الفهرس

*تدوين السنّة أم تزييف الشريعة؟!

.............................................. السيّد محمّدرضا الحسيني الجلالي ٧

*حكم الجمع بين الصلاتين على ضوء المذاهب الفقهية.

................................... السيّد حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي ٧٥

*تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات (١).

............................................... السيّد عليّ الحسيني الميلاني ١٢٨

*في رحاب «نهج البلاغة» (٥) :

*«نهج البلاغة» عبر القرون.

................................................. السيّد عبدالعزيز الطباطبائي ١٥٤


*إحياء التراث (١).

................................................... الشيخ عبدالجبّار الرفاعي ١٨٩

*مصطلحات نحوية (١).

...................................................... السيّد عليّ حسن مطر ٢٦٣

*ديوان الاجازات المنظومة.

.................................. صنعة : السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ٢٧٠

*من ذخائر التراث :

*الردّ على الوهابية ـ للشيخ محمّد جواد البلاغي.

............................................ تحقيق : السيّد محمّد عليّ الحكيم ٣٧٥

*من أنباء التراث.

................................................................ هيئة التحرير ٤٥٨

__________________

*صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة كتاب الرجال لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ) تاريخها سنة ٥٣٣ هـ ، محفوظة في المتحف البريطاني ، برقم ٧٩٦٥. OR





تدوين السنة

أم تزييف الشريعة؟! (١)

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين ، وعلى الأئمة الصادقين من آله الطيبين ، وعلى الأخيار من الصحابة ، والتابعين.

تجتاح البلاد الإسلامية موجة من الصحوة والوعي والتحرك ، تكونها الجماهير المسلمة ، المؤمنة بدينها ، المحبة لأوطانها ، والتي تيقظت من سباتها الطويل ، بعد غياب وذهول عن ما يملكه الإسلام من مقومات حضارية ، وبعد أن ثبت لها بالعيان وبالتجربة الحية ، والمعاناة الطويلة القاسية ، فشل كل النظم والقوانين وأساليب الحياة غير الإسلامية ـ سواء الشرقية منها أم الغربية ـ وإخفاق كل دعاة العلمنة والهلوسة الغربية ، والتحضر الأوربي ، من تقديم أية خدمة تنجد الأمة أو تقلل من مآسيها.

__________________

(١) قراءة نقدية لكتاب (تدوين السنة) تأليف (إبراهيم فوزي) نشر : رياض الريس للكتب والنشر ـ الطبعة الأولى ـ كانون الثاني / يناير ١٩٩٤ ـ لندن.


وكانت عودة الجماهير إلى الحضارة الإسلامية ، عودة حميدة مجيدة ، تحتوي على قوة العزيمة والتصميم والجد والوعي والمعرفة التامة.

ولقد ذهل الاستعمار بهذه العودة ، بعد أن دأب قرنا من الزمان في العمل على إبعاد الأمة الإسلامية عن دينها ، وبث روح اللهو واللعب والتفاخر والتكاسل بين جيل الشباب إلى حد الارتماء في أحضان الرذيلة والفساد والعبثية.

وقد أثارت هذه العودة إلى الإسلام سخط الاستعمار ـ شرقيه وغربيه ـ فجند أجهزته الظاهرية والسرية ، ولجأ إلى القمع والاتهام ، والضغط السياسي والاقتصادي ، ومن خلال عملائه الحاكمين على بلدان المنطقة ، وبأجهزة الأمن والاستخبارات والمباحث في داخل البلاد وخارجها ، لإيقاف المد الإسلامي الظافر ، وإخماد نور الصحوة الإسلامية المجيدة.

ومن الأساليب التي ينفذها هو (بعث) شراذمة من أولاد البلاد الإسلامية والمنتمين إلى لغاتها ، من الجيل المتعلم في مدارس الغربيين ، أو على مناهجهم الدراسية ، والمتربين على الثقافة الغربية المادية ، والذين غسل المستشرقون أدمغتهم ، وفرغوها عن كل ما هو إسلامي ، ولقنوهم حب الغرب والانبهار بكل ما فيه ، فدفعوهم في هذه الفترة بالذات ليكونوا أدوات تحريف لأفكار الشباب المعاصر في البلاد الإسلامية ، لصدهم عن اللحوق بهذه الصحوة ، وحذرا من أن ينتبهوا إلى ما يملكه الإسلام من قدرات خارقة عظيمة في الفكر والتشريع والأخلاق ، والحضارة.

فراح أولئك العملاء الجدد يشوهون سمعة هذا الدين ويزيفون ما يمت إليه من خلال كتابات تهريجية ومزورة ، ملؤها الكذب على الإسلام وأهله والقذف للجيل المتحرك لإعلاء كلمته ، ولا تخلو صفحة من كتاباتهم من الاتهام والهراء ضد مقدسات الأمة ، والتعدي على أصوله وفروعه ، وتراثه وتاريخه ، بعقلية تزييفية ، وبصورة بشعة ، إلا أن أعمالهم تحمل عناوين غارة


من قبيل (التحقيق) و (البحث) و (الدراسة) و (النقد) وما إلى ذلك من عناوين جذابة ومغرية للشباب المشتاق للمعرفة والمحب للاطلاع.

وقد صدرت في هذه الفترة بالذات كتابات تستهدف السنة الشريفة لكونها من مصادر المعرفة في الإسلام ، بأقلام تستهدف تزييف السنة وتعطيل أثرها الهام في التعريف بالإسلام وتحديد قضاياه وأحكامه.

ومما صدر أخيرا كتاب (تدوين السنة) لإبراهيم فوزي.

ولما في عنوانه من الإثارة ، وما يحتويه من تحريف وتزييف ، وما قام به مؤلفه من تخط وتعد على أعراف العلم وموازين الكتابة ، فقد عرضنا ما لاحظناه عليه خلال الفصول التالية :

١ ـ مع موازين الكتابة.

٢ ـ مع مؤدى العنوان.

٣ ـ مع مؤشرات الهدف.


١ ـ مع موازين الكتابة

* موازين الكتابة :

إن من الأمور المتفق عليها ضمنيا في فن الكتابة العلمية هي تلك الموازين المقررة ، والملتزم بها عمليا ، والمنادى بها ولو بالشفاه المطبقة ، والتي تعد (عرفا) للكتاب ، وقد أملتها الحاجة إلى نظام في ما يقرأ ، قبل أن يكتب ، وإن كان الكاتب ـ في عصر الطغيان على الموازين ـ لا يرى نفسه ملزما بكل ما هو (إجماعي) أو (عرف) حتى لو كان معلنا ، فكيف إذا لم يحاول أصحاب (المصلحة) أن يعلنوه ، أو يسجلوه؟!

ولكن ضرورات من قبيل (تصنيف الكتاب) في المكتبة ، ليأخذ موضعه المناسب ، حتى يتناول بيسر وسرعة ، أمر لا يمكن تجاوزه ، لأي غرض كان لأنه ـ فعلا ـ من الثوابت التي لا خلاف فيها ، إذا أريد للكتاب أن يكون متداولا علميا ، وبالخصوص إذا تناول ظاهرة بالدرس والتحليل ، خارجا عن أطر الإعلام والخطابة! وإذا أراد الكاتب أن يكون باحثا منهجيا ، بعيدا عن وهدة (الارهاب الفكري) و (العبث بالفكر) التي ابتليت بها التيارات العلمانية في العالم العربي خاصة ، إذ تسيطر هي على قطاع كبير من قرائه المثقفين ، بهدف تزييف ما يمت إلى شعوب المتكلمين بالعربية ، أو الذين يفكرون على أساس مصادرها الثقافية والفكرية ، والذين يشكل المسلمون غالبيتهم العظمى! مع أن من أوضح ما يميز الكتاب الذي يتناول موضوعا فكريا أو تراثيا ، ويراد له أن يكون خارجا عن إطار (الارهاب) أن يتخذ أسلوب (التوثيق المرجعي) والالتزام بالموضوعية ، على طول الخط ، من أول جرة قلم ، وحتى نهاية المطاف.


* بين الأهداف المعلنة ، والنيات المبطنة :

ثم إن تحديد المؤلف لغرضه الذي تعنى من أجله للكتابة ، لا أنه يدخل في تلك الموازين ، فحسب ، بل هو ضرورة للإسراع في تفاعل القارئ مع الكتاب ، ودرك الكلمة المكتوبة ، في سياق موضعها من جملة المؤلف ، وفي سطور الصفحة ، وصفحات دفتي الكتاب ، تفاعلا لا بد أن يرغب المؤلفون فيه ، فيقدمونه أمام كتبهم.

وليست صفحات الكتاب الذي يعالج مشكلة مستفحلة علمية أو تراثية ، مجالا للبهلوانيات ، حتى تكون السرعة ـ وكذا الاقتحام ـ فيها مطلوبة ، إلا في صورتها الشائعة في الكتابات المعاصرة.

والكاتب الذي يقدم مادته (بكل حياد وتجرد) لا يتخوف من قرائه ، تماما كالطبيب الحاذق الذي لا يخاف من عدوي المرضى الذين يباشر علاجهم ، وهم يراجعونه ، ليجدوا الشفاء على يديه ، مهما كان نوع المرض ، ومهما كان خطرا.

وإذا كان الطبيب يتوجس خيفة في نفسه ، من مرضاه ، فخير له أن يغلق (المطب) ولا يكلف نفسه عناء الإعلانات الفضفاضة حول مهارته في العلاج ، خصوصا إذا لم تكن عنده الخبرة الكافية ، ولا التخصص ، بل ولا عارفا ب (جس النبض) ، بل جاهلا بأصول العلم ، وبمصطلحات الأطباء ، وأسماء الأدوية!! أما إذا كانت اللافتة التي ينصبها على باب (العيادة الطبية) تحمل عنوانا ضخما ، مغريا للمرضى ، بينما هو يعنى بتخصص آخر ، ويبطن من إعلانه المزور هدفا غير طبي ، فإنما يعد في عرف المهن (دجالا) وليس عمله إلا (ابتزاز) و (خيانة)!


* عناوين الكتب مفاتيح لتصنيفها :

إن عناوين الكتب ـ سواء الكبيرة ، أم الثانوية التي توضح أبعادا أوسع ـ إنما هي الأبواب التي يدخل القراء من خلالها إلى أعماق المدينة المؤلفة من الكلمات والسطور والصفحات ، فيحدد موقفه منها خلال نظره ، فمن (الابتزاز) أن يحاول المؤلف الايحاء بالعنوان إلى غير ما يحتويه الكتاب ، وإغراء القارئ بشرائه أو قراءاته ، فهذه طريقة مقبوحة ومستهجنة ، تحتوي على استهلاك الكلمة التي تشكل العنوان ، وعلى حساب الفكر ، وتوتر القراء ، وهو نوع من (الدجل الفكري والثقافي).

فلو قيس عنوان (تدوين السنة) الذي وضعه المؤلف إبراهيم فوزي على كتابه ، إلى الغرض الذي تابعه من (المقدمة) وحتى آخر صفحة بعنوان (الخاتمة) والتي صرح فيها بالغرض واضحا ، يجد أنه (لا يشي عنوانه بأهميته) عند البعض ، إن اعتبر ذلك (إحدى حسناته) إلا أنه تجاوز لما ذكرنا من موازين الكتابة العلمية ، مهما أحسنا الظن به!

فإن العلوم الإسلامية ، والمعارف التي تتمحور حولها ، قد تضخمت ، وتوسعت على مدى المدة الفاضلة بيننا وبين المصادر الأساسية ، و (السنة) لكونها عند المسلمين واحدا من تلك المصادر ، بل أوسعها ، لم تخرج من دائرة هذه الحقيقة ، بل تكثفت الجهود حولها ، وشكلت لمعالجة قضاياها وجمع خصوصياتها علوم عديدة هي : (علم الحديث) و (علم المصطلح) و (علم الرجال) مضافا إلى ما يتفرع عن كل من مباحث ، وتخصصات ، استغرقت جهودا مبثوثة ، وأخرى منتشرة بشكل استطرادي في علوم أخرى.

ومن أهم البحوث المصيرية المطروحة حول (السنة) هو البحث عن حجيتها ، ومدى تأثيرها في إثبات المعارف الدينية ، وقد قام منذ القديم حول ذلك جدل كبير ، لما يترتب على نتيجته من آثار عملية مباشرة في حياة


المسلمين وتحديد المعارف عقيدة وتشريعا وتاريخا.

وإذا كانت (حجة) فإن بحوثا أخرى تستتبع في الثقافة الإسلامية ، واستتبعت ـ ولا تزال ـ جهودا كبيرة من قبيل : ما هي السنة؟ وتحديد مداها؟ وتاريخها ، لتحديد نصها؟ ويدخل في هذه الناحية تاريخ (تدوين السنة).

فمن هنا يمكن أن نرى عنوان (تدوين السنة) بارزا عندما تكون (حجية السنة) أمرا مفروغا عنه ، وإلا فيكون البحث عن التدوين ، ترفا فكريا ، إذ لا يترتب عليه أثر علمي ولا عملي ، ولا يدعو إلى الاهتمام به في المأزق الثقافي الراهن.

ولقد كان علماء المسلمين على قدر كاف من الدقة إذ عنونوا لحجية الحديث والسنة في مجال (الحجج الشرعية) ووسائل إثبات الحكم الشرعي من بحوث علم أصول الفقه ، وعنونوا لبحث (تدوين السنة) في مجال تاريخ الحديث ، وفي بحوث علم مصطلح الحديث ، إلا أن سعة مباحثه ، وأهميته ، لكونه الأرضية الموطدة لما يبنى عليها من عناوين وبحوث ، استدعت المؤلفين إلى الاستقلال بالبحث عنه منذ القدم ، فأقدم ما في المتناول من المؤلفات حول تدوين السنة ، كتاب الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣) بأسم (تقييد العلم) المطبوع محققا مع مقدمة واسعة وافية من عمل الدكتور يوسف العش ، السوري ، وأحدث عمل تكاملت فيه النظريات المطروحة على طاولة البحث وهو كتاب (تدوين السنة الشريفة) الصادر في قم سنة ١٤١٣ من تأليف كاتب هذه السطور.

أما كتاب (تدوين السنة) لإبراهيم فوزي ، الذي نقدم قراءة عنه ، فهو آخر ما صدر يحمل هذا العنوان ، على الرغم من أنه لا يعنيه مباشرة ، إلا بصورة جزئية ، مما يثير إرباكا لدى القارئ ، فإذا صدق قول أبي الفتح البستي (وأول مقروء من الكتب عنوان) فأن عنوان كتاب فوزي يوحي أن يكون خاصا بالبحث عن الموضوع ، بينهما المهمة الأساسية التي يتصدى لها الكتاب هي غير ذلك ،


بل هي : نفي الاعتماد على السنة مصدرا للتشريع ، وأن اعتمادها سبب  ـ حسب اعتقاد المؤلف ـ إرباكا في الفقه الإسلامي ، أدى إلى وجوه المذاهب المتعددة ، والطوائف المتفرقة.

ومع قناعتنا بحرية الكاتب في اتخاذ هدف معين لعمله ، من دون أن يكون لأحد حق في تحديده ، إلا أن تقنعه بقناع (تدوين السنة) للوصول إلى هدف يبتعد عن هذا العنوان ، أمر لا يبتعد عن الريب والإثارة ، شاء الكاتب أم أبى!

فمن ناحية حضارية ، فإن الإصدارات التي تستعمل هذا الأسلوب ، تؤدي إلى فقدان الشخصية الثقافية ، بين المجتمع العلمي ، حيث إنه إسقاط لقيم العناوين ، وتلاعب باستخدامها ، في الوقت الذي تستدعي موضوعية البحث الذي يراد له أن يكون هادفا وعلميا ، كونه مجردا عن (الدجل وبعيدا عن (العبثية).

فالمطلوب : الدقة الكاملة في انتخاب العناوين ، واستخدامها ، بدلالات واضحة على المحتويات ، وإيصالها إلى الأهداف ، بصدق وأمانة ، وإلا كانت نماذج من (التضليل الثقافي) المنبوذ.

أما من الناحية الأدبية ، فإن تفويت الفرص على القراء والمراجعين ، وجرهم إلى قراءة ما يرغب فيه الكاتب ، وبطريقة الاغراء من خلال عنوان الكتاب ، أمر يعتبر استهتارا مفضوحا.

إن ما يرتبط بعنوان (تدوين السنة) إنما هو القسم الأول من الكتاب ، ذي الأقسام الثلاثة ، بينما القسم الثاني يبحث عن (علوم الحديث) والثالث يتركز فيه البحث عن الأحكام الشرعية المتعددة على السنة ، بعنوان (السنة بعد التدوين).

ومجموع ما يحتوي على القسم الأول هي الصفحات من ٢٧ ـ ١٤١ ، وفصوله ستة ، وما يرتبط منها بالتدوين ، الثاني ، ص ٣٧ ـ ٤٨ ، بعنوان (النهي


عن تدوين السنة) ، والثالث ص ٤٨ ـ ٥٦ ، بعنوان (إمساك الصحابة عن تدوين السنة) والرابع ، ص ٥٧ ـ ٦٤ بعنوان (إباحة تدوين السنة) ومجموع صفحات هذه الفصول ٢٧ صفحة فقط!!

أما الفصل الأول فهو بعنوان (تعريف السنة) والخامس بعنوان (الكذب على النبي (ص) وأسبابه) والسادس بعنوان (الاجتهاد في الفقه الإسلامي) وارتباط هذه الفصول ، بتدوين السنة ، فهو برابط القسم الأول بالأقسام الأخرى من الكتاب ، وهو وحدة الغرض الجامع بين الأقسام وفصوله ، والذين أشرنا إليه ، وسنتحدث عنه بتفصيل.

فالبحث عن (تدوين السنة) الذي يشغل فقط ٢٧ صفحة من أصل ٣٨٤ صفحة هي عدد صفحات الكتاب ، لا يمثل لوحده محتوى الكتاب ، إذ تبقى ٣٥٧ صفحة من الكتاب بعيدة عن العنوان!

فهل يخلو مثل هذا العمل من محاسبة؟! أو يتطابق مع عرف الكتابة العلمية؟! أو يخدم القراء بصدق؟! وهل روح (المنهج النقدي) الذي التزمه الكاتب تسمح بهذا التصرف؟!

* بين مؤدى العنوان ، ومؤشرات الهدف :

وتعقيبنا هذا على كتاب (تدوين السنة) يدور على طرفي : العنوان ، والهدف ، في فصلين :

١ ـ فقد فصلنا بين الملاحظات التي تجمعت حول الكتاب فيما يخص (تدوين السنة) من بحوثه ، بما في ذلك منهج المؤلف في التوثيق ، واستخدام المصادر ، وما أثاره في هذا المجال ، فذكرناها تحت عنوان : (مع مؤدى العنوان).

٢ ـ وجمعنا الملاحظات حول ما أثاره في مجال غرضه من تأليف الكتاب والإشكاليات التي تابعها في مصدرية السنة لأحكام الشريعة ، وتزييف ما أخذ اعتمادا عليها ، فذكرناها تحت عنوان (مع مؤشرات الهدف).


٢ ـ مع مؤدى العنوان

* حياد أو انحياز؟

إن الكاتب ، وعلى الرغم من دعواه عرض البحث بكل حياد ، وتجرد ، لم يكن حياديا في عرضه ما يرتبط بمسألة (تدوين الحديث) بالذات.

فمثلا ، نجد انحيازه واضحا عندما يعرض أدلة الطرفين حول (تدوين السنة) إثباتا ونفيا ، فيذكر في ص ٤٢ بعض أدلة إباحة التدوين ، ويحاول في الهامشين ١٤ و ١٥ إيراد تضعيفها أو إسقاط رواتها ، ولكنه لما يذكر أدلة المنع  ـ وقد بادر بذكرها في الأسبق ـ في بداية الفضل الثاني الذي عقده للبحث عن (التدوين) فهو لا يشير إلى أية نقطة ضعف في أدلة المنع ، ولا خدشة في رواتها!

ونفس عمله في عنوان الفصل الثاني ، المعقود لجمع أدلة الطرفين ، لكنه عنونه ب (النهي عن تدوين السنة) يتم عن روح الانحياز والتطرف إلى جهة المنع ، وكذلك عنوان الفصل الثالث الذي يليه وهو (إمساك الصحابة عن تدوين السنة) وأما الفصل الرابع المعنون (إباحة تدوين السنة) فهو يعنى بفترة ما بعد القرن الأول ، مع أنه قد بدأه بقوله :

(مضى القرن الأول للهجرة ولم يدون من السنة شئ ، كما جمع القرآن ، ولم يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين أنه دون صحيفة أو كتب كتابا يحوي أحاديث النبي (ص) وسننه ، سوى ما روي عن بعضهم أنهم كتبوا لأنفسهم أحاديث عن الرسول لكي يحفظوها ، ثم أتلفوها ...).

إن هذه البداية تكشف بمنتهى الوضوح عن انحياز الكاتب إلى ما يهواه من إثبات عدم التدوين.


* حديث النهي لا يحتج به :

إن عمدة ما استدل به القائلون بأن السنة لم تدون في العصر الأول هو حديث أبي سعيد الخدري ، الذي ذكره مسلم في صحيحه ـ دون البخاري ـ وافتتح به المؤلف الفصل الثاني ـ ص ٣٧ ـ وظلت صورته عالقة بقلمه إلى آخر البحث ، لا يصح الاحتجاج به لإثبات شئ ، وهو ما يدور النص فيه بين أن يكون من كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسمى (المرفوع) وهو حينئذ حجة ، وبين أن يكون من كلام أبي سعيد نفسه ، فيسمى (الموقوف) فلا يكون حجة! لأنه حينئذ يدخل كطرف في النزاع بين الصحابة المجوزين والمانعين ، في أمر التدوين ، فلا يشكل حجة على الطرف المعارض للمنع.

وتعليل الحديث ـ المسقط له عن الاحتجاج ـ بدورانه بين الوقف والرفع مذكور في مصطلح الحديث وفي الكتب الخاصة ب (علل الحديث).

والمؤلف إبراهيم فوزي نفسه ، واقف على الفرق بين مصطلحي (المرفوع) و (الموقوف) وقد أيد معارضة القول بأن (الموقوف الذي لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع) وأن ذلك ليس كلاما يوجب الاغترار به ، كما في ص ١٧٦ هامش ٦.

إذن ، فلماذا يغتر هو بهذا الحديث ، ويغرر قراءه ، فيكرر الاستناد إليه ، ولا يشير إلى هذه العلة القادحة في حجيته ، لا من قريب ولا من بعيد؟!

ثم إن موقفه من رأي أهل البيت عليهم‌السلام وموقفهم من مسألة تدوين الحديث لا يخلو من تقصير ، إذ لا نجد في كتابه إيعازا إلى ذلك ، سوى ما رواه من خطبة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أنه خطب مرة فقال : (أعزم على كل من كان عنده كتابة عن رسول الله ، إلا رجع محاها ، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم) ومصدره : سنن الدارمي


ج ١.

ذكر ذلك في تدوين السنة ، ص ٥٣ ـ ٥٤ ، والهامش ١٦.

وقيل أن نناقش في سند الحديث ودلالته ، فإن ما نقله عن سنن الدارمي لم نعثر عليه ، وإنما الموجود هو في مصنف ابن أبي شيبة ٩ / ٥٢ ، ورواه القرطبي في جامع بيان العلم ١ / ٦٣ وجاء بالنص الآتي : (أعزم على كل من كان عنده كتاب ، إلا رجع فمحاه ، ...) إلى آخر الحديث ، فليس فيه (كتابة عن رسول الله).

فهل تعدى الانحياز عند الكاتب إلى الخيانة؟!

ولم ينحصر المنقول عن الإمام علي عليه‌السلام بهذا الحديث ، بل إن مجموعة كبيرة من الروايات الدالة على تأكيده على الكتابة وحثه عليها مشهورة ومنقولة في جميع المصادر ، وكلها تدل على أنه عليه‌السلام كان رائد المبيحين لتدوين الحديث ، ولم ينقل عنه خلاف ذلك سوى هذا الحديث ، فإهمال الكاتب لكل تلك المجموعة ، وذكره هذا الحديث فقط ، يدل على ماذا؟! أما هذا الحديث فقد ثبت بطلانه وفساده ، سندا ودلالة من أوجه كثيرة أثبتناها في دراستنا على الموضوع (١).

* الإيحاءات المحرفة :

ويتبلور انحياز المؤلف إلى طرف المنع عن التدوين ، في تأكيده بشتى العبارات على الايحاء بأن النهي عن التدوين هي الحقيقة الثابتة ، وأن إباحة التدوين جاءت متأخرة ، فمثلا يفتتح الفصل الثالث المعنون (إمساك الصحابة عن تدوين السنة) فيقول في ص ٤٩ :

(تمسك الصحابة بعد وفاة النبي (ص) بحديثه الذي نهى فيه عن


كتابة السنة ، فأمسكوا عن تدوينها ، وتشددوا ضد الذين كانوا يكتبونها ، وكانوا يتلفون ما كتب منها ، ولم يرد على لسان أحد من الصحابة أن النبي (ص) نسخ حديث النهي عن كتابتها) ..

والمفارقات الواضحة في هذا الكلام نوجزها في ما يلي :

أولا : الذين كتبوا ما كتب من السنة ، وكانوا يكتبونها ـ حسب تعبيره ـ لم يكونوا ـ قطعا ـ إلا من الصحابة الذين اتصلوا بالنبي مباشرة ، ولم يكونوا غرباء خلقوا فجأة في مجتمع الصحابة!

ومع هذه الحقيقة الضمنية في كلامه ، فإن عنوان (إمساك الصحابة عن تدوين السنة) متهافت لا يناسب هذه الحقيقة على الأقل ، لأن هؤلاء لم يمسكوا عن التدوين!

وماذا كان يضر المؤلف لو عنون للفصل ب (إمساك بعض الصحابة عن تدوين السنة)؟! لكن ليس لهذا العنوان ، وقع قوي مثل ما للعنوان الأول ، على طريق ما بيته المؤلف؟!

وثانيا : قوله : (تمسك الصحابة بالحديث الذي نهى فيه النبي (ص) عن تدوين السنة) يوحي أن (حديث النهي) ثابت لا ريب فيه ، وقد عرفت ـ قريبا ـ أنه لم يثبت لتردده بين أن يكون موقوفا على أبي سعيد ومن كلامه هو ، لا من كلامه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبين أن يكون مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يوحي خلاف ذلك؟!

مع أنه لم يثبت مورد واحد جاء فيه (تمسك الصحابة) بما نسب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديث النهي ، وقد تتبعنا جميع ما ورد في الباب ، فلم نقف على مثل ذلك ثابتا في حديث صحيح لا علة فيه ، وقد اعترف الباحثون عن مسألة التدوين بنفي استناد الصحابة إلى حديث في النهي ، حتى أولئك الذين تشددوا من الصحابة في أمر التدوين ، لم يجسروا على نسبة المنع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلهم لم يفعلوا ذلك لأنهم لم يلتزموا


منهجا نقديا يبتني على الجسارة والشجاعة المتوفرة في كتابة عصرية ، كالتي في (تدوين السنة) لإبراهيم فوزي.

وأما نسبة التمسك بحديث النهي إلى الصحابة ـ بلفظ العموم ـ فهو أمر ينافيه المنقول عن أكثرهم أنهم كانوا يقولون بإباحة التدوين ، وقد أشاروا بذلك على عمر أيضا ، لكن المؤلف لم يشر إلى ذلك ، بل يظهر من عبارته خلاف ذلك تماما!

وثالثا : وكذلك قوله :

(لم يرد على لسان أحد من الصحابة أن النبي (ص) نسخ حديث النهي).

يوهم أن حديث النهي ثابت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة قطعية ، ولا بد في رفعه من ناسخ يروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما أنه لم يرد عن الصحابة نقل النسخ ، فالنهي مستمر.

مع وضوح أن النسخ فرع ثبوت النهي ، ومع الشك في ثبوت النهي كاف في نفي العلم بوجوده ما لم يقم عليه دليل قاطع ، ولا معنى لنسخ ما لم يثبت.

ويمكن إلى عملهم ، إذ كانوا يكتبون السنة ، في إعلان النسخ ـ لو ثبت النهي ـ فإن العمل أقوى دلالة من مجرد النقل في مثل هذا ، لأنه غير قابل للتأويل ولا ترد فيه الاحتمالات الآتية في الكلام المنقول.

ورابعا : لو سلم ـ جدلا ـ ثبوت نهي عن التدوين ، فلا أثر لتمسك الصحابة ـ الذين منعوا عن التدوين ـ بمثل ذلك ، إذ مع وجود النهي الصريح من رسول الشريعة ، فليس عمل بعض دليلا آخر مستقلا ، وإنما هو تطبيق منهم له مستند إلى مقدار ما أدركوه من مدلول النهي ، وقد يكونون مخطئين في ذلك ـ لعدم عصمتهم ـ كما قد اعترف المؤلف بأن عملهم كان أشد مما قام به النبي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال في ص ٥٥ :


(إن الصحف التي كتبت في عهد رسول الله تدل على أن التشدد ضد كتابة السنة في عهد رسول الله أخف بكثير مما آل إليه الحال في عهد الصحابة).

فأية قيمة تبقى لعمل بعض الصحابة بزعم (التمسك بنهي النبي)؟! هذا ، مع أن المجموعة الأكبر من الصحابة ، لم يأبهوا بحديث النهي المزعوم ، بل كانوا مع إباحة التدوين قولا وعملا.

* الدلالات الأخرى :

وظاهرة خطرة في تصرف المؤلف ، تؤكد بعده عن الحياد العلمي ، هي تعامله مع النصوص المنقولة بشكل مبتور ، فيحذف منها المقاطع التي تدل على خلاف هدفه ، أو يزيد عليها ما يفيده!

مثلا : حديث رواه الأسود ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : جاء علقمة بكتاب ، فيه أحاديث عن رسول الله ، فدخلنا على عبد الله بن مسعود ، ودفعنا إليه الصحيفة ، قال : فدعا بطست فيه ماء ...) إلى آخر الحديث الذي نقله في ص ٥٤ ، وخرجه في الهامش ١٠ عن تقييد العلم ، ص ٥٤ ، وجامع بيان العلم.

لكن الموجود في تقييد العلم ص ٥٤ : (جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن ، صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت ـ بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ـ فاستأذنا على عبد الله ، فدخلنا عليه ، قال : فدفعنا إليه الصحيفة ، قال : فدعا الجارية ، ثم دعا بطست فيها ماء ...) إلى آخر الحديث.

لكن فيلاحظ أنه حذف بعد كلمة (أحاديث) جملة (في أهل البيت ، بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) التي تعبر بوضوح عن محتوى (أحاديث الصحيفة) لكنه أضاف بعد كلمة (أحاديث) جملة (عن رسول الله)!! فعلى ماذا يدل ذلك الحذف؟! وماذا تعني هذه الإضافة؟!


لا ريب أن الإضافة تؤدي إلى قلب المعنى إلى الوجهة التي يرغب فيها المؤلف ، وهي المنع من الحديث النبوي المكتوب.

لكن ماذا يسمى هذا التصرف في قانون (الأمانة العلمية)؟!

وإذا كان محتوى الصحيفة أحاديث حول أهل البيت النبوي ، وجاءت من مكة أو اليمن ، وليست ـ بالذات ـ من المدينة التي هي مركز الحديث ومعدنه ، فهل الاستناد إلى هذه الرواية يفيد الدلالة التي يبتغيها المؤلف؟!

وإذا كان محتوى الصحيفة الحديث حول أهل البيت النبوي ، بالتأكيد الذي أعتمده الراوي للحديث ، فماذا تعني إماثة ابن مسعود لتلك الصحيفة وإتلافها؟! وماذا يعني حذف إبراهيم فوزي لهذا الجملة؟!

إن ذلك يدل بلا ريب على أن ابن مسعود وفوزي يجريا في تيار هوى واحد ، وهو المنع من تدوين السنة ، على حساب أهل البيت!

ومثل آخر من الدلالات التي أهملها الكاتب : في حديث استشارة عمر ابن الخطاب للصحابة حول كتابة السنة حيث جاء فيه : (فأشاروا عليه بكتابتها) كما نقله في ص ٤٠ ، لكن المؤلف لم يتحمس لهذه الجملة التي تعبر عن رأي الصحابة المستشارين ، عامة ، وهو إباحة التدوين ، وعدم التحرج منه أبدا ، وليس (النهي عن التدوين) كما عنونه المؤلف لهذا الفصل الثاني بالذات ، كما تدل هذه الجملة على ضد عنوان الفصل الثالث : (إمساك الصحابة عن تدوين السنة).

وعلى الرغم من وضوح دلالة هذه الجملة على موقف الصحابة ـ عدا البعض ـ فإن المؤلف أهمل هذه الدلالة ، فلا نجد في كل الكتاب أدنى إشارة إليها!

ولا نظن أن هذا التصرف يدل على الحياد في البحث!


* تناقضات!

ونجد في الكتاب نتائج يناور عليها المؤلف بقوة ، بينما يناقضها بنفسه في مواضع أخرى من كتابه.

مثلا يقول في ص ٦ ـ ١٦٧ :

(إن الحديث عن رسول الله له يدون في عصر الصحابة ، ولا التابعين ، وإنما دون في عصر متأخر نقلا عن الذاكر عن لسان الحفاظ).

ومعنى هذا الكلام أن الحديث ـ في عصر غياب التدوين ـ كان يعتمد ضبطه على عنصر الذاكرة ، التي اعتمدت بدورها الأخذ عن لسان (الحفاظ).

والمراد بالحفظ ، هو حفظ نص الحديث على الذاكرة ، وهو الطريقة البدائية ، والطبيعية ، والمتعارفة للنصوص ما قبل مرحلة التدوين ، وإذا كان التدوين نقلا عن هذه الطريقة فإذن كان معتمدا على الذاكرة عن الحافظة ـ حسب ما قرره المؤلف ـ.

ولكنه يقول ـ بعد سطر! ـ :

(ومن البديهي ـ بعد أن طال الزمن ـ من أن يدون الحديث بالمعنى ، بعد أن أسدل النسيان على اللفظ).

فكيف كان التدوين هناك نقلا عن الذاكرة عن الحفاظ؟! بينما هنا يدون بعد طول الزمن ، وبالمعنى ، وقد نسي اللفظ؟! فما الذي قلب الذاكرة عن الحافظة ، إلى ناسية ، وقلب اللفظ إلى المعنى؟! ويقول في ص ١٩٠ :

(جرى تقويم الحديث لاعتبارات تتعلق بأخلاق الراوي ، ولم يجر تقويم الفكر والعقل لدى رجال الإسناد ، فقد يكون الراوي ممن يتمتع بالشروط التي وصفوها ... لكنه لا يتمتع بمستوى فكري


وعقلي يؤهله لتقويم الحديث من جهة المعنى).

فيرى أن المستوى العقلي غير معتبر في الراوي ، بينما هو يعترف في ص ١٩١ بأنهم :

(اكتفوا بأن تتوافر في رواية الحديث الشروط التالية : أولا : أن يكون الراوي عاقلا ومميزا ...).

فإذا اشترط في الراوي أن يكون عاقلا ، فما معنى قبول رواية من لا يتمتع بمستوى عقلي؟!

* دعاوى ، وانفراد بالموقف!

ورغم أن المؤلف يحاول ـ أو يدعى له ـ اتباع (منهج نقدي على درجة عالية من الجسارة والشجاعة) إلا أن وجود عدد غير قليل من الدعاوى الفارغة من كل دليل ، بل مستندة إلى مجرة الظن والتخمين ، لا يناسب هذه الدعوى ولا تلك المحاولة.

١ ـ يقول في ص ٣٨ عن مرحلة مكة :

(لم تكن كتابة ما يتحدث به [النبي] في هذه المرحلة ، موضع تفكير أحد من المسلمين الذين كانوا قلة وجلهم من المستضعفين المضطهدين الذين كانوا يجهلون القراءة والكتابة ، فالنهي عن تدوين السنة وقع في المدينة بعد الهجرة ، وليس في مكة).

فهو يوهم ـ هنا أيضا ـ أن هناك نهيا ـ محتوما ـ قد وقع ، وأن البحث إنما هو في وقوعه في مكة أو المدينة!

وبدعوى أن المسلمين كانوا يجهلون القراءة والكتابة ، ينفي أن يكون ذلك في مكة ، مع أن يجد القرآن قد كتب في مكة ، وعلى يد أولئك القلة من المستضعفين والمضطهدين؟!

ومن أين عرف المؤلف أن المضطهدين لا بد أن يجهلوا القراءة


والكتابة؟!

مع أن نهي قريش لعبد الله بن عمرو ، عن كتابة كل شئ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتضي أن يكون ذلك في مكة ، لأن قريشا لم تكن لها تلك الجرأة لكي يتكلموا بذلك الكلام الثقيل في المدينة ، مركز ثقل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحكومته!

٢ ـ وفي ص ٤٥ ، بعد نقل حديث عن أحمد ، نصه : (أفضل الصوم صوم أخي داود ...) يقول :

(وما نظنه إلا من وضع أولئك الصالحين الذين كانوا يضعون الأحاديث).

وأي منهج نقدي يجيز له هذا التظني؟!

٣ ـ وفي (ص ٤٤) عن صحيفة عبد الله بن مسعود بن عمرو ، يقول :

(لم يأخذ أحمد بن حنبل في مسنده عن صحيفة مكتوبة ، إذ أن علماء الحديث كانوا لا يجيزون أخذ الحديث عن الصحف المكتوبة إلا إذا رويت بطريق السماع عن ثقة عن ثقة عن ثقات حتى ينتهي إلى الصحابي الذي سمعها من النبي ، كانوا يطلقون على الأحاديث المكتوبة في صحيفة اسم (الوجادة) وقد احتج الفقهاء على عدم الأخذ بها ، ولو علم كاتبها ، إلا إذا أخذت بالسماع والرواية).

فمع أن الكلام مؤلف من دعاو متعددة ، عن أي مصدر أو مرجع ، فهو مخالف للواقع في عدة مواقع :

فدعواه (أن أحمد لم يأخذ من صحيفة مكتوبة) لم يدل عليه الدليل ، فالحاجة إلى السماع لا تنافي كون الحديث مكتوبا ، فيسمعه أيضا.

مع أن حصر طرق الرواية بالسماع فقط ، مخالف لإجماع العلماء على أن طرق التحمل والأداء عديدة.


على أن الوجادة المقررة كآخر الطرق الثمان لتحمل الحديث وأداته هي أن يعتمد الراوي على وجود الحديث في نسخة مكتوبة ، بشرط أن يكون خط الكاتب معروفا ، وموثوقا به من حيث الضبط والصحة ، لكن الراوي الواجد لم يحصل على الكتاب بطريق السماع والقراءة أو غيرها من الطرق ، غير هذه الوجادة.

وأما العثور على كتاب لا يعرف صاحبه ولا كاتبه ولم يوثق بصحته وضبطه ، فلا يدخل في البحث عن (الوجادة) المصطلح عليها.

والوجادة ـ مع شروطها المقررة ـ عدها البعض كآخر الطرق لبلوغ الحديث إلى الواجد ، فيكون متحملا له لوصوله إليه ، وأنه خير من التزام الرأي.

إذن ، فالكتابة الموجودة بخط معروف ، ليس من المختلف فيه ، أو هو معتمد عليه عند الأكثر ، وبهذا يعرف وجه المهاترة في قوله : (حتى لو علم كاتبها) إذ لو لم يكن لذلك أثر ، فما هو الذي دفعه إلى فرضه؟!

٤ ـ وفي ص ٤٧ ـ ٤٨ ، يقول ـ بعد نقل أحاديث إباحة التدوين ـ :

(هذه تثبت أنه (ص) رخص بكتابة أحاديثه لبعض أصحابه ، ممن كانوا يعرفون القراءة والكتابة ، وهذا القول ـ وإن كان صحيحا ـ كتابا يقرؤه الناس ، كالقرآن ، وأن كل الأدلة تشير إلى أنه رخص لبعض أصحابه ممن كانوا يحسنون القراءة والكتابة ، بكتابة أحاديثه من أجل حفظها ، وكان الناس الذين يكتبونها يتلفونها إذا حفظوها ، ولو صح أن النبي (ص) أباح كتابة السنة ليجعل منها كتاب ككتاب الله يقرؤه الناس على نحو ما حدث في القرن الثالث الهجري ، لما بدر من جانب الصحابة هذا التشدد في منع كتابتها ، والذي وصل درجة التحريم ، وقد قضت السنة قرابة القرن من الزمن والمسلمون يحرمون كتابتها ، أما الصحف فلم يصل شئ منها إلى الرجال


الذين قاموا بتدوين الحديث في القرن الثالث ، ولم يقل أحد منهم أنه اعتمد في جمع السنة على صحيفة من هذه الصحف).

فمالصادرة ـ كما يقول أهل المنطق ـ واضحة في دعواه الأولى ودليلها بفارق واحد ، وهو أن الدعوى هي كون الترخيص لبعض من يعرفون الكتابة والقراءة ، وأما الدليل فهو كون الترخيص لبعض من يحسنون ذلك؟! فهل يريد المؤلف أن يفرق بين من (يعرفون) وبين من (يحسنون)؟!

وأما تصحيحه للدعوى ، فهل يأمن أن يقول له المعارضون : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما منع بعض الصحابة ممن لم يعرفوا ـ أو لم يحسنوا ـ الكتابة والقراءة؟!

وإذا لم تشكل أدلة الإباحة دليلا على الجواز العام ، فلماذا شكلت أدلة النهي دليلا على المنع المطلق والعام؟!

وأما دعواه (أن الناس كانوا يتلفون ما يكتبون) فهل وجد له مصدرا دل على ذلك ، مما اتصل بعصر النبوة ، حتى يمكن نسبة ذلك إلى الشريعة؟!

وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أجاز للبعض ـ ممن يعرف أو يحسن ـ فلماذا لم يرد أن يكون كتابا يقرأ؟! فهل الكتاب يسجل إلا ليقرأ؟! وهل إتلاف الكتاب ـ بعد كتابته ـ يوافق المنطق والعقل السليم؟!

فلماذا لا ينقد المؤلف متن ما جاء بذلك من الأحاديث ـ لو وردت ـ وهو من دعاة النقد العقلي للحديث؟!

وأما استناده إلى ما بدر من الصحابة من التشدد في منع الكتابة ، فهو استدلال باجتهاداتهم مقابل نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره بالكتابة.

وهل عمل الخلفاء في القرن الأول ، يشكل دليلا ، في مقابل نص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يستند إليه ، فيدعي أن السنة قضت قرنا من الزمن غير مكتوبة؟!


نعم ، إن الحديث طيلة القرن الأول قد حورب ومنع من كتابته ، ولكن ذلك لا يشكل دليلا شرعيا على صحة ما فعلوا ، ما دام الحديث حجة بنص القرآن ، وتأكيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المحافظة عليه ، ونشره وتبليغه.

مع أن المتشددين ضد تدوين السنة لم كونوا إلا القلة ـ من الحكام ومؤيديهم ـ ، وأما عامة الصحابة فكانوا مع التدوين ، وقائمين به ، ومؤكدين عليه من خلال أعمالهم ومؤلفاتهم ، وأقوالهم وتصريحاتهم.

وأما دعواه بالنسبة إلى من جمع الحديث في القرن الثالث ، فهي فارغة من كل دليل ، بل اعتمادهم على الصحف والكتب والكتابات ، فهو أمر معروف لا يحتاج إلى تصريح ، بعد كل حرصهم وتأكيدهم على التدوين والتأليف.

والمؤلف يعيد بعض هذه الدعاوى في ص ٥٧ ، ويقول في ص ١٤٥ :

(وعندما أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة ، في بداية القرن الثاني للهجرة ، لم يكن في أيدي المسلمين أي كتاب ، أو صحيفة ، أو وثيقة تحوي شيئا من أحاديث النبي (ص) ... أما ما قيل عن بعض الصحف التي كتبت في عهد رسول الله ، فهي قد اندرست ، ولم يعرف شئ منها ، ولذلك اعتمد رجال الحديث في جمعه على الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه).

وهل في اعتماد الرواية والذاكرة ممن كانوا يحفظونه ما يقتضي اندراس الكتب السابعة؟! أو في ذلك دلالة على عدم الحاجة إلى الكتابة؟! وهل الكتابة تنافي الحفظ على الذاكرة؟! كيف ، وهو قد افترض أن الكتب إنما كتبت كي تحفظ فإذا حفظت أتلفت ـ كما زعم ـ؟!

ومن أين كل هذه الدعاوى الطويلة العريضة ، على التاريخ وحوادثه ، وعلى الحديث ، وعلى المحدثين؟! هل (المنهج النقدي) يسمح بمثل هذه الدعاوى من دون دليل؟! والبحث إنما هو عن أمر يحتاج في معرفته إلى النقل


والرواية ، إن نترك المنهج إلى التزام الجسارة والتعدي والتجاوز على التراث وذخائره!

٥ ـ وفي ص ١٦٨ ، يقول :

(بعد أن انتشرت الكتابة وكثر الذين يكتبون وظهرت الكتب وفيها الأحاديث المكتوبة ، صار يجوز الأخذ بها إذا أجازها قائلها ، وقد أطلقوا عليها اسم (الإجازة) وهذه المرحلة التي مر بها الحديث والمسماة بمرحلة الإجازة جاءت بعد مضي قرن من الزمن كانت كتابة الحديث فيه محرمة).

فإن صح الربط بين وجود الكتب ، وبين ما يسمى بالإجازة ، فإن ذلك ينسف دعواه تحريم كتابة الحديث في القرن الأول وعدم تحققها فيه ، لأنا قد أثبتنا في بحث مفصل وجود (إجازات) صادرة في بداية النصف الثاني من القرن الأول (١) ، فتكون الكتب متداولة منذ ذلك الحين ، وتكون مرحلة الإجازة متقدمة على ما فرضه.

وأما قوله بعد ذلك في ص ١٦٩ :

(ثم تلت هذه المرحلة مرحلة جديدة وهي جواز نقل الحديث وتدوينه في الكتب من دون إجازة من أحد).

فيدل على ضحالة معرفته بتاريخ التراث الإسلامي ، ومناهج رجاله في ضبطه وتداوله ، فإن الرجوع إلى الكتب من دون سماع أو إجازة ، أو سائر طرق التحمل سوى وجود الكتاب ، إنما تسمى (الوجادة) لكنها لم تكن عنده معتبرة كما ذكر في ص ٤٤ أن الفقهاء احتجوا على عدم الأخذ بها.

أما (الإجازة) فقد ظلت ضرورية ومتداولة حتى عهد متأخر ، ولا تزال مهمة لأداء آثارها التراثية.

__________________

(١) في كتابنا (إجازة الحديث) الذي نعده للنشر بعون الله تعالى.


٦ ـ ويقول في ص : ١٦٧

(وفي كتب الحديث أحاديث ركيكة في تركيبها وبنائها ولا يتصور أن تصدر من النبي (ص) وهو أفصح الفصحاء ، وقد نزل القرآن على لسانه ، وكان في غاية الفصاحة).

وهذه نغمة سبق أن ضرب على وترها محمود أبو رية ، وهي دعوى خاوية على عروشها ، ولقد فندناها في دراستنا عن (تدوين السنة الشريفة).

٧ ـ ويقول في ص ٥ ـ ١٤٦ عن علوم الحديث :

(هي مجموعة الأبحاث التي ظهرت في القرنين الثاني والثالث الهجريين لحل الاشكالات التي نجمت عن تدوين السنة في العصر الإسلامي الأول).

فمع أن تأخر ظهور علوم الحديث لا يدل على تأخر تدوين الحديث فإن كلامه هذا يدل على عدم معرفته بالمعنى الصحيح لهذه العلوم ، إذ غالب أنواها إنما يرتبط بنفس الحديث بقطع النظر عن كونه مدونا أو غير مدون.

مع أن ظهور العلم بشكل منظم ومدون ، لا ينافي وجوده في الواقع ، وإن لم يدون ، وعدم تدوينه لا يدل على عدم وجوده ، فالمتأخر هو جمع قواعده واقتناصها وتنظيمها وتأليفها بشكل علم مستقل ، فالنحو ـ مثلا ـ وإن كان إبرازه وإظهاره كعلم مستقل له قواعده وأصوله ومؤلفاته ، إلا أنه موجود في صميم اللغة العربية يتداوله العرب في لغتهم ، ولا ينكره أحد منهم.

فكيف يدعي كون الاشكالات الناتجة من التدوين هي السبب في ظهور علوم الحديث؟!

* منهج التوثيق :

إن الطريقة المعروفة في توثيق المعلومات ، هي الاعتماد على نقل النصوص بالرجوع إلى المصادر التي تشكل موارد ثقة وإقناع ، والهدف قطع


الطريق على المعارضين والتأكد من المحتويات ، وإضفاء الاطمئنان بالنتائج.

ويحاول أن تحدد النصوص بشكل مضبوط ، وفي أطر مميزة بالأقواس ، مع الإشارة الواضحة إلى الكلمات الناقصة أو المبدلة ، والإرجاع إلى المصادر المحددة كذلك ، وتعيين مواضع النص فيها بالجزء والصفحة غالبا ، والفصل والباب أحيانا.

كل ذلك ، وصولا إلى الهدف والمذكور بدقة وافية وسرعة أكثر.

وتتأكد هذه الطريقة لو كانت الدراسة تبحث عن موضوع علمي أو تراثي ، لا بد فيه من الاستشهاد بالمنقولات ومتابعتها.

وهذا ما يفتقده الكتاب الذي يعالج القصص والروايات ، أو عرض الأفكار للتسلية ، أو لبث المعلومات وليس بصدد المناقشة والبحث.

وموضوع تاريخي تراثي مثل (تدوين السنة) لا بد وأن تكون طريقة التوثيق فيه هي الطريقة المتداولة عند العلماء والمحققين ، إذ يعتمد أساسا على النصوص والروايات التي هي بحاجة إلى توثيق وضبط ، ومصادر ومراجع.

أما الدخول في هذا الموضوع ، وتجاوز أعراف الطريقة المتعارفة فهو مؤذ إلى عدم الثقة بالعمل ، وسقوطه علميا.

وهكذا اتبع مؤلف (تدوين السنة) وهو على قدر كبير من الجسارة ، منهجا ، يفتقد كثيرا من عناصر البحث العلمي الرصين ، فلا مصادر مميزة ، ولا مواضع محددة ، ولا نصوص مضبوطة.

أما ذكر المصادر بلا ذكر المؤلفين ، وخاصة في غير المصادر المعروفة ، وكذا نسبة بعض المصادر إلى مؤلفين آخرين ، وكذلك ذكر المؤلف من دون اسم الكتاب ، وذكر اسم الكتاب بصورة مغلوطة ، فأمور تجعل القارئ يدور في فراغات ومتاهات.

ونذكر فيما يلي مجموعة من المفارقات التي سجلناها ، وملاحظتنا عليها :


١ ـ في ص ٢٧٢ : (رواه الدارقطني في كتاب نصب الراية).

ويلاحظ أن (نصب الراية) إنما هو للزيلعي ، ولم يعرف للدارقطني كتاب بهذا الاسم.

٢ ـ ينقل في ص ٣٣ عن : (المناقب : المكي) وفي ص ٣١٨ الهامش ٢٧ : (المكي) فقط وكذلك ص ٢٤٣ هامش ٢ وص ٢٤٤ هامش ٦.

أما في ص ١٩٦ فنجد (المكي : محمد بن علي المكي المتوفى سنة ٣٨٦ ه) ولم يذكر الكتاب لا متنا ولا هامشا ، كما ليس لهذا المكي ذكر في فهرس الأعلام ـ المهزوز الذي وضعه في آخر الكتاب ـ حتى يجمع موارد ذكره ويوحدها!

٣ ـ يذكر في ص ٢٣٢ هامش ٨٣ مصدرا باسم (أعلام النبلاء) من دون مؤلف ، وكذا في ص ٢٥٧ هامش ٤٨ ، أما في هذه الصفحة هامش ٤٩ فهو يقول : (سير أعلام النبلاء : الذهبي)!

٤ ـ في ص ٢٧٢ هامش ٤ (الجصاص ، الطحاوي) من دون ذكر كتبهم وفي ص ٢٧٢ الهامش ٤ : (السيوطي) من دون ذكر كتاب له ، مع أن السيوطي له عشرات المؤلفات.

٥ ـ يقول في ص ٢٩٤ هامش ٥٥ : (المغني) من دون ذكر للمؤلف.

٦ ـ وإهمال ذكر الجزء ، أو الصفحة ، أو كلاهما ، فهو أمر لم تخل منه صفحة من صفحات الكتاب.

٧ ـ ونسبة الكتب إلى غير مؤلفيها ففي ص ٥٩ هامش ٢ : جامع بيان العلم ، لابن عبد الله ، بينما مؤلفه : ابن عبد البر.

وفي ص ٢٠٣ هامش ٨ وقع في خلط غريب ، حيث حاول أن يترجم لابن عبد البر صاحب (الاستيعاب) فقال : (ابن عبد البر ، هو الإمام عبد الله بن عبد الكريم بن فروخ المتوفى سنة ٢٦٤ ه يقول عنه ابن حنبل : إنه كان يحفظ سبعمائة ألف حديث عن رسول الله).


بينما صاحب (الاستيعاب) هو يوسف القرطبي ، المتوفى ٤٦٣ ه.

وفي ص ٢٢٩ هامش ٧٢ يقول : (جاء في الإصابة لابن عبد البر) وكذا الهامش ٧٤.

بينما قد نقل عن (الإصابة ، لابن حجر) مكررا ، وليس لابن عبد البر كتاب بأسم (الإصابة).

٨ ـ وفي ص ٢٠٣ يقول ما نصه : (يقول شارح مسلم : الثبوت (ان ...)».

ويدل تنقيطه على أنه يجهل أن مصدره هو شرح (مسلم الثبوت) وهو كتاب في الأصول ، معروف متداول! ولكن من أين وكيف نقل المؤلف هذا النص ، وهو لا يعرف اسم المصدر؟!

٩ ـ وفي ٤٣ يروي عن ابن الأثير في (أسد الغابة) لكنه في الهامش ٢٠ يخرج عن (المستدرك للحاكم ، وتقييد العلم ، وجامع بيان العلم).

ومؤلّفو كل هذه الكتب يسبقون ابن الأثير بقرون من الزمن!

ومثل هذه التصرفات توجب الريب لدى القارئ ، في صحة ما ينقله المؤلف ، ولو كان اتخذ ذلك منهجا خاصا به لأنه على قدر كبير من الجسارة ، فهو استهتار بأصول التوثيق العلمي في استخدام المصادر ، ذلك الأمر الذي عده حتى الغربيون ضروريا في الدراسة عن موضوع هام مثل تدوين السنة.

ولا تدل هذه التصرفات إلا على بعد المؤلف عن المصادر التي يدعي النقل منها ، ولا تبقى ثقة بالآراء التي فرعها على مثل هذه التصرفات الضحلة ، الساقطة علميا.

وهناك تصرفات تعد جناية وخيانة! من قبيل : أنه يحاول أن ينقل عن المذهب الإمامي الاثني عشري ، في مواضع عديدة من كتابه ، ويستشهد بفقههم ، ويبدو وكأنه واقف على تراثهم ومتصل بهم ، لكنه لم يراجع من مصادرهم إلا (٤) كتب هي :


كتاب (أمالي المرتضى) حيث نقل عنه في ص ٦٨ أمرا من أخبار الجاهلية ، وهو كتاب معروف في الأدب والمحاضرات.

وكتاب (مروج الذهب ، للمسعودي) وهو كتاب تاريخ قديم لا يتسم بصبغة مذهبية معينة.

ويذكر في ص ١٦٠ هامش ٤ ، وص ١٢٩ ـ ١٣٠ كتاب (الكافي : للكليني).

وآخر ما ينقل عنه كتاب (الوصايا والمواريث ، للكرباسي).

فهل المصادر عن المذهب الإمامي تنحصر في هذه؟! وهل هذه هي أهم مصادر الفقه الإمامي؟! وهي تملأ المكتبات والأعين كثرة وانتشارا!

والموقف عينه يلتزمه مع المذهب الزيدي ، فعلى الرغم من ذكره لكتاب (المجموع) للإمام زيد الشهيد ، لكنه لم يعتمد شيئا من مصادر الزيدية في الفقه ، على كثرتها ، وأكثرها مطبوع متداول!

إن موقف المؤلف من المصادر والمؤلفين ، وطريقة ذكرها ، يوحي بعدم وقوفه عليها مباشرة ، بل إنما ينقل بواسطة مصادر أخرى ، ولهذا وقع في هذه المجموعة من المفارقات ، فكيف يبقى وثوق بما ينقله ، حتى النصوص المحددة؟!

إما الأخطاء المطبعية ، فلا يحاسب عليها ، لأنها ضرورة في الطباعة العربية ، من قبيل لزوم ما لا يلزم في القافية الشعرية ، لكن لا بأس بإيراد ما سجلناه ، إسهاما في التنبيه عليها ، وقد وضعنا التصحيح بين قوسين.

ص ٤٢ : راجع (رافع) ص ٤٤ : عمر (عمرو) ص ٥٣ : جبر (جبير) ص ٦٣ : ميم (نعيم) ص ١٠٧ : يشوع (يوشع) ص ١٢٩ : نجران (حران) ص ١٦٦ هامش ٥٦ : الفاضل (الفاصل).

أما الأغلاط التي وقع فيها على أثر بعده عن الثقافة الإسلامية وتراثها ، فقد سجلنا منها :


١ ـ ص ٨٨ و ٨٩ عند ذكر (آسية) امرأة فرعون التي ورد اسمها في قصة موسى ، يحاول التنديد بالحديث ، فيقول :

(أليست هي التي قال عنها القرآن أنها راودت (يوسف) عن نفسه في الآيتين ٢٣ و ٢٤ من سورة يوسف).

فيلاحظ أنه قد اختلط عليه فرعون موسى ، وفرعون يوسف ، لا يهتم المؤلف لبعد العصرين ـ عصر موسى وعصر يوسف ـ ما دام يجد في تشابه الأسماء منفذا يوصله إلى الطعن في الحديث ، إن لم يستهدف القرآن أيضا!!

٢ ـ في ص ١٠٤ يقول :

(قتل مع الحسين ٧٢ رجلا من بني هاشم ، بينهم ١٧ رجلا من أولاد فاطمة).

وأعاد الكلام في ص ٧٥ فقال :

(قتل فيها ٧٢ رجلا من بني هاشم ـ أسرة النبي (ص) بينهم ١٦ رجلا من أولاد فاطمة).

والملاحظ : أن الشهداء في كربلاء ٧٢ رجلا لم يكونوا من بني هاشم ، بل من سائر القبائل العربية ، والموالي ، أما من كان من بني هاشم فهم العدد الآخر ١٧ وفيهم عدد من أولاد فاطمة عليها‌السلام ، وليس كلهم من أولادها!


٣ ـ مع مؤشرات الهدف

* عقلية تزييفية!

يحاول العلمانيون أن يزيفوا (حضارة الإسلام) وما يمت إليها من عقائد وشرائع ومصادر وتراث وتاريخ ماض وحاضر ، وأن يرسموا لها مستقبلا مظلما موحشا ، لماذا كل هذا؟!

إن المتعلمين في جامعات (الغرب) (١) وجدوا أنفسهم أمام حضارة مليئة بالمغريات وأسباب الرفاهية واللهو ، وجديدة في فكرها ، وخيالها وتقاليدها حتّى في المأكل والملبس ...

والحضارة الغربية ، مهما كانت قائمة على اُسس وقواعد ، أو لا قواعد ، ومهما كانت أهدافها شريفة أو مغرضة لئيمة ، وطرق تنفيذها صحيحة أو خاطئة ، فقد سار عليها الغربيون ، وتربوا عليها.

وقد وجد الشرقيون ـ والشباب المتعلم في الغرب وعلى أسسه وطريقته ـ لذة في هذا الجديد ، كما في كل جديد ، فاعتقدوا أن هذه الحضارة هي السبب في تقدم الغرب علميا وتكنولوجيا ، وازدهار العمارة والاقتصاد في الغرب ، وسر القوة العسكرية الهائلة التي توصل إليها ، ومن وراء ذلك كل التراتيب الإدارية والأمنية ، والنظام ...

وعاد الشرقيون إلى أرض الشرق ـ وخاصة الأوسط الذي تقطنه الغالبية المسلمة ـ ليروا كل المظاهر على خلاف ما في أرض الغرب ، وليجدوا التخلف والغوغائية ، واللانظام في كل شئ ، فلم يشكوا في أن سبب هذا التخلف إنما

__________________

(١) لا نخص بهذه الكلمة المؤسسات في العالم الغربي ، بل تعم الجامعات في البلدان الإسلامية ، والعربية خاصة ـ في مجملها ـ لكون مناهج دراساتها ومفردات فصولها موافقة للغرب ، حتى لو اختلفت في السبل والأدوات ، كاللغة ـ مثلا ـ.


هو في (الحضارة الإسلامية) التي يلتزمها المسلمون والديانة التي يعتقدون بها.

وبدلا من أن يفكروا في أسباب هذا الاختلاف بين الغرب والشرق ، بقراءة أصول الفوارق بين الحضارتين (الشرقية والغربية) وبهدوء العلماء ، وحياد المفكرين ، وإرادة صادقة يلزم توفرها في الحاكمين على قضايا هامة تمس تاريخ الشعوب ، فإنهم قرأوا كل شئ بنظارات مصنوعة في (الغرب) وبموازين وزوايا وضعتها الجامعات الغربية التي تعلموا فيها مناهج التفكير والدرس والتحقيق.

وفي قفزة نوعية أهملوا المواد الجاهزة للدراسة عن الحالة المتردية في الأمة العربية بالذات ، والمسببة عن ما يجري اليوم وفي الأمس القريب في البلاد الإسلامية وعلى أيدي الغربيين وعملائهم من انتهاكات صارخة ضد الحضارة والفكر والتراث ، وضد (الإنسان) المفكر أو ضد نواة كل ازدهار وتقدم على أرض الشرق ، وعند أهل الشرق!

هذه المادة التي نعيشها ، بمصادرها وينابيعها وأسبابها ومسبباتها ومكوناتها ونتائجها ، بحيث يتيسر لكل باحث ودارس أن يتوصل بأيسر طريق وأسرع ، إلى معرفة أسباب التردي الحضاري الذي ابتليت به الأمة.

فبدلا من هذا ، فإن العلمانيين وجهوا فوهات دراساتهم وأسلحة تحقيقاتهم وجهودهم النقدية إلى (الإسلام) وتاريخه وتراثه ومصادر فكره ، وأصول عقيدته ، وفروع أحكامه وتشريعاته ، وأنظمة إدارته وقضائه وحكمه.

زاعمين أنهم يبحثون عن (سر تأخر الأمة) في (وجود الإسلام) وتراثه ، وأنه هو السبب في هذا التردي الحضاري عند المسلمين ، وعند العرب خاصة ، والتدهور الخطر في عقلهم وعملهم وحياتهم وتاريخهم ، وأن السبب الأصلي في تأخرهم عن ركب الحضارة الهادر ـ المتمثل في الحضارة الغربية المعاصرة ـ هو التزامهم بهذا الدين ومصادره وطريقة تفكيره وتشريعاته! وفي بحوثهم ودراساتهم ، بدلا من أن يكون لهم وجدان العالم المحقق


والناقد الحيادي ، فإنهم أسسوها على إساءة الظن بكل ما هو شرقي أو يمت إلى هذا الدين بصلة ، فهم يقلبون كل ما فيه من حسنات إلى سيئات ، أو ينسبون حسناته إلى جهات أخرى ، بل يحاولون أن يتهموه بما هو برئ منه ، من السيئات والقبائح ، توصلا إلى النتائج التي رسموها وقررها واتفقوا عليها مسبقا ، لتلك البحوث والدراسات.

وفي انتهاج النقد ، بعقلية تزييفية لكل شئ إسلامي ، تابعوا مواضع أقدام أساتذتهم في الجامعات الغربية ، من المستشرقين الذين بدأوا قبل أكثر من نصف قرن هذا المنهج ، حاملين عقلية التزييف لكل ما هو إسلامي من فكر وشريعة ، حتى التقاليد والطباع.

والفارق بين المؤسسات الاستشراقية ، والتيارات العلمانية ، أن الأولى كان أفرادها يكتبون بلغات أجنبية بعيدة عن متناول الادراك ، ومتناول الأيدي في الأرض الإسلامية ، إلا بعد ترجمة التلامذة لها إلى العربية.

أما هؤلاء العلمانيون فهم فخورون بأنهم (عرب الألسن) يكتبون بلغة أمتهم! ويؤدون الواجب بسهولة وسرعة ، وبكل صراحة ، وجسارة وشجاعة! لأنهم يعتبرون أن لهم الحق في التعبير والتدخل في شؤون تمس حضارة أمتهم ، وإن كانوا يقومون مقام (البدلاء) عن المستشرقين والغربيين ، وينتهجون مناهجهم في التزييف لكل ما يمت إلى هذه من حضارة وتقاليد.

وبينما كانت الأمة تنظر إلى ما يصدره الغربيون من دراسات متهجمة على الإسلام وتراثه ، بعين الريبة والنقد ، فإن العلمانيين يحاولون أن يعتبروا كل نقد موجه إليهم (إرهابا) ويتهموا كل مفكر يعارضهم بالأصولية ، وامتلاك (العقلية التكفيرية).

وأما غوصهم في مستنقع (العقلية التزييفية) وقيامهم بعبادة الغرب ، وانبهارهم بالحضارة الغربية ، وهجومهم على الأمة الإسلامية ودينها وحضارتها وتراثها وتقاليدها ، وبأساليب ساقطة وطرق تزويرية منحطة ، فإن ذلك عندهم


(حرية فكرية) و (منهج نقدي شجاع) و (حداثة) و (انفتاح)!

ولسنا بصدد منعهم من انتهاج طريقة تفكير معينة ، حتى لا نتهم بمصادرة حرية التفكير ، ولا باحتكار المعرفة ، ولكنا نتساءل : عن السبب في محاولتهم احتكار المعرفة ، وتزييفهم لكل قراءة لا تتفق ورؤاهم ، حتى لو كانت تمثل الحقيقة المرة في أذواقهم؟!

مع أن الغربيين أنفسهم قد رسموا للبحث العلمي طرقا ومناهج في التوثيق واستخدام المصادر ، وهي تعتبر أولية ضرورية لكل دراسة يراد لها القبول والرواج ، ويحاول فيها التوصل إلى النتائج السليمة ، فلا بد من أن تساير الأساليب الوضعية المعترف بها ، والأعراف المقبولة ، وليس من الشجاعة ، ولا الحرية تقتضي أن يتجاوز الباحث هذه الطرق والمناهج ، ولو بدعوى القراءة للإسلام وتراثه ، وليس ذلك مدعاة للفخر ولا للزهو حتى في مرأى الأسياد الغربيين!

إن تحكم الروح الغربية وسيطرة العقلية التزييفية على العلمانيين ، سببا في أن يحاولوا دائما إملاء النتائج المعينة ـ مسبقا ـ على (الأدلة) وتوجيه الأدلة إلى النتائج المرسومة تلك ، وليس اتباع الدليل حيثما يتوجه ، وقبول ما يرشد ، أو يتوصل إليه.

إن هذا الانقياد للمدلول على حساب الأدلة ودلالتها القاطعة ، مرفوض عند كل من يفكر بطريقة حيادية ومجردة عن الأهواء.

ولم تخل المؤلفات التي تصدرها التيارات العلمانية من الوقوع في وهدات من هذا القبيل ، ومن أمثلتها الحديثة كتاب (تدوين السنة) لفوزي.

* الغرض : تزييف الشريعة!

إن المحاولة الجادة للدراسات العلمانية هي تطبيع الحضارة الإسلامية لأنماط الحادثة الغربية ، وليس هو العكس ، وهذا سبب الاعوجاج في المناهج


التي تسير عليها محاولات العلمانية العربية بقناع البحث في الإسلام ، وقراءة مصادره ، وخطابه بصورة حديثة.

وقد أعرب فوزي في مقدمته عن غرضه : تزييف الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، باعتبارها غير قابلة للتطبيق ، وهذا الغرض رافقه على طول الكتاب ، وفي جميع أقسامه وفصوله حتى الخاتمة في النهاية الأخيرة.

وقد عده بعض النقاد : (جسورا وشجاعا) و (ناقدا منهجيا) لأنه لم يحاول أن يقدم ما يبرر هذا الغرض ، أو يحدد أهدافه ، بل لأنه (دخل بالقارئ مباشرة في قلب المشكل الذي يتصدى له) فهو يقول في أول صفحة من مقدمته ، ص ١١ :

(يعيش العالم الإسلامي في ضياع وقلق فكري ، وتمزق اجتماعي ، وانقسام في صفوف الشعب الواحد ، بينما ينعم العالم الغربي ـ الذي سلك طريق العلم والحضارة والحرية الكفرية ، وتخلص من رواسب الماضي ـ باستقرار فكري ، وازدهار اقتصادي ، وتقدم علمي ، في جميع الحياة).

إن افتخار العلمانية بما حققه الغرب من تقدم ، وما يسمونه (نعمة) على فرض صدق المقولة ، إنما هو من قبيل افتخار العنين بذكر أبيه ، أو العاقر بولد ضرتها.

وهنا نجد الخلط المتعمد بين (العلم) و (الحرية الفكرية) و (التقدم العلمي) أما قوله : (في جميع مجالات الحياة) فهل يعلم أن الغربيين أنفسهم يرفضون هذه الدعوى ، ويصرحون بأن تقدمهم العلمي والتكنولوجي إنما كان على حساب الإنسانية والأخلاق والقيم!

ثم ما المراد من (العالم الغربي)؟! هل هي النخبة الحاكمة في البلدان الغربية ـ سواء من بيدهم السلطان وأصحاب الكارتيلات ، ورؤوس الأموال والأسهم والبنوك والمصانع والشركات ، أولئك المتمتعون بكل مزايا الحياة


المرفهة؟!

أو عامة الشعوب الكادحة والأعداد المليونية العاطلة عن العمل ، أو الطبقة المحرومة من أبسط مستلزمات العيش ، كالسكن؟!

إن الحكم المطلق على الحياة في العالم الغربي بالحرية والتقدم ... ، إنما هو تمهيد لما يريده من الحكم على العالم الإسلامي بتزييف كل شئ!

ومن دون أن يفرق في حكمه على العالم الغربي بين الأغنياء والفقراء ، فإنه في العالم الإسلامي ـ المنتمي إلى الإسلام كشريعة ـ يفرق بين الأصوليين ، الذين ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية ، وبين الجماهير الإسلامية ، فيعتبرهم (ليس لديها مفهوم واضح وجلي عن الشريعة الإسلامية).

فهل جماهير الشعوب الغربية لديها مفهوم واضح عن التشريعات الغربية ، أو المعطيات العلمية التي تقوم عليها؟! وبينما يوحي أن التشريعات الحديثة تقوم على (المعطيات العلمية) وعلى (المبادئ والأسس) فهو يحاول أن يشوه الأسس التي تبنى عليها الشريعة الإسلامية ، ويزيفها ، ويجعلها مشتتة ، وبعيدة عن أعين الجماهير المسلمة!

فهل الأسس والمبادئ ـ المدعاة للتشريع الغربي أنه يقوم عليها ـ معروضة أمام أعين الجماهير الغربية؟!

وبينما هو يطلق عنان التمجيد والتخليد للشريعة الغربية ، يقول :

(لقد وضعت الشريعة الإسلامية عن النطاق التأريخي للعصر الذي ظهرت فيه ، وهو عصر قبلي ، ومن البديهي أن يحمل في طياتها كثيرا من سمات ذلك العصر ، لتتلاءم أحكامها مع حاجات الناس ـ القليلة والبدائية آنذاك ، ومع قدراتهم الفكرية والأخلاقية على استيعابها والأخذ بها).


وهذا الكلام يوهم أن الشريعة الغربية خالفة ، ولم تنشأ في عصر معين. ولا بيئة خاصة ، ولم تسق في النطاق التأريخي للعصر الذي وضعت فيه!

مع أنا لو لاحظنا سرعة (التقدم العلمي) الفائق في هذا العصر ، لرأينا أن كل يوم يمضي على أهله فهو بمنزلة عقد (١٠ سنوات) من الزمن الماضي ، فإذا كانت الإشكالية على الشريعة الإسلامية إنما هي تقيدنا بنطاق تاريخي محدد ، فكل ما يسنه الغرب من شرائع فهو كذلك مقيد بنطاقه الزمني ، ويصبح بعد فترة وجيزة تاريخيا بائدا ، بل إن التقدم العلمي السريع يكشف عن أخطاء التشريعات ، بنفس الدرجة التي يتقدم بها العلم والتكنولوجيا ، وبذلك لا تبقى الثقة مستمرة بالتشريعات الغربية! فلماذا الدعوة الجادة هذه إلى التزام التشريع الغربي ، على حساب الشريعة الإسلامية؟!

أما إذ كانت ملاكات التشريع في الغرب ، هي (المصالح والمفاسد) البشرية ، فهي لا بد أن تستقر ولا تكون عرضة للأهواء ، ولا تتأرجح بإرادات سلطوية ، تشرع ما يحب أن يتغير ، لأن المصالح البشرية ثابتة ومستقرة وهي عامة لكل البشر لا تفرق بين عنصر وعنصر ، ولا شعب وشعب ، ولا زمان وزمان ، ولا طائفة وطائفة ، وهذا هو ما ابتنيت الشريعة الإسلامية عليه ، لأنها تتبع إرادة السماء ، بعد الاعتقاد بوجود (الله) العالم بمصالح عباده وما يفسد وجودهم ، ولذلك فإن شريعة الإسلام ، هي (إلهية) قبل أن تكون (أرضية) و (دين الله لا يقاس بالعقول) و (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة).

هكذا يفكر المسلمون ، ويلتزمون بشريعة الإسلام ، بعد أن وجدوا في هذا الدين الطريق الصالحة للحياة ، والشريعة الموافقة للعقل والعدل والوجدان ، والبعيدة عن الظلم والعدوان ، وبعد أن جربت الجماهير ـ طوال القرن الماضي وما سبقه ـ حضور الأنظمة المختلفة المستبدة والقبلية والملكية والجمهورية الغربية ، وذاقت الأمرين من النظم المدعية للحرية والتابعة


للغرب ، ووضح لها فشل القوانين والدساتير المستلهمة من الغرب ، والتي طبقت حرفيا في جميع الأرض الإسلامية ، فلم تجن الشعوب منها إلا البلاء والتخلف الحضاري المشهود ، وقد وجدت الجماهير هذه النظم الغربية وتشريعاتها فارغة من كل عدل وخير ومصلحة ، فلجأوا إلى الدعوة إلى تطبيق الإسلام الذي ميزوا بكل وجودهم ما فيه من خير وبر وعدل.

وإذا اعترف المؤلف (فوزي) بأن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في عصرنا تلقى الاستجابة من الطبقات الشعبية الإسلامية ، لأن هذه الدعوة قائمة على استغلال (المشاعر) ص ٢٥.

فهل فكر : لماذا عادت هذه المشاعر المتروكة منذ مجئ الاستعمار إلى الأرض الإسلامية ، عادت إلى الحياة ، لتستغل من جديد؟!

ولماذا يحاول العلمانيون أن يفرغوا الملايين من شعوب الأمة الإسلامية من (إرادتهم) و (رغبتهم) و (فكرهم) ويفرضونهم مستغلين من قبل الآخرين ، والأصوليين ـ مثلا ـ؟!

ولم لا يفرض مثل ذلك في الشعوب الأوربية التي تتلاعب بعقولها تلة من ذوي الأطماع الفاسدة من اليهود والسياسيين؟!

* تطبيق الشريعة يقظة حضارية :

إن الملايين الشعبية التي صوتت إلى جانب تطبيق الشريعة الإسلامية ليس هم الأصوليون ـ كما تحلو للعلمانية تسميتهم ـ وحدهم ، وإنما هم الجماهير التي تسحق تحت أقدامها المعسكر العميل للغرب ، بل جنود الغرب ، وذيولهم الذين يحملون أقلاما مزيفة يشوهون صورة شعب كامل ، ويزيفون عقله وإرادته.

وإذا اعترف المؤلف في ص ١٤ بأن :

(الحضارة الإسلامية قامت عندما كانت الشريعة قريبة من


مفاهيم الناس ومداركهم ، وكافية لاستيعاب النمو الاجتماعي).

فإن الناس هم اليوم ـ في كل الأرض الإسلامية والعربية ـ يقتربون من الإسلام ـ بعد فصل الاستعمار لهم عنه ـ ويعودون إليه ، لأنهم وجدوه الأوفق بمداركهم ، والمؤمن لحاجاتهم الاجتماعية ، ويطالبون الحكام العملاء بتطبيق الشريعة الإسلامية ، بعد أن ذاقوا الأمرين بالابتعاد عنها من القوانين والنظم المقررة في الغرب ، والتي فرضتها الدول الاستعمارية ، فلم تجن الشعوب والأرض الإسلامية منها إلا الخيبة والدمار والتخلف في مجالات الحياة كلها.

ويوم دخل الاستعمار أرض الإسلام ، كان رتله الخامس المتخفي هو الذي يدعو إلى رفض الإسلام وشريعته ، ويتهمه بالتأخر الجمود ويتبجح بالتقدم الغربي ، وقد تمكن من ذلك بالقوة العسكرية والتزوير من فرض إرادته وعملائه على الحكم في البلاد الإسلامية ، وإزواء الإسلام وتزييف عقيدة الناس به.

واليوم ، وبعد أن عرف الناس زيف ادعاءات الغرب ، وزيف نظمه وتشريعاته ، جاء رتل العلمانيين ، ليعيدوا الكرة على الإسلام وتشريعاته ، بأسلوب (البحث والدراسة) وقد غفلوا من أن الناس ـ هذه المرة ـ قد تسلحوا بالتجربة المرة من الغرب وتشريعاته ، ولن ينخدعوا بهذه الدعايات المغرضة ، وعمليات التزوير والتشويه لسمعة الدين والشريعة.

إن الجماهير من الناس تعلم أن الحضارة الإسلامية ما انهارت إلا عندما ترك العمل بشريعة الإسلام ، واتهمت بالقدم والتأريخية ، ولجأ المقننون العرب إلى الغرب يقتبسون من تشريعاته ، ليدسوه في دساتير البلدان الإسلامية والعربية ، ويكفي إلقاء نظرة إلى قوانين البلدان العربية ليجد بعدها عن الشريعة الإسلامية واعتمادها على القوانين الفرنسية والإنكليزية والأمريكية! فلماذا لم تفلح الدول العربية ، لو كان في النظم الغربية وتشريعاتها ، خير ، وعلم؟!


إن التخلف والدمار اللذين باءت بهما المجتمعات الإسلامية ، إنما هو من جراء الالتزام بالنظم العميلة للغرب والقوانين الوضعية الغربية السارية المفعول في البلاد الإسلامية والعربية منذ أكثر من قرن.

ولن تعود الأمة ثانية إلى تلك التجربة المرة (فإن المؤمن لن يلدغ من جحر مرتين).

* شريعة الغرب ، والمبادئ والقيم!؟

لكن كل هذا ، ولا بعضه ، لا يحلو للعلمانيين ، ومؤلف كتاب (تدوين السنة) يحاول أيضا عرض (إشكاليات) عديدة على الشريعة الإسلامية ، فبعد ما نقلناه من مقدمته ، يقول في خاتمته ص ٣٧٥ :

(هذه هي الشريعة الإسلامية ، بسطناها بكل حياد وتجرد [!!] فما الذي يصلح منها للتطبيق في عصرنا؟).

ثم يدعو المسلمين الحريصين على التمسك بالمبادئ الأساسية التي جاءت في القرآن الكريم إلى :

(طرح المسائل الشكلية التي سقطت بتقدم الإنسان في عصرنا ، والتقريب بينها وبين المبادئ التي نصت على شريعة حقوق الإنسان ، والقائمة على المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل ، والتي تنبع جميعا من قيم إنسانية وأخلاقية ، وليس في هذه المساواة ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية).

وهذه الخاتمة الموجزة (صفحة واحدة فقط!) تجمع (كل الصيد في جوف الفرا) حيث أعطى غرضه بوضوح ، وهو الذي لم ينفك عنه في كل صفحات الكتاب ، ويتلخص في : (إن التشريعات الغربية الحديثة ـ جميعا ـ تعتمد القيم الإنسانية والأخلاقية ، فيجب إسقاط ما يتنافى من التشريعات الإسلامية مع التشريعات الحديثة)!


إنه يفرق بين التشريعات الغربية ـ فهي عنده تعتمد على القيم الإنسانية والأخلاقية ـ وبين التشريعات الإسلامية فيقول إنها مقيدة بالنطاق التاريخي في العصر الذي وضعت فيه!

وقد عرفت زيف هذه التفرقة!

أما عن (القيم) المزعومة ، التي يدعي اعتماد التشريعات الغربية عليها : فهل يعترف الغرب ـ والعلمانيون ـ بشئ اسمه (القيم)؟! فمن أمثلة ذلك ما ذكره المؤلف في ص ٥١ ، أن الحضارة الحديثة :

(ألغت الرق في العالم ، واعتبرته جريمة إنسانية ، وأعلنت المساواة في الحقوق بين الناس ، وتتمثل هذه المساواة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ألقى التمييز بين البشر ، وساوى في الحقوق بين المرأة والرجل).

نعم ، فإن هذه هو (الاعلان) لكن أين العمل والتطبيق؟! فلو أن الحضارة الغربية الغت الرق في الاعلان ، فهل ألغي الرق فعلا ، أم أن الأحرار أصبحوا هم رقيقا للقوة والثروة المكدسة ، وعصابات المافيا ، وتجار المخدرات ، وهيمنة أجهزة الاستخبارات العالمية؟!

وإذا اعتبروا الرق جريمة إنسانية ، يهابونها ، فلماذا لا يقلعون عن الأكبر منها من الجرائم المروعة ضد البشر في العالم ، بل ضد الموجودات الكونية الأخرى؟!

وإذا كان (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان) ـ مجرد (إعلان) فقط طبعا ـ قد ألغى التمييز بين البشر ، فلماذا التمييز العنصري بين السود والبيض في كل العالم الغربي ، وخاصة أمريكا؟!

وفي مقر الأمم المتحدة بالذات!!؟

وما هو موقف العلمانيين ، لو علموا أن (البشر) في مصطلح أهل الاعلان العالمي ، هم الأوربيون ، فقط؟!


وماذا لو قال الغربيون إن (حقوق الإنسان) تعم (الحيوان) الأوربي ، ولا تشمل الشرقيين لأنهم (وحوش)؟!

وأما المساواة بين الرجل والمرأة ، فهل كان في صالح الرجل؟! أو في صالح المرأة؟! أو في صالح الشهوات الأوربية التي أرادت تعرية (المرأة) من كل الحقوق ، حتى اللباس والحجاب؟!

وألف سؤال وسؤال ، تظل بلا جواب ، عن تلك الحقوق المزيفة!

إن العلمانيين يتغافلون عن كل هذه الحقائق التي تعيشها البشرية ، وبالإمكان الإجابة عنها بوضوح وبسهولة ، ووجدان الأجوبة في ما تسير إليه البشرية من الوحشية والفقر والظلم ، في ظل (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي يستغله الغرب لصالحه ، وضد كل من يريد التخلص من هيمنته وسطوته وجبروته.

إن العلمانيين ، يتعامون عما يجري في العالم ـ في هذا العصر ـ ويحاولون أن يبحثوا عن (إشكاليات الشريعة الإسلامية) بغرض تزييفها في أنظار الجماهير الإسلامية ، ودعوتهم إلى (التشريعات الغربية) لكن الجماهير المسلمة أبصر بالحياة من هؤلاء المنبهرين بتعاليم الغرب.

وأما دعاواهم باعتماد الشريعة الغربية على القيم الإنسانية والأخلاقية ، فلا نريد الدخول في مناقشته تفصيلا ، ولا يخفى زيفها على أي إنسان في هذا العالم المفتوح على الجميع ، فإلقاء نظرة على الحياة العابثة التي تجري في شواطئ أوروبا وأمريكا ، والعواصم السائرة في ركب حضارة الغرب ، وفي نواديه ، وباراته ، وحتى في حدائقه العامة ، وأمام أعين الناس جميعا ، من انتهاك لأدنى المبادئ الإنسانية ، والكرامة البشرية ، وتجاوز لأوليات القيم الأخلاقية ، كاف لإثبات ذلك.

ومصادقة أسقف كنتربري ـ في إنكلترا ـ على قانون (اللواط) وزواج الذكور من الذكور ، حتى أصبح قانونا وشريعة في الغرب ، في الستينات ، ولا


يزال يروج ويتسع نطاق العمل به بصورة بشعة ومقرفة في الغرب المتحضر ، هو واحد من مآسي التشريعات الغربية ، المبتنية على القيم!

وهذا في صالح المرأة ، طبعا!

ولقد عرضت الأقمار الصناعية ـ هذه الأيام ـ صورة الزنجي الأمريكي الذي أمر الحاكم في محكمة أمريكية ، بتكميم فمه في المحكمة بشريط لاصق!

وهذا أيضا يمثل واحدا آخر من حقوق الإنسان ، والمساواة بين الأبيض الحاكم ، والأسود المحكوم ، وواحد من القيم التي يبتني عليها التشريع الغربي!

وأما قصف هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية ، وفجائع حروب فيتنام ، وتدمير العراق في حرب النفط ، ودعم الصرب المسيحيين في البوسنة ضد المسلمين ـ على الرغم من كونهم أوروبيين أيضا ـ وحماية إسرائيل المعتدية على العرب والسكوت عن جرائمها البشعة ، فهي صور أخرى من (قيم الغرب الأخلاقية ومبادئه الإنسانية) وتطبيقه لحقوق الإنسان ، والمساواة بين البشر!

إن الجماهير الإسلامية والشعوب الشرقية أعرف بأخلاق الغرب وأهدافه وتشريعاته ، التي جرت الويلات على العالم ، وقد ذاقوا الأمرين من هذا الغرب المتحضر وأسلحته وجنوده وعملائه ، هم أعرف من هؤلاء المستأجرين الذين يحملون الأقلام الغربية ، وينظرون إلى الأمور بالنظارات الغربية ، ويحاولون الخداع والمكر بالأمة ، بعنوان (الدراسات المعاصرة) و (النقد الحر) وما إلى ذلك من العناوين المزيفة ، والمليئة بالدجل.

إن محاولات العلمانيين العابثة إنما تغر أولئك الذين يبتعدون عن الشارع وعن السوق وعن ميادين اجتماع الجماهير ، بل يحصرون حضورهم في نوادي اللهو ، ومؤتمرات الخيانة ، واللقاءات السياسية العامة والخاصة ، والتي تفصلها عن الجماهير الحراب والأسنة ، وأشكال تسريحاتهم ، وملابسهم ، ومآكلهم


ومشاربهم ، وسيرتهم وأخلاقهم!

وهم ما داموا يلبسون على أعينهم النظارات التي صنعتها لهم الجامعات الغربية ، التي تعلموا فيها أساليب البحث والدرس على المنهج الغربي ، والتي تريهم الجماهير والشعوب بالمنظار والفكر الغربي ، فلا يمكنهم الحضور في ساحات عمل هذه الجماهير ، وما داموا لم يحضروا فإنهم بعيدون عن كل حقيقة وواقع ، فلا يقتربون بدراساتهم وبحوثهم ونقدهم خطوة منها ، لأنها إلا نتاجات تملى عليهم من أساتذتهم من خيالات وأوهام وتزييفات غربية ، مليئة بالحقد والدجل ، والعلمانيون يعيدون كتابة تلك باللغة العربية ، فهم ليسوا إلا أبواقا مصطنعة لنداءات الغرب ، ينعقون بنهيقه وضمن محاولاته السياسية لصد الصحوة الإسلامية المتنامية.

* إشكاليات الشريعة الإسلامية :

وبينما كان الغربيون يذكرون ما يتصورونه (إشكالات) في الإسلام شريعة وعقيدة ومصادر وتراثا وتاريخيا ، ولا يبتون بشئ ، بل يدافع بعضهم آراء بعض في متاهات تناقض مفضوح ، فإن (البدلاء) العلمانيين ، الذين يزعمون أنهم (عرب) التزموا بتلك الاحتمالات والفرضيات ، كنظريات قطعية يروجون لها ، ويؤكدون عليها.

وقد جمعنا فيما يلي جاء منها في كتاب (تدوين السنة) لنجد مفارقاتها وملاحظاتنا عليها.

* موقف العلمانية من السنة النبوية :

يعترف المؤلف في ص ٢٤ :

(أن هذه الشريعة تستمد معظم أحكامها من السنة).


لكنه يقول :

(إن الملابسات التي تعرضت لها في العصر الإسلامي الأول ، والخلافات التي قامت حول تدوينها ، وحول ما دون منها ، أضعفت من قيمتها التشريعية ، وقدرتها على جمع كلمة المسلمين حول شريعة واحدة غير مختلف عليها مضافا إلى السلبيات الأخرى التي ذكرناها ، والتي تجعلها واهية عن الوفاء بالحاجات الاجتماعية لعصرنا).

إذا كانت (السنة) حجة معترفا بها على الأحكام ، في مجملها ، فلن تكون الخلافات في الخصوصيات موجبة لرفع اليد عن حجيتها بقول مطلق ، ومحاولة إسقاطها وحذف مهمتها الأساسية ، بل إن وجود الخلافات يدعو إلى اتخاذ أدوات وقائية بدقة أكبر لتحديد ما يجب توافره للتأكد من (السنة).

فليس وجود الخلافات مؤديا إلى تضعيف قيمة السنة ، بل مؤد إلى التثبت والتأكد من وجودها.

وأما الجمع بين كلمة المسلمين ، فلم تتخلف إلا من فعل المسلمين وتركهم للعمل بالشريعة ، وبعدهم عن مصادر الإسلام وفكره ، وكذا العوامل الخارجية التي عرضت في تاريخهم ، وفعل الاستعمار البغيض والغرب الحاقد ، ببث بذور الفرقة والخلاف بينهم ، وليس من فعل هذا المصدر أو ذاك حتى يشكك في حجيته ، وهذا القرآن ـ وهو لا ريب فيه ـ ولا يمكن حتى للمؤلف التشكيك في حجيته وقيمته التشريعية ، فهل يقال في حقه إنه لم يكن قادرا على جمع كلمة المسلمين على شريعة واحدة ، فالعجز ليس في السنة كما ليس هو في القرآن ، وإنما في المسلمين الذين يدعون الانتماء إلى هذا الدين.

إن تخلف أمة ما عن العمل بالقانون ، أو التكاسل عن تطبيقه ، أو القصور في فهمه ، أو التقصير في العمل به ، ليس من عيب القانون نفسه ، كما أن عدم معرفة سياقة السيارة المجهزة ، ليس من عيب السيارة ، بل من جهل السائق.


إن عرض مثل هذه الاشكالات يدل على مرض في قلب المؤلف يريد أن يبثه بأي شكل!

* بين القرآن والسنة :

يحاول المؤلف أن يكون (قرآنيا) يحافظ على اتباع القرآن في تشريعاته ، ولكنه يؤكد على ضرب السنة بسيف القرآن ، تلك المحاولة التي بدأها أول القرآنيين بمقولة (حسبنا كتاب الله) واستمرت عليها سياسة الخلافة الأموية ، وأبرزتها في (صفين) برفع المصاحف على رؤوس الرماح ، وروجها رواد الرتل الخامس للاستعمار الغربي ، في الهند ، وباكستان ، وفي مصر بدعوة : (الإسلام هو القرآن وحده).

فيقول في ص ٢٠ عن أحاديث الآحاد :

(ولم يأمر النبي (ص) بكتابتها مثلما كتب القرآن من قبل كتاب الوحي ، ولم يعلن النبي (ص) هذا القسم من الشريعة على عامة المسلمين مثلما كانت تعلن آيات القرآن.

فالقرآن عندما كانت تنزل آياته كان النبي (ص) يتلوها في المسجد أو في مكان عام على ملأ من المسلمين ، فكان الصحابة يتلقونها ويكتبونها ويحفظونها ويتلونها في صلواتهم ، أما السنة فإنها لم تلق مثل هذه العناية وذلك الاهتمام).

لكن هل ترضى العلمانية عن (إبراهيم فوزي) ما لم يتبع ملتهم في نفي كل المقدسات ، سواءا كانت قرآنا أم سنة؟ وهل يقنعون منه أن ينفي صفة (الوحي) عن السنة فقط وتبقى الصفة للقرآن؟

إذن كيف يفعلون مع قول القرآن عن النبي (ما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)؟! فلذلك لا يرضون إلا بنفي وجود (الوحي).

إن الالتفاف على السنة ، ولو بسلاح (القرآن) لا يرضي (العقلية


التزييفية) المسيطرة على التيارات العلمانية أبدا.

فهذا حامد نصر أبو زيد ، على الرغم من تثمينه لكتاب فوزي ، ونفخه في جلده ، إلا أنه يعارض تقديسه لتشريعات القرآن ، فيقول (مجلة الناقد ، العدد ٧٣ ، ص ١١) : (ماذا عن النصوص التشريعية في النص القرآني ، هل هي نصوص تأريخية قابلة للانفتاح ، أم أنها نصوص قطعية الدلالة أبدية لا يجوز الخروج عن منطوقها الحرفي؟ هذا المفهوم الأخير غائب تماما في تحاليل المؤلف ، ومن ثم غابت عنه مسألة : الإشكاليات الكامنة في النصوص التشريعية الغربية)!!

* السنة الفعلية وحجيتها على حساب القولية :

أطلق (السنة) في المصطلح الإسلامي على ما جاء عن النبي صلى عليه وآله وسلم خارج النص القرآني ، وقد عبر عن كل تشريع كان مصدره الرسول بالسنة ، وعمم هذا المصطلح على ما قاله الرسول ، وما فعله ، وما قرر عليه الآخرين بسكوته الكاشف عن رضاه ، وأجمع المسلمون أن ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو سنة ، وعارض بعض في كون ما فعله كذلك ، باعتبار أنه بشر تصدر منه الأفعال العادية من دون أن تكون لها صفة التشريع!

لكن ذلك غير صحيح ، فمضافا إلى أن اسم (السنة) يطلق على الطريقة التي توضع للاقتداء والاتباع ، وما أتى به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فعل لا يكون إلا حسنا قابلا لذلك ، فإن الفعل والعمل أقوى دلالة على الإرادة من مجرد القول ، فإذا فعل شيئا فإنه قد أحبه لنفسه ، ونسبته إليه أوضح من مجرد القول من دون العمل ، فالسنة الفعلية أيضا حجة ، يجب اتباعها والاستنان بها.

أما المؤلف فقد أبدى رأيا غريبا حين جعل السنة الفعلية حجة قطعية ، وشكك في القولية ، حيث قال في ص ٢٠ :

(أما العبادات فقد تعلمها الناس من النبي (ص) حال حياته


وتناقلوها عنه بالتواتر جيلا بعد جيل ، ولم يتعلموها من الكتب ، ولم يكن في بداية الإسلام ثمة حاجة لتدوينها ، فقد كانت الممارسة الفعلية تقوم مقام كتابتها ، ولذلك لم يقع الكذب فيها ، ولم يقع خلاف على صحتها إلا ما ندر).

وأضاف :

(أما المعاملات فقد جاءت على لسان النبي (ص) بشكل أحاديث أفرادية أطلقوا عليها اسم (أحاديث الآحاد)».

وهكذا حاول فوزي التأكيد على السنة الفعلية وحجيتها على حساب السنة القولية.

* أخبار الآحاد :

ويؤكد المؤلف على أن التشريعات المعاملاتية تبتني على (أحاديث الآحاد) وهي غير قابلة لإثبات التشريع بها فيقول في ص ٢٣ :

(إن أحاديث الآحاد .. لا تشكل من وجهة القواعد التشريعية تشريعا عاما لجميع المسلمين ، لأن من أبسط الشروط في كل تشريع ـ قديما وحديثا ـ هو إعلانه على الناس لكي يلتزموا به ويعملوا بأحكامه ، وإن الأسرار به إلى شخص أو شخصين على انفراد لا يعطيه صفة التشريع العام الملزم لجميع الناس ، ولذلك كانت أحاديث الآحاد ، وحول جواز الأخذ بها منذ عهد الصحابة موضع خلاف بين الفقهاء ، وتعتبر أحاديث (الآحاد) عند أغلب الفقهاء أحاديث ظنية ، وهي لا ترقى إلى مرتبة اليقين بصحتها).

إن البحث عن حجية أحاديث الآحاد قد وقع في علم أصول الفقه  ـ المعد للبحث عن مصادر التشريع ـ بشكل واسع ومستوعب لكل جوانبه ، وليس في ما أورده جديد يذكر ، وقد التزم الشيعة منذ القدم بعدم حجية الخبر


الواحد ، وأنه لا يفيد علما ولا يوجب عملا ، والمحققون من أعلام الشيعة الأصوليون إنما يلتزمون بالأخبار المتواترة ، ثم المعتضدة بالشهرة العلمية على طبقها ، وبهذا تخرج أخبار الآحاد إلى مرحلة الاعلان العام الذي هو ضروري في كل تشريع.

وأما الأخبار الواردة حول التشريعات ـ سواء في العبادات أو المعاملات ـ فلم تخرج عن هذا الأصل إلا نادرا ، فلم يدون في المصادر الحديثية إلا ما كان عليها العمل العاضد لكون مصدرا للتشريع ، بعكس ما يريد أن يصوره المؤلف تماما.

* نقد المتن :

ومما ذكره المؤلف من السلبيات على السنة هو (نقد الحديث من جهة المتن) ففي ص ٢٤١ أورد ما أثاره أحمد أمين المصري في (فجر الإسلام) من :

(أن العلماء اعتنوا بنقد الإسناد أكثر مما عنوا بنقد المتن ، فقل [حسب تعبيره] أن تظفر بنقد من ناحية ما نسب إلى النبي (ص) ... ولم نظفر منهم في هذا الباب بعشر معشار ما عنوا به في جرح الرجال وتعديلهم).

وعلى الرغم من إشارة أحمد أمين إلى وجود نقد المتن عند علماء الحديث ـ ولو أنه قلل من شأنه ـ إلا أن المؤلف لم يحاول أن يبحث عن قواعد ذل ، بل ركز على تشويه صورة السنة باعتبار توجه هذا النقد إليها ، وسرد أمثلة للنقد العقلي لمتون أحاديث ، وليس هو منفردا في ذكرها ونقدها ، بل قد نقد العلماء هذه المجموعة وأخرى أكبر منها عند بحثهم عن نقد المتن ، ولكن هذه المجموعة لا تشكل عقبة أمام الحديث ، ولا تؤدي إلى تضعيف موقع السنة في الحجية والمصدرية للتشريع كما يحاول أو يوحي المؤلف.

وأما نقد المتن فقد تعرض له العلماء في علوم عديدة وتحت عناوين منها


علم الدراية ومصطلح الحديث بعنوان (الحديث المعلل) وفي (علم الحديث) بعنوان (اختلاف الحديث) وفي علم أصول الفقه بعنوان (تعارض الأدلة والحديثين المتعارضين).

ويبذل الفقهاء جهودا واسعة في الجمع بين الأخبار المختلفة الدلالة ، للتخلص من التنافي بينها ، أو الترجيح حسب الطرق المقررة في أصول الفقه ، ومن خلال هذه البحوث يمكن استخلاص القواعد المضبوطة لنقد المتن ، والتوثيق الداخلي للأحاديث ، بعد الفراغ من البحوث السندية.

فأين أحمد أمين ومن لف لفه من هذه الذخيرة العلمية ، وهذه الجهود الجبارة المبذولة من أجل صيانة السنة مما يشينها؟! حتى يخوضوا في تيارها الزاخر ، ويحاولوا بدراساتهم الضحلة ، القدح فيها؟!!

* بين العبادات والمعاملات :

ومما أثاره في إطار السلبيات التي ذكرها للشريعة ، وكرره في مناسبات عديدة قوله في ص ١٦ :

(إن رجال الفقه الإسلامي جمعوا بين العبادات والمعاملات ، وكونوا منهما شريعة واحدة ، هي الشريعة الإسلامية ، وصبغوها بصبغة دينية ضيقة ، ذات أبعاد محدودة ، غير قابلة لتغيير والتبديل حسب مقتضى تطور المجتمع ونموه).

وجعل السبب في اختلاف التشريع بين المذاهب :

(إن السنة شملت العبادات والمعاملات على حد سواء).

وأضاف :

(أما العبادات فقد تعلمها الناس من النبي (ص) حال حياته ، وتناقلوها عنه بالتواتر ، جيلا بعد جيل ، ولم يتعلموها من الكتب ، ولم تكن في بداية الإسلام ثمة حاجة لتدوينها ، فقد كانت الممارسة


الفعلية تقوم مقام كتابتها ، ولذلك لم يقع الكذب فيها ، ولم يقع خلاف على صحتها إلا ما ندر).

وأضاف :

(أما المعاملات فقد جاءت على لسان النبي (ص) بشكل أحاديث أفرادية أطلقوا عليها أحاديث الآحاد ، وهي التي رواها صحابي واحد ، قال إنه سمعها من النبي (ص) على انفراد ، ولم يرو على لسان صحابي آخر إلا القليل منها ، ولم يأمر النبي (ص) بكتابتها مثلما كتب القرآن من قبل كتاب الوحي ، ولم يعلن النبي (ص) هذا القسم من الشريعة على عامة المسلمين مثلما كانت تعلن آيات القرآن).

