Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENafedthah-Zyarah-Qobourimagesimage001.gif


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENafedthah-Zyarah-Qobourimagesrafed.jpg




بسم الله الرحمن الرحيم

اللّهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمّدٍ وآلِ مُحَمّدٍ وسَلِّم عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ وعجِّل لِوَليكَ الفَرجَ والنصر


الأِهدٰاء

إلى مَنْ هي بضعة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إلى المدفونة سرّاً.

إلى ولدها ( عجل الله فرجه ).

إلى بيوتِ أرواحٍ طيبةٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه وتفجّر اليوم بقنابل الفكر الحاقد.

وإلى فقيد العلم والتقوى مفجر الثورة الإسلامية الكبرى الإمام الخميني قدس‌سره.

نرفع هذا الجهد المتواضع.



فاروق البياتي الموسوي


قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القبرُ إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النار » (١)

___________________________________

١ ـ كنز العمال : ١٥ / ٦٤١ ، ح ٤٢٥٢٩ ، و ٧٠١ ح ٤٢٨٠٢ ، عن علي عليه‌السلام.


بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ *

صدق الله العلي العظيم


استغفارٌ لأهل البقيع

روت عائشة في حديث لها : أنّ جبرئيل عليه‌السلام قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم » ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كيف أقول لهم ؟ » ، فقال : قُلْ قَولي : « السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » (١).

___________________________________

١ ـ صحيح مسلم : ٧ / ٤٤.


كلمة الناشر

في أجواء الآراء والممارسات الخاطئة تجاه من يتبنّى زيارة القبور والإهتمام بها ، والحكم عليه بأحكام غير سليمة ؛ لابدّ من الرجوع إلى ميزان ثابت يرجع إليه الفقهاء والعلماء من مختلف المذاهب لتقويم آرائهم وفتاويهم وأحكامهم في مأمن من اضطراب الأهواء واختلاف الأمزجة؛ ميزان لا يميل مع الهوى أو المصلحة ، وإنّما يزن الأمور والأفكار بميزان العقيدة والشريعة ، وهو ميزان أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي يستند إلى القرآن الكريم والسنة النبوية في تشخيص الأحكام وإصدارها ، وقد أقرّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام زيارة القبور الأولياء والصالحين ، بل أمروا المسلمين بذلك ، وحثّوا على التواصل والاستمرار ، وتبعهم على ذلك الكثير من الفقهاء الصالحين من مختلف المذاهب الإسلامية.

وعلى ضوء ذلك ينبغي على من يحرّم زيارة القبور أو الاهتمام بها أن يراجع آراءه وأحكامه ، ويمعن النظر في روايات أهل البيت عليهم‌السلام المستقاة من السنة النبوية ، بل يمعن النظر في فتاوى وأحكام أئمة المذاهب الاُخرى ممّن وافقهم على إرشاداتهم وتعاليمهم ، فقد أجمع أئمة المذاهب والفقهاء التابعون لهم على حلّيّة زيارة القبور والاهتمام بها ، بل أفتوا باستحبابها ، ولا زالت قبورهم وقبور أئمة أهل البيت عليهم‌السلام شاخصة يتوجه لها ملايين المسلمين بالزيارة والتكريم.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة القائمة على الاستدلال الصحيح ، حيث اعتمدت على الروايات الشريفة وعلى السيرة العملية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وعلى آراء الصالحين من العلماء والفقهاء ، واعتمدت على العقل في إثبات مشروعية الزيارة ، وعلى سيرة العقلاء في كل زمان ومكان ، واستشهدت بممارسات عملية وبشعائر واقعية.

إنّ البحث في مثل هذه المسائل يكاد يكون ضرورة واقعية للمؤيّدين وللمعارضين إن اتبعوا الحجة والبرهان والاستدلال الصحيح؛ بغية الوصول إلى معرفة الحقيقة وهي بداية العودة إلى الاُصول الثابتة للشريعة الإسلامية في ظروف تكالبت فيها قوى الكفر على طمس المعالم والشعائر الإسلامية التي يتقرب المسلم من خلالها إلى الله سبحانه وتعالى لتتحول ذهنيته إلى ذهنية إسلامية ، وسلوكه إلى سلوك إسلامي.

ذي القعدة ١٤٢٧ هـ. ق


المُقدَّمةُ

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

راعى المنهج الإسلامي الدوافع الفطرية عند الإنسان ، فلم يعمل على إلغائها أو تعطيلها ، بل سعى إلى إقرارها وتوجيهها الوجهة السليمة التي تنسجم مع مفاهيمه وقيمه ، ومن هذه الدوافع الفطرية زيارة القبور ، فالإنسان مجبول على الارتباط والتواصل مع أرقى نماذج الشخصية الإنسانية في حياتها وبعد مماتها ، وخصوصاً الشخصيات التي غيّرت مسار التاريخ ، وقدّمت للإنسانية كل شيء يرشدها ويوصلها إلى التكامل ، بل قدّمت أرواحها قرايين للحقّ والعدل ، وضحّت بأنفسها من أجل إرشاد واصلاح الإنسانية.

وقد راعى المنهج الإسلامي هذا الارتباط والتواصل وأقرّ زيارة قبور الأولياء والصالحين ، وزيارة الأرحام بعد رحيلهم إلى الحياة الاُخرى ، والتاريخ يحدّثنا عن مظاهر زيارة الأنبياء والصالحين لقبور أوليائهم ، بل وردت الروايات المتواترة والمعتبرة في خصوص الحثّ على زيارة القبور من كلا الفريقين ، لأنّها تشدّ الإنسان إلى الأولياء والصالحين للاقتداء بهم ومعاهدتهم على السير على نهجهم في جميع جوانب الحياة الإنسانية.

وقد سار العقلاء على فطرتهم ، وما نصب الشهيد ونصب الجندي المجهول في جميع بلدان العالم إلّا دليل على هذا التوجه الفطري حتى عند من لا يتبنّى الدين عقيدةً وسلوكاً.

والاهتمام بالقبور ظاهرة فطرية لا تخالف ثوابت المنهج الإسلامي ، فتذهيب القبب ظاهرة ملموسة ، وحليّ الكعبة ، وميزابها الذهبي خير دليل على ذلك ، وقد قام الكثير من الحكّام بتغيير حليّ الكعبة من حين لآخر دون اعتراض من الفقهاء


والعلماء.

وزيارة القبور والإهتمام بتشييدها وتزيينها يستند إلى الروايات المتواترة والمعتبرة ، وقد أجمع الفقهاء من مختلف المذاهب على ذلك ، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلّا فئة قليلة لا يعتدّ بقولها ، وقد دلّ العقل السليم على حسن هذه الظاهرة الفطرية.

وعلى الرغم من تواتر الأدلّة والشواهد والسيرة النبوية وسيرة الفقهاء في الحثّ على زيارة القبور إلّا أنّ البعض خالف جميع ذلك ومنع من زيارة القبور وتبنّاها عقيدةً وسلوكاً ، وحكم عليها بالكفر ، بل أهدر دم من يؤمن بها ويعمل على ضوئها ، وهذا التكفير لا مستند له ، وهو مخالف لثوابت الشريعة الإسلامية ومخالف للعقل السليم ، وأمّا هدر الدم فهو جريمة بحق الإسلام والإنسانية ، وقد أكّد الإسلام على حرمة دم المسلم ، وتبنّى مفهوم الاحتياط بالدماء في جميع الظروف والأحوال.

إنّ هؤلاء الذين يحكمون بكفر من تبنّى زيارة القبور وإهدار دمه ، بحاجة إلى مراجعة النفس ومراجعة الفتاوى والأحكام ، فالإسلام أمرهم بإقامة الدليل والبرهان ، وحثّهم على الاستدلال الصحيح ، وأمرهم بالأخذ بالمنهج السليم في الفتوى والحكم ، وحرّم عليهم الادّعاء بلا بيّنة.

إنّ من دواعي كتابة هذا الكتاب هو الردّ على متبنيات التكفييرين وإقناعهم بالعدول عن آرائهم الشاذّة ، ودعوتهم للعودة إلى المنهج السليم في إصدار الفتاوى والأحكام لأنّها لم تحقق أيّ إنجاز في خدمة العقيدة والشريعة ، بل خلقت أجواءً من الفتن والأزمات الإجتماعية والسياسية ، ولم تستطع التأثير على مسيرة المسلمين ، فهم لا زالوا متمسكين بهذه النزعة الفطرية المشروعة ، ولم تزدهم إلّا بعداً عن هذه الفئات الضالّة ، والتي هي مكلّفة بالرجوع إلى الموازين الثابتة والتخلّي عن الإدّعاءات بدون دليل ، ومكلّفة بالرجوع إلى الروايات الصحيحة المتواترة ، وإلى سيرة الصالحين.


نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح هؤلاء ليعودوا إلى صوابهم ويلتحقوا بجماعة المسلمين لكي تتوحد العقول والقلوب والمواقف في مواجهة أعداء الدين الذين يسعون إلى طمس المعالم الإسلامية والقضاء عليها كيداً بالدين وأهله.

وما توفيقي إلّا بالله العزيز الحكيم.

واللهَ تعالى نسأل أيضاً أن يوفّقنا لما فيه خير الدين والدنيا والآخرة ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّىٰ الله على خير خلقه محمدٍ المصطفىٰ وآله الطيبين الطاهرين ، وعجّل الله تعالى فرج وليّنا الحجّة المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الهداة الميامين.

الراجي مرضات ربّه السيد فاروق الموسوي ليلة الثالث من شهر رجب الأصب ١٤٢٣ هـ قم المقدسة ، مسجد صاحب الأمر عليه السلام


كلمة شكر وتقدير

وفي الوقت الذي نرى فيه نشر هذا الاصدار نتوجه بالشكر والتقدير إلى من ساهم في هذا الجهد العقائدي ونخص بالذكر الاستاذ الفاضل فارس العامر والاستاذ المحقق شاكر أحمدي والأخ الفاضل حيدر بن محمد الدوخي الاحسائي لتفضله ببعض المصادر والملاحظات. والاُخت المؤمنة شيماء في مجال طباعته.

ولايسعني أيضاً إلّا التوجه بالشكر والتقدير لمساعي الأخ الاستاذ على الربيعي القريشي لاشرافه العلمي والفني على هذا الجهد.

فجزاهم الله خير الجزاء وشكر لهم المساعي المبذولة وضاعف الأجر والثواب وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.



المؤلف




الجندي المجهول

لا يخفى أنّ أصل مسألة نصب الجندي المجهول فكرة لا تخلو من التقدير والتكريم لذلك الجندي الذي خرج مدافعاً عن الوطن والأموال والأعراض والمقدّسات فقتل ، ولم نعلم عنه شيئاً فكان هذا النصب !

ولكنّ هذا النصب الشامخ الذي يُكلف الدولة مئات الملايين ، وفي أحسن المواقع من العاصمة ، وسط الحدائق الغنّاء التي تحيط به ، والحرس والعمال الذين يقومون بخدمته المحافظة عليه من عبث العابثين ، حيث تنتهي إلى هذا النصب مواكب تقطع الطريق المؤدية إليه ، من فرق الموسيقى وهي تعزف ألحاناً عسكرية ، تمتاز بملابس وآلات العازفين من العسكريين الجميلة... تنتهي برؤساء الدول والقادة إلى قنينة غاز متّقدة ليلاً ونهاراً ، حيث يعزف عندها النشيد الوطني لدولة الضيف الزائر ، والنشيد الوطني لدولة المضيِّف ، وبمراسيم خاصّة توضع باقات الورود الثمينة عند هذه النار ، فيعلو التصفيق ، وتتلاقى الأيدي بالمصافحة ، وحرس الشرف على جانبي الطريق ، والمدفعية تطلق إحدى وعشرين إطلاقة تيمّناً وتكريماً للضيف الزائر. وفي بعض الأحيان تذبح الذبائح إن كان الضيف من ملوك أو رؤساء الدول العربية أو الإسلامية : فماذا بعد هذا


كلِّه ؟ وكلام الصحافة والإذاعة والتلفزيون للدول تصور هذه الزيارة ، وتنشر صور مختلفة لهذا الحشد ، وتعليقات تخرج بخطوط عريضة :

زار الضيف صاحب الجلالة والسعادة نُصب الجندي المجهول ووضع باقة وردٍ في حفلٍ بهيج. وكل هذا للجندي المجهول... !

أمّا زيارتنا نحن لأبطالنا وقادتنا المعلومين الذين بذلوا مهجهم لبقاء الدين ورفعة المسلمين ، أمّا زيارتنا للأنبياء والرسل والأئمة الهداة الميامين ، والآباء والاُمَّهات فحرام يستوجب القتل ، والكفر والخروج عن دائرة الإسلام !

عن البراء قال : كنّا مع رسول الله عليه‌السلام في جنازة ، فجلس على شفير القبر فبكى حت بلّ الثرى ، ثم قال : « يا إخواني ، لمثل هذا فأعِدّوا » (١).

مهلاً يا إخوة الإسلام ؛ لا تلفظوا الكلام من غير تأنٍّ واعتبار ، قال تعالى : ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢).

تعالَ معي أيّها القارئ العزيز لنتحاكم ، فاسمع واقرأ وشاهد ثمّ فكِّر واحكم بالعدل :

١ ـ هل يجوز أن تزوروا نصب الجندي المجهولَ ، وتُعظِّموا النارَ ؟

إنّ الذين يزورون الجندي المجهول الآن هم المُلوك والاُمراء والوزراءُ ، والناسُ على دين مُلوكِهم !

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٠٣.

٢ ـ ق : ١٨.


٢ ـ ماذا نقولُ لِقومٍ يَذبحون الخِرافَ تحت منصّات تماثيل بعض الأشخاص ؟

ففي العراقِ لا تخلو مراكز المحافظات من تماثيلَ لصدام ومن أعانه من قادة الفيالِقِ والفِرَق ، وأمّا في غير العراقِ فحدّث ولا حرج.

يضربون الطبول ويرقصون عند افتتاح نصب المُلوك ورؤساء الدول ، ويمدّون موائد الطعام عند افتتاح مشروع التماثيل والأصنام التي تُنصب هنا وهناكَ في مراكز المدن ، ويصرفون من أموال بيت المال العامة وقوات الناس وهم يصطرخون على لقمة العيش والدواء ، يُنفقون الملايين على نصب التماثيل هنا و هناك ، أفهل هذا حلالٌ وبدعة حَسَنة ، وزيارة الأنبياء والأوصياء ورُسل السماء حرام ، يستوجب التكفير والطعن والسِباب ؟!

وسنأتي بالأدلّة من الآيات الكريمة والأحاديث التي وردت في جواز زيارة القبور ، من الصحاح والمسانيد التي جاءت عندكم ، وسيعلم القارئ الكريم كيف أنّ الإسلام أجاز زيارة القبور وأمر القادر بها على ذلك فاقرأ واحكم بالعدل أيّها القارئ العزيز.

عزيزي القاريء :

إقرأ واحكم بالعدل.


المقبرة المَلَكية

تقع المقبرة الملكية في الجانب الشرقي من مدينة بغداد ، في قضاء الأعظمية ، وهي مقبرة فخمة ، وعليها قبة عالية مغطّاة بالموزائيك الفاخر بنقوشه ، على بناء فخم مفروش ، وهذا بكل تأكيد مخالف لما جاء من تحريم البناء على القبور.

وتلك المقبرة تحيطها الحدائق التي تكثر فيها الأشجار ، وقبورها عالية عن وجه الأرض ، وكما يقولون : « خير القبور الدوارس » ، وقد اهتمّت بها وزارة الأوقاف العراقية وصرفت عليها الملايين ، في حين لا جواز في التجصيص والتعمير في القبور !

فيها من يهتم بشؤونها وسدِّ نواقصها من ماء وكهرباء ، وتهوية وتدفئة ، وهي تضم رفاة ملوك العراق الذين حكموا من سِنِيَّ العشرينات حتى عام ( ١٩٥٨ م ) ، وهي قريبة من شاطئ نهر دجلة ، يمر على مقربة منها جسر معلق غاية في الدقة والمتانة ، وتحيط بها الدور والقصور ، وغالب من يسكن قريبا منها ذوو الجاه والسلطان والمراتب ، فتأمل وهي قبور غير دارسة خلافاً لِما يدّعون !

عليها قبة فخمة وبناء ، وهي الاُخرى جاء فيها اللعن ولأجل التشبه بتقاليد اليهود والنصارى ؟!

تصرف عليها الملايين للتعمير والصيانة ، وبذلك تكون خلافاً لِما


وردت فيها أحاديث الصحاح والمسانيد ، وثمّة مسألة اُخرى تأمّل فيها أخي القارئ واحكم بالعدل والإنصاف :

لماذا لم تضرب هذه المقبرة بالصواريخ والمدافع ، وتُنهب محتويات البناء المشيَّد عليها في حين ضربت المشاهد المشرَّفة في كربلاء والنجف الأشرف ؟!

ونُسفت المساجد عن وجه الأرض !!

( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (١).

___________________________________

١ ـ النساء : ٥٨.


مراقد المعارف

في الجانب الشرقي من بغداد عاصمة العراق ، وفي قضاء الأعظمية يقع مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه ، صاحب المذهب الحنفي ، وهو على ما قيل : من بلاد فارس من مدينة بابُل وقيل : من مدينة آمُل ، وقيل : من مدينة كابُل.

جاء العراقَين من أبوين مجوسيين ، واعتنق الإسلام ودرس على اُستاذه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام مدّة سنتين ، وهو القائل : « لولا السنتان لهلك النعمان » (١).

ولكنَّه قال مقالةً ما أبقت للاُولى. بنيت على قبره قبة غايةً في الفنِّ والمعمار ، ومسجد يحيط بقبره ، ومنبر ومحراب ، وتقام صلاة الجماعة إلى جوار قبره ، وتسرج الثريات الفخمة والمصابيح الزئبقية ، والنشرات الضوئية في صحن المسجد والمدرسة المحيطة به ، وتقام في باحته مراسم المواليد والحفلات الدينية ، وتلقى القصائد والكلمات ، ويضرب فيها الدفوف والسيوف ، وتُوزّع الحلويات بمحضر من الحكّام وذوي الشأن ، وتنقل فقرات الاحتفالات عن طريق الإذاعة والتلفزيون ، له مِئذنة محلّاة بالذهب من أعلاها ، ومكسُوَّة بالكاشي والموزائيك الفاخر ، وعلى قبره

___________________________________

١ ـ الخلاف ؛ ١ / ٣٣.


ضريح من الخشب الفاخر ، وقد حفر عليه آيات من القرآن الكريم ، وكسيت القبة من الداخل والجدران المحيطة بقبره بآيات كريمة من القرآن الكريم ، وبزخارف ونقوش إسلامية غاية في الدقة والروعة ، والبناء يشرف على نهر دجلة الخير ، ويبدأ من جواره جسراً فخم محكم و دقيق ينتهي إلى الجانب الغربي ، يقال له : جسر الأئمة ، المنسوب إلىٰ الإمام موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد عليهم‌السلام.

وفي الجانب الشرقي هذا ايضاً يقع مرقد الشيخ عبد القادر الگيلاني ، صاحب الطريقة الگيلانية القادرية ، وعلى مرقده ضريح مشبَّك من الفضة الخاصة ، غايةً في الدقة والصنعة ، وعليه قبّة فخمة عالية ، مكسوّة بالكاشي البديع والنقوش الجميلة ، وإلى جوارها قبة مكسوّة بالفضّة الخالصة ، ويحيط بالمرقد القادري مدرسة من طابقين فيها حدائق جميلة ، ويؤمّ المسجد والمرقد زوّار من الهند وباكستان وأصحاب الطريقة القادريةِ من شمال العراق وتركيا وأفغانستان ، بالنذور والهدايا والأموال ، وفي ليالي الجمع لا تجد محطَّ قدمٍ من كثرة الزوّار ، خصوصاً من النساء والأطفال والشباب ، وغالباً ما يُعطىٰ فيها الحساء ، وتعرف عندنا : « شُوربة الشيخ » يتبرك بها الناس و يطلبون الشفاء وقضاء الحوائج بها ، وقد اهتمت وزارة الأوقاف العراقية أيّما اهتمام بإدارة شؤون المرقد والمدرسة ، ..

وهنا سؤال يطرح نفسه :

إذا كان البناء على القبور حرام ومن سمات اليهود والنصارى ، وعلى


هكذا حكمٍ تضرب القباب والمآذن القائمة على قبور الأئمة المعصومين الهداة الميامين من آل محمد ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ بالصواريخ والمدافع الثقيلة ، ولا تضرب المآذن والقباب القائمة على قبور أئمة القوم ؟

فما حَدا ممّا بدا ؟!

مساجد إلى جوار القبور ، تعقد فيها الجماعات والحفلات والزوار هنا عند قبر أبي حنيفة والشيخ الگيلاني على راحة وإطمئنان وتوزع عليهم الحلويات ، وهناك يمنع الزوار ويضربون ، لا بل يُقتلون ، لا بل يُدفنون أحياءً ، أو يموتون في المعتقلات والسجون جملة ، ..

سيد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله الإمام الحسين صلوات الله عليه وعليهم يُقتل ويحزّ رأسه ويُطاف به على أسنّة الرماح في المدن والبلدان ، وتُسبى حرم رسول الله صلوات الله عليهم جميعاً ، وبالتالي لا تقف المأساة عند نقطة ، بل يُقتل زوّاره والذين يتّبعون نهجه الذي هو نهج جدّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله !

يا للمصيبة ! يا للعجب ! ويدّعون الإسلام !!

بناء فخم ، وقبة ومسجد كبير وثريات وفرش ، وزوار عند قبر أبي حنيفة والشيخ الگيلاني ، حلال !

وتحت إشراف الحكومة ، الماء المتوفر والأمان ، والحريّة ، والخدمة ، والصرف هو الآخر حلال ولا شيء عليه !!

ولا يقال لهم : زوّار القبور ، عبّاد القبور ، كفرة مردة ، وزوّار قبر الإمام


علي بن أبي طالب عليه‌السلام قالع باب خيبر ومجندل الأبطال وقتّال الجبابرة الكفرة... يضربون بالكيمياوي وصواريخ أرض أرض ، ..

وزوار الحسين عليه‌السلام ، وأخيه العباس عليه‌السلام والشهداء يضربون بالطائرات والصواريخ ويعتقلون ثم يقتلون ويمنع الماء عنهم والكهرباء !!

فما حَدا في ما بدا ؟!

وإذا عددنا المراقد والمساجد التي دفن فيها المعارف نجد الكثير ، وقد اهتمت الوزارة في الآونة الأخيرة بتجديد بناء مسجد السيد سلطان علي الذي يقع في شارع الرشيد ، ومن يقرأ كتب التاريخ وبالخصوص الكتب التي تتناول المراقد تغنيه عن هذه الكلمات القصار.

وفي الجانب الشرقي من بغداد أيضاً حيث المراقد الكثيرة ، والمقابر التي تمتاز بقبورها العالية ، والأبنية المشيدَّة عليها ، حيث السقاية المجّانية للأجر والثواب ، منها : مقبرة باب الشيخ ، ومقبرة محمد سكران.

وأمّا في الجانب الغربي فتقع مقبرة الرحمانية والشالجية...

ففي الشالجية مقبرة قديمة فيها بناء زقوري قديم ، ينسب إلى الستّ ( السيدة ) زبيدة...

كلُّ هذا : حلال ، ولا ينسب أهلها إلى الكفر والتمرّد ؟!

أمّا مقبرة وادي السلام فهي من أكبر المقابر الإسلامية ، فبأمر من طاغية العراق وأزلامه يفتح فيها أكثر من عشرة شوارع طولاً وعرضاً ، وتمسح القبور ، وتزفّت أرضها ، ويُقطع الماء والكهرباء عنها !!


الشيخ بشّار

الشيخ بشّار قد يكون هو بشر الحافي المدفون ببيتٍ في ركنٍ من البيوت القريبة لساحة الشهداء قرب جسر الشهداء في بغداد الكرخ...

وتنسب إليه محلّة الشيخ بشّار (١).

وتقوم في خدمته امرأة عجوز ، ويزوره مَن يعرفه من أبناء المنطقة ، والمجاورون له... وارتفاع قبره عن سطح الأرض أكثر من ( ٥٠ س.م ).

وبِشر هذا كان من الموسرين والمسرفين في إتيان المنكرات ، اتفق يوماً أنّ جارية له خرجت لتلقي القُمامة ، فمرّ بها في الأثناء الإمام موسى ابن جعفر الكاظم عليهما‌السلام ، فقال لها : « لمن هذه الدار ؟ » ، فقالت الجارية : لمولاي بشر ، ثم سألها ثانيةً : « أمولاكِ حُرّ أم عبد ؟ » ، فقالت : لا بل حُرّ ، فقال لها الإمام : « صدقتِ ، لو كان عبداً لأطاع ربه ».

فاستبطأها بشر ، فقال لها : ما الذي استبطأك ؟ فقالت : مرَّ بي رجل كذا وكذا صفته ، فسألني عن الدار ؟ فقلت : لمولاي بشر ، فقال لي : أمولاكِ حرّ أم عبد ؟ فقلت : لا بل حرّ ، فقال : صدقتِ ، لو كان عبداً لأطاع ربه ».

فقال بشر : ذاك مولاي موسى بن جعفر عليه‌السلام ، فخرج حافياً في الأثر ، فأدركه ، فقال : مولاي هل من توبة ؟ قال : « بلى ، من تاب ، تاب الله عليه » (٢).

___________________________________

١ ـ مراقد المعارف ، محمد حرز الدين : ١ / ١٩١ ـ ١٩٤.

٢ ـ منهاج الكرامة : ص ٣٢ ، منتهى الآمال : ج ٢ ص ٢٩٩.


فأقلع عمّا كان يأتي من المنكرات ، وأصبح من زهّاد زمانه ، أو بهذا المعنى.

والقبر قد لا يكون لبشر ، وإنّما لبشّار ، ولكنّ قولنا عن المقصد ، فالقبر غير مندرس ، وعليه بناء ، ويسرج فيه ، ويزار ويقصد ، ويصلّى عنده ، وترى النذور على قبره ، وكلّ هذا مردود ؛ لِما جاء من الأحاديث في الصحاح والمسانيد :

١ ـ في حرمة البناء على القبر.

٢ ـ وحرمة التجصيص ، وارتفاع القبر عن سطح الأرض.

٣ ـ وحرمة الإسراج والزيارة.

٤ ـ والصلاة تشبّهاً باليهود والنصارى.

ولكن ، يظهر أنّ هذه الأحاديث وضعت خصيصاً للقبور التي تخصّ الشيعة !!


مرقد النبيّ يونس بن متّي عليه‌السلام

يقع هذا المرقد الشريف في مدينة الموصل العراقية ، وهي من المدن الشمالية ، وهو على مرتفع ، عليه بناء فخم ، ومأذنة طويلة قديمة ، وقد جدّدت وزارة الأوقاف بناءه بالحجر المرمر الأبيض ، وتحيط به غرف عديدة للزوار ، والوصول إليه يوجب المشقّة...

ومدينة الموصل تعجّ بمثل هذه المراقد الشريفة ، وتمتاز بالبناء ، والخدمة ، وغالباً ما تكون ملحقة بالقبور ، تيمناً ، ومجاورةً ، والمحافظات الشمالية يكثر فيها مراقد ومَشاهد الصلحاء وأبناء العترة الطاهرة...

وقد تشرَّفَت بمثل هذه المراقد محافظة كركوك ، وهي من المحافظات الشمالية ، وتشتهر بالنفط.

وخلاصة القول : إنَّ البعض من هذه المراقد امتدّت إليها يد التخريب ، وشاءت الإرادة الإلهية في بعضها أن تظهر الكرامة ، وتفرض نفسها ، كما هو الحال في مرقدِ « أبو شيبة » في مدينة بغداد ، حافظ القاضي ، ساحة الغريري.


مراقد المعارف في الدول العربية والإسلامية

ما أكثر مراقد الأنبياء والأوصياء والأولياء والصحابة والصالحين في البلدان الإسلامية والعربية ، وإحصاؤها يحتاج إلى كتاب مُستقل ، فسوريا والأردن ، وبلدان فلسطين ، وتركيا ، ومصر ، والعراق ، وإيران ، وشمال أفريقيا فيها الكثير الكثير ، والهند وباكستان وأفغانستان ، وغيرها.

وأمّا الجزيرة العربية فقد تشرّفت بمرقد سيّد العرب والعجم من الأولين والآخرين محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام ، وابنته الصدّيقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، ومرقد عمّه العباس والحمزة أسد الله وأسد رسوله سلام الله عليه ، ومراقد الخلفاء والشهداء في البقيع واُحُد ، ومراقد إسماعيل واُمّه هاجر وسبعين نبياً صلوات الله عليهم ، ومرقد اُمّنا حواء في مدينة جدّة ، وفي خبرٍ : مرقد أبينا آدم عليه‌السلام في جبل أبي قُبيس ، وقيل : نقله نوح عليه‌السلام حيث النجف الأشرف إلى جواره وجوار علي بن أبي طالب عليه‌السلام...

فمثلاً في سوريا ما تعرّض أحدهم إلى بناء أو إصلاح قبر معاوية بن أبي سفيان إلّا وأصابه الانتكاس ، فقبره مهمل في خربة نتنة ، بينما قبر زينب بنت علي بن أبي طالب عليها‌السلام ، وقبر رقية بنت الحسين عليها‌السلام روضتان من رياض الجنّة يقصدهما الاُلوف من أنحاء العالم الإسلامي.

وإذا أردنا أن نستقصي المراقد فهي كثيرة ، منها هنا وهناك ، فلماذا هذه


الضجّة المفتعلة ، وأنتم تصرفون المليارات على بناء اللواحق هنا وهناك في مكّة والمدينة المشرَّفة ؟

أليس على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله القبة الخضراء ؟!

أليس على قبره المآذن والمسقفات ؟!

أليس بين قبره ومنبره أقدس البقاع : « بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (١).

أليس في جواره المسجد الشريف حيث يصلّىٰ فيه ؟!

أو ليس يستضاء المسجد المجاور للقبر الشريف بالمصابيح ؟!

أليس الناس تزوره وتزور ضجيعيه وتسلّم عليهم ؟!

أليس هذا فيما حلّلتموه وأجزتموه لأنفسكم ؟!

فلِمَ تُكَفِّرون من يزور أبناء الأنبياء ؟!

ولمَ تكفرون من يزور الآباء والأُمّهات ؟!

أليس الله تعالى أجاز نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله زيارة قبر اُمّه عليها‌السلام وهو القائل : « كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكركم الآخرة ».

والحديث روته الثقات ، وأثبته العلماء في صحاحكم ؟!

فلِمَ تكفّروننا وتنسون أنفسكم ؟!

تطوفونَ بالحجر وهو مقبرة ، وتصلّون إليه ، وتسرجون عليه ،

___________________________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ١ ص ٢٠٧ ، صحيح البخاري : ج ٩ ص ١٣٧ الحديث : ١٣٩٠ ، ويأتي في ص ٤٧.


وتقولون : عبّاد القبور ، زوّار القبور كفرة ؟!

ألم يأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن تُخرجوا الكفّار من الجزيرة العربية ؟!

فلماذا بنيتم لهم قاعدة ، وقواعد ، ليضربوا العرب والمسلمين ؟

ما هكذا الظنّ بحماة الإسلام وسدنة الحرمين ؟!

اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.

أليس علي بن أبي طالب عليه‌السلام رابع الخلفاء بحساباتكم ؟

أليس الحسن بن عليه عليه‌السلام تولّى الخلافة بعد أبيه ؟

أليس الحسين بن علي عليه‌السلام أحد سيّدَي شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

فلماذا : تُحرِّمون زيارتهم ، وتُكفّرون زوّارهم ؟

أليس الله تعالى دعا الجميع إلى الاعتصام بحبله ودينه ؟ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) (١).

أليست أعمالكم هذه وأقوالكم مَدعاةً للتفرقة والاختلاف ؟

ونحن المسلمين بأمسّ الحاجة إلى الوحدة والاجتماع بما يمرّ بنا من شراسة الأعداء ، وما تكتنفنا من المشكلات !

دَعُوا هذه الافتراءات ، وأسباب الفرقة !

وأمّا في مصر العزيزة ، حيث رأس الحسين عليه‌السلام الذي طافت به بنو اُمية الأمصار لتلقي الرعب في قلوب الناس ، والمسجد المحزون المعروف

___________________________________

١ ـ آل عمران ١٠٣.


بمسجد الحسين عليه‌السلام ، ومسجد زينب عليها‌السلام ومرقدها وقبور الصالحين من الأقطاب فعامرة تزار وعليها يد تدير شؤونها ، وتحفظ كرامتها وقداستها ، وهي مبعث الإشراق والنور ، حيث جوارها جامع الأزهر والحوزة الكبرى المحفوظة العامرة ، ما سمعنا يوماً تعرض لها أحد من السَّوَقة وغيرهم بالضرر ومساس كرامتها ، ولا من ذوي السلطة والسلطان...

أليست مصر الإسلامية ؟

أليست هي أكبر دولة عربية ؟

أليس فيها علماء ؟ أليس فيها مذاهب ؟

فلماذا انفردتم في معاداة أهل البيت عليهم‌السلام وهدمتم قبورهم في البقيع ؟!

ولماذا تشنّون الغارت على المدن المقدسة في العراق ؟

ولماذا تتآمرون على الشعب العراقي وبالخصوص على الشيعة منهم ؟

ما هكذا الظن بكم يا مَن تدّعون أنّكم أدعياء العروبة و حماة المسلمين... !!


الذَّهب

مسألة الذّهب تطرّق إليها الأوّلون ، كما تناولها المتأخرون ، في باب الهدايا الموجودة في الكعبة المشرقة وفي المراقد المقدسة في النجف الأشرف ، وكربلاء المقدسة والكاظمية وسامراء ، وفي الحقيقة أنّ الجهل مبعث الخطايا ، والخطايا مبعث المشاكل والمآسي والآلام ، وما وقع على مرِّ الزمان يندى له الجبين.

فالإسلامُ يقولُ : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) (١).

وأعداء الإسلام يقولون ويجتهدون بما لا يعلمون ، فكانت الدماء ، وكانت المآسي ، وكانت الفرقة ، ولا زالت بسبب الحقد والحسد والجهل والنفاق ، وكان الذّل الذي لحق المسلمين ، حيث أصبحوا اُسارى الحضارة المادية.

وتآمُر الصهيونية العالمية ، بعد أن استطاع المسلمون خلال عقدين من الزمن أن يبسطوا نفوذهم على ربع الكرة الأرضية ، بالعلوم والآداب الربانية والوحدة الحقة ، في الهدف والمصير ، ينشدون رضا الله وسعادة الآخرين.

ففي الكعبة الشريفة هدايا ثمينة من الذهب والفضّة على شكل الحيوانات ، كالغزال ـ مثلاً ـ ، اُهديت لها من قديم الزمان ، ومن يراجع التاريخ في هذا الباب يجد محاولات كثيرة باءت بالفشل لاخراجها والإستفادة منها.

___________________________________

١ ـ البقرة : ٢٥٦.


اجتهادُ الخليفة في حُلي الكعبة الشريفة

١ ـ ذُكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حُليّ الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحُليِّ ؟

فهمَّ عمر بذلك ، وسأل عنه أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : « إنّ هذا القرآن اُنزل على محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأموال أربعة :

أموال المسلمين فقسَّمَها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسَّمَه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها ، وكان حُليّ الكعبة فيها يومئذٍ فتركه الله على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخفَ عنه مكاناً ، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله » ( ١ ).

فقال عمر : لولاك لافتضحنا. وتَرَكَ الحُليَّ بحاله.

٢ ـ عن شقيق ، عن شيبة بن عثمان ، قال : قعد عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه في مقعدك الذي أنت فيه ، فقال :

لا أخرج حتى اُقسّم مال الكعبة بين فقراء المسلمين ، قال : قلت : ما أنت بفاعل ؟

قال : بلى ، لأفعلن.

قال : قلت : ما أنت بفاعل.

قال : لِمَ ؟

___________________________________

صحيح البخاري : ٢ / ٢٩١ ، عالم الكتب ، باب كسوة الكعبة والبخاري ـ نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ ، ٥٢٣ ، رقم ٢٧٠ ، وباللفظ الذي ذكرناه.


قلت : لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد رأى مكانه وأبوبكر عليه‌السلام ، وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه.

فقام فخرجَ.

لفظٌ آخر : قال شقيق : جلست إلى شيبة ، فقلت : إنه كان لك صاحبان فلم يفعلاه :

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوبكر رضي‌الله‌عنه ، فقال عمر :

هما المرآن أَقتدي بهما.

٣ ـ وعن الحسن : أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال :

لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلّا قسّمتها ، فقال له اُبي بن كعب : والله ما ذاك لك.

