بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الجزء الثالث

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسّلام على المعلم الأمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين. وبعد

فهذا هو الجزء الثالث من شرح ابن عقيل من الطبعة الجديدة ، وقد أشرنا في مقدمة الجزء الثاني إلى بعض مزايا هذه الطبعة التي توخت اعتصار المنفعة كلها من مادة الكتاب لتقدمها سائغة إلى إخواننا وأبنائنا من طلبة العلم ، تشجيعا لهم ، وجذبا لاهتمامهم ، وتقريبا للكتاب إلى نفوسهم ، ليقبلوا عليه راضين غير مدفوعين ، ومستمتعين غير مترددين ، وواثقين غير وجلين ، لينالهم من الأجر والثواب ما وعد به الذي لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسّلام حيث يقول : ((فضل العلم خير من فضل العبادة ..)).

وقد اجتمع لهذا الجزء الثالث من المزايا ما اجتمع لسابقيه وما اجتمع للاحقه الأخير ، مما سبقت الإشارة إليه في مقدمة الجزء الثاني.

ونشير هنا إلى أن هذه الطبعة جعلت هدفها الأول بناء النحو في نفس المتعلم وعقله على قاعدة صلبة من الوضوح والدقة ، ليرتفع بناء النحو متينا لبنة لبنة ، تعتمد فيه اللاحقة بقوة على السابقة ... ولكي يكون هذا البناء القوي سديدا نافعا ؛ فعليه أن يعتمد على القواعد القياسية والآراء الراجحة ، المستندة إلى القراآت القرآنية الصحيحة خاصة ،


والشواهد العربية الكثيرة ، معرضا ما أمكن ذلك عن الأقوال الضعيفة ، المبنية على الضرورات ، أو الشاذ النادر من النصوص واللغات ... مما يتيح للطالب بعد ذلك ، أن ينظر في مسائل النحو من جهة ، وفي الأساليب القرآنية ومعانيها وأوجهها من جهة أخرى ، نظر المتمكن المتثبت .. كل ذلك قبل أن ينتقل إلى حواشي المحققين المبسوطة ، وزحمة أقاويلهم واتجاهاتهم المختلفة.

هذا وإن خير وسيلة للتمكن من النحو وقواعده أثناء التحصيل ، هو القيام بالتمرس العملي ، ومزاولة التطبيق الشخصي على النصوص القرآنية خاصة ، إضافة إلى المختار من النصوص العربية الفصيحة الصحيحة شعرها ونثرها بعد ذلك.

وهذا جانب قامت هذه الطبعة بتوفيره ، إذ ختمت كل بحث من بحوثها بقدر واف من الأسئلة الجزئية المدروسة ، تلتها على الأثر نصوص مختارة مناسبة ، لتكون ميدانا عمليا لتثبيت المعلومات النظرية ، وتطبيقا نافعا لها ...

ثم تكون الثمرة بعد ذلك بعون الله تمكنا من هذا العلم الأصيل ، وفهما أفضل للمعاني القرآنية ، وإدراكا أرفع لأساليب البيان القرآني وإعجازه المتميز.

والله سبحانه من وراء القصد ، إنه تعالى نعم المولى ونعم النصير.

أ. د / محمد علي سلطاني


الاستثناء

حكم المستثنى ب «الا» :

ما استثنت الا مع تمام ينتصب

وبعد نفي أو كنفي انتخب (١)

اتباع ما اتصل ، وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال" وقع (٢)

حكم المستثنى ب «إلا» النصب ، إن وقع بعد تمام الكلام الموجب (٣) ،

__________________

(١) ما : موصول في محل رفع مبتدأ. استثنت : استثنى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة. والتاء للتأنيث. إلا : فاعل استثنت ـ قصد لفظها والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. مع : ظرف متعلق باستثنت. تمام : مضاف إليه مجرور. ينتصب : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ ما. وبعد : الواو استثنافية. بعد : ظرف منصوب بالفتحة متعلق بالتخب. نفى : مضاف إليه مجرور. أو : عاطفة ، كنفي : الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على نفي ، وانكاف مضاف ونفي مضاف إليه.

(٢) انتخب : فعل ماض مبني للمجهول. اتباع : نائب فاعل انتخب مرفوع. ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة. اتصل : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٣) تمام الكلام في الاستثناء أن يكون المستثنى منه مذكورا فيه ، مثل : قام القوم إلا زيدا. فهذا كلام تام ، ويقابله الاستثناء المفرّغ وهو ما لم يذكر فيه المستثنى منه ، وسيأتي الكلام عنه في الشرح ، ومثاله : ما قام إلا سعيد. والكلام الموجب هو المثبت الذي لم يدخل عليه نفي ولا نهي ولا استفهام. فإذا دخل عليه نفي أو شبهه كان غير موجب.


سواء كان متصلّا أم منقطعا (١) ، نحو «قام القوم إلا زيدا وضربت القوم إلا زيدا ، ومررت بالقوم إلا زيدا ، وقام القوم إلا حمارا ، وضربت القوم إلا حمارا ، ومررت بالقوم إلا حمارا» ف «زيدا» في هذه المثل منصوب على الاستثناء ، وكذلك «حمارا».

ناصب المستثنى بإلّا :

والصحيح من مذاهب النحويين أن الناصب له ما قبله بواسطة «إلا» واختار المنصف ـ في غير هذا الكتاب أن الناصب له «إلا» وزعم أنه مذهب سيبويه ، وهذا معنى قوله «ما استثنت إلا مع تمام ينتصب» أي أنه ينتصب الذي استثنته إلا مع تمام الكلام ، إذا كان موجبا.

فإن وقع بعد تمام الكلام الذي ليس بموجب ـ وهو المشتمل على النفي ، أو شبهه ، والمراد بشبه النفي : النهي والاستفهام ـ فإما أن يكون الاستثناء متصلا ، أو منقطعا ، والمراد بالمتصل : أن يكون المستثنى بعضا مما قبله ، وبالمنقطع : ألا يكون بعضا مما قبله.

فإن كان متصلا ، جاز نصبه على الاستثناء ، وجاز إتباعه لما قبله في الإعراب ، وهو المختار ، والمشهور أنه بدل من متبوعه (٢) ، وذلك نحو : «ما قام أحد إلا زيد ، وإلا زيدا (٣) ، ولا يقم أحد إلا زيد وإلا زيدا ، وهل قام أحد إلا زيد؟ وإلا زيدا؟».

__________________

(١) يسمّى المستثنى بإلا وأخواتها متصلا إذا كان بعضا مما قبله ومن جنسه مثل : دخل الطلاب إلا سعيدا. ويسمى منقطعا إذا لم يكن بعضا مما قبله ، مثل : دخل القوم إلا حمارا.

(٢) هو بدل بعض من كل عند البصريين. وهو لا يحتاج لضمير رابط بالمبدل منه لحصول الرابط ب «إلا» لدلالتها على إخراج الثاني من الأول فتفيد أنه كان بعضا منه.

(٣) إلا زيد : إلا : أداة استثناء. زيد : بدل من أحد ، وبدل المرفوع مرفوع. إلا زيدا : إلا أداة استثناء. زيدا. مستثنى بإلا منصوب بالفتحة الظاهرة.


«وما ضربت أحدا إلا زيدا (١). ولا تضرب أحدا إلا زيدا ، وهل ضربت أحدا إلا زيدا؟» فيجوز في «زيدا» أن يكون منصوبا على الاستثناء ، وأن يكون منصوبا على البدلية من «أحد» هذا هو المختار ، وتقول : «ما مررت بأحد إلا زيد ، وإلا زيدا (٢) ، ولا تمرر بأحد إلا زيد وإلا زيدا ، وهل مررت بأحد إلا زيد وإلا زيدا؟» وهذا معنى قوله : «وبعد نفي أو كنفي انتخب إتباع ما اتصل» أي اختير إتباع الاستثناء المتصل إن وقع بعد نفي أو شبه نفي.

وإن كان الاستثناء منقطعا تعيّن النصب عند جمهور العرب ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمارا» ولا يجوز الإتباع ، وأجازه بنو تميم (٣) ؛ فتقول : «ما قام القوم إلا حمار ، وما ضربت القوم إلا حمارا ، وما مررت بالقوم إلا حمار» وهذا هو المراد بقوله «وانصب ما انقطع» أي انصب الاستثناء المنقطع إذا وقع بعد نفي أو شبهه عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباعه (فمعنى البيتين : أن الذي استثني ب «إلا» ينتصب إن كان الكلام موجبا ووقع بعد تمامه. وقد نبّه على هذا التقييد بذكره حكم النفي بعد ذلك ، وإطلاق كلامه يدل على أنه ينتصب ، سواء كان متصلا أو منقطعا.

وإن كان غير موجب ـ وهو الذي فيه نفي أو شبه نفي ـ انتخب ـ أي : اختير ـ إتباع ما اتصل ، ووجب نصب ما انقطع عند غير بني تميم ، وأما بنو تميم فيجيزون إتباع المنقطع.)

__________________

(١) ما ضربت أحدا إلا زيدا. يجوز في إعراب ما بعد إلا وجهان :

(أ) زيدا : بدل من أحدا وبدل المنصوب مثله وهذا الوجه الأول هو المختار.

(ب) زيدا : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة.

(٢) ما مررت بأحد إلا زيد ، وإلا زيدا :

(أ) إلا زيد : إلا أداة استثناء. زيد : بدل من أحد وبدل المجرور مجرور بالكسرة.

(ب) إلا زيدا : إلا أداة استثناء زيدا مستثنى بإلا منصوب بالفتحة.

(٣) أجاز بنو تميم الإتباع في المثال «ما قام القوم إلا حمار» وما بعده على أن يكون ما بعد إلا بدل غلط من القوم.


تقدم المستثنى على المستثنى منه :

وغير نصب سابق في النفي قد

يأتي ولكن نصبه اختر إن ورد (١)

إذا تقدم المستثنى على المستثنى منه فإما أن يكون الكلام موجبا أو غير موجب ، فإن كان موجبا وجب نصب المستثنى نحو : «قام إلا زيدا القوم».

وإن كان غير موجب فالمختار نصبه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيدا القوم» ومنه قوله :

٢٦ ـ فمالي إلا آل أحمد شيعة

ومالي إلا مذهب الحقّ مذهب(٢)

__________________

(١) غير : مبتدأ مرفوع. نصب. مضاف إليه مجرور. سابق : مضاف إليه مجرور. في النفي. جار ومجرور متعلق بيأتي. قد : حرف تقليل. يأتي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا ، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. ولكن : الواو استثنافية. لكن : حرف استدراك. نصبه : مفعول به لاختر مقدم منصوب بالفتحة ، والهاء مضاف إليه. اختر : فعل أمر مبني على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا. إن : حرف شرط جازم. ورد : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط وسكن الروي. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو «أي السابق في النفي» وجواب الشرط محذوف لدلالة الكلام عليه ، أي فاختر نصبه.

(٢) قائله : الكميت يمدح آل البيت. الشّيعة : ـ بكسر الشين ـ الأنصار. المذهب : المقصد والطريقة.

المعنى : ليس لي نصير إلا آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس لي طريقة أنحوها إلا طريقتهم فهي الطريقة المثلى والصراط المستقيم.

الإعراب : ما : نافية مهملة. لي : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لشيعة إلا : أداة استثناء. آل : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة وهو مضاف. أحمد : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة : مبتدأ مؤخر مرفوع. وما : الواو عاطفة. ما : نافية مهملة. لي : جار ومجرور


وقد روي رفعه ؛ فتقول : «ما قام إلا زيد القوم» قال سيبويه : «حدثني يونس أن قوما يوثق بعربيّتهم» يقولون : «مالي إلا أخوك ناصر» وأعربوا الثاني بدلا من الأول (١) على القلب لهذا السبب.

ومنه قوله :

٢٧ ـ فإنّهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلا النبيّون شافع (٢)

__________________

متعلق بمحذوف خبر مقدم لمذهب الثانية. مذهب : مستثنى بإلا منصوب بالفتحة. الحق : مضاف إليه مجرور. مذهب : مبتدأ مؤخر مرفوع.

الشاهد : في قوله : «إلا آل وإلا مذهب» حيث نصب المستثنى المتقدم على المستثنى منه والكلام غير موجب والنصب في مثل هذا هو المختار.

(١) أي بدل كل من كل لأن المؤخر عام أريد به الخصوص فصح إبداله من المستثنى. وقد كان المستثنى قبل تقديمه بدل بعض فقلب المتبوع تابعا. فقولهم : «مالي إلا أخوك ناصر» من الاستثناء المفرغ لم يذكر فيه المستثنى منه. وأخوك : مبتدأ مؤخر مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، والكاف مضاف إليه. ناصر : بدل من أخوك بدل كل من كل ومرفوع مثله. وخبر المبتدأ متعلق الجار والمجرور «لي» التقدير : «ما كائن لي إلا أخوك ناصر».

(٢) قائله : حسان بن ثابت شاعر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الضمير في «منه» يعود إلى النبي عليه الصلاة والسّلام.

المعنى : إن هؤلاء الخلق يرجون الشفاعة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في وقت لا يوجد فيه شافع إلا النبيون عليهم الصلاة والسّلام.

الإعراب : إنهم : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسمها. والميم علامة جمع الذكور. يرجون : مضارع مرفوع للتجرد علامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو في محل رفع فاعل. وجملة «يرجون» في محل رفع خبر إنّ. منه : جار ومجرور متعلق بيرجون. شفاعة مفعول به ليرجون منصوب بالفتحة. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب ظرف زمان ، متعلق بالجواب المحذوف «يرجون». لم : حرف نفي وجزم وقلب ، يكن : فعل مضارع تام


فمعنى البيت : إنه قد ورد في المستثنى السابق غير النصب ـ وهو الرفع ـ وذلك إذا كان الكلام غير موجب نحو : «ما قام إلا زيد القوم» ولكنّ المختار نصبه.

وعلم من تخصيصه ورود غير النصب بالنفي أن الموجب يتعيّن فيه النصب ، نحو «قام إلا زيدا القوم».

الاستثناء المفرغ :

وإن يفرّغ سابق «إلّا» لما

بعد يكن كما لو «الّا» عدما (١)

__________________

مجزوم بلم علامة جزمه السكون. إلّا : أداة حصر. النبيون : فاعل يكن مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. شافع : بدل من «النبيون» بدل كل من كل وهو مرفوع بالضمة. وجملة يكن النبيون : في محل جر بإضافة إذا إليها.

الشاهد : في قوله : «إلا النبيون شافع» حيث رفع المستثنى المتقدم على المستثنى منه والكلام غير موجب وهو قليل والمختار في مثله النصب.

(١) إن : حرف شرط جازم يجزم فعلين. يفرّغ : مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن لأنه فعل الشرط وعلامة جزمه السكون. سابق : نائب فاعل مرفوع. إلا : مفعول به لسابق بقصد لفظها. لما : جار ومجرور ، ما : اسم موصول في محل جر ، والجار والمجرور متعلق بيفرغ بعد : ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق بمحذوف صلة «ما» تقديرها «استقر» واستقرّ مع الفاعل : صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. يكن : مضارع ناقص مجزوم بإن جواب الشرط ، واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره «هو» أي السابق كما : الكاف جارة ما : زائدة. لو. حرف مصدري. إلا : بقصد لفظها ـ نائب فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده. عدما : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى «إلا» وجملة «عدما» مفسرة لا محل لها. ولو وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف. والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر منصوب ليكن.


إذا تفرّغ سابق إلا لما بعدها ـ أي لم يشتغل بما يطلبه ـ كان الاسم الواقع بعد «إلا» معربا بإعراب ما يقتضيه ما قبل «إلا» قبل دخولها ، وذلك نحو «ما قام إلا زيد ، وما ضربت إلا زيدا ، وما مررت إلا بزيد» ف «زيد» فاعل مرفوع بقام. و «زيدا» منصوب بضربت و «زيد» متعلق بمررت ، كما لو لم تذكر «إلا» وهذا هو الاستثناء المفرّغ ، ولا يقع في كلام موجب فلا تقول «ضربت إلا زيدا».

إلغاء «إلا» المتكررة للتوكيد :

وألغ «إلا» ذات توكيد ك «لا

تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» (١)

إذا كررت «إلا» لقصد التوكيد لم تؤثّر فيما دخلت عليه شيئا ، ولم تفد غير توكيد الأولى ، وهذا معنى إلغائها وذلك في البدل والعطف ، نحو : «ما مررت بأحد إلا زيد إلا أخيك» ف «أخيك» بدل من «زيد» ولم تؤثّر فيه «إلا» شيئا ، أي لم تفد استثناء مستقلا ، وكأنك قلت : «ما مررت بأحد إلا زيد أخيك» ومثله : «لا تمرر بهم إلا الفتى إلا العلا» والأصل : «لا تمرر بهم إلا الفتى العلا» ف «العلا» بدل من «الفتى» وكررت إلا توكيدا ومثال العطف «قام القوم إلا زيدا وإلا عمرا» والأصل : «إلا زيدا وعمرا» ثم كررت «إلا» توكيدا.

__________________

(١) لا تمرر بهم .. لا : ناهية. تمرر : مضارع مجزوم بلا علامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت بهم : جار ومجرور متعلق بتمرر ، والهاء المجرورة هي المستثنى منه. إلا : أداة استثناء. الفتى : بدل من الهاء مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر. إلا : توكيد لإلا السابقة. العلا : بدل من الفتى وبدل المجرور مجرور بكسرة مقدرة. ويصح أن نعرب الفتى ، مستثنى بإلا منصوب. ولكن المختار الإتباع كما مرّ.


ومنه قوله :

٢٨ ـ هل الدهر إلا ليلة ونهارها

وإلا طلوع الشمس ثم غيارها (١)

والأصل «وطلوع الشمس» وكررت «إلا» توكيدا.

وقد اجتمع تكرارها في البدل والعطف في قوله :

٢٩ ـ ما لك من شيخك إلا عمله

إلا رسيمه وإلا رمله (٢)

__________________

(١) قائله أبو ذؤيب الهذلي ، غيارها : غروبها مصدر غارت الشمس إذا غربت.

المعنى : «ليست مدة الدنيا كلها إلا عبارة عن ليل ونهار يتعاقبان بطلوع الشمس وغروبها».

الإعراب : هل : حرف استفهام. الدهر : مبتدأ مرفوع بالضمة. إلا : أداة حصر. أو أداة استثناء ملغاة. ليلة : خبر الدهر مرفوع. ونهارها : الواو عاطفة ، نهار معطوف على ليلة ومرفوع مثله. وها : في محل جر مضاف إليه. وإلا : الواو عاطفة. إلا : زائدة للتوكيد. طلوع : معطوف على ليلة ومرفوع بالضمة ، الشمس : مضاف إليه مجرور ثم : عاطفة. غيارها : معطوف على طلوع ومرفوع. وها : مضاف إليه.

الشاهد : في قوله «وإلا طلوع» حيث تكررت إلا في المعطوف وهي ملغاة لم تفد إلا توكيد الأولى.

(٢) قائله غير معروف. الشيخ : الرجل المسنّ. الرسيم : السعي بين الصفا والمروة. الرمل : السعي في الطواف.

المعنى : «إننى منقطع في شيخوختى للعمل الصالح ما بين سعي وطواف بالبيت الحرام ، فلا أعنى بغيره».

الإعراب : ما نافية مهملة. لك : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. من شيخك : جار ومجرور والكاف مضاف إليه ، والجار متعلق بالخبر المحذوف. إلا : أداة حصر عمله : مبتدأ مؤخر مرفوع. والهاء مضاف إليه إلا : زائدة لتوكيد الأولى. رسيمه : بدل من عمله بدل بعض من كل مرفوع بالضمة والهاء مضاف إليه.


والأصل : «إلا عمله رسيمه ورمله» ف «رسيمه» بدل من «عمله» و «رمله» معطوف على «رسيمه» وكررت إلا فيهما توكيدا.

تكرار «إلا» لغير التوكيد :

وإن تكرّر لا لتوكيد فمع

تفريغ التأثير بالعامل دع (١)

في واحد مما بإلا استثني

وليس عن نصب سواه مغني (٢)

إذا كرّرت «إلا» لغير التوكيد ـ وهي : التي يقصد بها ما يقصد بما قبلها من الاستثناء ، ولو أسقطت لما فهم ذلك ـ فلا يخلو : إما أن يكون الاستثناء مفرغا أو غير مفرّغ.

__________________

وإلا : الواو عاطفة ، إلا : زائدة للتوكيد. رمله : معطوف على رسيم ومرفوع ، والهاء مضاف إليه.

الشاهد : في قوله : «إلا رسيمه وإلا رمله» حيث تكررت إلا في البدل والعطف وهي ملغاة ولم تفد إلا التوكيد.

(١) إن : حرف شرط جازم : تكرر : مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن لأنه فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى «إلا» لا : حرف عطف. لتوكيد : جار ومجرور معطوف على محذوف التقدير : إن تكرر لتأسيس لا لتوكيد. فمع : الفاء واقعة في جواب الشرط. مع : ظرف منصوب متعلق بدع ، وسكن للروي. تفريغ : مضاف إليه مجرور. التأثير : مفعول به مقدم لدع. بالعامل : جار ومجرور متعلق بالتأثير. دع : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، وجملة دع في محل جزم جواب الشرط إن.

(٢) ليس : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره «هو» يعود إلى واحد. عن نصب : جار ومجرور متعلق ب «مغني» سواه : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف ، والهاء مضاف إليه. مغني : خبر ليس منصوب بالفتحة وحقه أن يكون «مغنيا» ولكن الناظم حذف الألف ووقف بالسكون على الياء ضرورة.


فإن كان مفرغا شغلت العامل بواحد ونصبت الباقي ؛ فتقول : «ما قام إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» ولا يتعيّن واحد منها لشغل العامل ، بل أيّها شئت شغلت العامل به ، ونصبت الباقي ، وهذا معنى قوله «فمع تفريغ ـ إلى آخره» أي مع الاستثناء المفرّغ اجعل تأثير العامل في واحد مما استثنيته بإلا ، ونصب الباقي.

وإن كان الاستثناء غير مفرّغ ـ وهذا هو المراد بقوله :

ودون تفريغ : مع التقدّم

نصب الجميع احكم به والتزم

وانصب لتأخير ، وجىء بواحد

منها كما لو كان دون زائد (١)

كلم يفوا إلا امرؤ إلا علي

وحكمها في القصد حكم الأول (٢)

فلا يخلو : إما أن تتقدّم المستثنيات على المستثنى منه ، أو تتأخر.

فإن تقدمت المستثنيات وجب نصب الجميع ، سواء كان الكلام موجبا أو غير موجب ، نحو «قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم ، وما قام إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا القوم» وهذا معنى قوله : «ودون تفريغ ـ البيت» وإن تأخرت فلا يخلو : إما أن يكون الكلام موجبا ، أو غير موجب :

__________________

(١) كما : الكاف جارة. ما : الزائدة. لو : حرف مصدري. كان. فعل ماض تامّ مبني على الفتح. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى واحد في الشطر الأول. دون : ظرف منصوب متعلق بكان ـ لأنها تامة بمعنى وجد ـ زائد : مضاف إليه مجرور ولو المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف ، والجار والمجرور متعلق بجىء. التقدير : جىء بواحد منها كوجوده منفردا.

(٢) لم يفوا : لم حرف نفي وجزم وقلب. يفوا مضارع مجزوم بلم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو فاعل. إلا : أداة استثناء امرؤ : بدل من واو الجماعة وبدل المرفوع مرفوع. إلا : أداة استثناء. على : مستثنى بإلا منصوب ـ حقه أن يكون بالألف «عليا» ولكن الناظم وقف عليه بالسكون.


فإن كان موجبا وجب نصب الجميع ؛ فتقول : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا».

وإن كان غير موجب عومل واحد منها بما كان يعامل به لو لم يتكرر الاستثناء ، فيبدل مما قبله ـ وهو المختار ـ (١) أو ينصب ـ وهو قليل ـ كما تقدم ، وأما باقيها فيجب نصبه ، وذلك نحو : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» ف «زيد» بدل من «أحد» وإن شئت أبدلت غيره من الباقين ، ومثله قول المصنف : «لم يفوا إلا امرؤ إلا علي» (٢) ف «امرؤ» بدل من الواو في «يفوا» وهذا معنى قوله «وانصب لتأخير ـ إلى آخره» أي : وانصب المستثنيات كلّها إذا تأخرت عن المستثنى منه إن كان الكلام موجبا ، وإن كان غير موجب فجىء بواحد منها معربا بما كان يعرب به لو لم يتكرر المستثنى ، وانصب الباقي.

ومعنى قوله : «وحكمها في القصد حكم الأول» أن ما يتكرر من المستثنيات حكمه في المعنى حكم المستثنى الأول : فيثبت له ما يثبت للأول : من الدخول والخروج (٣) ؛ ففي قولك : «قام القوم إلا زيدا إلا عمرا إلا بكرا». الجميع مخرجون ، وفي قولك : «ما قام القوم إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا». الجميع داخلون ، وكذا في قولك : «ما قام أحد إلا زيد إلا عمرا إلا بكرا» الجميع داخلون.

__________________

(١) الإبدال مختار في الاستثناء المتصل كمثال الشارح التالي ، أما في الاستثناء المنقطع فيجب نصب الجميع على الفصحى نحو : ما قام أحد إلا حمارا إلا جملا إلا فرسا.

(٢) «علي» منصوبة وجوبا ، نقلها الشارح من كلام المؤلف على الحكاية ، وقد أشرت إلى إعرابها في الصفحة السابقة عند إعراب كلام المؤلف.

(٣) يثبت لها الدخول إن كان الكلام منفيا ، والخروج إن كان الكلام موجبا ، لأن الاستثناء من النفي إثبات ، وعكسه ـ أي الاستثناء من الإثبات نفي.


أسئلة ومناقشات

١ ـ وضّح معنى الاستثناء التامّ الموجب ، والتام غير الموجب ، والناقص ، مع التمثيل لكل ما تذكر.

٢ ـ ما معنى الاستثناء المفرغ؟ والمتصل؟ والمنقطع؟ اشرح ذلك مع التمثيل.

٣ ـ متى يجب نصب المستثنى (بإلا)؟ وما الناصب له؟ مثل لما تقول.

٤ ـ ما حكم المستثنى (بإلا) بعد كلام تام غير موجب؟. وما ذا يقصد بغير الإيجاب؟ وهل يختلف الاستثناء المتصل عن المنقطع في هذا؟

وضح ذلك مع التمثيل.

٥ ـ اذكر حكم الاستثناء المفرغ مستوفيا أنواعه مع التمثيل.

٦ ـ متى يجب نصب المستثنى (بإلا) المتقدم على المستثنى منه؟ ومتى يكون نصبه مختارا؟ وما ذا تصنع في تخريج «مالي إلا أخوك ناصر» بالرفع؟ وضح ذلك مع أمثلة من عندك.

٧ ـ قال النحاة : «تتكرر إلا لتوكيد أو لغيره».

اشرح ما المقصود بالتأكيد؟ وبغير التأكيد؟ وما مواقعها في الأول؟ وفي الثاني؟ وما حكم الأسماء الواقعة بعد إلّا هنا في الحالتين سواء عند تأخر المستثنيات عن (إلا) أو تقدمها عليها ...

وضح ذلك مع التمثيل ..


تمرينات

١ ـ (أ) وضح موضع الاستشهاد بما يأتي موجها ما تقول إذا كان هناك أكثر من وجه : ـ

«وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ (١) ـ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ (٢) ـ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٣) ـ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (٤)».

(ب) عيّن في النصوص القرآنية السابقة المستثنى والمستثنى منه ونوع الاستثناء.

(ج) أعرب ما بعد (إلا) في كل شاهد.

٢ ـ قال الكميت : ـ

فما لي إلا آل أحمد شيعة

وما لي إلا مذهب الحقّ مذهب

(أ) ما نوع الاستثناء في البيت؟ وأين المستثنى؟ والمستثنى منه؟

(ب) اضبط ما بعد (إلا) بما يجوز أن يضبط به ثم رجح ما تراه.

٣ ـ قال الشاعر :

فإنهم يرجون منه شفاعة

إذا لم يكن إلا النبيون شافع

__________________

(١) آية ٨١ سورة هود.

(٢) آية ١٥٧ سورة النساء.

(٣) آية ٦٧ سورة الزخرف.

(٤) آية ٣٢ سورة التوبة.


عيّن المستثنى والمستثنى منه في البيت السابق ـ واذكر كيف تعرب ما بعد (إلا)؟

٤ ـ مثل في جمل من عندك لما يلي : ـ

استثناء مفرغ ، مستثنى (بإلا) مترجح النصب ـ مستثنى (بإلا) يترجح فيه الإبدال ـ (إلّا) مكرره للتوكيد مع إعراب ما بعدها ـ استثناء منقطع مسبوق بنفي ...

٥ ـ كيف تعرب ما بعد (إلا) في المثالين الآتيين؟ ولماذا؟

ما وثقت في رجال إلا علىّ إلا أخيك.

ما وثقت في رجال إلا زيد إلا عمرو إلا خالد.

٦ ـ ضع كل كلمة من الكلمات الآتية بعد (إلا) بحيث تكون منصوبة مرة ، ومجرورة مرة ، ومرفوعة مرة ، ووجه ذلك.

(زهرة ـ غصن ـ حمامة ـ عصفور).


المستثنى ب «غير» و «سوى»

واستثن مجرورا بغير معربا

بما لمستثنى بإلا نسبا (١)

استعمل بمعنى «إلا» في الدلالة على الاستثناء ألفاظ : منها ما هو اسم ، وهو : «غير وسوى وسوى وسواء» ومنها ما هو فعل ، وهو «ليس ولا يكون» ومنها ما يكون فعلا وحرفا وهو «عدا ، وخلا ، وحاشا» وقد ذكرها المصنف كلّها.

فأما «غير ، وسوى ، وسوى ، وسواء» فحكم المستثنى بها الجر لإضافتها إليه ، وتعرب «غير» بما كان يعرب به المستثنى مع «إلا» (٢) ؛ فتقول : «قام القوم غير زيد» بنصب «غير» ، كما تقول «قام القوم إلا زيدا» بنصب «زيد» وتقول : «ما قام أحد غير زيد ، وغير زيد»

__________________

(١) استثن : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مجرورا : مفعول به لاستثن منصوب بالفتحة. بغير : جار ومجرور تنازعه كل من استثن ومجرورا ، متعلق بمجرورا. معربا : حال من غير بقصد لفظه منصوب بالفتحة. بما : جار ومجرور ، ما اسم موصول في محل جر ، والجار والمجرور متعلق بمعربا ، لمستثنى : اللام جارة ، مستثنى مجرور باللام بكسرة مقدرة والجار والمجرور متعلق بنسب. بإلا : الباء جارة. إلا مجرورة بقصد اللفظ ، والجار والمجرور متعلق بمستثنى ، نسب : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ـ يعود إلى الموصول ـ وجملة نسب لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) «غير» في الأصل صفة تفيد مغايرة مجرورها لموصوفها ، وأما «إلا» فأصلها مغايرة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا ـ فلما اتفقا ـ أي غير وإلا ـ في مطلق المغايرة حملت «غير» على «إلا» في الاستثناء بها في المغايرة نفيا وإثباتا ، فاستحق الاسم بعدها إعراب المستثنى ولكنه مشغول بجرّ الإضافة. فحمل حقّه من الإعراب على «غير» بطريق العارية.


بالاتباع والنصب ، والمختار الإتباع ، كما تقول : «ما قام أحد إلا زيد وإلا زيدا» وتقول : «ما قام غير زيد» فترفع «غير» وجوبا كما تقول : «ما قام إلا زيد» برفعه وجوبا ، وتقول : «ما قام أحد غير حمار» بنصب «غير» عند غير بني تميم ، وبالإتباع عند بني تميم ، كما تفعل في قولك : «ما قام أحد إلا حمارا ، وإلا حمار».

وأما «سوى» فالمشهور فيها كسر السين والقصر ، ومن العرب من يفتح سينها ويمدّ ، ومنهم من يضمّ سينها ويقصر ، ومنهم من يكسر سينها ويمدّ ، وهذه اللغة لم يذكرها المصنف ، وقلّ من ذكرها ، وممن ذكرها الفاسيّ (١) في شرحه للشاطبيه. ومذهب سيبويه والفراء وغيرهما أنها لا تكون إلا ظرفا (٢) فإذا قلت : «قام القوم سوى زيد» ف «سوى» عندهم منصوبة على الظرفية ، وهي مشعرة بالاستثناء ، ولا تخرج عندهم عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر.

واختار المصنف أنها ك «غير» فتعامل بما تعامل به «غير» من الرفع والنصب والجر ، وإلى هذا أشار بقوله :

ولسوى سوى سواء اجعلا

على الأصحّ ما لغير جعلا (٣)

__________________

(١) الفاسيّ : نسبة إلى «فاس» مدينة بالمغرب.

(٢) أي ظرف مكاني ملازم للنصب على الظرفية بدليل أنه يوصل بها الموصول مثل «جاء الذي سواك» ومعناه في الأصل : جاء الذي استقرّ في مكانك عوضا عنك. ولكن رأى المصنف في اعتبارها كغير أسهل وأقرب وهو مؤيد بالشواهد وحديثى الرسول.

(٣) لسوى : جار ومجرور متعلق باجعل. سوى ، سواء : معطوفان على سوى المجرورة بعاطف مقدر ومجروران. اجعلا : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا. وفاعله : ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

على الأصح : جار ومجرور متعلق باجعل. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول اجعل. لغير : جار ومجرور متعلق بجعلا. جعلا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول والجملة صلة الموصول لا محل لها.


فمن استعمالها مجرورة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دعوت ربي ألّا يسلّط على أمّتي عدوّا من سوى أنفسها» وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشّعرة البيضاء في الثور الأسود ، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض» وقول الشاعر :

٣٠ ـ ولا ينطق الفحشاء من كان منهم

إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا (١)

ومن استعمالها مرفوعة قوله :

__________________

(١) قائله : المرار بن سلامة العقيلي. الفحشاء : القول القبيح السيء.

المعنى : أنّ هؤلاء الناس يلتزمون العفة في القول فلا ينطقون بفاحش قبيح سواء جلسوا معنا أو مع غيرنا.

الإعراب : لا : نافية. ينطق. مضارع مرفوع بالضمة. الفحشاء : مفعول به لينطق أو منصوب بنزع الخافض ـ أي لا ينطق بالفحشاء ـ من : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل ينطق. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر فيه جوزا تقديره هو يعود إلى الموصول. منهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر كان والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف تقديره فلا ينطقون الفحشاء. جلسوا : جلس فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو فاعل ، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. منا : جار ومجرور متعلق بجلسوا. ولا : الواو عاطفة. لا زائدة لتوكيد النفي السابق. من سوائنا : جار ومجرور متعلق بجلسوا ونا في محل جر مضاف إليه. وجواب إذا محذوف تقديره «لا ينطق الفحشاء».

الشاهد : في قوله : «ولا من سوائنا» حيث خرجت فيه سوى عن الظرفية واستعملت مجرورة.


٣١ ـ وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها وأنت المشتري (١)

وقوله :

٣٢ ـ ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا (٢)

ف «سواك» مرفوع بالابتداء ، و «سوى العدوان» مرفوع بالفاعلية.

__________________

(١) قائله : محمد بن عبد الله المدني يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب. كريمة : خصلة كريمة. والمراد بالبيع : الترك والزهد. وبالشراء : الرغبة في الكريمة والجد في تحصيلها.

المعنى : «إذا تركت الفضائل والخلال الحميدة من بعض الناس ، وإذا رغب فيها وسعى إليها آخرون ، فغيرك يترك وأنت الساعي لكسب المناقب والخلال الطيبة الجليلة».

الإعراب : إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب على الظرفية متعلق ب «بائعها». تباع : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. كريمة : نائب فاعل مرفوع بتباع بالضمة الظاهرة. أو : عاطفة. تشترى : مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي يعود إلى كريمة. وجملة تباع في محل جر مضاف إليه ، وجملة تشتري في محل جر عطفا على جملة تباع. فسواك : الفاء واقعة في جواب إذا. سوى : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر والكاف مضاف إليه. بائعها : خبر سوى مرفوع بالضمة. وها مضاف إليه. والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وأنت : الواو عاطفة. أنت : مبتدأ في محل رفع. المشترى : خبره مرفوع بضمة مقدرة. والجملة معطوفة على الجملة السابقة فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : في قوله : «فسواك» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت مرفوعة بالابتداء.

(٢) قائله الفند الزماني ـ واسمه شهل بن شيبان بن ربيعه ـ من شعراء الجاهلية.

وقبله قوله :

فلمّا صرّح الشرّ

فأمسى وهو عريان

دناهم كما دانوا : جزيناهم كجزائهم.

المعنى : «فلما انكشف الشر ولم يبق بيننا وبينهم غير الظلم انتقمنا منهم وفعلنا بهم مثل فعلهم بنا».


ومن استعمالها منصوبة على غير الظرفية قوله :

٣٣ ـ لديك كفيل بالمنى لمؤمّل

وإن سواك من يؤمّله يشقى (١)

__________________

الإعراب : لم : حرف نفي وجزم وقلب. يبق مضارع مجزوم بلم علامة جزمه حذف الألف. سوى : فاعل يبقى مرفوع بضمة مقدرة. العدوان : مضاف إليه مجرور. دناهم : دان فعل ماض مبني على السكون ، ونا : فاعل. والهاء مفعول به ، والميم لجمع الذكور كما : الكاف جارة. ما : حرف مصدري. دانوا : دان فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل ـ وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بدناهم. التقدير «دناهم كدينهم لنا» وجملة : دناهم : لا محل لها من الإعراب جواب لما في البيت السابق ، وجملة «لم يبق» معطوفة على جملة «صرح الشرّ» في البيت السابق فهي مجرورة مثلها لأن الأولى مجرورة بالإضافة إلى «لما».

الشاهد : في قوله : «سوى العدوان» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت مرفوعة على الفاعلية.

(١) قائله : غير معروف. كفيل : ضامن. المنى : جمع منية ـ كمدى ومدية ـ : ما يتمنى ويطلب حصوله. مؤمّل : اسم فاعل من التأميل وهو رجاء الخير.

المعنى : لديك أيها الممدوح من مكارم الأخلاق ما يضمن لمؤمّلي نداك ما رجوه وتمنوه بخلاف غيرك فإن راجيه يخيب.

الإعراب : لدى : ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة متعلق بمحذوف خبر مقدم. والكاف مضاف إليه. كفيل : مبتدأ مؤخر مرفوع. بالمنى : جار ومجرور متعلق بكفيل. لمؤمل : جار ومجرور متعلق بكفيل. وإن : الواو عاطفة : إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. سواك : سوى : اسم إن منصوب بفتحة مقدرة. والكاف مضاف إليه. من : اسم موصول في محل رفع مبتدأ. يؤمله : مضارع مرفوع. وفاعله ضمير مستتر يعود إلى الموصول. والهاء مفعوله. والجملة صلة الموصول. يشقى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة. وفاعله ضمير مستتر. وجملة يشقى في محل رفع خبر المبتدأ «من» وجملة «من يؤمله يشقى» في محل رفع خبر «إن».

الشاهد في قوله : «وإن سواك» حيث خرجت سوى عن الظرفية واستعملت منصوبة اسما لإنّ.


ف «سواك» اسم «إن» ، هذا تقرير كلام المصنف.

(ومذهب سيبويه والجمهور أنها لا تخرج عن الظرفية إلا في ضرورة الشعر ، وما استشهد به على خلاف ذلك يحتمل التأويل).

المستثنى بليس ولا يكون وبخلا وعدا :

واستثن ناصبا بليس وخلا

وبعدا وبيكون بعد «لا» (١)

أي استثن ب «ليس» وما بعدها (٢) ناصبا المستثنى ؛ فتقول : «قام القوم ليس زيدا ، وخلا زيدا وعدا زيدا ، ولا يكون زيدا» ف «زيدا» في قولك : «ليس زيدا ، ولا يكون زيدا» منصوب على أنّه خبر «ليس ولا يكون» واسمهما ضمير مستتر ، والمشهور أنه عائد على البعض المفهوم من القوم ، والتقدير : «ليس بعضهم زيدا ، ولا يكون بعضهم زيدا» وهو مستتر وجوبا (٣) وفي قولك : «خلا زيدا وعدا زيدا» منصوب

__________________

(١) استثن : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، ناصبا : حال من فاعل استثن منصوب بالفتحة ، بليس : جار ومجرور ـ بقصد اللفظ ـ تنازعه العاملان استثن ، وناصبا ، متعلق باستثن أو بناصبا ، وخلا : الواو عاطفة ـ خلا ـ بقصد لفظها ـ معطوفة على ليس ومجرورة. وبعدا : الواو عاطفة ، بعدا : جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بناصبا وبيكون : الواو عاطفة. بيكون : جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بناصبا. بعد : ظرف منصوب متعلق بمحذوف حال من يكون تقديره «واقعا بعد لا» لا : بقصد اللفظ مضاف إليه.

(٢) الاستثناء بهذه الأفعال الخمسة لا يكون إلا مع التمام والاتصال.

(٣) لأن هذه الأفعال محمولة على «إلّا» في تلوّ المستثنى لها ليكون ما بعدها في صورة المستثنى ، وظهور الفاعل يفصل بينهما فيفوّت الحمل.

(أي جامدان لوقوعهما موقع «إلا» ونصب الاسم بعدهما على أنه مفعول به لأنهما متعديان بمعنى «جاوز». أما «عدا» فهو متعدّ قبل الاستثناء مثل : عدا فلان طوره «أي جاوزه» وأما «خلا» فأصله لازم ، نحو : «خلا المنزل من أهله» وقد يتضمن معنى «جاوز» فيتعدى بنفسه ، والتزم في الاستثناء لينصب ما بعدها كالذي بعد إلا. ويؤيد هذا أنّ كل من خلا عن شيء فقد جاوزه.


على المفعولية ، و «خلا وعدا» فعلان فاعلهما ـ في المشهور ـ ضمير عائد على البعض المفهوم من القوم كما تقدّم ، وهو مستتر وجوبا ، والتقدير : خلا بعضهم زيدا ، وعدا بعضهم زيدا.

ونبّه بقوله : «وبيكون بعد لا» ـ وهو قيد في «يكون» فقط ـ على أنه لا يستعمل في الاستثناء من لفظ الكون غير «يكون» وأنها لا تستعمل فيه إلا بعد «لا» فلا تستعمل فيه بعد غيرها من أدوات النفي نحو : لم ، وإن ، ولن ، ولمّا ، وما.

واجرر بسابقي يكون إن ترد

وبعد «ما» انصب وانجرار قد يرد (١)

أي ؛ إذا لم تتقدّم «ما» على «خلا وعدا» فاجرر بهما إن شئت ؛ فتقول : «قام القوم خلا زيد ، وعدا زيد» فخلا ، وعدا : حرفا جرّ.

(ولم يحفظ سيبويه الجرّ بهما ، وإنما حكاه الأخفش) فمن الجر ب «خلا» قوله :

__________________

(١) اجرر : فعل أمر مبني على السكون. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت بسابقي : الباء جارة. سابقي مجرور بالباء وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذفت نونه للإضافة ، سابقي مضاف و «يكون» مضاف إليه بقصد اللفظ. إن : حرف شرط جازم. ترد : مضارع مجزوم فعل الشرط وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق أي «فاجرر بسابقي يكون». وبعد : الواو استثنائية. بعد : ظرف منصوب متعلق بانصب. ما : مضاف إليه بقصد اللفظ انصب : فعل أمر وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت. وانجرار : الواو استثنافية. انجرار : مبتدأ مرفوع. قد يرد : قد حرف تقليل. يرد : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «قد يرد» في محل رفع خبر المبتدأ «انجرار».


٣٤ ـ خلا الله لا أرجو سواك ، وإنّما

أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (١)

ومن الجر ب «عدا» قوله :

٣٥ ـ تركنا في الحضيض بنات عوج

عواكف قد خضعن إلى النّسور

__________________

(١) قائله : غير معروف. أعدّ : أحسب. العيال : أهل البيت مفرده «عيل» الشعبة : الطائفة والجزء.

المعنى : لا أرجو بعد الله غيرك ، وأثق ببرّك ورعايتك لي كما ترعى أهلك وذويك فأنا أعتبر أهلي بعض عيالك.

الإعراب : خلا : حرف جر. الله : لفظ الجلالة مجرور بخلا. والجار والمجرور متعلق بأرجو. لا : نافية. أرجو مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» سواك : سوى مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة وهو مضاف والكاف مضاف إليه. وإنما : الواو استثنافية. إنما : كافة ومكفوفة لا عمل لها إلّا الحصر. أعد : مضارع مرفوع بضمة ظاهرة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. عيالي : مفعول به أول لأعد منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة وهي الحركة المناسبة لياء المتكلم. وياء المتكلم في محل جر مضاف إليه. شعبة : مفعول ثان لأعد منصوب من عيالكا : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لشعبة ، وعيال مضاف وكاف المخاطب في محل جر مضاف إليه والألف للإطلاق.

الشاهد في قوله «خلا الله» حيث جاءت خلا حرف جر. وفي البيت شاهد ثان من باب الاستثناء هو خروج سوى عن الظرفية ومجيئها منصوبة مفعولا به لأرجو.


أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشّمطاء والطفل الصغير (١)

فإن تقدمت عليهما «ما» وجب النصب بهما ، فتقول : «قام القوم

__________________

(١) قائل البيتين غير معروف. الحضيض : القرار : من الأرض عند منقطع الجبل. بنات عوج : أي بنات خيل عوج جمع عوجاء أو أعوج سميت بذلك لأنها من نسل فرس شهير عند العرب يقال له «أعوج» كان لكندة أحد أحياء اليمن ، ولم يكن عند العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلا منه وينسب إليه ما كان من نسله فيقال : خيل أعوجيات وبنات أعوج. عواكف : جمع عاكفة من العكوف وهو الملازمة والمواظبة. الحيّ : القبيلة من العرب. الشمطاء : العجوز اختلط في شعر رأسها السواد بالبياض.

المعنى : تركنا خيول هؤلاء القوم في الأرض المنخفضة عند منقطع الجبل لا تبرح عنها ذليلة للنسور تمزقها وتأكل من لحومها وذلك لأننا أبطلنا منعتها بقتل فرسانها فقد أبحنا القتل والأسر في قبيلتهم ولم نبق منها أحدا إلا العجائز والأطفال الصغار.

الإعراب : تركنا : فعل وفاعل ، ترك فعل ماض مبني على السكون ، ونا فاعله. في الحضيض جار ومجرور متعلق بتركنا. بنات : مفعول به لتركنا منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم وهو مضاف. عوج : مضاف إليه مجرور. عواكف : حال من بنات عوج لتخصصه بالإضافة منصوب بالفتحة. قد : حرف تحقيق. خضعن : فعل وفاعل. خضع فعل ماض مبني على السكون ونون النسوة فاعله والجملة في محل نصب حال ثانية من بنات عوج إلى النسور : جار ومجرور متعلق بخضعن. أبحنا : فعل وفاعل ، أباح فعل ماض مبني على السكون ونا فاعله. حيهم : مفعول به منصوب بالفتحة ، والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. قتلا : تمييز ـ محول عن المفعول ـ منصوب. وأسرا : الواو عاطفة ، أسرا معطوف على قتلا ومنصوب مثله. عدا الشمطاء : عدا حرف جر. الشمطاء مجرور بعدا والجار والمجرور متعلق بأبحنا. والطفل : الواو عاطفة ، الطفل معطوف على الشمطاء ومجرور مثله. الصغير : صفة للطفل مجرور مثله.

الشاهد في قوله : «عدا الشمطاء» حيث جاءت عدا حرف جر.


ما خلا زيدا ، وما عدا زيدا» ف «ما» مصدرية ، و «خلا وعدا» صلتها (١) وفاعلها ضمير مستتر يعود على البعض كما تقدم تقريره ، و «زيدا» مفعول وهذا معنى قوله : «وبعد ما انصب» هذا هو المشهور.

وأجاز الكسائي الجرّ بهما بعد «ما» على جعل «ما» زائدة وجعل «خلا وعدا» حرفي جر : فتقول : «قام القوم ما خلا زيد ، وما عدا زيد» وهذا معنى قوله : «وانجرار قد يرد» ، وقد حكى الجرميّ في الشرح الجرّ بعد «ما» عن بعض العرب.

وحيث جرّا فهما حرفان

كما هما إن نصبا فعلان (٢)

أي إن جررت ب «خلا ، وعدا» فهما حرفا جرّ ، وإن نصبت بهما فهما فعلان ، وهذا مما لا خلاف فيه.

__________________

(١) موضع ما وصلتها النصب باتفاق النحاة ولكن اختلف في إعرابه على أقوال ثلاثة :

(أ) قيل : هو منصوب على الظرفية ، وما ظرفية نابت هي وصلتها عن الوقت ، التقدير قاموا وقت مجاوزتهم زيدا ، لأنه كثيرا ما يحذف الزمان وينوب عنه المصدر.

(ب) قال ابن خروف : هو منصوب على الاستثناء ، كما ينتصب «غير» في قولك : «قاموا غير زيد».

(ج) قال السيرافي : هو منصوب على الحال وفيها معنى الاستثناء أي : قاموا مجاوزتهم زيدا ـ أي مجاوزين له.

(٢) حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق ب «حرفان» جرا : فعل وفاعل ، جر فعل ماض مبني على الفتح والألف فاعله وجملة : جرا في محل جر بإضافة حيث إليها. فهما : الفاء زائدة. هما : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. حرفان : خبر مرفوع بالألف لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.


المستثنى بحاشا :

وكخلا حاشا ولا تصحب «ما»

وقيل : «حاش ، وحشا» فاحفظهما (١)

المشهور أن «حاشا» لا تكون إلا حرف جرّ ، فتقول : «قام القوم حاشا زيد» بجر «زيد» وذهب الأخفش والجرمي والمازنيّ والمبرد وجماعة ـ منهم المصنف ـ إلى أنها مثل «خلا» تستعمل فعلا فتنصب ما بعدها وحرفا فتجر ما بعدها ، فتقول : «قام القوم حاشا زيدا ، وحاشا زيد» وحكى جماعة ـ منهم الفراء ، وأبو زيد الأنصاري ، والشيباني ، النصب بها ، ومنه «اللهمّ اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الإصبع».

وقوله :

٣٦ ـ حاشا قريشا فإن الله فضّلهم

على البريّة بالإسلام والدين (٢)

__________________

(١) كخلا : جار ومجرور ـ بقصد اللفظ ـ متعلق بمحذوف خبر مقدم. حاشا : مبتدأ مؤخر ـ قصد لفظه ـ ولا : الواو حالية. لا : نافية. تصحب : مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى حاشا. ما : مفعول به قصد لفظه. وجملة : لا تصحب في محل نصب حال من حاشا.

(٢) قائله : الفرزدق. البريّة : الخلق ـ وهي فعيلة بمعنى مفعوله ، أي مخلوقة ، لأنها من البرء وهو الخلق.

المعنى : استثنى قريشا لأن الله تعالى فضل هذه القبيلة على سائر المخلوقات بدين الإسلام.

الإعراب : حاشا : فعل ماض دال على الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا يعود على البعض المفهوم من الكل الذي هو المستثنى منه. قريشا : مفعول به لحاشا منصوب بالفتحة. فإن : الفاء تفيد التعليل. إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. الله : اسم إن منصوب فضلهم : فضل فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى لفظ الجلالة. والهاء مفعوله والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فضلهم» في محل رفع خبر إنّ. على البرية ، بالإسلام : جاران ومجروران متعلقان بفضلهم. والدين : الواو عاطفة. الدين معطوف على الإسلام ومجرور مثله.

الشاهد : في قوله : «حاشا قريشا» حيث استعملت حاشا فعلا مثل خلا وعدا ونصبت ما بعدها.


وقول المصنف : «ولا تصحب ما» معناه أن «حاشا» مثل «خلا» في أنها تنصب ما بعدها أو تجرّه ، ولكن لا تقدم عليها «ما» كما تتقدم على «خلا» فلا تقول : «قام القوم ما حاشا زيدا» ، وهذا الذي ذكره هو الكثير ، وقد صحبتها «ما» قليلا ، ففي مسند أبي أميه الطرسوسي عن ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أسامة أحبّ الناس إليّ ما حاشا فاطمة» (١).

وقوله :

٣٧ ـ رأيت الناس ما حاشا قريشا

فإنّا نحن أفضلهم فعالا (٢)

__________________

(١) هذا الاستدلال بالحديث على أن «ما» مصدرية ، وحاشا : استثنائية جامدة غير معيّن ، لاحتمال أن تكون ما نافية ، وحاشا فعل ماض متصرف متعد من قولك : حاشيته أحاشيه إذا استثنيته ، على حد قول الشاعر الجاهلى :

ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه

ولا أحاشي من الأقوام من أحد

ويحتمل أن تكون «ما حاشا فاطمة» من كلام الراوي ، أي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أسامة أحب الناس إلي» ولم يستثن فاطمة بدليل ما في معجم الطبراني : «ما حاشا فاطمة ولا غيرها».

(٢) قائله : الأخطل. الفعال : بفتح الفاء ـ الكرم والفعل الحسن.

المعنى : رأيت الناس إلا قريشا دوننا في المنزلة لأننا أفضل منهم من حيث السخاء والكرم.

الإعراب : رأيت : فعل وفاعل. رأى فعل ماض مبنى على السكون. والتاء فاعل. الناس : مفعول أول لرأى القلبية بمعنى «علمت» والمفعول الثاني محذوف يفهم من المقام أي : دوننا ، أو أنقص منا. ما حاشا : ما زائدة أو مصدرية. حاشا : فعل ماض من أفعال الاستثناء ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا يعود على البعض المفهوم من الكل الذي هو المستثنى منه. قريشا : مفعول به لحاشا منصوب ، فإنا : الفاء تعليلية إنا : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر نا : اسمها : نحن : ضمير منفصل توكيد لفظي للضمير المتصل «نا» أفضلهم : خبر إن مرفوع بالضمة. والهاء مضاف إليه ، والميم علامة جمع الذكور. فعالا : تمييز منصوب. وعلى اعتبار «ما» مصدرية في «ما حاشا» تكون ما وما بعدها في تأويل مصدر منصوب


ويقال في «حاشا» : «حاش ، وحشا».

__________________

على الحال وفيها معنى الاستثناء ، أي رأيت الناس مجاوزين قريشا ، أو مستثنين قريشا. وعلى اعتبار «ما» زائدة تكون جملة «حاشا قريشا» مستأنفة لا محل لها ، أو في محل نصب على الحال مؤولة باسم الفاعل. أي حال كونهم مجاوزين قريشا.

الشاهد : في قوله : «ما حاشا قريشا» حيث دخلت ما على حاشا وهو قليل.


أسئلة ومناقشات

١ ـ اذكر بالتفصيل حكم المستثنى (بغير) ـ ثم بين مواقعها الإعرابية المختلفة ممثلا لكل ما تقول.

٢ ـ كيف تعرب كلمة «سوى» الاستثنائية؟ وما حكم المستثنى بها؟ اذكر أمثلة وشواهد على ما تقول.

٣ ـ يقع الاستثناء «بليس ولا يكون» ما إعراب المستثنى بهما؟ وإلام يعود الضمير المستتر فيهما؟ وضح ذلك في مثال تذكره.

٤ ـ ما حكم المستثنى «بخلا وعدا» عند تقدم «ما» عليهما وعدمه؟ وما إعراب جملتيهما؟ مثل لكل ما تقول.

٥ ـ متى تستعمل «خلا وعدا» حرفين؟ ومتى تستعملان فعلين؟ وما حكم الاسم الواقع بعدهما على كل حال؟ مثل لما تقول.

٦ ـ كيف تعرب «حاشا» وما حكم المستثنى بها؟ عزّز كلامك بالشواهد.


تمرينات

١ ـ استعمل كلمة (غير) الاستثنائية في تراكيب من عندك ، بحيث تستوفى مواقعها الإعرابية.

٢ ـ علام يستشهد بما يأتي مع إعراب ما تحته خط.

(أ) أسامة أحب الناس إليّ ما حاشا فاطمة.

(ب) دعوت ربي ألا يسلط على أمتي عدوا من سوى أنفسها.

(ج) فلم يبق سوى العد

وان دنّاهم كما دانوا

(د) أبحنا حيّهم قتلا وأسرا

عدا الشمطاء والطفل الصغير

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب).

أجب عما يأتي :

(أ) ما المغزى الخلقي لهذا الحديث؟

(ب) عيّن المستثنى والمستثنى منه وأداة الاستثناء في الحديث.

(ج) اضبط الكلمتين (الخيانة والكذب) في الحديث مبينا السبب

(د) أين اسم «ليس» في الحديث؟ وإلام يعود؟ وضح ذلك.

٤ ـ اجعل كل كلمة من الكلمات الآتية مستثناة ب (ليس ـ خلا ـ حاشا ـ غير) في جمل من عندك مع ضبطها بالشكل.

«الكتاب ـ القلم ـ العلم ـ الخلق» :


٥ ـ عين حكم ما بعد (إلا) في الجمل الآتية واضبطه بالشكل ثم أعربه.

(أ) لا يعرف الفضل إلا ذووه.

(ب) قرأت فصول الكتاب إلا فصلين.

(ج) ما أعجبني منك إلا خلق رفيع.

(د) ما أكلنا الطعام إلا السمك.

(ه) ما أعجبني الطلاب إلا المهذب.

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه :

كل العداوات قد ترجى مودّتها

إلا عداوة من يلقاك بالحسد

٧ ـ قال الشاعر : ـ

ولن تصادف مرعى ممرعا أبدا

إلا وجدت به آثار منتجع

اشرح البيت السابق .. ووضح ما فيه من استثناء في المعنى ثم أعرب ما تحته خط منه.


الحال

تعريف الحال :

الحال وصف (١) فضلة منتصب

مفهم في حال (٢) كفردا أذهب

عرف الحال بأنه : الوصف ، الفضلة (٣) ، المنتصب ، للدلالة على هيئة ، نحو «فردا أذهب» ف «فردا» حال لوجود القيود المذكورة ، وخرج بقوله : «فضلة» الوصف الواقع عمدة ، نحو «زيد قائم» وبقوله : «للدلالة على الهيئة» التمييز المشتقّ ، نحو «لله درّه فارسا» فإنه تمييز لا حال على الصحيح ، إذ لم يقصد به الدلالة على الهيئة ، بل التعجّب من فروسيّته ؛ فهو لبيان المتعجّب منه ، لا لبيان هيئته ، وكذلك «رأيت رجلا راكبا» فإن «راكبا» لم يسق للدلالة على الهيئة ، بل لتخصيص الرجل ، وقول المصنف «مفهم في حال» هو معنى قولنا «للدلالة على الهيئة».

__________________

(١) الأفصح في ضميره ووصفه التأنيث ، وفي التذكير بأن يجرد من التاء فيقال : حال حسنة ومنه قوله :

إذا أعجبتك الدهر حال من امرىء

فدعه وواكل أمره واللياليا

(٢) في حال : بلا تنوين لأن المضاف إليه منوي الثبوت. فقولك : «جاء زيد راكبا» يفيد المعنى الذي في قولك : «جاء زيد في حال الركوب» فقوله : في حال مع المضاف إليه هو بيان هيئة صاحب الحال كما سيذكره الشارح.

(٣) المراد بالفضلة ما ليس ركنا في الإسناد وإن توقف عليه صحة المعنى كقوله تعالى «وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين».


الغالب في الحال أن يكون منتقلا ومشتقا :

وكونه منتقلا مشتقّا

يغلب لكن ليس مستحقا (١)

الأكثر في الحال أن تكون :

(أ) منتقلة.

(ب) مشتقّة.

ومعنى الانتقال ألا تكون ملازمة للمتصف بها ، نحو «جاء زيد راكبا» ف «راكبا» وصف منتقل لجواز انفكاكه عن زيد بأن يجيء ماشيا. وقد تجيء الحال غير منتقلة ، أي وصفا لازما نحو «دعوت الله سميعا» و «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» (٢).

وقوله :

٣٨ ـ فجاءت به سبط العظام كأنّما

عمامته بين الرجال لواء (٣)

ف «سميعا» و «أطول» و «سبط» أحوال وهي أوصاف لازمة.

__________________

(١) كون : مبتدأ وهو مصدر كان الناقصة وهو مضاف إلى الهاء من إضافة المصدر لمرفوعه ـ الذي هو اسمه ـ. منتقلا : خبر الكون منصوب. مشتقا خبر ثان. يغلب : مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره هو والجملة خبر المبتدأ كون. لكن : حرف استدراك. ليس : فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه. مستحقا : خبر ليس منصوب.

(٢) يديها : بدل بعض من الزرافة منصوب بالياء لأنه مثنى وهو مضاف وها مضاف إليه. أطول : حال من الزرافة منصوب ، وقيل : حال من يديها.

(٣) قائله : رجل من العرب في ابن له ـ كما في ديوان الحماسة ـ جاءت به : ولدته. سبط العظام : حسن القدّ والاستواء ممتد القامة. العمامة : بكسر العين : ما يلف على الرأس. اللواء : العلم وهو دون الراية.

المعنى : إن هذه المرأة ولدته على هذه الحالة من استواء القد وامتداد القامة حتى إن عمامته بين الرجال كاللواء في الارتفاع والعلو على الرؤوس.


مجيء الحال جامدة :

وقد تأتي الحال جامدة ، ويكثر ذلك في مواضع ذكر المنصف بعضها بقوله :

ويكثر الجمود في سعر. وفي

مبدى تأوّل بلا تكلّف

ك «بعه مدا بكذا ، يدا بيد

وكرّ زيد أسدا» أي كأسد (١)

يكثر مجيء الحال جامدة :

(أ) إن دلت على سعر ، نحو «بعه مدا بدرهم» ف «مدا» حال جامدة وهي في معنى المشتق ، إذ المعنى «بعه مسعّرا كلّ مد بدرهم».

__________________

الإعراب : جاءت : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. به : جار ومجرور متعلق بجاءت. سبط : حال من الضمير المجرور منصوب بالفتحة وهو مضاف. العظام : مضاف إليه مجرور. كأنما : كافة ومكفوفة لا عمل لها. كأن حرف تشبيه ونصب من أخوات إن وما زائد كفته عن العمل. عمامته : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. والهاء في محل جر مضاف إليه. بين : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من «لواء» وهو مضاف. الرجال : مضاف إليه مجرور. لواء : خبر المبتدأ «عمامته» مرفوع.

الشاهد : في قوله : «سبط العظام» حيث إنه حال لازمة غير منتقلة وهو خلاف الأكثر.

(١) بعه : بع فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به تعود على المبيع «برا ، أو تمرا ..» مدا : حال من الضمير المنصوب منصوب بالفتحة ، بكذا : الباء جارة. كذا : كناية عدد في محل جر والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمدا أي كائنا بكذا. يدا : حال من الضمير المنصوب. بيد : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ليدا. وكرّ : الواو عاطفة ، كرّ فعل ماض. زيد : فاعله مرفوع.

أسدا : حال من زيد منصوب.


(ب) ويكثر جمودها ـ أيضا ـ فيما دلّ على تفاعل ، نحو «بعته يدا بيد» أي مناجزة (١).

(ج) أو على تشبيه ، نحو «كرّ زيد أسدا» أي مشبها الأسد ، ف «زيدا ، وأسدا» جامدان وصحّ وقوعهما حالا لظهور تأولهما بمشتق ، كما تقدّم ، وإلى هذا أشار بقوله : «وفي مبدي تأول» أي يكثر مجيء الحال جامدة حين ظهر تأوّلها بمشتق (٢).

وعلم بهذا وما قبله أن قول النحويين : «إن الحال يجب أن تكون منتقلة مشتقة» معناه أن ذلك هو الغالب ، لا أنه لازم ، وهذا معنى قوله فيما تقدم : «لكن ليس مستحقا».

__________________

(١) مناجزة : بفتح الجيم مع تاء التأنيث ـ مصدر مؤول باسم الفاعل أي : مناجزه. وتقرأ : بكسر الجيم ـ اسم فاعل مضاف لضمير المشتري المعلوم من السياق أي : مقابضة.

(٢) بقي موضع رابع تجيء فيه الحال جامدة مؤولة بالمشتق وهو. ما دل على ترتيب مثل : ادخلوا رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين أي مرتبين ، وضابطه أن يذكر المجموع أولا ثم يفصل ببعضه مكررا.

وبقي ست مسائل لا يظهر تأويلها ولا يتكلف وهي : ١ ـ كونها موصوفة نحو «قرآنا عربيّا» «فتمثل لها بشرا سويا» وتسمى هذه حالا موطئة. ٢ ـ كونها دالة على عدد نحو «فتم ميقات ربه أربعين ليلة» ٣ ـ كونها دالة على طور فيه تفضيل نحو «هذا بسرا أطيب منه تمرا» ٤ ـ كونها نوعا لصاحبها نحو : «هذا مالك ذهبا» ٥ ـ كونها فرعا لصاحبها نحو «هذا حديدك خاتما». وقوله تعالى : «وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً» ٦ ـ كونها أصلا له هو «هذا خاتمك حديدا» وقوله تعالى : «أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً».


أحكام الحال في التنكير والتعريف :

والحال إن عرّف لفظا فاعتقد

تنكيره معنى ك «وحدك اجتهد» (١)

(أ) مذهب جمهور النحويين أن الحال لا تكون إلا نكرة ، وأن ما ورد منها معرّفا فهو منكّر معنى كقولهم : «جاءوا الجمّاء الغفير» و :

٣٩ ـ أرسلها العراك ... (٢)

__________________

(١) الحال : مبتدأ مرفوع. إن : حرف شرط جازم. عرف : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» لفظا : تمييز محول عن نائب الفاعل منصوب. فاعتقد : الفاء واقعة في جواب الشرط ، اعتقد : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. تنكيره : مفعول به منصوب. والهاء مضاف إليه. معنى : تمييز منصوب بفتحة مقدرة وجملة «اعتقد» في محل جزم جواب الشرط. وجملتا الشرط والجواب في محل رفع خبر المبتدأ «الحال». وحدك : وحد : حال من ضمير اجتهد منصوب. والكاف مضاف إليه. اجتهد : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت.

(٢) هذا أول بيت ، وتمامه :

فأرسلها العراك ولم يذدها

ولم يشفق على نغص الدّخال

قائله : لبيد بن ربيعة يصف حمارا وحشيا أورد أتنة الماء لتشرب. الضمير في أرسلها يعود للأتن. العراك : معتركة لم يذدها : لم يمنعها عن ذلك. نغص الدخال : تنغّصها من مداخلتها في بعضها وازدحامها على الماء فيتكدر وينغص عليها فلا تتم الشرب.