ويقول في ص ٢١ :

(ولم تنشر هذه الأحاديث بين الناس في حياته ، فقد رويت معظم أحكام المعاملات بعد وفاته ، وبعضها روي بعد وفاة الصحابي الذي سمعها من النبي (ص)).

ويقول في ص ١٢٤ :

(المعاملات هي الأحكام أو التشريعات التي تنظم العلاقات بين الناس وهي علاقات متغيرة ومتبدلة تبعا لتغير المجتمع وتبدل المصالح).

ومع وضوح خطئه في أصل دعواه بالنسبة إلى العبادات ، وعدم وقوع الخلاف في صحة أحكامها ، وعدم وقوع الكذب في أخبارها ، فإن وقوع الخلاف في العبادات بين المذاهب ، بل بين المذهب الواحد أمر لا ينكر ، فهذه (البسملة) قد وقع النزاع في قرآنيتها ، وجزئيتها للسور كلها ، أو للحمد فقط ، وجواز قراءتها في الصلاة أو وجوبها ، وفي جهريتها أو إخفاتها ، مع وضوح كتابتها في المصحف وإجماع المسلمين على تلاوتها.


وهذا الوضوء ، مع أنه عمل يقام به في اليوم أكثر من مرة ، فقد اختلفوا في كيفيته ، وفي المسح للأرجل أو غسلها ، وفي مقدار مسح الرأس ، وللأحاديث المختلفة والمختلقة دور كبير في وقوع ذلك.

فإن مجمل ما ذكره المؤلف في التفرقة بين العبادة والمعاملة ، وما ذكره من أمثلة الأحكام المعاملية والإشكاليات التي تصورها فيها ، يدل على أنه بعيد كل البعد عن مصادر الفقه الإسلامي ، وبالأخص الفقه الشيعي ، فليس من الفقهاء المسلمين من لم يفرق بين العبادات والمعاملات ، فالشهيد الأول من علماء الشيعة الاثني عشرية ، فرق بينهما بأن الغرض من العبادة هي الآخرة ، بينما الغرض من المعاملة هي الدنيا.

لكن الشرع قد حدد لكل منهما أصولا وقواعد وتراتيب وشروطا ، ومعرفة كل ذلك متوقف على البلوغ بالطرق الشرعية المعتمدة المقررة كأدلة في أصول الفقه ، ولا فرق بين العبادة والمعاملة في ذلك ، إلا أن الأحكام والأمور المتعلقة بالعبادة كلها تعبدية محضة ، لكن ما يرتبط بالمعاملات فقد علقها الشارع على مصالح العباد ومفاسدهم ، ولكن تدخل في تحديد بعض المصالح والمفاسد بالتعبديات ، فما كان حلالا شرعا فلا بد أن يكون للخلق فيه مصلحة ، وما كان حراما ففيه مفسدة ، وإن لم يدرك الناس ذلك.

أما ما سوى ذلك مما لم يرد من الشرع الكريم فيه حكم بالحرمة ، فهو على أصالة الحلية شرعا ، فيبقى شرط أن يكون فيه منفعة مقصودة للعقلاء ومما يبذلون بإزائه مالا ، وإلا فأكل المال بين الناس بالطرق الملتوية ، سواء كانت بعقود مزيفة أو عهود ظالمة ، أو بدفع ما لا قيمة له ولا مالية ، فهو منهي عنه شرعا ، فتداول الثروة وانتقالها لا بد أن يبتني على هذه الأسس الشرعية ، وهذا لا يتنافى أن تكون المصالح والمفاسد تتغير ، وتتبعها الأحكام فعندما لم يتقدم الطب ، لم يمن للدم النجس أية منفعة متصورة ، وبما أن تناوله وشربه حرام ، فإن الفقهاء حرموا بيعه ، وأما في العصر الحديث فبما أن الانتفاع به أصبح شيئا


متعارفا بل وضروريا للحياة أحيانا ، فبيعه حلال وليس دفع الثمن عليه بطريقة الباطل ، وإن كانت الاستفادة في الأكل منه لا تزال حراما.

وهكذا يدخل (القصد العقلائي) في شرعية المعاملة في الإسلام ، فأين المؤلف من هذه الحقائق التي هي أولية في الفقه الإسلامي ، حتى راح يهرج ويناور بما ذكره من الأمثلة التي قد أنهكها فقهاء الإسلام في كتبهم المفصلة وموسوعاتهم الفقهية بحثا وتنقيبا ، إلا أنه تتبع بعض المذاهب الشاذة والأقوال النادرة وجمع منها مجموعة ضئيلة ، وراح يهرج ويزمر ، زاعما أنه قد توصل إلى شئ جديد ، مع أنه قد ترك الآراء السديدة ، والمناهج القيمة في نفس هذه المسائل التي ذكرها ، وليس ذلك إلا قصورا منه لتناول الفقه ، أو تعمدا منه للتوصل إلى غرضه في (تزييف الشريعة)!

ولذلك ، فإننا أعرضنا عن متابعة ما جاء في القسم الثالث من كتابه والذي شحنه بمثل هذه الترهات حول بعض المسائل الفقهية ، اعتمادا على ما جاء في المصادر الأساسية ، مع أن أكثر ما ذكره من الاشكالات إنما تعتمد على آرائه التي عدها انتقادا للسنة ، وقد أفصحنا عن وجوه تناقضها ، فلا تبقى لما أورده أهمية تحتاج إلى صرف الجهد في تفنيدها.

* نظام الحكم في الإسلام :

يؤكد المؤلف على أن الدين الإسلامي خال من أي تشريع يحدد النظام لإدارة البلاد وحكم العباد ، ويحاول أن يوحي بأن الحكم الذي كان في البلاد الإسلامية طيلة القرون ، إنما هو حكم إسلامي.

فهو يقول في ص ١٤ :

(لقد كان الحكم في الإسلام ـ على توالي العصور ـ يقوم على الحكم الفردي الاستبدادي المطلق ، القائم على إدارة فرد واحد هو الخليفة ، أو الإمام ، أو السلطان ، والذي لا يعلو عليه إمام ولا


سلطان ، ولا تقوم إلى جانبه هيئة أو جماعة لها صفة شرعية تقاسمه الحكم أو تسدي إليه المشورة والنصح في إدارة شؤون الدولة ، ولم يعرف المسلمون الحكم الشعبي.

وقد خلت الشريعة الإسلامية من أي تشريع يتعلق بنظام الحكم في الإسلام سوى آية الشورى ، وقد تجنب رجال الفقه الإسلامي البحث في هذه الشورى ، وفي أي بحث يتعلق بنظام الحكم في الإسلام ، لما له من مساس بسلطة الخليفة (المطلقة).

إن هذه الإشكالية تعتمد على ثلاثة أسس :

الأول : الخلط بين الحكم في الإسلام كدين وشريعة ، والحكم في تاريخ المسلمين كواقع.

الثاني : التغاضي عن وجود معارضة مستمرة لأنظمة الحكم التي كانت سائدة في البلاد الإسلامية ، منذ وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحتى عصرنا الحاضر ، على طول التاريخ.

الثالث : الجهل بالتراث الإسلامي الضخم الذي خص بالبحث والدراسة موضوع (نظام الحكم والإدارة في الإسلام).

أما في الناحية الأولى : فإن الاعتماد على مجريات تاريخ المسلمين ، وما حدث في القرون التالية ، وحمل كل ذلك على دين الإسلام وشريعته ، فهذا من أبشع أنواع التحريف المتعمد في الدراسات التي تكتبها العلمانية ، ويشيعها الغرب ، بحيث تحمل مسؤولية ما في هذه الأدوار كلها على الإسلام ، ويحاسب بذلك المسلمون المتدينون به.

بينما التفريق بين السلطة التي تفرضها السلطة الإسلامية ، وبين السلطة التي سيطرت بأسم الدين ، أمر لا يخفى على أي دارس في الحضارة الإسلامية ، وعارف بالتاريخ الإسلامي ، فإذا كان للدين سلطة عليا يجب على المسلمين طاعتها ، فهذا شئ ، أما أن تكون هذه السلطة بيد الحكام الذين


حكموا ـ فعلا ـ البلاد الإسلامية ، فهذا شئ آخر ، والتاريخ الماثل لا يقوم إلا على أساس ضبط ما هو الحادث من تسلط مجموعة من الناس بأسم الدين ، وأما السلطة التي يفرضها الدين ، وقررت لها الشريعة الإسلامية أصولا ، وطرفا وأحكاما ، فلها وقع آخر غير ما حدث وكان.

ويحاول العلمانيون أن يوحوا بأن الموجود والمقروء من التاريخ هو الذي يمثل حقيقة سلطان الدين ، إذ بعد تفريغهم للدين من أي نظام صالح للإدارة والحكم ، تبقى هذه السلطة بيد المسيطرين على دفة الحكم فهم المستفيد الوحيد من كل صلاحيات سلطة الدين ، والأنظمة الحاكمة هي تقلب الأمور إلى (دين وتشريع) وتستفيد منها ، وتبلور كل شئ حسب حاجاتها ورغباتها ، فقد تثير حقا لتستغله ، وقد تحيي بدعة لتفرضها فتكون حقا ثابتا في الشريعة ، وحتى لو فرض وجود سلطة للدين ، فإنها في هذا الإطار لا يمكن تحققها ، بل تفقد حيويتها ومصداقيتها للنظام الصحيح ، عند الجماهير.

وهذا الايحاء فيه تعمد إلى إلغاء وعي الجماهير ، وفصلها عن كل من الدين وفهمه ، ومن السلطة والإدارة.

ولكن لو كان للدين سلطة ، ولو في بطون الكتب ، وواقع المعرفة الدينية ، وما دام وعي الجماهير كافيا للوقوف أمام كل سبل التأطير للدين واستغلال سلطته ، وتوظيف اسمه وأفكاره في سبيل الأطماع السلطوية ، فهذا واقع ودليل حي على إمكان إحياء سلطة الدين؟!

فلماذا يحاول العلمانيون ، أن يغمضوا أعينهم عن ذلك الأمر الواقع ، ويحاول إنكاره وتزييفه؟! ولماذا يريدون أن يفرغوا الجماهير من كل وعي ومعرفة وإدراك للإسلام ، ويفرضوا عليه حتميات دبرت بليل من قبل الغرب وعملائه؟!

ولماذا يصطفون اليوم إلى جانب النظم السياسية الراهنة ، في مواجهة المد الإسلامي ، والصحوة الدينية لدي الجماهير المنادية بتطبيق الشريعة


الإسلامية؟! ووصفها ب (الأصولية) كاتهام وقذف؟!

مع أن الجماهير المقذوفة ـ من قبل العلمانية ـ بالجهل والقصور عن درك مفهوم السلطة في الإسلام ، هم يعلمون بأن النظم الحاكمة في بلاد الإسلام لا تعترف بأية خطوة أصولية ، بل هي في محاربة مستمرة لها بكل أشكال القمع والإرهاب ، بدعم من الحضارة الغربية ، ومساعدة من العلمانية وتزييفها وعبثها بالتراث وأصوله ومصادره.

وأما الناحية الثانية : فإن المؤلف أغفل المعارضة التي قامت ضد أنظمة الحكم في التاريخ الإسلامي منذ البداية وحتى اليوم ، فإن المعارضة السياسية لكل حاكم أو خليفة أو سلطان أو ملك أو رئيس أو أمير ، لم تزل تشكل جزءا مهما من تاريخ المسلمين ، ولها آراؤها ، وتراثها ، وثوراتها ، وحتى الدول التي أقاموها على أساس من نظام الحكم فيها ، فكيف يتغاضى المؤلف عن الثورات العلوية العديدة ، ووجهات نظرها التي بسطوها في عهودهم إلى المسلمين ، والتي تعد كل واحدة منها نظاما جاهزا متكاملا لأشكال الحكومة في الإسلام؟!

وهل يتجاهل المؤلف (عهد الإمام علي عليه‌السلام لمالك الأشتر) الذي يعد وثيقة غنية وقيمة لهذا النوع من الإدارة؟! وهو النص الموجود أمام المؤلف فوزي ، لأنه يراجع (نهج البلاغة) في كتابه مكررا ، فهو من مصادره؟!

إن حركات المعارضة التي عاصرت الحكومات الإسلامية ، أثبتت وجود نظام للإسلام في الحكم والإدارة ، غير الذي جرى ويجري على أرض الإسلام ، وقد أعلنوها ثورات دموية لم تجف دماؤها ، وأوضحوا أطروحاتهم في عهودهم التي نشروها وأظهروها للمسلمين.

ولئن تمكنت السلطات من القضاء عليها ، وإخماد ثوراتهم في زمنها وخنق أصواتهم ، وإبادة تراثهم ، فإنهم لم يتمكنوا من محو آثارهم وذكرهم ، بل بقيت دلالات في صفحات التاريخ تدل على عظمة الأعمال التي قاموا بها


والنظرية التي بنوا عليها جهادهم.

كما إن العلمانية اليوم ، ورغم تناسيها وتغافلها عن كل تلك الجهود ، فإنها لا تتمكن من طمس آثارها ، وتجاهلها.

وأما موقفه من التراث ، فيكفي لإثبات ذلك كلامه السابق ، حيث نفى فيه وجود ما يدل على أن للإسلام نظاما في الحكم والإدارة ، بينما مئات المؤلفات والبحوث والدراسات ، قد كتبت وألفت حول هذا الموضوع ، وقد احتوت على عشرات الأدلة الشرعية الخاصة به ، كما استوعبت هذه المادة صفحات عديدة من كتب الفقه الإسلامي قديما وحديثا ، وقد رصد صديقنا الأستاذ الشيخ عبد الجبار الرفاعي قائمة لهذا الموضوع الهام في موسوعة (مصادر النظام الإسلامي) وقد طبع بأسم : مصادر الدراسة عن الدولة والسياسة في الإسلام ، يحتوي على أكثر من ٣٠٠٠ عنوان بحث ودراسة عن وكتاب حول الموضوع.

فهل يعقل جهل المؤلف فوزي بكل هذا؟! مع أنه يتظاهر بالمعرفة لأنه دخل في معمعة بحث (تدوين السنة) الحساس؟!

* السلطة التشريعية في الإسلام :

ويؤكد المؤلف في عرض سلبيات الحضارة الإسلامية ، على :

(أن المجتمع الإسلامي كان ـ على توالي العصور ـ خاليا من السلطة التشريعية اللازمة).

فيكرر التأكيد في ص ١٢ على :

(غياب السلطة التشريعية في المجتمع الإسلامي).

وعلى الرغم من التفاته إلى وجود عنصر تشريعي هام في الحضارة الإسلامية ، وهو (الاجتهاد) فإنه يحاول الالتفات على هذا العنصر فيقول في ص ١٥ :

(لقد نشأ عن غياب السلطة التشريعية في المجتمع الإسلامي أن


حل الاجتهاد محل هذه السلطة ، لاستنباط أحكام للمسائل التي لم تنص عليها الشريعة).

وحاول تزييف الاجتهاد بدعواه أن :

(رجال الفقه الإسلامي لم يحصروا حق الاجتهاد بفرد أو جماعة ، وإنما أعطوا لكل مسلم حق الاجتهاد ، دون أن يكون لاجتهاد أحد صفة الالزام لأحد آخر).

وجعل الاجتهاد سببا للاختلاف في قوله :

(قد اختلفت الاجتهادات وتشرذم الناس حولها بسبب الصفة الدينية التي أعطيت لها ، ونشأ من اختلافها قيام المذاهب الفقهية التي تحولت إلى مذاهب دينية طائفية).

إن هذا الاشكال يعتمد على :

١ ـ عدم تحديد (الاجتهاد) فإذا كان هو (بذل الجهد واستفراغه للوصول إلى الحجة على ما يجب على المسلم فعله ، من خلال الأدلة والمثبتات الشرعية) فمعنى ذلك أن (المجتهدين) هم يشكلون هيئة المشرعين ، الذين يحددون القوانين التي تعتبر تشريعا في المجتمع الإسلامي.

فالاجتهاد إنما هو طريقة عمل السلطة التشريعية ، لا أنه ينشأ من غياب السلطة التشريعة كما يوحيه ..

أليست السلطة التشريعية في بلاد الغرب لا تتكون إلا من مجموعة من العارفين بالقانون والدستور ، يتداولون الأمور ، ويقررون التشريع النهائي اللازم العمل به؟!

إن (العقلية التزييفية) المسيطرة على (التيارات العلمانية) تمنعها من رؤية الحقيقة ، كما هي ، وتبعثها على تشويه ما يمت إلى الإسلام حتى لو كان (جيدا) فالاجتهاد في الحضارة الإسلامية يعد من أرقى المناهج المتبعة في التشريع ومبني على أقوى أسس المنطق السليم ، لكن يأبى المؤلف إلا أن


يجعل منه أمرا سيئا ، فيحاول أن يجعل (عدم حصر الاجتهاد بفرد أو أفراد) نقطة ضعف ، بينما هي أكبر نقطة قوة في نظام التشريع الإسلامي ، إذ تعني أن لكل فرد من أفراد المجتمع الإمكانية في التطلع إلى هذا المقام ، إذا أمكن أن يحقق لنفسه قابلية الاجتهاد وتمكن من أن يتوصل بالجد والدراسة إلى مرتبة علمية تؤهله لذلك ، فليس الاجتهاد (تمرا) أو (سندويجا) يأكله الفرد ، وإنما هو بحاجة إلى متابعة ومثابرة حتى تحصل ملكته في عقله ونفسه.

فهل القانون الغربي يمنع أي فرد أن يدرس القانون ويترقى في مدارج المدارس القانونية ، حتى يترشح إلى المجلس التشريعي ويصير مشرعا؟! أو أن السلطة التشريعية ـ مثل أية سلطة أخرى ـ محصورة في الغرب على أفراد معينين من طبقة معينة موصوفة لا تتعداها؟!

نعم ، الإسلام لم يحصر الاجتهاد في شخص أو جماعة ، وهذه مفخرة في النظام الإسلامي ، فلا تتكون سلته التشريعية من ثلة من المتحزبين في إطار وضعي معين ، ولا يتبعون أهواءا خاصة ، بل جعل صفة (الاجتهاد) ومعرفة الأحكام من أدلتها ملاكا لقابلية الدخول ضمن السلطة التشريعية ، فهل هذا نقص حتى يعرضه المؤلف ضمن ما يتصوره على الحضارة الإسلامية من (سلبيات)؟!

وأما أن الاجتهاد ليست له صفة الالزام ، فهذا جهل ببحوث هذا الموضوع الهام في علم التشريع الإسلامي ، فالاجتهاد إليه ملزم لنفس المجتهد بلا نزاع ، ولمن يرى ذلك المجتهد أعلم من المجتهدين الآخرين ، وبالنسبة إلى الموضوعات العامة التي ترتبط بإدارة الشؤون الحكومية ، فإن الالزام حتمي فيما إذا كان المجتهد الحاكم قائما بالأمر ، بعد موافقة أهل الخبرة من المجتهدين ـ أصحاب السلطة التشريعية ـ وتعينه (وليا للأمر) ويكون حكمه نافذا ، بعد ثبوت اجتهاده ، وموافقته للأصول المقررة وعدم مخالفته للدستور الأساسي للشريعة ، ولا يجوز الرد عليه حتى من مجتهد آخر.


إن إغضاء المؤلف عن كل هذه الحقائق ، وطرحه للاجتهاد كأن تمر يؤكل ، ليس إلا مبتنيا على غرضه في تزييفه وتهوين أمره.

وأما أن الاجتهادات اختلفت ، وتشرذم الناس ، فهل أن البرلمانات في البلدان الغربية ـ ذات الحضارة الواحدة ـ لم تختلف ، ولم تختلف شعوبها ، في كل بلد حول برلمانه ، ولم تختلف تشريعاتها حسب تعدد برلماناتها؟!

وهل لهم (تشريع) واحد؟!

ثم أن الاختلاف في المذهب الفقهي ، إنما هو ناشئ من اختلاف في وجهة النظر والفهم للمصادر ، وهو يتبع اختلاف المنهج المذهبي في تحديد تلك المصادر ومدى حجيتها ، وليس العكس كما يريد المؤلف.

فلو اتحدت الكلمة ، واتفقت الروية إلى أصول الدين ، وأصول الفقه ، لما تعددت المذاهب الفقهية أصلا ، إلا بصورة ضئيلة.

فليس الاجتهاد سببا في وجود المذاهب الطائفية ، بل المذاهب الطائفية والرؤى الفكرية المتعددة هي السبب في اختلاف المذاهب الفقهية حسب مصادر الاجتهاد عندها.

* البديل الثقافي :

ليست أية حضارة معصومة من الأخطاء والعقبات التي تعترض طريقها مهما كانت الأسس والنظريات المبنية عليها رصينة ومحكمة ، وحتى تلك المستلهمة من السنن والشرائع الإلهية ، لما هو واضح من عدم عصمة الناس القائمين على عملية التطبيق ، ما يدخل في خلال ذلك من أهواء ورغبات ، أو أخطاء وتصرفات تستند إلى السهو ، لكن الهجوم على حضارة ما ـ مهما كانت ـ وتخطئتها بالجملة ، وبصورة مطلقة ، والتركيز على سلبياتها ، والتغاضي عن إيجابياتها أمر مخالف لأبسط قواعد العدل والحكمة ، ومناف للنظرة الحيادية التي يجب أن يتمتع بهما الباحث الحيادي.


لكن الذين استهدفوا الإسلام في عصرنا لم ينصفوه في أي جانب ، لا في ماضيه ولا حاضره ، ولا في عقيدته ولا شريعته ، ولا في تاريخه ولا ثقافته ولا تراثه ، بل تراهم يشنون الغارة تلو الأخرى على كل ما يمت إليه ، وهذا هو دليل واضع على (العقلية التزييفية) التي تسيطر عليهم ، وقد جعلت غشاوة على سمعهم وعلى أبصارهم ، وفي قلوبهم مرضا هو التشكيك في كل شئ إسلامي!

ومع أن المؤرخين الغربيين يشهدون بأن الإسلام إنما جاء في عصر الظلم والظلمات الجاهلية ، ليهب الأرض العدل والنور ، وينقذ البشرية من ورطات الوحشية والجهل والرذيلة ، فوهب لها الرحمة والعلم والفضيلة ، حتى أصبح الشعب المسلم يحمل مشاعل الهدى والخير والعلم ولقرون عديدة ، ومع هذا فإن العلمانيين الجدد يتجاوزون هذه الحقيقة ، وبكل جسارة ووقاحة ، ويركزون على السلبيات التي ابتليت بها الأمة الإسلامية وعلى يد شراذم ممن دخلوا التاريخ بالتزوير ، فلا يمثلون الإسلامي في أي عنصر من إيجابياته ، ولكن العلمانية تركز على هذه الأمثلة المشوهة لتشويه صورة الإسلام والأمة الإسلامية ، وتسكت عن الأمثلة الرائعة التي تزخر بها الحضارة الإسلامي في الحكم والعلم والأخلاق.

ومن أطوار تزييفهم مقارنتهم بين (التقدم التكنولوجي) و (الثقافة الإسلامية) مع أنهما من مقولتين ، لا يمكن المقارنة بينهما ، فالثقافة الإسلامية لا بد أن تقاس بالثقافة الغربية المعاصرة ، حتى يتبين ما بينهما من التفاوت ، أما التقدم العلمي والتكنولوجي فلا يكون دليلا على التفوق الثقافي والفكري ، بقدر ما هو دليل على المثابرة على العمل واستغلال الظروف والإمكانات ، بينما ظلت الأمة الإسلامية ، وبفعل الغربيين المستعمرين وعملائهم الحكام في المنطقة ، بعيدة عن كل إمكانات العمل الجاد ، بل سد أبواب الابداع والاختراع على الشعب المسلم ، ومواجهة المبتكرين بالاستهانة ، وحتى


التحقير والقتل والتشريد ، مما اضطر العقول الشرقية إلى الهجرة إلى الغرب لتوفر الإمكانات هناك ، وتقديرهم لكل عقل متتبع مبدع ، واحتضانه إلى حد قطع ولائه عن أهله ووطنه وانتمائه إلى شعبه ودينه!

أما بعد الحرية النسبية التي حصلت عليها البلدان الإسلامية ، فإن التقدم العلمي والتكنولوجي يتحقق بسرعة فائقة على أيدي أبناء المسلمين ، وإن إبداعاتهم تزهو ، وصناعتهم تزدهر بشكل فائق ، ولكن هل تسمح الدول الاستعمارية لها بمثل ذلك ، كلا ، فإنها تحاول بشتى الصور والاتهامات صدها وإيقاف كل محاولة من هذا القبيل ، ولو بشن الحرب ، وقصف المعامل والمصانع بأطنان القنابل ، كما حدث بالنسبة إلى العراق ، أو تسعى لفرض الحصار الاقتصادي أو العزلة السياسية لقطع السبل عن وصل البلدان الإسلامية إلى هذا الهدف ، كما تقوم بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية في إيران.

إن محاولة المؤلف تعتمد أساس تضحيل الثقافة الإسلامية والاستهانة بها ، وتشويه صورة التاريخ الإسلامي ، مقدمة للطعن في السنة ، التي هي عماد التشريع الإسلامي ، فسرد مجموعة مما تصوره (سلبيات) و (إشكاليات) لكنها ضحلة لا تعتمد على المنطق السليم ، ولا النقل الصحيح ، ولا الاستنتاج الصائب ، ومع ذلك فقد حشد في كتابه ـ بمناسبة ولا مناسبة ـ قضايا ووقائع تاريخية ، وتحدث عنها بشكل يبدو (صائبا) فيها.

إن وجود فجوات عميقة في التاريخ الإسلامي ، تخدش في الموروث الإسلامي العزيز ، وتنجر سلبياته على سمعة الدين والعقيدة والشريعة ، مما لا يمكن إنكاره ، ولكن على ماذا تدل؟ وبماذا تعالج؟ وكيف تغرض؟! ولماذا تعرض؟!

إن المسلمين ـ عامة ـ يعتقدون بالدين الإسلامي وأصوله الأساسية وهي


التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، على أساس الاستلهام من القرآن والنبي ، ولهم مشتركات تجمعهم هي الكعبة ، وصوم شهر رمضان ، والصلاة اليومية ، والزكاة ، ولم يختلف اثنان من المسلمين في شئ من هذه (الثوابت) المسلمة وقد اختلفوا في معرفة أشياء أخرى من الإسلام ومعارفه مما يشكل الفروع العلمية ، وإن ذلك نشأ من اختلافهم في طرق الإثبات ـ كما وكيفا ـ بما لا يشكل أبدا عقبة في وحدتهم وانتمائهم الديني ، ولا في أخوتهم الإسلامية.

فطائفة كبيرة من المسلمين التزمت بأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم مرشدين لهم ، وأئمة يعرفونهم أحكام الدين ، ويهتدون بهديهم في السيرة والخلق والعمل ، لأنهم خلفاء الرسول الذين نصبهم أئمة للأمة ، وأمر بالتمسك بهم للنجاة من الضلال ، والتخلص من الانحراف عن الإسلام.

وطائفة أخرى تمسكت بسنة الصحابة لفرضهم مرشدين أمنا على هذا الدين ، وقد كانت هذه الطائفة الأكثر عددا ، والأقوى يدا ، وقد كانت السلطة على طول التاريخ بأيديهم وأيدي من وقف معهم في هذا الطريق.

ومع أن الصحابة ، لم يقل أحد بعصمتهم من الأخطاء والانحرافات ، لا عقيديا ولا فكريا ولا عمليا ، فإنهم أصبحوا في نظر الطائفة المتمسكة بهم طرقا إلى الدين ، ومن خلالهم تصل أحكامه وتفسر آياته وتعرف سيرته ، فلا بد أن يوثقوا ويلتزم برأيهم ـ أيا كانوا ومهما كان فعلهم ـ ولأنهم يمثلون المسلمين الأولين القائمين بأمر الإسلام ، فلا بد أن نلتزم بهم ، فإن التشكيك في هؤلاء يعني التشكيك في نفس الإسلام ومسلماته ، وإن رفض الصحابة ، والتجاسر عليهم ، والاعتراض على سيرة أحدهم يساوي رفض الدين كله ، والكفر بالإسلام من أصله والمساس بالمعتقدات الأساسية الثابتة كلها.

ومهما كانت أسباب هذه الفكرة ودوافعها ، ومنشأ وجودها في أنظار هذه الطائفة ، ولماذا يسوون بين الصحابة والإسلام ، فإن ثمارها واضحة ، فإن


الحكام الذين حكموا التاريخ الإسلامي قد استغلوا هذه الفكرة لتبرير كل ما يصدر منهم من مخالفات ، وحصنوا أنفسهم ضد كل خارج أو معترض ، وضد كل محاسبة أو مسألة ، فلذلك بقيت الطبقة الحاكمة مطمئنة من أن يثور عليهم عامة المسلمين.

أما الشيعة ، الذين لم يلتزموا بهذه الفكرة ، ولم يلتزموا بما فرعوا عليها ، فإنهم التزموا بالأصول الإسلامية الثابتة ، واعتمدوا على أهل البيت النبوي طريقا إلى معرفة أحكام الإسلام ، ولم يسكتوا عن التصرفات التي كان الحكام والأمراء والولاة يقومون بها متجاوزين أحكاما ثابتة في الدين ، ولم يعترفوا لهم بحق في التعدي على حقوق الله وحقوق الناس ، وكان في مقدمة هؤلاء أئمة أهل البيت أنفسهم الذين تولوا أمر الدين ، وهم : فاطمة الزهراء ، وعلي أمير المؤمنين والحسن والحسين سبطا رسول الله ، والأئمة الآخرون ، وكذلك العلويون الذين نذروا أنفسهم للتصدي للمخالفات والخروج عن أحكام الدين.

بينما عامة الناس من الطائفة الأخرى تحافظ على عقائدهم الأساسية بالإسلام ، وإنما يجدون هم في الالتزام بسنة الصحابة طريقا لتلك المحافظة ، ويعدون تصرفات الخلفاء ـ الذين يمثلون الحكومة الإسلامية ـ أمورا وقتية ، وتصرفات خاصة ، تزول وتفنى ، ولا يبقى سوى الإسلام بأصوله وشموخه وعظمته ، وقد دأب المنظرون التابعون للسلطات في توجيه تلك التصرفات بغرز أفكار انحرافية مثل : الإرجاء ، والجبر ، والتذرع بالاجتهاد والرأي ، وغير ذلك من الأفكار الانحرافية التي تقنع الناس ، وتمنعهم من التحرك للإصلاح ، ومن أخطر ما بثوه : كفر المعارضة ، وخروجها عن الدين ووجوب التصدي لها بأسم الإسلام.

وفي نفس الوقت كان المؤمنون بالإسلام في أصوله الثابتة ومسلماته الأساسية يعارضون كل التصرفات ويفندون الأفكار الموجهة لها ، لكنهم


يعرض البديل الحق والمتين والصادق ، وهم أئمة أهل البيت وتوجيهاتهم الرائعة ، وفقههم الناصح العادل ، وسيرتهم المجيدة وبذلك كانت تتبخر جهود المضللين بتكفير المعارضة ، وكيف تكفر طائفة يقودها أئمة أهل البيت النبوي؟! وتسوقها إرشاداتهم القيمة العادلة؟!

إن الشيعة لما عارضوا ما لم يوافق الحق من التصرفات المريبة والخارجة عن حدود الشريعة ومسلماتها ، والسيرة الفاسدة التي قام بها أناس بأسم الخلافة والحكومة الإسلامية ، لم يزيفوا إلا أعمال هؤلاء ، وكانت معارضتهم من أجل المحافظة على الإسلام وأصوله ، وجاؤا ببديل أوثق وأتقى وهم أهل البيت عليهم‌السلام.

فإذا عرضوا إشكالات التاريخ الإسلامي ، ومخالفات الخلفاء والأمراء ، فإنما هو بهدف توجيه العامة من الناس إلى الحق الصحيح مما جاء به الإسلام في أحكامه وفروعه وسيرته وتشريعه ، وتنبيههم إلى أن الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تكون فضيلة ـ وما أعظمها ـ إذا لم تقترن بمخالفته فيما جاء به من أصول وفروع وسيرة ، وأن الصحابة الطيبين الذين لم يخالفوا النبي في شئ من ذلك وبقوا إلى آخر الخط على هديه وسيرته كثيرون ، لكن من خرج منهم عن السيرة الإسلامية والنبوية العادلة فلا أبقى لنفسه كرامة ، وليس له عند الله ورسوله والمؤمنين حرمة.

ولا يجوز أن يعتدي على أحد منهم ما لم يثبت تعديه هو على الإسلام.

فالمهم لكل مسلم الحفاظ على الإسلام وأصوله وهديه ، وليس لأحد حق على حساب كرامة الإسلام مهما كان ، خليفة أو صحابيا أو سلطانا أو أميرا.

وأما العلمانيون ـ ومنهم المؤلف ـ فإنهم يستغلون السلبيات التي وقعت في التاريخ الإسلامي وعلى أيدي رجال من الصحابة وغيرهم ، لضرب أصل


الإسلام وتشويه صورته وتزييف تشريعاته ، ووسيلة إلى ضرب السنة التي هي مصدرها.

واستخدامهم لهذا إنما هو من قبيل (كلمة حق يراد بها باطل) فوقوع تلك المخالفات أمر ثابت ، لكن المسؤول عنها إنما هم القائمون بها ، لا الإسلام ولا السنة ولا التشريعات المعتمدة عليها.

فليست المخالفات سببا للهجوم على الدين بقدر ما هي وسيلة لتوجيه عامة المسلمين وتصحيح مسارهم ، وهديهم إلى الإسلام الحق والصحيح.

إن محاولة ضرب الدين بتصرفات السلاطين ، إنما هو الهدف الذي أراده السلاطين الفاسدون أنفسهم ، أمثال معاوية والحجاج وخلفاء بني أمية وبني العباس وآل عثمان ، ومن تلاهم من قواد وملوك ورؤساء الدول الإسلامية في هذا العصر.

ثم إن العلمانية التي تستهدف ضرب الإسلام بعرض هذه القضايا ، فإنما تفرغ ساحة العالم الإسلامي من أية ثقافة أو حضارة ، لتدعو إلى استبدالها بالحضارة الغربية الحديثة ، فإذا زيفت الشريعة الإسلامية ، فلا بد من تبني الشريعة الغربية ، وبذلك تتحقق مآرب عملاء الغرب في تضحيل الحضارة الإسلامية ، وتعظيم حضارة الغرب المادية محلها.

وفي نفس الوقت فإن العلمانية تكون ـ بعملها اللئيم هذا ـ قد أسقطت الأوراق التاريخية من أيدي الباحثين الذين يعرضون مآسي التاريخ الإسلامي ، لدعوة الناس إلى الإسلام ، فإن عملهم ـ وهم يحاولون تزييف الإسلام به ـ يجعلهم في نظر عامة الناس ، من المعارضين للإسلام.

ويجرون معهم ، كل من يحاول فهم التاريخ بصورة صحيحة إلى قفص الاتهام بالمعارضة الإسلامية وتزييف شريعته!

وهذا في نفسه مكسب للعلمانية ، أن تبدد مساعي الاصلاح في العالم الإسلامي ، إن لم تحظ بمأربها الأول على الأقل.


ولكن إذا كانت العلمانية فاشلة في أساليبها لتزييف الشريعة ، فهي في هذه المحاولة أكثر فشلا.


* كلمة الختام :

فهذا كتاب (تدوين السنة) لإبراهيم فوزي ، في (عنوانه) ومؤداه ، وفي (غرضه) ومؤشراته ، قد بسطنا ما عليه من الملاحظات حيث لم يلتزم باستخدام العنوان بشكل صحيح ، ولا أدي حق العنوان بصورة علمية حيادية مجردة ، بل عرض له منحازا وبصورة غير موضوعية ، مما يثير التساؤل حول صحة النتائج التي توصل إليها ، كما إنه لم يتبع منهج التوثيق المعترف به علميا ، فكانت معاملته مع المصادر بشكل قلق يثير الريبة في صحة منقولاته وتماميتها.

وأما هدفه فقد تلخص في (تزييف الشريعة الإسلامية) والسعي في إيحاء عدم إمكان تطبيقها ، وقد استولت هذه الروح التزييفية على عقل المؤلف وقلمه ، في كل صفحات الكتاب ، فراح يتابع الإشكاليات على السنة التي تعتمد عليها الشريعة الإسلامية ، وبينما نجده يعمم بعض هذه الإشكاليات على السنة ، لكنه يخص قسم المعاملات من الشريعة بالاستهداف ، فجعلها مركزا للإشكاليات ، وتبلورت عندها النتيجة التي طلبها من كتابه كله ، وهي تزييف الشريعة وإبعادها عن حيز التطبيق ، وداعيا إلى استبدالها بالشريعة الغربية الحديثة ، حيث راح يمجد بها ويزمر لها بأنها تتفق والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية.

ونحن في القسم الآخر من قراءتنا هذه تصدينا لإشكالياته على السنة ، ففندناها وأثبتنا خلوها من الصحة والدقة ، وعدم مطابقتها لواقع الحال في ما تصوره عن السنة المعتمدة في الفقه ، وإنما خلطه في الهجوم على الإسلام بين أصوله وأحكامه وبين ما توصل إليه الناس وجعلوه إسلاما أو تصوروه أصلا أو حكما ، وأن المفارقات التي قرأها وعددها لا تحمل إلا على تاريخ المسلمين وليس هو يمس الإسلام بشئ ، وإنما هو صرة خاطئة في أذهان أولئك الناس كما هو في ذهن المؤلف ومن لف لفه من العلمانيين.


ثم إن البديل الثقافي الذي اقترحه المؤلف لا يمكن أن يكون هو الشريعة الجارية في الحضارة الغربية المعاصرة ، لفراغها وتنافيها من أبسط القيم والمبادئ البشرية وسقوطها وخروجها عن أبسط قواعد المنطق والعدل ، وإن تظاهر الغربيين بدعوى حقوق الإنسان ، والحرية ، والمساواة بين البشر ، وبين المرأة والرجل ، ليس إلا إعلانا يستخدمونه ضد الأديان والشعوب الشرقية ، لتضحيل ثقافاتهم ، وتفريغهم من شرائعهم وأصول حضاراتهم المبتنية على التقاليد والأعراف الخاصة بهم ، ودفعهم إلى التبعية الحضارية للغرب المستهتر بالقيم والمبادئ ، وحقوق الإنسان والرجل والمرأة ، والمعتمد على القوة والإكراه والسطو والقهر.

إن العلمانيين ـ بمثل ما قام به المؤلف ـ ليسوا إلا أبواقا مزيفة مأجورة للدعاية الغربية ، وأيد عملية للحضارة الغربية في تزييف الإسلام وعقيدته وشريعته ، يقومون بما قام به المستشرقون من قبل بأسم الدراسات العلمية والجامعية ، وما قام به الرتل الخامس من أعمال تخريبية ضد الشعوب الأخرى ، ولكن بلسان عربي ، وبأقلام عربية ، بدعوى صلته بالإسلام من خلال دراسة مصادره وتراثه وفكره وشريعته ، وما هم إلا أجانب بعداء عن هذا الشعب وهذا الدين وهذا التراث.

إن قراءتنا هذه أثبتت زيف كل هذه الدعاوى الباطلة ، بالحياد والتجرد ومعرفة التراث الإسلامي ، بهدف تزييفه ونقده ودراسته! إن عنوان (تدوين السنة) ليس إلا قناعا يراد به السيطرة على قول القراء ، وليس محتواه إلا (تزييف الشريعة) وقطع أصولها وتسخيف أحكامها ، ولكن أخفق المؤلف في مسعاه ، لأنه لم يعرف (من أين تؤكل الكتف) كما يقول المثل المشهور.

(والله المستعان على ما يصفون).


حكم الجمع بين الصلاتين

على ضوء المذاهب الفقهية

السيد حسن الحسيني

آل المجدد الشيرازي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله العلي الحكيم المالك ، الذي هدانا إلى أكمل الأديان وأقوم المسالك ، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد المبعوث بالشريعة السمحة التي لا يزيغ عنها إلا هالك ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم نجوم الاهتداء وأنوار الحوالك.

أما بعد :

فما زالت طوائف من أهل الخلاف ، وعصائب من ذوي التعصب والاعتساف ، يشنعون على أصحابنا الشيعة الإمامية ـ أعزهم الله تعالى ـ تجويز الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير علة ويستعظمون ذلك منهم! مع كونه من الأمور القطعية الثابتة عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما سيتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى ـ.

على أنا ـ شهد الله ، وكفى به شهيدا ـ لن نتعبد في هذه المسألة إلا بما ثبت لدينا من أدلة الشرع الشريف من الكتاب والسنة ، بما لا مبرر معه لذلك


التهويل والتشنيع والإرجاف!

فحداني ذلك إلى جمع هذه الرسالة الموسومة ب : (إعلام أهل الملة بجواز الجمع بين الصلاتين في الحضر من غير علة) ، وقد أودعتها من البراهين الجلية ما تثبت به الحجة على الخصم ، وضمنتها الجواب عن الشبه الواهية التي تشبثوا بها لمنع من الجمع.

ولا بد ـ أولا ـ من تحرير محل النزاع فنقول :

إعلم ـ رحمك الله ـ أنا معاشر الإمامية مطبقون على استحباب تفريق الصلوات الخمس في الحضر على المواقيت المعهودة ، وإتيان كل منها في وقت فضيلتها ، وكتبهم شاهدة بذلك ، وأحاديثهم في ذا الباب مستفيضة (١) ، وأن الجمع عندهم رخصة لا غير ، إلا في عصري يوم عرفة وعشاءي ليلة المزدلفة ، فإن الجمع عندهم سنة كما عليه سائر أهل الإسلام ، وإلا في عصر الجمعة ، فإن السنة عندهم جمعها مع الأولى لقيام الدليل على ذلك.

وقد خالفت فيه العامة :

فقالت : الحنفية : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة والمزدلفة.

وأجازه الشافعي لعذر المطر ليلا كان أو نهارا.

ومنعه مالك في النهار وأجازه في الليل ، وأجازه أيضا في الطين دون المطر في الليل.

واختلفوا في عذر المرض ، فالمشهور من مذهب الشافعي والأكثرين أنه

__________________

(١) قال شيخنا الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في (الذكرى) : ١١٩ ـ : بعد كلام له في استحباب التفريق ـ : وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا ، علم منه استحباب التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك. انتهى.

وقال صاحب (العروة الوثقى) ـ من أئمتنا المتأخرين ـ : يستحب التفريق بين الصلاتين المشتركتين في الوقت كالظهرين والعشاءين. (كتاب الصلاة ـ فصل أوقات اليومية ونوافلها ـ مسألة ٧).


لا يجوز ، وجوزه أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ، وكذا أباحه مالك إذا خاف أن يغمى عليه أو كان به بطن.

ومن رام الوقوف على أسباب الجمع وشروطه عندهم فعليه بكتب فروعهم.

وقد دلت السنة الصحيحة الصريحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه جمع بين الصلاتين في الحضر دون عذر ، وما أراد بذلك إلا التوسع على أمته رفع الحرج عنهم ، وهذا مما اتفق أهل الإسلام على صحته ، وقد رواه الفريقان بأسانيد متعددة وطرق مختلفة.

لكن المنكرين لإباحة الجمع تأولوا تلك النصوص على غير ظواهرها  ـ كما ستعرف إن شاء الله ـ وطعنوا على أهل الحق باختيارهم جواز الجمع مطلقا.

إذا تقرر ذلك ، فاعلم أن الكتاب والسنة يدلان على حقية مذهب أصحابنا الإمامية في مسألة الجمع بين الصلاتين بقول مطلق وصحته ، وهما المرجع عند الاختلاف كما قال الله تعالى : (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) [سورة النساء ٤ : ٥٩].

دليل جواز الجمع بين الصلاتين من القرآن الكريم :

أما الكتاب العزيز فقوله عز من قائل : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (٢).

تقريب الاستدلال بالآية : أن الله سبحانه وتعالى قد افترض على عباده في اليوم خمس صلوات ، أربعا منها من دلوك الشمس ـ وهو الزوال على

__________________

(٢) الإسراء ١٧ : ٧٨.


الصحيح ـ إلى غسق الليل ـ وهو انتصافه ـ ، فالظهر والعصر من زوال الشمس عن كبد السماء إلى غروبها ، وتشتركان في الوقت إلا أن الأولى قبل الثانية ، وكذا المغرب والعشاء تشتركان في الوقت من الغروب إلى غسق الليل إلا أن المغرب قبل العشاء ، وأفرد تبارك وتعالى صلاة الفجر بالذكر في قوله جل ثناؤه : (وقرآن الفجر).

فالآية دالة على وجوب الصلوات الخمس ومتضمنة لبيان أوقاتها على ما هو المعروف من مذهب أصحابنا الإمامية ، ولازم اتساع الوقت جواز الجمع كما لا يخفى على ذي درية.

وقد رووا ذلك عن باقر العلم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديث الصحيح.

قال عليه الصلاة والسلام : قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهن ، وغسق الليل هو انتصافه ، ثم قال تبارك وتعالى : (وقرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا) فهذه الخامسة.

وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما الصلاة والسلام في قوله تعالى : (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال : منها صلاتان أول وقتهما من زوال الشمس إلا أن هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.

وهذا مذهبه ومذهب آبائه وأبنائه الطاهرين الكرام صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين ، وهم عيبة علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسفن نجاة الأمة ، وعدل القرآن ، وأمناء الوحي ، فمن ذا الذي ينكر فقه هؤلاء الأمجاد؟ أم أي منصف يعرض عن مذهب أولئك الأسياد؟! فالمتعين على المسلم الانقطاع إليهم في الأصول والفروع ، لأنهم أدرى بمقاصد القرآن العظيم والذكر الحكيم ، كيف لا؟! وقد نزل الكتاب في بيوتهم ، فهم أولى


بالاتباع من الأئمة الأربعة وغيرهم من أهل المذاهب الفقهية ، لأن هؤلاء أيضا ينتهون في العلم إليهم عليهم‌السلام ، وقد أخذ الإمامان أبو حنيفة ومالك عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وقوله : (لولا السنتان لهلك النعمان) يشهد بها الخافقان.

ولنعم القول قول شيخ الإسلام العلامة الشيخ سليم البشري المالكي : إن الأئمة الاثني عشر أولى بالاتباع من الأئمة الأربعة وغيرهم ، لأن الأئمة الاثني عشر كلهم على مذهب واحد قد محصوه وقرروه بإجماعهم بخلاف الأربعة ، فإن الاختلاف بينهم شائع في أبواب الفقه كلها فلا تحاط موارده ولا تضبط.

قال : ومن المعلوم أن ما يمحصه الشخص الواحد لا يكافئ في الضبط ما يمحصه اثنا عشر إماما ، هذا كله مما لم تبق فيه وقفة لمنصف ، ولا وجهة لمتعسف. انتهى (٣).

أخرج الصدوق ابن بابويه رحمه‌الله في (الفقيه) بإسناده عن عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بن المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد وإقامتين.

وأخرجه الشيخ رحمه‌الله في (التهذيب) بإسناده عن عمر بن أذينة ، عن رهط منهم الفضيل بن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وأخرج في (العلل) عنه عليه‌السلام قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سبب ، فقال له عمر ـ وكان أجرأ القوم عليه ـ : أحدث في الصلاة شئ؟ قال : لا ، ولكن أردت أن أوسع على أمتي.

__________________

(٣) المراجعات ـ للإمام شرف الدين العاملي رحمه‌الله ـ : ١٢٩


وأخرج في (العلل) أيضا بإسناده عن عبد الملك القمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : أجمع بين الصلاتين من غير علة؟ قال : قد فعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أراد التخفيف عن أمته.

وأخرج ثقة الإسلام الكليني ـ رحمه‌الله تعالى ـ في (الكافي) بإسناده عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة ، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة ، وإنما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليتسع الوقت على أمته.

وأخرج الشيخ رحمه‌الله في (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار) بإسناده عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : نجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير علة؟ قال : لا بأس (٤).

ولنرجع إلى ما كنا فيه فنقول :

ذكر الإمام فخر الرازي في (مفاتيح الغيب) (٥) كلاما شافيا في تفسير الآية آنفة الذكر ، قال : فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة ـ وحكاه عن ابن عباس وعطاء والنضر بن شميل ـ كان الغسق عبارة عن أول المغرب ، وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات : وقت الزوال ، ووقت أول المغرب ، ووقت الفجر.

قال : وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتا للظهر والعصر فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أول المغرب وقتا للمغرب والعشاء فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مطلقا ، إلا أنه دل الدليل على أن الجمع

__________________

(٤) تفصيل وسائل الشيعة ٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢٣.

(٥) مفاتح الغيب (التفسير الكبير) ٢١ / ٢٦ ـ ٢٧.


في الحضر من غير عذر لا يجوز ، فيوجب أن يكون الجمع جائزا لعذر السفر وعند المطر وغيره. انتهى.

قلت : ما أحسن ما استنبطه هذا الإمام الجهد من الآية الشريفة ، إلا أنه مال باستدراكه عن الحق وحاد عن الصواب ، وسيأتي إن شاء الله تعالى على ما ظنه مانعا من جواز الجمع في الحضر مطلقا.

فإن قيل : إن الآية مخصوصة بفعل الرسول أو بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي ـ كما ذكره النيسابوري في تفسيره (٦).

قلنا : أما فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا دلالة فيه على التخصيص في المقام ، لأنه أعم من مورد النزاع ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن مواظبته عليه وآله الصلاة والسلام على التوقيت في غالب الأحوال لا يدل على تعينه ووجوبه ، وإن دل على أفضليته واستحبابه.

وأما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا يقتضي عدم جواز الجمع بين الصلاتين.

إذ غاية ما يدل عليه هذا الحديث وجوب متابعته صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم في هيئة الصلاة وأفعالها ، وإلا فقد أدعي أنه لا يدل ـ في نفسه ـ على الوجوب والاستحباب ، وغيرها ، ضرورة اشتمال صلاته عليه وآله الصلاة والسلام على بعض المندوبات والمباحات ، والتمييز محتاج إلى قرينة كانت موجودة وقت الخطاب غير ظاهرة لدينا.

على أن السنة قد بينت أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الصلاتين في وقت واحد من غير عذر ولا علة ، فلا مجال للتوهم المذكور.

ولعمري إن من نظر بعين الإنصاف ، ونزع عنه جلباب التعنت والاعتساف ، أذعن بدلالة الآية على مذهب أصحابنا الإمامية ـ نصر الله بهم

__________________

(٦) غرائب القرآن ورغائب الفرقان ـ المطبوع بهامش تفسير الطبري ـ

١٥ / ٧٤.


الحق ـ من جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقا ، والله يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم.

أدلة جواز الجمع بين الصلاتين من السنة :

وأما السنة : فمستفيضة بين الفريقين ، صريحة في جواز الجمع في الحضر ، لا يرتاب في ذلك ذو تحصيل ، حتى قال إمام الحرمين الجويني الشافعي : ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها التأويل ـ كما حكاه الزرقاني في شرح الموطأ (٧) ـ ونحن ورد منها هاهنا ما يتم به المقصود إن شاء الله تعالى فنقول :

أخرج أحمد والبخاري ومسلم (٨) عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ، قال عمرو بن دينار : قلت : يا أبا الشعثاء ، أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك.

وأخرجوا أيضا (٩) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة مقيما غير مسافر سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وأخرج أحمد ، عن جابر بن زيد ومسلم والترمذي (١٠) عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير

__________________

(٧) شرح الموطأ ١ / ٢٩٥.

(٨) مسند أحمد ١ / ٢٢١ ، صحيح البخاري ٢ / ٧٢ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢.

(٩) مسند أحمد ١ / ٢٢٣ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ، سنن الترمذي ١ / ٣٥٤.


خوف ولا مطر.

ورواه ذلك مالك في (الموطأ) (١١) ومسلم في صحيحه بلفظ : في غير خوف ولا سفر ، قال مالك : أرى ذلك كان في مطر ، انتهى.

قال مسلم : وفي حديث وكيع قال : قلت لابن عباس : لم فعل ذلك؟ قال : كي لا يحرج أمته ، وفي حديث أبي معاوية : قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته.

وأخرج أحمد ومسلم أيضا (١٢) عن عبد الله بن شقيق العقلي ، قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون : الصلاة الصلاة ، قال : فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني يقول : الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنة لا أم لك؟! ثم قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شئ ، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته.

وقد علق سيدنا الإمام شرف الدين العاملي ـ رحمه‌الله ورضي عنه وأرضاه ـ على ذلك فقال (١٣) : من هوان الدنيا على الله تعالى وهوان آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هؤلاء أن يحوك في صدورهم شئ من ابن عباس فيسألوا أبا هريرة ، وليتهم بعد تصديق أبي هريرة عملوا بالحديث. انتهى.

وأخرج مسلم (١٤) عن عبد الله بن شقيق أيضا ، قال : قال رجال لابن

__________________

(١١) الموطأ ١ / ١٤٤ ح ٤ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥١.

(١٢) مسند أحمد ١ / ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ / ١٥٢ ـ ١٥٣ ، وكذا رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار وأبو داود الطيالسي في مسنده ١١ / ٣٥٥.

(١٣) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين.

(١٤) صحيح مسلم ٢ / ١٥٣.


عباس : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : الصلاة ، فسكت ، ثم قال : لا أم لك ، أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

وأخرج البخاري (١٥) عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والغرب والعشاء ، فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة؟ قال : عسى.

قلت : سيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.

وأرسل البخاري أيضا (١٦) عن ابن عمر وأبي أيوب وابن عباس ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى المغرب والعشاء ، يعني جمعهما في وقت إحداهما دون الأخرى.

وأخرج مسلم (١٧) عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر ، قال أبو الزبير : فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته.

وأخرج أيضا في (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر) من صحيحه (١٨) عن سعيد بن جبير ، قال : حدثنا ابن عباس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك ، فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قال سعيد : فقلت لابن عباس : ما حمله على ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته.

__________________

(١٥) صحيح البخاري ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

(١٦) صحيح البخاري ١ / ١٤٨.

(١٧) صحيح مسلم ٢ / ١٥.

(١٨) صحيح مسلم ٢ / ١٥١.


وأخرج في الباب المذكور (١٩) حديثين عن أبي الطفيل عامر بن وائلة ، قال : حدثنا معاذ بن جبل ، قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، قال : فقلت : ما حمله على ذلك؟ قال : فقال : أراد أن لا يحرج أمته.

واعلم أن حديث ابن عباس ومعاذ بن جبل في جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم في غزوة تبوك لا يختص بمورده ـ أعني السفر ـ إذ علة الجمع فيه مطلقة لا دخل فيها للسفر من حيث كونه سفرا ، ولا للمرض والمطر والطين والخوف من حيث هي هي ، وإنما هي كالعام يرد في مورد خاص فلا يتخصص به ، بل يطرد في جميع مصاديقه إذ العبرة بعموم الوارد دون المورد ، ولذا ترى الإمام مسلما لم يورده في باب الجمع في السفر ، إذ لا يختص به ، وإنما أورده في باب الجمع في الحضر ، ليكون من أدلة جواز الجمع بقول مطلق ، وهذا من فهمه وعلمه وإنصافه ـ كما قال الإمام ابن شرف الدين رحمه‌الله (٢٠) ـ.

وأخرج أبو داود في سننه (٢١) عن ابن عباس ، قال : جمع رسول الله بين الظهر والعصر والغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، فقيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته.

وأخرج عنه أيضا (٢٢) عن ابن عباس ، قال : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ثمانيا وسبعا ، الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وأخرج النسائي في سننه (٢٣) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، من

__________________

(١٩) صحيح مسلم ٢ / ١٥٢.

(٢٠) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين.

(٢١) سنن أبي داود ٢ / ٦ ح ١٢١١.

(٢٢) سنن أبي داود ٢ / ٦ ح ١٢١٤.

(٢٣) سنن النسائي ١ / ٢٩٠.


غير خوف ولا سفر.

وأخرج عنه أيضا (٢٤) قال : صليت وراء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ثمانيا جميعا وسبعا جميعا.

وأخرج عنه أيضا (٢٥) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي بالمدينة يجمع بين الصلاتين ، الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، من غير خوف ولا مطر ، قيل له : لم؟ قال : لئلا يكون على أمته حرج.

وأخرج النسائي في سننه وأبو نعيم في الحلية (٢٦) عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شئ ، والمغرب والعشاء ليس بينهما شئ ، فعل ذلك من شغل ، وزعم ابن عباس أنه صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثماني سجدات ليس بينهما شئ.

وأخرج عبد الرزاق بن همام في جامعه ، قال : أنبأنا ابن جريح ، عن عمرو بن شعيب ، قال : قال عبد الله بن عمر : جمع لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقال رجل لابن عمر : لم ترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك؟ قال : لئلا يحرج أمته إن جمع رجل (٢٧).

وأخرج أبو نعيم في الحلية (٢٨) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمان ركعات جميعا ، وسبع ركعات جميعا ، من غير

__________________

(٢٤) سنن النسائي ١ / ٢٩٠.

(٢٥) سنن النسائي ١ / ٢٩٠.

(٢٦) سنن النسائي ١ / ٢٨٦ ، حلية الأولياء ٣ / ٩٠ ، مسند أبي داود الطيالسي ١٠ / ٣٤١ ح ٢٦١٣.

(٢٧) مصنف عبد الرزاق ٢ / ٥٥٦ ح ٤٤٣٧ ، كنز العمال ٢ / ٢٤٢ ح ٥٠٧٨.

(٢٨) حلية الأولياء ٣ / ٩٠.


مرض ولا علة.

وأخرج الطبراني في الصغير ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

وأخرج أيضا في الأوسط (٢٩) والكبير ، بسنده عن عبد الله بن مسعود ، قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يعني بالمدينة ـ بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي.

وأخرج الطحاوي في : معاني الآثار [١ / ١٦١] بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة.

وأخرج البزار في مسنده ، عن أبي هريرة ، قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصلاتين بالمدينة من غير خوف.

وغير ذلك من السنن المستفيضة الواردة في هذا الباب.

على أن في هذا القدر غنية وكفاية لأولي البصائر والألباب.

وهذه الأحاديث صريحة في أن جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر إنما هو لبيان جواز الجمع ومشروعيته ، لئلا يتوهم حظره من مداومته صلوات الله وسلامه عليه على التفريق ، ومواظبته على التوقيت في غالب الأحوال.

وهي روايات صحيحة أخرجها أصحاب الصحاح وأرباب السنن والمسانيد ، فترك الجمهور العمل بها لا يقدح في صحتها ، ولا يوجب سقوط الاستدلال بها ـ كما صرح بذلك الشوكاني في نيل الأوطار (٣٠) ـ.

__________________

(٢٩) المعجم الأوسط ، المعجم الصغير ٢ / ٩٤ ، المعجم الكبير ١٠ / ٢٦٩ ح ١٠٥٢٥.

(٣٠) نيل الأوطار ٣ / ٢٤٨.


وبه يظهر ما في دعوى الترمذي والشيخ تقي الدين السبكي الشافعي (٣١) إجماع أهل العلم على ترك العمل بحديث ابن عباس ، فإنها دعوى باطلة مردودة بعدم ثبوت الاجماع ، فقد قال به ابن عباس وعمل به ، ووافقه أبو هريرة ، وذهب إليه جماعة من الفقهاء ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ وعليه انعقد إجماع الإمامية.

وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (٣٢) : وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال. انتهى.

وقال الآلوسي في تفسيره (٣٣) ـ في رد كلام الترمذي ـ : إنه ناشئ من عدم التتبع.

وليت شعري لم تركوا العمل به مع أنه من الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة في الباب؟! وأي وزن يقام لإجماعهم ـ على تقدير ثبوته ، وقد عرفت ما فيه ـ في مقابل النصوص المستفيضة؟!

فلا محيد من الاذعان بها والبخوع لها ، والله المستعان.

ومنه يعلم أيضا ما في قول القاضي شرف الدين الحسين بن محمد المغربي في (البدر التمام في شرح بلوغ المرام) (٣٤) : إن حديث ابن عباس عند مسلم (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته) لا يصح الاحتجاج به ، لأنه غير معين لجمع التقديم والتأخير

__________________

(٣١) سنن الترمذي ـ كتاب العلل ـ ٥ / ٧٣٦ ، وكلام السبكي تجده في صفحة ٢٢ من رسالة الاجتماع والافتراق المطبوع مع رسالتين أخريين في مجموعة بعنوان : (الدرة المضيئة).

(٣٢) شرح صحيح مسلم ٣ / ٤١٠.

(٣٣) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ١٥ / ١٣٤.

(٣٤) كما حكاه عنه الأمير الصنعاني في سبل السلام ٢ / ٤٣ ، والشيخ صديق بن حسن القنوجي البخاري في فتح العلام ١ / ١٩٥.


ـ كما هو ظاهر في رواية مسلم ـ وتعيين واحد منهما تحكم ، فيوجب العدول منه إلى ما هو واجب من البقاء على العموم في حديث الأوقات للمعذور وغيره ، وتخصيص المسافر لثبوت المخصص. انتهى.

وزعم أن هذا هو الجواب الحاسم.

قلت : بناؤه عدم الاحتجاج بحديث ابن عباس عند مسلم على عدم تعيين الحديث لجمع التقديم والتأخير ـ مع كونه مخالفا لما أجمع عليه أهل السنة والجماعة من الاحتجاج بأحاديث الصحيحين ـ بناء على أصل فاسد ، وما يبني على الفاسد فاسد ، إذ ليس النزاع في جواز الجمع قديما وتأخيرا حتى يقال إن الحديث مجمل غير مبين لأحد الأمرين ، وإنما الكلام في ثبوت أصل مشروعية الجمع في الحضر ، وحديث مسلم وغيره نص فيه كما هو ظاهر جلي.

وأما دعواه بقاء العموم في حديث الأوقات للمعذور وغيره ، فهي مردودة بمخالفتها للنص المعلل بسماحة الشريعة وسهولتها.

مع أن في الكتاب والسنة ما هو صريح في إعذار ذوي الأعذار حتى اشتهر وذاع أن الضرورات تبيح المحظورات ، وهذا لا يكاد يخفى على من اغترف من منهل الشريعة وألم بطرف من الفقه والأحكام.

على أنه لا تنافي ـ في نفس الأمر ـ بين حديث الأوقات وأحاديث الجمع ، إذ أن أحاديث الجمع تقتضي حمل حديث الأوقات على الفضيلة ، وتبين أن المراد من التوقيت في الواقع هو ذلك دون التعين والوجوب ، فلا ينعقد حينئذ عموم من أول الأمر ، فأفهم.

وأما قوله ـ في رد التمسك بأحاديث الجمع في الحضر ـ : إن ما يروى عن الصحابة والتابعين فغير حجة ، إذ للاجتهاد في ذلك مسرح ، فمدفوع بأنه مضافا إلى أن الحجة في المقام ليست خصوص فعل ابن عباس ـ رضوان الله


عليه ـ وتصديق أبي هريرة إياه وموافقته له في مقالته ـ كما أخرجه مسلم ـ فإن قول الصحابة وفعلهم مستند إلى ما استفاض من جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم بالمدينة ، وكانوا هم حاضريه وفاعليه مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، فليس هو من اجتهاداتهم ، ولا أقل من احتمال ذلك ، كيف وقد رواه جماعة منهم ، كجابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن مسعود وابن عمر وأبي هريرة فضلا عن ابن عباس ـ كما تقدم آنفا ـ ، وحاشا الصحابة الكرام أن شرعوا في الدين ما لم يعلموا وروده في الشرع من التعبديات التي لا تعرف إلا من قبله ، فضلا عن أن تقولوا على الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ويعزوا إلى ما لم يفعله.

تنبيه :

قال الخطابي في (معالم السنن) (٣٥) ـ في حديث حبيب بن أبي ثابت الذي أخرجه مسلم والترمذي ـ : هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء ، وإسناده جيد إلا ما تكلموا من أمر حبيب. انتهى.

قلت : حبيب بن أبي ثابت الأسدي الكاهلي الكوفي قد وثقوه.

قال الذهبي في (ميزان الاعتدال) (٣٦) : احتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد ، وقال : وثقه يحيى بن معين وجماعة. انتهى.

وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة ، وقال أيضا : كان ثقة ثبتا في الحديث.

وقال ابن معين والنسائي : ثقة.

وقال ابن أبي مريم عن ابن معين : ثقة حجة ، قيل له : ثبت؟ قال : نعم.

وقال أبو حاتم وابن عدي : صدوق ثقة.

__________________

(٣٥) معالم السنن ٢ / ٥٥ رقم ١١٦٧ ، وحكاه عنه في عون المعبود ١ / ٤٦٩.

(٣٦) ميزان الاعتدال ١ / ٤٥١ رقم ١٦٩٠.


وقال ابن عدي أيضا : هو أشهر وأكثر حديثا من أن أحتاج أذكر من حديثه شيئا ، وقد حدث عن الأئمة ، وهو ثقة حجة ـ كما قال ابن معين (٣٧) ـ.

قلت : وكأن الخطابي أراد تكلم الدولابي فيه ، وعده من المضعفين لتشيعه ، وهو غير ضائر ، إذ ليس بقدح معتد به ـ عند القوم ـ ما لم يجاوز الحد المعتبر ، ولم ينقل عنه ذلك ، بل وثقوه واحتجوا به ـ كما عرفت.

وهذه الصحاح وغيرها من كتب السنة قد ملئت إلى مشاشتها برجال الشيعة ورواتهم ، فلو رد حديث المتشيعين مطلقا لذهبت جملة من الآثار النبوية  ـ كما أعترف بذلك الحافظ الذهبي بترجمة أبان بن تغلب من (ميزان الاعتدال) (٣٨) ـ.

أو أن الخطابي أراد رمي بعضهم إياه بالتدليس ، وليس بشئ لا سيما مع هذه التوثيقات الأكيدة.

وأما دعوى ابن الهمام الحنفي أن حديث ابن عباس معارض بما في صحيح مسلم من حيث ليلة التعريس ، أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى.

فهي كما ترى ، وللبحث في ذلك مجال ـ كما قال الآلوسي الحنفي في ـ روح المعاني) (٣٩) ـ ، فإن حديث التعريس لا يعارض جمع التقديم البتة ، وقد يتوهم معارضة ظاهرة لجمع التأخير ، وليس كذلك ، إذ أن فعل ابن عباس رضي الله عنه ـ أعني جمعه بين المغرب والعشاء ـ وتصديق أبي هريرة له ـ كما أخرجه مسلم عن عبد الله بن شقيق العقيلي ـ حجة في جمع التأخير ، فإن الفعل والتصديق إنما كانا بالإضافة إليه.

__________________

(٣٧) تهذيب التهذيب ١ / ٤٣٠ ـ ٤٣١.

(٣٨) ميزان الاعتدال ١ / ٥ رقم ٢.

(٣٩) روح المعاني ١٥ / ١٣٤.


وفي احتجاجه ـ رضي‌الله‌عنه ـ بجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيحاء إلى نفي خصوصية التقديم والتأخير في الجمع ، ولولا ذلك لما صح الاحتجاج به.

هذا ، مع أنا قد بينا آنفا وسيأتي إن شاء الله أن حديث الأوقات محمول على الفضيلة ، فليس حينئذ في تأخير إحدى الصلاتين إلى وقت فضيلة الأخرى والجمع بينهما تفريط يستوجب الإثم والعقاب ، فالظاهر إثبات التفريط في تأخير الصلاة عن وقتها المضيق ، كتأخير العصر حتى يدخل وقت العشاءين ، وتأخيرهما إلى ما بعد انتصاف الليل ـ عند بعضهم ـ ، وتأخير الفجر حتى تطلع الشمس.

ثم إن المانعين من الجمع تأولوا تلك النصوص ، ـ بعد الاقرار بثبوتها ـ على وجوه شتى!

مع أن التأويل والصرف عن الظاهر لا يرتكب إلا مع معارضة الحديث لأمر ثابت مقطوع ، وليس في المقام ما يعارض ظاهر أحاديث الباب ، حتى يلزم تأويلها لأجله ، فمن تلك الوجوه :

الأول : ما ذكره الشيخ ولي الله الدهلوي الحنفي في (في شرح تراجم أبواب البخاري) (٤٠) حيث قال : وليعلم أن ما وقع في الحديث من قوله (صلى بالمدينة) وهم من الراوي ، بل كان ذلك في سفر انتهى.

قلت : بل الوهم منه ، فقد وقع التصريح في جملة من أحاديث الصحيحين وغيرهما ـ كما تقدم في أوائل هذا الاملاء ـ بأن الجمع كان بالمدينة ، فلم يبق إلا تعمد التحريف ـ والعياذ بالله ـ.

وأخرج الطبراني في (الأوسط) (٤١) بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن

__________________

(٤٠) شرح تراجم أبواب البخاري : ١٢ ط. كراتشي.

(٤١) المعجم الأوسط ٣ / ١٧٦.


ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمانيا جميعا ، وسبعا جميعا ، مقيما في غير سفر ، فقلت : أين كان؟ قال : بالمدينة.

هذا ، مع انعقاد الاجماع على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتم في السفر ولم يرد على ركعتين ـ كما حكاه ابن قيم الجوزية في (زاد المعاد) (٤٢) ـ ومن ثم لم يتشبث المانعون بما ذكره الدهلوي لوضوح فساده.

الثاني : أن الجمع كان لعذر المطر ، وهذا مشهور عن جماعة من كبار المتقدمين.

قال النووي (٤٣) : وهو ضعيف بالرواية الأخرى (من غير خوف ولا مطر). انتهى.

على أنه بعيد عن اللفظ غاية البعد ولا قرينة عليه ـ كما قال الإمام شرف الدين العاملي رحمه‌الله (٤٤) ـ.

وقد تقدم قول أيوب السختياني لأبي الشعثاء جابر بن زيد ـ عقب تحديثه بحديث ابن عباس : صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء ـ : لعله في ليلة مطيرة ، وقول جابر : عسى.

وهب أن تأويله هذا بالنسبة إلى الجمع بين المغرب والعشاء مقبول ، فما قوله بالإضافة إلى الجمع بين الظهر والعصر؟!

وقال القاضي شرف الدين المغربي في (البدر التمام) (٤٥) ـ في رد قول ابن سيد الناس : إن راوي الحديث أدرى بالمراد منه من غيره وإن لم يجزم أبو الشعثاء بذلك ـ إنما هو ظن من الراوي ، والذي يقال فيه : (أدرى بما روى)

__________________

(٤٢) زاد المعاد ١ / ١٢٨.

(٤٣) شرح صحيح مسلم ٣ / ٤٠٤.

(٤٤) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين.

(٤٥) كما حكاه عنه الصنعاني في سبل السلام ٢ / ٤٣ ، والقنوجي في فتح العلام ١ / ١٩٥.


إنما يجري في تفسيره للفظ (٤٦) مثلا ، على أن في هذه الدعوى نظرا ، فإن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) يرد عمومها. انتهى.

وقال شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر في (فتح الباري) (٤٧) : احتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث ـ يعني حديث جابر بن زيد عن ابن عباس ـ عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس نحوه ، وقال بدل قوله : (بالمدينة من غير خوف ولا سفر) : قال مالك : لعله كان في مطر (٤٨) ، لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ : (من غير خوف ولا مطر) فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر. انتهى.

وذكر المحقق ابن الصديق في رد هذا التأويل كلاما متينا ، قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرح بأنه فعل ذلك ليرفع الحرج عن أمته وبين لهم جواز الجمع إذا احتاجوا إليه (٤٩) ، فحمله على المطر بعد هذا التصريح من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة الذين رووه تعسف ظاهر ، بل تكذيب للرواة ومعارضة لله والرسول ، لأنه لو فعل ذلك للمطر لما صرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافه ، ولما عدل الرواة عن التعليل به إلى التعليل ينفي الحرج ، كما رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يأمر المنادي أن ينادي في الليلة المطيرة : (ألا صلوا في الرحال) ، ولم يذكروا ذلك في الجمع ، فكيف وقد صرحوا بنفي المطر؟!

ثم فند التأويل بالمطر من وجه آخر فقال : إن ابن عباس الراوي لهذا *

__________________

(٤٦) أي : وهنا ليس كذلك.

(٤٧) فتح الباري ٢ / ٣٠.

(٤٨) الموطأ ١ / ١٤٤ ذ ح ٤.

(٤٩) بل ولو لم يحتاجوا إليه كما ستعرف إن شاء الله تعالى.


الحديث آخر الصلاة وجمع لأجل انشغاله بالخطبة ، ثم احتج بجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يجوز أن يحتج بجمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم للمطر ـ وهو عذر بين ظاهر ـ على الجمع لمجرد الخطبة أو الدرس الذي في إمكانه أن يقطعه للصلاة ثم يعود إليه أو ينتهي منه عند وقت الصلاة ولا يلحقه فيه ضرر ولا مشقة كما يلحق الإنسان في الخروج في حالة المطر والوحل. انتهى (٥٠).

الثالث : أنه كان في غيم ، فصلى الظهر ، ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر قد دخل فصلاها.

وهذا مع كونه حرصا ومجازفة ورجما بالغيب ، إذ لا دليل عليه البتة ، فإنه باطل أيضا ، لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر لا احتمال فيه في المغرب والعشاء ـ كما قال النووي في شرح صحيح مسلم (٥١) ـ.

وقال المازري : وهذا يضعفه جمعه بالليل ، لأنه لا يخفى دخول الليل حتى يلتبس دخول المغرب بوقت العشاء ولو كان الغيم.

الرابع : أن ذلك كان بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار.

قال الشيخ محيي الدين النووي الشافعي في (شرح صحيح مسلم) (٥٢) : وهذا قول أحمد بن حنبل ، والقاضي حسين من أصحابنا ، واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا ، وهو المختار في تأويله ، لظاهر الحديث ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ، ولأن المشقة فيه أشد من المطر. انتهى.

وأنت خبير بأنه لا ظهور في الأحاديث ولا دلالة فيها عليه بشئ من الدوال ، بل قد تعقب بأنه مخالف لظاهر الحديث ، وتقييده به ترجيح بلا مرجح

__________________

(٥٠) إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر : ١١٦ ـ ١٢٠.

(٥١) شرح صحيح مسلم ٣ / ٤١٠.

(٥٢) شرح صحيح مسلم ٣ / ٤١٠.


وتخصيص بلا مخصص ـ كما في إرشاد الساري (٥٣) ـ.

واعترضه العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي في (الفتح (٥٤) فقال : فيه نظر ، لأنه لو كان جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى بأصحابه ، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته. انتهى.

وهذا الجواب ذكره الزرقاني أيضا في (شرح الموطأ) (٥٥).

هذا ، مع أن المشهور عن الشافعي وأصحابه عدم جواز الجمع للمريض  ـ كما في فتح الباري (٥٦) ـ فبطل هذا التأويل على مذهب الشافعية.

بل ادعى إمام الحرمين الاجماع على امتناعه بالمرض ، وادعى الترمذي إجماع الأمة على ذلك (٥٧) ، وقال في سننه (٥٨) : ولم ير الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين. انتهى.

وليت شعري من أين استنبط من هذا الحديث أن علة الجمع هي المرض ، مع أنه ليس في ظاهره ولا مكنونه من عذر المرض أو نحوه مما في معناه عين ولا أثر ، بل أخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) (٥٩) عن ابن عباس ، قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمان ركعات جميعا وسبع ركعات جميعا من غير مرض ولا علة. فنفى وجود المرض خاصة ، وأكده بعدم العلة عامة.

وأما تمسكه بفعل ابن عباس فليس فيه دلالة على ما اختاره ، لأن حديث

__________________

(٥٣) إرشاد الساري ١ / ٤٩١.

(٥٤) فتح الباري ٢ / ٣٠.

(٥٥) شرح الموطأ ١ / ٢٦٣.

(٥٦) (فتح الباري) ٢ / ٥٠.

(٥٧) كما في كفاية الأخبار للحصني : ٨٩.

(٥٨) سنن الترمذي ١ / ٣٥٧.

(٥٩) حلية الأولياء ٣ / ٩٠ ط. مطبعة السعادة.


أبي الشعثاء صريح في أن ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ قد شغل بالخطبة من بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم ، ثم جمع بين المغرب والعشاء ، ومن المعلوم أنه لو كان جمع لأجل المرض لما أمكنه القيام بخطبته التي هي أطول من مجرد صلاة!

وتصديق أبي هريرة إنما هو بالإضافة إلى أصل تحقق الجمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة دون عذر من الأعذار ، وهذا هو القدر المتيقن الذي يؤخذ من ظاهر الحديث ، وما زاد عليه يحتاج إلى الدليل. ولا دليل عليه ، بل الدليل ناهض على خلافه.

وأما كون المشقة في المرض أشد منها في المطر ، فهذا أيضا لا يقتضي تعين الحمل على عذر المرض ـ كما لا يخفى ـ.

ومما يفند هذا التأويل : ما ورد في بعض أحاديث الباب من أنه صلى الله عليه وآله وسلم جمع من غير خوف ولا سفر ولا مطر ، وظاهر أن نفي كون الجمع لأجل هذه الأمور لا يدل بوجه على أن الجمع كان بعذر المرض ونحوه مما هو في معناة ، إذ لا يلزم من نفي هذه إثبات غيرها كما تقرر في علم أصول الفقه.

كيف ، وأن من عرف أساليب الخطابات يعلم أن ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ لم يكن في مقام نفي الأمور المذكورة فحسب ، بل مراده أنه لم يقع الجمع لعذر من الأعذار ، وإنما المذكورات من باب الفرض والمثال ، كما كشف عنه بتعليله (أراد أن لا يحرج أمته) فذيل كلامه قرينة على المراد من صدره كما لا يخفى على من آتاه الله نصيبا من العلم ورزقه حظا من الفهم.

ولعل الاقتصار على ذكر هذه الثلاثة لكونها أمورا تعم بها البلوى ، وأنها أدعى للجمع ، وإلا فلا خصوصية لنفيها دون سائر الأعذار ، والله أعلم.

الخامس : أن الجمع كان لمشقة عارضة ذلك اليوم ، من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك ، ويدل على ذلك قول ابن عباس ـ لما سئل عن


علة هذا الجمع ـ قال : (لئلا يحرج أمته).

وهذا التأويل ذكره الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الحنبلي في حاشية فتح الباري بشرح صحيح البخاري (٦٠) وقال متبجحا : وهو جواب عظيم ، سديد شاف. انتهى.

نعوذ بالله من العجب والغرور!

الجواب : أن الأمر لو كان كذلك لكان ينبغي لابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ وبيان تلك العلة والتنبيه عليها ، لاشتمالها على سبب الجمع فيقتصر عليها ، لأن في الاطلاق إغراء بتوهم العموم وعدم التقيد في الحكم إذا كان غير مراد ، ولزوم ذلك لا يخفى على من له أدنى بصيرة فضلا عن حبر الأمة وابن عم نبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

لكنه ـ رضوان الله عليه ـ أخبر بجمعه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من دون ذكر موجبه وسببه ، وكذا غيره من الصحابة ممن روى حديث جمعه عليه وآله الصلاة والسلام بالمدينة.

فإطلاق كلام ابن عباس وغيره ممن روى حديث الجمع يقتضي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الصلاتين من دون عذر مطلقا ، وهو حجة لا مجد عنها.

ويشهد لذلك تصديق أبي هريرة له في إخباره بجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من دون ذكر علته ، وكذا فعل ابن عباس ، إذ لم يكن جمعه لمرض غالب أو برد شديد أو حل ونحو ذلك ، بل كان لمجرد الخطبة.

على أنه لا إشارة في الحديث إلى أن تحقق الجمع منه عليه وآله الصلاة والسلام كان لمشقة عارضة ذلك اليوم ، وما ذلك إلا تخرصا ومجازفة ورجما بالغيب.

__________________

(٦٠) شرح صحيح البخاري ٢ / ٣٠.


ولو كان ما ذكره ابن باز حقا لما ساغ لابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ ارتكاب الجمع ـ كما في حديث مسلم ـ معتذرا بمجرد وقوع مثل ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدروه عنه من دون ابتلاء ابن عباس نفسه بمرض ، بل كان يلزمه الاقتصار في موارد الجمع على مثل تلك الأعذار التي ذكرها ابن باز ، فجميع ما ذكره مدفوع ، وجملة ما تمحله ممنوع.

والحق أن في التفريق بين الصلاتين ـ مع قطع النظر عن أفضليته ـ ضرب من المشقة ليس في الجمع ، فصح لذلك تعليل تشريع الجمع برفع الحرج ، وانتفى تجشم تلك الأعذار والعلل والعليلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وبالجملة : فإن التعليل المحكي في الأحاديث يفيد عموم نفي الحرج من جهة التفريق دائما ، فدفع الحرج إنما هو بعين تشريع الجمع مطلقا ، لا بكونه في مقام عروض العذر والمشقة العارضة ، فبطل ذلك تشبثه بتعليل ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ ، بل دلالته على نفي العذر في غاية الظهور ، إذ كيف يعقل أن يعدل ابن عباس ـ وهو حبر الأمة ـ عن ذكر العلة الموجبة للجمع إلى ذكر رفع الحرج عن الأمة؟!

ولنعم قول الإمام ابن المنذر : إنه لا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار ، لأن ابن عباس قد أخبر بالعلة فيه وهو قوله : (أراد أن لا يحرج أمته) (٦١). انتهى.

السادس : أن الجمع مختص بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفضله.

وهو ظاهر الوهن ، بين الفساد ، إذ قد ورد في أكثر أحاديث الباب أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما جمع بين الصلاتين لئلا تحرج أمته ، فالعلة المطلقة لا تختص بمسجده عليه وآله الصلاة والسلام ، وأي مشقة في التفريق

__________________

(٦١) معالم السنن ٢ / ٥٥ د ح ١١٦٧ : الجوهر النقي ـ ضمن سنن البيهقي ـ ٣ / ١٦٧ ـ ١٦٨.


بالمسجد النبوي الشريف دون سائر المساجد حتى يرتفع الحرج بتشريع الجمع فيه؟! وأي تعلق لفضل البقعة بالجمع؟! ولو كان كذلك لكان المسجد الحرام أولى بذلك!

ورده العلامة المحقق الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري المغربي من وجه آخر فقال (٦٢) : يكفي في إبطاله أن دعوى الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ، وأن مثل هذه الدعوى لا يعجز عنها أحد في كل شئ أراد نفيه من أنواع التشريعات ، فأي فرق بين ادعاء الخصوصية في الجمع بين الصلاتين وادعائها في الجماعة مثلا ، وأنها خاصة بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفضله؟! وكذلك في الجمعة وأنها خاصة بمسجده وبزمانه واستماع خطبته وكلامه؟! وما عدا مسجده وزمانه فلا تشرع جمعة ولا جماعة ، وهكذا سائر أفعاله التي قام الدليل على وجوب التأسي به فيها أو استحبابه ، ولأنه يجوز ادعاء الخصوصية به أو بمكانه أو زمانه إلا بدليل يدل على ذلك ، فيكف وقد جمع بعرفة ، ومزدلفة ، ومنى ، وتبوك ، وكثير من البقاع في أسفاره وغزواته؟! وجمع بعده أصحابه في أسفارهم وأوقات ضروراتهم ، فهو دليل قاطع على بطلان هذا التأويل. انتهى.

السابع : أن الجمع المذكور صوري! وهو الذي اعتمده الحنفية في تأويل أحاديث الجمع ، وما إليه بعض أهل العلم ممن سواهم (٦٣).

وقد أبطله المحقق ابن الصديق في رسالته (إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر) من عشرين وجها ، فراجع إن شئت.

__________________

(٦٢) إزالة الخطر : ١١١.

(٦٣) ونصره الطحاوي في (شرح معاني الآثار) بما فيه تكلف وتعسف يتحاشى عن مثله أهل العلم على قاعدته في نصر مذهب أبي حنيفة ، وأختار هذه القول أيضا ابن الماجشون والمازري وعياض والقرطبي وإمام الحرمين وابن سيد الناس والحافظ في الفتح مع اعترافه بضعف دليله ومسنده كما في (إزالة الخطر) : ٩١.


وتحقيق الحق في هذا المقام تقديم الكلام في بيان معنى الجمع ، فنقول :

اعلم ـ أرشدك الله ـ أن الجمع ضربان :

حقيقي : وهو أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، كجمع الصلاتين يوم عرفة وليلة مزدلفة.

وصوري : وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتعجيل الأخرى في أول وقتها كجمع المستحاضة بين الصلاتين ، وهو توقيت في الحقيقة.

إذا تقرر هذا فاعلم : أن لفظ الجمع حقيقة في الجمع الحقيقي وما سواه مجاز ، لأنه المتبادر إلى الذهن عند الاطلاق ، وقد تقرر في محله أن التبادر والانسباق إلى الذهن من دون قرينة من أمارات الحقيقة ، فإرادة الجمع الصوري من اللفظ مجاز لعدم تبادره من اللفظ إلا مع القرينة.

وكذا ذكروا أن صحة السلب من علامات المجاز ، فيصح أن يقال : إن الجمع الصوري ليس بجمع حقيقة لوقوع كل من الصلاتين في وقتها ، ولو شك في إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي من لفظ الجمع فإن أصالة الحقيقة في الكلام محكمة بلا ريب.

ثم إن الخطابي ذكر في تحقيق معنى الجمع كلاما لا بأس بإيراده هنا إتماما للفائدة وتكميلا للعائدة.

قال (٦٤) : ظاهر اسم الجمع عرفا لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجل العصر فصلاها في أول وقتها ، لأن هذا قد صلى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها.

قال : وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما ، ألا ترى أن الجمع بعرفة بينهما ومزدلفة كذلك. انتهى.

__________________

(٦٤) معالم السنن ٢ / ٥٢ ح ١١٦٣ ، عون المعبود ١ / ٤٦٨.


وإذا أحطت خبرا بما ذكرناه فاعلم أنهم قد احتجوا لتعين حمل أحاديث الباب على الجمع الصوري بوجوه :

الأول : ما أخرجه النسائي عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : صليت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ، أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء.

قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (٦٥) : فهذا ابن عباس راوي الحديث قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري. انتهى.

قلت : قد ذهل الشوكاني عن أن التأخير والتعجيل المذكورين في هذا الحديث إنما هو من كلام الراوي عن ابن عباس ، أعني أبا الشعثاء جابر بن زيد ، فالحديث مدرج ، أدرج فيه أبو الشعثاء تلك الزيادة بحيث يظن أنها من كلام ابن عباس ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، وهذا تدليس منكر ، ولو تفطن الشوكاني لذلك لأحجم عن الاحتجاج به لما اختاره ونافح عنه.

ويشهد لما ذكرنا ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن عمرو بن دينار ، أنه قال ـ بعد ما حدثه أبو الشعثاء بحديث الجمع ـ : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال أبو الشعثاء : وأنا أظن ذلك.

ثم وقفت على قول ابن شاكر في تعليقه على مسند أحمد (٦٦) : إن هذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء ولا حجة فيه. انتهى.

وهو متين ، فلا ينبغي بعد هذا أن يكون في النفس شئ مما ذكرنا.

وظن ذينك لا عبرة به في نفسه ، فكيف إذا خالف صريح السنن (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) ولو كان سمعه من

__________________

(٦٥) نيل الأوطار ٣ / ٢٤٦.

(٦٦) تعليق ابن شاكر على مسند أحمد ٣ / ٢٨٠ ح ١٩١٨ ، ط. دار المعارف بمصر.


ابن عباس لحكاه عنه من دون أن يسنده إلى ظنه ، فهذه أمارة أخرى على أن التعجيل والتأخير لم يحكيا من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما احتمله بعضهم توهما.

فبان بذلك أن ليس نسبة حديث أبي الشعثاء إلى سائر أحاديث الباب نسبة المقيد إلى المطلق ، خلافا لما زعمه المغربي ـ على ما حكاه عنه الصنعاني في (سبل الإسلام) (٦٧) ـ.

الثاني : ما أخرجه مالك في الموطأ والبخاري وأبو داود والنسائي ، عن ابن مسعود ، قال : ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين ، جمع المغرب والعشاء بالمزدلفة ، وصلى الفجر يومئذ قبل وقتها.

فنفى ابن مسعود مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة ، مع أنه ممن روى حديث الجمع بالمدينة (٦٨) ، وهو يدل على أن الجمع الواقع بالمدينة صوري ، ولو كان جمعا حقيقيا لتعارضت روايتاه ، والجمع ما أمكن المصير إليه هو الواجب ، كذا قرره الشوكاني في (نيل الأوطار) (٦٩).

والجواب : أن حديث ابن مسعود لا يؤخذ به ، لحصره الجمع في جمع المزدلفة ، وهذا مما لا يلتزم به الخصم فضلا عن غيره ، وكأنه ما اطلع على جمع عرفة ولا على جمع السفر ـ كما قال السندي الحنفي في حاشية النسائي (٧٠).

وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (٧١) : هو متروك الظاهر

__________________

(٦٧) سبل السلام ـ للصنعاني ـ ٢ / ٤٣.

(٦٨) فتح الباري ٢ / ٣١ ، نيل الأوطار ٣ / ٢٤٥.

(٦٩) نيل الأوطار ٣ / ٢٤٦.

(٧٠) حاشية النسائي ـ للسندي الحنفي ـ ١ / ٢٩٢.

(٧١) شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ٥ / ٤١٣.


بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات. انتهى.

هذا ، مع أن حديث ابن عباس وغيره ، بل حديث ابن مسعود نفسه في الجمع بالمدينة حجة عليه ، فلا يصح بوجه ـ فضلا عن أن يتعين ـ حمله على الجمع الصوري بتوهم أنه قرينة معينة للمراد من الجمع هنا ، إذ هو كسائر أحاديث الباب في ظهوره في الجمع الحقيقي وعدم إبائه الحمل عليه.

وما ذكره من نفيه مطلق الجمع وحصره في جمع المزدلفة ـ على تقدير الأخذ به ، وقد عرفت ما فيه ـ مفهوم ، وقد عارضه منطوق فيقدم عليه ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع ، والله تعالى أعلم.

هذا ، وما في (مرقاة المفاتيح) (٧٢) ـ نقلا عن ابن الهمام الحنفي ـ من أنه على تقدير التنزل في ثبوت المعارض ، يترجح حديث ابن مسعود بزيادة فقه الراوي ، وبأنه أحفظ ، مردود بأنه لا تعارض بين حديث ابن مسعود في جمع المزدلفة وبين أحاديث الجمع في الحضر ، لأنه فرع التكافؤ ولا تكافؤ.

ولو سلمناه ، فإن حديث الجمع بالمدينة مروي عن حبر الأمة ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ وثلة من الصحابة ـ كما مر ـ وهو أفقه وأحفظ من ابن مسعود قولا واحدا ، لا سيما وقد اقترن فعله بقوله ، وحسبك تقرير أبي هريرة وتصديقه له عاضدا ومرجحا ، فضلا عما رواه هو أيضا من الجمع بالمدينة كما تقدم عن مسند البزار ، فالترجيح في هذا الجانب دون ذاك.

مضافا إلى أن ابن مسعود أيضا روى حديث الجمع بالمدينة ـ كما عرفت فترجيح أحاديث الجمع بالمدينة متعين بلا شبهة ولا ريب ، والله المستعان.

ولو فرض العموم في أحاديث المواقيت ، فإن فعل الصحابي العادل العالم بخلاف العموم بعد العلم به مخصص عند الحنفية والحنابلة ـ كما صرح

__________________

(٧٢) مرقاة المفاتيح ٢ / ١٩٩.


به في (مسلم الثبوت) (٧٣) ـ وقد ثبت الجمع من فعل ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ بالبصرة كما تقدم في رواية مسلم والنسائي عن جابر بن زيد.

الثالث : ما أخرجه ابن جرير ، عن ابن عمر ، قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان يؤخذ الظهر ويعجل العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء فيجمع بينهما.

قال الشوكاني في (شرح المنتقى) (٧٤) : وهذا هو الجمع الصوري ، وابن عمر هو ممن روى جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عنه. انتهى.

والجواب : أن حديث ابن عمر هذا مجمل لم يبين كون الجمع في الحضر أو السفر.

أما الحضر : فقد مر مرارا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع فيه جمعا حقيقيا ، كما روى ابن عمر ذلك أيضا.

أخرج عبد الرزاق في جامعه ، قال : أنبأنا ابن جريح ، عن عمرو بن شعيب ، قال : قال عبد الله بن عمر : جمع لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقال رجل لابن عمر : لم ترى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل ذلك؟ قال : لئلا يحرج أمته إن جمع رجل.

وهذا الحديث صريح ، وذاك مبهم فيجب حمله على هذا ، لأنه لا خلاف في أنه حكاية فعل واحد.

وأما السفر : فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يجمع فيه جمعا حقيقيا أيضا ، تقديما وتأخيرا ، وبه قال الشافعي والأكثرون ، كما أخرج البخاري

__________________

) ٧٣) مسلم الثبوت ١ / ٣٥٥.

(٧٤) شرح المنتقى ٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.


في صحيحه (٧٥) عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيدة شدة وجع ، فأسرع السير حتى كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما ، ثم قال : إني رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جد به السير أخر المغرب وجمع بينهما.

وأخرج مسلم في صحيحه ، عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، الحديث.

قال النووي (٧٦) : وهو صريح في الجمع في وقت الثانية.

وأخرج عنه أيضا ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما.

وأخرج أيضا عن ابن شهاب ، عن أنس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حتى يغيب الشفق.

ودونك حديث ابن عباس ومعاذ بن جبل في جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم في غزوة تبوك ـ كما أخرجه مسلم في صحيحه ـ.

وكذلك كان صنيع ابن عمر في السفر ، فقد أخرج مسلم عن نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ويقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء.

وأخرج النسائي ، عن سالم بن عبد الله ، أن أباه عبد الله بن عمر أخر الظهر حتى إذا كان بين الصلاتين نزل فصلى.

__________________

(٧٥) صحيح البخاري ـ كتاب العمرة ـ باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله.

(٧٦) شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ٣ / ٤٠٦.


قال السندي الحنفي : ظاهره أنه جمع جمع تقديم في آخر وقت الظهر (٧٧). انتهى.

وروى أبو داود أن جمع ابن عمر بين العشاءين كان بعد غيوب الشفق.

وحكى صاحب (عون المعبود) (٧٨) عن الشيخ أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي كلاما طويلا في شرحه على أبي داود الموسوم ب : (غاية المقصود) بين فيه أن كون الجمع من ابن عمر بعد غيوب الشفق هو الصحيح المشهور من فعله ، فراجع إن شئت.

ولو تنزلنا فإنه يجوز أن يكون حديث ابن عمر هذا ـ الذي احتج به الشوكاني ـ واردا في جمع السفر.

وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، وليس هو محل الكلام ، ولا يجوز أن يكون مبينا لجمع الحضر ـ كما لا يخفى ـ.

وقد علم مما تقدم أن الجمع المذكور في كلام ابن عمر ليس إلا الجمع الحقيقي لدلالة سائر أحاديثه عليه.

مضافا إلى أن الجمع الصوري لم يكن معهودا عندهم ولا ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعله ، فوجب حمله على ما حملنا عليه سائر أحاديث الباب ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذا ، وقد يقرر بطلان التأويل بالجمع الصوري بأمور :

الأول : ما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم (٧٩) ، قال : وهذا ـ يعني التأويل بالجمع الصوري ـ ضعيف أو باطل ، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب واستدلاله بالحديث لتصويب فعله ، وتصديق أبي هريرة وعدم إنكاره ، صريح في رد هذا التأويل.

__________________

(٧٧) حاشية النسائي ١ / ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٧٨) عون المعبود ١ / ٤٧١.

(٧٩) شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ٣ / ٤١٠.


انتهى.

الثاني : أن الجمع بين الصلاتين من الرخصة العامة لجميع الناس عامهم وخاصهم ، ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة ، وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه مما يبطل أن تكون هذه الرخصة عامة على ما فيه من المشقة المترتبة على تفريق الصلوات في أوقاتها المؤقتة ـ كما قال الخطابي في معالم السنن (٨٠) ـ.

وتعقبه الشوكاني في (نيل الأوطار) (٨١) بأن الشارع قد عرف أمته أوائل الأوقات وأواخرها ، وبالغ في التعريف والبيان ، حتى أنه عينها بعلامات حسية لا تكاد تلتبس على العامة فضلا عن الخاصة ، والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها وفعل الأولى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها.

قال : وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في الفتح : إن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم (لئلا تحرج أمتي) يقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج. انتهى.

قلت : لا يخفى أن تعقب الشوكاني مكابرة ظاهرة ، إذ أن تأخير الأولى إلى آخر وقتها لتجمع مع الثانية في أول وقتها مما لا يكاد ينفك عن المشقة غالبا ، بل قد يشتد العذر عند التأخير إذا كان الجمع لأجله ، فيكون ذلك من أظهر مصاديق الحرج الذي شرع الجمع لنفيه.

والذي يستفاد من كلام الخطابي ـ بعد التدبر فيه ـ أن إدراك أوائل الأوقات وأواخرها على نحو الحقيقة والدقة أو قريبا من ذلك متعسر جدا إن لم يكن متعذرا ، ولا يعلم إلا بعد مضي مدة لا سيما إذا كان تعيين ذلك بمثل

__________________

(٨٠) معالم السنن ٢ / ٥٢ ح ١١٦٣ ، عون المعبود ١ / ٤٦٨.

(٨١) نيل الأوطار ٣ / ٢٤٧.


الشاخص ، كما في الظهر والعصر ، وكذا في أيام الغيم ، فحمل الجمع الوارد في الأحاديث على الجمع الصوري مشكل بالنسبة إلى المكلفين ، لأنه يوشك أن لا يعلم آخر الظهر وأول العصر مثلا ، بحيث إذا صلى الأولى في آخر وقتها وفرغ منها دخلت الثانية فيصليها ، فتكون صلاته صورة جمع.

هذا بالنسبة إلى زمن الشارع صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقرون بعد ذلك كثيرة ، وأما العصور المتأخرة فإن تعيين المواقيت فيها قد صار أضبط وأدق ، حتى أن يمكن ضبطها بالدقائق والثواني الزمانية ، فإن كان مراد الشوكاني هذه العصور وما قاربها فهو حق ، لكن الشأن كله في تحقق مثل ذلك بالإضافة إلى أهل العصور الماضية والأزمنة الغابرة ، ومعلوم بالضرورة أن ذلك لم يكن متحققا لا سيما زمن صاحب الشريعة الغراء صلى الله على الصادع بها وعلى آله وسلم.

ومجرد تعريفه الأمة بأوائل الأوقات وأواخرها لا يزيل من مشقة الجمع الصوري شيئا ، فلا يمكن حمل الأحاديث على تشريع الجمع الصوري لاستلزامه إثبات المشقة المنفية بمنطوق النصوص.

فظهر أنه لم يكن هذا الموضوع متحققا في زمن التشريع الجمع البتة ، فلا يجوز أن يكون حكم الجمع المنجز واردا على مثل ذلك الموضوع ، إذ أن الحكم على الشئ منجزا فرع وجوده محققا ، وإذا كان الأمر كذلك فإن القصد إليه لا يخلو من المشقة والحرج النوعيين المنفيين بأصل الشرع ، والجمع الحقيقي أيسر من الجمع الصوري وأسهل بلا كلام ، وهو اللائق بقواعد الشريعة المطهرة ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر ، وكره لها العسر.

وقال عليه وآله الصلاة والسلام : إن الدين يسر ، ولن يغالب الدين أحد إلا غلبه.

وبما قررنا يندفع ما دفعه من كلام الحافظ ابن حجر في الفتح.


وأما جواب القاضي المغربي في (البدر التمام) (٨٢) عن كلام ابن حجر المتقدم آنفا : بأن الجمع الصوري أيسر من التوقيت ، إذ يكفي للصلاتين تأهب واحد وقصد واحد إلى المسجد ووضوء واحد بحسب الأغلب بخلاف الوقتين ، فالحرج في هذا الجمع لا شك أخف. انتهى.

فإنه غريب جدا ، لأن ابن حجر أراد أن الجمع الحقيقي أخف من الجمع الصوري كما هو كذلك في نفس الأمر ، ويعضده ما مر من كلام الخطابي وتعليل ابن عباس ، وأما هذا الكلام فإنما يصلح جوابا لمن قد يزعم أن التفريق والتوقيت أيسر من الجمع الصوري ـ ولا أعلم أحدا يقول به ـ والحافظ ابن حجر ما قصد شيئا من ذلك.

وهذا ناشئ من عدم الوقوف على حقيقة كلامه.

الثالث : ما دل عليه تعليل ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ لجمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا تعليله عليه وآله الصلاة والسلام ـ فيما أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير عنه ـ بقوله : (أراد أن لا يحرج أمته) فنفي الحرج وإرادته التوسعة دليل ـ وأي دليل؟! ـ على أن المراد بالجمع هنا الجمع الحقيقي دون الصوري.

بيان ذلك : أنه لا يتم التعليل مع الجمع الصوري ، إذ أن الحرج  ـ حينئذ ـ لا يرتفع والتوسعة لا تتحقق ، بل إن أوائل الأوقات وأواخرها قد لا يدركها الخاصة فضلا عن العامة ، ولما كان انتفاء رفع الحرج على هذا التقدير معلوما لم يكن ذلك متوقفا على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن الصلاة إذا أديت في وقتها فلا فرق حينئذ ـ من حيث الإجزاء ـ بين إتيانها في أول الوقت وآخره ـ وإن كان أول الوقت أفضل بلا خلاف ـ ولا أقتضى تناقل الصحابة له.

