

(الركن الثالث).
(في الطهارة الترابية)
المسمّاة بالطهارة الاضطرارية ، في مقابلة الاختيارية التي هي الطهارة المائية.
وهي التيمم ، وهو لغة : مطلق القصد ،
وشرعا : القصد إلى الصعيد لمسح الوجه والكفين على الوجه المخصوص. وشرعيته ثابتة
بالكتاب
، والسنة ، والإجماع من المسلمين كافة.
(والنظر)
فيه يقع (في أمور
أربعة)
__________________
(الأول
:)
فيما هو (شرط)
في صحة (التيمم)
وإباحته ، ومجمله العجز عن استعمال الماء ، ويتحقق بأمور : (عدم الماء)
بأن لا يوجد مع طلبه على الوجه المعتبر ، إجماعا ، للآية ، والنصوص المستفيضة منها الصحيح : «
إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض » الخبر . ونحوه الصحيحان .
ولا
فرق
فيه بين عدمه أصلا ووجود ما لا يكفيه لطهارته مطلقا ، ولا يجب صرفه إلى بعض
الأعضاء في الوضوء قطعا وإجماعا ، وفي الغسل كذلك أيضا ، بل نسبه في التذكرة
والمنتهى
إلى علمائنا.
خلافا لنهاية الإحكام فاحتمله ، ولعلّه لعموم : « الميسور لا يسقط
بالمعسور »
مع عدم المانع عنه من فوات الموالاة كما في الوضوء ، ولذا لا يحتمل ذلك فيه.
وهو حسن ، إلّا أنه خلاف ظواهر المستفيضة
الواردة في مقام البيان ،
__________________
لعدم
التعرض
له بوجه بل ظاهرها الاكتفاء بالتيمم خاصة ، كالصحيح : في رجل أجنب في سفر ومعه ماء
قدر ما يتوضأ به ، قال : « يتيمم ولا يتوضأ »
ونحوه آخر .
كل ذا إذا كان مكلّفا بطهارة واحدة. ولو
كان مكلّفا بطهارتين متعددتين كوضوء وغسل ـ كما في الأغسال عدا الجنابة على الأشهر
الأظهر ـ وكفى الماء لإحداهما وجب استعماله فيها وفاقا لجماعة . ووجهه واضح.
(أو عدم الوصلة إليه)
مع وجوده ، إمّا للعجز عن الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة
، ولم يجد معاونا ولو بأجرة مقدورة ، أو لضيق الوقت بحيث لا يدرك منه معه بعد
الطهارة ركعة على الأظهر الأشهر ، خلافا للمعتبر ، أو لكونه في بئر بعيد القعر يتعذر
الوصول إليه بدون الآلة ، وهو عاجز عن تحصيلها ولو بعوض مقدور أو شق ثوب نفيس أو
إعارة ، أو لكونه موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس أو طرف أو مال محترمة
أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل ولو بمجرد الجبن.
لصدق فقد الماء مع جميع ذلك ، بناء على
استلزام التكليف بتحصيل الماء في هذه الصور العسر والحرج المنفيين كالضرر المنفي
عموما في الشريعة ، مضافا إلى المعتبرة في بعضها كالصحاح في فقد الآلة ، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المنتهى
فيه وفي خوف اللص والسباع وضياع المال
،
__________________
وفي
الخبر :
عن الرجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحوهما ، قال
: « لا آمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لصّ أو سبع » .
(أو حصول مانع من استعماله كالبرد)
الشديد الذي يشق تحمله (والمرض)
الحاصل يخاف زيادته أو بطء برئه أو عسر علاجه ، أو المتوقع ، لاستلزام التكليف
باستعمال الماء معهما العسر والحرج والضرر المنفيات بعموم الآيات والروايات ،
مضافا إلى خصوص الآية هنا
، والأخبار المستفيضة منها الصحيحان : في الرجل تصيبه الجنابة وبه قروح أو جروح أو
يخاف على نفسه البرد ، قال : « لا يغتسل ويتمم » .
والصحيحان : عن الرجل يكون به القروح
والجراحات فيجنب ، قال : « لا بأس بأن يتيمم ، ولا يغتسل » .
ومقتضى الأولين جواز التيمم بالتألم
بالبرد باستعمال الماء وإن لم يخش سوء العاقبة ، كما عن المنتهى ونهاية الإحكام
والمبسوط والنهاية والإصباح وظاهر الكافي والغنية والمراسم والبيان والجامع فيه وفي التألم بالحرّ أو الرائحة أو
المرض.
وهو حسن ، مضافا إلى عموم الأدلة
المتقدمة.
__________________
وفي
القواعد
: لا ،
للأصل ، المخصّص بما مرّ ، وورود الخبر باغتسال مولانا الصادق 7 في ليلة باردة وهو شديد الوجع . وهو ضعيف ، كضعف ما دلّ على وجوب
اغتسال المجنب نفسه على ما كان .
(ولو لم يوجد)
الماء (إلّا
ابتياعا وجب ولو كثر الثمن) وزاد على
المثل أضعافا ، إجماعا كما عن الخلاف
، وللمعتبرة منها الصحيح : عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة ، وهو لا يقدر على
الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، يشترى ويتوضأ
أو يتيمم؟ قال : « لا بل يشتري ، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت ، وما يشتري
بذلك مال كثير » .
والمروي في تفسير العيّاشي مسندا إلى
العبد الصالح أنه سأله إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال : « ذلك
على قدر جدته » .
وفي شرح الإرشاد لفخر الإسلام : إنّ
مولانا الصادق 7
اشترى وضوءه بمائة دينار .
مضافا إلى أنه واجد للماء.
خلافا للإسكافي ، فنفي الوجوب مع غلاء
الثمن ، لكن أوجب الإعادة إذا وجد الماء
، وهو محتمل نهاية الإحكام
، لأن بذل الزائد ضرر ، ولسقوط
__________________
السعي
في
طلبه للخوف على شيء من ماله. وهو اجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى الأصحاب
والإجماع المحكي ، مع صدق وجدان الماء حقيقة.
(وقيل)
والقائل المشهور : إنما يجب (ما
لم يضرّ به في الحال) حال المكلّف ، أو
زمان الحال في مقابلة الاستقبال. والأوّل أوفق بأدلة هذا الشرط من نفي الضرر
والعسر والحرج ، بناء على كون مثله ضررا مطلقا.
(وهو)
أي اشتراط هذا الشرط (أشبه)
وأشهر. بل عن المعتبر أنه مذهب فضلاء الأصحاب .
وعن المنتهى أنه لو احتاج إلى الثمن للنفقة لم يجب عليه الشراء قولا واحداً. وعنه
أيضا : لو كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله سقط عنه وجوب الشراء ، ولا نعرف فيه
مخالفا .
وظاهرهما دعوى الإجماع على عدم الوجوب
مع الإجحاف مطلقا ، وهو مع عموم الأدلة المتقدمة كاف في تقييد المعتبرة المزبورة ،
مع عدم تبادر صورة الإجحاف منها ، فتأمل.
ثمَّ إن الفارق بين وجوب بذل المال
الكثير في تحصيل الماء وابتياعه ، ووجوب حفظه وإن قلّ عن نحو اللص ، هو الإجماع
والصحيح ومفهوم آية المقام الموجب للأوّل. والخبر المتقدم كالإجماع الذي مرّ وعموم نفي العسر والحرج والضرر الموجب
للثاني.
وبالجملة : الأدلة هي الفارقة بين
الأمرين ، لا أنّ الحاصل بالثاني العوض على الغاصب وهو منقطع ، وفي الأول الثواب
وهو دائم ، لتحقق الثواب
__________________
فيهما
مع
بذلهما اختيارا طلبا للعبادة لو أبيح ذلك ، بل قد يجتمع في الثاني العوض والثواب ،
بخلاف الأول.
(ولو
كان معه ماء وخاف العطش)
باستعماله على نفسه أو رفقته ممّن يتضرر بمفارقته مطلقا ولو كان كافرا ، أو لم
يتضرر بها ولكن له نفس محترمة ، أو حيوان يتضرر بإتلافه ولو يسيرا قطعا ، وبدونه
على إشكال (تيمّم إن
لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة)
تفي للطهارة ، إجماعا كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة ، للمعتبرة المستفيضة ، منها الصحاح ،
أحدها : في الرجل أصابته جنابة في السفر ، وليس معه إلّا ماء قليل يخاف إن هو
اغتسل أن يعطش ، قال : « إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة وليتيمم بالصعيد ، فإنّ
الصعيد أحبّ إليّ » .
ولا فرق في العطش بين الحال والمتوقع في
زمان يخاف فيه عدم حصول الماء ، لإطلاقها ، وعموم الأدلة النافية للضرر وإلقاء النفس في التهلكة .
(وكذا)
يجب التيمم (لو كان على
جسده) أو ثوبه الذي يتم فيه الصلاة (نجاسة)
غير معفوّ عنها (ومعه
ماء يكفي لإزالتها) وعليه الإجماع كما
عن المعتبر والمنتهى والتذكرة .
وهو الحجة ، لا ما قيل من أن الطهارة عن الحدث له بدل ، دون الطهارة عن الخبث ، لتوقف البدلية على فقد الماء وهو
موجود كما هو فرض المسألة ، فترجيح إزالة الخبث على إزالة الحدث محل
__________________
مناقشة.
وتعارض
موجبهما كتعارض العمومين من وجه ، فلا بدّ من الترجيح.
ولو لا الإجماع المحكي لكان للتوقف مجال
، ومعه فلا إشكال في وجوب التيمم في هذه الصورة (أو)
صورة وجدان الماء (للوضوء)
خاصة مع وجوبه مع الغسل عليه فإنه يتوضأ ، ويتيمم بدلا عن الغسل كما مرّ.
(وكذا)
مرّ
أن (من معه ماء لا يكفيه
لطهارته) مطلقا (يتيمم)
في الوضوء قطعا وإجماعا ، وفي الغسل كذلك على الظاهر ، بل حكي عليه الإجماع صريحا
كما مرّ.
(وإذا لم يوجد للميت)
اللازم تغسيله (ماء يمّم
كالحي العاجز) عن استعماله ،
وكذا إذا وجد الماء ولكن خيف من استعماله تناثر لحمه كما مرّ أدلته في بحثه.
__________________
(الثاني :)
(في)
بيان (ما يتيمم به ، وهو التراب الخالص دون ما سواه)
عند الحلبيين والمرتضى والإسكافي
، فلم يجوّزوا التيمم بغيره مطلقا ، وهو ظاهر من منع عن استعمال الحجر حالة
الاختيار كالنهاية والمقنعة والسرائر والوسيلة والمراسم والجامع ، بل هو مذهب الأكثر كما يوجد في كلام
جماعة .
وهو نص كثير من أهل اللغة ، كالصحاح
والمجمل والمفصّل والمقاييس
، والديوان وشمس العلوم ونظام الغريب والزينة لأبي حاتم ، وحكي عن الأصمعي وأبي
عبيدة . وربما ظهر
من القاموس وصاحب الكنز الميل إليه
، لتقديمهما تفسير الصعيد به على التفسير بمجرد الأرض ، فتأمل.
وهو ظاهر الآية ، بناء على ظهور عود
الضمير المجرور بمن إلى الصعيد .
ولا ينافيه إرجاعه في الصحيح إلى التيمم
، لظهور أنّ المراد به ما يتيمم به فله أيضا ظهور في ذلك ، كالصحيح : « إذا لم يجد
الرجل طهوراً
__________________
فليمسح من الأرض » لظهور تبعيضية الجار.
وهو ظاهر أخبار اشتراط العلوق وغيرها
ممّا فيه ذكر التراب كالصحيح : « إنّ الله عزّ وجلّ جعل التراب طهورا كما جعل
الماء طهورا » .
والصحيح : « إذا كانت ظاهر الأرض مبتلّة
ليس فيها تراب ولا ماء فانظر إلى أجف موضع تجده فتيمم » .
ونحوه الصحيح الآخر .
وفي الخبر : عن الرجل لا يصيب الماء
والتراب أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم » .
وفي آخر : « إنّ ربّ الماء ربّ التراب » .
ولا يعارضها الأخبار المعلّقة فيها
التيمم على الأرض كالصحيح : « إنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض » .
والصحيح : « فإن فاتك الماء لم تفتك
الأرض » .
__________________
إذ غايتها الإطلاق المنصرف إلى التراب ،
لا إلى الحجر ونحوه ، لندرته.
ونحو هذا الجواب يجري في كلام كثير ممّن
فسّر الصعيد بوجه الأرض ، كالعين والمحيط والأساس والمفردات للراغب والسامي والخلاص ، والزجاج مع دعواه
عدم الخلاف بين أهل اللغة في ذلك .
وهذه الدعوى مؤيدة له ، إذ لو حمل مراده على مطلق وجه الأرض ولو خلي عن التراب
لكان مخالفا لكثير من اللغويين كما عرفت ، ويبعد غاية البعد عدم وقوفه على كلامهم
، أو عدم اعتباره لهم ، فسقط حجج أكثر المتأخرين على أنه وجه الأرض مطلقا.
هذا مضافا إلى أنه بعد تسليم عدم رجحان
ما ذكرنا فلا أقلّ من المساواة لما ذكروه ، وهو يوجب التردد والشبهة في معنى
الصعيد ، وتوقيفية العبادة ووجوب الاقتصار فيها على ما يحصل به البراءة اليقينية
يقتضي المصير إلى الأوّل بالضرورة ، ورجحان ما ذكروه عليه بعد ما تقرر فاسد
بالبديهة.
نعم : سيأتي ما يؤيد مختارهم من الأخبار
المنجبر قصورها بالشهرة العظيمة بينهم ، حتى أنه ادعى الطبرسي في المجمع الإجماع
عليه في جواز التيمم بالحجر .
ولا يخلو عن قوة. ويحمل أخبار التراب على الغالب بعين ما حمل عليه أخبار الأرض ،
مضافا إلى عدم استفادة المنع عن غيره منها ، فتأمل.
ويؤيده حكاية الإجماع في المختلف على
جواز التيمم بالحجر عند الاضطرار
، ولو لا دخوله في الصعيد لكان هو وغيره ممّا لا يجوز التيمم به
__________________
سواءً.
لكن الأحوط عدم الاكتفاء بأمثال هذه
الظنون في مقام تحصيل البراءة اليقينية.
وأمّا ما يقال ـ بناء على ترجيح التفسير
بالتراب ـ في توجيه جواز التيمم بالحجر بأنه تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت فيه
الحرارة فأفادته استمساكا .
فبعد تسليم صدق التراب على نحوه مدفوع
بعدم تبادره من إطلاق التراب حيث ما يوجد. مع أنّ مقتضى أخبار العلوق اعتبار
التراب بالمعنى المتبادر دون نحو الحجر ، لعدم علوق فيه.
مضافا إلى جريان نحو هذا التوجيه في
المعادن ولم يقولوا بجواز التيمم به معلّلين العدم بالخروج عن اسم الأرض فضلا عن
التراب. وشهادة العرف بالخروج عن الترابية هنا جارية في نحو الأحجار ، وإنكاره
مكابرة.
وكيف كان : فلا خلاف في المنع عن التيمم
بغير الأرض (من)
الأشياء (المنسحقة)
الخارجة عن الاسم (كالأشنان
والدقيق) بل حكى عليه الإجماع منّا جماعة .
وليس
في الخبر : عن الدقيق يتوضأ به؟ فقال : « لا بأس بأن يتوضأ
به وينتفع به »
ـ مع قصور سنده ـ دلالة على الجواز بالأخير ، لقوة احتمال التوضؤ فيه التنظيف
والتطهير من الدرن ، كما صرّح به الشيخ .
__________________
(والمعادن) كلّها (كالكحل والزرنيخ)
وعليه الإجماع في المنتهى
، لعدم صدق الأرض عليه.
خلافا للمعاني فجوّزه بها ، معلّلا
بخروجها منها .
وهو
ضعيف
، إذ المعتبر صدق الاسم لا الخروج من المسمى. ولا دليل على اعتباره مطلقا سوى
مفهوم الخبر المعلّل منع التيمم بالرماد بأنه لا يخرج من الأرض . ونحوه المروي في نوادر الراوندي بسنده
فيه عن علي 7 مثله .
وهما مع قصور سندهما وعدم جابر لهما في
المقام يمكن أن يراد بالخروج فيها الخروج الخاص الذي يصدق معه الاسم لا مطلقا ،
كيف لا؟! والرماد خارج عنها بهذا المعنى قطعاً.
ويدل على العدم في الرماد ـ مضافا إلى
الخبرين ـ الإجماع المحكي في المنتهى .
ومورده كالخبر رماد الشجر. وفي إلحاق رماد الأرض به تردد ، أقربه اعتبار الاسم فيه
وفي العدم كما عن الفاضل في التذكرة .
وعنه في النهاية إطلاق الإلحاق .
وفيه نظر.
(ولا بأس)
بالتيمم (بأرض
النورة والجصّ) قبل الإحراق على
الأشهر الأظهر ، لصدق الاسم ، وفحوى الخبرين.
__________________
خلافا
للحلّي
فأطلق المنع عنهما ، للمعدنية .
وفيه منع.
وللطوسي فخصّ الجواز بالاضطرار دون
الاختيار
، ولعلّه للاحتياط.
وهو حسن إلّا أنه ليس بدليل.
وأمّا بعده فعن مصباح السّيد والمراسم
والمعتبر والتذكرة والذكرى : الجواز
، لصدق الاسم. وفيه شك. واستصحاب الجواز والبقاء على الأرضية معارض بأصالة بقاء
شغل الذمة اليقيني ، وبعد التعارض يبقى الأوامر عن المعارض سليمة ، فتأمل.
والخبران وإن دلّا على الجواز إلّا أن
ضعفهما هنا غير مجبور ، فلذا عن الأكثر كالمبسوط والسرائر والإصباح ونهاية الإحكام
والتلخيص : المنع عنه .
وعن المنتهى والمختلف : الإحالة على
الاسم . وهو الوجه
إن اطمأن بصدقه.
كلّ ذلك على القول بكفاية مطلق وجه
الأرض ، وإلّا فعلى القول باعتبار التراب فالبحث ساقط عن أصله.
(ويكره)
التيمم (بالسبخة)
وهي الأرض المالحة النشّاشة (والرمل)
على الأشهر ، بل عليه الإجماع في المعتبر
، لصدق الاسم.
خلافا للإسكافي ، فأطلق المنع عن الأول ، ولعلّه لما في الجمهرة عن
__________________
أبي
عبيدة :
أن الصعيد هو التراب الخالص الذي لا يخلطه سبخ ولا رمل ، والصحيح : « لا تصلّ على الزجاج وإن
حدّثتك نفسك أنه ممّا أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » كذا قيل . وفيه نظر ، إذ ليس فيه ذكر السبخة ،
والرمل لا يقول بالمنع عنه ، والملح لا كلام في المنع فيه لمعدنيته.
وكيف كان : فالأحوط الترك حتى الرمل ،
لهذا الخبر.
(وفي جواز التيمم بالحجر)
الخالي عن التراب اختيارا (تردّد)
منشؤه الاختلاف المتقدم في تفسير الصعيد. وهو في محلّه.
لكن روى الراوندي بسنده في نوادره عن
علي 7 قال : «
يجوز التيمم بالجصّ والنورة ، ولا يجوز بالرماد ، لأنه لم يخرج من الأرض » فقيل له
: أيتيمم بالصفا البالية على وجه الأرض؟ قال : « نعم » .
وهو نص في إطلاق الجواز بالصفا الذي هو
حجر ، وظاهر بحسب مفهوم التعليل ، خرج منه ما ظاهرهم الإجماع عليه كما مرّ وبقي
الباقي.
ونحوه الخبر الآخر بحسب المفهوم
والتصريح بجواز الجصّ والنورة
وضعفهما هنا بالشهرة منجبر ، فالمصير إليه غير بعيد ، مضافا إلى الإجماع المتقدم .
ويؤيده الموثق : عن رجل تمرّ به جنازة
وهو على غير طهر ، قال : « يضرب
__________________
يديه
على حائط
لبن فيتيمم »
لعدم صدق التراب على نحو اللبن ، ولا قائل بالفرق ، فتأمل.
لكن الأحوط المنع عنه حال الاختيار ،
وأمّا حال الاضطرار فجائز إجماعا كما عن المختلف ، وفي الروضة : ولا قائل بالمنع منه
مطلقا ، ولعلّهما
فهما من إطلاق المنع في كلام من تقدم
التقييد بحال الاختيار.
لكن المستفاد من قوله (وبالجواز قال الشيخان)
وقوع الخلاف حال الاضطرار أيضا ، لتخصيصهما الجواز به في المقنعة والنهاية ، فلو لا الخلاف لما كان لنسبته إليهما
خاصة وجه ، لكنه لا ينافي دعوى الإجماع كوجود القائل بإطلاق المنع عندنا .
قيل : ومن جوازه بالحجر يستفاد جوازه
بالخزف بطريق أولى ، لعدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب ، كما
لم يخرج الحجر مع أنه أقوى استمساكا منه .
وهو حسن إن صحّ عدم الخروج. ولم يحتج
إلى الأولوية ، لكفاية صدق الاسم الذي هو المستند عنده في الحجر ، ولكنه محل شك
موجب للشك في صحة التيمم به. وهو الأجود في الاستدلال للمنع عنه ممّا في المعتبر
من
__________________
دعوى
خروجه
عن الاسم
، إذ هو محل شك. وعرفت أن استصحاب الجواز معارض بمثله في فساد العبادة فتبقى الذمة
مشغولة بها ، للأوامر السليمة عمّا يصلح للمعارضة.
(ومع فقد الصعيد)
مطلقا حتى الحجر على مذهب الأكثر كما عن التحرير والتذكرة ، وهو ظاهر جماعة . أو التراب خاصة وإن وجد الحجر كما في
ظاهر القواعد والشرائع
، والمحكي عن ظاهر المبسوط والمقنعة والمنتهى ونهاية الإحكام ، وصريح المراسم والجامع . ومقتضاه جواز الغبار مع الحجر دون
التراب. والأول أنسب بما يرونه من تعميم الصعيد لهما وعدم اشتراط الأول بفقد
الثاني :
(تيمم بغبار)
متصاعد من الأرض على (الثوب
واللّبد وعرف الدابة) مخيّرا على الأشهر
بين الثلاثة.
خلافا للنهاية فقدّم الأخيرين ـ مخيّرا
بينهما ـ على الأول .
وللحلّي فعكس فقدّم الأول عليهما .
ولا مستند لهما سوى ما عن المنتهى للأول من كثرة وجود أجزاء التراب غالبا فيهما
دون الثوب .
وظاهر النصوص مع الأوّل ، وهي المستند
في أصل الحكم بعد الإجماع
__________________
المحكي عن المعتبر
والتذكرة
، ففي الصحيح : عن المواقف إن لم يكن على وضوء ولا يقدر على النزول كيف يصنع؟ قال
: « يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته ، فإنّ فيها غبارا » .
وفيه : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد
سرجه فليتيمم من غباره أو شيء مغبر » .
ويستفاد منه ومن ظاهر الأكثر اعتبار
اجتماع غبار يتيمم به في الثلاثة ونحوها ، فيقيّد الأوّل به وبأصرح منه صحيح أيضا
: « إذا كنت في حالة لا تقدر إلّا على الطين فتيمّم به ، فإنّ الله تعالى أولى
بالعذر إذا لم يكن معك تراب جاف ولا لبد تقدر على أن تنفضه وتتيمّم به » .
ثمَّ ظاهر المتن كالأكثر والمحكي عن
صريح نهاية الإحكام والسرائر
اشتراط التيمم بالغبار بعدم التمكن من الأرض ، وعن التذكرة الإجماع عليه .
وهو الحجّة فيه كالصحيح : « إذا كانت
الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم منه ، فإنّ ذلك
توسيع من الله عزّ وجلّ ، وإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شيء
مغبر » الخبر .
وعلّله في المنتهى بأن الصعيد هو التراب
الساكن الثابت. وهو كما ترى.
__________________
واحتمل
فيه العدم
مقوّيا له ، معلّلا بأن الغبار تراب فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله فصار
ترابا مطلقا .
وهو حسن ـ وفاقا له وللمرتضى في الجمل ـ إن خرج منها تراب صالح مستوعب لمحالّ
المسح وإلّا فالعدم أقوى ، لا لعدم تسميته صعيدا ، بل لعدم امتثال المأمور به على
وجهه. ولعلّ اختياره في كلام الأكثر منوط بعدم خروج مثل ذلك كما هو الغالب ،
والأحوط مراعاة الأكثر.
(ومع فقده)
أي الغبار (تيمّم
بالوحل) اتفاقا كما عن المعتبر وظاهر التذكرة
والمنتهى .
وهو الحجة فيه ، كالمستفيضة منها الصحيح : « وإن كان في حال لا يجد إلّا الطين فلا
بأس أن يتيمم منه » .
وفي الموثق نحوه في الحصر المستفاد منه ـ كظاهر الأصحاب المدّعى
عليه الوفاق
ـ الترتيب واشتراط فقد ما سبق عليه في التيمم به.
فالقول بتقديمه على الغبار مطلقا ـ كما
عن المهذّب
، وبه صرّح بعض متأخري الأصحاب
ـ ليس في محلّه وإن دلّ عليه الخبر
، لضعفه. نعم :
__________________
حسن لو أمكن تجفيفه
بحيث يصير ترابا ، ولكنه ليس محل خلاف.
والأصح في الكيفية ما عن السرائر من أنه
كالتيمم بالأرض .
خلافا لجماعة كالشيخين في المقنعة
والنهاية ، فاعتبروا بعد ضرب اليدين مسح إحداهما بالأخرى وفرك طينهما بحيث لا يبقى
فيهما نداوة
، وعلّله في المعتبر بعد أن استوجهه بظاهر الأخبار . وهو ممنوع ، كيف لا؟! ولا ذكر لما ذكر
فيها ، مع احتماله الإخلال بالموالاة.
ولآخرين كالوسيلة والتحرير ، فاعتبروا
التجفيف ثمَّ النفض والتيمم به .
وعن التذكرة ونهاية الإحكام أنه الوجه
إن لم يخف فوات الوقت ، فإن خاف عمل على الأوّل أي مذهب الشيخين .
قلت
: وقد
يفوت الوقت بالأوّل ، فتعيّن المسحان من غير فرك.
ومع فقد الوحل سقط فرض الصلاة وإن وجد
الثلج الذي لا يتمكن معه على التوضؤ والاغتسال ولو بأقل جريان مطلقا ، وفاقا للأكثر ، لعدم صدق الوضوء
والاغتسال بمسحه على محلّهما بحيث يحصل شبههما ، كعدم صدق التيمم المعتبر فيه
الأرض بمسحه على محلّه ، فظهر ضعف القول بالأوّل كما عن الشيخ ، وبالثاني كما عن المرتضى .
__________________
وليس في الصحيح : عن رجل أجنب في سفر
ولم يجد إلّا الثلج والماء الجامد ، فقال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم » الخبر .
دلالة عليه ، لاحتماله التيمم بالتراب ،
تنزيلا لكلام السائل بإرادته من السؤال عدم وجدانه من الماء إلّا الثلج ، لا عدم
وجدانه ما يتطهّر به مطلقا .
كما لا دلالة لأخبار الاغتسال به إذا بل
الجسد على الأوّل
، لاحتماله البلل الذي يحصل معه أقل الجريان ، ومعه يندفع الاستدلال. نعم : هو
الأحوط إن أمكن وإلّا فمختار المرتضى ، ويتم الاحتياط بالقضاء إن أوجبناه بفقد
الطهور مطلقا. والله أعلم.
__________________
(الثالث :) (في)
بيان (كيفيته و)
يتعلق بها أنه (لا يصح قبل
دخول الوقت ، ويصح مع تضيّقه) إجماعا في
المقامين ، ونصوصا ، فحوى في الأوّل ونصّا في الثاني.
(وفي صحته مع السعة
قولان).
أحدهما
:
الجواز إمّا مطلقا ، كما عن الصدوق والمنتهى والتحرير والإرشاد والبيان وظاهر
الجعفي والبزنطي
، وهو مختار جمع من المتأخرين .
أو مع عدم رجاء زوال العذر ، كما عن الإسكافي والمعتبر وظاهر العماني ، وإليه مصير الفاضل في جملة من كتبه ، وكثير من المتأخرين .
وثانيهما
وهو الذي
جعله الماتن (أحوطهما)
: لزوم (التأخير)
إلى آخر الوقت مطلقا ، وهو المشهور بين القدماء ، بل عليه الإجماع عن الانتصار
والناصرية والطوسي والقاضي في شرح جمل السيّد والغنية والسرائر . ولا دليل عليه سواه ، وسوى إطلاق
الرضوي : « وليس للمتيمّم أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت ، أو : إلى أن يتخوف خروج
وقت الصلاة » .
__________________
ونحوه الخبر : « واعلم أنه ليس ينبغي
لأحد أن يتيمم إلّا في آخر الوقت » .
وفي الجميع نظر :
لوهن الأوّل بمصير أكثر المتأخرين إلى
الخلاف وإن اختلفوا في إطلاق الجواز.
والثاني بمصير الصدوق المعتمد عليه في
الغالب إلى خلافه. وهو وهن عظيم فيه ، إذ العمدة في اعتباره في الأحكام إنما هو
بعمله به وتوغل اعتماده عليه حتى يجعل عبارته في الغالب عين عبارته.
وقصور الثالث عن الدلالة على اللزوم لو
لم نقل بدلالته على العدم.
ومع ذلك فالجميع معارض بالأخبار الكثيرة
التي (كادت)
تبلغ التواتر ، الظاهرة في الجواز المطلق ، من حيث الدلالة على أن من تيمّم وصلّى
ثمَّ وجد الماء لا إعادة عليه. وهي ما بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال في ذلك ،
وخاصة فيه مصرّحة بعدمها في الوقت.
فمن الأوّل الصحاح المستفيضة منها : عن
رجل أجنب فتيمّم بالصعيد وصلّى ثمَّ وجد الماء ، فقال : « لا يعيد إنّ ربّ الماء
ربّ الصعيد .
والتعليل هنا وفي غيره يؤكد الإطلاق.
ومن الثاني الأخبار المستفيضة ،
كالموثقين ، في أحدهما : عن رجل تيمّم وصلّى ثمَّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت ،
فقال : « ليس عليه إعادة
__________________
الصلاة » .
ونحوهما الخبر : في رجل تيمّم وصلّى ،
ثمَّ أصاب الماء وهو في وقت ، قال : « قد مضت صلاته وليتطهّر » .
وقريب منها الصحيح : وإن أصاب الماء وقد
صلّى بتيمّم وهو في وقت ، قال : « تمّت صلاته ولا إعادة عليه » .
وحمله على كون الصلاة في الوقت دون
إصابة الماء بعيد غير جار فيما تقدّمه ، كحملها على صورة حصول العلم أو الظن
بالضيق.
ولا ينافيها الأمر بالإعادة في الصورة
المزبورة في الصحيح : عن رجل تيمم وصلّى فأصاب بعد صلاته ماء ، أيتوضأ ويعيد
الصلاة أم تجزيه صلاته؟
قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي
الوقت توضأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه » .
لاحتماله الاستحباب كما صرّح به
الأصحاب. ويفصح عنه نفي الإعادة فيه في خارج الوقت ، وظاهر الموثق : في رجل تيمم
وصلّى ثمَّ أصاب الماء ، قال : « أما أنا فإني كنت فاعلا ، إني كنت أتوضأ وأعيد » .
__________________
مع أنه لا قائل بإطلاقه ، وهو أمارة
أخرى على استحبابه. ومنه يظهر قوة القول الأوّل.
مضافاً إلى إطلاق إيجابه سبحانه التيمم
عند إرادة القيام إلى الصلاة عند فقد الماء ، فلا يتقيد بضيق الوقت.
المؤيد بإطلاقات الكتاب والسنّة الدالّة
على دخول الوقت بالزوال ونحوه وتيمم العاجز عن استعمال الماء والصلاة بعده من دون
تقييد.
وباستلزام التأخير المطلق العسر والحرج
المنفيين عقلا وشرعا ، سيّما في الأوقات التي لا تعلم أواخرها إلّا بالترصيد.
وتكليف العوام بتحصيله كاد أن يلحق بالتكليف بالمحال ، وخصوصا لذوي الأعراض
والأمراض الشاقّ عليهم التأخير إلى الضيق.
مع كون الأمر به على بعض الوجوه لغوا
محضا مفوّتا لكثير من المستحبات المؤكدة الملحق بعضها بالوجوب كفعل العبادة في
وقتها الاختياري ، بل ومضيّعا لخصوص العبادة ، فقد وجدنا كثيرا أداء التأخير إلى
الضيق إلى التضييع ولو اضطرارا من غير اختيار بنوم وشبهه.
والمعتضد بالصحيح : في إمام قوم أصابته
جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل ، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال : « لا ، ولكن
يتيمم الجنب
ويصلي بهم ، إنّ الله تعالى قد جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » .
لعدم إيجابه 7 على الإمام والمأمومين تأخيرهم الصلاة
إلى ضيق الوقت مع غلبة وقوعها جماعة في أوّله ، ويبعد غاية البعد تأخير المأمومين
__________________
إلى آخر الوقت لدرك
فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام المتيمم مع وجود إمام متوضئ ، مع كونه في غاية
شدة الكراهة وكمال المرجوحية بالاتفاق والمعتبرة ، سيما على القول بتنويع الوقت
بالاختياري والاضطراري ، وحمله على اتفاق وقوع التأخير للمأمومين سيّما وجميعهم
إلى ذلك الوقت بعيد جدا.
ولو لا الأخبار الآمرة بالتأخير إلى
الضيق مع رجاء الزوال ـ كما هو ظاهر موردها ـ المعتضدة بالكثرة والشهرة بين قدماء
الطائفة في الجملة ، المدّعى عليها الإجماعات المستفيضة ، المؤيدة بلزوم الاحتياط
معها في العبادة التوقيفية ، لكان المصير إلى التوسعة متعينا بالضرورة.
فمنها الصحيح : « إذا لم تجد ماء وأردت
التيمم فأخّر التيمم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » .
وليس فيه ـ كمضاهيه ـ الدلالة على
اعتبار الضيق مطلقا ، لإشعار التعليل بصورة الرجاء لا مطلقا. فالقول بالتفصيل قوي
جدّاً.
ومع ذلك فالمصير إلى إطلاق الجواز غير
بعيد ، لقوة الظن المستفاد من أدلته ، واحتمال الأمر بالتأخير في الأخبار
الاستحباب ، لكثرة استعماله فيه ، مع التعبير عنه فيما تقدّم بلفظة « لا ينبغي » الظاهرة في الكراهة
الصالحة لصرفها عن ظاهرها ، فالظهور المستفاد منها ضعيف بالإضافة إلى الظنون
المستفادة من أدلة التوسعة.
ولكن المسارعة إلى طرح الإجماعات
المنقولة المستفيضة المؤيدة بالشهرة العظيمة وظواهر الأخبار المزبورة بالمرّة جرأة
عظيمة ، سيّما في مثل
__________________
العبادة
التوقيفية
اللازم فيها تحصيل البراءة اليقينية ، فلا يترك التأخير مع رجاء الزوال البتة ، بل
مطلقا ، وإن كان القول بإطلاق التوسعة لا يخلو عن قوة.
(وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه
روايتان ، أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة)
المكتنف بها الجبينان.
ففي الموثق : عن التيمم ، فضرب بيديه
الأرض ، ثمَّ رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح بهما جبهته وكفّيه مرّة واحدة .
وهو وإن روى في الكافي ـ الذي هو أضبط ـ
بذكر الجبين بدل الجبهة إلّا أنه بالشهرة بين الأصحاب أرجح. مضافا إلى اعتضاده
بالمحكي عن العماني
من تواتر الأخبار بمسح الجبهة والكفّين في تعليم عمّار .
وبالرضوي : « تضرب بيديك على الأرض ضربة
واحدة تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف » إلى آخره .
وبالإجماعات المنقولة على نفي وجوب مسح
الزائد من القصاص إلى طرف الأنف المعبّر عنه بالجبهة عن الناصرية والانتصار
والغنية .
هذا مع ما في النسخة الأخرى من الشذوذ
والمرجوحية إن حمل الجبين فيها على ما اكتنف الجبهة خاصة ، بناء على ظهورها ـ لورودها
في العبادة ـ في كونه الواجب خاصة دون الجبهة ، ولا قائل به ، بل على وجوب مسحها
الإجماع
__________________
عن الانتصار ، وصرّح بالوفاق في الذكرى ، وصرّح به الصدوق في الأمالي ، وحكي عنه ذلك صريحا وإن اختص عبارته في الفقيه بالجبين
وادعى عليه في الأمالي الإجماع .
فلا بدّ من طرح تلك النسخة كالأخبار
المضاهية لها ، كالصحيح : « ثمَّ مسح جبينه بأصابعه » ونحوه آخران .
أو تأويلها إمّا بحملها على ما يعمّ
الجبهة. أو تخصيصها بها كما هو الأقوى ، للشهرة ، والإجماعات المنقولة ، وشيوع
التعبير عن الجبهة بالجبين خاصة في المعتبرة كالموثق : « لا صلاة لمن لا يصيب أنفه
ما يصيب جبينه »
ونحوه الحسن .
فيصلح حينئذ اتخاذ أخبار الجبين مستندا للجبهة.
ولعلّ دعوى الماتن كغيره أشهرية روايتها
منوط بفهمهم من أخبار الجبين
__________________
الجبهة ، إذ هي
الأخبار المشهورة دون الموثقة المزبورة المتزلزلة بحسب النسخة.
فانحصر الأخبار المقابلة لأشهر
الروايتين في الدالّة على مسح الوجه الظاهرة في الاستيعاب ، وهي كثيرة تبلغ اثنى
عشر حديثا أكثرها بحسب السند معتبرة.
لكنها ما بين شاذة ، لتضمنها الوجه
والكفين لا الذراعين ، ولا قائل به ، إذ القول بالاستيعاب يشملهما كالقول بالعدم
ولا ثالث يفرق. أو محمولة على التقية ، لتضمنها الذراعين.
ومع ذلك فهي غير مقاومة لما تقدّم من
الأدلة ، وخصوص الآية والصحيح المفسّر باءها بالتبعيضية .
فتطرح أو تؤول بما يؤول إلى الأول بحمل
الوجه فيها على الجبهة. ولا بعد فيه ، لشيوع التعبير عنه في المعتبرة في بحث
السجود ، كالصحيح : « إني أحب أن أضع وجهي موضع قدمي » .
والصحيح : « خرّ وجهك على الأرض من غير
أن ترفعه » .
فالقول باستيعابه ـ كما عن والد الصدوق ـ ضعيف جدّاً. كضعف إلحاق الجبينين
بالجبهة كما عنه .
إلّا أنه أحوط ، لدعواه الإجماع عليه في
__________________
الأمالي ، مع ظهور الأخبار المتقدمة فيه ، وإن
عورضا بأقوى منهما ، إلّا أن الاحتياط مهما تيسّر أولى.
وألحق
الصدوق
الحاجبين .
ولا دليل عليه إلّا ما يتوقف عليه منهما مسح تمام الجبينين من باب المتقدمة إن
قلنا بلزوم مسحهما.
نعم : في الرضوي : « وقد روي أنه يمسح
الرجل على جبينيه وحاجبيه » .
ولكنه مرسل غير مكافئ لما تقدّم من
الأخبار البيانية المقتصرة على الجبهة أو الجبينين خاصة ، ولكنه أحوط.
(و)
أشهر الروايتين أيضا اختصاص المسح (بظاهر الكفين)
من الزندين إلى رؤوس الأصابع. وهو الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
منها الصحيح : وضع كفّيه على الأرض ،
ثمَّ مسح وجهه وكفّيه ، ولم يمسح الذراعين بشيء .
والموثق : ثمَّ مسح بهما جبهته وكفّيه
مرّة واحدة .
والرضوي : « ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح
بها اليمنى إلى حدّ الزند ، تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى اليسرى » .
وبها يقيّد ما أطلق فيه اليدان
كالصحيحين
، وعليها عمل أكثر
__________________
الأصحاب ، بل عليه
الإجماع عن الناصرية والأمالي والغنية .
فالروايات بمسح الذراعين
مع قلّتها وقصور سند بعضها مطرحة أو محمولة على التقية ، فالقول به ـ كما عن والد
الصدوق
ـ ضعيف. كضعف القول ببعض الكف من أصول الأصابع
، لضعف مستنده بالإضافة إلى ما تقدم كالمرسل كالصحيح : « فامسح على كفّيك من حيث
موضع القطع ، وقال (وَما كانَ رَبُّكَ
نَسِيًّا)
مع احتماله موضع القطع عند العامة إشارة بالمعرّف باللام إلى المعهود الخارجي.
(وفي عدد الضربات)
في بدل كلّ من الوضوء والغسل هل هو واحد فيهما ، كما عن العماني والإسكافي والمفيد
في العزّية والمرتضى في الجمل وشرح الرسالة وظاهر الناصرية ، والصدوق في ظاهر المقنع والهداية ، وهو ظاهر الكليني ـ لاقتصاره بذكر
أخبار المرّة ـ والقاضي
، وصريح المعتبر
__________________
والذكرى
والمدارك
، ونسبه في
السرائر إلى قوم من أصحابنا
، وإليه مال جدّي وخالي المجلسيان
ـ رحمهما الله ـ وذهب إليه كثير من المتأخرين ومتأخريهم ، وحكته العامة عن علي 7 وعمّار وابن عباس وجمع من التابعين .
أو متعدّد فيهما ، كما عن أركان المفيد
ووالد الصدوق
، والمحكي من عبارته اعتبار الثلاث مرة للوجه ومرة لليمنى واخرى لليسرى.
أو التفصيل ، فالأوّل في الأوّل والثاني
في الثاني ، كما ذهب إليه الأكثر.
(أقوال أجودها)
الأخير (للوضوء
ضربة وللغسل ضربتان) جمعا بين النصوص
المستفيضة الظاهرة في إطلاق المرّة لورودها في بيان العبادة ، والظاهرة في إطلاق
المرّتين.
ولا شاهد له إلّا ما يتوهم من الصحيح :
« هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثمَّ تنفضهما نفضة
للوجه ومرّة لليدين » الخبر .
بناء على كون الواو للاستيناف المقتضي
جعل ما بعدها مبتدأ وجملة « تضرب » خبرا له. وهو مع مخالفته الظاهر لا دليل عليه
بعد احتماله العطف
__________________
المقتضي للتسوية بين
الوضوء والغسل المنافية لما ذكروه.
مضافا إلى رجحانه بملاحظة الموثق : عن
التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ فقال : « نعم » .
ونحوه الرضوي : « وصفة التيمم للوضوء
والجنابة وسائر أبواب الغسل واحد ، وهو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة تمسح
بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ، ثمَّ تضرب بهما اخرى فتمسح
بها اليمنى إلى حدّ الزند ، وروى من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى وباليمنى
اليسرى » .
وحمله على التقية بناء على مصيرهم إلى
التسوية
غير ممكن ، لاشتماله على الجبهة والكفين ، فيبعد في الموثق أيضا.
فحينئذ لا دليل على التفصيل ، بل هو
قائم على خلافه. نعم : ادعى عليه الإجماع في الأمالي فقال : من دين الإمامية
الإقرار بأن من لم يجد الماء ـ إلى قوله ـ : ضرب على الأرض ضربة للوضوء ويمسح بها
وجهه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى ، ثمَّ يمسح ظهر يده
اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثمَّ يمسح اليسرى كذلك ، ويضرب
بدل غسل الجنابة ضربتين ضربة يمسح بها وجهه واخرى ظهر كفيه .
انتهى. وهو ظاهر التبيان ومجمع البيان .
__________________
فيصلح
هذه الإجماعات
المنقولة وجها للجمع. ولكن كلام الأخيرين ليس نصّا في دعوى الإجماع ، سيّما مع
نقلهما القول بالضربتين من قوم من أصحابنا. والأوّل وإن كان أظهر منهما دلالة
عليهما ، إلّا أن ظاهره دعوى الإجماع على كون الضربة الاولى في الجنابة للوجه
الظاهر في المجموع ، مضافا إلى تخصيصه الجبهة بالوضوء خاصة فيوهن لذلك. وبعد
تسليمه فهو كسابقيه موهون بمصير معظم الأصحاب ومنهم هو في كتابيه ووالده وشيخه
الكليني وغيرهم ـ كما عرفت ـ إلى خلافه.
ولقد كتبنا رسالة مبسوطة في تزييف هذا
القول وتعيين الأول ، لظواهر الأخبار البيانية المسلّم دلالتها عند المشهور على
المرة ولو في الجملة ، ولذا استدلوا بها للاكتفاء بها في الوضوء خاصة ، وصحاحها
واردة في بيان التيمم بدلا من الجنابة ، ومعه لا يصح الحمل على الوضوء ، منهما
الصحيح في بيان وصف النبي 9
التيمم لعمّار : « أفلا صنعت كذا » ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد
، ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه ، وكفّيه إحداهما بالأخرى ، ثمَّ لم يعد ذلك .
وفي التتمة إشعار بل ظهور بكون المبيّن
الملحوظ بيانه اتحاد الضرب أو تعدده ، وظاهره كونها من كلام الإمام 7 ، فنقله 7
عدم الإعادة في نقل بيان العبادة ظاهر في عدم لزومها.
وقريب منه الموثق لزرارة عنه 7 : عن التيمم ، فضرب بيديه الأرض ثمَّ
رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح على جبهته وكفّيه مرّة واحدة ونحوه
__________________
خبر آخر .
وحمل المرة على المسح خاصة دون الضربة
بعيد ، إذ ليس تعدّده محل توهّم أو مناقشة من عامة أو خاصة ، فنقله خال عن الفائدة
بالمرّة. بل الظاهر رجوعها إلى الضربة ، لفائدة بيان تخطئة ما عليه أكثر العامة من
نفي الضربة الواحدة.
فاندفع ما يورد على هذه الأخبار من
الإجمال المنافي للاستدلال ، لاحتمال ورودها بيانا لكيفية المسح وأنه ليس يجب على
جميع الأعضاء ـ كما توهّمه عمّار ـ بل على المواضع الخاصة ، لا لبيان العدد.
لمخالفته الظاهر ، مع عدم قبول ذلك
الصحيح المتقدم كالخبرين بعده.
مضافا إلى أنّ الراوي له وللموثق ـ كغيره
ـ زرارة الذي هو أفقه من أكثر رواه أصحابنا ، وهو أجلّ شأنا عن سؤاله عن نفس
الكيفية لأجل توهّمه ما توهّمه عمّار ، بل الظاهر سؤاله عن عدد الضربات التي صارت
مطرحا بين العامة والخاصة ، ولذا أجابه 7
في الحديث المتقدم بما يتعلق به. ولعلّه الظاهر من سؤال غيرهم من الرواة ، حيث
رأوا العامة اتفقوا على تعدد الضربات مطلقا ، فسألوا أئمتهم صلوات الله عليهم
استكشافا لذلك ، فأجابوهم :
بما ظاهره الوحدة مطلقا.
وبما ذكرنا ظهر وضوح دلالتها عليها.
ويؤيده اشتهار نقل ذلك بين العامة عن علي 7
وابن عباس وعمّار الموافقين للشيعة في أغلب الأحكام ، ويؤيد النقل مصير أكثرهم إلى
الخلاف واعتبارهم الضربتين مطلقا.
ومن هنا ينقدح الجواب عمّا دلّ على
اعتبارهما كذلك من الصحاح ،
__________________
منها : عن التيمم ،
فقال : « مرّتين مرّتين للوجه واليدين » .
نعم : ربما لا يجري ذلك في بعضها ،
كالصحيح : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفين »
لمصير العامة إلى الذراعين .
لكن عن الحنابلة اعتبار الكفين
، فيحتمل التقية فيه عن مذهبهم ، ويتقوّى بمعاصرتهم لمولانا الرضا 7 المروي عنه هذا الخبر.
ويؤيد الحمل المزبور تضمن بعضها المسح
على الوجه والذراعين ، كالخبر : « تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمَّ تنفضهما
وتمسح بهما وجهك وذراعيك » .
نعم : ربما يأبى هذا الخبر الحمل
المزبور من حيث تضمنه الأمر بالنفض الذي يأبى عنه العامة كما في المنتهى .
ونحوه في الإباء من هذا الوجه الصحيح :
« تضرب بيديك مرّتين ثمَّ تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » .
ونحوهما الرضوي المتقدم في الإباء عنه ، لكن من وجه آخر ، وهو
__________________
اشتماله
على الجبهة
والزندين المخالف لهم.
لكن الأوّل قاصر السند.
والثاني ضعيف الدلالة على اعتبار
المرّتين ، للوجه مرّة واخرى لليدين.
بل ظاهره تعاقب الضربتين ثمَّ المسح
بهما على الوجه واليدين على التعاقب مع تخلل النفضة.
والثالث موهون بمصير الصدوق ـ المعتبر
له ـ إلى إطلاق الوحدة تارة ، وإلى التفصيل اخرى ، وأبيه إلى المرتين أو الثلاث
كالمفيد إلى الأوّل. والسند في حجيته عملهم به المنتفي هنا ، فلا عبرة به. مضافا
إلى ما فيه أيضا بعد ما ذكرناه ممّا يشعر بالمرة مطلقا .
هذا ، والاحتياط بالجمع بين التيمم
بضربة واخرى بضربتين لا يترك مطلقا ، سيّما في البدل عن الغسل ، لأنّ المسألة من
المتشابهات ، وإن كان الاكتفاء بالمرّة مطلقا أقوى.
(والواجب فيه النية)
المشتملة على القربة بإجماع العلماء كافة ، والوجوب والندب والاستباحة عند معتبرها
في المائية.
دون رفع الحدث ، لعدم زواله بالتيمم
بإجماع الطائفة وأكثر العامة كما عن الخلاف والمنتهى ، بل كلّهم كافة كما عن المعتبر
والتذكرة
، بل قيل بالبطلان معه
، فتركه أحوط.
__________________
والبدلية
عن الوضوء
والغسل ، إمّا مطلقا كما عن الخلاف
، أو مع عدم مساواة تيممهما في عدد الضربة كما عن المعتبر ، أو إذا كان في الذمة تيمّمان أحدهما
بدل من الوضوء والآخر من الغسل ، للافتقار إلى التميز. ولا دليل على شيء من ذلك
سوى الأخير ، لتوقف صدق الامتثال عليه.
والأشهر
العدم مطلقا
، للأصل ، وفقد المخصّص ، مضافا إلى صدق الامتثال. وهو حسن بالإضافة إلى ما عدا
الأخير ، وفيه لا ، لوجود المخصّص بالإضافة إليه ، ومنع صدق الامتثال مطلقا.
وحيث إنّ النية عندنا هي الداعي إلى
الفعل التي لا تنفك عنه على حال دون المخطر بالبال كفانا ذلك مئونة الاشتغال بذكر
محلّها (و)
بيان (استدامة
حكمها) ومضى التحقيق فيه في بحث النية ومباحث
الوضوء.
(والترتيب)
بأن (يبدأ)
بوضع اليدين على الصعيد إجماعا ، باعتماد كما هو الأشهر الأظهر ، وورد الأمر به في
عدّة أخبار صحيحة
بها يقيّد إطلاق الآية وغيرها من المعتبرة
، مضافا إلى الاحتياط اللازم في العبادة التوقيفية.
خلافا للذكرى والدروس ، فاكتفى بمسمّى
الوضع . وهو ضعيف.
ويعتبر معيّة اليدين في الضرب إجماعا
كما حكي
، ودلّت عليه أكثر النصوص. وينبغي تقييده بالاختيار ، فلو تعذّرت لقطع أو مرض أو
ربط اقتصر
__________________
على
الميسور ومسح الجبهة به
، وسقط مسح اليد. ويحتمل قويا مسحها بالأرض كما يمسح الجبهة بها لو كانتا مقطوعتين
، لعموم عدم سقوط الميسور بالمعسور .
قيل : وليس كذلك لو كانتا نجستين ، بل يمسح بهما كذلك مع تعذّر التطهير
، إلّا أن تكون متعدية أو حائلة فيجب التجفيف وإزالة الحائل مع الإمكان ، فإن
تعذّر ضرب بالظهر إن خلا منها ، وإلّا ضرب بالجبهة في الأوّل وباليد النجسة في
الثاني ، كما لو كان عليها جبيرة.
ثمَّ يبدأ (بمسح الجبهة)
مستوعبة عندنا ، بهما معا كما هو المشهور ، تبعا لظاهر أكثر النصوص المعتبرة
المقيّد به إطلاق ما عداه ، مضافا إلى الاحتياط اللازم هنا. فظهر ضعف اجتزاء
الإسكافي بإحداهما ومستنده .
ولا ريب فيه مع الاضطرار.
والمتبادر
من الأخبار
اعتبار الباطن كما هو نص المقنعة والمراسم والمهذّب والسرائر والذكرى والدروس . ولو تعذّر فالظهر كما عن الذكرى ، إذا الميسور لا يسقط بالمعسور. وإن
اختص المانع منه بإحداهما ففي الاجتزاء بباطن الأخرى ، أو لزوم ضمّ ظهر الاولى
إليه وجهان ، أوجههما الثاني ، لما ذكر.
وينبغي البدأة بالأعلى إلى طرف الأنف
الأعلى كما هو الأشهر ، للرضوي
__________________
المتقدم ، وعموم البدلية ـ مع تأمل ما فيهما ـ مضافا
إلى الاحتياط اللازم المراعاة.
(ثمَّ)
يتبعه (بمسح ظهر
اليد اليمنى) من الزند ببطن
اليسرى (ثمَّ بظاهر
اليسرى) كذلك ببطن اليمنى ، مبتدئا فيهما
بالأعلى ، لما مرّ. مستوعبا لهما بإجماعنا وإجماع أكثر
العامة كما عن المنتهى . وهو المتبادر من الأخبار. كتبادر
البطن في الماسح والظهر في الممسوح ، مضافا إلى الإجماع عليه ، والتصريح به في
الخبرين :
أحدهما : الحسن : ثمَّ مسح كفيه إحداهما
على ظهر الأخرى .
والثاني : الموثق المروي في آخر السرائر
: ثمَّ مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى ، مسح اليسرى على اليمنى ومسح اليمنى على
اليسرى .
وبهما يقيد إطلاق غيرهما على تقديره.
وظاهر الثاني الترتيب ، وأصرح منه
الرضوي المتقدم. وهما الحجة في اعتباره بين اليدين وبينهما وبين الجبهة ، مضافا
إلى الإجماع عليه في التذكرة
، واقتضاء عموم البدلية ، والاحتياط اللازم في نحو المسألة.
__________________
(الرابع :)
(في أحكامه ، وهي
ثمانية :)
(الأوّل :)
(لا يعيد ما صلّى بتيممه)
الصحيح شرعا في السفر مع ظن ضيق الوقت مطلقا إجماعاً. وفي الحضر كذلك على الأشهر
الأظهر ، بل عليه إجماع العلماء كافة عدا طاوس كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى ، للأصل ، وإطلاق الصحاح المستفيضة ،
منها : عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال : « يتيمم بالصعيد فإذا وجد الماء
فليغتسل ولا يعيد الصلاة » .
ومنها : « لا يعيد ، إنّ ربّ الماء ربّ
الصعيد ، قد فعل أحد الطهورين » .
خلافا للمرتضى في شرح الرسالة فيه إذا
تيمم لفقد الماء
، ومستنده غير واضح ، عدا ما ربما يستدل له بالخبرين المبيحين للتيمم لمن في
الزحام يوم الجمعة قال : « يتيمم ويصلّى معهم ويعيد إذا انصرف » .
وهما مع أخصيّتهما من المدّعى قاصران عن
المكافأة لما تقدم. هذا مع أنّ المحكي عن الخلاف الإجماع على عدم الفرق بين
المسافر والحاضر في عدم الإعادة مطلقا .
__________________
وكذا
لا إعادة
مع التيمم في سعة الوقت مطلقا إن جوّزناه في الجملة أو مطلقا على الأشهر الأظهر ،
لعين ما تقدّم ، مضافا إلى خصوص المعتبرة المستفيضة ، المتقدمة في مسألة اعتبار
الضيق أو كفاية السعة ، الناصة على عدم الإعادة بوجدان الماء في الوقت .
خلافا للعماني والإسكافي فأوجبا الإعادة
، للصحيح
المتقدم مع الجواب عنه ثمّة ، فلا وجه للإعادة.
(ولو تعمد الجنابة لم يجز التيمم ما لم يخف
التلف) أو الضرر إجماعا ، لتمكّنه من استعمال
الماء بالضرورة. ومع خوف شيء منهما جاز وصحّ على الأصح الأشهر ، للأصل ،
والعمومات ، وإطلاق خصوص المعتبرة ، منها الصحاح المستفيضة ، منها : في الرجل
تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح ، قال : « لا يغتسل ويتيمم » ونحوها ما سيأتي.
خلافا للشيخين ، فأوجبا عليه الطهارة
بالماء وإن أصابه ما أصابه
، لأخبار قاصرة الأسانيد
ضعيفة التكافؤ لما مرّ ، مخالفة للأصول القطعية من الكتاب والسنّة والدلالة
العقلية ، مضادة للإجماع على جواز الجنابة حينئذ ، وللنصوص الدالة عليه كالصحيحين
: عن الرجل يكون معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال : « ما أحبّ أن
يفعل إلّا أن يخاف على نفسه » قال قلت : يطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء
، قال : « إنّ الشبق يخاف على نفسه » قال ، قلت : طلب بذلك اللذة ، قال : « هو
حلال » قلت : فإنه يروى عن
__________________
النبي
9 أن أبا ذر سأله عن هذا فقال : « ائت
أهلك تؤجر » فقال : يا رسول الله آتيهم وأوجر؟! فقال رسول الله 9 : « كما أنت إذا أتيت الحرام أزرت
وكذلك إذا أتيت الحلال أجرت » فقال الصادق 7
: « ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر » .
وبالجملة : لا يرتاب في بطلان هذا القول
ذو مسكة.
ثمَّ على المختار (فإن خشي فتيمّم وصلّى
ففي) وجوب (الإعادة)
كما عن النهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والمهذّب والإصباح وروض الجنان (تردّد)
ناش من عموم الأدلة النافية لها من الأصل والصحاح المستفيضة المتقدمة في المسألة
السابقة ، ومن خصوص الخبرين ، أحدهما الصحيح : « عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة
الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : يتيمم ويصلّي فإذا أمن البرد
اغتسل وأعاد الصلاة » .
(أشبهه)
وهو الأشهر (أنه لا)
يجب أن (يعيد)
لقصور الخبرين ـ مع إرسال الثاني ـ عن المكافأة لما مرّ ، لكثرة العدد ، والاعتضاد
بالأصل والشهرة فيه دونهما ، مع أنه لا إشعار فيهما بالتعمد بل ظاهران في الاحتلام
، فحملهما على الاستحباب متعيّن ، والتخصيص لما مرّ غير ممكن.
(وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزحام)
من الطهارة المائية (يوم
الجمعة تيمّم وصلّى) الجمعة أو الظهر
إذا ضاق وقتها
، بلا خلاف في
__________________
الظاهر ، بل حكي
صريحا ، لصدق عدم
التمكن منها بذلك ، بناء على ضيق وقت الجمعة ، واستلزام تحصيلها فواته ،
وللمعتبرين ، أحدهما الموثق : عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا
يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا
انصرف » .
(وفي)
لزوم (الإعادة)
للصلاة مع الطهارة (قولان)
ناشئان من الخبرين ، ومن الأصل ، والعمومات ، وتعليل عدم الإعادة في بعض الصحاح
المتقدمة بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، وأنه فعل أحد الطهورين ، مضافا إلى عموم
البدلية المستفاد من كثير من المعتبرة.
وهو الأظهر ، وفاقا للمعتبر ، لقوة هذه الأدلة ، وقصور الخبرين عن
إفادة التخصيص ، بناء على قصور سندهما عن المكافأة لها من وجوه عديدة ، وظهور
ورودهما في الصلاة مع العامة المنبئ عن عدم صحة الجمعة معهم بل لزوم الظهر ووقتها
متسع ، فليس في تحصيل الطهارة المائية عذر يتوصل به إلى الانتقال إلى الترابية ،
والأمر بها مع الصلاة فيهما لعلّه للتقية والاتقاء على الشيعة ، وهو غير ملازم
لصحة التيمم والصلاة معهم بالضرورة. فالأمر بالإعادة مبني على عدم صحة التيمم ،
لفقد شرطه المعتبر فيها ، لا للزوم الإعادة معها.
ومن هنا يظهر وجه تخصيص العبارة بصلاة
الجمعة أو الظهر مع ضيق وقتها ، إذ لولاهما لما صحّ التيمم والصلاة ، فالإعادة إن
فعلهما ولو بوجه شرعي لازمة.
__________________
(الثاني :)
(يجب على من فقد الماء الطلب)
مع الإمكان وانتفاء الضرر ، إجماعا فتوى ونصّا. ومع عدمهما أو أحدهما فلا ، إجماعا
في الظاهر ، وللخبرين : « لا تطلب ولكن تيمّم ، فإني أخاف عليك التخلف من أصحابك
فتضلّ ويأكلك السبع » .
وعليه يحمل إطلاق الخبر : « لا تطلب
الماء يمينا وشمالا ولا بئرا ، إن وجدته على الطريق فتوضأ وإن لم تجده فامض » جمعا ، مضافا إلى قصور سنده ، ومخالفته
الإجماع والنص.
وحدّ في المشهور (في الحزنة)
بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة ، وهي المشتملة على نحو الأحجار والأشجار والعلو
والهبوط المانع من رؤية ما خلفه (بغلوة سهم)
بفتح الغين ، وهي مقدار رمية من الرامي بالآلة المعتدلين هما كالهواء.
(وغلوة سهمين في السهلة)
للخبر المنجبر
قصور سنده بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل إجماع كما عن ظاهر التذكرة
وصريح الغنية
، وعن الحلّي دعوى التواتر فيه .
__________________
ولا ينافيه الحسن : « إذا لم يجد
المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتميمّم وليصلّ
» إلّا على
تقدير فهم استيعاب الوقت بالطلب ، وليس نصّا فيه ، فيحتمل الدلالة على أنّ الطلب
في سعة الوقت والتيمم عند ضيقه.
وعلى تقدير المنافاة فلا يعترض به الخبر
السابق بعد الاعتضاد بما مرّ الموجب لقوة اعتبار سنده على سنده ، مضافا إلى شذوذه
وعدم مائل إليه سوى المعتبر وبعض من تابعه ممّن تأخر .
وربما يجمع بينهما بحمل هذا على رجاء
الحصول والسابق على جوازه .
وإطلاقه يقتضي الاكتفاء بالطلب في الجهة
الواحدة. والمشهور كما عن المبسوط والمهذّب وشرح الجمل للقاضي والغنية والإصباح
والإشارة والشرائع : إيجابه في الجهات الأربع
بل عن الغنية الإجماع عليه ، وهو كاف في الحجة. وربما وجّه استنباطها من النص بعدم
المرجح لبعضها ، وعدم معلومية تحقّق الشرط وبراءة الذمة بدون الطلب فيها.
وعن النهاية والاقتصاد والوسيلة :
الاقتصار على اليمين واليسار ويحتملان الأربع .
كالمحكي عن المفيد والحلبي من ذلك بزيادة الامام ،
__________________
لكون الخلف مفروغا
عنه بالمسير. فلا خلاف.
وإنما يجب الطلب كذلك مع احتمال وجوده
فيها ، فلو علم عدمه مطلقا أو في بعض الجهات سقط الطلب مطلقا أو فيه ، كما أنه لو
علم أو ظن ـ على اختلاف فيه ـ وجوده في أزيد من النصاب وجب قصده مع الإمكان ما لم
يخرج الوقت. والنص وإن كان مطلقا إثباتا ونفيا إلّا أن التقييد فيهما آت من الخارج
، لاستلزام القبح في الأمر بالطلب مع الأوّل ، وجواز التيمم مع فقد شرطه وهو العلم
بعدم التمكن مع الثاني ، مع أنّ شيئا من الصورتين ليس متبادرا منه ، فالرجوع في
غيره إلى الأصول متعيّن.
وتجوز الاستنابة فيه مع عدم إمكان
المباشرة ، بل قد يجب ولو بأجرة مع القدرة بشرط العدالة إن كانت ميسّرة ، وإلّا
فالاستنابة المطلقة كافية ، ويحتسب لهما الطلب على التقديرين بالضرورة.
(فإن
أخلّ) بالطلب
اللازم عليه (فتيمّم
وصلّى ثمَّ وجد الماء تطهّر وأعاد)
الصلاة إن أتى بها في السعة إجماعاً.
وكذا في الضيق على قول ظاهر من إطلاق
العبارة محكي عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية ، بناء على بطلان التيمم ، لفقدان شرطه
الذي هو الطلب.
وفيه منع ، بل شرطه الفقدان الحاصل هنا
، والطلب واجب آخر. فإذا : الأظهر العدم ، وفاقا للأشهر ، للأصل ، والعمومات
الخالية عن المعارض.
ويمكن تنزيل العبارة هنا وفي الكتب
المتقدمة على الصورة الاولى. فلا خلاف ولا كلام ، لفقد شرطه الذي هو العلم بعدم
التمكن.
__________________
(الثالث :)
(لو
وجد المتيمم الماء قبل شروعه)
في مشروط بالطهارة (تطهّر)
ـ مع عدم خوف فوات الوقت على الأصح ، وقيل : مطلقا ـ إجماعا ، بناء على انتقاض تيممه
بوجدانه مع تمكن استعماله إجماعا ، وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : قلت : فإن
أصاب الماء ورجا على ماء آخر وظنّ أنه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه؟ قال
: « ينتقض تيممه وعليه أن يعيد التيمم » .
وليس في إطلاقه ـ كغيره ـ اعتبار تمكن
الاستعمال بمضي زمان يسعه ، كما هو أحد القولين وأحوطهما.
وقيل باعتباره كما قدّمناه ، لأصالة بقاء الصحة ،
وعدم ما ينافيها في المستفيضة ، بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها ،
فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن.
وهو حسن لو لا معارضة أصالة الصحة في
التيمم بأصالة بقاء اشتغال الذمة بالعبادة ، وبعد التعارض تبقى الأوامر بها عن
المعارض سليمة.
ومظهر الثمرة فقد الماء بعد الوجدان قبل
مضي زمان الإمكان : فعليه إعادة التيمم مع عدم اعتباره ، ولا معه.
(و)
لو كان الوجدان (بعد
فراغه) منه (فلا إعادة)
مطلقا أو في الجملة كما مرّ.
__________________
(ولو كان في أثناء الصلاة)
مطلقا :
ففي وجوب الاستمرار مطلقا ولو قبل
القراءة ، كما عن المقنعة والخلاف والمبسوط والغنية والمهذّب والسرائر والجامع ، وكتب الماتن ، والعلّامة في جملة من كتبه ، ووالد الصدوق والمرتضى في شرح
الرسالة
، وهو الأشهر كما في الروضة
، بل عليه الإجماع في السرائر في بحث الاستحاضة .
أو
بشرط الدخول
في الركوع من الركعة الأولى ، كما عن المقنع والنهاية والعماني والجعفي والمرتضى
في الجمل .
أو من الركعة الثانية ، كما عن الإسكافي
.
أو الدخول في القراءة ، كما عن سلّار .
أو لزوم القطع مطلقا إذا غلب على ظنه
سعة الوقت بقدر الطهارة والصلاة ، وعدمه مع عدمه واستحباب القطع ما لم يركع ، كما
في الذكرى عن ابن حمزة .
__________________
أقوال.
أمّا المشهور منها (فقولان)
ذكرا أوّلا (أصحّهما
البناء) والاستمرار (ولو كان على تكبيرة
الإحرام) تبعا لمن مرّ ، لاستصحاب الصحة ،
وصريح بعض المعتبرة كالرضوي : « فإذا كبّرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأوتيت
بالماء فلا تقطع الصلاة ، ولا تنقض تيمّمك ، وامض في صلاتك » .
وظاهر غيره كالخبر : رجل تيمّم ثمَّ دخل
في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة
، قال : « يمضي في الصلاة » .
وقصور السند منجبر بالشهرة وبالتعليل
الآتي في الصحيح المتضمن للإمضاء في حقّ من صلّى ركعتين .
وفي الجميع نظر : لمعارضة استصحاب الصحة
باستصحاب بقاء شغل الذمة بالعبادة. فتأمل.
والأخبار بما هو أصحّ منها ، كالصحيح :
إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ، قال : « فلينصرف ويتوضأ ما لم يركع ، وإن كان
قد ركع فليمض في صلاته ، فإنّ التيمم أحد الطهورين » .
ونحوه الخبر : « إن كان لم يركع فلينصرف
وليتوضأ ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته » .
__________________
وبالتعليل في الأول يحصل الوهن في
التأييد بالتعليل المتقدم ، لوروده هنا بيانا للإمضاء بعد الركوع خاصة مع التصريح
بالإعادة قبله ، فلعلّ الأوّل كذلك. وليس حمل الركوع في هذين الخبرين على الصلاة
بأولى من حمل الصلاة في الأخبار السابقة على الركوع ، وليس بعده أقوى من بعد
الأوّل.
فمرجع جميع وجوه النظر إلى المعارضة.
ويمكن الجواب عنها بشيء جامع ، وهو
رجحان الأدلة الأوّلة بالاعتضاد بالشهرة الظاهرة والمحكية التي هي أقوى المرجحات
المنصوصة والاعتبارية.
فالقول الأوّل لا يخلو عن القوة ، إلّا
أنّ الأحوط الإتمام ثمَّ القضاء أو الإعادة.
كلّ ذا مع القول بجواز التيمم مع السعة
، وإلّا فلزوم الاستمرار والاستدامة لازم بالضرورة ، لاستلزام تركهما الإخلال
بالعبادة في الوقت المضروب لها في الشريعة.
وبما ذكرنا يظهر ضعف باقي الأقوال
المتقدمة ، مع خلوّها عن الأدلّة الشرعية بالمرّة ، عدا الثالث ، لإمكان الاستدلال
له بالجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع ولو صلّى ركعة كالخبرين ، في أحدهما : عن رجل
صلّى ركعة على تيمم ثمَّ جاء رجل ومعه قربتان من ماء ، قال : « يقطع الصلاة ويتوضأ
ثمَّ يبني على واحدة » .
وما صريحه الإمضاء بعد صلاة ركعتين
كالصحيح : في رجل لم يصب
__________________
الماء وحضرت الصلاة
، فتيمّم وصلّى ركعتين ثمَّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضأ ثمَّ
يصلي؟ قال : « لا ، ولكنه يمضي في صلاته فيتمّها ولا ينقضها ، لمكان أنه دخلها وهو
على طهور بتيمّم » الحديث .
ولكن قصور سند الأوّلين يمنع الجمع ،
مضافا إلى عدم الشاهد عليه ، بل وضوح الشاهد على خلافه كما مرّ ، لاستفاضة
المعتبرة المتقدمة المعتضدة بالشهرة القطعية بعدم الإعادة بعد الركوع المنافي
للأمر بها بعده في الخبرين القاصرين مكافاة لها من وجوه عديدة.
(الرابع :)
(لو تيمّم الجنب)
ومن في حكمه (ثمَّ أحدث
بما يوجب الوضوء أعاد) التيمم (بدلا عن الغسل)
مطلقا ، وجد ماء لوضوئه أم لا ، كما عن المبسوط والنهاية والجواهر والسرائر
والإصباح والجامع والشرائع .
وهو الأشهر الأظهر ، بناء على بقاء حدث الجنابة وعدم ارتفاعه بالتيمم ، لما مرّ من
استفاضة حكاية الإجماع عليه
، وإنّما غاية التيمم حصول الاستباحة به وقد زالت بزواله بطروّ ناقضة ، فالحدث أي
الحالة المانعة الناشئة عن الجنابة بحاله.
هذا مضافا إلى إطلاق الأخبار الناطقة
بلزوم التيمم ولو وجد ما يكفيه للوضوء ، منها الصحيح : في رجل أجنب في سفر ومعه
ماء قدر ما يتوضأ به ، قال : « يتيمّم ولا يتوضأ » .
__________________
ومفهوم الصحيح : « ومتى أصبت الماء
فعليك الغسل إن كنت جنبا ، والوضوء إن لم تكن جنبا » .
شرط في الوضوء عدم الجنابة ، وهي موجودة
، لما عرفت من عدم ارتفاعها بالتيمم ، إذ غايته حصول الاستباحة لا الطهارة عن
الجنابة.
خلافا للمحكي عن المرتضى في شرح الرسالة
فأوجب الوضوء عند وجدان ما يكفيه له
، ومقتضاه لزوم التيمم بدله عند فقده.
بناء على أصله من ارتفاع حدث الجنابة
بالتيمم ، المردود بالإجماعات المستفيضة ، وصريح النصوص الموجبة للغسل عند وجدان
ما يكفيه من الماء
المسلّمة عنده ، الغير المجامعة لأصله ، إذ لو لم تكن الجنابة باقية لكان وجوب
الطهارة لوجود الماء خاصة ، إذ لا وجه غيره على ما ذكره ، وهو ليس بحدث إجماعا حتى
عنده ، مع أن حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه ، ضرورة استوائهم ، فيه ،
لكنه باطل ، لأن المحدث لا يغتسل والمجنب لا يتوضأ إجماعاً.
وذلك واضح ، والمناقشة في ذلك مردودة.