المعنى : أورد هذا الحمار أتنه الماء أثناء تزاحم الحمر وتداخلها في المورد دون رحمة منه لما تلاقيه من ضيق وشدة.

الإعراب : أرسلها : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحمار. وها : مفعول به ، العراك : حال من ضمير المفعول به منصوب. ولم : الواو عاطفة لم حرف نفي وجزم وقلب يذدها : مضارع مجزوم بالسكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وها : مفعول يذد. ولم


و «اجتهد وحدك» و «كلمته فاه إلى فيّ» ف «الجماء» و «العراك» و «وحدك» و «فاه» أحوال وهي معرفة لفظا ، لكنها مؤولة بنكرة ، والتقدير : جاءوا جميعا ، وأرسلها معتركة ، واجتهد منفردا وكلمته مشافهة.

(ب) وزعم البغداديون ويونس أنه يجوز تعريف الحال مطلقا بلا تأويل ، فأجازوا «جاء زيد الراكب».

(ج) وفصّل الكوفيون فقالوا : إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها ، وإلا فلا ، فمثال ما تضمّن معنى الشرط «زيد الراكب أحسن منه الماشي» ف «الراكب والماشي» : حالان ، وصح تعريفهما لتأولهما بالشرط إذ التقدير : زيد إذا ركب أحسن منه إذا مشى ، فإن لم تتقدّر بالشرط لم يصحّ تعريفها ؛ فلا تقول : «جاء زيد الراكب» إذ لا يصح «جاء زيد إن ركب».

مجيء المصدر النكرة حالا :

ومصدر منكر حالا يقع

بكثرة كبغتة زيد طلع (١)

__________________

يشفق : الواو عاطفة. لم : حرف نفي وجزم وقلب يشفق : مضارع مجزوم بلم بالسكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو على نغص : جار ومجرور متعلق بيشفق. الدخال : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد : في قوله : «العراك» حيث وقع حالا مع كونه معرفة وساغ ذلك لأنه مؤول بالنكرة «معتركة».

(١) مصدر : مبتدأ مرفوع بالضمة. منكر : صفة لمصدر مرفوع بالضمة. حالا : حال من فاعل يقع منصوب بالفتحة يقع : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي ، وجملة يقع : في محل رفع خبر المبتدأ «مصدر». بكثرة : جار ومجرور متعلق بيقع. كبغتة : الكاف جارة لقول محذوف بغتة : حال من الضمير المستتر في طلع منصوب. زيد : مبتدأ مرفوع بالضمة. طلع : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة في محل رفع خبر المبتدأ زيد. وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول القول المحذوف التقدير : كقولك : زيد طلع بغتة.


حقّ الحال أن يكون وصفا. وهو : مادل على معنى وصاحبه ، ك «قائم وحسن ، ومضروب» فوقوعها مصدرا على خلاف الأصل ، إذ لا دلالة فيه على صاحب المعنى.

(أ) وقد كثر مجيء الحال مصدرا نكرة ، ولكنه ليس بمقيس (١) ؛ لمجيئه على خلاف الأصل ، ومنه : «زيد طلع بغتة» ف «بغتة» مصدر نكرة وهو منصوب على الحال ، والتقدير : «زيد طلع باغتا» ، هذا مذهب سيبويه والجمهور.

(ب) وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية ، والعامل فيه محذوف ، والتقدير : «طلع زيد يبغت بغتة» (٢) ف «يبغت» عندهما هو الحال ، لا «بغتة».

(ج) وذهب الكوفيون إلى أنه منصوب على المصدرية كما ذهبا إليه ، ولكن الناصب له عندهم الفعل المذكور وهو «طلع» لتأويله بفعل من لفظ المصدر ، والتقدير في قولك «زيد طلع بغته» (٣) «زيد بغت بغتة» فيؤولون «طلع» ب «بغت» وينصبون به «بغتة».

__________________

(١) أي عند سيبوية والجمهور لأن الحال نعت في المعنى ، والنعت بالمصدر لا يطرد ، فكذا ما بمعناه وهو الحال.

(٢) على رأي الأخفش والمبرد يكون إعراب الجملة : «زيد طلع بغته» كما يلي : زيد مبتدأ ، طلع وفاعله خبره جملة فعلية بغتة : مفعول مطلق منصوب بعامل محذوف تقديره «يبغت» وجملة العامل المحذوف في محل نصب حال من فاعل طلع.

(٣) على رأي الكوفيين لا يبقى في الجملة حال ، بل مبتدأ وخبره. زيد : مبتدأ. طلع وفاعله جملة فعلية خبر المبتدأ. وبغتة : مفعول مطلق عامله طلع مؤولا ببغت.


وقوع صاحب الحال نكرة بمسوغ :

ولم ينكّر غالبا ذو الحال إن

لم يتأخّر أو يخصّص أو يبن (١)

من بعد نفي أو مضاهيه ، ك «لا

يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا» (٢)

حقّ صاحب الحال أن يكون معرفة ، ولا ينكّر في الغالب إلا عند وجود مسوّغ وهو أحد أمور :

(أ) منها : أن يتقدّم الحال على النكرة ، نحو «فيها قائما رجل» وكقول الشاعر ، وأنشده سيبويه :

٤٠ ـ وبالجسم منّى بيّنا لو علمته

شحوب ، وإن تستشهدي العين تشهد (٣)

__________________

(١) لم : حرف نفي وجزم وقلب. ينكر : مضارع مبنى للمجهول مجزوم بلم بالسكون غالبا : حال من نائب الفاعل «ذو الحال» منصوب ذو : نائب فاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. الحال : مضاف إليه مجرور. إن : حرف شرط جازم يجزم فعلين. لم : حرف نفي وجزم وقلب ينأخر : مضارع مجزوم بلم بالسكون ولم يتأخر في محل جزم فعل الشرط لإن. وجواب الشرط محذوف دل عليه ما سبق تقديره «فلا ينكر».

(٢) لا يبغ : لا ناهية. يبغ مضارع مجزوم بلا علامة جزمه حذف حرف العلة وهو الياء. امرؤ : فاعل يبغ مرفوع. على امريء : جار ومجرور متعلق بيبغ ، مستسهلا : حال من امرؤ منصوب بالفتحة. وسوغ مجيء الحال من النكرة سبقها بشبه النفي وهو النهي.

(٣) قائله : غير معروف. بينا : ظاهرا. شحوب : تغيّر.

المعنى : في جسدي تغير ظاهر لو عرفته لعطفت علي وإن تطلبي شهادة العين على ذلك تشهد به لمعاينتها إياه.


وكقوله :

٤١ ـ وما لام نفسي مثلها لي لائم

ولا سدّ فقري مثل ما ملكت يدي (١)

__________________

الإعراب : بالجسم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ل «شحوب». مني : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الجسم. بينا : حال من شحوب منصوب. لو : حرف امتناع لامتناع أو حرف شرط غير جازم. علمته : فعل وفاعل ومفعول به ؛ علم فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل والهاء مفعول به. وعلم فعل الشرط وجوابه محذوف تقديره : لعطفت علي. وجملة الشرط معترضة بين المبتدأ وخبره المقدم. شحوب : مبتدأ مؤخر مرفوع. وإن : الواو استثنافية إن حرف شرط جازم. تستشهدي : مضارع مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والياء فاعل. العين : مفعول به لفعل الشرط منصوب ، تشهد. مضارع مجزوم ـ جواب الشرط ـ وحرك بالكسر للروي. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره «هي» يعود إلى العين.

الشاهد : في قوله : «بينا .. شحوب» حيث جاءت الحال من النكرة والمسوغ تقدمها على صاحبها ، وهذا إنما يجيء على مذهب سيبويه من جواز مجيء الحال من المبتدأ. وأما على مذهب الجمهور من امتناعه فهو حال من الضمير المستكن في الخبر وحينئذ لا شاهد فيه.

(١) قائله غير معروف.

المعنى : إني لم أجد لائما لنفسى مثلها ولا مانعا لفقري مثل الذي تملكه يدي.

الإعراب : ما : نافية. لام : فعل ماض مبني على الفتح. نفسي : مفعول به مقدم منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. مثلها : حال من لائم منصوب وهو مضاف وها مضاف إليه. لي : جار ومجرور متعلق بلائم. لائم : فاعل مؤخر مرفوع بالضمة. ولا : الواو عاطفة. لا نافية. سد : فعل ماض مبني على الفتح. فقري : مفعول به مقدم لسد منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف. وياء المتكلم مضاف إليه. مثل : فاعل مؤخر لسد مرفوع. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. ملكت : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث يدي : فاعل ملك مرفوع بضمة مقدرة


ف «قائما» حال من «رجل» و «بينا» حال من «شحوب» و «مثلها» حال من «لائم».

(ب) ومنها : أن تخصّص النكرة بوصف أو بإضافة ؛ فمثال ما تخصّص بوصف قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا)(١).

وكقول الشاعر :

٤٢ ـ نجيت يا ربّ نوحا واستجبت له

في فلك ما خر في اليمّ مشحونا (٢)

__________________

على ما قبل الياء وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. وجملة : ملكت يدي لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ، وعائدها ضمير محذوف وهو مفعول ملكت تقديره : ملكته يدي.

الشاهد : في قوله : «مثلها لي لائم» حيث جاءت الحال من النكرة والمسوغ تقدم الحال على صاحبها.

(١) الآيتان ٤ و ٥ من سورة الدخان وهما مع آية سابقة : «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ، أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ». «أمرا» حال من أمر الأول لتخصيصه بالوصف بحكيم ـ أي محكم ـ والأمر الأول واحد الأمور ، والثاني واحد الأوامر ضد النهي ، أي : حال كونه مأمورا به من عندنا.

(٢) قائل البيتين غير معروف. فلك سفينة ، وضمة اللام لإتباع حركة الفاء ، الأصل فيه الفلك : بوزن قفل للواحد والجمع. ماخر : اسم فاعل : من مخرت السفينة : إذا جرت تشق الماء مع صوت. اليم : البحر. مشحونا : مملوءا.

المعنى : «أنقذت يا رب نوحا من الطوفان واستجبت له دعاءه على قومه بعد أن أيس منهم. فأرسلت الماء ونجيته منه في سفينة شقت المياه مملوءة بما أمرته بحمله فيها وقد عاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهو يدعوهم إلى توحيدك وعبادتك».

الإعراب : نجيت : فعل وفاعل. نجى : فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعله. يا رب : يا أداة نداء. رب : منادى مضاف لياء المتكلم منصوب بفتحة مقدرة على آخره. وياء المتكلم ـ المضاف إليه ـ محذوفة. وجملة النداء معترضة بين


وعاش يدعو بآيات مبيّنة

في قومه ألف عام غير خمسينا

ومثال ما تخصّص بالإضافة قوله تعالى : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ)(١).

(ج) ومنها أن تقع النكرة بعد نفي أو شبهه ، وشبه النفي هو. الاستفهام والنهي ، وهو المراد بقوله : «أو يبن من بعد نفي أو مضاهية» فمثال ما وقع بعد النفي قوله :

__________________

نجيت ومفعوله. نوحا : مفعول به لنجيت منصوب. واستجبت : الواو عاطفة. استجبت : فعل وفاعل. له : جار ومجرور متعلق باستجبت في فلك. جار ومجرور متعلق بنجيت. ماخر : صفة لفلك مجرور. في اليم : جار ومجرور متعلق بماخر. مشحونا : حال من فلك منصوب. وجملة «استجبت» معطوفة على جملة «نجيت» الابتدائية. وعاش : الواو عاطفة. عاش : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى «نوح» يدعو : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل. وفاعله ضمير مستتر تقديره هو وجملة «يدعو» في محل نصب حال من فاعل عاش. مبينة : نعت لآيات مجرور. في قومه : جار ومجرور ومضاف إليه. والجار والمجرور متعلق بعاش. ألف : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بعاش وهو مضاف. عام : مضاف إليه مجرور. غير : منصوب على الاستثناء بالفتحه. وهو مضاف. خمسينا : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والنون عوض عن التنوين في المفرد ، والألف للإطلاق.

الشاهد : في قوله : «فلك ما خر في اليم مشحونا» حيث جاءت الحال من النكرة والمسوغ تخصيصها بالوصف. مشحونا : حال من فلك وهي نكرة وصفت بماخر.

(١) من الآية ١٠ من سورة فصلت وهي مع آية قبلها : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ ، وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ).


٤٣ ـ ما حمّ من موت حمى واقيا

ولا ترى من أحد باقيا (١)

ومنه قوله تعالى : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ)(٢) ف «لها كتاب» جملة في موضع الحال من «قرية» وصحّ مجيء الحال من النكرة لتقدم النفي عليها ، ولا يصحّ كون الجملة صفة لقرية ، خلافا للزمخشري لأن الواو لا تفصل بين الصفة والموصوف ، وأيضا وجود «إلا» مانع من ذلك ؛ إذ لا يعترض ب «إلا» بين الصفة والموصوف ، وممن صرّح بمنع ذلك : أبو الحسن الأخفش في المسائل ، وأبو علي الفارسي في التذكرة. ومثال ما وقع بعد الاستفهام قوله :

__________________

(١) قائله غير معروف. حمّ : مبني للمجهول. قدّر : حمى : موضع حماية.

المعنى : «ليس هناك موضع حماية يحفظ الإنسان من الموت ، ولا ترى أحدا باقيا مخلدا في الدنيا بل كلّ من عليها فان».

الإعراب : ما حم : ما نافية. حم : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. من موت. جار ومجرور متعلق بواقيا. حمى : نائب فاعل حمّ مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. واقيا : حال من حمى منصوب بالفتحة ولا : الواو عاطفة. لا نافية. ترى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. من أحد : من حرف جر زائد ، أحد مفعول به أول لترى ـ بمعنى تعلم ـ منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. باقيا : مفعول به ثان لترى منصوب. ويمكن إعراب «باقيا» حال من أحد على اعتبار «ترى» بمعنى تبصر يكتفى بمفعول به واحد.

الشاهد : في قوله : «ما حم حمى واقيا» حيث جاءت الحال «واقيا» من النكرة «حمى» والمسوغ وقوع النكرة بعد النفي. إذا اعربت «ترى» بصرية يكون في البيت شاهد ثان حيث تكون «باقيا» حال من أحد وهو نكرة وسوغ ذلك وقوع النكرة بعد النفي أيضا.

(٢) الآية ٤ من سورة الحجر ، وهي تامة في الشرح.


٤٤ ـ يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى

لنفسك العذر في إبعادها الأملا (١)

ومثال ما وقع بعد النهي قول المصنف : «لا يبغ امرؤ على امرىء مستسهلا» وقول قطريّ بن الفجاءة :

٤٥ ـ لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوّفا لحمام (٢)

__________________

(١) قائله : رجل من طيء.

المعنى : يا صاحبي هل قدر للإنسان في الدنيا حياة باقية حتى تعلم لك عذرا في كونك تؤمل آمالا بعيدة.

الإعراب : يا : حرف نداء. صاح : منادى مرخم «صاحب» على غير قياس لكونه ليس علما والأصل : يا صاحبي. وهو منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ... هل : حرف استفهام. حم : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. عيش : نائب فاعل مرفوع باقيا : حال من عيش منصوب بالفتحة. فترى : الفاء سببية. ترى : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف للتعذر ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت لنفسك : جار ومجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لترى تقديره «موجود». العذر : مفعول به أول لترى منصوب بالفتحة. في إبعادها : جار ومجرور ومضاف إليه. الجار والمجرور متعلق بالعذر ، وها : مضاف إليه من إضافة المصدر لمرفوعه وهو الفاعل. الأملا : مفعول به للمصدر إبعاد منصوب بالفتحة ، والألف للإطلاق. وأن المضمرة بعد فاء السببية وما بعدها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيّد من الجملة السابقة والتقدير : «هل قدر بقاء العيش فعلمك العذر».

الشاهد : في قوله : «عيش باقيا» حيث جاءت الحال «باقيا» من النكرة «عيش» والمسوغ وقوع النكرة بعد الاستفهام.

(٢) قائله : قطري بن الفجاءة التميمي المازني. الإحجام : التأخر. الوغى : الحرب. الحمام : الموت.

المعنى : لا ينبغي لأحد أن يميل في يوم الحرب إلى التأخر عن القتال خوفا من الموت.

الإعراب : لا : ناهية ، يركنن : مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد


واحترز بقوله «غالبا» مما قلّ مجيء الحال فيه من النكرة بلا مسوّغ (١) من المسوغات المذكورة ، ومنه قولهم : «مررت بماء قعدة (٢) رجل» وقولهم : «عليه مائة بيضا» وأجاز سيبويه «فيها رجل قائما» وفي الحديث «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاعدا ، وصلى وراءه رجال قياما».

تقدم الحال على صاحبها المجرور بحرف :

وسبق حال مّا بحرف جرّ قد

أبوا ولا أمنعه ؛ فقد ورد (٣)

__________________

الخفيفة في محل جزم بلا الناهية. والنون للتوكيد أحد : فاعل يركن مرفوع. إلى الاحجام : جار ومجرور متعلق بيركن. يوم : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بيركن. وهو مضاف الوغى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف. متخوفا : حال من أحد منصوب. لحمام : جار ومجرور متعلق بمتخوفا.

الشاهد : في قوله : «لا يركنن أحد .. متخوفا» حيث وقع الحال «متخوفا» من النكرة «أحد» والمسوغ وقوعه بعد النهي.

(١) مجيء الحال من النكرة بلا مسوغ مقيس عند سيبويه لأن الحال إنما دخلت لتقيد العامل فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها وقصره الخليل ويونس على السماع.

(٢) بكسر القاف أي مقدار قعدته.

(٣) سبق : مفعول به مقدم للفعل أبوا منصوب. حال : مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. ما : اسم موصول في محل نصب مفعول به للمصدر سبق. بحرف : جار ومجرور متعلق بجر. جر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة جر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. قد : حرف تحقيق أبوا : فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، وواو الجماعة فاعل. ولا : الواو عاطفة لا : نافية أمنعه : مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء في محل نصب مفعول به.


(أ) مذهب جمهور النحويين أنه لا يجوز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف ، فلا تقول : في «مررت بهند جالسة» مررت جالسة بهند.

(ب) وذهب الفارسي ، وابن كيسان ، وابن برهان ، إلى جواز ذلك ، وتابعهم المصنّف ، لورود السماع بذلك ومنه قوله :

٤٦ ـ لئن كان برد الماء هيمان صاديا

إليّ حبيبا إنّها لحبيب (١)

ف «هيمان ، وصاديا» : حالان من الضمير المجرور بإلى ، وهو الياء. وقوله :

__________________

(١) قائله : عروة بن حزام العذري. هيمان : عطشان من الهيام وهو أشد العطش. صاديا : عطشان. اسم فاعل من صدي كتعب إذا عطش.

المعنى : أقسم بالله لئن كان الماء الزلال البارد محبوبا إليّ في حال شدة عطشي إن هذه المرأة لحبيبة إليّ أيضا.

الإعراب : لئن : اللام موطئة للقسم إن : حرف شرط جازم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط برد : اسم كان مرفوع. الماء : مضاف إليه مجرور. هيمان. صاديا : حالان من ضمير المتكلم المجرور بإلى بعدهما منصوبان. إليّ : جار ومجرور متعلق بحبيبا : حبيبا : خبر كان منصوب. إنها : إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. ها : في محل نصب اسمها. لحبيب : اللام للابتداء. حبيب : خبر إن مرفوع. وجملة إنها لحبيب جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم ، فقد اجتمع الشرط والقسم وتأخر الشرط عن القسم فكان الجواب للسابق.

الشاهد : في قوله : «هيمان صاديا إليّ ..» حيث تقدمت الحال وهي : هيمان وصاديا على صاحبها المجرور بالحرف وهو ياء المتكلم المجرورة بإلى.


٤٧ ـ فإن تك أذواد أصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال (١)

ف «فرغا» حال من «قتل».

وأما تقديم الحال على صاحبها المرفوع والمنصوب فجائز ، نحو «جاء ضاحكا زيد ، وضربت مجردة هندا».

__________________

(١) قائله : طليحة بن خويلد الأسدي المتنبىء. حبال : بوزن كتاب : ابن سلمة بن خويلد فهو ابن أخي الشاعر قتله المسلمون في حروب الردة. اذواد : جمع زود ـ مثل أثواب وثوب ـ والذود مؤنثة وهي من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر فرغا : هدرا خاليا من الأخذ بالثأر.

المعنى : إذا أصاب المسلمون منا بعض الإبل وجماعة من النساء أخذن سبايا ، فلن يكون مقتل حبال هدرا بل لا بد من الثأر له بقتل أكفائه منهم.

الإعراب : إن : حرف شرط جازم. تك : مضارع ناقص مجزوم بإن وعلامة جزمه سكون مقدر على النون المحذوفة للتخفيف. أذواد : اسم تك مرفوع بالضمة. أصبن : أصيب فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، والنون للنسوة في محل رفع نائب فاعل. وجملة أصبن في محل نصب خبر تكن. ونسوة : الواو عاطفة ، نسوة معطوف على أذواد ومرفوع مثله بالضمة. فلن : الفاء واقعة في جواب الشرط. لن : حرف نفي ونصب. يذهبوا : مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فرغا : حال من قتل المجرور بالباء منصوب بالفتحة. بقتل : جار ومجرور متعلق بيذهبوا وقتل مضاف. حبال : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وجملة لن يذهبوا : في محل جزم جواب الشرط إن.

الشاهد : في قوله : «فرغا بقتل حبال» حيث تقدمت الحال «فرغا» على صاحبها المجرور بالحرف وهو «قتل» المجرور بالباء.


أسئلة ومناقشات

١ ـ اذكر تعريف الحال .. ثم اشرحه شرحا يبين المراد منه ويخرج ما سواه ومثّل لكل ما تقول.

٢ ـ من أحكام الحال كونها (وصفا منتقلا) فاشرح معنى كونها وصفا .. وما العلة في ذلك؟ وما ذا يقصد بكونه منتقلا؟ مثل لكل ما تقول.

٣ ـ متى يكثر مجيء الحال مصدرا؟ ولم كان ذلك على خلاف الأصل؟ مثل لذلك بأمثلة من عندك.

٤ ـ لم كان الأصل في الحال الاشتقاق؟ ومتى يكثر مجيئها جامدة؟ عدّد هذه المواضع ومثل لها.

٥ ـ لماذا كان الأصل في الحال التنكير؟ وما ذا يصنع النحاة في مثل : «أرسلها العراك ـ اجتهد وحدك ـ كلمته فاه إلى فيّ»؟

٦ ـ متى يجيء صاحب الحال نكرة؟ ولماذا؟ مثل لكل ما تقول.

٧ ـ متى يجوز تقدم الحال على صاحبها؟ ومتى لا يجوز ذلك؟ مثّل لكل ما تقول ...


تمرينات

١ ـ قال تعالى : («وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ)(١) مَعْلُومٌ».

(أ) عين الحال وصاحبها في الآية الكريمة.

(ب) كيف صح مجيء الحال من النكرة؟

(ج) كيف ترد على الزمخشري في إعراب جملة (إلا ولها كتاب معلوم) صفة (القرية)؟.

٢ ـ ما يأتي شواهد في باب الحال ـ بيّن مواضع الاستشهاد بها ..

(فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (٢) ـ فَيَأْتِيَهُمْ (٣) بَغْتَةً ـ فِيها يُفْرَقُ كُلُ (٤) أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا ـ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (٥) لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ (٦) ـ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(٧).

٣ ـ مثل لما يأتي في جمل من عندك :

(أ) حال تقدمت على صاحبها.

(ب) حال لازمة.

(ج) حال جامدة.

__________________

(١) الآية ٤ من سورة الحجر.

(٢) آية ١٧ سورة مريم.

(٣) آية ٢٠٢ سورة الشعراء.

(٤) آيتا ٤ ، ٥ سورة الدخان.

(٥) آية ١٠ سورة فصّلت.

(٦) آية ٨ سورة المنافقون.

(٧) آية ٧٩ سورة النساء.


(د) حال صاحبها نكرة.

(ه) حال معرفة.

(و) حال تكون مصدرا.

٤ ـ اكتب تأويل الأحوال الآتية : ـ

(أ) كر زيد أسدا.

(ب) بعته يدا بيد.

(ج) كلمته فاه إلى فيّ.

(د) أرسلها العراك.

ثم وضّح لم كان تأويل أمثال هذه الحال واجبا؟

٥ ـ تقول العرب : «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها».

(أ) عيّن الحال في المثال السابق .. ثم بيّن نوعها.

(ب) أعرب ما تحته خط من المثال.

٦ ـ أعرب البيت الآتي واشرحه بأسلوبك : ـ

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا

فمطلبها كهلا عليه شديد


المواضع التي يجوز فيها مجيء الحال من المضاف إليه

ولا تجز حالا من المضاف له

إلا إذا اقتضى المضاف (١) عمله

أو كان جزء ماله أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا (٢)

لا يجوز مجيء الحال من المضاف إليه :

(أ) إلا إذا كان المضاف مما يصحّ عمله في الحال : كاسم الفاعل ، والمصدر ، ونحوهما مما تضمن معنى الفعل فتقول : «هذا ضارب

__________________

(١) لا : ناهية. تجز : مضارع مجزوم بالسكون. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. حالا : مفعول به لتجز منصوب. من المضاف : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لحالا. له جار ومجرور متعلق بالمضاف. إلا : أداة استثناء ملغاة إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. اقتضى : فعل ماض مبني على فتح مقدر. المضاف : فاعله مرفوع. عمله : مفعول به منصوب وهو مضاف. والهاء مضاف إليه. وجملة اقتضى المضاف في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجواب إذا محذوف دل عليه الكلام السابق تقديره «فأجز».

(٢) اسم كان ضمير مستتر يعود على المضاف. جزء : خبر كان منصوب وهو مضاف ما : اسم موصول في محل جر مضاف إليه له : جار ومجرور متعلق بأضيف. أضيف : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. فلا : الفاء فصيحة. لا ناهية. تحيف : مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة ألفا في محل جزم بلا الناهية وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والألف بدل نون التوكيد الخفيفة.


هند مجردة» و «أعجبني قيام زيد مسرعا» ومنه قوله تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً)(١).

ومنه قول الشاعر :

٤٨ ـ تقول ابنتي : إن انطلاقك واحدا

إلى الرّوع يوما تاركي لا أباليا (٢)

(ب) وكذلك يجوز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه.

__________________

(١) من الآية ٤ سورة يونس وتمامها : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).

(٢) قائله : مالك بن الريب. الروع : الفزع ومعناه هنا الحرب لأن الفزع يتسبب عنها تاركي : اسم فاعل من ترك بمعنى صيّر.

المعنى : تقول لي ابنتي : إن ذهابك منفردا إلى القتال سيجعلنى يتيمة فاقدة الأب.

الإعراب : تقول : مضارع مرفوع بالضمة. ابنتي : فاعل تقول مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، وهو مضاف وياء المتكلم في محل جر مضاف إليه إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. انطلاقك : انطلاق اسم إنّ منصوب بالفتحة. وهو مضاف. والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لفاعله. واحدا : حال من الكاف في انطلاقك منصوب بالفتحة. إلى الروع : جار ومجرور متعلق بانطلاق يوما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بتاركي. تاركي : خبر إن مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله الأول. لا : نافية للجنس. أبا : اسم لا مضاف منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة ، لي : اللام مقحمة بين المضاف والمضاف إليه ، وياء المتكلم في محل جر بالإضافة ، وخبر لا محذوف تقديره : موجود وجملة : لا أباليافي محل نصب مفعول ثان لتاركي.

الشاهد : في قوله : «انطلاقك واحدا» حيث انتصب الحال «واحدا» من المضاف إليه وهو الكاف في انطلاقك لأن المضاف مصدر يصح عمله في الحال.


(ج) أو مثل جزئه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه.

فمثال ما هو جزء من المضاف إليه قوله تعالى : («وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً)(١) ف «إخوانا» حال من الضمير المضاف إليه «صدور» والصدور : جزء من المضاف إليه.

ومثال ما هو مثل جزء المضاف إليه في صحة الاستغناء بالمضاف إليه عنه قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً)(٢) ف «حنيفا» حال من «إبراهيم» والملة كالجزء من المضاف إليه ؛ إذ يصح الاستغناء بالمضاف إليه عنها ؛ فلو قيل في غير القرآن : «أن اتبع إبراهيم حنيفا» لصحّ. فإن لم يكن المضاف مما يصح أن يعمل في الحال ولا هو جزء من المضاف إليه ، ولا مثل جزئه لم يجز مجيء الحال منه ؛ فلا تقول : «جاء غلام هند ضاحكة» خلافا للفارسي ، (وقول ابن المصنف رحمه‌الله تعالى : «إن هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف» ليس بجيّد ، فإن مذهب الفارسي جوازها. كما تقدّم ، وممّن نقله عنه الشريف أبو السعادات بن الشجري في أماليه).

تقديم الحال على عاملها :

والحال إن ينصب بفعل صرّفا

أو صفة أشبهت المصرّفا (٣)

__________________

(١) من الآية ٤٧ من سورة الحجر وهي : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ).

(٢) من الآية ١٢٣ من سورة النحل وهي (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(٣) الحال : مبتدأ مرفوع بالضمة. إن : حرف شرط جازم ينصب : مضارع مبني للمجهول مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. بفعل : جار ومجرور متعلق بينصب. صرفا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، والألف للإطلاق ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره


فجائز تقديمه ك «مسرعا

ذا راحل ، ومخلصا زيد دعا» (١)

يجوز تقديم الحال على ناصبها إن كان فعلا متصرفا ، أو صفة (٢) تشبه الفعل المتصرف ، والمراد بها : ما تضمّن معنى الفعل وحروفه ، وقبل التأنيث والتثنية ، والجمع : كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة ، فمثال تقديمها على الفعل المتصرف : «مخلصا زيد دعا» ف «دعا» فعل متصرف ، وتقدمت عليه الحال. ومثال تقديمها على الصفة المشبهة له : «مسرعا ذا راحل».

__________________

هو يعود إلى الفعل. وجملة صرفا : في محل جر نعت لفعل. أو : عاطفة : معطوف على فعل ومجرور مثله. أشبهت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى صفة. المصرفا : مفعول به لأشبهت منصوب بالفتحة والألف للإطلاق ، وجملة أشبهت. في محل جر نعت لصفة.

(١) فجائز : الفاء واقعة في جواب الشرط إن في البيت السابق. جائز : خبر مقدم لتقديمه مرفوع. تقديمه : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء في محل جر مضاف إليه ، وجملة «جائز تقديمه» في محل جزم جواب الشرط. وجملتا الشرط «إن ينصب. فجائز تقديمه» خبر المبتدأ في البيت الأول «الحال» مسرعا : حال من ضمير «راحل» منصوب. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. راحل خبر ذا مرفوع بالضمة. مخلصا : حال من فاعل دعا المضمر. زيد : مبتدأ مرفوع بالضمة. دعا : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة دعا في محل رفع خبر زيد.

(٢) مثل الصفة المصدر النائب عن فعله نحو : مجردا ضربا زيدا ، وقد يعرض للمتصرف ما يمنع تقديم الحال كاقترانه بلام ابتداء أو قسم نحو «إن زيدا ليقوم طائعا ، ولأصيرنّ محتسبا» أو كونه صلة لحرف مصدري نحو : «لك أن تنتقل قاعدا» أو صلة لأل نحو «أنت المصلى فذا» فلا يقدم الحال في شيء من ذلك ، لأن اللام لها الصدر ، ومعمول الصلة لا يتقدم.


فإن كان الناصب لها فعلا غير متصرف لم يجز تقديمها عليه ، فتقول «ما أحسن زيدا ضاحكا» ولا تقول : «ضاحكا ما أحسن زيدا» : لأن فعل التعجب غير متصرف في نفسه ، فلا يتصرف في معموله وكذلك إن كان الناصب لها صفة لا تشبه الفعل المتصرف ، كأفعل التفضيل لم يجز تقديمها عليه ، وذلك لأنه لا يثنّى ، ولا يجمع ، ولا يؤنّث فلم يتصرف في نفسه فلا يتصرف في معموله ؛ فلا تقول : «زيد ضاحكا أحسن من عمرو» بل يجب تأخير الحال ؛ فتقول : «زيد أحسن من عمرو ضاحكا».

وعامل ضمّن معنى الفعل لا

حروفه مؤخرا لن يعملا (١)

ك «تلك ، ليت ، وكأنّ» وندر

نحو «سعيد مستقرا في هجر» (٢)

لا يجوز تقديم الحال على عاملها المعنوي ؛ وهو : ما تضمّن معنى الفعل دون حروفه : كأسماء الإشارة ، وحروف التمنّي ، والتشبيه ، والظرف والجار والمجرور ، نحو «تلك هند مجردة ، وليت زيدا أميرا أخوك ، وكأن زيدا راكبا أسد ، وزيد في الدار ـ أو عندك ـ قائما» فلا يجوز تقديم

__________________

(١) عامل : مبتدأ مرفوع بالضمة. ضمّن : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل. وجملة «ضمّن» في محل رفع نعت للمبتدأ «عامل» معنى : مفعول به ثان لضمّن منصوب بفتحة مقدرة وهو مضاف. الفعل : مضاف إليه مجرور لا : عاطفة. حروفه : معطوف على معنى ومنصوب مثله بالفتحة وهو مضاف والهاء في محل جر مضاف إليه. مؤخرا : حال من ضمير يعملا منصوب. لن : حرف نفي ونصب. يعملا : منصوب بلن بفتحة ظاهرة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل. والألف للإطلاق. وجملة «لن يعملا» في محل رفع خبر المبتدأ «عامل».

(٢) سعيد : مبتدأ مرفوع بالضمة. مستقرا : حال من الضمير في متعلق الخبر. في هجر : جار ومجرور متعلق بخبر محذوف لسعيد تقديره «كائن».


الحال على عاملها المعنوي في هذه المثل ونحوها ؛ فلا تقول : «مجردة تلك هند» «ولا أميرا ليت زيدا أخوك» ولا «راكبا كأن زيدا أسد» وقد ندر تقديمها على عاملها ، نحو «زيد قائما عندك» والجار والمجرور نحو «سعيد مستقرا في هجر» ومنه قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(١) في قراءة من كسر التاء ، وأجازه الأخفش قياسا.

ونحو «زيد مفردا أنفع من

عمرو معانا» مستجاز لن يهن (٢)

تقدم أن أفعل التفضيل لا يعمل في الحال متقدمة ، واستثنى من ذلك هذه المسألة وهي : ما إذا فضّل شيء في حال على نفسه أو غيره في حال أخرى ، فإنه يعمل في حالين إحداهما متقدمة عليه ، والأخرى متأخرة عنه ، وذلك نحو «زيد قائما أحسن منه قاعدا» و «زيد مفردا أنفع من عمرو معانا» ف «قائما ، ومفردا» منصوبان بأحسن وأنفع ، وهما حالان وكذا «قاعدا ، ومعانا» وهذا مذهب الجمهور.

(وزعم السيرافي أنهما خبران منصوبان بكان المحذوفة والتقدير «زيد إذا كان قائما أحسن منه إذا كان قاعدا ، وزيد إذا كان مفردا أنفع من عمرو إذا كان معانا»).

__________________

(١) من الآية ٦٧ من سورة الزّمر وهي : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ).

(٢) نحو : مبتدأ مرفوع بالضمة. زيد : مبتدأ ثان مرفوع بالضمة. مفردا حال من ضمير أفعل التفضيل «أنفع» منصوب بالفتحة. أنفع : خبر زيد مرفوع بالضمة. من عمرو : جار ومجرور متعلق بأنفع. معانا : حال من عمرو منصوب بالفتحة. وجملة المبتدأ الثاني : زيد أنفع .. في محل جر بالإضافة إلى المبتدأ الأول (نحو) مستجاز خبر المبتدأ الأول نحو مرفوع. لن : حرف نفي ونصب. يهن : مضارع ـ ماضيه وهن ـ منصوب بالفتحة وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجملة لن يهن في محل رفع خبر ثان لنحو.


ولا يجوز تقديم هذين الحالين على أفعل التفضيل ولا تأخيرهما عنه ؛ فلا تقول : «زيد قائما قاعدا أحسن منه» ولا تقول «زيد أحسن منه قائما قاعدا».

تعدد الحال :

والحال قد يجيء ذا تعدّد

لمفرد فاعلم وغير مفرد (١)

يجوز تعدد الحال وصاحبها مفرد ، أو متعدد ؛ فمثال الأول «جاء زيد راكبا ضاحكا» ف «راكبا وضاحكا» حالان من زيد والعامل فيهما جاء ، ومثال الثاني «لقيت هندا مصعدا منحدرة» ف «مصعدا» حال من التاء و «منحدرة» حال من هند ، والعامل فيهما «لقيت» ومنه قوله :

٤٩ ـ لقي ابني أخويه خائفا

منجديه فأصابوا مغنما (٢)

__________________

(١) الحال : مبتدأ مرفوع. قد : حرف تقليل. يجيء مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة في محل رفع خبر الحال. ذا : حال من فاعل يجيء منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف : تعدد : مضاف إليه مجرور.

(٢) قائله : غير معروف. منجديه : معينيه من الإنجاد بمعنى الإعانة. أصابوا : نالوا. مغنما : غنيمة».

المعنى : «إنّ ابنى في حال خوفه العدو لقي أخويه في حال إعانتهما له فانتصروا على العدو وأصابوا غنيمة».

الإعراب : لقي : فعل ماض مبني على الفتح. ابني : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. أخويه : مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى وهو مضاف ، والهاء مضاف إليه. خائفا : حال من ابني منصوب بالفتحة. منجديه : حال من أخويه منصوب بالياء لأنه مثنى والهاء مضاف إليه. فأصابوا : الفاء عاطفة أصابوا فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو فاعل. مغنما : مفعول به منصوب.

الشاهد : في قوله : «ابني أخويه خائفا منجديه» حيث تعددت الحال وصاحبها متعدد خائفا : حال من ابني. منجديه : حال من أخويه.


ف «خائفا» حال من «ابني» و «منجديه» حال من «أخويه» والعامل فيهما «لقي» فعند ظهور المعنى تردّ كلّ حال إلى ما تليق به ، وعند عدم ظهوره يجعل أول الحالين لثاني الاسمين ، وثانيهما لأول الاسمين ففي قولك «لقيت زيدا مصعدا منحدرا» يكون «مصعدا» حال من «زيد» و «منحدرا» حال من التاء.

الحال المؤكدة :

وعامل الحال بها قد أكدا

في نحو «لا تعث في الأرض مفسدا» (١)

تنقسم الحال إلى مؤكدة ، وغير مؤكدة ، فالمؤكدة على قسمين ، وغير المؤكدة ما سوى القسمين.

(أ) فالقسم الأول من المؤكدة : ما أكّدت عاملها وهي المراد بهذا البيت ، وهي : كلّ وصف دلّ على معنى عامله وخالفه لفظا وهو الأكثر ، أو وافقه لفظا ، وهو دون الأول في الكثرة ، فمثال الأول «لا تعث في الأرض مفسدا» ومنه قوله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)(٢) وقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٣) ومن الثاني

__________________

(١) لا تعث : لا ناهية ، تعث : مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. في الأرض : جار ومجرور متعلق بتعث. مفسدا : حال من فاعل تعث منصوب ـ وهو مؤكد لعامله «تعث» فهو بمعناه ولكن خالفه لفظا.

(٢) من الآية ٢٥ سورة التوبة وهي (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).

(٣) من الآية ٨٥ سورة هود وهي : (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) وقد ورد هذا اللفظ في أربعة مواضع أخرى.


قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(١) وقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ)(٢).

وإن تؤكّد جملة فمضمر

عاملها ولفظها يؤخّر

(ب) هذا هو القسم الثاني من الحال المؤكدة ، وهي : ما أكّدت مضمون الجملة ، وشرط الجملة : أن تكون اسمية وجزآها معرفتان ، جامدان ، نحو : «زيد أخوك عطوفا ، وأنا زيد معروفا» ومنه قوله :

٥٠ ـ أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عار (٣)

__________________

(١) من الآية ٧٩ سورة النساء وهي : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).

(٢) هذا اللفظ من الآية ١٢ من سورة النحل وهي (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) برفع مسخرات في القراءة الشهيرة ، فلعل الشارح يشير إلى قراءة ثانية وردت فيها مسخرات منصوبة على الحال بالكسرة.

(٣) قائله : سالم بن دارة وهو من الفرسان ، داره : اسم أمه.

المعنى : أنا ابن هذه المرأة ونسبي معروف بها وليس فيها من المعرة ما يوجب القدح في النسب.

الإعراب : أنا : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ. ابن : خبره مرفوع. دارة : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. معروفا : حال مؤكدة لمضمون الجملة قبلها منصوب. بها : جار ومجرور متعلق بمعروفا. نسبي : نائب فاعل لاسم المفعول معروفا مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، وياء المتكلم مضاف إليه. وهل : الواو استئنافية. هل حرف استفهام. بدارة : جار ومجرور بالفتحة متعلق بمحذوف خبر مقدم ل «عار» يا للناس : يا حرف نداء. اللام حرف جر ـ واللام مفتوحة لأنها جارة للمستغاث به ـ الناس مجرور باللام بكسرة ظاهرة والجار والمجرور متعلق بفعل أستغيث الذي نابت عنه يا ، كما هو رأي سيبويه أو متعلق بيا من عار : من حرف جر زائد عار مبتدأ مؤخر


ف «عطوفا ومعروفا» حالان ، وهما منصوبان بفعل محذوف وجوبا (١) والتقدير في الأول «أحقه عطوفا» وفي الثاني «أحقّ معروفا» (٢) ولا يجوز تقديم هذه الحال على هذه الجملة ؛ فلا تقول : «عطوفا زيد أخوك» ولا : «معروفا أنا زيد» ولا توسّطها بين المبتدأ والخبر ؛ فلا تقول «زيد عطوفا أخوك».

وقوع الجملة حالا بشرط اشتمالها على رابط :

وموضع الحال تجيء جمله

ك «جاء زيد وهو ناو رحله» (٣)

الأصل في الحال والخبر والصفة الإفراد ، وتقع الجملة موقع الحال ، كما تقع موقع الخبر والصفة ، ولا بدّ فيها من رابط وهو في الحالية : إما ضمير ، نحو «جاء زيد يده على رأسه» أو واو ـ وتسمّى واو

__________________

مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وجملة المنادى معترضة بين المبتدأ والخبر.

الشاهد : في قوله : «أنا ابن دارة معروفا» حيث وقعت الحال «معروفا» مؤكدة لمضمون الجملة قبلها وهي أنا ابن دارة ، وعامل الحال محذوف وجوبا تقديره «أحقّ» ـ مضارع مبني للمجهول.

(١) لأن الجملة كالعوض منه ولا يجمع بين العوض والمعوض.

(٢) المراد بالأول قوله : زيد أخوك ، وبالثاني قوله : أنا زيد وأنا ابن دارة ، والفعل المحذوف يقدر مبنيا للفاعل إذا كان المبتدأ غير ضمير المتكلم «أنا» أما إذا كان المبتدأ «أنا» فيقدر الفعل مبنيا للمفعول.

(٣) موضع : ظرف مكان منصوب متعلق بتجيء وهو مضاف. الحال : مضاف إليه مجرور. تجيء : مضارع مرفوع بالضمة. جملة : فاعله مرفوع بضمة على التاء التي وقف عليها بالهاء الساكنة. جاء زيد : فعل وفاعل. وهو : الواو حالية. هو : ضمير منفصل مبتدأ. ناو : خبره مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين. رحلة : مفعول به لاسم الفاعل ناو منصوب بفتحة ـ وقف على تائه المربوطة بالها الساكنة ، وجملة هو ناو في محل نصب حال من زيد.


الحال ، وواو الابتداء ، (١) وعلامتها صحة وقوع إذ موقعها (٢) نحو «جاء زيد وعمرو قائم» التقدير : إذ عمرو قائم ، أو الضمير والواو معا ، نحو «جاء زيد وهو ناو رحلة».

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت (٣)

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلن مسندا (٤)

__________________

(١) سميت واو الابتداء لدخولها كثيرا على المبتدأ وإن لم تلزمه أو لوقوعها في ابتداء الحال

(٢) أي لأنها تشبه إذ في كونها هي وما بعدها قيدا للعامل السابق كما أن «إذ» كذلك وليس المراد أنها أي الواو بمعنى «إذ» لأن الحرف لا يرادف الاسم.

(٣) ذات : مبتدأ مرفوع بالضمة ، وهو مضاف. بدء : مضاف إليه مجرور. بمضارع : جار ومجرور متعلق ببدء. ثبت : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي أو الوقف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجملة ثبت في محل جر صفة لمضارع. حوت : حوى فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والتاء للتأنيث ، وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي : والجملة في محل رفع خبر المبتدأ «ذات» ضميرا : مفعول به لحوت منصوب بالفتحة. وجملة «خلت من الواو» في محل رفع معطوفة على جملة «حوت».

(٤) ذات : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. واو : مضاف إليه مجرور. بعدها : ظرف منصوب متعلق بانو. وهو مضاف وها مضاف إليه انو : فعل أمر مبني على حذف الياء. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مبتدا : مفعول به لانو منصوب بالفتحة. له : جار ومجرور متعلق بمسندا. المضارع : مفعول به أول لاجعلن مقدم منصوب بالفتحة. اجعلن : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مسندا : مفعول به ثان منصوب بالفتحة. وجملة «اجعلن» في محل نصب صفة لمبتدأ. وجملة «انو مبتدا» في محل رفع خبر المبتدأ «ذات واو». تقدير البيت : «وذات واو انو بعدها مبتدأ اجعلن المضارع مسندا له».


الجملة الواقعة حالا : إن صدرت بمضارع مثبت لم يجز أن تقترن بالواو بل لا تربط إلا بالضمير ، نحو «جاء زيد يضحك ، وجاء عمرو تقاد الجنائب بين يديه» ولا يجوز دخول الواو ، فلا تقول «جاء زيد ويضحك» فإن جاء من لسان العرب ما ظاهره ذلك أوّل على إضمار مبتدأ بعد الواو ويكون المضارع خبرا عن ذلك المبتدأ ، وذلك نحو قولهم : «قمت وأصك عينه».

وقوله :

٥١ ـ فلما خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا (١)

ف «أصكّ ، وأرهنهم» خبر ان لمبتدأ محذوف ؛ والتقدير : وأنا أصكّ وأنا أرهنهم.

__________________

(١) قائله : عبد الله بن همام السلولي. أظافير : جمع أظفور ـ بوزن أسبوع ـ لغة في الظفر والمراد منها الأسلحة. مالك : اسم رجل.

المعنى : لما خفت من أسلحة هؤلاء القوم تخلصت منهم في حال حبسي لمالك عندهم وإبقائه لديهم.

الإعراب : لما : ظرف زمان متضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بنجوت. خشيت : فعل وفاعل خشي فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل ، أظافيرهم : مفعول به منصوب وهو مضاف ، والهاء ، مضاف إليه ، والميم علامة جمع الذكور والجملة في محل جر بإضافة لما إليها نجوت : فعل وفاعل. نجا فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل ، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها واقعة في جواب شرط غير جازم وأرهنهم : الواو حالية. أرهن مضارع مرفوع بالضمة ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والهاء مفعول به أول والميم علامة الجمع. وجملة أرهنهم خبر لمبتدأ محذوف تقديره «أنا» في محل رفع ، والجملة من المبتدأ المحذوف وخبره في محل نصب حال من فاعل نجوت. مالكا : مفعول به ثان لأرهن منصوب.

الشاهد : في قوله : «نجوت وأرهنهم» حيث يدل بظاهره على أن جملة المضارع المثبت وقعت حالا وهي مقترنة بالواو فيؤول هذا الظاهر بإضمار مبتدأ بعد واو الحال تكون جملة المضارع المثبت خبرا عنه فتكون جملة الحال اسمية.


وجملة الحال سوى ما قدّما

بواو أو بمضمر أو بهما

الجملة الحالية : إما أن تكون اسمية ، أو فعلية ، والفعل مضارع أو ماض ، وكل واحدة من الاسمية والفعلية إما مثبتة ، أو منفيّة ، وقد تقدم أنه إذا صدّرت الجملة بمضارع مثبت لا تصحبها الواو ، بل لا تربط إلا بالضمير فقط وذكر في هذا البيت أن ما عدا ذلك يجوز فيه أن يربط بالواو وحدها ، أو بالضمير وحده ، أو بهما ، فيدخل في ذلك الجملة الاسمية مثبتة ، أو منفيّة ، والمضارع المنفيّ ، والماضي المثبت ، والمنفيّ.

فتقول : «جاء زيد وعمرو قائم ، وجاء زيد يده على رأسه ، وجاء زيد ويده على رأسه» وكذلك المنفيّ.

وتقول : «جاء زيد لم يضحك ، أو ولم يضحك ، أو ولم يقم عمرو ، وجاء زيد وقد قام عمرو ، وجاء زيد قد قام أبوه ، وجاء زيد وقد قام أبوه» وكذلك المنفيّ ، نحو «جاء زيد وما قام عمرو ، وجاء زيد ما قام أبوه أو ما قام أبوه».

ويدخل تحت هذا أيضا المضارع المنفيّ بلا ، فعلى هذا تقول : «جاء زيد ولا يضرب عمرا» بالواو.

وقد ذكر المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يجوز اقترانه بالواو كالمضارع المثبت ، وأن ما ورد مما ظاهره ذلك يؤوّل على إضمار مبتدأ ، كقراءة ابن ذكوان : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ)(١) بتخفيف النون ، والتقدير وأنتما لا تتبعان. ف «لا تتبعان» : خبر لمبتدأ محذوف.

__________________

(١) من الآية ٨٩ من سورة يونس وهي : «قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ».


حذف عامل الحال :

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل (١)

يحذف عامل الحال (٢) جوازا ، أو وجوبا :

(أ) فمثال ما حذف جوازا أن يقال : «كيف جئت؟» فتقول «راكبا» تقديره «جئت راكبا» وكقولك : «بلى مسرعا» لمن قال لك : «لم تسر» والتقدير : «بلى سرت مسرعا» ومنه قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)(٣) التقدير والله أعلم ـ : بلى نجمعها قادرين.

__________________

(١) حظل : بالبناء للمجهول : منع. الحال مبتدأ مرفوع. قد : حرف تقليل ، يحذف. مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ما : نائب الفاعل ليحذف اسم موصول مبني على السكون في محل رفع. فيها جار ومجرور متعلق بعمل. عمل : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول ، وجملة عمل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. وجملة «قد يحذف ما فيها عمل» في محل رفع خبر المبتدأ «الحال». وبعض : الواو استثنافية. بعض : مبتدأ مرفوع بالضمة. ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة ، يحذف : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول وجملة يحذف لا محل لها صلة الموصول. ذكره : مبتدأ ثان مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء مضاف إليه. حظل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذكره ، وجملة حظل في محل رفع خبر المبتدأ الثاني «ذكره» وجملة المبتدأ الثاني «ذكره حظل» في محل رفع خبر المبتدأ الأول بعض.

(٢) إنما يحذف عامل الحال غير المعنوي ، أما العامل المعنوي كأسماء الإشارة وأحرف التمني والتشبيه والظرف والجار والمجرور ، فلا يحذف سواء علم أم لم يعلم.

(٣) الآيتان ٣ و ٤ من سورة القيامة.


(ب) ومثال ما حذف وجوبا : «زيد أخوك عطوفا» ونحوه من الحال المؤكدة لمضمون الجملة ، وقد تقدم ذلك وكالحال النائبة مناب الخبر ، نحو «ضربي زيدا قائما» التقدير : «إذا كان قائما» وقد سبق تقرير ذلك في باب المبتدأ والخبر.

ومما حذف فيه عامل الحال وجوبا قولهم : «اشتريته بدرهم فصاعدا (١). وتصدقت بدينار فسافلا» ف «فصاعدا وسافلا» حالان ، عاملهما محذوف وجوبا ، والتقدير : «فذهب الثمن صاعدا ، وذهب المتصدق به سافلا» وهذا معنى قوله : «وبعض ما يحذف ذكره حظل» أي بعض ما يحذف من عامل الحال منع ذكره (٢)

__________________

(١) أي من كل حال تفهم ازديادا أو نقصا بتدريج ، ويجب اقترانها بالفاء أو بثم كما يجب حذف عاملها وصاحبها كما قدره الشارح بقوله «فذهب الثمن» فالمعطوف بالفاء جملة خبرية محذوفة.

(٢) يجب حذف عامل الحال الواقعة توبيخا ـ أيضا ـ نحو : «أقائما وقد قعد الناس»؟ أي أتثبت قائما.


أسئلة ومناقشات

١ ـ قال النحاة : «لا تجيء الحال من المضاف إليه إلا بشروط». اشرح هذه الشروط مبينا هذه المواضع بالتفصيل مع التمثيل لما تقول.

٢ ـ متى يصح تقديم الحال على ناصبها؟ ومتى لا يصح ذلك؟ اشرح هذه المواضع ومثل لما تقول.

٣ ـ قال النحاة : «لا تتقدم الحال على عاملها المعنوي».

اشرح المقصود بالعامل المعنوي وبيّن أنواعه .. ثم اذكر العلة في عدم جواز هذا التقديم .. ومثل لما تقول.

٤ ـ متى يعمل أفعل التفضيل في الحال المتقدمة عليه؟ ومتى لا يعمل؟ مثل لذلك.

٥ ـ اشرح قول ابن مالك :

والحال قد يجيء ذا تعدد

لمفرد فاعلم وغير مفرد

مبينا كيف ترد كل حال إلى صاحبها فيما لو تعددت لمتعدد .. مع. التمثيل لما تقول.

٦ ـ اذكر أقسام الحال المؤكدة لعاملها .. ولمضمون الجملة قبلهما .. وعلل لم وجب حذف عامل الثانية؟ مع التمثيل لما تقول.

٧ ـ متى تحكم على الجملة بأنها صفة لما قبلها؟ ومتى تحكم عليها بأنها حال مما قبلها؟ وبماذا تربط جملة الحال؟ مثل لذلك بأمثلة.

٨ ـ بيّن متى يمتنع ربط جملة الحال بالواو؟ ومتى يتعين ربطها بها؟ ومتى تربط بالواو والضمير؟ مثّل لما تقول.

٩ ـ متى يحذف عامل الحال وجوبا؟ وجوازا؟ مع التمثيل.


تمرينات

١ ـ مثل لما يأتي في جمل من عندك.

حال شبه جملة ـ حال جملة اسمية ـ حال مؤكده لعاملها.

حال يمتنع ربطها بالواو ـ حال متعددة لواحد ـ حال من المضاف إليه حال متعددة لمتعدد ـ حال متقدمة على صاحبها.

حال تقدمت على عاملها .. حال يتعين ربطها بالواو.

٢ ـ علام يستشهد في باب الحال بما يأتي : ـ

(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ (١) ـ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً (٢) لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ـ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (٣) ـ فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ (٤) «بتخفيف النون» ـ ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ (٥) فِيهِ ـ وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ (٦) وَمُنْذِرِينَ)

٣ ـ بيّن الحال وصاحبها ونوعها والعامل فيما يأتي : ـ

وبالجسم منّى بينا لو علمته

شحوب وإن تستشهدي العين تشهد

لقى ابني أخويه خائفا

منجديه فأصابوا مغنما

__________________

(١) آية ٧ سورة القمر.

(٢) آية ٢٨ سورة سبأ.

(٣) آية ١٠ سورة فصلت.

(٤) آية ٨٩ سورة يونس.

(٥) الآية الثانية من سورة البقرة.

(٦) آية ٨ سورة الأنعام.


أنا ابن دارة معروفا بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عار

فلما خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

٤ ـ من أي أنواع التعدد هذا البيت؟

كأن قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العناب والحشف البالي

أعرب البيت كله ... واشرحه

٥ ـ قال تعالى :

«فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً (١) بِما ظَلَمُوا».

ما العامل في الحال في تلك الآية؟ وما صاحب الحال؟ ولماذا لا يجوز تقدم الحال على عاملها في مثل ذلك الموضع؟

٦ ـ قال تعالى :

«وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ (٢) مِنْهُ النَّهارَ

وقال سبحانه : «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ (٣) أَسْفاراً».

عيّن جملتي الحال في الآيتين .. وبم ربطتا؟ وما صاحبهما؟

وهل يجوز في الجملين إعراب آخر؟

٧ ـ اجعل العبارة الآتية للواحدة وللمثنى بنوعيه وللجمع بنوعيه مع تغيير الحال وضبطها :

خرج أخي من الامتحان مسرورا.

__________________

(١) آية ٥٢ سورة النمل.

(٢) آية ٣٧ سورة يس.

(٣) آية ٥ سورة الجمعة.


٨ ـ اجعل الحال المفردة جملة والجملة مفردة فيما يأتي : ـ

عبدنا الله طائعين ـ لا تصلّ وأنت مشغول ـ تعلّم صغيرا تسعد كبيرا ـ جئت وأنت راكع في الصلاة.

٩ ـ اشرح وأعرب البيت الآتي : ـ وهو للمتنبي :

عش عزيرا أو مت وأنت كريم

بين طعن القنا وخفق البنود


التمييز

تعريف التمييز : نوعاه

اسم بمعنى «من» مبين نكره

ينصب تمييزا بما قد فسّره (١)

كشبر ارضا ، وقفيز برا

ومنوين عسلا وتمرا

تقدم من الفضلات : المفعول به ، والمفعول المطلق ، والمفعول له ، والمفعول فيه ، والمستثنى ، والحال ، وبقي التمييز ـ وهو المذكور في هذا الباب ـ ويسمّى «مفسّرا ، وتفسيرا ، ومبيّنا ، وتبيينا ، ومميّزا ، وتمييزا» وهو : كل اسم ، نكرة ، متضمّن معنى «من» (٢) لبيان ما قبله من إجمال ، نحو «طاب زيد نفسا ، وعندي شبر أرضا» واحترز بقوله : «متضمّن معنى من» من الحال ، فإنها متضمنة معنى «في» وقوله :

__________________

(١) اسم : خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو. بمعنى : جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت مرفوع لاسم. من : مضاف إليه بقصد لفظه مبين : نعت ثان لاسم مرفوع. نكرة : نعت ثالث لاسم مرفوع ـ وقف عليه بالهاء الساكنة ـ ينصب : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة ينصب في محل رفع نعت رابع لاسم ، أو في محل نصب حال من اسم لأنها تخصصت بالوصف. تمييزا : حال من ضمير ينصب منصوب. بما ؛ جار ومجرور متعلق بينصب. والمجرور اسم موصول في محل جر. قد : حرف تحقيق فسره : فعل ماض مبني على الفتح ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول ، والهاء مفعول به. وجملة فسره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

(٢) ليس المراد أن «من» مقدرة في الكلام إذ قد لا يصلح لتقديرها. بل أنه مفيد لمعناها وهو بيان ما قبله أي بيان جنسه ولو بالتأويل.


«لبيان ما قبله» احتراز مما تضمّن معنى «من» وليس فيه بيان لما قبله : كاسم «لا» التي لنفي الجنس ، نحو : «لا رجل قائم» فإن التقدير : «لا من رجل قائم» وقوله : «لبيان ما قبله من إجمال» يشمل نوعي التمييز :

وهما : (أ) المبيّن إجمال ذات. (ب) والمبيّن إجمال نسبة.

(أ) فالمبيّن إجمال الذات هو : الواقع بعد المقادير ـ وهي : الممسوحات ، نحو «له شبر أرضا» والمكيلات ، نحو «له قفيز برا» والموزونات ، نحو «له منوان عسلا وتمرا» ـ والأعداد (١) ، نحو «عندي عشرون درهما». وهو منصوب بما فسّره وهو : شبر ، وقفيز ، ومنوان وعشرون.

(ب) والمبيّن إجمال النسبة هو : المسوق لبيان ما تعلّق به العامل : من فاعل ، أو مفعول ، نحو «طاب زيد نفسا» ومثله : (اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٢) و «غرست الأرض شجرا» ومثله (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٣) ف «نفسا» تمييز منقول من الفاعل ، والأصل «طابت نفس زيد» و «شجرا» : منقول من المفعول ، والأصل : «غرست شجر الأرض» فبيّن «نفسا» الفاعل الذي تعلّق به الفعل ، وبيّن «شجرا» المفعول الذي تعلّق به الفعل. والناصب له في هذا النوع العامل الذي قبله.

__________________

(١) الأعداد معطوفة على المقادير فهي القسم الثاني من المبين إجمال الذات ، وليست معطوفة على الممسوحات لأنها ليست من المقادير.

(٢) من الآية ٤ من سورة مريم. وهي : «قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا».

(٣) من الآية ١٢ من سورة القمر وهي : «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ».


وبعد ذي وشبهها اجرره إذا

أضفتها ك «مدّ حنطة غذا» (١)

والنصب بعد ما أضيف وجبا

إن كان مثل «ملء الأرض ذهبا» (٢)

أشار ب «ذي» إلى ما تقدم ذكره في البيت من المقدّرات ، وهو : ما دل على مساحة ، أو كيل ، أو وزن ؛ فيجوز جرّ التمييز بعد هذه بالإضافة إن لم يضف إلى غيره. نحو «عندي شبر أرض ، وقفيز بر ،

__________________

(١) بعد : ظرف منصوب بالفتحة متعلق باجرره وهو مضاف. ذي : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة وشبهها : الواو عاطفة ، شبه معطوف على ذي ومجرور مثلها ، وهو مضاف وها : مضاف إليه. اجرره : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. والهاء في محل نصب مفعول به. إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. أضفتها : فعل وفاعل ومفعول به ، أضاف فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل ، وها مفعول به. والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها. كمد : الكاف حرف جر. مجرورها قول محذوف مد : مبتدأ مرفوع. حنطة : مضاف إليه مجرور غذا : خبر مرفوع بضمة مقدرة على على الألف ـ وقد قصر للضرورة. ـ

(٢) النصب : مبتدأ مرفوع بالضمة. بعد : ظرف منصوب بالفتحة متعلق بوجب. ما : اسم موصول في محل جر مضاف إليه أضيف : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الموصول ، وجملة أضيف لا محل لها من الإعراب صلة الموصول : وجبا : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى النصب. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ إن : حرف شرط جازم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى : ما أضيف. مثل : خبر كان منصوب بالفتحة. ملء : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الأرض : مضاف إليه مجرور. ذهبا : تمييز منصوب بالفتحة. وخبر المبتدأ محذوف. والجملة في محل جر بإضافة مثل إليها.


ومنوا عسل وتمر» فإن أضيف الدالّ على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز ، نحو «ما في السماء قدر راحة سحابا» ومنه قوله تعالى : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً)(١).

وأما تمييز العدد فسيأتي حكمه في باب العدد.

حكم التمييز بعد أفعل التفضيل :

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا

مفضّلا ك «أنت أعلى منزلا» (٢)

التمييز الواقع بعد أفعل التفضيل :

(أ) إن كان فاعلا في المعنى وجب نصبه.

(ب) وإن لم يكن كذلك وجب جرّه بالإضافة.

وعلامة ما هو فاعل في المعنى : أن يصلح جعله فاعلا بعد جعل أفعل التفضيل فعلا ، نحو «أنت أعلى منزلا ، وأكثر مالا» ف «منزلا ومالا» يجب نصبهما ؛ إذ يصح جعلهما فاعلين بعد جعل أفعل التفضيل فعلا ؛ فتقول :

__________________

(١) من الآية ٩١ من سورة آل عمران وهي : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ».

(٢) الفاعل : مفعول به مقدم لانصبن منصوب بالفتحة. المعنى : منصوب بنزع الخافض بفتحة مقدرة. انصبن : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، بأفعلا : جار ومجرور متعلق بانصبن. مفضلا : حال من ضمير انصبن منصوب. أنت : ضمير منفصل مبتدأ. أعلى : خبره مرفوع بضمة مقدرة. منزلا : تمييز منصوب.


أنت علا منزلك وكثر مالك ، ومثال ما ليس بفاعل في المعنى (١) : «زيد أفضل رجل ، وهند أفضل امرأة» فيجب جرّه بالإضافة إلا إذا أضيف «أفعل» إلى غيره ، فإنه ينصب حينئذ (٢) ، نحو «أنت أفضل الناس رجلا».

وقوع التمييز بعد كل ما دل على تعجب :

وبعد كلّ ما اقتضى تعجّبا

ميّز ك «أكرم بأبي بكر أبا»

يقع التمييز بعد كل ما دل على تعجب (٣) ، نحو : «ما أحسن زيدا رجلا ، وأكرم بأبي بكر أبا ، ولله درّك عالما ، وحسبك بزيد رجلا وكفى به عالما».

__________________

(١) ضابطه أن يكون أفعل بعضا من جنس التمييز بأن يصح وضع لفظ «بعض» مكانه فتقول في : «زيد أفضل رجل» : زيد بعض الرجال .. فيجب فيه الجر لوجوب إضافة أفعل لما هو بعضه.

(٢) إنما نصب التمييز مع أن أفعل بعضه لتعذر إضافة أفعل مرتين ، وبهذا يتحصل أن تمييز أفعل التفضيل ينصب في صورتين :

(أ) إذا كان فاعلا في المعنى مثل : أنت أعلى منزلا.

(ب) إذا لم يكن فاعلا في المعنى ولكن أضيف أفعل إلى غيره نحو : أنت أفضل الناس رجلا.

ويجر تمييز أفعل في صورة واحدة وهي إذا لم يكن فاعلا في المعنى ولم يضف أفعل إلى غيره.

(٣) تكون الدلالة على التعجب بالوضع في صيغتي التعجب «ما أفعله وأفعل به» وبالعرض في الأمثلة المذكورة. والتمييز فيها جميعا هو من تمييز النسبة ، وإنما يشترط في «لله درّه» أن يكون مرجع الضمير معلوما مثل : «زيد لله درّه فارسا» أو يكون بدل الضمير اسم ظاهر مثل «لله در زيد رجلا» أو ضمير مخاطب مثل «لله درّك عالما» ، فإن جهل مرجع الضمير كان من تمييز المفرد لأن افتقار الضمير المبهم إلى بيان عينه أشد من افتقاره لبيان نسبة التعجب إليه.


٥٢ ـ يا جارتا ما أنت جاره (١)

جر التمييز ب «من»

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد

والفاعل المعنى ك «طب نفسا تفد»

يجوز جرّ التمييز بمن إن لم يكن فاعلا في المعنى ، ولا مميّزا لعدد ، فتقول : «عندي شبر من أرض ، وقفيز من برّ ، ومنوان من عسل وتمر وغرست الأرض من شجر» ولا تقول : «طاب زيد من نفس» ولا «عندي عشرون من درهم».

