان زيادته وانتقاصه في اليوم
الثاني والشهر الثاني أزيد منه في اليوم الأول والشهر الأول وهكذا في الثالث
بالنسبة الى الثاني وفي الرابع بالنسبة الى الثالث حتى ينتهي إلى غاية الزيادة
والنقصان ، ومن هذا القبيل حال ازدياد الساعات وانتقاصها في أيام السنة ولياليها
وهذا ظاهر للناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير ، فكيف يكون ازدياد الظل في ثلاثة
أشهر قدما قدما وفي الثلاثة الأخرى قدمين قدمين كما في الرواية المذكورة؟ فإنه
خلاف ما يحكم به المشاهدة والوجدان. والله سبحانه وقائله أعلم.
ومنها ـ ميل
الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة العراق كما ذكروه ، والظاهر انها انما
تتم بالنسبة إلى أطراف العراق الغربية كالموصل وما والاها ممن تكون قبلتهم نقطة
الجنوب إذ تكون دائرة نصف النهار حينئذ بين العينين فإذا زالت الشمس عن دائرة نصف
النهار نحو المغرب مالت بالضرورة إلى الحاجب الأيمن ، واما أطراف العراق الشرقية وما
والاها من أواسطها ممن تميل قبلتهم عن الجنوب نحو المغرب على تفاوت في ذلك زيادة
ونقيصة فعند ميل الشمس الى الحاجب الأيمن يكون قد مضى من الزوال مقدار غير قليل
لانحراف قبلتهم نحو المغرب وان كان ذلك في أواسط العراق أقل لقلة انحرافهم نحو
المغرب بالنسبة إلى الأطراف الشرقية ، قال والدي (قدسسره) بعد ذكر نحو ما قلناه : واما ما ذكره شيخنا البهائي (قدسسره) ـ من ان ذلك يمكن جعله علامة للزوال في أواسط العراق
ايضا كالكوفة وما والاها لانه عند ميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلتهم
لا يكون مضى من الزوال قدر معتد به ـ
فبعيد جدا لان انحراف أوساط العراق نحو المغرب ـ كما ذكره شيخنا الشهيد
الثاني ـ أزيد من انحراف الشامي نحو المشرق ، ومن المقرر ان انحراف الشامي نحو
المشرق قدر ثلث قوس ما بين نقطتي الجنوب والمشرق كما ذكره في شرح الألفية ، ومن
المعلوم ان من انحرف قدر ثلث القوس المذكور فضلا عما زاد عنها نحو المغرب يكون عند
ميل الشمس الى حاجبه الأيمن قد مضى من الزوال قدر معتد به فتدبر. انتهى كلامه رفع
في الخلد مقامه.
أقول : ومما
يدل على هذه العلامة من الاخبار ما تقدم في حديث كتاب مجالس الشيخ المذكور في
المسألة الرابعة من قوله (صلىاللهعليهوآله): «أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت
على حاجبه الأيمن».
وكيف كان
فالظاهر ايضا ان الكلام في معلومية الزوال بهذه العلامة كما تقدم في العلامة
الاولى من حصول الزوال قبل ذلك بمدة ، قال شيخنا الشهيد الثاني (طاب ثراه) في كتاب
روض الجنان بعد ذكر المصنف العلامة المذكورة ما لفظه : وهذه العلامة لا يعلم بها
الزوال إلا بعد مضي زمان كثير لاتساع جهة القبلة بالنسبة إلى البعيد ومن ثم قيدها
المصنف في النهاية والمنتهى بمن كان بمكة إذا استقبل الركن العراقي ليضيق المجال
ويتحقق الحال والأمر باق بحاله فإن الشمس لا تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل الركن
العراقي إلا بعد زمان كثير بل ربما أمكن استخراجه للبعيد في زمان أقل منه لمستقبل
الركن ، والتحقيق انه لا حاجة الى التقييد بالركن لما ذكرناه ولان البعيد إذا
استخرج نقطة الجنوب بإخراج نصف النهار صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره كما هو
أحد علامات العراقي وان كان في هذه العلامة بحث تقف عليه في محله ان شاء الله
تعالى فإذا وقف الإنسان على ما سمت هذا الخط ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان
قصير يقرب من زيادة الظل بعد نقصه ، واما إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه
العلامة خصوصا بالنظر الدقيق الذي يخرج به سمت القبلة فإن الزوال لا يظهر حينئذ
إلا بعد
مضي ساعات من وقت الظهر كما لا يخفى على من امتحن ذلك ، وقريب من ذلك
اعتباره باستقبال الركن العراقي فإنه ليس موضوعا على حد الشمال حتى يكون استقباله
موجبا لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف النهار وانما هو بين المشرق
والشمال فوصول الشمس اليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف النهار كما لا يخفى. انتهى
كلامه زيد مقامه.
ومنها ـ الدائرة
الهندية وقد ذكرها الشيخ المفيد والعلامة وغيرهما ، ودلالتها على ذلك بميل الظل عن
خط نصف النهار الى جانب المشرق فان الظل يقابل الشمس دائما فإذا كانت الشمس في جهة
المشرق كان ظل الشاخص في جهة المغرب وبالعكس وإذا كانت في وسط السماء على دائرة
نصف النهار كان ظل الشاخص على خط نصف النهار من الشمال أو الجنوب ان كان له ظل
فإذا زالت الشمس بان مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظل الشاخص الى
جانب المشرق ان كان له ظل أو حدث من ذلك الجانب ان لم يكن ، وطريق استخراج خط نصف
النهار بالدائرة الهندية ليعلم منها ما ذكرناه ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب ـ ان
تسوى موضعا من الأرض تسوية صحيحة بحيث تخلو من الانخفاض والارتفاع ثم يدار عليها
بدائرة بأي بعد كان وكلما كانت الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل ، وتنصب على مركزها
مقياسا مخروطا محدد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث
تحدث من جوانبه زوايا قوائم وتعلم ذلك بان تقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة
بمقدار واحد من ثلاثة مواضع أو أكثر فإن تساوت الابعاد فهو عمود ، ثم ترصد ظل
المقياس قبيل الزوال حين يكون خارجا من محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس
الظل الى محيط الدائرة يريد الدخول فيه فعلم عليه علامة ثم ترصده بعد الزوال قبل
خروج الظل من الدائرة فإذا أراد الخروج عنه فعلم عليه علامة وتصل ما بين العلامتين
بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط بخط وهو خط نصف
النهار ، فإذا ألقى
المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء
لم تزل وإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس ، وبذلك تعرف القبلة أيضا ،
ولو نصفت القوسين الحادثين من قطع خط نصف النهار للدائرة ووصلت بينهما بخط يقاطع
خط نصف النهار على اربع زوايا قوائم كل منها ربع المحيط كان ذلك الخط خط المشرق
والمغرب فيتصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال والآخر بنقطة مغربه ، وهذه صورة
الدائرة المذكورة :

(المسألة
الثامنة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت صلاة المغرب هو غروب الشمس قال في
المعتبر وهو إجماع العلماء ، وانما الخلاف في ما به يتحقق الغروب فالمشهور ـ وهو
الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين ـ انه انما يعلم بزوال الحمرة المشرقية
عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب ، وقيل انه عبارة عن غيبوبة القرص عن العين في
الأفق مع عدم الحائل ، ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى وابن الجنيد وبه صرح
الصدوق في كتاب العلل وهو ظاهره في كتاب من لا يحضره الفقيه حيث
اقتصر فيه على الاخبار الموافقة لهذا القول ولم يتعرض لشيء من اخبار القول
الآخر.
ومنشأ ذلك هو
اختلاف الأخبار الواردة في المسألة والذي ظهر لي من الاخبار هو القول المشهور ،
فالواجب هو بسط أخبار المسألة والكلام فيها وبيان رجحان ما ذهب اليه المشهور منها
وضعف القول الآخر :
فأقول ـ وبالله
سبحانه الثقة لبلوغ المأمول ـ من الاخبار الدالة على القول المختار ما رواه ثقة
الإسلام في الكافي عن ابن ابي عمير عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار ان تقوم بحذاء
القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب
فقد وجب الإفطار وسقط القرص».
وما رواه
بطريقين عن القاسم بن عروة والشيخ في التهذيب بطريقين آخرين عنه ايضا عن بريد بن
معاوية عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق
ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها».
وما رواه في
الكافي عن احمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من
المشرق ، وتدري كيف ذاك؟ قلت لا. قال لان المشرق مطل على المغرب هكذا ـ ورفع يمينه
فوق يساره ـ فإذا غابت ههنا ذهبت الحمرة من ههنا».
وما رواه الشيخ
عن محمد بن علي قال : «صحبت الرضا (عليهالسلام) في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من
المشرق يعني السواد».
وعن عمار في
الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) : «إنما أمرت أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت
الحمرة فجعل هو الحمرة من قبل المغرب».
ومنها ـ الأخبار
الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس أيضا
ففي
__________________
موثقة يونس بن يعقوب المروية في الكافي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى الإفاضة من عرفات؟ قال إذا ذهبت الحمرة يعني من
الجانب الشرقي».
وروى في
التهذيب عن يونس المذكور في الموثق ايضا قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى تفيض من عرفات؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا ،
وأشار بيده الى المشرق والى مطلع الشمس».
وما ذكره الرضا
(عليهالسلام) في كتاب الفقه حيث قال : «وأول وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه ان
يسود أفق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق». وقال في موضع آخر : «وقت المغرب سقوط
القرص الى مغيب الشفق ، الى ان قال والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب
المشرق وفي الغيم سواد المحاجر وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص
والعمل من ذلك على سواد المشرق الى حد الرأس». انتهى. والظاهر ان المراد بسواد
المحاجر في عبارته (عليهالسلام) سواد الأفق من جميع جهاته.
هذه جملة ما
وقفت عليه من الاخبار الدالة على القول المشهور ووضوحها في الدلالة غاية في الظهور
لا يعتريها قصور ولا فتور.
واما ما استدل
به للقول الآخر فمنها ما رواه الشيخان في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله
بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب
قرصها».
وعن زرارة في
الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء
الآخرة».
__________________
وهاتان
الروايتان مما استدل به في المدارك للقول المذكور وهي غير واضحة الظهور ، وذلك لان
غاية ما دلتا عليه هو كون وقت المغرب عبارة عن غيبوبة الشمس وغروبها وقد عرفت ان
هذا مما لا خلاف فيه وانما الخلاف ـ كما قدمنا وبه اعترف في المدارك في صدر البحث
ـ في ما به يتحقق الغروب من مجرد استتار القرص عن النظر مع عدم الحائل أو يتوقف
على زوال الحمرة المشرقية وميلها الى المغرب ، وبذلك يظهر لك انه لا دلالة للخبرين
المذكورين على ما ادعاه وان صح سندهما بل هما مجملان ، وبذلك يظهر الجواب عن ما
استدلوا به من رواية يزيد بن خليفة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت؟ قال فقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) إذا لا يكذب علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص
إلا ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان إذا جدّ به السير أخر المغرب ويجمع بينها وبين
العشاء؟ فقال صدق. الحديث». وما رواه في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) وقت المغرب إذا غاب القرص». وبالجملة فإن غيبوبة القرص
وغروب الشمس ونحو ذلك من هذه العبارات مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ
القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى ،
وقد عرفت من كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه بعد ان عبر بسقوط القرص انه جعل علامته
ان يسود أفق المشرق ، ونحوه في مرسلة ابن ابي عمير المتقدمة.
واستدل في
المدارك لهذا القول بصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد
صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وموثقة أبي
أسامة زيد الشحام قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليهالسلام) أؤخر المغرب حتى تستبين
__________________
النجوم؟ فقال خطابية ان جبرئيل نزل بها على محمد (صلىاللهعليهوآله) حين سقط القرص». وفيه ان ظاهر سياق صحيحة زرارة
المذكورة انها انما وردت في مقام الاشتباه لغيم ونحوه والبناء في دخول الوقت على
الظن فكأنه قال : «وقت المغرب إذا حصل لك ظن بغيبوبة القرص فإن رأيته بعد ذلك. الى
آخر الخبر» وحينئذ فليست من محل البحث في شيء ، ولو كان المراد بغيبوبة القرص
فيها غيبوبته عن النظر مع عدم الحائل فكيف تتصور الرؤية بعد ذلك؟ ولو استند في
الاستدلال بها الى مجرد التعبير بغيبوبة القرص قياسا على الخبرين المذكورين في
كلامه لكان الجواب عنها بما عرفت ، وبه يعلم الجواب ايضا عن موثقة زيد الشحام
المذكورة فإن غاية ما تدل عليه النهي عن التأخير الى ان تستبين النجوم والعمل على
سقوط القرص وقد عرفت من روايتي ابن ابي عمير وكتاب الفقه ان سقوط القرص انما يتحقق
بزوال الحمرة إلى ناحية المغرب ، هذا غاية ما استدل به في المدارك على القول
المذكور وقد ظهر لك صحة ما ادعيناه من عدم دلالتها على المراد وتطرق البحث إليها
والإيراد. ومثل هذه الاخبار جملة أخرى بهذا المضمون أعرضنا عن التطويل بنقلها لما
عرفت.
ومنها ـ رواية
الصدوق في الموثق عن سماعة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) في المغرب انا ربما صلينا ونحن نخاف ان تكون الشمس خلف
الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ فقال ليس عليك صعود الجبل». وما رواه فيه ايضا عن
زيد الشحام قال : «صعدت مرة جبل ابي قبيس والناس يصلون المغرب
فرأيت الشمس لم تغب وانما توارت خلف الجبل عن الناس فلقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فأخبرته بذلك فقال لي ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت انما
تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما
عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس ان يبحثوا».
__________________
أقول : لا يخفى
ان هذين الخبرين لا ينطبقان على شيء من القولين ، اما القول المشهور فظاهر واما
القول الآخر فلانه لا خلاف بين أصحاب هذا القول ـ كما صرح به غير واحد من أصحابنا (رضوان
الله عليهم) ـ في انه لا بد في سقوط القرص الذي يجعل وقتا للغروب على هذا القول من
انتفاء الحائل بين الناظر وبين موضع غروب الشمس من أفق تلك البلاد ولا ريب في ان
جبل ابي قبيس حائل ، وبالجملة فإن الاستدلال من صاحب الفقيه بهذين الخبرين ـ كما
ذكره في الفقيه ومثله في كتاب المجالس وغيرهما على هذا القول حيث اختاره ـ من أعجب
العجائب لما عرفت من الإشكال الذي ليس عنه ثمة جواب.
قال شيخنا
المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار بعد ذكر هذين الخبرين : ظاهر هذا الخبر
والخبر المتقدم الاكتفاء بغيبوبة الشمس خلف الجبل وان لم تغرب عن الأفق ولعله لم
يقل به أحد وان كان ظاهر الصدوق القول به لكنه لم ينسب اليه هذا القول ويمكن حمله
على ما إذا غابت عن الأفق الحسي لكن يبقى ضوؤها على رؤوس الجبال كما نقلنا عن
الشيخ في المبسوط ولعل الشيخ حملهما على هذا الوجه وليس ببعيد جدا والاولى الحمل
على التقية. قال الوالد (قدسسره) في الخبر الأول الظاهر ان ذمه على صعود الجبل لانه كان
غرضه منه إثارة الفتنة بأن يقول انهم يفطرون ويصلون والشمس لم تغب بعد وكان مظنة
أن يصل الضرر اليه والى غيره فنهاه (عليهالسلام) لذلك. ويمكن ان يكون المراد بقوله : «فإنما عليك مشرقك
ومغربك» انك لا تحتاج الى صعود الجبل فإنه يمكن استعلام الطلوع والغروب بظهور
الحمرة وذهابها في المشرق للغروب وعكسه للطلوع. وهذا الوجه جار في الخبر الأخير
أيضا. انتهى كلامه. وما ذكره من حمل خبر سماعة على التقية هو الوجه الوجيه ، وما
نقله عن والده في معنى خبر الشحام جيد لا ريب فيه.
ومنها ـ وهو
أصرحها في الدلالة على القول المذكور لظهوره في ذلك تمام الظهور وكان ينبغي لمن
قال بذلك القول ان يستند اليه ويعول في ذلك عليه ـ ما رواه الشيخ
في التهذيب عن علي بن الحكم عن من حدثه عن أحدهما (عليهماالسلام) «انه سئل عن وقت المغرب فقال إذا غاب كرسيها. قلت وما كرسيها؟ قال قرصها.
فقلت متى يغيب قرصها؟ قال إذا نظرت اليه فلم تره». وما رواه الصدوق في كتاب
المجالس عن ابان بن تغلب والربيع بن سليمان وابان بن أرقم وغيرهم قالوا : «أقبلنا من مكة حتى إذا كنا بوادي الأجفر إذا
نحن برجل يصلي ونحن ننظر الى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي ونحن ندعو
عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول هذا من شباب أهل المدينة فلما أتيناه فإذا
هو أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهماالسلام) فنزلنا فصلينا معه وقد فأتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة
قمنا اليه فقلنا له جعلنا فداك هذه الساعة تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل
الوقت».
وما رواه في
الكتاب المذكور عن محمد بن يحيى الخثعمي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو
سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم ينصرفون الى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم».
هذا ما يدل على
هذا القول صريحا ، والجواب عنه بالحمل على التقية كما هو أحد القواعد المنصوصة عن
أهل البيت (عليهمالسلام) في مقام اختلاف الاخبار من العرض على مذهب العامة
والأخذ بخلافهم ، واتفاق المخالفين قديما وحديثا على هذا القول مما لا سبيل إلى
إنكاره بل ورد في جملة من الاخبار الأمر بعرض الاخبار على
مذهبهم والأخذ بخلافه وان لم يكن في مقام الاختلاف بل ورد ما هو أعظم من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد
من تستفتيه في الحكم فاستفت قاضي العامة واعمل على خلافه
__________________
وحينئذ فإذا كانت النصوص عنهم (عليهمالسلام) بلغت هذا المبلغ في الأمر بمخالفتهم فالواجب هو طرح
هذه الاخبار من البين لظهور موافقتها لهم برأي العين ، وبالجملة فأخبار هذا القول
وان كثرت فمنها ما هو غير صريح بل ولا ظاهر في المدعى كما عرفت ومنها ما هو صريح
ويتعين حمله على التقية.
واما ما صار
اليه بعض من حمل اخبار القول المشهور على الاستحباب فليس بالوجه الوجيه لما ذكرنا
من التنبيه والتوجيه ، ويزيد ذلك بيانا في رد هذا الحمل المذكور وبيان ما فيه من
القصور استفاضة الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت والاخبار الدالة على النهي عن تأخير المغرب طلبا لفضلها
ولو كان مجرد توارى القرص عن النظر هو الوقت الشرعي لها كان الأفضل هو
المسارعة بها في ذلك الوقت عملا بالأخبار الاولى وكان تأخيرها طلبا لفضلها موجبا
للدخول تحت النهي في الاخبار الثانية.
والعجب منهم (رضوان
الله عليهم) حيث الغوا العمل بالقواعد المنصوصة عن الأئمة (عليهمالسلام) في مقام اختلاف الاخبار واستنبطوا لأنفسهم قواعد بنوا
عليها بمجرد الاعتبار ، وخبر محمد بن يحيى الخثعمي المذكور قد ورد نحوه من طريق
المخالفين كما نقله شيخنا صاحب البحار (قدسسره) حيث رووا عن جابر وغيره قال : «كنا نصلي المغرب مع
النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم نخرج نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمة فننظر الى
مواضع النبل من الاسفار». وفيه تأييد لما ذكرنا من الحمل على التقية.
وبما حققناه في
المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام جملة من متأخري المتأخرين
الاعلام :
منهم ـ السيد
السند في المدارك حيث ان ظاهره الميل الى القول بما قدمنا نقله عن الصدوق والمرتضى
وغيرهما ، فإنه قال بعد نقل أدلة المسألة ومنها الصحاح التي ذكرها كما قدمنا نقله
فيه
__________________
وطعنه في روايات القول المشهور بضعف الأسانيد : انه لا يخلو من قوة ، وجعل
ما قابله أحوط. وهو يشعر بالتوقف مع الميل الى القول المذكور. وفيه ما عرفت من ان
الصحاح التي استند إليها غير ظاهرة في المدعى كما أوضحناه ، والطعن بضعف السند غير
مرضي عندنا بل ولا عند كافة الأصحاب سيما المتقدمين ولا معتمد ، اما المتقدمون
فلعدم عملهم على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاة ، واما
المتأخرون فلان هذه الأخبار عندهم مجبورة بالشهرة.
ومنهم ـ المحدث
الكاشاني في الوافي وهو أعجب حيث قال بعد نقل اخبار القول المشهور المذكورة في
الكافي والتهذيب وآخرها حديث ابن أشيم ما صورته : الاطلال بالمهملة الإشراف ، الى
ان قال بقي الكلام في الحمرة المشرقية السماوية والاخبار في اعتبار ذهابها مختلفة
، فمنها ما يدل على اعتباره وجعله علامة لغروب الشمس كهذه الاخبار ومنها ما يدل
على ان ذهاب القرص عن النظر كاف في تحقق الغروب كالاخبار التي مضت ، والمستفاد من
مجموعها والجمع بينها ان اعتباره في وقتي صلاة المغرب والإفطار أحوط وأفضل وان كفى
استتار القرص في تحقق الوقت كما يظهر لمن تأمل فيها ووفق للتوفيق بينها وبين
الاخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي ان شاء الله تعالى. انتهى.
أقول : العجب
منه (قدسسره) وهو من أكابر المحدثين كيف الغى القاعدة المنصوصة في
الباب تبعا لغيره من المجتهدين الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في الخروج عن جادة
العمل بالأخبار في جملة من كتبه ، وأشار بالأخبار التي مضت الى ما قدمه في سابق
هذا الباب من الاخبار التي قدمنا نقلها ، وقد عرفت ان أكثرها غير ظاهر الدلالة ولا
واضح المقالة في ما ادعاه منها تبعا لصاحب المدارك ، وعمدة الشبهة عنده من الاخبار
التي ذكرها في تالي هذا الباب كما أشار إليه بقوله جمعا بينها وبين الاخبار التي
نتلوها عليك في الباب الآتي ، وها نحن بتوفيق الله تعالى نبين لك ما يكشف عن
إشكالها نقاب الإبهام ونبين ما هو الحق فيها لذوي الأفهام وضعف ما سبق الى خلافه
من الأوهام :
فنقول ـ وبالله
سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول ونيل المسؤول اعلم ان ههنا جملة من الاخبار قد اضطربت
فيها الأفكار من جملة من أصحابنا الأبرار (رفع الله تعالى أقدارهم في دار القرار)
وقد عنون لها في الوافي بابا سماه باب «تأخير المغرب عن استتار القرص للاحتياط» :
منها ـ ما رواه
الشيخ في التهذيب في الموثق عن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال لي مسوا بالمغرب قليلا فان الشمس تغيب من
عندكم قبل ان تغيب من عندنا».
وعن عبد الله
بن وضاح قال : «كتبت الى العبد الصالح (عليهالسلام) يتوارى القرص ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا
وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن عندنا المؤذنون أفأصلي وأفطر إن كنت
صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب الي أرى لك ان تنتظر حتى
تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك».
وروى في الكافي
عن جارود قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) يا جارود ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا بشيء نادوا به
أو حدثوا بشيء أذاعوه ، قلت لهم مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم
فانا الآن أصليها إذا سقط القرص».
وروى في
التهذيب بسندين أحدهما في الحسن والآخر في الموثق عن ذريح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان أناسا من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك
النجوم ، فقال أبرأ الى الله ممن فعل ذلك متعمدا».
وعن شهاب بن
عبد ربه في الحسن قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) يا شهاب اني أحب إذا صليت المغرب ان أرى في السماء
كوكبا».
وعن بكر بن
محمد الأزدي في الصحيح ورواه في الفقيه عن الأزدي أيضا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله سائل عن وقت المغرب قال ان الله يقول
__________________
في كتابه لإبراهيم «فَلَمّا جَنَّ
عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً» فهذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء
ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل».
وروى في
التهذيب في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن وقت إفطار الصائم قال حين يبدو ثلاثة أنجم».
وروى في الفقيه
عن ابان عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «يحل لك الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع
مع غروب الشمس».
هذا جملة ما
وقفت عليه من الاخبار وقد عرفت ما حملها عليه صاحب الوافي ومن حذا حذوه ، وقال في
المدارك : وقد ورد في بعض الاخبار اعتبار رؤية النجوم كصحيحة بكر بن محمد ثم ساق
الخبر الى ان قال : وحملها الشيخ (قدسسره) على حال الضرورة أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون
فراغه منها عند ذلك. وهو بعيد جدا ويمكن حملها على وقت الاشتباه كما تشعر به رواية
علي بن الريان قال : «كتبت اليه : الرجل يكون في الدار تمنعه حيطانها
النظر إلى حمرة المغرب ومعرفة مغيب الشفق ووقت صلاة العشاء الآخرة متى يصليها وكيف
يصنع؟ فوقع (عليهالسلام) يصليها إذا كان على هذه الصفة عند قصر النجوم والعشاء
عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق». وذكر الشيخ في التهذيب ان معنى قصر النجوم بيانها.
ويمكن حملها ايضا على ان المراد بها بيان وقت الفضيلة كما تشعر به صحيحة إسماعيل
بن همام قال : «رأيت الرضا (عليهالسلام) وكنا عنده لم يصل المغرب حتى ظهرت النجوم فقام فصلى
بنا على باب دار ابن ابي محمود».
__________________
ورواية شهاب بن عبد ربه ، ثم ساق الرواية ثم قال : ولا ريب ان الاحتياط
للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم وان كان الاكتفاء بغروب الشمس لا
يخلو من قوة. انتهى.
أقول : لا ريب
في بعد هذه المحامل كلها ، والذي ظهر لي من معنى هذه الاخبار ورزقني الله سبحانه
فهمه منها ببركة الأئمة الأبرار (عليهمالسلام) هو انه لما كان وقت المغرب عند العامة جميعا في جميع
الأمصار وجملة الأعصار والأدوار عبارة عن مجرد غيبوبة القرص عن النظر مع عدم
الحائل وكان الوقت عندهم (عليهمالسلام) انما هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل
شيعتهم قديما وحديثا ، فربما أفتوا بما يوافق العامة صريحا كالاخبار التي قدمناها
صريحة في ذلك وربما أفتوا بما يوافق مذهبهم (عليهمالسلام) صريحا كالاخبار التي قدمنا صريحة في القول المشهور ،
وربما عبروا بعبارات مجملة تحتمل الأمرين كالاخبار الصحاح التي قدمنا نقلها عن
المدارك ونحوها مع ما ورد في بعض اخبارهم (عليهمالسلام) من تفسير الغيبوبة الكاشف عن هذا الإجمال كما عرفت ،
وربما عبروا عن مذهبهم بعبارات تشير اليه وان كانت غير ظاهرة الدلالة عليه كما
تضمنته هذه الاخبار الأخيرة مثل الأمر بالأخذ بالاحتياط في رواية عبد الله بن وضاح
ومثل التعليل في رواية يعقوب بن شعيب بعد الأمر بالتسمية بأن الشمس تغيب من عندكم
قبل ان تغيب من عندنا وانما العلة الحقيقية هي انتظار زوال الحمرة المشرقية ،
وربما عللوه بانتظار ظهور كوكب أو ثلاث كواكب كما في روايتي شهاب بن عبد ربه وبكر
بن محمد وروايتي زرارة. فهذه العلل كلها انما خرجت مخرج التقية للتحاشي عن التصريح
بمخالفة القوم باعتبار ما تضمنته المقامات والأوقات حيث انها لا تقتضي إظهار
مذهبهم (عليهمالسلام) الواقعي فيجعلونه في هذه القوالب التي لا يستنكرها
المخالف لو سمعها ، ويزيدك بيانا لما ذكرناه خبر جارود وشكايته (عليهالسلام) من أولئك القوم أنه أسر إليهم ونصحهم في الباطن ان
يمسوا بالمغرب يعني انتظار زوال الحمرة دون العمل على مجرد غيبوبة القرص فأذاعوا
سره وحدثوا به حتى افرطوا في التسمية وأخروها
الى اشتباك النجوم فلما عرف (عليهالسلام) ظهور ذلك منهم لا علاج انه أظهر مخالفة ما أمرهم به
أولا سرا فصار يصلي على خلاف ما أمرهم ليعلم الناس كذبهم عليه ، ومنه يظهر الوجه
في حديث الجماعة الذين رأوه في طريق مكة يصلي وهم ينظرون الى شعاع الشمس كما تقدم فإنه لهذا السبب فعل ذلك وأمر به ، هذا هو الوجه الوجيه
في هذه الاخبار كما لا يخفى على من نظره بعين الفكر والاعتبار.
واما ما ذكره
في المدارك فقد عرفت ما فيه آنفا ونزيده هنا أيضا بان ما ذكره من حمل رواية بكر بن
محمد الدالة على رؤية النجوم مستندا إلى صحيحة إسماعيل بن همام المتقدمة وقوله بعد
ذلك «والاحتياط للدين يقتضي ذهاب الحمرة أو ظهور النجوم» ففيه ان ما اشتملت عليه
صحيحة إسماعيل بن همام المذكورة مما ترده جملة الأخبار الدالة على أفضلية أول
الوقت ولا سيما في المغرب الدالة على انه ليس لها إلا وقت واحد وهو وقت وجوب الشمس
وما دل على ذم تأخيرها إلى ظهور النجوم طلب فضلها كقول الصادق (عليهالسلام) في مرفوعة محمد بن أبي حمزة «ملعون ملعون من أخر المغرب طلب فضلها. وقيل له ان أهل العراق يؤخرون
المغرب حتى تشتبك النجوم؟ قال هذا من عمل عدو الله ابي الخطاب». ونحوها من الاخبار
، والرواية المذكورة غير معمول بها على ظاهرها فلا بد من تأويلها بالعذر. واما ما
اشتملت عليه صحيحة بكر بن محمد ورواية شهاب من ظهور نجم وروايتا زرارة من ظهور
ثلاثة أنجم فقد عرفت الوجه فيه وفي الغالب انه بزوال الحمرة يرى بعض النجوم لبعض
الناظرين. والله العالم.
(المسألة
التاسعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت المغرب ، فالمشهور أنه
الى ان يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ، وهو اختيار السيد المرتضى في الجمل
وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقق وابن عمه نجيب الدين وسائر المتأخرين ،
وقال الشيخ في أكثر كتبه آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع
__________________
الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح ، وقال في الخلاف آخره
غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج ، وقال الشيخ المفيد آخر وقتها غيبوبة
الشفق وهو الحمرة في المغرب والمسافر إذا جدّ به السير عند المغرب فهو في سعة من
تأخيره إلى ربع الليل ، وهو كقول الشيخ المتقدم. وقال السيد المرتضى في المسائل
الناصرية آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة وروى ربع الليل وحكم بعض أصحابنا ان
وقتها يمتد الى نصف الليل. وقال ابن ابي عقيل أول وقت المغرب سقوط القرص وعلامته
ان يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو واشتباك
النجوم وان جاوز ذلك بأقل قليل حتى يغيب الشفق فقد دخل في الوقت الآخر. وقال ابن
بابويه وقت المغرب ان كان في طلب المنزل في سفر الى ربع الليل وكذا المفيض من
عرفات الى جمع. وقال سلار يمتد وقت العشاء الأول الى ان يبقى لغياب الشفق الأحمر
مقدار أداء ثلاث ركعات. ونقل عن المبسوط انه حكى عن بعض علمائنا قولا بامتداد وقت
المغرب والعشاء الى طلوع الفجر. وقال في المدارك : والمعتمد امتداد وقت الفضيلة
إلى ذهاب الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان
يبقى قدر ذلك من الليل وهو اختيار المصنف في المعتبر. أقول : الظاهر ان أول من ذهب
صريحا الى امتداد العشاءين الى طلوع الفجر للمضطر هو المحقق في المعتبر وتبعه صاحب
المدارك وشيده ، وقد تبعه في هذا القول جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا.
أقول : والسبب
في اختلاف هذه الأقوال اختلاف الأخبار الواردة في المقام واختلاف ما أدت اليه
الأفكار فيها والافهام ، ونحن نبسط الأخبار أولا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم
نردفها بما يزيل عنها ان شاء الله تعالى نقاب الارتياب :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف
__________________
الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وعن داود بن
فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي
مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة
حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد
خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».
وعن إسماعيل بن
مهران قال : «كتبت الى الرضا (عليهالسلام) ذكر أصحابنا انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر
والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر
والحضر وان وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق وآخر
وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض في أفق المغرب». والمراد ـ والله سبحانه
وقائله اعلم ـ ان وقت المختار ضيق واما المضطر والمسافر فموسع كما يظهر من غيره.
وعن ابي بصير
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت المغرب حين تغيب الشمس» وعن إسماعيل بن جابر
في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى
سقوط الشفق».
وقد تقدم قريبا
في صحيحة بكر بن محمد الأزدي تحديد أول الوقت برؤية الكوكب ثم قال (عليهالسلام): «هذا أول الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق. الحديث».
وفي صحيحة
زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليهالسلام) «ووقت فوتها سقوط الشفق». وفي رواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «وآخر وقت
__________________
المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء».
وعن عبد الله
بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت المغرب من حين تغيب الشمس الى ان تشتبك
النجوم».
وعن عمر بن
يزيد في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت المغرب في السفر الى ربع الليل». ونحوه مروي
في الكافي أيضا بسند غير نقي.
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) وقت المغرب في السفر الى ثلث الليل». قال في الكافي :
وروى ايضا «الى نصف الليل».
وما رواه في
التهذيب في الموثق عن ابي بصير ورواه في الفقيه عن ابي بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) أنت في وقت من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد
غروب الشمس».
وعن محمد بن
علي الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق
، ولا بأس ان تعجل العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق».
وعن إسماعيل بن
جابر قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) حتى إذا بلغنا بين العشاءين قال يا إسماعيل امض مع الثقل
والعيال حتى ألحقك وكان ذلك عند سقوط الشمس فكرهت ان انزل وأصلي وادع العيال وقد
أمرني ان أكون معهم فسرت ثم لحقني أبو عبد الله (عليهالسلام) فقال يا إسماعيل هل صليت المغرب بعد؟ فقلت لا. فنزل عن
دابته فاذن واقام وصلى المغرب وصليت معه
__________________
وكان من الموضع الذي فارقته فيه الى الموضع الذي لحقني ستة أميال».
وعن القاسم بن
سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ذكر أبو الخطاب فلعنه ثم قال انه لم يكن يحفظ
شيئا ، حدثته ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) غابت له الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة
وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر».
وعن علي بن
يقطين في الصحيح قال : «سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها
الى ان يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك في السفر فاما في الحضر فدون ذلك شيئا». أقول
: يعني قبل غيبوبة الشفق بقليل.
وعن جميل بن
دراج في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في الرجل يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال
لعلة لا بأس قلت فالعشاء الآخرة قبل ان يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس».
وعن عمر بن
يزيد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أكون مع هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمر
بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي معهم لم استمكن من الأذان والإقامة
وافتتاح الصلاة؟ فقال ائت منزلك وانزع ثيابك وان أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في
وقت الى ربع الليل».
وعن عمر بن
يزيد في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وانا أريد المنزل فإن
أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء فأصلي في بعض المساجد؟
فقال صل في منزلك».
وعن عمر بن
يزيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت
__________________
المغرب؟ فقال إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن
تؤخرها إلى ربع الليل. فقال قال لي وهو شاهد في بلده».
وعن داود
الصرمي قال : «كنت عند ابي الحسن الثالث (عليهالسلام) فجلس يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث
فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل ان يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ
وصلى». أقول : قد تقدم قريبا نحوه في حديث إسماعيل بن همام انه رأى الرضا (عليهالسلام) كذلك ، وقد حملها الشيخ في التهذيب على حال الضرورة
واستند الى اخبار عمر بن يزيد المذكورة ، وهو جيد في مقام الجمع وان كان فيه نوع
بعد.
وعن عمار بن
موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز ان تؤخر
ساعة؟ قال لا بأس ان كان صائما أفطر وان كانت له حاجة قضاها ثم صلى».
فهذه جملة من
الاخبار الواردة في هذا المضمار والمفهوم منها ان الوقت بالنسبة إلى المغرب ثلاثة
أقسام : الأول إلى مغيب الشفق والثاني إلى ربع الليل أو ثلثه والثالث الى ما قبل
الانتصاف بقدر العشاء ، والجمع بينها يقتضي حمل الوقت الأول على الفضيلة أو
الاختيار على الخلاف المتقدم ، وقد عرفت ان الثاني هو الظاهر من الاخبار واليه
أيضا تشير اخبار هذه المسألة كما لا يخفى على المتأمل في مضامينها ، والوقت الثاني
على الاجزاء كما هو المشهور أو الاضطرار كما هو المختار ، والثالث كسابقه إلا انه
للأشد ضرورة كنوم ونسيان وحيض ونحوها على المختار أو الاجزاء وان كان تضييعا على
القول الآخر
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان السيد السند (قدسسره) في المدارك ـ بعد ان ذكر القول الذي قدمنا نقله عنه
واختاره من امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى
للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان يبقى قدر ذلك من
__________________
الليل ـ استدل عليه فقال : لنا على الحكم الأول صحيحة إسماعيل بن جابر ثم
ذكر موثقة إسماعيل التي قدمناها ـ ووصفه لها بالصحة الظاهر انه سهو منه (قدسسره) فان في طريقها الحسن بن محمد بن سماعة كما لا يخفى على
من راجع التهذيب ـ ثم صحيحة علي بن يقطين المتقدمة ، ثم قال : وهما محمولان اما
على وقت الفضيلة أو الاختيار إذ لا قائل بان ذلك آخر الوقت مطلقا ، والدليل على
إرادة الفضيلة قوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن سنان «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين
أفضلهما». وظهور تناول الروايات المتضمنة لامتداد الوقت الى الانتصاف للمختار
وغيره ، وامتداد وقت المضطر الى آخر الليل على ما سنبينه فلا يمكن حمل روايات
الانتصاف عليه. ولنا على الحكم الثاني أعني امتداد وقت الاجزاء للمختار الى ان
يبقى للانتصاف قدر العشاء قول ابي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «ففي ما بين زوال الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن
ووقتهن وغسق الليل انتصافه». ثم نقل صحيحة عبيد بن زرارة ومرسلة داود بن فرقد ،
الى ان قال : ولنا على الحكم الثالث اعني امتداد وقتها للمضطر الى ان يبقى من
الليل قدر العشاء ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان نام رجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء
الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما فان خاف ان تفوته
إحداهما فليبدأ بالعشاء وان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل
طلوع الشمس». وأجاب العلامة (قدسسره) في المنتهى عن هذه الرواية بحمل القبلية على ما قبل
الانتصاف ، وهو بعيد جدا ولكن لو قيل باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما هو
مورد الخبر كان وجها قويا. انتهى.
أقول : فيه (أولا)
ان ما ذكره دليلا على إرادة الفضيلة دون الاختيار من
__________________
الصحيحتين المذكورتين مردود بما قدمنا تحقيقه من عدم ظهورهما في الدلالة ،
ولا يخفى على المتأمل في ما قدمناه من الأخبار ظهور دلالتها على ان التأخير عن
غيبوبة الشفق انما هو في مقام العذر كالسفر والحوائج ونحوهما ، ومنها صحيحة علي بن
يقطين التي ذكرها فإنها دلت على نفي البأس في السفر المؤذن بثبوته في الحضر كما
أشار إليه ذيل الخبر المذكور وقوله في موثقة جميل بعد قول السائل : يصلي المغرب
بعد سقوط الشفق؟ «لعلة لا بأس» ونحوهما غيرهما مما تقدم.
و (ثانيا) ـ ان
ما استدل به على الحكم الثاني من قول ابي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «ففي ما بين زوال الشمس. الى آخره» فقد
اعترضه الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ مع انه من التابعين له في هذه المسألة
وغيرها غالبا ـ بما صورته : وفيه نظر لانه لا يمكن حمل الخبر على ان مجموع الوقت
وقت لمجموع الصلوات الأربع إلا بارتكاب التخصيص وليس الحمل على ان المجموع وقت
للمجموع ولو على سبيل التوزيع أبعد منه. انتهى.
و (ثالثا) ـ ان
ما استدل به على الحكم الثالث من صحيحة عبد الله بن سنان فإنه محل نظر كما سيظهر
لك ان شاء الله تعالى.
وينبغي ان يعلم
أولا ان الاخبار الدالة على هذا القول ليست منحصرة في الصحيحة التي ذكرها كما ربما
يتوهم بل هنا أخبار عديدة إلا انها مشتركة في ضعف السند باصطلاحه ، ولعله لهذه
العلة اقتصر على هذه الرواية لصحة سندها أو انه لم يطلع على تلك الاخبار وقت
التأليف وإلا لعدها من المؤيدات كما هي قاعدته في غير موضع ولعله الأقرب.
ومن الاخبار
المشار إليها رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة
النهار حتى تغيب الشمس
__________________
ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».
ورواية أبي
بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو
نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته
إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. الحديث».
ورواية عبد
الله بن سنان عنه (عليهالسلام) قال : «إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر
والعصر وان طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء».
ورواية داود
الزجاجي عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت
الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل صلت المغرب والعشاء الآخرة».
ورواية عمر بن
حنظلة عن الشيخ (عليهالسلام) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب
والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر».
ورواية أبي
الصباح الكناني عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب
والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت الظهر والعصر».
هذا ما وقفت
عليه من الاخبار التي تصلح لان تكون مستندا لهذا القول ، والظاهر عندي ان هذه
الاخبار انما خرجت مخرج التقية فلا تصلح للاعتماد عليها في تأسيس حكم شرعي ، ولي
على ذلك وجوه :
(الأول) قوله
عز شأنه «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ»
وجه الدلالة ما ورد عن أصحاب البيت الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم
__________________
اعرف الناس بظاهره وخافية من ان هذه الآية قد جمعت الأوقات كلها فروى
المشايخ الثلاثة والعياشي في تفسيره بأسانيدهم الصحيحة عن الباقر (عليهالسلام) «انه سئل عما فرض الله من الصلوات فقال خمس صلوات بالليل والنهار. فقيل هل
سماهن الله تعالى وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله تعالى لنبيه (صلىاللهعليهوآله) «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»
ودلوكها زوالها
ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن
وغسق الليل انتصافه ، ثم قال وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. فهذه الخامسة».
وفي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في قوله تعالى أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ... قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال
الشمس الى انتصاف الليل ، الى ان قال ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى
انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». وروى العياشي عنهما (عليهماالسلام) «ان هذه الآية جمعت الصلوات كلها ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه ،
وقال انه ينادي مناد من السماء كل ليلة إذا انتصف الليل : من رقد عن صلاة العشاء
في هذه الساعة فلا نامت عيناه. الحديث». ومن ذلك يعلم ان الوقت الزائد على هذا
المقدار المذكور في الآية للعشاءين خارج عن الأوقات المحدودة في القرآن وكل ما
خالف القرآن يضرب به عرض الحائط كما استفاضت به اخبارهم (عليهمالسلام) من عرض الاخبار على القرآن فيؤخذ بما وافقه وما خالفه
يضرب به عرض الحائط .
(الثاني) ان
الاخبار الواردة في الأوقات على تعددها وانتشارها لم يتضمن شيء منها الإشارة الى
هذا الوقت فضلا عن التصريح به وقد عرفت وستعرف اشتمالها
__________________
على جملة الأوقات اختياريها وضروريها ، وغاية ما دلت عليه بالنسبة إلى
العشاءين امتدادهما الى الانتصاف وهو غاية الاضطرار أو الأجزاء ، فلو كان هنا وقت
آخر لأشير إليه في شيء منها.
(الثالث) انه
من القواعد المقررة والضوابط المأثورة المعتبرة عن أهل البيت (عليهمالسلام) عرض الاخبار عند الاختلاف بل مطلقا على مذهب العامة
والأخذ بخلافه والاخبار التي قدمناها مع مخالفتها لظاهر القرآن كما
عرفت موافقة لمذهب العامة لأن ذلك مذهب أئمتهم الأربعة على اختلاف بينهم في ذلك ،
فبعض منهم جعل هذا الوقت وقتا للمضطر كما ذهب اليه المحقق والسيد السند ومن تبعهما
، وحكى هذا القول في المعتبر عن الشافعي واحمد وبعضهم جعله وقتا للمختار ، ونقله في المعتبر عن أبي
حنيفة ومالك ونظير هذه الروايات التي أسلفناها في الحائض قد ورد
ايضا من طريقهم من امتداد وقتها الى قبل الغروب بيسير جدا بالنسبة إلى الظهرين
والى قبل الفجر بيسير بالنسبة إلى العشاءين ، قال في المعتبر : قال الشافعي ومالك
واحمد إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان ، ولو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب
والعشاء ، لما رواه الأثرم وابن المنذر بإسنادهما عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله
بن عباس انهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء وإذا
طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعا. وعن احمد ان القدر الذي يتعلق به
الوجوب إدراك تكبيرة
__________________
الإحرام ، وعن الشافعي قدر ركعة لأنه القدر الذي روى عن عبد الرحمن وابن
عباس ثم استدل في المعتبر على بطلان ما ذهبوا اليه وأطال ، الى ان قال : وما
ذكره الجمهور من قصة عبد الرحمن وابن عباس لا حجة فيه لجواز ان يكون ما قالاه
اجتهادا ، على انا نحمل ذلك على الاستحباب وقد روى في اخبار أهل البيت (عليهمالسلام) ما يماثله ، ثم نقل رواية أبي الصباح ورواية عبيد بن
زرارة ورواية عمر بن حنظلة. وظاهره كما ترى حمل هذه الروايات على الاستحباب
تفصيا من الاشكال الوارد في المقام وهو التكليف بعبادة في وقت لا يسعها كما ذهب
إليه العامة ، هذا كلامه في مبحث الحيض ، وفي مبحث الأوقات استند إليها في الدلالة
على امتداد وقت المضطر الى قبل الفجر واتخذه مذهبا مع مخالفة رواياته ـ كما عرفت ـ
لجملة روايات الأوقات الواردة في الباب ومضادتها لآيات الكتاب وموافقتها للعامة
كما كشفنا عنه نقاب الإبهام والارتياب. وبالجملة فإن كلامه في مبحث الحيض مخالف
لكلامه في مبحث الأوقات ، وظهور التقية في الاخبار المذكورة ومخالفة ظاهر الكتاب
مما لا مجال لإنكاره فلا وجه للاعتماد عليها. والعجب كل العجب منهم (قدس الله
أرواحهم ونور أشباحهم) انه مع استفاضة الأخبار بهاتين القاعدتين كيف ألغوهما في
جميع أبواب الفقه وعكفوا في مقابلتهما على قواعد لم يرد بها سنة ولا كتاب؟ ولا
سيما ما تكرر في كلامهم من الجمع بين الاخبار بالحمل على الكراهة والاستحباب ، ولم
أر من تنبه الى بعض ما ذكرناه في هذا المقام سوى شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض
الجنان حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة : وللأصحاب أن يحملوا الروايات الدالة
على الامتداد الى الفجر على التقية لإطباق الفقهاء الأربعة عليه وان اختلفوا في
كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار وهو محمل حسن في الخبرين المتعارضين إذا أمكن حمل
أحدهما عليها كما ورد به النص عنهم (عليهمالسلام) .
__________________
(الرابع) ـ الأخبار
الدالة على ذم النائم عن صلاة العتمة إلى الانتصاف وامره بالقضاء بعد الانتصاف
وامره بصيام ذلك اليوم عقوبة وامره بالاستغفار ، فمن ذلك الخبر المتقدم نقله عن
العياشي في الوجه الأول ، ومنها ما رواه الصدوق مرسلا عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ملك موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة الى نصف
الليل فلا أنام الله عينه». ورواه في كتاب العلل مسندا في الصحيح عندي عن صفوان
ابن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) إلا ان فيه «من نام عن العشاء». وهو أظهر. وروى الشيخ
بسنده الى ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «وأنت في رخصة الى نصف الليل وهو غسق
الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق
الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق
الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا
رقدت عيناه». ونحوه في كتاب المجالس وكتاب المحاسن. وفي الموثق عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك
التضييع». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «وروى في من نام عن العشاء الآخرة الى نصف الليل
انه يقضي ويصبح صائما عقوبة وانما وجب ذلك لنومه عنها الى نصف الليل». قال المحدث
الكاشاني في أبواب الأوقات من الوافي : ستأتي هذه الرواية مسندة في كتاب الصيام وفي الصحيح عن
عبد الله بن مسكان رفعه الى ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من نام قبل ان يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي
نصف الليل فليقض صلاته ويستغفر الله». وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن من
حدثه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل؟ قال يصليها ويصبح
صائما». وقد ذهب الى وجوب الصوم هنا المرتضى (رضياللهعنه) مدعيا الإجماع عليه
__________________
وتبعه العلامة ، وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه حيث رواه وذكر وجوب ذلك ،
وهو اما من كلامه فيكون صريحا في كونه مذهبا له أو يكون من الرواية فيكون ظاهره
ذلك ولم أقف على من نسب ذلك اليه مع ان الكلام على كلا الوجهين ظاهر الدلالة عليه
، ومن ذلك يظهر لك انه لو كان الوقت ممتدا شرعا بالنسبة إلى المضطر الى طلوع الفجر
وان الصحيحة التي اعتمدها في المدارك وأمثالها من الاخبار التي ذكرناها كذلك انما
خرجت هذا المخرج لم يترتب على النائم عنها الى الانتصاف ما تضمنته هذه الاخبار من
الذم والدعاء عليه والقضاء الذي هو شرعا عبارة عن فعل الشيء خارج وقته والصوم
عقوبة والاستغفار سيما ان النائم غير مخاطب حال النوم ، فكيف يترتب عليه ما ذكر
ووقته ممتد الى الفجر لمكان العذر؟ وبما ذكرناه من هذه الوجوه الظاهرة البيان
الساطعة البرهان يظهر لك ما في كلام أولئك الأعيان من النظر الناشئ عن عدم التأمل
حقه في الاخبار والخروج عن القواعد المقررة عن الأئمة الأطهار الأبرار (صلوات الله
عليهم آناء الليل وأطراف النهار) والله العالم.
(الخامس) ـ ان
مقتضى ما ذكروه ـ كما قدمنا نقله عن المدارك ـ ان للمغرب أوقاتا ثلاثة : وقت
الفضيلة وهو الى ذهاب الشفق ووقت الاجزاء الى انتصاف الليل ووقت المضطر الى الفجر
، والروايات قد استفاضت بان لكل صلاة وقتين وأول الوقتين أفضلهما كما تقدم شطر
منها ، وهذان الوقتان ـ بناء على المشهور كما تقدم تحقيقه ـ الأول منهما للفضيلة
والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الأول للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار
، وهذا ـ بحمد الله سبحانه ـ ظاهر من الاخبار وكلام علمائنا الأبرار لا يقبل
الإنكار فالقول بالوقت الثالث خارج عن ذلك ، وجعل الثاني للاجزاء والثالث للاضطرار
خارج عما تقرر في الاخبار في سائر الأوقات ، إذ وصف الثاني بكونه وقت اجزاء كما هو
المشهور أو وقت اضطرار كما هو القول الآخر يرجع الى أمر واحد والتغاير انما هو
بالاعتبار لا انهما وقتان متعددان. وبالجملة فما ذكروه مجرد تخريج لما توهموه من
العمل بظواهر
هذه الأخبار وسموه بهذه التسمية. والله العالم.
(المسألة
العاشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان أول وقت العشاء إذا مضى من
غروب الشمس قدر ثلاث ركعات واليه ذهب السيد المرتضى والشيخ في الاستبصار والجمل
وابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن زهرة وابن إدريس ومن تأخر
عنه ، ونسبه العلامة في المنتهى الى ابن ابي عقيل ايضا مع انه في المختلف نسب اليه
القول الآتي ، وقال الشيخان أول وقتها غيبوبة الشفق ونسبه في المختلف الى ابن ابي
عقيل وسلار ، وهو أحد قولي المرتضى على ما نقله بعض الأصحاب أيضا
احتجاج جملة من
الأصحاب على القول المشهور بجملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن
زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء
الآخرة».
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس
الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وعن عبيد بن
زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه
قبل هذه».
وعن عبيد بن
زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف
الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وما رواه
الصدوق في الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) إذا غابت الشمس حل الإفطار ووجبت الصلاة وإذا صليت
المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل».
__________________
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن مهران قال : كتبت الى الرضا (عليهالسلام) وقد تقدمت في صدر المسألة السابقة ، ورواية داود بن
فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) وقد تقدمت ثمة أيضا.
وما رواه الشيخ
في الموثق عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهماالسلام) عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال لا
بأس به».
واستدل في
المدارك ايضا على ذلك بما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد الله وعمران ابني علي
الحلبي قالا «كنا نختصم في الطريق في الصلاة صلاة العشاء
الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على ابي عبد الله (عليهالسلام) فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا
بأس بذلك».
وفي الصحيح عن
ابي عبيدة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر
ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم انصرفوا».
وعن عبيد الله
الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق
، ولا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل ان يغيب الشفق».
أقول : ومن هذا
القبيل ما تقدم في موثقة جميل بن دراج من قوله : «قلت فالعشاء الآخرة قبل ان يسقط الشفق؟ فقال
لعلة لا بأس».
ثم قال في
المدارك : وجه الدلالة انه لو لا دخول وقت العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقديمها
عليه مطلقا كما لا يجوز تقديم المغرب على الغروب.
احتج الشيخان ـ
على ما نقله في المدارك والمختلف ـ بصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) متى تجب العتمة؟ قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة».
__________________
وصحيحة بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قد تقدم قال فيه «وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى
غسق الليل يعني نصف الليل». وزاد في المختلف نقلا عنهما ، ولأن الإجماع واقع على
ان ما بعد الشفق وقت العشاء ولا إجماع على ما قبله فوجب الاحتياط لئلا يصلى قبل
دخول الوقت ، ولأنها عبادة موقتة فلا بد لها من ابتداء مضبوط وإلا لزم تكليف ما لا
يطاق وأداء المغرب غير منضبط فلا يناط به وقت العبادة. انتهى.
أقول : ظاهر
كلاميهما ولا سيما مع ما ذكره هنا من الاحتجاج في المختلف ان مراد الشيخين (طاب
ثراهما) بما نقل عنهما ان غيبوبة الشفق هو الوقت الحقيقي للعشاء وان صلاتها قبله
كصلاة المغرب قبل الغروب والظهر قبل الزوال.
وهو عندي محل
نظر من وجوه : (اما أولا) فمن البعيد بل المقطوع ببطلانه عدم اطلاع الشيخين على الاخبار
المتقدمة المستفيضة الدالة على دخول الوقتين بغروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه
ونحوها مما دل على جواز صلاة العشاء قبل غيبوبة الشفق ، وأبعد منه وأشد بطلانا
اطراحها وإلغاؤها بالكلية بعد الوقوف عليها ولا محمل لها على تقدير هذا القول
بالمرة.
(واما ثانيا)
فلان الشيخ في النهاية قد جوز تقديم العشاء قبل غيبوبة الشفق في السفر وعند
الاعذار ، حيث قال بعد ان ذكر ان وقت العشاء الآخرة سقوط الشفق وآخره ثلث الليل :
ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق في السفر وعند الاعذار ولا يجوز ذلك مع
الاختيار. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا بأس بان يصلي العشاء الآخرة قبل
مغيب الشفق عند الضرورات. وجوز في التهذيب تقديمها إذا علم أو ظن انه ان لم يصل في
هذا الوقت لم يتمكن منها بعده. وكلامه هذا يدل على كون هذا الوقت الذي نقل عنه في
هذه المسألة انما أريد به الوقت الموظف لذوي الاختيار دون
__________________
ذوي الاعذار وهذا هو الذي تنطبق عليه الأخبار الجارية في هذا المضمار ،
فمرجع كلاميهما الى ان هذا الوقت الموظف لهم ليس لهم التقديم عليه إلا لعذر ،
وحينئذ فلا يرد عليه الاستدلال بما نقلناه عن المدارك من الأخبار فإنها صريحة في
أصحاب الاعذار.
واما ما ذكره
العلامة في المختلف من الأدلة الاعتبارية فالظاهر انها من كلامه (قدسسره) كما هي قاعدته في الكتاب المذكور بناء على فهمه من
كلام الشيخين المعنى الذي أشرنا إلى بطلانه وقد عرفت انه مما يجب القطع ببطلانه
لما ذكرنا ، غاية الأمران للعشاء دون غيرها وقتين اضطراريين أحدهما باعتبار المبدأ
والآخر باعتبار المنتهى كما يأتي في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.
ثم انه على
تقدير ما ذكرناه من حمل كلام الشيخين على ان المراد بكون غيبوبة الشفق أول وقت
العشاء الآخرة يعني وقت فضيلتها وانه لا تقدم على ذلك إلا لعذر كالسفر ونحوه فيجب
حمل الأخبار التي استند إليها مما قدمنا ذكره على ذلك أيضا ، إلا انه قد ورد في
الأخبار ما يدل على الجواز من غير عذر ولا علة مثل موثقة زرارة المتقدمة هنا ، وما
رواه الشيخ في الموثق الذي هو كالصحيح عن عبد الله بن بكير عن زرارة عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) قال : «صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة ، من غير
علة وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة وانما فعل
ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ليتسع الوقت على أمته». وعن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل ان يغيب الشفق
من غير علة؟ قال لا بأس». وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن
سنان عن الصادق (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب
والعشاء في الحضر من غير علة بأذان وإقامتين». ويؤيده
__________________
إطلاق ما رواه في التهذيب في الصحيح عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي
جعفر (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء الآخرة
بأذان واحد وإقامتين». والظاهر حمل هذه الروايات على الرخصة كما يشير اليه قوله (عليهالسلام) «وانما فعل ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الى آخره» وان كان الأفضل الانتظار إلى غيبوبة الشفق
وانه لا يقدم قبل ذلك إلا مع العذر كما تقدم في جملة من الأخبار ، وتطرق احتمال
الحمل على التقية إلى روايات الشيخين قائم فإن التأخير الى هذا الوقت وعدم الصلاة
قبله مذهب العامة قديما وحديثا كما لا يخفى والله العالم.
(المسألة
الحادية عشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان وقت العشاء الآخرة
يمتد الى نصف الليل وهو اختيار السيد المرتضى وابن الجنيد وسلار وابن زهرة وابن
إدريس وجمهور المتأخرين ، وقال الشيخ المفيد آخره ثلث الليل وهو قول الشيخ في
النهاية والجمل والخلاف والاقتصاد ، وقال في المبسوط آخره ثلث الليل للمختار
وللمضطر نصف الليل ، وجعل في الخلاف والاقتصاد نصف الليل رواية ، وفي النهاية آخره
ثلث الليل ولا يجوز تأخيره إلى آخر الوقت إلا لعذر وقد رويت رواية ان آخر وقت
العشاء الآخرة ممتد الى نصف الليل والأحوط ما قدمناه. قال في المختلف بعد نقل ذلك
: وهذا يدل على ان وقت المضطر عنده ثلث الليل. وقال ابن حمزة كقوله في المبسوط
وقال ابن ابي عقيل أول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق والشفق الحمرة لا البياض فان
جاوز ذلك حتى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير وقد روى الى نصف الليل وقال
ابن البراج كقول المفيد ، ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض علمائنا ان آخره للمضطر
طلوع الفجر ، ونقل عنه انه قال في موضع من كتاب الخلاف لا خلاف بين أهل
__________________
العلم في ان أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار
ركعة انه يلزمه العشاء الآخرة ، وقد تقدم في المسألة التاسعة اختيار المحقق وصاحب
المدارك لهذا القول وتبعهما جملة من متأخري المتأخرين. والأظهر عندي هو امتداد وقت
المضطر والمعذور الى نصف الليل وغيرهما الى ثلث الليل أو ربعه.
ومن اخبار
المسألة صحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة المتضمنتان لتفسير الآية وقد تقدمنا في
الوجه الأول من الوجوه المتقدمة في المسألة التاسعة ، ومنها ـ رواية عبيد بن زرارة
ومرسلة داود بن فرقد المتقدمتان أيضا في صدر المسألة المذكورة. ومنها ـ صحيحة بكر
بن محمد وقد تقدمت في المسألة الثامنة وفيها : «وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر
وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل». وما رواه في الفقيه مرسلا قال : قال الصادق (عليهالسلام) وقد تقدمت في روايات المسألة العاشرة وفيها «وإذا صليت
المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل». وروى في التهذيب عن المعلى
بن خنيس عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «آخر وقت العتمة نصف الليل». وفي كتاب الفقه
الرضوي «وآخر وقت العتمة نصف الليل وهو زوال الليل». وهذه الأخبار كلها دالة على
الامتداد الى نصف الليل مطلقا.
ومنها ـ الروايات
الواردة في نزول جبرئيل على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بتحديد الأوقات وهي موثقة معاوية بن وهب ورواية معاوية
بن ميسرة ورواية المفضل ابن عمر ورواية ذريح وقد اشترك الجميع في الدلالة على انه أتاه في اليوم
الأول في وقت العشاء حين سقط الشفق وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ثم قال له
: «ما بين هذين الوقتين وقت» وفي رواية ذريح «وأفضل الوقت اوله ، ثم قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا اني اكره أن أشق على أمتي لأخرتها الى نصف الليل».
__________________
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول أخر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر
فدق الباب فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نام النساء نام الصبيان فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال ليس لكم ان تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم ان
تسمعوا وتطيعوا».
وعن ابي بصير
في الموثق عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا اني أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث
الليل ، وأنت في رخصة الى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من
رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه». ورواه في الكافي عن ابي بصير
الى قوله «ثلث الليل» ثم قال الكليني «وروى الى ربع الليل».
وروى الصدوق
بإسناده في الصحيح عن معاوية بن عمار في رواية «ان وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل». قال
الصدوق : وكأن الثلث هو الأوسط والنصف هو آخر الوقت.
وروى في كتاب
العلل عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا ان أشق على أمتي لأخرت العشاء الى نصف الليل».
وعن ابي بصير
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا نوم الصبي وعلة الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث
الليل».
وروى الشيخ في
التهذيب في الموثق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «العتمة إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك
التضييع».
__________________
وعن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس ، الى ان قال
ويصلي المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت المغرب إياب
الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء ثلث الليل. الحديث».
وفي كتاب نهج
البلاغة في كتاب كتبه أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى أمراء البلاد ، الى ان قال : «وصلوا بهم العشاء
الآخرة حين يتوارى الشفق الى ثلث الليل».
وروى الصدوق في
كتاب الهداية مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) إذا غابت الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة ووقت
المغرب أضيق الأوقات وهو الى حين غيبوبة الشفق ووقت العشاء من غيبوبة الشفق الى
ثلث الليل».
وفي موضع آخر
من كتاب الفقه الرضوي غير الموضع الذي قدمناه «ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم الى ربع
الليل وقد رخص للعليل والمسافر فيهما الى انتصاف الليل وللمضطر الى قبل طلوع الفجر».
هذا ما حضرني
من الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي ـ كما ترى ـ دائرة بين وقتين أحدهما ذهاب ثلث
الليل وثانيهما الى نصف الليل ، وطريق الجمع ما تقدم في غيرهما من الأوقات من جعل
الأول للفضيلة كما هو المشهور أو الاختيار كما هو القول الآخر والثاني للإجزاء أو
لأصحاب الاعذار والاضطرار كما هو ظاهر من سياق هذه الأخبار.
تنبيهان : (الأول)
ـ قال شيخنا صاحب بحار الأنوار في الكتاب المذكور بعد نقل جملة من أقوال المسألة
كما قدمناه : ولعل الأقوى امتداد وقت الفضيلة إلى ثلث الليل ووقت الاجزاء للمختار
الى نصف الليل ووقت المضطر الى طلوع الفجر فإن أخر
__________________
المختار عن نصف الليل اثم ولكنه يجب عليه الإتيان بالعشاءين قبل طلوع الفجر
أداء ، الى ان قال (فان قيل) ظاهر الآية انتهاء وقت العشاءين بانتصاف الليل وإذا
اختلفت الأخبار يجب العمل بما يوافق القرآن (قلنا) إذا أمكننا الجمع بين ظاهر
القرآن والأخبار المتنافية ظاهرا فهو اولى من طرح بعض الأخبار ، وحمل الآية على
المختارين الذين هم جل المخاطبين وعمدتهم يوجب الجمع بينها وعدم طرح شيء منها.
واما حمل أخبار التوسعة على التقية كما فعله الشهيد الثاني (قدسسره) ، ثم نقل كلامه الذي قدمناه ثم قال فهو غير بعيد لكن
أقوالهم لم تكن منحصرة في أقوال الفقهاء الأربعة وعندهم في ذلك أقوال منتشرة ،
والحمل على التقية انما يكون في ما إذا لم يكن محمل آخر ظاهر به يجمع بين الأخبار
وما ذكرناه جامع بينها. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من اشكال والأحوط عدم التأخير
عن تتمة الليل بعد التجاوز عن النصف وعدم التعرض للأداء والقضاء. انتهى ملخصا.
أقول : فيه (أولا)
ان ما ذكره ـ من الحمل وجمع به بين ظاهر الآية والأخبار المنافية ـ ان سلم له في
الآية بالنظر الى ظاهرها لكنه لا يتم بالنظر الى الأخبار الواردة بتفسيرها كما
تلوناها عليك آنفا فان ظاهرها انحصار أوقات هذه الصلوات الأربع لجميع المكلفين من
مختارين ومضطرين في ما بين الدلوك الى الغسق سيما ما اشتمل عليه ذيل رواية العياشي
من قوله : «وقال انه ينادي مناد من السماء. الى آخره» فإنه ظاهر في خروج الوقت
بالانتصاف حتى بالنسبة إلى النائم وأصحاب الاضطرار عنده كالنائم وشبهه وهذه صورة
الحال فيهم كما ترى ولو كان لهذا الوقت اثر لأشير إليه في شيء منها ، وايضا لا
ريب في ان الامتداد الى الغسق بالنسبة إلى العشاءين انما جرى على الامتداد الى
الغروب في الظهرين وان وقع مطويا في الآية إلا ان اخبار تفسيرها نبهت عليه
والامتداد الأول انما هو للاجزاء والاضطرار والاعذار على القولين المتقدمين وهكذا
الثاني فتخصيصه بالاجزاء كما ادعاه دون الاضطرار نظرا الى تلك الأخبار غير جيد ،
نعم يدل على ما ذكره ما تقدم من كلامه (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي إلا
ان الواجب حمل قوله : «وللمضطر الى قبل طلوع الفجر» على ما حملت عليه تلك
الأخبار المتقدمة لما عرفت ، على ان حكمه (عليهالسلام) بالترخيص للعليل والمسافر في التأخير إلى انتصاف الليل
لا يوافق ما ذكروه فإنهم جعلوا التحديد الى نصف الليل للمختار وحملوه على الاجزاء
كما عرفت وجعلوا وقت الامتداد الى الفجر وقتا لأصحاب الاعذار والاضطرار فكلامه (عليهالسلام) لا ينطبق على شيء من القولين كما ترى.
و (ثانيا) ما
عرفت في ما تقدم من استفاضة الأخبار ان لكل صلاة وقتين ومقتضى ما ذكروه ان لكل من
صلاتي العشاءين ثلاثة أوقات والأخبار بما ذكرناه مستفيضة
و (ثالثا) ان
ما اشتملت عليه الأخبار التي ذكرناها في الوجه الرابع كما أوضحناه ثمة لا يجامع
القول بهذا الوقت الذي توهموه.
و (رابعا) ان
اخبار العرض على مذهب العامة في مقام اختلاف الأخبار مطلقة وتخصيصها بما ذكره هنا
وكذا ما اشتهر من تقديم الجمع بين الأخبار بالحمل على الاستحباب أو الكراهة يحتاج
الى دليل وليس فليس ، وما ادعاه من انتشار مذهب العامة ان صح فالأكثر والجمهور
انما هو على القول بالامتداد الى الفجر كما عرفت من كلام المحقق في المعتبر ومثله
العلامة في المنتهى وان اختلفوا في التخصيص بذوي الأعذار أو شمول ذلك لذوي
الاختيار ، وقد ورد عنهم (عليهمالسلام) انه مع اختلافهم تعرض الأخبار على ما عليه جمهورهم
ويؤخذ بخلافه. وبالجملة فإن كلامه (قدسسره) تبعا لأولئك القائلين وتزيينه بما ذكره لا يخفى ما فيه
كما لا يخفى على المتأمل النبيه.
(الثاني) ـ قال
في المدارك وربما ظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب
الشفق كرواية أبي بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا انى أخاف ان أشق على أمتي. الخبر». وقد تقدم ،
ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة المتضمنة لمجيء عمر ودق الباب. وفيه عندي
__________________
نظر وان كان قد تقدمه في ذلك الشهيد في الذكرى ، والوجه في ذلك ان غاية ما
تدل عليه الرواية الاولى انه (صلىاللهعليهوآله) أخبر انه لو لا خوف المشقة على أمته لجعل فضيلة العشاء
في التأخير إلى مضي ثلث الليل لكن لما كان فيه مشقة عليهم لم يفعله ولم يأمر به ،
لان «لو لا» تدل على انتفاء الشيء الذي هو الجزاء لثبوت غيره الذي هو الشرط ،
وهذا لا يدل على استحباب التأخير الى ذلك المقدار حتى يكون منافيا لما دل على
أفضلية أول الوقت ، بل هو بالدلالة على خلافه أشبه لانه (صلىاللهعليهوآله) لم يشرعه ولم يأمر به وانما هو مجرد خبر أراد به إظهار
الشفقة عليهم وبيان سعة الشريعة وانها مبنية على السهولة والسماحة ، ولو استلزم
هذا الكلام ما ذكره للزم على رواية نصف الليل كما تقدم في رواية العلل استحباب
تأخير العشاء الى بعد الانتصاف الذي قد استفاضت الأخبار بخروج الوقت به ، وبالجملة
فإن الغرض من الخبر انما هو ما ذكرنا فلا دلالة فيه على استحباب التأخير ان لم يكن
فيه دلالة على العدم ، نعم آخر الثلث هو آخر وقت الفضيلة أو الاختيار على القولين
المتقدمين وما بعده الى الانتصاف هو وقت الاجزاء على المشهور أو ذوي الأعذار على
المختار ، واما الرواية الثانية فالظاهر ان تأخيره (صلىاللهعليهوآله) تلك الليلة بخصوصها دون سائر الليالي انما كان لعذر
ويشير الى ذلك قوله (عليهالسلام) «ليلة من الليالي» لا ان ذلك كان مستمرا منه (صلىاللهعليهوآله) حتى يتوهم منه ما ذكره ، وربما كان التفاتهم فيما
فهموه من الخبر الأول إلى انه لو لا خوف المشقة لأوجب التأخير وجعل ذلك فرضا واجبا
عليهم ولكنه لأجل الرأفة بهم لم يوجبه وهو يومئ الى استحباب ذلك. وفيه ان حمل
الخبر على الوجوب بعيد غاية البعد عن مفاد الأخبار المستفيضة المتكاثرة المتقدمة
الصريحة الدلالة في خروج وقتها بعد مضي قدر الثلث ولا سيما اخبار نزول جبرئيل
بالأوقات الدالة على ان أول وقتها غيبوبة الشفق وآخره حين يذهب ثلث الليل» إلا ان يقال انه كان يريد نسخ ذلك في هذه الفريضة
بخصوصها
__________________
والأقرب انه انما أراد جعل ذلك وقت فضيلة لها لا وقت وجوب ولكنه للعلة
المذكورة لم يجعله. والله العالم.
(المسألة
الثانية عشرة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل كافة العلماء في ان
أول وقت صلاة الصبح هو طلوع الفجر الثاني وهو المستطير في الأفق اي المنتشر فيه
الذي لا يزال في زيادة ، ويقابله الفجر الأول وهو الذي يبدو كذنب السرحان مستدقا
مستطيلا الى فوق ، ويسمى هذا الكاذب لعدم دلالته على الصبح واقعا وذلك يسمى الصادق
لصدقه عن الصبح.
والمستند في ما
ذكرناه الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن
مهزيار قال : «كتب أبو الحسن بن الحصين الى ابي جعفر الثاني (عليهالسلام) معي : جعلت فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ،
فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء ، ومنهم من يصلي إذا اعترض
في أسفل الأفق واستبان ولست أعرف أفضل الوقتين فأصلي فيه فان رأيت أن تعلمني أفضل
الوقتين وتحده لي وكيف اصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف
اصنع مع الغيم وما حد ذلك في السفر والحضر فعلت ان شاء الله تعالى؟ فكتب بخطه
وقرأته : الفجر يرحمك الله هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في
سفر ولا حضر حتى تتبينه فان الله تعالى لم يجعل خلفه في شبهة من هذا فقال : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ
الْفَجْرِ ...» فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في
الصوم وكذلك هو الذي توجب به الصلاة».
وما رواه الشيخ
في التهذيب عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي ركعتي الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء
حسنا».
وعن علي بن
عطية في الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى».
وعن هاشم بن الهذيل
عن ابي الحسن الماضي (عليهالسلام) قال : «سألته عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر
فتراه مثل نهر سورى».
وعن يزيد بن
خليفة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت الفجر حين يبدو حتى يضيء». الى غير ذلك من
الأخبار الآتي جملة منها ان شاء الله تعالى في المقام.
وبالجملة فإنه
لا خلاف في الحكم المذكور نصا وفتوى وانما الخلاف في آخره فالمشهور ان آخره طلوع
الشمس وبه قال السيد المرتضى وابن الجنيد والشيخ المفيد وسلار وابن البراج وأبو
الصلاح وابن زهرة وابن إدريس وعليه جمهور المتأخرين ، وقال ابن ابي عقيل آخره
للمختار طلوع الحمرة المشرقية وللمضطر طلوع الشمس وهو اختيار ابن حمزة ، وللشيخ
قولان : أحدهما كالقول الأول ذهب إليه في الجمل والاقتصاد ، والثاني كمذهب ابن ابي
عقيل اختاره في المبسوط والخلاف.