(الخامس :)
(لا ينقض التيمم إلّا ما ينقض الطهارة المائية ،
ووجود الماء مع التمكن من استعماله)
بإجماعنا ، ونطق به أخبارنا ، ففي الصحيح : عن الرجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟
فقال : « لا هو بمنزلة الماء » .
__________________
والصحيح : يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة
الليل والنهار كلّها؟ فقال : « نعم ما لم يحدث أو يصب ماء » قلت : فإن أصاب الماء
ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنه يقدر عليه ، فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه ، قال :
« ينتقض ذلك تيمّمه وعليه أن يعيد التيمم » .
خلافا لبعض العامة فحكم بنقضه بخروج
الوقت ، لأنّها
طهارة ضرورية فيتقدر بالوقت كالمستحاضة. ولا ريب في بطلانه.
(السادس) :
(يجوز التيمم لصلاة الجنازة ولو مع وجود الماء)
مطلقا على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف والمنتهى والتذكرة . وهو الحجة فيه كإطلاق المعتبرة ، ففي
الموثق : عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال : « يضرب بيده على
حائط اللبن فليتيمّم » .
وأولى منه المرسل : « والجنب يتيمّم
ويصلّي على الجنازة » .
خلافا للمعتبر تبعا للمحكي عن الإسكافي ، فخصّه بخوف فوت الصلاة ، تمسّكا
بعموم المشترط لعدم التمكن من استعمال الماء في صحة التيمم ، وتضعيفا للإجماع بعدم
العلم به ، وللرواية الأولى بالوقف في الراوي
__________________
تارة وبالإضمار
أخرى.
وليس بشيء ، لتخصيص العموم بما مرّ ،
وحجية الإجماع المنقول وإن لم نعلم به إلّا من جهة النقل ، وعدم القدح بالوقف بعد
ثبوت العدالة ، وكذا الإضمار بعد كونه من سماعة ، مضافا إلى انجبار الضعف من
جهتهما ـ لو تمَّ ـ بالشهرة العظيمة والمسامحة في أدلة السنن والكراهة.
ثمَّ ليس في الحسن بل الصحيح : عن الرجل
تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة ، قال : « يتيمم
ويصلّي »
تقييد الحكم بخوف الفوت إلّا في كلام الراوي ، ولا ينافي مثله ثبوت الإطلاق ، فلا
يتوهّم التقييد به.
وحيث جاز التيمم في الجملة أو مطلقا كان
(ندبا)
إجماعا ، بناء على استحباب الطهر في هذه الصلاة اتفاقا ، كما عن الغنية وظاهر
التذكرة .
وليس واجبا ، للأصل ، والأخبار ، والإجماع المحكي عن الخلاف والتذكرة ونهاية
الإحكام والذكرى .
(السابع :)
(إذا اجتمع ميت ومحدث وجنب وهناك ماء يكفي أحدهم)
خاصة اختص به مالكه ، وليس له بذله لغيره مع مخاطبته باستعماله ، لوجوب صرفه في
طهارته. ولو كان ملكا لهم جميعا مع عدم وفاء حصة كل بطهارته ، أو لمالك يسمح ببذله
، فلا ريب في ثبوت الخيرة لملّاكه في تخصيص من شاؤوا به.
واختلفوا في ثبوتها بلا أولوية كما عن
الخلاف
، أو معها كما هو المشهور.
__________________
وظاهرهم الاتفاق على
(تيمّم
المحدث) بالأصغر ، لظاهر أكثر الروايات
المتفقة في ثبوت الأولوية لمن عداه وإن اختلفت في تعيينه ، كاختلافهم فيه (و)
أنه (هل يخص به الميّت
أو الجنب؟ فيه روايتان) مختلفتان (أشهرهما)
وأظهرهما (أنه يخص به
الجنب) وهي كثيرة :
منها : الصحيح : عن ثلاثة نفر كانوا في
سفر أحدهم جنب والثاني ميت والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء
قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء وكيف يصنعون؟ قال : « يغتسل الجنب ، ويدفن
الميت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ، لأنّ الغسل من الجنابة فريضة ،
وغسل الميّت سنّة ، والتيمم للآخر جائز » .
ونحو الخبران المتضمنان للحكم مع
التعليل
المترجحان هما ـ كالصحيح ـ به وبالكثرة والشهرة على غيره ، مع قصور سنده ، وهو
روايتان ، في إحداهما : « يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء » .
وفي الثانية : يتيمم الجنب مع المحدثين
ويتوضئون هم .
وترجيحهما على المعتبرة المتقدمة مع
اعتضادها بما مرّ كما ترى ،
__________________
والاستناد فيه إلى
وجوه اعتبارية معارض بمثله أو أقوى.
فظهر ضعف القول بترجيح الميت على الجنب
، مع عدم معروفية قائله ، بل عدمه في ترجيح المحدث على الجنب. كضعف القول بالتخيير
المطلق المبني على عدم المرجح ، لظهوره بما مرّ.
ثمَّ إنّ كل ذا إذا لم يمكن الجمع بتوضؤ
المحدث ، وجمع مستعملة واغتسال الجنب الخالي بدنه عن النجاسة به ، ثمَّ تغسيل
الميت بمستعمله إن قلنا بظهوريته. وإذا أمكن تعيّن ، ووجهه واضح.
(الثامن :)
(روي)
صحيحا (فيمن صلّى
بتيمم فأحدث في) أثناء (الصلاة ثمَّ وجد الماء
قطع) الصلاة وخرج منها (وتطهّر وأتم)
الصلاة من موضع القطع .
(و)
حيث إنّ ظاهره الشمول لصورتي العمد والنسيان المخالف للإجماع القطعي(نزّلها الشيخان
على النسيان)
وعملا بها حينئذ ، وتبعهما المصنف في غير الكتاب .
وظاهره هنا التردد ، لصحة الرواية وعمل
الشيخين بها ، وللأدلة الدالة بالعموم والخصوص على الفساد في هذه الصورة المعتضدة
بالشهرة العظيمة ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عن الأمالي والناصرية والتذكرة . وهو
__________________
الأقوى ، لقصور
الرواية ولو كانت صحيحة عن المقاومة لما مرّ من الأدلة ، مع احتمالها التقية
وقصورها عن وضوح الدلالة.
ولتحقيق المسألة محلّ آخر.
ثمَّ إنّ العامل بالرواية خصّها بموردها
ووقف في غيره ـ وهو ما إذا دخل الصلاة متطهرا بالمائية ، أو الترابية مع عدم الماء
بعد الحدث ـ على محلّ الشهرة.
(الركن الرابع)
(في) بيان (النجاسات)
(والنظر في أعدادها وأحكامها
، وهي)
أي جنسها (عشرة
:).
الأول
والثاني :
(البول
والغائط ممّا لا يؤكل لحمه) شرعا ذي
النفس والدم القوي الذي يخرج بقوة من العرق عند قطعه ، بإجماع العلماء كافة كما عن
المعتبر والمنتهى والغنية .
وهو الحجة فيه ، دون النصوص المستفيضة
الآمرة بغسل الثوب أو الجسد أو إعادة الصلاة ، من البول مرّتين أو مرّة ، كما في
الصحاح والحسان وغيرها
في التطهير عنه المارّة بك في محلّه
، ومن العذرة كالصحاح وغيرها المستفيضة
، لعدم الملازمة بين شيء من ذلك وبين النجاسة ، لعدم انحصار وجهه فيها.
مضافا إلى أخصيتها من المدّعى ، إذ
غايتها الإطلاق في البول والعذرة المنصرف إلى المتبادر منهما ، وهو من الإنسان
خاصة.
نعم : في الصحيح : عن الرجل يصلّي وفي
ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب أيعيد صلاته؟ قال : « إن كان لم يعلم فلا يعيد
» .
وهو بمفهومه دالّ على الإعادة. والعذرة
فيه وإن عمّت عذرة الإنسان
__________________
وغيرها إلّا أنها
اختصت به وبالسنور والكلب خاصة. ومع ذلك فليس الإعادة نصا في النجاسة ، لاحتمال
كونها من جهة استصحاب المصلّي فضلات ما لا يؤكل لحمه الموجب لها ولو كانت طاهرة.
فلا يتم الاستناد إليها في إثبات
النجاسة إلّا بعد ضمّ الإجماع وجعله قرينة للدلالة والتعدية ، لكنه حينئذ هو
الحجّة لا مجرّد المستفيضة.
ومنه ينقدح أنّ الوجه الحكم بالطهارة
حيث لم يكن إجماع ولا رواية.
ثمَّ إنّ الأشهر الأظهر نجاسة ذرق
الطيور الغير المأكولة اللحم وأبوالها مطلقا ، لعموم الإجماعين المحكيين عن
الكتابين الأوّلين مع عدم القدح فيهما بخروج معلومي النسب عندنا.
ولعموم
الحسن :
« اغسل ثوبك من أبواب ما لا يؤكل لحمه »
المؤيّد بإطلاق ما مرّ ، للإجماع على كون الأمر بالغسل فيهما للنجاسة ، وعلى عدم
الفرق بين موردهما وهو البول وغيره وهو الرجيع ، وحكي عليه صريحا في الناصريات .
خلافا للعماني والفقيه والجعفي فالطهارة مطلقا ، تمسّكا بالأصل ،
وعموم : « كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر »
وخصوص الحسن : « كل شيء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » المؤيد بالصحيح : عن الرجل في ثوبه خرء
الطير
__________________
وغيره هل يحكّه وهو
في صلاته؟ قال : « لا بأس » .
وللمبسوط ففرّق بين الخشّاف فالأوّل
وغيره فالثاني
، استنادا فيه إلى ما مرّ ، وفي الأوّل إلى الخبر الذي سيذكر ، ولا إشكال فيه
وإنما الإشكال في غيره.
وفي جميع ما ذكر أدلّة له أو مطلقا نظر
، لتخصيص الأوّلين بما مرّ كالثالث ، وإن كان التعارض بينه وبينه عموما وخصوصا من
وجه ، لكن الرجحان مع الأوّل ، للشهرة العظيمة التي هي أقوى المرجحات النصيّة
والاعتبارية.
وليس في الصحيح تأييد ، بناء على وقوع
السؤال والجواب فيه عن الحك في الصلاة لا الطهارة والنجاسة. مضافا إلى عدم
الملازمة بينها وبين نفي البأس عنه ، لعدم السراية مع اليبوسة كما هي ظاهر الحك في
الرواية ، وليس نصا في صحة الصلاة. مضافا إلى أنّ إطلاق الطير فيه ينصرف إلى
المتبادر الغالب وهو مأكول اللحم ، وغيره نادر.
ومع ذلك معارض بمؤيّد في طرف الأول ،
وهو موثقة عمّار ، المروية في المختلف عن كتابه ، عن مولانا الصادق 7 قال : « خرء الخطّاف لا بأس به ، هو
ممّا يؤكل لحمه ، ولكن كره أكله لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك » .
وهي كالصريحة في أن المعيار في الطهارة
والنجاسة في الطيور هو حلّ الأكل لا الطيران ، وإلّا لعلّل به دونه.
والقدح في الحسن السابق : باختصاصه
بالبول مع عدم معلومية حصوله للطير ، مدفوع بالإجماع على عدم الفرق ظاهرا ومحكيا ،
ودلالة المعارض
__________________
بالحصول صريحا.
هذا
مع أنّ عموم
الحسن الثاني مخصّص بالخشّاف إجماعا كما في المختلف ، ولا يضره خروج معلوم النسب ، مع
احتمال إرادته من إطلاق عبارته ما عداه. مضافا إلى الخبر : عن بول الخشاشيف يصيب
ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « أغسل ثوبك » .
والمعارض
ـ مع ضعف سنده ـ غير مكافئ له محمول على التقية.
فإذا ثبت التخصيص حصل المرجوحية
بالإضافة إلى عموم الحسنة السابقة التي ليست بمخصّصة. وخلاف الإسكافي في نجاسة بول
الرضيع قبل أكله الطعام
شاذّ ، على خلافه الإجماع عن المرتضى
، ومستنده قاصر سندا ودلالة
، معارض بأقوى منه كالحسن : عن بول الصبي ، قال : « يصبّ عليه الماء فإن كان قد
أكل فاغسله » .
(و)
الثالث : (المني)
ممّا له نفس سائلة ، بإجماع الطائفة كما عن ظاهر المنتهى وصريح التذكرة وغيرهما من
كتب الجماعة .
وهو الحجّة فيه ، دون المستفيضة ، لما
مرّ سابقا ، ولاختصاصها بحكم
__________________
التبادر بالإنسان
دون مطلق الحيوان.
نعم : في الصحيح : ذكر المني فشدّده
وجعله أشد من البول .
وهو دالّ بفحواه على تبعية نجاسة المني
للبول. ولكن ثبوت نجاسة المتبوع مطلقا إنما هو بمعونة الإجماع أيضا ، فيكون هو
الحجّة فيه أيضا جدا.
والتقييد بما ذكرنا ـ وهو ظاهر المتن ـ هو
المشهور بين الأصحاب ، بل كاد أن يكون إجماعاً.
فالحكم في غير محل
القيد الطهارة.
خلافا للمحكي عن المعتبر والمنتهى
فتردّدا فيها .
ويدفعه الأصل ، مع اختصاص الأخبار ـ كما مرّ ـ بالإنسان ، وعدم إجماع على النجاسة
هنا ، هذا.
وأما الصحيحان المشعران بطهارة المني
مطلقا كما في أحدهما
، أو إذا كان جافا كما في الثاني
، فشاذان محمولان على التقية ، لكون الأوّل مذهب جماعة من العامة ، والثاني مذهب شرذمة منهم كما حكاه بعض الأجلة ، فلا يرفع اليد بهما عن الإجماع
القطعي والنصوص الصريحة الجليّة.
(و)
الرابع : (الميتة ممّا له نفس سائلة)
آدميا كان أو غيره ، إجماعا
__________________
كما عن الخلاف
والمعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيدين وابن زهرة . وهو الحجّة فيه والمتمّم لدلالة
المستفيضة بل المتواترة في مواضع متفرقة على النجاسة ، كالصحاح وغيرها الواردة
الآمرة بإلقاء الفأرة ونحوها وما يليها الميتة في الأشياء الرطبة الجامدة ،
والاستصباح بها إذا كانت أدهانا مائعة
، وليس للأمر بذلك وجه سوى النجاسة بإجماع الطائفة.
ونحوها في وجه الدلالة على النجاسة
المعتبرة الناهية عن الأكل من آنية أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها الميتة .
والنصوص الواردة بنجاسة القليل بوقوع
الجيفة ، كالصحيح : « إذا كان الماء أكثر من رواية لم ينجسه شيء ، تفسّخ فيه أو
لم يتفسخ ، إلّا أن يجيء له ريح يغلب على ريح الماء » .
وفي آخر : « كلّما غلب الماء ريح الجيفة
فتوضأ من الماء واشرب ، وإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب » .
ونحوه الصحيحان ، في أحدهما : عن غدير
أتوه فيه جيفة ، فقال : إذا كان الماء قاهرا ولا يوجد فيه الريح فتوضأ » .
__________________
وفي الثاني : يمرّ به الرجل وهو نقيع
فيه الميتة الجيفة ، فقال مولانا الصادق 7
: « إن كان الماء قد تغير ريحه فلا تشرب ولا تتوضأ منه » الخبر .
والموثق : عن الرجل يمرّ بالماء وفيه
دابة ميتة قد أنتنت ، قال : « إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ ولا تشرب »
.
ونحوه آخر : في الفأرة التي يجدها في إنائه
وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا ، وغسل ثيابه واغتسل ، وقد كانت الفأرة منسلخة ،
فقال : « إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك
بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ويعيد
الوضوء والصلاة » الخبر .
مضافا إلى المروي عن الدعائم ، عن
مولانا الصادق 7
قال ، قال رسول الله 9
: « الميتة نجس ولو دبغت » .
والرضوي : « وإن مسست ميتة فاغسل يدك » .
وفي الموثق : عن الخنفساء والذباب
والجراد والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : « كلّ ما
ليس له دم فلا بأس » .
__________________
وفي الخبر : « لا يفسد الماء إلّا ما
كانت له نفس سائلة » .
وبهما
مع الأصل يستدل
على طهارة ميتة غير ذي النفس ، مضافا إلى الإجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى
صريحا . وخلاف
الشيخ وابن حمزة في العقرب والوزغة شاذ
، ومستنده قاصر .
فالقول بالطهارة متعيّن.
ثمَّ ما تقدّم من الأخبار وما ضاهاها
مختصة بغير الإنسان ، وأمّا الأخبار فيه فالحسن : عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ،
قال : « يغسل ما أصاب الثوب » .
قيل : ولا دلالة فيه ، لإمكان أن يكون
المراد منه إزالة ما أصاب الثوب ممّا على الميت من رطوبة أو قذر تعدّيا إليه ، يدل
على ذلك ما في الرواية الأخرى : « إن كان غسّل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ، وإن
كان لم يغسّل فاغسل ما أصاب ثوبك منه »
فإنه إن كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل .
وفيه
نظر
؛ لمخالفة الاحتمال المذكور للظاهر أوّلا ، وظهور الدلالة معه ثانيا ، بناء على
استلزام نجاسة الرطوبة نجاسة الجسد لتفرعها عليها وصدورها منها.
وتقييدها بالرطوبة النجسة ( بالذات ) ينافي عطف القذر عليها المقتضى
__________________
للتغاير والقسيمية ،
والحال أنه على التقييد نوع منه أو عينه.
وتقييد القذر بالنجس العيني وحمل
الرطوبة على النجس العارضي بدون
الموت وإن أمكن إلّا أن ارتكاب مثله في النص بعيد جدا ، مع أن ظاهره وجوب غسل جميع
ما لاقى من جسده الشامل للرطوبة الغير الملاقية للنجاسة الخارجية ، وذلك مستلزم
للنجاسة كما مرّ ، والتخصيص لا بدّ له من دليل ، ولم يظهر.
ودعوى
الملازمة
بين النجاسة العينية وعدم حصول التطهير بالطهارة المائية ممنوعة ، كيف لا؟!
والطهارة والنجاسة من الأمور التعبدية ، فلا بعد في حصول الطهارة لها بها بعد
ثبوتها من الشريعة ، كحصول الطهارة بالإسلام للكافر بالضرورة.
ثمَّ ليس في الخبرين دلالة على تعدي
النجاسة مع اليبوسة ، بل ظاهرهما ـ كما ترى ـ اختصاصه بالرطوبة.
نعم : هو ظاهر إطلاق الرضوي : « وإن مسّ
ثوبك ميّت فاغسل ما أصاب »
فتأمل.
وأظهر منه المروي في الاحتجاج عن مولانا
القائم 7 : « ليس على
من مسّه ـ أي الميّت ـ إلّا غسل اليد » .
وهو ـ مع قصور السند والمخالفة للأصل
المعتمد ـ معارض بالموثق : « كلّ يابس زكي » .
__________________
والتعارض
بينهما
وإن كان عموما من وجه لا بدّ من ترجيح أحدهما عليه ، إلّا أن المرجح من الأصل
وغيره مع الثاني ، مع قوة عمومه ، واعتضاده بفحوى الصحيح : « وقع ثوبه على كلب ميت
، قال : ينضحه ويصلّي فيه ، ولا بأس به » .
وبه وبالسابق يستدل على عدم تعدي نجاسة
الميتة غير الآدمي مع اليبوسة ، مضافا إلى عموم الصحيح الناشئ عن ترك الاستفصال :
« وقع ثوبه على حمار ميت ، قال : ليس عليه غسله ، وليصلّ فيه ، ولا بأس » .
وأمّا ما ورد من الأمر بغسل ما لاقى
الثعلب وغيره من السباع حيا أو ميتا
فهو محمول على الاستحباب قطعا ، إذ لم يقل أحد بثبوت الحكم المذكور مع الحياة أيضا
جدّاً.
فالقول بتعدي النجاسة مع اليبوسة هنا
وفي السابق ـ كما عن الروض والمعالم والعلّامة
ـ محل مناقشة. كالقول بعدم تعدي نجاستها مطلقا مع وجوب غسل الملاقي لها خاصة تعبدا
كما عن الحلّي. وعبارته المحكية لا تساعد الحكاية . وعلى تقدير الصحة فهو ضعيف جدّا ،
للإجماع ظاهرا على نجاسة ملاقي الملاقي للميتة رطبا.
ثمَّ إن مقتضى إطلاق النص وكلام الأصحاب
النجاسة بمجرّد الموت
__________________
وإن لم يبرد ، مضافا
إلى صريح المروي في الاحتجاج عن مولانا القائم 7
: « إذا مسّ الميت بحرارته لم يكن عليه إلّا غسل يده » بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى
والتذكرة : إجماع الطائفة عليه .
خلافا
لبعض المتأخرين
، فخصّها ببعد البرد
، لظاهر إطلاق الصحيح : « مسّ الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس » .
وهو ضعيف ، لعدم مقاومته لما مرّ. فيحمل
نفي البأس على نفيه بالإضافة إلى لزوم الاغتسال بمسّه لا الغسل.
(وكذا الدم)
نجس إذا كان ممّا له نفس سائلة ، وهو الخامس. وعليه الإجماع عن المعتبر والمنتهى
والتذكرة
، وهو الحجة فيه مع النصوص بضميمته ، ففي الصحيح في نقط الدم إذا كانت أقلّ من
درهم : « يغسله ولا يعيد الصلاة » .
وفي الصحاح المستفيضة وغيرها الأمر
بإعادة الصلاة منه مطلقا مع الأمر بغسله في بعضها بعده ، كالصحيح : أصاب ثوبي دم
رعاف أو غيره أو شيء من مني ، فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وقد حضرت
الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك ، قال : « تعيد
الصلاة وتغسله » .
__________________
وقد استدل بها لنجاسته مطلقا حتى في
الناقص عن سعة الدرهم أو قدر الحمصة ، ردّا على الإسكافي والصدوق ، حيث إنّ ظاهر
الأول الحكم بطهارة الأول ، والثاني الحكم بطهارة الثاني ، لإطلاقها أو عمومها.
وليس
في محله
، إذ الأمر بإعادة الصلاة قرينة على زيادته على المقدارين ، ولا كلام لهما في
نجاسته. وكيف كان فقولهما شاذّ ، ومستندهما قاصر معارض بالإجماعات وخصوص المتقدم على
الصحاح.
ثمَّ إنّ مقتضى الأصل واختصاص الأخبار
بدم ذي النفس بحكم التبادر يوجب المصير إلى تقييد الحكم به والقول بالطهارة في
غيره ، مضافا إلى الإجماع عليها في السمك المحكي عن الخلاف والمعتبر والمنتهى
والذكرى والغنية والسرائر .
وفي الخبر : « إنّ عليا 7 كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذكر يكون
في الثوب ، فيصلي فيه يعني دم السمك » .
وعن الأربعة الأول الإجماع عليها في
غيره من مطلق غير ذي النفس ، والمستند فيه الصحيح : ما تقول في دم البراغيث؟ قال :
« ليس به بأس » قال ، قلت : إنه يكثر ويتفاحش ، قال : « وإن كثر » .
__________________
ونحوه الخبر فيه : هل يمنعه ذلك من
الصلاة؟ قال : « لا وإن كثر » .
ونحوهما الخبر في دم البقّ .
وجمعهما
آخر :
« لا بأس بدم البراغيث والبقّ » الخبر .
ولا قائل بالفرق ، وقصور الأسانيد منجبر
بالعمل والأصل.
وفي
حكمه عند
أصحابنا الدم المتخلف في الذبيحة المأكولة اللحم بعد القذف المعتاد ، لتخصيص
الحرمة في الآية بالمسفوح
الظاهر في الحلّ في غيره المستلزم للطهارة ، مع استلزام الحكم بالنجاسة عدم جواز
حلّ الذبيحة ، لعدم انفكاكها عن الدم ولو غسل اللحم مائة مرّة ، مضافا إلى عمل
المسلمين في الأعصار والأمصار بالضرورة ، وأيّ دليل أقوى من هذه الأدلة؟ فلا وجه
للمناقشة معهم في الحكم بالطهارة بشبهة عدم الدلالة.
(و)
السادس والسابع : (الكلب والخنزير)
البرّيان بإجماعنا ، ووافقنا عليه أكثر من خالفنا ، واستفاض حكايته في كلام جماعة
من أصحابنا كالخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها .
وقد استفاض بالأوّل صحاح أخبارنا ، بل
قد صرّح بلفظ النجاسة في بعضها كالصحيح : « إنه رجس نجس » .
__________________
وفي الخبر : أليس هو بسبع؟ قال : « لا
والله إنه نجس ، لا والله إنه نجس » .
والمراد منه المعنى المصطلح قطعا
بالإجماع وشهادة السياق.
وبنجاسة
الثاني نطق
القرآن الكريم (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)
وهو هنا النجس بلا خلاف كما في التهذيب
، مضافا إلى النصوص كالصحيح : عن خنزير شرب ماء من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل
سبع مرّات » .
والنصوص الواردة بخلافها في المقامين شاذة مطروحة ، أو مؤوّلة ، أو محمولة
على التقية ، فتأمل.
ثمَّ إنّ مقتضى الأصل واختصاص ما مرّ من
النص ـ بحكم التبادر والغلبة ـ بالبري : الطهارة في البحري إن قلنا بكون اللفظ
حقيقة في جنسه كما هو الأشهر. وإلّا فالإشكال مرتفع من أصله إلّا على القول بجواز
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في إطلاق واحد إن كان المقام منه كما عن التحرير
ونهاية الإحكام
، أو معنييه المشترك بينهما لفظا إن كان منه كما عن المنتهى .
وكلاهما غير مرضي عند المحقّقين ، ومع
ذلك يتوقف على وجود القرينة الصارفة أو المعيّنة ، وكلّ منهما مفقود في مفروض
المسألة.
__________________
فالقول بنجاسة البحري كما عن الحلّي
تبعا للاسم
ضعيف غايته.
كالقول بطهارة ما لا تحلّه الحياة منهما
ومن الكافر كما عن المرتضى
، بناء منه على الأصل ، لوجوب تخصيصه بما مرّ لعمومه ، بل كون ذلك أغلب أفراده.
ودعواه الإجماع ممنوعة ، كيف؟! وهو منفرد من بين الطائفة بالقول بالطهارة.
نعم : في الخبرين أحدهما الصحيح : عن
الحبل يكون من شعر الخنزير ، يستقى به الماء من البئر التي يشرب منها ، أيتوضأ من
ذلك الماء؟ قال : « لا بأس » .
وربما
أشعر بالطهارة
، إلّا أنه مبني على رجوع الإشارة إلى الماء المستقى دون ماء البئر ، ومع ذلك
يتوقف على قلّته ، وليس بمتعيّن ، فيحتمل الرجوع إلى الثاني ، أو الأوّل بشرط
كثرته ، ويتصور في الدلاء العظيمة المحتملة لمقدار الكرّ. ولا ريب في نفي البأس
عنه على الاحتمال الثاني ، وكذا على الأوّل بناء على المختار من عدم الانفعال.
وعلى تقدير التسليم فحملهما على التقية
لازم ، لحكاية القائل به منّا ذلك عن أبي حنيفة المشتهر رأيه في زمان صدورهما.
هذا مع معارضتهما بالمستفيضة الصريحة
بالنجاسة ، منها : عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : « لا بأس ولكن يغسل يده إذا أراد
أن يصلّي » .
ومنها : « خذوه ـ أي شعر الخنزير ـ فاغسلوه
، فما له دسم فلا تعملوا به ، وما لم يكن له دسم فاعملوا به ، واغسلوا أيديكم منه
» .
__________________
ومنها فيمن يعمل الحبائل بشعر الخنزير ،
قال : « إذا فرغ فليغسل يده » .
ومنها : « فاعمل به ، واغسل يدك إذا
مسسته عند كل صلاة » قلت : ووضوء؟ قال : « لا ، اغسل يدك كما تمس الكلب » .
وهي
ـ مع استفاضتها
واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون بالغة حدّ الإجماع
ـ ظاهرة الدلالة من جهة الأمر بغسل الملاقي الظاهر هنا في النجاسة بإجماع الطائفة
، مع كونه عند الخصم من الأمور المسلّمة. فرجحانها على الخبرين ليس محل ريبة
بالضرورة.
(و)
الثامن : (الكافر)
أصليا ومرتدّا وإن انتحل الإسلام مع جحده لبعض ضرورياته ، وضابطه من أنكر الإلهية
أو الرسالة أو بعض ما علم ثبوته من الدين ضرورة.
والحجة في الحكم بعد الإجماعات
المستفيضة المحكية عن الناصريات والانتصار والسرائر والغنية والمنتهى وظاهر نهاية
الإحكام والتذكرة
: الآية الكريمة (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)
المتمم دلالتها ـ حيث اختصت بالمشرك ، وتضمنت لفظ « النجس » الغير المعلوم إرادة
المعنى الاصطلاحي منه ـ بعدم القائل بالتخصيص ، وظهور المعنى المصطلح هنا بقرينة (فَلا
يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)
مع أن بيان النجاسة اللغوية خاصة ليس من وظيفة الحكمة الربانية.
فإرادة ما ذكرنا متعيّنة ، لا الخباثة
الباطنية كما اختارها بعض الأجلّة
،
__________________
إذ ليست من المعاني
المعهودة المعروفة للفظ النجاسة حتى ينصرف إليها مع القرينة الصارفة عن اللغوية.
والنصوص
المعتبرة
بنجاسة أهل الكتاب مستفيضة
، وبفحواها يستدل على نجاسة غيرهم من أصناف الكفّار.
إلّا أنها معارضة بروايات أخر معتبرة
الأسانيد .
لكنها موافقة للتقية ، مخالفة للإجماعات المحكية والشهرة العظيمة التي كادت تكون
إجماعا ، بل إجماع البتّة ، كيف لا؟! ويعدّ نجاستهم عوام العامة والخاصة ـ فضلا من
فضلائهم ـ من خصائص الإمامية.
فحملها على التقية متعين البتة ، مع
إشعار بعض أخبار الطهارة بها ، ففي الحسن : « أمّا أنا فلا أدعوه ولا أؤاكله ،
وإني لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » ويؤيده مصير الإسكافي إليها .
ومخالفة المفيد لنا في العزّية غير معلومة ، لذكره الكراهة ، وظهورها
في المعنى المصطلح في زمانه غير معلوم ، فيحتمل الحرمة.
وكذا مخالفة العماني ، لتصريحه بطهارة أسآرهم ، ويحتمل
إرادته الماء القليل من السؤر
، كما قيل : إنه المصطلح بين الفقهاء من لفظ السؤر حيثما ذكروه فتأمل.
__________________
وأما الشيخ في النهاية فعبارته فيها
صريحة في النجاسة
وإن أتى بعدها بما ربما ينافيها .
لكنها مؤوّلة بتأويلات غير بعيدة تركن النفس إليها بعد إرادة الجمع بينه وبين
العبارة الصريحة في النجاسة.
وعلى
تقدير مخالفة
هؤلاء المذكورين لا يمكن القدح في الإجماعات المستفيضة المحكية بخروجهم البتة ،
كما مرّ غير مرّة.
وحيث قد عرفت انحصار أدلة نجاسة الكفّار
في الإجماع وفحوى الأخبار المزبورة ظهر لك وجه قوّة القول بطهارة من عدا الخوارج
والغلاة والنواصب من فرق المسلمين ـ إلّا أن ينكر ضروريا من الدين على وجه يلحق
بالكافرين ـ سواء كان جاحد النص أو غيره. وهو المشهور بين الأصحاب.
لأصالة الطهارة وعموماتها. مع عدم جريان
شيء من الدليلين المخرجين عنهما هنا ، لفقد الإجماع في محل النزاع سيّما مع شهرة
الطهارة ، وعدم الأولوية ، إذ ليسوا ـ لشرف الإسلام ـ أمرّ من أهل الذمة.
هذا ، مع لزوم الحرج على تقدير النجاسة
، والإجماع على عدم احتراز الأئمة :
والأصحاب عنهم في شيء من الأزمنة على حدّ يظهر عدم كونه من جهة التقية.
مضافا إلى النصوص المستفيضة بل
المتواترة الحاكمة بحلّ ما يوجد في أسواق المسلمين والطهارة ، مع القطع بندرة الإمامية في جميع
الأزمنة سيّما في أزمنة صدور تلك النصوص ، وأنه لا ينعقد لخصوصهم سوق يكون الأحكام
المزبورة واردة عليه ، فهو من أقوى الأدلة على طهارة هؤلاء الكفرة وإن كانوا في
المعنى أنجس من الكلاب الممطورة.
__________________
خلافا للشيخ فحكم بنجاسة المجبرة ، وللسيّد ; فحكم بنجاسة المخالفين ، لإطلاق الكفر عليهم في كثير من
الأخبار .
وهو كما ترى ، فإنه أعم من الحقيقة ، مع
أنّ أمارات المجازات من عدم التبادر أو تبادر الغير وصحة السلب موجودة. وعلى
تقديرها فلا دليل على النجاسة كلية ، وإن هو إلّا مصادرة محضة ، لفقد الإجماع وما
مضى من الأولوية.
مضافا إلى معارضتها بكثير من المعتبرة
الدالّة على إسلامهم من حيث الشهادتين ، ففي الخبر : « الإسلام شهادة أن لا إله
إلّا الله والتصديق برسول الله 9
، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكحة والمواريث وعلى ظاهره عامة الناس » .
وقريب منه آخر : « الإسلام ما ظهر من
قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء وعليه
جرت المواريث وجاز النكاح » .
والمعتبرة بمعناهما مستفيضة وفيها الصحيح والحسن ، لكن ليس فيها أن
الإسلام هو الشهادتان وإن كان يظهر منها بنوع من التأمل.
فإذا ثبت إسلامهم ثبت طهارتهم ، للخبر :
أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمّر؟ فقال : «
بل من فضل وضوء جماعة المسلمين ، فإنّ أحبّ دينكم إلى الله تعالى الحنيفية السهلة
__________________
السمحة » .
وأمّا
الحجّة على
نجاسة الفرق الثلاث
ومن أنكر ضروري الدين فهو الإجماع المحكي عن جماعة . ويدخل في الأخير المجسمة الحقيقية ،
لقولهم بالحدوث الباطل بالضرورة من الدين.
ولولاه
لكان
القول بالطهارة متعينا ، للأخبار المزبورة الحاكمة بإسلام من صدر عنه الشهادتان ،
المستلزم للطهارة ، للرواية المتقدمة.
(و)
التاسع : (كل مسكر)
مائع بالأصالة ، كما عن المنتهى والتذكرة والمدنيّات والذكرى والبيان وظاهر
المقنعة والناصريات والنهاية ومصباح الشيخ والغنية والمهذّب والوسيلة ، لتعبيرهم بالشراب المسكر.
وعن الأكثر ـ ومنهم الشيخ في المبسوط
والجمل ـ الإطلاق .
وليس في محلّه ، للأصل ، واختصاص المثبت للنجاسة بالأشربة المائعة خاصة.
والحجة في نجاسة الخمر منها بعد
الإجماعات المستفيضة المحكية عن السرائر والنزهة والخلاف والمبسوط والناصريات
والغنية والتذكرة
: الصحاح المستفيضة. ونحوها في الاستفاضة غيرها من المعتبرة في نفسها والمنجبر
قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة.
__________________
ففي الصحيح : عن الذي يعير ثوبه لمن
يعلم أنه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه ، أيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا
يصلّي فيه حتى يغسله » .
والصحيح : عن آنية أهل الذمة والمجوس ،
فقال : « لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي
يشربون فيها الخمر » .
والصحيح : « إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ
يعني المسكر فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت
فيه فأعد صلاتك » .
وليس شيء منها ـ كما ضاهاها ـ يقبل
الحمل على التقية ، لاتفاق العامة على أكل الجرّي وطهارة أهل الكتاب وحلّ النبيذ
مع تصريحها بمخالفتهم في الأمور المزبورة ، فليس حملها عليها إلّا غفلة واضحة ، بل
يتعين حمل ما خالفها عليها
، سيّما مع ندرة القائل بها منّا
، وشذوذها عند أصحابنا وقلّة عددها بالإضافة إلى ما مضى.
وأما نجاسة سائر الأشربة المسكرة فكأنه
لا فارق بينها وبين الخمر. وعن الناصريات : إنّ كلّ من حرّم شربها نجّسها . وعن الخلاف والمعتبر : الإجماع على
نجاستها .
__________________
والنصوص بنجاسة النبيذ مستفيضة ، وربما ظهر من الصحيح الأخير المتقدم
تفسيره بمطلق المسكر ، فيستفاد منها بمعونته نجاستها بأجمعها ، مضافا إلى المرسل :
« لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه
فاغسل الثوب كلّه ، فان صلّيت فيه فأعد صلاتك » .
ونحوه الموثق : « لا تصلّ في ثوب قد
أصابه خمر أو مسكر حتى تغسل » .
ويعضده المعتبرة الناصة على شمول الخمر
لجميعها ، ففي الصحيح : « الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ،
والبتع من العسل ، والمزر من الشعير ، والنبيذ من التمر » .
وفي خبر آخر : « الخمر من خمسة أشياء :
من التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل » .
ونحوهما في روايات ثلاث أخر معتبرة .
وفي المروي عن علي بن إبراهيم ، عن
مولانا الباقر 7
: « وإنما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر والتمر ، فلمّا نزل تحريمها
خرج رسول الله 9
فقعد في المسجد ثمَّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلّها » ثمَّ قال
: « هذه خمر فقد حرّمها الله تعالى ، وكان أكثر شيء
__________________
اُكفئ من ذلك يومئذ
من الأشربة الفضيخ ، ولا أعلم أكفئ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد كان فيه زبيب
وتمر جميعا ، فأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء » .
وذهب
جماعة
من أهل اللغة إلى ما تضمنته هذه الروايات .
وفي الخبر : « ما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر
» .
وإطلاق الخمر عليه يلازم الدلالة على
النجاسة ، إمّا لاقتضائه كونه حقيقة فيه ، أو اشتراكه معه في أحكامه. ولكن
المناقشة فيه بتبادر الحرمة منها خاصة ممكنة.
ثمَّ إن المشهور بين الأصحاب أن في حكم الخمر العصير العنبي إذا غلى
واشتد ، ولعلّه إمّا لكونه خمرا حقيقة ، كما حكي عن جماعة من فقهاء العامة والخاصة
كالبخاري والصدوقين والكليني .
أو لإطلاق لفظ الخمر عليه في النصوص الملازم لكونه حقيقة فيه أو مشتركا معها في
الأحكام التي النجاسة
__________________
منها ، ففي الموثق
المروي في التهذيب : عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على
الثلث وأنا أعرف أنه يشربه على النصف ، فقال : « خمر لا تشربه » .
إلّا أنه مروي في الكافي وليس فيه لفظ
الخمر ، لكن
احتمال السقوط أولى من احتمال الزيادة وإن كان راوي الأول أضبط جدا. لكن في
الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في تخصيص الأصول والعمومات إشكال. بل ربما انسحب
الإشكال على تقديره أيضا ، بناء على التأمل في تبادر النجاسة من علاقة الشباهة
قطعا ، سيّما بملاحظة سياق الخبر وتفريع حرمة الشرب فيه على الإطلاق المزبور خاصة.
فانحصر
دليل
النجاسة في كلام الجماعة. والاستناد إليه في إثباتها يتوقف على ثبوت الحقيقة منه.
وعلى تقديره فشمول ما دلّ على إطلاق الخمر لمثله محل نظر ، لعدم التبادر.
فإذا الطهارة أقوى ، وفاقا لجماعة من
متأخري أصحابنا .
إلّا أن الاحتياط المصير إلى الأوّل إن لم يحصل له الإسكار ، وإلّا فالقول بنجاسته
متعيّن جدا ، لعموم ما تقدّم.
(و)
العاشر : (الفقّاع)
بالإجماع كما عن الانتصار والخلاف والغنية والمنتهى ونهاية الإحكام وظاهر المبسوط
والتذكرة
، مع التأيد بإطلاق الخمر عليه في المعتبرة المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، بل
في بعضها : « إنه الخمر بعينها » .
__________________
وعليه يمكن الاستدلال بها على نجاسته
جدا.
هذا مضافا إلى النص الصريح فيها ، ولا
يضر قصور سنده بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، وفيه : « لا تشربه فإنه خمر مجهول ،
فإذا أصاب ثوبك فاغسله » .
والمرجع فيه العرف والعادة ، فحيثما ثبت
إطلاق الاسم فيهما حكم بالنجاسة.
(و)
اعلم أن الأظهر الأشهر بين قدماء الطائفة (في عرق الجنب من الحرام)
مطلقا ، حين الجنابة كان أم بعدها ـ وربما خص بالأول ـ هو النجاسة ، بل عدّه في
الأمالي من دين الإمامية
، وصرّح بالإجماع في الخلاف شيخ الطائفة
، وهو الظاهر من عبارة ابن زهرة .
ونحوها عبارة سلّار
، إلّا أن اختياره الطهارة بعد الحكاية بلا فاصلة يعيّن إرادته منها الشهرة
العظيمة.
للنصوص
المستفيضة
، منها الرضوي : « إن عرقت في ثوبك وأنت جنب وكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة
فيه ، وإن كانت من حرام فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل » .
ونحوه المروي في الذكرى عن زياد
الكفرثوثي
، وفي البحار عن مناقب ابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول عن علي بن
مهزيار
، وفيهما : « إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ
__________________
فيه ».
ونحوهما خبر آخر مروي في البحار .
وقصور أسانيدها منجبر بالشهرة العظيمة
بين القدماء والإجماعات المحكية ، والدلالة وإن لم تكن ناصة بالنجاسة إلّا أنّ
الملازمة بينها وبين عدم جواز الصلاة المصرّح به فيها هنا ثابتة ، بناء على عدم
القائل بما فيها خاصة من القائلين بالطهارة ، والقول به خاصة دون الأحكام الأخر
المترتبة على النجاسة إحداث قول في المسألة.
هذا مضافا إلى التأيد بالروايات الواردة
في الحمّام الناهية عن غسالته معلّلة باغتسال الزاني فيها والجنب عن حرام . فتأمل.
وكيف
كان :
فخلاف المتأخرين ومصيرهم إلى الطهارة ضعيف ، وأدلتهم من الأصل والعمومات بما تقدّم
مخصّصة.
(و)
نحوه في النجاسة (عرق
الإبل الجلّالة) في الأظهر الأشهر
بين قدماء الطائفة ، بل ربما يستشعر الإجماع عليه من عبارة ابن زهرة ، ومن عبارة سلّار الشهرة العظيمة ، للصحيحين : « فإن أصابك من عرقها شيء
فاغسله » .
والثاني منهما عام للإبل وغيرها . وبه صرّح بعض الأصحاب وحكى عن النزهة . خلافا للأكثر فخصّوا الحكم بالأوّل.
__________________
وبهما يخصّ أدلة الطهارة التي تمسّك [
بها ] الجماعة
المتأخرة البالغين حدّ الشهرة. لكنها بالإضافة إلى شهرة القدماء مرجوحة. وعلى فرض
التساوي فترجيحها عليها يحتاج إلى دلالة واضحة ، وهي منتفية. والأصل والعمومات
بالصحيحين المرجّحين لشهرة القدماء مخصّصة ، وهما أدلة خاصة ، وتلك عامة ، والخاص
مقدّم بالضرورة. فالمرجّح مع الشهرة القديمة البتة ، مضافا إلى المخالفة للتقية ،
لتصريحهم بالطهارة كما حكاه بعض الأجلة .
(و)
الأظهر طهارة (لعاب
المسوخ)
عدا الخنزير (وذرق
الدجاج) غير الجلّال ، وفاقا للأشهر ( سيّما )
بين من تأخر
، للأصل ، والعمومات ، وخصوص النصوص في الأول في بعضها كالعقرب والفأرة والوزغة
والعاج ونحوها
، وخصوص الخبر في الثاني : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب » .
خلافا
للمراسم
والوسيلة والإصباح في الأول فالنجاسة .
وليست مستندة إلى دلالة واضحة ، وعلى تقديرها فهي لما تقدّم من الأدلة غير مكافئة
، سيّما مع اعتضادها بالشهرة العظيمة ، بل والضرورة في بعض أفرادها كالزنبور ونحوه
ممّا يوجب القول بوجوب التحرز عنه مخالفة الطريقة المستمرة بين المسلمين في الأعصار
السابقة واللاحقة ، مضافا إلى استلزامه العسر والحرج المنفيين في الشريعة السهلة
السمحة.
__________________
فأبواب المناقشات في هذا القول مفتوحة.
كانفتاحها في القول بنجاسة عينها ولعابها كما عن المبسوط في موضعين منه ، مدّعيا في أحدهما الإجماع. وهو غريب.
ولا يبعد جعله أمارة لإرادته الخباثة من النجاسة لا المعنى المتعارف بين المتشرعة.
ويقربه المحكي عن اقتصاده من أنّ غير
الطير على ضربين : نجس العين ونجس الحكم ، فنجس العين هو الكلب والخنزير ، فإنّه
نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب ، وما عداه على ضربين : مأكول وغير مأكول ، فما
ليس بمأكول كالسباع وغيرها من المسوخات مباح السؤر وهو نجس الحكم .
انتهى.
فيحتمل إرادته من النجاسة فيما مضى ما
فسّرها به هنا. ويؤيده حكمه في الخلاف بجواز التمشط بالعاج واستعمال المداهن منه
مدّعيا عليه الإجماع .
وللصدوقين ، والشيخين في الثاني فنجّسوه ، للخبر : عن ذرق
الدجاج تجوز فيه الصلاة؟ فكتب : « لا » .
وفيه ـ مع الضعف والإضمار وكونه مكاتبة
محتملة لأجلها الحمل على التقية ـ : قصور الدلالة ، إلّا على تقدير الملازمة بين
نفي جواز الصلاة معه والنجاسة. وهي منتفية ، لانتفائها في مواضع كثيرة. إلّا أن
ينجبر بعدم القول بالفرق بينه وبينها هاهنا.
__________________
وكيف كان : لا ريب في قصوره عن المقاومة
لما مرّ من الأدلة بالضرورة ، فينبغي طرحه ، أو حمله على الجلّال ، لعدم خلاف في
نجاسة ذرقه كما في التنقيح
، بل عليها الإجماع في المختلف .
ويؤيده عموم ما دلّ على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه مطلقا ، كما مضى .
(و)
في نجاسة (الثعلب
والأرنب والفأرة والوزغة اختلاف)
بين الطائفة : فبين حاكم بنجاسة الأربعة ، كما عن موضع من المبسوط وموضع من
النهاية
، مع حكمه بكراهة الرابع في الموضع الآخر من الأول ، وكراهة الثالث في الموضع الآخر من
الثاني
، أو الأخيرين خاصة ، كما عن المراسم والمقنعة .
أو الأوّلين كذلك ، كما عن الحلبيين .
أو هما مع الرابع مكرها للثالث ، كما عن القاضي . وعن الغنية الإجماع على القول الثالث.
(والكراهية)
في الجميع (أظهر)
وفاقا لعامة من تأخر ، للأصول والعمومات فيها أجمع.
وخصوص
النصوص
في الأول الدالة على قبولها التذكية ، منها الصحيح : عن الصلاة في جلود الثعالب ،
قال : « إن كانت ذكية فلا بأس »
ولو كان نجس العين لما قبل التذكية.
والنصوص المستفيضة في الثالث ، منها
الصحاح وغيرها ، فمن الاولى
__________________
الصحيح : عن الفأرة
تقع في السمن والزيت ثمَّ تخرج منه حيا ، فقال : « لا بأس بأكله » .
وفي الصحيح : « لا بأس بسؤر الفأرة إذا
شربت من الإناء أن تشرب منه وتتوضأ منه » .
ونحوه الخبر من الثاني المروي عن قرب
الإسناد .
وفي آخر منه : عن الفأرة والعقرب وأشباه
ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ؟ قال : « يسكب منه ثلاث
مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمَّ تشرب منه وتتوضأ منه ، غير الوزغ فإنه
لا ينتفع بما وقع فيه » .
وخصوص الصحيح في الرابع : عن الوزغ يقع
في الماء فلا يموت فيه ، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال « لا بأس » .
والمراد بعدم الانتفاع بما وقع فيه في
الخبر السابق ـ ونحوه الرضوي
ـ الكراهة ، أو المنع منه في مثل الشرب من جهة السّمّية لا النجاسة.
ولا معارض لهذه الأدلة سوى المرسل في الأوّلين
: هل يجوز أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال : « لا يضره
ولكن يغسل يده » .
__________________
وهو ـ مع إرساله وعدم مكافأته لما مرّ ـ
دالّ بظاهر إطلاقه على نجاسة السباع أيضا ، ومع ذلك شامل لحالتي الملاقاة برطوبة
وبدونها جدّا ، ولا قائل بالإطلاقين قطعاً.
والنصوص في الثالث ، أجودها سندا ودلالة
الصحيح : عن الفأرة الرطبة قد وقعت على الماء تمشي على الثياب ، أيصلّى فيها؟ قال
: « أغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره فانضحه بالماء » .
وهي ـ مع قصور سند أكثرها ودلالته ـ ضعيفة
أجمع عن المكافأة لما مرّ من وجوه عديدة ، فلتحمل على الاستحباب. ومع ذلك محتملة
للحمل على التقية ، لحكاية نجاسة الفأرة في المنتهى عن بعض العامة .
وأما حكاية الإجماع المتقدمة عن الغنية
فهي بمصير عامة المتأخرين إلى الطهارة موهونة ، ومع ذلك فغايتها أنها رواية صحيحة
لا تعارض ـ كسابقتها ـ شيئا من الأدلة السابقة.
__________________
(وأمّا أحكامها فعشرة :)
(الأوّل)
(كل
النجاسات يجب)
شرعا (إزالة
قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن)
للصلاة والطواف الواجبين ، وشرطا لهما ، مطلقا إجماعا ، إلّا من الإسكافي في دون
سعة الدرهم من النجاسات ـ عدا الحيض والمني ـ فلم يوجب الإزالة حاكما بالطهارة . ويدفعه إطلاق المستفيضة الآمرة بغسل
النجاسات
الشامل لما ذكره وغيره. كدفعها المحكي في السرائر عن بعض الأصحاب من نفي البأس
عمّا يترشح على الثوب أو البدن من النجاسات مطلقا ، أو مقيدا بالبول خاصة عند الاستنجاء
كما عن ميافارقيات السّيد .
مضافا إلى اندفاعهما ولا سيّما الأخير بالخصوص بالصحيح وغيره : عن رجل يبول بالليل
، فيحسب أن البول أصابه ولا يستيقن ، فهل يجزيه أن يصبّ على ذكره إذا بال ولا
يتنشّف؟
قال
:
« يغسل ما استبان أنه قد أصابه وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ، ويتنشّف قبل أن
يتوضأ » .
وبالجملة : لا ريب في وجوب الإزالة
مطلقا (عدا الدم
فقد عفى عمّا دون الدرهم) البغلي (سعة)
لا وزنا (في الصلاة)
خاصة ، إجماعا كما عن المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والمختلف والتذكرة ، للنصوص المستفيضة الآتية.
__________________
وموردها العفو عن الثوب خاصة ، ولذا حكي
الاقتصار عليه عن جماعة .
ولكن المحكي عن المنتهى نسبة إلحاق البدن به إلى أصحابنا ، مشعرا بالإجماع عليه ، فهو الحجّة إن
تمَّ ، لا الاشتراك في العلّة وهي حصول المشقة في الإزالة ، فإنّها مستنبطة لا
إشعار عليه في شيء من المعتبرة.
ولا الرواية : إني حككت جلدي فخرج منه
دم ، فقال : « إن اجتمع منه قدر حمصة فاغسله وإلّا فلا » .
لقصور سندها أوّلا. ومخالفتها الإجماع
ثانيا من حيث جعل المعيار قدر الحمصة ولا قائل به من الأصحاب إن أريد به سعة ،
وكذلك إن أريد به وزنا ، لزيادة سعته من سعة الدرهم لو أشيع في البدن أو الثوب
بكثير جدا ولا قائل به من الأصحاب أيضا.
إلّا أن يجاب عن القصور بالانجبار
بالعمل ، والدلالة بقراءة الحمصة بالخمصة بالخاء المعجمة ، وهو ما انخفض من راحة الكف ، كما سيأتي نقل
تقدير الدرهم به سعة عن بعض الأجلة
، لكنه يتوقف على القرينة على هذه النسخة وهي مفقودة.
فإذا المستند إنما هو حكاية الإجماع
المستشعر بها عن عبارة العلّامة إن تمَّ ، وإلّا فمقتضى الأصل المستفاد من النصوص
المعتبرة المستفيضة عدم العفو ووجوب الإزالة. لكن الظاهر تماميته ، فقد صرّح به
المرتضى في الانتصار
، ولم نر فيه مخالفا ، وكيف كان فالاحتياط مطلوب فيها البتة.
__________________
ثمَّ إن المراد بالبغلي هو الكبير
الوافي المضروب من درهم وثلث على المستفاد من أكثر الأصحاب ، بل حكي اتفاقهم عليه ، وعليه نص الرضوي : « إن أصاب ثوبك دم
فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف ، والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا
، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه » إلى آخره .
وربما
ظهر
من الحلّي مغايرة الوافي للبغلي .
واختلفوا في سعته ، فبين من قدّره بما
يقرب سعته من سعة أخمص الراحة وما انخفض منها كما عن الحلّي ، وبسعة الدينار كما عن العماني ، وبسعة العقد الأعلى من الإبهام كما
عن الإسكافي
، وحكي اعتبار سعة العقد الأعلى من السبابة ومن الوسطى .
ولا دليل على شيء منها وإن كان الأول
منسوبا إلى الأشهر بين أصحابنا .
وربما يستشهد للثاني بالخبر المروي عن مسائل علي بن جعفر : « وإن أصاب ثوبك قدر
دينار من الدم فاغسله ولا تصلّ فيه حتى تغسله » ولا حجة فيه من حيث السند ، مع إجمال
سعة الدينار.
والأوفق بالقواعد الأخذ بالأقل من
المقادير ، وقوفا فيما خالف الأصل المتقدم على المتيقن ، إلّا أن الأخير ضعيف جدّا
تشهد القرائن الحالية بفساده قطعاً. بل وربما لا يبعد ترجيح الأول ، لإخبار الحلّي
عن رؤيته كذلك وهو
__________________
حجة ، وليس من باب
الشهادة ليعتبر فيها التعدد ، ومع ذلك فهو معتضد بالشهرة المحكية.
واختلفوا أيضا في وجه التسمية بالبغلي ،
فعن المعتبر والتذكرة : إنه النسبة إلى قرية بالجامعين ، قيل : فعلى هذا فالغين مفتوحة واللام
مشددة .
وفي الذكرى : إنه البغلي بإسكان الغين ،
وهو منسوب إلى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية ووزنه ثمانية دوانيق ،
قال : والبغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام
والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ، فلمّا كان زمن عبد
الملك جمع بينهما واتخذ الدرهم منهما واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق ، قال : وهذه
التسمية ذكرها ابن دريد ، وحكى النسبة إلى قرية بالجامعين قولا ، واستدل له بأن
هذه الدراهم لا بدّ من تقدمها على الإسلام ليحمل عليها الأخبار ، وأجاب بما أشار
إليه آنفا من أنها متقدمة وإنما الحادث التسمية .
وعن المهذّب البارع ردّ ما في الذكرى
بأن المسموع من الشيوخ فتح الغين وتشديد اللام ، واتباع المشهور بين الفقهاء أولى
من اتباع المنقول عن ابن دريد .
ولا ثمرة في هذا الاختلاف.
وربما يستشكل في حمل إطلاق النصوص على
البغلي ، بناء على ما يستفاد من الذكرى وغيره إطلاق الدرهم عليه وعلى غيره من
الطبرية وغيرها وأنه ترك في زمن عبد الملك ، وهو متقدم على زمان صدور الروايات.
وهو كذلك لو لا الفقه الرضوي المتقدم المعتضد بفتوى الأصحاب ، ورواية العامة ذلك
عن النبي 9 ، فتدبّر.
(ولم يعف عمّا زاد عنه)
إجماعا ، للعمومات ، وصريح النصوص
__________________
الآتية.
(و)
في العفو (عمّا بلغ
قدر الدرهم) حال كونه (مجتمعا روايتان
، أشهرهما)
وأظهرهما (وجوب
الإزالة) ففي الصحيح : « يغسله ـ أي الدم ـ ولا
يعيد صلاته ، إلّا أن يكون قدر الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة » .
ونحوه المرسل لجميل : « لا بأس ما لم يكن
مجتمعا قدر الدرهم » .
ونحوهما الرضوي المتقدم .
وهذه الأخبار ـ مع اعتبار أسانيدها
واعتضادها بالعمومات والشهرة العظيمة ـ واضحة الدلالة.
والروايات
الثانية
مع قصور أسانيدها ـ ولو بالإضافة إلى الروايات السابقة في بعضها ـ وقلّة عددها ،
وندرة القائل بها ـ إذ لم ينقل إلّا عن الديلمي والمرتضى ـ غير واضحة الدلالة ، فإنّ إحداها
الخبر : « في الدم يكون في الثوب : « إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ،
وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته » الحديث .
وليس فيها الدلالة إلّا من جهة مفهوم
العبارة الثانية ، وهو معارض بمفهوم العبارة الاولى ، والترجيح معها ـ دون نية ـ لاعتضادها
بالمعاضدات السابقة.
وما يقال في ترجيح العكس من أصالة
البراءة غفلة واضحة ، كيف لا؟! وهي بالعمومات الدالّة على وجوب الإزالة ، واستصحاب
شغل الذمة اليقيني بالعبادة المستدعي للبراءة اليقينية مخصّصة ، وعلى تقدير بقائها
فلا ريب في
__________________
عدم مكافاتها لشيء
من المعاضدات المتقدمة ، فضلا عن جميعها ، ولا سيّما الشهرة. وبالجملة : لا حجة في
مثل هذه الرواية.
نعم
في الحسن :
قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : « إن رأيته وعليك ثوب
غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ، وما لم
يزد على قدر الدرهم فليس بشيء رأيته أو لم تره ، فإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من
مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه » .
ودلالته غير صريحة ، وغايتها العموم
القابل للتخصيص بما تقدم بحمل ما لم يزد وما ليس بأكثر من الدرهم على خصوص الناقص
عنه.
هذا مع أنّ هذا الخبر مروي في الكافي
والفقيه ـ اللذين هما أضبط من التهذيب الذي روي فيه كما مرّ ـ بإسقاط الواو في «
وما لم يزد » وزيادة : « وما كان أقل من ذلك فليس بشيء » بعد قوله : « ما لم يزد
على مقدار الدرهم » وسبيله حينئذ سبيل الرواية السابقة.
ولعل ترك ذكر الواسطة بين الأقل والأكثر
في الروايتين لأجل ندرتها وغلبة تحقق الأمرين ، فليس فيهما على هذا ذكر حكمها لو
لم نقل بدلالتهما على عدم العفو عنها ، فالاستناد إليهما لا وجه له أصلا.
(ولو كان)
مقدار الدرهم فصاعدا (متفرقا
لم تجب إزالته) مطلقا وإن زاد
الجميع عن مقدار الدرهم وتفاحش ، وفاقا للطوسي والحلّي وابن سعيد والتلخيص ، وفي الذكرى إنه المشهور ، لظاهر المرسل الذي مرّ ، إلّا أن في السند مع الإرسال علي بن
حديد. ودعوى الجبر بالشهرة المحكية مدفوعة
__________________
بالشهرة بين
المتأخرين على الخلاف وهي وجدانية.
نعم
: الصحيح المتقدم
ظاهر فيه ،
من حيث إن الظاهر كون « مجتمعا » خبرا ليكون ، لا حالا مطلقا ، لا مقدّرة ولا
محقّقة ، وإن تمَّ دلالته على الثاني أيضا بالضرورة ، لظهور اتحاد زماني الاجتماع
والكون بقدر الدرهم مع أن تغايرهما شرط في المقدّرة اتفاقا ، ولامتناع المحقّقة في
النقط المتفرقة المفروضة في الرواية ، فانحصر الأمر فيما مرّ وهو كون « مجتمعا »
خبرا. وعلى تقديره فالدلالة ظاهرة ، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المحكية ، ولكن في
بلوغها قوة المعارضة للعمومات ، واستصحاب اشتغال الذمة بالعبادة التوقيفية ،
وإطلاقات أكثر ما مضى من المعتبرة نوع مناقشة.
(و)
لعله لذا (قيل)
إنه (تجب)
الإزالة حينئذ (مطلقا)
وإن كان غير متفاحش ، ولا ريب أنه أحوط لو لم يكن أقوى ، وفاقا لسلّار وابني حمزة
والبراج وأكثر المتأخرين .
(وقيل)
كما عن النهاية والمعتبر
ـ كما حكاه عنه بعض الأجلّة
ـ بوجوب الإزالة (بشرط
التفاحش) ولا دليل على الشرط وتقديره بالمرة
كما اعترف به جماعة
، بل ربما يمكن المناقشة في نسبة هذا القول إلى النهاية ، فإنّ عبارتها غير صريحة
فيه بل ولا ظاهرة على ما حكاه بعض الأجلّة .
(الثاني :)
(دم الحيض تجب إزالته وإن قلّ)
ونقص عن سعة الدرهم اتفاقا ، كما
__________________
حكاه بعض الأجلة ، للأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة
الآمرة بغسله ، كالنبوي الآمر لأسماء : « حتيه ثمَّ اقرصيه ثمَّ اغسليه بالماء » .
والصادقي : عن الحائض ، قال : « تغسل ما
أصاب ثوبها من الدم » .
مضافا إلى الأصل في العبادة واستصحاب
شغل الذمة المحتاج إلى البراءة اليقينية في محل الشبهة.
وللخبر المروي في الكافي وموضع من
التهذيب ، مسندا إلى الصادقين 8
: « لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلّا دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن
رآه وإن لم يره سواء » .
وقصور السند بالعمل والأصول مجبور ،
والسند ـ كما عرفت ـ على الراوي غير موقوف.
ونحوه الرضوي : « إلّا أن يكون دم الحيض
، فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قلّ أو كثر » .
وهذه الأدلة مع ما هي عليه من القوة
سليمة عمّا يصلح للمعارضة ، سوى ما يتوهم من إطلاق أخبار العفو المتقدمة. وشموله
للمقام محل مناقشة ، لعدم التبادر ، لاختصاص الخطابات فيها بالذكور دون النسوة ،
واحتمال إصابة ثيابهم دم الحيض نادر بالضرورة ، ولذا لم يكن من الأفراد المتبادرة
، فلا يعترض بمثل ذلك شيء من الأدلة السابقة.
__________________
(وألحق الشيخ به)
تبعا للمرتضى
، بل وغيره من القدماء
، بل وربما يستفاد عن ظاهر الخلاف وصريح الغنية الإجماع عليه ، وعن الحلّي نفي
الخلاف عنه
(دم
الاستحاضة والنفاس) ولا بأس به ، للإجماعات
المحكية ، والأصل المتقدم في العبادة ، مع عدم عموم في أخبار العفو كما مضت إليه
الإشارة ، واعتضاد إلحاق الثاني بما يستفاد من المعتبرة من أنه دم الحيض المحتبس
في أرحام النسوة وأنه حيض في الحقيقة.
وعن
ابن حمزة والقطب
الراوندي والتحرير
: إلحاق دم الكلب والخنزير أيضا.
وعن العلّامة في جملة من كتبه : التعميم
لدم مطلق نجس العين الشامل لهما وللكافر والميت . ولا دليل عليه سوى الأصل المتقدم
السالم عن معارضة أخبار العفو لما مرّ. وهو الحجّة فيه ، لا الاستدلال بملاقاته
البدن النجس الغير المعفو ، لابتنائه على تزايد نجاسة نجس العين وقد يمنع. ولو
سلّم فلا دليل على عدم العفو في مثله سوى إطلاق الأخبار بالغسل وإعادة الصلاة عنه
، ولم ينصرف إليه ، لما مرّ. فتأمل.
والعمدة في التعدية هو الإجماع ، وليس
في المسألة ، مع أن المحكي عن الحلّي إنكار الإلحاق مدّعيا عليه الوفاق .
فإذا
: الأجود
الاستدلال بما مرّ ، وبالخبر الموثق بابن بكير ـ المجمع على تصحيح رواياته ـ : «
إن الصلاة في كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وكل شيء منه
فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره ممّا
__________________
أحلّ الله تعالى
أكله » الخبر .
فتدبّر.
(وعفى عن دم القروح والجروح الذي لا يرقأ)
ولا ينقطع ، في الثوب كان أم البدن ، قليلا كان أو كثيرا ، إجماعا ، للنصوص
المستفيضة ، منها الصحيح : عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ فقال
: « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل » .
ونحوه الصحيحان والحسن وغيرها.
وظاهرها
الدم
السائل الغير المنقطع ، ولذا خصّ العفو به في العبارة كجماعة ، نظرا إلى مخالفته الأصل المستفاد من
إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم والحاكمة بإعادة الصلاة عنه ، فيقتصر فيها على
مورد النص.
وحينئذ (فإذا رقأ)
لم يعف عنه مطلقا بل (اعتبر
فيه سعة الدرهم) جدّا ، وهو أحوط
وأولى. وإن كان ربما يقال : في تعيّنه نظر ، لعدم انحصار أخبار العفو عنه فيما مرّ
، بل هنا معتبرة أخر دالّة على العفو إلى أن يبرأ ، منها الخبر : « إذا كان بالرجل
جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم » . وفيه نظر.
والأولى الاستدلال بعموم الموثق : عن
الدماميل تكون بالرجل فتنفجر
__________________
وهو في الصلاة ، قال
: « يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة » .
مضافا إلى نص الموثق : دخلت على الباقر 7 وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في
ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما ، قال 7 : « إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى
تبرأ » .
إلّا أن في السند قصورا ولا جابر له
يعتد به. ومع ذلك فليس في الدلالة صراحة فيحتمل البرء فيه الانقطاع ، كاحتماله من
البرء في الخبر السابق. بل ولا يبعد قربه فيه ، لاشتراط السيلان في صدره ، وعطف
الانقطاع عليه في ذيله.
فلم يبق إلّا العموم في الموثق السابق ،
وفي تخصيص الأصل والعمومات بمثله نظر ، سيّما مع كون العمل بهما في غير محل الوفاق
هو الأشهر ، كما يظهر من كلمات القوم للأحقر.
هذا مضافا إلى ظهور التقييد بعدم
الانقطاع والإشعار بكون العلّة في العفو هنا هو الحرج من روايات أخر ، وقصور
أسانيدها ـ لو كان ـ بالشهرة منجبر ، ففي المروي عن السرائر عن البزنطي عن مولانا
الباقر 7 : « إنّ
صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ولا يغسل ثوبه في
اليوم أكثر من مرة » .
وفي الموثق : عن القرح والجرح فلا
يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : « يصلّي ولا يغسل ثوبه ، فإنه لا يستطيع أن
يغسل ثوبه كل ساعة » .
فإذا : القول الأول حيث لا يلزم معه
الحرج أظهر. وعليه فهل يناط الحكم بالانقطاع على الإطلاق كما هو ظاهر العبارة
وجماعة ، أو يقيد بزمان يتسع لأداء
__________________
الصلاة كما عن
المعتبر والذكرى ؟
قولان.
وربما يناط العفو وعدمه بحصول المشقة
بالإزالة وعدمه ، كما في الشرائع وعن ظاهر العلّامة في النهاية ، وعن المنتهى والتحرير : الجمع بينه وبين عدم الانقطاع.
والأوّل من هذين في الجملة أقوى ، وذلك في صورة حصول المشقة مع الانقطاع ، إذ
الانقطاع بمجرده مع حصول المشقة بالإزالة غير كاف في عدم العفو قطعا ، وينزّل
تعليق عدم العفو على مجرد البرء والانقطاع في الخبرين على هذا قطعاً. هذا ، ولا
يبعد قوّته مطلقا ، فيجب الإزالة مع عدم المشقة في صورة عدم الانقطاع أيضا ، لظهور
سياق الروايات السابقة في العفو مع عدم الانقطاع في صورة حصول المشقة بالإزالة.
والأقوى
عدم وجوب
إزالة البعض ولو مع إمكانها. خلافا لمحتمل نهاية الإحكام . وإطلاق النصوص تدفعه. كدفعها وجوب
إبدال الثوب ولو مع الإمكان وإن حكي الحكم به عن الكتاب المذكور والمنتهى ، مع أن الشيخ ادعى في الخلاف على
خلافه الوفاق
، وهو عليه حجّة أخرى. لكنه أحوط وأولى ، لإشعار رواية البزنطي المتقدمة به جدّا ،
إلّا أنها لضعفها وعدم جابر لها هنا مع عدم معارضتها لما مرّ ليست هنا محل الفتوى
، فتأمل جدّاً.
(الثالث :)
(تجوز الصلاة فيما لا تتم الصلاة)
للرجال (فيه منفردا)
ولو كان (مع نجاسة)
مغلّظة (كالتكة
والجورب والقلنسوة) ونحوها. مطلقا كما
هو الأشهر الأقوى ، وفاقا للمرتضى
، أو من الملابس خاصة مطلقا كما عن الحلّي
__________________
وغيره ، أو مقيدا بكونها في محالّها كما عليه
العلّامة في أكثر كتبه .
ولا خلاف في أصل الحكم في الجملة ، بل
عليه الإجماع عن الانتصار والخلاف والسرائر وظاهر التذكرة ، وصرّح به أيضا جماعة ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها
الموثق : « كلّ ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يكون عليه الشيء ، مثل
القلنسوة والتكة والجورب » .
والمرسل كالصحيح على الصحيح : « إذا كان
مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس » .
وظاهرهما ـ كغيرهما ـ تعليق الحكم بجواز
الصلاة فيما لا تتم فيه منفردا على هذا الوصف.
وأظهر منهما الرضوي : « إن أصاب قلنسوتك
أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف منّي أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة ، وذلك
أن الصلاة لا تتم في شيء من هذا وحده » .
ومقتضاه عدم اختصاص الحكم بالملابس فضلا
عن اشتراط كونها في محالّها ، وإن كان هذا غير بعيد بعد ثبوت الأول ، نظرا إلى
التبادر من المذكورات في سياق الأخبار.
ويقرّب العموم مضافا إلى ما مرّ الإتيان بلفظه في بعضها ، والترديد بين
كون تلك الأشياء عليه أو معه في المرسل .
وبجميع ما ذكر يخص الأصل في
__________________
العبادة كما مرّ.
وما ربما يقال : من إثبات أصل الحكم هنا
بأصالة البراءة عن إزالة النجاسة عن مثل هذه الأشياء السالمة عن المعارض ، لخلو
الأخبار عن الأمر بها ، لاختصاص الآمرة منها بالثوب الغير الصادق على مثل هذه
الأشياء.
ليس في محلّه ، كيف لا؟! وهو بعد
معارضته بالأصل المتقدم ذكره الذي هو منه أقوى يدفعه تصريح الأصحاب ـ كظواهر
النصوص ـ باستثنائها الملازم لدخولها تحت أدلة المنع عنها.
ومنه يظهر التمسك بمثل ذلك لإثبات العفو
عن النجاسة في العمامة تبعا للصدوقين .
ومستندهما من النصوص غير واضح ، سوى الرضوي المتقدم.
ومع ذلك فهو غير ظاهر أيضا ؛ لاحتماله
إرادة العمامة الصغيرة كما يشعر به التعليل في ذيله ، فإنّ الكبيرة تتأتى الصلاة
فيها قطعا ، فلا وجه لتعليل الحكم بجواز الصلاة فيها بما ذكر ، وعليها حمل
الراوندي كلامهما .
(الرابع :)
(يغسل الثوب والبدن من البول مرّتين)
على الأظهر الأشهر ، بل عن ظاهر المعتبر الإجماع عليه ، وهو الحجّة كالصحاح المستفيضة وغيرها
، منها الصحيحان : عن الثوب يصيبه البول ، قال : « اغسله مرّتين » .
ونحوهما الصحيح بزيادة : « فإن غسلته في
ماء جار فمرّة واحدة » .
خلافا للمنتهى والبيان فمرّة مطلقا ، لإطلاق الأمر. ويقيّد بما مرّ.
ولشاذ ، فخص التعدد بالثوب خاصة ، عملا فيما عداه بالأصل وإطلاق
__________________
الأمر السالمين عن
معارضة النصوص المتقدمة ، لاختصاصها بالثوب خاصة.
والإجماع المحكي حجة عليه ، والأصل
معارض باستصحاب النجاسة ، ومع ذلك هو كالإطلاق مقيد بالإجماع الذي مرّ ونصوص أخرى
هي ما بين صحيح وحسن وقاصر قصوره بالشهرة منجبر ، ففي الصحيح : عن البول يصيب
الجسد ، قال : « صبّ عليه الماء مرتين » .
ونحوه
الحسن بزيادة :
« وإنما هو ماء » .
ونحوه بعينه المروي في مستطرفات السرائر
، عن جامع أحمد بن محمّد ابن أبي نصر
وربما يعدّ مثله صحيحا ، لنقله عن الكتاب المشهور بلا واسطة ، وهو معتبر.
ثمَّ إن إطلاق العبارة والنصوص المتقدمة
وظاهر جماعة
عموم التعدد لصور الغسل بالقليل ، أم الكثير الراكد ، أو الجاري.
خلافا لجماعة ، فاكتفوا بالمرة فيما عدا
الأوّل مطلقا ، كما عن العلّامة في التذكرة والنهاية والشهيدين وغيرهم ، أو الجاري خاصة كما عن الجامع .