__________________

(١) قائله الأعشى ميمون بن قيس. هذا عجز بيت صدره : «بانت لتحزننا عفاره» بانت : بعدت وفارقت. عفارة اسم امرأة.

المعنى : بعدت عفاره عنا فحزنا لفراقها ، فما أكرمها جارة لا تذكر إلا بخير.

الإعراب : بانت : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث. لتحزننا : اللام للتعليل (وهي هنا لام العاقبه) .. تحزن : مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى عفاره. لأن الفعلين بانت وتحزن تنازعا الظاهر فأخذه الأول وأضمر في الثاني. ونا ضمير متصل في محل نصب مفعول به. عفارة : فاعل بانت مرفوع بالضمة وقد وقف عليه بالهاء الساكنة. يا جارتا : يا أداة نداء. جارة منادى مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفا منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للألف المنقلبة عن الياء. وهو مضاف والألف المنقلبة عن ياء المتكلم في محل جر مضاف إليه. ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أنت : ضمير منفصل في محل رفع خبر جارة : تمييز منصوب بالفتحة وقف عليه بالهاء الساكنة ـ. وهو تمييز نسبة لبيان جنس ما وقع عليه التعجب وهو الجوار.

الشاهد : في قوله : «ما أنت جاره» : حيث وقع التمييز «جاره» بعد ما اقتضى التعجب وهو الاستفهام.


تقديم التمييز على عامله ـ مذاهب النحاة :

وعامل التمييز قدّم. مطلقا

والفعل ذو التصريف نزرا سبقا (١)

(أ) مذهب سيبويه ـ رحمه‌الله تعالى ـ : أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله (٢) سواء كان متصرفا أو غير متصرف ؛ فلا تقول : «نفسا طاب زيد» ولا «عندي درهما عشرون».

(ب) وأجاز الكسائي ، والمازني ، والمبرد ، تقديمه على عامله المتصرف ؛ فتقول : «نفسا طاب زيد وشيبا اشتعل رأسي» ومنه قوله :

٥٣ ـ أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كان نفسا بالفراق تطيب؟ (٣)

__________________

(١) عامل : مفعول به مقدم للفعل «قدّم» منصوب وهو مضاف. التمييز : مضاف إليه مجرور. قدم : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت : مطلقا : مفعول مطلق منصوب بالفتحة والفعل : الواو استثنافية. الفعل : مبدأ مرفوع بالضمة. ذو نعت للمبتدأ مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. التصريف : مضاف إليه مجرور. نزرا : مفعول مطلق تقدم على عامله مسبقا : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود إلى الفعل. والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

(٢) لأن التمييز كالنعت في إيضاح ما قبله فلا يتقدم عليه كما لا يتقدم النعت على المنعوت

(٣) قائله : المخبل السعدي ، وقيل : قيس بن الملوح العامري.

المعنى : هل عزمت ليلى على هجر محبها والعهد بها أنها لا ترضى الفراق ولا تنشرح له.

الإعراب : أتهجر : الهمزة للاستفهام. تهجر : مضارع مرفوع بالضمة. ليلى فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف. بالفراق : جار ومجرور متعلق بتهجر. حبيبها : مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف وها : في محل جر مضاف إليه. وما : الواو حالية. ما : نافية. كان : زائدة نفسا : تمييز تقدم على عامله «تطيب» بالفراق : جار ومجرور متعلق بتطيب. تطيب : مضارع مرفوع بالضمة. وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، وجملة «ما تطيب ..» في محل نصب حال من ليلى.

الشاهد : في قوله : «وما كان نفسا بالفراق تطيب» حيث تقدم التمييز «نفسا» على عامله المتصرف «تطيب» وهذا جائز عند الكسائي والمازني والمبرد ، وأجازه المصنف ابن مالك في بعض كتبه ـ وهو عند سيبويه ضرورة لا يقاس عليه.


وقوله :

٥٤ ـ ضيّعت حزمي في إبعادي الأملا

وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا (١).

ووافقهم المصنف (٢) في غير هذا الكتاب على ذلك ، وجعله في هذا الكتاب قليلا.

فإن كان العامل غير متصرف : فقد منعوا التقديم : سواء كان فعلا ،

__________________

(١) قائله : غير معروف. الحزم : إتقان الرأي وحسن التدبير. ارعويت : كففت وتركت.

المعنى : ضيّعت الحكمة والسداد في ماضى عمري إذ أمّلت آمالا بعيدة ولم أرتدع مع انتشار الشيب في رأسي وهو نذير الموت.

الإعراب : ضيعت : فعل وفاعل ، ضيع فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل حزمي : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف والياء في محل جر مضاف إليه. في إبعادي : جار ومجرور متعلق بضيعت ، وإبعاد مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. الأملا : مفعول به للمصدر منصوب بالفتحة والألف للإطلاق. وما : الواو عاطفة. ما نافية ارعويت : فعل وفاعل ، وشيبا : الواو حالية. شيبا : تمييز مقدم على عامله «اشتعلا» منصوب. رأسي : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. اشتعلا : فعل ماض مبني على الفتح. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو ، وجملة اشتعل في محل رفع خبر المبتدأ «رأسي» والجملة «رأسي اشتعل شيبا» : في محل نصب حال من فاعل ارعويت.

الشاهد : في قوله : «وشيبا رأسي اشتعلا» حيث تقدم التمييز «شيبا» على عامله المتصرف «اشتعل» وهذا جائز عند الكسائي والمازني والمبرد وأجازه المصنف في بعض كتبه وهو عند سيبويه ضرورة لا يجوز القياس عليه.

(٢) وافقهم المصنف قياسا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف ، وتمسكا بما سمع منه كقوله :

أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعي المنون ينادي جهارا


نحو «ما أحسن زيدا رجلا» ، أو غيره. نحو : «عندي عشرون درهما».

وقد يكون العامل متصرّفا ويمتنع تقديم التمييز عليه عند الجميع ، وذلك نحو «كفى بزيد رجلا» (١) ؛ فلا يجوز تقديم «رجلا» على «كفى» وإن كان فعلا متصرفا ؛ لأنه بمعنى فعل غير متصرف ، وهو فعل التعجب ؛ فمعنى قولك «كفى بزيد رجلا» ما أكفاه رجلا!.

__________________

(١) كفى : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. بزيد : الباء حرف جر زائد ، زيد : فاعل كفى مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. رجلا : تمييز منصوب بالفتحة الظاهرة.


أسئلة ومناقشات

١ ـ عرف التمييز تعريفا يبين أقسامه ويوضح المراد منه. ثم مثل له بأمثلة من عندك وأشر إلى الفرق بينه وبين الحال.

٢ ـ ما معنى تمييز المفرد؟ وما ناصبه؟ اذكر أنواعه بالتفصيل ممثلا لكل منها ..

٣ ـ اشرح تمييز الجملة ... واذكر ناصبه ... ثم بيّن ما يحوّل عنه ومثل لكل ما تقول ...

٤ ـ متى يجب نصب التمييز بعد أفعل التفضيل؟ ومتى يجب جره؟ ومن أيّ الأقسام هو؟ مثل لما تقول.

٥ ـ لم كثر التمييز بعد ما اقتضى التعجب؟ وهل هو تمييز نسبة أو مفرد؟ مثّل لكل ما تقول.

٦ ـ متى يجرّ التمييز (بمن)؟ ومتى يمتنع ذلك؟ مثل لما تقول.

٧ ـ متى يتقدم التمييز على عامله؟ ومتى لا يجوز ذلك مثّل. وما رأيك في تقديم التمييز في مثل قولهم «كفى بعليّ رجلا» ولماذا؟


تمرينات

١ ـ من أىّ أنواع التمييز ما يأتي؟

لله دره فارسا ـ ما أعظمه فارسا ـ هو أفضل الشجعان بطلا ـ هو أكثر مالا ـ حسبك به بطلا ـ أنت أسمى منزلة ـ غرست الأرض شجرا ـ عندي قيراط ذهبا ـ لي فدان أرضا ـ ما في السماء قدر راحة سحابا.

٢ ـ بيّن ما يجرّ (بمن) من التمييز وما لا يجر فيما يأتي : ـ (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ)(١) عُيُوناً ـ يا جارتا ما أنت جارة ـ (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً)(٢) ـ خالد أكثر إخوانه علما ـ ما أغزر البحر ماء ـ أنت أعلى منزلا ـ (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٣) ـ طاب علي خلقا ..

٣ ـ وضّح موضع الاستشهاد بما يأتي :

(وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)(٤) ـ (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٥).

أستغفر الله ذنبا لست محصيه

رب العباد إليه الوجه والعمل

أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعي المنون ينادي جهارا

__________________

(١) آية ١٢ سورة القمر.

(٢) آية ٦٠ سورة البقرة.

(٣) آية ٤ سورة مريم.

(٤) آية ١٠٩ سورة الكهف.

(٥) آية ٤٧ سورة الأنبياء.


٤ ـ بيّن فيما يأتي التمييز ونوعه وحكمه نصبا أو جرّا.

أكثر الناس كلاما أقلهم عملا.

أنعم به رجلا يقرن القول بالعمل.

خير الناس عملا من يرعى الله فيما يعمل.

فلله ما أكرمه مؤمنا

يستوى ظاهره وباطنه

٥ ـ أعرب البيت الآتي ... وبيّن الشاهد فيه :

يا سيدا ما أنت من سيّد

موطأ الأكناف رحب الذّراع


حروف الجر

عدد حروف الجر :

هاك حروف الجرّ ، وهي : من ، إلى

حتى ، خلا ، حاشا ، عدا ، في ، عن على (١)

مذ ، منذ ، ربّ ، اللام ، كى ، واو ، وتا

والكاف ، والبا ، ولعلّ ، ومتى

هذه الحروف العشرون كلّها مختصّة بالأسماء ، وهي تعمل فيها الجرّ ، وتقدّم الكلام على «خلا ، وحاشا ، وعدا» في الاستثناء ، وقلّ من ذكر «كى» و «لعلّ» و «متى» في حروف الجرّ.

كي الجارّة.

فأما «كى» فتكون حرف جرّ في موضعين (٢) :

أحدهما : إذا دخلت على «ما» الاستفهامية ، نحو «كيمه؟» أي

__________________

(١) هاك : ها : اسم فعل أمر بمعنى خذ مبني على السكون لا محل له. والكاف حرف خطاب. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. حروف : مفعول به لاسم الفعل منصوب بالفتحة وهو مضاف. الجر : مضاف إليه مجرور.

(٢) ذكر الأخفش موضعا ثالثا تكون فيه «كي» حرف جر ، وذلك عند ما تدخل على «ما» المصدرية وصلتها كقوله :

إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنما

يرجى الفتى كيما يضرّ وينفع

أي : يرجى الفتى للضر والنفع :


«لمه؟» ف «ما» استفهامية مجرورة بكي ، وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها ، وجيء بالهاء للسّكت.

الثاني : قولك : «جئت كى أكرم زيدا» (١) ف «أكرم» فعل مضارع منصوب ب «أن» بعد «كي» وأن والفعل مقدّران بمصدر مجرور ب «كي» والتقدير ؛ «جئت كي إكرام زيد» أي لإكرام زيد.

«لعل» حرف جر بلغة «عقيل» :

وأما لعلّ فالجرّ بها لغة عقيل ، ومنه قوله :

٥٥ ـ لعلّ أبي المغوار منك قريب (٢)

__________________

(١) في هذا المثال : «جئت كي أكرم زيدا» لا يتعيّن أن تكون «كي» جارة ، لاحتمال أن تكون مصدرية ناصبة بتقدير حرف جر قبلها وهو أولى لأن ظهور اللام كثير معها فالأولى الحمل عليه ، أما ظهور أن بعدها فضرورة. وبقي ثلاث حالات لكي من حيث اقترانها باللام قبلها وأن بعدها وهي :

(أ) أن تذكر أن بعدها ولا تسبقها اللام كقولك : «جئت كي أن أكرم زيدا» ففي هذه الحالة تكون جارة بمعنى اللام قطعا ، أي تعليلية.

(ب) أن تذكر اللام قبلها ولا تذكر بعدها أن كقولك «جئت لكي أكرم زيدا» فتكون مصدرية ناصبة بنفسها قطعا.

(ج) أن تقترن باللام وأن كقولك : «جئت لكي أن أكرم زيدا» فتكون في الأرجح جارة مؤكدة للام قبلها. والنصب بأن الظاهرة ، والمصدر المؤول مجرور باللام هكذا الأرجح. ويجوز أن تعرب : كي : مصدرية ناصبة ، وأن حرف مصدري ونصب مؤكد لكي والفعل منصوب بكي ، والمصدر المؤول من كي وما بعدها مجرور باللام.

(٢) هذا عجز بيت ، من قصيدة لكعب بن سعد الغنويّ يرثي بها أخاه هرما أو شبيبا المكني بأبي المغوار وصدر هذا العجز قوله :

فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة


وقوله :

٥٦ ـ لعلّ الله فضّلكم علينا

بشيء أنّ أمّكم شريم (١)

__________________

وقبله قوله :

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

المعنى : قلت للداعي الطالب للندى : ادع مرة أخرى وارفع صوتك بالنداء لعل هذا الرجل الكريم قريب منك فيجيبك كما كان يفعل في حياته.

الإعراب : قلت : فعل وفاعل. ادع : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الواو. وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. أخرى : مفعول مطلق منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وارفع : الواو عاطفة. ارفع فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. الصوت : مفعول به منصوب. جهرة : مفعول مطلق منصوب. لعل : حرف جر شبيه بالزائد. أبي : مبتدأ مرفوع بواو مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بالياء التي جلبها حرف الجر الشبيه بالزائد لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف المغوار : مضاف إليه مجرور منك : جار ومجرور متعلق بقريب. قريب : خبر المبتدأ «أبي» مرفوع بالضمة. الشاهد في قوله : «لعل أبي المغوار» : حيث جرت «لعلّ» ما بعدها «أبي» على لغة «عقيل»

(١) قائله : غير معروف. شريم : هي المرأة المفضاة التي صار مسلكاها واحدا. ويقال فيها أيضا : شروم وشرماء.

المعنى : أرجو أن يكون الله قد زادكم علينا بأن والدتكم مفضاة اختلط قبلها بدبرها ... وهو تهكم واستهزاء.

الإعراب : لعل : حرف جر شبيه بالزائد. الله : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. فضلكم : فضل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. والكاف مفعول به والميم علامة الجمع وجملة فضلكم في محل رفع خبر المبتدأ «الله» بشيء : جار ومجرور متعلق بفضلكم أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. أمكم : اسم أن منصوب وهو مضاف والكاف مضاف إليه والميم لجماعة الذكور شريم : خبر أن مرفوع ، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بدل من شيء.

الشاهد : في قوله : «لعل الله» حيث جرت «لعل» لفظ الجلالة على لغة عقيل.


ف «أبي المغوار» والاسم الكريم : مبتدآن و «قريب» و «فضّلكم» خبر ان ، و «لعل» حرف جر زائد (١) دخل على المبتدأ ؛ فهو كالباء في «بحسبك درهم». وقد روى على لغة هؤلاء في لامها الأخيرة الكسر والفتح وروي أيضا حذف اللام الأولى ؛ فتقول : «علّ» بفتح اللام وكسرها ...

«متى» حرف جر بلغة «هذيل» :

وأما متى فالجرّ بها لغة هذيل ، ومن كلامهم : «أخرجها متى كمّه» يريدون «من كمّه» ومنه قوله :

٥٧ ـ شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت

متى لجج خضر لهن نئيج (٢)

وسيأتي الكلام على بقية العشرين عند كلام المصنف عليها.

__________________

(١) هي حرف شبيه بالزائد لأنها تفيد الترجي والزائد لا يفيد شيئا غير التوكيد وإنما أشبهت الزائد في أنها لا تتعلق بشيء كما في المغنى وهي كالباء في «بحسبك درهم» في عدم التعلق فقط لا من كل وجه.

(٢) قائله : أبو ذويب الهذلي ، يصف السحاب. ترفّعت : تباعدت. لجج : جمع لجة وهي معظم الماء. نئيج : صوت عال.

المعنى : إن السحب شربت من ماء البحر وأخذت ماءها من لججه الخضر الغزيرة ولها في تلك الحالة صوت عال ثم تباعدت عنه.

الإعراب : شربن : فعل وفاعل ، شرب فعل ماض مبني على السكون ونون النسوة فاعل. بماء : جار ومجرور متعلق بشربن. البحر : مضاف إليه مجرور ، ثم : حرف عطف. ترفعت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي. متى : حرف جر بمعنى من. لجج : مجرور بمتى والجار والمجرور متعلق بترفعت. خضر : نعت لجج ومجرور مثله. لهن : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. نئيج : مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب حال من ضمير ترفعت «أي جماعة السحب» أو من نون شربن.

الشاهد : في قوله : متى لجج : حيث جاءت متى جارة على لغة هذيل.


«لولا» حرف جر عند سيبويه :

ولم يعدّ المصنف في هذا الكتاب «لولا» من حروف الجر ، وذكرها في غيره ومذهب سيبويه : أنها من حروف الجر (١) ، لكن لا تجرّ إلا المضمر ؛ فتقول : «لولاى ، ولولاك ، ولولاه» فالياء ، والكاف ، والهاء ـ عند سيبويه ـ مجرورات ب «لولا» (٢).

وزعم الأخفش أنها في موضع رفع بالابتداء ، ووضع ضمير الجر موضع ضمير الرفع فلم تعمل «لولا» فيها شيئا ، كما لا تعمل في الظاهر ، نحو «لولا زيد لأتيتك».

وزعم المبرد أن هذا التركيب ـ أعنى «لولاك» ونحوه ـ لم يرد من لسان العرب ، وهو محجوج بثبوت ذلك عنهم.

كقوله :

٥٨ ـ أتطمع فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن (٣)

__________________

(١) أي الشبيهة بالزائدة فلا تتعلق بشيء كربّ ولعلّ الجارة.

(٢) هي مجرورات في اللفظ مع كونها في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف ، فلها محلان على رأي سيبويه. وتعرب كما يلي : لولاي : لولا حرف امتناع لوجود وجر. وياء المتكلم مجرورة لفظا بلولا في محل رفع مبتدأ ، والخبر محذوف وجوبا تقديره «موجود».

(٣) قائله : عمرو بن العاص من قصيدة يخاطب معاوية بن أبي سفيان في شأن الحسن ابن علي. أراق : صبّ وأسال الأحساب : جمع حسب وهو ما يعدّ من المآثر.

المعنى : «أتطمع فينا يا معاوية من سفك دماءنا بالقتل ، ولولاك لم يتعرض الحسن ابن علي للقدح في أحسابنا».

الإعراب : أتطمع : الهمزة للاستفهام. تطمع مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. فينا : جار ومجرور متعلق بتطمع. من : اسم موصول في محل نصب مفعول به. أراق : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. دماءنا : مفعول به لأراق منصوب وهو مضاف ونا : مضاف إليه. وجملة أراق لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. ولولاك :


وقوله :

٥٩ ـ وكم موطن لولاي طحت كما هوى

بأجرامه من قنّة النّيق منهوي (١)

__________________

الواو استثنافية. لولا : حرف امتناع لوجود وجر : والكاف مجرور بها وهو في محل رفع مبتدأ. وخبره محذوف وجوبا. لم يعرض : لم حرف نفي وجزم وقلب : يعرض : مضارع مجزوم بلم بالسكون. لأحسابنا : جار ومجرور متعلق بيعرض وأحساب مضاف ونا مضاف إليه. حسن : فاعل يعرض مرفوع وسكن للروي. وجملة : لم يعرض حسن لا محل لها من الإعراب لوقوعها في جواب لولا.

الشاهد : في قوله : «ولولاك» حيث جرت لو لا الضمير كما هو مذهب سيبويه خلافا لما زعمه المبرد من أن هذا التركيب ونحوه فاسد لم يرد في لسان العرب.

(١) قائله : يزيد بن عبد الحكم بن أبي العاص الثقفي. موطن : مكان الإنسان ومقره ، ويطلق على مشهد من مشاهد الحرب كما هنا. طحت : سقطت وهلكت. أجرام : جمع جرم ـ كأحمال وحمل ـ وهو الجسد. القنّة : أعلى الجبل. النيّق : أرفع موضع في الجبل. منهوي : ساقط.

المعنى : «كثير من مشاهد الحرب لو لا وجودي معك فيها لهلكت وسقطت سقوط من يهوي من أعلى الجبل. بجميع جسمه في مهواه».

الإعراب : كم : خبرية بمعنى كثير مبنية على السكون في محل نصب على الظرفية متعلق بطحت. موطن : تمييز كم مجرور بالكسرة بإضافتها إليه. لولاي : لولا : حرف امتناع لوجود وجر. الياء ضمير مجرور بها وهو في محل رفع مبتدأ. وخبره محذوف وجوبا. طحت : فعل وفاعل كما : الكاف جارة ما : مصدرية. هوى : فعل ماض مبني على فتح مقدر. بأجرامه : جار ومجرور متعلق بهوى. وأجرام مضاف والهاء مضاف إليه من قنة : جار ومجرور متعلق بهوى. وقنة مضاف. النيق : مضاف إليه مجرور. منهوي : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بطحت التقدير : طحت كهوي منهو من قنة النيق. وجملة : طحت : لا محل لها من الإعراب لأنها واقعة في جواب لولا.

الشاهد : في قوله «لولاي» حيث جرت لو لا الضمير كما هو مذهب سيبويه خلافا لما زعمه المبرد من أن هذا التركيب لم يرد في لسان العرب.


حروف الجر المختصة بجر الظاهر :

بالظاهر اخصص : منذ ، مذ ، وحتى

والكاف ، والواو ، وربّ ، والتا

واخصص بمذ ومنذ وقتا وبربّ

منكّرا والتاء لله وربّ (١)

وما رووا من نحو «ربّه فتى»

نزر ، كذا «كها» ونحوه أتى (٢)

من حروف الجرّ ما لا يجر إلا الظاهر ، وهي هذه السبعة المذكورة في البيت الأول ؛ فلا تقول منذه ولا مذه ، وكذا الباقي ، ولا يجر «منذ ومذ» من الأسماء الظاهرة إلا أسماء الزمان ، فإن كان الزمان حاضرا كانت بمعنى «في» نحو : «ما رأيته منذ يومنا» ، وإن كان الزمان ماضيا كانت بمعنى «من» نحو : «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أي : من يوم الجمعة.

وسيذكر المصنف هذا في آخر الباب. وهذا معنى قوله : «واخصص بمذ ومنذ وقتا».

وأما «حتى» فسيأتي الكلام على مجرورها عند ذكر المصنف له ، وقد شذّ جرها للضمير ، كقوله :

__________________

(١) قوله «وبربّ منكرا» أي : اخصص بربّ الجارة الاسم النكرة. وقوله «والتاء لله وربّ» : هنا هو اسم الله جلّ جلاله. ومعنى الجملة : أن التاء الجارة لا تستعمل إلا في القسم ولا تجر إلا لفظ «الله» وقد تجر لفظ «ربّ» من أسماء الله.

(٢) ما : اسم موصول في محل رفع مبتدأ. رووا : روى فعل ماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين والألف مقلوبة عن ياء الأصل «رويوا» وواو الجماعة فاعل. والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. من نحو : جار ومجرور متعلق برووا. ربّه : ربّ : حرف جر شبيه بالزائد. والهاء مجرورة لفظا في محل رفع مبتدأ. فتى : تمييز للضمير منصوب. وخبر الضمير غير مذكور لأن الكلام غير تام ـ نزر : خبر المبتدأ «ما رووا» مرفوع. وجملة «ربه فتى» بقصد اللفظ في محل جر بالإضافة إلى نحو.


٦٠ ـ فلا والله لا يلفي أناس

فتى حتّاك يا ابن أبي زياد (١)

ولا يقاس على ذلك ، خلافا لبعضهم ، ولغة هذيل إبدال حائها عينا ، وقرأ ابن مسعود «فتربصوا به عتى حين» (٢) وأما الواو فمختصّة بالقسم ، وكذلك التاء ، ولا يجوز ذكر فعل القسم معهما ؛ فلا تقول : «أقسم والله» ولا «أقسم تالله». ولا تجر التاء إلا لفظ «الله» فتقول : «تالله لأفعلنّ» وقد سمع جرّها ل «ربّ» مضافا إلى «الكعبة» قالوا «تربّ الكعبة» وهذا معنى قوله : «والتاء لله وربّ» وسمع أيضا «تالرحمن» (وذكر الخفاف في شرح الكتاب أنهم قالوا : «تحياتك» وهذا غريب) ولا تجرّ «ربّ» إلا نكرة (٣) ، نحو «ربّ رجل عالم لقيت» (٤) وهذا

__________________

(١) قائله غير معروف. يلفي : يجد. المعنى : «أقسم بالله لا يجد الناس من يرجونه لمساعدتهم وتحقيق آمالهم حتى يجدوك ، عندئذ يجدون ضالتهم لأنك الفتى المرجىّ لكل ملمة».

الإعراب : لا : زائدة. والله : الواو للقسم. لفظ الجلالة مقسم به مجرور والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف وجوبا. لا : نافية يلفي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل. أناس : فاعله مرفوع. فتى : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة للتعذر. وجملة «لا يلفي أناس» لا محل لها من الإعراب جواب القسم. حتاك : حتى حرف جر والكاف في محل جر والجار والمجرور متعلق بيلفي. يا : حرف نداء ابن : منادى مضاف منصوب بالفتحة وهو مضاف. أبي ؛ مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. زياد : مضاف إليه مجرور.

الشاهد : في قوله : «حتاك» حيث جرت حتى المضمر وهو شاذ.

(٢) من الآية ٢٥ من سورة المؤمنون وهي : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ).

(٣) لا تتعلق رب بشيء وإنما تدخل لإفادة التكثير غالبا كحديث «يا ربّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة» أو التقليل قليلا كقول الشاعر :

ألا رب مولود وليس له أب

وذي ولد لم يلده أبوان

(٤) رب : حرف جر شبيه بالزائد. رجل : مفعول به مقدم للفعل لقيت منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ، عالم : نعت لرجل منصوب بفتحة مقدرة بسبب إتباعه لفظا لمتبوعه. لقيت : فعل وفاعل.


معنى قوله : «وبربّ منكرا» أي : واخصص بربّ النكرة ، وقد شذ جرّها ضمير الغيبة (١) كقوله :

٦١ ـ واه رأبت وشيكا صدع أعظمه

وربّه عطبا أنقذت من عطبه (٢)

كما شذ جر الكاف له ، كقوله :

__________________

(١) شذ جرها لضمير الغيبة قياسا ، مع كثرته في الاستعمال ، ويلزم هذا الضمير الإفراد والتذكير عند البصريين ، ويلزم تفسيره باسم مؤخر عنه مطابق للمعنى المراد فهو من تمييز المفرد نحو : ربه رجلا أو امرأة أو رجالا ، أو نساء.

(٢) قائله : غير معروف. واه : ضعيف ، وهو اسم فاعل من «وهي : ضعف» رأبت : أصلحت. وشيكا : سريعا. صدع : شقّ. عطبا : بكسر الطاء ـ الهالك والمراد منه هنا ، المشرف على الهلاك. عطبه : بفتح الطاء ـ مصدر عطب أي هلاكه.

المعنى : «رب شخص ضعيف جبرت كسر عظامه على وجه السرعة ورب إنسان قد أشرف على الهلاك خلصته وأبعدته منه».

الإعراب : واه : مجرور برب محذوفة وهو مبتدأ مرفوع تقديرا. رأبت : فعل وفاعل : وشيكا : مفعول مطلق منصوب. صدع : مفعول به منصوب وهو مضاف. أعظمه : مضاف إليه مجرور وهو مضاف والهاء ضمير «واه» في محل جر بالإضافة وجملة «رأبت .. صدع أعظمه» في محل رفع خبر المبتدأ «واه» وربه : الواو عاطفة رب : حرف جر شبيه بالزائد ، والضمير مجرور لفظا وفي محل رفع مبتدأ. عطبا تمييز الضمير المجرور برب منصوب ، أنقذت : فعل وفاعل. من عطبه : جار ومجرور متعلق بأنقذت وعطب مضاف. والهاء في محل جر مضاف إليه وجملة «أنقذت من عطبه» في محل رفع خبر المبتدأ المجرور برب.

الشاهد : في قوله : «وربه عطبا» حيث جرت رب الضمير وهو شاذ.


٦٢ ـ خلّى الذّنابات شمالا كثبا

وأمّ أو عال كها أو أقربا (١)

وقوله :

٦٣ ـ ولا ترى بعلا ولا حلائلا

كه ولا كهنّ إلا حاظلا (٢)

__________________

(١) قائله : العجاج يصف حمارا وحشيا. الذنابات : جمع ذنابة ـ بضم الذال ـ : الموضع الذي ينتحي إليه سيل الوادي. أو اسم لموضع معيّن شمالا ـ بكسر الشين ـ : الجهة المقابلة لجهة اليمين. كثبا : للقرب ، أم أوعال : اسم هضبة.

المعنى : أنّ هذا الحمار الوحشي ترك المواضع المسماة بالذنابات جهة شماله قريبات منه وترك هضبة أم أو عال مثل تلك المواضع أو جعلها أقرب منها إليه.

الإعراب : خلى : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» يعود إلى الحمار الوحشي. الذنابات : مفعول به أول منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. شمالا : ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف مفعول به ثان لخلى تقديره «مستقرة» كثبا : نعت لشمالا منصوب. وأم : الواو عاطفة ، أمّ : معطوف على الذنابات ومنصوب مثله وهو مضاف. أو عال : مضاف إليه مجرور كها : الكاف حرف جر ها ضمير متصل في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لخلى المقدر الذي دل عليه حرف العطف. والضمير «ها» عائد على الذنابات ، التقدير «وخلى أم أوعال قريبة كالذنابات» أو أقربا : أو حرف عطف أقرب معطوف على محل الجار والمجرور «كها» والألف للإطلاق.

الشاهد : في قوله : «كها» حيث جرت الكاف الضمير وهو شاذ.

(٢) قائله : رؤبة بن العجاج يصف حمارا وحشيا وأتنه. البعل : الزوج. الحلائل : جمع حليلة : الزوجة. حاظلا : مانعا.

المعنى : «لا ترى زوجا ولا زوجات مثل حمار الوحش وإناثه إلا كان الزوج مانعا أزواجه عن التطلع لغيره».

الإعراب : لا : نافية. ترى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. بعلا : مفعول به أول لترى منصوب. ولا ، الواو عاطفة لا : زائدة لتوكيد النفي. حلائلا : معطوف على بعلا منصوب. كه : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو حال لبعلا : ولا : الواو عاطفة لا : زائدة لتوكيد النفي.


وهذا معنى قوله : «وما رووا ـ البيت» أي : والذي روي من جر «ربّ المضمر» نحو «ربّه فتى» قليل ، وكذلك جرّ الكاف المضمر ، نحو «كها».

معاني «من» :

بعّض ، وبيّن ، وابتدىء في الأمكنة

بمن ، وقد تأتي لبدء الأزمنة

وزيد في نفي وشبهه فجرّ

نكرة ، ك «ما لباغ من مفرّ» (١)

تجيء «من» :

(أ) للتبعيض.

(ب) ولبيان الجنس.

(ج) ولابتداء الغاية : في غير الزمان كثيرا ، وفي الزمان قليلا.

(د) وزائدة.

فمثالها للتبعيض قولك : «أخذت من الدراهم» ومنه قوله تعالى :

__________________

كهن : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة أو حال لحلائل. إلا : أداة حصر. حاظلا : مفعول به ثان لترى منصوب.

الشاهد : في قوله : «كه ولا كهن» حيث جرت الكاف الضمير في الموضعين وهو شاذ مختص بالضرورة.

(١) ما لباغ : ما نافية مهملة ، لباغ : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. من : حرف جر زائد. مفر : مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وسكن للروي.


(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ)(١) ومثالها لبيان الجنس قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٢).

ومثالها لابتداء الغاية في المكان قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٣).

ومثالها لابتداء الغاية في الزمان قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ)(٤).

وقول الشاعر :

٦٤ ـ تخيّرن من أزمان يوم حليمة

إلى اليوم قد جرّبن كلّ التجارب (٥)

__________________

(١) من الآية ٨ من سورة البقرة وهي «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ».

(٢) من الآية ٣٠ من سورة الحج وهي «ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ».

(٣) الآية ١ من سورة الإسراء وتمامها «الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

(٤) من الآية ١٠٨ من سورة التوبة وهي : «لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ».

(٥) قائله : النابغة الذبياني من قصيدة يمدح بها النعمان بن الحارث. وقبل البيت قوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

يوم حليمة : من أيام العرب المشهورة وقعت فيه حرب بين غسّان ولخم ، وحليمة هي بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان ، وأضيف اليوم إليها ، لأنها ـ لما وجه أبوها الجيش إلى المنذر بن ماء السماء اللخمي ـ جاءت إلى الفرسان بإناء مملوء من الطيب وطيبتهم به. فقالوا : ما يوم حليمة بسرّ.


ومثال الزائدة : «ما جاءني من أحد» ولا تزاد ـ عند جمهور البصريين إلا بشرطين :

أحدهما : أن يكون المجرور بها نكرة.

الثاني : أن يسبقها نفي أو شبهه ، والمراد بشبه النفي : النهي ، نحو «لا تضرب من أحد» والاستفهام نحو «هل جاءك من أحد» ، ولا تزاد في الإيجاب ، ولا يؤتى بها جارّة لمعرفة ؛ فلا تقول : «جاءني من زيد» خلافا للأخفش ، وجعل منه قوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)(١).

وأجاز الكوفيون زيادتها في الإيجاب بشرط تنكير مجرورها ، ومنه عندهم : «قد كان من مطر» أي ؛ قد كان مطر.

الحروف الدالة على انتهاء الغاية :

للانتها ؛ حتى ، ولام ، وإلى

ومن وباء يفهمان بدلا

يدلّ على انتهاء الغاية : إلى وحتى ، واللام ، والأصل من هذه الثلاثة

__________________

المعنى : إن هذه السيوف قد اختيرت من زمن الوقعة المذكورة لجودتها وقد تم امتحانها غير مرة ..

الإعراب : تخيرن : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ، والنون في محل رفع نائب فاعل. من أزمان : جار ومجرور متعلق بتخيرن وهو مضاف. يوم : مضاف إليه مجرور وهو مضاف. حليمة ، مضاف إليه مجرور وهو مجرور بالكسرة ضرورة لأنه ممنوع من الصرف حقه أن يجر بالفتحة. إلى اليوم ، جار ومجرور متعلق بتخيرن. قد جربن : قد حرف تحقيق ، جربن : فعل ماض مبني للمجهول مبني على السكون ونون النسوة نائب فاعل. كل : مفعول مطلق منصوب وهو مضاف. التجارب : مضاف إليه مجرور وجملة «قد جربن» في محل نصب على الحال من نائب الفاعل في تخيرن.

الشاهد : في قوله «تخيرن من أزمان يوم حليمة» حيث جاءت من لابتداء الغاية في الأزمنة.

(١) من الآية ٣١ من سورة الأحقاف وهي : «يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ».


«إلى» فلذلك تجر الآخر وغيره ، نحو «سرت البارحة إلى آخر الليل ، أو إلى نصفه» ولا تجر «حتى» إلا ما كان آخرا أو متصلا بالآخر ، كقوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(١) ولا تجرّ غيرهما ؛ فلا تقول : «سرت البارحة حتى نصف الليل» واستعمال اللام للانتهاء قليل ، ومنه قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى)(٢).

ويستعمل «من» والباء بمعنى «بدل» فمن استعمال من بمعنى بدل قوله عزوجل : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ)(٣) أي بدل الآخرة ، وقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ)(٤) أي بدلكم.

وقول الشاعر :

٦٥ ـ جارية لم تأكل المرقّقا

ولم تذق من البقول الفستقا (٥)

__________________

(١) الآية ٥ من سورة القدر.

(٢) من الآية ٢ من سورة الرعد وهي «اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ».

(٣) من الآية ٣٨ من سورة التوبة وهي «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ».

(٤) الآية ٦٠ من سورة الزخرف.

(٥) قائله : أبو نخيله يعمر بن حزن السعدي. المرقّق : على صيغة اسم المفعول ـ الرغيف الواسع الرقيق. البقول : جمع بقل : وهو كل نبات اخضرّت به الأرض الفستق : ثمر شجر معروف ـ في حلب ـ شمال سورية وفي تركية ـ وهو معروف باسم «الفستق الحلبي».

المعنى : «إن هذه الفتاة بدوية لا تعرف التنعّم والترفّه فلم تأكل المرقّق من الخبز ولم تذق الفستق بدل البقول».


أي : بدل البقول.

ومن استعمال الباء بمعنى بدل ما ورد في الحديث : «ما يسرّني بها حمر النّعم» أي بدلها ، وقول الشاعر :

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا

شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (١)

معاني اللام :

واللام للملك ، وشبهه ، وفي

تعدية أيضا وتعليل قفي

وزيد ، والظرفية استبن ببا

و «في» وقد يبيّنان السّببا

تقدم أن اللام :

(أ) تكون للانتهاء ، وذكر هنا أنها تكون :

(ب) للملك (٢) ، نحو (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(٣) ، و «المال لزيد».

__________________

الإعراب : جارية : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هي مرفوع بالضمة. لم تأكل : لم حرف نفي وجزم وقلب ، تأكل مضارع مجزوم بلم بالسكون ، وحرك بالكسر تخلصا من التقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». المرققا : مفعول به منصوب بالفتحة ، والألف للإطلاق ، وجملة «لم تأكل» في محل رفع صفة لجارية. ولم تذق : الواو عاطفة ، لم حرف نفي وجزم وقلب ، تذق : مضارع مجزوم بلم بالسكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هي». من البقول : جار ومجرور متعلق بتذق. الفستق : مفعول به لتذق منصوب بالفتحة ، وجملة «لم تذق» معطوفة على جملة «لم تأكل» فهي في محل رفع مثلها.

الشاهد : في قوله : «ولم تذق من البقول» حيث استعملت من بمعنى بدل.

(١) سبق الكلام على هذا الشاهد في بحث المفعول له في الصفحة ١٢٥.

والشاهد فيه ـ هنا ـ قوله : «فليت لي بهم» حيث استعملت الباء بمعنى بدل.

(٢) لام الملك هي الواقعة بين ذاتين ثانيهما يملك ، كالمثالين : فالله مالك ما في السموات ، وزيد يملك المال.

(٣) من الآية ٢٨٤ من سورة البقرة وهي : «لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ».


(ج) ولشبه الملك (١) ، نحو «الجلّ للفرس» و «الباب للدار».

(د) وللتعدية ، نحو «وهبت لزيد مالا» ومنه قوله تعالى : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٢).

(ه) وللتعليل ، نحو «جئتك لإكرامك» وقوله :

٦٦ ـ وإني لتعروني لذكراك هزّة

كما انتفض العصفور بلّله القطر (٣)

__________________

(١) شبه الملك هو الاختصاص ولامه تقع بين ذاتين ثانيهما لا يملك.

(٢) عقب ابن هشام في المغني على أمثلة التعدية بقوله : «والأولى عندي أن يمثل للتعدية بنحو : ما أضرب زيدا لعمرو ما أحبه لبكر».

والآيتان ٥ و ٦ من سورة مريم وهما : «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا».

(٣) قائله : أبو صخر عبد الله بن سلمة الهذلي من شعراء الدولة الأموية. تعروني : تصيبني. هزة : نشاط وارتياح.

المعنى : إني ليصيبني لأجل ذكراك نشاط وارتياح واضطراب كاضطراب العصفور ونشاطه إذا بلّله القطر.

الإعراب : إني : إن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر وياء المتكلم اسمها في محل نصب. لتعروني : اللام للابتداء. تعرو مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو للثقل ، والنون للوقاية. والياء مفعول به مقدم. لذكراك : جار ومجرور متعلق بتعرو وذكر مضاف والكاف مضاف إليه. هزة : فاعل مؤخر لتعرو مرفوع. وجملة تعروني هزة في محل رفع خبر إن. كما : الكاف حرف جر : ما : مصدرية. انتفض ، فعل ماض مبني على الفتح. العصفور : فاعله مرفوع ، وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لهزة بلّله : بلل فعل ماض مبني على الفتح. والهاء مفعول به مقدم. القطر : فاعل مؤخر مرفوع. والجملة في محل نصب حال من العصفور.

الشاهد : في قوله : «لذكراك» حيث استعملت اللام للتعليل.


(و) وزائدة : قياسا (١) نحو «لزيد ضربت» ومنه قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٢) وسماعا (٣) نحو «ضربت لزيد». وأشار بقوله :

«والظرفية استبن ـ إلى آخره» إلى معنى الباء و «في» ؛ فذكر أنهما اشتركا في إفادة الظرفية والسببية ، فمثال الباء للظرفية قوله تعالى : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ)(٤) أي : وفي الليل ، ومثالها للسببية قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً)(٥) ومثال «في» للظرفية قولك «زيد في المسجد» وهو الكثير فيها ، ومثالها للسببية قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ، فلا هي أطعمتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».

معاني الباء :

بالبا استعن ، وعدّ عوّض ، ألصق

ومثل مع ، ومن ، وعن ، بها انطق

تقدم أن الباء تكون :

(أ) للظرفية.

(ب) وللسببية ، وذكر هنا أنها تكون :

(ج) للاستعانة (٦) ، نحو «كتبت بالقلم ، وقطعت بالسكين».

__________________

(١) هي المسماة لام التقوية وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف إما بتأخره كمثالي الشارح ، وكقوله تعالى : (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) أو بكونه فرعا في العمل نحو (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).

(٢) من الآية ٤٣ من سورة يوسف.

(٣) هي اللام المتعرضة بين الفعل المتعدي ومفعوله وفائدتها التوكيد.

(٤) الآيتان ١٣٧ و ١٣٨ من سورة الصافات وتتمتها «أَفَلا تَعْقِلُونَ».*

(٥) الآية ١٦٠ من سورة النساء.

(٦) هي الداخلة على آلة الفعل فلذا تسمى «باء الآلة».


(د) وللتعدية (١) ، نحو «ذهبت بزيد» ومنه قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٢).

(ه) وللتعويض (٣) ، نحو «اشتريت الفرس بألف درهم» ومنه قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ)(٤).

(و) وللإلصاق (٥) ، نحو «مررت بزيد».

(ز) وبمعنى «مع» (٦). نحو «بعتك الثوب بطرازه» أي : مع طرازه.

(ح) وبمعنى «من» كقوله : «شربن بماء البحر» (٧) أي من ماء البحر.

(ط) وبمعنى «عن» نحو (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ)(٨) أي : عن عذاب.

__________________

(١) هي تعدية الفعل إلى مفعول كان قاصرا عنه بأن كان قبلها فاعلا فتصيره مفعولا ، فهي كالهمزة في ذلك ، وأكثر ما تعديه الفعل القاصر نحو «ذهبت بزيد» أي أذهبته ، ولذا قرئت الآية : «أذهب الله نورهم».

(٢) من الآية ١٧ من سورة البقرة وهي «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ».

(٣) وتسمى «باء المقابلة» وهي الداخلة على الأعواض والأثمان ففيها مقابلة شيء بشيء ، أي دفع بشيء وأخذ آخر في مقابله.

(٤) صدر الآية ٨٦ من سورة البقرة وتمامها «.. فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ».

(٥) هذا المعنى لا يفارقها ولذا اقتصر عليه سيبويه ، ثم الإلصاق إما حقيقي مثل «أمسكت بزيد» إذا قبضت على جسمه أو ما يحبسه أو ما يجسه من ثوب أو غيره ، أو مجازي كمثال الشارح «مررت بزيد» فإن فيه الصاق المرور بمكان يقرب من زيد لا بزيد نفسه.

(٦) أي المصاحبة ، فذكر الشارح لها بعد مكرر ، وعلامتها أن يصلح في موضعها «مع» ويغني عنها وعن مدخولها الحال كقوله تعالى (اهْبِطْ بِسَلامٍ) أي مع سلام أو مسلما.

(٧) سبق الكلام عن البيت كاملا في صفحة ٢٣٣.

(٨) الآية الأولى من سورة المعارج «سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ».


(ي) وتكون الباء أيضا للمصاحبة ، نحو (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)(١) أي : مصاحبا حمد ربك.

__________________

(١) الآية ٣ من سورة النصر وهي «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً». قال في المغني : «وقد اختلف في الباء من قوله تعالى : «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ». فقيل : للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول ، أي سبحه حامدا له ، أي نزهه عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به. وقيل : للاستعانة والحمد مضاف للفاعل ، أي سبحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه بمحمود».


أسئلة ومناقشات

١ ـ بيّن متى تستعمل (كي) حرف جر؟ اذكر موضعها ممثلا لما تقول.

٢ ـ ترد «لعل» جارة في لغة بعض القبائل فما إعرابها حينئذ؟ وما معناها؟ وكيف تعرب ما بعدها؟ مثل لذلك.

٣ ـ ما شرط مجرور (مذ ومنذ)؟ وما معناهما؟ مثل لما تقول.

٤ ـ اذكر أربعة من حروف الجر الخاصة بجر الاسم الظاهر ومثل لها واذكر معناها مع التمثيل لما تقول.

٥ ـ ما شرط مجرور كلّ من (ربّ ، والواو) وما معناهما؟ وكيف تعربهما؟ مثّل لما تقول.

٦ ـ تأتي (من) الجارة لمعان كثيرة اذكر منها أربعة ومثل لها ..

٧ ـ اذكر شرط زيادة (من) وأورد أمثلة على ذلك .. وإن كان هناك خلاف في بعض الشروط فاذكره ..

٨ ـ ما الحروف التي تدل على انتهاء الغاية؟ وأيها أصل في هذا الباب؟ وما شرط المجرور بها؟ مثل لذلك بأمثلة من عندك.

٩ ـ تأتي اللام الجارة لمعان كثيرة منها (الملكية ـ الاختصاص ـ الاستحقاق) افرق بين هذه المعاني ومثل لهما.

١٠ ـ اذكر حرفين من حروف الجر يفيدان التعدية ومثل لكل منهما. ثم اذكر أصل مدخولهما.

١١ ـ اذكر ثلاثة حروف تفيد الظرفية والسببية ومثّل لها في جمل من عندك.


١٢ ـ تأتي باء الجر لمعان كثيرة اذكر منها خمسة ومثل لها وما ذا أفادت الباء في قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ (١) بِعَذابٍ ـ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ (٢) بِالْهُدى)؟

__________________

(١) آية : ١ سورة المعارج.

(٢) آية ١٦ سورة البقرة.


تمرينات

١ ـ بيّن معنى حروف الجر فيما يأتي : قال تعالى : ـ

«يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ (١) خَفِيٍ ـ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢) ـ هَلْ تَرى (٣) مِنْ فُطُورٍ ـ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ (٤) مِنَ الْأَوْثانِ ـ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ (٥) رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ـ ذَهَبَ اللهُ (٦) بِنُورِهِمْ ـ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ (٧) ـ وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٨) ـ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ (٩) طَبَقٍ).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة».

٢ ـ هات أمثلة لثلاثة حروف تفيد : (الإلصاق ـ التأكيد ـ التبعيض)

٣ ـ قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى

__________________

(١) آية ٤٥ سورة الشورى.

(٢) آية ٣٢ سورة النحل.

(٣) آية ٣ سورة الملك.

(٤) آية ٣٠ سورة الحج.

(٥) آية ٣ سورة النصر.

(٦) آية ١٧ سورة البقرة.

(٧) آية ١٩٨ سورة البقرة.

(٨) آية ٤٦ سورة فصلت.

(٩) آية ١٩ سورة الانشقاق.


جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ ـ وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ـ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(١).

أجب عما يأتي : ـ

(أ) تشتمل الآيات على حروف جر كثيرة .. بيّن معنى كل واحد منها.

(ب) اذكر متعلّق كل جار ومجرور في الآيات ..

(ج) أعرب ما تحته خط منها ..

__________________

(١) الآيات ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ سورة الشورى.


معاني على وعن

على للاستعلا ، ومعنى «في» و «عن»

ب «عن» تجاوزا عنى من قد فطن

وقد تجي موضع «بعد» و «على»

كما «على» موضع «عن» قد جعلا

تستعمل على :

(أ) للاستعلاء كثيرا ، نحو «زيد على السطح».

(ب) وبمعنى «في» نحو قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها)(١) أي في حين غفلة.

وتستعمل «عن» :

(أ) للمجاوزة كثيرا ، نحو «رميت عن القوس».

(ب) وبمعنى «بعد» نحو قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٢) أي : بعد طبق.

(ج) وبمعنى «على» نحو قوله :

__________________

(١) صدر الآية ١٥ من سورة القصص وتتمتها «.. فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ».

(٢) الآية ١٩ من سورة الانشقاق.


٦٧ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عني ، ولا أنت ديّاني فتخزوني (١)

أي لا أفضلت في حسب علي.

كما استعملت «على» بمعنى «عن» في قوله :

٦٨ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها (٢)

أي : إذا رضيت عني.

__________________

(١) قائله : ذو الاصبع العدواني ـ أفضلت : زدت. دياني : مالكي القائم بأمري. تخزوني : تقهرني وتسوسني.

المعنى : «لله در ابن عمك فلقد حاز من الفضائل ما يحق أن يذعن به إليه ، وأما. أنت فلم تزد علي في الحسب والمناقب ولست مالك أمري حتى تسوسني وتقهرني».

الإعراب : لاه : أصله «لله ـ جار ومجرور ، حذف حرف الجر وبقي عمله وحذف اللام الأولى من لفظ الجلالة وكلاهما شاذ ـ والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. ابن : مبتدأ مؤخر مرفوع وهو مضاف. عمك : مضاف إليه مجرور وهو مضاف والكاف مضاف إليه في محل جر. لا : نافية أفضلت : فعل وفاعل ، أفضل فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل. في حسب : عني : جاران ومجروران متعلقان بأفضلت. ولا : الواو عاطفة لا زائدة لتأكيد النفي. أنت : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ دياني : خبره مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل الياء. وياء المتكلم مضاف إليه. فتخزوني الفاء سببية. تخزوني مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء وسكنت الواو تخفيفا وللقافية ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت والنون للوقاية. والياء في محل نصب مفعول به.

الشاهد : في قوله : «لا أفضلت في حسب عني» حيث استعملت عن بمعنى على.

(٢) قائله : القحيف العقيلي ، من قصيدة يمدح فيها حكيم بن المسيب القشيريّ.

المعنى : «إذا رضيت عني قبيلة قشير فإني والله أستحسن رضاها وأعتز به».

الإعراب : إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق


معاني الكاف :

شبّه بكاف وبها التعليل قد

يعنى ، وزائدا لتوكيد ورد

تأتي الكاف :

(أ) للتشبيه كثيرا ، كقولك «زيد كالأسد».

(ب) وقد تأتي للتعليل ، كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ)(١) أي لهدايته إيّاكم.

(ج) وتأتي زائدة للتوكيد ، وجعل منه قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) أي ليس مثله شيء. ومما زيدت فيه قول رؤبة :

__________________

بالجواب أعجبني. رضيت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. على : جار ومجرور متعلق برضي. بنو : فاعل رضي مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. قشير : مضاف إليه مجرور وجملة «رضيت بنو قشير» في محل جر بإضافة إذا إليها. لعمر الله. اللام للابتداء. عمر : مبتدأ مرفوع بالضمة. وهو مضاف. الله : لفظ الجلالة مضاف إليه. وخبر المبتدأ محذوف وجوبا ـ بعد مبتدأ صريح في القسم ـ تقديره «قسمي» أعجبني : فعل ماض مبني على الفتح ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم في محل نصب مفعول به. رضاها : فاعل أعجب مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، وهو مضاف. ها. مضاف إليه في محل جر. وجملة «أعجبني رضاها» لا محل لها من الإعراب لأنها واقعة في جواب شرط غير جازم وهو «إذا» وجواب القسم محذوف دل عليه جواب إذا المذكور.

الشاهد : في قوله : «إذا رضيت عليّ» حيث استعملت على بمعنى عن.

(١) من الآية ١٩٨ من سورة البقرة وهي : «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ».

(٢) من الآية ١١ من سورة الشورى وهي : «فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».


٦٩ ـ لواحق الأقراب فيها كالمقق (١).

أي : فيها المقق ، أي : الطول ، وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب : كيف تصنعون الأقط؟

فقال : كهين ، أي : هينا.

استعمال الكاف وعن وعلى أسماء :

واستعمل اسما ، وكذا ، «عن» و «على»

من أجل ذا عليهما من دخلا

استعمل الكاف اسما قليلا ، كقوله :

٧٠ ـ أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط

كالطّعن يذهب فيه الزيت والفتل (٢)

__________________

(١) قائله : رؤبة بن العجاج يصف الخيل أو الأتن : لواحق : جمع لاحق بمعنى ضامر. الأقرب : جمع قرب ـ كعنق وقفل ـ الخاصرة المقق. الطول الفاحش مع رقة.

المعنى : إن هذه الخيول ضوامر الخواصر وفيها طول.

الإعراب : لواحق : خبر مبتدأ محذوف تقديره «هي» مرفوع بالضمة ، وهو مضاف. الأقراب : مضاف إليه مجرور. فيها : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. كالمقق : الكاف حرف جر زائد. المقق : مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد وسكن للروي وجملة «فيها المقق» في محل رفع خبر ثان للمبتدأ المحذوف.

الشاهد : في قوله : «كالمقق» حيث استعملت الكاف زائدة.

(٢) قائله : الأعشى ميمون بن قيس من قصيدته التي مطلعها :

ودّع هريرة إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا أيها الرجل

الشطط : الجور والظلم. يذهب فيه : يغيب فيه. الفتل : جمع فتيلة يداوي بها الجرح.


فالكاف : اسم مرفوع على الفاعلية ، والعامل فيه ينهى ، والتقدير : ولن ينهى ذوي شطط مثل الطعن.

واستعملت «على» و «عن» اسمين عند دخول «من» عليهما ، وتكون «على» بمعنى «فوق» و «عن» بمعنى «جانب» ومنه قوله :

٧١ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (١)

__________________

المعنى : «لم تر تدعوا عن غيكم بالنصح الجميل ، ولا ينهي الظالم عن ظلمه مثل الطعن الشديد الذي تكون جراحه غائرة يغيب فيها الزيت والفتل التي توضع في الجرح لتجفيفه ومداواته».

الإعراب : أتنتهون : الهمزة للاستفهام ، تنتهون مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل. ولن : الواو حالية. لن حرف نفي ونصب. ينهى : مضارع منصوب بلن بفتحة مقدرة على الألف. ذوي : مفعول به مقدم منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. شطط : مضاف إليه مجرور. كالطعن : الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل رفع فاعل ينهى مؤخر ، وهو مضاف ـ الطعن : مضاف إليه مجرور. وجملة «لن ينهى ذوي شطط كالطعن» في محل نصب حال من فاعل «تنتهون». يذهب : مضارع مرفوع. فيه : جار ومجرور متعلق بيذهب. الزيت : فاعل يذهب مرفوع والفتل : معطوف بالواو على الزيت ومرفوع مثله. وجملة «يذهب فيه الزيت» في محل نصب حال من الطعن.

الشاهد : في قوله : «ولن ينهى ذوي شطط كالطعن» حيث استعملت الكاف اسما بمعنى مثل وهو قليل.

(١) قائله : مزاحم بن الحارث العقيلي. والضمير في «غدت» عائد على القطاة في بيت سابق وضمير عليه عائد على الفرخ الذي أفرخته القطاة. الظمء ـ بوزن حمل ـ مدة الصبر عن الماء وهو ما بين الشربين. تصل : تصوّت من جوفها من شدة العطش. القيض : القشر الأعلى من البيض بزيزاء : الأرض الغليظة. مجهل : القفر الذي يجعله السائر لخلوه عن الأعلام التي يهدى بها.

المعنى : إن هذه القطاة بعد ما تمت مدة صبرها عن الماء طارت من فوق فرخها وهي تصوّت من جوفها لبعد عهدها بالماء وطارت أيضا عن بيضها في أرض غليظة


أي : غدت من فوقه ، وقوله :

٧٢ ـ ولقد أراني للرماح دريئة

من عن يميني تارة وأمامي (١)

أي : من جانب يميني.

__________________

قفرة خالية من الأعلام التي يهتدى بها ، وهي مع ذلك ترجع إلى محلها لا تخطىء الطريق.

الإعراب : غدت : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة تخلصا من التقاء الساكنين ، والتاء للتأنيث. وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. من عليه : من حرف جر على اسم بمعنى فوق مبني على السكون في محل جر وعلى مضاف والها مضاف إليه ، والجار والمجرور متعلق بغدت. بعد : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بغدت. ما : حرف مصدري. تم : فعل ماض مبني على الفتح. ظمؤها : فاعل تم مرفوع بالضمة وهو مضاف ، وها في محل جر بالإضافة. وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة إلى «بعد» التقدير : «بعد تمام ظمئها» تصل : مضارع مرفوع ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي والجملة في محل نصب حال من ضمير غدت. وعن قيض : الواو عاطفة. عن قيض جار ومجرور متعلق بغدت ومعطوف على «من عليه» بزيزاء : الباء جارة زيزاء مجرورة بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لقيض. مجهل : صفة لزيزاء مجرور.

الشاهد : في قوله : «من عليه» حيث استعملت «على» اسما بمعنى فوق وجرّت بمن.

(١) قائله : قطري بن الفجاءة. الدريئة : الحلقة التي يتعلم عليها الرمي والطعن.

المعنى : إنني لا أتهيب لقاء الفرسان بل أتلقى رماح العدو برباطة جأش وهي مسددة نحوي تحيط بي من كل جهة.

الإعراب : لقد : اللام واقعة في جواب قسم محذوف. قد : حرف تحقيق. أراني : أرى مضارع مرفوع بضمة مقدرة وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا ، والنون للوقاية. والياء مفعول أول لأرى ـ القلبية ـ للرماح ، جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من دريئة. دريئة : مفعول به ثان لأرى منصوب. وجملة «أراني دريئة» لا محل لها من الإعراب لوقوعها في جواب القسم. من عن : من حرف جر. عن اسم بمعنى جانب مبني على السكون في محل جر. والجار والمجرور متعلق


مذ ومنذ اسمان وحرفا جر :

و «مذ» و «منذ» اسمان حيث رفعا

أو أوليا الفعل ك «جئت مذ دعا» (١)

وإن يجرّا في مضيّ فكمن

هما. وفي الحضور معنى «في» استبن (٢)

(أ) تستعمل «مذ ومنذ» اسمين إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا ، أو وقع بعدهما فعل ، فمثال الأول : «ما رأيته مذ يوم الجمعة»

__________________

بمحذوف حال من الرماح. وعن مضاف. يميني : مضاف إليه مجرور وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. تارة : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من الرماح. وأمامي : الواو عاطفة. أمامي معطوف على يميني ومجرور مثله وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه.

الشاهد : في قوله : «من عن يميني» حيث استعملت عن اسما بمعنى جانب وجرت بمن.

(١) مذ : مبتدأ بقصد لفظه. ومنذ : معطوف على مذ وله حكمه ـ الرفع ـ اسمان : خبر المبتدأ ومعطوفه مرفوع بالألف لأنه مثنى والنون عوض عن التنوين في المفرد. حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بمحذوف حال من مذ ومنذ. رفعا : فعل ماض وفاعله والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها. أو : عاطفة. أوليا : أولي. فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، والألف نائب فاعل وهي مفعوله الثاني. الفعل : مفعول أول لأولي ـ لأنه الفاعل في المعنى ـ أي جعل الفعل واليا لهما ـ وجملة «أوليا الفعل» معطوفة على جملة رفعا ، فهي مثلها في محل جر ، جئت : فعل وفاعل. مذ : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بجئت. وهو مضاف إلى جملة «دعا».

(٢) إن : حرف شرط جازم يجرا : مضارع مجزوم بإن فعل الشرط علامة جزمه حذف النون والألف فاعل : في مضى : جار ومجرور متعلق بيجرا فكمن : الفاء واقعة في جواب الشرط كمن جار ومجرور بقصد اللفظ متعلق بمحذوف خبر مقدم. هما : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ مؤخر وجملة «هما كمن» في محل جزم جواب الشرط.


أو «مذ شهرنا» ف «مذ» مبتدأ خبره ما بعده (١) ، وكذلك «منذ» وجوّز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما ، ومثال الثاني «جئت مذ دعا» ف «مذ» اسم منصوب المحل على الظرفية ، والعامل فيه جئت (٢).

(ب) وإن وقع ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر : بمعنى «من» إن كان المجرور ماضيا ، نحو «ما رأيته مذ يوم الجمعة» أي : من يوم الجمعة ، وبمعنى «في» إن كان حاضرا نحو «ما رأيته مذ يومنا» أي : في يومنا.

زيادة «ما» بعد «من ، وعن ، والباء» :

وبعد «من وعن وباء» زيد «ما»

فلم يعق عن عمل (٣) قد علما

تزاد «ما» بعد «من وعن» والباء ، فلا تكفّها عن العمل (٤) ، كقوله تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا)(٥) وقوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(٦). وقوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٧).

__________________

(١) الذي سوغ الابتداء بمذ ومنذ كونهما معرفتين في المعنى ، ومعنى المثال السابق :

أول مدة عدم الرؤية يوم الجمعة ، أو شهرنا.

(٢) فهو ظرف لمضمون ما قبله ، ومضاف للجملة بعده ، فعلية كانت كمثال الشارح أو اسمية كقول الشاعر :

فما زلت أبغي الخير مذ أنا يافع

وليدا وكهلا حين شبت وأمردا

(٣) العمل في كلام ابن مالك والشارح هو الجر ، فيبقى لهذه الحروف الثلاثة عملها في جر الاسم الذي بعدها مع زيادة ما بين الجار والمجرور.

(٣) العمل في كلام ابن مالك والشارح هو الجر ، فيبقى لهذه الحروف الثلاثة عملها في جر الاسم الذي بعدها مع زيادة ما بين الجار والمجرور.

(٤) الآية ٢٥ من سورة نوح وتمامها : «فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً».

(٥) الآية ٤٠ من سورة المؤمنين ، وصدرها «قالَ عَمَّا».

(٦) الآية ١٥٩ من سورة آل عمران وهي «فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ».


زيادة «ما» بعد «رب والكاف» :

وزيد بعد «ربّ والكاف» فكفّ

وقد يليهما وجرّ لم يكفّ (١)

تزاد «ما» بعد الكاف وربّ ، فتكفّهما عن العمل ، كقوله :

٧٣ ـ فإنّ الحمر من شرّ المطايا

كما الحبطات شرّ بني تميم (٢)

__________________

(١) ضمير «زيد» المستتر يعود على «ما» في البيت السابق ، وفاعل «تليهما» يعود على «ما» أيضا تقدير البيت : «زيد لفظ ما بعد رب والكاف فكفهما عن الجر ، وقد تليهما ما الزائدة من غير أن تكفهما عن الجر». وروي البيت في طبعة دار الكتب المصرية لمتن الألفية «وقد يليهما» بجعل ضمير «ما» مذكرا مثله في «زيد» وهذا أفضل.

(٢) قائله : زياد الأعجم. الحمر : بضمتين جمع حمار ، وسكنت الميم في البيت للضرورة. المطايا : جمع مطية الدابة يركب مطاها أي ظهرها. الحبطات : أولاد الحارث بن عمرو بن تميم ، وقد سمي أبوهم الحارث حبطا لأنه كان في سفر فأكل من نبت يقال له الحندقوق فانتفخ بطنه ، فحمل أولاده هذا الاسم.

المعنى : «إن الحمير من شر الدواب المركوبة كما أن الحبطات الذين هم من نسل الحارث المذكور شر قبيلة بني تميم».

الإعراب : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. الحمر : اسمها منصوب. من شر : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر إن ، وشر مضاف. المطايا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة. كما : الكاف حرف جر. ما زائدة كفت الكاف عن الجر. الحبطات : مبتدأ مرفوع بالضمة. شر : خبر مرفوع بالضمة وهو مضاف. بني : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وهو مضاف. تميم مضاف إليه مجرور.

الشاهد : في قوله : «كما الحبطات ..» حيث زيدت ما بعد الكاف فكفتها عن العمل.


وقوله :

٧٤ ـ ربّما الجامل المؤبّل فيهم

وعناجيج بينهنّ المهار (١)

وقد تزاد بعدهما ، فلا تكفّهما عن العمل ، وهو قليل ، كقوله :

٧٥ ـ ماويّ يا ربّتما غارة

شعواء كاللّذعة بالميسم (٢)

__________________

(١) قائله : أبو دواد الإيادي. الجامل : القطيع من الإبل. المؤبل : المعدّ للقنية. عناجيج : جياد الخيل مفردها عنجوج ـ بوزن عصافير وعصفور ـ المهار : جمع مهر وهو ولد الفرس والأنثى مهرة.

المعنى : ربما وجد فيهم القطيع من الإبل المعد للقنية وجياد الخيل التي بينها أولادها.

الإعراب : ربما : رب حرف جر شبيه بالزائد. ما : زائدة كفت رب عن العمل. الجامل مبتدأ مرفوع. المؤبل : نعت للجامل مرفوع فيهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر الجامل. وعناجيج : الواو عاطفة. عناجيج : مبتدأ لخبر محذوف دل عليه الكلام السابق تقديره : وفيهم عناجيج. مرفوع بضمة. بينهن : بين ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف خبر مقدم للمهار. المهار : مبتدأ مؤخر مرفوع. وجملة «بينهن المهار» في محل رفع صفة لعناجيج.

الشاهد : في قوله : «ربما الجامل ..» حيث زيدت ما بعد رب فكفتها عن العمل.

(٢) قائله : ضمرة بن ضمرة النهشلي. الغارة : اسم من أغار على العدو ، وتطلق على الخيل المغيرة. الشعواء : الفاشية المتفرقة اللذعة : المرة من اللذع وهو الإحراق. الميسم : اسم لآلة الوسم أي الكيّ.

المعنى : «يا ماوية تنبهي قرب غارة متفرقة شديدة الألم تشبه الكي بالميسم».

الإعراب : ماويّ : منادى مرخم بأداة نداء محذوفة مبني على الضم المقدر على التاء المحذوفة للترخيم على لغة من ينتظر في محل نصب. يا : حرف تنبيه. رب : حرف جر شبيه بالزائد. والتاء لتأنيث اللفظ. ما زائدة. غارة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد. شعواء : نعت لغارة على اللفظ مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة. كاللذعة ، جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر غارة : بالميسم : جار ومجرور متعلق باللذعة.

الشاهد : في قوله : «ربتما غارة» حيث زيدت ما بعد رب ولم تكفها عن العمل وهو قليل.