والذي وقفت
عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «وقت صلاة الغداء ما بين طلوع الفجر الى طلوع
الشمس».
وعن عمار
الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر ان يصلي المكتوبة من الفجر ما بين
ان يطلع الفجر الى
__________________
ان تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس
فليتم وقد جازت صلاته».
وعن عبيد بن
زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، الى ان قال ولا
صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».
وما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «وقت الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح
السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام».
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة
الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه
وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام. الحديث».
وما رواه
الصدوق في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم بن حميد عن ابي بصير ليث المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة
صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على
الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر. قلت أفلسنا في وقت الى ان يطلع شعاع الشمس؟ قال
هيهات اين يذهب بك؟ تلك صلاة الصبيان».
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير المكفوف قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال إذا كان الفجر
كالقبطية البيضاء. قلت فمتى تحل الصلاة؟ فقال إذا كان كذلك. فقلت ألست في وقت من
تلك الساعة الى ان تطلع الشمس؟ فقال لا انما نعدها
__________________
صلاة الصبيان ، ثم قال انه لم يكن يحمد الرجل ان يصلي في المسجد ثم يرجع
فينبه اهله وصبيانه».
وفي كتاب الفقه
الرضوي قال (عليهالسلام): «أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وهو بياض
كبياض النهار وآخر وقت الفجر ان تبدو الحمرة في أفق المغرب وقد رخص للعليل
والمسافر والمضطر الى قبل طلوع الشمس».
وفي كتاب دعائم
الإسلام وعنه ـ يعني عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) ـ قال : «أول وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق
المشرق وآخر وقتها ان يحمر أفق المغرب وذلك قبل ان يبدو قرن الشمس من أفق المشرق
بشيء ولا ينبغي تأخيرها الى هذا الوقت لغير عذر وأول الوقت أفضل».
هذا ما حضرني
من الأخبار الواردة في المسألة ، وأنت خبير بان مقتضى الجمع بينها بضم مطلقها الى
مقيدها هو ان الحكم في هذه الصلاة كغيرها من الصلوات المتقدمة في ان لها وقتين
فعلى المشهور الوقت الأول للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الوقت الأول
للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار ، وهذا هو الذي تنادي به عبارات هذه
الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار والتقط من لذيذ هذه الثمار.
واما ما ذكره
في المدارك بناء على اختياره القول المشهور وتبعه من تبعه عليه ـ حيث قال بعد نقل
القولين : والمعتمد الأول ، لنا ـ أصالة عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس وما رواه
الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة ، ثم أورد موثقته المتقدمة الدالة على الامتداد
الى طلوع الشمس ثم رواية زرارة المتقدمة الدالة على ذلك ايضا ثم قال
وعن الأصبغ بن
نباتة قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك
الغداة تامة». ويمكن ايضا ان يستدل بصحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر
__________________
الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». وجه
الدلالة ان ظاهر هذا الخبر امتداد الوقت الى ما بعد الاسفار وظهور الحمرة وكل من
قال بذلك قال بامتداده الى طلوع الشمس ، ثم قال احتج الشيخ (قدسسره) على انتهائه للمختار بالإسفار بما رواه في الحسن عن
الحلبي ، ثم ساق الرواية كما قدمناه ثم أردفها بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ،
ثم قال والجواب منع دلالة الروايتين على خروج وقت الاختيار بذلك فان لفظ «لا ينبغي»
ظاهر في الكراهة ، وجعل ما بعد الاسفار لمن شغل يقتضي عدم فوات وقت الاختيار بذلك
فان الشغل أعم من الضروري ، وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة بذلك
لا وقت الاختيار. انتهى ـ
ففيه نظر من
وجوه : (الأول) ان مرجع الأصل الذي تمسك به على عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس
الى عموم الدليل الدال على ان وقت الصبح من الفجر الثاني إلى طلوع الشمس وهي
الروايات التي استند إليها. وفيه ان من منع من الامتداد الى طلوع الشمس وجعل نهاية
وقته الاسفار وظهور الحمرة كما دلت عليه إخباره التي استند إليها لا يرد عليه هذا
الكلام ، لأن الأوقات الشرعية لما كانت محدودة بحدود مقررة فكل من ثبت عنده حد
معين لا يجوز تجاوزه ووجب عليه القول به والانتهاء اليه والثابت عند أصحاب هذا
القول هو التحديد بالإسفار وانتشار الصبح ، وحينئذ فلا وجه لهذه الأصالة وهل هي
إلا نوع مصادرة؟ على ان غاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو كون ذلك وقتا في
الجملة كما تقدم بيانه ويكفي في صدق ذلك كونه وقتا لذوي الأعذار كما صرحت به
الأخبار ، وبالجملة فالأخبار في المسألة ما بين مطلق ومقيد وطريق الجمع الواضحة
حمل مطلقا على مقيدها.
(الثاني) ان ما
استند اليه من الأخبار التي ذكرها واعتمد في الاستدلال عليها كلها ضعيفة السند
باصطلاحه وهو يردها لو كانت من طريق الخصم كما هو المعلوم من عادته بل يرد الأخبار
الحسنة فضلا عن الموثقة فكيف يسوغ منه الاستدلال بها
والاعتماد عليها؟ مع ان ما قابلها أصح سندا كما اعترف به وأوضح دلالة وما
طعن به في دلالتها فسيظهر لك ما فيه ، على ان وصفه رواية عبيد بن زرارة بأنها
موثقة ـ وان تبعه في ذلك شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ـ غفلة منه (قدسسره) وممن تبعه حيث ان في طريقها علي بن يعقوب الهاشمي وهو
غير موثق.
(الثالث) ـ ان
ما أورده من رواية الأصبغ بن نباتة وصحيحة علي بن يقطين في المقام مدخول بأن
الأولى ظاهرة في ذوي الأعذار إذ التأخر الى ان يفوت الوقت حتى لم يبق إلا قدر ركعة
لا يكون إلا لذلك فالرواية ليست من محل البحث في شيء ، واما الثانية فمع الإغماض
عن حملها على ذوي الأعذار فإن الاستدلال بها مبني على حجية هذا الإجماع المتناقل
في كلامهم والمتداول على رؤوس أقلامهم مركبا أو بسيطا ، وهو من جملة من طعن فيه في
غير موضع من تحقيقاته بل ذكر في صدر كتابه انه صنف في ذلك رسالة فكيف يحتج به ههنا؟
ولكنه جار على احتجاجه بالروايات الضعيفة كما ذكرناه وكل ذلك مجازفة ظاهرة. ومع
الإغماض عن جميع ذلك فالظاهر ـ كما تقدم تحقيقه سابقا ـ ان هؤلاء القائلين بكون
الوقت الأول وقتا للمختار دون غيره لا يريدون به انه لو خرج وجب الإتيان بالصلاة
قضاء كما لو طلعت الشمس اتفاقا وانما يريدون به استحقاق المؤاخذة من الله تعالى
وكونه تحت المشيئة ان شاء الله سبحانه قبل صلاته بفضله ورحمته وان شاء ردها عليه
وهذا لا ينافي كون الوقت الباقي وقتا له ايضا على النحو المذكور ، نعم هو وقت
حقيقي لذوي الاعذار لا يستحقون المؤاخذة على التأخير إليه بسبب العذر. وبذلك يظهر
لك ايضا ما في كلام شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين من ترجيحه القول المشهور وقوله :
والحديث السابع نص فيه ، وأشار به الى رواية عبيد بن زرارة التي عدها موثقة تبعا
لصاحب المدارك وايدها برواية زرارة ورواية الأصبغ بالتقريب الذي ذكره في المدارك.
وفيه ما عرفت.
(الرابع) ـ ان
ما طعن به على صحيحتي الحلبي وعبد الله بن سنان ـ وان
وصف الاولى بكونها حسنة فإن ذلك انما هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت ان
عد حديثه في الصحيح كما عليه جملة من محققي متأخري المتأخرين هو الصحيح ـ باعتبار
لفظ «لا ينبغي» بأنه ظاهر في الكراهة فمردود بما تقدم تحقيقه في غير مقام من ان
هذا الظهور انما هو باعتبار عرف الناس واما باعتبار عرف الأئمة (عليهمالسلام) وما وردت به اخبارهم فاستعمال هذا اللفظ في التحريم
كما ان استعمال «ينبغي» في الوجوب أكثر من ان يحصى كما انه ربما استعمل أيضا في
المعنى المشهور. والتحقيق ان الحمل على أحد المعنيين يحتاج إلى قرينة في البين لان
اللفظ من الألفاظ المشتركية في كلامهم (عليهمالسلام) والقرينة في الحمل على المعنى الذي ندعيه ظاهرة من
الأخبار الآخر كصحيحة أبي بصير برواية الفقيه وموثقته برواية التهذيب وموثقة عمار
المتقدم ذلك كله ، فان الجميع ظاهر في ان الامتداد الى طلوع الشمس انما هو لأصحاب
الأعذار دون أصحاب الاختيار وعليها تحمل الصحيحتان المذكورتان. واما ما ذكره من
حمل الشغل على ما هو أعم من الضروري ففيه ان المفهوم من الأخبار ـ وبه صرح المحدث
الكاشاني في الوافي ايضا ـ ان الشغل الذي هو من جملة الاعذار لا يختص بالضروري حتى
انه بالحمل على غير الضروري يجامع الاختيار ، فان المستفاد منها انه يكفي في الشغل
الذي يكون عذرا في التأخير إلى الوقت الثاني عدم حصول التوجه والإقبال على الصلاة
لو صلى في الوقت الأول كما في روايات عمر بن يزيد الثلاث المتقدمة في وقت المغرب .
(الخامس) ـ قوله
: «وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة» فإنه مما يقضى منه العجب حيث
انه (عليهالسلام) قد صرح في هذين الخبرين بان هذا الوقت الأخير انما هو
لهؤلاء المعدودين وهم أصحاب الاعذار ومثلهما روايات ابي بصير وعمار ، والجميع ظاهر
في انه ليس وقتا لغيرهم من أصحاب الاختيار ، فكيف يتم ما ادعاه من ان أقصى ما
تدلان عليه خروج وقت الفضيلة؟ وأي مجال هنا
__________________
لذكر الفضيلة والاجزاء الذي ذهبوا اليه ، وأي اشارة فضلا عن الظهور في
الدلالة عليه؟ وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدسسره) من المجازفة في المقام والخروج عن جادة التحقيق الظاهر
لذوي الأفهام.
وينبغي التنبيه
على أمور (الأول) اعلم انه قد تضمن جملة من الأخبار استحباب تأخير صلاة الصبح إلى
الاسفار والإضاءة من الفجر لا بمعنى الأسفار الذي تقدم كونه وقتا لذوي الاعذار وهو
ان يتجلل الصبح السماء بل بمعنى الإضاءة في الجملة المقابل للتغليس كقوله (عليهالسلام) في صحيحة أبي بصير «إذا اعترض فكان كالقبطية البيضاء».
ونحوه في موثقته وقوله في صحيحة زرارة المتقدمة «إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا». وفي
حسنة علي بن عطية «معترضا كأنه بياض سورى». وروى في كتاب الهداية مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) حين سئل عن وقت الصبح فقال حين يعترض الفجر ويضيء
حسنا». وروى في البحار عن كتاب العروس بإسناده عن الرضا (عليهالسلام) قال : «صل صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا».
وجملة أخرى
تتضمن استحباب التغليس بها مثل رواية إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع طلوع
الفجر ان الله يقول «وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً»
يعني صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة
الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار». وما
رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق الخلقاني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه كان يصلي الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل ان
يستعرض وكان يقول وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ، ان ملائكة الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع
__________________
الفجر فأنا أحب ان تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار صلاتي». وروى في
الفقيه مرسلا قال : «سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات
النهار وانما يجهر في صلاة الليل؟ فقال لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يغلس بها فقربها من الليل». ونقل في الذكرى انه
روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي الصبح فينصرف النساء وهن متلفعات بمروطهن لا
يعرفن من الغلس» . أقول : لعل هذه الرواية من طريق العامة فإني لم أقف
عليها في أخبارنا بعد الفحص من البحار وغيره.
ولعل وجه الجمع
بين هذه الأخبار هو ان الأفضل ما دلت عليه هذه الأخبار الأخيرة من التغليس للعلة
المذكورة في بعضها ولما دل على فضل أول الوقت ، ويحتمل حمل الأخبار الأول على
استحباب التأخير لمن لا يدرك الفرق بين الفجرين إلا بذلك ويشتبه عليه الحال في
مبدأ الأمر ، لكن ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على انه (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ربما
نافر ذلك إلا ان يخص ببعض الأوقات التي يحصل فيها الاشتباه لا دائما.
وجمع في
المنتقى بين الأخبار المذكورة بحمل مطلق الأخبار على مقيدها ، قال والذي تقتضيه
القواعد هنا حمل الأخبار المطلقة على المقيدة. أقول : فيه ان ما ذكره جيد بالنسبة
الى ما عدا حديث المجالس حيث تضمن أول ما يبدو قبل ان يستعرض ولكن العذر له (قدسسره) واضح حيث لم يطلع عليه ، ثم قال ولو لا التصريح في بعض
اخبار التقييد بأن أفضل الوقت مع طلوع الفجر لاتجه حمل اخبار الطلوع والانشقاق على
ارادة وقت الاجزاء واخبار الإضاءة على الفضيلة بنحو ما ذكر في سائر الفرائض ونفى
البأس في صحيحة محمد بن مسلم يشعر بهذا المعنى ايضا ، ولو اقتصرنا في العمل على
الصحيح الواضح وقطعنا النظر عما سواه كان الجمع بهذا الوجه متعينا. انتهى.
__________________
أقول : ما ذكره
(قدسسره) من هذا الحمل لو لا تصريح الخبر المشار اليه بما ذكره
مردود بما أوضحنا سابقا في المسألة الرابعة بكلامنا على كلامه ونقض إبرامه وهو
الذي أشار إليه هنا بقوله : «بنحو ما ذكر في سائر الفرائض» وأشار بالصحيح الواضح
إلى صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا.
وكيف كان فما دلت عليه هذه الصحيحة من صلاته (صلىاللهعليهوآله) في هذا الوقت المذكور فيها لا يخلو من مدافعة لما دلت
عليه مرسلة الفقيه المتقدمة إلا ان يحمل ذلك على بعض الأوقات دون بعض.
(الثاني) ـ لا
يخفى ان خبر ابي بصير المتقدم قد قيده في الفقيه بكونه ليث المرادي والشيخ قيده
بكونه المكفوف والكليني في الكافي قد رواه في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير
وأطلق وساق الحديث بنحو ما ذكره الصدوق إلا انه قال : «متى يحرم الطعام والشراب»
وقال في آخره : «اين تذهب تلك صلاة الصبيان» وصاحب المنتقى قد جعل اختلاف المشايخ
الثلاثة في أبي بصير بالإطلاق من بعض والتقييد بالثقة من آخر وبالضعيف عندهم من
ثالث ـ موجبا للعلة في الخبر المذكور فقال انه لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في
كتاب من لا يحضره الفقيه من التفسير ليتم حسنه. انتهى. أقول : قد اشتهر في كلام
جماعة من المحدثين تعيين ابي بصير مع الإطلاق وتفسيره بليث المرادي متى كان الراوي
عنه عاصم بن حميد أو عبد الله بن مسكان ، وبمقتضى ذلك يجب ان يحمل ما ذكره الكليني
من الإطلاق على المرادي الثقة ويترجح به كلام صاحب الفقيه ، مضافا الى ما علم من
الشيخ من السهو الزائد في متون الأخبار وأسانيدها وحينئذ فيقوى الاعتماد على الخبر
المذكور وتزول العلة والمحذور.
(الثالث) ـ قال
شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين في شرح قوله (عليهالسلام) في حسنة علي بن عطية «كأنه بياض سورى» : وسورى على وزن
بشرى موضع بالعراق من أرض بابل والمراد ببياضها نهرها كما في رواية هشام
ابن الهذيل عن الكاظم (عليهالسلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه. وقال في حاشية الكتاب : النباض
بالنون والباء الموحدة وآخره ضاد معجمة أصله من «نبض الماء إذا سال» وربما قرى
بالباء الموحدة والياء المثناة من تحت. انتهى. أقول : وقد نسب جملة من علماء
الإجازة الى هذه القرية كما ذكر في الإجازات ويشير إليها حديث جويرية بن مسهر في
رد الشمس على أمير المؤمنين (عليهالسلام) لما رجع من قتال الخوارج وظاهر كلام شيخنا المذكور ان الرواية المشهورة بين
المحدثين بالنون والباء. وقال (قدسسره) في الكتاب المذكور : والقبطية بكسر القاف وإسكان الباء
الموحدة وتشديد الياء منسوبة إلى القبط ثياب تتخذ بمصر. انتهى : وقال في كتاب
المصباح المنير : القبط بالكسر نصارى مصر الواحد قبطى على غير القياس ، والقبطي
بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة الى القبط على غير القياس فرقا بين الإنسان
والثوب وثياب قبطية بالضم ايضا وجبة قبطية والجمع قباطي. انتهى. وقال في كتاب مجمع
البحرين : في الحديث «الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي» بفتح القاف وتخفيف
الموحدة قبل الالف وتشديد الياء بعد الطاء المهملة : ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر
واحدها قبطي بضم القاف نسبة الى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر ، والتغيير في
النسبة هنا للاختصاص كما في الدهري بالضم نسبة الى الدهر بالفتح ، وهذا التغيير
انما اعتبر في الثياب فرقا بين الإنسان وغيره فاما في الناس فيبني على اعتبار
الأصل فيقال رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير. انتهى.
(الرابع) ـ قال
شيخنا العلامة (قدسسره) في كتاب المنتهى : اعلم ان ضوء النهار من ضياء الشمس
وانما يستضيء بها ما كان كمدا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر واجزاء الأرض
المتصلة والمنفصلة ، وكل ما يستضيء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه ، وقد
قدر الله تعالى بلطيف حكمته دوران الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق
الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء المستضيء بضياء
__________________
الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فيستضيء نهايات الظل بذلك الهواء المضيء
، لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في اجزاء المخروط بل كلما
ازداد بعدا ازداد ضعفا فاذن متى يكون في وسط المخروط يكون في أشد الظلام ، فإذا
قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس وقربت الأجزاء المستضيئة
من حواشي الظل بضياء الهواء من البصر وفيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح ،
وعلى هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر
الى ان تطلع الشمس ، وأول ما يظهر الضوء عند الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود
ويسمى الصبح الكاذب والأول ويشبه بذنب السرحان لدقته واستطالته ، ويسمى الأول
لسبقه على الثاني والكاذب لكون الأفق مظلما اي لو كان يصدق انه نور الشمس لكان
المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه ويكون ضعيفا دقيقا ويبقى وجه الأرض على ظلامه
بظل الأرض ، ثم يزداد هذا الضوء الى ان يأخذ طولا وعرضا فينبسط في عرض الأفق كنصف
دائرة وهو الفجر الثاني الصادق لانه صدقك عن الصبح وبينه لك والصبح ما جمع بياضا
وحمرة ، ثم يزداد الضوء الى ان يحمر الأفق ثم تطلع الشمس. انتهى كلامه زيد إكرامه.
وجميع ما ذكره (قدسسره) مبني على قواعد علماء الهيئة والفلك ، وقد أوضح بعض ما
فيه شيخنا البهائي (طاب ثراه) في كتاب الحبل المتين. إلا ان اخبار أهل البيت (عليهمالسلام) ترده كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا من مظانها ولا
سيما بالنسبة الى ما يدعونه من ان السماء محيطة بهذه الأرض التي نحن عليها وانها
كالكرة في بطنها والشمس تجري في السماء من تحتنا وان نور القمر مستفاد من نور
الشمس ونحو ذلك ، ولتحقيق المقام محل أليق. وهذا البحث وان لم يكن من شأن الفقيه
ولا تعلق له بالفقه إلا أنا جرينا في نقل هذا الكلام على ما ذكره شيخنا المشار اليه
ومن تبعه من الاعلام.
(المقصد الثاني)
ـ في مواقيت الرواتب وفيه مسائل (الأولى) ـ اختلف
الأصحاب (رضوان الله عليهم) في آخر وقت نافلة الظهرين ، فقيل ان آخره ان
يبلغ زيادة الظل من الزوال قدمين الذي هو عبارة عن سبعي الشاخص للظهر وللعصر إلى
أربعة أقدام. وهو مذهب الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب ، وهو الأصح كما سيظهر لك
ان شاء الله تعالى. وقيل يمتد بامتداد المثل وهو مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط
وابن إدريس والمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، قال الشيخ في الجمل وكذا في
المبسوط والخلاف وقت نافلة الظهر من الزوال الى ان يبقى لصيرورة الفيء مثل الشاخص
بمقدار ما يصلي فيه فريضة الظهر ، والعصر بعد الفراغ من الظهر الى ان يبقى لصيرورة
الفيء مثليه مقدار ما يصلى العصر. وقال ابن إدريس إذا صار ظل كل شيء مثله خرج
وقت النافلة وقيل انه يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، حكاه في الشرائع بلفظ «قيل»
وهو مجهول القائل ، قال في المدارك ولم ينقله في المعتبر ولا نقله غيره في ما اعلم
وهو مجهول القائل. ولعله أراد بعدم نقل غيره له يعني من المتقدمين وإلا فقد نقله
جده في الروض وقبله المحقق الشيخ علي في شرح القواعد.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان القول الأول هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة ، ومنها صحيحة زرارة بنقل
الصدوق عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «ان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا
مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل
ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يمضي ذراع فإذا بلغ فيؤك
ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت
النافلة». الى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في المسألة الرابعة من المقصد المتقدم
فإنها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على جعل مقدار الذراع والذراعين والقدمين
والأربعة أقدام وقتا للنافلة فإذا مضى هذا المقدار اختص الوقت بالفريضة ولا يجوز
مزاحمة النافلة لها فيه.
__________________
واستدل في
المعتبر على ما ذهب اليه من الامتداد بامتداد المثل بصحيحة زرارة المذكورة حيث قال
بعد ذكرها : وهذا يدل على بلوغ المثل والمثلين لان التقدير ان الحائط ذراع ،
فحينئذ ما روى من القامة والقامتين جار هذا المجرى ويدل عليه ما روى علي بن حنظلة.
ثم أورد الرواية كما قدمناه وهي مقتضية لتفسير القامة بالذراع ونحوها غيرها كما
تقدم ذكره ، قال وبهذا الاعتبار يعود اختلاف كلام الشيخ لفظيا. انتهى.
وفيه انه وان
دلت الأخبار المذكورة على تفسير القامة بالذراع الا انه لا يصح حمل القامة في
الصحيحة المذكورة على ذلك لقوله (عليهالسلام) فيها تفصيلا لإجمال الكلام المتقدم «فإذا بلغ فيؤك
ذراعا وإذا بلغ فيؤك ذراعين» فإنه صريح في ان الذراع المعتبر انما هو من قامة
الإنسان وهو زيادة فيئه بعد الزوال الى الذراع والذراعين ، فالقامة المذكورة في
الخبر انما أريد بها قامة الإنسان لا الذراع ليتم له ما توهمه من عود اختلاف كلام
الشيخ لفظيا. ويزيدك إيضاحا لما ذكرناه من ان المراد بالقامة في جدار مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) قامة الإنسان ما قدمناه في آخر المسألة الرابعة من
المقصد المتقدم من عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيها «وانما سمى ظل القامة
قامة لان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة إنسان. إلى آخر ما تقدم مشروحا موضحا» وبذلك
يظهر ضعف القول المذكور.
واستدل على
القول الثالث بظواهر جملة من الأخبار المتضمنة لاستحباب هذه النوافل قبل الفريضة
بقول مطلق كقولهم (عليهمالسلام) فيما قدمناه من الأخبار «فإذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان بين يديها سبحة وهي ثمان ركعات إن شئت طولت وان
شئت قصرت». وفيه ان الأخبار الدالة على التحديد بالذراع والذراعين والقدمين
والأربعة أقدام توجب تقييد إطلاق هذه الأخبار كما تقدم ذكره. واما ما جنح اليه
صاحب الذخيرة ـ من حمل روايات التحديد على الأفضلية
__________________
وروايات التوسعة على الجواز ـ فبعيد وكيف لا وقد صرحت جملة من اخبار
التحديد بان الغرض منه هو ان لا تزاحم النافلة وقت الفريضة مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت
بالفريضة وتركت النافلة. إلى آخرها». وفي موثقته ايضا «أتدري لم جعل الذراع
والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت الذراع والقدمين بدأت بالفريضة
وتركت النافلة». وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق الكلام في ان الأخبار الواردة
بتحريم النافلة والمنع منها في وقت الفريضة إنما أريد بها هذا الموضع ، وبذلك اعترف هو أيضا في تلك
المسألة حيث قال ـ بعد ذكر الأخبار الدالة على انه إذا دخل وقت الفريضة فلا صلاة
نافلة ـ ما صورته : ومن تتبع الأحاديث ونظر في الأخبار يعلم ان مرادهم (عليهمالسلام) بقولهم : «دخل وقت الفريضة أو أدركت الصلاة أو حضر
وقتها» في أكثر الأوقات حضور الوقت المقرر لها على جهة الفضيلة فحمل هذه الأخبار
على هذا غير بعيد. الى آخر كلامه زيد في مقامه وبالجملة فإن ظاهر الأخبار المذكورة
تعين إيقاع الفريضة بعد ذهاب الذراع والذراعين ، وحمل ذلك على ما ذكره من الأفضلية
ترده الأخبار الدالة على انه لا تطع في وقت فريضة.
وربما استدل
لهذا القول أيضا بالأخبار الدالة على ان صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى اتى بها
قبلت وسيأتي البحث فيها وبيان عدم الدلالة على ما ذكروه ان شاء الله تعالى وتنقيح
البحث في المسألة يتوقف على بيان أمور
(الأول) ـ ظاهر
عبارة الشيخ المتقدم نقلها عن الجمل والمبسوط والخلاف استثناء قدر إيقاع الفريضة
من المثل والمثلين. واعترضه في الذكرى وكذا في المدارك بأن الأخبار لا تساعده فان
ظاهرها استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين. أقول : قد عرفت انه ليس في الأخبار
ما يدل على توقيت النافلة بالمثل والمثلين وانما الموجود فيها التوقيت بالذراع
والذراعين والقدمين والأربعة أقدام
__________________
فقولهما ان ظاهر الأخبار استئثار النافلة بجميع المثل والمثلين فرع وجود
الأخبار المذكورة نعم هو ظاهر اخبار الذراع والذراعين فان ظاهرها انه لو لم يصل
النافلة حتى بقي من الوقت المذكور قدر الفريضة فإنه يصلي فيه النافلة دون الفريضة
وان وقت الفريضة انما هو بعد مضي هذا المقدار.
(الثاني) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ انه لو خرج الوقت
الموظف للنافلة ولم يأت بها قدم الفريضة ثم قضى النافلة وان تلبس بالنافلة ولو
بركعة منها ثم خرج الوقت أتمها مخففة وزاحم بها الفريضة.
ويدل على
الحكمين المذكورين ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «للرجل ان يصلي الزوال ما بين زوال الشمس الى ان
يمضي قدمان ، فان كان قد بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل ان يضمي قدمان أتم
الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، وان مضى قدمان قبل ان يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم
يصل الزوال إلا بعد ذلك. وللرجل ان يصلي من نوافل العصر ما بين الاولى الى أن يمضي
أربعة أقدام فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا يصل النوافل ، وان
كان قد صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر». وهو صريح في المراد.
ولا ينافي ذلك ما تقدم في صحيحة زرارة من الدلالة على وجوب تقديم الفريضة بعد
الذراع والذراعين فإنه محمول بسبب هذه الرواية على عدم التلبس بالنافلة بالكلية.
قال المحقق في
المعتبر بعد ذكر الرواية المذكورة : وهذه الرواية سندها جماعة من الفطحية لكن
يعضدها أنه محافظة على سنة لم يتضيق وقت فريضتها. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه
: وهو جيد ويعضدها ايضا ان مضمونها موافق للإطلاقات المعلومة وليس لها معارض يعتد
به فلا بأس بالعمل بها ان شاء الله تعالى. أقول : لا يخفى ما في هذا التستر بهذا
العذر الواهي الذي هو لبيت العنكبوت
__________________
ـ وانه لاضعف البيوت ـ مشابه ومضاهي من مخالفة اصطلاحهم المعمول عليه بينهم
، وذلك فإنه متى كان الحديث الضعيف بزعمهم وان كان موثقا ليس بدليل شرعي كما هو
مقتضى ردهم له في غير مقام من الأحكام فوجوده كعدمه ، وما ذكروه من هذه التأييدات
لا تفيد فائدة ولا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع استفاضة الأخبار بتحريم
النافلة في وقت الفريضة وصدق ذلك على ما نحن فيه ، ولكن ضيق الخناق في هذا
الاصطلاح أوجب انحلال زمامهم واختلال نظامهم ، ولو انهم التجأوا الى جبر ضعفه
بالشهرة لكان اولى لهم وان ورد عليه ما ورد. وقوله في المعتبر : «انه محافظة على
سنة لم يتضيق وقت فريضتها» مردود بأنه إذا كان المعلوم من الشارع تحديد وقت
النافلة والفريضة بحدين وقد منع من إدخال أحدهما في الآخر فكيف تحصل المحافظة على
السنة وقد خرج وقتها وصارت محرمة بالأخبار الدالة على تحريم النافلة في وقت
الفريضة؟ وقوله في المدارك : «انه لا معارض لهذا الخبر» مردود بما أشرنا إليه من
الروايات الدالة على تحريم النافلة في وقت الفريضة وكذا الروايات الدالة على انه
بعد الذراع والذراعين يجب تقديم الفريضة ، فإنها بإطلاقها دالة على التحريم تلبس
بشيء من النافلة أم لا ، لكننا انما خصصناها بالخبر المذكور لكونه دليلا شرعيا
عندنا واما من لم يجعله دليلا شرعيا بل وجوده كعدمه فلا معارض للأخبار المذكورة.
وبذلك يظهر ضعف البناء على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد ـ كما عرفت ـ أقرب منه
الى الصلاح.
ثم ان جملة من
الأصحاب صرحوا بأنه مع دخول الوقت عليه بعد التلبس بركعة يتمها مخففة ، وذكروا ان
المراد بتخفيفها الاقتصار على أقل ما يجزئ فيها كالقراءة بالحمد وحدها والاقتصار
على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود حتى قال بعض المتأخرين انه لو تأدى التخفيف
بالصلاة جالسا آثره على القيام لإطلاق الأمر بالتخفيف. وأنت خبير بان النص المذكور
خال من قيد التخفيف إلا ان الظاهر انه لا بأس بما ذكروه محافظة على المسارعة إلى
فضيلة وقت الفريضة فإنه كلما قرب من أول الوقت كان أفضل.
ـ (الثالث) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجوز تقديم شيء من هذه النوافل على الزوال
إلا في يوم الجمعة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في باب صلاة الجمعة ، واستدل
على ذلك بان الصلاة وظيفة شرعية يتوقف شرعيتها على ثبوت ذلك عن الشارع والذي ثبت
عنه هو كونها بعد الزوال في غير اليوم المشار إليه.
أقول : ومن
الأخبار الدالة على ذلك ما تقدم من الأخبار المستفيضة الدالة على ان للنافلة
المذكورة وقتا محدودا معينا وان اختلف في تقديره من الذراع والذراعين فما دونهما.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن ابن أذينة عن عدة «انهم سمعوا أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليهالسلام) لا يصلي من النهار حتى تزول الشمس ولا من الليل بعد ما
يصلي العشاء حتى ينتصف الليل».
وعن زرارة عن
ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «كان علي (عليهالسلام) لا يصلي من الليل شيئا إذا صلى العتمة حتى ينتصف الليل
ولا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس».
وعن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زال
النهار قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات. الحديث». وروى في الفقيه مرسلا قال : «قال أبو
جعفر (عليهالسلام) كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الحديث كما تقدم».
إذا عرفت هذا
فاعلم انه قد ورد في مقابلة ما ذكرنا من هذه الأخبار جملة منها أيضا دالة على خلاف
ما دلت عليه الأخبار المذكورة :
ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام والشيخ عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجل من أول النهار؟ فقال
نعم إذا علم انه يشتغل فيجعلها في صدر النهار كلها».
__________________
وروى في الكافي
عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اعلم ان النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتى بها
قبلت».
وروى الشيخ في
التهذيب في الحسن عن محمد بن عذافر قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت فقدم
منها ما شئت وأخر ما شئت».
وعن علي بن
الحكم عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال لي صلاة النهار ست عشرة ركعة صلها اي النهار
شئت ان شئت في اوله وان شئت في وسطه وان شئت في آخره».
وعن سيف بن عبد
الأعلى قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن نافلة النهار؟ قال ست عشرة ركعة متى ما نشطت ، ان
علي بن الحسين (عليهماالسلام) كانت له ساعات من النهار يصلي فيها فإذا شغله ضيعة أو
سلطان قضاها ، إنما النافلة مثل الهدية متى ما اتى بها قبلت».
وعن القاسم بن
الوليد الغساني قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال ست
عشرة في أي ساعات النهار شئت ان تصليها صليتها إلا انك إذا صليتها في مواقيتها
أفضل».
وعن إسماعيل بن
جابر في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اني اشتغل؟ قال فاصنع كما نصنع : صل ست ركعات إذا كانت
الشمس في مثل موضعها صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر واعتد بها من الزوال».
وعن زرارة في
الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «ما صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الضحى قط. قال قلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر
النهار اربع ركعات؟ قال بلى انه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر».
هذا ما وقفت
عليه من هذه الأخبار والشيخ (قدسسره) قد حملها على الرخصة
__________________
لمن علم من حاله انه إذا لم يقدمها اشتغل عنها ولم يتمكن من قضائها ، قال
فاما مع عدم العذر فلا يجوز تقديمها ، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل بن جابر
المذكورة ورواية محمد ابن مسلم المتقدمة في صدر هذه الأخبار.
قال في الذكرى
بعد ذكر روايات التحديد بالاقدام والأذرع : ثم هنا روايات غير مشهورة في العمل
كرواية القاسم بن الوليد ، ثم ساق جملة من هذه الأخبار ثم ذكر حمل الشيخ المذكورة
لها وذكر ان الشيخ اعتمد في المنع من التقديم على اخبار التوقيت وعلى ما رواه ابن
أذينة ثم ذكر صحيحة ابن أذينة المتقدمة ورواية زرارة ، ثم قال قلت قد اعترف الشيخ (قدسسره) بجواز تقديمها عند الضرورة ، ولو قيل بجوازه مطلقا كما
دلت عليه هذه الأخبار غاية ما في الباب انه مرجوح كان وجها. انتهى. والى ما ذكره
مال جمع من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحدث الكاشاني في الوافي والفاضل
الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المدارك ايضا.
والأظهر عندي
ما ذكره الشيخ لاخبار التحديد بالأذرع والاقدام فإنها صحيحة مستفيضة صريحة في ان
للنافلة وقتا معينا محدودا لا تقدم عليه ولا تؤخر عنه إلا ان يكون على جهة القضاء
، والترجيح ـ لو ثبت التعارض ـ لهذه الأخبار لما ذكرنا من صحتها واستفاضتها
وصراحتها واعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا حيث انه لم يقل بظاهر هذه الأخبار
المخالفة قائل ولم يذهب اليه ذاهب ، واعتضادها أيضا بصحيحة ابن أذينة وروايتي
زرارة المتقدمات ، وحينئذ فيجب ارتكاب التأويل في ما عارضها بان يحمل التقديم على
الرخصة في مقام العذر كما ذكره الشيخ. واما قولهم (عليهمالسلام) «انها بمنزلة الهدية متى ما اتى بها قبلت» فلا يلزم
منه انها تكون أداء مطلقا بل الظاهر ان المراد انما هو بيان ان قبولها لا يختص
بالإتيان بها في أوقاتها المحدودة حتى انها لو وقعت في غيرها لم تقبل بل يجوز
تقديمها رخصة مع العذر وقضاؤها بعد فوات وقتها وهي مقبولة في جميع هذه الأوقات ،
وربما يستأنس لذلك برواية سيف بن عبد الأعلى المتقدمة وتعليله القضاء
فيها بكونها مثل الهدية. واما حسنة محمد بن عذافر ونحوها فيجب تقييد
إطلاقها بما ذكرناه من الأخبار المشتملة على التحديد ، وبذلك أجاب عنها في المدارك
في مسألة وقت نافلة الظهرين حيث نقل الاستدلال بها على امتداد وقت النافلة بامتداد
وقت الفريضة ثم أجاب عنها بان هذه الروايات مطلقة ورواياتنا مفصلة والمطلق يحمل
على المفصل. والعجب منه (قدسسره) انه بعد ان ذكر ذلك في المسألة المذكورة ناقض نفسه في
المسألة التي نحن فيها فقال بعد ذكر رواية القاسم بن الوليد الغساني ورواية سيف بن
عبد الأعلى ما صورته : ويستفاد من هاتين الروايتين جواز التقديم مطلقا وان كان
مرجوحا بالنسبة إلى إيقاعها بعد الزوال ويدل عليه أيضا حسنة محمد بن عذافر
المتقدمة وصحيحة زرارة ، ثم ساق الرواية وهي المذكورة آخر الروايات. انتهى. ووجه
التناقض ظاهر فإن الحسنة المذكورة متى قيدت بما ذكره في تلك المسألة فلا دلالة لها
على ما ادعاه هنا بوجه والمعصوم من عصمه الله تعالى ، ومن هذا الكلام يفهم ميله
الى ما قدمنا نقله عنه. واما صحيحة زرارة التي اعتضد بها هنا فهي معارضة برواية
زرارة المتقدمة الدالة على انه كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من النهار شيئا حتى تزول الشمس وقضية الجمع
بينهما حمل هذه الأربع ركعات في الصحيحة المذكورة على موضع عذر في بعض الأوقات.
والله العالم.
(المسألة
الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل قال في المعتبر انه مذهب علمائنا وقال في
المدارك ان هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ـ ان وقت نافلة المغرب بعدها الى
ذهاب الحمرة المغربية.
قال في المعتبر
: ويدل عليه انه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فكان الإقبال على النافلة حسنا وعند
ذهاب الحمرة يقع الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة ، ويؤيد ذلك ما رواه عمرو بن
حريث عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان النبي
__________________
(صلىاللهعليهوآله) يصلي ثلاثا المغرب وأربعا بعدها». ويدل على ان آخر
وقتها ذهاب الحمرة ما روى من منع النافلة وقت الفريضة ، روى ذلك جماعة : منهم ـ محمد
بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع».
انتهى واعترضه
في المدارك فقال بعد نقل ذلك : وفيه نظر لان من المعلوم ان النهي عن التطوع وقت
الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة للقطع باستحبابها في أوقات الفرائض وإلا لم
تشرع نافلة المغرب عند من قال بدخول وقت العشاء بعد مضي مقدار ثلاث ركعات من أول
وقت المغرب ولا نافلة الظهرين عند الجميع ، وقوله : «انه عند ذهاب الحمرة يقع
الاشتغال بالفرض فلا يصلح للنافلة» دعوى خالية من الدليل مع ان الاشتغال بالفرض قد
وقع قبل ذلك عند المصنف ومن قال بمقالته ، ومجرد استحباب تأخير العشاء عن أول
وقتها الى ذهاب الحمرة المغربية لا يصلح للفرق. انتهى.
أقول ما ذكره (قدسسره) جيد إلا ان قوله : «لان من المعلوم ان النهي عن التطوع
وقت الفريضة انما يتوجه الى غير الراتبة» على إطلاقه محل نظر لما عرفت وستعرف ان
شاء الله تعالى ان النهي في أكثر تلك الأخبار انما توجه إلى الراتبة. قوله «للقطع
باستحبابها في أوقات الفرائض» على إطلاقه ممنوع لأن الأخبار كما قد استفاضت بأنه «إذا زالت الشمس دخل الوقتان إلا ان هذه قبل هذه».
كذلك قد استفاضت بان وقت الظهر انما هو بعد ذراع أو قدمين ووقت العصر انما هو بعد
ذراعين أو أربعة أقدام وقد تقدمت وقد جمع الشيخ (قدسسره) ومن تأخر عنه بين هذه الأخبار بسبب ما يتراءى من
الاختلاف بينها بحمل الأخبار الأولة على من لا يأتي بالنافلة فان وقته من أول الزوال
والثانية على من يعتادها ويأتي بها فان وقته بعد مضي هذا المقدار من الزوال ، ومن
ذلك يعلم ان لكل من الظهر والعصر وقتين باعتبار
__________________
المتنفل وغيره ، وقد شاع في الأخبار إطلاق الوقت على كل من المعنيين ، وجل
الأخبار المانعة من إيقاع النافلة في وقت الفريضة إنما أريد بها الراتبة بالنسبة
إلى الوقت الذي بعد الاقدام أو الأذرع فلا يزاحم بها الفريضة في هذا الوقت الموظف
لها ، وبالجملة فإن الأخبار وان دلت على ان وقت الظهر والعصر من أول الزوال مرتبا
إلا انها دلت على اقتطاع قطعة من اوله للمتنفل محدودة بالأذرع أو الاقدام وقد جعل
وقت الفريضة بعد ذلك ، وقد مر في رواية إسحاق بن عمار انه لا يجوز التطوع بالنافلة بعد مضي الذراع والذراعين
حيث قال (عليهالسلام) «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون تطوع في وقت
الفريضة». وعلله في رواية إسماعيل الجعفي «لئلا يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه»
وهو ظاهر فيما قلناه ، نعم هذا انما يجري ويتمشى بالنسبة إلى الظهرين حيث ان
الأخبار قد عينت للنافلة وقتا محدودا وللفريضة وقتا محدودا اما مثل المغرب والعشاء
فلا ، ومجرد استحباب الإتيان بالعشاء في وقت مغيب الشفق لا يقتضي منع النافلة ،
ومنه يعلم ان كلام السيد السند (قدسسره) في المقام على إطلاقه غير جيد فلو قصر الكلام على
نافلة المغرب التي هي محل البحث لتم ما ذكره بغير إشكال.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان أكثر المتأخرين إنما اعتمدوا في منع النافلة بعد مغيب الشفق المغربي على
الإجماع المدعى في المنتهى والمعتبر ، ولا يخفى ما فيه. وظاهر الشهيد في الذكرى
الميل الى امتداد وقتها بوقت الفريضة حيث قال بعد البحث في المسألة : ولو قيل
بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها. والى ذلك مال جملة من متأخري
المتأخرين جازمين به أولهم فيما اعلم السيد السند في المدارك ، قال ويشهد له صحيحة
أبان ابن تغلب قال : «صليت خلف ابى عبد الله (عليهالسلام) المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء
الآخرة ولم يركع بينهما ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة فلما صلى المغرب قام فتنفل
بأربع ركعات ثم قام فصلى العشاء الآخرة».
__________________
أقول : والأظهر
في الاستدلال على ما اختاره ما ورد في الأخبار من الحث والتأكيد على نافلة المغرب
وانها تصلى سفرا وحضرا مع ما ورد في الأخبار من امتداد وقت المغرب في السفر الى
ثلث الليل ونحوه كما تقدم جميع ذلك ، فإنه يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها الى بعض
ان النافلة تمتد بامتداد الفريضة ، على انه يكفينا في الدلالة على الامتداد إطلاق
الأخبار الدالة على استحباب هذه النافلة بعد المغرب وعدم دليل على التوقيت
والتحديد بغروب الشفق سوى الإجماع الذي ادعوه ، مع إمكان المناقشة في دلالة
الإجماع المذكور أيضا فإن غايته الدلالة على ان ما قبل ذهاب الحمرة وقت للنافلة
ولا دلالة فيه على ان ما بعد ذهاب الحمرة ليس بوقت ، وبالجملة فالأظهر عندي هو
القول بالامتداد لما عرفت ، والاعتماد على مثل هذه الإجماعات لا يخلو من مجازفة في
الأحكام الشرعية. والله العالم.
ويتفرع على
القول المشهور انه لو زالت الحمرة المغربية ولم يأت بشيء من النافلة اشتغل
بالفريضة وحرم عليه الإتيان بالنافلة إلا ان يكون في أثناء ركعتين منها فيتم
الركعتين سواء كانتا الأوليين أو الأخيرتين ، قالوا للنهي عن إبطال العمل ولأن الصلاة على ما افتتحت عليه وحكى الشهيد في الذكرى عن ابن إدريس انه ان كان قد شرع
في الأربع أتمها وان ذهب الشفق. هذا بالنسبة إلى نافلة المغرب.
واما الوتيرة
فظاهرهم الإجماع على امتداد وقتها بامتداد وقت العشاء ، قال في المعتبر : وركعتا
الوتيرة يمتد بامتداد وقت العشاء وعليه علماؤنا لأنها نافلة للعشاء فتكون مقدرة
بوقتها. ونحوه في المنتهى وغيره.
أقول : ما ذكره
من ان الوتيرة نافلة للعشاء لم أقف له على دليل والمفهوم من الأخبار كما تقدم ان
أصل مشروعيتها انما هو لإتمام عدد النوافل بان تكون في مقابلة
__________________
كل ركعة من الفرائض ركعتان من النافلة. وفي بعض الأخبار المتقدمة أيضا
التعليل بقيامها مقام وتر آخر الليل لو مات قبل ان يدركه وانه يموت على وتر غاية الأمر ان الشارع جعل محلها بعد صلاة العشاء التي
هي ختام الصلاة في ذلك اليوم ، ويشير الى ما ذكرنا حسنة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) هل قبل العشاء الآخرة أو بعدها شيء؟ قال لا غير اني
أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل». والتقريب فيها هو ان الظاهر ان
مراد السائل المذكور السؤال عن انه هل صلاة العشاء من قبيل الصلوات السابقة عليها
في ان لها نوافل مرتبة تصلى قبلها أو بعدها؟ فقال (عليهالسلام) لا غير اني أصلي بعدها هاتين الركعتين لا من حيث
التوظيف بل من حيث ان الشارع جعل محلها في هذا الموضع لتكون ختاما لصلاة ذلك اليوم
ولينام على وتر كما يستفاد من الأخبار الآخر ، ولهذا ان الشيخ في النهاية ونحوه
الشيخ المفيد في المقنعة صرحا باستحباب ان تجعل خاتمة النوافل التي يريد ان يصليها
تلك الليلة ، ويؤيده ما تقدم في الفائدة السادسة عشرة من المقدمة الثانية من
مقدمات هذا الكتاب من قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة أو حسنته «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك».
والمراد بالوتر هنا الوتيرة كما تقدم بيانه في الفائدة المشار إليها وهو ظاهر فيما
ذكره الشيخان ومن تبعهما من الأصحاب من استحباب جعلها خاتمة نوافل تلك الليلة ،
وقوله في المدارك ـ انه لا يدل على المدعى ـ الظاهر ان منشأه حمل لفظ الوتر في
الرواية على غير الوتيرة وهو توهم قد وقع فيه غيره ايضا كما تقدم بيانه في الموضع
المشار اليه. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان وقت صلاة الليل بعد انتصافه
وانه كلما قرب من الفجر فهو أفضل ، قال في المعتبر وعليه علماؤنا اجمع وفي المنتهى
ذهب إليه علماؤنا أجمع.
أقول : اما ما
يدل على الحكم الأول فالأخبار المستفيضة ، ومنها ـ صحيحة فضيل
__________________
عن أحدهما (عليهماالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة».
وروى الصدوق في
الفقيه عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه فلم يصل شيئا حتى ينتصف
الليل». قال وقال أبو جعفر (عليهالسلام): «وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل الى آخره».
وعن محمد بن
مسلم في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا صلى العشاء الآخرة أوى إلى فراشه فلا يصلي شيئا
إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا في غيره».
وعن زرارة عن
ابي جعفر (عليهالسلام) في صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها
الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».
وروى الصدوق
مرسلا عن ابي جعفر (عليهالسلام) في صفة صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «ثم أوى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى فراشه ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال
نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات فقرأ فيهن
بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا
يخرج من مصلاه حتى يصلي الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم». وقد
تقدم ما يدل على ذلك أيضا في صحيحة ابن أذينة ورواية زرارة المذكورتين في آخر
المسألة الاولى الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
__________________
واما الحكم
الثاني فاستدل عليه بالإجماع المتقدم نقله عن المعتبر والمنتهى أولا واستدل في
المعتبر ايضا بقوله تعالى «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ» وقوله : «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحارِ» والسحر ما قبل الفجر على ما نص عليه أهل اللغة.
واستدل أيضا برواية
إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن ساعات الوتر قال أحبها الي الفجر الأول. وسألته عن
أفضل ساعات الليل قال الثلث الباقي. وسألته عن الوتر بعد الصبح قال نعم قد كان ابي
ربما أوتر بعد ما انفجر الصبح».
وعن مرازم عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت متى أصلي صلاة الليل؟ قال صلها آخر الليل.
قال فقلت فاني لا أستنبه؟ فقال تستنبه مرة فتصليها وتنام فتقضيها فإذا اهتممت
بقضائها في النهار استنبهت».
أقول : ومن
الأخبار الدالة على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن شعيب عن ابي بصير في
الموثق أو الضعيف قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التطوع بالليل والنهار؟ فقال الذي يستحب ان لا يقصر
عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس الى ان قال ومن السحر ثمان ركعات ثم يوتر ، الى ان
قال في آخر الخبر : وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل».
وفي الموثق
بابن بكير عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال ،
الى ان قال وثلاث عشرة ركعة آخر الليل».
__________________
وعن سليمان بن
خالد في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل
الظهر ، الى ان قال وثمان ركعات من آخر الليل. الحديث».
وروى في كتاب
عيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) في كتابه إلى المأمون قال : «وصلاة الظهر اربع ركعات ، الى ان قال وثمان
ركعات في السحر والشفع والوتر ثلاث ركعات. الحديث».
وروى في كتاب
الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) في حديث شرائع الدين قال فيه «وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل والشفع
ركعتان والوتر ركعة. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.
وعلى هذه
الأخبار اعتمد الأصحاب فيما ذكروه من أفضلية ما قرب من الفجر ، ولا تنافيها
الأخبار الأولة لأن غاية ما تدل عليه دخول الوقت بالانتصاف ، إلا انه ربما جعلت
المنافاة باعتبار ما دل منها على ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وعليا (عليهالسلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ويبعد ان يكون خلاف الأفضل ،
ويؤيده أيضا ما رواه عمر بن يزيد في الصحيح «انه سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ان في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي
ويدعو الله فيها إلا استجاب له في كل ليلة. قلت أصلحك الله وأي ساعة من الليل؟ قال
إذا مضى نصف الليل الى الثلث الباقي».
ونقل عن ابن
الجنيد انه قال : يستحب الإتيان بصلاة الليل في ثلاثة أوقات لقوله تعالى «وَمِنْ آناءِ
اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ» .
ويعضده ما رواه
الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «سمعت
__________________
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ، وذكر صلاة النبي (صلىاللهعليهوآله) قال كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه ويوضع سواكه تحت
فراشه ثم ينام ما شاء الله تعالى فإذا استيقظ جلس ثم قلب بصره في السماء ثم تلا
الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ ...» ثم يستن ويتطهر ثم يقوم الى المسجد فيركع اربع ركعات على قدر قراءته
ركوعه وسجوده على قدر ركوعه يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع
رأسه؟ ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل
عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيصلي أربع ركعات كما
ركع قبل ذلك ثم يعود الى فراشه فينام ما شاء الله ثم يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من
آل عمران ويقلب بصره في السماء ثم يستن ويتطهر ويقوم الى المسجد فيوتر ويصلي
الركعتين ثم يخرج إلى الصلاة».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه وسواكه يوضع عند
رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله تعالى ثم يقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم
يرقد فيقوم فيستاك ويتوضأ ويصلى اربع ركعات ثم يرقد حتى إذا كان في وجه الصبح قام
فأوتر ثم صلى الركعتين ، ثم قال «لَقَدْ كانَ لَكُمْ
فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» قلت متى يقوم؟ قال بعد ثلث الليل» وقال في حديث آخر «بعد
نصف الليل».
وقال في الكافي
وفي رواية أخرى «يكون قيامه وركوعه وسجوده سواء ويستاك في كل مرة قام من
نومه ويقرأ الآيات من آل عمران «إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ».
ويمكن الجمع
بين هذه الأخبار باستحباب التأخير إلى آخر الليل لمن أراد ان
__________________
يصليها في مقام واحد واستحباب الابتداء من نصف الليل لمن أراد التفريق كما
كان يفعله (صلىاللهعليهوآله) وعلى هذين الخبرين يحمل إجمال ما دل على انه (صلىاللهعليهوآله) وعليا (عليهالسلام) كانا يصليان بعد الانتصاف ، وعلى ذلك تجتمع الأخبار.
بقي الكلام هنا
في مواضع (الأول) المشهور بين الأصحاب جواز تقديم صلاة الليل في أوله للشاب الذي
تمنعه رطوبة دماغه من الانتباه والمسافر الذي يمنعه جد السير ونقل عن زرارة بن
أعين المنع من تقديمها على انتصاف الليل مطلقا وانه قال : كيف تقضى صلاة قبل وقتها
ان وقتها بعد انتصاف الليل. وسيأتي ذلك في رواية محمد بن مسلم ، واختاره ابن إدريس
على ما نقله في المختلف واليه مال في المختلف ايضا ونقل فيه عن ابن ابي عقيل انه
وافق الشيخ في المسافر خاصة.
والظاهر هو
القول المشهور للأخبار الكثيرة الدالة عليه ، ومنها ما رواه الشيخ والصدوق في
الصحيح عن ليث المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في
أول الليل؟ فقال نعم نعم ما رأيت ونعم ما صنعت». وزاد في الفقيه «يعني في السفر» قال : «وسألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد
فيعجل صلاة الليل والوتر في أول الليل؟ فقال نعم».
وروى في الفقيه
عن ابي جرير القمي عن ابي الحسن موسى (عليهالسلام) قال : «صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل
والوتر وركعتي الفجر».
وروى في الكافي
والتهذيب عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الليل والوتر في أول الليل في السفر إذا تخوفت
البرد أو كانت علة؟ قال لا بأس أنا افعل ذلك».
وروى في الكافي
عن يعقوب بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال
__________________
«سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو البرد أيعجل صلاة الليل والوتر
في أول الليل؟ قال نعم».
وعن محمد بن
حمران عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الليل أصليها أول الليل؟ قال نعم
إني لأفعل ذلك فإذا أعجلني الجمال صليتها في المحمل».
وعن ابي بصير
في الموثق أو الضعيف عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا خشيت ان لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة
أو أصابك برد فصل صلاتك وأوتر من أول الليل».
ورواه في
التهذيب في موضع آخر في الصحيح وكذا الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) مثله إلا انه قال : «وكانت بك علة» وزاد في آخره «في السفر».
وعن سماعة في
الموثق قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت صلاة الليل في السفر؟ فقال من حين تصلي العتمة
الى ان ينفجر الصبح».
وفي الصحيح عن
ليث قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار أصلي في أول
الليل؟ قال نعم».
وعن يعقوب
الأحمر في الصحيح قال : «سألته عن صلاة الليل في الصيف في الليالي القصار
في أول الليل؟ فقال نعم ما رأيت ونعم ما صنعت ، ثم قال ان الشاب يكثر النوم فانا
آمرك به».
وعن علي بن
سعيد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة الليل والوتر في السفر من أول الليل إذا لم
يستطع ان يصلي في آخره؟ قال نعم».
ورواه في
الفقيه عن علي بن سعيد مثله إلا انه أسقط «إذا لم يستطع ان يصلي آخر الليل».
__________________
وعن الحسين بن
علي بن بلال قال : «كتبت إليه في وقت صلاة الليل فكتب عند زوال
الليل ـ وهو نصفه ـ أفضل وان فات فأوله وآخره جائز».
وروى الشهيد في
الذكرى قال : «روى محمد بن أبي قرة بإسناده إلى إبراهيم بن
سيابة قال كتب بعض أهل بيتي الى ابي محمد (عليهالسلام) في صلاة المسافر أول الليل صلاة الليل فكتب فضل صلاة
المسافر من أول الليل كفضل صلاة المقيم في الحضر من آخر الليل».
وروى في الكافي
والتهذيب عن ابان بن تغلب في الصحيح قال : «خرجت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) فيما بين مكة والمدينة وكان يقول اما أنتم فشباب
تؤخرون واما انا فشيخ اعجل ، وكان يصلي صلاة الليل أول الليل».
وعن سماعة عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس بصلاة الليل من أول الليل الى آخره إلا
ان أفضل ذلك إذا انتصف الليل». وظاهر هذه الرواية جواز التقديم مطلقا ، ونحوها ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن عيسى قال : «كتبت إليه أسأله يا سيدي روى عن جدك انه قال لا
بأس بان يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل؟ فكتب في أي وقت صلى فهو جائز ان شاء
الله تعالى». والظاهر تقييد إطلاقها بالروايات المذكورة الدالة على العذر.
وقد صرح
الأصحاب بأنه إذا دار الأمر بين التقديم والقضاء فالقضاء أفضل ، ويدل عليه ما رواه
معاوية بن وهب في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له ان رجلا من مواليك من صلحائهم شكى الي ما
يلقى من النوم وقال اني أريد القيام إلى الصلاة بالليل فيغلبني النوم حتى أصبح
فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين اصبر على ثقله؟ فقال قرة عين له والله ،
ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل وقال القضاء بالنهار أفضل. قلت فان من نسائنا
أبكار الجارية تحب الخير واهله وتحرص
__________________
على الصلاة فيغلبها النوم حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه وهي تقوى عليه
في أول الليل؟ فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن وضيعن القضاء».
وعن محمد ـ وهو
ابن مسلم ـ في الصحيح عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «قلت له الرجل من امره القيام بالليل تمضى عليه
الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم فيقضي أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال لا
بل يقضي وان كان ثلاثين ليلة».
وعن محمد بن
مسلم قال : «سألته عن الرجل لا يستيقظ من آخر الليل حتى يمضي لذلك العشرة
والخمس عشرة فيصلي أول الليل أحب إليك أم يقضي؟ قال لا بل يقضي أحب إلي إني اكره
أن يتخذ ذلك خلقا ، وكان زرارة يقول كيف تصلى صلاة لم يدخل وقتها إنما وقتها بعد
نصف الليل».
احتج العلامة
في المختلف على ما ذهب اليه مما قدمنا نقله عنه بأنها عبادة موقتة فلا تفعل قبل
وقتها لعذر وغيره كغيرها ، وبصدر صحيحة معاوية بن وهب المذكورة ثم نقل عن الشيخ
الاحتجاج بأنه معذور فجاز تقديمها من أول الليل محافظة على السنن ، وبعجز صحيحة
معاوية المذكورة حيث رخص (عليهالسلام) للجارية التقديم والترخيص للمرأة مستلزم لغيرها من
المسافر والشاب للاشتراك في العذر والمحافظة على فعل السنن. ثم أجاب بأن المحافظة
على السنن تحصل مع القضاء والرواية لا تدل على المطلوب لاختصاصها بمن لا يتمكن من
الانتباه والقضاء.
أقول : ما ذكره
(قدسسره) بالنسبة الى هذه الرواية من الاحتجاج بصدرها والجواب
عن عجزها جيد ، إلا ان دليل الشيخ غير منحصر في هذه الرواية لما عرفت من الأخبار
التي تلوناها عليك فإنه لا مجال إلى إنكار دلالتها على الجواز. نعم ظاهر الصدوق
اختصاص الرخصة بالمسافر حيث قال : كل ما روى من الإطلاق في صلاة الليل من أول
الليل فإنما هو في السفر لان المفسر من الأخبار يحكم على المجمل. ونحوه قال الشيخ
في التهذيبين
__________________
وزاد : وفي وقت يغلب على الظن انه ان لم يصلها في أول الليل فاتته إذا شق
عليه القيام آخر الليل ولا يتمكن من القضاء فحينئذ يجوز له تقديمها. أقول : ما
ذكره الشيخ (قدسسره) هنا جيد ، اما بالنسبة إلى المسافر فلما عرفت من
الأخبار الكثيرة المتقدمة بالتقريب الذي ذكره الصدوق (طاب ثراه) واما بالنسبة الى
من لا يتمكن من الأداء والقضاء فعجز صحيحة معاوية بن وهب وعليه تحمل صحيحة محمد بن
مسلم ، واما صدر صحيحة معاوية فهو محمول على غير الفردين المذكورين ، وعلى ذلك
تجتمع الأخبار المذكورة
(الثاني) ـ المشهور
بين الأصحاب ان آخر وقت صلاة الليل طلوع الفجر الثاني فلو طلع الفجر الثاني ولم
يكن تلبس بأربع منها بدأ بالفريضة أو ركعتي الفجر على الخلاف الآتي ان شاء الله
تعالى. ونقل عن المرتضى (قدسسره) ان آخر وقتها الفجر الأول ، قال في الذكرى بعد نقل ذلك
عنه : ولعله نظر الى جواز ركعتي الفجر حينئذ والغالب ان دخول وقت صلاة يكون بعد
خروج وقت اخرى. ويندفع بوجوه : منها ـ الشهرة بالفجر الثاني بين الأصحاب. ومنها ـ ان
إسماعيل بن سعد الأشعري «سأل أبا الحسن (عليهالسلام) عن أفضل ساعات الليل فقال الثلث الباقي». ومنها ـ ما
مر من الأخبار. انتهى. أقول : ضعف ما ذكره السيد (رضياللهعنه) أظهر من ان يحتاج الى البيان لما سيجيء من الأخبار
النيرة البرهان.
(الثالث) ـ لو
طلع الفجر فان كان قد تلبس بأربع منها أتمها مخففة والا أخرها ويدل على الحكم
الأول ما رواه الشيخ في التهذيب عن مؤمن الطاق قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا كنت صليت اربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر
فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع».
وفي كتاب الفقه
الرضوي «إن كنت صليت من صلاة الليل اربع ركعات قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع
الفجر أو لم يطلع».
__________________
إلا انه قد روى
الشيخ ايضا عن يعقوب البزاز قال : «قلت له أقوم قبل الفجر بقليل فأصلي أربع ركعات
ثم أتخوف أن ينفجر الفجر ابدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال لا بل أوتر وأخر الركعات
حتى تقضيها في صدر النهار».
وقد جمع الشيخ
ومن تأخر عنه بين الخبرين بحمل هذه الرواية على الأفضلية. أقول : من المحتمل قريبا
اختصاص الخبر الأول بما إذا طلع الفجر بعد تمام التلبس بالأربع كما هو مورد الخبر
ومحل المسألة ، واما الثاني فظاهره انه بعد صلاة الأربع إنما تخوف ان ينفجر الفجر
لقربه لا انه انفجر بالفعل فصار الأمر متعارضا عنده بين إتمام الثمان ركعات وبين
الوتر بمعنى ان الوقت لا يسع إلا أحدهما فأمره (عليهالسلام) بتقديم الوتر وتأخير الركعات حتى يقضيها ، وهذا ليس من
محل المسألة في شيء حتى يحتاج الى الجمع بما ذكروه ، فإنه قد دلت الأخبار ـ وبه
صرح الأصحاب ايضا ـ على انه لو لم يبق من الوقت ما يسع صلاة الليل كاملة قدم الوتر
فإنه يكتب له بها ثواب صلاة الليل وقضى الصلاة بعد الصبح ، ففي صحيحة محمد بن مسلم
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل وهو يخشى ان
يفجأه الصبح أيبدأ بالوتر أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال
بل يبدأ بالوتر ، وقال انا كنت فاعلا ذلك». وصحيحة معاوية بن وهب قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول أما يرضى أحدكم ان يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي
ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟». وهذا الخبر من هذا القبيل ولا فرق بين ما دل
عليه هذان الخبران والخبر المذكور إلا باعتبار دلالة ذلك الخبر على تلبسه بأربع
ركعات ، وهو لا يصلح للفرق لان ظاهر هذين الخبرين ان الأفضل المحافظة على الوتر
وتقديمها في هذا الوقت وترجيحها على صلاة الليل فيه. وبالجملة فإن ظاهر هذه
الأخبار انه متى كان الوقت الثاني لا يسع إلا الثمان مخففة أو الوتر كاملة فإن
الأفضل تقديم الوتر سواء صلى شيئا من الثمان أم لا.
__________________
واما الحكم
الثاني وهو ما لو طلع الفجر ولم يتلبس بأربع ركعات فلا يخلو اما ان يكون قد تلبس
بما دون الأربع أو لم يتلبس بشيء بالكلية :
وظاهرهم في
الأول الاتفاق على البدأة بالفريضة ، قال في المعتبر : ولو طلع الفجر ولما يكمل
أربعا بدأ بالفريضة وهو مذهب علمائنا.
واما الثاني
فتدل عليه صحيحة إسماعيل بن جابر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا». والتقريب انه إذا
امتنع الوتر بعد الفجر امتنع ما قبله بطريق أولى.
إلا انه قد ورد
بإزاء هذا الخبر أخبار كثيرة دالة على جواز صلاة الليل بعد الفجر وان لم يتلبس
منها بشيء :
ومنها ـ صحيحة
عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر فقال
صلها بعد الفجر حتى تكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها ولا تعمد ذلك في كل ليلة
، وقال أوتر أيضا بعد فراغك منها».
وصحيحة عمر بن
يزيد ايضا قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقوم وقد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول
وقتها وان بدأت في صلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء؟ فقال ابدأ بصلاة
الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة».
وصحيحة سليمان
بن خالد قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) ربما قمت وقد طلع الفجر فأصلي صلاة الليل والوتر
والركعتين قبل الفجر ثم أصلي الفجر. قال قلت أفعل أنا ذا؟ قال نعم ولا يكون منك
عادة».
ورواية إسحاق
بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل؟ فقال صل صلاة
الليل وأوتر وصل ركعتي الفجر».
وأجاب الشيخ عن
هذه الأخبار بحملها على الرخصة ، قال هذه رخصة لمن أخر
__________________
لاشتغاله بشيء من العبادات وقال المحقق في المعتبر ـ بعد ان ذكر ان فيه
روايتين إحداهما يتم النافلة مزاحما بها الفريضة والأخرى يبدأ بالفجر ـ ان اختلاف
الفتوى دليل التخيير ، يعني بين فعلها بعد الفجر قبل الفرض وبعده. واستحسنه جملة
ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة.
والأظهر عندي
حمل النهي في صحيحة إسماعيل بن جابر على اتخاذ ذلك عادة وجعله جائزا في جملة
الأوقات فإنه ليس كذلك لما سيأتي ان شاء الله تعالى من الأخبار الدالة على تحريم
النافلة في وقت الفريضة ، ولما سيأتي ايضا ان شاء الله تعالى من النهي عن صلاة
ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر ووجوب تقديم الفريضة. واما الأخبار الأخيرة فهي محمولة
على الرخصة لو اتفق له ذلك في بعض الأوقات ولهذا قد صرحت بأنه لا يجعل ذلك عادة
ولا يتعمد ذلك في كل ليلة ، والرخص في مقام التحريم كثيرة وهذا منها.
والعجب ان صاحب
المعتبر بعد ان استدل على تقديم النافلة على الفريضة في المسألة بصحيحة عمر بن
يزيد الثانية استدل على تقديم الفريضة على النافلة بصحيحته الاولى وكأنه حمل قوله «صلها
بعد الفجر» يعني بعد صلاة الفجر. وهو سهو ظاهر ، بل الظاهر ان الرواية انما هي من
قبيل روايته الثانية والمراد بالفجر فيها انما هو أول الصبح وانه يصلي النافلة
أولا وان أخر الغداة إلى آخر وقتها كما ينادي به الخبر ، ويعضده قوله «ولا تعمد
ذلك في كل ليلة» كما وقع مثله في روايته الثانية وصحيحة سليمان بن خالد. وأعجب من
ذلك انه حكم في هذه المسألة أعني لو طلع الفجر ولم يتلبس بشيء من النافلة
بالتخيير بين تقديم الفريضة والإتيان بالنافلة وفيما لو تلبس بما دون الأربع بوجوب
البدأة بالفريضة كما تقدم نقله عنه.
(الرابع) ـ المفهوم
من الأخبار ـ وبه صرح جملة من الأصحاب ـ ان أفضل أوقات الوتر ما بين الفجر الأول
الى الثاني :
روى الشيخ في
الصحيح عن إسماعيل بن سعد الأشعري قال : «سألت
__________________
أبا الحسن الرضا (عليهالسلام) عن ساعات الوتر فقال أحبها الي الفجر الأول».
وعن معاوية بن
وهب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ساعات الوتر فقال الفجر أول ذلك».
وروى الشهيد في
الذكرى قال : «روى ابن أبي قرة عن زرارة ان رجلا سأل أمير
المؤمنين (عليهالسلام) عن الوتر أول الليل فلم يجبه فلما كان بين الصبحين خرج
أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى المسجد فنادى أين السائل عن الوتر؟ (ثلاث مرات)
نعم ساعة الوتر هذه ثم قام وأوتر».
وروى ثقة الإسلام
في الكافي عن ابان بن تغلب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) آية ساعة كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يوتر؟ فقال مثل مغيب الشمس إلى صلاة المغرب».
قال في الذكرى
: وقد سلفت رواية الحجال عن الصادق (عليهالسلام) في تقديم ركعتين من أول الليل فان استيقظ صلى صلاة
الليل وأوتر وإلا صلى ركعة واحتسب بالركعتين شفعا ، وعليه تحمل رواية زرارة عن ابي
جعفر (عليهالسلام) «مَنْ
كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا بوتر». ويجوز حملها على التقية لأن عندهم
وقت الوتر ما بين العشاء الى الفجر ويروون عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «الوتر جعله الله لكم ما بين صلاة العشاء
الى طلوع الفجر» . ثم أجاب عما ذهب إليه العامة.
أقول : اما ما
ذكره من رواية الحجال فقد تقدم الكلام فيها مستوفى في الفائدة السادسة عشرة من
فوائد المقدمة الثانية وبينا المعنى المراد منها. واما رواية زرارة فقد
__________________
تقدم الكلام فيها موضحا منقحا في الفائدة السادسة من الفوائد المشار إليها
وبينا ان المراد بالوتر فيها انما هو الوتيرة فلا ضرورة الى ما ذكره هو وغيره من
التأويلات البعيدة والاحتمالات الغير السديدة.
(الخامس) ـ قد
تقدمت الأخبار الدالة على انه متى ضاق الوقت إلا عن الوتر وركعتي الفجر خاصة فإن
الأفضل له ان يقدم ذلك على صلاة الليل ، اما لو فعل ذلك ثم انكشف بقاء الليل فقال
في الدروس ونحوه في الذكرى انه يضيف الى ما صلى ستا ويعيد ركعة الوتر وركعتي الفجر
، ثم نسبه الى الشيخ المفيد ثم نقل في الكتابين عن الشيخ علي بن بابويه انه يعيد
ركعتي الفجر لا غير. أقول : ظاهر كلام الشيخين المذكورين ان الحكم في هذه المسألة
هو اضافة ست ركعات الى ما صلاه بنقل ركعتي الفجر إلى صلاة الليل وزيادة ست ركعات
عليها لتكمل ثمان ركعات ثم إعادتها بعد ذلك وانما اختلف كلامهما في إعادة مفردة
الوتر فظاهر الشيخ علي بن بابويه عدم إعادتها وظاهر الشيخ المفيد إعادتها. وقال في
الذكرى بعد ذكر ذلك ـ ثم نقل عن الشيخ في المبسوط انه لو نسي ركعتين من صلاة الليل
ثم ذكر بعد ان أوتر قضاهما وأعاد الوتر ـ ما لفظه : وكأن الشيخين نظرا الى ان
الوتر خاتمة النوافل ليوترها.
والذي وقفت
عليه من الأخبار مما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ عن علي بن عبد العزيز قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقوم وانا أتخوف الفجر؟ قال فأوتر. قلت فانظر فإذا علي
ليل؟ قال فصل صلاة الليل».
وعن إبراهيم بن
عبد الحميد عن بعض أصحابنا ـ وأظنه إسحاق بن غالب ـ عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا قام الرجل من الليل فظن ان الصبح قد أضاء
فأوتر ثم نظر فرأى ان عليه ليلا؟ قال يضيف الى الوتر ركعة ثم يستقبل صلاة الليل ثم
يوتر بعده».
__________________
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «وان كنت صليت الوتر وركعتي الفجر ولم يكن طلع الفجر فأضف إليها ست ركعات
وأعد ركعتي الفجر وقد مضى الوتر بما فيه».
وأنت خبير بان
الظاهر من الوتر في هذه الأخبار هو مجموع الركعات الثلاث كما استفاض إطلاقه عليها
في الأخبار وقد تقدم بيانه في المقدمة الثانية ، وحينئذ فقوله في الخبر الأول «فصل
صلاة الليل» يحتمل حمله على الركعات الثمان خاصة كما وقع إطلاقه عليها في الأخبار
وان أطلق في بعض على ما يدخل فيه الوتر ، ويحتمل حمله على الأعم ويحتمل ـ على بعد
ـ البناء على ما صلى كما ذكره الشيخ المفيد من اضافة الست ، وحينئذ فمعنى قوله «فصل
صلاة الليل» أي أتم صلاة الليل ، وكيف كان فالخبر المذكور لا يخلو من الإجمال. واما
الرواية الثانية فظاهرها انه يعتد بما فعله من ركعات الوتر من صلاة الليل ويضيف
إلى المفردة أخرى ليتم بها عدد اربع ركعات ثم يتم الثمان صلاة الليل ويوتر. ولم
أقف على قائل به. واما عبارة كتاب الفقه فالظاهر انه معتمد الشيخين المتقدمين فيما
قدمنا إيضاحه من كلاميهما وان كان الشيخ المفيد صرح بإعادة مفردة الوتر بعد ذلك
ايضا بالتقريب الذي ذكره في الذكرى. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما
عرفت من تصادم هذه الأخبار ، والاحتياط لا يخفى.
(السادس) ـ روى
الشيخ في التهذيب عن علي بن عبد الله بن عمران عن الرضا (عليهالسلام) قال : «إذا كنت في صلاة الفجر فخرجت ورأيت الصبح فزد
ركعة إلى الركعتين اللتين صليتهما قبل واجعله وترا».