وربما علّل الإطلاق بالاقتصار فيما خالف
الأصل وإطلاق الأوامر على القدر المتيقن من النصوص المتقدمة ، وليس إلّا القليل
خاصة ، للغلبة ، ولما فيما عداه من الندرة زمن صدور تلك المعتبرة.
والأصل معارض بمثله بل وأقوى ، والإطلاق
مجاب بما أجيب به عن
__________________
النصوص.
فإذا : القول الأخير أقوى ، استنادا في
لزوم التعدد فيما عدا الجاري باستصحاب النجاسة ، لا إطلاق النصوص الآمرة بالإزالة
ليرد عليها المناقشة المزبورة. وفي الاكتفاء بالمرة فيه بالصحيح الثالث ، لقوله :
« فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة ».
والرضوي : « فإن أصاب بول في ثوبك
فاغسله من ماء جار مرة ، ومن ماء راكد مرتين ، ثمَّ أعصره » .
وفيهما مفهوما في الأول ومنطوقا في
الثاني بحسب العموم ردّ للقول بنفي التعدد فيما عدا القليل على الإطلاق ، إلّا أن
يجابا بالورود مورد الغلبة.
واعلم
أن ظاهر
العبارة وصريح جماعة
اختصاص التعدد بالبول خاصة والاكتفاء فيما عداه بالمرة الواحدة ، تمسّكا بالأصل
وإطلاق النصوص.
خلافا لآخرين ، وهم ما بين مطلق للتعدد
فيه ، ومقيّد له
بما له قوام وثخانة
، للأولوية ، وهي ممنوعة ، وللصحيحة : ذكر المني فشدّده وجعله أشد من البول . والدلالة غير واضحة ، فيحتمل إرادة
الأشدية في النجاسة ردّا لما ذهب إليه بعض العامة من القول بالطهارة ، لا الأشدية في كيفية الإزالة ، مع
أنها تستلزم الزيادة على المرتين ولو بواحدة. فإذا : الأقوى هو القول بالمرة وإن
كان الأحوط مراعاة التعدد مطلقا البتة.
__________________
ثمَّ إن الأقوى ـ وفاقا لأكثر أصحابنا ، بل ربما نفي الخلاف عنه ـ لزوم العصر في الغسل ، وقد حقّقناه
في بعض تحقيقاتنا يطول الكلام بذكره هنا (إلّا من بول الصبي)
الذي لم يأكل أكلا مستندا إلى شهوته وإرادته كما في المعتبر والمنتهى (فإنه يكفي صب الماء عليه)
من غير عصر ، بلا خلاف في الظاهر ، مضافا إلى حكاية الإجماع عليه عن ظاهر المعتبر
والخلاف
، للحسن بل الصحيح : عن بول الصبي ، قال : « صبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل
فاغسله غسلا ، والغلام والجارية شرع سواء » .
ونحوه
الرضوي مبدلا فيه
الصبي بالرضيع .
وأمّا الموثق الآمر بالغسل فإطلاق الصبي فيه محمول على ما فصّله
الخبران. ونحوه الجواب عن الحسن القريب منه
، مع احتماله لمحامل أخر.
ثمَّ ظاهر الأولين ـ كالمحكي عن ظاهر
الصدوقين
ـ مساواة الجارية للغلام في البين.
خلافا للأكثر ، فنفوا المساواة وخصوا
الحكم بالذكر. وهو الأظهر ، للأصل ، والإطلاقات ، واحتمال رجوع الحكم بالتسوية في
الخبرين وعبارة القائلين إلى صورة لزوم الغسل لا صورة الاكتفاء بالصب.
__________________
مضافا إلى صريح الخبر : « لبن الجارية
وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، لأن لبنها يخرج من مثانة أمّها. ولبن الغلام
لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم ، لأن لبن الغلام يخرج من العضدين » .
وضعف السند وكذا الاشتمال على ما لا
يقول به أحد مجبور بالشهرة ، مؤيد بروايات أخر حكاها بعض الأجلة عن غير الكتب المشهورة ، فأحدها العامي
النبوي : « بول الغلام ينضح ، وبول الجارية يغسل » .
وقريب منه الآخر وفيه : كان الحسن بن
علي 8 في حجر رسول
الله 9 فبال عليه ،
فقلت : أعطني إزارك لأغسله ، فقال : « إنما يغسل من بول الأنثى » .
ثمَّ المفهوم من الصب يشمل ما ينفصل معه
الماء وغيره ، والمستوعب وغيره ، فيشمل الرشّ ، إلّا أن المتبادر المنساق إلى
الفهم المستوعب.
وعن الأصحاب القطع بعدم اعتبار الانفصال
، لمقابلة
الصب في النصوص بالغسل الدالة على ذلك على كلّ من القول بتضمن الغسل العصر والقول
بعدم تضمنه له وأن غايته وحدّه الانفصال كما عن الخلاف ونهاية الإحكام ، فالمقابلة صريحة في نفي الانفصال على
الثاني ، وظاهرة فيه على الأوّل. وربما يحتمل عليه وجوب الانفصال بناء على نجاسة
الغسالة ، والمقابلة غايتها على هذا القول الدلالة على عدم لزوم العصر ، وهو أعم
من عدم لزوم الانفصال ، فقد يراد بغير العصر من وجوه الانفصال.
__________________
وكيف كان : فلا ريب أن الانفصال أحوط
وإن كان في تعيّنه نظر ، لإطلاق الأمر بالصب ، ولتصريح النبوي المتقدم بكفاية
النضح والرشّ الذي قد لا يتحقق معه الانفصال ، والسند وإن ضعف إلّا أنه كما مرّ
بالشهرة بل وظاهر حكاية الإجماع المتقدمة منجبر.
(ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون)
والرائحة على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، بل عن المعتبر عليه إجماع العلماء كافة ، وهو الحجّة فيه كالنصوص المستفيضة ،
منها الحسن : قلت له : للاستنجاء حدّ؟ قال : « لا ، حتى ينقى ما ثمّة » قلت : فإنه
ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : « الريح لا ينظر إليها » .
وقصوره عن إفادة تمام المدّعى بالإجماع
المركب بل البسيط مجبور.
وبه
يجبر قصور باقي
النصوص سندا ودلالة من حيث القصور عن إفادة تمام المطلوب ، فعنه 9 في الدم : « لا يضرك أثره » .
وعن مولانا الرضا 7 : عن الرجل يطأ في الحمّام وفي رجله
الشقاق ، فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر وقد غسله ،
كيف يصنع به وبرجله الذي وطئ بها ، أيجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره؟ ويستنجي
فيجد الريح من أظفاره ولا يرى شيئا ، فقال 7
: « لا شيء عليه من الريح والشقاق بعد غسله » .
وفي الخبرين في دم الحيض الذي لم يذهب
أثره : « اصبغيه بمشق » .
والأمر للاستحباب عند كافة الأصحاب لا
لإزالة الأثر ، كيف لا وهي
__________________
بالصبغ غير حاصلة
قطعاً.
هذا ، مع أن الأصل يساعد النصوص ، وهو
البراءة عن إزالة نحو اللون والرائحة. ولا يعارضه المعتبرة بإزالة الأعيان النجسة
، لعدم صدقها على نحو الأمرين في العرف والعادة وإن قلنا ببقاء الأجزاء الجوهرية.
وبالجملة
: لا ريب
في المسألة. وفتوى العلّامة في النهاية بلزوم إزالة الطعم لأنّها سهلة ، ضعيفة. كفتواه في المنتهى بوجوب
إزالة اللون مع الإمكان .
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق في
الحكم بين صورتي العسر في الإزالة وعدمه. وربما قيّد بالأولى. وهو أحوط.
والمرجع في العسر والمشقة إلى العادة ،
فلو كان بحيث يزول بمبالغة كثيرة لم يجب.
وهل يتعيّن له نحو الأشنان والصابون ،
أم يتحقق المشقة بمجرّد الغسل بالماء ولو مرّة إذا لم يزل به الآثار المتقدم إليها
الإشارة؟ كلّ محتمل ، والأصل يقتضي الثاني ، والاحتياط الأوّل.
(الخامس :)
(إذا علم موضع النجاسة غسل)
خاصة بلا إشكال (وإن
جهل) وكان محصورا (غسل كل ما يحصل فيه
الاشتباه) وجوبا ، وفي النجس بالأصالة ، وفي
الباقي من باب المقدمة ، تحصيلا للبراءة اليقينية الغير الحاصلة بغسل مقدار ما وقع
عليه النجاسة بالضرورة ، وإن احتمله بحسب القاعدة بعض الأجلة . وإن هو إلّا غفلة واضحة.
والأصل في الحكم بعد ذلك إجماع الطائفة
وكثير من العامة المحكي
__________________
عن المعتبر والمنتهى
والتذكرة
، وصرّح به جماعة .
والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، منها الصحيح : « تغسل ثوبك من الناحية التي ترى أنه
قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك » .
وفيه
إشارة إلى ما
مرّ إليه الإشارة من القاعدة وردّ للقاعدة التي ادعاها بعض الأجلّة. ومنها يظهر
عدم نجاسة الملاقي له ناقصا عن مقدار ما حصلت فيه النجاسة ، وأنّ الأصل فيه
الطهارة إلّا إذا لاقى الجميع ، فيحكم بالنجاسة حينئذ بالضرورة.
(ولو نجس أحد الثوبين ولم يعلم عينه)
وفقد غيرهما وتعذّر التطهير (صلّى الصلاة الواحدة في كل واحد) منهما على حدة ـ ناويا
فيهما الوجوب ـ على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، لتمكنه معه من الثوب الطاهر
واستيفاء الشرائط ، وللحسن : عن رجل كان معه ثوبان ، فأصاب أحدهما بول ولا يدري
أيهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : « يصلّي
فيهما جميعا » .
(وقيل :)
كما عن ابني إدريس وسعيد
(يطرحهما
ويصلي عريانا) لوجوب الجزم عند
الافتتاح بكونها هي الصلاة الواجبة وهو منتف في كل منهما.
وفيه
: منع ذلك
أوّلا. ثمَّ إسقاطه فيما نحن فيه ثانيا ، لمكان الضرورة ، وليس بأولى من الستر
والقيام واستيفاء الأفعال بل هي أولى ، لكونها واجبات متعددة لا يعارضها الواجب
الواحد البتة. ثمَّ النقض به في الصلاة عريانا ثالثا ، لعدم
__________________
الجزم عند الافتتاح
بكونها الصلاة الواجبة ، لاحتمال كونها ما ذكرناه ، وليس يندفع إلّا على النص
القاطع بكونها ما ذكره ولم نقف عليه. نعم جعله في المبسوط رواية ، وهي ـ كما ترى ـ مرسلة غير مسندة ، والقائل
لا يعمل بالمسندة فضلا عن مثلها ، ولذا لم يستند إليها في المسألة. ثمَّ على تقدير
كونها مسندة لا تعارض الحسنة المتقدمة من وجوه متعددة أقواها الاعتضاد بالشهرة
العظيمة.
(السادس :)
(إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو
جسدا وهو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا)
إجماعا نصا وفتوى ، إلّا من الصدوق في كلب الصيد خاصة فأوجب الرش لملاقاته مع
الرطوبة .
ولم نجد له دلالة مع أنه انعقد على خلافه في الظاهر إجماع الطائفة.
(وإن كان)
كل من الثلاثة حين الملاقاة (يابسا
رشّ الثوب بالماء استحبابا) لا وجوبا ،
على الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن المعتبر .
وبه مع الأصل يصرف الأمر في الصحيحين في
الأوّلين إلى الاستحباب ، ففي أحدهما : « إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ،
وإن مسّه جافا فاصبب عليه الماء » .
وفي الثاني : في الخنزير يمسّ الثوب ،
قال : « وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب [ من ] ثوبه إلّا أن يكون [ فيه ]
أثر فيغسله » .
ولم أقف للحكم في الثالث على نص إلّا
أنه لا بأس بالمصير إليه ، للتسامح في مثله بما لا يتسامح في غيره.
__________________
والحكم بالوجوب فيه وفي سابقيه مشكل وإن
حكي عن الصدوق وابن حمزة والمفيد في المقنعة
، لما تقدمت إليه الإشارة ، مضافا إلى كثرة ورود الأمر بالنضح في مواضع عديدة
المحمول فيها على الاستحباب بإجماع الطائفة.
ثمَّ مقتضى العبارة تبعا لظاهر الصحيحين
اختصاص الحكم بالثوب خاصة. وهو كذلك ، للأصل ، وحرمة التعدية إلّا بدلالة واضحة هي
في المقام مفقودة.
(السابع :)
(من علم النجاسة)
الغير المعفو عنها (في
ثوبه أو بدنه وصلّى عامدا) ذاكرا لها
حين الصلاة (أعادها في
الوقت وبعده) إجماعا حكاه جماعة
، والصحاح
به مع ذلك مستفيضة ، منها : « في الدم في الثوب إن كان أكثر من درهم وكان رآه ولم يغسله
حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة » .
هذا مضافا إلى فحوى النصوص الآتية في
ناسي النجاسة.
وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم
الفرق في العالم بالنجاسة بين العالم بالحكم وعدمه ، فعليه الإعادة في الوقت
والقضاء في خارجه.
أمّا الأوّل فلعدم الإتيان بالمأمور به
على وجهه فعليه الإتيان مع إمكانه ، والجهل غير موجب للإتيان كذلك وإن سلّم القول
بمعذوريته ، بمعنى عدم توجه الخطاب إليه حين جهله وعدم مؤاخذته ، إلّا أن ذلك لا
يوجب الإتيان بما أمر به.
ومنه يعلم الوجه في الثاني بعد ملاحظة ما
دلّ على عموم وجوب قضاء
__________________
الفوائت ؛ لصدق
الفوت بمخالفته المأمور به في غير مورد الرخصة بالضرورة ، ولذا صرّح ( هنا ) جماعة بأن الجاهل بالحكم كالعامد.
(ولو)
علم بها قبل الصلاة إلّا أنه (نسي)
إزالتها (في حال)
الاشتغال ب : (الصلاة
فروايتان) مختلفتان ، باختلافهما اختلف الأصحاب ، فبين من
أوجب الإعادة مطلقا وقتا وخارجا
، ومن خصّه بالأول خاصة
، ومن نفاه مطلقا حاكما بالاستحباب .
ولكن
الأظهر وهو (أشهرهما أن عليه الإعادة)
وقتا وخارجا ، بل عن الحلّي وابن زهرة العلوي وشرح الجمل للقاضي : الإجماع عليه . وهو الحجة ، كالنصوص المستفيضة الآمرة
على الإطلاق بالإعادة
الصادقة في العرف والعادة على القضاء البتة.
مع أن فيها ما هو ناصّ بالشمول له
بالضرورة ، كالصحيح المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل لعلي بن جعفر ، عن أخيه
موسى 8 : عن رجل
احتجم فأصاب ثوبه دم ، فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : « وإن كان
رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي ولا ينقض منه شيئا ، وإن
كان رآه وقد صلى فليعتدّ بتلك الصلاة » .
وهذه الأخبار ـ مع كثرتها واستفاضة
الصحاح منها وصراحة بعضها
__________________
واعتضادها بعمل أكثر
الأصحاب والإجماع المحكي ـ موافقة للأصل المتقدم في عدم معذورية الجاهل ، إذ غاية
النسيان رفع المؤاخذة ، وعليه يحمل حديث رفع القلم ، لا إيجابه الموافقة للمأمور
به ، لمخالفته له قطعاً.
فما ربما يدّعى من أوفقية القول بعدم
وجوب الإعادة على الإطلاق ـ كما عن المعتبر واختاره بعض من تأخر ـ للأصل والحديث المتقدم ليس في محلّه
، كالاستناد له بالصحيح : عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجسه فينسى أن يغسله فيصلّي
فيه ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : « لا يعيد ، قد مضت الصلاة
وكتبت له » .
فإنه لوحدته وندرة القائل به مع حكم
الشيخ بشذوذه
ومخالفته الأصل لا يمكن أن يعترض به الأخبار المتقدمة ، مع ما هي عليه من المرجحات
المسطورة التي أعظمها الكثرة والشهرة العظيمة ، بل الإجماع كما حكاه بعض الأجلة ، واعتضده خلو كلمات القدماء عن الفتوى
به بالمرة ، بل وتصريحهم بخلافه في المسألة ، وإنما نشأ القول به عن زمان المعتبر
وبعض من تأخر.
وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول.
كالقول بالتفصيل وإن استند له بالجمع بين النصوص المطلقة في الجانبين ، بحمل
الأوّلة على الإعادة في الوقت والصحيحة المتقدمة على الإعادة في الخارج ، فإنه مع
كونه فرع التكافؤ لما مرّ وليس ، لا يلائمه الصحيح المتقدم عن قرب الإسناد ،
لصراحته في وجوب القضاء.
وقريب منه الحسن : « وإن كنت قد رأيته وهو
أكثر من مقدار درهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلوات كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه » .
__________________
فإنّ الظاهر أن المراد بالكثيرة هنا ما
يزيد على صلاتي الفريضة بل والخمس المفروضة. والحمل على النافلة يدفعه الأمر
بالإعادة الظاهر في الوجوب ، وليس في النافلة بالضرورة.
وبالجملة
:
ظهور شمول الرواية لصورة القضاء مما لا يحوم حوله مناقشة.
هذا مضافا إلى عدم الشاهد على هذا الجمع
، عدا رواية
هي مع إضمارها وكونها مجملة غير واضحة الدلالة ، فلا يكافئ شيئا ممّا مرّ من
الأدلة ، ومع ذلك لم نجد القائل به سوى الشيخ في الاستبصار ، وقد رجع عنه كما حكاه الحلّي ، ولذا ادعى الإجماع على خلافه ، هذا
مع أن نسبة القول إليه في الكتاب المسطور محل مناقشة ، وكيف كان فالقول به ضعيف
البتة.
(ولو لم يعلم)
بالنجاسة المزبورة إلى أن صلّى (وخرج
الوقت) ثمَّ علم بها (فلا قضاء)
عليه على الأشهر الأظهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية والسرائر والمهذّب ، وهو ظاهر الذكرى . وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى إطلاق
النصوص الآتية أو فحواها ، وبهما يخص الأصالة المتقدمة في عدم معذورية جاهل
المسألة.
(وهل)
عليه أن (يعيد)
إذا علم بها بعد الفراغ (مع
بقاء الوقت؟ فيه قولان ، أشبههما)
وأشهرهما (أنه لا)
يجب عليه (إعادة)
للصحاح المستفيضة ونحوها من المعتبرة ، ففي الصحيح : عن رجل صلّى وفي ثوبه جنابة
أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم ، قال : « قد مضت صلاته ولا شيء
__________________
عليه » .
خلافا للمبسوط فأوجب الإعادة ، ولا مستند له من الرواية وغيرها ،
عدا وجه اعتباري لا يعترض به الأخبار المتقدمة مع ما هي عليه من الكثرة والشهرة
العظيمة ، وتخص بها الأصالة المتقدمة لو تمسّك بها ، مع أنّ مقتضاها إطلاق لزوم
الإعادة ولو خارج الوقت. وتخصيصه إياها بالإضافة إليه خاصة بإجماع الطائفة والأخذ
فيما عداه بمقتضاها حسن إن صحّ الإجماع عنده وليس ، كيف لا؟! وهو قد حكى الخلاف من
الأصحاب في الخارج
مؤذنا بعدم الإجماع عليه ، هذا.
ولو سلّم يقال : فكما تخصّص الأصالة في
الخارج بإجماع الطائفة تخصّص في الوقت بما مرّ من المستفيضة التي لا وجه لردّها.
نعم : استدل له بالخبرين ، أحدهما الصحيح : في الجنابة
تصيب الثوب ولم يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمَّ يعلم بعد ، قال : « يعيد إذا لم يكن علم » .
والثاني الخبر : عن رجل صلّى وفي ثوبه
بول أو جنابة ، فقال : علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم » .
وهما ـ مع قصور سند الثاني منهما ، وقرب
احتمال سقوط حرف النفي
__________________
عن أوّلهما بملاحظة
الشرط في ذيله ـ لا يعارضان ما سلف من الأخبار. مع أنه لم يقل بإطلاقهما الشامل
لصورة القضاء. والجمع بينهما وما سبق بالتفصيل ـ كما قال به ـ فرع التكافؤ أوّلا ،
ثمَّ وجود الشاهد عليه ثانيا ، وليس هنا قطعا ، فطرحهما أو حملهما على الاستحباب
أو غيره متعيّن جدا.
ثمَّ إن مقتضى إطلاق أكثر النصوص وكلمات
أكثر الأصحاب : انسحاب الحكم في صور الجهل بالنجاسة قبل الصلاة من دون مظنة بها أو
معها مطلقا ، اجتهد في الفحص عنها حينئذ أم لا. وهو الأقوى.
خلافا لشيخنا في الذكرى ـ تبعا للمحكي عن جماعة من أصحابنا
كالصدوق والشيخين
ـ فخصّ الحكم بالجهل الساذج أو الظن مع الاجتهاد ، وأوجب فيما عداهما الإعادة
مطلقا ، عملا بظاهر بعض الأخبار ، كالصحيح : « إن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ
صلّيت ثمَّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذا البول » الدالّ بمفهومه المعتبر على الإعادة مع
عدم الاجتهاد والنظر.
ونحوه المرسل .
وأظهر منهما الخبر : عن رجل أصابته
جنابة بالليل فاغتسل وصلّى ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : « الحمد
لله الذي لم يدع شيئا إلّا وقد جعل له حدّا ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا
إعادة عليه ، وإن كان [ حين ] قام لم ينظر فعليه الإعادة » .
ولا ريب أنه أحوط وإن كان في تعيّنه نظر
، لقصور الجميع عن المقاومة لما مرّ ، مع قصور سند ما عدا الأوّل ، ومخالفتها لما
وقع النهي فيه عن الفحص والسؤال وجواز الاتكال على أصالة الطهارة إلى أن يعلم
الحال ، بناء على
__________________
ظهورها في مطلوبية
السؤال. فتأمل.
(ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة)
مع عدم العلم بها قبلها أعادها مع العلم بسبقها مطلقا ، أمكنه إزالتها أم لا ،
وفاقا لجماعة من أصحابنا
، للصحاح ، منها : إن رأيته ـ أي المني ـ في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : « تنقض
الصلاة » .
ومنها : « إن رأيت المني قبل أو بعد ما
تدخل الصلاة فعليك إعادة الصلاة » .
ومنها : في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة
ركعتين ثمَّ علم به ، قال : « عليه أن يبتدئ الصلاة » الخبر .
ولا
يعارضها الحسن :
« إن رأيته ـ أي الدم ـ وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض
في صلاتك ولا إعادة عليك » .
لقصور سنده عن المقاومة لما مرّ أوّلا.
وعدم وضوح دلالته ثانيا ، أمّا أوّلا فلعدم التصريح فيه بالعلم بالسبق فيحتمل
اختصاص الحكم بغيره ، ووجوب الاستئناف فيه ، كما يعرب عن الأمرين الصحيح الأول حيث
قال فيه بعد ما مرّ : « وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمَّ رأيته ، وإن لم تشك ثمَّ
رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمَّ بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعلّه شيء
أوقع عليك فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك ».
وأمّا ثانيا فلتضمنه ما لا يقول به أحد
، من حيث الحكم بعدم الإعادة مع
__________________
عدم إمكان تبديل
الساتر على الإطلاق الشامل لما إذا كان له ساتر آخر أم لا لكن هذا على النسخة
المزبورة المروية في التهذيب.
وأمّا
على الأخرى
المروية في الكافي والفقيه المتضمنة ـ زيادة على ما مرّ ـ لقوله : « ما لم يزد على
مقدار الدرهم ، فإن كان أقلّ من درهم فليس بشيء رأيته أو لم تره » فهو بمفهومه ظاهر الدلالة على الإعادة
فيما زاد على الدرهم البتة.
وعلى هذه النسخة لا دلالة في الرواية
على ما يتوهم منها من جواز المضي في الصلاة مع عدم إمكان ساتر آخر ، وعدم لزوم
الإعادة ، فأخذها حجة على ذلك ليس في محلّه. كأخذ الصحيح له مطلقا ولو مع إمكان
الساتر : عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال : «
إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه ،
إلّا أن يكون أثر فيه فيغسله » .
لاحتماله ـ مع عدم القائل بإطلاقه ـ اختصاص
الحكم بالمضي فيه بموجب النضح خاصة الذي ليس بنجاسة ، وقد صرّح به بل وظهوره من
سياق الرواية جماعة .
كلّ ذا مع العلم بالسبق. وأما مع العدم
واحتمال الحدوث في الأثناء (أزالها
وأتم) الصلاة (أو طرح عنه ما هي فيه ، إلّا أن يفتقر ذلك)
أي كلّ من الإزالة والطرح (إلى
ما ينافي الصلاة) من فعل كثير أو
استدبار قبلة أو تكلّم أو نحو ذلك (فيبطلها)
حينئذ ، بلا خلاف أجده فيهما ، وإن حكي القول بلزوم
__________________
الإعادة على الإطلاق
عن المعتبر
، بناء على قول الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل بالنجاسة ، لكن المحكي
عنه في المبسوط والنهاية
هو التفصيل الذي تضمنته العبارة ، مع أنه ناقش في البناء جماعة .
وكيف كان فالتفصيل أقرب ، استنادا في
المضي مع إمكان الإزالة بدون مبطل بالصحيح الأول المتقدم في الصورة السابقة ،
كالحسنة المتقدمة ثمة ، وإطلاقها مقيد بما مضى من الأدلة ، والصحيح : عن الرجل
يأخذه الرعاف والقيء في الصلاة كيف يصنع؟ قال : « ينتقل فيغسل أنفه ويعود في
صلاته ، وإن تكلّم فليعد صلاته وليس عليه وضوء » .
ونحوه الصحيح الآخر .
وهما وإن أطلقا البناء مع عدم الكلام ،
إلّا أنه خرج منهما ما إذا استلزم الإزالة الفعل الكثير ونحوه من المبطلات
بالإجماع ، وبقي الباقي ، وهو الحجّة في الاستئناف مع توقف الإزالة أو الطرح على
المنافي كمفهوم الصحيح في الجملة ، وفيه : « لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده
ماء أو من يشير إليه بماء فيتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها »
.
ثمَّ المستفاد من إطلاق العبارة ـ وعليه
حكي الشهرة
ـ انسحاب التفصيل في الصورة السابقة وهي العلم بتقدم النجاسة.
ولعلّ المستند فيه : إطلاق الحسنة ،
وفحوى النصوص المتقدمة الحاكمة بعدم الإعادة على الجاهل بالنجاسة العالم بها بعد
الفراغ من الصلاة ، لأولوية
__________________
المعذورية في البعض
مع إمكان تدارك الباقي بالطهارة من المعذورية في مجموع العبادة.
وهو حسن لو لا ما قدّمناه من الصحاح
الآمرة بالإعادة في الصورة السابقة ، سيّما الأول منها ، لصراحتها ـ كما مضى ـ في
الفرق بين الصورتين ، ولزوم الإعادة في الأولى دون الثانية ، وبها يعدل عن
الأولوية ، ويصرف إطلاق الحسنة إلى هذه الصورة وهي عدم العلم بسبق النجاسة ، وبما
ذكرنا تجتمع أخبار المسألة.
بقي الكلام فيما لو علم بها في الأثناء
لكن مع ضيق الوقت عن الإزالة والاستئناف. فإطلاق النصوص بالأمرين ـ كإطلاق العبارة
وكلام جماعة ـ يشمل هذه الصورة ، كما ذكره بعض الأجلّة .
وللفقير فيه مناقشة ، لكونها من الأفراد
النادرة الغير المنصرف إليها الإطلاقات البتة ، فلا يمكن اتخاذ الإطلاق حجة لإطلاق الإعادة ولو في هذه الصورة.
مع أن الأدلة على وجوب الصلاة في أوقاتها
المعيّنة قطعية ، واشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم البتة ، بل
الظاهر من الاستقراء ووجدان العفو عن كثير من الواجبات الركنية وغيرها لأجل تحصيل
العبادة في وقتها عدم الاشتراط بهذا الوجه بالضرورة.
فعدم
الإعادة
في هذه الصورة لازم البتة ، وفاقا لجماعة .
وعليها يحمل إطلاق بعض المعتبرة
كالخبرين ، في أحدهما : في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما ، قال : « يتم » .
__________________
وفي الثاني المروي في مستطرفات السرائر
، عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب ، عن ابن سنان ، عن مولانا الصادق 7 قال : « إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي
ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك ، فإذا انصرفت فاغسله » قال : « وإن رأيته قبل
أن تصلّي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك » فتأمل.
ويستفاد
منه
وجوب الإعادة مطلقا إذا رآها في الأثناء
في صورة النسيان ، وعليه تدل جملة من الأخبار ، كالصحيح : عن رجل ذكر وهو في صلاته
أنه لم يستنج من الخلاء ، قال : « ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة » الخبر .
وفي الموثق : عن الرجل يرى بثوبه الدم
فينسى أن يغسله حتى يصلّي ، قال : « يعيد الصلاة كي يهتم بالشيء إذا كان في الثوب
عقوبة لنسيانه » .
ولعموم التعليل فيه يتعدى إلى ما نحن
فيه.
وليس في النصوص السابقة ما ينافي الحكم
في هذه الصورة ، لظهورها في صورة الجهل بالنجاسة والعلم بها في الأثناء خاصة ، بل
وربما دلّت الأخبار بالإعادة في صورة الجهل بالنجاسة مع العلم بسبقها بعد المعرفة
بها في الأثناء على الحكم هنا بالعموم أو الفحوى ، كما لا يخفى.
(الثامن :)
(المربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد
اجتزأت بغسله في اليوم والليلة مرة)
على الأظهر الأشهر بين الطائفة ، لرواية قصور سندها منجبر بالشهرة ، وفيها : عن
امرأة ليس لها إلّا قميص واحد ولها مولود فيبول عليها
__________________
كيف تصنع؟ قال : «
تغسل القميص في اليوم مرة » .
وبها يخص الأصل والقاعدة.
إلّا أن اللازم الاقتصار على المتيقن من
موردها ، وهو الصبي خاصة ، للشك في إرادة الصبية من المولود وإن كان مطلقا ، لعدم
التبادر ، مع حصول الفرق بين بوليهما فيكتفي بالصب في بوله دونها. ولعلّه لذا
اقتصر عليه في العبارة وكلام جماعة
، بل حكى عليه الأكثرية بعض الأجلّة .
وأظهر منه الاقتصار على البول خاصة ،
كيف لا؟! وهو عين مورد الرواية ، لا يحتمل الغائط بحسب الحقيقة. واحتمال الإرادة
مجازا محتاج إلى القرينة الصارفة ، وليست. وعدم تعقل الفرق مدفوع بوجوده في
الشريعة ، للاكتفاء بالصبّ في البول خاصة.
ونحوه الكلام في التعدي إلى المربي ، وذات الولدين ، والبدن ، وغير ذلك من التعديات ، التي ذهب إلى كل منها قائل ، التفاتا
إمّا إلى عدم تعقل الفرق ، أو إلى الاشتراك في وجه الحكمة ، وهو المشقة بتكرار
الغسل والإزالة.
والمناقشة فيهما واضحة :
أمّا في الأول فقد تقدّمت إليه الإشارة
، مضافا إلى عدم الملازمة بين عدم التعقل وعدم الفرق ، كيف لا؟! وأحكام الشرع
تعبدية مبنية على جمع
__________________
المختلفات وتفريق
المتماثلات.
وأما في الثاني فلأنه علة مستنبطة ، ولا
ريب في التعدية مع حصولها ، كيف لا؟! ولا عسر ولا حرج في الشريعة ، ولكن تتقدّر
الرخصة بقدرها ، ولا دخل لها بمورد الرواية ولا خصوص اليوم والليلة ، ولا معنى
حينئذ للتعدية ، وإنما الكلام في التعدية مع عدمها وإثبات الحكم في الرواية لما
عدا موردها ، وليس فيما ذكر عليه دلالة.
ثمَّ إن إطلاق العبارة والرواية يقتضي
جواز الإتيان بالغسل مرة في أيّ وقت شاء من يوم أو ليلة.
إلّا أن المصرّح به في كلام جماعة أفضلية الإتيان به في آخر النهار ،
مقدّمة له على الظهر ، آتية بعده بالأربع صلوات طاهرات.
ولا ريب فيها ، بل ربما احتمل الوجوب . ويدفعه إطلاق النص وكلام الأصحاب ،
إلّا أنه أحوط.
(التاسع :)
(من لم يتمكن من تطهير ثوبه)
ولا تبديله (ألقاه
وصلّى عريانا) وجوبا عينيا على
الأظهر الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الخلاف
، وهو الحجة فيه ، كروايات ثلاث
منجبر قصور أسانيدها بالشهرة العظيمة ، بل وإجماع الطائفة عليها في الجملة ، فإنهم
ما بين موجب للعمل بها ، ومخيّر بينه وبين ما يأتي من الصحاح ، ويستفاد من ذلك
الإجماع على الرضا بالعمل بها ، وقد صرّح به شيخنا في المنتهى .
__________________
مع أن فيها الموثق : عن رجل يكون في
فلاة من الأرض ليس عليه إلّا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال :
« يتيمم ويصلي عريانا قاعدا ويومئ » .
خلافا لمن شذّ ممن تأخر ، فأوجب العمل بما في الصحاح المستفيضة
:
منها : عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب
ثوبا نصفه دم أو كلّه ، أيصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ فقال : « إن وجد ماء غسله ،
وإن لم يجد ماء صلّى فيه ولم يصلّ عريانا » .
التفاتا إلى عدم مقاومة ما مرّ من
الأخبار لها سندا وعددا واعتبارا ، من حيث أوفقية هذه بالمرجحات للصلاة في الثوب
على الصلاة عريانا بالاشتمال على الستر والقيام واستيفاء الأفعال.
وفيه نظر : فإنّ شيئا من ذلك لا يكافئ
الشهرة المعتضدة بالإجماع المحكي بل الحقيقي ، كما عرفت وادّعي ، ولذا لم يجرأ جماعة ممّن ديدنهم طرح الأخبار القاصرة
الأسانيد وقصرهم العمل بالصحيح على طرح تلك والأخذ بهذه ، وحاولوا الجمع بينهما
بالعمل بالتخيير .
وهو حسن لو تساويا في الرجحان ، وهو محل
كلام ، سيّما مع قصور الأخيرة عن الصراحة ، وإنما غايتها الإطلاق ، ويحتمل الحمل
على الضرورة ، كما هو الغالب ، وقد ارتكبه شيخ الطائفة .
__________________
وكيف كان : فالأحوط الجمع بينهما في
العمل إن أمكن ، وإلّا فيتعين الأول.
(و)
أما (لو منعه
مانع) من التعرّي من برد ونحوه (صلّى فيه)
قولا واحدا ، عملا بإطلاق الصحاح المتقدمة الشاملة لهذه الصورة بالضرورة ، والتفاتا
إلى خصوص الرواية : عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره ، قال
: « يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه » .
(و)
لكن (في الإعادة)
مع التمكن من الطهارة (قولان
، أشبههما أنه لا إعادة) وهو الأشهر بين
الطائفة ، استنادا إلى أصالة البراءة وظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام
الحاجة ، مع تضمن بعضها الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة ، من دون تعرض
لإعادة الصلاة بالمرة.
خلافا للنهاية وجماعة فأوجبوها ، للموثق : عن رجل ليس معه
إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ولا يجد ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال : « يتيمم ويصلّي
، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة » .
وهو أحوط.
(العاشر :)
(إذا جففت الشمس)
عينها بالإشراق
(البول أو
غيره) من النجاسات الزائلة عينها بها (عن الأرض والبواري
والحصر) بل كل ما لا ينقل (جازت الصلاة عليه)
مع اليبوسة المانعة عن السراية إجماعا ، ومطلقا على الأظهر ، بناء على الطهارة كما
هو الأشهر بين الطائفة ، بل عليه الإجماع في
__________________
خصوص البول والأمور
الثلاثة في العبارة عن الخلاف
، وعن الحلّي ، لكن في تطهير الشمس في الجملة .
والأصل في الطهارة بعد حكايات الإجماع
المزبورة : خصوص المعتبرة ، منها الصحيح : عن البول يكون على السطح أو في المكان
الذي أصلّي فيه ، فقال : « إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر » .
وحمل الطهارة على النظافة دون المعنى
المتشرعة يأباه سياق الرواية.
واختصاصها بالبول والأرض خاصة غير قادح
بعد التمامية في الثاني بعدم القائل بالفرق بينه وبين أخويه ، وفي الأمرين بعموم
المعتبرة ، منها الرضوي : « ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شيء من
النجاسات مثل البول وغيره طهّرتها ، وأما الثياب فإنها لا تطهّر إلّا بالغسل » .
والخبر الذي قصور سنده بالشهرة قد انجبر
: « ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر » .
وهما وإن عمّا ما ينقل حتى الثياب في
الثاني ، وما عداها في الأول ، إلّا أنهما مخصّصان بما وقع على إخراجه الإجماع.
وقريب منهما الموثق : عن الموضع القذر
يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر ، قال : لا تصلّ
عليه واعلم الموضع حتى تغسله » وعن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال : « إذا كان الموضع
قذرا من البول أو غير ذلك وأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة
، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا تجوز الصلاة فيه حتى ييبس
، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك
__________________
ما يصيب ذلك الموضع
فلا تصلّ على ذلك الموضع القذر ، وإن كان عين الشمس أصابه حتى يبس فإنه لا يجوز » .
والمناقشة
في دلالتها أوّلا :
بعدم التصريح فيها بالطهارة ، إذ غايته الحكم بجواز الصلاة عليها الأعم منها ومن
العفو عن النجاسة في الصلاة خاصة كما قال به جماعة ، وثانيا : بظهور الذيل في بقاء
النجاسة ، للتصريح بعدم الجواز مع إصابة عين الشمس لها.
مدفوعة : أما الأولى : فبعدم الحاجة إلى
التصريح بعد الظهور من وجوه عديدة تظهر من سياق الرواية :
أحدها : السؤال عن الطهارة ، ومراعاة المطابقة
بين السؤال والجواب تلازمها البتة.
وثانيها : النهي فيه عن الصلاة في الأرض
الجافة بغير الشمس ثمَّ الأمر بعده بإعلام الموضع للغسل والإزالة ، مع التصريح
بجواز الصلاة في الجافة بها من دون أمر فيه بما أمر في السابق ، وهو ظاهر في
الطهارة ، وإلّا لأمر بالإعلام للغسل كما في الصورة السابقة.
وثالثها : الحكم بجواز الصلاة كالصريح
في الطهارة بعد ملاحظة الإجماعات المحكية المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة على اشتراط
الطهارة في موضع السجدة ، وبه تنادي أيضا الصحيحة السابقة حيث عقّب فيها الأمر
بالصلاة بجملة « فهو طاهر » التي هي إمّا كالعلّة للحكم المحكوم به في الجملة
السابقة ، أو كالفرع له الملازم لدلالته على الطهارة ، وإلّا لما توجّه التفريع
عليه بالمرة.
ومنه ينقدح وجه القدح في دعوى الأعمية
في الحكم بجواز الصلاة من
__________________
الطهارة واحتمال كون
الوجه فيه هو العفو عن النجاسة ، كما حكي عن الجماعة.
مضافا إلى انقداح وجه آخر لفساد احتمال
العفو ، من إطلاق الحكم بالجواز من دون اشتراط عدم الرطوبة الموجبة للسراية ، كما
اشترطه هؤلاء الجماعة ، فالإطلاق وجه آخر للدلالة على الطهارة.
وأما الثانية : فلتوقفها ـ بعد تسليمها
ـ على النسخة المتقدمة ، وهي معارضة بنسخة اخرى مبدّلة للعين بالغير ، الظاهرة في
الطهارة ، مع اعتضادها بتذكير الضمير في الإصابة ، ومع ذلك فليس شيء منهما في (
بعض ) نسخ التهذيب
في باب الزيادات بمروية .
هذا مع إمكان تتميم الدلالة أيضا على
النسخة السابقة بنوع من التوجيهات القريبة.
وبالجملة : دلالة الرواية ـ كسابقتها ـ على
الطهارة واضحة ، مع التأيد بظواهر إطلاق الصحاح المجوّزة للصلاة على الأراضي
اليابسة
، الخارجة منها اليابسة بغير الشمس بدلالة خارجية ، ويكون ما نحن فيه مندرجا فيها
البتة ، والعام المخصّص في الباقي مسلّم الحجية عند الطائفة.
مضافا إلى الاعتضاد بمعاضدات أخر ،
كالخبر : « حقّ على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها بالشمس ليطهّرها » .
هذا مع أن بقاء النجاسة بعد زوال عينها
بالشمس بالمرة من الأشياء المذكورة في العبارة ونحوها ـ ممّا لم يقطع ببقاء
النجاسة فيها بعد زوال العين منها بها ـ يحتاج إلى دلالة هي في المقام مفقودة ،
كيف لا؟! ولا آية ولا رواية سوى الموثقة المختص الأمر فيها بالغسل بالأرض المخصوصة
، اليابسة بغير الشمس ، المنعقد على وجوب الإزالة فيها إجماع الطائفة.
وكذا الإجماع ، كيف؟! ولا ينعقد ولا
تسمع دعواه في مثل محل النزاع.
__________________
والاستصحاب على تقدير تسليم اقتضائه
بقاء النجاسة هنا فمقتضاه النافع لثمرة النزاع نجاسة الملاقي بالملاقاة. وهو حسن
إن خلا عن المعارض بالمثل ، وليس ، كيف لا؟! والأصل أيضا بقاء طهارة الملاقي ، ولا
وجه لترجيح الأول عليه بل هو به أولى ، كيف لا؟! والأصل طهارة الأشياء المسلّم بين
العلماء ودلّت عليه أخبارنا ، ففي بعضها : « كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر » ولا علم هنا بعد تعارض الاستصحابين
وتساقطهما من البين ، فلا مخصّص للأصالة المزبورة هنا. فتأمل جدا.
ولو لا في المسألة من الأدلة سواها
لكفانا الأخذ بها ، وما أحوجنا شيء إلى الاشتغال بغيرها.
ومنها يظهر وجه تعميم الطهارة لكل ما
وقع فيه الخلاف من نجاسة وأمكنة ، مضافا إلى عموم بعض المعتبرة المتقدمة ، وإن
اختلف الأصحاب فيه بالإضافة إلى الأمرين إلى أقوال متعددة وآراء متكثرة ، لكنها
كملا ـ عدا ما وافق التعميم ـ في الضعف مشتركة.
وأضعف منها القول ببقاء النجاسة وثبوت
العفو عنها في الصلاة عليها مع اليبوسة خاصة ، كما مرّت الإشارة إلى حكايته عن
جماعة .
نعم : هنا رواية صحيحة ربما أوهمت
المصير إلى ما عليه هؤلاء الجماعة ، وفيها : عن الأرض والسطح يصيبه البول أو ما
أشبهه هل تطهّره الشمس من غير ماء؟ قال : « كيف يطهّر من غير ماء » .
وهي مع وحدتها قاصرة عن المقاومة لما
مرّ من الأدلة ، ومع هذا محتملة لمحامل قريبة لا مندوحة عنها في الجمع بين الأدلة
ولو كانت في التقدير بعيدة ، وأقربها الحمل على التقية ، لموافقتها مذهب جماعة من العامة
كما حكاه بعض
__________________
الأجلة .
هذا
مع اقتضاء
عدم الطهارة بإشراق الشمس العسر والحرج المنفيين آية ورواية ، مع منافاته الملّة السهلة السمحة ،
مع إطباق الناس كافة في جميع الأزمنة على عدم إزالة النجاسة عن أمثالها بالماء ،
والاكتفاء بالتطهير بالشمس خاصة فيما عدا الأمور المنقولة في أيّ نجاسة. فلا ريب
في المسألة بحمد الله سبحانه.
(وهل تطهّر النار ما أحالته)
رمادا أو
دخانا؟ (الأشبه نعم)
وهو الأشهر ، بل عليه الإجماع في دخان الأعيان النجسة كما عن المنتهى والتذكرة ، ورمادها كما عن صريح الخلاف وظاهر
المبسوط
، وفيهما معا كما عن السرائر
، وهو الأصل.
مضافا إلى أصالة الطهارة السالمة عمّا
يعارضها من الأدلة ، سوى استصحاب النجاسة ، وهو مع عدم كون المقام محلّه اتفاقا
معارض بمثله في طرف الملاقي ، وقد مرّ إلى نظيره الإشارة . مع أن الأحكام الشرعية تابعة للأسماء
الزائلة بالاستحالة.
ومنه ينقدح الوجه في طهارة كل ما وقع
فيه الاستحالة ، بنار كانت أو غيرها.
ومن الأدلة في المسألة : الخبران ، في
أحدهما الصحيح : عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ويجصّص به المسجد ، أيسجد
عليه؟ فكتب
__________________
إليه بخطّه : « إن
الماء والنار قد طهّراه » .
وفي الثاني المروي في قرب الإسناد ، عن
علي بن جعفر ، عن أخيه 7
: عن الجصّ يطبخ بالعذرة أيصلح أن يجصّص به المسجد؟ قال : « لا بأس » .
والمناقشة في دلالتهما واهية ، كيف لا؟!
وهما صريحتا الدلالة على جواز تجصيص المسجد ( الممنوع من أن يدخل عليه مثل هذه
النجاسة بإجماع الطائفة )
بالجصّ ـ المسؤول عنه في الرواية ـ مع كونه مختلطا برماد العذرة البتة. وهو الوجه
في دلالة الرواية ، لا ما توهّم منه وأوردت به المناقشة.
وبالجملة : لا ريب في الطهارة.
خلافا للمبسوط في دخان الأعيان النجسة ، لوجه اعتباري مدفوع بما قدّمناه من
الأدلة.
وللماتن في الشرائع في كتاب الأطعمة حيث
تردّد على الإطلاق في الطهارة .
والمناقشة فيه بعد ما مرّ واضحة.
ثمَّ إن من أصالة الطهارة المؤسّسة هنا
وفي المسألة السابقة يظهر وجه القوة في القول بالطهارة في كل ما وقع الخلاف في
ثبوتها فيه من الأشياء المستحيلة استحالة لا يقطع معها بالخروج عن الأسماء السابقة
، كصيرورة الأرض النجسة آجرا أو خزفا أو نورة أو جصّا ، والعود النجس فحما ، ونحو
ذلك.
لكن ربما يعتضد في ترجيح استصحاب
النجاسة باستصحاب شغل الذمة اليقيني بالعبادة ، الغير الحاصلة بالصلاة عليها أو مع
ما لاقاها من الثياب
__________________
المساورة لها
بالرطوبة ، فترجيحه بالإضافة إلى هذه الصورة ، والرجوع فيما عداها إلى أصالة
الطهارة المستفادة من الأدلة العامة غير بعيد إن لم يكن مثله إحداث قول في
المسألة.
وكيف
كان :
الأحوط مراعاة أصالة النجاسة البتة وإن كان القول بترجيح أصالة الطهارة مطلقا لا
يخلو عن قوة حتى في العبادة ، نظرا إلى أن أصالة بقاء شغل الذمة فيها مندفعة بعدم
معلومية النجاسة ، وبه يحصل البراءة القطعية. كيف لا؟! واشتراط الطهارة في الصلاة
ليس اشتراطا للواقعية منها بل للظاهرية ، بمعنى وجوب التنزه فيها عن معلوم النجاسة
، فيرجع الشرط إلى عدم العلم بالنجاسة ، ولذا في المصلّي معها جاهلا قلنا
بالمعذورية ، فالبراءة اليقينية بمجرد عدم العلم بالنجاسة حاصلة ، فقد خلت عن
المعارض ـ زائدا على أصالة النجاسة ـ أصالة الطهارة ، ويجب الرجوع فيما تعارضا فيه
إلى أصالة الطهارة العامة المستفادة من قوله 7
في الموثقة : « كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر » وأمثاله كثيرة.
(وتطهّر الأرض)
بالمشي عليها أو الدلك بها مع يبوستها ( مطلقا ) طاهرة كانت أم لا ، كما عن جماعة من
أصحابنا
، واستفيد من بعض أخبارنا
، أو مطلقا ولو كانت رطبة ، كما هو مقتضى ( إطلاق ) أكثر النصوص والفتاوي.
(باطن الخف)
وهو أسفله الملاصق لها (و)
أسفل (القدم مع
زوال) عين (النجاسة)
بها إن كانت ذات عين ، وإلّا كفى مسمّى المشي عليها مطلقا.
__________________
ولا خلاف في أصل الحكم هنا في الجملة
بين أصحابنا وإن اختلفوا فيما يطهّر بها : فبين مقتصر على الأمرين كما هنا ،
ومبدّل للأخير بالنعل كما عن العلّامة
، ومزيد له عليهما كما هو الأشهر بين أصحابنا ، بل ربما ادعي عليه وفاقنا ، ومعمّم للثلاثة وغيرها مما يجعل
للرجل وقاء كما عن الإسكافي .
وهو أقوى ، وفاقا لبعض أصحابنا ، واقتضاه التدبر في أخبارنا ، نظرا
إلى التعليل في المستفيض منها بأن الأرض يطهّر بعضها بعضا ، هذا مضافا إلى الأصل
الذي مضى مرارا ، وإن كان الاقتصار على الثلاثة أحوط وأولى من دون تأمل فيها ،
للتصريح بها في الأخبار.
ففي النبويين : « إذا وطئ أحدكم الأذى
بخفّيه فطهورهما التراب ». كما في أحدهما .
وفي الآخر بدل الخفّ : النعل .
وفي الصحيح : رجل وطئ عذرة فساخت رجله
فيها أينقض ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها؟ فقال : « لا يغسلها إلّا أن يقذرها ،
ولكنه يمسحها حتى يذهب أثرها ويصلّي » .
ونحوه الصحيحان وفي أحدهما : « لا بأس ،
إن الأرض يطهّر بعضها بعضا » .
__________________
وفي الثاني : « لا بأس إذا كان خمسة عشر
ذراعا أو نحو ذلك » .
واشتراط هذا الشرط محكي عن الإسكافي .
خلافا للأكثر فلا ، تبعا لإطلاق أكثر
النصوص والفتاوي ، والتفاتا إلى قرب احتماله الحمل على الغالب. وهو أقوى ، بل
التدبر في الأخبار يقتضي الاكتفاء بالمسح بالأرض مطلقا ولو لم يكن هناك مشي أصلا.
وكيف كان : النصوص ما بين مصرّح بالقدم
وعام له ، إمّا بترك الاستفصال أو التعليل العام ، فالتوقف فيه ـ كما عن التحرير
والمنتهى
ـ ضعيف جدا.
وقد جمع بينهما المعتبر المروي في
السرائر ، مسندا عن مولانا الصادق 7
، وفيه : مررت فيه ـ أي الزقاق القذر ـ وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته ،
فقال : « أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ « فقلت : بلى ، قال : « لا بأس ، إن
الأرض يطهّر بعضها بعضا » .
وفي ظاهره ـ كما ترى ـ إشعار بل دلالة
على اعتبار اليبوسة.
ونحوه الخبر : عن الخنزير يخرج من الماء
فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا ، فقال : « أليس وراءه شيء
جافّ؟ » قلت : بلى ، قال : لا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا » .
إلّا أن في سنديهما قصورا مع عدم جابر
لهما هنا ، لإطباق أكثر النصوص والفتاوي بالإطلاق جدا ، مع اعتضاده بالأصل الذي
مضى. فهو أقوى ، إلّا أن اعتبار الجفاف أحوط وأولى.
__________________
ونحوه الكلام في اعتبار الطهارة ، بل هو
أولى بالعدم ، لعدم الإيماء إليه في النصوص أصلا ، إلّا ما ربما يتوهم من بعض
الصحاح
، وليس كذلك ظاهرا.
(وقيل)
كما
عن المبسوط والخلاف والسرائر
(في الذّنوب
إذا يلقى على الأرض النجسة بالبول أنها تطهّر
مع بقاء ذلك الماء على طهارته)
لنبوية عامية ضعيفة قاصرة الدلالة
، ومع ذلك فهي معارضة بمثلها ممّا تضمّن ـ في تلك الحكاية التي تضمنتها الرواية ـ أنه
9 أمر بإلقاء
التراب الذي أصابه البول وصبّ الماء على مكانه
، فالرجوع في تطهيرها إلى مقتضى القواعد أولى ، وفاقا لأكثر متأخري أصحابنا .
(ويلحق
بذلك النظر في الأواني) استعمالا وتطهيرا.
(ويحرم
منها)
من حيث ال (استعمال
أواني الذهب والفضة) مطلقا (في الأكل)
كان (أو غيره)
كالشرب وغيره ، إجماعا ، كما عن التحرير والذكرى في الأولين خاصة ، وعن الأول والمنتهى والتذكرة في
غيرهما أيضا .
__________________
والنصوص بالأولين مستفيضة من الطرفين :
ففي العاميين أحدهما النبوي : « لا
تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولكم
في الآخرة » .
وثانيهما المرتضوي : « الذي يشرب في
آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نارا » .
وفي الصحيح : « لا تأكل في آنية فضة ولا
في آنية مفضّضة » .
وظاهرها ـ كغيرها ـ اختصاص النهي
بالأوّلين ، وليس في التعدية إلى غيرهما مع مخالفتها الأصل حجّة من النصوص سوى
إطلاق بعضها ، كالصحيح : عن آنية الذهب والفضة فكرهها ، فقلت : قد روي أنه كان
لأبي الحسن 7 مرآة ملبّسة
فضة ، فقال : « لا والله إنما كانت لها حلقة من فضّة » الخبر .
والخبرين ، في أحدهما : « نهى عن آنية
الذهب والفضة » .
وفي الثاني : « آنية الذهب والفضة متاع
الذين لا يوقنون » .
__________________
لكنها مع قصور سند أكثرها ـ وإن أمكن
بالشهرة جبرها ـ قاصرة الدلالة ، لاحتمال انصراف إطلاق النهي فيها إلى أغلب
الاستعمال منها في العرف والعادة ، وهو الأوّلان خاصة.
هذا ويزيد ضعف الدلالة في الصحيحة
بأعمية الكراهة فيها من الحرمة.
هذا مع ما يستفاد من بعض الصحاح المروي
عن المحاسن من حصر المنع في الشرب خاصة ، إذ فيه : عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا
كان لها حلقة من فضة؟ قال : « نعم ، إنما يكره ما يشرب به » .
فإذا : العمدة في التعدية إلى ما عداهما
هو الإجماعات المحكية ، مضافا إلى الشهرة العظيمة التي لا يبعد أخذها جابرة لقصور
ما مضى من الروايات سندا ودلالة.
وليس في شيء منهما الدلالة على حرمة نفس الاتخاذ من دون
استعمال بالمرة وإن حكم بها جماعة
، بل وربما ادعي عليه الشهرة
، ووجّه بوجوه اعتبارية وإطلاقات الروايات المتقدمة. ولا يقاوم شيء منهما أصالة
الإباحة ، مع انتقاض الأول بما لا خلاف في إباحة اتخاذه بين الطائفة ، وضعف الثاني
بما مرّ من المناقشة. لكن الأحوط مراعاتهم البتة.
ثمَّ الأصل واختصاص النصوص بحكم التبادر
بالأواني المتعارفة يقتضي المصير إلى جواز اتخاذ نحو المكحلة وظرف الغالية ونحوهما
من الأواني الغير المتبادرة من إطلاق لفظ الآنية ، هذا مضافا إلى الصحيح : عن
التعويذ يعلّق
__________________
على الحائض؟ فقال :
« نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد »
والاحتياط لا يخفى.
(وفي)
جواز استعمال (المفضّض
قولان ، أشبههما) وأشهرهما ، بل
عليه عامة المتأخرين (الكراهية)
للأصل والمعتبرة ، منها الصحيح : عن الشرب في القدح فيه ضبّة من فضة ، قال : « لا
بأس إلّا أن تكره الفضة فتنزعها » .
والحسن : « لا بأس أن يشرب الرجل في
القدح المفضّض ، واعزل فمك عن موضع الفضة » .
خلافا
للخلاف
، فساوى بينه وبين آنية الفضة
، للصحيح أو الحسن : « لا تأكل في آنية فضة ولا في آنية مفضّضة » .
والموثق عن مولانا الصادق 7 : « أنه كره الشرب في الفضة والقدح
المفضّض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض ، والمشط كذلك » .
وليس فيهما مكافاة لما مرّ من الأدلة ،
فلتحمل على الكراهة.
والمناقشة فيه بعدم الصحة من حيث
استلزامه استعمال النهي في معنييه الحقيقيين ، أو الحقيقي والمجازي ، وهما فاسدان
على الأشهر بين الطائفة.
__________________
ممنوعة ، لاحتمال تعدد حرف النهي في
الصحيحة ، بجعل الواو فيها للاستئناف وتقدير المنهي عنه ثانيا بنحو ما نهي عنه
أوّلا ، هذا.
ولو
سلّم كون
الواو فيها للعطف قطعا يحتمل أن يراد بالنهي المعنى المجازي العام الشامل لكل من
الحقيقة والمجاز.
وبالجملة : أمثال هذه الاحتمالات وإن
بعدت لكنها ممكنة ، فينبغي ارتكابها جمعا بين الأدلة ، نظرا إلى رجحان الأدلة
الأوّلة بموافقة الأصل والكثرة والشهرة العظيمة ، وإطلاق الكراهة المحتملة لكل من
الحرمة والكراهة الاصطلاحية في الثانية.
ولا تأبى الأولى عن حمل النهي الثاني
فيها على الكراهة بعد قيام القرينة وإن كان فيه نوع مخالفة للحقيقة وسياق العبارة
، ولكن لا يلزم منه ورود المناقشة المزبورة.
وأظهر منه الكلام في الثانية ، لأعمية
الكراهة فيها ، فيراد بها الحرمة التي هي أحد أفرادها بالإضافة إلى الفضة ،
والكراهة الاصطلاحية بالإضافة إلى المفضّضة ، ولا مانع فيه من جهة القاعدة
الأصولية.
وفي وجوب عزل الفم عن محل الفضة قولان ،
الأشهر : نعم ، لظاهر الأمر في الحسن ، وهو الأظهر.
خلافا للمعتبر فالاستحباب ، للأصل ،
وإطلاق الصحيح أو عمومه الناشئ عن ترك الاستفصال .
وضعفهما ظاهر بعد ما مرّ ، لوجوب
التقييد ، وإن أمكن الجمع بالاستحباب ، لرجحانه عليه في كل باب ، مع كونه مجمعا
عليه بين الأصحاب.
__________________
(وأواني المشركين)
وكذا سائر ما يستعملونه عدا الجلود الغير المعلومة تذكيتها (طاهرة)
لا يجب التورّع عنها (ما
لم يعلم نجاستها بمباشرتهم أو بملاقاة النجاسة)
لها ، بلا خلاف أجده ، إلّا ما يحكى عن الخلاف من إطلاق النهي عن استعمالها ،
مدعيا عليه الإجماع .
ومخالفته غير معلومة ، لاحتمال إرادته من الإطلاق صورة العلم بالمباشرة ، كما
يستفاد من سياق أدلته المحكية ، ولعلّه لذا أن أصحابنا لم ينقلوا عنه الخلاف في المسألة.
والأصل
فيها
بعد الاتفاق على الظاهر : الأصل ، والعمومات ، وخصوص الصحاح المستفيضة ونحوها من
المعتبرة.
ففي الصحيح : إني أعير الذمي ثوبي وأنا
أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن أصلّي فيه؟
فقال 7 : « صلّ فيه
ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه وهو طاهر ولم تستيقن نجاسته ، فلا بأس أن
تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » .
وهي وإن اختصت مواردها بما ليس مفروض
العبارة منها ، إلّا أنّ عدم القول بالفرق مع التعليل العام في بعضها كما مضى يدفع
المناقشة عن الاستدلال بها هنا.
إلا أنها معارضة بأخبار أخر مطلقة للمنع
عن استعمال أوانيهم وثيابهم ، فمنها : « لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي
يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها » .
ومنها : عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه
يأكل الجرّي ويشرب الخمر
__________________
فيردّه ، أيصلّي فيه
قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » .
لكنها ، مع عدم مكافاتها لما مرّ عددا
واعتبارا من وجوه شتى ، ومنها ـ وهو أقواها ـ اتفاق أصحابنا على العمل بها ،
محمولة على الاستحباب أو العلم بالمباشرة ، كما فصّله بعض الروايات المتقدمة.
ثمَّ إن ظاهر العبارة ـ كغيرها وجميع ما
مضى من الأدلة ـ اعتبار العلم بالنجاسة ، وعدم الاكتفاء بالمظنة ، وإن استندت إلى
قرائن خارجية ، أو عدل واحد ، أو بيّنة شرعية.
خلافا لجماعة فاكتفوا بها ، إمّا مطلقا ، أو مقيّدا بالثاني ، أو بالثالث ، وهو في الظاهر أشهر أقوالهم وأحوطها
وإن لم ينهض عليه دليل يطمئن النفس إليه أصلا.
وأمّا الأوّلان فينبغي القطع بضعفهما
جدّا ، كيف لا؟! وفي الصحيح : قلت : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت
فلم أر شيئا ثمَّ صلّيت فرأيت فيه ، قال : « تغسله ولا تعيد الصلاة » قلت : لم ذاك؟
قال : « لأنك كنت على يقين من طهارتك ثمَّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك
أبدا » .
مع أن أغلب صور المسألة المفروضة في
العبارة حصول المظنة القوية القريبة من العلم في العرف والعادة ، التي هي قد تكون
أقوى من الظنون التي
__________________
استند إليها هؤلاء
الجماعة حتى من الحاصلة عن نحو البيّنة الشرعية ، ومع ذلك فقد حكمت الأخبار
المتقدمة بالطهارة وانحصار الحكم بالنجاسة في العلم بالمباشرة.
(ولا يستعمل)
شيء (من الجلود
إلّا ما كان طاهرا في حال حياته)
و (مذكى)
فلا يجوز استعمال جلود نجس العين مطلقا ، مذكّى كان أم لا ، في مشروط بالطهارة كان
أم لا ، وكذا الميتة من طاهر العين مطلقا ، دبغ أم لا.
بلا
خلاف أجده
في الأول وإن لم أقف فيه على دليل إطلاق المنع عنه في غير المشروط بالطهارة ، عدا
فحوى إطلاق النص المانع عن الانتفاع بالميتة
، مع أنه معارض ببعض المعتبرة كالموثق : عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى من البئر
التي يشرب منها أو يتوضأ ، قال : « لا بأس »
ونحوه غيره .
وظاهر الاستبصار العمل به ، حيث وجّه نفي البأس فيه إلى
نفس الاستعمال لا إلى الطهارة ، إلّا أن العمل على الأوّل.
وكذا لا خلاف في الثاني إلّا من الصدوق
، فجوّز الانتفاع به فيما عدا مشروط بالطهارة مطلقا ، للخبر : عن جلود الميتة يجعل فيها
اللبن والسمن ما ترى فيه؟ قال : « لا بأس أن تجعل فيها ما شئت من ماء أو سمن
وتتوضأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيها » .
__________________
وهو مع قصور سنده وشذوذه ـ نظرا إلى
دلالته على الطهارة ـ معارض بعدة نصوص ، منها : الميتة ينتفع بشيء منها؟ قال : «
لا » .
وعن الإسكافي فجوّزه بعد الدبغ خاصة ، بناء على حصول الطهارة به ، للخبر :
في جلد شاة ميتة يدبغ فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضأ؟ قال : « نعم »
وقال : « يدبغ فينتفع [ به ] ولا تصلّ فيه » .
وهو
ـ مع ما فيه
ممّا في سابقة وزيادة هي موافقة العامة ـ معارض بإطلاقات المعتبرة المتقدمة
المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية عن المختلف والمنتهى والذكرى .
وربما أيدت باستصحاب النجاسة السابقة.
والأجود التأييد باستصحاب عدم جواز الانتفاع.
ثمَّ إن اعتبار التذكية في العبارة
يقتضي اعتبار العلم بها ، وإلحاق الجلد مع الجهل به بالميتة ، وبه صرّح جماعة من
أصحابنا وإن اختلفوا في إطلاق الإلحاق
، أو لزوم التقييد بالوجدان فيما عدا بلاد أهل الإسلام .
خلافا لنادر من المتأخرين ، فاكتفى بالجهل بكونه جلد ميتة عن
العلم بالتذكية ، وحكم بالطهارة ، للأصل. ويدفع بما يأتي. ولاستصحاب طهارة
__________________
الجلد والملاقي.
ويعارض باستصحاب عدم التذكية.
وللنصوص المستفيضة ، منها الصحيح : عن
الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : « اشتر وصلّ فيها حتى تعلم أنه ميّت بعينه » ونحوه غيره من الصحيحين .
وهي مع عدم ظهورها في الدلالة ـ بناء
على احتمال أن يراد من السوق سوق المسلمين ، بل هو الظاهر ، لأنه المعهود المتعارف
زمن صدورها ، ولا كلام هنا ـ معارضة بمثلها من المستفيضة الصريحة الدلالة المعتضدة
بالشهرة ، واستصحاب بقاء اشتغال الذمة بالعبادة المشروطة بالطهارة.
ففي الموثق كالصحيح : « لا بأس في
الصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام » قلت : فإن كان فيها غير أهل
الإسلام ، قال : « إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » .
وفي نحوه : « وإن كان مما يؤكل لحمه
فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وكل شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه
الذبح » .
وفي الحسن كالصحيح : « تكره الصلاة في
الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته » .
وفي الخبر : عن جلود الفراء يشتريها
الرجل في سوق من أسواق الجبل
__________________
يسأل عن ذكاته إذا
كان البائع مسلما غير عارف؟ قال : « عليكم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون
ذلك ، وإذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه فلا تسألوا عنه » .
وبالجملة
:
التدبر في النصوص يقتضي المصير إلى نجاسة الجلد مع الجهل بذكاته ، إلّا مع وجوده
في يد مسلم أو سوقه من يد من لا يظهر كفره.
خلافا لمن شذّ كما مرّ. ولآخر فأفرط
وحكم بنجاسته ولو أخذ من يد المسلم إن كان ممن يستحل الميتة بالدبغ وإن أخبر
بالتذكية .
وإطلاق الصحاح السابقة يدفعه.
ولتحقيق المسألة مزيد يأتي في بحث
الصلاة إن شاء الله تعالى.
(ويكره)
استعمال الجلد فيما عدا الصلاة إذا كان (مما لا يؤكل لحمه)
مما يقع عليه الذكاة ، كالسباع والمسوخ ـ عند من لم ينجسها ـ ونحوهما ، على الأظهر
( الأشهر )
بل حكي على
الأول الإجماع عن جماعة
(حتى يدبغ).
ولا يحرم (على الأشبه)
الأشهر بين المتأخرين ، لإطلاق النصوص بجواز الاستعمال من دون تقييد بالدبغ ، ففي
الموثق : عن لحوم السباع وجلودها ، فقال : « أما اللحوم فدعها ، وأما الجلود
فاركبوا عليها ولا تصلّوا فيها » .
وفيه : عن جلود السباع ينتفع بها؟ فقال
: « إذا رميت وسمّيت فانتفع
__________________
بجلده » .
خلافا للشيخ والمرتضى ، فمنعا عنه قبل
الدبغ ، إمّا
للنجاسة كما يحكى عنهما تارة
، أو للمنع عن ذلك تعبدا كما يحكى اخرى .
ومستندهما
غير
واضح ، عدا ما يحكى عن الأول من الإجماع على الجواز بعده ، وليس هو ولا غيره قبله . وهو كما ترى.
نعم : عن بعض الكتب عن مولانا الرضا 7 : « دباغة الجلد طهارته » .
وهو مع عدم وضوح السند واحتماله التقية
غير دالّ ، على تقدير الحكاية الثانية من كون المنع تعبدا لا للنجاسة.
(وكذا يكره)
أن يستعمل (من أواني
الخمر ما كان) منه (خشبا أو قرعا)
أو خزفا غير مدهن.
ولا يحرم على الأظهر الأشهر ، للأصل ،
وعموم ما دلّ على جواز الاستعمال بعد التطهير.
خلافا للإسكافي والقاضي ، لنفوذ النجاسة في الأعماق ، فلا يقبل
التطهير.
__________________
وردّ بنفوذ الماء فيها ، فيحصل التطهير . وفيه منع ، نعم يحصل به إزالة النجاسة
الظاهرة ، وهي كافية في الطهارة ، ونجاسة الباطنة غير مانعة ، كيف لا ولا سراية ،
فتأمل.
وللخبرين ، أحدهما الصحيح : « نهى رسول
الله 9 عن الدّبّاء
والمزفّت » .
ونحوه
الثاني
بزيادة الحنتم والنقير ، وتفسير الدبّاء بالقرع ، والمزفّت بالدنان ، والحنتم
بالجرار الخضر ، والنقير بالخشب .
وليس فيهما ـ مع قصور الثاني سندا ـ على
النجاسة دلالة ، كيف لا ووجه النهي غير منحصر فيها ، ويحتمل توجه النهي إلى
الانتباذ فيها ، لاحتمال تحقق الإسكار بها ، لا لأجل تحقق سراية النجاسة في
أعماقها وعدم تحقق الطهارة لذلك فيها.
كيف لا؟! ومن جملتها المزفّت المفسّر
بالمقيّر ، والحنتم المفسّر بالمدهن ، وهما لا يجري فيهما السراية إلى الأعماق ،
وإن هما إلّا كالأجسام الصلبة الغير القابلة لنفوذ شيء فيها المتفق على قبولها
التطهير مطلقا جدّا ، فليس الخبران من فرض المسألة بشيء قطعاً.
فإذا : أدلة القول الأول لا معارض لها
أصلا.
(و)
يجب أن (يغسل
الإناء من ولوغ الكلب) فيه (ثلاثا)
إجماعا كما
__________________
عن الانتصار ، وكذا عن الخلاف والغنية ، وظاهر المنتهى والذكرى ، وهو الحجة فيه ، كالمعتبرة ، منها
الصحيح : عن الكلب ، فقال : « رجس نجس لا تتوضأ بفضله ، واصبب ذلك ، واغسله
بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء مرّتين » .
وليس في نسخ كتب الحديث المشهورة ذكر
المرتين بالمرة ، إلّا أن ما ذكرناه مروي عن المعتبر ، وكذا عن الخلاف ، وتبعه الجماعة ، ولعلّه أخذه من كتب
الأصول الموجودة عنده ، ونقله لنا حجة.
ولا يعارضه الحذف فيما مرّ من الكتب ،
لاحتماله فيها ، ورجحانه على احتمال الزيادة ، مع اعتضادها هنا بالرضوي المصرّح
فيه بها ، وفيه : « إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء وغسل الإناء
ثلاث مرّات ، مرة بالتراب ، ومرتين بالماء » .
وينبغي أن يكون (أولاهن بالتراب على
الأظهر) الأشهر ، بل عليه الإجماع عن الغنية ، وهو الحجة فيه كالصحيحة المتقدمة.
ولا يعارضها إطلاق الرضوي المتقدم ،
وليقيد بها جمعا بين الأدلة ، وإن اقتصر على ظاهره من القدماء جماعة ، مع احتمال إرادتهم ما في الصحيحة ،
__________________
كالرضوي ، سيّما مع
ما فيه من التقديم الذكري.
وكيف
كان :
فظاهرهم الاتفاق على جوازه وإن اختلفوا في تعيّنه.
خلافا للمحكي عن المقنعة ، فأوجب توسيط
التراب بين العدد
ولا ريب في ضعفه وإن جعله في الوسيلة رواية
، فإنها مرسلة لا تعارض الصحيحة المعتضدة بعمل أكثر الطائفة.
وبالجملة : لا ريب في شذوذه وضعفه.
كالمحكي عن الإسكافي من وجوب السبع
وإن ورد به الخبران ، أحدهما النبوي العامي : « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم
فليغسله سبعا أولاهنّ بالتراب »
ونحوه الخاصي .
إذ هما مع قصور سندهما ولا سيّما الأول
بأبي هريرة لا يكافئان شيئا ممّا مرّ من الأدلة من وجوه عديدة ، مع معارضة الأول
منهما بمثله لذلك الراوي أيضا بعينه ، وفيه : « إذا ولغ في إناء أحدكم فليغسله
ثلاث مرّات » .
وفي آخر له أيضا : « فليغسله ثلاثا أو
خمسا أو سبعا » .
وظاهره استحباب الزائد ، فليحملا عليه.
وفي وجوب مزج التراب بالماء كما عن
الحلّي وغيره
، تحصيلا لأقرب المجازات إلى مفهوم الغسل وإن حصل التجوز في التراب.
__________________
أم العدم ، كما عليه جماعة ، للأصل ، ومعارضة الأقربية بالحقيقة ،
ولزوم التجوز في التراب على التقديرين بالضرورة.
وجهان ، أوجههما الثاني بالنظر إلى
القواعد الأصولية. والأحوط الجمع بينهما وطهارة التراب ، اقتصارا فيما خالف الأصل
على الفرد المتبادر من النص ، وإن كان في تعيّنها نظر ، لمعارضة الأصل بمثله كما
مر ، فيكتفى في مثله باحتمال شمول النص لغير المتبادر.
ويلحق
بالولوغ
اللطع وما في حكمه ممّا يوجب وصول لعاب الفم إلى الظرف ، لفحوى النص والرضوي . ويستفاد منه انسحاب الحكم في مطلق
الوقوع ، وهو أحوط إن لم يكن أقوى ، وهو نصّ الصدوقين .
والأظهر الأشهر اختصاص الحكم بالكلب ،
فلا ينسحب إلى الخنزير ، بل يجب فيه السبع من دون تعفير ، للصحيح .