وقوله :

٧٦ ـ وننصر مولانا ونعلم أنّه

كما الناس مجروم عليه وجارم (١)

حذف «رب» وإبقاء عملها :

وحذفت «ربّ» فجرّت بعد «بل»

والفا ، وبعد الواو شاع ذا العمل

لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في «رب» بعد «الواو» وفيما سنذكره ، وقد ورد حذفها بعد «الفاء» و «بل» قليلا. ؛ فمثاله بعد الواو قوله :

__________________

(١) قائله : عمرو بن براقة الهمداني. المولى : يطلق على عدة معان والمراد هنا : الحليف مجروم عليه : مجنيّ عليه. جارم : جان مذنب.

المعنى : «من شيمتنا أن نعين حليفنا ونقويه على عدوه مع علمنا أنه كسائر الناس مجنى عليه مظلوم تارة وجان ظالم تارة».

الإعراب : ننصر : مضارع مرفوع بضمة ظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن مولانا مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف للتعذر وهو مضاف ونا مضاف إليه. ونعلم : الواو عاطفة. نعلم : مضارع مرفوع بالضمة ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره نحن. أنه : أن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء اسمها. كما الناس : الكاف حرف تشبيه وجر ، ما زائدة الناس مجرور بالكاف بكسرة ظاهرة ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أنّ. مجروم : خبر ثان لأن مرفوع ، عليه : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل باسم المفعول مجروم. وجارم : الواو عاطفة معطوف على مجروم ومرفوع مثله. وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر منصوب سد مسد مفعولي «نعلم».

الشاهد : في قوله «كما الناس» حيث زيدت ما بعد الكاف ولم تكفّها عن العمل وهو قليل.


وقاتم الأعماق خاوي المخترقن (١)

ومثاله بعد الفاء قوله :

٧٧ ـ فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول (٢)

__________________

(١) تقدم الكلام على هذا البيت في الجزء الأول ـ الكلام وما يتألف منه ـ وهو الشاهد الثالث. والشاهد فيه هنا ـ «وقائم» حيث جر قاتم برب المحذوفة بعد الواو وهذا كثير في كلام العرب ومثله قول امرىء القيس :

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأمواج الهموم ليبتلي

(٢) قائله : امرؤ القيس بن حجر الكندي. طرقت : أتيت ليلا. تمائم : جمع تميمة : التعاويذ تعلّق على الصغار. محول : أتم حولا.

المعنى : «رب امرأة مثلك حبلى ومرضع قد أتيتها ليلا فشغلتها عن ولدها الصغير الذي مضى عليه حول وعليه التمائم خوفا عليه من العين».

الإعراب : مثلك : مثل مجرور لفظا برب المحذوفة بعد الفاء وهو منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ـ لأنه مفعول به مقدم لطرقت. ومثل مضاف والكاف مضاف إليه. حبلى : بدل من مثل على اللفظ مجرور بفتحة مقدرة لأنه ممنوع من الصرف. قد : حرف تحقيق. طرقت : فعل وفاعل. ومرضع : الواو عاطفة. مرضع : معطوف على حبلى ومجرور بكسرة فألهيتها : الفاء عاطفة ألهى فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل : وها مفعول به. عن ذي : عن حرف جر : ذي مجرور بعن بالياء لأنه من الأسماء الستة والجار والمجرور متعلق بألهيتها ـ وذي مضاف ـ تمائم : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. محول : نعت لذي تمائم مجرور بالكسرة. وجملة «ألهيتها» معطوفة على جملة «قد طرقت» فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : في قوله : «فمثلك» حيث حذفت رب بعد الفاء وبقي عملها وهو الجر لمثل وهذا قليل.


ومثاله بعد «بل» قوله :

٧٨ ـ بل بلد ملء الفجاج قتمه

لا يشترى كتانه وجهرمه (١)

والشائع من ذلك حذفها بعد الواو.

وقد شذّ الجرّ ب «ربّ» محذوفة من غير أن يتقدّمها شيء ، كقوله :

__________________

(١) قائله : رؤبة بن العجاج. الفجاج : جمع فجّ وهو الطريق الواضح الواسع. القتم : الغبار كالقتام. جهرم ـ بوزن جعفر بساط من الشعر ـ نسبة إلى بلدة تسمى جهرم. الكتّان : نبات له زهر أزرق تنسج منه الثياب وله بذر يعتصر منه زيت.

المعنى «رب بلد ناء موصوف بأن غباره يملأ الطرق الواسعة وبأنه لا يشترى كتانه ولا بسطه قطعته وتجاوزته».

الإعراب : بل : حرف عطف يفيد الإضراب. بلد : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد وهو ربّ المحذوفة. ملء : خبر مقدم لقتمة. مرفوع وهو مضاف. الفجاج : مضاف إليه مجرور بالكسرة. قتمه : مبتدأ ثان مرفوع بضمة وهو مضاف ، والهاء مضاف إليه والجملة «قتمه ملء الفجاج» في محل رفع صفة لبلد. لا يشترى : لا نافية. يشترى : مضارع مبني للمجهول مرفوع بضمة مقدرة على الألف. كتانه : نائب فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء مضاف إليه. وجملة «لا يشترى كتانه» في محل رفع صفة ثانية لبلد. وجهرمه : الواو عاطفة. جهرم معطوف على كتانه ومرفوع مثله وهو مضاف والهاء مضاف إليه ، وخبر المبتدأ «بلد» في الأبيات التالية.

الشاهد : في قوله : «بل بلد» حيث حذفت ربّ بعد بل وبقي عمل رب وهو جر بلد. وهذا قليل.


٧٩ ـ رسم دار وقفت في طلله

كدت أقضي الحياة من جلله (١)

الجر بجار محذوف غير رب :

وقد يجرّ بسوى ربّ لدى

حذف ، وبعضه يرى مطّردا

__________________

(١) قائله : جميل بن معمر العذري. الرّسم : ما بقي من آثار الديار لاصقا بالأرض كالرماد. الطلّل : ما بقي منها شاخصا مرتفعا كالوتد والأثافيّ. من جلله : وقيل من عظمه في عيني. وذلك لأن الجلل يأتي بمعنى «من أجل» وبمعنى «عظيم».

المعنى : «وقفت على الآثار الدارسة من ديار الأحبة وذكرت يوم كانت الدار عامرة بأهلها فكدت أفارق الحياة من فداحة الخطب بفقد الأحبة».

الإعراب : رسم : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره لاشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد المحذوف وهو رب. ورسم مضاف. دار مضاف إليه مجرور. وقفت : فعل وفاعل. في طلله : جار ومجرور متعلق بوقفت وطلل مضاف والهاء مضاف إليه والجملة في محل جر نعت لرسم على اللفظ. كدت : كاد فعل ماض ناقص من أفعال المقاربة مبني على السكون. والتاء اسمها. أقضي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا. الحياة مفعول به لأقضي منصوب وجملة «أقضي الحياة» في محل نصب خبر كاد وجملة «كدت أقضي الحياة» في محل رفع خبر المبتدأ «رسم» من جلله : جار ومجرور متعلق بأقضي. وجلل مضاف والهاء مضاف إليه.

الشاهد : في قوله : «رسم دار» حيث جر «رسم» برب محذوفة من غير أن يتقدمها شيء وهذا شاذ.


الجرّ بغير «ربّ» محذوفا على قسمين :

(أ) مطّرد.

(ب) وغير مطّرد.

فغير المطّرد كقول رؤبة لمن قال له : «كيف أصبحت»؟ : «خير والحمد لله» التقدير : على خير ، وقول الشاعر :

٨٠ ـ إذا قيل أيّ الناس شرّ قبيلة

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (١)

أي : أشارت إلى كليب.

وقوله :

__________________

(١) قائله : الفرزدق يهجو جريرا. بالأكف : الباء بمعنى مع أي «مع الأكف» أو في العبارة قلب والأصل «أشارت الأكفّ بالأصابع».

المعنى : إذا قال قائل : من شرّ القبائل؟ أشارت أكف الناس بالأصابع إلى قبيلة كليب.

الإعراب : إذا : ظرف يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالجواب «أشارت». قيل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. أيّ : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الناس : مضاف إليه مجرور. شر : خبر أي مرفوع وهو مضاف. وقبيلة : مضاف إليه مجرور والجملة «أي الناس شر» في محل رفع نائب فاعل لقيل. أشارت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. كليب : مجرور بإلى محذوفة بكسرة ظاهرة. والجار المحذوف والمجرور متعلق بأشارت. بالأكف : جار ومجرور متعلق بأشارت. الأصابع : فاعل أشارت مرفوع. وجملة : قيل أي الناس ... في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجملة «أشارت الأصابع ..» لا محل لها من الإعراب لوقوعها في جواب إذا ..

الشاهد : في قوله : «أشارت كليب» حيث جر كليب بإلى محذوفة وهذا غير مطرد.


٨١ ـ وكريمة من آل قيس ألفته

حتى تبذّخ فارتقى الأعلام (١)

أي : فارتقى إلى الأعلام.

والمطرد (٢) كقولك : «بكم درهم اشتريت هذا» ف «درهم» مجرور ب «من» محذوفة عند سيبويه والخليل ، وبالإضافة عند الزجاج ؛ فعلى مذهب سيبويه والخليل يكون الجار قد حذف ، وأبقي عمله ، وهذا مطرد عندهما في مميّزكم الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر.

__________________

(١) قائله : غير معروف. كريمة ـ كريم ، والتاء فيه للمبالغة ، فالموصوف مذكر بدليل تذكير ضميره في «ألفته» وما بعدها .. ألفته : بكسر اللام : أحببته وكنت أليفه ، أو بفتح اللام بمعنى أعطيته ألفا. تبذخ : تكبّر وعلا. الأعلام : جمع علم : بفتحتين وهو الجبل.

المعنى : «رب رجل كريم من قبيلة قيس بقيت أليفه ـ ما دام معسرا فلما استغنى تكبر عن صداقتي وارتفع إلى مثل قمم الجبال».

الإعراب : وكريمة : الواو واو رب : كريمة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد ـ وهو رب المحذوفة ـ من آل : جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لكريمة. وآل مضاف. قيس : مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. ألفته : فعل وفاعل ومفعول به : ألف فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل ، والهاء في محل نصب مفعول به. وجملة «ألفته» في محل رفع خبر المبتدأ «كريمة» حتى : ابتدائية. تبذّخ فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. فارتقى : الفاء عاطفة : ارتقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. الأعلام : مجرور بحرف جر محذوف تقديره : إلى الجار والمجرور متعلق بارتقى. وجملة «تبذخ» استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة ارتقى معطوفة عليها فهي مثلها.

الشاهد : في قوله : «فارتقى الأعلام» حيث جر «الأعلام» بإلى محذوفة وهذا غير مطرد.

(٢) من المواضع التي يطرد فيها حذف حرف الجر :

(أ) لفظ الجلالة في القسم بدون تعويض نحو «الله لأفعلنّ».

(ب) كي المصدرية حيث يقدر قبلها اللام جارة لها مع صلتها نحو «جئت كي أتعلم».

(ج) أن وأنّ مع صلتها لأنهما في محل جر بالحرف المقدر عند الخليل والكسائي ، نحو «عجبت أن تتأخر» ونحو «رغبت أنك حاضر» ـ أما عند سيبويه فمحلهما نصب بنزع الخافض.


أسئلة ومناقشات

١ ـ أورد ثلاثة معان لكل من : (على وعن) ثم اذكر مثالين لأداء كلّ منهما معنى الأخرى ... بحيث يكون ذلك في جمل من عندك.

٢ ـ مثل لثلاثة حروف تستعمل أسماء .. ثم بيّن وجه ذلك ... وكيف تعرب كلّ منها آنئذ؟

٣ ـ متى ترد «منذ ومذ» اسمين؟ ومتى تردان حرفي جر؟ مثل لذلك كله بأمثلة واستشهد حيث أمكنك.

٤ ـ تزاد «ما» بعد مجموعة من حروف الجر ... فماذا منها يكفّ عن العمل؟ وما ذا لا يكفّ؟ ، مثل بأمثلة من عندك.

٥ ـ متى يحذف حرف الجر ويبقى عمله؟ ومتى يكثر ذلك؟ ومتى يقل؟ ومتى يمتنع؟ وضح ومثل ..


تمرينات

١ ـ بيّن معنى كل حرف من حروف الجر الواردة فيما يأتي : ـ (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها)(١).

دخلت امرأة النار في هرة حبستها.

لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب

عني ولا أنت دياني فتخزوني

(رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٢).

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٣).

(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(٤).

٢ ـ اجعل (ربّ) في مثالين تفيد في أولهما التكثير وفي ثانيهما التقليل.

٣ ـ مثل لاسم مجرور (بربّ) المحذوفة يكون وروده كثيرا والآخر يكون وروده ، قليلا.

٤ ـ مثل لما يأني في جمل تامة : الباء التي تفيد السببية ـ الكاف التي تفيد التعليل (على) المستعملة اسما ـ حرف جر مطرد الحذف الباء التي تفيد الظرفية ـ (من) التي تفيد البدلية

__________________

(١) آية ١٥ سورة القصص.

(٢) آية ٢ سورة الحجر.

(٣) آية ١١ سورة الشورى.

(٤) آية ١٥٩ سورة آل عمران.


٥ ـ أعرب ما نحته خط مما يأتي :

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ (١) عَبْدَهُ ـ هَلْ مِنْ خالِقٍ (٢) غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) ـ ربّ كريم يجود.

٦ ـ أعرب البيت الآتي ثم اشرحه وهو لامرىء القيس : ـ

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلى

__________________

(١) آية ٣٦ سورة الزمر.

(٢) آية ٣ سورة فاطر.


الإضافة

معنى الإضافة ، الإضافة : لفظية أو معنوية

نونا تلي الإعراب أو تنوينا

مما تضيف احذف كطور سينا (١)

والثاني اجرر وانو «من» أو «في» إذا

لم يصلح إلا ذاك واللام خذا (٢)

__________________

(١) نونا : مفعول به مقدم لا حذف. تلى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى «نونا» الإعراب : مفعول به منصوب أو تنوينا : أو عاطفة. تنوينا معطوف على نونا ومنصوب مثله. مما : من حرف جر. ما اسم موصول في محل جر والمجرور متعلق با حذف تضيف : مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، والجملة «تضيف» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. احذف : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. وجملة «تلي الإعراب» في محل نصب صفة لنونا. وتقدير الكلام : احذف مما تضيف نونا تلي الإعراب أو تنوينا ـ

(٢) الثاني : مفعول به مقدم لا جرر. انو : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت. من : مفعول به ـ بقصد لفظه إذا : ظرف زمان متضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف ، لم يصلح : لم حرف نفي وجزم وقلب يصلح : مضارع مجزوم بلم إلا : أداة حصر. ذاك : ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل يصلح والكاف للخطاب. وجملة «لم يصلح إلا ذاك» في محل جر بالإضافة إلى إذا. واللام : الواو عاطفة. اللام مفعول به مقدم لخذ. خذا : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المقلوبة ألفا للوقف ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.


لما سوى ذينك واخصص أولا

أو أعطه التعريف بالذي تلا (١)

إذا أريد إضافة اسم إلى آخر حذف ما في المضاف : من نون تلي الإعراب وهي نون التثنية ، أو نون الجمع وكذا ما ألحق بهما ، أو تنوين ، وجرّ المضاف إليه ؛ فتقول : «هذان غلاما زيد ، وهؤلاء بنوه ، وهذا صاحبه».

واختلف في الجار للمضاف إليه :

(أ) فقيل : هو مجرور بحرف مقدر. وهو اللام أو «من» أو «في».

(ب) وقيل هو مجرور بالمضاف ، وهو الصحيح من هذه الأقوال.

ثم الإضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين. وزعم بعضهم أنها تكون أيضا بمعنى «من» أو «في» وهو اختيار المصنف ، وإلى هذا أشار بقوله : «وانو من ـ إلى آخره» وضابط ذلك أنه إذا لم يصلح إلا تقدير «من» أو «في» فالإضافة بمعنى ما تعيّن تقديره ، وإلا فالإضافة بمعنى اللام.

فيتعيّن تقدير «من» إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف ، نحو «هذا ثوب خز وخاتم حديد» والتقدير : هذا ثوب من خز ، وخاتم من حديد ويتعين تقدير «في» إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف ، نحو : «أعجبني ضرب اليوم زيدا» أي : ضرب زيد في اليوم ، ومنه قوله

__________________

(١) لما : اللام حرف جر : ما : اسم موصول في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بخذ في البيت السابق. سوى : خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو والجملة «هو سوى.» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ذينك : ذين : اسم إشارة مبني على الياء في محل جر بالإضافة إلى سوى والكاف للخطاب.


تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)(١) وقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٢).

فإن لم يتعيّن تقدير «من» أو «في» فالإضافة بمعنى اللام ، نحو : «هذا غلام زيد ، وهذه يد عمرو» أي غلام لزيد ، ويد لعمرو.

وأشار بقوله : «واخصص أولا ـ إلى آخره» إلى أن الإضافة على قسمين :

(أ) محضة.

(ب) وغير محضة.

فالمحضة : هي غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله.

وغير المحضة : هي إضافة الوصف المذكور ، كما سنذكره بعد ، وهذه لا تفيد الاسم الأول تخصيصا ولا تعريفا على ما سنبين والمحضة ليست كذلك ، وتفيد الاسم الأول : تخصيصا (٣) إن كان المضاف إليه نكرة ، نحو «هذا غلام امرأة» وتعريفا إن كان المضاف إليه معرفة ، نحو «هذا غلام زيد».

وإن يشابه المضاف «يفعل»

وصفا فعن تنكيره لا يعزل (٤)

__________________

(١) الآية ٢٢٦ من سورة البقرة وتتمتها : «فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

(٢) من الآية ٣٣ من سورة سبأ وهي : («وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ».)

(٣) المراد بالتخصيص قله الاشتراك. فقولك «غلام امرأة» يخصص الغلام بواحدة من النساء فقط دون سواها.

(٤) لا يعزل : بالزاي ـ كما في طبعة دار الكتب لمتن الألفية ، والمعنى : لا ينحّى عن التنكير. من قولهم : عزله عن العمل : نحّاه عنه. إن. حرف شرط جازم :


كربّ راجينا عظيم الأمل

مروّع القلب ، قليل الحيل

وذي الإضافة اسمها لفظيّة

وتلك محضة ومعنويّة

هذا هو القسم الثاني من قسمي الإضافة وهو : غير المحضة ؛ وضبطها المصنف بما إذا كان المضاف وصفا يشبه «يفعل» أي : الفعل المضارع ـ وهو : كل اسم فاعل أو مفعول. بمعنى الحال أو الاستقبال (١).

أو صفة مشبهة (٢). فمثال اسم الفاعل : «هذا ضارب زيد (٣) ، الآن أو غدا ، وهذا راجينا».

ومثال اسم المفعول : «هذا مضروب الأب (٤). وهذا مروّع القلب».

ومثال الصفة المشبهة : «هذا حسن الوجه ، وقليل الحيل. وعظيم الأمل» (٥).

__________________

يشابه : مضارع مجزوم بإن وحرك بالكسر نخلصا من التقاء الساكنين. المضاف :

فاعل يشابه مرفوع. يفعل : مفعول به بقصد لفظه وصفا : حال من المضاف منصوب فعن تنكيره : الفاء واقعة في جواب الشرط. عن تنكير جار ومجرور متعلق بيعزل ، والهاء مضاف إليه. لا يعزل : لا نافية. يعزل مضارع مبني للمجهول مرفوع. ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وجملة «لا يعزل عن تنكيره» في محل جزم جواب الشرط الجازم «إن».

(١) لأنه حينئذ يكون بمعنى الفعل المضارع عاملا فيما أضيف إليه ، وإضافته لمعموله لا تفيد إلا التخفيف.

(٢) هي ما دل على فاعل الحدث وأفاد الدوام ، ولم يقيدها الشارح بغير الماضي كسابقتها لأنها للدوام أبدا ولا تكون للماضي وحده أصلا.

(٣) إضافة اسم الفاعل «ضارب» إلى «زيد» هي من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ، وضمير ضارب مستتر يعود على هذا.

(٤) إضافة اسم المفعول «مضروب» إلى «الأب» من إضافة اسم المفعول إلى مرفوعه وهو نائب فاعل.

(٥) إضافة الصفة المشبهة في الأمثلة إلى فاعلها المرفوع بها.


فإن كان المضاف غير وصف ، أو وصفا غير عامل : فالإضافة محضة : كالمصدر ، نحو «عجبت من ضرب زيد» واسم الفاعل بمعنى الماضي ، ـ نحو «هذا ضارب زيد أمس».

وأشار بقوله : «فعن تنكيره لا يعزل» إلى أن هذا القسم من الإضافة ـ أعني غير المحضة ـ لا يفيد تخصيصا ولا تعريفا ولذلك تدخل «ربّ» عليه ، وإن كان مضافا لمعرفة ، نحو «ربّ راجينا» (١) وتوصف به النكرة ، نحو قوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٢) وإنما يفيد التخفيف (٣) ، وفائدته ترجع إلى اللفظ ، فلذلك سميّت الإضافة فيه لفظيّة وأما القسم الأول فيفيد تخصيصا أو تعريفا ، كما تقدم ؛ فلذلك سمّيت الإضافة فيه معنوية ، وسميت محضة أيضا لأنها خالصة من نية الانفصال ، بخلاف غير المحضة ؛ فإنها على تقدير الانفصال ، تقول : «هذا ضارب زيد الآن» على تقدير «هذا ضارب زيدا» ومعناهما متحد ، إنما أضيف طلبا للخفّة.

__________________

(١) تقدم في «حروف الجر» صفحة ٢٣٧ أن ربّ مختصة بجر النكرة ، ودخولها على اسم الفاعل المضاف إلى الضمير يدل على أن المضاف لم يكتسب التعريف من الإضافة وأنه ما زال نكرة.

(٢) من الآية ٩٥ من سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ. أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ) في الآية دليل ثان على أن المضاف وهو اسم الفاعل «بالغ» لم يكتسب التعريف من إضافته للكعبة ، بدليل أنه وقع نعتا للنكرة «هديا» والنعت يطابق منعوته في التنكير لأنه نعت حقيقي.

(٣) التخفيف يحصل بحذف التنوين من الوصف ، ف «بالغ الكعبة» بالإضافة كما في الآية أخفّ من التنوين «بالغا الكعبة» ومثله «ضارب زيد» بالإضافة أخف من «ضارب زيدا».


اقتران المضاف بأل في الإضافة اللفظية :

ووصل أل بذا المضاف مغتفر

إن وصلت بالثان كالجعد الشعّر

أو بالذي له أضيف الثاني

ك «زيد الضارب رأس الجاني»

لا يجوز (١) دخول الألف واللام على المضاف الذي إضافته محضة ؛ فلا تقول : «هذا الغلام رجل» لأن الإضافة منافية للألف واللام فلا يجمع بينهما.

وأما ما كانت إضافته غير محضة ، وهو المراد بقوله : «بذا المضاف» أي : بهذا المضاف الذي تقدم الكلام فيه قبل هذا البيت فكان القياس أيضا يقتضي أن لا تدخل الألف واللام على المضاف ، لما تقدّم من أنهما متعاقبان ، ولكن لما كانت الإضافة فيه على نية الانفصال اغتفر ذلك بشرط أن تدخل الألف واللام على المضاف إليه ، ك «الجعد الشعر ، والضارب الرجل» أو على ما أضيف إليه المضاف إليه ، ك «زيد الضارب رأس الجاني» فإن لم تدخل الألف واللام على المضاف إليه ولا على ما أضيف إليه المضاف إليه ، امتنعت المسألة ، فلا تقول : «هذا والضارب الرجل» ولا : «هذا الضارب زيد» ولا «هذا الضارب رأس جان».

هذا إذا كان المضاف غير مثنى ، ولا مجموع جمع سلامة لمذكر.

ويدخل في هذا : المفرد كما مثّل ، وجمع التكسير ، نحو : «الضارب أو الضّرّاب الرجل ، أو غلام الرجل» وجمع السلامة لمؤنث ، نحو «الضاربات الرجل أو غلام الرجل» فإن كان المضاف مثنى أو مجموعا جمع سلامة

__________________

(١) لأن المقصود الأصلي من الإضافة التعريف فيلزم من دخول أل تحصيل الحاصل أو اجتماع معرفين على شيء واحد.


لمذكر كفى وجودها في المضاف ، ولم يشترط وجودها في المضاف إليه وهو المراد بقوله :

وكونها في الوصف كاف إن وقع

مثنى أو جمعا سبيله اتبع (١)

أي وجود الألف واللام في الوصف المضاف ـ إذا كان مثنى أو جمعا اتبع سبيل المثنى ، أي على حدّ المثنى ، وهو جمع المذكر السالم ـ يغني عن وجودها في المضاف إليه ، فتقول : «هذان الضاربا زيد ، وهؤلاء الضاربو زيد» وتحذف النون للإضافة.

عدم إضافة الاسم إلى ما اتحد به في المعنى :

ولا يضاف اسم لما به اتّحد

معنى ، وأوّل موهما إذا ورد (٢)

المضاف يتخصّص بالمضاف إليه ، أو يتعرّف به ، فلا بدّ من كونه

__________________

(١) كونها : كون : مصدر تام مبتدأ مرفوع وهو مضاف من إضافة المصدر لفاعله : وها : مضاف إليه. في الوصف : جار ومجرور متعلق بكون. كاف : خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين. إن : حرف شرط جازم. وقع : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، وسكن آخره للروي وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى الوصف. مثنى : حال من ضمير وقع منصوب. أو جمعا : أو عاطفة جمعا معطوف على مثنى ومنصوب سبيله : مفعول به مقدم لا تبع. وهو مضاف والهاء مضاف إليه. اتبع : فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود إلى جمعا «تقديره هو» وجملة اتبع في محل نصب صفة لجمعا. وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام السابق.

(٢) لا يضاف : لا نافية. يضاف : مضارع مرفوع. اسم : فاعله مرفوع. لما : جار ومجرور متعلق بيضاف. به : جار ومجرور متعلق باتحد : اتحد : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر يعود على «اسم» وجملة «اتحد» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول «ما». معنى : تمييز نسبة محول عن فاعل منصوب بفتحة مقدرة.


غيره ، إذ لا يتخصّص الشيء أو يتعرّف بنفسه ، ولا يضاف اسم لما به اتحد في المعنى : كالمترادفين ، وكالموصوف وصفته. فلا يقال : «قمح بر» ولا «رجل قائم» وما ورد موهما لذلك مؤوّل ، كقولهم : «سعيد كرز» فظاهر هذا أنّه من إضافة الشيء إلى نفسه ؛ لأن المراد بسعيد وكرز فيه واحد ، فيؤول الأول ب «المسمى» والثاني ب «الاسم» فكأنه قال : جاءني مسمّى كرز ، أي : مسمّى هذا الاسم ، وعلى ذلك يؤوّل ما أشبه هذا من إضافة المترادفين ، ك «يوم الخميس» وأمّا ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته فمؤول على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة ، كقولهم : «حبّة الحمقاء (١). وصلاة الأولى» والأصل : حبة البقلة الحمقاء ، وصلاة الساعة الأولى ؛ فالحمقاء : صفة للبقلة ، لا للحبة ، والأولى صفة للساعة ، لا للصلاة ، ثم حذف المضاف إليه ـ وهو البقلة ، والساعة ـ وأقيمت صفته مقامه. فصار «حبة الحمقاء ، وصلاة الأولى» فلم يضف الموصوف إلى صفته ، بل إلى صفته غيره.

المضاف يكتسب من المضاف إليه التذكير أو التأنيث :

وربّما أكسب ثان أوّلا

تأنيثا ان كان لحذف موهلا

قد يكتسب المضاف المذكر من المؤنث المضاف إليه التأنيث ، بشرط أن يكون المضاف صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ، ويفهم منه ذلك المعنى ، نحو : «قطعت بعض أصابعه» فصح تأنيت «بعض» لإضافته إلى أصابع وهو مؤنث ؛ لصحة الاستغناء بأصابع عنه ، فتقول : «قطعت أصابعه» ومنه قوله :

__________________

(١) هي الرجلة وصفت بالحمق لأنها تنبت في مجاري المياه فتمر بها السيول فتقطعها وتطؤها الأقدام.


٨٢ ـ مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت

أعاليها مرّ الرياح النواسم (١)

فأنّث المرّ لإضافته إلى الرياح ، وجاز ذلك لصحة الاستغناء عن المرّ بالرياح ، نحو «تسفّهت الرياح» وربما كان المضاف مؤنثا فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه ، بالشرط الذي تقدّم ، كقوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(٢) ف «رحمة» مؤنث ، واكتسبت التذكير بإضافتها إلى «الله» تعالى. فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث ؛ فلا تقول : «خرجت غلام هند» إذ لا يقال «خرجت هند» ويفهم منه خروج الغلام.

__________________

(١) قائله : ذو الرمة غيلان بن عقبة. تسفّهت : أمالت. النواسم : جمع ناسمة وهي الريح اللينة في مبدأ هبوبها قبل أن تشتدّ.

المعنى : «مشى هؤلاء النسوة مشيا يحكي اهتزاز الرماح حين تمر بها الرياح اللينة فتميل بأعاليها».

الإعراب : مشين : فعل وفاعل. مشى فعل ماض مبني على السكون ، ونون النسوة فاعل. كما : الكاف جارة. ما : مصدرية. اهتزت : فعل ماض وتاء التأنيث رماح : فاعله مرفوع : تسفهت ، فعل ماض وتاء التأنيث. أعاليها : مفعول به مقدم منصوب وهو مضاف وها : مضاف إليه. مرّ : فاعل تسفهت ، مرفوع وهو مضاف. الرياح : مضاف إليه مجرور. النواسم : صفة للرياح مجرور. وجملة «تسفهت مرّ الرياح» في محل رفع صفة لرماح ، وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف. والجار والمجرور متعلق بمشين «مشين كاهتزاز رماح».

الشاهد : في قوله : «تسفهت مر الرياح» حيث أنث الفعل «تسفه» مع أن فاعله مذكر «مرّ» لأنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو الرياح.

(٢) الآية ٥٦ من سورة الأعراف وصدرها «وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ».


أسماء تلازم الإضافة :

وبعض الاسماء يضاف أبدا

وبعض ذا قد يأت لفظا مفردا

من الأسماء ما يلزم الإضافة ، وهو قسمان :

(أ) أحدهما : ما يلزم الإضافة لفظا ومعنى ، فلا يستعمل مفردا ـ أي : بلا إضافة ـ وهو المراد بشطر البيت ، وذلك نحو «عند ، ولدى ، وسوى ، وقصارى الشيء ، وحماداه : بمعنى غايته».

(ب) والثاني : ما يلزم الإضافة معنى دون لفظ ، نحو «كل ، وبعض وأيّ» فيجوز أن يستعمل مفردا ـ أي : بلا إضافة وهو المراد بقوله «وبعض ذا» أي : وبعض ما لزم الإضافة معنى قد يستعمل مفردا لفظا. وسيأتي كل من القسمين.

بعض الأسماء ملازمة الإضافة للضمير :

وبعض ما يضاف حتما امتنع

إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع (١)

كوحد ، لبّي ، ودوالي ، سعدي

وشذّ إيلاء «يدي» ل «لبّي»

من اللازم للإضافة لفظا ما لا يضاف إلا إلى المضمر (٢) ، وهو المراد هنا ، نحو «وحدك» أي : منفردا ، و «لبيك» أي إقامة على إجابتك

__________________

(١) إيلاؤه : فاعل امتنع وهو مضاف للهاء من إضافة المصدر لمفعوله ، ولكن الهاء مفعول ثان. والمفعول الأول. اسما ، التقدير : «بعض ما يضاف امتنع أن يجعل الاسم الظاهر تابعا له».

(٢) المقصود خصوص ضمير المخاطب ، فلبيك وأخوته تجب إضافتها لضمير المخاطب دون الغائب أو المتكلم.


بعد إقامة ، و «دواليك» أي : إدالة بعد إدالة ، و «سعديك» أي : إسعادا بعد إسعاد وشذّ إضافة «لبّي» إلى ضمير الغيبة ، ومنه قوله :

٨٣ ـ إنّك لو دعوتني ودوني

زوراء ذات مترع بيون

لقلت لبّيه لمن يدعوني (١)

وشذّ إضافة «لبّي» إلى الظاهر ، أنشد سيبويه :

__________________

(١) الأبيات : قائلها غير معروف. الزّوراء : الأرض البعيدة. مترع : بفتح الميم : البحر من قولهم : حوض ترع ـ بفتحتين أي ممتلىء. بيون : واسع بعيد الأطراف ـ وبيون في الأصل : البئر الواسعة البعيدة القعر.

المعنى : إنك لو ناديتني وبيني وبينك أرض بعيدة ذات بحر واسع عميق لقلت لك لبيك ، «أي أجيبك ولو كان بيني وبينك مسافات بعيدة صعبة المسالك».

الإعراب : إنك : إن حرف توكيد ونصب والكاف اسمها. لو ؛ حرف امتناع لامتناع. دعوتني : دعا فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعل والنون للوقاية والياء مفعول به. ودوني : الواو حالية. دون ظرف مكان منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم ، متعلق بمحذوف خبر مقدم وباء المتكلم مضاف إليه. زوراء : مبتدأ مؤخر. ذات : صفة لزوراء مرفوع. مترع : مضاف إليه مجرور. بيون : صفة لمترع مجرور وجملة «دوني زوراء» في محل نصب حال. لقلت : اللام واقعة في جواب لو. قلت : فعل وفاعل. والجملة لا محل لها من الإعراب لوقوعها جواب لو وهي شرط غير جازم. لبيه : قصد لفظه في محل نصب مقول القول. لمن : جار ومجرور متعلق بقلت. يدعوني : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو ، والفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على من. والنون للوقاية. والياء مفعول به. وجملة يدعوني : صلة الموصول لا محل لها. وجملتا لو الشرطية : «لو دعوتنى ... لقلت» في محل رفع خبر إنك في صدر البيت الأول.

الشاهد : في قوله «لبيه» حيث أضيف لبي إلى ضمير الغيبة وهو شاذ.


٨٤ ـ دعوت لما نابني مسورا

فلبّى فلبّي يدى مسور (١)

كذا ذكر المصنف ، ويفهم من كلام سيبويه أن ذلك غير شاذ في «لبّي» و «سعدي».

ومذهب سيبويه أن «لبّيك» وما ذكر بعده مثنى ، وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف ، وأن تثنيته المقصود بها التكثير ، فهو على هذا ملحق بالمثنى : ، كقوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(٢)

__________________

(١) قائله أعرابي من بني أسد. مسور : اسم رجل غرم دية واجبة على الشاعر الذي دعاه فأجاب ودفعها له.

المعنى : «ناديت مسورا لأجل النائبة التي أصابتني فأجابني إلى ما دعوته فأنا أدعو له أن يجاب لما يطلب إجابة بعد إجابة».

الإعراب : دعوت : فعل وفاعل. لما : جار ومجرور متعلق بدعوت. نابني : ناب فعل ماض مبني على الفتح والنون للوقاية وفاعله ضمير مستتر جوازا يعود على اسم الموصول «ما» وياء المتكلم : مفعول به وجملة نابني صلة الموصول لا محل لها من الإعراب مسورا : مفعول به لدعوت منصوب. فلبى : الفاء عاطفة. لبى : فعل ماض مبني على فتح مقدر وفاعله ضمير مستتر جوازا يعود على مسور فلبى : الفاء عاطفة. لبّى : مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بالمثنى وهو مضاف. يدي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى وهو مضاف. مسور : مضاف إليه مجرور بالكسرة. وجملة «لبّى» معطوفة على جملة دعوت ، وجملة «لبّى يدي مسور» استئنافية دعائية.

الشاهد : في قوله : «فلبّى يدي مسور» حيث أضيفت لبّى إلى اسم ظاهر وهو شاذ. ومثل إعراب «لبّيك» يعرب كل من «دواليك وسعديك» فكل منهما مفعول مطلق منصوب بالياء لأنه ملحق بالمثنى وهو مضاف إلى الكاف.

(٢) الآية ٤ من سورة الملك وهي «ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ».


أي : كرات ، ف «كرتين» ليس المراد بها مرتين فقط ، لقوله تعالى : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) أي : مزدجرا وهو كليل ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط ، فتعيّن أن يكون المراد ب «كرتين» التكثير. لا اثنين فقط وكذلك «لبّيك» معناه إقامة بعد إقامة كما تقدم. فليس المراد الاثنين فقط ، وكذا باقي أخواته ، على ما تقدم في تفسيرها.

ومذهب يونس أنه ليس بمثنى ، وأن أصله (لبّى) وأنه مقصور ، قلبت ألفه ياء مع المضمر ، كما قلبت ألف «لدى ، وعلى» مع الضمير في «لديه» و «عليه».

وردّ عليه سيبويه بأنه لو كان الأمر كما ذكر ، لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء ، كما لا تنقلب ألف «لدى» و «على» فكما تقول : «على زيد ، ولدى زيد» كذلك كان ينبغي أن يقال «لبّى زيد» لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الألف ياء ، فقالوا :

فلبّى فلبّى يدي مسور (١).

فدلّ ذلك على أنه مثنى ، وليس بمقصور كما زعم يونس.

أسماء مضافة للجمل لزوما أو جوازا :

وألزموا إضافة إلى الجمل

«حيث» و «إذ» وإن ينوّن يحتمل (٢)

__________________

(١) الشاهد السابق وقد أعرب على الصفحة ٢٨٣ ، وقد أورده هنا توضيحا لحجة سيبويه في الرد على زعم يونس ، فوجود الياء في آخر «لبّى» وهو مضاف إلى اسم ظاهر دليل واضح على أنه ليس مقصورا في الأصل مثل لدى.

(٢) ينوّن : مضارع مجزوم بإن فعل الشرط وهو مبني للمجهول ونائب فاعله ضمير يعود على «إذ».


إفراد إذ ، وما كإذ معنى كإذ

أضف جوازا نحو «حين جا نبذ» (١)

من اللازم للإضافة : ما لا يضاف إلا إلى الجملة ، وهو «حيث» (٢) ، «وإذ (٣) ، وإذا» فأما «حيث» فتضاف إلى الجملة الاسمية نحو «اجلس حيث زيد جالس» وإلى الجملة الفعلية (٤) ، نحو «اجلس حيث جلس زيد» أو «حيث يجلس زيد» وشذّ إضافتها إلى مفرد كقوله :

٨٥ ـ أما ترى حيث سهيل طالعا

نجما يضيء كالشهاب لامعا (٥)

__________________

(١) إفراد : نائب فاعل ليحتمل في آخر البيت السابق.

(٢) حيث : ظرف مكان ـ لا يخرج عن الظرفية إلا نادرا ـ وهو مبني على الضم. ولا يضاف للجملة من أسماء المكان غيره.

(٣) إذ : ظرف زمان ماض ، مبني على السكون في محل نصب ـ إلا إذا أضيف إليها زمان فتكون في محل جر بالإضافة نحو «يومئذ» وقد ترد إذ للاستقبال في الأصح بدليل قوله تعالى : «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ».

(٤) إضافة «حيث» إلى الجملة الفعلية أكثر من إضافتها للجملة الاسمية.

(٥) قائله غير معروف. سهيل : نجم عند طلوعه تنضج الفواكه وينقضي القيظ. الشهاب : شعلة من نار ساطعة.

المعنى : ألم تبصر طالعا من الطوالع في مكان سهيل نجما لا معا نيرا كأنه شعلة النار الساطعة.

الإعراب : أما : الهمزة للاستفهام. ما : نافية. ترى : بصرية مضارع مرفوع بضمة مقدرة ، وفاعله ضمير المخاطب «أنت» حيث : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بطالعا ، أو بمحذوف حال منه. وحيث مضاف. سهيل : مضاف إليه مجرور. طالعا : مفعول به لترى منصوب نجما : بدل من طالعا منصوب. يضيء : مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر جوازا والجملة في محل نصب صفة لنجما. كالشهاب : جار ومجرور متعلق بيضيء. لامعا : حال من فاعل يضيء منصوب.

الشاهد : في قوله : «حيث سهيل» فقد أضيفت حيث إلى مفرد وهو شاذ.


وأما «إذ» فتضاف أيضا إلى الجملة الاسمية (١) ، نحو «جئتك إذ زيد قائم» وإلى الجملة الفعلية ، نحو : «جئتك إذ قام زيد» ويجوز حذف الجملة المضاف إليها ، ويؤتى بالتنوين عوضا عنها ، كقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(٢) وهذا معنى قوله : «وإن ينوّن يحتمل إفراد إذ» أي : وإن ينوّن «إذ» يحتمل إفرادها ، أي : عدم إضافتها لفظا ، لوقوع التنوين عوضا عن الجملة المضاف إليها.

وأما «إذا» فلا تضاف إلا إلى جملة فعلية ، نحو : «آتيك إذا قام زيد» ولا يجوز إضافتها إلى جملة اسمية ، فلا تقول : «آتيك إذا زيد قائم» خلافا لقوم وسيذكرها المصنف.

وأشار بقوله : «وما كإذ معنى كإذ» إلى أنّ ما كان مثل «إذ» في كونه ظرفا ماضيا غير محدود (٣) ، يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه «إذ» من الجمل وهي : الجمل الاسمية والفعلية ، وذلك نحو «حين ، ووقت ، وزمان ، ويوم» فتقول : «جئتك حين جاء زيد ، ووقت جاء عمرو ، وزمان قدم بكر ، ويوم خرج خالد» وكذلك تقول : «جئتك حين زيد قائم» وكذلك الباقي ، وإنما قال المصنف : «أضف جوازا» ليعلم أن هذا النوع ـ أعني ما كان مثل «إذ» في المعنى ـ يضاف إلى ما يضاف إليه «إذ» ـ وهو الجملة ـ جوازا ، لا وجوبا.

فإن كان الظرف غير ماض ، أو محدودا ، لم يجر مجرى «إذ» بل

__________________

(١) الأحسن في الجملة الاسمية بعد إذ أن لا يكون خبرها فعلا ماضيا ، نحو «جئت إذ زيد يقوم».

(٢) الآية ٨٤ من سورة الواقعة.

(٣) المحدد : ما دل على عدد كيومين وأسبوع وسنة وعام ، أو على تعيين وقت كأمس وغد. أما غير المحدود فهو الذي ليس له اختصاص أصلا ومنه «يوم» فهو لا يختص بليل ولا نهار إلا بقرينة نحو «ما رأيته يوما وليلة».


يعامل غير الماضي ـ وهو المستقبل ـ معاملة «إذا» (١) فلا يضاف إلى الجملة الاسمية بل إلى الفعلية ؛ فتقول : «أجيئك حين يجيء زيد» (٢) ولا يضاف المحدود إلى جملة وذلك نحو : «شهر وحول» بل يضاف إلى مفرد ، نحو «شهر كذا ، وحول كذا».

ما يضاف إلى الجمل جوازا يجوز بناؤه :

وابن أو اعرب ما كإذ قد أجريا

واختر بنا متلوّ فعل بنيا (٣)

وقبل فعل معرب أو مبتدا

أعرب ومن بنى فلن يفنّدا

تقدّم أن الأسماء المضافة إلى الجملة على قسمين : أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما ، والثاني : ما يضاف إليها جوازا.

وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الإعراب والبناء ، سواء أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بماض ، أو جملة فعلية صدرت بمضارع ، أو جملة اسمية ، نحو : «هذا يوم جاء زيد ، ويوم يقوم بكر أو يوم بكر قائم» وهذا مذهب الكوفيين ، وتبعهم

__________________

(١) هذا مذهب سيبويه : وهو أن ما أشبه إذ يعامل معاملتها فتضاف إلى الجملتين الاسمية والفعلية ، وما أشبه إذا لا يضاف إلّا إلى الفعلية مثل إذا.

(٢) حين : ظرف غير محدود كما سبق أعلى الصفحة ، ولكن لما تعلق بفعل مستقبل هو أجيئك تحدد بالمستقبل فعومل معاملة إذا في وجوب الإضافة إلى الجملة الفعلية.

(٣) ابن فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله ضمير المخاطب مستتر وجوبا. أو أعرب. أو عاطفة وأعرب معطوف على ابن ومبنى على السكون وفاعله ضمير المخاطب. ما : اسم موصول تنازعه الفعلان مبني على السكون في محل نصب. وجملة «قد أجري كإذ» صلة الموصول ، وقوله «متلوّ فعل» : أي الظرف الذي تلاه فعل مبني.


الفارسي والمصنف ، لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بماض البناء ، وقد روي بالبناء والإعراب قوله :

٨٦ ـ على حين عاتبت المشيب على الصّبا (١).

بفتح نون «حين» على البناء ، وكسرها على الإعراب.

وما وقع قبل فعل معرب ، أو قبل مبتدأ ، فالمختار فيه الإعراب ، ويجوز البناء ، وهذا معنى قوله : «ومن بنى فلن يفنّدا» أي : فلن

__________________

(١) قائله : النابغة الذبياني وهو صدر بيت ، عجزه :

فقلت ألمّا أصح والشيب وازع؟

وازع : مانع.

وقبله قوله :

وأسبل مني عبرة فرددتها

على النحر منها مستهلّ ودامع

المعنى : سالت العبرات من عينى في زمن معاتبتي للمشيب الذي حلّ مني محل الصبا وقولي لنفسي موبخا لها : كيف لا أصحو إلى الآن من التمادي في ارتكاب ما لا يليق ، والشيب : «أفضل زاجر عن مثل ذلك».

الإعراب : على حين : على حرف جر. حين : ظرف مبني على الفتح في محل جر ، أو مجرور بعلى بكسرة ظاهرة والجار والمجرور متعلق بأسبل في البيت السابق. عاتبت : فعل ماض وفاعله. المشيب : مفعول به منصوب. وجملة «عاتبت المشيب» في محل جر بإضافة حين إليها على الصبا : جار ومجرور متعلق بعاتبت. فقلت : الفاء عاطفة قلت : فعل ماض وفاعله. والجملة معطوفة على جملة «عاتبت» فهي مثلها في محل جر. ألما : الهمزة للاستفهام. لما : حرف نفي وجزم وقلب ـ مثل «لم» وتمتاز عنها باتصال نفيها بزمن التكلم ، وبتوقع ثبوته بعد. أصح : مضارع مجزوم بلما بحذف حرف العلة وهو الواو ، وفاعله ضمير المتكلم مستتر فيه وجوبا تقديره أنا والشيب : الواو حالية ، الشيب مبتدأ مرفوع. وازع : خبره مرفوع وجملة «الشيب وازع» في محل نصب على الحال من فاعل «أصح» وجملة «ألما أصح ..» في محل نصب مقول القول «قلت».

الشاهد : في قوله : «على حين» فقد روى بفتح النون على البناء وهو المختار لأنها مضافة إلى جملة فعلية مصدرة بماض ، وروى بكسر النون على الإعراب.


يغلّط. وقد قرىء في السبعة : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(١) بالرفع على الإعراب وبالفتح على البناء ، هذا ما اختاره المصنّف.

ومذهب البصريين (٢) أنه لا يجوز فيما أضيف إلى جملة فعلية صدّرت بمضارع ، أو إلى جملة اسمية ، إلا الإعراب ، ولا يجوز البناء إلا فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض.

هذا حكم ما يضاف إلى الجملة جوازا ، وأما ما يضاف إليها وجوبا فلازم للبناء لشبهه بالحرف في الافتقار إلى الجملة ك «حيث ، وإذ ، وإذا».

إذا تلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية :

وألزموا «إذا» إضافة إلى

جمل الأفعال ك «هن إذا اعتلى»

أشار في هذا البيت إلى ما تقدم ذكره من أن «إذا» تلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية (٣) ولا تضاف إلى الجملة الاسمية ، خلافا للأخفش والكوفيين ؛ فلا تقول : «أجيئك إذا زيد قائم» وأما «أجيئك إذا زيد قام» ف «زيد» مرفوع بفعل محذوف ، وليس مرفوعا على الابتداء ، هذا مذهب سيبويه.

__________________

(١) من الآية ١١٩ من سورة المائدة وهي : «قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ».

(٢) علّل البصريون مذهبهم بأن سبب البناء مع الماضي هو طلب المشاكلة فلا وجه له مع الاسم والفعل المعرب وأجابوا عن الآية بأن اسم الإشارة عائد للمذكور قبله ويوم ظرف متعلق بمحذوف خبره.

(٣) أي الماضوية غالبا ، ويقل للمضارعية وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب :

والنفس راغبة إذا رغبتها

وإذا تردّ إلى قليل تقنع

وإنما لزمتها الإضافة لجملة فعلية لتضمنها معنى الشرط غالبا ، وإن خالفت الشرط في أنها لا تجزم اختيارا ، وفي اختصاصها بالمتيقّن والمظنون بخلاف باقي الأدوات ، فإنها للمشكوك والمستحيل ، وإذا ظرف للمستقبل ولا تخرج عن الظرفية أصلا عند الجمهور ، وهي منصوبة بجوابها لا بشرطها لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف.


وخالفه الأخفش ، فجوّز كونه مبتدأ خبره الفعل الذي بعده.

وزعم السيرافي أنه لا خلاف بين سيبويه والأخفش في جواز وقوع المبتدأ بعد إذا ، وإنما الخلاف بينهما في خبره ، فسيبويه يوجب أن يكون فعلا ، والأخفش يجوّز أن يكون اسما ؛ فيجوز في «أجيئك إذا زيد قام» جعل «زيد» مبتدأ عند سيبويه والأخفش ، ويجوز «أجيئك إذا زيد قائم» عند الأخفش فقط.

إضافة : كلا وكلتا

لمفهم اثنين معرّف بلا

تفرّق ، أضيف «كلتا» و «كلا» (١)

من الأسماء اللازمة للإضافة لفظا ومعنى : «كلتا ، وكلا» ، ولا يضافان إلا إلى معرفة ، مثنى لفظا ومعنى نحو «جاءني كلا الرجلين ، وكلتا المرأتين» أو معنى دون لفظ ، نحو «جاءني كلاهما ، وكلتاهما» ومنه قوله :

٨٧ ـ إن للخير وللشرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل (٢)

__________________

(١) الشروط فيما يضاف إليه كلا وكلتا ثلاثة : ١ ـ التعريف ، ٢ ـ إفهام اثنين ، ٣ ـ عدم التفرق.

(٢) قائله : عبد الله بن الزبعري : المدى : الغاية. الوجه : الجهة. القبل : بفتحتين : المحجة الواضحة.

المعنى : «إن للخير وللشر غاية ينتهيان إليها ، وكل منهما أمر واضح يستقبله الناس كالوجه ويعرفونه».

الإعراب : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. للخير : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لإن. وللشر : الواو عاطفة وللشر جار ومجرور متعلق بما تعلق به للخير ، مدى : اسم إن مؤخر منصوب بفتحة مقدرة. وكلا : الواو استئنافية. كلا : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة للتعذر ذلك : كلا مضاف. ذا : اسم إشارة في محل جر مضاف إليه ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب. وجه : خبر كلا مرفوع بضمة. وقبل : الواو عاطفة قبل معطوف على وجه ومرفوع مثله وسكن للروي.

الشاهد : في قوله : «وكلا ذلك» حيث أضيفت كلا لاسم هو مفرد في اللفظ ولكنه مثنى في المعنى ـ وهو اسم الإشارة «ذا» لأنه إشارة لاثنين «الخير والشر».


وهذا هو المراد بقوله : «لمفهم اثنين معرف» واحترز بقوله : «بلا تفرق» من معرّف أفهم الاثنين بتفرق ، فإنه لا يضاف إليه «كلا ، وكلتا» فلا تقول «كلا زيد وعمرو جاء» وقد جاء شاذا ، كقوله :

٨٨ ـ كلا أخي وخليلي واجدى عضدا

في النائبات وإلمام الملمّات (١)

إضافة أي لازمة ، أنواع أي :

ولا تضف لمفرد معرّف

أيّا وإن كررتها فأضف (٢)

__________________

(١) قائله : غير معروف. الخليل : الصديق. العضد : المعين والناصر ـ مجازا لأنه في الأصل : ما بين المرفق إلى الكتف. النائبات : جمع نائبة وهي المصيبة. إلمام : نزول الملمات : جمع ملمة وهي النازلات من نوازل الدهر.

المعنى : «كل من أخي وصديقي يجدني عند حلول المصائب ونزول النوائب معينا وناصرا»

الإعراب : كلا : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف. أخي : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه. وخليلي : الواو عاطفة. خليلي : معطوف على أخي ومجرور مثله وهو مضاف لياء المتكلم. واجدي : خبر كلا مرفوع بضمة مقدرة على آخره وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لمفعوله الأول. عضدا : مفعول به ثان لواجد منصوب في النائبات : جار ومجرور متعلق بواجد. وإلمام : الواو عاطفة إلمام معطوف على النائبات ومجرور مثله وهو مضاف. الملمات : مضاف إليه.

الشاهد : في قوله : «كلا أخي وخليلي» حيث أضيفت كلا إلى اثنين متفرقين وهما : «أخي وخليلي» وهو شاذ.

(٢) أيّا : مفعول به لتضف. فأضف : الفاء واقعة في جواب شرط إن. أضف فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت وكسر آخر أضف للروي. وجملة «أضف» في محل جزم جواب الشرط.


أو تنو الاجزا واخصصن بالمعرفة

موصولة أيا وبالعكس الصفة (١)

وإن تكن شرطا أو استفهاما

فمطلقا كمّل بها الكلاما (٢)

من الأسماء اللازمة للإضافة معنى «أيّ» ولا تضاف إلى مفرد معرفة ، إلا إذا تكررت ، ومنه قوله :

٨٩ ـ ألا تسألون الناس أيّى وأيّكم

غداة التقينا كان خيرا وأكرما (٣)

أو قصدت الأجزاء ، كقولك : «أي زيد أحسن؟» أي : أيّ

__________________

(١) أو تنو : أو حرف عطف : تنو معطوف على كرّرتها ـ وهو فعل الشرط ـ ومجزوم مثله بحذف حرف العلة ، والفاعل ضمير المخاطب مستتر وجوبا تقديره أنت : موصولة : حال من أيا متقدمة على صاحبها منصوبة. أيا : مفعول به لاخصصن.

(٢) فمطلقا : الفاء واقعة في جواب شرط إن. مطلقا : مفعول مطلق منصوب عامله «كمل» وجملة «كمل ..» في محل جزم جواب الشرط.

(٣) قائله : غير معروف. المعنى : «اسألوا الناس عمن كان خيرا وأكرم من صاحبه عند اللقاء والقتال أأنا أم أنتم» ألا : أداة عرض. تسألون : مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل. الناس : مفعول به أول منصوب. أيّي : أي اسم استفهام مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره لإضافته لياء المتكلم ، والياء مضاف إليه. وأيكم : الواو عاطفة. أي معطوف على أي السابقة ومرفوع مثله. وهو مضاف. والكاف مضاف إليه ، والميم علامة جمع الذكور. غداة : ظرف زمان منصوب متعلق بخيرا. التقينا : فعل ماض مبني على السكون ، ونا فاعله. وجملة «التقينا» في محل جر بإضافة غداة إليها. كان : فعل ماض ناقص ، واسمها ضمير مستتر جوازا يعود على اسم الاستفهام. خيرا : خبر كان منصوب. وأكرما : معطوف بالواو على خيرا ومنصوب مثله. وجملة «كان خيرا» في محل رفع خبر المبتدأ «أيي وأيكم» وجملة المبتدأ والخبر «أيي .. كان خيرا ..» في محل نصب مفعول به ثان لتسألون.

الشاهد : في قوله : «أيي وأيكم» حيث أضيفت أي إلى مفرد معرفة وتكررت.


أجزاء زيد أحسن ، ولذلك يجاب بالأجزاء فيقال : «عينه ، أو أنفه» وهذا إنما يكون فيها إذا قصد بها الاستفهام (١).

وأيّ تكون : (أ) استفهامية (ب) وشرطية (ج) وصفة. (د) وموصولة. فأما الموصولة فذكر المصنف أنها لا تضاف إلا إلى معرفة ، فتقول : «يعجبني أيّهم قائم» وذكر غيره أنها تضاف ـ أيضا ـ إلى نكرة ، ولكنه قليل ، نحو «يعجبني أيّ رجلين قاما».

وأما الصفة فالمراد بها :

١ ـ ما كان صفة لنكرة. ٢ ـ أو حالا من المعرفة.

ولا تضاف إلا إلى نكرة ، نحو : «مررت برجل أيّ رجل ، ومررت بزيد أيّ فتى» ومنه قوله :

٩٠ ـ فأومأت إيماء خفيّا لحبتر

فلله عينا حبتر أيّما فتى (٢)

__________________

(١) لا داعي للحصر بالاستفهامية لأن التكرار وقصد الأجزاء يأتيان في الموصولة والشرطية أيضا دون أي الوصفية. مثال الشرطية المتكررة : «أيي وأيك جاء يكرم» وذات الأجزاء «أيّ زيد أعجبك أعجبني» ، ومثال الموصولة : «اضرب أيّ زيد وأيّ عمرو هو قائم» «واقطع أي زيد هو قبيح» أي الجزء الذي هو قبيح منه.

(٢) قائله : الراعي النميري. الإيماء : الإشارة بحاجب أو يد أو غير ذلك. حبتر ـ بوزن جعفر ـ اسم رجل.

المعنى : «أشرت لحبتر إشارة خفية فأدركها فما أحدّ بصر هذا الفتى الكامل في وصف الفتوة» :

الإعراب : أومأت : فعل ماض مبني على السكون ، والتاء فاعله. إيماء : مفعول مطلق منصوب. خفيا : صفة لإيماء منصوب لحبتر : جار ومجرور متعلق بأومأت. فلله : الفاء استئنافية. لله : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. عينا : مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت نونه للإضافة. حبتر : مضاف إليه مجرور. أيما : أي : حال من حبتر منصوب بالفتحة. وهو مضاف ما زائدة ـ فتى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف.

الشاهد : في قوله «أيما فتى» حيث أضيفت أي الصفة إلى نكرة ، والمراد بالصفة ما كان نعتا لنكرة أو حالا من معرفة.


وأما الشرطية والاستفهامية. فيضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مطلقا ، أي سواء كانا مثنيين ، أو مجموعين أو مفردين ، إلا المفرد المعرفة ، فإنهما لا يضافان إليه (١). إلا الاستفهامية ، فإنها تضاف إليه كما تقدّم ذكره. واعلم أن «أيّا» إن كانت صفة أو حالا ، فهي ملازمة للإضافة لفظا ومعنى ، نحو : مررت برجل أيّ رجل ، وبزيد أيّ فتى. وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة ، فهي ملازمة للإضافة معنى لا لفظا ، نحو «أيّ رجل عندك؟ وأيّ عندك؟ (٢) ـ وأيّ رجل تضرب أضرب ـ وأيا تضرب أضرب (٣) ـ ويعجبني أيّهم عندك ـ وأيّ عندك (٤)» ونحو «أيّ الرجلين تضرب أضرب ـ وأيّ رجلين تضرب أضرب ـ وأيّ الرجال تضرب أضرب ـ وأيّ رجال تضرب أضرب ـ وأيّ الرجلين عندك؟ وأيّ الرجال عندك؟ وأيّ رجل؟ وأيّ رجلين؟ وأيّ رجال؟.»

__________________

(١) تقدم في حاشية الصفحة السابقة أن الشرطية والموصولة مثل الاستفهامية في الإضافة إلى المفرد المعرفة عند التكرار أو قصد الأجزاء.

(٢) مثال لأي الاستفهامية مقطوعة عن الإضافة لفظا.

(٣) مثال لأي الشرطية مقطوعة لفظا عن الإضافة.

(٤) مثال لأي الموصولة مقطوعة لفظا عن الإضافة لمعرفة.


أسئلة ومناقشات

١ ـ ما الإضافة؟ وما الذي تقتضيه من حذف؟ ولم كان هذا الحذف؟ مثل لكل ما تقول.

٢ ـ بماذا جرّ المضاف إليه؟ رجح ما تراه .. ثم بيّن المعاني التي تجيء لها الإضافة؟ ومن أيها : (يوم الخميس) ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ)(١) ـ قلادة ذهب)؟

٣ ـ ما المقصود بالإضافة المحضة؟ وما ذا تفيد؟ وضح ذلك مع التمثيل.

٤ ـ عرف الإضافة اللفظية؟ ولم سمّيت كذلك؟ وما ذا تفيد هذه الإضافة؟ اذكر أمثلة لأنواعها المختلفة وهل منها (عليّ أفضل القوم ـ يعجبني فهم خالد)؟ ولماذا؟

٥ ـ ما الدليل على أن الإضافة اللفظية لا تفيد تعريفا ولا تخصيصا؟ مثل لما تقول ..

٦ ـ متى يقترن المضاف (بأل) في الإضافة اللفظية؟ ومتى لا يصح اقترانه بها؟ ولماذا؟ مثل لما تقول ..

٧ ـ قال النحاة : «لا يضاف اسم لما اتحد به معنى». وضح هذه القاعدة .. واذكر علام تنطبق؟ وعلّل لعدم صحة هذه الإضافة؟ وبماذا تؤول ما ورد مخالفا لذلك من نحو «مسجد الجامع ـ جرد قطيفة» مثل لما تقول.

__________________

(١) آية ٣٩ سورة يوسف.


٨ ـ ماذا يكتسب المضاف من المضاف إليه؟ اذكر ذلك بالتفصيل وبم تعلل ذلك؟ وما الشرط الذي لا بد من تحققه في هذا الأمر؟ ولم حذفت التاء من قوله سبحانه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ)؟ مثل لذلك بالتفصيل ...

٩ ـ (من الأسماء ما يلزم الإضافة لفظا ومعنى ... ومنها ما يلزمها معنى فقط) اشرح ذلك .. موضحا كل نوع وممثلا لما تقول ..

١٠ ـ ما الأسماء التي تلزم الإضافة للظاهر؟ مثل لها بأمثلة من عندك.

١١ ـ (هناك أسماء تضاف إلى كل ضمير .. وأخرى تضاف لضمير المخاطب) وضح ذلك ومثل له بأمثلة من عندك.

١٢ ـ اذكر معاني هذه المصادر (لبّيك ـ دواليك ـ سعديك ـ هذا ذيك حنانيك) وطريقة إعرابها؟

١٣ ـ ما الذي يضاف من الظروف إلى الجمل الفعلية فقط؟ وما الذي يضاف إلى الجملتين الفعلية والاسمية؟ وما حكم ما حمل على ذلك من أسماء الزّمان؟ مثل لكل ما تقول.

١٤ ـ وضّح من الظّروف ما يضاف إلى الجملة جوازا ـ وما حكمه من حيث الإعراب والبناء؟ ـ ومتى يترجح أحدهما على الآخر؟ مثل واستشهد.

١٥ ـ اذكر شرط ما تضاف إليه «كلا وكلتا»؟ ومثل لما تقول.

١٦ ـ وضّح شرط ما تضاف إليه (أي) .. ثم اذكر أنواعها وما يضاف إليه كل نوع مع التمثيل لما تقول ...


تمرينات

١ ـ وضح فيما يلي نوع الإضافة وما اقتضته من حذف والمعنى الذي جاءت له : ـ

قال تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(١) ـ (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)(٢) ـ (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ)(٣) ـ «وَالْمُقِيمِي (٤) الصَّلاةِ».

تملك المرأة أساور ذهب ، وأثواب حرير.

٢ ـ قال تعالى : (كِلْتَا لْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا) (٥). «ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ (٦) عِتِيًّا». «أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ (٧) نَدِيًّا».

فيما سبق أسماء تلزم الإضافة. بيّنها .. ثم وضّح ما أضيفت إليه مع بيان نوع (أي) في الآيتين .. ثم أعرب ما تحته خط.

٣ ـ هات أمثلة في جمل تامة لما يأتي : ـ

(أيّ) الوصفية ـ (أيّ) الشرطية ـ إضافة للتخصيص ـ إضافة للتخفيف ـ مضاف استفاد التذكير من المضاف إليه .. ظرف

__________________

(١) آية ٢٢٨ سورة البقرة.

(٢) آية ٣٩ سورة يوسف.

(٣) آية ٧ فاتحة الكتاب.

(٤) آية ٣٥ سورة الحج.

(٥) آية ٣٣ سورة الكهف.

(٦) آية ٦٩ سورة مريم.

(٧) آية ٧٣ سورة مريم.


ملازم للإضافة إلى الجمل ـ ظرف يختص بالجملة الفعلية وآخر يصلح للإضافة إلى الجملة الاسمية والفعلية.

٤ ـ قال تعالى : «فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (١) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ».

(أ) في الآية ظرفان مضافان .. عينهما .. ثم اذكر ما يضافان إليه؟

(ب) أين المضاف إليه بالنسبة لكل منهما في الآية الكريمة؟.

(ج) ما نوع التنوين في قوله سبحانه (حينئذ)؟ قدّر المحذوف ... واذكر علة هذا الحذف.

(د) أعرب ما تحته خط من الآية.

٥ ـ (لبيك اللهم لبيك).

ما المضاف في قوله (لبيك)؟ وما المضاف إليه؟ وما المحذوف من الكلمة؟ ولم حذف؟ وضح معنى الكلمة وما يراد منها .. مثل لأخوات هذه الكلمة في جمل من عندك مبيّنا شرط ما تضاف إليه.

٦ ـ سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أىّ الصدقة أعظم).

وقال صلوات الله عليه : «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله»؟

وقال صلوات الله عليه : «أيّما امرأة باتت وزوجها راض عنها ضمنت لها الجنة».

وتقول أنت : (إن صديقي كريم أيّ كريم).

وتقول : (لأكافئنّ من أخواتي أيهم أسرع إلى الطاعة).

(أ) بيّن نوع (أي) فيما مضى ـ وإعرابها ـ وعيّن ما أضيفت إليه ... ثم أعرب ما تحته خط.

(ب) كيف أضيفت (أي) في الحديث الأول إلى مفرد؟ وبم تؤول ذلك؟ ولماذا؟

__________________

(١) آية ٨٣ سورة الواقعة.


٧ ـ ما معنى الظرف في المثالين الآتيين؟ وما نوع الجملة التي أضيف إليها؟ ولماذا؟ وضح أي الأمرين أولى بالنسبة إليه : الإعراب أم البناء؟ ولماذا؟

(أ) جئتك حين الشمل مجتمع.

(ب) أجيئك حين ينتهي الامتحان.