__________________

(٨٢) كما نقله عنه الأمير الصنعاني في سبل السلام ٢ / ٤٣ ، والقنوجي في فتح العلام ١ / ١٩٥.


فلولا كون الجمع الحقيقي أمرا غير مألوف عندهم ، لما كان للخوض فيه وجه ، ولا حاك في صدر ابن شقيق العقيلي شئ من فعل ابن عباس ومقالته ، ولما سأل أبا هريرة عن ذلك.

وإلى هذا أشار الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في (فتح الباري) (٨٣) بقوله : وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج. انتهى.

وأيضا : فإن تشريع الجمع امتنان على الأمة المرحومة ـ كما يرشد إليه تعليل ابن عباس ـ ولا يتم ذلك إلا بتشريع الجمع الحقيقي وتسويغه ، وإلا فالجمع الصوري لا يحتاج إلى أمر وراء بيان المواقيت ، وذلك حاصل قبل الجمع بالمدينة ، فتنبه.

الرابع : أن جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة لا يخلو إما أن يكون لمجرد تشريع الجمع الصوري ، وإما أن يكون لعذر.

أما الأول : فإن البيان كاف في تشريعه ـ لو احتيج إليه ـ ومغن عن إيقاعه في الخارج ـ كما لا يخفى ـ.

وأما الثاني : فإما أن يكون الجمع لعذر المطر ـ كما عن جماعة ـ وأصحاب هذا المذهب يبيحون العصر مع الظهر في أول وقتها ، والعشاء مع المغرب كذلك.

وإما أن يكون لعذر المرض وما في معناه ـ كما عن آخرين ـ فإن الجمع المذكور جائز عندهم أيضا من دون إيجاب تأخير الظهر إلى آخر وقتها لتجمع مع العصر ، وكذلك العشاءان ، وإلا فالمشقة كبيرة ، بل قد لا يزول العذر المبيح للجمع ـ عندهم ـ إلى آخر الوقت ، فالتأخير حرج منفي بنص الكتاب العزيز.

__________________

(٨٣) فتح الباري

٢ / ٣١.


ولا أظن أن هناك فقيها لا يبيح الجمع في أول الوقت في مثل تلك الأحوال ، وإن أوجبوا التأخير حينئذ فإن ذلك مما يأباه الله ورسوله والمؤمنون ، ومن خرج عن الكتاب والسنة رد إليها راغما.

ومما يرشدك أيضا إلى أن الجمع المذكور في تلك الأحاديث هو الجمع الحقيقي بإتيان إحدى الصلاتين في وقت الأخرى تقديما أو تأخيرا : ما فهمه بعض أهل العلم ـ ممن رد حديث ابن عباس في الجمع كما سيأتي في كلام الترمذي ـ من معنى الجمع في الحديث ، فلو كان المراد به الجمع الصوري لما كان وجه لرد الحديث ، لأن جوازه مفروغ منه ، لكنما رده ذلك البعض لمخالفة مدلوله لمذهبه ، لكون الجمع الحقيقي هو المتبادر منه هنا.

وبالجملة : فإنه يتعين حمل الجمع في الحضر ـ المذكور في أحاديث الباب ـ على ما فهموه من جمع السفر والموطنين عرفة والمزدلفة ، أعني الجمع الحقيقي دون الصوري ، لأنه المنسبق منه إلى الذهن عند الاطلاق ـ بلا قرينة ـ ولعدم الصارف عن ذلك ـ كما تقدم بيانه آنفا ـ.

وحيث أسفر لك الحق إسفار الصبح لذي عينين بأن جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة لم يكن لعذر من الأعذار البتة ، خلافا لما يزعمه العامة ، نصرة لمذهبهم ، وتقليدا لأئمتهم ، وتعصبا بغير حق.

فكتاب الله تعالى وسنة رسوله المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحق أن يتبعا ، وأحرى أن يقتفيا ، إذ كل يؤخذ من قوله ويرد حاشا من عصمه الله تعالى.

هذا ، وقد ذهب جماعة من الأئمة والفقهاء من أهل السنة والجماعة وغيرهم إلى ما ذهب إليه أصحابنا الإمامية ـ أعلى الله كلمتهم ـ من جواز الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقا فضلا عن السفر ، انقيادا للدليل وبخوعا للحجة ، إلا أن بعضهم اشترط فيه عدم اتخاذه خلقا وعادة!!

قال شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني في (فتح


الباري) (٨٤) : وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب من أصحاب مالك ، وابن المنذر والقفال الكبير ، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث. انتهى.

قلت : وحكاه أيضا عن أبي إسحاق المروزي.

وأجازه جماعة من أهل الظاهر ـ كما قال ابن رشد في (بداية المجتهد) (٨٥) ـ.

وحكى إسماعيل القاضي وابن يونس وغيرهما عن أشهب وابن القصار وغيرهما اشتراك وقتي الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ـ كما هو مذهب الإمامية ـ.

وقال محيي الدين النووي (٨٦) : ويؤيده ظاهر قول ابن عباس : (أراد أن لا يحرج أمته) فلم يعلله بمرض ولا غيره. انتهى.

وكلامه هذا ناقض لتأويله الجمع بعذر المرض أو نحوه مما هو في معناه من الأعذار ، وقد أبطلناه فيما سلف.

وقال شهاب الدين ابن حجر في (فتح الباري) (٨٧) : ما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع. انتهى.

وهو ينافي ما ذكره قبل ذلك (٨٨) من أن الجمع الصوري أولى! قد صرح بعده (٨٩) بأن إرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج ـ كما تقدم آنفا ـ.

__________________

(٨٤) فتح الباري ٢ / ٣١.

(٨٥) بداية المجتهد ١ / ١٧٧.

(٨٦) شرح صحيح مسلم ـ للنووي ـ ٣ / ٤١٠.

(٨٧) فتح الباري ٢ / ٣١.

(٨٨) فتح الباري ٢ / ٣٠.

(٨٩) فتح الباري ٢ / ٣١).


وروي جواز الجمع بغير عذر عن عبد الله بن الحسن ، وزيد بن علي ، والناصر والحسين بن يحيى بن زيد ، والمتوكل على الله أحمد بن سليمان ، والمهدي أحمد بن الحسين ، والمنصور بالله عبد الله بن حمزة ، والمتوكل المطهر بن يحيى ، وولده المهدي محمد ، وأختاره الناصر الحسن بن علي بن داود ، والمنصور بالله القاسم بن محمد ، وولده المؤيد بالله ، والمفتي ، والنخعي ، وغيرهم ، ورواه ابن مظفر في البيان عن علي عليه‌السلام (٩٠).

قلت : والعجب من الشوكاني فإنه مع اتباعه مذهب الإمام زيد بن علي عليهما‌السلام لا يرى جواز الجمع! مع أن مذهب العترة الطاهرة عليهم‌السلام في ذلك متواتر ، وقد بالغ في الانكار على من أباح الجمع في الحضر حتى أنه صنف في الرد على بعض أهل مذهبه من يرى جواز الجمع في الحضر مطلقا رسالته الموسومة ب : (تشنيف السمع بإبطال أدلة الجمع) كما ذكر ذلك في شرح المنتقى (٩١) ، واجتهد في تأويل الأحاديث وحملها على الجمع الصوري ، وقد بينا بطلان ذلك وفساده كما مر مبسوطا ولله الحمد والمنة.

وأفرد الشيخ العلامة المحدث أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري المغربي المسألة بتصنيف منيف (٩٢) سماه : (إزالة الخطر عمن جمع

__________________

(٩٠) قرة العين في الجمع بين الصلاتين : ٣ ـ ٤ ، نيل الأوطار ٣ / ٢٤٥.

(٩١) نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ٣ / ٢٤٨.

(٩٢) كما أفردها بالتأليف جماعة من أصحابنا كسيدنا الإمام أبي محمد الحسن ابن الهادي الصدر الكاظمي رحمه‌الله ، والشيخ حسن بن يوسف بن مكي العاملي ، والخطيب الشيخ عبد اللطيف البغدادي من المعاصرين.

وتكلم عليها الإمامان الجليلان الشريفان محمد الهادي الخراساني ـ رحمه‌الله ـ في رسالته (المسائل النفيسة) : ٢٢ ـ ٢٥ ط. مطبعة النجاح ببغداد ، وابن شرف الدين العاملي ـ رحمه الله ـ في رسالته (مسائل فقهية خلافية) وجماعة من المتقدمين والمتأخرين.

وألف الشيخ حامد بن حسن بن شاكر اليمني الصنعاني ـ من علماء الزيدية ـ رسالة سماها : (قرة العين في الجمع بين الصلاتين) وهي الرسالة الخامسة من مجموعة الرسائل اليمنية ، وكذا العلامة الشيخ إبراهيم بن خالد العلفي.


بين الصلاتين في الحضر) أجاد في وأفاد ، بيد أنه قيد جواز الجمع بعدم اتخاذه عادة ، كما نبه على ذلك في مواضع من رسالته.

وقال الشيخ العلامة القاضي أحمد بن محمد بن شاكر الشافعي في الجمع ـ : هذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الحديث ، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه.

قال : وفي الأخذ بها رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصلاتين ، ويتأثمون بذلك ، ففي هذه ترفيه لهم وإعانة على الطاعة ما لم يتخذه عادة ـ كما قال ابن سيرين ـ. انتهى.

قلت : إن هذين الفاضلين وإن أصابا الحق في تجويزهما الجمع في الحضر ، إلا أنهما قلدا ابن سيرين فيما اشترطه من عدم اتخاذ الجمع عادة ، مع أن أدلة الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقة كعلته ، لم تقيد بشئ ، كما لا يخفى ، فأنى لهم إثبات هذا الشرط الذي لم يأت به كتاب منزل ، ولا نبي مرسل؟!

نعم ، لا ريب في استحباب التفريق ، إلا أنه لا ينهض مانعا من الجمع إذا اتخذ عادة ، قصارى الأمر أن في اعتياد الجمع ترك للمستحب الأفضل لا غير ، وهو لا يفيد اشتراط عدم اتخاذ الجمع عادة ، فافهم.

وذكر سيدنا الإمام شرف الدين العاملي ـ رحمه‌الله تعالى ـ في بعض رسائله (٩٤) : أن غير واحد من محققي علماء الجمهور من أهل عصره ذهبوا إلى جواز الجمع ، بيد أنهم لا يجرؤون على مبادهة العامة بذلك ، وربما يمنعهم الاحتياط ، فإن التفريق بين الصلوات مما لا خلاف فيه ، وهو أفضل ، بخلاف الجمع.

__________________

(٩٣) التعليق على سنن الترمذي ـ لابن شاكر ـ ١ / ٣٥٨.

(٩٤) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين.


قال رحمه‌الله : لكن فاتهم أن التفريق قد أدى بكثير من أهل الأشغال إلى ترك الصلاة كما شاهدناه عيانا ، بخلاف الجمع فإنه أقرب إلى المحافظة على أدائها.

وقال رحمه‌الله : وبهذا يكون الأحوط للفقهاء أن يفتوا العامة بالجمع ، وأن ييسروا ولا يعسروا (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). انتهى.

فالجمع رخصة من الشارع ينبغي الأخذ بها ، لا سيما إذا اضطر المكلف إليه.

أخرج البيهقي ، عن ابن عمر والبزار والطبراني وابن حبان ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وأخرج أحمد والبزار وابن خزيمة وابن حبان والطبراني ـ في الأوسط ـ والبيهقي ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما لا يحب أن تؤتى معصيته.

وأخرج الطبراني ، عن عبد الله بن يزيد بن أديم ، قال : حدثني أبو الدرداء ووائلة بن الأسقع وأبو أمامة وأنس بن مالك ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم قال : إن الله يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه.

وأخرج الطبراني ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة (٩٥).

ثم إن طائفة من جمهور العامة عمدوا إلى تلكم السنن الواردة في الجمع في الحضر ، المتفق على صحتها ، فردوها دفعا بالصدر ، وقد يتعلقون في ذلك بأمور واهية ، فكان مثلهم (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كان يعلمون).

__________________

(٩٥) الدر المنثور ـ للسيوطي ـ ١ / ١٩٣.


* منها : أن السنة ثابتة صريحة في بيان أوقات الصلوات ، وقد تواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محافظته على أوقاتها ، حتى قال ابن مسعود : ما رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين : جمع بين المغرب والعشاء بجمع ، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها ـ كما في فتح العلام (٩٦).

قلت : جواب هذا علم مما مر ، ونزيده هنا إيضاحا فنقول ـ وبالله تعالى التوفيق ـ :

إن بيان السنة محمول على الاستحباب والفضيلة ، ومواظبته صلى الله عليه وآله وسلم على التفريق في غالب الأحوال لا يدل على الوجوب ، لأنه قد تقرر في محله أن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا جهل وجهه حمل على الندب عند الشافعي والإباحة عند أكثر الحنفية ، هذا مع أنه عليه وآله الصلاة والسلام داوم على مندوبات فلم يلزم من ذلك وجوبها.

قال الأنصاري في (فواتح الرحموت) (٩٧) : مداومته صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم على فعل لا يدل على الوجوب ، كيف لا؟! وإن الجماعة سنة مؤكدة مع أنه لم يتركها أصلا ، وكذا الأذان والإقامة ، والخطبة الثانية في الجمعة ، والاعتكاف ، والترتيب والموالاة في الوضوء ، وكذا المضمضة والاستنشاق ، وغير ذلك مما ثبت فيه المواظبة من غير ترك ، مع أنها سنة ، وقد استدل هو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه على سنية أكثرها بالمواظبة مع عدم تبيين تركها ، بل ثبت عدم الترك. انتهى.

وبه يتبين أن المواظبة ليس دليل الوجوب عندهم.

قلت : فإذا كانت المواظبة على السنن لا تصيرها واجبة ، فكيف إذا ترك

__________________

(٩٦) فتح العلام ١ / ١٩٥.

(٩٧) فواتح الرحموت ٢ / ١٨١.


الفعل أحيانا؟ فإن ذلك يكون كاشفا قطعيا من عدم وجوبه بلا ريب ولا شبهة ، بل يكون تركه شاهدا على سنيته ومؤكدا لها ، كما في ما نحن فيه من إيثاره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجمع بين الصلاتين وتركه التفريق المعلوم من غالب أحواله عليه وآله الصلاة والسلام دفعا لتوهم الوجوب ، والله أعلم.

وقد مر عليك أنه لا تعارض بين أحاديث الجمع وأحاديث المواقيت.

وبه تعرف ما في دعوى نسخ أحاديث الباب بأحاديث المواقيت ، فإن من زعم ذلك فقد قال الكذب وادعى ما لا علم له به ولا برهان له عليه ، فإن النسخ لا يثبت بمجرد الدعوى والنقول على النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان ، ولو ولو كان ذلك كذلك لادعى كل من شاء إبطال نص ورد العمل به أنه منسوخ ، ولعارضه خصمه بأنه ناسخ وأن دليله هو المنسوخ ، فتصير الأدلة الشرعية كلها منسوخة وناسخة ، وفي هذا من التناقض والفساد ما يكفي في الزجر عن ادعاء النسخ بغير دليل ولا برهان ـ كما قال المحقق ابن الصديق (٩٨) ـ.

ومم يدفع هذه الدعوى أن الناسخ متأخر عن المنسوخ بالضرورة ، وبيان الأوقات إنما كان بمكة قبل الهجرة ، والجمع كان بعدها بالمدينة ، فالصحيح ـ بناءا على ذلك ـ أن أحاديث الجمع ناسخة لأحاديث المواقيت لا العكس ، فتنبه.

وأما حديث ابن مسعود فقد تقدم الجواب عنه ، فراجع إن شئت.

هذا ، مع أن دعوى عدم اشتراك الصلاتين في وقت واحد منقوضة بجمع السفر عند غير الحنفية (٩٩) وجمعي عرفة والمزدلفة عندهم وعند غيرهم ، وغير ذلك من موارد الجمع ، كالجمع بعذر النصوص والمطر ونحوهما ـ كما عرفت

__________________

(٩٨) إزالة الخطر : ٩٥.

(٩٩) قال في المسوي : أكثر أهل العلم على جواز الجمع في السفر بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، في وقت إحداهما ، كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية ، لصديق بن حسن القنوجي البخاري ١ / ١٥٦.


آنفا ـ.

وبالجملة : فإن أحاديث الجمع مطلقا تدل برمتها على أن الوقت متسع يصلح للجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، ولولا ذلك لما أمكن الجمع الحقيقي كما لا يمكن في العصر والمغرب.

نعم ، دلت السنة على رجحان التوقيت ، وإتيان كل صلاة في وقت فضيلتها المؤقت لها ، وليس في ذلك دليل على المنع من الجمع ، غاية الأمر وحماداه فوات الفضيلة بذلك ـ عدا المواطن التي ثبت فيها استحباب الجمع ـ كما مر.

* ومنها : ما رواه الترمذي في سننه ، والحاكم في المستدرك (١٠٠) عن حنش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم : من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر.

قال الحاكم : وهذا الحديث قاعدة في الزجر عن الجمع بلا عذر ، ولم يخرجاه. انتهى.

قلت : حنش : لقب الحسين بن قيس الرحبي أبي علي الواسطي ، تركوه ولم يحتجوا به.

قال أحمد : ليس حديثه بشئ ، لا أروي عنه شيئا ، وقال أيضا : متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه كذبه.

وقال ابن معين وأبو زرعة : ضعيف ، وقال ابن معين أيضا : ليس بشئ.

وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث.

وقال البخاري : أحاديثه منكرة جدا ولا يكتب حديثه ، وقال أيضا : ترك أحمد حديثه.

وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال في موضع آخر : ليس بثقة.

__________________

(١٠٠) سنن الترمذي ١ / ٣٥٦ ح ١٨٨ ، المستدرك على الصحيحين ١ / ٢٧٥.


وقال الجوزجاني : أحاديثه منكرة جدا فلا تكتب.

وقال مسلم في الكنى : منكر الحديث ، وقال الدارقطني : متروك.

وقال الساجي : ضعيف الحديث ، متروك ، يحدث بأحاديث بواطيل  ـ كما بترجمته في تهذيب التهذيب (١٠١) ـ.

ولا نعلم أحدا وثقه غير حصين بن نمير ، والحاكم في المستدرك ، وقد تعقبه الذهبي في تلخيصه بأنهم ضعفوه.

وقال العقيلي في حديثه هذا : لا يتابع عليه ، ولا يعرف إلا به ولا أصل له ، وقد صح عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر .. الحديث (١٠٢).

وقال المناوي في (فيض القدير) (١٠٣) قال ابن حجر : خرجه الترمذي وفيه حنش وهو واه جدا ، وحكم ابن الجوزي بوضعه ، ونوزع بما هو تعسف للمنصف ، فإن سلم عدم وضعه فهو واه جدا. انتهى.

وذكر البيهقي في سنده اضطرابا في موضعين ، فراجع إن شئت.

فانظر إلى مبلغ علم الحاكم وزلته كيف جعل هذا الحديث الموضوع أصلا ثابتا في الزجر عن الجمع بلا عذر ، وترك صحاح السنن نسيا منسيا ، ونبذها وراءه ظهريا (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

على أن في الأخذ بهذا الحديث المفترى طعنا فيما ثبت من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة من غير عذر ، وكيف يرويه ابن عباس  ـ رضوان الله عليه ـ ثم يعمد إلى مخالفته بالجمع بين الصلاتين ويحتج بفعله عليه وآله الصلاة والسلام! إن هذا مما لا يقع من حبر الأمة وابن عم نبيها

__________________

(١٠٢) تهذيب التهذيب ١ / ٥٣٨.

(١٠٢) تهذيب التهذيب ١ / ٥٣٨.

(١٠٣) فيض القدير ٦ / ١١٣.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

ولا يكاد ينقضي العجب من الترمذي إذ أعل حديث ابن عباس بحديث حنش! فقال في كتاب العلل من الجامع الصحيح (١٠٤) : جمع ما في هذا الكتاب ـ يعني سننه ـ فهو معمول به ، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر ، وحديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إذا شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه.

قال : وقد بينا علة الحديثين جميعا في الكتاب. انتهى.

لكنه لم يبين في كتاب الصلاة علة لحديث ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ بل ذكر حديثا يعارضه من طريق حنش وضعفه من أجله ، مع أن حديث الجمع صحيح ، وحديث المنع ممنوع ـ كما أقر بذلك ـ فلا معارضة بين الحديثين مع صحة أحدهما وضعف الآخر ـ كما قال المعين بن الأمين السندي الحنفي في (دراسات اللبيب) (١٠٥) ـ.

* ومنها : ما رواه البيهقي في (السنن الكبرى) (١٠٦) عن أبي العالية : أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري : وأعلم أن جمع ما بين الصلاتين من الكبائر إلا من عذر. انتهى.

قال البيهقي : مرسل ، أبو العالية لم يسمع من عمر ، وتعقبه ابن التركماني الحنفي في (الجوهر النقي) (١٠٧) بأنه صلى خلف عمر.

__________________

(١٠٤) سنن الترمذي ٥ / ٧٣٦ كتاب العلل.

(١٠٥) دراسات اللبيب : ٢٧٦ ط. كراتشي.

(١٠٦) السنن الكبرى ٣ / ١٦٩.

(١٠٧) الجوهر النقي ٣ / ١٦٩.


قلت : وذكر الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (١٠٨) أنه دخل على أبي بكر ، لكن شيئا من ذلك لا يقتضي السماع ـ كما لا يخفى ـ ولقد كان في الصحابة من لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يسمع منه ، فليس تعقب ابن التركماني بشئ.

على أن عمر لم يرفعه ، بل روي موقوفا عليه ، فجاز أن يكون من اجتهاده ، وليس يحتفل به ولا يعول عليه في مقابل النصوص المستفيضة الصريحة في فعله وترخيصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجمع في الحضر.

فكيف يكون من الكبائر؟!! معاذ الله!

بل فعله الحجة ، وهو القدوة ، ولنا به أسوة ، كما قال الله عزوجل :

(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

ولو تنزلنا ، فالظن بعمر أنه لم يشهد جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة ولا سمع به ، وابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ وغيره من الصحابة قد شهدوا به وأثبتوه ، والمثبت مقدم على النافي.

مع أن قول الصحابي ليس حجة على من سواه إذا عارضه نقل من هو أفقه منه وأضبط فضلا عن فعله ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، والله يحق الحق ويهدي السبيل.

وهذا ، ومع قطع النظر عما دل على جواز الجمع بين الصلاتين من الكتاب والسنة ، فإن الأصل يقتضي جوازه ، ولا مانع من جريانه إلا ما قد يتخيل في الحضر ولو من دون عذر ، ومن حظر ذلك لم يبغ الأمة إلا العسر والعنت.

__________________

(١٠٨) لسان الميزان ٧ / ٤٧١.


والنجاة في اتباع هدي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتمسك بسنته والعض عليها بالنواجذ (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريض عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

فالدين يسر لا مشقة فيه ولا حرج ، وقد ثبت في السنة الحث على التيسير والنهي عن التشديد جدا.

أخرج الإمام أحمد ، عن الأعرج ، أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم يقول : إن خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره.

وأخرج البزار ، عن أنس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا.

وأخرج أيضا ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

وأخرج أحمد ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : الإسلام ذلول لا يركب إلا ذلولا.

وأخرج الطبراني والبيهقي ، عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : لا تشددوا على أنفسكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم ، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات (١٠٩).

(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)

والحمد لله تعالى حق حمده ،

وصلى الله وسلم على من لا نبي بعد ،

محمد وعلى آله ،

وخيرة صحبه وجنده.

__________________

(١٠٩) الدر المنثور ١ / ١٩٢ ـ ١٩٣.


المصادر

١ ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، لشهاب الدين القسطلاني ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٠٥ ه.

٢ ـ إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ، للعلامة الشيخ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري المغربي ـ ط. دار النشر والتأليف ـ مصر ، سنة ١٣٦٩ ه.

٣ ـ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ، لابن رشد القرطبي ـ ط. مصر ـ أوفسيت منشورات الشريف الرضي ـ قم.

٤ ـ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، للعلامة الإمام المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي ـ تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم.

٥ ـ تلخيص المستدرك ، للحافظ شمس الدين الذهبي ـ بهامش المستدرك ـ.

٦ ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ، ط. دار إحياء التراث العربي ، سنة ١٤١٢ ه.

٧ ـ الجوهر النقي في الرد على البيهقي ، لعلي بن عثمان المارديني الشهير بابن التركماني ـ مطبوع بهامش سنن البيهقي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.

٨ ـ حاشية السندي على النسائي ـ بهامش سنن النسائي.

٩ ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم الأصبهاني ـ ط. مطبعة السعادة بمصر ، سنة ١٣٥١ ه.

١٠ ـ دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ، لمحمد معين السندي ـ ط. كراتشي.

١١ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين السيوطي ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣١٤ ه.

١٢ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، للإمام الفقيه الشهيد محمد بن مكي العاملي ـ الطبعة الحجرية.


١٣ ـ رسالة الاجتماع والافتراق ، لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ، بتحقيق محمد زاهد الكوثري ـ ط. مطبعة الترقي ، دمشق ، سنة ١٣٤٧ ه.

١٤ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) ، لشهاب الدين الآلوسي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

١٥ ـ الروضة الندية في شرح الدرر البهية ، لصديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري.

١٦ ـ زاد المعاد في هدي خير العباد ، لشمس الدين ابن قيم الجوزية ـ ط.

١٧ ـ سبل السلام ـ شرح بلوغ المرام ، لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني اليمني ـ ط. دار المعرفة بيروت.

١٨ ـ سنن أبي داود السجستاني ـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ـ دار إحياء السنة النبوية ـ القاهرة.

١٩ ـ سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لمحمد بن سورة الترمذي ، ط. مصر ، بتحقيق أحمد بن شاكر.

٢٠ ـ السنن الكبرى ، للبيهقي ، ط. حيدر آباد سنة ١٣٤٤ ه.

٢١ ـ سنن النسائي ـ ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢٢ ـ شرح تراجم أبواب البخاري ، لولي الله الدهلوي ، ط. كراتشي.

٢٣ ـ شرح صحيح مسلم ، للنووي ، المطبوع بهامش إرشاد الساري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٠٥ ه.

٢٤ ـ شرح معاني الآثار ، لأبي جعفر الطحاوي ـ ط.

٢٥ ـ شرح الموطأ ، للزرقاني ، ط.

٢٦ ـ صحيح البخاري ، ـ ط. دار الجيل ـ بيروت ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

٢٧ ـ صحيح مسلم ، ط. مطبعة محمد على صبيح ـ القاهرة.

٢٨ ـ العروة الوثقى ، للفقيه السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي.

٢٩ ـ عون المعبود ، شرح سنن أبي داود ، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ـ ط. الهند.

٣٠ ـ غرائب القرآن ورغائب الفرقان (تفسير النيسابوري) المطبوع بهامش تفسير


الطبري ، للحسن بن محمد النيسابوري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٨ ه.

٣١ ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط. دار الريان للتراث ـ مصر ، سنة ١٤٠٧ ه.

٣٢ ـ فتح العلام ـ شرح بلوغ المرام ، لصديق بن حسن بن علي القنوجي البخاري ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر.

٣٣ ـ فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ، لمحمد بن نظام الدين الأنصاري ـ المطبوع بهامش المستصفى ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٥ ه.

٣٤ ـ فيض القدير ، شرح الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي ـ ط. مصر ، سند ١٣٥٧ ه.

٣٥ ـ قرة العين في الجمع بين الصلاتين ، لحامد بن حسن شاكر الصنعاني ـ ط. القاهر ، سنة ١٣٤٨ ه.

٣٦ ـ كفاية الأخبار في حل غاية الاختصار ، لأبي بكر بن محمد الحصني الدمشقي الشافعي ـ أوفسيت دار الذخائر للمطبوعات ـ قم.

٣٧ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، لعلي بن حسام الدين المتقي الهندي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣١٢ ه.

٣٨ ـ لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٣١ ه.

٣٩ ـ المراجعات ، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ ط. مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

٤٠ ـ مرقاة المفاتيح لمشكاة المصابيح ، لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣٠٩ ه.

٤١ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، للحافظ شمس الدين الذهبي.

٤٢ ـ المستدرك على الصحيحين ، للحاكم النيسابوري ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.

٤٣ ـ مسلم الثبوت ، لمحب الله بن عبد الشكور البهاري ـ المطبوع مع شرحه بهامش المستصفى ـ ط. المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٢٥ ه.

٤٤ ـ مسائل فقهية خلافية ، للسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ـ ط.


٤٥ ـ المسائل النفيسة ، للسيد محمد هادي الخراساني الحائري ـ ط. مطبعة النجاح ـ بغداد.

٤٦ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ـ ط. الميمنية ، سنة ١٣١٣ ه.

٤٧ ـ مسند أبي داود الطيالسي ـ ط. حيدر آباد ، سنة ١٣٢١ ه.

٤٨ ـ معالم السنن ـ شرح سنن أبي داود ، للخطابي ـ ط. المطبعة العلمية ـ حلب.

٤٩ ـ المعجم الأوسط ، للطبراني ـ ط.

٥٠ ـ مفاتيح الغيب (تفسير الرازي) لفخر الدين الرازي ـ ط.

٥١ ـ الموطأ ـ لمالك بن أنس الأصبحي ـ ط.

٥٢ ـ نيل الأوطار ، شرح منتقى الأخبار ، لمحمد بن علي الشوكاني ، ط. مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، سنة ١٣٩١ ه.


تشييد المراجعات

وتفنيد المكابرات

(١)

السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد :

فهذه بحوث وضعتها تشييدا للمراجعات ، بتوضيح أو تعليق أو تذييل ، وتفنيدا لما يكون حولها من مكابرات ، عن تعصب أو جهل أو تضليل ، والله أسأل أن ينفع بها كما نفع بأصلها ، وأن يجعلها وسيلة لهداية من كان أهلا لها ، إنه سميع مجيب.


تمهيد :

لا ريب في أن البحث وتبادل الآراء خير طريق لتبيين الواقع ، وكشف الحقيقة ، وتنوير الفكر ، ونشر العقيدة ... وقد كان السنة الجارية لدى الأنبياء والأولياء وسائر المصلحين والعقلاء ... وله أصول وقواعد وآداب ، كانوا ولا يزالون يلتزمون بها ويمشون عليها في كافة مجالات المناظرة والجدل.

وإن من أولى تلك القواعد والأصول ـ بعد رعاية الأدب واجتناب الهوى والتعصب ـ هو التكلم على ضوء الأدلة المقبولة عند الطرفين ، واستدلال كل منهما بما ورد عند الطرف المقابل وما جاء عن طريقه وكان مقبولا لديه ... لأن هذا أقوى حجة على الخصم ، وأمتن استدلالا في العقل السليم والمنطق الصحيح.

ولقد دأب علماؤنا الأعلام منذ قديم الأيام على اتباع هذا الأسلوب في مؤلفاتهم ومناظراتهم ، كما لا يخفى على الباحث الخبير ، وكان ذلك من أهم عوامل تقدم المذهب الحق وإقبال الأمم عليه ، كما كان من أهم أسباب عجز الآخرين عن الجواب والرد ، فما كان منهم إلا التسليم والإذعان ، أو الكذب والشتم والبهتان.

لينظر المنصف إلى استدلالات مشايخ الطائفة وأساطين المذهب ، كالشيخ المفيد البغدادي ، والسيد المرتضى الموسوي ، والشيخ الطوسي ، والعلامة الحلي ... ونظرائهم ... ليجد صدق النية ، ونزاهة البحث ، ومتانة الاحتجاج القائم على الأسس القويمة من الكتاب العزيز ، والسنة الثابتة ، والعقل السليم ...

وكانت هذه طريقة السيد شرف الدين في آثاره الخالدة ...


شخصية السيد شرف الدين :

وهو ـ كما هو معروف ـ علم من أعلام الأمة ، ومن كبار المجتهدين الأفذاذ ، كما تشهد بذلك آثاره في الفقه والأصول وغيرهما.

وبطل من أبطال العلم ، المرجوع إليهم في المسائل المختلفة في شتى العلوم الإسلامية ... من الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام ...

وزعم من زعماء الاصلاح في المجتمع الإسلامي ، كما تشهد بذلك مشاريعه الثقافية ومؤسساته الاجتماعية ، من مدارس وجوامع ...

وقائد من قواد النضال والكفاح ضد الاستعمار الأجنبي ، حتى أنه شرد عن وطنه بأهله وذويه ، ثم تفرقوا في البلدان ، ونزل هو دمشق ففلسطين فمصر ، وصودر ثقله ، وأحرقت مكتبته ، في قضايا مفصلة سجلها له التاريخ.

وأما آثاره فكثيرة ... لها المكانة المرموقة بين آثار علمائنا الأعلام في العصر الحاضر ، جمعت الدقة في البيان إلى المتانة في الأسلوب والاستيعاب الشامل ، فما تطرق إلى مسألة إلا وأشبعها بحثا وتحقيقا ، وما تعرض لمشكلة إلا وعالجها العلاج الناجع التام.

وتتجلى عظمته وإحاطته في مؤلفاته في المسائل الخلافية ، وفي تحقيقاته التاريخية والرجالية ، وفي ما كتبه في الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد وقوبل هذا المحقق العظيم بما قوبل به أسلافه ، فأكثر المسلمين يقدرون جهوده ، ويقرأون كتبه ، ويشكرون أياديه ، ويثمنون مساعيه ، حتى طبعت كتبه عشرات المرات ، وترجمت إلى شتى اللغات ... وأقبلت عليها الجماهير من جميع الجهات. ومن الناس من لا يتحمل رواج تلك الكتب غير القابلة للرد ، وتأثيرها في القلوب المستعدة للهداية والرشاد ، فحاولوا إطفاء ذلك النور بالسب والشتم والكذب والزور ...


أشهر مؤلفاته :

ومن أشهر كتبه القيمة الجامعة بين الموضوعية والدقة ، والأناقة والرقة ، والعمق والرفعة :

كتاب أبو هريرة : وهو كتاب فريد في بابه ، تناول أبا هريرة الدوسي وأحاديثه الكثيرة المروية في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من أسفار أهل السنة ، بالبحث والتحقيق الموضوعي. وقد أثار بعض كتاب القوم ضجة شديدة حوله ، لأنه في الحقيقة ينسف أهم أسسهم في الأصول والفروع ، أعني الأمرين المشهورين للذين لا أصل لهما ـ وكم من مشهور لا أصل له ـ وهما : مسألة عدالة الصحابة أجمعين ، ومسألة صحة أحاديث كتابي البخاري ومسلم ، الموسومين بالصحيحين.

وكتاب النص والاجتهاد : وهو كتاب فقهي ، أصولي ، حديثي ، كلامي ، تاريخي ... جمع فيه موارد كثيرة من مفارقات ومعارضات جماعة من الصحابة ـ الذين يقتدي بهم أهل السنة في الأصول والفروع ـ للكتاب والسنة الثابتة ، معتمدا على أوثق كتب القوم وأهم مصادرهم.

وكتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة : وهو كتاب جليل من أحسن الكتب الكلامية ، استعرض فيه بعض المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة ، موضحا أن السنة هم الذين خالفوا في معتقداتهم ما تقتضيه الأدلة ويقرره الكتاب والسنة ، وأنه إذا ما رجعوا إلى الله والرسول ، ونبذوا أتباع غير من أمروا بأتباعه ، عادت الأمة إلى الوئام واتفقت كلمة أهل الإسلام.

وكتاب المراجعات : فقد كانت للسيد ـ رحمه‌الله ـ في سنة ١٣٢٩ ه رحلة علمية إلى مصر ، اجتمع خلالها برجالات العلم ، وأصحاب الفضيلة في تلك الديار ، وعقدت بينه وبين شيخ الأزهر يومذاك الشيخ سليم البشري المالكي اجتماعات متوالية ، تداولا فيها جوانب الحديث في أمهات المسائل


الدينية ، وكان من نتاجها (المراجعات) وطبعت سنة ١٣٥٥ ه.

كلام السيد في مقدمة المراجعات :

ويقول السيد في مقدمة هذا الكتاب :

(هذه صحف لم تكتب اليوم ، وفكر لم تولد حديثا ، وإنما هي صحف انتظمت منذ زمن يربو على ربع قرن ، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها ...

أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعاته سبقا بعيدا ، إذ كانت تلتمع في صدري منذ شرخ الشباب ، التماع البرق في طيات السحاب ، وتغلي في دمي غليان الغيرة ، تتطلع إلى سبيل سوي يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب بينهم ...

ضقت ذرعا بهذا ، وامتلأت بحمله هما ، فهبطت مصر أواخر سنة ١٣٢٩ مؤملا في (نيله) نيل الأمنية التي أنشدها ، وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد ...

وهناك ـ على نعمى الحال ، ورخاء البال ، وابتهاج النفس ـ جمعني الحظ السعيد بعلم من أعلامها البارزين ، بعقل واسع ، وخلق وادع ، وفؤاد حي ، وعلم عيلم ، ومنزل رفيع ، يتبوأه بزعامته الدينية ، بحق وأهلية ...

فكان مما اتفقنا عليه ... أن أعظم وقع بين الأمة : اختلافهم في الإمامة ...

ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى ـ نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم ـ لحصحص الحق وظهر الصبح لذي عينين.

وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذا المسألة ، بالنظر في أدلة الطائفتين ، فنفهمها فهما صحيحا ، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد ، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات ، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته ، فنلمسها لمسا ، فلعل ذلك يلفت


أذهان المسلمين ، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق ، فيكون حدا ينتهي إليه إن شاء الله تعالى.

لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطا عما يريد ، فأقدم له الجواب بخطي ، على الشروط الصحيحة ، مؤيدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين.

وجرت بتوفيق الله عزوجل على هذا مراجعاتنا كلها ، وكنا أردنا يومئذ طبعها لنتمتع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عزوجل ، لكن الأيام الجائرة ، والأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك ، ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي.

وأنا لا أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا ، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي ، فإن الحوادث التي أخرت طبعها فرقت وضعها أيضا كما قلنا.

غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها ، مع زيادات اقتضتها الحال ، ودعا إليها النصح والإرشاد ، وربما جر إليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق).

أقول :

والنقاط الأساسية في هذه المقدمة هي :

١ ـ إن هذه المراجعات وقعت بين السيد والشيخ ، وأنهما قررا أن يتقدم الشيخ بالسؤال خطا عما يريد ، فيقدم له السيد الجواب بخطه ، على الشروط الصحيحة المقررة بينهما.

٢ ـ إن هذه المراجعات كانت معدة للطبع يومذاك ، وكادت أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث هي التي حجزت عن ذلك.

٣ ـ إن الحوادث التي أخرت طبع هذه المراجعات فرقت وضعها أيضا ، فألفاظها كلها بقلم السيد ، حاكية للمحاكمات التي جرت بينه وبين الشيخ


بحذافيرها.

وذكر قدس‌سره سفره إلى مصر بترجمته لنفسه حين شرح أسفاره : (في مصر :

... كنت أحب ـ فيما أحب ـ أن أزور مصر وأقف على أعلامها لأخذ العلم عنهم ، ولأبلو ما يبلغني عن الجامع الأزهر ذلك المعهد الجليل. وظلت هذه الأمنية كامنة في نفسي حتى حفزها خالي المرحوم السيد محمد حسين في أواخر سنة ١٣٢٩ ، حين زارنا في عاملة ...

وقد بدأت هذه الجولة بالحضور في دورة الشيخ سليم البشري المالكي ـ شيخ الأزهر يومذاك ـ وكان يشرف على طلابه من منبره وهو منطلق في درسه انطلاقا يلحظ فيه توفره وضلاعته فيما هو فيه. وكان يلقي درسا في مسند الإمام الشافعي ... حضرت درسه لأول مرة ... وعرض لي أثناء الدرس ما يوجب المناقشة فناقشته ، ثم علمت بعدئذ أن المناقشة وقت المحاضرة ليست من الدراسة الأزهرية ، فكنت بعدها أفضي إليه بعد الدرس بما عندي من المسائل الجديرة بالبحث والمذاكرة.

وقد كانت مناقشتي الأولى ـ في كل حال ـ سببا في اتصال المودة بيني وبينه ، وسبيلا إلى الاحترام المتبادل ، ثم طالت الاجتماعات بيننا ، وتشاجنت الأحاديث وتشعب البحث بما سجلناه في كتابنا : المراجعات. ولو لم يكن من آثار هذه الزيارة إلا هذا الكتاب لكانت جديرة بأن تكون خالدة الأثر في حياتي على الأقل.

ولعل الكتاب يصور بعض الأجواء العلمية التي تفيأناها يومئذ مطلقين في آفاقها ، منطلقين من القيود الكثيرة التي كانت توثق الأفكار آنذاك برجعيات يضيق صدرها حتى بالمناقشة البريئة والتفكير الصحيح.

ومهما يكن من أمر ، فقد نعمنا بمصر في خدمة هذا الشيخ ، واتصلنا بغيره من أعلام مصر المبرزين ، إذ زارونا وزرناهم ، أخص منهم العلامتين :


الشيخ محمد السملوطي والشيخ محمد بخيت. وقد نجمت هذه الاجتماعات الكريمة عن فوائد جمة ...

وعلى كل حال ، فقد غادرت مصر وأنا أحن إليها ، وأتزيد من اللبث فيها ، ولم أغادرها قبل أن يتحفني أعلامها الثلاثة ـ البشري بخيت والسملوطي ـ بإجازات مفصلة عامة عن مشايخهم أجمع ، بطرقهم كلها المتصلة بجميع أرباب الكتب والمصنفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ، في جميع العلوم ، عقلية ونقلية ، ولا سيما الصحاح الستة وموطأ مالك ومسند أحمد ومستدرك الحاكم ، وسائر المسانيد ، وكتب تفسير والكلام والفقه ، وبقية العلوم الإسلامية مطلقا.

وممن نعمنا بخدمته في مصر ، وتبادلنا معه الزيارات ، وكانت بيننا وبينه محاضرات ومناظرات ، في مسائل فقهية وأصولية وكلامية ، دلت على غزارة فضله ورسوخ قدمه في العلم والفضيلة : شيخنا الشيخ محمد عبد الحي ابن الشيخ عبد الكريم الكتاني الإدريسي الفاسي. وقد أجازني أيضا إجازة عامة وسعت طرقي في الرواية والحديث.

واطردت المراسلة بعد العودة إلى البلاد بيني وبين شيخنا البشري زمنا ، ثم طغت عليها الشواغل وكوارث الحرب العامة الأولى (١).

وكان رجوعنا من مصر في جمادى الأولى سنة ١٣٣٠) (٢).

وقال شارحا قصة (المراجعات) حين ذكر مؤلفاته :

(كتاب المراجعات ، أو : المناظرات الأزهرية والمباحثات المصرية. مجلد واحد ، يثبت رأي الإمامية في الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألفناه في مصر ، إذ أتيناها سنة ١٣٢٩ ، فجمعنا الحظ السعيد

__________________

(١) أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة ١٣٣٢ ه ، أي بعد رجوعه بسنتين فقط.

(٢) بغية الراغبين ٢ / ١٩٩.


بإمامها الوحيد : الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر في ذلك العهد ، حضرت درسه ، وأخذت عنه علما جما ، وكان عيلم علم ، وعلم حلم ، وكنت أختلف إلى منزله أخلو به في البحث عما لا يسعنا البحث عنه إلا في الخلوات ، وكان جل بحثنا هذا في الإمامة ، التي ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل عليها ، وقد فرضنا على أنفسنا أن نمعن النظر في البحث عن أدلتها ، متجردين من كل عاطفة سوى انتجاع الحقيقة والوصول إلى من طريقها المجمع على صحته.

وعلى هذا جرت مناظراتنا ومراجعاتنا ، وكانت خطية تبادلنا بها المراسلة إبراما ونقضا ، فجئته بالحجج الساطعة لا تترك خليجة ولا تدع وليجة ، فقابلها بالذود عن حياضها ، لا يألو في ذلك جهدا ولا يدخر وسعا. لكن الله عزوجل بهدايته وتوفيقه يسر لي ـ وله الحمد ـ درء كل شبهة ودحض كل إشكال ، حتى ظهر الصبح لذي عينين ...

وكنت أردت يومئذ طبع تلك المراجعات ، وهي ١١٢ مراجعة ، لكن الأقدار الغالبة أرجأت ذلك ، فلما نكبنا في حوادث سنة ١٣٣٨ ـ كما سنفصله في محله ـ انتهبت مع سائر مؤلفاتي يوم صيح نهبا في دورنا.

وما أن فرج الله تعالى عنا ـ بفضله وكرمه ـ حتى استأنفت مضامينها بجميع مباحثاتها التي دارت بيننا ، فإذا هي بحذافيرها مدونة بين دفتي الكتاب ، مع زيادات لا تخل بما كان بيننا من المحاكمات ، على ما أوضحناه في مقدمة الكتاب ، والحمد لله ـ باعث من في القبور ـ على بعث هذا السفر النافع ونشره) (٣).

__________________

(٣) بغية الراغبين في سلسة آل شرف الدين ٢ / ٩٨. في ذكر مؤلفاته.


إهداء السيد كتاب المراجعات :

ثم إن السيد ـ رحمه‌الله ـ يهدي كتابه قائلا :

(وإني لأهدي كتابي هذا إلى أولي الألباب ، من كل علامة محقق ، وبحاثة مدقق ، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها ، ومن كل حافظ محدث جهبذ حجة في السنن والآثار ، وكل فيلسوف متضلع في علم الكلام ، وكل شاب حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال ، ممن نؤملهم للحياة الجديدة والحرة.

فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في أنفسهم ، فإني على خير وسعادة).

رجاء السيد من القراء :

وذكر السيد كتاب (المراجعات) في المورد الأول من كتاب (النص والاجتهاد) فقال :

(ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا (المراجعات) إذ استقصينا البحث ثمة عن تلك النصوص ، وعن كل ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع ، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ، ومربي العلماء الأعلام ، الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر يومئذ ، رحمه‌الله تعالى ، أيام كنا في خدمته ، وكان إذ ذاك شيخ الأزهر ، فعني بي عنايته بحملة العلم عنه ، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصوصها مناظرات ومراجعات خطية ، بذلنا الوسع فيها إيغالا في البحث والتمحيص ، وإمعانا فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق ، فكانت تلك المراجعات ـ بيمن نقيبة الشيخ ـ سفرا من أنفع أسفار الحق ، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره ، والحمد لله على التوفيق.


وها هي تلك منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث ، وقلب واع لما يقوله الفريقان ، ورأي جميع ، ولب رصين ، فلا تفوتنكم أيها الباحثون.

نعم ، لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيبوه ، أمعنوا في أهداف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومراميه في أقواله وأفعاله ، التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور ، ولا تغلبنكم العاطفة على أفهامكم وعقولكم ، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول ، لا يأبهون بشئ من صحتها ، ولا من صراحتها ، والله تعالى يقول : (إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون) (فأين تذهبون) أيها المسلمون (إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى)» (٤).

أقول :

لقد حقق أبناء الأمة الإسلامية رجاء السيد رحمه‌الله ، وتقبله الذين أهدى إليهم المراجعات بقبول حسن ، وأقبلوا عليها خير إقبال ، واستضاء بنورها الكثير منهم ، ورجعوا ببركتها إلى الأصل الديني المفروض عليهم.

وها هي ـ ولا تزال ـ منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر رحب شرحه الله للبحث ، كل طالب للحق ، باحث عن الحقيقة ، يريد الخير والصلاح والفلاح لنفسه وللأمة.

لكن (السنة) التي رسمها ابن تيمية في (منهاجه) لها أتباع في كل زمان ، تعلموا منه منطق السب والشتم والبهتان ـ وإن خالفوها في بعض الجهات ، وفي بعض الأحيان ـ (٥) ولم نجد في كلامهم ـ هنا ـ كلمة تستحق الاصغاء والذكر ،

__________________

(٤) النص والاجتهاد ـ الطبعة الثانية ـ : ٥٤.

(٥) أعتقد أنه لو كان ابن تيمية في هذا العصر ، وانبرى للجواب عن (المراجعات) لأنكر قبل كل شئ سفر السيد إلى مصر! والتقائه بالشيخ هناك! بل أنكر وجود السيد والشيخ في هذا العالم!


إلا كلمة واحدة ، وهي : ما هي الحوادث والكوارث التي حالت دون نشر المراجعات في حياة الشيخ؟ لماذا لم يذكر السيد منها ولو واحدة؟ وهذا سؤال وجيه ، ولكن ليتهم طرحوه بأدب ووقار ...

قال قائل منهم :

يقول قائلهم مفتتحا ما كتبه بعد البسملة والحمدلة :

(وبعد ، يعتبر كتاب المراجعات من أهم كتب الرافضة التي عرض فيها مؤلفه : عبد الحسين الموسوي ، مذهبه مذهب الرفض ، بصورة توهم الكثير من أهل السنة بصدق ما جاء فيها ، لا سيما أولئك الذين لم يسبق لهم معرفة عقيدة الرافضة وأصولهم ، وأساليبهم الخبيثة الماكرة ، والتي ترتكز على الأدلة الكاذبة الموضوعة ، والتلاعب بالأدلة الصحيحة ، سواء بالزيادة فيها أو الانقاص منها ، أو بتحميلها من المعاني ما لا تحتمله ، كل هذا يفعلون نصرة لمذهبهم ، وتأييدا لباطلهم. وهذا ما درج عليه الموسوي في كتابه (المراجعات).

ولما كانت هذه المراجعات لا أصل لها من الصحة ، بل هي محض كذب وافتراء ، ولما مر على ظهور هذا الكتاب قرابة الثلاثين عاما (٦) ، ولم نجد أحدا من علماء السنة قد رد على هذه المراجعات المكذوبة جملة وتفصيلا.

ولما كان هذا الكتاب قد أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ، جهلا منهم بعقيدة الرافضة وأصولهم المخالفة لأصول الإسلام الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ، وظنا منهم بصدق هذه المراجعات ، غير مدركين تدليس وكذب صاحبها ، حيث أظهر موافقة شيخ الأزهر على كل ما عرضه من أدلة مكذوبة ، وفي الوقت نفسه لم يجدوا من يكشف لهم كذب هذه المراجعات ، ويبين لهم

__________________

ووجود مصر على وجه الأرض!

(٦) المراجعات طبعت عام ١٣٥٥ ه ، فقد مر على ظهورها حتى تاريخ ما كتبه هذا الرجل ـ وهو سنة ١٤٠٦ ه ـ قرابة الخمسين عاما.


ما اشتملت عليه من زيغ وضلال.

ولما كان تحذير المسلمين من عدوهم ، وفضح كل الطوائف والفرق الخارجة على الإسلام أمرا واجبا على كل داعية ، بل هو من أعظم القربات إلى الله حتى يميزوا الخبيث من الطيب ، ويبينوا سبيل المجرمين.

لهذا كله نرى أنفسنا مضطرين لرد على كتاب المراجعات ، سائلين الله أن يجعل هذا خالصا لوجهه ، ودفاعا عن أوليائه ، ونصرة لدينه ، وغيرة على سنة نبيه).

أقول :

أولا : إننا عندما ننقل هذه المراجعات نرجو المعذرة من كل مسلم غيور متأدب بآداب الإسلام ، بل من كل إنسان متخلق بالأخلاق الفاضلة ، وخاصة من سيدنا (شرف الدين) قدس الله نفسه ، فإننا إنما أوردناها :

١ ـ ليتضح أن الذين يعادون الشيعة ، والتشيع إنما يعادون المسلمين والإسلام ، ولا يفرقون في الطعن بين أهل السنة وبين الشيعة ، وذلك لأن هذا الأسلوب من الكلام يشوه سمعة الدين والإسلام ، لدى أبناء الأديان الأخرى ، إذ يتوقعون أن هذا هو الخلق الإسلامي المحمدي ، وأن المسلمين ـ سواء الشيعة أو السنة ـ بمعزل عن الآداب الإنسانية والأخلاق الفاضلة.

على أنه ـ في نفس الوقت الذي يتهجم فيه على الشيعة ـ يطعن في علماء مذهبه ، وينسبهم إلى التهاون في أمر الدين والدفاع عن أولياء الله وسنة الرسول ، إذ لم يردوا على هذا الكتاب الذي أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ـ على حد تعبيره ـ ولم يكشفوا لهم كذب هذه المراجعات! كما قال ...

فهؤلاء ـ في الواقع ـ أناس يريدون الوقيعة بين المسلمين ، وإيجاد التباغض بينهم ، وضرب بعضهم ببعض ، حتى يكون الأعداء في راحة ... فكونوا على حذر من هؤلاء ، وانتبهوا أيها المسلمون!!


٢ ـ للاستشهاد على ما ذكرنا ممن قبل ، من أن في الناس من لا يروقه قول الحق وبيان الحقيقة ، وحين لا يمكنه الرد المتين المستند إلى العقل والدين ، يتفوه بهذه الكلمات ، اقتداء بشيخ إسلامه ابن تيمية المشحون منهاجه بالأباطيل والافتراءات.

٣ ـ للعلم بأن فيمن ينسب نفسه إلى السنة المحمدية ، ويزعم كونه (داعية) إليها (مدافعا) عنها (غيورا) عليها ... أناسا غير منصفين بأدنى شئ من آدابها ، وليقارن بين كتابات هؤلاء وبين كتابات الشيعة.

٤ ـ للتنبيه على أن من يفتتح ما كتبه بالتكفير والشتم والتضليل وغير ذلك لطائفة من المسلمين ... لا يستبعد منه الكذب والخيانة والتدليس في أثناء ما كتبه وخلال البحوث.

٥ ـ ولأنا سوف نعرض عن التعرض بشئ لأمثال هذه العبارات ـ وما أكثرها ـ في الكتاب.

وثانيا : إن السيد من كبار فقهاء الأمة الإسلامية ، ومن أعاظم علماء الطائفة الشيعية ، وكتابه (المراجعات) من المصادر المعتبرة لدى المسلمين حتى أن بعض علماء السنة المحققين ينقلون عنه ويعتمدون عليه ، قال العلامة الشيخ محمود أبو رية ـ من كبار علماء الأزهر المشاهير المحققين ـ في كلام له حول بعض الروايات : (وإذا أردت الوقوف على هذه الروايات فأرجع إلى كتاب المراجعات التي جرت بين العلامة شرف الدين الموسوي ـ رحمه‌الله ـ وبين الأستاذ الكبير الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سابق) (٧).

وقد وصف الأستاذ عمر رضا كحالة السيد ومؤلفه بقوله :

(عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي. عالم فقيه مجتهد. ولد بالمشهد الكاظمي مستهل جمادى الآخرة ، وأخذ عن طائفة من علماء العراق ،

__________________

(٧) أضواء على السنة المحمدية ، ٤٠٤.


وقدم لبنان ، ورحل إلى الحجاز ومصر ودمشق وإيران ، وعاد إلى لبنان ، فكان مرجع الطائفة الشيعية ، وأسس الكلية الجعفرية بصور ، وتوفي ببيروت في ٨ جمادى الآخرة سنة ١٣٧٧ ، ونقل جثمانه إلى العراق فدفن بالنجف.

من آثاره : المراجعات ، وهي أسئلة وجهها سليم البشري إلى المترجم فأجاب عنها. أبو هريرة. الشيعة والمنار. إلى المجمع العلمي العربي بدمشق. والفصول المهمة في تأليف الأمة) (٨).

وثالثا : قد اعترف هذا القائل في كلامه بأن أحدا من أهل السنة لم يرد على المراجعات ، فلماذا لم يردوا؟! أما كانوا يرون وجوب (تحذير المسلمين من عدوهم) على كل (داعية)؟! أو لم يكونوا دعاة كما كان هذا القائل؟!

ورابعا : قد اعترف هذا القائل في كلامه بأن هذا الكتاب قد أثر في المسلمين ، لكن قال : في بسطاء المسلمين وعامتهم!

وقال آخر : (وفي عصرنا أيضا نجد كتابا يسعى جادا للدخول إلى كل بيت (٩). رأيت طبعته العشرين في عام ١٤٠٢ ، ويوزع على سبيل الهدية في الغالب الأعم ، واسم الكتاب المراجعات. ذكر مؤلفه شرف الدين هذا الحديث بالمتن الذي بينا ضعف أسانيده (١٠) وقال : بأنه حديث متواتر. ثم نسب للشيخ سليم البشري رحمه‌الله ، شيخ الأزهر والمالكية أنه تلقى هذا القول بالقبول وأنه طلب المزيد ...) (١١).

__________________

(٨) معجم المؤلفين ٥ / ٨٧.

(٩) بل إن أبناء (البيوت) يقبلون عليه ويسعون وراء الحصول عليه وجلبه إلى البيوت. ولا يخفى ما تدل عليه كلمة أبناء (البيوت) من معنى ، منطوقا ومفهوما!

(١٠) يعني : حديث الثقلين .. وقد بينا في رده صحة قول السيد وغيره بتواتره ، فراجع كتابنا : (حديث الثقلين : تواتره .. فقه) كما سنبين ذلك هنا باختصار حين يأتي التعرض له إن شاء الله ، وقد بلغني وقوف الدكتور على الكتاب المذكور ، ولكن لم يصلني حتى الآن أي اعتراض عليه ، لا منه ولا من غيره.

(١١) حديث الثقلين وفقه ـ للدكتور علي أحمد السالوس ـ : ٢٨.


وقال في كتيب أسماه : (عقيدة الإمامة عند الشيعة الإمامية .. دراسة في ضوء الكتاب والسنة. هل كان شيخ الأزهر البشري شيعيا؟!) (١٢).

قال في مقدمته : (وقبل أن أختم البحث رأيت أن أشير إلى الفرية الكبرى التي جاء بها الكاتب الشيعي شرف الدين الموسوي في كتابه (المراجعات) وأن أنبه إلى براءة الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر مما نسبه إليه هذا المؤلف).

ثم قال في الصفحة ١٧٠ : (مما رزئنا به في عصرنا كتاب يسعى جادا للدخول إلى كل بيت ، رأيت طبعته العشرين في عام ١٤٠٢ ...).

وقال في الخاتمة : (ومن أكبر هذه المفتريات الكتاب المسمى (المراجعات) الذي لم يكتف مؤلفه بجعل الأحاديث الموضوعة المكذوبة أحاديث ثابتة متواترة ، بل نسب لشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري رحمه‌الله أنه سلم بهذا وأيده. بل سلم بعقيدة الشيعة الجعفرية ، ورأى أن أتباع المذهب الشيعي الجعفري أولى بالاتباع من أي مذهب من المذاهب الأربعة).

وقال ثالث : (وأما كتاب المراجعات فقد استحوذ على اهتمام دعاة التشيع ، وجعلوه أكبر وسائلهم التي يخدعون بها الناس. أو بعبارة أدق : يخدعون به أتباعهم وشيعتهم ، لأن أهل السنة لا يعلمون عن هذا الكتاب

__________________

(١٢) اسم ضخم! ولكنه في ١٨٠ صفحة من القطع الصغير! وقد جعل عليه عنوان (هل كان شيخ الأزهر البشري شيعيا؟) ليوهم أنه سيحقق عن هذا الموضوع ، ولكن عندما تراجعه لا تجد إلا الاستبعاد! إلا أن تشيع شيخ الأزهر دليل على تحقيقه وإنصافه ، وهكذا يكون حال كل مسلم إن حقق وأنصف! كما دعا إلى ذلك السيد شرف الدين في كل ما حقق وصنف! بخلاف حضرة الدكتور وأمثاله ، المدافعين عن بني أمية اقتداء بابن تيمية! ولسان حالهم (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون) والذي يؤكد ما ذكرنا في خصوص السالوس أنه يحاول إيجاد ضجة على الشيعة وأهل السنة المحققين المنصفين ـ من علماء الأزهر وغيرهم ـ الدعاء إلى التقريب بين المسلمين ، وذلك بإصدار كراريس ، أحدها في آية التطهير ، والآخر في حديث الثقلين ، وثالث في عقيدة الإمامة عند الشيعة ... والحال أن كلا منها فصل من فصول كتابته الكبير الذي أسماه ب : (أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله) فلاحظ وتأمل!


ولا غيره من عشرات الكتب التي تخرجها مطابع الروافض ، اللهم إلا من له عناية واهتمام خاص بمذهب الشيعة. وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مائة مرة ، كما زعم ذلك بعض الروافض. والكتاب في زعم مؤلفه واقعة من وقائع التقارب بين أهل السنة والشيعة ، وهو عبارة عن مراسلات بين شيخ الأزهر سليم البشري ، وبين عبد الحسين هذا ، انتهت بإقرار شيخ الأزهر بصحة مذهب الروافض وبطلان مذهب أهل السنة.

والكتاب ـ لا شك ـ موضوع مكذوب على شيخ الأزهر ، وبراهين الكذب والوضع له كثيرة تعرض لبعض منها ، وقبل ذلك نشير إلى أن الروافض من دأبهم وضع بعض المؤلفين ونسبتها لبعض مشاهير أهل السنة ، كما وضعوا كتاب (سر العالمين) ونسبوه إلى حجة الإسلام محمد الغزالي.

أما مظاهر وأمارات الكتاب والوضع في هذا الكتاب فمنها :

أولا : الكتاب عبارة عن مراسلات خطية بين شيخ الأزهر سليم البشري وبين هذا الرافضي ، ومع ذلك جاء نشر الكتاب من جهة الرافضي وحده ، ولم يصدر عن البشري أي شئ يثبت ذلك.

وثانيا : أن هذا الكتاب لم ينشره واضعه إلا بعد عشرين سنة من وفاة البشري ، فالبشري توفي سنة ١٣٣٥ ، وأول طبعة لكتاب (المراجعات) هي سنة ١٣٥٥ في صيدا.

وثالثا : أن أسلوب هذه الرسائل واحد هو أسلوب الرافضي ، ولا تحمل رسالة واحدة أسلوب البشري.

ورابعا : أما نصوص الكتاب فتحمل في طياتها الكثير والكثير من أمارات الوضع والكذب.

والحقيقة المفجعة : أن هذا الافتراء يطبع عشرات المرات بأسم


التقريب ، ولا أحد من أهل السنة ينتبه بهذا الأمر الخطير) (١٣).

أقول :

أولا : إن كتاب (سر العالمين وكشف ما في الدارين) لأبي حامد محمد الغزالي ، صاحب إحياء العلوم. وقد نسبه ـ فيمن نسبه ـ إليه كبير الحفاظ والمؤرخين المعتمدين من أهل السنة ، ألا وهو شمس الدين الذهبي ـ المتوفى سنة ٧٤٨ ه ـ في كتابه المعروف (ميزان الاعتدال) واعتمد عليه ونقل منه ، فلاحظ الكتاب المذكور (١٤).

وعلى هذا الأساس نسبته الشيعة إليه ، فلماذا الافتراء؟! ولماذا الانكار من هؤلاء الطلبة الأصاغر المتأخرين لما يقر به أكابر أئمتهم المعتمدين؟!

وثانيا : إن هذا الذي يعترف به ـ متفجعا ـ من أقوى أدلة صحة المراجعات ، واعتبار ما تحتويه من استدلالات ، وإلا فعلماء قومه مقصرون أمام الله والرسول ومشايخ الصحابة المقتدى بهم في مذهبهم! رغم طبعها عشرات المرات كما ذكره ، ورغم أنها تدعو إلى المناظرة بصدر رحب ... كما ذكر السيد رحمه‌الله.

__________________

(١٣) مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ٢ / ٢١٣ ـ ٢١٧ للدكتور ناصر بن عبد الله الغفاري ، وهو رسالة لنيل درجة الماجستير ، أجيزت بتقدير ممتاز! نشر : (دار طيبة في الرياض سنة ١٤١٣ ه في جزءين كبيرين.

(١٤) ميزان الاعتدال ، ترجمة الحسن بن الصباح ١ / ٥٠٠.

وممن نسب الكتاب إلى الغزالي : الحافظ الواعظ سبط ابن الجوزي الحنفي ـ المتوفى سنة ٥٨١ ه ـ صاحب التاريخ الشهير (مرآة الزمان) وغيره من المصنفات ، وله : (تذكرة خواص الأمة) الذي أورد فيه بعض ما يتعلق بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، بأسانيده إلى النبي عليه وآله الصلاة والسلام ، ولأجله رموه بالترفض مع الثناء عليه ووصفه بالحفظ والفقه كما لا يخفى على من لاحظ ترجمته في (الجواهر المضية في طبقات الحنفية) و (الفوائد البهية في طبقات الحنفية) وغيرهما.


وثالثا : ما ذكره بعنوان (وبعبارة أدق ...) بكذبه قول زميله القائل : (قد أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم) وقول الآخر : (يسعى جادا للدخول إلى كل بيت ...) على حد تعبيرهما.

ورابعا : المراجعات ليس موضوعة ، كما مر وسيأتي.

وخامسا : إن الأمارات التي ذكرها ، تعود الثلاثة الأولى منها إلى مطلب واحد سنجيب عنه في الجواب عن السؤال عن الكوارث التي منعت طبع الكتاب وضيعت نسخته. والرابعة يظهر بطلانها من خلال ما سنوضحه حول نصوص الكتاب.

السبب في تأخير طبع الكتاب :

ثم إنه قد اعترض على كلام السيد في المقدمة بأنه :

(ماذا يعني الموسوي بالحوادث والكوارث التي أخرت طبع هذه المراجعات أكثر من ربع قرن من الزمن؟ إنه سؤال لا جواب عليه ، لأن الموسوي لم يقدم لنا حادثة أو كارثة واحدة من هذه الحوادث والكوارث ، وإذا عدنا إلى كتب التاريخ التي أرخت لهذه الحقبة من الزمن التي تمت فيها هذه المراجعات المزعومة نقلب صفحاتها فلا نجد فيها ما يمنع من نشرها).

أقول :

وهذا جهل أو تجاهل. لقد أشرنا من قبل إلى أن السيد ـ رحمه‌الله ـ كان في طليعة الشخصيات الإسلامية التي قاومت الاحتلال الفرنسي للبنان ، فقد قاد شعبه في مواجهة الاحتلال ، واستخدام كافة الأساليب لها ، ووقف بصرامة يطالب خروج الفرنسيين من بلاده ، ويدعو إلى الوحدة السورية المستقلة ، فأوعز المحتلون إلى عملائهم بالتخلص من هذا القائد ، واستغلوا عميلا عربيا يدعى : (ابن الحلاج جبران) من أهالي مدينة صور ، واقتحموا دار السيد ،


وشهر العميل مسدسه في وجه السيد ، فركله برجله فوقع على ظهره وسقط المسدس من يده ، وتعالت الأصوات وصيحات النساء ، ففر الفرنسيون من الدار ، وتوافدت الجموع إليها من كل جانب تشتاط غضبا فأمرهم السيد القائد بالهدوء.

قال رحمه‌الله في كلام له :

(وكان من ذلك أن عزم الفرنسيون ، وعزمت ذيولهم ، أن يتخلصوا مني عن طريق الاغتيال ، لتنهار هذه الجبهة إذا خلوت من الميدان ، وفي ضحى يوم الثلاثاء ١٢ ربيع الثاني سنة ١٣٣٧ ه ، الموافق ١٤ كانون الثاني سنة ١٩١٩ م ، والدار خالية من الرجال ، أقبل فتى من رجال الأمن العام الذين أملى لهم الفرنسيون أن يشتطوا على المسلمين والأحرار من أهل الدين ، وأقبل معه رجلان من الجند الفرنسي ، وكانوا جميعا مسلحين ، فاقتحموا الباب ، ثم أحكموا أرتاجها ، ودنا الفتى العربي ابن الحلاج شاهرا مسدسه ، وهو يطلب أن أعطيه التفويض الذي كنا أخذناه من وجوه البلاد وثائق تخول الملك فيصل أن يتكلم باسمنا في عصبة الأمم.

وحين أصبح على خطوة مني ركلته برجلي ألقته على ظهره فسقط المسدس من يده ، وأتبعت الركلة بضربات عنيفة بالحذاء على رأسه ووجهه ، وعلت صيحة نسائنا في الدار ، فملئت الطريق خلف الطريق خلف الباب ، فإذا الرهبة تتولى هزيمة الجنديين وصاحبهما مخفقين ، وقد كادت الأيدي والأرجل أن تقضي عليهم ...) (١٥).

ثم إن السيد دعا إلى مؤتمر للتحاور مع رجالات السياسة والفكر ، لاتخاذ القرارات المناسبة للاستمرار بالمواجهة والسيطرة على الموقف حتى الوصول إلى الهدف ، فعقد المؤتمر في منطقة (الحجير) ومثل المؤتمرين في وفد إلى

__________________

(١٥) بغية الراغبين ٢ / ١٥٠.


سوريا للاجتماع مع الملك فيصل ، حتى إذا رجع وثب الفرنسيون بجيش جرار إلى جبل عامل توجه نحو قرية (شحور) لإلقاء القبض على السيد وقتله ، ...

قال رحمه‌الله :

(ومهما يكن فقد كان نصيبنا من هذه الجيوش حملة جرارة قدرت بألف فارس مجهزين بالمدافع الثقيلة والدبابات والمدرعات ، زحفت بقيادة الكولونيل (دنجير) إلى (شحور) وما كاد الفجر يتضوأ بأضوائه الندية حتى كانت المدافع الثقيلة منصوبة على جبلي (الطور) و (سلطان) المشرفين على القرية ، وهبط الجيش يتدفق بين كروم التين ، ويلتف حول القرية ، في رهبة أوحشت سكينة الفجر المستيقظ لذكر الله تعالى في مستهل شهر رمضان المبارك سنة ١٣٣٨ ، وكنت أهوم بعد صلاة الفجر بنعاس بعد تعب السفر وتعب السهر ، وكانت وصيفتنا (السعيدة) تتهيأ لصلاتها ، فأشرفت على مدخل القرية ـ وهي تتبين الصبح ـ فراعها أن ترى أن آذان الخيل تنتشر بين أشجار التين في مثل هذا البكور ، فأجفلت مذعورة ، ورجعت توقظني من نومي.

نهضت مسرعا إلى أرديتي ، وانسللت أتخطى الأزقة والمضايق ، ثم خرجت من بين العسكر وهم لي منكرون ، وتركتهم يتظننون ، وانسحبت أهبط الوادي إلى غار على شاطئ الليطاني ، كان لجأ إليه جدنا السيد صالح في محنة الجزار.

أما الجند فطفق يسأل عني ، واستوقف الصغار من أفراخي مع عمهم السيد محمد وخالهم السيد حسن ، حتى يستنطقهم والسيف مصلت فوق رؤوسهم ، ولكنهم أجمعوا على أني في دمشق ، ولما استيأسوا من العثور على تفرقوا في القرية يأكلون ويشربون ويحطمون ، ولم يغادروا (شحورا) قبل أن يحرقوا الدار ... فحكم علي بالنفي المؤبد مع مصادرة ما أملك. وقد احتلوا دارنا في صور بعد أن صيح نهبا في حجراتها ، فعظمت المصيبة وجلت الرزية بنهب المكتبة الحافلة بكتبها القيمة ، وفيها من نفائس الكتب المخطوطة


ما لا يكاد يوجد في غيرها. وكان لي فيها كتب استفرغت في تأليفها زهرة حياتي وأشرف أوقاتي ، فإنا لله وإنا إليه راجعون) (١٦).

ثم إنه شرد به ـ طاب ثراه ـ مع أهل وذويه إلى دمشق ، فبقي بها مدة وانتقل منها إلى فلسطين ، ومنها إلى مصر ، وهو في جميع هذه الأحوال متنكر وراء كوفية وعقال على نسق المألوف من الملابس الصحراوية اليوم ، حتى إذا قصد الهجرة إلى العراق أرسل إليه بأمان وطلب منه العدة إلى وطنه ، وكان العودة يوم الجمة ١٨ شوال سنة ١٣٣٩ ه.

والخلاصة : إنه لما يئست قوات الاحتلال من القبض عليه ، عادت فسلطت النار على داره في (شحور) فتركتها هشيما تذروه الرياح ، ثم احتلت داره الكبرى الواقعة في (صور) بعد أن أباحتها للأيدي الأثيمة تعيث فيها سلبا ونهبا ، حتى لم تترك فيها غاليا ولا رخيصا ، وكان أوجع ما في هذه النكبة تحريقهم مكتبته العامر بكل ما فيها من نفائس الكتب وأعلاقها ، ومنها مؤلفاته الكثيرة القيمة التي كانت خطية في ذلك الوقت ، والمكاتيب والمراجعات.

فهذا موجز تلك الحوادث والكوارث ، كما في مقدمته (المراجعات) وغيرها من المؤلفات ، وفي كتاب (الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين مصلحا ومفكرا وأديبا) وغيره مما كتب بترجمة السيد ، وإن شئت التفصيل فراجع (البغية) بقلمه الشريف ، فقد ذكر فيها جميع تلك الكوارث والحوادث بما فيها من خصوصيات وجزئيات ... وإليها أشار ـ رحمه‌الله ـ في مقدمة (المراجعات) ثم صرح بأن الصحف التي ينشرها الآن كلها بلفظه وخطه ...

لكن البعض لا يصدقون السيد ـ الصادق المصدق ـ فيما يقول أو لا يرون ما لاقاه وقاساه ـ مع شعبه ـ كوارث! أو يريدون إنكار تلك الجهود ، أو استنكار ذلك الجهاد ضد الاستعمار! فيذكرون للتأخير سببا من عندهم ، بوحي من

__________________

(١٦) بغية الراغبين

٢ / ١٦٣.


ظنونهم السيئة الفاسدة ، وأغراضهم الباطلة الكاسدة ، فيقول قائل منهم :

(والذي دفع الموسوي إلى تأخير نشر وطباعة (المراجعات) إنما هو حاجة في نفسه ، إذ أن الفترة التي كانت فيها المراجعات ، والتي اعتبرها فترة غير ملائمة لمثل هذا الأمر ، إنما تعني أواخر الخلافة العثمانية التي مهما قيل فيها فإنها تظل خلافة تدين بالإسلام وتدفع عنه أعداءه وخصومه ، وتناهض كل الفرق الضالة التي اتخذت من الإسلام ستارا لضرب الإسلام والكيد للمسلمين كالرافضة وغيرهم ، والموسوي خشي على نفسه من نشر هذه المراجعات في ظل هذه الخلافة ، لما فيها من مخالفة للكتاب والسنة وعقيدة الأمة ، الأمر الذي قد لا تسمح الخلافة العثمانية بنشره ، لذا فإنه كان ينتظر فرصة مناسبة ومؤاتية لنشره هذه الأباطيل ...

والأمر الثاني الذي دفعه إلى تأخير نشر مراجعاته : أنها مراجعات لا أصل لها ، فلا بد له من تأخيرها ، إذ لو نشرها في الوقت الذي تمت فيه هذه المراجعات لتصدى إلى تكذيبه العديد من العلماء ، لا سيما شيخ الأزهر الذي كذب عليه وقوله ما لم يقل ، فلما مات شيخ الأزهر ومات بعض أقرانه ، ونسي الأحياء منهم أمر هذه المراجعات ، وما كان فيها من وقائع وتفصيلات ، ولما اطمأن الموسوي لهذا كله سارع عندئذ لنشر أباطيله).

أقول :

لقد ذكر أمرين هما السبب ـ بزعمه ـ في تأخير نشر (المراجعات) :

أما الأول : فلا يتفوه به عاقل ، إذ الخلافة العثمانية كانت في تلك الأيام على وشك الانهيار والاضمحلال ، ولم تعد قادرة على حفظ كيانها ، على أنه كان بالإمكان طبع الكتاب ـ لولا الحوادث والكوارث ـ في غير بلاد الخلافة العثمانية ...

وعلى الجملة ، فهذا الأمر مما لا يصغى إليه ، وتضحك الثكلى به ،


ولعله لذا لم نجده عند غير هذا المتقول.

وأما الأمر الثاني : فقد أشار إليه غيره أيضا ، وهو مردود بما ذكرناه في بيان واقع الحال.

على أنا نسأل هؤلاء عن السبب للحقيقة المفجعة ، وهي عدم رد أحد من علماء السنة على هذه المراجعات ، لا سيما ممن نشأ في ظل الخلافة العثمانية التي كانت تناهض كل الفرق الضالة على حد زعمه؟! وعن السبب لنشر مثل هذه التشكيكات والتكذيبات ، في مثل هذه الظروف وبعد نحو الخمسين عاما على طبع المراجعات؟! وعن السبب في تأخير طبع رد أحدهم على كتاب (أبو هريرة) مدة ١٨ سنة ، أي بعد وفاة السيد بسنين (١٧)؟! ثم تبعه غيره ، يأخذ اللاحق من السابق ، فيكررون المكرر (١٨).

السبيل لتوحيد المسلمين :

وهنا يقول القائل : (إن ما يسعى إليه الموسوي إنما هو ضرب من المستحيل ، إذ أنه ، لو افترضنا الصدق فيها ، فهي محاولة للتوفيق بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر!

إن السبيل الوحيد لتوحيد المسلمين ولم شتاتهم ، وإزالة الفرقة بينهم إنما يكون بالعودة إلى الكتاب والسنة ، وفهم السلف الصالح لهما ، كما أوضح ذلك الحق سبحانه وتعالى حيث قال : (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) وكنا أوضح النبي

__________________

(١٧) كتاب : أبو هريرة راوية الإسلام ، لمحمد عجاج الخطيب ، ألفه ردا على كتاب : (أبو هريرة) للسيد شرف الدين ، فرد عليه الشيخ عبد الله السبيتي بكتاب : (أبو هريرة في التيار).

(١٨) لاحظ : دفاع عن أبي هريرة ، لعبد المنعم صالح العلي ، ثم : أبو هريرة وأقلام الحاقدين ، لعبد الرحمن عبد الله الزرعي ، وهكذا ...


صلى الله عليه [وآله] وسلم حيث قال : تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وسنتي. (أخرجه الإمام مالك والترمذي وأحمد). فهل يستجيب الرافضة لله وللرسول؟ هيهات هيهات).

ويقول آخر : (مفهوم التقريب عند هذا الموسوي هو أخذ المسلمين بعقيدة الروافض ، وهو في سبيل ذلك يضع وقائع وهمية وحوادث لا حقيقة لها ، ويزعم أنها وقائع تقارب بين السنة والشيعة لتصفية الخلاف ، ولكن لم يكن لهذه المؤامرات من أثر إلا عند طائفته) (١٩).

أقول :

إن مفهوم التقريب لدى السيد وطائفته هو التعريف بالشيعة ، وبيان عقيدتها في مسألة الإمامة ـ التي هي أعظم خلاف بين الأمة ـ وذكر شواهدها وأدلتها في كتب السنة ، والبحث والتحقيق حولها عن طريق الجدل الحق ، ثم الأخذ بما اتفق الكل على روايته ونقله في الكتب المشهورة بين المسلمين ، وعلى هذا الأساس استند السيد في (المراجعات) وغيرها من كتبه إلى ما جاء في كتب السنة من الأحاديث من طرقهم ، ومن هذا المنطلق يمكن التوقيف بين الطائفتين ، ... ولا استحالة ... وبذلك يكون قد تحقق ما أمر سبحانه وتعالى بقوله : (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول ...) وإلا فإن كل طائفة ترى الحق فيما ترويه وتعتقده ، وتحكم ببطلان ما تذهب إليه الطائفة الأخرى.

فالمراد من (الرد إلى الرسول) في الآية الكريمة ، ومن (السنة) في الأحاديث الآمرة بالرجوع إليها هو : الأخذ بما ثبت صدوره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو ما اتفق الكل على روايته بأسانيدهم.

وأما خصوص : (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله

__________________

(١٩) مسألة التقريب ٢ / ٢١٧.


وسنتي) فليس بحديث صادر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونسبة روايته إلى أحمد والترمذي كذب ، إذ هو ليس من أحاديث مسند أحمد وجامع الترمذي قطعا.

نعم ، رواه مالك في (الموطأ) لكن بسند منقطع! كما نص على ذلك شراحه ، كالجلال السيوطي في (تنوير الحوالك) وقد أوصله ابن عبد البر القرطبي ، لكن بسند ضعيف! وقد حققنا حال هذا الحديث المزعوم في رسالة مفردة مطبوعة (٢٠)

والخلاصة : إن السيد يدعو إلى الوئام بين المسلمين عن طريق البحث الصحيح والجدل الحق ، في الحديث والسيرة والتاريخ وغير ذلك ، لا عن طريق تناسي الماضي ، لأن هذا لو أفاد في برهة من الزمن فلا يكاد يجدي على المدى البعيد ، ولا يعطي النتيجة المطلوبة ، بل إن معنى ذلك بقاء الانطباعات عن القضايا في النفوس والأذهان ، وهذا ما يؤدي ـ بطبيعة الحال ـ إلى مضاعفات لا تكاد تقبل العلاج من أي طرف كان.

وقد عرفت السيد إلى من أهدى كتابه! وأي شئ ترجى منه!

هذا تمام الكلام حول المكابرات ، المتعلقة بمقدمة المراجعات.

للبحث صلة ....

__________________

(٢٠) مجلة (تراثنا) العدد ٢٩ ، شوال ١٤١٢ ه ، ص ١٧١ ـ ١٨٧.


في رحاب نهج البلاغة

(٥)

نهج البلاغة عبر القرون

شروحه حسب التسلسل الزمني

السيد عبد العزيز

الطباطبائي لقد حظي نهج البلاغة من أول يوم بعناية العلماء والأدباء ، فجلب أنظارهم واستقطب جهودهم ، فبادروا إلى روايته وقراءته وإجازته واستنساخه ومقابلته والتعليق عليه ، فلم نر في تراثنا الخالد ما يوازيه في كثرة المخطوطات القديمة ، ولا ما يدانيه أو يبلغ نصف ذلك كما تقدم الايعاز إليه.

وكذلك تناوله العلماء والأدباء بالشرح منذ القرن السادس وحتى يومنا هذا ، بحيث يتعذر أو يتعسر إحصاء شروحه جميعها ، وأول من تناولها بالإحصاء :

١ ـ المحدث النوري ـ المتوفى سنة ١٣٢٠ ه ـ فسردها في خاتمة المستدرك ، ص ٥١٣ ، فبلغت ٢٦ شرحا.

٢ ـ الحجة المجاهد السيد محسن الأمين العاملي رحمه‌الله ـ المتوفى سنة ١٣٧١ ه ـ أحصاها في أعيان الشيعة ٨ / ٢٤٥ ، فعد ٣١ شرحا.

٣ ـ وتطرق لها السيد هبة الدين الشهرستاني ـ المتوفى سنة ١٣٨٦ ه ـ في كتابه (ما هو نهج البلاغة؟) المطبوع سنة ١٣٥٢ ه فنقل ما ذكره المحدث النوري وزاد عليه فبلغ بها إلى ٤٥ شرحا.

٤ ـ ثم عبد العزيز الجواهري النجفي ، نزيل طهران ـ المتوفى بها سنة


ه ـ عدها في (فهرست كتابخانه عمومي معارف) المطبوع سنة ١٣٥٣ ه ، في ج ١ ص ١٤١ ـ ١٤٧ ، فلغت ٥١ شرحا.

٥ ـ ثم الشيخ ضياء الدين ابن يوسف الحدائقي الشيرازي ـ المتوفى أول رجب سنة ١٤٠٨ ه ، في ج ٢ ص ١٢٤ ـ ١٣٩ ، فأنهاها إلى ٦٦ شرحا.

٦ ـ وشيخنا الحجة الأميني قدس الله روحه ـ المتوفى سنة ١٣٩٠ ه ـ في كتابه المنقطع النظير : (الغدير) في ترجمة الشريف الرضي ، في المجلد الرابع منه ، فأنهاها إلى ٨٩ شرحا.

٧ ـ وزميلنا العلامة الشيخ عزيز الله العطاردي دام مؤيدا ، سردها في مقدمته لطبع (شرح نهج البلاغة) لشارح من القرن الثامن ، وأنهاها إلى ٨٣ ٢٥٤ ، وأنهاها إلى ١٠١ شرحا.

٩ ـ وشيخنا الحجة ، كبير الباحثين الشيخ آقا بزرك الطهراني ، قدس الله روحه ـ المتوفى سنة ١٣٨٩ ه ـ منحها ـ كالمعتاد ـ دراسة شاملة في موسوعته الخالدة (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) في ج ١٤ ص ١١١ ـ ١٦١ ، المطبوع سنة ١٣٨١ ه ، فأنهاها إلى ١٤٨ شرحا.

١٠ ـ الشيخ حسين جمعة ، المعاصر ، أفرد كتابا لدراسة الشروح ، طبع في بيروت سنة ١٤٠٣ ه وسنة ١٤١٣ ه في ١٧٢ صفحة بأسم (شروح نهج البلاغة) وأنهاها إلى ٢١٠ شرحا.

١١ ـ الشاب العراقي النبيل عبد الله المنتفكي ، له : (معجم شروح نهج البلاغة) لم يطبع بعد.

هذا ما وفقنا عليه من إحصائيات الشروح ، والمكثرون منهم ربما حصل


لهم بعض التكرار ، وربما عدوا بعض الترجمات المحضة شروحا ، ثم إنهم عدوا شرح خطبة واحدة كالشقشقية وخطبة همام ونحوهما من شروح نهج البلاغة ، وكذا شرح كلام واحد كشروح عهده عليه‌السلام إلى الأشتر ، أو شروح بعض الحكم وقصار الكلم عدوها من شروح (نهج البلاغة).

على أن كلا من العهد ، والحكم ، له عشرات الشروح ، ربما تبلغ المائة شرح ، وأنا لا أعد هذه كلها من شروح النهج ، وإنما اقتصر على شرح نهج البلاغة نفسه ، سواء أتمه الشارح أو لم يقدر له أن يتمه ، مبسوطا كان أو على نحو التعليق والشروح الموجزة ، وأما شرح الخطبة الواحدة ونحوها فلا أعده من الشروح.

وأنا أذكر شروح (نهج البلاغة) بشئ من البسط والتفصيل في ترجمة الشارح ، مستوعبا جوانب البحث عسى أن يكون فيه بعض المعلومات المستجدة ، ولا يكون تكرارا واجترارا ، ونظمت الشروح حسب التسلسل الزمني ، فأقول : إنهم كما اختلفوا في عدد الشروح اختلفوا في أقدمها وفي :

أول من شرح (نهج البلاغة)؟

١ ـ فقالوا : هو علي بن ناصر ، مؤلف : أعلام نهج البلاغة ـ وهو شرحه عليه ـ وهو معاصر الشريف الرضي ، فهو أول من شرحه (١).

٢ ـ وقالوا : هو الشريف المرتضى. علم الهدى ، أخو الرضي ، لما شرح الخطبة الشقشقية (٢).

٣ ـ وقالوا : بل هو الشريف الرضي نفسه ، هو أول من شرح (نهج

__________________

(١) كشف الحجب : ٥٣ ، الذريعة ٢ / ٢٤٠ و ١٤ / ١٣٩ ، الغدير ٤ / ١٨٦ ، أعيان الشيعة ٨ / ٢٤٥ و ٣٦٣ وفي الطبعة السابقة ٤١ / ٢٦٦ و ٢٦٧ ، مصادر نهج البلاغة ١ / ٢٠٣ ، طبقات أعلام الشيعة / القرن الخامس : ١٣٢ ، فهرست المكتبة المركزية لجامعة طهران ٥ / ١٦٠٦.

(٢) الذريعة ١٤ / ١٣٩.


البلاغة) ، حين شرح بعض الفقر خلال الخطب وفسر بعض المواد اللغوية ، فهو أول الشراح (٣).

٤ ـ وقالوا : هو قطب الدين الراوندي ـ المتوفى سنة ٥٧٣ ه ـ مؤلف : منهاج البراعة (٤).

٥ ـ وقالوا : هو ظهير الدين البيهقي ، علي بن زيد ، فريد خراسان ـ المتوفى سنة ٥٦٥ ه ـ مؤلف : معاج نهج البلاغة (٥).

٦ ـ وقالوا : هو الإمام الوبري ، أحمد بن محمد الخوارزمي ، من أعلام القرن السادس (٦).

والأول لا يصح.

لأن المؤلف من أعلام القرن السابع! فقد أرخ في كتابه (زبدة التواريخ) وفاة الأتابك أوزبك في سنة ٦٢٢ ه ، والله العالم كم عاش بعدها.

وأول من صدر منه هذا الوهم ، فزعم أن علي بن ناصر كان أول من شرح (نهج البلاغة) هو السيد إعجاز حسين الكنتوري ـ رحمه‌الله ـ ذكر ذلك في كتابه (كشف الحجب) ثم تبعه من بعده ، كصاحب الذريعة ، وصاحب الغدير ، وصاحب أعيان الشيعة اعتمادا عليه.

__________________

(٣) الذريعة ١٤ / ١٣٧ و ١٣٩ و ١٤٦ ، الأستاذ دانش بزوه في مقدمته لشرح البيهقي على نهج البلاغة : ٤٨ ، والعطاردي في مقاله عن الشراح القدامى ـ في (كاوشي در نهج البلاغة ـ : ٢٧٧ وعد ثانيهم المرتضى في : ٢٧٨.

(٤) ابن أبي الحديد في مقدمة شرحه على نهج البلاغة ١ / ٦ ، رياض العلماء ٢ / ٤٢١ ، والعطاردي في مقدمته على شرح الكيدري ١ / ١٣.

(٥) البيهقي نفسه قال في مقدمة شرحه ، ص ٤ : ولم يشرح قبلي من كان من الفضلاء السابقين هذا الكتاب ...

والمحدث النوري في خاتمة المستدرك ٣ / ٤٨٩ و ٥١٣ ، والخياباني في وقائع الأيام ، والشهرستاني في : ما هو نهج البلاغة ، والمحدث القمي في الكنى والألقاب ٣ / ٢٨.

(٦) ابن يوسف الشيرازي في فهرست مكتبة سبهسالار ٢ / ١٢٣ ، عبد العزيز الجواهري في فهرست مكتبة المعارف الإيرانية ١ / ١٤٤.


وإنما نشأ هذا الوهم على أثر جملة وردت في بداية الكتاب ، وذلك أن السيد علي بن ناصر ـ رحمه‌الله ـ كان قد نظم أبيات في تقريظ (نهج البلاغة) ، فأملاها على بعض تلامذته ، ضمن شرحه نهج البلاغة فكتب : قال السيد دام علوه .. وأورد الأبيات ، وحين رأى الكنتوري عند تصفحه للكتاب في نظرة خاطفة جملة (قال السيد دام علوه) توهم أنه كلام الشارح ، ويريد به الشريف الرضي ، فبنى على أنه شرح النهج في حياة الرضي ، فهو أول شراحه وهو معاصر الرضي!

ولم يتصفح الكتاب أكثر فيرى أنه يحكي فيه عن الوبري ويحكي عن الراوندي ـ المتوفى سنة ٥٧٣ ه ـ في عدة مواضع معبرا عنه بقوله : قال بعض الشارحين ...

والنص الذي يحكيه هو لقطب الدين الراوندي موجود في شرحه حرفيا ، ولربما كان علي بن ناصر أول شراح (نهج البلاغة) في القرن السابع ، فإن الوبري والبيهقي والراونديين والكيدري والماهابادي والفخر الرازي كلهم شراح (نهج البلاغة) في القرن السادس.

والثاني أيضا لا يصح.

فإن الشريف المرتضى وإن كان قد شرح الخطبة الشقشقية إلا أنه لم يثبت أنه أخذها من (نهج البلاغة) وشرح الخطبة التي في النهج ، بل هو بنفسه كأخيه كان له طرق وأسانيد إلى رواية خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ورسائله وحكمه وشعره وغير ذلك ، وكان له طرق وأسانيد إلى رواية كتب الأقدمين ممن ألف كتبا مفردة في جمع خطب أمير المؤمنين ورسائله عليه‌السلام ، كالكلبي والواقدي وأبي مخنف والمدائني وابن المديني والسيد عبد العظيم الحسني وإبراهيم الثقفي والجلودي وغيرهم (٧) فكان يرويها عن مشايخه كالشيخ المفيد مثلا بطرقه

__________________

(٧) راجع : تراثنا ، العدد الخامس ، ص ٢٧ ـ ٤١.


وأسانيده إلى مؤلفيها كما كان يرويها أخوه الرضي وكما يرويها الشيخ الطوسي والنجاشي في فهرستيهما (٨).

والثالث أيضا خطأ.

فإن الشريف الرضي وإن كان تكلم على بعض الفقر ، وفسر بعض الجمل ، إلا أن ذلك لا يعد شرحا على (نهج البلاغة) ، بل (نهج البلاغة) اسم لهذا الكتاب المجموع ما احتواه من خطب ورسائل ونصوص وما يتبعه من تفسير وشروح لغوية.

وهذا الوهم نشأ من تخيل أن (نهج البلاغة) اسم لخطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، كما حدث مثله لابن تغري بردي في النجوم الزاهرة ، حيث ترجم لابن نباتة فقال : وكان بارعا في الأدب وكان يحفظ (نهج البلاغة) وعامة خطبه بألفاظها ومعانيها (٩).

وابن نباتة توفي سنة ٣٧٤ ه قبل أن يؤلف الرضي (نهج البلاغة) بستة وعشرين سنة ، فإنه فرغ من تأليفه في رجب سنة ٤٠٠ ه ، وتقديره أنه حفظ (نهج البلاغة) قبل تأليفه بخمسين سنة ، وهذا يتوجه بتخيل أن (نهج البلاغة) اسم لخطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فيريد أنه كان يحفظ خطبه عليه‌السلام فعبر عنها ب (نهج البلاغة).

والرابع أيضا لا يصح.

فإن القطب الراوندي قد فرغ من شرحه على (نهج البلاغة) أواخر شعبان

__________________

(٨) راجع تراجم هؤلاء المؤلفين في فهرستي الشيخين الطوسي والنجاشي.

(٩) النجوم الزاهرة ٤ / ١٤٦ ، وابن نباتة هو عبد الرحيم بن محمد الفارقي ، ولد سنة ٣٣٥ ، وتوفي سنة ٣٧٤ ه.

ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٦ / ٣٢١ وقال : الإمام البليغ الأوحد ، خطيب زمانه ... صاحب الديوان الفائق في الحمد والوعظ ، وكان خطيبا بحلب للملك سيف الدولة ، وكان خطيبا مفوها ، بديع المعاني ، جزل العبارة ، رزق سعادة تامة في خطبه ...

أقول : والفضل كله يعود إلى حفظه لخطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ومواعظه.


سنة ٥٥٦ ه ، والسيد فضل الله الراوندي والإمام الوبري وظهير الدين البيهقي فريد خراسان قد سبقوه إلى ذلك ، فقد فرغ البيهقي من شرح النهج سنة ٥٥٢ ه ، وقد شرحه بعد السيد فضل الله الراوندي والوبري ، فالراوندي ـ على هذا ـ رابع الشراح لا أولهم.

والخامس ، وهو البيهقي أيضا لا يصح.

كما عرفت ، فالوبري كان قد شرح (نهج البلاغة) قبل البيهقي ، وهو ينقل فيه عن الوبري في شرحه في مواضع كثيرة.

والسادس أقربها إلى الصواب.

وهو أن يكون الوبري أول من شرح (نهج البلاغة) كما ظهر مما تقدم.

وأل من ذهب إلى هذا القول ونبه عليه ، هو العلامة الشيخ ضياء الدين ابن يوسف الحدائقي الشيرازي (١٠).

وأنا أقول : ربما يكون أقدم الشراح وأولهم ، هو السيد فضل الله الراوندي ، إذ نعلم أنه ـ رحمه‌الله ـ رحل من كاشان إلى بغداد لطلب العلم في سن مبكرة ، وقرأ هناك على أعلامها ، ووجد بها نسخة الأصل من (نهج البلاغة) بخط المؤلف الرضي ـ رحمه‌الله ـ فنسخ عليها نسخة لنفسه وفرغ منها في ربيع الأول سنة ٥١١ ه.

ثم أخذ يعلق عليه القيود والشروح ويفسر غريبه ويوضح مبهمه ، فكان أحد الشروح المذكورة في الذريعة وغيره.

وعلى هذا يكون هذا الكتاب أقدم الشروح وأولها ، والسيد أبو الرضا الراوندي أول الشراح ، فلنبدأ به قبل الوبري

__________________

(١٠) هو من نسل صاحب الحدائق ، توفي ـ رحمه‌الله ـ في شيراز بعد عناء وبلاء أول شهر رجب سند ١٤٠٨ ذكره في : فهرست كتابخانه مدرسة عالي سبهسالار ٢ / ١٢٣ ، المطبوع سنة ١٣٥٨.


القرن السادس

(١)

شرح السيد فضل الله الراوندي

هو السيد الإمام ضياء الدين تاج الإسلام علم الهدى أبو الرضا فضل الله ابن علي بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله بن الحسن ابن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب (١١) عليهم‌السلام الكاشاني الراوندي ، وراوند من قرى كاشان (١٢).

من ألمع أعلام القرن السادس أستاذ أئمة عصره ، ترجم له معاصروه مع الاطراء الكثير ، قال السمعاني في الأنساب (القاساني) : هذه النسبة إلى قاسان وهي بلدة عند قم ... دخلتها وأقمت بها يومين وأهلها من الشيعة ، وكان بها جماعة من أهل العلم والفضل .. وأدركت بها السيد الفاضل أبا الرضا فضل الله بن علي العلوي الحسني القاساني ، وكتبت عنه أحاديث وأقطاعا من شعره ، ولما وصلت إلى باب داره قرعت الحلقة وقعدت على الدكة أنتظر خروجه ، فنظرت إلى الباب فرأيت مكتوبا فوقه بالجص : (إنما يريد الله ليذهب

__________________

(١١) كتب هذا بخطه بأول مخطوطة أمالي المرتضى سنة ٥٦٨ ه ، الموجودة في الإسكوريال ، رقم ١٤٥ ، المطبوعة صورتها بأول (الأمالي) طبعة أبو الفضل إبراهيم بالقاهرة ، وقد أجاز رواية الكتاب للحسين بن أبي عبد الله الخومجاني ، ووقع بأسفل الإجازة ، وسرد نسبه كله.

(١٢) قال ياقوت في معجم البلدان : قاشان ـ بالشين المعجم وآخره نون ـ مدينة قرب أصبهان ـ وأهلها كلهم شيعة.


عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) ... (١٣).

وترجم له تلميذه الآخر وهو الشيخ منتجب الدين ابن بابويه الرازي في الفهرست ، رقم ٣٣٤ ، وقال : علامة زمانه ، جمع مع علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان أستاذ أئمة عصره ، وله تصانيف ... شاهدته وقرأت بعضها عليه.

وأطراه معاصره نصير الملة عبد الجليل القزويني في كتاب النقض ، ص ١٩٨ ، عند كلامه على كاشان ومدارسها العامرة ، ما معربه : كيف ومدرسها السيد الإمام ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الحسني. منقطع النظير في بلاد العالم في علمه وزهده.

وترجم له العماد الكاتب في خريدة القصر (قسم شعراء إيران) وقال : الشريف النسب ، المنيف الأدب ، الكريم السلف ، القديم الشرف ، العالم العامل ، المفضل الفاضل ، قبلة القبول ، وعقلة العقول ، ذو الأبهة والجمال ، والبديهة والارتحال ، الرائق اللفظ ، الرائع الوعظ ، متقن علم الشرع في الأصل والفرع ، الحسن الخط والحظ ، السعيد الجد ، السديد الجد ، له تصانيف كثيرة

__________________

(١٣) والنص محرف في المطبوع من الأنساب ، ونقل عنه قبل تحريفه السيد علي خان المدني ، ابن معصوم ـ المتوفى سنة ١١٢٠ ه ـ في ترجمة الراوندي هذا من (الدرجات الرفيعة) فقال في ص ٥٠٦.

قال أبو سعد السمعاني في كتاب (الأنساب) : لما وصلت إلى كاشان ، قصدت زيارة السيد أبي الرضا (المذكور) فلما انتهيت إلى داره وقفت على الباب هنيئة أنتظر خروجه ، فرأيت مكتوبا بأعلى طراز الباب هذه الآية المشعرة بطهارته وتقواه : (إنما يريد الله ...) فلما اجتمعت به رأيت منه فوق ما كنت أسمع عنه ، وسمعت منه جملة من الأحاديث ، وكتبت عنه مقاطيع من شعره.

أقول : وهكذا نقله السيد الأمين في أعيان الشيعة ٨ / ٤٠٨ ، وترجم له السمعاني في ذيله على تاريخ بغداد أيضا ، كما ذكر العماد الكاتب في (الخريدة) ، قال : وذكره السمعاني في مذيل تاريخ بغداد ، ونقلت من خطه ...


في الفنون والعيون ، واعظ قد رزق قبل الخلق ، وفاضل أوتي سعة في الرزق ، مقلي الكتابة ، صابي الإصابة ، عميدي الاعتماد في الرسائل ، صاحبي الصحبة لأهل الفضل.

حصلنا إبان النكبة بقاشان ... سنة ٥٣٣ وأنا في حجر الصغر ...

وأقمنا سنة نتردد إلى المدرسة المجدية إلى المكتب ، وكنت أرى هذا السيد ـ أعني أبا الرضا ـ وهو يعظ في المدرسة والناس يقصدونه ويترددون إليه ويستفيدون منه ... (١٤).