خلافا
للخلاف
فكالكلب
، لوجوه مدخولة هي اجتهادات صرفة في مقابلة الصحيحة.
(و)
يغسل الإناء (من)
نجاسة (الخمرو)
موت (الفأرة
ثلاثا) وفاقا للخلاف للموثق في الأوّل : « عن قدح أو إناء
يشرب فيه الخمر ، فقال : تغسله ثلاث مرّات » .
__________________
(و)
لا يجب (السبع)
وإن ورد به الموثق الآخر : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : « يغسله سبع مرّات »
، للأصل ،
وعدم معارضة الظاهر للنص.
نعم هو (أفضل)
بل الأشهر تعيّنه ، فالأحوط أن لا يترك.
والاكتفاء بالمرة ـ كما عن المعتبر ـ له وجه لو لم يرد بالزائد نص معتبر ،
وقد ورد كما مرّ ، إلّا أنه كما ترى مختص بالخمر ، فليخص بمورده ، ويكتفي بالمرة
في غيره.
إلّا
أن في الموثق
تنصيصا بالأمر بالسبع في الجرذ .
وفي حمله على الوجوب كما حمله الشيخ وجماعة
إشكال ، لاستلزامه قوة نجاسته على نجاسة الكلب ، حيث يكتفي فيه بالثلاث دونه. إلّا
أنّ ضمّ التعفير إليه وحياة الكلب ربما دفع الفحوى.
وكيف كان : فالسبع في الجرذ أحوط وأولى
إن لم نقل بكونه أقوى.
وأما الثلاث في الفأرة على الإطلاق فلم
نجد مستنده مطلقا ، فلا وجه لحكم المصنّف به ، فليتأمل جدا.
(و)
يغسل الإناء (من غير ذلك
مرّة) واحدة على الأشهر بين الطائفة ، كما
ذكره بعض الأجلة
، عملا فيها بالإطلاق ، وفي نفي الزائد بالأصل وعدم المعارض ، سوى استصحاب النجاسة
، المعارض بمثله في الملاقي كما مرّ.
نعم في الموثق : عن الكوز أو الإناء
يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال : « ثلاث مرّات ، يصبّ فيه الماء فيحرك فيه
ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء ،
__________________
ثمَّ يصبّ فيه ماء
آخر ثمَّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمَّ يصبّ فيه ماء آخر ثمَّ يفرغ منه وقد طهر » .
وحمله على الاستحباب ممكن ، لاعتضاد
الإطلاق بالأصل والشهرة وما عن المبسوط من الرواية بالاكتفاء بالمرة .
(و)
لا ريب أن (الثلاث
أحوط) وأوجبها جماعة كما عن الصدوق
والإسكافي والطوسي والذكرى والدروس والمحقق الشيخ علي ، عملا بظاهر الموثق. ولا بأس به.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطناً ،
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين المعصومين ، وسلّم تسليما كثيراً.
__________________
كتاب الصلاة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله
على خير خلقه محمد وآله الطاهرين.
(كتاب الصلاة)
وهي لغة : الدعاء ، وشرعا : العبادة
المخصوصة بكيفيّاتها المعهودة ، وعدّها جماعة من أهل اللغة من جملة معانيها
اللغوية
، وفي إثبات الحقيقة بذلك إشكال ، بل الظاهر العدم.
والنصوص
في
فضلها وعقاب تاركها أكثر من أن تحصى.
(والنظر)
في هذا الكتاب يقع (في
المقدمات والمقاصد).
(والمقدمات سبع :).
(الاولى :)
(في)
بيان (الأعداد)
وهي إمّا واجبة أو مندوبة ، لأنّها عبادة (و)
لا تكون بالذات إلّا راجحة.
فـ : (الواجبات)
على الجملة بالحصر المستفاد من تتبّع الأدلّة الشرعية (تسع :)
على المشهور ، وقيل : سبع ، بإدراج الكسوف والزلزلة في الآيات .
الاولى
: (الصلوات الخمس)
الفرائض اليوميّة أداء وقضاء ولو من وليّ الميت عنه (و)
الثانية (صلاة
الجمعة و) الثالثة : صلاة (العيدين و)
__________________
الرابعة : صلاة (الكسوف و)
الخامسة : صلاة (الزلزلة
و) السادسة : صلاة (الآيات و)
السابعة : صلاة (الطواف
و) الثامنة : صلاة (الأموات و)
التاسعة : (ما)
أي كل صلاة (يلتزمه
الإنسان بنذر وشبهه) من العهد واليمين
، ويدخل فيه الملتزم بالإجارة ، وصلاة الاحتياط في وجه ، وفي آخر يدخل في الأولى ،
لكونها مكمّلة لما يحتمل فواته منها.
وفي إدخال الثامنة اختيار إطلاقها عليها
بطريق الحقيقة الشرعية ، كما هو ظاهر الحلي
وصريح الذكرى فيما حكي .
وقيل : إنّه على المجاز ، لعدم التبادر ، إذ
يتبادر ذات الركوع والسجود أو ما قام مقامهما منها عند الإطلاق ، وهو أمارة
المجاز. مع أنّ نفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها ولا طهور والحكم بتحليلها بالتسليم
ينافي الحقيقة ، بناء على أنّ الأصل في النفي تعلّقه بالمهية لا الخارج من الكمال
والصحة.
وهو حسن ، إلّا أنّه ربما يدّعى عدم صحة
السلب عرفا ، ودلالة بعض النصوص على كونها صلاة ، فيعترض بهما الدليلان السابقان.
(وما سواه)
أي سوى ما ذكر من الصلوات (مسنون).
وكلّ منهما إمّا بأصل الشرع كاليومية
فرائضها ونوافلها ، والجمعة ، والعيدين ، وصلاة الطواف ، أو بسبب من المكلّف
كالملتزمات ، وصلاة الاستخارة
والحاجة ، أولا منه كصلاة الآيات ، وصلاة الشكر ، والاستسقاء ، ويمكن إدخاله في
الحاجات.
__________________
ومنها ما يجب تارة ويستحب اخرى ( كصلاة
العيدين ، وصلاة الطواف. ومنها ما يجب عينا تارة وتخييرا أخرى ) أو يجب ويحرم اخرى كصلاة الجمعة على
الخلاف ، وإطلاق الصلاة عليها على القول بحرمتها مجاز قطعاً.
(والصلوات الخمس سبع عشرة ركعة في الحضر ، وإحدى
عشرة ركعة في السفر ، ونوافلها أربع وثلاثون ركعة)
فيكون المجموع إحدى وخمسين ركعة (على الأشهر)
في الروايات.
ففي
الصحيح :
كم الصلاة من ركعة؟ قال : « إحدى وخمسون » .
وفي آخر : « الفريضة والنافلة إحدى
وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدّان بركعة ، والنافلة أربع وثلاثون
ركعة » .
وفي ثالث : « كان رسول الله 9 يصلّي من التطوّع مثلي الفريضة ، ويصوم
من التطوّع مثلي الفريضة » .
ونحوها أخبار كثيرة سيأتي إليها
الإشارة.
وأمّا الأخبار الأخر ـ الدالة على نقص
النوافل عن الأربع والثلاثين ، بإسقاط الوتيرة خاصة كما في بعضها ، أو مع الست من نوافل العصر كما في
__________________
آخر منها ، أو مع الأربع منها كما في غيرهما ، وإن كثرت وتضمنت الصحيح وغيره ـ فلا
يستفاد منها إلّا تأكيد الاستحباب في الأقل. واختلافها فيه محمول على اختلاف
مراتبه في الفضل.
ولو سلّم مخالفتها لما سبق لكان اللازم
طرحها ، لعدم ظهور قائل بها ، كما اعترف به جماعة من أصحابنا ، حيث قالوا ـ بعد
نقل ما في العبارة ونسبته إلى الأصحاب ـ : لا نعلم فيه مخالفا . بل زاد الصيمري فقال بعد نقله : أطبق
الأصحاب في كتب الفتاوى عليه ، ثمَّ نقل الأخبار المزبورة وقال : ولم يعمل بها أحد
من الأصحاب .
وهو نص في الإجماع كما في الانتصار والخلاف .
فلا إشكال.
واحترز بقوله (في الحضر)
عن السفر ، لنقصان العدد فيه إجماعا كما سيذكر.
واعلم أنّ الصحاح المتقدمة وإن أجملت
النوافل لكن فصّلتها أخبار أخر غيرها بما أشار إليه بقوله (ثمان للظهر قبلها ،
وكذا للعصر) ثمان لها قبلها (وأربع للمغرب بعدها ،
وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدّان بواحدة ، وثمان للّيل ، وركعتا الشفع ، وركعة
الوتر ، وركعتان للغداة).
ففي الصحيح : « ثمان ركعات قبل الظهر ،
وثمان بعدها » قلت : فالمغرب؟ قال : « أربع بعدها » .
__________________
وفي الموثق : « صلاة النافلة ثمان ركعات
حين تزول الشمس قبل الظهر ، وستّ ركعات بعد الظهر ، وركعتان قبل العصر ، وأربع
ركعات بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء الآخرة تقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا
، والقيام أفضل ، ولا تعدّهما من الخمسين ، وثمان ركعات من آخر الليل تقرأ .. »
إلى أن قال : « ثمَّ الوتر ثلاث ركعات تقرأ فيها جميعا قل هو الله أحد ، وتفصل
بينهنّ ، ثمَّ الركعتين اللتين قبل الفجر »
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
(ويسقط في السفر نوافل الظهرين)
إجماعا على الظاهر المصرّح به في كثير من العبائر ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي
الصحيح : « الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلّا المغرب ، فإنّ
بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في حضر ولا سفر » .
وفي الخبر : عن صلاة النافلة بالنهار في
السفر ، فقال : « يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة » .
وفي
آخر :
عن التطوّع بالنهار وأنا في سفر ، فقال : « لا » .
وربما يستفاد منهما ومن غيرهما ـ كالصحيح
: عن الصلاة تطوعا في السفر ، قال : « لا تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا
» ـ اختصاص
__________________
السقوط بالنوافل
النهارية دون الليليّة ، وهو ظاهر الأصحاب في غير الوتيرة ، من غير خلاف بينهم
أجده ، والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، منها ـ زيادة على الصحيحة المتقدمة في نافلة
المغرب ـ صحيحان آخران ، فيهما أيضا : « لا تدعهنّ في حضر ولا سفر » .
وزيد في أحدهما : « وكان أبي لا يدع
ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر ولا حضر » .
ونحوه
آخر :
« صلّ صلاة الليل والوتر والركعتين في المجمل » .
ونحوهما في نافلتي الفجر الصحيح : «
صلّهما في المحمل » .
(وفي سقوط الوتيرة قولان)
: مقتضى الأصل ـ زيادة على ما مر
ـ العدم ، كما عن النهاية والأمالي
، مدّعيا أنه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به ، وبه صريح الرضوي ، ورواية رجاء بن أبي الضحاك المروية
عن العيون ، المتضمّنة لفعل مولانا الرضا 7
في السفر كما حكي .
__________________
وقوّاه الشهيدان في الذكرى والروضة ، للخبر المعلّل بأنّها زيادة في
الخمسين تطوّعا ، ليتمّ بدل كل ركعة من الفريضة ركعتان من التطوّع .
وردّ بقصور السند .
ويمكن جبره بموافقة مضمونه لكثير من
النصوص ، منها الصحيح : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ فقال : « لا ، غير أنّي
أصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل » .
وفي آخر : عن أفضل ما جرت به السنّة ،
قال : « تمام الخمسين » .
وفي الموثق : « لا تعدّهما من الخمسين »
.
إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على
أنّها ليست من الرواتب ، وزيدت لتمام العدد كما في بعضها ، أو ليتدارك بها صلاة الليل لو فاتت ،
وأنّها وتر تقدم لذلك كما في غيره
، ولذا ما كان يصلّيها النبي 9
لوجوب الوتر عليه كما فيه.
وهذا القول في غاية القوّة لو لا ندرة
القائل به ، فإنّ الشيخ قد رجع عنه في
__________________
جملة من كتبه
كالحائريات والجمل والعقود فيما حكاه عنه الحلّي بل المبسوط أيضا كما حكاه غيره .
وأمّا الشهيد فهو وإن قوّاه لكن قال :
إلّا أن ينعقد الإجماع على خلافه
، مشعرا بنوع تردّد له فيه ، مع أنّ ظاهر إطلاق عبارته في الدروس واللمعة القول
بالسقوط
، كما هو المشهور على الظاهر ، بل المقطوع به المصرّح به في كلام كثير .
بل في السرائر الإجماع عليه ، وحكي أيضا عن الغنية . وبهما يعارض إجماع الأمالي ـ مع
رجحانهما عليه من وجوه ، وضعفه كذلك ، مع وهنه بشهرة خلافه ـ ويخصّص الأصل ، ويذبّ
عن الرضوي وتالييه ، مع قصور سندها جميعا ، وعدم جابر لها عدا ظهور ما مرّ من
النصوص في اختصاص نوافل النهار بالسقوط ، ويترك بالإجماع المنقول الذي هو ـ مع
التعدّد ـ نصّ ومعتضد بفتوى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، لندرة القائل
كما مضى.
ولكنّ المسألة مع ذلك محل إشكال ،
فللتوقف فيها مجال ، كما هو ظاهر الفاضلين هنا وفي التحرير والمحقق المقداد ، والصيمري ،
__________________
وغيرهم .
والاحتياط يقتضي الترك إن كان المراد
بالسقوط التحريم ، كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، وصريح الشيخ في كتابي الحديث عدم
الاستحباب
، فيكون فعله بقصد القربة تشريعا محرّما.
ومنه
يظهر ما في
الاستدلال لعدم السقوط بالتسامح في أدلّة السنن ، إذ هو عند من يقول به يثبت حيث
لا يحتمل التحريم ، وإلّا فلا تسامح قولا واحداً.
وليس في النصوص الدالّة على تسويغ قضاء
النوافل النهارية في الليل
دلالة على مشروعيتها نهارا ، حتى يجعل دليلا على أنّ المراد بالسقوط حيث يطلق
الرخصة في الترك ورفع تأكد الاستحباب. ولو سلّمت فهي معارضة ببعض الروايات السابقة
الدالة على
عدم صلاحية النافلة في السفر كعدم صلاحية الفريضة فيه ، وعدم الصلاح يرادف الفساد
لغة بل وعرفا مع شهادة السياق بذلك. فتأمّل جدّاً .
(ولكل ركعتين من هذه النوافل)
وغيرها من النوافل (تشهّد
وتسليم) لأنّه المعروف من فعل صاحب الشريعة
فيجب الاقتصار عليه ، لتوقيفيّة العبادة ، وللنبوي : « صلّوا كما رأيتموني أصلّي »
.
ولخصوص مستفيضة من طرق العامة والخاصة ،
ففي النبوي : « بين كل
__________________
ركعتين تسليمة » وفي آخر : « صلاة الليل والنهار مثنى
مثنى » .
وفي الخبر المروي عن قرب الإسناد : عن
الرجل يصلي النافلة ، أيصلح له أن يصلّي أربع ركعات لا يسلّم بينهنّ؟ قال : « لا ،
إلّا أن يسلّم بين كل ركعتين » .
وفي آخر مروي عن كتاب حريز : « وافصل
بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم » .
وظاهر
الأدلّة كالعبارة
وما ضاهاها من عبائر الجماعة حرمة الزيادة على الركعتين والنقص عنهما من دون تشهّد
وتسليم بعدهما ، وبها صرّح جماعة ، ومنهم الحلي في السرائر مدّعيا الإجماع عليه .
خلافا لظاهري الشيخ في الخلاف والفاضل
في المنتهى
، فعبّرا عن المنع بلا ينبغي ، والأفضل ، وادّعى الأوّل الإجماع عليه ، لكنّهما
ذكرا بعيد ذلك ما يعرب عن إرادتهما منهما التحريم ( بل صرّحا به أخيرا ) فلا خلاف لهما.
(وللوتر)
تشهّد وتسليم (بانفراده)
إجماعا منّا على الظاهر ، المستظهر من عبارتي الخلاف والمنتهى ، وبه صرّح جماعة من متأخّرينا ، والصحاح
__________________
به مستفيضة ، منها :
عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال : « فصل » .
وظاهره كغيره لزومه ، ويقتضيه قاعدة
توقيفيّة العبادة ، ولزوم الاقتصار على ما ثبت من صاحب الشريعة.
والنصوص المرخّصة للوصل شاذة غير مكافئة لما سبقها من وجوه
شتّى ، وإن تضمّنت الصحيحين وغيرهما ، مع عدم صراحتهما ، لاحتمال حمل التسليم في
الأوّلين المخيّر بينه وبين عدمه فيهما على التسليم المستحب ، يعنى « السلام عليكم
» ولا بعد فيه ، سيّما مع شيوع إطلاقه على الصيغة المزبورة في النصوص والفتاوي
إطلاقا شائعا ، بحيث يفهم كون الإطلاق عليها حقيقيّا وعلى غيرها مجازيا. وحينئذ
التخيير فيها لا يفيد جواز الوصل في الوتر أصلا ، لاحتمال تعيين لزوم الفصل
بالصيغة الأخرى ، وليس في الرواية الأخيرة ـ مع ضعفها بالجهالة ـ إلّا قول مولانا
الكاظم 7 : « صله »
بعد أن سئل عن الوتر .
وهو كما يحتمل قراءته بسكون اللام يحتمل قراءته بكسرها وتشديدها ، ويكون إشارة إلى
الأمر بفعلها.
ولو لم تحتمل هذه النصوص شيئا مما
قدّمناه تعيّن طرحها ، أو حملها على التقية كما ذكره شيخ الطائفة ، قال : لأنّها
موافقة لمذاهب كثير من العامة .
مع أنّ مضمون حديثين منها التخيير
، وليس ذلك مذهبا لأحد ، لأنّ من أوجب الوصل لا يجوّز الفصل ، ومن أوجب الفصل لا
يجوّز الوصل.
__________________
(الثانية)
(في) بيان (المواقيت).
والمراد بها هنا مواقيت الصلاة الخمس
ونوافلها.
(والنظر) فيها يكون
تارة (في تقديرها)
وتعيينها (و)
اخرى في (لواحقها).
(أمّا الأول :)
(فـ)
اعلم أن (الروايات
فيه مختلفة) كالفتاوى ، بعد
اتفاقهما على أنّ الزوال أوّل وقت الظهرين ، والغروب آخر وقتهما وأوّل وقت المغرب
، والفجر الثاني أوّل وقت صلاته ، وطلوع الشمس آخر وقتها. ويأتي الإشارة إلى مواضع
اختلافاتهما في أثناء البحث إن شاء الله تعالى.
(ومحصّلها)
الذي عليه الفتوى ويظهر من الجمع بينها هو (اختصاص الظهر عند الزوال بمقدار أدائها)
تامة الأفعال والشروط بأقلّ واجباتها بحسب حال المكلف ، باعتبار كونه مقيما
ومسافرا ، صحيحا ومريضا ، سريع القراءة والحركات وبطيئها ، مستجمعا بعد دخول الوقت
لشروط الصلاة أو فاقدها ، فإن المعتبر قدر أدائها وأداء شرائطها المفقودة.
(ثمَّ)
بعد مضي هذا المقدار من الزوال (يشترك
الفرضان في الوقت ، والظهر مقدّمة)
على العصر إلّا مع النسيان ، فيصح العصر لو صلّاها قبل الظهر ناسيا مطلقا ، وهذا فائدة الاشتراك (حتى يبقى للغروب مقدار
أداء العصر) خاصّة على الوجه
المتقدم (فيختص)
العصر (به).
(ثمَّ يدخل وقت المغرب ، فإذا مضى مقدار أدائها)
على الوجه الذي مضى(اشترك الفرضان ، والمغرب مقدمة)
على العشاء إلّا في صورة
__________________
الاستثناء (حتى يبقى لانتصاف
الليل مقدار أداء العشاء) بالنحو الذي
مضى (فيختص به).
(وإذا
طلع الفجر)
الثاني وهو المعترض المستطير في الأفق ، ويسمّى الصادق لأنّه صدقك عن الصبح ،
ويسمّى الأوّل الكاذب لأنّه ينمحي بعد ظهوره ويزول ضوؤه (دخل وقت صلاته ممتدّا
حتى تطلع الشمس).
وعلى هذه الجملة كثير من القدماء
والمتأخّرون كافّة فيما أجده ، وفي السرائر الإجماع عليه ويدل عليها ـ ما عدا الأخير ـ صريحا
بعض المعتبرة ولو بالشهرة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما
يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس
مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر
حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي
المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من
انتصاف الليل مقدار ما يصلّي أربع ركعات ، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب
وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل » .
ويعضده الصحيح في قول الله تعالى (أَقِمِ
الصَّلاةَ)
الآية ، قال : «
إنّ الله تعالى افترض أربع صلوات ، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل ،
منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس ، إلّا
__________________
أنّ هذه قبل هذه ،
ومنها صلاتان أول وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف الليل ، إلّا أنّ هذه قبل
هذه » .
وفي
هذا الاستثناء
ظهور تام في الأوقات المختصة ، كما صرّح به جماعة ، وعليه يحمل إطلاق نحو الصحيح.
« إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب
والعشاء الآخرة »
مع إشعار فيه بها أيضا.
وعلى تقدير عدم الإشعار فيه والظهور في
سابقة يحمل الاشتراك فيهما على ما عدا محل الاختصاص حمل المطلق على المقيد ، وهو
الخبر المتقدم ، والنصوص الصحيحة ولو في الجملة ، منها : في الرجل يؤخّر الظهر حتى
يدخل وقت العصر : « أنّه يبدأ بالعصر ثمَّ يصلي الظهر » .
ومنها : عن رجل نسي الاولى والعصر جميعا
ثمَّ ذكر ذلك عند غروب الشمس ، فقال : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ
الظهر ثمَّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته
فيكون قد فاتتاه جميعا »
الخبر.
( وبهذا يندفع القول بالاشتراك مطلقا
كما عن الصدوقين
، مع احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص كما يظهر من كلام المرتضى ، فيرتفع
__________________
الخلاف كما في
المختلف
وغيره ) .
ثمَّ
إنّ ظاهر
النصوص المزبورة كغيرها والآية الكريمة بمعونة التفسير الوارد عن أهل العصمة سلام
الله عليهم : امتداد وقت إجزاء الظهرين إلى الغروب ، والعشاءين إلى انتصاف الليل ،
وجواز تأخير كل منهما إلى كل منهما ولو اختيارا.
خلافا لنادر في المغرب ، فوقتها عند
الغروب. وهو ـ مع جهالته وإن حكاه القاضي
، ومخالفته النصوص المتقدمة ، والصحاح المستفيضة ، وغيرها من المعتبرة في أنّ لكل
صلاة وقتين
، وغيرها من النصوص المعتبرة الصريحة ـ شاذّ اتفق الأصحاب في الظاهر على خلافه ،
وإن اختلفوا من وجه آخر ، كما سيظهر. والصحيحان الموافقان له محمولان على استحباب المبادرة مؤكدا.
وللشيخين وغيرهما من القدماء ، فلم
يجوّزوا التأخير عن الوقت الأوّل اختيارا
، للنصوص المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره ، منها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت
أفضله ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا في عذر من غير علة .
__________________
ومنها : « لكل صلاة وقتان ، وأوّل
الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ،
ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب
حين تجب الشمس
إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر أو علة » .
ومنها : « أوّل الوقت رضوان الله ،
وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلّا عن ذنب » إلى غير ذلك من النصوص.
وهي معارضة بمثلها منها ـ زيادة على ما
مضى ـ الموثق : « لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع
الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس » .
ومنها : النصوص المستفيضة في أنّ نصف
الليل آخر العتمة .
ومنها : « وقت صلاة الغداة ما بين طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس » .
ومنها : « أحبّ الوقت إلى الله عزّ وجلّ
[ أوّله ] حين يدخل وقت الصلاة ،
__________________
فصلّ الفريضة ، فإن
لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس » .
والقول بأن المراد من هذه بيان مطلق وقت
الإجزاء ، فلا ينافي الأخبار السابقة المانعة عن التأخير عن الوقت الأوّل مع
الاختيار ، فمقتضى الجمع بينهما تعيّن المصير إلى ما عليه الشيخان وأضرابهما.
حسن إن حصل شرط الجمع وهو التكافؤ ،
وصراحة دلالة الخاص.
وفيهما نظر ، لرجحان الأخبار المطلقة
بالأصل وموافقة الكتاب والشهرة العظيمة التي كادت تكون من المتأخرين إجماعا ، بل
إجماع في الحقيقة ، كما في السرائر ، وعن الغنية ، وضعف الأخبار المانعة ، إذ كما تضمنت
جملة منها المنع عن التأخير كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضليّة. وصرفها إلى ما
يوافق المنع وإن أمكن إلّا أنّه ليس بأولى من العكس ، بل هو الأولى من وجوه شتّى ،
لموافقته الكتاب والأصل والشهرة العظيمة.
مع تبديل النهي في بعض الأخبار المانعة
بلا ينبغي
، المشعر بل الظاهر في الكراهة ، وخبر : « آخره عفو الله » كالصريح في عدم حرمة
التأخير بحيث يوجب العقاب ، إذ لو أوجب وعاقب لما صدق مضمون الخبر ، فالمراد تأكد
الاستحباب ، ولا ينافيه الذنب ، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات ، كما ورد في
النافلة : أنّ تركها معصية .
فبموجب ذلك انتفت الصراحة التي هي
المناط في تخصيص العمومات وتقييد المطلقات ، هذا.
__________________
وفي التهذيب : أنه إذا كان أوّل الوقت
أفضل ولم يكن هناك منع ولا عذر فإنّه يجب فعلها فيه ، ومتى لم يفعلها فيه استحق
اللوم والتعنيف ، وهو مرادنا بالوجوب لا استحقاق العقاب .
وفي
النهاية :
لا يجوز لمن ليس له عذر أن يؤخّر الصلاة من أوّل وقتها إلى آخره مع الاختيار ، فإن
أخّرها كان مهملا لفضيلة عظيمة ، وإن لم يستحق العقاب ، لأنّ الله تعالى قد عفا له
عن ذلك
، ونحوه عن القاضي في شرح الجمل .
وهذه العبارات صريحة في الموافقة
للمشهور ، مع تضمّنها صيغة لا يجوز.
وبهذا يضعّف القول بالمنع عن التأخير ،
ويظهر قوّة احتمال إرادة المانعين منه ما يوافق المختار ، كما وقع في هذه
العبارات. وعليه فلا حاجة بنا مهمّة إلى بيان الأوقات الأوّلة لكل من الصلوات
الخمس ، حيث يجوز لنا التأخير عنها مطلقا.
وإنّما المهم بيان آخر وقت المغرب وأوّل
وقت العشاء وآخره ، والمشهور فيها ما قدمناه.
خلافا لجماعة من القدماء ، فأطلقوا أنّ
آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق
، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح والموثق وغيرهما .
__________________
وهي محمولة إمّا على التقيّة فقد حكاه
في المنتهى عن جماعة من العامة ، ومنهم أصحاب الرأي ، وهم أصحاب أبي حنيفة ، أو على الفضيلة ، جمعا بينها وبين
النصوص المستفيضة الأخر التي كادت تبلغ التواتر ، ومنها ـ زيادة على ما مر ـ المستفيضة
التي كادت تبلغ التواتر بجواز تأخير المغرب في السفر إلى ثلث الليل كما في الصحيح ، أو ربعه كما في الموثق وغيره ، أو إلى خمسة أميال من الغروب كما في
الصحيح وغيره
، أو ستّة أميال منه كما في الخبر .
وفي جملة منها جواز التأخير عن الشفق
بقول مطلق ، إمّا في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا بأس أن تؤخّر المغرب في
السفر حتى يغيب الشفق »
وفي آخر : عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال
: « لا بأس بذلك في السفر ، فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئا » .
أو مطلقا كما في ظاهر الصحيح : رأيت
الرضا 7 وكنّا عنده
لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثمَّ قام فصلّى بنا على باب دار ابن أبي
__________________
محمود .
وأظهر منه الخبر : كنت عند أبي الحسن
الثالث 7 يوما ، فجلس
يحدث حتى غابت الشمس ، ثمَّ دعا بشمع وهو جالس يتحدث ، فلمّا خرجت من البيت نظرت
فقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثمَّ دعا بالماء فتوضّأ وصلّى .
وفي الموثق : في الرجل يصلّي المغرب بعد
ما يسقط الشفق ، فقال : « لعلّة لا بأس » قلت : فالرجل يصلّي العشاء الآخرة قبل أن
يسقط الشفق ، فقال : « لعلّة لا بأس » .
إلى غير ذلك من النصوص الصريحة في جواز التأخير عن الشفق مطلقا أو في الجملة ، فهي
مضافة إلى ما قدّمناه من النصوص في صدر المسألة أقوى قرينة على أنّ المنع في المستفيضة
السابقة على الفضيلة ، ويحتمل قريبا أن يحمل عليها إطلاق كلام هؤلاء الجماعة ، بل
ظاهر المدارك الإجماع على عدم بقائها على ظاهرها ، حيث قال ـ بعد حملها على
الفضيلة أو الاختيار ـ : إذ لا قائل بأنّ ذلك آخر الوقت مطلقا .
ولآخرين ، فجعلوه غيبوبة الشفق للمختار
وربعه للمضطر
، جمعا بين النصوص المانعة على الإطلاق ، والنصوص المرخّصة للتأخير إلى ربع الليل
__________________
للمسافر وغيره من
ذوي الحاجة.
وفيه : أنّه إطراح للنصوص السابقة في
صدر المسألة بأنّ وقت العشاءين إلى نصف الليل ، عموما في بعضها ، وصريحا في آخر.
وهي أرجح من تلك بجميعها ، للشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل هي من
المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، بل مطلقا ، كما في السرائر وعن الغنية ، فتكون بالترجيح أولى ، سيّما مع
اختلاف مقابلتها في التقدير بربع وبثلث وبخمسة أميال وستة ، وفي التخصيص بالسفر ،
والتعميم له ولكل علّة مع الإطلاق في مدة التأخير.
وكل هذا قرائن واضحة على حمل الاختلافات
على اختلاف مراتب الفضيلة.
ولجماعة من القدماء أيضا في أول وقت
العشاء ، فجعلوه غيبوبة الشفق
، للنصوص المستفيضة وفيها الصحيح وغيره .
وهي
محمولة إمّا
على التقية فقد حكاه في المنتهى
عن الجمهور
كافّة.
أو على الفضيلة ، جمعا بينها وبين
المعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة ، بل لعلّها متواترة ، ومنها ـ زيادة
على ما مرّ في صدر المسألة ـ المعتبرة المستفيضة الدالّة على جواز تقديمها على
الشفق إمّا مطلقا كما في جملة ، منها الموثق : « صلّى رسول الله 9 بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل
الشفق من غير علّة في جماعة ، ليتّسع الوقت على أمّته » .
__________________
والموثق : عن الجمع بين العشاءين في
الحضر قبل أن يغيب الشفق؟
قال : « لا بأس » .
ونحوهما الموثقان الآخران : عن صلاة
العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال : « لا بأس به » .
وفي الخبر : رأيت أبا عبد الله 7 صلّى العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق .
أو في السفر خاصة كما في الصحيح : « لا
بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق » .
أو في المطر كما في آخر .
واحتمال اختصاص الرخصة في التقديم بهما
أو مطلق العلّة ـ كما عن بعض هؤلاء الجماعة
ـ يدفعه تصريح الموثقين السابقين ولا سيّما الأوّل بجوازه مطلقا من غير علّة ،
هذا.
وفي المختلف : لا قائل بالفرق بين
الظهرين والعشاءين ، فمن قال
__________________
بالاشتراك عند
الفراغ من الظهر قال به عند الفراغ من المغرب .
ولجماعة منهم أيضا في آخره ، فجعلوه ثلث
الليل ، إمّا مطلقا كما عن بعضهم
، للخبرين : « وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى ثلث الليل » كما في أحدهما ، وفي الآخر : « آخر وقت العشاء ثلث
الليل » .
أو مقيّدا بكونه للمختار ، وللمضطر إلى
النصف ، كما عن غيره
، للموثق : « العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل ، وذلك التضييع » .
وهذه
النصوص
مع معارضتها بعضا مع بعض ، معارضة بالنصوص المستفيضة زيادة على ما مر في صدر
المسألة ، ففي الخبرين : « آخر وقت العتمة نصف الليل » .
وفي آخر مروي في العلل : « لو لا أن
أشقّ على أمّتي لأخّرت العشاء إلى نصف الليل » .
وفي الموثق : « وأنت في رخصة إلى نصف
الليل وهو غسق الليل » .
__________________
وهما كالنص في جواز التأخير من غير عذر
، بل ظاهر أوّلهما استحباب التأخير إلى النصف.
لكن في كثير من النصوص : « لو لا أن
أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » .
وعليه فليحمل أخبار الثلث على الفضيلة
جمعا.
وقيل : يمتدّ وقت العشاءين إلى طلوع
الفجر ، للخبر : «
لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر » .
وحمله الشيخ في كتابي الحديث والماتن في
المعتبر وبعض من تأخّر على وقت المضطر
، كما في الصحيحين : « إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب والعشاء الآخرة فإن
استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما ، وإن خاف أن تفوته إحداهما
فليبدأ بالعشاء ، وإن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمَّ المغرب ثمَّ العشاء قبل
طلوع الشمس » .
وفي الأوّل قصور من حيث السند ، وفي
الثاني من حيث المتن ، لتضمّنه تقديم الحاضرة على الفائتة ، وهو خلاف الأظهر
الأشهر فتوى ورواية. ومع ذلك قاصران عن المقاومة للنصوص المتقدمة من وجوه عديدة ،
وموافقان للعامة ، كما صرّح به شيخنا في الروض ، قال : وللأصحاب أن يحملوا
الروايات الدالّة
__________________
على امتداد الوقت
إلى الفجر على التقية ، لإطباق الفقهاء الأربعة عليه ، وإن اختلفوا في كونه آخر
وقت الاختيار أو الاضطرار .
أقول
:
وحكاه في المنتهى عن أبي حنيفة .
(ووقت نافلة الظهر حين الزوال)
في ظاهر النصوص
وكلمة الأصحاب. ولكن في جملة من النصوص جواز التقديم إمّا مطلقا ، كما في كثير
منها ، معلّلة بأنّ النافلة بمنزلة الهدية متى اتي بها قبلت ، أو بشرط خوف فواتها في وقتها ، كما
في بعضها : عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار؟ قال : « نعم إذا علم
أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلها » .
ولم أر عاملا بها عدا الشيخ في كتابي
الحديث ، فاحتمل الرخصة في التقديم مع الشرط المتقدم ، لما دلّ عليه ، حاملا
للنصوص المطلقة عليه .
وتبعه الشهيد وغيره ، بل زادوا فاستوجهوا التقديم مطلقا ،
لظاهر الخبر : « صلاة النهار ستّ عشرة أيّ ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّها ،
إلّا أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل » .
وفيه ـ كأكثر ما تقدم ـ قصور سندا
ومكافاة لما تقدم من وجوه شتى ،
__________________
فليحمل في صورة
التقديم على أنّ المراد جواز فعلها لا بقصد نافلة الزوال بل نافلة مبتدأة ويعتدّ
بها مكانها ، كما هو ظاهر بعضها ، وهو الصحيح : « إنّي أشتغل ، قال : فاصنع كما
نصنع ، صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر ـ يعني ارتفاع
الضحى الأكبر ـ واعتدّ بها من الزوال » .
وفي
صورة التأخير
على فعلها بنيّة القضاء ، كما هو ظاهر بعضها أيضا ، وهو الحسن : عن نافلة النهار ،
قال : « ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ علي ابن الحسين 7 كان له ساعات من النهار يصلي فيها ،
فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهدية ، متى ما اتي بها قبلت
» .
وفي الخبر : « فإن عجّل بك أمر فابدأ
بالفريضتين واقض بعدهما النوافل » .
ويمتد وقتها (حتى يصير الفيء على
قدمين) أي سبعي الشاخص.
(و)
وقت (نافلة
العصر) مما بعد الظهر (إلى)
أن يزيد الفيء (أربعة
أقدام) على الأشهر ، كما صرّح به جمع ممن
تأخّر ، للمعتبرة
المستفيضة التي كادت تبلغ التواتر ، ففي الصحيح : « إنّ حائط مسجد رسول الله 9 كان قامة ، وكان إذا مضى من فيئه ذراع
صلّى الظهر ، وإذا مضى من
__________________
فيئه ذراعان صلّى
العصر ، ثمَّ قال : « أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لم جعل ذلك؟ قال : «
لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك
ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت
النافلة » .
وصدره قد تضمن القدمين والأربعة أقدام
وأنّهما والذراع والذراعين بمعنى واحد ، كما صرّح به الأصحاب ، وجملة من النصوص ، ولذا جمع الإسكافي بينهما .
خلافا للحلي وجماعة ، فقالوا بالامتداد إلى المثل في
الاولى والمثلين في الثانية ، إمّا مطلقا ، أو مستثنى منهما مقدار الفرضين.
واستدل عليه تارة : بالصحيحة المتقدمة
بناء على أن حائط المسجد كان ذراعا ، لتفسير القامة به في النصوص .
وفيها ضعف سندا بل ودلالة ، لعدم
تفسيرها القامة في الصحيحة بذلك ، بل مطلق القامة ، وعليه نبّه الشهيد ; في الذكرى .
ويحتمل أن يكون المراد بالقامة المفسّرة
به القامة التي وردت وقتا للظهر والعصر في نحو الصحيح : عن وقت الظهر والعصر؟ فكتب
: « قامة للظهر وقامة للعصر » .
__________________
ويكون محصّله التنبيه على أنّ وقت الظهر
من بعد الزوال إلى أن يرجع الفيء ذراعا ، أي سبعي الشاخص ، كما عليه المفيد .
وبالجملة : ليس في تلك النصوص أنّ قامة
حائط المسجد كان ذراعا ، بل يحتمل أنّ القامة التي وردت أنّها من فيء الزوال
للظهر وضعفها للعصر كان ذراعا ، وإذا جاء الاحتمال فسد الاستدلال.
وينبغي الرجوع في تفسير القامة المطلقة
إلى ما هو المتبادر منها عند الإطلاق عرفا وعادة من قامة الشاخص الإنساني ، وبه
صرّح أيضا في الرضوي ، وفيه : « إنّما سمّي ظل القامة قامة لأنّ حائط مسجد رسول
الله 9 كان قامة
إنسان » .
وهو معارض صريح لتلك الأخبار وأقوى منها
سندا ، فيتعين حمل الصحيح السابق عليه ، سيّما مع شهادة سياقه عليه ، وتأيّده
بظاهر الموثق : عن صلاة الظهر ، قال : « إذا كان الفيء ذراعا » قلت : ذراعا من
أيّ شيء؟ قال : « ذراعا من فيئك » الخبر .
واخرى : بالمعتبرة المستفيضة الدالّة
على أنّ لكلّ من الصلاتين سبحة بين يديها طولت أو قصرت ، من دون تعيين مقدار لها أصلا من نحو
الذراع والذراعين والقدمين والأربعة أقدام ، بل ظاهر بعضها عدم اعتبار هذه
المقادير أصلا ، ففي الصحيح : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن 7 :
__________________
روي عن آبائك القدم
والقدمين والأربع ، والقامة والقامتين ، وظل مثلك ، والذراع والذراعين ، فكتب 7 : « لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة ، وهي ثمان ركعات ، إن شئت طوّلت وإن
شئت قصّرت ، ثمَّ صل الظهر ، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة ، وهي ثمان
ركعات ، فإن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت ، ثمَّ صلّ العصر » .
وقريب منه الصحيح الآخر .
وفيه نظر ، لعدم إشعار فيها بالتحديد
بالمثل والمثلين كما هو المدّعى ، بل ظاهرها ( سيما الصحيح الأول ) تجويز فعل نافلة الفريضتين ولو بعدهما
، ولم يقل به أحد إلّا النادر وهو الحلبي فيما حكي عنه ، حيث قال بامتداد وقت
نوافل كل فريضة بامتداد وقتها .
ومع ذلك فهي قاصرة عن المقاومة للنصوص
المستفيضة القريبة من التواتر ، المانعة من النافلة عموما في جملة منها وافرة ، وخصوصا في أخرى كذلك ، ومنها الصحيحة المتقدمة المتضمنة
لقوله 7 : « أتدري
لم جعل الذراع والذراعان؟ » .
ونحوها أخبار كثيرة.
__________________
فإذا : مختار الأكثر أظهر ، ومع ذلك فهو
أحوط ، وإن كان القول الثاني ليس بذلك البعيد ، لظاهر الموثق : « إذا كان ظلك مثلك
فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلك مثليك فصلّ العصر »
بناء على أنّ الأمر بتأخير الفرضين إلى المثل والمثلين ليس إلّا لأجل نافلتهما.
فتأمّل جدّاً.
(و)
وقت (نافلة
المغرب بعدها حتى تذهب الحمرة المغربية)
وفاقا للشيخ والجماعة ، كما في شرح القواعد للمحقق الثاني ، وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب لا
نعلم فيه مخالفا
، وفي المنتهى وعن المعتبر دعوى الاتّفاق عليه
، وهو الحجّة.
مضافا إلى النصوص المانعة عن فعل
النافلة في وقت الفريضة
، خرج منها النوافل الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المضروبة ، وكذا نافلتها
إلى ذهاب الحمرة المغربية بالإجماع فتوى ورواية ، ويبقى ما عداها ومنه نافلة
المغرب بعدها تحتها داخلة.
والنصوص
الدالّة
على استحباب نافلة المغرب بعدها وإن كانت معتبرة مستفيضة شاملة لما بعد الحمرة ،
إلّا أنّ شمولها بالإطلاق ، وهو غير معلوم الشمول لنحو المقام بعد ورودها لإثبات
أصل استحباب النافلة من دون نظر إلى وقتها بالمرة ، وإن هي حينئذ إلّا كالنصوص
الدالة على استحباب باقي النوافل الراتبة ، من دون تقييد فيها بوقت بالمرّة مع
أنّها مقيدة بأوقات خاصة اتّفاقا
__________________
فتوى ورواية.
ومن هنا يظهر مؤيّد آخر لما عليه
الأصحاب من توقيت نافلة المغرب بذهاب الحمرة لا بقائها ما دام وقت الفريضة ، لبعد
اختصاصها من بين الرواتب بالبقاء إلى وقت الفريضة.
مع أنّ عموم التعليل الوارد لتحديد
نوافل الظهرين بوقت ـ وهو أنّه لا تزاحم الفريضة ـ يقتضي التحديد هنا أيضا ، ولا
حدّ لها إلّا ما ذكره الأصحاب من ذهاب الحمرة.
وأمّا الصحيح : صلّيت خلف أبي عبد الله 7 المغرب بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب
ثمَّ صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما ، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلمّا
صلّى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات ثمَّ أقام فصلّى العشاء الآخرة .
فمعارض بالنصوص المانعة عن التنفل بين
العشاءين إذا جمع بينهما في المزدلفة ، ففي الصحيح : عن صلاة المغرب والعشاء بجمع
، فقال : « بأذان وإقامتين ، لا تصلّ بينهما شيئا » فتأمّل جدّاً.
وممّا ذكرنا ظهر ضعف ميل الشهيد في
الذكرى والدروس
إلى احتمال بقائها ببقاء الفريضة ، وإن تبعه من متأخّري المتأخّرين جماعة ونقله بعضهم عن الحلبي لقوله المتقدم .
__________________
(وركعتا الوتيرة يمتد)
وقتهما (بامتداد)
وقت (العشاء)
بلا خلاف أجده ، بل عليه الاتّفاق في صريح المنتهى وعن ظاهر المعتبر ، وهو الحجّة بعد الأصل المؤيّد
بإطلاقات ما دلّ على استحبابهما بعدها مطلقا ، مع سلامتهما هنا عن المعارض
بالكلية.
(و)
وقت (صلاة الليل
بعد انتصافه) عندنا ، بل عليه
إجماعنا عن الخلاف والمعتبر
، وفي كلام المرتضى والسرائر والمنتهى وغيرها
، وهو الحجة.
مضافا
إلى أنها
عبادة يجب الاقتصار في وقتها على ما تيقن ثبوته من الشريعة ، وهو فعلها بعد
الانتصاف ، ففي المعتبرة المستفيضة ـ وفيها الصحاح وغيرها ـ : أنّ النبي 9 والأمير 7
ما كانا يصلّيان من الليل إذا صلّيا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل .
وفي
بعضها :
« ثمَّ يصلّي ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر » .
وفي آخر : « فإذا زال نصف الليل صلّى
ثماني ركعات وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات » .
__________________
هذا مضافا إلى خصوص المعتبرة الموقّتة
لها بذلك ، صريحا في بعضها ، كالمرسل : « وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى
آخره » .
وظاهرا في جملة منها ، ومنها الأخبار
الآتية المجوّزة لفعلها قبل الانتصاف لعلّة
، فإنّها ظاهرة بل كالصريحة في أنّ ذلك رخصة في التقديم لأجلها ، لا أنّه لكونه
فعلا في وقتها كما يتوهم من الموثقين : « لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى
آخره ، إلّا أنّ أفضل ذلك إذا انتصف الليل »
كما في أحدهما ، وفي الثاني : عن وقت صلاة الليل في السفر فقال : « من حين تصلّي
العتمة إلى أن ينفجر الصبح » .
وهما وإن أوهما ذلك إلّا أنّهما مع قصور
سندهما وعدم معارضتهما لشيء مما قدمناه
ليسا نصّين فيه ، فيحتمل أن يراد بهما ما أفادته الأخبار السابقة من كون التقديم
رخصة للضرورة ، لا لكون أوّل الليل وقتا حقيقة.
وإليه أشار في الفقيه ، فقال : وكل ما
روي من الإطلاق في صلاة الليل من أوّل الليل فإنّما هو في السفر ، لأنّ المفسّر من
الأخبار [ يحكم ]
على المجمل .
وكذا قال في التهذيبين ، وزاد : وفي وقت أيضا يغلب على ظنّ الإنسان أنّه إن لم
يصلّها فاتته أو شقّ عليه القيام في آخر الليل ولا يتمكّن من القضاء ، فحينئذ يجوز
له تقديمها .
__________________
أقول
: ويرشد إلى هذا التوجيه الخبر : كتبت
إليه في وقت صلاة الليل ، فكتب : « عند الزوال ـ وهو نصفه ـ أفضل ، فإن فات فأوّله
وآخره جائز »
لتضمنه التوقيت بالزوال بعد السؤال عن أصل وقت صلاة الليل مع لفظة « فات » الصريحة
في التوقيت.
ومع ذلك صرّح بالأفضليّة الظاهرة في اشتراك ما قبل الانتصاف لما بعده في فضيلة
الوقت ، لكن ما ذكرنا أصرح دلالة على التوقيت منها على الاشتراك فيها فلتحمل عليه
، فتأمّل.
فما
يقال
من احتمال حمل أخبار التنصيف على الفضيلة ، والموثقين وما بعدهما على كون الليل
بتمامه وقتا ، ضعيف غايته ، سيّما مع مخالفته الإجماع على الظاهر ، المصرّح به
فيما مرّ من عبائر الجماعة حدّ الاستفاضة.
(وكلّما قرب من الفجر كان أفضل)
بلا خلاف أجده ، بل عليه في الكتب المتقدمة والناصريات إجماع الإماميّة ، وهو الحجّة.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، منها
الصحيح : سمعته 7
يقول ـ في قول الله عزّ وجلّ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ)
ـ : في
الوتر في آخر الليل سبعين مرّة »
والسحر ما قبل الفجر على ما نصّ عليه أهل اللغة .
والصحيح : عن ساعات الوتر ، فقال : «
أحبّها إليّ الفجر الأوّل » وعن أفضل ساعات الليل ، قال : « الثلث الباقي » .
__________________
والخبر : متى أصلّي صلاة الليل؟ فقال :
« صلّها آخر الليل » .
وضعف سنده كاختصاص الأوّلين بالوتر مجبور
بالفتاوى وعدم فارق أصلا ، مع تصريح الصحيح الثاني بأنّ أفضل ساعات الليل الثلث
الباقي.
هذا مضافا إلى جملة من المعتبرة الواردة
في تعداد النوافل اليومية أنّ في السحر ثماني ركعات ثمَّ يوتر ، وأحبّ صلاة الليل
إليهم آخر الليل ، كما في الصحيح .
وفي الموثق القريب منه : عمّا جرت به
السنة في الصلاة ، فقال : « ثماني ركعات الزوال » إلى أن قال : « ثلاث عشرة ركعة
من آخر الليل »
ونحوه في مثله سندا .
وعن العلل بطريق صحيح : عن مولانا
الباقر 7 ـ في قوله
تعالى (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ)
الآية ـ : « نزلت في أمير المؤمنين 7
وأتباعه من شعيتنا ، ينامون في أوّل الليل فإذا ذهب ثلثا الأوّل أو ما شاء الله
فزعوا إلى ربهم »
الحديث.
وعن كتاب الخصال في الخصال التي سأل
عنها أبو ذر 2 رسول الله 9 ، سأله : أيّ ساعات الليل أفضل؟ قال :
« جوف الليل الغابر »
أي الباقي.
__________________
هذا مضافا إلى النصوص في فضل الثلث
الأخير واستجابة الدعاء فيه
ويعضدها الكتاب
والسنة
باستحباب الاستغفار في الأسحار.
لكن المستفاد من الصحيحين توزيع النبي 9 لها على تمام الوقت ، وتوسيط النومتين
، والإيتار بين الفجرين ، كما عليه الإسكافي .
ويمكن الجمع بينهما وما سبق بتخصيصهما
بمريد التفريق وما سبق بمريد الجمع كما قيل
، لكن فتوى الأصحاب وأدلّتهم من الإجماعات والروايات مطلقة ، ولا يكافئها الصحيحان
، مع أنّ الجمع بين الروايات بذلك فرع شاهد عليه ، وليس ، هذا.
ويحتمل حملهما على وقوع التوزيع في آخر
الليل ، إذ ليس فيهما الدلالة على أنّه 9
متى كان يقوم ، بل صرّح في الثاني أنّه كان يقوم بعد ثلث الليل. لكن قال الكليني :
وفي حديث آخر : بعد نصف الليل
، ومع ذلك أفضليّة التوزيع من أوّل الثلث تنافي كليّة أفضليّة ما قرب منه إلى
الفجر ، فتدبّر.
ومن هنا يظهر وجه النظر في بعض ما مرّ
من النصوص الدالة على كون أفضل ساعات الليل الثلث الآخر ، فإنّ غايته أفضليّته خاصّة ، لا كونه
أيضا
__________________
متفاوت الأجزاء بحسب
الفضيلة ، كما هو ظاهر الكليّة في العبارة وعبائر الجماعة. فإذا العمدة هو إجماع
الإمامية على هذه الكلية.
والمراد بالفجر هو الثاني ، كما هو ظاهر
النصوص وأكثر الفتاوي ، وصريح جملة منهما .
خلافا للمرتضى ، فقيّده بالأوّل ، قال في الذكرى : ولعلّه نظر إلى جواز
ركعتي الفجر حينئذ ، والغالب أنّ دخول وقت صلاة يكون بعد خروج وقت اخرى . ودفعه بأنّهما من صلاة الليل ، كما في
الأخبار الآتية ، وظاهر أنّ ما قبل طلوع الفجر الثاني من الليل. مضافا إلى ما
سيأتي من أنّ محل ركعتي الفجر قبله ومعه وبعده.
ثمَّ إنّ المتبادر من الانتصاف هو منتصف
ما بين غيبوبة الشمس إلى طلوع الفجر.
إلّا أنّه صرّح بعض الأصحاب بأنّ
المعتبر تنصيف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، قال : ويعرف بانحدار النجوم الطالعة مع
غروب الشمس .
ولعلّه
لمروي
الفقيه بسنده عن عمر بن حنظلة : أنّه سأل أبا عبد الله 7 فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ،
فكيف لنا بالليل؟ فقال : « للّيل زوال كزوال الشمس » قال فبأيّ شيء نعرفه؟ قال :
« بالنجوم إذا انحدرت » .
وقريب منه آخر مروي في مستطرفات السرائر
، نقلا عن كتاب محمد بن
__________________
علي بن محبوب ، عن
أبي جعفر 7 قال : «
دلوك الشمس زوالها ، وغسق الليل بمنزلة الزوال من النهار » .
وفيهما
قصور
من حيث السند ، لكنّهما مناسبان لتوزيع الصلوات اليومية على أوقاتها ، مع أنّ ذلك
أحوط جدّا ، سيّما مع وقوع التعبير عن الانتصاف في بعض ما مرّ من الأخبار بزوال
الليل كما في
الخبرين ، وإن شاركهما في قصور السند ، لاحتمال حصول الجبر بكثرة العدد ، فتأمّل.
(وركعتا الفجر)
وقتهما (بعد الفراغ
من الوتر) على الأشهر ، سيّما بين من تأخّر ، بل
عليه عامّتهم إلّا من ندر ، بل في ظاهر الغنية والسرائر الإجماع عليه ، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
، الدالة جملة منها وافرة على أنّهما من صلاة الليل ، وتضمّن اخرى كذلك ، للأمر
بحشوهما في صلاة الليل
، وقريب منها المعتبرة المستفيضة وفيها الصحاح وغيرها ، المرخّصة لفعلهما قبل
الفجر ومعه وبعده
خلافا للمرتضى والمبسوط
، فوقّتاهما بالفجر الأوّل ، للصحيح وغيره : « صلّهما بعد ما يطلع الفجر » بحمل الفجر فيهما على الفجر الأوّل ،
ليناسب
__________________
الأخبار السابقة.
وفيهما ـ مع ضعف الثاني سندا ، وعدم
مقاومتهما لما مرّ جدّا ـ ضعف دلالة ، لإجمال مرجع الضمير المحتمل كونه الغداة
ويراد بالفجر هو الثاني ، كما هو المتبادر منه عند الإطلاق.
ولو
سلّم كونه
الركعتين فضعف الدلالة من إجمال الفجر المحتمل للأوّل والثاني على تقدير التنزّل ،
وإلّا فقد مرّ أنّه ظاهر في الثاني ، ويكون سبيلهما حينئذ سبيل
النصوص المرخّصة لفعلهما بعد الفجر ومعه
وقبله ، إن حمل الأمر فيهما على الرخصة ، وإلّا فالمتعيّن حملهما على التقية ،
لأنّه مذهب كثير من العامة كما صرّح به جماعة
، ويفهم من بعض النصوص : متى أصلّي ركعتي الفجر؟ قال ، فقال لي : « بعد طلوع الفجر
» قلت له : إنّ أبا جعفر 7
أمرني أن أصلّيهما قبل. طلوع الفجر ، فقال : « يا أبا محمد إنّ الشيعة أتوا أبي
مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحق ، وأتوني شكّاكا فأفتيتهم بالتقيّة » .
وبالجملة : لا ريب في ضعف هذا القول ،
وإن مال إليه الماتن في الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد ، لكن جوّزا تقديمهما على الأوّل
كتقديم باقي النوافل قبل أوقاتها رخصة.
(و)
لا ريب أنّ (تأخيرهما
حتى يطلع الفجر الأوّل أفضل) خروجا عن
شبهة الخلاف ، وأخذا بفحوى ما دلّ على استحباب إعادتهما بعد الفجر الأوّل لو
صلّيتا قبله ، ففي الصحيح : قال ، قال أبو عبد الله 7
: « ربما
__________________
صلّيتهما وعليّ ليل
فإن قمت ولم يطلع الفجر أعدتهما » .
وفي الموثق : قال : سمعت أبا جعفر 7 يقول : « إنّي لا صلّي صلاة الليل
فأفرغ من صلاتي وأصلّي الركعتين فأنام ما شاء الله تعالى قبل أن يطلع الفجر ، فإن
استيقظت عند الفجر أعدتهما » .
وهما وإن لم يقع التصريح فيهما بكون
الفجر الأوّل وقت الإعادة ، لكنّه ظاهرهما ، سيّما الثاني ، لظهوره في وقوع
الإعادة عند الفجر الذي هو الثاني بحكم التبادر ، وعنده القريب منه وهو الفجر
الأوّل.
وللإسكافي
هنا
قول آخر ، فقال : لا أستحب صلاة الركعتين قبل سدس الليل من آخره ، ولعلّه للخبر : عن أوّل ركعتي الفجر
، فقال : « سدس الليل الباقي » .
ولضعفه يحمل على الفضل ، وربما يومئ
إليه أيضا عبارة الإسكافي.
فتدبّر.
(ويمتد)
وقتهما (حتى تطلع
الحمرة) المشرقية على الأشهر ، بل عليه عامّة
من تأخّر ، بل عليه الإجماع في ظاهر الغنية والسرائر ، للصحاح وغيرها : « صلّهما قبل الفجر
ومعه وبعده »
بناء على أنّ المراد من الفجر هو الثاني ، لما
__________________
مرّ ، والبعديّة
تستمرّ إلى ما بعد الإسفار وطلوع الحمرة ، إلّا أنّ جملة من النصوص دلّت على
انتهاء الوقت بهما ، ففي الصحيح : عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى تسفر وتظهر الحمرة
ولم يركع ركعتي الفجر ، أيركعهما أو يؤخّرهما؟
قال : « يؤخّرهما » .
خلافا لظاهر الإسكافي والشيخ في
التهذيبين
، فوقتهما إلى الفجر الثاني ، عملا بما مرّ من النصوص من أنّهما من صلاة الليل ،
وحملا لهذه الصحاح تارة على التقيّة لما مرّ إليه الإشارة ، واخرى على أوّل ما
يبدو الفجر استظهارا ليتبيّن الوقت يقينا ، للمرسل : « صلّ الركعتين ما بينك وبين
أن يكون الضوء حذاء رأسك ، فإذا كان بعد ذلك فابدأ بالفجر » .
والخبر : عن الرجل يقوم وقد نوّر
بالغداة ، قال : « فليصلّ السجدتين اللتين قبل الغداة ثمَّ ليصلّ الغداة » .
وهما مع ضعف سندهما أوفق بما عليه
الأكثر. وحمل النصوص السابقة على التقية حسن إن وافقت مذهب أكثرهم الذي لأجله حملت
عليها ، وليس ، فإنّ مذهبهم تحتّم الركعتين بعد الفجر ، وعدم جواز فعلهما قبله ولا
معه ، والنصوص أباحت جميع ذلك. إلّا أن يقال : إن مراده تقيّة السائل في فعلهما
بعده ، ولكن فيه بعد.
ولعلّ الداعي إلى ارتكابه رجحان الأخبار
الدالة على أنّهما من صلاة
__________________
الليل عددا ،
واعتضادا بالعمومات المانعة عن فعل النافلة في وقت الفريضة ، وظهور جملة منها
دلالة بل بعضها كالصريح في ذلك ، وهو الصحيح : عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد
الفجر؟ فقال : « قبل الفجر ، إنّهما من صلاة الليل ، أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك
من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة » .
وهو كالصريح في أنّ الصلاة كالصوم
الواجب لا يجوز أن تزاحمه النافلة ، فالأمر بالبدأة بالفريضة للوجوب جدّاً. ومنه
يظهر ما في حمله على الاستحباب والفضيلة.
فقولهما لا يخلو من قوّة لو لا الشهرة
العظيمة التي كادت تكون من المتأخّرين إجماعا ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، مع
بعد حمل أخبارهم على التقية كما عرفته ، كحمل الفجر فيها على الفجر الأوّل ، مع
عدم نفع في هذا الحمل إلّا بعد ارتكاب مخالفة أخرى للظاهر هي تقييد البعدية
بالمستمرّة إلى الفجر الثاني خاصة.
ومع ذلك فالأحوط تركهما بعد الفجر
وقضاؤهما بعد الفريضة.
وما أبعد ما بين هذا وبين القول
بامتدادهما بامتداد الفريضة ، كما مال إليه الشهيد في الذكرى ، للصحيح : عن
الركعتين قبل الفجر؟ قال : « يتركهما » ـ وفي خطّ الشيخ ـ : « يركعهما حين يترك
الغداة ، إنّهما قبل الغداة » .
قال : وهذا يظهر منه امتدادهما بامتدادها
وليس ببعيد ، وقد تقدم رواية فعل النبي 9
إيّاهما قبل الغداة في قضاء الغداة ، فالأداء أولى ، والأمر بتأخيرهما عن الإقامة
أو عن الإسفار جاز كونه لمجرد الفضيلة لا توقيتا ،
__________________
انتهى .
ويضعّف : بأنّه لا جهة للأولوية ،
واستظهاره من خبر سليمان على لفظ يتركهما ظاهر ، فإنّ ظاهر معناه أنّه إنّما
يتركهما حين يترك الفرض ، أي إنّما يصيران قضاء إذا صارت الفرض قضاء ، وإنّما
يتركهما إذا أدّى فعلهما إلى ترك الفرض ، أمّا على خط الشيخ فالظاهر هو التقديم
على الفجر الثاني ، سيّما وأنّه روى في رواية أخرى بدل « حين يترك الغداة » « حين
ينوّر الغداة »
فتدبّر.
وبالجملة : الاستناد إلى مثل هذه الرواية
المختلفة النسخ والأولوية المزبورة لا وجه له ، سيّما في مقابلة ما قدّمناه من
الأدلّة المعتضدة بالشهرة العظيمة.
__________________
(وأمّا
اللواحق)
(فمسائل) تسع :
(الاولى : يعلم الزوال)
الذي هو ميل الشمس عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار (بزيادة الظل بعد نقصه)
كما في النصوص
المنجبرة بالاعتبار وفتوى الأصحاب. أو حدوثه بعد عدمه ، كما في مكة وصنعاء في بعض
الأزمنة.
(وبميل الشمس إلى الحاجب
الأيمن لمن يستقبل القبلة) لأطراف
العراق الغربية التي قبلتها نقطة الجنوب ، كما ذكره جماعة من الأصحاب ، ومنهم الشيخ في المبسوط كما حكي عنه
، فقال : وقد روي أن من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على
حاجبه الأيمن علم أنّها قد زالت .
ويعلم
منه أنّ
هذا الاعتبار موجود في الروايات ، ولم نقف عليها كما ذكره.
نعم : في الوسائل روي عن مجالسة في حديث
أنّ رسول الله 9
قال : « أتاني جبرئيل 7
فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس ، فكانت على حاجبه الأيمن » .
__________________
وليس فيه التقييد بمتوجّه الركن العراقي
، كما قيّده هو والفاضل في المنتهى .
وقيّده آخرون
بمكان قبلته نقطة الجنوب ، أو قريبة منها ، أو بمن استقبل الجنوب كما ذكرنا ، ووجه
التقييدات واضح ، فإنّ المقصود العلم بانحراف الشمس عن دائرة نصف النهار ، وهو لا
يحصل بهذه العلامة كليا ، بل ربما يحصل القطع بعدمه معها ، فينبغي أن يدار في
تحصيل المعرفة بالزوال بهذه العلامة مدار القيود المزبورة.
ولمعرفته
طرق
أخر ذكرها جملة من الأصحاب
، وورد ببعضها بعض الروايات
، ولا بأس بها ، بل وبغيرها مما أفاد المعرفة بالزوال ولو ظنّا إن قلنا باعتباره ،
وإلّا فلا بد من القطع كيف اتفق.
(ويعرف الغروب)
الذي هو وقت للمغرب اتفاقا فتوى ونصّا (بذهاب الحمرة المشرقية)
على الأشهر الأظهر ، بل عليه عامّة من تأخّر إلّا من ندر ، لتوقيفية العبادة ، ولزوم الاقتصار
في فعلها على المتيقن ثبوته من الشريعة فتوى ورواية ، وليس إلّا بعد ذهاب الحمرة.
وللأخبار المستفيضة ، وإن اختلفت ظهورا
وصراحة ، منها الموثق : عن الإفاضة من عرفات ، قال : « إذا ذهبت الحمرة من ها هنا
» وأشار بيده إلى
__________________
المشرق وإلى مطلع
الشمس .
ومنها : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة
من المشرق » قال : « لأنّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا » ورفع يمينه فوق يساره »
فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا » .
ومنها
:
« وإنّما أمرت أبا الخطاب أن يصلّي المغرب حين زالت الحمرة ، فجعل هو الحمرة التي
من قبل المغرب » .
ومنها : عن وقت المغرب ، قال : « إذا
تغيّرت الحمرة في الأفق ، وذهبت الصفرة ، وقبل أن تشتبك النجوم » .
وفي عدّة منها : « إذا غابت الحمرة من
المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها » .
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وقصور أسانيدها أو ضعفها منجبر بفتوى
الفقهاء وعملهم كافة ، كما ذكره الماتن في المعتبر ، قال : وعليه ـ يعني ذهاب
الحمرة ـ عمل الأصحاب .
وذهاب الحمرة المشرقية في العبارة وما
ضاهاها والروايات وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد ذهابها من الأفق
إلى أن تجاوز سمت الرأس ، كما صرح به في الكافي ، وشيخنا الشهيد الثاني في كتبه
الثلاثة وغيرهما .
__________________
ودلّ عليه جملة من النصوص منها المرسل :
« وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم بحذاء القبلة وتتفقّد الحمرة التي ترفع من
المشرق إذا جازت قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص » .
ومنها الرضوي : « وقد كثرت الروايات في
وقت المغرب وسقوط القرص ، والعمل في ذلك على سواد المشرق إلى حدّ الرأس » .
ومنها : أيّ ساعة كان رسول الله 9 يوتر؟ فقال : « على مثل مغيب الشمس إلى
صلاة المغرب » .
خلافا للإسكافي والصدوق في العلل
والمبسوط ، فعلامة المغرب غيبتها عن الحس بالغروب .
قيل
:
ويحتمله كلام الديلمي ، والمرتضى والقاضي في بعض كتبهما ، لجعلهم الوقت سقوط القرص
، وليس نصّا فيه .
وربما نسب إلى الاستبصار والفقيه ،
لذكره بعض الأخبار الآتية .
وفيه نظر ، لأنّ الأول كلامه صريح في
موافقة المشهور ، حيث قال ـ بعد ذكر جملة من الأخبار الدالّة على الأمر بالصبر إلى
ذهاب الحمرة ـ : فالوجه في هذه الأخبار أحد شيئين ، أحدهما : أن يكون إنّما أمرهم
أن يمسّوا قليلا أو يحتاطوا ليتيقن بذلك سقوط الشمس ، لأنّ حدّها غيبوبة الحمرة من
ناحية
__________________
المشرق لا غيبوبتها
عن العين. ثمَّ استشهد عليه بجملة من الأخبار السابقة ، ثمَّ نقل ما ظاهره
المنافاة لها مما يأتي ، وقال بعده : فلا تنافي بين هذين الخبرين وبين ما اعتبرناه
في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق ، لأنّه لا يمتنع .. إلى آخر ما ذكره.
وأمّا الفقيه فلم نجد فيه ما يدل على
صحة النسبة عدا ذكره بعض الأخبار الآتية
، بناء على ما قدّمه في أوّل كتابه من أنّه لا يروي فيه إلّا ما يفتي به ويحكم
بصحته .
وهو ـ بعد تسليمه ـ معارض بروايته فيه
ما ينافي القول المزبور أيضا ، فقال : وروى بكر بن محمد عن أبي عبد الله 7 : أنّه سأله سائل عن وقت المغرب ، فقال
: « إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه لإبراهيم 7
(فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى
كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي)
فهذا أوّل
الوقت ، وآخر الوقت غيبوبة الشفق »
الخبر.
وهو ـ كما ترى ـ كالصريح بل صريح في عدم
الاعتبار بغيبوبة الشمس عن النظر ، واشتراط شيء زائد من ظهور كوكب ، بل جعله بعض
المحققين من أدلّة الأكثر ، قال : لأنّ ذهاب الحمرة المشرقية يستلزم رؤية كوكب
غالبا .
ولنعم ما ذكره.
__________________
ونسب أيضا إلى المرتضى ، وفيه ما عرفته . بل يمكن التأمّل في مصير المبسوط إليه
أيضا ، وإن حكم أوّلا بما حكي عنه ، إلّا أنّه بعد نقله المشهور حكم بأنّه الأحوط . والاحتياط في كلامه ليس نصّا في
الاستحباب ، فيحتمل الوجوب ، بناء على طريقته المستمرة من استدلاله بالاحتياط في
العبادة لإيجاب كثير من الأمور التي يدّعي وجوبها فيها.
وكيف
كان
، فلا ريب في ضعف هذا القول ، وإن استدلّ عليه بالنصوص الكثيرة المتواترة معنى ،
الدالة على أنّ أوّل المغرب سقوط القرص ، أو استتاره ، أو غيبوبة الشمس ، بناء على أنّ المفهوم منها لغة وعرفا
هو الغيبوبة عن النظر.
لضعفه
أوّلا : بأنّ المراد بسقوط القرص وغيبوبة الشمس
سقوطه عن الأفق المغربي ، لا خفاؤها عن أعيننا قطعا ، وعليه نبّه شيخنا في روض
الجنان ، قال : لأنّ ذلك يحصل بسبب ارتفاع الأرض والماء ونحوهما ، فإنّ الأفق
الحقيقي غير مرئي .
وأمّا ما يقال عليه من أن غيبوبة الشمس
عن الأفق الحقيقي في الأرض المستوية حسّا إنّما تتحقق بعد غيبوبتها عن الحسّ
بمقدار دقيقة تقريبا ، وهذا أقلّ من ذهاب الحمرة المشرقية بكثير .
فمنظور فيه أوّلا : بأنّ فيه اعترافا
برفع اليد عن المفهوم اللغوي والعرفي ، واعتبار شيء زائد عليه ولو دقيقة ، ومعه
لا يتوجه الاستدلال بالأخبار المزبورة بالتقريب المتقدم.
__________________
وثانيا : بأنّ كون غيبوبتها عن الحس
بمقدار دقيقة أقلّ من ذهاب الحمرة وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لمّا كان مجهولا غير
مضبوط لا يمكن إحالة عامة المكلّفين ولا سيّما العوام منهم عليه ، لا جرم وجب
إحالته على أمر منضبط وهو ذهاب الحمرة من أفق المشرق ، أو بدوّ النجم ، ونحو ذلك ،
وعلى هذا فيكون ذهاب الحمرة علامة لتيقّن الغروب ، كما صرّحت به جملة من النصوص ،
لا أنّه نفس الغروب.
وبه يندفع ما يقال على المشهور من أنّه
لا فرق بحسب الاعتبار بين طلوع الشمس وغروبها ، فلو كان وجود الحمرة المشرقية
دليلا على عدم غروب الشمس وبقائها فوق الأرض بالنسبة إلينا ، لكان وجود الحمرة
المغربية دليلا على طلوع الشمس ووجودها فوق الأرض بالنسبة إلينا من دون تفاوت.
ووجه دفعه : أنّا لا نقول : إنّ وجود
الحمرة دليل على بقاء الشمس في الأفق المغربي للمصلّي ، بل نقول : إنّ معه لا يحصل
القطع بالغروب الذي هو المعيار في صحة الصلاة ، وقطع استصحاب عدم الغروب به ، فلا
يرد النقض بظهور الحمرة عند الطلوع في أفق المغرب ، لأنّ مقتضى ذلك حصول الشك بذلك
في طلوع الشمس على الأفق المشرقي ، ولا يقطع به يقين بقاء الوقت ، بل بظهور الشمس
الحسّي ، فينعكس الأمر.
وثانيا : بعد تسليم دلالتها فغايتها
أنّها من قبيل المجمل ، أو المطلق ، وأخبارنا من قبيل المفسّر ، أو المقيّد ، فيجب
حملها عليها قطعا ، ولا استبعاد فيه بعد ورودها قطعا ، كما هو الحال في حمل
المطلقات وإن كثرت وتواترت على المقيدات وإن قلّت. ولو أثّر الاستبعاد في منعه لما
استقام لنا أكثر الأحكام ، لكونها من الجمع بين نحو المطلقات والمقيدات.
ودعوى عدم قوة أخبارنا وعدم بلوغها حدّ
المكافأة للأخبار المعارضة ، لاستفاضتها بل وتواترها وصحّة أكثرها دون أخبارنا ،
فاسدة.
كدعوى أنّ الجمع بالتقييد إنّما يتعيّن
إذا انحصر طريق الجمع فيه ، ولم يكن في المقام حمل أقرب منه ، مع أنّ الجمع بحمل
أخبار المشهور على الفضل ممكن ، بل وأقرب.
وذلك لقوة أخبارنا بالاستفاضة القريبة
من التواتر أيضا ، وانجبارها بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلّها
من المتأخّرين إجماع في الحقيقة ، وقد عرفت استشعاره من عبارة الماتن في المعتبر . ومع ذلك كثير منها في المدعى صريحة ،
ولا سيّما الدال منها على تفسير استتار القرص بذهاب الحمرة.
ومع ذلك مخالفة لما عليه الجمهور كافّة
، كما صرّح به جماعة ، ومنهم الفاضل في المنتهى والتذكرة ، فقال ـ مشيرا إلى قول المبسوط وهو
قول الجمهور ـ : ويستفاد ذلك من كثير من النصوص ، منها ـ زيادة على ما يأتي ـ رواية
أبان بن تغلب وربيع بن سليمان وأبان بن أرقم وغيرهم ، قالوا : أقبلنا من مكة حتى
إذا كنّا بواد الأخضر ، إذا نحن برجل يصلّي ونحن ننظر إلى شعاع الشمس ، فوجدنا في
أنفسنا ، فجعل يصلّي ونحن ندعو عليه ، حتى صلّى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول : هذا
من شباب المدينة ، فلمّا أتينا إذا هو أبو عبد الله 7
، فنزلنا وصلّينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلمّا قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا :
جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟ فقال : « إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » .
وذلك فإنّ صدره ـ كما ترى ـ يدل على
أنّه كان مقرّرا عند الشيعة أنّه
__________________
لا يدخل الوقت قبل
مغيب الحمرة المشرقية ، ولذا كانوا يدعون على المصلّي قبله وزعموه من شباب المدينة
، أي من شباب العامة.
ومنها : رواية جارود ، قال ، قال لي أبو
عبد الله 7 : « يا
جارود ينصحون فلا يقبلون ، وإذا سمعوا بشيء نادوا به ، أو حدّثوا بشيء أذاعوه ،
قلت لهم : مسّوا بالمغرب قليلا ، فتركوها حتى اشتبكت النجوم ، فأنا الآن أصلّيها
إذا سقط القرص » .
وذلك لدلالة الأمر بالإمساء قليلا على
مذهب المشهور ، ولما رأى 7
أنّهم نادوا به وأذاعوه قال : أنا أفعل الآن ، إلى آخره. وهو كالصريح في أنّ فعله 7 ذلك للتقية.
ومنها : كتبت إلى العبد الصالح 7 : يتوارى القرص ويقبل الليل ثمَّ يزيد
الليل ارتفاعا ، وتستر عنا الشمس ، وترتفع فوق الليل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون
، أفأصلّي حينئذ وأفطر إن كنت صائما ، أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الليل؟
فكتب إليّ : « أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك » .
وهو صريح في أنّ المؤذّنين يومئذ كانوا
يؤذّنون قبل ذهاب الحمرة ، ولا ريب أنّهم كانوا من العامّة.
وهذه الرواية كسابقتها دليل على المختار
أيضا ، وإن استدل بالأولى وهذه على خلافه ، لفعله 7
في الاولى ، وتخصيصه لراوي هذه بقوله : « أرى لك .. » الظاهر في الاستحباب ، وإلّا
لعمّم وما عبّر بلفظ الاحتياط.
وقد عرفت ما في فعله 7 ، من كونه للتقية. وتخصيص الراوي
__________________
لعلّه بل الظاهر
أنّه من جهة علمه 7
بعدم ابتلائه بالتقية ، أو بمعرفته سبيل الخلاص عنها ، ولفظ الاحتياط ليس نصّا بل
ولا ظاهرا في الاستحباب ، لأنّ ذلك إنّما هو بالاصطلاح المتأخّر بين الأصحاب ،
وإلّا فالاحتياط هو الاستظهار والأخذ بالأوثق لغة ، بل وفي كلمة متقدّمي الأصحاب
أيضا ، كما مضى
، ولا ريب أنّ مثله في أمثال العبادات واجب ، للرجوع إلى حكم الاستصحاب ببقاء شغل
الذمة اليقيني الذي لا بد في الخروج عنه من اليقين.
وبالجملة لا ريب في دلالة هذه الأخبار
على المختار ، وأنّ خلافه مذهب أولئك الكفرة الفجّار.
وبه يظهر جواب آخر عن تلك الأخبار
الدالة على حصول الغروب بمجرد الاستتار ، وهو حملها على التقيّة.
ونحوها الأخبار الظاهرة من غير جهة
الإطلاق ، كالخبر : عن وقت المغرب ، فقال : إذا غاب « كرسيّها » قلت : وما كرسيّها؟
قال : « قرصها » قلت : ومتى يغيب قرصها؟ قال : « إذا نظرت إليه فلم تره » .
ومنها : « إنّا ربما صلّينا ونحن نخاف
أن تكون الشمس خلف الجبل ، وقد سترنا منها الجبل ، قال ، فقال : « ليس عليك صعود
الجبل » .
ونحوه آخر : « إنّما تصلّيها إذا لم تر
خلف الجبل غارت أو غابت ، ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلمها ، فإنّما عليك مشرقك
ومغربك ، وليس على
__________________
الناس أن يبحثوا » .
وفي صدره أيضا إشعار بوروده تقيّة ،
فإنّ فيه : قال ـ يعني الراوي ـ : صعدت مرّة جبل أبي قبيس والناس يصلّون المغرب ،
فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله فأخبرته
بذلك ، فقال : « ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت ».
مع أنّها قاصرة الأسانيد ، وإن قيل :
روي الأوّل في مجالس الصدوق بسند صحيح .
مع أنّ ظاهرها ولا سيّما الأخير عدم البأس بوجود الضوء والشعاع على نحو التلال
والجبال ، وأنّ المعتبر غيبوبة الشمس عن نظر المصلّي وهو على الأرض ، وهو مما قطع
جماعة من أرباب هذا القول بفساده ، ومنهم صاحبا المدارك والذخيرة ، حيث قالا ـ بعد
أن نقلا عن التذكرة تحديد الغروب على هذا القول في العمران بأن لا يبقى شيء من
الشعاع على رؤوس الجدران وقلل الجبال ـ ما لفظه : وهو حسن .
وهو ـ كما ترى ـ خلاف ما دلّت عليه تلك
الأخبار ، فكيف يستدلّون بها؟
مع أنّ الذي يظهر من المبسوط كون ما
دلّت عليه مما يتفرع على هذا القول حيث قال بعد نقل القولين : فأمّا على القول
الأول ـ وأشار به إلى هذا ـ إذا غابت الشمس عن البصر ورأى ضوءها على جبل يقابلها
أو على مكان عال مثل منارة الإسكندرية وشبهها فإنّه يصلّي ولا يلزم حكم طلوعها ـ إلى
أن قال ـ : وعلى الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع تراه وهو الأحوط .
__________________
ومنه يظهر جواب آخر عما دلّ على حصول
الغروب بالاستتار من الإطلاقات ، لعدم صدقه قطعا بمجرد غيبتها عن النظر مع رؤية
شعاعها على قلل الجبال.
والعجب عن غفلة هؤلاء الجماعة من قول
المبسوط هذا ، وزعمهم موافقتهم له ، وتفريعهم ما مرّ نقله عن التذكرة عليه ، مع أنّ عبارته كما عرفت صريحة في
خلاف ما زعموه ، ولعلّه لذا قال في الذخيرة بعد قوله حسن : وإن أمكن المنازعة فيه
، وليت شعري كيف حسّنه مع إمكان المنازعة؟ ومع ذلك فالظاهر أنّ وجه المنازعة إنّما
هو ظهور عبارة المبسوط والنصوص الأخيرة في خلاف ما حسّنه ، وهو الاكتفاء بالغيبة
عن النظر ، وعدم البأس برؤية الشعاع على الجبل ، وهذا كيف يمكن احتماله فضلا عن
المصير إليه ، مع ضعف النصوص الدالّة عليه ، وعدم جابر لها بالكليّة ، ومخالفته
الأصول والأخبار المتواترة حتى الأخبار التي استدل بها على مذهبه ، لما عرفت من عدم صدق الغيبة
والاستتار
__________________
الواردين فيها مع
وجود الأشعّة على قلل الجبال قطعا لغة وعرفا ، فليس بعد ذلك إلّا طرحها.
وبالجملة
فقول
المبسوط حينئذ على تقديره ضعيف جدّا يستحيل المصير إليه قطعاً.
وأمّا ما اختاره هؤلاء الجماعة فالظاهر
أنّه قول محدث ، إذ ليس إلّا قول المشهور وما في المبسوط الذي يرجع إليه قول
الإسكافي ، والمرتضى على تقدير ثبوته
، وقول العماني الآتي وغيره ، وهو لا يوافق شيئا منها ، فيندفع زيادة على ما مرّ
بالندرة والشذوذ ، ومخالفته الإجماع ، فتأمّل جدّاً.
وهنا قولان آخران باعتبار اسوداد الأفق
من المشرق كما عن العماني
، للخبرين
، ويبدو ثلاثة أنجم كما عن الصدوقين في المقنع
__________________
والرسالة ، للصحيح .
وهما شاذّان ، ومستنداهما لا يقاومان
شيئا مما قدّمناه من وجوه شتّى ، مع ضعف دلالتهما ، واحتمالهما ككلامهم الرجوع إلى
ما عليه القوم ، بل أرجعهما إليه بعض الفضلاء بوجه قريب لا فائدة في التعرض لذكره
ولا جدوى.
وإنّما طوّلنا الكلام في المسألة لأنّها
من المهمّات ، وذيل الكلام فيها أطول من ذلك ، تركناه خوفا من زيادة التطويل الذي
لا يناسب هذا التعليق.
(الثانية
:)
(قيل)
والقائل الشيخان وجماعة
: إنه (لا يدخل
وقت العشاء حتى تذهب الحمرة المغربية ولا)
يجوز أن (تصلى قبله
إلّا مع العذر) فيجوز حينئذ كما
هو ظاهر بعضهم ، وأطلق بعضهم المنع عن الصلاة قبله من دون استثناء.
وقد
مرّ في
أواخر مواقيت الفرائض ما يصلح مستندا لهم مطلقا (و)
أنّ الأشهر (الأظهر)جواز
التقديم مطلقا ولو اختيارا لكن مع (الكراهة)
خروجا عن الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وإن كان الأظهر حمل المانعة
منها على التقيّة ، لكونه مذهب الجمهور كافّة كما عرفته.
(الثالثة :)
(لا)
يجوز أن (تقدم صلاة
الليل على الانتصاف) لما مر في توقيتها
به .
__________________
(إلّا لشابّ تمنعه)
من فعلها في وقتها (رطوبة
رأسه) ودماغه (أو مسافر)
أو شبههما من ذوي الأعذار المحتملة منعها لهم عن فعلها في الوقت ، فيجوز لهم حينئذ
تقديمها عليه على الأظهر الأشهر ، بل في الخلاف الإجماع عليه ، بل عليه عامّة من تأخّر ، عدا الفاضل
في المختلف والتحرير
، لكنّه فيه توقّف ، وفي الأوّل صرّح بالمنع وفاقا للحلي ، وزرارة من القدماء .
لعدم
جواز
فعل الموقّت قبل وقته. وفيه منع على إطلاقه.
ولظاهر الصحيح : قلت له : إنّ رجلا من
مواليك من صلحائهم شكا إليّ ما يلقى من النوم ، وقال : إني أريد القيام بالليل
فيغلبني النوم حتى أصبح ، فربما قضيت صلاتي الشهر المتتابع والشهرين أصبر على ثقله
، فقال : « قرّة عين له والله ، قرة عين والله » ولم يرخّص في النوافل أوّل الليل
، وقال : « القضاء بالنهار أفضل » .
وهو معارض بالصحاح المستفيضة ، وغيرها
من المعتبرة المرخّصة للتقديم مطلقا كما في بعضها ، وقد مضى ، أو في السفر خاصة كما في كثير منها ،
وفيها الصحيح وغيره
، أو مطلق العذر كما في أكثرها ، وفيها الصحاح وغيرها . وهي أرجح من تلك الصحيحة من وجوه
عديدة ، ومنها صراحة
__________________
الدلالة ، والاعتضاد
بالشهرة العظيمة ، فلتحمل على الكراهة لا الحرمة ، ويشير إليه ما في آخرها برواية
الكليني والشيخ : قلت : فإنّ من نسائنا أبكارا الجارية تحبّ الخير وأهله ، وتحرص
على الصلاة فيغلبها النوم ، حتى ربما قضت وربما ضعفت عن قضائه ، وهي تقوى عليه
أوّل الليل ، فرخّص لهنّ الصلاة في أوّل الليل إذا ضعفن وضيّعن القضاء.
وهو ـ كما ترى ـ صريح في الترخيص لغلبة
النوم. لكن ظاهره اختصاصه بصورة خوف فوت القضاء ، كما حكي عن التذكرة ، وربما يفهم من المختلف والمنتهى . ولا ريب أنّه أحوط ، وإن كان جواز
التقديم مع العذر مطلقا أقوى.
(و)
مع ذلك فـ (قضاؤها
أفضل) من تقديمها اتفاقا فتوى ونصّا. ومنه ـ
زيادة على ما تقدم ـ الصحيح : الرجل من أمره القيام بالليل ، تمضي عليه الليلة
والليلتان والثلاث لا يقوم ، فيقضي أحبّ إليك ، أم يعجل الوتر أوّل الليل؟ قال : «
لا ، بل يقضي وإن كان ثلاثين ليلة » .
ونحوه
الخبر :
« يقضي أحب إليّ ، إنّي أكره أن يتّخذ ذلك خلقا » .
وفي آخر عن قرب الإسناد : عن الرجل
يتخوّف أن لا يقوم من الليل ، أيصلّي صلاة الليل إذا انصرف من العشاء الآخرة فهل يجزيه ذلك ، أم عليه قضاء؟ قال : « لا
صلاة. حتى يذهب الثلث الأول من الليل ، والقضاء بالنهار
__________________
أفضل » .
وحيث تقدم فلا يجوز قبل الغروب : لتصريح
النص والفتوى بأوّل الليل ، بل ظاهر الخبر الأخير اعتبار مضيّ ثلثه الأوّل ، وضعف
سنده يمنع عن تقييد النص والفتوى به. وإطلاقهما بجواز التقديم أوّل الليل ظاهره
بحكم التبادر كونه بعد العشاءين ، ولعلّه متعيّن ، قصرا للضرورة على محلها ،
والتفاتا إلى عموم ما دلّ على المنع من فعل النافلة في وقت الفريضة إلّا في
المواضع المستثناة
، ولم يعلم كون هذا منها.
والمراد بصلاة الليل المقدّمة مجموع
الثلاث عشرة ركعة ، لإطلاقها عليها إطلاقا شائعا ، مع التصريح بتقديم الوتر في
جملة من النصوص ، ومرّ في كثير من النصوص أن ركعتي الفجر من صلاة الليل ، وتسمى الدساستين لدسّهما فيها ، فما
في روض الجنان من استثنائهما من الحكم
غير ظاهر الوجه.
وهل ينوي مع التقديم الأداء؟ الأقوى لا
، بل ينوي التعجيل.
ولو أنبته في الوقت بعد أن قدّمها عليه
فهل يسوغ الإتيان بها ثانيا؟
وجهان.
(الرابعة :)
(إذا تلبس بنافلة الظهر ولو بركعة ثمَّ خرج
وقتها أتمّها مقدمة على الظهر
، وكذا)
لو تلبس بنافلة (العصر) ولو بركعة ثمَّ خرج وقتها أتمّها مقدمة
__________________
عليه ، كما في
السرائر
، وعن النهاية والمهذب
، وعزا في المدارك وغيره إلى الشيخ وأتباعه واختاره أيضا ، كالفاضلين والشهيدين وغيرهم من
المتأخّرين
، من غير خلاف بينهم أجده.
للموثق : « للرجل أن يصلي من نوافل
الزوال [ ما بين زوال الشمس ] إلى أن يمضي قدمان ، فإن كان قد بقي من الزوال ركعة
واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتمّ الصلاة حتى يصلي تمام الركعات ، فإن مضى قدمان
قبل أن يصلّي ركعة بدأ بالأولى ولم يصلّ الزوال إلّا بعد ذلك ، وللرجل أن يصلّي من
نوافل الاولى ما بين الاولى إلى أن يمضي أربعة أقدام ، فإن مضت الأربعة أقدام ولم
يصلّ من النوافل شيئا فلا يصلّ النوافل ، وإن كان قد صلّى ركعة فليتمّ النوافل حتى
يفرغ منها ثمَّ يصلّي العصر »
الخبر.
وهو نص في نافلة العصر. وفيه نوع إجمال
في نافلة الظهر ، لكن يدفع بعدم القائل بالفرق ، وبظهور قوله 7 : « فإن مضى قدمان قبل أن يصلّي ركعة
بدأ بالأولى » فيه.
ولعل معنى قوله 7 : « فإن كان قد بقي من الزوال ركعة
واحدة أو قبل أن يمضي قدمان » أنه إن بقي من وقت الزوال أي ما قبل فرض الظهر من
النوافل قدر ركعة ، أو الزوال هنا الوقت من الزوال إلى قدمين. وعلى التقديرين قوله
: « أو قبل أن يمضي قدمان » تعبير عنه بعبارة أخرى للتوضيح ، أو الترديد من
__________________
الراوي.
ومن الجائز أن يكون فيه سهو من الأقلام
وتكون العبارة « قد صلى » مكان « قد بقي » ويكون « أو » سهوا ، كذا ذكره بعض
الأفاضل .
وفيه اعتراف بقصور الصدر عن إفادة حكم نافلة الظهر كما ذكرناه ، وبه صرح في
الذخيرة .
ومن هنا ينقدح ما في المدارك من دعوى
صراحة الخبر في الحكمين .
ولعله إنما نشأ من اقتصاره على الشرطية
التي دلت عليه ولم يذكر الشرطية الأخرى وهي قوله : « فإن كان قد بقي » إلى آخره.
والإجمال إنما نشأ منها.
وإطلاق
العبارة
كغيرها يقتضي عدم اشتراط التخفيف في المزاحمة ، إلّا أن في السرائر وعن المعتبر
وجماعة اشتراطه .
والنص كما ترى مطلق ، لكن في ذيله اشتراط المزاحمة بأن يمضي بعد القدمين نصف قدم
في الظهر وبعد الأربعة أقدام قدم في العصر ، فإن صحّ مستندا لهم ، وإلّا فلا أعرف
مستندهم عدا ما قيل
من أن فيه محافظة على المسارعة إلى فعل الواجب .
وهو حسن إن كان اشتراط التخفيف لمجرد
الفضل. وإن كان المقصود به حرمة النافلة مع عدمه فلا تفيدها المحافظة على السنن ،
إذ غايتها إثبات
__________________
الفضل بناء على جواز
تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا ، كما هو الأشهر الأقوى. نعم ، لو قلنا
بالمنع عنه ـ كما هو مذهب الشيخين وغيرهما
ـ اتجه ذلك.
كما لو قلنا بحرمة النافلة في وقت
الفريضة وعدم حجية الموثقة ، فإنه حينئذ يجب الاقتصار ـ في المزاحمة المزبورة
المخالفة للأصل على هذا التقدير ـ على القدر المجمع عليه.
وإطلاق الموثق لا عبرة به ، لعدم حجيته
، مع عدم معارضته لإطلاق خصوص النصوص المانعة عن مزاحمة نافلة الظهرين لهما بعد
خروج وقتهما ، وفيها الصحيح وغيره
، خرج منها القدر المتفق عليه ، وهو المزاحمة مع التخفيف ، وبقي الباقي.
ومن هنا يتوجه إثبات شرطية التخفيف بناء
على الأصل المتقدم ولو قلنا بحجية الموثق ، إذ هو حيث لم يعارضه أقوى منه عددا
وسندا واعتضادا بالأصول ، فتأمّل جدّا .
وكيف كان فلا ريب أن التخفيف أحوط
وأولى.
والمراد به ـ كما ذكروه ـ الاقتصار على
أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها ، وتسبيحة واحدة في محلها. بل عن بعض
المتأخرين أنه لو تأدّى التخفيف بالصلاة جالسا آثره على القيام ، قال : لإطلاق
الأمر بالتخفيف .
__________________
وهل يختص الحكم بجواز المزاحمة بما عدا
يوم الجمعة ، أو صلاتها ، أو يعمّهما أيضا؟ أوجه ، إطلاق النص والفتوى يقتضي
الأخير. واختصاصه بما عدا صلاة الجمعة بحكم التبادر يقتضي الاختصاص بما عداها ،
سيّما مع كثرة الأخبار بضيقها
، وهذا أحوط وأولى.
وهل هي أداء؟ قيل : الأقرب ذلك ، تنزيلا لها منزلة صلاة واحدة أدرك
ركعة منها.
ولا يبعد هذا إن اشترطنا قصد الأداء ،
وإلّا ـ كما هو الأقوى ـ فيكفي قصد القربة مطلقا.
ولو ظن خروج وقت النافلة قبل إكمال ركعة
حيث لا طريق له إلى العلم فشرع في الفريضة فتبين السعة : قيل : يصلّيها بعدها أداء
لبقاء وقتها .
وفيه
نظر. ويأتي
على المختار كفاية قصد القربة هنا أيضا ، إن لم يحصل الإشكال في أصل فعلها ، كما
إذا كانت نافلة العصر وصليت في وقتها بعد فريضتها. ويشكل فيما لو كانت نافلة الظهر
، إذ فعلها بعد فريضتها فعل نافلة في وقت فريضة لم يعلم استثناؤه ، لاختصاص
المستثنى لها من النص والفتوى بحكم التبادر بفعلها في وقتها قبل فريضتها لا مطلقا
، وهذا هو وجه النظر الذي قدّمناه ، فتأمّل جدّاً.
(و)
اعلم أن هذا الحكم يختص بنافلة الظهرين (أما نوافل المغرب فمتى ذهبت الحمرة)
المغربية التي هي آخر وقتها كما مضى
(ولم يكملها
__________________
بدأ
بالعشاء) إن لم نقل بامتدادها بامتداد وقت
الفريضة ، كما هو الأشهر الأقوى ، بل نفي الحلي عنه الخلاف في نوافل الظهرين ، ولا قائل بالفرق جدّا ، للأصل من غير
معارض ، لاختصاصه بنوافلهما ، والتعدّي قياس لا يجوز عندنا.
فقول الحلي هنا بإتمام الأربع بالشروع
في ركعة منها
ـ كما في الظهرين ـ لا وجه له ظاهرا إلّا أن يكون إجماعاً. وهو ضعيف جدّا ، لاشتهار
خلافه بين الأصحاب على الظاهر ، المصرّح به في الذخيرة ، وإن اختلفوا في إطلاق الحكم كما هنا
وفي القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى
، أو تقييده بما إذا لم يكن شرع في ركعتين منها ، وإلّا فيكمّلهما خاصّة ، أوليين
كانتا أم أخيرتين ، كما ذكره الشهيدان وغيرهما
، قالوا : للنهي عن إبطال العمل.
وهو حسن إن قلنا بتحريمه مطقا. وإن
خصّصناه بالفريضة وقلنا بكراهته في النافلة كما عليه شيخنا الشهيد الثاني ، أو مطلقا كما عليه بعض هؤلاء الجماعة
، أشكل الاستثناء ، لعموم أدلّة تحريم النافلة في وقت الفريضة ، والإبطال لا
يستلزم غير الكراهة ، وهي بالإضافة إلى التحريم مرجوحة بل منتفية ، لاختصاصها بما
إذا لم تعارضها حرمة ، وقد عارضتها في المسألة ، لعموم الأدلّة على الحرمة.
إلّا أن يمنع ويدّعى اختصاصها بحكم
التبادر بابتداء النوافل في وقت الفريضة ، لا عدم وقوعها فيه مطلقا ولو بجزء منها.
وهو غير بعيد ، فما قالوه
__________________
حسن ، سيّما على
المختار من عموم تحريم الإبطال للنوافل أيضا.
وربما يشكل لو علم قبل الشروع فيها
بمزاحمتها الفريضة في الأثناء ، لقوة احتمال شمول أدلّة حرمة النافلة في وقت
الفريضة لمثل هذا ، مع احتمال منعه أيضاً
(الخامسة :)
(إذا طلع الفجر الثاني فقد فاتت)
وقت (النافلة)
الليلية (عدا ركعتي
الفجر) فتبقيان إلى ظهور الحمرة المشرقية على
المشهور ، والشيخ ـ كما عرفت ـ لم يستثنهما بل جعلهما من صلاة الليل التي تفوت
بطلوع الفجر الثاني .
بلا خلاف إلّا منه في كتاب الحديث ،
فجوّز فعلها بعده مزاحما بها الفريضة
، وتبعه الماتن في المعتبر وصاحبا المدارك والذخيرة ، للنصوص المستفيضة الدالة عليه ،
وفيها الصحيحان وما يقرب منهما سندا وغيرهما
، ولعله ظاهر الصدوق أيضا حيث قال : وقد رويت رخصة في أن يصلي الرجل صلاة الليل
بعد طلوع الفجر المرّة بعد المرّة ، ولا يتخذ ذلك عادة .
لكنه كما ترى اشترط في ذلك عدم الاعتياد
، كما هو ظاهر جملة منها ، وإلى هذا يميل في المنتهى ، وبه جمع بين هذه الأخبار والأخبار
الآتية الناهية عن الإيتار في وقت الفريضة
، فقال : لا منافاة بينهما ، فإنّ ما دل على جواز إيقاع صلاة الليل والوتر بعد
الفجر مخصوص بما إذا لم يجعل ذلك عادة ،
__________________
والنهي متوجه إلى من
يتّخذه عادة.
وهو حسن مع حصول التكافؤ بينهما ، وليس
، لضعف سند أكثر الأخبار المرخّصة ، وعدم مقاومة صحيحها ـ كالباقية ـ للأخبار
المقابلة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا ، وبالاستفاضة التي كادت
تبلغ التواتر ، بل لعلها متواترة ، في أنّ آخر صلاة الليل طلوع الفجر الثاني ، وإن اختلف في المنع عن فعلها بعده
ظهورا وصراحة.
فمن الأوّل : كلّ ما دلّ منها على أنّه
آخرها ، إذ لو ساغ فعلها بعده لما كان آخر لها. مع أنه يستلزم وقوع النافلة في وقت
الفريضة ، وقد منعت عنه النصوص المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة ، ومنها خصوص
الصحيحة المتقدمة في آخر ركعتي الفجر ، المانعة عن فعلهما بعد الفجر ، معلّلا
بقوله : « أتريد أن تقايس » إلى آخره
، الصريح في كون النهي على جهة الحرمة كما عرفته.
ومن الثاني : الصحيح : أوتر بعد ما يطلع
الفجر؟ قال : « لا » .
والمنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره
بطريق أولى. ومنع الأولوية ـ كما في الذخيرة
ـ لا أعرف له وجها ، مع أنه لا قائل بالفرق جدّاً.
وأظهر منه الصحيح : عن الرجل يكون في
بيته وهو يصلي ، وهو يرى أنّ عليه ليلا ، ثمَّ يدخل عليه الآخر من الباب ، فقال :
قد أصبحت ، هل يصلّي
__________________
الوتر أم لا ، أو
يعيد شيئا من صلاته؟ قال : « يعيد أن صلّاها مصبحا » .
والخبر : « إذا أنت قمت وقد طلع الفجر
فابدأ بالفريضة ولا تصلّ غيرها ، فإذا فرغت فاقض ما فاتك » الحديث.
وقريب منه الرواية الآتية من حيث
دلالتها على المنع بالمفهوم إذا لم يصلّ أربع ركعات ، هذا.
مع
أنّ النصوص
السابقة غير صريحة في الترخيص لفعلها في وقت الفريضة مطلقا كما ذكره الشيخ ومن
تبعه ، أو مع عدم الاعتياد كما ذكره الصدوق ومن بعده ، بل مطلقة أو ظاهرة ، يحتمل تقييدها
بما إذا أدرك أربعا في الليل ، للاتفاق على الجواز حينئذ ، كما سيأتي إليه الإشارة
، أو حمل الفجر فيها على الأوّل.
وهما وإن بعد إلّا أنّهما أولى من الجمع
الذي ذكروه جدّا ، فإنّ فيه إيثارا للأخبار المرجوحة ، وطرحا للأخبار المشهورة ،
ولا كذلك الجمع الذي ذكرناه ، وهو مع ذلك أوفق للنصوص المستفيضة المانعة عن
النافلة في وقت الفريضة
، وأنسب بطريق الاحتياط اللازم المراعاة في نحو العبادات التوقيفية ، فلا معدل عما
ذكره الأصحاب ولا مندوحة ، سيّما مع احتمال الأخبار المرخّصة للتقية.
(ولو تلبس من صلاة الليل بأربع)
ركعات (زاحم بها)
صلاة (الصبح
__________________
ما لم يخش فوات الفرض)
عن وقت فضيلته ، بلا خلاف أجده ، وبه صرّح بعض الأجلّة ، بل وادعى عليه الشهرة جماعة .
للخبر المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب ـ كما
في المنتهى والذخيرة
ـ وفيه : « إذا كنت صلّيت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتمّ الصلاة
طلع أم لم يطلع » .
ونحوه الرضوي .
وعليه يحمل إطلاق ما مرّ وخبر آخر : قلت
له 7 : أقوم وأنا
أشكّ في الفجر ، فقال : « صلّ على شكك ، فإذا طلع الفجر فأوتر وصلّ الركعتين » الخبر.
وأمّا ما في آخر : قلت له : أقوم قبل
الفجر بقليل فأصلّي أربع ركعات ثمَّ أتخوّف أن ينفجر الفجر ، أبدأ بالوتر أو أتمّ
الركعات؟ فقال : « لا ، بل أوتر وأخّر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار » .
فمع قصور سنده بالضعف والإضمار ، غير
معلوم المنافاة لما سبق ، فإنّ مورده من صلّى أربعا وطلع الفجر ، ومورد هذا من
صلّاها وخشي طلوعه.
وإنما أمره بالإيتار حينئذ ليدرك الوتر
في الليل ، لتظافر الأخبار بفضل الإيتار في الليل ، منها : عن الرجل يقوم آخر
الليل وهو يخشى أن يفجأه الصبح
__________________
أيبدأ بالوتر ، أو
يصلي الصلاة
على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال : « بل يبدأ بالوتر » .
وفي الصحيح : « أما يرضى أحدكم أن يقوم
قبل الصبح ويوتر ويصلّي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل؟! » .
وبما ذكرنا من عدم المنافاة صرح من
المحققين جماعة
ولكن ظاهر الشيخ والفاضل في المنتهى وغيرهما فهم المنافاة ، ولذا حملوه على الفضيلة ، والرواية
السابقة على مطلق الجواز.
وقد ذكر جماعة هنا التخفيف أيضا . والكلام فيه كما في التخفيف في نافلة
الظهرين. وربما يعضد ثبوته هنا الخبر : قلت لأبي عبد الله 7 : إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح ،
قال : « اقرأ الحمد واعجل واعجل » .
وفيه دلالة أيضا على المنع عن نافلة
الليل بعد الفجر كما مر ، وإلّا لما أمر بالإعجال.
(و)
عليه فـ (لو تلبس
بما دون الأربع ثمَّ
طلع الفجر ، بدأ بالفريضة وقضى نافلة الليل)
اقتصارا في محل الرخصة على مورد الرواية المقبولة ، مع
__________________
أنها على المنع هنا
بالمفهوم المعتبر دالة.
هذا إذا لم يشرع في ركعتين ، وإلّا
يتمّهما إن قلنا به فيما مضى من نافلة المغرب
، فإنه بحسب الدليل لا فرق بينهما.
(السادسة :)
يجوز
أن (تصلّى الفرائض أداء
وقضاء ما لم يتضيّق وقت الحاضرة)
فتقدّم إجماعا في المقامين ، على الظاهر ، المصرح به في جملة من العبائر ، وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل
والعمومات السليمة عن المعارض ، وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات
الآتية مثل الكسوف والزلزلة.
(و)
كذا تصلى (النوافل)
مطلقا (ما لم يدخل
وقت الفريضة) فتقدّم عليها ،
إلّا إذا كانت راتبة لم يخرج وقتها المضروب لها ، وإلّا فتقدم عليها أيضا وجوبا.
وفاقا للمبسوط والمقنعة والنهاية
والاقتصاد والجمل والعقود والسرائر والوسيلة والإصباح والجامع ، وكتب الماتن ، ومحتمل المهذب فيما حكي ، والفاضل في القواعد والإرشاد ، وبالجملة المشهور ، على الظاهر ،
__________________
المصرح به في روض
الجنان وغيره
، بل أسنده الماتن في المعتبر إلى علمائنا
، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وهو الحجة.
مضافا إلى الصحاح المستفيضة ، وغيرها من
المعتبرة المستفيضة المتجاوزة حدّ الاستفاضة.
منها ـ زيادة على النصوص المتقدمة في
تحديد وقت نوافل الظهرين بالذراع والذراعين ، الآمرة بالبدأة بالفريضة بعد خروج
وقت النافلة
، والمتقدمة في آخر ركعتي الفجر
، وفي عدم جواز الإيتار بعد طلوع الفجر الثاني
ـ الصحيح : « إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى تبدأ بالمكتوبة » .
والصحيح المروي في كلام جماعة : « لا
تصلّي نافلة في وقت فريضة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان كان لك أن تتطوّع حتى
تقضيه؟ » قلت : لا ، قال : « فكذلك الصلاة » قال : فقايسني وما كان يقايسني .
ونحوه في المقايسة الصحيحة المتقدمة في
آخر ركعتي الفجر ، الناهية عن فعلهما بعده .
والصحيح المروي في مستطرفات السرائر : «
لا تصلّ من النافلة شيئا في
__________________
وقت فريضة فإنه لا
تقضى نافلة في وقت فريضة ، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بها » .
وفي الموثق : قيل لأبي جعفر 7 : مالي لا أراك تتطوع بين الأذان
والإقامة كما يصنع الناس ، فقال : « إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوعنا في غير
وقت الفريضة ، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع » .
إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في
المطلوب من جهة الأمر بالبدأة بالفريضة والنهي عن النافلة ، أو النفي لها الراجع
إليهما في إفادة التحريم ، والمفيد للبطلان على الأشهر الأقوى.
ويعضد وجوه الدلالة المقايسة والتنظير
في الصحيحين بصوم النافلة لمن عليه صوم فريضة الممنوع عنه منع تحريم اتفاقا ،
فيكون المنع هناك كذلك بحكم السياق كما لا يخفى.
ومنه يظهر عدم إمكان حمل نحوهما على
الكرهة ، كما زعمه الشهيدان وجماعة
، جامعين بها بين النصوص المتقدمة والنصوص الأخر المرخّصة لفعلها ، وهي مستفيضة ،
مستشهدين عليه بالصحيح أو الحسن : قلت له 7
: إذا دخل وقت الفريضة أتنفّل أو أبدأ بالفريضة؟ قال : « الفضل أن تبدأ بالفريضة ،
إنما أخرت الظهر ذراعا عند الزوال من أجل صلاة الأوّابين » .
وفيه ـ زيادة على ما عرفته من عدم قبول
نحو الصحيحين المانعين الحمل
__________________
على الفضيلة ـ أن
الجمع فرع المكافأة. وهي في المقام مفقودة ، لصحة كثير من الأخبار ، واستفاضتها
القريبة من التواتر ، واعتضادها بالشهرة العظيمة والتعليلات الواردة فيها ، منها ـ
زيادة على ما مر في الصحيحين ـ التعليل الوارد في تحديد نوافل الظهرين بالذراع
والذراعين بقولهم :
: « لمكان النافلة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع » إلى آخر ما
عرفت .
ومفهومه أنه بعد مضيّ الذراع ليس لك أن
تنفّل ، وهو كالنص في التحريم ، ومع ذلك مؤكّد فيما بعد بالأمر بفعل الفريضة وترك
النافلة
ولا كذلك أخبارهم ، فإنها ـ مع مخالفتها الشهرة بل الإجماع إذ لم نجد قائلا بها
عدا الشهيد ; ومن تبعه ،
وإلّا فلم يعرف قائل بها قبله من الطائفة ، ولعله لذا ادّعى الماتن عليه إجماع
الطائفة
ـ كثير منها
قاصرة الأسانيد ، غير صريحة الدلالة ، بل ولا ظاهرة ، كالصحيح منها أيضا : « إذا
دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاة فإن كانت الاولى فليجعل الفريضة في الركعتين
الأوليين ، وإن كانت العصر فليجعل الركعتين الأوليين نافلة والأخيرتين فريضة » .
وذلك فإن النافلة فيه إن أريد بها
الفريضة المعادة لم يرتبط بموضع المسألة. كما لا ربط به للصحيح : عن رجل دخل
المسجد وافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذّن مؤذّن وأقام الصلاة ، قال : «
فليصلّ ركعتين ثمَّ
__________________
ليستأنف الصلاة مع
الإمام ، ولتكن الركعتان تطوعا » .
لكون هذه النافلة مستثناة إجماعا ، كما
سيأتي في محله إن شاء الله تعالى.
وكذلك النصوص الدالة على خصوص بعض
النوافل في بعض أوقات الفرائض ـ كالغفيلة ـ لا ربط لها بالمقام ، لأنه ارتضاها
الأصحاب واستثنوها بالخصوص.
وإن أريد بها النافلة الحقيقية لدلّت
حينئذ على جواز الجماعة في النافلة ، وهو خلاف الإجماع ، كما ستعرفه في بحثها إن
شاء الله تعالى ، فتكون الرواية لذلك شاذة ، فتأمّل.
كالصحيح الآخر : عن الرواية التي يروون
أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : « إذا قام المقيم
وقد شرع في الإقامة » فقال له : الناس يختلفون في الإقامة ، قال : « المقيم الذي
تصلي معه » .
وذلك لعدم قائل بهذا التفصيل فيما أجده
، وإن احتمله بعضهم
في مقام الجمع بين الأخبار المختلفة ، لكن فتواه القول بإطلاق الكراهة.
وأما النصوص الدالّة على شرعيّة النوافل
مطلقا وقضاء الرواتب منها متى شاء
، فهي وإن كانت كثيرة قريبة من التواتر ، وفيها الصحاح وغيرها ، إلّا أنّ دلالتها
بالعموم ، وما قدمناه من الأدلة خاصة يجب تخصيصه بها ، كما هو
__________________
القاعدة المقررة
المسلمة.
فليت شعري كيف يمكن الاستناد بمثل هذه
الأخبار في ردّ تلك الأخبار الواضحة الدلالة والإسناد ، المعتضدة بعمل الأصحاب ،
المخالفة للعامة على ما يستفاد من الموثقة السابقة لقوله : « كما يصنع الناس » والمراد
بهم العامة كما لا يخفى على المتتبع لأخبار الأئمة :
، ثمَّ قوله 7 : إنا إذا
أردنا » إلى آخره ، حيث جعل 7
ذلك من خواصهم.
وربما يومئ إليه الصحيحان المتقدمان
المتضمنان لقياس الصلاة بالصيام
، فإنّ الظاهر أن المقصود منه إنما هو إثبات ما هم عليه على هؤلاء العبدة للأصنام
، جدلا معهم بمقتضى مذهبهم في العمل بالقياس.
وبذلك يقوى احتمال حمل الأخبار المتقدمة
ـ على تقدير تسليم دلالتها ـ على التقية.
وكذا يحمل عليها ماله على الجواز ظهور
دلالة أو صراحة ، ومنها : الحسنة المتقدمة المتضمنة لقوله 7 : « الفضل أن تبدأ بالفريضة » مع أنه تأمّل في دلالتها أيضا جماعة ، بناء على أن الفضل غير الأفضلية ،
وهو يحصل في الواجب أيضا ، فتأمّل جدا.
ومنها : الصحيحان : عن رجل فاتته صلاة
النهار متى يقضيها؟ قال : « متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء » .
__________________
والموثق : « إن فاتك شيء من تطوّع
النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس ، وبعد الظهر عند العصر ، وبعد المغرب ، وبعد
العتمة ، ومن آخر السحر »
، ونحوه المروي عن قرب الإسناد .
وإن أبيت عن الحمل على التقية لأجبنا عن
الأخبار السابقة بما عرفته ، وعن هذه :
أوّلا : بقصورها جملة من المقاومة
لأخبارنا المتقدمة من وجوه عديدة ، كما عرفته.
وثانيا : بقصور سند الأخيرين منها ـ وإن
كانا صريحين ـ مع عدم جابر لهما في مقابلة ما قدمناه ولا سيّما الصحيحين الصريحين.
وأمّا الصحيحان الأوّلان فليس نصّين في قضاء النوافل ، فيحتمل الفرائض خاصة. وترك
الاستفصال وإن اقتضى عمومهما لهما ، لكن العموم غايته الظهور ويصرف عنه بما قدمناه
من أدلّة المشهور فيخصّصان بها.
لكن على هذا ينافيان المشهور القائلين
بالمضايقة في أوقات الفرائض الفائتة ، ولزوم تقديمها على الحاضرة ، لدلالتهما على
هذا التقدير على جواز فعل الحاضرة قبل الفائتة ، ولم يقولوا به.
لكن فيما ذكرناه أوّلا من الأجوبة كفاية
إن وافقنا المشهور على القول بالمضايقة كما هو الأقرب ، وإلّا فلا يرد علينا
الإشكال المزبور بالمرة.
واعلم أن ظاهر العبارة ـ كغيرها من
عبائر الجماعة ـ عدم البأس بفعل النافلة لمن عليه فريضة ، مع أنّ الأشهر الأظهر
عدم الفرق وحرمتها عليه أيضا.
وسيأتي في بحث القضاء من الماتن وغيره
ممن ضاهى عبارته هنا عبارته ما
__________________
يعرب عن الموافقة ،
وقولهم أيضا بالحرمة ، ويمكن استنباطه من العبارة بتعميم وقت الفريضة فيها لوقتي
الحاضرة والفائتة ، وخالف فيه أيضا كل من قال هنا بالكراهة.
وبالجملة لم أعرف قائلا بالفرق بين
المسألتين فيما أجده ، وبه صرّح شيخنا في روض الجنان في هذه المسألة .
وتحقيق القول في المسألة الثانية يأتي
في بحث القضاء إن شاء الله سبحانه.
(السابعة :)
(يكره ابتداء النوافل)
في خمسة مواطن ، ثلاثة تعلق النهي فيها بالزمان ، وهي (عند طلوع الشمس)
حتى ترتفع وتذهب الحمرة ويستوي سلطانها بظهور أشعّتها ، فإنه في ابتداء طلوعها
ضعيف.
(و)
عند (غروبها)
أي ميلها إلى الغروب ، وهو اصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية.
(و)
عند (قيامها)
في وسط النهار ، ووصولها إلى دائرة (نصف النهار)
المعلوم بانتهاء نقصان الظل إلى أن تزول.
(و)
وقتان تعلق النهي فيهما بالفعل (بعد)
صلاتي (الصبح)
حتى تطلع الشمس (والعصر)
حتى تغرب.
كل ذلك على المشهور بين الأصحاب ـ بل
لعله عليه عامة متأخّريهم على الظاهر ـ المصرّح به في عبائر جماعة ، وعن الغنية الإجماع عليها ،
__________________
وهو الحجّة.
مضافا إلى المعتبرة المستفيضة ، ففي
الصحيح : « يصلّى على الجنازة في كل ساعة ، إنها ليست بصلاة ركوع ولا سجود ، وإنما
تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود ، لأنها
تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان » .
وفيه : « لا صلاة نصف النهار إلّا يوم
الجمعة » .
وفي الموثق : « لا صلاة بعد الفجر حتى
تطلع الشمس ، فإنّ رسول الله 9
قال : إنّ الشمس » وذكر العلة المتقدمة في الصحيحة المتقدمة ، وقال : « لا صلاة
بعد العصر حتى تصلّي المغرب »
ونحوه الموثق الآخر
لكن من دون ذكر التعليل.
وظاهرهما ـ كالعبارة ـ تعلق النهي
بالنوافل بعد زماني الفجر والعصر ، لا بعد صلاتيهما كما قلناه وفاقا للمشهور ، بل
قيل : إنّ الأصحاب قاطعون به
، مؤذنا بنقل الإجماع ، وهو ظاهر الشهيد ;
حيث حكى ظاهر الخبرين عن بعض العامة خاصة .
وفي الخبرين : « نهى رسول الله 9 عن الصلاة بعد
__________________
طلوع الشمس وعند
غروبها وعند استوائها »
وزيد في أحدهما التعليل بما مرّ
، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.
وظاهر أكثرها التحريم ، كما عليه
المرتضى في الثلاثة الأول ، مدّعيا على الأوّل منها الإجماع في صريح الانتصار
وظاهر الناصرية
، وزاد فيها الخامس
، وقال فيهما
بامتداد الكراهة في الأول إلى الزوال ، ويوافقه ظاهر العماني فيه كذلك ، وفي
الخامس
، وظاهر الإسكافي
في الثلاثة الأول كما في العبارة .
لكن كلامهما ليس نصا في التحريم ، وكذا كلام السيد ، لاحتمال نفي الجواز الذي لا
كراهة فيه ، كما يستعمل كثيرا في عبارات القدماء ، وإلّا فهو شاذ ، بل على خلافه
الإجماع في المختلف .
وهو مع الشهرة العظيمة التي كادت تكون
إجماعا أوجبا صرف النهي وما في معناه في النصوص إلى الكراهة. مضافا إلى التعبير
بها عن المنع في الصحيحة الاولى
، وب « لا ينبغي » في المروي عن العلل
، هذا.
وتوقف الصدوق ; في أصل الحكم ، قال في الفقيه ـ بعد
نقل
__________________
رواية النهي في
الثلاثة الأول ـ : إلّا أنه روى جماعة من مشايخنا ، عن الحسين ابن محمد بن جعفر
الأسدي 2 أنه ورد
عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ـ قدس الله روحه ـ : «
وأمّا ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس
: إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان ، فما أرغم أنف الشيطان
بشيء أفضل من الصلاة ، فصلّها وأرغم أنف الشيطان » .
وقال في الخصال ـ بعد أن روى عن عائشة
وغيرها نصوصا مستفيضة متضمنة لفعل النبي 9
ركعتين بعد العصر وركعتين بعد الفجر ، كما في جملة منها ، وقوله 9 : « من صلّى البردين دخل الجنة » يعني
بعد الغداة وبعد العصر ، كما في بعضها ، ما لفظه ـ : كان مرادي بإيراد هذه الأخبار
الردّ على المخالفين ، لأنّهم لا يرون بعد الغداة وبعد العصر صلاة ، فأحببت أن
أبيّن لهم أنهم قد خالفوا النبي 9
في قوله وفعله .
ونحوه المفيد ; في كتابه المسمى ب « افعل لا تفعل »
حيث شنع على العامة في روايتهم عن النبي 9
ذلك . ومال إليه
جماعة من محققي متأخّري المتأخّرين .
وهو غير بعيد ، سيّما مع إطلاق بعض
النصوص بفعل النوافل في الأخيرين ، ففي الخبر : « صلّ بعد العصر من النوافل ما شئت
، وبعد صلاة
__________________
الغداة ما شئت » .
ولكن
كان الأولى
عدم الخروج عمّا عليه الأصحاب من الكراهة ، نظرا إلى التسامح في أدلّتها ، كما هو
الأشهر الأقوى.
واعلم أنّ قوله (عدا)
قضاء (النوافل
المرتّبة ، وماله سبب) كصلاة الطواف ،
والإحرام ، والزيارة ، والحاجة ، والاستخارة ، والاستسقاء ، والتحيّة ، والشكر ،
ونحو ذلك ، استثناء متصل إن أريد بابتداء النوافل الشروع فيها ، وإلّا فمنقطع.
وكيف كان فهذا الاستثناء مشهور بين
الأصحاب ، بل عليه عامّة متأخّريهم ، وفي الناصرية الإجماع عليه ، وهو الحجّة المخصّصة لعموم النصوص
المانعة.
مضافا إلى عموم المستفيضة بقضاء النافلة
في أيّ وقت شاء ، بل ظاهر جملة منها ، المترجحة بذلك وبالشهرة على الأخبار المانعة
، ففي الصحيح : عن قضاء النوافل ، قال : « ما بين طلوع الشمس إلى غروبها » .
وفي المرسل كالصحيح : عن القضاء قبل
طلوع الشمس وبعد العصر ، فقال : « نعم ، فاقضه فإنه من سرّ آل محمد المخزون » . ونحوه الخبران .
__________________
وفي آخرين أحدهما الحسن : « اقض صلاة
الليل أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كل ذلك سواء » ونحوهما الصحيح .
وفي آخر : كتبت إليه في قضاء النافلة من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فكتب إلىّ : « لا
يجوز ذلك إلّا للمقتضي »
فتدبر.
وفي الخبر : في قضاء صلاة الليل والوتر
تفوت الرجل ، أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال : « لا بأس بذلك » .
وعموم أدلّة شرعية ذوات الأسباب عند
حصولها ، بل ظاهر جملة منها في ركعتي الإحرام ، وفيها الصحيح وغيره : « خمس صلوات
لا تترك على حال ، إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت
فصلّ إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة »
كما في الأوّل ، ونحوه الثاني بزيادة : « وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس ،
وبعد العصر إلى الليل » .
والتعارض بينه وبين عموم الأخبار
المانعة أو إطلاقها وإن كان تعارض
__________________
العموم من وجه يمكن
تخصيص كل منهما بالآخر ، إلّا أن الأصل والشهرة العظيمة وحكاية الإجماع المتقدمة
أوجب ترجيح هذا العموم وتخصيصه لعموم المنع ، سيّما مع وهنه بتخصيص قضاء النوافل
عنه كما مر.
وكذا الفرائض مطلقا كما هو المشهور ،
لفحوى ما دلّ على استثناء قضاء النوافل ، وللإجماع المحكي عليه في صريح الناصرية
والمنتهى والتحرير ، وظاهر التذكرة .
وللنصوص المستفيضة ، منها النصوص الآمرة
بقضاء الفرائض متى ذكرها
، كما سيأتي في بحثه إن شاء الله تعالى.
وأوامر المسارعة إلى المغفرة ، وإلى نقل الموتى إلى مضاجعهم ، واحتمال فوات الوقت إذا أخّرت نحو
صلاة الكسوف.
وخصوص نصوص صلاة طواف الفريصة ، وهي
كثيرة ، منها : عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال : «
وجبت عليه تلك الساعة الركعتان ، فليصلّهما قبل المغرب » .
ومنها : عن الرجل يطوف الطواف الواجب
بعد العصر ، أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ قال : « نعم ، أما بلغك قول رسول
الله 9 : يا بني
عبد المطلب لا تمنعوا الناس عن الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف » .
__________________
وخصوص الصحيحة المتقدمة في صلاة الجنازة
، ونحوها
اخرى : « لا بأس بصلاة الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع ، إنما هو استغفار » .
وقريب منهما بعض الأخبار : هل يمنعك شيء
من هذه الساعات عن الصلاة على الجنازة؟ قال : « لا » .
وخصوص ما ورد في صلاة الكسوف ، كالصحيح
: « وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها » .
وما ورد بكراهة قضاء الفرائض وصلاة الجنازة في بعض هذه الأوقات فلا تكافئ هذه النصوص من وجوه شتى ،
وإن تضمنت الصحاح وغيرها ، وينبغي حملها على التقية جدّا ، كما أنّه ينبغي أن يحمل
عليها مطلق الأخبار المانعة ، لما عرفته ، لكن الشهرة ربما أبعدته فيها ، أو أوجبت
هي الكراهة بنفسها ، وينبغي حينئذ أن ندور مدارها ، وحيث لا شهرة على الكراهة في
المستثنيات والفرائض ، بل الشهرة على خلافها ، نفيناها بالأصل السليم عن المعارض ،
بعد ما عرفت من حمل الأخبار المانعة على التقية.
ومن هنا ظهر ضعف قول الشيخين بعدم
استثناء ما استثنى في المتن في
__________________
الأوّلين ، وزاد في الخلاف الثالث .
واعلم أن الصحيحة الثانية من النصوص
الماضية في صدر المسألة تضمنت استثناء نوافل يوم الجمعة . وهو المشهور بين الأصحاب ، بل عليه
الإجماع في المنتهى والناصرية
، ولا خلاف فيه أيضا أجده إلّا من إطلاق العبارة ونحوها بكراهة ابتداء النوافل من
دون استثنائها ، وليس ذلك نصّا ، بل ولا ظاهرا في المخالفة ، سيّما مع إمكان
إدراجها في النوافل الراتبة المستثناة ، فإنّها منها ، لكونها النوافل النهارية
قدّمت على الجمعة ، وزيادة أربع ركعات فيها لا تخرجها عن كونها راتبة.
(الثامنة)
(الأفضل في كلّ صلاة تقديمها في أول وقتها)
لعموم أدلّة استحباب المسارعة إلى الطاعة ، وخروجا عن شبهة الخلاف فتوى ورواية في
الفرائض ، ما عدا
العشاء فيستحب تأخيرها إلى ذهاب الشفق
المغربي ، بل قيل بوجوبه كما مضى .
وللصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة
التي كادت تبلغ التواتر ، بل لعلها متواترة ، ففي الصحيح : « أول الوقت أفضل ،
فعجّل الخير ما استطعت »
وبمعناه كثير.
وفيه : « الصلوات المفروضات في أول
وقتها ـ إذا أقيم حدودها ـ أطيب
__________________
ريحا من قضيب الآس
حين يؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته ، فعليكم بالوقت الأوّل » .
(إلّا)
ما مرّ من تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما ، وتأخير المتيمم
التيمّم إلى آخر الوقت بقدر ما يصلي الفريضة ، إن قلنا بجواز تقديمه في أوّل وقتها
في الجملة أو مطلقا ، وإلّا فيجب التأخير ، وتأخير المربّية للصبي ذات الثوب
الواحد الظهرين إلى آخر الوقت لتغسل الثوب قبلهما ويحصل فيه أربع صلوات بغير نجاسة
، وتأخير صلاة الليل إلى الثلث الأخير وما يقرب من الفجر ، وتأخير ركعتيها إلى
الفجر الأوّل ، وتأخير فريضة الصبح لمن أدرك من صلاة الليل أربع ركعات إلى أن
يتمّها والوتر وصلاة الفجر ، وتأخير العشاء إلى الشفق ـ كما مر ـ بل إلى ثلث الليل
أو نصفه كما في النصوص المتقدمة جملة منها .. إلى غير ذلك من المواضع المستثناة.
ومنها (ما نستثنيه في مواضعه إن شاء الله تعالى)
ومن تأخير دافع الأخبثين إلى أن يخرجهما ، وتأخير الصائم المغرب إلى بعد الإفطار
لرفع منازعة النفس أو الانتظار ، وتأخير المفيض من عرفة العشاءين إلى جمع ، وتأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة
حتى يصلي نافلة الإحرام.
ومنها
: تأخير صاحب
العذر الراجي للزوال ليقع صلاته على الوجه الأكمل ، بل أوجبه السيد وجماعة . ولا يخلو عن قوة ، وإن اشتهر بين
المتأخرين خلافه.
ومنها : ما إذا كان التأخير مشتملا على
صفة كمال كاستيفاء الأفعال ، وتطويل الصلاة ، واجتماع البال ، ومزيد الإقبال ،
وإدراك فضيلة الجماعة ،
__________________
والسعي إلى مكان
شريف ، ونحو ذلك ، على المشهور. قيل : ويستفاد من النصوص ، ولم أقف عليها ، نعم
ربما دلّ بعضها على استحباب التأخير لانتظار الإمام ، وقد تقدم .
وفي الخبر الوارد في المغرب : « إذا كان
أرفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك ، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل » .
وغاية ما يستفاد منه جواز التأخير لا
استحبابه ، كما يفهم منهم.
نعم في الصحيح : أكون في جانب المصر
فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل ، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلّي في المنزل كان أمكن
لي ، وأدركني المساء ، فأصلّي في بعض المساجد؟ فقال : « صلّ في منزلك » .
ونحوه خبر آخر : « ائت منزلك وانزع
ثيابك » .
وربما كان فيهما دلالة على الاستحباب
الذي هو أقلّ مراتب الأمر الذي تضمناه. ولكن يمكن وروده لمطلق الرخصة باحتمال
وروده مورد توهم المنع ، كما يستفاد من السؤال فيهما ، إلّا أن الشهرة ربما ترجّح
إرادة الاستحباب.
وهنا مواضع أخر مستثناة في كلام الأصحاب
لا فائدة مهمة في ذكرها مع تأمّل في بعضها.
(التاسعة :)
لا يجوز صلاة الفريضة قبل وقتها إجماعا
، والنصوص به مع ذلك ـ مضافا إلى الأصول ـ مستفيضة جدّا ، وفيها الصحاح وغيرها .
__________________
وأما الصحيح : « إذا صلّيت في السفر
شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك »
فمحمول على خارج الوقت ، أو النافلة ، أو وقت الفضيلة ، ويحتمل التقية ، فقد حكي
عن الحسن والشعبي وابن عباس أنهم قالوا في مسافر صلّى قبل الزوال : يجزيه .
وحيث ثبت ذلك وجب تحصيل العلم بالوقت ،
ولا يجوز التعويل على الظن. وهو مع التمكن من العلم إجماعي ، كما صرّح به جماعة . ولا ينافيه إطلاق كلام الشيخين بكفاية المظنّة ، لعدم معلومية شموله
لنحو الصورة المفروضة ، بل الظاهر بحكم التبادر عدمه.
وبنحو
ذلك يجاب
عن النصوص المعتبرة للمظنة الحاصلة من أذان المؤذّنين وصياح الديكة ، وفيها الصحيح
وغيره .
مع
أنه قضية
الجمع بينها وبين النص المانع عن الاعتماد على الأذان ، بحمله على صورة التمكن من العلم
والسابقة على صورة عدم التمكن إلّا من المظنة ، وإن أمكن الجمع بحمل الأولة على
أذان الثقة والثاني على غيره ، لكون الجمع الأول أوفق بالأصول والشهرة ، بل
الإجماع ، كما حكاه الفحول.
ويجوز التعويل مع عدمه على الأمارات
المفيدة للظن على المشهور ، بل في التنقيح دعوى الاتّفاق عليه ، لما مر من الروايات ، مضافا إلى
__________________
خصوص ما سيأتي من
الخبر.
خلافا للإسكافي وغيره ، فيصبر حتى يتيقن. وهو الأوفق بالأصول
، لو لا ما مرّ من النصوص المعتضدة بالشهرة ، والإجماع المنقول ، والنصوص
المستفيضة ، وفيها الصحيح وغيره : بجواز الإفطار عند ظن الغروب ، ولا قائل بالفرق بينه وبين جواز
الصلاة بعده ، فهي أيضا أدلّة مستقلة ، كالموثقة : إني ربما صلّيت الظهر في يوم
الغيم فانجلت ، فوجدتني صليت حين زوال النهار ، قال ، فقال : « لا تعد ولا تعد » .
وعلى المختار فـ (إذا صلّى ظانّا دخول
الوقت ، ثمَّ تبيّن الوهم ، أعاد)
الصلاة إجماعا ، فتوى ونصّا (إلّا
أن يدخل الوقت) وهو متلبّس بشيء منها
ولو كان تشهّدا أو تسليما (ولما
يتم) فيتمّها ، ولا قضاء على الأشهر
الأظهر.
للخبر
:
« إذا صلّيت وأنت ترى أنك في وقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك » .
وقوله : « وأنت ترى » ظاهر في الظن.
وقصور السند أو ضعفه منجبر بالشهرة الظاهرة ، والمحكية في عبائر جماعة حدّ
الاستفاضة
، ومؤيّد بالاعتبار ، فإنه امتثل بناء على أنه مأمور باتباع ظنه فتجزي ، خرج ما
إذا وقعت الصلاة كلها خارج الوقت بالإجماع والنص ، فيبقى الباقي.
__________________
(وفيه قول آخر)
للمرتضى وجماعة
، فأوجبوا الإعادة.
لوجوب تحصيل يقين الخروج عن العهدة
وإنما يحصل إذا وقعت بتمامها في الوقت.
ولعدم الامتثال للأمر بإيقاعها في
الوقت.
وللنهي عنها قبله فتفسد.
وللزوم تبعية الوقت للأفعال ، فإنها قد
تكون إذا اختصرت وقعت كلّها قبل الوقت فيخرج الوقت عن كونه مضروبا لها.
ولعموم الموثّق : « من صلّى في غير وقت
فلا صلاة له » .
مع ضعف الخبر المتقدم بجهالة الراوي.
وفيه : أنه منجبر بما مرّ.
وأما باقي الوجوه ، فمع أنها اجتهادات
في مقابلة النص مضعّفة.
فالثلاثة الأول : بمنعها أجمع إن أريد
بالوقت فيها الوقت النفس الأمري ، كيف لا والمفروض كفاية الظن ، ولزوم الإعادة
ينفيه أصالة البراءة. وإن أريد به ما هو وقت في ظن المكلف ، فقد خرج عن العهدة ،
وامتثل بإيقاعها في الوقت ، ولم يوقعها قبله حتى يتعلق بها النهي فتفسد.
وبنحوه يجاب عن الرابع ، وزيادة هي
المنع عنه بشهادة الصحة إذا أدرك في الآخر ركعة. ودعوى خروجها بالأدلّة معكوسة ،
لخروج ما نحن فيه أيضا بما مرّ من الأصول والرواية المعتبرة ، ولا يعارضها الموثقة
، مع أنها عامة لصورتي وقوع تمام الصلاة قبل الوقت أو بعضها ، والمعتبرة خاصة
بالأخيرة ، فليخصّص بها الموثقة ، أو يحمل الوقت فيها على الوقت الظاهري الذي يظنه
المكلف ،
__________________
وعليه فلا صلاة قبل
الوقت.
وبالجملة : خيرة الأكثر أظهر ، وإن كان
القول الثاني أحوط.
ويستفاد من العبارة بطلان الصلاة لو
فعلت قبل الوقت في غير صورة الظن مطلقا
، وبه صرح في الشرائع .
وهو موضع وفاق لو لم تصادف الصلاة شيئا
من الوقت ، ونفى عنه الخلاف المحقق الثاني وغيره .
ويشكل فيما لو صادفت شيئا منه ، أو وقعت
فيه بتمامها. والمشهور البطلان في الأول أيضا مطلقا ، وعن التذكرة الإجماع عليه
فيه كذلك
، لعدم صدق الامتثال المقتضي لبقاء المكلف تحت العهدة ، سيّما مع العمد ، لوقوع
النهي فيه عن الشروع في العبادة فتفسد.
خلافا للمحكي عن النهاية والمهذب
والكافي والبيان
فتصح ، لكن الأخيرين قالا بها في الناسي ، وزاد أوّلهما الجاهل أيضا.
لرفع النسيان. وفيه : أن معناه رفع
الإثم.
ولتنزيل إدراك الوقت في البعض منزلته في
الكل. وهو ممنوع على إطلاقه.
وللخبر المتقدم في الظان . وهو ـ مع ضعف سنده وعدم جابر له في
المقام ـ مخصوص بالظان ، فإنّ « ترى » بمعنى : « تظن » كما عرفت ، والقياس
__________________
حرام.
وللدروس وغيره ، فقالوا بالصحة فيما لو صادفت الوقت
بتمامها ناسيا أو جاهلا.
وهو قويّ في الناسي مطلقا ، سواء فسّر
بناسي مراعاة الوقت ، كما هو المتبادر منه ، أو من جرت منه الصلاة حال عدم خطور
الوقت بالبال ، كما أطلقه عليه في الذكرى
، لوقوع الصلاة في الوقت ، غاية ما في الباب انتفاء علم المكلف به ، وهو غير قادح
، لعدم دليل على الشرطية ، مع أن الأصل ينفيه.
ويشكل في الجاهل بأيّ معنى فسّر ، بجاهل
الحكم أو جاهل دخول الوقت ، لأنه بالمعنى الثاني بحكم الشاك ، بل هو عينه ، فيتعلق
به النهي عن الدخول الوارد في النصوص بالعموم ، كما مر من الموثق ، ونحوه آخر : « إيّاك أن تصلي قبل أن
تزول ، فإنك تصلّي في وقت العصر خير لك من أن تصلّي قبل أن تزول » .
وبالخصوص ، كالحسن المروي عن مستطرفات
السرائر : « إذا كنت شاكّا في الزوال فصلّ ركعتين ، فإذا استيقنت أنها زالت بدأت
بالفريضة » .
وبالمعنى الأوّل في حكم العامد ، لم
يتأتّ منه قصد التقرب ، كما تقرّر في محله.
__________________
(الثالثة : في القبلة)
(وهي)
في اللغة ـ على ما قيل
ـ حالة المستقبل ، أو الاستقبال على هيئة.
وفي الاصطلاح ما يستقبل.
واختلف الأصحاب في تعيينه بعد اتفاقهم
على أنه (الكعبة)
في الجملة فأكثر المتأخّرين
على أنها القبلة مطلقا (مع
الإمكان) من مشاهدتها ، كمن كان في مكة متمكنا
منها ولو بمشقة يمكن تحمّلها عادة.
وإلّا
يتمكن
ـ بالبعد عنها ، أو تعذّر مشاهدتها لمرض أو حبس أو نحوهما فجهتها وإن بعد.
وفاقا منهم للمحكي عن كثير من القدماء ،
كالمرتضى ، والحلبي ، والحلي ، والإسكافي .
ولعله الأقوى ، استنادا في الشق الأوّل
إلى الإجماع المحكي عن المعتبر والتذكرة .
والنصوص المستفيضة ، بل المتواترة ،
المتضمنة للصحيح والموثق وغيرهما
على أنها القبلة.
__________________
والاحتياط ، للإجماع على صحة الصلاة
إليها ، والخلاف في الصلاة إلى المسجد والحرم ، مع اختلاف المسجد صغرا وكبرا في
الأزمان ، وعدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية بيقين.
وخصوص
المروي
في الاحتجاج عن مولانا العسكري 7
في احتجاج النبي 9
على المشركين ، قال : « إنّا عباد الله تعالى .. إلى أن قال : فلما أمرنا أن نعبده
بالتوجه إلى الكعبة أطعنا ، ثمَّ أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان
التي تكون بها » .
نقله في الوسائل ، وهو نص في المدّعى
كملا حتى في الشق الثاني.
والحجة فيه بعده أيضا : النصوص المتقدمة
بأنّ القبلة هي الكعبة ، بناء على أنّ تعذّر عينها للبعيد يوجب إرادة الجهة.
مضافا إلى ظهور جملة منها في كونها
مرادة ، وهي ما دلّ على أنه 9
حوّل إليها ، وهي أيضا مستفيضة ، متضمنّة للصحيح وغيره .
مضافا إلى الصحيحين وغيرهما : « ما بين
المشرق والمغرب قبلة » .
وهو وإن اختصّ بالمضطرّ ، إلّا أنه صريح
في تعيّن الجهة ولو في الجملة ، كما صرّح به الشهيد ;
. ويندفع به
القول بتعيّن العين للقبلة المشار إليه بقوله (وقيل :)
والقائل الشيخ في أكثر كتبه
، والقاضي وابن حمزة والديلمي
، بل ذكر الشهيدان انه أكثر الأصحاب
، وزاد أوّلهما
__________________
وغيره فادعيا أنه هو المشهور (هي)
أي الكعبة (قبلة لأهل
المسجد ، والمسجد قبلة من صلّى في الحرم ، والحرم قبلة أهل الدنيا).
لنصوص ضعيفة لا تصلح من أصلها للحجيّة ، فضلا عن أن
تقاوم ما قدّمناه من الأدلّة.
والشهرة المحكية على تقدير تسليمها
معارضة بالشهرة المتأخّرة المحققة ، والمحكيّة أيضا في كلام جماعة ، فلا تصلح للضعف جابرة.
وظاهر النصوص كالعبارة ، والمحكي عن
الخلاف والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم والنهاية : جواز صلاة من خرج من المسجد إليه
منحرفا عن الكعبة وإن شاهدها أو تمكن من المشاهدة ، ومن خرج من الحرم إليه منحرفا
عن الكعبة والمسجد.
ولكن عن المبسوط والجمل والعقود والمهذب
والوسيلة والإصباح
أنهم اشترطوا في استقبال المسجد أن لا يشاهد الكعبة ولا يكون بحكمه ، وفي استقبال
الحرم أن لا يشاهد المسجد ولا يكون بحكمه.
وهو صريح في الموافقة للمختار في الشق
الأوّل. ويمكن تنزيل إطلاق ما مرّ من العبائر عليه ، فيرتفع فيه الخلاف ، كما صرّح
به بعض الأصحاب وحكاه عن ابن زهرة
، ولعلّه لذا صرّح الماتن بالإجماع في المعتبر
،
__________________
كالفاضل المقداد في
كنز العرفان .
وربما يفهم أيضا من شيخنا الشهيد في
الذكرى وجملة ممن تبعه
، حيث فهموا من كلام القائلين بهذا القول تعيّن استقبال عين المسجد والحرم لمن كان
خارجهما وعدم اعتبار جهتهما ، وحملوا كلامهم والروايات على الجهة ، وأن ذلك ذكر
على سبيل التقريب إلى الأفهام إظهارا لسعة الجهة ، وزعموا بذلك الجمع بين القولين
، ولو لا اتفاقهما على تعيّن الكعبة للمشاهد ومن بحكمه لما ارتفع بمجرد ذلك الخلاف
بينهما ، فإن ثمرة الاختلاف بينهما تظهر في شيئين :
أحدهما : تعيّن الكعبة للمشاهد ومن
بحكمه ولو كانا خارج المسجد مثلا ، كما هو مقتضى القول الأوّل ، وعدمه وجواز
استقبال جزء من المسجد والحرم ولو منحرفا عنها ، كما هو مقتضى القول الثاني.
وثانيهما : تعيّن استقبال عين المسجد أو
الحرم للنائي دون الجهة ، كما هو مقتضى القول الثاني ، وكفاية الجهة دون عينهما ،
كما هو مقتضى القول الأوّل.
وحيث إنّ الشهيد ومن بعده لم يتعرضوا
إلّا للثمرة الأخيرة وجمعوا بين القولين بما مر ، ظهر منهم انحصار ثمرة الخلاف
فيها خاصة ، دون السابقة ، وليس ذلك إلّا لتعيّن الكعبة للمشاهد ومن بحكمه كما
عرفته.
واعلم إن الجمع الذي ذكروه حسن ، إلّا
أنه ربما يأبى عنه عبارة الخلاف المحكية ، حيث استدل على مختاره ـ بعد النصوص
المتقدمة وما ادّعاه من إجماع الإمامية ـ بأنّ المحذور في استقبال عين الكعبة لازم
لمن أوجب استقبال
__________________
جهتها ، فإن لكل
مصلّ جهة ، والكعبة لا تكون في الجهات كلها. ولا كذلك التوجّه إلى الحرم ، لأنه
طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجّها إلى جزء منه .
وهو كما ترى صريح في نفي الجهة وتعيّن
استقبال عين الحرم خاصة ، فلا يقبل الجمع المتقدم إليه الإشارة.
(و)
لكن (فيه ضعف)
لا يخفى وجهه ، لاتّفاق الفريقين ـ كما ذكره جماعة ـ على أن فرض النائي هو التعويل على
الأمارات المتفق عليها بينهم لأهل كلّ إقليم ، وعليه فلا ثمرة لهذا الاختلاف ،
إلّا بالنسبة إلى الثمرة الاولى ، وقد عرفت ارتفاع الخلاف فيها أيضا.
ولو
سلّم وجوده
لمنع كل ما في الخلاف من الدليل :
فالنصوص بما مرّ.
والإجماع المحكي بالمعارضة بما يحكى من
ابني زهرة وشهرآشوب
من نفي الخلاف عن وجوب استقبال جهة المسجد لمن نأى عنه ، كما هو ظاهر الآية. ولو
سلّم فغايته أنه خبر صحيح لا يعارض ما قدّمناه من الأدلّة.
وأما الاعتبار فبما ذكره جماعة : من أنا
نعني بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنيّة ، وذلك متّسع يمكن أن يوازي جهة كلّ
مصلّ ، على أن الإلزام في الكعبة لازم في الحرم وإن كان طويلاً.
واعلم أن للأصحاب اختلافا كثيرا في
تعريف الجهة ، لكنه قليل الفائدة
__________________
بعد اتفاق الكلّ على
أن فرض النائي رعاية العلامات المقررة ، والتوجّه إلى السمت الذي عيّنته رعاية تلك
العلامة ، فالأولى إناطة تعريفها بذلك ، كما ذكره بعض الأجلّة .
(ولو صلّى في وسطها)
حيث جازت له الصلاة فيه (استقبل
أيّ جدرانها شاء) مخيّرا بينها ،
وإن كان الأفضل استقبال الركن الذي فيه الحجر ، على ما ذكره الصدوق . بلا خلاف في أصل الحكم على الظاهر ،
المصرح به في بعض العبائر
، بل في المنتهى أنه قول كل أهل العلم .
وهو
الحجّة ، لا ما
ذكروه من حصول استقبال القبلة بناء على أنها ليست مجموع البنيّة ، بل نفس العرصة
وكل جزء من أجزائها ، إذ لا يمكن محاذاة المصلّي بإزائها منه إلّا قدر بدنه
والباقي خارج عن مقابلته ، وهذا المعنى يتحقق مع الصلاة فيها كما يتحقق مع الصلاة
في خارجها.
لقوة احتمال تطرّق الوهن إليه بأن
الثابت من الأدلّة كون جملة البنيّة قبلة ، وأمّا كون أيّ بعض منها قبلة فلم يثبت
، لاختصاص ما دلّ على أن الكعبة قبلة ـ بحكم التبادر ـ بكون القبلة جملتها ،
والمراد بها القطر والقدر الذي يحاذي المصلي من قطر الكعبة ومجموعها ، والمصلّي
داخلها لم يحصل له هذا ، فتأمّل .
__________________
ولهذا منع الشيخ في الخلاف والقاضي
وغيرهما
من صلاة الفريضة جوفها ، ويعضده الصحيحان الناهيان عنه ، وغيرهما .
والموثق المرخّص لفعلها فيها ـ مع قصوره عن المقاومة لهما سندا ـ موافق
للعامة ، فقد نسبه في المنتهى إلى جماعة منهم ، ومنهم أبو حنيفة .
نعم هو مشهور بين المتأخّرين ، بل عليه
عامّتهم
، وفي السرائر الإجماع عليه .
وبه ـ مضافا إلى الموثقة المعتضدة
بالشهرة ـ يصرف النهي في الصحيحين وغيرهما إلى الكراهة ، سيّما مع تبديل النهي في
أحدهما في بعض الطرق ب « لا تصلح »
، المشعر بالكراهة ، بل جعله الشيخ صريحا ، مع أنه
__________________
رواه بطريق آخر «
تصلح »
بدون لا ، وهو صريح في الجواز.