قال شيخنا
الشهيد (قدسسره) في الذكرى بعد ذكر هذا الخبر : وفيه تصريح بجواز
العدول من النفل الى النفل لكن ظاهره انه بعد الفراغ كما ذكر مثله في الفريضة ،
ويمكن حمل الخروج على رؤية الفجر في أثناء الصلاة كما حمل الشيخ الفراغ في الفريضة
على مقارنة الفراغ.
__________________
أقول : اما ما
ذكره من تصريح الخبر بجواز العدول حسبما ذكره فقد تقدم في سابق هذا الموضع ما
يؤيده أيضا ويؤكده. واما ما ذكره في تأويل الخروج حيث ان ظاهر الخبر الخروج في
أثناء الصلاة فالظاهر بعده ، والأقرب حمل الكلام على التجوز وان المراد بالكون في
صلاة الفجر الإتيان بركعتي الفجر ، ويحمل الخبر على ما إذا كان الوقت ضيقا فصلى
صلاة الفجر لعدم اتساعه لأزيد منها فأمره (عليهالسلام) بأن الأفضل تقديم الوتر وان ينقل ما صلاة إلى ركعتي
الوتر ويضيف إليهما ثالثة ، وباب التجوز في أمثال ذلك غير عزيز.
والمحدث
الكاشاني لما نقل الخبر المذكور في الوافي قال : هكذا في النسخ التي رأيناها
والصواب «الليل» مكان «الفجر» يعني إذا كنت قد صليت من صلاة الليل ركعتين فرأيت
الصبح فاجعله وترا. وهو في حد ذاته معنى جيد لكن حمل الأخبار على ذلك لا يخلو من
اشكال. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب ان أول وقت ركعتي الفجر الفراغ من صلاة الليل
والوتر وان كان ذلك قبل الفجر الأول ، لكن قال في المعتبر ان تأخيرهما حتى يطلع
الفجر الأول أفضل. وقيل ان أول وقتهما بعد طلوع الفجر الأول ، ونقل عن السيد
المرتضى والشيخ في المبسوط وبه صرح العلامة في الإرشاد.
واما آخر
وقتهما فالمشهور انه يمتد الى طلوع الحمرة فإن طلعت ولم يصلهما بدأ بالفريضة. وقيل
بامتداد وقتهما الى الفجر الثاني وهو المنقول عن ابن الجنيد واختاره الشيخ في
كتابي الأخبار ، قال ابن الجنيد على ما نقل عنه : وقت صلاة الليل والوتر والركعتين
من حين انتصاف الليل الى طلوع الفجر على الترتيب.
والأظهر عندي
ان وقتهما بعد صلاة الليل وان كان الأفضل تأخيرهما الى بعد الفجر الأول وان وقتهما
ينتهى بطلوع الفجر الثاني فلو طلع ولم يصلهما بدأ بالفريضة.
لنا على الحكم
الأول ـ الأخبار الدالة على جعلهما مع صلاة الليل كائنة ما كانت :
ومنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر قال : «سألت الرضا (عليهالسلام) عن ركعتي الفجر فقال احشو بهما صلاة الليل».
وفي الصحيح عن
ابن ابي نصر ايضا قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال
أبو جعفر (عليهالسلام) احش بهما صلاة الليل وصلهما قبل الفجر».
وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده».
وفي الصحيح عن
ابن ابي يعفور قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ركعتي الفجر متى أصليهما؟ فقال قبل الفجر ومعه
وبعده».
والمراد بالفجر
في هذه الأخبار هو الفجر الأول كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله.
وفي الموثق
بابن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي
صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث
شاء».
وفي الموثق
بابن بكير ايضا عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث «وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر
وركعتا الفجر».
وفي صحيحة
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر».
الى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع ، ومنها صحيحة زرارة الآتية وقوله فيها «انهما
من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».
__________________
واما على الحكم
الثاني فما قدمناه من الأخبار الدالة على ان أفضل أوقات الوتر بعد طلوع الفجر
الأول ومن المعلوم ان ركعتي الفجر مرتبة على الوتر لا تصلي إلا بعده.
واما ما استدل
به في المدارك على ذلك ـ حيث انه اختار ما ذكرناه من ان التأخير الى ان يطلع الفجر
الأول أفضل حيث قال : ويدل على ان الأفضل تأخيرهما حتى يطلع الفجر الأول صحيحة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلهما بعد ما يطلع الفجر». وانما حملنا لفظ الفجر على
الأول ليناسب الأخبار السالفة ، ولعل هذه الرواية مستند الشيخ والمرتضى في جعلهما
ذلك أول الوقت والجواب المعارضة بالأخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بفعلهما مع
صلاة الليل من غير تقييد بطلوع الفجر الأول ، مع إمكان القدح في هذه الرواية بعدم
وضوح مرجع الضمير. انتهى ـ فهو غير واضح في كون المراد الفجر الأول كما اعترف به
وما ذكرناه من الدليل أظهر في المراد.
أقول : ومثل
هذه الرواية التي ذكرها صحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) صلهما بعد الفجر واقرأ فيهما في الأولى قل يا ايها
الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد». واما ما ذكره من الإيراد عليهما بالأخبار
المتقدمة فلهما ان يجيبا بحمل ذلك على الرخصة في التقديم والدس في صلاة الليل وان
كان الوقت الموظف هو ما بعد الفجر الأول للروايات المتقدمة المعتضدة بظاهر هاتين
الروايتين.
ولنا على الحكم
الثالث ما دل من الأخبار على عدم جواز النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، خرج ما خرج بدليل وبقي
ما بقي.
وخصوص ما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام)
__________________
قال : «سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر انهما
من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل أتريد ان تقايس لو كان عليك من شهر رمضان
أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».
وحسنة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال قبل طلوع
الفجر فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة».
وعن زرارة أيضا
عن ابى جعفر (عليهالسلام) في وصف صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وفيها «ثم يصلى ثلاث عشرة ركعة : منها الوتر ومنها
ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».
ويؤيد هذه
الأخبار تأييدا ظاهرا الأخبار المتقدمة في إدخالها في صلاة الليل بل دلالة جملة
منها على انها من صلاة الليل التي لا خلاف في ان وقتها قبل الفجر الثاني :
وفي موثقة أبي
بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم».
ورواية محمد بن
مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن أول وقت ركعتي الفجر فقال سدس الليل الباقي».
وقوله في صحيحة
زرارة المذكورة «انهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل».
وروى الشيخ في
التهذيب عن المفضل بن عمر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أقوم وانا أشك في الفجر؟ فقال صل على شكك فإذا طلع
الفجر فأوتر وصل الركعتين فإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا تصل
غيرها فإذا فرغت فاقض مكانك. الخبر». وهو ظاهر الدلالة واضح المقالة لظاهر الأمر
بالبدأة بالفريضة الدال على الوجوب والنهي عن صلاة غيرها الدال على التحريم. واما
صدر الخبر فمحمول
__________________
على من صلى بشكه في الوقت ثم تبين الوقت بعد تمام صلاة الليل فإنه يتمها
بالوتر وركعتي الفجر كما تقدم في الأخبار فلا منافاة.
واستدل السيد
السند (قدسسره) للقول المشهور بقول الصادق (عليهالسلام) «لهما قبل الفجر ومعه وبعده». قال : والبعدية تستمر الى ما بعد الاسفار
وطلوع الحمرة ، قال ويدل على انتهاء الوقت بذلك صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا يصلى الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم
يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». ثم نقل استدلال الشيخ (قدسسره) على ما نقل عنه من الانتهاء بطلوع الفجر الثاني بصحيحة
زرارة المتقدمة ، ثم قال ويمكن التوفيق بين الروايات اما بحمل لفظ الفجر في
الروايات السابقة على الأول ويراد بما بعد الفجر ما بعد الأول وقبل الثاني أو بحمل
الأمر في هذه الرواية على الاستحباب ، ولعل الثاني أرجح. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان دلالة صحيحة علي بن يقطين على ما ذكره انما هو بالمفهوم الضعيف واخبار «صلهما
قبل الفجر ومعه وبعده» مجملة قابلة للاحتمال على الفجر الأول ومثل هذا لا يقابل به
ما ذكرناه من الأخبار ولا سيما صحيحة زرارة الأولى لما هي عليه من الصراحة على
أبلغ وجه وقريب منها حسنته ايضا.
وههنا أخبار
دالة على القول المشهور أوضح مما نقله ولكنها ضعيفة السند والظاهر انه لأجل ذلك
اعرض عن نقلها واعتمد على ما نقله لصحة سنده وأغمض النظر عن ضعف دلالته كما هي
عادته من دورانه مدار الأسانيد وان اشتملت المتون على عدة من العلل
فمما يدل على
القول المشهور بدلالة واضحة الظهور رواية إسحاق بن عمار عن من أخبره عنه (عليهالسلام) قال : «صل الركعتين ما بينك وبين ان يكون الضوء حذاء
رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر».
__________________
ورواية الحسين
بن ابي العلاء قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يقوم وقد نور بالغداة؟ قال فليصل السجدتين
اللتين قبل الغداة ثم ليصل الغداة».
ورواية أبي بكر
الحضرمي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال حين يعترض الفجر وهو
الذي تسميه العرب الصديع».
وهذه الأخبار
كما ترى صريحة في مخالفة الأخبار التي قدمناها فالواجب الرجوع الى المرجحات ، ومن
القواعد المنصوص عليها في مقام اختلاف الأخبار وان اعرض عن العمل بها جملة من
علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى منازلهم في دار القرار) هو عرضها على مذهب العامة
والأخذ بخلافه.
وقد نقل جملة
من مشايخنا (رضوان الله عليهم) ان جمهور العامة ـ كما ذكره شيخنا المجلسي في
البحار ـ على ان هاتين الركعتين لا تصليان الا بعد طلوع الفجر الثاني ، ومن
أخبارهم المنقولة في ذلك ما نقله في المنتهى مما رواه الجمهور عن حفصة «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر يصلي الركعتين». وحينئذ
فالواجب حمل هذه الأخبار على التقية ، ويوضح ذلك بأي إيضاح رواية أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى أصلي ركعتي الفجر؟ قال فقال لي بعد طلوع الفجر.
قلت له ان أبا جعفر (عليهالسلام) أمرني أن أصليهما قبل طلوع الفجر؟ فقال لي يا أبا محمد
ان الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمر الحق وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».
وممن وافقنا في
هذا المقام شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين فقال : والمراد
بالفجر فيما تضمنه الحديث السابع والتاسع من صلاة ركعتي الفجر
__________________
قبله وبعده وعنده الفجر الأول كما يدل عليه قوله (عليهالسلام) في الحديث الثامن «احشو بهما صلاة الليل» إذ المراد صلاتهما في وقتها والحديث الحادي عشر
والتاسع عشر صريحان في ان وقتهما قبل الفجر. انتهى. وأشار بالحادي عشر إلى صحيحة
زرارة المتقدمة وبالتاسع عشر الى حسنته المذكورة بعدها.
واما ما ذكره
المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله لصحيحة زرارة المشار إليها ـ حيث قال :
قلت ينبغي ان يعلم ان الغرض في هذا الحديث من ذكر التطوع بالصوم لمن عليه شيء من
قضاء شهر رمضان معارضة ما علمه (عليهالسلام) من زرارة وهو محاولة قياس ركعتي الفجر على غيرهما من
النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد مع وقت الفريضة فيكون وقت ركعتي
الفجر بعد طلوع الفجر ودخول وقت الفريضة ، وحاصل المعارضة أن اشتغال الذمة بالصوم
الواجب مانع من التطوع به فيقاس عليه حكم ركعتي الفجر ويقال ان دخول وقت الفريضة
بطلوع الفجر يمنع من الاشتغال بالتطوع فلا مساغ لفعلهما بعد الفجر ، والمطلوب بهذه
المعارضة بيان فساد القياس لا التنبيه على الوجه الصحيح فيه فان الأخبار الكثيرة
الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه وسنوردها ، واحتمالها التقية كما ذكره
الشيخ (قدسسره) في جملة وجوه تأويلها غير كاف في المصير الى تعين
التقديم مع عدم صراحة أخباره فيه. إذ هي محتملة لإرادة ارجحيته على التأخير ولذلك
شواهد ايضا تأتي ، فيكون الجمع بين الأخبار بالحمل على التخيير مع رجحان التقديم
اولى ، وحينئذ يتعين حمل المعارضة الواقعة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكرناه.
انتهى كلامه زيد مقامه ـ
ففيه نظر من
وجوه (الأول) ان ما زعمه من حمل سؤال زرارة في هذا الخبر على المعنى الذي ذكره في
المقام انما هو من قبيل المعمى والألغاز الواقعين في شذوذ الكلام إذ لا قرينة ولا
شاهد يؤذن به كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، وليس السؤال في
__________________
هذا الخبر إلا مثل اسئلته في جميع الأحكام ، على ان ما ذكره من ان زرارة ظن
قياس ركعتي الفجر على غيرهما من النوافل المتعلقة بالفرائض حيث ان الوقت فيها متحد
ممنوع بان اتحاد الوقت في فريضتي الظهرين مع نوافلهما وفريضة المغرب مع نافلتها
ظاهر لدلالة الأخبار على دخول وقت الظهرين بالزوال الى الغروب مع دلالتها على وقوع
نافلتهما في جزء من هذا الوقت وكذا المغرب ، اما هذه النافلة فلا لأن الأخبار دلت
على ان وقت الفريضة من طلوع الفجر الثاني ودلت على ان النافلة انما تصلى قبل ذلك
داخلة في صلاة الليل وانها من جملة صلاة الليل مع قطع النظر عن الروايات المانعة
من إيقاعها بعد الفجر الثاني ، فكيف يتوهم زرارة ما ذكره وتوهمه من اتحاد الوقت في
هذه النافلة مع فريضة الصبح كاتحاد نافلة الظهرين مع فريضتهما؟ ما هذا إلا عجيب من
مثل هذا المحقق المذكور ولا اعرف له مستندا في هذا الوهم ـ ان كان ـ إلا قوله (عليهالسلام) «أتريد ان تقايس. الى آخره» وفيه ان الأظهر في معناه
هو ما ذكره شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ، حيث قال : قوله (عليهالسلام) في الحديث الحادي عشر «أتريد ان تقايس؟» بالبناء
للمفعول اي أتريد ان يستدل لك بالقياس؟. ولعله (عليهالسلام) لما علم ان زرارة كثيرا ما يبحث مع المخالفين ويبحثون
معه في أمثال هذه المسائل أراد ان يعلمه طريق إلزامهم حيث انهم قائلون بالقياس ،
أو ان غرضه (عليهالسلام) تنبيه زرارة على اتحاد حكم المسألتين وتمثيل مسألة لم
يكن يعرفها بمسألة هو عالم بها ومثل ذلك قد يسمى قياسا وليس مقصوده (عليهالسلام) القياس المصطلح. انتهى.
أقول : ومما
يعضد ما ذكره شيخنا المذكور (توجه الله تعالى بتاج من النور) ما سيأتي قريبا من صحيحة
زرارة المروية في المدارك قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا
تصلى نافلة في وقت
__________________
فريضة أرأيت لو كان عليك صوم من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قلت
لا. قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني». وهذه الرواية نظير تلك
الرواية في انه ليس الغرض إلا السؤال عن الحكم المذكور ولا مجال فيها لما توهمه (قدسسره) ثمة من الوهم الذي هو في غاية القصور ، وهي دالة
بإطلاقها على ما ادعيناه في هذه المسألة خرج منها ما خرج وبقي الباقي تحت الإطلاق.
ومثل ذلك ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن رجل رمى صيدا في الحل فمضى برميته حتى دخل الحرم
فمات أعليه جزاؤه؟ قال لا ليس عليه جزاؤه لأنه رمى حيث رمى وهو له حلال انما مثل
ذلك مثل رجل نصب شركا في الحل الى جانب الحرم فوقع فيه صيد فاضطرب الصيد حتى دخل
الحرم فليس عليه جزاؤه لأنه كان بعد ذلك شيء. فقلت له هذا القياس عند الناس؟ فقال
انما شبهت لك شيئا بشيء». ونحوه صحيحته الأخرى عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في الصيد ايضا حسبما دل عليه هذا الخبر.
وهذان الخبران
ظاهران في المعنى الثاني الذي ذكره شيخنا المذكور من ان غرضه (عليهالسلام) في ذلك الخبر التنظير والتمثيل.
وبذلك يظهر لك
ان ما ذكره المحقق المذكور وتكلفه في الخبر المشار اليه تكلف بعيد وتمحل غير سديد
، ولو تطرق مثل هذا التأويل البعيد للاخبار لم يبق دليل يمكن به الاستدلال إلا
وللقائل فيه مقال وبذلك ينسد باب الاستدلال بالكلية. والحق ان الخبر المذكور صريح
الدلالة واضح المقالة فيما قلناه لا يعتريه القصور ولا يداخله الفتور.
(الثاني) ـ قوله
: «فإن الأخبار الكثيرة الدالة على جواز فعلهما بعد الفجر تنافيه» فإنه أشار
بالأخبار المذكورة الى الأخبار المشتملة على قوله (عليهالسلام): «صل ركعتي الفجر قبله وبعده وعنده» لان هذه الأخبار
هي الأخبار الصحيحة كما عرفت ،
__________________
وأصحاب هذا الاصطلاح ولا سيما هذا المحقق الذي قد زاد على الاصطلاح في
كتابه المذكور اصطلاحا آخر مبالغة في الصحيحة انما يدورون مدار صحة الأسانيد والا
فالأخبار التي قدمناها صريحة في هذا القول كلها لكنها لضعف أسانيدها لم يعملوا بها
ولم يذكروها وأنت قد عرفت قيام الاحتمال في متون هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على
الفجر الأول بل هو الراجح الذي عليه المعول لانه به يحصل جمعها مع الأخبار
المتقدمة الدالة على انها من صلاة الليل وان وقتها بعد صلاة الليل كما عرفت من
الأخبار المتكاثرة ، والى ذلك أشار شيخنا البهائي (قدسسره) فيما قدمناه من كلامه ، وحينئذ فكيف تحصل المعارضة بها
لما هو صريح الدلالة واضح المقالة؟ سيما بعد ما عرفت من بطلان توهمه الذي تكلفه
وزعمه الذي تصلفه ، وقد اشتهر في كلامهم وتداول على رؤوس أقلامهم انه إذا قام
الاحتمال بطل الاستدلال.
(الثالث) ـ ما
طعن به في الحمل على التقية ـ من انه غير كاف في المصير الى تعين التقديم مع عدم
صراحة أخباره فيه ـ فان فيه ان الأخبار التي قدمناها ما بين صريح في ذلك وما بين
ظاهر تمام الظهور ، اما صحيحة زرارة التي كشفنا عنها نقاب الالتباس بما لا يخفى
على عوام الناس فصراحتها أظهر من ان ينكر ، ونحوها حسنته المذكورة بعدها الدالة
على السؤال عن وقت الركعتين بقوله «اين موضعهما؟ فقال قبل الفجر فإذا طلع الفجر
فقد دخل وقت الغداة» والأخبار المستفيضة بالأمر بجعلهما في صلاة الليل والأخبار
الدالة على انهما من جملة صلاة الليل التي قد علم ان وقتها من الانتصاف الى طلوع
الفجر الثاني ، ويعضدها الأخبار الدالة على فعل النبي والأئمة (صلوات الله عليهم)
لها قبل الفجر ، ويؤكدها الأخبار الدالة على المنع من النافلة في وقت الفريضة. وبالجملة
فإن هذه الأخبار كملا قد اشتملت على ان الوقت الموظف لهاتين الركعتين قبل الفجر
فيجب الوقوف على ما وظفته وعدم الخروج عنه لان العبادات الشرعية توقيفية يجب
الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة ، ولم يعارضها بزعمهم إلا تلك الأخبار
المجملة القابلة للحمل على هذه الأخبار بحمل الفجر فيها على الفجر الأول
ومتى حملناها على هذا المحمل لم يحتج فيها للحمل على التقية ، نعم ذلك انما هو في
الأخبار الصريحة في هذا القول وهي الأخبار الضعيفة باصطلاحهم كما تقدمت ، وبذلك
يظهر لك ان دعواه صارت مقلوبة عليه كما عرفته من هذا التحقيق الذي لا يأتيه الباطل
من خلفه ولا من بين يديه فان عدم الصراحة انما هي في اخباره لا في أخبارنا.
(الرابع) ـ ما
ذكره ـ من الجمع بين الأخبار بالتخيير مع أفضلية التقديم كما تقدمه فيه السيد
السند في المدارك فيما قدمنا من كلامه ـ فان فيه انه يا لله والعجب العجاب من
هؤلاء الأجلاء الأطياب انه إذا كان الحال عندهم في جميع الأحكام متى تعارضت فيها
الأخبار انما يجمع بينها بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب كما عرفته
من طريقتهم في جميع الأبواب فليت شعري أي وجه واي غرض وعلة في وضع الأئمة هذه
القواعد التي استفاضت بها اخبارهم؟ ولمن خرجت ومن خوطب بها؟ واين الأخبار المختلفة
التي تجري فيها هذه القواعد إذا كان علمهم في جميع أبواب الفقه وأحكامه انما هو
على هذه القاعدة التي ابتدعوها والطريقة التي اخترعوها؟ وهل هذا إلا إعراض عما
أسسه لهم أئمتهم الأطياب ومقابلة بالاجتهاد الصرف الذي لم يرد به سنة ولا كتاب؟ هذا
مع ما عرفت في غير موضع من بطلان هذه القاعدة في حد ذاتها وفسادها في نفسها. والله
الهادي لمن يشاء.
ومنشأ معظم
الشبهة في جواز صلاتهما بعد الفجر الثاني بعد الأخبار الدالة على الجواز هو
الأخبار الدالة على إتمام صلاة الليل بعد التلبس منها بأربع ركعات والأخبار الدالة
على جواز صلاة الليل كملا ولما يتلبس بشيء منها. وأنت خبير بأنك إذا رجعت الى ما
ذكرناه من الأخبار واستدللنا به في المقام بالتقريب الذي ذكرناه في الوجه الثالث
من وجوه النظر في كلام المحقق المذكور يظهر لك ان الظاهر هو العمل على ما ذكرناه
وان التأويل يجب ان يكون في هذه الأخبار الباقية بحمل ما ظهر منها في جواز التقديم
على التقية وحمل اخبار التقديم
مطلقا على ما قدمناه من الرخصة في بعض الأوقات وكذلك اخبار التلبس بأربع
ركعات لان الرخص في مقام المنع والتحريم كثيرة في الشريعة.
بقي في المقام
فوائد يجب التنبيه عليها (الاولى) قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب البحار ـ بعد ذكر خبر ابي بصير الذي قدمناه
مستندا للحمل على التقية بعد ان ذكر ان جمهور العامة ذهبوا الى أنهما تصليان بعد
الفجر الثاني وانه أيد بما رواه أبو بصير ثم ساق الرواية ـ ما لفظه : ويمكن حمل
هذا الخبر ايضا على أفضلية التقديم والتقية كانت فيما يوهمه ظاهر كلامه (عليهالسلام) من تعين التأخير. انتهى. والظاهر انه اعتمد في ذلك على
ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى حيث انه ـ بعد ان نقل عن الشيخ (قدسسره) حمل تلك الأخبار على التقية والاستدلال عليه برواية
أبي بصير المذكورة ـ قال بعد ذكر الرواية : وهذا الخبر يدل على ان تقديمهما أفضل
لا على ان ذلك هو الوقت المخصوص. انتهى. وكأنه نظر الى ان الرواية إنما اشتملت على
السؤال عن إيقاعهما قبل الفجر أو بعده لا على السؤال عن الوقت المعين لهما وانه
قبل الفجر أو بعده ، وحينئذ فغاية ما تدل عليه أفضلية التقديم وان أمر الباقر (عليهالسلام) بذلك انما هو على جهة الفضل والاستحباب فلا ينافيه
جواز الإيقاع بعد الفجر ، وعلى هذا فأمر الصادق (عليهالسلام) بالتأخير بعد طلوع الفجر بمعنى تعين التأخير وعدم جواز
التقديم محمول على التقية كما ذكره (عليهالسلام) حيث ان العامة يوجبون التأخير ولا يجوزون التقديم ،
وهذا لا يمنع من جواز التأخير ولا يستلزم ان يكون جواز التأخير محمولا على التقية.
فلا دلالة في الخبر حينئذ على ما ذكروه من التأييد للحمل على التقية. ولا يخفى ما فيه
من التكلف الشديد والبعد عن ظاهر السياق بما لا نهاية عليه ولا مزيد فان الظاهر
المتبادر من ظاهر سياق الخبر انما هو السؤال عن وقت الركعتين المذكورتين الذي
تصليان فيه فأجاب الباقر (عليهالسلام) بأنه قبل طلوع الفجر وأجاب الصادق (عليهالسلام) بأنه بعده فالسائل استغرب ذلك واستبعده لان هذا جعل
وقتا معينا والآخر جعل لها وقتا آخر غيره ففحص وسأل
عن ذلك فأخبره الصادق (عليهالسلام) ان الوقت الشرعي انما هو ما افتى به أبوه (عليهالسلام) واما الوقت الذي افتى هو به فإنما هو على جهة التقية.
هذا مقتضى سياق الخبر ولو كان الأمر كما زعموه من المعنى الذي ذكرناه لم يكن
لمراجعة أبي بصير وسؤاله مرة أخرى معنى يعول عليه. والحق ان الخبر المذكور ظاهر في
الاستشهاد كما ذكره الشيخ وارتكاب ما ذكروه تكلف بعيد عن سياق الخبر. والله
العالم.
(الثانية) ـ نقل
بعض الأصحاب عن الشهيد (قدسسره) في الذكرى الميل الى القول بامتداد وقت الفجر بامتداد
الفريضة لرواية سليمان بن خالد عن الصادق (عليهالسلام) قال : «سألته عن الركعتين قبل الفجر قال تركعهما حين
تركع الغداة انهما قبل الغداة». وحمل صحيحة علي بن يقطين المتقدمة الدالة على
التأخير إلى الاسفار وظهور الحمرة على الفضيلة ، ونفى عنه البعد المحدث الكاشاني
في كتابه المعتصم بعد ان اختار مذهب الأكثر. وأنت خبير بان قوله (عليهالسلام) في رواية سليمان بن خالد المذكورة «تركعهما حين تركع
الغداة» لو حمل على الخبر كما ادعوه وجعلوه محل الاستدلال للزم منه المنافاة لقوله
«انهما قبل الغداة» بل الظاهر انه في مقام الاستفهام الإنكاري ليلائم قوله «انهما
قبل الغداة» مؤكدا ب «ان» وإلا فأي ملازمة بين الأمر بفعلهما حين الغداة وبين ما
بعده من الكلام المؤكد الدال على انهما قبل الغداة ، ويؤيد ما قلناه ان الشيخ في
الاستبصار نظم هذه الرواية في سلك ما اختاره من الروايات الدالة على انتهاء الوقت
بطلوع الفجر الثاني ، وحينئذ فالرواية المذكورة من جملة أدلة القول الذي اخترناه.
(الثالثة) ـ قد
نقل عن الشيخ وجماعة من الأصحاب استحباب اعادة الركعتين المذكورتين بعد الفجر
الأول لو صلاهما قبله استنادا إلى صحيحة حماد بن عثمان قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) ربما صليتهما وعلي ليل فان نمت ولم يطلع
__________________
الفجر أعدتهما». وفي بعض النسخ «فان قمت» بالقاف مكان النون. وعن زرارة في
الموثق بابن بكير قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول اني لأصلي صلاة الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي
الركعتين فأنام ما شاء الله قبل ان يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدتهما». وظاهر
الخبرين كما ترى تخصيص الإعادة بالنوم بعدهما لا مطلقا كما هو المدعى.
وظاهر هذين
الخبرين عدم كراهة النوم بعد صلاة الليل وقبل الصبح ، وفيه رد لما ذكره الشيخ
وجملة من الأصحاب من الحكم بالكراهة استنادا الى ما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص
المروزي قال : «قال أبو الحسن الأخير (عليهالسلام) إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ولكن ضجعة بلا نوم
فان صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته».
ومما يؤيد
الخبرين الأولين ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ما كان يجهد الرجل ان يقوم من آخر الليل فيصلي صلاته
ضربة واحدة ثم ينام أو يذهب». اي ان ذلك لا يشق عليه بل هو سهل يسير ، وفي بعض
النسخ «يحمد» مكان «يجهد» وبه تنتفي دلالته على ذلك.
وعن زرارة في
الموثق عن ابن بكير عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «انما على أحدكم إذا انتصف الليل ان يقوم فيصلي
صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس فدعا وان شاء نام وان شاء ذهب حيث
شاء».
والذي يقرب
عندي ان ما نقل عن الشيخ والجماعة من الحكم المذكور انما استندوا فيه الى الخروج
عن خلاف المرتضى والشيخ في المبسوط القائلين بأن وقت هاتين الركعتين انما هو بعد
الفجر الأول واخبارهم التي استدلوا بها على ذلك ، وما ذكروه من استنادهم إلى صحيحة
حماد بن عثمان وموثقة زرارة المذكورتين انما هو تكلف ممن نقل ذلك عنهم
__________________
حيث لم يروا لهم دليلا ظاهرا غير هاتين الروايتين فذكروهما مستندا لهم
وأوردوا عليهما ما ذكرناه.
نعم بقي الكلام
في اختلاف هذه الأخبار في كراهة النوم بعد الركعتين وعدمها ولعل الترجيح لاخبار
الجواز لفعل الإمامين الهمامين (عليهماالسلام) ذلك مؤيدا بالخبرين الأخيرين. ويمكن الجمع بحمل خبر
المروزي على اتخاذ ذلك عادة والأخبار الآخر على وقوعه أحيانا. ويمكن ايضا ان يقال
انه لا منافاة بين الجواز والكراهة فيحمل ما دل على الجواز على كون ذلك جائزا وان
كره وفعل الامام (عليهالسلام) يحمل على بيان الجواز كما في جملة من الأحكام المكروهة
التي نقل عنهم (عليهمالسلام) فعلها فإن الأصحاب حملوها على بيان الجواز ، ونحوها
كثير من المستحبات التي ورد عنهم (عليهمالسلام) تركها لبيان الجواز ايضا. وبالجملة فإنهم إنما فعلوا
ذلك في المقام لئلا يتوهم الناس التحريم في ذلك المكروه من حيث ورود النواهي
والوجوب من حيث ورود الأوامر تعليما وتفهيما وتوقيفا على بيان الحكمين المشار
إليهما. والله العالم.
(المقصد الثالث)
ـ في الأحكام وفيه أيضا مسائل (الأولى) [وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة هل هو
موسع أو مضيق؟] المشهور بين الأصحاب وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة في الأخبار
المتقدمة وجوبا موسعا من أول الوقت الى آخره لا يتضيق إلا بظن الوفاة ، ونقل في
المنتهى عن الشيخ المفيد (قدسسره) انه قال : ان أخرها ثم اخترم في الوقت قبل ان يؤديها
كان مضيعا لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر عفى عن
ذنبه. قال في المنتهى وفيه تعريض بالتضيق ثم نقل عنه انه قال في موضع آخر : ان
أخرها لغير عذر كان عاصيا ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت. ونقل في المختلف عن
الشيخ انه قال الصلاة تجب في أول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت
، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول
الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في
أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا مضيقا الا أنه متى لم
يفعله لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى والأول أبين في المذهب. ثم نقل في المختلف
ايضا عن الشيخ المفيد ما نقله عنه أولا
في المنتهى ثم قال وهو يشعر بالتضيق ، ثم نقل عن ابن ابي عقيل انه قال ان
أخر الصحيح السليم الذي لا علة به من مرض ولا غيره ولا هو مصل سنة صلاته عامدا من
غير عذر الى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عندهم إذا صلاها في آخر وقتها
قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. ثم نقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما
رواه عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد ان
يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر». ثم قال : والجواب ان الحديث يدل على ان
التقديم من باب الاولى لا انه واجب وجوبا مضيقا. انتهى.
أقول : لا يخفى
انه قد تقدم منا ما هو التحقيق في المقام وبيان ما فيه من إبرام النقض ونقض
الإبرام ، وقد ذكرنا ان ما نسبوه للشيخ المفيد من القول بالتضيق ليس في محله وانما
كلامه (قدسسره) وقع على نهج الأخبار المستفيضة في المسألة من ان لكل
صلاة وقتين وان الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار والاضطرار وان من أخر الصلاة
اليه ولم يكن كذلك كان تحت المشيئة لا يجب على الله تعالى قبول عمله ان شاء عذبه
وان شاء عفى عنه. وهو ظاهر في حصول العصيان بالتأخير وان وقعت الصلاة أداء. ونحوه
كلام ابن ابي عقيل إلا انه بالغ في ذلك بنسبته إلى إبطال العمل وكونه قاضيا للفرض
لا مؤديا. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المفيد هو الذي تكاثرت به الأخبار المتقدمة
كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ، ومراده بأول الوقت يعني الوقت الأول من الوقتين
اللذين دلت الأخبار عليهما بالنسبة الى كل صلاة.
(المسألة
الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه هل يجوز صلاة النافلة مبتدأة
أو قضاء عن راتبة بعد دخول وقت الفريضة أم لا؟ جزم الشيخان بالمنع وبه صرح المحقق
في المعتبر وأسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ،
__________________
واختاره العلامة في جملة من كتبه ، وصرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأنه
المشهور بين المتأخرين. واختار شيخنا الشهيد في الذكرى الجواز وهو ظاهر الشهيد
الثاني في الروض وتبعهما عليه جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في
المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهم.
والمعتمد هو القول الأول.
ويدل عليه جملة
من الأخبار : منها ـ صحيحة زرارة المتقدمة قريبا وقوله (عليهالسلام) فيها «أتريد ان تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت
تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».
وصحيحته
الثانية عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ فقال
يقضيها إذا ذكرها ، الى ان قال (عليهالسلام) ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».
وصحيحة ثالثة
له ايضا رواها في الذكرى وسيأتي نقلها كملا ان شاء الله في المسألة الآتية وفيها «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى
يبدأ بالمكتوبة».
وصحيحة رابعة
له نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض والسيد السند في المدارك وشيخنا البهائي في كتاب الحبل
المتين ولم أقف عليها بعد التتبع في كتاب الوافي الذي جمع فيه الكتب الأربعة ولا
كتاب الوسائل الذي زاد فيه على ما في الكتب الأربعة ولكن كفى بالناقلين المذكورين
حجة ، والظاهر ان من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني انما أخذها عنه ، وهي ما رواه
زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أصلي نافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا
تصلى نافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى
تقضيه؟ قال قلت لا.
__________________
قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني».
ورواية زياد بن
ابي عتاب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا
يضرك ان تترك ما قبلها من النافلة».
وحسنة نجية قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) تدركني الصلاة أو يدخل وقتها علي فأبدأ بالنافلة؟ قال
: فقال أبو جعفر (عليهالسلام) لا ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة».
وما رواه ابن
إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة ـ والرواية كما ترى
صحيحة ـ عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا تصل من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنه لا
تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».
وما رواه
الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليهالسلام) في حديث الأربعمائة قال : «لا يصلي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلا من عذر
ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء قال الله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» الى ان قال لا يقضي النافلة في وقت الفريضة ابدأ بالفريضة
ثم صل ما بدا لك».
ورواية أبي بكر
الحضرمي عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) قال : «إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوع».
ورواية أديم بن
الحر قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت الفريضة. قال وقال
إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها».
وموثقة محمد بن
مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا
أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع
__________________
الناس؟ فقلت انا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت
الفريضة فلا تطوع».
هذا ما حضرني
من الأخبار التي تصلي لأن تكون مستندا لهذا القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة عليه
تمام الظهور وجملة منها صحيح باصطلاحهم المشهور.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان السيد السند (قدسسره) في المدارك بعد ان نقل هذا القول قال : واستدلوا عليه برواية
محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : قال لي رجل من أهل المدينة. إلى آخر الخبر كما
قدمناه ثم ذكر بعدها روايتي أبي بكر الحضرمي وأديم بن الحر المذكورتين ، ثم قال
وفي الجميع قصور من حيث السند باشتمال سند الرواية الاولى والأخيرة على الطاطري
وعبد الله بن جبلة وهما واقفيان وعدم ثبوت توثيق ابي بكر الحضرمي ، نعم روى زرارة
في الصحيح ، ثم ساق صحيحته الرابعة التي نقلناها عن الروض وقال بعدها : ويمكن حمل
هذه الروايات على الأفضلية كما تدل عليه حسنة محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو ابدأ بالفريضة؟ فقال ان
الفضل ان تبدأ بالفريضة وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة
الأوابين». وموثقة سماعة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى اهله أيبدأ بالمكتوبة أو
يتطوع؟ فقال ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وان خاف فوت الوقت من
أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله تعالى ثم ليتطوع بما شاء». ثم
قال ويمكن الجمع بينها ايضا بتخصيص النهي الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفريضة
بما إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي ان يتطوع في وقت
__________________
فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له الناس
يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلي معه». انتهى.
واستدل في
الذكرى لما اختاره من القول الثاني بموثقة سماعة المذكورة ، وما رواه في الكافي عن
إسحاق بن عمار قال : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول
الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة». وعن محمد بن مسلم
، ثم ساق روايته المتقدمة الدالة على ان الفضل ان تبدأ بالفريضة ، ثم نقل عن
المانعين انهم احتجوابرواية أبي بكر الحضرمي ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها». وما روى عنهم (عليهمالسلام) «لا صلاة لمن عليه صلاة». ثم قال : والجواب لما تعارضت الروايات وجب الجمع
بالحمل على الكراهة في هذا النهي وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني ، وقد ذكر
فيما تقدم التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي امامها نافلة ركعتين وان النبي (صلىاللهعليهوآله) فعل ذلك ، قال الكليني والصدوق (قدسسرهما) : الله أنام النبي (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة الصبح رحمة للأمة. انتهى.
وفي الروض
استدل للقول المشهور بقول النبي (صلىاللهعليهوآله) «لا صلاة لمن عليه صلاة». وبخبر زرارة الذي ذكره في
الذكرى ، ثم استدل لما اختاره من الجواز برواية سماعة ورواية إسحاق بن عمار
المتقدم ذكرهما عن الذكرى ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال
يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة». وعن عبد الله بن سنان عنه (عليهالسلام) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس فركع
ركعتين ثم صلى الصبح». ثم ذكر صحيحة زرارة التي قدمنا نقلها
__________________
عنه آنفا ، ثم حمل أخبار النهي على الكراهة جمعا.
أقول ـ وبالله
الثقة ـ لا يخفى عليك بعد ما تلوناه من اخبار القول المشهور ما في كلامهم في
المقام من القصور وذلك من وجوه :
(الأول) ـ انه
من القواعد المتكررة في كلامهم والمتداولة على رؤوس أقلامهم انهم لا يجمعون بين
الأخبار إلا مع التكافؤ في الأسانيد وإلا فتراهم يطرحون الضعيف ويعملون على الصحيح
، ومن قواعدهم ايضا انه مع حصول الترجيح في أحد الجانبين فإنهم يعملون بالراجح
ويجعلون التأويل في جانب المرجوح ، ومقتضى هاتين القاعدتين هو العمل بما ذكرناه من
الأخبار الدالة على القول المشهور لصحة كثير منها كما عرفت وكثرتها وصراحتها وضعف
ما قابلها سندا وعددا ودلالة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ولكنهم (رضوان الله
عليهم) لجمودهم على ما حضرهم من الأخبار وعدم التتبع لروايات المسألة كما هو حقه
عكسوا القضية في الموضعين ، والعجب من صاحب المدارك انه يطعن على روايتي محمد بن
مسلم وأديم بن الحر باشتمالها على الطاطري وعبد الله بن جبلة مع انهما ثقتان فحديثهما
معدود في الموثق وان كان الموثق عنده من قسم الضعيف ثم يستدل بموثقة سماعة ويصفها
بكونها موثقة مع ذكره تلك الروايتين بعنوان رواية فلان إيذانا بضعفهما وسؤال الفرق
متجه ، مع ان رواية سماعة قد اشتمل طريقها على عثمان بن عيسى الذي قد علم من
طريقته عد حديثه في الضعيف زيادة على سماعة ، فإن كان الخبر الموثق يصلح دليلا
شرعيا فلا معنى لرده الخبرين المذكورين وإلا فلا معنى لتعلقه بخبر سماعة ، ولكن
أصحاب هذا الاصطلاح لضيق الخناق ولا سيما السيد المذكور لا يقفون على قاعدة ولا
ضابطة
(الوجه الثاني)
ـ ما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان ما اصطلحوا عليه في الجمع بين الأخبار بحمل
النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب قاعدة لم يرد بها نص ولا كتاب وان اتخذوها
قاعدة كلية في جميع الأبواب ، وكيف لا وقد صرحوا في الأصول بأن النهي حقيقة في
التحريم والأمر حقيقة في الوجوب ، فحمل كل منهما
على خلاف ذلك مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من
قرائن المجاز ، وأيضا فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل النص أو الظاهر في
ذلك كغيره من الوجوب والتحريم وإلا لكان قولا على الله تعالى بغير دليل ، ومجرد
وجود المعارض ليس بدليل على ذلك إذ يمكن ان يكون له معنى آخر لا ينافي التحريم
والوجوب من التقية ونحوها أو معنى غير ما فهموه كما سيظهر لك في اخبار هذا المقام.
(الثالث) ـ ان
الأخبار التي استندوا إليها في الدلالة لا ظهور لها فيما ذكروه ولا وضوح فيها لما
اعتبروه.
وتحقيق الكلام
في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وبه يرتفع
التنافي بين الأخبار على وجه واضح المنار ان نقول يجب ان يعلم :
(أولا) ـ انه
لا يخفى ان المستفاد من الأخبار التي قدمناها هو المنع من النافلة مطلقا وان كانت
راتبة متى خرج وقتها الموظف لها شرعا ودخل وقت فريضتها ، وجل الروايات الواردة
بهذا المعنى عند التأمل في مضامينها انما وردت بالنسبة إلى الراتبة وجواز مزاحمة
الفريضة بها وعدمه وان استفيد من ظاهرها العموم ، وذلك فإن الراتبة في الظهرين لها
جزء معلوم من وقت الفريضة بخروجه يمتنع أداؤها ويتحتم تقديم الفريضة وهو الذراع
والذراعان أو القدمان والأربعة أقدام كما تقدم بيانه موضحا مشروحا ، وان الإشارة
في بعض الروايات بوقت الفريضة الممنوع من التطوع فيه انما هو الى ما بعد ذلك الجزء
الذي تختص به النافلة ، ومن ذلك يعلم ان المراد بالتطوع الممنوع منه في أمثال ذلك
انما هو النافلة الراتبة وامتناع غيرها يكون بطريق اولى ، وجملة منها عامة دالة
بعمومها على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة راتبة أو غيرها.
و (ثانيا) ـ انه
لا يخفى ان إطلاق وقت الظهر على هذا الوقت المختزل منه قدر النافلة قد صار شائعا
في الأخبار كما في موثقة سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه
السلام) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال
بعد الزوال بقدم.». ونحوها موثقة إسماعيل بن عبد الخالق وغيرها من الروايات
الكثيرة المتقدمة في القصد الأول وقد دلت الأخبار ايضا على ان هذا الوقت المختزل
انما هو للنافلة كقول ابي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة زرارة «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من
زوال الشمس الى ان يبلغ الفيء ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة».
وفي معناها أخبار عديدة قد تقدمت. هذا بالنسبة إلى المتنفل واما من لا يتنفل فإن
الأفضل له المبادرة بالفريضة في أول الزوال ولا يستحب له التأخير الى ذلك الوقت
وعليه تدل الأخبار ايضا ، وحينئذ فالوقت بالنسبة إلى المتنفل غيره بالنسبة الى من
لا يتنفل.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان استدلال صاحب المدارك على حمل روايات المنع على الأفضلية بصحيحة محمد بن
مسلم مبني على انه فهم من قوله (عليهالسلام) «الفضل ان تبدأ بالفريضة» جواز البدأة بالنافلة وان
كان خلاف الأفضل بناء على ان قول السائل «إذا دخل وقت الفريضة. إلخ» هو أول الوقت
الحقيقي. وليس الأمر كما فهمه (قدسسره) بل المراد بالوقت المسؤول عنه هنا والمفروض دخوله انما
هو الوقت المعين للفريضة بعد مضي وقت النافلة كما أشرنا اليه ، وهذا الإطلاق كان
شائعا كما يستفاد من الأخبار التي أشرنا إليها ، وحينئذ فمعنى الرواية ـ والله
سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان السائل إنما سأل انه إذا دخل هذا الوقت المذكور فهل
يجوز لي ان أتنفل أم لا؟ فقال (عليهالسلام) الفضل ان تبدأ بالفريضة لأنه أول وقت فضيلتها والنافلة
هنا لا فضل فيها لخروج وقتها ومتى كانت لا فضل فيها فلا يشرع الإتيان بها لأنها
عبادة ، فإذا انتفى الفضل فيها دل على عدم صحتها نظير ما تقدم تحقيقه في مسألة
الغسلة الثانية في
__________________
الوضوء من قولهم (عليهمالسلام) «ومن توضأ مرتين لا يؤجر». وقد نسبوا الى الصدوق القول بتحريم الثانية
للخبر المذكور ، قالوا لان العبادات لا مباح فيها وهي اما واجبة أو مندوبة وكلاهما
محصل للأجر ، صرح بذلك شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان ، نعم ربما يحتمل
ما ذكره لو قال (عليهالسلام) «الأفضل» بصيغة افعل التفصيل الدال على حصول فضل في
الابتداء بالنافلة لكن العبارة ليست كذلك ، ويوضح ما قلناه قوله (عليهالسلام) : «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» أي إنما أخرت الظهر
الى هذا الوقت المسؤول عنه من أجل صلاة الأوابين فمتى خرج وقتها الموظف لها فلا
تضايق بها الفريضة بل الفضل في البدأة بالفريضة. هذا معنى الخبر المذكور بما لا
يتطرق اليه الوهن ولا القصور. والعجب منه (قدسسره) انه يتوهم ان النافلة المسؤول عنها في الخبر النافلة
الغير الراتبة كما يعطيه سياق استدلاله وهو مطرح كلامه وخياله مع انه لا يلائم
قوله (عليهالسلام) في الرواية «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» كما لا يخفى
وانما يتلائم الكلام أولا وآخرا على ما ذكرناه.
واما موثقة سماعة
على الوجه الذي نقله في المدارك فهي المروية في الفقيه وهي مروية في الكافي
والتهذيب ايضا وفيها زيادة على ما نقله «الأمر موسع ان يصلى الإنسان
في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا ان يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلى
الإنسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس
بمحظور عليه ان يصلي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت ، وحاصل معنى
الرواية المذكورة بناء على ما ذكرناه ـ والله سبحانه وقائلها اعلم ـ ان الراوي
سأله عن من يأتي المسجد وقد صلى أهله المكتوبة في أول وقتها وكأنه ليس بين مجيئه
وصلاة أهل المسجد الا يسير فكأن بعض وقت النافلة كان باقيا فسأله عن التطوع
بالراتبة أيتطوع بها في ذلك الوقت أم يبتدئ بالمكتوبة؟ إذ لا جائز ان يحمل التطوع
هنا على غير
__________________
الراتبة لأنه إذا كانت الراتبة بزوال وقتها الموظف لها في تلك الأخبار لا
يجوز مزاحمة الفريضة بها فلان يمتنع مزاحمة غيرها بطريق اولى ، وإمعان النظر في
معنى الرواية وسياقها صريح في إرادة الراتبة خاصة ، فأجاب (عليهالسلام) بأنه ان كان إتيانه في وقت حسن يعني يسع الراتبة ولو
مخففة فلا بأس بالتطوع بها قبل الفريضة وان كان يخاف فوت الوقت اي وقت فضيلة
الفريضة لو اشتغل بالنافلة لما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة في أول وقت فضيلتها
ثم يتطوع بعدها بما شاء ، ويوضح ما قلناه الزيادة التي ذكرناها على ما نقله في
المدارك برواية الشيخين من ان الأمر موسع له في النوافل من أول دخول الوقت المحدود
لها في تلك الأخبار إلا ان يخاف فوت وقت الفريضة يعني فوت وقتها الذي لها بعد
النافلة وهو أول وقت فضيلتها ، وملخصه انه ان اتى في وقت يمكن الإتيان بالنافلة
ولو مخففة وإلا بدأ بالفريضة في وقت فضلها المحدود لها.
وقد وفق الله
تعالى بعد ان خطر هذا المعنى بالبال للوقوف عليه في كلام شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين حيث قال : وقوله (عليهالسلام) في الحديث الرابع عشر «ان كان في وقت حسن» اي متسع
يعطي بإطلاقه جواز مطلق النافلة في وقت الفريضة إلا ان يحمل التطوع على الرواتب
ويكون في قول السائل «وقد صلى أهله الفريضة» نوع إيماء خفي الى ذلك فان «قد» تقرب
الماضي من الحال كما قيل. انتهى. ثم كتب في الحاشية ما صورته : فيفهم منه انه لم
يمض من وقت صلاتهم الى وقت مجيء ذلك الرجل الأزمان يسير فالظاهر عدم خروج وقت
الراتبة بمضي ذلك الزمان اليسير. انتهى. وهو من عجيب توارد الخواطر. وظاهر كلام
شيخنا المذكور يعطى نوع تردد في حمل الرواية على المعنى الذي ذكرناه ، والحق انه
لا معدل عنه ولا معنى للرواية غيره سيما بالنظر الى الزيادة التي ذكرها الشيخان
المذكوران.
واما قوله (عليهالسلام) في جملة الزيادة المشار إليها «والفضل إذا صلى الإنسان
وحده. إلخ» فالظاهر ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان المراد من هذا الكلام ان
الإنسان
إذا صلى وحده ودخل عليه وقت الفريضة أي الوقت المعين لها بعد مضي وقت
النافلة ـ لما أشرنا إليه سابقا من شيوع هذا الإطلاق في الأخبار ـ فليبدأ بالفريضة
لخروج وقت النافلة وليكون قد صلى الفريضة في أول وقت فضيلتها ولا يحظر عليه صلاة
النوافل في أول الوقت يعني وقتها المقرر لها. وفيه إشارة إلى انه إذا صلى مع إمام
فإنه يجوز له مزاحمة وقت الفريضة بها لانتظار الجماعة فيكون هذا مستثنى كغيره مما
يأتي التنبيه عليه. وعلى ذلك تحمل موثقة إسحاق بن عمار التي استدل بها الشهيدان في
الذكرى والروض كما تقدم ذكره من قوله : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في
أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به وإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» فإنه لا يصح
حمل الوقت هنا على ما زعماه من الوقت الحقيقي الذي هو أول الزوال لما استفاض من
استحباب النافلة فيه للمنفرد وغيره فكيف يؤمر المنفرد هنا بترك النافلة فيه؟ بل
المراد انما هو الوقت الذي بعد مضي وقت النافلة وانه يجوز مزاحمة النافلة للفريضة
فيه لانتظار الجماعة. ويؤيده أيضا صحيحة عمر بن يزيد «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرواية التي يروون انه لا يتطوع في وقت فريضة ما
حد هذا الوقت؟. الحديث كما تقدم». فان هذا الحديث ايضا محمول على من ينتظر الجماعة
فرخص له في الإتيان بالراتبة بعد مضي وقتها ومزاحمة وقت الفريضة بها لأجل انتظار
فضيلة الجماعة وإلا فالحد الحقيقي للنافلة انما هو الذراع والذراعان وانه بعد
مضيهما فلا يتطوع ولكنه لما ساعت المزاحمة هنا جعل الحد الإقامة وان زاد على الحد
المقرر.
وبما ذكرنا في
معاني حسنة محمد بن مسلم وموثقة سماعة وموثقة إسحاق بن عمار يظهر لك انه لا منافاة
فيها للأخبار السابقة التي استدللنا بها بل هي منطبقة عليها على أحسن وجوه
الانطباق ومتفقة معها بأوضح معاني الاتفاق ، وان خلاف من خالف بناء على ما فهمه من
هذه الروايات انما نشأ من عدم إعطاء النظر حقه في التأمل في معاني الأخبار.
واما ما استدل
به في الروض ونحوه في الذكرى وان لم ننقله سابقا من روايات
صلاة الركعتين قبل الغداة لمن نام عن الغداة وحديث نوم النبي (صلىاللهعليهوآله) فسيأتي الكلام عليها في المسألة الآتية ان شاء الله
تعالى.
وبالجملة فإن
ما تعلقوا به من الروايات التي ذكروها واعتمدوها دليلا على الجواز فقد عرفت انه لا
دلالة فيها ولا منافاة لما ذكرناه.
نعم هنا روايات
أخر لم يتعرضوا لنقلها ولم يلموا بها وكان الاولى لهم الاستدلال بها في المقام :
ومنها ـ صحيحة
محمد بن مسلم قال : «سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال يقضيها
ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».
وحسنة الحلبي
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال متى شاء ان شاء بعد
المغرب وان شاء بعد العشاء».
ورواية أبي
بصير قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) ان فاتك شيء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال
الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر».
ويؤيدها إطلاق
جملة من الأخبار كرواية أبي بصير قال : «ان قويت فاقض صلاة النهار بالليل». ورواية محمد
بن يحيى بن حبيب قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) تكون علي صلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة
شئت من ليل أو نهار». ورواية الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل
ذلك سواء». وصحيحة ابن ابي يعفور قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو
نهار». وصحيحة حسان بن مهران قال : «سألت
__________________
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها». ونحوها
روايات عديدة بالنسبة إلى قضاء صلاة الليل وقضاء الوتر.
ويمكن ان يقال
في الجمع بين هذه الأخبار وما قدمناه ان أكثر تلك الأخبار انما دل على المنع من
مزاحمة الراتبة للفريضة بعد دخول وقت فضيلتها وان استفيد منه بطريق الأولوية المنع
من المبتدأة ، وبعضها وان كان ظاهرا في العموم كصحاح زرارة الثلاث إلا انه يمكن ان
يقال باستثناء النوافل المقتضية من ذلك بهذه الأخبار ، وتوضيح ذلك ان يقال انه لا
نافلة بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة مطلقا راتبة أو مبتدأة أو مقضية ، ونعني بوقت
الفضيلة هو ما بعد الذراع والذراعين بالنسبة إلى الظهرين وأول الغروب بالنسبة إلى
المغرب وبعد غياب الشفق بالنسبة إلى العشاء وأول الفجر الثاني بالنسبة إلى صلاة
الفجر بناء على ما اخترناه فلا يصلى في هذه الأوقات نافلة مطلقا ، واما ما قبل هذه
الأوقات مما اشتمل على وقت الفريضة فإنه يجوز القضاء فيه بهذه الأخبار دون النافلة
المبتدأة عملا بعموم صحاح زرارة في منع النافلة المبتدأة ، وحينئذ فمعنى قضاء
نوافل النهار بعد المغرب يعني قبل دخول وقت فضيلة العشاء ، ويؤيده ان المتبادر من
البعدية هو البعدية القريبة ، وقوله في رواية أبي بصير «فاقضه عند زوال الشمس»
يعني قبل زوال الشمس أو بعد الزوال قبل دخول وقت الفضيلة «وبعد الظهر عند العصر»
يعني قبل دخول فضيلة العصر وعلى هذا يحمل إطلاق الأخبار المتقدمة. ويحتمل ايضا
خروج الصريح من هذه الأخبار مخرج التقية لإشعار صحيحتي زرارة السابقتين المشتملتين
على المقايسة بذلك إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة.
هذا ، وربما
استند بعض المجوزين الى الاستدلال على ذلك بمواضع : منها ـ ما ورد من انه متى تلبس
المصلي بركعة من نوافل الزوال فإنه يتمها وان خرج وقتها ، ومنها ـ من تلبس بأربع
ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر فإنه يزاحم بها الفريضة ، ومنها ـ ما ورد ايضا
من جواز إيقاع صلاة الليل كملا بعد الفجر ابتداء بالنسبة الى من يعتادها ثم تغلبه
عيناه عنها في بعض الأوقات حتى يطلع الفجر فإنه يصليها مخففة كما تقدم جميع
ذلك ، فان هذه المواضع كلها تدل على جواز إيقاع النافلة في وقت الفريضة.
والجواب عن ذلك
(أولا) ان هذه المواضع خارجة عن محل النزاع فان مطرح البحث النوافل المبتدأة أو
قضاء الراتبة والخصم لا يقول بان النوافل في هذه الأوقات تصلي قضاء فلا دليل له في
ذلك. و (ثانيا) انا نقول ان جواز النافلة في هذه الصورة إنما خرج مخرج الرخصة
وليست بأعظم رتبة من الفريضة ، والشارع قد جوز فيها ذلك وبه صرح الأصحاب فقالوا
بان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله ورووا ذلك بهذا العنوان ووردت به
الرواية في خصوص صلاة الصبح كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محله ، وقد اتفقوا على
انه لا قضاء عليه بعد ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على بطلان الصلاة في غير وقتها
فليكن ما نحن فيه من قبيل ذلك.
ومن الرخص في
النوافل ايضا ما تقدم من جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف للمسافر والشاب الذي
تمنعه رطوبة دماغه عن الانتباه ، وتقديم نافلة الزوال لمن يشتغل عن أدائها وقضائها
، ومنها ـ تقديم غسل الجمعة لخائف عوز الماء. وإعطاء زكاة الفطرة قبل وقتها ، ونحو
ذلك ، وهذه المواضع المعدودة من قبيل ذلك فلا منافاة فيها للأخبار الدالة على
المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما لا يخفى. والله العالم.
(المسألة
الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز النافلة لمن عليه قضاء فريضة
، فالأكثر منهم على المنع من ذلك وهو اختيار العلامة في المختلف وأكثر المتأخرين ،
وقيل بالجواز ونقل عن الصدوق وابن الجنيد واليه ذهب الشهيدان والأظهر عندي هو
القول المشهور.
لنا ـ ما سيأتي
ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي من قوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي» المفسر في الأخبار بذكر الصلاة الفائتة ، وما يأتي أيضا
من الروايات الدالة
__________________
على وجوب ترتب الحاضرة على الفائتة وانه يجب تأخير الحاضرة الى ان يتضيق
وقتها وإذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق اولى واولى
منه في غير نافلتها.
ويدل على ذلك
أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) المتقدمة في صدر المسألة السابقة حيث قال فيها «ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».
وصحيحة يعقوب
بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي
الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة».
وصحيحة زرارة
المتقدم نقلها في صدر المسألة السابقة عن المشايخ المتقدم ذكرهم وقوله (عليهالسلام) فيها «أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا
انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة. الحديث». ويؤكده قضية التنظير بقضاء شهر رمضان
فإنه صريح في المنع.
واما ما تكلفه
بعضهم في الجواب عن هذه الصحيحة ـ بالحمل على الأداء خاصة مستندا الى ان المتبادر
من قوله «في وقت فريضة» ودخول وقت الفريضة وقت الأداء وان المراد بقوله (عليهالسلام) «لو كان عليك من شهر رمضان» الأداء لا القضاء ـ ففيه
من البعد عن حاق اللفظ وسياق الكلام ما لا يخفى على ذوي الألباب والافهام ومن له
أدنى معرفة بأساليب الكلام ، لان قول السائل «علي فريضة أو في وقت فريضة» مرددا «بأو»
صريح في مغايرة الأول للثاني وان الأول مراد به القضاء أو الأعم منه والثاني مراد
به الأداء خاصة. واما جوابه (عليهالسلام) بقوله «لا تصلى نافلة في وقت فريضة» وان كان ظاهرا في
الأداء إلا ان قضية تطبيق الجواب على السؤال بناء على ما ذكرنا ارادة العموم في
الجواب ، ويكون معنى الجواب حينئذ
__________________
انه لا تصلى نافلة في وقت وجوب فريضة ، والفائتة ـ كما سيأتي تحقيقه ان شاء
الله تعالى في المقصد الآتي ـ وقتها ساعة ذكرها. واما التنظير بشهر رمضان وان
المراد عدم جواز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان فهو الذي عليه اتفاق
الأصحاب ومستندهم انما هو هذه الرواية كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب
الصوم. وبالجملة فإن ارتكاب هذه الاحتمالات الغثة البعيدة والتمحلات الغير السديدة
لو تم لانغلق باب الاستدلال إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل
فيه مجال ، والنظر في الاستدلال انما يبنى على ما يتبادر الى الفهم من حاق الكلام
ودل عليه السياق الذي به النظام.
استدل القائلون
بالجواز بما رواه الشيخ عن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال
يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة».
وما روى بطرق
عديدة منها الصحيح وغيره من نومه (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ وركع ركعتي
الفجر ثم صلى الصبح بعدهما ، ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله
بن سنان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سمعته يقول ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم
استيقظ فعاد نادية ساعة فركع ركعتين ثم صلى الصبح. الحديث».
وأجاب الشيخ عن
الخبرين المذكورين في كتاب الاستبصار فقال بعد ذكرهما : فالوجه في هذين الخبرين ان
نحملهما على من يريد ان يصلي بقوم وينتظر اجتماعهم جاز له ان يبدأ بركعتي النافلة
كما فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) واما إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك على حال. انتهى.
وحاصل كلامه يرجع الى ان جواز ذلك رخصة لانتظار
__________________
الجماعة. وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد ان نقل كلام الشيخ واستبعده :
والاولى حمله على الرخصة. وليس بذلك البعيد.
وكيف كان فما
استدلوا به أخص من المدعى فلا يقوم حجة إذ مدلول الخبرين ركعتا الفجر وصلاة الصبح
والمدعى أعم من ذلك. واما ما يقال في أمثال هذه المقامات ـ من ان هذه الأخبار قد
دلت على الجواز في هذا الموضع ويضم إليه انه لا قائل بالفرق فيتم في الجميع ـ فكلام
ظاهري لا يعول عليه وتخريج شعري لا يلتفت اليه.
ومن روايات هذه
المسألة ما رواه شيخنا الشهيد في الذكرى في الصحيح عن زرارة بنحو ابسط من الخبر
المتقدم عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ
بالمكتوبة. قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما
كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليهالسلام) فحدثني ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا؟ فقال بلال انا.
فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي اخذتكم فيه الغفلة ،
وقال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام
فصلى بهم الصبح ، ثم قال من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فان الله عزوجل يقول «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي» قال زرارة فحملت الحديث الى الحكم وأصحابه فقالوا نقضت
حديثك الأول فقدمت على ابي جعفر (عليهالسلام) فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة إلا أخبرتهم انه
قد فات الوقتان جميعا وان ذلك كان قضاء من رسول الله (صلىاللهعليهوآله). وهذه الرواية لم نقف عليها إلا في كتاب الذكرى وكفى
به ناقلا.
__________________
قال شيخنا
الشهيد (قدسسره) في الذكرى بعد ذكر الخبر المذكور : ان فيه فوائد :
منها ـ استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا صيانة لهم عن هجوم ما يخاف منه. ومنها
ـ ما تقدم من ان الله أنام نبيه (صلىاللهعليهوآله) لتعليم أمته ولئلا يعير بعض الأمة بذلك. ولم أقف على
راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به. ومنها ـ ان العبد ينبغي ان يتفأل
بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير وغيره ولهذا تحول النبي (صلىاللهعليهوآله) من مكان الى آخر. ومنها ـ استحباب الأذان للفائتة كما
يستحب للحاضرة وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة في هذه الصورة «ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) أمر بلالا فاذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى
صلاة الفجر» . ومنها ـ استحباب قضاء السنن. ومنها ـ جواز فعلها لمن
عليه قضاء وان كان قد منع منه أكثر المتأخرين. ومنها ـ شرعية الجماعة في القضاء
كالأداء. ومنها ـ وجوب قضاء الفائتة لفعله (صلىاللهعليهوآله) ووجوب التأسي به وقوله «فليصلها». ومنها ـ ان وقت
قضائها ذكرها. ومنها ـ ان المراد بالآية الكريمة ذلك. انتهى.
أقول : قد أهمل
شيخنا (قدسسره) هنا شيئا هو أظهر الأشياء من الرواية اما غفلة أو
لمنافاته لما اختاره في المسألة وهو المنع من صلاة النافلة إذا دخل وقت المكتوبة
كما صرح به (عليهالسلام) في صدر الخبر وأكده بالفرق بينه وبين القضاء.
واما قوله (قدسسره) : ومنها جواز فعلها ـ يعني السنن ـ لمن عليه قضاء» فهو
ممنوع إذ أقصى ما دل عليه الخبر خصوص جواز ركعتي الفجر في هذه المادة وقضية الجمع
بينه وبين ما قدمناه من الاخبار قصر هذا الخبر على مورده واستثناء هذا الموضع من
المنع رخصة اما مطلقا كما ذكره المحدث الكاشاني أو لانتظار اجتماع الجماعة كما
ذكره الشيخ (قدسسره) فلا دلالة فيه على الجواز مطلقا كما زعمه (قدسسره).
واما قوله : «وان
كان قد منع منه أكثر المتأخرين» ـ مشيرا الى ان الخلاف
__________________
في ذلك انما هو من المتأخرين ـ ففيه ما سيأتيك من كلام الشيخ المفيد (قدسسره) من الدلالة على ان المنع هو الذي عليه عصابة الحق.
ثم العجب كل
العجب من أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع إجماعهم واتفاقهم على عدم جواز السهو على
النبي (صلىاللهعليهوآله) حتى انهم لم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه
وشيخه ابن الوليد ، وقد طعنوا عليهما في ذلك وشنعوا عليهما أتم التشنيع حتى صنفوا
في ذلك الرسائل وأكثروا من الدلائل ، ومنها رسالة الشيخ المفيد وربما نسبت الى
السيد المرتضى وهي عندي وفيها ما يقضى منه العجب من القدح في ابن بابويه ، فكيف
تلقوا هذه الاخبار بالقبول واعتمدوا على ما فيها من المنقول في مثل هذا الحكم
المخالف لاعتقاداتهم؟ فمن كلامه في تلك الرسالة المشار إليها ما صورته : والخبر
المروي أيضا في نوم النبي (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة الصبح من جملة الخبر عن سهوه في الصلاة فإنه
من اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، ومن عمل عليه فعلى الظن معتمد في
ذلك بدون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن إعادته في هذا الباب ، مع
انه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في ان من فاتته صلاة فريضة
فعليه ان يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة
فريضة حاضرة ، فإذا حرم ان يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضى فرضا قد فاته كان
حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض اولى ، هذا مع ان الاخبار عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : لا صلاة لمن عليه صلاة» . يريد لا نافلة لمن عليه صلاة فريضة. انتهى. وهو جيد
وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
وقال شيخنا
البهائي (قدسسره) في كتاب الحبل المتين بعد نقله فيه صحيحتي ابن سنان
وزرارة المذكورتين ما صورته : وربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما ما يوهم القدح
في العصمة لكن قال شيخنا في الذكرى انه لم يطلع على راد لهما من هذه
__________________
الجهة. وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله من المعصوم. وللنظر فيه
مجال واسع. انتهى.
أقول : قد عرفت
صراحة كلام شيخنا المفيد (قدسسره) في رد الأخبار المذكورة فكيف يدعى انه لا راد لهما؟
وعدم اطلاعه عليه لا يدل على العدم.
وبالجملة
فمقتضى عدم تجويز السهو عليه (صلىاللهعليهوآله) كما هو ظاهر اتفاقهم رد هذه الاخبار ونحوها أو حملها
على التقية ، كما يشير اليه ما نقله من رواية العامة الخبر المذكور عن أبي قتادة
وجماعة من الصحابة ، إذ لا يخفى ما بين الحكمين من التدافع والتناقض ، لكنهم من
حيث قولهم بهذا الحكم واختيارهم له يغمضون النظر عما في أدلته من تطرق القدح
ويتسترون بالأعذار الواهية كما لا يخفى على من مارس كلامهم في الأحكام كما نبهنا
عليه في غير مقام.
وبالجملة
فالأظهر عندي هو القول المشهور لما في أدلته من الوضوح والظهور وما في مقابلها من
الوهن في الدلالة والقصور ، لأنه مع تسليم صحة مضمونه وقبوله لا دلالة له على
المدعى بتمامه فيجب قصره على مورده ولا منافاة. ويؤيد ما نذهب إليه ايضا انه
الأوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية أيضا.
وظاهر صاحب
المدارك التوقف في هذه المسألة حيث اقتصر على نقل الأدلة من الطرفين ولم يرجح شيئا
في البين. والظاهر ان السبب فيه صحة الأدلة من الجانبين وتعارض التأويل من كل من
القائلين. والله العالم.
(المسألة
الرابعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستقر وجوب
الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضي مقدار أدائها مخففة مع الشرائط ويجب
القضاء لو أهمل والحال هذه اما لو لم يكن كذلك فلا قضاء على الأشهر الأظهر ، وانه
متى أدرك الطهارة وركعة من آخر الوقت وجب الإتيان بها ، ولو أدرك الطهارة وخمس
ركعات لزمه الفرضان.
وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو حصل أحد الأعذار
المانعة من الصلاة كالجنون والحيض والإغماء ونحوها بعد مضي مقدار أداء الفريضة
بشرائطها فإنه يجب عليه القضاء ، ويدل عليه عموم ما دل على وجوب القضاء ، واما لو
لم يمض ذلك المقدار فإنه لا قضاء على الأشهر الأظهر ، قال الشيخ في الخلاف : إذا
أدرك من الظهر دون اربع ثم جن أو أغمي عليه أو حاضت لم تلزمه الظهر لإجماع الفرقة
فإنهم لا يختلفون في ان من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدى الفرض فيه لم يلزمه
إعادته. وظاهر الصدوق والمرتضى وابن الجنيد اعتبار إدراك الأكثر. وقد تقدم الكلام
في هذه المسألة بكلا طرفيها منقحا في بحث الحيض من كتاب الطهارة.
(الثاني) ـ لو
زال المانع وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة ونحوها من الشروط والصلاتين أو
إحداهما فإنه يجب الأداء ومع التفريط القضاء. وقد مر الكلام ايضا منقحا في ذلك في
الموضع المشار اليه.
وكذلك لو لم
يدرك إلا ركعة مع الشروط فإنه يجب عليه الإتيان بها وان خرج الوقت.
وقد نقل في
المدارك ان هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ونقل عن المنتهى انه لا خلاف فيه بين
أهل العلم ، قال والأصل فيه ما روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) انه قال : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة». وعنه
(صلىاللهعليهوآله) «من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». ومن طريق
الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباتة قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك
الغداة تامة». وفي الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم
الصلاة وقد جازت صلاته». ثم قال وهذه الروايات
__________________
وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها.
انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره من روايتي الأصبغ وعمار اللتين هما من طريق الأصحاب وان عمل الطائفة
عليهما انما موردهما صلاة الصبح خاصة والمدعى أعم من ذلك ، نعم الخبر الأول صريح
في العموم لكن ظاهر كلامه انه من طرق العامة كما هو ظاهر الذكرى ايضا ، وحينئذ
فيشكل الحكم بالعموم الا ان يقال ان العمدة في الاستدلال انما هو الإجماع كما هو
ظاهر كلامه ونقله عن المنتهى. وفيه ما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من
شوب الاشكال لما عرفت.
ثم لا يخفى
عليك ما في تستره عن العمل بهذين الخبرين باتفاق الأصحاب على العمل بهما ، فان فيه
(أولا) ما عرفت من عدم الدلالة على المدعى بل هما أخص من ذلك. و (ثانيا) ـ انه منع
من العمل بالخبر الضعيف في غير موضع وان كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على العمل
بمضمونه وربما حمله تفاديا من طرحه على الكراهة أو الاستحباب. و (ثالثا) ـ ان
الخبر الضعيف بمقتضى هذا الاصطلاح ليس بدليل شرعي فوجوده كعدمه فالاعتماد عنده
انما هو على الإجماع ، مع طعنه فيه في غير موضع بل ذكره في صدر كتابه انه صنف
رسالة في إبطاله وان استسلقه في أمثال هذه المقامات. وبالجملة فإن هذه المناقضات
إنما نشأت من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح.
(الثالث) ـ المشهور
بينهم ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، وهل يتحقق برفع الرأس من السجدة
الثانية أو بإتمام ذكر السجدة الثانية؟ قولان ، ونقل في المدارك عن الشهيد في
الذكرى انه احتمل الاجزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولانه المعظم ، ثم رده بأنه
بعيد. أقول : ما احتمله الشهيد (قدسسره) هنا هو ظاهر اختيار المحقق في المسائل البغدادية في
مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما إذا عرض الشك بعد الركوع وقبل السجود حيث ان
الأشهر بين الأصحاب الحكم بالصحة في هذه الصورة
وانه يتم ويسجد سجدتي السهو لدخولها تحت نص المسألة ، وهذا الحكم منهم هنا
يخالف ما ذكروه من ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، فان مقتضى هذا الكلام
الابطال لا الصحة حيث انه لم يأت بالركعة فلا يكون داخلا تحت النص المذكور فكيف
يحكمون بالصحة في الصورة المذكورة؟ والمحقق المشار إليه في أجوبة المسائل المشار
إليها تخلص من ذلك بحمل الركعة على مجرد الركوع ، ثم قال بعد حكمه بالصحة في
المسألة المذكورة ما لفظه : لأن الركعة واحدة الركوع وعند إيقاع الركوع تسمى ركعة
وليس تسميتها ركعة مشروطا بالإتيان بالسجدة لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة
والسجود والركبة والركوب. انتهى. وبذلك يظهر قوة ما احتمله الشهيد فإنه ليس لقولهم
بالصحة في صورة الشك المتقدمة وجه إلا على هذا القول كما سيأتي تحقيقه في المسألة
المذكورة وإلا فالصحة غير متجهة ، والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال كما سيأتي
التنبيه عليه ان شاء الله في الموضع المذكور ، وعلى هذا فلو خرج الوقت بعد الركوع
وقبل السجود وجب الإتمام من غير قضاء على قول المحقق المذكور وسقط الفرض أداء
وقضاء على القول المشهور
(الرابع) ـ اختلف
الأصحاب في من أدرك ركعة من آخر الوقت هل يكون مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو
بالتوزيع؟ أقوال ثلاثة ، ونقل في الذكرى عن الشيخ انه نقل هذا الخلاف عن الأصحاب ،
وظاهر المشهور بينهم هو الأول وهو اختيار الشيخ في الخلاف ومن تأخر عنه. وادعى
عليه في الخلاف الإجماع حيث نقل عن الأصحاب انهم لا يختلفون في ان من أدرك ركعة من
الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت ، قال وروى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) «من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من
العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». قال وكذلك روى عن أئمتنا (عليهمالسلام) ونقل في المدارك القول بقضاء الجميع عن السيد المرتضى (رضياللهعنه) معللا له بان آخر الوقت يختص بالركعة الأخيرة فإذا
وقعت فيه الاولى وقعت في غير وقتها ولا معنى
__________________
لقضاء العبادة إلا ذلك. واما القول بالتوزيع فوجهه ظاهر بمعنى ان ما صادف
الوقت ووقع فيه يكون أداء لوجود معنى الأداء فيه وما وقع بعد خروجه يكون قضاء لانه
ليس القضاء إلا ما وقع بعد خروج وقته.