وممن ترجم له من غير معاصريه : السيد علي خان المدني ابن معصوم ، في الدرجات الرفيعة ، ص ٥٠٦ ، قال : الإمام الراوندي علامة زمانه ، وعمد أقرانه ، جمع إلى علو النسب كمال الفضل والحسب ، وكان أستاذ أئمة عصره ، ورئيس علماء دهره ، له تصانيف تشهد بفضله وأدبه ، وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه ...

أقول : كان ـ رحمه‌الله ـ علامة مشاركا في جملة من العلوم ، أديبا شاعرا ، فقيها ، محدثا ، رحل في طلب العلم ولقي المشايخ الكبار في بغداد وغيرها من البلاد ، وإليك أسماء ..

شيوخه :

١ ـ أبو نصر الغازي ، أحمد بن عمر بن محمد الأصفهاني (٤٤٨ ـ ٥٣٢ ه).

٢ ـ أبو العباس أحمد بن يحيى بن أحمد بن زيد بن ناقة المسلي الكوفي

__________________

(١٤) نقله السيد الأمين ـ رحمه‌الله ـ في أعيان الشيعة ، عن مخطوطة (الخريدة) رآها في بغداد ، ونقله المحدث الأرموي في مقدمة ديوان الراوندي عن مخطوطة سبهسالار ، و (خريدة القصر) قسم شعراء إيران ، لم يطبع بعد ، ومنه مخطوطة في مكتبة مدرسة سبهسالار (مطهري) في طهران.


(٤٧٧ ـ ٥٥٩ ه).

٣ ـ أبو الفتح ، وأبو الأسعد الإخشيدي ، إسماعيل بن الفضل بن أحمد ابن محمد بن علي ابن الإخشيد الأصفهاني السراج ، المتوفى سنة ٥٢٤ ه.

٤ ـ الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي.

٥ ـ الحسن بن أحمد بن الحسن ، أبو علي الحداد الأصفهاني (٤١٩ ـ ٥١٥ ه).

٦ ـ المفيد الثاني ، الشيخ أبو علي الحسن ابن شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي.

٧ ـ القاضي عماد الدين أبو محمد الحسن بن محمد الأسترآبادي ، قاضي الري.

٨ ـ الشيخ أبو القاسم الحسن بن محمد الحديقي.

٩ ـ أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال الأصفهاني الأثري الأديب (٤٤٣ ـ ٥٣٢ ه).

١٠ ـ أبو عبد الله البارع الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الحارثي ، ابن الدباس البغدادي الأديب المقري (ـ ٥٢٤ ه).

١١ ـ أبو عبد الله الحسين بن المؤدب القمي.

١٢ ـ السيد نجم الدين حمزة بن أبي الأغر علي بن الحسين العلوي الحسيني ، نقيب كربلاء.

١٣ ـ السيد عماد الدين أبو الصمصام ذو الفقار النيسابوري الشحامي الشروطي المستملي (٤٤٦ ـ ٥٣٣ ه).

١٥ ـ السيد ظفر بن الحسين ابن المظفر ، يروي عن الحسن بن جعفر الدوريستي.


١٦ ـ المفيد أبو الوفاء عبد الجبار بن عبد الله بن علي المقري الرازي ، فقيه الأصحاب بالري ، قرأ عليه قاطبة المتعلمين من السادة والعلماء.

١٧ ـ القاضي ركن الدين عبد الجبار بن علي بن عبد الجبار الطوسي ، نزيل كاشان.

١٨ ـ القاضي الإمام السعيد زين الدين أبو علي عبد الجبار بن محمد ابن الحسن الطوسي ـ المتوفى في شوال سنة ٥٢٩ ه من تلامذة الشيخ الطوسي ، وكان قاضيا بكاشان ، وللسيد أبي رضا قصيدة في رثائه مثبتة في ديوانه ، ص ٤٣.

٢٠ ـ أبو المحاسن الروياني عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الطبري (٤١٥ ـ ٥٠١ ه).

٢١ ـ أبو المظفر عبد الواحد بن حمد بن محمد بن شيدة السكري الأصفهاني.

٢٢ ـ علي بن أبي طالب السيلقي الحسني.

٢٣ ـ علي بن الحسين بن محمد.

٢٤ ـ الشيخ ركن الدين أبو الحسين علي بن علي بن عبد الصمد بن محمد التميمي النيسابوري السبزواري ، أجاز له ولولديه سنة ٥٢٩ ه.

٢٥ ـ أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار.

٢٦ ـ أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، المفسر ، مؤلف : مجمع البيان ، المتوفى سنة ٥٤٨ ه.

٢٧ ـ شيخ السادة أبو الحارث المجتبى بن الداعي بن القاسم الحسني الرازي.


٢٨ ـ أبو الفتح ، وأبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الكاشاني ، مؤلف كتاب : الخصائص العلوية على سائر البرية (٤٨٠ ـ ٥٥٠ ه).

٢٩ ـ أبو البركات المشهدي ، ناصح الدين محمد بن إسماعيل الحسيني (٤٥٧ ـ ٤٥١ ه).

٣٠ ـ قطب الدين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن المقرئ النيشابوري.

٣١ ـ أبو الحسن (أبو جعفر) محمد بن علي بن عبد الصمد التميمي النيسابوري.

٣٢ ـ أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي.

٣٣ ـ أبو عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي النيسابوري (٤٤١ ـ ٥٣٠ ه).

٣٤ ـ أبو الفتح محمد بن محمد ابن الجعفرية الحائري.

٣٥ ـ السيد صفي الدين ، مقدم السادة ، أبو تراب المرتضى بن الداعي ابن القاسم الحسني الرازي ، مؤلف : تبصرة العوام ، وغيره.

٣٦ ـ أمين الدين أبو القاسم مرزبان بن الحسين بن محمد ، ابن كميح.

٣٧ ـ مكي بن أحمد المخلطي.

٣٨ ـ هبة الله بن دعويدار القمي.

٣٩ ـ أبو السعادات ابن الشجري ، هبة الله بن علي الحسني البغدادي (٤٥٠ ـ ٥٤٢ ه).

٤٠ ـ أبو جعفر ابن حسين بن محمد ، ابن كميح ، أخو أبي القاسم المتقدم.

٤١ ـ أبو الحسين النحوي.


تلامذته والراوون عنه :

١ ـ ابنه السيد كمال الدين أبو المحاسن أحمد.

٢ ـ القاضي سديد الدين أبو محمد الحسن بن الحسين بن علي الدوريستي ، نزيل كاشان.

٣ ـ أفضل الدين الحسن بن أبي عبد الله بن إبراهيم الخومجاني.

قرأ عليه أمالي المرتضى فأجاز له روايته في رجب سنة ٥٦٨ ه ، في مخطوطة الإسكوريال الموجودة صورتها في مقدمة أمالي المرتضى طبعة أبو الفضل إبراهيم.

٤ ـ أبو علي الحسن بن طارق بن الحسن بن عوف الحلبي ، التاجر الشاعر ، الأديب ، المعروف بابن الوحش. بغية الطلب في تاريخ حلب ٥ / ٢٤٠٥.

٥ ـ نصير (ناصر) الدين أبو إبراهيم راشد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد البحراني ، المتوفى سنة ٦٠٥ ه.

٦ ـ أبو حفص زيد بن علي بن محمد بن قشام الحلبي. بغية الطلب ٢٤٠٦.

٧ ـ وجيه الدين فخر العلماء أبو علي عبد الجبار بن الحسين بن أبي القاسم.

قرأ عليه (خصائص الأئمة) للشريف الرضي ، فأجاز له روايته في ذي القعدة سنة ٥٥٥ ه ، كما في مخطوطه رامبور.

٨ ـ أبو سعد السمعاني عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي ، صاحب (الأنساب) المتوفى سنة ٥٦٣ ه.

٩ ـ نجم الدين عبد الله بن جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر الدوريستي ، ترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات ١٧ / ١٠٢.


١٠ ـ نصير الدين أبو طالب عبد الله بن حمزة بن عبد الله بن حمزة بن الحسن بن علي الشارحي الطوسي.

١١ ـ أبو نصر علي بن أبي سعد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب.

١٢ ـ عماد الدين أبو الفرج علي بن قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي.

١٣ ـ السيد تاج الدين أبو تراب علي بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن أحمد بن حمزة الجعفري الزينبي القزويني.

والجعفريون أسرة شيعية علمية في قزوين من ذرية جعفر الطيار عليه السلام ، ذكرهم الرافعي في (التدوين) وترجم الشيخ منتجب الدين في (الفهرست) لتاج الدين هذا ولأبيه ، ولجده ولجد أبيه ولجد جده ، وقال عنه : قرأ سنين على السيد الإمام ضياء الدين ...

١٥ ـ السيد عز الدين أبو الفضائل علي بن فضل الله الراوندي. ابن السيد أبي الرضا.

١٦ ـ زين الدين أبو جعفر محمد بن أبي نصر بن محمد بن علي القمي.

وصفه أستاذه الراوندي في خطبة شرح الحماسة بقوله : فتاي وربيبي وسيدي وحبيبي ...

١٧ ـ وجيه الدين محمد بن الحسن الطوسي ، والد المحقق نصير الدين الطوسي ، وابن أخت نصير الدين عبد الله بن حمزة الطوسي الشارحي ، المتقدم برقم ٩.

١٨ ـ السيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بن عز الدين أبي عبد الله الحسين بن المنتهى ابن الحسين الحسيني المرعشي ، أجاز له على أمالي المرتضى كما في خاتمة المستدرك.

١٩ ـ ناصر الدين محمد بن الحسين الحمداني.


٢٠ ـ القاضي فخر الدين محمد بن خالد الحنفي الأبهري.

٢١ ـ رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني ، المتوفى سنة ٥٨٨ ه.

٢٢ ـ برهان الدين محمد بن محمد بن حمدان الحمداني القزويني ، نزيل الري.

٢٣ ـ قوام الدين محمد بن محمد البحراني.

٢٤ ـ تاج الدين محمد بن محمد الشعيري.

المدرسة المجدية :

وبنى ـ رحمه‌الله ـ في كاشان مدرسة عظيمة ، ضخمة فخمة ، بذل نفقاتها ، وأنفق على طلابها وساكنيها الوجيه الخير مجد الدين أبو القاسم عبيد الله بن الفضل بن محمد ، فسميت المدرسة المجدية باسمه ، وقال معاصروه عبد الجليل الرازي في كتاب النقض ، ص ١٩٨ ، في حديثه عن كاشان ومدارسها العامرة وبهجتها ، كالمدرسة المجدية والصفوية والشرفية والعزيزية ، قال ما معربه : كيف ومدرسها السيد الإمام ضياء الدين أبو الرضا فضل الله بن علي الحسيني ، عديم النظير في البلاد في علمه وزهده وغيره من الأئمة والقضاة وكثرة الفقهاء والمقرئين.

وقال السيد علي خان المدني في الدرجات الرفيعة ـ ص : ٥٠٦ ـ : له مدرسة عظيمة بكاشان ليس لها نظير على وجه الأرض ، يسكنها من العلماء والفضلاء والزهاد والحجاج خلق كثير ، وفيها يقول ارتجالا [على المنبر] :

ومدرسة أرضها كالسماء

تجلت علينا بآفاقها

كواكبها عز أصحابها

وأبراجها عز أطباقها

وصاحبها الشمس ما بينهم

تضئ الظلام بإشراقها

فلو أن بلقيس مرت بها

لاهوت لتكشف عن ساقها


وظنته صرح سليمان إذ

يمرد بالجن حذاقها (١٥)

ونقل الراوندي إليها دروسه ومجالس وعظه وتذكيره ، فكان يؤمها الطلبة وغيرهم من كل وجه ، فكانت عامرة صورة ومعنى بوجوده وإفاداته ودروسه ومواعظه.

قال العماد في (الخريدة) ـ وكان في صغره فترة في كاشان هو وأخوه ـ : وأقمنا سنة نتردد إلى المدرسة المجدية إلى المكتب ، وكنت أرى هذا السيد ـ أعني أبا الرضا ـ وهو يعظ في المدرسة ، والناس يقصدونه ، ويردون إليه ، ويستفيدون منه ...

مؤلفاته :

قال المحدث النوري في ترجمة الراوندي في خاتمة المستدرك ٣ / ٣٢٤ : وله تصانيف تشهد بفضله وأدبه ، وجمعه بين موروث المجد ومكتسبه ....

فأولها :

شرح نهج البلاغة

تقدم أنه ـ رحمه‌الله ـ وقف في بغداد على نسخة الأصل من (نهج البلاغة) بخط مؤلف الشريف الرضي ، فنسخ عليها نسخة لنفسه ، وفرغ منها في ربيع الأول سنة ٥١١ ه ، ثم بدأ يقرأه ويقرأ عليه ويقابل ويروي ويجيز ويعلق التعاليق ويشرح الكلمات والجمل ويفسر غريبه ويوضح مشكله ، دائبا على ذلك أكثر من نصف قرن ، حتى أصبحت التعاليق شرحا من شروح نهج البلاغة ، وعدت من شروحه ، وربما كان أولها وأقدمها.

قال بعض (١٦) تلامذة العلامة المجلسي في كتابه إليه : (وشرحا النهج

__________________

(١٥) ديوان الراوندي : ١٩٨.

(١٦) هو ملا ذو الفقار الأصفهاني ، وكتابه هذا الذي أرسله إلى العلامة المجلسي ـ رحمه‌الله ـ


للراونديين ...) والراوندي الثاني ، هو القطب الراوندي له : (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) يأتي برقم ٤.

وذكره شيخنا ـ رحمه‌الله ـ في شروح النهج ، فقال في الذريعة ١٤ / ١٤٣ : شرح النهج للسيد الإمام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي ...

ونسخ عليه منذ عهد المؤلف عدة نسخ وبقي حتى القرن الثامن ، حين اعتمده ابن العتايقي في شرحه على نهج البلاغة.

وظفر به أحمد بن أبي طالب بلكو ـ من تلامذة العلامة الحلي ـ فنسخ عليه نسخة لنفسه سنة ٧٢٣ ه ، وكتب محمد صادق بن محمد شفيع اليزدي على نسخة ابن بلكو نسخة لنفسه في سنة ١١٣٢ ه ، وهذه النسخة هي الآن في مكتبة السيد المرعشي العامة في قم ، رقم ٢٧٣.

٢ ـ نسخة كتبت سنة ١٠٥٩ ه ، في مكتبة المتحف العراقي ، من كتب الدكتور محفوظ.

وإليك سائر مؤلفاته :

١ ـ الكافي في التفسير ، رواه العلامة الحلي في إجازته لبني زهرة عن والده عن السيد صفي الدين [ابن] معد (١٧) عن المؤلف ، مما يبدو أنه كان موجودا في القرن الثامن.

٢ ـ الأربعين في الأحاديث ، وسماه السيد ابن طاوس : سنة الأربعين.

٣ ـ الموجز الكافي في العروض والقوافي.

__________________

أدرجه المجلسي في آخر كتابه (بحار الأنوار) فطبع فيه في ج ١١٠ / ١٦٨.

(١٧) رواية ابن معد ـ المولود سنة ٥٧٣ ـ عن السيد فضل الله الراوندي تعد مرسلة قد سقط الواسطة بينهما.

(١٨) وفي مكتبة الوزيري العامة في مدينة يزد رسالة في العروض لملك العلماء والفضلاء ..


٤ ـ نظم العروض للقلب المروض.

٥ ـ ترجمة العلوي للطب الرضوي ، هو ترجمة فارسية للرسالة الذهبية في التعليمات الطبية المروية عن الإمام الرضا عليه‌السلام ، والنص العربي مطبوع غير مرة ، والترجمة لم نعثر عليها.

٦ ـ مقاربة الطية إلى مقارنة النية.

٧ ـ رمل يبرين.

ذكره العماد الكاتب في (خريدة القصر) في ترجمة المؤلف وأنه رآه بخطه عند ابنه السيد كمال الدين أحمد في أصفهان ، قال : يشتمل على مجلدات كثيرة ، وفوائد غزيرة ، جمعها بخطه ...

٨ ـ المدائح المجدية.

هو مجموعة شعرية في عدة مجلدات ، وهي ما قيل في مدح مجد الدين (١٩) أبي القاسم عبيد الله بن الفضل بن محمود الكاشاني ـ المتوفى

__________________

أفضل الدين فضل الله الكاشاني رقم ١٢٠٠ ذكرت في فهرسها ٣ / ٨٩٤ وأظنها هي الموجز الكافي هذا.

كثيرا من المدن ، وزوج بنات كثيرة ربما بلغت الألفين ، وجهزها من ماله ، وبيته من وجوه بيوت الشيعة ، فيهم النعمة والثروة والتقدم والوجاهة ، وقصده الشعراء الفرس والعرب ومدحوه بقصائدهم ، منهم : الأرجاني وأبو المظفر الأبيوردي ، وللسيد أبي الرضا فيه مدائح كثيرة وقصائد عدة مثبتة في (المدائح المجدية) وبعضها في ديوانه المطبوع ، ونقل فيه ـ ص ١١١ ـ بعض قصائده من المجلد الخامس من (المدائح المجدية) مما يبدو أنه خمس مجلدات أو أكثر ، ولا ندري هل جمع فيه السيد ما قاله هو وحده في مدح مجد الدين ، أو أدرج فيه قصائد لغيره أيضا.

(١٩) وكان من أثرياء عصره ، آتاه الله ثروة طائلة ، وحبب إليه فعل الخيرات ووفقه لها ، فبنى لكاشان سورا يصد عنها هجمات العدو ، وحفر لها نهرا يكفيها ويكفي مزارعها ، بنى للسيد أبي الرضا مدرسة عامرة ضخمة فخمة سميت بالمدرسة المجدية ، وبذل عليها أموالا طائلة ، وأعان الفقراء والسادات والعلماء والطلبة ، وبنى مساجد وقناطر وخانات ، وحفر أنهارا ، وعم أفضاله كثيرا من المدن ، وزوج بنات كثيرة ربما بلغت الأربعين الألفين ، وجهزها من ماله ، وبيته من وجوه بيوت


٦ جمادى الآخرة سنة ٥٣٥ ه صاحب المدرسة المجدية والمتفق عليها ـ من قصائد.

٩ ـ كتاب النوادر.

هو كتاب صغير في الحديث ، ذكره شيخنا ـ رحمه‌الله ـ في الذريعة ٢٤ / ٣٣٧ ووصف له عدة نسخ ، وطبع في النجف الأشرف ، في المطبعة الحيدرية سنة ١٣٧٠ ه.

١٠ ـ أدعية السر.

وهي ٣١ دعاء لمختلف الحاجات ، أكثر نسخها تبدأ روايتها بالسيد أبي الرضا فنسبت إليه ، وبعض نسخها رواية شيخه الشيخ أبي علي ابن الشيخ الطوسي بإسناد آخر ، كما ذكره شيخنا في الذريعة ١ / ٣٩٧ ، وفيه أن الكفعمي أدرجها في كتابه (البلد الأمين) والعلامة المجلسي في (بحار الأنوار) والمحدث الحر في (الجواهر السنية في الأحاديث القدسية) فهي مطبوعة ضمن هذه الكتب ، وقال : في أمل الآمل ٢ / ٢١٧ : عندنا لها نسخة.

ومن مخطوطاتها نسخة خزائنية في مكتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام في النجف الأشرف ، رقم ١٠٣٨ ، وأخرى في مكتبة المرعشي ، رقم ٤٩٩ ، وثانية فيها في المجموعة رقم ٢٦٤٤ ذكر لها السيد محمد صالح الحسيني أسانيد ثلاثة.

ونسخة مترجمة خلال السطور في مكتبة المسجد الأعظم في قم ، في

__________________

الشيعة ، فهيم النعمة والثروة والتقدم والوجاهة ، وقصده الشعراء الفرس والعرب ومدحوه بقصائدهم ، منهم : الأرجاني وأبو المظفر الأبيوردي ، وللسيد أبي الرضا فيه مدائح كثيرة وقصائد عدة مثبتة في (المدائح المجدية) وبعضها في ديوانه المطبوع ، ونقل فيه ـ ص ١١١ ـ بعض قصائده من المجلد الخامس من (المدائح المجدية) مما يبدو أنه خمس مجلدات أو أكثر ولا ندري هل جمع فيه السيد ما قاله هو وحده في مدح مجد الدين ، أو أدرج فيه قصائد لغيره أيضا.


المجموعة رقم ٣٩٥٢ / ٤ ، ذكرت في فهرسها ص ٦٤٨ ، ونسخة في مكتبة المجلس ـ رقم ٢ (مجلس سنا) في المجموعة رقم ٦٠٣ / ١٣ ذكرت في فهرسها ١ / ٣٩١.

١١ ـ الحماسة ذات الحواشي.

بهذا العنوان ذكره الشيخ منتجب الدين تلميذ المؤلف في الفهرست ، في ترجمة المؤلف برقم ٣٣٤ ، وقال : شاهدته وقرأت بعضها عليه) ، وهو شرحه على حماسة أبي تمام ، وكان علق عليها بهوامش نسخته تعليقات وشروح (٢٠).

منها مخطوطة فريدة من القرن السابع ، في المتحف البريطاني رقم OR ١٩ ، في ٢٩٤ ورقة ، ناقصة من أولها ورقة ، صورت عليها في رحلتي الأولى سنة ١٤٠٤ ه.

١٢ ـ الحاشية على أمالي المرتضى.

ذكرها شيخنا ـ رحمه‌الله ـ في الذريعة ٦ / ١٥١ ، وقال : قال في الرياض : له تعليقات كثيرة على الغرر والدرر ، رأيتها بخطه ، وعلى ظهر النسخة أيضا بخطه المتوسط [في الجودة] إجازة للسيد ناصر الدين بن أبي المعالي محمد (٢١).

١٣ ـ كتاب الدعوات.

منه مخطوطة في مكتبة المجلس ، في طهران منضمة إلى (ضوء

__________________

(٢٠) قال في ديباجتها : بحواش علقتها على نسخة منه بخطي من شرح أبوي علي المرزوقي والأسترآبادي وأبي الحسن البياري وأبي عبد الله النمري وأبي الفتح ابن جني ، ونسخة الأمير أبي الفضل الميكالي ، ومن مواضع أخر ، وإن لاح فيه لائح كتبت ، غير مستبعد أن يكون الأول قد ترك للآخر شيئا ، فلمحها في يدي فتاي وربيبي وسيدي وحبيبي الشيخ الأديب الأريب أبو جعفر محمد بن أبي نصر بن محمد المكتب القمي .. وقال : أنقل حواشيها لتكون شرحا يحصل منه المقصود ...

(٢١) رياض العلماء ٤ / ٣٧١.


الشهاب) ، رقم ١٢٤٠ ، كتبت سنة ١٣١٩ ه.

وطبع في قم من منشورات مدرسة الإمام المهدي عليه‌السلام ، سنة ١٤٠٧ ه.

١٤ ـ ضوء الشهاب.

هو شرح (شهاب الأخبار) للقاضي القضاعي ـ المتوفى سنة ٤٥٤ ه ـ ذكره الشيخ منتجب الدين في الفهرست ، وذكره المحدث النوري في خاتمة المستدرك ـ ص ٣٢٤ ـ وقال في كلامه عن الراوندي : وهو صاحب (ضوء الشهاب) الذي أكثر النقل عنه في البحار ، ويظهر منه كثرة تبحره في اللغة والأدب ، وعلو مقامه في فهم معاني الأخبار ، وطول باعه في استخراج مآخذها.

وذكره شيخنا ـ رحمه‌الله ـ في الذريعة ١٥ ـ ١٢٠ ، قال إن منه نسخة في مكتبة حالت أفندي بإسلامبول. وحكى عن العلامة المجلسي قوله : إنه كتاب شريف مشتمل على فوائد جمة خلت منها كتب الخاصة والعامة.

أقول : ومنه مخطوطة في مكتبة عاطف أفندي في إستانبول ، رقم ٥٩٣.

وأخرى ناقصة في مكتبة ملك العامة في طهران ، رقم ٥٦٩٦ ، في ٢٣٠ ورقة ، كتبت في القرن الثالث عشر عن مخطوطة كتبت سنة ٥٦٠ ، ذكرت في فهرسها ١ / ٤٨٨.

ونسخة رابعة في مكتبة المجلس ، رقم ١٢٤٠ ، كتبت سنة ١٣١٩ ه ، ذكرت في فهرسها ٤ / ٤٣ ، وعنها مصورة في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم الفلم ٢٢٧٣ ، ذكرت في فهرس مصوراتها ١ / ٣٥١.

ديوانه :

يبدو أن شعره مجموع في حياته ، فكثير من قصائده أدرجها في كتابه (المدائح المجدية) وقد تحدثنا عنه.

وله ديوان آخر عمله هو بنفسه ، رآه العماد الكاتب الأصفهاني في


أصفهان بخطه عند ابنه السيد كمال الدين أبي المحاسن أحمد.

قال في (خريدة القصر) في ترجمة سيدنا الناظم : وبعد عودي إلى أصفهان بسنتين اجتمعت بولده السيد كمال الدين أحمد ... ووجدت معه ديوانه بخطه ...

وأثنى عليه السيد على خان المدني ، ابن معصوم ، في (الدرجات الرفيعة) ص ٥٠٧ ثناء بليغا يأتي نصه بعد أسطر.

والذي يبدو أن له ـ رحمه‌الله ـ أكثر من ديوان ، وأن ما نظمه في المناسبات المذهبية والأغراض الدينية ، وقصائده في أهل البيت عليهم‌السلام مدحا ورثاء مجموع في ديوان خاص لم يصلنا ، وهذا الذي وصل إلينا جمع فيه ما نظمه في غيرهم ، ولم يستوعب هذا النوع أيضا ، وربما لم يدرج فيه بعض القصائد كاملة كما هو لائح على الديوان المطبوع.

مخطوطة الديوان :

هناك مخطوطة فريدة للديوان مكتوبة في القرن الثامن ، تحتفظ بها المكتبة الوطنية (كتابخانه ملي) في طهران ، برقم ١٠٩ ، ومعه (درر النحور) للصفي الحلي ، ذكرت في فهرسها ٧ / ٩٩.

طبعته :

وعلى هذه المخطوطة الفريدة ، حققه الباحث الفاضل السيد جلال الدين المحدث الأرموي وعلق تعاليق قيمة ، وقدم له مقدمة ضافية ، ونشره في طهران سنة ١٣٧٤ ه.

نماذج من نظمه :

كان ـ رحمه‌الله ـ أديبا متضلعا في الأدب ، بليغا متمكنا من البلاغة ،


شاعر قويا في النظم ، له ديوان مطبوع.

أطراه الأديب الكبير السيد علي خان المدني ابن معصوم ـ وناهيك به ـ في (الدرجات الرفيعة) ص ٥٠٧ ، فقال : ولقد وفقت على ديوان هذا السيد الشريف ، فرأيت ما هو أبهى من هرات الربيع ، وثمرات الخريف ، فاخترت منه ما يروق سماعه لأولي الألباب ، ويدخل إلى المحاسن من كل باب ، فمن ذلك قوله :

سفرت لنا في طلعة البدر

إحدى الخرائد من بني بدر

فأجل قدر الليل مطلعها

حتى تراءت ليلة القدر

لو أنها كشفت لآلئها

من قولها والعقد والثغر

لأضاءت الدنيا لساكنها

والليل في باكورة العمر

حتى يظن الناس أنهم

هجم العشاء بهم على الفجر

وحديثها سحر إذا نطقت

لو كان طعم الشهد للسحر

وجبينها بدر التمام إذا

حاذاك لولا كلفة البدر

وشميمها المسك الفتيق وما

للمسك فغمة ذلك العطر

ومنها :

يا لائمي كف الملام فقد

غلب الغرام بها على الصبر

فوحق فاحمها الأثيث وهل

في ذلكم قسم لذي حجر

إني إلى معسول ربقتها

أظما من الصادي إلى القطر

عهدي بنا والوصل يجمعنا

كاللوز توأمتين في قشر

إلى آخر القصيدة ، وهي مثبتة في ديوانه : ٩٢ : ٩٤.

وقد أورده السيد علي خان المدني ـ رحمه‌الله ـ في باب الانسجام من كتابه أنوار الربيع ٤ / ١٥٩ معجبا بها ، وقال في ص ١٦٠ عن البيت الأخير


ـ كاللوز توأمتين في قشر ـ : هذا تشبيه ليس له في اللطف شبيه ، وهو معنى بكر ، لم يفتضه قبل فكر ...

ومن قوله ـ رحمه‌الله ـ من قصيدة على قافية الضاد ، وهي أصعب القوافي :

آه لبرق أومضا

هاج غرامي ومضى

كأنه لما بدا

لمع سيوف تنتضى

أو التواء حية

قتلته فنضنضا

ويا لريح نسمت

من ساكني ذات الاضا

مريضة لم تستطع

من ضعفها أن تنهضا

فاحتبت على الربى

وكل نبت روضا

حتى غدت لطيمة

مفضوضة على الفضا

يا برق يا ريح معا

تركتماني حرضا

ما لكما أوقدتما

على الحشا جمر الغضا

وا أسفا على الصبا

أكان دينا يقتضى

عاد برغم معطسي

ذاك الغداف أبيضا

وعاد حقي باطلا

وعاد جسمي غرضا

لهفي على عهد الصبا

أفلت عني وانقضى

جاز عليه الشيب لما

أن قضى فلا قضى

أظلمت الدنيا على

عيني لما أن أضا

من الذي أشكو إذا

صار الطبيب ممرضا

آه على شبيبة

بنيانها تقوضا

لأقصرن خاطري

إذا شدا أو قرضا

على مراثيها فقد

أبقت بقلبي مرضا


إلى تمام ٣٤ بيتا مثبتة في ديوان ص ٤٠ ـ ٤٢ ، وأورد منها السيد علي خان هذه الأبيات في الدرجات الرفيعة : ٥٠٨ ، وفي أنوار الربيع ٤ / ١٦٠.

وله وقد رمدت عينه :

يا ناظري إليكما

واستبقيا دمعيكما

أما الشؤون فقد وهت

والشأن في شانيكما

أعزز على بأنني

بكما بكيت عليكما

وقال ابن شهرآشوب في كتابه مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٨٦ : وأنشد [ني] أبو الرضا الحسني لنفسه :

يا رب مالي شفيع يوم منقلبي

إلا الذين إليهم ينتهي نسبي

المصطفى وهو جدي ثم فاطمة

أمي وشيخي علي الخير فهو أبي

والمجتبى الحسن الميمون غرته

ثم الحسين أخوه سيد العرب

ثم ابنه سيد العباد قاطبة

وباقر العلم مكشوف عن الحجب

والصادق البر في شئ يفوه به

والكاظم الغيظ في مستوقد الغضب

ثم الرضا المرتضى في الخلق سيرته

ثم التقي نقيا غير ما كذب

ثم النقي ابنه والعسكري وما

لي في شفاعة غير القوم من إرب

ثم الذي يملأ الدنيا بأجمعها

عدلا وقسطا بإذن الله عن كثب

وتشرق الأرض من لألاء غرته

كالبدر يطلع من داج من السحب

وله ـ رحمه‌الله ـ شعر أورده ابن شهرآشوب في ص ٣٨٧ :

ألا يا آل أحمد يا هدايتي

لقد كنتم أئمة خير أمه

أرادكم الحسود بكيد سوء

فأصبح ما أراد عليه غمه


يريد ليطفئ النور المصفى

ويأبى الله إلا أن يتمه (٢٢)

وله أيضا ـ رحمه‌الله ـ :

محمد خير مبعوث وأفضل من

مشى على الأرض من حاف ومنتعل

من دينه نسخ الأديان أجمعها

ودور ملته عفا على الملل

ثم الإمامة مهداة مرتبة

من بعده لأمير المؤمنين علي

من بعده ابناه وابنا بنت سيدنا

محمد ثم زين العابدين علي

والباقر العلم عن أسرار حكمته

والصادق البر لم يكذب ولم يحل

والكاظم الغيظ لم ينقض مروته

ثم الرضا لم يفه والله بالزلل

ثم التقي متى عاف الأنام معا

قولا وفعلا فلم يفعل ولم يقل

ثم التقي ابنه والعسكري ومن

يطهر الأرض من رجس ومن دخل

القائم العدل والحاكي بطلعته

طلوع بدر الدجى في دامس الطفل

تنشق ظلمة ظلم الأرض من قمر

إشراق دولته يأتي على الدول

ومن أعلام أسرته :

أبوه :

توفي أبوه السيد علي يوم الأربعاء ٢٨ رجب سنة ٥٣١ ه ، فرثاه بقصيدة بائية مثبتة في ديوانه ص ٦٧ ، أولها :

هو الدهر لا عتب عليه ولا عتبى

فدعه عن العتبى وإياك والعتبا

ومات عمه السيد أبو المحاسن أحمد في يوم الجمعة ١٣ شوال سنة

__________________

(٢٢) كذا في أعيان الشيعة ، وفي ديوان الشاعر ، ص ٦٤ :

بني الزهراء إنكم الأئمة

وفي أيديكم منا الأزمة

البيت الأول ، ولعلها كانت الأبيات أربعة ، وأورد ابن شهرآشوب في كتاب مناقب آل أبي طالب ٤ / ٣٣٤ منها البيتين الأخيرين.


٥٢٤ ه ، فرثاه بقصيدة رائية مثبتة في ديوانه ص ٢١ ، أولها :

أما والرزق تخطر وهي سمر

وبيض الهند تقطر وهي حمر

أبناؤه :

وكان له ثلاثة أولاد علماء ، فضلاء ، فقهاء ، أدباء ، شعراء ، قضاة ، وهم : ١ ـ السيد تاج الدين أبو الفضل محمد.

ترجم له معاصره الشيخ منتجب الدين في الفهرست ، برقم ٤٥٣ ، وقال عنه : فقيه : فاضل.

٢ ـ السيد عز الدين أبو الحسن علي.

ترجم له الشيخ منتجب الدين في الفهرست ، برقم ٢٧٨ ، وقال : فقيه ، فاضل ، ثقة ، له كتاب (حسيب النسيب للحسيب النسيب) ، كتاب (غنية المتمني ومنية المتهني) ،

كتاب (مزن الحزن) ، كتاب (غمام الغموم) ، كتاب (نثر اللآلي لفخر المعالي) ، كتاب (مجمع اللطائف ومنبع الظرائف) ، كتاب (الطراز المذهب في إبراز المذهب) ، تفسير القرآن ، لم يتمه.

أقول : كتابه (الحسيب النسيب) هو ألف بيت في الغزل والنسيب مما نظمه السيد عز الدين أبو القاسم يحيى بن محمد علي بن المطهر ، نقيب الطالبيين بالعراق.

منه نسخة كتبت سنة ٦٥٦ ه ، في المجموعة رقم ٤٠٤٧ ، في مكتبة المرعشي في قم ، ذكرت في فهرسها التراث العربي ٢ / ٤٠٣.

وللمؤلف كتاب (إرشاد المسلمين في شرح كلمات أمير المؤمنين عليه السلام) وهو شرح (نثر اللآلي).

منه مخطوطة في مكتبة خدا بخش ، في بتنه بالهند ، رقم ٢٠٣٧.

ومن مؤلفاته مجموعة شعرية مما نظمه هو ، رآها ابن الفوطي بخطه الرائق من شعره الفائق ، وربما تعد ديوان شعره.


فقد ترجم له ابن الفوطي في تلخيص مجمع الآداب ١ / ٢٥٥ بلقبه عز الدين ، ووصفه بالكاتب ، وقال : من سلالة السادات النجباء وأولاد النقباء ، رأيت له مجموعة قد كتبها بخطه الرائق من شعره الفائق ، كتب إلى بعض إخوانه :

بأي لسان أم بأي بيان

يبين بناني ما يجن جناني

لعمري بقلبي أنتم غير أنكم

جفوتم وقلبي عندكم فجفاني

وترجم له السيد علي خان المدني ، ابن معصوم ، في (الدرجات الرفيعة) عقيب ترجمة أبيه ، ص ٥١١ ، فقال : ابنه السيد الإمام أبو الحسن علي ... هو شبل ذلك الأسد ، وسالك نهجه الأسد ، والعلم ابن العلم ، ومن يشابه أبه فما ظلم ، كان سيدا عالما ، فاضلا ، فقيها ، ثقة ، أديبا ، شاعرا ، ألف وصنف ، وقرط بفوائده الأسماع وشنف ، ونظم ونثر ، وحمد منه العين والأثر ، فوائده في فنون العلم صنوف ، وفرائده في آذان الدهر شنوف ، ومن تصانيفه تفسير كلام الله المجيد ... ومن نظمه المزري بعقود الجواهر ... فذكر ١٠ أبيات وقوله أيضا :

ذكرتكم والشهب رزحى من السرى

وكف الثريا للغروب تشير

وقد نشرت صدغ الظلام يد الدجى

فلم يبق من صدغ الظلام ضفير

فقلت لندماني قوما فعالجا

فؤادا يسير الوجد حيث يسير

إلى تمام سبعة أبيات ...

وقوله أيضا :

سلام عذبات رامة بل رباها

سلاها لا عدمتكما سلاها

أنازحة فراجعة سلمى

إليك أم استقر بها نواها


وهي ثمانية أبيات ، وبعدها مقطوعتان كل منهما خمسة أبيات ، ثم قال : وشعره كله على هذا الأسلوب الذي يملك المسامع ويسترق القلوب.

أقول : ومن شعره ما نظمه في إطراء (نهج البلاغة) وقد تقدم في العدد السابق ص ٦٦ ، وفي العدد الخامس ص ٢١.

٣ ـ الثالث من أبناء الراوندي ، هو السيد كمال الدين أبو المحاسن أحمد ابن فضل الله الحسني ، كان عالما فاضلا ، أديبا شاعرا ، تولى القضاء بكاشان ، وسكن فترة في أصفهان ، ترجم له معاصره منتجب الدين ابن بابويه في الفهرست برقم ٣٧ ، ووصفه بالعلم والفضل ، وترجم له معاصره الآخر وصديقه وجاره في أصفهان العماد الأصفهاني في (خريدة القصر) (٢٣) في ترجمة أبيه الإمام الراوندي ، فقال : وبعد عودي إلى أصفهان بسنتين اجتمعت بولده السيد كمال الدين أحمد وحصلت بيننا مودة وطيدة ، وصداقة وكيدة ، وأنسة بسبب الفضل الجامع ، ومحاورة لأجل الجوار الواقع ...

وقال : كان شابا يتوقد ذكاء ، محبوب الشكل ، عزيز المثل ، غزير الفضل ، طالما أنسنا بفوائده ، واقتبسنا من فرائده ، وتجارينا في حلبة الأدب ، وتجاذبنا أعنة الإرب ، وأجلنا قداح الآراء ، وجلونا أقداح الآلاء ، وهو شريف الفطرة ، كريم النشأة ، لطيف العشرة ، متقد الفطنة ، حلو الفكاهة ، خلو من السفاهة ، وهو يتردد في كل سنة إلى أصبهان من قاشان ، مرة أو مرتين ، ويتحفنا من رؤيته وروايته بكل مرة للقلب وقرة للعين ، ومضى شيخنا عبد الرحيم ابن الأخوة في بعض السنين إلى قاشان فكتب إليه أو إلى والده :

قد جئت مرات إلى جينا

فقاسنا يوما بقاسان

__________________

(٢٣) في ترجمة أبيه السيد فضل الله الراوندي ، من قسم شعراء إيران ، وهذا القسم لا زال مخطوطا لم ينشر!

(٢٤) جي : اسم قديم لأصفهان.


إلى أن قال :

وإني أذكر يوما وقد تناشدنا رباعية عجمية يتكلف كل منا الفكر في تعريبها ، وسبكها على ترتيبها ، وستعرف معناها بما نلمحه من الأبيات ، فممن عربها السيد كمال الدين أحمد بن فضل الله بقوله :

إني لأحسد فيه المشط والمنشفة

لذاك فاضت دموع العين مختلفه

هذا يعلق في صد غيه أنمله

وذي تقبل رجليه بألف شفه

إلى آخر الترجمة.

وترجم له ابن الفوطي في (تلخيص مجمع الآداب) في حرف الكاف ، بلقبه كمال الدين ، رقم ٢٥٠ ، وحكى موجز كلام العماد وأورد له هذه الرباعية.

ويبدو أن الراوندي كان شديد الحب لأنه هذا وإياه خاطب في قوله :

أقرة عيني إنني لك ناصح

وإن سبيل الرشد دونك واضح

أقرة عيني لا تغرنك المنى

فما هن إلا قاصمات جوامح

إلى تمام العشرة أبيات المثبتة في ديوانه ص ١٨٨ ، وفي الديوان أيضا ص ١٨٣ : وكتب إلى ولده أبي المحاسن أحمد بأصفهان وهي خمسة عشر بيتا :

البين فرق بين جفني والكرى

والبين أبكاني نجيعا أحمرا

دمعي دم مذ صعدته حرقتي

سلبته حمرته فسال مقطرا

كالورد أحمر ثم إن قطرته

خلع الرداء وعاد أبيض أزهرا

وفيه في ص ١٩٤ : وكتب إلى ولده أحمد في جواب كتاب له ، وهي خمسة أبيات :

وصل الكتاب وكان أكرم واصل

وقبلته في الحال أفرح قابل


وفيها أيضا :

وحياة رأسك أيها الولد

لا أستطيع أبث ما أجد

فارقتني فأقام في جسدي

كمد تقطع دونه الكبد

فارجع فديتك مسرعا عجلا

رحل العزاء وأعوز الجلد

واليوم موعده القريب فإن

لم يتجه إنجازه فغد

وقال ملغزا في أحمد :

أقبل كالبدر في مدارعه

يشرق في السعد من مطالعه

أوله ربع عشر ثالثه

وربع ثانيه جذر رابعه

ومن أعلام الأسرة سبطه الجعفري ، وهو :

الحسن بن محمد بن عبد الله بن علي الجعفري ، سبط الإمام أبي الرضا الراوندي ، هكذا كتب اسمه ونسبه ونسبته على ظهر كتاب (نهج البلاغة) كتبه بخطه الجيد ، وفرغ منه في ذي القعدة سنة ٦٣١ ه ، وكانت المخطوطة في مكتبة العلامة المحدث النوري ، ذكرها في خاتمة المستدرك ، ص ٤٩٤.

وترجم شيخنا ـ رحمه‌الله ـ للجعفري هذا في طبقات أعلام الشيعة ، في أعلام القرن السابع ، ص ٤٣ ، وقال : الجعفري نسبة إلى جعفر بن الحسن المثنى ، من أجداد السيد ضياء الدين [فضل الله الراوندي].

مولده ووفاته :

والسيد الراوندي على تفوقه العلمي ، ومكانته المرموقة ، وعظمته الاجتماعية ، وجاهه العريض ، وزعامته العامة وشعبيته القوية ، فيما وصفه لنا شاهد عيان ، وهو العماد الكاتب في (خريدة القصر) في ترجمة ابنه السيد كمال الدين أحمد ، قال : سافر وفي آخر سنة ٥٤٩ ، إلى بغداد وهو والده


بقاشان في بهرة القبول ، وعرض الجاه والطول ، وروض الاقبال المطلول ، وربع الفكاهة المأهول ...

وعلى ذلك كله ، لم يضبط لنا التاريخ ولادته ولا وفاته! نعم ، أرخ سماحة السيد شهاب الدين المرعشي ـ رحمه‌الله ـ في كتابه الخاص عن حياة السيد الراوندي (لمعة النور والضيا) ولادته بسنة ٤٨٣ ه ، بالاستناد إلى بعض المشجرات القديمة.

وحتى لو لم نعتمد هذا المشجر ، فإن مولده عند هذه الحدود ، في الثمانين أو قبله بقليل أو بعده بيسير ، فإن من مشايخه أبو المحاسن الروياني ، المستشهد سنة ٥٠١ ه ، فلا بد وأن يكون رحل إليه وله حدود العشرين عاما.

وأما وفاته ـ رحمه‌الله ـ فلم تكن قبل سنة ٥٧٢ ه ، ولا هي متأخرة عنها بكثير ، ففي المتحف العراقي في بغداد مخطوطة لنهج البلاغة ، برقم ٣٧٨٤ ، مكتوبة سنة ٥٥٦ ه ، ومقابلة فيما بعد على نسخة قرأها الراوندي سنة ٥٧١ ه.

وفي مكتبة رضا ، في رامبور بالهند ، مخطوطة (خصائص الأئمة) للشريف الرضي (٢٥) برقم ١١٩٠ ، كتبت سنة ٥٥٣ ه ، ذكرت في فهرسها ١ / ٦٣١ ، عليها خط الراوندي بقراءة عبد الجبار بن الحسين عليه وروايته له بإسناده عن مؤلفه الرضي وبأسفله توقيعه : (وكتب فضل الله بن علي الحسني أبو الرضا الراوندي).

وإلى جنب (الراوندي) سجل بعض القدماء : (توفي رحمه‌الله يوم عرفة ...) وبقية التاريخ بقي خارج التصوير ، أو أتلف بالقص عند تجليد النسخة.

__________________

(٢٥) وعنها مصورة في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم الفيلم ٥٠٤٦ ، ذكرت في فهرس مصوراتها ٣ / ١٢٦.


وعلمنا من الأمرين أنه كان حيا إلى يوم ٨ ذي الحجة سنة ٥٧١ ه ، وهو آخر شهور السنة ، فوفاته في يوم عرفة من هذه السنة أو التي بعدها ، فيكون قد عمر نحو التسعين عاما.

مقبرته :

توفي أبو الرضا الراوندي ـ رحمه‌الله ـ في كاشان ، وقبره بها في الزاوية الجنوبية من مقابر (بنجه شاه) في شمال المسجد الجامع القديم ، ولا زالت مقبرته عامرة باسم : مقبرة سيد أبو الرضا ، في شارع بابا أفضل ، مطل على الشارع ، في قلب البلد ، ولا زال مزارا لأهل البلد والواردين إليه .. قال المولى حبيب الله الكاشاني ـ المتوفى سنة ١٣٤٠ ه ـ في : لباب الألقاب ، ص ٦٤ : السيد فضل الله بن علي العلوي الحسني الكاشاني ، المعروف بالسيد أبي الرضا ، كان عالما ، فاضلا ، زاهدا ، يحكى منه الكرامات ، ومقبرته بكاشان معروفة يزورها ذوو الحاجات.

ومن مصادر ترجمته :

فهرست منتجب الدين / رقم ٣٣٤ ، أنساب السمعاني (الراوندي) و (القاشاني) ، خريدة القصر / قسم شعراء إيران (خ) ، اللباب ـ لابن الأثير ـ ٣ / ٧ ، عمدة الطالب : ١٨٥ ، أمل الآمل ٢ / ٢١٧ ، رياض العلماء ٤ / ٣٦٤ ـ ٣٧٤ ، الدرجات الرفيعة : ٥٠٦ ، منتهى المقال : ٢٤٢ ، لؤلؤة البحرين : ٣٠١ ، تاج العروس (رود) ، روضات الجنات ٥ / ٣٦٥ ، خاتمة المستدرك : ٣٢٤ و ٤٩٣ ، لباب الألقاب : ٦٤ ، هدية العارفين ١ / ٨٢١ ، طرائف المقال ١ / ١١٢ ، بهجة الآمال ٦ / ٥٠ ، الكنى والألقاب ٢ / ٤٢٥ ، الفوائد الرضوية : ٣٥٤ ، تنقيح المقال / رقم ٩٤٩٤ ، أعيان الشيعة ٨ / ٤٠٨ ، طبقات أعلام الشيعة / القرن السادس : ٢١٧ ، الأعلام ـ للزركلي ـ ٥ / ١٥٢ ، معجم


المؤلفين ٨ / ٧٥ ، رجال تاج العروس ٣ / ٣٣٦ ، معجم رجال الحديث ١٣ / ٣١٩ ، مقدمة طبعة البحار : ١٤٢ ، مقدمة طبع ديوان الراوندي.

هذا ، ولسيدنا المغفور له سماحة الحجة آية الله السيد شهاب الدين النجفي المرعشي ـ المتوفى ٧ صفر سنة ١٤١١ ـ رسالة مفردة عن حياة السيد أبي الرضا الراوندي ، سماها : (لمعة النور والضيا في ترجمة السيد أبي الرضا) طبعت في طهران سنة ١٣٨٣ ه.

للبحث صلة ...


إحياء التراث

لمحة تاريخية سريعة حول تحقيق التراث ونشره

وإسهام إيران في ذلك

(١)

الشيخ عبد الجبار الرفاعي

يختزن التراث إمكانات النهوض والإبداع في حياة الأمة ، لأن لكل أمة شروط نهضتها الخاصة المعبرة عن نسقها التاريخي الخاص ، ومقومات شخصيتها التي تأتلف في إطار مسيرتها التاريخية المحددة.

ويعبر تراثنا عن أمتنا وهويتها ، بل هو خير معبر عنها ، لأنه جزء منها ، وهكذا كل تراث هو جزء من الأمة التي أنجزته ، فلا يمكن أن نؤسس النهضة على تراث آخر غير تراث الأمة ، فالنهضة يحتضنها هذا التراث ، وتصبح فيما بعد أحد مكتسبات الأمة في حركتها التاريخية ، وتصير واحدة من الإنجازات الكبرى ، والقفزات المتميزة في سعي الأمة نحو التقدم والتكامل.

وللتراث وظيفة أساسية في تجلية الهوية الحضارية للأمة ، وتأكيد ذاتها ، وحماية هذه الذات من الذوبان والانكسار ، باعتبار أن التراث يستوعب مجموعة الرؤى والأفكار والخبرات والابتكارات ، مما أنتجته الأمة في طول تجاربها الحياتية الشاقة ، في حالات الانتصار والهزيمة ، وفي حالات الازدهار والركود ، وفي حالات التقدم والانحطاط ، ولذا فهو يجسد الذاكرة التاريخية للأمة ، ويمثل الزمن المتحرك المحيط بكل فعاليات الأمة ومكتسباتها.


فالتراث ليس أمرا ساكنا ميتا أفرزته هزائم الأمة ، وإنما هو تلك الحيوية المتدفقة في وجدان الأمة ، فتارة تتكشف فعاليته في روح المقاومة العنيدة ، حين يتعرض المجتمع الإسلامي لعدوان غادر من الكفر ، وتارة أخرى في تيارات التجديد والإصلاح ، وثالثة في ما يبرز من مواقف وإبداعات ، عندما يسعى المجتمع لمواكبة العصر ، ويحاول الاستجابة للتحديات الكبرى ، فلا يجد سبيل أمامه للتغلب على هذه التحديات ، سوى العودة إلى الذات ، والذات لا تتحق إلا بالتراث ، به تتحقق ، وبه تتكشف ، وبه تظل قادرة على مقاومة محاولات التذويب ، والتشويه ، والتدجين ، والتهجين.

من هنا يتبين أن النهضة تتقوم باكتشاف الذات وتحقيق الهوية أولا وقبل كل شئ ، لكي تتحدد المعالم المميزة لشخصية الأمة ، فتتلقى ما ينسجم وبنيتها الخاصة ، فيما تلفظ وتطرد كل ما من شأنه أن يفتت هذه البنية ويزعزع أركانها.

إن ما تنفرد به الأمة وتفتخر به كإرث حضاري تتفوق به على أمم أخرى ، هو تلك العناصر الحية الفاعلة الممتدة زمانيا ، من ما أنجزته من تراث ، في مراحلها التاريخية المختلفة ، وليس ما أنجز لحاجات زمنية خاصة ، وأفرزته دواع تاريخية معينة ، ولم يقو على الامتداد الزمني والحياة في عصور أخرى ، فما ولد في أروقة قصور السلاطين من أدب مبتذل منحل ، وما كتب في أفياء البلاط من فقه سلطاني يمجد الظلم وينفي الحق ، لا يعبر عن هوية الأمة ، ولا يعكس حقيقة شخصيتها.

وربما يتوهم البعض فيحسب أن هذا الكلام يعني الانغلاق والتقوقع على الذات ، وعدم الاستفادة من معطيات وتجارب الأمم الأخرى ، خصوصا في هذا العصر ، الذي خطا فيه الإنسان الغربي خطوات كبيرة ، بل حقق قفزات نوعية في التقنية ، واكتشاف قوانين الطبيعة ، ولم يعد بإمكان أي مجتمع أن يستغني عن هذه المكتشفات ، ويعيش لوحده.


إن ما نعنيه هو أن أية نهضة نريدها للأمة المسلمة ، لا يمكن أن تتحقق من خلال تراث غير تراثها ، فلا بد أن تنتظم الأمة في داخل تراثها الخاص ، ومن ثم تسعى لإغناء مسيرتها ، باستيعاب ما هو إنجاز إنساني عام ، من معطيات العلوم والمكتشفات الطبيعية للأمم الأخرى ، لأن العلم إرث إنساني عام لا يخص أمة دون أخرى ، ولا يملكه مجتمع ملكية خاصة ، فالعلم لا يرتبط بشعب معين ، ولا يعبر عن مرحلة تاريخية خاصة ، ولعل مراجعة سريعة لتاريخ العلم ، ترينا كيف أن البشرية بمجموعها كان لكل شعب فيها مساهماته الكبيرة في تطوير حركة العلوم والاكتشافات.

تأسيسا على ما سبق يتضح أن أية نهضة لا تتحقق إلا باحتضان الأمة لتراثها واكتشافها لذاتها ، ومحاولة التواصل مع الآخر ، واستيعاب ما هو إنجاز بشري عام ، لم تأطر بإطار قومي أو إقليمي خاص.

أما كيف يتاح للأمة أن تكتشف ذاتها وتحتضن تراثها؟ فإن ذلك لن يتم إلا بأن تتعامل الأمة بشكل مباشر مع تراثها ، عبر إحياء هذا التراث ، ونفض الغبار الذي تراكم عليه سنوات مديدة ، ولا بد أن تتجنب أية محاولة للعبور إلى التراث بواسطة أطراف وأدوات أخرى غريبة عنه ، كما ربما يحاول البعض من المنبهرين بالغرب ، بتعاطي مقولات ونظريات التراث في ضوء أدوات غريبة عنه.

لقد تخلت أوروبا منذ عصر النهضة عن التعامل مع أرسطو من خلال ابن رشد ، وانفتحت على تراثها اليوناني القديم مباشرة ، وسعت سعيا حثيثا لاكتشاف الأصول اليونانية لكل ما لم يصلها مباشرة من التراث اليوناني ، أي ما وصلها بواسطة المسلمين ، وتلقت هذا التراث من دون وسيط ، وتخلت عن ابن رشد وغيره من المفكرين المسلمين كوسطاء في تلقي تراثها.

إن علامة ابن رشد الأمة ، وتوازن حركتها التاريخية ، هو قدرتها على قراءة تراثها ، واكتشافه ، واستنطاقه ، واستلهام منابع القوة والفعالية فيه ، بشكل مباشر


من دون وصي أو دليل يقودها إلى تراثها ، أو يدلها عليه ، لأن تراث الأمة ـ كما ألمحنا ـ هو ذاتها وهويتها ، ولا تحتاج الذات لكي تعي وتكتشف ذاتها إلى وسيط ، فكل ذات حاضرة لذاتها ، وإدراكها لذاتها أمر وجداني ، وربما تسبب الاعتماد على أي وسيط في وعي الذات لذاتها إلى التباس صورة الذات ، وتشوهها ، وتغييب المقومات الرئيسية لها ، كما يتجلى ذلك في الصورة التي غالبا ما يستعيرها بعض الكتاب المتغربين من الباحثين الغربيين المهتمين بالشرق والمجتمعات الشرقية ، فيعاينون أمتهم بواسطة ما رسمه الاستشراق التقليدي من صورة مشوهة للأمة المسلمة وتراثها ، فيغدو التراث وما يحفل به من عناصر فعالة في دفع مسيرة الأمة نحو التطور والكمال ، معيقا لا بد من الافلات منه ، فيما يضحى تاريخ الأمة ورموزها تركة ثقيلة ، أو بتعبير أحد هؤلاء (كومة أحجار)! ويستنسخ كل شئ من التراث الغربي ، حتى الأساطير اليونانية القديمة! في محاولة لتدمير هويتنا من خلال محاولة حذف تراثنا واستبداله بتراث غريب.

وعلى هذا تصير عملية إحياء تراثنا ونشره من المهام الحضارية العظمى التي تتوقف عليها نهضة الأمة ، وتحررها ، واستقلالها ، لأن النهضة تتقوم بالتراث ، وإحياء التراث هو الوسيلة الوحيدة لتقديم هذا التراث بين أيدي الناس ، وتحريره من الغرف المغلقة في خزائن المخطوطات ، ووضعه في متناول الجميع ، وتيسير الانتفاع به ، واستلهام ما يشتمل عليه من إرث حضاري كبير ، يقي الأمة من عمليات مسخ هويتها وتفتيت شخصيتها.

دور القدماء في صيانة التراث وحفظه :

لقد بذل العلماء المسلمون منذ عصر التدوين الأول جهودا كبيرة في كراسة التراث ، وصيانته ، والمحافظة عليه ، ولولا تلك الجهود الرائدة المبذولة في هذا السبيل لتعرض هذا التراث للاضطراب ، والتبعثر ، والضياع التام ، كما


حصل مع تراث بعض الأمم.

وحين نلقي نظرة سريعة على آداب المتعلمين ورواة الحديث ... وغيرهم من العلماء والباحثين في التاريخ الإسلامي ، نجد لديهم جملة تقاليد علمية تعارفوا عليها واشتهرت فيما بينهم ، كلها تعبر عن حرص واهتمام شديدين على الدقة في تلقي العلوم الإسلامية ، وبالذات الحديث الشريف ، والإتقان والضبط في نسخها ونقلها ، وتداولها ، فمثلا اشتهرت بينهم (الرحلة في طلب الحديث) ، حين يرحل الراوي من الكوفة إلى المدينة المنورة مثلا لأجل ذلك ، (وإجازة الرواية) وغيرها من طرق تحمل الحديث ، تلك الطرق التي تشير إلى الاهتمام الواسع بالحديث الشريف ، والعناية في نقله وروايته.

وقد بلغت الدقة في النقل درجة دأب معها هؤلاء الرواة على تفحص نسخ الكتب ، وتمييزها ما بين نسخ الكتاب الواحد من اختلاف ، وإن كان طفيفا ، كما يؤكد ذلك الشيخ النجاشي (٣٧٢ ـ ٤٥٠ ه) في حديثه عن نسختي (كتاب السنن والأحكام والقضايا) قائلا : (وذكر شيخنا أن بين النسختين اختلافا قليلا ...) (١).

وينقل الشيخ النجاشي قولا من ما كتبه له أبو العباس أحمد بن علي بن نوح السيرافي حول سؤاله عن الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي ، بعد بيان هذه الطرق ، مشددا على الحذر من أي تصرف ـ مهما كان ـ في النسخ :

(فيجب أن تروي عن كل نسخة من هذا بما رواه صاحبها فقط ، ولا تحمل رواية على رواية ، ولا نسخة على نسخة ، لئلا يقع فيه اختلاف) (٢).

__________________

(١) النجاشي ، أبو العباس أحمد بن علي فهرست أسماء مصنفي الشيعة ، المشتهر برجال النجاشي ، تحقيق : السيد موسى الشبيري الزنجاني ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، ١٤٠٧ ه ، ص ٦.

(٢) ن. م : ص ٦٠.


وحينما نقرأ كتاب (رجال النجاشي) مثلا ، نلاحظ وفاء صارما لمنهج علمي أصيل سبق فيه العلماء المسلمون غيرهم بقرون عديدة ، في أسلوب تدوين البيانات حول نسخ الكتب التي يرويها ، فهو يصرح غير مرة عندما لم ير تلك الكتب بقوله مثلا :

(له كتب ذكرها بعض أصحابنا في الفهرستات لم أر منها شيئا) (٣).

وقوله :

(له كتاب ... ما رأيت هذا الكتاب ، بل ذكره أصحابنا وليس بمشهور أيضا (٤).

أو قوله :

(وإن له كتابا ... لم أر هذا الكتاب) (٥).

بينما نجده في موارد أخرى يتحدث لنا عن كيفية وصول نسخة الكتاب له ، وطبعة هذه النسخة ، وصحة نسبتها إلى المؤلف ، كما في قوله :

(رفع إلي هذه النسخ نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الجندي ، شيخنا ، رحمه‌الله ، قرأتها عليه ، حدثكم أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عامر ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الرضا علي ابن موسى عليه‌السلام. والنسخة حسنة) (٦).

وهكذا يوضح في مورد آخر بشكل صريح أن نسخة الكتاب الذي بيده مقروءة ، فيقول :

(رأيت أبا الحسين محمد بن علي الشجاعي الكاتب يقرأ عليه (كتاب الغيبة) تصنيف محمد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة ، لأنه كان قرأه عليه ،

__________________

(٣) ن. م : ص ١٥.

(٤) ن. م : ص ٤٨.

(٥) ن. م : ص ٨٧.

(٦) ن. م : ص ١٠٠.


ووصى لي ابنه أبو عبد الله الحسين بن محمد الشجاعي بهذا الكتاب وبسائر كتبه ، والنسخة المقروءة (المقروة) عندي) (٧).

وربما صرح باسم ناسخ الكتاب أحيانا ، في محاولة للتأكيد على سلامة النسخة ، والوثوق من صحة نسبة الكتاب إلى صاحبه ، وأنه تلقاه مباشرة من خط فلان ، فهو يقول عن نسخة لكتاب وصله للحسين بن عبيد الله السعدي : (هذه أبواب الكتاب نقلتها من خط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح) (٨).

ويمكن القول : إن هذا المنهج المعتمد لدى القدماء في تثبيت صحة نسبة الكتاب إلى صاحبه ، من المناهج الدقيقة التي يقطع فيها الطريق على محاولات المنتحلين والوضاعين ، فإن النجاشي مثلا لم يكتف بذكر طريقه أو طرقه للكتاب التي تنتهي بمؤلفه ، وبيان وسائط وصول الكتاب إليه ، وإنما سعى في مرات كثيرة لوصف نوع النسخة أو النسخ ، وناسخها ، ومدى إمكانية الاعتماد عليها ، والاختلاف فيها الناشئ من اختلاف نسخها ، بل حاول أن يكشف لنا أحيانا ما إذا كان الاختلاف يرجع إلى أمر كاختلاف الرواة مثلا ، كما في قوله عن كتاب بكر بن صالح الرازي :

(وهذا الكتاب يختلف باختلاف الرواة عنه) (٩).

وهذا المنهج الذي التزم به النجاشي في تدوين كتابه ، هو نموذج تطبيقي لما تبناه العلماء المسلمون في تدوين مصنفاتهم ، وقد يحسب البعض خطأ أن التقاليد العلمية الحديثة المستخدمة في تحقيق ونشر النصوص التراثية لم تكن معروفة فيما مضى ، ولكن الخبير بالتراث الإسلامي يعرف أن الكثير من الأساليب العلمية في تقويم النصوص وضبطها ، كانت شائعة لدى القدماء ، فقد

__________________

(٧) ن. م : ص ٣٨٣.

(٨) ن. م : ص ٤٤.

(٩) ن. م : ص ١٠٩.


لاحظنا كيف أن القدماء لا يكتفون بذكر طرقهم المباشرة إلى مؤلفي الكتب ، وإنما يهتمون أيضا بذكر أحوال نسخ الكتب التي وصلتهم ، وأسماء نساخها.

كذلك اهتموا باحترام النصوص ، وعدم العبث فيها ، والحذر من أي تصرف فيها ، ونقلها بالشكل الذي وصلتهم ، وأضحت الأمانة العلمية من أوضح سماتهم في النقل ممن تقدموا عليهم.

يقول القاضي عياض :

(الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرواية ، كما وصلت إليهم وسمعوها ، ولا يغيرونها في كتبهم ، حتى طردوا تلك في كلمات من القرآن ، استمرت الرواية في الكتب عليها ، بخلاف التلاوة المجمع عليها ... لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة ، وفي حواشي الكتب ، ويقرأون ما في الأصول على ما بلغهم ، ومنهم من يجسر على الاصلاح) (١٠).

وقد تجلت أمانتهم العلمية ، وصيانتهم لآثار من سبقهم ، في حرصهم على مقابلة ما وصلهم أو ما نسخوه من كتب بالأصل الذي سمعوه ، وكتاب الشيخ الذي يرويه ، وأكدوا على أن يكون هذا الأصل المنقول عنه صحيحا متقنا ، كما نص على ذلك القاضي عياض بقوله :

(فليقابل نسخته من الأصل بنفسه حرفا حرفا ، حتى يكون على ثقة ويقين من معارضتها به ، ومطابقتها له ، ولا ينخدع في الاعتماد على نسخ الثفة العارف دون مقابلة ، نعم ، ولا على نسخ نفسه بيده ما لم يقابل ويصحح ، فإن الفكر يذهب ، والقلب يسهو ، والنظر يزيغ ، والقلم يطغى) (١١).

كما يؤكد العلموي على أن يقابل طالب العلم كتاب (بأصل صحيح

__________________

(١٠) القاضي عياض. الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع. تحقيق : السيد أحمد صقر. القاهرة : ١٩٧٠ م ، ص ١٨٥ ـ ١٨٦.

(١١) ن. م : ١٥٩.


موثوق به ، فالمقابلة متعينة للكتاب الذي يرام النفع به) (١٢).

وهكذا يشير إلى ضرورة مقابلة النسخة مع الأصل ، والتدقيق في ذلك ، ابن الصلاح الشهرزوري ، حين يقول :

(على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن كان إجازة. روينا عن عروة بن الزبير ـ رضي‌الله‌عنهما ـ أنه قال لابنه هشام : كتبت؟

قال : نعم.

قال : عرضت كتابك؟

قال : لا.

قال : لم تكتب!

وروينا عن الشافعي الإمام ، وعن يحيى بن أبي كثير ، قال :

(من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج).

وعن الأخفش ، قال :

(إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميا) (١٣).

أما في صورة اختلاف النسخ ، فيحاول القدماء أن ينتخبوا نسخة مقاربة لأصل المؤلف ، وهو أسلوب ربما لا يختلف كثيرا عن الأسلوب المتعارف عند المهتمين بنشر النصوص اليوم ، حين يعتبرون النسخة ذات المواصفات الجيدة هي النسخة الأم ، ويختارون نصا للمؤلف بالاستضاءة بالنسخ الأخرى ، كما يقول القاضي عياض ذلك في مسألة ضبط اختلاف الروايات :

(وأولى ذلك أن تكون [النسخة] الأم على رواية مختصة ، ثم ما كانت

__________________

(١٢) العلموي ، عبد الباسط بن موسى بن محمد. المعيد في أدب المفيد والمستفيد. دمشق : ١٣٤٩ ه ، ص ١٣٥.

(١٣) ابن الصلاح ، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري. علوم الحديث : تحقيق وشرح : نور الدين عتر. دمشق : دار الفكر ، ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ م ، ص ١٩٠ ـ ص ١٩١.


من زيادة الأخرى ألحقت ، أو من نقص أعلم عليها ، أو من خلاف خرج في الحواشي ، وأعلم على ذلك كله بعلامة صاحبه ، من أسمه أو حرف منه للاختصار ، لا سيما مع كثرة الخلاف والعلامات) (١٤).

ويبدو أن النسخة الأصح ، التي تكون بمثابة الأم كثيرا ما تكون معروفة ، إذا ما تعددت روايات نسخ الكتاب الواحد ، فمثلا يقول ياقوت عن كتاب (المفضليات) للمفضل بن محمد الضبي :

(المفضليات : وهي أشعار مختارة جمعها للمهدي ، وفي بعض نسخها زيادة ونقص ، وأصحها التي رواها عنه أبو عبد الله بن الأعرابي) (١٥).

ولم يقتصر الأمر على الاهتمام بنسخ الكتاب ، وانتقاء الأصح منها ، وإنما حاول القدماء معالجة بعض المشكلات التي يتعرض لها النساخ عندما ينسخون الكتاب ، فقد يغفل الناسخ ويحصل سقط من الكتاب المنسوخ ، أو قد يكون العكس فيدخل في الكتاب ما ليس فيه ، وربما التبس عليه الأمر في كتابة الحروف المتشابهة ، فماذا يعمل إزاء مثل هذه الحالات؟

لقد ترك القدماء قواعد هامة تحدد ما ينبغي من مواقف في أمثال هذه الحالات ، فمثلا حينما يسقط من الكتاب شئ ، قرروا بأن (المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ، ويسمى اللحق ـ بفتح الحاء ـ وهو : أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلى فوق ، ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ، ويبدأ في الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط المنعطف ، وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين ، وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له ، وليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلى

__________________

(١٤) القاضي عياض. مصدر سابق : ص ١٨٩.

(١٥) ياقوت الحموي. معجم الأدباء. تحقيق : مرجليوث. القاهرة : مطبوعات دار المأمون ، ١٩ / ١٦٧.


أسفل) (١٦).

أما في حالة الزيادة ، فقد قرروا بأنه (إذا وقع في الكتاب ما ليس منه ، فإنه ينفى عنه بالضرب ، أو الحك ، أو المحو ، أو غير ذلك ، والضرب خير من الحك والمحو) (١٧) والمعروف بينهم أن (أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه ، بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله ، ويقرأ من تحته ما خط عليه) (١٨).

وفي مورد الحروف المتشابهة ، وغيرها من الموارد التي توجب الالتباس حين قراءة النص ، أكد القدماء على أن يعجم المعجم من الحروف ، ويضبط اللفظ ويشكل بعلامات الشكل المعروفة ، كما نص على ذلك العلموي بقوله : (وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح ، أو على شيخ ، فينبغي أن يعجم المعجم ، ويشكل المشكل ، ويضبط الملتبس ، ويتفقد مواضع التصحيف) (١٩).

وخشية وقوع التصحيف والإبهام دأب القدماء في بعض مصنفاتهم على ضبط الأحرف المتشابهة بالكلمات ، فتجدهم يثبتون الفرق بين الحاء والجيم والخاء مثلا ، بقولهم عن الأولى ب (المهملة) ، والثانية ب (المنقوطة من تحت) ، والثالثة ب (المنقوطة من فوق) وهو يمثل درجة عالية من الاحتراز عن الغموض والإبهام في قراءة النص.

وربما لجأ بعضهم إلى أساليب أخرى لتجنب أي شكل من أشكال عدم وضوح الكتابة ، فقد أفاد القاضي عياض ، بأنه ينبغي للناسخ أن يحدد برمز خاص الحرف المهمل أيضا ، باعتبار أن غير المهمل يتحدد من خلال النقاط

__________________

(١٦) ابن الصلاح. مصدر سابق : ص ١٩٣ ـ ١٩٤.

(١٧) ن. م : ١٩٨.

(١٨) ن. م : ١٩٩.

(١٩) العلموي. مصدر سابق : ص ١٣٥.


من فوق أو تحت ، إذ يقول :

(وكما نأمره بنقط ما ينقط للبيان ، كذلك نأمره بتبيين المهمل ، بجعل علامة الاهمال تحته ، فيجعل تحت الحاء حاء صغيرة ، وكذلك تحت العين عينا صغيرة ، وكذلك الصاد والطاء والدال والراء ، وهو عمل بعض أهل المشرق والأندلس ... ومنهم من يقلب النقط في المهملات ، فيجعله أسفل ، علامة لإهماله) (٢٠).

تلك إشارات سريعة أفصحت عن بعض الملامح من منهج القدماء في صيانة التراث والحفاظ عليه ، والدقة والأمانة في نقله وتداوله ، وهذا المنهج الذي ولد في أحضان التراث ، استجاب في عصر الكتاب المخطوط وقبل ظهور الطباعة ، لحاجة ماسة في نفي التصحيف عن المخطوطات ، وتطابقها مع الأصل الذي كتبه المؤلف ، وحمايتها من أية محاولات غادرة للسطو ، أو التشويه ، أو لانتحال.

ومما لا شك فيه أن وصول عدد جيد من الكتب المخطوطة من تراث العصر الإسلامي الأول ، بصورة سالمة وصحيحة ، ما كان له أن يتم لولا العناية الفائقة المستندة إلى قواعد وتقاليد علمية دقيقة ، في نسخ الكتاب ، ومقابلته على الأصل ، والأمانة في تلقيه ونقله للآخرين.

بداية نشر التراث العربي الإسلامي

وصلنا عدد وفير من المخطوطات العربية ، قدرة البعض بنحو ثلاثة ملايين نسخة ، منتشرة في خزائن المخطوطات في مختلف أنحاء العالم ، وتشتمل هذه المخطوطات على مؤلفات في التفسير وعلوم القرآن ، والحديث

__________________

(٢٠) القاضي عياض. مصدر سابق : ص ١٥٧.


وعلومه ، والتاريخ ، والتراجم ، واللغة العربية وآدابها ، والكلام ، والفلسفة ، والمنطق ، والرياضيات ، والهيئة والفلك ، والعلوم الطبيعية الأخرى ، ففي كل حقل من حقول المعرفة نجد عددا غير قليل من النسخ الخطية ، وقد حاول الباحثون الغربيون منذ القرن العاشر الميلادي الاستفادة من هذا التراث الهائل ، فعملوا على جمعه وملاحقة مظان وجوده ، بواسطة قنوات الاتصال بينهم وبين الحضارة الإسلامية ، من خلال صقلية ، والأندلس ، والحروب الصليبية ، والرحالة الأوربيين في المشرق الإسلامي ، وأخيرا المستشرقين وسماسرتهم في العالم الإسلامي ، فتراكمت لديهم ثروة واسعة من المخطوطات العربية النفيسة ، توزعت في مكتبات أوروبا (٢١) ، وأضحت فيما بعد ترسانة معرفية ، شكلت أساسا لاستلهام وتكوين صورة الإسلام والشرق في الوعي الغربي ، إذ عمل الباحثون الغربيون على التقاط ما أرادوه من هذا التراث ، بعد أن اقتطعوه من جسمه العام ، وأعادوا تركيبه ، لتأتلف منه صورة للإسلام وتراثه وإنسانه ، تتطابق مع حقد الإنسان الأوروبي التاريخي إزاء الإسلام.

وتمثلت المحاولات الأولى في عمل الأوروبيين على هذا التراث المخطوط ، بترجمة مختارات منه ، من أجل الاستفادة من ما اكتنزه من إبداع وابتكار ، في الرياضيات ، والهيئة ، والطب ، والمنطق ، والفلسفة ، كما حاولوا الاتصال بما لم يصلهم من التراث اليوناني ، بواسطة ما نقل منه إلى العربية ، وما اكتسبه من تنقيح وتطوير وتكميل على يد الفلاسفة المسلمين ، حتى إذا حصلوا على أصوله اليونانية أو اللاتينية القديمة ، تعاملوا معه مباشرة ـ كما ألمحنا أول الكلام ـ.

__________________

(٢١) راجع بشأن ذلك فصل : (انتقال التراث العربي المخطوط إلى ديار الغرب) من كتاب : رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب فكرا ومادة : ٢٥٧ ـ ٣١٩ ، لمحمد ماهر حمادة. بيروت : مؤسسة الرسالة.


ولم تتوقف الترجمات عند هذه الكتب ، وإنما شملت في مرحلة لاحقة لونا آخر من هذا التراث ، وهو ما تقدمت الإشارة له قبل قليل ، من قبيل (قصص ألف ليلة وليلة) وغيرها من موروث فلكلوري ، أو ما يرتبط بالشخصيات الماجنة والقلقة في تاريخنا مثلا ، لكي تتشكل صورة الإسلام والمسلمين في إطار هذه القصص والشخصيات ، وتعمم هذه الصورة للأجيال الآتية من الأوروبيين ، فيظل هذا الإنسان يشعر بالتفوق ، ويسوغ هيمنته وتسلطه واستعماره للمجتمعات الشرقية.

وتمثلت الخطوة اللاحقة في تعامل الغربيين مع التراث العربي المخطوط الذي وقع بأيديهم ، بالسعي لطباعة ونشر مختارات منه ، على أساس لا يبتعد عن هدفهم في ترجمة بعض مفرداته.

من هنا يمكن القول بوضوح ، إن سعي الأوروبيين قبل قرون عديدة لانتزاع المخطوطات العربية من أيدي أهلها والاستحواذ عليها ، واستهلاك جهود جبارة في تجميعها والاحتفاظ بها ، وترجمة بعضها ، وأخيرا نشر بعضها الآخر ، إنما يعود جزء كبير من هذا العمل الدؤوب ، إلى محاولة الهيمنة على الإنسان الذي أعطى هذا العطاء الكبير للإنسانية ، لأن أفضل وسيلة لاكتشاف أية أمة ومعرفتها بجلاء ، هي تفحص تراثها ودراسته وتحليله ، والعلم بعناصر القوة والضعف فيه ، فيجري طمس وإقصاء لعناصر القوة هذه ، فيما يجري في الوقت نفسه تأكيد لإثارة مكامن الضعف ، لتدمير شخصية الأمة وتشويه تاريخها ، وإثارات النعرات والفتن المنسية في ذلك التاريخ.

وهذا ما عمله بعض المستشرقين ، عندما اجتزأوا مفردات محددة من تراثنا ، وترجموها ونشروها ، بعد أن اقتطعوها من سياقها العام وظروفها الزمنية الخاصة ، وحاولوا الايحاء بأن هذه المفردات تعبر عن هوية الأمة المسلمة ، وتجسد تجربتها الحضارية.

ومما ينبغي التنويه به ، أن جماعة من المستشرقين بذلوا جهودا علمية


هائلة في نبش التراث الإسلامي وتحقيقه ونشره ، وتكشيفه وفهرسته ، ولكن عددا غير قليل منهم كانوا ضحية مناهجهم الخاصة ، التي أملتها النظرة المركزية الأوروبية ، وروح السيطرة الاستعمارية ، فكان عملهم في تحقيق التراث ونشره ، وترجمته ، يستمد مرجعيته من تلك النظرة ، ولذا لم يستطع هؤلاء أن يخفوا هذه الروح ، التي تجلت بشكل واضح في معظم أعمالهم.

* * *

في هذا الضوء يمكن أن نعرف السبب الذي دعا بعض الأوروبيين للاهتمام بنشر التراث العربي الإسلامي في وقت مبكر ، فقد تم طبع القرآن الكريم في مطبعة باغانيني بالبندقية ، ويبدو من بعض القرائن أنه طبع سنة ١٤٩٩ م ، بينما يذكر آخرون أنه ربما طبع سنة ١٥٠٩ م ، أو بعد ذلك (٢٢) ، إذ رجح البعض أن يكون تاريخ طبعه سنة ١٥٣٠ م تقريبا ، إلا أن جميع النسخ التي طبعت أحرقت ، وكانت هذا الطبعة كاملة لكل القرآن ، ولم يعثر لها على أثر حتى الآن ، وأقدم من ذكرها هو أربنيوس في كتابه (مبادئ اللغة العربية ، ليدن ١٦٢٠ م) (٢٣).

ومنذ لك التاريخ ، نلاحظ اهتماما متناميا في طبع الكتاب العربي ونشره ، مع العلم أنه لم تمض بعد سنوات طويلة على ظهور الطباعة في أوروبا ، فقد ظهرت نحو منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ، وقد تتابع نشر بعض الكتب ببطء في بداية الأمر ، ثم ما لبث أن أزداد بنحو تدريجي بعد قرن من الزمان ، حتى أضحت حركة نشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا واسعة جدا مع مرور الأيام ، لتبلغ ذروتها في القرن التاسع عشر ، عصر تعاظم نفوذ الاستعمار الغربي ، وتسلطه على الكثير من أقاليم العالم الإسلامي.

__________________

(٢٢) ن. م ، ق ١ : ص ٢٤٦.

(٢٣) بدوي ، د. عبد الرحمن. موسوعة المستشرقين : بيروت : دار العلم للملايين ، ط ٣ (طبعة جديدة منقحة ومزيدة) ، ١٩٩٣ م ، ص ٤٣٨.


وسنحاول فيما يلي أن نرصد حركة نشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا على عجل ، بالتعرف على أبرز المؤلفات التي عمل على نشرها المستشرقون منذ القرن السادس عشر.

يعد كتاب (البستان في عجائب الأرض والبلدان) لمؤلفه سلاميش بن كند غدي الصالحي ، أقدم كتاب عربي نشر في روما عام ١٥٨٥ م ، على يد الطباع البندقي بازا ، وكان هذا الكتاب هو الكتاب العربي الأول المطبوع هناك ، بعد أن كانت المطبوعات العربية الأولى مقتصرة على المنشورات الكنسية (٢٤).

وكانت (أول مطبعة عربية في أوروبا هي تلك التي أمر بإنشائها الكردينال فرنندودي مدتشي ، كبير دوقات توسكانا ، وكان يرئس هذه المطبعة ، التي كان مقرها في روما ، شاب إيطالي من بلدة كريمونا ، يدعى جيوفني بتستا رايموندي ، الذي أقام في المشرق فترة طويلة ، ويحتمل أنه تعلم العربية ، وعلى كل حال ، فإنه اهتم بالخطوط العربية ، والحروف العربية وخصائصها ، فاستطاع أن يصنع حروفا عربية مختلفة الأوضاع : مفردة ، متصلة بما قبلها ، متصلة بما بعدها ، في آخر الكلمة ، وأتم حفر وتقطيع هذه الحروف العربية المتحركة المرسومة رسما جميلا ، وابتداء من ٦ سبتمبر ١٥٨٦ اشتغلت المطبعة في جمع وطبع أول إنتاج لها ، وهو كتاب (القانون) لابن سينا ، ومعه (كتاب النجاة) الذي هو مختصر (الشفاء) ، وتم إنجاز طبع (القانون) ومعه (النجاة) في ١٥٩٣) (٢٥) ، وقد حمل غلاف الكتاب المطبوع هذا العنوان : (كتب القانون في الطب ، لأبي علي الشيخ الرئيس ابن سينا ، مع بعض تأليفه وهو : علم المنطق وعلم الطبيعي وعلم الكلام).

__________________

(٢٤) حمادة ، محمد ماهر ، مصدر سابق. ق ١ : ص ٢٤٨.

(٢٥) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق. ص ٥٥١.


وفي عام ١٥٩٢ م طبعت مطبعة مدتشي في روما كتاب (الكافية) لابن الحاجب ، وكتاب (الأجرومية) لابن آجروم ، كما طبعت في نفس هذا العام ١٥٩٢ م كتاب (نزهة المشتاق في ذكر الأمصار والأقطار والبلدان والجزر والمدائن والآفاق) للشريف الإدريسي ، وفي عام ١٥٩٤ م طبع فيها كتاب (تحرير أصول أوقليدس) للخواجه نصير الدين الطوسي ، بعد أن حصلت على امتياز ونشر هذا الكتاب من السلطان مراد الثالث ، ثم توقفت عن العمل حتى عام ١٦١٠ م ، وفي هذا العام طبعت (كتاب التصريف) للعزي ، وكان هذا الكتاب آخر كتاب تولت طباعته هذه المطبعة العربية الأولى في أوروبا ، فقد توفي رايموندي عام ١٦١٤ م (٢٦).

تحقيق التراث في القرن السابع عشر الميلادي

لقد شهد القرن السابع عشر تطورا وازديادا في حركة نشر الكتاب العربي في المطابع الأوروبية ، وأكبه اهتمام خاص من طلائع المستشرقين الأولى في الإشراف على نشر هذه الكتب ، ومحاولة تصحيحها ، ولذا يمكن أن نعبر أن هذه الفترة تمثل التجارب الأولى لتعاطي المستشرقين للأسلوب الحديث في تصحيح النصوص التراثية العربية ، ثم تكاملت ونضجت هذه التجارب في وقت لاحق.

ففي بداية هذا القرن شرع المستشرق الهولندي إربنيوس (١٥٨٤ ـ ١٦٢٤ م) بنشر مجموعة من الأمثال العربية تتألف من ٢٠٠ مثل ـ مجهولة المؤلف ـ ، مع ترجمة لاتينية ، وظهرت هذه النشرة في عام ١٦١٥ م ، تحت العنوان العربي التالي :

__________________

(٢٦) ن. م. ٥٥١ ـ ٥٥٢.


(كتاب الأمثال) ، وعنوان لاتيني ترجمته :

(كتاب الأمثال : أو مائتان من الأمثال العربية ، جمعها مؤلف عربي مجهول وشرحها ، مع ترجمة لاتينية وتعليقات قام بها اسكاليجر وتوماس إربنيوس) ، وأعيد طبع هذا الكتاب ، طبعة ثانية أصح من الأولى ـ كما ورد في العنوان ـ في عام ١٦٢٣ م (٢٧).

وفي عام ١٦١٧ م نشر إربنيوس سورة يوسف ، مطبوعة بالشكل الكامل ، في ليدن (هولندة) ، بعنوان عربي ، هو : (سورة يوسف وتهجي العرب) ، وعنوان لاتيني ترجمته : (سورة يوسف وتهجي العرب : تاريخ يوسف النبي ، مأخوذة من القرآن بالأصل العربي ، مع ثلاث ترجمات لاتينية وتعليقات ، بقلم توماس إربنيوس ، وفي أوله الحروف العربية ، ليدن ، مطبعة إربنيوس للغات الشرقية ، ١٦١٧ م) (٢٨).

كما نشر إربنيوس في نفس العام ١٦١٧ م ، النص العربي لكتاب (الآجرومية) لابن أجروم المغربي ، وكتاب (المائة عامل) للجرجاني مضبوطة بالشكل ، مع ترجمة لاتينية وشروح ، وعنوان هذه النشرة بالعربية : (كتاب الجرمية ومأية العامل).

وكان قد نشر قبل ذلك في روما النص العربي لكتاب (الآجرومية) دون ضبط بالشكل ، أما إربنيوس فقد استعان بأربع مخطوطات عربية لتحقيق نص كتاب (الآجرومية) ، وترجمه إلى اللاتينية ترجمة صحيحة جيدة ، وأعان على فهم النص بما زوده به من تعليقات وشروح (٢٩).

وفي عام ١٦٢٢ م نشر الإيطالي جوا دانيولي (الخزرجية) (٣٠) ، كما قام

__________________

(٢٧) ن. م : ١٦ ـ ١٧.

(٢٨) ن. م : ١٨.

(٢٩) ن. م : ١٩.

(٣٠) العقيقي ، نجيب. المستشرقون. القاهرة : دار المعارف ، طبعة رابعة موسعة ، ٣ / ٤٠٠.


إربنيوس بتحقيق الجزء الثاني من (تاريخ العالم) تأليف المؤرخ المصري جورجيوس ابن العميد المعروف ب (المكين) المتوفى سنة ٦٧٢ ه / ١٢٧٣ م ، ويشمل تاريخ الحوادث من عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى عام ٥٦٨ ه ، وبعد تحقيق النص قام بترجمته إلى اللاتينية ، لكنه توفي قبل نشره ، فعهده بنشره إلى تلميذه ياكوبوس (يعقوب) جوليوس ، فقام بمهمة الإشراف على الطبع ، وظهرت النشرة مع الترجمة اللاتينية في ليدن سنة ١٦٢٥ م ، بعد وفاة إربنيوس بعام ، وعنوانها :

(تاريخ المسلمين : من صاحب شريعة الإسلام أبي القاسم محمد إلى الدولة الأتابكية ، تأليف الشيخ المكين جرجي بن العميد أبو إلياس بن أبي المكارم بن أبي الطيب) (٣١).

وفي عام ١٦٢٩ م نشر المستشرق الهولندي جوليوس (١٥٩٦ ـ ١٦٦٧ م) كتاب (شذرات الأدب من كلام العرب) ، وهو يشتمل على نصوص مختارة ومضبوطة بالشكل الكامل ، منها ١٦٥ قولا منسوبا إلى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقصيدة (لامية العجم) للطغرائي ، ثم خطبة غير مشكولة لابن سينا ، وختمه بأبيات قليلة غير مشكولة (٣٢).

وفي عام ١٦٣١ م نشر المستشرق الإيطالي أوبتشيني ، كتاب (الآجرومية) في روما ، وزوده بترجمة لاتينية وتعليقات مستفيضة وكان الكتاب (الآجرومية) قد نشر ثلاث مرات في أوروبا قبل هذه النشرة (٣٣).

كذلك نشر جوليوس في سنة ١٦٣٦ م كتاب (عجائب المقدور) لابن عربشاه ، تحت عنوان : (كتاب عجائب المقدور في أخبار تيمور ، تأليف أحمد

__________________

(٣١) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق : ١٩ ـ ٢٠.

(٣٣) ن. م : ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٣٣) ن. م : ٥٥.


ابن عربشاه) (٣٨).

ونشر إبراهيم الماروني الحقلاني في سنة ١٦٤١ م ، مقتطفات من كتاب (مقاصد حكمة فلاسفة العرب) للقاضي مير حسين الميبودي ، تحت عنوان : (مختصر مقاصد حكمة فلاسفة العرب) ، نشرها في نصها العربي ، وزودها بالشكل الملئ بالأغلاط (٣٥).

وفي سنة ١٦٤٢ م نشر المستشرق الإنجليزي بوكوك الأب بمعاونة سلدن كتاب (نظم الجوهر) لابن البطريق ، المتن العربي مع ترجمة لاتينية (٣٦).

وفي سنة ١٦٥٠ م نشر المستشرق الإنجليزي جريفز كتاب (جغرافية أبي الفداء) ، المتن العربي وترجمة لاتينية ، و (الزيج السلطاني) لأولغ بك و (علم الفلك) (٣٧).

وفي العام نفسه ١٦٥٠ م نشر بوكوك الأب (المختار من تاريخ العرب) وهو مجتزأ من تاريخ أبي الفرج ابن العبري ، المتن العربي وترجمة لاتينية ، وكان أول نص عربي طبع في أكسفورد (٣٨).

وكان إبراهيم الماروني الحقلاني قد نشر في سنة ١٦٥١ م ، النص العربي ل (تاريخ العالم) للمؤرخ المصري ابن الراهب ، وهو تاريخ يصل إلى عام ١٢٥٩ م (٣٩).

كما نشر بوكوك الأب (أقوال علي) في سنة ١٦٦١ م ، و (لامية العجم) للطغرائي وترجمها إلى اللاتينية ، مع تعليقات شافية في نفس العام السابق (٤٠).

__________________

(٣٤) ن. م : ٢٠٥.

(٣٥) ن. م : ٢٢٧.

(٣٦) العقيقي ، نجيب. مصدر سابق ، ٣ / ٤٠٢.

(٣٧) ن. م : ٣ / ٤٠٢.

(٣٨) ن. م : ٣ / ٤٠٢.

(٣٩) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق : ٢٢٨.

(٤٠) العقيقي ، نجيب. مصدر سابق ٣ / ٤٠٢.


وعمل جوليوس لمدة طويلة على إعداد نشرة للنص العربي لكتاب (الفصول الثلاثين) ، ويعرف أيضا باسم : (جوامع علم النجوم والحركات السماوية) ، وباسم : (أصول علم النجوم) ، وباسم : (المدخل إلى علم هيئة الأفلاك) ، للفرغاني ، فنشره جوليوس بعنوان عربي هو :

(كتاب محمد بن كثير الفرغاني في الحركات السماوية وجوامع علم النجوم ، بتفسير الشيخ الفاضل يعقوب غوليوس) ، وصدر الكتاب في أمستردام في سنة ١٦٦٩ م ، بعد وفاة جوليوس بعامين ، وزوده بترجمة لاتينية وشروح مستفيضة (٤١).

ونشر بوكوك الابن رسالة (حي بن يقظان) لابن الطفيل ، المتن وترجمة لاتينية ، في أكسفورد عام ١٦٧١ م (٤٢).

تحقيق التراث في القرن الثامن عشر

تواصلت عملية تحقيق ونشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا في هذا القرن ، بنمو يتفوق قليلا على ما شهدته هذه العملية في القرن السابق.

فقد نشر المستشرق الإنجليزي هايد كتاب (الإفادة والاعتبار) لعبد اللطيف البغدادي ، في سنة ١٧٠٢ م ، المتن العربي مع ترجمة لاتينية (٤٣) ، فيما نشر المستشرق الهولندي ريلاندوس كتاب (تعليم المتعلم) للزرنوجي ، في سنة ١٧٠٧ م (٤٤).

كما نشر الإنجليزي سيمون أوكلي رسالة (حي بن يقظان) لابن الطفيل

__________________

(٤١) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق : ٢٠٥.

(٤٢) ن. م : ١٤٠ ـ ١٤١.

(٤٣) العقيقي ، نجيب. مصدر سابق ٣ / ٠٢.

(٤٤) ن. م : ٣ / ٣٩٧.


بعنوان : (تطور العقل الإنساني في حي بن يقظان) ، متنا وترجمة إنجليزية ، في سنة ١٧٠٨ م.

كذلك نشر الإنجليزي جانيه ، سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من (المختصر في أخبار البشر) ، لأبي الفداء ، متنا وترجمة لاتينية ، في سنة ١٧٢٢ م ، ثم نشر (المختصر) بكامله ، متنا وترجمة فرنسية ، في سنة ١٧٢٣ م (٤٥).

وفي عام ١٧٣١ م نشر الهولندي البرت سخولتنس (مقامات الحريري) ، و (سيرة صلاح الدين) لابن شداد (٤٦).

كما أن الألماني رايسكه قام بنشر المقامة ٢٦ من مقامات الحريري ، متنا وترجمة ألمانية ، في سنة ١٧٣٧ م (٤٧).

ونشر جانيه ذكر ديار مصر من (تقويم البلدان) لأبي الفداء ، في سنة ١٧٤٠ م (٤٨).

وفي عم ١٧٤٢ م ، نشر رايسكه (معلقة طرفة بن العبد) مع مقارنتها بديوان الهذليين ، وحماستي البحتري وأبي تمام ، وشعر المتنبي ، وأبي العلاء.

وفي سنة ١٧٤٥ م ، نشر الجزء الأول من (المختصر في أخبار البشر) لأبي الفداء ، متنا وترجمة.

وفي سنة ١٧٥٥ م ، نشر كتاب (نزهة الناظرين فيمن ولي مصر من الخلفاء والسلاطين) لمرعي بن يوسف ، وبضع (رسائل) لأبي فراس ، وابن زيدون (٤٩).

__________________

(٤٥) ن. م : ٣ / ٤٠٢.

(٤٦) ن. م ٣ / ٣٧٩.

(٤٧) ن. م ٣ / ٤١٠.

(٤٨) ن. م ٣ / ٤٠٢.

(٤٩) ن. م ٣ / ٤١٠.


وكان الهولندي كويبرس قد نشر (ديوان الإمام علي عليه‌السلام) بشروح لاتينية ، في سنة ١٧٤٥ م. (٥٠).

وفي ١٧٦٥ م نشر رايسكه (رسائل) الوليدي ، و (منتخبات من أشعار المتنبي).

وفي سنة ١٧٧٣ م نشر الهولندي هنري ألبرت (مختارات من أمثال الميداني) في لندن ، وكان بوكوك قد أعدها للطبع (٥١).

وفي سنة ١٧٧٤ م نشر كويبرس (غرر الحكم ودرر الكلم) (٥٢).

وفي سنة ١٧٧٦ م نشر الألماني ميخائيليس ، ذكر ديار مصر من (تقويم البلدان) لأبي الفداء (٥٣).

وفي سنة ١٧٨٣ م نشر الإنجليزي السير وليم جونز (بغية الباحث في جمل الموارث) لابن الملقن ، متنا وترجمة.

ونشر أيضا في سنة ١٧٨٣ م (المعلقات السبع) ، متنا وترجمة (٥٤).

وفي سنة ١٧٨٦ م نشر الإيطالي الأب مارتيني (تاريخ فخر الدين بن معز) للخالدي الصغير (٥٦).

وفي الفترة ما بين ١٧٨٩ ـ ١٧٩٤ م نشر الدانماركي أدلر (تاريخ أبي الفداء) ، في خمسة مجلدات ، عن المخطوطات والأوراق التي تركها

__________________

(٥٠) ن. م : ٣ / ٣٩٧.

(٥١) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق : ٢٤.

(٥٢) العقيقي ، نجيب. مصدر سابق ٣ / ٣٩٧.

(٥٣) ن. م : ٣ / ٤١٠.

(٥٤) ن. م : ٣ / ٤٠٢.

(٥٥) بدوي ، د. عبد الرحمن. مصدر سابق : ٢٤.

(٥٦) العقيقي ، نجيب. مصدر سابق ٣ / ٤٠٠.


المستشرق الألماني رايسكه عند موته (٥٧).

وفي سنة ١٧٩٢ م نشر وليم جونز (السراجية في علم الفرائض والمواريث الإسلامية) لسراج الدين السجاوندي.

وفي العام نفسه نشر كارليل جزء من (مورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة) لابن تغري بردي ، متنا وترجمة لاتينية (٥٨).

وفي سنة ١٧٩٣ م نشر الإيطالي فيلا كتاب (ديوان مصر) ، متنا وترجمة إيطالية ، في جزءين ، ولم يتم الثاني (٥٩).

ونشر النمساوي دي دومباي (أنيس المطرب في أخبار المغرب) لابن أبي زرع الفاسي في سنة ١٧٩٧ م ، متنا وترجمة ألمانية.

كما نشر مواطنه دينك (الالمام بمعرفة ملوك الحبشة في الإسلام) ، في سنة ١٧٩٨ م.

وفي سنة ١٧٩٩ م نشر الإسباني كونده جزء من (نزهة المشتاق) للإدريسي ، متنا وترجمة إسبانية (٦٠).

تحقيق التراث في أوروبا في القرن التاسع عشر

شهد القرن التاسع عشر توسعا كبيرا في حركة تحقيق ونشر التراث العربي الإسلامي في أوروبا ، وقد تزامن ذلك مع تعاظم نشاط الاستعمار وهيمنته على بلدان العالم الإسلامي ، وانتهابه لثرواتها ، ومحاولاته الحثيثة لتحطيم هويتها الإسلامية ، واستئصال ثقافتها ، والقضاء على لغاتها ، كما حصل في الجزائر

__________________

(٥٧) ن. م : ٣ / ٤١٨.

(٥٨) ن. م : ٣ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

(٥٩) ن. م : ٣ / ٤٠٠.

(٦٠) ن. م : ٣ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.


حينما سعى المستعمر الفرنسي إلى استبدال اللغة العربية بالفرنسية ، بل القضاء على الأبجدية التي تكتب بها لغاب الشعوب الإسلامية ، كما جرى في تركيا ، عندما أقصيت الأبجدية التركية العثمانية ، واستبدلت باللاتينية.

لقد سخر المستعمر لتنفيذ هذه المهام أفواجا عديدة من الباحثين في أوروبا ، ووجههم للتخصص بالتراث الإسلامي ، وأمن لهم إمكانات مادية وبشرية ضخمة ، من أجل دراسة هذا التراث ، واكتشاف الشعوب الإسلامية ، لبسط سيطرته عليها ، فأسست مراكز للبحث والتحقيق ، ودور نشر ، ودوريات ، وكليات ، ومؤسسات متنوعة ، تخصصت بتراثنا ، ومجتمعاتنا ، وتاريخنا ، وعاداتنا ، كانت تؤمن خدمات هائلة لوزارات المستعمرات في الدول الاستعمارية (٦١) ، حتى أن تزايد الاهتمام بالتراث الإسلامي ، وتحقيقه ونشره ، وفهرسته ، وترجمته ، كان يتناسب طرديا بشكل ملحوظ ، مع تفاقم ظاهرة الاستعمار في ديارنا ، فيما كان يتراجع هذا الاهتمام في حالات انكفاء الاستعمار وتراجعه وانحساره.

وعلى هذا الأساس يمكن أن نعرف السبب في اشتداد حركة تحقيق ونشر تراثنا في أوروبا في القرن التاسع عشر ، وهو عصر غلبة أوروبا ، وبسط نفوذها على معظم ديارنا عسكريا ، وتغلبها على مجتمعاتنا بأسرها سياسيا.

ومن هنا يمكن القول بأن تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا ، كان يمثل في بعد من أبعاده الأساسية ، إحدى الآليات التي يعتمدها الاستعمار في سيطرته على المسلمين ، وتدمير المقومات الحيوية والفطرية لمجتمعاتهم ، فكلما توسعت حركة الاستعمار في العالم الإسلامي ، تنامت بموازاتها حركة تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا.

وإن كنا لا نعدم ظهور بعض النماذج من الباحثين الغربيين في تراثنا ،

__________________

(٦١) عمل بعض أساطين حركة الاستشراق كمستشارين في وزارة المستعمرات في بلدانهم.


ممن أنار الله بصيرتهم ، فهداهم للتي هي أقوم ، وكانوا استثناء من هذه الحالة ، مثل المرحوم عبد الكريم جرمانوس ، والمرحوم محمد أسد ، ... وغيرهم.

فيما يلي تقص لأبرز الكتب العربية التي حققت ونشرت في الغرب ، في القرن التاسع عشر ، حاولنا ترتيبها حسب تاريخ النشر ، مع ذكر الباحث الذي اضطلع بنشرها.

وقد اعتمدنا على المراجع التالية في التعرف على هذه الكتب :

١ ـ اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ، لإدوارد فنديك ، صححه : السيد محمد علي الببلاوي وزاد فيه : قم : مكتبة آية الله المرعشي النجفي ، ١٤٠٩ ه (أوفسيت).

٢ ـ معجم المطبوعات العربية والمعربة ، ليوسف إليان سركيس. مطبعة سركيس بمصر ، ١٣٤٦ ه ـ ١٩٢٨ م ، ٢ ج.

٣ ـ رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغرب فكرا ومادة ، لمحمد ماهر حمادة. بيروت : مؤسسة الرسالة ، ٢ ق.

٤ ـ المتشرقون ، لنجيب العقيقي. القاهرة : دار المعارف ، طبعة رابعة موسعة ،٣ ج.