وهنا روايتان لم أجد عاملا بهما ، مع
ضعف إحداهما بالجهالة ، والأخرى بالإرسال ، ففي الأولى : عن الرجل إذا حضرته صلاة
الفريضة وهو في الكعبة ولم يمكنه الخروج منها : « استلقى على قفاه ويصلّي إيماء » الحديث.
وفي الثانية : « يصلّي إلى أربع جوانبها
إذا اضطر إلى ذلك » .
قال في الذكرى بعد نقل هذه : هذا إشارة
إلى أن القبلة إنما هي جميع الكعبة ، فإذا صلّى في الأربع فكأنه استقبل جميع
الكعبة .
وهو حسن.
وفيها بل وفي الأولى أيضا ـ كالرواية
الآتية
ـ تأييد لما قدّمناه من أن القبلة هي مجموع قطر الكعبة يجب استقباله ولو بعضا حيث
كان خارجها. لكن ضعف سندهما ومعارضتهما بعضا مع بعض يمنع عن العمل بهما ، وإن
تؤيدا بالصحيحين الناهيين ، لما عرفت من مرجوحيتهما بالإضافة إلى الموثقة المعتضدة
بالشهرة ، وحكاية الإجماع المتقدمة ، لكنّها معارضة بنقل الشيخ في الخلاف الإجماع
على المنع .
والشهرة المرجّحة معارضة باحتمال التقية
، الموجب للمرجوحيّة.
والموثقة لا تعارض الصحيحين من وجوه
عديدة ، وإن كانت صريحة.
__________________
والاحتياط اللازم المراعاة في العبادة
التوقيفية يقتضي المنع عن فعل الفريضة جوف الكعبة إلّا مع الضرورة المسوّغة له.
ولكن الأقرب الجواز مع الكراهة بلا شبهة.
(ولو صلّى على سطحها)
صلّى قائما و (أبرز بين
يديه شيئا منها ولو قليلا)
ليكون توجّهه إليه ، ويراعي ذلك في جميع أحواله حتى الركوع والسجود ، فلو خرج بعض
بدنه عنها أو ساواها في بعض الحالات كما لو حاذى رأسه نهايتها حال السجود بطلت
صلاته.
هذا
هو المشهور
بين المتأخّرين ، بل عليه عامّتهم ، على الظاهر ، المصرّح به في التنقيح وغيره ، وفاقا منهم للحلي والمبسوط ، ولكن عبارته قاصرة عن إفادة الوجوب ،
لتعبيره عن الأمر بالصلاة قائما بجوازها الذي هو أعم منه ، وإن أرجعه الماتن إليه
، قال : لأن جواز الصلاة قائما يستلزم الوجوب ، لأن القيام شرط مع الإمكان .
وهو حسن لو كان بناء الشيخ على ما ذكروه
من حصول الاستقبال باستقبال المبرز من الكعبة وأمّا على ما قدّمناه ـ وهو خيرته في
المسألة السابقة ـ من أنّ القبلة إنّما هي مجموع قطر الكعبة ولو بعضا ممّا يحاذيه
المصلّي فلا يستلزم الجواز الوجوب ، لاحتمال كون المراد منه مطلق الرخصة. ووجهه
دوران الأمر بين فوات الاستقبال لو صلّى قائما ، أو القيام ونحوه من الواجبات
__________________
لو صلّى مستلقيا
موميا ، وحيث لا ترجيح فلم يبق إلّا التخيير ، كذا قيل .
وفيه نظر ، لفوات الاستقبال المأمور به
في الكتاب والسنة على التقديرين. ومع ذلك فترجيح الصلاة قائما أظهر ، لعدم فوات شيء
من الواجبات معه عدا الاستقبال. ولا كذلك الصلاة مستلقيا ، لفوات القيام والركوع
والسجود ورفع الرأس منهما معها ، فيكون الأول بالترجيح أولى.
ومن هنا ظهر مستند الأكثر في تعيين
الصلاة قائما ، وهو الأقوى.
ويتعيّن الإبراز ، أمّا على ما اختاروه
في القبلة وأنه ما حاذى المصلّي من أبعاضها مطلقا فظاهر.
وأمّا على ما ذكرناه ، فللاحتياط اللازم
المراعاة ، مضافا إلى الإجماع من كل من جوّز الصلاة قائما.
والفرق بين المختار وما اختاروه إنّما
هو أصل جواز الصلاة عليها اختيارا ، فيأتي على مختارهم ولا على المختار إلّا مع
الاضطرار. وحكي التصريح بعدم الجواز هنا إلا مع الاضطرار عن المهذّب والجامع .
(وقيل)
والقائل الشيخ في النهاية والخلاف
، مدّعيا فيه الإجماع ، والقاضي وغيرهما
: إنه لو صلّى فوقها وجب عليه أن (يستلقي ويصلّي موميا إلى البيت المعمور)
للخبر .
وفيه ضعف سندا ومقاومة ، كالإجماع ،
للأدلة الدالّة على لزوم الأفعال
__________________
الواجبة من القيام
والركوع وغيرهما ، المعتضدة من أصلها بالإجماع ، وفي خصوص المسألة بالشهرة العظيمة
المتأخّرة التي كادت تكون إجماعا ، بل لعلّها إجماع في الحقيقة ، كما صرّح به في
روض الجنان .
(و)
اعلم أنه ذكر جماعة من الأصحاب
أنه يجب أن يكون (توجه
أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم ، فأهل المشرق)
ـ وهم أهل العراق ومن والاهم وكان في جهتهم إلى أقصى المشرق وجنبيه مما بينه وبين
الشمال والجنوب ـ إلى الركن الذي يليهم ، وهو الركن العراقي الذي فيه الحجر الأسود
، وأهل المغرب إلى الغربي ، وأهل الشام إلى الشامي ، وأهل اليمن إلى اليمني.
وهذا
لا يلائم
شيئا من القولين المتقدمين في قبلة النائي : أنها جهة الكعبة أو الحرم ، فإنهما
أوسع من ذلك ، فلا يتم الحكم بوجوب التوجّه إلى سمت الركن نفسه ، إلّا أن يراد
بسمت الركن سمت الكعبة. ولا بأس به ، إلّا أنه لا فائدة لذكره هنا بعد معلوميته
سابقا ، لكنّهم أعرف بما قالوه.
ومع ذلك فالتعبير بسمت الركن أولى من
التعبير بالركن ، كما اتفق في القواعد
، لإيهامه وجوب التوجّه إلى عينه لا سمته.
ولذا قال المحقق الثاني : والمراد بالإقليم
هنا الجهة والناحية ، ويتوجّه أهل كلّ إقليم إلى ركنهم توجّههم إلى جهة الركن الذي
يليهم ، لأنّ البعيد لما كان قبلته الجهة ـ وكونها أوسع من الكعبة بمراتب أمر
معلوم ـ فلا بد أن يراد بتوجّههم إلى الركن توجّههم إلى جهته. أو يراد أن حق
توجّههم الصحيح في
__________________
الواقع الذي ليس فيه
ميل أصلا ولا انحراف : أن يكون إلى الركن الذي يليهم ، وإن اكتفى منهم بالتوجه إلى
الجهة ، لأن البعد يمنع عن العلم بذلك.
انتهى .
وهو
حسن
، إلّا أنّ قوله في التوجيه الأخير : حق توجّههم الصحيح ..
غير مفهوم للعبد ، لأنّ التوجّه الصحيح
بالنسبة إلى القريب إنّما هو إلى نفس الكعبة وأيّ قطر منها يحاذي المصلّي ولو كان
ركنا مخالفا لركنه ، كما إذا توجّه إلى الركن اليمني وهو عراقي مثلا ، فإنه صحيح ،
وبالنسبة إلى البعيد جهتها ، وهي أوسع من الركن ، كما مضى ، فحصره التوجّه الصحيح
فيما ذكره غير مستقيم على التقديرين ، ولا أعرف وجهه ، وهو أعرف بما حرّره.
وكيف كان فقد ذكر الأصحاب لأهل الأركان
علامات :
فلأهل الشام جعل الجدي خلف الكتف اليسرى ، وسهيل عند طلوعه
بين العينين ، وعند غروبه على العين اليمنى ، وبنات النعش عند غيبوبتها خلف الاذن
اليمنى.
ولأهل اليمن جعل الجدي بين العينين ،
وسهيل عند غيبوبته بين الكتفين.
ولأهل المغرب جعل الجدي على الخدّ
الأيسر ، والثريّا والعيّوق على اليمين واليسار.
ولأهل السند والهند جعل الجدي إلى الاذن
اليمنى ، وسهيل عند طلوعه خلف الاذن اليسرى ، وبنات النعش عند طلوعها على الخدّ
الأيمن ، والثريّا عند غيبوبتها على العين اليسرى.
__________________
ولأهل البصرة وفارس جعل الجدي على الخدّ
الأيمن ، والشولة إذا نزلت للمغيب بين العينين ، والنسر الطائر عند طلوعه بين الكتفين.
ولأهل المشرق ما أشار إليه بقوله (يجعلون المشرق إلى
المنكب) وهو مجمع العضد والكتف (الأيسر ، والمغرب إلى
الأيمن) هذه علامة (و)
اخرى أن يجعلوا (الجدي)
وهو نجم مضيء في جملة أنجم بصورة سمكة يقرب من القطب الشمالي ، الجدي رأسها
والفرقدان ذنبها (خلف
المنكب الأيمن ، و) ثالثة أن يجعلوا (الشمس عند الزوال
محاذية لطرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف)
ورابعة ذكرها بعضهم
، وهي : جعل القمر ليلة السابع من كل شهر عند غروب الشمس بين العينين ، وكذا ليلة
إحدى وعشرين عند طلوع الفجر.
ومستندهم في هذه العلامات قوانين الهيئة
، فإنّها مفيدة للظن الغالب بالعين ، والقطع بالجهة ، كما ذكره جماعة . وإلّا فلم يرد بشيء منها نص ولا
رواية ، عدا العلامة الثانية لأهل العراق ، فقد ورد بها نصوص ، منها الموثق : « عن
القبلة ، فقال : ضع الجدي في قفاك وصلّ » .
ومنها المرسل : أكون في السفر ولا أهتدي
إلى الكعبة بالليل ، فقال : « أتعرف الكوكب الذي يقال لها جدي؟ » قلت : نعم ، قال
: « اجعله علي يمينك ، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك » .
ومنها المروي عن تفسير العياشي في تفسير
(وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)
__________________
قال : « هو الجدي ،
لأنه نجم لا يزول ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البرّ والبحر » .
ونحوه آخر مروي فيه أيضا في تفسيره .
وهي وإن كانت مطلقة ليس فيها التقييد
بأهل العراق لكنّها خصّت بهم بقرينة الرواة ، لكونهم منهم ، لكنها مع ذلك لا تخلو
من إجماع ، سيّما الروايات الأخيرة ، مع ضعف أسانيدها جملة بالإرسال ، والضعف
بالسكوني في المشهور بين الطائفة .
فإذا العمدة هو استعمال قوانين الهيئة.
وعليه لا يستقيم جعل الأمور الأخيرة علامات لأهل العراق على الإطلاق ، كما نبّه
عليه جماعة من المحققين
، فقيّدوا المشرق والمغرب بالاعتداليين ، حاكين له عن الأكثر ، وجملة منهم قيّدوا الجدي بحالة غاية ارتفاعه ، بأن
يكون إلى جهة السماء والفرقدان إلى جهة الأرض ، أو غاية انخفاضه عكس الأوّل.
ومع
ذلك فقالوا :
إن بين العلامات الثلاث الأول اختلافا واضحا ، فإن العلامة الأولى ـ سواء قيد
المشرق والمغرب بالاعتداليين ، أو كان المقصود أن
__________________
يجعل مشرق يوم على
اليسار ومغرب ذلك اليوم على اليمين ـ تقتضي محاذاة نقطة الجنوب ، وكذا العلامة
الثالثة ، وأمّا الثانية فتقتضي انحرافا بيّنا عنها نحو المغرب ، وهو الموافق
لمعظم بلاد العراق.
والأولى حمل العلامة الاولى والثالثة
على أطراف العراق الغربيّة ، كالموصل ، وبلاد الجزيرة ، فإن قبلتهما تناسب نقطة
الجنوب. والعلامة الثانية على أوساط العراق ، كبغداد والكوفة والحلة والمشاهد
المقدّسة ، فإنه تنحرف قبلتها عن نقطة الجنوب نحو المغرب. وأما أطرافها الشرقية ـ كالبصرة
ـ فهي أشدّ انحرافا ، ويقرب منها تبريز وأردبيل وقزوين وهمدان وما والاها من بلاد
خراسان. ونزّلوا إطلاق عبائر الأصحاب على ما ذكروه.
وفيه بعد ، ولذا جعل ذلك سبيلا إلى
سهولة الأمر في القبلة واتساع الدائرة فيها ، وأنه لا ضرورة إلى ما ذكروه أرباب
الهيئة.
مضافا إلى خلوّ النصوص عن بيان العلامات
بالكلية ، إلّا ما مرّ إليه الإشارة ، وقد عرفت أيضا إجماله.
ومع ذلك فقد ورد في الصحيح وغيره : « ما
بين المشرق والمغرب قبلة » .
قيل : ويؤيّد ذلك بأوضح تأييد ما عليه
قبور الأئمة : في العراق
من الاختلاف ، مع قرب المسافة بينها على وجه يقطع بعدم انحراف القبلة فيه ، مع
استمرار الأعصار والأدوار من العلماء الأبرار على الصلاة عندها ، ودفن الأموات ،
ونحو ذلك ، وهو أظهر ظاهر في التوسعة كما لا يخفى .
وفيه نظر ، يظهر وجهه بالتدبّر فيما
ذكره شيخنا في روض الجنان ، فقال
__________________
في جملة كلام له :
وأما توهّم اغتفار التفاوت الحاصل بينها ـ أي بين العلامات الثلاث ـ وعدم تأثيره
في الجهة ففاسد ، لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار تعيين الكعبة [ أو ] ظنها أو احتمالها ، وهذا القدر من
التفاوت لا يبقى معه شيء منها. فإنّ من كان بالموصل مثلا وكان عارفا مجتهدا في
القبلة يقطع بكونه ـ إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب
والمغرب الاعتداليين ـ خارجا عن سمت الكعبة. وكذا من كان بأطراف العراق الشرقية ـ كالبصرة
ـ إذا استقبل خط الجنوب. وهذا أمر لا يخفى على من تدبّر قواعد القبلة وما يتوقف
عليه من المقدمات. ومن طريق النص إذا كان جعل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة
في الكوفة التي هي بلد الراوي ونحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين؟!
لبعد ما بينهما بالنسبة إلى بعد المسافة ، فإنّ الانحراف اليسير عن الشيء مع
البعد عنه يقتضي انحرافا فاحشا بينه وبين محاذاته ، فإنّا إذا أخرجنا خطين من نقطة
واحدة لم يزالا يزدادان بعدا كلّما ازدادا امتدادا ، كما لا يخفى. وأيضا : فلو كان
جعله بين الكتفين محصّلا للجهة كان الأمر بجعله على اليمنى لغوا خاليا عن الحكمة .
وإنما
ذكرناه
بطوله لحسن مفاده وجودة محصوله.
(و)
لذا منع هو وكثير من الأصحاب ـ كالمحقق الثاني وجملة ممّن تأخّر عنهما ـ عما (قيل :)
من أنه (يستحب
التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلا)
قالوا : لأن
البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل
__________________
اليسير.
(و)
مع ذلك (هو)
أي هذا الحكم (بناء)
أي مبني (على
توجّههم إلى الحرم) كما يستفاد من
النصوص الدالة عليه.
منها : الخبر : عن التحريف لأصحابنا ذات
اليسار عن القبلة ، وعن السبب فيه ، فقال : « إن الحجر الأسود لما انزل به من
الجنّة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر ، فهي عن يمين
الكعبة أربعة أميال وعن يساره ثمانية أميال ، كله اثنا عشر ميلا ، فإذا انحرف
الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة لقلّة أنصاب الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار
لم يكن خارجا عن حدّ القبلة »
ونحوه المرفوع .
والرضوي : « إذا أردت توجّه القبلة
فتياسر مثل
ما تيامن ، فإن الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال » .
والمبني عليه ضعيف كما تقدم . وكذا النصوص الواردة هنا سندا ، لرفع
الثاني ، وإرسال الأوّل في التهذيب ، وضعفه في الفقيه ، لتضمّن سنده محمد ابن سنان
ومفضّل بن عمر الضعيفين عند الأكثر ، والرضوي قاصر عن الصحّة ، وإنما غايته القوّة
، وهي بمجرّدها لا تصلح لمعارضة الاعتبار الذي ذكره الجماعة ، فما ذكروه لا يخلو
عن قوّة.
ولذا توقف فيه في ظاهر الدروس ، كالماتن في ظاهر العبارة ، إلّا أنّ
__________________
ظاهر من تقدّمهم من
الأصحاب عدم الخلاف في رجحان التياسر ، وإن اختلفوا في استحبابه ، كما هو المشهور
على الظاهر ، المصرّح به في عبائر هؤلاء الجماعة حدّ الاستفاضة ، وغيرهم كالشهيد في الذكرى ، وبها قد
اختاره .
أو وجوبه ، كما هو ظاهر جماعة من
القدماء ، ومنهم الشيخ في كثير من كتبه ومنها الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، وحكي أيضا عن غيره . فيمكن أن يجبر بذلك ضعف سند الروايات
أو قصورها.
والبناء المتقدم وإن كان ظاهر كثير من
الأصحاب ، كالفاضل في المنتهى والمحقق الثاني والشهيد الثاني وجملة ممن تبعهم ، ولكن ظاهر آخرين ـ كالفاضل في
المختلف والتحرير والإرشاد والقواعد والشهيد في الذكرى وغيرهما ـ اطراد الحكم على كل من القول بالمبني
عليه ومقابله ، لتصريحهم بهذا الحكم مع اختيارهم القول الثاني.
ولعل وجهه ما ذكره في الذكرى وغيره : من
أنّ القبلة هي الجهة ، ولا يخفى ما فيها من السعة . ومرجعه إلى ما مرّ إليه الإشارة من
سهولة الأمر في
__________________
القبلة ، ولكن فيه
ما عرفته .
فإذا : العمدة هي النصوص المعمول عليها
بين الطائفة ، مضافا إلى حكاية الإجماع المتقدمة ، وإن لم يصلح للحجيّة ، لوهنه
بندرة القول به من حيث دلالته على الوجوب ، ولم نر قائلا به عدا الناقل ونادر.
وكيف كان فهو أحوط من الترك ، لضعف القول به بضعف دليله عن المقاومة لما دلّ على
رجحان التياسر من الإجماع المنقول والنص المعمول به.
وأمّا ما ربما يجاب عنه : بوروده مورد
التقية ، لكون المحاريب المشهورة المبنية في العراق في زمان خلفاء الجور ولا سيّما
المسجد الأعظم كانت مبنيّة على التيامن عن القبلة ، ولم يمكنهم إظهار خطأ هؤلاء
الفسقة ، فأمروا شيعتهم بالتياسر عن تلك المحاريب ، معلّلين بما عرفته من العلة ،
لئلّا يشتهر منهم :
الحكم بخطإ من مضى من هؤلاء الكفرة .
فغير
مفهوم للعبد
، فإن مراعاة التقية على تقدير ثبوت بناء المساجد على التيامن تقتضي أمر الشيعة
بمتابعة قبلة هؤلاء الفجرة ، كي لا يعرفوا فيقتلوا ، لا أن يأمروا بالمخالفة لهم
فيؤخذ برقابهم.
واعلم أنّ مقتضى الأصول والنصوص وفتوى
الأصحاب من غير خلاف معروف : وجوب تحصيل العلم بالقبلة عينا أو جهة مع الإمكان ،
ولو بالأمارات المتقدمة المستندة إلى القواعد الرياضية ، بناء على إفادتها العلم
بالجهة ، كما صرّح به جماعة ، كالفاضلين في المعتبر والمنتهى على ما حكي عنهما ، والشهيدين في روض الجنان والذكرى ، وإن كان يظهر من بعضهم إفادتها
__________________
المظنة ، ولعلّها
بالنسبة إلى العين ، وإلّا فالأمر بالنسبة إلى الجهة كما ذكره الجماعة.
وإن فقد العلم جاز الاكتفاء بالظن
الحاصل بأيّ نحو كان من الأمارات المفيدة له ، متحرّيا في ذلك الظن الأقوى ، بلا
خلاف إلّا ما يحكى عن المبسوط ، حيث أوجب الصلاة إلى أربع جهات إذا فقد العراقي ما
نصب له من العلامات .
وهو
غير ظاهر في المخالفة
حتى في صورة حصول المظنة بجهة القبلة من غير تلك العلامة ، لاحتمال اختصاصه بصورة
فقدها بالكلية كما هو الغالب ، ولعلّه لذا لم ينقل عنه الخلاف هنا إلّا نادر. وعلى
تقدير ظهور المخالفة فهو شاذّ ، محكيّ على خلافه الإجماع من المسلمين كافّة في
كثير من العبائر ، كالمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى ، وبه صرّح بعض الأجلّة ، حيث قال :
وهل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟ الظاهر إجماع المسلمين على
تقديمه وجوبا على الأربع قولا وفعلا ، وأن فعل الأربع حينئذ بدعة ، فإن غير
المشاهد للكعبة ومن بحكمه ليس إلّا مجتهدا أو مقلدا ، فلو تقدّمت الأربع على
الاجتهاد لوجبت على عامة الناس وهم غيرهما أبدا ، ولا قائل به .. إلى آخر ما قال ، ونعم ما قال.
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة ، ففي
الصحيح : « يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة » .
__________________
وفي الموثق : « عن الصلاة بالليل
والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا النجوم ، قال : اجتهد رأيك وتعمّد القبلة
جهدك » .
وقريب منهما الصحيح : في الأعمى يؤمّ
القوم وهو على غير القبلة ، قال : « يعيد ولا يعيدون ، فإنّهم قد تحرّوا » .
وفي آخر : الرجل يكون في قفر من الأرض
في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ، كيف يصنع؟ قال : « إن كان في وقت فليعد صلاته ،
وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده » .
ونحوه
الأخبار الدالّة
على عدم الإعادة بعد خروج الوقت في صورة التحري .
نعم ربما ينافي ذلك المرسل الآتي الظاهر في نفي الاجتهاد من أصله ،
مضافا إلى الأصل الجابر لضعف سنده ، مضافا إلى الجابر الآتي ، وهو لزوم الأربع
صلوات إلى الجهات الأربع من باب المقدمة لتحصيل الأمر بالاستقبال بقول مطلق. لكن
في مقاومتها للأدلة المتقدمة نصا وفتوى إشكال ، والظاهر بل المقطوع به عدمها.
(وإذا فقد العلم بالجهة والظن)
بها مطلقا ، لغيم أو ريح أو ظلمة أو شبهها (صلّى الفريضة)
مطلقا (إلى أربع جهات)
متقاطعة على زوايا
__________________
قوائم ، أو مطلقا
كيف اتفق ، أو بشرط التباعد بينها بحيث لا يكون بين كل واحدة وبين الأخرى ما يعدّ
قبلة واحدة لقلّة الانحراف ، على اختلاف الأقوال ، إلّا أن أشهرها بل وأصحّها
الأوّل ، اقتصارا على المتبادر من النص والفتوى.
(ومع الضرورة)
بخوف لصّ أو سبع أو نحوهما (أو
ضيق الوقت) عن الصلوات الأربع (يصلي إلى أيّ جهة شاء)
ما قدر منها
ولو واحدة ، كما صرّح به جماعة
، أو يصلّيها خاصة ولو قدر على الزيادة ، كما هو ظاهر العبارة وكثير من عبائر
الجماعة
، وهو الأوفق بالأصل ، كالأول بالاحتياط اللازم المراعاة في العبادة.
ولا خلاف نصّا وفتوى في جواز الاقتصار
عن الأربع صلوات بالمقدور منها أو الواحدة في صورة الضرورة. وإنما اختلفوا في
وجوبها مع الإمكان على أقوال ، ما في المتن من وجوبها أشهرها ، بل في ظاهر المعتبر
والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني أنّ عليه إجماعنا ، وحكي التصريح به عن الغنية ، وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل المتقدم
إليه الإشارة من لزوم الإتيان بالأربع من باب المقدمة تحصيلا للأمر المطلق
باستقبال القبلة.
وخصوص المرسل : قلت : جعلت فداك إنّ
هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم يعرف السماء
كنا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع
وجوه » .
__________________
خلافا للعماني ، وظاهر الصدوق كما قيل ، فيصلّي حيث شاء ، ومال إليه الفاضل
في المختلف والشهيد في الذكرى
، وغيرهما من متأخّري متأخّري أصحابنا .
التفاتا إلى الصحيح : « يجزي المتحير
أبدا أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة » .
والصحيح المروي في الفقيه : عن الرجل
يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا ،
فقال : « قد مضت صلاته ، فما بين المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة
المتحير : (وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)
.
والمرسل
كالصحيح
بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه : عن قبلة المتحيّر ، فقال : « يصلي
حيث يشاء » .
وطعنا في الإجماع : بعدم المسموعية في
محل النزاع. وفي الأصل : بمنع وجوب الاستقبال مع الجهل بالقبلة استنادا إلى ما
تقدم من المعتبرة. وفي الخبر : بضعف السند بالإرسال وغيره ، والمتن بتضمنه سقوط
الاجتهاد من
__________________
أصله ، وهو مخالف
للإجماع الظاهر والمحكي .
وفي الجميع نظر : لانجبار الضعف
بالإرسال وغيره بالشهرة العظيمة والإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة التي كل منها
حجة مستقلة.
واحتمال الاجتهاد الممنوع عنه ،
الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم ، وهي جملة أنه يعمل بالظن مع القدرة عليه
وإلّا فيسقط اعتبار القبلة.
وهو وإن بعد لكن لا محيص عنه ، جمعا ،
وصيانة للنص عن المخالفة للإجماع مهما أمكن ، سيّما مع اعتضاده ـ بعد فتوى الأصحاب
والإجماع المحكي ـ بالمرسل الآخر المروي في الفقيه من دون هذا المحذور ، وكذا في
الكافي .
مع أنه حجّة مستقلّة بنفسه ، لانجباره بما مضى ، وبالأصل الذي قدّمناه.
والجواب عنه بما مرّ فرع تسليم سند المنع. وهو غير مسلّم ،
لإرسال الخبر الأخير وإن قرب من الصحيح ، لضعفه عن المقاومة للمنجبر بالعمل ،
لكونه أقوى منه ، بل ومن الصحيح وإن تعدّد واستفاض ، على الصحيح.
وبه يظهر الجواب عن الصحيحين الأوّلين.
مع احتمال القدح في أوّلهما بأنّ راويه قد رواه بدل ما هنا : « يجزي التحرّي » لا المتحيّر ، فيحتمل كون الأصل هذا
والتحريف وقع في المبدل ، ومعه لا يصح الاعتماد عليه في مقابلة ما مضى.
واتحادهما سندا ومتنا ـ غير ما وقع فيه
الاختلاف ـ مع الأصل ، يدفع
__________________
احتمال التعدّد
رواية ، وأنه روى بهذا مرّة وبالآخر اخرى.
وفي الثاني منهما بأن محل الدلالة : «
ونزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر » إلى آخره. وهو كما يحتمل كونه من تتمّته كذا
يحتمل كونه من كلام الفقيه ، بل هذا أظهر على ما يشهد به سياق الخبر ، مع أنه مروي
في التهذيب بدون هذه الزيادة .
فإذا : يشكل الاستناد إلى هذه المعتبرة
سيّما في مقابلة خصوص ما مرّ من المراسيل المنجبرة بالشهرة والإجماعات المحكية
التي كل منها حجّة مستقلة. وتخيّل الجواب عنه بما مرّ إليه الإشارة ، مضعّف بعدم
انطباقه على قواعد الإمامية ، كما مرّ غير مرّة.
ثمَّ لو سلّم اعتبار هذه الأدلة وخلوصها
عن القوادح المتقدمة ، فغايتها إيراث شبهة في المسألة ، بناء على أنّ ترجيحها على
الأدلة المقابلة فاسد بلا شبهة. فينبغي الرجوع إلى مقتضى الأصل ، وهو ما مرّ من
لزوم فعل الأربع من باب المقدمة.
والقدح فيه ـ زيادة على ما مر ـ بإمكان
تحصيل المأمور به بصلوات ثلاث إلى ثلاث جهات.
ممنوع بعدم تحصيل القبلة الواقعية بذلك
، بل غايتها تحصيل ما بين المشرق والمغرب ، وهو ليس بقبلة ، بل هي الجهة المخصوصة
التي لا يجوز الانحراف عنها ولو بشيء يسير ، إلّا فيما استثني بالمرة ، وكون ما
نحن فيه منه أوّل الكلام. ولا كذلك الصلاة إلى الأربع جهات ، فإنّها وإن لم تحصل
الجهة الواقعية كما هي ، إلّا أنه يدفع الزائد عنها بعدم القائل به بلا شبهة .
__________________
ولو سلّم فساد هذا الأصل ، فلنا أصل آخر
هو استصحاب شغل الذمة اليقيني ، المقتضي لوجوب تحصيل البراءة اليقينية ، ومرجعه
إلى استصحاب الحالة السابقة ، وهو أخصّ من أصالة البراءة فتكون مخصّصة.
وللمحكي عن ابن طاوس ، فأوجب استعمال
القرعة ، فإنها لكل أمر مشكل .
ويضعف بأنه لا إشكال هنا على كلّ من
القولين السابقين ، لاستناد كل منهما إلى حجّة شرعيّة ينتفي معها الإشكال بالمرة.
ومن هنا ينقدح ما في المدارك من نفي
البأس عن هذا القول
، مع أنّه اختار القول الثاني الذي مقتضاه جواز الصلاة إلى أيّ جهة شاء ، وصحّتها
كذلك ولو من دون قرعة ، ولا كذلك القول بلزومها ، فإنّ مقتضاه البطلان لو صلّيت من
دونها.
(و)
اعلم أنّ (من ترك
الاستقبال) إلى القبلة (عمدا أعاد)
وقتا وخارجا
، إجماعا ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.
مضافا
إلى النهي
المفسد للعبادة ، فكأنه ما أتى بها فيصدق الفوت ، كما إذا ترك أصل الصلاة عامدا ،
فيجب القضاء.
مضافا
إلى النصوص
المستفيضة بإعادة الصلاة بترك القبلة
بقول مطلق ، خرج منها ما سيأتي لما يأتي ، فيبقى الباقي.
(ولو
صلّى)
إلى القبلة (ظانّا)
لجهتها ، أو لضيق الوقت عن الصلاة
__________________
إلى الجهات الأربع ،
أو لاختيار المكلف لها إن قلنا بتخيير المتحيّر (أو ناسيا)
لمراعاة القبلة أو لجهتها (و)
بعد الفراغ (تبيّن
الخطأ) والصلاة إلى غير القبلة (لم يعد ما كان)
صلّاه (بين المشرق
والمغرب) مطلقا ، في وقت كان أو خارجا ، إجماعا
في الظانّ ، كما في التنقيح وروض الجنان
وغيرهما
، بل في المنتهى وعن المعتبر أنّ عليه إجماع العلماء .
وهو الحجّة ، مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة ، منها ـ زيادة على الصحاح وغيرها المتضمّنة لأن ما بين المشرق والمغرب
قبلة ـ خصوص
الصحيح : قلت : الرجل يقوم في الصلاة ثمَّ ينظر بعد ما فرغ ، فيرى أنّه قد انحرف
من القبلة يمينا وشمالا ، قال : « قد مضت صلاته ، وما بين المشرق والمغرب قبلة » .
وموثّقة عمّار عنه 7 : في رجل صلّى على غير القبلة ، فيعلم
وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : إن كان متوجّها فيما بين المشرق
والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجّها إلى دبر القبلة
فليقطع الصلاة ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة » .
والخبر المروي عن قرب الإسناد : « من
صلّى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة ثمَّ عرف بعد ذلك ، فلا إعادة عليه
إذا كان فيما بين المشرق
__________________
والمغرب » .
ونحوها المروي عن نوادر الراوندي : « من
صلّى على غير القبلة فكان إلى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة » .
وربما تنافي هذه النصوص الصحاح الآتية
بلزوم الإعادة في الوقت ما صلّى إلى غير القبلة ، ونحوها عبائر كثير من قدماء
الطائفة كالشيخين والمرتضى والحلي وابن زهرة .
لكن الإجماعات المنقولة أوجبت تقييد
إطلاق فتاويهم بالصورة الآتية
، كما أوجبت هي ـ مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتقدمة ـ تقييد النصوص المطلقة
بها.
(ويعيد الظانّ)
بل كلّ من مرّ (ما صلّاه
إلى المشرق والمغرب) إذا كان (في وقته)
و (لا)
يعيد (ما خرج
وقته) بإجماعنا الظاهر المحكي في جملة من
العبائر ، كالخلاف والناصرية والسرائر والمختلف والتنقيح والمدارك ، وغيرها من كتب الجماعة .
وهو
الحجّة مضافا
إلى الأصول والصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة ، ففي الصحيح والموثق : قال :
الرجل يكون في قفر من الأرض في
__________________
يوم غيم فيصلي لغير
القبلة ، ثمَّ يصحى فيعلم أنه قد صلّى لغير القبلة ، كيف يصنع؟ قال : « إن كان في
وقت فليعد صلاته ، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده » .
وفيهما : « إذا صلّيت وأنت على غير
القبلة واستبان لك أنّك صلّيت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد ، وإن فاتك
الوقت فلا تعد » .
(وكذا لو استدبر القبلة)
فيعيد في الوقت دون خارجه ، إجماعا في الأوّل.
وعلى الأصح في الثاني ، وفاقا للمرتضى
والحلي
، وهو الأشهر بين من تأخّر ، بل عليه عامتهم ، إلّا من ندر كالفاضل في جملة من
كتبه والمقداد في الشرح والمحقق الثاني في شرح القواعد ، مع أن الأوّل قد رجع عنه في المختلف ، والأخيرين لم يصرّحا بهذا القول ، بل
الأوّل قد احتاط به ، والثاني قال : والعمل عليه ، بعد أن قوّى المختار ، فلا خلاف
منهم أيضا حقيقة.
لإطلاق
الأدلّة
المتقدمة السليمة عما يصلح للمعارضة عدا ما يأتي ، وستعرف جوابه.
(وقيل)
والقائل الشيخان
وجماعة
: إنّه (يعيد)
مطلقا (وإن خرج
__________________
الوقت)
لموثقة عمار المتقدمة. وفيه قصور سندا وضعف دلالة ، كما نبّه عليه جماعة ، قالوا : فإنّ مقتضاها أنه علم وهو في
الصلاة ، وهو دالّ على بقاء الوقت ، ونحن نقول بموجبة ، إذ النزاع إنما هو فيما
إذا علم بعد خروجه.
أقول : مع أن ظاهرها بقرينة السياق كون
المراد بالاستدبار ما يعم التشريق والتغريب ، وقضاء الصلاة معه خلاف الإجماع.
وبالجملة
فالاستدلال بها
ضعيف ، سيّما في مقابلة الأدلّة المتقدّمة.
كالاستدلال باشتراط الصلاة بالقبلة بالنص
والإجماع ، والمشروط منتف عند انتفاء شرطه ، فهي إلى غير القبلة فائتة ، ومن فاتته
صلاة وجب عليه القضاء إجماعا ، نصّا وفتوى ، وإنما لم يجب إعادة ما بين المشرق
والمغرب ولا قضاء ما صلّى إليهما للاتفاق عليهما نصّا وفتوى ، كما مضى.
وبالخبرين : عن رجل صلّى على غير القبلة
ثمَّ تبيّن القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : « يصلّيها قبل أن يصلّي هذه التي
قد دخل وقتها ، إلّا أن يخاف فوت التي دخل فيها » .
لمنع الأوّل بمنع الاشتراط بالقبلة ، بل
بظنها ، فلا فوت ، للامتثال ، ولذا قال الفاضل في النهاية : والأصل أنه إن كلف
بالاجتهاد لم يجب القضاء ، وإن كلّف بالاستقبال وجب . انتهى.
ولا يرد أنه لو كفى الاجتهاد لم تجب
الإعادة في الوقت ، للخروج بالنص والإجماع.
__________________
ولضعف الخبرين وقصورهما سندا ومكافاة
لما مضى ، بل ودلالة أيضا ، لعدم تقييدهما بالاستدبار ، بل هما عامّان له وللتشريق
والتغريب وما دونهما ، وهو خلاف الإجماع.
وتقييدهما بالأوّل جمعا بينهما وبين
الأخبار المتقدمة فرع الشاهد عليه ، وليس ، مضافا إلى استلزامه حمل المطلق على
الفرد النادر ، إذ الاستدبار الحقيقي قلّما يتفق ، سيّما للمجتهد ، كما هو بعض
أفراد محلّ البحث.
ولا يرد مثله على النصوص السابقة ،
لعموم بعضها من حيث التعليل بقوله : « فحسبه اجتهاده ».
مضافا إلى اعتضادها أجمع بالأصول
العامّة ، مثل أصالة البراءة ، بناء على أن القضاء بفرض جديد ، ولا يثبت إلّا
حيثما يصدق الفوت حقيقة ، ولا يصدق هنا كذلك ، بناء على أن الامتثال يقتضي الإجزاء
ومعه لا يصدق الفوت قطعاً. ومع التنزّل فلا أقل من التردّد في الصدق وعدمه ،
وبمجرده لا يخرج عن الأصل القطعي.
ومن هنا يصح إلحاق الناسي بالظان في عدم
وجوب القضاء ، كما عليه جماعة من أصحابنا كالشيخين ، وغيرهما ، وكثير من المتأخّرين .
وزادوا فألحقوه به في جميع الأحكام ،
حتى في عدم الإعادة ولو صلّى منحرفا إلى ما بين المشرق والمغرب ، كما صرّح الماتن
هنا .
وهو حسن ، لعموم النصوص المتقدمة في هذه
الصورة له
، كعموم
__________________
بعض الصحاح النافية
للقضاء خارج الوقت له أيضا
، بل وللجاهل مطلقا.
ولولاه لأشكل الإلحاق كليّا ، لاقتضاء
الأصل إعادة ما صلّى إلى غير القبلة ولو لم يصل إلى حدّ التشريق والتغريب ، كما
ستعرفه.
خلافا لآخرين ، منهم الماتن في ظاهر
عبارته هنا
، فمنعوا عن إلحاقهما مطلقا ، عملا بالأصول ، وتنزيلا للنصوص على الظان ، بدعوى
اختصاصها به بحكم التبادر وغيره دونهما.
وفيهما
نظر ، لاختصاص
الأصول بمنع الإلحاق في صورة عدم الإعادة في الوقت لا غيرها ، بل مقتضاها فيه
الإلحاق جدّا ، أما صورة عدم القضاء فلما مضى ، وأما صورة الإعادة في الوقت ـ كما
إذا صلّى مشرّقا ومغرّبا ـ فلبقاء وقت الأمر بالأداء فيجب امتثاله بعد ظهور
المخالفة والخطاء ، مضافا إلى فحوى ما دلّ على لزومها على الظان ، فهاهنا أولى.
وأما دعوى اختصاص النصوص به فممنوعة في
بعضها ، لعمومه له وللناسي بل الجاهل أيضا ، بترك الاستفصال في مقام جواب السؤال
مع قيام الاحتمال ، المقتضي للعموم في المقال. لكن الحكم بشموله للجاهل بالحكم ـ نظرا
إلى قطعيّة ما دلّ على كونه كالعامد ـ لا يخلو عن إشكال. والاحتياط فيه لا يترك
على حال.
ثمَّ إن هذا كله إذا تبين الخطأ بعد
الفراغ من الصلاة كما قدّمناه.
وإذا تبيّن في أثنائها فكما بعد الفراغ
في الصور الثلاث ، إلّا أنه يستدير إلى القبلة في الصورة الأولى منها بلا خلاف ، بل عليه الإجماع في صريح
__________________
المدارك وعن ظاهر
المعتبر
، وعن المبسوط وفي غيره نفي الخلاف عنه .
وهو الحجّة ، مضافا إلى صريح موثقة عمار
السابقة
، وفيها الدلالة على الاستيناف في الصورة الثالثة ، ولا خلاف فيها أيضا على الظاهر
المحكي عن المبسوط .
ويحتمل شمولها للصورة الثانية أيضا إن
عمّمنا الاستدبار فيها للتشريق والتغريب ، كما هو ظاهر سياقها ، وتقدم الإشارة
إليه سابقا .
وفيها الحجة حينئذ على المبسوط فيما حكي عنه : من إلحاقه الصورة الثانية بالأولى
في لزوم الاستدارة إلى القبلة نافيا الخلاف عنه . مضافا إلى تطرّق الوهن إلى قوله ونفيه
الخلاف بندرته وشذوذه ، مع عدم صراحة عبارته في المخالفة ، واحتمالها الموافقة لما
عليه الجماعة والموثقة.
وإطلاقها في صورة الاستيناف يقتضي عدم
الفرق بين بقاء الوقت بعد القطع وعدمه.
ويشكل في الثاني ، بناء على أن الظاهر
أن مراعاة الوقت مقدّمة على مراعاة القبلة ، ولذا يجب على الجاهل بها الغير
المتمكن من الاجتهاد فيها أن يصلّي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا ، بل مقدمة على
جلّ واجبات الصلاة من الشرائط والأجزاء.
واستشكل فيه الشهيدان أيضا ، بل رجّح الإلحاق بالصورة الأولى
ثانيهما
__________________
وسبطه في المدارك ، وغيرهما وهو الأقوى.
(ولا)
يجوز أن (يصلّي
الفريضة على الراحلة اختيارا) إجماعا من
العلماء ، كما في المعتبر والمنتهى والذكرى
، لكنّه قال : إجماعا ، وأطلق.
ولا شبهة فيه إذا استلزم فوات الاستقبال
، أو غيره من الشرائط والأجزاء ، للأصول المعتضدة بالنصوص ، منها الصحيح : « لا
يصلّي على الدابة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة » ونحوه الموثق وغيره .
ويشكل إذا لم يستلزم الفوات ، كالصلاة
على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن الاضطراب والحركة :
من
إطلاق الفتوى
والنصوص ـ بل عموم الصحيح منها من حيث الاستثناء ـ بالمنع.
ومن انصرافه بحكم التبادر والغلبة إلى
الصورة الأولى خاصة. والاستثناء في الصحيح يفيد عموما في حالات المصلّي لا المركوب
، كما هو واضح. وبه صرّح جماعة
مختارين الجواز في هذه الصورة ، وفاقا للفاضل في النهاية ، ولا يخلو من قوة. خلافا للأكثر ،
فاختاروا المنع. وهو أحوط ، تحصيلا للبراءة القطعية.
وهل الفريضة تشمل كل واجب حتى نحو
الصلاة المنذورة ، أم تختصّ
__________________
بالصلوات الخمس
اليومية؟
مقتضى الإطلاق الأوّل ، وصرّح به الفاضل
في المنتهى والتحرير
، وفاقا للمحكيّ عن المبسوط
، وتبعهما الشهيد في الذكرى. قال : ولا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرّا
على الأرض ، لأنّها بالنذر أعطيت حكم الواجب .
وتنظّر فيه جمع ، قالوا : عملا بالأصل ، وعموم ما دلّ
على وجوب الوفاء بالنذر ، مضافا إلى الخبر : عن رجل جعل لله تعالى [ عليه ] أن
يصلّي كذا وكذا ، هل يجزيه أن يصلّي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال : « نعم » .
وفيه نظر ، لاندفاع الأوّلين بعموم
أدلّة المنع ، فإنه بالنظر إليهما أخصّ فليقدّم.
والخبر غير معلوم الصحة ، ومع ذلك غير
صريح الدلالة ، بل ولا ظاهرة إلّا من حيث العموم لحالتي الاختيار والضرورة ، ويمكن
تخصيصه بالأخيرة جمعا بين الأدلّة.
إلّا أن يمنع عموم المانعة منها ،
باختصاصها ـ بحكم التبادر والغلبة ، والتعبير بلفظ الفريضة المستعمل كثيرا في
النصوص فيما استفيد وجوبه من الكتاب لا السنة ـ بالصلوات الخمس اليومية.
ولا يخلو عن قوة. وإن كان الأحوط عموم
المنع ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة ،
__________________
سيّما مع مقابلة
الفريضة بالنافلة في بعض النصوص : أصلّي في محملي وأنا مريض؟ قال ، فقال : « أمّا
النافلة فنعم ، وأما الفريضة فلا » .
وهو مشعر بعموم الفريضة لكل صلاة واجبة
ولو بالسنّة ، إلّا أن الإشعار لا يصلح الاستناد إليه للمنع ، مع ضعف السند بالإضمار
والجهالة ، وتضمن الذيل الذي لم نذكره عدم جواز الفريضة على الراحلة ولو حال
الضرورة ، ولم يقل به أحد من الطائفة ، كما عرفته.
واحترز
بقوله :
اختيارا ، عن الصلاة عليها اضطرارا ، لجوازها حينئذ إجماعا ظاهرا ، ومصرّحا به في
المعتبر والمنتهى وغيرهما .
والنصوص به ـ مع ذلك ، بعد الأصول ـ مستفيضة
جدّا ، منها ، زيادة على المعتبرين السابقين
، الصحاح ، منها : يصيبنا المطر ونحن في محاملنا والأرض مبتلّة والمطر يؤذي ، فهل
يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحالة في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة؟
فوقّع 7 : « يجوز ذلك
مع الضرورة الشديدة » .
ومنها : « إن كنت في أرض مخافة فخشيت
لصّا أو سبعا فصلّ الفريضة وأنت على دابّتك » .
وفي النصوص الكثيرة ـ وفيها الصحيح
وغيره ـ : « أنه صلّى رسول الله 9
الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر » .
__________________
وكما تجوز على الراحلة للضرورة كذا تجوز
ماشيا ، كما صرّح به جماعة
، وحكي عن الأصحاب كافة
، وبإجماعهم صرّح في المنتهى
، للأصول ، وخصوص النصوص الدالّة عليه بالعموم والخصوص.
ففي الصحيح : عن الرجل يخاف من سبع أو
لصّ كيف يصلّي؟ قال : « يكبّر ويومئ برأسه »
ونحوه آخر .
وفي ثالث : عن الصلاة في السفر وأنا
أمشي؟ قال : « نعم يومئ إيماء ، وليجعل السجود أخفض من الركوع » .
ونحوها
غيرها
من الصحاح الدالّة عليه عموما من حيث الشمول للفريضة .
ومن الدالّة عليه بالخصوص الرضوي ، ففيه
ـ بعد ما ذكر صلاة الراكب الفريضة على ظهر الدابة ، وأنه يستقبل القبلة بالتكبيرة
ثمَّ يمضي حيث توجّهت دابّته ، وأنه وقت الركوع والسجود يستقبل القبلة ويركع ويسجد
، إلى أن قال ـ : « وتفعل فيها مثله إذا صلّيت ماشيا ، إلّا أنك إذا أردت السجود
سجدت على الأرض » .
وقريب منه بعض النصوص المرخصة للفريضة
على الراحلة حال
__________________
الضرورة من حيث
التعليل فيه بقوله 7
: « فالله تعالى أولى بالعذر »
وهو كالصريح في العموم.
مضافا إلى الاعتبار ، والأصول ، وقوله
سبحانه (فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) .
وهل يجب الاستقبال بقدر الإمكان ، كما
ذكره جماعة
، اقتصارا في الضرورة المرخّصة على قدرها؟.
أم
يكفي الاستقبال
بتكبيرة الإحرام خاصّة ، كما في ظاهر الصحيح وغيره ، معتضدا بإطلاقات الأخبار؟.
وجهان
، أحوطهما الأوّل ،
بل لعلّه أظهرهما ، لقوّة دليله ، وضعف معارضه من الإطلاق وظاهر الخبرين ، لاحتمال
ورودهما مورد الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة للراكب.
وإذا لم يتمكن من الاستقبال مطلقا حتى
في التكبيرة سقط قولا واحدا ، للضرورة. كما أنه يجب الاستقبال فيها مع الإمكان
قولا واحدا ، وبالإجماع صرّح الفاضل في المنتهى هنا وسابقا ، وغيره هنا .
وهل يجب التأخير إلى ضيق الوقت ، أم
يجوز مع السعة؟
مقتضى الإطلاقات نصّا وفتوى الثاني ،
وصريح الرضوي
الأول ، وبه صرح الماتن في الشرائع في الماشي .
وهو أحوط ، سيّما مع أوفقيته بمقتضى
__________________
الأصول الدالة على
اعتبار القبلة وسائر الشروط ، فيجب تحصيلها ولو بالتأخير من باب المقدمة.
(ورخّص في النافلة سفرا)
أن تصلّي على الراحلة (حيثما
توجهت الراحلة) ولو إلى غير
القبلة ، إجماعا ظاهرا ، ومصرّحا به في المعتبر والمنتهى والذكرى وغيرها ، وللصحاح المستفيضة وغيرها.
ويستفاد من جملة منها صحيحة عدم
الاختصاص بالسفر وجوازها في الحضر ، بل وماشيا أيضا مطلقا ، ففي الصحيح في الرجل
يصلي النافلة وهو على دابته في الأمصار ، قال : « لا بأس » . ونحوه آخر .
وفيه
: عن صلاة النافلة
في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة ،
فقال : « إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب
فنعم ، وإلّا فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ » .
وفيه : « ولا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة
الليل بالسفر وهو يمشي ، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي
، يتوجه إلى القبلة ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة وركع وسجد
ثمَّ مشى » .
إلى غير ذلك من النصوص.
__________________
وهو خيرة الشيخ في الخلاف ، لكن في خصوص الجواز على الراحلة في
الحضر مدعيا هو عليه ، وكذا الفاضل في ظاهر المنتهى في الماشي مطلقا ، إجماع الأصحاب ، وتبعهما عامة
متأخّري الأصحاب.
والنصوص المتقدمة وإن لم يستفد منها
جواز الصلاة ماشيا في الحضر ، لكنه مستفاد من إطلاق الإجماع المنقول ، مضافا إلى
إطلاق الخبرين ، في أحدهما : « إن صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثمَّ مشيت ثمَّ قرأت ،
فإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع ثمَّ أومأت بالسجود ، وليس في السفر تطوع » .
وفي الثاني : أنه لم يكن يرى بأسا أن
يصلّي الماشي وهو يمشي ولكن لا يسوق الإبل .
كذا قيل.
وفيه نظر ، بل العمدة في التعميم للماشي
في الحضر هو الإجماع المنقول ، بل المحقق ، لعدم قائل بالمنع عن صلاته فيه مع
تجويز صلاة الراكب فيه ، فكل من صحّحها صحّح صلاة الماشي حضرا ، وكل من أبطلها
أبطلها ، وهو العماني
، والحلي في ظاهر كلامه ، حيث خصّ صلاة النافلة على الراحلة بالسفر خاصة .
ولعل مستندهما إمّا الاقتصار فيما خالف
الأصل ـ الدال على لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا ولو نافلة من العموم وتوقيفية
العبادة ـ على المجمع
__________________
عليه ، وهو في السفر
خاصة.
أو ظهور بعض الصحاح المتقدمة المرخّصة
لها فيه في التقييد به ، مؤيّدا بجملة من النصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه (فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)
أنه ورد في
النوافل في السفر خاصة .
وفي
الجميع نظر ،
لضعف النصوص المفسّرة سندا ، بل ودلالة ، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصّة ،
وهو لا يستلزم عدم المشروعية في غيره.
والصحيح غير صريح ، بل ولا ظاهر في
التقييد إلّا بالمفهوم الضعيف بورود القيد فيه مورد الغالب.
والاقتصار على المتيقّن غير لازم حيث
يوجد ما يقوم مقامه ، وهو النصوص الصحيحة المتقدّمة الظاهرة في الجواز حضرا على
الراحلة ، ولا قائل بالفرق كما عرفته.
وبها يذبّ عن النصوص المفسّرة والصحيحة
المقيّدة على تقدير تسليم صحة السند ووضوح الدلالة ، فإنّ هذه النصوص أقوى دلالة
منها بلا شبهة ، سيّما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة.
وهل يتعيّن هنا الاستقبال بتكبيرة
الإحرام كما في الصحيح
، وعن الحلي حاكيا له عن جماعة ؟
أم لا ، بل يستحب كما عليه آخرون
، لإطلاق النصوص ، وصريح الصحيح الآخر ؟.
__________________
قولان ، ولعل الثاني أظهر وإن كان
الأوّل أحوط.
ويكفي في الركوع والسجود هنا الإيماء.
وليكن السجود أخفض من الركوع ، كما في النصوص .
ولا يجب في الإيماء للسجود وضع الجبهة
على ما يصح السجود عليه ، للصحيح : « يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شيء
ويومئ في النافلة إيماء » .
ولو ركع وسجد مع الإمكان كان أولى ،
للصحيح. وأولى منه أن يصلّي على الأرض مستقرّا ، للصحيح الآخر الماضي كسابقه .
(الرابعة :)
(في)
بيان ما يجوز الصلاة فيه من (لباس
المصلي).
اعلم
أنه
(لا يجوز
الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ)
إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر :
وللنصوص المستفيضة التي كادت تكون
متواترة ، بل قيل : متواترة
، ففي الصحيح : عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : « لا ، ولو دبغ
سبعين مرّة » .
وفي القريب منه سندا : في الميتة ، قال
: « لا تصلّ في شيء منه
__________________
ولا شسع » .
وظاهره عموم المنع لما ليس بساتر أيضا ،
وبه صرّح جماعة من أصحابنا
، ويستفاد من أخبار أخر أيضا ، منها الموثق وغيره : « لا بأس بتقليد السيف في
الصلاة فيه الغراء
والكيمخت
ما لم يعلم أنه ميتة » .
وفي الخبر : كتبت إلى أبي محمد 7 : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فارة المسك؟
فكتب : « لا بأس به إذا كان ذكيّا » .
وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق
بين ذات النفس وغيرها ، وبه صرّح بعض أصحابنا .
خلافا لآخرين
، فقيّدوها بالأولى ، لكونها المتبادر من الإطلاق جدّاً. وهذا أقوى ، وإن كان
الأوّل أحوط وأولى .
__________________
وينبغي عليه تقييد غير ذي النفس بنحو
السمك ممّا له الجلد الذي هو مورد النص ، دون نحو القمل والبق والبرغوث ، للقطع
بعدم البأس فيها.
ثمَّ إن هذا إذا علم كونه ميتة ، أو وجد
في يد كافر. أما مع الشك في التذكية فقد مضى في أواخر كتاب الطهارة المنع عنه أيضا
. وفاقا
لجماعة .
خلافا لنادر ، وقد عرفت مستنده ، وضعفه بمعارضته
بالمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة واستصحاب بقاء شغل الذمة.
نعم
لو أخذ من
بلاد الإسلام حكم بذكاته ، وكذا لو أخذ من يد مسلم ، للنصوص المستفيضة المتقدمة
ثمة . ومقتضاها
إطلاقا عدم الفرق بين كون المسلم المأخوذ منه ممّن يستحل الميتة بالدبغ وعدمه. وبه
صرح جماعة
، مستندين إلى إطلاق المستفيضة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال في جملة منها.
خلافا
للتذكرة
والتحرير والمنتهى
، فمنع عمّا يؤخذ عن يد مستحلّ الميتة بالدبغ مطلقا وإن أخبر بالتذكية ، لأصالة
العدم.
وفيه ـ بعد ما عرفت من إطلاق النص أو
عمومه ـ نظر.
وأما الخبران : « كان علي بن الحسين 7 رجلا صردا لا يدفئه
__________________
فراء الحجاز ، فإن
دباغها بالقرظ
، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى من قبلكم بالفراء فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه
وألقى القميص الذي يليه ، وكان يسأل عن ذلك ، فيقول : إن أهل العراق يستحلّون لباس
الجلود الميتة ، ويزعمون أن دباغه ذكاته » .
كما في أحدهما.
وفي
الثاني : إني أدخل
سوق المسلمين فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليست ذكية؟ فيقول :
بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال : « لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها
وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكية » قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : «
استحلال أهل العراق للميتة ، وزعمهم أن دباغ جلد الميتة ذكاته » الحديث.
فلا يعارضان ما قدّمنا ، لضعف سندهما ،
بل ودلالتهما أيضا ، فإنّ غاية ما يستفاد من الأوّل أنه 7 كان ينزع منه فرو العراق حال الصلاة ،
ومن الجائز أن يكون ذلك على جهة الأفضلية. وفي لبسها في غير حال الصلاة إشعار بعدم
كونه ميتة.
ومن الثاني المنع عن بيع ما أخبر بذكاته
على أنه مذكّى ، وهو غير دالّ على تحريم استعماله. بل نفي البأس عن بيعه أخيرا
يشعر بل يدل على عدم كونه ميتة ، لعدم جواز بيعها إجماعاً.
(وكذا)
لا تجوز الصلاة في جلد (ما
لا يؤكل لحمه) شرعا مطلقا (ولو ذكّي ودبغ ، ولا
في صوفه وشعره ووبره) بإجماعنا الظاهر ،
المصرّح به في كثير
__________________
من العبائر ،
كالخلاف والغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام ، وشرح القواعد للمحقق
الثاني ، وروض الجنان
، ونفى عنه الخلاف في السرائر
، وادعاه في الانتصار في وبر الثعالب والأرانب وجلودهما ، قال : وإن ذبحت ودبغت .
والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، وفيها
الصحاح والموثّقات وغيرها ، منها الصحيح : عن الصلاة في جلود السباع ، فقال : « لا
تصلّ فيها » .
والموثّق المرويّ بعدّة طرق : عن جلود
السباع ، فقال : « اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » كما في طريقين ، وفي آخرين : عن لحوم
السباع وجلودها ، فقال : « أما لحوم السباع فمن الطير والدواب فإنّا نكرهه ، وأما
الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه » .
واختصاصها بالسباع غير ضائر بعد عدم قول
بالفرق بين الأصحاب ، مستندا إلى عموم كثير من النصوص في الباب ، منها الموثق
كالصحيح ـ بل قيل صحيح ـ « إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره
وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد ، لا تقبل تلك الصلاة حتّى تصلّي في
غيره مما أحلّ الله تعالى أكله » ثمَّ قال : « يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل
__________________
لحمه فالصلاة في
وبره وبوله [ وشعره ] وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكّاه
الذبح ، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله أو حرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء
منه فاسد ، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه » .
ومنها المروي في الفقيه في وصية النبي 9 لعلي 7
: « يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه » .
والمروي عن العلل : « لا تجوز الصلاة في
شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه ، لأن أكثره مسوخ » .
والمرسل
في التهذيب
، المروي عن العلل صحيحا. كان أبو عبد الله 7
يكره الصلاة في وبر كل شيء لا يؤكل لحمه
والمراد بالكراهة فيهما التحريم ، كما يستفاد من تتبّع نصوص الباب.
والخبر : كتبت إليه : يسقط على ثوبي
الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب : « لا تجوز الصلاة
فيه » .
وظاهره إطلاق المنع (ولو كان)
شعرات ملقاة على الثوب ، فضلا عن أن يكون (قلنسوة أو تكة)
مضافا إلى وقوع التصريح بالمنع فيهما على الخصوص في الصحيح المروي في الكافي
والتهذيب عن علي بن مهزيار : قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك
تعمل من وبر الأرانب ، فهل تجوز الصلاة فيه من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب 7 : « لا تجوز
__________________
الصلاة فيها » .
ونحوه الخبر المروي في التهذيب
والاستبصار بسند محتمل الصحة في الأخير .
هذا مضافا إلى إطلاق النصوص بالمنع عن
الصلاة في نحو الوبر والشعر .
وتوهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظة «
في » المقتضية لذلك.
مدفوع بعدم جريانه في الموثق كالصحيح
المتقدم
، لدخولها عليهما وعلى البول والروث أيضا ، وليست بالنسبة إليهما للظرفية قطعا ،
بل لمطلق الملابسة. ومثله حجّة ، سيّما بعد اعتضاده بالشهرة بين الطائفة عموما في
أصل المسألة ، وخصوصا في نحو التكّة ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام جماعة
ومنهم صاحبا المدارك والذخيرة
، بل صرّح الأخير بالشهرة على الإطلاق حتى في نحو الشعرات الملقاة ، كخالي العلامة
المجلسي فيما حكي عنه .
مع مخالفته العامّة ، كما صرّح به جماعة
، واعتضاده
بالصحيحين وما قبلهما من الرواية.
خلافا للمبسوط وابن حمزة ، فيجوز مع
الكراهة
، وحجّتهما غير واضحة عدا ما في المختلف من وجه اعتباري ضعيف ، ومكاتبة أخرى
__________________
صحيحة : هل يصلّى في
قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه ، أو تكة حرير محض ، أو تكة من وبر الأرانب؟
فكتب : لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه » .
وفيها ـ بعد الإغماض من كونها مكاتبة
تضعف عن مقاومة الرواية مشافهة وإن قصرت عن الصحة ، لانجبارها كما عرفت بالشهرة
المرجّحة لها على الصحيح ، بل الصحاح ، مع اعتضادها بالمكاتبات الثلاث التي جملة
منها كما عرفت صحيحة لا يعارضها هذه المكاتبة للشهرة ـ : أنها قاصرة الدلالة بما
ذكره الماتن في المعتبر ـ وحكاه عنه في الذكرى ساكتا عليه ـ : من أن غايتها أنها
تضمنت قلنسوة عليها وبر ، فلا يلزم جوازها من الوبر .
وما يقال : من أنها مصرّحة بجواز الصلاة
في الوبر المسؤول عنه ، ومن جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر
الأرانب ، فكيف يدّعى أنها تضمنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير؟ .
يمكن الجواب عنه : بأن ما ذكره حسن لو
عطف قوله : « أو تكة » على قوله : « قلنسوة » مع أنه يحتمل العطف على قوله : « وبر
» بعد قوله : « عليها » ولا ترجيح للأول
، بل قرب المرجع يرجّح الثاني وإن بعد عن الاعتبار ، لكن غايته التوقف في الترجيح .
ولو سلّم ترجيح الأوّل لكان المتعين
حملها على التقية ، لكون الجواز مذهب العامة كما صرّح به جماعة ، ويشير إليه كونها مكاتبة.
مع أنّها متضمنة لاشتراط كون الوبر
مذكّى في حلّ الصلاة فيه ، وهو
__________________
خلاف الإجماع نصّا
وفتوى بأيّ معنى اعتبر التذكية فيها : بمعنى الطهارة أو قبول الحيوان ذي الوبر
التذكية ، إذ الطهارة غير مشترطة في نحو التكة التي هي مورد السؤال مما لا يتم فيه
الصلاة اتفاقا. وكذا قبول الحيوان التذكية ، لعدم اشتراطها في الوبر من طاهر العين
منه الذي هو مورد البحث في المسألة إجماعاً.
قيل : ولعل المراد من التذكية فيها كونه
مما يؤكل لحمه ، ويشير إلى ذلك بعض الأخبار : في الصلاة في الفراء ، فقال : « لا
تصلّ فيها إلّا ما كان ذكيّا » قال ، قلت : أليس الذكي ما ذكّي بالحديد؟ فقال : «
بلى إذا كان مما يؤكل لحمه » .
ولا بأس به ـ وإن بعد ـ جمعا. ولكن
الأولى حملها على التقية ، لما مرّ ؛ مضافا إلى مناسبة اشتراط التذكية فيها لما
يحكى عن الشافعي وأحمد : من اشتراطهما كون الشعر ونحوه مأخوذا من الحي ، أو بعد
التذكية ، وأنه إذا أخذ من الميت فهو نجس لا تصح الصلاة فيه .
ومما ذكر ظهر ضعف الاستناد إلى هذه
الرواية للحكم بجواز الصلاة في الشعرات الملقاة خاصة دون التكة ، نظرا إلى صحتها
وضعف الرواية السابقة المصرحة بالمنع فيها بالخصوص.
لأن الضعف كما عرفت بما مرّ مجبور ،
والصحيحة قد عرفت وجوه القدح فيها ، سيّما التقية.
وأضعف منه الاستناد لذلك بأن فيه الجمع
بين الأخبار المانعة بحملها
__________________
على الثوب المعمول
من ذلك ، والمجوّزة بحملها على الشعرات الملقاة على الثوب .
لعدم الشاهد عليه أوّلا ، وفقد التكافؤ
ثانيا ، مع تصريح المكاتبة الصحيحة أخيرا ـ بزعمه ـ بجواز الصلاة في التكة
والمكاتبة الأولى بالمنع من الشعرات الملقاة ، وقريب منها الموثقة كالصحيحة
المتقدمة
كما عرفته ، فكيف يتم له الجمع بما ذكره؟
وقريب منه في الضعف ما ذكره الشيخ : من
الجمع بينهما بحمل المجوّزة على ما يعمل منها ما لا يتم الصلاة فيه وحده كالتكة
ونحوها ، والمانعة على غيره .
إذ فيه إطراح للمكاتبتين المصرّحتين
بالمنع عن التكة والقلنسوة .
وأضعف من الجميع الاستناد للجواز في
الشعر الملقى بالمعتبرة الدالة على جواز الصلاة في شعر الإنسان وأظفاره كما في
الصحيحين
، وبزاقه كما في المروي عن قرب الإسناد .
فإنّ الظاهر خروج ذلك ـ كفضلات ما لا
يؤكل لحمه غير ذي النفس مما لا يمكن التحرز عنه كالقمل والبرغوث والبق ونحوه ـ عن
محل النزاع ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب
، لاختصاص أدلّة المنع نصا وفتوى بحكم التبادر وغيره
__________________
بغير ذلك جدّا ، مع
لزوم العسر الحرج والضيق في التجنب عن نحو ذلك قطعا ، ومخالفته لإجماع المسلمين ، بل
الضرورة أيضا.
ويعضد
المختار ما
سيأتي من الأخبار المانعة عن الصلاة في الخزّ المغشوش بوبر الأرانب ، فتأمّل ، والمانعة عن الصلاة في
الثياب الملاصقة لوبر الأرانب والثعالب
، بناء على أنّ الظاهر أنّ وجه المنع فيها إنما هو احتمال تساقط الشعرات منهما عليها
، ولا يتمّ إلّا بتقدير المنع عن الصلاة معها مطلقا.
(ويجوز استعماله)
أي كلّ من جلد ما لا يؤكل لحمه وصوفه وشعره ووبره (لا في الصلاة)
مطلقا ولو أخذ من ميتة إلّا إذا كانت نجسة العين أو كان المأخوذ منها جلدا.
(ولو كان)
كل من المذكورات (مما
يؤكل لحمه) شرعا (جاز)
استعماله (في الصلاة
وغيرها) مطلقا فيما عدا الجلد ، ويشترط
التذكية فيه وإلّا فهو ميتة. بلا خلاف في الجواز في شيء من ذلك أجده ، بل عليه في
المتخذ من مأكول اللحم إجماع الإمامية في عبائر جماعة .
والنصوص
به
مع ذلك بعد الأصل مستفيضة ، منها الصحيح : « عن لباس الفراء والفنك والسمور
والثعالب وجميع الجلود ، قال : لا بأس » .
وفي الصحيح : عن لبس فراء السمور
والسنجاب والحواصل وما أشبهها ، والمناطيق والكيمخت والمحشوّ بالقزّ والخفاف من
أصناف الجلود ،
__________________
فقال : « لا بأس
بهذا كله إلّا بالثعالب » .
ويستفاد منه البأس في الثعالب ولعلّه
للكراهة ، وإلّا فقد صرّحت الصحيحة السابقة بالجواز ، ونحوها غيرها : قلت لأبي
جعفر 7 : الثعالب
يصلى فيها؟ قال : لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة »
إلى غير ذلك من النصوص الآتية.
وفي الصحيح : « لا بأس بالصلاة فيما كان
من صوف الميتة ، لأن الصوف ليس فيه روح » .
وفيه : « اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب
والحافر وكل شيء ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي ، وإن أخذته منه بعد أن يموت
فاغسله وصلّ فيه » .
وفي الموثق كالصحيح السابق : « فإن كان
مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز إذا
علمت أنه ذكي قد ذكّاه الذبح .
وفي الخبر : عن لباس الفراء والصلاة
فيها ، فقال : لا تصلّ فيها إلّا ما كان ذكيّا » إلى آخر ما مرّ قريبا .
__________________
وفي آخر : إنّ بلادنا بلاد باردة فما
تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال : « البس منها ما أكل وضمن » .
وعن
تحف العقول في حديث :
« وكل شيء يؤكل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكيّ منه وصوفه وشعره ووبره ، وإن كان
الصوف والشعر والوبر والريش من الميتة وغير الميتة ذكيّا فلا بأس بلبس ذلك والصلاة
فيه » إلى غير ذلك
من النصوص.
وإطلاقها بل صريح بعضها كما ترى يقتضي
جواز استعمال نحو الصوف والشعر مطلقا (وإن أخذ من ميتة جزّا)
وقرضا (أو قلعا)
ونتفا.
ولا خلاف فيه في الأوّل ، وهو في الثاني
مشهور بين الأصحاب ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض ، للإطلاق. وهو وإن عمّ صورتي كون
القلع (مع غسل
موضع الاتصال) وعدمه ، إلّا أنه يجب تقييده بالصحيح
المتقدم المتضمن لقوله : « وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله ».
وظاهر أنّ المأمور بغسله هو موضع
الاتّصال خاصة ، أو المجموع بعد امتزاج بعضها مع بعض ـ كما هو الغالب ـ فيلزم غسله
أجمع من باب المقدمة.
وعلّل ـ زيادة عليه ـ بأنّ باطن الجلد
لا يخلو عن رطوبة ، مع أنّ بعضهم نجّس الملاقي للميتة مطلقا .
خلافا للمحكي عن ابن حمزة ، والصيد والذبائح من النهاية
__________________
والمهذّب ، وكتاب المأكول والمشروب من الإصباح ، فقالوا : لا يحل الصوف والشعر والوبر
من الميتة إذا كان مقلوعا.
وحمل في السرائر والمعتبر والمنتهى على أن لا يزال ما يستصحبه ولا يغسل
موضع الاتصال.
قيل : وقد يقال : إنّ ما في باطن الجلد
لم يتكوّن صوفا أو شعرا أو وبرا .
وضعفه ظاهر.
وعن الوسيلة اشتراط أن لا ينتف من حي
أيضا .
وهو مبنيّ على استصحابها شيئا من
الأجزاء ، والأجزاء المبانة من الحي كالمبانة من الميت ، ولذا اشترط في المنتهى
ونهاية الإحكام في المنتوف منه
__________________
أيضا الإزالة والغسل
، وذكر أنه لا بد فيه من استصحاب شيء من مادته .
قلت
: نعم ، ولكن
في كون مادته جزاء له نظر ، بل الظاهر كونه فضلة ، إلّا أن يحسّ بانفصال شيء من
الجلد أو اللحم معه. كيف ولو صحّ ذلك لم يصح الوضوء غالبا ، خصوصا في الأهوية
اليابسة ، لأنها لا تخلو عن انفصال شيء من الحواجب واللحى.
(ويجوز)
الصلاة (في)
وبر (الخزّ
الخالص) من الامتزاج بوبر الأرانب والثعالب
وغيرهما مما لا تصح الصلاة فيه ، لا مطلق الخلوص. فلو كان ممتزجا بالحرير مثلا
بحيث لا يكون الخزّ مستهلكا به لم يضرّ ، وبه وقع التصريح في بعض الأخبار .
والأصل فيه ـ بعد الإجماع ، على الظاهر
، المصرّح به في كثير من العبائر
حدّ الاستفاضة بل فصاعدا ـ المعتبرة المستفيضة ، وفيها الصحاح والموثق وغيرها .
وكذلك
جلده
عند الأكثر ، على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض ، للصحيح : عن جلود الخزّ ، فقال : «
هو ذا نحن نلبس » فقلت : ذاك الوبر ،
__________________
فقال : « إذا حلّ
وبره حلّ جلده » .
والموثق : عن الصلاة في الخزّ ، فقال :
« صلّ فيه » .
وفيهما نظر ، لعدم تصريح في الأوّل
بجواز الصلاة ، فيحتمل حلّ اللبس كما يشعر به سياقه.
نعم قوله : « إذا حلّ وبره » إلى آخره ،
ربما أشعر بتلازمهما في الحلّ مطلقا حتى في الصلاة. لكنّه ليس بصريح ، بل ولا ظاهر
، لقوّة احتمال اختصاص التلازم في حلّ اللبس ـ المستفاد من السياق ـ خاصة ، فيشكل
الخروج بمجرّده عن عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في جلد كل ما لا يؤكل لحمه.
وبنحوه يجاب عن الموثق ، وإن صرّح فيه
بجواز الصلاة ، لإطلاقه أو عمومه من وجه آخر ، وهو عدم التصريح فيه بالمراد من
الخزّ المطلق فيه أ هو الجلد ، أو الوبر ، أو هما معا؟ فيحتمل إرادة الوبر منه
خاصة ، كما هو المتبادر منه حيثما يطلق ، سيّما في الأخبار ، كما لا يخفى على
الناظر فيها بعين الإنصاف.
وأضعف منهما الاستدلال له بالصحيح : عن
جلود الخز ، فقال : « ليس بها بأس » .
لعدم التصريح فيه بالصلاة ، مع عدم
تضمنه ما في الصحيح الأوّل مما يشعر بالتلازم بين حكم الجلد والوبر على الإطلاق.