وهل يجوز؟ أجيئك حين الامتحان معقود ولماذا؟

٨ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه. وهو للبحتري يوم هجم الأعداء المتآمرون على قصر المتوكل :

ولم أنس وحش القصر إذ ريع سربه

وإذا ذعرت أطلاؤه وجآذره


إضافة «لدن» و «مع»

وألزموا إضافة «لدن» فجر

ونصب «غدوة» بها عنهم ندر (١)

ومع ، مع فيها قليل ، ونقل

فتح وكسر لسكون يتّصل (٢)

من الأسماء اللازمة للإضافة «لدن» و «مع»

فأما «لدن» فلابتداء غاية زمان أو مكان ، وهي مبنية عند أكثر العرب ، لشبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد وهو : الظرفية ، وابتداء الغاية ، وعدم جواز الإخبار بها ، ولا تخرج عن الظرفية إلا بجرها بمن ، وهو الكثير فيها ، ولذلك لم ترد في القرآن إلا بمن ، كقوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(٣) وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ)(٤) وقيس تعربها ، ومنه قراءة أبي بكر عن عاصم «لينذر بأسا شديدا من لدنه» لكنه أسكن الدال وأشمّها الضم. قال المصنف : ويحتمل أن يكون منه قوله :

__________________

(١) إضافة : مفعول ثان مقدم لألزموا. لدن : مفعول أول مؤخر لألزموا بقصد اللفظ.

(٢) مع : مبتدأ بقصد اللفظ. مع : مبتدأ ثان بقصد اللفظ ـ أي منصوبا في الحالة الأولى ، وساكنا في الحالة الثانية. فيها : جار ومجرور متعلق بقليل. قليل : خبر المبتدأ الثاني ، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

(٣) من الآية ٦٥ من سورة الكهف وهي : «فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً».

(٤) من الآية ٢ من سورة الكهف وهي «قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً».


٩١ ـ تنتهض الرّعدة في ظهيري

من لدن الظهر إلى العصير (١)

ويجرّ ما ولي «لدنّ» بالإضافة ، إلا «غدوة» فإنهم نصبوها بعد «لدن» كقوله :

٩٢ ـ وما زال مهري مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتى دنت لغروب (٢)

__________________

(١) قائله : غير معروف. تنتهض : تتحرك وتسرع. الرّعدة : اسم من الارتعاد وهو الاضطراب والمراد بها الحمّى. ظهيري : تصغير ظهر الظّهر : وقت الزوال الذي تجب فيه صلاة الظهر. العصير : تصغير عصر : اسم الوقت والصلاة بين الظهر والمغرب.

المعنى : أن الحمى تصيبني فيسرع الارتعاد إلى ظهري من وقت الظهر إلى وقت العصر.

الإعراب : تنتهض : مضارع مرفوع بالضمة. الرعدة : فاعله مرفوع. في ظهيري : جار ومجرور متعلق بتنتهض وهو مضاف ، وياء المتكلم مضاف إليه من لدن : من حرف جر. لدن : ظرف زمان مبني على السكون في محل جر ، ويحتمل أن تكون معربة ـ على لغة قيس ـ ومجرورة بكسرة ظاهرة ، وعلى الإعراب الأول إنما كسر آخرها تخلصا من التقاء الساكنين ، والجار والمجرور متعلق بتنتهض. الظهر : مضاف إليه مجرور. إلى العصير : جار ومجرور متعلق بتنتهض.

الشاهد : في قوله : «من لدن الظهر» حيث يحتمل أن تكون كسرة النون في لدن ـ جرّ إعراب على لغة قيس ، ولكن هذا الاحتمال غير متعين لاحتمال آخر هو أن تكون مبنية على السكون وكسر آخرها تخلصا من التقاء الساكنين.

(٢) قائله : غير معروف. مزجر الكلب : مكان زجر الكلب وإبعاده.

المعنى : «إن مهري بقي بعيدا عن هؤلاء القوم من أول النهار إلى آخره».

الإعراب : مازال : ما نافية. زال فعل ماض ناقص مبني على الفتح. مهري : اسمها مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف. وياء المتكلم مضاف إليه. مزجر : ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر منصوب لزال. وهو مضاف. الكلب : مضاف إليه مجرور. منهم : جار ومجرور متعلق بالخبر المحذوف. لدن : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بخبر زال.


وهي منصوبة على التمييز ، وهو اختيار المصنف ، ولهذا قال : «ونصب غدوة بها عنهم ندر» ، وقيل : هي خبر لكان المحذوفة ، والتقدير : لدن كانت الساعة غدوة. ويجوز في غدوة الجرّ وهو القياس ، ونصبها نادر في القياس ، فلو عطفت على غدوة المنصوبة بعد «لدن» جاز النصب عطفا على اللفظ ، والجرّ مراعاة للأصل فنقول : «لدن غدوة وعشية ، وعشية» ذكر ذلك الأخفش ، (وحكى الكوفيون رفع «غدوة» بعد «لدن» وهو مرفوع بكان المحذوفة ، والتقدير لدن كانت غدوة. و «كان» تامة).

وأما «مع» فاسم لمكان الاصطحاب أو وقته ، نحو : «جلس زيد مع عمرو ، وجاء زيد مع بكر» والمشهور فيها فتح العين ، وهي معربة وفتحتها فتحة إعراب.

ومن العرب من يسكّنها ، ومنه قوله :

٩٣ ـ فريشي منكم وهواى معكم

وإن كانت زيارتكم لماما (١)

__________________

غدوة : تمييز ل «لدن» لأنها دالة على أول زمان مبهم ففسر إبهامه بغدوة فهو تمييز لمفرد. حتى : ابتدائية لا عمل لها. دنت : دنا : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة تخلصا من التقاء الساكنين ، والتاء للتأنيث ، وفاعل دنت ضمير مستتر جوازا يعود على الشمس ـ المعلومة من سياق الكلام ـ لغروب : جار ومجرور متعلق بدنت.

الشاهد : في قوله : «لدن غدوة» حيث نصبت غدوة بعد لدن ولم تجر بالإضافة ، وهذا نادر.

(١) قائله : جرير من قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك. الرّيش : اللباس الفاخر ، والخير ، والمال. لماما : وقتا بعد وقت.

المعنى : «كل خير ينسب إليّ فهو صادر منكم ومحبتي ملازمة لكم وإن كنت مقصرا في زيارتكم ، أزوركم حينا وأغيب عنكم أحيانا».

الإعراب : ريشي : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره لإضافته لياء المتكلم. والياء مضاف إليه. منكم : من حرف جر والكاف في محل جر والميم لجماعة الذكور


وزعم سيبويه أن تسكينها ضرورة ، وليس كذلك ، بل هو لغة ربيعة ، وهي عندهم مبنية على السكون وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف ، وادّعى النحاس الإجماع على ذلك ، وهو فاسد ؛ فإن سيبويه زعم أنّ ساكنة العين اسم.

هذا حكمها إن وليها متحرك ـ أعني أنها تفتح وهو المشهور ، وتسكن ، هي لغة ربيعة ـ فإن وليها ساكن فالذي ينصبها على الظرفية يبقى فتحها. فيقول : «مع ابنك» والذي يبنيها على السكون يكسر لالتقاء الساكنين فيقول : «مع ابنك».

إضافة «قبل ، وبعد ، وغير ونظائرها» :

واضمم ـ بناء ـ «غيرا» ان عدمت ما

له أضيف ، ناويا ما عدما (١)

قبل كغير ، بعد ، حسب ، أوّل

ودون والجهات أيضا وعل

__________________

والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. وهواي : الواو عاطفة. هوى : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه معكم : مع ظرف مكان مبنية على السكون في محل نصب متعلقة بمحذوف خبر المبتدأ هواي ومع مضاف والضمير مضاف إليه والميم لجماعة الذكور. وإن : الواو حالية إن حرف شرط جازم ـ ومعربو شواهد ابن عقيل يعربون إن هنا زائدة ـ كانت كان فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، والتاء للتأنيث ، زيارتكم اسم كان مرفوع ، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله والميم لجماعة الذكور لماما : خبر كان منصوب. والجملة في محل نصب حال من ياء المتكلم في «هواي» وجواب شرط إن محذوف دل عليه الكلام السابق.

الشاهد : في قوله «معكم» حيث سكنت عين مع سكون بناء في لغة ربيعة ـ وهذا قليل لأن المشهور فتح عينها فتحة إعراب.

(١) بناء : مفعول مطلق منصوب ـ وهو في الأصل مضاف إلى المفعول المطلق أي ضمة بناء. غيرا : مفعول به لاضمم منصوب.


وأعربوا نصبا إذا ما نكّرا

«قبلا» وما من بعده قد ذكرا (١)

هذه الأسماء المذكورة هي : غير ، وقبل ، وبعد ، وحسب ، وأول ، ودون ، والجهات الست ، وهي : أمامك وخلفك وفوقك وتحتك ويمينك وشمالك ، وعل ؛ لها أربعة أحوال تبنى في حالة منها ، وتعرب في بقيتها فتعرب إذا أضيفت لفظا (٢) ، نحو : «أصبت درهما لا غيره ، وجئت من قبل زيد» أو حذف ما تضاف إليه ونوي اللفظ (٣) ، كقوله :

٩٤ ـ ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف (٤)

__________________

(١) نصبا : حال من واو أعربوا ـ أي ناصبين ـ قبلا : مفعول به لأعربوا منصوب : تقدير البيت «أعربوا قبلا وما ذكر بعده ناصبين له».

(٢) هذه الحالة الأولى من أحوال إعرابها وهي أن تكون مضافة لاسم ملفوظ بعدها.

(٣) هذه الحالة الثانية من أحوال إعرابها ، يحذف المضاف إليه وينوي لفظه بعدها كأنه موجود.

(٤) قائله : غير معروف. المولى : هنا ـ ابن العم أو العصبة ـ عطفت : ثنت وأمالت العواطف : الأمور المقتضية للعطف من المروءة والصداقة.

المعنى : «ومن قبل ذلك نادى كل ابن عم قرابته حتى يعينوه فلم يلبّ نداءه أحد منهم».

الإعراب : من قبل : جار ومجرور متعلق بنادى. نادى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر. كلّ : فاعل نادى مرفوع ، وهو مضاف. مولى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف. قرابة : مفعول به لنادى منصوب بالفتحة. فما : الفاء عاطفة ما : نافية. عطفت : عطف : فعل ماض مبني على الفتح الظاهر ، والتاء للتأنيث. مولىّ : مفعول به مقدم منصوب بفتحة مقدرة. عليه : جار ومجرور متعلق بعطفت. العواطف : فاعل عطفت مرفوع.

الشاهد : في قوله : «ومن قبل» حيث حذف ما أضيف إليه قبل ، ونوي لفظه فأعربت مجرورة بالكسرة من غير تنوين كما إذا ذكر معها المضاف إليه. والتقدير «ومن قبل ذلك».


وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظا ، فلا تنوّن ، إلا إذا حذف ما تضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه (١) ، فتكون نكرة ومنه قراءة من قرأ : «لله الأمر من قبل ومن بعد» بجرّ «قبل وبعد» وتنوينهما ؛ وكقوله :

٩٥ ـ فساغ لي الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء الحميم (٢)

هذه هي الأحوال الثلاثة التي تعرب فيها.

أما الحالة الرابعة التي تبنى فيها فهي إذا حذف ما تضاف إليه ونوي

__________________

(١) هذه الحالة الثالثة من أحوال إعراب «غير وما بعدها». فيها يحذف المضاف إليه ولا ينوي لفظه ولا معناه ، فتفقد سبب التعريف.

(٢) قائله : يزيد بن الصعق ، وكان له ثأر فأدركه. ساغ الشراب : سهل مدخله في الحلق. أغصّ من الغصص وهو اعتراض اللقمة في الحلق ومنعها للتنفس. الماء الحميم : هنا البارد ـ لأنه من الأضداد يطلق على الماء الحار والماء البارد.

المعنى : «لما أدركت ثأري ساغ لي الشراب وهدأت نفسي وقد كنت من قبل أتضايق وأشرق بالماء العذب البارد».

الإعراب : ساغ : فعل ماض مبني على الفتح. لي : جار ومجرور متعلق بساغ. الشراب : فاعل ساغ مرفوع. وكنت : الواو حالية. كنت : كان الناقصة مبنية على السكون والضمير اسمها ، قبلا : ظرف زمان منصوب متعلق بأغص. أكاد : مضارع ـ من فعال المقاربة ـ مرفوع بالضمة واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» أغص : مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير المتكلم مستتر وجوبا تقديره أنا. وجملة «أغصّ» في محل نصب خبر أكاد. وجملة «أكاد أغص» في محل نصب خبر «كنت». وجملة «كنت» وما بعدها. في محل نصب حال من ضمير المتكلم المجرور باللام «لي» بالماء : جار ومجرور متعلق بأغص. الحميم : صفة للماء مجرور.

الشاهد : في قوله «قبلا» حيث حذف ما أضيفت إليه «قبلا» ولم ينو لفظه ولا معناه فأعربت ونونت وهي نكرة تدل على عموم زمن سابق.


معناه دون لفظه ، فإنها تبنى حينئذ على الضم ، نحو : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)(١) وقوله :

٩٦ ـ أقبّ من تحت عريض من عل (٢)

وحكى أبو علي الفارسي «ابدأ بذا من أوّل» بضم اللام وفتحها وكسرها ـ فالضمّ على البناء لنية المضاف إليه معنى. والفتح على الإعراب لعدم نية المضاف إليه لفظا ومعنى ، وإعرابها إعراب ما لا ينصرف للصفة ووزن الفعل ، والكسر على نية المضاف إليه لفظا ، فقول المصنف «واضمم بناء ـ البيت» «إشارة إلى الحالة الرابعة» وقوله : «ناويا ما عدما» مراده أنك تبنيها على الضم إذا حذفت ما تضاف إليه ونويته معنى لا لفظا.

وأشار بقوله : «وأعربوا نصبا» إلى الحالة الثالثة وهي ما إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه ، فإنها تكون حينئذ نكرة معربة.

__________________

(١) من الآية ٤ من سورة الروم.

(٢) قائله : أبو النجم من أرجوزة. والبيت في وصف فرس. أقبّ : بفتح القاف وتشديد الباء ـ مشتق من القبب وهو دقة الخصر وضمور البطن.

المعنى : «إن هذا الفرس ضامر البطن واسع الظهر».

الإعراب : أقبّ : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هو» مرفوع بالضمة. من تحت : من حرف جر ، تحت : ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن والجار متعلق بأقب. عريض : خبر ثان للمبتدأ المحذوف مرفوع بالضمة ، من عل : من حرف جر. عل : ظرف مكان مبني على الضم في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بعريض.

الشاهد : في قوله : «من تحت ومن عل» حيث بنى تحت وعل على الضمّ لحذف ما أضيف إليه كل منهما ونية معناه. ولكن جاء في حاشية المغني اعتراض على بناء «عل» في هذا البيت لأنه من أرجوزة رويّها مجرور وأولها :

الحمد لله العليّ الأجلل

الواسع الفضل الوهوب المجزل

وبذلك يبقى الشاهد في البيت قوله «من تحت» وحده.


وقوله «نصبا» معناه أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جار ، فإن دخل عليها جرّت ، نحو «من قبل ومن بعد».

ولم يتعرض المصنف للحالتين الباقيتين ـ أعني الأولى ، والثانية ـ لأن حكمهما ظاهر معلوم من أول الباب ، وهو ـ الإعراب وسقوط التنوين ـ كما تقدم في كل ما يفعل بكل مضاف مثلها.

حذف المضاف وقيام المضاف إليه مقامه :

وما يلي المضاف يأتي خلفا

عنه في الاعراب إذا ما حذفا

يحذف المضاف لقيام قرينة تدل عليه. ويقام المضاف إليه مقامه ، فيعرب بإعرابه كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)(١) أي : حبّ العجل ، وكقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ)(٢) أي : أمر ربك (٣) فحذف المضاف وهو «حبّ» و «أمر» وأعرب المضاف إليه وهو «العجل وربك» بإعرابه.

حذف المضاف وبقاء المضاف إليه مجرورا :

وربّما جروا الذي أبقوا كما

قد كان قبل حذف ما تقدما (٤)

لكن بشرط أن يكون ما حذف

مماثلا لما عليه قد عطف

قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا كما كان عند ذكر المضاف ، لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف كقول الشاعر :

__________________

(١) من الآية ٩٣ من سورة البقرة.

(٢) من الآية ٢٢ من سورة الفجر وهي «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا».

(٣) الصحيح الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الرب تبارك وتعالى يجيء يوم القيامة مجيئا يليق بجلاله وعظمته للفصل بين عباده.

(٤) رب : حرف جر شبيه بالزائد. ما : زائدة كافة لرب عن الجر. والمقصود بقوله : «الذي أبقوا» المضاف إليه وب «ما تقدما» المضاف.


٩٧ ـ أكلّ امرىء تحسبين امرأ

ونار توقّد بالليل نارا (١)

والتقدير : «وكلّ نار» فحذف «كل» وأبقى المضاف إليه مجرورا كما كان عند ذكرها ، والشرط موجود ، وهو العطف على مماثل المحذوف وهو «كل» في قوله «أكلّ امرىء».

وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره ، والمحذوف ليس مماثلا للملفوظ بل مقابل له ، كقوله تعالى : «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ

__________________

(١) قائه : أبو دؤاد الإيادي.

المعنى : «لا تظني كل من تلقينه من الرجال رجلا كاملا ، ولا تظني كل نار متوقدة في الليل نار جواد مضياف».

الإعراب : أكل : الهمزة للاستفهام الإنكاري. كلّ : مفعول أول مقدم لتحسبين منصوب بالفتحة وهو مضاف. امرىء : مضاف إليه مجرور تحسبين : مضارع مرفوع بثبوت النون ، والياء فاعل. امرأ : مفعول ثان لتحسبين بمعنى تظنين. ونار : الواو عاطفة ، والمعطوف محذوف تقديره «وكلّ نار» ونار : مجرور بإضافته إلى المضاف المحذوف «كل». توقد : مضارع ـ حذفت احدى تائيه ـ مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره «هي» يعود إلى النار. بالليل : جار ومجرور متعلق بتوقد. وجملة «توقد» في محل جر صفة «نار» نارا : معطوف على «امرأ» المفعول الثاني لتحسبين. وإنما جعل المعطوف بالواو في قوله «ونار» محذوفا وتقديره «وكلّ نار» ولم يعطف المذكور بعد الواو وهو «نار» المجرور على قوله «امرئ» لئلا يلزم عطف معمولين هما «نار» المجرور و «نارا» المنصوب على معمولين هما «امرىء» المجرور بالإضافة و «امرأ» المنصوب مع المفعولية ، فهما معمولان لعاملين مختلفين ـ وذلك ممنوع ، لأن العطف على نية تكرار العامل ـ والعامل الواحد لا يعمل نصبا وجرا ، ولا يقوى حرف العطف أن ينوب مناب عاملين.

الشاهد : في قوله : «أكل امرىء تحسبين امرأ ونار» حيث حذف المضاف وهو «كل» وبقي المضاف إليه وهو «نار» على جرّه والشرط موجود وهو مماثلة المعطوف المحذوف للمعطوف عليه المذكور.


يُرِيدُ الْآخِرَةَ» (١) في قراءة من جرّ الآخرة ، والتقدير : «والله يريد باقي الآخرة» ومنهم من يقدره : «والله يريد عرض الآخرة» فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ ، والأول أولى ، وكذا قدره ابن أبي الربيع في شرحه للإيضاح.

حذف المضاف إليه وبقاء المضاف غير منون :

ويحذف الثاني فيبقى الأول

كحاله إذا به يتصل (٢)

بشرط عطف وإضافة إلى

مثل الذي له أضفت الأولا

يحذف المضاف إليه ، ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا ، فيحذف تنوينه ، وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الأول ، كقولهم : «قطع الله يدو رجل من قالها» التقدير : «قطع الله يد من قالها ورجل من قالها» ، فحذف ما أضيف إليه «يد» وهو «من قالها» لدلالة ما أضيف إليه «رجل» عليه ، ومثله قوله :

٩٨ ـ سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها (٣)

__________________

(١) من الآية ٦٧ من سورة الأنفال وهي «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».

(٢) المقصود ب «الثاني» المضاف إليه ، وب «الأول» المضاف. والضمير المتصل في «كحاله وبه» يعود إلى المضاف الذي هو الأول. والضمير المستتر في «يتصل» يعود إلى الثاني وهو المضاف إليه.

(٣) قائله : غير معروف ، وهذا صدر بيت عجزه :

«فنيطت عرى الآمال بالزرع والضّرع».

نيطت : علقت ـ مبني للمجهول ـ عرى : جمع عروة ـ في الأصل : من الدلو : مقبضها ، ومن الكوز : أذنه ، وإضافة عرى إلى الآمال استعارة مكنية.

الضّرع : لذات الظلف كالثدي للمرأة. الحزن : ما غلظ من الأرض.

المعنى : «روى المطر الأراضي كلّها ما غلظ منها وما لم يغلظ فقوى رجاء الناس في نمو الزرع وصلاحه وطمعوا في صلاح المواشي والانتفاع بها».


التقدير : «سهلها وحزنها» فحذف ما أضيف إليه «سهل» لدلالة ما أضيف إليه «حزن» عليه ، هذا تقرير كلام المصنف وقد يفعل ذلك وإن لم يعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الأول ، كقوله :

ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة

فما عطفت مولى عليه العواطف (١)

فحذف ما أضيف إليه «قبل» وأبقاه على حاله لو كان مضافا ، ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف ، والتقدير : «ومن قبل ذلك» ومثله قراءة من قرأ شذوذا (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)(٢) أي فلا خوف شيء عليهم.

__________________

الإعراب : سقى : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف. الأرضين : مفعول به مقدم منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. الغيث : فاعل سقى مرفوع بالضمة. سهل : بدل من الأرضين بدل بعض من كل منصوب بالفتحة. وحزنها : الواو عاطفة حزن معطوف على سهل ومنصوب وهو مضاف وها : في محل جر مضاف إليه. فنيطت : الفاء عاطفة. نيط فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء للتأنيث. عرى : نائب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف. الآمال : مضاف إليه مجرور. بالزرع : جار ومجرور متعلق بنيطت. والضرع : معطوف بالواو على الزرع.

الشاهد : في قوله : «سهل وحزنها» حيث كان الأصل «سهلها» فحذف المضاف إليه وبقي المضاف على حاله من حذف التنوين ، والشرط موجود هو أنه عطف على هذا المضاف اسم مضاف إلى مثل المضاف إليه المحذوف هو قوله «وحزنها».

(١) تقدم الكلام عليه مفصلا على الصفحة ٣٠٤ ، عند الكلام عن إعراب «غير وقبل وأخواتهما» والشاهد هنا حذف المضاف إليه من قبل دون أن يعطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المضاف إليه المحذوف.

(٢) من الآية ٣٨ من سورة البقرة وهي «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ».


٩٩ ـ كما خطّ الكتاب بكفّ يوما

يهوديّ يقارب أو يزيل (١)

ففصل ب «يوما» بين «كف» و «يهودي» وهو أجنبي من «كف» لأنه معمول ل «خطّ». ومثال النعت قوله :

١٠٠ ـ نجوت وقد بلّ المراديّ سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب (٢)

__________________

(١) قائله : أبو حيّة النميري يصف رسم دار. يقارب : يقارب حروف الكتابة بعضها من بعض. يزيل : يفرقها عن بعضها.

المعنى : «إن رسوم هذه الدار شبيهة في عدم انتظامها بكتابة مكتوب خطّ بكف يهودي يقارب حروف الكتابة بعضها من بعض أو يباعدها ويفرق بينها ..».

الإعراب : كما : الكاف حرف جر. ما : مصدرية. خطّ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الكتاب : نائب فاعل مرفوع. بكف : جار ومجرور متعلق بخط. يوما. مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بخط. وكف مضاف. يهودي : مضاف إليه ـ إلى كف ـ مجرور بالكسرة وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بخبر محذوف لمبتدأ يفهم من الكلام السابق تقديره : رسم هذه الدار كائن كخط كتاب .. يقارب : مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة في محل جر صفة ليهودي. أو يزيل : أو عاطفة. يزيل مضارع مرفوع. فاعله ضمير مستتر تقديره هو. والجملة معطوفة على جملة يقارب.

الشاهد : في قوله : «بكف يوما يهودي» حيث فصل بين المضاف «كفّ» والمضاف إليه «يهودي» بأجنبي من المضاف وهو «يوما» لأنه معمول للفعل المتقدم «خطّ» وهذا الفصل بأجنبي ضرورة.

(٢) قائله : معاوية بن أبي سفيان. بلّ : لطّخ سيفه بالدم. المراديّ : عبد الرحمن بن ملجم ـ نسبة إلى مراد : اسم قبيلة من اليمن وهو قاتل الإمام علي بن أبي طالب. الأباطح : جمع أبطح وهو كل مكان متسع أو هو مسيل واسع فيه دقاق الحصى ـ والمراد بالأباطح : مكة المكرمة. وشيخ الأباطح هو أبو طالب والد الإمام علي لأنه كان من أعظم وجوه مكة وأشرافها.


الأصل : من ابن أبي طالب شيخ الأباطح ، وقوله :

١٠١ ـ ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين أصدق من يمينك مقسم (١)

__________________

المعنى : «تخلصت من القتل وقد لطخ ابن ملجم سيفه بدم ابن أبي طالب شيخ مكة».

الإعراب : نجوت : فعل وفاعل ، نجا فعل ماض مبني على السكون والتاء في محل رفع فاعل. وقد : الواو حالية. قد : حرف تحقيق. بلّ فعل ماض مبني على الفتح. المراديّ : فاعل بل مرفوع. سيفه : مفعول به لبل منصوب بالفتحة وهو مضاف والهاء في محل جر مضاف إليه وجملة «قد بل المرادي» في محل نصب حال «من» ابن : جار ومجرور متعلق ببلّ. أبي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وأبي مضاف. شيخ الأباطح : نعت لأبي مجرور بالكسرة وشيخ مضاف الأباطح ، مضاف إليه. طالب : مضاف إلى «أبي» وقد فصل بين المضاف والمضاف إليه ب «شيخ الأباطح» وهو نعت للمضاف «أبي».

الشاهد : في قوله : «من ابن أبي شيخ الأباطح طالب» حيث فصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف وهو «شيخ الأباطح» للضرورة ، كما أوضحت في الإعراب. والأصل بدون الفصل «من ابن أبي طالب شيخ الأباطح».

(١) قائله الفرزدق. على يديك : على فعل يديك ـ أي الجود والعطاء السخي من يديك.

المعنى : «والله لئن حلفت على جود يديك وسماحتها لأحلفن بيمين مقسم صادق نعم بهذا الجود فيميني أصدق من أي يمين آخر على خلافه».

الإعراب : لئن : اللام موطئة للقسم. إن : حرف شرط جازم. حلفت : حلف فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط. والتاء فاعل. على يديك : على حرف جر. يدي مجرور بعلى بالياء لأنه مثنى وهو مضاف والكاف مضاف إليه وحذفت نون يديه للإضافة. والجار والمجرور متعلق بحلفت. لأحلفن : اللام واقعة في جواب القسم المفهوم من قوله «لئن» أحلف مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة ، وفاعله ضمير المتكلم مستتر وجوبا تقديره «أنا» والنون للتوكيد. بيمين : جار ومجرور متعلق بأحلفن. أصدق : نعت ليمين مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل. من يمينك : جار ومجرور متعلق بأصدق ، ويمين مضاف والكاف مضاف إليه ، مقسم : مضاف ـ


وهذا الذي ذكره المصنف من أن الحذف من الأول ، وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور ، هو مذهب المبرد ومذهب سيبويه : أن الأصل : «قطع الله يد من قالها ورجل من قالها» فحذف ما أضيف إليه «رجل» فصار : «قطع الله يد من قالها ورجل» ثم أقحم قوله «ورجل» بين المضاف الذي هو «يد» والمضاف إليه الذي هو : «من قالها» فصار : «قطع الله يد ورجل من قالها» فعلى هذا يكون الحذف من الثاني ، لا من الأول ، وعلى مذهب المبرد بالعكس ، قال بعض شراح الكتاب : وعند الفراء يكون الاسمان مضافين إلى «من قالها» ولا حذف في الكلام لا من الأول ، ولا من الثاني.

الفصل بين المضاف والمضاف إليه :

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب (١)

فصل يمين ، واضطرارا وجدا

بأجنبي ، أو بنعت ، أو ندا

أجاز المصنف أن يفصل في الاختيار بين المضاف ـ الذي هو شبه فعل ؛

__________________

(١) فصل : مفعول به مقدم لأجز وهو مضاف. مضاف : مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. شبه : نعت لمضاف مجرور فعل : مضاف إليه مجرور. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل مؤخر للمصدر «فصل» نصب : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي ، وفاعله ضمير مستتر جوازا يعود على «مضاف» وعائد الموصول محذوف وهو ضمير نصب التقدير «ما نصبه المضاف» مفعولا : حال من اسم الموصول «ما» منصوب : أو ظرفا : معطوف بأو على مفعولا ومنصوب. أجز : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير المخاطب مستتر فيه وجوبا. وجملة «نصب» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. تقدير الكلام : أجز أن يفصل المضاف المشبه للفعل عن المضاف إليه ، ما نصبه المضاف حالة كونه مفعولا به أو ظرفا ..


والمراد به المصدر واسم الفاعل ـ والمضاف إليه بما نصبه المضاف : من مفعول به أو ظرف ، أو شبهه.

فمثال ما فصل فيه بينهما بمفعول المضاف قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(١) في قراءة ابن عامر ، بنصب «أولاد» وجر «الشركاء».

ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف نصبه المضاف الذي هو مصدر ما حكي عن بعض من يوثق بعربيّته «ترك يوما نفسك وهواها ، سعي لها في رداها».

ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذي هو اسم فاعل قراءة بعض السلف (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٢) بنصب «وعد» وجر «رسل».

ومثال الفصل بشبه الظرف قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث أبي الدرداء : «هل أنتم تاركو لي صاحبي» وهذا معنى قوله : «فصل مضاف ـ إلى آخره».

وجاء الفصل أيضا في الاختيار بالقسم ، حكى الكسائي : «هذا غلام والله زيد» ولهذا قال المصنف : «ولم يعب فصل يمين» وأشار بقوله : «واضطرارا وجدا» إلى أنه قد جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة بأجنبي من المضاف ، وبنعت المضاف ، وبالنداء ، فمثال الأجنبي قوله :

__________________

(١) الآية ١٣٧ من سورة الأنعام وهي «وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ».

(٢) الآية ٤٧ من سورة إبراهيم وهي : «فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ».


الأصل : «بيمين مقسم أصدق من يمينك».

ومثال النداء قوله :

١٠٢ ـ وفاق كعب بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد في سقر (١)

وقوله.

__________________

إلى يمين مجرور وقد فصل بين المضاف وهو «يمين» والمضاف إليه وهو ، «مقسم» بنعت المضاف وهو «أصدق».

الشاهد : في قوله : «بيمين أصدق من يمينك مقسم» حيث فصل بين المضاف والمضاف إليه بنعت المضاف كما وضحت في الإعراب وهذا الفصل ضرورة.

(١) قائله : بجير بن زهير بن أبي سلمى يحضّ أخاه كعبا على الإسلام ، لأن بجيرا أسلم قبل أخيه كعب. وفاق : موافقة. تهلكة : الهلاك. الخلد : دوام البقاء. سقر : جهنّم.

المعنى : «يا كعب موافقة أخيك بجير على الإسلام منجية لك من الهلاك المعجل في الدنيا والخلود في عذاب جهنم في الأخرى».

الإعراب : وفاق : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. كعب : منادى بأداة نداء محذوفة مبني على الضم في محل نصب لأنه مفرد علم. بجير : مضاف إلى وفاق مجرور بالكسرة ـ وقد فصل بين المضاف «وفاق» والمضاف إليه «بجير» بالمنادى «كعب». منقذ : خبر المبتدأ وفاق مرفوع بالضمة. لك : من تعجيل : جاران ومجروران متعلقان بمنقذ. تهلكة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. والخلد : الواو عاطفة. الخلد معطوف على تعجيل ومجرور مثله. في سقر : جار ومجرور متعلق بالخلد.

الشاهد : في قوله : «وفاق كعب بجير» حيث فصل بين المضاف والمضاف إليه بالنداء ـ كما وضحت في الإعراب ـ وهذا الفصل ضرورة.


١٠٣ ـ كأنّ برذون أبا عصام

زيد حمار دقّ باللّجام (١)

الأصل : «وفاق بجير يا كعب» و «كأن برذون زيد يا أبا عصام».

__________________

(١) قائله : غير معروف. البرذون : من الخيل : التركي غير العربي.

المعنى : «يا أبا عصام أخبرك أن برذون زيد شبيه بحمار هزيل ضامر في فمه اللجام».

الإعراب : كأن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. برذون : اسم كأن منصوب بالفتحة. أبا عصام : أبا منادى مضاف بأداة نداء محذوفة منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. عصام : مضاف إليه مجرور بالكسرة. زيد : مضاف إلى برذون مجرور بالكسرة. وقد فصل بين المضاف وهو «برذون» والمضاف إليه وهو «زيد» بالمنادى وهو «أبا عصام» حمار : خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة : دقّ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره «هو» وجملة «دق» في محل رفع صفة لحمار. باللجام : جار ومجرور متعلق بدقّ.

الشاهد : في قوله : «برذون أبا عصام زيد» حيث فصل بين المضاف والمضاف إليه بالنداء للضرورة. ونقل في حاشية الخضري عن ابن هشام أنه يحتمل أن يكون «أبا» مضاف إليه على لغة من يلزمه الألف ـ أي القصر مثل الشاهد «أن أباها وأبا أباها» ـ وزيد : بدل من «أبا» المجرور ، وبهذا لا يبقى في البيت شاهد.


أسئلة ومناقشات

١ ـ من الأسماء الملازمة للإضافة (لدن) فما معناها؟ ولم بنيت عند أكثر العرب؟ ومتى تخرج عن الظرفية؟ اذكر الاستعمال القرآني لها .. وما حكم الاسم الذي يقع بعدها؟ مثّل لكل ما تقول.

٢ ـ فصّل القول في أسماء الجهات الست (أمام وخلف وأخواتها) من حيث الإعراب والبناء .. مستوفيا أوضاعها ممثلا لذلك ومستشهدا حيث أمكنك.

٣ ـ كيف توجّه ما حكاه أبو علي الفارسي من قول العرب (أبدأ بذا من أول) «بضم اللام وكسرها وفتحها» .. وضّح ذلك مع الإعراب ...

٤ ـ متى ينقاس حذف المضاف وبقاء المضاف إليه مجرورا؟ ومتى يكون شاذا؟ وجّه الحذف في قول الشاعر : ـ

أكلّ امريء تحسبين أمرأ

ونار توقد بالليل نارا

٥ ـ ما شرط حذف المضاف إليه وبقاء المضاف على حاله؟ وما رأيك في قراءة من قرأ : «فلا خوف عليهم»؟ وكيف تطبّق الشرط على مثل قولهم : «خذ ربع ونصف ما حصل»؟ وما طريقة الحذف؟

٦ ـ (يقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه اختيارا واضطرارا). فصّل القول في ذلك مع التمثيل ..


تمرينات

١ ـ قال تعالى : «غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ (١) وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ».

(أ) من أي أنواع الإضافة (أَدْنَى الْأَرْضِ ـ غَلَبِهِمْ) وعلى معنى أي حرف هي؟

(ب) أعرب ما تحته خط من الآية.

(ج) قرىء من (قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) بالضم والكسر بدون تنوين ـ ومع التنوين وجّه كل قراءة منها.

٢ ـ جاء عن العرب (لدن غدوة) بالجر وبالنصب وبالرفع .. وجه ذلك توجيها إعرابيا ...

٣ ـ مثل لما يأتي في جمل تامة :

اسم يضاف إلى جميع الضمائر ـ اسم يختص بالإضافة إلى الظاهر.

اسم خاص بالإضافة إلى النكرة ـ مضاف حذف وبقى المضاف إليه.

مضاف إليه حذف وبقي المضاف ـ فصل بين الوصف المضاف ومعموله.

فصل واقع بين المصدر وفاعله ـ فصل بين المتضايفين جاء اضطرارا.

إضافة تحتمل معنى (اللام وفي).

٤ ـ فيما يأتي شواهد لبعض ما جاء في باب الإضافة بين مواضعها ثم أعرب ما تحته خط :

__________________

(١) الآيات ٢ ، ٣ ، ٤ سورة الروم.


(إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما (١) ـ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ)(٢)(عِتِيًّا) ـ (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(٣)(بِالْآخِرَةِ) ـ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(٤) ـ (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)(٥) ـ (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ)(٦)(يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ـ (وَكُلًّا ضَرَبْنا)(٧)(لَهُ الْأَمْثالَ.)

٥ ـ لم حذفت النّون من كلمة (تاركو) في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (هل أنتم تاركو لي صاحبي) وما نوع هذه الإضافة؟ وبماذا وقع الفصل؟ وما ترتيب الحديث الشريف على الطبيعة؟

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه :

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أي جنب كان في الله مصرعي

__________________

(١) آية ٢٣ سورة الإسراء.

(٢) آية ٦٩ سورة مريم.

(٣) آية ٤٥ سورة الزمر.

(٤) آية ١٣ سورة الذاريات.

(٥) آية ١٧ سورة العلق.

(٦) آية ٤ سورة الطلاق.

(٧) آية ٣٩ سورة الفرقان.


المضاف إلى ياء المتكلم

آخر ما أضيف لليا اكسر إذا

لم يك معتلا : كرام ، وقذى (١)

__________________

(١) آخر : مفعول به مقدم للفعل «اكسر» منصوب بالفتحة وهو مضاف. ما : اسم موصول في محل جر بالإضافة. أضيف : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لليا : جار ومجرور متعلق بأضيف. وجملة «أضيف» لا محل لها صلة الموصول اكسر : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يك : مضارع ناقص مجزوم بلم وعلامة جزمه سكون موجود على النون المحذوفة للتخفيف ، واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» يعود على المضاف. معتلا : خبر يكن منصوب بالفتحة. وجملة «لم يك معتلا» في محل جر بالإضافة إلى إذا : وجواب شرط إذا محذوف دل عليه الكلام السابق تقديره «فاكسر آخره» تقدير البيت : اكسر آخر الاسم المضاف لياء المتكلم إذا كان غير معتل الآخر ولا مثنى ولا جمع مذكر سالم ، بأن يكون : ١ ـ مفردا صحيح الآخر مثل غلام وكتاب ٢ ـ جمع تكسير صحيح الآخر مثل كتب وغلمان ٣ ـ جمع مؤنث سالم مثل فتيات وبنات ٤ ـ معتل الآخر جار مجرى الصحيح مثل : دلو ، وظبي ـ هذه الأنواع الأربعة يكسر آخرها لزوما عند إضافتها لياء المتكلم وتعرب بحركات مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة ـ والحركة المناسبة هي الكسرة اللازمة التي تناسب ياء المتكلم ولا يصلح غيرها. فتقول جاء غلامي ، ورأيت غلامي ومررت بغلامي. وهؤلاء غلماني وأكرمت غلماني ومررت بغلماني ...


أو يك كابنين وزيدين ، فذي

جميعها اليا بعد فتحها احتذي (١)

وتدغم اليا فيه والواو ، وإن

ما قبل واو ضمّ فاكسره يهن

وألفا سلّم ، وفي المقصور عن

هذيل انقلابها ياء حسن (٢)

الأسماء التي يكسر آخرها عند إضافتها لياء المتكلم :

يكسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم ، إن لم يكن مقصورا ، ولا منقوصا ، ولا مثنى ، ولا مجموعا جمع سلامة لمذكر كالمفرد ، وجمع التكسير الصحيحين والمعتل الجاري مجرى الصحيح ، نحو : «غلامي ، وغلماني ، وفتياتي ، ودلوي ، وظبيي».

__________________

(١) ذي : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. جميعها : جميع : توكيد لذي مرفوع وهو مضاف وها في محل جر بالإضافة اليا : مبتدأ ثان مرفوع بضمة مقدرة على الألف ـ قصر وهو ممدود في الأصل ـ بعد : ظرف مبني على الضم في محل نصب متعلق باحتذى. فتحها : مبتدأ ثالث مرفوع وهو مضاف وها مضاف إليه احتذي : فعل ماض مبني على الفتح وهو مبني للمجهول وسكن للروي ، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على «فتحها» وجملة «احتذي» في محل رفع خبر فتحها. وجملة «فتحها احتذي» في محل رفع خبر المبتدأ الثاني «اليا» وجملة «اليا فتحها احتذي» في محل رفع خبر المبتدأ الأول «ذي». وتنبّه إلى أنّ ابن مالك ذكر هذه الأنواع الأربعة : ١ ـ المنقوص ٢ ـ المقصور ٣ ـ المثنى. ٤ ـ جمع المذكر السالم. في مقابلة الأنواع الأربعة التي يكسر آخرها فكان من حق المقابلة أن يقول «فذي جميعها سكون آخرها احتذي» لأن كلامه أولا في آخر المضاف لا في حال ياء المتكلم المضاف إليه.

(٢) قوله : «وألفا سلم» يشمل أمرين : ١ ـ المثنى في حالة الرفع مثل : غلاماي ، صاحباي ، فتسلم الألف بإجماع العرب ٢ ـ المقصور مثل : عصاي وفتاي. هنا ـ المشهور بقاء الألف وسلامتها كما ورد في القرآن الكريم «هي عصاي أتوكأ عليها» وأما قبيلة هذيل فتقلب الألف ياء وتدغمها في ياء المتكلم كما في الشرح.


إضافة المنقوص والمثنى وجمع المذكر السالم :

وإن كان معتلا ، فإما أن يكون مقصورا أو منقوصا ، فإن كان منقوصا أدغمت ياؤه في ياء المتكلم ، وفتحت ياء المتكلم ، فتقول : «قاضيّ» (١) رفعا ونصبا وجرا. وكذلك تفعل بالمثنى وجمع المذكر السالم في حالة الجر والنصب فتقول : «رأيت غلاميّ وزيديّ» (٢) «ومررت بغلاميّ وزيديّ» والأصل بغلامين لي. وزيدين لي ، فحذفت النون واللام للإضافة ثم أدغمت الياء في الياء ، وفتحت ياء المتكلم.

وأما جمع المذكر السالم ـ في حالة الرفع ـ فتقول فيه أيضا. «جاء زيديّ (٣) كما تقول في حالة النصب والجر ، والأصل : زيدوي ، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، ثم قلبت الضمة كسرة لتصحّ الياء ، فصار اللفظ : زيديّ.

وأما المثنى ـ في حالة الرفع ـ فتسلم ألفه وتفتح ياء المتكلم بعده ؛ فتقول : «زيداي ، وغلاماي» عند جميع العرب.

__________________

(١) مثاله في حالة الرفع : جاء قاضيّ ـ وإعرابه : قاضي : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء الساكنة ـ وياء المتكلم المفتوحة في محل جر بالإضافة ويكون منصوبا بفتحة مقدرة ومجرورا بكسرة مقدرة كما يعرب الاسم المقصور المنتهي بالألف ساكنة.

(٢) رأيت غلاميّ : غلامي : مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى وحذفت نونه للإضافة ، وياء المتكلم مبنية على الفتح في محل جر بالإضافة. وفي مثال الجر «بغلاميّ» يكون مجرورا بالياء لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة وياء المتكلم في محل جر بالإضافة.

(٣) زيديّ : فاعل مرفوع بالواو ـ المقلوبة ياء والمدغمة في ياء المتكلم ـ لأنه جمع مذكر سالم وحذفت النون للإضافة ، وياء المتكلم ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة.


إضافة المقصور :

وأما المقصور : فالمشهور في لغة العرب جعله كالمثنى المرفوع ؛ فتقول : «عصاي ، وفتاي» وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها في ياء المتكلم ، وتفتح ياء المتكلم ، فتقول : عصىّ ، ومنه قوله :

١٠٤ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ، ولكل جنب مصرع (١)

فالحاصل : أن ياء المتكلم تفتح مع المنقوص ، ك «راميّ» والمقصور ؛

__________________

(١) قائله : أبو ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الخمسة في قصيدة منها هذا البيت وكانوا قد هلكوا كلهم في طاعون. أعنقوا : من الإعناق وهو سرعة السير. فتخرّموا ، بالبناء للمجهول : اقتطعوا واستؤصلوا. مصرع : مكان الصّرع ـ أي المكان الذي يطرح عليه الإنسان عند دفنه.

المعنى : «بادر أولادي إلى آجالهم ، خلافا لرغبتي في بقائهم أحياء ـ فاستأصلهم الموت جميعا سنة الله في خلقه» وتعبير الشاعر ب «هواهم» عن موتهم إنما هو للمشاكلة والمماثلة مع قوله «هويّ» ـ أي هواي ورغبتي في بقائهم وحياتهم.

الإعراب : سبقوا : سبق فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو فاعل هوى : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الياء الساكنة ـ التي هي بدل من ألف المقصور ـ وياء المتكلم في محل جر بالإضافة. وأعنقوا : الواو عاطفة وأعنقوا فعل وفاعل لهواهم : اللام حرف جر. هوى مجرور باللام بكسرة مقدرة على الألف. والجار والمجرور متعلق بأعنقوا. والهاء في محل جر بالإضافة والميم علامة الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو نائب فاعل ولكل : الواو حالية. لكل : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمصرع ، وكل مضاف. جنبب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. مصرع : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. والجملة في محل نصب حال.

الشاهد : في قوله : «هويّ» حيث جاء به على لغة هذيل ، فقلب ألف المقصور المضاف لياء المتكلم «هوى» ياء وأدغمها في ياء المتكلم. ولو أضيف «هوى» على لغة جمهور العرب لكان «هواي».


ك «عصاى» والمثنّى ك «غلاماى» رفعا و «غلاميّ» نصبا وجرا. وجمع المذكر السالم ك «زيديّ» رفعا ونصبا وجرا.

وهذا معنى قوله : «فذي جميعها اليا بعد فتحها احتذي».

وأشار بقوله : «وتدغم» إلى أن الواو في جمع المذكر السالم والياء في المنقوص وجمع المذكر السالم والمثنى تدغم في ياء المتكلم.

وأشار بقوله : «وإن ما قبل واو ضمّ» إلى أن ما قبل واو الجمع : إن انضمّ عند وجود الواو يجب كسره عند قلبها ياء لتسلم الياء ، فإن لم ينضمّ ـ بل انفتح ـ بقي على فتحه نحو «مصطفون» فتقول : «مصطفيّ» وأشار بقوله : «وألفا سلّم» إلى أن ما كان آخره ألفا كالمثنى والمقصور ، لا تقلب ألفه ياء بل تسلم ، نحو : «غلاماى» و «عصاي».

وأشار بقوله : «وفي المقصور» إلى أن هذيلا تقلب ألف المقصور خاصة ، فتقول : «عصيّ».

وأما ما عدا هذه الأربعة (١) فيجوز في الياء معه : الفتح ، والتسكين ، فتقول : «غلامي ، وغلامي».

__________________

(١) ما عدا هذه الأربعة ـ يشمل الأنواع الأربعة التي يكسر آخرها عند إضافتها لياء المتكلم وهي : ١ ـ المفرد الصحيح الآخر ٢ ـ جمع التكسير الصحيح الآخر. ٣ ـ جمع المؤنث السالم. ٤ ـ المعتل الجاري مجرى الصحيح مثل : غلام ، وغلمان. وفتيات ، ودلو فهذه جميعا يجوز فيها عند إضافتها لياء المتكلم فتح الياء وتسكينها.


أسئلة ومناقشات

١ ـ متى يكسر آخر الاسم المضاف إلى ياء المتكلم؟ اذكر أسماء مختلفة وضعها في جمل تامة.

٢ ـ وضّح طريقة إضافة الاسم المنقوص إلى ياء المتكلم في حالاته المختلفة رفعا ونصبا وجرا؟ مع التمثيل والضبط.

٣ ـ وضح بالتفصيل كيف يضاف المثنى إلى ياء المتكلم في حالات الرفع والنصب والجر؟ مثل لما تقول.

٤ ـ ما المواضع التي تفتح فيها ياء المتكلم؟ مثل لما تقول.

٥ ـ متى يجوز في ياء المتكلم الفتح والتسكين؟ .. مثل لذلك.

٦ ـ كيف يضاف جمع المذكر السالم إلى ياء المتكلم؟ وضّح ومثل.


تمرينات

١ ـ وضح كيف تضيف الكلمات الآتية إلى ياء المتكلم مع وضع كل واحد منها في جملة .. مع الإشارة إلى القواعد التي تستند إليها .. وهي : ـ

(عصا ـ فتى ـ مسلمون ـ مسلمان ـ ماضي ـ مصطفى)

٢ ـ مثل لما يأتي في جمل تامة : ـ

مضاف إلى ياء المتكلم يكسر آخره ـ وآخر يسكّن آخره ـ وثالث ياء المتكلم فيه مشددة ـ ورابع يجوز في ياء المتكلم فيه الفتح والتسكين.

٣ ـ هؤلاء زيدىّ رأيت زيديّ

أعجبت بزيدىّ

هذان زيداى رأيت زيدىّ

أعجبت بزيدى

ما المراحل التي مرت بها الكلمات المضافة إلى ياء المتكلم التي وضع تحتها خط فيما مر. وضح ذلك بالتفصيل.

٤ ـ أعرب البيت الآتي واذكر الشاهد فيه :

وهو لأبي ذؤيب الهذلي : ـ

سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكل جنب مصرع


إعمال المصدر

المصدر يعمل عمل الفعل :

بفعله المصدر ألحق في العمل

مضافا أو مجرّدا أو مع أل (١)

إن كان فعل مع «أن» أو «ما» يحلّ

محلّه ، ولاسم مصدر عمل (٢)

يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين :

(أ) أحدهما : أن يكون نائبا مناب الفعل ، نحو «ضربا زيدا» ف «زيدا»

__________________

(١) بفعله : جار ومجرور متعلق بألحق : وفعل مضاف. والهاء مضاف إليه ، وهي عائدة على «المصدر» : المصدر : مفعول به مقدم لألحق منصوب بالفتحة. ألحق : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. في العمل : جار ومجرور متعلق بألحق. مضافا : حال من المصدر منصوب بالفتحة. أو مجردا : معطوف بأو على مضافا ومنصوب مثله. أو مع : أو عاطفة مع ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال معطوف على مضافا تقديره «أو كائنا مع أل» ومع مضاف. أل : مضاف إليه بقصد لفظه تقدير الشطر الأول «ألحق المصدر بفعله في العمل».

(٢) إن : حرف شرط جازم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط. فعل : اسم كان مرفوع. مع : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف صفة لفعل تقديرها «كائن من أن» ومع مضاف. أن : مضاف إليه بقصد اللفظ. أو ما : أو عاطفة. ما مضاف إليه بقصد لفظه. يحل : مضارع مرفوع بضمة ظاهرة وسكن للروي ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. محله : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بيحل وهو مضاف والهاء مضاف إليه. وجملة «يحل محله» في محل نصب خبر كان.


منصوب ب «ضربا» لنيابته مناب «اضرب» وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في «اضرب» وقد تقدّم ذلك في باب المصدر.

(ب) والموضع الثاني : أن يكون المصدر مقدرا ب «أن» والفعل أو ب «ما» والفعل ، وهو المراد بهذا الفصل ؛ فيقدّر ب «أن» إذا أريد المضيّ أو الاستقبال نحو : «عجبت من ضربك زيدا أمس ، أو غدا» والتقدير من أن ضربت زيدا أمس أو من أن تضرب زيدا غدا.

ويقدر ب «ما» (١) إذا أريد به الحال ، نحو «عجبت من ضربك زيدا الآن» التقدير : مما تضرب زيدا الآن.

أحوال المصدر المقدر :

وهذا المصدر المقدّر يعمل في ثلاثة أحوال :

(أ) مضافا نحو «عجبت من ضربك زيدا الآن».

(ب) ومجردا عن الإضافة وأل ـ وهو المنون ـ نحو «عجبت من ضرب زيدا».

(ج) ومحلّى بالألف واللام ، نحو «عجبت من الضرب زيدا».

وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنوّن : وإعمال المنوّن أكثر من إعمال المحلّى بأل ، ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف ، ثم المجرد ، ثم المحلّى.

ومن إعمال المنوّن قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً)(٢) ف «يَتِيماً» منصوب ب «إِطْعامٌ» وقول الشاعر :

__________________

(١) ما : صالحة للأزمنة الثلاثة وإنما خصوها بذكر الحال لتعذره ـ أي الحال ـ مع أن ، ومن جهة ثانية فإن دلالة «أن» مع الماضي على المضيّ ومع المضارع على المستقبل أشدّ من دلالة «ما» عليهما.

(٢) الآيتان ١٤ و ١٥ من سورة البلد وتتمة الثانية «يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ».


١٠٥ ـ بضرب بالسيوف رؤوس قوم

أزلنا هامهنّ عن المقيل (١)

ف «رؤوس» منصوب ب «ضرب».

ومن إعماله وهو محلّى ب «أل» قوله :

١٠٦ ـ ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخى الأجل (٢)

__________________

(١) قائله : المرار بن منقذ التميميّ. الهام : جمع هامة وهي الرأس كلها. المقيل : موضع القيلولة وهي نوم نصف النهار ـ هذا في الأصل ـ وهو مستعار هنا للأعناق لأنها مكان استقرار الرؤوس وسكونها.

المعنى : «أزلنا رؤوس أعدائنا عن مواضع استقرارها بضربها بسيوفنا الماضية».

الإعراب. بضرب : جار ومجرور متعلق ب «أزلنا» بالسيوف : جار ومجرور متعلق ب «ضرب». رؤوس : مفعول به للمصدر المنون ضرب منصوب بالفتحة وهو مضاف. قوم : مضاف إليه مجرور. أزلنا : فعل وفاعل ، أزال فعل ماض مبني على السّكون ، ونا فاعله هامهن : هام مفعول به لأزال منصوب وهو مضاف والهاء في محل جر بالإضافة والنون علامة جمع النسوة. عن المقيل : جار ومجرور متعلق بأزلنا.

الشاهد : في قوله «بضرب رؤوس» حيث عمل المصدر المنون «ضرب» عمل الفعل وهو نصبه لرؤوس.

(٢) قائله غير معروف. النكاية : بكسر النون : فهو العدو وغلبته بالقتل أو الجرح ـ مصدر نكى عدوّه ينكيه. إذا قهره وغلبه ..

المعنى : «أنّ هذا الرجل عاجز عن مواجهة أعدائه وقهرهم ويظن أنّ الهرب من الحرب يمد في أجله».

الإعراب : ضعيف : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هو» النكاية : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أعداءه : مفعول به للمصدر «النكاية» منصوب بالفتحة وهو مضاف والهاء مضاف إليه. يخال : مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو». الفرار : مفعول أول ليخال منصوب. يراخى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على الفرار.


وقوله :

١٠٧ ـ فإنك والتأبين عروة بعد ما

دعاك وأيدينا إليه شوارع (١)

__________________

الأجل : مفعول به ليراخى منصوب بالفتحة وسكن للروي. وجملة «يراخى الأجل» في محل نصب مفعول به ثان ليخال ـ لأنها من أخوات ظن ـ

الشاهد : في قوله : «ضعيف النكاية أعداءه» حيث عمل المصدر المحلى بأل وهو «النكاية» عمل الفعل فنصب أعداءه مفعولا به.

(١) قائله غير معروف وبعده قوله :

لكالرجل الحادي وقد تلع الضحى

وطير المنايا فوقهن أواقع

التأبين : الثناء على الميت وتعداد فضائله. عروة : اسم رجل. شوراع : ممتدة إليه ومتصلة به جمع شارعه. تلع : ارتفع أواقع : جمع واقعة فهو في الأصل «وواقع» أبدلت الواو الأولى همزا.

المعنى : «مثلك ـ في بكائك على عروة وسردك لمناقبه بعد أن دعاك لنجدته والحال أن أيدينا ممتدة لقتله فلم تنجده. كمثل رجل يحدو إبله للسير عند موتها وانقضاض الطيور عليها تنال من لحمها».

الإعراب إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. والكاف اسمها في محل نصب. والتأبين : الواو واو المعية أو عاطفة. التأبين منصوب على أنه مفعول معه أو عطفا على اسم إن. غروة : مفعول به للمصدر التأبين منصوب. بعد : ظرف زمان منصوب متعلق بالتأبين. ما : مصدرية. دعاك : دعا فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى عروة والكاف : في محل نصب مفعول به ، وما المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالإضافة إلى بعد التقدير «بعد دعائه إياك» وأيدينا : الواو حالية. أيدي مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الياء للثقل. وهو مضاف ونا مضاف إليه. إليه : جار ومجرور متعلق بشوارع. شوارع : خبر أيدينا مرفوع بالضمة الظاهرة. والجملة «أيدينا شوارع» في محل نصب على الحال. وخبر إن من قوله «إنك» في البيت التالي الذي ذكر وهو قوله «لكالرجل» اللام ، هي لام ابتداء أو المزحلقة والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر إن.

الشاهد : في قوله : «والتأبين عروة» حيث عمل المصدر المحلى بأل «التأبين» عمل الفعل وهو نصبه ل «عروة».


وقوله :

١٠٨ ـ لقد علمت أولى المغيرة أنني

كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا (١)

ف «أعداءه» منصوب ب «النكاية» و «عروة» منصوب ب «التأبين» و «مسمعا» منصوب ب «الضرب».

اسم المصدر وعمله :

وأشار بقوله : «ولاسم مصدر عمل» إلى أن اسم المصدر قد يعمل عمل الفعل.

والمراد باسم المصدر : ما ساوى المصدر في الدلالة وخالفه بخلوّه ـ لفظا

__________________

(١) قائله : مالك بن زغبة : أولى المغيرة : أوائل الخيل الهاجمة على العدوّ. كررت : عدت ورجعت. أنكل : من النكول. وهو الجبن والتأخر. مسمع : اسم رجل.

المعنى : «لقد علم الفرسان المغيرون في الصف الأول أنني لم أجبن ولم أرهب الأعداء بل ضربت مسمعا سيّدهم».

الإعراب : لقد : اللام واقعة في جواب قسم محذوف. قد حرف تحقيق. علمت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. أولى : فاعل علمت مرفوع بضمة مقدرة على الألف للتعذر ، وهو مضاف. المغيرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أنني : أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والنون للوقاية والياء اسم أن. كررت : فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر أن. وأن واسمها وخبرها في في تأويل مصدر منصوب سدّ مسدّ مفعولي «علمت» فلم أنكل : الفاء عاطفة. لم حرف نفي وجزم وقلب. أنكل : مضارع مجزوم بلم بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنا» عن الضرب : جار ومجرور متعلق بأنكل. مسمعا : مفعول به للمصدر «الضرب» منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «عن الضرب مسمعا» حيث عمل المصدر المحلى بأل «الضرب» عمل الفعل فنصب «مسمعا» مفعولا به.


وتقديرا ـ من بعض ما في فعله (١) ، دون تعويض ؛ كعطاء ؛ فإنه مساو لإعطاء معنى ، ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله ، وهو خال منها لفظا وتقديرا ، ولم يعوّض عنها شيء.

واحترز بذلك مما خلا من بعض ما في فعله لفظا ولم يخل منه تقديرا.

فإنه لا يكون اسم مصدر ، بل يكون مصدرا نحو «قتال» فإنه مصدر «قاتل» وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل ، لكن خلا منها لفظا ولم يخل منها تقديرا ، ولذلك نطق بها في بعض المواضع ، نحو «قاتل قيتالا ، وضارب ضيرابا» لكن انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها.

واحترز بقوله : «دون تعويض» مما خلا من بعض ما في فعله لفظا وتقديرا. ولكن عوّض عنه شيء ، فإنه لا يكون اسم مصدر بل هو مصدر ، وذلك نحو «عدة» فإنه مصدر «وعد» وقد خلا من الواو التي في فعله لفظا وتقديرا. ولكن عوّض عنها التاء. (وزعم ابن المصنف أن «عطاء» مصدر ، وأن همزته حذفت تخفيفا ، وهو خلاف ما صرّح به غيره من النحويين).

ومن إعمال اسم المصدر قوله :

١٠٩ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا (٢)

__________________

(١) يستوى في ذلك الحروف الأصلية والزائدة لأن حق المصدر أن يتضمن حروف فعله إما بمساواة مثل «تكلّم ـ تكلّما» أو بزيادة مثل «أكرم ـ إكراما» فإن نقص دون تعويض كان اسم مصدر مثل توضأ ـ وضوءا ، وتكلّم ـ كلاما.

(٢) قائله : القطاميّ يمدح زفر بن الحارث الذي أسره ثم أطلقه وأعطاه مائة من الإبل. كفرا : هو كفر النعمة أي جحدها الرّتاع : جمع راتعة وهي التي ترعى كيف شاءت.

المعنى : «لا يليق بي أن أجحد نعمتك عليّ بعد أن منعت الموت عني وأعطيتني مائة من الإبل الكريمة». الإعراب : أكفرا : الهمزة للاستفهام الإنكاري. كفرا : مفعول مطلق حذف عامله بعد الاستفهام ـ منصوب بالفتحة. بعد : ظرف زمان منصوب متعلق بكفرا.


ف «المائة» منصوب ب «عطائك» ومنه حديث الموطّأ «من قبلة الرجل امرأته الوضوء» ف «امرأته» منصوب ب «قبلة» ، وقوله.

١١٠ ـ إذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلا ميسّرا (١)

__________________

ردّ : مضاف إلى بعد مجرور بالكسرة وهو مصدر. ومضاف. الموت : مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله مجرور وفاعل المصدر محذوف تقديره «بعد ردك الموت». عني : عن حرف جر والنون للوقاية والياء ضمير المتكلم في محل جر والجار والمجرور متعلق بردّ. وبعد : الواو عاطفة. بعد ظرف منصوب متعلق بكفرا ، وهو مضاف عطائك : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة اسم المصدر لفاعله. المائة : مفعول به لاسم المصدر عطاء منصوب بالفتحة. الرتاعا : صفة للمائة منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «عطائك المائة الرتاعا» حيث عمل اسم المصدر «عطاء» عمل الفعل ونصب «المائة» مفعولا به.

(١) قائله : غير معروف. عون : اسم مصدر بمعنى الإعانة.

المعنى : «إذا ثبتت إعانة الخالق المخلوق لم يجد مما يرجوه أمرا صعبا إلا سهّله الله عليه».

الإعراب : إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق ب «يجد» صحّ : فعل ماض مبني على الفتح. عون : فاعل صح مرفوع وهو مضاف. الخالق : مضاف إليه من إضافة اسم المصدر لفاعله. المرء : مفعول به لاسم المصدر منصوب بالفتحة وجملة «صح عون» في محل جر بالإضافة إلى «إذا» لم يجد : لم حرف نفي وجزم وقلب. يجد : مضارع مجزوم بلم بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. عسيرا : مفعول به أول ليجد منصوب بالفتحة. من الآمال : جار ومجرور متعلق بعسيرا. إلا : أداة حصر. ميسرا : مفعول به ثان ليجد منصوب. وجملة «لم يجد» لا محل لها من الإعراب جواب إذا.

الشاهد : في قوله : «عون الخالق المرء» حيث عمل اسم المصدر «عون» عمل الفعل وهو نصبه «المرء» مفعولا.


وقوله :

١١١ ـ بعشرتك الكرام تعدّ منهم

فلا ترين لغيرهم ألوفا (١)

وإعمال اسم المصدر قليل ، ومن ادّعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم ، (فإن الخلاف في ذلك مشهور ، وقال الصيمريّ : إعماله شاذ وأنشد «أكفرا ـ البيت» وقال ضياء الدين بن العلج في البسيط : ولا يبعد أنّ ما قام مقام المصدر يعمل عمله ، ونقل عن بعضهم أنه قد أجاز ذلك قياسا).

وبعد جرّه الذي أضيف له

كمّل بنصب أو برفع عمله

__________________

(١) قائله : غير معروف العشرة : اسم مصدر بمعنى المعاشرة والمخالطة. ألوفا : محبا. تعد : تحسب.

المعنى : «إنما تحسب من زمرة الأشراف أعزاء النفوس بمصاحبتك لهم دون غيرهم ، فلا تمنح غيرهم حبك وعطفك».

الإعراب : بعشرتك : جار ومجرور متعلق بقوله «تعدّ» وعشرة مضاف والكاف مضاف إليه من إضافة اسم المصدر لفاعله الكرام : مفعول به لاسم المصدر «عشرة» منصوب بالفتحة. تعدّ : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت منهم : من حرف جر ، والهاء في محل جر والميم علامة جمع الذكور والجار والمجرور متعلق بتعدّ. فلا ترين : الفاء : هي الفصيحة ـ تكون جوابا لشرط مفهوم من الكلام السابق ـ لا ناهية. ترين مضارع مبني للمجهول مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا الناهية ، والنون حرف توكيد. ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وهو المفعول الأول. لغيرهم : جار ومجرور متعلق بألوفا ، والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور ، ألوفا : مفعول به ثان لترين منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «بعشرتك الكرام» حيث عمل اسم المصدر عمل الفعل وهو نصبه «الكرام» مفعولا به.


يضاف المصدر إلى الفاعل فيجره ، ثم ينصب المفعول ، نحو «عجبت من شرب زيد العسل» وإلى المفعول ثمّ يرفع الفاعل : نحو «عجبت من شرب العسل زيد» ، ومنه قوله :

١١٢ ـ تنفي يداها الحصى في كل هاجرة

نفي الدار هيم تنقاد الصياريف (١)

وليس هذا الثاني مخصوصا بالضرورة ، خلافا لبعضهم ، (وجعل منه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) فأعرب «مَنْ» فاعلا ب «حِجُّ» وردّ بأنه يصير المعنى «ولله على جميع

__________________

(١) قائله : الفرزدق يصف ناقة : الهاجرة : نصف النهار عند اشتداد الحرّ ، دراهيم : جمع درهام ـ لغة في درهم تنقاد : بفتح التاء مصدر نقد الدراهم. إذا أخرج منها الزّيف. الصيارف : جمع صيرفيّ.

المعنى «إن هذه الناقة تدفع يداها الحصى عن وجه الأرض وهي سائرة في نصف النهار عند اشتداد الحر كما يدفع نقد الصيارفة الدراهم».

الإعراب : تنفي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل. يداها : فاعل تنفي مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون منه للإضافة ، وها ضمير متصل في محل جر بالإضافة. الحصى : مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر. في كل : جار ومجرور متعلق بتنفي. هاجرة : مضاف إليه مجرور بالكسرة. نفي الدراهيم : نفي مفعول مطلق عامله تنفي ، منصوب بالفتحة وهو مضاف ، الدراهيم : مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله. تنقاد : فاعل المصدر «نفي» مرفوع بالضمة وهو مضاف. الصيارف : مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله.

الشاهد : في قوله : «نفي الدراهيم تنقاد» حيث أضيف المصدر «نفي» إلى مفعوله «الدراهيم» فجرّه ثم رفع الفاعل «تنقاد».

(٢) من الآية ٩٧ من سورة آل عمران «وهي آية سابقة» «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ».