٥ ـ موسوعة المستشرقين ، لعبد الرحمن بدوي. بيروت : دار العلم للملايين ، ط. ٣ ، ١٩٩٣ م ، طبعة جديدة منقحة ومزيدة.


أبرز الكتب العربية المحققة والمشورة

في أوروبا في القرن التاسع عشر

١ ـ الإفادة والاعتبار بما في مصر من الآثار.

تأليف : موفق الدين عبد اللطيف البغدادي.

نشره : الفرنسي دي ساسي ، ١٨١٠ م (مع ترجمة فرنسية وتعليقات مستفيضة).

٢ ـ مقامات الحريري

نشرها : دي ساسي ، ١٨١٢ م (زودها بشرح بالعربية).

٣ ـ كليلة ودمنة.

نشره : دي ساسي ، ١٨١٦ م.

٤ ـ رحلة محمد ابن بطوطة (الرحالة العربي الطنجي).

نشرها : الألماني كوزجارتن ، ١٨١٨ م.

٥ ـ معلقة عمرو بن كلثوم التغلبي ، بشرح الزوزني.

نشرها : كوزجارتن ، ١٨١٩ م (بحسب

مخطوطات باريس).

٦ ـ معلقة الحارث بن حلزة ، بشرح الزوزني.

نشرها : الألماني فولرز ، ١٨٢٧ م (بحسب مخطوطات باريس ، مع قصيدتين لأبي العلاء بحسب مخطوط بطرسبرج ، مع ترجمة لاتينية وشرح).

٧ ـ معلقة طرفة (ابن العبد) ، بشرح الزوزني.

نشرها : فولرز ، ١٨٢٧ م (بحسب مخطوطات باريس ، مع ترجمة لاتينية ، وترجمة لحياة الشاعر ، مع إضافات مختارات من تعليقات ريسكه).

٨ ـ مختارات عربية.

منشورة عن مخطوطات باريس وجوتا

وبرلين ، مع معجم وتعليقات.

نشرها : كوزجارتن ، ١٨٢٨ م.


٩ ـ تاريخ الطبري.

نشره : كوزجارتن ، ج ١ : ١٨٣١ م ، ج ٢ : ١٨٣٨. ج ٤ : ١٨٥٣ (مع ترجمة لاتينية).

١٠ ـ كتاب طبقات الحفاظ.

تأليف : أبي عبد الله الذهبي.

نشره : الألماني فستنفلد ، ١٨٣٣ م ، ٣ ج.

١١ ـ أشعار الهذليين.

نشرها : كوزجارتن ، ١٨٣٤ م ، مج ١.

١٢ ـ مقتطفات من كتاب : (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة).

لجلال الدين السيوطي.

نشرها : السويدي تورنبرج : ج ١ ـ ٤ ، ١٨٣٤ ـ ١٨٣٥ م.

١٣ ـ اللوحات الجغرافية.

لأبي الفداء.

نشرها : فستنفلد ، ١٨٣٥ م.

١٤ ـ لباب الأنساب.

لأبي سعد السمعاني.

اختصره وأصلحه ابن الأثير.

نشره : فستنفلد ، ١٨٣٥ م.

١٥ ـ وفيات الأعيان.

لابن خلكان.

نشره : فستنفلد ، الكراسات ١ ـ ١٣ ، ١٨٣٥ ـ ١٨٥٠ م ، ونشر له إضافات واختلافات قراءة، ج ١ وج ٢ ، ١٨٣٧ م.

١٦ ـ أطواق الذهب.

للزمخشري.

نشره : النمساوي همر ، ١٨٣٥ م.

١٧ ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.

لكاتب جلبي مصطفى بن عبد الله ، الملقب بحاجي خلفا أو خليفة.

نشره : الألماني فلوجل ، ١٨٣٥ ـ ١٨٥٨ م ، ٧ مج (مع ترجمة لاتينية في أسفل الصفحات).

١٨ ـ رسائل فلسفية.

للشيخ أبي نصر الفارابي ، وللشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا.

نشرها : الألماني اشميلدرز ، ١٨٣٦ م


١٩ ـ السلوك لمعرفة دول الملوك.

للمقريزي.

نشره : الفرنسي كاترمير ، ١٨٣٧ ـ ١٨٤٥ م ، القسم الثاني في مجلدين (مع ترجمة بالفرنسية ، وتعليقات).

٢٠ ـ كتاب الأغاني الكبير.

للأصفهاني.

نشره : كوزجارتن ، ١٨٤٠ م ، الجزء الأول (مع ترجمة لاتينية وتعليقات).

٢١ ـ تاريخ سلاطين خوارزم.

لميرخوند.

نشره : الفرنسي دفرمري ، ١٨٤٢ م.

٢٢ ـ الملل والنحل.

للشهرستاني.

نشره : الإنجليزي كيورتن ، ١٨٤٢ ـ ١٨٤٦ م ، ٢ ج.

٢٣ ـ كتاب تهذيب الأسماء.

لأبي زكريا يحيى النووي.

نشره : فستنفلد ، ١٨٤٢ ـ ١٨٤٧ م ، (وكان فستنفلد قد نشر قسما منه في ١٨٣٢ م).

٢٤ ـ العقائد النسفية.

لمعين الدين النسفي.

نشره : كيورتن ، ١٨٤٣ م.

٢٥ ـ روض القرطاس ، أو : أخبار ملوك المغرب.

وهو في تاريخ المغرب خلال خمسة قرون ، من ٧٨٨ إلى ١٣٢٥ م.

لابن أبي زرع.

نشره : تورنبرج ، ١٨٤٣ + ١٨٤٦ م ، ج ١ وج ٢.

٢٦ ـ التعريفات.

للسيد الشريف علي بن محمد

الجرجاني.

نشره : فلوجل ، ١٨٤٥ م.

٢٧ ـ رسالة في تعريف الاصطلاحات الصوفية.

لابن عربي.

نشرها : فلوجل ، ١٨٤٥ م (ملحقة بكتاب التعريفات السابق).

٢٨ ـ المشترك وضعا والمختلف صقعا.

لياقوت الحموي.


نشره : فستنفلد : ١٨٤٦ م.

٢٩ ـ شرح تاريخي على قصيدة ابن عبدون.

لابن بدرون.

نشره : الهولندي دوزي ، ١٨٤٦ ـ ١٨٤٨ م.

٣٠ ـ الحلة السيراء.

لابن الأبار.

نشر فصولا مستخلصة منه : دوزي ، في كتاب : تعليقات على بعض المخطوطات العربية، ١٨٤٧ ـ ١٨٥١ م.

٣١ ـ تاريخ الموحدين.

لعبد الواحد المراكشي.

نشره : دوزي ، ١٨٤٧ م.

٣٢ ـ البيان المغرب.

لابن عذارى.

نشره : دوزي ، ١٨٤٨ ـ ١٨٥١ م ، ٢ ج (مع مقدمة وتعليقات ومعجم).

٣٣ ـ عجائب المخلوقات، وآثار البلاد.

كتابان لزكريا بن محمود القزويني.

نشرهما : فستنفلد معا ، لأنه يعتقد أنهما

يؤلفان كتابا واحدا في ذهب القزويني ، ١٨٤٨ ـ ١٨٤٩ م ، ٢ مج.

٣٤ ـ مقتطفات من الجغرافيين والمؤرخين العرب والفرس.

نشرها : دفرمري ، ١٨٤٩ م.

٣٥ ـ المعارف.

لابن قتيبة.

نشره : فستنفلد ، ١٨٥٠ م.

٣٦ ـ رسالة محمد بن حبيب عن اتفاق وافتراق أسماء القبائل العربية.

نشرها : فستنفلد ، ١٨٥٠ م.

٣٧ ـ مراصد الاطلاع.

وهو مختصر من كتاب : معجم البلدان.

لياقوت الحموي.

نشره : الهولندي يونبول ، ١٨٥٠ ـ ١٨٥٤ م ، ٣ مج.

٣٨ ـ ألفية ابن مالك ، مع شرح ابن عقيل.

نشرها : الألماني ديتريصي، ١٨٥١ م.


٣٩ ـ جبر عمر الخيام.

نشره : الألماني فيبكه ، ١٨٥١ م (مع ترجمة بالفرنسية ، ومستخرجات من مخطوطات غير منشورة).

٤٠ ـ رحلة ابن جبير.

نشرها : الإنجليزي رأيت ، ١٨٥٢ م.

٤١ ـ النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة.

لأبي المحاسن ابن تغري بردي.

نشره : يونبول ، ١٨٥٢ ـ ١٨٦١ م ، أربعة أقسام في مجلدين.

٤٢ ـ الاشتقاق.

لابن دريد.

نشره : فستنفلد : ١٨٥٤ م.

٤٣ ـ نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب.

للمقري.

نشره : الفرنسي دجا ، ١٨٥٥ ـ ١٨٦١ م ، ٢ مج (بعض المجلد الأول والمجلد الثاني).

٤٤ ـ السيرة.

لابن إسحاق ، برواية عبد الملك بن هشام.

نشرها : فستنفلد ، ١٨٥٧ ـ ١٨٦٠ م ، ٢ مج (مع مقدمة وتعليقات).

٤٥ ـ أخبار مكة : نصوص عربية.

نشرها : فستنفلد ، ١٨٥٧ ـ ١٩٦١ م ، ٤ مج (جمع فيها مؤلفات خمسة مؤرخين حول تاريخ مكة ، وهم : الأزرقي ، وابنه ، الفاكهي ، وابن ظهيرة ، وقطب الدين).

٤٦ ـ ديوان المتنبي ، مع شرح الواحدي.

نشره : ديتريصي ، ١٨٥٨ ـ ١٨٦١ م.

٤٧ ـ رسائل عربية.

نشرها : رأيت.

٤٨ ـ البلدان.

لليعقوبي.

نشر : الهولندي دي خويه ، وصف المغرب منه ، ١٨٦٠ م (مع ترجمة لاتينية).


٤٩ ـ البلدان.

لليعقوبي.

نشر : يونبول الابن (ابن أستاذ دي خويه) باقي كتاب (البلدان) لليعقوبي ، ١٨٦١ م.

٥٠ ـ تاج التراجم في طبقات الحنفية.

لزين الدين قاسم بن قطلبغا.

نشره : فلوجل ، ١٨٦٢ م.

٥١ ـ مروج الذهب.

نشره : الفرنسي باربييه دي مينار ، ١٨٦١ ـ ١٨٧٧ م ، ٩ مج (تعاون معه في المجلدات الثلاثة الأولى : بافيه دي كورتاي).

قام شارل بلا بطبعة جدية لهذه النشرة.

٥٢ ـ كامل التواريخ.

لابن الأثير.

نشره : السويدي تورنبرج ، وصدر على الترتيب التالي :

الجزء الحادي عشر : ويشمل الحوادث من عام ٥٢٧ ـ ٥٨٣ ه ، في سنة

١٨٦٢ م.

الجزء التاسع : ويشمل الحوادث من عام ٣٧٠ ـ ٤٥٠ ، في ١٨٦٣ م.

الجزء العاشر : ويشمل الحوادث من عام ٢٢٨ ـ ٢٩٨ ه ، في ١٨٦٥ م.

الجزء الأول : ويشمل تاريخ ما قبل الإسلام ، في ١٨٦٧ م.

٥٣ ـ فتوح البلدان.

للبلاذري.

نشره : دي خويه ، ١٨٦٣ ـ ١٨٦٦ م ، ٢ ج.

٥٤ ـ الكامل.

للمبرد.

نشره : رأيت ، ١٨٦٤ ـ ١٨٨٢ م.

٥٥ ـ رواية ابن الأثير عن فتح العرب لإسبانيا.

نشرها : تورنبرج ، ١٨٦٥ م.

٥٦ ـ تلخيص أعمال الحساب.

لابن البنا المراكشي.

نشره : مار ، ١٨٦٥ م.


٥٧ ـ كتاب روجار.

للإدريسي.

نشره : دي خويه ، ورينهرت دوزي ، ١٨٦٦ م (مع ترجمة فرنسية ، وتعليقات ، ومعجم).

٥٨ ـ معجم البلدان.

لياقوت الحموي.

نشره : فستنفلد ، ١٨٦٦ ـ ١٨٧٣ م ، ٦ مج.

٥٩ ـ الآجرومية.

لابن آجروم.

نشره: الفرنسي برنييه، ١٨٨٦ م.

٦٠ ـ ديوان عنترة.

نشره : توربكه ، ١٨٦٧ م.

٦١ ـ ديوان النابغة الذبياني ، مع تتمة.

نشره : دارنبور ، ١٨٦٩ م.

٦٢ ـ العيون والحدائق في أخبار الحقائق.

نشر ما تبقى منه : دي خويه ، ١٨٦٩ م.

٦٣ ـ مكتبة الجغرافيين العرب.

مجموعة فريدة من كتب الجغرافيا.

نشرها : دي جويه ، ١٨٧٠ ـ ١٨٩٤ م ، ٨ مج.

وتتكون مجلدات هذه المجموعة من : المجلد الأول : المسالك والممالك ، للاصطخري ، ١٨٧٠ م.

المجلد الثاني : المسالك والممالك ، لابن حوقل ، ١٨٧٣ م.

المجلد الثالث : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، للمقدسي ، ١٨٧٧ م.

المجلد الرابع : يحتوي على

الفهارس ، ومعجم ، وإضافات عديدة ، وتصحيحات للمجلدات السابقة.

المجلد الخامس : كتاب البلدان ، لابن الفقيه الهمداني ، ١٨٨٥ م.

المجلد السادس : يحتوي على

كتابين ، هما :

١ ـ المسالك والممالك، لابن خرداذبه.

٢ ـ مختصر كتاب الخراج ، لقدامة بن جعفر.

نشره هذا المجلد في سنة ١٨٨٩ م.

المجلد السابع : يحتوي على كتابين أيضا ، هما :


١ ـ كتاب الأعلاق النفيسة ، لأبي علي أحمد بن عمر بن رسته.

٢ ـ كتاب البلدان ، لليعقوبي.

نشر هذا المجلد في سنة ١٨٩٢ م.

المجلد الثامن : كتاب التنبيه

والإشراف ، للمسعودي (مع فهارس ، ومعجم للمجلدين السابع والثامن).

٦٤ ـ شرح جمال الدين ابن هشام على قصيدة (بانت سعاد) لكعب بن زهير.

نشره : الإيطالي جويدي ، ١٨٧١ ـ ١٨٧٤ م.

٦٥ ـ درة الغواص في أوهام الخواص.

للحريري ، صاحب المقامات.

نشره : توربكه ، ١٨٧١ م.

٦٦ ـ الفهرست.

لابن النديم.

حققه : فلوجل ، وطبعه بعد وفاته : أوجست ملر ، وبهان ريدجر ، ١٩٧١ ـ ١٨٧٢ م ، ٢ ج.

٦٧ ـ فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال.

لابن رشد.

نشره : ملر ، ١٨٧٥ م (بضمن كتابه : الفلسفة والكلام عند ابن رشد).

٦٨ ـ كشف مناهج الأدلة عن عقائد الملة.

لابن رشد.

نشره : ملر ، ١٨٧٥ م (بضمن كتابه : الفلسفة والكلام عند ابن رشد).

٦٩ ـ كتاب فيما يلحن فيه العامة.

نشره : الفرنسي هرتفج دارنبور ، ١٨٧٥ م.

٧٠ ـ المنقذ من الضلال.

للغزالي.

نشره : باربييه دي مينار ، ١٨٧٦ م.

٧١ ـ كتاب الفصيح.

لثعلب.

نشره : الألماني جاكوب بارت ، ١٨٧٦ م.

٧٢ ـ معجم ما استعجم.

للبكري.

نشره : فستنفلد ، ١٨٧٦ م.


٧٣ ـ ديوان البهاء زهير.

نشر الجزء الأول منه : بالمر ، ١٨٧٦ م.

٧٤ ـ أسرة الزبير.

للدمشقي.

نشره : فستنفلد ، ١٨٧٨ م.

٧٥ ـ الأخطل مادح الأمويين.

(هو تحقيق لبعض قصائد الأخطل).

نشره : الهولندي هوتسما ، ١٨٧٨ م.

٧٦ ـ تاريخ الطبري.

وضع خطة تحقيقه وأشرف عليه بعد أن وزع العمل بين مجموعة من المستشرقين : المستشرق الهولندي دي خويه ، ١٨٧٩ ـ ١٩٠١ م ، ١٣ مج.

٧٧ ـ رسائل أبي الوليد مروان بن جناح القرطبي.

نشرها : الألماني جوزيف دارنبور ، بالاشتراك مع ابنه ، ١٨٨٠ م.

٧٨ ـ كتاب الأضداد.

لابن الأنباري.

نشره : هوتسما ، ١٨٨١ م.

٧٩ ـ المكتبة العربية الإسبانية.

نشرها : كوديرا ، بالاشتراك مع ربيرا ، ١٨٨٢ ـ ١٨٩٣ م ، ١٠ مج.

وهي تشتمل على مجموعة كتب مهمة في تاريخ المسلمين في الأندلس ، وتراجم علمائهم ، وهذه الكتب هي :

١ ـ الصلة.

لابن بشكوال.

٢ مج ، ١٨٨٢ ـ ١٨٨٣ م.

٢ ـ بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس.

للضبي. ١٨٨٥ م.

٣ ـ معجم تلاميذ أبي علي الصدفي

لابن الأبار. ١٨٨٦ م.

٤ ـ تكملة الصلة.

لابن الأبار.

١٨٨٧ ـ ١٨٩ م ، ٢ مج.

٥ ـ تاريخ علماء الأندلس.

لابن الفرضي.

١٨٩١ م.

٨٠ ـ الكتاب.

لسيبويه.


نشره : هرتفج دارنبور ، ١٨٨٣ م.

٨١ ـ تاريخ اليعقوبي.

نشره : هوتسما ، ١٨٨٣ م.

٨٢ ـ مختارات من : (رسائل إخوان الصفا).

نشرها : ديترصي ، ١٨٨٤ ـ ١٨٨٦ م.

٨٣ ـ المفضليات.

للمفضل الضبي.

نشرها : توربكه ، ١٨٨٥ م ، الكراسة الأولى.

٨٤ ـ المواعظ والاعتبار.

لأسامة بن منقذ.

نشره : هرتفج دارنبور ، ١٨٨٦ م.

٨٥ ـ الفتح القسي في الفتح القدسي.

لعماد الدين الأصفهاني.

نشره : السويدي لاندبرج ، ١٨٨٨ م.

٨٦ ـ مختارات من قصائد أسامة بن منقذ.

نشرها : هرتفج دارنبور ، ١٨٨٩ ـ ١٨٩٣ م.

٨٧ ـ الثمرة المرضية من الرسائل الفارابية.

وهي مجموعة من رسائل الفارابي المهمة.

نشرها : ديترصي ، ١٨٩٠ ـ ١٨٩٢ م (مع دراسة عن الفلسفة العربية).

٨٨ ـ كتاب الاستدراك.

لأبي بكر الزبيدي.

نشره : جويدي ، ١٨٩٠ م.

٨٩ ـ كتاب الكامل.

للمبرد.

نشر المجلد الثاني عشر منه : دي خويه ، ١٨٩٢ م ، لان وليم رأيت كان قد نشر مجلداته السابقة لكنه توفي قبل أن يتمه.

٩٠ ـ مجموعة مؤلفات ربي سعديا بن يوسف الفيومي.

(وهي مؤلفات سعديا العربية).

نشرها : حوزيف دارنبور ، بالاشتراك مع ابنه ، ١٨٩٣ ـ ١٨٩٩ م ، ٥ مج.


٩١ ـ كتاب الأفعال.

لأبي بكر محمد بن عمر ابن القوطية.

نشره : جويدي ، ١٨٩٤ م.

٩٢ ـ الفخري في الآداب السلطانية.

لابن الطقطقي.

نشره : هرتفج دارنبور ، ١٨٩٥ م.

٩٣ ـ آراء أهل المدينة الفاضلة.

للفارابي.

نشره : ديترصي ، ١٨٩٥ م.

٩٤ ـ مفاتيح العلوم.

للخوارزمي.

نشره : الهولندي فان فلوتن ، ١٨٩٥ م.

٩٥ ـ نبذة من كتاب الدرة الألفية في علم العربية.

ليحيى بن عبد المعطي الزواوي.

نشرها : السويدي زترستين ، ١٨٩٥ م (نشر النص العربي لقطعة من هذه الألفية ، مع ترجمة للسويدية ، وشرح).

٩٦ ـ الخراج.

ليحيى بن آدم.

نشره : الهولندي يونبول ، ١٨٩٦ م.

٩٧ ـ ديوان حاتم بن عبد الله بن الطائي ، مع شذرات.

نشره : السويدي شولتهس ، ١٨٩٧ م (مع ترجمة للألمانية).

٩٨ ـ مختصر تاريخ الطبري.

لعريب بن سعد الكاتب القرطبي.

نشره : دي خويه ، ١٨٩٧ م.

٩٩ ـ تاريخ السودان.

لعبد الرحمن بن عبد الله بن عمران بن عامر السعدي.

نشره : الفرنسي هودا ، بالاشتراك مع بنوا ، ١٨٩٨ ـ ١٩٠٠ م (مع ترجمة بالفرنسية).

١٠٠ ـ رسائل أبي العلاء المعري.

نشرها : الإنجليزي مرجوليوث ، ١٨٩٨ م.

١٠١ ـ كتاب المعمرين.

لأبي حاتم السجستاني.

نشره : المجري جولد تسيهر ، ١٨٩٩ م.


تحقيق التراث في أوروبا مطلع القرن العشرين

تراجع الاهتمام بتحقيق التراث الإسلامي في الغرب ، بعد مضي السنوات الأولى من القرن العشرين ، وتقلصت عملية نشره كثيرا عما كانت عليه في القرن السابق.

وبدا هذا الضمور بصورة واضحة فيما بعد الحرب العالمية الثانية ، وغياب دور الاستعمار الأوروبي القديم في العالم الإسلامي ، منذ ذلك التاريخ ، وإن غير الاستعمار أساليبه واعتمد أساليب جديدة في السيطرة عبر وكلائه.

وكانت حركة تحقيق ونشر التراث الإسلامي في الغرب ، قد تواصلت في الثلاثين سنة الأولى من القرن العشرين ، ولكنها بدأت بالضمور بعد ذلك تدريجا ، تبعا لتقلص نفوذ الاستعمار التقليدي في البلاد الإسلامية.

وفيما يلي قائمة بأبرز ما صدر محققا من الكتب العربية في أوروبا ، في هذه الفترة ، أي للفترة من ١٩٠٠ إلى ١٩٣٠ ، تم ترتيبها بحسب تاريخ الصدور :

١ ـ كتاب البخلاء.

للجاحظ.

نشره : فان فلوتن ، ١٩٠٠ م.

٢ ـ الدرة الألفية في علم العربية.

لابن عبد المعطي الزواوي.

نشرها : وترستين ، ١٩٠٠ م (النص الكامل).

٣ ـ عيون الأخبار.

لابن قتيبة.

نشره : بروكلمان ، ١٩٠٠ (١٩٠٨ م ، ٤ ج.

٤ ـ مجموع أشعار العرب.

نشرها : الألماني فلهم ألفرت (وليم الورد) ، ١٩٠٢ ـ ١٩٠٣ م ، ٣ ج.


٥ ـ ديوان العجاج.

(ديوان رؤية بن العجاج).

نشره : فلهم ألفرت ، ١٩٠٣ م.

٦ ـ رسائل صغيرة.

للجاحظ.

نشرها : فان فلوتن ، ١٩٠٣ م.

٧ ـ الطبقات الكبرى.

لابن سعد.

نشرها : جماعة من المستشرقين

الألمان ، وهم : هورفتس ، ومتوخ ، وبروكلمان ، وشوالي ، ولبرت ، وميسنر ، وزترستين ، بإشراف : سخاو ، في ١٩٠٣ ـ ١٩٢٨ م ، ٩ مج.

٨ ـ من : كتاب التاريخ.

لهلال الصابي.

نشره : الإنجليزي أمدروز ، ١٩٠٤ م (نشر قطعة باقية من هذا الكتاب ، تشتمل على حوادث السنوات ٣٨٩ ـ ٣٩٣ ه).

٩ ـ من : كتاب الوزراء.

لهلال الصابي.

نشره : أمدروز ، ١٩٠٤ م (نشر قطعة

باقية من بداية الكتاب ، مع قطعة الكتاب السابق).

١٠ ـ الهاشميات.

للكميت بن زيد الأسدي.

نشرها : هوروفتس ، ١٩٠٤ م.

١١ ـ رحلة ابن جبير.

نشرها : دي خويه ، ١٩٠٧ م (بالاعتماد على طبعة وليم رأيت لهذا الكتاب ، في ١٨٥٢ م.

١٢ ـ نقائض جرير والفرزدق.

نشره : بيفان ، ١٩٠٥ ـ ١٩١٢ م ، ٣ مج.

١٣ ـ مختارات من كتب الجغرافيا العربية.

نشرها : دي خويه ، ١٩٠٧ م.

١٤ ـ معجم الأدباء.

لياقوت الحموي.

نشره : مرجوليوث ، ١٩٠٧ ـ ١٩١٦ م ، ٧ ج.


١٥ ـ قصائد عمر بن قميثة.

نشرها : الإنجليزي ليال ، ١٩١٠ م (مع ترجمة).

١٦ ـ قصيدة كعب بن زهير في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشرحها.

لأبي زكريا يحيى بن علي ، الخطيب التبريزي.

نشرها : الألماني كرنكوف ، في ZDMG ج ٦٥ (١٩١١ م) ص ٢٤١ ـ ٢٧٩ (مع تعليقات نقدية).

١٧ ـ كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار.

لتقي الدين المقريزي.

نشره : الفرنسي فييت ، ١٩١١ ـ ١٩٢٧ م ، ج ١ ـ ٣ وج ٥.

١٨ ـ دواوين عبيد بن الأبرص الأسدي ، وعامر بن الطفيل ، وعامر بن صعصعة.

نشرها : ليال ، ١٩١٣ م (مع ترجمة وتعليقات).

١٩ ـ فواتح الجمال.

لنجم الدين الكبري.

نشره : السويسري مارتز ، ١٩١٣ م.

٢٠ ـ تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان.

نشره : هودا ، ١٩١٣ ـ ١٩١٤ م (مع ترجمة بالفرنسية).

٢١ ـ تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس.

لمحمود كاتي.

نشره : هودا ، ١٩١٣ ـ ١٩١٤ م.

٢٢ ـ مختصر في الجبر.

لابن بدر.

نشره : الإسباني بيرث ، ١٩١٦ م (مع ترجمة بالإسبانية ، ودراسة).

٢٣ ـ طبقات الشعراء.

لابن سلام الجمحي.

نشره : الألماني هل ، ١٩١٦ م.


٢٤ ـ فصول من كتاب : المستظهري في الرد على الباطنية.

للغزالي.

نشرها : جولد تسيهر ، ١٩١٦ م.

٢٥ ـ ديوان مزاحم العقيلي.

نشره : كرنكوف ، ١٩٢٠ م (مع ترجمة إنجليزية).

٢٦ ـ ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات.

نشره : النمساوي رودوكاناكس ،

١٩٢٠ م (مع ترجمة ألمانية ، وتعليقات).

٢٧ ـ نشوار المحاضرة.

للتنوخي.

نشره : مرجوليوث ، ١٩٢١ م.

٢٨ ـ كتاب الحيل والمخارج.

للخصاف.

نشره : شاخت ، ١٩٢٣ م.

٢٩ ـ كتاب الحيل في الفقه.

لأبي حاتم القزويني.

نشره : شاخت ، ١٩٢٤ م.

٣٠ ـ كتاب اللامات.

لأحمد بن فارس.

نشره : برجشتريسر ، ١٩٢٤ م.

٣١ ـ دواوين الهذليين الجديدة.

نشرها : هل ، ١٩٢٦ ـ ١٩٣٣ م ، ٢ ج.

٣٢ ـ كتاب إذكار الحقوق والرهون.

نشره: شاخت ، ١٩٢٦ ـ ١٩٢٧ م.

٣٣ ـ قطعة من : ديوان التدبيج.

لأبي الفضل عبد المنعم الغساني

الأندلسي الجلياني.

نشرها : زترستين ، ١٩٢٧ م.

٣٤ ـ النزاع بين الإسلام والمانوية.

كتاب لابن المقفع ضد القرآن الكريم رد عليه القاسم بن إبراهيم الزيدي.

نشره : جوديي ، ١٩٢٧ م.

٣٥ ـ وثائق غير منشورة عن تاريخ الموحدين.

نشرها : ليفي بروفنصال ، ١٩٢٨ م (مع ترجمة فرنسية وتعليقات).


٣٦ ـ كتاب الشفعة.

للطحاوي.

نشره : شاخت ، ١٩٢٩ ـ ١٩٣٠ م.

تجدر الإشارة إلى أن ما نشر محققا من التراث العربي الإسلامي في أوروبا ، منذ مطلع القرن السابع عشر حتى عام ١٩٣٠ م ، أي من في طول الفترة من ١٦٠٠ إلى ١٩٣٠ م ، لم يتجاوز (٢٠٠) مائتي عنوان كتاب ، بحسب ما عثرنا عليه (٦٢) ، من خلال تتبعنا في المراجع المتخصصة.

ومع علمنا بأن الاستقراء التام في مثل هذه الموارد متعذر ، ولكن يمكن أن نطمئن إلى أن قائمة الكتب العربية المحققة في الغرب في تلك الفترة ، لا تزيد على الرقم المذكور كثيرا ، لأن الغربيين اهتموا منذ وقت مبكر في توثيق ما تنشره مطابعهم ، خصوصا ما يتولون تحقيقه وضبط نصه من مؤلفات عربية.

فقد قام الألماني اشنورر (١٧٤٢ ـ ١٨٢٢ م) مثلا بتسجيل الكتب العربية المطبوعة في أوروبا ، للتفرة من ١٥٨٨ إلى ١٨١٠ م ، في كتاب (المكتبة العربية) ، ثم أكمل عمله زنكر ، وكارل فريدريصي ، وأوجست ملر ، وفكتور شوفان الذي نشر ثبتا ببليوغرافيا لما طبع هناك بعنوان (فهرست للمؤلفات العربية والمتعلقة بالعرب التي نشرت في أوروبا المسيحية من ١٨١٠ إلى ١٨٨٥ م).

لقد تم انتقاء بعض الكتب العربية وتحقيقها ، فيما جرى تجاهل لآلاف الكتب العربية المخطوطة ، والمكدسة في رفوف المكتبات الأوروبية ، ففي القائمة السابقة نلاحظ تغييبا تاما لروح التراث الإسلامي ، وكنوزه المتمثلة بالتفسير وعلوم القرآن الكريم ، والسنة الشريفة وعلومها ، إذ لا نجد كتابا مرجعيا واحدا مما حققه الغربيون في ذلك!

كذلك نرى تجاهلا لتراث السيرة الشريفة ، فلم ينشر في أوروبا طيلة تلك المدة سوى كتاب واحد في السيرة (السيرة ، لابن إسحاق ، برواية ابن هشام ،

__________________

(٦٢) يتجاوز عدد الكتب العربية المنشورة في أوروبا ـ غير المحققة ـ ، في هذه الفترة ، هذا العدد بكثير.


نشره : فستنفلد ، في ١٨٥٧ ـ ١٨٦٠ م) ، ومقتطفات محدودة في السيرة من بعض كتب التاريخ الأخرى!

وهكذا الحال بالنسبة لتراث الفقه الإسلامي وأصوله العظيم ، الذي يقع في مئات المجلدات ، والذي عبر عن عظمة الشريعة ، وقدرة الإسلام الفائقة في تنظيم المجتمع وإدارته ، لكن المستشرقين لم ينشروا سوى بضع رسائل ثانوية منه ، في مطلع هذا القرن ، نشرها الألماني شاخت ، في التفرة من ١٩٢٣ ـ ١٩٣٣ م.

إن التفسير وعلوم القرآن الكريم ، والسنة الشريفة وعلومها ، والسيرة الطاهرة ، الفقه ، إن هذه العلوم تمثل الروح الحقيقية لتراثنا المجيد ، وتجسد المعالم الأصيلة لشخصية الأمة المسلمة ، وتكشف عن منابع القوة في هذه الشخصية ، وتبرز رصيدها الهائل من منجزات حضارية عظمى ، وما تمتاز به على سائر الأمم من عقيدة نقية قائمة على الفطرة ، ومن قيم وأخلاق كريمة تفوقت بها على سائر المجتمعات البشرية على طول التاريخ ، وقضت بها على نزعة البربرية والظلم والعدوان ، التي كانت وراء كل الانتهاكات لحقوق الإنسان في التاريخ.

إن المستشرقين حين يتجاهلون هذا التراث الخالد ، مع توفره بكثافة في خزائن الكتب لديهم ، ويعمدون إلى تحقيق وترجمة ونشر الكتب العربية الأخرى ، إنما يقومون بذلك ، وهم على وعي تام بطبيعة الدور الخطير الذي يضطلعون بأدائه ، في تشكيل صورة مزيفة للقرآن ، والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن ثم الإسلام ، في العقل الغربي ، عندما يستلهمون هذه الصورة من بعض كتب التاريخ ، وتاريخ الفرق الإسلامية ، ودواوين الشعر ، ويركزون على انتزاع بعض الشطحات ، والمواقف الماجنة الشاذة ، والسلوكيات المنفرة ، والأساطير ، والإسرائيليات ، فيسلطون عليها الأضواء ، ويكثرون الحديث عنها ويسعون لتعميمها ، والتأكيد على أنها تعكس طبيعة الإسلام


والمسلمين ، بينا يحجبون يعمد الإنسان الغربي عن التعرف على الإسلام ، والقرآن ، والنبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من خلال تراث الإسلام الأصيل في التفسير ، والسنة ، والسيرة الشريفة ، والفقه.

كما يجري طمس وتجاهل للتراث العلمي الذي أنجزه العلماء المسلمون ، وما حققوا فيه من سبق في تأسيس بعض العلوم ، كالجبر ، والكيمياء ، والبصريات ، ... وغيرها ، أو تطوير وتقدم لعلوم أخرى ، كالهيئة ، والطب ، والفلاحة ... وغيرها ، هذه العلوم التي أسست على معطياتها النهضة الأوروبية الحديثة ، فإنا لا نجد مسعى من المستشرقين لنفض الغبار عن مخطوطاتها ، سوى بعض الحالات القليلة ، والتي منا ما ذكرناها فيما سبق.

ولعل تجاهل هؤلاء الباحثين للتراث العلمي الإسلامي ، يعبر عن الدعاوى التي أطلقها بعضهم ، في أن الإنسان الشرقي ميتا فيزيقي ، لا عقلاني ، خامل ... وغير ذلك ، من شتائم ، لأن تحقيق ونشر المؤلفات العربية في الرياضيات ، والطب والكيمياء ، والهيئة ، والفلاحة ، ... وغيرها من تراث علمي وفير ، من شأنه أن يزيف عمليا تلك الدعاوى ، ويبرهن على أن الإنسان الذي أبدع هذه العلوم ، إنسان عقلاني ، علمي ، دقيق ، وإلا فكيف يتسنى له خلق وابتكار كل هذه العلوم وهو خرافي ، لا عقلاني ، خامل؟! ومما ينبغي التنويه به ، أن بعض الباحثين يشيعون بأن للمستشرقين الفضل الأول في تحقيق ونشر تراثنا!! ولولاهم لم يتحقق لهذا التراث أن يخرج من غرف المخطوطات المغلقة ، ولظل حبيسا في خزائن المخطوطات حتى اليوم!

ولكن مع عدم إنكارنا للخدمات التي أسهم بها الكثير من المستشرقين في تصحيح ونشر بعض المخطوطات العربية ، وإعداد الكشافات والمعاجم لها ، إلا أن جهد هؤلاء تمحور حول بعض دواوين الشعر وكتب الأدب ، ومقتطفات اقتبسوها من المؤلفات التاريخية ، بينما أعرضوا عن الينابيع الأساسية


والأصيلة للتراث الإسلامي ـ كما أشرنا قبل قليل ـ.

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن عدد الكتب التي حقهها ونشرها هؤلاء في مدة ثلاثة قرون ونصف تقريبا ، كان نحو (٢٠٠) مائتي كتاب ، في عموم البلاد الأوروبية ، بينما حقق ونشر في بلد واحد من بلدان العالم الإسلامي ، وهو إيران ، ما لا يقل عن (١٠٠٠) ألف كتاب ورسالة باللغة العربية حتى اليوم ـ كما سنلاحظ ذلك في القائمة الملحقة بهذا البحث ـ ، مع أن منهج التحقيق الحديث للتراث العربي الإسلامي ، عرف في إيران منذ فترة لا تزيد على خمسين عاما فقط ، وإن كان نشر الكتاب العربي في المطابع الإيرانية قد ظهر منذ فترة طويلة (٦٣).

لقد بلغ إسهام بلد إسلامي واحد في تحقيق ونشر التراث العربي الإسلامي في مدة لا تزيد على خمسين عاما ، ما يفوق إسهام أوروبا بمجموعها ، أي نحو خمسة أضعاف ما حققه ونشره الأوروبيون ، في مدة تقارب ثلاثة قرون ونصف ، وهي نسبة ذات دلالة غير عادية ، لا سيما إذا عرفنا أن ما نشر في بلدان إسلامية أخرى محققا لا يقل عن ذلك ، بل يفوقه في بعض البلاد العربية كمصر مثلا.

فلماذا يصر البعض على أن فضل أوروبا والباحثين من أبنائها في تحقيق ونشر تراثنا لا يماثله شئ؟! ، فيخيل إلينا أن هؤلاء أولي إحسان ، لا بد أن يشكروا ويكرموا على ما أسدوه من خدمات في هذا السبيل ، فيما يتم تناسي عمليات السطو والإغارة ، التي كان يتولاها هؤلاء منذ عدة قرون على هذا التراث وأهله ، حتى صار جزء كبير منه ومن أنفس نفائسه ونوادره في خزائنهم.

وكذلك تخفى الأهداف الحقيقية التي دفعت الكثير منهم لتصحيح ونشر هذا التراث ، كما لا تكشف طريقتهم الاصطفائية في انتخاب ما يريدونه لرسم

__________________

(٦٣) بلغ عدد الكتب العربية المنشورة في إيران منذ ظهور الطباعة حتى ، أكثر من خمسة آلاف عنوان.


صورة مشوهة للإسلام والمسلمين ، باقتطاع أجزاء خاصة من تاريخ الفرق ، والشعر ، والأدب ، والإسرائيليات ، ونشرها ، بعد تسليط العدسات المكبرة عليها.

تحقيق ونشر التراث في الهند

عرفت الهند الطباعة العربية منذ القرن الثامن عشر ، وكان (تفسير الجلالين) أهم كتاب أصدرته مطابع الهند آنذاك ، فقد طبع في دهلي ، سنة ١٧٩٦ م.

وصدرت فيها مجموعة من الكتب العربية المصححة ، في مطلع القرن التاسع عشر ، وتواصل نشر التراث العربي الإسلامي فيها حتى اليوم ، وكانت (دائرة المعارف العثمانية) من أنشط مراكز إحياء التراث وأعرقها في الهند ، منذ تأسيسها سنة ١٨٨٨ م ، ولم تزل بعد ما يزيد على قرن من الزمان ، مستمرة في مهمتها العلمية ، وربما لا نعدو الحقيقة إذا قلنا بأنها أعرق مؤسسة لإحياء التراث الإسلامي ، يدوم عطاؤها كل هذه المدة ، وتساهم في تحقيق ونشر عدد وفير من المصنفات الإسلامية في : التفسير وعلوم القرآن ، والحديث الشريف وعلومه ، والفقه ، والتراث العلمي ... وغيرها.

ولذا أعادت دور نشر الكتاب في بيروت طباعة الكثير من إصداراتها بالتصوير (الأوفسيت) ، من دون تغيير أو إضافة ، وهي متداولة اليوم في المكتبات.

لقد عني بتصحيح الكتب العربية ونشرها في المطابع العربية ، في : دهلي ، وكلكتا ، وبمباي ، وحيدر آباد ، مجموعة من العلماء المسلمين الهنود ، وعدد قليل من المستشرقين ، ممن استقدمتهم (شركة الهند الشرقية) ، إبان الاستعمار الإنجليزي للهند ، ومن هؤلاء :


الإنجليزي ماثيولمسدن ، الذي عهدت إليه إدارة مطبعة كلكتا ، ثم خلفه الايرلندي وليم ناسوليس ، والنمساوي اشبرنجر التيرولي.

أما العلماء الهنود ، فمن أبرزهم :

المولوي عبد الحق غلام قادر ، والمولوي كبير الدين ، والمولوي سديد الدين خان ، والمولوي بشير ، ومولوي الله راود ، ومولوي جان علي ، وأحمد بن محمد الشرواني اليماني ـ المتوفى سنة ١٨٤٠ م ـ ووليم عبد الرحيم ابن عبد الكريم ـ المتوفى سنة ١٨٥١ م ـ ومحمد بدر الدين العلوي ، والشيخ عبد العزيز الميمني الراجكوتي.

وفيما يلي أبرز الكتب العربية المحققة والمنشورة في الهند إلى سنة ١٩٣٠ م ، مرتبة بحسب تاريخ صدورها :

١ ـ هذه مجموعة الكتب المتداولة لدرس النحو ، وقد تعمدت تصحيحها وصونها عن الغلط والسهو.

تصحيح وليم كاري.

كلكتا : ١٨٠٢ ـ ١٨٠٥ م.

(هكذا ورد عنوان هذه المجموعة ، من قبل مصححها) وهي تشتمل على الكتب التالية :

١ ـ المائة عامل، للشريف الجرجاني.

٢ ـ شرح المائة عامل.

٣ ـ المصباح ، للمطرزي.

٤ ـ هداية النحو ، للغزنوي.

٥ ـ الكافية ، لابن الحاجب.

٢ ـ المقامات الحريرية.

نشرها : مولوي الله راود ، ومولوي جان علي.

كلكتا : ١٨٠٩ ـ ١٨١٢ م ، ٢ مج.

٣ ـ عجائب المقدور في أخبار تيمور.

لابن عربشاه.

نشره : أحمد بن محمد الشرواني اليماني ، المتوفى ١٨٤٠ م.

كلكتا : ١٨١٢ م.

٤ ـ رسائل إخوان الصفا.

نشرها : أحمد بن محمد الشرواني اليماني.


كلكتا : ١٨١٢ م (شرع في نشرها لكنه لم يتمها).

٥ ـ خلاصة الحساب.

للشيخ البهائي.

نشره : استراتشي.

كلكتا : ١٨١٢ م.

٦ ـ القاموس المحيط.

للفيروز آبادي.

نشره : أحمد بن محمد الشرواني اليماني.

كلكتا : ١٨١٧ م.

٧ ـ المعلقات.

مع شرح مستمد كله من شرح الزوزني.

نشرها : وليم عبد الرحيم بن عبد الكريم ، المتوفى ١٨٥١ م.

كلكتا : ١٨٢٣ م.

٨ ـ ألف ليلة وليلة.

نشرها : الصاغ تيرنر ما كان.

كلكتا : ١٨٣٩ ـ ١٨٤٢ م ، ٤ مج (نشرة كاملة).

٩ ـ اصطلاحات الصوفية.

لعبد الرزاق الكاشاني.

نشره : اشبرنجر.

كلكتا : ١٨٤٤ م.

١٠ ـ مختارات من المؤلفين العرب.

نشرها : اشبرنجر.

كلكتا : ١٨٤٥ م.

١١ ـ مختصر المعاني.

للتفتازاني.

نشره : مولوي جان علي.

كلكتا : ١٨٤٦ م.

١٢ ـ فهرست كتب الشيعة.

للشيخ الطوسي.

نشره : اشبرنجر ، ومولوي عبد الحق ، ومولوي غلام قادر.

كلكتا : ١٨٥٣ م (بذيله : نضد الإيضاح).

١٣ ـ نضد الايضاح.

وهو ترتيب كتاب (إيضاح الاشتباه) للعلامة الحلي.

لمحمد بن محسن الفيض الكاشاني ،


المعروف بعلم الهدى.

نشره : اشبرنجر ، ومولوي عبد الحق ، ومولوي غلام قادر.

كلكتا : ١٨٥٣ م (بذيل : فهرست الطوسي).

١٤ ـ كتاب المغازي.

للواقدي.

نشره : فون كريمر.

كلكتا : ١٨٥٥ م.

١٥ ـ ديوان الحماسة.

لأبي تمام.

نشرها : كبير الدين أحمد ، ومولوي غلام رباني.

كلكتا : ١٨٥٦ م.

١٦ ـ الإصابة في تمييز أسماء الصحابة.

لابن حجر العسقلاني.

نشره : المولوي عبد الحي.

كلكتا : ابتداء من سنة ١٨٥٦ م فصاعدا.

١٧ ـ الكشاف عن حقائق التنزيل.

للزمخشري.

نشره : لي.

كلكتا : ١٨٥٦ م.

١٨ ـ كشاف اصطلاحات الفنون.

للتهانوي.

نشره : مولوي محمد وجيه ، ومولوي عبد الحق ، ومولوي غلام قادر ، واشبرنجر.

كلكتا : ١٨٦٢ م ، ٢ ج.

١٩ ـ شرح الخطيب أبي زكريا يحيى التبريزي على القصائد العشر الجاهلية.

وهي المعلقات السبع ، وقصيدة

للأعشى ، وأخرى للنابغة ، وثالثة لعبيد بن الأبرص.

نشره : ليال.

كلكتا : ١٨٩٤ م.

٢٠ ـ تجريد أسماء الصحابة.

(مختصر أسد الغابة).

لشمس الدين الذهبي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٨٩٥ م ، ٢ ج.

٢١ ـ الجوهر النقي.

لابن التركماني ، المتوفى ٧٤٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف


العثمانية ، ١٨٩٨ م ، ٢ ج.

٢٢ ـ الخصائص الكبرى ،

لجلال الدين السيوطي ، المتوفى ٩١١ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٠ ـ ١٩٠١ م ، ٢ ج.

٢٣ ـ الروضة البهية.

لأبي عذبة ، المتوفى ١٢٢٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٢ م.

٢٤ ـ مناقب الإمام الأعظم.

لأبي المؤيد المكي ، المتوفى ٥٦٨ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٣ م ، ٢ ج.

٢٥ ـ الجمع بين رجال الصحيحين.

لابن القيسزاني ، المتوفى ٥٠٧ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٣ م ، ٢ ج

٢٦ ـ مسند أبي داود الطيالسي.

لأبي داود ، المتوفى ٢٠٤ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف

العثمانية ، ١٩٠٣ م.

٢٧ ـ كتاب الكنى والأسماء.

لأبي بشر الدولابي ، المتوفى ٣١٠ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٤ م.

٢٨ ـ تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة.

لابن حجر العسقلاني ، المتوفى ٨٥٢ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٤ م.

٢٩ ـ قرة العين.

عبد الغني البحراني.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٥ م.

٣٠ ـ تهذيب التهذيب.

لابن حجر العسقلاني.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٥ ـ ١٩٠٧ م ، ١٢ ج.

٣١ ـ الفائق في غريب الحديث.

للزمخشري ، المتوفى ٥٣٨ ه.


حيدرآباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٥ م ، ٢ ج.

٣٢ ـ مصدق الفضل.

شرح قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير.

لشهاب الدين الدولة آبادي ، المتوفى ٨٤٨ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٥ م.

٣٣ ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

لابن عبد البر القرطبي ، المتوفى ٤٦٣ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٧ ـ ١٩١٦ م ، ٢ ج.

٣٤ ـ السمط المجيد.

لصفي الدين القشاشي ، المتوفى ١٠٧١ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٧ م.

٣٥ ـ المغرب في ترتيب المعرب.

لأبي الفتح المطرزي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٨ م ، ٢ ج.

٣٦ ـ لسان الميزان.

لابن حجر العسقلاني.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٠٩ ـ ١٩١٢ م ، ٢ ج.

٣٧ ـ الأمم لإيقاظ الهمم.

(في أصول الحديث).

لبرهان الدين الكوراني ، المتوفى ١١٠٢ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٠ م (رسائل خمسة أسانيد).

٣٨ ـ بغية الطالبين.

(في أصول الحديث).

لأحمد النخلي ، المتوفى ١١١٤ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٠ م (رسائل خمسة أسانيد).

٣٩ ـ الإمداد.

(في أصول الحديث).

لعبد الله البصري ، المتوفى ١١٣٤ ه.


حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٠ م (رسائل خمسة أسانيد).

٤٠ ـ قطف الثمر.

(في أصول الحديث).

لصالح العمري ، المتوفى ١٢١٨ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٠ م (رسائل خمسة أسانيد).

٤١ ـ إتحاف الأكابر.

(في أصول الحديث).

لأبي علي الشوكاني ، المتوفى ١٢٥٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٠ م (رسائل خمسة أسانيد).

٤٢ ـ الجواهر المضيئة.

لعبد القادر الحنفي ، المتوفى ٧٧٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٣ م ، ٢ ج.

٤٣ ـ الأزمة والأمكنة.

لأبي علي المرزوق ، المتوفى ٤٣٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٣ م ، ٢ ج.

٤٤ ـ جامع مسانيد الإمام الأعظم أبي حنيفة.

لأبي المؤيد الخوارزمي ، المتوفى ٦٦٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٣ م ، ٢ ج.

٤٥ ـ فتح المتعال.

لأحمد المغربي ، المتوفى ١٠٤١ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٥ م.

٤٦ ـ شرح السير الكبير.

للسرخسي ، المتوفى ٤٨٣ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٦ ـ ١٩١٧ م ، ٤ ج.

٤٧ ـ المستدرك (مع التلخيص للذهبي).

للحاكم النيسابوري ، المتوفى ٤٠٥ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٣٣٤ ـ ١٣٤٢ ه ، ٤ ج.


٤٨ ـ الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم.

لعبد الكريم الجيلي ، المتوفى ٨٢٦ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩١٧ م.

٤٩ ـ مرآة الجنان وعبرة اليقظان.

لليافعي ، المتوفى ٧٦٨ ه.

حيدرآباد الدكن : دائرة المعارف

العثمانية ، ١٩١٨ ـ ١٩٢٠ م ، ٤ ج.

٥٠ ـ التحفة النظامية في الفروق الاصطلاحية.

لعلي أكبر النجفي ، المتوفى ١٣٠٢ ه.

حيدر آباد الدكن ، دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢١ م.

٥١ ـ المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات.

لفخر الدين الرازي ، المتوفى ٦٠٦ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٤ م ، ٢ ج.

٥٢ ـ رسالة في مسائل متفرقة.

لأبي نصر الفارابي ، المتوفى ٣٣٩ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٥.

٥٣ ـ كتاب الفلاحة.

لعلاء الدين الطوسي، المتوفى ٨٨٧ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٥ م.

٥٥ ـ جمهرة اللغة.

لابن دريد ، المتوفى ٥٢١ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٥ ـ ١٩٣٢ م ، ٤ ج.

٥٦ ـ السنن الكبرى ، وفي ذيلها : الجوهر النقي.

لأبي بكر البيهقي ، المتوفى ٤٥٨ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف


العثمانية ، ١٩٢٥ ـ ١٩٣٦ م ، ١٠ ج.

٥٧ ـ كتاب تحصيل السعادة.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن ، دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٦ م.

٥٨ ـ كتاب الفصوص.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٦ م.

٥٩ ـ رسالة في إثبات المفارقات.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٦ م.

٦٠ ـ كتاب الحماسة.

لابن الشجري ، المتوفى ٥٤٢ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٦ م.

٦١ ـ التعليقات.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٧ م.

٦٢ ـ كتاب التنبيه على سبيل السعادة.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٧ م.

٦٣ ـ كتاب السياسات المدنية.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية. ١٩٢٧ م.

٦٤ ـ كتاب التيجان في ملوك حمير.

لابن هشام ، المتوفى ٢١٨ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٨ م.

٦٥ ـ تنقيح المناظر.

(في علم المناظر).

لكمال الدين الفاسي ، المتوفى ٧٢٠ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٢٨ م.

٦٦ ـ تجريد رسالة الدعاوى القلبية.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٣٠ م.


٦٧ ـ شرح رسالة زيتون الكبير.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٣٠ م.

٦٨ ـ مقالة في أعراض ما بعد الطبيعة.

لأبي نصر الفارابي.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ، ١٩٣٠ م.

٦٩ ـ الأمالي الشجرية.

لابن الشجري ، المتوفى ٥٤٢ ه.

حيدر آباد الدكن : دائرة المعارف العثمانية ١٩٣٠ م.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الكتب التي نشرتها مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن ، قام على تصحيحها وضبط نصوصها مجموعة من المحققين من علماء الهند ، من أمثال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ، وقطب الدين محمود بن غياث الدين علي الحيدرآبادي ، ومحمد بدر الدين العلوي ، ... وغيرهم ، كما أسهم في تصحيح بعض إصداراتها أحد المستشرقين ، وهو الألماني فريتس كرنكو ، الذي صحح (الجمهرة) لابن دريد ، و (الدرر الكامنة) لابن حجر ، .... وغيرها.

من هنا أتينا على ذكر هذه المنشورات ، باعتبارها من جملة الكتب التي عملت دائرة المعارف العثمانية على تحقيقها وضبط متونها ، ومن ثم نشرها.

تحقيق التراث في مصر.

في سنة ١٧٩٨ م باشرت أول مطبعة في مصر عملها ، وكانت الحملة الفرنسية بقيادة بونابرت هي التي جلبت معها هذه المطبعة من فرنسا ، لكي تطبع بها منشوراتها وأوامرها الموجهة إلى المصريين ، وقد استمرت هذه المطبعة بالعمل إلى يونيو سنة ١٨٠١ م ، عندما انسحب الفرنسيون من مصر.


وبعد ذلك ظلت مصر فترة عشرين سنة بلا مطبعة ، أي حتى سنة ١٨٢١ م ، حينما أنشئت (المطبعة الأهلية) ، التي عرفت بمطبعة (بولاق) ، لأنها وضعت أخيرا في بولاق ، وعهد بإدارتها إلى نقولا مسابكي السوري ، الذي تمرس في فن الطباعة في روما.

ثم أنشئت (المطبعة الأهلية القبطية) سنة ١٨٦٠ م ، وبعدها (مطبعة وادي النيل) سنة ١٨٦٦ م ، التي كانت تطبع فيها صحيفة (وادي النيل) لصاحبها أبي السعود أفندي ، وتكاثرت المطابع فيما بعد في زمن الخديوي إسماعيل (٦٤).

ولكن أعظم المطابع إنتاجا ، وأكثرها إسهاما في إحياء التراث ، هي مطبعة بولاق ، التي واصلت عملها لما يربو على تسعين عاما ، وأصدرت عددا كبيرا من كتب التراث وموسوعاته ، بطبعات مصححة ، تولى الإشراف على ضبطها وتقويمها ونشرها جماعة من المشايخ المحققين الخبراء ، ومن أشهرهم :

الشيخ نصر الهوريني ، والشيخ قطة العدوي ، والشيخ محمد الحسيني ، والشيخ طه محمود ، والشيخ محمد عبد الرسول.

فقد كان لهؤلاء وغيرهم من المصححين الأوائل في بولاق أعظم الأثر ، في تشييد أركان مدرسة علمية فنية خاصة لتصحيح ونشر التراث ، تخرجت فيها فيما بعد الأجيال اللاحقة من أبرز محققي التراث في هذا العصر ، من أمثال : أحمد زكي باشا ، وأحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، ومحمد مصطفى زيادة ، ومصطفى السقا ، وإبراهيم الأبياري ، وعبد الحفيظ شلبي ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، والسيد أحمد صقر ، وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، ومحمد محيي الدين عبد الحميد ... وعشرات غيرهم.

__________________

(٦٤) زيدان ، جرجي. تاريخ آداب اللغة العربية. بيروت : دار مكتبة الحياة ، ١٩٨٣ ، ٤ / ٤٠٧ ـ ٤٠٩.


وبفضل جهود هؤلاء نفض الغبار عن مئات المخطوطات العربية ، وازدهرت حركة إحياء التراث في مصر وبقية أرجاء العالم العربي ، وشاع فن تحقيق ونشر التراث بشكل واسع.

ولأجل معرفة مستوى مساهمة مصر المبكرة في إحياء التراث ، نذكر فيما يلي أهم الكتب التراثية المصححة التي صدرت عن مطابعها ، مرتبة بحسب تاريخ صدورها :

١ ـ الدر المختار.

للحصفكي ، مع شرح محمد أمين بن عابدين.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٥٥ م.

٢ ـ ديوان محمد بن هاني.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٥٨ م.

٣ ـ حلبة الكميت.

للنواجي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٥٨ م.

٤ ـ وفيات الأعيان.

لابن خلكان.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٥٩ م.

٥ ـ شرح المعلقات.

للزوزني.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٠ م.

٦ ـ المصباح المنير.

للفيومي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦١ م.

٧ ـ شفاء الغليل.

للخفاجي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٢ م.

٨ ـ الإتقان في علوم القرآن.

للسيوطي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٣ م.


٩ ـ مختصر تذكرة الإمام السويدي.

للشعراني.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٣ م.

١٠ ـ شرح الزقاق على صحيح الموطأ.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٣ م.

١٢ ـ القاموس المحيط.

للفيروز آبادي : تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٣ م ، ١٨٧٢ م ، ١٨٨٤ م.

١٣ ـ صحيح سنن المصطفى.

لسليمان بن الأشعث السجستاني.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٣ م.

١٤ ـ حاشية حسن العطار على شرح الأزهرية.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٤ م.

١٥ ـ حاشية محمد مجاهد على مقدمة ابن آجروم : تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٤ م.

١٦ ـ فتح القريب المجيب.

للغزي ، مع شرح الباجوري.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٤ م.

١٧ ـ تعبير الرؤيا.

لابن سيرين.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٤ م.

١٨ ـ تنزيل الآيات على شرح شواهد الأبيات.

. لمحب الدين أفندي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٤ م.


١٩ ـ الوشاح وتثقيف الرماح في رد توهيم المجد الصحاح.

لعبد الرحمن المغربي التادلي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م.

٢٠ ـ كشف الغمة.

للشعراني.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م.

٢١ ـ المزهر في علوم اللغة.

للسيوطي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م.

٢٢ ـ حاشية الكفراوي على مقدمة ابن آجروم.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م.

٢٣ ـ الفتاوى العالمكيرية.

لنظام الدين.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م.

٢٤ ـ تاج اللغة وصحاح العربية ، ويعرف بالصحاح.

للجوهري.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٥ م ، ٢ ج (في أول مقدمة للهوريني في تاريخ المعجمات العربية).

٢٥ ـ فوات الوفيات.

لابن شاكر الكتبي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٦ م.

٢٧ ـ فقه اللغة.

للثعالبي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٧ م.

٢٨ ـ الأغاني.

للأصفهاني.

تصحيح : نصر الهوريني.


بولاق : ١٨٦٨ م (اقتصر على بعض الكتاب).

٢٩ ـ فضائل شهر رمضان.

للأجهوري.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٨ م.

٣٠ ـ الدرة المضيئة.

لابن عبد الهادي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٦٨ م.

٣١ ـ كفاية المتحفظ.

لابن الأجدابي.

تصحيح : نصر الهوريني.

بولاق : ١٨٧٠ م.

٣٢ ـ المفصل.

للزمخشري.

باعتناء : حمزة فتح الله ، المفتش بديوان المعارف المصرية.

الإسكندرية : ١٢٩١ ه / ١٨٧٤ م.

٣٣ ـ أساس البلاغة.

للزمخشري.

باعتناء : محمد البلبيسي ، ومصطفى وهبي.

القاهرة : ١٨٨١ م ، ٢ ج.

٣٤ ـ لسان العرب.

لابن منظور.

بولاق : ١٨٨١ ـ ١٩٠ م ، ٢٠ ج (وهي من أحسن طبعات لسان العرب حتى اليوم).

٣٥ ـ المخصص.

لابن سيدة.

تصحيح : محمد محمود ابن التلاميذ الشنقيطي ، بالتعاون مع لجنة لنشر (المخصص) من أبرز أعضائها : محمد عبده ، وحسن عاصم ، وعبد الخالق ثروت ، ومحمد البخاري.

بولاق : ١٣٢١ ه / ١٩٠٢ م ، ١٧ ج في ٩ مج.

٣٦ ـ صبح الأعشى في كتابة الإنشا.

للقلقشندي.

القاهرة : المطبعة الأميرية ، ١٩٠٣ ـ ١٩١٩ م ، ١٤ ج.


٣٧ ـ كتاب نكث الهميان في نكت العميان.

للصفدي.

تصحيح : أحمد زكي باشا.

مصر : ١٩١٠ م.

٣٨ ـ تجارب الأمم.

لأبي علي مسكويه.

باعتناء : أمدروز ، بالتعاون مع مرجوليوث.

القاهرة : ١٩١٣ ـ ١٩١٤ م ، ٢ ج.

٣٩ ـ الأصنام. لابن الكلبي.

تحقيق : أحمد زكي باشا.

القاهرة : المطبعة الأميرية ، ١٩١٤ م.

٤٠ ـ أنساب الخيل.

لابن الكلبي.

تحقيق : أحمد زكي باشا.

القاهرة : المطبعة الأميرية ، ١٩١٤ م.

٤١ ـ تاريخ مصر.

لمحمد بن الميسر.

باعتناء : ماسيه.

القاهرة : منشورات المعهد الفرنسي ، ١٩١٩ م.

٤٢ ـ مفاتيح العلوم.

للخوارزمي.

تصحيح : محمد منير الدمشقي.

القاهرة : المطبعة المنيرية ، ١٩٢٣ م.

٤٣ ـ الدين والدولة.

لعلي بن ربن الطبري.

نشره : أحد المستشرقين الإنجليز.

القاهرة : مطبعة المقطم ، ١٩٢٣ م.

٤٤ ـ مسالك الأبصار في ممالك الأمصار.

لابن فضل الله العمري.

تحقيق : أحمد زكي باشا.

مصر : ١٩٢٤ م ، ج ١.

٤٥ ـ مختصر كتاب (الفرق بين الفرق) للبغدادي.

اختصره : الرسعني.

باعتناء : فيليب حتى.

القاهرة : مطبعة الهلال ، ١٩٢٤ م.

٤٦ ـ تفسير ابن كثير والبغوي.

باعتناء : محمد رشيد رضا.


مصر : ١٩٢٤ م ، ٢ ج.

٤٧ ـ الإشارة إلى من نال الوزارة.

لابن الصيرفي المصري.

باعتناء : عبد الله أفندي مخلص.

القاهرة : المعهد الفرنسي ، ١٩٢٤ م.

٤٨ ـ شرح القصائد العشر.

لأبي زكريا يحيى التبريزي.

باعتناء : محمد منير الدمشقي.

مصر : ١٩٢٤ م.

٤٩ ـ سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام.

للأمير اليمني الصنعاني.

تصحيح : محمد عبد العزيز الخولي.

مصر : ١٩٢٥ م.

٥٠ ـ بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب.

لمحمود شكري الآلوسي.

تصحيح : محمد بهجت الأثري.

القاهرة : المطبعة الرحمانية ، ١٩٢٥ م ، ٣ ج.

٥١ ـ ديوان مهيار الديلمي.

باعتناء وشرح : أحمد نسيم.

القاهرة : مطبعة دار الكتب المصرية ، ١٩٢٦ م ، ٢ ج.

٥٢ ـ نهاية الأرب في فنون الأدب.

للنويري.

باعتناء : دار الكتب.

القاهرة : دار الكتب المصرية ، ١٩٢٣ ـ ١٩٢٦ م ، ٥ ج.

٥٣ ـ الأمالي.

لأبي علي القالي.

باعتناء : إسماعيل بن يوسف دباب.

القاهرة : دار الكتب المصرية ، ١٩٢٦ م.

٥٤ ـ أدب الكاتب.

لابن قتيبة.

باعتناء : محب الدين الخطيب.

القاهرة : المكتبة السلفية ، ١٩٢٧ م.

٥٥ ـ الأغاني.

للأصفهاني.

باعتناء : القسم الأدبي في دار الكتب.


برئاسة أحمد زكي العدوي.

القاهرة : دار الكتب المصرية ، ١٩٢٧ م ، ج ١.

٥٦ ـ الذخيرة.

في علم الطب.

لثابت بن قرة.

تحقيق : جورجي صبحي.

جامعة القاهرة : ١٩٢٨ م.

٥٧ ـ عشر مقالات في العين.

لحنين بن إسحاق.

تحقيق : ماكس مايرهوف.

القاهرة : ١٩٢٨ م.

تحقيق التراث في البلدان الأخرى

ظهرت الطباعة في بعض المدن الإسلامية في وقت أسبق من ظهورها في القاهرة ، فمثلا أنشئت أول مطبعة في بيروت سنة ١٦١٠ م في دير مار قزحيا ، وكانت الآستانة أول مدينة في العالم الإسلامي تعرف الطباعة ، فقد أنشئت فيها أول مطبعة في منتصف القرن السادس عشر ، وكان أول كتاب يطبع فيها هو (التوراة) سنة ١٥٥١ م ، كما طبعت فيها بعض الكتب العربية ، ولكن بحروف عبرانية.

أما الطباعة بالأحرف العربية فلم تدخل الآستانة إلا في وقت متأخر كثيرا عن هذا التاريخ ، وهو الثلث الأول من القرن الثامن عشر ، فقد طبع فيها كتاب (صحاح الجوهري) سنة ١٧٢٨ م ، كما طبع فيها في السنة ذاتها كتاب (تحفة الكبار في أسفار البحار) وهو المعروف بتاريخ الحاج خليفة (٦٥).

وعرفت إيران الطباعة منذ سنة ١٦٣٦ م ، عندما أنشئت أول مطبعة في منطقة جلفا بأصفهان ، وإن كانت الطباعة العربية لم تظهر في إيران إلا في

__________________

(٦٥) ن. م : ٤٠٤ ـ ٤٠٥. ومجلة المشرق مج ٤ : ٤٧١ ، ومج ٣ : ٢٥٧.


الثلث الأول من القرن التاسع عشر ـ ستأتي الإشارة إلى ذلك ـ (٦٦).

وأسست أول مطبعة في حلب سنة ١٧٠٢ م ، وكان كتاب (الإنجيل) أول كتاب يطبع فيها بالعربية سنة ١٧٠٦ م (٦٧).

بيد أن بيروت كانت أسبق هذه المدن ، التي أصدرت طبعات محققة لبعض كتب التراث ، وكانت مطابعها سباقة ـ بعد القاهرة ـ ، لطبع بعض الكتب المصححة بالأسلوب الحديث ، منذ نحو ١٣٠ عاما ، أي في نفس الفترة التي بدأ فيها مصححو بولاق في القاهرة بتصحيح وطبع الكتب التراثية تقريبا ، ولكن ما صدر فيها كان ضئيلا بالقياس إلى القاهرة.

ومن أهم ما صدر عن مطابعها آنذاك ، الكتب التالية :

١ ـ ديوان أبي الطيب المتنبي.

ضبطه وعلق حواشيه : بطرس

البستاني.

بيروت : المطبعة السورية ، ١٨٦٠ م.

٢ ـ ديوان ابن القارض.

ضبطه : لويس الصابونجي.

بيروت : ١٨٦٨ م.

٣ ـ الألفاظ الكتابية.

لعبد الرحمن بن عيسى الهمذاني.

باعتناء : لويس شيخو.

بيروت : ١٨٨٥ م (طبعت تحت اسم : كتاب الكلام).

٤ ـ نهج البلاغة.

وهو ما جمعه : الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

باعتناء : محمد عبده.

بيروت : ١٨٨٥ م ، ٢ ج.

٥ ـ كليلة ودمنة.

باعتناء : خليل بن ناصيف اليازجي.

__________________

(٦٦) الرفاعي ، عبد الجبار ، (موجز تاريخ الطباعة). تراثنا ع ٣٢ و ٣٣ (١٤١٣) : ١٥٢ ـ ١٥٨.

(٦٧) لغة العرب مج ٢ : ص ٤٦٢.


بيروت : ١٨٨٨ م.

٦ ـ ديوان الخنساء.

باعتناء : لويس شيخو.

بيروت : ١٨٨٨ م.

٧ ـ كتاب النوادر في اللغة.

لأبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري.

باعتناء : سعيد الشرتوني.

بيروت : ١٨٩٤ م.

٨ ـ تهذيب الألفاظ.

تهذيب لكتاب (الألفاظ) لابن السكيت.

هذبه : أبو زكريا يحيى بن علي ، الخطيب التبريزي.

باعتناء : لويس شيخو.

بيروت : ١٨٩٦ ـ ١٨٩٨ م ، ٣ ج (سماه شيخو : كنز الحفاظ في كتاب

تهذيب الألفاظ).

٩ ـ القلب والإبدال.

لابن السكيت.

باعتناء : أوغست هفنر.

بيروت : ١٩٠٣ م.

١٠ ـ الأضداد.

للأصمعي ، ولأبي حاتم السجستاني ، ولابن السكيت ، وللصغاني.

باعتناء : أوغست هفنر.

بيروت : ١٩١٢ م.

١١ ـ نخب الذخائر في أحوال الجواهر.

لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني.

باعتناء : لويس شيخو.

مجلة المشرق (بيروت) س ١١ : ص ٧٥١.


تحقيق التراث في العراق

أقيمت أول مطبعة حجرية في العراق سنة ١٨٦١ م ، وباشرت عملها بطبع كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) لأبي الفوز محمد أمين البغدادي ، الشهير بالسويدي ، سنة ١٨٦٣ م. (٦٨).

ولكن حركة إحياء وتحقيق التراث لم تبدأ في العراق إلا في مطلع القرن العشرين بنحو محدود ، وظل العراق مدة طويلة يعتمد في الكتاب التراثي. المحقق ، على ما تقدمه مطابع مصر.

ولكن يمكن أن نعثر على عناوين كتب أسهم الباحثون العراقيون في تصحيحها ونشرها منذ العقد الأول للقرن العشرين ، ومن أبرزها :

١ ـ تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون.

لصلاح الدين الصفدي.

باعتناء : محمد رشيد الصفار.

بغداد : مطبعة الولاية ، ١٣٢٧ ه / ١٩٠٩ م.

٢ ـ الشهاب في الحكم والآداب.

لابن حكمون القضاعي.

نشره : محمود الشابندر.

بغداد : مطبعة الشابندر ، ١٣٢٧ ه / ١٩٠٩ م.

٣ ـ عنوان المجد في تاريخ نجد.

لعثمان بن بشر الحنبلي.

تصحيح : محمد بن عبد العزيز بن نافع النجدي ، وسليمان الدخيل.

بغداد : مطبعة الشابندر ، ١٣٢٨ ه / ١٩١٠ م.

٤ ـ الرحلة الحسينية.

للشيخ محمد حسين الحلي.

نشرها : كاتب الطريحي.

النجف : مطبعة حبل المتين ، ١٣٢٩ ه / ١٩١١ م.

__________________

(٦٨) الرفاعي ، عبد الجبار. مصدر سابق : ١٤٤.


٥ ـ تصريف الزنجاني.

شرح : بير خضر ، المعروف بالشاهوي.

نشره : عبد الله فوزي أحمد نامي.

كركوك : مطبعة الولاية ، ١٣٣٠ / ١٩١٢ م.

٦ ـ نهاية الأرب في أنساب العرب.

للقلقشندي.

تحقيق : سليمان الدخيل.

بغداد : مطبعة الرياض ، ١٣٣٢ ه / ١٩١٣ م.

٧ ـ كتاب العين.

للفراهيدي.

تحقيق : الأب أنستاس الكرملي.

بغداد : مطبعة دار الأيتام ، ١٩١٤ م. (طبعت قطعة منه في ١٤٤ صفحة).

٨ ـ مناقب بغداد.

لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

نشره : محمد بهجت الأثري.

بغداد : مطبعة دار السلام ، ١٣٤٢ ه / ١٩٢٣ م.

لقد ظهر بعد هذه الفترة جيل من المحققين العراقيين ، أنجزوا أعمالا كبيرة في تحقيق ونشر التراث ، وتلمذ على أيديهم عدد غير قليل من الباحثين ، الذين واصلوا مهمة شيوخهم في تحقيق التراث.

ومن أبرز أولئك المحققين :

الدكتور مصطفى جواد ، والسيد محمد صادق بحر العلوم ، والدكتور حسين علي محفوظ ، ومحمد بهجة الأثري ، والشيخ محمد حسن آل ياسين ، والسيد حسن الموسوي الخرسان ، وكوركيس عواد ، وميخائيل عواد .... وغيرهم.


تحقيق التراث في تركيا

كانت تركيا ـ كما أشرنا سابقا ـ أقدم البلدان التي عرفت الطباعة ، وبدأ نشر التراث العربي الإسلامي فيها منذ سنة ١٧٢٨ م ، وصدرت عن مطابعها بعض الكتب المعروفة ، مثل كتاب (الكافية) لابن الحاجب ، الذي طبع سنة ١٨١٩ ، وأسس فيها أحمد فارس الشدياق (مطبعة الجوائب) ، في منتصف القرن التاسع عشر ، وكان يطبع فيها جريدته (الجوائب) ، وطبع فيها كتبا مهمة ، منها :

(كتاب الموازنة بين الطائيين) للآمدي ، سنة ١٢٨٧ ه / ١٨٧٠ م.

و (كتاب نثار الأزهار) لابن منظور ، سنة ١٢٩٨ ه.

و (أدب الدنيا والدين) للماوردي ، سنة ١٢٩٩ ه.

و (ديوان البحتري) ، سنة ١٣٠٠ ه.

وأربع رسائل منتخبة من مؤلفات أبي منصور الثعالبي ، وهي : (منتخبات من كتاب التمثيل والمحاضرة) ، و (منتخبات من كتاب المبهج) ، و (منتخبات من كتاب سحر البلاغة) ، و (منتخبات من كتاب النهاية في الكناية) ، سنة ١٣٠١ ه.

ويبدو أن الحركة المنتظمة لتحقيق ونشر التراث بالأسلوب الحديث لم تشهدها تركيا آنذاك ، كما حصل في الهند ومصر.

وفي فترة لاحقة أصدرت (الجمعية الشرقية الألمانية) بإشراف هلموت ريتر سلسة (النشرات الإسلامية) ، في إستانبول ، وهي فيما يظهر أولى المطبوعات العربية التي تصدر في تركيا محققة على النهج الحديث.

ومن هذه النشرات :


١ ـ مقالات الإسلاميين.

لأبي الحسن الأشعري.

تحقيق : هلموت ريتر.

إستانبول : ١٩٢٩ ـ ١٩٣٣ م ، ٢ ج (النشرات الإسلامية ، ١).

٢ ـ كتاب التيسير في القراءات السبع.

لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني.

تحقيق : أوتو برتسل.

إستانبول : ١٩٣٠ م (النشرات الإسلامية ، ٢).

٣ ـ كتاب المقنع في رسم المصاحف.

للداني أيضا.

تحقيق : أوتو برتسل.

إستانبول : ١٩٣٠ م (النشرات الإسلامية ، ٣).

٤ ـ فرق الشيعة.

للحسن بن موسى النوبختي.

تحقيق : هلموت ريتر.

إستانبول : ١٩٣١ م (النشرات الإسلامية ، ٤).

٥ ـ الوافي بالوفيات.

للصفدي.

تحقيق : هلموت ريتر.

إستانبول : ١٩٣١ م ، ج ١ (النشرات الإسلامية ، ٦).

ثم تواصل تحقيق كتب تراثية أخرى ، وإصدارها في سلسلة (النشرات الإسلامية).

كما عنيت جامعة إستانبول ، وجامعة أنقرة بتحقيق ونشر التراث العربي بعد ذلك ، فصدر عن المعهد الشرقي في جامعة إستانبول مثلا ، كتاب (المكاثرة عند المذاكرة) للطيالسي ، وكتاب (شفاء السائل لتهذيب المسائل) ، عن كلية الإلهيات بجامعة أنقرة ، .... وغيرها من كتب التراث ، حين قام بتحقيقها مجموعة من العلماء المسلمين ، من أبرزهم : محمد بن تاويت الطنجي ، وإبراهيم آكاه جوبوفجي ، وحسين آتاي.


تحقيق التراث في إيران

باشرت المطابع الإيرانية طبع الكتب العربية منذ بداية القرن التاسع عشر ، وأصدرت آنئذ العديد من المصنفات ، شملت جوانب متنوعة من التراث ، واستمر عطاء هذه المطابع ، وتطورت الأساليب الفنية لعملها تدريجيا مع تنامي تجربتها وتراكم خبرتها ، فأضحت مطبوعاتها هذا اليوم تضاهي في جودتها أفضل المطبوعات العربية في بيروت.

وأسهمت مطابع إيران مساهمة كبيرة في خدمة القارئ العربي في القرن العشرين ، عندما كان قاسم محمد الرجب صاحب مكتبة المثنى في بغداد ، يعيد طباعة الكتب العربية ـ المطبوعة في أوروبا ـ في طهران لحساب مكتبة المثنى بالتصوير (أوفسيت) بالتعاون مع ناشرين في طهران ، كان أشهرهم (جعفري تبريزي) ، ثم يقوم الرجب بتسويق هذه الكتب في مختلف أنحاء البلاد العربية والعالم.

وقد تجاوز عدد عناوين الكتب العربية المطبوعة في إيران منذ ظهور الطباعة فيها إلى اليوم خمسة آلاف كتاب ورسالة ، مع العلم أن الكثير من هذه الكتب أعيد نشرها غير مرة ، وربما انفردت مطابع إيران بالنسبة إلى معظم البلدان العربية ، في إصدارها لموسوعات ضخمة ، في فترة مبكرة ، مثل (بحار الأنوار) ، الذي وقع في مائة وعشر مجلدات في طبعته المصححة الحديثة.

بيد أن من المؤسف أن يهمل غير واحد ممن أرخوا للطباعة العربية وإحياء التراث العربي ، الدور العظيم الذي اضطلعت به إيران في إحياء هذا التراث ، بينما يبالغ بعضهم في دور أوروبا ومطابعها في تحقيق ونشر التراث العربي الإسلامي.

ومن أجل تجلية هذه الحقيقة ، عملنا على إعداد (معجم المطبوعات


العربية في إيران) ودفعناه للطبع منذ فترة ، كما تتبعنا في هذا البحث دور إيران في تحقيق ونشر التراث العربي الإسلامي ، في طول الفترة التي انتشر فيها الأسلوب الحديث في تحقيق التراث في إيران حتى سنة ١٤١٣ ه / ١٩٩٣ م ، وهي فترة محدودة قد لا تتجاوز الخمسين عاما ، ولكن إنتاج المحققين فيها كان وفيرا ، بنحو ملفت للنظر ، لا سيما في السنوات الأخيرة ، بعد انتصار الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية الإسلامية ، إذ نجد في مدينة واحدة من إيران مثلا ، وهي قم ، أكثر من سبعين مؤسسة تعنى بالتحقيق والنشر ، فيما تزدحم هذه المدينة بمئات المحققين.

لكن الحصار الثقافي المفروض على إيران ، حجب الباحثين والقراء في البلاد العربية عن مواكبة الخطوات الرائدة ، والقفزات السريعة التي أنجزتها إيران في تحقيق ونشر التراث العربي.

وهذه القائمة تشتمل على نحو (١٠٠٠) ألف عنوان كتاب ورسالة عربية حققت ونشرت في إيران لأول مرة ، من قبل باحثين إيرانيين ، أو غير إيرانيين مقيمين في إيران ، كما حاولت هذه القائمة أن ترصد ما حققه ونشره الباحثون الإيرانيون ، أو ساهموا بشكل ما بتحقيقه ونشره خارج إيران ، ولم ترصد القائمة ما طرحته المطابع الإيرانية ونشرته تصويرا (أوفسيت) ، على طبعات محققة من قبل غير الإيرانيين خارج إيران.

وتهدف هذه القائمة إلى بيان دور إيران المتميز ، والكشف عن الخدمات الواسعة التي قدمها الباحثون الإيرانيون في خدمة التراث العربي الإسلامي ، وتعريف الباحثين والقراء في البلاد العربية ، خصوصا العاملين منهم في حقل تحقيق التراث ونشره ، بهذا المنجز الكبير ، الذي أخفي عنهم على عمد ، في عصر تزداد فيه أهمية التواصل الثقافي ، والتضامن بين الشعوب الإسلامية ، والسعي لاستلهام ووعي الركائز العقائدية والفكرية المشتركة ، مما يكنزه التراث المشترك ، والوقوف صفا واحد في الصبر على ضراوة المواجهة بين


الإسلام والكفر.

إن التراث يوحد ولا يفرق ، وهو الإطار الأمثل الذي يمكن أن تنتظم من خلاله الوحدة ، وتتكتل الصفوف ، حيث يقف المسلمون جميعا فيه على أرض واحدة ، وينهلون من منهل واحد ، ويرتبطون بواسطته في تاريخ واحد ، وإذا اتحد تاريخهم ، وكانت جذورهم واحدة ، فسيتوحد حتما حاضرهم ، فلماذا إذن يسعى البعض لنفي جزء واسع من تراثنا المشترك ، على أساس طائفي أو غيره؟! ويتجاهل حضور هذا التراث ، فيضحي حينئذ بدعامة أساسية تتقوم بها هويتها ، ويعتمد على الوعي بها حاضرنا ومستقبلنا.

لقد حاولنا أن نتوسع في استقراء المؤلفات المحققة ، الصادرة في إيران وعن الإيرانيين ، خلافا لما عملناه فيما سبق ، بالنسبة إلى البلدان العربية ، وتركيا ، والهند حين اكتفيا بذكر أهم المطبوعات المحققة الصادرة هناك حتى سنة ١٩٣٠ م تقريبا ، وذلك لأننا لاحظنا تغافلا مؤلما لدور إيران الكبير في نفض الغبار عن جزء مهم وكبير من التراث العربي ، فأردنا لهذه المحاولة أن تكون محاولة شاملة تخدم الباحثين في التراث العربي الإسلامي.

مع العلم أن البلدان العربية كانت قد سعت لتوثيق وتسجيل مطبوعاتها في حوليات ، ودوريات فصلية ، ونشرات ببليوغرافية خاصة برصد الانتاج الفكري ، تتيح للباحث معلومات أساسية حول المطبوعات في أي وقت شاء مراجعتها ، بينما يفتقد الباحث العربي مثل هذه الأدلة بالنسبة إلى التراث العربي الإسلامي المحقق في إيران ، ولذا نأمل أن نؤمن هذه القائمة مثل هذه الحاجة للباحثين.

ومما ينبغي التنويه به أننا لا ندعي استيفاء هذه القائمة لتمام البيانات حول كل كتاب أو رسالة ، فضلا عن أننا لا نزعم استيعابها وشمولها لكل ما صدر في هذه الفترة من تراث عربي إسلامي محقق عن إيران ، لأن بعض الكتب الصادرة في إيران فيما سبق ، طبعت بكميات محدودة فنفدت منذ حين ،


وليس بالسهل أن نظفر بها جميعا ، كما أنه لم يتوفر ضبط ببليوغرافي للإنتاج الفكري الصادر باللغة العربية في إيران ، كي يمكن الاعتماد عليه في مثل هذا العمل ، ولذا نؤكد أن هذه خطوة على الطريق نرجو أن تتممها خطوات أخرى ، وقديما قيل : مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.

رتبت القائمة ألفبائيا ، تبعا لعنوان الكتاب أو الرسالة المحققة ، ثم ذكرت البيانات الأخرى بعد ذلك ، من المؤلف ، والمحقق ، والمراجع ، والمشرف ، وبيانات الناشر ، وفي حالة تعدد مرات تحقيق الكتاب من أكثر من محقق ، ذكرنا اسم كل محقق بين هلالين ، بعد الناشر وبيانات الطبعة.

واستوعبت عملية الاستقراء ما نشر من رسائل تراثية محققة في بعض الدوريات التي دأبت على نشرها مثل : (تراثنا) التي تصدرها مؤسسة آل البيت في قم ، و (تحقيقات إسلامي) التي تصدرها دائرة المعارف إسلامي ، و (نور علم) التي تصدرها جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ... وغيرها.

وألحقنا القائمة بكشاف للمحققين ، يشير إلى ما أنجزه كل محقق من أعمال ، حتى يتم التعرف على إسهام كل محقق في حركة إحياء التراث في إيران ، وإن كان هذا المقياس العددي ، لا يمكن أن يكون معبرا بوضوح عن دقة وكفاءة المحقق ، لأنه ربما كان أدق المحققين مقلا في إنتاجه ، وبالعكس ، فقد يستهين البعض بهذا العمل العلمي الدقيق ، فيصدر عشرات المجلدات في سنوات معدودة ، وهذه من مشكلات إحياء التراث في العصر الحديث في كل مكان.

وعلى أية حال ، فإنه يظل لبعض المحققين في إيران دورا متميزا ، يتمثل في ريادتهم ومشاركتهم في وضع اللبنات الأولى لمشروح إحياء التراث ، مع ما كابدوه من ظروف ومتاعب جسيمة في القيام بعملهم كرواد ، ومن أبرز هؤلاء : محمد القزويني ، وعباس إقبال ، والسيد جلال الدين المحدث الأرموي ،


والسيد محمد المشكاة ، ومحمد تقي دانش بژوه ، والدكتور السيد حسين نصر ، والسيد جلال الدين الآشتياني ، والسيد عبد العزيز الطباطبائي ، والدكتور مهدي محقق ، والدكتور محمد غفراني ، وعلي أكبر الغفاري ، والدكتور أبو القاسم كرجي ، والدكتور محمد جواد مشكور ... وغيرهم.

لقد مهد هؤلاء الدرب للجيل الثاني من المحققين في إيران ، الذين برزت فيهم كفاءات علمية متميزة ، توفرت على وعي وفهم عميق للتراث ، وقدرة عالية على ضبطه وتصحيحه وتحليله.

وما توفيقي إلا بالله ، عليه توكلت وإليه أنيب.

للبحث صلة ...


مصطلحات نحوية

(١)

السيد علي حسن مطر

أولا : مصطلح اللفظ

١ ـ اللفظ لغة :

اللفظ في اللغة يعني الطرح والرمي والنبذ مطلقا ، أي سواء أكان الطرح من الفم أم غيره ، وسواء أكان المطروح من الفم صوتا أم غيره.

قال ابن فارس : (اللام والفاء والظاء كلمة صحيحة تدل على طرح الشئ ، وغالب ذلك أن يكون من الفم ، تقول : لفظ بالكلام يلفظ لفظا ، ولفظت الشئ من فمي) (١).

وقال ابن منظور : (اللفظ أن ترمي بشئ كان في فيك ... والبحر يلفظ الشئ : يرمي به إلى الساحل ... ولفظت بالكلام وتلفظت به ، أي : تكلمت به ... وهو في الأصل مصدر) (٢) ، استعمل بعد ذلك (بمعنى الملفوظ به ... كما استعمل القول بمعنى المقول ، وهذا كما يقال : الدينار ضرب الأمير ، أي : مضروبه) (٣) ، ولا بد من ملاحظة أن استعماله بهذا المعنى خاص بما

__________________

(١) معجم مقاييس اللغة ، أحمد بن فارس ، تحقيق عبدالسلام هارون ، مادّة (لفظ).

(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، مادّة (لفظ).

(٣) شرح الرضي على الكافية ، الرضي الاسترابادي ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٢٠.




يطرحه الفم من الأصوات ، (وسمي ذلك لفظا ، لأنه هواء مرمي من داخل الرئة إلى خارجها ، فهو مصدر أريد به المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق) (٤).

فاللفظ بهذا المعنى (يطلق على كل حرف ، من حروف المعجم كان أو من حروف المعاني ، وعلى أكثر منه ، مفيدا كان أو لا) (٥).

٢ ـ اللفظ اصطلاحا :

استعمل النحاة (اللفظ) اصطلاحا ، بمعناه اللغوي الأخير ، أي بمعنى اسم المفعول ، وأرادوا به خصوص ما كان أصواتا بلفظها الفم (٦).

وأول ما وجدته من تعاريف اللفظ ـ في حدود ما توفر لدي من المصادر ـ ما نسبه ابن يعيش (ت ٦٤٣ ه) إلى سيبويه من أن اللفظ (جماعة حروف ملفوظ بها) (٧).

ويؤخذ عليه أن اللفظ قد يكون حرفا واحدا كفاء العطف ولام التملك.

ويلي تعريف الرماني (ت ٣٨٤ ه) : (اللفظ كلام يخرج من الفم) (٨) ، ويريد بذلك الكلام بمعناه اللغوي لا الاصطلاحي ، وإلا ورد عليه أن اللفظ في الاصطلاح أعم من الكلام ، إذ يشمله ويشمل الكلمة والكلم والقول.

وعرفه ابن هشام (ت ٧٦١ ه) بتعريفين :

أولهما : (الصوت المشتمل على بعض الحروف ، سواء دل على معنى

__________________

(٤) أ ـ حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٤.

ب ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٢١.

(٥) شرح الرضي على الكافية ١ / ٢٠.

(٦) شرح الأزهرية في علم العربية ، خالد الأزهري ، ص ١١.

(٧) شرح المفصل ، ابن يعيش ١ / ١٩.

(٨) الحدود في النحو ، الرماني ، ضمن كتاب (رسائل في النحو واللغة) تحقيق مصطفى جواد ويوسف مسكوني ، ص ٤٢.


كزيد ، أم لم يدل كديز مقلوب زيد) (٩).

وثانيهما : (الصوت المشتمل على بعض الحروف تحقيقا أو تقديرا) (١٠) ولم يذكرها هنا دلالة الصوت على معنى وعدم دلالته ، ولعله استغنى عن ذلك بإطلاق عبارته الشامل لكل منهما.

والأقرب أنه يريد أن قولنا (قم) مثلا ، يشتمل تحقيقا على حرفين ، وتقديرا على حروف (أنت) ، وليس مراده أن الضمير المستتر هو صوت مشتمل على بعض الحروف تقديرا.

وعرفه السيوطي (ت ٩١١ ه) بأنه : (الصوت المعتمد على مقطع) (١١) أي : على مخرج في الفم ، واكتفى أيضا بإطلاق العبارة في الدلالة على الشمول لما كان مستعملا أو مهملا من الألفاظ ، ولما كان مكونا من حرف واحد أو أكثر.

وعرفه الخضري بأنه (صوت معتمد على مخرج من مخارج الفم ، محقق كاللسان أو مقدر كالجوف) وفضله على تعريف ابن هشام والأشموني ، إذ قال : (وهذا التعريف للفظ أولى من قولهم : صوت مشتمل على بعض الحروف ، لأنه يرد على ما هو حرف واحد كواو العطف ، إذ الشئ لا يشتمل على نفسه) (١٢).

ويبدو أن هذه الإشكال غير وارد ، إذ ليس هناك اثنينية بين الصوت وبين الحرف أو الحروف ، لكي يكون الصوت وعاء للحرف ، بل هما في الواقع شئ

__________________

(٩) شرح قطر الندى ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ، ص ١١.

(١٠) أوضح المسالك في شرح ألفية ابن مالك ، ابن هشام ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١١.

(١١) أ ـ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع ، السيوطي ، تحقيق عبد السلام هارون وعبد العال سالم مكرم ١ / ٣٩.

ب ـ البهجة المرضية ، السيوطي ، تحقيق مصطفى الحسيني ، ص ٧.

(١٢) حاشية الخضري على شرح ابن عقيل ١ / ١٤.


واحد ، ومعنى اشتمال الصوت على بعض الحروف هو تكونه منها ، ولا شك في أن (بعض الحروف) يصدق على الحرف الواحد ، كصدقه على ما زاد عليه.


ثانيا : مصطلح القول

١ ـ القول لغة :

المستفاد من كلمات اللغويين والنحاة أن القول يستعمل لغة في المعاني التالية :

أولا : كل لفظ نطق به اللسان تاما كان أو ناقصا (١٣) ، أي ما كان مستعملا من الألفاظ المفردة والمركبة سواء حسن السكوت عليه أم لا ، (فالتام هو المفيد ، أعني الجملة وما كان في معناها من نحو صه وأيه ، والنقص ما كان بضد ذلك نحو زيد ... وكان أخوك) (١٤) إذا أريد بها كان الناقصة.

ثانيا : إحداث اللفظ المستعمل وإيجاده ، قال ابن هشام : (فأما القول فهو في الأصل مصدر (قال) إذا نطق بلفظ مستعمل ، فمسماه الحقيقي نفس إيجاد اللفظ المستعمل) (١٥).

ثالثا : (كل حرف ، من حروف المعجم كان ، أو من حروف المعاني ، وعلى أكثر منه ، مفيدا كان أو لا) (١٦).

رابعا : الرأي والاعتقاد ، وإطلاق القول عليه مجاز ، (لأن الاعتقاد يخفى فلا يعرف إلا بالقول ... كما يسمى الشئ باسم غيره إذا كان ملابسا له (١٧).

__________________

(١٣) أ ـ لسان العرب ، ابن منظور ، مادة (قول).

ب ـ الخصائص ، ابن جني ، تحقيق محمد علي النجار ١ / ١٧.

(١٤) الخصائص ، ابن جني ١ / ١٧.

(١٥) شرح اللمحة البدرية في علم اللغة العربية ، ابن هشام ، تحقيق هادي نهر ١ / ٢٠٣.

(١٦) شرح الرضي على الكافية ، تحقيق يوسف حسن عمر ١ / ٢٠.

(١٧) أ ـ الخصائص ، ابن جني ١ / ١٩.

ب ـ لسان العرب ، مادة (قول).


٢ ـ القول اصطلاحا :

وأما النحاة فقد استعملوا (القول) في خصوص معناه الأول ، وأقدم من وجدته يستعمله بمعناه الاصطلاحي ـ في حدود ما لدي من المصادر ـ هو ابن معطي (ت ٦٢٨ ه) (١٨).

وقد عرفوا (القول) بما ينطبق على المعنى المذكور ، فقال ابن هشام (ت ٧٦١ ه) : هو (اللفظ المستعمل) (١٩) أو (اللفظ الدال على معنى) (٢٠).

وتابعه عليه من جاء بعده وقالوا في شرحه : إن المراد من (اللفظ) هو الأعم من المفرد والمركب ، والمراد من (الدال على معنى) هو ما يصح السكوت عليه وما لا يصح (٢١).

ثم عمدوا إلى بيان النسبة بين القول ، وبين كل من الكلمة والكلام والكلم بمعانيها الاصطلاحية ، وأنها نسبة العموم ، قال ابن معطي : (والقول يعم الجميع) (٢٢) ، وقال ابن مالك (ت ٦٧٢ ه) في أرجوزته الألفية : (والقول عم).

وقال بعض شراحها : أي أن (القول) يطلق على كل من الكلمة والكلام والكلم (٢٣).

__________________

(١٨) الفصول الخمسون ، ابن معطي ، تحقيق محمود الطناحي ، ص ١٤٩.

(١٩) شرح اللمحة البدرية ، ابن هشام ١ / ٢٠٣.

(٢٠) أ ـ أوضح المسالك إلى ألفيه ابن مالك ١ / ١٢.

ب ـ شرح شذور الذهب ، ص ١١.

ج ـ شرح قطر الندى ، ص ١١ ، وكلها لابن هشام ، وتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.

(٢١) شرح التصريح على التوضيح ، خالد الأزهري ١ / ٢٧.

(٢٢) الفصول الخمسون ، ص ١٤٩.

(٢٣) شرح ابن عقيل على الألفية ، تحقيق محيي الدين عبد الحميد ١ / ١٦.


وقام آخرون ببيان نوع هذا العموم ، وأنه عموم مطلق وليس عموما من وجه ، أي أنه يصدق على هذه الثلاثة ، ويصدق على غيرها أيضا ، (فهو أعم من الكلام ، لانطلاقه على المفيد وغيره ، وأعم من الكلم ، لانطلاقه على المركب من كلمتين فأكثر ، ومن الكلمة ، لانطلاقه على المفرد والمركب ، عموما مطلقا ، لصدقه على الكلام والكلم والكلمة ، وانفراده في مثل : غلام زيد ، فإنه ليس كلاما ، لعدم الفائدة ، ولا كلما ، لعدم الثلاثة ، ولا كلمة ، لأنه ثنتان ، لا عموما من وجه دون وجه ، إذ لا يوجد شئ من الكلام والكلم والكلمة بدون القول) (٢٤).

للبحث صلة ...

__________________

(٢٤) أ ـ شرح التصريح على التوضيح ، خالد الأزهري ١ / ٢٨.

ب ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني ١ / ٢٦ ـ ٢٧.


ديوان

الإجازات المنظومة

صنعة :

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، محمد الأمين ، والأئمة الأطهار المعصومين ، من آله الأكرمين.

وبعد :

فإن الحديث الشريف هو ثاني مصادر المعرفة الإسلامية ، بعد القرآن الكريم في الحجية والاعتبار وأوسعها في كثرة الموارد ، ووفرة الآثار.

وقد أكد الله جل وعلا في كتابه الكريم على طاعة الرسول وقرنها بطاعته حيث قال : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) النساء / ٥٩ ، وقال : (ما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا) الحشر / ٧.

كما إن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ نفسه ـ أكد على الاهتمام بالحديث الشريف ، بالعلم والعمل ، والحفظ والحمل ، والفهم والتفهيم ، والأداء والتبليغ.

وكذلك أكد الأئمة الأطهار عليهم‌السلام على أهمية الحديث ووجوب اتباعه.


فمن الأحاديث الشريفة :

(نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ...).

(من أدى حديثا يعلم به سنة ، أو يثلم به بدعة ، فله الجنة).

(ليبلغ الشاهد الغائب ...).

والحديث المشهور : (من حفظ على أمتي أربعين حديثا ... بعثه الله فقهيا ...).

(اكتب وبث علمك في إخوانك ...).

اهتمام العلماء بالحديث الشريف :

ولذا اهتم علماء المسلمين بالحديث الشريف أيما اهتمام ، وأحاطوه بكل وسائل الحيطة والحذر ، للحفاظ عليه ورعايته ، متبعين أساليب علمية رصينة ، فحددوا لمصطلحاته وأصوله مرسومة ، وخططوا لمناهجه خططا مدروسة ، وأسسوا علوما عديدة لتجميع قواعده ، وضبط نصوصه ، واستيعاب معناه وتفسيره ، وهي :

١ ـ علم الحديث ، المتكفل بتدوينه ، وضبط نصوصه وروايته ، وتفسيره وشرحه.

٢ ـ علم المصطلح والدراية ، المتكفل بتاريخه ، ومناهج تأليفه ، وشؤون أدائه وروايته وآداب حمله ونقله ، وما يرتبط بحامليه من آداب وأوصاف ، وما له من أقسام وأحكام من حيث المتن والسند ، وما يدور في فلكه من تراث.

٣ ـ علم الرجال ، المتكفل بأحوال رواته ، ورجال أسانيده من حيث الاعتماد والوثاقة ، والسداد والضبط ، أو ما يخالف ذلك ، وكذلك تراجم حياتهم وشؤون نشاطهم العلمي.

وتعد الثروة العلمية ، والجهد المبذول في سبيل الحديث الشريف من خلال هذه العلوم ، ثروة هائلة كما وكيفا ، بل تشكل القسم الأكبر من تراث


الإسلام العلمي ، ومن أهم مصادر الفكر والمعرفة الإسلامية الخالدة.

الطرق العلمية لتحمل الحديث وأدائه وصيانته :

ومما قرره علماء الحديث في باب (دراية الحديث ومصطلحه) هو : تحديد (الطرق) التي يتم عبرها نقل الحديث وتداوله ، والتي بها يتحمله الشيوخ ، وبها يؤدونه إلى الرواة.

وقد حصروها ـ بالاستقراء والحصر العقلي الدقيق ـ في (ثمان طرق) اتفق على بعضها ، واختلف في البعض الآخر.

كما وقع بينهم بحث في ترتيبها ، وتقديم بعضها على الآخر ، وفي شروط كل منها ، وما يرتبط بكل واحد من شؤون وخصوصيات إلا أن الأكثرين جروا على أنها (ثمان) وبالترتيب الآتي :

١ ـ السماع ، ومنه الاملاء.

٢ ـ القراءة ، وهي العرض.

٣ ـ الإجازة ـ وسنبحث عنها

٤ ـ المناولة.

٥ ـ المكاتبة.

٦ ـ الإعلام.

٧ ـ الوصية بالحديث وكتبه.

٨ ـ الوجادة.

والمهمة الأساسية لهذه الطرق هي (البلوغ) بالحديث إلى الرواة ، ليكونوا متلقين له بوثوق واطمئنان ، وضبط ، وتأكد من صحته ، وعدم تحريف أو تصحيف في نصه (١).

__________________

(١) ولعلماء الحديث بحوث مفصلة حول هذه الطرق.

وقد وفقنا الله عز ذكره لجمع أهم ما يرتبط بها من بحوث في كتاب (الطرق الثمان لتحمل الحديث وأدائه) فصلنا في القول عن : حقيقتها ، ووجه الحاجة إليها ، وسبب حصرها في الثمان ، وبحثنا عن شروطها ، وأقسامها ، ورتبة كل طريق ، والدليل على اعتباره ، وما إلى ذلك من شؤون ، ونسأل الله جل اسمه أن يوفقنا لإتمامه وتقديمه إلى المجتمع العلمي.


وكذلك استفادوا من هذه الطرق ، للتأكد من نقل كل المعارف عبر الأجيال ، والمحافظة على النصوص وتوثيقها ، وحمايتها من التعرض لأشكال التحريف والتصحيف ، سواء المعتمدة كالوضع والتزوير ، أم العارضة لنسيان ، أو غفلة ، أو ذهول.