__________________
ومن هنا ظهر عدم نص في الجلد يطمئن إليه
في تخصيص عموم المنع.
ولعله لذا أفتى الفاضل في التحرير
والمنتهى
بالمنع ، قائلا إنّ الرخصة وردت في وبر الخز لا في جلده ، فيبقى على المنع
المستفاد من العموم ، وهو خيرة الحلي نافيا الخلاف عنه كما حكي .
ولا ريب أنه الأحوط للعبادة ، تحصيلا
للبراءة اليقينية. وإن كان الجواز لا يخلو عن قرب ، لقوة الإشعار السابق المعتضد
بعموم الموثق المتقدم.
مضافا إلى ظاهر الخبر المنجبر ضعفه بعمل
الأكثر : ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال : « لا بأس بالصلاة فيه » إلى أن قال 7 : « فإنّ الله تعالى أحلّه وجعل ذكاته
موته كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها » .
والتقريب وروده في الصلاة مع التصريح
فيه بالذكاة ، وهي إنما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر مما لا تحلّه الحياة.
لكنه ينافيه الخبر المروي في الاحتجاج
عن مولانا صاحب الزمان 7
أنه سئل : روي لنا عن صاحب العسكر 7
أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغشّ بوبر الأرانب ، فوقّع 7 : « يجوز » وروي عنه أيضا : « لا يجوز
» فأيّ الخبرين نعمل به؟ فأجاب 7
: « إنما حرم في هذه الأوبار والجلود ، فأما الأوبار وحدها فكل حلال » .
وكيف كان ، فالاحتياط لا يترك ، بل عن
أمالي الصدوق أن الأولى ترك الصلاة في الخز من أصله .
__________________
قيل : ولم يذكر جواز الصلاة فيه الحلبي
ولا الصدوق في الهداية بل اقتصر فيها على رواية ، ولا الشيخ في عمل يوم وليلة بل
اقتصر فيه على حرمة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من الأرنب والثعلب وأشباههما ، وكذا
العلامة في التبصرة .
و (لا)
يجوز الصلاة في (المغشوش)
منه (بوبر
الأرانب والثعالب) على الأظهر الأشهر
، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الصدوق في الفقيه ، حيث قال ـ بعد نقل رواية الجواز
ـ : هذه
رخصة ، الآخذ بها مأجور والرادّ لها مأثوم ، والأصل ما ذكره أبي ; في رسالته إليّ : وصلّ في الخزّ ما لم
يكن مغشوشا بوبر الأرانب .
وهو
شاذ
كروايته ، مع ضعف سندها ، وبشذوذها صرّح الشيخ في التهذيبين ، حاملا لها على
التقية
، مؤذنا بدعوى إجماعنا عليه ، كما صرّح به في الخلاف في المغشوش بوبر الأرانب ، وكذا ابن زهرة فيه وفي المغشوش بوبر
الثعالب
، كما حكي عنهما
، وبه صرّح فيهما أيضا في المنتهى ، حاكيا نقله عن كثير من أصحابنا ، كالماتن في المعتبر .
__________________
وهو الحجة على المنع ، مضافا إلى النصوص
، منها الخبران : « الصلاة في الخزّ الخالص ليس به بأس ، وأما الذي يخلط فيه [ وبر
] الأرانب أو غيرها هذا فلا تصلّ فيه » .
ومنها الرضوي : « وصلّ في الخزّ إذا لم
يكن مغشوشا بوبر الأرانب » .
وقصور السند أو ضعفه مجبور بالعمل ،
والمخالفة لما عليه العامة العمياء ، مضافا إلى عموم أدلّة المنع عمّا لا يؤكل
لحمه ، خرج منه الخزّ الخالص بالنص والإجماع المختصين به بحكم التبادر وغيره ،
فيبقى الباقي تحت العموم مندرجا.
ويستفاد
منه
ـ مضافا إلى قوله : « مما يشبه هذا » في الخبرين ـ المنع عن الخزّ المغشوش بوبر ما
لا يؤكل لحمه وشعره وصوفه مطلقا ، كما استقربه في التحرير ، واحتاط به في المنتهى ، ويظهر أيضا من جماعة من أصحابنا .
(وفي)
جواز الصلاة في (فرو
السنجاب قولان ، أظهرهما الجواز)
وفاقا للمقنع والشيخ في المبسوط وموضع من النهاية والخلاف ، نافيا عنه في الأوّل الخلاف ، مؤذنا
بدعوى الإجماع عليه ، كالصدوق في الأمالي ، حيث جعله من دين الإمامية الذي يجب
الإقرار به
، ونسبه في المنتهى إلى أكثر
__________________
الأصحاب ، وفي شرح القواعد للمحقق الثاني إلى
جمع من كبرائهم
، وفي الذخيرة وغيرها إلى المشهور بين المتأخرين .
وهو كذلك ، بل لعلّه عليه عامّتهم عدا
الفاضل في التحرير والقواعد وفخر الدين في شرحه والصيمري ، وظاهرهم التردد ، لاقتصارهم على نقل
القولين من غير ترجيح.
ولعله في محله. وإن كان القول بالجواز
ليس بذلك البعيد ، للإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة الظاهرة والمحكية في كلام
جماعة ، مضافا إلى النصوص المستفيضة : ففي الصحيح : « صلّ في الفنك والسنجاب ،
وأما السمور فلا تصلّ فيه » قلت : والثعالب يصلى فيها؟ قال : « لا » الحديث.
وفيه : عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه ،
قال : « لا بأس بالصلاة فيه » .
وفي الخبر : « صلّ في السنجاب والحواصل
الخوارزمية ، ولا تصلّ في الثعالب ولا السمور » .
__________________
وفي آخر : أصلّي في الفنك والسنجاب؟ قال
: « نعم » قلت : تصلّى في الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال : « لا تصلّ فيها » .
وفي آخرين : عن الصلاة في السمور
والسنجاب والثعالب ، فقال : « لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب ، فإنه دابّة لا
تأكل اللحم »
كما في أحدهما ، ونحوه الثاني .
وضعف الأسانيد والتضمن لما لا يقولون به
غير ضائر ، لانجبار الأوّل بالشهرة والإجماع المحكي ، وعدم الخروج عن الحجية
بالثاني ، كما قرر في محله ، وإن أوجب الوهن في مقام التعارض ، لانجباره بالكثرة
والشهرة ، وبالصراحة بالإضافة إلى المعارض ، إذ ليس إلّا العمومات المانعة حتى
الموثق كالصحيح
الذي هو الأصل والعمدة من أدلّة المنع.
ودعوى صراحته في المنع عن السنجاب ،
لابتناء الجواب العام فيه عليه ، لسبق السؤال عنه الذي يصيّره كالنص في المسؤول
عنه.
غير مفهومة ، وإن صرّح بها جماعة ، لإمكان تخصيص السنجاب في الجواب بأن
يقال : كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام إلّا وبر السنجاب الذي سألت
عنه ، وحيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا ، لعدم الفرق بينهما جدّاً.
__________________
وبالجملة : لم أجد من المعارض ما يدل
على المنع بالخصوص ، بل ما وقفت عليه منه دلالته كله من جهة العموم ، وهو لا يعارض
الخصوص وإن اشتمل على ما لا يقول به أحد.
نعم ، في الرضوي : « ولا يجوز الصلاة في
سنجاب ولا سمور وفنك ..
وإيّاك إيّاك أن تصلّي في الثعالب » . كما عن موضع منه ، وعن موضع آخر منه :
« وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت الصلاة فيه فانزعه » .
وهو نص في المنع ، كما هو خيرة المختلف
، وعن صريح والد الصدوق ، والشيخ في قوله الآخر ، والحلي والقاضي ، وظاهر الإسكافي والحلبي والمرتضى
وابن زهرة
، حيث منعوا عن كل ما لا يؤكل لحمه من دون استثناء ما نحن فيه ، ونسبه الشهيدان في
الذكرى والروض والمحقق الثاني في شرح القواعد إلى أكثر الأصحاب ، وعن ابن زهرة دعوى الإجماع عليه ، وفي السرائر : جلد ما لا يؤكل لحمه
لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف من غير استثناء .
ولذا يشكل الحكم بالجواز في المسألة ؛
لنفي الخلاف في كلام الحلي ودعوى الإجماع في كلام ابن زهرة ، المعتضدين بالشهرة
المنقولة في كلام
__________________
هؤلاء الجماعة ،
وصريح الرضوي المعتضد بعموم الأخبار المانعة ، مع خلوصها عن التضمّن لما لا يقول
به أحد من الطائفة ، وبعدها عن طريقة العامة.
ولكن يمكن الذبّ عن جميع ذلك : فنفي
الخلاف والإجماع بالمعارضة بالمثل ، مع كون الثاني مدّعى على المنع عموما. ولا
كذلك معارضه ، لدعواه على الجواز في السنجاب بالخصوص.
وكذا الشهرة المحكية معارضة بمثلها كما
عرفت ، مع قوّته وأرجحيّته عليها بالتحقق والقطع به من غير جهة النقل ، دون الشهرة
المحكية في كلام هؤلاء ، لعدم تحققها ، بل ظهور استناد حكايتهم إلى إطلاق المنع من
غير استثناء : في عبائر جملة من القدماء.
والرضوي ـ مع قصور سنده وعدم اشتهاره
وعدم مكافأته للمستفيضة المتضمنة للصحيح وغيره ـ مصرّح بعد المنع بورود رواية
بالرخصة ، مشعرا بأن الأصل المنع والجواز رخصة ، كما هو ظاهر الصدوق وجماعة كالشيخ
في الخلاف والتهذيبين والديلمي والجامع
كما حكي ، فهو أيضا مؤيد للجواز ولو رخصة ، وعموم الأخبار مخصّص بخصوص الأخبار
المرخّصة ، وهي أقوى دلالة ، وبعيدة أيضا عن مذهب العامة ، لتضمن أكثرها المنع عما
ظاهرهم الإطباق على الجواز فيه ، كما حكاه جماعة ، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم بلا شبهة.
وبالجملة : فالجواز لعله لا يخلو عن قوة
، ولكن مع الكراهة كما عن ابن حمزة .
وإن كان الأحوط الترك بلا شبهة ، تحصيلا للبراءة اليقينية ، وخروجا عن
__________________
شبهة الخلاف في
المسألة فتوى وأدلّة.
(وفي)
جواز الصلاة في (الثعالب
والأرانب روايتان) كل منهما مستفيضة
، وفيها الصحاح وغيرها ، وقد تقدّم الإشارة إلى جملة من كل منهما .
إلّا
أن أكثرهما
و (أشهرهما)
ما دلّ على (المنع)
واستفاض نقل الشهرة في كلام جماعة من الأصحاب ، كالمعتبر والمنتهى والذكرى
والتنقيح والمدارك
، بل زاد هو كسابقه ، فادعى الإجماع بحسب الظاهر كما في كلام الأخير ، أو نفي
الخلاف كما في الأوّل ، والمحكي عن الخلاف
، ويشعر به عبارة الدروس والبيان
، حيث جعل رواية الجواز مهجورة متروكة ، مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كما هو ظاهر
المحقق الثاني والشهيد الثاني
وغيرهما
، حيث ادعوا الإجماع على المنع عن كل ما لا يؤكل لحمه من غير استثناء لما نحن فيه
أصلا ، وبالإجماع هنا صرح في الانتصار
، وهو حجّة أخرى زيادة على ما مضى من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر
الأرانب والثعالب عن الخلاف والمنتهى وابن زهرة .
وعلى هذا فلا ريب في ضعف رواية الجواز
وشذوذها فلتطرح ، أو تحمل
__________________
على التقيّة ، سيّما
وأن أمارتها في صحيحين منها لائحة
، لتضمنهما الرخصة في الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود ، كما في
أحدهما ، وفيما ذكر وأشباهه ، كما في الثاني ، ولا يقول به الأصحاب على الظاهر
المصرح به في الذكرى ، فإنه قال ـ بعد نقل إذعان المحقق بهما لوضوح سندهما ـ قلت : هذان الخبران مصرّحان
بالتقية لقوله في الأول : « وأشباهه » وفي الثاني : « في جميع الجلود » وهذا
العموم لا يقول به الأصحاب .
ومنه يظهر ضعف إذعان المحقق وإن تبعه في
المدارك ، سيّما مع اعترافهما باتفاق الأصحاب على المنع. . ووضوح السند بمجرده لا يبلغ قوة
المعارضة لذلك ، سيما مع موافقته للعامة ، واشتمال المعارض على متّضح السند أيضا
كما عرفته. فلا إشكال في المسألة بحمد الله سبحانه.
(ولا تجوز الصلاة)
ولا تصح (في الحرير
المحض) أو الممتزج على وجه يستهلك الخليط
لقلته (للرجال)
بإجماعنا الظاهر ، المصرّح به في كثير من العبائر ، كالانتصار والخلاف والمنتهى
والمدارك والذكرى وغيرها
، لكن فيهما
: عندنا ، وهو وإن لم يكن صريحا في الإجماع ، لكنه ظاهر فيه جدّاً.
وهو الحجة ، مضافا إلى النهي عن
استعماله مطلقا الثابت بإجماع علماء الإسلام على الظاهر ، المحكي في ظاهر الانتصار
والخلاف ، وصريح المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني
والتحرير وروض
__________________
الجنان وغيرها ، وفي الأخير وشرح القواعد للمحقق
الثاني : أن به أخبارا متواترة.
وهو كذلك بعد ضمّ بعضها إلى بعض من طرق
العامة والخاصة .
وهي ما بين عامة للنهي عن لبسه مطلقاً ، ومصرّحة بعدم حلّ الصلاة فيها الظاهر في
فسادها بنفسه ، أو بضميمة اقتضاء النهي في العبادة الفساد ، كما عليه علماؤنا.
ولا فرق في إطلاق النص والفتوى بين كونه
ساترا للعورة أم لا ، وبه صرّح جماعة ومنهم الفاضلان في المعتبر والمنتهى ، وعزاه في الأخير إلى علمائنا بعد أن
نسبه ـ وفاقا للأوّل ـ إلى الشيخين وأتباعهما.
وكثير
من النص
والفتوى وإن دلّ على المنع مطلقا (إلّا)
أنه مقيد بحالة الاختيار وغير الحرب ، إذ يجوز استعماله مطلقا ولو في الصلاة (مع الضرورة أو في)
حال (الحرب)
المرخص فيه مطلقا ولو من غير ضرورة ، بإجماعنا الظاهر ، المحكي في كثير من العبائر
كالمنتهى وروض الجنان والذكرى
وغيرها
، لكن في الأوّل حكاه في الضرورة خاصّة.
وهو الحجّة ، مضافا إلى العمومات بأن :
الضرورات تبيح المحظورات.
وقولهم :
: « كلّ ما غلب الله تعالى فالله تعالى أولى بالعذر » .
__________________
وقوله 7
: « رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يطيقون » .
وخصوص
المستفيضة
، وفيها الموثقات وغيرها ، منها : « لا يلبس الرجل الحرير والديباج إلّا في الحرب
» .
ونحوه آخر ، لكن بدل « لا يلبس » « لا
يصلح للرجل »
وهو وإن أشعر بالكراهة ـ ككثير من الأخبار المتضمّنة للفظها ـ لكنها محمولة على
الحرمة بإجماع علماء الإسلام كما عرفته.
ومنها : عن لباس الحرير والديباج ، فقال
: « أما في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل » .
ومنها المروي عن قرب الإسناد : « أن
عليا 7 كان لا يرى
بلبس الحرير والديباج إذا لم يكن فيه التماثيل بأسا » .
وفي الفقيه : « لم يطلق النبي 9 لبس الحرير إلّا لعبد الرحمن بن عوف ،
وذلك أنه كان رجلا قملا » .
واحترز بالمحض عن الممتزج بما يصح
الصلاة فيه مزجا لا يستهلك فيه الخليط ، لجواز لبسه حينئذ ولو في الصلاة إجماعا ،
على الظاهر ، المصرّح به
__________________
في الخلاف وشرح
القواعد للمحقق الثاني
وغيرهما .
والمعتبرة به مع ذلك مستفيضة جدّا ، ففي
الصحيح : عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف ، أيصلّى فيه؟ « لا
بأس » .
وفي المرسل كالموثق : في الثوب يكون فيه
الحرير ، فقال : « إن كان فيه خلط فلا بأس » .
وفي الخبر : سمعت أبا جعفر 7 ينهى عن لباس الحرير للرجال وللنساء ،
إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو قطن أو كتان ، وإنما يكره
المحض للرجال والنساء .
هذا ، مضافا إلى الأصل ، واختصاص النصوص
المانعة والإجماعات المحكية ـ بحكم التبادر ، بل والتقييد بالمحض والمبهم في جملة
منها ـ به خاصة.
وظاهر جملة من النصوص المزبورة كفاية
مطلق الخليط ولو كان أقل من الحرير ، وبه صرّح جماعة ، قالوا : سواء كان الخليط
أقل أو أكثر ولو كان عشرا ، ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم محض
.
وهو حسن ، وفي شرح القواعد للمحقق
الثاني ـ بعد ذكر ذلك وأنه يشترط في الخليط أن يكون محللا ـ وعلى ذلك كلّه إجماع
الأصحاب نقله في
__________________
المعتبر والمنتهى .
واعلم أن ما تضمنته الرواية الأخيرة ـ من
نهي النساء عن لباس الحرير كالرجال ـ مخالف لإجماع علماء الإسلام ، لإطباقهم على
الجواز في غير الصلاة ، كما في المعتبر والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني
والذكرى وروض الجنان
وغيرها
، ويعضده الأصل ، واختصاص الأدلّة المانعة ـ نصّا وفتوى بعد ضمّ بعضها إلى بعض ـ بالرجال
خاصّة ، فالرواية شاذّة من هذه الجهة ، مع أنها بحسب السند ضعيفة لا تصلح للحجّية
، ومعارضة بالنصوص المستفيضة بجواز لبسهنّ
الحرير
مطلقا
، كما في جملة منها
، أو في غير الإحرام كما في بعضها
، أو غير الصلاة أيضا كما في آخر منها .
ومن هنا ظهر أن لا تحريم على الخناثى
والصبيان. قطعا في الأخير ، وفاقا لجماعة
، للأصل ، وعدم صدق الرجال عليهم ، مع عدم قابليّتهم لتوجّه المنع إليهم ، وتوجّهه
إلى أوليائهم لا دليل عليه ، فيندفع بالأصل.
وعلى الظاهر في الأول ، لما مرّ. ويحتمل
المنع فيهم احتياطا ، لاحتمال كونهم في نفس الأمر ذكورا فيتوجّه إليهم النهي أيضا.
(وهل يجوز للنساء)
الصلاة فيه (من غير
ضرورة؟ فيه قولان ، أظهرهما
__________________
الجواز)
وهو أشهرهما ، بل لا خلاف فيه ظاهرا إلّا من الصدوق في الفقيه حيث قال بالمنع ، والفاضل في المنتهى حيث توقف بينهما .
وهما شاذّان ، بل على خلافهما إطباق
باقي الأصحاب ، كما صرح به في المختلف
ويفهم أيضا من الشهيدين في الذكرى وروض الجنان
وغيرهما .
ولعلّه كذلك ، سيّما بملاحظة حال
المسلمين في الأعصار والأمصار من عدم منعهم النساء عن الصلاة فيه كما لا يمنعونهنّ
عن لبسه في غيرها ، وهو إجماع قطعيّ لا يكاد ينكر ، ومع ذلك معاضد بالأصل السليم
عن المعارض ، عدا إطلاق النصوص المانعة عن الصلاة وحلّها فيه بقول مطلق ،
كالصحيحين في أحدهما : هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب : « لا
تحلّ الصلاة في حرير محض »
ونحوه الثاني لكن بزيادة السؤال فيه عن الصلاة في تكة حرير .
والموثق : عن الثوب يكون علمه ديباجا ،
قال : « لا يصلّى فيه » .
ونحوه الرواية السابقة المسوّية بين الرجل والمرأة في كراهة
الحرير
__________________
لهما ، بناء على عدم
إمكان حملها على مطلق اللبس لمخالفة النص والإجماع ، كما مر ، فينبغي التقييد بحال
الصلاة.
وخصوص المروي في الخصال : « يجوز للمرأة
لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام ، وحرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد » .
وشيء من ذلك لا يصلح دليلا لإثبات
المنع ، لمعارضة الإطلاق ـ بعد تسليمه ـ بإطلاق النصوص المتقدمة المرخّصة لهنّ في لبسه الشاملة لحال
الصلاة وغيرها ، بل عموم بعضها لهما ، كالمرسل كالموثق بابن بكير المجمع على تصحيح
ما يصح عنه : « النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام » وقضيّة الاستثناء جواز لبسهن في
الصلاة.
وقريب منه الموثق : « لا ينبغي للمرأة
أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس » .
وقصور الأسانيد أو ضعفها مجبور بعمل
العلماء كافّة كما مضى .
والتعارض بين الإطلاقين وإن كان من قبيل
تعارض العمومين من وجه يمكن تقييد كل منهما بالآخر ، إلّا أن تقييد الإطلاق الأوّل
بهذا ـ بأن يراد منه المنع وعدم الحلّ لخصوص الرجال ، كما ربما يشعر به سياق
الصحيحة الأولى ـ أولى من العكس ، بأن يقيّد الإطلاق الأخير بحلّ اللبس في غير
الصلاة ، وذلك لرجحان هذا الإطلاق بالأصل والشهرة العظيمة المحققة والمحكية في
كلام جماعة حد الاستفاضة ، بل قد عرفت قوة احتمال كونها إجماعاً.
__________________
والرواية السابقة ـ مع ضعف دلالتها
ومخالفة إطلاقها إجماع العلماء ـ قد عرفت أنها ضعيفة سندا ، وكذلك رواية الخصال ضعيف سندها بعدّة
من المجاهيل ، فلا حجّة فيهما من أصلهما وإن اتضح دلالتهما ، فكيف تقاومان أدلّة
المشهور وتخصّصانها؟! بل ينبغي طرحهما ، أو حملهما على الأفضليّة كما عن المبسوط
والجامع وفي السرائر
، أو الكراهة كما عن الوسيلة والنزهة .
ولا
بأس بهما
، خروجا عن الشبهة ، ومسامحة في أدلّة السنن والكراهة.
(وفي)
جواز الصلاة في نحو (التكة
والقلنسوة) مما لا تتم فيه (من الحرير)
للرجال (تردّد)
واختلاف بين الأصحاب :
فبين مانع عنه ، كالمفيد والديلمي
والصدوق والإسكافي وابن حمزة
، وغيرهم من القدماء
، والفاضل في المختلف والقواعد والمنتهى والشهيد في اللمعة ، وكثير من متأخّري المتأخّرين .
ومجوّز ، كالنهاية والمبسوط والسرائر ،
والحلبي ، والفاضلين في المعتبر والإرشاد والتلخيص والتذكرة ، والشهيدين في صريح
الدروس وروض الجنان
__________________
وظاهر الروضة
والذكرى
أو محتملهما ، ونسبه في الذخيرة وغيرها إلى المشهور ، وفي المفاتيح وغيره إلى المتأخّرين ، وهو كما ترى.
ومتردّد فيه ، كالفاضل في التحرير والصيمري ، وغيرهما ، والماتن في الشرائع وهنا ، لكن قال (أظهره الجواز مع الكراهة)
استنادا فيها إلى الشبهة الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية ، وفي الجواز إلى
الأصل ، وخصوص الخبر : « كلّ ما لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بالصلاة فيه ،
مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل » .
مع سلامتهما عن المعارض ، عدا إطلاقات
الأدلّة المانعة عن الصلاة في الحرير أو لبسه مطلقا أو عمومها ، وهي تقبل التقييد
بالرواية الصريحة.
ويضعف الأصل : بمعارضته بالاحتياط
اللازم المراعاة في نحو المسألة من العبادات التوقيفية.
والرواية : بضعف سندها ، فإن فيه أحمد
بن هلال ، وهو ضعيف لا يلتفت إلى روايته جدّا وإن روى عن ابن أبي عمير كما هنا ،
فإن ذلك لا يفيد توثيقا وإن أفاد اعتبارا ما عند بعض علماء الرجال أو جملة منهم ، فإن الاعتماد على مثل
__________________
ذلك هنا مع إطراح
جملة من القدماء والمتأخرين بل المشهور لها بالخصوص مما يوهن التمسك بها لذلك
والخروج بها عن الإطلاقات والعمومات القطعية ، مع قوّة دلالة جملة منها صحيحة ، من
حيث وقوع الجواب فيها بالمنع عن الصلاة في الحرير المحض بعد أن سئل عنها في
المعمول منه من نحو التكة والقلنسوة
، وذلك كالنصّ إن لم يكن نصّا ، كما ذكره جماعة ، وهي أكثر وأصحّ ، فلتكن بالتقديم
أرجح.
ولا يقدح كونها مكاتبة ، لكونها ـ على
الأصح ـ حجّة ، سيّما مع اتفاق الأصحاب على العمل عليها ولو في غير المسألة ،
ومخالفتها العامة ، لظهورها في أن للصلاة في المنع عن لبسه فيها مدخلية وليس إلّا
من حيث بطلانها به ، وهو من خصائص الإماميّة كما عرفته ، فكيف يمكن تصور حملها على
التقية كما قيل؟! بل حمل الرواية السابقة عليها جماعة ، كما ذكره في الوسائل فقال
: وذهب جماعة إلى المنع وحملوا الجواز على التقية ، وهو الأحوط .
ولا ريب أن حمل الرواية عليها أمكن من
حمل الصحاح عليها ، لبعدها عن طريقتهم في الغاية دون الرواية ، فإنها تنطبق على
مذهبهم لو لا ما يتوهم من مفهومها : من المنع عن الصلاة فيما تتم فيه ، المخالف
للعامة ، إلّا أن الذب عنه ممكن بأن دلالتها على ذلك بالمفهوم الضعيف ، فلعلّ
العامة زمان صدور الرواية لم يقولوا به.
هذا مع معارضة الرواية بصريح بعض
المعتبرة كالرضوي : « لا تصلّ في ديباج ولا في حرير » إلى أن قال : « ولا في ثوب
إبريسم محض ولا في تكة
__________________
إبريسم ، وإذا كان
الثوب سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف فلا بأس بالصلاة فيه » .
ويستفاد
منه
ـ زيادة على ذلك ـ إطلاق الحرير على المنسوج من الإبريسم فيشمل نحو القلنسوة ،
ونحوه في ذلك الصحاح المتقدمة المعبرة في السؤال بالقلنسوة من الحرير .
والإطلاق وإن كان أعم من الحقيقة ، إلّا
أن أمارتها فيه هنا موجودة ، لعدم صدق سلب الحرير عن القلنسوة المعمولة منه بلا
شبهة.
وحيث ثبت شمول الحرير لنحو المعمول منه
مما لا تتم فيه الصلاة ، ظهر شمول الإطلاقات المانعة عن لبسه مطلقا وفي الصلاة له
جدّا ، فمنع الإطلاقات لا وجه له جدّا ، فإذا المنع أقوى.
(وهل يجوز الركوب عليه والافتراش به؟)
فيه تردد (المروي :
نعم) ففي الصحيح : عن الفراش الحرير ومثله
من الديباج ، والمصلّى الحرير ومثله من الديباج ، يصلح للرجل النوم عليه والتكأة
والصلاة عليه؟ قال : « يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه » .
وفي الخبر : « لا بأس أن يأخذ من ديباج
الكعبة فيجعله غلاف مصحف أو يجعله مصلّى يصلّي عليه » .
وهو المعروف بين الأصحاب ، كما في
المدارك والذخيرة
، مؤذنين
__________________
بدعوى الإجماع عليه.
ولعله كذلك ، وإن أشعرت العبارة بالتردّد ، كما هو ظاهر الصيمري وصريح المعتبر ، لعدم ثبوت الخلاف بالتردّد.
نعم ، حكي المنع عن المبسوط والوسيلة ، ونسبه في المختلف إلى بعض المتأخرين .
ولكنه شاذّ غير معروف المستند ، عدا
عموم بعض النصوص بالمنع ، كخبر : « هذان محرّمان على ذكور أمّتي » .
وهو ـ على تقدير تسليم سنده وعمومه لما
نحن فيه ـ مخصّص بما مرّ ، لكونه خاصّا فليكن مقدّما.
والجمع بينهما بحمل الحرير والديباج فيه
على الممتزج ، وإن أمكن ، لكنّه مجاز وما قدّمناه تخصيص فهو عليه مقدّم ، كما هو
الأشهر الأقوى ، وبيّن وجهه في الأصول مستقصى ، مع كون التخصيص هنا أوفق بالأصل
جدّاً.
ولكن الأحوط ترك الصلاة عليه ، للرضوي :
« ولا تصلّ على شيء من هذه الأشياء إلّا ما يصلح لبسه » وأشار بالأشياء إلى نحو الحرير والذهب
وغيرهما.
وذكر جماعة أن في حكم الافتراش التوسّد عليه
والالتحاف به.
وهو حسن ، لا للإلحاق بالنص ، لكونه قياسا
، بل للأصل ، وعدم دليل
__________________
يعتد به إلّا على
تحريم اللبس لا مطلق الاستعمال ، وهو غير صادق في محل البحث.
وزاد شيخنا الشهيد الثاني لذلك جواز
التدثّر به .
ومنعه سبطه
، زعما منه صدق اللبس عليه.
وفيه
نظر. ولو سلّم
ففي دخوله في إطلاق اللبس الوارد في النصوص نوع شك ، فيندفع بالأصل. فتأمّل.
(ولا بأس بثوب مكفوف به)
أي بالحرير ، أن يلبس ويصلّى فيه ، على الأشهر بين الأصحاب ، بل لا خلاف فيه يظهر
إلّا من نادر سيذكر ، ونسب في الذكرى إلى الأصحاب ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وفي
المدارك : أنه مقطوع به بين المتأخّرين
، مشعرا بدعواه ، كجملة ممن لم ينقلوا الخلاف فيه مع كون ديدنهم نقله حيث كان.
واستدل عليه الفاضلان في المعتبر
والمنتهى والمحقق الثاني والشهيد في الذكرى
بالنبوي العامي أنه 9
: نهى عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع .
والخبر : كان يكره أن يلبس القميص
المكفوف بالديباج ، ويكره لباس الحرير
الحديث.
__________________
وفي الاستدلال بهما ـ لو لا الشهرة بل
الإجماع ـ نظر ، لضعف سندهما ، وضعف دلالة الأخير جدّا ، إذ الكراهة أعم منها
بالمعنى المصطلح ومن الحرمة ، مع ظهور السياق فيه وفي كثير من النصوص المعبّرة عن
حرمة الحرير بلفظ الكراهة ، في إرادة الأخير خاصّة ، فالخروج بهما عما دلّ على
حرمة لبس الحرير والصلاة فيه مشكل ، لو لا الشهرة الجابرة لضعف السند والدلالة.
وربما أيّد الجواز بالأصل ، والخبر : «
لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا » .
وفيهما نظر ، لمعارضة الأوّل بالاحتياط
اللازم المراعاة في العبادات التوقيفية.
وضعف الثاني سندا. بل ودلالة كالخبرين
السابقين ، لعدم إشعار فيهما بجواز الصلاة فيه ، وإن أمكن الذبّ عن هذا بكفاية
الشمول إطلاقا مع عدم القائل بالفرق أصلا.
لكن في الموثق : عن الثوب يكون علمه
ديباجا ، قال : « لا تصلّ فيه » .
وهو بالنسبة إلى المنع عن الصلاة فيه
خاص وتلك الأخبار باللبس مطلقة تصلح أن تكون به مقيّدة ، ولعله لذا منع عنه القاضي
والمرتضى في
بعض مسائله فيما حكي عنه .
وهو أحوط ، وإن كان في تعينه نظر ، لقصور الموثق عن المقاومة لما مر.
وأما ما عليه الصدوق : من المنع عن
الصلاة في تكة رأسها من إبريسم
،
__________________
فلم يقم عليه دليل
صالح إلّا عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في الحرير.
وهو غير معلوم الشمول لنحو ذلك من خيوط
الإبريسم ، إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس ، أو لعدم صدق الحرير عليه لغة
ولا عرفا ، لاختصاصه فيهما بالمنسوج منه لا مطلقا.
ولو
سلّم الصدق
عليه حقيقة فغير معلوم كونه من الأفراد المتبادرة له عند الإطلاق جدّا ، وعليه
فيجب الرجوع إلى مقتضى الأصل. مع كون قوله شاذّا لم أعرف به قائلا حتى القاضي
والمرتضى ، لمنعهما عن الكفّ به خاصة.
والمراد به أن يجعل في رؤوس الأكمام
والذيل وحول الزيق .
وقدّر عند جماعة بما مر في النبوي من الأربع الأصابع ،
وتوقف فيه نادر .
ولا وجه له إلّا ضعف السند ، وقد انجبر
بالعمل كما مر. مضافا إلى لزوم الاقتصار فيما خالف دليل المنع على المتيقن من
الرخصة فتوى ورواية ، وليس إلّا قدر الأصابع الأربع مطلقاً بل مضمومة. ولا ينافيه
إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة ، لورودها مورد الغلبة ، وليس إلّا الأربع
الأصابع مضمومة أو غايتها منفرجة ، فالزيادة تعدية تحتاج إلى دلالة هي في المقام
مفقودة.
والحق بالكف اللبنة أي الجيب ، للنبوي
الآخر : كان له 9
جبة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج .
(ولا تجوز)
الصلاة ولا تصح (في
ثوب مغصوب مع العلم) بالغصبية ،
__________________
بلا خلاف أجده فيما
لو كان ساترا إلّا من نادر لا يعبأ به
، مع دعوى الإجماع على خلافه في كلام كثير ، كالسيدين في الناصريات والغنية ،
والفاضل في ظاهر المنتهى وصريح التحرير ونهاية الإحكام والتذكرة ، والمحقق الثاني
في شرح القواعد والشهيدين في الذكرى وروض الجنان .
وهو الحجة ، مضافا إلى الأصول الآتية.
ومقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر
الجماعة ـ ومنهم كثير من نقلة الإجماع ـ عدم الفرق بين كونه ساترا أو غيره ، وبه
صرّح جماعة
ومنهم الشهيد ;
في جملة من كتبه
، بل زاد فقال : ولا يجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا ، فتبطل الصلاة مع
علمه بالغصب.
وهو حسن ، لما ذكره جماعة : من أن الحركات الواقعة في الصلاة
منهي عنها ، لأنها تصرّف في المغصوب ، والنهي عن الحركة نهي عن القيام والقعود
والركوع والسجود ، وكل منها جزء للصلاة فتفسد ؛ لأن النهي في العبادة يقتضي الفساد
، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.
وبأنه مأمور بإبانة المغصوب عنه وردّه
إلى مالكه ، فإذا افتقر إلى فعل كثير كان مضادّا للصلاة ، والأمر بالشيء يقتضي
النهي عن ضده
بالتقريب الآتي
__________________
فيفسد .
وأما ما يقال في الجواب عن الأوّل : بأن النهي إنما
يتوجه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه ، لا إلى الحركات من حيث هي
حركات الصلاة ، فالنهي متعلق بأمر خارج عنها ليس جزءا ولا شرطا ، فلا يتطرق إليه
الفساد ، بخلاف ما لو كان المغصوب ساترا أو مسجدا أو مكانا ، لفوات بعض الشروط أو
بعض الأجزاء.
وعن الثاني : بمنع اقتضاء الأمر بالشيء
النهي عن ضده الخاص ، وإنما يقتضي النهي عن ضده العام الذي هو الترك أو الكفّ.
فضعيف ، أما الأوّل فلما ذكره بعض
الأفاضل : من أنّ الإنسان إذا كان متلبّسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا
خفاء في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة ، لكونها محرّكة للشيء
المغصوب ، فيكون تصرّفا في مال الغير محرّما ، فلا يصح التعبّد به مع أنه جزء
الصلاة ، واعتبار الجهتين غير نافع في صحة تعلق الوجوب والحرمة إلّا مع اختلاف
المتعلقين لا مطلقا ، وبالجملة لا يصح هذا الكلام على رأي أصحابنا القائلين بأن
الشيء الواحد الشخصي لا يجوز أن يكون متعلّقا للوجوب والحرمة معا مطلقا ، وإنما
يتم على رأي جماعة من العامة المخالفين في هذه المسألة .. إلى آخر ما ذكره .
ولنعم ما أفاده وإجادة ، شكر الله سعيه.
هذا ، مع أن اختلاف الجهة لو أثّر للزم
صحة الصلاة فيه ولو تعلق بها أو بجزئها أو بشرطها النهي ، ولا يقول به ، لما عرفت
من تصريحه بالفساد لو كان
__________________
ساترا ، لفوات
الشرط. هذا.
ودعوى فساد المشروط بتعلق النهي بشرطه
مطلقا كما يقتضيه عبارته ممنوعة ، بل يختص بذلك بما إذا كان الشرط عبادة ، فإنّ
تعلق النهي به يستلزم فساده ويترتب عليه فساد مشروطه. وأما إذا لم يكن عبادة فلا
وجه لذلك فيه ، فإن النهي لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط ، وإنما
يقتضي حرمته ، ولا تلازم بينها وبين حرمة المشروط ، كما لو أوقع إزالة الخبث
المشترطة في صحة الصلاة بالماء الغصبي ، فإن ذلك لا يؤثّر في بطلان مشروطها ،
والستر من قبيلها ليست بعبادة جدّا ، وإلّا لما صح صلاة من ستر عورته من دون قصد
القربة بناء على اشتراطه في مطلق العبادة ، وأنها به تفترق عما ليس بعبادة.
ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل
كون الستر عبادة ، حيث قال ـ بعد نقل كلام الماتن في المعتبر : اعلم أني لم أقف
على نصّ من أهل البيت بإبطال الصلاة وإنما هو شيء ذهب إليه المشايخ الثلاثة
وأتباعهم. والأقرب أنه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة
باطلة ، لأن جزء الصلاة يكون منهيا عنه وتبطل الصلاة بفواته. أما لو لم يكن كذلك
لم تبطل كلبس خاتم من ذهب
ـ ما صورته :
يعني جزأها وما جرى مجرى الجزء من الشرط
المقارن ، يعني أنّ النهي إنما يقتضي الفساد إذا تعلق بالعبادة ، فإذا استتر
بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيّا عنه ، فإن الاستتار به عين لبسه والتصرف
فيه ، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة ، فقد صلّى صلاة خالية عن شرطه الذي
هو الاستتار المأمور به ، وليس هذا كالتطهير من الخبث بالمغصوب ، فإنه وإن نهي عنه
لكن يحصّل
__________________
الطهارة ، وشرط
الصلاة إنما هو الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه .. إلى آخر ما ذكره .
ومحصل كلامه ـ كما ترى ـ في وجه الفرق
بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقة ، إذ به تتمّ الخصوصية للستر ، وقد عرفت
ما فيه.
وليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة؟
ولم أر له أثرا عدا تعلّق الأمر بالستر ، وأن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن
تكون عبادة موقوفة على قصد القربة ، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب.
فإن ادعى خروج ذلك بالإجماع على عدم
اعتبار قصد القربة فيه.
قلنا له : كذلك الأمر في محل النزاع ،
وإلّا لما صحّ صلاة من ستر عورته بمحلّل إلّا بقصد القربة ، وهو خلاف الإجماع ، بل
البديهة.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لفساد الصلاة في
المغصوب الساتر للعورة غير ما قدّمنا إليه الإشارة : من كون الحركات الأجزائية
منهيّا عنها باعتبار كونها تصرّفا فيه ، وهذا لا يختلف فيه الحال بين الساتر
وغيره. فالقول بالفرق ـ كما عليه الماتن في المعتبر وشيخنا في روض الجنان وسبطه في
المدارك وقواه في الذكرى
ـ ضعيف ، سيّما مع إطلاق جملة من الإجماعات المحكية المؤيّدة بالدليلين المتقدم
إليهما الإشارة
، لضعف ما يرد عليهما :
أما الأوّل : فلما مر.
وأما الثاني : فلأن الأمر بالشيء وإن
كان لا يقتضي النهي عن ضده الخاص لفظا ولا معنى ـ كما هو الأشهر الأقوى ـ إلّا أنه
يستلزم عدم اجتماع أمر آخر معه يضادّه لو كان مضيّقا والآخر موسّعا كما فيما نحن
فيه ، فإن الأمر
__________________
بالإبانة فوريّ
إجماعا والفرض سعة وقت الصلاة ، وإلّا فهي مقدمة على جميع الواجبات ، وحيث استلزم
عدم الاجتماع بقي الصلاة بلا أمر ، وهو عين معنى الفساد ، إذ الصحة في العبادة
عبارة عن موافقة الأمر ، وحيث لا أمر فلا موافقة ، فجاء الفساد من هذه الجهة لا
استلزام الأمر بالشيء النهي عن ضده
وإن أوهمه ما سبق في الدليل من العبارة ، لكن المراد ما عرفت ، وإنما وقع التعبير
بذلك مسامحة.
وبهذا
الوجه يصح
المنع عن الصلاة وبطلانها في خاتم الذهب والثوب المموّه به ( إذا استلزم نزعهما ما
ينافي الصلاة ، لتحريم لبسه ووجوب نزعه إجماعا ، فتوى ونصا ، وبه صرّح الفاضل في
المنتهى والتحرير والتذكرة ، والشهيد في الدروس والبيان والذكرى وعن الصدوق
والإسكافي
، ونسب إلى الأكثر .
ولعله كذلك ، بل لا خلاف فيه مطلقا يظهر
إلّا من الماتن في المعتبر ، في خصوص الخاتم كما مر ، وتوقف فيه خاصّة في الذكرى بعد أن
حكم ببطلان الصلاة في الثوب المموّه منه
) . ويظهر من
المنتهى التردد فيه وفي المنطقة أيضا ، لكن اختار المنع في الأوّل قال : لأن النهي
في العبادة يدل على الفساد.
__________________
وفيه نظر ، لمنع توجه النهي هنا إلى
العبادة ، بل إلى اللبس خاصة ، وهو ليس جزءا من العبادة ، فالأولى الاستدلال عليه
بما قدمنا إليه الإشارة ، لكنه في الجملة ، ويتم بعدم القائل بالفرق بين الطائفة.
مضافا إلى النصوص المستفيضة : ففي
الموثق المروي في الكافي والتهذيب والعلل : « لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه ،
لأنه من لباس أهل الجنة » .
وفي الرضوي : « ولا تصلي في جلد الميتة
ولا في خاتم الذهب »
الخبر.
وفي المروي عن الخصال : « يجوز للمرأة
لبس الديباج » إلى أن قال : « ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه ، وحرّم ذلك على
الرجال » .
وفي آخر : « جعله الله تعالى حلية أهل
الجنة ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » .
وقصور الأسانيد منجبر بالفتاوى ،
وبالقاعدة. ولكن مقتضاها بطلان الصلاة في الملبوس منه خاصة ، كالخاتم والثوب
المموّه به وكذا المنطقة ، لصدق اللبس عليها عادة ، دون ما يستصحبه المصلّي من نحو
الدنانير مما لا يصدق اللبس عليه عادة ، إذ لا نهي فيه عموما ولا خصوصا ، بل ظاهر
جملة من النصوص جواز شدّ السنّ الثنيّة بالذهب مطلقا من دون تقييد له بغير حال
الصلاة
، مع أن الظاهر من حال الشد دوامه ولو حال الصلاة.
__________________
فالظاهر عدم البأس به ، وإن كان الأحوط
تركه ما لم يخف ضياعه ، أو تدعوه ضرورة أخرى إلى استصحابه فلا بأس به ، بل ينبغي
القطع بجوازه حينئذ ولو كان مثل خاتم أو ثوب مموّه ، فإن الضرورات تبيح المحظورات.
واحترز بالعلم بالغصبية عن صورة الجهل
بها ، لصحة الصلاة هنا قطعا ، إذ لا نهي معه إجماعا ، والفساد إنما ينشأ من جهته
لا من حيث كون الثوب مغصوبا ، إذ لا دليل عليه جدّاً.
ومنه
يظهر وجه الصحة
لو صلّى فيه ناسيا للغصبية ، وبه صرّح جماعة
، مؤيدين له بعموم رفع النسيان عن الأمّة
، وفيه مناقشة.
خلافا
للفاضل
في القواعد والمختلف
، فيعيد مطلقا كما في الأوّل ، أو في الوقت خاصة كما في الثاني. وربما فصّل بين
العالم بالغصب عند اللبس الناسي له عند الصلاة فالإعادة ، والناسي له عند اللبس
خاصة فالعدم .
ولم أجد لشيء من هذه الأقوال دلالة عدا
وجوه اعتبارية هي ـ مع معارضتها بعضا مع بعض ـ لا تصلح حجّة في مقابلة الأصل
المعتضد بما قدّمناه من الحجّة.
وفي إلحاق الجاهل بالحكم مطلقا بالعامد
وجهان ، بل قولان ، أحدهما : نعم ، وفاقا للتحرير والمنتهى ، قال : لأن التكليف لا يتوقف على
العلم به ، وإلّا لزم الدور ، وعليه الشهيد في الدروس والذكرى والمحقق الثاني في
شرح
__________________
القواعد .
وظاهر
الأصحاب
فيما أعلم ـ وبه صرّح بعض
ـ إلحاق ناسي حكم الغصبية بجاهله في وجوب الإعادة. ولا يخلو عن إشكال إن لم يكن
إجماع.
(و) كذا (لا) تجوز الصلاة ولا تصح (فيما
يستر ظهر القدم ، ما لم يكن له ساق) بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق والقدم
وشيئا من الساق ، كالشمشك
ـ بضم الأوّلين أو ضم الأول وكسر تاليه ، على الاختلاف في الضبط ـ والنعل السندي
وشبههما ، كما عليه الماتن هنا وفي الشرائع والفاضل في الإرشاد والقواعد والشهيد
في الدروس وغيره
، بل نسبوه إلى النهاية والمقنعة والقاضي والديلمي وغيرهم من القدماء ، بل ادعى شيخنا في الروضة وروض الجنان
كونه مشهورا .
وفيه نظر ، فإن المحكي عن الشيخين
وأضرابهما إنما هو المنع عن الصلاة في النعل السندي والشمشك خاصة ، وهو أخصّ من
المدعى ، فقد لا يكون لسترهما ظهر القدم كما ظنه الفاضلان وغيرهما ، بل لورود خبر
بهما ، كما صرّح به ابن حمزة في الوسيلة
، ولعله الحجّة لهم دون ما قرّره الفاضلان
__________________
من حجج ضعيفة غير
صالحة للحجية أصلا ، حتى على إثبات الكراهة ، فكيف تثبت بها الحرمة؟
ولذا أعرض عن القول بها المتأخّرون أو
أكثرهم كما في المدارك والذخيرة وغيرهما
، ولكن قالوا بالكراهة ، وفاقا للمبسوط والإصباح والوسيلة في الشمشك والنعل السندي خاصة ،
وللتحرير وظاهر المنتهى
في كل ما يستر ظهر القدم ، كما في عنوان العبارة.
لا لما مر من الحجج الضعيفة ، بل تفصّيا
عن شبهة الخلاف الناشئة من اختلاف الفتوى والرواية مسامحة في أدلّة السنن
والكراهة. والمراد بالرواية ما وقع الإشارة إليه في الوسيلة ، لكنها ـ كما عرفت ـ غير
عامة لكل ما يستر ظهر القدم ، بل في خصوص ما مرّ من الأمرين.
وفي الاحتجاج وعن كتاب الغيبة لشيخ
الطائفة فيما ورد من التوقيع عن مولانا صاحب الزمان عليه وعلى آبائه السلام إلى
الحميري فيما كتب إليه يسأله : هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجليه بطيط ولا يغطّي
الكعبين أم لا يجوز؟ فوقّع 7
: « جائز » .
والبطيط كما في القاموس : رأس الخف بلا
ساق ، كأنه سمي
به تشبيها له بالبطّ.
قيل : وفيه تأييد القول بالمنع.
وفيه نظر ، بل هو لتأييد القول الآخر
أظهر ، كما صرّح به بعض من
__________________
تأخّر .
وكيف كان ، فالأحوط الترك مطلقا ، سيّما
فيما ورد به المنع في خصوص النص ، وإن كان من المرسل ، لكفايته في الاحتياط. بل لو
لا الشهرة المتأخّرة المحققة والمحكية ورجوع الشيخ في المبسوط عن القول بالحرمة لكان القول بها للرواية لا يخلو عن قوة
ولو كانت مرسلة ، لقوة احتمال انجبارها بالشهرة القديمة على ما حكاه شيخنا في
كتابيه المتقدم إليهما الإشارة .
واحترز
بقوله :
ما لم يكن .. إلى آخره ، عما لو كان له ساق يغطّي ولو شيئا من الساق (كالخف)
والجرموق
، فإنه يجوز الصلاة فيه إجماعا على الظاهر ، المصرّح به في التحرير والتذكرة وغيرهما
.
وهو الحجة ، مضافا إلى الأصل ،
والإطلاقات السليمة هنا عن المعارض ولو على الكراهة بالكلية.
(ويستحب)
الصلاة (في النعل
العربية) عند علمائنا أجمع ، كما صرّح به جماعة
حد
الاستفاضة ، مؤذنين بدعوى الإجماع عليه.
وهو الحجة ، مضافا إلى الصحاح المستفيضة
المرغّبة إليه أمرا ، كالصحيح : « إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرة ، فإن
ذلك من السنة » .
__________________
ونحوه آخر ، إلّا أن فيه بدل « إن ذلك
من السنة » : « يقال ذلك من السنة » .
وفعلا من رسول الله 9 والصادقين : ، كما في الصحاح .
وفي الخبر : سمعت الرضا 7 يقول : « أفضل موضع القدمين في الصلاة
النعلان » .
ومقتضى هذه الروايات
استحباب الصلاة في النعل مطلقا. وربما كان الوجه في حملها على العربية أنها هي
المتعارفة في ذلك الزمان ، كما صرّح به جماعة من الأصحاب ، لكن قالوا : ولعلّ
الإطلاق أولى .
ولعل
وجهه
ـ مع الاعتراف بصحة الحمل ـ كفاية الاحتمال في المستحبات من باب التسامح (
والاحتياط )
فاندفع عنهم الاعتراض : بأنه محل تأمّل ، لما ذكروه ، لأن المطلق ينصرف إلى
المتعارف وليس هنا عموم لغوي ينفع .
(ويكره)
الصلاة (في الثياب
السود عدا العمامة والخفّ) والكساء ،
لإطلاق المستفيضة بكراهة لبسها عدا المستثنيات الثلاثة ، مع تصريح جملة من النصوص بكراهة
الصلاة في خصوص القلنسوة ، معلّلة بأنها لباس أهل النار ، والتعليل عام لا يخصّ المورد ، كما
يستفاد من النصوص ، ففي الخبر :
__________________
« كنت عند أبي عبد
الله 7 بالحيرة ،
فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه ، فدعا بممطر أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه ،
ثمَّ قال : « أما إني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل النار » .
مضافا إلى عموم المرسل : « لا تصلّ في
ثوب أسود ، فأما الخفّ والكساء والعمامة فلا بأس » .
فلا
إشكال في
كل من حكمي المستثنى والمستثنى منه ، إلّا في استثناء الكساء ، لعدم وقوعه في
العبارة ونحوها من عبائر كثير من الجماعة كالحلي في السرائر والماتن في ( الشرائع
) والفاضل في
الإرشاد والقواعد
وكذا المفيد والديلمي وابن حمزة فيما حكي عنهم
، بل قيل
: إنهم لم يستثنوا غير العمامة.
وبالجملة أكثر الأصحاب على عدم استثناء
الكساء ، بل قيل
: كلهم لم يستثنوه إلّا ابن سعيد في الجامع .
وفيه نظر ، فقد استثناه جماعة ممن تأخّر
تبعا
للمستفيضة ، ولا يخلو عن قوّة وإن كان عدم الاستثناء أيضا لا بأس به ، مسامحة في
أدلّة الكراهة بناء على
__________________
حصول الشبهة ، لعدم
استثناء الأكثر واقتصارهم على ما في العبارة ، ومنهم الفاضل في المنتهى مدعيا عليه
إجماع الإمامية
، مع عموم بعض النصوص
ككلام الصدوق
بكراهة مطلق السود ، خرج المجمع على استثنائه ويبقى الباقي.
وظاهر العبارة ـ كغيرها من عبائر
الجماعة ـ اختصاص الكراهة بالسود وعدم كراهة غيرها ، مع أن في الموثق : « يكره
الصلاة في الثوب المصبوغ المشبع المقدم » .
وفي
الخبر :
« يكره الصلاة في المشبع بالعصفر والمضرّج
بالزعفران » .
وبهما أفتى الفاضلان في المعتبر
والتحرير والمنتهى
، وغيرهما .
بل عن الشيخ وجماعة ـ ومنهم الحلي والإسكافي ـ كراهية الصلاة في الثياب المفدمة
بلون من الألوان
، ولعل مستندهم الموثق المتقدم ، بناء على تفسير المفدم بالخاثر المشبع بقول مطلق
من دون تقييد بالحمرة.
__________________
وأما على التفسير الآخر المقيد بها فلا
يعم كل لون ، بل يخصّ المشبع بالحمرة خاصة ، ولذا اقتصر الفاضلان على كراهيته
للموثقة ، وكراهة المضرج بالزعفران والمعصفر أيضا لما بعدها. والتعميم أولى بالمسامحة
في نحو محل البحث ، كما مر.
(و)
كذا تكره الصلاة (في
الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب والثعالب أو فوقه)
وفاقا للأكثر ، بل لا خلاف فيه يظهر إلّا من الشيخ في النهاية والصدوق ، فقالا
بالحرمة .
والأول قد رجع عنها إلى الكراهة في المبسوط
، فانحصر المانع في الثاني ، وهو شاذّ على الظاهر ، المصرّح به فيما يحكى من كلام
الماتن
، مشعرا بدعوى الإجماع على الجواز. فإن تمَّ ، وإلّا فالمنع لا يخلو عن قوة ،
لورود النهي عنه في المعتبرة المستفيضة.
ففي
الصحيح :
قلت لأبي جعفر 7
: الثعالب يصلّى فيها؟
قال : « لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة »
قلت : أصلي في الثوب الذي يليه؟ قال : « لا » .
وفيه : عن رجل سأل الماضي 7 عن الصلاة في جلود الثعالب ، فنهى عن
الصلاة فيها ، وفي الثوب الذي يليه ، فلم أدر أيّ الثوبين ، الذي يلصق بالوبر أو
الذي يلصق بالجلد؟ فوقّع 7
بخطه : « الثوب الذي يلصق بالجلد »
الحديث.
__________________
وفي الرضوي : « وإيّاك أن تصلّي في
الثعالب ولا في ثوب تحته جلد ثعالب » .
وقريب منها المروي في الاحتجاج عن
مولانا صاحب الزمان 7
أنه كتب إليه الحميري : قد سأل بعض العلماء عن معنى قول الصادق 7 : « لا تصلّ في الثعلب ولا في الأرنب
ولا في الثوب الذي يليه » فقال 7
: « إنما عنى الجلود دون غيرها » .
وهي مع استفاضتها أكثرها معتبرة السند
بالصحة والقوة ، فلا وجه لحمل النهي فيها على الكراهة ، عدا ما يتخيّل من عدم وجه
للمنع عدا تخيّل نجاسة الجلود الملاقية بالرطوبة ، وهو خلاف الأظهر الأشهر : من
قبولها التذكية فحينئذ لا وجه للمنع بالمرّة ، فينبغي الحمل على الكراهة.
وفيه نظر ، لاحتمال التعبد ، أو كونه
باعتبار ما يسقط عليه من الوبر ويتناثر عليه في وقت لبسه له ، تحت الوبر كان أو
فوقه ، كذا قيل .
وفيه نظر ، لظهور سياق الروايات بعد ضمّ
بعضها إلى بعض في كون المنع متوجّها إلى الثوب الذي يلي الجلد لا الوبر ، بل صرّح
بعضها بعدم المنع في الملاصق للوبر ، فظهر أن المنع ليس لما ذكر من تناثر الشعر ،
بل من حيث الملاصقة للجلد ، ولا وجه للمنع حينئذ غير ما ذكروه ، ويتوجه حينئذ حمل
المنع فيها على الكراهة كما قرروه ، بناء على بعد احتمال تعبدية المنع ، فلا يخرج
بمجرده عن الأصل المعتضد بالشهرة ، بل الإجماع المنقول كما عرفته.
ولكن المسألة بعد مشكلة ، لعدم ظهور نقل
الإجماع من لفظ الشذوذ
__________________
بحيث يطمئن به ،
والشهرة والاعتماد عليها لعلّه لا يخلو عن إشكال ، بناء على ظهور كلمة جملة منهم
بانحصار مستند المنع في الصحيحة الثانية ومع ذلك أجابوا عنها بأنها مرسلة.
وهما
كما ترى
، لتعدّد روايات المنع واستفاضتها ، وعدم إرسال فيما أجابوا به عنه ، وإن كان فيه
: عن رجل ، إذ هو ليس راويا ، بل الراوي له هو الراوي عنه ، وليس روايته عنه بطريق
الإرسال بحيث يسند الخبر إليه ، بل أخبر الراوي الثقة عنه بأنه سأل الماضي ، فكأنه
المخبر عن السؤال والجواب ، فتأمل جدّاً.
مع أنّ في ذيل الخبر ما يعرب عن مشافهة
الثقة له وسؤاله عن ذلك فأجابه بالمنع أيضا ، حيث قال : وذكر علي بن مهزيار ـ وهو
الراوي عن الرجل ـ أنه سأله عن هذه المسألة ، فقال : « لا تصلّ في الذي فوقه ولا
في الذي تحته ».
فالخبر على أيّ تقدير مسند ، لكن اختلف
الجوابان فيه ففي الأوّل : خص المنع بالذي يلصق الجلد ، وفي الثاني : عمّم له ولما
يلصق الوبر ، وهو الأوفق لما ذكروه : من تعميم المنع كراهة أو تحريما.
وبالجملة : المسألة محل إشكال ، ولا ريب
أنّ التنزه عنه أفضل إن لم نقل بكونه المتعيّن.
(و)
كذا تكره (في ثوب
واحد) رقيق لم يحك ما تحته من العورة (للرجل)
خاصة ، بلا خلاف أجده ، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، ففي الصحيح : يصلّي الرجل في
قميص واحد؟ فقال : « إذا كان كثيفا فلا بأس » .
وفي آخر بعد السؤال عن نحو ذلك : « إذا
كان عليه قميص صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس » .
__________________
ومقتضاهما ـ ككلام أكثر الأصحاب ، بل
عامتهم كما يفهم من الذكرى وروض الجنان
ـ عدم الكراهة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا ، وهو أيضا ظاهر جملة من الصحاح ،
منها : « لا بأس أن يصلّي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة ، إنّ دين محمد 9 حنيف » . ونحوه غيره .
خلافا لبعض أصحابنا ، كما حكاه في
المنتهى
ولعله الماتن هنا ، حيث لم يقيّد كراهة الثوب الواحد بما إذا كان رقيقا كما عليه
باقي أصحابنا مؤذنا بكراهة الصلاة فيه للرجل مطلقا.
وتبعه الشهيد في الذكرى ، قال : لعموم (خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)
ودلالة
الأخبار على أن الله تعالى أحقّ أن يتزيّن له
، والاتفاق على أنّ الإمام يكره له ترك الرداء ، وما روي عنه 7 من قوله 9
: « إذا كان لأحدكم ثوبان فليصلّ فيهما » .
قال : والظاهر أنّ القائل بثوب واحد من
الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ، ويريد به أيضا على البدن ، وإلّا فالعمامة
مستحبة مطلقا وكذا السراويل ، وقد روي تعدد الصلاة الواحدة بالتعمم والتسرول .
__________________
وفي جميع ما ذكره نظر ، فإن غايته ـ عدا
كراهية ترك الإمام الرداء ـ الدلالة على استحباب التعدد ، وهو غير كراهية الوحدة ،
إلّا أن يريد بها ترك الأولى ، ولعله غير المتنازع فيه.
نعم في قرب الإسناد للحميري ، عن عبد
الله بن الحسن ، عن جده ، عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه 7 : عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في
سروال واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال : « لا يصلح » .
(و)
احترزنا بعدم الحكاية لما تحته عما (لو حكى ما تحته)
فإنه (لم يجز)
قولا واحدا إذا كان لبشرة العورة ولونها حاكيا ، للزوم سترها كما يأتي إجماعاً. وكذا لو حكي حجمها وخلقتها
على الأحوط ، بل قيل بتعينه
، لرواية قاصرة السند ضعيفة الدلالة .
ولذا اختار الأكثر الإجزاء هنا. ولعله
الأقوى ، للأصل ، وصدق الستر عرفا ، مع إطلاق ما مرّ : من النص الصحيح بعدم البأس
بالصلاة في الثوب الواحد إذا كان كثيفا ، إذ قد لا يفيد إلّا ستر البشرة دون
الحجم.
مضافا إلى التأيّد بأخبار : « أنّ
النورة سترة »
وأنّ جسد المرأة عورة ، ولو وجب ستر الحجم وجب فيه. وإن كان في الاستدلال بهما
نظر.
__________________
(و)
يكره (أن يتّزر
فوق القميص) على المشهور ،
للصحيح الصريح فيه المروي في الكافي : « لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت
تصلّي ، ولا تتّزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت ، فإنه من زيّ الجاهلية » .
خلافا
للفاضلين
في المعتبر والمنتهى
وكثير ممن تبعهما
، فلا يكره ، للصحيحين النافيين للبأس عنه ، فعلا في أحدهما ، وقولا في الآخر .
وفيه نظر ، بل حمل نفي البأس فيهما على
نفي التحريم طريق الجمع ، سيّما مع اشتهار الكراهة وجواز المسامحة في أدلّتها كما
عرفت غير مرة.
وما تضمنته الصحيحة من كراهة التوشح فوق
القميص قد أفتى بها جماعة
، والنصوص بها مع ذلك مستفيضة ، وهي ما بين ناهية عنه ب « لا » كما في بعضها ، وب
« لا يجوز » كما في آخر ، وب « يكره » في جملة منها . وحملت على الكراهة الاصطلاحية جمعا
بينها وبين الحسن : هل يصلّي الرجل وعليه إزار يتوشح به فوق القميص؟ فكتب : « نعم
» .
وقيل : لا يكره ، ولا وجه له.
__________________
واختلف أهل اللغة في معنى التوشّح ، ففي
القاموس : توشّح الرجل بثوبه وسيفه إذا تقلّد بهما .
وفي المصباح المنير : توشّح به أن يدخله
تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر كما يفعله المحرم ، ونحوه عن المغرب .
وفي
مجمع البحرين :
وفيه « كان يتوشّح بثوبه » أي يتغشى به ، والأصل في ذلك كله من الوشاح ككتاب ، وهو
شيء ينسج من أديم عريضا ويرصّع بالجواهر ويوضع شبه قلادة تلبسها النساء ، يقال :
توشّح الرجل بثوبه أو بإزاره ، وهو أن يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه
الأيسر كما يفعله المحرم ، وكما يتوشح الرجل بحمائل سيفه ، فتقع الحمائل على عاتقه
اليسرى ويكون اليمنى مكشوفة .
وكلماتهم وإن كانت مختلفة في ذلك إلّا
أنّ ظاهرها الاتفاق على أنه غير الاتّزار فوق القميص ، فلا وجه للاستدلال بأخبار
كراهة التوشّح على كراهته.
لكن في بعض النصوص إشعار باتحادهما ،
كالخبر : في الذي يتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار ، قال : « هذا عمل قوم لوط » قلت
: فإنه يتوشّح فوق القميص ، قال : « هذا من التجبّر » .
ولكنه معارض بظاهر الصحيحة الأولى ، حيث عطفت الاتّزار فوق
__________________
القميص على التوشح
فوقه ، مؤذنة بتغايرهما. ومع ذلك الخبر ضعيف السند متضمن صدره لما لم يقل به أحد ،
وهو كراهة جعل المئزر تحت القميص ، بل نفي الخلاف عن عدم كراهته في المنتهى مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، كما حكي عن
صريح المعتبر .
(وأن يشتمل الصماء)
إجماعا ، كما في التحرير والمنتهى والذكرى وشرح القواعد للمحقق الثاني وروض الجنان
والمدارك
، وفي غيرها نفي الخلاف فيه بين علمائنا
، للصحيح : « إيّاك والتحاف الصماء » قلت : وما التحاف الصماء؟ قال : « أن تدخل
الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد » .
وبه
فسر
في معاني الأخبار والنهاية والمبسوط والوسيلة
، وفيها أنه فعل اليهود ، وتبعهم المتأخّرون ، ونسبه في الروضة وروض الجنان إلى
المشهور
، مشعرا بوقوع الخلاف فيه ، ولم أجده بيننا
، ولعلّه لأهل اللغة
__________________
وفقهاء العامة ، ولا
عبرة بمقالتهم في مقابلة الرواية الصحيحة الصريحة ، المعتضدة بالشهرة الظاهرة
والمحكية ، وخصوص المروي في معاني الأخبار : أنه
9 نهى عن لبستين : اشتمال
الصماء ، وأن يلتحف
الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء قال ، وقال الصادق 7 : « التحاف الصماء هو أن يدخل الرجل
رداءه تحت إبطيه
، ثمَّ يجعل طرفيه على منكب واحد » .
لكن ظاهره كون المراد إدخال أحد طرفي
الثوب من تحت أحد الجانبين والطرف الآخر من تحت الجناح الآخر ثمَّ جعلهما على منكب
واحد. وهذا وإن أمكن إرادته من الصحيحة بأن يراد من الجناح الجنس ، إلّا أنه خلاف
الظاهر المتبادر منها ، وهو كون المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت جناح واحد
سواء كان الأيمن أو الأيسر ثمَّ وضعه على منكب واحد ، ويتبادر هذا المعنى من
الصحيحة صرح المحقق الثاني في شرح القواعد وغيره ، ولكن التنزّه عن كلا المعنيين
المحتملين لعله أحوط.
(و)
أن يصلّي (في عمامة
لا حنك لها) باتفاق علمائنا ،
كما في المعتبر والمنتهى
، وهو الحجة.
مضافا إلى خصوص النبوي المروي عن
الغوالي وغيره ، وفيه : « من صلى مقتعطا
فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلّا نفسه » .
__________________
وإطلاق النصوص بكراهة التعمم من دون
تحنك ، ففي المرسل كالصحيح : « من تعمّم ولم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا
يلومنّ إلّا نفسه » .
ونحوه غيره من كثير من النصوص ، مبدّلا في بعضها « لم يتحنك » ب : «
لم يدر العمامة تحت حنكه » وفي آخرين : « الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم
الالتحاء بالعمائم » كما في أحدهما ، ونحوه الثاني بأدنى تفاوت في الألفاظ لا يخلّ
بالمقصود.
ولما كان التحنّك والتلحّي في اللغة
والعرف إدارة العمامة أي جزء منها تحت الحنك فالظاهر أنه لا تتأدّى السنة بالتحنك
بغيرها ، وفاقا للشهيد الثاني وسبطه وغيرهما .
خلافا للمحقق الثاني ، فاحتمل تأدّي
السنة به أيضا ، لكن متردّدا بعد أن حكاه عن الشهيد في الذكرى ، وتبعهما في الاحتمال بعض الفضلاء ، ولم أعرف له وجها.
ثمَّ إن ظاهر النصوص والفتاوي ـ ولا
سيّما الحاكم منهما بكراهة ترك التحنك في الصلاة ـ استحباب دوامه وعدم الاكتفاء به
عند التعمم خاصة ، وعليه فيشكل الجمع بين ما دلّ على استحبابه مطلقا مما مضى من
النص والفتوى ، وبين النصوص المستفيضة الدالّة على استحباب إسدال طرف
__________________
العمامة على الصدر
أو القفاء
، ولذا اضطرب كلام جملة من الفضلاء في الجمع بينهما :
فبين من جمع بينهما تارة بحمل الأولة على
إرادة التحنك حين التعمم والأخيرة على الإسدال بعده ، واخرى بتخصيص السدل بحال الحرب ونحوه
مما يراد فيه الترفّع والاختيال والتحنك بما يراد فيه التخشّع والسكينة .
وبين من جمع بإرجاع أخبار التحنك إلى
الإسدال بضرب من التوجيه ، بل ادعى اتحادهما معنى لغة . وهو مشكل جدّاً.
ويحتمل الجمع بوجه آخر ، وهو تخصيص
استحباب السدل بالرسول 9
والأئمة : ، واستحباب
التحنك بنا.
ولا بعد فيه إلّا من حيث عموم أخبار
التحنك ، وإلّا فأخبار الإسدال لا عموم فيها ، فإنّ منها : « اعتمّ رسول الله 9 ، فسدلها من بين يديه ومن خلفه ،
واعتمّ جبرئيل 7
فسدلها من بين يديه ومن خلفه » .
ومنها : « عمم رسول الله 9 عليّا 7
، فسدلها من بين يديه وقصّرها من خلفه قدر أربع أصابع ، ثمَّ قال : أدبر ، فأدبر ،
ثمَّ قال : أقبل ، فأقبل ، ثمَّ قال : هكذا تيجان الملائكة » .
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الظاهر
اختصاص موردها بالرسول 9
والأئمة : ، فلا غرو
إن جمعنا بينها وبين
__________________
النصوص الماضية بذلك
، وقيّدنا إطلاقاتها بمن عداهم :
، بل لعله أظهر وجوه الجمع هنا.
ويحتمل
آخر ضعيفا
، وهو التخيير بينهما ، ويكون المقصود من استحبابهما كراهة الاقتعاط المقابل لهما.
واعلم أنّ جمعا من الأصحاب حكوا المنع
هنا ـ الظاهر في التحريم ـ عن الصدوق
، ولم أقف على تصريحه به. نعم ، في الفقيه : سمعت مشايخنا يقولون لا تجوز الصلاة
في طابقيّة ، ولا يجوز للمتعمّم أن يصلّي إلّا وهو متحنّك .
وهو ظاهر في اتفاق مشايخه على ذلك ،
فيبعد مخالفته لهم ، بل الظاهر موافقته لهم ، ولعله لذا نسبوه إليه ، أو وجدوا
التصريح منه به في محل آخر.
وكيف كان ، فالمنع تحريما ـ كما هو
ظاهرهم ـ ضعيف جدّا ، للأصل ، مع عدم دليل صالح على ما ذكروه ، فإن غاية النصوص ـ حتى
النبوي الوارد في الصلاة
ـ إفادة الكراهة لا التحريم ، فإثباته مشكل ، سيّما مع إطباق المتأخّرين واختيارهم
خلافه ، مع دعوى جملة منهم الإجماع عليه كما عرفته .
ويحتمل إرادة المشايخ من « لا يجوز »
الكراهة ، لاستعماله كثيرا فيها في الأخبار وكلام قدماء الطائفة.
(وأن يؤمّ بغير رداء)
على المشهور ، على الظاهر ، المصرح به في
__________________
المدارك وغيره ، بل عليه الاتّفاق في الذكرى ، وهو الحجة.
مضافا إلى الصحيح : عن رجل أمّ قوما في
قميص ليس عليه رداء ، فقال : « لا ينبغي إلّا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي
بها » .
وأخصّيته من المدعى ـ بدلالته على كراهة
الإمامة من دون رداء في القميص وحده لا مطلقا ـ مجبورة بعدم القول بالفرق بين
جمهور أصحابنا ، وإن توهّمه شاذّ من متأخّري متأخرينا ، مع أنّ المقام مقام كراهة يتسامح في
دليله بما لا يتسامح في غيره ، فيكتفي في إثباتها بفتوى فقيه واحد ، فما ظنك
بفتاوى جمهور أصحابنا؟! وأما قول أبي جعفر 7
لمّا أمّ أصحابه في قميص بغير رداء : « إن قميصي كثيف ، فهو يجزي أن لا يكون عليّ
إزار ولا رداء » .
فليس فيه تأييد لما توهّمه الشاذ
المتقدم : من اختصاص الكراهة بمورد الصحيحة ، لاحتمال الإجزاء في هذه الرواية
الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة ، لا الإجزاء عن الاستحباب ، وإلّا لنافي
إطلاق الصحيحة المتقدمة ، بل عمومها الناشئ عن ترك الاستفصال عن القميص هل هو كثيف
أم رقيق؟
فحكمه حينئذ ب « لا ينبغي » يعم
الصورتين.
مع أنّ الرواية السابقة على التقدير
الثاني قد نفت استحباب الرداء في الصورة الاولى ، وهذا الشاذّ لا يقول به ، فكيف
يجعل قوله 7 في هذه
__________________
الرواية مؤيّدا؟!
وإن هو إلّا غفلة واضحة.
وظاهر الشهيدين وغيرهما استحباب الرداء لمطلق المصلي ولو لم
يكن إماما ، للصحاح الدال بعضها على أنّ أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على
منكبيك مثل جناحي الخطاف
، والباقي على استحباب ستر المنكبين لمن يصلّي في إزار أو سراويل .
ولا ذكر للرداء في الرواية الاولى ،
والبواقي خارجة عما نحن فيه جدّا ، فلا وجه للاستدلال بها لما ذكروه أصلا.
ولا بأس بالقول باستحباب ما فيها ، وفي
الخبر : « عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في قميص واحد أو قباء واحد؟ قال : ليطرح
على ظهره شيئا » .
وعن الرجل هل يصلح له أن يؤم في ممطر
وحده أو جبّة وحدها؟ قال : « إذا كان تحته قميص فلا بأس » .