فقال عمر : لِمَ ؟

قال : إنَّ الله قد بيّن موضع كل مال وأقره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فقال عمر رضي‌الله‌عنه : صدقت (١).

والجدير بالذكر أنّنا رأينا في زماننا هذا من يطالب بالأموال والهدايا المهداة لضرائح الأئمة وأبي الفضل عليهم‌السلام ، ذلك عبدالسلام محمد عارف المقبور ، رئيس الجمهورية العراقية سنة ( ١٩٦٣ م ).

ولكنّ الله تعالى أماته بين السماء والأرض ، وأنزله محروقاً في الدنيا

___________________________________

١ ـ صحيح البخاري : ٣ / ٨١ كتاب الحج باب الكعبة ، وفي ٦ / ٢٦٥٥ ح ٦٨٤٧ ، باب الاعتصام أخبار مكّة للأزرقي : ١ / ٢٤٦ ، سنن أبي داود : ١٠ / ٣١٧ ، وسنن ابن ماجة : ٢ / ٢٦٩ سنن البيهقي : ٥ / ١٥٩ ، فتوح البلدان للبلاذري : ٥٥ ، نهج البلاغة : ٢ / ٢٠١ ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٠ ، ربيع الأبرار للزمخشري : ٤ / ٢٦ ، الباب الخامس والسبعون ، تيسير الوصول : ٣ / ٣٦٧ ح ٧ ، فتح الباري : ٣ / ٣٥٨ ، كنز العمال : ٧ / ١٤٥ ، ط مؤسسة الرسالة.


قبل الآخرة في سفره إلى البصرة جنوب العراق.

ولست أدري ما السرّ الذي دعا حاكم العراق أن يضرب قبة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بالمدفع ثماني قذائف أحدثت ثقوباً فيها كبيرة ، وضرب الضريح المقدس بقذائف البازوكا ؟

وهكذا ضربت المآذان وهتكت حرمت الشهداء ، ودخلت الدبابات الثقيلة الحرم الشريف لأبي عبدالله الحسين عليه‌السلام ، والشهداء وحرم أبي الفضل العباس عليه‌السلام ، ثم أجرى الإصلاحات عليها.

وإذا كانت المسألة والعذر المفتَعَل هي وجود معارضة متحصّنون فهل كان المعارضون فوق القبة وفي برج الساعة أو على المآذن ؟

وإن كانوا هناك فهل كان المعارضون داخل الأضرحة المشبّكة حتى تضرب ؟! ولا زالت آثار الإطلاقات شاخصة على الضريح والجدران في الحرمين الشرفين : حرم سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنّة ، الحسين الشهيد عليه‌السلام ، وحرم أبي الفضل العباس عليه‌السلام.

وهذا دليل الحقد الدفين ، والحسد الواضح ، والحرب القائة ضدّ أهل البيت عليهم‌السلام وأتباعهم ، والتي تنتهي بمحاربة الحجة المهدي عجّل الله فرجه.


الميزاب

ميزاب الكعبة من الذهب الخالص يراه الحاجّ من جهت الحجر ، وذكر صاحب موسوعة العتبات المقدسة : قسم مكّة المكرمة : ( ويبرز إلى خارج الجدار من تحت قمّة الجدار الشمالي الغربي الميزاب المذهَّب الذي تلتحق به زائدة صغيرة تسمى « لحية الميزاب ». ويطلق على الميزاب اسم « ميزاب الرحمة » ، كما تقع القبلة المضبوطة ما بين الميزاب هذا والركن الغربي ) (١).

وكثيراً ما تعرّض هذا الميزاب إلى القلع ، ولكن شاءت الإرادة الإلٰهية أن يبقى خالداً على مرَّ الدهور والأزمان ، وإلى يومنا هذا ، فما الضير والحال هذه أن نرى قباب أولياء الله مكسوّة بالذهب ؟

فإن ما يصرف على بناء العمارات والأسواق والمشاريع الشخصية والخاصّة ما يساوي أضعاف أضعاف تكليف الكسوة هذه ، ولكن هو الجهل المركّب بالحقد والحسد...

أموال تذهب إلى الأعداء من قوت المسلمين كالساقية لا أحد يعترض عليها ! أمّا أن يتبرع الناس طواعية لهذه الأماكن فهو كفر ، وخروج عن ربقة الإسلام ، لله دركم ما هذه الأحكام الجائرة ؟!

وما هذه المفارقات المؤلمة ؟

___________________________________

١ ـ موسوعة العتبات المقدسة ، جعفر الخليلي ، قسم مكّة المكرمة : ٢٣٦.


ذالعدوّ يسلب ويقتل ، ويحكم بالحديد والنار ، وأنتم لا شغل شاغل لكم إلّا صيحاتكم : عباد القبور ، زوّار القبور !

وهذه بلاد العرب والمسلمين تُستَعمَر ، وتُهدم بيوتها على رؤوس أهلها في فلسطين وأفغانستان ، ومن قبل...

والواجب يحتِّم على جميع المسلمين توحيد الكلمة ، وترك دواعي الفرقة المنافية للإسلام ؛ ليتمكّنوا من الوقوف إلى جانب إخوانهم المظلومين.


قُبَّة الصّخرة

القبّة المبنية على الصخرة التي اُسري بالنبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها ، ومنها إلى قاب قوسين أو أدنى ، كما قال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) ، مكسوّة بالذهب الخالص ، محفوظة بعين وعناية الخالق جلَّ وعلا.

وما يحدث الآن حول المسجد الأقصى إلّا إرهاصات لظهور الحق وإزهاق الباطل ، والعالم الذي يدّعي التمدّن والتحضّر اتّخذ موقف المتفرج سيشهد هو الآخر كيف أنّ المسلمين سيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرّة ، كما قال سبحانه وتعالى : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) (٢).

مع قوّة وحداثة السلاح المتطوّر عند العدو ، وما يمتاز به من الشراسة وكثرة الأتباع...

حيث لا تنفع الجاسوسية والعمالة ، ولا الأقمار الصناعية والرؤوس النووية ، ولا الدعاية الكاذبة...

وقد جاء في البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير القرشي الشيء الكثير عن قبة الصخرة وبانيها ، ومن شاء فليراجع موسوعة العتبات المقدسة قسم القدس (٣).

___________________________________

١ ـ الإسراء : ١.

٢ ـ الإسراء : ٧.

٣ ـ البداية والنهاية في التاريخ ، لإبن كثير القَرشي : ١ / ٣٠٨ ، وموسوعة العتبات المقدّسة لمؤلفه


القباب والمآذن الذهبية

أ ـ في النجف الأشرف :

قبّة الذهب التي تعلو قبر آدم ونوح وعلي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، تعرضت على مرِّ التاريخ إلى محاولات ومحاولات لا تمتّ إلىٰ الدين والقيم الإنسانية والأخلاقية بصلة ، وآخرها كان في بداية التسعينات من هذا القرن ، حيث انتفض الشعب في العراق على النظام الصليبي الماسوني ، ولمّا رأى الأسياد أنّ العراق يكاد يسقط بنظامه العميل ، نزل بثقله وبأسلحته الفتّاكة وعملائه ، فحال دون سقوط هذا النظام الحاقد الذي يحمل العداء للإسلام المتمثّل بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، فجاء بجيشه ، وبدلاً من أن يوجّهه إلى إسرائيل وجّهه إلى النجف الأشرف وكربلاء ، وأمطرها بصواريخ أرض أرض ، ودخلها بدباباته الثقيلة وقواته من الحرس الجمهوري وأفراد من اليزيدية الذين لا يعرفون الدين ولا يُعيرون للقيم والمبادئ والمقدسات أي اعتبار ، وقد رأيت المدفع الذي ضُرِبت به القبة الشريفة ، وكيف أحدثت القذائف المدفعية ثقوباً فيها ، وقد صُوّرت تلك الفاجعة باُسوب وحشي همجي بالفيديو واحتُفظ بها وثيقة دامغة ، وإن كانت الوثائق لا تنفع مع قوم لا دين لهم ولا أخلاق ، ولا قيم ولا أعراف ، لِمَا يكنّه هذا النظام ـ صنيعة الغرب الكافر ـ من العداء السافر للدين

___________________________________

جعفر الخليلي وكتاب الاُنس الجليل بتاريخ القُدس والخليل ، للقاضي مجير الدين الحنبلي : ١ / ١٠٤. وتاريخ القدس ، عارف باشا العارف ، دار المعارف بمصر ، وكتبٌ اُخرى...


والمسلمين والمقدسات ، وفي لغة الكتّاب : المرتزقة...

إنّ هذا المرقد ليس لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإن كان ذا حقاً فلِمَ يضرب بالصواريخ والمدافع ؟ ولِمَ لمْ تضرب قباب أبي حنيفة والگيلاني ، والمراقد السالفة الذكرِ في بغداد وغيرها من المدن العراقية ؟

هكذا يسفر الباطل عن وجهه القبيح ، ويدلّ على بطلانه.

دخلت الصحن الشريف ، وعلى مقربة منه شاهدتُ الجثث المحترقة بالأسلحة الكيمياوية والأشلاء المقطّعَة من الأبرياء صغاراً وكباراً ، ولا يتجرّأ أحد التقرب إليها أو تغطيتها أو نقلها لدفنها ! فأين إسلامكم يا أدعياء الإسلام وأعداءه ؟!

كما رأيت داخل الصحن الشريف الدُخان المنبعث من برج الساعة ، ودخلت قريباً من باب الذهب فوجدت الثريات والفرش القديمة النادرة قد اختلطت بالدماء ، والضريح المقدس أصابته قذيفة ! ونُهبت الحضرة بما فيها من آثار وهدايا ، وسُرقت كتب مكتبات النجف المخطوطة النادرة ! وذهب بها السُرّاق : إمّا إلى المحروقة ، وإمّا إلى أيدي الأسياد ، وهكذا تسقط الأقنعة ، وتقلّ حيلة الباطل ، وإنّ يوماً لِناظره لَقريب.

ب ـ في كربلاء المقدّسة :

منذ مئات السنين ، وهذه القباب مصدر خوف وقلق.

فمرّةً فتح أعداء الله والدين والملّة الماء عليها ، واُخرى حرثوها ، وثالثةً هجموا عليها وأحرقوا ما يمكن إحراقه ، وقتلوا من وقف بوجوههم


من غير أن يتّعظوا ويأخذوا العبر !

إنَّ تحت هذه القباب مفاعلات نووية من شكل حديث ، وإنَّ على هذه المآذن رؤوساً نووية من شكل جديد ، تستمدّ منها القلوب والأرواح والعقول الطاقة والقوّة الخارقة ، فإنَّ تحتها أجساداً كريمة شريفة ترفرف حولها أرواح أبية ، أبت الضيم ، وصرخت بصوتٍ عالٍ :

« إنّي لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل... » (١).

« إنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولكنّي خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله... » (٢).

والذي يقرأ التاريخ يجد أنّ الطغاة لم يكتفوا بقطع الرؤوس وترك الأجساد على الرمضاء فحسب ، وإنّما حاولوا كثيراً طمس كلِّ ما من شأنه الثورة والثائرين على الباطل ، ودرسَ معالم الدين الذي جاء لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، ويأبي الباطل على مرِّ الزمان إلّا أن يكشف عن وجهه القبيح ؛ لكي لا يترك لنفسه حجة بعدها يحتج بها ، وقد ظهرت كرامات وآيات بيّنات للعدوّ الظالم المتعجرف في أفراده وقياداته ، سيكشف عنها المستقبل القريب ، وكيف أنّهم مُسخوا ، وابتلوا بأمراض مستعصية : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (٣)

( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٤).

___________________________________

١ ـ تاريخ الطبري : ٥ / ٤٢٥.

٢ ـ المناقب لابن شهرآشوب : ٣ / ٢٤١.

٣ ـ الشعراء : ٢٢٧.

٤ ـ الأعراف : ١٢٨ ؛ والقصص : ٨٣.


دخلت الدبابات إلى صحن الحسين عليه‌السلام ، ودخل الجنود المدجّجون بأحدث الأسلحة لمحاربة الجدران والأبواب والأضرحة والأسماء ، أسماء أهل البيت عليهم‌السلام !

والزائر اليوم يرى ذلك في ضريح الإمام الحسين عليه‌السلام ، ترى ذلك في لوحات الدعاء والزيارة ، يراها في أسماء الشهداء الذين استشهدوا يوم الطف ، ..

ولكن نسأل هؤلاء : ماذا كسبتم غير العار في الدنيا والنار في الآخرة... ؟!

أهذه حرمة أهل البيت عليهم‌السلام ؟!

أهذه المودّة التي فرضها الله على الناس في قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) ؟!

أهكذا يُخلَّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أهل بيته عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ؟!

الآباء قَتَلوا أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأبناء اليوم ضربوا قبورهم وقتلوا وذبحوا وشرّدوا مواليهم ومحبيهم وشيعتهم ودفنوا الكثير منهم في مقابر جماعية ؟!

فإذا كنتم لا تؤمنون بحرمة القبور ، وزيارة القبور ، وحرمة أبناء الأنبياء والصالحين ، فلماذا لا تفعلون بالمراقد الأخرى كما فعلتم وتفعلون بمراقد أهل البيت عليهم‌السلام ؟!

___________________________________

١ ـ الشورى : ٢٣.


إنّه الإيمان والكفر ، إنّه الخير والشرّ ، إنّه الحقّ والباطل ، ولابد للخير يوماً أن ينتصر.

ولابد للحق أن يعلو ، ولابد للباطل أن يزهق ، قال تعالى : ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (١).

١ ـ كم وضعتم من الأحاديث ؟

٢ ـ وكم زوّرتم من الحقائق ؟ وكم تركتم وكتمتم ؟

٣ ـ وكم حذفتم من التاريخ ؟ وكم تلاعبتم بالألفاظ ؟

٤ ـ وكم افتريتم على الله وعلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

٥ ـ كم قتلتم الأبرياء بحجة زيارة القبور ؟ وكم هتكتم الأعراض ، وسلبتم ونهبتم الأموال من أصحابها بحجةِ عبادة القبور ؟

هذه إسرائيل ، وعلى مرأىٰ ومسمعٍ منكم تفعل الأفاعيل وتهدم الدور والقصور على رؤوس أهلها ؟

وتقتل النساء والأطفال والشيوخ ، وتشن حرباً شعواء على الشعب الفلسطيني واللبناني ، والشعوب العربية والإسلامية ، وأنتم ملجمون بلجام من نار ؛ لكي لا تهتزّ عروش الأسياد ، وتذهبَ من أيديكم الأرزاق والنِعَم التي استوليتم عليها من أصحابها بالقهر والقسر والقمع والغضب... !!

___________________________________

١ ـ آل عمران : ١٧٨.


روضة وحفرة

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « القبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (٢).

عزيزي القارئ ، قل لي بربّك : لماذا يتسابق المؤمنون والمسلمون للصلاة في الروضة ، حيث تجدها عامرة ، خصوصاً أيام الحج ؟

١ ـ هل وجدتم منّا على مرّ التاريخ من يزور قبر أبي رُغال الذي دلّ إبرهة الأشرم على الكعبة ؟

٢ ـ هل وجدتم من يزور قبر الوليد وعُتبة وأبي جهل وأبي سفيان ، ومعاوية ويزيد ؟

إنّهم رمز الكفر والنفاق ، ومن غير شكّ أنّ قبورهم حفر من النار ، تتجلى أعمالهم في قبورهم ، فتأبى النفوس الأبية إلّا أن تنفر من الوقوف عليها وعدم الترحم عليها.

هل وجدتم منّا من يزور قبور الجبابرة ، مثل فرعون ونمرود ، ومن عاث في الأرض الفساد ، ومن أهلك الحرث والنسل ؟

___________________________________

١ ـ كنز العمال : ١٥ / ٦٤١ ، الحديث ٤٢٥٢٩ ، ٤٢٨٠٢ ، ص : ١ ـ ٧ : عن علي عليه‌السلام.

٢ ـ كنز العمال : ١٢ / ٢٦٠ ، الحديث ٣٤٩٤٧. وجاء في صحيحي البخاري : ١ / ٢٠٧ ، ومسلم : ٩ / ١٣٧ الحديث ١٣٩٠ ، « بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ».


نحن نزور الرياض ونقف عليها ، لنشمّ منها عبق الرياحين ، ريح الحق والحقيقة ، رائحة التحرر والعدل.

نحن نزور الرياض لنتزوّد منها عبراً ودروساً ، لتّحيي فينا الأمل وترفع بنا إلى أن ننهج منهج اُولئك العظام الذين أبَوا إلّا نصرة الحق ، فخلّدهم التاريخ.

ولن نفكّر يوماً ما أن نجيز لأنفسنا زيارة الحجارة ، أو الحديد والمعادن ، أو العظام وهي رميم.

نحن حين نزور مرقد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نجدّد العهد معه على أننا على العهد ماضون ، وبما جاء به من عند الحق مؤمنون...

وحينما نزور ضريح علي بن أبي طالب عليه‌السلام فلِعِلمنا بأنّه ابن عمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وزوج ابنته فاطمة الزهراء البتول سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، وأبو ولده وسبطيه سيدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وأنه ما فارق الحقَّ ، ولا الحقُّ فارقه ، منذ أن ولد في الكعبة واستشهد في محراب مسجد الكوفة ، ضَرَبَ بالسيف ذاباً عن الدين وعن رسول ربِّ العالمين حتى أتاه اليقين.

واجه الأعداء بالكلمة الطيبة والحكمة البالغة ناصحاً ، كما قارعهم بالسيف القاطع منتصراً ، حيث قتل صناديدهم ، ومزّق شملهم ، ونكّس رؤوسهم التي رأت الآيات والبراهين ، والمعجزات وكيف كانت تنزل الآيات ، ولكنّهم لم يؤمنوا طرفة عين أبداً.


نزور هذا البطل الشجاع الذي ما إنهزم أمام الباطل يوماً ، وهو الضحاك إذا اشتدّت الحرب ، لكي ننهل من معينه الصافي الذي استقى من تلك العين الآنية عبراً ودروساً في الإيمان والصمود. طمعاً في مرضاة الله تعالى واُسوة.

نحن نزور علياً ؛ لأنّه كتاب اسمه الإسلام ، والقرآن الناطق نقرأ في صفحاته ما أراده الله تعالى وبعث به الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

نحن نزور قبر إبن أبي طالب عليه‌السلام ؛ لتصافح قلوبنا وأرواحنا تلك الأرواح التي حلّت وتحلّ بفِناء الله تعالىٰ شأنه.

إنّ هذا البحر الخضمّ لن تضمه هذه الروضة البهية ، ولكن تأبى أرواحنا إلّا أن تمرّ بروحه الطاهرة الأبية ، فنسلّم عليه ، ونستذكر ما كان عليه ، وما استُودع من العلوم والحكم والمواعظ ، ومن الأسرار الإلٰهية التي لا تزال خافيةً علينا ، عند مقولته : « سَلوني... » !!

وفي عقيدتنا أنّ زيارتنا له عند قبره الشريف كزيارتنا له في داره المتواضعة ، وجلسته على منبره وهو يصدع بالحكمة والموعظة الحسنة ، أو عند دكّة القضاء وهو يحكم بالعدل والإنصاف...

أو حين راية الحق ، راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يعود بها إلّا منتصراً على الأعداء ، يملأ المؤمنين غبطةً ويزيدهم إقداماً ، نزوره عارفين بحقّه مُقِرِّين أنّه لم يسجد لغير الله تعالى ، وليس في روحه ونفسه رواسب الكفر والجاهلية ، متأسّين به ، كما تأسّىٰ هو برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.


نزور علياً عليه‌السلام لنستذكر سيرة اُولئك الذين حاربوه بلباس الإسلام في قلوب الذئاب ، ثائرين لدماء الكفرة الفجرة في بدر وخيبر ، ونعاهد الله تعالى أننا على العهد باقون ، وإن دارت بنا الدوائر ، كاد لنا أبناء الرجال ، بأحابيلهم ومكائدهم ومفترياتهم.

نحن نزور القبور حتى نتذكر الموت والآخرة ، ولا نطغى ، كما هو حال الطغاة ممن يرموننا بعبادة القبور ، وحاشا لله أن نعبد سواه.

نحن في زيارتنا للقبور لا نريد أن تنقطع العلائق بيننا وبين أهل القبور ، لعلمنا أنّهم يحزنون لحزننا ويفرحون لفرحنا (١) ، كما نحن نفرح بفرحهم ونحزن لحزنهم.

ونحن لا نقول كما قال قائلهم : « إنّ عصاي هذه خير من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله » !!

ولا نجوّز لأنفسنا أن نقول كما قال قائلهم وهو يشير إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعصاه : « أما آن لهذه الجيفة أن تُرفع » ؟!

لأنّها قلّة أدب ، ونوع من الجسارة اللا أخلاقية إلىٰ قدسية من عظّمه الله وشرّفه و كرّمه ، و ختم به الأنبياء والمرسلين ، وهذه الاستهانة ليست للنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب ، وإنّما للإسلام وسائر الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين و لمقدّسات جميع المسلمين ، ومن كانت هذه أخلاقه فماذا

___________________________________

١ ـ الخصال : ٦٩٥ ضمن الحديث ١٠ ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠ / ١١٤ ح ٧ ، و ج ٤٤ / ٢٨٧ ح ٢٦ ، و ج ٦٥ / ١٨ ذيل حديث ٢٤.


ترجو من أتباعه غير الكفر والجريمة والاعتداء علىٰ الآخرين وقلّة الأدب ؟!

نحن نزور وليد الكعبة وشهيد المحراب ، لأنّه رمز الفداء حين شرى نفسه ، وباهى به الله ملائكته حين بات في فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعد أن قرر كفّار قريش قتله في فراشه ، فبعثت من كل قبيلة من يحمل سيفه ليضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه بين القبائل ، وتتخلص منه.

ولكن أب الله إلّا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ؛ فبات في فراشه من فداه بنفسه ولما انكشف الأمر ، كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نجا من كيد الكائدين.

فنزل قوله تعالى :

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١).

نحن نزور علياً عليه‌السلام ، لأنّه كان صادق اللهجة وراسخ الإيمان ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ، سليم السريرة ، معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكاشف الكرب عن وجهه ، وبسيفه استقام الدين وانهزم الكفر.

هو البكّاء في المحراب ، والضحاك إذا اشتدّ الضراب...

نزوره فنستذكر الآيات : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (٢).

___________________________________

١ ـ البقرة : ٢٠٧.

٢ ـ آل عمران : ١٤٤.


نعم ، إنّ هؤلاء الناكثينَ والمارقينَ والقاسطينَ المذكورين أعلاه هم اُولئك الذينَ طغوا في البلادِ ، فأكثروا فيها الفسادَ ، وسفكوا فيها الدماءَ ، وأبادوا الحرث والنسلَ ، والتاريخ شاخص للعيان...

نزورهُ تكريماً وتعظيماً ، لأنّه عظيمٌ من عظماء البشريةِ.

نزورُ علياً عليه‌السلام لأنّه : ١ ـ كان أقضى الناس بعد الرسول ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أقضاكم عليّ » (١).

وكان أشجع النّاس.

٢ ـ قد ذكر عليه‌السلام الحكمة ، ثم ذكر العلّة ، وما سمعنا أنّه عليه‌السلام دعا إلى مبارزة قطّ ، وإنّما كان يُدعى هو بعينِهِ ، أو يدعو من يبارز ، فخرج إليهِ فقتله.

دعا بنو ربيعة بن عبد شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدرٍ ، فخرج عليه‌السلام فقتل الوليد ، وإشترك هو وحمزة عليه‌السلام في قتل عُتبة ، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم اُحدٍ فخرج إليه فقتله ، ودعا مرحبٌ إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتلهُ.

فأمّا مبارزته يوم الخندق عمرو بن عبد ودّ فإنّها أجل من أن يقال : جليلة ، وأعظمُ من أن يقالُ : عظيمة ، وما هي إلّا ما قال شيخنا أبوالهذيل وقد سأله سائلٌ : أيَّما أعظم منزلةً عند الله عليٌّ أم أبوبكر ؟ فقال : يا بن أخي ، والله لمبارزةُ عليٍّ عليه‌السلام عَمراً يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين

___________________________________

١ ـ مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٤١.


والأنصار وطاعاتهم كلها وتربى عليها ، فضلاً عن أبي بكر وحده.

وقد روي عن حُذيفة بن اليمان ما يناسب هذا ، بل ما هو أبلغ منه ما رواه قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن ربيعة بن مالك السعدي ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت : يا أبا عبدالله ، إنّ الناس يتحدثون عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومناقبه ، فيقول لهم أهل البصيرة : إنّكم لتفرطون في تقريظ هذا الرجل ، فهل أنت محدّثي بحديثٍ عنه أذكره للناس ؟ فقال : يا ربيعة ، وما الذي تسألني عن علي عليه‌السلام ؟ وما الذي اُحدّثك عنه ؟

والذي نفس حُذيفة بيده لو وُضِعَ جميع أعمال اُمّة محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كفّة ميزان منذ بعث الله تعالىٰ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يوم الناس هذا ، ووضع عملٌ واحد من أعمال عليٍّ عليه‌السلام في الكفّة الاُخرى لرجح على أعمالهم كلّها ، فقال ربيعة : هذا المدحُ الذي لا يُقام له ولا يقعد ولا يحمل ، إنّي لاُظنّه إسرافاً يا أباعبدالله !

فقال حذيفة : يا لُكَع ، وكيف لا يُحمل ؟! وأين كان المسلمون يوم الخندق وقد عبر عليهم عمرو وأصحابه ؟! فملكهم الهلع والجزع ، ودعا إلى المبارزة فأحجموا عنه ، حتى برز إليه عليّ عليه‌السلام فقتله ! والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من أعمال اُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى هذا اليوم وإلى أن تقوم الساعة (١).

___________________________________

١ ـ راجع لمزيد الاطّلاع شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد : ١٩ / ٦٠ ـ ٦٢ ، أعيان الشيعة : ٤ / ٥٩٨.


٣ ـ لأنّه مؤمن آل محمدٍ واُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« برز الإيمان كلُّه إلى الشرك كلِّه » (١).

٤ ـ أولى الناس بالناس ، وبمصالح الناس ، وكيف لا وهو كنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي » ، كما في ينابيع المودة وصحيح مسلم (٣).

نعم ، من « احتاجه الكلّ ، واستغنى عن الكلّ دليل على أنّه أفضل الكلّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

نزور علياً عليه‌السلام لأنّ الله تعالى نصّ عليه ، وقد اعترف ذوو الضمائر الحيّة من العلماء وغيرهم بذلك في مؤلّفاتهم.

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٢٨٥ ، و ١٩ / ٦٠ ـ ٦٢.

٢ ـ آل عمران / ٦١.

٣ ـ صحيح مسلم : ٢ / ٤٤٨ ، كتاب الفضائل ح ٣٠ / ٢٤٠٤ ، وينابيع المودّة : ١ / ٧١.


الحِجْرُ

الحجرُ الذي تطوفون به !

الحجر الذي إذا دخل وقت الصلاة توجّهتم إليه !

الحجر الذي تزورونه ما هو إلّا قبر هاجر وإسماعيل عليهما‌السلام وسبعين نبياً (١) ! ...

أيّها القوم المتغافلون والمتفيقهون ، أليس الحجر من ضمن الطواف ؟!

وإذا طاف أحدكم بالبيت ولم يدخل الحجر في طوافه فطوافه باطلٌ ، وبالتالي حجه باطل ؟

فما بالكم تعيبون علينا زيارة القبور ؟!

لا بل ما بالكم تحكمون علينا بالكفر ، وتُحلّون ما حرّم الله تعالى عليكم منّا ، وأنتم تطوفون بالقبور ، وتشدّون الرحال إليها من كلّ فجٍّ عميق ؟!

لا تَنهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ

عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عظيمُ (٢)

والخلاصة في هذا المقام :

١ ـ إمّا أنّه لم يحجَّ أحد منكم ، لأنّه طاف بالقبور ، وزار القبور ، وصلّى إلى القبور !

ومن غير شكٍّ ولا شبهة أنّ زائر القبور عندكم : كافر ، والمصلّي إلى القبور كافر ، والمُسرج على القبور كافر ، والمسطّح للقبور كافر !! فابتدعتم

___________________________________

١ ـ مؤسسة العتبات المقدسة ، قسم مكّة : ٣٥.

٢ ـ راجع ديوان أبي الأسود الدُؤلي.


حديثاً مفاده : « خير القبور الدَوارس » !

وها هو الحِجر على مرأى ومسمع منكم ومن المسلمين ؛ مسطّح يعلو عن الأرض أكثر من مترٍ ونصف المتر ارتفاعاً ، ومبنيّ بالحجارة ، وقد مضى عليه مئات السنين ، وهو السرّ الذي من أجله كان... وعليه المصابيح الكبيرة مسرجة ليل نهار.

٢ ـ وإمّا أنّ الأحاديث التي وردت في القبور عندكم باطلة ، و هي من الموضوعات المفتريات ، وكان الغرض منها الإيقاع بين المسلمين لتحقيق الأهداف الشيطانية.

واُرجح هذا ، فهل إلى الاتّعاض من سبيل ؟

فإلى كتاب الله تعالى ندعوكم...

وإلى سنّة نبيّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله...

أ ـ إن كنتم مؤمنين ، وللحق والحقيقة تنشدون :

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (١).

ب ـ ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (٢).

ج ـ ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (٣).

___________________________________

١ ـ البقرة : ١٢٥.

٢ ـ الحجّ : ٢٦.

٣ ـ الحجّ : ٢٩.


زيارة القبور على ضوء الكتاب والسنّة

لقد أفتى علماء الإسلام وفقهاء الشريعة بجواز زيارة القبور ـ وخاصّة قبور الأنبياء عليهم‌السلام والصالحين ـ استناداً إلىٰ مجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، وبالإضافة إلىٰ الجواز فإنّهم أفتوا باستحبابها وفضيلتها.

وقد منع ابن تيمية من زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وحرّمها مطلقاً مع شدّ الرحال وبدونه ، فضلاً عن زيارة غيره ، حكى ذلك عنه القسطلاني في إرشاد الساري ، وابن حجر الهيتمي في الجوهر المنظّم ، وقال : بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً ، وأنّه لا تُقصر فيه الصلاة ، وسيأتي نقل كلامهما.

وبعض الوهّابيين حرّم شدّ الرحال إليها ، وحينئذٍ فيقع الكلام فيها في أصل مشروعيتها ، وشدّ الرحال إليها.

أصل مشروعية زيارة القبور :

وفيه مقامان :

المقام الأوّل : في زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وتدلّ على مشروعيتها أدلّة الشرع الأربعة :


الأوّل : الكتاب العزيز :

قوله تعالىٰ : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (١) ، فإنّ الزيارة هي الحضور الذي هو عبارة عن المجيء إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء كان لطلب الاستغفار أو بدونه ، والتسليم لا يدخل في معناها ، وإذا ثبت رجحان ذلك في حال حياته ثبت بعد مماته ؛ لِما دلّ على حياته البرزخية وسماعه تسليم من يسلِّم عليه ، وعرض الأعمال عليه ، كما مرّ في المقدّمات.

قال السبكي فيما حكاه عنه السمهودي في وفاء الوفا (٢).

والعلماء فهموا من الآية العموم لحالَتَي الموت والحياة ، واستحبّوا لِمن أتىٰ القبر أن يتلوها ، قال : وحكاية الأعرابي في ذلك نقلها جماعة من الأئمّة عن العتبي ، واسمه محمّد بن عبيد الله بن عمرو ، أدرك ابن عيينة وروي عنه وهي مشهورة حكاها المصنّفنون في المناسك من جميع المذاهب ، واستحسنوها ورأوها من أدب الزائر.

وذكرها ابن عساكر في تاريخه ، وابن الجوزي في « مثير الغرام الساكن » وغيرهما بأسانيدهم إلىٰ محمّد بن حرب الهلالي ، قال : دخلت المدينة فأتيت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فزرته وجلست بحذائه ، فجاء أعرابي فزاره ،

___________________________________

١ ـ سورة النساء : آية ٦٤.

٢ ـ وفاء الوفاء : ٢ / ٤١١.


ثم قال : يا خير الرسل ، إنّ الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) الآية ، إلىٰ آخر ما في فصل التوسّل ، ثمّ ذكر السمهودي هذه القصة بطريقين آخرين عن عليٍّ عليه‌السلام لا نطيل بذكرهما ، فليطلبهما من أرادهما.

والدليل الثاني من الكتاب العزيز هو : أنّ الله تعالى ينهى حبيبه محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة على جنازة المنافق والقيام على قبره ، فيقول سبحانه :

( وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) (١)

فالآية تسعى لهدم شخصية المنافق ، وهزّ العصا في وجوه حزبه ونظائره ، والنهي عن هذين الأمرين بالنسبة للمنافق و بيان انّ هذين من خصائص المؤمنين وليس للمنافقين.

والآن يجب أن ننظر في قوله تعالىٰ : ( وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ) ما معناه ؟

هل المعنى هو القيام وقت الدفن فقط حيث لا يجوز ذلك للمنافق و يستحبّ للمؤمن ، أو المعنى أعمّ من وقت الدفن و غيره ؟

الجواب : نظر بعض المفسّرين إلىٰ الآية نظرة ضيّقة فقال بالقول الأوّل ، ولكنّ البعض الآخر ـ كالبيضاوي وغيره ـ نظروا إليها نظرة واسعة فقالوا : إنّ النهي في ( وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ) هو عن الدفن والزيارة. والتدقيق

___________________________________

١ ـ التوبة : ٨٤.


وإمعان النظر في الآية الكريمة يسوقنا إلىٰ هذا المعنى الأعم ، وذلك لأنّ الآية تتشكّل من جملتين :

الاُولىٰ : ( لَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا ).

إنّ لفظة « أحَدٍ » بحكم ورودها في سياق النفي تفيد العموم والاستغراق لجميع الأفراد ، ولفظة « أبداً » تفيد الاستغراق الزمني ، فيكون معناها : لا تُصلّ علىٰ أحدٍ من المنافقين في أي وقت كان.

فمع الانتباه إلىٰ هذين اللفظين نعرف ـ بوضوح ـ أنّ المراد من النهي عن الصلاة علىٰ الميّت المنافق ليس خصوص الصلاة على الميّت عند الدفن فقط ، لأنّها ليست قابلة للتكرار في أزمنة متعدّدة ، ولو اُريد ذلك لم تكن هناك حاجة إلىٰ لفظة « أبداً » بل المراد من الصلاة في الآية مطلق الدعاء والترحّم سواء أكان عند الدفن أم بعده.

فإنّ قال قائل : إنّ لفظة « أبداً » تأكيد للاستغراق الأفرادي لا الزماني.

فالجواب بوجهين.

الأوّل : أنّ لفظة « أحدٍ » أفادت الاستغفراق والشمول لجميع المنافقين.

والثاني : أنّ لفظة « أبداً » تُستعمل في اللغة العربية للاستغراق الزّماني ، كما في قوله تعالى : ( ... وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا... ) (١)

فالنتيجة : أنّ المقصود هو النهي عن الترحّم على المنافق وعن الاستغفار له ، سواء كان بالصلاة عليه أو بغيرها ، وسواء كان حين الدفن أم

___________________________________

١ ـ الأحزاب : ٥٣.


بعده.

الثانية : ( لَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ).

إنّ مفهوم هذه الجملة ـ مع الانتباه إلىٰ أنّها معطوفة على الجملة السابقة ـ هو : لا تقم على قبر أحدٍ منهم أبداً ؛ لأنّ كلّ ما ثبت للمعطوف عليه من القيد ـ أعني « أبداً » ـ يثبّت للمعطوف أيضاً ، ففي هذه الحالة لا يمكن القول بأنّ المقصود من القيام علىٰ القبر هو وقت الدفن فقط ؛ لأنّ المفروض عدم إمكان تكرار القيام علىٰ القبر وقت الدفن ، ولفظة « أبداً » المقدَّرة في هذه الجملة الثانية تفيد إمكانية تكرار هذا العمل ، فهذا يدلّ علىٰ أنّ القيام علىٰ القبر لا يختصّ بوقت الدفن ، بل يعمّه وغيره ، فهو حرام في حقّ المنافق و جائز في حقّ المؤمن.

فيكون معنى الآية الكريمة : أنّ الله تعالى ينهى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مطلق الاستغفار والترحّم على المنافق ، سواء كان بالصلاة أم مطلق الدعاء ، وينهى عن مطلق القيام على القبر ، سواء كان عند الدفن أم بعده.

ومفهوم ذلك هو : أنّ هذين الأمرين يجوزان للمؤمن.

وبهذا ثبت أنّ جواز زيارة قبر المؤمن ، وجواز الصلاة والدعاء على روحه حتىٰ بعد مئات السنين.