قالوا وثمرة
الخلاف تظهر في النية. وقال في الذكرى انها تظهر أيضا في الترتب على الفائتة
السابقة فعلى القضاء يترتب دون الأداء. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال إذ
الإجماع منعقد على وجوب تقديم الصلاة التي أدرك من وقتها مقدار ركعة مع الشرائط
على غيرها من الفوائت.
أقول :
والتحقيق عندي انه لا ثمرة لهذا الخلاف ولا اثر يترتب على هذا الاختلاف ، إذ
المستفاد من الاخبار هو صحة الصلاة على الوجه المذكور وعدم وجوب القضاء بعد ذلك
واما كونها أداء أو قضاء أو موزعة فلا يظهر له اثر من تلك الاخبار ، وهذه الفائدة
التي اتفقوا عليها انما يتم التفريع بها لو قام الدليل على وجوب نية الأداء في ما
كان أداء والقضاء في ما كان قضاء ، والحال انه لا دليل على ذلك سوى مجرد اعتبارات
ذكروها وخيالات سطروها لا تصلي لتأسيس الأحكام الشرعية كما تقدم تحقيقه في بحث نية
الوضوء من كتاب الطهارة ، وبذلك اعترف السيد السند وغيره من أفاضل متأخري
المتأخرين. وأضعف من ذلك ما ذكره في الذكرى لما ذكره السيد المذكور.
(الخامس) ـ قالوا
: لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل احدى الفريضتين لزمته واحدة خاصة
لاستحالة التكليف بهما في وقت لا يسعهما. بقي الكلام في انه ان قلنا بالاشتراك في
الوقت من أوله الى آخره كما تقدم نقله عن الصدوق فاللازمة منهما هي الأولى لتقدمها
ووجوب الترتيب وان قلنا بالمشهور من الاختصاص فالواجب هي الثانية.
واما لو أدرك
خمس ركعات في الموضعين فإنهم صرحوا من غير خلاف يعلم انه يلزمه الفرضان بناء على
ما تقدم من ان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله
وحيث ان الركعة الاولى من الخمس المذكورة للفريضة الاولى وبها يصدق ادراك
الوقت فإنها تزاحم الفريضة الثانية بثلاث ، وهكذا في الفريضة الثانية فإنه يبقى
لها ركعة من الخمس وبها يحصل ادراك الوقت فيجب الإتيان بالفرض المذكور وان زاحم
وقت الفريضة التي بعدها كما في العصر التي بعدها صلاة المغرب أو وقع خارج الوقت
كما في فريضة العشاء.
والمسألة عندي
لا تخلو من شوب الاشكال لعدم وجود نص في المقام وليس إلا البناء على ما تقدم من
قولهم : ان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله. وقد عرفت انه لا دليل عليه
سوى رواية عامية والروايات الواردة من طرقنا مختصة بصلاة الصبح وليس إلا الإجماع
المدعى في المقام كما تقدم. ويمكن القول باختصاص هذا الحكم بالصبح كما هو مورد
النص ، ويؤكده انها ليس بعدها فريضة يحصل بها المشاركة في الوقت بخلاف غيرها من
الفرائض سيما على المشهور من اختصاص الفريضة الأخيرة بمقدار أدائها من الوقت ،
فإدراك ركعة من الفريضة الاولى في صورة ما إذا أدرك من الوقت خمسا مع كون ما بعد
تلك الركعة وقتا مخصوصا بالثانية لا يجدي نفعا في وجوب الإتيان بها ، لان ما بعد
تلك الركعة مختص بالثانية ومزاحمتها فيها تحتاج الى دليل وليس إلا الإجماع المذكور
واختصاص الخبرين بصلاة الصبح. وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال
والاحتياط فيها لازم على كل حال.
ولو أدرك أربعا
من آخر وقت العشاءين فظاهر الأكثر ان المغرب لا تزاحم العشاء فيه وان بقي منه ركعة
للعشاء لدلالة النصوص على اختصاص هذا المقدار بالعشاء ، ونقل في الذكرى عن بعض
الأصحاب تبعا لبعض العامة وجها بوجوب المغرب والعشاء بإدراك الأربع ، وذكر انه
مخرج على ادراك الخمس من الظهرين ورده بما هو مذكور ثمة. والأظهر في رده ما ذكرنا
من دلالة النصوص على اختصاص العشاء بهذا المقدار بخلاف ما لو أدرك خمسا فإنه قد
أدرك ركعة من وقت المغرب فيجري فيها
ما تقدم من حديث «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله» ويزاحم بها
العشاء مع ما عرفت من الإشكال في المقام.
(السادس) ـ قد
عرفت ان النصوص المتقدمة إنما رتبت الحكم المذكور على إدراك ركعة ولكن ظاهر
الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ولا عبرة
بتمكنه منها قبل الوقت لانه غير مخاطب بها حينئذ ، ولو اتفق حصول الشرائط قبل
الوقت كفى في إدراك الصلاة ، وكذا لو حصل البعض كفى ادراك الباقي مع الصلاة.
(السابع) ـ قد
أشرنا سابقا الى ان المعتبر أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب وحينئذ فلو طول في
صلاته ثم جن أو عرض الحيض أو نحو ذلك من الموانع وجب القضاء ان حصل من ذلك أخف
صلاة يؤتى بها. ولو كان في أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها بين القصر
والإتمام فهل يكتفى بالقصر لانه لو قصر لاداها أو يتعلق الحكم بما قصده ونواه؟
وجهان جزم في الذكرى بالأول ولو قيل بالثاني لكان غير بعيد.
(الثامن) ـ قد
عرفت مما تقدم أنه لا بد في وجوب الفريضة أداء أو قضاء بالنسبة إلى أول الوقت من
إدراك الصلاة كملا بشروطها واما بالنسبة إلى الآخر فإنه يكفي إدراك ركعة خاصة ولا
يكفي ذلك في الأول ، ووجه الفرق ظاهر لتمكن المكلف في آخر الوقت بعد إدراك الركعة
من إتمام الصلاة من غير مانع بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل الى ذلك ، كذا ذكروه ولا
يخلو من خدش ، نعم ذلك يصلح وجها للنص الدال على الحكمين.
(التاسع) ـ قال
في الذكرى : لا فرق بين الكافر وغيره من المعذورين لان الكافر لا يؤاخذ بما تركه
في حال الكفر ، وتوهم بعض كون الكافر غير معذور هنا لمخاطبته بالإسلام المقدور
فيجب القضاء متى أدرك الوقت ، وهو ضعيف لقوله تعالى
«قُلْ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» ولقول النبي (صلىاللهعليهوآله): «الإسلام يهدم ما قبله» . انتهى.
أقول : لا يخفى
أن الأوفق بما ذهبوا اليه بل اتفقوا عليه من ان الكفار مكلفون بالإسلام ومخاطبون
به وان الإسلام شرط في الصحة والقبول لا شرط في التكليف هو ما نقله عن البعض
المذكور ، وكيف يكون الكفر عذرا شرعيا لهم كالجنون والحيض والحال انهم مخاطبون
ومكلفون في حال الكفر؟ ألا ترى ان الحيض والجنون ونحوهما انما صارت أعذارا شرعية
من حيث ارتفاع التكليف معها؟
واما الاستدلال
بالآية والخبر المذكور فيمكن الجواب عنه بان المراد مغفرة ما كانوا عليه من الكفر
وكذلك قوله (صلىاللهعليهوآله) : «الإسلام يهدم ما قبله» يعني الأحكام المترتبة على
الكفر بمعنى ان يكونوا طاهرين بعد ان كانوا نجسين ومحقوني الدم والمال بعد ان لم
يكونوا كذلك ونحو ذلك من أحكام الإسلام. واما العبادات فالذي ثبت بالاخبار والأدلة
التي قدمناها في بحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة أنهم غير مكلفين بها وان الإسلام
شرط في التكليف بها فلا يتوجه العقاب عليها والمؤاخذة بتركها لعدم التكليف بها
بالكلية. وبالجملة فإن مقتضى قاعدتهم المذكورة هو وجوب القضاء كما لا يخفى.
(العاشر) ـ قال
في الذكرى : حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت ثم
جن أو أغمي عليه في الوقت اعتبر في قدر الإفاقة إدراك جميع الشرائط والأركان ،
وكذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى ايضا. وهو كذلك.
(الحادي عشر) ـ
المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه إذا بلغ الصبي المتطوع بالصلاة في
أثنائها بما لا يبطل الطهارة كالسن والإنبات وكان الوقت باقيا
__________________
بحيث يسع ركعة فإنه يجب عليه الاستئناف ، ذهب اليه الشيخ في الخلاف وجملة
ممن تأخر عنه ، قالوا لانه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الإتيان
بها وما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يحصل به الامتثال. وذهب الشيخ في المبسوط إلى
انه يتم وظاهره عدم وجوب الإعادة ، واستدل له في المختلف بأنها صلاة شرعية فلا
يجوز ابطالها لقوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا
أَعْمالَكُمْ» وإذا وجب إتمامها سقط بها الفرض لان امتثال الأمر يقتضي
الاجزاء. وأجاب عنه في المدارك قال : والجواب بعد تسليم دلالة الآية على تحريم
إبطال العمل ان الإبطال هنا لم يصدر من المكلف بل من حكم الشارع ، سلمنا وجوب
الإتمام لكن لا نسلم سقوط الفرض بها والامتثال انما يقتضي الإجزاء بالنسبة الى
الأمر الوارد بالإتمام لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب الصلاة. انتهى. أقول
: ما ذكره في الجواب من ان الإبطال هنا من حكم الشارع لا اعرف له وجها فإنه لا نص
في المسألة كما لا يخفى ، وإيجاب الشارع عليه الصلاة بعد البلوغ لا يستلزم إبطال
هذه إذ يجوز ان يكتفى فيه بإتمامها كما ذهب إليه في المبسوط. وبالجملة فالمسألة
لكونها عارية عن النص لا تخلو من الاشكال.
قال المحدث
الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك : أقول : في المسألة احتمالات أخر
: أحدها ـ صحة صلاته إذا دخل عليه وقت الوجوب في أثنائها. وثانيها ـ صحة صلاته إذا
أدرك ركعة في وقت الوجوب. وثالثها ـ صحتها إذا أدرك الركعتين الأوليين أو إحداهما
في وقت الوجوب. ولا يمكن ان يفتي بأحد الاحتمالات قبل ظهور نص يدل عليه ، نعم يتجه
ان يقال قطعنا بشمول العمومات له وجعلنا كفاية ما يعمل وعدم كفايته فيجب العمل
بالاحتياط حتى نعلم حكم الله بعينه. وهذه القاعدة من قسم القطعي من القواعد
الأصولية ونطقت بها روايات كثيرة لا من القسم الظني من قواعدها المردودة عندي كما
حققناه في الفوائد المدنية. انتهى. وهو جيد.
__________________
ولو بلغ في
الوقت بعد فراغه من الصلاة وامكنه الطهارة وأداء ركعة فالظاهر ان حكمه كما لو بلغ
في أثنائها وبه صرح في المدارك ايضا ، وقد صرح العلامة في المنتهى هنا بأنه يجب
عليه الطهارة والصلاة ولا يجزئه ما فعله أولا. واستحسنه في المدارك ولا ريب انه
الأحوط. والله العالم.
(المسألة
الخامسة) ـ أجمع أهل العلم كافة على انه لا يجوز الصلاة قبل دخول وقتها ، قال في
المعتبر وهو إجماع أهل العلم. وقال في المنتهى لا يجوز الصلاة قبل دخول وقتها وهو
قول أهل العلم كافة إلا ما روى عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ،
وبمثله قال الحسن والشعبي لنا ـ الإجماع على ذلك وخلاف هؤلاء لا اعتداد به وقد
انقرض ايضا فلا تعويل عليه. انتهى.
أقول : ويدل
على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من صلى في غير وقت فلا صلاة له».
وعن محمد بن
الحسن العطار عن أبيه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال «لأن أصلي الظهر في وقت العصر أحب الي من ان أصلي
قبل ان تزول الشمس فإني إذا صليت قبل ان تزول الشمس لم تحسب لي وإذا صليت في وقت
العصر حسبت لي». وعن عبد الله ابن سليمان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) لأن أصلي بعد ما مضى الوقت أحب الي من ان أصلي وانا في
شك من الوقت وقبل الوقت».
وروى الشيخ في
التهذيب عن سماعة في الموثق قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إياك ان تصلي قبل ان تزول فإنك تصلي في وقت العصر خير
لك من ان تصلي قبل ان تزول».
__________________
وعن زرارة في
الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) «في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر انه
صلى بليل؟ قال يعيد صلاته».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «ليس لأحد ان يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك
الزكاة ، الى ان قال : وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت».
وعن زرارة في
الصحيح أو الحسن قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أيزكى الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا أيصلى
الاولى قبل الزوال؟».
وعن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت
أعدت الصلاة» وبالجملة فالحكم اتفاقي نصا وفتوى
واما ما رواه
الشيخ ـ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها
فلا يضرك». وروى الصدوق بإسناده عن الحلبي مثله ـ فقد حمله الشيخ على خروج الوقت فيكون قضاء ، والأظهر
الحمل على وقت الاختيار والتأخير عنه الى وقت الاضطرار وذوي الأعذار لما حققناه
سابقا من ان السفر من جملة الأعذار المسوغة للتأخير إلى الوقت الثاني ، وقد تقدم
شيوع إطلاق الوقت على الوقت الأول وتبادره من الأخبار بما لا يعتريه شبهة الإنكار
، فلا منافاة في هذا الخبر لما قدمناه من الأخبار.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه لو صلى قبل الوقت فلا يخلو اما ان يكون عامدا أو جاهلا أو ناسيا أو ظانا
، فههنا مقامات أربعة :
(الأول) ـ ان
يكون عامدا والأشهر الأظهر بطلان صلاته للنهي المتقدم في الأخبار السابقة المقتضي
لذلك ، وقال الشيخ في النهاية : ومن صلى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثم
علم بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة : فإن كان في الصلاة لم يفرغ
__________________
منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه ، ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة
إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو يغلب على ظنه ذلك. انتهى. ولا يخفى ما فيه من
التدافع بين طرفي كلامه ، لأن قضية قوله «ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة إلا بعد
حصول العلم بدخول وقتها. إلخ» بطلان صلاة العامد وان دخل عليه الوقت في أثنائها
وهذا هو المطابق لعموم النهي المتقدم فإن النهي في تلك الأخبار أعم من ان يدخل
عليه الوقت في أثنائها أم لا فكيف تجزئ عنه كما يدل عليه صدر كلامه؟ ولذا حمله في
الذكرى على ان مراده بالمتعمد الظان لانه يسمى متعمدا للصلاة ، قال في المدارك :
ولا بأس به جمعا بين الكلامين ، وحمله العلامة في المختلف على رجوع تفصيله إلى
الناسي دون المتعمد. ولا بأس به ايضا صونا لكلامه (قدسسره) من التناقض.
(المقام الثاني)
ـ ان يكون ناسيا والمراد به ناسي مراعاة الوقت ، وفي الذكرى جعله أعم منه وممن جرت
منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال ، والظاهر انه لا خلاف في البطلان لو وقعت
الصلاة كملا في خارج الوقت ، اما لو وقع بعضها في الوقت فقد اختلف الأصحاب فيه ،
وظاهر عبارة النهاية المتقدمة الصحة ونقل في المختلف انه منصوص ابي الصلاح وظاهر
كلام ابن البراج. وقال السيد المرتضى لا تصح صلاته ، وفي المختلف انه منصوص ابن
ابي عقيل وظاهر كلام ابن الجنيد ، واليه ذهب العلامة ، وهو المشهور بين المتأخرين.
احتج العلامة
في المختلف على ما ذهب اليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة الدالة على ان من
صلى في غير وقت فلا صلاة له ، ولانه فعل العبادة قبل حضور وقتها فلا تكون مجزئة
عنه كما لو وقعت بأجمعها في غير الوقت ، ولان النسيان غير عذر في الفوات فلا يكون
عذرا في التقديم ، ولانه ليس بعذر في الجميع فلا يكون عذرا في البعض. ثم نقل عن
الشيخ انه احتج بأن الناسي معذور ومخاطب كالظان ، قال والجواب المنع من المقدمتين.
أقول : والظاهر
عندي هو القول المشهور لظاهر رواية أبي بصير المذكورة وحملها على خصوص من اتى
بالصلاة كملا في غير الوقت وان احتمل الا ان ظاهر الرواية العموم. والأظهر عندي في
الاستدلال على ذلك انما هو معلومية التكليف بالضرورة من الدين ، وسقوطه بالصلاة
على هذا الوجه يحتاج الى دليل.
واما لو اتفق
وقوعها كملا في الوقت فظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى البطلان قال في الكتاب المذكور
: لو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت أو بالحكم ففي الإجزاء نظر ،
من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر. والأول أقوى. وفي
البيان اختار الصحة لمطابقة العبادة ما في نفس الأمر. والظاهر هو الصحة لما يأتي
في المقام الآتي ان شاء الله تعالى من التحقيق الرشيق وبذلك صرح السيد السند في
المدارك كما سيأتي نقل عبارته في المقام المشار اليه.
قال الفاضل
الخراساني في الذخيرة : ولو وقعت صلاة الناسي بتمامها في الوقت ففيه وجهان أقربهما
الصحة ، لأنه اتى بالمأمور به فتكون مجزئة (لا يقال) : كان الواجب عليه مراعاة
الوقت ولم تحصل فلم يأت بالمأمور به على وجهه (لأنا نقول) وجب عليه المراعاة من
باب المقدمة حال ملاحظة وجوب الإتيان بها في الوقت ليتأتى منه الإتيان بها في
الوقت على وجه الامتثال والإطاعة واما عند الذهول عن هذه المقدمة فله الإتيان بها
في وقتها متقربا ممتثلا من دون ملاحظة الوقت ومراعاته فلا تكون المراعاة مقدمة
للفعل مطلقا. انتهى.
أقول :
والتحقيق مضافا الى ما سيأتي ان شاء الله تعالى ان التكليف بمراعاة الوقت انما هو
لأجل ان تقع الصلاة في الوقت فالغرض الذاتي والمقصود الكلي هو وقوعها في الوقت
فإذا حصل ذلك بأي وجهه اتفق فقد حصل مراد الشارع وان لزم الإخلال بالمراعاة إذ
المراعاة ليست واجبا ذاتيا يترتب على تركه الإثم أو البطلان. وما ذكره في الذكرى
من ان دخوله غير شرعي على إطلاقه ممنوع إذ الدخول على
ما ذكرنا شرعي لتبين كونه في الوقت الذي هو مراد الشارع. والى ما ذكرنا
يرجع كلام الفاضل المذكور.
(المقام الثالث)
ـ ان يكون جاهلا وقد تقدم في عبارة الذكرى ان المراد به جاهل دخول الوقت أو جاهل
الحكم اي وجوب المراعاة ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في بطلان صلاته لو وقعت كملا
في خارج الوقت ، وانما الخلاف فيما إذا وقعت في الوقت كملا أو بعضا ، فالمشهور
البطلان في الموضعين ، ونقل في المختلف عن ابي الصلاح صحة صلاته لو دخل عليه الوقت
وهو فيها.
والظاهر هنا هو
القول المشهور لما ذكرنا في المقام المتقدم بالنسبة الى ما وقع بعضها في الوقت ،
واما مع مصادفتها الوقت كملا فقد تقدم في كلام الذكرى التصريح بالبطلان.
وقال السيد
السند في المدارك : ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي الإجزاء
نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر وصدق
الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى ، قال وكذا البحث
في كل من اتى بما هو الواجب في نفس الأمر وان لم يكن عالما بحكمه ومثله القول في
الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر فإنها كافية وان لم تحصل بالأدلة المقررة
كما صرح به سلطان المحققين نصير الملة والدين. انتهى كلامه أطال الله بقاءه وهو في
غاية الجودة. انتهى كلام السيد السند (قدسسره) ومراده من قوله «شيخنا» هو المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرح الإرشاد.
وقال الفاضل
الخراساني في الذخيرة بعد اختياره البطلان كما هو المشهور : ولو اتفقت صلاة الجاهل
في الوقت فان قصدنا بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت وعرف المواقيت لكنه جاهل
بالوقت لعدم مراعاته الوقت فالظاهر بطلان صلاته على القول باشتراط التقرب وقصد
الامتثال في الطاعة لأنه لم يأت بها على وجه الامتثال والإطاعة. نعم ان قيل بعدم
اشتراط ذلك في الصحة وسقوط التعبد لم يبعد القول بالصحة هنا. وان قصدنا
بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت لكنه غير عارف بالوقت ايضا فالظاهر البطلان
ايضا على القول المذكور بالتقريب السابق. وان قصدنا به الجاهل بوجوب رعاية الوقت
ففيه اشكال. ورجح بعض أفاضل المتأخرين الصحة لصدق الامتثال. وقال ايضا وبالجملة كل
من فعل ما هو في نفس الأمر وان لم يعرف كونه كذلك ما لم يكن عالما بنهيه وقت الفعل
حتى لو أخذ المسائل من غير اهله بل لو لم يأخذ من أحد وظنها كذلك فإنه يصح ما فعله
، وكذا في الاعتقادات وان لم يأخذها عن أدلتها فإنه يكفي ما أعتقده دليلا وأوصله
الى المطلوب ولو كان تقليدا ، قال كذا يفهم من كلام منسوب الى المحقق نصير الملة
والدين. قال وفي كلام الشارع اشارة اليه ، وذكر أشياء يطول الكلام بنقلها. وعندي
ان ما ذكره منظور فيه مخالف للقواعد المقررة العدلية وليس المقام مقام تفصيله لكن
أقول إجمالا ان أحد الجاهلين إذا صلى في الوقت والآخر في غير الوقت فلا يخلو اما
ان يستحقا العقاب أو لا يستحقا أصلا أو يستحق أحدهما دون الآخر ، وعلى الأول ثبت
المطلوب لان استحقاق العقاب انما يكون لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وعلى
الثاني يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا ، ولو انفتح هذا الباب لجرى الكلام في كل
واحد واحد من أفعال الصلاة ويفضي الأمر إلى ارتفاع جل التكاليف ، وهذا مفسدة واضحة
لا يسوغ لأحد الاجتراء عليه ومعلوم فساده بالضرورة ، وعلى الثالث يلزم خلاف العدل
لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم وانما حصل مصادفة الوقت
وعدمه بضرب من الاتفاق من غير ان يكون لأحد منهما فيه ضرب من التعمد أو السعي ،
وتجويز مدخلية الاتفاق الخارج عن القدرة في استحقاق المدح والذم مما هدم بنيانه
البرهان وعليه إطباق العدلية في كل زمان. واما الإشارات التي ذكرها فكل منها قابل
للتأويل فيشكل الاعتماد عليها والتعويل وليس المقام مقام التفصيل هذا ظاهر التحقيق
وان كان الاشكال فيه وفي نظائره ثابتا. انتهى كلام الفاضل المشار إليه
أقول ـ وبالله
سبحانه التوفيق لبلوغ كل مأمول ـ لا يخفى ان ما تكلفه هذا
الفاضل في المقام من النقض والإبرام وزعم به إبطال ما ذكره المحقق الامام
غير خال من الوهن الظاهر لمن أعطى التأمل حقه من ذوي الأفهام :
(أما أولا) ـ فإن
من جملة الأخبار الدالة على ما ذكره شيخنا المحقق المتقدم ـ من الاكتفاء بمطابقة
الحكم واقعا وان لم يكن عن علم ومعرفة ـ رواية عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «جاء رجل يلبى حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي
وعليه قميصه فوثب اليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شق قميصك وأخرجه من رجليك
فان عليك بدنة وعليك الحج من قابل وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليهالسلام) فقام على باب المسجد فكبر واستقبل الكعبة فدنا الرجل
من ابي عبد الله (عليهالسلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه فقال له أبو عبد الله (عليهالسلام) اسكن يا عبد الله فلما كلمه وكان الرجل أعجميا فقال
أبو عبد الله (عليهالسلام) ما تقول؟ قال كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت
أحج ولم أسأل أحدا عن شيء فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وانزعه من قبل رجلي وان حجي
فاسد وان علي بدنة. فقال له متى لبست قميصك أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال قبل ان ألبي
، قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل ، اي رجل ركب
أمرا بجهالة فلا شيء عليه ، طف بالبيت أسبوعا وصل ركعتين عند مقام إبراهيم واسع
بين الصفا والمروة وقصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما
يصنع الناس». والتقريب فيه انه مع تصريحه بمعذورية الجاهل بوجه كلي وقاعدة مطردة
تضمن صحة ما فعله قبل لقاء الامام (عليهالسلام) من الاغتسال والإحرام والتلبية ونحوها مع إخباره بأنه
لم يسأل أحدا عن شيء من الأحكام التي اتى بها ولهذا وقع فيما وقع فيه ، وامره (عليهالسلام) ان يصنع كما يصنع الناس من واجب أو مستحب مع عدم
المعرفة بشيء من ذلك ، ويعضد ذلك أخبار معذورية الجاهل وصحة عباداته على التفصيل
الذي
__________________
تقدم في مقدمات الكتاب من الجلد الأول.
و (اما ثانيا)
ـ فان ما أطال به ـ من تقسيم الجاهل الى ما ذكره من الأقسام وتخصيص كلام المحقق
الأردبيلي بالجاهل بوجوب رعاية الوقت ـ تطويل بغير طائل وترديد لا يرجع الى حاصل ،
فإنه على القول بالبطلان فلا فرق في شيء من هذه الأقسام وكذا على القول بالصحة
الذي صرح به المحقق المذكور كما لا يخفى على من راجع كلامه فإنه بعد ان فصل أجمل
بقوله : «وبالجملة كل من فعل ما هو في نفس الأمر. الى آخره» وهو ظاهر بل صريح في
العموم وان أمكن إرجاع ما ذكره من الأقسام عدا الأخير إلى الخروج عن محل البحث.
و (اما ثالثا)
ـ فانا نقول بعد اختيار الشق الثالث من ترديده الذي هو محل النزاع في المسألة : (أولا)
انه متى قام الدليل من خارج على معذورية الجاهل وصحة عباداته إذا طابقت الواقع
فهذا الاستبعاد العقلي غير مسموع وان اشتهر بينهم ترجيح الدليل العقلي على النقلي
إلا ان ما نحن فيه ليس منه. و (ثانيا) ان المدح والذم على هذه الحركات الاختيارية
ان كان من الله سبحانه فاستواؤهما فيه ممنوع إذ إيجاب الحركات للذم والمدح ليس
لذاتها وانما هو لموافقة الأمر وعدمها تعمدا أو اتفاقا ، وحينئذ فمقتضى ما قلناه
من قيام الدليل على صحة عبادة الجاهل إذا صادفت الوقت فإنه تصح عبادة من صادفت
صلاته الوقت فتكون حركاته موجبة للمدح بخلاف من لم تصادف فإنها تكون موجبة للذم
لعدم المصادفة الموجبة للصحة. و (ثالثا) ان الغرض من التكليف بالمراعاة كما تقدم
آنفا واعترف هو به (قدسسره) الإتيان بما كلف به حسب الأمر ، ومن صادفت صلاته الوقت
يصدق عليه انه اتى بالمأمور به وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء ، وعين ما ذكره في
الناسي مما تقدم نقله في المقام الثاني من قوله في جواب السؤال الذي أورده «لأنا
نقول. الى آخره» جار فيما نحن فيه كما لا يخفى.
و (اما رابعا)
فان ما ذكره منقوض بما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى من صحة
صلاة الجاهل بوجوب التقصير تماما مع كونها غير مطابقة للواقع ، فإذا كان
الجهل عذرا مع عدم المطابقة فبالأولى ان يكون عذرا مع المطابقة. ومثله ما لو قصر
بعد نية الإتمام الموجبة لتمام جاهلا فإنه وان كان المشهور الإعادة إلا ان صحيحة
منصور بن حازم تدل على انه لو تركه جاهلا فليس عليه الإعادة وبها قال
بعض الأصحاب ، وعلى هذه الرواية يتجه ايضا ما قلناه من صحة عبادة الجاهل وان خالفت
الواقع.
و (اما خامسا)
ـ فإنه معارض ايضا بما صرح به الأصحاب ـ كما نقله عنهم شيخنا الشهيد الثاني في شرح
الرسالة ـ من ان من صلى بالنجاسة جاهلا بها وان صحت صلاته ظاهرا إلا انها غير
صحيحة ولا مقبولة واقعا لفقد شرطها واقعا ، فإنه يلزم بمقتضى ما ذكره ايضا خلاف
العدل لاستواء حركات هذا المصلى مع حركات من اتفق كون صلاته في طاهر واقعا في
المدح والذم فكيف تقبل إحداهما دون الأخرى؟ إذ كل منهما قد بنى على ظاهر الطهارة
في نظره وانما حصلت الطهارة الواقعية في إحداهما بضرب من الاتفاق ، والفرض ان
الاتفاق الخارج لا مدخل له. ومثل ذلك في من توضأ بماء نجس واقعا مع كونه طاهرا في
الظاهر فان بطلان طهارته وعبادته دون من توضأ بماء طاهر ظاهرا وواقعا مع اشتراكهما
فيما ذكر من الحركات والسكنات وكون الطهارة والنجاسة واقعا بنوع من الاتفاق خلاف
العدل والأصحاب لا يقولون به.
و (اما سادسا)
ـ فإنه لو كان الاتفاق الخارج لا مدخل له في الصحة في الأحكام الشرعية على الإطلاق
كما زعمه لما أجزأ صوم آخر يوم من شعبان من أول يوم من شهر رمضان متى ظهر كونه منه
بعد ذلك ، ولسقط القضاء عن من أفطر يوما من شهر رمضان لعدم الرؤية ثم ظهرت الرؤية
في البلاد المتقاربة أو مطلقا على الخلاف في ذلك ، ولوجب الحد على من زنى بامرأة
ثم ظهر كونها زوجته ، ولصح شراء من اشترى شيئا من يد أحد من المسلمين ثم ظهر كونه
غصبا ، ولوجب القضاء والكفارة على من أفطر
__________________
يوم الثلاثين من شهر رمضان ثم ظهر كونه من شوال ، ولوجب القود أو الدية على
من قتل شخصا عدوانا ثم ظهر كونه ممن له قتله قودا ، ولوجب العوض على من غصب مالا
وتصرف فيه ثم ظهر كونه له ، الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع ،
واللوازم كلها باطلة اتفاقا (فان قيل) ان هذه الأحكام المعترض بها انما صير إليها
لقيام الدليل عليها (قلنا) قيام الدليل عليها دليل على ان الاتفاق واقعا مما له
دخل في المدح والذم والصحة والفساد كما هو المدعى ، ولا يخفى ان الأحكام الشرعية
لا تنطبق على الأدلة العقلية بل قد توافقها تارة وتخالفها اخرى.
وبالجملة فإن
ما تكلفه هذا الفاضل في المقام مما لا اعرف له وجه صحة كما كشفنا عنه نقاب
الإبهام. والله العالم.
(المقام الرابع)
ـ ان يكون ظانا والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو دخل
في الصلاة ظانا دخول الوقت ثم تبين فساد ظنه بوقوع الصلاة كملا قبل الوقت فإنه يجب
عليه الإعادة ، ويدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة «في من صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر انه
صلى بليل؟ قال يعيد صلاته». ورواية أبي بصير المتقدمة الدالة ايضا على ان من صلى في غير وقت فلا صلاة له. وصحيحة
زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت
أعدت الصلاة ومضى صومك».
انما الخلاف في
من دخل عليه الوقت في أثنائها ولو قبل التسليم ، فالمشهور الصحة لأنه متعبد بظنه
خرج منه ما إذا لم يدرك من الوقت شيئا بالنص والإجماع المتقدمين وبقي الباقي ،
ويدل عليه أيضا رواية إسماعيل بن رياح عن ابي عبد الله (عليهالسلام)
__________________
قال : «إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في
الصلاة فقد أجزأت عنك». ونقل عن السيد المرتضى وابن ابي عقيل وابن الجنيد البطلان
كما لو وقعت بأسرها قبل الوقت ، واختاره العلامة في المختلف والسيد السند في
المدارك ، وظاهر المحقق في المعتبر التوقف في المسألة حيث قال : ان ما اختاره
الشيخ أوجه بتقدير تسلم صحة الرواية وما ذكره المرتضى أوجه بتقدير اطراحها. قال في
المدارك بعد نقله عنه : هذا كلامه لكن الإطراح متعين لضعف السند. انتهى.
واحتج في
المختلف على ما ذهب اليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة ، وبأنه مأمور
بإيقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو
جيد ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين كما لا يخفى.
انتهى.
ثم نقل في
المختلف عن الشيخ انه احتج بما رواه إسماعيل بن رياح ثم ساق الرواية وبأنه مأمور
بالدخول في الصلاة عند الظن إذ مع الاشتباه لا يصح التكليف بالعلم لاستحالة
التكليف بما لا يطاق فيتحقق الاجزاء. ثم أجاب عن ذلك اما عن الرواية فبالمنع من
صحة السند واما عن الثاني فبان الاجزاء انما يتحقق مع استمرار سببه وهو الظن فإذا
ظهر كذبه انتفى ويبقى في عهدة الأمر كما لو فرغ من العبادة قبل الدخول.
ثم قال واعلم
ان الرواية التي ذكرها الشيخ (قدسسره) في طريقها إسماعيل بن رياح ولا يحضرني الآن حاله فان
كان ثقة فهي صحيحة وتعين العمل بمضمونها وإلا فلا. انتهى أقول : أنت خبير بان
كلامهم في هذه المسألة صحة وبطلانا دائر مدار خبر إسماعيل المذكور قبولا وردا فمن
قبله وعمل به اما لكونه ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح أو يراه ولكن يجبر ضعف الخبر
بالشهرة فإنه يحكم بالصحة ومن رده فإنه يحكم بالبطلان وحيث كان الخبر عندنا مقبولا
لا وجه لرده لعدم عملنا على هذا الاصطلاح المحدث فالقول بالصحة ظاهر. واما ما احتج
به في المختلف كما نقله عنه في المدارك ـ من قوله
ولأنه مأمور بإيقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال ـ ففيه وان استجوده
السيد المذكور انه ان أريد بهذا الوقت الذي هو مأمور بإيقاع الصلاة فيه بمعنى
الوقت الواقعي النفس الأمري كما هو ظاهر كلاميهما فهو ممنوع لان الشارع لم يجعل
الواقع ونفس الأمر مناطا للأحكام الشرعية لا في هذا الموضع ولا في غيره ، وان أريد
به ما هو وقت في نظر المكلف كما هو المناط في جميع التكاليف فهو صادق على ما نحن
فيه كما هو المفروض غاية الأمر انه وقت ظني ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة
الاتية بيان قوة القول بالبناء على الظن مع الاشتباه ، وحينئذ فالتحقيق ان يقال
انه مكلف بإيقاع الصلاة في وقتها المعلوم أو المظنون فمتى صلاها في أحدهما فقد
امتثل وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، غاية ما في الباب انه قام الدليل على البطلان
أو وقعت كملا قبل الوقت وبقي الباقي على الصحة بمقتضى الأمر ودلالة الرواية
المذكورة ، ويؤيده رواية الأصبغ بن نباتة وموثقة عمار المتقدمتان في من أدرك ركعة
من الصبح قبل طلوع الشمس. واما ما ذكره في المدارك ـ بعد حكمه بكونه جيدا بقوله : «ولا
ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين» ـ فلا وجه له بعد ما عرفت
لان الاختلاف بين الأمرين كما ادعاه انما يتم لو كان الوقت الذي ادعى انه مأمور
بإيقاع الصلاة فيه هو الوقت الواقعي النفس الأمري وقد عرفت فساده ، ومتى أريد به
الوقت الذي في نظر المكلف فهو يرجع الى ما ذكره ثانيا من الأمر بالصلاة بحسب
الظاهر فلا اختلاف بين الأمرين كما لا يخفى. والله العالم.
(المسألة
السادسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من كان له طريق الى العلم
بالوقت فلا يجوز له الصلاة إلا بعد العلم بذلك فان لم يكن له طريق الى ذلك فهل
يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن أو يجب عليه
الصبر حتى يتيقن الوقت؟ قولان المشهور الأول. فالكلام هنا يقع في موضعين
الأول) فيما
إذا كان له طريق الى العلم وقد عرفت ان مذهب الأصحاب انه لا يجوز له الصلاة إلا
بعد العلم ولا يجوز له التعويل
على الظن ، قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور : وهو مذهب الأصحاب لا
نعلم فيه مخالفا. واستدل عليه في المنتهى بان العلم يؤمن معه الخطأ والظن لا يؤمن
معه ذلك وترك ما يؤمن معه الخطأ قبيح عقلا. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا قال
والعقل لا يقضي بقبح التعويل على الظن هنا بل لا يأباه لو قام عليه الدليل.
والأجود الاستدلال عليه بانتفاء ما يدل على ثبوت التكليف مع الظن للتمكن من العلم
، ويؤيده عموم النهي عن اتباع الظن. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان الأحكام الشرعية كما قدمناه في غير موضع توقيفية لا مسرح للعقل فيها بوجه وانما
هي منوطة بالنصوص والأدلة الواردة عن صاحب الشريعة وجودا وعدما وصحة وبطلانا ،
ولكنهم (رضوان الله عليهم) حيث اشتهر بينهم ترجيح الأدلة العقلية على السمعية
فتراهم في كل حكم يقدمون دليلا عقليا بزعمهم ثم يردفونه بالأدلة العقلية على
السمعية فتراهم في كل حكم يقدمون دليلا عقليا بزعمهم ثم يردفونه بالأدلة السمعية
وان كانت أدلتهم فيها ما هو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت. والتحقيق هو
الرجوع الى الاخبار الواردة عن الأئمة (عليهمالسلام) في هذا المقام وغيره.
ثم ان ما يظهر
من كلام صاحب المدارك من عدم العلم بالمخالف المؤذن بدعوى الإجماع على المسألة
المذكورة محل نظر فان ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية يشعر بالخلاف ، قال في
المقنعة : من ظن ان الوقت قد دخل فصلى ثم علم بعد ذلك انه صلى قبله أعاد الصلاة
إلا ان يكون الوقت دخل وهو في الصلاة لم يفرغ منها فيجزئه ذلك. وقال في النهاية
ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول الوقت أو يغلب على ظنه
ذلك. وهو ظاهر المبسوط ايضا ، والحمل على ان المراد بالظن في مقام عدم إمكان العلم
وان أمكن إلا انه خلاف الظاهر من العبارتين المذكورتين. وبما ذكرنا من ظهور
العبارتين المذكورتين في المخالفة للقول المشهور صرح الفاضل الخراساني أيضا في
الذخيرة ويمكن الاستدلال على قول الشيخين بظاهر رواية إسماعيل بن رياح عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) انه قال : «إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل
الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك». وظاهر الأصحاب حمل هذه الرواية
على صورة تعذر العلم حيث أوردوها في تلك المسألة وهي كما ترى مطلقة لا تقييد فيها
بذلك لان قوله : «وأنت ترى ـ اي تظن ـ أنك في وقت» أعم من ان يكون العلم ممكنا أو
غير ممكن ، على ان ما ذكروه من عدم جواز التعويل على الظن مع إمكان العلم لا يخلو
من المناقشة ، فإن المستفاد من الأخبار المستفيضة الاعتماد على أذان المؤذنين وان
كانوا من المخالفين ، ومن الظاهر ان غاية ما يفيد هو الظن وان تفاوت شدة وضعفا
باعتبار المؤذنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمه.
وها أنا أسوق
من الأخبار الجارية في هذا المضمار ، فمنها ـ صحيحة ذريح المحاربي قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شيء مواظبة على
الوقت».
ورواية محمد بن
خالد القسري قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخاف ان أصلي يوم الجمعة قبل ان تزول الشمس؟ قال انما
ذاك على المؤذنين».
وروى العياشي
في تفسيره عن سعيد الأعرج قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليهالسلام) وهو مغضب وعنده أناس من أصحابنا وهو يقول تصلون قبل ان
تزول الشمس؟ قال وهم سكوت ، قال قلت ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال فلا بأس اما
انه إذا أذن فقد زالت الشمس. الخبر». والخبر صحيح كما ترى بالاصطلاح القديم لكون
الكتاب من الأصول المعتمدة.
وروى الحميري
في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل صلى الفجر في
__________________
يوم غيم أو في بيت واذن المؤذن وقعد فأطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع
الفجر أم لا فظن ان المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر؟ قال أجزأه أذانهم».
وروى الشيخ في
التهذيب عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي (عليهالسلام) قال : «المؤذن مؤتمن والامام ضامن».
وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) في المؤذنين إنهم الأمناء».
وروى فيه ايضا
مرسلا قال : «كان لرسول الله (صلىاللهعليهوآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم
مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا
واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال».
وروى في الفقيه
ايضا مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) في حديث المؤذن له من كل من يصلي بصوته حسنة».
وبإسناده عن
عبد الله بن علي عن بلال في حديث قال : «سمعت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم
ولحومهم ودمائهم. الحديث».
وروى الشيخ
المفيد في المقنعة قال : «روى عن الصادقين (عليهمالسلام) انهم قالوا قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يغفر للمؤذن مد صوته وبصره ويصدقه ، الى ان قال وله من
كل من يصلى بأذانه حسنة».
وروى الصدوق في
كتاب عيون اخبار الرضا (عليهالسلام) بسنده عن الفضل بن الربيع في حكاية حبس الكاظم (عليهالسلام) عنده «انه كان يعقب بعد الفجر الى
__________________
ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من
يترصد له الزوال فلست ادري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة
من غير ان يحدث وضوء ، ثم ساق الكلام الى ان قال فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى
يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر.
الحديث».
وهذه الاخبار
كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في جواز الاعتماد على المؤذنين
وغيرهم كما يدل عليه الحديث الأخير ، ولا يخفى ان غاية ما يفيد هو الظن ، ويعضد
هذه الاخبار رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة».
إلا انه روى
الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) «في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا غير انه يظن
لمكان الأذان أنه طلع؟ قال لا يجزئه حتى يعلم انه طلع». وهي ظاهرة في عدم جواز
التعويل على الأذان ، وبها استدل في المدارك على القول المشهور.
وأنت خبير بان
ما قابلها من الاخبار المتقدمة أكثر عددا وأوضح سندا ، وحينئذ يتعين ارتكاب
التأويل في هذه الرواية بأن تحمل على عدم الوثوق بالمؤذن أو على الفضل والاستحباب
كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب.
وظاهر المحقق
في المعتبر الميل الى الاعتماد على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار لقول النبي
(صلىاللهعليهوآله) «المؤذنون أمناء». ولأن الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يعول عليه لم
تحصل الغاية من شرعيته.
واعترضه الشهيد
وغيره بأنه يكفي في صدق الامانة تحققها بالنسبة إلى ذوي الاعذار وشرعية الأذان
للإعلام لتقليدهم خاصة ولتنبيه المتمكن على الاعتبار.
__________________
وفيه نظر : (أما
أولا) فإنه تقييد لإطلاق الأخبار المتقدمة بغير دليل سوى مجرد دعواهم الاتفاق على
اشتراط العلم.
و (اما ثانيا)
فان الدليل غير منحصر فيما ذكره المحقق من التعليلين المذكورين ليتم ما قالوه
بالجواب عنهما بل ظاهر صحيحة ذريح ورواية محمد بن خالد ونحوهما من الروايات
المتقدمة هو العموم لذوي الاعذار وغيرهم وهو أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان وبذلك
يظهر ما في جمود صاحب المدارك على كلام الشهيد هنا واعتضاده به وتردد الفاضل
الخراساني في الذخيرة بعد نقله فإنه لا وجه له بعد ما عرفت من الاخبار التي
قدمناها وظهورها في العموم ، ولكنهم لعدم إعطاء التتبع والتأمل حقهما في الاخبار
جرى لهم ما جرى في أمثال هذا المضمار.
واما ما نقله
ابن إدريس في مستطرفات السرائر ـ من كتاب نوادر البزنطي عن عبد الله بن عجلان قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) إذا كنت شاكا في الزوال فصل ركعتين فإذا استيقنت انها
قد زالت بدأت بالفريضة». ـ فلا منافاة فيه لما ذكرناه إذ غاية ما يدل عليه هو عدم
جواز الصلاة مع الشك في الوقت وجوازها مع اليقين ولا دلالة فيه على التخصيص به
وعدم جواز الاعتماد على الظن الحاصل بالأذان ونحوه بل هو مطلق بالنسبة الى ذلك
فيجب تقييده بما ذكرنا من الاخبار.
واما ما رواه
المرتضى (رضياللهعنه) في رسالة المحكم والمتشابه ـ عن تفسير النعماني
بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهمالسلام) في حديث طويل قال : «ان الله إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها
دليلا على أوقات الصلوات فموسع عليهم تأخير الصلاة ليتبين لهم الوقت بظهورها
ويستيقنوا انها قد زالت». ـ فمورده صورة الاشتباه وسيأتي الكلام فيها ثمة.
واما ما في
حديث علي بن مهزيار ـ وقول ابي جعفر (عليهالسلام) فيه
__________________
«الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه فان
الله سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ
لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» . ـ فان ظاهر سياق الخبر انه مع الاشتباه وعدم تبين
الفجر الصادق من الكاذب لا يجوز له الصلاة حتى يتبين ذلك ، إلا ان تبينه كما يكون
برؤيته بنفسه كذلك يكون بسماع الأذان كما ينادي به قوله (صلىاللهعليهوآله) في مرسلة الفقيه «فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال»
. وهو ظاهر إطلاق باقي الاخبار ، وحاصل المعنى هو الرخصة في الأكل والشرب
حتى يتبين الفجر بأحد الأمرين المذكورين.
وقال في
المدارك ـ بعد اعتراضه على كلام المعتبر المتقدم بما قدمنا نقله عن الشهيد ـ ما
صورته : نعم لو فرض افادته العلم بدخول الوقت كما قد يتفق كثيرا في أذان الثقة
الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم جاز
التعويل عليه قطعا ويدل عليه صحيحة ذريح ، ثم أورد الصحيحة المذكورة وعقبها برواية
محمد ابن خالد القسري.
أقول : لا يخفى
ما فيه على الفطن النبيه (أما أولا) فإن ما ذكره من إفادة أذان الثقة الضابط للعلم
ينافي ما ذكروه في الأصول بالنسبة إلى الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهمالسلام) بنقل الثقات العدول المجمع على فضلهم وورعهم وعدالتهم
من ان غاية ما تفيده رواياتهم هو الظن دون العلم ، وهذه احدى المعارك العظام بين
الأصوليين والأخباريين كما حقق في محله.
و (اما ثانيا)
فان ما زعمه من دلالة الخبرين المذكورين على افادة العلم لا اعرف له وجها ، نعم
يستفاد من الأول حصول الظن الراجح بأذانهم.
وبالجملة فالظاهر
عندي من الاخبار الواردة في المقام هو ما ذهب اليه الشيخان
__________________
المتقدمان في المسألة من العمل على الظن. والله العالم.
(الموضع الثاني)
ـ فيما لو لم يكن له طريق الى العلم لغيم ونحوه فهل يجب الصبر عليه حتى يتيقن
الوقت أو يجوز له الاجتهاد والبناء على الظن؟ المشهور الثاني ، ونقل عن ابن الجنيد
انه قال ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره ان يصلي إلا عند تيقنه الوقت وصلاته في آخر
الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.
والى هذا القول
مال في المدارك ، قال (قدسسره) بعد ذكر القول المشهور ثم مذهب ابن الجنيد : احتج
الأولون برواية سماعة قال : «سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس
ولا القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك». قيل وهذا يشمل الاجتهاد
في الوقت والقبلة. ويمكن ان يستدل له ايضا بما رواه أبو الصباح الكناني قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء علة
فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه». وإذا
جاز التعويل على الظن في الإفطار جاز في الصلاة إذ لا قائل بالفرق. وصحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت
أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وتقريب الاستدلال ما
تقدم. ويمكن المناقشة في الروايتين الأوليين بضعف السند وفي الثالثة بقصور الدلالة
لاحتمال ان يراد بمضي الصوم فساده. وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا
يخلو من قوة. انتهى.
أقول : لا يخفى
ان ما ذكره من الاستدلال برواية سماعة مبني على حمل الاجتهاد على الوقت والظاهر
بعده بل المراد انما هو الاجتهاد في القبلة فيكون العطف تفسيريا فلا تكون الرواية
المذكورة من المسألة في شيء. واما رواية الكناني وصحيحة زرارة
__________________
فهما ظاهرتا الدلالة على القول المشهور ، وما ردهما به من الطعن في غاية
القصور لما صرح به هو نفسه (قدسسره) في كتاب الصوم في مسألة الإفطار للظلمة الموهمة حيث
نقل ثمة انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن
للظان طريق الى العلم وانما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن ،
ثم نقل القول بعدم الوجوب عن جمع من الأصحاب ونقل القول بالوجوب عن آخرين واختار
الأول ، واستدل بصحيحة زرارة ورواية أبي الصباح الكناني المذكورتين وصحيحة أخرى
لزرارة أيضا عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس
عليه قضاء». ونقل أيضا رواية الشحام الدالة على ذلك. وأنت خبير بظهور دلالة هذه
الروايات كملا على القول المشهور إذ الحكم في الصلاة والصوم واحد لابتنائهما على
وقت واحد ، واما ما ذكره هنا ـ من التأويل في صحيحة زرارة بحمل قوله : «قد مضى
صومك» على معنى فساده ـ فهو من التأويلات الغثة التي يقضى منها العجب من مثله فان
هذه العبارة إنما يرمى بها في مقام الكناية عن الصحة أي مضى صومك على الصحة.
ومما يؤيد
القول المشهور زيادة على ما ذكرنا موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت
فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». رواية إسماعيل بن رياح
المتقدمة.
والروايات
الدالة على الاعتماد على صياح الديك ، ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو
الحسن في كتابي الكليني والشيخ الى ابي عبد الله الفراء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه قال له رجل من أصحابنا انه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم؟ فقال
تعرف هذه
__________________
الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال نعم. قال إذا ارتفعت
أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصله». كذا في الكتابين المتقدمين وفي
الفقيه «فعند ذلك فصل».
وما رواه في
الكافي والتهذيب عن الحسين بن المختار عن رجل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له اني رجل مؤذن فإذا كان يوم الغيم لم اعرف
الوقت؟ فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة». ورواه
المشايخ الثلاثة عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليهالسلام) مثله.
وقد ظهر لك بما
ذكرناه قوة القول المشهور وانه لا يعتريه نقص ولا قصور وبذلك يظهر لك ضعف ما ذكره
في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تردد في المسألة.
ويمكن ان يستدل
لابن الجنيد بما تقدم من رواية إسماعيل بن جابر المنقولة عن تفسير النعماني المذكورة
في الموضع الأول الا ان ظاهرها لا يخلو من اشكال لدلالتها على التأخير حتى تطلع
الشمس مع انها ربما لا تطلع في ذلك اليوم بالكلية ، ويمكن حملها على استحباب
التأخير لتحقق الوقت ، وكيف كان فهي لا تبلغ حجة في مقابلة ما قدمناه من الاخبار
سندا ولا عددا ولا دلالة فيتحتم تأويلها بما ذكرناه أو غيره.
هذا مع استمرار
الاشتباه واما إذا انكشف فساد الظن المذكور فقد تقدم الكلام فيه مستوفى في المقام
الرابع من المسألة المتقدمة. والله العالم.
(المسألة
السابعة) ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على كراهة النوافل في الأوقات الخمسة
المشهورة في الجملة ، وهي عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة وينتشر شعاعها ، وعند
غروبها اي حال دنوها من الغروب واصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية ،
وعند قيامها اي كونها في وسط النهار على دائرة
__________________
نصف النهار حتى يتحقق الزوال بأحد أسبابه المتقدمة إلا يوم الجمعة فإن
ظاهرهم الاتفاق على استثنائه كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، وبعد صلاة الصبح حتى
تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
وانما اختلفت
كلمتهم في تخصيص النوافل المذكورة بالمبتدأة أو عمومها للقضاء وذوات الأسباب أو
أحدهما دون الآخر على أقوال ، والمشهور تخصيص الكراهة بالنوافل المبتدأة وهو
المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد واليه ذهب المتأخرون وحكم في النهاية
بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي السبب وغيره. وفصل
في الخلاف فقال في ما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس لا فرق فيه بين
الصلوات والبلاد والأيام إلا يوم الجمعة فإنه يصلى عند قيامها النوافل ، ثم قال
وما نهى عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلوات انما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة
فأما كل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به. وجزم المفيد (قدسسره) بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع
والغروب على ما نقله في المختلف ، وظاهره في المقنعة التحريم ، وقال ان من زار أحد
المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها
عند غروبها والى ما ذكره يرجع كلام الشيخ في النهاية. وعن ابن ابي عقيل لا نافلة
بعد طلوع الشمس الى الزوال ولا بعد العصر حتى يغيب القرص إلا يوم الجمعة وقضاء
فوائت السنن فان القضاء مطلق بعد طلوع الشمس الى الزوال وبعد العصر الى ان تغيب
الشمس وقال ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف
النهار وعند غروبها وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط. وقال السيد المرتضى
ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى وقت
زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة. وقال في أجوبة المسائل الناصرية حيث قال
الناصر لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها. قال وهذا
عندنا صحيح وعندنا انه يجوز ان يصلى في الأوقات المنهي عن
الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وانما لا يجوز ان يبتدأ فيها بالنوافل.
وصريح كلامي المرتضى (رضياللهعنه) هو التحريم في المبتدأة وهو ظاهر كلام ابن ابي عقيل
وابن الجنيد.
والأصل في هذا
الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام وها أنا املي عليك ما وقفت عليه من
تلك الاخبار وأردفه بما وفقني الله تعالى لفهمه منها على وجه لا يعتريه ان شاء
الله العثار ولا يحصل الصد عنه والنفار :
فمنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة
ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع
والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الموثق عن محمد الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) قال ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني
الشيطان. وقال لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب».
وعن معاوية بن
عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد
الفجر حتى تطلع الشمس».
وعن ابي الحسن
علي بن بلال قال : «كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر الى
طلوع الشمس ومن بعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فكتب الي لا يجوز ذلك إلا للمقتضي
فاما لغيره فلا». يعني لا يجوز الصلاة في هذين الوقتين إلا لمن يقضى نافلة أو
فريضة.
__________________
وعن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة».
وعن محمد بن
فرج قال : «كتبت الى العبد الصالح (عليهالسلام) اسأله عن مسائل فكتب الي : وصل بعد العصر من النوافل
ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل ما شئت».
وروى الصدوق في
الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهمالسلام) قال : «ونهى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها».
ورواه في
المجالس ايضا وقال : «وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند
غروبها لان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان».
وروى الصدوق في
كتاب العلل بسند قوى عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول لا ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع
بقرني شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت فارقها فيستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك
، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد ان يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء
قد غلقت ، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها».
وروى ابن إدريس
في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن
زرارة عن محمد بن الفضيل البصري قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) ان يونس كان يفتي الناس عن آبائك (عليهمالسلام) انه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس
وبعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فقال كذب لعنه الله على ابي أو قال على آبائي».
ونقل شيخنا في
البحار عن كتاب زيد النرسي عن علي بن مزيد قال :
__________________
«سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ان الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة
ليلة القدر».
وروى الطبرسي
في كتاب الاحتجاج مرسلا عن محمد بن جعفر الأسدي والصدوق في كتاب إكمال الدين مسندا
عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن احمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم المؤدب
وعلي بن عبد الله الوراق قالوا : «حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان
فيما ورد على الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري في جواب مسائلي الى صاحب الدار
ـ وفي الاحتجاج الى صاحب الزمان ـ :
اما ما سألت
عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع
بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشيء مثل الصلاة فصلها
وأرغم أنف الشيطان».
إذا عرفت ذلك
فالكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع (الأول) لا يخفى ان بعض هذه الاخبار وان دل
بإطلاقه على المنع من صلاة الفريضة في هذه الأوقات مثل صحيحة محمد بن مسلم وموثقة
الحلبي ونحوهما من الأخبار الدالة على انه لا صلاة في هذه الأوقات إلا انه يجب
تقييدها بما ورد من الاخبار الدالة على قضاء الفريضة وجوازه في هذه الأوقات :
كصحيحة زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «اربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة : صلاة
فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي الطواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على
الميت ، هؤلاء تصليهن في الساعات كلها».
ورواية نعمان
الرازي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند
غروبها قال فليصل حين ذكره».
ورواية أبي
بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «خمس صلوات
__________________
تصليهن في كل وقت : صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة
التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى الليل».
وصحيحة معاوية
بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت
وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة».
وما سيأتي ان
شاء الله تعالى في المقصد الآتي من الاخبار الدالة على الفورية بالقضاء وان وقتها
ساعة ذكرها.
(فان قيل) : ان
النسبة بين هذه الاخبار وبين الاخبار الدالة على المنع العموم من وجه لان هذه
الأخبار دلت على الجواز أعم من ان يكون على جهة الكراهة أو بدونها وتلك الاخبار
دلت على المنع من الصلاة فريضة كانت أو غيرها من هذه المعدودات ، فما المرجح لما
ذكرتموه من الجمع بتقييد تلك الأخبار بهذه واستثناء هذه الصلاة من الكراهة ولم لا
يجوز العكس بإبقاء تلك الأخبار على ظاهرها من المنع وحمل الجواز في هذه الاخبار
على الجواز المطلق الغير المنافي للكراهة؟
(قلنا) : وجه
الترجيح لما ذكرنا من الجمع وجوه عديدة : منها كثرة هذه الاخبار وظهورها في الجواز
من غير كراهة وتأيدها بالشهرة وعمل الأصحاب بذلك وتصريح رواية أبي بصير بالنسبة
الى ما بعد الفجر وما بعد العصر.
إلا انه لا
يخفى ايضا انه قد ورد في بعض الاخبار ما يدل على الكراهة في قضاء الفرائض في بعض
هذه الأوقات ، مثل رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء
الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان
تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وان استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر
ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس
__________________
فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء
الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها». ونحوها رواية الحسن بن زياد عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) الدالة على «ان الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل
ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلى المغرب بعدها ولا يعدل لان العصر ليس بعدها
صلاة». وفي صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس».
وهذه الاخبار
قد حملها الشيخ على التقية وهو جيد لما قدمنا تحقيقه من ان رواية أبي بصير وصحيحة
ابن سنان الدالتين على امتداد وقت العشاءين الى قبل الفجر انما خرجتا مخرج التقية
في ذلك فكذا في هذا الحكم. وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار المذكورة هو استثناء
هذه الصلوات المذكورة كملا من عموم تلك الاخبار فلا كراهة فيها بالكلية.
(الثاني) ـ المستفاد
من هذه الاخبار بعد ضم مطلقها الى مقيدها هو جواز قضاء النوافل في هذه الأوقات من
غير كراهية ، لأن بعضها وان دل بإطلاقه على المنع إلا ان رواية علي بن بلال قد
صرحت باستثناء القضاء ، وعليها يحمل أيضا إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على
انه يصلى بعد العصر من النوافل ما شاء وبعد الغداة يعني قضاء وكذا رواية محمد بن
فرج لما عرفت من دلالة الأخبار المذكورة على المنع من المبتدأة خصوصا وعموما.
ومما يدل على
جواز القضاء في هذه الأوقات الأخبار المستفيضة كرواية محمد بن يحيى بن حبيب قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة
شئت من ليل أو نهار».
__________________
ورواية حسان بن
مهران قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها».
وعن ابن ابي
يعفور عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة
العصر؟ قال لا بأس بذلك».
وعن جميل بن
دراج قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر الى طلوع الشمس؟ قال نعم
وبعد العصر الى الليل فهو من سر آل محمد المخزون».
وفي الصحيح عن
احمد بن النضر وعن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي في بعض إسناديهما قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر فقال نعم فاقضه
فإنه من سر آل محمد عليهمالسلام».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آل محمد
المخزون».
وروى الشيخ عن
سليمان بن هارون قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال نعم انما هي النوافل
فاقضها متى شئت».
وعن الحسين بن
ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل
ذلك سواء».
وعن ابن ابي
يعفور في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو
نهار».
وبذلك يظهر ما
في كلام الشيخين في المقنعة والنهاية من الحكم بكراهة قضاء النافلة في الأوقات
الثلاثة وهي عند الطلوع والغروب والقيام ، فإنه ناشئ عن الغفلة
__________________
عن ملاحظة هذه الاخبار. وظاهر الاخبار الدالة على ان القضاء بعد الفجر وبعد
العصر من سر آل محمد المخزون ربما أشعر بكون ما دل على المنع من القضاء في هذين
الوقتين انما خرج مخرج التقية.
وكيف كان فإنه
يبقى الاشكال فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب فإن ظاهر القول المشهور الجواز من
غير كراهية وروايات المسألة كما ترى لا تعرض فيها لشيء من ذلك إلا ما دلت عليه
الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من ركعتي الطواف وصلاة الإحرام ويبقى ما عدا ذلك
على الاشكال المذكور.
واما ما رواه
في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل ومحمد بن عيسى جميعا عن
حماد بن عيسى قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليهالسلام) صلى الغداة فلما سلم الامام قام فدخل الطواف فطاف
أسبوعين بعد الفجر قبل طلوع الشمس ثم خرج من باب بني شيبة ومضى ولم يصل». فيجب
حمله على التقية كما ان قران الطوافين محمول عليها ايضا.
وظاهر شيخنا
الشهيد في الذكرى الجمع بين الاخبار بتخصيص عموم هذه الروايات بروايات ذوات
الأسباب ، قال والأقرب على القول بالكراهة استثناء ما له سبب لان شرعيته عامة وإذا
تعارض العمومان وجب الجمع والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع فان مثل قول النبي (صلىاللهعليهوآله) «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين». يشمل جميع الأوقات وكذا
كل ذي سبب فان النص عليه شامل. انتهى
وأنت خبير بأنه
لقائل أن يقول كما يجوز ان يخصص عموم تلك الاخبار بهذه فلم لا يجوز العكس بإبقاء
أخبار المنع على عمومها وتخصيص هذه الاخبار بها بان يقال انه
__________________
يؤتى بذوات الأسباب متى وجد السبب إلا في ما إذا كان في أحد هذه الأوقات؟
فلا بد لترجيح أحد الحملين على الآخر من مرجح.
ويمكن ان يرجح
ما ذكره بتطرق التخصيص الى تلك الاخبار بما قدمناه من اخبار قضاء الفرائض وقضاء
النوافل وما اشتملت عليه الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من تلك الصلوات الخمس
التي تصلى في كل وقت ، سيما مع ما ستعرف ان شاء الله تعالى من احتمال تطرق التقية
الى هذه الاخبار كلا أو بعضا ، واعتضاد تلك الاخبار ايضا بعموم ما دل على مشروعية
الصلاة ورجحانها في كل وقت.
(الثالث) ـ ظاهر
الصدوق (قدسسره) في الفقيه التوقف في هذه المسألة حيث قال : وقد روى
نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب
بين قرني شيطان. إلا انه روى لي جماعة من مشايخنا عن ابي الحسين محمد بن جعفر
الأسدي ، ثم أورد الرواية كما قدمناه. وقال الشيخ في التهذيب بعد ان أورد الأخبار
المتضمنة للكراهة : وقد روى رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ونقل
الرواية بعينها.
وقال السيد
السند في المدارك بعد نقل كلام الفقيه بتمامه : ولولا قطع الرواية ظاهرا لتعين
المصير الى ما تضمنته وحمل أخبار النهي على التقية لموافقتها لمذهب العامة
واخبارهم وقد أكثر الفقيه الجليل محمد بن محمد بن النعمان في كتابه المسمى ب «افعل
لا تفعل» من التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وقال انهم كثيرا ما يخبرون عن النبي (صلىاللهعليهوآله) بتحريم شيء وبعلة تحريمه وتلك العلة خطأ لا يجوز ان
يتكلم بها النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا يحرم الله من قبلها شيئا ، فمن ذلك ما أجمعوا عليه
من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها وعند غروبها ، فلو
لا ان علة النهي انها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر
الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع. وهذا جهل من قائله والأنبياء لا تجهل
فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت ان التطوع جائز فيهما. انتهى.
أقول : ما ذكره
من ان الرواية مقطوعة غفلة عن مراجعتها من كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة إلا انه
ربما لو اطلع على ذلك لطعن في ذلك بعدم توثيق المشايخ المذكورين في كتب الرجال.
ولكن التحقيق كما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) هو صحة الرواية ، حيث قال :
والظاهر صحة الرواية لأن قول الصدوق «روى لي جماعة من مشايخنا» يدل على استفاضتها
عنده ، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في إكمال الدين وان لم يوثقوا في كتب الرجال
لكنهم من مشايخ الصدوق ويروي عنهم كثيرا ويقول غالبا بعد ذكر كلامهم «رضياللهعنهم» واتفاق هذا العدد من المشايخ على النقل لا يقصر عن نقل
واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال «ثقة» ، فلا يبعد حمل أخبار النهي مطلقا على التقية
أو الاتقاء لاشتهار الحكم بين المخالفين واتفاقهم على إضرار من صلى في هذه
الأوقات. ثم نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم في كلام السيد (قدسسرهما).
أقول : والقول
بما صرحوا به (نور الله مراقدهم) من الحمل على التقية قريب في الباب لصحة هذا
الخبر وصراحته إلا انه ربما أشكل ذلك لورود هذا اللفظ في جملة من الاخبار الخارجة
عن أخبار المسألة مثل خبر النفر من اليهود الذين جاءوا الى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فسأله أعلمهم عن مسائل وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما
صورته «واما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني ربي عزوجل ان أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل ان يسجد لها
الكافر لتسجد أمتي لله عزوجل. الحديث». ونحوه ما رواه الصدوق في العلل في ما أجاب به أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن مسائل اليهود قال : «ان الشمس تطلع بين قرني
الشيطان». ونحوهما مما لا يخفى على المتتبع ، والظاهر انه لذلك قال شيخنا البهائي
في كتاب
__________________
الحبل المتين بعد نقل كلام الصدوق ودلالته على التوقف : والاولى عدم الخروج
عما نطقت به الروايات المتكثرة وقال به جماهير الأصحاب. انتهى. وبالجملة فالمسألة
لا تخلو من شوب الاشكال وان كان ما ذكرناه من الحمل على التقية أقرب قريب.
(الرابع) ـ ما
دلت عليه الاخبار المتقدمة من تعليل الكراهة حال الطلوع والغروب بان الشمس تطلع
بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان قد ورد مثله في اخبار العامة وقد ذكروا في معناه وجوها :
قال في النهاية
الأثيرية : فيه «الشمس تطلع بين قرني الشيطان» أي ناحيتي رأسه وجانبيه. وقيل القرن
القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وقيل بين قرني اي أمتيه
الأولين والآخرين. وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سول له
ذلك فإذا سجد لها فكأن الشيطان مقترن بها.
وقال في
القاموس : قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه أو قوته وانتشاره وتسلطه.
وقال الطيبي في
شرح المشكاة : فيه وجوه : (أحدها) ـ انه ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها
ليكون طلوعها بين قرنيه اي فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس فتصير عبادتهم له ،
فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان. و (ثانيها) ـ ان يراد بقرينة
حزباه اللذان يبعثهما لإغواء الناس. و (ثالثها) ـ انه من باب التمثيل شبه الشيطان
في ما يسول لعبدة الشمس ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء
وتدافعها بقرونها. و (رابعها) ـ ان يراد بالقرن القوة من قولهم انا نقرن له اي
نطيق ، ومعنى التثنية تضعيف القوة كما يقال «مالي بهذا الأمر يد ولا يدان» اي لا
قدرة ولا طاقة. انتهى.
وقال شيخنا في
الذكرى : قيل قرن الشيطان حزبه وهم عبدة الشمس يسجدون
__________________
لها في هذه الأوقات. وقال بعض العامة ان الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه
الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له. انتهى.
أقول : والذي
وقفت عليه في أخبارنا مما يتعلق بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه
رفعه قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليهالسلام) الحديث الذي روي عن ابي جعفر (عليهالسلام) ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال نعم ان إبليس
اتخذ عرشا بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس
لشياطينه ان بني آدم يصلون لي». ونحوه ما تقدم من حديث النفر من اليهود مما يرجع
الى التعليل بسجود الكفار لها فيه. وحاصل معنى الخبرين المذكورين يرجع الى التمثيل
الذي ذكره في النهاية بأن المصلي في ذلك الوقت كأنه ساجد ويصلي للشيطان من حيث
سجوده للشمس بتسويل الشيطان وإغوائه فطلوعها كذلك يقترن بالشيطان باعتبار تسويله
وإضلاله.
(الخامس) ـ ظاهر
قوله (عليهالسلام) في رواية علي بن بلال «لا يجوز ذلك إلا للمقتضي». مما يدل على ما صرح به المرتضى من التحريم ،
وهو ايضا ظاهر قولهم «لا صلاة» وكذا نهى النبي (صلىاللهعليهوآله) فان ظواهر هذه الألفاظ هو التحريم وان تفاوتت في
الدلالة على ذلك شدة وضعفا ، إلا ان كلام الأكثر كما عرفت هو الكراهة والشهيد في
الذكرى حمل التحريم في كلام المرتضى على الرجوع الى صلاة الضحى لتقدمها في صدر
الكلام ، وهو انما يتم له في العبارة الاولى من عبارتيه السالفتين واما عبارته في
أجوبة المسائل الناصرية فلا لعدم ذكر صلاة الضحى فيها ولتصريحه فيها بالنوافل
المبتدأة وانه لا يجوز ان يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات. وظاهر عبارة الشيخ
المفيد ايضا هو التحريم حيث قال في المقنعة : «ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء
شيء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» بعد ان صرح أولا بأنه لا بأس ان يقضي
الإنسان نوافله بعد
__________________
صلاة الغداة الى ان تطلع الشمس وبعد صلاة العصر الى ان يتغير لونها. وفي
المختلف نقل عنه عبارة أخرى ولعلها من غير المقنعة وعبر فيها بالكراهة ، والذي
وجدته في المقنعة هو ما ذكرته. إلا ان الشيخ المفيد جعل التحريم في وقتي الطلوع
والغروب لكل من النافلة المبتدأة والمقضية ، والسيد في كلامه الأول جعل التحريم في
ما بعد طلوع الشمس الى وقت زوالها وأطلق في التنفل وفي الثاني صرح بالمبتدأة وان
التحريم مخصوص بها وعمم في الأوقات كلها.
وكيف كان
فظواهر الأخبار الدلالة على التحريم كما ذكرنا إلا انك قد عرفت تخصيص تلك الاخبار
بما عدا القضاء بل ذي السبب مطلقا فيرجع التحريم إلى المبتدأة خاصة ، ولا اعرف لهم
دليلا على الخروج عن ظواهرها من التحريم بدليل يوجب الخروج عن ظاهر ما دلت عليه مع
قول جمع منهم به كما عرفت بذلك قال في الذكرى. ولعل استناد الأصحاب في الحكم
بالكراهة وحمل الاخبار المشار إليها على ذلك هو قوله (عليهالسلام) في صحيحة محمد بن مسلم «وانما تكره الصلاة عند طلوع
الشمس. الى آخره» وقوله (عليهالسلام) في رواية سليمان بن جعفر الجعفري المنقولة من العلل «لا
ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس. الى آخره» والظاهر انه الى ما ذكرنا أشار
العلامة في المنتهى حيث قال : النهي الوارد ههنا للكراهة لان أخبارنا ناطقة بذلك
خلافا لبعض الجمهور. وفيه ما عرفته في غير مقام مما تقدم من كثرة ورود هذين
اللفظين في التحريم في أخبارهم (عليهمالسلام) وقد حققنا فيما تقدم انهما من الألفاظ المتشابهة التي
لا تحمل على أحد المعنيين إلا بالقرينة. وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب
الاشكال لما عرفت.
وقال في الذكرى
: لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات فالظاهر انعقادها ان لم نقل بالتحريم
إذ الكراهة لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة ، وتوقف فيه الفاضل من حيث
النهي. قلنا ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات فعلى
قولنا ينعقد وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده لانه مرجوح. ولقائل
أن يقول بالصحة أيضا لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب وهو عنده جائز ، ولانه
جوز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات. انتهى.
أقول : يمكن ان
يكون توقف الفاضل نظرا الى ظاهر النهي وانه حقيقة في التحريم وان كان خلاف المشهور
بينهم وخلاف ما نسبه اليه بقوله : «ليس بنهي تحريم عندكم» فإن أقواله (قدسسره) في أكثر المسائل متعددة ، وعليه يحمل ايضا جزمه بعدم
انعقاد النذر المذكور كما نقله عنه. وبالجملة فإن جميع ما ذكره من البطلان وعدم
انعقاد النذر انما يتم مع الأخذ بظاهر النهي فلعل العلامة في هذا الموضع اختار
خلاف ما صرح به هو وغيره مما عليه القول المشهور من الجواز على كراهية.
(السادس) ـ ظاهر
الأصحاب الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع من النوافل عند قيام الشمس ،
ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ونقله ايضا عن جماعة من
العامة وقد تقدم صحيح عبد الله بن سنان الدال على ذلك ، ومثله صحيحة علي
بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو
بعده؟ قال قبل الأذان».