وتعد هذه المحاولة من أدق طرق التوثيق للنصوص ، وأكثر أساليب الحماية لها ، من بين طرقه المعروفة في الحضارات البشرية ، قديما وحديثا ، بل علماء الإسلام هم المثل في اختراع هذه المحاولة بين علماء سائر الأديان والمذاهب ، بل الحضارات كلها.

(الإجازة) وموقعها بين الطرق الثمان :

وقد كانت (الإجازة) في ترتيب الطرق ، ثالثتها عند الأكثرين ، كما سبق ، وهذا يدل على ما للإجازة من أهمية عندهم ، لأن كونها بعد (السماع) و (القراءة) مباشرة ، وهما أقوى الطرق ، حيث لم يقع اختلاف في حجيتهما واعتبارهما والأكثر تداولا في الرواية ، فلا بد أن تكون (الإجازة) تالية تلوهما وشريكة لهما في وجود عناصر القوة والحجية والتداول ، بما يمكن معه اعتماد هذا الترتيب وهذا الالتزام.

ولذلك ـ أيضا ـ نجد علماء الحديث قد أولوا (الإجازة) اهتماما بليغا ، فبذلوا حولها جهودا كبيرة ، سواء في مجال التطبيق والتداول ، أم في مجال البحث عنها والتأليف حولها (٢) أو في مجال جمع نصوصها ، وتنظيم كتب خاصة

__________________

(٢) لقد تعددت المؤلفات التي تحدثت عن (الإجازة) في التراث الإسلامي ، وقد أسهمنا في ذلك بتأليف كتاب حافل ، في فصول عديدة ، شملت : تاريخ الإجازة ، وحقيقتها ، وفائدتها ، ومشايخها ، وما إلى ذلك ، وقدمنا أمام البحث قائمة بالتراث الذي سبق تأليفه حولها.


لذكر مشايخها بعناوين ، مثل : (المشيخة) و (الفهرست) و (الثبت) و (المعجم) و (البرنامج) و (الإجازة) وهذا العنوان الأخير أكثرها تداولا في الحواضر العلمية للشيعة الإمامية ، وخاصة في الأعصر الأخيرة (٣).

دور الإجازة العلمي ، قديما وحديثا :

ولقد كانت (الإجازة) تؤدي ذلك الدور العلمي المهم ، بصورة دقيقة ، ومنتظمة ، وواسعة ، إلى جنب طرق التحمل الأخرى ، في أوج نضارة العلم ، عند ازدهار الحضارة الإسلامية المجيدة ، وحتى نهايات القرن السادس.

ولما آلت شمس تلك الحضارة إلى الغروب ، وضعفت الهمم عن اتباع الآثار الحميدة ، وخبت أنوار المعرفة وأضواؤها في المعاهد العلمية والمدارس الدينية ، وتهاوت أعمدة العلم والمكتبات ، كان نصيب تلك الطرق من تلك النكسة الحضارية : قلة الاهتمام ، وعدم التداول ، فلحق الإجازة مثل ما لحق أخواتها من الاهمال ، أو الانحراف عن الأهداف الصحيحة!

ومن الملاحظ ، أنه على الرغم من أن الطرق الأخرى آل أمر أكثرها إلى الهجران والتعطل النهائي ، وإلى الترك المطلق ـ في عصرنا الحاضر ـ فلا نجد لحلقات السماع أثرا ، ولا لمجالس الاملاء ذكرا ، ولا لقراءة الحديث دورا ، فضلا عن المناولة والكتابة وغيرهما من الطرق التي كان الاختلاف واقعا فيها

__________________

(٣) جمع المحدث المغربي محمد عبد الحي الكتاني ، أسماء ما يريد على ١٢٠٠ كتاب مما هو حول أحد هذه العناوين في كتابه (فهرس الفهارس والأثبات) المطبوع ، وبما أنه أغفل ذكر أي واحد من مؤلفات الشيعة الإمامية في هذا المضمار فقد استدركنا عليه بذكر ١١٠ منها ، في مقال بعنوان (فوات فهرس الفهارس والأثبات) نشرناه في هذه المجلة (تراثنا) العدد ٢٩.

وقد جمع شيخنا المحدث اليماني السيد محمد بن حسين الحلال الصنعاني ـ دام عمره ـ في إجازته لنا المسماة ب (الأنوار السنية) أسماء ١٧٧ منها ، وفيها عدد مما يستدرك على الكتاني ، ولا تزال محفوظة.


منذ البداية.

فعلى الرغم من ذلك ، فإنا نجد (الإجازة) لا تزال تذكر ، بل نجدها تتداول ، وتتعاطى ، ويستعملها ثلة من العلماء ، ويصدرها آخرون ، ويطلبها جماعة ، وتبحث عنها أخرى ، ويناقش فيها البعض.

بل ، لم ينقطع علماء الإسلام من استعمال الإجازة على طول التاريخ ، وإن ماتت الطرق الأخرى ، أو بارت!

وهذا مؤشر كبير إلى أن للإجازة شأنا آخر ، حيث بقيت مقاومة للاندثار والاضمحلال ، ولو بشكلها الحاضر ، البعيد عن واقعها العلمي ، مما يكشف عن وجود مكانة لها في أنظار العلماء!

فلا يزال العلماء حريصين على الاحتفاظ بعملية الإجازة والاستجارة ، ومهتمين بها غاية الاهتمام ، فهم ، بكل فرقهم وانتماءاتهم المذهبية ، ومع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم ، ملتزمون بما يسمى (إجازة الحديث).

ومع القطع بأن الإجازة فقدت أهدافها المنشودة من وضعها ، حيث كانت أداة ـ مقبولة ـ لتحمل الحديث وأدائه ، وضبطه والتوثق من نصه ، إلى جانب الطرق الأخرى المؤدية إلى صحة نسبة النص إلى قائله ومؤلفه ، وبلوغه إلى ناقله وراويه ، فإن بالإمكان تحديد أهداف العلماء ـ في العصور المتأخرة ـ من عملية الإجازة بما يلي :

أولا : إن الإجازة ـ بصورتها الحالية ـ تعبير رمزي عما سار عليه العلماء من أجل الحفاظ على العلم ونصوصه ، والتوثق منها ، في عملية التبادل والتعاطي ، بل هي كما عرفنا صورة وحيدة متبقية من الطرق المعتمدة لتحمل الحديث وأدائه.

فيمكن الاستناد إلى سيرتهم المستمرة على عد أصل عملية (الإجازة) أمرا مستحسنا ذا أثر واضح في دعم المعرفة الإسلامية بالتوثق من نصوصها ، والارتباط بمصادرها ، والاتصال بحملتها ، وكل ذلك كان حرصا على استمرار


الحضارة الإسلامية في الجانب الثقافي.

وثانيا : إن الإجازات المتأخرة ـ وإن فقدت بعض عناصرها الأصلية ـ إلا أنها اعتمدت على احتواء الطرق المؤثرة في معرفة طبقات العلماء ، ونسبة أسماء الكتب المؤثرة في الفهرسة ، والتحقق من الأقوال والآراء المؤثرة في تاريخ العلوم ، ومعرفة الاتفاق ، أو الاجماع ، أو الاختلاف أو الانفراد.

وأما أوضح آثار هذه الإجازات المتأخرة فهي الفوائد التاريخية التي تحتويها من تراجم العلماء ونشاطاتهم العلمية ، وتخصصاتهم وانتماءاتهم ، وأخبارهم ، وما إلى ذلك مما يدخل في فرع الترجمة والبيوغرافية.

ثالثا : إن الإجازة ـ ولو بشكلها الصوري المتداول ـ هي الأوفق بالاحتياط ، عندما يشترط في الفقيه أن تكون الرواية قد بلغته ، ليصح أن يكون (راويا لها) لأن صدق اسم الراوي لا يتم إلا بعد (البلوغ والتحمل).

وبما أن الطرق كلها مفقودة ، ولم يبق إلا (الوجادة) التي هي أضعف الطرق ، مع أن (الوجادة) الفعلية أيضا فاقدة للعناصر المهمة اللازمة فيها ، فيكون اللجوء إلى الإجازة ـ ولو الاسمية ـ أقرب إلى الاحتياط لتحقيق البلوغ ، وصدق الاسم.

وهذا معنى ما يقال : إن فائدة الإجازة ـ في عصرنا ـ هو : الانسلاك والاندراج في سلسلة رواة الحديث.

وبهذا يمكن القول بأن الإجازة ـ ولو بصورتها الفعلية ـ أهم مما قد يتراءى من بعضهم ، حيث عدوها عملية (تبرك وتيمن) فحسب! لأن الفوائد التي عرضناها ، هي التي جعلت العلماء الأعلام يهتمون بأمرها ، ويصرفون أوقاتهم الغالية في تأليفها وجمعها وتنظيمها وإدراجها في أعمالهم وتصانيفهم.

وإذا أعطى أولئك الذين يستهينون بأمر الإجازة ـ ولو بشكلها المتأخر ـ


النصف من أنفسهم ، لأمكنهم الاقتناع بأن الجهود المبذولة في الإجازة تعد من أغنى فروع المعرفة الإسلامية من حيث التراث والكتب : ثراءا وسعة واهتماما.

فهل يمكن القول ، أو التصور ، بأن كل ذلك الذي قاموا به ، وحصل ، كان لا لثمرة شرعية ، ولا علمية ، ولا من أجل عائدة عملية تعود على الإسلام والأمة ، إلا مجرد التبرك؟!

ولأن الإجازات المتأخرة ، لبعدها عن أهدافها العلمية الأصيلة أصبحت صورية وشكلية ، أدى ذلك بالمحققين من العلماء المتأخرين ، وخاصة المعتمدين للمناهج العقلية ، والمعتادين للتفكير بطريقتها ، إلى أن لا يجدوا ما يقنعهم بضرورتها أو حجيتها ، وقد يصل الأمر عند بعضهم إلى تزييفها ورفضها كليا.

وتعدوا ـ بالاستصحاب العكسي ـ إلى الإجازة في عصرها الأول ، وقد كانت ـ وبلا ريب ـ من الطرق المعتمدة المتسالم عليها ، بل ثالثة الطرق ، كما ذكرنا في بداية هذه الكلمة وقد أشرنا إلى سر الاعتماد عليها وكونها طريقا مقبولة للتحمل والأداء.

فخلط بعض العلماء والباحثين بين الإجازة في عصرها الأول ، وبين الإجازة في حالتها المعاصرة ، وأطلق الحكم عليهما بمعيار واحد ، من دون تمييز للأبعاد والفوائد المترتبة عليها في كلك حالة ، أو أدائها للمراد منها في كل من العصرين!

وهذا أمر يستبعده لزوم التثبت ، والتحقيق ، والدقة ، والنظر إلى الأمر من جوانب وأبعاد متعددة.

وللحديث عن كل هذه الأمور مجال أنسب ، لعلنا نوفق له مستقبلا بعون الله تعالى.


الإجازة في الأدب الإسلامي :

ولقد فرضت (الإجازة) نفسها على الأدب ، لكونها واحدا مما كثر تداوله وشاع القيام به بين العلماء والذين يمسك كثير منهم بأزمة الأدب (٤) فقد قام من أوتي موهبة الشعر وملك سليقته بنظم الإجازة ، في مقطوعة شعرية جميلة.

بل تكلف بعضهم بنظم ما أراد إسهاما منه في تخليد إجازة شعرية.

فتكون من ذلك نوع جديد من الأدب ، يجمع بين جمال الشعر وروعته ، وبين قيمة العلم وعظمته ، وبين مجد الحديث وقدسيته.

ولقد وجدت في جمع (الإجازات المنظومة) وعرضها إثارة لموضوع (الإجازة) بلغة جميلة ، يستذوقها المتأدبون ، يرتاح لها المحدثون.

كما أن العرض يحتوي على الدلالة الواضحة لتأثير الإجازة في نفوس العلماء ، بحيث كان لها من حبهم وعاطفتهم نصيب كبير هز قرائحهم ودعاهم إلى نظمها!

وقبل أن ننتهي من هذا التقديم ، نود أن نشير إلى أن هناك اصطلاحا يستعمل في باب الشعر من الأدب العربي ، بلفظ (الإجازة) ، وهي كما ذكره الأنصاري : أن تتم مصراع غيرك (٥) ويقال لها : (التمليط) أو (الإملاط) أيضا.

وقال الفيروزآبادي : الإجازة في الشعر ، مخالفة حركات الحرف الذي يلي حرف الروي (٦).

__________________

(٤) إن علماء الإسلام ، لا بد أن يتوفروا على علوم الأدب ، باعتبار أن النصوص الإسلامية المقدسة  ـ كلها ـ هي باللغة العربية ، وفي قمة الأعمال الأدبية ، فالقرآن المصدر الأساسي الأول للمعرفة الإسلامية ، وهو معجزة البلاغة العربية ، وكذلك السنة الشريفة ، وبعد ذلك فإن أكثر التراث الإسلامي مكتوب بهذه اللغة المجيدة ، بل تنافس المتنافسون في تميزها بأجمل محسنات الأدب.

(٥) لسان العرب ٧ / ١٩٥.

(٦) القاموس المحيط ٢ / ١٧٠.


وبعضهم خص الإجازة ، بأن تكون قافية طاءا ، والأخرى دالا ، وقيل : هذا هو (الاكتفاء) وسماه بعضهم (الإجازة) بالراء المهملة (٧).

ومهما كان أمر هذا المصطلح الشعري ، فإنا لا نبحث عن ذلك هنا ولا نقصده.

بل الذي نقصده هو (إجازة الحديث) ـ التي هي بمعنى الإذن في الرواية تحميلا لها من الشيخ للراوي ، وهي من الطرق الثمان للتحمل والأداء ـ إذا وردت مكتوبة في مقطوعة شعرية موزونة ، سواء في شكل قصيدة ، أو أرجوزة مزدوجة ، والحديث عنها في نظم.

ثم إن جمعنا لها لم يكن عن قصد إليها ، وإنما تم جمع ما وقع في طريق المطالعة أو الصدقة ، فلذلك لا ندعي الاستيعاب لكل ما قيل في ذلك ، ومن المتصور أن تكون مجموعة كبيرة منها قد فاتنا تسجيلها ونقلها هنا ، ولم نجد الفرصة للاستقراء التام لجمعها.

وأما ترتيب هذه المجموعة :

فقد كان من المناسب إيرادها على التسلسل الزمني ، حسب تواريخ صدورها ، أو وفيات المجيزين ، أو المجازين.

وأقدم ما وفقنا عليه هي اللامية التي نظمها محمد بن الجهم السمري ـ من أعلام القرن الثاني ـ ثم اللامية التي نظمها أحمد بن أبي المقدام العجلي (ت ٢٤١) ثم الدالية التي نظمها الرامهرمزي (ت ٣٦٠) ثم ما تلا ذلك.

إلا أن كثيرا منها لم نهتد إلى تاريخ محدد له ، فرأينا من الأفضل أن نرتبها على المتعارف في الدواوين الشعرية من وضعها وفق حروف المعجم في الروي من القافية ، وهو الأسهل تناولا ، والأكثر تداولا.

__________________

وقد فصلنا البحث عن حقيقة هذا المصطلح في كتابنا (إجازة الحديث).


وأما الأراجيز المزدوجة ، فقد جمعناها في آخر الديوان.

ثم إني ذيلت كل مقطوعة بالمصدر الذي اعتمدته في نقلها ، وفهرست للمصادر وكذلك للأعلام المجيزين ، والمجازين ، تسهيلا للمراجعين.

والحمد لله رب العالمين.

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


القصائد

وهي مرتبة على حروف المعجم في رويها

من روي الألف

(١)

طلب أبو بكر بن محمد الدلائي المغربي (ت ١٠٤٦) إجازة من محمد ابن قاسم بن محمد القصار القيسي الغرناطي ، فقال :

أجزتم لكم مروينا مطلقا وما

لنا ، سائلا أن تتحفوا بدعاء

وتاريخها سنة ١٠١٢.

المصدر :

فهرس الفهارس ـ للكتاني ـ : ٣٩٥.

(٢)

خاطب العارف الشيخ السنوسي جماعة فيهم الشيخ فالح الظاهري المدني ، مجيزا بقوله :

أجزتكم مروينا كله وما

سيؤثر عني راجيا لدعاء

وذلك في سنة ١٢٦٨.


المصدر :

فهرس الفهارس ـ للكتاني ـ : ٨٩٦.

(٣)

قال أبو العباس الدقون ، في إجازته لابن أبي جمعة محمد شقرون الوهراني الفاسي (ت ٩٢٩) :

أجاز لك الدقون يا نجل سيدي

أبي جمعة المغراوي كل الذي روى

فحدث بما استدعيت فيه إجازة

وسلم على من سالم النفس والهوى

المصدر :

فهرس الفهارس : ١٠٦٥.

(٤)

إجازة الشريف محمد بن ناصر الحازمي للسيد داود حجر الزبيدي :

سلام على داود من منح التقوى

سمي النبي الأواب أعطي ما يهوى

فأما رواياتي فخذ عن أئمة

هم القوم أهل الصدق عن مثلهم يروى

فأروي عن المولى الوجيه وشيخه

أبوه وعن جد وأشياخه تلوا

هم النخل والبصري عجيميهم معا

وكل له ثبت به الضمن والفحوى

وقاضي قضاة العصر إتحافه روت

رجال وإني فيه ذو السند الأقوى

وقطب بني الدنيا سنوسي شموسه

رويت وعنه كل علم له أهوى

نعم ، ثم أروي كل حصر لشارد

لشيخي وأستاذي لها الكل لا يغوى


كذا الكزبري ثم الأمير ابن هاشم

ثلاثتهم أثباتهم ما لها محوى

ثلاثة أثبات لقاطن كلها

عن العمراني وابنه غير ما دعوى

وكل الذي أروي أجزت لسيدي

بدرس وتدريس مع الكتب والفتوى

كذاك ابنه الحبر التقي فحبذا

أئمة بر جانبوا الكبر والأهوا

وكم منحوا فضلا وخيرا ونية

ولم يعلقوا الدنيا التي أصلها بلوى

فلم أر ذا فضل أحق إفادة

كمثلهما لم يسلكا مسلك الدعوى

أجزتهما ـ أيضا ـ المسلسل أولا

وعد ، وحب صادق السر والنجوى

وأوصيهما بالاستقامة والتقى

وبذل الدعا حتى نؤوب إلى المأوى

قال بفمه ، وأمر برقمه : الحقير خادم العلم وأهله ، محمد بن ناصر بن الحسين ، غفر الله لهم ورحمهم وتجاوز عنهم ، آمين ، حامدا مصليا ، محسبلا ، محوقلا (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

المصدر :

الدر الفريد ـ للواسعي ـ : ٤ ـ ٥٦.


ومن روي الباء

(٥)

مما كتبه الحسين بن جعفر بن عبد الصمد ابن المتوكل على الله العباسي ، المقري الحنبلي (ولد سنة ٤٧٧ ه) في بعض الإجازات :

أجزت للسادة الأخيار ما سألوا

فليرووا عني بلا بخس ولا كذب

مهما أحبوه من شعر ومن خبر

ومن جميع سماعاتي من الكتب

وليحذروا السهو التصحيف من غلط

ويسلكوا سنة الحفاظ في الأدب

المصدر :

الذيل على طبقات الحنابلة ـ لابن رجب ـ ١ / ٢٣٣ ـ ٢٤٣.


ومن روي التاء

(٦)

قال الكتاني :

أقول ـ متمثلا ـ :

بالله ، يا آخذا عني إجازة ما

أروي من الكتب في شتى الإجازات

سل لي خواتم أعمال تيسر لي

إجازة الحشر في يوم المجازات

المصدر :

فهرس الفهارس : ١١٦٩.


ومن روي الثاء

(٧)

قال السيد محمد بن محمد بن زيد ، أبو الحسن العلوي ، أبو المعالي الحسني البغدادي ، نزيل سمرقند :

أخلائي أجزت لكم سماعي

وما صنفت من كتب الحديث

إذا ما شئتم فارووه عني

كبيركم وذو السن الحديث

أجزت لكل ذي عقل ودين

يريد العلم بالطلب الحثيث

على شرط الإجازة : فاحفظوه

عن التصحيف والغلط الخبيث

فإني عن وقوع السهو فيه

برئ معلن كالمستغيث

عليكم بالأناة لكل خطب

فقل وقوع سهو من مريث

وأوصيكم بتقوى الله كيما

تنالوا الفوز من رب مغيث

المصدر :

المنتخب من كتاب السياق : ٨٤ ط.


ومن روي الحاء المهملة

(٨)

وللأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني قصيدة ، كتبها في آخر إجازة الفقيه أحمد بن يحيى الشامي :

فارو عني يا صفي الدين ما

أنا أرويه على الوجه الصحيح

من علوم المصطفى خير الورى

خاتم الرسل وذي القول الرجيح

من أتانا بالهدى من ربنا

وأرانا الحق بالنص الصريح

فالهدى فيما أتى عن أحمد

خلنا عن قول ذي قول جريح

فاتبع وجها صحيحا وجهه

واطرح ما جاء بالوجه القبيح

دع متونا وشروحا جلها

عند ذي التحقيق أمثال القروح

خل أقوال رجال أصبحت

عندنا بين قتيل وطريح

وتمسك يا ابن يحيى بالتقى

إن ترد تظفر بالأمر الربيح

واخلص النية فيما تبتغي

إنما النية للفعل كروح

واصطبر للحق فالأعدا له

أمم تدعو إلى غير الصحيح

واترك الدنيا ولا تحفل بها

إنما الراحة في زهد المسيح

واطلب الفتح من الله فما

غيره يأتي بأنواع الفتوح

سله من إفضاله ما رمته

كل حين في غبوق وصبوح

وأقر في (فاطر) : (ما يفتح من)

وتأمل قصتي هود ونوح

وادع يا أحمد لي في مدتي

وإذا صرت إلى بطن الضريح


قد نصحنا كل من نعرفه

قل : جزاه الله خيرا من نصيح

وأبذل العلم ولا تبخل به

ما الثنا والأجر إلا للسميح

يلجم الباخل بالعلم غدا

بلجام النار أقبح بالشحيح

وصلاة الله تغشى أحمدا

وذويه ما سرت ريح بروح

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ٩١ ـ ٩٢.


ومن روي الدال المهملة

(٩)

قال الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد القاضي أبو محمد الرامهرمزي (ت : ٣٦٠) : كتب إلي بعض وزراء الملوك يسألني إجازة كتاب ألفته لابن له ، فكتبت الكتاب له ، ووقعت عليه :

يا أبا القاسم الكريم المحيا

زانك الله بالتقى والرشاد

وتولاك بالكفاية والعز

وطول البقاء والإسعاد

إرو عني هذا الكتاب فقد هذبت

ما قد حواه من مستفاد

وشكلت الحروف منه فقامت

لك بالشكل في نظام السداد

جاء مستخلصا لسبك المعاني

كالدنانير عن يد النقاد

نظم شعر ونثر قول يروقان

كنور الرياض غب العهاد

لا يعنيك بالهجاء ولا يشكل

في الخط بين صاد وضاد

وكأن السطور منه سموط

بل عقود يلحن في أجياد

فتحفظ ما فيه من ملح الآداب

وأضبط طرائق الإسناد

وأحذر اللحن في الرواية والتحريف

فيها والكسر في الانشاد

والقياس الجلي يوجدك الأخبار

في نشره على الأفراد

المصدر :

المحدث الفاصل بن الراوي والواعي ، : ٤٥٨ الفقرة ٥٤٥ ، ورواه الخطيب عن الرامهرمزي في الكفاية في علوم الدراية : ٥٠٢ ـ ٥٠٣.


(١٠)

وقال عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس الحسني العلوي التريمي المصري (ت ١١٩٤) في إجازته لبني الأهدل ، بعد تسميته لبعض شيوخه :

وعن مشايخ لا تحصى لراقمها

بل لست أحصيهم من كثرة العدد

إلا إذا طال لي وقتي وطاوعني

أكاد أذكرهم في مجمل السند

المصدر :

فهرس الفهارس : ٧٤٠.

(١١)

إجازة جمال الدين ابن نباتة لأحد طلابه المستجيزين منه شعرا :

سألت إجازتنا لهم ولمثلهم

يروي الإجازة سيد عن سيد

ونعم ، أجزت لهم راوية ما اقتضوا

بالشرط من لفظ أجزت ومسند

ومصنفات لست عنها راضيا

فمسود منها وغير مسود

أهملت منها ما أردت وبعضها

ناديت : لا تهلك أسى وتجلد

خذها إجازة طائع لك منشد

للمدح فاعجب للمجيز المنشد

وأسبقه بالقدر البسيط فإن لي

هما مديدا إن أقل ، قال : اقصد

قلمي ولفظي معرضان كلاهما

لا من لساني إن نطقت ولا يدي

المصدر :

خزانة الأدب ـ للحموي ـ : ٣٥٣.


(١٢)

أجاز محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي (ت ٨٣٣) لابن حجر العسقلاني ولولده ، وكتب في ورقة الاستدعاء ما نصه :

إني أجزت لهم رواية كل ما

أرويه من متن الحديث المسند

وكذا الصحاح الخمس ثم معاجم

للمشيخات وكل جزء مفرد

وجميع نظم لي ونثر والذي

ألفت كالنشر الذكي ومنجد

المصدر :

فهرس الفهارس : ٣٠٥ ، وقال : ذكر ذلك ابن حجر في فهرسته.

(١٣)

إجازة الأمير الصنعاني لفخر الدين عبد الله بن أحمد بن إسحاق في شهر ربيع الأول سنة ١١٨٢ :

أجزتك يا بن ودي ما تريد

بما فيه تفيد وتستفيد

أجزتك إذ طلبت وأنت بخير

يحق لمثلنا فيه الورود

أجزت الأمهات وهن ست

إليها كل ذي علم يعود

لأن بناء أحكام البرايا

بها دارت وهن لها عمود

أضاع الخمسة الأحكام من لم

يحب الست وهو بها عميد

فيا لله كم علم حوته

فليس على معارفها مزيد

ولي فيها سماعات على من

تزين من وجودهم الوجود


وغير الست مما قد أجزنا

أجزتك أيها الفخر الفريد

وكل مؤلف لي يا حبيبي

أجزتك فارو منها ما تريد

ولا زم سنة المختار درسا

وتدريسا وإن رغم الحسود

ولا تشغل بغير العلم وقتا

وهل بسواه يشتغل السعيد؟!

فأهل العلم أملاك البرايا

وكل سواهم لهم جنود

وصلني بالدعا في كل حين

خصوصا إذ منازلنا اللحود

وعذرا في الذي مني تراه

فليس كما تريد ولا أريد

فذا جهد المقل فلا تلمني

وعفوا أيها المولى المفيد

أمن بعد الثمانين اللواتي

قطعت يكون لي عقد فريد

أراها صيرت فكري بليدا

وما هو قبل مقدمها بليد

فأسأله الرضا في كل حين

وتوفيقا إلى التقوى يقود

وينزلنا به جنات عدن

تكون بها الإقامة والخلود

وصل على النبي والآل طرا

فهم شمس أنير بها الوجود

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ١٤٥ ـ ١٤٦.

(١٤)

إجازة الأمير الصنعاني لضياء الدين سعيد بن حسن العنسي ، وهي خاصة بمؤلفات الأمير :

وافى نظامك يا سعيد

فكأنه عقد فريد


مثل الذراري خلته

أو أنه الدر النضيد

أو أنه الروض النضير

ولا نظير له أريد

وطلبت مني أن أجيز

مؤلفاتي لا أزيد

وأعد أسماء لها

لتنال منها ما تريد

فلقد أجزتك فاستمع

أسماء بعض يا سعيد

(سبل السلام) مؤلف

جزءان يعشقه الرشيد

وب (منحة الغفار) ما

(ضوء النهار) بها يزيد

جزءان في القطع الكبير

بها فوائد لا تبيد

ول (عمدة الأحكام حاشية

) بها بحث مفيد

ولنا على (التنقيح شرح

) لا يدعه المستفيد

ولجامع الشرح الصغير

مؤلف (شرح) سديد

وحوته أربعة من الأجزاء

فيها ما تريد

ولنا نظام في الوصي

وشرحه در نضيد

ونظام كافلنا الأصيل

شرحه شرح مفيد

ولنا على نظم الإمام

محمد شرح مجيد

رب (العواصم) من غدا

أهل الذكاء له ورود

وكذا لنا جمع الشتيت

ويا له جمع عديد

وبمكة (الاحراز) ألف

والمقام له شهيد

وبها كتاب (السيف) وهو

مؤلف حلو فريد

ولنا على التيسير (تحبير

) به من الحميد

ولنا المسائل والرسائل

عدها أمر بعيد


والكل من فضل الاله

له الثناء كما يريد

والله لولا فضله

إني فتى فدم بليد

للعلم أهلني فلا

أهوى سواه ولا أريد

حبب إلي من الصبا

فأنا به كلف عميد

وكفاني الدنيا فعيشي

في الورى عيش رغيد

وعن المناصب صانني

فأنا لرتبتها زهيد

عرضت علي فأعرضت

عن تلك نفس لي شرود

لا ترتضي إلا المعا

رف والعلوم هي السعود

ولأن قد قرب الرحيل

وقد مضى عمر مديد

إلى أن يقول :

أوصي سعيدا بالتقى

إن التقي هو السعيد

واحذر من الدنيا فما

يغتر بالدنيا رشيد

دار تدور بمكرها

يلهو بها الرجل البليد

إلى أن يقول :

فازهد تكن ملكا عزيزا

لا تقاد ولا تقود

والعلم أفخر ملبس

فالبس هو الثوب الجديد

يبلى ولا يبلى وإن

ضمت جوارحك اللحود

كم قد تقضى قبلنا

علم وجبار عنيد

فأخو العلوم كأنه

ما بيننا حي شهيد

يملي علينا علمه

فنفيد منه ونستفيد

ويزوره منا الدعا

والمدح والقول الحميد


وأخو التجبر ما له

ذكر ولا حق أكيد

وكذاك من جعل العلوم

حبالة وبها يصيد

ما همه إلا الحرام

يصيد منه ويستصيد

كم جامع للعلم أضحى

وهو شيطان مريد

فالجهل أولى من علوم

للمعاصي لا تذود

إلى أن يقول :

ثم الصلاة على الذي

بوجوده أفتخر الوجود

والآل من أضحى لهم

قصر من العليا مشيد

من حبهم فرض على الإيمان

ليس به جحود

هو فرض عين والأدلة

بالذي قلنا شهود

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ١٤٣ ـ ١٤٥.

(١٥)

إجازة صدر الدين عبد اللطيف بن محمد الخجندي (ت ٥٨٠) كتبها للرحالة محمد بن أحمد ابن جبير (ت ٦١٤) لما استجازه بمعروض شعري يلتمس فيه أن يجيزه مروياته ، وهو :

يا من حواه الدين في عصره

صدرا يحل العلم منه فؤاد

ماذا يرى سيدنا المرتضى

في زائر يخطب منه الوداد

لا يبتغي منه سوى أحرف

يعدها أشرف ذخر يفاد


ترسمها أنمله مثلما

نمق زهر الروض كف العهاد

في رقعة كالصبح أهدى لها

يد المعالي مسك ليل المداد

(إجازة) يورثنيها العلا

جائزة تبقى وتفنى البلاد

يستصحب الشكر خديما لها

والشكر للأمجاد أسنى عتاد

فقبل الشيخ الخجندي معروض ابن جبير ، فأجابه مجيزا له بقوله :

لك الله من خاطب خلتي

ومن قابس يجتدي سقط زندي

أجزت له ما أجازوه لي

وما حدثوه وما صح عندي

وكاتب هذي السطور التي

تراهن عبد اللطيف الخجندي

المصدر :

نفح الطبيب ٣ / ١ ـ ١٤٢ ، مع ابن جبير في رحلته : ٥ ـ ٧٦.


ومن روي الراء

(١٦)

نظم ابن علوان الشاعر ، عماد الدين ، محمد بن علي أبي الفضل بن محمد ، أبو جعفر الشيباني ، السورائي ، الفقيه المقرئ ، هذه الإجازة لابن الفوطي البغدادي ، وأوردها المجاز في كتابه (تلخيص مجمع الآداب) بقوله : كتب لي الإجازة نظما :

قد أجزنا للسادة الأخيار

ما روينا من مسند الأخبار

والأصولين والغريبين والفقه

وما جاءنا عن الأخيار

عن أبي جعفر محمد ابن

لعلي علوان جدي النزاري

بيد أني مستصغر حالي الحائل

لكن أجبت أهل الفخار

بعد حمدي لله ثم صلاتي

للنبي وآله الأطهار

توفي المجيز في ثالث عشر رجب سنة ست وسبعمائة ، ودفن بمشهد الإمام علي عليه‌السلام.

المصدر :

تلخيص مجمع الآداب ، الجزء الرابع ، القسم الثاني ، ص ٨٣١ ، رقم ١٢١٨.

(١٧)

وللأمير الصنعاني إجازة للسيد جمال الدين علي بن محمد ، لقمان ، من


علماء مدينة ذمار ، نظمها في سنة ١١٧٦ :

أجزتك يا علي وأنت عندي

كأولادي الصغار مع الكبار

أحبك حبهم لنا اتصال

بآباء لكم علما كبار

هم أخوالنا ولهم علينا

حقوق لا يقوم بها اقتداري

سقى أجداثهم غيث مغيث

من الرضوان في كل الديار

أجزتك ما سمعنا من شيوخ

من العلماء أعلام بحار

من الحرمين بعضهم وبعض

بصنعا خير أوطاني ودار

سمعنا علم خير الرسل منهم

وعلم الآل من خير الخيار

فأسند ما تريد إلي مما

سترويه على علما ذمار

فأوصيكم بتقوى الله حقا

تفوز بما تريد بكل دار

ففي الدنيا تكون بها عزيزا

وفي الأخرى ستنزل خير دار

تجاور خير رسل الله طرا

فيا لله من دار وجار

وصلني بالدعا ما دمت حيا

وميتا كي يقال به عثاري

وصلى على الرسول وخير آل

وسلم في مساك وفي النهار

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ١٦٥.

(١٨)

إجازة شاعر أهل البيت عليهم‌السلام صفي الدين الحلي (ت ٧٥٢) :

أجزت لسيدي ومليك رقي

رواية ما حوى من نسج فكري


وما أنشأت من جد وهزل

وما أبدعت من نظم ونثر

ولم أقصد بذاك سوى قبولي

لمرسوم أشار به وأمر

ولو نسبوا إليه جميع علمي

لكان كنقطة في لج بحر

المصدر :

ديوان صفي الدين الحلي : ٦٨٠ ، ودائرة المعارف الشيعية : ١٢٢.

(١٩)

نظم أبو العباس الهشتوكي إجازة أبي العباس ابن ناصر ، لأولاد علي أبي الحسن النوري الحربي الصفاقسي ، في قصيدة ، منها :

وإسناد شيخنا الإمام ابن ناصر

روى علمه عن منتهى العلم في القطر

محمد المصمود العالم الذي

تفرد بالتحقيق في كل ما يقرى

روى علمه عن منتهى القول جملة

ولكن لدى السراج نور به يسري

كما أخذ السراج عن غير واحد

ويكفي ابن هارون دليلا على الغير

وأما ابن هارون علي فقد روى

علوما ولكن لا تعد من الكثر

على علم الدنيا ابن غازي وحسبنا

به ثبتا أعلى لدى كل ما خبر

فإن شئت ما في المسندين رواية

فحصل فهاريس الأئمة بالسبر

تنادي على ما لابن غازي وقدره

وقدر الذي ما كنت من قبله تدري

إلى أن يقول :

وفهرسة الشيخ ابن غازي مفيدة

عليك بها فهي النهاية في الأمر


المصدر :

فهرس الفهارس : ٢٩١ نقلا عن الرحلة الناصرية ، ص ١٦٧ ، طبع فاس بالمغرب.

(٢٠)

لما مر أبو علي اليوسي الطرابلسي يريد الحج ، استجاز منه الشمس محمد بن أحمد المكني الطرابلسي لعلي بن محمد النوري الصفاقسي (ت ١١١٨) فأجازهم نظما وخص النوري منها ببيت :

كذا الماجد النحرير عين صفاقس

أبو الحسن النوري ذو المجد والفخر

وكانت الإجازة في سنة ١١٠١.

المصدر :

فهرس الفهارس : ٦٧٣.

(٢١)

قال الزركلي : رأيت في ثبت النذرومي ـ المخطوط ـ إجازة بخط ابن كثير [المؤرخ ، ت ٧٧٤] في بيت من الشعر هذا نصه :

أجزتهم ما قد سئلت بشرطه

وكاتبه إسماعيل بن كثير

المصدر :

الأعلام ١ / ٣١٨ ، وأنظر الجزء الحادي عشر ، اللوحة ٢٢٣.


(٢٢)

قال أبو الحجاج الساحلي ، يوسف بن إبراهيم بن محمد ، الفهري ، الغرناطي (ت ٧٠٢) : كتب إلي شيخنا محمد بن محمد بن عتيق ابن رشيق (المولود ٦٢٨) في الاستدعاء الذي أجازني فيه ، ولمن ذكر معي :

أجزت لهم أبقاهم الله كل ما

رويت عن الأشياخ في سالف الدهر

وما سمعت أذناي من كل عالم

وما جاد من نظمي وما راق من نثري

على شرط أصحاب الحديث وضبطهم

برئ عن التصحيف عار عن النكر

كتبت لهم خطي وأسمي محمد

أبو القاسم المكني ما فيه من نكر

وجدي رشيق شاع في الغرب ذكره

وفي الشرق أيضا فادر إن كنت لا تدري

ولي مولد من بعد عشرين حجة

ثمان على الست المئين ابتدأ عمري

وبالله توفيقي عليه توكلي

له الحمد في الحالين في العسر واليسر


المصدر :

نفح الطيب ـ للمقري ـ ٣ / ٢٠.

(٢٣)

ومن نظم السيد زين الدين العابدين بن علوي بأحسن ، جمل الليل الحسيني المدني ، مجاوبا السيد الشهيد أبا بكر بن أحمد بن سليمان هجام ، حين طلب الإجازة منه ، وهما إذ ذاك ببندر الحديدة ، قال :

أعقد لآل زان فخرا به الصدر

أم البدر ذو الأنوار والأنجم الزهر

أم الدر في سلك اللجين منظم

أم الروض بالأنوار فاح له عطر

بلى شمس حسن أقبلت في غلائل

ففاح لنا في العصر من طيها النشر

أتت تتهادى في بهي من الحلي

وحيت فأحيت مدنفا سمه الهجر

وأهدت ثناء من شريف علا على

عروش فخار دون كرسيه النسر

هو الشهم رب الفهم والذوق والحجا

بديع معان حار في وصفه الفكر

سلالة أمجاد خلاصة قادة

وراثته منهم علوم بها الفخر


حباني بأفضال وشرفني بما

به قلد الأجياد من دونه الدر

فلله ما أحلى معانيه إذ بدت

بأطباقها كالروض كلله القطر

أتى أمره يبغي الإجازة من فتى

حقير ذليل لا يعد له قدر

فيا سيدا قد عمني خال جوده

وشرف عبدا من كتابته سطر

ويا تحفة الإرشاد يا روض طالب

ويا مورد الظمآن يا بحر يا حبر

لأنت بذا أولى وإني لقاصر

ومثلي لديكم لا يحق له ذكر

فسامح حقيرا واعف فضلا ومنة

وإن قلت جزما ليس يقبل لي عذر

وأمرك حتم فامتثالا لأمركم

أجزت جزما ليس يقبل لي عذر

فعن شيخنا أروي الحديث مسلسلا

محمد عبد الله من علمه وفر

وعن شيخنا الكردي محمد من سما

أبوه سليمان الشهير له قدر

أبو طاهر شيخ له وهو قد روى

عن البدر إبراهيم من زانه الفخر


وأشياخ إبراهيم جمعا لديكم

وفي أمم الأستاذ تم لها الحصر

فعذرا لصب أشغلته همومه

ومن وحشة الأسفار ليس له فكر

ولا تنسبني من دعوة مستجابة

لعل بكم يا سادتي يشرح الصدر

أدامك رب العالمين مكملا

بمثل سنا علياك يفتخر الدهر

المصدر :

حديقة الأفراح : ٧٦ ـ ٧٧.


ومن روي الزاي

(٢٤)

قال الشيخ حسين الدرازي البحراني آل عصفور ، مجيزا للشيخ أحمد الأحسائي (ت ١٢٤١) :

وإني أجزت لهذا الفتى

أخي (أحمد) وهو نعم المجاز

وذاك حقيق لنا أن يجيز

وذاك حقيقته لا مجاز

فوفقه ربي لنيل المنى

فنعم الطريق له والمجاز

المصدر :

إجازات الشيخ أحمد الأحسائي : ٦١ ، ولاحظ مقال : تحقيق النصوص بين صعوبة المهمة وخطورة الهفوات ، المنشور في مجلة) تراثنا) العدد ٩ ، ص ١٥.

(٢٥)

كتب الشيخ حسين بن محسن بن محمد السبيعي الأنصاري في إجازته للسيد صديق حسن خان القنوجي الهندي (ت ١٣٠٧) هذين البيتين :

وإذا أجزت مع القصور فإنني

أرجو التشبه بالذين أجازوا

السالكين إلى الحقيقة منهجا

سبقوا إلى غرف الجنان ففازوا

المصدر :

الحطة في الكتب السنة : ٤٧٩.


(٢٦)

ذكر شقيقي الحجة السيد محمد حسين الحسيني الجلالي دام ظله هذين البيتين ، ولن ينسبهما :

أكابرنا شيوخ العلم حازوا

علوم الدين فاغتنموا وفازوا

أجازوا لي رواية ما رووه

فها أنا ذا أجيز كما أجازوا

المصدر :

إجازة الحديث : ٣١.

(٢٧)

كتب الشيخ صلاح الدين الصفدي إجازة لشهاب الدين أحمد الحنبلي خطيب بيت الآلهة ، وكاتب الدست بالشام ، وقال في نهايتها :

إجازة قاصرة عن كل شئ

يسير من الرواية في مفازه

لمن ملك الفضائل واقتناها

وجاز مدى العلا سبقا وحازه

المصدر :

صبح الأعشى : للقلقشندي (١٤ / ٣٣٤.

(٢٨)

ونظم الشيخ الحوضي ، محمد بن محمد بن عبد الرحمن ، المتوفى ٩١٩ ، قصيدة أجاز بها لأحمد بن علي بن داود البلوي ، الوادي آشي ، الذي


استجاره نظما ، بقوله :

يا مجيدا في كل فن مجيدا

ليس شأو في الفضل إلا وحازه

وإماما في كل علم هماما

بلغ الحد في الكمال وجازه

مستفيد منكم أتاكم يرجي

من علاكم أن تسمحوا بالإجازه

ليس أهلا لأن يجاز ولكن

كم هجين نور الشيوخ أجازه

إن يكن من حقيقة العلم خلوا

حاز بالحب في ذويه مجازه

فأجيزوه أو أجيروه مما

قد طلبتم على يديه نجازه

فأجابه الشيخ بالقصيدة التالية :

يا وحيدا في عصره ومفيدا

أعطي السبق في العلى فاستجازه

وله في العلوم أوفر حظ

وهو قد صار في الكمال طرازه

جاءني كتبك العزيز محلا

مقتضاه إتحافكم بالإجازه

فتقاعست أن أجيب لأني

لا أراني أخوض تلك المفازه

ثم أكدت ما لكم من حقوق

فهو أدعى لدفع كل حزازه

فتسارعت للجواب مطيعا

في مقام قد أوجبوا إحرازه

ولكم قد أذنت في كل ما قد

صح عني وشئتم إبرازه

من تآليف أو قريض ونثر

وعلى الشرط في السبيل المجازه

وكذا ما أخذته عن شيوخي

أتحف الله جمعهم بإجازه

وهو سبحانه يفي الكل منا

كل خير وما نخاف اعوزازه

ثم نرجوه في الثبات ختاما

وسؤالا وفي الصراط جوازه

وعلى سيد الأنام صلاة

وسلام يسهلان مجازه


ومن روي الطاء المهملة

(٢٩)

وأنشد للشيخ القصار ، قوله :

أجزت لكم باللفظ عني وبالخط

على شرط أن ترووه بالضبط والنقط

المصدر :

فهرس الفهارس : ١٢٤.


ومن روي الفاء

(٣٠)

كتب الشيخ عبد الوهاب الفضلي البصري (ت ١٣٨٦) وهو عالم الأحناف بها ، في ذيل إجازته للسيد محمد صادق بحر العلوم (ت ١٣٩٩) هذه الأبيات :

ولست بأهل أن أجاز فكيف أن

أجيز ولكن الحقائق قد تخفى

وأضواء فكري قد عرتها حوادث

فآونة تخفي وآونة تطفى

ولولا رجائي منكم صالح الدعاء

لما رسمت يمناي في مثل ذا حرفا

وتاريخ الإجازة سنة ١٣٧٩.

المصدر :

الإجازة الجلالية (مخطوطة).

وقد رأيت البيت الأول ضمن إجازة قديمة مطبوعة في (فهرس الفهارس) للكتاني ، لم يتنبه محققه إلى كونه شعرا ، فأورده بنسق النثر ، وكذلك وجدت كثيرا من المجيزين يقتبسون هذه الأبيات من دون نسبة.

(٣١)

ومما قاله جامع هذا الديوان في إجازته لبعض السادة :

أسجل باسم الله من خصني لطفا

وعم جميع الخلق من فضله عطفا

وأثني عليه حامدا كل نعمة

أفاض فما أبدى أعد وما أخفى


أصلي على خير الأنام محمد

حبيب إله الخلق ذي الجوهر الأصفى

على آله الغر الكرام تحية

أتابعها ما دمت أو أرد الحتفا

وبعد فإن العلم سام مقامه

ويعدو لراعيه غداة الوغى سيفا

ولا سيما علم الحديث فإنه

موضح دين الله يبدو به كشفا

وقد جد أهل العلم في حمله كما

تداوله الأعلام صف يلي صفا

وهب (حسين) المجد يطلب أسوة

بآبائه فاختار من كنزه الأوفى

وجد لكي يحيي مآثر آله

مكارم لولاه بها الدهر قد أسفى

وقد ظن بي خيرا لنيل إجازة

فلم أستطع عن أمره أبدا صرفا

(ولست بأهل أن أجاز فكيف أن

أجيز ولكن الحقائق قد تخفى)

أقول ـ ونظمي ليس من قول شاعر

بشئ ولكن سجعه يشبه الهتفا ـ :

رويت الحديث الجم من طرقي التي

أفصلها كما وأوجزها كيفا

شيوخي أجازوا لي الرواية عنهم

سأذكرهم عدا وأنعتهم وصفا

(فأولهم) شيخي الذي كان حائزا

من العلم والإيمان بالقدح الأضفى

عماد التقى شيخ (الذريعة) محسن

على مثله التنقيب لم يوقع الطرفا

فألحقني ذا بالشيوخ ويومها

مع العشر سني لم تكن جاوزت نيفا

وأعلى علوا في الأسانيد روايا

عن العلم النوري والقول مستوفى

ب (خاتمة المستدرك) البحر سطوت

(مواقع) ـ ها من بعد أن شجرت رصفا

(وثانيهم) نجل السيادة صادق

هو الدر من بحر العلوم وما أصفا

أجاز لي التحديث ضمن (إجازة

جلالية) أوفى بها القول بل أحفى

(وثالثهم) صنو المعالي عمادها

شهاب الهدى والدين في صدر من أجفى

وغيرهم خلق يطول بذكرهم

كلامي وخير القول ما دل إذ خفا


فهاك ـ وأنت الفخر ـ مني إجازة

منضدة بالشعر تحسدها الهيفا

أجزت لك اليوم الرواية فاستبق

لتخليدها لا تلق لوما ولا حيفا

فعني عن أشياخي الصيد فاسند

الروايات بعد الضبط واطرح الزيفا

وأوصيك ما أوصى أولئك فاحتفظ

بصحبة أمجاد الملا واترك الجلفا

عليك بتقوى الله واحتط لدينه

لتحيى به واستنكر الميل والحيفا

ولا تنسني من صالح الذكر كلما

ذكرت رجائي أنت في مثل ذا أوفى

كما أنني أدعو لك الله يصطفي

من العلم بيتا ضوءه الدهر لا يطفا

وحرره الداعي الجلالي (محمد)

يعرفه الأصحاب باسم (الرضا) وصفا

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

في النصف من شهر رجب

سنة ١٤٠٤ ه

في قم المقدسة

المصدر :

ثبت الأسانيد العوالي (مخطوط).


ومن روي القاف

(٣٢)

كتب القاضي عياض اليحصبي إلى الحافظ السلفي أبي طاهر (ت ٥٧٦) يستجيزه ، قصيدة مطلعها :

أبا طاهر خذها على البعد والنوى

تحية مشتاق لذكراك شيق

فأجابه السلفي مجيزا بقصيدة مطلعها :

أتاني نظم الألمعي الموفق

يميس اختيالا بين غرب ومشرق

وقد ذكر القصيدتين المقري في أزهار الرياض ، لوحة ٤٧٧ / أ.

المصدر :

الإلماع في آداب السماع ، تعليق محققه السيد أحمد صقر ، في ص ٤١ هامش ٤.

وأزهار الرياض في أخبار عياض ، مطبوع في القاهرة من لجنة التأليف ، سنة ١٣٥٨ ه.

(٣٣)

وأجاز الفقيه الشيخ فضل الله المازندراني الحائري ، بالاجتهاد لجدنا الإمام السيد محمد هادي الخراساني الحائري ـ المتوفى سنة ١٣٦٨ ـ فقال نظما :


سيدنا الهادي الفريد الألمعي اللوذعي

علامة العصر وحيد عصرنا والمتقي

من كونه مجتهدا محققا مسلم

من كونه محققا فذا من المحقق

من الأقل المشتكي خادم شرع المصطفى

قد استجازني عن المؤيد الموثق

أجزته من بعد ما اختبرته وجدته

أهلا لها ويا له من أهلها الموفق

مع كونه كلفني ما لم يكن وظيفتي

ولم يكن قط به منا من المصدق

وبعده شاء من الأحقر ذي تاريخه

نظما أجبت قول ذي المطالب المشوق

ألقيت قيدي منتها ـ أنني أرخته

(وقد أجزت الهادي في الاجتهاد المطلق)

وتاريخ الإجازة كما يحصل من حساب الجمل هو : ١٣٣٧ ه.

المصدر :

الصحف المطهرة ، للسيد المجاز (مخطوط).


ومن وري اللام

(٣٤)

نظم عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه العلوي الحسيني الشافعي (ت ١١٦٣) قصيدة سماها (مفاتيح الأسرار في تنزل الأنوار ، وإجازة الأبرار) مطلعها :

سبحان رب العزة المتعالي

عن كل ما يصفون من أقوال

جل العظيم عن الحروف ووضعها

وعن الحدود وعن قيود البال

ومن أبياتها :

فأجزته فيها وفيما قلته

من نظم أو نثر وحل سؤال

وكذاك كل أخ وطالب حكمة

وموافق للحق بالإقبال

وهي إجازة للسيد يحيى بن عمر مقبول الأهدل ، وقد شرحها الناظم بكتاب (رفع الأستار عن مفاتيح الأسرار) والشرح برمته أثبته الشيخ الحفري المدني في كتابه (كنز البراهين).

المصدر :

فهرس الفهارس : ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٣٥)

وللأمير الصنعاني إجازة للفقيه سعيد بن حسن العنسي ، وهو من مدينة


ذمار :

الحمد لله على كل حال

مقدما قبل جواب السؤال

ثم صلاة الله تترى على

خير الورى والآل أهل الكمال

ويعد هذا يا سعيد فقد

أطلت في المطلوب مني المقال

إجازة تطلب ممن غدا

مشتغلا ما بين قيل وقال

حينا بتأليف وحينا غدا

يدرس الأعيان ما بين قيل وقال

وتارة تأتي السؤالات من

تهامة ، أو من رؤوس الجبال

فاعذر إذا أبطأ جوابي فما

عن كسل أبطأ ولا عن ملال

والآن قد شاء إلهي بأن

أجيب عن أطراف ذاك السؤال

الطرف الأول : تبغي به

إجازة مني ، لما قد يقال

من يرد العلم وما عنده

إجازة ما جاز هذا بحال

إذ الروايات طريق إلى

تفصيلها عند فحول الرجال

قد حصرت في أربع بينت

في قصب السكر حلو المقال

جعلتها فيها مع غيرها

من اصطلاحات لأهل الكمال

فقد أجزناك كما تبتغي

فارو علوم الآل هم خير آل

وارو علوم المصطفى أحمد

من حاز في الناس شريف الخلال

الأمهات الست يا حبذا

ما قد حوت من نافع في المقال

أئمة قد ألفوها لقد

فازوا بما حازوا على كل حال

أئمة في العلم تقواهم

كالشمس لا مثل بزوغ الهلال

قد حفظوا للخلق علم الهدى

جازاهم الله جزيل النوال

فاحرص على العلم تفز في غد

بالعمل الصالح فوق الرجال


والعلم مقصود به غيره

العمل النافع في الارتحال

إلى لقاء الله سبحانه

عند فراق العبد دار الزوال

والطرف الثاني : وعظي لكم

ومن أنا ـ قل لي ـ بهذا السؤال؟!

الحسن البصري وأمثاله

أو كعلي ما له من مثال

أعني أبا السبطين يا حبذا

مواعظا تهتز منها الجبال

ضمنها (النهج) سقى قبره

سحائب الرضوان من ذي جلال

كفى كفى القرآن لي واعظا

فصار آيات به والطوال

فكل قسيس ترى دمعه

يفيض ، إذ يسمع صوتا ، لآل

فاتل كتاب الله مستيقظا

فوعظه يهدم شم الجبال

زهد في الدنيا وآفاتها

وكل جاه قد حوته ومال

ما هي إلا لعب كلها

وكلها لهو لأهل الضلال

غايتها الموت فكل الذي

تراه فيها مثل في الزوال

أي ملوك قد عرفناهم

سادوا وشادوا غرفا لا تنال

وفارقوا ذاك إلى حفرة

خطت لهم بين تراب الرمال

بها لقوا كل الذي قدموا

من حسن أو من قبيح الفعال

وغودروا فيها فرادى وقد

نساهم أهلهم والعيال

وجاءه رسل إله السما

ليعرفوا إيمانه بالسؤال

فإن تثبت بالجواب الذي

عن ربه عز وما قال [قال]

الله ربي ، ثم لي أحمد

نبي صدق لا أقول المحال

فبعد ذا ينظر في قبره

في جنة قد دام فيها الظلال

منزله يا حبذا منزل

فيه الذي يهواه مما ينال


ما لا تراه العين أو تسمع

الآذان أو يخطر منه ببال

أو لم يثبت نال في قبره

ما تكره النفس بسوء السؤال

فنسأل الله لنا رحمة

تغسل أدران قبيح الفعال

وبعد ذا صل على أحمد

والآل ما هبت صبا أو شمال

ويا سعيد جازني بالدعا

وأسأل لي الغفران من ذي الجلال

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ٣٠٧ ـ ٣٠٩.

(٣٦)

إجازة محمد بن الجهم السمري (من محدثي القرن الثاني) وهي أقدم إجازة منظومة وقفنا عليها ، رواها الخطيب ، قال :

حدثني أبو جعفر ، محمد بن علي بن جعفر الوفراوندي ، بالكرج ، قال : أنشدنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري الثقفي ، قال : أنشدنا أبو علي ، الحسين بن محمد ، المقرئ ، قال : أنشدني أبو بكر ابن مجاهد ، قال :

أنشدني محمد بن الجهم السمري :

أتاني أناس يسألون إجازة

كتاب المعاني والعجول مغفل

فقلت لهم : فيه من النحو غامض

وهمز وإدغام خفي ومشكل

وما فيه جمع الساكنين كليهما

ونبر إليه قد يشار وينقل

ولا يؤمن التحريف فيه بطوله

وتصحيف أشباه بأخرى تبدل

وأكره فيما قد سألتم غروركم

ولست بما عندي من العلم أبخل

فمن يروه فليروه بصوابه

كما قاله الفراء فالصدق أجمل


المصدر :

الكفاية في علوم الرواية ـ للخطيب البغدادي ـ : ٥٠٢.

وعن نسخة منه (بالكرخ) بدل (بالكرج).

(٣٧)

(أبيات شعر في الإجازة) كتبها أحمد بن المقدام أبو الأشعث العجلي البصري ـ المتوفى سنة ٢٥٣ ـ لمن طلب منه الإجازة :

وهي ثاني أقدم إجازة شعرية ، بعد إجازة السمري ، نقلها الرامهرمزي (ت ٣٦٠) في أقدم كتاب في الدراية (المحدث الفاصل) وروى حديثها مفصلا الخطيب البغدادي ، قال بعنوان : (ذكر الخبر عمن نظم الإجازة شعرا) :

حدثني عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي ، قال : ثنا أحمد بن إبراهيم ـ يعني ابن شاذان ـ قال : حبشون الخلال ، قال : ثنا عمر بن الحسن ، بطريق مكة ، قال :

سألت أبا الأشعث ، أحمد بن المقدام العجلي : أن يجيز لبعض إخوانه شيئا من حديثه ، قال : فكتب إليه على ظهر الكتاب :

كتابي إليكم فافهموه فإنه

رسولي إليكم والكتاب رسول

فهذا سماعي من رجال لقيتهم

لهم ورع مع فهمهم وعقول

سماعي ، إلا فاحكموه عني فإنكم

تقولون ما قد قلته وأقول

ألا فاحذروا التصحيف فيه فربما

تغير عن تصحيفه فيحول

المصدر :

المحدث الفاصل : ٤٥٦ ، الفقرة ٥٤٤ باختلاف ، والكفاية


 ـ للخطيب ـ : ١ ـ ٥٠٢ ، ورواه بسنده إلى أبي نعيم الحافظ بنص آخر ، ورواه في تاريخ بغداد ٥ / ٤ ـ ١٦٥ ضمن ترجمته ، ورواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء ١ / ١٨٣ ، ونقل ابن عبد البر القرطبي الأبيات الثلاثة الأولى في جامع بيان العلم ٢ / ١٨٠ ، وانظر تهذيب التهذيب ١ / ٨١.

(٣٨)

قال عبد العزيز بن عبد القادر الربعي البغدادي (المولود ٦٦٢) في ذيل إجازته للشيخ جمال الدين أبي بكر بن أبي صاعد ، المعروف بابن التاج الحافظ الصوفي ، البكري نسبا ، الحنفي مذهبا ، الملتاني منشأ :

إني استخرت لفائق السبع العلا

في أن أجيز لمستجيز مجملا

فأجزته أن يروي عني كل ما

قد جاز أن يروى على شرط الأولى ...

من كل ما قد صح عند رواته

مما تعنعن أو أتاه مسلسلا

خال عن التصحيف والغلط الذي

متن الحديث يصير منه مهملا

من كل منقول ولفظ رائق

مع كل معقول ونظر قد خلا

ها قد أجزت تلفظا وكتابة

هذا كلامي مجملا ومفصلا


ها نسبتي خذها إليك فإنني

لا أستطع لنظمها مترسلا

المصدر :

نقل العلم في الإسلام : ٢٣٣ ، تأليف جورج وجدا ، المقالة الثانية : من ملتان إلى القاهرة ، باللغة الفرنسية.

A Transmission du Savoir en Islam , I Georges Vajda

Variorum Reprints

London ١٩٨٣

 (٣٩)

إجازة عبد الرحمن بن علي الشيباني الزبيدي الشافعي ، المعروف بابن الديبع ، المتوفى ٩٤٤ ، وهي عامة لمن أدرك حياته :

أجزت لمدرك وقتي وعصري

رواية ما تجوز روايتي له

من المقروء والمسموع طرا

وما ألفت من كتب جزيله

وما لي من مجاز من شيوخ

من الكتب القصيرة والطويله

وأرجو الله يختم لي بخير

ويرحمني برحمته الجزيله

المصدر :

فهرس الفهارس : ٤١٤.


(٤٠)

تمثل الشيخ محمد المكي ابن عزوز التونسي في ثبت (عمدة الأثبات) الذي ألفه محمد بن عبد الحي الكتاني ، بقول القائل :

إجازة تعمه ونسله

(حاوية معنى الذي سيقت له)

المصدر :

فهرس الفهارس : ٨٧٨ ، والشطر الثاني من البيت مقتبس من الخلاصة الألفية في النحو لابن مالك الأندلسي.


ومن روي الميم

(٤١)

ما ذكره الرصاع في إجازته لأبي زيد ، التي ألحقها بفهرسته ، فقال : وقد أجزناك ، كما أجازنا شيوخنا رحمهم‌الله تعالى ، في جميع ما طلبته ، وأذنا لك في الذي قصدته ، وخاطبناك بما خاطب به بعض شيوخنا في إجازته بشعره ، بقوله رحمه‌الله تعالى :

قد أجزناك يا فقيها نبيها

ناظما ناثرا بديع النظام

في الذي صح عندكم من سماعي

من شيوخي الأئمة الأعلام

في البخاري ومسلم والموطأ

والشفا ثم عمدة الأحكام

ختم الله للجميع بخير

وأخل الجميع دار السلام

المصدر :

فهرسة الرصاع : ٢١٨.

(٤٢)

ومن نظم الفقيه حسن بن محمد بن علي سهيل الصعدي ـ المتوفى ١٣٨٥ ـ أبيات كتبها في ذيل إجازته للسيد إسماعيل بن أحمد بن عبد الله المختفي ، الذي طلب منه الإجازة نظما ، فأجابه بهذه :

أتى شعر يحاكي الدر سبكا

ويحكي شعر عنتر والقطامي

ويحكي شعر نابغة بن جعد

وحسان بن ثابت في النظام


من البطل الكمي سليل طه

من المفضال بدرا في تمام

ضياء قد رقى رتب المعالي

وساد على الأماثل والكرام

سمي الجد إسماعيل حقا

وفيصل في القضاء عند الخصام

إلى أن قال :

أجبتكم مسارعة لهذا

لتحذو من رقا فوق الإكام

فهاك إجازة مني حريصا

على الاقبال منكم باهتمام

فأنتم سيدي أهل لذاكم

وأنت الهاشمي ابن الإمام

وأنتم خير من ركب المطايا

وأزكى العالمين بلا كلام

المصدر :

المسلسلات : ٥٤٩.

(٤٣)

من نظم السيد محمد بن إبراهيم بن علي بن الحسين المؤيدي ، المعروف بابن حورية اليحيوي ، في آخر إجازته المؤرخة بسنة ١٣٦٩ ، الصادرة إلى السيد إسماعيل بن أحمد بن عبد الله المختفي بن المؤيد الصغير محمد بن المتوكل إسماعيل :

إليك أخا العليا وزينة من رقى

مراتب أهل العلم بالبحث والفهم

إجازة من قصرت به رتب العلا

وإن كان موصوفا لديكم بذي العلم


فذلك من باب المثال الذي جرى

لمثلي استسمنت يا صاح ذا ورم

ولكنني لما رأيتك طالبا

لذاك وأن الشرع يقضي على الكتم

بما صح فيما قد رووه توعدا

على ذاك خفت الوزر والوعد بالإثم

فأنت ضياء الدين قد حزت منهلا

من العلم يروي طالبيه ذوي الحزم

وقد حزت من كل العلوم معاقلا

على صغر في السن أرجوه أن ينمي

فخذها كما حررتها ولك البقا

وأرجو إجازتها من الله بالغنم

بما وعد الرحمن فيما أتت له

مآثر علم بعد موت الفتى الشهم

ومنكم بأن يدعو لي العفو والرضا

من الله هذا خير ما يرتجي سهمي

وشرطي عليكم مثل شرط أولي التقى

تحري صحاح للدفاتر للعلم

وبذلا لأهليه على قدر طاقة

مع العمل المطلوب منه بلا جرم

فيا أيها البدر الذي أنت نوره

فلا تختفي منك المعالي لذي الفهم


وإن لقبوك المختفي أنت ظاهر

وبالضد قد يدعى لتعظيم ذي الاسم

فجدك من حاز السمو برفعة

سميك إسماعيل يا لك من قرم

كمالك قد شهد الورى برقيه

على النسر والعيوق حقا أخا النجم

هديت لكل الخير فالعفو إن ترى

فهاهة نثر في الإجازة والنظم

عليك سلام الله ما هبت الصبا

وذلك بدء القول مني مع الختم

وصلى إلهي كلما ذر شارق

على أحمد والآل من قام بالعلم

المصدر :

المسلسلات : ٥٦٢.


ومن روي النون

(٤٤)

إجازة أبي شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي ، لأبي طاهر السلفي ، أحمد بن محمد الأصفهاني ، الإسكندري ، المصري (ت ٥٧٦) :

إني أجزت لكم عني روايتكم

بما سمعت من أشياخي وأقراني

ومن بعد أن تحفظوا شرط الجواز لها

مستجمعين لها أسباب إتقان

أرجو بذلك أن الله يذكرني

ـ يوم النشور ، وإياكم ـ بغفران

المصدر :

توضيح الأفكار ٢ / ٣٢٤.

(٤٥)

ومما قلته أخيرا مجيزا بعض السادة من طلاب العلم :

محمد أيها المهدي فينا

رغبت لنيل علم المهتدينا

حديث الدين والإسلام تبغي

لتحمله لكل العالمينا

فهاك إذن وأنت لذاك أهل

عهدتك صادقا ثبتا أمينا

إجازة حامل للعلم جما

عن الأعلام أجمعه سنينا

أجازوا لي الرواية هم شيوخ

عظام خلدوا علما ودينا


ذوو تقوى وهمة من يجاري

سناء الشمس أبهة ولينا

فمنهم شيخي الأعلى طريقا

محمد محسن الناجي يقينا

(ذريعته) من (الأعلام) حقا

تخلده برغم الحاسدينا

لقد أعلى سقاه الله ريا

من الإسناد واختار المعينا

وأخلد لي على الأثبات ذكرا

وألحقني بقرن السابقينا

وبحر للعلوم أجاز فيما

رواه عن شيوخ عالمينا

محمد صادق في القول أرسى

(دليلا للقضاء) أتى مبينا

وحقق من تراث العلم كتبا

غدت نعم الهدى للدارسينا

ومن إفضاله السامي علينا

بأنواع الرواية قد حبينا

فبالطرق الثمان روى حديثا

وحملنا المعارف واليقينا

شهاب الدين ثالثهم مجيزا

وأكثرهم طريقا مستبينا

فقد أولى الإجازة باهتمام

فكان لذاك أوسع من لقينا

هو النجفي أعلى الله شأنا

له في الخلد خلد الصادقينا

ومن أشياخي الأطواد جمع

تراهم بالسعيدة ساكنينا

فمجد الدين أسبقهم إلينا

بفضل العلم أغزرهم معينا

فإسناد (بجامعة) حوته

إلى كتب الأئمة قد أبينا

وأنوار (لوامعها) أضاءت

لنا طرق العلوم بها هدينا

وآثار تدل على علاه

فدام وجوده للمهتدينا

محمد الجلال له علينا

حقوق لم تزل ترعاه فينا

أجاز لنا (بأنوار) سناها

علا كتب الشيوخ المسندينا

لأثبات حوت طرقا صحاحا

وجمعت المسلسل والمتينا

وأحمد ذلك العلم المعلى

بمدرسة العلوم غدا معينا


فسماه الإبا (حجرا) كريما

قد ازدانت به صنعا يمينا

أجاز لي الحديث وزاد فضلا

عقيقا جوهرا أصفى ثمينا

فأشياخي هم أطواد علم

وتقوى أسوة للمتقينا

أجزتك يا محمد مثل ما لي

أجازوا فارو عنا ما روينا

فعني عنهم أسند حديثا

محيطا نصه حصنا حصينا

بشرط الضبط والتحقيق صنه

ولا تجدن بأن ترعاه لينا

فهذا ديننا حق علينا

رعايته لزاما ما بقينا

وهذا العلم في طيات كتب

تراث قد غدا فينا رهينا

لنحييه ونبذل كل جهد

ونصنع في القلوب له عرينا

محمد فالتمس للعلم عينا

يروي من ظماك صدى كمينا

فإن شئت النجاة فخذ بعلم

رواه الآل مستندا رزينا

ولا تتبع عداهم لو تراه

فإما أن يضلك أو يشينا

إذا ما شئت تنجو من ضلال

ومن جهل فكن بهم قرينا

وأخلص في الطلاب وجد واسهر

فليس المجد إرث النائمينا

وقم شمر وثق بالفوز تظفر

به فالمجد مهوى الطالبينا

تذكر يا أخي مجدا تليدا

أضاعته جهود الخائنينا

وشعبا بائسا يشكو ضياعا

بصعدة حيث مثوى الأقدمينا

ومأوى العدل والتوحيد أضحى

مجالا للذئاب الملحدينا

فقوموا ثلة العلماء واسعوا

ولا تهنوا فوعد الله فينا

تعالوا مهدوا للحق أرضا

وحكما للهدى يعلو القنينا

فآل محمد منهم إمام

سيملؤها غدا عدلا ودينا

ويمحق كل جور أو ضلال

من الحكام حزب الظالمينا


فشدوا العزم يا مهدي إنا

على الميعاد يوما تلتقينا

فإن عشنا فذاك ، وإن قضينا

فأرجو منكم الرحمى تلينا

وهذا ما تلاه عليك لفظا

ونمقه البنان بما أعينا

وكاتبه محمد الرضا من

غدا بذنوبه الكبرى رهينا

ويعرف بالحسيني الجلالي

رعاه ذو الجلال غدا دفينا

وتم نظمه وكتابته في الخامس من ذي الحجة الحرام سنة ١٤١٤ ه ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


ومن روي الهاء

(٤٦)

قال البدر القرافي في آخر إجازة له :

بثثتك ما قد حزته وجمعته

وجدت بما أبديته ووصلته

فكن حافظا هذا بمقدار حقه

وكن داعيا لي فوق ما قد طلبته

وخاتمة الحسنى لغاية مطلبي

وإني لأرجو الله ما قد طلبته

المصدر :

فهرس الفهارس : ١١٦٨.

(٤٧)

أجاز أبو شامة المقدسي ـ المتوفى ٦٦٥ ـ كتابه (الذيل على الروضتين).

وقال :

أجزت له قولي وفق الله قصده

وأسعده بالعلم يوم معاده

رواية ما أرويه عن كل عالم

بصير بما فيه طريق سداده

فهناه ربي بالعلوم وجمعها

وبلغه فيها سني مراده

المصدر :

بعض نسخ الذيل على الروضتين فاتني تسجيل خصوصياته.


(٤٨)

إجازة جمال الدين ابن نباتة ، لشمس الدين ابن سمنديار ، وهي طويلة ، منها :

إن قيل : إن سمنديار لشخصه

نسب ، فللعرب الخلاص لسانه

مستبدع الألفاظ قد حصلت على

رجحانها وعلوها أوزانه

قل يا محمد فيه يسمع فنه

قولا يطول إلى السها كيوانه

ها قد أجزتك طوع أمرك أن تجز

إن الرفيع تجيزه أدوانه

إن كنت سلطان القريض فإنه

لولاك لم ينفذ إذن سلطانه

أعلام طرسك حيث سار وقصره

من بيتك المعمور أو بستانه

أمرت في الأشعار شعرك حاكما

متصرفا في أمرها ديوانه

المصدر :

خزانة الأدب ـ للحموي ـ : ٣٥١ ـ ٣٥٥.

(٤٩)

وقال الأمير الصنعاني ، في ختم إجازة للشيخ العلامة ناصر بن الحسين المحبشي ، وأخيه العلامة إبراهيم بن الحسين ، ثم ختم بها عدة إجازات :

أجزتكما يا أهل ودي روايتي

لما أنا على علم الأحاديث أرويه


على ذلك الشرط الذي بين أهله

وفي شرحنا التوضيح تنقيح ما فيه

فاسند إلينا بالإجازة راويا

لغير الذي مني سمعت سترويه

وإن ترو عني ما سمعت فاروه

بحدثنا الشيخ المشافه من فيه

كذاك أجزنا ما لنا من مؤلف

إذا كنت تقريه وعني ترويه

ألا وأعلما والعلم أشرف مكسب

وقد صرتما شمسين في أفق أهليه

بأن أساس العلم تصحيح نية

وإخلاص ما تخفيه منه وتبديه

وبذلكما منه لما قد عرفتما

وحققتما من لفظه ومعانيه

مع الصبر في تفهيم من ليس فاهما

فكم طالب عد الجلي كخافيه

وأوصيكما بالصبر والبر والتقى

فهذا الذي بين الأنام تواصيه

به أمرتنا سورة العصر فاشكروا

لمولاكما ما جاكما من أياديه

وأن تلزما في الاعتقاد طريقة

لأسلافنا من غير جبر وتشبيه


فعضوا عليها بالنواجذ واصبروا

فقد فرق الناس الكلام بما فيه

ففيه الدواهي القاتلات لأهلها

وكم فيه من داء يعز مداويه

فكم مقصد تحوي المقاصد مظلم

وكم موقف تحوي المواقف تخزيه

كذلك في الغايات غايات بحثها

شكوك بلا شك ومن غير تمويه

فيا حبذا القرآن كم من أدلة

حواها لتوحيد وعدل وتنزيه

فما كان في عهد الرسول وصحبه

سواه دليلا قاهرا لأعاديه

فلا تأخذا إلا مقالته التي

تنادي إلى دار النعيم دواعيه

عسانا نلبي من دعانا إلى الهدى

ننال غدا من ربنا ما نرجيه

وما خلتماه مشكلا متشابها

فقولا : وكلناه إلى علم باريه

قفا عند لفظ (الله) والراسخون إذ

هو المبتدا ما بعده خبر فيه

وعندي في ذا فوق عشرين حجة

ولا يستطيع النظم حصر معانيه


إلى أن يقول :

ودونكما نصحا أتى في إجازة

ودأبي نشر العلم مع نصح أهليه

ولا تنسياني من دعائكما عسى

عسى دعوة تشفي الفؤاد وتحييه

وتهدي إلى حسن الختام فإنه

مناي الذي أدعو به وأرجيه

وأحمد ربي كل حمد مصليا

على أحمد والآل أقمار ناديه

وأثني على أصحاب محمد متبعا

لتابعه أهل الحديث وراويه

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ٤٣٤ ـ ٤٣٦.


ومن روي الياء

(٥٠)

أنشد الشيخ شمس الدين محمد بن الصائغ في آخر ما كتبه على استدعاء لبعض من سأله الإجازة ، وعدد تصانيفه ، فكتب :

ولقد شرفت قدري

بنفيس من هدايا

بنظام شنف السمع

بدر كالثنايا

فارو مني وارو عني

واغن عن شد المطايا

وانتق الفضل وحصل

واحظ مني بمزايا

وتحر الصدق واعلم

أنه خير الوصايا

أجزت لك أن تروي هذه وغيرها عني ، ولك الفضل في قبول ذلك مني.

المصدر :

صبح الأعشى في صناعة الإنشا ١٤ / ٤ ـ ٣٣٥.


الأراجيز

وهي مرتبة حسب التاريخ

(٥١)

إجازة البدر الغزي ، محمد الدمشقي ، المتوفى ٩٨٤ ، كتبها للمسند الرحال ، داود بن علي العباسي الأصايي اليمني.

المصدر :

أوردها الأهدل في النفس اليماني.

(٥٢)

كتب الأمير الصنعاني إجازة لبعض الطلبة :

الحمد لله عظيم الشان

من أرسل المختار من عدنان

يدعو الورى طرا إلى الجنان

بالسنة الغراء والقرآن

صلى عليه الله ما هب الصبا

وآله وصحبه ذوي التقى

وبعد فاعلم أن علم السنة

طريق من يرجو دخول الجنة

وكيف لا ، وهي مقال أحمد

والفعل والتقرير للمسترشد

وقد أتى تلميذنا حسين

وهو بما ينقله أمين

وقال لي قد طلب الجمالي

علي سعد الدين ذو الإفضال


إجازة مني فيما أملي

عن كل حبر متقن ذي فضل

تبركا منه بما أرويه

عسى بما أجيزه أهديه

إلى طريق سنة المختار

أحمد خير صفوة للباري

إلى أن يقول :

فأولا أوصيك بالتقاء

والذكر في الصباح والمساء

وأحرص هديت للرشاد يا علي

على كتاب الله ربك العلي

فكن على الدرس له محافظا

وكن له غيبا ـ هديت ـ حافظا

فكل خير في كتاب ربي

حسبي به في كل أمر حسبي

وثانيا فإنني أجزتكا

بما أنا أرويه قد ميزتكا

فلترو عني ما أنا أرويه

عن كل حبر فاضل نبيه

إلى أن يقول :

إرو الذي تراه من تصنيفي

وما تراه صح من تأليفي

نظما ونثرا وكذا رسائلي

وما أتاك من جواب سائلي

من غير تحريف ولا تصحيف

وأبدأ بعلم النحو والتصريف

فهاهما باب علوم الأثر

ثم أصول الفقه علم نظري

فمن لما ذكرته قد أتقنا

نال من العليا مقاما أحسنا

وصار عينا في بني الزمان

يهديهم لطاعة الرحمان

فما سوى طاعته من مطلب

فاحرص عليها فهي خير مكسب

والأصل إخلاص الفتى للنية

يقصده لوجه رب العزة

فكل من أخلص في أعماله

نال الذي يرجوه في مآله

ينزل حقا في جوار المصطفى

وحسبنا الله بهذا وكفى


صلى عليه الله كل ساعة

ولا حرمنا الفوز بالشفاعة

وآله ورض ما عشت على

أصحابه ذوي التقى والنبلا

واسأل لنا في كل حين يا علي

حسن الختام فهو خير العمل

المصدر :

ديوان الأمير الصنعاني : ٤٥٦ ـ ٤٥٨.

(٥٣)

قال : المقري : لما قرأ علي أحمد بن شاهين ـ أدام الله تعالى عزته ، وحرس حوزته! ـ عقيدتي المسماة (بإضاءة الدجنة ، في عقائد أهل السنة) سألني أن أجيزه فيها وفي غيرها ، فكتبت إليه بما نصه :

أحمد من أطار في جو العلا

صيت ابن شاهين الذي زان الحلي

وراش منه للمعالي أجنحه

نال بها فضلا غدا مستمنحه

واسكن البيان من أوكار

أفهامه بقنة الأفكار

فاصطاد كل شارد بمخلب

أبحاثه ومن يعارض يغلب

والصقر لا يقاس بالبغاث

والحق ممتاز عن الأضغاث

نشكر من بلغه مناه

على نواله الذي سناه

وننتحي نهج صلاة باديا

لخير من جاء الأنام هاديا

مبينا دلائل التوحيد

وموضحا طرائق التسديد

محمد خير البرايا المنتقى

أجل من خاف الإله واتقى

صلى عليه الله مع أصحابه

وآله الراوين عن سحابه


ما اعترف العبد الفقير ذو العدم

للرب باستغنائه وبالقدم

وبعد ، فالعلوم والعوارف

من أمها يأوي لظل وارف

وروضة أزهارها تضوعت

لأنها أفنانها تنوعت

وليس يحتاط بها نبيل

إذ ذاك أمر ما له سبيل

فليصرف القول إلى ما ينفعه

دنيا وفي أوج الأجور يرفعه

وإن علم أصول الدين

هدى وخيرا جل عن تبيين

لأنه أصل يعم النفع

بل وكل ما سواه فرع

وكيف يعبد الإله من لا

يعرفه وعن رشاد ضلا

فهو الذي لا تقبل الأعمال

إلا به وتنجح الآمال

وإنني كنت نظمت فيه

لطالب عقيدة تكفيه

سميتها (إضاءة الدجنه)

وقد رجوت أن تكون جنه

وبعد أن أقرأتها بمصر

ومكة بعضا من أهل العصر

درستها لما دخلت الشاما

بجامع في الحسن لا يسامى

وكان في المجلس جمع وافر

من جلة بدورهم سوافر

منهم فريد الدهر ذو المعالي

فخر دمشق الطيب الفعال

أحمد من راح لعلم واغتدى

وشام أنوار الفهوم فاهتدى

العالم الصدر الأجل المولى

من وصفه الممدوح يعيي القولا

وهو ابن شاهين وما أدراكا

من بذ جنس العرب والأتراكا

ورام من مثلي بحسن الظن

إجازة فيما رواه عني

فحرت في أمرين قد تناقضا

بالنفي والإثبات إذ تعارضا

ترك الإجابة لوصفي بالخطل

وبالخطا والجيد مني ذو عطل


وكم فرائض بعجز تسقظ

فكيف غيرها وهذا أحوط

أو فعلها بحسب الإمكان

رعيا لود محكم الأركان

منه وما له من الحقوق

ولا يجازى البر بالعقوق

وبعد ما مر من الترداد

أسعفته بمقتضى الوداد

وسرت في طرق من التساهل

معترفا بالجهل لا التجاهل

مع أنه الأهل لأن يجيزا

لا أن يجاز إذ حوى التبريزا

ومن رأى عيبي بعين للرضا

لم يقف نهج من غدا معترضا

فليرو عني كل ما أسمعته

إياه بالشرط وما جمعته

مع القصور راجيا للأجر

من الفنون نظمها والنشر

كهذه القصيدة السديده

والنعل ذات المدح العديده

كذاك ما ألفت في عمامه

من خص بالإسراء والإمامه

والفقه والحديث والنحو وفي

أسرار وفق وهو بالقصد وفي

وغيرها مما به الوهاب من

على فقير عاجز في غير فن

وما أخذت في بلاد المغرب

عن كل فذ في العلوم مغرب

ولي أسانيد إذا سردتها

طالت وفي كتبي قد أوردتها

وقد أخذت الجامع الصحيحا

وغيره عمن حوى الترجيحا

عمي سعيد عن سفين وهو عن

القلقشندي عن الواعي السنن

العسقلاني الشهاب ابن حجر

بما له من الروايات أشتهر

وقد أجزته بكل ما لي

يصح من ذاك بلا احتمال

على شروط قرروها كافيه

ليست على أفكاره بخافيه

وقال هذا المقري الخطا

والعي عم لفظه والخطا


عام ثلاثين وألف بعدها

سمع أتمت في السنين عدها

وكان ذا في رمضان السامي

بحضرة السعد دمشق الشام

والله نرجو أن يتيح الختما

بالخير كي نعطى القبول حتما

بجاه خير العالمين أحمدا

صلى عليه الله ما طال المدى

(٥٤)

وتذكرت بهذه الإجازة نظيرتها التي سألني فيها مولانا عين الأعيان ، مفتي الأنام في مذهب النعمان ، مولانا الشيخ عبد الرحمن العمادي مفتي الشام  ـ حفظه الله تعالى ـ لأولاده الثلاثة ، وكتب لي أصغرهم سنا استدعاء لذلك :

أحمد من شيد بالإسناد

بيت العلوم السامي العماد

وعم من خصص بالروايه

بنورها النافي دجى الغوايه

وزان صدر النبها كل زمن

بجوهر الإجازة الغالي الثمن

نحمده سبحانه أن عرفا

من الحديث ما به قد شرفا

ونسأل المزيد من صلاته

لمن أتيح القصد من صلاته

ملجؤنا المعصوم أعلى سند

لنا برغم جاحد مفند

كهف الضعيف والقوي المرتجى

باب الهدايات إلى نهج أمن

من فضله ما شك فيه مسلم

من حبه بكل خير معلم

نبينا المرسل ذو الخلق الحسن

والمعجز المفحم أرباب اللسن

محمد المرفوع قدره على

سائر خلق الله جل وعلا


صلى عليه ربنا وسلما

أزكى صلاة ننتحيها معلما

مع آله وصحبه ومن روى

آثاره عن صحة وما غوى

وبعد فالعلم عظيم القدر

وليس من يدري كمن لا يدري

ولم تزل همة أهل المجد

منوطة بنيل علم مجدي

ومنه علم السنة الشريفه

لأنه ظلاله وريفه

فمن درى الأخبار والشمائل

لم يك عن صوب الهدى بمائل

وكم سميدع لأجله رفض

أوطانه وثوب ترحال نفض

وكيف لا وهو أجل ما طلب

موفق يروم حسن المنقلب

لأنه وسيلة السعاده

والعز في الابداء والإعاده

وإنني لما انتحيت المشرقا

ميمما بدر اهتداء مشرقا

ألقيت في مصر عصا التسيار

بعد بلوغي أشرف الديار

وبعد ذا جئت دمشق الشام

مسكن من يزدان باحتشام

فشاهدت عيناي فيها ما ملا

قلبي سرورا إذ بلغت مأملا

مدينة فياضة الأنهار

فضفاضة الأثواب بالأزهار

أرجاؤها زاكية العبير

ومدحها يجل عن تعبير

فلاحظوا بالأعين الكليله

عبدا غدا تقصيره دليله

وقابلوا عيبي بما اقتضاه

فضل لهم رب الورى ارتضاه

خصوصا المولى الكبير المعتبر

قرة عين من رآه واختبر

مفتي الورى في مذهب النعمان

بها الوجيه عابد الرحمن

ابن عماد الدين من تعيي القلم

أوصافه الآتي كنور في علم


حاوي طراف المجد والتلاد

نال المنى في النفس والأولاد

وكنت في مكة قد أبصرت

منه علا عن مدحه قصرت

جلالة ومحتدا وعلما

ورفعة وسؤددا وحلما

مع التواضع الذي قد زانه

حسن اعتقاد مثقل ميزانه

فحث من في الشام من أخيار

لم يسلكوا مناهج الأغيار

أن يأخذوا بعض الفنون عني

بما اقتضاه منه حسن الظن

مع أنني والله لست أهلا

لذاك ، والتصدير ليس سهلا

وكان من جملتهم أبناؤه

عماد دين قد علا بناؤه

وصنوه الشهاب من توقدا

فهما وإبراهيم سباق المدى

وهو الذي قد ابتغى الإجازه

لهم بوعد طالبا إنجازه

وكتب القصيدة الطنانه

في ذاك لي مهتصرا أفنانه

وإنهم كحلقة قد أفرغت

دامت لهم آلاء فيض سوغت

فلم أجد بدا من الإجابه

مع كون جهلي سادلا حجابه

فقد أجزتهم بما رويته

طرا ، وما ارتجلت أو رويته

وكل ما صنفت في الفنون

مؤمل التحقيق للظنون

وما أخذت عن شيوخ المغرب

وغيرهم من كل حبر مغرب

ولي أسانيد يطول شرحها

شيد على تقوى الإله صرحها

ولو سردت كل مروياتي

هنا لطال القول في الأبيات

وكل طول غالبا مملول

وحد من يعني به مفلول

فلنقتصر إذن على القليل

تبركا بالمطلب الجليل

وقد أخذت جامع البخاري

عن عمي الحائز للفخار


المقري سعيد الإمام عن

محمد يدعي خروفا حين عن

التونسي الطيب الأنفاس

نزيل حضرة الملوك فاس

عن الكمال القادري المرتضى

عن الحجازي عن الحبر الرضا

نجل أبي المجد عن الحجازي

عن الزبيدي بنقل جاري

عن مسند الإسلام عبد الأول

عن الشهير الداودي المعتلي

عن السرخسي عن الفربري

عن البخاري الإمام الحبر

وفضله أظهر من أن يذكر

وعلمه المعروف غير المنكر

ومسلم به إلى الكمال

عن علم الدين أخي الجلال

منسوب بلقين عن التنوخي

عن ابن حمزة عن الشيوخ

كابن المقير عن ابن ناصر

عن ابن مندة اللبيب القاصر

عن جوزقي قد روى عن مكي

عن مسلم نافي دياجي الشك

فليخبروا عني بذا الباقي

من ستة حائزة السباق

كذا موطأ الإمام مالك

إمامنا منير حل حالك

ومسند الفذ الرضا ابن حنبل

والدارمي ذي الثناء الأجمل

والطبراني وما أرويه

من المعاجيم بما تحويه

وكلها تشمله الإجازه

بشرطها عند الذي أجازه

فلتقبلوه فهي من جهد المقل

إذ لست بالمطلوب مني أستقل

ومن أسانيدي عن القصار

مفتي الأنام بهجة الأعصار

عن شيخه خروف الراقي الدرج

عن الشريف الطحطحائي فرج

قال : سمعت المصطفى في النوم

صلى الله كل يوم

يقول : من أصبح ، يعني آمنا

في سربه ، الحديث فاعرف كامنا


ولنمسك العنان في هذا الأرب

مصليا على الذي زان العرب

وآله وصحبه الأعلام

ومن تلا من أنجم الإسلام

وخط هذا المقري العاصي

أجيز يوم الأخذ بالنواصي

سنة سبع وثلاثين تلت

ألفا لهجرة بياسين علت

عليه أزكى صلوات تستتم

نرجو بها الزلفى وحسن المختتم

ونص الاستدعاء المشار إليه هو :

فازت دمشق الشام بالمقري

الألمعي اللوذعي العبقري

علامة العصر بلا مفتري

وواحد الدهر بلا ممتري

كم سمعت أخبار أوصافه

فقصر المخبر عن منظر

جامع علم بث إملاءه

بالشام ملء الجامع الأكبر

يقري فتقرا السمع أنفاسه

أنفس ما يقرا وما قد قري

مولاي يا من در ألفاظه

صحاحها تزري على الجوهر

إجازة نرفل من فضلها

في ثوب عز وردا مفخر

مسبلة الذيل على أكبر

وأوسط الأخوة والأصغر

أطل لنا إنشاءها بل أطب

وأنظم لنا من درها وأنثر

لا زلت في نفع الورى دائبا

تجود جود العارض الممطر

العبد الداعي إبراهيم العمادي ، انتهى.

المصدر :

نفح الطيب ـ للمقري ـ ٣ / ١٨٢ ـ ١٨٦.


(٥٥)

وقال المقري : ومن الإجازات التي قلتها بدمشق الشام ما كتبته للأديب الحسيب سيدي يحيى المحاسني حفظه الله تعالى :

أحمد من زين بالمحاسن

دمشق ذات الماء غير الآسن

وأطلع النجوم من أعيان

بأفقها السامي مدى الأحيان

فكل أيامهم مواسم

من الصفا ثغورها بواسم

وذكرهم قد شاع بين الاحيا

إذ قطرهم به الكمال يحيى

وبشرهم حديثه لا ينكر

ومسند الجامع عنهم يذكر

وقد حكت جوارح الذي ارتحل

إليهم صحيح ما له انتحل

فسمعه عن جابر ، والعين

قرة تروى ، واللسان عن حسن

فحل من أتاحهم آلاءه

حتى أبان نورهم لألاءه

نحمده سبحانه أن أسدى

من الأمان ما أنال القصدا

وننتحي صوب صلاة باهره

إلى الرسول ذي السجايا الطاهره

أجل من خاف الإله واتقى

محمد الهادي الرسول المنتقى

صلى عليه الله طول الأبد

مع آله وصحبه والمقتدي

وبعد ، فالعلم أساس الخير

وكيف لا وهو مزيح الضير

وهو موصل إلى منهاج

هدى ورشد ما له من هاجي

وما بغير العلم يبدو العلم

وليس من يدري كمن لا يعلم

خصوصا الحديث عن خير البشر

فإن فضله على الكل انتشر

ولم يزل يعنى به كل زمن

من الرواة كل صدر مؤتمن


وإنني عند دخول الشام

لقيت من بها من الأعلام

وشاهدت عيناي من إنصافهم

ما حقق المحكي عن أوصافهم

وإن جملتهم أوج الذكا

والنير المزري سناه بذكا

ابن المحاسن الذي قد طابقا

منه مسمى الاسم إذ تسابقا

اللوذعي الألمعي يحيى

لا زال رسم المجد منه يحيى

وهو الذي أغراه حسن الظن

على انتمائه لأخذ عني

وكان قارئ الحديث النبوي

لذي في الجامع ، أعني الأموي

بمحضر الجمع الغزير الوافر

ممن وجوه فضلهم سوافر

وبعد ذاك استمطر الإجازة

من نوء وعدي واقتضى إنجازه

فلم أجد بدا من الإجابه

مع أنني لست بذي النجابه

وإن أكن أجبت أمرا يمتثل

منه ففي ذلك تصديق المثل

فيمن درى شيئا وغابت أشيا

عنه ومن أهدى لصنعا وشيا

فليرو عني كل ما يصح لي

بشرطه الذي يزين كالحلي

وقد أخذت جامع البخاري

عن عمي الإمام ذي الفخار

سعيد الذي نأى عن دنس

عن شيخه الحبر الشهير التنسي

أعني أبا عبد الإله وهو عن

والده محمد راوي السنن

عن ابن مرزوق محمد الرضا

عن جده الخطيب عن بدر الرضا

الفارقي عن إمام يدعى

بابن عساكر الجميل المسعى

بما له من الروايات التي

على علو قدره قد دلت

وليرو عني ما انتمى للنووي

بذا إلى السابق ذي النهج السوي

أعني ابن مرزوق الخطيب الراوي

عن شيخه يحيى الرضي المغراوي


وهو روى عن صاحب التمكين

النووي الشيخ محيي الدين

وخط هذا أحمد البادي الوجل

المقري المالكي على خجل

في عام ألف وثلاثين خلت

من هجرة الهادي وسبعة تلت

ألبسه الله البرود الضافية

من منه وعفوه والعافية

بجاه سيد البرايا طرا

ملجأ من إلى الكروب اضطرا

المصدر :

نفح الطيب ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٩.

(٥٦)

وقال المقري : وخاطبني السري الحسيب الماجد فخر المدرسين الأعيان مولانا الشمس محمد بن الكبير الشهير مولانا يوسف بن كريم الدين الدمشقي حفظه الله تعالى بقوله :

شمس المحاسن شرقي أو غربي

سعدت منازلنا بشمس المغرب

شمس لنا منها شموس فضائل

وسنا هدى قد راح غير محجب

المقرئ العالم الندب الذي

لسوى اسمه درج الحجا لم يكتب

بدر ولم تبد البدور بمشرق

إلا بدت من قبل ذاك بمغرب

لسوى اكتساب سناه لم تغرب ذكا

فلو أنها شعرت به لم تغرب

عمري هو البحر المحيط فضائلا

إن قيس بالعذب الذي لم يعذب

مولى له سند قوي في العلا

فعن الجدود روى العلا وعن الأب


إلى أن يقول :

مولاي عذرا فالزمان يعوقني

عن مطلبي والآن مدحك مطلبي

عفوا إذا أخرت مدحك سيدي

فعوائق الأيام عذر المذنب

وكذاك يفعل بالأديب زمانه

فلذا يطول على الزمان تعتبي

لم ألق يوما من يديه مهربا

إلا ثناك ، وحبذا من مهرب

لولاك لم ينهض جواد قريحتي

في كل واد للضلالة متعب

فاسمع ، ولست بآمر ، نظما غدا

في عقد مدحك لؤلؤا لم يثقب

كالراح يلعب بالعقول للطفه

لكن بغير مسامع لم يشرب

من كل قافية غدت من حسنها

مثلا لغيرك في العلا لم يضرب

خود تقلد من ثناك قلائدا

بكر لغيرك في الورى لم تخطب

غنيت بمدحك زينة ولربما

يغني الجمال عن الوشاح المذهب

هي بعض أوصاف لذاتك قد غدت

كالبحر عذبا ماؤه لم ينضب

جاءتك تسألك القبول وحسبها

فخرا قبولك وهو جل المطلب

وتروم منك إجازة فاقت بما

ترويه بالسند القوي عن النبي

حسبي الإجازة منك جائزة ولم

أك قبل غير الفضل بالمتطلب

لا بدع والإيجاز إطنابا غدا

في مدحه إن لم أطل أو أسهب

هيهات لا تحصى مآثر فضله

بالمدح إن أطنب وإن لم أطنب

خدمة الداعي محمد بن يوسف الكريمي ، انتهى.

فأجزته بما صورته ونصه :

أحمد من أطلع شمس الدين

في أفق الرواية المبين


وخص فضلا منه بالإسناد

أمة طه مذهب العناد

فلم يكن عصر من الأعصار

إلا وفيه أهل الاستبصار

ينفون عن حوزة دين الله ما

يروم من عليه رشد أبهما

وأنتحي سبل صلاة كامله

على الذي له العطايا الشامله

محمد المرسل بالشرع الحسن

ذو المعجز المفحم أرباب اللسن

مع حزبه من صحبه وعترته

ومن تلا مؤملا لأثرته

وبعد فالعلم أجل ما اعتمد

موفق من فيض مولاه استمد

خصوصا الحديث عن خير الورى

صلى عليه الله ما زند وروى

ولم يزل ذوو النهى يسعون في

تحصيله إذ فضله غير خفي

وإن مولانا الشهير السامي

الماجد المولى نبيه الشام

سالك نهج السنة القويم

محمد بن يوسف الكريمي

لا زال في عز وفي أمان

مبلغ من قصده الأماني

وجه لي لما حللت الشاما

وبرق حسن الظن مني شاما

قصيدة بليغة مستعذبه

غريبة في فنها مهذبه

يسأل من مثلي بها الإجازة

بشرطها عند الذي أجازه

مستمسكا بعروة الصواب

ولم أجد بدا من الجواب

فليرو عني ما سمعت كله

وما جمعت في الفنون جمله

على شروط قررت في الفن

مرتجيا حصول كل من

وصنوه الأكمل قد أبحته

ذاك على الوجه الذي شرحته

وإن أكن فيما ابتغى مقصرا

فذو الرضا ليس لعيب مبصرا

ولي أسانيد أبى وقتي عن

تفصيلها لما من الرحلة عن


والعذر باد والكريم يقبل

والصفح نهج يقتفيه الأنبل

وخط هذا المقري الجاني

أمنه الله من الأشجان

في عام ألف وثلاثين قفا

سبعا لهجرة النبي المصطفى

عليه أزكى صلوات تغتنم

يزكو بها مفتتح ومختتم

المصدر :

نفح الطيب ـ للمقري ٣ / ١٩٠ ـ ١٩٤.

(٥٧)

وقال المقري : كتب إلي الفاضل الخطيب ، الفهامة الأديب ، وارث الفضل عن الأعلام ذوي اللسن ، سيدي الشمس محمد المحاسني سبط شيخ الإسلام مولانا البوريني حسن ، حفظه الله تعالى بقوله :

يا سيدي وملاذي

وعالم الثقلين

ومن غدا بمكان

علا على النيرين

أجزت بالدرس قوما

فاقوا به الفرقدين

فزين العبد أيضا

من مثل ذاك بزين

وإن يكن في ختام

فذاك قرة عيني

فأجزته بما نصه :

أحمد من أطلع من محاسن

دمشق ما أربى على المحاسن

وزانها بالجلة الأعيان

الرافلين في حلى التبيان

الراغبين في الحديث النبوي

السالكين في الهدى النهج السوي


وبعد فالعلم أجل زينه

وسبله في الرشد مستبينه

وإن علم السنة الشريفه

ظلاله ضافية وريفه

لذاك كان باعتناء أجدرا

من كل ما يمليه من تصدرا

وإن ذا الفضل الأديب البارع

سابق ميدان الذكا المسارع

الماجد المسدد السامي الحسب

محمد من للمحاسن انتسب

ابن الشهير الصدر تاج الدين

لا زال في عز وفي تمكين

وجده لأمه الشيخ الحسن

وذاك بورينيهم معطى اللسن

يسألني إجازة بكل ما

أرويه عنوانا بحالي معلما

فليرو عني كل ما يصح

على شروط غيثها يسح

وكل ما ألفت أو جمعت

نظما ونثرا مثل ما أسمعت

ولي أسانيد يضيق الوقت

عن سردها وبعضها قد سقت

في غير هذا فليحقق ذلك

مقتفيا لأوضح المسالك

وقد أخذت عن جامع البخاري

ومسلم عن حائز الفخار

عمي سعيد وهو عمن يدعى

بالتنسي قد أفاد الجمعا

عن حافظ الغرب الرضا أبيه

عن ابن مرزوق عن النبيه

الحافظ المبجل العراقي

وقد سما في سلم المراقي

وما له من الروايات علم

من كتبه التي حوت خير الكلم

وخط هذا المقري عن عجل

مؤملا من ربه عزوجل

غفران ما جنى من الذنوب

والصفح عن معرة العيوب

بجاه خير العالمين أحمدا

صلى عليه الله دأبا سرمدا


وآله وصحبه الأخيار

ومن تلا لآخر الأعصار

المصدر :

نفح الطيب ـ للمقري ـ ٣ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٥٨)

وقال المقري : لما سألني في الإجازة الفاضل الأديب سيدي محمد بن علي بن مولانا ، عالم الشام الشهير الذكر ، شيخ الإسلام ، سيدي ومولاي الشيخ عمر القاري ـ حفظه الله تعالى! ـ وأنا مستوفز للسفر ، كتبت له عن عجل ما صورته :

أحمد من زين بالآثار

جيدا من الراوي النبيه القاري

وشاد للعلياء في أوج السند

منازلا لم يبلها طول الأمد

وميز الواعين للحديث

بالفضل في القديم والحديث

وزان منهم سماء الدين

فأشرقت بالحفظ والتبيين

فهم بها للمهتدي نجوم

وإنها للمعتدي رجوم

فكم أزاحوا عن حديث المجتبى

صلى عليه الله ما هبت صبا

تحريف ذي غل مضل غالي

شان لمنهاج الرشاد قالي

بوعد فالإسناد للروايه

وسيلة تزحزح الغوايه

والله قد خصص هذي الامه

به امتنانا وأزاح الغمه

هذا ولولا ذاك قال من شا

ما شاءه فهو بحق منشا

فلم يزل أهل النهى كل زمن

يسعون في تحصيله عن مؤتمن

وإن من جملة من تحرى

لجملة من العلوم غرا

الفاضل المسدد النجيب

الواصل الممجد الأريب

محمد سليل ذي المجد علي

ابن الإمام العالم الحبر الولي


عمر الشيخ الشهير القاري

طود السكون هضبة الوقار

شيخ الشيوخ في دمشق الشام

لا زال محفوفا بعز سامي

فكان من جملة من عني روى

بعض الصحيح ظافرا بما نوى

وبعد ذاك اقترح الإجازه

مني ووعدها اقتضى إنجازه

فانعجمت نفسي عن الإجابه

إذ لست في ذا الأمر ذا نجابه

مع أنني مقصر ذو عي

في مثل هذا المطلب المرعي

وخفت أن آتيها شنعاء

بحملي الوشي إلى صنعاء

وبعد ذا أجبت قصد الأجر

مرتجيا بذاك ربح التجر

وقد أجبته وإني أعلم

أني من خوف الخطا لا أسلم

فليروها ببالغ التمني

جميع ما يصح لي وعني

من ذلك الجامع للبخاري

عن عمي الشهير ذي الفخار

سعيد الآخذ عن سفين

عن قلقشندي مزيح المين

عن حافظ الإسلام أعني ابن حجر

بما له من الروايات اشتهر

وبعضها في صدر فتح الباري

مبين لطالب الأخبار

ولي أسانيد يطول شرحها

والروضة الغناء يكفي نفحها

ومن رواياتي عن القصار

مفتي البرايا نهجة الأعصار

حدثنا خروف الذاكي الأرج

عن الشريف الطحطحائي فرج

سمعت في المنام طه يملي

حديث من أصبح وفق النقل

أي آمنا في سربه معافى

في جسمه مع قوت يوم وافى

وكل ما ألفت في الفنون

أرجو به التحقيق للظنون

فليروه عني بشرط معتبر

وربما يصدق الخبر الخبر

ولي تآليف على العشرينا

زادت ثمانيا حوت تعنينا


فليروها إن شاء بلا استثناء

والله أرجو نيل قصد نائي

بجاه من شرف بالإدناء

صلى عليه الله في الآناء

أحمد خير المرسلين الهادي

غوث البرايا ملجأ الأشهاد

على أسنى صلوات زاكيه

مع صحبه ذوي المزايا الزاكيه

ومن تلا ممن أطاب عمله

فنال من رجائه ما أمله

وشم من عرف قبول أرجا

فنال من حسن الختام ما رجا

المصدر :

نفح الطيب ٣ / ١٩٥ ـ ١٩٨.