الثاني : السنّة النبويّة :

يستفاد من الأحاديث الشريفة ـ الّتي رواها أصحاب الصحاح والسُّنن ـ أنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن زيارة القبور نهياً مؤقّتاً لأسباب خاصّة ، ثمّ رفع النهي ورغّب في الزيارة.

ولعلّ علّة النهي المؤقّت هي أنّ الأموات كانوا مشركين وعبدة للأصنام ، وقد قطع الإسلام كلّ العلاقات مع الشرك وأهله ، فنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن زيارة الأموات (١).

ويحتمل أن تكون العلّة شيئاً آخر ، وهو أنّ المسلمين كانوا حديثي العهد بالإسلام ، فكانوا ينوحون عل قبور موتاهم نياحة باطلة تُخرجهم عن نطاق الشريعة ، ولمّا تمركز الإسلام في قلوبهم وأَنِسُوا بالشريعة والأحكام ألغىٰ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى النهي عن زيارة القبور ، لما فيها من الآثار الحسنة والنتائج الطيّبة ، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة ، نقلها السمهودي في وفاء الوفا (٢) ، ونقلها غيره ، ونحن ننقلها منه ، وربّما نترك بعض أسانيدها ، وقد تكلّم هو علىٰ أسانيدها بما فيه كفاية ، ولهذا روىٰ اصحاب الصحاح والسنن عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإليك منها ما يلي :

___________________________________

١ ـ ويؤيّد هذا الإحتمال : ما كان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله عند زيارته لأهل القبور : « دار قوم مؤمنين » ، كما سيأتي تفصيله.

٢ ـ وفاء الوفاء : ٢ / ٣٩٤ ـ ٤٠٢.


١ ـ الدارقطني في السنن وغيرها ، والبيهقي ، وغيرهما بالأسانيد من طريق موسى بن هلال العبدي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من زار قبري وجبت له شفاعتي ».

٢ ـ البزّاز من طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، عن عبد الرحمن بن زيد ، عن ابيه ، عن ابن عمر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من زار قبري حلّت له شفاعتي ».

٣ ـ الطبراني في الكبير والأوسط والدارقطني في أماليه ، وأبوبكر بن المقرئ في معجمه من رواية مسلمة بن سالم الجهني ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن سالم ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلّا زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ».

قال : والذي في معجم ابن المقرئ :

« من جاءني زائراً كان له حقّاً على الله عزّ وجلّ (١) أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ».

قال : وأورد الحافظ ابن السكن هذا الحديث في باب ثواب من زار قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتابه السنن الصحاح المأثورة ، ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون هذا الحديث ممّا اُجمع على صحته. انتهى. وهو بإطلاقه

___________________________________

١ ـ فيه ثبوت الحق للعبد على الله عز وجل الذي أنكره الوهابية.


شامل للزيارة في الحياة وبعد الموت.

٤ ـ الدارقطني والطبراني في الكبير والأوسط وغيرهما من طريق حفص بن داود القاري ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ».

قال ورواه ابن الجوزي في : « مثير الغرام الساكن » بسنده ، وزاد : « وصحبني ».

ورواه ابن عدي في كامله بسنده بهذه الزيادة. ورواه أبو يعلى بسنده بدون الزيادة ، وفي بعض الروايات :

« من حجّ فزارني في حياتي ».

ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريق عائشة بنت يونس امرأة الليث ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ».

أقول : ورواه بلفظه الأوّل السيوطي في الجامع الصغير عن أحمد في مسنده وأبي داود والترمذي والنسائي عن الحارث.

٥ ـ ابن عدي في الكامل من طريق محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن جدّه ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني ».


قال السبكي : وذكر ابن الجوزي له في الموضوعات سرف منه.

٦ ـ الدارقطني في السنن من طريق موسى بن هارون ، عن محمّد بن الحسن الجيلي ، عن عبدالرحمن بن المبارك ، عن عون بن موس ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني إلى المدينة كنت له شهيداً وشفيعاً ».

٧ ـ أبو داود الطيالسي : عن سوار بن ميمون أبي الجرّاح العبدي ، عن رجل من آل عمر ، عن عمر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « من زار قبري ـ أو قال : من زارني ـ كنت له شفيعاً أو شهيداً... » الحديث.

٨ ـ أبو جعفر العقيلي من رواية سوار بن ميمون ، عن رجل من آل الخطّاب ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني متعمّداً كان في جواري يوم القيامة... » الحديث.

٩ ـ الدارقطني وغيره من طريق هارون بن قزعة ، عن رجل من آل حاطب ، عن حاطب : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي... » الحديث.

١٠ ـ أبو الفتح الأزدي ، من طريق عمّار بن محمّد ، عن خاله سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حجّ حجّة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلّى في بيت المقدس لم يسأله الله عزّ وجلّ فيما افترض عليه ».

١١ ـ أبو الفتوح بسنده من طريق خالد بن يزيد ، عن عبدالله بن عمر


العمري ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ».

١٢ ـ ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن أبي فديك ، عن سليمان ابن يزيد الكعبي ، عن أنس بن مالك : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« من زارني بالمدينة كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة ». وفي رواية :

« كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ».

ورواه البيهقي بهذا الطريق ، ولفظه « من زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة ».

١٣ ـ ابن النجّار في : « أخبار المدينة » بسنده ، عن أنس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني ميتاً فكأنّما زارني حيّاً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحدٍ من اُمّتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر ».

١٤ ـ أبو جعفر العقيلي بسنده ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً ، أو قال : شفيعاً ».

١٥ ـ بعض الحفّاظ في زمن ابن مندة بسنده ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من حجّ إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كُتِبت له حجّتان مبرورتان ». قال : والحديث في مسند الفردوس.

١٦ ـ يحيى بن الحسن بن جعفر الحسيني في « أخبار المدينة » بسنده ، عن عليٍّ عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من زار قبري بعد موتي فكأنّما زارني


في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جفاني ».

وروى ابن عساكر بسنده ، عن عليٍّ عليه‌السلام : « من زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

١٧ ـ يحيى أيضاً بسنده ، عن رجل ، عن بكر بن عبدالله ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من أتى المدينة زائراً لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة... ». الحديث.

انتهت الأحاديث التي أوردها السمهودي ، وهي مع كثرتها يعضد بعضها بعضاً ، وتعضدها الأحاديث الآتية في تضاعيف ما يأتي ، مع أنّه لا حاجة لنا إلى الاستدلال بها للسيرة القطعية وعمل المسلمين البالغ حدّ الضرورة.

وفي الرسالة الاُولى من رسائل « الهدية السنية » : أنّ الأحاديث التي رواها الدارقطني في زيارة قبره ـ عليه الصلاة والسلام ـ كلّها مكذوبه موضوعة باتفاق غالب أهل المعرفة ، منهم ابن الصلاح وابن الجوزي وابن عبدالبرّ وأبو القاسم السهيلي وشيخه ابن العربي المالكي والشيخ تقي الدين وغيرهم ، ولم يجعلها في درجة الضعيف إلّا القليل ، وكذلك تفرّد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن ، والأئمّة كلّهم يروون بخلافه. وأجلّ حديثٍ روي في هذا الباب : حديث أبي بكر البزّاز ومحمّد بن عساكر ، حكاه أهل المعرفة بمصطلح الحديث ، كالقشيري والشيخ تقي الدين وغيرهما.

أقول : دعوى أنّ هذه الأحاديث على كثرتها كلّها مكذوبة دعوى


كاذبة لا يعضدها دليل ، وابن الجوزي وإن أورد بعضها في الموضوعات فقد أورد البعض الآخر في كتابه « مثير الغرام الساكن » واعتمد عليه ، كما مرّ في الحديث الرابع ، مع أنّ الحديث الخامس الذي جعله موضوعاً تعقّبه الإمام السبكي فيه ، وقال : إنّ ذكره له في الموضوعات سرف منه ، كما مرّ ، كما تعقّبه غيره في جملة من الأحاديث التي عدّها في الموضوعات ، وباقي من نقل عنهم لعلّهم كاأبن لجوزي إن صح نقله. وأمّا قدوته الشيخ تقي الدين بن تيميّة فحاله معلوم في التعصّب لآرائه وأهوائه ومصادمته الضرورة في نصرها وتكذيب الأحاديث المشهورة التي يعضدها العقل والنقل تبعاً لشهوة نفسه. وأوضح برهان على ذلك : تكذيبه حديث « ضربة عليٍّ يوم الخندق » بالاستبعادات والدعاوى الباطلة ، حتى تعقّبه في ذلك صاحب السيرة الحلبية ، كما فصّلناه في بعض حواشي فصل البناء على القبور ، مع أنّه لم يعلم دعواه الوضع في جميعها.

قوله : « ولم يجعلها في درجة الضعيف إلّا القليل » يكذّبه ما عرفت في الحديث الثالث أنّه أورده الحافظ ابن السكن في كتابه السنن الصحاح المأثورة الذي ذكر في خطبته أنّه لا يذكر فيه إلّا ما أجمع على صحته.

قوله : « تفرد بها الدارقطني عن بقية أهل السنن » يكذّبه : أنّه روى جملةً منها غير الدارقطني من أهل السنن وغيرهم كالبيهقي والبزّار والطبراني وأبو بكر بن المقرئ والحافظ ابن السكن وابن عدي وأبو يعلى والإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن الجوزي والعقيلي


والأزدي وأبو الفتوح وابن أبي الدنيا وابن النجّار ويحيى بن الحسن كما عرفت وابن عساكر باعتراف الوهابية.

وإذا كان تفرّد الراوي بالرواية يوجب طرحها فما بال الوهابية لم يطرحوا حديث أبي الهياج وقد تفرد به رواية على ما عرفته في فصل البناء على القبور ؟

ولكنّ الحديث المؤدّي إلى استحلال دماء المسلمين وأموالهم لا يطرح ولو تفرّد به رواية. أمّا الأحاديث الكثيرة الدالة على تعظيم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واستحباب زيارته الثابتة بالعقل والنقل وإجماع المسلمين البالغ حدّ الضرورة فتستحقّ الطرح ! بدعوى تفرّد الدارقطني بها ، ويلتمس لها الوجوه والتأويلات لطرحها عند الوهابية ؛ لأنّهم يعظم عليهم تعظيم من عظّمه الله ، ومخالفة قول قدوتهم ابن تيمية وابن عبدالوهّاب.

قوله : « والأئمة كلّهم يروون بخلافه » هذه دعوى كاذبة كالاُولى ، فمن هم الأئمة الذين رووا أنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تستحبّ ، أو لا يستحبّ شدّ الرحال إليها ، غير ما توهّمه الوهّابية من أحاديث شدّ الرحال التي ستعرف في هذا الفصل سخافة توهّمهم فيها ، وقد عرفت أنّ الأئمة رووا هذه الأحاديث كما رواها الدارقطني ولم يرووا بخلافه ، وفيهم أجلّاء أئمة الحديث : كابن حنبل وأبي داود والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي وغيرهم ، وقد رويت في ذلك أحاديث كثيرة تكاد تبلغ حدّ التواتر عن أئمة أهل البيت الطاهر ، رواها عنهم أصحابهم وثقاتهم بالأسانيد المتصلة


الصحيحة موجودة في مظانّها.

وتدلّ عليه أيضاً الأحاديث الدالة على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يردّ سلام من يسلّم عليه ، التي اعترف بها الوهابية وقدوتهم ابن تيمية ، ومرّ طرف منها في المقدمات في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته.

قال السبكي فيما حكاه عنه السمهودي في وفاء الوفا (١) بعد ذكر ما يدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع من يسلّم عليه عند قبر ويردّ عليه عالماً بحضوره عند قبره : وكفى بهذا فضلاً حقيقاً بأن ينفق فيه ملك الدنيا حتى يتوصّل إليه من أقطار الأرض. انتهى. ومنه يعلم صحة الاستدلال به على شدّ الرحال.

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤٠٤.


الثالث : الإجماع :

من المسلمين خلفاً عن سلفٍ من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة إلى يومنا هذا ـ عدا الوهابية ـ قولاً وعملاً ، بل إنّ استحباب زيارة قبور الأنبياء عليهم‌السلام والصالحين بل وسائر المؤمنين ومشروعيتها ملحق بالضروريات عند المسلمين ، فضلاً عن الإجماع ، وسيرتهم مستمرة عليها من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة والتابيعن وتابعيهم وجميع المسلمين في كلّ عصر ، وفي كلّ صقع ، عالمهم وجاهلهم ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهُم واُنثاهم ، وإنكار ذلك مصادمة للبديهة ، وإنكار للضروري.

قال السمهودي في وفاء الوفا (١) نقلاً عن السبكي : قال عياض : زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله سنّة بين المسلمين مجمع عليها ، وفضيلة مرغوب فيها. انتهى.

قال السبكي : وأجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال ، كما حكاه النووي ، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها ، واختلفوا في النساء ، وامتاز القبر الشريف بالأدلة الخاصة به.

ولهذا أقول : إنّه لا فرق بين الرجال والنساء. وقال الجمّال الريمي : يستثني ـ أي من محلّ الخلاف ـ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وصاحبيه ، فإنّ زيارتهم مستحبّة للنساء بلا نزاع ، كما اقتضاه قولهم في الحجّ : يستحبّ لمن حجّ أن يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ذكر ذلك بعض المتأخرين ، وهو الدمنهوري

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٢.


الكبير ، وأضاف إليه قبور الأنبياء عليهم‌السلام والصالحين والشهداء. انتهى.

وفي وفاء الوفا (١) : كيف يتخيّل في أحدٍ من السلف المنع من زيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى فضلاً عن زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله. انتهى.

وصنّف قاضي القضاة الشيخ تقي الدين أبو الحسن السبكي ـ الذي تشهد مؤلفاته بغزارة علمه في القرن الثامن ـ كتاباً في فضل الزيارة وشدّ الرحال إليها ، رداً على ابن تيمية ، سمّاه « شفاء السقام في زيارة خير الأنام ».

ونقل عنه السمهودي في « وفاء الوفا » شيئاً كثيراً ، ونقل عنه غيره ، ونقلها عنه بواسطة السمهودي وغيره.

وقال السبكي في مقدمته على ما حكي عنه : إنّ من أعظم القُرَبِ إلى ربّ العالمين : زيارة سيّد المرسلين والسفر إليها من أقطار الأرضين ، كما هو معروف بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على ممرّ السنين. وإنّ ممّا ألقى الشيطان في هذا الزمان على لسان بعض المخذولين التشكيك في ذلك ، وهيهات أن يدخل ذلك في قلوب الموحّدين ! وإنّما هي نزغة من مخذول لا يرجع وبالها إلّا عليه ، ولا يترتّب عليها إلّا ما ألقى بيده إليه شريعة الله محكمة ظاهرة ، وشبه الباطل على شفا جرفٍ هائرة. انتهى.

ومرّ في الباب الأوّل ما يدلّ على أنّ مراده : ابن تيمية.

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٤١٧.


وعن « منتهى المقال في شرح حديث لا تشدّ الرحال » للمفتي صدر الدين أنّه قال فيه : قال الشيخ الإمام الحبر الهمام سند المحدثين الشيخ محمّد البرلسي في كتابه « إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان » : وقد تجاسر ابن تيمية الحنبلي ـ عامله الله بعدله ـ وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حرام ، وأنّ الصلاة لا تقصر فيه ؛ لعصيان المسافر به ، وأطال في ذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، وقد عاد شؤم كلامه عليه... إلى أن قال : وخالف الأئمة المجتهدين في مسائل كثيرة ، واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة فسقط من أعين علماء الاُمّة ، وصار مُثلةً بين العوامّ ، فضلاً عن الأئمة وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة. وزيّفوا حججه الداحضة الكاسدة ، وأظهروا عوار سقطاته ، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته. انتهى. ومرّ بعض كلامه في حقّه في الباب الأوّل.

وعن شهاب الدين أحمج الخفاجي المصري في « نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض » أنّه قال بعد ذكر حديث : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ». اعلم أنّ هذا الحديث هو الذي دعا ابن تيمية ومن تبعه كابن القيّم إلى مقالته الشنيعة التي كفّروه بها ، وصنّف فيها السبكي مصنَّفاً مستقلّاً ، وهي منعه زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وشدّ الرحال إليه ، وهو كما قيل :

لمهبط الوحي حقّاً تَرحَل النُجُبُ

وعند ذاك المرجّى ينتهي الطلبُ

فتوهّم أنّه حمى جانب التوحيد بخرافاتٍ لا ينبغي ذكرها ، فإنّها


لا تصدر عن عاقلٍ فضلاً عن فاضل. انتهى.

وعن الملّا عليّ القاري في المجلد الثاني من شرح الشفا أنّه قال : قد فرّط ابن تيمية من الحنابلة ، حيث حرّم السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أفرط غيره ، حيث قال : كون الزيارة قربة معلوم من الدين وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعلّ الثاني أقرب إلى الصواب ، لأنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لأنّه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب. انتهى.

وقال أحمد بن حجر الهيتمي المكّي الشافعي صاحب « الصواعق » في كتابه « الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرّم » على ما حكي عنه ، وقد ذكره صاحب كشف الظنون قال فيه بعدما استدلّ على مشروعية زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدّة أدلّة منها الإجماع ما لفظه (١) :

فإن قلت : كيف تحكي الإجماع على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيمية من متأخّري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كلّه ، كما رآه السبكيّ في خطّه ، وقد أطال ابن تيمية في الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً ، وأنّه لا تقصر فيه الصلاة ، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيه موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.

قلت : من هو ابن تيمية حتى يُنظَر إليه أو يُعوَّل في شيء من اُمور الدين عليه ؟! وهل هو إلّا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقّبوا كلماته

___________________________________

١ ـ الصواعق المحرقة : ١٣.


الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة ، عبد أظلّه الله تعالى وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه ، وبوّأه من قوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان.

ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقي السبكيّ ـ قدس الله روحه ونور ضريحهِ للردّ عليه في تصنيف مستقل أفاد فيه وأجاد وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب.

ثم قال : هذا وما وقع من ابن تيمية ممّا ذكر وإن كان عثرة لا تقال أبداً ومصيبةً يستمرّ شؤمها سرمداً ليس بعجيب ، فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب ، وما درى المحروم أنّه أتى بأقبح المعائب ؛ إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة ، وتدارك على أئمتهم ـ سيّما الخلفاء الراشدين ـ باعتراضات سخيفة شهيرة حتى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزّه سبحانه عن كلّ نقص والمستحق لكل كمال أنفس ، فنسب إليه الكبائر والعظائم ، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم ، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدمين والمتأخرين ، حتى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره ، فحبسه إلى أن مات ، وخمدت تلك البدع ، وزالت تلك الضلالات ، ثم انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً ، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً ، بل ضربت عليهم الذلّة المسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بما


عصوا وكانوا يعتدون. انتهى.

أمّا المنقول من فعل الصحابة فسيأتي في المبحث الثاني : أنّ عمر لمّا قدم المدينة من فتوح الشام كان أوّل ما بدأ بالمسجد ، وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي وفاء الوفا للسمهودي (١) : روى عبدالرزاق بإسناد صحيح : أنّ ابن عمر كان إذا قدم من سفرٍ أتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه.

قال : وفي الموطّأ من روايه يحيى بن يحيى : أنَّ ابن عمر كان يقف على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلّي ( فيسلّم ظ ) على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى أبي بكر وعمر.

وعن ابن عون : سأل رجل نافعاً : هل كان ابن عمر يسلّم على القبر ؟ قال : نعم ، لقد رأيته مائة مرّةٍ أو أكثر من مائةٍ كان يأتي القبر فيقوم عنده فيقول : السلام على النبيّ ، السلام عليك أبي بكر ، السلام على أبي.

وفي مسند أبي حنيفة : عن ابن عمر : من السنّة أن تأتي قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قِبَل القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر بوجهك ، ثم تقول : السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته. أخرجه الحافظ طلحة بن محمّد في مسنده ، عن صالح بن أحمد ، عن عثمان بن سعيد ، عن أبي عبدالرحمن المقري ، عن أبي حنيفة ، عن نافع ، عن ابن عمر. انتهى.

أمّا المنقول من فعل سائر المسلمين : ففي وفاء الوفا (٢) : ذكر

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤٠٩.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٠.


المؤرّخون والمحدّثون منهم ابن عبدالبرّ والبلاذري وابن عبد ربّه : أنّ زياد ابن أبيه أراد الحجّ ، فأتاه أبو بكرة أخوه وهو لا يكلّمه ، فأخذ ابنه فأجلسه في حجره ليخاطبه ويسمع زياداً ، فقال : إنّ أباك فعل وفعل ، وإنّه يريد الحجّ ، واُمّ حبيبة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هناك ، فإن أذنت له فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن حجبته فأعظم بها حجة عليه ، فقال زياد : ما تدع النصيحة لأخيك وترك الحج فيما قاله البلاذري. وقيل : حجّ ولم يزر من أجل قول أبي بكرة. وقيل : أراد الدخول عليها فذكر قول أبي بكرة فانصرف. وقيل : إنّها حجبته.

قال السبكيّ : والقصة على كل تقدير تشهد لأنّ زيارة الحاجّ كانت معهودةً من ذلك الوقت ، وإلّا فكان يمكنه الحجّ من غير طريق المدينة ، بل هي أقرب إليه ؛ لأنّه كان بالعراق ولكن كان إتيان المدينة عندهم أمراً لا يترك. انتهى.

لا يقال : نحن نسلِّم بأنّ إتيان المدينة أمر راجح مستحبّ ، ولكن بقصد الصلاة في المسجد والزيارة تبع ، والذي نمنعه إتيانها بقصد الزيارة.

لأنّا نقول : المعروف بين المسلمين من عهد الصحابة إلى اليوم اتيان المدينة بقصد الزيارة ، هذا الذي جرت عليه سيرتهم وعملهم ، لا يخطر ببالهم غيره ، ولا يدور في خلدهم سواه. وأمّا قصد المسجد وكون الزيارة تبعاً فشيء لم يكن يعرفه أحد قبل الوهابية ، ولو كان لحرمة قصد الزيارة بالسفر أصل في الشرع لشاعت وذاعت وعرفها جميع المسلمين ، ووصلت إلى حدّ الضرورة ؛ لاحتياج الجميع إلى معرفتها ، ولكانت قامت بها الخطباء


والوعّاظ وبيّتتها العلماء وحذّروا الناس منها ؛ لئلّا يقصدوا بسفرهم الزيارة فيقعوا في الحرام الموجب للعقاب من حيث قصدوا الثواب ، ولكان بينها أصحاب كتب المناسك الذين لم يهملوا شيئاً يتعلّق بالحجّ والزيارة من المستحبات فضلاً عن هذا الأمر المهم الموقع في الحرام.

أمّا المنقول عن أئمة المذاهب الأربعة ففي وفاء الوفا (١) بعدما ذكر اختلاف السلف في أنّ الأفضل البدأة بالمدينة أو بمكة : حكى عن الإمام أبي حنيفة : أنّ الأحسن البدأة بمكة ، وإن بدأ بالمدينة جاز ، فيأتي قريباً من قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيقوم بين القبر والقبلة. انتهى.

وأمّا ما يحكى عن مالك : أنّه كره أن يقال : زرنا قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو على فرض صحته محمول عل كراهة التلفظ بهذا اللفظ لبعض الوجوه التي ذكروها ممّا لا نطيل بنقله ، لا لكراهة أصل الزيارة ، مع أنّ العلماء ناقشوه في كراهة هذا اللفظ ، كالسبكيّ وابن رشد على ما في « وفاء الوفا ».

وذكر السمهودي في وفاء الوفا (٢) أقوال الشافعية في استحباب زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال : والحنفية قالوا : إنّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أفضل المندوبات والمستحبات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، قال : وكذلك نصّ عليه المالكية والحنابلة. وأوضح السبكي نقلهم في كتابه في الزيارة. انتهى.

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١١.

٢ ـ المصدر السابق : ٤١٥.


الرابع : دليل العقل :

فإنّه يحكم بحسن تعظيم من عظّمه الله تعالى ، والزيارة نوع من التعظيم ، وفي تعظيمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالزيارة وغيرها تعظيم لشعائر الإسلام وإرغام لمنكريه. وقد ثبت رجحان زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته والوصول إلى خدمته ، فكذلك بعد مماته ، خصوصاً بعد الالتفات إلى ما ورد من حياته البرزخية ، وقد مضى في فصل التوسل قول مالك أمام دار الهجرة للمنصور : إنّ حرمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ميتاً كحرمته حيّاً. وليس في العقل شيء يمنع من الزيارة أو يوجب قبحهاء ، بل فيه ما يحسنها من تعظيم من عظّمه الله واحترام من هدى الناس إلى سبيل الرشاد ، وكان سبب سعادتهم في الدارين.


المقام الثاني : في زيارة سائر القبور :

قد ثبت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يزور أهل البقيع وشهداء اُحد.

وروى ابن ماجة (١) بسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة ».

وبسنده عن عائشة : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في زيارة القبور.

وفي حاشية السندي عن الزوائد أنّ رجال أسناده ثقات.

وبسنده عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة ».

ورواه مسلم (٢) إلى قوله : « فزوروها ».

وروى النسائي : « ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر ».

وزار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه وهي مشركة بزعم الخصم. روى مسلم في صحيحه (٣) وابن ماجة (٤) والنسائي (٥) بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : زار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه فبكى وأبكى من حوله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : استأذنت ربّي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٢٤٥.

٢ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣٢٥ ، بهامش إرشاد الساري.

٣ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣٢٥ ، بهامش إرشاد الساري.

٤ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٢٤٥.

٥ ـ سنن النسائي ١ / ٢٨٦.


القبور فإنّها تذكّركم الموت.

قال النووي في شرح صحيح مسلم : هو حديث صحيح بلا شك (١).

وروى مسلم (٢) : أنّه كلّما كانت ليلة عائشة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول : « السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون ».

وعلّم صلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة حين قالت له : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي : « السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ». الحديث رواه مسلم.

وعن بريدة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول : « السلام على أهل الديار ».

وفي رواية : « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات ». الحديث رواه مسلم.

وقد مرّ في المقام الأوّل زيارة ابن عمر لقبر الشيخين مراراً كثيرة.

وحكى السمهودي في وفاء الوفا (٣) عن الحافظ زين الدين الحسيني الدمياطي : أنّ زيارة القبور الأنبياء والصحابة والتابعين والعلماء وسائر

___________________________________

١ ـ أقول : إنّ السبب الّذي يذكرونه لاستئذان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله زيارة قبر اُمّه هو ـ كما يزعمون ـ لأنّ اُمّه كانت مشركة ، ولكنّ الثابت الذي لا ريب فيه هو أنّ اُمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت كآبائه وأجداده من أهل الإيمان والتوحيد ، من هنا فإنّ هذا التوجيه والتفسير مخالف لاُصول العقيدة الإسلامية ، وهذا هو ديدن القوم حينما يطعنون في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته لسدّ ثغراتهم ومطاعنهم حيث إنّ آباءهم وأجدادهم ماتوا مشركين ، ويمكن أن يكون له تفسير آخر.

٢ ـ صحيح مسلم : ٤ / ٣١٨ ، بهامش إرشاد الساري.

٣ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٣.


المؤمنين للبركة أثر معروف. قال : وقد قال حجة الإسلام الغزالي : كلّ من يُتبرَّك بمشاهدته في حياته يُتبرَّك بزيارته بعد موته ، ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض : انتهى.

إلى أن قال : وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبّه في الدار الدنيا ».

وعن ابن عباس « ما من أحدٍ يمرّ بقبر أخيه المؤمن يعرفه في الدنيا فسلّم عليه إلّا عرفه وردّ عليه السلام ».

وروي : « من زار قبر أبويه في كلّ جمعةٍ أو أحدهما كتب بارّاً وإن كان في الدنيا قبل ذلك بهما عاقاً ».

وسيأتي أحاديث زيارة فاطمة عليها‌السلام قبر حمزة وشهداء اُحد كل جمعة أو بين اليومين والثلاثة ، وكفى بفعلها عليها‌السلام دليلاً وحجّةً.


في شدّ الرحال إلى زيارة القبور :

وقد منع الوهّابية من شدّ الرحال إلى زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلاً غن غيره ، وقد عرفت أنّ ابن تيمية في مقام تشنيعه على الإمامية قال : إنّهم يحجّون إلى المشاهد كما يحجّ الحاجّ إلى البيت العتيق ، وما هو حجّهم إلّا قصدهم زيارتها ، فسمّاه حجّاً إرادةً لزيادة التهويل والتشنيع كما هي عادته.

وفي الرسالة الثانية من رسائل « الهدية السنية » لعبدالله بن محمّد بن عبدالوهّاب ؛ وتسنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا أنّه لا يشدّ الرحال إلّا لزيارة المسجد والصلاة فيه ، وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس. انتهى.

واحتجّ الوهّابية لذلك برواية البخاري : عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الاقصى ».

ورواه مسلم في الحجّ والصلاة ، إلّا أنّه قال : « مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى ».

ورواه النسائي في سننه مثله ، إلّا أنّه قدّم مسجد الحرام.

ورواه أبو داود في الحج.

وفي روايةٍ لمسلم : « تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد ». وفي روايةٍ له : « إنّما يُسافرَ إلى ثلاثة مساجد ، مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيليا ».

والجواب عن هذه الأخبار : أنّ الحصر فيها إضافي لا حقيقي ، أي


لا تُشدّ الرحال إلى مسجدٍ من المساجد إلّا إلى هذه الثلاثة ، لأنّ هذا الاستثناء مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه ، وكما يمكن تقديره : لا تشدّ الرحال إلى مكان يمكن تقديره إلى مسجد ، لكنّ الثاني هو المتعيّن ؛ لأنّ ذلك هو المفهوم عرفاً من أمثال هذه العبارة ، وللاتفاق على جواز السفر وشدّ الرحال إلى أي مكان كان للتجارة وطلب العلم والجهاد وزيارة العلماء والصلحاء والتداوي والنزهة والولاية والقضاء ، وغير ذلك ممّا لا يحصى.

ولو قيل : إنّ هذا خُصِّص بالدليل للزم تخصيص الأكثر ، وهو غير جائز ، كما تقرر في الاُصول.

والحاصل : أنّه لا يشكّ مَن عنده أدنى معرفةٍ في أنّ المراد بقوله : « لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » ، أو « إنّما يسافر إلى ثلاثة مساجد » أنّه لا يسافر إلى غيرها من المساجد ، لا أنّه لا يسافر إلى مكان مطلقاً ، على أنّه لا يفهم من هذه الأحاديث حرمة السفر إلى باقي المساجد ، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها ، بحيث بلغ من فضلها أن تستحقّ شدّ الرحال والسفر إليها للصلاة فيها ، فإنّها لا تشدّ الرحال وتركب الأسفار وتتحمّل المشاقّ إلّا للاُمور المهمّة ، لا أنّ من سافر للصلاة في مسجدٍ طلباً لإحراز فضيلة الصلاة فيه يكون عاصياً وآثماً ، وكيف تكون آثماً من يسافر إلى ما هو طاعة وعبادة ؟ فالمسجد ببعده لم يخرج عن المسجدية ، والصلاة فيه لم تخرج عن كونها طاعة وعبادة ؛ إذ هو مسجد لكل أحد فكيف يعقل أن يكون السفر للصلاة فيه إثماً


ومعصية ؟! فالسفر للطاعة لا يكون إلّا طاعة ، كما أنّ السفر للمعصية لا يكون إلّا معصية ، وكيف تكون مقدمة المستحب محرّمة ؟!

ويدلّ على ذلك : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة كانوا يذهبون كلّ سبتٍ إلى مسجد قبا ، وبينه وبين المدينة ثلاثة أميال أو ميلان ركباناً ومشاةً لقصد الصلاة فيه ، ولا فرق في السفر بين الطويل والقصير ؛ لعموم النهي لو كان.

روى البخاري في صحيحة (١) : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأتي مسجد قبا كل سبتٍ ماشياً وراكباً ، وأنّ ابن عمر كان يفعل كذلك.

وفي رواية : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يزوره راكباً وماشياً.

وروى النسائي في سننه : أنّه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي قبا راكباً وماشياً. وأنّه قال : « من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ مسجد قبا ـ فصلّى فيه كان له عدل عمرة » (٢).

وفي إرشاد الساري : عن ابن أبي شيبة في أخبار المدينة بإسناد صحيح ، عن سعد بن أبي وقاص : « لأن اُصلّي في مسجد قبا ركعتين أحبّ إليَّ من أن آتي بيت المقدس مرّتين ، لو يعلمون ما في قبا لضربوا إليه أكباد الإبل ».

وهذا نصّ من سعدٍ على استحباب ضرب أكباد الإبل إليه ، الذي لا يكون إلّا بالسفر إليه من مكان بعيد.

وروى الطبراني : « من توضّأ فأسبغ الوضوء ثم غدا إلى مسجد قبا لا يريد

___________________________________

١ ـ صحيح البخاري : ١ / ٢٠٦ ، شرح صحيح البخاري : ٢ / ٣٣٢.

٢ ـ سنن النسائي : ٢ / ٣٧.


غيره ولا يحمله على الغُدوِّ إلّا الصلاة في مسجد قبا فصلّى فيه أربع ركعاتٍ كان له أجر المعتمر إلى بيت الله ». نقله في إرشاد الساري. وسيأتي في آخر هذا الفصل أحاديث أنّ فاطمة عليها‌السلام كانت تزور قبر عمّها حمزة بين اليومين والثلاثة وكلّ جمعة ، وفيه دلالة على جواز السفر للزيارة واستحبابه ؛ لعدم تعقّل الفرق بين السفر الطويل والقصير وبين اُحدٍ والمدينة ونحو ممّا بينها ، وبين قبا أو أزيد.

ويدلّ على شدّ الرحال : الحديث الخامس المتقدم من حجّ البيت : « ولم يزرني فقد جفاني... ».

والزيارة بعد الحج لا تكون إلّا بشدّ الرحال. وأظهر ممّا قلناه : الحديث الآخر لمسلم : « تشدّ الرحال إلى ثلاثة مساجد » بصيغة الإثبات ، أي أنّ هذه المساجد الثلاثة تستحقّ وتستأهل شدّ الرحال إليها ؛ لعظم فضلها ، فهي حقيقة وجديرة بذلك وشدّ الرحال إليها لا يكون عناؤه ضائعاً وتعبه خائباً ، أو فائدته قليلة ، بل يحصل من الثواب على ما يقابل تعبه وزيادة.

قال القسطلاني في « إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري » (١) في شرح قوله : « لا تُشدّ الرحال » : أي إلى مسجد للصلاة فيه. ثمّ قال : وقد بطل بما مرّ من التقدير المعتضد بحديث أبي سعيد ـ المرويّ في مسند أحمد بإسناد حسن مرفوعاً : لا ينبغي للمطي أن تشدّ رحاله إلى مسجد تُبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام والأقصى ومسجدي هذا » ـ قول ابن

___________________________________

١ ـ إرشاد الساري : ٢ / ٣٢٩.


تيمية ، حيث منع من زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه.

ومن جملة ما استدلّ به على دفع ما ادّعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما نقل عن مالك : أنّه كره أن يقول : زرت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأجاب عنه المحققون من أصحابه : أنّه كره اللفظ أدباً ، لا أصل الزيارة ، فإنّها من أفضل الأعمال وأجلّ القُرَب الموصلة إلى ذي الجلال ، وإنّ مشروعيتها محلّ إجماع بلا نزاع. قال : فشدّ الرحال للزيارة أو نحوها كطلب علم ليس إلى المكان ، بل إلى مَن فيه ، وقد التبس ذلك على بعضهم ، كما قاله المحقق التقيّ السبكيّ ، فزعم أنّ شدّ الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع ، هو خطأ ، كما مرّ ؛ لأنّ المستثنى إنّما يكون من جنس المستثنى منه ، كما إذا قلت : ما رأيت إلّا زيداً ، أي ما رأيت رجلاً واحداً إلّا زيداً ، لا ما رأيت شيئاً أو حيواناً إلّا زيداً. انتهى.

وقال القسطلاني في موضع آخر (١) : الاستثناء مفرغ ، والتقدير : لا تشدّ الرحال إلى موضع ، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، كزيارة صالحٍ أو قريبٍ أو صاحبٍ أو طلب علمٍ أو تجارةٍ أو نزهة ؛ لأنّ المستثنى منه في المفرغ يقدَّر بأعمّ العام ، لكنّ المراد بالعموم هنا : الموضع المخصوص ، وهو المسجد. انتهى.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم في شرح قوله : « لا تشدّ

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٣٣٣.