(السابع) ـ أكثر
الأخبار المتقدمة دلت على ان مقارنة الشيطان للشمس انما هو وقت الطلوع ووقت الغروب
، وظاهر رواية الجعفري المتقدم نقلها من كتاب العلل مقارنته لها أيضا في حال الانتصاف
وان النهي عن الصلاة وقت قيامها في الاخبار انما هو لذلك.
ومن الاخبار
الدالة على ذلك ايضا ما رواه في الذكرى قال : «روى عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها
ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ،
ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات» والظاهر ان الخبر المذكور من طريق العامة حيث انه
__________________
غير موجود في كتب أخبارنا.
وروى في الكافي
عن الحسين بن مسلم قال : «قلت لأبي الحسن الثاني (عليهالسلام) أكون في السوق فاعرف الوقت ويضيق علي ان ادخل فأصلي؟
قال ان الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال : إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت ، فصل
بعد الزوال فان الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك دونه».
قال في الوافي
: ذرت الشمس طلعت ، وكبدت وصلت الى كبد السماء اي وسطها ولعل مراد الراوي أن
اشتغالي بأمر السوق يمنعني ان ادخل موضع صلاتي فأصلي في أول وقتها ، فأجابه (عليهالسلام) بان وقت الغروب من الأوقات المكروهة للصلاة كوقتي
الطلوع والقيام فاجتهد ان لا تؤخر صلاتك اليه. ويحتمل ان يكون مراده انى أعرف ان
الوقت قد دخل الا انى لا استيقن به يقينا تسكن نفسي إليه حتى ادخل موضع صلاتي
فأصلي ، ء أصلي على هذه الحال أم اصبر حتى يتحقق لي لزوال؟ فأجابه (عليهالسلام) بان وقت وصول الشمس الى وسط السماء هو وقت مقارنة
الشيطان لها كوقتي طلوعها وغروبها فلا ينبغي لك ان تصلي حتى يتحقق لك الزوال فان
الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك سبيل الحق دونه اي يحملك على الصلاة قبل
دخول وقتها لكيلا تحسب لك تلك الصلاة. انتهى
أقول : الظاهر
بعد ما ذكره أخيرا عن حاق سياق الخبر المذكور وان الأظهر هو الأول لكن بهذا
التقريب وهو ان السائل سأل انه يدخل عليه الوقت في السوق ويعرفه ويحققه لكن تأخير
الصلاة الى ان يفرغ ويمضي إلى منزله يوجب ضيق الوقت فهل الأفضل ان يصلي في السوق
في أول الوقت أو يؤخر إلى ان يأتي المنزل وان ضاق الوقت؟ فأمره (عليهالسلام) بالإتيان بها في أول الوقت. والغرض من سوق هذا الكلام
الدال على مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات الثلاثة بيان إضلال الشيطان للناس
في هذه الأوقات الثلاثة بزيادة على ما هو عليه في جميع الأوقات ، اما في وقت
الطلوع
__________________
فلما تقدم ، واما وقت القيام ووقت الغروب فإنه حيث كان وقت الصلاة بعد هذين
الوقتين بلا فصل فإنه يحضر هو وجنوده لاغوائهم وإضلالهم عنها بما امكنه فربما سول
لك التأخير الى ان تدخل منزلك وموضع مصلاك ليقطع بك دون الزوال وفضيلته. والله
العالم.
(الثامن) ـ ينبغي
ان يعلم ان ما دل عليه موثق الحلبي المتقدم ـ من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد
العصر حتى تغرب ـ المراد به نفس فريضة الفجر وفريضة العصر لا وقتاهما ، وبه صرح
الشيخ (قدسسره) في ما تقدم من عبارة الخلاف في تفصيله وفرقه بين ما
كان الكراهة لأجل الوقت كالثلاثة التي ذكرها أو لأجل الفعل يعني فعل الصلاة في
هذين الوقتين لا من حيث الزمان كالصلاة بعد صلاة الفجر وصلاة العصر ، وعلى هذا فلو
صلى في هذا الوقت قبل الفريضة لم تتعلق به الكراهة وانما يرجع الى جواز النافلة في
وقت الفريضة وان كان على كراهة كما هو أحد القولين وعدمه كما هو المختار ،
فالكراهة حينئذ على تقدير القول بالجواز انما هي من جهة أخرى غير ما نحن فيه.
والظاهر تعليق الحكم على صلاة المصلي نفسه لا على الصلاة في الجملة وان كان من
غيره. ونقل في الذكرى عن بعض العامة انه جعل النهي معلقا على طلوع الفجر لما روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا
سجدتين». وبعموم قوله (عليهالسلام) «لا صلاة بعد الفجر» . ثم أجاب عن ذلك بان الحديث الأول لم نستثبته واما
الثاني فنقول بموجبه ويراد به صلاة الفجر توفيقا بينه وبين الاخبار. انتهى.
(التاسع) ـ لو
صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه
بالكراهة بناء على المشهور أم لا؟ صرح في الذكرى
__________________
بالثاني وعلله بان لها سببا ، وبما روى «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى الصبح فلما انصرف رأي رجلين في زاوية المسجد فقال
لم لم تصليا معنا؟ فقالا كنا قد صلينا في رحالنا. فقال إذا جئتما فصليا معنا وان
كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها لكما سبحة». انتهى.
أقول : اما ما
علل به اختياره لعدم الكراهة من ان هذه النافلة ذات سبب فلا اعرف له وجها إذ
الصلاة فرادى ليست علة لاستحباب الإعادة جماعة ولا تعلق لها بها ولا ربط بينهما
بالكلية وانما العلة هو أمر الشارع بذلك في هذا المقام. الا ترى ان صلاة الزيارة
لما كانت العلة فيها الزيارة بمعنى ان الشارع جعلها لأجلها وناطها بها وكذلك صلاة
تحية المسجد ونحو ذلك صارت من ذلك ذات سبب. واما الخبر الذي أورده فالظاهر انه
عامي حيث لم أقف عليه في كتب أخبارنا. وبالجملة فالظاهر بناء على القول بكراهة
النافلة المبتدأة بعد هاتين الصلاتين هو كراهة هذه الصلاة ، وتخصيص اخبارها الدالة
على مشروعيتها واستحبابها مطلقا بهذه الاخبار ممنوع.
(العاشر) ـ قال
في الذكرى : لو عرض السبب في هذه الأوقات كأن أراد الإحرام أو دخل المسجد أو زار
مشهدا لم تكره الصلاة لصيرورتها ذات سبب ولأن شرعية هذه الأمور عامة. ولو تطهر في
هذه الأوقات جاز ان يصلي ركعتين ولا يكون ابتداء للحث على الصلاة عقيب الطهارة ، ولأن
النبي (صلىاللهعليهوآله) روى انه قال لبلال : «حدثني بأرحى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف
نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي من انني لم أتطهّر طهورا في
ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي ان أصلي». وأقرّه النبي (صلىاللهعليهوآله) على ذلك. انتهى.
__________________
أقول : اما ما
ذكره بالنسبة إلى ذوات الأسباب فقد تقدم الكلام فيه. واما ما ذكره ـ من ان من تطهر
في هذه الأوقات وصلى فإنه لا يصدق على صلاته هذه انها نافلة مبتدأة ـ فلا يخفى ما
فيه. واما ما استند اليه من الحث على الصلاة عقيب الطهارة ففيه انه كما ورد
استحباب الصلاة بعد الطهارة كذا ورد الحث على الصلاة أيضا بقول مطلق وانها خير
موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر . وورد ان الرجل ليصلي الركعتين تطوعا يريد بهما وجه
الله عزوجل فيدخله الله بهما الجنة . ونحو ذلك. وبالجملة فالحث على الصلاة والأمر بها لا
ينافي الكراهة باعتبار عروض بعض أسبابها ، ألا ترى ان صلاة الفريضة مع ما هي عليه
من الوجوب حتى صرحت الاخبار بكفر تاركها تعرض لها الكراهة باعتبار بعض الأمكنة
والأزمنة والأحوال مثلا. واما ما ذكره من الخبر فهو خبر عامي خبيث وكذب بحت صريح
لتضمنه دخول بلال الجنة قبل النبي (صلىاللهعليهوآله) وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمات كتابنا سلاسل
الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ، فالاستدلال به من مثل شيخنا المشار اليه عجيب.
(الحادي عشر) ـ
قال في الذكرى ايضا : ليس سجود التلاوة صلاة فلا يكره في هذه الأوقات ولا يكره
التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه ، وكذا سجود الشكر. اما سجود السهو ففي رواية عمار
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». وفيه إشعار بكراهة
مطلق السجدات.
(الثاني عشر) ـ
قال في الذكرى : لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر تخير في جمع الظهر والعصر
أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو ائتم في العصر
فالظاهر التخيير ايضا ، ويأتي على قول من عمم كراهة النافلة
__________________
ان يقدم في الأوليين النافلة ويجعل العصر في الأخيرتين ، وقد روى ذلك محمد
بن النعمان عن الصادق (عليهالسلام) قال الشيخ : انما فعل ذلك لانه يكره الصلاة بعد العصر.
انتهى أقول : ما ذكره من ان الظاهر التخيير وان الكراهة إنما تتجه على القول الذي
ذكره ظاهر في ان النافلة عنده ليست من النوافل المبتدأة وانما هي من ذوات الأسباب
كما تقدم منه في الموضعين المتقدمين. وفيه ما عرفت فإنه لا وجه لدخول هذه النافلة
في ذوات الأسباب بل الكراهة فيها متجهة كما ذكره الشيخ (قدسسره) بناء على كونها مبتدأة.
بقي الكلام في
ما دلت عليه اخبار هذه المسألة من التخيير متى ائتم المسافر بالحاضر بين ان يجعل
الأوليين هي الفريضة والأخيرتين نافلة أو بالعكس وكذا صرح به الأصحاب مع تصريحهم
بتحريم الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يذكروا هذا الموضع فيما استثنوه. ولا
يحضرني الآن وجه الجواب عن هذا الاشكال. والله العالم.
(المسألة
الثامنة) ـ لا ريب في استحباب قضاء الرواتب من النوافل في أي وقت كان ، وانما
الخلاف في انه هل الأفضل تعجيل ما فات نهارا في الليل وكذا ما فات ليلا في النهار
أو تأخيره إلى الليل فتقضي صلاة الليل في الليل والنهار في النهار؟ قولان :
ظاهر الأكثر
الأول لعموم قوله عزوجل «وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» وقوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ
شُكُوراً» وقد ورد عنهم (عليهمالسلام) في تفسير هذه الآية
ما رواه في
التهذيب عن عنبسة العابد قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عزوجل «وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ
شُكُوراً» قال قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) كل ما فاتك بالليل
__________________
فاقضه بالنهار ، قال الله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ
وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً».
وروى الشهيد في
الذكرى قال : «روى ابن أبي قرة بإسناده عن إسحاق ابن عمار قال
لقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) بالقادسية عند قدومه على ابي العباس فاقبل حتى انتهينا
الى طيزناباذ فإذا نحن برجل على ساقيه يصلي وذلك ارتفاع النهار فوقف
عليه أبو عبد الله (عليهالسلام) وقال يا عبد الله اي شيء تصلي؟ فقال صلاة الليل
فاتتني أقضيها بالنهار. فقال يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل.
فقلت جعلت فداك أتروي فيه شيئا؟ فقال حدثني ابي عن آبائه قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار يقول يا
ملائكتي انظروا الى عبدي يقضي ما لم افترضه عليه أشهدكم اني قد غفرت له».
وروى الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن صالح بن عقبة عن جميل عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «قال رجل ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين
والثلاثة فأقضيها بالنهار؟ قال قرة عين لك والله (ثلاثا) ان الله يقول : «وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ... الآية» فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار
وهو من سر آل محمد المكنون».
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان إذا فاته شيء من الليل قضاه بالنهار وان فاته شيء
من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء
قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة».
__________________
ونقل عن الشيخ
المفيد (قدسسره) في الأركان وابن الجنيد ان الأفضل قضاء صلاة النهار
بالنهار وصلاة الليل بالليل ، واحتج لهما في المختلف بصحيحة معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة
الليل بالليل». ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر لخروجه عن حقيقته وهي
الوجوب إجماعا ، قال وليس استعمالها مجازا في الندب اولى من استعمالها مجازا في
الإباحة. واعترضه في المدارك بان الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب
المجازات والندب أقرب الى الحقيقة من الإباحة قطعا. انتهى. وهو جيد.
أقول : ويدل
على ذلك أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر
الليل ولا بأس ان تقضيها بالنهار وقبل ان تزول الشمس».
ورواية إسماعيل
الجعفي قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وقضاء صلاة
النهار بالنهار».
وروى في الكافي
في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة
الليل بالليل. قلت اقضي وترين في ليلة؟ قال نعم اقض وترا ابدا». والى هذا القول
مال السيد السند في المدارك.
أقول : لا يخفى
ظهور تعارض الأخبار المذكورة إلا ان الاخبار السابقة متأيدة بظاهر القرآن العزيز
كما عرفت ، وبعض متأخري المتأخرين من المحدثين حمل هذه الروايات المتأخرة على
التقية ولا يحضرني الآن مذهب العامة فإن ثبت كون مذهبهم ما دلت عليه الأخبار
المذكورة تعين العمل بالأخبار الاولى وحمل الأخبار الأخيرة على التقية وإلا
فالمسألة محل إشكال.
__________________
واما ما رواه
الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) ـ قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس
وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة
بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل». ـ فقد أجاب عنه
الشيخ (قدسسره) بان هذا خبر شاذ لا تعارض به الاخبار المطابقة لظاهر
القرآن. وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل به
وتخصيصه بالسفر ، قال ويمكن حمله على مرجوحية القضاء نهارا لكثرة الشواغل للبال
وقلة التوجه والإقبال أو على الصلاة على الراحلة. ولا يخفى ما فيه. والحق انه لو
كان الراوي غير عمار لحصل منه الاستغراب ولكنه من عمار المتكرر منه نقل الغرائب
غير غريب. والله العالم.
(المسألة
التاسعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب المبادرة بالصلاة
في أول وقتها لما استفاض من الاخبار الدالة على أفضلية أول الوقت :
ومنها ـ ما
رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار أو ابن وهب قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود
الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان
واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح».
وروى في الكافي
في الصحيح عن زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليه
__________________
السلام) اعلم ان أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت ، وأحب الأعمال
الى الله تعالى ما داوم العبد عليه وان قل».
وعن زرارة في
الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو
آخره؟ فقال أوله ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال ان الله تعالى يحب من الخير ما يعجل». الى غير ذلك
من الاخبار الكثيرة وبالجملة فإن الحكم مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.
إلا انه قد
استثنى منه مواضع : (الأول) تأخير المغرب والعشاء للمفيض من عرفات الى ان يأتي
المزدلفة وان مضى ربع الليل ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار قد تقدم بعضها ويأتي
بعضها في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ، ومنها
صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».
(الثاني) ـ صلاة
العشاء فإنه يستحب تأخيرها الى ان يذهب الشفق المغربي وقد تقدم ما يدل عليه.
(الثالث) ـ المتنفل
يؤخر الظهرين الى بعد النافلة أو الذراع والذراعين على الخلاف المتقدم ، وقد تقدم
من الاخبار ما يدل عليه. وقيل في العصر تأخيرها إلى مضي المثل ايضا بناء على ما
تقدم من ان فضيلتها بعد المثل الأول. وقد تقدم ما فيه.
(الرابع) ـ المستحاضة
تؤخر الظهر والمغرب الى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء ، وقد
مر ما يدل عليه في فصل الاستحاضة.
(الخامس) تأخير
صلاة المغرب الى ذهاب الحمرة المشرقية بناء على القول بدخول وقتها باستتار القرص
عن عين الناظر جمعا بين أخبار المسألة. وقد عرفت ما فيه في ما قدمناه من تحقيق
المسألة المذكورة.
__________________
(السادس) ـ المشتغل
بقضاء الفرائض الفائتة يستحب له تأخير الأداء الى آخر الوقت على المشهور بين
المتأخرين. وسيأتي تحقيق المسألة ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي وبيان ان ذلك
على جهة الوجوب كما هو المشهور بين المتقدمين لا الاستحباب
(السابع) ـ تأخير
صلاة الصبح إذا طلع الفجر عليه وقد صلى أربعا من صلاة الليل حتى يكمل صلاة الليل.
وعندي في عد هذا الموضع في هذا المقام نظر لان الظاهر من الاخبار كما قدمنا بيانه
ان ذلك انما هو على جهة الرخصة لا انه الأفضل كما هو المراد في المقام وإلا لعد
ايضا من صلى ركعة من نوافل الزوال قبل دخول وقت الفريضة المحدود بالقدمين ثم دخل
عليه الوقت فإنه يزاحم بها الفريضة رخصة كما تقدم مع انهم لم يعدوه في هذا المقام.
(الثامن) ـ تأخير
الصائم المغرب إذا نازعته نفسه للإفطار أو كان ثمة من ينتظره للإفطار. وسيأتي
الكلام فيه في كتاب الصوم ان شاء الله تعالى وذكر الأخبار الواردة في المسألة.
(التاسع) ـ الظان
دخول الوقت حيث لا طريق له الى العلم فإن الأفضل له التأخير حتى يتحقق الوقت ويحصل
العلم به ، ويدل عليه ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت
فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». فان نهيه عن العود مع
نهيه عن الإعادة انما هو لما قلناه وان كانت صلاته صحيحة. واما الاستدلال لذلك بصحيحة
علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) «وقد سأله عن من صلى الصبح مع ظن طلوع الفجر قال لا يجزئه حتى يعلم انه طلع».
فهو بمعزل عما نحن فيه.
(العاشر) ـ المدافع
للخبثين فإن الأفضل التأخير حتى يخرجهما لصحيحة
__________________
هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب وهو بمنزلة من هو في
ثيابه». والحاقن بالنون حابس البول والحاقب بالباء حابس الغائط ورواية الحضرمي عن
أبيه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».
(الحادي عشر) ـ
تأخير صلاة الليل الى الثلث الأخير من الليل. وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك
في المسألة المذكورة.
(الثاني عشر) ـ
تأخير ركعتي الفجر الى طلوع الفجر الأول. وقد تقدم ايضا ما يدل عليه وكذلك الوتر.
(الثالث عشر) ـ
تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام ، هكذا ذكروه وهو مبني
عندهم على الجمع في وقت الفريضة بين الفريضة وسنة الإحرام ، والمستفاد من الاخبار
كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان الإحرام إما دبر الفريضة ان
اتفق ذلك في وقت الفريضة وإلا بعد سنة الإحرام ان لم يتفق ذلك واما الجمع بين
الفريضة وسنة الإحرام كما ذكروه فلا وجود له في النصوص ، وحينئذ فلا وجه لعد هذا
الموضع في جملة هذه الافراد.
(الرابع عشر) ـ
تأخير من فرضه التيمم الصلاة الى آخر الوقت. أقول : وهو على إطلاقه غير متجه وانما
يتجه على القول بجواز التيمم مع السعة كما دلت عليه جملة من الاخبار ويجعل التأخير
أفضل جمعا بينها وبين ما دل على وجوب التأخير من الاخبار ايضا ، فيكون المستند فيه
هو الجمع بين أخبار المسألة بناء على القول بذلك.
(الخامس عشر) ـ
تأخير السلس والمبطون الظهر والمغرب للجمع ايضا كما تقدم في المستحاضة. وقد تقدم
ما يدل عليه في المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة.
(السادس عشر) ـ
تأخير أصحاب الأعذار كفاقد الساتر مثلا أو الطاهر
__________________
منه أو فاقد الطهورين أو فاقد القبلة أو نحو ذلك فإنه يستحب لهم التأخير
عند جمهور الأصحاب. ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وسلار وجوب تأخير الصلاة الى
آخر الوقت ، قال وهو اختيار ابن الجنيد ، ثم نقل عن الشيخ القول بالجواز في أول
الوقت إلا للمتيمم. قال وهو الأقوى عندي ، ثم استدل على ذلك بأنه مخاطب بالصلاة
عند أول الوقت فكان مجزئا لأنه امتثل ، ثم نقل عن القائلين بالوجوب انهم احتجوا
بإمكان زوال الاعذار ، قال والجواب انه معارض باستحباب المبادرة والمحافظة على
أداء العبادة لإمكان فواتها بالموت وغيره. انتهى. أقول : وحيث كانت المسألة غير
منصوصة لا خصوصا ولا عموما فالحكم هنا باستحباب التأخير محل إشكال لأنه ليس إلا
لما ذكروه من رجاء زوال العذر وهو معارض بما ذكره العلامة (قدسسره) من المحافظة على أداء العبادة ، لإمكان تطرق الفوات
إليها بموت ونحوه.
(السابع عشر) ـ
قضاء صلاة الليل في صورة جواز التقديم كما ذكره بعض الأصحاب ، والظاهر انه لا وجه
لعد هذا الفرد في جملة هذه الافراد لان مبنى الكلام على استحباب تأخير الصلاة عن
أول وقتها الموظف لها شرعا وقضاء صلاة الليل هنا انما كان أفضل بالنسبة إلى
تقديمها على الانتصاف لا بالنسبة إلى وقتها المعين لها فلا يكون مما نحن فيه في شيء
وهو ظاهر. واما ما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في شرح النفلية حيث ان المصنف عد هذا الفرد في هذا
المقام ـ من التعليل بأن أول وقت صلاة الليل مع هذه الاعذار هو أول الليل والقاضي
يؤخرها عنه في الجملة وان كان يفعلها في خارج الوقت ـ فلا يخلو من تكلف وتمحل فإن
غاية ما تدل عليه تلك الاخبار ـ كما تقدم تحقيقه ـ هو الرخصة في التقديم لمن يحصل
له العذر عن الإتيان بها في وقتها الموظف ودلت على ان قضاءها أفضل من تقديمها
بمعنى ان كلا الأمرين جائز وان كان القضاء أفضل ، وهذا لا يدل على كون أول الليل
وقتا لها في هذه الصورة كما لا يخفى.
(الثامن عشر) ـ
تأخير الوتيرة ليكون الختم بها إلا في نافلة شهر رمضان على
قول ، كذا عده جملة من الأصحاب في الباب. أقول : لعل الوجه في عد هذا
الموضع في جملة هذه الافراد هو ان ظاهر الاخبار ان وقت الوتيرة بعد صلاة العشاء
كما تقدم في الاخبار المتقدمة في المقدمة الثانية ، مع انه قد ورد ما يدل على استحباب
تأخيرها والختم بها كما تقدم أيضا في صحيحة زرارة أو حسنته من قوله (عليهالسلام) «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». وقد قدمنا ان المراد
بالوتر هنا الوتيرة وان كان ظاهر كلام أصحابنا قد اضطرب فيه باعتبار حمله على
الوتر الذي بعد صلاة الليل وهو غلط كما تقدم التنبيه عليه ، ولو حمل على ذلك للزم
خلو هذا الحكم هنا من الدليل إذ لا رواية تدل على التأخير والختم بالوتيرة سوى
الرواية المذكورة. ثم ان ما ذكره من استثناء نافلة شهر رمضان وهي الاثنتا عشرة
والاثنتان والعشرون بمعنى ان الوتيرة لا تؤخر عنها قد نقله في شرح النفلية عن سلار
في رسالته ، قال وبذلك وردت رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليهالسلام) وذكر في شرح النفلية ان هذه الزيادة كانت في نسخة الأصل
بخط المصنف ثم كشطها وبقي رسمها ، قال وهي موجودة في كثير من النسخ ثم قال وانما
حذفها لان المشهور بين الأصحاب كما نقله المصنف في الذكرى ان الوتيرة مؤخرة عن تلك
الوظيفة ايضا لتكون خاتمة النوافل. وفي الذكرى الظاهر جواز الأمرين. انتهى.
(التاسع عشر) ـ
تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين الى آخر الوقت لتغسل وبها وتصلي أربع
صلوات في ثوب طاهر أو نجاسة خفيفة. وأنت خبير بأن الرواية الواردة في المسألة
مطلقة في غسل الثوب وهذا التقييد انما وقع في كلامهم كما تقدم تحقيقه ، وإثبات
الحكم بذلك لا يخلو من الاشكال.
(العشرون) ـ تأخير
المسافر الذي دخل عليه الوقت في السفر الصلاة الى ان يدخل فيتم ، ويدل عليه صحيحة
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) «في
__________________
الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال ان كان لا يخاف ان يخرج
الوقت قبل ان يدخل فليدخل وليتم وان كان يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليصل
وليقصر». وفي المسألة بحث يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في موضعه.
(الحادي
والعشرون) ـ انتظار الإمام أو المأموم أو كثرة الجماعة. أقول : اما انتظار الامام
فقد تقدم في بعض الاخبار ما يشير اليه ، واما انتظار المأموم أو كثرة الجماعة فلم
أقف في الاخبار على ما يدل عليه بل ربما دل بعضها على عدمه بالنسبة إلى كثرة
الجماعة كما تقدم في حديث الرضا (عليهالسلام) وتلقيه لبعض الطالبيين وان كان الشيخ (قدسسره) قد صرح بجواز ذلك في جوابه عن حديث نوم النبي (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة الصبح وتقديمه ركعتي نافلة الفجر على الفريضة أنه لانتظار الجماعة ، إلا انه بمجرده لا يصلح مستندا.
(الثاني
والعشرون) ـ ما إذا كان التأخير مشتملا على الإتيان بالصلاة على وجهها من التوجه
والإقبال وفراغ البال ، وقد تقدم في روايات عمر بن يزيد الثلاث ما يدل عليه ، ففي بعضها
عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في المغرب «إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في
حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل». وقد بينا سابقا ان هذا من جملة الاعذار
المجوزة للتأخير إلى الوقت الثاني.
(الثالث
والعشرون) ـ التأخير لقضاء حاجة مؤمن ، واليه يشير بعض الاخبار الواردة في قطع
طواف الفريضة إلا انه لا يخلو من اشكال لكون الطواف غير محدود بوقت.
(الرابع
والعشرون) ـ تأخير صلاة الظهر في الحر لمن يصلي في المسجد وهو المعبر عنه بالإيراد
، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله
__________________
(عليهالسلام) قال : «كان المؤذن يأتي النبي (صلىاللهعليهوآله) في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أبرد أبرد». وأقل مراتب الأمر الاستحباب
وروى الثقة
الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال والشيخ في الاختيار عن ابن
بكير قال : «دخل زرارة على ابي عبد الله (عليهالسلام) فقال انكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين
ثم قلتم أبردوا بها في الصيف فكيف الإبراد بها؟ وفتح ألواحه ليكتب ما يقول فلم
يجبه أبو عبد الله (عليهالسلام) بشيء فأطبق الواجه وقال انما علينا أن نسألكم وأنتم
اعلم بما عليكم وخرج ودخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليهالسلام) فقال ان زرارة سألني عن شيء فلم أجبه وقد ضقت من ذلك
فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان
مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره
وغير ابن بكير».
وروى الشيخ في
التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد
ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت الظهر في القيظ فلم أخبره
فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك
مثليك فصل العصر».
وهذان الخبران
قد اشتملا على الإيراد في صلاتي الظهر والعصر والأصحاب خصوا الحكم بالظهر كما هو
مورد الصحيحة المتقدمة ، وقيدوا ذلك ايضا بقيود : منها ـ كون الصلاة في جماعة
وكونها في المسجد وفي البلاد الحارة وفي شدة الحر ، والأصل في هذه القيود ما قاله
الشيخ (قدسسره) في المبسوط حيث قال : إذا كان الحر شديدا في بلاد حارة
وأرادوا أن يصلوا جماعة في مسجد جاز ان يبردوا بصلاة الظهر
__________________
قليلا ولا يؤخروا الى آخر الوقت. انتهى. والنصوص كما ترى خالية من هذه
القيود إلا ان قرائن الحال في الخبر الأول تشير الى بعض ما ذكروه. واما الخبران
الأخيران فهما بالدلالة على العدم أشبه كما لا يخفى.
وقال العلامة
في المنتهى لا نعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر ،
قالت عائشة «ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلىاللهعليهوآله» . واما في الحر فيستحب الإبراد بها ان كانت البلاد حارة
وصليت في المسجد جماعة وبه قال الشافعي ، ثم نقل روايتي الخاصة والعامة ثم قال :
ولانه موضع ضرورة فاستحب التأخير لزوالها ، اما لو لم يكن الحر شديدا أو كانت
البلاد باردة أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب
الرأي واحمد . انتهى.
وقال في الروض
بعد نقل اعتبار المسجد وكون البلاد حارة عن الشيخ : والظاهر عدم اعتبارهما أخذا
بالعموم.
وروى الصدوق في
كتاب العلل بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : «قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن الحر من فيح جهنم
واشتكت النار الى ربها فاذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، وشدة ما
تجدون من الحر من فيحها وما تجدون من البرد من زمهريرها».
قال الصدوق في
الكتاب المذكور بعد نقل هذا الخبر : قوله «فأبردوا بالصلاة» اي عجلوا بها وهو
مأخوذ من البريد ، وتصديق ذلك ما روى «انه ما من صلاة يحضر وقتها الا نادى ملك قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها
على ظهوركم فاطفؤها
__________________
بصلاتكم». وقال في الفقيه بعد ذكر صحيحة معاوية بن وهب : قال مصنف هذا
الكتاب يعنى عجل عجل وأخذ ذلك من البريد. وفي بعض نسخ الكتاب من التبريد.
أقول : في
القاموس «أبرد : دخل في آخر النهار ، وأبرده : جاء به باردا ، والأبردان : الغداة
والعشي» وقال في النهاية الأثيرية : في الحديث «أبردوا بالظهر فالإبراد انكسار
الوهج والحر وهو من الإبراد : الدخول في البرد ، وقيل معناه صلوها في أول وقتها من
برد النهار وهو اوله. وفي المغرب الباء للتعدية والمعنى ادخلوا صلاة الظهر في
البرد اي صلوها إذا سكنت شدة الحر. انتهى.
وأنت خبير بان
ما ذكره الصدوق (قدسسره) لا ينطبق على شيء من هذه المعاني ، وقد قيل في توجيه
كلامه ان مراده انه (صلىاللهعليهوآله) أمر بتعجيل الأذان والإسراع فيه كفعل البريد في مشيه
اما ليتخلص الناس من شدة الحر سريعا ويفرغوا من صلاتهم حثيثا واما لتعجيل راحة
القلب وقرة العين كما كان النبي (صلىاللهعليهوآله) يقول «أرحنا يا بلال» . وكان يقول : «قرة عيني في الصلاة» . ولا يخفى ما فيه من التكلف. وظني ان ما فهمه أكثر
الأصحاب من الحمل على التأخير لشدة الحر توسعة في التكليف ودفعا للحرج أقرب مما
ذكره ويصير هذا من قبيل الرخص الواردة في الشريعة في غير موضع كما اتفقوا عليه في
استثناء جملة من المواضع التي قدمناها ولعل الحامل للصدوق (قدسسره) في ارتكاب هذا التأويل البعيد وكذا من مال الى كلامه
ووجهه بما قدمناه هو شهرة هذا الحكم عند العامة ، ولهذا ان بعض الأصحاب نقل عن
الصدوق حمل صحيحة معاوية على التقية. وفيه ان كلام العامة أيضا مختلف في ذلك ، قال
محيي السنة في شرح السنة بعد نقل خبر أبي هريرة المتقدم نقل الصدوق له في العلل
: اختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر فذهب ابن المبارك واحمد وإسحاق
__________________
الى تأخيرها والإبراد بها في الصيف وهو الأشبه بالاتباع ، وقال الشافعي
تعجيلها أولى إلا ان يكون امام مسجد ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف ،
فاما من صلى وحده أو جماعة في مسجد بفناء بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يعجلها
لانه لا مشقة عليهم في تعجيلها. انتهى. ويمكن ان يكون نظرهم إلى استفاضة الأخبار
بأفضلية الصلاة في أول الوقت ولعله الأظهر. وفيه انهم قد استثنوا من ذلك جملة هذه
المواضع التي قدمناها ولم يختلفوا في ذلك فما بالهم اختلفوا في هذا الموضع بخصوصه؟
على ان اخباره صريحة ظاهرة في ذلك ولا معارض لها في البين سوى ما عرفت مما ارتكبوا
تخصيصه بجملة المواضع المتقدمة ، مع ان جملة من تلك المواضع كما عرفت خال من
الدليل كما نبهنا عليه
بقي الكلام في
ان الأصحاب انما صرحوا باستحباب الإبراد بصلاة الظهر خاصة بالشروط التي ذكروها ،
والظاهر كما قدمنا من خبري زرارة هو الإبراد في الظهر والعصر وهو مشكل إذ الخروج
عن مقتضى الأخبار المستفيضة بمثل هذين الخبرين سيما مع عدم ذهاب أحد إليه لا يخلو
من بعد ، بل ربما يكاد يشم من خبري زرارة رائحة التقية لأنهم (عليهمالسلام) كثيرا ما يخصونه بأحكام ينفرد بها عن الشيعة اتقاء
عليه مثل خبر الإهلال بالحج وخبر النوافل وإلا فاختصاص زرارة بالملازمة على ذلك وابن بكير دون
جملة الشيعة الموجودين يومئذ كما صرح به حديث الكشي لا وجه له ظاهرا إلا ما قلناه.
ولعل في سكوته (عليهالسلام) عن جوابه والإرسال اليه باطنا بذلك ما يشير الى ما
قلناه. واحتمل بعض الفضلاء في خبري زرارة حملهما على ان يكون ظل الزوال فيه حال
الصيف خمسة أقدام مثلا فإذا صار مع الزيادة الحاصلة بعد الزوال مساويا للشاخص يكون
قد زاد قدمين فيوافق الأخبار الأخر. وهو مع بعده لا يستقيم في العصر وكيف كان
فالاحتياط في المحافظة على أول الوقت على اي نحو كان إلا مع مشقة تلزم من ذلك.
والله العالم.
__________________
(المقصد الرابع)
ـ في وقت القضاء ، الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في ان وقت القضاء للصلاة الفائتة
هو وقت ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة ، قال في الذكرى وقت القضاء للفائتة الواجبة
ذكرها ما لم تتضيق الحاضرة لقوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي» أي لذكر صلاتي ، قال كثير من المفسرين انها في الفائتة لقوله
(صلىاللهعليهوآله) «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها ان الله يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي». وروى زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) «إذا فاتتك صلاة.». ثم نقل الرواية كما ستأتي وقال :
وفيه دلالات ثلاث : التوقيت بالذكر ووجوب القضاء وتقديمه على الحاضرة مع السعة ،
ثم نقل رواية عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فان
ذلك وقتها». ثم قال : وفيه دلالتان إحداهما توقيت قضاء الفائتة بالذكر والثاني
وجوب القضاء مع الفوات ، ووجوبه في حق المعذور يستلزم أولويته في حق غيره ، ثم نقل
رواية زرارة الآتية المشتملة على انه يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ، ثم قال
وتقريره كالسالف. وبالجملة فإن ظهور كون الذكر هو وقت القضاء من الآية والاخبار
مما لا يتجشمه الإنكار وانما الخلاف في وجوب الفورية وعدمه.
وتحقيق القول
في المسألة كما هو حقه يقع في مواضع (الأول) في ذكر الأقوال في المسألة فنقول قد
اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فالمتقدمون منهم على قولين : القول
بالفورية وهو مذهب الأكثر إلا انهم بين مصرح ببطلان الحاضرة لو قدمها مع سعة الوقت
وبين مطلق ، والقول بالمواسعة وهو مذهب الصدوقين وظاهر للنقل عنهما استحباب تقديم
الحاضرة في السعة ، والمتأخرون منهم على أقوال ثلاثة : فالمشهور بينهم هو ما ذهب
اليه الصدوقان من المواسعة إلا انهم يستحبون تقديم
__________________
الفائتة ، وقيل بالفرق بين الفائتة الواحدة والمتعددة فيجب التقديم مع
الاتحاد دون التعدد وهو مذهب المحقق ومال إليه في المدارك ، وقيل بالفرق بين يوم
الفوات وغيره فيجب تقديم الفائتة إذا ذكرها في يوم الفوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة
متحدة كانت أو متعددة ويجب تقديم سابقها على لاحقها وان لم يذكرها حتى يمضي ذلك
اليوم جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها ثم يشتغل بالقضاء سواء اتحدت الفائتة أو
تعددت ويجب الابتداء بسابقها على لاحقها والاولى تقديم الفائتة الى ان تتضيق
الحاضرة ، ذهب إليه العلامة في المختلف.
ولا بأس بذكر
جملة من عبائر الأصحاب في المقام وان طال به زمام الكلام ، قال في المبسوط : اعلم
ان من عليه قضاء وادى فريضة الوقت في أوله فإنه لا يجزئه. وقال الشيخ المفيد (قدسسره) من فاتته صلاة لخروج وقتها صلاها كما فاتته ولم يؤخر
ذلك إلا ان يمنعه تضيق وقت فرض حاضر. وقال السيد المرتضى (رضياللهعنه) في الجمل كل صلاة فاتت وجب قضاؤها في حال الذكر لها من
سائر الأوقات إلا ان يكون في آخر وقت فريضة حاضرة ويخاف فيه من التشاغل بالفائتة
فوت الحاضرة فيجب حينئذ الابتداء بالحاضرة والتعقيب بالماضية. وأوجب في المسائل
الرسية الإعادة لو صلى الحاضرة في أول وقتها أو قبل تضيق وقتها ومنع فيها من
الاشتغال بغير القضاء في الوقت المتسع ومنع من التكسب بالمباح وكل ما يزيد على ما
يمسك به الرمق ومن النوم إلا بقدر الضرورة التي لا يمكن الصبر عنها ، وتبعه ابن
إدريس في ذلك فصرح في السرائر بنحوه. وقال ابن ابي عقيل من نسي صلاة فرض صلاها اي
وقت ذكرها الا ان يكون في وقت صلاة حاضرة يخاف ان بدأ بالفائتة فاتته الحاضرة فإنه
يبدأ بالحاضرة لئلا يكونا جميعا قضاء. وقال ابن الجنيد وقت الذكر لما فات من
الفروض وقت القضاء ما لم يكن آخر فريضة يخشى ان ابتدأ بالقضاء فاتته الصلاة التي
هو في وقتها فان لم يكن يخشى ذلك بدأ بالفائتة وعقب بالحاضرة وقتها. وقال ابن
البراج لو صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم
بذلك لم تنعقد وعليه ان يقضي الفائتة ثم يأتي بالحاضرة. وقال أبو الصلاح
وقت الفائتة حين الذكر إلا ان يكون آخر وقت فريضة حاضرة يخاف بفعل الفائتة فوتها
فيلزم المكلف الابتداء بالحاضرة ويقضي الفائت ، وما عدا ذلك من سائر الأوقات فهو
وقت للفائت ولا يجوز التعبد فيه بغير القضاء من فرض حاضر ولا نفل. وقال سلار كل
صلاة فاتت بعمد أو تفريط يجب فيها القضاء على الفور وان فات سهوا وجب القضاء وقت
الذكر. وقال أبو جعفر بن بابويه إذا فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت فان ذكرتها وأنت في
وقت فريضة أخرى فصل التي أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة ، قال وان نمت عن
الغداة حتى طلعت الشمس فصل الركعتين ثم صل الغداة ، قاله في المقنع والفقيه. وقال
أبوه إن فاتتك فريضة فصلها إذا ذكرت فان ذكرتها وأنت في وقت فريضة أخرى فصل التي
أنت في وقتها ثم صل الصلاة الفائتة. هذه جملة من أقوال المتقدمين واما المتأخرون
فقد عرفت ان المشهور عندهم هو القول بالمواسعة مع استحباب تقديم الفائتة الى ان
تتضيق الحاضرة ، قال في المختلف وهو مذهب والدي وأكثر من عاصرناه من المشايخ.
(الثاني) ـ في
ذكر أخبار المسألة من الطرفين وما استدلوا به سواها في البين ، فنقول قد اختلفت
الأخبار الواردة في المقام وبه اختلف كلام علمائنا الاعلام ، والأظهر عندي هو
القول المشهور بين المتقدمين ، وها انا اذكر الأخبار الدالة عليه موضحا لوجه
دلالتها ثم أردفها بالأخبار التي استند إليها القائلون بالمواسعة وغيرها من الأدلة
التي ذكروها وأبين ما فيها مما يمنع من صحة الاعتماد عليها والاستناد إليها :
فأقول ـ وبالله
سبحانه الثقة لإدراك المأمول ونيل المسؤول ـ مما يدل على ما اخترناه قوله عزوجل «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي» المفسر ـ في الاخبار عن أهل البيت (عليهمالسلام) الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم اعرف الناس بباطنه وخافية
ـ بقضاء الفائتة ساعة ذكرها كما ستقف عليه.
__________________
ومما يدل على
ذلك الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم
بن هاشم عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك
قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل
صلاة» قال وقال أبو جعفر (عليهالسلام) «ان كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل
الغداة أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها ، وقال ان
نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم
صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع ، فإن ذكرت انك لم تصل الاولى وأنت في صلاة
العصر وقد صليت منها ركعتين فانوها الاولى فصل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر ،
وان كنت ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل
المغرب وان كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر ، وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين
ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها بركعتين ثم سلم ثم صل المغرب ، وان كنت
قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب ، وان كنت ذكرتها وقد صليت من
العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء
الآخرة ، وان كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وان
كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم
فصل الغداة واذن وأقم ، وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتك جميعا فابدأ بهما قبل ان
تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء فان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ
بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء ، وان خشيت ان تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل
الغداة ثم صل المغرب والعشاء ابدأ بأولاهما لأنهما جميعا قضاء أيهما ذكرت فلا
تصلهما الا بعد شعاع الشمس. قال : قلت لم ذاك؟ قال لأنك لست تخاف فوتهما».
__________________
أقول : لو لم
يكن في الباب إلا هذا الخبر لكفى به دليلا لما فيه من التكرار الموجب للتأكيد في
الحكم المذكور الموجب لظهوره غاية الظهور ، ولهذا قال الشيخ في الخلاف بعد نقله :
جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله.
ومنها ـ صحيحة
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) المتقدمة في المسألة الثالثة من سابق هذا المقصد حيث قال فيها : «من نسي شيئا من الصلوات فليصلها إذا
ذكرها فان الله عزوجل يقول وَأَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي» .
وما رواه
الشيخان في الكافي والتهذيب عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت
تعلم انك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك فان الله
يقول «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» وان كنت تعلم انك إذا صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها
فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلها ثم أقم الأخرى».
وهاتان
الروايتان قد دلتا على تفسير الآية بالصلاة الفائتة كما ترى فلا معدل عنهما الى ما
ذكره المفسرون المتخرصون الذين قال الله سبحانه فيهم وفي أمثالهم «قُتِلَ الْخَرّاصُونَ» .
ومنها ـ ما
رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ فقال
يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما
فاته فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه الصلاة التي حضرت وهذه أحق بوقتها فليصلها
فإذا قضاها فليصل ما فاته مما قد مضى ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».
__________________
ومنها ـ ما
روياه عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى؟ فقال إذا نسي
الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها ، وان ذكرها وهو في صلاة بدأب التي نسي ، وان
ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها ،
وان كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر انه نسي المغرب أتمها بركعة
فتكون صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك».
ومنها ـ ما
روياه أيضا في الصحيح عن صفوان عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان
صلى العصر؟ فقال كان أبو جعفر (عليهالسلام) أو كان ابي (عليهالسلام) يقول ان امكنه أن يصليها قبل ان تفوته المغرب بدأ بها
وإلا صلى المغرب ثم صلاها».
ومنها ـ ما
روياه عن ابي بصير قال : «سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر؟ قال
يبدأ بالظهر وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا ان تخاف ان يخرج وقت الصلاة فتبدأ
بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت».
وما رواه في
الكافي في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل أم قوما في العصر فذكر وهو يصلي
بهم انه لم يكن صلى الاولى؟
قال فليجعلها
الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة العصر وقد قضى القوم صلاتهم».
وما رواه الشيخ
عن معمر بن يحيى قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت له القبلة وقد دخل
وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها قبل ان يصلي هذه التي قد دخل وقتها». ورواها في موضع
آخر وزاد «إلا ان يخاف فوت التي دخل وقتها».
__________________
وما رواه في
كتاب قرب الاسناد بسنده الى علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي العشاء ثم ذكر بعد طلوع الفجر
كيف يصنع؟ قال يصلى العشاء ثم الفجر. قال وسألته عن رجل نسي الفجر حتى حضرت الظهر؟
قال يبدأ بالفجر ثم يصلي الظهر كذلك كل صلاة بعدها صلاة».
والتقريب في
هذه الاخبار انها دلت على الأمر بالقضاء ساعة الذكر متحدة كانت الفائتة أو متعددة
، وتضمنت الأمر بالعدول عن صاحبة الوقت متى ذكر الفائتة في أثنائها ، والأمر حقيقة
في الوجوب كما هو المتفق عليه بين محققي الأصوليين وقد قدمنا الدليل عليه من
الآيات القرآنية والسنة المعصومية ، وتضمنت وجوب تأخير صاحبة الوقت الى آخر وقتها
ما لم يتم القضاء ، وجميع ذلك أصرح صريح في المضايقة ، ويؤكد ذلك الأخبار الدالة
على الأمر بالمبادرة ساعة الذكر اي وقت كان ، ومنها ـ
صحيحة معاوية
بن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت
وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة».
وصحيحة زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «اربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة : صلاة
فاتتك فمتى ذكرتها أديتها. الحديث».
ورواية نعمان
الرازي قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل فاته شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند
غروبها؟ قال فليصل حين ذكره».
وموثقة زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ قال
يصليها إذا ذكرها في أي ساعة
__________________
ذكرها ليلا أو نهارا».
وصحيحة يعقوب
بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال يصلي حين يستيقظ. قلت أيوتر أو يصلي
الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة».
وصحيحة زرارة
والفضيل عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : فيها «ان شككت فيها بعد ما خرج وقت الفوت فقد دخل
حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن فان استيقنت فعليك ان تصليها في أي حال كنت».
واما ما أجاب
به في الذكرى عن خبري «خمس صلوات» ـ من انه لا يدل على الوجوب المضيق حيث انهما
اشتملا على صلاة الكسوف والجنازة والإحرام ولم يقل أحد بوجوب تقديمها على الحاضرة
ـ ففيه ان محل الاستدلال انما هو تقييد الصلاة الفائتة وتوقيتها بساعة الذكر كما
في تلك الأخبار الكثيرة لا ان أحدا يدعى المضايقة هو بيان ان هذه الصلوات لا تترك
متى حصل أسبابها لكراهة بعض الأوقات والمنع من الصلاة فيها بل تصلى في كل وقت ،
وعد منها الصلاة الفائتة وجعل وقتها ساعة الذكر ومثل ساعة الذكر وان كان في تلك
الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ، هذا حاصل معنى تلك الاخبار ولو صح ما توهمه لكان
الجواب عنه ما صرح به جملة من المحققين من انه إذا قام الدليل على إخراج بعض افراد
العام من عموم ذلك الحكم فإنه لا ينافي إثبات الحكم لما عداه مما لم يقم على خروجه
دليل فكذلك ما نحن فيه.
واما ما استدل
به المتأخرون كالشهيد في الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما على ما
ذهبوا اليه من القول بالمواسعة فروايات :
__________________
منها ـ صحيحة
عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا نام الرجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء
الآخرة فإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس».
ورواية أبي
بصير ـ والظاهر انه يحيي بن القاسم بقرينة شعيب عنه ـ عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو
نسي فإن استيقظ قبل الفجر بقدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته
إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وان استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم المغرب ثم
العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل
المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها».
وصحيحة محمد بن
مسلم قال : «سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال يصليها ان شاء بعد المغرب
وان شاء بعد العشاء».
ورواية الحسن
بن زياد الصيقل قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال
فليجعلها الاولى وليستأنف العصر. قلت فإنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم
ذكر؟ قال فليتم صلاته ثم ليقض بعد المغرب. قال قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر
ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الاولى ثم يستأنف وقلت لهذا يتم صلاته ثم ليقض بعد
المغرب فقال ليس هذا مثل هذا ان العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة». ورواية
جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له تفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب وذكرها
عند العشاء الآخرة؟ قال يبدأ بالوقت الذي هو فيه فإنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك
صلاة فريضة في وقت قد دخل ثم يقضي ما فاته الأول فالأول».
__________________
وصحيحة علي بن
جعفر المروية في كتاب قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل نسي المغرب حتى دخل وقت العشاء
الآخرة؟ قال يصلي العشاء ثم المغرب».
وموثقة عمار عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر العتمة فقال
ان حضرت العتمة وذكر ان عليه صلاة المغرب فأحب أن يبدأ بالمغرب بدأ وان أحب بدأ
بالعتمة ثم صلى المغرب بعدها».
واستدلوا أيضا
ـ زيادة على ذلك كما ذكره في الذكرى ـ بوجوه : (الأول) قضية الأصل ، قال فإنه دليل
قطعي حتى يثبت الخروج عنه. و (الثاني) لزوم الحرج والعسر المنفيين بالكتاب والسنة و (الثالث) عموم آي الصلاة مثل «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» «أَقِيمُوا الصَّلاةَ» قال فإنه يشمل من عليه فائتة وغيره. و (الرابع) تسويغ
الأصحاب الأذان والإقامة للقاضي مع استحبابهما وقد رووه بطرق كثيرة ثم ذكر بعض الاخبار الدالة على الأذان في أول ورده
والإقامة في كل منها ، وزاد في المدارك الاستدلال بالروايات الدالة على جواز
النافلة لمن عليه فريضة.
أقول : والجواب
اما عن الاخبار المذكورة (أولا) فإنه من القواعد المتكررة في كلامهم والدائرة على
رؤوس أقلامهم انهم لا يجمعون بين الخبرين المتعارضين إلا مع التكافؤ في الصحة
والصراحة والا فتراهم يطرحون المرجوح ويجعلون التأويل في جانبه لمرجوحيته وإبقاء
ما ترجح عليه على ظاهره ، ولا يخفى على المتأمل المنصف ان هذه الاخبار التي
استندوا إليها تقصر عن معارضة ما قدمناه سندا وعددا ودلالة كما ظهر وسيظهر لك ان
شاء الله ، فكيف عكسوا القضية هنا وعملوا بهذه الاخبار مع ما هي عليه وجعلوا
__________________
التأويل في تلك الاخبار مع ما هي عليه من الصحة والصراحة والاستفاضة؟
و (ثانيا) ـ انه
من القواعد المقررة في كلام أهل العصمة (عليهمالسلام) ـ وان كان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد أعرضوا عنها
واطرحوها كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم ، واتخذوا لهم قواعد في هذه الأبواب لم
يرد بها سنة ولا كتاب من حمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب ـ هو انه مع
اختلاف الاخبار تعرض على كتاب الله عزوجل ويؤخذ بما وافقه ويضرب ما خالفه عرض الحائط وقد عرفت تأيد الأخبار الأولة بتلك الآية الشريفة ،
وحينئذ فمقتضى القاعدة المذكورة وان كانت بينهم مهجورة هو العمل بتلك الاخبار كما
لا يخفى على من جاس خلال الديار
و (ثالثا) ـ ما
في هذه الروايات من تطرق الطعن إليها عند النظر بعين التحقيق والتأمل بالفكر
الصائب الدقيق :
فاما صحيحة عبد
الله بن سنان ورواية أبي بصير فباشتمالهما على ما لا يقول به الأصحاب وهو ايضا
خلاف ما استفاضت به الاخبار من المنع من قضاء الفريضة في ذلك الوقت ، وقد تقدم
الكلام في ذلك قريبا في المسألة السابعة من مسائل المقصد المتقدم ، وبينا ان الشيخ
(قدسسره) قد حمل هذه الاخبار على التقية لذلك ولاشتمالها ايضا
على امتداد وقت العشاءين الى طلوع الفجر وهو قول العامة وان تبعهم من أصحابنا من
تبعهم ، وقد تقدم تحقيق ذلك في مسألة بيان آخر وقت المغرب منقحا موضحا ، ومن ذلك
يظهر لك عدم جواز الاستناد إليهما والاعتماد عليهما. على ان صحيحة زرارة الطويلة
المتقدمة قد دلت في هذه الصورة على الأمر بتقديم المغرب والعشاء على الغداة وانه
ان خشي ان تفوته الغداة مع تقديمهما معا قدم المغرب وانه انما يصلى الغداة متقدمة
عليهما إذا خشي فواتها ، فهل يعارض هذا التفصيل الواضح في هذه الصحيحة المؤيدة بما
عرفت الواقع كله بلفظ الأمر الدال على الوجوب عندهم بمثل هاتين الروايتين
المتهافتتين
__________________
المخالف متنهما لأصول المذهب؟ ما هذا إلا عجيب واي عجيب.
واما صحيحة
محمد بن مسلم فالمراد بصلاة النهار فيها انما هو النوافل النهارية وقد تقدم الكلام
فيها وفي أمثالها منقحا في مسألة جواز التطوع في وقت الفريضة ، وكيف كان فلا أقل
من قيام الاحتمالين وبه يسقط الاستدلال من البين.
واما باقي
الروايات فإنها قد اشتركت كلها في الدلالة على ان من فاتته المغرب ثم ذكرها وقت
العشاء تلبس بشيء من العشاء أم لا فإنه يأتي بالعشاء أولا ، وهذا لا يخلو اما ان
يكون المراد بوقت العشاء فيها هو الوقت المختص وحينئذ فلا دليل فيها لما ادعوه
منها للاتفاق على اختصاص الوقت الأخير بالعشاء ، أو يكون المراد به الوقت المشترك
وحينئذ فيشكل التعويل عليها والاستناد إليها في ما ذكروه لانه لا خلاف نصا وفتوى
في وجوب الترتيب بين الفرائض الحاضرة في الوقت المشترك ، فالقول بتقديم العشاء في
الوقت المشترك في هذه الاخبار باطل البتة ويشبه ان يكون مخرج الروايات بهذا المعنى
مخرج التقية ، ومما يؤنس بذلك ذكره (عليهالسلام) في رواية الحسن الصيقل وجه الفرق بين من ذكر فوات
الظهر وهو في العصر وانه يعدل الى الظهر وبين من ذكر فوات المغرب وهو في العشاء
وانه يتم العشاء ثم يستأنف المغرب ، معللا ذلك بان العصر لا يجوز ان يصلى بعدها
فوجب العدول منها الى الظهر ثم الإتيان بها والعشاء لا تحرم الصلاة بعدها فوجب
إتمامها ثم الإتيان بالمغرب بعدها ، وهذا الفرق وجوبا أو استحبابا لا يتمشى على
أصولنا وانما يجري على قواعد العامة المانعين من الصلاة بعد العصر مطلقا كما تقدم.
والعلامة في المختلف بعد نقله موثقة عمار حمل المغرب فيها على مغرب سابقة فرارا من
الاشكال المذكور. وأنت خبير بأنه بالتأمل في تلك الروايات وإمعان النظر فيها يظهر
ان المغرب المذكورة انما هي مغرب ذلك اليوم وهو الذي فهمه منها عامة الأصحاب ولهذا
ان الشيخ في التهذيبين نسبه الى الشذوذ.
والمحدث الشيخ
الحر في الوسائل بعد نقله موثقة عمار احتمل فيها الحمل على التقية
وبعد ان نقل رواية الصيقل قال : هذا محمول على تضيق وقت العشاء دون العصر
لما تقدم لان ذلك أوضح دلالة وأوثق وأكثر وهو الموافق لعمل الأصحاب. انتهى. وفيه
ان التعليل المذكور في الرواية ظاهر في خلاف ما ذكره بل الوجه انما هو التقية
بقرينة التعليل المذكور.
وأجاب في
الذكرى عن رواية الصيقل بالحمل على مغرب أمسه ، قال وهو أولى لرواية زرارة عن ابي
جعفر (عليهالسلام) الدالة على العدول. وفيه ما في سابقه من المنافاة
لظاهر التعليل بل الوجه انما هو ما ذكرناه وهو الذي صرح به المحدث الكاشاني في
الوافي ، فانظر الى هذه الاخبار التي استندوا إليها بعين الاعتبار وترجيحهم لها
على تلك الأخبار الرفيعة المنار الساطعة الأنوار مع ما اشتملت عليه مما أوضحنا لك
بيانه من هذه الاكدار ، فتأولوا لأجلها تلك الاخبار بالحمل على الاستحباب وانه لمن
العجب العجاب عند من اعطى الإنصاف حقه في هذا الباب فاعتبروا يا اولى الألباب.
واما باقي
الأدلة التي أوردوها فهي في الضعف أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، أما
الأصل فمع تسليمه فإنه يجب الخروج عنه بالدليل وقد أوضحناه ، وهم قد يخرجون عنه
بما هو أقل من هذه الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار واما اللزوم العسر
والحرج ـ والظاهر انه أشار الى ما ذكره المرتضى (رضى الله عنه) من المنع من أكل ما
يزيد على سد الرمق ونحوه ـ فسيأتي بيان الجواب عنه ان شاء الله تعالى.
واما عموم آي
الصلاة فالجواب عنه بما أجيب به عن الأصل إذ لا خلاف بينهم ولا إشكال في تخصيص
عمومات القرآن وتقييد مطلقاته بالاخبار وان كان خبرا واحدا فضلا عن هذه الاخبار
المتعددة ، وما عارضوها به من أخبارهم المتقدمة فقد عرفت ضعفه عن المعارضة وتبين
قوة القول بها والتعويل عليها.
واما الاستناد
إلى الإقامة والأذان ـ كما ذكره وتبعه عليه جملة من الأعيان
كصاحب المدارك وغيره ـ فهو مما يقضى منه العجب عند ذوي الأفهام والأذهان
لاستفاضة الاخبار بل ربما يدعى الضرورة من الدين بأنهما من جملة الصلاة وان كانا
من مستحباتها فكيف يعترض بهما على وجوب تقديم الفائتة أو يعترض بهما على منافاة
الفورية. وبالجملة فان الواجب هو قضاء الصلاة التي هي عبارة عن الأذان والإقامة
وما بعدهما لا ان القضاء انما يختص بتكبيرة الإحرام وما بعدها ، غاية الأمر ان
الشارع رخص لمن عليه صلوات متعددة أن يأتي بأذان واحد في أول ورده ويكتفي في
الباقي بإقامة إقامة
واما بالنسبة
إلى الروايات المتضمنة لجواز النافلة لمن عليه فريضة كما ذكره في المدارك ففيه (أولا)
ان ظاهر ما قدمه في بحث الأوقات هو التوقف في هذه المسألة كما قدمنا ذكره في
المسألة المذكورة. و (ثانيا) ان هذه الروايات معارضة بجملة من الروايات الصحاح
الصراح الدالة على العدم كما تقدم تحقيقه في المسألة المذكورة.
أقول : انظر
رحمك الله تعالى الى ما لفقوه في هذه المسألة من هذه الأدلة العليلة والحجج
الواهية الضئيلة وخرجوا بها عن تلك الاخبار الصحاح الصراح التي هي في الدلالة على
المراد كضوء المصباح بل اسفار الصباح وتأولوها بالحمل على الاستحباب الذي لا مستند
له من سنة ولا كتاب وان عكفوا عليه في جميع الأبواب.
(الموضع الثالث)
ـ في نقل اجوبتهم عن الأدلة التي قدمناها واعتمدنا عليها في المقام والجواب عنها
بوجوه شافية وافية ظاهرة لذوي الأذهان والافهام ، ولنكتف هنا بما ذكره السيد السند
في المدارك لانه نقل ما ذكره من تقدمه وزاد على ذلك :
فنقول : قال (قدسسره) في الكتاب المذكور : احتج القائلون بالتضييق بالإجماع
والاحتياط وانه مأمور بالقضاء على الإطلاق والأوامر المطلقة للفور وقوله تعالى : «وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي» والمراد بها الفائتة لقوله (عليهالسلام) في رواية زرارة «ابدأ بالتي فاتتك فان الله تعالى يقول وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي». وما رواه الشيخ
__________________
في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) ثم ساق الرواية وهي صحيحة زرارة الطويلة التي صدرنا
بها الأخبار الدالة على القول المختار ، واقتصر عليها ولم يورد غيرها من الاخبار
التي قدمناها ، ثم قال : والجواب اما عن الإجماع فبالمنع منه في موضع النزاع خصوصا
مع مخالفة ابني بابويه اللذين هما من أجلاء هذه الطائفة واحتمال وجود المشارك لهم
في الفتوى. واما عن الاحتياط فبأنه انما يفيد الأولوية لا الوجوب مع انه معارض
بأصالة البراءة. واما قولهم الأوامر المطلقة للفور فممنوع بل الحق انها تدل على
طلب الماهية من غير اشعار بفور ولا تراخ ، قال في المعتبر ولو قالوا ادعى المرتضى
ان أوامر الشرع على الضيق ، قلنا يلزمه ما علمه واما نحن فلا نعلم ما ادعاه ، على
ان القول بالتضيق يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة ان يأكل شبعا أو ينام زائدا
على الضرورة أو يتعيش إلا لاكتساب قوت يومه له ولعياله وانه لو كان معه درهم ليومه
حرم عليه الاكتساب حتى تخلو يده والتزام ذلك مكابرة صرفة والتزام سوفسطائي (ولو
قيل) قد أشار أبو الصلاح الى ذلك (قلنا) فنحن نعلم من المسلمين كافة خلاف ما ذكره
فإن أكثر الناس يكون عليهم صلوات كثيرة فإذا صلى الإنسان منهم شهرين في يومه
استكثره الناس. واما الآية فلو سلم اختصاصها بالفائتة لم تدل على أزيد من الوجوب
ونحن نقول به ولا يلزم منه التضيق ، مع ان الظاهر تناولها للحاضرة والفائتة ، وذكر
المفسرون ان معنى قوله «لِذِكْرِي» ان الصلاة تذكر بالمعبود وتشغل اللسان والقلب بذكره ،
وقيل ان المراد لذكري خاصة لا ترائي بها ولا تشيبها بذكر غيري ، وقيل ان المراد
لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها. وهذه الوجوه كلها آتية في مطلق الصلاة الحاضرة
والفائتة. واما عن الرواية فبالحمل على الاستحباب جمعا بينها وبين صحيحة ابن سنان
المتضمنة للأمر بتقديم الحاضرة على الفوائت المتعددة ، واعمال الدليلين اولى من
اطراح أحدهما خصوصا مع اشتهار استعمال الأوامر في الندب. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه نظر من
وجوه : (الأول) ما ذكره في الجواب عن الإجماع وان كنا
لا نرى العمل بهذه الإجماعات المتناقلة إلا أنا نجيب عن ذلك إلزاما بمقتضى
قواعدهم المقررة بينهم وهو انهم قد صرحوا في الأصول بأن مخالفة معلوم النسب غير
قادح في الإجماع فإذا ادعى الإجماع من المتقدمين على هذا الحكم فمخالفة ابني
بابويه بناء على ما قرروه غير مانعة من حجيته ، واما المتأخرون فهم محجوجون به
بمقتضى قواعدهم فإنه متى كان الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة كما هو المذكور في
أصولهم ومخالفة معلوم النسب غير قادح في دعوى الإجماع فكيف ساغ لهم الخروج عنه
والقول بخلافه وهو أحد الأدلة الشرعية عندهم؟ واما الاطراء على ابني بابويه في هذا
الموضع بأنهم من أجلاء الطائفة حيث وافقوا ما اختاره ففيه ان مقتضى هذا الاطراء
أتباعهما في كل ما ذهبا اليه ولا أراه يقول به ، واما احتمال وجود المشارك فهو
أضعف فإنه إذا كان وجود المخالف المعلوم النسب غير قادح فكيف بالاحتمال؟ وهذا بحمد
الله سبحانه ظاهر لا خفاء فيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.
و (الثاني) ـ ما
ذكره ـ من منع دلالة الأمر على الفور ـ فان فيه انه ربما كان يذهب ذلك القائل إلى
القول بذلك والمسألة قد حققت في الأصول ، والحق فيها وان كان هو ما ذكره (قدسسره) من ان الأمر انما يدل على مجرد الطلب من غير اشعار
بتراخ ولا فورية ولكن الذي نقوله نحن هنا ان الأوامر لم تقع هنا مطلقة كما توهمه
بل وقعت مقيدة بساعة الذكر كما دلت عليه الآية والاخبار التي قدمناها والقول
بالمضايقة انما نشأ من ذلك ، ولهذا دلت الروايات الصحيحة على وجوب العدول من
الحاضرة لو ذكر الفائتة في أثنائها كما تكرر في صحيحة زرارة الطويلة المتقدمة
وغيرها وما ذاك إلا لأن الوقت لا يصلح لغيرها بل هو مختص بها ، وهكذا ما دام الوقت
متسعا مع تعدد الفوائت الى ان تتضيق الحاضرة ، وهذا كله انما نشأ من التضييق كما
لا يخفى على من شرب بكأس التحقيق فالأوامر هنا ليست مطلقة كما ظنه.
ولهذا ان
الفاضل الخراساني في الذخيرة استشعر ما ذكرناه وأجاب بجواب آخر فإنه ـ بعد ان منع
الفورية بكلام المحقق في المعتبر الذي تقدم نقله ـ قال ما صورته :
والاولى للمستدل ان يقول وقع الأمر بالفائتة عند الذكر ومقتضى ذلك عدم جواز
التأخير ، ثم أجاب بأن النصوص محمولة على بيان مبدأ الوجوب أو على الاستحباب جمعا.
الى آخره
وأنت خبير بما
في ذلك من التعسف والتكلف الذي لا ضرورة تلجئ إليه بعد وضوح الدلالة على ما
ادعيناه وانطباقها عليه ، وأي ثمرة تترتب على هذا القيد والحال ان مبدأ الوجوب
معلوم من تحقق الخطاب بالإتيان بالمأمور به ، فان السيد إذا قال لعبده افعل غير
مقيد بزمان ولا شرط علم ان مبدأ الوجوب من ذلك الوقت ، وكذلك إذا قال الشارع «من
فاتته صلاة فليقضها» فإنه لا ريب ان مبدأ الوجوب من علم المكلف بالفوائت مع علمه
بالحكم غاية الأمر انه يكون وجوبا موسعا. فأي ثمرة تترتب على هذا القيد والتقييد
بساعة الذكر لو لم يكن التضييق مرادا؟ ومن أظهر الروايات زيادة على ما قدمناه فيما
ذكرناه رواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم
أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا
فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، وان نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر
مسافرا كان أو مقيما». فانظر الى ظهوره في كون الأمر بالقضاء مقيدا بحين الذكر
فكأنه قال : «فليقض في هذا الوقت» تحقيقا للظرفية ، ونحوها غيرها من الروايات
المتقدمة واما ما ذكره من الحمل على الاستحباب فسيأتي ما فيه قريبا ان شاء الله
تعالى في المقام.
و (الثالث) ـ ما
ذكره في المعتبر ـ من ان القول بالتضييق يلزم منه منع من عليه صلوات كثيرة. إلخ ـ فإنه
ممنوع وانما اللازم منه وجوب المبادرة إلى إيقاعها في أي وقت ذكرها مقدمة على
غيرها كسائر الواجبات الفورية كما دلت عليه الاخبار المعتمدة. نعم يأتي ما ذكره
على قول من يذهب الى ان الأمر بالشيء يستلزم النهي
__________________
عن ضده الخاص فإنه يلزم منه المنع من جميع ما ذكره ، وهذا ليس مختصا بما
نحن فيه بل هو فرع القول بتلك المسألة في كل مأمور به فورا ، ولعل بعض من قال
بالمضايقة يذهب في تلك المسألة الأصولية إلى القول بان الأمر بالشيء يستلزم النهي
عن ضده الخاص فصرح هنا بما نقله ، وحينئذ فما أطال به ـ من تعديد تلك الإلزامات
وقوله بعد ذلك «ان التزام ذلك مكابرة صرفة. إلخ» ـ غير وارد على القول بالمضايقة
وانما هو ناشىء عن تلك المسألة الأصولية. وتصريح المرتضى (رضياللهعنه) بما شنعوا به عليه لعله انما نشأ عن هذا القول في تلك
المسألة فإنها مما طال فيها بينهم النزاع والجدال وأكثروا فيها من القيل والقال
وصنفت فيها الرسائل وأكثروا فيها من الدلائل. وبالجملة فإن الذي دلت عليه الآية
والروايات المتقدمة بأصرح دلالة هو القول بوجوب القضاء حين الذكر فيصير من قبيل
الأوامر الواجبة الفورية كالأمر بالحج والأمر بقضاء الدين بعد الحلول عند المطالبة
والتمكن من الأداء ونحو ذلك من الأوامر الموجبة لتأثيم المكلف بالإخلال بها مع
التمكن ، واما انه لا يجوز له الأكل والشرب ونحو ذلك من الأضداد الخاصة كما أطالوا
به التشنيع على هذا القول فإنه تطويل بغير طائل وتشنيع لا يرجع الى حاصل ، لان ذلك
فرع ذلك القول في المسألة الأصولية فإن كان من قام عنده الدليل فيها على ذلك القول
فله ان يفرع ما ذكر وأمثاله وإلا فلا ولا خصوصية له بهذه المسألة ، وبذلك يظهر ما
في كلام جملة من المتأخرين التابعين للمحقق في هذا التشنيع كما تقدم الإشارة إليه
في كلام الذكرى وكذا غيره.
و (الرابع) ـ ما
ذكره المحقق المذكور ـ من ان أكثر الناس عليهم صلوات كثيرة وانه إذا صلى الإنسان
شهرين في يوم استكثره الناس ـ فإنه كلام لا طائل تحته ولا ثمرة تترتب عليه ، وذلك
فإنه إذا قام الدليل في تلك المسألة الأصولية على ما ذهبوا اليه من استلزام الأمر
بالشيء النهي عن ضده الخاص كما ذهب إليه طائفة من أصحابنا : منهم ـ العلامة والمحقق
الأردبيلي وغيرهما ونفى عنه البعد السيد السند في المدارك لزم وجوب
الإتيان بالفوائت والمنع مما عداها ولو بأن يقضي سنة كاملة في يوم ،
واستكثار الناس ذلك لا مدخل له في الأحكام الشرعية إذا قامت الأدلة عليها. ثم اي
ناس يريد بأولئك الناس فإن أراد العامة الذين هم من النسناس فلا حجة فيه ولا عبرة
به وان أراد من هم المرجع في الأحكام الشرعية فهم يفرعون ذلك على تلك المسألة
الأصولية ، على ان لقائل أن يمنع صحة تلك الدعوى إذ من البعيد تعمد ترك الفرائض
والصلوات أو نسيانها على وجه يصل الى حد الكثرة من واحد فضلا عن كثيرة من الناس لا
عن الأكثر ، هذا كله على تقدير ثبوت ما ادعى في تلك المسألة الأصولية وإلا فمع عدم
الثبوت كما هو المشهور والمؤيد المنصور وان الأمر بالشيء انما يستلزم النهي عن
الضد العام لا يستلزم شيئا مما ذكروه ، على انهم قد صرحوا في وجوب إزالة النجاسة
عن المسجد وقضاء الدين ونحوهما من الواجبات الفورية بنحو ذلك ، وقد منعوا من
الصلاة إلا في آخر الوقت ومن كل ضد خاص ينافي الاشتغال بذلك المأمور به بناء على
ما اختاروه في تلك المسألة الأصولية ، وما نحن فيه كذلك.
و (الخامس) ـ ما
ذكره السيد المذكور ـ من انه مع تسليم اختصاص الآية بالفائتة فلا دلالة لها على
أمر أزيد من الوجوب. الى آخره ـ فان فيه انه ان أراد بالنظر الى لفظ الأمر فيها
فهو مسلم ولكن بالنظر الى الروايتين الواردتين بتفسير الآية المذكورة يظهر تقييد
الوجوب بحين الذكر ، وحينئذ فالآية بناء على تفسيرهم (عليهمالسلام) لها بما ذكروه ظاهرة في المدعى. واما ما أطال به من
الاحتمالات التي نقلها عن المفسرين فسيأتي ما فيه مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ،
ونحن انما استدللنا بالآية بناء على تفسيرهم (عليهمالسلام) لها بما ذكرناه (فان قيل) ان الاعتماد حينئذ على
الاخبار لا على الآية إذ الآية في حد ذاتها خالية عن ذلك كما اعترفتم به (قلنا)
هذه مغلطة لا تروج إلا على ضعيفي الأذهان من البله والنساء والصبيان فإنه لو تم
ذلك للزم ان العامل بكلام المفسرين للقرآن انما عمل بأقوال العلماء لا بالقرآن
والمتلقى لحل حديث
من اخبارهم (عليهمالسلام) عن شيخه لم يكن معولا الا على كلام شيخه لا على كلام
الامام (عليهالسلام) ولا يخفى ان المفسر لكلامه (عزوجل) انما هو مخبر عنه (عزوجل)
بان مراده بهذا الكلام هذا المعنى ولهذا منعنا عن العمل بتفسير غيرهم (عليهمالسلام) كما ظهر وسيظهر لك إنشاء الله تعالى بيانه ويثبت
بنيانه.
و (السادس) ـ ما
ذكره ايضا (قدسسره) ـ من ان الظاهر تناول الآية للحاضرة والفائتة واعتضاده
في ذلك بكلام المفسرين وان كان قد سبقه إليه جده في الروض والشهيد في الذكرى
وغيرهما ـ فان فيه ما يقضى منه العجب العجاب عند من مارس أخبار الأئمة الأطياب وما
ورد عنهم في الباب ، فإنه قد استفاضت الاخبار عنهم (عليهمالسلام) بالمنع من تفسير القرآن ولا سيما مجملاته ومتشابهاته
إلا بالأخذ عنهم (عليهمالسلام) وقد قدمنا ذكر ذلك في مقدمات الكتاب.
ونزيده هنا
بيانا بما رواه العياشي في تفسيره عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «من فسر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وان أخطأ
خر أبعد من السماء».
وفي الكافي عن
الصادق (عليهالسلام) قال : «ما ضرب القرآن رجل بعضه ببعض إلا كفر».
وروى غير واحد
من أصحابنا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) قال : «من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار».
وحمل الرأي على
الميل الطبيعي المترتب على الأغراض الفاسدة كما احتمله بعضهم بعيد غاية البعد كما
أوضحناه في كتابنا الدرر النجفية.