(٥٩)

أرجوزة (العقد الثمين الغالي في ذكر الأشياخ ذوي الأفضال) لأبي الفيض ، السيد مرتضى الزبيدي صاحب (تاج العروس) المتوفى ١٢٠٥ ، أجاز بها للشيخ شمس الدين بن فتح الفرغلي المصري ، قال في أولها :

يقول راجي العفو عما قد مضى

محمد نجل الحسين المرتضى

الحمد لله على وصل السند

إليه بالرفع الصحيح المعتمد

إلى أن يقول :

راسلني بنظمه ونثره

جواهرا مكنونة من سره

يحث في إنجاز ما وعدت له

إجازة حافلة مطوله

حاوية لذكر أشياخ اليمن

ومن إليهم نسبتي طول الزمن

سميتها (العقد الثمين الغالي

في ذكر أشياخي ذوي الإفضال)


المصدر :

فهرس الفهارس : ٨٧٣.

(٦٠)

إجازة أخرى أصدرها الزبيدي ، لمحمد بن عبد السلام الناصري  ـ المتوفى ١٢٣٩ ـ قال فيها :

وقد سألت ربنا سبحانه

له على ما قصد الإعانه

حتى يصير حافظ الزمان

وعالما بعلمه الرباني

المصدر :

فهرس الفهارس : ٨٤٧.

(٦١)

وقال الزبيدي في آخر أرجوزته المسماة ب (ألفية السند) مجيزا لعامة من أدرك حياته :

نظمتها للآخذين عني

وبعضهم قد استجاز مني

فقد أجزت كل ما ذكرته

لكل راغب له علمته

وكل من قد استجاز مني

في الأخذ والعلم بكل فن

وكل ما ألفته في علم

أو قلته في النثر أو في النظم

فليرو من شاء على أي صفه

إجازة فيها التقى والمعرفه


المصدر :

فهرس الفهارس : ٥٤٣.

(٦٢)

إجازة الزبيدي ، لعبد الرحمن بن يوسف بن محمد السفاريني ، قال فيها :

وجده محمد بن أحمدا

شيخ الحديث قد هدى وسددا

قد كان عمر الله في نابلس

بقية الأخيار عالي النفس

أوحد من كانت له العناية

في حفظ هذا الفن فوق الغاية

المصدر :

فهرس الفهارس : ١٠٠٣.

(٦٣)

إجازة السيد المحدث الفقيه الرجالي السيد أبو تراب بن أبي القاسم الموسوي الخونساري ، المتوفى ١٣٤٦ ، نظمها جوابا لابن عمه السيد محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي ، الذي استجازه شعرا بقوله :

يا حجة الإسلام في دهره

ومقتدانا وإمام العباد

فقيه أهل البيت في عصره

وحامل العلم ومأوى الرشاد

ماذا ترى في ابن عم أتى

حضرتكم يبغي اتصال الوداد


لا يبتغي منكم سوى كلمة

تكتبها كفكم بالمداد

إجازة تبقى لنا دائما

نحظى بها العز ليوم التناد

نهدي جميل الشكر منا لكم

ما بقي الدهر وكل البلاد

وجاء جواب السيد المجيز في أرجوزة :

عليك مني يا فقيه الأنام

ألف سلام أنت بدر التمام

أجزت أن تروي عنا الأصول

وكل ما أدى إلينا الرسول

لا سيما كافي أهل السداد

وهكذا تهذيب أهل الرشاد

وأيضا الفقيه والأمالي

كذا كتاب الشيخ والخصال

وكل ما أروي عن الفحول

من الفروع أو من الأصول

وكل ما صحت لي الرواية

وجاز لي التحديث والدرايه

مشايخي جماعة كثيره

أسماؤهم معروفة شهيره

في كتب الرجال جاء ذكرهم

كما علا بين الأنام قدرهم

قد بينوا شرايع الأحكام

جزاهم الله عن الإسلام

كصاحب الروضات والمباني

وابن التقي الباقر الرباني

وكابن هاشم التقي العالم

محمد الحسين أعني الكاظمي

والسيد المحقق الكوكمري

أعني الحسين صاحب التبحر

وغيرهم من الكرام البرره

أسماؤهم معروفة مشتهره

المصدر :

الدرر الغوالي ـ للأصفهاني ـ : ١٣٠ ـ ١٣١.


(٦٤)

أرجوزة من نظم القاضي أحمد بن عبد الله العرشي الخولاني ـ المتوفى بعد سنة ١٣٥٤ ـ وهي إجازته للقاضي محمد بن الحسين بن أحمد بن صالح العرشي ، مطلعها :

حمدا لم علمنا البيانا

والسنة البيضاء والتبيانا

المصدر :

مؤلفات الزيدية ١ / ٩٦ رقم ٢٢٥.

(٦٥)

إجازة المولى السيد محمد بن إبراهيم المؤيدي ، الشهير بابن حورية  ـ المتوفى ـ للعلامة شيخنا في الرواية السيد مجد الدين المؤيدي ، وصاحب (الجامعة المهمة) دام ظله. وهي منظومة ، قال فيها :

وبعد إن الولد العلامه

الفذ والنبراس ذا الشهامه

وواحد العصر فريد عقده

لما حوى من نبله ومجده

فهو بلا ريب طباق اسمه

فلم يكن مخالفا لرسمه

مجد الهدى والدين والإسلام

ونجل رأس العلما الأعلام

محمد بن السيد المنصور

ذي الفضل والزهادة المبرور

دامت لهم عن ربنا السعاده

والفوز بالحسنى مع الزياده

عول في التاريخ أن أجيزه

في كل مسموع وما استجيزه

عن من روى لي مسندا مسلسلا

في كل فن أو رواه مرسلا


وما قرأت من علوم الأدب

مع الأصولين وأعلى الكتب

في مسندات الآل والتفسير

وفي فروع الفقه بالتنقير

لأن لي والحمد للمختار

مشايخنا كانوا ولاة الباري

كانوا كواكب علمه الدرية

بل كشموس علمنا المضية

وهاك تعييني لأسماء لهم

وبعض ذكر من سمات فضلهم

وما قرأت أو سمعت مفردا

عن كل فرد أو بجمع مسندا

المصدر :

التحف شرح الزلف ـ الترجمة الملحقة ـ : ٥ ، والجامعة المهمة : ٩٩

(٦٦)

إجازة الشيخ محمد بن طاهر السماوي ـ المتوفى سنة ١٣٧٠ ـ للعلامة شيخنا في الرواية السيد محمد صادق بحر العلوم ـ المتوفى ٢١ رجب ١٣٣٩ ـ :

أحمد ربي وأصلي أبدا

على النبي القرشي أحمدا

وآله أولي النهى والأمر

ثم أقول في جواب الأمر

أجزت سيدي أخا الفضل السني

محمد الصادق نجل الحسن

سليل إبراهيم طود المجد

ابن الحسين بن الرضا بن المهدي

عن شيخنا المقدس التقي

محمد بن هاشم الهندي

عن شيخه البحر محمد الحسن

معطي الورى جواهرا بلا منن

عن شيخه محمد الجواد

عن شيخه المهدي بالإسناد


(خيلولة) وعن معز الدين

محمد بن الحسن القزويني

عن عمه محمد الباقر عن

محمد المهدي من آل الحسن

بحر العلوم والفنون والأثر

من جدد القرن لها الثاني عشر

عن شيخه محمد الباقر عن

ولده محمد الأكمل من ...!

عن شيخه محمد عن الأب

محمد المجلسي النسب

عن شيخه محمد البهائي

وطرقه نيرة السناء

سلسة تزان في محمد

من كل شيخ بالوثوق مسند

(أجزته) أن يروي الكتب التي

صحت على شرط المجيز المثبت

فإنه أهل لهذا ومحل

والسؤل أن يدعو لمولاه الأقل

محمد بن طاهر السماوي

عفا له الله عن المساوي

حرر في ذي الحجة الحرام

قد صين من كوارث الأيام

في عام خمس ثم ستين تلت

ثلاث مائة وألفا كملت

من هجرة النبي سيد البشر

صلى الله عليه ما شع القمر

المصدر :

الإجازة الجلالية (مخطوطة) وسلك اللآلي (مخطوط) كلاهما للسيد محمد صادق بحر العلوم رحمه‌الله.

(٦٧)

ومما أصدرته حديثا من الإجازات هذه الأرجوزة :

الحمد لله مدى الصبح ظهر

وغرد القمري من فوق الشجر


ثم الصلاة والسلام النامي

على الرسول سيد الأنام

وآله الغر الكرام الطهر

أئمة العصمة صنو الذكر

هم حجج الله على البرايا

خطاهم تنبو عن الخطايا

فأسوة ممن برا سيرتهم

وحجة على الورى سنتهم

أقوالهم أفعالهم تقريرهم

منهم على ما قد أتاه غيرهم

هي الحديث الخير وهو السنه

وهي علينا نعمة ومنه

ورحمة مفتوحة أبوابها

وطرق موصولة شعابها

وبعد فالأخ الحبيب والصفي

الفاضل الكامل والخل الوفي

الماجد المعروف بالغرباوي

أبعده الله عن المساوي

قد أحسن العلم بهذا الفن

وأحسن الظن بنقل عني

قد طلب الإجازة المعروفه

من طرق النقل هي المألوفه

فلم أجد صرفا عن الإجابه

بها سأرجو دعوة مجابه

أقول ـ والله هو الكافي السند

والصدق أبغيه وعند المعتمد ـ :

مشايخي هم عدة كثيره

أسماؤهم معروفة شهيره

أول من أجازني أولاهم

أرفع من ألحقني أعلاهم

محمد المحسن والرباني

آقا بزرك ذلك الطهراني

شيخ الشيوخ صاحب الذريعة

والطبقات ترجمان الشيعة

ثانيهم نجل التقى والحلم

ذو النسب الطاهر صنو العلم

محمد الصادق قولا وعمل

بحر العلوم من عن المدح أجل

قد حاطني بفضله العميم

وخصني بوافر التكريم

أجازني بالطرق الثمانيه

ونصها بخطه وهاهيه


أوسع من لقيت في الإجازه

من كل فرقة ترى جوازه

المرعشي ذلك الطود الأشم

ناشر أمرها لعرب وعجم

محمد الحسين ذاك النجفي

أعني شهاب الدين صنو الشرف

وغير هؤلاء من مشايخي

أصحاب رفعة ومجد شامخ

لا سيما أئمة الزيود

أعلام أرض اليمن المسعود

كالطود مجد دينه المجدد

الحسني ذلك المؤيدي

من أصدر الجامعة المهمه

إجازة لنا عن الأئمه

والسيد جلال ذلك المؤتمن

محمد الحسين من آل الحسن

أصدر لي أنواره السنيه

أثبات الاعلام بها محويه

وثبتي الجامع للعوالي

من الأسانيد هي اللآلي

حوى جميع ما لنا من السند

كتابنا الكبير وهو المعتمد

أجزته أن يروي الجميعا

ما لم ينشر مع ما أذيعا

بشرط ما قد أخذوه فيها

وهو أساس القصد من معطيها

الأمن من تحريف ما يرويه

والبعد من تصحيف لفظ فيه

فليستعن بالله في الروايه

محصلا للعلم بالدرايه

والاصل في التحصيل تقوى الله

في أمره والترك للمناهي

إخلاص نية علو همه

في طلب الحق هي المهمه

أرجو دعاه لي وعنده الأمل

وقت حياتي وإذا جاء الأجل

فرحمة من ربه لي مرسله

أمثالها أرجوه أن تعد له

فهاكها إجازة منضوده

أعيذها من أعين حسوده


قد قالها باللفظ منه وكتب

محمد الرضا الحسيني النسب

السيد المعروف بالجلالي

يرحمه اللطيف ذو الجلال

في ثالث العشرين من شهر رجب

وإنه شهر الإمام المنتجب

في أربع وعشرة وأربع

من المئات بعد ألف متبع

من هجرة الخير لخير الرسل

صلى عليه الله مولاه العلي

ثم الصلاة والسلام الأبدي

على الوصي المرتضى المؤيد

وآله الغر الكرام البررة

أبناء بضعة الهدى المطهرة

المصدر :

ثبت الأسانيد العوالي (مخطوط).

والحمد لله رب العالمين


فهرس المصادر

١ ـ إجازات الشيخ أحمد الأحسائي ، تحقيق الدكتور حسين علي محفوظ ، النجف ، مطبعة الآداب.

٢ ـ الإجازات الجلالية ، للسيد محمد صادق بحر العلوم (ت ١٣٣٩) (مخطوط).

٣ ـ إجازة الحديث ، للسيد محمد حسين الجلالي ، دار المنار ـ القاهرة.

٤ ـ أزهار الرياض في أخبار عياض ، لجنة التأليف والنشر ، القاهرة ١٣٥٨ ه.

٥ ـ الأعلام ، لخير الدين الزركلي ، الطبعة الثالثة ١١ مجلدا.

٦ ـ الإلماع في تقييد الرواية والسماع ، للقاضي عياض اليحصبي الأندلسي ، تحقيق السيد صقر ، مصر.

٧ ـ تاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي علي بن ثابت (ت ٤٦٣) مطبعة السعادة ـ القاهرة ١٣٤٩ ه.

٨ ـ التحف شرح الزلف ، للسيد مجد الدين بن محمد المؤيدي دام ظله ، الطبعة الأولى ١٣٨٩ ه.

٩ ـ تحقيق النصوص بين صعوبة المهمة وخطورة الهفوات ، للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، مقال منشور في مجلة (تراثنا) الفصلية الصادرة عن مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم.

١٠ ـ تلخيص مجمع الآداب ، لابن الفوطي ، عبد الرزاق بن أحمد الشيباني الحنبلي (ت ٧٢٣) حققه الدكتور مصطفى جواد ، المطبعة الهاشمية ـ دمشق ١٩٦٣ م.

١١ ـ توضيح الأفكار ، للأمير الصنعاني.

١٢ ـ ثبت الأسانيد العوالي في إجازات وطرق الجلالي ، للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي (مخطوط).

١٣ ـ جامع بيان العلم ، لابن عبد البر القرطبي يوسف (ت ٤٦٣) دار الكتب العلمية ـ بيروت.

١٤ ـ الجامعة المهمة لأسانيد كتب الأئمة ، للسيد مجد الدين بن محمد المؤيدي ـ


مطبعة مصطفوي ـ طهران ١٣٩٦ ه.

١٥ ـ حديقة الأفراح لإزاحة الأتراح ، لأحمد بن محمد اليمني الشرواني ، المطبعة الميمنية ، على نفقة مصطفى البابي الحلبي وإخوته ـ القاهرة ١٣٢٠ ه.

١٦ ـ الحطة في الكتب الستة ، للسيد صديق حسن خان القنوجي (ت ١٣٠٦) تحقيق على حسن الحلبي ، دار عمار ـ عمان ـ الأردن ١٤٠٨ ه.

١٧ ـ خزانة الأدب ، للحموي عبد القادر البغدادي (ت ١٠٩٣) تحقيق عبد السلام محمد هارون ـ مكتبة الخانجي ، القاهرة ١٤٠٣ ه.

١٨ ـ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ، للسيد حسن الأمين ـ الأولى ـ بيروت ١٣٩٣ ه.

١٩ الدرر الغوالي في الإجازة لسيدنا الجلالي ، للسيد محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي الموسوي ، طبع مع مجموعة (إجازة الحديث) للسيد محمد حسين الجلالي.

٢٠ ـ الدر الفريد لمتفرقات الأسانيد ، للشيخ عبد الواسع بن يحيى الواسع ، مطبعة حجازي ـ القاهرة ـ ١٣٥٧ ه.

٢١ ـ ديوان الأمير الصنعاني ، نشر في الدوحة ـ قطر.

٢٢ ـ ديوان صفي الدين الحلي ، دار صادر ـ بيروت.

٢٣ ـ الذيل على الروضتين ، لعبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة المقدسي (ت ٦٦٥).

٢٤ ـ الذيل على طبقات الحنابلة ، لابن رجب ، عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد ، البغدادي ، الدمشقي ، الحنبلي (ت ٧٩٥) صححه محمد حامد الفقي ، مطبعة السنة المحمدية ـ القاهرة ١٣٧٢ ه.

٢٥ ـ صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، للقلقشندي ، طبع دار الكتب ـ سلسلة (تراثنا) ـ القاهرة.

٢٦ ـ الصحف المطهرة ، للسيد محمد هادي الخراساني الحائري (ت ١٣٦٨) (مخطوط).

٢٧ ـ فهرسة الرصاع.

٢٨ ـ فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات ، للسيد


محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المغربي ، باعتناء الدكتور إحسان عباس ، دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ـ الطبعة الثانية ١٤٠٢ ه.

٢٩ ـ القاموس المحيط ، للفيروزآبادي.

٣٠ ـ الكامل في الضعفاء ، لابن عدي أحمد بن عبد الله الجرجاني (ت ٣٦٥).

٣١ ـ الكفاية في علم الرواية ، للخطيب البغدادي ، علي بن ثابت (ت ٤٦٣) مراجعة عبد الحليم محمد وعبد الرحمن حسن ، الطبعة الأولى ـ دار الكتب الحديثة ـ مصر.

٣٢ ـ رواية العلم في الإسلام (باللغة الفرنسية) مجموعة كتابات لجورج وجده.

Georges vajda

LA Transmission du Savoir en lslam London ١٩٨٣

Variorum Reprints ٣٣ ـ لسان العرب ، لابن منظور الأنصاري ـ طبع بولاق ، مصر ١٣٠٠ ه.

٣٤ ـ مؤلفات الزيدية ، للسيد أحمد الحسيني ، منشورات مكتبة السيد المرعشي ـ قم.

٣٥ ـ المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، للرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن القاضي (ت ٣٦٠) تحقيق الدكتور محمد عجاج الخطيب ، دار الفكر ـ الطبعة الأولى ١٣٩١ ه.

٣٦ ـ المسلسلات ، مجموعة إجازات السيد آية الله المرعشي النجفي (ت ١٤١١) جمعها نجله السيد محمود مرعشي ـ تحت الطبع.

٣٧ ـ مع ابن جبير في رحلته ، لعبد القدوس الأنصاري ـ الطبعة الأولى ١٣٩٦ ه.

٣٨ ـ المنتخب من كتاب السياق.

٣٩ ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، لأحمد بن محمد المقري التلمساني (١٠٤١) حققه يوسف الشيخ محمد البقاعي ـ دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٦ ه.

٤٠ ـ النفس اليماني.


فهرس الأعلام

يعتمد على

أرقام المقاطع الشعرية

(أ)

إبراهيم بن الحسين المجشي (مجاز) ٥٩.

أحد الطلاب (مجاز) ١١.

أحمد الأحسائي (مجاز) ٢٤.

أحمد الحنبلي شهاب الدين (مجاز) ٢٧.

أحمد بن شاهين (مجاز) ٥٣.

أحمد بن عبد الله العريشي الخولاني (مجيز) ٦٤.

أحمد بن علي بن داود البلوتي الوادي آشي (مجاز) ٢٨.

أحمد بن محمد أبو طاهر السلفي (مجاز) ٤٤.

أحمد بن أبي المقدام ، ابن الأشعث البجلي (مجيز) ٣٧.

أحمد بن يحيى الشامي (مجاز) : ٨.

إسماعيل بن أحمد بن عبد الله المختفي (مجاز) ٤٢ ، ٤٣.

إسماعيل بن كثير المؤرخ (مجيز) ٢١.

بنو الأهدل (مجازون) : ١٠.

(ب)

البدر القرافي (مجيز) ٤٦.

البدر الغري = محمد.

بعض إخوانه (مجاز) ٣٧.

بعض السادة (مجاز) ٣١.

بعض الطلبة (مجاز) ٥٢.

بعض من سأل الإجازة (مجاز) ٥٠.

ابن بعض وزراء الملوك (مجاز) ٩.

أبو بكر بن محمد الدلاني المغربي (مجاز) ١.

(ت)

أبو تراب بن أبي القاسم الخونساري (مجيز) ٦٣.


(ج)

جمال الدين أبو بكر بن صاعد بن التاج الحافظ البكري الملتاني (مجاز) ٣٨.

جمل الليل ٢٣.

(ح)

ابن حجر العسقلاني (مجاز) ١٢.

ولد ابن حجر العسقلاني (مجازون) ١٢.

الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد القاضي الرامهرمزي (مجيز) ٩.

حسن بن محمد بن علي ، سهيل الصعدي اليمني (مجيز) ٤٨.

حسين الدرازي البحراني آل عصفور

(مجيز) ٢٤.

حسين بن محسن بن محمد السبيعي الأنصاري (مجيز) ٢٥.

(د)

داود حجر الزبيدي (مجاز) ٤.

داود بن علي بن العباس الأصابي اليمني (مجاز) ٥١.

(ر)

الرصاع (مجيز) ٤١.

(س)

سعيد بن حسن العنسي (مجاز) ١٤ ، ٣٥.

ابن سمنديار (مجاز) ٤٨.

السنوسي العارف (مجيز) ٢.

(ش)

أبو شامة المقدسي (مجيز) ٤٧.

شمس الدين بن فتح الفرغلي المصري (مجاز) ٥٩.

(ص)

صديق حسن خان القنوجي (مجاز) ٢٥.

صفي الدين الحلي (مجيز) ١٨.

صلاح الدين الصفدي (مجيز) ٢٧.


(ط)

أبو طاهر السلفي (مجيز) ٣٢ = أحمد ابن محمد.

(ع)

عامة بن أدرك حياته (مجاز) ٦١.

أبو العباس الدقون (مجيز) ٣.

أبو العباس ابن ناصر (مجيز) ١٩.

عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه الحسيني الشافعي (مجيز) ٣٤.

عبد الرحمن بن علي الزبيدي الشيباني ، ابن الربيع (مجيز) ٣٩.

عبد الرحمن العمادي مفتي الشام (مجاز) ٥٤.

عبد الرحمن بن مصطفى العبدروس الحسيني التريمي المصري (مجيز) ١٠.

عبد الرحمن بن يوسف بن محمد السفاريني (مجاز) ٦٢.

عبد العزيز بن عبد القادر الربعي البغدادي (مجيز) ٣٨.

عبد اللطيف بن محمد الخجندي صدر الدين (مجيز) ١٥.

عبد الله بن أحمد بن إسحاق فخر الدين

(مجاز) ١٣.

عبد الوهاب الفضلي البصري (مجيز) ٣٠.

علي بن الحسن النوري الحربي الصفاقي (مجاز) ٢.

أولاد علي بن الحسن النوري الحربي الصفاقي (مجازون) ١٩.

علي بن محمد ، لقمان جمال الدين الذماري (مجاز) ١٧.

أبو علي لقمان جمال الدين الذماري (مجاز) ١٧.

عمر بن أبي الحسن البسطامي أبو شجاع (مجيز) ٤٤.

عياض القاضي اليحصبي (مجاز) ٣٢.

(ف)

فالح الظاهري (مجاز) ٢.

فضل الله المازندراني الحائري (مجيز) ٣٣.

ابن الفوطي البغدادي (مجاز) ١٦.

(ق)

القصار (مجيز) ٢٩.


(ك)

الكتاني (مجيز) ٦ = محمد عبد الحي.

(م)

ماجد الغرباوي (مجاز) ٦٥.

مجد الدين بن محمد المؤيدي (مجاز) ٦٥.

محمد بن إبراهيم المؤيدي ابن حورية (مجيز) ٦٥ ، ٤٣.

محمد بن أحمد ابن جبير الرحالة (مجاز) ١٥.

محمد بن إسماعيل ، الأمير الصنعاني (مجيز) ٨ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٧ ، ٣٥ ، ٤٩ ، ٥٢.

محمد البدري الغزي الدمشقي (مجيز) ٥١.

محمد بن الجهم السمري (مجيز) ٣٦.

محمد بن الحسين بن أحمد بن صالح العرشي (مجاز) ٦٤.

محمد حسين الحسيني الجلالي (مجيز) ٢٦.

محمد رضا الحسيني الجلالي (مجيز) ٣١ ، ٤٥ ، ٦٧.

محمد شقرون أبو جمعة (مجاز) ٣.

محمد بن الصائغ شمس الدين (مجيز) ٥٠.

محمد صادق بحر العلوم (مجاز) ٦٦ (مجيز) ٣٠.

محمد بن طاهر السماوي (مجيز) ٦٦.

محمد عبد الحي الكتاني (مجاز) ٤٠.

محمد بن عبد السلام الناصري (مجاز) ٦٠.

محمد بن علي بن محمد عماد الدين أبو جعفر الشيباني ، ابن علوان الشاعر (مجيز) ١٦.

محمد بن علي بن عمر القاري (مجاز) ٥٨.

محمد بن قاسم بن محمد القصار القيسي (مجيز) ١.

محمد المحاسني سبط حسن اليوريني (مجاز) ٥٧.

محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي (مجيز) ١٢.

محمد بن محمد بن زيد أبو الحسن العلوي أبو المعالي الحسيني السمرقندي (مجيز) ٧.

محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحوضي (مجيز) ٢٨.

محمد بن محمد بن عتيق ابن رشيق


(مجيز) ٢٢.

محمد المكي ابن عزوز الدمشقي (مجيز) ٤٠.

محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي (مجاز) ٦٣.

محمد بن ناصر الحازمي (مجيز) ٤.

محمد هادي الخراساني الحائري (مجاز) ٣٣.

محمد بن يوسف بن كريم الكريمي الدمشقي (مجاز) ٥٦.

محمد مرتضى الزبيدي أبو الفيض اليماني ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢.

المقري (مجيز) ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩.

(ن)

ناصر بن الحسين المحبشي (مجاز) ٤١.

ابن نباتة جمال الدين (مجيز) ١١ : ٤٨.

(ي)

يحيى بن عمر مقبول الأهدل (مجاز) ٣٤.

يحيى المحاسني (مجاز) ٥٥.

يوسف بن إبراهيم بن محمد الفهري أبو الحجاج الساحلي الغرناطي (مجاز) ٢٢.


من ذخائر التراث





المقدمة :

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لا سيما بقية الله في الأرضين ، عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وبعد :

فمنذ ظهور الفرقة الضالة المضلة (الوهابية) وحتى أيامنا هذه انبرى علماء الإسلام على مختلف مذاهبهم ، فكتبوا في ردهم ودحض أباطيلهم وشبهاتهم كتبا ورسائل كثيرة (١) ، كان فيها الرد الحاسم القاطع في وجه الوهابية ، فانحصر وجودهم في مهد ظهورهم أرض الحجاز.

__________________

(١) أنظر مقال : (معجم ما ألفه علماء الأمة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية) للسيد عبد الله محمد علي ، المنشور في مجلة (تراثنا) العدد ١٧ ، شوال ١٤٠٩ ه ، ص ١٤٦ ـ ١٧٨ ، فقد أحصى فيه أكثر من ٢٠٠ كتاب ورسالة في الرد على الوهابية ، لعلماء المذاهب الإسلامية المختلفة.


وما استمر وجود الوهابية في أرض الحجاز إلا بقوة الحديد والنار ، إذ لم يستطيعوا أن يقارعوا الآخرين بالحجة والبرهان.

إلا أن نشاطها الهدام ونفث سمومها وأباطيلها وشبهاتها لا يزال مستمرا ، مما اقتضى أن نقوم بإحياء رسالة في الرد عليهم ، لفطحل من فطاحل علماء الإمامية الماضين ، رضوان الله عليهم أجمعين ، ألا وهو : العلامة المجاهد ، آية الله العظمى ، الشيخ محمد جواد البلاغي ، قدس‌سره الشريف.

ترجمة المؤلف (٢)

نسبه :

هو الشيخ محمد جواد بن حسن بن طالب بن عباس بن إبراهيم بن حسين بن عباس بن حسن (٣) بن عباس بن محمد علي بن محمد البلاغي النجفي الربعي (٤).

مولده :

ولد في النجف الأشرف سنة ١٢٨٢ ه في بيت من أقدم بيوتاتها وأعرقها في العلم والفضل والأدب ، والمشهورة بالتقوى والصلاح والسداد ، فقد أنجبت

__________________

(٢) اقتبست هذه الترجمة ـ بتصرف ـ ملفقة من بين عدة مصادر ، أهمها : أعيان الشيعة ٣ / ٢٥٥ ـ ٢٦٢ ، شعراء الغري ٢ / ٤٣٦ ـ ٤٥٨ ، نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / ٣٢٣ ـ ٣٢٦ ، الكنى والألقاب ٢ / ٨٣ و ٨٤ ، مقدمة الهدى إلى دين المصطفى ١ / ٦ ـ ٢٠ ، معارف الرجال ١ / ١٩٦ ـ ٢٠٠ ، ريحانة الأدب ١ / ١٧٩ ، ماضي النجف وحاضرها ٢ / ٦١ ـ ٦٦ ، ديوان السيد رضا الهندي : ١٢٥ و ١٢٧ ، مجلة رسالة القرآن / العدد العاشر / ١٤١٣ ه : ٧١ ـ ١٠٤.

(٣) صاحب كتاب (تنقيح المقال) في الأصول والرجال : [الذريعة ٤ / ٤٦٦ رقم ٢٠٦٩]

(٤) نسبة إلى قبيلة ربيعة المشهورة.


هذه الأسرة ـ آل البلاغي ـ عدة من رجال العلم والدين والأدب وإن اختلفت مراتبهم.

نشأته :

نشأ حيث ولد ، وأخذ المقدمات عن أعلامها الأفاضل ، ثم سافر إلى الكاظمية سنة ١٣٠٦ ه وتزوج هناك من ابنة السيد موسى الجزائري الكاظمي.

عاد إلى النجف الأشرف سنة ١٣١٢ ه فحضر على الشيخ محمد طه نجف والشيخ آقا رضا الهمداني والشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني والسيد محمد الهندي.

هاجر إلى سامراء سنة ١٣٢٦ ه فحضر على الميرزا محمد تقي الشيرازي ـ زعم الثورة العراقية ـ عشر سنين ، وألف هناك عدة كتب ، وغادرها ـ عند احتلالها من قبل الجيش الإنكليزي ـ إلى الكاظمية فمكث بها سنتين مؤازرا للعلماء في الدعاية للثورة ومحرضا لهم على طلب الاستقلال.

ثم عاد إلى النجف الأشرف وواصل نشاطه في التأليف ، فكان من أولئك الندرة الأفذاذ الذين أوقفوا حياتهم وكرسوا أوقاتهم لخدمة الدين والحقيقة ، فلم ير إلا وهو يجيب عن سؤال ، أو يحرر رسالة يكشف فيها ما التبس على المرسل من شك ، أو يكتب في أحد مؤلفاته.

وقد وقف بوجه النصارى وأمام تيار الغرب الجارف ، فمثل لهم سمو الإسلام على جميع الملل والأديان حتى أصبح له الشأن العظيم والمكانة المرموقة بين علماء النصارى وفضلائها.

كما تصدى للفرق المنحرفة الهدامة الأخرى ـ كالبابية والقاديانية والوهابية والإلحادية .. وغيرها ـ فكتب في ردهم ودحض شبهاتهم ، وفضح نوافه مبانيهم ومعائب أفكارهم عدة كتب ورسائل قيمة.

وقد كان من خلوص النية وإخلاص العمل بمكان حتى أن كان لا يرضى


أن يوضع اسمه على تأليفه عند طبعها ، وكان يقول : (إني لا أقصد إلا الدفاع عن الحق ، لا فرق عندي بين أن يكون باسمي أو اسم غيري).

حتى أن يوسف إليان سركيس في كتابه : (معجم المطبوعات) ذكر كتاب (الهدى إلى دين المصطفى) لشيخنا البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ في آخر الجزء الثاني ضمن الكتب المجهولة المؤلف (٥) ، وربما كان ـ قدس‌سره ـ يذيل بعضها بأسماء مستعارة ك : كاتب الهدى النجفي ، وعبد الله العربي ، وغيرها.

ومع كل ذلك أصبح أسمه نارا على علم ، وبلغت شهرت أقاصي البلاد ، وذلك لما عالجه من العضلات العلمية والمناقشات الدينية ، حتى أن أعلام أوربا كانوا يفزعون إليه في المسائل العويصة ، كما ترجمت بعض مؤلفاته إلى الإنكليزية للاستفادة من مضامينها الراقية.

كان يجيد اللغات العبرانية والفارسية والانكليزية ـ بعد لغته الأم العربية ـ ولذلك برع في الرد على أهل الكتاب ودحض أباطيلهم وكشف خفايا دسائسهم.

كما كان متواضعا للغاية ، يقضي حاجاته بنفسه ، ويختلف إلى الأسواق بشخصه لابتياع ما يلزم أهله ، وكان يحمله إليهم بنفسه ويعتذر لمن يروم مساعدته بحمله عنه فيقول له : (رب العيال أولى بعياله).

وكان يقيم صلاة الجماعة في المسجد القريب من داره ، فيأتم به أفاضل الناس وخيارهم ، وبعد الفراغ من الصلاة كان يدرس كتابه (آلاء الرحمن).

كان لين العريكة ، خفيف الروح ، منبسط الكف ، لا يمزح ولا يحب أن يمزح أحد أمامه ، تبدو عليه هيبة الأبرار وتقرأ على أساريره صفات أهل التقى والصلاح.

له في سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام عقيدة

__________________

(٥) معجم المطبوعات العربية والمعربة ٢ / ٢٠٢٤.


راسخة ، وحب ثابت ، فكم له أمام المناوئين للإمام الحسين عليه‌السلام من مواقف مشهودة ، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينية والمجالس العزائية ، ولكنه تمسك بها والتزم بشعائرها وقام بها خير قيام.

فكان هذا العلامة البطل ـ على شيخوخته وضعفه وعجزه ـ يمشي حافيا أمام الحشد المتجمهر للعزاء ، قد حل أزاره ويضرب على صدره ، وخلفه اللطم والأعلام ، وأمامه الضرب بالطبل.

ومن آثاره الباقية :

إقامة المأتم في يوم عاشوراء في كربلاء ، فهو أول من أقامه هناك ، وعنه أخذ حتى توسع فيه ووصل إلى ما هو عليه اليوم.

وكذا تحريض علماء الدين وإثارة الرأي العام ضد البهائية في بغداد ، وإقامة الدعوى في المحاكم لمنع تصرفهم في الملك الذي استولوا عليه ـ في محلة الشيخ بشار في الكرخ ـ واتخذوه حظيرة لهم لإقامة شعائر الطاغوت ، وقضت المحاكم بنزعه منهم ، واتخذه ـ رضوان الله عليه ـ مسجدا تقام فيه الصلوات الخمس والمآتم الحسينية في ذكرى الطف وشعائر أهل البيت عليهم السلام.

أقوال العلماء والأدباء فيه :

قال السيد محسن الأمين العاملي : (كان عالما فاضلا ، أديبا شاعرا ، حسن العشرة ، سخي النفس ، صرف عمره في طلب العلم وفي التأليف والتصنيف ، وصنف مدة تصانيف في الردود ، صاحبناه في النجف الأشرف أيام إقامتنا فيها ورغب في صحبة العامليين فصاحبناه ، وخالطناه حضرا وسفرا عدة سنين إلى وقت هجرتنا من النجف فلم نر منه إلا كل خلق حسن وتقوى وعبادة وكل صفة تحمد ، وجرت بيننا وبينه بعد خروجنا من النجف مراسلات


ومحاورات شعرية ومكاتبات في مسائل علمية) (٦).

وقال الشيخ عباس القمي : بطل العلم الشيخ محمد الجواد ... ولقد كان ـ رحمه‌الله تعالى ـ ضعيفا ناحل الجسم ، تفانت قواه في المجاهدات ، وكان في آخر أمره مكبا على تفسير القرآن المجيد بكل جهد أكيد) (٧).

وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني : (كان أحد مفاخر العصر علما وعملا ...

وكان من أولئك الأفذاذ النادرين الذين أوقفوا حياتهم وكرسوا أوقاتهم لخدمة الدين الحنيف والحقيقة ... فهو أحد نماذج السلف التي ندر وجودها في هذا الزمن) (٨).

وقال الشيخ محمد حرز الدين : (عالم فقيه كاتب ، وأديب شاعر ، بحاثة أهل عصره ، خدم الشريعة المقدسة ، ودين الإسلام الحنيف ، بل خدم الإنسانية كاملة بقلمه ولسانه وكل قواه) (٩).

وقال الميرزا محمد علي التبريزي المدرس : (فقيه أصولي ، حكيم متكلم ، عالم جامع ، محدث بارع ، ركن ركين لعلماء الإمامية ، وحصن حصين للحوزة الإسلامية ، ومروج للعلوم القرآنية ، وكاشف الحقائق الدينية ، وحافظ للنواميس الشرعية ، ومن مفاخر الشيعة) (١٠).

وقال الملا علي الواعظ الخياباني التبريزي : (هو العلم الفرد العلامة ، المجاهد ، آية الله ، وجه فلاسفة الشرق ، وصدر من صدور علماء الإسلام ، فقيه أصولي ، حكيم متكلم ، محدث محقق ، فيلسوف بارع ، وكتبه الدينية هي التي أبهجت الشرق وزلزلت الغرب وأقامت عمد الدين الحنيف ، فهو حامية

__________________

(٦) أعيان الشيعة ٤ / ٢٥٥.

(٧) الكنى والألقاب ٢ / ٨٣ ـ ٨٤.

(٨) نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / ٣٢٣.

(٩) معارف الرجال ١ / ١٩٦.

(١٠) ريحانة الأدب ١ / ١٧٩.


الإسلام ، وداعية القرن ، رجل البحث والتنقيب ، والبطل المناضل ، والشهم الحكيم) (١١).

وقال الشيخ جعفر النقدي : (عالم عيلم مهذب ، وفاضل كامل مذرب ، وآباؤه كلهم من أهل العلم) (١٢).

وقال الأستاذ علي الخاقاني : (من أشهر مشاهير علماء عصره ، مؤلف كبير ، وشاعر مجيد ... أغنتنا آثاره العلمية عن التنويه بعظمته وعلمه الجم وآرائه الجديدة المبتكرة ، فلقد سد شاغرا كبيرا في المكتبة العربية الإسلامية بما أسداه من فضل فيما قام به من معالجة كثير من المشاكل العلمية والمناقشات الدينية ، وتوضيح التوحيد ودعمه بالآراء الحكيمة قبل الثالوث الذي هده بآثاره وقلمه السيال ... كان عظيما في جميع سيرته ، فقد ترفع عن درن المادة ، وتردى بالمثل العالية التي أوصلته في الحياة ـ ولا شك بعد الممات ـ أرفع الدرجات ... وقد حضرت (١٣) مع من حضر برهة من الزمن فإذا به بحر خضم لا ساحل له ، يستوعب الخاطرة ، ويحوم حول الهدف ، ويصور الموضوع تصويرا قويا ... كانت حياته مليئة بالمفاخر والخدمات الصادقة) (١٤).

وقال الشيخ جعفر باقر آل محبوبة : (ركن الشيعة وعمادها ، وعز الشريعة وسنادها ، صاحب القلم الذي سبح في بحر العلوم الناهل من موارد المعقول والمنقول ، كم من صحيفة حبرها ، وألوكة حررها ، وهو بما حبر فضح الحاخام والشماس ، وبما حرر ملك رق الرهبان والأقساس ، كان مجاهدا بقلمه طيلة عمره ، وقد أوقف حياته في الذب عن الدين ، ودحض شبه الماديين والطبيعيين ، فهو جنة حصينة ، ودرع رصينة ، له بقلمه مواقف فلت جيوش

__________________

(١١) علماء معاصرين : ١٦٢ ـ ١٦٣.

(١٢) شعراء الغري ٢ / ٤٣٧.

(١٣) أي : درسه في تفسير القرآن الكريم من كتابه (آلاء الرحمن).

(١٤) شعراء الغري ٢ / ٤٣٧ ـ ٤٣٩.


الإلحاد ، وشتت جيوش العادين على الإسلام والطاعنين فيه ... حضرت بعض دروسه واستفدت منه مدة ، كان نحيف البدن ، واهي القوى ، يتكلف الكلام ، ويعجز في أكثر الأحيان عن البيان ، فهو بقلمه سحبان الكتابة ، عنده أسهل من الخطابة) (١٥).

وقال المحامي توفيق الفكيكي : (كان ـ رحمه‌الله تعالى ـ داعي دعاة الفضيلة ، ومؤسس المدرسة السيارة للهداية والارشاد وتنوير الأفكار بأصول العلم والحكمة وفلسفة الوجود ، فقد أفطمت جوانحه على معارف جمة ، ووسع صدره كنوزا من ثمرات الثقافة الإسلامية العالية والتربية الغالية ، وقد نهل وعب من مشارع المعرفة والحكمة الصافية حتى أصبح ملاذ الحائدين الذين استهوتهم أهواء المنحرفين عن المحجة البيضاء ، وخدعتهم ضلالات الدهريين والماديين ...

ومن ملامحه ومخائله الدالة على كماله النفسي هي : فطرته السليمة ، وسلامة سلوكه الخلقي والاجتماعي ، وحدة ذكائه ، وقوة فطنته ، وعفة نفسه ، ورفعة تواضعه ، وصون لسانه عن الفضول ، ولين عريكته ، ورقة حاشيته ، وخفة روحه ، وأدبه الجم ، وعذوبة منطقه ، وفيض يده على عسره وشظف عيشه (١٦).

وقال عمر رضا كحالة : (فقيه ، متكلم ، أديب ، شاعر) (١٧).

وقال خير الدين الزركلي : (باحث إمامي ، من علماء النجف في العراق ، ومن آل البلاغي ، وهم أسرة نجفية كبيرة ، له تصانيف ... وكان يجيد الفارسية ، ويحسن الإنجليزية ، وله مشاركة في حركة العراق الاستقلالية وثورة عام ١٩٢٠ م) (١٨).

__________________

(١٥) ماضي النجف وحاضرها ٢ / ٦٢.

(١٦) مقدمة الهدى إلى دين المصطفى ١ / ٧.

(١٧) معجم المؤلفين ٣ / ١٦٤.

(١٨) الأعلام ٦ / ٧٤.


فمن كانت هذه مآثره وصفاته وسجاياه فجدير بمتخصصينا أن يقوموا بدراسة هذه الشخصية الجليلة وآثارها القيمة ، فهو أحد نماذج السلف التي ندر وجودها في هذا الزمن ، وهو نور من الأنوار التي يهتدي بها في ظلمات الشك والحيرة ، وهو بحق من مشاهير علماء الإمامية ، علامة جليل ، ومجاهد كبير ، ومؤلف مكثر خبير.

شعره :

كان ـ قدس‌سره ـ مع عظيم مكانته في العلم وتفقهه في الدين أديبا كبيرا وشاعرا مبدعا ، من فحول الشعراء ، له نظم رائق سلس متين ، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية ، والمشاعر الإنسانية ، والتأملات الروحية ، وأكثر شعره كان في مدح أهل البيت عليهم‌السلام ورثائهم ، وبقيته في تهنئة خليل ، أو رثاء عالم جليل ، أو في حالة الحنين إلى الأخلاء يحتمه عليه واجب الوفاء ، أو في الدفاع عن رأي علمي ، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية.

فمما قال في قصيدة في ذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، قوله :

حي شعبان فهو شهر سعودي

وعد وصلي فيه وليلة عيدي

منه حيا (١٩) الصب المشوق ،

شذا الميلاد فيه وبهجة المولود

بهجة المرتضى وقرة عين

المصطفى ، بل ذخيرة التوحيد

رحمة الله غوثه في الورى

شمس هداه وظله الممدود

وهوى خاطري وشائق نفسي

ومناها وعدتي وعديدي

فانجلت كربتي وأزهر روضي

ونمت نبعتي وأورق عودي

__________________

(١٩) أصله : حياء ، وحذفت الهمزة للضرورة.


طلت فخرا يا ليلة النصف من

شعبان بيض الأيام بالتسويد

وله من قصيدة في ذكرى مولد الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام في الثالث من شعبان :

شعبان كم نعمت عين الهدى فيه

لولا المحرم يأتي في دواهيه

وأشرق الدين من أنوار ثالثه

لولا تغشاه عاشور بداجيه

وارتاح بالسبط قلب المصطفى فرحا

لو لم يرعه بذكر الطف ناعيه

رآه خير وليد يستجار به

وخير مستشهد في الدين يحميه

قرت به عين خير الرسل ثم بكت

فهل نهنيه فيه أم نعزيه

إن تبتهج فاطم في يوم مولده

فليلة الطف أمست من بواكيه

أو ينتعش قلبها من نور طلعته

فقد أديل بقاني الدمع جاريه

فقلبها لم تطل فيه مسرته

حتى تنازع تبريح الجوى فيه

بشرى أبا حسن في يوم مولده

ويوم أرعب قلب الموت ماضيه

وله من قصيدة في الإمام الحجة المنتظر عليه‌السلام ـ أيضا ـ قوله :

رويدكما أيها الباكيان

فما أنتما أول الوالهينا

فكم لنواه جرت عبرة

تقل لها أدمع العالمينا

جرت ولها قبل يوم الفراق

ولم ترحل العيس بالمزمعينا

فلا نهنه الوجد فيض الدموع

وقد شطت الدار بالظاعنينا

وبان وأودعنا حسرة

ومن لوعة البين داء دفينا

أطال نواه ومن نأيه

رزينا بما يستخف الرزينا

نقضي الليالي انتظارا له

فيا حسرتا ، ونقضي السنينا

نطيل الحنين بتذكاره

ويا برحا أن نطيل الحنينا


فما لقيت فاقدات الحمام

من الوجد في نوحها ما لقينا

ومن قصيدة له يرثي بها الإمام الحسين عليه‌السلام قوله :

يا تريب الخد في رمضا الطفوف

ليتني دونك نهبا للسيوف

يا نصير الدين إذ عز النصير

وحمى الجار إذا عز المجير

وشديد البأس واليوم عسير

وثمال الوفد في العام العسوف

كسف يا خامس أصحاب الكسا

وابن خير المرسلين المصطفى

وابن ساقي الحوض في يوم الظما

وشفيع الخلق في اليوم الخوف

يا صريعا ثاويا فوق الصعيد

وخضيب الشيب من فيض الوريد

كيف تقضي بين أجناد يزيد

ظاميا تسقى بكاسات الحتوف

كيف تقضي ظاميا حول الفرات

داميا تنهل منك الماضيات

وعلى جسمك تجري الصافنات

عافر الجسم لقى بين الصفوف

يا مريع الموت في يوم الطعان

لا خطا نحوك بالرمح سنان

لا ولا شمر دنا منك فكان

ما أمار الأرض هولا بالرجوف

سيدي أبكيك للشيب الخضيب

سيدي أبكيك للوجه التريب

سيدي أبكيك للجسم السليب

من حشا حران بالدمع الذروف

سيدي إن منعوا عنك الفرات

وسقوا منك ظماء المرهفات

فسنسقي كربلا بالعبرات

وكفا من علق القلب الأسوف

سيدي أبكيك منهوب الرحال

سيدي أبكيك مسبي العيال

بين أعداك على عجف الجمال

في الفيافي بعد هاتيك السجوف

سيدي إن نقض دهرا في بكاك

ما قضينا البعض من فرض ولاك


لهف نفسي لنساك المعولات

واليتامى إذ غدت بين الطغاة

باكيات شاكيات صارخات

ولها حولك تسعى وتطوف

ومن شعر الإمام البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ الذي سارت به الركبان ، قصيدته التي نظمها ردا على قصيدة علماء بغداد المنكرين لوجود الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عليه‌السلام ، والتي بعثها إلى علماء النجف الأشرف عام ١٣١٧ ه ، التي يقول فيها :

أيا علماء العصر يا من لهم خبر

بكل دقيق حار في مثله الفكر

لقد حار مني الفكر في القائم الذي

تنازع فيه الناس والتبس الأمر

فأجابه العلامة البلاغي بقصيدة طويلة تقع في أكثر من مائة بيت ، وهي من عيون شعره ، ومطلعها :

أطعت الهوى فيهم وعاصاني الصبر

فها أنا ما لي فيه نهي ولا أمر

أنست بهم سهل القفار ووعرها

فما راعني منهن سهل ولا وعر

أخا سفر ولهان أغتنم السرى

من الليل تغليسا إذا عرس السفر

ومنها قوله :

وفي خبر الثقلين هاد إلى الذي

تنازع فيه الناس والتبس الأمر


إذا قال خير الرسل لن يتفرقا

فكيف إذن يخلو من العترة العصر

وما إن تمسكتم بتينك إنهم

هم السادة الهادون والقادة الغر

ومنها قوله أيضا :

وغاب بأمر الله للأجل الذي

يراه له في علمه وله الأمر

وأوعده أن يحيي الدين سيفه

وفيه لدين المصطفى يدرك الوتر

ويخدمه الأملاك جندا وإنه

يشد له بالروح في ملكه أزر

وإن جميع الأرض ترجع ملكه

ويملأها قسطا ويرتفع المكر

فأيقن أن الوعد حق وأنه

إلى وقت عيسى يستطيل له العمر

فسلم تفويضا إلى الله صابرا

وعن أمره منه النهوض أو الصبر

ولم يك من خوف الأذاة اختفاؤه

ولكن بأمر الله خير له الستر

وحاشاه من جبن ولكن هو الذي

غدا يختشيه من حوى البر والبحر


أكل اختفاء خلت من خيفة الأذى

فرب اختفاء فيه ستنزل النصر

وكل فرار خلت جبنا فربما

يفر أخو بأس ليمكنه الكر

فكم قد تمادت للنبيين غيبة

على موعد فيها إلى ربهم فروا

وإن بيوم الغر والشعب قبله

غناء كما يغني عن الخبر الخبر

ولم أدر لم أنكرت كون اختفائه

بأمر الذي يعيى بحكمته الفكر

أتحصر أمر الله في العجز أم لدى

إقامة ما لفقت أقعدك الحصر؟!

فذلك أدهى الداهيات ولم يقل

به أحد إلا أخو السفه الغمر

ودونك أمر الأنبياء وما لقوا

ففيه لذي عينين يتضح الأمر

فمنهم فريق قد سقاهم (٢٠) حمامهم

 ـ بكأس الهوان ـ القتل والذبح والنشر

أيعجز رب الخلق عن نصر حزبه

على غيرهم؟! كلا ، فهذا هو الكفر

__________________

(٢٠) أي : أمر الله.


وكم مختف بين الشعاب وهارب

إلى الله في الأجبال يألفه النسر

فهلا بدا بين الورى متحملا

مشقة نصح الخلق من دأبه الصبر

وإن كنت في ريب لطول بقائه

فهل رابك الدجال والصالح الخضر؟!

أيرضى لبيب أن يعمر كافر

ويأباه في باق ليمحى به الكفر

ومنها أيضا :

فدع عنك وهما تهت في ظلماته

ولا يرتضيه العبد كلا ولا الحر

وإن شئت تقريب المدى فلربما

يكل بميدان الجياد بك الفكر

فمذ قادنا الدليل بما قضى

به العقل والنقل اليقينان والذكر

إلى عصمة الهادين آل محمد

وأنهم في عصرهم لهم الأمر

وقد جاء في الآثار عن كل واحد

أحاديث يعيى من تواترها الحصر

تعرفنا ابن العسكري وأنه

هو القائم المهدي والواتر الوتر


تبعنا هدى الهادي فأبلغنا المدى

بنور الهدى والحمد لله والشكر

وله قصيدة عينية طويلة ذات معان فلسفية عالية ، عارض بها عينية ابن سينا في النفس ، التي مطلعها :

هبطت إليك من المحل الأرفع

عنقاء ذات تعزز وتمنع

فمما قال فيها ـ قدس الله نفسه الزكية ـ ردا عليه :

نعمت بأن جاءت بخلق المبدع

نعم السعادة أن يقول لها : (ارجعي)

خلقت لأنفع غاية يا ليتها

تبعت سبيل الرشد نحو الأنفع

الله سواها وألهمها فهل

تنحو السبيل إلى المحل الأرفع

نعمت بنعماء الوجود ونوديت

هذا هداك وما تشائي فاصنعي

ودعي الهوى المردي لئلا تهبطي

في الخسر ذات توجع وتفجع

إن شئت فارتفعي لأرفع ذروة

وحذار من درك الحضيض الأوضع

إن السعادة والغنى إن تقنعي

موفورة لك والشقا إن تطمعي

وله قصيدة في ثامن شوال سند ١٣٤٣ ه ، وهو اليوم الذي هدمت فيه قبور أئمة الهدى الأطهار عليهم‌السلام في البقيع من قبل الوهابيين ، ومطلعها :

دهاك ثامن شوال بما دهما

فحق للعين إهمال الدموع دما

ومنها :

يوم البقيع لقد جلت مصيبته

وشاركت في شجاها كربلا عظما

وله ـ قدس‌سره ـ مراسلات شعرية وغير شعرية ـ علمية ووجدانية ـ جرت بينه وبين السيد محسن الأمين العاملي ـ رحمه‌الله ـ تنم عن أدبه الجم


وخلفه الرفيع السامي ، أوردها السيد الأمين في : أعيان الشيعة ٤ / ٢٥٧ ـ ٢٦١.

وله ـ رحمه‌الله رحمة واسعة ـ مراسلات شعرية أخرى جرت بينه وبين آخرين ، ومراث وتهان وأغراض شعرية غير ذلك ، مذكورة في أغلب المصادر التي ترجمت له.

تلامذته :

قد مر ذكر أسماء شيوخه وأساتذته ، أما تلامذته. فقد تتلمذ على الشيخ البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ العديد من أعيان الطائفة وعلمائهم المشهورين ، فمن جملة الذين نهلوا من معين علمه وتتلمذوا عليه ، أو حضروا مجلس درسه ، أو رووا عنه :

١ ـ السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفى سنة ١٤١٣ ه.

٢ ـ السيد شهاب الدين محمد حسين الحسيني المرعشي النجفي ، المتوفى سنة ١٤١١ ه.

٣ ـ الشيخ ذبيح الله بن محمد علي الميلاني ، المتوفى سنة ١٤٠٥ ه.

٤ ـ السيد محمد هادي الحسيني الميلاني ، المتوفى سنة ١٣٩٥ ه.

٥ ـ الشيخ علي محمد البروجردي ، المتوفى سنة ١٣٩٥ ه.

٦ ـ السيد محمد صادق بحر العلوم ، المتوفى سنة ١٣٩٠ ه.

٧ ـ الشيخ محمد رضا آل فرج الله ، المتوفى سنة ١٣٨٦ ه.

٨ ـ الشيخ محمد علي الأردوبادي ، المتوفى سنة ١٣٨٠ ه.

٩ ـ الشيخ مهدي بن داود النجار ، المتوفى سنة ١٣٥٨ ه.

١٠ ـ الشيخ نجم الدين جعفر العسكري.

١١ ـ الشيخ محمد رضا الطبسي النجفي.

١٢ ـ الشيخ جعفر باقر آل محبوبة.


١٣ ـ السيد صدر الدين الجزائري.

١٤ ـ الشيخ مجتبى اللنكراني النجفي.

١٥ ـ الشيخ مرتضى المظاهري النجفي.

١٦ ـ الشيخ محمد مهدي اللاهيجي.

١٧ ـ الميرزا محمد علي أديب الطهراني.

١٨ ـ الميرزا محمد علي التبريزي المدرس.

١٩ ـ الشيخ إبراهيم بن مهدي القريشي.

وفاته ومدفنه ورثاؤه :

توفي ـ نور الله مرقده ـ بمرض ذات الجنب ، ليلة الاثنين ٢٢ شعبان ١٣٥٢ ه ، فارتجت مدينة النجف بأكملها واجتمعت إلى بيته ، وشيع تشييعا يليق بمقامه ، سار فيه آلاف من الجماهير يتقدمهم عظماء المجتهدين وأساطين العلم والأدب ، ودفن في الحجرة الثالثة الجنوبية من طرف مغرب الصحن الشريف لمرقد أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهي حجرة آل العاملي.

ومن العجيب أن مطلع إحدى قصائده ـ المذكورة آنفا ـ في مدح الإمام الحجة المنتظر عليه‌السلام ، في ذكر مولده السعيد المبارك ، قوله :

حي شعبان فهو شهر سعودي

وعد وصلي فيه وليلة عيدي

فكان كما أجراه الله على لسانه ، إذ وصل إلى رحمة ربه في شعبان ، ففجع الإسلام بوفاته ، وثلم في الدين ثلمة لا يسدها أحد ، تغمده الله بواسع رحمته.

ورثاه أكابر العلماء والأدباء بعيون الشعر الحزين الدامع ، وكان في طليعتهم خاله العلامة السيد رضا الهندي ـ رحمه‌الله ـ في قصيدة رائعة ضمنها


بعض أسماء كتبه ، ومطعلها :

إن تمس في ظلم اللحود موسدا

فلقد أضأت بهن (أنوار الهدى)

ولئن يفاجئك الردى فلطالما

حاولت إنقاذ العباد من الردى

هذا مدى تجري إليه فسابق

في يومه أو لاحق يمضي غدا

قد كنت أهو أنني لك سابق

هيهات قد سبق (الجواد) إلى المدى

فليندب (التوحيد) يوم مماته

سيفا على (التثليث) كان مجردا

وليبك دين محمد لمجاهد

أشجت رزيته النبي محمدا

وليجر أدمعه اليراع لكاتب

أجراه في جفن الهداية مرودا

وجد الهدى أرقا فأسهر جفنه

حرصا على جفن الهدى أن يرقدا

أأخي كم نثرت يداك من (الهدى)

بذرا فطب نفسا فزرعك أحصدا

إن كنت لم تعقب بنين فكل من

يهديه رشدك فهو منك تولدا

إلى آخرها ، وهي طويلة كلها من هذا النمط العالي.

وله قصيدة أخرى في رثائه أيضا ، منها :

قد خصك الرحمن في (آلائه)

فدعاك داعيه لدار لقائه

عمت رزيتك السما والأرض يا

داعي هداه بأرضه وسمائه

ما محيي الدين الحنيف تلافه

فالدين أوشك أن يموت بدائه

أوقدت (أنوار الهدى) من بعدما

قد جد أهل الكفر في إطفائه

ورفعت للتوحيد راية باسل

رد الضلال منكسا للوائه

يا باري القلم الذي إن يجر في

لوح أصاب الشرك حتم قضائه

ما السمر تشبه منه حسن قوامه

كلا ولا الأسياف حد مضائه

عجبا له يملي بيانك أخرسا

وترى الأصم ملبيا لدعائه


هو معجز طورا ويسحر تارة

أهل الحجى إن شاء في إنشائه

ورثاه العالم الأديب الشيخ محمد رضا المظفر في قصيدة مطلها :

يا طرف جد بسواد أو قذر

ماذا انتفاعك بعد الشمس بالنظر؟!

ومنها :

قد كان كالبدر في ليل الشتا ومضى

كالشمس معروفة بالعين والأثر

وفي رثائه قال السيد مسلم الحلي قصيدة ، منها هذا البيت :

إني أرى الموت الزؤام ممثلا

للناس فعل الصيرف النقاد

وقد أرخ عام وفاته السيد محمد الحلي بأبيات ، فقال :

دهي الإسلام إذ

به تداعى سوره

وشرع طه أسفا

لما مضى نصيره

مذ غاب أرخت ألا

غاب (الهدى) و (نوره)

وقال أحد معارفه :

في ذمة الله نفس بالجهاد قضت

فكان آخر شئ فارقت قلم

ورثاه الشيخ محمد تقي الفقيه ـ أحمد علماء جبل عامل ـ بمرثية ، منها :

أفنيت نفسك بالجهاد وطالما

بدمائها روى اليراع الظامي

حتى تراءت في الجنان مهيضة

هتف الملائكة : (أدخلي بسلام)

ومنها :

صيرت قلبك شمعة وحملته

ضوء أمام الدين للإعظام

فأذبته فإذا المدامع أسطر

والنور معناها البديع السامي

ورثاه الشيخ محمد علي اليعقوبي بقصيدة مطلعها :

سلوا قبة الإسلام ماذا أمادها؟!

متى فوضت منها الليالي عمادها


وقد أحسن أحد الأدباء فخاطبه في رثائه :

زودت نفسك في حياتك زادها

تقوى الإله وذاك خير الزاد

ووصفه أحد البارعين فقال :

تحلى به جيد الزمان وأصبحت

تزان به الدنيا وتزهو الصحائف

ورثاه كذلك السيد محمود الحبوبي ومحمد صالح الجعفري والشيخ محمد علي الأردوبادي ، وغيرهم.

مصنفاته وآثاره العلمية :

في الحقيقة أنه لم يمت من خلف ما خلفه المترجم من الآثار التي تهتدي بها الأجيال ، وتحتج بها الأبطال ، فإن في مؤلفاته ثمرات ناضجة قدمها المترجم لرواد الحقيقة ، وفيما يلي مسرد لها ـ وقد أشرت إلى ما هو مطبوع منها فعلا قدر المستطاع ـ عسى الله تعالى أن يقيض من يعثر على غير المطبوع منها فيحييه :

١ ـ الهدى إلى دين المصطفى.

في الرد على النصارى ، طبع لأول مرة في جزءين في صيدا سنتي ١٣٣٠ و ١٣٣١ ه ، وطبع في النجف الأشرف سنة ١٩٦٥ م ، ثم أعادت طبعه دار الكتب الإسلامية في قم ، بالتصوير على الطبعة الثانية.

٢ ـ الرحلة المدرسية ، أو : المدرسة السيارة.

في الرد على اليهود والنصارى ، في ثلاثة أجزاء ، طبع عدة مرات في النجف الأشرف وبيروت.

ثم طبع الجزء الأول منه بتحقيق يوسف الهادي ، وصدر عن مؤسسة البلاغ في طهران سنة ١٤١٣ ه.

كما ترجم الكتاب إلى الفارسية ، وطبع في النجف الأشرف أيضا.


٣ ـ أعاجيب الأكاذيب.

في الرد على النصارى ، طبع لأول مرة في النجف الأشرف سنة ١٣٤٥ ه.

حققته وصدر في قم سند ١٤١٢ ه عن دار الإمام السجاد عليه‌السلام ، ثم أعادت دار المرتضى في بيروت طبعه ـ بالتصوير على هذه الطبعة ـ سنة ١٤١٣ ه.

ترجم إلى الفارسية تحت عنوان : (شكفت آور دروغ) من قبل عبد الله إيراني ـ ولعله اسم مستعار آخر للمؤلف ـ وطبع في النجف الأشرف سنة ١٣٤٦ ه.

٤ ـ التوحيد والتثليث.

في الرد على النصارى ، طبع لأول مرة في صيد سنة ١٣٣٢ ه.

حققته وصدر في قم سنة ١٤١١ ه عن مؤسسة قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف ، ثم أعادت طبعه ـ بالتصوير على هذه الطبعة ـ دار المؤرخ العربي في بيروت.

٥ ـ عمانوئيل.

في المحاكمة مع بني إسرائيل.

٦ ـ داعي الإسلام وداعي النصارى.

في الرد على النصارى.

٧ ـ رسالة في الرد على جرجيس سايل وهاشم العربي.

في الرد على النصارى أيضا.

٨ ـ رسالة في الرد على كتاب (ينابيع الإسلام).

في الرد على النصارى أيضا.

٩ ـ المسيح والأناجيل.

في الرد على النصارى كذلك ، طبع بتمامه في مجلة (الهدى) العمارية


العراقية ، في عدة من أعدادها سنة ١٣٤٨ ه.

١٠ ـ رسالة في الرد على كتاب (تعليم العلماء).

١١ ـ نور الهدى.

في الرد على شبهات وردت من لبنان ، مطبوع في النجف الأشرف.

١٢ ـ البلاغ المبين.

في الإلهيات ، طبع في بغداد سنة ١٣٤٨ ه.

١٣ ـ أنوار الهدى.

في الرد على الطبيعيين والماديين وشبهاتهم الإلحادية ، طبع الجزء الأول منه في النجف الأشرف سنة ١٣٤٠ ه.

وأعيد طبعه في بيروت ، ثم طبع بالتصوير على هذه الطبعة في قم.

وترجم إلى الأوردية ، وطبع في لكنهو بالهند.

١٤ ـ مصابيح الهدى ، أو : المصابيح في بعض من أبدع في الدين في القرن الثالث عشر.

في الرد على القاديانية والبابية والبهائية والأزلية ، طبع قسم منه.

١٥ ـ الشهاب.

في الرد على كتاب (حياة المسيح) للقاديانية.

١٦ ـ نصائح الهدى ، أو : نصائح الهدى والدين إلى من كان مسلما وصار بابيا.

في الرد على البابية والبهائية ، طبع في بغداد سنة ١٣٣٩ ه.

وترجمه إلى الفارسية السيد علي العلامة الفاني الأصفهاني ـ المتوفى سنة ١٤٠٩ ه تحت عنوان : نصيحت بفريب خوركان باب وبهاء ، وصدر في أصفهان سنة ١٣٦٩ ه ، ثم أعيد طبع الترجمة هذه في قم سنة ١٤٠٥ ه.

١٧ ـ دعوى الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى.

في إبطال فتوى الوهابيين بهدم قبور الأئمة الأطهار عليهم‌السلام في


البقيع وبقية القبور في مكة المكرمة والمدينة المنور ، طبع في النجف الأشرف سنة ١٣٤٤ ه.

١٨ ـ رسالة أخرى في الرد على الوهابية.

وهي في تفنيد فتواهم أيضا ، مطبوعة أيضا.

١٩ ـ رسالة في الاحتجاج لكل ما انفردت به الإمامية بما جاء من الأحاديث في كتب غيرهم.

٢٠ ـ إلزام المتدين بأحكام دينه.

بطراز جذاب وأسلوب فريد في بابه.

٢١ ـ رسالة في رد أوراق وردت من لبنان.

ولعلها نفس الكتاب المتقدم برقم ١١.

٢٢ ـ مسألة في البداء.

رسالة صغيرة نشرها الشيخ محمد حسين آل ياسين لأول مرة في بغداد سنة ١٣٧٤ ه ، في آخر المجموعة الرابعة من سلسلة (نفائس المخطوطات).

حققتها ثانية ، وصدرت في قم سنة ١٤١٤ ه ضمن كتيب (رسالتان في البداء).

٢٣ ـ داروين وأصحابه.

مطبوع.

٢٤ ـ نسمات الهدى.

طبع في بعض أعداد مجلة (العرفان).

٢٥ ـ أجوبة المسائل البغدادية.

في أصول الدين ، مطبوعة.

٢٦ ـ أجوبة المسائل التبريزية.

في الطلاق وتعدد الزوجات والحجاب.


٢٨ ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن.

توفي ـ رحمه‌الله ـ ولم يتمه ، إذ وصل فيه إلى نهاية تفسير آية الوضوء من سورة المائدة ، وقد طبع لأول مرة في لبنان في جزءين ، وأعادت مكتبة الوجداني في قم طبعه ـ بالتصوير ـ على هذه الطبعة.

٢٩ ـ رسالة في تكذيب رواية التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام.

حققها الشيخ رضا الأستادي ونشرها في قم ، في مجلة (نور علم) العدد ١ ، السنة ٢ ، ربيع الآخر ١٤٠٦ ه.

٣٠ ـ رسالة في وضوء الإمامية وصلاتهم وصومهم.

طبعت بالإنكليزية ، أما الأصل العربي فلم يطبع.

٣١ ـ رسالة في الأوامر والنواهي.

٣٢ ـ تعليقة على (العروة الوثقى) للسيد اليزدي.

٣٣ ـ تعليقة على مباحث البيع من كتاب (المكاسب) للشيخ الأنصاري.

طبعت في النجف الأشرف سنة ١٣٤٣ ه.

٣٤ ـ تعليقة على كتاب الشفعة من كتاب (جواهر الكلام).

٣٥ ـ رسالة في حرمة حلق اللحية.

طبعت في قم بتقديم الشيخ رضا الأستادي.

٣٦ ـ رسالة في الخيارات.

٣٧ ـ رسالة في التقليد.

٣٨ ـ رسالة في صلاة الجمعة لمن سافر بعد الزوال.

٣٩ ـ رسالة في بطلان العول والتعصيب.

٤٠ ـ رسالة في عدم تزويج أم كلثوم.

٤١ ـ العقود المفصلة في حل المسائل المشكلة.

وهي ١٤ عقدا في الفقه وأصوله ، وهي :


أ ـ رسالة في العلم الاجمالي.

ب ـ رسالة في قاعدة على اليد ما أخذت.

ج ـ رسالة في تنجيس المتنجس.

د ـ رسالة في اللباس المشكوك.

طبعت الرسائل الأربع هذه مع تعليقته على (المكاسب) في النجف الأشرف.

ه ـ رسالة في ذبائح أهل الكتاب.

و ـ رسالة في ضبط الكر.

ز ـ رسالة في ماء الغسالة.

ح ـ رسالة في حرمة مس المصحف على المحدث.

ط ـ رسالة في إقرار المريض.

ي ـ رسالة في منجزات المريض.

ك ـ رسالة في مواقيت الاحرام.

ل ـ رسالة في القبلة وتعيين مواقع البلدان المهمة في العالم من مكة المكرمة بحسب الاختلاف في الطول والعرض.

م ـ رسالة في إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم.

طبعت بتصحيح علي أكبر الغفاري في إيران سنة ١٣٧٨ ه.

ن ـ رسالة في الرضاع.

٤٢ ـ رسالة أخرى في فروع الرضاع على مذهب الإمامية والمذاهب الأربعة.

وغيرها.

رسالتنا هذه :

لقد ذكر أغلب المترجمين للعلامة البلاغي ـ قدس الله سره ـ أن له


رسالتين اثنتين مطبوعتين في رد الوهابية.

فقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني ـ رحمه‌الله ـ رسالة : (دعوى الهدى ..) التي أوردناها آنفا برقم ١٧ ، ذكرها في الذريعة ٨ / ٢٠٦ رقم ٨٤٣ وأنها مطبوعة في سنة ١٣٤٤ ه ، وذكر الرسالة الثانية ـ التي أوردناها برقم ١٨ ـ في الذريعة ١٠ ـ ٢٣٦ رقم ٧٤٠.

ثم ذكرهما أيضا في نقباء البشر في القرن الرابع عشر ١ / ٣٢٥ ضمن تعداده لكتب الشيخ البلاغي المطبوعة ، ولم يصرح باسم الرسالة الأولى أو بتاريخ طبع الرسالتين أو إحداهما.

وذكرهما له أيضا السيد محسن الأمين العاملي ـ رحمه‌الله ـ في أعيان الشيعة ٤ / ٢٥٦ بالرقمين ١٢ و ١٣ ، ولم يصرح بعنوان خاص لإحداهما أو بتاريخ طبعهما.

كما ذكرهما له الأستاذ المحامي توفيق الفكيكي ـ رحمه‌الله ـ ضمن مؤلفاته المطبوعة ، في مقدمته للطبعة الثانية من كتاب (الهدى إلى دين المصطفى) ص ١٣ ، بالتسلسلين ٩ و ١٠ ، ولم يصرح بعنوان خاص لإحداهما أو بتاريخ طبعهما أيضا.

وكذلك ذكرهما كوركيس عواد في معجم المؤلفين العراقيين ٣ / ١٢٤ بالرقمين ١٠ و ١١ ، ولم يصرح بعنوان خاص لإحداهما أو بتاريخ طبعهما هو الآخر.

أما الرسالة هذه ، فقد عثرت على ثلاث نسخ منها بعد جهد جهيد ، وكانت جميعها خالية من اسم الرسالة والمؤلف ، تتألف من ٤٥ صفحة ، ومطبوعة على الحجر في النجف الأشرف ، وكان الفراغ منها في ليلة ١٤ ربيع الأول سنة ١٣٤٥ ه.


وبقرائن : زماني التأليف والطبع ومكانيهما ، وعدم ذكر اسم المؤلف (٢٠) ، بل ذكر في الانهاء اسم مستعار هو (عبد الله) ، وقوة العرض والاستدلال بالرغم من صغر الرسالة ، وأدب المؤلف وأخلاقه في المحاججة والنقاش ، وكل ما يعبر عنه ب : نفس المؤلف وأسلوبه في التصنيف والتأليف ...

بقرينة كل ذلك أمكنني الجزم أن رسالتنا هذه هي إحدى الرسالتين اللتين نمقهما يراع المؤلف ـ قدس‌سره ـ في هذا المجال.

فإذا ما احتملنا أن ما ورد في الذريعة ٨ / ٢٠٦ رقم ٨٤٣ من أن تاريخ طبع رسالة (دعوى الهدى) هو غلط مطبعي ، وأن الصحيح هو سنة ١٣٤٥ ه بدلا من ١٣٤٤ ه ، لكانت هذه الرسالة هي تلك بعينها ، مع ملاحظة أن المؤلف ـ قدس‌سره ـ لم يحل أو يشر في رسالته هذه إلى أن له رسالة أخرى في نفس الغرض.

أما إذا لم يصح ما احتملناه ، فتكون هذه الرسالة هي الرسالة الثانية للشيخ البلاغي ـ قدس‌سره ـ لا غير.

أهميتها :

رسالة صغيرة الحجم ، كبيرة المحتوى ، فهي بعيدة عن التطويل الممل أو الاختصار المخل ، فقد اشتملت على جل المباحث اللازمة في الرد على الوهابية ، وامتازت ـ بالرغم من صغر حجمها ، وكبقية رسائل الشيخ البلاغي ـ بإيفاء الموضوع حقه ، بالحجة القاطعة ، والدليل النقلي القوي ، والبرهان العقلي المقنع ، فقد اعتمد المؤلف ـ رحمه‌الله ـ على

__________________

(٢١) كما في كتبه : (الهدى إلى دين المصطفى) في طبعته الأولى ، (التوحيد والتثليث) ، و (أعاجيب الأكاذيب) وقد أنهاه بتوقيع : عبد الله العربي ، و (أنوار الهدى) وقد وضع عنوان المراسلة معه على الصفحة الأولى باسم : كاتب الهدى النجفي ، و (البلاغ المبين) وهو محاورة بين شخصين ، هما : (عبد الله) و (رمزي) وأنهاه بتوقيع : عبد الله ، وغيرها.


أمهات المصادر المعتمدة لدى عامة المسلمين ، لدحض شبهات هذه الفرقة الضالة ، وإثبات مراده ، مضافا إلى ذلك دماثة الأخلاق والأدب الرفيع في المناقشة والمناظرة.

منهج العمل فيها :

استفدت من علامات الترقيم الحديثة في إعادة تقطيع النص وتوزيعه ، وأثبت الإيضاحات في الهامش ، وخرجت الأحاديث والروايات اعتمادا على مصادرها الأصلية قدر الإمكان ، أما إذا لم يتوفر المصدر الأصلي لدي ، فإني قمت بتخريجها على عدة مصادر أخرى ، وربما عضدت الجميع بمصادر إضافية إمعانا في إقامة الحجة وإثباتها.

كما أني أصلحت الأغلاط الإملائية والطباعية التي لا تخلو منها أية طبعة لأي كتاب ، وخاصة إذا كانت طبعة حجرية ، ولم أشر إلى ذلك إلا في موضعين.

أما ما وضعته من معقوفين [ ] ولم أشر إليه في الهامش ، فهو أحد الثلاثة :

* إما عنوان وضعته بين الفقرات والمطالب لزيادة الايضاح.

* أو إضافة من المصدر المنقول عنه يقتضيها نسق المطلب ، ربما سقطت اثنا الطبع.

* أو زيادة من عند نفسي يقتضيها السياق ، ربما سقطت أثناء الطبع أيضا.

شكر لا بد منه :

لا يسعني وأنا أقدم هذه الرسالة إلا أن أشكر كل من أعانني وأسدى إلي معروفا ، لإخراجها بأفضل صورة ممكنة ، لا سيما سماحة حجة الإسلام والمسلمين المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، الذي تفضل علي


بقراءتها وإبداء الملاحظات العلمية حولها ، وكذا كل من ساهم بمراحل تهيئتها وإخراجها الأخرى.

واشكر كذلك مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ، في قم ، لتفضلها بنشر هذه الرسالة المهمة على صفحات مجلتها الغراء (تراثنا).

وفق الله الجميع لخدمة دينه الحنيف ومراضيه.

وكلمة أخيرة لا بد منها :

فأنا لا أدعي كمالا في عملي هذا ، فما كان إلا في خدمة الدين والدفاع عنه ابتغاء غفران الله جل وعلا ورضوانه ، وما هو إلا من منه وفضله وحسن توفيقه ، عسى الله أن ينفع به ، فهو ولي ذلك ، والله من وراء القصد ، وهو يهدي السبيل.

وإن هو إلا صفحات متواضعة أعددتها ليوم فقري وفاقتي ، أرفعها إلى مقام الإمام الحجة المتظر المهدي عجل الله فرجه الشريف ، راجيا منه عليه‌السلام نظرة عطف ولطف.

والحمد لله رب أولا وآخرا ، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محمد علي الحكيم

٩ جمادى الأولى ١٤١٥ ه




[الرد على الوهابية]

[تمهيد :]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على محمد سيد الأولين والآخرين ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله أجمعين.

وبعد ،

فقد عثرت في بعض الجرائد (١) على سؤال نصه هذا : (غادر مكة في شهر رمضان الماضي الشيخ عبد الله بن بليهد ، قاضي قضاة الوهابيين في الحجاز ، قاصدا المدينة المنورة ، وقد تلقت جريدة أم القرى من مكاتبها في المدينة أن الشيخ ابن بليهد اجتمع بعلماء المدنية وباحثهم في أمور كثيرة ، ثم وجه إليهم السؤال الآتي :

بسم الله الرحمن الرحيم ، ما قول علماء المدينة المنورة ـ زادهم

__________________

(١) هي جريدة (أم القرى) العدد ٦٩ ، بتاريخ ١٧ شؤال ١٣٤٤ ه.

وهذا مما أفادني به سماحة العلامة المحقق السيد عبد العزيز الطباطبائي دام بقاؤه.


الله فهما وعلما ـ في البناء على القبور واتخاذهم مساجد ، هل هو جائز أم لا؟

وإذا كان غير جائز ، بل ممنوع منهي عنه نهيا شديدا ، فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟

وإذا كان البناء في مسبلة ـ كالبقيع ـ وهو مانع من الانتفاع بالمقدار المبني عليه ، فهل هو غصب يجب رفعه ، لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم ، أم لا؟

وما يفعله الجهال عند هذه الضرائح ، من التمسح بها ، ودعائها مع الله ، والتقرب بالذبح والنذر لها ، وإيقاد السرج عليها ، هل هو جائز أم لا؟

وما يفعل عند حجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من التوجه إليها عند الدعاء وغيره ، والطواف بها وتقبيلها والتمسح بها ، وكذلك ما يفعل في المسجد الشريف ، من الترحيم والتذكير بين الأذان والإقامة وقبل الفجر ويوم الجمعة ، هل هو مشروع أم لا؟

أفتونا مأجورين ، وبينوا لنا الأدلة المستند إليها ، لا زلتم ملجأ للمستفيدين).

وهذا نص الجواب :

(أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعا ، لصحة الأحاديث الواردة في منعه ، وبهذا أفتى كثير من العلماء بوجوب هدمه ، مستندين على ذلك بحديث علي رضي‌الله‌عنه أنه قال لأبي الهياج : (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن لا تدع


تمثالا إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته) رواه مسلم (٢).

وأما اتخاذ القبور مساجد والصلاة فيها فممنوع مطلقا ، وإيقاد السرج عليه ممنوع أيضا ، لحديث ابن عباس : (لعن رسول الله زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج) رواه أهل السنن (٣).

وأما ما يفعله الجهال عند الضرائح ، من التمسح بها ، والتقرب إليها بالذبائح والنذور ، ودعاء أهلها مع الله ، فهو حرام ، ممنوع شرعا ، لا يجوز فعله أصلا.

وأما التوجه إلى حجرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند الدعاء ، فالأولى منعه ، كما هو معروف من فقرات كتب المذهب ، ولأن أفضل الجهات جهة القبلة.

وأما الطواف بها والتمسح بها وتقبيلها ، فهو ممنوع مطلقا.

وأما ما يفعله من التذكير والترحيم والتسليم في الأوقات المذكورة ، فهو محدث.

هذا ما وصل إليه علمنا السقيم).

ويلي ذلك توقيع ١٥ عالما.

وقد علقت جريدة (أم القرى) على هذه الفتوى بمقالة افتتاحية قائلة :

(إن الحكومة ستسير في تنفيذ أحكام الدين رضي الناس أم كرهوا) إنتهى.

__________________

(٢) صحيح مسلم ٢ / ٦٦٦ ح ٩٣ ب ٣١ ، كما ورد الحديث باختلاف يسير في بعض ألفاظه في المصادر التالية : مسند أحمد ١ / ٩٦ و ١٢٩ ، سنن النسائي ٤ / ٨٨ ، سنن أبي داود ٣ / ٢١٥ ح ٣٢١٨ ، سنن الترمذي ٣ / ٣٦٦ ح ١٠٤٩ ب ٥٦.

(٣) سنن أبي داود ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٦ ، سنن النسائي ٤ / ٩٥.


واطلعت أيضا على مقالة في بعض الجرائد المصرية (*) ، وهذا نصها :

(تغلب الوهابيون على الحجاز ، فأوفدت حكومة إيران وفدا  ـ على رأسه حضرات أصحاب السعاة : ميرزا غفار خان جلال السلطنة ، ويزرها المفوض في مصر ، وميرزا حبيب الله خان هويدا عين الملك ، قنصلها الجنرال (٤) بالشام ـ إلى الحجاز ، ليتبينوا وجه الحقيقة فيما أذيع على العالم الإسلامي أجمع من فظائع الوهابيين في البلاد المقدسة ، وأتم هذا الوفد الرسمي مهمته ، ورفع تقريره إلى حكومته.

ولما تجدد نشر الإشاعات بأن الوهابيين هم هم.

وأن التطور الذي غشي العالم أجمع لم يصلح من فساد تطرفهم شيئا.

وأنهم هدموا القباب والمزارات المباركة المنبثة في أرجاء ذلك الوادي المقدس.

وأنهم ضيقوا الحرية المذهبية الإسلامية ، نشرا لمذهبهم ، وتوسيعا لنطاق نحلتهم ، في الوقت الذي تقوم به جميع حكومات العالم على رعاية الحريات المذهبية.

أصدرت (٥) أمرها بوقف التصريح بالسفر للحجاز ، حماية لرعاياها ، وحفظا لهم من قصد بلاد لم يعرف تماما كنه الحكم فيها.

وعادت فأوفدت سعادت ميرزا حبيب الله خان هويدا ، قنصلها

__________________

* هي جريدة (المقطم) في عددها الصادر في ٢ شوال سنة ١٣٤٤ ه.

(٤) أي : القنصل العام.

(٥) جواب (لما) المتقدمة.


الجنرال (٦) في الشام ثانية ، للتحقق من مبلغ صدق تلك الإشاعات ، فإذا بها صحيحة في جملتها!

لم تمنع الحكومة الإيرانية رعاياها من السفر إلى الحجاز لأن حكومته وهابية فحسب ، ولكن الإيرانيين ألفوا في الحج والزيارة شؤونا يعتقدون أنها من مستلزمات أداء ذلك الركن ، ويشاركهم في ذلك جمهور المسلمين من غير الوهابيين ، كزيارة مشاهد أهل البيت ، والاستمداد من نفحاتهم ، وزيارة مسجد منسوب للإمام علي عليه السلام.

وقد قضى الوهابي على تلك الآثار جملة ، وقضى رجال ـ وكل فرد منهم حكومة قائمة ـ على الحرية المذهبية.

فمن قرأ الفاتحة على مشهد من المشاهد ، جلد.

ومن دخن سيجارة أو نرجيلة ، أهين وضرب وزج في السجن ، في الوقت الذي تحصل فيه إدارة الجمارك الحجازية رسوما على واردات البلاد من الدخان والتمباك.

ومن استنجد بالرسول المجتبى عليه صلوات الله وسلامه بقوله : (يا رسول الله) عد مشركا.

ومن أقسم بالنبي أو بآله ، عد خارجا عن سياج الملة.

وما حادثة السيد أحمد الشريف السنوسي (٧) ـ وهو علم من

__________________

(٦) أي : القنصل العام.

(٧) هو السيد أحمد الشريف بن محمد بن محمد بن علي السنوسي (١٢٨٤ ـ ١٣٥١ ه) ولد وتفقه في (الجغبوب) من أعمال ليبيا ، قاتل الإيطاليين في حربهم مع الدولة العثمانية سنة ١٣٣٩ ه ، دعي إلى إسلامبول بعد عقد الصلح بين إيطاليا والعثمانيين ، ثم رحل منها إلى الحجاز ، كان من أنبل الناس جلالة قدر وسراوة حال ورجاحة عقل ، وكان على علم غزير ،


أعلام المسلمين المجاهدين ـ ببعيدة ، إذ كان وقوفه وقراءته الفاتحة على ضريح السيدة خديجة رضوان الله عليها ، سببا كافيا في نظر الوهابيين لإخراجه من الحجاز.

كل هذا حاصل في الحجاز لا ينكره أحد ، ولا يستطيع الوهابي ولا دعاته ولا جنوده أن يكذبوه).

إنتهى ما أردنا نقله من تلك الجريدة.

فرأيت أن أتكلم معهم بكلمات وجيزة ، جارية في نهج الإنصاف ، خالية عن الجور والتعصب والاعتساف ، سالكا سبيل الرفق والاعتدال ، ناكبا على طريق الخرق والجدال ، فما المقصود إلا هداية العباد ، والله ولي الرشاد.

ثم إنا نتكلم فيما طعن به الوهابيون على سائر المسلمين في ضمن فصول ، والله المستعان.

وأجتنب فيه عن الفحش في المقال ، والطعن والوقيعة والجدال.

هذا ، لما يندمل ، وإن القلوب لحرى ، والعيون لعبرى ، على الرزية التي عمت الإسلام والمسلمين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ويا لها من رزية جليلة ، ومصيبة فاظعة (٨) فادحة ، وثلمة عظيمة في الإسلام أليمة فجيعة!

كحلت بمقطرك العيون عماية

وأجل وقعك كل أذن تسمع (٩)

__________________

وقد صنف في أوقات فراغه كتبا عديدة.

أنظر : الأعلام ١ / ١٣٥.

(٨) كذا في الأصل ، (قاطعة) ، والأصوب لغة أن تكون : (فظيعة).

(٩) من قصيدة لدعبل الخزاعي ، يرثي بها سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، وقد ورد البيت باختلاف في بعض ألفاظه في الديوان المطبوع ومصادر أخرى هكذا :

كحلت بمنظرك العيون عماية

وأصم نعيك كل أذن تسمع

أنظر : ديوان دعبل : ٢٢٦ ، معجم الأدباء ١١ / ١١٠ و ٣ / ١٢٩ وفيه : (رزؤك) بدل (نعيك) ولم يسم قائله هنا ، الحماسة البصرية ١ / ٢٠١.


وعلى الجملة :

فقد هدموا شعائر الدين ، وجرحوا قلوب المسلمين ، بفتوى خمسة عشر ، تشهد القرائن بأنهم مجبورون مضطرون على هاتيك الفتيا!

ويشهد نفس السؤال ـ أيضا ـ بذلك ، حيث إن السائل يعلمهم الجواب في ضمن السؤال بقوله : (وإذا كان غير جائز ، بل ممنوع منهي عنه نهيا شديدا).!

ويومئ إلى ـ أيضا ـ ما في الجريدة ، أنه اجتمع إليهم أولا ، وباحثهم ثانيا ، ومن بعد ذلك وجه إليهم السؤال المزبور!

ولقد حدثني بعض الثقات من أهل العلم ـ بعد رجوعه من المدينة ـ عن بعض علمائها ، أنه قال : إن الوهابية أوعدوني وعالمين غيري بالقتل والنهب والنفي (على مساعدتهم) (١٠) في الجواب ، فلم نفعل.

هذي المنازل بالغميم فنادها

واسكب سخي العين بعد جمادها (١١)

__________________

(١٠) كذا في الأصل ، والصواب : (إن لم نساعدهم).

(١١) مطلع قصيدة للشريف الرضي ، يرثي بها سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام ، في يوم عاشوراء سنة ٣٩١ ه.

أنظر : ديوان الشريف الرضي ١ / ٣٦٠.


الفصل الأول

في توحيد الله في العبادة

إعلم أن من ضروريات الدين ، والمتفق عليه بين جميع طبقات المسلمين ، بل من أعظم أركان أصول الدين : اختصاص العبادة بالله رب العالمين.

فلا يستحقها غيره ، ولا يجوز إيقاعها لغيره ، ومن عبد غير فهو كافر مشرك ، سواء عبد الأصنام ، أو عبد أشرف الملائكة ، أو أفضل الأنام.

وهذا لا يرتاب فيه أحمد ممن عرف دين الإسلام.

وكيف يرتاب؟! وهو يقرأ في كل يوم عشرات مرات : (إياك نعبد وإياك نستعين) (١٢).

ويقرأ : (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي ديني). (١٣).

ويقرأ في سورة يوسف : (إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا

__________________

(١٢) سورة الفاتحة ١ : ٥.

(١٣) سورة الكافرون ١٠٩ : ١ ـ ٦.


إياه) (١٤).

ويقرأ في سورة النحل : (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) (١٥).

ويقرأ في سورة التوبة : (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحد لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) (١٦).

ويقرأ في سورة البقرة : (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحد ونحن له مسلمون) (١٧).

ويقرأ في [سورة] الزمر : (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله الزلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) (١٩).

ويقرأ فيها : (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن

__________________

(١٤) سورة يوسف ١٢ : ٤٠.

(١٥) سورة النحل ١٦ : ٣٥.

(١٦) سورة التوبة ٩ : ٣١.

(١٧) سورة البقرة ٢ : ١٣٣.

(١٨) سورة الأعراف ٩ : ٦٥ ـ ٧٠.

(١٩) سورة الزمر ٣٩ : ٣.


من الشاكرين) (٢٠).

ويقرأ فيها : (قل الله أعبد مخلصا له ديني) (٢١).

ويقرأ في سورة النساء : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) (٢٢).

ويقرأ في سورة هود : (ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير) (٢٣).

ويقرأ في سورة العنكبوت : (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) (٢٤).

إلى غير ذلك من الآيات الفرقانية ، والأحاديث المتواترة (٢٥).

لكن العبادة ـ كما هو المفسر في لسان المفسرين ، وأهل العربية ، وعلماء الإسلام ـ : غاية الخضوع ، كالسجود ، والركوع ، ووضع الخد على التراب والرماد تواضعا ، وأشباه ذلك ، كما يفعله عباد الأصنام لأصنامهم (٢٦).

__________________

(٢٠) سورة الزمر ٣٩ : ٦٥ و ٦٦.

(٢١) سورة الزمر ٣٩ : ١٤.

(٢٢) سورة النساء ٤ : ١٤.

(٢٣) سورة هود ١١ : ٢.

(٢٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ٥٦.

(٢٥) أنظر ذلك في تفسير الآيات الكريمة المتقدمة ـ على سبيل المثال ـ وغيرها في مختلف التفاسير ، ولاحظ كتاب (التوحيد) للشيخ الصدوق ، والكافي ١ / ٥٧ ـ ١٢٧ كتاب التوحيد.

(٢٦) أنظر ذلك ـ على سبيل المثال ـ في تفسير آية (إياك نعبد وإياك نستعين) في : التبيان ١ / ٣٧ ـ ٣٩ ، مجمع البيان ١ / ٢٥ ـ ٢٦ ، الصافي ١ / ٧١ ـ ٧٢ ، كنز الفوائد ١ / ٥٤ ـ ٥٦ ، نور الثقلين ١ / ١٩ ـ ٢٠ ، آلاء الرحمن ١ / ٥٦ ـ ٥٩ ، البيان : ٤٥٦ ـ ٤٨٣ ، الجامع لأحكام القرآن ١ / ١٤٥ ، جامع البيان ١ / ١٦٠ ، الدر المنثور ١ / ٣٧ ، التفسير الكبير ١ / ٢٤٢ ، ومادة (عبد) في : لسان العرب ٣ / ٢٧٣.


وأما زيارة القبور والتمسح بها وتقبيلها والتبرك بها ، فليس من ذلك في شئ كما هو واضح ، بل ليس فيها شئ من الخضوع فضلا عن كونها غاية الخضوع.

مع أن مطلق الخضوع ـ كما عرفت ـ ليس بعبادة ، وإلا لكان جميع الناس مشركين حتى الوهابيين! فإنهم يخضعون للرؤساء والأمراء والكبراء بعض الخضوع ، ويخضع الأبناء للآباء ، والخدم للمخدومين ، والعبيد للموالي ، وكل طبقة من طبقات الناس للتي فوقها ، فيخضعون إليهم بعض الخضوع ، ويتواضعون لهم بعض التواضع.

هذا ، وقد قال الله عز من قائل في تعليم الحكمة : (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) (٢٧).

أترى الله حين أمر بالخضوع للوالدين أمر بعبادتهما؟!

ويقول سبحانه : (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول ...) إلى آخرها (٢٨).

أليس هذا خضوعا وتواضعا؟!

أترى الله سبحانه أمر بعبادة نبيه؟!

أوليس التواضع من الأخلاق الجميلة الزكية ، وهو متضمن لشئ من الخضوع لا محالة؟!

أوترى الله نهى أن يصنع بأنبيائه وأوليائه نظير ما أمر أن يصنع بسائر المسلمين من التواضع والخضوع؟!

وقد كان الصحابة يتواضعون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

(٢٧) سورة الإسراء ١٧ : ٢٤.

(٢٨) سورة الحجرات ٤٩ : ٢.


ويخضعون له ، وذلك من المسلمات بين أهل السير والأخبار.

بل روى البخاري في صحيحه :

* (خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهاجرة إلى البطحاء ، فتوضأ ، ثم صلى الظهر ركعتين ، والعصر ركعتين ، وبين يديه عنزة.

قال شعبة : وزاد فيه عون : عن أبيه ، عن أبي جحيفة ، قال : كان تمر (٢٩) من ورائها المرأة.

وقام الناس فجعلوا يأخذون يده (٣٠) فيمسحون بها وجوههم.

قال : فأخذت بيده فوضعتها على وجهي ، فإذا هي أبرد من الثلج ، وأطيب رائحة من المسك) (٣١).

[زيارة القبور :]

وأما الأخبار الدالة على زيارة القبور فنذكر عدة منها ، وإن كان لا حاجة إلى ذكرها لوضوح المسألة ، حتى أن الوهابيين ـ أيضا ـ غير مانعين عن أصل الزيارة :

* فروى البخاري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه (خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ، ثم انصرف إلى المنبر ...) إلى آخره (٣٢).

* وروى فيه عن أنس ، قال : (مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(٢٩) في المصدر : يمر.

(٣٠) في المصدر : يديه.

(٣١) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٩.

(٣٢) صحيح البخاري ٢ / ١١٤ ، سنن أبي داود ٣ / ٢١٦ ح ٣٢٢٣ إلى كلمة (انصرف).


بامرأة تبكي عند قبر ، فقال : اتقي الله واصبري ...) إلى آخره (٣٣) ولم ينهها عن زيارة القبر.

* وروى الدارقطني في السنن وغيرها ، والبيهقي ، وغيرهما ، من طريق موسوي بن هلال العبدي ، عن عبد الله العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من زار قبري وجبت له شفاعتي) (٣٤).

* وعن نافع ، عن سالم ، عن ابن عمر ، مرفوعا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : (من جاءني زائرا ليس له حاجة إلا زيارتي ، كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة) (٣٥).

* عن ليث ومجاهد ، عن [ابن] عمر ، قال صلى الله عليه وسلم ، (من حج وزار قبري بعد وفاتي ، كان كمن زارني في حياتي) (٣٦).

__________________

(٣٣) صحيح البخاري ٩ / ١٨ باختلاف يسير في بعض الألفاظ ، وفي ٢ / ٩٣ إلى كلمة (واصبري) باختلاف يسير في بعض الألفاظ أيضا ، وانظر : الأنوار في شمائل النبي المختار ١ / ٢٠٠ ح ٢٣٩ والمصادر الأخرى التي في هامشه.

(٣٤) سنن الدارقطني ٢ / ٢٧٨ ح ١٩٤ ، شعب الإيمان ٣ / ٤٩٠ ح ٤١٥٩ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، الصلات والبشر : ١٤٢ ، الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، كنز العمال ١٥ / ٦٥١ ح ٤٢٥٨٣ ، الكنى والأسماء ٢ / ٦٤ ، الكامل ٦ / ٢٣٥٠ ، وانظر : الغدير ٥ / ٩٣ ـ ٩٦ ح ١ ومصادره.

(٣٥) ورد الحديث باختلاف يسير في : المعجم الكبير ١٢ / ٢٩١ ح ١٣١٤٩ ، مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، الصلات والبشر : ١٤٢ ، الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، كنز العمال ١٢ / ٢٥٦ ح ٣٤٩٢٨ ، وانظر : الغدير ٥ / ٩٧ ـ ٩٨ ح ٢ ومصادره.

(٣٦) سنن الدارقطني ٢ / ٢٧٨ ح ١٩٢ ، شعب الإيمان ٣ / ٤٨٩ ح ٤١٥٤ ، السنن الكبرى ٥ / ٢٤٦ ، المعجم الكبير ١٢ / ٤٠٦ ح ١٣٤٩٧ ، الصلات والبشر : ١٤٣ ، الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، كنز العمال ٥ / ١٣٥ ح ١٢٣٦٨ و ١٥ / ٦٥١ ح ٤٢٥٨٢ ، وفيها : (فزار) بدل (وزار) ، وانظر : الغدير ٥ / ٩٨ ـ ١٠٠ ح ٣ ومصادره.


* وعن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : (من زارني كنت له شهيدا أو شفيعا) (٣٧).

* وعن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : (من حج [البيت] ولم يزرني فقد جفاني) (٣٨).

* وعن أبي هريرة ، مرفوعا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : (من زارني بعد موتي فكأنما زارني حيا) (٣٩).

* وعن أنس ، مرفوعا ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، [قال] : (من زارني ميتا كمن زارني حيا ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة (٤٠).

* وعن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : (من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن لم يزرني فقد

__________________

(٣٧) ورد الحديث باختلاف يسير في : شعب الإيمان ٣ / ٤٨٩ ذ ح ٤١٥٣ ، كنز العمال ٥ / ١٣٥ ح ١٢٣٧١ ، كما ورد مضمونه في : السنن الكبرى ٥ / ٢٤٥ ، شعب الإيمان ٣ / ٤٨٨ ح ٤١٥٢ و ٤٨٩ ح ٤١٥٧ ، الصلات والبشر : ١٤٣ ، الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، وانظر : الغدير ٥ / ١٠٠ ـ ١٠١ ح ٥ ومصادره.

(٣٨) الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، الصلات والبشر : ١٤٣ ، كنز العمال ٥ / ١٣٥ ح ١٢٣٦٩ ، الكامل ٧ / ٢٤٨٠ ، وانظر : الغدير ٥ / ١٠٠ ح ٤ ومصادره.