الناس أن يحج البيت المستطيع» ، وليس كذلك ، ف «من» بدل من «الناس» والتقدير ولله على الناس مستطيعهم حجّ البيت ؛ وقيل : «من» مبتدأ ، والخبر محذوف والتقدير : «من استطاع منهم فعليه ذلك».

ويضاف المصدر أيضا إلى الظرف ثم يرفع الفاعل ، وينصب المفعول نحو : «عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا».

كيف يعرب تابع معمول المجرور لفظا :

وجرّ ما يتبع ما جرّ ومن

راعى في الاتباع المحلّ فحسن

إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ففاعله يكون مجرورا لفظا ، مرفوعا محلا ، فيجوز في تابعه ـ من الصفة ، والعطف ، وغيرهما ـ مراعاة اللفظ فيجرّ ، ومراعاة المحلّ فيرفع ؛ فتقول : «عجبت من شرب زيد الظريف ، والظريف» (١).

ومن إتباعه على المحل قوله :

١١٣ ـ حتى تهجّر في الرواح وهاجها

طلب المعقّب حقّه المظلوم (٢)

__________________

(١) الظريف : بالجر ـ نعت لزيد على اللفظ ونعت المجرور مجرور وعلامة جره الكسرة. الظريف : بالرفع ـ نعت لزيد على المحل ـ لأن «زيد» مجرور في اللفظ وهو مرفوع محلا لأنه فاعل المصدر «شرب» ونعت المرفوع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

(٢) قائله : لبيد بن ربيعة العامري يصف حمارا وحشيا وأتانه. تهجّر : سار في الهاجرة. الرّواح : المسير من الزوال إلى الليل هاجها : أثارها ـ والضمير البارز يعود على الأتان. المعقّب : الغريم الطالب لدينه.

المعنى : «إن الحمار الوحشي قد عجل سيره في الهاجرة وطلب أتانه طلبا شديدا مثل طلب ربّ الدّين المظلوم لدينه من المدين».

الإعراب : حتى : ابتدائية. تهجر : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على حمار الوحش. في الرواح : جار ومجرور متعلق بتهجر. وهاجها : الواو عاطفة. هاج فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير


فرفع «المظلوم» لكونه نعتا ل «المعقب» على المحل.

وإذا أضيف إلى المفعول ، فهو مجرور لفظا منصوب محلا ، فيجوز ـ أيضا ـ في تابعه مراعاة اللفظ أو المحلّ ومن مراعاة المحل قوله :

١١٤ ـ قد كنت داينت بها حسّانا

مخافة الإفلاس واللّيّانا (١)

ف «اللّيانا» معطوف على محل «الإفلاس».

__________________

مستتر جوازا تقديره هو ، وها ضمير متصل في محل نصب مفعول به طلب : مفعول مطلق لهاجها ـ لأنه مرداف له في المعنى ـ وهو منصوب بالفتحة ، وهو مضاف. المعقب : مضاف إليه من إضافة المصدر إلى فاعله. حقّه : مفعول به للمصدر طلب منصوب وهو مضاف ، والهاء في محل جر بالإضافة. المظلوم : نعت للمعقب على المحل ونعت المرفوع مرفوع بالضمة الظاهرة.

الشاهد : في قوله : «طلب المعقب حقه المظلوم» حيث رفع «المظلوم» وهو نعت ل «المعقب» المجرور لفظا بإضافته للمصدر «طلب» والمرفوع محلا لأنه فاعل.

(١) قائله : رؤبه بن العجاج. حسّان : اسم رجل. الإفلاس : الانتقال من حالة اليسر إلى حالة العسر. اللّيّان : بفتح اللام وتشديد الياء. المطل. والضمير في «بها» يعود على قينة أخذها الشاعر بدلا عن دين له على حسان.

الإعراب : قد : حرف تحقيق. كنت : كان فعل ماض ناقص مبني على السكون. والتاء اسمه. داينت : فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعله. بها : جار ومجرور متعلق بداينت. حسانا : مفعول به لداينت منصوب بالفتحة والألف للإطلاق. وجملة «داينت» في محل نصب خبر «كان» مخافة ؛ مفعول لأجله منصوب بالفتحة وهو مضاف الإفلاس : مضاف إليه من إضافة المصدر «مخافة» إلى مفعوله. والليانا : الواو عاطفة. الليانا معطوف على محل الإفلاس والمعطوف على المنصوب منصوب بالفتحة والألف للإطلاق.

الشاهد : في قوله : «مخافة الإفلاس واللّيانا» حيث عطف «الليانا» بالنصب على محل «الإفلاس» المجرور لفظا بإضافته إلى المصدر والمنصوب محلا.


أسئلة ومناقشات

١ ـ متى يعمل المصدر عمل الفعل؟ ومتى يقدّر المصدر (بأن) والفعل؟ ومتى يقدّر (بما) والفعل؟ اشرح ذلك ومثل لما تقول.

٢ ـ اذكر بالتفصيل أحوال المصدر العامل؟ وبيّن متى يكون ذلك أكثر؟ ومتى يكون أقيس؟ ومتى يكون قليلا؟ ولماذا. مثل واستشهد حيث أمكنك.

٣ ـ ما الفرق بين المصدر واسم المصدر؟ وضّح فيم يخالفه؟ وفيم يوافقه؟ وما معنى كون اسم المصدر أقل من حروف فعله لفظا وتقديرا من غير تعويض؟ اشرح ذلك بالتفصيل ومثل لجميع ما تقول.

٤ ـ هل يعمل اسم المصدر؟ وما ذا يعمل؟ اكتب الشواهد التي تؤيد بها رأيك.

٥ ـ ما أساليب إعمال المصدر؟ وهل تستوى كثرة وقلّة؟ ولم كان إضافته إلى فاعله ثم نصب المفعول أقواها؟ مثل لكل ما تقول.

٦ ـ كيف تتبع فاعل المصدر المجرور بإضافته إلى المصدر؟ وما أنواع التابع الذي يمكن في هذا المجال؟ مثل لذلك بأمثلة مختلفة.


تمرينات

١ ـ بيّن المصادر وأسماءها فيما يأتي مع توضيح المعمول وتابعه وموضعه الإعرابي : «إني لأعجب من طلب العامل المهمل مكافأة ، ومن عدم تقبل العقاب جزاء الإهمال».

من عوامل حب الناس إياك : «عدم منتك على طالب معروفك ، وإكرامك محتاجا ، وعفو عن مذنب ، وعطاؤك المتجدد سخاء وبرا ، وإعانتك الفقير على نوائب الدهر».

٢ ـ قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى لنَّاسِ حِجُّ لْبَيْتِ مَنِ سْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (١) هل يستقيم إعراب (من) في الآية الكريمة مفعولا للمصدر (حج)؟

ولماذا؟ كيف تعربها إذن؟.

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من قبلة الرّجل امرأته الوضوء).

بم يستدل بهذا الحديث؟ وما نوع الإضافة فيه؟ وما موقع كلمة (امرأته)؟ بالنصب ـ وكلمة (الوضوء) بالرفع؟

٤ ـ هات أمثلة لما يأتي في جمل تامة :

(أ) مصدر مضاف إلى المفعول وقد رفع الفاعل.

(ب) اسم مصدر عامل عمل الفعل.

(ج) مصدر مقرون (بأل) عامل عمل الفعل.

(د) مصدر عامل وهو منوّن.

(ه) تابع لفاعل المصدر المضاف إليه مع ضبطه بما يمكن من الحركات الإعرابية.

__________________

(١) آية ٩٧ من سورة آل عمران.


٥ ـ علام يستشهد بما يأتي : ـ

(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١) يَتِيماً) .. ـ (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(٢)(بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.)

ضعيف النكاية أعداءه

يخال الفرار يراخي الأجل

قد كنت داينت بها حسانا

مخافة الإفلاس والليانا

أكفرا بعد رد الموت عني

وبعد عطائك المائة الرتاعا

٦ ـ أعرب البيت الآتي واشرحه :

إذا صح عون الخالق المرء لم يجد

عسيرا من الآمال إلا ميسّرا

__________________

(١) آيتا ١٤ ، ١٥ سورة البلد.

(٢) آية ٢٥١ سورة البقرة.


إعمال اسم الفاعل

شروط عمل اسم الفاعل المجرد من أل :

كفعله اسم فاعل في العمل

إن كان عن مضيّه بمعزل (١)

لا يخلوا اسم الفاعل من أن يكون معرّفا بأل ، أو مجردا.

فإن كان مجردا عمل عمل فعله ، من الرفع والنصب ، إن كان مستقبلا أو حالا ، نحو : «هذا ضارب زيدا الآن أو غدا» وإنما عمل لجريانه على الفعل الذي هو بمعناه ، وهو المضارع ، ومعنى جريانه عليه : أنه موافق له في الحركات والسكنات ؛ لموافقة «ضارب» ل : «يضرب» فهو مشبه للفعل الذي هو بمعناه لفظا ومعنى.

وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل ؛ لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه ؛ فهو مشبه له معنى لا لفظا ؛ فلا تقول : «هذا ضارب زيدا أمس» بل يجب إضافته ، فتقول : «هذا ضارب زيد أمس».

__________________

(١) كفعله : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ل «اسم فاعل» وفعل مضاف والهاء مضاف إليه. اسم : مبتدأ مؤخر مرفوع وهو مضاف. فاعل مضاف إليه مجرور. في العمل : جار ومجرور متعلق بما تعلق به «كفعله» أي بخبر اسم فاعل. والمراد بقوله «في العمل» أن وجه الشبه بين اسم الفاعل وفعله محدود بالعمل لا في غيره ، لأن اسم الفاعل ينفرد بمزايا الأسماء كإضافته لمعموله وهذا لا يكون في الفعل ـ وعمل اسم الفاعل يكون النصب لما بعده إن كان فعله متعديا ، ويكون الرفع للفاعل إن كان فعله لازما.


وأجاز الكسائيّ إعماله ، وجعل منه قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(١) ف «ذراعيه» منصوب ب «باسط» وهو ماض ، وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية (٢).

وولى استفهاما ، أو حرف ندا

أو نفيا ، أو جاصفة ، أو مسندا

أشار بهذا البيت إلى أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شيء قبله ، كأن يقع بعد الاستفهام ، نحو : «أضارب زيد عمرا» (٣) أو حرف النداء ، نحو «يا طالعا جبلا» (٤) أو النفي نحو : «ما ضارب زيد عمرا» أو يقع نعتا ، نحو «مررت برجل ضارب زيدا» (٥) ، أو حالا : نحو «جاء زيد راكبا فرسا» (٦) ويشمل هذين قوله : «أو جاصفة». وقوله «أو مسندا» معناه أنه يعمل إذا وقع خبرا ، وهذا يشمل خبر المبتدأ. نحو «زيد ضارب عمرا» وخبر ناسخه أو مفعوله ، نحو «كان زيد ضاربا

__________________

(١) الآية ١٨ من سورة الكهف وهي : «وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً».

(٢) يؤيد هذا الرأي قوله تعالى في الآية (وَنُقَلِّبُهُمْ) بالمضارع دون الماضي «وقلبناهم» فمعنى «باسط ذراعية» «يبسط ذراعيه» لأن المشهور في حكاية الحال أن يقدر الماضي واقعا زمن التكلّم.

(٣) أضارب : الهمزة للاستفهام. ضارب : مبتدأ مرفوع بالضمة. زيد : فاعل لاسم الفاعل ضارب مرفوع بالضمة وقد سد الفاعل مسدّ الخبر. عمرا : مفعول به لضارب منصوب.

(٤) يا طالعا : يا : حرف نداء. طالعا : منادى شبيه بالمضاف منصوب بالفتحة. جبلا مفعول به لاسم الفاعل منصوب.

(٥) ضارب : صفة لرجل ومجرور مثله. زيدا مفعول به لضارب منصوب بالفتحة.

(٦) راكبا : حال من زيد منصوب. فرسا مفعول به لراكبا منصوب بالفتحة.


عمرا» و «إن زيدا ضارب عمرا» و «ظننت زيدا ضاربا عمرا» و «أعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا» (١).

وقد يكون نعت محذوف عرف

فيستحقّ العمل الذي وصف

قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدر فيعمل عمل فعله ، كما لو اعتمد على مذكور ومنه قوله :

١١٥ ـ وكم مالىء عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (٢)

__________________

(١) زيدا : مفعول أول لأعلم منصوب بالفتحة. عمرا : مفعول ثان لأعلم منصوب ضاربا : مفعول ثالث لأعلم منصوب بكرا : مفعول به لاسم الفاعل «ضاربا» منصوب بالفتحة.

(٢) قائله : عمر بن أبي ربيعة المخزومي. الجمرة : مجتمع الحصى بمنى. البيض : جمع بيضاء وهو وصف لموصوف محذوف تقديره «النساء البيض» الدّمى : جمع دمية : وهي الصورة من العاج.

المعنى : «إذا ذهب النساء الحسان البيض إلى مواضع الجمرات بمنى فكثير من الناس يتطلعون إليهن ويملئون عيونهم من النظر إلى الأجنبيات ممن لا يحل النظر إليهن ـ ولكن هذا النظر لا يفيد صاحبه شيئا».

الإعراب : كم : خبرية بمعنى كثير مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. مالىء : تمييز كم مجرور بمن محذوفة أو بإضافة كم إليه وهو صفة لموصوف محذوف أي «كم شخص مالىء» عينيه : مفعول به لاسم الفاعل «مالىء» منصوب بالياء لأنه مثنى وحذفت نونه للإضافة. والهاء في محل جر بالإضافة. من شيء : جار ومجرور متعلق بمالىء. غيره : مضاف إليه مجرور وهو مضاف والهاء مضاف إليه وخبر كم محذوف تقديره «لا يفيده نظره شيئا» إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. راح : فعل ماض مبني على الفتح. نحو : ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق براح. وهو مضاف. الجمرة : مضاف إليه مجرور. البيض : فاعل راح مرفوع بالضمة. كالدمى جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من «البيض». الشاهد : في قوله : «وكم مالىء عينيه» حيث عمل اسم الفاعل «مالىء» عمل الفعل لاعتماده على موصوف محذوف تقديره «كم شخص مالىء».


ف «عينيه» منصوب ب «مالىء» و «مالىء» صفة لموصوف محذوف وتقديره : وكم شخص مالىء ، ومثله قوله :

١١٦ ـ كناطح صخرة يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل (١)

التقدير : كوعل ناطح صخرة.

__________________

(١) قائله : الأعشى ميمون بن قيس : الوعل : بكسر العين ـ هو ذكر الأروى وهو الشاة الجبلية. والأنثى «وعلة» يوهنها : يشققها ويضعفها. يضرها : أصله قبل الجزم. يضيرها : يضرّ بها مضارع : ضاره ضيرا : أضرّبه. أوهى : أضعف.

المعنى : «إن الإنسان الذي يكلف نفسه ما لا تصل إليه فيرجع ضرر ذلك عليه شبيه بوعل ينطح صخرة ليشققها فلا يؤثر فيها نطحه شيئا وإنما يضعف بذلك قرنه».

الإعراب : كناطح : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه الكلام السابق أي : «هو كائن كناطح» وناطح في الأصل صفة لموصوف محذوف تقديره «كوعل ناطح» صخرة : مفعول به لناطح منصوب بالفتحة. يوما : ظرف زمان منصوب متعلق بناطح. ليوهنها : اللام حرف جر وتعليل. يوهن مضارع منصوب بأن مضمره جوازا بعد لام التعليل وعلامة نصبه الفتحة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو. وها : مفعول به ، وأن المضمرة وما بعدها في تأويل مصدر مجرور باللام والجار والمجرور متعلق بناطح. فلم يضرها. الفاء عاطفة لم حرف نفي وجزم وقلب يضر مضارع مجرور بلم بالسكون ، والفاعل ضمير مستتر جوازا. وها مفعول به. وأوهى : الواو عاطفة. أوهى فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف. قرنه : مفعول به لأوهى ومضاف للهاء الوعل : فاعل أوهى مرفوع بالضمة.

الشاهد : في قوله : «كناطح صخرة» حيث عمل اسم الفاعل «ناطح» عمل الفعل فنصب ما بعده لاعتماده على موصوف محذوف.


عمل اسم الفاعل المقترن بأل :

وإن يكن صلة أل ففي المضي

وغيره إعماله قد ارتضي (١)

إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام عمل ماضيا ، ومستقبلا ، وحالا ؛ لوقوعه حينئذ موقع الفعل ؛ إذ حقّ الصلة أن تكون جملة ؛ فتقول : «هذا الضارب زيدا ـ الآن ، أو غدا ، أو أمس» هذا هو المشهور من قول النحويين.

(وزعم جماعة من النحويين ـ منهم الرّمّاني ـ أنه إذا وقع صلة لأل لا يعمل إلا ماضيا ، ولا يعمل مستقبلا ولا حالا.

وزعم بعضهم أنه لا يعمل مطلقا ، وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعل. والعجب أن هذين المذهبين ذكرهما المصنف في التسهيل ، وزعم ابنه بدر الدين في شرحه أن اسم الفاعل إذا وقع صلة للألف واللام عمل ماضيا ومستقبلا وحالا ، باتفاق ، وقال بعد هذا أيضا : ارتضى جميع النحويين إعماله ، يعني إذا كان صلة لأل).

__________________

(١) إن : حرف شرط جازم. يكن : مضارع ناقص مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ وعلامة جزمه السكون ، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا يعود على اسم الفاعل صلة : خبر يكن منصوب بالفتحة وهو مضاف. أل : مضاف إليه بقصد لفظه. ففي المضي : الفاء واقعة في جواب الشرط إن ، في المضي : جار ومجرور متعلق بارتضى. وغيره : الواو عاطفة غير معطوف على المضي ومجرور مثله وهو مضاف والهاء مضاف إليه. إعماله : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل لفاعله. قد : حرف تحقيق. ارتضى : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح وسكن للروي ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «ارتضي» في محل رفع خبر «إعماله» وجملة «إعماله قد ارتضى في المضي وغيره» في محل جزم جواب الشرط «إن».


صيغ المبالغة تعمل عمل اسم الفاعل :

فعّال أو مفعال أو فعول ـ

في كثرة ـ عن فاعل بديل

فيستحقّ ماله من عمل

وفي فعيل قلّ ذا وفعل (١)

يصاغ للكثرة : فعّال ، ومفعال ، وفعول ، وفعيل ، وفعل فيعمل عمل الفعل على حدّ اسم الفاعل وإعمال الثلاثة الأول أكثر من إعمال «فعيل وفعل» وإعمال «فعيل» أكثر من إعمال «فعل» فمن إعمال فعّال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم : «أما العسل فأنا شرّاب» (٢).

وقول الشاعر :

١١٧ ـ أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها

وليس بولّاج الخوالف أعقلا (٣)

__________________

(١) يستحق : مضارع مرفوع بالضمة ، فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» يعود على «فعّال» وما بعده : ما : اسم موصول في محل نصب مفعول به. له : جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول تقديرها «استقر» من عمل : جار ومجرور لا يتعلق لأن من بيانية توضح إبهاما فيما قبلها فلا تتعلق ، وهنا وضحت الإبهام في اسم الموصول «ما».

(٢) أما : حرف فيه معنى الشرط والتفصيل والتوكيد. العسل : مفعول به مقدم ل «شراب» فأنا : الفاء واقعة في جواب أما. أنا : ضمير منفصل مبتدأ شراب : خبر «أنا» مرفوع بالضمة ـ في هذا القول «شراب» مبالغة اسم فاعل بوزن «فعّال» وقد عمل عمل الفعل بشرط اسم الفاعل فنصب العسل مفعولا به.

(٣) قائله : القلاخ بن حزن بن جناب. جلالها : جمع جلّ ـ بضم الجيم وهو وهو ما يلبس في الحرب من الدروع. ولّاج : صيغة مبالغة ـ كثير الولوج أي الدخول. الخوالف : جمع خالفة وهي في الأصل ، عمود الخباء والمراد بها هنا


ف «العسل» منصوب ب «شرّاب» و «جلالها» منصوب ب «لبّاس».

ومن إعمال «مفعال» قول بعض العرب : «إنه لمنحار بوائكها» ف «بوائكها» منصوب ب «منحار» ومن إعمال «فعول» قول الشاعر :

١١٨ ـ عشيّة سعدى لو تراءت لراهب

بدومة تجر دونه وحجيج

قلى دينه واهتاج للشوق إنها

على الشوق إخوان العزاء هيوج (١)

__________________

الخباء نفسه. أعقلا : وصف من العقل بفتحتين وهو اصطكاك الركبتين والتواء في الرجل من الفزع. وهذا البيت مرتبط ببيت سابق هو قوله :

فإن تك فاتتك السماء فإنني

بأرفع ما حولي من الأرض أطولا

المعنى : «إنه شجاع يلازم الحرب ويكثر من لبس الدروع التي تلبس في القتال ولا يتوارى من لقاء الفرسان في الأخبية وهو فزع مضطرب بل يلقى الأقران مقداما ثابتا».

الإعراب : أخا الحرب : أخا حال من متعلق «بأرفع» في البيت السابق. أو منصوب على الاختصاص التقدير «أخصّ أمدح» وهو منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف : الحرب مضاف إليه. لباسا : حال من قوله «أخا الحرب» منصوب. إليها : جار ومجرور متعلق بلبّاسا. جلالها : مفعول به لمبالغة اسم الفاعل «لباسا» منصوب بالفتحة وهو مضاف. وها مضاف إليه. وليس : الواو عاطفة. ليس فعل ماض ناقص مبني على الفتح. واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بولاج : الباء حرف جر زائد. ولاج خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، وهو مضاف ، الخوالف : مضاف إليه من إضافة مبالغة اسم الفاعل إلى مفعوله. أعقلا : خبر ثان لليس منصوب بالفتحة ، والألف للإطلاق.

الشاهد : في قوله : «لبّاسا إليها جلالها» حيث عمل «لبّاس» الذي هو من صيغ المبالغة النصب ل «جلالها» مفعولا به.

(١) البيتان للراعي النميري. العشيّة : آخر النهار. تراءت : ظهرت. الراهب : عابد النصاري. دومة : هي الجندل حصن يقع بين المدينة المنورة والشام. تجر : اسم جمع لتاجر. حجيج : اسم جمع لحاجّ. قلى : أبغض. اهتاج : ثار.

المعنى : «كان كذا وكذا في العشية التي لو ظهرت فيها سعدى لعابد من عباد النصارى


ف «إخوان» منصوب ب «هيوج».

ومن إعمال «فعيل» قول بعض العرب : «إن الله سميع دعاء من

__________________

مقيم بالحصن المسمى دومة الجندل وكان عنده تجار وحجاج لأبغض دينه وتركه وثار للشوق لأنها كثيرة التهييج والإثارة على الشوق لملازمي الصبر المداومين عليه».

الإعراب : عشية : ظرف زمان منصوب متعلق بكلام قبله. سعدى : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على الألف. لو : حرف شرط غير جازم. تراءت فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ، والتاء للتأنيث. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. لراهب : جار ومجرور متعلق بتراءت. بدومة : جار ومجرور وهو مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعملية والتأنيث والجار متعلق بمحذوف صفة لراهب. تجر : مبتدأ مرفوع بالضمة. دونه : دون ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر المبتدأ تجر ، ودون مضاف والهاء مضاف إليه. والجملة من المبتدأ والخبر في محل جر صفة ثانية لراهب. وحجيج : الواو عاطفة حجيج معطوف على تجر ومرفوع مثله. قلى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا دينه ؛ مفعول به لقلى منصوب وهو مضاف والهاء مضاف إليه. والجملة «قلى دينه» جواب لو لا محل لها من الإعراب ، وجملتا «لو تراءت .. قلى دينه» في محل رفع خبر المبتدأ سعدى. وجملة «سعدى لو تراءت ..» في محل جر بإضافة عشية إليها واهتاج : الواو عاطفة. اهتاج فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا. للشوق. جار ومجرور متعلق باهتاج. إنها : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر وها : اسمها : على الشوق : جار ومجرور متعلق بهيوج. إخوان : مفعول به مقدم لهيوج. وهو مضاف العزاء : مضاف إليه مجرور. هيوج : خبر إن مرفوع. وجملة «اهتاج للشوق» معطوفة على جملة «قلى دينه» لا محل لها. وجملة إنها هيوج : استئنافية تفيد التعليل لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : في قوله : «إخوان العزاء هيوج» حيث عمل «هيوج» وهو من صيغ المبالغة النصب ل «إخوان» مفعولا به كعمل اسم الفاعل وبشروطه. وهيوج هنا معتمد على المسند إليه الذي هو اسم إن.


دعاه» ف «دعاء» منصوب ب «سميع» ومن إعمال «فعل» ما أنشده سيبويه :

١١٩ ـ حذر أمورا لا تضير وآمن

ما ليس منجيه من الأقدار (١)

وقوله :

١٢٠ ـ أتاني أنّهم مزقون عرضي

جحاش الكرملين لها فديد (٢)

__________________

(١) زعموا أن هذا البيت مما صنعه أبو يحيى اللاحقي ونسبه للعرب.

المعنى : «إن هذا الشخص يكثر الحذر والخوف من الأمور التي ليس فيها ضرر ويأمن من الأمور المهلكة التي لا تنجيه من القضاء والقدر».

الإعراب : حذر : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هو» مرفوع بالضمة. أمورا : مفعول به لحذر منصوب. لا تضير : لا نافية ، تضير مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على «أمور» تقديره هي وجملة «لا تضير» في محل نصب صفة لأمورا. وآمن : الواو عاطفة. آمن معطوف على حذر ومرفوع مثله. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به لآمن. ليس : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، واسمه ضمير مستتر جوازا يعود على الموصول تقديره هو منجيه : خبر ليس منصوب بالفتحة وهو مضاف والهاء مضاف إليه وجملة «ليس منجيه» لا محل لها صلة الموصول : من الأقدار : جار ومجرور متعلق بمنج.

الشاهد : في قوله : «حذر أمورا» حيث عمل «حذر» وهو من صيغ المبالغة بوزن «فعل» عمل اسم الفاعل فنصب (أمورا) مفعولا به.

(٢) قائله : زيد الخيل. العرض : موضع المدح والذم من الإنسان أي : ما يحامي عنه ويصونه من نفسه وحسبه. جحاش : جمع جحش وهو ولد الأتان : الكرملين تثنية كرمل ـ كز برج : ماء بجبلي طيء فديد : صياح وتصويت. المعنى «بلغني أن هؤلاء الناس أكثروا من تمزيق عرضي والوقوع فيه بالطعن والقدح وهم عندي بمنزلة الجحاش التي ترد هذا الماء وهي تصوّت وتنهق».

الإعراب : أتاني : أتى فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف ، والنون للوقاية ، وياء المتكلم مفعول به. أنهم : أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر


ف «أمورا» منصوب «حذر» و «عرضي» منصوب ب «مزق».

للمثنى والمجموع من أسماء الفاعلين عمل المفرد :

وما سوى المفرد مثله جعل

في الحكم والشروط حيثما عمل

ما سوى المفرد المثنى والمجموع ـ نحو : الضاربين ، والضاربتين ، والضاربين ، والضّرّاب ، والضّوارب ، والضاربات ـ فحكمها حكم المفرد في العمل وسائر ما تقدم ذكره من الشروط ؛ فتقول : «هذان الضاربان زيدا وهؤلاء القاتلون بكرا» وكذلك الباقي ، ومنه قوله :

١٢١ ـ أو الفا مكة من ورق الحمى (١).

__________________

والهاء اسمها والميم علامة جمع الذكور. مزقون : خبر أن مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن تنوين المفرد. عرضي : مفعول به لمزقون منصوب بفتحة مقدرة على آخره لإضافته لياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع فاعل أتى تقديره «أتاني تمزيقهم لعرضي» جحاش : خبر لمبتدأ محذوف يفهم من الكلام السابق تقديره «هم» مرفوع بالضمة. وهو مضاف. الكرملين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. لها : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. فديد : مبتدأ مؤخر مرفوع. وجملة «لها فديد» في محل نصب حال من «جحاش الكرملين».

الشاهد : في قوله : «مزقون عرضي» حيث عمل «مزقون ـ جمع مزق» ـ وهو من صيغ المبالغة بوزن فعل عمل اسم الفاعل فنصب «عرضي» مفعولا به.

(١) قائله : العجاج ، وقبله قوله :

«القاطنات البيت غير الرّيّم»

أو الف : جمع آلفة ، محبة ملازمة. ورق : جع ورقاء وهي التي لونها كلون الرماد. الحمى : أصله : حمام ـ حذفت الميم الأخيرة ثم قلبت الألف ياء ثم قلبت فتحة الميم كسرة للرويّ.

المعنى : «هؤلاء الحمامات مقيمات في البيت الحرام لا يفارقنه لأنهن محبات لمكة وهن من ذوات اللون المشبه للرماد»


أصله : الحمام. وقوله :

١٢٢ ـ ثم زادوا أنّهم في قومهم

غفر ذنبهم غير فخر (١)

__________________

الإعراب : أوالفا : حال من القاطنات في البيت السابق منصوب ـ مكة : مفعول به لأوالف ـ لأنه جمع اسم فاعل ـ منصوب بالفتحة من ورق : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال ثانية وهو مضاف. الحمى : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الميم المحذوفة للضرورة.

الشاهد : في قوله : «أوالفا مكة» حيث عمل «أوالف» وهو جمع اسم الفاعل «آلفة» عمل المفرد فنصب «مكة» مفعولا به.

(١) قائله : طرفة بن العبد البكري. غفر ـ بضمتين ـ جمع غفور صيغة مبالغة من الغفر وهو الصفح. فخر : جمع فخور ـ مبالغة من الفخر.

المعنى : «أن هؤلاء القوم زادوا على غيرهم أنهم في قومهم كثير والغفران والصفح وليسوا أهل فخار ومباهاة».

الإعراب : ثم : حرف عطف على كلام سابق. زادوا : زاد فعل ماض مبني على الضم واو الجماعة فاعل. أنهم : أن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء اسمها والميم علامة جمع الذكور. في قومهم : جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير اسم أن ، وهو مضاف والهاء مضاف إليه ، والميم لجماعة الذكور غفر : خبر أن مرفوع. ذنبهم : ذنب مفعول به لغفر منصوب بالفتحة وهو مضاف والهاء مضاف إليه والميم لجمع الذكور. غير : خبر ثان لأن مرفوع ، وهو مضاف. فخر : مضاف إليه مجرور وسكن للروي. وأن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب مفعول به لزادوا ، تقديره «زادوا غفران ذنوب قومهم».

الشاهد : في قوله : «غفر ذنبهم» حيث عمل «غفر» وهو جمع «غفور» صيغة مبالغة ـ عمل مفرده فنصب «ذنبهم» مفعولا به.


إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ونصبه له :

وانصب بذي الإعمال تلوا واخفض

وهو لنصب ما سواه مقتضي

يجوز في اسم الفاعل إضافته إلى ما يليه من مفعول ، ونصبه له ، فتقول : «هذا ضارب زيد ، وضارب زيدا» فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر فتقول : «هذا معطي زيد درهما ، ومعطي درهم زيدا».

واجرر أو انصب تابع الذي انخفض

ك «مبتغي جاه ومالا من نهض» (١)

يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة : الجرّ والنصب ، نحو : «هذا ضارب زيد وعمرو ، وعمرا» فالجرّ مراعاة للفظ ، والنصب على إضمار فعل ـ وهو الصحيح ـ والتقدير : «ويضرب عمرا» أو مراعاة لمحلّ المخفوض وهو المشهور ، وقد روي بالوجهين قوله :

١٢٣ ـ الواهب المائة الهجان وعبدها

عوذا تزجّي بينها أطفالها (٢)

__________________

(١) ومالا : معطوف بالواو على محل «جاه» والمعطوف على المنصوب منصوب وهو منصوب بالفتحة الظاهرة. وهو منصوب بفعل مضمر تقديره يبتغي ويجوز فيه العطف على اللفظ فتقول «مبتغي جاه ومال» والمعطوف على المجرور مجرور.

(٢) قائله : الأعشى ميمون بن قيس. الواهب : المعطي. الهجان : البيض الكرام ـ والهجان وصف للمفرد والجمع مذكرا ومؤنثا. عوذ : جمع عائذ وهي الحديثات النتاج بأن يمضي من ولادتها عشرة أيام أو خمسة عشر يوما. تزجّى : من التزجية وهي الدفع برفق.

المعنى : «هو ـ أي الممدوح ـ الذي أعطى مائة من الإبل البيض الكرام القريبة العهد بالولادة معها أولادها وعبدها القائم بخدمتها».

الإعراب : الواهب : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هو» مرفوع ، وهو مضاف. المائة :


بنصب «عبد» وجرّه ، وقال الآخر :

١٢٤ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق (١)

__________________

مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. الهجان : صفة للمائة على اللفظ ومجرور مثله. وعبدها : روي بالنصب وبالجر ، فعلى رواية النصب يكون معطوفا بالواو على محل المائة ، أو منصوبا بعامل محذوف يقدر فعلا «وتهب» أو وصفا «واهب» ، وعلى رواية الجر يكون معطوفا على لفظ المائة المجرور ، وهو مضاف وها في محل جر مضاف إليه. عوذا : حال من المائة منصوب بالفتحة. تزجي : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الياء ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على المائة. بينها : بين ظرف مكان منصوب متعلق بتزجي وهو مضاف وها مضاف إليه. أطفالها : مفعول به لتزجي منصوب وهو مضاف وها مضاف إليه ، وجملة «تزجي» في محل نصب صفة ل «عوذا».

الشاهد : في قوله : «الواهب المائة. وعبدها» فإن «عبدها» معطوف بالواو على المائة وقد روي بالوجهين الجائزين فيه ، النصب عطفا على المحل ، والجر عطفا على اللفظ.

(١) قائله : غير معروف. دينار : اسم رجل. عبد رب : اسم رجل. عون بن مخراق : اسم رجل. حاجتنا : احتياجنا.

المعنى : «هل أنت مرسل لأجل حاجتنا الرجل المسمّى دينارا ، أو الرجل المسمى بعبد رب الذي هو أخو عون بن مخراق؟».

الإعراب : هل : حرف استفهام. أنت : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. باعث : خبر أنت مرفوع بالضمة وهو مضاف. دينار : مضاف إليه من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله. لحاجتنا : جار ومجرور متعلق بباعث ، وهو مضاف ونا مضاف إليه. أو : حرف عطف. عبد رب : عبد منصوب عطفا على محل دينار ، أو هو منصوب بفعل مقدر «تبعث» وهو مضاف. رب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أخا : بدل من عبد أو صفة له وتابع المنصوب منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. عون : مضاف إليه مجرور. بن : صفة لعون مجرور بالكسرة وهو مضاف. مخراق : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد : في قوله : «باعث دينار .. أو عبد رب» حيث عطف «عبد رب» بالنصب على محل «دينار» وهذا أحد الوجهين الجائزين في مثله ، والوجه الثاني أن يكون مجرورا عطفا على لفظ دينار المجرور بالإضافة.


بنصب «عبد» عطفا على محل «دينار» أو على إضمار فعل ، التقدير : «أو تبعث عبد رب».

عمل اسم المفعول مثل عمل الفعل المبني للمجهول :

وكلّ ما قرّر لاسم فاعل

يعطى اسم مفعول بلا تفاضل (١)

فهو كفعل صيغ للمفعول في

معناه كالمعطى كفافا يكتفى

جميع ما تقدم في اسم الفاعل ـ من أنه إن كان مجردا عمل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، بشرط الاعتماد ، وإن كان بالألف واللام عمل مطلقا ـ يثبت لاسم المفعول ، فتقول : «أمضروب الزيدان (٢) ـ الآن

__________________

(١) كل : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة. قرر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على ما والجملة صلة الموصول لا محل لها. لاسم : جار ومجرور متعلق بقرر وهو مضاف. فاعل : مضاف إليه. يعطى : مستتر فيه جوازا تقديره «هو» وهو المفعول الأول. اسم مفعول به ثان ليعطى مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير منصوب بالفتحة وهو مضاف. مفعول : مضاف إليه مجرور. بلا : الباء حرف جر. لا : نافية : تفاضل : مجرور بالياء والجار والمجرور متعلق بيعطي. وجملة «يعطى» في محل رفع خبر المبتدأ «كل».

(٢) أمضروب الزيدان : الهمزة للاستفهام. مضروب : مبتدأ مرفوع بالضمة. الزيدان نائب فاعل اسم المفعول مضروب مرفوع بالألف لأنه مثنى وقد أغنى نائب الفاعل عن الخبر. في هذه الجملة : اسم المفعول مجرد من أل وبمعنى الحال أو الاستقبال وقد اعتمد على الاستفهام.


أو غدا» أو «جاء المضروب أبوهما (١) ـ الآن ، أو غدا ، أو أمس».

وحكمه في المعنى والعمل حكم الفعل المبني للمفعول ؛ فيرفع المفعول كما يرفعه فعله ، فكما تقول : «ضرب الزيدان» تقول : «أمضروب الزيدان» وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر نحو «المعطى كفافا يكتفى» فالمفعول الأول ضمير مستتر عائد على الألف واللام ، وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل ، و «كفافا» المفعول الثاني.

وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع

معنى ك «محمود المقاصد الورع» (٢)

يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعا به ، فتقول في قولك : «زيد مضروب عبده» (٣) «زيد مضروب العبد» (٤) فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به ، ومثله «الورع محمود المقاصد» والأصل «الورع محمود مقاصده» ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل ؛ فلا تقول : «مررت برجل ضارب الأب زيدا» تريد : «ضارب أبوه زيدا».

__________________

(١) جاء المضروب أبوهما : جاء فعل ماض مبني على الفتح. المضروب : فاعل مرفوع بالضمة. أبوهما : نائب فاعل باسم المفعول «المضروب» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف والهاء مضاف إليه ، والميم حرف عماد والألف حرف دال على التثنية. في هذه الجملة اسم المفعول مقترن بأل فلا يشترط فيه زمن ، وهو معتمد على الفعل ، ولذلك عمل فيما بعده.

(٢) قد : حرف تقليل. يضاف : مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. ذا اسم إشارة ـ لاسم المفعول ـ مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل. إلى اسم : جار ومجرور متعلق بيضاف. مرتفع : صفة لاسم ومجرور وقد سكن للروي.

معنى : تمييز منصوب بفتحة مقدرة على الألف.

(٣) عبده : نائب فاعل باسم المفعول «مضروب» مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء مضاف إليه.

(٤) العبد : مجرور بإضافة اسم المفعول «مضروب» إليه من إضافة اسم المفعول لمرفوعه.


أسئلة ومناقشات

١ ـ متى يعمل اسم الفاعل عمل فعله؟ ومتى لا يعمل هذا العمل؟ وما وجه عمله مطلقا إذا كان (بأل)؟ ولماذا لا يعمل إن كان بمعنى الماضي؟ وكيف عمل في الآية الشريفة «وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ»؟ اشرح ذلك مع التعليل والتمثيل ...

٢ ـ فصّل القول في الأمور التي يعتمد عليها اسم الفاعل لكي يعمل عمل فعله؟ واذكر ما يكون منها مقدرا؟ وما وجه عمله في قولك : «يا راكبا فرسا»؟ اشرح مع التمثيل ..

٣ ـ ما أوزان صيغ المبالغة في اسم الفاعل؟ وما عملها؟ وما شرط هذا العمل وضح ذلك مع التمثيل لكل واحد منها بمثال من عندك.

٤ ـ قال النحاة : «يعمل اسم الفاعل عمل الفعل في جميع حالاته مفردا ومثنى ومجموعا وكذلك صيغ المبالغة».

اشرح ذلك ومثل له بأمثلة متنوعة واستشهد حيث أمكنك.

٥ ـ بيّن إلى أي شيء يضاف اسم الفاعل؟ وما الحكم فيما لو كان له مفعولان أو ثلاثة؟ إلى أيها يضاف؟ وما ذا يجب في الباقي؟ مثل لجميع ما تذكر ..

٦ ـ بيّن حكم تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة؟ ومثّل لذلك.

٧ ـ ماذا يعمل اسم المفعول؟ وما شرط هذا العمل؟ وما الفرق بينه وبين اسم الفاعل في هذا العمل؟ وإلى أي شيء أضيف في قولهم (الورع محمود المقاصد)؟ وما أصل هذا التركيب؟ وهل يجوز ذلك في اسم الفاعل؟ ولماذا؟ مثل لكل ما تذكر.


تمرينات

١ ـ بين مواضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب :

قال تعالى : «وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً (١) أَلْوانُهُ ـ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ (٢) ـ خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ (٣) ـ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ (٤) ـ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (٥)

٢ ـ بيّن فيما يأتي اسمي الفاعل والمفعول وأمثلة المبالغة ومعمول كلّ وتابعه وحكم ذلك.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ـ أو القائم الليل الصائم النهار».

وقال الجاحظ : «المشورة لقاح العقول ـ ورائد الصواب» ـ فلعلكم أيها المسلمون ـ من المقدرين هذا القول قدره ـ العاملين بما تضمنه من توجيه ، فكثير من الناس مصروف عن التدبّر في مثله ، متعصب لرأيه ، لا يعبأ بالمشورة ، معط آراءه أكثر ما تستحق ـ كاسيها ثوب الزيف ، قوال غير فعال ، ومن الناس من هو كسل عن العمل ، شغوف باللهو ـ فمثل هذا لا يكون محمود العواقب ولا مأمون العثار.

__________________

(١) آية ١٣ سورة النحل.

(٢) آية ٣٨ سورة الزمر.

(٣) آية ٧ سورة القمر.

(٤) آية ٣ سورة الطلاق.

(٥) آية ٣٥ سورة الأحزاب.


٣ ـ مثل لما يأتي في جمل من إنشائك :

صيغة مبالغة مجموعة عاملة عمل الفعل ـ اسم مفعول معتمد على استفهام في العمل ـ اسم مفعول معتمد على مخبر عنه ـ اسم فاعل معتمد على موصوف مقدر ـ تابع لمعمول اسم المفعول المجرور بالإضافة وآخر لمعمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة.

٤ ـ علام اعتمد اسم المفعول في الأساليب الآتية ليعمل فيما بعده؟

المحمود الله جل جلاله ـ والمصلّى عليه محمد وآله.

هذا العتب محمود عواقبه ـ أمطلوب أن أسافر؟

ما مرغوب أن أقيم على ضيم.

٥ ـ قال الشاعر : ـ

ألم أقسم عليك لتخبرنّي

أمحمول على النعش الهمام؟

أعرب البيت السابق ... ووضح معناه


الصفة المشبهة باسم الفاعل

علامة الصفة المشبهة جر فاعلها بها :

صفة استحسن جرّ فاعل

معنى بها المشبهة اسم الفاعل (١)

قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنى وذات ، وهذا يشمل : اسم الفاعل ، واسم المفعول ، وأفعل التفضيل والصفة المشبّهة وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة (٢) استحسان جرّ فاعلها بها ، نحو «حسن الوجه» و «منطلق اللسان» و «طاهر القلب» : والأصل : «حسن وجهه ، ومنطلق لسانه ، وطاهر قلبه» فوجه : مرفوع بحسن على الفاعلية ولسانه : مرفوع بمنطلق ، وقلبه : مرفوع بطاهر ، وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات ، فلا تقول : «زيد ضارب الأب عمرا» تريد : «ضارب أبوه عمرا» ، ولا «زيد قائم الأب غدا» تريد : «زيد قائم أبوه غدا».

وقد تقدّم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه ؛ فتقول : «زيد

__________________

(١) صفة : خبر مقدم للمبتدأ «المشبهة» مرفوع بالضمة. استحسن : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. جرّ : نائب فاعل مرفوع وهو مضاف. فاعل : مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله. وجملة «استحسن جر» في محل رفع نعت للخبر «صفة» معنى : تمييز منصوب بفتحة مقدرة. بها : جار ومجرور متعلق بجرّ. المشبهة : مبتدأ مؤخر مرفوع. اسم : مفعول به لاسم الفاعل «المشبهة» منصوب وهو مضاف. الفاعل : مضاف إليه مجرور.

(٢) أشبهت الصفة المشبهة اسم الفاعل في دلالتها على حدث ومن قام به ، وقبولها الإفراد والتذكير وغيرهما فعملت النصب كاسم الفاعل المتعدي لواحد ولكن عملها أحطّ منه لأنها لم تفد الحدوث مثله.


مضروب الأب» وهو حينئذ جار مجرى الصفة (١) المشبّهة.

تصاغ الصفة المشبهة من فعل لازم :

وصوغها من لازم لحاضر

كطاهر القلب جميل الظاهر

يعنى أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد ، فلا تقول : «زيد قاتل الأب بكرا» «تريد قاتل أبوه بكرا» بل لا تصاغ إلا من فعل لازم ، نحو «طاهر القلب وجميل الظاهر» ولا تكون إلا للحال (٢) ، وهو المراد بقوله «لحاضر» فلا تقول : «زيد حسن الوجه غدا أو أمس» ونبّه بقوله : «كطاهر القلب جميل الظاهر» على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثي تكون على نوعين ، أحدهما : ما وازن المضارع نحو «طاهر القلب» وهذا قليل فيها ، والثاني ما لم يوازنه وهو الكثير نحو «جميل الظاهر ، وحسن الوجه ، وكريم الأب» (٣) وإن كانت من غير ثلاثي وجب موازنتها المضارع ، نحو «منطلق اللسان».

عمل الصفة المشبهة :

وعمل اسم فاعل المعدّى

لها على الحدّ الذي قد حدّا

أي : يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدي (٤) وهو : الرفع ،

__________________

(١) أي في عدم الحدوث والتجدد وقصد الدوام.

(٢) ليس المقصود أن تكون لخصوص الحال بل أن تكون للدوام في الأزمنة الثلاثة ومنها الحال لأنها لما انتفى عنها الحدوث والتجدد ثبت لها الدوام عقلا لأن الأصل في كل ثابت دوامه ـ أما اسم الفاعل فيدل على واحد من الأزمنة الثلاثة.

(٣) الصفات المشبهة : جميل وحسن وكريم لا توازن المضارع «يجمل» و «يحسن» و «يكرم» وهي بهذا تخالف اسم الفاعل فإنه يلزم موازنته المضارع.

(٤) أي المتعدي لواحد ، والمراد العمل صورة لأن منصوب اسم الفاعل مفعول به حقيقة ـ فهو مصوغ من فعل متعد مثل ضارب من ضرب ، أما منصوبها فليس مفعولا به حقيقة ـ لأنها مصوغة من فعل لازم ـ وإنما هو شبيه بالمفعول به أو تمييز.


والنصب ، نحو «زيد حسن الوجه» ففي «حسن» ضمير مرفوع هو الفاعل ، و «الوجه» منصوب على التشبيه بالمفعول به ؛ لأن حسنا شبيه بضارب فعمل عمله وأشار بقوله : «على الحدّ الذي قد حدّا» إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل ، وهو أنه لا بد من اعتمادها كما أنه لا بد من اعتماده (١).

وسبق ما تعمل فيه مجتنب

وكونه ذا سببية وجب (٢)

لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه (٣).

فلم يجز تقديم معمولها عليها ، كما جاز في اسم الفاعل ، فلا تقول : «زيد الوجه حسن» كما تقول : «زيد عمرا ضارب» ولم تعمل إلا في سببيّ نحو : «زيد حسن وجهه» ولا تعمل في أجنبي ، فلا تقول : «زيد حسن عمرا» واسم الفاعل يعمل في السببيّ ، والأجنبي ، نحو : «زيد ضارب غلامه ، وضارب عمرا».

__________________

(١) لم يذكر الشارح كونها للحال أو للاستقبال لأن ذلك حاصل في الصفة المشبهة لدلالتها على الدوام الذي يلزم منه الحال والاستقبال.

(٢) كونه : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر الناقص لمرفوعه. ذا : خبر كون منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف سببية مضاف إليه مجرور. وجب : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي.

وفاعله ضمير مستتر جوازا والجملة في محل رفع خبر المبتدأ كونه.

(٣) تخالف الصفة المشبهة اسم الفاعل في عدة أمور :

١ ـ عدم تقدم معمولها عليها.

٢ ـ كونه ذا سببيّة ـ أي تعلق وارتباط بموصوفها لاشتماله على ضميره ـ وهذان الأمران ذكرهما ابن مالك في هذا البيت ـ.

٣ ـ استحسان جر الفاعل بها.

٤ ـ صوغها من اللازم.

٥ ـ كونها للدوام.

٦ ـ عدم لزوم جريانها على المضارع.

٧ ـ لا يفصل معمولها منها منصوبا كان أو مرفوعا بخلاف اسم الفاعل.


أحوال معمولها ووجوه إعرابه :

فارفع بها ، وانصب ، وجرّ ـ مع أل

ودون أل ـ مصحوب أل ، وما اتصل (١)

بها : مضافا أو مجردا ، ولا

تجرر بها مع أل ـ سما من أل خلا

ومن إضافة لتاليها ، وما

لم يخل فهو بالجواز وسما

الصفة المشبهة : إما أن تكون بالألف واللام ، نحو «الحسن» أو مجردة عنهما ، نحو «حسن» وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة :

(أ) الأول : أن يكون المعمول بأل ، نحو «الحسن الوجه ، حسن الوجه».

(ب) الثاني : أن يكون مضافا لما فيه أل ، نحو «الحسن وجه الأب ، وحسن وجه الأب».

(ج) الثالث : أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف ، نحو «مررت بالرجل الحسن وجهه ، وبرجل حسن وجهه».

(د) الرابع : أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو «مررت بالرجل الحسن وجه غلامه ، وبرجل حسن وجه غلامه».

(ه) الخامس : أن يكون مجردا من أل دون الإضافة ، نحو «الحسن وجه أب ، وحسن وجه أب».

__________________

(١) مع أل : مع ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من ضمير «بها» العائد على الصفة المشبهة. ودون أل : معطوف على مع أل. والتقدير : ارفع بالصفة المشبهة وانصب وجر حالة كونها مصاحبة لأل ، ومجردة من أل. مصحوب أل : مفعول به للفعل ارفع.


(و) السادس : أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة ، نحو «الحسن وجها ، وحسن وجها».

فهذه اثنتا عشرة مسألة ، والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة : إما أن يرفع (١) ، أو ينصب (٢) ، أو يجر فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة.

وإلى هذا أشار بقوله : «فارفع بها» أي : بالصفة المشبّهة ، «وانصب وجر مع أل» أي إذا كانت الصفة بأل نحو «الحسن» و «دون أل» أي : إذا كانت الصفة بغير أل ، نحو «حسن» «مصحوب أل» ؛ أي : المعمول المصاحب لأل ، نحو «الوجه» «وما اتصل بها : مضافا ، أو مجردا» أي : والمعمول المتصل بها ـ أي : بالصفة ـ إذا كان المعمول مضافا ، أو مجردا من الألف واللام والإضافة. ويدخل تحت قوله : «مضافا» المعمول المضاف إلى ما فيه أل ، نحو : «وجه الأب» والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو «وجهه» والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو : «وجه غلامه» والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة ، نحو «وجه أب».

وأشار بقوله :. «ولا تجرر بها مع أل ـ إلى آخره» إلى أن هذه المسائل ليست كلّها على الجواز ، بل يمتنع منها ـ إذا كانت الصفة بأل ـ أربع مسائل :

(أ) الأولى : جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف ، نحو «الحسن وجهه».

(ب) الثانية : جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف ، نحو «الحسن وجه غلامه».

__________________

(١) يرفع على الفاعلية للصفة المشبهة ، وجوز الفارسي كونه بدل بعض من ضمير مستتر في الصفة حيث أمكن.

(٢) ينصب تشبيها بالمفعول به إن كان معرفة. أما إذا كان نكرة فهو إما منصوب تشبيها بالمفعول به أو منصوب على التمييز.


(ج) الثالثة : جرّ المعمول المضاف إلى مجرد من أل دون الإضافة ، نحو «الحسن وجه أب».

(د) الرابعة : جرّ المعمول المجرد من أل والإضافة ، نحو «الحسن وجه».

فمعنى كلامه «ولا تجرر بها» أي : بالصفة المشبهة ، إذا كانت الصفة مع أل اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل وذلك كالمسائل الأربع ، وما لم يخل من ذلك يجوز جرّه كما يجوز رفعه ونصبه ، كالحسن الوجه ، والحسن وجه الأب ، وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة لغير أل على كل حال.


أسئلة ومناقشات

١ ـ ما الفرق بين اسم الفاعل والصفة المشبهة في المعنى؟ ولماذا سميت كذلك وبأي شيء تشبّه؟ اكتب تعريفا مختصرا لها مع التمثيل لما تقول.

٢ ـ قال النحاة : «تضاف الصفة المشبهة إلى مرفوعها استحسانا وكذا اسم المفعول دون اسم الفاعل». علّل لذلك مع ذكر الأمثلة الدالة.

٣ ـ ممّ تصاغ الصفة المشبهة؟ وما معنى صوغها من لازم لحاضر؟ مثل لذلك بأمثلة من عندك.

٤ ـ يختلف اسم الفاعل عن الصفة المشبهة في الزمن ـ وفيما يصاغان منه ـ وفيما يضافان إليه ـ اشرح ذلك مع التمثيل لكل ما تقول.

٥ ـ ماذا تعمل الصفة المشبهة؟ وكيف ينصب الاسم بعدها مع لزومها؟ وما شرط عملها؟ مثّل لما تقول.

٦ ـ اشرح معنى قولهم (لا تعمل الصفة المشبهة إلا في سببيّ متأخر) ومثّل لما تقول.


تمرينات

١ ـ مثل للصفة المشبهة مقترنة (بأل) عاملة فيما بعدها الرفع والنصب والجر.

٢ ـ مثل للصفة المشبهة مجردة من (أل) عاملة فيما بعدها الرفع والنصب والجر.

٣ ـ بيّن نوع كل مشتق مما يأتي ثم ضعه في عباره مفيدة بحيث يكون عاملا : ـ

طيّب ، مستعان به ، جميل ، يقظان ، مستقيم ، سمح الخلق ، صعب ، مهيب ، خفيف الحمل.

٤ ـ يستشهد بما يأتي في هذا الباب ، بيّن موضع الاستشهاد ثم أعرب ما تحته خط :

قال تعالى : «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ ، حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ (١) رَحِيمٌ».

وقال الشاعر :

حسن الوجه طلقه أنت في السّلم وفي الحرب كالح مكفهرّ

٥ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه : ـ

تعيّرنا أنا قليل عديدنا

فقلت لها : إن الكرام قليل

__________________

(١) آية ١٢٨ من سورة التوبة.


التعجب

صيغتا التعجب ـ إعرابهما :

بأفعل انطق بعد «ما» تعجّبا

أو جيء ب «أفعل» قبل مجرور ببا (١)

وتلو أفعل انصبنّه : ك «ما

أوفى خليلينا ، وأصدق بهما» (٢)

للتعجب صيغتان : إحداهما «ما أفعله» والثانية «أفعل به» وإليهما أشار المصنف بالبيت الأول أي : انطق بأفعل بعد «ما» للتعجّب ، نحو «ما أحسن زيدا» ، «وما أوفى خليلينا» أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا ، نحو «أحسن بالزيدين ، وأصدق بهما».

__________________

(١) تعجبا : مفعول لأجله منصوب بالفتحة ، أو حال من فاعل انطق أي : متعجبا.

(٢) تلو : منصوب على الاشتغال بفعل محذوف وجوبا يفسره ما بعده تقديره «انصبن» أفعل : مضاف إليه قصد لفظه. انصبنه : فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ، والنون للتوكيد ، والهاء في محل نصب مفعول به ، والجملة ، مفسرة لا محل لها من الإعراب. ما : نكرة تامة بمعنى شيء مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أوفى : فعل ماض لإنشاء التعجب مبني على فتح مقدر على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا عائد على ما تقديره هو خليلينا : مفعول به لأوفى منصوب بالياء لأنه مثنى ، وحذفت نونه للإضافة. ونا ضمير متصل في محل جر بالإضافة ، وجملة «أوفى» في محل رفع خبر ما. وأصدق : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره مجيئه على هذه الصورة. بهما : الباء حرف جر زائد. والضمير مجرور لفظا بحرف الجر الزائد في محل رفع فاعل أصدق. والميم حرف عماد ، والألف حرف دال على التثنية.


فما : مبتدأ ، وهي نكرة تامة عند سيبويه ، و «أحسن» فعل ماض ، فاعله ضمير مستتر عائد على «ما» و «زيدا» مفعول أحسن ، والجملة خبر عن «ما» والتقدير : «شيء أحسن زيدا» أي جعله حسنا ، وكذلك «ما أوفى خليلينا» وأما «أفعل» ففعل. أمر (١) ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء ، والباء زائدة ، واستدل على فعلية «أفعل» بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم ، نحو «ما أفقرني إلى عفو الله» وعلى فعلية «أفعل» بدخول نون التوكيد عليه في قوله :

١ ـ ومستبدل من بعد غضبى صريمة

فأحر به من طول فقر وأحريا (٢)

__________________

(١) أي صورة وهو ماض حقيقة والمجرور بعده فاعله وأصل «أحسن بالزيدين» أحسن الزيدان أي صارا ذوي حسن ، فهو في الأصل خبر ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيروا لفظه من الماضي إلى الأمر ليكون الأمر بصورة الإنشاء.

(٢) قائله : غير معروف. غضبى : بفتح الغين وسكون الضاد وفتح الباء ـ اسم للمائة من الإبل وهي معرفة ولا تدخلها أل والتنوين كما في الصّحاح ويرى صاحب القاموس أنه تصحيف وصوابه «غضيا» بدل الباء. صريمة : تصغير صرمة هي القطعة من الإبل ما بين العشرين إلى الثلاثين. وقيل غير ذلك.

المعنى : «وربّ شخص ترك مائة من الإبل وأخذ بدلها قطعة قليلة لا تجاوز الثلاثين ، فما أجدره بالفقر الطويل وما أحقه».

الإعراب : ومستبدل : الواو واو ربّ. مستبدل : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتعال المحل بحركة حرف الجر الشبيه بالزائد وهو ربّ المحذوفة. من بعد : جار ومجرور متعلق بمستبدل. غضبى : مضاف إليه مجرور بفتحة مقدرة على الألف لأنه ممنوع من الصرف بسبب ألف التأنيث. صريمة : مفعول به لمستبدل منصوب بالفتحة. فأحر : الفاء فصيحة. أحر : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر المبني على حذف حرف العلة. به : الباء حرف جر زائد والضمير مجرور لفظا مرفوع محلا فاعل أحر. من طول : جار ومجرور متعلق بأحر. ومن هنا بمعنى الباء ـ وطول مضاف ـ فقر : مضاف إليه. وأحريا :


أراد «وأحرين» بنون التوكيد الخفيفة ، فأبدلها ألفا في الوقف.

وأشار بقوله : «وتلو أفعل» إلى أن تالي «أفعل» ينصب لكونه مفعولا (١) نحو «ما أوفى خليلينا» ثم مثل بقوله : «وأصدق بهما» للصيغة الثانية.

(أ) وما قدمناه من أن «ما» نكرة تامة هو الصحيح (٢) ، والجملة التي بعدها خبر عنها ، والتقدير «شيء أحسن زيدا» أي جعله حسنا.

(ب) وذهب الأخفش إلى أنها موصولة ، والجملة التي بعدها صلتها ، والخبر محذوف ، والتقدير : «الذي أحسن زيدا شيء عظيم».

(ج) وذهب بعضهم إلى أنّها استفهامية ، والجملة التي بعدها خبر عنها ، والتقدير : «أيّ شيء أحسن زيدا»؟.

(د) وذهب بعضهم إلى أنّها نكرة موصوفة (٣) والجملة التي بعدها صفة لها ، والخبر محذوف والتقدير : «شيء أحسن زيدا عظيم».

__________________

الواو عاطفة. أحري : فعل ماض جاء على صورة الأمر ـ المبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ـ والألف : منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة في الوقف الأصل «وأحرين». وفاعله محذوف لدلالة ما سبق عليه والتقدير «وأحرين به».

وتكرار التعجب للتوكيد والتقوية.

الشاهد : في قوله : «وأحريا» حيث دخلت نون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفا عليه ، وهذا دليل على فعلية صيغة «أفعل» في التعجب.

(١) لكنه خالف المفاعيل في أمور :

١ ـ عدم حذفه إلا لدليل.

٢ ـ لا يتقدم على عامله.

٣ ـ لا يفصل بينهما إلا بالظرف.

٤ ـ يجب كونه معرفة أو نكرة مختصة ليكون للتعجب منه فائدة. ومثله في هذه الأمور فاعل «أفعل».

(٢) هو رأي سيبويه.

(٣) هو قول ثان للأخفش أيضا. وله قول ثالث كقول سيبويه الأول وهو الصحيح.


حذف المتعجب منه :

وحذف ما منه تعجّبت استبح

إن كان عند الحذف معناه يضح (١)

يجوز حذف المتعجّب منه ، وهو المنصوب بعد أفعل ، والمجرور بالباء بعد أفعل إذا دلّ عليه دليل فمثال الأول قوله :

٢ ـ أرى أمّ عمرو دمعها قد تحدرا

بكاء على عمرو وما كان أصبرا (٢)

__________________

(١) حذف : مفعول به مقدم لاستبح منصوب. تقدير البيت. استبح حذف ما تعجبت منه إن كان المعنى يتضح عند الحذف.

(٢) قائله : امرؤ القيس بن حجر الكندي. عمرو : هو ابن قميئة اليشكري صاحبه في سفره إلى قيصر الروم. تحدر : انصب ونزل.

المعنى : «أبصر أمّ عمرو حزينة يتحدر الدمع على خديها بكاء على فراق ولدها عمرو ، وعهدي بها صابرة متجلدة فما أعجب هذا التغير منها».

الإعراب : أرى : مضارع رأى البصرية ـ مرفوع بضمة مقدرة على الألف ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. أمّ : مفعول به منصوب بالفتحة وهو مضاف عمرو : مضاف إليه مجرور بالكسرة. دمعها : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. وها في محل جر بالإضافة. قد تحدرا : قد حرف تحقيق. تحدر فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وجملة «تحدر» في محل رفع خبر المبتدأ «دمعها» وجملة «دمعها قد تحدرا» في محل نصب حال من أم عمرو. بكاء : مفعول لأجله منصوب بالفتحة. على عمرو : جار ومجرور متعلق ببكاء. وما : الواو استئنافية. ما تعجبية نكرة تامة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كان : زائدة بين التعجبية وفعل التعجب. أصبرا : فعل ماض لإنشاء التعجب مبني على الفتح ، والألف للإطلاق وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا عائد على «ما» والمفعول به المتعجب منه محذوف تقديره «ما أصبرها» وجملة «أصبرا» في محل رفع خبر ما التعجبية ، وجملة «ما أصبرا» لا محل لها من الإعراب استئنافية.

الشاهد : في قوله : «وما كان أصبرا» حيث حذف المتعجّب منه وهو الضمير المنصوب بأصبر لدلالة الكلام عليه. والتقدير : ما أصبرها.


التقدير : «وما كان أصبرها» فحذف الضمير وهو مفعول أفعل للدلالة عليه بما تقدم ، ومثال الثاني قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)(١) التقدير ـ والله أعلم ـ «وأبصر بهم» فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه.

وقول الشاعر :

٣ ـ فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر (٢)

__________________

(١) الآية ٣٨ من سورة مريم وهي «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».

(٢) قائله : عروة بن الورد من قصيدة يذكر بها أحوال الصعاليك ، وقبله قوله :

ولكن صعلوكا صفيحة وجهه

كضوء شهاب القابس المتنوّر

ذلك : إشارة إلى الصعلوك المذكور في البيت السابق. المنية : الموت. حميدا : محمودا.

المعنى : «ذلك الفقير الموصوف بما ذكر إن صادف المنيّة صادفها وهو محمود وإن يستغن فما أحقّه بالغنى».

الإعراب : فذلك : ذا اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، واللام للبعد ، والكاف حرف خطاب. إن : حرف شرط جازم. يلق : مضارع مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ بحذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. المنية : مفعول به ليلق منصوب بالفتحة. يلقها : مضارع مجزوم بإن لأنه جواب الشرط وجزاؤه وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وها : مفعول به. حميدا : حال من فاعل يلقها منصوب وجملتا الشرط «إن يلق المنية يلقها» في محل رفع خبر المبتدأ «ذا». وإن : الواو عاطفة. إن : حرف شرط جازم. يستغن : مضارع مجزوم بإن ـ فعل الشرط ـ بحذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» يوما : ظرف زمان منصوب متعلق بيستغن. فأجدر : الفاء واقعة في جواب الشرط أجدر : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر ، وفاعله محذوف تقديره «به» وجملة «أجدر ...» في محل جزم جواب الشرط وجملتا الشرط «إن يستغن .. فأجدر» معطوفة على الشرط السابق ، فمحلهما الرفع ..


أي فأجدر به ، فحذف المتعجب منه بعد أفعل ، وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله وهو شاذ.

جمود صيغتي التعجب :

وفي كلا الفعلين قدما لزما

منع تصرف بحكم حتما (١)

لا يتصرف فعلا التعجب ، بل يلزم كل منهما طريقة واحدة ، فلا يستعمل من أفعل غير الماضي ، ولا من أفعل غير الأمر قال المصنف ، وهذا مما لا خلاف فيه.

شروط ما يصاغ منه فعلا التعجب :

وصغهما من ذي ثلاث صرّفا

قابل فضل ، تمّ ، غير ذي انتفا (٢)

__________________

الشاهد : في قوله : «فأجدر» حيث حذف المتعجب منه وهو «به» لدلالة الكلام عليه وحذفه شاذ لأن شرط حذف المتعجب منه مع «أفعل به» أن يكون «أفعل» معطوفا على آخر مذكور معه مثل ذلك المحذوف كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) أي بهم.

(١) في كلا : جار ومجرور متعلق بلزم ، كلا مجرور بكسرة مقدرة على الألف للتعذر وهو مضاف. الفعلين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. قدما : ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بلزم. لزما : فعل ماض مبني على الفتح ، والألف للإطلاق. منع : فاعل لزم مرفوع وهو مضاف. تصرف : مضاف إليه مجرور. بحكم : جار ومجرور متعلق بلزم. حتما : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح ، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة في محل جر صفة ل «حكم».

(٢) من ذي ثلاث : من حرف جر. ذي مجرور بمن بالياء لأنه من الأسماء الستة بمعنى صاحب والجار والمجرور متعلق بصغهما وهو مضاف. ثلاث : مضاف إليه مجرور. غير ذي انتفا : غير صفة رابعة ل «ذي ثلاث» مجرورة بالكسرة وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. انتفا : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة الأصل «انتفاء».