الرحال... » إلى آخره (١) : فيه بيان عظيمِ فضيلةِ هذه المساجد الثلاثة ومزيّتها على غيرها ؛ لكونها مساجد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ولفضل الصلاة فيها... إلى أن قال : واختلف العلماء في شدّ الرحال وإعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة ، كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة ونحو ذلك ، فقال الشيخ أبو محمّد الجويني من أصحابنا : هو حرام ، وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره ، والصحيح عند أصحابنا وهو الذي أختاره إمام الحرمين والمحققون : أنّه لا يحرم ولا يكره ، قالوا : والمراد أنّ الفضيلة التامّة إنّما هي في شدّ الرحال إلى هذه الثلاثة خاصة. وقال في موضع آخر (٢) : في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد الثلاثة ، وفضيلة شدّ الرحال إليها ؛ لأنّ معناه عند جمهور العلماء : لا فضيلة في شدّ الرحال إلى مسجدٍ غيرها. وقال الشيخ أبو محمّد الجويني من أصحابنا : يحرم شدّ الرحال إلى غيرها ، وهو غلط. انتهى.

وقال السندي في حاشية سنن النسائي : إنّ السفر للعلم وزيارة العلماء والصلحاء وللتجارة غير داخل في حيّز المنع. انتهى.

وقال السمهودي في وفاء الوفا (٣) : ويستدلّ بقوله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ... ) (٤) الآية ، على مشروعية السفر للزيارة بشموله المجيء من قرب ومن بعد ، وبعموم « من زار قبري » ، وقوله في الحديث الذي

___________________________________

١ ـ صحيح مسلم : ٦ / ٣٧ ، بهامش ارشاد الساري.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ٤١٤.

٣ ـ المصدر السابق : ٦ / ١١١ ، بهامش ارشاد الساري.

٤ ـ النساء : ٦٤.


صحّحه ابن السكن « من جاءني زائراً ». وإذا ثبت أنّ الزيارة قربة فالسفر إليها كذلك ، وقد ثبت خروج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة لزيارة قبور الشهداء ، فإذا جاز الخروج للقريب جاز للبعيد ، وقبره صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى ، وقد انعقد الإجماع على ذلك ؛ لإطباق السلف والخلف عليه. وأمّا حديث « لا تشدّوا الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » فمعناه : لا تشدّوا الرحال إلى مسجد إلّا إلى المساجد الثلاثة ؛ إذ شدّ الرحال إلى عرفة لقضاء النسك واجب بالإجماع ، وكذلك سفر الجهاد والهجرة من دار الكفر بشرطه ، وغير ذلك. وأجمعوا على جواز شدّ الرحال للتجارة ومصالح الدنيا.

وقد روى ابن شبّة بسندٍ حسن : أنّ أبا سعيد ـ يعني الخدري ـ ذكر عنده الصلاة في الطوز ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ينبغي للمطي أن تشدّ رحالها إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ».

فهذا الحديث صريح فيما ذكرناه على أنّ في شدّ الرحال لمِا سوى هذه المساجد الثلاثة مذاهب ، نقل إمام الحرمين عن شيخه أنّه أفتى بالمنع ، قال : وربّما كان يقول : يكره ، وربما كان يقول : يحرم.

وقال الشيخ أبو عليّ : لا يكره ولا يحرم... إلى أن قال : وقال المارودي من أصحابنا ( يعني الشافعية ) عند ذكر من يلي أمر الحجّ : فإذا قضى الناس حجّهم سار بهم على طريق مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رعايةً لحرمته ، وقياماً بحقوق طاعته ، وذلك وإن لم يكن من فروض الحجّ فهو من مندوبات الشرع المستحبة وعبادات الحجيج المستحسنة.


وقال القاضي الحسين : إذا فرغ من الحجّ فالسنّة أن يأتي المدينة ويزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال القاضي أبو الطيب : ويستحب أن يزور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن يحجّ ويعتمر.

وقال المحاملي في التجريد : ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال أبو حنيفة : إذا قضى الحاجّ نسكه مرّ بالمدينة... إلى أن قال : وفي كتاب « تهذيب المطالب » لعبدالحق : سئل الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد في رجل استؤجر بمالٍ ليحجّ به ، وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع أن يزور ، قال : يردّ من الاُجرة بقدر مسافة الزيارة. وقال في موضع آخر (١) : وممّن سافر إلى زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشام إلى قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة بلال بن رباح مؤذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما رواه ابن عساكر بسند جيّد عن أبي الدرداء ، قال : لمّا رحل عمر بن الخطاب من فتح بيت المقدس فصار إلى جابية سأله بلال أن يقرّه بالشام ، ففعل ، قال : ثمّ إنّ بلالاً رأى في منامه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال ! فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً ، فركب راحلته وقصد المدينة ، فأتى قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمّهما ويقبّلهما ، فقالا له : يا بلال ، نشتهي أن نسمع أذانك ، فلمّا قال : « الله أكبر » ارتجّت المدينة ، فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » ازدادت رجّتها ،

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٣ / ٤٠٨.


فلما قال : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » خرجت العواتق من خدورهنّ ، وقالوا : « بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! فما رُؤي بالمدينة بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثر باكياً وباكيةً من ذلك اليوم.

قال : وقال الحافظ عبدالغني وغيره : لم يؤذّن بلال بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا مرّةً واحدةً في قدومه المدينة لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وقال : قال السبكي : ليس اعتمادنا على رؤيا المنام فقط ، بل على فعل بلال ، سيّما في خلافة عمر والصحابة متوافرون ، ولا تخفى عنهم هذه القصة ، ورؤيا بلال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مؤكّدة لذلك.

قال : وقد استفاض عن عمر بن عبد العزيز أنّه كان يُبرد البريد من الشام يقول : سلِّم لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في زمن صدر التابعين.

وممّن ذكر ذلك عنه : الإمام أبو بكر بن عمرو بن عاصم النبيل ـ ووفاته في المائة الثالثة ـ قال في مناسكه : وكان عمر بن عبدالعزيز يبعث بالرسول قاصداً من الشام إلى المدينة ليُقرئ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله السلام ، ثم يرجع.

قال : وفي فتوح الشام : أنّ عمر لمّا صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح بإسلامه قال له : هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتتمتّع بزيارته ؟ فقال : نعم ، ولمّا قدم عمر المدينة كان أول ما بدأ بالمسجد ، وسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال في موضع آخر (١) : كانت الصحابة يقصدون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل وفاته للزيارة ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله حيّ في الدارين ، بل روى أحمد بإسنادين أحدهما

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٢ / ٤١٧.


برجال الصحيح ، عن يعلى بن مرة من حديث قال فيه : ثم سرنا فنزلنا منزلاً ، فنام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجاءت شجرة تشقّ الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلمّا استيقظ ذكرت له ، فقال : هي شجرة استأذنت ربّها عزّ وجلّ أن تسلّم على رسول الله ، فأذن لها ، فإذا كان هذا حال شجرة فكيف بالمؤمن المأمور بتعظيم هذا النبيّ الكريم الممتلئ بالشوق إليه.

وحديث حنين الجذع ذكر في محلّه. انتهى.

ومرّ قول الغزالي : يجوز شدّ الرحال لزيارة من يُتبرَّك به بعد موته.

بقي الكلام في أنّ جواز زيارة القبور مخصوص بالرجال أو عام لهم وللنساء. قد ورد بعض الروايات في لعن زائرات القبور أو زوّارات القبور ، وهذه الأخبار بعد تسليمها فيها القدح في سندها بالضعف وفي متنها بالاضطراب وهي محمولة على الكراهة لتخصيص اللعن فيها بالزائرات أو الزوارات دون الزائرين ، فإنّ زيارة القبور جائزة عند الوهابية بدون شدّ الرحال ، كما عرفت ، فلم يبقَ وجه لتخصيص اللعن بالزائرات إلّا الكراهة ؛ لمنافاتها لكمال الستر المطلوب في المرأة ، سيما على رواية زوّارات بصيغة المبالغة الدالّة على أنّ المنهيّ عنه كثرة الزيارة التي لا تناسب شدّة طلب الستر في النساء ، ولو حمل على أنّ ذلك كان قبل نسخ النهي عن زيارة القبور ـ على ما مرّ ، كما توهّم بعضهم ـ لنافاه التعبير بالزائرات أو الزوّارات ؛ لأنّ النسخ إن كان ففي الرجال والنساء ، واحتمال بقائهنّ تحت النهي كما حكاه السندي في حاشية سنن النسائي لقلّة صبرهنّ ، واستقر به هو بعيد جداً منافٍ للسيرة وعمل المسلمين ، وقاعدة الاشتراك بين الرجال


والنساء في الاحكام.

قال العزيزي في شرح الجامع الصغير (١) عند شرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن الله زوّارات القبور » قال العلقمي : قال الدميري : قال صاحب « المهذّب » و« البيان » من أصحابنا : لا يجوز للنساء زيارة القبور ؛ لظاهر هذا النهي ، قال النووي : وقوله شاذّ في المذهب ، والذي قطع به الجمهور أنّها مكروهاً كراهة تنزيه. انتهى.

ويدلّ على جواز زيارة النساء للقبور ، بل استحباب زيارتهنّ قبور الأنبياء عليهم‌السلام والشهداء : ما في وفاء الوفا (٢) : روى ابن أبي شبة عن أبي جعفر : أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تزور قبر حمزة تَرِمُّه وتُصلحه وقد تُعلمه بحجر.

وروى رزين عنه : أنّ فاطمة كانت تزور قبور الشهداء بين اليومين والثلاثة.

ورواه يحيى بنحوه ، عن أبي جعفر ، عن أبيه عليّ بن الحسين ، وزاد : « فتصلي هناك وتدعو وتبكي حتى ماتت ».

وروى الحاكم ، عن علي : أنّ فاطمة كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة فتصلي وتبكي عنده. انتهى وفاء الوفا.

ويظهر أنّ الوهّابية بعدما أباحوا للنساء زيارة القبور في العام الماضي منعوهنّ منها في هذا العام ، فقد أخبرنا الحُجّاج أنّ النساء مُنعت من

___________________________________

١ ـ شرح الجامع الصغير : ٣ / ١٩٨.

٢ ـ وفاء الوفا : ٢ / ١١٢.


الدخول إلى البقيع في هذا العام بدون استثناء ، وكأنّهم بنوا على هذا الاحتمال الضعيف الذي ذكره السندي ، وقال به صاحب « المهذّب » و« البيان » من بقائهنّ تحت النهي ، فظهرت لهم صحته هذا العام ، بعدما خفيت عنهم في العام الأوّل « يمحو الوهّابية ما يشاؤون ويُثبتون وعندهم اُمّ الكتاب » ! لسنا نعارضهم في اجتهادهم ، أخطؤوا فيه أم أصابوا ، ولكنّا نسألهم : ما الذي سوّغ لهم حمل المسلمين على اتّباع اجتهادهم المحتمل الخطأ والصواب ؟ بل هو إلى الخطأ أقرب لمخالفته لما قطع به الجمهور ، ولم يقل به إلّا الشاذّ كما سمعت ، والاُمور الاجتهادية لا يجوز المعارضة فيها كما بيّناه في المقدمات ، وما بالهم يسلبون المسلمين حرّية مذاهبهم في الاُمور الاجتهادية ويحملونهم على اتّباع معتقداتهم فيها بالسوط والسيف ، كما زادوا في طنبور تعنّتهم هذه السنة نغمات ، فعاقبوا الناس على البكاء عند زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد القبور ومنعوهم منه ، والبكاء أمر قهري اضطراري لا يعاقب الله عليه ، ولا يتعلّق به تكليف ؛ لاشتراط التكليف بالقدرة عقلاً ونقلاً ، ومنعوا من القراءة في كتابٍ حال الزيارة ، ومن إطالة الوقوف ، فمن رأوا في يده كتاب زيارة أخذوه منه ومزّقوه أو أحرقوه وضربوا صاحبه وأهانوه ، ومن أطال الوقوف طردوه وضربوه.


السرّ

والسرّ هنا : أنّكم تريدون أن تقطعوا كلّ صلةٍ بالإسلام ورجالات الإسلام ؛ وما كانوا عليه من علم وخُلُق وتقوىٰ وسِيَر.

فإذا تركنا ذلك فقد خسرنا الكثير من تراث الإسلام ومنهجه العظيم.

فأين أنتم من الإسلام الحقيقي القائل : من شهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله حُقن دمه وماله وعرضه ، له ماللمسلمين وعليه ما على المسلمين ؟ وها نحن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ، وأنتم تكفّروننا وتُحلّون دماءنا وأعراضنا ، لا لشيءٍ ، بل لأنّ لنا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اُسوةً حسنة ؛ لأنّا نزور قبره ، كما زيار قبر اُمّه بإذن ربّه ، وزار شهداء البقيع ، وقد أفردنا باباً فيمن زار القبور من الصحابة والتابعين ، وجوّز وأفتىٰ باستحباب زيارة القبور من العلماء...

تأمّل عزيزي القارئ في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا مات ابن آدم انقطعت صلته عن الدنيا ، إلّا عن ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به ، وصدقة جارية (١) ».

ونحن في زيارتنا لمراقد الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، ولقبور عباد الله الصالحين نستلهم الصبر والعبر ، ونستذكر سِيَر من نزورهم ، وما كانوا عليه.

وعلى الرغم من ذلك كلِّه فقد واصل الأعداء اعتداءهم على طائفة كبيرة تلتزم بمنهج الإسلام الأصيل.

___________________________________

١ ـ الخصال : ١ / ١٧٨ ، الحديث ١٨٤ ، عن الصادق عليه‌السلام.


كمطاردتهم ، وتهجيرهم ، والحطّ من قدرهم ، ووضع الأحاديث التي تنتقص منهم ومن منهجهم ، كما في منع زيارة قبور الأنبياء والصالحين المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية.

وممّا يؤسف له أنّك تجد مخالفة منهج الإسلام بصراحة ، ولم يكن ثمّة سبب لتلك المخالفة سوى أنّ الشيعة تلتزم به.

فاستمع إلى شيخ الإسلام الغزالي في « كتابه إحياء علوم الدين » ، حيث يقول : كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا اتّخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم (١).

اُنظر أخي القارئ للمقاتلة تلك واحكم إن كنت منصفاً :

١ ـ كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢ ـ ولمّا اتّخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم.

اعتراف في الاُولى وشهادة صريحة لا تحتاج إلى تأويل أو اجتهاد ولا نظر ، وإنكارٌ في الثانية وتبديل ، فما هذه الجرأة على تبديل حكم من أحكام الشريعة الشرعية ؟!

وهذا ما لا عجب فيه ، فإنّ الآباء سبقوا الأبناء لمثلها وأكثر :

متعتان حلالتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا اُحرِّمهما واُعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء (٢).

وإذا أردنا أن نذكر الأمثال فكثيرة ، واليوم وبعد القرون العديدة يكفّر

___________________________________

١ ـ الحدائق الناضرة ٤ / ٣٩ نقلاً عن التهذيب ورواه عن طرق العامة.

٢ ـ تاريخ المدينة المنوّرة : ٢ / ٧٢٠ ، مسند أحمد : ١ / ٥٢.


زوار القبور ، وهي حلال.

وتُهتك الأعراض وتُنهب الأموال وتُقتل النفوس البريئة ، وحقاً ما قيل : « ومن يشابه أباه فما ظلم ».

كم هجمتم على مراقد الصلحاء والأولياء والأنبياء وأبناء الأنبياء في كربلاء والنجف ؟!

وكم قتلتم الأبرياء ، ومن يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله ؟

وكم هتكتم الحُرُمات ، ودمّرتم الحرث والنسل ؟

وأنتم تعرفون الحقيقة ، وتحرّفونها !!


كلمة لابدَّ منها

إن كنتم تحبّون الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام ، وتنشدون الحق والحقيقة ، فاقرؤوا التاريخ ، اقرؤوا القرآن الكريم ، راجعوا وطالعوا السنّة النبوية الشريفة بإمعان ومن غير تعصب وميل ، تجردوا عن تلك الرواسب التي جرّت على الإسلام والمسلمين الويلات والثبور ، والتغيير والتحريف ، واستغفروا الله على ما جئتم به ، واستقيموا كما اُمرتم ، إقرؤوا كتب ومصادر الفقه والاُصول وكتب الحديث عند الشيعة ، وانفتحوا على المذاهب الاُخرى ؛ لأنّها جميعاً تستقي من معين واحد ، واعلموا : أنّ العدوّ مستهدف الجميع ، والطائرات والصورايخ التي تطلق لا تميِّز بين هذا وذلك ، والرؤوس النووية والجرثومية لا تفرق بين العميل والأصيل ، فهي إن سقطت تستهدف الجميع ، وهو المطلوب ، ومهما قدّمتم من دماء الشيعة لهم وأوقعتم ، فلابد أن تكونوا الهدف ما دمتم على غير دين العدوّ !


نصب الشهيد

عجباً ! من يدك أدينك ، كما قيل : « مِن فمك أَدينك ».

نصب الشهيد : بناء كونكريتيّ محكم ، مساحة البناء كبيرة ، تحيط به الحدائق ، ومن لواحقه متحف يضمّ أسلحة ومعدات عسكرية ، تم الاستيلاء عليها في ساحة الحرب ، وأي ساحة ؟

تقاتل فيها الإخوة والأبناء ، بفعل ما حاكته الأعداء ، وقبلت به العملاء فدمّر اقتصاد البلدين ، وذهبت ضحايا من الجانبين...

وهدّمت دور وقصور وجسور ومصانع ومنشآت حيوية ، بُنيت من قوت الاُمّة ولعشرات السنين ، أملاً بالسعادة وتوجيه السلاح المشترك إلى صدر العدوّ المشترك ، ولكن سبق السيف العذل ، والتاريخ يعيد نفسه فجاء « عسكر » ومن لفّ لفّه من أعداء الحق والعدل ، وسقطت الضحايا ، وسالت دماء الأبرياء ، وضحك العدو...

وشاءت الإرادة الإلهية أن ينهزم الباطل ويسقط الجمل ، ويعود الكيد إلى نحر الكائدين ، ويسقط الشهيد ، ويبنى له صرح عجيب.

ولكن أيّ صرحٍ يكلّف ملايين الملايين ، والناس يموتون من الجوع والمرض ، والبلاد ترجع القهقرى مئات السنين ؟!

الملوك والوزراء والهيئات الدبلوماسية ، وطلّاب المدارس ، وأعضاء النقابات يزورون هذا النصب الذي سمّوه : « نصب الشهيد ». أفزيارة الشهيد


جائزة في دينكم ، وزيارة سيّد الشهداء حرام ؟!

عجب سيد الشهداء ، سيد شباب أهل الجنّة ، وسبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، دون مرتبة الشهيد في يومنا هذا ؟؟؟

ما بالكم ، زيارة نصب الشهيد جائزة ويكرم المرء عليها ، وزيارة قبر أسد الله ورسوله الحمزة عمّ النبيّ الأكرم ؛ حرام وزائره كافر تجب معاقبته ؟!

هذه هي المأساة ، وهذه هي المصيبة !

الملوك والوزراء والسفراء والهيئات الدبلوماسية منكم يزورون حائط الكرملن ، ويضعون عنده باقات الورد ، ويقفون بكل إجلال وإكرام عند عزف السلام الوطني أو الجمهوري ، ويقفون دقيقة صمت على أرواح قادة الكفر والشرك ، حلال ثم حلال ؛ لأنّها من عقائد اليهود والنصارى ، ولكن زيارة قبر النبيّ وقبور والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ؛ حرام ثم حرام... !!

زيارة نصب الحرية في البلدان الاوروبيّة في الغرب والشرق حلال ، وشدّ الرحال إلى المدينة لزيارة قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حرام !!

إنّ ما يصرف ويسرق حين الصرف على بناء النصب شيء كثير ، يمكن أن يكون ما يكفي لبناء مستشفى أو دار للأيتام ، أو بناء دور لإسكان أولاد الشهداء والأرامل ، ويمكن أن يضاف إلى رواتب الفقراء والمساكين من العاجزين والمُعدَمين من كبار السنّ.


فلماذا تجوز زيارة تلك الحجارة ، ولا تجوز زيارة الأولياء ؟

وقد كثرت الأحاديث الشريفة الواردة في زيارتها :

قال أبو داود في سننه : حدثنا أحمد بن يونس ، ثنا بن واصل ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّ في زيارتها تذكرة » (١).

عجباً : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « فإنّ في زيارتها تذكرة ». وأنتم تقولون : كفر !

لله درّكم ! أما كفاكم شواهد من أئمتكم ورواة الحديث منكم ؟

والحديث صحيح ثابت عن رسول رب العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا تعملون بما جاء عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا أنتم تعلنون عن شريعتكم من أي عين تستقون ؟

تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله ، ولا نأخذ إلّا ما وافق الكتاب والسنّة ، دعوا أسباب الخلاف جانباً و وحّدوا الصفوف ، وعبِّؤا الطاقات فالعدو مشترك ، وفي الوحدة الحقة قوة ، وما ذلَّ قوم اتحدوا ، فإنّ السبب الرئيسَ في ضعف المسلمين مع مالهم من الطاقات والقدرات البشرية هو سياسة العدو : « فَرّق تَسُد ».

اعتصموا بحبل الله واتركوا المبادئ الوضعية ، التي كانت سبباً مهمّاً في ضعف المسلمين ، توبوا إلى الله تعالى وانصروه ، ( إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ

___________________________________

١ ـ سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨.


وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (١).

ما جاء في الرخصة في زيارة القبور : حدثنا محمد بن بشّار ومحمود بن غيلان والحسن بن علي الخلّال ، قالوا : حدّثنا أبو عاصم النبيل ، حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمدٍ في زيارة قبر اُمّه ، فزوروها ، فإنّها تذكر الآخرة ».

قال : وفي الباب : عن أبي سعيد وابن مسعود وأنس وأبي هريرة واُمّ سلمة ، قال أبو عيسى : حديث بريدة حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور بأساً ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق (٢).

حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عُبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور ، فإنّها تذكّركم الآخرة ».

حدّثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا روح ، ثنا بسطام بن مسلم ، قال : سمعت أبا التيّاح قال : سمعت ابن أبي مليكة ، عن عائشة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في زيارة القبور.

في الزوائد : رجال إسناده ثقات ؛ لأنّ بسطام بن مسلم وثّقه ابن معين

___________________________________

١ ـ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٧.

٢ ـ الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : ٣ / ٣٧٠ ، باب ٦٠.


وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم ، وباقي رجاله على شرط مسلم (١).

أخبرني محمد بن آدم ، عن ابن فضيل ، عن أبي سنان ، عن محارب بن دثار ، عن عبدالله ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها... ».

أخبرني محمد بن قدامة قال : حدّثنا جرير ، عن أبي فروة ، عن المغيرة ابن سبيع ، حدّثني عبدالله بن بريدة ، عن أبيه : أنّه كان في مجلس فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « ونهيتكم عن زيارة القبور ، فمن أراد أن يزور فليَزُر ، ولا تقولوا هجراً » (٢).

إلى هنا لم نقرأ حديثاً في الصحاح يقول : كفّروا من يزور القبور ! واقتلوا من يزور القبور ! وأخرجوهم من ربقة الإسلام ! وألصقوا بهم كلّ ما لا يرتضيه الله والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ! ولم نقرأ آية في القرآن الكريم تفيد حرمة زيارة القبور ، قبور الأنبياء والصالحين ، والآباء والأمهات والشهداء !

من أين لكم هذه ؟ وكيف تُجيزون لأنفسكم تكفير من يزور القبور التي أجاز النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله زيارتها ؟ والحال : لا اجتهاد قبالة النصّ.

قال الواقدي : « وكانت قريش لمّا مرّت بالأبواء ، قالت : إنكم قد خرجتم بالضعن معكم ونحن نخاف على نسائنا ، فتعالوا ننبش قبر اُمّ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ النساء عورة ، فإن يصب من نسائكم أحداً قلتم هذه رمّة

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٠ ، باب ما جاء في زيارة القبور.

٢ ـ سنن النسائي : ٣ / ٨٩.


اُمّك ، فإن كان بَرَّاً باُمّه كما يزعم ـ فلعمري ليفدين رُمّة اُمّه بمالٍ كثير إن كان بها برّاً.

فاستشار أبو سفيان بن حرب أهل الرأي من قريش في ذلك ، فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً ، فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا » (١).

أبو سفيان ـ رأس النفاق الطليق وأبو الطلقاء ـ يستشير قريشاً ، وأنتم لا تستشيرون أحداً من المسلمين في تكفير زوّار القبور ، وقريش يومها تمثّل معسكر الكفر !

تمتنع من نبش القبور ، وأنتم تساوونها ، وأنتم تكفرون من يزورها ، وتقتلون ، في الوقت الذي تزورون القبور وتُجصّصونها ، وتُسرجون عليها ليل نهار !

عن عائشة قالت : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من فراشه في بعض الليل ، فظننت أنه يريد بعض نسائه ، فتبعته حتى قام على المقابر ، فقال : « السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا بكم لاحقون » ، ثم قال : « اللٰهُمَّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تَفتِنّا بعدهم » ، قالت : فالتفت فرآني ، فقال : « ويحها لو تستطيع ما فعلت » ! (٢).

نحن هكذا نعمل ، لأنّا أتباع محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نبيّ الله وحبيبه ، وخيرة خلقه ، وخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وآله.

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢١٩.

٢ ـ مسند أحمد : ٦ / ١١١.


قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور ، فإنّها تذكّر الآخرة » (١).

فلو أنّا عددنا الأحاديث في هذا الباب لوقفنا على الكثير ، ولكن اقتصرنا على ما ثبّتناه من كتب إخواننا أهل السنّة ، وممّا في كتبنا عن أهل بيت الرحمة عليهم‌السلام الكثير.

وبعد هذا نقول : كفى تجاوزاً على حقوق الآخرين.

كفى ظلماً وتكفيراً لمن لهم اُسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال تعالى : ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) (٢).

اليوم نحن بأمسّ الحاجة إلى الإلفة ، والمحبة في الله ، والتعاون لله ، ووحدة الصفِّ ، والاعتصام بحبل الله ، وأن ندع المبادئ المستوردة التي جلبت علينا الويلات.

___________________________________

١ ـ كنز العمّال : ١٥ / ٦٤٠.

٢ ـ النحل : ١٢٥.


نصب الحرية

في بغداد عاصمة العراق ، وفي ساحة التحرير ، وهي أكبر ساحة في بغداد ، وأهمّ الساحات فيها ، بني في جانب من جوانبها نصب يحكي حالة الشعب قبل ثورة عام ( ١٩٥٨ م ) وما بعدها ، تمّت على يد نحّات العراق الأول خالد الرحّال ، وصُبّ عناصر هذا النصب في إيطاليا ، وثبّت على واجهة كبيرة ، وهو غاية في الصنعة والفن ، وفي منتهىٰ الدقة والإحكام ، اتّخذته الطيور البرّية وكراً لها ، وهو موضع فخر المسؤولين ، والساحة كانت ملتقى السُوَقة والحشّاشة والسُرّاق ، ومن يحتسون المنكرات ويؤتون الفواحش ، ويلعبون القمار ، يجد المواطن بين حين وآخر مواكب الملوك والرؤساء تقف عند هذا النصب ، وبإعجاب يستمعون لمن يفسّر فصول الحرية الصمّاء العمياء ، وعدسات الصحف والتلفاز تشعّ عليه وعلى الزوّار والسوّاح ! هذا جائز ولا إشكال فيه ! لا بل يعتبر موضع فخر واعتزاز واهتمام ، ورعاية من قبل الحكومة ، بالصرف عليه والمحافظة والتجديد.

ولكنّ التراث الإسلامي الذي امتدّ لقرونٍ طويلة على قبور الصلحاء والأولياء ، يجب أن يضرب بالصواريخ ، وقذائف المدافع الثقيلة ، وأكبر مقبرة إسلامية في العالم تُجرف قبورها بالمكائن الثقيلة ، ليفتح فيها الشوارع العريضة ، شوارع ليس مثلها في اُمهات المدن العراقية ، والحال هناك مقابر في بغداد ، وفي أرقى مناطقها في الأعظمية وعلى مرأى من الناس قبورها تعلو عن الأرض أمتاراً ، وعليها سقوف وأبنية شامخة ، وهكذا في الشالجية ، والنهضة ، ومحلّة باب الشيخ ، لا يمسّها الطير... !!


ألا هل من مجيب لهذا اللغز العجيب الغريب ؟ وكما قال الشاعر :

رمتني بدائها وانسلّت

وقالت : لمن هذا القَتيلُ

يا من تحرّم زيارة القبور هل فكرت يوماً أن تقول : لماذا تحرم زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصلحاء ، وتحلّ زيارة النصب والتماثيل ، تماثيل القادة والملوك ، وغيرهم ؟!

هل هذا التحريم ورد في الكتاب أو في السنّة النبويّة ؟ وأين ؟ ولماذا حلال أن تشدّ الرحال للاُمم المتحدة والكرملن ، وعواصم الدول الاُوروبية لزيارة المتاحف ، وبرج إيفل ، وتاج محلّ ، والأهرام الفرعونية مقابر الفراعنة ؟

وحرام أن تشدّ الرحال للتعرّف على آثار أهل بيتٍ عليهم‌السلام الذين نزل فيهم الوحي ، وأنارت مبادئهم مشارق الأرض ومغاربها ، بحيث أنّ المجتمع البشري اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم مَدين للكثير الكثير منها ؟

لماذا تشدّ الرحال إلى مونتريال للاشتراك بالألعاب ، ولا تشدّ الرحال لزيارة قبور الأولياء ؟

لماذا لا تحرّمون تلك الزيارات ، ملوك ووزراء وبقية الناس لقبور الأقطاب وأئمة المذاهب في العراق وغير العراق... ولا تَسِمُون الزّوار بالكفر والشرك ؟!

أهذه الزيارة تختلف عن تلك ؟

أليست عظاماً ورفاتاً وأحجاراً في كلا الأمرين كما تقولون ؟!

ثم نحن هنا نتسائل ونقول :

أليست هناك مشكلة غير مشكلة زيارة القبور وهي مشكلة وجود الشيعة في هذا الكون الفسيح ؟


أم أنّها الردّة إلى الجاهلية والارتداد عن الدين ومحاربة الإسلام ؟

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (١).

أليست هناك موادّ لخطبة العيد غير الهدية المصنّعة التي تقدمونها للمسلمين ، وهي : « زوار القبور الكفرة المردة ؟ ».

أليست هناك موادّ تُدرج في الفصل الأول من بحوثكم غير زوار القبور الكفرة المردة المشركين الذين يشتمون الصحابة البررة ؟

أليست هناك فقرة تقول : « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ؟ ».

أليس هناك مجال لأنّ تقولوا :

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) (٢) ؟!

إنّ العدوَّ يريد بنا جميعاً الموت ، أو أن نكون على دينه ، وأخلاقيته ، اللا أخلاقية ! فقد سلبنا قيمنا ! وغيّر عقائد الكثير منّا ! وبدّل أخلاقهم ؟

وزرع في نفوسهم الحقد والحسد ، والتقاتل بينهم ، قل لي بربك أيها القارئ العزيز : أي حزبٍ من الأحزاب في العالم العربي والإسلامي أخلص أفراده وقادته للإسلام والمسلمين ؟

أمّا الدماء التي سفكت ، والأراواح التي زهقت ، والأعراض التي هتكت ، والأموال التي سلبت فحدِّث ولا حرج !!

أنسيتم حرب السويس ، أم نسيتم حرب العرب واليهود ، أم نسيتم حرب اليمن وحرب الشمال والجنوب ؟ حرب السودان ، وحرب الصومال ،

___________________________________

١ ـ آل عمران : ١٤٤.

٢ ـ الزلزلة : ٧ ـ ٨.


وحرب المغرب والصحراء ، وتقاتل الإخوة في الجزائر ، وحرب العراق والجمهورية الإسلامية في إيران. وحرب العراق والكويت ، حرب الخليج حرب النفط ؟ وحرب المبادئ...

إنّها لعمري حربٌ مفتعلة ، الغرض منها إضعاف الإسلام والمسلمين ، وضرب البُنى التحتية للعالم الإسلامي ، وفتح الأسواق الأجنبية لتصريف السلع والبضائع الأمريكية والإسرائيلية ، والبناء من جديد على حساب الاُمّة الإسلامية ؛ لكي لا يكون اكتفاء ذاتي واستغناء عن الأجنبي الحاقد الطامع الكافر بالقيم والمبادئ السماوية والإنسانية !!

ولكي لا يكون التوجه إلى التصنيع العسكري ، والحصول على السلاح الاستراتيجي الذي يمكن الدفاع عن النفس والعرض والوطن به وحفظ ماء الوجه !

كل هذا يهون في نظركم ونظر الأسياد ، ولكنّ زيارة القبور لا تهون ، وليكن ما يكون !

تهديد إسرائيل للعرب والمسلمين ، وتهديم دور وقصور أهل فلسطين ، والتآمر ، و زرع الشقاق بين صفوف العرب والمسلمين ، كل ذلك يهون ، ولكن زيارة القبور شيء أعظم من هذا وذاك في دينكم ! فمتى تخلعون لجام العار والانقياد للأجنبي ؟

متى تخرجون على أسيادكم يا عبيد الدنيا والدولار والمناصب ؟!

نعم ، إن في زيارة القبور قواعد إطلاق الصواريخ ذات الرؤوس النووية الروحية...

إنّ فيها المبادئ التي دخلت المسجد الأقصى بها أول مرّة ، وستدخلها في آخر مرّة...


إنّ فيها الحرية الحقّة ، فيها الحق والعدل والإنصاف من الظالمين...

إنّ فيها كون الظالم يجب أن يُقتصَّ منه ، وإنّ المظلوم يجب أن يأخذ حقه بالعدل والقسط ، أو يؤخذ ويُقتصّ له... !

في زيارة القبور : دمار عروش الظالمين ، وبيان الحقيقة للمظلومين.

إنّ في زيارة القبور كشفاً لللتزوير والتحريف. إنّ في زيارة القبور مبادئ الحق الإلهي ، والمساواة ، وإنّ الميزان هو التقوى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ).

أنتم لا تحرّمون زيارة القبور كقبور ، ولكنّكم تُنكرون مبادئ أصحاب القبور ، يزعجكم مبدأ الثورة على الظالمين ، وتحرمون بقاء العلاقة الروحية بين الأحياء والشهداء أو الأموات في مبادئهم التي استشهدوا أو ماتوا عليها ومن أجلها ، كما صرخ بها مدوّياً قائد أحرار العالم ، وسيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام قائلاً :

« لا واللهِ ، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل... » (١).

ومن أجل :

« ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ، ولكنّي خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله... » (٢).

من أجل هذا وغيره تحرّمون زيارة القبور لو كنتم تعلمون ، ولكن لماذا تزورون إمام باب المعظم والگيلاني وغيرهما ، وتحرّمون زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الهداة الميامين عليهم‌السلام والأبرار والصالحين من أتباعهم ؟

___________________________________

١ ـ تاريخ الطبري : ٤ / ٣٢٣.

٢ ـ ذكره المجلسي في بحاره : ٤٤ / ٣٢٩ ، و عبد الله البحراني في العوالم : ١٧ / ١٧٩.


أبو سفيان والقبر

أبو سفيان رأس الكفر ، رأس الشرك ، صاحب العِير والنَفير ، ما ترك شيئاً شَيناً إلّا فعله ضدّ النبيّ وآله ـ صلوات الله عليهم ـ وضدّ المسلمين من أتباعهم ، الطليق أبو الطلقاء ، الذي لم يذكر التاريخ نقلاً أنّه آمن وإن كان قد أسلم فبلسانه دون قلبه ، وفي إسلامه نظر ! وإلّا فما كان منه أن يقول : « فوالذي يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار » (١) !!

فمن كانت هذه حقيقته لا ريب في أوله ولا آخره أنّه منافق أظهر الإسلام ، كما قال أبو سفيان في أيام عثمان وقد مرَّ بقبر حمزة وضربه برجله ، وقال : « يا أبا عمارة ، إنَّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ! ثم آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية علياً عليه‌السلام ، كما يتفاخر الأكفاء والنظراء » (٢).

نعم ، إذا كان ربّ بيتِ الكفر والنفاق هكذا ، فلماذا لا تروث الخيل والبغال الاُموية عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

ولماذا لا يهجم أتباعه على النجف وكربلاء ؟

قال الواقدي : وكان حمزة بن عبد المطلّب أول من جيء به إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد انصراف قريش ـ أو كان أولهم ـ فصلّى عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ،

___________________________________

١ ـ تاج العروس : ٨ / ٢.

٢ ـ شرح نهج البلاغة : ١٦ / ١٣٦.


ثم قال : « رأيت الملائكة تغسّله ـ قالوا : لأنّ حمزة كان جُنباً ذلك اليوم ـ ولم يغسّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشهداء يومئذٍ » ، وقال :

« لُفّوهم بدمائهم وجراحهم فإنّه ليس أحد يخرج في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك ».