وما رواه
البرقي في كتاب المحاسن في باب (انزل الله في القرآن تبيان كل شيء) عن أبيه عن
الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة بن ميمون عن من حدثه عن المعلى ابن خنيس قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في رسالة : واما ما سألت عن
__________________
القرآن فذلك ايضا من خطراتك المتفاوتة المختلفة لأن القرآن ليس على ما ذكرت
وكل ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت اليه وانما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم
ولقوم يتلونه حق تلاوته وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه فاما غيرهم فما أشد إشكاله
عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انه ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن
وفي ذلك تحير الخلائق أجمعون إلا من شاء الله وانما أراد الله بتعميته في ذلك ان
ينتهوا الى بابه وصراطه وان يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوام بكتابه
والناطقين عن امره وان يستنبطوا ما احتاجوا اليه من ذلك عنهم (عليهمالسلام) لا عن أنفسهم ، ثم قال «وَلَوْ رَدُّوهُ
إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» فاما غيرهم فليس يعلم ذلك ابدا ولا يوجد وقد علمت انه
لا يستقيم ان يكون الخلق كلهم ولاة الأمر إذ لا يجدون من يأتمرون عليه ولا من
يبلغونه أمر الله ونهيه فجعل الله تعالى الولاة خواصا ليقتدي بهم من لم يخصصهم
بذلك فافهم ذلك ان شاء الله تعالى ، وإياك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير
مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ولا قادرين عليه ولا على تأويله
إلا من حده وبابه الذي جعله الله له فافهم ان شاء الله تعالى واطلب الأمر من مكانه
تجده ان شاء الله تعالى».
أقول : لو لم
يرد الا هذا الحديث الشريف لكفى به حجة في ما قلناه كيف والاخبار بذلك مستفيضة كما
بسطنا الكلام عليه في كتاب الدرر النجفية وأشرنا الى ذلك في مقدمات الكتاب ، وحينئذ
فكيف يجوز لمن وقف على هذه الاخبار وتأملها بعين الاعتبار ان يستند في تفسير مثل
هذه الآية التي هي من متشابهات القرآن الى تفسير هؤلاء المفسرين الضالين المضلين؟
وما نقله عن المفسرين فهو مأخوذ من تفسير البيضاوي فإنه ذكر هذه الاحتمالات ثم قال في آخرها : أو لذكر صلاتي لما روى عنه
__________________
(عليه الصلاة والسلام) قال : «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها
ان الله تعالى يقول وَأَقِمِ
الصَّلاةَ لِذِكْرِي». على ان المفهوم من كلام أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان ان ما
ذكرناه هو الذي عليه أكثر المفسرين فإنه روى في الكتاب المذكور عن الباقر (عليهالسلام) قال : ان معنى الآية أقم الصلاة متى ذكرت ان عليك صلاة
كنت في وقتها أم لم تكن. ونسبه الى أكثر المفسرين ثم قال ويعضده ما رواه أنس ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) قال «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها غير
ذلك وقرأ أقم الصلاة لذكري» رواه مسلم في الصحيح . انتهى. ومن ذلك يعلم اتفاق روايات الخاصة والعامة على
تفسير الآية بما ذكرناه ، وحينئذ فلا مجال للحمل على هذه الاحتمالات وضرب الصفح عن
الروايات وهل هو إلا من المغالطات والمجازفات؟ ثم العجب منه في ذكر هذه الاحتمالات
عن البيضاوي وعدم ذكره الاحتمال الأخير المؤيد بالرواية لكونه ظاهرا في الرد عليه.
و (السابع) ـ ما
ذكره ـ من حمل صحيحة زرارة الطويلة التي ذكرها على الاستحباب جمعا بينها وبين
صحيحة ابن سنان. الى آخر ما ذكر في المقام ـ فان فيه :
(أولا) ـ انك
قد عرفت ان المخالفة ليست مخصوصة بصحيحة زرارة بل بجملة الروايات التي قدمناها وقد
عرفت أنها مستفيضة متكاثرة لا تبلغ هذه الرواية قوة في معارضة الصحاح منها فضلا عن
الجميع الذي يقرب من عشرين رواية ، والجمع بمقتضى قاعدته في غير موضع فرع التكافؤ
في الصحة والدلالة وقد عرفت ما في دلالة روايته من المطاعن ، فالواجب هو العمل
بتلك الاخبار وجعل التأويل في جانب هذه الرواية لا العكس كما زعمه سيما مع ما عليه
الرواية المذكورة من تكرار هذا الحكم فيها الموجب لتأكده وتقويته ، ما هذه إلا
مجازفة ظاهرة.
و (ثانيا) ـ ما
قدمناه في غير مكان من ان هذه القاعدة وان اشتهرت بينهم
__________________
في الجمع بين الاخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب إلا انه
لا مستند لها من سنة ولا كتاب ومقتضى القواعد المروية عن أهل العصمة (عليهمالسلام) هو عرض الاخبار على القرآن والأخذ بما وافقه ، وقضية
الترجيح بهذه القاعدة العمل بالأخبار التي ذكرناها وطرح هذا الخبر في مقابلتها ،
والتشبث بما ذكره من ان اعمال الدليلين اولى من طرح أحدهما من البين من الاجتهادات
الصرفة لما تقدم بيانه في المقدمة السادسة من مقدمات الكتاب ، ونزيده بيانا هنا
فنقول لا ريب انه قد استفاضت الاخبار بطرح ما خالف القرآن في مقام الترجيح بالعرض
على الكتاب وطرح ما وافق العامة في مقام عرض الاخبار على مذهب العامة وطرح ما خالف
الأشهر في الرواية في مقام الترجيح بذلك أيضا فإذا أمر الأئمة (عليهمالسلام) بطرح الأخبار في هذه المقامات ونحوها ورخصوا في ذلك
فهل يليق ممن يعمل بأخبارهم ويتمسك بآثارهم ان يضرب عن ذلك صفحا ويعتمد على هذه
القاعدة التي ابتدعوها والمغالطة التي اخترعوها؟ ما هذا إلا اجتهاد في مقابلة
النصوص وجرأة على أهل الخصوص.
و (ثالثا) ـ انه
لو سلم له ذلك في الاخبار فلا يتم في الآية لاتفاقهم على كون الأوامر القرآنية
للوجوب إلا ما خرج بدليل ، وقد عرفت مما قدمناه تأكد دلالتها على الوجوب بمعونة
الأخبار سيما الأخبار الواردة في تفسيرها فكيف يمكن حملها على الاستحباب؟
و (رابعا) ـ انهم
قد حققوا في الأصول ان الأمر حقيقة في الوجوب وبه استدل هذا القائل في غير موضع من
كتابه بل ذهب في جملة من المواضع إلى دلالة الجملة الخبرية على ذلك ايضا وهو
المؤيد بالآيات القرآنية والأخبار المعصومية كما تقدم في مقدمات الكتاب ، ولا ريب
ان الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ، ومجرد اختلاف الاخبار
ليس من قرائن المجاز. وايضا فالاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل الواضح كالوجوب
والتحريم واختلاف الاخبار ليس دليلا شرعيا
__________________
على ذلك ، والاستناد الى اشتهار استعمال الأمر في الندب كما ذكره مردود
بأنه ان كان ثمة قرينة توجب الخروج عن الحقيقة فلا دلالة فيه وإلا فهو ممنوع بل هو
أول المسألة.
تذييل جميل وتكميل نبيل
اعلم ان ممن
ذهب الى القول بالمواسعة السيد الجليل ذو المقامات والكرامات رضي الدين بن علي بن
طاوس في رسالة صنفها في المسألة وذكر فيها الاستدلال ببعض الأخبار المتقدمة في
أدلة القائلين بالمواسعة وزاد عليها اخبارا غريبة اطلع عليها من الأصول التي عنده
، والفاضل الخراساني في الذخيرة لما اختار هذا القول في الكتاب المذكور أطال في
الاستدلال عليه بأدلة جمع فيها بين الغث والسمين والعاطل والثمين ونقل فيها تلك
الأخبار الغريبة التي ذكرها السيد المشار إليه في رسالته ، فرأينا نقل كلامه في
المقام والكلام على ما فيه من نقض وإبرام وتحقيق ما هو الحق الظاهر لذوي الأفهام
لئلا يغتر بكلامه من لا يعض على المسألة بضرس قاطع ويظن ما ذكره شرابا وهو سراب
لامع :
قال (قدسسره) والأقرب عندي القول بالمواسعة ، لنا ـ إطلاقات الآيات
الدالة على وجوب إقامة الصلاة المتحققة لكل وقت إلا ما خرج بالدليل ، وقوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» والاخبار الدالة على ذلك كقوله (عليهالسلام) «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر». وأوضح منها دلالة صحيحة سعد بن
سعد قال : «قال الرضا (عليهالسلام) إذا دخل الوقت عليك فصلها فإنك لا تدري ما يكون». ثم
نقل صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير السابقتين ثم نقل صحيحة سعيد الأعرج الدالة على انه (صلىاللهعليهوآله) نام
__________________
عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى
الفجر ثم نقل موثقة عمار الساباطي المتقدمة الدالة على انه من ذكر المغرب في وقت العتمة تخير في
تقديم أيهما شاء ، وحمل المغرب فيها على مغرب أمسه ، ثم نقل رواية أخرى عن عمار
ايضا وهي ما رواه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس
وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضى بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة
بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل». ثم نقل عن عمار في
خبر آخر قال : «فإذا أردت ان تقضي شيئا من الصلاة مكتوبة أو
غيرها فلا تصل شيئا حتى تبدأ فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثم اقض
ما شئت». ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي المتضمنتين للسؤال عن من فاتته صلاة النهار قال يقضيها
ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء ، ثم نقل رواية أبي بصير الدالة على ذلك ثم قال : وجه الدلالة في هذه الأخبار الثلاثة ان صلاة
النهار أعم من الفريضة والنافلة ، ثم نقل رواية جميل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له يفوت الرجل الاولى والعصر. الخبر». ثم
رواية الحسن الصيقل ثم رواية علي بن جعفر ، وقد تقدم جميع ذلك في أدلة القائلين
بالمواسعة ، ثم نقل رواية من كتاب الحسين بن سعيد وهي إحدى الروايات الغريبة من روايات السيد المتقدم بما
هذا لفظه : صفوان عن عيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل عليه وقت صلاة
أخرى؟ فقال ان كانت صلاة الأولى فليبدأ بها وان كانت صلاة العصر فليصل العشاء ثم
يصلى العصر». ثم نقل عن أصل عبيد الله الحلبي وهذا ايضا من اخبار السيد المذكور ما هذا لفظه «ومن نام أو نسي ان يصلي المغرب
__________________
والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر بمقدار ما يصليهما جميعا فليصلهما وان
استيقظ بعد الفجر فليصل الفجر ثم يصل المغرب ثم العشاء». ثم قال : ومما يؤيد
المطلوب الأخبار الدالة على كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المكروهة وقد سلفت في
محلها وفي بعضها تصريح بالقضاء كقوله (عليهالسلام) في موثقة عمار الساباطي «وقد سأله عن الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر عن صلاة الفجر : فان طلعت
الشمس قبل ان يصلي ركعة فليقطع الصلاة ولا يصلي حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». والاخبار
الدالة على استحباب الأذان والإقامة لقاضي الصلاة الى ان قال : ومما يؤيد المطلوب ان القول بالمضايقة على
الوجه الذي ذكر يتضمن حرجا عظيما وعسرا بالغا ومشقة شديدة لأنه يحتاج الى ضبط
الأوقات ومعرفة الساعات والرصد لآخر كل صلاة وضبط انتصاف الليل ومعرفة طلوع الشمس
وغروبها وضبطها بحيث يتحقق إتمام الحاضرة عنده ، ولا شك في كون هذه الأشياء من
أعظم الحرج. وكذا ما ذكره جماعة منهم من الاقتصار على أقل ما يحصل به التعيش بتضمن
حرجا عظيما وتعطيلا في الأمور وتفويتا للأغراض ، وقد يدعى الإجماع من فقهاء
الأعصار والأمصار على بطلان ذلك. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : لا يخفى
ما فيه من التطويل الذي ليس عليه مزيد تعويل ، فاما ما ذكره ـ من الاستدلال
بالعمومات الدالة على الأمر بالصلاة بدخول الوقت والمسارعة لها والعمومات الدالة
على جواز قضاء النوافل في كل وقت ونحوها ـ ففيه انه قد وقع الاتفاق منهم على عدم
العمل بها على عمومها بل خصوصها بأدلة من خارج في مواضع كما أشار إليه بقوله : «إلا
ما خرج بالدليل» فليكن ما نحن فيه من ذلك القبيل لقيام تلك الأدلة التي قدمناها
آية ورواية على المنع من الصلاة والحال كذلك ، والأمر بتقديم الفائتة وتأخير
الحاضرة إلى آخر وقتها والعدول عنها لو ذكر في الأثناء ، فيكون عموم الأخبار
والآيات التي ذكرها
__________________
مخصصا بما ذكرناه ، على انهم قد صرحوا في الأصول بأنه لا يجوز العمل بالعام
قبل استقصاء البحث في طلب المخصص بل قال جماعة منهم انه ممتنع إجماعا ، فعلى هذا
انما يستدل بالعام بعد الطلب لكل ما يصلح للتخصيص ، وحينئذ فلا حجة في الاستدلال
بالعام على الخصم لصراحة المخصص في التخصيص وقبول العام له. واما حمل ذلك المخصص
على ما هو بعيد عن سياق عبارته ومفاد ألفاظه ـ بدعوى مقابلته بما هو راجح منه
فيخرج عن التخصيص للعام ـ فهو مسلم بعد ثبوت تلك الدعوى وحيث لم تثبت فالتخصيص
ثابت. والاستدلال بالعام هنا على المسألة التنازع فيها مع كون الاستدلال متوقفا
على عدم صلوح المخصص المشار اليه للتخصيص دور كما لا يخفى.
واما الجواب عن
صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فقد تقدم في الجواب عن كلام صاحب المدارك
وتحقيقه ما تقدم في بحث الأوقات. واما صحيحة سعيد الأعرج فقد تقدم ايضا الجواب
عنها في الأوقات. واما موثقة عمار الاولى فقد تقدم الجواب عنها ايضا واما روايته
الثانية فهي مخالفة للكتاب والسنة والإجماع وما هذا سبيله فلا تقوم به الحجة الا
على الرعاع العادمي الأبصار والأسماع ، إذ جواز القضاء بالنهار ثابت بالثلاثة
المذكورة ، وبالجملة فإنه ليس في الاستدلال بمثل هذا الخبر إلا تكثير السواد
وإضاعة القرطاس والمداد ، وهذا من جملة أخبار السيد المتقدم ذكره في رسالته ايضا. واما
الخبر الثالث عن عمار ايضا فظاهره كما ترى النهى عن القضاء في المكتوبة وغيرها حتى
يصلي نافلة قبل الفريضة التي حضر وقتها ثم يقضي ، وليس فيه تصريح بتقديم الفريضة
التي هي صاحبة الوقت على القضاء وانما تضمن صلاة ركعتين نافلة ثم القضاء ، ومفاده
تحريم القضاء أو كراهته على غير هذه الكيفية ، ولا اعرف به قائلا ولا عاملا إلا ان
يكون هذا المستدل الذي أورده واعتمده دليلا إذ هو مقتضى استدلاله ولعله يقول به
وأمثاله من اخباره المتقدمة وكفى به شناعة.
فانظر أيدك
الله تعالى الى هذه الأدلة المخالفة لأصول المذهب وقواعده كما عرفت
ولا سيما روايات عمار.
ولله در المحدث
الكاشاني في الوافي حيث قال ـ في موضع منه بعد نقل بعض أخباره المخالفة وبعد ان
تكلف في تأويله ـ ما صورته : هذا مع ما في روايته من الطعن المشهور وما في
رواياتهم من الخلل والقصور. وقال في موضع آخر بعد نقل بعض رواياته التي من هذا
القبيل : ولو كان الراوي غير عمار لحكمنا بذلك إلا ان عمارا ممن لا يوثق باخباره.
وقال في ثالث ـ بعد ان نقل عنه حديثا دالا على المنع من الصلاة متى أكل اللبن حتى
يغسل يديه ويتمضمض ـ ما صورته : هذا مع ما في اخبار عمار من الغرائب. انتهى.
وبالجملة
فالواجب أولا في مقام الاستدلال ملاحظة الدليل فان كان ما تضمنه سالما من الطعن
فلا بأس من إيراده والاستدلال به وإلا فلا ، ومن الظاهر ان هذا المستدل لا يقول
بهذه الأخبار المتهافتة ولا سيما روايات عمار فكيف يحسن منه الاستدلال بها ويروم
إلزام الخصم بها؟ واما الروايات الثلاثة الدالة على قضاء صلاة النهار ان شاء بعد
المغرب وان شاء بعد العشاء فقد عرفت ان المراد من صلاة النهار انما هو نافلة
النهار كما هو المفهوم من كلام الأصحاب في هذا المقام وبه صرح هو وغيره من الأعلام
حيث أوردوها دليلا على جواز قضاء النوافل في الأوقات المذكورة كما قدمنا تحقيقه في
تلك المسألة ، وعلى تقدير احتمال شمولها للفرائض فهي محمولة على تلك الروايات
الدالة على وجوب القضاء وفوريته ومخصصة بها إلا ان الأول هو المعتمد.
واما روايتا
الصيقل وعلي بن جعفر فقد تقدم الجواب عنهما واما رواية عيص ابن القاسم المنقولة من
كتاب الحسين بن سعيد وما اشتملت عليه من التفصيل ـ وهذه ايضا من روايات السيد المتقدم
ذكره ـ فالجواب عنها ما تقدم في الجواب عن خبر الصيقل فان هذا الفرق بين الاولى
والعصر انما يتمشى على مذهب العامة وأصولهم ولا أظن هذين الفاضلين المستدلين به
يقولان بمضمونه فكيف يرومان الاستدلال به؟ واما ما نقله
عن كتاب عبيد الله بن علي الحلبي ـ وهو ايضا من روايات السيد المتقدم ـ فهو
مضمون ما دلت عليه صحيحة عبد الله بن سنان ورواية أبي بصير فالجواب عنه عين الجواب
عنهما وقد تقدم والطعن عليه وارد كالطعن عليهما.
واما ما ذكره
من الاخبار الدالة على كراهة الصلاة مطلقا في الأوقات المكروهة فهي غير معمول
عليها عندنا ولا قائل بها منا ، فإذا لم يقل هو ولا غيره بمضمونها فكيف يسوغ له
الاستدلال بها؟ بل هي محمولة على التقية البتة لمعارضتها بالأخبار الصحيحة الصريحة
المستفيضة الدالة على قضاء الفريضة في كل وقت سيما بعد العصر فإنه من سر آل محمد
المخزون وكذا سائر تلك المواضع فريضة كانت أو نافلة ، مضافا الى
اتفاق الأصحاب على ذلك وانما الكلام في المبتدأة كما تقدم.
واما رواية
عمار الدالة على المنع من قضاء صلاة الصبح والأمر بقطعها لو طلعت عليه الشمس ولم
يصل منها ركعة فهي مردودة بالأخبار المستفيضة الدالة على خلاف ذلك عموما وخصوصا في
الفريضة بل النافلة كما في صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي
الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة». وقد ورد في الاخبار ان القضاء بعد الغداة وبعد العصر من سر آل محمد
المخزون. وبالجملة فالرواية لا قائل بها من الأصحاب ولا عاضد لها من سنة ولا كتاب
بل الاخبار في ردها ظاهرة لذوي الألباب فليس في إيرادها وأمثالها مما تقدم إلا
التطويل والاطناب سيما والراوي عمار الذي عرفت ما في رواياته من العجب العجاب ،
والرواية المذكورة محمولة على التقية كما في نظائرها.
والعجب من هذا
المستدل ان جميع ما أورده إلا النزر القليل لا يقول بمضمونه كما لا يخفى على من
راجع كتابه لمخالفته لأصول المذهب وقواعده فكيف يتوهم إلزام
__________________
الخصم به في المقام؟ ما هذا إلا عجيب كما لا يخفى على ذوي الألباب
والافهام.
واما ما ادعاه
من الحرج العظيم في ضبط الأوقات ومعرفة الساعات وضبط انتصاف الليل وطلوع الشمس
وغروبها فهل هو إلا رد على الشارع من حيث لا يشعر قائله حيث انه جعل هذه الأوقات
حدودا للفرائض والصلوات وجعلها مناطا للأداء والقضاء واختصاص الفريضة الثانية من
آخره بمقدارها والاولى من اوله بمقدارها ونحو ذلك والأمر في المقامين واحد ،
والحرج ليس دائرا مدار ما تفر منه النفوس البشرية وتستثقله الطبائع الإنسانية وان
اقتضته الأدلة الشرعية وإلا لسقطت جملة من التكاليف الشاقة كالجهاد والحج والصوم
في الأيام الصائفة ونحو ذلك لنفور النفوس منها. واما ما ذكره من لزوم الحرج
بالاقتصار على أقل ما يتعيش به فقد عرفت انه ليس من لوازم هذه المسألة بخصوصها.
وبما ذكرنا
يظهر لك ان جميع ما ذكره انما هو كغيم علا فاستعلى ثم فرقته الريح فتفرق وانجلى.
والله العالم.
(الموضع الرابع)
ـ في بيان ضعف القولين الآخرين وهما ما ذهب اليه صاحب المدارك تبعا للمحقق من وجوب
تقديم الفائتة المتحدة دون المتعددة ، وما ذهب إليه في المختلف من وجوب تقديم
الفائتة ان ذكرها في يوم الفوات سواء اتحدت أو تعددت ، وان لم يذكرها حتى يمضي ذلك
اليوم جاز له فعل الحاضرة في أول وقتها.
فاما القول
الأول فيرده (أولا) انه انما استدل على جواز تقديم الحاضرة على الفوائت المتعددة
بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة التي قد عرفت تطرق الطعن إليها بما قدمناه ،
ولكن عذره في الاستدلال بها ظاهر حيث انه في باب الأوقات استدل بها على امتداد وقت
العشاءين الى قبل الفجر للمضطر ، ونحن قد قدمنا في تلك المسألة بطلان هذا
الاستدلال وان هذه الرواية الدالة على ذلك ونحوها انما خرجت مخرج التقية وحينئذ
فلا دلالة فيها في الموضعين على ما ادعاه.
و (ثانيا) ـ انها
معارضة بصحيحة زرارة الطويلة لدلالتها على وجوب تقديم الفوائت المتعددة على صاحبة
الوقت حيث تضمنت تقديم قضاء المغرب والعشاء على صلاة الصبح بقوله (عليهالسلام) : «وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ
بهما قبل ان تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء. الحديث» والسيد المذكور قد حمله
على الاستحباب جمعا بينه وبين صحيحة ابن سنان. وفيه ما عرفت من ضعف الصحيحة
المذكورة بما ذكرنا من الطعن فيما تضمنته ، مع ما عرفت في الحمل على الاستحباب
آنفا ، على ان ما تضمنته صحيحة زرارة من الحكم المذكور معتضد بجملة من الأخبار
الظاهرة في الوجوب مثل صحيحته الأخرى حيث «سئل (عليهالسلام) عن من نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال يقضيها إذا
ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته
فليقض ما لم يتخوف ان يذهب وقت هذه الحاضرة. الحديث». فإنه صريح في وجوب تقديم
الفوائت المتعددة كما ترى ، ومثلها الروايات الدالة على الأمر بالقضاء ما لم يتضيق
وقت الحاضرة فإنها شاملة بإطلاقها للمتحدة والمتعددة بل ظاهرة في
المتعددة ، وحينئذ فارتكاب التأويل في هذه الروايات بتلك الرواية المعلولة ـ مع ما
عرفت في هذا الحمل من الوجوه التي قدمناها دالة على عدم صحته في نفسه ـ مجازفة
محضة في أحكامه سبحانه ، وبذلك يظهر لك ضعف القول المذكور.
واما القول
الثاني من القولين المذكورين فلا اعرف له وجها وجيها من الأخبار وان أطال في
المختلف في ذلك من غير طائل بل ظواهر الأخبار تدفعه ، قال في المدارك واعلم ان
العلامة في المختلف استدل برواية زرارة المتقدمة على وجوب تقديم فائتة اليوم ثم
قال (لا يقال) هذا الحديث يدل على وجوب الابتداء بالقضاء في اليوم الثاني لأنه
__________________
(عليهالسلام) قال : «وان كان المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ
بهما قبل ان تصلي الغداة» ان كان الأمر للوجوب وإلا سقط الاستدلال به (لأنا نقول)
جاز ان يكون للوجوب في الأول دون الثاني لدليل فإنه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا
كونه للوجوب في كل شيء. وهو جيد. انتهى. أقول : أشار برواية زرارة المتقدمة إلى
روايته الطويلة فإنها هي المشتملة على هذا الكلام كما قدمناه.
ثم أقول ما
استجوده من كلام المختلف هنا لا اعرف له وجها يعتمد عليه فإنه متى كان الأمر حقيقة
في الوجوب كما هو مقتضى استدلاله بالرواية وبه اعترفوا في الأصول فتخصيص ذلك بموضع
دون موضع يحتاج إلى القرينة الصارفة. والى ذلك يشير ايضا كلامه هنا بقوله «لدليل»
وكان الواجب عليه بيان هذا الدليل الصارف عن الوجوب في هذا المقام مع انه لم يبين
ذلك ولا هذا القائل الذي استجود كلامه لكونه موافقا لغرضه كما تقدم وانما اعتمدوا
على مجرد الدعوى التي لا تسمن ولا تغني من جوع كما لا يخفى على من له إلى الإنصاف
ادنى رجوع. وبالجملة فإن قوله : «انه لا يجب من كونه للوجوب مطلقا كونه للوجوب في
كل شيء» لا معنى له إلا ان يقوم الصارف عن الوجوب في بعض المواضع فيخرج عن حقيقته
الى المجاز وإلا فهو في كل موضع أطلق انما يتبادر منه الوجوب
ومن أظهر
الأدلة الدالة على رد هذا القول الآية والأخبار المستفيضة بوجوب القضاء حين الذكر
كما قدمناه ، ووجوب تأخير صاحبة الوقت الى آخره مع عدم استيفاء القضاء قبل ذلك ،
ووجوب العدول عن الحاضرة مع الذكرى في أثنائها ، فإنها شاملة بإطلاقها وعموماتها
لفائتة اليوم وغيره ، وصحيحة زرارة المذكورة صريحة في رده. وما أجاب به عن ذلك غير
موجه وان وافقه السيد المذكور عليه لكونه موافقا لاختياره.
وغاية ما استدل
به في المختلف لجواز تقديم الحاضرة هو عموم الآيات التي تقدمت في صدر كلام الفاضل
الخراساني والاخبار الدالة على المواسعة ، وقد عرفت ما في جميع ذلك ، ومع الإغماض
عن ذلك فغاية ما تدل عليه الأدلة المذكورة من آية ورواية هو المواسعة مطلقا
وتخصيصها
بغير يوم الفوات كما ادعاه يحتاج الى دليل.
وبالجملة
فالأدلة قد تعارضت آية ورواية في المواسعة مطلقا والمضايقة مطلقا وكل منهما مطلق
في فائتة اليوم وغيره متحدة أو متعددة ، واللازم من ذلك اما القول بالمضايقة مطلقا
أو المواسعة مطلقا ، واما تفصيل أصحاب هذين القولين فلا دليل عليه في البين ولا
اثر له في الاخبار ولا عين بل هي في رده ظاهرة من الطرفين. والله العالم بحقائق
أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.
المقدمة الرابعة في القبلة
وفيها بحوث (الأول)
في الماهية وما يتبعها ، قيل : القبلة لغة الحالة التي عليها الإنسان حال استقباله
الشيء ثم نقلت في العرف الى ما يجب استقبال عينه أو جهته في الصلاة.
والمراد هنا
بالقبلة الكعبة المعظمة بالضرورة من الدين وان وقع الخلاف ـ كما سيأتي ـ بالنسبة
إلى البعيد عنها في الجهة والمسجد والحرم الا ان ذلك راجع إليها بطريق الآخرة ويدل
على ذلك الأخبار المستفيضة ، فروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته هل كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي الى بيت المقدس؟ قال نعم. فقلت أكان يجعل الكعبة
خلف ظهره؟ فقال اما إذا كان بمكة فلا واما إذا هاجر الى المدينة فنعم حتى حول الى
الكعبة».
وروى الثقة
الجليل علي بن إبراهيم القمي بإسناده إلى الصادق (عليهالسلام) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشرة سنة وبعد هجرته (صلىاللهعليهوآله) صلى بالمدينة سبعة أشهر ثم وجهه الله تعالى إلى الكعبة
، وذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ويقولون له أنت
__________________
تابع لنا تصلي إلى قبلتنا فاغتم رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر إلى أفاق
السماء ينتظر من الله تعالى في ذلك امرا فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر كان في
مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين فنزل عليه جبرئيل فأخذ بعضديه وحوله إلى
الكعبة وانزل عليه «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» فصلى ركعتين الى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة».
وقال الصدوق في
الفقيه : صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة
عشر شهرا بالمدينة ثم عيرته اليهود فقالوا له انك تابع قبلتنا فاغتم لذلك غما
شديدا فلما كان في بعض الليل خرج (صلىاللهعليهوآله) يقلب وجهه في آفاق السماء فلما أصبح صلى الغداة فلما
صلى من الظهر ركعتين جاءه جبرئيل فقال له «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ... الآية» ثم أخذ بيد النبي (صلىاللهعليهوآله) فحول وجهه إلى الكعبة وحول من خلفه وجوههم حتى قام
الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال فكان أول صلاته الى بيت المقدس وآخرها إلى
الكعبة وبلغ الخبر مسجدا بالمدينة وقد صلى اهله من العصر ركعتين فحولوا نحو القبلة
فكانت أول صلاتهم الى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين
، فقال المسلمون صلاتنا الى بيت المقدس تضييع يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فانزل الله عزوجل «وَما كانَ اللهُ
لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» يعني صلاتكم الى بيت المقدس. قال في الفقيه قد أخرجت
الخبر في ذلك على وجهه في كتاب النبوة.
أقول : وربما
يتسارع الى الناظر المنافاة بين هذه الأخبار بالنسبة إلى صلاة النبي
__________________
(صلىاللهعليهوآله) في مكة فإن الخبر الأول دال انه يستقبل الكعبة والخبران
الأخيران على انه يستقبل بيت المقدس ووجه الجمع بينهما ممكن بجعل الكعبة بينه وبين بيت
المقدس فيصلي إليهما معا فلا منافاة.
وروى الشيخ في
التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال «سألته عن قول الله تعالى «وَما جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ» امره به؟ قال نعم ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يقلب وجهه في السماء فعلم الله عزوجل ما في نفسه فقال قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها» .
وروى الشيخ في
التهذيب عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له متى صرف رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إلى الكعبة؟ قال بعد رجوعه من بدر».
وعن ابي بصير
عن أحدهما (عليهماالسلام) في حديث قال : «قلت له الله أمره ان يصلي الى بيت
المقدس؟ قال نعم ألا ترى ان الله تعالى يقول «وَما جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ
... الآية» ثم قال ان بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة قد صلوا
ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم ان نبيكم (صلىاللهعليهوآله) قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال
مكان النساء
__________________
وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين فلذلك
سمى مسجدهم مسجد القبلتين». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام.
واما ما يدل
على وجوب التوجه نحوها زيادة على اتفاق المسلمين بل الضرورة من الدين ، فمنها ـ ما
رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الفرض في الصلاة؟ فقال الوقت والطهور والقبلة
والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ فقال سنة في فريضة».
وروى في الفقيه
مرسلا قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) لزرارة : لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت
والقبلة والركوع والسجود».
وروى الشيخ في
التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن قول الله تعالى «فَأَقِمْ وَجْهَكَ
لِلدِّينِ حَنِيفاً» قال أمره أن يقيم وجهه للقبلة ليس فيه شيء من عبادة
الأوثان خالصا مخلصا».
وروى المشايخ
الثلاثة في الصحيح في الكافي والتهذيب عن زرارة عن ابي جعفر ومرسلا في الفقيه عن
ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك فان الله تعالى قال لنبيه (صلىاللهعليهوآله) في الفريضة «فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ
شَطْرَهُ» واخشع ببصرك ولا ترفعه الى السماء وليكن حذاء وجهك في
موضع سجودك».
وروى الصدوق في
الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قال قلت اين حد القبلة؟
قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله. قال قلت فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم
في غير الوقت؟ قال يعيد».
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يجب
__________________
استقباله فذهب المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في
المعتبر والنافع والعلامة وأكثر المتأخرين إلى انه عين الكعبة لمن تمكن من العلم
بها من غير مشقة شديدة عادة كالمصلي في بيوت مكة وجهتها لغيره من البعيد ونحوه ،
واختاره في المدارك. وذهب الشيخان وجمع من الأصحاب : منهم ـ سلار وابن البراج وابن
حمزة والمحقق في الشرائع إلى ان الكعبة قبلة لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن
كان في الحرم والحرم قبلة لأهل الدنيا ممن بعد ، ورواه الصدوق في الفقيه ونسبه في الذكرى الى أكثر الأصحاب ، ونسبه في المختلف
الى ابن زهرة أيضا ولعله في غير كتابه الغنية فإن بعض الأصحاب نقل عنه في الكتاب
المذكور انه قال : القبلة هي الكعبة فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها ومن
شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة وجب عليه التوجه اليه ومن لم يشاهده توجه
نحوه بلا خلاف. انتهى. وهذه العبارة كما ترى عارية عن ذكر الحرم وانه قبلة لمن نأى
عنه كما صرح به أصحاب القول الثاني.
قيل : والظاهر
انه لا خلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد ومن هو بحكمه وان كان
خارج المسجد فقد صرح به من أصحاب القول الثاني الشيخ في المبسوط وابن حمزة في
الوسيلة وابن زهرة في الغنية ونقل المحقق الإجماع عليه لكن ظاهر كلام الشيخ في
النهاية والخلاف يخالف ذلك.
أقول : غاية ما
يمكن القطع به هنا في اجتماع القولين بالنسبة إلى المشاهد خاصة وإلا فمن بحكمه
كالمصلي في بيوت مكة وفي الحرم مع عدم المشاهدة فإن ظاهر أصحاب القول الأول ان
القبلة في حقه هي الكعبة وظاهر أصحاب القول الثاني انما هو المسجد.
واستدل في
المعتبر على وجوب استقبال العين للقريب بإجماع العلماء كافة على ذلك. وقال في
المدارك بعد نقل ذلك : فان تم فهو الحجة وإلا أمكن المناقشة في ذلك إذ الآية
الشريفة انما تدل على استقبال شطر المسجد الحرام والروايات خالية من هذا
__________________
التفصيل. انتهى. وهو جيد إذ لم نقف في شيء من الاخبار المستدل بها على
القول الأول كما سيأتيك ان شاء الله تعالى على التفصيل بين القريب والبعيد بالعين
والجهة كما ذكروا ، بل ظاهر الآية هو استقبال شطر المسجد الحرام يعني جهته مطلقا.
وهذا أحد الوجوه التي يمكن تطرق الضعف بها الى القول الأول.
واستدل في
المدارك للقول الأول بالنسبة إلى البعيد بما رواه زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قلت له اين حد
القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله».
أقول : ويقرب
من هذه الرواية ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) «في الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة
يمينا أو شمالا؟ قال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».
أقول : لا يخفى
ما في الاستدلال بهاتين الروايتين من الإشكال فإن القول باتساع الجهة بهذا المقدار
مما لم يذهب إليه أحد في ما اعلم. نعم صرحوا بذلك بالنسبة الى من أخطأ ظنه في
القبلة أو جهل القبلة فظهرت صلاته بعد الفراغ في ما بين المشرق والمغرب فإنه لا
اعادة عليه.
واستدل في
الذخيرة لذلك أيضا بالأخبار المتقدمة في صدر المبحث كخبر علي ابن إبراهيم وما ذكره
في الفقيه وصحيحة الحلبي أو حسنته ونحوها مما دل على انه (صلىاللهعليهوآله) صلى إلى الكعبة وليس المراد العين البتة فيحمل على
جهتها كما هو المدعى وفيه ان الآية التي أوردوها دليلا على الحكم المذكور في أكثر
هذه الاخبار انما تضمنت الأمر بالصلاة شطر المسجد الحرام اي جهته وناحيته ووجه
الجمع يقتضي حمل الكعبة على جهة المسجد الحرام تجوزا لأن الآية إنما دلت على جهة
المسجد لا جهة الكعبة وأحدهما غير الآخر ، وحينئذ فلا دلالة في الاخبار المذكورة
على ما ادعوه.
__________________
اللهم الا ان يقال ان هذه الإطلاقات إنما خرجت بناء على اتساع جهة القبلة
كما سيظهر ان شاء الله تعالى. واحتمل بعض الأصحاب حمل المسجد على الكعبة التي هي
أشرف اجزائه. واحتمل بعض آخر خروج هذه الاخبار مخرج المسامحة في التأدية من حيث
كون الكعبة قبلة عند جمهور العامة قال فلعله (عليهالسلام) سامح في التأدية لئلا يخالف ظاهر الكلام مذهب جمهور
العامة فإنه أقرب الى الاحتياط والتقية. والظاهر ـ كما ذكره بعض محققي متأخري
المتأخرين ـ ان الآية لا دلالة لها على شيء من القولين المذكورين.
والذي يدل على
ما ذهب اليه الشيخان وأتباعهما جملة من الاخبار :
منها ـ ما رواه
الشيخ عن عبد الله بن محمد الحجال عن بعض رجاله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) والصدوق في الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «ان الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم
وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا». ورواه الصدوق في كتاب العلل عن أبيه عن محمد بن
يحيى عن محمد بن احمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين عن الحجال. الى آخره .
وعن بشر بن
جعفر الجعفي أبي الوليد قال : «سمعت جعفر بن محمد (عليهماالسلام) يقول البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم
والحرم قبلة للناس جميعا». ورواه الصدوق أيضا في كتاب العلل بالسند المتقدم.
وما رواه
الصدوق في كتاب العلل عن محمد بن الحسين عن الصفار عن العباس ابن معروف عن علي بن
مهزيار عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن ابي البلاد عن ابي غرة قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكة ومكة قبلة الحرم
والحرم قبلة الدنيا».
__________________
ومما يؤيد هذه
الاخبار بأوضح تأييد الأخبار الدالة على الأمر بالتياسر فان ذلك مبني على التوجه
الى الحرم وستأتي ان شاء الله تعالى في موضعها.
واما ما أوردوه
على هذا القول ـ من ان التكليف بإصابة الحرم يستلزم بطلان صلاة أهل البلاد المتسعة
بعلامة واحدة للقطع بخروج بعضهم عن الحرم واللازم باطل فالملزوم مثله والملازمة
ظاهرة ، مع ان المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى صرحا بان قبلة أهل العراق
وخراسان واحدة ومعلوم زيادة التفاوت ـ فالجواب عنه ما افاده شيخنا الشهيد في هذا
المقام وتلقاه بالقبول جملة من الاعلام من ان ذكر المسجد والحرم إشارة إلى الجهة ،
قال وذكره على سبيل التقريب الى افهام المكلفين وإظهارا لسعة الجهة وان لم يكن
ملتزما. انتهى. وهو جيد وجيه ، كما ان ذكر الكعبة في تلك الأخبار التي قدمنا نقلها
عنهم في وجوب الاستقبال إلى الكعبة لا بد من حملها على الجهة كما قدمنا ذكره وإلا
لبطلت صلاة الصف الطويل الذي يخرج عن سمت الكعبة.
واما ما طعن به
في المعتبر والمدارك من ضعف الاخبار فقد رده شيخنا الشهيد في الذكرى بناء على
اصطلاحهم المعمول عندهم بأنه إذا اشتهرت بين الأصحاب لا سبيل الى ردها. هذا على
تقدير صحة اصطلاحهم وإلا فالأمر مفروغ منه عندنا كما عرفت. في غير موضع.
وكيف كان فإنه
ينبغي ان يعلم ان النزاع بالنسبة إلى البعيد ـ بان يكون قبلته جهة الكعبة كما هو
أحد القولين أو الحرم أو جهته بناء على التأويل المذكور ـ قليل الجدوى لاتفاقهم
جميعا على رجوع البعيد إلى الأمارات الآتي ذكرها ووجوب عمله عليها ، وحينئذ فلا
ثمرة في هذا الاختلاف كما لا يخفى.
ثم انهم
اختلفوا في تعريف الجهة على أقوال عديدة قد أطال فيها الكلام بإبرام النقض ونقض
الإبرام شيخنا الشهيد الثاني في روض الجنان وجعل أقربها ما ذكره شيخنا الشهيد في
الذكرى حيث عرفها بأنها السمت التي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق
الجهة كما قال بعض العامة ان الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس والمغرب قبلة
لأهل المشرق وبالعكس لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو ممتنع. أقول وهذا
الاختلاف ايضا هنا قليل الجدوى لما عرفت من انهم قد أوجبوا على البعيد الرجوع الى
العلامات التي ذكرها علماء أهل الهيئة والتوجه الى السمت الذي تدل عليه فكان
الاولى تعريف الجهة بها.
وينبغي التنبيه
هنا على أمور بها يتم البحث عن تحقيق المسألة كما هو حقها :
(الأول) قد صرح
غير واحد من الأصحاب بل ظاهر كلام المعتبر المتقدم الإجماع على ذلك بأنه يجب على
المكي لتمكنه من مشاهدة عين الكعبة الصلاة إليها ولو بالصعود على سطح لقدرته على
العلم فلا يجوز له البناء على الظن ، ولو نصب محرابا بعد المعاينة جازت صلاته إليه
دائما لتيقنه الصواب ، وكذا الذي نشأ بمكة وتيقن الإصابة ، ولا يكفى الاجتهاد
بالعلامات هنا لانه رجوع الى الظن مع إمكان العلم وهو غير جائز. نعم لو كان محبوسا
لا قدرة له على استعلام العين جاز له التعويل على الاجتهاد وكذا من هو في نواحي
الحرم ، وهل يكلف الصعود الى الجبل لاستعلام العين؟ قولان نقل عن الشيخ والعلامة
في بعض كتبهما ذلك. قال في المدارك بعد اختيار القول الآخر : وهو بعيد.
أقول : لا يخفى
عليك بعد الإحاطة بما تقدم انه لا دليل في أصل هذه المسألة إلا ما يدعونه من
الإجماع وإلا فالآية إنما دلت على شطر المسجد مطلقا كما تقدم ، والاخبار لا تعرض
فيها لذلك بوجه وان كان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم) إلا ان في سقوط
صعود الجبل كما هو أحد القولين في المسألة كما عرفت نظرا واستبعاد صاحب المدارك لا
يخلو من بعد لما اتفقوا عليه من عدم جواز البناء على الظن إلا مع تعذر العلم
والعلم بذلك ممكن بصعود الجبل ، فكيف يجوز له ان يصير الى الظن والحال ما ذكرنا؟
الا ان يدعى استلزام المشقة بذلك لكن إطلاق كلامهم يقتضي العموم ، وهو غير جيد.
(الثاني) ـ ينبغي
ان يعلم ان القبلة ليس نفس البنية الشريفة بل محلها من تخوم الأرض إلى عنان السماء
، فلو زالت البنية ـ والعياذ بالله ـ صلى الى جهتها التي تشتمل على العين كما يصلي
من هو أعلى من الكعبة إلى الجهة المسامتة للبنية وكذا من هو اخفض من موضعها بان
يكون في سراداب ، والظاهر انه لا خلاف فيه ، ويدل عليه مضافا الى الاتفاق ما رواه
الشيخ عن عبد الله بن سنان في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سأله رجل قال صليت فوق جبل ابي قبيس العصر فهل
يجزئ ذلك والكعبة تحتي؟ قال نعم انها قبلة من موضعها الى السماء». وعن خالد بن أبي
إسماعيل أو ابن إسماعيل قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يصلي على ابي قبيس مستقبل القبلة؟ قال لا بأس».
(الثالث) ـ لو
صلى على سطح الكعبة فهل يصلي قائما ويبرز بين يديه منها شيئا يصلي اليه أو يستلقي
على قفاه ويصلي؟ قولان المشهور الأول وبه قال الشيخ في المبسوط وقال في الخلاف
والنهاية وابن بابويه وابن البراج بالثاني لكن قيده ابن البراج بعدم التمكن من
النزول. واستند الأولون في وجوب الصلاة قياما إلى الأدلة الدالة على وجوب القيام
والقعود والركوع والسجود في الصلاة كما يصلى داخلها. واحتج الشيخ في الخلاف على ما
ذهب إليه بالإجماع وبما رواه عن علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن عبد السلام عن
الرضا (عليهالسلام) قال : «في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة؟ قال ان
قام لم يكن له قبلة ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه الى السماء ويعقد بقلبه
القبلة التي في السماء البيت المعمور ويقرأ فإذا أراد ان يركع غمض عينيه وإذا أراد
ان يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه والسجود على نحو ذلك».
أقول : لا ريب
ان من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فإنه يتحتم عنده القول بالأول لضعف الخبر
المذكور واما من لا يعمل عليه فيبقى عنده التعارض بين تلك الأخبار
__________________
المشار إليها في الإتيان بواجبات الصلاة كما هي وبين هذا الخبر والترجيح
لتلك الاخبار لكثرتها وشهرتها ، والظاهر انه لما ذكرنا ذهب الأكثر حتى من
المتقدمين الى القول الأول. إلا انه يمكن ان يقال ان تلك مطلقة عامة وهذا الخبر
خاص ومن القاعدة تقديم العمل به وتخصيص عموم تلك الاخبار به. وبالجملة فالمسألة لا
تخلو من شوب الإشكال إلا أن الأمر في ذلك هين لعدم اتفاق هذا الحكم وحصوله.
(الرابع) ـ لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز صلاة النافلة في جوف الكعبة وكذا
الفريضة حال الاضطرار وادعى عليه في المعتبر والمنتهى اتفاق أهل العلم.
وانما الخلاف
في الفريضة مع الاختيار فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والاستبصار إلى الجواز
على كراهة ، وذهب في الخلاف الى التحريم وتبعه ابن البراج.
احتج المجوزون
بأن القبلة ليس مجموع البنية بل نفس العرصة وكل جزء من أجزائها إذ لا يمكن محاذاة
المصلي بإزائها منه إلا قدر بدنة والباقي خارج عن مقابلته ، وهذا المعنى يتحقق مع
الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة في خارجها.
وما رواه يونس
بن يعقوب في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) إذا حضرت الصلاة المكتوبة وانا في الكعبة أفأصلي فيها؟
قال صل».
ويعضده قوله
سبحانه «وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ
وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ» فان الظاهر منها تعميم الاذن والترخيص في اجزاء البيت
بأسرها.
أقول : ويمكن
ان يجاب عن ذلك (اما عن الأول) فبما ذكره في الذخيرة من انه يجوز ان يكون المعتبر
التوجه إلى جهة القبلة بأن تكون الكعبة في جهة مقابلة للمصلي وان لم تحصل المحاذاة
لكل جزء منها لا بد لنفي ذلك من دليل. و (اما عن الموثقة المذكورة)
__________________
فبالمعارضة بما هو أصح منها كما سيأتي. و (اما عن الآية) فبتخصيصها
بالخبرين الصحيحين الصريحين في المنع.
احتج الشيخ (قدسسره) على ما ذهب اليه من التحريم بإجماع الفرقة ، وبان
القبلة هي الكعبة لمن شاهدها فتكون القبلة جملتها والمصلي في وسطها غير مستقبل
للجملة ، وبما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة فإن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لم يدخلها في حج ولا عمرة ولكن دخلها في فتح مكة فصلى
فيها ركعتين بين العمودين ومعه أسامة». وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تصل المكتوبة في الكعبة». ورواه في الكافي في
الصحيح ايضا ثم قال : وقد روى في حديث آخر «يصلى الى أربع جوانبها
إذا اضطر الى ذلك». وروى الشيخ هذه الصحيحة في موضع آخر في الموثق عن محمد عن
أحدهما (عليهماالسلام) قال : «لا تصلح صلاة المكتوبة جوف الكعبة». وفي موضع
ثالث في الصحيح ايضا مثله وزاد «واما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس ان يصليها في
جوف الكعبة».
قال في المدارك
بعد نقل هذه الأدلة : وأجيب عن الأول بمنع الإجماع على التحريم كيف وهو في أكثر
كتبه قائل بالكراهة. وعن الثاني بعدم تسليم كون القبلة هي الجملة لاستحالة
استقبالهما بأجمعها بل المعتبر التوجه الى جزء من اجزاء الكعبة بحيث يكون مستقبلا
ببدنه ذلك الجزء. وعن الروايتين بالحمل على الكراهة. ثم قال ويمكن المناقشة في هذا
الحمل بقصور الرواية الأولى عن مقاومة هذين الخبرين من حيث السند ، ويشكل الخروج
بها عن ظاهرهما وان كان الأقرب ذلك لاعتبار سند الرواية وشيوع استعمال النهي في
الكراهة بل ظهور لفظ «لا يصلح» فيه كما لا يخفى. انتهى.
__________________
أقول : فيه (أولا)
ان ما أجاب به عن الوجه الثاني ـ من ان المعتبر التوجه الى جزء من اجزاء الكعبة.
الى آخره ـ مما لا دليل عليه وانما المعتبر ما دلت عليه ظواهر الأدلة من التوجه
إلى جهة الكعبة ، نعم اللازم من ذلك محاذاة البدن لجزء من اجزاء تلك الجملة
وأحدهما غير الآخر. وبالجملة فهو يرجع الى ما تقدم ذكره في كلام صاحب الذخيرة.
و (ثانيا) ـ انه
من العجب العجاب عدوله هنا عن طريقته التي جرى عليها في هذا الكتاب كما لا يخفى
على من له انس بكلامه في جميع الأبواب ، فإن من قاعدته دورانه مدار الأسانيد
الصحيحة كما صرحنا به في غير موضع عنه وان كانت متون تلك الأخبار مشتملة على علل
عديدة ، ومن قاعدته رد الأخبار الموثقة وعدها في سلك الأخبار الضعيفة ، فكيف خرج
عن ذلك هنا متعللا بهذه التعليلات الضعيفة والحجج السخيفة؟
واما قوله في
الرجوع عما ذكره من المناقشة «أن سند الرواية المذكورة معتبر» ان أريد بخصوص هذه
الرواية فلا وجه له فان في سندها الحسن بن علي بن فضال ويونس ابن يعقوب وهما من
ثقات الفطحية ولا خصوصية للعمل برواية هذين دون غيرهما من ثقات الفطحية ، فإن عمل
بالأخبار الموثقة فليكن في كل مقام وإلا فلا وجه لهذا الكلام المنحل الزمام.
واما تعلله
بشيوع النهي في الكراهة فهو وارد عليه في جميع المقامات التي استدل فيها على
الوجوب بلفظ الأمر فلا معنى للطعن به في هذا المقام خاصة ، ومقتضى التحقيق الذي
صرح به هو وغيره في الأصول والفروع ان الأمر حقيقة في الوجوب ولا يخرج عنه إلا
بقرينة ، على ان شيوع النهي في الكراهة ان كان مع القرائن الحالية أو المقالية
الدالة على ذلك فهو لا ينفعه وإلا فهو محل المنع ايضا.
واما ما اعتضد
به من ظهور لفظ «لا يصلح» في الكراهة فهو مبني على نقله الرواية بذلك في كتابه كما
هو في أحد طرق الخبر المذكور ، ونحن قدمنا لك الخبر بجميع
طرقه ، والطريق الأول بنقل الشيخين المتقدمين مع صحة الخبر قد اشتمل على
النهي الذي هو حقيقة في التحريم مثل الخبر الأول فلا وجه لما ذكره.
بقي هنا شيء
ينبغي التنبيه عليه وهو ان ظاهر كلمة الأصحاب هنا الاتفاق على ان الصلاة في جوف
الكعبة انما هو باستقبال اي جدرانها شاء مع انه قد روى الشيخ في التهذيب بسنده عن
محمد بن عبد الله بن مروان قال : «رأيت يونس بمنى يسأل أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم
يمكنه الخروج من الكعبة استلقى على قفاه وصلى إيماء وذكر قول الله تعالى فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» . وأنت خبير بأن موثقة يونس الدالة على الجواز مطلقة
وتقييدها بهذه الرواية ممكن إلا اني لم أقف على قائل بذلك هنا وان قيل به في
الصلاة مستلقيا على ظهر الكعبة كما تقدم. والصدوق (قدسسره) في الفقيه مع تصريحه بالصلاة مستلقيا على ظهر الكعبة
صرح في الصلاة في جوفها بما ذكره الأصحاب من استقبال اي جدرانها شاء واستحباب
استقبال الركن الذي فيه الحجر. ولعله لنص وصل اليه ولم يصل إلينا. والله العالم.
(الخامس) ـ قد
صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ شيخنا في الذكرى بأنه لو استطال صف المأمومين مع
المشاهدة حتى خرج عن الكعبة بطلت صلاة الخارج لعدم اجزاء الجهة هنا ، ولو استداروا
صح للإجماع عليه عملا في كل الأعصار السالفة ، نعم يشترط ان لا يكون المأموم أقرب
الى الكعبة من الامام. انتهى. ولا بأس به.
(السادس) ـ قال
في الذكرى : ظاهر كلام الأصحاب ان الحجر من الكعبة بأسره وقد دل عليه النقل انه
كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل (عليهماالسلام) الى ان بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها
بحذفه وكان كذلك في عهد النبي (صلىاللهعليهوآله) ونقل عنه الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة وبذلك احتج
ابن
__________________
الزبير حيث ادخله فيها ثم أخرجه الحجاج بعده ورده الى ما كان ، ولان الطواف
يجب خارجه. وللعامة خلاف في كونه من الكعبة بأجمعه أو بعضه أو ليس منها وفي الطواف
خارجه وبعض الأصحاب له فيه كلام ايضا مع إجماعنا على وجوب إدخاله في الطواف
وانما تظهر الفائدة في جواز استقباله في الصلاة بمجرده فعلى القطع بأنه من الكعبة
يصح وإلا امتنع لانه عدول من اليقين الى الظن. انتهى. وقال في الدروس : ان المشهور
كونه من البيت ولا يخلو من غرابة.
ونقل في
المدارك عن العلامة في النهاية انه جزم بجواز استقباله. وهو أغرب لما ورد في
النصوص من انه ليس من البيت حتى ان في بعضها «ولا قلامة ظفر» فمنها ما رواه في
الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال لا
ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن فيه امه فكره أن يوطأ فحجر عليه حجرا وفيه قبور
أنبياء». وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن الحجر هل فيه شيء من البيت؟ قال لا
ولا قلامة ظفر». وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه مرسلا عن النبي (صلىاللهعليهوآله) والأئمة (عليهمالسلام) قال : «صار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون به لأن
أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها». قال : وروى ان
فيه قبور الأنبياء (عليهمالسلام) وما في الحجر شيء من البيت ولا قلامة ظفر.
واما ما ذكره
في الذكرى من النقل الذي دل على ان الحجر كان من البيت في زمن إبراهيم وإسماعيل (عليهماالسلام). الى آخره فلم نقف عليه في أخبارنا وبه اعترف جملة من
علمائنا ، إلا أن العلامة في التذكرة نقل ان البيت كان
__________________
لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي فهدمه السيل قبل مبعث النبي (صلىاللهعليهوآله) بعشر سنين وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو
عليها اليوم وقصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته فتركوا من جانب
الحجر بعض البيت وقطعوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم (عليهالسلام) وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي
يليه فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا وهو الذي يسمى الشاذروان. انتهى. وهو مع
مخالفته للنصوص المتقدمة انما يدل على جزء من الحجر لا مجموعه كما يستفاد من
كلامه. والظاهر ان هذه الرواية انما هي من طرق المخالفين فإنهم رووا عن عائشة انها
قالت : «نذرت أن أصلي ركعتين في البيت فقال النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى في الحجر فان فيه ستة أذرع من البيت» . وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ما فيه زيادة
تحقيق للمقام بنقل الأخبار الواردة في بناء البيت والطواف. والله العالم.
(السابع) ـ المشهور
في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب تياسر العراقي الى يسار القبلة قليلا
وربما ظهر من عبارات الشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف الوجوب.
والأصل في ذلك
الأخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) بذلك : منها ـ ما رواه في الكافي عن علي بن محمد رفعه قال : «قيل لأبي عبد الله (عليهالسلام) لم صار الرجل ينحرف في الصلاة الى اليسار؟ فقال لأن
للكعبة ستة حدود أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك فمن أجل ذلك وقع
التحريف الى اليسار».
وروى الصدوق
بإسناده عن المفضل بن عمر «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام)
__________________
عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن السبب فيه؟ فقال ان الحجر
الأسود لما انزل به من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور
نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كله اثنا عشر
ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب الحرم وإذا انحرف
ذات اليسار لم يكن خارجا من حد القبلة». ورواه الشيخ بإسناده عن المفضل والصدوق في
العلل بإسناده عن المفضل .
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «إذا أردت توجه القبلة فتياسر مثل ما تيامن فان الحرم عن يمين الكعبة أربعة
أميال وعن يسارها ثمانية أميال».
وقال الشيخ في
النهاية من توجه إلى القبلة من أهل العراق والمشرق قاطبة فعليه ان يتياسر قليلا
ليكون متوجها الى الحرم ، وبذلك جاء الأثر عنهم (عليهمالسلام). انتهى
وظاهر هذه
العبارة الوجوب كما قدمنا ذكره وانه المستفاد عنده من الاخبار وهذه الروايات انما
خرجت بناء على كون القبلة في حق البعيد هو الحرم فهي مؤيدة للأخبار المتقدمة
الدالة على قول الشيخين وأتباعهما في تلك المسألة ، واحتمل في المختلف اطراد الحكم
على القولين. ورده في المدارك بان العلامات المنصوبة للجهة لا تقتضي وقوع الصلاة
على نفس الحرم. وهو كذلك.
وقال في
المدارك بعد نقل المرفوعة المتقدمة وخبر المفضل : والروايتان ضعيفتا السند جدا
والعمل بهما لا يؤمن معه الانحراف الفاحش عن حد القبلة ، وان كان في ابتدائه
يسيرا. انتهى.
أقول : لا ريب
انه وان كانت الروايتان كما ذكره إلا أنهما مجبورتان بعمل الأصحاب إذ لا مخالف في
الحكم المذكور بل قيل في المسألة بالوجوب كما عرفت من عبارة الشيخ (قدسسره) وهو ايضا ظاهر كلام الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل
القمي
__________________
في رسالته التي في القبلة حيث قال : وعلى أهل العراق ومن يصلي الى قبلته من
أهل المشرق التياسر قليلا ، ثم نقل عن الصادق (عليهالسلام) مضمون حديث المفضل. وقد صرح في غير موضع بقبول الخبر
الضعيف المجبور بعمل الأصحاب ومنه ما تقدم قريبا في مسألة من أدرك من الغداة ركعة
قبل طلوع الشمس حيث قال : وهذه الروايات وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها
ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. انتهى. والحال في المقامين واحد ، ولكنه (قدسسره) كما صرحنا به في غير مقام لضيق الخناق في هذا الاصطلاح
ليس له قاعدة يعتمد عليها ولا ضابطة يرجع إليها. واما ما ذكره ـ من انه لا يؤمن من
العمل بهما الانحراف الفاحش ـ فهو اجتهاد في مقابلة النصوص وقد ردته الاخبار
بالعموم والخصوص.
نعم قد احتمل
شيخنا العلامة المجلسي (قدسسره) هنا وجها وجيها في الجواب عن هذه الأخبار وما يلزم
فيها من الإشكال الذي عرضه المحقق الخواجة نصير الملة والدين على المحقق جعفر بن
سعيد وقت الدرس فأجاب بجواب اقناعي ثم كتب في المسألة رسالة في تحقيق الجواب
واستحسنه المحقق المذكور ، والرسالة المذكورة ذكرها ابن فهد في كتابه المهذب فمن
أحب الوقوف على ذلك فليرجع الى الكتاب المذكور.
واما ما ذكره
شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في المقام فحاصله انه لا يبعد ان يكون الأمر
بالتياسر لأهل العراق لكون المحاريب المشهورة المبنية فيها في زمان خلفاء الجور
ولا سيما المسجد الأعظم كانت مبنية على التيامن عن القبلة ولم يمكنهم (عليهمالسلام) إظهار خطأ هؤلاء الفساق فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك
المحاريب وعللوا ذلك بما عللوه لئلا يشتهر بينهم الحكم بخطإ من مضى من خلفاء الجور
، قال ويؤيده ما ورد في وصف مسجد غنى وان قبلته لقاسطة فهو يومئ الى ان سائر
المساجد في قبلتها شيء ، ومسجد غنى اليوم غير موجود. ويؤيده أيضا ما رواه محمد بن
إبراهيم النعماني في كتاب الغيبة عن ابن عقدة عن علي بن الحسن عن الحسن ومحمد بني
يوسف عن سعدان بن مسلم عن
صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن حبة العرني قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) كأني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة وقد ضربوا الفساطيط
يعلمون الناس القرآن كما أنزل اما إن قائمنا إذا قام كسره وسوى قبلته». على انه لا
يعلم بقاء البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين (عليهالسلام) بل يدل بعض الاخبار على هدمه وتغييره كما رواه الشيخ (قدسسره) في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان عن علي ابن الحكم عن
الربيع بن محمد المسلي عن ابن طريف عن ابن نباتة قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) في حديث له حتى انتهى الى مسجد الكوفة وكان مبنيا بخزف
ودنان وطين فقال ويل لمن هدمك وويل لمن سهل هدمك وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة
نوح طوبى لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة». هذا
كلامه (قدسسره) في مجلد المزار من كتاب بحار الأنوار.
وقال في مجلد
الصلاة من الكتاب المذكور ـ بعد ذكر الاشكال المتقدم ونقل حاصل كلام المحقق في
رسالته والإشارة إلى انه غير حاسم لمادة الإشكال ـ ما صورته والذي يخطر في ذلك
بالبال انه يمكن ان يكون الأمر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق
أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع ان الانحراف في أكثرها يسير بحسب
القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإن انحراف قبلته الى اليمين أزيد مما تقتضيه
القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس ، ولما كان أكثر تلك
المساجد مبنية في زمان عمر وسائر خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا
بالتياسر وعللوه بتلك الوجوه الخطابية لإسكاتهم وعدم التصريح بخطإ خلفاء الجور
وأمرائهم. وما ذكره أصحابنا من ان محراب المعصوم (عليهالسلام) لا يجوز الانحراف عنه انما يثبت إذا علم ان الامام (عليهالسلام) بناه ـ ومعلوم انه لم يبنه ـ أو صلى فيه من غير انحراف
، وهو ايضا غير ثابت بل ظهر من بعض ما سنح لنا من الآثار القديمة عند
__________________
تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره ، مع ان الظاهر من
بعض الاخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين (عليهالسلام) انتهى.
(الثامن) ـ قد
صرح غير واحد من فضلاء متأخري المتأخرين بسهولة الأمر في القبلة واتساع الدائرة
فيها وانه لا ضرورة الى ما ذكره المنجمون. وهو كذلك ، وتوضيحه انه لا يخفى ان
الصلاة عمود الدين الذي لا ثبوت له ولا قيام إلا بها ولذا ورد ان قبول الأعمال
يتوقف على قبولها وورد ان تاركها كافر كما تقدم ذكر ذلك في المقدمة الاولى ، ولا
ريب ان صحتها منوطة بالاستقبال بالضرورة من الدين ومع هذا فلم يرد عنهم (عليهمالسلام) في معرفتها مع البعد الا خبران مجملان بالنسبة الى أهل
العراق خاصة من قوله (عليهالسلام) في أحدهما بعد سؤاله عن القبلة «ضع الجدي في قفاك وصل».
وقوله (عليهالسلام) في الآخر بعد قول السائل : إني أكون في السفر ولا اهتدى
الى القبلة بالليل فقال : «أتعرف الكوكب الذي يقال له الجدي؟ قال : نعم قال اجعله
على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك». ومع غفلة أصحابهم عن السؤال
عن ذلك وتحقيقه كيف رضوا لهم بذلك ولم يحققوا لهم تلك المسالك مع ضروريته وتوقف
صحة الصلاة عليه لو كان ذلك على ما يقوله أهل الهيئة من التدقيقات والتحقيقات
والعلامات لكل قطر وناحية؟ مع ان الذي ورد عنهم (عليهمالسلام) انما هو عكس ذلك وهو قولهم في الحديثين المتقدمين «ما بين المشرق
والمغرب قبلة». ويؤيد ذلك بأوضح تأييد ما عليه قبور الأئمة (عليهمالسلام) في العراق من الاختلاف مع قرب المسافة بينها على وجه
يقطع بعدم انحراف القبلة فيه مع استمرار الأعصار والأدوار من العلماء الأبرار على
الصلاة عندها ودفن الأموات ونحو ذلك ، وهو أظهر ظاهر في التوسعة كما لا يخفى. وكيف
كان فما ذكره علماء الهيئة مما سيأتي الإشارة إلى بعضه اولى وأحوط إلا ان في وجوبه
كما يفهم من كلام أكثر أصحابنا إشكالا لما عرفت
__________________
قال السيد
السند في المدارك : ثم ان المستفاد من الأدلة الشرعية سهولة الخطب في أمر القبلة
والاكتفاء في التوجه الى ما يصدق عليه عرفا انه جهة المسجد وناحيته كما يدل عليه
قوله تعالى «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» وقولهم (عليهمالسلام) : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» و «ضع الجدي في قفاك وصل» وخلو الاخبار مما زاد على ذلك مع شدة الحاجة الى معرفة
هذه العلامات لو كانت واجبة. وإحالتها على علم الهيئة مستبعد جدا لانه علم دقيق
كثير المقدمات ، والتكليف به لعامة الناس بعيد من قوانين الشرع ، وتقليد اهله غير
جائز لأنه لا يعلم إسلامهم فضلا عن عدالتهم ، وبالجملة التكليف بذلك مما علم
انتفاؤه ضرورة. والله العالم بحقائق أحكامه.
(التاسع) ـ اعلم
ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذكروا لأكثر البلدان علامات تعرف بها قبلتها ،
والظاهر ان ذلك كله أو أكثره مأخوذ من كلام علماء الهيئة الآخذين ذلك من الارصاد
ومعرفة البلاد طولا وعرضا ، وقد عرفت ما في ذلك من الاشكال وانه لم يرد عنهم (عليهمالسلام) في معرفة القبلة إلا ما قدمنا ذكره.
ثم انهم (رضوان
الله عليهم) قد ذكروا لأهل العراق علامات ثلاثا :
(الاولى) ـ جعل
المشرق على المنكب الأيسر والمغرب على الأيمن وقيد ذلك أكثر الأصحاب بالاعتداليين
لعدم انضباط ما عداهما ، والظاهر ـ كما صرح به بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين ـ انه لا حاجة الى هذا التقييد حيث قال إطلاق القوم المشرق والمغرب لا
قصور فيه وتقييد بعض مشايخنا غير محتاج اليه بل هو مقلل للفائدة ، وما ظنوه من ان
الإطلاق مقتض للاختلاف الفاحش في الجهة ليس كذلك لان مراد القدماء أن العراقي يجعل
مغرب اي يوم شاء على يمينه ومشرق ذلك اليوم بعينه على يساره ، وهذا لا يقتضي
الاختلاف الذي زعموه وهو عام في كل الأوقات لكل المكلفين ، بخلاف القيد الذي ذكروه
فإنه يقتضي ان لا تكون العلامة موضوعة
__________________
إلا لآحاد الناس القادرين على استخراج خط الاعتدال ومع ذلك فليس بأضبط مما
ذكرناه كما لا يخفى ، فأي داع الى تقييد عبارات المتقدمين بما تقل معه الفائدة
ويعسر ضبطه على أكثر المكلفين؟ انتهى. وهو جيد متين.
(الثانية) ـ جعل
الجدي بحذاء المنكب الأيمن ، والجدي مكبر وربما يصغر ليتميز عن البرج وهو نجم مضيء
يدور مع الفرقدين حول قطب العالم الشمالي ، والقطب نقطة مخصوصة يقابلها مثلها من
الجنوب ، قال شيخنا الشهيد الثاني : وأقرب الكواكب إليها نجم خفي لا يكاد يدركه
إلا حديد البصر يدور حولها كل يوم وليلة دورة لطيفة لا تكاد تدرك ، ويطلق على هذا
النجم القطب لحال المجاورة للقطب الحقيقي وهو علامة لقبلة العراقي إذا جعله المصلي
خلف منكبه الأيمن ويخلفه الجدي في العلامة إذا كان في غاية الارتفاع والانخفاض ،
وانما اشترط ذلك لكونه في تلك الحال على دائرة نصف النهار وهي مارة بالقطبين
وبنقطة الجنوب والشمال ، فإذا كان القطب مسامتا لعضو من المصلي كان الجدي مسامتا
له لكونهما على دائرة واحدة بخلاف ما لو كان منحرفا نحو المشرق أو المغرب. قال في
المدارك بعد نقل ذلك عن جده (قدسسره) قلت ما ذكره مشهور بين الأصحاب وممن صرح به المصنف في
المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى ونقل شيخنا المحقق المدقق مولانا
احمد المجاور بالمشهد المقدس الغروي على ساكنه السلام عن بعض محققي أهل ذلك الفن
ان هذا الشرط غير جيد لأن الجدي في جميع أحواله أقرب الى القطب الحقيقي من ذلك
النجم الخفي ولهذا كان أقل حركة منه كما يظهر بالامتحان ، وهذه الحركة الظاهرة
انما هي للفرقدين لا للجدي فإن حركته يسيرة جدا وقد اعتبرنا ذلك فوجدناه كما أفاد.
انتهى.
(الثالثة) ـ جعل
الشمس على الحاجب الأيمن مما يلي الأنف عند الزوال لان الشمس قبل الزوال تكون على
دائرة نصف النهار المتصلة بنقطتي الجنوب والشمال فيكون حينئذ مستقبلا نقطة الجنوب
بين العينين فإذا زالت مالت الى طرف الحاجب الأيمن
وأنت خبير بما
بين هذه العلامات من الاختلاف فإن العلامة الاولى والثالثة تقتضيان كون قبلة
العراقي في نقطة الجنوب والعلامة الثانية تقتضي انحرافا بينا عنها نحو المغرب ،
ولا يخفى ما فيه من التدافع.
إلا ان بعض
متأخري أصحابنا المحققين قسم العراق إلى ثلاثة أقسام فجعل العلامة الاولى والثالثة
لأطراف العراق الغربية كالموصل وسنجار وما والاها ، وحمل العلامة الثانية على
أوساط العراق كالكوفة وبغداد والحلة والمشاهد المقدسة ، واما أطرافها الشرقية
كالبصرة وما والاها فتحتاج إلى زيادة انحراف نحو المغرب ولذا حكموا بان علامتها
جعل الجدي على الخد الأيمن.
وقال بعض فضلاء
متأخري المتأخرين وهذا التقسيم هو الموافق لقواعد الهيئة فإن طول بغداد على ما
ذكره المحقق نصير الملة والدين يزيد على طول مكة بثلاث درجات فقبلتها منحرفة يسيرا
عن نقطة الجنوب الى المغرب والموصل يساوي طولها طول مكة فقبلتها نقطة الجنوب
لاتحاد نصف نهاريهما ، واما البصرة فيزيد طولها على طول مكة بسبع درجات ففي قبلتها
زيادة انحراف الى المغرب عن قبلة بغداد فجعلوا علامتها وضع الجدي على الخد الأيمن.
انتهى.
أقول : قد صرح
أرباب هذا الفن بان الأقاليم السبعة المسكونة وما فيها من البلدان كلها في النصف
الشمالي من الأرض من بعد خط الاستواء القاسم للأفق نصفين شمالي وجنوبي ، والنصف
الجنوبي غير مسكون لاستيلاء الحرارة والماء عليه ، والنصف الشمالي المعمور فيه
أيضا انما هو نصفه المتصل بخط الاستواء وهو الذي فيه الأقاليم السبعة والنصف الآخر
خراب لشدة البرد. وقد اثبتوا لهذه الأقاليم طولا وعرضا ، فالطول عبارة عن طرف
العمارة من جانب المغرب وهو ساحل البحر الى منتهاها من الجانب الشرقي وهي كنك
وجملة ذلك من الجزائر مائة وثمانون جزء نصف دائرة عظمي من دوائر الفلك لأن كل
دائرة منها مقسومة ثلاثمائة وستين جزء وتسمى هذه الاجزاء درجات ، والعرض من خط
الاستواء في جهة الجنوب الى منتهى الربع المعمور
في جهة الشمال وذلك تسعون جزء ربع دائرة عظمي ، وحينئذ فطول البلد عبارة عن
بعدها عن منتهى العمارة من الجانب الغربي وعرض البلد عبارة عن بعدها عن خط
الاستواء ، فإذا ساوى طول البلد طول مكة وعرض تلك البلد أكثر فسمت قبلة تلك البلد
نقطة الجنوب وان كان أقل فقبلتها نقطة الشمال وان تساوى العرضان وطول البلد أكثر
فسمت القبلة نقطة المغرب وان كان أقل فهو نقطة المشرق. ومعرفة السمت في هذه
الأربعة سهل يتوقف على إخراج الجهات الأربع على وجه الأرض ، وان زادت مكة على
البلد طولا وعرضا فسمت القبلة بين نقطتي المشرق والشمال وان نقصت فيهما فهو بين
نقطتي الجنوب والمغرب وان زادت عن البلد طولا ونقصت عرضا فسمت قبلة البلد بين
نقطتي الجنوب والمشرق وان انعكس فبين نقطتي المغرب والشمال ، وأكثر البلدان على
الانحراف.