وغير ذي وصف يضاهي أشهلا

وغير سالك سبيل فعلا (١)

يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة :

١ ـ احدها : أن يكون ثلاثيا ، فلا يبنيان مما زاد عليه ، نحو : دحرج وانطلق واستخرج.

٢ ـ الثاني : أن يكون متصرفا ، فلا يبنيان من فعل غير متصرف ، كنعم ، وبئس ، وعسى ، وليس.

٣ ـ الثالث : أن يكون معناه قابلا للمفاضلة ، فلا يبنيان من «مات» و «فني» ونحوهما ، إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء.

٤ ـ الرابع : أن يكون تاما ، واحترز بذلك من الأفعال الناقصة ، نحو «كان» وأخواتها ، فلا تقول : «ما أكون زيدا قائما» وأجازه الكوفيون.

٥ ـ الخامس : أن لا يكون منفيا ، واحترز بذلك من المنفي لزوما ، نحو «ما عاج فلان بالدواء» أي : ما انتفع به ، أو جوازا نحو «ما ضربت زيدا».

٦ ـ السادس : أن لا يكون الوصف منه على أفعل (٢) ، واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان : كسود فهو أسود ، وحمر فهو أحمر والعيوب كحول فهو أحول ، وعور فهو أعور ؛

__________________

(١) وغير : معطوف بالواو على «غير ذي انتفا» ومجرور. وجملة «يضاهي أشهلا» في محل جر صفة ل «وصف» وغير سالك : غير معطوف بالواو على «غير في البيت السابق. سبيل ، معفول به لاسم الفاعل «سالك».

(٢) لالتباس «أفعل» التفضيل بالوصف منه ، فإن كلا منهما بوزن «أفعل» ولذلك منعوا التعجب والتفضيل في الأفعال الدالة على لون أو عيب بسبب هذا الاشتراك واللبس.


فلا تقول : «ما أسوده» ولا «ما أحمره» ولا «ما أحوله» ولا «ما أعوره» ولا «أعور به» ولا «أحول به».

٧ ـ السابع : أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو «ضرب زيد» فلا تقول «ما أضرب زيد» تريد التعجب من ضرب أوقع به ، لئلا يلتبس (١) بالتعجّب من ضرب أوقعه.

ما يتوصل به إلى التعجب من فاقد شرط :

وأشدد او أشدّ ، أو شبههما

يخلف ما بعض الشروط عدما (٢)

ومصدر العادم ـ بعد ـ ينتصب

وبعد أفعل جرّه بالبا يجب (٣)

يعني أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه ، وبأشدّ ونحوه ، وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد «أفعل» مفعولا ، ويجر بعد «أفعل» بالباء ، فتقول : «ما أشدّ

__________________

(١) ذكر ابن مالك في التسهيل : أنه إذا أمن اللبس جاز إن كان الفعل ملازما للبناء للمجهول فتقول : ما أعناه بحاجتك وما أزهاه علينا. لأن كلا من الفعلين «عني» و «زهي» ملازم للبناء للمجهول.

(٢) أشدد : قصد لفظه مبتدأ أو أشد : قصد لفظه معطوف على المبتدأ. يخلف : مضارع مرفوع ، فاعله ضمير مستتر جوازا. ما اسم موصول في محل نصب مفعول به. بعض : مفعول به مقدم للفعل «عدم» وهو مضاف. الشروط : مضاف إليه. عدم : فعل ماض مبني على الفتح والألف للإطلاق وجملة «يخلف» في محل رفع خبر المبتدأ «أشدد» وجملة «عدما» لا محل لها صلة الموصول.

(٣) مصدر : مبتدأ مرفوع وهو مضاف. العادم : مضاف إليه مجرور ، بعد : ظرف مكان مبني على الضم في محل نصب متعلق بينتصب. ينتصب : مضارع مرفوع بالضمة وسكن للروي ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» وجملة «ينتصب» في محل رفع خبر المبتدأ «مصدر».


دحرجته ، واستخراجه و «أشدد بدحرجته ، واستخراجه» و «ما أقبح عوره ، وأقبح بعوره» و «ما أشد حمرته ، وأشدد بحمرته».

وبالنّدور احكم لغير ما ذكر

ولا تقس على الذي منه أثر (١)

يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ، ولا يقاس على ما سمع منه ، كقولهم : «ما أخصره» من «اختصر» فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول وكقولهم : «ما أحمقه» فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل ، نحو حمق فهو أحمق. وقولهم «ما أعساه» و «أعس به» فبنوا أفعل وأفعل به من «عسى» وهو فعل غير متصرف.

تأخير معمول فعل التعجب ووجوب وصله بعامله :

وفعل هذا الباب لن يقدّما

معموله ، ووصله به الزما

وفصله بظرف او بحرف جرّ

مستعمل والخلف في ذاك استقرّ

لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه ، فلا تقول «زيدا ما أحسن» ولا «ما زيدا أحسن» ولا «بزيد أحسن» ويجب وصله» بعامله ،

__________________

(١) لا تقس : لا ناهية. تقس : مضارع مجزوم بلا بالسكون وفاعله ضمير المخاطب مستتر وجوبا تقديره أنت. على الذي : جار ومجرور متعلق بتقس. منه : جار ومجرور متعلق بأثر. أثر : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح وسكن للروي ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة أثر صلة الموصول لا محل لها.


فلا «يفصل بينهما بأجنبي» (١) ، فلا تقول في «ما أحسن معطيك الدرهم» «ما أحسن الدرهم معطيك» (٢) ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره (٣) ، فلا تقول «ما أحسن بزيد مارا» تريد «ما أحسن مارا بزيد» ولا «ما أحسن عندك جالسا» تريد «ما أحسن جالسا عندك».

فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ، ففي جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف ، والمشهور جوازه (خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ، ونسب الصيمريّ المنع إلى سيبويه) ، ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب (٤) : «لله درّ بني سليم ، ما أحسن في الهيجاء لقاءها ، وأكرم في اللزبات عطاءها ، وأثبت في المكرمات بقاءها» (٥) وقول علي كرّم الله وجهه ، وقد مرّ بعمّار فمسح التراب عن وجهه «أعزز علي أبا اليقظان أن أراك صريعا

__________________

(١) المراد الأجنبي غير المفعول في «ما أحسن زيدا» وغير الفاعل في صيغة «أفعل به» فيشمل الحال فلا يفصل به على المختار فلا تقول : ما أحسن جالسا زيدا ، ولا «أحسن جالسا بزيد».

(٢) لأن الدرهم أجنبي عن أحسن ، فهو مفعول به لمعطيك ، ومفعول أحسن هو «معطيك».

(٣) المقصود بالمجرور والظرف الممنوع الفصل به هو ما كان معمولا لغير فعل التعجب كما مثل الشارح ، فإن الجار والمجرور «بزيد» معمول ل «مارا» والظرف «عندك» معمول ل «جالسا» ولذلك امتنع الفصل به. أما إذا كان المجرور معمولا لفعل التعجب ففيه الخلاف الآتي.

(٤) صحابي من فرسان الجاهلية والإسلام قتل سنة إحدى وعشرين من الهجرة.

(٥) في الهيجاء : معمول لأحسن ومتعلق بها. وفي اللزبات معمول لأكرم ومتعلق بها ، اللّزبات : بفتح اللام وسكون اللام جمع لزبة وهي الشدة والقحط ، وفي المكرمات معمول لأثبت ومتعلق بها.


مجدّلا» (١) ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضي‌الله‌عنهم :

٤ ـ وقال نبيّ المسلمين : تقدّموا

وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (٢)

وقوله :

__________________

(١) الفاعل «أن أراك للفعل أعزز ، وتأويل المصدر : رؤيتك» وقد حذف الجار قبله ، وقد فصل بين الفعل «أعزز» والفاعل بالجار والمجرور «عليّ» وبالنداء أيضا.

(٢) قائله : العباس بن مرداس أحد المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سبي حنين مائة من الإبل.

المعنى : «أمرنا رسول الله بالتقدم فامتثلنا أمره لأن أحب الأمور إلينا أن نكون تابعين له منصاعين لأوامره».

الإعراب : قال : فعل ماض مبني على الفتح. نبيّ : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. المسلمين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد. تقدموا : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، والواو ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. وجملة «تقدموا» في محل نصب مقول القول. وأحبب : الواو عاطفة : أحبب : فعل ماض لإنشاء التعجب جاء على صورة الأمر مبني على فتح مقدر. إلينا : جار ومجرور متعلق بأحبب. أن : حرف مصدري ونصب. تكون : مضارع ناقص منصوب بأن بفتحة ظاهرة ، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنت». المقدما : خبر تكون منصوب بالفتحة والألف للإطلاق وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بالباء الزائدة محذوفة ـ مجرور لفظا مرفوع تقديرا لأنه فاعل أحبب. وتقدير المصدر «واحبب إلينا بكونك المقدّم».

الشاهد : في قوله : «أحبب إلينا أن تكون» حيث فصل بالجار والمجرور «إلينا» المتعلق بفعل التعجب بين فعل التعجب «أحبب» ومعموله «أن تكون» وهذا الفصل جائز لأن الفاصل ليس أجنبيا عن أحبب.


٥ ـ خليليّ ما أحرى بذي اللّبّ أن يرى

صبورا ، ولكن لا سبيل إلى الصّبر (١)

__________________

(١) قائله : غير معروف أحرى : أولى وأحقّ. اللّبّ : العقل ، وذو اللب : العاقل.

المعنى «يا صديقيّ ، ما أحق صاحب العقل أن يراه الناس كثير الصبر على المكاره ، ولكن الصبر مرّ المذاق لا يسلك أحد سبيله».

الإعراب : خليليّ : منادى مضاف بأداة نداء محذوفة ، منصوب بالياء المدغمة في ياء المتكلم لأنه مثنى ، وحذفت النون للإضافة ، وياء المتكلم : مبنية على الفتح في محل جر بالإضافة. ما : نكرة تامة ـ تعجبية ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أحرى : فعل ماض جامد لإنشاء التعجب مبني على فتح مقدر. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا يعود على ما تقديره : هو. بذي : الباء حرف جر. ذي مجرور بالباء علامة جره الياء لأنه من الأسماء الستة والجار والمجرور متعلق بأحرى وهو مضاف. اللب : مضاف إليه مجرور بالكسرة. أن : حرف مصدري ونصب. يرى : فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن بفتحة مقدرة على الألف ، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره «هو» ونائب الفاعل هو المفعول الأول ليرى القلبية. صبورا : مفعول ثان ليرى منصوب بالفتحة. ويجوز أن تعرب يرى : بصرية ، وتكون صبورا حال من نائب الفاعل. وأن المصدرية وما بعدها في تأويل مصدر منصوب به لأحرى ، تقديره «رؤيته صبورا» وجملة «أحرى .. أن يرى» في محل رفع خبر ما التعجبية. ولكن : الواو عاطفة لكن حرف استدراك. لا سبيل : لا نافية للجنس تعمل عمل إن : سبيل : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب. إلى الصبر : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا. تقديره «موجود».

الشاهد : في قوله : «ما أحرى بذي اللب أن يرى» حيث فصل بالجار والمجرور «بذي اللب» بين فعل التعجب «أحرى» ومعموله «أن يرى» وهذا الفاصل جائز لأن الجار والمجرور معمول لفعل التعجب ومتعلق به. بل الفصل هنا واجب لأن في المفعول به «أن يرى» ضميرا يعود على المجرور وهو «ذي اللب» فلو تأخر المجرور عن المعمول لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو ممنوع. ومثل هذا البيت في وجوب الفصل قول الشاعر :

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

فصل فيه بالجار والمجرور «بذي الصبر» بين فعل التعجب «أخلق» ومعموله «أن يحظى» وهو فاعل حذفت منه الباء ، لأن في «أن يحظى» ضميرا يعود على المجرور بالأصل «أخلق بأن يحظى ذو الصبر بحاجته».


أسئلة ومناقشات

١ ـ ما صيغتا التعجب عند النحاة؟ تعجّب بهما من شدّة الحرّ ، وكثرة السيارات ، وسرعة السائقين في جمل تامة من عندك.

٢ ـ كيف تعرب صيغة (ما أفعله)؟ وما معنى (ما»؟ وما الدليل على فعلية «أفعل» بعدها؟ وما نوع جملة التعجب هذه؟ مثل لما تقول.

٣ ـ ما إعراب الصيغة الثانية للتعجب؟ «أفعل به» وما نوع هذا الفعل؟ وكيف تستدل على فعليته؟ وكيف تعرب الباء الداخلة على الاسم بعده؟ وما إعراب ذلك الاسم؟ مثل ووضّح.

٤ ـ ما المقصود بالمتعجب منه؟ مثل له في صيغ من عندك ـ ثم وضح متى يجوز حذفه؟ ومتى يمتنع؟ ولماذا؟ مثل لما تقول.

٥ ـ قال النحاة : «فعلا التعجب جامدان لا يتصرفان». اشرح ذلك ووضح ما يترتب عليه من عدم تقدم معموليهما عليهما. وعدم صحة الفصل بين فعلي التعجب وبين معموليهما .. ووضح متى يصح ذلك الفصل ثم مثل لما تذكر ..

٧ ـ ما شرط صوغ فعلى التعجب؟ وكيف تتعجب مما لم يستوف الشروط مثل لما تقول.

٨ ـ هناك (أفعال) لا يتعجب منها مطلقا .. وأخرى يتعجب منها بفعل مساعد وضح ذلك مع التمثيل ..


تمرينات

١ ـ لماذا صح قولك : ما أكرم بعليّ أن يصدق وأكرم به أن يقول الحق؟ ولم يصح قولك : ما أحسن في المسجد معتكفا وأحسن عندك بجالس؟ علّل لذلك.

٢ ـ تعجّب مما يأتي في صيغ تامة بالصيغتين :

دحرجت الكرة ـ انتصر الحق على الباطل ـ استغفرت الله ـ ما قصرت في واجب ـ تنتحل الأعذار ـ اختصرت المقال ـ عورت العين ـ اخضرّ الزرع ـ كنت موفقا.

٣ ـ قال تعالى : «أَسْمِعْ بِهِمْ(١) وَأَبْصِرْ».

ويقول الشاعر :

فذلك إن يلق النية يلقها

حميدا وإن يستغن يوما فأجدر

(أ) وضح لم صح حذف المتعجب منه في الآية الكريمة وشذّ في البيت؟

(ب) أعرب ما تحته خط مما مر.

٤ ـ كثيرا ما نسمع هذه الأساليب في التعجب ما رأيك فيها؟ وهل هي جارية على القواعد؟

ما أولع الشباب بلعب الكرة ـ ما أخصر هذا المقال.

ما أهوج الأحمق في تصرفاته ـ ما أسود ظلام الليلة.

ما أشبه الليلة بالبارحة ما أتقاه لله.

__________________

(١) آية ٣٨ سورة مريم.


٦ ـ اشرح ثم أعرب البيت الآتي :

إذا ورّث الجهال أبناءهم غنى

وما لا فما أشقى بني العلماء

٧ ـ قال الشاعر :

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومد من القرع للأبواب أن يلجا

(أ) أعرب الشطر الأول من البيت.

(ب) حول صيغة التعجب فيه إلى صيغة (ما أفعله).

(ج) اشرح البيت ناصحا إخوانك بالصبر في معالجة البحث والدراسة.


نعم وبئس وما جرى مجراهما

نعم وبئس فعلان جامدان :

فعلان غير متصرّفين

نعم ، وبئس ، رافعان اسمين (١)

مقارني ـ أل أو مضافين لما

قارنها ، ك «نعم عقبى الكرما» (٢)

__________________

(١) فعلان : خبر مقدم ل «نعم وبئس» مرفوع بالألف لأنه مثنى «غير : صفة لفعلان مرفوع بالضمة وهو مضاف. متصرفين : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. نعم : مبتدأ مؤخر قصد لفظه. وبئس : معطوف بالواو على لفظ نعم : رافعان : خبر لمبتدأ محذوف تقديره «هما» مرفوع بالألف لأنه مثنى ، والنون عوض عن التنوين في المفرد اسمين : مفعول به لاسم الفاعل «رافعان» منصوب بالياء لأنه مثنى.

(٢) مقارني أل : مقارني صفة لاسمين في آخر البيت السابق منصوب بالياء لأنه مثنى وهو مضاف وأل : قصد لفظه مضاف إليه. أو : حرف عطف : مضافين : معطوف على مقارني ومنصوب مثله بالياء لأنه مثنى. لما : اللام حرف جر ، ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام ، والجار والمجرور متعلق بمضافين. قارنها : قارن : فعل ماض مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وها : مفعول به ، وجملة «قارنها» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. عقبى : فاعل نعم مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف ، الكرما : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة الأصل «الكرماء». في هذا المثال فاعل نعم مضاف لما فيه أل.


ويرفعان مضمرا يفسّره

مميّز ، ك «نعم قوما معشره (١)

مذهب جمهور النحويين أن «نعم ، وبئس» فعلان ؛ بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما ، نحو «نعمت المرأة هند» و «بئست المرأة دعد».

ذهب جماعة من الكوفيين ـ ومنهم الفراء ـ إلى أنهما اسمان (١) ، واستدلّوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم : «نعم السير على بئس العير» (٢) وقول الآخر : «والله ما هي بنعم الولد ، نصرها بكاء ، وبرّها سرقة» (٣) وخرّج على جعل «نعم وبئس» معمولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف ، وهو المجرور بالحرف ، لا «نعم وبئس» والتقدير : «نعم السير على عير مقول فيه بئس العير ، وما هي بولد مقول فيه نعم الولد» فحذفت الصفة والموصوف ، وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء «نعم وبئس» على فعليتهما.

__________________

(١) في مذهب هؤلاء معنى «نعم» «الممدوح» ، ومعنى «بئس» «المذموم» وقد بنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف. ويعربون المثال : «نعم الرجل زيد» كما يلي : نعم : مبتدأ ـ بمعنى الممدوح مبني على الفتح في محل رفع. الرجل : بدل من نعم أو عطف بيان زيد : خبر نعم مرفوع بالضمة ومعنى المثال : «الممدوح الرجل زيد» ويمكن إعراب زيد مبتدأ مؤخر ونعم خبره مقدم.

(٢) العير : بفتح العين وسكون الياء : الحمار وجمعه أعيار كبيت وأبيات والأنثى عيرة.

(٣) أي : إنها إذا أرادت أن تنصر أباها على أعدائه تصرخ لتستغيث بالناس ، وإذا أرادت أن تبرّ أحدا سرقت له من مال زوجها.


وهذان الفعلان لا يتصرفان ، فلا يستعمل منهما غير الماضي (١).

أحوال فاعل نعم وبئس :

ولا بد لهما من مرفوع هو الفاعل ، وهو على ثلاثة أقسام :

(أ) الأول : أن يكون محلّى بالألف واللام ، نحو «نعم الرجل زيد» ومنه قوله تعالى : (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(٢) واختلف في هذه اللام : فقال قوم : هي للجنس حقيقة ، فمدحت الجنس كله من أجل زيد ، ثم خصصت زيدا بالذكر ، فتكون قد مدحته مرتين ، وقيل : هي للجنس مجازا ، وكأنك قد جعلت زيدا الجنس كلّه مبالغة ، وقيل ، هي للعهد.

(ب) الثاني : أن يكون مضافا إلى ما فيه «أل» كقوله : «نعم عقبي الكرما» ومنه قوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ)(٣).

__________________

(١) لا يتصرفان لخروجهما عن أصل الأفعال من إفادة الحدث والزمان ولزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة ، والإنشاء من معاني الحروف وهي لا تتصرف ، ومثلها ما أشبهها. وهذا الاستعمال لنعم وبئس هو أحد استعمالين لهما. أما الاستعمال الثاني فيكونان فيه متصرفين كسائر الأفعال ، تقول : نعم زيد بأحبته ينعم فهو ناعم وبئس يبأس فهو بائس.

(٢) من الآية ٤٠ من سورة الأنفال وهي «وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».

(٣) من الآية ٣٠ من سورة النحل وهي مع الآية التالية : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ..).


(ج) الثالث : أن يكون مضمرا (١) مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز ، نحو «نعم قوما معشره» ففي «نعم» ضمير مستتر يفسره «قوما» و «معشره مبتدأ وزعم بعضهم أن «معشره» مرفوع بنعم ، وهو الفاعل ، ولا ضمير فيها ، وقال بعض هؤلاء : إن «قوما» حال ، وبعضهم : إنّه تمييز. ومثل «نعم قوما معشره» قوله تعالى : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)(٢).

وقول الشاعر :

٦ ـ لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن (٣)

__________________

(١) أي مستترا ملازما للإفراد فلا يبرز في تثنية ولا جمع استغناء بجمع تمييزه ، ويجب عوده لما بعده وهو التمييز فهو مما يعود على متأخر لفظا ورتبة ، ولا يتبع بتابع لأن لفظه ومعناه لا يتضحان إلا بشيء منتظر بعد. وشذ تأكيده في «نعم هم قوما أنتم».

(٢) من الآية ٥٠ من سورة الكهف وهي : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً».

(٣) قائله : غير معروف. موئلا : الملجأ والمرجع. المولى : هنا ـ الله تبارك وتعالى. حذرت : خيفت. البأساء : الشدة. البغي : الاعتداء والظلم. الاستيلاء : التغلب والتمكن. الإحن ، جمع إحنه ـ مثل سدرة وسدر : هي الحقد وإضمار العداوة.

المعنى : «والله لنعم الموئل والمرجع رب العالمين إذا خيفت شدة الظالمين وأضرار المعتدين وغلبة الحاقدين».

الإعراب : لنعم : اللام واقعة في جواب قسم محذوف. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح ، وفاعله : ضمير مستتر يعود على موئل «بعده» موئلا : تمييز ـ يفسر فاعل نعم المضمر ـ منصوب بالفتحة. المولى : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المقدرة على الألف ، وجملة «نعم» خبر مقدم له ، أو نعرب : المولى خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره «الممدوح المولى وجملة نعم


وقول الآخر :

٧ ـ تقول عرسي وهي لي في عومره

بئس امرأ ، وإنّني بئس المره (١)

__________________

موئلا المولى : لا محل لها من الإعراب لأنها جواب القسم». إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب المحذوف. حذرت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء للتأنيث. بأساء : نائب فاعل مرفوع وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. البغي : مضاف إليه مجرور بالكسرة ، جملة «حذرت بأساء» في محل جر بإضافة إذا إليها. واستيلاء : الواو عاطفة استيلاء معطوف على بأساء ومرفوع مثله بالضمة وهو مضاف. ذي : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف. الإحن : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد : في قوله : «لنعم موئلا» حيث رفعت نعم ضميرا مستترا فسّره التمييز المذكور بعده.

(١) قائله : غير معروف. عرسي : امرأتي. عومرة ؛ صياح. مره في قوله «المره» أصله مرأة بوزن تمره نقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت الهمزة فصار «مره» بوزن سنه.

المعنى : تقول امرأتي وهي تصيح بي وترفع صوتها : إنك بئس الرجل وإنني بئس المرأة».

الإعراب : تقول : «مضارع مرفوع بالضمة. عرسي : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه في محل جر. وهي : الواو حالية ، هي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. لي : جار ومجرور متعلق بمتعلق الخبر في قوله «في عومرة» في عومرة : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر «هي» وجملة «هي في عومرة» في محل نصب حال من عرسي. بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره هو يفسره التمييز المذكور بعدها امرأ : تمييز يفسر ضمير بئس منصوب. وإنني : الواو عاطفة. إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والنون للوقاية والياء اسم إن. بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. المره :


اختلاف النحاة في اجتماع التمييز والفاعل الظاهر :

وجمع تمييز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر (١)

اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في «نعم» وأخواتها ؛

(أ) فقال قوم : لا يجوز ذلك ، وهو المنقول عن سيبويه ، فلا تقول :

«نعم الرجل رجلا زيد».

(ب) وذهب قوم إلى الجواز ، واستدلوا بقوله :

٨ ـ والتغلبيّون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمّهم زلّاء منطيق (٢)

__________________

فاعل بئس مرفوع بضمة على آخره وسكنت تاؤه للوقف فأصبحت هاء ساكنة. وجملة «بئس المره» في محل رفع خبر إن. والجملتان : «بئس امرأ وإنني بئس المره» في محل نصب مقول القول «تقول».

الشاهد : في قوله : «بئس امرأ» حيث رفعت بئس ضميرا فسّره التمييز المذكور بعده.

(١) ظهر : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا يعود على فاعل تقديره هو والجملة في محل جر صفة لفاعل.

(٢) قائله : جرير يهجو الأخطل. الزّلاء : بفتح الزاي وشد اللام. المرأة القليلة لحم الأليتين. المنطيق : المرأة التي تعظم عجيزتها بإزارها. والمنطيق : في الأصل صيغة مبالغة من النطق يستوى فيه المذكر والمؤنث ومعناه «البليغ».

المعنى : «إن قبيلة تغلب يذمّ فيها الأب لأنه غير عريق لا ينجب الكرام وتذم فيها الأم لامتهانها في العمل والخدمة فهي قليلة لحم الأليتين وتتظاهر بالترف فتعظّم عجيزتها بإزارها».

الإعراب : التغلبيون : مبتدأ مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض عن التنوين في المفرد : بئس : فعل ماض جامد لإنشاء الذم. الفحل : فاعل بئس مرفوع بالضمة وجملة «بئس الفحل» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم. فحلهم : فحل هو المخصوص بالذم مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء


وقوله :

٩ ـ تزوّد مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا (١)

__________________

مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. وجملة «فحلهم بئس الفحل» في محل رفع خبر المبتدأ «التغلبيون» فحلا : تمييز منصوب. وأمهم : الواو عاطفة أم مبتدأ مرفوع بالضمة والهاء مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. زلاء : خبر أم مرفوع بالضمة. منطيق : خبر ثان مرفوع بالضمة والجملة «أمهم زلاء» في محل رفع معطوفة على جملة «فحلهم بئس الفحل».

الشاهد : في قوله : «بئس الفحل فحلهم فحلا» حيث جمع بين التمييز «فحلا» وفاعل بئس الظاهر «الفحل» وهذا دليل جوازه عند قوم.

(١) قائله : جرير بن عطية من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. الزاد : هنا ـ العيشة الطيبة والسيرة الحميدة وهو في الأصل الطعام المتخذ للسفر.

المعنى : «عليك أن تتأسى بسيرة أبيك الحميدة في الرعية فإن خطته حميدة مشكورة وأنت جدير بإحيائها فينا».

الإعراب : تزود : فعل أمر مبني على السكون ، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. مثل : مفعول به لتزود منصوب بالفتحة وهو مضاف. زاد : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. أبيك : مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف والكاف مضاف إليه. فينا : جار ومجرور متعلق بتزود فنعم : الفاء تعليلية. نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. الزاد : فاعل نعم مرفوع بالضمة. والجملة «نعم الزاد» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالمدح. زاد أبيك : زاد ـ مخصوص بالمدح مرفوع مبتدأ مؤخر وهو مضاف. أبيك مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف والكاف في محل جر مضاف إليه. زادا : تمييز منصوب بالفتحة.

الشاهد : في قوله : «فنعم الزاد زاد أبيك زادا» حيث جمع بين فاعل نعم الظاهر «الزاد» والتمييز «زادا» وهو دليل على جوازه عند قوم ، وسيبويه لا يجيزه. وبعضهم يعرب «زادا» مفعول به للفعل «تزود» ويعرب «مثل» حال من «زادا» وإن كان نكرة لتقدمه عليه ، وعلى هذا الإعراب لا يبقى شاهد في البيت ، ويكون تقدير البيت : «تزود زادا مثل زاد أبيك فينا ، فنعم الزاد زاد أبيك».


(ج) وفصّل بعضهم ، فقال : إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما ، نحو «نعم الرجل فارسا زيد» وإلا فلا ، نحو «نعم الرجل رجلا زيد».

فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا ، نحو «نعم رجلا زيد».

إعراب «ما» الواقعة بعد «نعم» :

وما مميّز وقيل فاعل

في نحو «نعم ما يقول الفاضل» (١)

تقع «ما» بعد «نعم وبئس» فتقول : «نعم ما» أو «نعمّا» و «بئس ما» ومنه قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ)(٢) وقوله

__________________

(١) نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح وفاعلها ضمير مستتر تقديره هو. ويجوز في إعرابها وجهان :

الأول : تعرب تمييزا للفاعل المستتر وتكون نكرة ناقصة بمعنى شيئا وجملة «يقول الفاضل» في محل نصب صفة لما. ويكون المخصوص بالمدح محذوفا والتقدير نعم هو شيئا يقوله الفاضل ذلك الشيء.

الثاني : تعرب «ما» فاعلا لنعم وتكون معرفة لأنها اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع. وجملة «يقول الفاضل» صلتها لا محل لها من الإعراب والمخصوص بالمدح محذوف والتقدير : نعم الذي يقوله الفاضل ذلك القول. أو لأنها نكرة تامة أي نعم الشيء.

(٢) الآية ٢٧١ من سورة البقرة وهي : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ ...)

وإعراب «نعما هي» كما يلي : نعم : فعل ماض جامد لإنشاء المدح. ما ـ المدغمة في ميم نعم ـ تمييز للفاعل المستتر وتكون نكرة تامة بمعنى «شيئا» أو فاعل نعم وتكون معرفة تامة بمعنى «الشيء» وهي : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر ـ وهو المخصوص بالمدح ـ والجملة قبله خبره.


تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ)(١) واختلف في «ما» فقال قوم : هي نكرة منصوبة على التمييز ، وفاعل نعم ضمير مستتر. وقيل : هي الفاعل ، وهي اسم معرفة ، وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه.

إعراب المخصوص بالمدح أو الذم :

ويذكر المخصوص بعد مبتدا

أو خبر اسم ليس يبدو أبدا

يذكر بعد «نعم وبئس» وفاعلهما اسم مرفوع ، هو المخصوص بالمدح أو الذمّ ، وعلامته : أن يصلح لجعله مبتدأ. وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه ، نحو «نعم الرجل زيد ، وبئس الرجل عمرو ، ونعم غلام القوم زيد ، وبئس غلام القوم عمرو ، ونعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» وفي إعرابه وجهان مشهوران :

(أ) أحدهما : أنه مبتدأ والجملة قبله خبر عنه.

(ب) الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير «هو زيد ، وهو عمرو» أي الممدوح زيد ، والمذموم عمرو ، ومنع بعضهم الوجه الثاني ، وأوجب الأول.

(ج) وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، والتقدير : زيد الممدوح.

وإن يقدّم مشعر به كفى

ك «العلم نعم المقتنى والمقتفى»

إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا ، كقوله تعالى في أيوب : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٢) أي : نعم العبد أيوب ، فحذف المخصوص بالمدح ـ وهو أيوب ـ لدلالة ما قبله عليه.

__________________

(١) الآية ٩٠ من سورة البقرة وهي (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ..).

(٢) الآية ٤٤ من سورة ص. وقد ذكر أيوب في الآية ٤١ قبلها وهما «وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ... وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ».


«ساء» مثل «بئس». صيغة «فعل» للمدح أو الذم :

واجعل كبئس «ساء» ، واجعل «فعلا»

من ذي ثلاثة كنعم مسجلا (١)

تستعمل «ساء» في الذم استعمال «بئس» فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس ، وهو المحلّى بالألف واللام ، نحو : «ساء الرجل زيد» والمضاف إلى ما فيه الألف واللام ، نحو «ساء غلام القوم زيد» والمضمر المفسّر بنكرة بعده ، نحو : «ساء رجلا زيد» ومنه قوله تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا)(٢) ـ ويذكر بعدها المخصوص بالذم ، كما يذكر بعد «بئس» وإعرابه كما تقدّم.

وأشار بقوله : «واجعل فعلا إلى أن كل فعل ثلاثي (٣) يجوز أن يبنى منه على «فعل» لقصد المدح والذم ، يعامل معاملة «نعم (٤) ،

__________________

(١) مسجلا : أي مطلقا عن التقييد بحكم دون الآخر.

(٢) من الآية ١٧٧ من سورة الأعراف وهي («ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ».)

وإعراب الآية كما يلي : ساء : فعل ماض جامد لإنشاء الذم مبني على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر يفسره التمييز بعده. مثلا : تمييز منصوب وهو مفسر لفاعل بئس وجملة «ساء مثلا» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم القوم : مبتدأ مؤخر مرفوع وهو المخصوص بالذم ..

(٣) يشترط فيه أن يكون صالحا لبناء التعجب منه بأن يكون متصرفا ، تاما ، قابلا للمفاضلة ، غير منفي ، وليس الوصف منه على أفعل ولا مبنيا للمجهول.

(٤) «فعل» يخالف «نعم وبئس» في ستة أمور : الأول : كونه للمدح الخاص. الثاني : إشرابه التعجب. الثالث : جواز خلو فاعله الظاهر من أل ، نحو «وحسن أولئك رفيقا» الرابع : كثرة جر فاعله الظاهر بالباء الزائدة تشبيها بأسمع بهم. الخامس والسادس : جواز عود فاعله المضمر إلى التمييز بعده كما في نعم ، وجواز مطابقته لما قبله. فقولك «زيد كرم رجلا» يحتمل أن يعود الضمير إلى زيد المتقدم كما في فعل التعجب لتضمنه معناه ، وتقول على الوجه الأول : الزيدون كرم رجالا. وتقول على الوجه الثاني : الزيدون كرموا رجالا. وبهذا يتضح أن قول المصنف «كنعم مسجلا» ليس على سبيل الوجوب في كل الأحكام.


وبئس» في جميع ما تقدم لهما من الأحكام ، فتقول : «شرف الرجل زيد ، ولؤم الرجل بكر وشرف غلام الرجل زيد ، وشرف رجلا زيد».

ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال «علم الرجل زيد» بضم عين الكلمة ، وقد مثّل هو وابنه به ، وصرّح غيره أنه لا يجوز تحويل «علم وجهل وسمع» إلى «فعل» بضم العين ، لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ، ولم تحولها إلى الضم ، فلا يجوز لنا تحويلها. بل نبقيها على حالها ، كما أبقوها ؛ فتقول :

«علم الرجل زيد ، وجهل الرجل عمر ، وسمع الرجل بكر».

«حبذا» و «لا حبذا» للمدح والذم :

ومثل نعم «حبّذا» الفاعل «ذا»

وإن ترد ذمّا فقل : «لا حبّذا» (١)

يقال في المدح : «حبذا زيد» ، وفي الذمّ : «لا حبذا زيد» كقوله :

__________________

(١) أي إن (حبّ» من «حبذا» مثل «نعم» في كونها نقلت لإنشاء المدح العام ، ومثلها في الفعلية على الأصح. ومثلها في المضيّ ، وفي الجمود. وتزيد «حبّ» بإشعارها بأن المحمود محبوب للنفس ولهذا جعل فاعله اسم الإشارة «ذا» ليدلّ على الحضور في القلب. وتفارق «حبّ» «نعم» في جواز دخول «لا» عليها ، وفي لزومها هيئة واحدة .. ومن أوجه المماثلة بين حب ونعم أنّ. فاعل حبّ مثل فاعل نعم لا يجوز إتباعه فإذا وقع بعده اسم مثل قولك «حبذا الرجل» يكون «الرجل» مخصوصا بالمدح لا تابعا لاسم الإشارة.


١٠ ـ ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه

إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا (١)

واختلف في إعرابها :

(أ) فذهب أبو علي الفارسي ـ في البغداديات ـ وابن برهان ، وابن خروف ـ وزعم أنه مذهب سيبويه ، وأن من نقل غيره فقد أخطأ عليه ـ واختاره المصنف ، إلى أن «حبّ» فعل ماض ، و «ذا»

__________________

(١) قائله : ذو الرمة. الملا : الصحراء.

المعنى : «إن الناس كلهم يستحقون المدح والثناء الجميل إلا ميا فإنها إذا ذكرت تستحق الذم».

الإعراب : ألا : حرف استفتاح وتنبيه. حبذا : حب. فعل ماض جامد لإنشاء المدح مبني على الفتح. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع فاعل حب وجملة «حبذا» في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالمدح. أهل : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو المخصوص بالمدح ، وهو مضاف. الملا : مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الألف. غير : منصوب على الاستثناء بفتحة ظاهرة. أنه : أن حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر والهاء ضمير الشأن اسمها إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بالجواب «لا حبذا» ذكرت : فعل ماض مبني للمجهول على الفتح والتاء للتأنيث. مي : نائب فاعل مرفوع بالضمة. وجملة «ذكرت مي» في محل جر بإضافة إذا إليها. فلا : الفاء واقعة في جواب إذا. لا : نافية. حبذا : فعل ماض وفاعل ـ كما مرّ ـ والجملة في محل رفع خبر مقدم للمخصوص بالذم. هيا : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ مؤخر وهو المخصوص بالذم والألف للإطلاق. وجملة «لا حبذا هي» جواب إذا لا محل لها من الإعراب. وجملتا الشرط «ذكرت مي ـ لا حبذا هي» في محل رفع خبر أنّ. وأن وما بعدها. في تأويل مصدر مجرور بإضافة غير إليه. التقدير «غير ذكر ميّ بالجميل».

الشاهد : في قوله : «حبذا أهل الملا فلا حبذا هيا» حيث استعمل للمدح «حبذا» وللذم «لا حبذا».


فاعله ، وأما المخصوص فجوّز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره ، وجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف ، وتقديره : هو زيد ، أي : الممدوح أو المذموم زيد ، واختاره المصنف.

(ب) وذهب المبرد ـ في المقتضب ـ وابن السراج ـ في الأصول ـ وابن هشام اللخميّ ـ واختاره ابن عصفور ـ إلى أن «حبذا» اسم (١) ، وهو مبتدأ ، والمخصوص خبره ، أو خبر مقدّم ، والمخصوص مبتدأ مؤخر ، فركّبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا اسما واحدا.

(ج) وذهب قوم ـ منهم ابن درستويه ـ إلى أن «حبذا» فعل ماض ، و «زيد» فاعله ؛ فركّبت «حبّ» مع «ذا» وجعلتا فعلا ، وهذا أضعف المذاهب.

وأول ذا المخصوص أيّا كان لا

تعدل ب «ذا» فهو يضاهي المثلا (٢)

أي : أوقع المخصوص بالمدح والذمّ بعد «ذا» على أيّ حال كان ـ من الإفراد والتذكير ، والتأنيث ، والتثنية ، والجمع ـ ولا تغيّر «ذا»

__________________

(١) أي «حبذا» بمنزلة قولك «المحبوب» فإذا قلت : «حبذا زيد» فالتقدير «المحبوب زيد».

(٢) أول : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ـ من : أولى الشيء بالشيء : إذا أتبعه به ـ وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ذا : اسم إشارة ـ بقصد لفظه ـ مفعول به ثان لأول. المخصوص : مفعول به أول منصوب ، التقدير : اجعل المخصوص واليا اسم الإشارة «ذا» أي تابعا له. أيّا : اسم شرط جازم يجزم فعلين منصوب لأنه خبر مقدم لكان. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، واسمها ضمير مستتر جوازا يعود على المخصوص. لا تعدل : لا ناهية. تعدل فعل مضارع مجزوم بلا بالسكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «لا تعدل» في محل جزم جواب الشرط ، وقد حذفت منه الفاء الرابطة للضرورة والأصل «فلا تعدل» بذا : جار ومجرور متعلق بتعدل.


لتغير المخصوص ، بل يلزم الإفراد والتذكير ، وذلك لأنها أشبهت المثل ، والمثل لا يغيّر ، فكما تقول : «الصيف ضيّعت اللبن» (١) للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ فلا تغيّره ، تقول : «حبذا زيد ، وحبذا هند ، والزيدان والهندان ، والزيدون والهندات» فلا تخرج «ذا» عن الإفراد والتذكير ، ولو خرجت لقيل : «حبذي هند ، وحبذان الزيدان ، وحبّتان الهندان ، وحبّ أولئك الزيدون ، أو الهندات».

وما سوى «ذا» ارفع بحبّ أو فجر

بالبا ودون «ذا» انضمام الحاكثر (٢)

__________________

(١) هذا مثل لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه. والصيف : بالنصب ظرف زمان لضيّعت ـ بكسر التاء ـ خطابا لمؤنث. وأصله أن امرأة طلّقت زوجا غنيا لكبره وأخذت شابا فقيرا فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبنا فقال : «الصيف ضيعت اللبن» أي : ضيعت اللبن في زمن الصيف فكيف تطلبينه الآن : فقالت : «هذا ومذقه خير» أي : هذا الشابّ ولبنه المخلوط بالماء خير من ذلك الشيخ الغنيّ.

(٢) ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لا رفع. سوى : خبر لمبتدأ محذوف ـ هو عائد الموصول ـ مرفوع بضمة مقدرة على الألف وهو مضاف. ذا : مضاف إليه وجملة «هو سوى ذا» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. ارفع : فعل أمر مبني على السكون وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. بحب : الباء حرف جر. حب ـ قصد لفظه ـ مجرور بالباء والجار والمجرور متعلق بارفع. أو : حرف عطف. فجرّ : الفاء زائدة ـ وليست عاطفة لأنها مسبوقة بحرف عطف والعاطف لا يدخل على مثله ـ جر : فعل أمر مبني على السكون وحرك بالفتح تخفيفا ـ بسبب التضعيف وتعذر اجتماع الساكنين ـ وقد سكن للروي. بالبا : جار ومجرور متعلق بجر. ودون : الواو عاطفة. دون : ظرف منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من «حبّ» المحذوف للعلم به. وهو مضاف. ذا : مضاف إليه ـ قصد لفظه ـ انضمام : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف. الحا : مضاف إليه مجرور بالكسرة وقصر للضرورة ـ الأصل الحاء ـ كثر : فعل ماض مبني على الفتح وسكن للروي وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو وجملة كثر في محل رفع خبر انضمام تقدير الشطر الأخير : وانضمام الحاء من حبّ حال كونه دون ذا كثير.


يعنى أنه إذا وقع بعد «حبّ» غير «ذا» من الأسماء جاز فيها وجهان : الرفع بحبّ ، نحو «حبّ زيد» والجرّ بباء زائدة نحو «حبّ بزيد» وأصل «حبّ» حبب ، ثم أدغمت الباء في الباء فصار حبّ.

ثم إن وقع بعد «حبّ» ذا وجب فتح الحاء ، فتقول : «حبّ ذا» وإن وقع بعدها غير «ذا» جاز ضمّ الحاء وفتحها فتقول : «حبّ زيد» و «حبّ زيد» وروى بالوجهين قوله :

١١ ـ فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها

وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١)

__________________

(١) قائله : الأخطل التغلبي. اقتلوها : الضمير «ها» عائد على الخمر ، وقتل الشراب : مزجه بالماء ، أي : ادفعوا سورة الخمرة بمزجها بالماء.

المعنى : «قلت لمن يبغي شراب الخمرة : امزجوا الخمرة وادفعوا سورتها عنكم بما تمزج به فإنها تمدح إذا كانت ممزوجة».

الإعراب : قلت : قال فعل ماض مبني على السكون والتاء فاعل. اقتلوها : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بالواو. والواو فاعل وها : مفعول به. وجملة «اقتلوها» في محل نصب مقول القول. عنكم ، بمزاجها : جاران ومجروران متعلقان باقتلوها. وحب : الواو عاطفة. حب : فعل ماض لإنشاء المدح مبني على الفتح. بها : الباء حرف جر زائد. ها : مجرور لفظا وهو مرفوع تقديرا فاعل حب. مقتولة تمييز منصوب بالفتحة. حين : ظرف مكان منصوب متعلق بحب. تقتل : مضارع مبني للمجهول مرفوع ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره «هي» وجملة «تقتل» في محل جر بإضافة حين إليها. وجملة «حب بها مقتولة» مستأنفة فيها معنى التعليل لما قبلها.

الشاهد : في قوله : «حب» فقد روي بوجهين : فتح الحاء ، وضمها. وعند الضم ـ نقلت حركة العين إلى الفاء. لأن الأصل : حبب ـ كشرف ـ نقلت حركة الباء إلى الحاء ثم أدغمت الباء في الباء. وكلا الوجهين في حب جائز مادام فاعلها غير اسم الإشارة «ذا».


أسئلة ومناقشات

١ ـ بم استدل جمهور النحاة على أنّ (نعم وبئس) فعلان؟ وضح ذلك مع التمثيل.

٢ ـ ما الشروط اللازمة في فاعل (نعم وبئس)؟ اذكر أنواع ذلك الفاعل مع التمثيل لكل واحد بمثال.

٣ ـ يقع فاعل (نعم وبئس) ضميرا مستترا فما شرط ذلك الضمير؟ وما مفسره؟ وهل يجوز أن يتقدم المفسر على الفاعل؟ ولماذا؟ مثل.

٤ ـ ما المقصود بالمخصوص بالمدح أو الذم؟ وأين يذكر؟ وكيف تعربه؟ وما ذا ترى في الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر؟ وضح ومثل

٥ ـ كيف تعرب (ما) الواقعة بعد (نعم وبئس) وضح ما قيل في ذلك مع التمثيل والاستشهاد.

٦ ـ هناك صيغ للمدح والذم غير (نعم وبئس وحبذا) فما هي؟ وما شرط صوغها؟ مثل لها بأمثلة متنوعة موضحا أحكامها.

٧ ـ يستعمل النحاة (حبذا) للمدح (ولا حبذا) للذم.

ما إعراب هاتين الصيغتين؟ وإذا وقع بعدهما اسم غير (ذا) فهل يتغير وضعهما؟ وضح كيف يكون المخصوص بهما؟ مع ذكر أمثلة متنوعة.


تمرينات

١ ـ قال تعالى : («ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا)(١).

(أ) ما معنى «ساء» في الآية؟ وأين فاعلها؟ وما شرطه؟

(ب) كيف تعرب كلمة (القوم) وبماذا تسميّها؟.

(ج) ما إعراب (مثلا» وما حكمة وجودها؟

(د) ما الفعل الذي يستعمله النحاة مقابلا ل (ساء) ، مثل له في جملة تامة.

(ه) ابسط القول فيما يلزم الفعل «ساء» من أمور ... ثم اذكر وزنها الصرفي.

٢ ـ قال جرير :

يا حبذا جبل الريان من جبل

وحبذا ساكن الريان من كانا

وحبذا نفحات من يمانية

تأتيك من قبل الريان أحيانا

(أ) بم تسمّى أسلوب (حبذا) في البيتين؟ وما معناهما على هذا؟

(ب) فصّل القول في إعراب «حبذا» من خلال البيت موضحا الآراء مستدلا على الأرجح منها.

(ج) بم يسمّي النحاة كلمتي (جبل الريّان) و (نفحات) في البيتين وما إعرابهما؟

__________________

(١) آية ١٧٧ سورة الأعراف.


(د) هل هناك اتفاق على إعراب كلمة (ذا) من (حبذا)؟ وما أصح الآراء؟

٣ ـ مثل لما يأتي في جمل تامة من عندك :

(أ) فاعل (نعم) مضاف إلى ما فيه (أل) وآخر ضمير مستتر مفسر بالتمييز.

(ب) فاعل (نعم) ضمير جماعة الإناث ومفسر بتمييز بعده.

(ج) تمييز لإحدى الصيغتين مجتمع مع الفاعل الظاهر.

(د) مخصوص بالمدح حذف من التركيب مع ذكر السبب.

٤ ـ قال تعالى : (إِنَّ اللهَ (١) نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ).

ما أصل (نعمّا) في الآية؟ وكيف تعرب (ما) وضح الآراء.

٥ ـ قال تعالى : (بِئْسَ الشَّرابُ (٢) وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).

(أ) في الآية أسلوبا ذم عينهما.

(ب) اذكر الفاعل لكلا الصيغتين.

(ج) ما أصل الفعل (ساء)؟ وما شرط فاعله؟

(د) قدّر المخصوص بالذم في كلتا الآيتين؟ وكيف صح حذفه؟

(ه) لماذا تكرر الذم في الآية؟ وهل هو وارد على شيء واحد؟

٦ ـ بين موضع الاستشهاد فيما يأتي من هذا الباب ثم أعرب ما تحته خط :

قال تعالى : «فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٣)» ـ «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» (٤) ـ ـ «نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٥)».

__________________

(١) آية ٥٨ سورة النساء.

(٢) آية ٢٩ سورة الكهف.

(٣) آية ٢٩ سورة النحل.

(٤) آية ٥ سورة الكهف.

(٥) آية ٣٠ سورة ص.


وقال الشاعر :

ألا حبذا عاذري في الهوى

ولا حبذا العاذل الجاهل

تخيّره فلم يعدل سواه

فنعم المرء من رجل تهامي

لعمري وما عمرى عليّ بهيّن

لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم

٦ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه تفصيلا وهو لزهير بن أبي سلمى :

نعم امرأ هرم لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرا


أفعل التفضيل (١)

ما يصاغ منه أفعل التفضيل :

صغ من مصوغ منه للتعجّب

«أفعل» للتفضيل وأب اللذ أبي (٢)

يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها ـ للدلالة على التفضيل ـ وصف على وزن «أفعل» (٣) فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأكرم من خالد» كما تقول : «ما أفضل زيدا وما أكرم خالدا». وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه ، فلا يبنى من فعل زائد

__________________

(١) أفعل التفضيل في اصطلاح النحاة : اسم لكل ما دل على الزيادة ـ مطلق الزيادة ـ فقد تكون زيادة في تفضيل : مثل : أحسن وأكرم ، وقد تكون زيادة في تنقيص مثل : أقبح ، وأبخل.

(٢) أفعل : مفعول به لصغ منصوب ، وأب : الواو عاطفة. وأب : فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهو الألف وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت. اللذ : اسم موصول ـ لغة في الذي ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «ائب» أبي : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح وسكن للروي ، ونائب الفاعل ضمير. مستتر فيه جوازا يعود إلى الموصول تقديره هو والجملة «أبي» لا محل لها صلة الموصول.

(٣) يؤخذ منه تعريف أفعل التفضيل بأنه : الوصف الموازن لأفعل ـ ولو تقديرا ـ الدالّ على زيادة صاحبه في أصل الفعل. وقولهم «ولو تقديرا» لإدخال : خير وشرّ ـ فهما اسما تفضيل وأصلهما «أخير وأشرّ» وإنما حذفت همزتهما لكثرة الاستعمال فحذف الهمزة شاذ قياسا لا استعمالا ، وفيهما شذوذ آخر هو كونهما لا فعل لهما. وأفعل التفضيل اسم لقبوله علامات الأسماء وهو غير مصروف للزومه الوصفية ووزن الفعل.


على ثلاثة أحرف ، كدحرج واستخرج ، ولا من فعل غير متصرف ، كنعم وبئس ، ولا من فعل لا يقبل المفاضلة ، كمات وفني ، ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها ، ولا من فعل منفي نحو ، «ما عاج وما ضرب» ولا من فعل يأتي الوصف منه على أفعل ، نحو «حمر وعور» ولا من فعل مبني للمفعول نحو «ضرب وجنّ» وشذ منه قولهم : «هو أخصر من كذا» فبنوا أفعل التفضيل من «اختصر» وهو زائد على ثلاثة أحرف ، ومبني للمفعول ، وقالوا : «أسود من حلك الغراب» و «أبيض من اللبن» فبنوا أفعل التفضيل ـ شذوذا ـ من فعل الوصف منه على أفعل.

وما به إلى تعجب وصل

لمانع به إلى التفضيل صل (١)

تقدم ـ في باب التعجب ـ أنه يتوصّل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط ب «أشدّ» ونحوها ، وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب ؛ فكما تقول «ما أشدّ استخراجه» تقول «هو أشدّ استخراجا من زيد» وكما تقول «ما أشدّ حمرته» تقول : «هو أشدّ حمرة من زيد» لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد «أشدّ» مفعولا ، وههنا ينتصب تمييزا.

أحوال أفعل التفضيل : (مجرد ، مضاف ، مقترن بأل):

وأفعل التفضيل صله أبدا

تقديرا ، أو لفظا بمن إن جرّدا (٢)

__________________

(١) ما : اسم موصول مبتدأ. به : جار ومجرور وهو نائب فاعل لوصل ، وقد تقدم على فعله للضرورة. إلى تعجب : جار ومجرور متعلق بوصل وصل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح وجملة «وصل» لا محل لها صلة الموصول. لمانع : جار ومجرور متعلق بوصل. وجملة «صل به إلى التفضيل» في محل رفع خبر المبتدأ «ما».

(٢) تقدير البيت : إن جرد أفعل التفضيل عن الألف واللام وعن الإضافة فصله دوما ب «من» ملفوظة أو مقدرة.


لا يخلو أفعل التفضيل من أحد ثلاثة أحوال :

(أ) الأول : أن يكون مجردا.

(ب) الثاني : أن يكون مضافا.

(ج) الثالث : أن يكون بالألف واللام.

فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به «من» (١) لفظا وتقديرا ، جارّة للمفضّل عليه ، نحو «زيد أفضل من عمرو ، ومررت برجل أفضل من عمرو» وقد تحذف «من» ومجرورها للدلالة عليهما ، كقوله تعالى : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)(٢) أي : وأعز منك.

ـ وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان ب «أل» أو مضافا لا تصحبه «من» (٣) فلا تقول : «زيد الأفضل من عمرو» ولا «زيد أفضل الناس من عمرو».

وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا ، كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن ، وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله :

__________________

(٢) لا يفصل بين أفعل التفضيل والمفضل عليه المجرور بمن إلا بمعمول أفعل نحو قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أو ب «لو» وما اتصل بها كقول الشاعر

ولفوك أطيب لو بذلت لنا

من ماء موهبة على خمر

والموهبة : نقرة يستنقع فيها الماء ليبرد. وكذلك يفصل بالنداء كقولك : أنت أفضل يا عبد الله من المهمل.

(٣) من الآية ٣٤ من سورة الكهف وهي «وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً».

(٤) إنما تذكر «من» مع المجرد توصلا لمعرفة المفضل عليه. أما في المضاف فيكون المفضل عليه مذكورا صريحا ، وفي المحلى بأل يكون مذكورا حكما لأن أل عهدية لتقدم ذكر مدخولها لفظا أو حكما وذلك يشعر بالمفضل عليه ، فلا موجب لذكر من معهما.


١٢ ـ دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا

فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا (١)

ف «أجمل» أفعل تفضيل ، وهو منصوب على الحال من التاء في «دنوت» وحذفت منه «من» والتقدير : دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر.

ويلزم أفعل التفضيل المجرّد الإفراد والتذكير ، وكذلك المضاف إلى نكرة ، وإلى هذا أشار بقوله :

__________________

(١) قائله : غير معروف. الفؤاد : القلب. الهوى : الحب. مضلّلا : ضالا فاقدا رشده.

المعنى : «قربت منا أيتها الحبيبة أجمل من البدر ليلة كماله وكنا نظنك مساوية له في البهجة والجمال فشغفني حبك وأفقدني رشدي».

الإعراب : دنوت : فعل وفاعل. وقد : الواو حالية. قد : حرف تحقيق. خلناك : خال فعل ماض ينصب مفعولين مبني على السكون. نا : فاعله. الكاف مفعوله الأول كالبدر : جار ومجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لخال. أجملا : حال من التاء في دنوت منصوب ، فظل : الفاء عاطفة. ظل : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. فؤادي : اسم ظل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم. والياء مضاف إليه. في هواك : جار ومجرور متعلق بمضللا والكاف مضاف إليه. مضللا خبر ظل منصوب. وجملة «قد خلناك كالبدر» في محل نصب حال من التاء في دنوت. وجملة «ظل فؤادي مضللا» معطوفة على جملة «دنوت».

الشاهد : في قوله : «أجمل» حيث حذفت من ومجرورها بعد أفعل التفضيل «أجمل» وهو مجرد من أل والإضافة وليس خبرا. وتقدير المحذوف «دنوت ـ وقد خلناك كالبدر ـ أجمل منه».


لزوم أفعل التفضيل الإفراد والتذكير إذا أضيف لنكرة أو جرد عن أل والإضافة :

وإن لمنكور يضف أو جرّدا

ألزم تذكيرا وأن يوحّدا (١)

فتقول : «زيد أفضل من عمرو ، وأفضل رجل ، وهند أفضل من عمرو ، وأفضل امرأة ، والزيدان أفضل من عمرو ، وأفضل رجلين ، والهندان أفضل من عمرو ، وأفضل امرأتين ، والزيدون أفضل من عمرو. وأفضل رجال ، والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء» فيكون «أفعل» في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ، ولا يؤنث ولا يثنى ، ولا يجمع.

المقترن بأل يطابق ما قبله :

وتلو أل طبق وما لمعرفه

أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة (٢)

هذا إذا نويت معنى «من» (٣) وإن

لم تنو فهو طبق ما به قرن

__________________

(١) أفعل التفضيل المجرد عن الألف واللام والإضافة يشبه «أفعل» التعجب في الوزن والاشتقاق والدلالة على المزية ولذلك لزم لفظا واحدا مثل التعجب. وأفعل التفضيل المضاف لنكرة كالمجرد في التنكير فأعطى حكمه من امتناع مطابقته للموصوف ، لكن المطابقة واجبة في المضاف إليه كأمثلة الشارح «الزيدان أفضل رجلين والزيدون أفضل رجال».

(٢) ما : موصول مبتدأ. لمعرفة : جار ومجرور متعلق بأضيف. أضيف : فعل ماض مبني للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب ـ ذو وجهين : ذو خبر المبتدأ «ما» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة وهو مضاف وجهين مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى. عن ذي : عن حرف جر. ذي مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لوجهين.

(٣) أراد بقوله «معنى من» التفضيل الذي يفهم من أفعل التفضيل مقترنا بمن ، أما «من» فلا تفيد التفضيل منفردة.


إذا كان أفعل التفضيل ب «أل» لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد ، والتذكير وغيرهما ؛ فتقول : زيد الأفضل ، والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان ، والهندات الفضل. والفضليات» ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله ، فلا تقول : «الزيدون الأفضل» ولا «الزيدان الأفضل» ولا «هند الأفضل» ولا «الهندان الأفضل» ولا «الهندات الأفضل» ولا يجوز أن تقترن به «من» فلا تقول : «زيد الأفضل من عمرو» فأما قوله :

١٣ ـ ولست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزّة للكاثر (١)

فيتخرّج على زيادة الألف واللام ، والأصل : «ولست بأكثر منهم» أو جعل «منهم» متعلقا بمحذوف مجرد عن الألف واللام ، لا بما

__________________

(١) قائله : الأعشى من قصيدة يفضل فيها عامر بن الطفيل على ابن عمه علقمة بن علاثة حصى : عدد. العزة : القوة والغلبة الكاثر : الكثير ، أو الغالب في الكثرة من كثره : غلبه في الكثرة.

المعنى : لست يا علقمة أكثر من قوم عامر عددا ، والقوة والغلبة إنما تكون في الغالب الكثير على القليل.

الإعراب : لست : ليس فعل ماض ناقص مبني على السكون والتاء اسمه. بالأكثر : الباء حرف جر زائد الأكثر خبر منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. منهم : جار ومجرور متعلق بالأكثر ، حصى : تمييز لأكثر منصوب بفتحة مقدرة على الألف. وإنما : الواو استئنافية إنما : كافة ومكفوفة لا عمل لها تفيد الحصر. العزة : مبتدأ مرفوع بالضمة للكاثر : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر العزة.

الشاهد : في قوله : «ولست بالأكثر منهم» حيث اقترنت من بأفعل التفضيل المحلي بأل «الأكثر» وهذا غير جائز ، فيخرج على أحد وجهين :

الأول : زيادة أل ـ والأصل «ولست بأكثر منهم».

الثاني : تعليق الجار والمجرور «منهم» بأفعل تفضيل محذوف مجرد عن أل وتقديره «ولست بالأكثر أكثر منهم».


دخلت عليه الألف ، والتقدير «ولست بالأكثر أكثر منهم».

وأشار بقوله : «وما لمعرفة أضيف ـ الخ» إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة. وقصد به التفضيل ، جاز فيه وجهان أحدهما : استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله ، فتقول : «الزيدان أفضل القوم ، والزيدون أفضل القوم وهند أفضل النساء ، والهندان أفضل النساء ، والهندات أفضل النساء».

والثاني : استعماله كالمقرون بالألف واللام ، فيجب مطابقته لما قبله.

فتقول : «الزيدان أفضلا القوم ، والزيدون أفضلو القوم وأفاضل القوم ، وهند فضلى النساء ، والهندان فضليا النساء والهندات فضل النساء ، أو فضليات النساء» ولا يتعين الاستعمال الأول ، خلافا لابن السراج ، وقد ورد الاستعمالان في القرآن ؛ فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(١) ومن استعماله مطابقا قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها)(٢) وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأحبّكم إلى ، وأقربكم مني

__________________

(١) من الآية ٩٦ من سورة البقرة وهي «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ».

الشاهد في الآية : «أَحْرَصَ» فهي أفعل تفضيل مضاف إلى معرفة «الناس» ولكنه لم يطابق ما قبله وهو ضمير الجماعة «هم» بل جاء مفردا كالمجرد ولو طابق ما قبله لكانت الآية «وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ». بجمع أحرص جمع مذكر سالم. وأحرص : في الآية مفعول ثان لتجد ، ومفعوله الأول ضمير الجماعة.

(٢) من الآية ١٢٣ من سورة الأنعام وهي «وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ».

الشاهد في الآية : «أَكابِرَ مُجْرِمِيها» فأكابر أفعل تفضيل مضاف لمعرفة وقد طابق موصوفه المقدر فجمع مثله وتقدير الموصوف «قوما أكابر ..».


منازل يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا ، الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ، ويؤلفون» (١) والذين أجازوا الوجهين قالوا : الأفصح المطابقة ، ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله : «فاخترنا أفصحهنّ» قالوا : فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول : «فصحاهنّ» ، فإن لم يقصد التفضيل تعيّنت المطابقة ، كقولهم : «الناقص والأشجّ أعدلا بني مروان» (٢) أي : عادلا بني مروان.

وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله : «هذا إذا نويت معنى من ـ البيت» أي : جواز الوجهين ـ أعني المطابقة وعدمها ـ مشروط بما إذا نوي بالإضافة معنى «من» أي إذا نوي التفضيل ، وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به.

قيل : ومن استعمال صيغة أفعل لغير التفضيل قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٣) وقوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ)(٤) أي : وهو هيّن عليه ، وربّكم عالم بكم.

وقول الشاعر :

__________________

(١) الشاهد في الحديث «أحبكم وأقربكم وأحاسنكم» فقد أفرد أحب وأقرب وهو في الجميع واحد تقديره «ألا أخبركم بقوم أحبكم وأقربكم .. أحاسنكم» فدل هذا على جواز الوجهين على السواء.

(٢) الناقص هو يزيد بن عبد الملك بن مروان سمي به لنقصه أرزاق الجند ، والأشجّ : عمر بن عبد العزيز سمي به لشجة كانت في وجهه.

الشاهد في قولهم : «أعدلا بني مروان» فان الاسم «أعدلا» ليس مقصودا منه التفضيل بل هو مستعمل بمعنى اسم الفاعل «عادلا» لأنه لا يوجد في خلفاء بني مروان عادل سواهما ـ ولهذا وجبت المطابقة وامتنع الإفراد.

(٣) الآية ٢٧ من سورة الروم.

(٤) الآية ٥٤ من سورة الإسراء.


١٤ ـ وإن مدّت الأيدي إلى الزاد لم أكن

بأعجلهم ، إذ أجشع القوم أعجل (١)

أي : لم أكن بعجلهم ، وقوله :

١٥ ـ إن الذي سمك السماء بني لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول (٢)

أي : دعائمه عزيزة طويلة ، وهل ينقاس ذلك أم لا؟ فقال المبرد :

__________________

(١) سبق الكلام عليه مستوفى في باب «ما ولا ولات وإن المشبهات بليس» في الجزء الأول.

والشاهد هنا : «بأعجلهم» فأعجل أفعل تفضيل في الأصل ولكنها هنا مستعملة بمعنى اسم الفاعل. أي «لم أكن بعجلهم» لأن الشاعر يفتخر بعفته وعدم إسراعه بالأكل ولو كان أعجل بمعنى التفضيل كان المعنى إثبات العجلة له وهذا لا يناسب الفخر والمدح ، فغاية الشاعر أن ينفي عن نفسه الإسراع إلى الطعام مطلقا.

(٢) قائله : الفرزدق ، سمك : رفع. الدعائم : جمع دعامة وهي العمود. أو ما يسند به الحائط إذا مال ليمنعه من السقوط.

المعنى : «إن الذي رفع السماء بنى لنا بيتا من العز فسما وارتفع حتى لا يضاهيه بيت آخر».

الإعراب : إن : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم إن. سمك : فعل ماض مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. السماء : مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «سمك السماء» لا محل لها من الإعراب صلة الموصول. بنى : فعل ماض مبني على فتح مقدر ، فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو. لنا : جار ومجرور متعلق ببنى. بيتا : مفعول به منصوب بالفتحة. وجملة «بنى لنا بيتا» في محل رفع خبر إنّ. دعائمه : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف والهاء مضاف إليه. أعز : خبر ومرفوع بالضمة ، وأطول : الواو عاطفة أطول معطوف على أعز ومرفوع مثله. وجملة «دعائمه أعز» في محل نصب صفة ل «بيتا».

الشاهد : في قوله : «أعز وأطول» حيث استعملت صيغة التفضيل في غير التفضيل بل بمعنى الصفة المشبهة «عزيزة وطويلة».


ينقاس ، وقال غيره : لا ينقاس وهو الصحيح ، وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك ، وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى : «وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» : إنه بمعنى هيّن ، وفي بيت الفرزدق ـ وهو الثاني ـ إن المعنى «عزيزة طويلة» وإن النحويين ردّوا على أبي عبيدة ذلك ، وقالوا : لا حجة في ذلك له (١).

متى يتقدم المفضل عليه المجرور ب «من» على «أفعل»؟ :

وإن تكن بتلو «من» مستفهما

فلهما كن أبدا مقدّما (٢)

كمثل «ممّن أنت خير؟» ولدى

إخبار التقديم نزرا وردا (٣)

__________________

(١) خلاصة الأقوال في استعمال صيغة التفضيل «أفعل» لغير التفضيل ثلاثة : أولها : قول المبرد باستعماله قياسا. ثانيها : قول غيره بعدم قياسها والاقتصار على ما سمع منها. ثالثها : قول النحويين بمنع هذا الاستعمال قياسا وسماعا وهم يردون على الأمثلة السالفة بأنها ليست قاطعة بل محتملة للتأويل ، فقوله تعالى : (وَهُوَ أَهْوَنُ) وارد على ما يعرفه المخاطبون من أن الإعادة أهون من البدء مع قياسهم الغائب على الشاهد وقوله تعالى (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) مستعمل في التفضيل على من يعلم بعض ما في الوجود من الناس وإن كان لا مشارك له تعالى في علمه ، وأما قول الفرزدق «دعائمه أعز وأطول» فلا مانع من حملها على التفضيل. بأن يريد الشاعر بالبيت : بيت الشرف والمجد.