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة ».

وكان حمزة أول من كبّر عليه أربعاً ، ثم جمع إليه الشهداء ، فكان كلّما اُتي بشهيدٍ وُضِع إلى جنب حمزة فصلّى عليه وعلى الشهيد ، حتى صلّى عليه سبعين مرّة (١) ؛ لأنّهم كانوا سبعين شهيداً.

قال الواقدي : ويقال : كان يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم ، فيصلّي عليهم ، وترفع التسعة ، ويترك حمزة مكانه ، ويؤتى بتسعة آخرين فيوضعون إلى جنب حمزة فيصلّي عليه وعليهم ، حتى فعل ذلك سبع مرات. ويقال : إنّه كبّر عليه خمساً وسبعاً ، وتسعاً (٢).

قال الواقدي : وقد اختلفت الرواية في هذا ، وكان طلحة بن عبيدالله وابن عباس وجابر بن عبدالله يقولون : صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قتلى اُحد ، وقال : « أنا شهيد على هؤلاء » ، فقال أبوبكر : ألسنا إخوانهم أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ؟

قال : « بلى ، ولكنّ هؤلاء لم يأكلوا من اُجورهم شيئاً ، ولا أدري ما تحدثون

___________________________________

١ ـ إمتاع الأسماع : ١ / ١٧٣ ، وفي البحار : ٢٠ / ٦٣ ذكر فيه سبعين مرّة.

٢ ـ السيرة الحلبيّة : ٢ / ٥٣٦.


بعدي ! » ، فبكى أبوبكر وقال : إنا لكائنون بعدك (١) !

هذا مقام حمزة عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعند المسلمين ، ومقامه عند رأس الكفر والنفاق ومن تبعه من الأولين والآخرين هو أن يضرب قبره ، وهي الحقيقة التي تنبّأ بها ـ صلوات الله عليه وآله ـ بقوله :

« ولا أدري ما تحدثون بعدي » ؟

نعم ، يا رسول الله صلى الله عليك وعلى آلك ، لقد أحدثوا بعدك ما ليس في الدين ، وابتدعوا البدع ، وكتموا أحاديثك في فضل آل بيتك عليهم‌السلام ، وشتّتوا شملهم بين مقتول ومسموم وغريب وسبيٍّ ، ونكّلوا بأتباع ومريدي أهل بيتك وشيعتهم ، فقد إنقلبوا من بعدك على أعقابهم وفعلوا ما فعلوه ، ولا زالوا يضطهدون من لا يروق لهم وباسم الدين وبتهمة التشيّع ، وتكفير الشيعة وهي الفرقة الناجية. فإذا كان أبوسفيان يضرب قبر عم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أسد الله وأسد رسوله ، فلماذا لا يضرب صدام قبر علي بن أبي طالب والحسين بن علي وأبي الفضل عليهم‌السلام بالصواريخ والقنابل ، ولماذا لا يمطر قبورهم بوابل من قذائف المدفعية الثقيلة الّتي زوّدته أسياده بها...

ويترك إسرائيل تسرح وتمرح ، وتفعل ما تشاء في فلسطين والشعوب الإسلامية والعربية ، ومن خلفها الصهيونية العالمية المتمثّلة بأمريكا ودول اُوروبا والمؤسّسات الدولية ؟!

ومقامه عند رأس الكفر والنفاق ، ومن تبعه من الأولين والآخرين ،

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٣٧ ـ ٣٨.


وهو أن يضرب قبره ويمثّل بجسده من قبل ، وهي الحقيقة التي أنبأ بها صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« ولا أدري ما تُحدثون بعدي ! » فبكى أبوبكر وقال : إنّا لكائنون بعدك ! (١)

ولكنّ أبابكر قال في مرضه الذي مات فيه :

« وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عليها‌السلام ». ولو كان أغلق على حرب » (٢) فندم ، والندم لا يكون إلّا عن ذنب.

هذا مقام حمزة عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكما قيل : ما في الآباء تجده في الأبناء ، ومن يشابه أباه فما ظلم !

فما بالكم يا إخوتنا في الدنيا الدنيّة التي لا شغل شاغل لكم فيها إلّا التحريف والتزوير والطعن ، والافتراء على اُمّة التزمت بما اُمرت به ؟

ماذا تقولون للذين ظُلموا ؟

وبماذا تُجيبون من افتريتم عليهم ؟

غداً تنشر الصحف ، وتوضع الموازين ، وكلّ نفسٍ بما كسبت رهينة.

نحن حين نزور القبور لا نزورها كحجارة أو حديد أو فضة وذهب ، ولا عظام ورفاة ، بل نحن نزور من هم أحياء عند ربهم يرزقون ، نحن نزور تلك الأرواح التي حلّت بفناء تلك القبور ، ..

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٣٧ ـ ٣٨.

٢ ـ شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ٢٤ ، الخصال : ص ١٧١ ح ٢٨٨ ، ونقله المجلسي في البحار : ٣٠ / ١٢٣ ح ٢.


فنستلهم منها تلك الروحية الحقة التي قارعت الظلم والجور ، ونستذكر تلك الأخلاق الحميدة والمزايا الرشيدة ، نزور القبور لنجدّد العهد إنا على ما مضى أصحابها ماضون وبما إستشهدوا وماتوا عليه ، ..

أأنتم أعلم أم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ لقد زار قبر اُمّه ، وزار قبور الشهداء ، وزار بقيع الغرقد ، وسلّم عليهم ، وترحّم ، وأمر بزيارتهم بعد ما نهى ؛ لأنّه اُمر بها...

وزارت عائشة قبر أخيها عبد الرحمن ، فعلامَ هذه الضجة الكبرى ؟!

خطباء وعلماء وكتّاب ، وأموال طائلة تصرف على الطباعة ، والحفلات والمناسبات ، لشيءٍ وإنّما لتقولوا : كفرة فجرة زوّار القبور ، عبّاد القبور !!

تزورون صالات القمار في اُوروبا وأمريكا وبلاد الكفر ، وتغرقون في بحار الخمر والميسر ، وتعانقون الشقراوات ، لتأتوا بالإيدز إلى بلاد الإسلام ، حلال في دينكم ومذهبكم !!

وزيارة القبور التي أجازها الله ورسوله ؛ حرام وكفر يستوجب القتل والهتك ؟!

الله أكبر كيف تحكمون ؟! وبأيّ شريعة تدينون ؟ تضعون رؤوس الأموال في البنوك الاُوروبية والأمريكية ؛ لتتقوى بها إسرائيل فتعيث في الأرض الفساد ، وتساندون اُوروبا وأمريكا ، والشعوب العربية والإسلامية يتضورون جوعاً ويموتون مرضاً ، هذا في دينكم حلال ؟!


وزيارة المرء لقبر اُمّه وأبيه ، أو زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام ولو في العمر مرّة حرام وكفر تستوجب القتل والهتك والضرب بمختلف الأسلحة الفتّاكة والمحرّمة دولياً ؟!

ثكلتكم اُمّهاتكم كيف تحكمون ؟ وبأي منظار لهذا الأمر تنظرون ؟

ترضون بالفاسق والفاجر والكافر حاكماً يعيث في الأرض الفساد ، يقتل رجالكم ويستحيي نساءكم ، ويسلب خيراتكم ، ويحرمكم منها ليدلي بها إلى أسياده الذين جاؤا به ؛ في شريعتكم حلال ، ..

ومن يزور القبور ، وقد اُجيز بها كفر وإلحاد ، وخروج عن الدين ؟!

ما بالكم كيف تحكمون ؟! نعم ، قولوا كما قال الأولون لعلي عليه‌السلام : « هو هكذا ».

أو كما قال الثاني وهو يضع النار على باب دار عليٍّ والزهراء عليهما‌السلام ، ليحرقها عليهم ، واعترضوا عليه فقالوا له : « إنّ في البيت فاطمة عليهما‌السلام » !! فقال : « وإن » (١) ؟!

المسلمون أضحوا يُباعون ويُشترون بسبب لقمة العيش ، تنصّروا وتهوّدوا من أجل لقمة العيش ، وأنتم تصرفون الملايين لأجل أن تقولوا : عبّاد القبور !

حسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم !

___________________________________

١ ـ الإمامة والسياسة : ١ / ١٢ ، أعلام النساء : ٤ / ١١٤ ، اعلموا أنّي فاطمة : ٩ / ١٢.


الحجّاج بن يوسف الثَقفي وزيارة القبور

وخطب الحجاج بن يوسف الثقفي بالكوفة مخاطباً الذين يزورون قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ، فقال : « تباً لهم ! إنّما يطوفون بأعواد ورِمّةٍ بالية ! هلّا طافوا بقبر أمير المؤمنين عبدالملك ! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله » (١) !

لا تعجب يا أخي ممّا ترى وتسمع إذا كان يأتيك من مثل الحجاج وأسياد الحجاج السفاك للدماء ، والقاتل للأبرياء ، والمحارب للأتقياء ، والمؤيد للأشقياء...

هادم الكعبة حجراً حجراً ، يقول : تبّاً لمن يزور قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟!

نعم ، يريد من المسلمين أن يزوروا قصر الفسق والفجور والظلم والكفر ، القصر الذي تُدار فيه الراح ، وتغنّي فيه الغيد الملاح ، ولا يريد زيارة روضة من رياض الجنّة ، لأنها تذكّرهم بالحلال والحرام ، وتعكّر عليهم صفوهم !

تذكّرهم بالحق والباطل ، وكيف زوّرت الحقائق ، وارتقت القرود المنابر ، فما ترجو من القرد أن يفعل غير الذي هو فاعل ؟!

في القبر أجساد وأرواح طيبة أحياناً جُبلت على الخير والصدق والوفاء ، ونفوس آمنة مطمئنة ، خصوصاً إذا كانت أجساد وأرواح

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٦ / ٢٤٢.


الأنبياء عليهما‌السلام والشهداء والصلحاء.

وفي القصور جيف متحركة ذابت في الخمر والمحرّمات ، ونفوس قبلت الظلم والجور والفساد ، والنفس يحلو لها ما يطيب...

طابت نفوسكم لدنياً فانيةٍ ومتاعٍ محرّم ، وطابت نفوسنا بأرواحٍ طيبة ونفوسٍ مطمئنة.

قال أبو العتاهية :

سَتُباشرُ التَّرباءُ خدَّكْ

وسَيَضَحكَ الباكُونَ بَعدَكْ

ولَينزلَنَّ بِكَ البِلى

ولَيخلُفَنَّ المَوتُ عَهدَكْ

ولَيَفنينَّكَ مِثلَ ما

أفنى أباكَ بلىً وجدّكْ

لَوْ قَدْ رَحلتَ عَن القُصو

رِ وطيبها وسَكَنتَ لَحدَكْ

لَمْ تَنتَفِعْ إلّا بِفِعـْ

ـلٍ صالِحِ قَدْ كانَ عِندَكْ

وَترى الذينَ قَسَمتَ ما

لكَ بَينَهُم حِصَصاً وَكدّكْ

يَتَلَذَّذونَ بِما جَمَعتَ

لَهُم ولا يَجِدونَ فَقدَكْ

يرى الحَجّاج أنّ عبدالملك خير من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ قصر عبدالملك خير من الروضة التي فيها خير خلق الله !!

هكذا تسقط البراقع ، وهكذا يعلو الحق ويزهق الباطل !

فوالذي يُعبَد ولا يُرىٰ ، ربّ السماوات والأرض وما فيهنّ وما بينهنّ ، لو أنّ أحداً ممّن يُشمُّ منه رائحة التشيّع قال مثل ما قاله الحجاج لكان ما كان ولكنّها جاءت من أهلها ، وجنت على نفسها براقش ؛ ..

فكيف يكون الكفر والارتداد ؟ وكيف يكون الانقلاب على الأعقاب ؟


وكيف تكون الحرب ويكون العناد ؟ ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (١).

غداً ستزورون القبور ، وستستيقظون من غفلتكم فيها وتُساءَلون ، فبأيِّ حديثٍ بعده أنتم تكذبون ؟ ولأيِّ حقيقةٍ تنكرون ؟

تعالَ معيَ الآن لنقرأ بعض ما في كتاب الله العزيز ؛ ولنتصفّح التاريخ ، وننظر ما جاء في بعض صفحاته ، ونبتهل إلى الله ، فنجعل لعنة الله على الظالم :

قال تعالى : ( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢).

وجاء في الصحاح : حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدَورقي ، حدّثنا رَبعيّ ابن إبراهيم ، عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ » (٣).

عن بعض أهل العلم قال : إذا صلّى الرجل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس.

وعن عبدالله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البخيل الذي

___________________________________

١ ـ هود : ١١٣.

٢ ـ الأحزاب : ٥٦.

٣ ـ سنن الترمذي : ٥ / ٥١٤ وما بعدها ، باب ١٠١ ،


من ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليَّ » (١).

وإليك أخي القارئ ما جاء في خلاصة الكلام : إنّ محمد بن عبدالوهّاب كان ينهى عن الإتيان بالصلاة عل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الجمعة ، وعن الجهر بها على المنائر ، وإنّه قتل رجلاً أعمى كان مؤذناً صالحاً ذا صوت حسن ، فنهاه عن الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنارة بعد الأذان ، فلم ينتهِ ، فأمر بقتله ، فقتل ! ثم قال :

« إنّ الرُبابة في بيت الخاطئة أقلّ إثماً ممّن ينادي بالصلاة على النبيّ في المنائر ! ».

وقد حرّم هو زيارة القبور بعد أن أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بزيارتها.

فعن بعض الحكماء : رحم الله إمرءاً لا يغرّه ما يرى من كثرة الناس ، فإنّه يموت وحده ، ويقبر وحده ، ويحاسب وحده.

أنأخذ بقول صاحب الربابة ، أم نأخذ بقول الله تبارك و تعالىٰ : ( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢).

وأورد البخاري في صحيحه : حدّثنا إسماعيل ، حدّثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل فيقول : ياليتني مكانه » (٣).

___________________________________

١ ـ معانى الأخبار : ٢٤٦ ، الحديث ٩ ، والبحار : ٩١ / ٥٥ ، الحديث ٢٦.

٢ ـ الأحزاب : ٥٦.

٣ ـ صحيح البخاري : ٨ / ١٠٤ ، ط. عالم الكتب.


قبر النبيّ يوسف الصديق عليه‌السلام

جاء في علل الشرائع : عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « إحتبس القمر عن بني إسرائيل ، فأوحى الله ـ جلّ جلاله ـ إلى موسى عليه‌السلام : أخرِج عظام يوسف من مصر ، ووعده طلوع القمر إذا أخرج عظامه ، فسأل موسى عليه‌السلام عمّن يعلم موضعه ، فقيل له : ها هنا عجوز تعلم علمه ، فبعث إليها ، فاُتي بعجوز مقعدة عمياء ، فقال لها : أتعرفين موضع قبر يوسف عليه‌السلام ؟

قالت : نعم ، قال : فأخبريني به ، قالت : لا ، حتى تُعطيني أربعة خصال : تُطلق رِجليَّ ، وتُعيد لي شبابي ، وتُعيد لي بصري ، وتجعلني معك في الجنّة !

قال : فكبُر ذلك على موسى عليه‌السلام ، فأوحى الله ـ جلّ جلاله ـ إليه : يا موسى ، أعطِها ما سألت ، فإنّك إنّما تُعطي عليَّ.

ففعلَ ، فدلّت عليه ، فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر.

فلمّا أخرجه طلع القمر ، فحمله إلى الشام » (١).

فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام.

وهنا لنا وقفة أو أكثر :

١ ـ أخرج عظام يوسف عليه‌السلام من مصر بأمرٍ من الله تعالى ، يعني يجوز نقل الرفاة من مكان إلى آخر لمصلحة واُخرى ، فمثلاً تنقل من أرض غير

___________________________________

١ ـ النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين ، نعمة الله الجزائري : ٢٩١.


مقدسة مغصوبة إلى اُخرى مقدسة ، أو إخراج الرفاة من مكان غير لائق يمسّ كرامة المتوفّىٰ ، ولا يخفى أنّ قبر يوسف الصدّيق عليه‌السلام كان في الماء ؛ لاعتزاز أهل مصر به ، لِما رأوا فيه من حسن الحال وتغيّر الأحوال.

٢ ـ فسأل عمّن يعلم موضعه ، وهذا يعني أنّ بعض القبور ينبغي أن تكون معلومه غير دارسة الأثر ، كقبور الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام والأولياء والصلحاء والشهداء ، وقبور الفراعنة والجبابرة ، وهي آية للناس ، وهو قوله تعالى : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ).

ولكنّ العجب العجاب الذي نراه اليوم من ثلّة قليلة تحتقر القبور وتصغِّر أمرها ، لا بل تقتل أو تضطهد مَن يزورها ، وتَسِمُه بالكفر والإلحاد !

٣ ـ عجوز مقعدة عمياء تعلم موضع القبر ويجهله عليّة القوم ، وتطالب بأربع خصالٍ مقابل أن تخبر عن موضعه : إطلاق رجليها ، وإعادة شبابها لها ، وإعادة بصرها ، وأن تكون مع النبيّ موسى عليه‌السلام في الجنّة.

إنّ ما طلبته ليس بهيِّن ، طلبت الدنيا والآخرة والجنّة بدرجة كليم الله عليه‌السلام ، لا لشيءٍ ، وإنّما لتدلّه على قبر يوسف الصدّيق عليه‌السلام.

وفي يومنا يعتبر هذا الأمر من الإعجاز ، ويوجب الإنكار والاستصغار... عظام نخرة ، وقبر تحت الماء سواء كان فوق الأرض أم تحت الثرى لا يزيد ولا ينقص ، ولكن حين أوحى الله تعالى إلى موسى عليه‌السلام : « يا موسى أعطها ما سألت ، فإنّك إنّما تُعطي عليَّ » ، وقد وفىٰ لها


شرطها فدلّت عليه.

وهكذا في قبر هاجر وإسماعيل عليهم‌السلام في الحِجر ، فمن جعل الحِجر خارج الطواف فطوافه وحجه باطل ، وإذا اُقيمت الصلاة وكان اتّجاهه لغير الحِجر فصلاته باطلة ، والصلاة عمود الدين ، فمن أقامها فقد أقام الدين ، من تركها فقد هدم الدين. نعم.

تزورون الحِجر وهو مقبرة لهاجر وإسماعيل كما أسلفنا ولسبعين نبياً ، وتحرّمون زيارة القبور ؟!

تصلّون إلى الحِجر وتحرّمون الصلاة عند القبور ، وتُسرجون على الحِجر ليل نهار وتحرمون الإسراج على القبور ؟!

إنكم تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.

فهل من دليل عقلي أو نقلي على حرمة زيارة القبور ؟


مع التفاسير

جاء في تفسير روح المعاني : عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال : لابد لمن زار أن يرجع إلى جنّة أو نار. وفيه أيضاً إشارة إلى قِصَر زمن اللبث في القبور ، والتعبير بالماضي لتحقّق الوقوع أو لتقليد من مات أولاً ، أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم.

وممّا يُقضى منه العجب قول أبي مسلم : إنّ الله عزّ وجلّ يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعبيراً للكفار ، وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور ، وقيل : هذا تأنيب على الإكثار من زيارة تكثراً بمن سلف ومباهاةً وتفاخراً به ، لا اتّعاظاً وتذكّراً للآخرة كما هو المشروع ، ويشير إليه خبر أبي داود : « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّركم الآخرة » (١).

إذن : اتفق صاحب روح المعاني مع ما نحن عليه من أنّ المشروع من الزيارة هو : الاتّعاظ والتذكير بالآخرة ، كما أشار إليه خبر أبي داود المذكور.

فما الفرق بين زيارتنا للقبور وزيارة عائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لقبر أخيها عبد الرحمٰن ؟!

وهل عبد الرحمٰن هذا أعظم شأناً من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يجوز

___________________________________

١ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، محمود الآلوسي البغدادي : ١٥ / ٤٢٥.


زيارة قبره ، ولا يجوز زيارة قبر غيره لأنّه أخ لعائشة ، وهي أم المؤمنين ، أم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس بأب للمؤمنين ، أم أنّ هناك فرقاً بين هذا القبر وذاك !

والمسلمون كافة يزورون قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يزورون قبر عبد الرحمن ، أم ماذا ؟

وهل أنّ هذه الأحكام نزلت في الشيعة فحسب ؟

وإذا كان كذلك فأين الدليل ؟ وأين إلى ذلك من سبيل ؟ وإلّا سقط ما في أيديكم.

وفي تفسير المُراغي : ( حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) : أي حتى هلكتم وصُيِّرتم من الموتى ، فأضعتم أعماركم في ما لا يجدي فائدة ، ولا يعود عليكم بعائدة في حياتكم الباقية الخالدة.

قال العلماء : إنّ زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي ؛ لأنّها تذكّر بالموت والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها. ومن ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإنّها تزّهد في الدنيا وتذكّركم الآخرة » (١).

نعود لنكرر قول العلماء : إنّ زيارة القبور من أعظم الدواء للقلب القاسي ؛ لأنّها تذكّر بالموت والآخرة ، وذلك يحمل على قصر الأمل والزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها.

___________________________________

١ ـ تفسير المراغي : ٢٣١.


ولكن ممّا يُؤسَف له أن تكون خلاصة السُنّة عندكم في خطبة العيد بعد أن حضر المسلمون ليستمعوا ما استُجدَّ من أحوال المسلمين ، ويقفوا على الحلول الناجعة لتقدّمهم ومعالجة اُمورهم ومشاكلهم هي : « لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد » ، عبّاد القبور ، زوّار القبور. إنّها هدية العيد السعيد ، وحلوى لضيوف الرحمن !!

يا قوم اتّقوا الله ، ها أنتم تزورون القبور ، وتتّجهون إلى الحِجر إذا قال الإمام : قد قامت الصلاة.

فما بالكم كيف تحكمون ؟!

ذهبت بلاد العرب والإسلام طعمةً بيد الأجنبي الكافر ، وبِتُّم لا حول لكم ولا قوة ، كما ذهبت بلاد الأندُلس ، تحكّمت فيكم الشهوات ، وحبّ الدنيا ، فلا أنتم تصحون ، ولا أنتم تتركون الناس يشقّون الدرب إلى حيث يسعدون !


البناء على القبور

قال تعالى : ( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) ، وقال تعالى : ( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ).

مبحث في تفسير قوله تعالى : ( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) ، قال الآلوسي : وهذا القول من البعض عند بعض كان عن اعتناء بالفتية ؛ وذلك أنهم ضنوا بتربتهم فطلبوا البناء على كهفهم لئلّا يتطرق الناس إليهم (١).

( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٢) : ثم فرغوا من التنازع في ذلك واهتموا بإجلال قدرهم وتشهير أمرهم ، فقالوا : « ابنوا... » إلى آخره...

والذي يقتضيه كلام كثير من المفسرين أنّ غرض الطائفتين ، القائلين : « ابنوا... » إلى آخره ، والقائلين : « لنتّخذنَّ... » إلى آخره تعظيمهم وإجلالهم.

والمراد بالذين غلبوا قيل : الملك المسلم ، وقيل : أولياء أصحاب الكهف ، وقيل : روؤساء البلد ؛ لأنّ من له الغلبة في هذا النزاع لابد أن يكون أحد هؤلاء ، والمذكور في القصة : أنّ الملك جعل على باب الكهف مسجداً ، وجعل له في كل سنة عيداً عظيماً.

وعن الزّجاج : أنّ هذا يدلّ علىٰ أنّه لمّا ظهر أمرهم غلب المؤمنون

___________________________________

١ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم ٨ / ٢٢٣.

٢ ـ الكهف : ٢١.


بالبعث ؛ لأنّ المساجد إنّما تكون للمؤمنين به. إنتهى (١).

هذا ، واستدلّ بالآية على جواز البناء على قبور الصلحاء وإتخاذ مسجد عليها ، وجواز الصلاة في ذلك. واتخاذ القبر مسجداً معناه الصلاة عليه أو إليه ، وحينئذٍ يكون قوله : والصلاة إليها مكرّراً ، إلّا أن يراد باتخاذها مسجداً الصلاة عليها فقط. نعم ، إنّما يتّجه هذا الأخذ إن كان القبر قبر معظّم من نبيٍّ أو وليٍّ ، كما أشارت إليه رواية : « إذا كان فيهم الرجل الصالح ».

ومن ثم قال أصحابنا :

تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبرّكاً وإعظاماً ، فاشترطوا شيئين : أن يكون قبر معظَّم ، وأن يقصد الصلاة إليها ، ومثل الصلاة عليه التبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهر من الأحاديث ، وكأنّه قاس عليه كل تعظيم للقبر ، يقاس السُرُج عليه تعظيماً له وتبركاً به ، والطواف به كذلك ، وهو أخذ غير بعيد ، سيّما وقد صرح في بعض الأحاديث المذكورة بلعن من اتخذ على القبر سراجاً ، فيحمل قول الأصحاب بكراهة ذلك على ما إذا لم يقصد به تعظيماً وتبرّكاً بذي القبر (٢).

وقال بعض الحنابلة : قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادّة لله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإبداع دين لم يأذن به الله عزّ وجلّ ؛ للنهي

___________________________________

١ ـ تفسير الالوسي : ١٥ / ٢٣٦ ، نقلاً عن الزجاج.

٢ ـ تفسير الالوسي : ١٥ / ٢٣٧.


عنها ثم إجماعاً بأنّ أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها وإتخاذها مساجد أو بناؤها عليها ، وتجب المبادرة لهدمها ، وهدم القباب التي على القبور ؛ إذ هي أضرّ من مسجد الضرار ؛ لأنّها اُسِّست على معصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر لا يصح وقفه ولا نذره... إلى آخره... (١)

وفي خبر مجاهد : أنّ الملك تركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجداً ، وهذا أقرب ؛ لظاهر اللفظ كما لا يخفى (٢)...

قلنا ونقول : فتأمل أخي القارئ العزيز :

( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ).

قول صريح ، وهو أحسن القائلين ، الفتية ما كانوا في عداد الأنبياء ولا في عداد الأولياء ، ولكنّهم فتية آمنوا بربهم ، فما بالنا لا نأخذ بحكم هذه الآية : ( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) ، اعتناءً بهم لئلّا يتطرق الناس إليهم ؟ وأقصد الأنبياء والأولياء والصالحين من الأمهات والآباء ، والعلماء والفضلاء.

والتاريخ نقرأ فيه كيف أنّ الحاقدين والحاسدين ومن ذوي السفاهة والنفوس المريضة مالوا إلى بعض القبور فنبشوها وحرثوها ، وسلطوا عليها الماء ، حتى يندرس القبر وينقطع الخبر ؟

___________________________________

١ ـ تفسير الالوسي : ١٥ / ٢٣٨.

٢ ـ تفسير الالوسي : ١٥ / ٢٣٩.


واليوم وبعد مرور هذه القرون ، في الوقت الذي نرى القبور تحت سطح الأرض أمتاراً ، ومع وجود هذا البناء الذي أقره الله تعالى وبشهادة الآية الكريمة السالفة (١) تضرب بالصواريخ الثقيلة والمدافع ، وتسلب ما فيها من مجوهرات وتحف وهدايا ثمينة ، وتحطّم الثريات والمرايا والزخارف ، وتُمطر أسماء أهل البيت عليهم‌السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً بوابلٍ من الرصاص والقذائف الصاروخية ، وتحرق المصاحف القديمة والكتب المخطوطة ، ويسرق البعض منها ؛ لتقدَّم هدايا إلى عالم الكفر والنفاق...

يا لها من فضيحة !

يا لها من مأساة !

يا لها من دليل ، عل أن الجنّة حق والنار حق ، وأن الله يبعث من في القبور ، اُولئك ( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ) (٢).

سلبتم حقوقهم ، وقطعتم الروؤس ، وسبيتم الذرّية وهم أحياء ، وتتجاوزون بهذه الصلافة على قبورهم ، يا لها من مصيبة !

أي شرع هذا الذي أنتم به تعملون ؟

وأي عقل به تفكرون ؟

وما بالكم كيف تحكمون ؟

___________________________________

١ ـ الكهف : ٢١.

٢ ـ الأحزاب : ٢٣.


وما ذلك إلّا بحجة أحاديث وضعتموها زوراً وبهتاناً ، لغايةٍ ما...

فالاهتمام بإجلال قدر الأنبياء والأولياء ، وتوضيح وبيان أمرهم ، ليس من الأمور المحرّمة أو المنهيّة عنها ، بل المأمور بها لمن كان عنده قليل من الثقافة الإسلامية.

نحن من باب التعظيم والإجلال لرسل الله وعدم المساس بكرامتهم نبني كما بني الحِجر ، ونسرج كما يسرج عل الحجر ، ونحافظ على قبورهم ، وقد سلف منّا القول : كيف أنّ الله تعالى ارتضىٰ تحقيق مطالب تلك العجوز العمياء المريضة مع استعظامها ، بالدلالة على مكان قبر يوسف الصدّيق عليه‌السلام فماذا تقول ؟

هذا ، واستدل بالآية على جواز البناء على قبور الصلحاء وإتخاذ مسجد عليها وجواز الصلاة في ذلك.

ونستدل على وجود هذا البناء الفخم والقبة الخضراء والمنائر الشامخة ، والعناية والرعاية على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وبهذا دُحضت حجة القائلين بحرمة البناء ، والإسراج ، والصلاة عند القبور ، واُسقط ما في أيديهم من الأحاديث الموضوعة ، وهم بالاستغفار والتوبة أولى ؟!

ولكن ، وللأسف الشديد نرى أشرف وأقدس بقعة على وجه البسيطة ، بعد بيت الله الحرام ، حيث الروضة الشريفة التي بين القبر والمنبر ، مظلمة معتمة ، يتعثّر فيها الزائر ليلاً ونهاراً ، ..


وعلى الحِجر عند البيت الحرام مصابيح في غاية القوة والإنارة ، مسرجة ليلاً ونهاراً ، فما عدا مما بدى ؟

أيها القوم ، فإذا كان الأمر كما تزعمون ، وهو ليس كذلك : أنّ الصلاة إلى القبر أو القبور عظيمة وكبيرة ! فما بالكم إذا قيل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، توجّهتم إلى الحجر من جهات ثلاث ، وخمس مرات في اليوم ؟!

وهذا يعني : أنّ الحديث باطل وموضوع ؛ لأنّ كل ما على وجه الأرض ، إمّا قبر أو مقبرة أو سيكون مقبرة.

عجيب أمركم أيها القوم !

كل هذه الأبينة والمآذن والقباب ، والزوّار من المشرق والمغرب ، ومن العرب والعجم ، لا ضير فيه !

ولكنّ الضير في مراقد الأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام !!

لعمري ما أنصفتم إخوةً لكم يؤمنون بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أتاه.

تأمل ما جاء في تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام : بيان زيارة القبور والدعاء للميت : زيارة القبور مستحبة على الجملة للتذكّر والاعتبار ، وزيارة قبور الأئمة عليهم‌السلام مستحبة لأجل ما ورد من الأخبار في الحثّ على زيارة مشاهدهم وما في ذلك من الثواب.

قال أبوذرّ رضي‌الله‌عنه : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زُر القبور تذكّر به الآخرة ، واغسل الموتى فإنّ معالجته مثوبة وموعظة بليغة ، وصلِّ على الجنائز لعلّ ذلك أن يحزنك


فإن الحزين في ظلّ الله ».

وقال آخر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا موتاكم وصلّوا عليهم ، وسلّموا عليهم فإن لكم فيهم عبرة ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الرجل ليموت والده وهو عاقّ لهما ، فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارّين ».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي » (١).

زيارة القبور مستحبة ، وأنتم تقولون :

حرام ، وتكفّرون الزوار... !!

وما ورد من الأخبار في الحثّ على زيارة المشاهد وما في ذلك من الثواب ، وأنتم تقولون : حرام ثم حرام !!

___________________________________

١ ـ مجموعة ورّام ، الأمير الزاهد أبي الحسين ورّام : ٢٩٦.


بيان كلام القبر

إنّ بيان كلام القبر للميت وكلام الموتى : إمّا بلسان المقال ، أو بلسان الحال التي هي أفصح في تفهيم الموتى من لسان المقال في تفهيم الأحياء.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يقول القبر للميت حين يوضع في قبره : ويحك يا ابن آدم ، ما غرّك بي ؟ ألم تعلم أنّي بيت الفتنة وبيت الظلمة وبيت الوحدة وبيت الدود ؟! ما غرّك بي إذ كنت تمرّ بي مراراً ؟ فإن كان صالحاً أجاب عنه مجيب للقبر فيقول : أرأيتم إن كان ممّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ فيقول القبر : إذاً أتحوّل عليه خضراء ، ويعود جسده نوراً ، وتصعد روحه إلى الله » (١).

وقال بعضهم : ليس من ميتٍ يموت إلّا نادته حفرته التي يدفن فيها : « أنا بيت الظلمة والوحدة والانفراد ، فإن كنت في حياتك لله مطيعاً كنتُ عليك رحمةً ، وإن كنت لله عاصياً فأنا اليوم عليك نقمة ، أنا الذي مَن دخلني مطيعاً خرج مسروراً ، ومن دخلني عاصياً خرج مثبوراً » (٢).

وقال آخر : بلغنا أنّ رجلاً وضع في قبره فناداه جيرانه من الموتى : أيّها المخلَف في الدنيا بعد إخوانه وأصدقائه وجيرانه ، أما كان لك فينا معتبر ؟ أما كان في تقدّمنا إيّاك فكرة ؟ أما رأيت انقطاع أعمالنا عنّا وأنت في المهلة ، فهلاً استدركت ما فاتك من إخوانك ؟

___________________________________

١ ـ مجمع الزوائد : ٣ / ٤٥.

٢ ـ محاسبة النفس ، إبراهيم الكفعمي : ١٤٠.


وتناديه بقاع الأرض : أيّها المغترّ بظاهر الدنيا ، هلّا اعتبرت بمَن غُيِّبَ من أهلك في بطن الأرض ممّن غرّته الدنيا قبلك ثم سبق به أجله إلى القبور وأنت تراه محمولاً تهاداه أحبّته إلى المنزل الذي لابدّ منه ؟ » (١).

وقال آخر : بلغني أنّ الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله ، ثم أنطقها الله فقالت : « يا أيّها العبد المنفرد في حفرته ، انقطع عنك الأخلّاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غيرنا » (٢).

وقال بعضهم : إذا وضع العبد الصالح المطيع لربّه في القبر احتوشته أعماله الصالحة ، مثل الصلاة والصيام والحجّ والصدقة.

قال : ويجيء ملائكة العذاب من قِبَلِ رجليه ، فتقول الصلاة :

« إليكم عنه فلا سبيل لكم عليه ، فقد أطال القيام لله تعالى عليها ».

فيأتونه من قبل رأسه ، فيقول الصيام : « لا سبيل لكم عليه ، فقد طالما أظمأ لله في دار الدنيا فلا سبيل لكم عليه »

فيأتونه من قبل جسده ، فيقول الحجّ : « إليكم عنه ، فقد أتعب بدنه ، وأنصب نفسه ، وحجّ لله فلا سبيل لكم عليه ».

فيأتونه من قبل يديه ، فتقول الصدقة : « كُفّوا عنه ، خلّوا عن صاحبي ، فكم من صدقةٍ خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله ابتغاء وجهه ، فلا سبيل لكم عليه ».

___________________________________

١ ـ فيض القدير ، العلّامة المناوي : ٥ / ٥٧٠. ( قطعة منه ).

٢ ـ تهذيب الكمال : ٢٢ / ٧٤.


قال : فيقال له :

طبت هنيئاً ، طبت حيّاً وميّتاً. قال : ويأتيه ملائكة الرحمة فتفرش له فراشاً من الجنّة ودثاراً من الجنّة ، ويفتح له في قبره مدّ بصره ، ويؤتى بقنديلٍ من الجنّة فيستضيء بنوره إلى يوم القيامة (١).

وقال بعضهم : بلغني أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إنّ الميّت يقعد وهو يسمع خطوات مشيِّعيه ، فلا يكلِّمه شيء إلّا قبره ، فيقول : ويحك يا ابن آدم ، قد حَذَرتني وحَذَرت ضيقي وهولي ودودي ، فماذا أعددت منّي ؟! ».

بيان عذاب القبر وسؤال منكر ونكير

روي في خبرٍ : أنّ البرّاء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على جنازة رجلٍ من الأنصار ، فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبره منكساً رأسه ، ثم قال : « اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر » ثلاثاً.