ولنذكر جملة ما
ذكروه من البلدان المنحرفة وبيان قدر انحرافها ، فاما البلدان المنحرفة عن نقطة
الجنوب الى المغرب فبلادنا (البحرين) بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة ، و (الحساء)
بتسع درجات وثلاثين دقيقة ، و (البصرة) بثمان وثلاثين درجة ، و (واسط) بعشرين درجة
واربع وخمسين دقيقة ، و (الأهواز) بأربعين درجة وثلاثين دقيقة ، و (الحلة) باثنتي
عشرة درجة ، و (المدائن) بثمان درجات وثلاثين دقيقة ، و (بغداد) باثنتي عشرة درجة
وخمس وأربعين دقيقة ، و (الكوفة) باثنتي عشرة درجة واحدى وثلاثين دقيقة ، و (سر من
رأى) بسبع درجات وست وخمسين دقيقة و (كاشان) بأربع وثلاثين درجة واحدى وثلاثين
دقيقة ، و (قم) بإحدى وثلاثين درجة واربع وخمسين دقيقة ، و (ساوة) بتسع وعشرين
درجة وست عشرة دقيقة ، و (أصبهان) بأربعين درجة وتسع وعشرين دقيقة ، و (قزوين)
بتسع وعشرين درجة واربع وثلاثين دقيقة ، و (تبريز) بخمس عشرة درجة وأربعين دقيقة ،
و (مراغة) بست عشرة درجة وسبع عشرة دقيقة ، و (أسترآباد) بثمان وثلاثين درجة وثمان
وأربعين دقيقة
و (طوس والمشهد الرضوي) بخمس وأربعين درجة وست دقائق ، و (نيسابور) بست
وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة ، و (سبزوار) بأربع وأربعين درجة واثنتين وخمسين
دقيقة ، و (شيراز) بثلاث وخمسين درجة وثمان وعشرين دقيقة ، و (همدان) باثنتين
وعشرين درجة وست وعشرين دقيقة ، و (تون) بخمسين درجة وعشرين دقيقة و (طبس) باثنتين
وخمسين درجة وخمس وخمسين دقيقة. و (أردبيل) بسبع عشرة درجة وثلاث عشرة دقيقة ، و (هرات)
بأربع وخمسين درجة وثمان دقائق. و (قاين) بأربع وخمسين درجة ، و (سمنان) بست
وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة ، و (دامغان) بثمان وثلاثين درجة ، و (بسطام) بتسع
وثلاثين درجة وثلاث عشرة دقيقة ، و (لاهجان) بثلاث وعشرين درجة ، و (آمل) بثلاثين
درجة وست وثلاثين دقيقة ، و (قندهار) بخمس وسبعين درجة ، و (الري) بسبع وثلاثين درجة
وست وعشرين دقيقة ، و (كرمان) باثنتين وستين درجة واحدى وخمسين دقيقة ، و (تفليس)
بأربع عشرة درجة واحدى وأربعين دقيقة ، و (شيروان) بعشرين درجة وتسع دقائق ، وكذا
الشماخي ، و (سجستان) بثلاث وستين درجة وثماني عشرة دقيقة ، و (طالقان) بتسع
وعشرين درجة وثلاث وثلاثين دقيقة ، و (بلخ) بستين درجة وست وثلاثين دقيقة ، و (بخارى)
بتسع وأربعين درجة وثمان وثلاثين دقيقة ، و (بدخشان) بأربع وستين درجة وتسع دقائق
، و (سمرقند) باثنتين وخمسين درجة واربع وخمسين دقيقة ، و (كاشغر) بثمان وخمسين
درجة وست وثلاثين دقيقة ، و (تبت) بست وثلاثين درجة وست وعشرين دقيقة ، و (هرموز)
بأربع وسبعين درجة ، و (أبهر) بأربع وعشرين درجة ، و (كازران) بإحدى وخمسين درجة
وست وخمسين دقيقة ، و (جرباذقان) بثمان وثلاثين درجة ، و (خوارزم) بأربعين درج
واما الانحراف
من الجنوب الى المشرق (فالمدينة المشرفة) منحرفة قبلتها عن نقطة الجنوب الى المشرق
بسبع وثلاثين درجة وعشرين دقيقة ، و (مصر) بثمان وخمسين درجة وتسع وعشرين دقيقة ، و
(قسطنطنية) بثمان وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة.
و (الموصل) بأربع درجات واثنتين وخمسين دقيقة ، و (بيت المقدس) بخمس
وأربعين درجة وست وخمسين دقيقة.
واما الانحراف
من الشمال الى المغرب (فأكره) بتسع وثمانين درجة ، و (سرنديب) بسبعين درجة واثنتي
عشرة دقيقة ، و (چين) بخمس وسبعين درجة ، و (سومنات) بخمس وسبعين درجة واربع
وثلاثين دقيقة.
واما ما كان من
الشمال الى المشرق (فصنعاء) بدرجة وخمس عشرة دقيقة ، و (عدن) بخمس درجات وخمس
وخمسين دقيقة ، و (جرمي) دار ملك الحبشة بسبع وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة.
وسائر البلاد القريبة من تلك البلاد والمتوسطة بينها يعرف انحرافها بالمقايسة.
أقول : لا يخفى
على من عرف ما عليه هذه البلدان من القبلة في جميع الأزمان فإنه لا يوافق شيئا مما
ذكر في هذا المكان مع استمرار السلف والخلف عليها من العلماء والأعيان ، ومن ذلك
قبلة البحرين والقطيف والأحساء فإنها نقطة المغرب وهكذا جميع ما ذكر من البلدان.
ولقد اتفق في هذه السنين التي مضت لنا مجيء رجل من الفضلاء يسمى الشيخ حسين ممن
يصلي الجمعة والجماعة الى بلدة بهبهان فانحرف عن قبلة مساجدها بناء على الضابطة
التي ذكرها علماء الهيئة وصلى الى تلك الجهة التي هي موافقة لكلام علماء الهيئة
وحمل الناس على الصلاة إليها فتناولته الألسن من كل مكان وكثر الطعن عليه في جميع
البلدان حتى كأنه ممن أبدع في الدين وافترى على الملك الديان.
(البحث الثاني)
ـ في المستقبل ، الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب العلم
بالقبلة مع إمكانه فلا يجوز التعويل على الظن ، قالوا ويتحقق العلم بالمعاينة
والشياع والخبر المحفوف بالقرائن ومحراب المعصوم (عليهالسلام).
أقول : ان أريد
بالعلم هنا العلم بالعين مع إمكان المشاهدة فهذا مخصوص بالقريب كما تقدم ولا ريب
ان هذا لا يسوغ له الاجتهاد ولكن المدعى أعم من ذلك ، وان
أريد العلم بالعين بالنسبة إلى البعيد فظاهر ان هذا مما يتعذر ، وان أريد
العلم بالجهة بالنسبة إلى البعيد ـ والظاهر انه هو المراد من كلامهم ـ فمن الظاهر
انه انما يحصل بالاجتهاد الذي غايته الظن فلا معنى لتقديمه وجعل الظن في المرتبة
الثانية بعد تعذره. واما ما مثلوا به لصور تحصيل العلم من المعاينة فقد عرفت انه
مخصوص بالقريب المتمكن من المشاهدة لا على وجه يستلزم المشقة والعسر. واما الخبر
المحفوف بالقرائن والشياع فهو وان مثلوا بهما لإفادة العلم لكن ذلك بالنسبة الى
الخبر وهو قبول قول الغير الذي غاية ما يفيده هو الظن فإنه قد يفيد العلم إذا
انضمت اليه أمارات من خارج أو كان شائعا بحيث يفيد العلم ، وهذا لا معنى له بالنسبة
إلى القبلة والعلم بجهتها للبعيد ، فإنه اما ان يرجع الى الأمارات المتقدمة التي
ذكرها أهل الهيئة للبلدان وغاية ما تفيده الظن بالجهة ، أو قبلة البلد أو المحاريب
والقبور ونحو ذلك وغاية الجميع الظن ، إلا ان يقال بحصول العلم بالجهة بالأمارات
التي ذكرها علماء الهيئة وليس ببعيد فيخص العلم به ويجعل الظن في ما عداه مما
ذكرناه ونحوه ، نعم ربما يتم ما ذكر في محراب المعصوم (عليهالسلام) ان ثبت صلاته فيه على الهيئة التي هو عليها الآن ودون
ثبوته شوك القتاد وان ادعى بعض الأصحاب ذلك.
قال شيخنا
الشهيد في الذكرى : لا اجتهاد في محراب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في جهة القبلة ولا في التيامن والتياسر فإنه منزل
منزلة الكعبة ، وروى انه لما أراد نصبه زويت له الأرض فجعله بإزاء الميزاب ولأن النبي (صلىاللهعليهوآله) معصوم لا يتصور منه الخطأ وعند من جوزه من العامة لا
يقر عليه فهو صواب قطعا فيستقبله معاينة وتنصب المحاريب هناك عليه وفي معنى
المدينة كل موضع تواتر ان النبي (صلىاللهعليهوآله) صلى فيه الى جهة معينة مضبوطة الآن ، وكذا لا اجتهاد
في المسجد الأعظم بالكوفة في التيامن ولا التياسر مثل ما قلناه في مسجد النبي (صلى
الله عليه
__________________
وآله) لوجوب عصمة الإمام كالنبي وقد نصبه أمير المؤمنين وصلى اليه هو
والحسن والحسين (عليهمالسلام) واما محراب مسجد البصرة فنصبه عقبة بن غزوان فهو كسائر
محاريب الإسلام ، وربما قيل بمساواته مسجد الكوفة لأن أمير المؤمنين (عليهالسلام) صلى فيه وجمع من الصحابة فكما لا اجتهاد في مسجد
الكوفة فكذا في مسجد البصرة. واما مسجد المدائن فصلى فيه الحسن (عليهالسلام) فان كان المحراب مضبوطا فكذلك وبمشهد سر من رأى (صلوات
الله على مشرفيه) مسجد منسوب إلى الهادي (عليهالسلام) فلا اجتهاد في قبلته ايضا ان كانت مضبوطة. ولو تخيل
الماهر في أدلة القبلة تيامنا وتياسرا في محراب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ومحراب أمير المؤمنين (عليهالسلام) فخياله باطل لا يجوز له ولا لغيره العمل به. انتهى
كلامه زيد مقامه.
وفيه ما افاده
شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار حيث قال في تتمة الكلام الذي قدمنا
نقله عنه آنفا : وما ذكره أصحابنا من ان محراب مسجد الكوفة محراب المعصوم لا يجوز
الانحراف عنه انما يثبت إذا علم ان الامام بناه ـ ومعلوم انه لم يبنه ـ أو صلى فيه
من غير انحراف عنه وهو ايضا غير ثابت ، بل ظهر من بعض ما سنح لنا من الآثار
القديمة عند تعمير المسجد في زماننا ما يدل على خلافه كما سيأتي ذكره ان شاء الله
تعالى ، مع ان الظاهر من بعض الاخبار ان هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن
أمير المؤمنين (عليهالسلام) بل ظهر لي من بعض الأدلة والقرائن ان محراب مسجد النبي
(صلىاللهعليهوآله) بالمدينة أيضا قد غير عما كان في زمانه لانه على ما
شاهدنا في هذا الزمان موافق لخط نصف النهار وهو مخالف للقواعد الرياضية من انحراف
قبلة المدينة إلى اليسار قريبا من ثلاثين درجة ومخالف لما رواه الخاصة والعامة من
انه (صلىاللهعليهوآله) زويت له الأرض ورأى الكعبة فجعله بإزاء الميزاب فان من وقف بحذاء الميزاب يصير القطب الشمالي محاذيا
لمنكبه الأيسر ، ومخالف لبناء
__________________
بيت الرسول (صلىاللهعليهوآله) الذي دفن فيه ، مع ان الظاهر ان بناء البيت كان موافقا
لبناء المسجد وبناء البيت أوفق بالقواعد من المحراب ، وايضا مخالف لمسجد قبا ومسجد
الشجرة وغيرهما من المساجد التي بناها النبي (صلىاللهعليهوآله) أو صلى فيها ولذا حمل بعض الأفاضل ممن كان في عصرنا
حديث المفضل وأمثاله على مسجد المدينة وقال لما كانت الجهة وسيعة وكان الأفضل بناء
المحراب على وسط الجهات إلا ان تعارضه مصلحة كمسجد المدينة حيث بنى محرابه على خط
نصف النهار لسهولة استعلام الأوقات مع ان وسط الجهات فيه منحرف نحو اليسار فلذا
حكموا باستحباب التياسر فيه ليحاذي المصلي وسط الجهة المتسعة ، وسيأتي مزيد توضيح
لتلك المقاصد مع الاخبار والقرائن الدالة عليه في كتاب المزار. والله اعلم وحججه (عليهمالسلام) بحقائق الاخبار والآثار. انتهى كلامه علت في الخلد
اقدامه.
وما أشار إليه
في كتاب المزار قد قدمنا ذكر جملة منه آنفا في مسألة استحباب التياسر ، وإذا ثبت
ما ذكرنا في مسجد المدينة والكوفة ففي ما ذكره من المساجد بطريق أولى إذ ليس لهما
من الشهرة وقوة الاعتماد ما لهما.
ثم ان جملة من
المتأخرين ذكروا انه مع فقد العلم يعول على الأمارات المفيدة للظن وادعى عليه في
المعتبر والمنتهى اتفاق أهل العلم.
ويدل عليه من
الاخبار صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة».
وموثقة سماعة قال : «سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس
ولا القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك».
وروى المرتضى
في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بإسناده عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) «في قول الله عزوجل : فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ
__________________
الْحَرامِ
قال معنى «شَطْرَهُ» نحوه ان كان مرئيا وبالدلائل والاعلام ان كان محجوبا ،
فلو علمت القبلة لوجب استقبالها والتولي والتوجه إليها ولو لم يكن الدليل عليها
موجودا حتى تستوي الجهات كلها فله حينئذ ان يصلي باجتهاده حيث أحب واختار حتى يكون
على يقين من الدلالات المنصوبة والعلامات المثبوتة ، فان مال عن هذا التوجه مع ما
ذكرناه حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى اجتهاده وفسد حال اعتقاده».
قال : وقد جاء
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) خبر منصوص مجمع عليه ان الأدلة المنصوبة على بيت الله
الحرام لا يذهب بكليتها حادثة من الحوادث منا من الله تعالى على عباده في إقامة ما
افترض عليهم أقول : الظاهر ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ من قوله : «فان مال عن
هذا التوجه» اي انه بعد توجهه بالاجتهاد إلى جهة أدى إليها اجتهاده فان ظهر له بعد
ذلك الميل عن القبلة على وجه يكون مستدبر القبلة بأن جعل الشرق في موضع الغرب
والغرب في موضع الشرق أو محض اليمين واليسار فإنه يصدق ايضا ذلك في الجملة فقد ظهر
فساد اجتهاده وفساد اعتقاده فتجب الإعادة عليه وسيجيء تحقيق الكلام في ذلك. واما
ما نقله (عليهالسلام) من الخبر عن النبي (صلىاللهعليهوآله) فلعل المراد بتلك الأدلة هي النجوم ، وقد روى العياشي
في تفسيره عن إسماعيل بن ابي زياد عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي بن ابي طالب (عليهمالسلام) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) «وَبِالنَّجْمِ هُمْ
يَهْتَدُونَ» هو الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدى
أهل البر والبحر». ويمكن ان يستفاد من هذا الخبر حصول العلم بالجهة بالدلائل التي
ذكرها علماء الهيئة كما هو الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وليس بذلك
البعيد كما قدمنا الإشارة اليه وان قلنا بعدم وجوب التكليف به ، لما عرفت مما
قدمنا نقله عن جملة من أفاضل متأخري المتأخرين وان كان أفاضل المتأخرين على خلافه
__________________
تنبيهات
(الأول) ـ المفهوم
من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الذي قدمنا ذكره هو ان الاجتهاد الذي هو عبارة
عن بذلك الوسع في تحصيل الأمارات المفيدة للظن بالجهة بعد تعذر العلم بالجهة
بالأمارات المذكورة في كلام علماء الهيئة ، فيجتهد مع فقدها في تحصيل امارة توجب
ظنه بالجهة ويبنى عليها.
وقد تقدم من
الأخبار ما يدل على جواز البناء على هذا الظن الناشئ عن التحري ويزيده بيانا ما
رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة؟ قال يعيد ولا يعيدون فإنهم قد
تحروا».
ويؤيده أيضا صحيحة
سليمان بن خالد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) «الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير
القبلة ثم يضحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال ان كان في وقت فليعد
صلاته وان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده». ونحوها صحيحة يعقوب بن يقطين .
وربما ظهر من
كلام الشيخين في المقنعة والمبسوط هنا عدم العمل على الظن والصلاة الى أربع جهات ،
قال في المقنعة : إذا أطبقت السماء بالغيم فلم يجد الإنسان دليلا عليها بالشمس
والنجوم فليصل إلى أربع جهات فان لم يقدر على ذلك بسبب من الأسباب المانعة من
الصلاة أربع مرات فليصل الى اي جهة شاء وذلك مجزئ مع الاضطرار. وقال في المبسوط
بعد ان ذكر اربع علامات نجومية لقبلة العراق : فان فقد هذه الأمارات يصلي الى أربع
جهات الصلاة الواحدة مع الاختيار.
واستدل الشيخ
لذلك برواية خراش عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه
__________________
السلام) قال : «قلت له جعلت فداك ان هؤلاء المخالفين علينا
يقولون إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد؟
فقال ليس كما يقولون إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه».
ولا يخفى ان
هذا الخبر لضعف سنده لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة وبذلك رده الأصحاب مع
أنهم قائلون بمضمونه في وجوب الأربع مع فقد الظن كما سيأتي ذكره ان شاء الله
تعالى. والحق في الجواب عنه ما سنذكره ثمة ان شاء الله تعالى.
والشيخ (قدسسره) جمع بين هذا الخبر والاخبار السابقة بحمل الأخبار
المتقدمة على صورة الاضطرار وعدم التمكن من الصلاة الى أربع جهات وهذا الخبر على
صورة التمكن والاختيار. وبعض الأصحاب احتمل الجمع بحمل الأخبار الأولة على التقية
كما يشعر به هذا الخبر لكنه استشكل ذلك بان المصير الى الحمل فرع حصول المعارضة
وهذا الخبر قاصر عن معارضة تلك الاخبار. والحق في الخبر المذكور ما سيأتي تحقيقه
ان شاء الله تعالى.
(الثاني) ـ لو
اجتهد واداه اجتهاده إلى جهة مخصوصة ثم أخبره من يوثق به بغيرها فهل يجب عليه
العمل على اجتهاده أو يرجع الى قول الثقة؟ قولان ، فالشيخ واتباعه على الأول
والظاهر انه المشهور ، وقيل بالثاني إذا أفاده ظنا زائدا على ما ادى اليه اجتهاده
، ذهب اليه المحقق والشهيد واختاره جملة من أفاضل متأخري المتأخرين ، وهو الأظهر
لأن المسألة ظنية فيتبع فيها أقوى الظنين ، ولا ينافيه أخبار الأمر بالتحري فان
الاستخبار ممن يفيد قوله الظن الراجح نوع من التحري. ولو تعذر الظن لفقد ما يدل
عليه وأخبره من يوثق بقوله فهل يصلي الى أربع جهات أم يعمل بقول المخبر؟ قولان
ولعل أظهرهما الثاني بالتقريب المتقدم. وهل يشترط عدالة المخبر فلو كان فاسقا أو
كافرا لم يقبل قوله؟ اشكال ولعل الأقرب القبول ان أفاد الظن كما ذكرنا.
__________________
(الثالث) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه مع تعذر الظن بالقبلة يصلي كل فريضة إلى أربع
جهات. وقال ابن ابي عقيل لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على
القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة وغير مستقبلها ولا اعادة عليه إذا علم بعد ذهاب
وقتها انه صلى لغير القبلة. وهو الظاهر من ابن بابويه ونفى عنه البعد في المختلف
ومال إليه في الذكرى واختاره جملة من محققي متأخري المتأخرين ، وهو المختار لما
ستعرف من الاخبار.
احتج الشيخ ومن
تبعه من أصحاب القول المشهور برواية خراش المتقدمة ، وردها القائلون بالقول الآخر
بضعف السند وبأنها متروكة الظاهر من حيث تضمنها سقوط الاجتهاد بالكلية مع دلالة
الأخبار المتقدمة عليه.
والحق في
الجواب عن الرواية المذكورة ما افاده المحدث الأمين الأسترآبادي في كتاب الفوائد
المدنية من ان قصده (عليهالسلام) انما هو مجرد الرد على المخالفين في ما يدعونه من
الالتجاء الى الاجتهاد الذي يبنون عليه الأحكام الشرعية وقد منعت منه النصوص
المعصومية بان لنا مندوحة عن ذلك وهو المصير الى العمل بالاحتياط الذي يحصل
بالصلاة إلى أربع جهات لا ان مراده (عليهالسلام) نفى الاجتهاد في القبلة بالكلية مع دلالة أخبارهم (عليهمالسلام) كما عرفت مما قدمناه وهو معنى صحيح لا غبار عليه.
وبه تبقى أدلة
القول الثاني سالمة من المعارض ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد
بن مسلم ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «يجزئ المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم
اين وجه القبلة».
وروى في الكافي
في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن قبلة المتحير فقال يصلي حيث شاء».
__________________
وروى الصدوق في
الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ
فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال قد مضت صلاته فما بين المشرق
والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير : وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» . كذا استدل بها في المدارك ، واحتمل جملة من المحققين
كون قوله في هذه الرواية «ونزلت هذه الآية» من كلام الصدوق لا من الرواية وعليه
تنتفي دلالة الرواية.
والمستفاد من
بعض الاخبار ان هذه الآية إنما نزلت في النافلة وجواز صلاتها الى غير القبلة ،
فروى الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) في قوله تعالى «فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» انها ليست منسوخة وانها مخصوصة بالنوافل في حال السفر.
وروى الشيخ في
النهاية عن الصادق (عليهالسلام) في قوله تعالى : «فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» قال : «هذا في النوافل في حال السفر خاصة فأما الفرائض
فلا بد فيها من استقبال القبلة».
وقال الثقة
الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره «وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ
وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» قال العالم (عليهالسلام) : «فإنها نزلت في صلاة النافلة فصلها حيث توجهت إذا
كنت في سفر فأما الفرائض فقوله «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» يعني الفرائض لا تصلها إلا الى القبلة».
وفي تفسير
العياشي عن حريز عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انزل الله هذه الآية في التطوع خاصة «فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ» وصلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج الى خيبر
__________________
وحين خرج من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره». قال زرارة «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الصلاة في السفينة والمحمل سواء؟ قال النافلة كلها
سواء ، ثم ساق الخبر في الكتاب المذكور الى ان قال كل ذلك قبلة للمتنفل انه قال : فَأَيْنَما تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».
وروى فيه عن
حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟
قال يسجد حيث توجهت فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة يقول :
فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ».
ولا يخفى ما في
دلالة هذه الاخبار على المنافاة لما تقدم من نزول الآية المذكورة في قبلة المتحير
سواء جعلت من الخبر أو من كلام الصدوق والحمل على الثاني أوفق بانتظام الاخبار
وسلامتها من الاختلاف في هذا المضمار وان كان الظاهر ان الصدوق ايضا لا يقوله إلا
عن رواية وصلت اليه. وربما جمع بعضهم بين الاخبار المتقدمة بحمل روايات الصلاة الى
اي جهة شاء على عدم التمكن من الصلاة الى أربع جهات وتبقى رواية خراش على ظاهرها.
ولا يخفى بعده عن ظاهر سياق الأخبار المذكورة.
وبالجملة
فالرواية المذكورة مع ضعف سندها معارضة بالأخبار المتقدمة وبهذه الاخبار والأظهر
في معناها هو ما ذكرناه وبه تنتفي المناقضة بين الاخبار ويظهر اجتماعها على وجه
واضح المنار.
وذهب السيد رضي
الدين بن طاوس في هذه المسألة إلى الرجوع الى القرعة ، قال في المدارك : ولا بأس
به. أقول : بل البأس فيه أظهر ظاهر إذ الظاهر من الاخبار ان مشروعية القرعة انما
هو من حيث الاشكال وانها لكل أمر مشكل. والظاهر انه لا اشكال هنا مع وجود الأدلة
الصحيحة الصريحة في الحكم ، اما على ما ذكرنا في معنى
__________________
رواية خراش فظاهر ، واما على ما ذكره من طرحها لضعفها سندا ودلالة فقال انه
لا تعويل عليها فأظهر ، وعلى كل من الوجهين تبقى الأخبار سالمة من المعارض فأي وجه
هنا للقرعة وأي إشكال في الحكم يوجب الرجوع إليها؟
ثم انه على
القول المشهور من الصلاة الى أربع جهات يعتبر في الجهات الأربع كونها على خطين
مستقيمين وقع أحدهما على الآخر على وجه يحدث عنهما زوايا قوائم لأنه المتبادر من
النص. أقول : ويمكن حصول ذلك بالخطوط الثلاثة المتقاطعة على زوايا قوائم بناء على
ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار «في من صلى ثم نظر بعد ما فرغ فرأى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟
فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».
ثم انهم بناء
على القول المذكور صرحوا بأنه لو ضاق الوقت عن الأربع اتى بما أمكن ولو واحدة الى
اي جهة شاء ، وبالجملة بما يتسع له الوقت. قال في المعتبر وكذا لو منعت ضرورة من
عدو أو سبع أو مرض.
(الرابع) ـ الظاهر
من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من لا يتمكن من الاجتهاد كالأعمى
والعامي مع ضيق الوقت عن التعلم والعالم بالعلامات مع خفائها لعارض من غيم ونحوه
فإنه يجوز له التقليد. وظاهر كلام الشيخ (قدسسره) في الخلاف المنع من التقليد للأعمى وغيره ووجوب الصلاة
الى أربع جهات مع السعة والتخيير مع الضيق.
احتج الأولون
بأن قول العدل أحد الأمارات المفيدة للظن فكان العمل به لازما مع انتفاء العلم
وعدم إمكان تحصيل ظن أقوى منه لقوله (عليهالسلام) «يجزى التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة».
واحتج في الخلاف
على ما ذكره بأن الأعمى ومن لا يعرف أمارات القبلة إذا صليا إلى أربع جهات برئت
ذمتهما بالإجماع وليس على براءة ذمتهما إذا صليا إلى واحدة
__________________
دليل. ثم استدل على التخيير مع الضيق والضرورة بأن وجوب القبول من الغير لم
يقم عليه دليل والصلاة الى الجهات الأربع منفي لكون الحال حال الضرورة فيثبت
التخيير وجوابه معلوم من حجة القول المشهور المتقدمة. إلا ان المسألة لعدم النص لا
تخلو من شوب الاشكال وان كان القول المشهور لا يخلو من قوة لما علم من الاعتماد
على الظن في مسألة القبلة مع ما عرفت من سعة الأمر فيها.
وربما يستدل
هنا على وجوب التقليد للأعمى وعدم وجوب الصلاة الى أربع جهات بالأخبار الدالة على
جواز إمامته في الصلاة كصحيحة عبيد الله الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان يؤم الأعمى القوم وان كانوا هم الذين
يوجهونه». وصحيحة زرارة أو حسنته عن ابي جعفر (عليهالسلام) في حديث قال : «قلت له أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا
كان له من يسدده وكان أفضلهم». ونحوهما رواية السكوني .
والظاهر انه
ليس كذلك فان هنا مقامين : (الأول) ان تكون القبلة معلومة في حد ذاتها لا تحتاج
الى اجتهاد لكنها بالنسبة إلى الأعمى غير معلومة على السمت الذي تجب الصلاة له
فيحتاج الى من يسدده ويرشده وهذا هو مورد الأخبار المذكورة ، والظاهر ان الشيخ لا
يخالف في هذه الصورة ويوجب عليه الصلاة الى أربع جهات ويطرح هذه الاخبار من غير
معارض (الثاني) ان تكون القبلة مجهولة تحتاج الى اجتهاد وهذا هو موضوع المسألة ،
فهل يجوز للأعمى الرجوع الى من حصل القبلة باجتهاده أو يجب عليه الصلاة الى أربع
جهات؟ والاخبار المذكورة لا دلالة لها على هذه الصورة بل موردها الصورة الاولى.
وبذلك يظهر ما في كلام جملة من الأصحاب هنا : منهم ـ السيد السند في المدارك
والفاضل الخراساني في الذخيرة من ان المراد بالتقليد هنا قبول قول الغير سواء كان
مستندا الى الاجتهاد أو اليقين ، فإنه بظاهره شامل لما ذكرنا من المقام
__________________
الأول مع انه ليس كذلك.
وبالجملة فإن
الظاهر ان موضوع المسألة انما هو صورة جهل القبلة وحصول من يتمكن من الاجتهاد في
معرفتها ومن لا يتمكن ، فهل يرجع من لا يتمكن من الاجتهاد للأعذار المتقدمة إلى
المتمكن أم لا؟ واما في مقام العلم بالقبلة فليس من محل البحث في شيء فان ما يحصل
به اليقين عند المقلد بفتح اللام من رؤية أو مشاهدة أو تعيين الجهة من العلامات
المذكورة بين علماء الهيئة يحصل به اليقين عند المقلد بكسرها إلا ان يكون أعمى
مكفوف البصر ، وقد عرفت حكمه من الأخبار المتقدمة وان الشيخ لا يخالف في هذه
الصورة. وينبغي ان يعلم انه لو تفاوتت الظنون بالنسبة إلى المخبرين من حيث العدالة
والتعدد ونحو ذلك وعدمها عمل على أقواها ووجب دوران الحكم معه كما يجب تقديم العلم
على الظن. والكلام بالنسبة إلى الكافر ونحوه كما تقدم من حصول الظن بقوله وعدمه.
(الخامس) ـ قد
صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز التعويل على قبلة البلد إذا لم يعلم انها بنيت
على الغلط ، والمراد بقبلتها محاريبها المنصوبة وقبورها ونحوها ، ونقل في التذكرة
الإجماع عليه. والظاهر من كلامهم التعليل ببعد اجتماع الخلق الكثير في المدد
المتطاولة على الخطأ. وإطلاق كلامهم يقتضي انه لا فرق في ذلك بين ما يفيد العلم
بالجهة أو الظن ولا بين ان يكون المصلي متمكنا من معرفة القبلة بالعلامات المفيدة
للعلم أو الاجتهاد المفيد للظن أو ينتفي الأمران فإنه يعول على قبلة البلد على
جميع هذه التقادير أقول : وفي بعض هذه الشقوق اشكال وهو انه لو كان قبلة البلد
انما تفيد الظن بالجهة مع تمكنه من العلم فان الظاهر وجوب الرجوع الى العلامات
المفيدة للعلم ، ولعل في تصريح بعضهم في هذا المقام بأنه إن جهلها عول على
الأمارات المفيدة للظن ما يشير الى ما قلناه. وبالجملة فإنه لا يجوز الرجوع الى الظن
إلا مع تعذر العلم كائنا ما كان.
وإطلاق كلامهم
أعم من ان تكون البلدة من الأمصار العظيمة أو قرية من القرى
قال في الذكرى : لو كانت قرية صغيرة نشأ فيها قرون من المسلمين لم يجتهد في
قبلتها.
وصرح جماعة
منهم بعدم جواز التعويل على المحاريب المنصوبة في الطرق النادر مرور المسلمين
عليها ونحو القبر والقبرين من المسلمين في الموضع المنقطع.
وصرح جملة منهم
بعدم جواز الاجتهاد في الجهة التي عليها قبلة البلد ، والظاهر ان مرادهم الاجتهاد
إلى إحدى الجهات الأربع كجهة المغرب مثلا بان يجتهد فيها إلى جهة الشمال ونحوها
اما في التيامن والتياسر في تلك الجهة فإنه يجوز الاجتهاد فيه لعموم الأمر
بالتحري. وربما قيل بالمنع لان احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب من اصابة الواحد. واعترض
عليه بأنه يجوز انهم تركوا الاجتهاد لعدم وجوبه عليهم فهذا التعليل انما يتم لو
ثبت وجوب الاجتهاد عليهم ووقوعه منهم.
أقول : قد
أشرنا سابقا إلى انه لا يخفى على من تأمل جميع البلدان ولا شاهد أبلغ من العيان
فإنه ليس شيء منها موافقا للعلامات الرياضية التي حكموا بإفادتها العلم فضلا عن
الظن ، فاني من جملة من تتبع ذلك لأني لما سافرت الى حج بيت الله الحرام على طريق
البحر رجعت على طريق البر فاتفق ان جماعة الحجاج اتفقوا مع الأمير ان يمضي بهم الى
المدينة فخرجنا من مكة المعظمة سائرين إلى جهة الشمال خمسة أيام حتى وصلنا الى
منزل يقال له مران فوقع بين الأمير والحاج اختلاف في ما وعدهم وطلب منهم مبلغا
زائدا واتفق الأمر على عدم مغدى المدينة المشرفة والرجوع الى الأحساء ، فمشينا على
الطريق المتوجهة إلى الأحساء وكان مسيرنا الى طرف المشرق وكنت إذا جن الليل ارى
المسير على مطلع الثريا وهو مائل عن نقطة المشرق إلى جهة الشمال كما لا يخفى حتى
وصلنا الى منزل يسمى سديرة فسافرنا منه قاصدين إلى جهة الشمال ثلاثة أيام ثم دخلنا
الأحساء ، والأحساء كالبحرين والقطيف قبلتها الآن على نقطة المغرب ، وما ذكرناه من
هذا الانحراف الذي شاهدناه موافق لما ذكره علماء الهيئة مما قدمنا نقله ومؤيد له
مع ان قبلة هذه البلدان منذ وجدت ودخلت في الإسلام في زمن النبي (صلى الله عليه
وآله) وعين فيها ولاة من جهته (صلىاللهعليهوآله) انما كان على هذه الجهة التي هي نقطة المغرب واستمر
عليها السلف والخلف ، وقد قدمنا لك ما وقع في مصرنا لبعض الفضلاء الأعيان في
اجتهاده في مساجد بهبهان ، ومثل ذلك ما ذكره شيخنا الشهيد في الذكرى قال : وقد وقع
في زماننا اجتهاد بعض علماء الهيئة في قبلة مسجد دمشق وان فيه تياسرا عن القبلة مع
تواطؤ الأعصار الماضية على عدم ذلك. انتهى. وقد وقع مثله لشيخنا الشيخ حسين بن عبد
الصمد والد شيخنا البهائي في قبلة خراسان كما ذكره بعض الأعيان. ونقل في الذخيرة
عن عبد الله بن المبارك انه أمر أهل مرو بالتياسر بعد رجوعه من الحج ، وقد تقدم في
كلام شيخنا المجلسي ان محراب مسجد الرسول (صلىاللهعليهوآله) مخالف للقواعد الرياضية وكذا مسجد الكوفة ومسجد السهلة
ومسجد يونس وتقدم بيان ذلك ، الى غير ذلك من البلدان التي يقع التأمل فيها والمطابقة
بين قبلتها والقبلة التي ذكرها علماء الهيئة بالنسبة إليها ، واللازم من ذلك أحد
أمرين اما بطلان صلوات أهل تلك البلدان في جميع الأزمان أو عدم اعتبار هذه
العلامات وان أفادت اليقين كما ذكروه دون الظن والتخمين. والأول أظهر في البطلان
من ان يحتاج الى البيان سيما وجملة منها مما صلى فيه الأئمة (عليهمالسلام) كالمدينة وخراسان ومسجد الكوفة ودعوى التغيير في هذه
البلدان عما كانت عليه في سابق الأزمان دعوى بغير دليل بل مخالفة لما جرت عليه
كافة العلماء جيلا بعد جيل فيتعين الثاني ، ويتأيد بما قدمناه من الاخبار والمؤيدات
الدالة على سعة أمر القبلة ، وبذلك يسقط هذا البحث من أصله وما ذكر فيه من
التفريعات. والله العالم.
(السادس) ـ لا
خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في عدم جواز الفريضة على الراحلة اختيارا بل
قال في المعتبر انه مذهب العلماء كافة سواء في ذلك الحاضر والمسافر.
والأصل في ذلك
الأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن
ابن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به
القبلة وتجزئه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما امكنه من شيء ويومئ في
النافلة إيماء».
وعن عبد الله
بن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال لا إلا من
ضرورة».
وعن عبد الله
بن سنان في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا تصل شيئا من المفروض راكبا ، قال النضر في
حديثه : إلا ان تكون مريضا».
وصاحب المدارك
قد نقل الرواية الاولى من روايتي عبد الله بن سنان المذكورتين وجعلها من الموثق مع
ان في سندها احمد بن هلال وهو ضعيف غال وروايته الموثقة انما هي الثانية بغير
المتن الذي نقله.
واما ما يدل
على الجواز مع الضرورة مضافا الى ما عرفت من هذه الروايات فمنه ما رواه الشيخ عن
محمد بن عذافر قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام
عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل أيجوز له ان يصلي
الفريضة في المحل؟ قال نعم هو بمنزلة السفينة إن امكنه قائما وإلا قاعدا ، وكل ما
كان من ذلك فالله اولى بالعذر يقول الله عزوجل : بَلِ
الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» .
وعن جميل بن
دراج في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر».
وعن مندل بن
علي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على راحلته الفريضة في يوم مطير». وقال في الفقيه
__________________
«كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي على راحلته الفريضة في يوم مطير».
وعن الحميري
وهو عبد الله بن جعفر قال : «كتبت الى ابي الحسن (عليهالسلام) روى جعلني الله فداك مواليك عن آبائك ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) صلى الفريضة على راحلته في يوم مطير ويصيبنا المطر في
محاملنا والأرض مبتلة والمطر يؤذي فهل يجوز لنا يا سيدي ان نصلي في هذه الحال في
محاملنا أو على دوابنا الفريضة ان شاء الله تعالى؟ فوقع (عليهالسلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة».
وروى أبو منصور
احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد ابن عبد الله بن جعفر
الحميري عن صاحب الزمان (صلوات الله عليه) «انه كتب إليه يسأله عن رجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف ان
نزل الغوص فيه وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال فلا يستوي له ان يلبد شيئا منه
لكثرته وتهافته هل يجوز ان يصلي في المحمل الفريضة فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا
في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب لا بأس به عند الضرورة والشدة».
وقال في كتاب
الفقه الرضوي «ان صليت فريضة على ظهر دابتك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام ثم امض حيث
توجهت بك دابتك تقرأ فإذا أردت الركوع والسجود استقبل القبلة واركع واسجد على شيء
يكون معك مما يجوز عليه السجود ولا تصلها إلا في حال الاضطرار جدا ، وتفعل فيها
مثله إذا صليت ماشيا إلا انك إذا أردت السجود سجدت على الأرض».
واما ما رواه
الشيخ عن منصور بن حازم ـ قال : «سأله أحمد بن النعمان فقال أصلي في محملي وانا
مريض؟ قال فقال اما النافلة فنعم واما الفريضة فلا. قال وذكر أحمد شدة وجعه فقال
انا كنت مريضا شديد المرض فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة ينيخوا بي فاحتمل بفراشي
فأوضع وأصلي ثم احتمل بفراشي فأوضع في محملي». ـ فحمله الشيخ على
__________________
الاستحباب. والأقرب حمله على مرض يحتمل فيه الوضع على الأرض كما حكاه
الامام (عليهالسلام) عن نفسه ، وقد عرفت من روايتي الحميري وابنه اناطة
الصلاة في المحمل بالضرورة الشديدة.
وتحقيق البحث كما
هو حقه في المقام يتوقف على رسم فوائد :
(الأولى) ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الصلاة
المفروضة بين اليومية وغيرها ولا بين ما وجب بالأصل أو لعارض ، وبه صرح الشهيد (قدسسره) في الذكرى فقال : لا تصح الفريضة على الراحلة اختيارا
إجماعا لاختلال الاستقبال وان كانت منذورة سواء نذرها راكبا أو مستقرا على الأرض
لأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب. قال في المدارك بعد نقل ملخص ذلك : ويمكن القول
بالفرق واختصاص الحكم بما وجب بالأصل خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية عملا
بمقتضى الأصل وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر. ويؤيده رواية علي بن جعفر عن
أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل جعل لله عليه ان يصلي كذا وكذا هل
يجزئه ان يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال نعم». ثم قال وفي الطريق محمد بن أحمد
العلوي ولم يثبت توثيقه. وسيأتي تمام البحث في ذلك ان شاء الله تعالى. انتهى وما
ذكره جيد للخبر المذكور مؤيدا بما ذكره قبله وان عكس الأمر بناء على ضعفه باصطلاحه
كما نبه عليه.
أقول : يمكن ان
يقال باختصاص إطلاق الاخبار هنا باليومية لأنها المتبادرة عند الإطلاق والفرد
المتكثر المتكرر الشائع فينصرف إليه الإطلاق كما قرروه في أمثال هذا الموضع ، وبه
يتأيد ما ذكر في حكم الصلاة المنذورة لعدم دخولها تحت الإطلاق المذكور بناء على ما
ذكرناه.
__________________
(الثانية) ـ المفهوم
من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب الاستقبال بما أمكن من صلاته لقوله
تعالى «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ» وعلى هذا فيجب عليه ان يحرف الدابة لو انحرفت عن القبلة
مع المكنة إذا كان المشي إلى صوب القبلة. ولو حرفها عنها عمدا لغير ضرورة بطلت
صلاته.
والذي وقفت
عليه من الأخبار مما يتعلق بهذا الحكم صحيحة زرارة قال : «قال أبو جعفر (عليهالسلام) الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة الموافقة إيماء على
دابته. ثم قال ويجعل السجود اخفض من الركوع ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت
دابته غير انه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه».
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف ان تنزل من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن
صلاتك على ظهر دابتك وتستقبل القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف وإلا استقبل
القبلة بالافتتاح ثم امض في طريقك التي تريد حيث توجهت بك راحلتك مشرقا ومغربا ،
وتنحني للركوع والسجود ويكون السجود اخفض من الركوع ، وليس لك ان تفعل ذلك إلا آخر
الوقت».
وظاهر الجميع
بل صريحه الاستقبال بتكبيرة الافتتاح ، وقد دلت العبارة المتقدمة على الاستقبال
ايضا بالركوع والسجود وعليه العمل وان كان المحافظة على ما ذكروه أحوط
ثم انه بناء
على ما قدمنا ذكره عنهم قيل يجب عليه تحري الأقرب إلى جهة القبلة فالأقرب ، قال في
المدارك : وكأن وجهه ان للقرب أثرا عند الشارع ولهذا افترقت الجهات في الاستدراك
لو ظهر خطأ الاجتهاد. وقيل بالعدم للخروج عن القبلة فتتساوى الجهات. قال في
المدارك : ولو قيل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب دون باقي الجهات لتساويها في الاستدراك
لو ظهر خطأ الاجتهاد لقولهم (عليهمالسلام) «ما بين المشرق
__________________
والمغرب قبلة». كان قويا. انتهى. أقول : قد عرفت انه بالنظر الى الخبرين
المذكورين وما دلا عليه فلا اثر لهذه التخريجات.
(الثالثة) ـ قد
صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) أيضا بالنسبة إلى الماشي المضطر إلى الصلاة مع ضيق
الوقت انه يستقبل القبلة بما امكنه من صلاته ويسقط مع العجز
واستدل عليه في
المدارك بقوله عزوجل «فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» وصحيحة عبد
الرحمن بن ابي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يخاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال يكبر ويومئ
برأسه».
وأنت خبير بما
في الدليل المذكور من القصور عن الاستدلال فإنه لا دلالة فيه على المشي بوجه وغاية
ما تدل عليه الرواية الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء وان كان واقفا في
محله.
وأظهر منها صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا
يستطيع المشي مخافة السبع فان قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده السبع والسبع امامه
على غير القبلة فإن توجه إلى القبلة خاف ان يثب عليه الأسد كيف يصنع؟ قال يستقبل
الأسد ويصلي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم وان كان الأسد على غير القبلة».
والآية والخبر
ايضا على تقدير دلالتهما لا دلالة لهما على اعتبار ضيق الوقت كما ذكروه إلا ان
يدعى ذلك في جميع أصحاب الأعذار كما تقدم.
والأظهر
الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال يومئ إيماء وليجعل
السجود اخفض من الركوع. قلت يصلي وهو يمشي. قال نعم يومئ
__________________
إيماء وليجعل السجود اخفض من الركوع».
وما رواه الشيخ
في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن شعيب قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في السفر وانا أمشي؟ قال اومئ إيماء واجعل
السجود اخفض من الركوع».
وما رواه
الثلاثة في الصحيح عن حريز عن من ذكره عن ابي جعفر (عليهالسلام) «انه لم يكن يرى بأسا ان يصلي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل».
وإطلاق هذه
الاخبار وان تبادر منه النافلة لكنه شامل للفريضة أيضا وان قيدت بحال الضرورة كما
لا يخفى.
ويدل على ذلك
صريحا قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي بعد ذكر صلاة الراكب على ظهر الدابة وانه يستقبل القبلة
بتكبيرة الافتتاح ثم يمضي حيث توجهت دابته وانه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة
ويركع ويسجد على شيء يكون معه مما يجوز عليه السجود ، الى ان قال : وتفعل فيها
مثله إذا صليت ماشيا إلا انك إذا أردت السجود سجدت على الأرض. انتهى.
وروى في
المقنعة قال : «سئل (عليهالسلام) عن الرجل يجد به السير أيصلي على راحلته؟ قال لا بأس
بذلك يومئ إيماء وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة». والتقييد بجد السير في الراكب
والاضطرار في الماشي قرينة الحمل على الفريضة إذ لا يشترط شيء من ذلك في النافلة
كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
ثم انهم ذكروا
انه لو أمكن الركوب والمشي في الفريضة مع عدم إمكان الاستقرار احتمل التخيير لظاهر
قوله تعالى «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ
رُكْباناً» وترجيح المشي لحصول ركن القيام وترجيح الركوب لان
الراكب مستقر بالذات وان تحرك بالعرض
__________________
بخلاف الماشي. والأجود تقديم أكثرهما استيفاء للافعال ومع التساوي
فالتخيير.
(الرابعة) ـ لو
كان الراكب يتمكن من الركوع والسجود وفرائض الصلاة كالراكب في الكنيسة أو على بعير
معقول أو نحو ذلك فهل يجوز الصلاة أم لا؟ المشهور الثاني لظواهر الأخبار المتقدمة
لإطلاقها في المنع من الصلاة راكبا ، قال شيخنا الشهيد الثاني وهي عامة ووجه
عمومها الاستثناء المذكور فيها. وأورد عليه سبطه في المدارك ان هذا العموم انما هو
في الفاعل خاصة اما الدابة فمطلقة ، ولا يبعد حملها على ما هو الغالب اعني من لا
يتمكن من استيفاء الأفعال. انتهى. وهو جيد. ونقل عن فخر المحققين الاستدلال على
ذلك بما لا يخلو من ضعف كما نبه عليه في المدارك.
ثم قال في
المدارك : والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية إذ المفروض التمكن من
استيفاء الأفعال والأمن من زواله عادة في ثاني الحال. انتهى. وهو جيد ان تم ما
ذكره من التمكن.
إلا ان ظاهر
كلام الشهيد في الذكرى تعليل المنع في الكنيسة بعدم الاستقرار وعليه فلا يكون
متمكنا من استيفاء الأفعال حيث انه علل المنع في الراكب في الكنيسة بعدم الاستقرار
، قال ولهذا لا يصح صلاة الماشي مستقبلا مستوفيا للأفعال لأن المشي أفعال كثيرة
خارجة عن الصلاة فيبطلها وانما خرجت النافلة بدليل آخر مع المسامحة فيها. انتهى.
وعندي في حمل
الصلاة في الكنيسة على صلاة الماشي وانها مثلها في عدم الاستقرار إشكال ، لأن
الراكب في الكنيسة مستقر في مكانه وانما يتحرك به البعير والدابة بخلاف الماشي
المتحرك بنفسه ، وبالجملة فإني لا اعرف له وجه استقامة. ومثله الكلام في الدابة
المعقولة بحيث لا يأمن من الحركة والاضطراب فان استيفاء الأفعال على ظهرها غير
ممكن مع ان إطلاق الأمر بالصلاة ينصرف الى الفرد المعهود وهو ما كان على الأرض وما
في معناها فالأظهر العدم إلا مع الضرورة.
وأشكل من ذلك
ما ذكروه في الأرجوحة المعلقة بالحبال فقال في المدارك على اثر عبارته المتقدمة ـ وهي
قوله : والأقرب الجواز كما اختاره العلامة في النهاية ـ وقريب من ذلك الكلام في
الأرجوحة المعلقة بالحبال ونحوها. فإنه ظاهر في جواز الصلاة عليها ، وظاهره
باعتبار اتصاله بالكلام المتقدم انه يمكن استيفاء الأفعال عليها ، ونقل القول
بالجواز عليها عن العلامة في التذكرة أيضا. ومنع من الصلاة عليها في الذكرى ونقله
في الذخيرة عن المنتهى ايضا ونقل عن القواعد التوقف.
والأرجوحة على
ما ذكره في القاموس حبل يعلق ويركبه الصبيان ، وهو معمول في زماننا أيضا بأن يعلق
حبل بين جذعين رفيعين ويجلس عليه الصبي فيحرك به في الهواء صعودا ونزولا.
ولا يخفى ما في
عده في هذا المقام والحكم بصحة الصلاة عليه من الاشكال لاضطرابه وعدم استقراره وعدم
إمكان القيام عليه والركوع والسجود والجلوس كما هو بوجه من الوجوه ، ولعلهم أرادوا
بما ذكروه معنى آخر غير ما ادى اليه فهمي القاصر إلا ان عبارة القاموس ظاهرة فيما
قلناه.
وقد روى علي بن
جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي على الرف
المعلق بين نخلتين؟ قال ان كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس».
قال شيخنا
المجلسي في كتاب البحار بعد نقل الخبر من كتاب قرب الاسناد : يدل على جواز الصلاة
على الرف المعلق بين النخلتين وهو يحتمل وجهين (الأول) ان يكون المراد شد الرف
بالنخلتين فالسؤال باعتبار احتمال حركتهما والجواب مبني على انه يكفي الاستقرار في
الحال فلا يضر الاحتمال أو على عدم ضرر مثل تلك الحركة. و (الثاني) ان يكون المراد
تعليق الرف بحبلين مشدودين بنخلتين ، وفيه اشكال لعدم
__________________
تحقق الاستقرار في الحال. والحمل على الأول أولى وأظهر ويؤيده ما ذكره
الفيروزآبادي في تفسير الرف بالفتح انه شبه الطاق. انتهى.
أقول : الظاهر
من تشبيهه بالطاق يعني في الانحناء وحينئذ فتكون حد بيته في جانب السفل ليحصل
القيام على باطنها ، وينبغي ان يكون فيه عرض يحصل فيه السجود والركوع والجلوس مع
طمأنينة واستقرار ، واليه يشير قوله : «إذا كان مستويا يقدر على الصلاة عليه»
والظاهر ان منشأ السؤال انما هو من حيث كونه في الهواء ليس على الأرض وان أمكن
الاستقرار فيه والإتيان بالصلاة فيه على وجهها.
وبالجملة فإن
ذكر الأرجوحة في هذا المقام مع ما عرفت غريب لا اعرف له وجه استقامة على الظاهر.
والله العالم.
(السابع) ـ قال
شيخنا الشهيد في الذكرى : لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى لا جماعة لأن المأموم ان
كان محقا في الجهة فسدت صلاة امامه وإلا فصلاته فيقطع بفساد صلاة المأموم على
التقديرين. ثم قال بعد ذلك بقليل : لو اختلف الامام والمأموم في التيامن والتياسر
فالأقرب جواز الاقتداء لأن صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا
يسير ، ولان الواجب مع البعد الجهة وهي حاصلة هنا والتكليف بالعين مع البعد ضعيف.
انتهى.
أقول : الظاهر
ان كلامه الأول مبني على ما هو المشهور بينهم من ان مناط الصحة مطابقة ما فعله
المكلف للواقع وان كان بحسب ظاهر الشرع متعبدا بظنه ، وحينئذ فغاية ما تفيده
عبادته مع المخالفة هو سقوط القضاء والمؤاخذة لا قبول العبادة وصحتها وترتب الثواب
عليها من حيث كونها عبادة. وقد عرفت ما فيه في ما تقدم من كتاب الطهارة من
النجاسات ، وإلا فكيف يحكم هنا ببطلان صلاة أحدهما والحال ان كلا منهما مكلف بما
ادى اليه اجتهاده وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، فتكون صلاة كل منهما صحيحة مغنية
عن القضاء كما قال في المسألة الثانية ، وحينئذ فلا فرق بين المسألة الاولى
والثانية في صحة الاقتداء وصحة صلاة كل منهما.
ولهذه المسألة
نظائر عديدة : منها ـ ما لو توضأ بماء قليل نجس بالملاقاة كما هو المشهور من نجاسة
القليل بالملاقاة لأنه عنده غير نجس كما هو القول الآخر في المسألة ، فإنه ان قلنا
ان الصحة عبارة عن مطابقة الطهارة للواقع امتنع الائتمام به لمن يعتقد النجاسة
لعدم معلومية المطابقة ، وان قلنا ان صحتها لا تعلق لها بالواقع بل الظاهر في نظر
المكلف فهي عند المأموم وان كان لا يعتقد ذلك صحيحة فيجوز له الاقتداء فيها وان
خالف اعتقاده لان صحتها دائرة مدار ظن فاعلها ، وهكذا غير ذلك من الفروع فاحتفظ به
فإنه فرع غريب.
ثم ان الظاهر
ان المراد بالتياسر والتيامن في كلامه ما كان قليلا بحيث لا يخرج به عن الجهة التي
يجب التوجه إليها وان كان مكروها كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، والوجه فيه ان
العلامات التي بنيت عليها الجهة للبلدان المتسعة تقتضي نوع اتساع في تلك الجهة فلا
يضر التيامن والتياسر اليسير فيها.
(الثامن) ـ اختلف
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في الصلاة في السفينة فذهب ابن بابويه وابن حمزة
على ما نقل عنهما الى جواز الصلاة فيها فرضا ونفلا مختارا ، وهو ظاهر اختيار
العلامة في أكثر كتبه واليه مال السيد السند في المدارك ، ونقل عن ابي الصلاح وابن
إدريس أنهما منعا من الصلاة فيها إلا لضرورة ، واستقربه الشهيد في الذكرى ، وحكى
عن كثير من الأصحاب انهم نصوا على الجواز إلا انهم لم يصرحوا بكونه على وجه
الاختيار.
والواجب ذكر
أخبار المسألة والنظر في ما تدل عليه ، ومنها ـ صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) انه قال : «أكون في سفينة قريبة من الجد فاخرج وأصلي؟
قال صل فيها اما ترضى بصلاة نوح (عليهالسلام)».
__________________
وصحيحة عبد
الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن صلاة الفريضة في السفينة وهو يجد الأرض
يخرج إليها غير انه يخاف السبع أو اللصوص ويكون معه قوم لا يجتمع رأيهم على الخروج
ولا يطيعونه؟ وهل يضع وجهه إذا صلى أو يومئ إيماء أو قاعدا أو قائما؟ فقال ان
استطاع ان يصلي قائما فهو أفضل وان لم يستطع صلى جالسا ، وقال لا عليه ان لا يخرج
فان ابي سأله عن مثل هذه المسألة رجل فقال أترغب عن صلاة نوح؟».
وصحيحة معاوية
بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة في السفينة؟ فقال تستقبل القبلة بوجهك ثم
تصلي كيف دارت تصلي قائما فان لم تستطع فجالسا تجمع الصلاة فيها ان أرادوا ويصلى
على القبر والقفر ويسجد عليه».
وحسنة حماد بن
عثمان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «انه سئل عن الصلاة في السفينة قال يستقبل القبلة فإذا دارت واستطاع ان
يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا فليصل حيث توجهت به ، قال فإن أمكنه القيام فليصل
قائما وإلا فليقعد ثم يصلي».
وبهذه الاخبار
استدل في المدارك على ما اختاره من القول بالجواز مطلقا ثم نقل عن المانعين انهم
احتجوا بان القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك ، وبان الصلاة فيها
مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة فلا يصار إليها إلا مع الضرورة ، وبما
رواه الشيخ عن حماد بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول ان استطعتم ان تخرجوا
الى الجدد فاخرجوا فان لم تقدروا فصلوا قياما فان لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا
القبلة». وعن علي بن إبراهيم قال : «سألته عن الصلاة في السفينة قال يصلي وهو جالس
إذا لم يمكنه القيام في السفينة ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط ، وقال
يصلي في السفينة يحول وجهه
__________________
إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت». ثم قال : وأجيب عن الأول بأن الحركة
بالنسبة إلى المصلي عرضية لانه ساكن. ويمكن الجواب عنه أيضا بان ذلك مغتفر بالنص
وهو الجواب عن الثاني. وعن الروايتين بعد سلامة السند بحمل الأمر في الأولى على
الاستحباب والنهي في الثانية على الكراهة جمعا بين الأدلة. انتهى.
أقول :
والتحقيق عندي في هذا المقام ان يقال لا ريب انه قد علم من الأدلة القطعية وجوب
القيام في الصلاة والاستقبال والركوع والسجود والاستقرار والطمأنينة في تلك
الأفعال وانه لا يجوز الإخلال بذلك اختيارا ، ويؤيده مراعاة ذلك في الصلاة في
السفينة كما دلت عليه الروايات المذكورة في الباب وانه لا يخل بشيء من ذلك إلا مع
عدم التمكن منه ، ويعضده ايضا ما تقدم من الاخبار الدالة على عدم جواز الصلاة على
الراحلة اختيارا ، وبما ذكرنا اعترف السيد المذكور في مسألة الصلاة على ظهر الكعبة
حيث قال بعد نقل القول بأنه يصلي مستلقيا ما صورته : والأصح ما اختاره المصنف من
وجوب الصلاة على سطحها كما يصلي داخلها عملا بمقتضى الأدلة القطعية الدالة على
وجوب القيام والاستقبال والركوع والسجود. انتهى. وحينئذ فالواجب في هذا المقام
تطبيق الأخبار الواردة في الصلاة في السفينة على هذه القواعد القطعية المتفق على
العمل بها ، والأخبار المذكورة عند التأمل الصادق في معانيها منطبقة عليها بأوضح
وجه من غير تكلف ولا خروج عن ظواهرها كما سنوضحه ان شاء الله تعالى في المقام ،
وبموجب ذلك لا يتم ما ذهبوا اليه من القول بالجواز مطلقا على اي نحو كانت السفينة
من استقرار واضطراب
وتفصيل ما
أجملناه من الكلام المتقدم هو ان يقال انه ان لم يتمكن من الأرض والصلاة عليها على
الوجه المتقدم من الإتيان بجميع الشرائط فلا ريب انه يصلي في السفينة على اي نحو
كانت لمكان الضرورة ويتحرى الإتيان بتلك الواجبات حسب الإمكان ، وعلى هذا تحمل
الأخبار الدالة على جواز الصلاة في السفينة وان دارت وتحركت واضطربت كصحيحة عبد
الله بن سنان وصحيحة معاوية بن عمار وحسنة حماد بن عثمان
ونحوها ، وان تمكن من الخروج من السفينة والصلاة على الأرض فلا يخلو اما ان
يتمكن من الصلاة في السفينة والإتيان بها على وجهها أيضا أم لا ، فعلى الأول يتخير
بين الصلاة في السفينة وخارجها وعلى هذا تحمل صحيحة جميل بن دراج ومثلها ما رواه
في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلي في السفينة
الفريضة وهو يقدر على الجد؟ قال نعم لا بأس». وعلى الثاني يجب الخروج والصلاة على
الأرض تحصيلا للإتيان بالواجبات المتقدمة على وجهها لإمكان الإتيان بها كما هو
المفروض ولا يجوز الصلاة في السفينة هنا وهذه الصورة هي مظهر الخلاف في البين ،
وعلى ما ذكرنا تدل صحيحة حماد بن عيسى أو حسنته بإبراهيم بن هاشم التي نقلها عارية
عن الوصف بشيء من الأمرين إيذانا بضعفها كما أشار إليه أخيرا ، ورواية علي بن
إبراهيم ، ومثلهما ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف
وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان أهل العراق يسألون أبي (رضياللهعنه) عن صلاة السفينة فيقول ان استطعتم ان تخرجوا الى الجد
فافعلوا فان لم تقدروا فصلوا قياما فان لم تقدروا فصلوا قعودا ونحروا القبلة». ومحمد
بن عيسى وان كان مشتركا وعلي بن إسماعيل مهملا إلا ان الحسن بن ظريف ثقة فالحديث
صحيح صريح في المراد.
وعلى ما ذكرناه
قد اجتمعت الاخبار على وجه لا يعتريه الغبار إلا انه قد روى الصدوق في كتاب
الهداية مرسلا قال : «سئل الصادق (عليهالسلام) عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج الى الشط؟
فقال لا أيرغب عن صلاة نوح؟ فقال صل في السفينة قائما فان لم يتهيأ لك من قيام
فصلها قاعدا فان دارت السفينة فدر معها وتحر
__________________
القبلة جهدك فان عصفت الريح ولم يتهيأ لك ان تدور إلى القبلة فصل الى صدر
السفينة. ولا تجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها».
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي «إذا كنت في السفينة وحضرت الصلاة فاستقبل القبلة وصل إن أمكنك قائما وإلا
فاقعد إذا لم يتهيأ لك فصل قاعدا وان دارت السفينة فدر معها وتحر القبلة ، وان
عصفت الريح فلم يتهيأ لك ان تدور إلى القبلة فصل الى صدر السفينة ولا تخرج منها
الى الشط من أجل الصلاة ، وروى انه تخرج إذا أمكنك الخروج ولست تخاف عليها انها
تذهب ان قدرت ان توجه نحو القبلة وان لم تقدر تثبت مكانك ، هذا في الفرض ويجزئك في
النافلة ان تفتتح الصلاة تجاه القبلة ثم لا يضرك كيف دارت السفينة لقول الله تعالى
«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ
اللهِ» والعمل على ان تتوجه إلى القبلة وتصلي على أشد ما يمكنك
في القيام والقعود ثم ان يكون الإنسان ثابتا في مكانه أشد لتمكنه في الصلاة من ان
يدور لطلب القبلة». انتهى.
وهذان الخبران
ظاهران في جواز الصلاة في السفينة حال الاضطراب وان امكنه الخروج إلى الأرض ،
والجواب عنهما انهما لا يبلغان قوة في معارضة ما أشرنا إليه من الاخبار الدالة على
تلك الأحكام عموما وخصوصا ولا يبعد حملهما على التقية وان لم يحضرني الآن مذهب
العامة في ذلك ، ولعل في قوله (عليهالسلام) في كتاب الفقه بعد إفتائه بذلك «وروى. الى آخره» إشارة
الى ذلك فان مخالفته لما روى عن آبائه (عليهمالسلام) انما يكون لذلك.
وبذلك يظهر لك
ما في كلام السيد السند في المدارك من المجازفة في المقام (اما أولا) فلطعنه في
رواية إبراهيم بن هاشم بعدم سلامة السند مع انه في الأغلب يعد حديثه في الحسن
وربما عده في الصحيح في المقام الذي يحتاج الى العمل به كما أشرنا إليه في غير
موضع.
__________________
و (ثانيا) ـ تعليله
المنع بان القرار ركن في القيام وجوابه عن ذلك بما ذكره أخيرا ، ولا يخفى عليك ما
فيه فان جواز الصلاة في السفينة ربما استلزم ترك القيام بالكلية وترك الركوع
والسجود على ما يصح السجود عليه ونحو ذلك ، وكل هذه واجبات قطعية كما اعترف به
آنفا لا يجوز الإخلال بها اختيارا ولهذا روعيت في الصلاة في السفينة مع الاضطرار ،
فكيف تكون مغتفرة بالنص كما ادعاه والحال انه يمكن الإتيان بها على وجهها بالخروج
عن السفينة؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة ، نعم لو لم يمكن ذلك فلا شك في الجواز ولا
خلاف لمكان الضرورة.
و (ثالثا) ـ ان
ما جمع به بين الأخبار من حمل النهي في رواية علي بن إبراهيم على الكراهة والأمر
في حسنة حماد على الاستحباب كما هي الطريق المتسع لهم في جميع الأبواب انما يتم
على تقدير تسليم ذلك لو انحصر الجمع بين الاخبار بذلك ، وليس كذلك بل الأظهر في
الجمع ـ وهو الطريق الواضح ـ هو ان يقال ان الروايات التي استدل بها ما عدا صحيحة
جميل مطلقة وروايتنا مفصلة وطريق الجمع حمل المجمل على المفصل ، واما صحيحة جميل
فقد عرفت الوجه فيها.
ثم ان ما تكرر
من الاخبار ـ من قولهم (عليهمالسلام) : «أترغب عن صلاة نوح» ونحو ذلك مما يدل على هذا
المعنى ـ فالظاهر ان وجهه انهم كانوا يظنون عدم جواز الصلاة في السفينة أو نقصانها
ولو مع الضرورة فأجيبوا بذلك كما يشعر به
صحيح أبي أيوب
الخزاز قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) انا ابتلينا وكنا في سفينة وأمسينا ولم نقدر على مكان
نخرج اليه فقال أصحاب السفينة ليس نصلي يومنا ما دمنا نطمع في الخروج؟ فقال ان ابي
كان يقول تلك صلاة نوح أو ما ترضى ان تصلى صلاة نوح؟ فقلت بلى. الحديث». والله
العالم.
(البحث الثالث)
ـ في ما يستقبل له وفي أحكام الخلل ، فالكلام يقع في مقامين
__________________
(الأول) ـ ما
يستقبل له ، ويجب الاستقبال في فرائض الصلاة مع الإمكان كما تقدم ، وبالميت عند
احتضاره والصلاة عليه ودفنه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في فصل غسل الأموات ، وعند
الذبح كما يأتي ان شاء الله تعالى في محله ، كل ذلك مع الإمكان فيسقط في كل موضع
لا يتمكن منه كصلاة المطاردة وعند ذبح الدابة الصائلة أو المتردية بحيث لا يمكن
صرفها إلى القبلة إجماعا نصا وفتوى كما سيأتي في مواضعها ان شاء الله تعالى وذكر
بعض الأصحاب ان الاستقبال يتصف بالأحكام الأربعة فيجب في هذه المواضع ويحرم في حال
التخلي على المشهور كما تقدم بيانه في محله ، ويكره في حال الجماع مستقبلا
ومستدبرا كما رواه الصدوق في كتاب الهداية عن الصادق (عليهالسلام) قال : «لا تجامع مستقبل القبلة ومستدبرها». وقال في كتاب
الفقيه «ونهى عن الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها». ويستحب للجلوس للقضاء والدعاء
مؤكدا بل الجلوس مطلقا لقوله (صلىاللهعليهوآله) «أفضل المجالس ما استقبل به القبلة». ولا يكاد الإباحة بالمعنى الأخص يتحقق
هنا.
ويستحب
الاستقبال بالنافلة لا بمعنى انه يجوز فعلها الى غير القبلة وان كان المصلي مستقرا
على الأرض بل على حد استحباب الوضوء لها والقراءة فيها ونحو ذلك من حيث انها شروط
في صحتها لكن لا يتصف بالوجوب مع ان أصل النافلة مستحبة. وربما ظهر من بعض
العبارات جواز النافلة الى غير القبلة وان كان مستقرا على الأرض ، وهو
__________________
يعيد لان العبادات موقوفة على التشريع من صاحب الشرع ولم ينقل عنه ذلك
فيكون إيقاعها كذلك تشريعا محرما. ويجوز صلاتها الى غير القبلة سفرا بلا خلاف وقال
في المعتبر انه اتفاق علمائنا طويلا كان السفر أو قصيرا. واما في الحضر فقولان
المشهور الجواز ونقل عن ابن ابي عقيل القول بالمنع.
والأقرب جواز
النافلة الى غير القبلة راكبا وماشيا سفرا وحضرا ضرورة واختيارا. ويدل على ذلك
الأخبار المتكاثرة ، ومنها ـ صحيحة الحلبي برواية الشيخين في الكافي والتهذيب «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال نعم حيث كان
متوجها. قال فقلت استقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال لا ولكن تكبر حيثما تكون
متوجها وكذلك فعل رسول الله صلىاللهعليهوآله». وقوله : «قال فقلت الى قوله متوجها» في رواية الكافي
دون التهذيب ، وأكثر الأصحاب في كتب الاستدلال ومنهم صاحب المدارك انما نقلوا
الرواية من طريق الشيخ عارية من هذه الزيادة.
وما رواه
المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليهالسلام) «في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت به؟ فقال نعم
لا بأس».
ورواه الصدوق
في الفقيه عن عبد الرحمن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) مثله .
وما رواه في
التهذيب في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي الحسن الأول (عليهالسلام) «في الرجل يصلي النافلة على دابته في الأمصار؟ قال لا بأس».
وعن صفوان
الجمال قال : «كان أبو عبد الله (عليهالسلام) يصلي صلاة الليل بالنهار على راحلته أينما توجهت به».
__________________
وعن محمد بن
مسلم في الصحيح قال «قال لي أبو جعفر (عليهالسلام) صل صلاة الليل والوتر والركعتين في المحمل».
وعن علي بن
مهزيار في الصحيح قال : «قرأت في كتاب لعبد الله بن محمد الى ابي الحسن (عليهالسلام) اختلف أصحابنا في رواياتهم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم ان صلهما في
المحمل وروى بعضهم ان لا تصلهما إلا على الأرض فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في
ذلك ، فوقع (عليهالسلام) موسع عليك بآية عملت».
وروى في
التهذيب والفقيه عن إبراهيم الكرخي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت له اني اقدر على ان أتوجه إلى القبلة في
المحمل؟ قال ما هذا الضيق اما لك برسول الله (صلىاللهعليهوآله) أسوة؟».
وروى في
التهذيب عن إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «ان صليت وأنت تمشي كبرت ثم مشيت فقرأت وإذا أردت
أن تركع أومأت بالركوع ثم أومأت بالسجود ، وليس في السفر تطوع».
وروى الشيخ في
الصحيح عن سيف التمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قال : «... انما فرض الله على المسافر ركعتين
لا قبلهما ولا بعدهما شيء إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك».
وقال (عليهالسلام) في كتاب الفقه الرضوي : إذا أردت أن تصلي نافلة وأنت
راكب فاستقبل رأس دابتك حيث توجه بك مستقبل القبلة أو مستدبرها يمينا أو شمالا فان
صليت فريضة على ظهر دابتك. الى آخر عبارة كتاب الفقه الاولى من عبارتيه المتقدمتين
في الموضع السادس وهذه العبارة نقلها الصدوق بتمامها في النافلة والفريضة
__________________
عن أبيه في رسالته اليه حذو عبارة كتاب الفقه كلمة كلمة وحرفا حرفا الى
آخرها ، وهو دليل ما أشرنا إليه في غير موضع من الاعتماد على الكتاب المذكور.
وروى الصدوق في
الفقيه بسنده عن سعيد بن يسار «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يصلي صلاة الليل وهو على دابته أله ان يغطي
وجهه وهو يصلي؟ قال اما إذا قرأ فنعم واما إذا أومأ بوجهه للسجود فليكشفه حيث
أومأت به الدابة». قال في الوافي : وذلك لان الإيماء بالوجه بدل من السجود الذي
يشترط فيه كشف الجبهة بخلاف القراءة. وهو حسن.
وروى الشيخ في
التهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي نجران قال : «سألت أبا الحسن (عليهالسلام) عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل؟ قال إذا كنت على
غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب بك بعيرك. قلت جعلت فداك في أول
الليل؟ فقال إذا خفت الفوت في آخره».
أقول : في هذا
الخبر دلالة على ان الرخصة بتقديم صلاة الليل في أول الليل مخصوصة بمن يخاف فواتها
في آخر الليل ويجب تخصيصه ايضا بمن يخاف عدم التمكن من القضاء وإلا فالقضاء أفضل
وقد تقدم الكلام في المسألة.
وفي الصحيح عن
عبد الله بن المغيرة وصفوان بن يحيى ومحمد بن ابي عمير عن أصحابهم عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) «في الصلاة في المحمل؟ فقال صل متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك».
وروى في الكافي
عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن الصلاة في السفر الى ان قال وليتطوع
بالليل ما شاء ان كان نازلا وان كان راكبا فليصل على دابته وهو راكب ولتكن صلاته
إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود اخفض من ركوعه».
وعن يعقوب بن
شعيب في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه
__________________
السلام) عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال يومئ إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود اخفض من ركوعه».
وروى في قرب
الاسناد في الصحيح عن حماد بن عيسى قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى تبوك فكان يصلي صلاة الليل على راحلته حيث توجهت
به ويومئ إيماء».
وروى أمين
الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) «في قوله تعالى فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ قال هذا في النوافل في حال السفر خاصة واما الفرائض فلا
بد فيها من استقبال القبلة». وقد تقدم جملة من الاخبار الدالة على تفسير الآية
بذلك في التنبيه الثالث من التنبيهات المتقدمة في البحث الثاني
وروى الشيخ في
الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة
إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة؟ فقال ان كنت مستعجلا لا
تقدر على النزول وتخوفت فوت ذلك ان تركته وأنت راكب فنعم وإلا فإن صلاتك على الأرض
أحب الي».
وعن معاوية بن
عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «لا بأس ان يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو
يمشي ، ولا بأس ان فاتته صلاة الليل ان يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة
ثم يمشي ويقرأ فإذا أراد ان يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى».
وقد تقدمت
صحيحتا يعقوب بن شعيب وصحيحة حريز في صلاة الماشي وانه
__________________
يومئ بالركوع والسجود في الفائدة الثالثة من التنبيه السادس من البحث
المتقدم.
إذا عرفت ذلك
فاعلم انه يستفاد من هذه الاخبار جملة من الأحكام :
منها ـ جواز
النافلة الى غير القبلة ماشيا أو راكبا في الحضر خلافا لابن ابي عقيل كما دلت عليه
صحيحتا عبد الرحمن بن الحجاج وحماد بن عثمان مؤيدا بإطلاق جملة من روايات المسألة
، ولم نقف لابن ابي عقيل على دليل وهذه روايات المسألة كما رأيت خالية من ذلك.