(٢) فلهما : أي ل «من» ومجرورها التالي لها إذا كان اسم استفهام. أي «قدم أبدا من ومجرورها المفضل عليه على المفضّل إذا كان المجرور بمن استفهام ، لأن له الصدارة.

(٣) ممن أنت خير : أصل الجملة قبل التقديم : أنت خير ممّن؟ فتقدم المفضل عليه المجرور بمن وجوبا لأنه استفهام ممن : من حرف جر. من : اسم استفهام مبني على السكون في محل جر والجار والمجرور متعلق بخير. أنت : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. خير : خبر مرفوع بالضمة.


تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء بعده ب «من» جارة للمفضّل عليه ، نحو «زيد أفضل من عمرو» و «من» ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف ؛ فلا يجوز تقديمها عليه ، كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف ، إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام ، أو مضافا إلى اسم استفهام ؛ فإنه يجب حينئذ ـ تقديم «من» ومجرورها نحو «ممّن أنت خير؟ ومن أيهم أنت أفضل؟ ومن غلام أيهم أنت أفضل» وقد ورد التقديم شذوذا في غير الاستفهام ، وإليه أشار بقوله «ولدى إخبار التقديم نزرا وردا» ومن ذلك قوله :

١٦ ـ فقالت لنا : أهلا وسهلا ، وزوّدت

جنى النحل ، بل ما زوّدت منه أطيب (١)

__________________

(١) قائله : الفرزدق. جنى النحل : ما يجنى من النحل وهو العسل. الجني : مصدر بمعنى اسم المفعول.

المعنى : «قالت لنا تلك المرأة عند قدومنا عليها : أتيتم قوما أهلا وموضعا سهلا واسعا. وأكرمتنا ولما رحلنا أعطتنا زادا شبيها بعسل النحل بل هو أطيب منه وألذ».

الإعراب : فقالت : قال فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر جوازا يعود على ضمير المرأة في كلام سابق تقديره هي. لنا : جار ومجرور متعلق بقالت : أهلا : مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره «أتيتم» وسهلا : معطوف بالواو على أهلا ومنصوب مثله. وجملة «أتيتم أهلا وسهلا» في محل نصب مقول القول. وزودت : الواو عاطفة. زودت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث وفاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هي. جنى : مفعول به لزودت منصوب بفتحة مقدرة وهو مضاف. النحل : مضاف إليه مجرور. وجملة «زودت» معطوفة على الجملة الأولى «قالت» بل : حرف للإضراب الإبطالي. ما : اسم موصول في محل رفع مبتدأ. زودت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث والفاعل مستتر جوازا تقديره هي وجملة «زودت» لا محل لها صلة الموصول. منه : جار ومجرور متعلق بأطيب. أطيب : خبر «ما» مرفوع بالضمة. وجملة «ما زودت أطيب» مستأنفة لا محل لها من الإعراب.

الشاهد : في قوله : «منه أطيب» حيث تقدمت من ومجرورها على أفعل التفضيل في غير الاستفهام وهو شاذ.


والتقدير : بل ما زودت أطيب منه ، وقول ذي الرّمة يصف نسوة بالسّمن والكسل :

١٧ ـ ولا عيب فيها غير أن سريعها

قطوف. وأن لا شيء منهنّ أكسل (١)

التقدير : وأن لا شيء أكسل منهن.

وقوله :

__________________

(١) قائله : ذو الرمة. القطوف : البطيء المتقارب الخطى.

المعنى : «لا عيب في هؤلاء النسوة إلا بطء الحركة ـ عند الرغبة منهن في الإسراع ـ والكسل المتناهي بسبب الترف».

الإعراب : لا عيب : لا نافية للجنس. عيب : اسمها مبني على الفتح في محل نصب.

فيها جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لا غير : منصوب على الاستثناء أن : حرف توكيد ونصب. سريعها : اسم أن منصوب وهو مضاف. وها مضاف إليه. قطوف : خبر أن مرفوع. وأنّ وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بإضافة غير إليه. وأن : الواو عاطفة : أن مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن محذوف تقديره أنه لا شيء : لا نافية للجنس. شيء اسمها مبني على الفتح في محل نصب. منهن : جار ومجرور متعلق بأكسل. أكسل : خبر لا مرفوع. وجملة «لا شيء أكسل» في محل رفع خبر أن المخففة. وأن المخففة وما بعدها في تأويل مصدر مجرور معطوف على المصدر المؤول من «أن سريعها ..».

الشاهد : في قوله : «منهن أكسل» حيث تقدمت من ومجرورها على أفعل التفضيل في غير الاستفهام وهو شاذ.


١٨ ـ إذا سايرت أسماء يوما ظعينة

فأسماء من تلك الظعينة أملح (١)

التقدير : فأسماء أملح من تلك الظعينة.

لا يرفع أفعل التفضيل الظاهر إلا في مسألة الكحل :

ورفعه الظاهر نزر ، ومتى

عاقب فعلا (٢) فكثيرا ثبتا

ك «لن ترى في الناس من رفيق

أولى به الفضل من الصديق»

__________________

(١) قائله : جرير بن عطية. الظعينة : المرأة ـ وهو فعيلة بمعنى مفعوله ـ لأن زوجها يظعن بها أي يرتحل بها ، ويقال : الظعينة في الأصل : الهودج فيه امرأة أم لا ، ثم سميت به المرأة ما دامت فيه ، ثم سميت به وإن كانت في بيتها. أملح : أفعل تفضيل من ملح : بهج وحسن منظره.

المعنى : «إن أسماء إذا جارت وباهت ـ في أي وقت ـ امرأة أخرى في الحسن والملاحة كانت هي أزيد من هذه المرأة في الملاحة والبهجة».

الإعراب : إذا : ظرف زمان يتضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب متعلق بأملح. سايرت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء للتأنيث. أسماء : فاعله مرفوع. يوما : ظرف زمان منصوب متعلق بسايرت. ظعينة مفعول به منصوب وجملة «سايرت أسماء» في محل جر. بإضافة إذا إليها. فأسماء : الفاء واقعة في جواب إذا. أسماء مبتدأ مرفوع. من تلك : من حرف جر. تلك : اسم إشارة مبني على السكون على الألف المحذوفة ـ تي ـ في محل جر بمن. واللام للبعد والكاف حرف خطاب والجار والمجرور متعلق بأملح. الظعينة : بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان مجرور أملح : خبر أسماء مرفوع. بالضمة. وجملة «أسماء أملح» لا محل لها من الإعراب واقعة في جواب شرط غير جازم وهو «إذا».

الشاهد : في قوله : «من تلك الظعينة أملح» حيث تقدمت من ومجرورها على أفعل التفضيل في غير الاستفهام وهو شاذ.

(٢) في التعبير قلب ، المقصود «عاقبه فعل» أي صح أن يعقبه ويقع في مكانه فعل.


لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه ، أولا.

فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا ، وإنما يرفع ضميرا مسترا ، نحو «زيد أفضل من عمرو» ففي «أفضل» ضمير مستتر عائد على «زيد» فلا تقول : «مررت برجل أفضل منه أبوه» فترفع «أبوه» ب «أفضل» إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه (١) فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صحّ أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا ، وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه ، وكان مرفوعه أجنبيا (٢) ، مفضّلا على نفسه باعتبارين (٣) ، نحو «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» ف «الكحل» مرفوع ب «أحسن» لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه ، نحو : «ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد» ومثله قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجّة».

وقول الشاعر : وأنشده سيبويه :

١٩ ـ مررت على وادي السباع ولا أرى

كوادي السّباع ـ حين يظلم ـ واديا

__________________

(١) في هذه اللغة تكون «أفضل» نعتا لرجل مجرورا بالفتحة وأبوه فاعله. ولكن أكثر العرب يرفعون «أفضل» خبرا مقدما عن «أبوه» والجملة نعت لرجل.

(٢) أي لم يتصل بضمير الموصوف ، بأن يكون منقطع الصلة بموصوف أفعل التفضيل.

(٣) أي باعتبار محلين كعين زيد والعين الأخرى ، فالمفضّل والمفضّل عليه شيء واحد هو «الكحل» لكن فضل باعتبار مكان. هو عين زيد. على نفسه في مكان آخر.


٢٠ ـ أقلّ به ركب أتوه تئيّة

وأخوف ـ إلا ما وقى الله ـ ساريا (١)

__________________

(١) قائلهما : سحيم بن وثيل الرياحي. وادي السباع : اسم واد بطريق الرقة. الوادي في الأصل : كل منفرج بين جبال أو آكام. والسّباع : جمع سبع وهو الأسد. تئيّة : مصدر قولهم «تأيّا بالمكان : تلبث فيه ومكث». ساريا : اسم فاعل من السّري وهو السير ليلا.

المعنى : «مررت على وادي السباع فإذا هو واد مخيف إذا أقبل عليه الظلام لا تضاهيه أودية في قلة مكث من يأتيه من الركبان ولا في خوف المسافرين القادمين عليه في أي وقت كان ما عدا الوقت الذي يحفظ الله تعالى فيه السارين ويسكن فيه روع الخائفين».

الإعراب : مررت : فعل ماض مبني على السكون. والتاء فاعله. على وادي : جار ومجرور متعلق بمررت. ووادي مضاف. السباع : مضاف إليه مجرور. ولا أرى : الواو حالية. لا نافية ، أرى : مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف. وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا. وجملة «لا أرى» في محل نصب حال من ضمير مررت. كوادي : جار ومجرور متعلق بمحذوف مفعول به ثان لأرى القلبية. حين : ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من «واديا» يظلم : مضارع مرفوع بالضمة وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وجملة «يظلم» في محل جر بإضافة حين إليها. واديا : مفعول به أول لأرى. أقل : صفة لواديا منصوب بالفتحة وهو أفعل تفضيل به : جار ومجرور ، والياء بمعنى في ـ متعلق بمحذوف حال من «ركب». ركب : فاعل أفعل التفضيل مرفوع بالضمة. أتوه : أتى : فعل ماض مبني على ضمّ مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين. لا تضاله بواو الجماعة والواو فاعل. والهاء : مفعول به. وجملة «أتوه» في محل رفع صفة ل «ركب» تئيّة : تمييز لأقل منصوب بالفتحة ـ والمفضّل عليه محذوف مع حاله تقديره «منه بوادي السباع» وتقدير الكلام : «لم أر واديا يقلّ مكث الركب فيه كقلته في وادي السباع» وأخوف : الواو عاطفة. أخوف معطوف على أقلّ ومنصوب مثلها بالفتحة ، وفاعله ضمير الركب. وصلته محذوفة لدلالة ما قبله عليه ، والمفضل عليه محذوف أيضا مع حاله. والتقدير : «ولا أرى واديا أخوف فيه ركب أتوه منه في وادي السباع». إلا : أداة حصر أو استثناء ملغاة ـ لأنه استثناء مفرغ حذف فيه المستثنى منه وتقديره «في كل وقت» ما وقى :


فرفع «ركب» ب «أقلّ». وقول المصنف «ورفعه الظاهر نزر» إشارة إلى الحالة الأولى وقوله : «ومتى عاقب فعلا» إشارة إلى الحالة الثانية.

__________________

ما مصدرية ظرفية. وقى : فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف. الله : لفظ الجلالة فاعل مرفوع بالضمة. ساريا : مفعول به لوقى منصوب بالفتحة. وما وما بعدها في تأويل مصدر منصوب على الظرفية من قبيل حذف المضاف ونيابة المضاف إليه منابه ، الأصل «مدة وقاية الله للسارين» فحذف المضاف وهو المدة وناب المضاف إليه وهو ما وصلتها عنه في الانتصاب على الظرفية. والمصدر متعلق بأخوف.

الشاهد : في قوله : «أقلّ به ركب» حيث رفع أفعل التفضيل «أقل» اسما ظاهرا هو «ركب».


أسئلة ومناقشات

١ ـ ما المقصود باسم التفضيل؟ وما شروط صوغه إجمالا وضح ذلك مع التمثيل.

٢ ـ ما الأفعال التي لا يصاغ منها اسم التفضيل مطلقا؟ وما الأفعال التي يصاغ منها بشرط؟ وما هذا الشرط؟ ثم ما الأفعال التي يصاغ منها بلا قيد؟ مثّل لذلك كله.

٣ ـ اذكر حالات اسم التفضيل إجمالا ممثلا لكل حالة منها بمثال.

٤ ـ ما الحكم إذا كان اسم التفضيل مجردا من (أل والإضافة)؟ أو كان (بأل)؟ مثّل لما تقول ..

٥ ـ ماذا يلزم في أفعل التفضيل إذا كان مضافا إلى ما بعده فصّل ومثل.

٦ ـ يؤتى (بمن) التفضيلية مع أفعل في بعض استعمالاته .. فمتى يحدث ذلك؟ وما حكم تقديم (من) ومجرورها على (أفعل)؟. اشرح ذلك مع التمثيل.

٧ ـ ماذا يرفع اسم التفضيل عموما؟ ومتى يرفع الظاهر؟ اذكر متى ينقاس ذلك؟ موضحا هذه القاعدة بالتفضيل.


تمرينات

١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة».

أجب عما يأتي : ـ

(أ) اضبط الكلمات (أيام ـ أحب ـ الصوم ـ الحجة) مبينا سبب الضبط.

(ب) ما موقع كلمة (أيام) الإعرابي؟ وكذلك كلمة (أحب) وما معنى (ما) في الحديث الشريف ..

(ج) اذكر الفعل الذي صيغ منه (أحب) في الحديث .. وما وزن (أحب)؟

(د) اذكر باختصار قاعدة رفع (أفعل) للظاهر؟ وطبّقها على الحديث ...

(ه) أعرب الحديث كله.

٢ ـ صغ أفعل التفضيل من الأفعال الآتية وضعه في جمل تامة ..

اعتذر ـ استنصر ـ ناصر ـ اصفرّ قرص الشمس ـ صلعت رأسه ـ أضحى.

٣ ـ صغ أفعل التفضيل من مصدر الفعل (ولى) ثم استعمله في جميع حالاته (بأل ـ مضافا لنكرة ثم لمعرفة ـ مجردا) مع الالتزام بالقواعد المقررة ..


٤ ـ قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ (١) أَكابِرَ مُجْرِمِيها).

(أ) أعرب الآية الكريمة.

(ب) كيف جمع اسم التفضيل (أكابر)؟ وما القاعدة؟

(ج) أيّ حالة من حالات اسم التفضيل هذه؟

٥ ـ خاطب بهذه العبارة الواحدة والمثنى والجمع بنوعيهما مراعيا القواعد : ـ «أنت الأحق بأن تراعي إخوانك ـ لأنك أكبرهم سنا وأوفر منهم عقلا».

٦ ـ بيّن مواضع الاستشهاد بما يأتي في هذا الباب ثم أعرب ما تحته خط.

قال تعالى : «أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً (٢) وَأَعَزُّ نَفَراً» ـ «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ (٣) وَأَبْقى» ـ «وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ (٤) وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً» ـ «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ (٥)» ـ «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (٦)» ـ «وَهُوَ أَهْوَنُ (٧) عَلَيْهِ».

ويقال في المثل : ألصّ من شظاظ. (وشظاظ اسم لص معروف من ضبّة).

ويقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني منازل يوم القيامة؟ أحاسنكم أخلاقا. الموطؤون أكنافا. الذين يألفون ويؤلفون».

__________________

(١) آية ١٢٣ سورة الأنعام.

(٢) آية ٣٤ سورة الكهف.

(٣) آية ١٧ سورة الأعلى.

(٤) آية ٢١ سورة الإسراء.

(٥) آية ٥٤ سورة الإسراء.

(٦) آية ٦ سورة الأحزاب.

(٧) آية ٢٧ سورة الروم.


ويقول صاحب الفصيح : «فاخترنا أفصحهنّ».

٧ ـ اشرح البيت الآتي ثم أعربه ...

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعز وأطول


التوابع

يتبع في الإعراب الاسماء الأول

نعت ، وتوكيد ، وعطف ، وبدل (١)

التابع هو : الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقا.

فيدخل في قولك : «الاسم المشارك لما قبله في إعرابه» سائر التوابع ، وخبر المبتدأ ، نحو «زيد قائم» ، وحال المنصوب ، نحو «ضربت زيدا مجردا».

ويخرج بقولك «مطلقا» الخبر وحال المنصوب ، فإنهما لا يشاركان ما قبلهما في إعرابه مطلقا ، بل في بعض أحواله ، بخلاف التابع ، فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب ، نحو «مررت بزيد الكريم ، ورأيت زيدا الكريم ، وجاء زيد الكريم».

والتابع على خمسة أنواع : النعت ، والتوكيد ، وعطف البيان ، وعطف النسق ، والبدل.

__________________

(١) الأسماء : مفعول مقدم ، الأول : نعت للأسماء منصوب ، نعت : فاعل يتبع مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة. أي : أن هذه الأنواع الأربعة تتبع في إعرابها الأسماء التي سبقتها ـ وهي الأسماء المتبوعة ـ واقتصر على ذكر الأسماء دون غيرها لأنها هي الأكثر.


النعت

فالنعت تابع متمّ ما سبق

بوسمه ، أو وسم ما به اعتلق (١)

عرف النعت بأنه : «التابع» ، المكمل متبوعه :

(أ) ببيان صفة من صفاته (٢) ، نحو «مررت برجل كريم».

(ب) أو من صفات ما تعلق به ـ وهو سببيّه (٣) ـ نحو «مرت برجل كريم أبوه». فقوله «التابع» يشمل التوابع كلها ، وقوله «المكمل ـ إلى آخره» مخرج لما عدا النعت من التوابع.

أغراض النعت

والنعت يكون :

(أ) للتخصيص ، نحو «مررت بزيد الخياط» (٤).

__________________

(١) فالنعت تابع : مبتدأ وخبر. متم : نعت لتابع مرفوع ، ما : اسم موصول مفعول به لاسم الفاعل متم مبني على السكون في محل نصب بوسمه ، الوسم : العلامة ، أي : بزيادة علامة عليه ، وهي الزيادة الناشئة من النعت ، واعتلق أي : اتصل به بعلاقة. المعنى أن النعت تابع يتمم المنعوت الذي سبقه أو يتمم ما اتصل بالمنعوت.

(٢) وهو النعت الحقيقي : الذي يدل على معنى في نفس منعوته الأصلي ، كما تقول : «هذا طفل ذكيّ».

(٣) وهو النعت السببيّ : الذي يدل على معنى في شيء بعده له صلة وارتباط بالمتبوع كما تقول : «هذا معهد متّسع فناؤه ، كبيرة غرفه».

(٤) أراد الشارح بالتخصيص ما يعم رفع الاشتراك اللفظي في المعارف وهو المسمى بالإيضاح ورفع الاشتراك المعنوي في النكرات وهو المسمى بالتخصيص وعليه يكون النعت للتوضيح إذا كان المنعوت معرفة نحو «سافر خالد العالم أخوه» ويكون النعت للتخصيص إذا كان المنعوت نكرة ، نحو «هذا رجل عالم أخوه» ، أما بقية الأغراض فهي مستفادة من لفظ النعت.


(ب) وللمدح ، نحو «مررت بزيد الكريم» ، ومنه قوله تعالى : «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ».*

(ج) وللذم ، نحو «مررت بزيد الفاسق» ، ومنه قوله تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ)(١).

(د) وللترحم ، نحو «مررت بزيد المسكين».

(ه) وللتأكيد ، نحو «أمس الدابر لا يعود» (٢) وقوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)(٣).

موافقة النعت لما قبله :

وليعط في التعريف والتنكير ما

لما تلا ك «امرر بقوم كرما» (٤)

النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في :

(أ) إعرابه.

(ب) وتعريفه أو تنكيره ، نحو «مررت بقوم كرماء ، ومررت بزيد الكريم».

__________________

(١) آية ٩٨ سورة النحل وهي : «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ».

(٢) أمس : اسم مبتدأ مبني على الكسر في محل رفع ، الدابر : نعت لأمس مرفوع بالضمة وجملة لا يعود في محل رفع خبر المبتدأ.

(٣) آية ١٣ و ١٤ سورة الحاقة وهما : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً).

(٤) وليعط : الواو استئنافية ، واللام : لام الأمر تجزم الفعل المضارع ، يعط : فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلام الأمر وعلامة جزمه حذف الألف من آخره ، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى النعت في البيت السابق ، ما : اسم موصول مفعول به ثان ليعط مبني على السكون في محل نصب. لما : اللام حرف جر ، وما اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بمحذوف صلة ما ، والتقدير ما ثبت للذي تلاه النعت :


فلا تنعت المعرفة بالنكرة ، فلا تقول : «مررت بزيد كريم» ، ولا تنعت النكرة بالمعرفة ، فلا تقول : «مررت برجل الكريم».

* * *

وهو ـ لدى التوحيد ، والتذكير ، أو

سواهما ـ كالفعل فاقف ما قفوا (١)

تقدم أن النعت لا بد من مطابقته للمنعوت في الإعراب ، والتعريف أو التنكير.

وأما مطابقته للمنعوت في :

(ج) التوحيد وغيره ـ وهي : التثنية ، والجمع.

(د) والتذكير وغيره ـ وهو التأنيث فحكمه فيها حكم الفعل.

١ ـ فإن رفع ضميرا مستترا طابق المنعوت مطلقا (٢) ، نحو «زيد رجل حسن ، والزيدان رجلان حسنان ، والزيدون رجال حسنون ، وهند امرأة حسنة ، والهندان امرأتان حسنتان ، والهندات نساء حسنات».

فيطابق في التذكير ، والتأنيث ، والإفراد ، والتثنية ، والجمع ، كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل ، فقلت : رجل حسن ، ورجلان حسنا ، ورجال حسنوا ، وامرأة حسنت ، وامرأتان حسنتا ، ونساء حسنّ».

__________________

(١) لدى التوحيد : أي عند الإفراد ، لدى : ظرف مكان مفعول فيه منصوب بالفتحة المقدرة وهو متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في الخبر ، كالفعل جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ «هو».

(٢) وهو المسمى نعتا حقيقيا.


٢ ـ وإن رفع ـ أي النعت ـ ظاهرا (١) ، كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر.

وأما في التثنية ، والجمع فيكون مفردا : فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهرا ، فتقول : «مررت برجل حسنة أمّه» ، كما تقول : «حسنت أمّه» ، «وبامرأتين حسن أبواهما ؛ وبرجال حسن آباؤهم» ، كما تقول : «حسن أبواهما ، حسن آباؤهم».

فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميرا طابق المنعوت في أربعة من عشرة :

(أ) واحد من ألقاب الإعراب ـ وهي : الرفع ، والنصب ، والجر.

(ب) وواحد من التعريف ، والتنكير ،

(ج) وواحد من التذكير ، والتأنيث ،

(د) واحد من الإفراد ، والتثنية ، والجمع.

وإذا رفع ظاهرا طابقه في اثنين من خمسة :

(أ) واحد من ألقاب الإعراب ،

(ب) وواحد من التعريف ، والتنكير.

وأما الخمسة الباقية ـ وهي التذكير ، والتأنيث ، والإفراد ، والتثنية ، والجمع ـ فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهرا : فإن أسند إلى مؤنث أنّث ، وإن كان المنعوت مذكرا ، وإن أسند إلى مذكّر ذكّر ، وإن كان المنعوت مؤنّثا ، وإن أسند إلى مفرد ، أو مثنى ، أو مجموع أفرد ، وإن كان المنعوت بخلاف ذلك.

__________________

(١) وهو المسمى نعتا سببيا.


الأشياء التي ينعت بها :

وانعت بمشتق : كصعب وذرب

وشبهه كذا ، وذي ، والمنتسب (١)

لا ينعت إلا بمشتق لفظا ، أو تأويلا :

١ ـ والمراد بالمشتق هنا : ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه :

كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبهة باسم الفاعل ، وأفعل التفضيل.

٢ ـ والمؤول بالمشتق ، كاسم الإشارة (٢). نحو «مررت بزيد هذا» أي المشار إليه ، وكذا «ذو» بمعنى صاحب ، والموصولة (٣) ، نحو «مررت برجل ذي مال» أي : صاحب مال ، و «بزيد ذو قام» أي : القائم ، والمنتسب ، نحو «مررت برجل قرشيّ» (٤) أي : منتسب إلى قريش.

__________________

(١) ذرب : سيف وسنان ذرب أي : حاد. ويقال لسان ذرب وفي لسانه ذرب أي حدة وبذاء. وقال الشاعر :

أرحني واسترح مني فإني

ثقيل محملي ذرب لساني

والمنتسب : المنسوب الذي يفيد النسبة إلى غيره ، تقول : «هذا رجل دمشقيّ» أي : منسوب إلى دمشق.

(٢) ما عدا أسماء الإشارة المكانية فإنها ظروف تتعلق بمحذوف هو الصفة ، كما تقول : «مررت برجل هناك» ف «هنا» مفعول فيه ظرف مكان مبني على السكون في في محل نصب وهو متعلق بمحذوف صفة للرجل أي : رجل كائن هناك ، والكاف حرف خطاب.

(٣) ومثلها : الأسماء الموصولة المبدوءة بأل مثل الذي ، والتي ، واللائي ، بخلاف أي ، ومن ، وما.

(٤) أما قولك : «هذا رجل قرشيّ أبوه» فإعراب «أبوه» نائب فاعل لقرشي مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة ، وأعرب نائب فاعل لأن «قرشيّ» بمعنى : «منسوب أبوه إلى قريش» فمنسوب اسم مفعول يرفع نائب فاعل.


ونعتوا بجملة منكّرا

فأعطيت ما أعطيته خبرا (١)

٣ ـ تقع الجملة نعتا كما تقع خبرا وحالا ، وهي مؤولة بالنكرة ، ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة ، نحو «مررت برجل قام أبوه» أو «أبوه قائم». ولا تنعت بها المعرفة فلا تقول «مررت بزيد قام أبوه» أو «أبوه قائم». وزعم بعضهم أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية بالجملة ، وجعل منه قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(٢). وقول الشاعر :

٢٠ ـ ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (٣)

ف «نسلخ» صفة «الليل» و «يسبني» صفة «اللئيم» ، ولا يتعين ذلك ، لجواز كون «نسلخ ويسبني» حالين.

__________________

(١) ما : اسم موصول مفعول به ثان مبني على السكون في محل نصب ، والمفعول الأول أصبح نائب فاعل لأعطيت لبناء الفعل للمجهول.

(٢) الآية ٣٧ من سورة يس ـ وتمامها : «وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ».

(٣) قائل هذا البيت شمر بن الحنفي ، اللئيم : الدنيء الأصل ، الشحيح النفس.

المعنى : والله إني لأمر على لئيم من اللئام ساب لي فأتركه وأقول إنه لا يقصدني بسبه.

الإعراب : ولقد : الواو : بحسب ما قبلها ، واللام : واقعة في جواب القسم المقدر أي : والله لقد. و «قد» حرف تحقيق. «أمر» فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا والجملة واقعة في جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة يسبني في محل جر صفة للئيم باعتبار معناه أو في محل نصب حال باعتبار لفظه ثمت : ثمّ : حرف عطف ، والتاء للتأنيث جملة قلت معطوفة على جملة مضيت لا محل لها من الإعراب وجملة لا يعنيني في محل نصب مقول القول.

الشاهد فيه : «اللئيم يسبني» فإنه نعت اللئيم بالجملة نظرا إلى معناه فإن المعرف بأل الجنسية لفظه معرفة ، ومعناه نكرة ويجوز أن تكون الجملة حالا نظرا إلى لفظه كما قدمنا في الإعراب.


شروط جملة النعت :

وأشار بقوله : «فأعطيت ما أعطيته خبرا».

إلى أنه لا بد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف ، وقد يحذف للدلالة عليه كقوله :

٢١ ـ وما أدري أغيّرهم تناء

وطول الدهر أم مال أصابوا؟ (١)

التقدير : أم مال أصابوه ، فحذف الهاء ، وكقوله عزوجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(٢). أي لا تجزى فيه ، فحذف «فيه».

وفي كيفية حذفه قولان : أحدهما : أنه حذف بجملته دفعة واحدة.

والثاني : أنه حذف على التدريج ، فحذف «في» أولا ، فاتصل الضمير بالفعل ، فصار تجزيه ، ثم حذف هذا الضمير المتصل ، فصار تجزي (٣).

__________________

(١) قائل هذا البيت جرير بن عطية. تناء : بعد.

المعنى : إني لا أعلم ما سبب تغير هؤلاء الناس ، أهو العهد الطويل ، أم الغنى والمال الذي حصلوا عليه؟

الإعراب : أغيرهم : الهمزة حرف استفهام ، غيّر : فعل ماض مبني على الفتح ، والهاء مفعول به ضمير متصل مبني على الضم ، والميم علامة الجمع ، تناء : فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الياء المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين وجملة أغيرهم تناء : سدت مسد مفعولي أدرى ، وجملة أصابوا في محل رفع صفة لمال.

الشاهد : «مال أصابوا» فإنه حذف الضمير الذي يربط النعت بالمنعوت والتقدير : مال أصابوه. وقد حذف هذا الضمير لأنه معروف من السياق ولا لبس في حذفه.

(٢) بعض آيتين ٤٨ ، ١٢٣ سورة البقرة.

(٣) قد يذكر الضمير كما في قوله تعالى : «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ».


وامنع هنا إيقاع ذات الطلب

وإن أتت فالقول أضمر تصب (١)

لا تقع الجملة الطلبية صفة ، فلا تقول : «مررت برجل اضربه» ، وتقع خبرا خلافا لابن الأنباري ، فتقول : «زيد اضربه».

ولمّا كان قوله : «فأعطيت ما أعطيته خبرا» يوهم أن كل جملة وقعت خبرا يجوز أن تقع صفة قال : «وامنع هنا إيقاع ذات الطلب» أي : امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت ، وإن كان لا يمتنع في باب الخبر.

ثم قال : فإن جاء ما ظاهره أنه نعت فيه بالجملة الطلبية ، فيخرج على إضمار القول ، ويكون المضمر صفة ، والجملة الطلبية معمول القول المضمر ، وذلك كقوله :

٢٢ ـ حتى إذا جنّ الظلام واختلط

جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط (٢)

__________________

(١) إن أتت : إن حرف شرط جازم ، أتت فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين لأن أصله أتى في محل جزم فعل الشرط فالقول : الفاء : واقعة في جواب الشرط ، القول : مفعول به مقدم لأضمر ، أضمر : فعل أمر مبني على السكون ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، وجملة فالقول أضمر في محل جزم جواب الشرط. تصب : فعل مضارع مجزوم لأنه واقع في جواب الطلب ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.

(٢) قائل هذا البيت غير معروف. جنّ : خيّم وستر ، مذق : اللبن بالماء الذي تغيّر لونه.

المعنى : يرمي الراجز قوما بالبخل لأنه طال انتظاره حتى دخل الليل فقدموا له لبنا ممزوجا بالماء متغيرا لونه حتى أصبح يشبه الذئب في لونه.

الإعراب : حتى : ابتدائية ، إذا : ظرف متضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه وهو متعلق بجاءوا ، وجملة جن الظلام في محل جر مضافة إلى إذا ، وجملة اختلط : معطوفة عليها ، وجملة جاءوا : واقعة في جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة هل رأيت الذئب في محل نصب مقول لقول محذوف يقع صفة للمذق والتقدير جاءوا بمذق مقول فيه : «هل رأيت الذئب». قط : ظرف لاستغراق الزمن الماضي مفعول فيه مبني على الضم في محل نصب وهو متعلق برأي. وسكّن للرويّ.


فظاهر هذا أن قوله : «هل رأيت الذئب قط» صفة ل «مذق» وهي جملة طلبية ، ولكن ليس هو على ظاهره ، بل «هل رأيت الذئب قط» معمول لقول مضمر ، هو صفة ل «مذق» والتقدير : بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط.

فإن قلت : هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر ، فيكون تقدير قولك : «زيد اضربه» زيد مقول فيه اضربه؟

فالجواب أن فيه خلافا : فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك ، ومذهب الأكثرين عدم التزامه.

٤ ـ المصدر.

ونعتوا بمصدر كثيرا

فالتزموا الإفراد والتذكيرا

يكثر استعمال المصدر نعتا (١) نحو «مررت برجل عدل ، وبرجلين عدل ، وبرجال عدل ، وبامرأة عدل ، وبامرأتين عدل». ويلتزم حينئذ الإفراد والتذكير ، فنقول : «مررت برجل عدل ، وبنساء عدل».

والنعت به على خلاف الأصل ، لأنه يدل على المعنى ، لا على صاحبه.

وهو مؤول :

(أ) إما على وضع «عدل» موضع «عادل».

(ب) أو على حذف مضاف ، والأصل : مررت برجل ذي عدل ، ثم حذف «ذي» وأقيم «عدل» مقامه.

(ج) وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى : مجازا أو ادعاء (٢).

__________________

(١) يشترط في هذا الوصف بالمصدر أن يكون مصدرا ثلاثيا ، وأن يلتزم إفراده وتذكيره وألا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع ، وألا يكون مصدرا ميميا.

(٢) أي : إرادة المبالغة في الوصف بالمصدر لما فيه من جعل المنعوت هو نفس النعت :


تعدد النعوت :

ونعت غير واحد إذا اختلف

فعاطفا فرّقه ، لا إذا ائتلف (١)

إذا نعت غير الواحد : فإما أن يختلف النعت ، أو يتفق.

(أ) فإن اختلف وجب التفريق بالعطف (٢) ، فنقول : «مررت بالزيدين الكريم والبخيل ، وبرجال فقيه ، وكاتب ، وشاعر».

(ب) وإن اتفق جيء به مثنى أو مجموعا ، نحو «مررت برجلين كريمين ، وبرجال كرماء».

ونعت معمولي وحيدي معنى

وعمل ، اتبع بغير استثنا (٣)

(أ) إذا نعت معمولان لعاملين متحدي المعنى والعمل ، أتبع النعت المنعوت : رفعا ، ونصبا ، وجرا ، نحو «ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان ، وحدثت زيدا وكلمت عمرا الكريمين ، ومررت بزيد وجزت على عمرو الصالحين».

(ب) فإن اختلف معنى العاملين ، أو عملهما ـ وجب القطع وامتنع الإتباع ، فتقول : «جاء زيد وذهب عمرو العاقلين» بالنصب على إضمار فعل ، أي : أعني العاقلين ، وبالرفع على إضمار مبتدأ ، أي : هما العاقلان ، وتقول : «انطلق زيد وكلمت عمرا الظريفين» أى : أعني

__________________

(١) فعاطفا : الفاء واقعة في جواب إذا ، عاطفا : حال من الضمير المستتر في فرّق. لا : عاطفة.

(٢) يجب أن يكون العطف بالواو خاصة.

(٣) نعت : مفعول به مقدم لأتبع ، ونعت مضاف ومعمولي : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه مثنى وحذف النون للإضافة ، ومثلها وحيدي.


الظريفين ، أو «الظريفان» أي : هما الظريفان ، و «مررت بزيد وجاوزت خالدا الكاتبين ، أو الكاتبان».

وإن نعوت كثرت وقد تلت

مفتقر الذكرهنّ أتبعت (١)

إذا تكررت النعوت ، وكان المنعوت لا يتّضح إلا بها جميعا ، وجب إتباعها كلها ، فتقول : «مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب».

واقطع أو اتبع إن يكن معيّنا

بدونها ، أو بعضها اقطع معلنا (٢)

إذا كان المنعوت متّضحا بدونها كلها جاز فيها جميعا : الإتباع ، والقطع (٣).

وإن كان معيّنا ببعضها دون بعض وجب فيما لا يتعين إلا به الإتباع ، وجاز فيما يتعين بدونه : الإتباع ، والقطع (٤).

__________________

(١) إن نعوت : إن : حرف شرط جازم ، نعوت : فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده. أي : إن كثرت نعوت وجملة كثرت المذكورة : تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وقد تلت : الواو حالية ، وقد : حرف تحقيق ، تلت : تلا : فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف المحذوفة للتخلص من التقاء الساكنين والتاء للتأنيث ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي. والجملة في محل نصب حالا. أتبعت : أتبع : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي ، والتاء للتأنيث ، والجملة لا محل لها من الإعراب واقعة في جواب شرط جازم ولم تقترن بالفاء.

(٢) أو بعضها : أو : حرف عطف ، بعض : مفعول به مقدم لا قطع ، وها ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. معلنا : حال منصوب بالفتحة الظاهرة.

(٣) كما جاز إتباع بعضها وقطع بعضها ما دام المنعوت معينا بدونها كلها.

(٤) وإذا قطع بعض النعوت دون بعض قدم المتبع على المقطوع :


قطع النعت :

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدأ ، أو ناصبا ، لن يظهرا

أي : إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ ، أو نصب على إضمار فعل ، نحو «مررت بزيد الكريم ، أو الكريم» أي : هو الكريم ، أو أعني الكريم.

وقول المصنف «لن يظهرا» معناه أنه يجب إضمار الرافع أو الناصب ، ولا يجوز إظهاره ، وهذا صحيح إذا كان النعت :

(أ) لمدح ، نحو «مررت بزيد الكريم» (١).

(ب) أو ذم ، نحو «مررت بعمرو الخبيث».

(ج) أو ترحم ، نحو «مررت بزيد المسكين».

فأما إذا كان لتخصيص فلا يجب الإضمار ، نحو «مررت بزيد الخياط أو الخياط» (٢) وإن شئت أظهرت فتقول «هو الخياط ، أو أعني الخياط» والمراد بالرافع ، والناصب لفظة «هو» أو «أعني».

حذف المنعوت أو النعت :

وما من المنعوت والنّعت عقل

يجوز حذفه وفي النعت يقل

__________________

(١) على الإتباع تقول الكريم بالجر ، فإعرابه : نعت لزيد مجرور مثله ، وعلى القطع تقول «الكريم» بالرفع ، أو النصب ـ فإعرابه ـ إذا كان مرفوعا ـ خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره «هو الكريم» ، وإعرابه ـ إذا كان منصوبا ـ مفعول به لفعل محذوف وجوبا تقديره «أعني الكريم» ، ومثل ذلك «الخبيث» ، والمسكين والجملة المقطوعة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

(٢) الخياط : بالرفع خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره «هو» أي هو الخياط ، الخياط بالنصب : مفعول به لفعل محذوف جوازا تقديره «أعني» أي أعني الخياط.


أي : يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه إذا دل. عليه دليل ، نحو قوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ)(١) أي : دروعا سابغات.

وكذلك يحذف النعت إذا دلّ عليه دليل ، لكنه قليل ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)(٢) أي : البيّن ، وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(٣) أي : الناجين.

__________________

(١) الآية (١١) من سورة سبأ وتمامها : «أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ ، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ، وَاعْمَلُوا صالِحاً ، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».

(٢) آية ٧١ سورة البقرة وهي : «قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها ، قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ».

(٣) آية ٤٦ سورة هود وهي : «قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ».


أسئلة ومناقشات

١ ـ اذكر تعريف التابع ووضح لماذا لم يكن خبر المبتدأ أو الحال من التوابع؟ ثم عدد التوابع ومثل لكل منها بمثال ..

٢ ـ اشرح تعريف النعت .. ووضح من خلال الشرح الفرق بين النعت الحقيقي والسببي ومثل لكل منها بمثال ..

٣ ـ يجيء النعت لأغراض مختلفة. اذكر أهم هذه الأغراض ومثل لها بأمثلة متنوعة ..

٤ ـ فيم يتبع النعت الحقيقي منعوته؟ وضح ذلك مع ذكر الأمثلة.

٥ ـ إذا كان النعت سببيا ففيم يتبع ما قبله؟ وفيم يتبع ما بعده؟ اشرح ذلك مع التمثيل ..

٦ ـ قال النحاة : «مطابقة النعت للمنعوت في التوحيد وغيره .. والتذكير وغيره حكمه فيها حكم الفعل». اشرح هذا القول شرحا مفصلا موضحا إياه بالأمثلة المختلفة.

٧ ـ ما الأشياء التي ينعت بها؟ مثل لكل واحد بمثال من عندك.

٨ ـ وضح شروط النعت بالجملة؟ اشرح ذلك مع التمثيل لما تقول.

٩ ـ كف تؤول ما ورد عن العرب مما ظاهره النعت بالجملة الطلبية؟ وضح ذلك في شاهد تذكره وهل يجري ذلك التأويل في خبر المبتدأ إذا كان طلبيا؟ ولماذا؟

١٠ ـ لماذا كان النعت بالمصدر على خلاف الأصل؟ وما حكمه إن وقع نعتا؟ وكيف تؤوله ليصبح صالحا للنعت به؟ مثل لكل ما تقول.


١١ ـ تحدث عن تكرار النعوت لمنعوت واحد .. ومثّل لذلك بالأمثلة المختلفة.

١٢ ـ ما المقصود بالنعت المقطوع؟ وكيف تعربه؟ اشرح متى يكون عامله محذوفا وجوبا؟ ومتى يكون محذوفا جوازا ووضح إجابتك بالأمثلة.

١٣ ـ وضح متى يجوز حذف كلّ من المنعوت والنعت مع ذكر الأمثلة.


تمرينات

١ ـ بيّن فيما يأتي المحذوف وموقعه الإعرابي : ـ

قال تعالى : ـ

(أ) (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(١).

(ب) (وَلدَّارُ لْـَاخِرَةُ خَيْرٌ) (٢).

(ج) (الُوا لْـَـٰنَ جِئْتَ بِلْحَقِّ) (٣).

(د) (تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) (٤).

(ه) (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ)(٥).

(و) (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(٦).

(ز) «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ (٧) أَهْلِكَ».

٢ ـ كون الجمل الآتية : ـ

(أ) نعت مؤنث منعوته مذكر. (ب) نعت مذكر منعوته مؤنث.

(ج) نعت مفرد منعوته جمع. (د) نعت بالجملة الاسمية.

(ه) نعت بجملة رابطها مقدر. (و) نعت باسم الإشارة

__________________

(١) آية ٥ سورة البيّنة.

(٢) آية ١٦٩ سورة الأعراف.

(٣) آية ٧١ سورة البقرة.

(٤) آية ٢٥ سورة الأحقاف.

(٥) آية ٦٨ سورة المائدة.

(٦) آية ٧٩ سورة الكهف.

(٧) آية ٤٦ سورة هود.


٣ ـ إقرأ النصيحة الآتية .. ثم بيّن ما فيها من نعت حقيقي وسببي ومنعوتهما وأعرب ما تحته خط : «لا تصادق إلا أخا نبيلا ، تصطفيه على مهل ، وإياك والصديق الهازل الذي لا يتحمس للجد ، ولا يقيم وزنا للوقت .. إنه إنسان فاسد طبعه ـ مختلّ مزاجه .. لا يزن الأمور بميزانها الصحيح ، ولا يحاسب نفسه الأمارة بالسوء. وإنما يمضي مع شهواته وينطلق على هواه».

٤ ـ كوّن جملا تشتمل على نعت منصوب بالألف ـ وثان مرفوع بالواو وثالث مرفوع بالألف .. ورابع مجرور بالفتحة .. وخامس منصوب بالكسرة.

٥ ـ مثّل لنعت سببي منعوته جمع تكسير ـ وآخر مرفوعه جمع تكسير وثالث نعت حقيقي مفرد ومنعوته جمع.

٦ ـ مثل لمنعوت حذف نعته ـ ولنعت حذف منعوته ـ ولنعت مقطوع للمدح وآخر للتخصيص ـ ولنعت متعدد لمفرد ـ وآخر متعدد لمتعدد.

٧ ـ أعرب البيت الآتي .. وبين ما فيه من نعوت مفردة أو جملة.

قال أبو فراس :

تعالي تري روحا لديّ ضعيفة

تردّد في جسم يعذّب بالي

٨ ـ أعرب قول المتنبي :

لها ثمر تشير إليك منه

بأشربة وقفن بلا أواني


التوكيد

التوكيد المعنوي :

بالنفس أو بالعين الاسم أكّدا

مع ضمير طابق المؤكّدا (١)

واجمعهما بأفعل إن تبعا

ما ليس واحدا تكن متّبعا (٢)

التوكيد قسمان ، أحدهما : التوكيد اللفظي ، وسيأتي ، والثاني : التوكيد المعنوي ، وهو على ضربين :

أحدهما : ما يرفع توهّم مضاف إلى المؤكّد ، وهو المراد بهذين البيتين ، وله لفظان : النفس ، والعين ، وذلك نحو «جاء زيد نفسه» ف «نفسه»

__________________

(١) بالنفس : جار ومجرور متعلق ب «أكدا». الاسم : مبتدأ ، أكدا : فعل ماض مبني للمجهول ، ونائب فاعله ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة : في محل رفع خبر المبتدأ ، مع : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة ، مع مضاف ، ضمير : مضاف إليه ، والظرف متعلق بمحذوف حال من النفس ، وجملة ، طابق ، في محل جر صفة الضمير.

(٢) إن تبعا : إن : حرف شرط جازم ، تبعا : فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط ، وألف الاثنين : ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل ، ما اسم موصول : مفعول به في محل نصب ، ليس : فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، واحدا خبره ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب تكن : فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه واقع في جواب الطلب اجمع ، واسمه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، متبعا : خبره.


توكيد ل «زيد» (١). وهو يرفع توهّم أن يكون التقدير «جاء خبر زيد ، أو رسوله» ، وكذلك «جاء زيد عينه».

ولا بدّ من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكّد ، نحو «جاء زيد نفسه ، أو عينه ، وهند نفسها ، أو عينها».

ثم إن كان المؤكد بهما مثنى أو مجموعا جمعتهما على مثال أفعل ؛ فتقول : «جاء الزيدان أنفسهما ، أو أعينهما ، والهندان أنفسهما ، أو أعينهما (٢) ، والزيدون أنفسهم ، أو أعينهم ، والهندات أنفسهنّ ، أو أعينهنّ».

وكلّا اذكر في الشمول ، وكلا

كلتا ، جميعا ـ بالضمير موصلا (٣)

هذا هو الضّرب الثاني من التوكيد المعنوي ، وهو : ما يرفع توهّم عدم إرادة الشمول ، والمستعمل لذلك : «كلّ ، وكلا ، وكلتا ، وجميع».

فيؤكّد «بكل ، وجميع» ما كان ذا أجزاء يصحّ وقوع بعضها موقعه ، نحو «جاء الركب كلّه ، أو جميعه ، والقبيلة كلّها ، أو جميعها ، والرجال كلّهم ، أو جميعهم ، والهندات كلّهنّ ، أو جميعهنّ» ولا تقول : «جاء زيد كله».

__________________

(١) يصح أن تجمع بينهما بالعطف فتقول : «جاء زياد نفسه وعينه».

ويجوز جرهما بباء زائدة فتقول : «جاء سعيد بنفسه أو بعينه».

(٢) يجوز فيها الإفراد والتثنية فتقول : «جاء الزيدان نفسهما أو نفساهما».

(٣) كلا : مفعول به مقدم ل «اذكر» في الشمول : جار ومجرور متعلق ب «اذكر».

بالضمير : جار ومجرور متعلق ب «موصلا» موصلا : حال من كل.


ويؤكّد بكلا المثنى المذكّر ، نحو «جاء الزيدان كلاهما» ، وبكلتا المثنى المؤنث ، نحو «جاءت الهندان كلتاهما» (١).

ولا بدّ من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق المؤكّد كما مثل.

واستعملوا أيضا ككلّ فاعله

من عمّ في التّوكيد مثل النافلة (٢)

أي : استعمل العرب ـ للدلالة على الشّمول ككل ـ «عامّة» مضافا إلى ضمير المؤكّد ، نحو «جاء القوم عامّتهم» ، وقلّ من عدّها من النحويين في ألفاظ التوكيد ، وقد عدّها سيبويه ، وإنما قال : «مثل النافلة» لأنّ عدّها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة ، أي : الزيادة ، لأنّ أكثر النحويين لم يذكرها (٣).

__________________

(١) التوكيد بهذه الألفاظ لرفع احتمال تقدير «بعض» مضافا إلى متبوعهن ، فلو لم يؤكد بهما لجاز أن يكون المعنى : «جاء بعض الركب ، أو بعض القبيلة ، أو بعض الرجال ، أو بعض الهندات ، أو أحد الزيدين ، أو الهندين».

وتعرب كلاهما أو كلتاهما توكيدا لما قبلها مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى ، وهما : ضمير في محل جر مضاف إليه لأن كلا وكلتا تعربان إعراب المثنى إذا أضيفتا إلى الضمائر. وتعربان إعراب الاسم المقصور إذا أضيفتا للأسماء الظاهرة فتقول : «جاء كلا الرجلين ، ورأيت كلا الرجلين ، ومررت بكلا الرجلين» فكلا مرفوعة بضمة مقدرة على الألف ، ومنصوبة بفتحة مقدرة ومجرورة بكسر مقدرة.

(٢) أيضا : مفعول مطلق. أي : استعمال عامة في التوكيد وهي من الفعل عمّ ووزنها فاعلة وهي تشبه «نافلة» في الوزن وثبات التاء في جميع الأحوال : تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وغير إفراد ، فهذه التاء زائدة لازمة.

(٣) خالف بعضهم في عامة فقال : «إنما معناها أكثر» فتكون بدل بعض من كل.


تقوية التوكيد :

وبعد كل أكّدوا بأجمعا

جمعاء ، أجمعين ، ثمّ جمعا (١)

أي : يجاء بعد «كل» بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشّمول ؛ فيؤتى ب «أجمع» بعد «كلّه» نحو «جاء الركب كلّه أجمع» (٢) ، وب «جمعاء» بعد «كلها» نحو «جاءت القبيلة كلّها جمعاء» ، وب «أجمعين» بعد «كلّهم» نحو «جاء الرجال كلّهم أجمعون» ، وب «جمع» بعد «كلّهنّ» نحو «جاءت الهندات كلّهنّ جمع» (٣).

ودون كل قد يجيء أجمع

جمعاء ، أجمعون ، ثم جمع

أي : قد ورد استعمال العرب «أجمع» في التوكيد غير مسبوقة ـ ب «كله» نحو «جاء الجيش أجمع» ، واستعمال «جمعاء» غير مسبوقة ب «كلّها» نحو «جاءت القبيلة جمعاء» ، واستعمال «أجمعين» غير مسبوقة ب «كلّهم» نحو «جاء القوم أجمعون» ، واستعمال «جمع» غير مسبوقة ب «كلّهنّ» نحو «جاء النساء جمع».

__________________

(١) بعد : مفعول فيه ظرف مكان منصوب وهو متعلق ب «أكدوا» أكدوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة ، والواو فاعل ، بأجمع : الباء حرف جر ، أجمع. مجرور بالباء وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه ممنوع من الصرف والمانع له الوصفية ووزن الفعل ، والجار والمجرور متعلق ب «أكدوا».

(٢) كلّه : كلّ : توكيد للركب مرفوع ، والهاء : ضمير في محل جر مضاف إليه. أجمع : توكيد للركب أيضا مرفوع بالضمة الظاهرة.

(٣) وقد يتبع أجمع وأخواته : بأكتع وكتعاء وأكتعين وكتع ، وقد يتبع أكتع وأخواته بأبصع وبصعاء وأبصعين وبصع ، وزاد الكوفيون بعد أبصع وأخواته : أبتع وبتعاء وأبتعين وبتع.

«فتقول» : «جاء القوم كلهم أجمعون أبصعون أبتعون» ، ويجب هذا الترتيب وما ورد خلاف ذلك فهو شاذ.


وزعم المصنف أن ذلك قليل ومنه قوله :

٢٣ ـ يا ليتني كنت صبيّا مرضعا

تحملني الذلفاء حولا أكتعا (١)

__________________

(١) قائل هذه الأبيات غير معروف : الذلفاء : يقال امرأة ذلفاء ، وفي أنفها ذلف ، وهو قصره وصغر الأرنبة ، وهو مستملح ويجوز أن يكون علما على امرأة بذاتها.

المعنى : يتمنى الشاعر أن يكون صغيرا يرضع ، وتحمله هذه المرأة الحسناء عاما كاملا ، فإذا بكى قبلته كثيرا ولذلك سيبقى الدهر كله باكيا.

الإعراب : يا : حرف نداء ، والمنادى محذوف ، تقديره : يا قومي ، أو حرف تنبيه ، ليتنى : ليت : حرف مشبه بالفعل ينصب الاسم ويرفع الخبر ، والنون للوقاية ، والياء ضمير متصل في محل نصب اسم ليت. كنت : كان فعل ماض ناقص يرفع الاسم وينصب الخبر ، والتاء : ضمير متصل مبني على الضمة في محل رفع اسمها صبيا : خبر كان منصوب وجملة كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر ليت. مرضعا : نعت ل «صبيا» منصوب مثله. تحملني : تحمل : فعل مضارع مرفوع بالضمة والنون للوقاية ، والياء : مفعول به مبني على السكون في محل نصب. الذلفاء : فاعل مرفوع. حولا : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة متعلق ب «تحملني» أكتع توكيد ل «حولا» منصوب بالفتحة. إذا : ظرف متضمن معنى الشرط مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه متعلق ب «قبلتني» ، قبلتني : قبّل : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث ، والنون للوقاية ، والياء : مفعول به ، أربعا : مفعول مطلق منصوب. وجملة ، بكيت في محل جر بإضافة إذا إليها ، وجملة ، قبلتني : جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. إذا ظللت : إذا حرف جواب وجزاء ، ظللت : ظل الناقصة ، والتاء اسمها. الدهر : مفعول فيه ظرف زمان منصوب وهو متعلق ب «أبكي» وجملة «أبكي» في محل نصب خبر ظلّ ، وأجمعا : توكيد للدهر منصوب.

الشاهد : «الدهر أجمعا» فإنه أكد الدهر بأجمع من غير أن يؤكده أولا بكل ، وهذا قليل. وهناك شاهدان آخران : أحدهما ، قوله «حولا أكتعا» فإنه أكد حولا مع كونه نكرة بأكتعا ، وثانيهما ، قوله : «والدهر أبكى أجمعا» فإنه فصل بين المؤكد وتوكيده بجملة أبكي وهذا جائز.


إذا بكيت قبّلتني أربعا

إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا

توكيد النكرة :

وإن يفد توكيد منكور قبل

وعن نحاة البصرة المنع شمل

مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة ؛ سواء كانت محدودة كيوم ، وليلة ، وشهر ، وحول ، أو غير محدودة ، كوقت ، وزمن ، وحين.

ومذهب الكوفيين ـ واختاره المصنف ـ جواز توكيد النكرة المحدودة (١) لحصول الفائدة بذلك ، نحو «صمت شهرا كلّه» ومنه قوله :

٢٣ ـ تحملني الذلفاء حولا أكتعا (٢).

وقوله :

٢٤ ـ قد صرّت البكرة يوما أجمعا (٣).

__________________

(١) شرط توكيد النكرة أن يكون المؤكد زمنا محدودا ، والتوكيد من ألفاظ الإحاطة والشمول.

(٢) سبق شرحه وإعرابه صفحة ٨٥ والشاهد فيه : أنه أكّد حولّا وهو نكرة دالة على زمن محدود والتوكيد من ألفاظ الشمول وهو أكتع.

(٣) قائل هذا البيت غير معروف. صرّت : صوّتت ، البكرة : ما يستقى عليها من البئر.

المعنى : أي أن هذه البكرة صوتت اليوم كله.

الإعراب : قد : حرف تحقيق ، صرّت : فعل ماض مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث ، البكرة : فاعل مرفوع بالضمة يوما : مفعول فيه ظرف زمان منصوب بالفتحة وهو متعلق ب «صرت» ، أجمعا : توكيد ل «يوما» منصوب بالفتحة.

الشاهد : «يوما أجمعا» فإنه أكد يوما وهو نكرة ب «أجمعا» والذي سوّغ توكيد النكرة عند الكوفيين وابن مالك ، أن «يوما» نكرة محدودة وهو دال على الزمن ، وأن التوكيد من ألفاظ الشمول.


الاستغناء بكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء :

واغن بكلتا في مثنى وكلا

عن وزن فعلاء ووزن أفعلا

قد تقدّم أن المثنى يؤكّد بالنفس ، أو العين ، وبكلا ، وكلتا ، ومذهب البصريين أنه لا يؤكد بغير ذلك ؛ فلا تقول : «جاء الجيشان أجمعان» ولا «جاءت القبيلتان جمعاوان» استغناء بكلا وكلتا عنهما ، وأجاز ذلك الكوفيون (١).

توكيد الضمير :

وإن تؤكّد الضّمير المتّصل

بالنفس والعين فبعد المنفصل (٢)

عنيت ذا الرّفع ، وأكّدوا بما

سواهما ، والقيد لن يلتزما

لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل (٣) بالنفس أو العين ، إلا بعد تأكيده بضمير منفصل ، فتقول : «قوموا أنتم أنفسكم ، أو أعينكم» ، ولا تقل : «قوموا أنفسكم».

__________________

(١) كما أجاز ذلك الأخفش من البصريين.

(٢) إن : حرف شرط جازم ، تؤكد : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جرمة السكون وحرك بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، الضمير : مفعول به منصوب ، المنفصل : نعت للضمير منصوب بالنفس جار ومجرور متعلق ب «تؤكد» فبعد : الفاء واقعة في جواب الشرط ، بعد : مفعول فيه ظرف مكان منصوب متعلق بفعل محذوف تقديره فأكّد ، والمنفصل مضاف إليه مجرور بالكسرة ، وجملة فأكد بعد المنفصل في محل جزم جواب الشرط الجازم.

(٣) سواء أكان مستترا أم بارزا. البارز كما مثل ، والمستتر نحو : «قم أنت نفسك أو عينك» بخلاف : «أكرمتهم أنفسهم ، وثقت بهم أعينهم» فالتوكيد بالضمير جائز لا واجب لأن المؤكد ضمير نصب أو جر. وبخلاف : «قام الخالدون أنفسهم» فيمتنع التوكيد بالضمير لأن المؤكد اسم ظاهر.


فإذا أكدته بغير النفس والعين لم يلزم ذلك ، تقول : «قوموا كلّكم» ، أو «قوموا أنتم كلّكم».

وكذا إذا كان المؤكّد غير ضمير رفع ؛ بأن كان ضمير نصب ، أو جر ، فتقول : «مررت بك نفسك ، أو عينك ، ومررت بكم كلّكم ، ورأيتك نفسك ، أو عينك ، ورأيتكم كلّكم».

التوكيد اللفظي

التوكيد اللفظي :

وما من التوكيد لفظيّ يجي

مكرّرا كقولك : «ادرجي ادرجي» (١)

هذا هو القسم الثاني من قسمي التوكيد : وهو : التوكيد اللفظيّ ، وهو تكرار اللفظ الأوّل بعينه اعتناء به نحو «ادرجي ادرجي» وقوله :

٢٥ ـ فأين إلى أين النجاة ببغلتي

أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس (٢)

__________________

(١) ادرجي : فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بياء المؤنثة المخاطبة ، وياء المؤنثة : فاعل وادرجي : توكيد لادرجي الأولى.

(٢) قائل هذا البيت غير معروف.

فأين : أين : اسم استفهام مبني على الفتح في محل جر بإلى محذوفة يدل عليها ما بعدها والتقدير إلى أين ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم إلى أين : توكيد لفظي للأولى ، النجاة : مبتدأ مؤخر. أتاك : أتى : فعل ماض ، والكاف مفعول به في محل نصب ، أتاك : توكيد لفظي ، اللاحقون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم ، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد ، احبس : فعل أمر ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، احبس : توكيد لفظي.

الشاهد : «فأين إلى أين» «أتاك أتاك» «احبس احبس» في هذه المواضع الثلاثة توكيد لفظي ، لأنه أعيد اللفظ بعينه.


وقوله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)(١).

ولا تعد لفظ ضمير متصل

إلا مع اللفظ الذي به وصل (٢)

أي إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد ، لم يجز ذلك إلا بشرط اتصال المؤكد بما اتصل بالمؤكد ، نحو «مررت بك بك ، ورغبت فيه فيه» (٣) ، ولا تقول : «مررت بكك» ..

كذا الحروف غير ما تحصلا

به جواب ، كنعم ، وكبلى (٤)

أي : كذلك إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب ، يجب أن يعاد مع الحرف المؤكد ما يتصل بالمؤكد ، نحو «إن زيدا إن زيدا قائم» (٥) ، وفي الدار في الدار زيد ، ولا يجوز «إن إن زيدا قائم» ، ولا «في في الدار زيد».

فإن كان الحرف جوابا ـ كنعم ، بلى ، وجير ، وأجل ، ولا ـ جاز إعادته وحده فيقال : لك «أقام زيد»؟

فتقول : «نعم نعم» ، أو «لا لا» ، و «ألم يقم زيد»؟ فتقول : (بلى بلى).

ومضمر الرفع الذي قد انفصل

أكديه كل ضمير اتصل (٦)

أي : يجوز أن يؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضمير متصل مرفوعا كان ، نحو «قمت أنت» ، أو منصوبا نحو «أكرمتني أنا» ، أو مجرورا نحو «مررت به هو» والله أعلم.

__________________

(١) الآية ٢١ من سورة الفجر ، دكا : الأولى مفعول مطلق ، ودكا الثانية توكيد لفظي.

(٢) لا : ناهية تجزم الفعل المضارع ، تعد : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ، إلا : أداة حصر ، مع : مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بمحذوف حال من (لفظ) مع مضاف ، اللفظ مضاف إليه مجرور بالكسرة ، الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للفظ ، به : جار ومجرور متعلق ب (وصل) وصل : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ، ونائب فاعله : ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

(٣) إذا اتبعت المتصل المنصوب بمنفصل منصوب كقولك : «رأيتك أياك» فمذهب البصريين أنه بدل ، ومذهب الكوفيين أنه توكيد.

(٤) كذا : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم ، الحرف : مبتدأ مؤخر ، غير : اسم منصوب على الاستثناء بالفتحة ، ما اسم موصول مضاف إليه تحصلا : فعل ماض مبني على الفتحة والألف للإطلاق ، به جار ومجرور متعلق ب (تحصل) جواب : فاعل تحصل ، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول ما ... كنعم : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لمبتدأ محذوف والتقدير ذلك كائن كنعم.

(٥) ويجوز أن يتصل الحرف بضمير يعود على الاسم فتقول «إن زيدا إنه قائم»

(٦) مضمر : مبتدأ مرفوع ، الرفع : مضاف إليه ، الذي اسم موصول مبني على السكون في محل رفع صفة ل (مضمر) جملة «قد انفصل» صلة الموصول لا محل لها. أكد به : الجملة في محل رفع خبر المبتدأ «مضمر» ، وجملة اتصل في محل جر صفة لضمير.


ـ أسئلة ومناقشات ـ

١ ـ ما المقصود بالتوكيد المعنوي؟ وما الغرض منه؟ مثل لذلك بأمثلة مختلفة.

٢ ـ عدّد ألفاظ لتأكيد المعنوي .. واذكر شرط التأكيد «بالنفس والعين» وما ذا يفيدان في التأكيد؟ .. مثل لما تقول.

٣ ـ ما شرط التأكيد (بكل وجميع وكلا)؟ وما ذا يؤكد بها؟ وما الذي يفيده هذا الضرب من التأكيد؟ مثل لما نقول ..

٤ ـ وضع النحاة ألفاظا للمزيد من التقوية .. فما تلك الألفاظ؟ وكيف تؤكد بها؟ مثل لذلك بأساليب مختلفة ..

٥ ـ وضّح الخلاف في تأكيد النكرة ثم بيّن شرط تأكيدها. ورجح ما تختاره ومثل لذلك بأمثلة من عندك.

٦ ـ إلى أي شيء تضاف (النفس والعين) عند التأكيد بهما؟ وما حكمهما إن وقعا تأكيدا للمثنى؟ مثل لذلك بأمثلة من عندك.

٧ ـ إذا أريد تأكيد الضمير المتصل فمتى يجب تأكيده بالمنفصل؟ وما حكم التأكيد بالمنفصل في قولك : «اسكن أنت نفسك الدار»؟

٨ ـ ما التأكيد اللفظي؟ وما الغرض منه؟ وضح طريقة تأكيد الضمير المتصل تأكيدا لفظيا وكذلك الحروف غير الجوابية .. والجوابية .. مثل لكل ما تقول.

ـ تمرينات ـ

١ ـ قال تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ، (١) (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ، (٢) (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ). (٣)

آ ـ عيّن المؤكّد والمؤكّد في الآيات السابقة.

ب ـ ماذا أفاد التأكيد في كل منها؟

ج ـ أعرب ألفاظ التأكيد في الآيات الثلاث ...

٢ ـ أكّد المثنى والجمع «بالنفس والعين» في الجملتين الآتيتين مع الضبط بالشكل ..

آ ـ أقبل الطالبان ... ب ـ أكرمت الطلاب ...

٣ ـ قال تعالى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً.)(٤)

وتقول : «الجنتان كلتاهما آتت أكلها».

آ ـ افرق بين (كلتا) في الآية الشريفة وبينها في المثال الذي بعدها.

ب ـ كيف تعرب هذه اللفظة فيهما؟

ج ـ أعرب ما تحته خط فيهما ..

د ـ أين خبر المبتدأ فيهما؟ ولماذا جاء ضميره مفردا في الآية الكريمة؟

__________________

(١) آية ٣٠ سورة الحجر. (٣) آية ٤٣ سورة الحجر.

(٢) آية ٣٩ سورة الحجر. (٤) آية ٣٣ سورة الكهف.


فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

١ ـ الاستثناء.................................................................... ٥

٢ ـ الحال..................................................................... ٣٦

٣ ـ التمييز.................................................................... ٧٤

٤ ـ حروف الجر............................................................... ٨٦

٥ ـ الإضافة ................................................................. ١٢٨

٦ ـ عمل المصدر............................................................. ١٨١

٧ ـ عمل اسم الفاعل......................................................... ١٩٥

٨ ـ عمل اسم المفعول......................................................... ٢٠٨

٩ ـ عمل الصفة المشبهة....................................................... ٢١٣

١٠ ـ التعجب............................................................... ٢٢١

١١ ـ نعم وبئس وما جرى مجراهما ............................................... ٢٣٦

١٢ ـ اسم التفضيل........................................................... ٢٥٥

١٣ ـ النعت................................................................. ٢٧٥

١٤ ـ التوكيد................................................................ ٢٩٣

تيسير وتكميل شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك - ٣

المؤلف:
الصفحات: 304