ثم قال : « إنّ المؤمن إذا كان إقبال من الآخرة بعث الله له ملائكة كأن وجوههم الشمس معهم حنوطه وكفنه ، فيجلسون مدَّ بصره ، فإذا خرجت روحه صلّىٰ عليه كلّ ملكٍ بين السماء والأرض ، وكلّ ملكٍ في السماء ، وفُتحت له أبواب السماء ، فليس منها باب إلّا يحب أن تدخل روحه منه ، فإذا صعد بروحه قيل : أي ربّي عبدك

___________________________________

١ ـ شجرة طوبى ، محمد مهدي الحائري : ٣٥٦.


فلان ، فيقول : أرجِعوه فأروه ما أعددت له من النعيم ، فإنّي وعدته :

( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ) (١) وإنّه لَيَسمع خفق نعالهم إذا ولّوا مدبرين ، حتى يقال : يا هذا ، مَن ربُّك ؟ ومن نبيك ؟ ومن إمامك ؟

فيقول : ربّي الله ، ونبيِّي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمامي عليّ عليه‌السلام ، ويعدّ الأئمة عليهم‌السلام واحداً واحد ، قال :

فينتهرانه انتهاراً شديداً ، وهي آخر فتنة تعرض عليه ، فإذا قال ذلك نادىٰ منادٍ : صدقتَ ، وهي معنى قوله : ( يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) (٢).

ثم يأتيه آتٍ حسن الوجه طيّب الريح حسن الثياب فيقول : أبشِر برحمةٍ من ربّك وجنّاتٍ فيها نعيم مقيم ، فيقول : وأنت بشّرك الله بالخير بالجنّة ، مَن أنت ؟

فيقول : أنا عملك الصالح ، والله ما عَلِمتُكَ إلّا سريعاً في طاعة الله تعالى ، بطيئاً عن معصية الله ، فجزاك الله خيراً.

قال : ثم ينادي منادٍ : أن فرشوا له من فراش الجنّة ، وافتحوا له باباً إلى الجنّة ، فيقول : اللهمّ عجِّل قيام الساعة حتى أرجِع إلى أهلي ومالي ، وأمّا الكافر فبالعكس كما يلحق المؤمن من النعيم يلحقه من العذاب » (٣).

إلى نعيم الله تعالى فاستبقوا يا اُولي الألباب ، وعن معاصيه اجتنبوا ، مُرُوا بالمعروف ، وانهَوا عن المنكر قبل أن يأتيكم الموت وأنتم غافلون ،

___________________________________

١ ـ طه : ٥٥.

٢ ـ إبراهيم : ٢٧.

٣ ـ مجموعة ورّام : ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٨ ، مجمع الزوائد : ٣ / ٤٩.


فكيف بكم وأنتم في المعاصي غارقون ؟ حلّلتم حرام الله وحرّمتم حلاله ، فحكمتم بالكفر على من يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه أطاع الله ورسوله في قوله :

« كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكر الآخرة » !

فزار قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما زار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه وعمّه وقبور الشهداء في البقيع.

وزار قبور الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام والشهداء والصالحين وقبور الوالدين والأولياء والصالحين ، غفر الله لنا ولكم ، ما لكم كيف تحكمون ؟!

وممّا يتعلّق بحياة الشهداء والمؤمنين فقد جاء في « وفاء الوفا » للسمهودي » (١) : أنّه ذكر ابن تيميّة في « اقتفاء الصراط المستقيم » كما نقله ابن عبد الهادي : أنّ الشهداء بل كلّ المؤمنين إذا زارهم المسلم و سلّم عليهم عرفوا به ورَدُّوا عليه السلام. انتهىٰ.

فأين هذا الكلام من ذلك ؟ وكيف تتناقض أقوال القوم في كتبهم ومؤلّفاتهم المليئة حقداً وتشويهاً وتحريفاً لمعالم الدين القيّم ؟!

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا للسمهودي : ٣ / ٤٠٥ ، عنه كشف الارتياب : ٣٨٤.


فنادىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أهل القبور

وجاء في الحديث : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ بمقبرة فنادى :

يا أهل القبور الموحشة ، والربوع المعطّلة ، ألا اُخبركم بما حدث بعدكم ؟

تُزُوِّجت نساؤكم ، وتُبُوِّئت مساكنكم ، وقُسِمت أموالكم ، هل أنتم مخبرون بما عاينتم ؟!

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ألا إنّهم لو اُذن لهم في الجواب لقالوا : وجدنا خير الزاد التقوى » (١).

فالقبر : هو الحفرة التي يدفن فيها الموتى ، سواء من البشر أو غيره من الحيوانات.

والقبر : إمّا أن يكون شَقّاً في الأرض ، وهو ما عليه أهل مكّة المكرمة ، وإمّا أن يكون ملحوداً ، أي ذا لحدٍ ، والقبور الملحدة : ذوات اللحود.

ومن أسماء القبر أيضاً : دار الغربة ، الرِمس ، دار الوحشة ، البرزخ ، بيت الدود ، ومنقطع زورته ، لأنّ الزيارة تنقطع عنده.

والأجنان : القبور ، الواحد جنن ، والمجنون : المقبور ، والضرائح : جمع ضريح وهو القبر ، ويسمّىٰ كذلك الجَدَث ، دار البلى ، ومنازل الموتى.

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١١ / ١٦٩.


فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« اللحد لنا والشَقّ لغيرنا » (١).

وهو ما عليه أهل المدينة.

وأغلب اليهود والنصارى يشقّون الأرض ويُنزلون موتاهم وبتوابيتهم المُحكَمَة ، ويوارونهم التراب.

والحال : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألحدوا له في قبره ، ويومها دعا أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يختار الله ما فيه الخير ، وزاد ارتفاع قبره على الشبر ، ورُشّ بالماء... (٢)

ومن كلام عمر : اخشَعْ عند القبور إذا نظرت إليها ، واستعصِ عند المعصية ، وذلّ عند الطاعة ، ولا تبذلنّ كلامك إلّا عند من يشتهيه ويتخذه غُنمَاً ، ولا تستعِن على حاجتك إلّا بمن يحبّ نجاحها لك ، وآخي الإخوان على التقوى ، وشاور في أمرك كلّه (٣).

تأمّل هذا الحَدَث ، وتعجَّب أو لا تعجب :

قال إبن أبي الحديد : لمّا توفّي عبدالله بن اُبيّ رأس المنافقين في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء ابنه وأهله ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقام بين يدي الصفّ يريد ذلك ، فجاء عمر فجذبه من خلفه ، وقال : ألم ينهك الله أن تصلّي على

___________________________________

١ ـ دعائم الاسلام : ١ / ٢٣٧ ، والبحار : ٧٩ / ٢٠ ، الحديث : ٥ ، ( نحوه ).

٢ ـ علل الشرائع : ١ / ٣٥٧ ، والبحار : ٧٩ / ١٤ ، الحديث ١.

٣ ـ شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٤٠ ، ٥٥.


المنافقين ! قال : إنّي خُيّرت فاخترت ، فقيل لي : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ) (١).

ولو أنّي إذا زدت علىٰ السبعين غُفر له لزدت.

ثم صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه ومشى معه ، وقام على قبره (٢).

عجباً فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقف على قبر رأس المنافقين ويصلّي عليه ، والوهّابية تحرّم زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والصالحين ! ولمّا جاء الأمر بعدم الصلاة على أحدٍ منهم مات أبداً وأن لا يقوم على قبره امتثل ، وهكذا كان ، نهى عن زيارة القبور ، ثم أمر بها.

فعلامَ هذه الضجة ؟ علامَ ؟

نعم ، إنّ من القبور ما تُرجَم ، كما رُجِم قبر أبي رُغال ، ليس بقية القبور !

فيامَن تحرّمون زيارة القبور استبدلتم الرجم بالمنع ، وقتلتم عليه الأنفس البريئة ، فما الفرق بينكم وبين من رُجم ؟

قال الثاني : « مَن أحب أن يصلَ أباه في قبره ، فليصلِ إخوان أبيه من بعده ».

زيارة أصدقاء الأب تعني صلة الأب في قبره ، وإن لم يكن له إخوان فليَزُر القبر.

___________________________________

١ ـ التوبة : ٨٠.

٢ ـ شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٤٠ ، ٥٥.


الخليفة الثاني يقبّل الحجر

روى أبو سعيد الخدري ، قال : حججنا مع عمر أول حجّةٍ حجّها في خلافته ، فلمّا دخل المسجد الحرام دنا من الحجر الأسود فقبّله واستلمه ، وقال :

إنّي لأعلم أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبّلك واستلمك لما قبّلتك و لا استلمتك.

فقال له عليّ عليه‌السلام : « بلى يا أمير المؤمنين ، إنّه ليضرّ وينفع. ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) (١) ، فلمّا أشهدهم وأقرّوا له أنّه الربّ عزّ وجلّ ، وأنّهم العبيد ، كتب ميثاقهم في رقّ ، ثم ألقمه هذا الحجر ، وإنّ له لعينين ولساناً وشفتين تشهد لمن وافاه بالموافاة ، فهو أمين الله عزّ وجلّ في هذا المكان ».

فقال عمر : لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن » (٢).

وترى وبكل اعتزازٍ اليوم في متاحف المسلمين أماكن مخصوصةً معروضاً فيها :

١ ـ ميل ومكحلة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

___________________________________

١ ـ الأعراف : ١٧٢.

٢ ـ شرح نهج البلاغة : ١٢ / ١٠١ ، تفسير الرازي : ١٦ / ٣٢ ، الحديث ١٠.


٢ ـ شُعيرات من رأس ولحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٣ ـ بعض الأثاث التي كانت في بيوته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٤ ـ عصاه التي كان يستعملها ، وأشياء اُخرى موضع الاهتمام والتجليل والتقدير ، تُشَمّ وتُقبَّل وتُعطَّر.

شجرة بيعة الرضوان

لقد وجدنا في الآثار والأخبار في سيرة الخليفة الثاني : أنّه أمر بقطع الشجرة التي بُويع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحتها ، وهي بيعة الرضوان في عمرة الحديبية ، وقد كان المسلمون بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتونها فيقيلون تحتها ، فلمّا تكرّر ذلك أوعدهم الخليفة فيها ، ثم أمر بها فقطعت !

عجباً ! في تلك البقاع التي تمتاز بحرارة جوّها وكثرة قوافلها ، وحاجة الناس للتظليل ، وما لهذه البقعة الشريفة من مقام ، تمّت فيها بيعة الرضوان ، تقطع الشجرة ؛ لأنّ المسلمين يأتونها فيقيلون تحتها.

وشجرة أبينا آدم عليه‌السلام في العراق في مدينة القُرنة التابعة لمحافظة البصرة ، حيث يلتقي النهران دجلة والفرات ، محفوظة بالحوافظ ، وعليها من يحرسها ، يزورها العرب والعجم من المشرق والمغرب ، ويصوِّرونها ، وقد لُفّت بمادة البلاستيك الشفّاف ، حفاظاً عليها.

وإذا كانت لك زيارة لمتاحف العالم تجد : مَسَلّة حمورابي ، وأسد بابل ،


وألواحاً من الطين كتب عليها بالخط المسماري ، وأوانٍ من الفخار يعود زمنها إلى أكثر من ستّة آلاف سنة ، لا زالت محتفظة برونقها ، والناس تستفيد منها ، حيث تستذكر الماضي ، لتأخذ العبر في الحاضر والمستقبل ، ولكن ماذا نقول لمن يمشي بهواه ، ويفرض على غيره محتواه ؟

لماذا تأمرون بهدم المنائر والقباب ، وتَسِمون من يزور القبور بالكفر ، وتذيقونهم الويل والثبور ، وأنتم اليوم تقيمون المآذن والبناء الشامخ ، على أعقاب آثار ليس من حقّكم التصرّف بها ؛ لأنّها ليست ملكاً لكم ولا خاصة بكم ، إنّها ملك المسلمين جميعاً ؟!

أين أنتم يا علماء الإسلام ؟

أين أنتم يا أصحاب القلم ؟

أين أنتم أيها الخطباء ، وأئمّة الجمعة والجماعة ؟

أين أنتم ممّن كفّر ويكفّر طائفةً كبيرةً من المسلمين عملوا بما جاء من الأخبار الواردة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في صحاحكم ؟

ولماذا هذا الحقد والعداء ؟

قلتم بزيارة القبور ، وأنتم كما تبيّن لنا ولكم وكما أسلفنا أنكم أكثر زيارةً للقبور منّا ، حيث تكاثرتم بها قبل الإسلام وزرتموها بعد الإسلام ، ولا زلتم تزورنها ، كما بيّنا ذلك في زيارة الحجر ، حجر إسماعيل وهاجر عليها‌السلام ، وسبعين نبياً.

وقلنا : إنّكم بين أمرين لا ثالث لهما :


١ ـ إمّا أن تكون أحاديثكم صحيحة في زيارة القبور ، في كلّ ما جاء فيها ، ولم يحجَّ منكم أحد ، ولم يصلّي منكم أحد !

٢ ـ وإمّا أن تكون أحاديثكم هذه موضع شكٍّ وافتراء ، ووضع لغاية دنيوية وشخصية يراد بها التشويه والتفريق بين المسلمين !

فتكونون قد افتريتم على الله تعالى وعلى رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلى الاُمّة الإسلامية ، وعلى الناس وعلينا لتبوّؤا أشدّ العذاب ، لِما جنته أيديكم وألسنكم وأنفسكم الأمّارة بالسوء وأقلامكم المأجورة التي تكتب ما يمليه عليكم الأسياد مقابل ثمن زهيدٍ جداً ، قد بِعتُم دينكم الثمين القيّم بهذا المبلغ الزهيد !!


بيت الأحزان

لا يخفى أنّ الإنسان مجموعة عن الأحاسيس ، والمشاعر ، والعواطف ، وإنّ القلب ليخشع ، والعين تدمع ، وكلّما كانت المصيبة أعظم كانت تلك الأحاسيس والمشاعر أقوى وأوضح ، بحيث تصل بالإنسان إلى فقدان السيطرة عليها.

فراق الأحبّة ، فراق الأعزّة ، والفراق بعضه يهوِّن عن بعض. أمّا أن يكون فراق ما بعده لقاء في الدنيا فوقعه أعظم... !

نعم ، فراق خاتم الأنبياء والمرسلين ، وحبيب ربّ العالمين ، مع كثرة الشامتين والأعداء لبضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء البتول عليها‌السلام ، فارقت الزهراء عليها‌السلام أباها ، وهي بعد في عمر الورد ، فكان لفراقها إياه الوقع العظيم والأثر البالغ ، ..

فأخذت تبكي أباها ، وتبكي الشامتين فيها ، فأظهروا الضجر من بكائها ، وطلبوا التخفيف منها ، وهو طلب في غاية الجسارة والتجاوز ، فخرجت خارج المدينة نزولاً عند رغبتهم وطلبهم ، وامتثالاً لأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام...

واتّخذت من شجرة مجلساً تستظلّ بها لبكائها ، فقطعوا تلك الشجرة ،


فبن لها الإمام عليه‌السلام بيتاً سمّي « بيت الأحزان » (١).

وقد تشرفت بزيارته والصلاة عنده قربة إلى الله تعالى ، وإستذكرت مصاب سيدتي ومولاتي فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولم يطل المقام بها في هذه الدار الدنيا ، حتى آذنت بالرحيل واللحاق بأبيها وهي ساخطة غاضبة ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

يا إخوة الإسلام :

يوم ينقضي سواء كان بالشدة أم بالرخاء ، فكيف بيوم لا ينقضي والحاكم هو الله تعالى ، والخصيم هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والخلود : إمّا في الجنّة أو النار ؟!

___________________________________

١ ـ موسوعة العتبات المقدسة ، قسم المدينة المنورة : ٣ / ١٠٣.


ذكر الموت

جاء في ذكر الموت مجموعة من الأحاديث الشريفة منها :

« وأكثروا ذكر الموت وما بعد الموت ».

وجاء في الخبر المرفوع :

« أكثروا ذكر هادم اللذات ».

وما بعد الموت :

العقاب والثواب في القبر وفي الآخرة (١).

أما إنّكم تُكثرون ومن الاعتداء ، والتُهَم ، والبهتان !

أما تحسبون للموت حساباً ، ولما بعد الموت ؟

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) (٢).

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٤٤.

٢ ـ المؤمنون : ١١٥.


في عالم الرياضة

كم تشدّون الرحال إلى مونتريال ؟

إلى سدني ، إلى دول العالم القاصية ، لتشتركوا في الألعاب الاُولمبية ؟ هذا حلال.

كم تشدّون الرحال إلى البيت الأبيض ولندن وباريس ، وإلى مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة ؟ وهذا هو الآخر ، حلال ثم حلال.

لأنّ الحديث الشريف يقول : « اطلب العلم ولو في الصين » ، ولكن حين تُشدّ الرحال إلى الديار المقدسة ، ومشاهد الأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام حرام ثم حرام ؟

وإذا قلنا : لماذا ؟

قيل : « لا تُشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد... » ، وعلى ضوء ما أسلفنا فالحديث موضوع ومفترىٰ.

ودليلنا :

كم تُشدّ الرحال إلى بلاد اُوروبّا وبقاع الأرض ، لتحصيل العلم والمعرفة ؟

وكم تُشدّ الرحال للتدريب في الدورات التعليمية والجامعية والمعاهد العسكرية ؟

وكم تُتابعون وتُصفّقون لمجريات مختلف الألعاب ؟


وكم مرّة يُقبَّل اللاعب الفائز بالكأس والمدالية الذهبية ، ويفرح بها ويفتخر ، وتخرج الصحف والإعلانات في الإذاعة والتلفزيون بالإعلان عن ذلك ؟ كلّ هذا حلال !

ولكن زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصلحاء حرام ثم حرام ؟!

فلو أنّ ما تنفقونه وتُتلفونه على هذا المجال لكي يصرف في مجال الصحة والتعليم وإعانة الفقراء والأرامل لكان خيراً لكم ممّا أنتم فيه ، وإنّ قليلاً ممّا تصرفونه على الطعن والتهم يكفي لهداية الشباب إلى الحق والحقيقة ، ويكفي لمعونة المسلمين في أنحاء العالم ممّا هم فيه من الفقر والحاجة والجهل والمرض والعبودية للأجنبي ، والذي أضحى يبيع ويشتري المسلمين بأموالهم ؛ ليهوّدهم أو ينصّرهم ، أو يتّخذ منهم عبيداً وجواسيسَ ، على بني جلدتهم...

كفاكم ظلماً لنا ! عودوا إلى رشدكم...

تقرؤون كلّما استجدّ في هوليود ، وفي عالم الكرة والرياضة والسياسة ، ولا تقرؤون كتبنا !

وهذه مكتباتنا تعجّ وتضجّ بكتبكم وكتب غيركم من الناس.

وإذا اتفق أنّ كتاباً لنا راج في أوساطكم فإمّا تحرّمون اقتناءه ، أو تحرقوه بعد أن تجمعوه من الأسواق !!

وهذا ما حدث في العراق ، والكتب الإسلامية الشيعيّة ممنوعة وتسحب من الأسواق والمكتبات ، وحتى المكتبات الشخصية هي


الاُخرى لم تسلم بشكل وآخر.

ومن أجل خدمة أنفسكم تعالوا واقرؤوا تراثنا ، حيث انّها محاولة صادقة لمعرفة الحقيقة عن كثب ، ولا تتوارثوا العداء البغيض مشافهةً عن الآباء والأجداد ، واكتبوا الحقائق كما هي من غير تحريف.

لماذا تحرّفون الحقائق والوثائق التاريخية ؟

إنّ في كثيرٍ من الكتب نرىٰ الاختلاف في الطبعات الاُولى منها ، والحجرية ، وبغض المخطوطات ممّا هي عليه في الطبعات الجديدة ، حيث حذفتم وأضفتم كيف ما اتفق من غير أمانة تاريخية !!

وها هو

في باب زيارة القبور يقول ما نصّه : « كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا اتخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم » (١).

وهذا لم أجده في طبعة دار الكتاب العربي والطبعة الاُولى لكتاب « عيون الأخبار » لابن قُتيبة ففي الفصل الأول منه يتحدّث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأمّا في الطبعة الثانية لدار الفكر ـ بيروت ، ترى الفصل بأكمله محذوفاً ، هذان مثالان من أمثلة كثيرة في هذا الباب.

يا إخوة الإسلام ، وحّدوا الصفوف والكلمة ، فالكلّ هدف العدوّ ، وهو لا يفرِّق بين أن يكون المسلم شيعياً أو سنياً ، وقد وهبنا الله تعالى القدرة على

___________________________________

١ ـ شيخ الإسلام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين : ٤ / ٤٨٤ ـ ٤٨٩.


التمييز.

فلنميّز بين العدوّ والأخ ، قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ).

« فمثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد إذا إشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » (١) فتأمل.

« والقبر أول منزلٍ من منازل الآخرة ، فمن نجا منه فما بعده أيسر ، ومن لم يَنجُ منه فما بعده شرّ منه ».

أعاذنا الله وإياكم من وحشة القبر وضغطته ، وسؤال منكرٍ ونكير ، والعاقبة للمتّقين.

___________________________________

١ ـ دعوات الراوندي : ٢٥٩ ، الفتوحات المكيّة : ١ / ٥٣٦ ، شرح النهج : ١٨ / ٣٨٦.


في شرح نهج البلاغة

قال عليّ عليه‌السلام وقد رجع من صفّين فأشرف على القبور بظاهر الكوفة :

« يا أهل الديار الموحشة ، والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، ياأهل التربة ، يا أهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فَرَط سابق ، ونحن لكم تَبَع لاحِق ، أمّا الدور فقد سُكنت ، وأمّا الأزواج فقد نُكحت ، وأمّا الأموال فقد قُسِّمت ، هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ».

ثم إلتفت إلى أصحابه فقال : « أما والله لو اُذن لهم في الكلام لأخبروكم أنّ خير الزاد التقوى » (١).

يظهر أنّ خير الزاد عندكم العمل بالظنّ والتهمة ، فنحن لا نزور القبور كحجارة وتراب وعظام بالية ، ولكن نزورها لأنّها ضمّت واحتضنت رفاة عظماء قد شرّفهم الله وعظّمهم علىٰ غيرهم من سائر البشر ، ولأنّها تذكّرنا بالآخرة ، ونتعظ بسيرة أصحابها.

ونزورها تاريخاً لا يقبل الخطأ ، وإلّا فمدينة جدّه الحجازية ما عرفت إلّا بقبر أُمُنا حواء عليها‌السلام ، وهكذا مدينة الخليل في فلسطين الجريحة ما عرفت إلّا بقبر خليل الرحمن إبراهيم عليه‌السلام وهكذا...

ولمّا ظعنَ في القبور وعاد إلى أصحابه مُحمّر الوجه ، ظاهر العروق ،

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٣٢٢ ، الخطبة ( ١٢٦ ).


قال : « قد وقفت على قبور الأحبة فناديتها ».

فقيل له : فهل أجابتك ؟ قال « نعم ، قالت : إنّ خير الزاد التقوى ».

وفي وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذرٍّ رضي‌الله‌عنه :

« زُرِ القبور تَذكُرْ بها الآخرة ، ولا تَزُرْها ليلاً ، وغَسِّل الموتىٰ يتحرك قلبك ، فإنّ الجسد الخاوي عِظة بليغة ، وصلِّ على الموتى فإنّ ذلك يُحزِنُكَ ، فإنّ الحزينَ في ظلّ الله » (١).

ووجد على قبرٍ مكتوباً :

مُقيمٌ إلى أنْ يبعَث اللهُ خَلقَهُ

لِقاؤكَ لا يُرجى وأنتَ رقيبُ

تَزيدُ بِلً في كلِّ يومٍ وليلةٍ

وتُنسى كما تَبلى وأنتَ حبيبُ

وجاء في الحديث المرفوع : « ما رأيت منظراً إلّا والقبر أفضع منه ».

وتأمّلوا في الأحاديث الشريفة :

ففي الصحاح المجمع عليها : أنّ عليّاً عليه‌السلام مرّ بقبرين جديدين فقال :

« إنّهما ليُعذَّبان ، وما يُعذَّبان بكبير ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس ، وأمّا الآخر فكان لا يتنزّه من البول » ودعا بجريدة رطبة فكسرها اثنتين ـ أو قال : دعا بجريدتين ـ ثم غرسهما في القبرين ـ وقال :

« أمّا إنّه سيهون من عذابهما ما دامتا رطبتين ».

وعن مجاهد : ( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ). الهُمَزَة : الطعّان في الناس ،

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٨ / ٣٨٥ ، طبعة المؤسسة.


واللُمَزَة : النمّام (١).

كفى طعناً في مذهبنا ، فإنّ لنا في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اُسوة حسنة.

« وكان بعضهم يلازم الدفاتر والمقابر ، فقيل له في ذلك ، قال : لم أرَ أسلم من الوحدة ، ولا أوعظ من قبر ، ولا أمتع من دفتر (٢).

ومنه قول مكاتب لبني منقر التميميّين ، كان قد ظلع بمكاتبته ، فأتى قبر غالب بن صعصعة فاستجار به ، وأخذ منه حصيّات فشدّهنّ في عمامته ، ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره ، وقال : إنّي قد قلت شعراً ، قال : هاتِه ، فأنشده :

بقبرِ ابن ليلى غالبٍ عُذتُ بعدما

خَشيتُ الرَدى أو أنْ أردَّ على قسرِ

بِقبرِ إمرئٍ يقري المئينَ عظامُهُ

ولَمْ يَكُ إلّا غالباً ميتٌ يَقري

فقالَ ليَ : استقدِم أمامَكَ إنّما

فكاكُكَ أنْ تلقى الفَرَزدَقَ بالمِصْرِ

فقال : ما اسمك ؟ فقال : لهذَم ، قال : يا لهذَم ، حكمك مسمّطاً ، قال : ناقة كَوماء (٣) سوداء الحَدَقة ، قال :

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ٩ / ٦١ ، الخلاف : ١ / ٧٠٥ ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله باختلاف يسير.

٢ ـ نهج السعادة ، محمد باقر المحمودي : ٨ / ٥٣.

٣ ـ الكوماء : الضخمة.


يا جارية ، اطرحي لنا حبلاً ، ثم قال : يا لهذم ، اخرُج بنا إلى المِربَد فألقهِ في عنق ما شئت من إبل الناس ، فتخيّر لهذم على عينه ناقة ، ورمى بالحبل في عنقها ، وجاء صاحبها ، فقال له الفرزدق :

اغذُ عليَّ اُوفِّكَ ثمنها ، فجعل لهذم يقودها والفرزدق يسوقها ، حتى أخرجها من البيوت إلى الصحراء ، فصاح به الفرزدق : يا لهذم ، قبّح الله أخسرنا !

فخبَّر الشاعر عن القبر بقوله : « فقال ليَ : استقدم أمامك » ، والقبر والميّت الذي فيه لا يُخبران ، ولكنّ العرب وأهل الحكمة من العجم يجعلون كل دليل قولاً وجواباً ، ألا ترى قول زهير :

أمِنْ اُمّ أوفى دِمنةٌ لم تَكَلَّمِ

بِحومانةِ الدّراجِ فالمُتَثَلِّمِ

وإنّما كلامها عنده أن تبيّن ما يُرى من الآثار فيها عن قدم العهد بأهلها.

ومن كلام بعض الحكماء : هلّا وقفت على تلك الجنان والحيطان فقلتَ : أيّتها الجنان ، أين من شقّ أنهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ؟ فإن لم تجبك حِواراً أجابتك اعتباراً (١).

الناس في الجاهلية كانت تستجير بالقبور بمكان أهلها ومقامهم عند الناس ، وجاء الإسلام فنهى عن زيارتها ، ثم أمر بها.

فإمّا عن جهل تقولون ، وإمّا عن عمد ، فإن كان عن جهل فلا عتب !

___________________________________

١ ـ شرح النهج : ١٠ / ٢٧٤ ، ط ١.


وإن كان عن عمد بعد هذه الشواهد من علمائكم ومؤلّفاتكم فأمرنا وأمركم إلى الله ليومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار...

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : « ليس شيء في الجسد إلّا يشكو إلى الله تعالى ، اللسان على حدّته... » (١).

منكم تخرج الحدّة بما يضرّ وينفع ، إنّكم لا تريدون النصحَ ، ولكنّكم تريدون النَيلَ منّا وممّن نتولاهم ، وهذا الثابت لدينا منذ عرفناكم.

اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين ، يغفر لكم ذنوبكم ويكفِّر عنكم خطاياكم ، ويُدخلكم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أكثر خطايا ابن آدم من لسانه » (٢).

وقال الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : « رحم الله عبداً تكلّم فغَنِم ، أو سكت فسَلِم » (٣).

يا إخوة الإسلام ، كفى اختلافاً في الفروع ، فنحن وإيّاكم نعبد إلهاً واحداً أحداً لا شريك له ، ونشهد أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله ، وقبلتنا واحدة ، وكتابنا وكتابكم القرآن ، نحجّ لبيته ، ونطوف كما تطوفون ، نؤدي الزكاة ، ونأكل ونشرب ما أحلّ الله تعالى ، فما بالكم تُكفِّروننا وتُحلّون دماءنا ؟!

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٨٣ ـ ٨٤.

٢ ـ كتاب الصمت واللسان ، ابن أبي الدنيا : ٤٧.

٣ ـ المصدر السابق : ٤٧.


أَلِأَنّا اقتدينا برسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله في زيارة القبور ؟!

لقد ذُكر في خبر وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه عرضت له الشكاة التي عرضت في أواخر صفر من سنة إحدى عشرة للهجرة ، فجهز جيش اُسامة بن زيد فأمرهم بالمسير إلى البلقاء حيث اُصيب زيد وجعفر عليهم‌السلام من الروم ، وخرج في تلك الليلة إلى البقيع ، وقال : إنّي اُمرت بالاستغفار لهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها ». ثم إستغفر لأهل البقيع طويلاً (١).

والعجيب في الأمر أنّ القوم يكفِّرون من يزور القبور ومن يستغفر لأهل القبور ، ويأخذ العبرة والموعظة ، ويذكر الآخرة والقبر ، وما بعد القبر ، والجنّة والنار !

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١ / ٨٤ ، وما بعدها.


موضع دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

« ثم اختلفوا في موضع دفنه ، فرأى قوم أن يدفنوه بمكّة ؛ لأنّها مسقط رأسه ، وقال من قال : بل بالمدينة ، ندفنه بالبقيع عند شهداء اُحد.

ثم اتفقوا على دفنه في البيت الذي قبض فيه ، وصلّوا عليه إرسالاً لا يؤمُّهم أحد.

وقيل : إنّ عليّاً عليه‌السلام أشار بذلك فقبلوه.

وأنا أعجب من ذلك ؛ لأنّ الصلاة عليه كانت بعد بيعة أبي بكر ، فما الذي منع من أن يتقدم أبوبكر فيصلّي عليه إماماً ؟!

وتنازعوا في تلحيده وتضريحه ، فأرسل العباس عمّه إلى أبي عبيدة ابن الجرّاح ـ وكان يحفر لأهل مكة ويضرّح على عادتهم ـ فقال : اللهمّ اختَر لنبيك ، فجاء أبو طلحة فلحد له واُدخل في اللحد.

وتنازعوا فيمن ينزل معه القبر ، فمنع عليّ عليه‌السلام الناس أن ينزلوا معه ، وقال : « لا ينزل قبره غيري وغير العباس » ، ثم أذن في نزول الفضل واُسامة بن زيد مولاهم ، ثم ضجّت الأنصار ، وسألت أن ينزل منها رجل منهم في قبره ، فأنزلوا أوس بن خولي ، وكان بدرياً.

فأمّا الغسل فإنّ علياً عليه‌السلام تولّاه بيده ، وكان الفضل بن العباس يصبّ عليه الماء.

وروى المحدثون عن علي عليه‌السلام ؛ أنه قال :

ما قلّبتُ منه عضواً إلّا وانقلب ! لا أجد له ثقلاً ، كأنّ معي من


يساعدني ، وما ذلك إلّا الملائكة.

وأمّا حديث الهينمة (١) وسماع الصوت ، فقد رواه كثير من المحدثين عن علي عليه‌السلام ، وتروي الشيعة : أنّ علياً عليه‌السلام عصّب عينَي الفضل بن العباس حين صبّ عليه الماء ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصاه بذلك ، وقال :

« إنّه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلّا عُمِيَ » (٢).

والعجب من شارح النهج كيف يعجب من أنّ الصلاة عليه كانت بعد بيعة أبي بكر ، فما الذي منع من أن يتقدم أبوبكر فيصلّي عليه إماماً ؟!

أقول : إنّ النبيّ والوليّ الوصي لا يصلّي عليه إلّا النبيّ أو الوصي ، ولمّا لم يكن أبوبكر نبيّاً ولا وصيّاً ، وإنّما خليفة فقد كان تأخّره في الصلاة عليه جماعة في محله ؛ لأنّه منشغلاً بالتآمر علىٰ غصب الخلافة في سقيفة بني ساعدة لأجل تثبيت اُمور زعامته ، بحجة عدم وقوع الفتنة !!

وأيّ فتنة أعظم من هذه الفتنة !!

وربّ قائلٍ يقول : ما الذي منع عليّ عليه‌السلام من الصلاة عليه جماعة ؟

قلنا : وما المانع من ذلك ؟ إلّا أنّ الرواة والمحدّثين آثروا أن يكتموا ذلك.

على الرغم من وجهات النظر المختلفة في البناء على القبور !

أو اتخاذ المراقد مصلّىً أو مساجد ، نجد أنّ الإرادة الإلهية شاءت أن تكون هناك قبّة شامخة ، وروضة من رياض الجنة إلى جوار القبر

___________________________________

١ ـ الهينمة : الكلام الخَفيّ لا يُفهَم ، وهو الصوت وشِبهُ قراءةٍ غير بيِّنة. لسان العرب : ١٥ / ١٤٨. ( مادة هَنَم ).

٢ ـ شرح نهج البلاغة ، لإبن أبي الحديد : ١٠ / ٨٥ ـ ٨٦.


الشريف ، والحفاظ على الآثار من منبر ومحراب وأساطين تركّزت في أماكنها ، والناس يسلّمون ويصلّون ويستغفرون عند القبر الشريف وفي الروضة الشريفة ، ولكنّ الذي في قلبه مرض يأبى إلّا أن يدسَّ السُمَّ بالعسل ، وأن يتحمل الآثام ، إرضاءً لأسياده ممّن يُملون عليه التعرّض للشيعة في قولهم : عبّاد القبور ، الكفرة... !!

وهم يعلمون أنّ الملايين في مصر والعراق ، وغيرهما من أهل المذاهب الأربعة يزورون ويطوفون ، ويقبّلون ، ويُسرجون ، ويُقيمون البناء على قبور الأنبياء والصالحين وغيرهم.

وإليك أيها القارئ العزيز زفرة من زفرات الفراق وأنّةً من أنين الشجو المتلضّي في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قاله عند دفن سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام ، كالمناجي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند قبره :

« السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن إبنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ! قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقَّ عنها تجلّدي ، إلّا أنّ في التأسي لي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعزٍّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ! فلقد استُرجِعَت الوديعة ، واُخذت الرهينة ، أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم. وستُنبِئك ابنتك بتظافر اُمّتك على هضمها.

فأحفها السؤال ، وإستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخلوا منك الذكر.

والسلام عليكما سلام مودع ، لا قالٍ ولا سئم ، أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الصابرين » (١).

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٠ / ١٩٥ و ٢٦٥ ، الكافي ١ / ٤٥٩ الحديث ٣ ، باختلاف يسير.


هؤلاء الذين زاروا القبور

قال الواقدي :

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يزور قتلى اُحدٍ في كلّ حول ، وإذا لقوه بالشعب رفع صوته يقول :

« السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ».

وكان أبوبكر يفعل مثل ذلك ، وكذلك عمر بن الخطاب ؛ ثم عثمان ، ثم معاوية ؛ حين يمر حاجاً ومعتمراً.

قال :

وكانت فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تأتيهم بين اليومين والثلاثة فتبكي عندهم وتدعو.

وكان سعد بن أبي وقاص يذهب إلى ماله بالغابة ، فيأتي من خلف قبور الشهداء فيقول : السلام عليكم ثلاثاً ، ويقول : لا يُسلِّم عليهم أحد إلّا ردّوا عليه السلام إلى يوم القيامة.

قال : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قبر مصعب بن عمير ، فوقف عليه ، ودعا وقرأ : ( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) ، ثم قال :

« إنّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فائتوهم فزوروهم وسلّموا عليهم ، والذي نفسي بيده لا يُسلِّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه ».

وكان أبو سعيد الخدري يقف على قبر حمزة فيدعو ويقرأ ويقول مثل


ذلك.

وكانت اُمّ سلمة ـ رحمها الله ـ ، تذهب فتُسلِّم عليهم في كل شهر ، فتظلّ يومها ، فجاءت يوماً ومعها غلامها نبهان فلم يُسلِّم ، فقالت : أي لُكع ! ألا تُسلّم عليهم ؟! والله لا يسلم عليهم أحد إلّا ردّوا عليه إلى يوم القيامة.