وعن الرجل يؤم في قباء وقميص ، قال : «
إذا كان ثوبين فلا بأس » .
والمعتبر في الرداء ما يصدق عليه الاسم
عرفا ، قيل : ويقوم التكة ونحوها مقامه مع الضرورة . ولم أقف على ما دلّ على إقامتها مقامه
، حيث يكون هو المعتبر ، كما في أصل البحث.
نعم ، النصوص المتقدمة في المصلّي في
الإزار والسراويل
دلّت على
__________________
استحباب نحو التكة
له ، ولكنه غير قيامه مقام الرداء حيث يكون مستحبّا.
(وأن يصحب معه حديدا ظاهرا)
على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر ، وفي الخلاف الإجماع عليه في الجملة .
وهو
الحجة ، لا النصوص
المستفيضة وإن كان فيها الموثق وغيره
، لأن ظاهرها التحريم مطلقا ، كما عن المقنع مستثنيا منه السلاح ، والنهاية والمهذب مستثنيين ما إذا
كان مستورا
، لأنها شاذّة لا يوافق إطلاقها شيئا من الأقوال المزبورة ، فلتكن مطرحة ، ويكون
المستند في الكراهة هو الشبهة الناشئة من الفتوى بالحرمة ، مع احتمال الاستناد
إليها لإثباتها بعد تقييدها بما إذا كان بارزا ، جمعا بينها وبين ما دلّ على نفي
البأس عن الصلاة فيه ، إما مطلقا كما في المروي في الاحتجاج للطبرسي عن الحميري :
أنه كتب إلى الناحية المقدسة يسأله 7
عن الرجل يصلّي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد ، هل يجوز ذلك؟ فوقّع 7 : « جائز » .
أو إذا كان مستورا ، كما في المروي في
الكافي مرسلا ، قال : وروي : « إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس » .
وفي التهذيب : وقد قدمنا في رواية عمار
أنّ الحديد إذا كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه .
لكن تعليل المنع في جملة من المستفيضة
بكونه من لباس أهل النار كما
__________________
في بعضها ، أو الجن والشياطين كما في آخر منها ، أو أنه نجس ممسوخ كما في غيرهما ، ربما يشعر بالعموم ـ كما عليه المقنع
ـ لكن من
دون استثناء السلاح. لكن لا بعد في التقييد بعد وجود ما يدل عليه صريحا ، سيّما مع كونه ـ ولو في الجملة ـ متفقا
عليه. هذا.
وربما
يستشعر
من التعليل الكراهة ، قال الماتن في المعتبر : وقد بيّنا أنّ الحديد ليس بنجس
بإجماع الطوائف ، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه ، فإن النجاسة تطلق
على ما يستحب أن يجتنب ويسقط الكراهة مع ستره وقوفا في الكراهة على موضع الوفاق .
وهو حسن ، إلّا ما يستشعر منه من لزوم
الاقتصار في الكراهة على محل الوفاق ، فإنّ فيه نظرا ، لما عرفت مرارا : من جواز
التسامح فيها والاكتفاء في إثباتها بقول فقيه واحد ، فضلا عن إطلاق روايات بالمنع
، كما فيما نحن فيه ، فإطلاق الكراهة لا بعد فيه ، لو لا الاتفاق على الظاهر ممن
عدا المقنع على عدمها إذا كان مستورا.
(و)
أن يصلّي (في ثوب
يتهم صاحبه) بعدم التوقي من
النجاسة ، أو بمساورته له وهو نجس ، بلا خلاف أجده إلّا من المبسوط ، فمنع عن
الصلاة في ثوب عمله كافر أو أخذ ممن يستحلّ شيئا من النجاسات أو المسكرات ،
__________________
معلّلا بأن الكافر
نجس . وتبعه
الحلّي للتعليل ، قائلا : إن إجماع أصحابنا منعقد على أن أسآر جميع الكفار نجسة
بلا خلاف بينهم .
وهو خيرة الإسكافي
لكن مع اضطراب لكلامه فيه.
وما ذكروه من المنع حسن مع العلم
بالمباشرة برطوبة ، كما يفهم من تعليلهما ، بناء على أن نجاسة الكفّار عينيّة لا
تؤثّر في الملاقي إلّا بالمباشرة له برطوبة قطعا لا مطلقا ، ولعله لذا لم ينقل
الخلاف هنا كثير من الأصحاب ، معربين عن عدم خلاف فيه.
ومحل نظر مع عدم العلم بذلك ، بل يجوز
الصلاة حينئذ مطلقا ولو كان حصول النجاسة بالمباشرة رطبا مظنونا ، بناء على الأقوى
من اشتراط العلم أو ما يقوم مقامه شرعا ـ إن قلنا به ـ في الحكم بالنجاسة ، وأن مع
عدمهما فالأقوى الطهارة ، لعموم قولهم :
: « كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر » .
وخصوص الصحاح في مفروض المسألة ، منها :
إني أعير الذمي ثوبي وأنا أعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ،
أفأغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال 7
: « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه
نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه » .
__________________
ومنها : عن الثياب السابريّة يعملها
المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها
وأصلّي فيها؟ قال : « نعم »
الحديث.
ومنها : عن الصلاة في ثوب المجوس ، قال
: « يرشّ بالماء » .
إلى غير ذلك من الأخبار.
نعم ، في الصحيح : عن الذي يعير ثوبه
لمن يعلم أنه يأكل الجرّيّ
ويشرب الخمر فيردّه ، أيصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال : « لا يصلّي فيه حتى يغسله » .
وهو وإن دلّ على المنع إلّا أنه قاصر عن
المقاومة لما مرّ جدّا من وجوه شتّى ، فليحمل على الكراهة جمعا. ولأجله قالوا بها
، مضافا إلى الشبهة الناشئة من القول بالمنع ، ولخصوص الصحيح : في الرجل يصلّي في
إزار المرأة وفي ثوبها ويعتمّ بخمارها قال : « نعم إذا كانت مأمونة » وأقلّ النفي المفهوم منه الكراهة.
وليس فيه ـ كالعبارة ونحوها كما ترى ـ بيان
المأمومنية عن أيّ شيء ، فيشمل عن كلّ محذور ولو غير النجاسة من نحو الغصب ،
واستصحاب فضلات ما لا يؤكل لحمه ، كما عليه جماعة ومنهم الشهيدان ، قال ثانيهما :
__________________
وينبّه عليه كراهة
معاملة الظالم وأخذ عطائه.
وظاهر كثير من العبارات تقييد نحو
العبارة بمن لا يتوقى النجاسة خاصة ، والأوّل أقرب بالاحتياط ، وأنسب بحال الكراهة
، كما مرّ غير مرّة.
(و)
أن يصلّي (في قباء)
بل مطلق الثوب الذي يكون (عليه
تماثيل ، أو خاتم فيه صورة) بلا خلاف
في المرجوحية على الظاهر ، المصرّح به في كلام بعض الأجلة ، بل عليه الإجماع في شرح القواعد
للمحقق الثاني
، وهو الحجة.
مضافا
إلى المعتبرة
المعبّر بعضها عنها بلفظ الكراهة ، كالصحيحين المتضمن أحدهما لقوله : كره أن يصلي
وعليه ثوب فيه تماثيل
وثانيهما لقوله : فكره ما فيه التماثيل بعد أن سئل عن الصلاة في الثوب المعلم .
وآخر منها ب « لا » و « لا يجوز »
كالموثق : عن الثوب يكون في علمه مثال طير أو غير ذلك ، أيصلّي فيه؟ قال : « لا »
وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، قال : « لا يجوز الصلاة
فيه » .
وظاهره وإن أفاد التحريم ـ كما عليه
الشيخ في النهاية والمبسوط في الثوب والخاتم
، والقاضي في المهذب والصدوق في المقنع في الأخير خاصة ـ إلّا أنه محمول على الكراهة ، لا
للأصل وضعف الموثق مع تصريح
__________________
الصحيحين بالكراهة ،
لأعمّيتها في الأخبار من المعنى المصطلح عليه الآن ومن الحرمة ، وحجّية الموثق فلا
يعارضه الأصل.
بل للجمع بينه وبين ما نصّ على الجواز
من الأخبار ، كالمروي في قرب الإسناد عن علي بن جعفر : أنه سأل أخاه 7 عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو طير أيصلّى
فيه؟ قال : « لا بأس » .
وقصور السند مجبور بالشهرة العظيمة التي
كادت تكون إجماعا ، بل هي من المتأخّرين إجماع في الحقيقة. مع أنّ في المنتهى
احتمل حمل « لا يجوز » في كلام الشيخ على الكراهة ، لشيوع استعماله فيها في عبارته ، بل
مطلق القدماء والأخبار كما لا يخفى ، وعليه فلا خلاف.
واختصاصه بالخاتم مجبور بعدم القائل
بالفرق ، إذ كل من جوّز الصلاة فيه جوّز في الثوب أيضا ، وإن لم يكن بحسب المنع
كذلك . مع ظهور
الموثقة المانعة ـ كفتوى الأصحاب كافة ـ في كون المنع إنما هو من حيث المثال خاصة
، لا الثوبية مع الصورة ، ولذا ورد كراهة الصلاة في الدراهم السود التي فيها
التماثيل ، كما في الصحيح : « ما أشتهي أن يصلّي ومعه هذه الدراهم التي فيها
التماثيل »
ونحوه غيره
، وفي البسط التي فيها المثال ونحو ذلك .
وبتتبّع جميع ذلك يظهر كون وجه المنع ما
ذكرناه ، وعليه فتدل هذه الصحيحة الواردة في الدراهم على الكراهة والجواز في مطلق
ما فيه المثال ولو
__________________
كان الثوب والخاتم ،
لظهور لفظ : « ما أشتهي » فيها ، مضافا إلى الصحيح الصريح في الجواز لكن فيما إذا
كانت الدراهم مواراة ، وفيه : عن الدراهم السود فيها التماثيل أيصلّي الرجل وهي
معه؟ فقال : « لا بأس إذا كانت مواراة » .
وهل المثال والصورة يعمّان ما كان منهما
للحيوان وغيره ، أم يختصّان بالأوّل؟
ظاهر الأكثر ـ على الظاهر ، المصرح به
في كلام جمع
ـ الأوّل ، بل نسبه في المختلف إلى باقي الأصحاب من عدا الحلي ، واختاره للإطلاق .
وفيه نظر ، لاختصاصه ـ بحكم التبادر ،
وشهادة جملة من النصوص ، وبها اعترف جملة من الفحول ـ بالأوّل ، مع أن عن المغرب اختصاص
التمثال بصور أولي الأرواح وعموم الصور حقيقة ، قال : وأمّا تمثال شجر فمجاز وعن المصباح المنير في تفسير قوله :
وفي ثوبه تماثيل ، أي صور حيوانات مصوّرة .
وكلامهما ـ سيما الأوّل ـ ظاهر في
اختصاص التمثال بصور الحيوان حقيقة ، وكون إطلاقه على غيرها مجازا ، نعم كلام
الأوّل ظاهر في عموم الصور ، ولكنه غير ضائر بعد اختصاص مورد النصوص المانعة مطلقا
بالتمثال
__________________
دون الصور ، ولعله
لذا اختار الحلّي التخصيص بالحيوان ، وقوّاه جماعة من المحققين ، مضافا إلى الأصل.
وهو حسن لو لا اشتهار إطلاق الكراهة ،
وشبهة دعوى الاتفاق عليه في المختلف
، مع المسامحة في أدلّتها ، كما سبق غير مرة.
وترتفع
الكراهة
بتغيير الصورة والضرورة ، كما صرّح به جماعة
، للصحيح
في الأول ، وفحوى ما دلّ على سقوط التكليف الحتمي في الثاني ، مضافا إلى الموثّق : عن لباس الحرير
والديباج ، فقال : « أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل » . وقريب منه ظواهر جملة من النصوص .
(ويكره للمرأة أن تصلّي في خلخال له صوت ، أو
متنقّبة) على وجهها (و)
كذا (يكره
للرجال اللثام).
بلا
خلاف إلّا
من القاضي في الأول فحرّمه .
ولا دلالة للصحيح
__________________
عليه ، لتضمّنه : «
لا يصلح » الظاهر في الكراهة ، أو الأعمّ منها ومن الحرمة ، فتدفع بالأصل ، مع
عمومه لحال الصلاة وغيرها ، ولا يقول به. فتأمّل .
ومن الشيخين في المقنعة والمبسوط
والنهاية فيما عداه ، فأطلقا المنع عن اللثام والنقاب حتى يكشف عن الفم وموضع
السجود .
وهو حسن إن أرادا المنع إذا منعا عن
القراءة وغيرها من الواجبات ، وإلّا فمحل نظر. بل ظاهر المعتبرة المستفيضة ـ ومنها
الصحيحان
والموثقان
ـ نفي البأس عنهما على الإطلاق ، إلّا أن في أحد الموثقين التصريح بأفضليّة عدمهما
، ولعلّه لذا حكموا بالكراهة ، وفيه نظر. ويحتمل كون الوجه فيها الخروج عن شبهة
إطلاق القول بالمنع.
ويحتمل اختصاصه بصورة ما إذا منع
القراءة مثلا ، والمنع حينئذ متّفق عليه ظاهرا ، وإن اختلفوا في انسحابه فيما إذا
منع سماعها دونها ، فقيل : نعم .
وهو الأظهر ، وعليه الفاضلان وغيرهما
، لما في بعض المعتبرة « لا يحسب لك من القراءة والدعاء إلّا ما أسمعت نفسك » مؤيّدا بالصحيح
__________________
النافي للبأس عن
اللثام إذا سمع الهمهمة .
وفي الخلاف الإجماع على كراهة اللثام ،
قال : بل ينبغي أن يكشف عن جبهته موضع السجود .
(وقيل : يكره)
الصلاة (في قباء
مشدود إلّا في) حال (الحرب)
قال في التهذيب ـ بعد ذكر عبارة المقنعة المتضمنة للفظة « لا يجوز » الظاهرة في
التحريم ـ : ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ، ولم
أعرف خبرا مسندا .
وظاهره
التردد كالماتن هنا
، والفاضل في التحرير والمنتهى ، والشهيدين في روض الجنان والروضة والذكرى ، وغيرهم من متأخّري أصحابنا ، حيث
اقتصروا على نقل الكراهة عن الشيخين والمرتضى كما في جملة من العبارات ، أو مع زيادة كثير من الأصحاب كما في
غيرها ، أو عن
المشهور كما في الروضة والمدارك والذخيرة وغيرها .
وهو حسن إن لم نتسامح في أدلّة الكراهة
، وإلّا فالكراهة أولى ، ولذا صرّح الماتن بها في الشرائع والفاضل في الإرشاد
والقواعد والشهيد في اللمعة
__________________
والدروس ، مع أن ظاهر المقنعة وصريح الوسيلة
التحريم
، كما عن ظاهر المبسوط والنهاية
، فتقوّى الكراهة بالاحتياط في العبادة ، وإن كان ظاهر الجماعة ـ عدا الفاضل في
المختلف
ـ أنهم فهموا من العبارات المانعة الكراهة ، حيث لم ينقلوا عنهم الحرمة ، بل
صرّحوا بنقل الكراهة.
وذكر الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل
الكراهة عنهم وذكر كلام التهذيب ـ أنه روت العامة أن النبي 9 قال : « لا يصلّي أحدكم وهو متحزّم » وهو كناية عن شدّ الوسط ، وكرهه في
المبسوط .
واعترضه كثير منهم شيخنا الشهيد الثاني
، فقال : وظاهر استدراكه لذكر الحديث جعله دليلا على كراهة القباء المشدود ، وهو
بعيد .
وفيه نظر ، فإن ظاهر الاستدراك وإن أوهم
ذلك ، إلّا أن نسبته بعد ذلك وفي البيان
كراهة شدّ الوسط ـ الذي جعل الرواية كناية عنه ـ إلى المبسوط خاصة دون الجماعة
ظاهرة في المغايرة بينه وبين القباء المشدود ، ولذا جعلهما مكروهين ـ مؤذنا
بتغايرهما ـ في الدروس ، فقال : ويكره في قباء مشدود في غير
__________________
الحرب ومشدود الوسط .
أقول : وما عزاه إلى المبسوط هو خيرته
أيضا في الخلاف ، قال : ويكره أن يصلّي وهو مشدود الوسط ، ولم يكره ذلك أحد من
الفقهاء ، دليلنا إجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط .
وهو ظاهر شيخنا أيضا في الروضة ، فقال :
ويمكن الاكتفاء في دليل الكراهة بمثل هذه الرواية ، مشيرا بها إلى ما في الذكرى من
الرواية النبوية.
وهو حسن.
قيل : وبكراهته يمكن أن يستدل على
كراهية القباء المشدود بالفحوى ، لأن كراهة الصلاة مع التحزّم الذي ليس فيه إلّا
قليل شدّ تستلزم كراهيتها في القباء المشدود الذي هو أكثر شدّا بطريق أولى. إلّا
أن يقال : إن الفقهاء لم يفتوا بكراهة التحزّم ، والقياس بطريق أولى حجّة إذا كان
الحكم في المقيس عليه مقبولا .
وفيه نظر ، لعدم وضوح الأولوية بعد
احتمال كون القباء له مدخلية في الكراهة ، كما هو ظاهر الجماعة ، وليس كل متحزم
عليه من نحو القميص والرداء وغيرهما قباء ، بل هو ثوب خاص ، وعن نظام الغريب : أنه
قميص ضيّق الكمين مفرج المقدّم والمؤخّر .
ثمَّ دعوى عدم مصير الفقهاء إلى كراهة
الصلاة مع التحزّم قد عرفت ما فيها ، لكونها مذهب الشيخ في جملة من كتبه ، مدّعيا
في بعضها إجماعنا .
__________________
نعم ، لا يمكن أن يكون الأولوية سندا
لجميع الفقهاء ، بل لمن قال بكراهة الأصل من الفقهاء.
وفي الذخيرة : أن الشيخ أورد في زيادات
التهذيب خبرين دالّين على كراهيّة حلّ الأزرار في الصلاة ، فيمكن تخصيص كراهية الشدّ بما عدا
الأزرار ، أو تخصّ كراهية حلّ الأزرار بما إذا كان واسع الجيب .
ولعلّه
فهم من القباء
المشدود ما يعمّ المشدود بالأزرار ، ولذا فهم التعارض بين الخبرين ، وما ذكروه من
كراهة الصلاة في القباء المشدود.
وفيه نظر ، لعدم صدق الشدّ على الزرّ
بالإزار ، وعليه فلا تعارض بين الحكمين ليحتاج في الجمع بينهما إلى ما ذكره من أحد
التخصيصين.
وهنا (مسائل ثلاث) :
(الأولى
: ما يصح فيه الصلاة يشترط فيه الطهارة)
من النجاسة على تفصيل تقدم ذكره في كتابها ، من أراده فليراجعه ثمة .
(وأن يكون مملوكا)
للمصلّي عينا ومنفعة ، أو منفعة خاصّة (أو مأذونا فيه) للصلاة فيه ، أو مطلقا بحيث
يشملها ، كالإذن صريحا ، أو فحوى ، أو بشاهد الحال إذا أفاد علما بالرضا المباح
معه التصرف في مال الغير المنهي عنه من دونه شرعا ، فلا يجوز الصلاة في الثوب
المغصوب كما مضى بيانه مفصّلا .
__________________
(الثانية
: يجب) ستر العورة في الصلاة مطلقا ، وفي
غيرها إذا كان هناك ناظر محترم ، بإجماع العلماء كافّة ، كما حكاه جماعة حدّ
الاستفاضة
، والنصوص به مع ذلك مستفيضة ، بل متواترة ، منها : « عورة المؤمن على المؤمن حرام
» .
وهو شرط في الصلاة عند علمائنا وأكثر
العامة ، كما صرّح به جماعة حدّ الاستفاضة
، وهو ظاهر جملة من المستفيضة الآتية في صلاة العراة منفردين وجماعة ، حيث أسقطت معظم الأركان من الركوع
والسجود والقيام بفقد الساتر ، ولو لا كونه شرطا للصحة لما ثبت ذلك.
وهل
شرطيته ثابتة مع
المكنة على الإطلاق ، أو مقيّدة بالعمد؟
الأصح الثاني ، وفاقا للأكثر على الظاهر
، المصرّح به في كلام بعض
، للأصل ، وعدم دليل على الشرطية على الإطلاق ، وخصوص الصحيح : عن الرجل يصلّي
وفرجه خارج لا يعلم به ، هل عليه الإعادة؟ قال : « لا إعادة عليه وقد تمت صلاته » .
خلافا للإسكافي ، فيعيد في الوقت . ولا دليل عليه ، مع أن الشرطية إن
ثبتت على الإطلاق وجب الإعادة مع تركه على الإطلاق.
__________________
وللشهيد قول آخر لا أعرف وجهه ، وإن استحسنه في المدارك
بعد اختياره المختار
، وهو الفرق بين نسيان الستر ابتداء فيشترط ، وعروض التكشّف في الأثناء فلا.
ويجب الستر بعد العلم بعدمه في الأثناء
قولا واحداً.
ويجزي (للرجل ستر قبله ودبره)
على الأشهر الأقوى ، بل عليه عامة متأخّري أصحابنا ، بل ومتقدميهم أيضا ، كما يفهم
من الأصحاب ، حيث لم ينقلوا الخلاف إلّا عمن يأتي ، مؤذنين بندورهما وشذوذهما ،
كما صرّح به الشهيدان في روض الجنان والذكرى
، وفي الخلاف والغنية أن عليه إجماع الفرقة
، وفي السرائر أن عليه إجماع فقهاء أهل البيت
، وهو الحجة.
مضافا إلى الأصل ، وظواهر النصوص
المستفيضة ، منها : « العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين ،
فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » .
ومنها : عن الرجل بفخذه أو أليتيه الجرح
، هل يصلح للمرأة أن تنظر إليه وتداويه؟ قال : « إذا لم يكن عورة فلا بأس » .
ومنها : « الفخذ ليس من العورة » .
__________________
وفي آخر : « أن الركبة ليست من العورة »
.
وقصور الأسناد والدلالة في بعضها مجبور
بالشهرة ، وعدم قائل بالفرق بين الطائفة.
(وستر ما بين السرة والركبة أفضل)
كما هو المشهور ، بل في الخلاف الإجماع عليه .
وأوجبه
القاضي
، ولعله
للخبر المروي في قرب الإسناد للحميري : « إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظر إلى عورتها
، والعورة ما بين السرة والركبة » .
وفيه ـ مع عدم وضوح السند ، وعدم
المقاومة لما مرّ ـ ظهوره في عورة الأمة لا الرجل ، أو العورة المطلقة على بعد ،
فهو على التقديرين مخالف للإجماع فتوى ونصا.
على أن المرأة مطلقا جميع جسدها عورة
إلّا الوجه وما شابهه مما سيأتي إليه الإشارة .
وتقييده بالرجل بعيد عن سياقه ، ولو
سلّم فلا يبعد حمله على التقية ، فإن القول بذلك نسبه في المنتهى إلى مالك
والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وأصحاب الرأي وأكثر الفقهاء ، ويعضده أن الراوي حسين بن علوان وهو
عامي.
وفي الخبر : أن أبا جعفر 7 اتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ،
ثمَّ
__________________
أمر صاحب الحمام
فطلى ما كان خارجا من الإزار ، ثمَّ قال : « اخرج عنّي » ثمَّ طلى هو ما تحته بيده
، ثمَّ قال : « هكذا فافعل » .
وفيه دلالة على استحباب ستر الركبة أيضا
، كما عن ابن حمزة .
وإنما حمل على الفضيلة لما مرّ من
الأدلّة ؛ مضافا إلى أنه روي ـ في مثل هذه الحكاية التي تضمنها ـ : أنه 7 كان يطلي عانته وما يليها ، ثمَّ يلفّ
إزاره على طرف إحليله ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه .
وربما يحكى عن الحلبي أنه جعل العورة من
السرة إلى نصف الساق .
وفيه نظر ، فإن المحكي عنه في المختلف
موافقته للقاضي ، إلّا أنه قال : ولا يمكن ذلك إلّا بساتر من السرة إلى نصف الساق
ليصح سترها في حال الركوع والسجود .
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في موافقته
القاضي. وإيجابه الستر إلى نصف الساق لا ينافيه ، لظهور عبارته في أنه من باب
المقدمة لا من حيث كون الركبة فما دونها من العورة ، ولعلّه لذا ادعى الفاضلان
الإجماع على أن الركبة ليست من العورة في المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة ، فلا وجه لتلك الحكاية.
والمراد بالقبل هو : القضيب والبيضتان
دون العانة ، وبالدبر : نفس المخرج دون الأليين ـ بفتح الهمزة والياء بغير تاء ،
كما قيل
، تثنية الألية بالفتح أيضا ـ كما صرح به جماعة ، من غير خلاف بينهم أجده إلّا من
الفاضل في
__________________
التحرير ، فظاهره
التردد في جعل البيضتين من القبل
، وهو شاذّ يردّه أول المستفيضة
، مع شهادة العرف بأنهما من العورة.
(وستر
جسده كله مع الرداء)
أو ما يقوم مقامه مما يجعل على الكتفين (أكمل)
كما مر في النصوص في بحث كراهة الإمامة من غير رداء .
(ولا
تصلّي الحرة إلّا في درع وخمار ساترة) بهما (جميع جسدها عدا الوجه والكفّين)
بلا خلاف في كل من حكمي المستثنى منه والمستثنى إلّا من الإسكافي في الأول ، فلم
يوجب عليها إلّا ستر سوأتيها القبل والدبر كالرجل . وهو شاذّ مخالف لإجماع العلماء على
كون جميع جسدها عورة من غير استثناء ، كما في المنتهى ، أو مع استثناء الوجه خاصّة كما عن
المعتبر والتذكرة
، أو مع الكفّين والقدمين ، كما في الذكرى ، قال : اقتصارا على المتّفق عليه فيما
بين جميع العلماء .
وحيث
ثبت كونها
بجميعها أو ما عدا المستثنى عورة وجب عليها سترها ، لإجماع العلماء على وجوب ستر
العورة مطلقا ، كما مضى ، مع النصوص الدالة على ذلك أيضا .
هذا مضافا إلى الصحاح المستفيضة وغيرها
من المعتبرة ، ففي الصحيح : عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة ، قال : « درع وملحفة
تنشرها على رأسها وتجلل بها » .
__________________
وفيه : « المرأة تصلّي في الدرع
والمقنعة إذا كان كثيفا » يعني ستيرا .
بل يستفاد من جملة منها الأمر بملحفة
تضمّها عليها زيادة على الدرع والخمار ، كما في الصحيح ، ونحوه الموثق : « تصلّي المرأة في
ثلاثة أثواب : إزار ودرع وخمار ، ولا يضرّها بأن تقنّع بالخمار ، فإن لم تجد
فثوبين تتّزر بأحدهما وتقنّع بالآخر »
الخبر.
وحمله الشيخ على الفضل أو على كون الدرع
والخمار لا يواريان شيئا .
ولا بأس به ، جمعا بينهما وبين الصحيحين
الظاهرين في كفاية الخمار والدرع إذا كان ستيرا ، ونحوهما غيرهما ، كالخبر : عن المرأة
تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة ، قال : « لا بأس إذا التفّت بها ،
وإن لم تكن تكفيها عرضا جعلتها طولا » .
ومن
صريح الاقتصاد وظاهر الجمل والعقود والغنية
ـ فيما حكي ـ في استثناء الكفين ، فأوجبوا سترهما ، ولعلّه للمعتبرين السابقين
الدالّين على
__________________
لزوم ملحفة تضمّها
عليها زيادة على الثوبين ، وضمّها عليها يستلزم سترهما.
وقد عرفت ما فيهما ، مضافا إلى الإجماع
المحكي في المختلف والمنتهى وشرح القواعد للمحقق الثاني والذكرى على عدم وجوب سترهما ، بل ظاهر
الأخيرين كونه مجمعا عليه بين العلماء إلّا نادرا من العامة العمياء.
فإيجاب سترهما ضعيف ، سيّما مع مخالفته
الأصل ، وعدم معلومية كونهما عورة ليجب سترهما ، لعدم دليل عليه إلّا الإجماع
المحكي في المنتهى وغيره
على كونها جملة عورة ، وهو عام مخصّص بما مرّ من الإجماع المحكي فيها أيضا على عدم
وجوب سترهما.
مع ما عرفت من الذكرى من جعل العورة
فيها ما عدا المستثنيات خاصّة ، مؤذنا بعدم كونها عورة ، كما صرّح به الفاضل في
المختلف وغيره
، بل هو المشهور فتوى ورواية لكن في الوجه والكفين خاصة ، حيث جوّزوا النظر إليهما
للأجنبي في الجملة أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه في كتاب النكاح مفصّلا إن شاء الله
تعالى ، ولذا لا يتأتّى لنا القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع ،
لمكان الخلاف.
نعم ، في جملة من النصوص العامية
والخاصية ما يدل عليه
، لكنها بحسب السند قاصرة. ودعوى جبرها بفتوى العلماء غير ممكنة على سبيل الكلّية
، بل هي جابرة في الجملة.
وأضعف منه ما يستفاد من إطلاق الكتب
الثلاثة بعد الاقتصاد
: من
__________________
لزوم ستر الوجه أيضا
، لمخالفته ـ زيادة على ما مرّ ـ لإجماع العلماء ، كما عن المعتبر والذكرى
والمختلف والتذكرة وغيرها
، من دون أن يستثنوا أحدا ، ولعله لبعد دخول الوجه في إطلاق تلك الكتب. بل في
السرائر حكى استثناء الثلاثة عن الجمل والعقود والخلاف ، وعبارة الأخير غير صريحة إلّا في
استثناء الوجه خاصّة ، مدّعيا الإجماع عليه ، نعم روى نحو الصحيحين السابقين
الدالين على كفاية الدرع والخمار
وأفتى به صريحا ، وهما لا يستران الكفّين ولا القدمين ، كما صرّح به الأصحاب ،
مستدلّين بهما لذلك على استثناء القدمين أيضا ، هذا.
وما
مر من الأدلّة
في كراهة النقاب للمرأة
أقوى حجة على استثناء الوجه ، بل يستفاد منها كونه على الفضيلة.
(وفي)
استثناء (القدمين
تردّد) واختلاف بين الأصحاب :
فبين غير مستثن كالاقتصاد والكتب التي
بعده ، صريحا في
الأوّل ، وظاهرا فيها ، وربما نسب إلى الحلبي أيضا ، وفيه نظر ، بل ظاهر كلامه
بالدلالة على الاستثناء أظهر .
ومستند هذا القول ما مرّ من المعتبرين ، مضافا إلى الاحتياط في العبادة ،
__________________
وكون جسدها عورة ،
وخصوص الصحيح : عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال : « تلتفّ فيها
وتغطّي رأسها وتصلّي ، فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك فلا بأس » .
وبين من استثنى وجعل (أشبهه الجواز)
أي جواز الصلاة من غير سترهما ، وهم عامّة متأخّري أصحابنا ، وفاقا للمبسوط والحلي
، وادعى
جماعة عليه الشهرة والأكثرية المطلقة إلى حدّ الاستفاضة .
للنصوص المكتفية بالدرع [ والخمار ]
بالتقريب الذي عرفته
، مع ضعف ما قابلها من الأدلّة المتقدّمة بما عرفته ، عدا الاحتياط والرواية
الأخيرة.
ويمكن الجواب عنهما بعدم إفادة الأوّل
سوى الاستحباب ، كما هو ظاهر الأصحاب ، سيّما مع ظهور ما مرّ من النصوص في عدم
لزوم سترهما ، وبالجملة فيعارض بالأصل ، والنصوص المزبورة المعتضدة بالشهرة
العظيمة التي هي من المتأخرين إجماع في الحقيقة.
والرواية وإن كانت صحيحة لكنها غير
صريحة في المخالفة ، بل ولا ظاهرة ، لأن المفهوم منها البأس ، وهو أعم من المنع
والكراهة ، ولا شبهة فيها ، مع احتمال الرجل فيها ما فوق القدم أو مجموعهما. وعلى
تقدير الظهور في المنع والقدم خاصّة يمكن حملها على الاستحباب ، جمعا بينها وبين
النصوص المكتفية بالدرع [ والخمار ] الظاهرة في عدم لزوم سترهما بالتقريب المتقدم.
وما يقال عليه : من أن ذلك يتم لو علم
من ثياب النساء في وقت خروج
__________________
هذه الأخبار كانت
على ما يدّعونه من عدم سترها الكفين والقدمين ، ولم لا يجوز أن دروعهن كانت مفضية
إلى ستر أيديهنّ وأقدامهنّ ، كما هو مشاهد الآن في نساء أعراب الحجاز ، بل أكثر
بلدان العرب.
فيمكن دفعه بأن ما ذكر من الاحتمال وإن
كان ممكنا إلّا أن ورود الروايات عليه بعيد جدّا ، ولذا لم يحتمله أحد من الأصحاب
فيها ، بل استدلّوا بها من دون تزلزل أصلا مع أنهم أكثر اطّلاعا وعلما بثياب نساء
العرب في زمانهم وزمان صدور الروايات جدّاً.
والذي نشاهد من نساء العرب في زماننا
هذا عدم ستر دروعهنّ لأقدامهنّ أصلا ولو كانت واسعة ذيلا ، بل لو زاد السعة إلى
جرّ الأذيال على الأرض لم تستر الأقدام بجميعها ، بل يبدو منها شيء ولو رؤوسها ،
سيّما حالة المشي.
ومنه يظهر الجواب ولو سلم ورود تلك
الروايات على ذلك الاحتمال ، لأنها تدل حينئذ أيضا على عدم لزوم ستر جزء من
القدمين ، ولا قائل بالفرق في البين ، فتأمّل جدّاً.
هذا ، مع أن ورود الروايات على ذلك
الاحتمال يستلزم الدلالة على لزوم ستر جميع الكفّين والقدمين ، وهو كمال الستر
الواجب إجماعا ، مع أنّ في بعض الصحاح المتقدمة كون القميص والدرع أدنى ما تستر به
المرأة عورتها ، ولا يخفى التنافي بينهما.
ولو سلّم عدم المنافاة قلنا : يكفي في
ردّ هذا الاحتمال ـ زيادة على ما مرّ ـ دلالة النصوص الآتية في بحث النكاح ـ تفسيرا ل : «
ما ظهر منها » في الآية الشريفة (وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها)
بأنه الوجه
والكفّان ، وزيد
__________________
في بعضها القدمان
أيضا ، وظاهر الكليني القول به
، وإن لم أقف على من عداه قائلا به ـ على خلافه ، وهو كون الوجه والكفّين والقدمين
من مواضع الزينة الظاهرة ، ولم يتمّ ذلك إلّا على تقدير كون دروعهن يومئذ غير
ساترة للمواضع المزبورة.
وبالجملة
: فما
عليه المتأخّرون كافّة في غاية القوّة ، سيّما مع إمكان إثباته بوجه آخر ، وهو عدم
القائل بالفرق بين الكفّين والقدمين منعا وجوازا ـ كما يستفاد من تتبّع الفتاوى ـ عدا
الماتن ، حيث فرّق بينهما ، فحكم بالاستثناء في الأوّلين قطعا ، وفي الأخيرين
متردّدا ، ولكن أثر هذا التردّد هيّن بعد التصريح بعده بالجواز كما عليه الأصحاب.
وحيث ثبت عدم القول بالفرق توجّه إلحاق القدمين بالكفّين في الاستثناء ، لثبوته
فيهما بما قدّمناه من الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة ، فثبت الاستثناء في
القدمين أيضا لما عرفت من عدم القائل بالفرق أصلا.
ثمَّ إن ظاهر العبارة ـ ككثير ، وصريح
جماعة ـ عدم الفرق
في القدمين بين ظاهرهما وباطنهما. ولعلّه الأقوى ، للأصل ، وعدم دليل على وجوب ستر
باطنهما عدا : دعوى كون القدمين عورة ، خرج الظاهر بظواهر النصوص المكتفية بالدرع
والخمار
وكونه مجمعا عليه بين القائلين بالجواز ، ويبقى الباطن داخلا ، لكونه مستورا
بالأرض حالة القيام ، وبالدرع حالة الجلوس والسجود ، وإنما ينكشف عن الدرع الظاهر
في الحالة الاولى ، فلا يمكن إدخاله في ظاهر النصوص المزبورة جدّاً.
__________________
كما لا يمكن دعوى الوفاق من القائلين
بالجواز عليه أيضا ، لمكان الخلاف ومصير جمّ غفير إلى وجوب ستر الباطن لذلك.
وقد عرفت ما فيها.
مع
إمكان المناقشة
في دعوى عدم دخوله في النصوص المخرجة للظاهر ، بناء على انكشاف الباطن عن الدرع
الذي ينكشف عنه الظاهر حالة المشي جدّا ، ولعلّه لذا جعل القدمان بقول مطلق من
مواضع الزينة الظاهرة في بعض الروايات .
ولكن الأحوط ستره ، بل ستر الظاهر ، بل
الكفّين أيضا ، مع تفاوت مراتبه شدّة وضعفاً.
وأما ستر الشعر والعنق فظني كونه مجمعا
عليه ، وإن تأمّل فيه نادر
، لشذوذه ، ومخالفته لإطلاق النصوص والفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة ، وقد
مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافة من غير استثناء لهما بالمرة وإن
استثنوا غيرهما كما عرفته .
والمراد من البدن ما يعمّ الشعر ، لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّا ،
ولو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه ، لستر
الشعر جلد الرأس جدّا ، فكان فيه غنى عن الخمار الساتر قطعاً.
ومع ذلك النصوص مستفيضة ـ كادت تبلغ
التواتر ، بل لعلّها متواترة ـ بلزوم سترهما عن الأجنبي ، بل في الصلاة أيضا ، كما
مرّ في أخبار الخمار
، فإن خمر نساء العرب اللواتي هنّ موردها تسترهما قطعا ، وليس الأمر بسترهما
__________________
عن الأجنبي إلّا
لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة ، كما عرفت نقله
من جماعة حدّ الاستفاضة.
مضافا إلى التأييد ببعض المعتبرة : «
صلّت فاطمة 3 في درع
وخمار ، وليس عليها أكثر مما وارت به شعرها وأذنيها » . بل ربما استدل به على ذلك.
وأما
الاستدلال
به على عدم لزوم ستر العنق
فضعيف في الغاية ، لقصور السند ، وعدم المقاومة لما مرّ من الأدلّة ، مع احتمال
ضعف في الدلالة بوروده مورد الضرورة ، بل قيل : بأنها ظاهرة ، ولا يخلو عن مناقشة.
بل يمكن أن يقال : إن المراد بقوله : «
ليس عليها أكثر » إلى آخره ، بيان عدم وجوب نحو الإزار زيادة عن الخمار والدرع ،
وإلّا لالتفّت بها صلوات الله عليها ، وليس فيه أنه ما كان على رأسها من الخمار
إلّا قدر قليل تستر به الشعر الذي فوق الأذنين خاصة ، بل ظاهر قوله : « وارت شعرها
» كون خمارها 3
كالخمر المتعارفة أو دونها بحيث يستر الشعر المنسدل على الكتفين والعنق غالبا ،
وليس فيه أنها 3
جمعت الشعر كله تحت ذلك الخمار ، وحينئذ يكون الخمار المزبور ساترا للعنق أيضا ،
لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره قطعا ، فتأمّل جدّاً.
(والأمة والصبية)
غير البالغة (تجتزيان
بستر الجسد) خاصة ، ولا يجب
عليهما ستر الرأس إجماعا من العلماء كافة إلّا الحسن البصري ، كما
__________________
حكاه الشيخ في
الخلاف والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني .
والصحاح به مع ذلك مستفيضة ، مضافا إلى
غيرها من المعتبرة
، لكن أكثرها مختصّة بالأمة.
وأما الصبيّة فقد استدل على عدم الوجوب
في حقها جماعة
بأنه تكليف وليست من أهله.
وبالموثق : « لا بأس بالمرأة المسلمة
الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس »
بحمله على الصغيرة.
وفيهما نظر ، لضعف الأوّل بابتنائه على
كون المراد بالوجوب الشرعي لا الشرطي ، ويحتمل الثاني وهي من أهله ، ويكون حال
الستر في حقها كاشتراط الوضوء وغيره في صلاتها.
والثاني : بظهوره في البالغة ، كما يحكى
القول بمضمونه عن الإسكافي
؛ نظرا إلى تضمنه لفظ المرأة التي لا تطلق حقيقة إلّا على البالغة.
وحمله على الصغيرة وإن أمكن ـ جمعا بينه
وبين الأدلّة المتقدّمة على وجوب ستر الرأس على الحرة البالغة ، لرجحانها عليه من
وجوه عديدة ، وبها يضعف مذهب الإسكافي ـ إلّا أن الجمع غير منحصر في ذلك ،
لاحتماله الحمل على
__________________
الضرورة ، أو
التخلّي عن الإزار والملحفة. أو على أن المراد أنه لا بأس بها أن تكون بين يدي
المصلي مكشوفة الرأس ويكون صيغة « تصلّي » خطابا لا غيبة.
والأجود الاستدلال عليه بالأصل ، وعدم
دليل على اشتراط الستر في حقها ، لظهور ما دلّ على اشتراط الستر في ستر ما هو عورة
خاصة ، وكون رأس الصبية قبل البلوغ عورة غير معلوم من الشريعة.
هذا ، مضافا إلى الإجماع المحكيّة ، وفي الخبر : « على الجارية إذا حاضت
الصيام والخمار ، إلّا أن تكون مملوكة فإنه ليس عليه خمار إلّا أن تحبّ أن تختمر ،
وعليها الصيام » .
ولا فرق في الأمة بين المملوكة ،
والمدبّرة ، والمكاتبة المشروطة ، والمطلقة التي لم تؤدّ شيئا من المكاتبة ، وأمّ
الولد مطلقا ولو كان ولدها حيّا وسيّدها باقيا ، كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها
وأكثر النصوص ، وبه صرّح جماعة ، ومنهم الشيخ في الخلاف ، لكن في أمّ الولد خاصّة
، مدّعيا عليه إجماع الإماميّة
، وهو الحجة بعد الإطلاقات.
مضافا إلى الصحيح : « ليس على الأمة
قناع في الصلاة ، ولا على المدبّرة ، ولا على المكاتبة إذا اشترط عليها قناع في
الصلاة ، وهي مملوكة حتى تؤدّي جميع مكاتبتها » إلى أن قال : وسألته عن الأمة إذا
ولدت عليها الخمار؟
قال : « لو كان عليها لكان عليها إذا
حاضت ، وليس عليها التقنّع في الصلاة » .
وأما الصحيح : الأمة تغطّي رأسها؟ فقال
: « لا ، ولا على أمّ الولد أن
__________________
تغطّي رأسها إذا لم
يكن لها ولد » .
فمع قصوره عنه المقاومة لما سبق من وجوه
، دلالته بعموم المفهوم القابل للتخصيص بما بعد وفاة المولى مع كون ولدها حيا.
ويحتمل مع ذلك الحمل على التقيّة ، فقد حكاه في الخلاف عن مالك وأحمد .
ويلحق
العنق بالرأس
هنا في عدم وجوب الستر ، كما صرّح به جماعة
، لأنه الظاهر من نفي وجوب الخمار عليهن ، قيل : ولعسر ستره من دون الرأس .
أقول : ويدلّ عليه صريح الخبر المروي في
قرب الإسناد : عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال : « لا بأس » .
(وستر الرأس مع ذلك أفضل)
كما عليه الفاضلان هنا وفي المعتبر والتحرير والمنتهى ، وحكي عن صريح ابني زهرة
وحمزة والجامع وشرح الكتاب والتذكرة وظاهر المهذب والمراسم . قيل : لأنه أنسب بالخفر والحياء ، وهو
مطلوب من الإماء كالحرائر .
__________________
ولا بأس به على القول بالمسامحة في
السنن وأدلّتها ، ويشكل على غيره ، لقصور التعليل عن إفادة الحكم الشرعي على هذا
التقدير ، مع عدم نص فيه
كما اعترف به الفاضلان في المعتبر والمنتهى والتحرير وغيرهما . ولذا اختار جماعة العدم ، بل وفي الدروس روى استحبابه وأشار
بها إلى ما رواه في الذكرى
، وروي عن المحاسن والعلل للصدوق ;
أيضا عن أبي عبد الله 7
: في المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت؟ قال : « لا ، قد كان أبي 7 إذا رأى الخادمة تصلّي مقنّعة ضربها
لتعرف الحرة من المملوكة » .
أقول : وظاهره التحريم كما هو ظاهر
الصدوق .
ولكنه ضعيف ، لضعف السند بالجهالة ، مع احتمال الحمل على التقية كما يشعر به نسبته
ضربهن إلى أبيه 7
، ويعضده نقل ذلك عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنّعة وقال : اكشفي ولا تشبّهي
بالحرائر .
ومنه يظهر ضعف القول باستحباب الكشف
أيضا ، لظهور الخبر في الوجوب مع عدم قابليّته للحمل على الندب بطريق الجمع ،
لمكان الضرب الذي لا يفعل بتارك المستحب ، فلم يبق محمل له غير التقية ، كما
يستفاد مما
__________________
مر.
مضافا إلى المروي في الذكرى : عن الأمة
تقنّع رأسها؟ فقال : « إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل ، سمعت أبي يقول : كنّ يضربن
فيقال لهن : لا تشبّهن بالحرائر » .
وظاهره
التسوية
كباقي النصوص النافية لوجوب التقنّع عنهن. ويمكن حملها على التسوية في الإجزاء ،
فلا ينافي فضيلة الستر ، كما هو المشهور بين الطائفة.
(الثالثة
: يجوز الاستتار في الصلاة بكل ما يستر به العورة كالحشيش وورق الشجر والطين)
بلا خلاف فيه بيننا في الجملة ، وإن اختلف في جواز الستر بالحشيش وما بعده مطلقا ،
كما في ظاهر العبارة وغيرها ، أو بشرط فقد الثوب وإلّا فتعين. ولا دليل على شيء
منهما يعتدّ به ، ولا ريب أن الثاني أحوط ، وأحوط منه عدم الستر بالطين إلّا مع
فقد سابقيه ، بل قيل بتعينه .
(ولو لم يجد)
المصلي (ساترا)
مطلقا لم يسقط عنه الصلاة إجماعا كما في المنتهى والذكرى وغيرهما ، بل (صلّى عاريا قائما موميا)
للركوع والسجود ، جاعلا الإيماء فيه أخفض منه في الأوّل.
وقوله (إذا أمن المطّلع)
ـ يعني الناظر المحترم ـ شرط لقوله : قائما ، بدلالة قوله (ومع وجوده)
أي المطّلع (يصلّي
جالسا موميا للركوع والسجود) على الأظهر
الأشهر ، بل عليه عامة من تأخّر إلّا من ندر .
للمرسل
كالصحيح :
في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة ، قال :
__________________
« يصلّي عريانا
قائما إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالسا » . ونحوه غيره .
وبه يجمع بين النصوص الآمرة بالقيام
مطلقا ، كالصحيح : « وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم » .
والصحيح : « وإن كان معه سيف وليس معه
ثوب فليتقلّد السيف ويصلّي قائما » .
والآمرة بالجلوس كذلك كالصحيح : « يصلّي
إيماء ، وإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ،
ثمَّ يجلسان فيومئان إيماء ، ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما ، تكون
صلاتهما إيماء برؤوسهما » .
والصحيح : عن قوم صلّوا جماعة وهم عراة
قال : « يتقدّمهم الإمام بركبتيه ويصلّي بهم جلوسا وهو جالس » ونحوه الموثق .
بحمل الأوّلة على صورة الأمن من المطّلع
والأخيرة على غيرها ، مع ظهور الأخيرين منها فيه جدّاً.
خلافا للمرتضى ، فأطلق الأمر بالجلوس في
المصباح والجمل ، كالصدوق في الفقيه والمقنع ، والشيخين في المقنعة والتهذيب فيما
حكي
__________________
عنهم ، أخذا بالأخبار الأخيرة.
وفيه ما عرفته ، مضافا إلى مخالفته
الأصول الدالة على وجوب القيام ، السليمة عن المعارض في صورة الأمن من المطّلع.
وللحلّي ، فعكس ، وأخذ بالأخبار الأوّلة ، والأصول
المزبورة.
وفي الأخبار : ما عرفته ، وفي الأصول :
إنها معارضة في صورة عدم الأمن من المطّلع بما دلّ من الأصول الأخر على لزوم الستر
عن الناظر المحترم ، وبعد التعارض لا بدّ من الترجيح ، وهو مع الأخيرة ، للشهرة
المرجّحة ، مضافا إلى الأخبار الأخيرة والرواية المفصّلة. مع أنه شاذّ لم ينقل
خلافه جماعة ، بل ادّعى في الخلاف على خلافه ـ وهو لزوم الجلوس مع عدم الأمن من
الناظر ـ إجماع الإمامية .
وللمعتبر وبعض من تأخر ، مخيّرا بين الأمرين ، لتعارض الأخبار
من الطرفين ، وعدم مرجّح لأحد المتعارضين ، مع ضعف المفصّلة.
وفيه نظر ، لانجبار الضعف بما مرّ ،
مضافا إلى عمل الأكثر ، مع أنها مروية في المحاسن بطريق صحيح ، وإن قيل فيه أيضا شائبة الإرسال .
واعلم : أن النصوص الآمرة بالإيماء
للركوع والسجود في كل من حالتي القيام والجلوس زيادة على ما مر كثيرة ، مع التصريح
في جملة منها بكونه
__________________
بالرأس ، وجعله
للسجود أخفض منه للركوع
، وبه صرح أكثر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، إلّا من ابن زهرة ، فنصّ على أن
الإيماء إذا صلّى جالسا ، فإن صلّى قائما ركع وسجد .
ونحوه
عن الفاضل
في النهاية ، لكن متردّدا في الأخيرة مستقربا الإيماء فيه أيضا .
قيل : ووجه فرقهما بين الحالتين الأمن
حال القيام
، فلا وجه لترك الركوع والسجود ، بخلاف حالة الجلوس لعدم الأمن فيها.
وفيه ـ بعد تسليمه ـ أنه اجتهاد في
مقابلة النص المعتبر.
والديلمي ، فلم يذكره أصلا . وكذا الشيخ وابن حمزة والقاضي ، فلم
يذكروه أيضا إلّا في صلاة العراة جماعة ، فأوجبوا الإيماء على الإمام خاصّة ، قيل : وعليه الإصباح والجامع .
للموثق : « يتقدّمهم إمامهم يجلس
ويجلسون خلفه ، فيومئ بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم » .
ورجّحه الفاضلان في المعتبر والمنتهى ،
والشهيد في الدروس
، لقوّة الموثّق. قال في المنتهى : لا يقال : إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره
يصلّي
__________________
بالإيماء ، لأنّا
نقول : إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطّلع ، وهو مفقود هاهنا ، إذ كل واحد منهم
مع سمت صاحبه لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع والسجود.
وفي الذكرى : أن الظاهر اختصاص الحكم
بأمنهم المطّلع ، وإلّا فالإيماء لا غير ، واطّلاع بعضهم على بعض غير ضائر ، لأنهم
في حيّز التستّر باعتبار التضامّ واستواء الصفّ ، قال : ولكن يشكل بأن المطّلع هنا
إن صدق وجب الإيماء وإلّا وجب القيام. ويجاب : بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار
القيام
، فكأنّ المطّلع موجود حالة القيام وغير معتدّ به حال الجلوس .
وأوجب المفيد والمرتضى والحلي الإيماء على الجميع ، كما يقتضيه إطلاق
العبارة وكثير ، بل ادّعى الأخير عليه الإجماع ، لعموم أدلّته وكثرتها ، ومنها
الصحيحة الاولى من الأخبار الأخيرة
، فإنها ظاهرة في المنع عن الركوع والسجود مطلقا ، وإن اختص ظاهر موردها بصلاة
المنفرد ، لعموم التعليل فيها بقوله : « فيبدو ما خلفهما » وهو ظاهر في أن علّة
المنع إنما هو بدوّ الخلف ، ولا يختلف فيه الحال في الجماعة والانفراد ، وهي أصح
من الموثقة
، معتضدة بإطلاق غيرها أيضا ، مع إطلاق كثير من الفتاوى وصريح جملة منها ، فالعمل
بها أقوى.
قال في الذكرى ـ معترضا على الموثقة ـ :
إنه يلزم من العمل بها أحد
__________________
الأمرين ، إما
اختصاص المأمومين بعدم الإيماء مع الأمن ، أو عمومه لكل عار أمن ، ولا سبيل إلى
الثاني ، والأوّل بعيد .
قلت : مع احتمال ركوعهم وسجودهم بوجوههم
فيها ركوعهم وسجودهم على الوجه الذي لهم ، وهو الإيماء ، ولذا نقل عن نهاية
الإحكام أنها متأوّلة .
وفي التحرير والمختلف والتذكرة التردد ، ولا وجه له لما عرفته.
وإطلاق النص والفتوى يقتضي جواز الصلاة
عاريا ولو أول الوقت مطلقا ، كما عليه الأكثر.
خلافا
لجماعة
، فأوجبوا التأخير ، إما مطلقا ، كما عليه جملة منهم ، أو بشرط رجاء حصول الساتر وإلّا
فيجوز التقديم .
وهو أحوط ، بل لا يترك مهما أمكن ، ففي
الخبر المروي عن قرب الإسناد : « من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتى يخاف
ذهاب الوقت يبتغي ثيابا ، فإن لم يجد صلّى عاريا جالسا يومئ إيماء ، ويجعل سجوده
أخفض من ركوعه ، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمَّ صلّوا كذلك فرادى » .
وضعف السند والدلالة مجبور بموافقة
الأصل والقاعدة الدالّين على اشتراط الستر في الصلاة بقول مطلق ، فيجب تأخيرها
لتحصيله ولو من باب المقدمة.
__________________
وكذا لا يقدح تضمّنه لما لا يقول به أحد
: من تعيّن الصلاة فرادى ، مع أن استحباب الجماعة لهم أيضا متفق عليه ظاهرا ، إلّا
من الصدوق في الفقيه في باب صلاة الخوف والمطاردة ، فأفتى بمضمون الرواية ، وبالإجماع صرّح في الذكرى .
فإنّ خروج جزء الحديث عن الحجية لا يوجب
خروجه عنها طرّا ، وإن هو حينئذ إلّا كالعامّ المخصّص حجّة في الباقي. مع عدم
صراحته في المنع عن الجماعة بعد احتمال اختصاصه بما إذا لم يريدوها ، أو إذا لم
يكن لهم من يصلح أن يكون إماما
__________________
فهرس الجزء الثاني
الطهارة الترابيّة
مسوّغات التيمّم :
عدم وجدان الماء............................................................ ٧
عدم الوصلة إلى الماء........................................................ ٨
حصول مانع من استعمال الماء................................................ ٩
وجوب شراء الماء......................................................... ١٠
عدم وجوب شراء الماء إذا أضرّ في الحال..................................... ١١
جواز التيمّم عند خوف العطش............................................. ١٢
وجوب التيمم على من كان عنده من الماء قدر إزالة الخبث.................... ١٢
وجوب التيمّم بدلّا عن الغسل على من كان عنده من الماء قدر
الوضوء.......... ١٣
وجوب تيمّم الميت إذا لم يوجد الماء لغسله................................... ١٣
ما يتيمّم به :
حكم التيمّم بغير التراب................................................... ١٤
عدم جواز التيمم بغير الأرض.............................................. ١٧
عدم جواز التيمم بالمعادن.................................................. ١٨
جواز التيمم بأرض النورة والجصّ.......................................... ١٨
كراهة التيمّم بأرض السبخة والرمل........................................ ١٩
حكم التيمم بالحجر....................................................... ٢٠
حكم التيمم بالخزف...................................................... ٢١
التيمم بالغبار مع فقد الصعيد............................................... ٢٢
التيمم بالوحل مع فقد الغبار............................................... ٢٤
سقوط فرض الصلاة مع فقد الوحل......................................... ٢٥
كيفيّة التيمّم
عدم صحّة التيمم قبل دخول الوقت........................................ ٢٧
حكم التيمم في سعة الوقت................................................ ٢٧
أدلّة القائلين بوجوب تأخير التيمم إلى آخر الوقت والجواب عنها............... ٢٧
أختصاص المسح بالجبهة................................................... ٣٢
اختصاص المسح بظاهر الكفين............................................. ٣٥
الأقوال في عدد الضربات.................................................. ٣٦
دليل القول بالتفصيل بين البدل من الوضوء والغسل........................... ٣٧
تقوية القول بوحدة الضرب مطلقاً.......................................... ٣٩
وجوب النيّة.............................................................. ٤٢
وجوب الترتيب.......................................................... ٤٣
اعتبار معيّة اليدين في الضرب.............................................. ٤٣
اعتبار المسح بباطن اليدين.................................................. ٤٤
بيان كيفية الترتيب....................................................... ٤٤
أحكام التيمم :
عدم وجوب الإعادة على من صلّى متيمماً................................... ٤٦
جواز التيمم لمتعمّد الجنابة مع خوف التلف أو الضرر......................... ٤٧
جواز التيمم لمن أحدث في الجامع ومنعه الزحام من الطهارة
المائية............... ٤٨
وجوب طلب الماء وحدّه................................................... ٥٠
حكم من صلّى متيمماً مع الإخلال بالطلب ثم وجد الماء....................... ٥٢
انتقاض التيمم بوجدان الماء قبل الصلاة...................................... ٥٣
صحة الصلاة لو وجد الماء بعد الصلاة....................................... ٥٣
بيان الأقوال فيما لو وجد الماء في أثناء الصلاة................................ ٥٤
حكم المتيمم الجنب إذا أحدث وتمكّن من الوضوء............................ ٥٧
عدم انتقاض التيمم بخروج الوقت.......................................... ٥٨
جواز التيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء.................................... ٥٩
حكم اجتماع الميت والجنب والمحدث مع كفاية الماء لأحدهم................... ٦٠
حكم المتيمم إذا أحدث في أثناء الصلاة ثم وجد الماء.......................... ٦٢
النجاسات
أعداد النجاسات :
البول الغائط.............................................................. ٦٤
حكم بول الطيور وذرقها.................................................. ٦٥
المني..................................................................... ٦٧
الميتة..................................................................... ٦٨
طهارة ميتة غير ذي النفس................................................. ٧١
نجاسة ميتة الإنسان........................................................ ٧١
عدم تعدّي نجاسة الميتة مع اليبوسة.......................................... ٧٢
حكم الميت قبل البرد...................................................... ٧٣
الدم..................................................................... ٧٤
طهارة دم غير ذي النفس.................................................. ٧٥
طهارة الدم المتخلّف في الذبيحة............................................. ٧٦
الكلب والخنزير........................................................... ٧٦
طهارة الكلب والخنزير البحريّين............................................ ٧٧
نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الكلب والخنزير................................... ٧٨
الكافر والمرتد............................................................ ٧٩
حكم أهل الكتاب........................................................ ٨٠
طهارة غير الخوارج والغلاة والنواصب من فرق المسلمين...................... ٨١
نجاسة الخوارج والغلاة والنواصب........................................... ٨٣
المسكرات المائعة.......................................................... ٨٣
حكم العصير العنبي....................................................... ٨٦
الفقاع................................................................... ٨٧
حكم عرق الجنب من الحرام............................................... ٨٨
حكم عرق الابل الجلّالة................................................... ٨٩
حكم لعاب المسوخ وذرق الدجاج.......................................... ٩٠
حكم الثعلب والأرنب والفأرة والوزعة...................................... ٩٢
أحكام النجاسات :
وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف..................... ٩٥
العفو عمّا دون الدرهم من الدم في الصلاة................................... ٩٥
المراد بالدرهم البغلي...................................................... ٩٧
حكم ما لو بلغ الدم قدر الدرهم........................................... ٩٩
حكم النقط المتفرقة من الدم لو بلغت قدر الدرهم.......................... ١٠٠
عدم العفو عن دم الحيض وإن نقص عن الدرهم............................ ١٠١
حكم دم الاستحاضة والنفاس............................................. ١٠٣
حكم دم نجس العين..................................................... ١٠٣
العفو عن دم القروح والجروح............................................ ١٠٤
جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه مع نجاسته............................. ١٠٦
وجوب غسل الثوب والبدن من البول مرّتين................................ ١٠٨
حكم تعدّد الغسل في الكثير والجاري...................................... ١٠٩
هل يختصّ تعدّد الغسل بالبول؟........................................... ١١٠
عدم لزوم العصر في بول الصبي........................................... ١١١
عدم اعتبار إزالة اللون والرائحة........................................... ١١٣
لزوم غسل أطراف الشبهة المحصورة....................................... ١١٤
وجوب الصلاة في كل من الثوبين المشتبهين إذا تعذّر التطهير................. ١١٥
خلاف ابن ادريس وابن سعيد في المسألة................................... ١١٥
استحباب رش الثوب بالماء بملاقاة الكلب أو الخنزير أو الكافر
يابساً........... ١١٦
وجوب الإعادة والقضاة على من صلّى في النجس عامداً..................... ١١٧
وجوب الإعادة والقضاة على من نسي النجاسة حال الصلاة مع العلم
بها قبلها.. ١١٨
عدم وجوب الإعادة والقضاء مع الجهل بالنجاسة........................... ١٢٠
حكم رؤية النجاسة في أثناء الصلاة مع العلم بسبقها........................ ١٢٣
حكم رؤية النجاسة في أثناء الصلاة مع عدم العلم بسبقها.................... ١٢٤
حكم رؤية النجاسة في أثناء الصلاة مع ضيق الوقت......................... ١٢٦
حكم المربية للصبي ذات الثوب الواحد..................................... ١٢٧
حكم من ليس له ثوب طاهر............................................. ١٢٩
مطهّرية الشمس وموردها................................................ ١٣١
الجواب عن المناقشة في دلالة الرواية على الطهارة........................... ١٣٣
مطهّرية الاستحالة بالنار وغيرها.......................................... ١٣٦
مطهّرية الأرض باطن الخفّ والقدم........................................ ١٣٨
تطهير الأرض النجسة بإلقاء الذنوب عليها................................. ١٤١
أحكام الأواني والجلود
حرمة استعمال أواني الذهب والفضّة...................................... ١٤١
كراهة استعمال المفضّص................................................. ١٤٤
وجوب عزل الفم عن محلّ الفضّة......................................... ١٤٥
طهارة أواني المشركين ما لم يعلم نجاستها................................... ١٤٦
حرمة استعمال جلد نجس العين والميتة..................................... ١٤٨
اعتبار العلم بتذكية الجلد أو وجوده في يد المسلم أو سوق
المسلمين........... ١٤٩
كراهة استعمال جلد غير مأكول اللحم قبل الدبغ........................... ١٥١
كراهة استعمال الأواني الخشبية ونحوها.................................... ١٥٢
وجوب غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرّات أولاهن بالتراب............ ١٥٣
هل يجب مزج التراب بالماء؟.............................................. ١٥٥
وجوب غسل الإناء من ولوغ الخنزير سبع مرّات............................ ١٥٦
وجوب غسل الإناء من الخمر وموت الفارة ثلاث مرّات..................... ١٥٦
حكم التعدّد في غسل الإناء من سائر النجاسات............................ ١٥٧
كتاب الصلاة
أعداد الصلوات :........................................................ ١٦١
الصلوات المفروضة...................................................... ١٦١
الصلوات الخمس المفروضة ونوافلها........................................ ١٦٣
سقوط نوافل الظهرين في السفر........................................... ١٦٥
الكلام في سقوط الوتيرة في السفر......................................... ١٦٦
كيفية صلاة النافلة...................................................... ١٦٩
كيفية صلاة الوتر....................................................... ١٧٠
مواقت الصلاة :
وقت الظهرين.......................................................... ١٧٢
وقت العشاءين.......................................................... ١٧٢
وقت صلاة الفجر....................................................... ١٧٣
دلالة الأخبار على الأوقات المختصّة....................................... ١٧٤
جواز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت....................................... ١٧٥
الخلاف في آخر وقت المغرب............................................. ١٧٨
الخلاف في أول وقت العشاء............................................. ١٨١
الخلاف في آخر وقت العشاء............................................. ١٨٣
وقت نافلة الظهر........................................................ ١٨٥
وقت نافلة العصر....................................................... ١٨٦
وقت نافلة المغرب....................................................... ١٩٠
وقت ركعتي الوتيرة..................................................... ١٩٢
وقت صلاة الليل........................................................ ١٩٢
أفضلية صلاة الليل كلّما قرب من الفجر................................... ١٩٤
المراد بانتصاف الليل..................................................... ١٩٧
وقت نافلة الفجر........................................................ ١٩٨
أفضلية تأخير نافلة الفجر إلى الفجر الأوّل................................. ١٩٩
آخر وقت نافلة الفجر................................................... ٢٠٠
كيفية معرفة الأوقات :
معرفة الزوال........................................................... ٢٠٤
معرفة الغروب.......................................................... ٢٠٥
المراد بذهاب الحمرة المشرقية............................................. ٢٠٦
الخلاف في علامة المغرب................................................. ٢٠٧
الجواب عن الروايات الدالّة على تحقّق المغرب بغيبوبة الشمس................ ٢٠٩
ذكر القولين الآخرين في علامة المغرب.................................... ٢١٦
أحكام المواقيت :
حكم صلاة العشاء قبل ذهاب الحمرة المغربية............................... ٢١٧
مواضع جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف.............................. ٢١٨
أفضلية قضاء صلاة الليل من تقديمها....................................... ٢١٩
لو تلبّس بنافلة الظهر أو العصر ثم خرج وقتها.............................. ٢٢٠
هل يشترط التخفيف في جواز إتمام النافلة لو خرج وقتها؟................... ٢٢٢
لو تلبّس بنافلة المغرب ثم خرج وقتها...................................... ٢٢٤
فوات وقت نوافل الليل بطلوع الفجر الثاني................................ ٢٢٦
مزاحمة صلاة الصبح بنوافل الليل إذا صلّى منها أربع ركعات................. ٢٢٨
جواز فعل الفريضة ما لم يتضيّق وقت الحاضرة.............................. ٢٣١
حكم التنفّل في وقت الفريضة............................................ ٢٣١
كراهة النوافل المبتدأة في خمسة مواضع..................................... ٢٣٨
المواضع المستثناة من حكم كراهة النوافل في المواضع الخمسة.................. ٢٤٢
المواضع المستثناة من أفضلية الصلاة في أول الوقت........................... ٢٤٧
وجوب تحصيل العلم بالوقت مع التمكّن................................... ٢٤٩
جواز التعويل على الظن مع عدم التمكن من العلم........................... ٢٤٩
حكم من صلّى بظن دخول الوقت ثم انكشف الخلاف...................... ٢٥٠
أحكام القبلة :
كفاية استقبال جهة الكعبة مع عدم أمكان مشاهدة نفسها................... ٢٥٤
المناقشة في كلام الشيخ في تعيين القبلة..................................... ٢٥٥
تعريف الجهة........................................................... ٢٥٨
كيفية الاستقبال في جوف الكعبة......................................... ٢٥٩
كيفية الاستقبال على سطح الكعبة........................................ ٢٦٢
لزوم توجّه أهل كل اقليم إلى سمت الركن الذي يليهم....................... ٢٦٤
علامات أهل الأركان................................................... ٢٦٥
بيان مستند العلامات والاختلاف بينها..................................... ٢٦٧
حكم التياسر لأهل المشرق............................................... ٢٦٩
وجوب تحصيل العلم بالقبلة مع التمكّن.................................... ٢٧٢
جواز الاكتفاء بالظنّ مع فقد العلم........................................ ٢٧٣
لزوم الصلاة إلى أربع جهات لو فقد العلم والظن بالقبلة..................... ٢٧٤
أدلة القائلين بالاكتفاء بالصلاة الواحدة والجواب عنها....................... ٢٧٦
قول ابن طاوس بوجوب القرعة وردّه...................................... ٢٧٩
بطلان الصلاة يترك الاستقبال عمداً....................................... ٢٧٩
حكم ترك الاستقبال نسياناً أو ظناً........................................ ٢٧٩
حكم الانحراف إلى المشرق والمغرب....................................... ٢٨١
لزوم الإعادة دون القضاء لو استدبر غير عامدٍ.............................. ٢٨٢
دليل القول بوجوب القضاء وجوابه....................................... ٢٨٣
حكم تبيّن الخطأ في القبلة في أثناء الصلاة.................................. ٢٨٥
حكم الفريضة على الراحلة اختياراً........................................ ٢٨٧
جواز الفريضة على الراحلة اضطراراً....................................... ٢٨٩
جواز الفريضة ماشياً اضطراراً............................................. ٢٩٠
حكم الاستقبال في الفريضة على الراحلة وماشياً............................ ٢٩١
هل تجوز الصلاة على الراحلة وماشياً مع سعة الوقت؟....................... ٢٩١
جواز النافلة على الراحلة وماشياً.......................................... ٢٩٢
حكم الاستقبال في النافلة على الراحلة..................................... ٢٩٤
لباس المصلّي :
عدم جواز الصلاة في جلد الميتة........................................... ٢٩٥
اعتبار العلم بتذكية الجلد أو أخذه من بلاد الإسلام أو يد
المسلم.............. ٢٩٧
الحكم بطهارة الجلد إذا اُخذ من يد مسلم مستحلّ الميتة بالدبغ................ ٢٩٧
عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه ولا في صوفه وشعره
ووبره....... ٢٩٨
عدم جواز الصلاة في ما لا تتم فيه من غير المأكول اللحم.................... ٣٠٠
جواز استعمال جلد ما لا يؤكل لحمه في غير الصلاة........................ ٣٠٥
حكم جلد ما يؤكل لحمه وصوفه وشعره ووبره............................. ٣٠٥
لزوم غسل موضع اتّصال الشعر بالجلد إذا اُخذ قلعاً......................... ٣٠٧
جواز الصلاة في وبر الخزّ الخالص......................................... ٣٠٩
حكم الصلاة في جلد الخزّ................................................ ٣٠٩
عدم جواز الصلاة في وبر الخزّ المغشوش بوبر الأرنب والثعلب................ ٣١٢
حكم الصلاة في فرو السنجاب........................................... ٣١٣
حكم الصلاة في جلود الثعالب والأرانب................................... ٣١٨
عدم جواز الصلاة في الحرير المحض للرجال................................. ٣١٩
جواز الصلاة في الحرير عند الضرورة وفي الحرب........................... ٣٢٠
جواز الصلاة في الحرير إذا لم يكن محضاً................................... ٣٢١
جواز صلاة النساء في الحرير.............................................. ٣٢٣
حكم الصلاة في ما لا تتم فيه الصلاة من الحرير............................ ٣٢٦
حكم الركوب على الحرير والافتراش به................................... ٣٢٩
حكم الصلاة في الثوب المكفوف بالحرير................................... ٣٣١
عدم جواز الصلاة في الثوب المغضوب..................................... ٣٣٣
حكم الصلاة في خاتم الذهب والثوب المموّه به............................. ٣٣٨
حكم الصلاة في المغضوب ناسياً للغصبيّة................................... ٣٤٠
حكم الصلاة في المغضوب جاهلاً بالحكم .................................. ٣٤٠
حكم الصلاة فيما يستر ظهر القدم........................................ ٣٤١
استحباب الصلاة في النعل العربية......................................... ٣٤٣
مكروهات لباس المصلّي :
الصلاة في الثياب السود.................................................. ٣٤٤
استثناء العمامة والخفّ والكساء من حكم الكراهة.......................... ٣٤٥
حكم الصلاة في الثياب المصبوغة.......................................... ٣٤٦
حكم الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الأرانب والثعالب أو
فوقه ...... ٣٤٧
الصلاة في الثوب الواحد الرقيق........................................... ٣٤٩
الاتزار فوق القميص.................................................... ٣٥٢
معنى التوشّح............................................................ ٣٥٣
اشتمال الصمّاء......................................................... ٣٥٤
الصلاة في عمامة بلا حنك............................................... ٣٥٥
الإمامة بغير رداء........................................................ ٣٥٨
حكم استصحاب الحديد الظاهر في الصلاة................................. ٣٦١
الصلاة في ثوب المتّهم بعدم التوقّي من النجاسة............................. ٣٦٢
الصلاة في ثوب عليه تماثيل أو خاتم فيه صورة.............................. ٣٦٥
صلاة المرأة في خلخال له صوت أو متنقّبة.................................. ٣٦٨
صلاة الرجل ملتثماً...................................................... ٣٦٨
الصلاة في القباء المشدود................................................. ٣٧٠
مسائل في الباس المصلّي :
اشتراط الطهارة وعدم الغصبيّة............................................ ٣٧٣
وجوب سترة العورة..................................................... ٣٧٤
أفضلية ستر ما بين السرّة والركبة......................................... ٣٧٦
أكملية ستر تمام الجسد مع الرداء......................................... ٣٧٨
كيفية ستر المرأة جسدها في الصلاة....................................... ٣٧٨
استثناء الوجه والكفين................................................... ٣٧٨
استثناء القدمين......................................................... ٣٨١
عدم الفرق في استثناء القدمين بين ظاهرهما وباطنهما........................ ٣٨٤
لزوم ستر الشعر والعنق على المرأة......................................... ٣٨٥
عدم وجوب ستر الرأس على الأمة والصبيّة................................ ٣٨٦
أفضلية ستر الرأس للأمة والصبيّة......................................... ٣٨٩
جواز الاستتار بكلّ ما يستر به العورة..................................... ٣٩١
حكم من لا يجد ساتراً................................................... ٣٩١
كيفية صلاة العراة جماعة................................................. ٣٩٤
هل تجوز الصلاة عارياً أول الوقت؟....................................... ٣٩٦
|