(٣٩) ورد الحديث باختلاف في سنده وبعض ألفاظه في : مجمع الزوائد ٤ / ٢ ، الصلات والبشر : ١٤٢ و ١٤٣ ، الدر المنثور ١ / ٥٦٩ ، كنز العمال ٥ / ١٣٥ ح ١٢٣٧٢ ، المواهب اللدنية ٨ / ٢٩٨ و ٢٩٩ ، وانظر : الغدير ٥ / ١٠١ ـ ١٠٢ ح ٦ ومصادره ، وقد روي فيها عن حاطب بن أبي بلتعة مرفوعا ، وص ١٠٥ ـ ١٠٦ ح ١٤ وفيه : عن ابن عمر مرفوعا.

(٤٠) الصلات والبشر : ١٤٣ ، كشف الخفاء ٢ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩ ح ٢٤٨٩ ، وانظر : الغدير ٥ / ١٠٤ ح ١٠ ومصادره.


جفاني) (٤١).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي يجوز مجموعها حد المتواتر.

* وفي (الموطأ) أن ابن عمر كان يقف قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيسلم عليه وعند أبي بكر وعمر (٤٢).

وسئل نافع : هل كان [ابن] عمر يسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

فقال : رأيته مائة مرة أو أكثر يسلم على النبي وعلى أبي بكر (٤٣).

قال عياض : زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة وجمع عليها المسلمون (٤٤).

* وروى بريدة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها) (٤٥).

* وعن بريدة ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا خرج إلى المقابر قال : (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين).

__________________

(٤١) مختصر تاريخ دمشق ٢ / ٤٠٧ ، وفاء الوفا ٤ / ١٣٤٦ ـ ١٣٤٧ ح ١٤ و ١٦ ، وانظر : الغدير ٥ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ١٢ ومصادره ، وقد روي فيها عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام مرفوعا بدلا من ابن عباس.

(٤٢) الموطأ ١ / ١٦٦ ح ٦٨ ، شعب الإيمان ٣ / ٤٩٠ ح ٤١٦١ ، الدر المنثور ١ / ٥٧٠ ، وفاء الوفا ٤ / ١٣٥٨.

(٤٣) حقيقة التوسل والوسيلة : ١١١ ، وقال في الهامش : أخرجه الإمام عبد الله بن دينار عن ابن عمر.

(٤٤) شرح الشفا ٣ / ٥١١ ، وفاء الوفا ٤ / ١٣٦٢.

(٤٥) صحيح مسلم ٢ / ٦٧٢ ح ٩٧٧ ، سنن السنائي ٨ / ٣١٠ ـ ٣١١ وج / ٨٩ ، سنن الترمذي ٣ / ٣٧٠ ح ١٠٥٤ ، سنن أبي داود ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٥ ، السنن الكبرى ٤ / ٧٧ ، المعجم الكبير ٢ / ١٩ ح ١١٥٢ و ٩٤ ح ١٤١٩ ، المصنف ٣ / ٣٤٢.


رواه مسلم (٤٦).

* وعن ابن عباس ، أن النبي [كان] يخرج إلى البقيع آخر الليل فيقول : (السلام عليكم ...) الخبر.

رواه مسلم (٤٧).

[التبرك بالقبور :]

وأما التبرك بالقبور وتقبيلها والتمسح بها : فقد نقل عن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب (العلل والسؤالات) قال : سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله يتبرك بمسه وتقبيله ، ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثواب الله ، فقال : لا بأس به (٤٨).

ونقل عن مالك التبرك بالقبر (٤٩).

وروي عن يحيى بن سعيد ـ شيخ مالك ـ أنه حينما أراد الخروج إلى العراق جاء إلى المنبر وتمسح به (٥٠).

ونقل السبكي رواية ليحيى بن الحسن ، عن عمر بن خالد ، عن أبي نباتة ، عن كثير بن يزيد ، عن المطلب بن عبد الله ، قال : أقبل

__________________

(٤٦) صحيح مسلم ٢ / ٦٧١ ح ٩٧١ ، وسنن النسائي ٤ / ٩٤.

(٤٧) صحيح مسلم ٢ / ٦٦٩ ح ٩٧٤ عن عائشة ، وسنن الترمذي ٣ / ٣٦٩ ح ١٠٥٣ عن ابن عباس.

(٤٨) العلل ومعرفة الرجال ٢٢ / ٤٩٢ ح ٣٢٤٣ ، وعنه في وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٤ ، وانظر مؤداه أيضا في ص ١٤٠٣.

(٤٩) أنظر مؤداه في وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٧.

(٥٠) وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٣.


مروان بن الحكم وإذا رجل ملتزم القبر ، فأخذ مروان برقبته وقال : ما تصنع؟!

فقال : إني لم آت الحجر ولا اللبن ، إنما جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥١).

وذكر رواية أحمد ، قال : وكان الرجل أبا أيوب الأنصاري (٥٢).

* ونقل هذه الرواية أحمد ، وزاد فيها أنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تبكوا على الدين إذا ولوه أهله ، وابكوا عليه إذا وليه غير أهله (٥٣).

وذكر ابن حماد أن ابن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر (٥٤).

ولو رمنا ذكر جميع الأحاديث لخرجنا من حد الاختصار ، وفيما ذكر كفاية ، فضلا عن سيرة المسلمين.

وما عرفت من أن تلك الأمور خارجة عن حقيقة العبادة ، فإذا لا وجه للمنع عنها وإن لم يكن دليل عليها.

هذا ، وقد قال الله عزوجل : (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (٥٥).

__________________

(٥١) شفاء السقام عن مسند أحمد ٥ / ٤٢٢.

(٥٢) شفاء السقام عن مسند أحمد ٥ / ٤٢٢.

(٥٣) شفاء السقام عن مسند أحمد ٥ / ٤٢٢ ، وفاء الوفا ٤ / ١٣٥٨ ـ ١٣٥٩.

(٥٤) وفاء الوفا ٤ / ١٤٠٥.

(٥٥) سورة الحج ٢٢ : ٣٢.


الفصل الثاني

في توحيد الله سبحانه في الأفعال

إعلم أن من ضروريات دين الإسلام ، والمجمع عليه بين جميع الفرق المنتحلة لدين سيد الأنام ، بل ومن أعظم أركان التوحيد : توحيد الله عزوجل في تدبير العالم ، كالخلق والرزق والإماتة والأحياء ، إلى غير ذلك مما يرجع إلى تدبير العالم ، كتسخير الكواكب ، وجعل الليل والنهار ، والظلم والأنوار ، وإجراء البحار ، وإنزال الأمطار ، وغير ذلك مما لا نحصيه ولا نحيط به.

وبالجملة :

لا كلام بين طوائف أهل الإسلام ، أن المدبر لهذا النظام ، هو الله الملك العلام ، وحده وحده.

وكيف يرتاب مسلم في ذلك؟! وهو يقرأ في كل يوم مرارا من الفرقان العظيم : (الله الصمد) (٥٦).

ويقرأ قوله عز من قائل : (وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم) (٥٧).

__________________

(٥٦) سورة الإخلاص ١١٢ : ٢.

(٥٧) سورة الأنعام ٦ : ١٠١.


وقوله سبحانه : (ألا له الخلق والأمر) (٥٨).

وقوله تعالى : (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) (٥٩).

وقوله عز اسمه : (إن الله له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير). (٦٠).

وقوله عظم سلطانه : (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء) (٦١).

وقوله جل شأنه : (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ) (٦٢).

وقوله عز جبروته : (الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين) (٦٣).

وقوله جل وعز : (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض

__________________

(٥٨) سورة الأعراف ٧ : ٥٤.

(٥٩) سورة يونس ١٠ : ٣١.

(٦٠) سورة التوبة ٧ : ١١٦.

(٦١) سورة هود ١١ : ٣٢ و ٣٣.

(٦٢) سورة الرعد ١٣ : ١٦.

(٦٣) سورة الشعراء ٢٦ : ٧٨ ـ ٨١.


وسخر الشمس والقمر ليقولن الله) (٦٤).

وقوله عم إحسانه : (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) (٦٥).

وقوله جلت قدرته : (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتك ثم يحييكم) (٦٦).

وقوله تعالى شأنه : (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم هذا خلق الله فأروني ما ذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين) (٦٧).

وقوله تعالى : (الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل * له مقاليد السماوات والأرض) (٦٨).

وقوله تعالى من قائل : (وأن إلى ربك المنتهى وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا * وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى * وأن عليه النشأة الأخرى * وأنه هو أغنى وأقنى) (٦٩).

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

__________________

(٦٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ٦١.

(٦٥) سورة العنكبوت ٢٩ : ٦٣.

(٦٦) سورة الروم ٣٠ : ٤٠.

(٦٧) سورة لقمان ٣١ : ١٠ و ١١.

(٦٨) سورة الزمر ٣٩ : ٦٢ و ٦٣.

(٦٩) سورة النجم ٥٣ : ٤٢ ـ ٤٨.


[التوسل والاستغاثة والاستشفاع :]

لكن التوسل بغير الله سبحانه ، والاستغاثة ، والاستشفاع ـ المعمولة عند المسلمين ، في جميع الأزمان ، بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء ـ ليس بمعنى التشريك في أفعال الله تعالى.

بل الغرض أن يفعل الله فعله ويقضي الحاجة ببركتهم وشفاعتهم ، حيث إنهم مقربون لديه ، مكرمون عنده ، ولا مانع من أن يكونوا سببا ووسيلة لجريان فيضه.

هذا ، ومن المركوز في طباع البشر توسلهم في حوائجهم التي يطلبونها من العظماء والملوك والأمراء إلى المخصوصين بحضرتهم ، ويرون هذا وسيلة لنجح حاجتهم ، وليس ذلك تشريكا لذلك المخصوص مع ذاك الأمير أصلا.

فلماذا يعزل أنبياء الله والأولياء من مثل ما يصنع بمخصوصي العظماء؟! إن هذا إلا اختلاق ، وقد قال الله عزوجل : (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) (٧٠) فاستثنى ، وقال سبحانه : (لا يشفعون إلا لمن ارتضى) (٧١).

ومما ذكر ظهر أن قول القاضي : (ودعائها مع الله) يعني الضرائح ، افتراء على المسلمين من جهتين :

الأولى : دعوى تشريك غير الله معه في الدعاء :

مع أنهم لا يدعون إلا الله الواحد القهار ، ويتوسلون بأوليائه إليه.

__________________

(٧٠) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٧١) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٨.


وإن كان المراد أنهم يدعون الله عزوجل لقضاء الحاجات ، ويدعون أولياءه ليكونوا شفعاء لديه سبحانه ، فاختلفت جهتا الدعوة ، فهذا حق وصدق ، ولا مانع منه أصلا.

بل الوهابية ما قدروا الله حق قدره إذ قالوا : لا ضرورة في استنجاح الحاجة عنده إلى شفيع! ولا حسن في ذلك ، ويرون ذلك أمرا مرغوبا مطلوبا بالنسبة إلى غيره سبحانه!

فإذا كان لهم حاجة إلى الناس ، يتوسلون في نجاحها إلى المقربين لديهم ، ولا يرون في ذلك بأسا!

فما بال الله عزوجل يقصر به عما يصنع بعباده؟!

الجهة الثانية : إضافة الدعوة إلى الضرائح :

والحال أنهم لا يدعون الضريح للشفاعة ، بل يدعون صاحب الضريح ، لأنه ذو مكان مكين عند الله وإن كان متوفى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله ...) (٧٢).

وبالجملة :

فالتوسل وطلب الشفاعة من أولياء الله أمر مرغوب فيه عقلا وشرعا ، وقد جرت سيرة المسلمين عليه قديما وحديثا.

* فعن أنس بن مالك ، أنه قال : (جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت المواشي وتقطعت

__________________

(٧٢) سورة آل عمران ٣ : ١٦٩ و ١٧٠.


السبل ، فأدع الله.

فدعا الله ، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة.

فجاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر.

فانجابت عن المدينة انجياب الثوب).

رواه البخاري في الصحيح (٧٢) ، وروى عدة أحاديث في هذا المعنى يشبه بعضها بعضها (٧٤).

* وفيه أيضا : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود ، [حدثنا حرمي ،] حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : (قالت أمي : يا رسول الله ، خادمك [أنس] ، أدع الله له.

قال : اللهم أكثر ماله وولده ، وبارك له فيما أعطيته) (٧٥).

* وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا حاتم ، عن الجعد بن عبد الرحمن ، قال : سمعت السائب بن يزيد يقول : (ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع.

فمسح رأسي ، ودعا لي بالبركة ، ثم توضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة) (٧٦).

__________________

(٧٣) صحيح البخاري ٢ / ٣٧.

(٧٤) صحيح البخاري ٢ / ٣٤ ـ ٣٨.

(٧٥) صحيح البخاري ٨ / ٩٣.

(٧٦) صحيح البخاري ٨ / ٩٤.


* وروى البيهقي ، أنه جاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، استقي لأمتك ، فسقوا (٧٧).

* وروى الطبراني وابن المقرئ وأبو الشيخ أنهم كانوا جياعا ، فجاؤوا إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، الجوع الجوع ، فأشبعوا (٧٨).

ونقل أن آدم لما اقترف الخطيئة قال : يا ربي أسألك بحق محمد لما غفرت لي.

فقال : يا آدم ، كيف عرفته؟

قال : لأنك لما خلقتني نظرت إلى العرش فوجدت مكتوبا فيه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، فرأيت أسمه مقرونا مع اسمك ، فعرفته أحب الخلق إليك.

صححه الحاكم (٧٩).

* وعن عثمان بن حنيف ، أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ادع الله أن يعافيني.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن شئت صبرت فهو خير لك ، وإن شئت دعوت.

قال : فادعه.

فأمره أن يتوضأ ويدعو بهذا الدعاء :

(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد ، نبي الرحمة ،

__________________

(٧٧) أنظر قريبا منه في وفاء الوفا ٤ / ١٣٧٤.

(٧٨) أنظر : وفاء الوفاء ٤ / ١٣٨٠.

(٧٩) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٦١٥ باختلاف يسير ، وانظر : دلائل النبوة ـ للبيهقي ـ ٥ / ٤٨٩ ، ووفاء الوفا ٤ / ١٣٧١ ـ ١٣٧٢.


يا محمد ، أنني توجهت بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي.

اللهم شفعه).

رواه الترمذي والنسائي (٨٠) ، وصححه البيهقي وزاد : فقام وأبصر (٨١).

* ونقل الطبراني ، عن عثمان بن حنيف ، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة ، فكان لا يلتفت إليه ، فشكا ذلك لابن حنيف ، فقال له : اذهب وتوضأ وقل : ... وذكر نحو ما ذكر الضرير.

قال : فصنع ذلك ، فجاء البواب فأدخله وأدخله إلى عثمان ، فأمسكه عن الطنفسة وقضى حاجته (٨٢).

* وفي رواية الحافظ ، عن ابن عباس ، أن عمر قال : اللهم إنا نستسقيك بعم نبينا ، ونستشفع بشيبته ، فسقوا (٨٣).

[الشفاعة :]

وأخبار الشفاعة متواترة :

* روى البخاري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه : من سمع الأذان ودعا بكذا حلت له شفاعتي يوم القيامة (٨٤).

__________________

(٨٠) سنن الترمذي ٥ / ٥٦٩ ح ٣٥٧٨ باختلاف يسير ، ورواه النسائي في كتاب (اليوم والليلة) ، وفي سنن ابن ماجة ١ / ٤٤١ ح ١٣٨٥ باختلاف يسير أيضا.

(٨١) الدعوات ، وانظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٧٢.

(٨٢) المعجم الكبير ٩ / ٣٠ ـ ٣١ ح ٨٣١١ باختلاف يسير ، وانظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٧٣.

(٨٣) دلائل النبوة ـ للأصبهاني ـ ٢ / ٧٢٥ ح ٥١١ باختلاف يسير.

(٨٤) صحيح البخاري ١ / ١٥٩ باختلاف يسير.


* وروى مسلم ، عن صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه : ما من ميت يموت يصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة ، كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه (٨٥).

* وروى الترمذي والدارمي ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه : يدخل بشفاعتي رجال من أمتي أكثر من بني تميم (٨٦).

* وروى الترمذي ، عن أنس ، أنه قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة.

فقال : أنا فاعل.

قلت : فأين أطلبك؟

قال : أولا على الصراط.

قلت : فإن لم ألقك.

قال : عند الميزان.

قلت : فإن لم ألقك.

قال : عند الحوض ، فإني [لا] أخطئ هذه المواضع (٨٧).

وقد نقل عن الصحابة ، بطرق عديدة ، أن الصحابة كانوا يلجأون إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويندبونه في الاستسقاء ومواقع الشدائد وسائر الأمراض (٨٨).

ولا يخفى أن وفاة المتوسل به لا تنافي التوسل أصلا ، فإن مكانه

__________________

(٨٥) صحيح مسلم ٢ / ٦٥٤ ح ٩٤٧ ، باختلاف يسير.

(٨٦) سنن الترمذي ٤ / ٦٢٦ ح ٢٤٣٨ ، وسنن الدارمي ٢ / ٣٢٨ ، باختلاف يسير فيهما.

(٨٧) سنن الترمذي ٤ / ٦٢١ ـ ٦٢٢ ح ٢٤٣٣ ، الوفا بأحوال المصطفى ٢ / ٨٢٤ باختلاف يسير.

(٨٨) أنظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٧٢ ـ ١٣٨٧.


عند الله لا يزول بالموت ، كما هو واضح.

هذا ، مع أنهم في الحقيقة أحياء كما ذكر الله عزوجل في حال الشهداء ، فالشهداء إذا كانوا أحياء فالأنبياء والأولياء أحق بذلك.

هذا كله مع أن الأرواح لا تفنى بالموت ، والعبرة بها لا بالأجساد ، وإن كان أجساد الأنبياء لا تبلى كما نص عليه في الأخبار (٨٩).

* وفي خبر النسائي وغيره ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونني من أمتي السلام (٩٠).

والأخبار في هذا الباب كثيرة (٩١).

* وأخرج أبو نعيم في (دلائل النبوة) عن سعيد بن المسيب ، قال : لقد كنت في مسجد رسول الله فما يأتي وقت الصلاة إلا سمعت ، الأذان من القبر (٩٢).

* وأخرج سعد في (الطبقات) عن سعيد بن المسيب ، أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة ، فإذا جاء الصبح سمع أذانا من القبر الشريف (٩٣).

* وأخرج زبير بن بكار في (أخبار المدينة) عن سعيد بن المسيب ، قال : لم أزل أسمع الأذان والإقامة من قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيام الحرة حتى عاد الناس (٩٤).

__________________

(٨٩) سنن ابن ماجة ١ / ٥٢٤ ح ١٦٣٧ ، وانظر مؤداه في وفاء الوفا ٤ / ١٣٥٠ ـ ١٣٥٦.

(٩٠) سنن النسائي ٣ / ٤٣ ، مسند أحمد ١ / ٤٤١ ، سنن الدارمي ٢ / ٣١٧.

(٩١) أنظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٤٩ ـ ١٣٥٤.

(٩٢) دلائل النبوة ـ للأصفهاني ـ ٢ / ٧٢٤ ـ ٧٢٥ ح ٥١٠ باختلاف يسير.

(٩٣) الطبقات الكبير ٥ / ١٣٢.

(٩٤) أنظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٥٦.


* ونقل أبو عبد الله البخاري ، أن الشهداء وسائر المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوه وردوا عليه‌السلام (٩٥).

* وروى الثعلبي في تفسيره ، وابن المغازلي الشافعي الواسطي في (المناقب) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه لما حملهم البساط وصلوا إلى موضع أهل الكهف ، فقال : سلموا عليهم ، فسلموا عليهم ، فلم يردوا ، فسلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته (٩٦).

* ونقل أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، أن عيسى عليه السلام لما دفن مريم عليها‌السلام قال : السلام عليك يا أماه ، فأجابته من جوف القبر : وعليك السلام حبيبي وقرة عيني ... إلى آخره (٩٧).

* وروى الحاكم ، عن سالم بن أبي حفصة ، قال : توفي أخ لي فوضعته في القبر وسويت عليه التراب ، ثم وضعت أذني على لحده فسمعت قائلا يقوله له : من ربك؟ فسمعت أخي يقول بصوت ضعيف : ربي الله ... إلى آخره (٩٨).

والأخبار التي يستدل بها على الدعوى أكثر من أن تحصى.

__________________

(٩٥) أنظر : وفاء الوفا ٤ / ١٣٥١.

(٩٦) مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ح ٢٨٠ ، وفيه : (علي عليه السلام ، بدل (النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله).

(٩٧).

(٩٨) المستدرك على الصحيحين.


الفصل الثالث

في البناء على القبور

إعلم أن البناء على قبور الأنبياء والعباد المصطفين تعظيم لشعائر الله ، وهو من تقوى القلوب ، ومن السنن الحسنة.

حيث إنه احترام لصاحب القبر ، وباعث على زيارته ، وعلى عبادة الله عزوجل ـ بالصلاة والقراءة والذكر وغيرها ـ عنده ، وملجأ للزائرين والغرباء والمساكين والتالين والمصلين.

بل هو إعلاء لشأن الدين.

* وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمله بها) (٩٩).

وقد بنى على مراقد الأنبياء قبل ظهور الإسلام وبعده ، فلم ينكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أحد من الصحابة والخلفاء ، كالقباب المبنية على قبر دانيال عليه‌السلام في شوشتر (١٠٠) ، وهو وصالح ويونس وذي الكفل عليهم‌السلام ، والأنبياء في بيت المقدس وما يليها ، كالجبل الذي دفن فيه موسى عليه‌السلام ، وبلد الخليل مدفن سيدنا إبراهيم عليه‌السلام.

__________________

(٩٩) ورد الحديث باختلاف يسير في : مسند أحمد ٤ / ٣٦١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٧٤ (٧٥ ح ٢٠٣ (٢٠٨ باب من سن سنة حسنة أو سيئة ، مشكل الآثار ١ / ٩٤ و ٩٦ و ٤٨١.

(١٠٠) هي إحدى مدن مقاطعة خوزستان في إيران ، ومعربها : تستر ، أنظر : معجم البلدان ٢ / ٢٩ (تستر).


بل الحج المبني على قبر إسماعيل عليه‌السلام وأمه رضي الله عنها.

بل أول من بنى حجرة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باللبن ـ بعد أن كانت مقومة بجريد النخل ـ عمر بن الخطاب ، على ما نص عليه السمهودي في كتاب (الوفا) (١٠١) ثم تناوب الخلفاء على تعميرها (١٠٢).

* وروى البنائي (١٠٣) واعظ أهل الحجاز ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده الحسين ، عن أبيه علي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : (والله لتقتلن في أرض العراق وتدفن بها.

فقلت : يا رسول الله ، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال : يا أبا الحسن ، إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعا من بقاع الجنة [وعرصة من عرصاتها] ، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه ، وصفوة من عباده ، تحن إليكم [وتحتمل المذلة والأذى] ، فيعمرون قبوركم ، ويكثرون زيارتها تقربا [منهم] إلى الله تعالى ، ومودة منهم لرسوله [أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي ، الواردون حوضي ، وهم زواري غدا في الجنة].

يا علي ، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ...) إلى آخره (١٠٤).

__________________

(١٠١) وفاء الوفا ٢ / ٤٨١.

(١٠٢) وفاء الوفا ٢ / ٤٨١ ـ ٦٤٧.

(١٠٣) في المصدر : التباني.

(١٠٤) فرحة الغري : ٧٧ ، وعنه في بحار الأنوار ١٠٠ / ١٢٠ ح ٢٢.


ولا يخفى أن جعل معمر قبورهم كالمعين على بناء بيت المقدس ، دال على أن تعظيم مراقدهم تعظيم لشعائر الله سبحانه.

ونقل نحو ذلك ـ أيضا ـ في حديثين معتبرين ، نقل أحدهما الوزير السعيد بسند ، وثانيهما بسند آخر (١٠٥).

والسيرة القطعية ـ من قاطبة المسلمين ـ المستمرة ، والإجماع ، يغنيان عن ذكر الأحاديث الدالة على الجواز.

وما أعجب قول المفتين : (أما البناء على القبور فممنوع إجماعا)!

فإن مذهب الوهابية ـ وهم فئة قليلة بالنسبة إلى سائر المسلمين ـ لم يظهر إلا قريبا من قرن واحد ، ولا يتفوه أحد من المسلمين ـ سوى الوهابية ـ بحرمة البناء ، فأين الإجماع المدعى؟!

ودعوى ورود الأحاديث الصحيحة على المنع ـ لو ثبت ـ غير مجد لإثبات الحرمة ، لأن أخبار الآحاد لا تنهض لدفع السيرة والإجماع القطعي ، مع أن أصل الدعوى ممنوع جدا.

فإن مثل رواية جابر : (نهى رسول الله أن تجصص القبور ، وأن يكتب عليها ، وأن يبنى عليها ، وأن توطأ) (١٠٦) لا تدل على التحريم ، لعدم حرمة الكتابة على القبور ووطئها ، فذلك من أقوى القرائن على أن النهي في الرواية غير دال على الحرمة ، ولا نمنع الكراهة في غير قبور مخصوصة.

مع أن الظاهر من قوله : (يبنى عليها) إحداث البناء كالجدار على

__________________

(١٠٥) فرحة الغري : ٧٨ ، وعنه في بحار الأنوار ١٠٠ / ١٢١ ح ٢٣ و ٢٤.

(١٠٦) سنن الترمذي ٣ / ٣٦٨ ح ١٠٥٢.


نفس القبر ، فإن بناء القبة وجدرانها بعيدة عن القبر ، ليس بناء على القبر على الحقيقة ، وإنما هو نوع من المجاز ، وحمل اللفظ على الحقيقة حيث لا صارف عنها معين ، مع أن النهي عن الوطئ يؤكد هذا المعنى ، لا الذي فهموه من الرواية.

وأما الاستدلال على وجوب هدم القباب بحديث أبي الهياج ، فغير تام في نفسه ـ مع قطع النظر عن مخالفته للاجماع والسيرة ـ لوجوه :

* الأول : إن الحديث مضطرب المتن والسند.

فتارة يذكر عن أبي الهياج أنه قال : (قال لي علي) كما في رواية أحمد عن عبد الرحمن.

وتارة يذكر عن أبي وائل ، أن عليا قال لأبي الهياج.

ورواه عبد الله بن أحمد في (مسند علي) هكذا : (لأبعثنك فيما بعثني فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن أسوي كل قبر ، وأن أطمس كل صنم) (١٠٧).

فالاضطراب المزبور يسقطه عن الحجية والاعتبار.

* الثاني : إنه من الواضح أن المأمور به في الرواية لم يكن هدم جميع قبور العالم ، بل الحديث وارد في بعث خاص وواقع مخصوصة ، فلعل البعث قد كان إلى قبور المشركين لطمس آثار الجاهلية ، كما يؤيده ذكر الصنم ، أو إلى غيرها مما لا نعرف وجه مصلحتها ، فكيف يتمسك بمثل هذه الرواية لقبور الأنبياء والأولياء؟! قال بعض علماء الشيعة من المعاصرين :

__________________

(١٠٧) مسند أحمد ١ / ٨٩ و ١١١.


إن المقصود من تلك القبور ، التي أمر علي عليه‌السلام بتسويتها ، ليست هي إلا تلك القبور التي كانت تتخذ قبلة عند بعض أهل الملل الباطلة ، وتقام عليها صور الموتى وتماثيلهم ، فيعبدونها من دون الله.

إلى أن قال :

وليت شعري لو كان المقصود من القبور ـ التي أمر علي عليه السلام بتسويتها ـ هي عامة القبور على الإطلاق ، فأين كان عليه السلام ـ وهو الحاكم المطلق يؤمئذ ـ عن قبور الأنبياء التي كانت مشيدة على عهده؟! ولا تزال مشيدة إلى اليوم في فلسطين وسورية والعراق وإيران ، ولو شاء تسويتها لقضى عليها بأقصر وقت.

فهل ترى أن عليا عليه‌السلام يأمر أبا الهياج بالحق وهو يروغ عنه فلا يفعله؟! (١٠٨).

إنتهى ما أردنا نقله منه.

* الثالث : قال بعض المعاصرين من أهل العلم : لا يخفى من اللغة والعرف أن تسوية الشئ من دون ذكر القرين المساوي معه ، إنما هو جعل الشئ متساويا في نفسه ، فليس لتسوية القبر في الحديث معنى إلا جعله متساويا في نفسه ، وما ذلك إلا جعل سطحه متساويا.

ولو كان المراد تسوية القبر مع الأرض ، لكان الواجب في صحيح الكلام أن يقال : سويته مع الأرض.

فإن التسوية بين الشيئين المتغايرين لا بد فيها من أن يذكر


الشيئان اللذان تراد مساواتهما.

وهذا ظاهر لكل من يعطي الكلام حقه من النظير ، فلا دلالة في الحديث إلا على أحد أمرين.

أولهما : تسطيح القبور وجعلها متساوية برفع سنامها ، ولا نظر في الحديث إلى علوها ، ولا تشبث فيه بلفظ (المشرف) فإن الشرف إن ذكر أنه بمعنى العلو ، فقد ذكر أنه من البعير سنامه ، كما في القاموس وغيره (١٠٩) ، فيكون معنى (المشرف) في الحديث هو : القبر ذو السنام ، ومعنى تسويته : هدم سنامه.

وثانيهما : أن يكون المراد : القبور التي يجعل لها شرف من جوانب سطحها ، والمراد من تسويته أن تهدم شرفه ويجعل مسطحا أجم ، كما في حديث ابن عباس : أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جما (١١٠).

وعلى كل حال ، فلا يمكن في اللغة والاستعمال أن يراد من التسوية في الحديث أن يساوي القبر مع الأرض ، بل لا بد أن يراد منه أحد المعنيين المذكورين.

وأيضا : كيف يكون المراد مساواة القبر مع الأرض ، مع أن سيرة المسلمين المتسلسلة على رفع القبور عن الأرض؟! وفي آخر كتاب الجنائز من جامع البخاري ، مسندا عن سفيان التمار ، أنه رأى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسنما (١١١).

__________________

(١٠٩) أنظر مادة (شرف) في : القاموس المحيط ٣ / ١٥٧ ، تهذيب اللغة ١١ / ٣٤١ ، لسان العرب ٩ / ١٧١.

(١١٠) غريب الحديث ٤ / ٢٢٥ ، الفائق ١ / ٢٣٤ ، لسان العرب ٩ / ١٧١.

(١١١) صحيح البخاري


وأسند أبو داود في كتاب الجنائز عن القاسم ، قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أمه ، اكشفي لي عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ، فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة (١١٢).

وأسند ابن جرير ، عن الشعبي ، أن كل قبور الشهداء مسنمة (١١٣).

إنتهى ما أردنا نقله منه (١١٤).

وأقول بعد ذلك : لو كان قوله : (مشرفا) بمعنى عاليا ، فليس يعم كل قبر ارتفع عن الأرض ولو بمقدار قليل ، فإن لا يصدق عليه القبر العالي ، فإن العلو في كل قبر إنما هو بالإضافة إلى سائر القبور ، فلا يبعد أن يكون أمرا بتسوية القبور العالية فوق القدر المتعارف المعهود في ذلك الزمان إلى حد المتعارف ، وقد أفتى جمع من العلماء بكراهة رفع القبر أزيد من أربع أصابع (١١٥).

ولتخصيص الكراهة ـ لو ثبت ـ بغير قبور الأنبياء والمصطفين من الأولياء وجه.

* الرابع : لو سلم أي دلالة في الرواية ، فلا ربط لها ببناء السقوف والقباب ووجوب هدهمها ، كما هو واضح.

وأما قول السائل : (وإذا كان البناء في مسبلة ـ كالبقيع ـ وهو مانع ... إلى آخره).

فقد أجاب بعض المعاصرين عنه بما حاصله :

__________________

(١١٢) سنن أبي داود ٣ / ٢١٥ ح ٣٢٢٠.

(١١٣) كنز العمال ١٥ / ٧٣٦ ح ٤٢٩٣٢.

(١١٤)

(١١٥) منتهى المطلب ١ / ٤٦٢.


أن أرض البقيع ليست وقفا ، بل هي باقية على إباحتها الأصلية ، ولو شككنا في وقفيتها يكفينا استصحاب إباحتها (١١٦).

وأقول : بل وقفيتها غير مانع عن البناء ، لأنها موقوفة مقبرة على جميع الشؤون المرعية في المقابر ، ومنها : البناء على قبور أشخاص مخصوصين كالأصفياء ، فإن البناء على القبور ليس أمرا حديثا ، بل كان أمرا متعارفا من قديم الأيام (١١٧).

__________________

(١١٦).

(١١٧) ومما أفاد به سماحة العلامة المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، دام بقاؤه ، هذا التعليق :

أقول : والتمسك بوقفية الأرض ، يزاحمه : أن الأبنية المضروبة ، والسقوف المرفوعة ، هي أيضا داخلة في الموقوفات المسبلة الموضوعة لصالح الوقف ، كالجدران المانعة عن دخول الحيوانات ، والأبواب لمنع العابثين ، فهي كلها قد وقفت لصالح القبور والداخلين للاستظلال والجلوس وغير ذلك من الأعمال المباحة ، فما هو المجوز للتعدي عليها بالهدم ومخالفة المصالح الموقوف لأجلها.

كما ناقض الوهابيون أنفسهم بوضع الجدران والشبابيك والأبواب والمداخل ، للبقيع ، أليس ذلك استصلاحا؟! لكنه موصل لهم إلى أغراضهم الفاسدة ، وطبقا لفتاواهم المزيفة ودعاواهم الباطلة!


الفصل الرابع

في الصلاة عند القبور ،

وإيقاد السرج عليها

[الصلاة عند القبور :]

وقد جرت سيرة المسلمين ـ السيرة المستمرة ـ على جواز ذلك.

وأما حديث ابن عباس : (لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج) (١١٨) فالظاهر والمتبادر ـ من اتخاذ المسجد على القبر ـ : السجود على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر.

هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

ولو حملناه على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنهم لا يتخذون المساجد على المراقد ، فإن اتخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوار على الجلوس لتلاوة القرآن وذكر الله والدعاء والاستغفار ، بل يصلون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أن اللعن غير دال على الحرمة ، بل يجامع الكراهة أيضا.

__________________

(١١٨) سنن أبي داود ٣ / ٢١٨ ح ٣٢٣٦ ، سنن النسائي ٤ / ٩٥.


[إيقاد السرج :]

وأما إيقاد السرح ، فإن الرواية لا تدل إلا على ذم الاسراج لمجرد إضاءة القبر ، وأما الإسراج لإعانة الزائرين على التلاوة والصلاة والزيارة وغيرها ، فلا دلالة في الرواية على ذمه.

وإن شئت توضيح لك فأرجع إلى هذا المثل :

إنك لو أضعت شيئا عند قبر ، فأسرجت هنالك لطلب ضالتك ، فهل في تلك الرواية دلالة على ذم هذا العمل؟!

فكذلك ما ذكرناه.

هذا ، مع ما عرفت أن اللعن ـ حقيقة ـ هو البعد من الرحمة ، ولا يستلزم الحرمة ، فإن عمل المكروه ـ أيضا ـ مبعد من الله ، كما أن فعل المستحب مقرب إليه عزوجل.

هذا ، وذكر بعض العلماء في الجواب : أن المقصود من النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، أن لا تتخذ قبلة يصلى إليها باستقبال أي جهة منها ، كما كان يفعله بعض أهل الملل الباطلة.

ومما يدل عليه ما رواه مسلم في (الصحيح) : عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصورة ، أولئك شرار الخلق عند الله عزوجل يوم القيامة (١١٩).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (١٢٠).

__________________

(١١٩) صحيح مسلم ١ / ٣٧٦ ح ٥٢٨.

(١٢٠) مسند أحمد ٢ / ٢٨٥.


فإنه من المعلوم لدى الخبراء بتقاليد أولئك المبطلين ، أنهم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد على الوجه المذكور ، وذلك يجعل ما برز من أثر القبر قبلة ، وما دار حوله من الأرض مصلى ، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة : ولولا ذلك لأبرز قبره ، غير إنه خشي أن يتخذ مسجدا (١٢١).

فلو كان اتخاذه مسجدا على معنى إيقاع الصلاة عنده ـ وإن كان التوجه بها إلى الكعبة ـ لما كان الإبراز سببا لحصول الخشية ، فإن الصلاة ـ كذلك ـ غير موقوفة على أن يكون للقبر أثر بارز ، وإنما الذي يتوقف على بروز الأثر هو : الصلاة إليه نفسه.

إنتهى.

ثم استشهد بكلام النووي في شرح صحيح مسلم ، قال :

(قال العلماء : إنما نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من الافتتان به ، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ، ولما احتاجت الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور.

ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ، لهذا قال في الحديث : (ولا

__________________

(١٢١) مسند أحمد ٦ / ٨٠ ، صحيح مسلم ١ / ٣٧٦ ح ٥٢٩.


ذلك لأبرز قبره ، غير إنه خشي أن يتخذ مسجدا) والله العالم بالصواب) (١٢٢).

إنتهى.

ثم استظهر العالم المومى إليه أن يكون الاسراج المنهي عنه :

إما الاسراج على قبور أولئك المبطلين الذين كانوا يتخذونها قبلة ، كما ربما يشهد بذلك سياق الحديث المومى إليه.

أو الاسراج الذي يتخذه بعض جهلة المسلمين على مقابر موتاهم في ليال مخصوصة ، لأجل إقامة المناجاة عليها والنوح على أهلها بالباطل.

__________________

(١٢٢) شروح النووي على صحيح مسلم ٥ / ١٤


الفصل الخامس

في الذبائح والنذور

إعلم أن من المسائل المسلمة الواضحة الضرورية عند طوائف المسلمين : اختصاص الذبح والتقرب بالقربان به سبحانه ، فلا يصح الذبح إلا لله.

وهكذا أمر النذر ، فمن المؤكد المتفق عليه بين طوائف المسلمين أن النذر لا يصح إلا لله ، ولذا يذكر في صيغته : لله علي كذا.

أما الذبح عن الأموات ، فلا بد أن يكون لله وحده وإن كان عن الميت ، وكم بين الذبح عن الميت والذبح له ، والممنوع هو الثاني لا الأول :

قال بعض العلماء ـ رحمه‌الله ـ في (المنهج) (١٢٣) : وأما من ذبح عن الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، ليصل الثواب إليهم ـ كما نقرأ القرآن ونهدي إليهم ، ونصلي لهم ، وندعو لهم ، ونفعل جميع الخيرات عنهم ـ ففي ذلك أجر عظيم.

وليس قصد أحد من الذابحين للأنبياء أو لغير الله سوى ذلك.

أما العارفون منهم فلا كلام ، وأما الجهال فهم على نحو عرفائهم.

__________________

(١٢٣) ورد مضمونه في : منهج الرشاد : ١٦٠.


وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذبح بيده وقال : اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي.

رواه أحمد وأبو دواد والترمذي (١٢٤) ... إلى آخره.

وقال بعض المعاصرين :

أما التقرب إلى الضرائح بالنذور ودعاء أهلها مع الله ، فلا نعهد واحدا من أوباش المسلمين وغيرهم يفعل ذلك ، وإنما ينذرون لله بالنذر المشروع ، فيجعلون المنذور في سبيل إعانة الزائرين على البر ، أو للإنفاق على الفقراء والمحاويج ، لإهداء ثوابه لصاحب القبر ، لكونه من أهل الكرامة في الدين والقربى ... إلى آخره.

وهذا أوان اختتام الرسالة ، وأرجو أن ينفع الله بها ، إنه هو المتفضل المنان.

وقد حصل الفراغ منه بيد مؤلفه الفقير إلى الله

عبد الله ، أحد طلبة العراق ،

في ليلة الرابع عشر من شهر ربيع الأول ،

سنة خمس وأربعين بعد ألف وثلاثمائة هجرية.

والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١٢٤) مسند أحمد ٣ / ٣٥٦ و ٣٦٢ ، سنن أبي داود ٣ / ٩٩ ح ٢٨١٠ وليس فيه : (اللهم) ، ونحوه في سنن الترمذي ٤ / ٩١ ح ١٥٠٥.


مصادر المقدمة والتحقيق

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن ، للشيخ محمد جواد البلاغي (١٢٨٢ ـ ١٣٥٢ ه) الطبعة الثانية (مصور) مكتبة الوجداني ، قم.

٣ ـ الأعلام ، لخير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦ ه) الطبعة السادسة ، دار العلم للملايين ، بيروت ١٩٨٤ م.

٤ ـ أعيان الشيعة ، للسيد محسن الأمين العاملي ، تحقيق : السيد حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ١٤٠٦ ه.

٥ ـ الأنوار في شمائل النبي المختار ، للحسين بن مسعود البغوي ، تحقيق الشيخ إبراهيم اليعقوبي ، الطبعة الأولى ، دار الضياء ، بيروت ١٤٠٩ ه.

٦ ـ بحار الأنوار ، للشيخ محمد باقر المجلسي (ت ١١١٠ ه) الطبعة الثانية ، مؤسسة الوفاء ، بيروت ١٤٠٣ ه.

٧ ـ البلاغي : التجربة الرمز في التفسير (١) ، لعلي الكعبي ، مقال منشور في مجلة رسالة القرآن ـ قم العدد ١٠ ربيع الآخر ـ جمادى الآخرة ١٤١٣ ه ، ص ٧١ ـ ١٠٤.

٨ ـ البيان في تفسير القرآن ، للسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (١٣١٧ ـ ١٤١٣ ه) المطبعة العلمية (مصور على طبعة النجف الأشرف) قم ١٤٠٠ ه.

٩ ـ التبيان في تفسير القرآن ، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

١٠ ـ التفسير الكبير ، للفخر الرازي (ت ٦٠٦ ه) الطبعة الثانية.

١١ ـ تهذيب اللغة ، لمحمد بن أحمد الأزهري (٢٨٢ ـ ٣٧٠ ه) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، المؤسسة المصرية العامة ، القاهرة ١٣٨٤ ه.

١٢ ـ التوحيد ، للشيخ أبي جعفر محمد بن علي الصدوق (ت ٣٨١ ه) تصحيح السيد هاشم الحسيني الطهراني ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين في الحوزة العلمية ، قم (مصور على طبعة مكتبة الصدوق ، طهران ١٣٩٨ ه).


١٣ ـ جامع البيان ، لمحمد بن جرير الطبري ، الطبعة الثانية (مصور على طبعة بولاق ١٣٣٣ ه) دار المعرفة ، بيروت ١٣٩٢ ه.

١٤ ـ الجامع لأحكام القرآن ، لمحمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت ٦٧١ ه) الطبعة الثانية (مصور) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

١٥ ـ حقيقة التوسل والوسيلة ، لموسى محمد علي ، الطبعة الثانية ، عالم الكتب ، بيروت ١٤٠٥ ه.

١٦ ـ الحماسة البصرية ، لصدر الدين علي بن الحسن البصري ، تحقيق مختار الدين أحمد ، الطبعة الثالثة ، عالم الكتب ، بيروت ١٤٠٣ ه.

١٧ ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (٩١١ ه) الطبعة الأولى ، دار الفكر ، ١٤٠٣ ه.

١٨ ـ دلائل النبوة ، لأبي نعيم الإصبهاني (ت ٤٣٠ ه) تحقيق محمد رواس قلعجي ، الطبعة الأولى ، دار ابن كثير / بيروت ومكتبة التراث الإسلامي / حلب ، ١٣٩٠ ه.

١٩ ـ دلائل النبوة ، لأحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ ـ ٤٥٨ ه) تحقيق عبد المعطي قلعجي ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤٠٥ ه.

٢٠ ـ ديوان دعبل بن علي الخزاعي ، تحقيق عبد الصاحب عمران الدجيلي ، الطبعة الثالثة ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ١٩٨٩ م.

٢١ ـ ديوان السيد الرضا الموسوي الهندي ، جمع السيد موسى الموسوي ، دار الكتاب الإسلامي ، قم (مصور).

٢٢ ـ ديوان الشريف الرضي ، مطبعة وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي ، طهران ١٤٠٦ ه (مصور).

٢٣ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، للشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ ه) الطبعة الثالثة (مصورة) دار الأضواء ، بيروت ١٤٠٣ ه.

٢٤ ـ ريحانة الأدب ، لمحمد علي التبريزي المدرس ، الطبعة الثانية ، جابخانة شركت سهامي طبع كتاب ، إيران ١٣٣٥ ه. ش.

٢٥ ـ سنن ابن ماجة ، لمحمد بن يزيد القزويني (٢٠٧ ـ ٢٧٥ ه) تحقيق محمد فؤاد


عبد الباقي ، دار الفكر.

٢٦ ـ سنن أبي داود ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (٢٠٢ ـ ٢٧٥ ه) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار الفكر.

٢٧ ـ سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، لمحمد بن عيسى بن سورة (٢٠٩ ـ ٢٩٧ ه) تحقيق أحمد محمد شاكر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٢٨ ـ سنن الدارقطني ، لعلي بن عمر الدارقطني (٣٠٦ ـ ٣٨٥ ه) تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني ، دار المعرفة ، بيروت (مصور على طبعة دار المحاسن بالقاهرة).

٢٩ ـ سنن الدارمي ، لعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (١٨١ ـ ٢٥٥ ه) دار الفكر ، القاهر ١٣٩٨ ه.

٣٠ ـ السنن الكبرى ، لأحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ ـ ٤٥٨ ه) دار المعرفة ، بيروت.

٣١ ـ سنن النسائي ، لأحمد بن شعيب النسائي (٢١٥ ـ ٣٠٣ ه) الطبعة الأولى ، بيروت ١٣٤٨ ه.

٣٢ ـ شرح الشفا (نسيم الرياض) ، لأحمد شهاب الدين الخفاجي المصري ، دار الفكر.

٣٣ ـ شرح المواهب اللدنية ، المواهب للقسطلاني والشرح للزرقاني المالكي ، وبهامشه (زاد المعاد) لابن القيم ، دار المعرفة ، بيروت ١٤١٤ ه.

٣٤ ـ شرح النووي على صحيح مسلم ، دار الكتاب العربي ، بيروت ١٤٠٧ ه.

٣٥ ـ شعب الإيمان ، لأحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ ـ ٣٥٨ ه) الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤١٠ ه.

٣٦ ـ شعراء الغري ، لعلي الخاقاني ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ١٤٠٨ ه (مصور على طبعة النجف الأشرف).

٣٧ ـ الصافي (تفسير ...) ، للشيخ محسن الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ ه) تصحيح الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ١٣٩٩ ه.

٣٨ ـ صحيح البخاري ، لمحمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (١٩٤ ـ ٢٥٦ ه)


تحقيق أحمد محمد شاكر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٣٩ ـ صحيح مسلم ، لمسلم بن الحجاج النيسابوري (٢٠٦ ـ ٢٦١ ه) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الفكر ، بيروت ١٣٩٨ ه.

٤٠ ـ الصلات والبشر في الصلاة على خير البشر ، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت ٨١٧ ه) تحقيق إبراهيم إسماعيل آل عصر ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤٠٥ ه.

٤١ ـ الطبقات الكبير ، لمحمد بن سعد (١٦٨ ـ ٢٣٠ ه) دار صادر ، بيروت ١٤٠٥ ه.

٤٢ ـ العلل ومعرفة الرجال ، لأحمد بن حنبل (١٦٤ ـ ٢٤١ ه) تحقيق وصي الله محمد عباس، الطبعة الأولى ، المكتب الإسلامي/ بيروت ودار الخاني / الرياض، ١٤٠٨ ه.

٤٣ ـ علماء معاصرين ، للملا علي الواعظ الخياباني التبريزي ، طبعة حجرية ، إيران ١٣٦٦ ه.

٤٤ ـ الغدير ، للشيخ عبد الحسين أحمد الأميني ، الطبعة الرابعة ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام العامة ، طهران ١٣٩٦ ه.

٤٥ ـ غريب الحديث ، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت ٢٢٤ ه) دار الكتاب العربي ، بيروت ١٣٩٦ ه (مصور على طبعة حيدر آباد الدكن بالهند).

٤٦ ـ الفائق في غريب الحديث ، لمحمود بن عمر الزمخشري ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي ، الطبعة الثانية ، دار المعرفة ، بيروت.

٤٧ ـ فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، للسيد عبد الكريم ابن طاووس الحلي (ت ٦٩٣ ه) المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف.

٤٨ ـ القاموس المحيط ، لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت ٨١٧ ه) دار الفكر ، بيروت ١٤٠٣ ه.

٤٩ ـ الكافي ، لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت ٣٢٩ ه) تصحيح الشيخ نجم الدين الآملي ، المكتبة الإسلامية ، طهران ١٣٨٨ ه.

٥٠ ـ الكامل في الضعفاء ، لعبد الله بن عدي الجرجاني ، الطبعة الثانية ، دار الفكر ،


بيروت ١٤٠٥ ه.

٥١ ـ كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ، للسيد محسن الأمين العاملي ، مكتبة اليمن الكبرى (مصور على الطبعة الأولى سنة ١٣٤٧ ه).

٥٢ ـ كشف الخفاء ومزيل الإلباس ، لإسماعيل بن محمد العجلوني (ت ١١٦٢ ه) تصحيح أحمد القلاش ، الطبعة الرابعة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠٥ ه.

٥٣ ـ كنز الدقائق (تفسير)، للميرزا محمد بن محمد رضا المشهدي القمي (ت ١١٢٥ ه) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم ١٤١١ ه.

٥٤ ـ كنز العمال ، لعلي بن حسان الدين المتقي الهندي (ت ٩٧٥ ه) تصحيح صفوة السقا ، الطبعة الخامسة ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٤٠٥ ه.

٥٥ ـ الكنى والأسماء ، لأحمد بن حماد الدولابي (٢٢٤ ـ ٣١٠ ه) الطبعة الثانية (مصورة على طبعة حيدر آباد الدكن بالهند سنة ١٣٢٢ ه) دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤٠٣ ه.

٥٦ ـ الكنى والألقاب ، للشيخ عباس القمي (ت ١٣٥٩ ه) مطبعة العرفان ، صيدا ١٣٥٨ ه.

٥٧ ـ لسان العرب ، لابن منظور المصري ، أدب الحوزة ، قم ١٤٠٥ ه (مصور).

٥٨ ـ ماضي النجف وحاضرها ، للشيخ جعفر باقر آل محبوبة ، الطبعة الثانية (مصورة على طبعة النجف الأشرف) دار الأضواء ، بيروت ١٤٠٦ ه.

٥٩ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن ، للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت ٥٤٨ ه) مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ١٤٠٣ ه (مصور على طبعة مطبعة العرفان بصيدا سنة ١٣٣٣ ه).

٦٠ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت ٨٠٧ ه) دار الكتاب العربي ، بيروت.

٦١ ـ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ، لابن منظور محمد بن مكرم (٦٣٠ ـ ٧١١ ه) تحقيق رياض عبد الحميد مراد وروحية النحاس ومحمد مطيع الحافظ ، الطبعة الأولى ، دار الفكر ، دمشق ١٤٠٤ ه.


٦٢ ـ المستدرك على الصحيحين ، لمحمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت ٤٠٥ ه) دار الفكر ، بيروت ١٣٩٨ ه.

٦٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ، دار الفكر ، بيروت.

٦٤ ـ مشكل الآثار ، لأبي جعفر الطحاوي ، دار صادر ، بيروت (مصور على طبعة حيدر آباد الدكن بالهند سنة ١٣٣٣ ه).

٦٥ ـ المصنف ، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني (١٢٦ ـ ٢١١ ه) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، الطبعة الأولى ، المجلس العلمي ، بيروت ١٣٩٠ ه.

٦٦ ـ معارف الرجال ، للشيخ محمد حرز الدين ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، مطبعة الولاية ، قم ١٤٠٥ ه (مصور).

٦٧ ـ معجم الأدباء ، لياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت ٦٢٦ ه) الطبعة الثالثة ، دار الفكر ، ١٤٠٠ ه.

٦٨ ـ معجم البلدان ، لياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت ٦٢٦ ه) دار إحياء التراث العربي ، بيروت ١٣٩٩ ه.

٦٩ ـ المعجم الكبير ، لسليمان بن أحمد الطبراني (٢٦٠ ـ ٣٦٠ ه) تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، دار إحياء التراث العربي (مصور على الطبعة الثانية لمكتبة ابن تيمية بالقاهرة سنة ١٣٩٧ ه).

٧٠ ـ معجم ما ألفه علماء الأمة الإسلامية للرد على خرافات الدعوة الوهابية ، للسيد عبد الله محمد علي ، مقال منشور في مجلة تراثنا ـ قم ، العدد ١٧ / شوال ١٤٠٩ ه ، ص ١٤٦ ـ ١٧٨.

٧١ ـ معجم المطبوعات العربية والمعربة ، ليوسف إليان سركيس ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ١٤١٠ ه (مصور).

٧٢ ـ معجم المؤلفين ، لعمر رضا كحالة ، دار إحياء التراث العربي.

٧٣ ـ معجم المؤلفين العراقيين، لكوركيس عواد ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ١٩٦٩ م.

٧٤ ـ مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لابن المغازلي علي بن محمد الشافعي ، تحقيق محمد باقر البهبودي ، دار الأضواء ، بيروت ٢٤٠٣ ه (مصور على طبعة المكتبة الإسلامية بطهران سنة ١٣٩٤ ه).


٧٥ ـ منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، للعلامة الحلي أبي المنصور الحسن بن يوسف بن المطهر (ت ٧٢٦ ه) طبعة حجرية ، إيران.

٧٦ ـ منهج الرشاد لمن أراد السداد ، للشيخ جعفر بن خضر الجناجي النجفي (١١٥٦ ـ ١٢٢٨ ه) تحقيق السيد مهدي الرجائي ، الطبعة الأولى ، المجمع العلمي لأهل البيت عليهم‌السلام ، قم ١٤١٤ ه.

٧٧ ـ الموطأ ، لمالك بن أنس ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت (مصور).

٧٨ ـ نجوم أمت : آية الله العظمى الشيخ محمد جواد البلاغي ، للشيخ ناصر الدين الأنصاري القمي ، مقال منشور في مجلة نور علم ـ قم ، العدد ٤١ / مهر وآبان ١٣٧٠ ه. ش ، ص ٤٤ ـ ٧٠.

٧٩ ـ نقباء البشر في القرن الرابع عشر (طبقات أعلام الشيعة) ، للشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩ ه) الطبعة الثانية (مصور) دار المرتضى ، مشهد ١٤٠٤ ه.

٨٠ ـ نور الثقلين (تفسير ...) ، للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي (ت ١١١٢ ه) تصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة الثانية، المطبعة العلمية، قم.

٨١ ـ الهدى إلى دين المصطفى ، للشيخ محمد جواد البلاغي (١٢٨٢ ـ ١٣٥٢ ه) دار الكتب الإسلامية ، قم (مصور على الطبعة الثانية).

٨٢ ـ الوفا بأحوال المصطفى ، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (٥١٠ ـ ٥٩٧ ه) تحقيق مصطفى عبد الواحد ، دار المعرفة ، بيروت (مصور على الطبعة الأولى بالقاهرة سنة ١٣٨٦ ه).

٨٣ ـ وفاء الوفاء ، لعلي بن أحمد المصري السمهودي (ت ٩١١ ه) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الرابعة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ١٤٠٤ ه (مصور).


من أنباء التراث

كتب ترى النور لأول مرة

* الدروع الواقية.

تأليف : السيد ابن طاووس رضي الدين علي بن موسى الحلي ، المتوفى سنة ٦٦٤ ه.

يتضمن الكتاب جملة واسعة من الآداب الإسلامية المختلفة ، والأدعية والأحراز المختصة بأيام الشهر القمري ، منذ رؤية هلال أول ليلة منه إلى اليوم الثلاثين ، وهو من أشهر كتب الدعاء ، ونموذج رفيع لها ، وقد اعتمده الكثير من مؤلفي كتب الأدعية اللاحقين كمصدر رئيسي لمؤلفاتهم.

وقد اعتمد في التحقيق على نسختين مخطوطتين :

الأولى : النسخة المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه‌السلام ـ مشهد ، تاريخها سنة ١٠٩٨ ه ، وهي جميلة النسخ ، كاملة.

الثانية : النسخة المحفوظة في مكتبة السيد المرعشي رحمه‌الله ، برقم ٤٤٢ ، تاريخ نسخها سنة ٩٦٤ ه.

تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ـ قم / ١٤١٤ ه.

* مفتاح الفلاح ومصباح النجاح.

تأليف : محمد إسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخواجوئي ، المتوفى سنة ١١٧٣ ه.

شرح مفصل لدعاء الصباح المنسوب


إلى الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، يتضمن مباحث كلامية وفلسفية حول هذا الدعاء

تم تحقيق الكتاب اعتمادا على نسخة بخط المؤلف رحمه‌الله.

تحقيق : السيد مهدي الرجائي.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية التابع للروضة الرضوية المقدسة ـ مشهد / ١٤١٤ ه.

* مقالات الأصول ، ج ١.

تأليف : المحقق الأصولي الشيخ ضياء الدين العراقي (١٢٧٨ ـ ١٣٦١ ه).

لقد ساهم علماء كبار في تجديد وتطوير علم (الفكر الأصولي) ولا سيما في القرون الثلاثة الأخيرة ، والمؤلف يعد أحد أبرز علماء المدرسة الأصولية الحديثة ، والكتاب يجمع آخر ما توصلت إليه مدرسة هذا العالم في التفكير الأصولي ، ويعد من أهم مصادر الفكر الأصولي المعاصر ، ويحتوي على أربعين مقالة تشمل أبواب علم الأصول المختلفة ، وقد تم تحقيق الكتاب عن طريق عرض نسخته على النسخ المصححة تحت إشراف المصنف نفسه وبأيدي تلاميذه الموثقين.

تحقيق : الشيخ محسن العراقي والسيد منذ الحكيم.

نشر : مجمع الفكر الإسلامي ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الإمام الحسين عليه‌السلام وأصحابه.

تأليف : الشيخ فضل علي القزويني (١٢٩٠ ـ ١٣٦٧ ه).

عرض تاريخي موسع شامل لواقعة الطف ، يتناول أحوال الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام وما جرت عليه من أحداث من يوم خروجه من المدينة إلى يوم استشهاده ، ولا يسرد الوقائع والأحداث التاريخية إلا بعد بحث ومناقشة وتدقيق في جزئياتها وحتى في ألفاظها ، يضم الكتاب : خطب الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وكتبه ورسائله ، وبعض كلماته ووصاياه ، وكيفية خروجه ، ووقائع سفره ومنازله إلى وصوله كربلاء ، ما جرى عليه في ليلة العاشر من محرم ويومها إلى استشهاده عليه‌السلام ، مع ذكر بعض الوقائع المتأخرة عن القتل.

تحقيق : السيد أحمد الحسيني.

صدر في قم سنة ١٤١٥ ه.


* نهج البيان عن كشف معاني القرآن ، ج ١.

تأليف : محمد بن الحسن الشيباني ، من أعلام الشيعة في القرن السابع الهجري.

يشتمل هذا الجزء من الكتاب على ثلاثة فصول : فصلين في ذكر اشتقاق القرآن ومعناه وفيما يشتمل عليه القرآن العزيز ، والثالث يضم تفسير سورتي الفاتحة والبقرة.

تحقيق : حسين الدركاهي.

نشر : مؤسسة دائرة المعارف الإسلامية ، طهران. ١٤١٣ ه.

* ما روته العامة من مناقب أهل البيت عليهم‌السلام.

تأليف : الشيخ حيدر علي بن محمد الشرواني ، من أعلام القرن الثاني عشر الهجري.

كتاب قيم يذكر الأحاديث المروية عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فضائل أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وأهل البيت عليهم‌السلام ، وذكر مناقبهم ومناقب أعدائهم مما روته العامة ومحدثوهم ومفسروهم ممن يعتمدون عليه

ويثقون به.

تم تحقيق الكتاب اعتمادا على نسختين مخطوطتين ، ذكرت مواصفاتهما في مقدمة التحقيق.

تحقيق : محمد الحسون.

نشر : مطبعة المنشورات الإسلامية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، ج ١١ و ١٢.

تأليف : الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي ، المتوفى سنة ٩٩٣ ه.

شرح لكتاب (إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان) للعلامة الحلي الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه) وهو من أحسن شروحه وأجمعها فوائد.

اشتمل الجزء ١١ على المسائل الخاصة بكتاب الصيد وتوابعه وكتاب الميراث ، كما اشتمل الجزء ١٢ على كتاب القضاء ومقاصده وهي في صفات القاضي وآداب القضاء وكيفية الحكم والدعوى والشهادات ... وغيرها.

تحقيق : الشيخ مجتبى العراقي والشيخ علي پناه الاشتهاردي والشيخ حسين اليزدي الأصفهاني.


نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين ، ج ١

تأليف : الشيخ أحمد بن صالح البحراني القطيفي القديحي ، المتوفى سنة ١٣١٥ ه.

شرح استدلالي لكتاب (بلغة المحدثين) للشيخ سليمان الماحوزي ـ المتوفى سنة ١١٢١ ه ـ الذي تعرض فيه للرجال الذين اتضحت لديه وثاقتهم على نحو الإجمال مما دعا المؤلف أن يتوسع في شرح تراجمهم ، مع بحوث تاريخية ولغوية وعقائدية جاءت ضمن هذه التراجم ، يضم هذا الجزء الأسماء المبدوءة بحرف الألف فقط ، كما ضمن محقق الكتاب مقدمته رسالة : (الحق الواضح في أحوال العبد الصالح) في ترجمة المؤلف ـ رحمه‌الله ـ وهي للشيخ علي بن حسن البلادي القطيفي البحراني ، المتوفى سنة ١٣٤٠ ه.

تم التحقيق اعتمادا على نسخة مخطوطة بخط المؤلف رحمه‌الله.

تحقيق : ضياء بدر آل سنبل.

صدر في قم سنة ١٤١٤ ه.

* مقياس الهداية في علم الدراية ، ج ٤.

تأليف الفقيه الرجالي الشيخ عبد الله بن محمد حسن المامقاني النجفي (١٢٩٠ ـ ١٣٥١ ه).

سفر قيم أوفى الموضوع حقه ، واستوفى البحث في مطالبه ، وقد خرج المصنف ـ رحمه‌الله ـ في بعض مباحثه عن المنهجية المتداولة ، فتوسع في بعض الأبواب وأدخل بعض المباحث الأصولية ، ونقح جملة من المسائل الحديثية ، وتفرد في جملة من تحقيقاته واختياراته.

تم التحقيق اعتمادا على طبعتي الكتاب الحجريتين ، الأولى المطبوعة سنة ١٣٤٥ ه ، والثانية المطبوعة في آخر الجزء الثالث من كتاب (تنقيح المقال في علم الرجال) كان قد فرغ منها المؤلف  ـ رحمه‌الله ـ سنة ١٣٥٠ ه.

يضم الجزء الرابع هذا خاتمة الكتاب ، يذكر فيه اسم ثمانين عالم لهم مصنفات في علم الرجال ، مع فهارس فنية لأجزاء الكتاب الأربعة.

تحقيق : الشيخ محمد رضا المامقاني.

نشر: مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام)


لإحياء التراث ـ قم / ١٤١٣ ه.

* صلاة المسافر.

تأليف : السيد حسين الموسوي العلوي الخوانساري.

الكتاب عبارة عن تقريرات فقهية لمباحث الفقيه والمرجع آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني ، كتبها وقررها المؤلف الذي كان أحد تلامذته ، ويختص الكتاب بالبحث في صلاة المسافر.

تم تحقيق الكتاب اعتبارا على نسخة مخطوطة بخط المؤلف ، ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق.

تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٥ ه.

كتب صدرت محققة

* تذكرة الفقهاء ، ج ٤

تأليف : العلامة الحلي ، الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف المطهر الأسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ ه).

أهم وأكبر كتاب في الفقه الاستدلالي المقارن ، يوجد مه من أوائل كتاب الطهارة

إلى كتاب النكاح ، لخص فيه مؤلفه ـ قدس سره ـ فتاوى علماء المذاهب المختلفة وقواعد الفقهاء في استدلالاتهم ، وأشار في كل مسألة إلى الخلاف الواقع فيها ، ويذكر مختاره وفق الطريقة المثلى وهي طريقة الإمامية ، ويوثقه بالبرهان الواضح القوي.

طبع منه ثلاثة أجزاء ضمت كتاب الطهارة وقسما من كتاب الصلاة ، وقد اشتمل هذا الجزء على تكملة كتاب الصلاة.

تم تحقيق الكتاب اعتمادا على ١٥ نسخة مخطوطة منها ما هو مقروء على المصنف ـ قدس‌سره ـ ومنها ما عليه إجازة مهمة ، ذكر مواصفاتها في مقدمة التحقيق ، ومن المتوقع أن يصدر في ٢٠ جزء.

تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ـ قم / ١٤١٤ ه.

* أصل الشيعة وأصولها.

تأليف : الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (١٢٩٤ ـ ١٣٧٣ ه).

من الكتب المهمة التي تعرض وتوضح أصل نشوء الشيعة وبداية التشيع وعقائدهم أصولا وفروعا ، وأنهم اعتمدا في ذلك كله على الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، وكذا


في كثير من مسلمات المذهب الأخرى بالبداء والتقية والمتعة وغيرها ، وتنبع أهميته ـ أيضا ـ من تدقيق وشمول وتفصيل للمباحث التي تناولها والتي تحتوي على أجوبة لكثير من التساؤلات التي تطرح عن الشيعة وعقائدهم ، كما يعد مرجعا مهما في إزالة الشكوك ورد الشبهات المحاكة حول الشيعة والتشيع.

كان قد طبع الكتاب عدة مرات في العراق وإيران ولبنان.

تم تحقيقه بالاعتماد على ثلاث نسخ مطبوعة ذكر مواصفاتها في مقدمة التحقيق ، كما ألحق المحقق بالكتاب فصلا خاصا بتراجم الأعلام الذين ورد ذكرهم في الكتاب ، ومجموعة من الفهارس الفنية التي تيسر للقارئ مهمته.

تحقيق : علاء آل جعفر.

نشر : مؤسسة الإمام علي عليه‌السلام ـ قم / ١٤١٥ ه.

* ترجمة الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام ، وتليها ترجمة ابنه الإمام محمد الباقر عليه‌السلام من تاريخ دمشق.

تأليف : ابن عساكر ، علي بن الحسين ابن هبة الله الشافعي (٤٩٩ ـ ٥٧١ ه).

عرض تاريخي مفصل لسيرة الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، تضمنت : ولادته ، نشأته ، علمه ، فضائله ، وما جرى عليه من أحداث مع حكام عصره من الأمويين الظلمة.

كما يتضمن عرضا تاريخيا آخر لسيرة الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، تضمنت : ولادته وعلمه والرواة عنه وجملة من أحاديثه ومواقفه ومواعظه وولده ووفاته عليه‌السلام.

تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي.

نشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ قم.

* نهاية الدراية في شرح الكفاية ، ج ٤.

تأليف : الفقيه المحقق الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني ، المتوفى في النجف الأشرف سنة ١٣٦١ ه.

هو من أشهر أعلام المحققين ، وقد خلف ثروة ضخمة قيمة في الفقه وأصوله هي قمة في التحقيق وعمق الفكر ، ومن أشهرها كتابه هذا الذي هو شرح لكتاب أستاذه المحقق الآخوندي الخراساني (كفاية الأصول) صدر منه فيما سبق الجزءان ٥


و ٦.

يتضمن هذا الجزء بحوث : أصالة البراءة ، أصالة الاحتياط ، وقاعدة نفى الضرر.

تحقيق : الشيخ أبو الحسن القائمي.

نشر : مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم / ١٤١٤ ه.

* البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه.

تأليف : الشيخ أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي ، المتوفى سنة ٤٤٩ ه.

بحث في إثبات صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، بالبراهين والأدلة العقلية ، مع ذكر وقائع وحوادث تشير لذلك عن كتب التاريخ القديم والشواهد العينية مع ذكر أخبار بعض المعمرين الذين عمروا لسنوات طوال.

طبع سابقا ضمن كتاب المؤلف (كنز الفوائد) وقد تم تحقيقه اعتمادا على نسخة مخطوطة ذكر مواصفاتها في مقدمة التحقيق.

تحقيق : السيد حسن الموسوي.

صدر مؤخرا.

* منتهى الأمالي في تواريخ النبي والآل ، ج ١ وج ٢.

تأليف : المحدث الشيخ عباس بن محمد رضا القمي (١٢٩٤ ـ ١٣٥٩ ه).

يحتوي الكتاب على أربعة عشر بابا ، تتضمن تاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعصومين من آله عليهم السلام ، وكل باب يختص بأحد الأئمة عليهم‌السلام : في ولادته ، فضائله ، مناقبه ، معجزاته ، مواعظه ، وعلمه ، استشهاده ، ذكر أولاده ، وذكر جملة من أصحابه ، وقد تحري المؤلف ـ رحمه‌الله ـ الدقة والضبط والأمانة في نقل النصوص والمتون مما جعل كتابه هذا مرجعا يرجع إليه الكثير من أهل العلم والتحقيق ودارسو التاريخ.

تعريب : المؤسسة الإسلامية للترجمة.

نشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٥ ه.

* التمهيد في علوم القرآن ، ج ٥.

تأليف : الشيخ محمد هادي معرفة.

دراسات وأبحاث مبسطة عن مختلف

شؤون القرآن الكريم ، وضعت أساسا


كمقدمة لتفسير المؤلف (الوسيط) كانت الأجزاء الثلاثة الأولى قد طبعت عامي ١٤٠٨ و ١٤٠٩ ه من قبل إدارة الحوزة العلمية في قم ، وتم تحقيق هذه الأجزاء بعد إضافة الجزء الرابع إليها في عام ١٤١٢ ه ، البحث الأساسي في هذا الجزء هو دلائل الإعجاز البياني للقرآن ، وقد تشعب إلى عدة فروع : دقيق تعبير القرآن ورقيق تحبيره ، طرافة سبكه وغرابة أسلوبه ، عذوبة ألفاظه ، سلاسة عباراته ، تناسق نظمه وتناسب نغمه ، تجسيد معانيه في أجراس حروفه ، تلاؤم فرائده وتآلف خرائده ، حسن تشبهه وجمال تصويره ، جودة استعاراته وروعة تخييله ، لطيف كتابته وظريف تعريضه ، وروائع من فنون بدائعه.

تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الأمالي.

تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد ابن الحسن الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه).

من الكتب المهمة ، يضم طائفة من الأحاديث النبوية الشريفة ، وجانبا من السيرة المحمدية وروايات عن الأئمة

عليهم‌السلام ، وأدعية مأثورة.

تم تحقيقه اعتمادا على مخطوطة نفيسة يعود تأريخها لسنة ٥٨٠ ه، بالإضافة إلى النسخة المطبوعة في إيران سنة ١٢١٣ ه.

تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ـ قم.

نشر : دار الثقافة ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الملهوف في قتلى الطفوف.

تأليف : السيد ابن طاووس ، علي بن موسى بن جعفر الحلي ، المتوفى سنة ٦٦٤ ه.

عرض تاريخي مفصل للأحداث التي

مر بها سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام قبل رحيله إلى العراق ، وخلال استعداده للخروج إلى كربلاء ، مقسم إلى ثلاثة مسالك ، الأول يتناول الأمور المتقدمة على القتال مشيرا إلى عدة أحداث ، هي : موت معاوية ، الكتب التي كانت ترد إلى الإمام الحسين عليه‌السلام من الكوفة ، إرسال مسلم بن عقيل واستشهاده مع هانئ بن عروة في الكوفة ، عزم الإمام الحسين عليه‌السلام على الخروج ، والأحداث التي جرت عليه خلال سفره حتى وصوله كربلاء ، والمسلك


الثاني يتناول وصفا مفصلا لحال القتال ، والثالث عرض للأمور المتأخرة عن مقتله عليه‌السلام وما حدث لعياله ومسير السبايا عليه إلى دمشق ومحاورات وخطب الإمام السجاد عليه‌السلام ورجوعهم إلى العراق ثم إلى المدينة.

طبع الكتاب من قبل عدة مرات في النجف وطهران وبيروت وقم ، وتم تحقيقه اعتمادا على هذه نسخ ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق.

تحقيق : الشيخ فارس الحسون.

نشر : دار الأسوة للطباعة والنشر ـ قم / ١٤١٤ ه.

* جامع الأحاديث.

* العروس.

* الغايات.

* المسلسلات.

*الأعمال المانعة من دخول الجنة.

* نوادر الأثر في علي خير البشر.

وكلها من تأليف الشيخ أبي محمد جعفر بن. حمد بن علي القمي ، من أعلام القرن الرابع الهجري.

و (جامع الأحاديث) يضم الأحاديث النبوية الشريفة مرتبة حسب حروف المعجم الواردة في مختلف نواحي الحياة.

أما (العروس) فيذكر فيه الأحاديث المروية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعن الأئمة عليهم‌السلام التي تبين فضل يوم الجمعة على باقي الأيام.

وفي (الغايات) يذكر الأحاديث المتضمنة غاية الشئ ، كقوله : أحب الأعمال ، أفضل الأعمال ، أشد البلاء ... وهكذا.

أما (المسلسلات) فهي الأحاديث المروية بشكل سلسلة تختص بجملة أو كلمة معينة ، مثل : المصافحة أو القسم ، كقولهم : حدثنا فلان وقد صافحني ، قال : حدثنا فلان وقد صافحني ... إلى آخره ، إلى وصول السلسلة إلى راويها عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أما (الأعمال المانعة) ففيه جملة من الأحاديث الخاصة بالرجال والنساء الذين يقومون بأعمال لا تدخلهم الجنة أبدا.

أما (نوادر الأثر) فيجمع فيه ما روي في أن أمير المؤمنين الإمام عليا عليه‌السلام هو خير البشر.

كان (جامع الحديث) وبقية الكتب الملحقة به مطبوعة في إيران فيما سبق.

وقد تم تحقيق الكتاب وملحقاته اعتمادا على عدة نسخ ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق ، وصدرت بأجمعها في مجلد


واحد.

تحقيق : السيد محمد الحسيني النيشابوري.

نشر : مجمع البحوث الإسلامية التابع للروضة الرضوية المقدسة ـ مشهد / ١٤١٣ ه.

* مختلف الشيعة ، ج ٥ و ٦.

تأليف : العلامة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (٦٤٨ (٧٢٦ ه).

موسوعة فقهية مقارنة كاملة ، من الطهارة إلى الديات ، تناولت آراء فقهاء الإمامية مع ذكر أدلتهم وما يرجحه هو في المقام ، كما يشتمل الكتاب على فتاوى الشيخين ابن الجنيد وابن أبي عقيل ـ قدس‌سرهما ـ إذ هي منحصرة في هذا الكتاب ، وكل من نقل عنهما بعد العلامة فإنما نقل من هذا الكتاب.

اشتمل الجزء الخامس على كتابي المتاجر والديون ، فيما اشتمل الجزء السادس على تتمة كتاب الديون مضافا إليه كتب : الإجارة والأمانات والهبات.

تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٥ ه.

* الكواكب المنتشرة في القرن الثاني بعد العشرة.

تأليف : آقا بزرك الطهراني ، الشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا (١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ه).

وهو الجزء السادس من الموسوعة القيمة (طبقات أعلام الشيعة) للمؤلف ـ رحمه الله ـ والتي تضم أسماء أعلام الإمامية ـ رضوان الله عليهم ـ منذ القرن الرابع الهجري ، ويختص هذا الجزء بأعلام القرن الثاني عشر الهجري.

نشر : مؤسسة النشر التابعة لجامعة طهران / ١٣٧٣ ه. ش.

* ترتيب كتاب العين ، ج ١ ـ ٣.

تأليف : أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (١٠٠ ـ ١٧٥ ه).

إخراج وترتيب جديد لهذا المعجم المهم ، فقد رتب على النظام السهل السلس الذي يبدأ بالهمزة من حروف الألفباء وينتهي بالياء ، اشتمل الجزء الأول على حرف الألف إلى حرف الراء ، والثاني من حرف الزاي إلى حرف الغين ، والثالث من حرف الفاء إلى حرف الياء.

كان الكتاب قد طبع في بغداد بتحقيق


الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي ، اعتمادا على ثلاث نسخ مخطوطة ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق.

ثم أعادت دار الهجرة في قم طبعه بالتصوير سنة ١٤٠٩ ه.

تصحيح : أسعد الطيب.

نشر : منشورات الأسوة التابعة لمنظمة الأوقاف والأمور الخيرية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر.

تأليف : السيد الإمام روح الله الموسوي الخميني (١٣٢٠ ـ ١٤١ ه).

رسالة مختصرة يبحث فيها حول حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا ضرر ولا ضرار) وإشكالات قاعدة نفي الضرر وتنبيهات على هذه الإشكالات.

تم التحقيق اعتمادا على النسخة المخطوطة بخط المؤلف قدس‌سره.

تحقيق ونشر : مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس‌سره ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الطريق إلى الله.

تأليف : الشيخ حسن البحراني

رسالة في الأخلاق العالية تضمنت مباحث حول الأخلاق ودورها في صنع الإنسان المؤمن بالله سبحانه ، وطريقة معيشته وحياته بعبارات واضحة بليغة معتمدا طريق أهل البيت عليهم‌السلام ومستفيدا من أحاديثهم الشريفة ، دون التزام بذكر المصادر ولا تقيد بالنص الوارد ، والاكتفاء بنقل المضمون فحسب ، كما تضمنت الرسالة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من خلال معرفة السبل والمسالك التي يجب أتباعها للوصول إلى رضاه سبحانه وتعالى.

تم تحقيقه اعتمادا على نسخة مطبوعة ذكرت أوصافها في مقدمة التحقيق.

تحقيق : السيد باسم الهاشمي.

نشر : دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت / ١٤١٣ ه.

*شعر أبي طالب وأخباره ، والمستدرك عليه.

جمع : أبي هفان عبد الله بن أحمد بن حرب بن مهزم البصري النحوي الأديب ، المتوفى سنة ٢٥٧ ه.

الكتاب عبارة عن جمع لأشعار سيد قريش وحامي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرح مستوف لكل ما كان


صعبا من كلماته ومعانيه ، وهو برواية أبي هفان وكتبه أبو الفتح عثمان بن جني ـ المتوفى ٣٩٢ ه بخطه.

اعتمد في التحقيق على نسخة ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق.

تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ـ قم.

نشر : دار الثقافة للطباعة والنشر ـ قم / ١٤١٤ ه.

* محاضرات في تفسير القرآن الكريم.

تأليف : السيد إسماعيل الصدر ، المتوفى سنة ١٣٨٨ ه.

الكتاب هو مجموعة محاضرات ألقاها المؤلف على طلابه ، اعتمد فيه طريقة تفسير القرآن بالقرآن ، ابتدأ من أول سورة الفاتحة ثم البقرة ولم يتمه ، كما ركز الكتاب على المسائل العقائدية المهمة

وإقامة البراهين عليها ودفع الشبهات المثارة حولها ، ويشتمل الكتاب على بحوث مفصلة أخرى ، كبحث جزئية البسملة وما يتعلق ببعض القراءات ، وبحث إعجاز القرآن العظيم ، وبحث الإمام المهدي عجل الله فرجه وهو أكثرها تفصيلا ، مضافا إليها عدة بحوث مختصرة أخرى مع دروس عملية مستوحاة من الآيات المفسرة في

نهاية تفسير كل واحدة منها.

كان الكتاب قد طبع لأول مرة في أوائل السبعينات من هذا القرن الميلادي.

تحقيق : الشيخ سامي الخفاجي.

نشر : دار الكتاب الإسلامي ـ قم.

طبعات جديدة لمطبوعات سابقة

* ترجمة ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين عليه‌السلام من تاريخ دمشق.

تأليف : ابن عساكر ، علي بن الحسين ابن هبة الله الشافعي ، المتوفى سنة ٥٧١ ه.

جزء من موسوعة (تاريخ دمشق) يختص بأحاديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم المروية عنه بحق الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، تشتمل على ولادته ، حياته ، واستشهاده ، ويتضمن الكتاب ٤٠٢ حديثا من طرق مختلفة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام.

تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي.

أعاد طبعه بصف جديد مجمع إحياء الثقافة الإسلامية ـ قم / ١٤١٤ ه.


* عنوان الطاعة في إقامة الجمعة والجماعة.

تأليف : السيد إسماعيل بن أحمد الحسيني المرعشي.

الكتاب عبارة عن بحث فقهي استدلالي حول صلاة الجمعة وإثبات وجوبها بالاعتماد على الكتاب والسنة ، مع ذكر فضيلة يوم الجمعة وكيفية أداء صلاة الجمعة وفضيلتها ، مع بحث حول صلاة العيدين وبحث في صلاة الجماعة.

طبع الكتاب لأول مرة في مدينة الأهواز سنة ١٣٥٢ ه. ش ، ثم أعادت طبعه بالتصوير مكتبة الصدر في طهران سنة ١٣٧٦ ه. ش.

* نشأ الشيعة الإمامية.

تأليف : نبيلة عبد المنعم داود.

رسالة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة بغداد ، تشتمل على دراسة نشأة الشيعة الإمامية منذ عهد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي مقسمة إلى خمسة فصول ، الأول دراسة للمصادر التي بحثت عن الشيعة الإمامية ، والثاني يبحث في أصل التشيع وتطوره ومناقشة الآراء حول بدايته ، والثالث

دراسة للإمامة بنظر الشيعة وبحث عن إمامة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأدلة إمامته وإمامة الأئمة من ولده من بعده ، والرابع يبحث في سياسة العباسيين تجاه الشيعة والثورات الزيدية ضدهم ، والخامس يبحث في تطور مفهوم الإمامة عند الشيعة الإمامية وعقائدهم التي تتصل بها.

وقد طبع الكتاب لأول مرة في بغداد أواخر الستينيات من هذا القرن الميلادي ، وأعادت طبعه بصف جديد دار المؤرخ العربي ـ بيروت / ١٤١٥ ه.

* مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح.

تأليف : الدكتور علاء الدين أمير محمد القزويني.

هو رد على الافتراءات والاتهامات

الباطلة التي نسبها الدكتور موسى في كتابه (الشيعة والتصحيح) طبعة لوس أنجلس / أمريكا ١٩٨٧ م إلى الشيعة ، فيتناول الكتاب القضايا التي عدها المؤلف بدعا ومن تأليف واختراع بعض علماء الشيعة مثل : الزواج المؤقت ـ العقد المنقطع أو : المتعة ـ الخمس في أرباح المكاسب ، التقية ، الرجعة ، البداء ، وعدة قضايا


أخرى ، ويبحث فيها ويظهر فساد وبطلان ما افتراه الدكتور ، بالاعتماد على كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبين أن هذه الأمور ثابتة في الشريعة الإسلامية منذ عهد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى عهدنا هذا.

أعاد طبعه بصف جديد مركز الغدير للدراسات الإسلامية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الروضة النضرة في علماء المائة الحادية عشرة.

تأليف : آقا بزرك الطهراني ، الشيخ محمد محسن بن علي بن محمد رضا (١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ه).

هو الجزء الخامس من الموسوعة القيمة (طبقات أعلام الشيعة) للمؤلف ـ رحمه الله ـ رضوان الله عليهم ـ منذ القرن الرابع الهجري ، ويختص هذا الجزء بأعلام القرن الحادي عشر الهجري.

أعادت طبعه مؤخرا بصف جديد مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

* الشيعة في التاريخ :

تأليف : الشيخ محمد حسين الزين

العاملي.

بحث تاريخي عن أصل الشيعة وبداية ظهورهم وعقائدهم والطوائف التي تشعبت

من الشيعة وكيف تشعبت وبدايتها ، مع بحث حول الخلافة بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع دراسة لمواقف الشيعة في العهدين الأموي والعباسي ، مع مناقشة بعض الافتراءات والأباطيل التي قذفت بها الشيعة وتفنيدها وإظهار فسادها ، والكتاب في مجمله رد على مؤلفات بعض الكتاب الذين أساؤا فيها للشيعة وعلمائهم ولكثير من عقائدهم ، منهم : محمد ثابت المصري ، صاحب كتاب (جولة في ربوع الشرق الأدنى).

طبع الكتاب لأول مرة في لبنان سنة ١٣٥٧ ه ، ثم أعادت طبعه مؤخرا  ـ بالتصوير ـ مكتبة النجاح في طهران.

* ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام.

تأليف : ابن سعد ، أبي عبد الله محمد ابن سعد بن منيع البصري (١٦٨ ـ ٢٣٠ ه).

عرض تاريخي موجز لحياة وسيرة ومقتل سيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، مع ذكر الأحداث التي كانت بعد مقتله ، وهذا الكتاب هو جزء من


الحلقة غير المطبوعة من كتاب (الطبقات) الكبير لابن سعد ، والخاصة بترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام.

كانت قد نشرت محققة على صفحات نشرتنا هذه (تراثنا) في العدد العاشر ، الصادر في محرم الحرام عام ١٤٠٨ ه ، وقد تم التحقيق اعتمادا على نسخة مخطوطة محفوظة في خزانة السلطان أحمد الثالث في مكتبة طوب قبو سراي في إسلامبول ، برقم ٢٨٣٥.

تحقيق : السيد عبد العزيز الطباطبائي.

أعادت طبعه بالتصوير مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم / ١٤١٥ ه ، وصدر ضمن : سلسلة ذخائر تراثنا ، برقم (١).

* الاحتجاج بالأثر على من أنكر المهدي المنتظر.

تأليف : الشيخ حمود بن عبد الله بن حمود التويجري.

والكتاب رد على رسالة (لا مهدي منتظر بعد الرسول خير البشر) لكاتبها الشيخ عبد الله بن زيد بن محمود ، رئيس المحاكم القطرية ، والتي أنكر فيها خروج المهدي عليه‌السلام في آخر الزمان ، يتناول فيه

المؤلف الأحاديث المروية عن الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق العامة المختلفة مع بيان صحيحها من حسنها من سقيمها.

كان قد طبع الكتاب لأول مرة سنة ١٤٠٣ ه ، ثم أعادت طبعه ثانية مكتبة دار العليان الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع ـ بريدة / ١٤٠٦ ه.

* نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ، ج ١ ـ ١٢.

تأليف : السيد علي الحسيني الميلاني.

موسوعة علمية عقائدية لإثبات الخلافة

والولاية لأمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام والأئمة الاثني عشر من بعده عليهم السلام ، والكتاب في محوره العام رد على كتاب (التحفة الاثنا عشرية في الرد على الإمامية) لعبد العزيز الدهلوي (١١٥٩ ـ ١٢٣٠ ه) الذي تهجم فيه على الشيعة ونسب إليهم العقائد الباطلة وحاول الحط منهم بالأكاذيب والافتراءات ، مما دعا السيد مير حامد حسين بن محمد قلي اللكهنوي إلى تأليف كتاب (عبقات الأنوار ، في إمامة الأئمة الأطهار) للرد عليه.

وقد قام المؤلف بتلخيص وترجمة


وتحقيق الكتاب ، والتعليق والاستدراك عليه ، يبحث في الأجزاء ١ و ٢ و ٣ في حديث الثقلين سندا ودلالة ، حيث يثبت تواتر وقطعية صدور الحديث ، ودلالته على المطلوب بالأدلة القاطعة ، ثم يدحض كل ما قيل أو يمكن أن يقال من الشبهات في هذا الباب.

ويبحث في الجزء ٤ في حديث السفينة على ثلاث جهات، الأولى: السند وإثبات تواتره، والثانية: دلالة الحديث على إمامة الإمام علي عليه‌السلام، والثالثة: الرد على ما قاله الدهلوي بشأن هذا الحديث.

وفي الجزء ٥ يبحث في حديث النور سندا ومن جهة الدلالة بناحيتين ، الإمامة بالنص، ودلالته على الإمامة بالملازمة.

وفي الأجزاء ٦ و ٧ و ٨. ٩ يبحث في حديث الغدير: إثبات تواتره ، دحض بعض الشبهات حوله ، سنده ، دلالته.

أما الأجزاء ١٠ و ١١ و ١٢ فقد خصصها للبحث في حديث (أنا مدينة العلم وعلي بابها) فيثبت تواتره فضلا عن صحته ، ويبين وجوه دلالته على مذهب الإمامية.

سبق وأن طبع الكتاب في عشرة أجزاء باسم : (خلاصة عبقات الأنوار).

صدر في قم بصف جديد سنة ١٤١٤ ه.

* منهج في الانتماء المذهبي.

تأليف : صائب عبد الحميد.

كتاب قيم بأسلوب جديد ، يشرح في صفحاته تجربة شخصية للتمسك بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، ويوضح أسباب ذلك دون أي تعصب أو انحياز ، بل بالدليل المقنع والحياد الكامل في البحث والتحقيق والاستدلال ، ويثبت فيها ما يواجه كل تجربة أو محاولة عظيمة مثلها من المشاكل والصعوبات والمعاناة.

كتبه أولا كجواب لرسالة بعثها إليه أحد إخوته ممن كانت له معه ذكريات خاصة ، يستفسر بها منه عن سبب انتهاجه المنهج الجديد وترك مذهبه السابق.

طبع فيما سبق عدة طبعات في إيران ولبنان ، ثم أعاد مركز الغدير للدراسات الإسلامية في قم طبعه ـ بالتصوير على الطبعة الأولى ـ سنة ١٤١٤ ه.

* الإمامة في أهم الكتب الكلامية.

تأليف : السيد علي الحسيني الميلاني.

عدة بحوث مقارنة حول (الإمامة) من جميع جوانبها مؤيدة بالأدلة المنقولة من الكتب المعتمدة لدى العامة ، لكي تكون


أدعى للقبول وإثبات الحجة.

كانت قد طبعت هذه البحوث فيما سبق إما مستقلة أو في نشرتنا هذه (تراثنا) وهي : الطرائف على شرح المواقف ، المراصد على شرح المقاصد ، رسالة في صلاة أبي بكر ، رسالة في حديث الاقتداء بالشيخين ، رسالة في المتعتين ، رسالة في حديث (سيد كهول أهل الجنة) ، رسالة في حديث (أصحابي كالنجوم).

أعيد طبعه ـ بصف جديد ـ في قم سنة ١٤١٣ ه.

صدر حديثا

* فهارس مستدرك الوسائل، ج ١ و ٢.

إعداد وتنظيم ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم‌السلام) لإحياء التراث ـ قم.

مجموعة متخصصة من الفهارس الفنية لكتاب (مستدرك الوسائل) للمحدث الشيخ حسين النوري الطبرسي ـ المتوفى سنة ١٣٢٠ ه ـ الذي يعد من الموسوعات الحديثية الواسعة لتعدد أبوابها وشموليتها ، وقد ضمت هذه الفهارس : الآيات القرآنية ، متون الكتب السماوية الأخرى ، الأحاديث القدسية ، أحاديث المعصومين عليهم‌السلام ، الآثار ، الأعلام ، الأمم

والجماعات ، الأماكن والبقاع ، الوقائع والأيام ، الأطعمة والأشربة ، الملابس وأدوات الزينة ، الأبيات الشعرية ، المعادن ، الحيوانات ، مصادر التأليف والتحقيق.

احتوى الجزء الأول على فهارس ، الآيات القرآنية ، متون الكتب السماوية ، الأحاديث القدسية ، وقسما من أحاديث المعصومين عليهم‌السلام ـ من حرف الألف ـ واحتوى الجزء الثاني على تكملة أحاديث المعصومين عليهم‌السلام لغاية حرف اللام.

صدر الجزءان في قم سنة ١٤١٤ ه.

* ابن تيمية : حياته ، عقائده ، موقفه من الشيعة وأهل البيت عليهم‌السلام.

تأليف : صائب عبد الحميد.

بحث موسع وعميق في سيرة ابن تيمية وبيئته وعصره وحياته وميادين عقائده الكبرى ، مع تعريف بآرائه ومعتقداته في أهل البيت عليهم‌السلام والشيعة ، وإظهار فسادها وبطلانها ، وقد تضمن بحثا عن العلامة الحلي ، الحسن بن يوسف المطهر الأسدي ومناظراته مع علماء المذاهب الأخرى.

نشره : مركز الغدير للدراسات


الإسلامية ـ قم / ١٤١٤ ه.

* الشهادة الثالثة المقدسة.

تأليف : الشيخ عبد الحليم الغزي.

بحث موسع وشامل في الشهادة الثالثة بالإمرة والولاية لسيد الأوصياء أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الأذان والإقامة وغيرها من الموارد الأخرى ، باعتماد الأحاديث المروية عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مختلف الطرق ، وحديث أهل البيت عليهم السلام حول هذه الشهادة ، موردا آراء كثير من علماء المذهب بالإتيان بها استحبابا أو بقصد القربة المطلقة.

نشر : هيئة قمر بني هاشم عليه‌السلام ـ قم / ١٤١٤ ه.

* المختار من كلمات الإمام المهدي عجل الله فرجه ، ج ١ ـ ٣.

تأليف : الشيخ محمد الغروي.

هو جمع وترتيب وفق حروف المعجم لكلمات الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، التي أصدرت منه على شكل توقيعات إلى سفرائه ـ رضوان الله عليهم ـ أو من الروايات التي تروي أحاديثه وأقواله عليه‌السلام لأصحابه أو

غيرهم ، في غيبته أو حضوره ، وتم اختيار الكلمات ما يمس منها العقائد ويمتاز به الحق عن الباطل ، وما يخص الأحكام والقضايا الاجتماعية والفردية وعلاج الاختلافات.

يضم الكتاب في أجزائه الثلاثة ٥٠٠ كلمة مختارة ، اشتمل الجزء الأول على ما اختير من حرف الألف إلى حرف الراء ، والجزء الثاني من حرف الزاي إلى حرف اللام ، والثالث من حرف الميم إلى حرف الياء إضافة إلى مجموعة كبيرة من الفهارس الفنية.

صدر في قم سنة ١٤١٤ ه.

* فقه الشركة على نهج الفقه والقانون.

تأليف : السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي.

بحث مفصل عن الشركة في منهجها الفقهي والقانوني ، يوضح أحكامها وشرائطها وأسبابها وأدلة صحتها فقهيا ، ويتضمن من كتاب (الوسيط) لعبد الرزاق السنهوري ، مع بحث مفصل في كتاب التأمين باعتباره أحد طرق الشركة وكونه من المسائل المستحدثة ذات الأهمية الاجتماعية في الوقت الحاضر.

نشر : منشورات مكتب أمير المؤمنين


عليه‌السلام ـ قم / ١٤١٤ ه.

* مستدركات مقياس الهداية في علم الدراية ، ج ٥ ـ ٧.

تأليف : الشيخ محمد رضا المامقاني.

والجزءان الخامس والسادس عبارة عن مستدركات لكتاب (مقياس الهداية في علم الدراية) للشيخ عبد الله بن محمد حسن المامقاني (١٢٩٠ ـ ١٣٥١ ه) وهي توضيحات لما استوجبته النصوص واقتضته ضرورة البحث مع ما يقرب من ٥٠٠ فائدة درائية.

أما الجزء السابع فهو خلاصة لمصطلحات علماء الدراية ، وخلاصة للكتاب ومستدركاته وفوائده ومسائله.

صدرت الأجزاء الثلاثة في قم سنتي ١٤١٣ و ١٤١٤ ه.

* إرشاد الأذهان إلى أعلام القرآن ، ج ١.

تأليف : عبد الحسين الشبستري.

ترجمة لأكبر عدد ممكن من الأعلام إلي ورد ذكرها في القرآن الكريم ـ صراحة أو إشارة ـ من الأنبياء والمرسلين وغيرهم من أعلام العصور الغابرة أو المعاصرة للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر بعض الملائكة والجن، مرتبة حسب

الحروف الهجائية.

نشر: دار القرآن الكريم ـ قم / ١٤١٤ ه.

* دعوة موسى والانحرافات الإسرائيلية في ضوء القرآن.

تأليف : الشيخ نوري حاتم.

دراسة تحليلية لتاريخ كليم الله ورسوله موسى بن عمران عليه‌السلام من خلال آيات القرآن الكريم ، جعلها المؤلف في قسمين ، تناول في الأول منها أهداف حركة الرسول بشكل عام ، وجهادهم في تنقية الفكر الإنساني من الشرك ومدلولاته ، وتناول في القسم الثاني حركة نبوة موسى عليه‌السلام وسيره في ذلك المحور مع نبي إسرائيل في وقائعها المختلفة وجوانبها المتعددة.

نشر : مؤسسة المرتضى العالمية ـ بيروت / ١٤١٤ ه.

* صلاة الجمعة والعيدين في مصادر الفريقين.

كتاب جمع بين دفتيه ١١٤٤ حديثا ورواية مما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام في مصادر الفريقين ، موزعة على


سبعة عشر فصلا ، تناولت فضل الجمعة والعيدين وما يستحب فيهما من الصلوات والأعمال والسنن وغير ذلك مما يتعلق بإقامتها.

تحقيق ونشر : المديرية العامة لأئمة الجمعة ـ قم / ١٤١٤ ه.

* دراسة في المرأة وستر الوجه والكفين.

تأليف : السيد علي حسين محمد مكي العاملي.

دراسة وعرض فقهي لمسألة ستر المرأة للوجه والكفين من حيث الوجوب والجواز ، تطرق فيه إلى نصوص الكتاب العزيز والروايات المأثورة عن المعصومين عليهم‌السلام ، والشواهد التاريخية الأخرى من أحداث وأشعار وغيرها.

نشر : الدار الإسلامية ـ بيروت / ١٤١٣ ه.

* أحكام الغصب في الفقه الإسلامي.

تأليف : الدكتور عبد الجبار حمد شرارة.

بحث مقارن بين المذاهب الإسلامية السبعة وبين القانون الوضعي ، تناول الغصب وما يرتبط أو يتصل به ، سالك فيه المنهج الحديث في التعبير والعرض والتبويب ، وقام بعرض الآراء الفقهية

المختلفة ، ورجح رأيا على رأي تبعا لقوة الدليل.

نشر : مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم / ١٤١٤ ه.

* موسوعة الإمام الصادق عليه‌السلام ، ج ١.

تأليف : السيد محمد كاظم القزويني.

يحتوي هذا الجزء على عدة أبحاث مفصلة ومرتبطة بعضها مع بعض ، يدور البحث فيها حول أحاديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخاصة بإثبات الإمامة والولاية لأمير المؤمنين والأئمة

عليهم‌السلام من بعده ، ثم يتناول جزء من حياة الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام يتضمن الأخبار الواردة عن : والديه ، ولادته ، ألقابه وشمائله ، ثم يثبت أسماء ١٠٠ كتاب من كتب العامة روى مؤلفوها عن الإمام الصادق عليه‌السلام أحاديث كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواها عن آبائه عليهم‌السلام.

صدر في قم سنة ١٤١٤ ه.

* المنهج الأثري في تفسير القرآن الكريم .. حقيقته ومصادره وتطبيقاته.

تأليف : هدى جاسم محمد أبو طبرة.


رسالة لنيل الماجستير / آداب في الشريعة والعلوم الإسلامية مقدمة إلى جامعة الكوفة في العراق ، وهي تشتمل على عدة أبحاث قيمة ومفصلة لكل فصل من فصولها الأربعة ، فالفصل الأول يضم بحثا لمعنى المنهج الأثري لغة واصطلاحا ، وبحث نشأة التفسير بالمأثور الذي يتناول التفسير من مرحلة العصر النبوي إلى مرحلة تابعي التابعين ، والفصل الثاني يضم بحوثا عن مصادر التفسير بالمأثور والتي هي القرآن الكريم والسنة النبوية والمأثور من أئمة أهل البيت عليهم السلام والمأثور عن الصحابة والمأثور عن التابعين ، والفصل الثالث تطبيقات التفسير بالمأثور ، ويضم بحوثا لأربعة من أشهر الكتب الموجودة في التفسير بالمأثور ، والفصل الأخير يضم بحثا لخصائص المنهج الأثري وبحثا آخر لتقويمه.

نشره : مكتب الإعلام الإسلامي ـ قم / ١٤١٤ ه.

* البرهان على عدم تحريف القرآن.

تأليف : السيد مرتضى الرضوي.

الكتاب رد على مقال بعنوان (الشيعة وتحريف القرآن) لكاتبه محمد عبد الله السمان ، الذي نشره في مجلة أكتوبر

المصرية ، العدد / ٥ المؤرخ في ٥ / ٥ / ١٩٨٣ م ـ القاهرة ، والذي كان هو تعريفا بكتاب تحت نفس العنوان لمؤلفه البحريني محمد مال الله ، اشتمل الكتاب على عدة بحوث حول الشيعة الإمامية وبعض معتقداتها والصحابة ، مع بحث مفصل عن سلامة القرآن من الزيادة والنقصان ، وذكر آراء عدة من علماء الإمامية الكبار في مسألة التحريف وصيانة القرآن الكريم منه.

نشر : الإرشاد للطباعة والنشر ـ بيروت / ١٤١١.

* محاورة عقائدية.

تأليف : السيد أمير محمد الكاظمي القزويني.

والكتاب رد على كتاب (فقه الشيعة الإمامية) للدكتور علي أحمد السالوس ، الذي حاول فيه انتقاص واتهام الشيعة الإمامية بالافتراءات والاتهامات الباطلة في كثير من العقائد والأصول والأحكام الشرعية ، كما وأظهر الكتاب بطلان ما ذهب إليه السالوس من الآراء الفاسدة بالحجج القوية.

نشر : مركز الغدير للدراسات الإسلامية ـ قم / ١٤١٤ ه.

تراثنا - ٣٥-٣٦

المؤلف:
الصفحات: 478