قال : وكان أبو هريرة وعبدالله بن عمر يذهبان فيُسلِّمان عليهم.

قالت فاطمة الخزاعية : سلّمت على قبر حمزة يوماً ومعي اُخت لي ، فسمعنا من القبر قائلاً يقول : وعليكما السلام ورحمة الله ! قالت : ولم يكن قربنا أحد من الناس (١).

الحمد لله الذي أعثَرَنا على هذا النصّ الجليل ، ومن كتب إخواننا أبناء السنّة ، وهو نصّ في غاية الأهمّية والوضوح ، نصّ يحمل أسماء وشخصيات مرموقة لديكم تزور القبور ، كما نقله الواقدي ، والشخصيات هي :

١ ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يزور القبور.

٢ ـ فاطمة الزهراء البتول عليها‌السلام كانت تزور القبور.

٣ ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يزور القبور.

٤ ـ أبوبكر ( عبدالله بن أبي قحافة ) كان يزور القبور.

٥ ـ عمر بن الخطاب كان يزور القبور.

٦ ـ عثمان بن عفّان كان يزور القبور.

٧ ـ معاوية بن أبي سفيان كان يزور القبور.

٨ ـ سعد بن أبي وقّاص كان يزور القبور.

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٥ / ٤٠ ـ ٤١.


٩ ـ أبو سعيد الخدري كان يزور القبور.

١٠ ـ اُمّ سلمة ( اُمّ المومنين ) كانت تزور القبور.

١١ ـ وكما أسلفنا فإنّ عائشة كانت تزور قبر أخيها عبد الرحمن وتردّ على من يستنكر ، بقولها : « ثم أمر ».

١٢ ـ أبو هريرة كان يزور القبور.

١٣ ـ عبدالله بن عمر كان يزور القبور.

١٤ ـ فاطمة الخزاعية واُختها كانتا تزوران القبور.

أمّا :

ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، فيظهر لهما أنّهما أكثر ورعاً ممّن ذكرنا ، ولكن ختمت النبوة بمحمد بن عبدالله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكأنّهما كانا أكثر تقوً وخشيةً لله تعالى ؛ لأنّهما لا يريان حِلِّية زيارة القبور.

مع ما أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بزيارتها : « فائتوهم فزوروهم وسلِّموا عليهم » ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نافذ ومطاع ؛ لأنّه لا ينطق عن هوىٰ ، كما قال تعالىٰ : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (١)

قال تعالى : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا... ) (٢).

وهذا شأن من آمن بهم من الوهابية ، فحاربوا زيارة القبور ، وكفّروا أهل لا إله إلّا الله على زيارتهم للقبور ، وما زالوا ، ..

ولو أحصينا ما جاؤوا به من البدع ، وما أحدثوه في الدين ، وما حذفوه ، لجمعنا منه كتاباً قيماً ، ولكنْ نَذَرُهم في طغيانهم يعمهون ، ليروا ما

___________________________________

١ ـ النجم : ٣ و ٤.

٢ ـ الحشر : ٧.


قدمت أيديهم يوم لا ينفع ولا بنون...

ونقول لابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ومن تابعهما : لماذا تعصون الله تعالى والرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله جهراً علناً والله تعالى يقول : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (١). أليس هذا قول الله تعالى ؟!

ويقول جلَّ وعلا : ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ) (٢). أليس هذا قول الله تعالى ؟!

أفي هذا مجال للاجتهاد والنظر ؟ وهل بلغ بكم العلم حتى تفرضوا غير ما فرض الله ؟

ومما أورده أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه قوله :

روى أبو مويهبة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : أرسل إليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جوف الليل ، فقال :

« يا أبا مويهبة ، إنّي قد اُمرت أن أستغفر لأهل البقيع ، فأنطلق معي » ، فإنطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال :

« السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنِ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه !

أقبلتِ الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شر من الأولى ».

ثم أقبل عليَّ ، فقال :

« يا أبا مويهبة إنّي قد اُوهبت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنّة ، فخيّرتُ بينها وبين الجنّة ، فاخترت الجنة » ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي ! فخذ مفاتيح خزائن

___________________________________

١ ـ الحشر : ٧.

٢ ـ الأحزاب : ٢١.


الدنيا والخلْد فيها والجنّة جميعاً ، فقال :

« لا يا أبا مويهبة ، إخترت لقاء ربّي » ، ثم إستغفر لأهل البقيع وإنصرف ، فبدأ بوجعه الذي قبضه الله فيه (١).

تأمل أخي القارئ العزيز :

الناقل والمنقول عنه ؛ من إخواننا أهل السنة ، الناقل شارح نهج البلاغة ، والمنقول عنه الطبري ، والنص واضح لا يقبل الخطأ ، والعقل والنقل بذلك ناهض إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

« إنّي قد أمرت لأستغفر لأهل البقيع ، فإنطلق معي ».

فلماذا ينتقص من يزور القبور ، ويستغفر لأهلها من الآباء والأمهات ، والأنبياء والأوصياء والصلحاء ، ليأخذ العبر ، ويذكر الموت والآخرة ؟!

يا إخوة الإسلام :

إن فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، إستغفروا ربكم إنه كان غفاراً ، وأطلبوا العذر والعفو ممن ظلمتم ، قبل أن تفضحوا في الآخرة على رؤوس الأشهاد !

لا تعلوا على الله في عباده وبلاده ، قال تعالى :

( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢).

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ، لإبن أبي الحديد : ١٣ / ٢٧ ، تاريخ الطبري : ٢ / ٦٦٠.

٢ ـ القصص / ٨٣.


ندبة فاطمة عليها‌السلام أباها وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله

وقد روى كثير من المؤرّخين وأصحاب السِيَر ندبة فاطمة عليها‌السلام أباها يوم وفاته وبعد ذلك ، وهي ألفاظ مشهورة ، منها : « يا أبتاه ، جنّة الخلد مثواه ، يا أبتاه ، عند ذي العرش مأواه ! يا أبتاه ، كان جبريل يغشاه ! يا أبتاه ، لست بعد اليوم أراه ! » (١).

وقد ورد عن أنس بن مالك في حديثٍ قال : فلمّا مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت فاطمة عليها‌السلام :

« يا أبتاه ، مَن أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه ، مَن جَنّة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، إلىٰ جبريل ننعاه » (٢).

أحمد الدمشقي قال : لمّا فرغوا من دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرجت فاطمة وقعدت تندب علىٰ قبر أبيها و تقول :

« وا أبتاه وا رسول الله ، وا نبي الرحمة ، الآن لا يأتي الوحي ، الآن ينقطع عنّا جبرئيل ، اللّهمّ ألحق روحي بروحه ، وأسعفني بالنظر إلىٰ وجهه ، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة » ، وأخذت تربة من تراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فشمّته ثمّ أنشأت تقول :

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٤٣.

٢ ـ أخرجه البخاري في صحيحه : ٣ / ٩٥ ، باب مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.


« ماذا علىٰ من شَمَّ تربةَ أحمدٍ... » البيت (١).

وعن أنس بن مالك قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقبلت عَلَيَّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا علىٰ وجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله التراب ؟ ثمّ بكت ونادت :

« يا أبتاه ، من أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه ، من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه ، مَن ربّه ناداه ، يا أبتاه ، إلىٰ جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه... » (٢).

وامتداداً لرثائها عليها‌السلام لأبيها فقد روي أنّها رثته بعده بمقطوعات شعرية ، منها ما أكّده أبن عبد ربّه قال :

وقفت فاطمة عليها‌السلام علىٰ قبر أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت :

قد كان بعدك أنباءٌ وهنبثةُ

لو كنت شاهدها لم تكثرِ الخُطُبُ

إنّا فقدناك فقدَ الأرض وابلَها

واختلَّ قومُك فَاشهَدهم وقد نكبوا

وكلّ أهلٌ له قربىٰ ومنزلةٌ

عند الإله علىٰ الأدنين مقترب

أبدت رجالٌ لنا نجوىٰ صدورهُمُ

لمّا مضيتَ وحالت دونَكَ التُرُب

___________________________________

١ ـ أخبار الدول : ١ / ١٩٢.

٢ ـ اخرجه ابن عبد ربّه في العقد الفريد : ٣ / ١٩١.


تجهّمتنا رجالٌ واستُخِفَّ بنا

لمّا فُقِدتَ وكل الإرثِ مغتَصَب

وكنتَ بدراً ونوراً يُستضاءُ به

عليكَ تنزل من ذي العزّة الكُتُب

وكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فقد فُقِدت فكلّ الخير محتَجَب

فليت قبلك كان الموتُ صادفنا

لمّا مضيت وحالت دونك الكُتُبُ

إنّا رُزينا بما لم يُرزَ ذوشجَنٍ

من البريّة لا عَجَم ولا عرب (١)

وإلىٰ جانب رثائها للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيت منشدّة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتّىٰ أنّها كان يُغشىٰ عليها حيناً.

وقد جاء عن علي عليه‌السلام قال :

« غسّلت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قميصه ، فكانت فاطمة عليها‌السلام تقول : أرني القميص ، فإذا شمّته غشي عليها ، فلمّا رأيت ذلك غيّبته » (٢).

___________________________________

١ ـ العقد الفريد : ٣ / ١٩١.

٢ ـ مقتل الحسين : ١ / ١٢١ / ٥٨ ، الايقاد : ٢١.


إحدى خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في النصح والإرشاد

« اُوصيكم أيها الناس بتقوى الله وكثرة حمده على آلائه إليكم ، ونعمائه عليكم ، وبلائه لديكم ، فكم خصّكم بنعمة ، وتدارككم برحمة ، أعورتم له فستركم ، وتعرّضتم لأخذه فأمهلكم !

واُوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه ، وكيف غَفْلَتكم عمّا ليس يغفلكم ، وطمعكم في من ليس يمهلكم ؟ فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم ، حُمِلوا إلى قبورهم غير راكدين ، واُنزلوا فيها غير نازلين ، فكأنهم لم يكونوا للدنيا عُمّاراً ، وكأنّ الآخرة لم تزل لهم داراً.

أوحشوا ما كانوا يَطِنُون ، وأوطنوا ما كانوا يوحشون ، واشتغلوا بما فارقوا ، وأضاعوا ما إليه انتقلوا ، لا عن قبيح يستطيعون انتقالاً ، ولا في حسنٍ يستطيعون ازدياداً ، وأنِسُوا بالدنيا فغرّتهم ، ووثِقُوا بها فصرعتهم.

فسابقوا ـ رحمكم الله ـ إلى منازلكم التي اُمرتم أن تعمروها ، والتي رغبتم فيها ودُعيتم إليها ، واستتمّوا نعم الله عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإنّ غداً من اليوم قريب.

ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيّام في الشهر ، وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر ! » (١).

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٣ / ٩٩ ، نهج البلاغة : ٣٧٢ خطبة ( ١٨٨ ).


أوردت هذه الخطبة لا لشيء ، وإنّما للموعظة والاعتبار وكفّ الأذى عن المؤمنين ، ومن لا يتّعظ بالموت والقبر وما بعده ، فهو في نوم عميق ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

فماذا أعددتم إن كنتم بالقبر تعترفون من عمل صالح ؟

ماذا أعددتم لـ « هول المطّلع ، وروعات الفزع ، واختلاف الأضلاع ، واستكاك الأسماع ، وظلمة اللحد ، وخيفة الوعد ، وغمّ الضريح ، وردم الصفيح ؟ ».

ما أعددتم لهذه غير طعنٍ واتّهامٍ وتكفير بكلمات : « زوّار القبور ، عبّاد القبور الكفرة ؟ ».

نحن لا نعبد إلّا اللهَ الواحدَ القهّار ، الذي لا إله إلّا هو رب العرش العظيم ، ذو الجلال والإكرام ، ملك الملوك ، مالك الملك ، الباقي الذي يفني كلّ شيءٍ ولا يفنى ، الذي ليس له شريك في الملك ولا عديل ، ولا خُلف لقوله ولا تبديل ، بديع السماوات والأرض ، ذو الجلال والإكرام ، الذي يحيي ويميت ، الحيّ القيوم الذي لا يموت ، باعث الخلائق أجمعين ، ليومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار ، هو العدل الذي لا يظلم أحداً مثقال ذرة ، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

ونشهد ونقرّ أنّ الأنبياء والمرسلين حق ، وأنّ خاتِمهم وآخرهم نبينا وخيرة الخلق محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جاء بالحق وصدّق المرسلين ، ونشهد ونقرّ أنّ علياً وأولاده المعصومين الأئمة الهداة المهديين أولياؤه وأوصياؤه كما أرادهم الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ ما جاء به الوحي الأمين جبرائيل عليه‌السلام حقّ وصدق وعدل ، وأنّ الله يبعث مَن في القبور...


ما بالكم يا إخوة الإسلام ؟ كيف تحكمون على اُمةٍ آمنت بربّها ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر ، وأدّت الفرائض والواجبات ، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ، وأقامت الصلاة ، وآتت الزكاة ، وأطاعت في كلّ أمر ونهي...

فوقعتم فيهم قتلاً وجرحاً ، وسبياً ، وهتكاً للأعراض ، بحجة أن زيارة القبور كفر ، وأنّ ما أنتم عليه لا يتّفق وما نحن عليه ، ألا ساء ما تعملون ، وبئسما تفكّرون !

ومن المعلوم وكما هو صريح في الأحاديث الشريفة : أنّ من شهد أنْ لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حقن دمه وماله وعرضه (١).

دمه حرام ، وماله حرام ، وعرضه حرام ، له ماللمسلمين ، وعليه ما على المسلمين ، فما بالكم كيف تحكمون ؟

نحن نزور القبور لا حُبّاً في القبور كحجارة وما عليها من بناء ، ولكن نزورها امتثالاً لأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله ، للتذكّر والموعظة وتجديد العهد ، واستذكار الماضي والعبرة للمستقبل ، وتعظيم مَن عظّمهُ وشرَّفَهُ الله تعالىٰ علىٰ سائر مَن خَلَق ، فإنّنا لا نزور إلّا مَن هو أهل للزيارة.

ولا نزور جبابرة العصور ، ولا فراعنة الدهور ، ولكن نزور قبور الأنبياء والصلحاء ، من الآباء والاُمهات والأولياء والأوصياء الذين ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل نصرة وبقاء الحق والعدل !

___________________________________

١ ـ المحاسن : ١ / ٤٤٣ ح ١٠٢٥ ، عنه البحار : ٦٥ / ٢٨٢ ح ٣٥ ، ص : ٢٤٢ ، عن مشكات المصابيح : ص ١٢ ـ ١٤ ، ( نحوه ).


أجساد الشهداء طريّة

لا يخفى ما للأرض من تأثير على أجساد الموتى.

والحال : ثقل التراب ، وانعدام الهواء ، ولا دواء ، ووجود الدود ، وغيره ، كلّ اُولئك مبعث تفسّخ الأجساد والموادّ الحيّة ، ولكنّ الله تعالى حَبا الشهداء في الدنيا ما يُغبَطُون عليه ، وكأنّهم في الأجداث نيام تفوح منهم رائحة المسك والعنبر ، طرية أجسادهم ، لم تصغر أكفانهم ، ولم تفسد دماؤهم ، عبرة وموعظة...

فالذي أماته الله مائة عام ثمّ بعثه لم يتسنّه طعامه ، ولم يتغيّر شرابه وملابسه... (١)

وأصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ، فبعثهم ليكونوا آيةً للناس ، لا يعلمهم إلّا الله والراسخون في العلم... (٢)

قال الواقدي : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم اُحد :

« ادفنوا عبدالله بن عمرو ابن حزام وعمرو بن الجموح في قبر واحد » (٣).

ويقال : إنّهما وُجِدا وقد مُثِّل بهما كلّ مثلة ، قُطعت آرابهما عضواً عضواً ، فلا تُعرف أبدانهما.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« إدفنوهما في قبر واحد ».

___________________________________

١ ـ تفسير القرآن ، عبدالرزاق الضعاني : ١ / ٩٩.

٢ ـ مجمع البيان : ٦ / ٧١٥.

٣ ـ المغازي : ١ / ٣١٠ ، وذكر فيه ( بن حرام ) بدل ( بن حزام ).


ويقال : إنّما أمر بدفنهما في قبر واحد لِمَا كان بينهما من الصفاء ، فقال : « ادفنوا هذين المتحابَّين في الدنيا في قبر واحد ».

وكان عبدالله بن عمرو بن حزام رجلاً أحمر أصلع ، ليس بالطويل ، وكان عمرو بن الجموح طويلاً ، فعُرفا ، ودخل السيل بعد عليهما ، وكان قبرهما ممّا يلي السيل ، فحُفِر عنهما ، وعليهما نمرتان ، وعبدالله قد أصابه جرح في وجهه ، فيده على وجهه ، فاُميطت يده عن جرحه ، فثغب الدم ، فردّت إلى مكانها فسكن الدم.

قال الواقدي : وكان جابر بن عبدالله يقول : رأيت أبي في حفرته وكأنّه نائم ، وما تغيّر من حاله قليل ولا كثير ، فقيل له : أفرأيت أكفانه ؟ قال : إنّما كُفّن في نمرة خمّر بها وجهه ، وعلى رجليه الحرمل ، فوجدنا النمرة كما هي ، والحرمل على رجليه كهيئته ، وبين ذلك وبين وقت دفنه ستّ وأربعون سنة ، فشاورهم جابر في أن يطيّبه بمسك ، فأبى ذلك أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا : لا تُحدِثوا فيهم شيئاً.

قال : ويقال : إنّ معاوية لمّا أراد أن يُجري العين التي أحدثها بالمدينة ـ وهي كظامة ـ نادى مناديه بالمدينة : من كان له قتيل باُحدٍ فليشهد.

فخرج الناس إلى قتلاهم ، فوجدوهم رِطاباً يتثنّون ، فأصابت المسحاة رِجل رجلٍ منهم فثقبت دماً !

فقال أبو سعيد الخدري : لا ينكر بعد هذا منكر أبداً (١).

واليوم تُرينا الأحداث مثل هذه الآية ، لقد وجِدَت في جبهة القتال جبهة الحق والباطل ، رجال ممن قاتلوا الكفر العالمي وحزب صدام

___________________________________

١ ـ شرح نهج البلاغة : ١٤ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، عن المغازي : ١ / ٢٦٧.


المجرم وأزلامه ونظامه الفاسد ، وبعد عشرين عاماً تحت التراب أجساداً طريةً من الشهداء الذين استشهدوا في ساحة الجهاد ، وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنّما يدلّ على أنّ هؤلاء كانوا حقاً من الشهداء ، وأنّ أعداءهم كانوا على باطل وضلال ، وأنّ الله تعالى يُرينا آياته ، فهل يتّعظ من يحرّم زيارة القبور ؟

والتاريخ يذكر لنا في طيّاته مثل هذه الآيات ، نكتفي بما ذكرناه لحداثته ، وعدم الإمكان في الطعن بمجرياته.

والشهيد كما قيل : من يشهد مقعده في الجنّة ، وقيل : إنّ الملائكة تشهد له بذلك عند سقوط أول قطرة من دمه على الأرض في سبيل الله ، وللشهداء منزلة يغبطون عليها ، كما قال تعالىٰ : (١)

( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٢).

والذي يراجع التاريخ يرى أنّ سيّد الشهداء سيّد شباب أهل الجنّة ، الحسين بن عليّ عليه‌السلام ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد تعرّض قبره الشريف وزوار قبره إلى ما يندىٰ له الجبين ، من قِبَل حكّام الجور والظلمة وأعداء الدين من ملوك بني العباس والوهابيّين ومن عملاء الاستعمار في عهود مختلفة كهدم القبر الشريف ، أو فتح الماء عليه ، أو الإغار علىٰ الحرم الطاهر ونهب ما فيه ، وقتل مَن فيه والتعرض لزوّاره في كلّ مكان وزمان ، حتّىٰ استفزّوهم بدفع الضريبة المالية والضريبة الجسدية بقطع أيديهم وسَملِ

___________________________________

١ ـ مجمع البيان : ٢ / ٨٨٤ ، تفسير الميزان : ٤ / ٦٠.

٢ ـ آل عمران : ١٦٩.


أعينهم... !!

وإليك بعض أخبار ما ذكرنا :

أمالي الطوسي : عن جرير بن عبد الحميد في حديث : تركت الرشيد وقد كرب قبر الحسين عليه‌السلام وقطع السدرة ، قال جرير : اللهُ اكبر حديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : لعن الله قاطع السدرة ، ثلاثاً (١).

وعنه أيضاً : في حديث موسى بن عيسى الهاشمي والي الكوفة : وقد وجة جماعة لكرب قبر الحسين عليه‌السلام وكرب جميع أرض الحائر ( الحسيني ) وحرثها وزرع الزرع فيها (٢).

وفي أماليه أيضاً : أنّ المتوكّل بعث جماعة ، منهم إبراهيم الديزج إلىٰ كربلاء وأمره بطرح التراب علىٰ القبر وإطلاق الماء عليه واُمرت البقر لتمخره وتحرثه ، إلّا أن الماء والبقر لم يصلوا إلىٰ الجسد الشريف (٣).

وأيضاً : أنّ المتوكّل العباسي منع أهل السواد لزيارة الحسين عليه‌السلام وذلك سنة سبع وثلاثين ومائتين للهجرة ، حتىٰ ظهرت الدلائل والعجائب حتىٰ كف عن أهل السواد (٤).

ولكن يأب الله تعالى إلّا أن يبقى هذا القبر الشريف ، كرامةً لصاحبه الحسين عليه‌السلام شهيد كربلاء ، خالداً ما بقيت الأرض والسماوات...

___________________________________

١ ـ أمالي الطوسي : ص ٣٢٥ ح ٦٥١ ، عنه البحار : ٤٥ / ٣٩٨ ح ٧.

٢ ـ أمالي الطوسي : ص ٣٢١ ح ٦٥٠ ، عنه البحار : ٤٥ / ٣٩٠ ح ١.

٣ ـ أمالي الطوسي : ص ٣٢٦ ح ٦٥٣ ، عنه البحار : ٤٥ / ٣٩٥ ح ٣.

٤ ـ أمالي الطوسي : ص ٣٢٨ ح ٦٥٦ ، عنه البحار : ٤٥ / ٣٩٧ ح ٥.


ثلاث شجرات

ثلاث شجرات قُطعت وهي تَلفت النظر :

الشجرة الاُولى : عند بيعة الرضوان ، بايع سبعون نفراً عندها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان البعض يستظلّون بها من شدة حرارة الشمس ، ويتبرّكون بها ، فأمر الخليفة الثاني بقطعها فقُطعت !

كفى فخراً أن يكون ذكرها في القرآن في قوله تعالى :

( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (١).

وكفى فخراً أن يكون الله تعالى أنزل السكينة على رسوله ومن معه تحتها ، وقطعها لا يعني زوال ذكرها ، ولكن يعني بقاء الإثم والخزي بقطعها.

والشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، أمّا الشجرة الخبيثة ، فتُجتثُّ من فوق الأرض وما لها من قرار ، وقد أوصى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشجر عامة ، وبالسّدر خاصة أن لا تقطع ، أوصى بها خيراً ، فكيف إذا كانت شجرة الرضوان ؟!

والشجرة الثانية : حيث كانت الزهراء عليها‌السلام تستظلّ بها وتبكي أباها

___________________________________

١ ـ الفتح : ١٨.


عندها صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن خرجت من بيتها نزولاً عند رغبة القوم حيث استاؤوا من بكائها علىٰ أبيها ، فقُطعت هي الاُخرى ، وبنىٰ لها أميرالمؤمنين عليّ عليه‌السلام بيت الأحزان !! (١)

والشجرة الثالثة : كانت عند قبر الحسين عليه‌السلام يستدلّ بها الزوار على المرقد الشريف ، فقطعت هي الاُخرى من قبل خلفاء الجور الذين تقمّصوا الخلافة باسم الدين في خلافة بني العباس.

وقطعها شيء مؤسف جدّاً ، يأباه كلّ عاقل ؛ لأنّ لها معالم تاريخية.

الحقّ عزّ وجلّ يزور أحمد بن حنبل في قبره

تأمّل أخي القارئ الكريم في شرّ البليّة... من هذه القصّة :

روى ابن الجوزي في مناقب أحمد (٤٥٤) ، قال : حدثني أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي ـ وكان شيخاً صالحاً ـ قال :

كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جداً قبل دخول رمضان بأيام ، فنمت ليلة في رمضان فاُريت في منامي كأنّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد إلتصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار سافٍ أو سافين ، فقلت :

___________________________________

١ ـ موسوعة العتبات المقدسة عن أخبار مكة والمدينة ، قسم المدينة : ٣ / ١٠٣.


إنّما تمّ هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث ، فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ ، قد زارني فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام ؟

فقال عزّ وجلّ : يا أحمد ، لأنّك نصرت كلامي ، فهو ينشر ويتلى في المحاريب !!

فأقبلت على لحده اُقبِّله ، ثم قلت : يا سيّدي ، ما السرّ في أنّه لا يُقبَّل القبر إلّا قبرك ؟

فقال لي : يا بُنيَّ ، ليس هذا كرامة لي ، ولكنّ هذا كرامة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ معي شعرات من شعره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ألا من يحبّني يزورني في شهر رمضان ، قال ذلك مرتين (١).

١ ـ ابن الجوزي ، حدّثه أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي ، وكان شيخاً صالحاً.

٢ ـ قبر الإمام أحمد بن حنبل يزوره أبوبكر بن مكارم.

٣ ـ أحمد بن حنبل وهو في قبره يقول : لا بل هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ.

٤ ـ الحقّ عزّ وجلّ يزور الإمام أحمد بن حنبل ، لأنّه ينشر كلام الله تعالى.

٥ ـ أبوبكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي ـ وهو الشيخ الصالح ـ

___________________________________

١ ـ مناقب أحمد : ٦٠٧ ، باب ٩٢.


يقبِّل القبر.

٦ ـ كرامة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقولها الإمام أحمد ، لأنّ معه شعرات من شعره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧ ـ الإمام أحمد بن حنبل يقرن محبّته بزيارة قبره ، وخصوصاً في شهر رمضان ، يقول ذلك مرتين.

إنّي لا اُعلّق على هذه الفقرات ، وإنّما أتركها لك أيها القارئ العزيز ، وإليك أيّها المحرِّم لزيارة القبور أتوجه بالسؤال :

ماذا تقول في الفقرة الرابعة ؟ وبما تجيب ؟ هل يشمل الحق تعالى ما يشملنا ؟ وهل أن الحق تعالى يزور أحمد بن حنبل حسب لأنّه ينشر كلام الله ؟

وهل يقتصر نشر كلام الله تعالى على أحمد بن حنبل فقط ؟ ولِمَ لا يزور الحقّ تعالى نبيَّه على هذا التقدير ؟!

ولِمَ يجوز لأبي بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي أن يقبِّل القبر ، ويتّهم غيره بالكفر ، ويُحلّ قتله وهتك عرضه ونهب أمواله ؟

ألإنّ معه شعرات من شعره ؟

ولا يجوز تقبيل قبور أبناء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم من دمه ولحمه وعظمه وجلده وشعره !!

لِمَ لا يجوز زيارة وتقبيل قبر عمّه حمزة ، وابن عمّه وزوج ابنته ، وأبي ولده عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام !


ويضرب ضريحه ومراقد أبنائه الطاهرين بالمدافع والصواريخ ، ويُكفَّر زائروه ، وتهجم عليه الرعاة الجفاة الهمج الرُعاع بحجة أنّ زيارة القبور حرام !!

فما حدا ممّا بدا ؟

مسألة واحدة والحكم فيها مختلف ومتضارب ، حلال وحرام !

إن ابن الجوزي أجاز لنفسه التجسيد لله سبحانه !

وإنّ مَن في القبور يتكلّمون ، والناس تسمع كلامهم !

وأجاز تقبيل القبور بعد زيارتها !

فما الفرق بين الشعرات وبين سائر الجسد حتى تكون الكرامة للشعرات دون غيرها من الأعضاء ككل ؟!

قول محمد بن عبد الوهاب : « أما آن لهذه الجيفة أن ترفع ؟ ».

فالإمام أحمد بن حنبل يقرن محبته بزيارة قبر !

وحرام وكفر على من يزور نبيّه وإمامه ووليّه ، واُمَّه وأباه محبّةً !

ما هذا الكيل بمكيالين ليس إلّا ضرباً من التلاعب بالألفاظ !

إنّ زيارة القبور لا يختص بها الشيعة فحسب ، بل يزور القبور كلّ أصحاب المذاهب.

باستثناء ابن تيمية ومن لفَّ لفَّه ، وهذا لا يعني أنّ الكلّ على خطأ ؛ وكفره وملاحده إلّا ابن تيمية المعصوم الخالص ، مع ما هنالك من أحاديث صحيحة لا إشكال فيها وردت في الصحاح وكتب السير والتاريخ ، تفيد


كما أسلفنا :

إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة الهداة الميامين عليهم‌السلام من أهل بيته هم أيضاً زاروا القبور ، ووقفوا عليها ، واستغفروا الله تعالى عندها.

وهكذا زوجات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والخلفاء ، والتابعون وتابعوا التابعين وإلى يومنا هذا زاروا ويزورون القبور.

فما حدا ممّا بدا ؟!

ولماذ توصمون الشيعة بالكفر والإلحاد والخروج من ربقة الإسلام ولا يوسم غيرهم إلّا بالثناء والإكبار ؟!


مع أصحاب الصحاح

ما جاء في صحيح البخاري :

ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ، ولمّا مات الحسن بن الحسن ابن علي رضي‌الله‌عنه ضربت امرأته القبّة على قبره سنةً ، ثم رُفِعت ، فسمعوا صائحاً يقول : الأهل وجدوا وما فقدوا ، فأجابه الآخر : بل يأسوا فانقلبوا (١).

تقول : ما قال تعالى : ( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (٢).

وفي صحيح مسلم :

إنّ من السنّة أنّ القبر لا يرفع على الأرض رفعاً كثيراً ولا يسنَّم ، بل يرفع نحو شبرٍ ويُسطَّح (٣).

لمّا كان الحجر قبر هاجر وإسماعيل عليهما‌السلام وبناتهما وسبعين نبيّاً ، والسنّة تقضي بأن لا يرفع ، بل يرفع نحو شبر ، فلماذا الحجر اليوم يعلو ( ١٦٠ سنتمتراً ) وبعرض ( ٥٠ سنتمتراً ) ، مع كون التسطيح سنّة ؟!

ولماذا قال شيخ الإسلام الغزالي : كان التسطيح في القبور على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولمّا اتخذتها الشيعة مِلنا إلى التسنيم !! (٤)

___________________________________

١ ـ صحيح البخاري : ٢ / ١٨٨ ، كتاب الجنائز ، باب زيارة القبور.

٢ ـ الكهف : ٢١.

٣ ـ صحيح مسلم : ٧ / ٣١ ، باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه.

٤ ـ إحقاق الحق ( الأصل ) : ٣٩١.


والحجر بناء محكم مسطَّح !

فإن كان التسطيح حقّاً فالتسنيم باطل. لأنّه خلاف السنّة.

وإن كان التسنيم هو الحقّ فقد خالفتم السنّة.

وقد سلف منّا القول في زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقبر اُمّه ، والاستئذان أن يستغفر لها ، ولكنّ الذي يؤسف له أن نرىٰ مثل هذه الأحاديث التي تسيء إلى مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في اُمّه وأبيه ، وهو الذي تحدّر من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام المطهّرة.

ولكن لمّا كان المقام مقام القول في زيارة القبور ، ترجئ التعليق ثانيةً على مسألة الاستغفار ، التي ذكرها القرآن الكريم بقوله تعالى : ( اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) (١).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنّها تُذكِّركم الموت (٢).

هذا صحيح مسلم ، وهو من الصحاح المعتبرة عندكم ، والحديث لا غبار عليه ، والأمر في زيارة القبور واضح.

وفي تحريمكم الزيارة خروج عن سنّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتحريم ما أحلّ ، وقد قال الله تعالىٰ : ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا... ) (٣)

وجاءت الأحاديث بهذا اللفظ :

___________________________________

١ ـ إبراهيم : ٤١.

٢ ـ صحيح مسلم : ٧ / ٣٩ ، ( باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه ).

٣ ـ الحشر : ٧.


« فزوروا القبور ، فإنّها تذكّر بالموت ».

« نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ».

فماذا نقول فيمن خالف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وخالف العلماء الأعلام في صحاحهم ومؤلفاتهم ؟!

ما جاء في سنن أبي دواد :

تأمّل يا أخي في الإسلام ما جاء في سنن أبي داود ما نصّه :

حدّثنا محمد بن سليمان الأنباري ، ثنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبر اُمّه ، فبكى وأبكى مَن حوله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« استأذنت ربي تعالى على أن أستغفر لها فلم يؤذن لي (١) ، فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنّها تذكّر بالموت » (٢).

وجاء فيه أيضاً : حدّثنا أحمد بن يونس ، ثنا معرف بن واصل ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرةً » (٣).

نستعرض ما جاء في الحديث الأول :

___________________________________

١ ـ لقد تقدّم أنّ جميع الأنبياء والمرسلين والأوصياء معصومون وآباؤهم واُمّهاتهم مسلمون ، وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام خرجوا من أصلابٍ طاهرة وأرحامٍ مطهّرة.

٢ ـ سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ / ٣٢٣٤.

٣ ـ المصدر السابق ، الحديث ٣٢٣٥.


« إستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي ».

الاستئذان من الله تعالى ، والإذن منه لا منّا ولا منكم.

فجاء الإذن بالقبول ، وجاء الأمر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فزوروا القبور ».

نعم ، لماذا تحرّمون زيارة القبور وهي بإذن الله ، وبأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله اُذِن لنا جميعاً بزيارتها ؟!

وفي الحديث الثاني :

كان النهي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن زيارة القبور ثم الأمر ، في قوله :

« فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة ».

وجاء في سننه في باب كراهية القعود على القبور : حدّثنا إبراهيم بن موسى الرازي ، أخبرنا عيسى ، ثنا عبد الرحمن ـ يعني ابن يزيد بن جابر ـ عن بسر بن عبيد الله ، قال : سمعت واثلة بن الأسقع يقول : سمعت أبامرثد الغنوي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تجلسوا على القبور ولا تصلّوا إليها » (١).

نعم : ولا تصلّوا إليها...

فأين أنتم من الحجر « حجر إسماعيل عليه‌السلام » ؟

أليس الحجر قبراً لإسماعيل واُمّه هاجر عليهما‌السلام ؟!

أليس الحجر مقبرةً لسبعين نبياً من الأنبياء عليهم‌السلام ! فلماذا تصلّون إليه من جهات ثلاث ؟ هل سمعتم أو قرأتم : أنّ أحداً منّا رَدَّ عليكم ذلك ، أو أنّ واحداً منّا مَن كفّر أحداً في ذلك بالصلاة إلى الحجر ، وهو مقبرة ؟!

___________________________________

١ ـ سنن أبي داود : ٣ / ٢١٧ ، الحديث ٣٢٢٩.


والحال :

إمّا أن يكون الحديث صحيحاً وليس موضوعاً ، ورجاله ثقات ، فالصلاة جائزة إلى القبور ولا إشكال في ذلك.

وإمّا أن يكون الحديث موضوعاً ؛ فالصلاة إلى القبور باطلة ، ولا حَجَّ في الصلاة الباطلة.

وجاء في باب ( ما يقول إذا زار القبور أو مر بها ) : حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمٰن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إلى المقبرة فقال : « السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » (١).

ما جاء في سنن ابن ماجة :

ما جاء في زيارة القبور : حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيان عن حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « زوروا القبور ، فإنّها تذكّركم الآخرة » (٢).

وفيه أيضاً : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا روح ، ثنا بسطام بن مسلم قال ، سمعت أبا التياح قال : سمعت ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رخّص في زيارة القبور (٣).

___________________________________

١ ـ سنن أبي داود : ٣ / ١٢١٩ ، الحديث ٣٢٣٧.

٢ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٠ / ١٥٦٩.

٣ ـ المصدر السابق : ٥٠١ / ١٥٧٠.


وفيه كذلك : حدثنا يونس بن عبيد الأعلى ، ثنا ابن وهب ، أنبأنا ابن جريح ، عن أيوب بن هاني ، عن مسروق بن الأجدع ، عن ابن مسعود : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

« كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تزهّد في الدنيا ، وتذكّر الآخرة » (١).

« زوروا القبور » أمر لا يقبل التأويل ، وفي الثاني : رخّص في زيارة القبور ، وفي الثالث : كان قد نهى عن زيارة القبور ، ثم أمر ، لأنّها تزهّد في الدنيا ، وتذكّر الآخرة.