ومنها ـ ان
الأفضل ان يستقبل بتكبيرة الإحرام على الدابة ثم يتم صلاته حيث ذهبت راحلته كما
تضمنته صحيحة عبد الرحمن بن ابي نجران وإطلاق جملة من الاخبار ، وصريح صحيحة
الحلبي جوازها ايضا الى غير القبلة بناء على رواية الكافي ولذا حملنا الصحيحة
المذكورة على الفضل والاستحباب. وقطع ابن إدريس بوجوب الاستقبال بالتكبير ونقله عن
جماعة الأصحاب إلا من شذ. وهو محجوج بالصحيحة المذكورة. والسيد السند قد استدل في
المدارك على الاستحباب بصحيحة عبد الرحمن المذكورة ، ثم نقل عن ابن إدريس القول
بوجوب الاستقبال بالتكبيرة ورده بإطلاق الأخبار التي قدمها. وأنت خبير بما فيه فان
لابن إدريس الجواب عن ذلك بتقييد الإطلاق بالصحيحة المذكورة كما هو القاعدة. والحق
في دفع ما ذهب اليه انما هو الاحتجاج بصحيحة الحلبي المروية في الكافي إلا ان صاحب
المدارك كما أشرنا إليه آنفا انما نقل الصحيحة المذكورة من التهذيب وهي عارية فيه
عن موضع الاستدلال فلهذا حصل في جوابه الاشكال. والعجب من صاحب الذخيرة انه جمد
على جواب صاحب المدارك في هذا المقام مع انه روى الصحيحة بالزيادة التي هي محل
الاستدلال من الكافي وغفل عن الاستدلال بها مع صراحتها في الجواب ولزوم الإشكال في
الجواب بدونها كما عرفت. واما في الفريضة فإنه يجب ان يستقبل بتكبيرة الإحرام فيها
إلى القبلة كما تقدم.
ومنها ـ انه
يومئ في حال الصلاة راكبا للركوع والسجود ويجعل الإيماء للسجود اخفض من الركوع ،
وهذا بخلاف الفريضة فإنه يجب ان يضع جبهته على ما يصح السجود
عليه كما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله من قوله «ويضع بوجهه في
الفريضة على ما امكنه من شيء ويومئ في النافلة إيماء». ومثله في عبارة كتاب الفقه
الرضوي المتقدمة في التنبيه السادس.
ومنها ـ ان
الأفضل للماشي أن يحول وجهه إلى القبلة ويركع ويسجد على الوجه الحقيقي فيهما جمعا
بين ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة من الأمر بذلك وبين صحيحتي يعقوب
بن شعيب المتقدمتين في الموضع المشار اليه آنفا الدالتين على الإيماء بالركوع
والسجود ، ونحوهما رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة هنا.
ومنها ـ ان
الأفضل في صلاة النافلة في الحضر ان تكون على الأرض كما يدل عليه صحيح عبد الرحمن
بن الحجاج المتقدم ، واما في السفر فظاهر صحيح علي بن مهزيار المتقدم التخيير.
واما ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في حديث طويل أورده الشيخ (قدسسره) في الزيادات من باب المواقيت «عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال نعم يقضيها
بالليل على الأرض فاما على الظهر فلا». فيمكن حمله على الفريضة وتخصيص الليل
بالقضاء لانه وقت النزول والاستراحة غالبا ، ولو حمل على النافلة لأشكل الحكم فيه
بمخالفة هذه الاخبار المستفيضة بجواز صلاة النافلة على الدابة مطلقا. وتخصيص
القضاء بالمنع غير معقول إلا ان يحمل على متفردات عمار في اخباره بالأحكام
المستغربة. والله العالم.
(المقام الثاني)
ـ في أحكام الخلل ، قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صلى إلى جهة ظانا
أنها القبلة أو تضيق الوقت عن الجهات الأربع أو لاختيار المكلف بناء على القول
بتخيير المتحير ثم ظهر الانحراف ، فلا يخلو اما ان يكون في أثناء الصلاة أو بعد
الفراغ منها ، وعلى كل منهما فاما ان يكون الانحراف في ما بين اليمين واليسار أو
الى محضهما أو الى دبر القبلة ، فههنا صور :
__________________
(الاولى) ـ ان
يكون ظهور الانحراف في أثناء الصلاة ويكون الى ما بين اليمين واليسار ، فالظاهر
انه لا خلاف في انه يستدير إلى القبلة ويبني على ما مضى لقولهم (عليهمالسلام) «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ولما رواه عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) «في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال
ان كان متوجها في ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم وان كان
متوجها الى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة». ورواية
القاسم بن الوليد قال : «سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة انه على غير
القبلة؟ قال يستقبلها إذا أثبت ذلك وان كان قد فرغ منها فلا يعيدها». والمراد انه
يستقبل القبلة إذا تبين الانحراف بإرجاع الضمير إلى القبلة لا إلى الصلاة كما ربما
يتوهم ، وهي محمولة على ما إذا كان الانحراف بين اليمين واليسار كما تضمنته رواية
عمار. وظاهر المحقق في المعتبر نقل الإجماع على الحكم المذكور.
(الثانية) ـ هي
الأولى بعينها إلا ان الانحراف خارج عما بين اليمين واليسار أعم من ان يكون الى
محضهما أو الى دبر القبلة ، وقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الحكم فيهما
الاستئناف في الوقت.
أقول : ويدل
عليه بالنسبة إلى المستدبر موثقة عمار المذكورة ، واما بالنسبة إلى محض اليمين
واليسار فقد استدلوا عليه بإخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته والإتيان به ممكن فيجب
، ولانه موجب للاستئناف بعد الفراغ كما سيأتي ان شاء الله تعالى فكذا في الأثناء
لأن ما يفسد الكل يفسد الجزء. قال في المدارك ويؤيده رواية القاسم بن الوليد ، ثم
ساق الرواية المتقدمة. واستدلاله بها هنا بناء على إرجاع الضمير في «يستقبلها» إلى
الصلاة وحمل «غير القبلة» على ما خرج عما بين اليمين واليسار. والى ما ذكرنا من
حملها على ما دلت عليه موثقة عمار في الصورة الأولى يشير كلام العلامة في المنتهى
حيث
__________________
أنه ذكرها مع موثقة عمار دليلا للصورة الاولى وكذلك الفاضل الخراساني في
الذخيرة. وأنت خبير بان آخر الرواية المذكورة قد تضمن انه متى فرغ والحال هذه فإنه
لا يعيدها وهذا المعنى لا ينطبق على جعلها من قبيل الصورة الثانية لوجوب الإعادة
في الوقت فيها كما عرفت مع تصريح الرواية بالعدم وانما ينطبق على الصورة الأولى
التي لا اعادة فيها بعد الفراغ كصحيح معاوية بن عمار كما سيأتي في الصورة الثالثة.
ويظهر من كلام
الشيخ في المبسوط الخلاف في ما لو ظهر الانحراف الى محض اليمين واليسار فإنه ألحقه
بما بين اليمين واليسار دون دبر القبلة كما هو المعروف من كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) حيث قال (قدسسره) : وان كان في خلال الصلاة ثم ظن ان القبلة عن يمينه أو
شماله بنى عليه واستقبل القبلة وأتمها وان كان مستدبرا القبلة أعاد من أولها بلا
خلاف وقال فيه ايضا : وان دخل يعني الأعمى فيها ثم غلب على ظنه ان الجهة في غيرها
مال إليها وبنى على صلاته ما لم يستدبر القبلة. انتهى. وهو ظاهر كما ترى في تخصيص
الاستئناف بصورة الاستدبار ، ومن المعلوم ان محض اليمين واليسار لا يدخل في
الاستدبار ولا يصدق عليه لفظه فيكون الواجب فيها الاستدارة والإتمام كما في ما بين
اليمين واليسار. والظاهر ضعفه لما عرفت.
(تنبيه) ـ قال
السيد السند (قدسسره) في المدارك بعد ذكر هذه الصورة : فرع ـ لو تبين في
أثناء الصلاة الاستدبار وقد خرج الوقت فالأقرب أنه ينحرف ولا اعادة وهو اختيار
الشهيدين ، لا لما ذكراه من استلزام القطع القضاء المنفي لانتفاء الدلالة على
بطلان اللازم بل لانه دخل دخولا مشروعا والامتثال يقتضي الاجزاء ، والإعادة انما
تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت كما هو منطوق روايتي عبد الرحمن وسليمان بن خالد انتهى. وعلى هذه المقالة تبعه من تأخر عنه كالفاضل
الخراساني في الذخيرة وغيره.
وفي ما ذكره
عندي نظر من وجهين (أحدهما) ان ما نقله عن الشهيدين لا يخلو من خلل في النقل :
__________________
اما الشهيد
الأول فإنه لم يصرح بهذه المسألة إلا في كتاب الذكرى وهذه صورة عبارته فيه : لو
تبين في أثناء الصلاة الاستدبار أو أحد الجانبين وقد خرج الوقت أمكن القول
بالاستقامة ولا إعادة لدلالة فحوى الأخبار عليه ، ويمكن الإعادة لأنه لم يأت
بالصلاة في الوقت. انتهى. وظاهره كما ترى التردد والتوقف في المسألة حيث ذكر
الاحتمالين ولم يرجح شيئا في البين ، والاحتمال الأول وهو الذي نسبه مذهبا اليه
انما استدل عليه بفحوى الاخبار والظاهر ان مراده فحوى روايتي عبد الرحمن وسليمان
بن خالد الآتيتين ان شاء الله تعالى ، وهو قوله (عليهالسلام) : «وان فاتك الوقت فلا تعد». فإنه يصدق في الصورة
المذكورة انه فاته الوقت وهو راجع الى ما ذكره هو من الاستدلال بالروايتين
المذكورتين ايضا ، واين هذا من الذي نقله عنهما؟
واما جده
الشهيد الثاني فإنه لم يذكر هذه المسألة أيضا لا في المسالك ولا في الروضة وانما
ذكرها في الروض بهذه العبارة : نعم لو فرض تبين التيامن أو التياسر بعد الوقت في
من أدرك منه ركعة أو المستدبر على القول بالمساواة. أمكن القول بالاستقامة ولا
إعادة لإطلاق الاخبار ، وعدمه لانه لم يأت بالصلاة في الوقت ولان ما بعد الوقت هنا
بحكم الواقع فيه فيكون بحكم الذاكر فيه. ويضعف بأن الأول مصادرة ومساواة ما بعد
الوقت لما قبله مطلقا ممنوعة بل في محل النص والوفاق لا في جميع الأحكام على
الإطلاق. انتهى وكلامه وان كان مؤذنا باختياره ما نقله عنه إلا انه انما علله بما
قدمنا نقله عن الذكرى لا ما ذكره من استلزام القطع القضاء المنفي حتى انه يعترض
عليه بانتفاء الدلالة على بطلان اللازم. واحتمال كونهما ذكرا ذلك في غير هذه الكتب
المشهورة بعيد غاية البعد.
و (ثانيهما) ـ انه
لا يخفى ان هذا الفرع المذكور لا يدخل تحت شيء من اخبار المسألة ، وما ذكروه من
الوجوه الموجبة لصحة الصلاة مع الاستدارة إلى جهة القبلة لا يخلو من اشكال ، وذلك
فان مورد أخبار المسألة كون الصلاة التي وقع الانحراف فيها
__________________
كانت في الوقت وان الوقت متسع بعدها وقد اشتملت على التفصيل في تلك الصلاة
بين كون الانحراف فيها الى ما بين اليمين واليسار مع العلم به في الأثناء والحكم
فيه الاستدارة والإتمام أو خارجا عن ذلك والحكم فيه الابطال والإعادة أو انما يحصل
العلم بعد الفراغ في الوقت والحكم الإعادة في الوقت خاصة على المشهور في أحد
فرديه. واما لو وقع جزء من الصلاة خارج الوقت وعلم الانحراف الى دبر القبلة والحال
هذه فكما يحتمل ما ذكره الشهيدان من الاستدارة والصحة بناء على إطلاق قوله (عليهالسلام) في الروايتين المشار إليهما «وان فاتك الوقت فلا تعد»
وان هذا قد فاته الوقت في الصورة المذكورة كذا يمكن إدخال هذه الصورة تحت موثقة
عمار المتقدمة وقوله فيها «وان كان متوجها الى دبر القبلة فليقطع ثم يحول وجهه إلى
القبلة ثم يفتتح الصلاة» فإن إطلاق هذا الخبر شامل لما لو كانت الصلاة أداء في
الوقت أو قضاء في خارجه أو وقع بعضها في الوقت كما في الصورة المفروضة ، ولا ريب
ان دخول هذه الصورة في إطلاق الخبر المذكور أظهر مما ادعوه في ذينك الخبرين ، لان
الظاهر ان المراد من ذينك الخبرين «وان فاتك الوقت فلا تعد» انما هو بعد ان صليت
الفريضة في وقتها ومضت على الصحة فلا تعدها في خارجه من أجل ذلك الانحراف لا ان
المراد فوت الوقت مع وقوع الصلاة كلا أو بعضا خارجه ، وإلا للزم ان من صلى قضاء
وظهر الاستدبار في أثنائها انه يتمها بعد الاستدارة لأنه يصدق عليها انها داخلة
تحت قوله : «وان فاتك الوقت» ولا أظن هذا القائل يلتزمه بل الواجب هو الإعادة من
رأس البتة.
واما ما علل به
الصحة في الصورة المذكورة ـ من انه دخل دخولا مشروعا والامتثال يقتضي الاجزاء ـ فهو
ممنوع لانه وان دخل دخولا مشروعا إلا انه بعد تبين الاستدبار في الأثناء لا نسلم
المشروعية. ومنه يظهر بطلان قوله : «والامتثال يقتضي الاجزاء» ويؤيد ذلك ما في
كلامه في الفروع التي في المسألة المذكورة بعد هذه المسألة من حكمه بالإبطال بظهور
الاستدبار في الأثناء في الفرع الأول والفرع الثالث مع جريان
تعليله المذكور هنا في تلك المقامات وليس إلا من حيث ان ظهور الاستدبار
موجب للبطلان كما ذكرنا.
وبالجملة فإنه
لا ريب ان الاستدبار من قواطع الصلاة الموجبة لبطلانها ووجوب إعادتها لو وقع فيها
خرج منه ما لو لم يعلم إلا بعد ان صلاها في الوقت ثم خرج الوقت بناء على المشهور
وظواهر الأخبار الآتية ، فيجب الاقتصار على موردها من الصلاة التي صليت في الوقت
ووقع التفصيل فيها بما تقدم وبقي الباقي ومنه موضع البحث ، مع ظهور دخول هذه
الصورة تحت إطلاق موثقة عمار المتقدمة كما عرفت. وكيف كان فحيث كانت المسألة غير
خالية من شوب الاشكال ـ لما ذكر من تعدد الاحتمال وان كان ما ذكرنا هو الأقرب في
هذا المجال ـ فالاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.
(الثالثة) ـ ان
يتبين الانحراف بعد الفراغ من الصلاة وكان الانحراف في ما بين اليمين واليسار ،
ولا خلاف في صحة الصلاة في الصورة المذكورة ونقل الفاضلان إجماع أهل العلم على
ذلك.
ويدل عليه صحيحة
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «قلت الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ
فيرى انه انحرف عن القبلة يمينا وشمالا؟ فقال قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب
قبلة».
وروى في كتاب
قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) «ان عليا (عليهالسلام) كان يقول من صلى على غير القبلة وهو يرى انه على
القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا اعادة عليه إذا كان في ما بين المشرق والمغرب».
ويعضده ايضا ما
تقدم من صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قال قلت اين حد القبلة؟
قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله».
__________________
وذكر المشرق
والمغرب في هذه الاخبار بناء على قبلة العراقي فذكرهما انما جرى مجرى التمثيل.
إذا عرفت ذلك
فاعلم ان كثيرا من عبارات المتقدمين هنا مطلقة في وجوب الإعادة في الوقت إذا صلى
لغير القبلة من غير تفصيل بين ظهور القبلة الى ما بين اليمين واليسار أو ما زاد
على ذلك ، قال الشيخ المفيد (قدسسره) في المقنعة : ومن أخطأ القبلة أو سها عنها ثم عرف ذلك
والوقت باق أعاد فإن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن عليه اعادة في ما مضى اللهم إلا
ان يكون قد صلى مستدبر القبلة. وقال الشيخ (قدسسره) في المبسوط : وإذا صلى البصير الى بعض الجهات ثم تبين
انه صلى الى غير القبلة والوقت باق أعاد الصلاة. وقال في النهاية : فإن صلاها
ناسيا أو شبهة ثم تبين انه صلى الى غير القبلة وكان الوقت باقيا وجب عليه إعادة
الصلاة. وقريب منها كلامه في الخلاف وكذا كلام ابن زهرة وابن إدريس. ولعل مرادهم
من الصلاة الى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق والمغرب كما ذكره بعض
الأصحاب لما اشتهر في الاخبار وكلام الأصحاب من ان ما بين المشرق والمغرب قبلة ،
وأيد بإيراد الشيخ الرواية المتضمنة لذلك في شرح كلام الشيخ المفيد المتقدم من غير
تعرض للكلام عليه. وبالجملة فإن حمل كلامهم على ظاهره مع ما عرفت من هذه الاخبار
بعيد غاية البعد فلا بد من ارتكاب التأويل فيه بما ذكرنا.
(الرابعة) ـ الصورة
بحالها مع تبين الانحراف الى اليمين والشمال ، والمشهور في كلام الأصحاب ـ بل ادعى
عليه الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع ـ الإعادة في الوقت لا في خارجه.
واستدلوا على
الأول بأنه قد أخل بشرط الواجب وهو الاستقبال والوقت باق فيبقى تحت عهدة الخطاب
كما لو أخل بطهارة الثوب ونحوها.
واما على
الثاني فبان القضاء فرض جديد يتوقف على الدليل وحيث لا دليل فلا قضاء
وبصحيحة عبد
الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك
صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد».
وصحيحة سليمان بن
خالد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير
القبلة ثم يضحى فيعلم انه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال ان كان في وقت فليعد
صلاته وان كان قد مضى الوقت فحسبه اجتهاده».
وصحيحة يعقوب
بن يقطين قال : «سألت عبدا صالحا (عليهالسلام) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس
وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان قد صلى على غير القبلة؟ وان كان قد تحرى القبلة
بجهده أتجزئه صلاته؟ فقال يعيد ما كان في وقت فإذا ذهب الوقت فلا اعادة عليه».
وصحيحة عبد
الرحمن بن ابي عبد الله «انه سأل الصادق (عليهالسلام) عن رجل أعمى صلى على غير القبلة فقال ان كان في وقت
فليعد وان كان قد مضى الوقت فلا يعد. قال وسألته عن رجل صلى وهي متغيمة ثم تجلت
فعلم انه صلى على غير القبلة فقال ان كان في وقت فليعد وان كان الوقت قد مضى فلا
يعد».
ورواية محمد بن
الحصين قال : «كتبت الى عبد صالح (عليهالسلام) الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف
القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد
بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت أولم يعلم ان الله تعالى يقول
وقوله الحق فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ؟» .
وصحيحة زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «إذا صليت على غير القبلة فاستبان لك قبل ان تصبح
انك صليت على غير القبلة فأعد صلاتك».
__________________
وتقريب
الاستدلال بها ان المراد انه صلى الصبح على غير القبلة واستبان له ذلك قبل الاسفار
أو طلوع الشمس فقوله : «قبل ان تصبح» إشارة الى ذلك. واما حملها ـ على ان الفائت
العشاءان وان الأمر بالإعادة قبل الصبح يعني الفجر الثاني لامتداد وقت العشاءين
الى ذلك الوقت في المضطر كما تقدم القول به ـ فبعيد ، وقد تقدم تحقيق المسألة في
غير مقام.
ثم انه لا يخفى
ان هذه الاخبار ـ كما ترى ـ قد دلت على وجوب الإعادة في الوقت متى ظهر انه صلى على
غير القبلة وإطلاقها شامل لما لو كانت صلاته في ما بين المشرق والمغرب لصدق أنه
الى غير القبلة مع ان الحكم ثمة كما تقدم عدم وجوب الإعادة ، والأصحاب قد قيدوا
إطلاق هذه الأخبار ولا سيما صحيحة معاوية بن عمار التي هي الأصل في الاستدلال
فاخرجوا من هذا الإطلاق ما بين المشرق والمغرب بتلك الأخبار.
ولقائل أن يقول
ان بين اخبار الطرفين عموما وخصوصا من وجه ، فكما ان هذه الاخبار عامة بالنسبة إلى
الصلاة الى غير القبلة إلا انها مفصلة بالنسبة إلى الوقت وخارجه وتلك الأخبار
مطلقة بالنسبة إلى الوقت وخارجه وخاصة بالنسبة إلى القبلة التي حصل فيها الانحراف
وهي ما بين المشرق والمغرب ، فكما يمكن ارتكاب التخصيص المذكور الذي بنى عليه
الاستدلال بالاخبار في الموضعين كذلك يمكن تخصيص تلك الأخبار بالصلاة في خارج
الوقت كما فصلته هذه الاخبار وإبقاؤها على إطلاقها بالنسبة إلى القبلة فيقال بوجوب
الإعادة في الوقت متى صلى الى غير القبلة بأي نحو كان وان كان في ما بين المشرق
والمغرب ، ولا يتم الاستدلال بتلك الروايات على ما ذكروه فلا بد لترجيح الأول من
دليل ، ولعل ما تقدم نقله عن كثير من عبارات المتقدمين من إطلاقهم وجوب الإعادة في
الوقت مبني على ما ذكرناه هنا.
واستدل العلامة
في المنتهى على ترجيح الأول بوجهين (أحدهما) ـ موافقة الأصل وهو براءة الذمة إذ لو
حملنا حديث معاوية على ما ذكرتم لزمت الإعادة لمن صلى
بين المشرق والمغرب في الوقت والأصل عدمه. (الثاني) ـ انا نمنع تخصيص ما
ذكرتم من الأحاديث أصلا لأن قوله (عليهالسلام) «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ليس مخصصا للحديث الدال
على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه لمن صلى الى غير القبلة إذ أقصى ما يدل عليه
ان ما بين المشرق والمغرب قبلة ، بل لقائل أن يقول ان قوله : «إذا صليت وأنت على
غير القبلة» يتناول لفظ القبلة فيه ما بين المشرق والمغرب ايضا. انتهى.
أقول : لا يخفى
ما فيه ، اما الاستناد الى الأصل كما ذكره فمعارض بأن الأصل شغل الذمة بالعبادة
وهذا أصل متيقن لا مناص عنه فلا يحكم ببراءة الذمة إلا بيقين مثله والاخبار هنا
متعارضة كما عرفت والوقت باق والخطاب متوجه فلا يتيقن براءة الذمة إلا بالإعادة في
الوقت. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ولا يتطرق إليه الإيراد من خلفه
ولا من بين يديه. واما منع التخصيص فلا يخفى ما فيه فاني لا اعرف لكلامه هنا وجه
استقامة ولعل النسخة التي عندي لا تخلو من غلط ، ووجه الاشكال كما ذكرنا زيادة على
ما قدمنا ان صحيحة معاوية المشار إليها قد دلت على ان من صلى بظن القبلة ثم تبين
انحرافه الى ما بين اليمين والشمال فقد صحت صلاته لان ما بين المشرق والمغرب قبلة
، وتبين الانحراف عن القبلة أعم من ان يكون في الوقت أو خارجه فيمكن تقييد هذا
العموم بما فصلته تلك الأخبار من ان من صلى الى غير القبلة ثم تبين ذلك فان كان في
الوقت أعاد وان كان خارج الوقت فلا اعادة عليه بان يحمل على تبين الانحراف بعد
خروج الوقت ، وحينئذ فتجب الإعادة في الوقت وان كان فيما بين اليمين واليسار. وهذا
ايضا بحمد الله سبحانه ظاهر لا مرية فيه.
وبالجملة فإني
لا اعرف لهم دليلا على ما ذكروه زيادة على الإجماع المدعى في تلك المسألة. نعم
قوله في صحيحة معاوية «ثم ينظر بعد ما فرغ» ربما أشعر بكون ظهور الانحراف في الوقت
بالحمل على البعدية القريبة كما هو المتبادر. هذا أقصى ما يمكن ان
يقال في المقام والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقائق الأحكام.
(الخامسة) ـ الصورة
المتقدمة مع تبين الانحراف الى دبر القبلة ، والمشهور بين المتأخرين ـ وبه قال
السيد المرتضى والمحقق وأكثر من تأخر عنه ـ ان حكم هذه الصورة كسابقتها من الإعادة
في الوقت خاصة دون خارجه ، وقال الشيخان بالإعادة في الوقت والقضاء في خارجه
وتبعهما جمع من الأصحاب كابن البراج وابي الصلاح وسلار وابن زهرة.
واستدل الأولون
بإطلاق صحاح الأخبار المتقدمة في سابق هذه الصورة فإنها كما دلت بإطلاقها على حكم
اليمين واليسار دلت على حكم الاستدبار لصدق الصلاة الى غير القبلة في الموضعين
فيجب العمل بها على إطلاقها الى ان يقوم المخصوص وليس فليس.
ونقل عن الشيخ
انه احتج بموثقة عمار المتقدمة في الصورة الاولى ، ولا يخفى ما فيه فان مورد
الرواية من علم في أثناء الصلاة بأنه صلى الى غير القبلة فإنه يقطع ثم يحول وجهه
إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة وهو صريح في كون ذلك في الوقت. نعم ربما يمكن
الاستدلال على ما ذهبوا إليه
برواية معمر بن
يحيى قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل في
وقت صلاة أخرى؟ قال يعيدها قبل ان يصلي هذه التي قد دخل وقتها».
وأجيب عنها
بضعف السند وعدم المعارضة لما تقدم من الأخبار الصحاح المتكاثرة المتعاضدة الدالة
على عدم الإعادة بعد خروج الوقت فيجب حملها اما على من صلى بغير اجتهاد مع التمكن
منه واما يحمل قوله : «وقد دخل في وقت صلاة أخرى» على وقت الفضيلة فيحمل على وقت
صلاتين مشتركتين كالظهرين والعشاءين بان يدخل وقت فضيلة الثانية ، على انه غير
معمول به على إطلاقه لدلالته على الإعادة أيضا بالنسبة الى ما كان الى اليمين
والشمال وقد عرفت ان لا قائل به.
__________________
واما ما رواه
الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) انه قال : «لا صلاة إلا الى القبلة. قال قلت اين حد
القبلة؟ قال ما بين المشرق والمغرب قبلة كله. قال قلت فمن صلى لغير القبلة في يوم
غيم أو في غير الوقت؟ قال يعيد». فيجب حمله على الإعادة في الوقت جمعا بينه وبين
الاخبار المتكاثرة المتقدمة المفصلة حمل المطلق على المقيد. والله العالم.
تنبيهات
(الأول) ـ هل
المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام المتقدمة؟ قيل نعم وبه قطع الشيخ في بعض
كتبه لعموم «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» . وقيل لا لأن خطأه مستند الى تقصيره بخلاف الظان.
قال في المدارك
: وكذا الكلام في جاهل الحكم ، ثم قال والأقرب الإعادة في الوقت خاصة لإخلاله بشرط
الواجب دون القضاء لأنه فرض مستأنف. انتهى.
وقال في الذكرى
: هل المصلي إلى جهة ناسيا كالظان في الأحكام؟ قطع به الشيخان لعموم «رفع عن أمتي
الخطأ والنسيان» وضعفه الفاضلان لانه مستند الى تقصيره بخلاف الظان. والأقرب
المساواة لشمول خبر عبد الرحمن للناسي. اما جاهل الحكم فالأقرب انه يعيد مطلقا إلا
ما كان بين المشرق والمغرب لانه ضم جهلا الى تقصيره ووجه المساواة الناس في سعة ما
لم يعلموا . انتهى.
أقول : لا يخفى
ان إطلاق الاخبار المتقدمة في الصورة الرابعة من صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله
وصحيحة سليمان بن خالد شامل للظان والناسي وبه يظهر قرب مساواة الناسي للظان كما
اختاره في الذكرى إلا انه سيأتي ان شاء الله تعالى في
__________________
بحث قواطع الصلاة وان الالتفات من جملتها في اخبار تلك المسألة ما يظهر منه
المنافاة وبه تصير المسألة في قالب الاشكال كما سنكشف لك ان شاء الله تعالى عن
حقيقة الحال في البحث المشار اليه.
(الثاني) ـ المشهور
بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة إلا إذا حصل
شك في الاجتهاد الأول ، ونقل في المدارك عن الشيخ في المبسوط انه أوجب التجديد
دائما لكل صلاة ما لم تحضره الأمارات ، للسعي في إصابة الحق ، ولان الاجتهاد
الثاني ان خالف الأول وجب المصير إليه لأن تغير الاجتهاد لا يكون إلا لأمارة أقوى
من الاولى وأقوى الظنين أقرب الى اليقين وان وافقه تأكد الظن. ثم قال في المدارك
بعد نقل ذلك : وهو جيد ان احتمل تغير الأمارات.
أقول : لا يخفى
ان ظاهر هذا النقل ان جميع ما اشتمل عليه من الدعوى والدليلين المذكورين عين كلام
الشيخ في المبسوط مع انه ليس كذلك كما لا يخفى على من راجع الكتاب المذكور ، وهذه
صورة عبارة الكتاب : يجب على الإنسان ان يتتبع أمارات القبلة كلما أراد الصلاة عند
كل صلاة ، اللهم إلا ان يكون قد علم ان القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بأمارات
صحيحة ثم علم انها لم تتغير جاز حينئذ التوجه إليها من غير ان يجدد اجتهاده في طلب
الأمارات. انتهى. وأنت خبير بما بين الكلامين من المباينة لفظا ومعنى ، اما لفظا
فظاهر ، واما معنى فلان مرجع هذا الكلام الى ان التجديد مخصوص بصورة احتمال تغير
الأمارات لا مطلقا كما هو ظاهر النقل المذكور ، فلو علم انها لم تتغير سقط
الاجتهاد كما استجوده في المدارك وقيد به كلام الشيخ (قدسسره) وبذلك صرح في المنتهى نقلا عن الشيخ ، وظاهره الجمود
عليه حيث قال : لو صلى عن اجتهاد إلى جهة ثم أراد ان يصلي اخرى قال الشيخ في
المبسوط يعيد اجتهاده إلا إذا علم ان الأمارات لم تتغير وهو قول الشافعي واحمد وظاهره ـ كما ترى ـ الموافقة لما نقله عن الشيخ وهو
__________________
خلاف النقل المتقدم ، فليتأمل في مثل هذه النقول وليراجع في تحقيق ذلك
المنقول.
(الثالث) ـ قال
في المدارك : لو تغير اجتهاد المجتهد في أثناء الصلاة انحرف وبنى ان كان لا يبلغ
موضع الإعادة وإلا أعاد. ولو تغير اجتهاده بعد الصلاة لم يعد ما صلاة إلا مع تيقن
الخطأ ، قال في المنتهى ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.
أقول : الأنسب
بقواعدهم في التفريع هو تفريع هذه المسألة على مسألة من صلى ظانا ثم تبين الخطأ في
ظنه بالعلم بالقبلة بعد ذلك من التفصيل الذي تقدم بين ما إذا كان ظهور الخطأ في
الأثناء فإنه ينحرف لو ظهرت صلاته بين اليمين واليسار ويعيد لو خرجت عن ذلك وان
كان بعد الفراغ لكن في الوقت لا في خارجه تنزيلا لهذا الظن المتجدد منزلة العلم في
تلك المسألة ، وإلا فالقول بوجوب الإعادة إذا ظهر الخطأ في الأثناء دون ما بعد
الفراغ مما لا يظهر له وجه ، فان الموجب للإعادة في البعض موجب للإعادة في الكل ،
وما مضى من الصلاة ان كان صحيحا بناء على الاجتهاد الأول لأنه دخل فيها دخولا مشروعا
ـ كما ذكره سابقا في الفرع الذي ذكرناه في التنبيه المتقدم ـ فالواجب الاستدارة
نحو القبلة دون الإبطال في الموضعين ، وان كان ما صلاه أولا صار باطلا بظهور
الاستدبار أو محض اليمين والشمال فيجب الإعادة من رأس فهو آت أيضا في ما بعد
الفراغ للعلة المذكورة والوقت باق فخطاب التكليف متوجه لأنه مأخوذ عليه ان يأتي في
الوقت بصلاة صحيحة وهذه قد ظهر بطلانها بالاستدارة ، بل البطلان في صورة الفراغ
أظهر منه في ما لو كان في الأثناء لإمكان التدارك في الباقي على الثاني بخلاف
الأول فإن الجميع ظهر على غير القبلة. نعم لو خرج الوقت قبل تغير الاجتهاد اتجه
عدم الإعادة لتوقفها على أمر جديد. (فان قيل) انهم قد صرحوا بأنه لو تغير اجتهاده
لصلاة العصر مثلا بعد ان صلى الظهر بالاجتهاد الأول لم يجب عليه اعادة الظهر مع ان
الوقت باق (قلنا) نعم قد صرحوا بذلك ولكن لم نقف له على دليل إلا ما ربما يدعى من
الإجماع والبحث في الدليل الشرعي من النصوص.
ثم ان ظاهر
قوله في المدارك في آخر العبارة : «قال العلامة في المنتهى : ولا نعلم فيه خلافا»
راجع الى ما ذكره من التفصيل في المسألة ، وعبارة المنتهى لا تساعد على ذلك فان
حكم تغير الاجتهاد بعد الفراغ غير مذكور فيها حيث قال : فلو تغير اجتهاده في
الصلاة فإن كان منحرفا يسيرا استدار إلى القبلة وأتم ولا اعادة وان كان مشرقا أو
مغربا أو مستدبرا أعاد ، ثم نقل عن بعض الجمهور الإعادة مطلقا وقال انه ليس بجيد ثم نقل عن آخرين انه لا يرجع ويمضي
على الاجتهاد الأول ، قال وهؤلاء عن التحقيق بمعزل ، ثم قال وكذا لو تجدد يقين
بالجهة المخالفة في أثناء الصلاة استدار إليها كاهل قبا لما استداروا إلى القبلة
ولا نعرف فيه خلافا. انتهى.
أقول : وفي عد
استدارة أهل قبا في هذه المسألة نظر لا يخفى ، فإن الاستدارة يومئذ انما هو لنسخ
القبلة الاولى الى قبلة ثانية فيكون ما مضى من الصلاة وقع على قبلة صحيحة أصلية
وما بعد النسخ كذلك ، بخلاف ما نحن فيه فان تغاير القبلتين انما هو من حيث
الاعتبار باجتهاد المصلي وظنه وتغير اجتهاده وحصول ظن آخر أو علم بعد ظن وانما هي
قبلة واحدة يخطئها المخطئ ويصيبها المصيب والروايات قد فصلت الأحكام المتعلقة بهذا
الخطأ وهذه الإصابة في الصور المتقدمة وليس الأمر في ما ذكره كذلك كما لا يخفى.
(الرابع) ـ قال
في المدارك : لو خالف المجتهد اجتهاده وصلى فصادف القبلة لم تصح صلاته لعدم إتيانه
بالمأمور به. وقال الشيخ في المبسوط بالإجزاء لأن المأمور به هو التوجه إلى القبلة
وقد اتى به. وهو ممنوع إذ المعتبر البناء على اجتهاده ولم يفعل فيبقى في عهدة
التكليف. انتهى.
أقول : قد
تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه ،
__________________
وكونه في غير الباب المذكور أو النقل عن المبسوط وقع سهوا وانما هو في غيره
ممكن إلا ان الشهيد في الذكرى نقل ذلك عن المبسوط ايضا ولعله في غير الباب
المذكور.
ثم ان ما ذكره
السيد السند (قدسسره) من المناقشة فيما نقله عن الشيخ (قدسسره) جيد على أصول جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وقواعدهم إلا انه خلاف ما اختاره في ما تقدم في مسألة من صلى قبل الوقت جاهلا أو
ساهيا حيث قال ـ بعد ان صرح بان الوجه الموجب للبطلان في الجميع عدم صدق الامتثال
الموجب لبقاء المكلف تحت العهدة ـ ما لفظه : ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل
بدخول الوقت ففي الإجزاء نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة لما
في نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى
، قال وكذا البحث في كل من اتى بما هو الواجب في نفس الأمر وان لم يكن عالما
بحكمه. الى آخره فإنه لا يخفى ان المسألتين من باب واحد لاشتراكهما في ان الدخول
في كل منهما بحسب الظاهر ليس بشرعي ولكن قد اتفق مصادفة الصلاة في الواقع لما أمر
به الشارع فان كانت المطابقة الواقعية مجزئة كما ذكره في تلك المسألة فههنا كذلك
فلا معنى لرده على الشيخ وإلا فلا في الموضعين فلا وجه لما صار إليه في تلك
المسألة.
(الخامس) ـ قال
في الذكرى : لو اختلف المجتهدون صلوا فرادى لا جماعة لأن المأموم ان كان محقا في
الجهة فسدت صلاة امامه وإلا فصلاته فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين.
واحتمل الفاضل صحة الاقتداء كالمصلين حال شدة الخوف ولأنهم كالقائمين حول الكعبة
يستقبل كل واحد منهم جهة غير جهة الآخر مع صحة الصلاة جماعة. ويمكن الجواب بمنع الاقتداء
حالة الشدة مع اختلاف الجهة ، ولو سلم فالاستقبال هنا ساقط بالكلية بخلاف
المجتهدين ، والفرق بين المصلين إلى نواحي الكعبة وبين المجتهدين ظاهر للقطع بان
كل جهة قبلة هناك والقطع بخطإ واحد هنا ، وكذا نقول في صلاة الشدة ان كل جهة قبلة.
انتهى.
وأجاب في المدارك
عن الفرق المذكور بأنه يمكن دفعه بان الخطأ انما هو في مصادفة الصلاة لجهة الكعبة
لا للجهة التي يجب استقبالها للقطع بان فرض كل منهم استقبال ما ادى اليه الاجتهاد
وان كانت خلاف جهة الكعبة. انتهى.
أقول : الكلام
في هذا المقام يقع في موضعين : (أحدهما) ـ ان الظاهر من كلامهم ان المراد بهذه
الجهة التي متى اختلف المجتهدون فيها لم يأتم بعضهم ببعض هي ما بين اليمين واليسار
كملا ، وهو ضعيف لأن الذي يظهر من عباراتهم ويلوح من اشاراتهم ان
التيامن والتياسر اليسير لا يخرج عن القبلة وفسروه بما بين المغرب والمشرق ، ولهذا
حكموا بصحة صلاة من ظهرت صلاته الى تلك الجهة بعد الفراغ والاستدارة في الأثناء
وما ذاك إلا من حيث كونها قبلة ، ويدل عليه بأوضح دلالة الأخبار الدالة على ان ما
بين المشرق والمغرب قبلة كما تقدم ، قال شيخنا المشار إليه في الذكرى بعيد هذا
الكلام المتقدم نقله : لو اختلف الامام والمأموم في التيامن والتياسر فالأقرب جواز
الاقتداء ، لأن صلاة كل منهما صحيحة مغنية عن القضاء والاختلاف هنا يسير ، ولان
الواجب مع البعد الجهة هنا. وقال في موضع آخر : لو صلى باجتهاد إلى جهة أو لضيق
الوقت ثم تبين الانحراف يسيرا استقام بناء على ان القبلة هي الجهة ، ولقول الصادق (عليهالسلام) «ما بين المشرق والمغرب قبلة». ولو تبين الانحراف الكثير استأنف ، وظاهر
الأصحاب ان الكثير ما كان على سمت اليمين أو اليسار لرواية عمار ، ثم نقل موثقة
عمار المتقدمة في الصورة الاولى. وهذه الكلمات إذا ضمت بعضها الى بعض ظهر لك منها
ما قلنا وهو بظاهره مدافع لما ذكره (قدسسره) في تعريف الجهة حيث قال انها هي السمت الذي يظن كون
الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة ان الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس
والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس ، لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو
__________________
ممتنع. وهذه عبارته ثمة ولا ريب في ظهور المدافعة بين الكلامين في
المقامين.
وبالجملة فإن
كلامهم في تحقيق الجهة لما كان مبنيا على الأمارات الرياضية وهي بظاهرها مخالفة
لظواهر الأخبار المعصومية وقع هذا الاضطراب في كلامهم وجرى الاختلاف على رؤوس
أقلامهم ، والمستفاد من النصوص كما عرفت هو الاتساع في أمر القبلة سيما اخبار «ما
بين المشرق والمغرب قبلة» وبعضها وان كان ورد في قبلة الظان إلا ان الآخر في تفسير
القبلة مطلقا كما تقدم ولهذا مال بعض الأصحاب إلى القول بظاهره ، والمستفاد من
البناء على العلامات الرياضية التي أوجبوا الرجوع إليها والبناء عليها هو الضيق
فيها ، والانحراف يمينا وشمالا على الوجه الذي اعترفوا بكونه يسيرا وانه غير مضر
بالصلاة ولا القدوة انما يتم على تقدير العمل بالأخبار لا العمل بالأمارات
الرياضية ، فإنه متى كان الواجب مثلا في بعض المواضع جعل الجدي بين الكتفين الموجب
لكون القبلة نقطة الجنوب فلو انحرف عنها يمينا أو شمالا كانت صلاته الى غير القبلة
ووجبت الإعادة وقتا وخارجا مطلقا كما يقتضيه ثبوت ان القبلة مخصوصة بهذه الجهة
المعينة مع انهم لا يقولون به على الإطلاق والأخبار لا تساعده بل ترده بالاتفاق ،
فكيف يتم جعله قبلة مطلقا كما هو مقتضى تلك العلامات؟ وحكمه (قدسسره) بصحة الاقتداء مع اختلاف الامام والمأمومين في التيامن
والتياسر لا يتم بناء على تعين الجهة بهذه العلامة المذكورة ونحوها نعم انما يتم
بناء على ظواهر الأخبار المشار إليها. وبالجملة فإن كلامهم في هذا المقام لا يخلو
من تدافع ظاهر لذوي الأفهام.
و (ثانيهما) ـ ان
ما علل به في الذكرى بطلان الاقتداء في الصورة المذكورة الظاهر انه مبني على ما هو
المشهور في كلامهم من ان الصحة والبطلان منوطان بمطابقة الواقع وعدمه وان كان بحسب
الشرع متعبدا بظنه ، وحينئذ فغاية ما تفيده عبادته مع عدم ظهور فسادها هو سقوط
القضاء وعدم المؤاخذة ، لأن حاصل دليله هنا ان المأموم ان كان محقا اي ان صلاته
مطابقة للقبلة الواقعية فصلاة الامام فاسدة واقعا
لاختلاف الجهتين وان كانت صحيحة مسقطة للقضاء في اعتقاده وإلا فصلاته هي
الباطلة لعدم المطابقة ، وبالجملة فإنه يقطع هنا بفساد واحدة لا بعينها لعدم
المطابقة للقبلة الواقعية.
وبذلك يظهر لك
ما في جواب صاحب المدارك عن الفرق الذي ذكره شيخنا المذكور ، وتوضيحه انه لا ريب
ان قبلة البعيد عندهم انما هي جهة الكعبة والاجتهاد انما يقع في تحصيلها فكل من
كان اجتهاده مؤديا لها فهو مصيب ومن لم يكن كذلك فهو مخطئ ، ومجرد كون فرض كل منهم
العمل باجتهاده لا يستلزم صحة ما يأتي به مطلقا بل يجب تقييده بمطابقة الواقع
بمقتضى تصريحاتهم في أمثال هذا المقام ، فإنه متى اجتهد واتفق مطابقة اجتهاده
للقبلة الواقعية فالصلاة صحيحة مقبولة من هذه الجهة يثاب عليها كالصلاة المعلوم
توجهها إلى القبلة وإلا كانت بحسب الظاهر صحيحة مسقطة للقضاء ما لم ينكشف الخطأ وان
كانت عند غيره ممن يحكم بخطئه باطلة لتقصيره في الاجتهاد ، غاية الأمر ان كلا منهم
يدعي الإصابة في اجتهاده وتخطئة من سواه لان المصيب حينئذ حقيقة واحد لا غير وان
كان مجهولا والثاني يكون مخطئا ، وصحة الصلاة المترتبة على مطابقة الواقع انما
تثبت للمصيب واقعا والثانية باطلة. ونظير هذه المسألة ما ذكروه في الاجتهاد في
الأحكام الشرعية بالأدلة المقررة من ان حكم الله تعالى في المسألة واحد فمتى اختلف
المجتهدون في الحكم في تلك المسألة لا يجوز ان يقال ان كلا منهم مصيب وان حكم الله
في المسألة هو الذي ادى اليه اجتهاد المجتهد إلا على قول ضعيف مرغوب عنه بل يجب ان
يقال حكم الله واحد يصيبه المصيب ويخطئه المخطئ. بقي الكلام في المؤاخذة على هذا
الخطأ وعدمها وفيه تفصيل حققناه في كتاب الدرر النجفية في الدرة التي في شرح
مقبولة عمر بن حنظلة.
ثم انه يأتي
على تقدير ما أجاب به السيد المذكور انه لو كان الامام يعتقد استحباب السورة
والقنوت مثلا والمأموم يعتقد وجوبهما فإنه يجوز له الاقتداء به وان ترك السورة
والقنوت لاستحبابهما عنده بتقريب ما ذكره من انه مكلف بظنه واجتهاده
فصلاته صحيحة عند نفسه ، مع ان الظاهر ان الأمر ليس كذلك لأن المأموم يعتقد
بطلان الصلاة بتركهما لوجوبهما عنده وينسب الإمام إلى الغلط في اجتهاده ويحكم
بخطئه وبذلك يظهر قوة القول المشهور. الا انه يمكن تطرق الإشكال إلى أصل ما بنى
عليه هذا الكلام من القاعدة المشهورة بينهم وهو ان الحكم بالصحة والبطلان دائر
مدار مطابقة الواقع وعدمها بما قدمنا تحقيقه في كتاب الطهارة من ان الحكم بالطهارة
والنجاسة والحل والحرمة والصحة والبطلان ليست منوطة بالواقع ونفس الأمر ، فإن
الشارع لم ينط الأحكام بالواقع ونفس الأمر لأنه تكليف بما لا يطاق إذ لا يعلمه
سواه سبحانه وانما جعلها منوطة بنظر المكلف وعلمه ، وعلى هذا فالظاهر ما علم
المكلف بطهارته التي هي عبارة عن عدم العلم بالنجاسة لا العلم بالعدم ومثله الحلية
ونحوهما. وكذا لو صلى في ثوب نجس أو صلى الى غير القبلة واقعا أو نحو ذلك من شرائط
الصلاة مع كون الصلاة في اعتقاده مستكملة لشرائط الصحة فإنها صحيحة يثاب عليها كما
يثاب على الصلاة المستكملة الشروط ولا يقال انها صحيحة بحسب الظاهر باطلة بحسب
الواقع كما يدعونه لانه لا واقع لها هنا إلا باعتبار علم المكلف وعدمه لا باعتبار
ما كان في علم الله تعالى فانا غير مكلفين به وهو غير متيسر لنا فكيف يجعل الله
سبحانه صحة عباداتنا وبطلانها مرتبا عليه؟ وعلى هذا فينبغي ان يقال ان بطلان صلاة
الجماعة في هذه الصورة ليس من حيث ما ذكره من ان المأموم ان كان محقا في الجهة.
إلى آخر ما ذكره مما أوضحنا بيانه وبينا انه مبني على تلك القاعدة المشهورة في
كلامهم فإنها غير مسلمة لما عرفت ، بل من حيث ان كلا منهما مكلف شرعا بما ادى اليه
اجتهاده فاقتداء المأموم في هذه الصورة عمل بغير ما كلف به شرعا لا من حيث بطلان
صلاة أحدهما واقعا.
والتحقيق في
هذا المقام ان يفرق بين الأحكام الشرعية وموضوعاتها فيقال بان حكم الله تعالى في
الأحكام الشرعية من وجوب وتحريم ونحوهما حكم واحد لا يتغير ولا يتبدل يصيبه من
يصيبه ويخطئه من يخطئه وان الصحة والبطلان والثواب والعقاب منوطة
بمطابقته وعدم مطابقته وان المكلف غير معذور في خطأه وعدم اصابته إلا في
صورة مخصوصة تقدمت الإشارة إلى ذكرها في الكتاب المشار اليه آنفا ، فعلى هذا لا يجوز
لمن اداه اجتهاده واستنباطه من الأدلة الشرعية إلى وجوب السورة مثلا أو وجوب
القنوت ان يقتدي بمن يتركهما لاعتقاده استحبابهما ، ولا لمن يعتقد نجاسة الماء
القليل بالملاقاة ان يقتدي بمن تطهر بماء نجس بالملاقاة لاعتقاده عدم انفعاله بذلك
، ونحو ذلك لاعتقاده بطلان صلاته في جميع هذه المواضع وخطأه في اجتهاده وعدم
مطابقة اجتهاده لما هو حكم الله تعالى في الواقع في اعتقاده وان كان الآخر ايضا
يحكم بصحة اجتهاده في نفسه ومطابقته للواقع. واما حكم الله تعالى في موضوعات
الأحكام كما في محل البحث ونظائره فإنه ليس له واقع سوى علم المكلف وعدمه فهو
متعدد بتعدد العلم وعدمه فيقال ان هذا الشيء طاهر بالنسبة الى من لا يعلم نجاسته
ونجس بالنسبة الى من يعلم وحلال بالنسبة الى من لا يعلم بالحرمة وحرام بالنسبة إلى
العالم وهذه الصلاة صحيحة بالنسبة الى من استكمل شرائطها ظاهرا وان كانت واقعا
ليست كذلك وباطلة بالنسبة الى من لم يستكمل ظاهرا وان استكمل واقعا ، فالأقوى كما
تقدم الصحة وان كان المشهور البطلان وحينئذ فلا يحكم ببطلان عبادة من اختل بعض
شروط عبادته واقعا مع ظهور عدم الاختلال في اعتقاده لانه لا واقع هنا وراء ظنه
واعتقاده ، إلا ان عدم جواز الاقتداء انما نشأ من شيء آخر كما عرفت وهو وجوب
العمل على المجتهد بما ادى اليه اجتهاده لا من حيث البطلان. والله العالم.
(السادس) ـ قال
في المنتهى : لو صلى الأعمى من غير تقليد بل برأيه ولم يستند إلى أمارة يعلمها فإن
أخطأ أعاد وان أصاب قال الشيخ لا يعيد وقال الشافعي يعيد احتج الشيخ (قدسسره) بأنه امتثل ما أمر به من التوجه نحو المسجد الحرام
__________________
فيكون مجزئا ، ولان بطلان الصلاة حكم شرعي فيقف على الدلالة وهي مفقودة.
احتج الشافعي بأنه لم يفعل ما أمر به وهو الرجوع الى قول الغير فجرى مجرى عدم
الإصابة. وكلاهما قويان. انتهى.
أقول : ظاهر
كلامه هنا هو التوقف في هذه المسألة لتعارض الدليلين المذكورين عنده حيث حكم
بقوتهما جميعا ، وهو ظاهر المعتبر ايضا حيث قال بعد نقل قول الشيخ : وعندي في
الإصابة تردد. وظاهر كلام الأصحاب هنا هو ما نقله عن الشافعي من ان دخوله في
الصلاة غير مشروع لكونه مأمورا بالتقليد فلا فرق بين اصابته وعدم اصابته وقد تقدم
في التنبيه الرابع تصريح صاحب المدارك بذلك وهو ظاهر المحقق في الشرائع وبذلك صرح
أيضا في الذكرى. وبالجملة فهو المشهور في كلامهم وبذلك صرح في المدارك في هذه
المسألة أيضا وذكر ان الإعادة في ما إذا عول على رأيه من دون أمارة ثابتة على كل
حال وان ظهرت المطابقة لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه. انتهى. وفيه ما عرفت في
التنبيه الرابع.
وظاهرهم انه لا
فرق في الصحة والبطلان بين سعة الوقت وضيقه إلا ان يكون من يقلده مفقودا ولم يصل
الى حد الاستدبار فإنه تصح صلاته في حال الضيق وان كان مخطئا. ولو أصاب في صورة
الضيق فالقولان المتقدمان إلا في صورة عدم وجود من يقلده فإنهم قالوا بالصحة هنا
قطعا.
ولو صلى مقلدا
ثم أبصر في أثناء الصلاة فإن كان عاميا استمر على تقليده لان حكم العامي والأعمى
واحد في الرجوع الى التقليد ، وان كان مجتهدا اجتهد فان وافق ما استقبله فلا اشكال
وان انحرف وظهر انحرافه بين المشرق والمغرب استدار وان كان الى محض اليمين واليسار
أعاد واولى منه صورة الاستدبار ، ولو افتقر في الاجتهاد الى زمان طويل يخرج به عن
الصلاة فهل يقطع الصلاة أو يبنى على ما فعل ويسقط الاجتهاد في هذا الحال؟ اشكال
وبالثاني صرح في الذكرى ، قال لأنه في معنى العامي لتحريم قطع
الصلاة والظاهر اصابة المخبر ويقوى مع كونه مخبرا عن علم بل يمكن هنا عدم
الاجتهاد. وبالأول صرح في المعتبر احتياطا وكذلك الشيخ في المبسوط إلا انه قال بعد
ان صرح بالاستئناف : لان ذلك عمل كثير في الصلاة ولو قلنا انه يمضي فيها لانه لا
دليل على انتقاله كان قويا غير ان الأحوط للعبادة الأول.
ولو دخل بصيرا
في الصلاة ثم عمى أتم صلاته فان انحرف عمدا عن السمت الذي صلى اليه بطلت صلاته وان
اتفق ذلك وامكنه الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج الى حد الابطال المتقدم ، وان
لم يمكنه فان اتفق من يسدده عول عليه وينتظره ان لم يخرج عن كونه مصليا وإلا
فالأقرب البطلان. والله العالم.
فهرس الجزء السادس من كتاب
الحدائق الناضرة
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
فضل الصلوات اليومية
|
٢
|
كلام الشيخ محمد ابن صاحب المنتقى
ورده
|
٤٩
|
اتمام الفرائض بالنوافل
|
١٠
|
ترك النافلة لعذر
|
٥٠
|
معنى عدم قبول الصلاة
|
١٣
|
تقسيم النوافل على الساعات
|
٥٢
|
كفر تارك الصلاة
|
١٥
|
ما بين طلوع الفجر والشمس من النهار
|
٥٣
|
المواقيت المأمور بالمحافظة فيهن
|
٢٠
|
خلاف ابن الجنيد في نافلة العصر
|
٥٥
|
الصلوات الخمس المفروضات
|
٢٠
|
كراهة الكلام بين المغرب ونافلتها
|
٥٦
|
الصلاة الوسطى
|
٢١
|
هل تقدم نافلة المغرب على التعقيب؟
|
٥٧
|
المحافظة على الصلوات اليومية
|
٢٥
|
سجود الشكر في المغرب بعد الفريضة أو
بعد النافلة؟
|
٥٩
|
اعداد الصلوات اليومية ونوافلها
|
٢٧
|
هل الجلوس في الوتيرة أفضل من القيام؟
|
٦١
|
عدد النوافل اليومية
|
٣٣
|
جواز الجلوس في النافلة اختيارا
"
|
٦٢
|
توجيه ما دل على التعذيب بترك السنة
|
٣٥
|
استحباب التضعيف في النافلة من جلوس
|
٦٤
|
أفضل النوافل اليومية
|
٣٧
|
كيفية الصلاة من جلوس
|
٦٥
|
الموظف من القنوت في الوتر
|
٣٨
|
الاشكال في استحباب التربع في الصلاة
من جلوس
|
٦٦
|
الدعاء لأربعين مؤمنا " في قنوت
الوتر
|
٤٤
|
|
|
سقوط نافلة الظهرين في السفر
|
٤٥
|
|
|
هل تسقط نافلة العشاء في السفر؟
|
٤٥
|
|
|
كلام صاحب المنتقى ورده
|
٤٨
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كيفية ركوع القاعد
|
٦٧
|
هل الوقتان للفضيلة والاجزاء أو
للاختيار والاضطرار؟
|
٨٩
|
استحباب ركعتي الغفيلة
|
٦٨
|
الاخبار الدالة على ان الوقتين
للاختيار والاضطرار
|
٩٠
|
وقت ركعتي الغفيلة
|
٦٩
|
الاخبار المؤيدة لذلك
|
٩٣
|
هل تقضى ركعتا الغفيلة؟
|
٧٠
|
المستفاد من الاخبار المذكورة في
المقام
|
٩٨
|
هل تكفي نافلة المغرب عن الغفيلة؟
|
٧١
|
المستفاد من الاخبار المذكورة في
المقام
|
١٠٠
|
استحباب صلاة الوصية
|
٧٢
|
المستفاد من الاخبار المذكورة في
المقام
|
١٠١
|
هل يجوز تقديم الشفع في أول الليل؟
|
٧٢
|
المستفاد من الاخبار المذكورة في
المقام
|
١٠٢
|
النوافل يسلم فيها على الركعتين إلا
الوتر وصلاة الأعرابي.
|
٧٥
|
رد الوجوه المستدل بها على الاختصاص
|
١٠٥
|
صلاة الضحى بدعة
|
٧٧
|
الفروع التي فرعوها على الخلاف في
الاختصاص والاشتراك
|
١٠٨
|
الاخبار الواردة في ما يستحب قراءته
في النوافل اليومية
|
٨١
|
أول وقت الظهر
|
١٠٩
|
ما يستحب قراءته في نوافل الظهرين
|
٨٤
|
أول وقت الظهر
|
١١٠
|
ما يستحب قراءته في نافلة المغرب
|
٨٥
|
كلام صاحب المدارك في المقام
|
١١٢
|
ما يستحب قراءته في نافلة المغرب
|
٨٥
|
رد كلام صاحب المدارك
|
١١٣
|
ما يستحب قراءته في الركعتين الأوليين
من صلاة الليل
|
٨٥
|
ما احتج به لانتهاء وقت الاختيار
للظهر بصيرورة ظل
|
|
ما يستحب قراءته في الوتر
|
٨٦
|
|
|
مواقيت الفرائض الخمس
|
٨٧
|
|
|
مواقيت الفرائض الخمس
|
٨٧
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
كل شئ مثل ودفعه
|
١١٨
|
آخر وقت العصر
|
١٥٤
|
ما استدل به لانتهاء وقت الظهر
للمختار بأربعة اقدام وللمضطر إلى آخر النهار ودفعه
|
١١٩
|
استعلام الزوال بزيادة الظل أو حدوثه
|
١٥٦
|
ما استدل به للقول بانتهاء وقت الظهر
بصيرورة الفئ سبعي الشاخص ورده
|
١٢٢
|
استعلام الزوال بزيادة الظل أو حدوثه
|
١٥٨
|
ما استدل به للقول بانتهاء وقت الظهر
بصيرورة الفئ سبعي الشاخص ورده
|
١٢٣
|
استعلام الزوال بميل الشمس إلى الحاجب
الأيمن
|
١٦٠
|
الوقت الأول للظهرين
|
١٢٣
|
استعلام الزوال بالدائرة الهندية
|
١٦٢
|
الاخبار الواردة في تحديد الوقت الأول
للظهرين بالاقدام والأذرع
|
١٢٧
|
ما يتحقق به الغروب
|
١٦٣
|
الاخبار الواردة في تحديد الوقت الأول
للظهرين بالنافلة
|
١٣٦
|
ما يتحقق به الغروب
|
١٦٤
|
علاج التدافع بين الاخبار في التحديد
|
١٣٨
|
الاخبار التي استدل بها على تحديد
الغروب بغيبوبة القرص
|
١٦٥
|
طرفا المماثلة في بلوغ الظل المثل
والمثلين
|
١٤٤
|
الجمع بين اخبار المسألة
|
١٦٩
|
كلام المحدث الكاشاني في تصحيح الخبر
الوارد في المقام
|
١٤٥
|
الاخبار التي عنون لها في الوافي
بتأخير المغرب عن استتار القرص للاحتياط
|
١٧٢
|
أول وقت العصر
|
١٤٩
|
توجيه هذه الاخبار
|
١٧٣
|
هل الأفضل تعجيل العصر أو تأخيرها إلى
مضي المثل الأول؟
|
١٥٠
|
آخر وقت المغرب
|
١٧٥
|
|
|
الاخبار الواردة في آخر وقت المغرب
|
١٧٦
|
|
|
استدلال صاحب المدارك على مختاره في
آخر وقت المغرب
|
١٨٠
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
وجوه النقد في استدلال صاحب المدارك
|
١٨١
|
هل يستثنى قدر ايقاع الفريضة من المثل
والمثلين للنافلة
|
٢١٤
|
أول وقت العشاء
|
١٨٩
|
لو خرج وقت النافلة ولم يأت بها أو قد
تلبس بها
|
٢١٥
|
أول وقت العشاء
|
١٩٠
|
هل يجوز تقديم نوافل الظهر على الزوال؟
|
٢١٧
|
آخر وقت العشاء
|
١٩٣
|
وقت نافلة المغرب
|
٢٢٠
|
كلام المجلسي في المقام ودفعه
|
١٩٦
|
وقت الوتيرة
|
٢٢٣
|
كلام صاحب المدارك في المقام ورده
|
١٩٨
|
وقت صلاة الليل
|
٢٢٤
|
أول وقت صلاة الصبح
|
٢٠٠
|
الأفضل في وقت صلاة الليل ما قرب من
الفجر
|
٢٢٦
|
آخر وقت صلاة الصبح
|
٢٠١
|
قول ابن الجنيد باستحباب الاتيان
بصلاة الليل في ثلاثة أوقات
|
٢٢٧
|
استدلال صاحب المدارك على مختاره في
آخر وقت صلاة الصبح ونقده
|
٢٠٣
|
جواز تقديم صلاة الليل في أوله في
موارد
|
٢٢٩
|
هل الأفضل التغليس بصلاة الصبح أو
تأخيرها؟
|
٢٠٧
|
قضاء صلاة الليل أفضل من تقديمها
|
٢٣١
|
تمييز أبي بصير في خبر من أخبار
المسألة
|
٢٠٩
|
احتجاج العلامة على عدم جواز تقديم
صلاة الليل على نصف الليل
|
٢٣٢
|
تفسير كلمات وردت في تمييز الفجر
|
٢٠٩
|
آخر وقت صلاة الليل
|
٢٣٣
|
كلام للعلامة في المنتهى في تحقيق
الفجر الكاذب والصادق
|
٢١٠
|
لو طلع الفجر وقد تلبس بأربع ركعات من
صلاة الليل
|
٢٣٣
|
آخر وقت نافلة الظهرين
|
٢١١
|
لو طلع الفجر ولم يتلبس بأربع
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
ركعات من صلاة الليل
|
٢٣٥
|
بعد الفجر الأول لو صلاهما قبله؟
|
٢٥٢
|
أفضل أوقات الوتر
|
٢٣٦
|
هل يكره النوم بعد صلاة الليل وقبل
الصبح؟
|
٢٥٣
|
لو قدم الوتر وركعتي الفجر ثم انكشف
بقاء الليل
|
٢٣٨
|
وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة هل
هو موسع أو مضيق؟
|
٢٥٤
|
العدول من نافلة الصبح إلى الوتر
|
٢٣٩
|
هل تجوز النافلة بعد دخول وقت الفريضة؟
|
٢٥٥
|
وقت ركعتي الفجر
|
٢٤٠
|
نقل كلام صاحب المدارك في المقام
|
٢٥٨
|
الأفضل تأخير ركعتي الفجر إلى ما بعد
الفجر الأول
|
٢٤٢
|
نقل كلام الشهيدين في المقام
|
٢٥٩
|
انتهاء وقت ركعتي الفجر بطلوع الفجر
الثاني
|
٢٤٢
|
وجوه النظر في كلام صاحب المدارك
والشهيدين
|
٢٦٠
|
الاستدلال للقول المشهور وهو امتداد
وقت ركعتي الفجر إلى طلوع الحمرة
|
٢٤٤
|
تحقيق في مفاد الاخبار التي استند
إليها صاحب المدارك والشهيدين في الجواز
|
٢٦٢
|
علاج التعارض بين الاخبار في المقام
|
٢٤٥
|
بعض الاخبار التي يمكن ان يستدل بها
لجواز النافلة في وقت الفريضة والجمع بينها وبين اخبار المنع
|
٢٦٦
|
علاج التعارض بين الاخبار في المقام
|
٢٤٥
|
المواضع التي استند إليها بعض مجوزي
النافلة في وقت الفريضة والجواب عن ذلك
|
٢٦٧
|
وجوه النظر في كلام صاحب المنتقى في
المقام
|
٢٤٦
|
هل تجوز النافلة لمن عليه قضاء فريضة؟
|
٢٦٨
|
النظر في كلام المجلسي والشهيد في خبر
أبي بصير في المقام
|
٢٥١
|
|
|
دفع توهم امتداد وقت ركعتي الفجر
بامتداد الفريضة
|
٢٥٢
|
|
|
هل يستحب إعادة ركعتي الفجر
|
|
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
استدلال القائلين بجواز النافلة لمن
عليه قضاء فريضة
|
٢٧٠
|
لا يكفي ادراك ركعة في أول الوقت في
استقرار الوجوب
|
٢٨٠
|
رواية الشهيد في الذكرى في المقام وما
يستفاد منها
|
٢٧١
|
هل يعذر الكافر في ترك الصلاة؟
|
٢٨٠
|
تحقيق في ما دل على نوم النبي (ص) عن
الفريضة
|
٢٧٣
|
ادراك الصلاة في أثناء الوقت
|
٢٨١
|
ما يستقر به وجوب الصلاة
|
٢٧٤
|
إذا بلغ الصبي المتطوع بالصلاة في
أثنائها بمالا يبطل الطهارة
|
٢٨١
|
من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت
|
٢٧٥
|
لو بلغ الصبي في الوقت بعد فراغه من
الصلاة
|
٢٨٣
|
معنى الركعة التي بادراكها يدرك الوقت
|
٢٧٦
|
لا تجوز الصلاة قبل الوقت
|
٢٨٣
|
من أدرك ركعة من الوقت هل يكون مؤديا
للجميع أو قاضيا " للجميع أو بالتوزيع؟
|
٢٧٧
|
الصلاة قبل الوقت عمدا "
|
٢٨٤
|
لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف
الليل أحدى الفريضتين أو خمس ركعات
|
٢٧٨
|
الصلاة قبل الوقت نسيانا مع وقوعها
كلا أو بعضا " خارج الوقت
|
٢٨٥
|
لو أدرك أربعا " من آخر وقت
العشاءين
|
٢٧٩
|
لو اتفق وقوع صلاة الناسي في الوقت
كملا
|
٢٨٦
|
يعتبر في ادراك الركعة ادراكها بجميع
الشرائط ولو قبل الوقت
|
٢٨٠
|
الصلاة قبل الوقت جهلا مع وقوعها كلا
خارج الوقت أو في الوقت كلا أو بعضا
|
٢٨٧
|
يعتبر في استقرار الوجوب أخف صلاة يقتصر
فيها على الواجب
|
٢٨٠
|
نقل كلام الفاضل الخراساني في المقام
|
٢٨٧
|
|
|
وجوه النظر في كلام الفاضل الخراساني
في المقام
|
٢٨٨
|
|
|
الصلاة قبل الوقت مع ظن دخوله
|
٢٩٢
|
|
|
من دخل عليه الوقت في أثناء
|
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
الصلاة وقد دخل فيها بالظن
|
٢٩٢
|
الصلوات ذوات الأسباب في الأوقات
الخمسة
|
٣١١
|
هل يجوز التعديل على الظن بالوقت مع
التمكن من العلم؟
|
٢٩٤
|
الاشكال في كراهة الصلاة في الأوقات
الخمسة
|
٣١٢
|
الروايات الدالة على جواز الاعتماد
على المؤذنين وغيرهم وما يعارضها
|
٢٩٦
|
معنى طلوع الشمس وغروبها بين قرني
الشيطان
|
٣١٤
|
ميل المحقق إلى الاعتماد على اذان
الثقة واعتراض الشهيد وغيره عليه والنظر في الاعتراض
|
٢٩٨
|
ظاهر الاخبار حرمة الصلاة في الأوقات
المخصوصة
|
٣١٥
|
الروايات الدالة على عدم جواز الصلاة
إلا مع تبين الوقت
|
٢٩٩
|
استثناء يوم الجمعة من المنع من
النوافل عند قيام الشمس
|
٣١٧
|
كلام صاحب المدارك في المقام ورده
|
٣٠٠
|
من أوقات مقارنة الشيطان للشمس انتصاف
النهار
|
٣١٧
|
هل يجوز الاجتهاد والبناء على الظن لو
لم يكن طريق إلى العلم بالوقت لغيم ونحوه؟
|
٣٠١
|
المراد بالفجر والعصر المنهي من
الصلاة بعد هما الفريضة لا الوقت
|
٣١٩
|
كراهة النوافل في الأوقات الخمسة
|
٣٠٣
|
هل تتصف الصبح والعصر المعادة جماعة
بالكراهة؟
|
٣١٩
|
هل تختص الكراهة بالنوافل المبتدأة أو
تعم القضاء وذوات الأسباب أو أحد هما دون الآخر؟
|
٣٠٤
|
هل تكره الصلاة عقيب الطهارة الحادثة
في هذه الأوقات؟
|
٣٢٠
|
الاخبار الواردة في كراهة الصلاة في
الأوقات الخمسة
|
٣٠٥
|
السجود للتلاوة والشكر والسهو في هذه
الأوقات
|
٣٢١
|
قضاء الفريضة في الأوقات الخمسة
|
٣٠٧
|
لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة
الظهر أو العصر
|
٣٢١
|
قضاء النافلة في الأوقات الخمسة
|
٣٠٩
|
هل الأفضل تعجيل قضاء الرواتب أو
تأخيره إلى الزمان المماثل؟
|
٣٢٢
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
استحباب المبادرة بالصلاة في أول
وقتها.
|
٣٢٥
|
رد القول بوجوب تقديم فائتة اليوم دون
غيرها
|
٣٦٦
|
المواضع المستثناة من استحباب
المبادرة بالصلاة في أول وقتها
|
٣٢٦
|
تعريف القبلة
|
٣٦٨
|
الابراد في صلاة الظهر
|
٣٣١
|
ما يجب استقباله
|
٣٧١
|
هل يعم الابراد صلاة العصر؟
|
٣٣٥
|
وظيفة المتمكن من مشاهدة عين الكعبة
|
٣٧٦
|
الأقوال في المواسعة والمضايقة في
القضاء
|
٣٣٦
|
القبلة ليست نفس البنية الشريفة
|
٣٧٧
|
جملة من عبائر الأصحاب في المواسعة
والمضايقة في القضاء
|
٣٣٧
|
الصلاة على سطح الكعبة
|
٣٧٧
|
اخبار المضايقة في القضاء
|
٣٣٨
|
الصلاة في جوف الكعبة
|
٣٧٨
|
اخبار المواسعة في القضاء
|
٣٤٣
|
لو استطال صف المأمومين مع المشاهدة
|
٣٨١
|
الجواب عن أدلة المواسعة في القضاء
|
٣٤٥
|
هل الحجر من الكعبة؟
|
٣٨١
|
جواب صاحب المدارك عن أدلة المضايقة
|
٣٤٩
|
استحباب التياسر في العراق
|
٣٨٣
|
وجوه النظر في جواب صاحب المدارك عن
أدلة المضايقة
|
٣٥٠
|
سهولة الامر في القبلة
|
٣٨٧
|
استدلال صاحب الذخيرة على المواسعة في
القضاء
|
٣٥٩
|
علامة القبلة لأهل العراق
|
٣٨٨
|
رد استدلال صاحب الذخيرة على المواسعة
في القضاء
|
٣٦١
|
تشخيص القبلة بالطول والعرض
|
٣٩٠
|
رد القول بوجوب تقديم الفائتة المتحدة
دون المتعددة
|
٣٦٥
|
البلدان المنحرفة قبلتها عن الجنوب
إلى المغرب
|
٣٩١
|
|
|
البلدان المنحرفة قبلتها عن الجنوب
إلى المشرق
|
٣٩٢
|
|
|
البلدان المنحرفة قبلتها من الشمال
إلى المغرب
|
٣٩٣
|
|
|
البلدان المنحرفة قبلتها من الشمال
إلى المشرق
|
٣٩٣
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
وجوب العلم بالقبلة
|
٣٩٣
|
لو دار الامر بين الركوب والمشي في
الفريضة
|
٤١٣
|
الاعتماد علي المحراب الذي صلى فيه
المعصوم
|
٣٩٤
|
الصلاة في الكنيسة أو على بعير معقول
|
٤١٤
|
التعويل على الامارات بعد فقد العلم
بالقبلة
|
٣٩٦
|
الصلاة في الأرجوحة المعلقة بالحبال
|
٤١٥
|
إذا تعذر العلم بالجهة فالوظيفة هي
الاجتهاد أو الاحتياط؟
|
٣٩٨
|
لو اختلف المجتهدون في القبلة
|
٤١٦
|
هل يقدم قول الثقة على الاجتهاد؟
|
٣٩٩
|
الصلاة في السفينة
|
٤١٧
|
هل تجزئ الصلاة الواحدة بعد تعذر الظن
بالقبلة؟
|
٤٠٠
|
ما يستقبل له
|
٤٢٣
|
وظيفة العاجز عن الاجتهاد في القبلة
|
٤٠٣
|
حكم النافلة من حيث الاستقبال
|
٤٢٣
|
التعويل على قبلة البلد
|
٤٠٥
|
الاخبار الدالة على جواز النافلة إلى
غير القبلة
|
٤٢٤
|
عدم جواز الفريضة على الراحلة اختيارا
"
|
٤٠٧
|
ما يستفاد من هذه الاخبار
|
٤٢٨
|
جواز الفريضة على الراحلة عند الضرورة
|
٤٠٨
|
ظهور الانحراف في أثناء الصلاة إلى ما
بين اليمين واليسار
|
٤٣٠
|
هل يفرق في حكم الفريضة على الراحلة
بين افرادها؟
|
٤١٠
|
ظهور انحراف في أثناء الصلاة إلى دبر
القبلة أو اليمين واليسار
|
٤٣٠
|
ما يجب فيه الاستقبال من الفريضة على
الراحلة
|
٤١١
|
ظهور الاستدبار في أثناء الصلاة بعد
الوقت
|
٤٣١
|
حكم الصلاة ماشيا " من حيث
الاستقبال
|
٤١٢
|
تبين الانحراف بعد الصلاة فيما بين
اليمين واليسار
|
٤٣٤
|
|
|
تبين الانحراف بعد الصلاة فيما بين
اليمين واليسار
|
٤٣٥
|
عنوان
|
صفحة
|
عنوان
|
صفحة
|
تبين الاستدبار بعد الصلاة
|
٤٣٩
|
اختلاف المجتهدين في القبلة
|
٤٤٤
|
هل الناسي كالظان في الاحكام المتقدمة؟
|
٤٤٠
|
اختلاف المجتهدين في الحكم
|
٤٤٧
|
هل يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة؟
|
٤٤١
|
التحقيق في المقام
|
٤٤٨
|
حكم تغير الاجتهاد
|
٤٤٢
|
لو صلى الأعمى من غير تقليد
|
٤٤٩
|
لو خالف المجتهد اجتهاده وصادف القبلة
|
٤٤٣
|
لو صلى الأعمى مقلدا " ثم ابصر
في الصلاة
|
٤٥٠
|
|
|
لو دخل بصيرا " في الصلاة ثم عمى
|
٤٥١
|
|