تلك نصوص صريحة ، وصحيحة ، وبأسانيد حسنة ، رجالها ثقات ، وباقي رجالها على شرط مسلم.

وهل بعد الحقّ إلّا الضلال ؟

وهل بعد المعروف إلّا المنكر ؟

فأنتم بحكم هذه الأحاديث محكومون بأن لا حرمة في زيارة القبور ، ولا شيء من هذا القبيل يوجب التكفير والإخراج من ربقة الإسلام ، وأنتم بنهيكم تقطعون الصلة بأصحاب القبور ، وتندرس القبور وتندرس سيرة أصحابها ، ولكن أبىٰ الله تعالىٰ إلّا أن يتمّ نوره ، فهذا قبر اُمّنا حواء عليها‌السلام وهي صفحة من صفحات التاريخ ، هذا قبر آدم ونوح وهود وصالح عليهما‌السلام ، وبقيّة الأنبياء شاخصة هي الاُخرى صفحة من صفحات التاريخ.

___________________________________

١ ـ سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٠ ـ ٥٠١ / ١٥٧١.


أمّا تكفيركم لاُمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأبيه فهذه زلّة كبيرة ، فهما عليهم‌السلام كانا على الحنيفية ، بل كان جميع آبائه موحّدين حيث كان صلى‌الله‌عليه‌وآله نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة.

والعجيب أنّ أصحاب الصحاح ينقلون أحاديث في حال السقط وأنّه يقال له :

« أدخل أبويك الجنّة ، فيجرّهما بسرره حتى يدخلهما الجنّة » ، وغير هذه الألفاظ التي وردت.

وسيد الأنبياء والمرسلين وحبيب ربّ العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجرّ والديه إلى الجنّة لأنّهما كافران بحكمكم !!

وإنّ ما ورد في الحديث : « إنّ المؤمن يشفَّع في مثل مُضر وربيعة » ، عجباً !

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يشفّع في والديه !

ولهذا الأمر كان موقفكم من الشفاعة !

فللّٰه درّكم ما بالكم كيف تحكمون ؟

ما جاء في سنن الترمذي :

جاء في سنن الترمذي الجامع الصحيح : حدثنا محمد بن بشار ومحمود بن غيلانة والحسن بن عليّ الخلّال ، قالوا : حدثنا عاصم النبيل ، حدثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :


« قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد اُذن لمحمد في زيارة قبر اُمّه ، فزوروها ، فإنّها تذكّر الآخرة ».

قال : وفي الباب ، عن أبي سعيد وإبن مسعود وأنس وأبي هريرة واُمّ سلمة قال أبو عيسى : حديث بريدة حديث حسن صحيح.

والعمل على هذا عند أهل العلم ، لا يرون بزيارة القبور بأساً.

وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق (١).

نعم ، فقد اُذن لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في زيارة قبر اُمّه !

إن كنتم تدّعون أنّه من أبوين مشركَين بالله تعالى فلِمَ الإذن بالزيارة ؟!

إنّ في الزيارة دعاءً وطلب استغفار ، وتصدّقاً وقراءات...

إنّ الولد الصالح الذي جاء في الحديث : هو النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أبعد الإذن يرد عمله فيهما ؟ كلّا ! وهو حبيب الله حاشا لله ! ثم جاء الأمر : فزوروها ، ولم يستثنِ ، لأنّها تذكّر بالآخرة.

فأبو سعيد ، وابن مسعود ، وأنس ، وأبو هريرة ، واُمّ سلمة ( وهي من أمّهات المؤمنين ) ثم أهل العلم ، هؤلاء جميعاً لا يرون لزيارة القبور بأساً ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.

ألا تكفي هذه الشهادة والفتوى من أهل العلم ؟

وجاء في الخبر : حدّثنا الحسين بن حريث ، حدّثنا عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن عبدالله بن أبي مليكة ، قال : توفّي عبد الرحمٰن بن أبي بكر بحبشي. قال : فحُمل إلى مكة فدُفن فيها.

___________________________________

١ ـ سنن الترمذي ، الحديث ٣ / ٣٧٠ ح ١٠٥٤ ، ط دار أحياء التراث العربي ، بيروت.


فلمّا قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقالت :

وكنّا كَنَدمَانَي جَذيمةَ حِقبةً

من الدهر حتى قيل : لن يتصَدعا

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً

لطول اجتماعٍ ، لم نَبِتْ ليلةً مَعَا

ثم قالت : واللهِ لو حضرتُكَ ما دفنت إلّا حيث متّ ، ولو شهدتك ما زرتك (١).

« ... أين كنتِ ؟ قالت : عند قبر أخي عبد الرحمن ، فقال : ألم ينهَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن زيارة القبور ؟! فقالت : ثم أمر ».

فإمّا : أن يكون شيخ الإسلام الغزالي قد اشتبه ، وإمّا أن يكون الترمذي قد اشتبه ، وكلاهما واحد ! لأنّهما اجتهدا في أن يأتيا بالحديث هكذا ، فأخطأ أحدهما واشتبه الآخر ، ثم أمر.

فعائشة تزور قبر أخيها عبد الرحمن ولكنّها تقول : لو شهدتك ما زرتك.

فهي الاُخرى اجتهدت : « ولو شهدتك ما زرتك » مع أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقولها : « ثم أمر ».

فتأمّل الحديث :

حدثنا قتيبة ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن

___________________________________

١ ـ إحياء علوم الدين : ٤ / ٤٨٤ ، سنن الترمذي : ٣ / ٣٧١ ح ١٠٥٥.


أبي هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لعن زوّارات القبور » (١).

هذا في حالة حلّيّة الزيارة بعد الترخيص يكون الأمر خلاف ذلك ، ومهما يكن من أمرٍ فإنّ زيارة القبور مرخّص ومأمور بها بعد النهي.

فعلامَ هذه الضجّة الكبرى ؟!

وعلامَ هذا التكفير لمن يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله ؟!

ما جاء في سنن النسائي :

وتأمّل عزيزي القارئ الكريم سنن النسائي ، وحكم زيارة القبور (٢) :

أخبرني محمد بن آدم ، عن ابن فضيل ، عن أبي سنان ، عن محارب بن دثار ، عن عبدالله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ».

و« نهيتكم عن زيارة القبور ، فمن أراد أن يزور فليزُر ، ولا تقولوا هجراً ».

إنّ مثل هذا الحديث قد تكرّر وأصبح في عداد المتواتر ، وما إيرادي له إلّا لأنّه في سنن النسائي وإكمالاً للحجة.

هذه صحاح القوم زاخرة بمثل هذا الحديث ، ومع هذا يكفِّرون من يزور القبور ، وهو خلاف ما ذكره أصحاب الصحاح ورجال الحديث !

___________________________________

١ ـ سنن الترمذي : ٣ / ٣٧١ ح ١٠٥٦.

٢ ـ سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي : ٤ / ٨٩.


مع الغدير الذي لا ينضب

جاء في كتاب الغدير (١) للعلامة الشيخ أحمد الأميني النجفي رحمه‌الله زيارة مشاهد العترة الطاهرة والدعاء عندها ، والصلاة فيها ، والتوسل والتبرك بها :

قد جرت السيرة المطّردة في صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان على زيارة قبور ضمنت في كنفها : إمّا نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو ولياً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمتها قبر النبيّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرك والتوسل بها إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أي نكير من آحادهم ، وأي غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم.

حتى ولد الدهر ابن تيمية الحرّاني فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي فترة ، وأنكر تلكم السنّة الجارية ، سنّة الله التي لا تبديل لها ، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ، وخالف هاتيك السيرة المتّبعة ، وشذّ عن تلكم الآداب الإسلامية الحميدة ، وشدّد النكير عليها بلسانٍ بذيء ، وبيان تافه ، ووجوه خارجة عن نطاق العقل السليم ، بعيداً عن : أدب العلم ، أدب الدين ، أدب الكتابة ، أدب العفّة ، وأفتى بحرمة شدّ الرحال لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعَدّ السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة ، فخالفه أعلام عصره

___________________________________

١ ـ الغدير : ٥ / ١٣٣ ـ ١٣٥.


ورجالات قومه ، فقابلوه بالطعن والردّ الشديد ، فأفرد هذا بالوقيعة عليه تأليفاً حافلاً « كشف السقام في زيارة خير الأنام » لتقي الدين السبكي ، و« الدرّة المضيّة في الردّ على ابن تيمية » للسبكي أيضاً ، و« المقالة المرضية » لقاضي قضاة المالكية تقي الدين أبي عبدالله الإخنائي ، و« نجم المهتدي ورجم المقتدي » للفخر بن المعلّم القرشي ، و« دفع الشبهة » لتقي الدين الحصني ، و« التحفة المختارة في الردّ على منكر الزيارة » لتاج الدين الفاكهاني المتوفّىٰ ( ٨٣٤ هـ ) وتأليف بن عبدالله محمد بن عبد المجيد القاسي المتوفّىٰ ( ١٢٢٩ هـ ).

وجاء بعد ذلك من يزيّف آراءه ومعتقداته في طيّ تآليفه القيّمة « كالصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية » للشيخ سليمان بن عبد الوهاب في الردّ على أخيه محمد بن عبد الوهاب النجدي ، وتلاه « الفتاوى الحديثية » لإبن حجر ، و« المواهب اللدنّية » للقسطلاني ، و« شرح المواهب » للزرقاني ، وكتب اُخرى كثيرة ، وهناك ثالث يترجمه بعُجره وبُجره ، ويعرفه للملأ ببدعه وضلالاته.

وقد أصدر الشاميون فتياً ، وكتب عليها البرهان بن الفركاخ الفزاري نحو أربعين سطراً بأشياء ، إلى أن قال بتكفيره ، ووافقه على ذلك الشهاب ابن جهبل ، وكتب تحت خطّه كذلك المالكي ، ثم عرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر البدر بن جماعة ، فكتب على ظاهر الفتوى :

الحمد لله ، هذا المنقول باطنها جواب على السؤال عن قوله : إنّ زيارة الأنبياء والصالحين بدعة ، وما ذكره من نحو ذلك ومن أنّه لا يرخّص بالسفر لزيارة الأنبياء باطل مردود عليه ، وقد نقل جماعة من العلماء أنّ


زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة وسنّة مجمع عليها ، وهذا المفتي المذكور ـ يعني ابن تيمية ـ ينبغي أن يزجر من مثل هذه الفتاوى الباطلة عند أئمة العلماء ، ويمنع من الفتاوى القريبة ، ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ، ويشهَّر أمره ليتحفّظ الناس من الاقتداء به.

وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.

وكذلك يقول محمد بن الجريري الأنصاري الحنفي : لكن يحبس الآن جزماً مطلقاً.

وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي : ويبالغ في زجره حسب ما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي : راجع دفع الشبهة « ٤٥ ـ ٤٧ ». وهؤلاء الأربعة هم قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة (٧٢٦) (١).

أخي في الإسلام ، أيها القارئ العزيز :

الآن عرفت حقيقة الأمر ، وكيف أفتى قضاة المذاهب بما جاء بفتوى ابن تيمية ، فلا تكن ظالماً لنفسك ولغيرك ، وأعرض عن فكرة طعن زوّار القبور ، فإنّ أهل الإسلام لا يرون في زيارة القبور بأساً ، بل حثّ وأمر ، كما مرّ بنا سلفاً.

فراجع ما بعده ، فإنّ ماء الغدير نافع ، وإنّ على ضفاف الغدير أمر عظيم ، يفوتنّك ، فإنّ غداً لناظره قريب ، فأين الآباء والأجداد ؟ وأين المؤالف والمخالف ؟

___________________________________

١ ـ راجع تكملة السيف الصقيل للشيخ محمد زاهد الكوثري : ١٥٥.


فالكلّ شاخص بين يدي ربه ، بعد أن يزور القبر ، ويُسأَل فيه عمّا كسبت يداه ، ولفظ لسانه ، وجرى لسنانه وجوارحه ، وجنانه ، فإلى أين المفرّ ؟ ومن أين المهرَب ؟

فالقبر صندوق العمل ، وما سهل فيه من القيامة استقرّ.

وقد ذكر صاحب الغدير شطراً من الأحاديث التي وردت في الصحاح المسندة في باب زيارة قبر النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله نذكر منها :

الأوّل : عن عبدالله بن عمر مرفوعاً : « من زار قبري وجبت له شفاعتي ».

أخرجته اُمّة من الحفّاظ وأئمة الحديث ، منهم :

١ ـ عبيد بن محمد أبو محمد الورّاق النيسابوري المتوفّىٰ ( ٢٢٥ هـ ).

٢ ـ إبن أبي الدنيا أبوبكر عبدالله بن محمد القرشي المتوفّىٰ ( ٢٨١ هـ ).

٣ ـ الدولابي أبو بشر محمد الرازي المتوفّىٰ (٣١٠) ، في « الكنى والأسماء » ٢ / ٢٦٤.

٤ ـ محمد بن إسحاق ، أبوبكر النيسابوري المتوفّىٰ (٣١١) ، الشهير بابن خزيمة ، أخرجه في صحيحه.

٥ ـ الحافظ محمد بن عمرو أبو جعفر العقيلي المتوفّىٰ (٣٢٢) ، في كتابه : « الضعفاء الكبير » : ٤ / ١٧٠ ، رقم ١٧٤٤.

٦ ـ الحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّىٰ (٣٦٥) ، في الكامل « الكامل في ضعفاء الرجال » : ٦ / ٣٥١ ، رقم ١٨٣٤.

٧ ـ الحافظ أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني المتوفّىٰ (٣٨٥) ، في سننه « سنن الدارقطني » : ٢ / ٢٧٨ ، ج ١٩٤.


٨ ـ أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي المتوفّىٰ (٤٥٠) ، في « الأحكام السلطانية » ٢ / ١٠٩.

٩ ـ الحافظ أبو القاسم عليّ بن عساكر المتوفّىٰ (٥٧١) ، في تاريخه في باب من زار قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله : « مختصر تاريخ دمشق » : ٢ ٤٠٦.

١٠ ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (٤٥٨) ، في السنن وغيره : « السنن الكبرى » : ٥ / ٢٤٥.

١١ ـ الحافظ إبن الديبع أبو محمد الشيباني المتوفّىٰ (٩٤٤) ، في « تمييز الطيّب من الخبيث » : ١٨٤ / ١٣٩٥.

١٢ ـ زين الدين عبد الرؤوف المنّاوي المتوفّىٰ (١٠٣١) ، في « كنوز الحقائق » : ١٤١ ، وشرح الجامع الصغير للسيوطي : ٦ / ١٤٠.

الثاني : عن عبدالله بن عمر مرفوعاً : « من جاءني زائراً لا تحمله إلّا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ».

وفي لفظ : « لا تحمله إلّا زيارتي » :

وفي آخر : « لم تنزعه حاجة إلّا زيارتي ».

وفي رابع : « لا ينزعه إلّا زيارتي كان حقاً على الله عزّ وجلّ ».

وفي خامس للغزالي : « لا يهمّه إلّا زيارتي » ، أخرجه جمع من الحفّاظ لا يستهان بهم وبعدّتهم ، منهم (١) :

١ ـ الحافظ الطبراني أبو القاسم المتوفّىٰ (٣٦٠) ، أخرجه في معجمه

___________________________________

١ ـ المعجم الكبير : ١٢ / ٢٢٥ ، ح ١٣١٤٩ ، إحياء علوم الدين : ١ / ٢٣١ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، شفاء السقام : ١٦ ـ ٢٠ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٠ ، المواهب اللدنّية : ٤ / ٥٧١ ، مُغني المحتاج : ١ / ٥١٢.


الكبير.

٢ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (٣٨٥) ، أخرجه في أماليه.

٣ ـ الحافظ ابن عساكر المتوفّىٰ (٥٧١) ، صاحب « تاريخ الشام ».

٤ ـ الحافظ يحيى بن علي القرشي الاُموي المالكي ، المتوفّىٰ (٦٢٢).

٥ ـ تقيّ الدين السبكيّ الشافعيّ المتوفّىٰ (٧٥٦) ، فَصَّل القول في طرق هذا الحديث ، وأخرجه من طرقٍ شتّىٰ ، وصحّحه في « شفاء السقام » : ١٣ ـ ١٦.

الثالث : عن عبدالله بن عمر مرفوعاً : « من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ».

وفي غير واحدٍ من طرقه زيادة : « وصحبني ».

أخرجه جمع من الحفّاظ ، منهم (١) :

١ ـ الحافظ عبد الرزاق أبوبكر الصنعاني المتوفّىٰ (٢١١).

٢ ـ الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني المتوفّىٰ (٣٠٣).

٣ ـ الحافظ أبو أحمد بن عدي المتوفّىٰ (٣٦٥) ، في الكامل.

٤ ـ الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفّىٰ (٩١١) ، في الجامع الكبير كما في ترتيبه : ٨ / ٩٩.

٥ ـ قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي ، المتوفّىٰ ( ١٠٦٩ )

___________________________________

١ ـ المعجم الكبير : ١٢ / ٣١٠ / ١٣٤٩٧ ، الكامل في ضعفاء الرجال : ٢ / ٣٨٢ ، رقم ٥٠٥ ، سنن الدارقطني : ٢ / ٢٧٨ ، ح ١٩٢ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، الدرّة الثمينة : ٣٩٧ ، مشكاة المصابيح : ٢ / ١٢٨ / ٢٧٥٦ ، شفاء السقام : ٢٠ ـ ٢٧ ، الروض الفائق : ٣٨٠ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٠ ، كنز العمال : ١٥ / ٦٥١ / ٤٢٥٨٢ ، نسيم الرياض : ٣ / ٥١١ ، نيل الأوطار : ٥ / ١٠٨.


في « شرح الشفا » للقاضي عياض : ٣ / ٥٦٧.

أخي القارئ العزيز :

أنت ترى هؤلاء الحفّاظ هم من عليّة العلماء ، ومن ذوي المؤلّفات القيّمة والمعتبرة ، وهم جميعاً من إخواننا ، ومن الصعب بمكان أن يوجَّه إليهم إصبع الاتّهام ؛ إذ لا مصلحة لهم في إيراد مثل هذه الأحاديث غير تثبيت الحق والتعريف بالحقيقة ليس إلّا ، أمّا أن يكون هناك من توسوس له النفس الأمّارة بالسوء على الوضع والحذف والتغيير ، فهذا ما لا اعتبار له ، وإنّ علماء الحديث والرجال ما تركوا شاردةً ولا واردةً في هذا الباب إلّا ورصدوها ، ونحن لا نقول كما قال الذهبي وهو يترجم أحد رجال الحديث بقوله : كان من رجال الصحاح ، وكان ثقة ، وكان صدوقاً ، وكان متديناً عفَّاً ورعاً ، يصوم النهار ويقوم الليل ، صادق اللسان ، ولكن يطرح قوله لأنّه شيعي (١).

الرابع : عن عبدالله بن عمر مرفوعاً : « من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني ».

أخرجه جمع ، منهم :

١ ـ الحافظ أبو حاتم محمد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّىٰ (٣٥٤) ، في الضعفاء.

٢ ـ الحافظ الدارقطني المتوفّىٰ (٣٥٨) في كتابه « أحاديث مالك التي ليست في الموطّأ ».

___________________________________

١ ـ من محاضرات الشيخ أحمد الوائلي رحمه‌الله.


٣ ـ السيد نور الدين السمهودي (١) المتوفّىٰ (٩١١) ، في « وفاء الوفا » : ٢ / ٣٩٨.

٤ ـ أبو العباس شهاب الدين القسطلاني (٢) المتوفّىٰ (١١٦٢) ، في « المواهب اللدنّية » ، نقلاً عن ابن عدي ، وإبن حبّان ، والدارقطني.

٥ ـ الشيخ محمد الشوكاني المتوفّىٰ (١٢٥٠) ، في « نيل الأوطار » : ٤ / ٣٢٥.

عزيزي القارئ :

إقرع الحجّةَ بالحجّةِ ، والدليلَ بالدليلِ ، ولا تستسلم للنفس الأمّارة بالسوء ، ولا تتعصّب إلّا للحقّ وبالحقّ ، تجد راحةً في النفس واطمئناناً ، ودَعِ التعصّب للتعصّب ، ولا تجتهد مع النصّ فتكن من الظالمين.

نحن بأمسّ الحاجة إلى الاعتصام بحبل الله ؛ لأنّ العدوَّ يريد بنا السوء ، ويتربّص بنا الدوائر.

الخمس : عن عمر مرفوعاً : « من زار قبري ـ أو من زارني ـ كنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عزّ وجلّ في الآمنين يوم القيامة ».

أخرجه (٣) :

١ ـ الحافظ أبو داود الطيالسي المتوفّىٰ (٢٠٤) ، في مسنده : ١ / ١٢.

٢ ـ الحافظ البيهقي المتوفّىٰ (٤٥٨) ، في « السنن الكبرى » : ٥ / ٢٤٥.

___________________________________

١ ـ نسبةً إلىٰ سمهود ، وهي قرية كبيرة أو ناحية في غربي النيل بمصر. ( معجم البلدان : ٣ / ٢٥٥ ).

٢ ـ وهي نسبة إلىٰ قسطلة ، بلدة بالأندلس. ( معجم البلدان : ٤ / ٣٤٧ ).

٣ ـ مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٧ ، شفاء السقام : ٦ / ٢٩ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٣ ، المواهب اللدنّية : ٤ / ٥٧١ ، تمييز الطيب من الخبيث : ١٣٩٥ / ١٨٤ ، كنوز الحقائق : ٢ / ١٠٧ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٥١ / ٢٤٨٩.


٣ ـ الحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل الدمشقي ، المتوفّىٰ (٦٤٨).

٤ ـ الحافظ ابن الديبع المتوفّىٰ (٩٤٤) : في تمييز الطيب : « ١٦٢ ».

٥ ـ زين الدين عبد الرؤوف المناوي المتوفّىٰ (١٠٣١) ، في « كنوز الحقائق » : ١٤١.

٦ ـ الشيخ إسماعيل العجلوني المتوفّىٰ (١١٦٢) ، في « كشف الخفاء » : ٢ / ٢٧٨.

السادس : عن حاطب بن أبي بلتعة مرفوعاً : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة من الآمنين ».

أخرجه (١) :

١ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (٣٨٥) ، في السنن.

٢ ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (٤٥٨).

٣ ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي المتوفّىٰ (٥٧١).

٤ ـ الحافظ أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي المتوفّىٰ (٧٠٥).

٥ ـ أبو عبدالله العبدري المالكي ابن الحجّاج المتوفّىٰ (٧٣٧) ، في المدخل.

٦ ـ تقي الدين السبكي المتوفّىٰ (٧٥٦) ، في « شفاء السقام » : ٢٥.

٧ ـ نور الدين السمهودي المتوفّىٰ (٩١١) ، في « وفاء الوفا » : ٢ / ٣٩٩.

٨ ـ الجرّاحي العجلوني المتوفّىٰ (١١٦٢) ، في « كشف الخفاء » :

___________________________________

١ ـ سنن الدارقطني : ٢ / ٢٧٨ / ١٩٣ ، السنن الكبرى : ٥ / ٢٤٥ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، المدخل : ١ / ٢٦١ ، شفاء السقام : ٨ / ٣٢ ـ ٣٣ ، الروض الفائق : ٣٨٠ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٤ ، المواهب اللدنّية : ٤ / ٥٧١ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٨٠ / ٢٦١٩.


٢ / ٥٥١.

عن ابن عساكر والذهبي ، وحكي عن الأخير أنّه قال : إنّ هذا الحديث من أجود أحاديث الباب إسناداً.

السابع : عن أبي هريرة مرفوعاً : « من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة ».

أخرجه (١) :

١ ـ الحافظ أبوبكر أحمد بن موسى بن مردويه المتوفّىٰ (٤١٦).

٢ ـ أبو الفتوح سعيد بن محمد اليعقوبي المتوفّىٰ (٥٥٢) ، في فوائده.

٣ ـ الحافظ أبو سعد عبد الكريم السمعاني الشافعي المتوفّىٰ (٥٦٢).

٤ ـ ابن الأغاطي إسماعيل بن عبدالله الأنصاري المالكي المتوفّىٰ (٦١٩).

٥ ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفّىٰ (٩١١) ، في « وفاء الوفا » : ٢ / ٤٠٠.

عزيزي القارئ :

ما تقدّم ويأتي أحاديث من كتب إخواننا روته ثقاتهم ، وثبتت في مؤلفاتهم وصحاحهم ، نوردها لك لبيان الحقيقة.

الثامن : عن أنس بن مالك مرفوعاً : « من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً ».

وفي رواية اُخرى عنه أيضاً : « من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة ».

___________________________________

١ ـ شفاء السقام : ٣٥ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٥.


وفي لفظ ثالث له زيادة : « وكنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة » ، أخرجته اُمّة من الحفّاظ ، منهم (١) :

١ ـ ابن أبي فُديك محمد بن إسماعيل المتوفّىٰ (٢٠٠).

٢ ـ الحافظ ابن عبدالله الحاكم النيسابوري المتوفّىٰ (٤٠٥).

٣ ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (٤٥٨) ، عن « شعب الإيمان ».

٤ ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفّىٰ (٥٩٧) ، في « مثير الغرام الساكن ».

٥ ـ شمس الدين أبو عبدالله الدمشقي الحنبلي المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّىٰ (٧٥١) ، في « زاد المعاد » : ٢ / ٤٧.

٦ ـ الشيخ منصور علي ناصيف في « التاج » : ٢ / ٢١٦.

عزيزي القارئ : وكذلك تجد بين يديك اُمّةً من المحدّثين ، منهم :

عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن عمر ، وأبو هريرة ، وأنس بن مالك ، وهم من الصحابة ، وكل اُولئك يجوِّز ابن تيمية عليهم الوضع والكذب ، مع اُولئك العلماء الحفّاظ الذين نقلوا الأحاديث في زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال ابن تيمية : إنّ أغلب هذه الأحاديث موضوعة.

وهو بكلّ جهالةٍ يصدّق نفسه ، فيحرِّم زيارة القبور وهي حلال ، والعجب في الأمر أنّ ابن تيمية لا يورد ولو دليلاً واحداً نقلاً ولا عقلاً على صدق ما ادّعاه ، لا من الكتاب ولا من السنّة ، مع وجود هذا العدد الهائل من الأحاديث والرواة والصحابة والعلماء ، والعشرات من المؤلّفات

___________________________________

١ ـ شعب الإيمان : ٣ / ٤٩٠ / ٤١٥٨ ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٢ / ١٩٥ ، مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٤٠٦ ، شفاء السقام : ٣١ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٥ ، المواهب اللدنّية : ٤ / ٥٧٢ ، كنز العمال : ١٢ / ٢٧٢ / ٣٥٠٠ ، وج ١٥ / ٦٥٢ / ٤٢٥٨٤ ، نيل الأوطار : ٥ / ١٩٥ ، مختار الأحاديث النبويّة : ١٧٩ ، مصباح الظلام : ٢ / ٣٥ / ٦٣٠ ، التاج الجامع للاُصول : ٢ / ١٩٠.


والصحاح المعتبرة ! وإنّي لعلىٰ ثقةٍ أنّ ابن تيمية ومن سلك مسلكه من الأولين والآخِرِين يعلمون الحقيقة ، وأنّ ما ورد هو الصواب ، ولكن يغالطون أنفسهم ، ويغالطون الناس بدوافع خارجة عن إرادتهم ، وخير ما يمكن أن يقال : خالِفْ تُعرف.

نحن نزور القبور لأنّها تذكّرنا بالموت ، والموت حق ، وتذكرنا بالآخرة ، والآخرة حق.

ونقرأ من خلال زيارتنا للقبور صفحة الماضين ، فنتّعظ ؛ لئلّا نكون عوناً للجبابرة ، وهو حقّ ، والحقّ أحقّ أن يتبع.

بل لنا بالأنبياء والأولياء والصلحاء اُسوة حسنة ، تردّ عنّا الشرَّ والظلم.

التاسع : عن أنس بن مالك مرفوعاً : « من زارني ميّتاً فكأنّما زارني حيّاً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحدٍ من اُمّتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر » أخرجه (١) كلّ من :

١ ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفّىٰ (٣٦٠).

٢ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني المتوفّىٰ (٣٨٥).

٣ ـ الحافظ أبوبكر البيهقي المتوفّىٰ (٤٥٨).

٤ ـ القاضي عياض المالكي المتوفّىٰ (٥٤٤).

٥ ـ قاضي القضاة الخفاجي الحنفي المتوفّىٰ (١٠٦٢) ، في « شرح الشفا » : ٣ / ٥٦٥ ، ونقله عن البيهقي والدارقطني والطبراني وابن منصور.

٦ ـ زين الدين عبد الرؤوف المنّاوي المتوفّىٰ (١٠٣١) ، في « كنوز صلى‌الله‌عليه‌وآله

___________________________________

١ ـ الدرّة الثمينة : ٣٩٧ ، شفاء السقام : ٣٧ ، المواهب اللدنّية : ٤ / ٥٧٢ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٦ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٥٠ / ٢٤٨٩.


الحقائق » : ١٤١ ، بلفظ : « من زار قبري بعد موتي ».

أيّها القارئ الكريم :

ها هي الأحاديث تنبئ عن حقيقة ، وهي : أنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته كزيارته ولقائه في حياته ، ولا يخفى أنّ الكثير ينتابهم الفخر بأنّهم رأوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلّموا عليه وكلّموه... ولنا أن نفخر حين زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

العاشر : عن ابن عباس مرفوعاً : « من حجّ إلى مكة ، ثم قصدني في مسجدي كتبت له حَجّتان مبرورتان ».

أخرجه الديلمي في مسنده ، كما في « وفاء الوفا » : ٤ / ١٣٧٤ ، و« نيل الأوطار » : ٥ / ١٠٩.

نحن نفهم من هذا الحديث أنّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تعدل حجّتان مبرورتان ، كما هو النصّ فلا تصدّنّك نفسك أن لا تحصل على حجّتين مبرورتَين ، وكن على اُهبة الاستعداد ودع ما لا دليل عليه.

الحادي عشر : روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « من وجد سعةً ولم يَفِدْ ـ يغدُ ـ إليَّ فقد جفاني » (١).

ذكره إبن فرحون في مناسكه ، والغزالي في الإحياء : ١ / ٢٣١ ، والقسطلاني في « المواهب اللدنّية » : ٤ / ٥٧١ ، والعجلوني في « كشف الخفاء » : ٢ / ٢٧٨.

نعم ، ونحن نرى أنّ من يستطيع ولا يتشرّف لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد جفاه ، ومن استطاع وزاره فقد فاز فوزاً عظيماً ، أقلّها حجّة مبرورة.

أمّا شفاعته فعند الله تعالى حسابها.

___________________________________

١ ـ سنن الدارقطني : ٢ / ٢٧٨ / ١٩٤ ، وفاء الوفا : ٤ / ١٣٤٢.


الثاني عشر : عن أبي عبدالله محمد بن العلاء ، قال : دخلت المدينة وقد غلب عليَّ الجوع ، فزرت قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسلّمت عليه وعلى الشيخين رضي‌الله‌عنه ، وقلت : يا رسول الله جئتُ وبي من الفاقة والجوع ما لا يعلمه إلّا الله تعالى ، وأنا ضيفك في هذه الليلة ، ثمّ غلبني النوم فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في المنام فأعطاني رغيفاً فأكلت نصفه ، ثم انتبهت من المنام وفي يدي نصفه الآخر ، فتحقق عندي قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« مَن رآني في المنام فقد رآني حقّاً ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي ».

ثمّ نوديت : « يا أبا عبدالله ، لا يزور قبري أحد إلّا غُفر له ونال شفاعتي غداً ».

ذكره الشيخ شعيب الحريفيش في « الروض الفائق » : ٢ / ٣٨١ ، فقال في المعنى :

مَن زارَ قبرَ محمدٍ

نالَ الشفاعةَ في غَدِ

باللهِ كرِّر ذِكرَهُ

وحديتَهُ يا مُنشِدي

واجعَلْ صلاتَكَ دائماً

جَهراً عليهِ تهتَدي

فهوَ الرسولُ المصطفى

ذو الجودِ والكفِّ الندي

وهو المشفَّعُ في الورى

مِن هَولِ يومِ الموعِدِ

والحوضُ مخصوصٌ بِهِ

في الحشرِ عذبُ المورِدِ

صلّى عليهِ ربّنا

ما لاحَ نَجمُ الفَرقَدِ (١)

___________________________________

١ ـ انظر الغدير في الكتاب والسنّة والأدب : ٥ / ١٦٤ ، طبع مركز الغدير للدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، ١٤١٦ هـ ( ١٩٩٥ م ).


أقوال أعلام المذاهب الأربعة في زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١ ـ قال أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي المتوفّىٰ (٤٥٠) في « الأحكام السلطانية » (١) :

فإذا عاد ـ وليّ الحاجّ ـ سار بهم على طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؛ ليجمع لهم بين حجّ بيت الله وزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، رعايةً لحرمته وقياماً لحقوق طاعته ، وذلك وإن لم يكن من فروض الحجّ فهو من مندوبات الشرع المستحبّة ، وعبادات الحجيج المستحسنة.

وقال في الحاوي : أمّا زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فمأمور بها ومندوب إليها.

عزيزي القارئ تأمّل العبارة المذكورة جيداً :

رعايةً لحرمته ، وقياماً بحقوق طاعته ، فهو من مندوبات الشرع المستحبة ، وعبادات الحجيج المستحسنة.

٢ ـ حكى عبد الحقّ بن محمد الصقلي المتوفّىٰ (٤٦٦) في كتابه « تهذيب الطالب » ، عن الشيخ أبي عمران المالكي أنّه قال : إنّما كره مالك أن يقال :

زُرنا قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؛ لأنّ الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها ، وزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واجبة.

قال عبد الحقّ :

___________________________________

١ ـ الأحكام السلطانية : ٢ / ١٠٩.


يعني من السنن الواجبة ( في المدخل : ١ / ٢٥٦ ) ، يريد وجوب السنن المؤكّدة.

٣ ـ قال ابن هبيرة المتوفّىٰ (٥٦٠) ، في كتاب « اتفاق الأئمّة » : اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل ـ رحمهم الله تعالى ـ على أنّ زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مستحبة ، « المدخل لابن الحاجّ » : ١ / ٢٥٦.

٤ ـ قال أبو محمد عبد الكريم بن عطاء الله المالكي ، المتوفّىٰ (٦١٢) في مناسكه :

فصل : إذا كمل لك حجّك وعمرتك على الوجه المشروع لم يبقَ بعد ذلك إلّا إتيان مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للسلام على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والدعاء عنده ، والسلام على صاحبَيه ، والوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين ، والصلاة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا ينبغي للقادر على ذلك تركه.

هذا قليل من كثيرٍ ممّا يمكن أن ينهله الطالب من الغدير ؛ فيفيد به ويستفيد ، تركنا الأمر المزيد للقارئ العزيز.

فلماذا يا أخي المسلم تكفّروننا ؟ وأئمّتكم يدعون إلى الزيارة ويزورون ويتشرّفون ، ويدعون ويطلبون عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

يطلبون من كريمٍ بما له عند الله من الجاه الوجيه.

ألّف الشيخ تقيّ الدين السبكي الشافعي المتوفّىٰ (٧٥٦) كتاباً حافلاً في زيارة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في (١٨٧) صحيفة وأسماه « شِفاء السقام في زيارة خير الأنام » ، ردّاً على ابن تيمية ، وذكر كثيراً من أحاديث الباب ، ثم


جعل باباً في نصوص العلماء من المذاهب الأربعة على استحبابها ، وأنّ ذلك مجمع عليه بين المسلمين.

وقال في شفاء السقام :

لا حاجة إلى تتبّع كلام الأصحاب في ذلك مع العلم باجتماعهم وإجماع سائر العلماء عليه.

والحنفية قالوا : إنّ زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أفضل المندوبات والمستحبات ، بل تقرب من درجة الواجبات ، وممّن صرّح بذلك : أبو منصور محمد بن مكرم الكرماني في مناسكه ، وعبدالله بن محمود بن بلدحي في « شرح المختار » ، وفي فتاوى أبي الليث السمرقندي في باب أداء الحج (١).

وقال ايضاً :

كيف يتخيل في أحد من السلف منعهم من زيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى (٢) ؟!

وحكىٰ عن القاضي عياض وأبي زكريا النووي اجماع العلماء والمسلمين على إستحباب الزيارة (٣).

أخي القارئ العزيز :

ماذا تقول في الملايين التي تتوجّه إلى الحجّ والعمرة كلّ عام ، حيث

___________________________________

١ ـ شِفاء السقام : ٤٨.

٢ ـ المصدر السابق : ٥٩.

٣ ـ المصدر السابق : ٦١.


القليل القليل الذين لا يوفَّقون لزيارة قبر النبيّ الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

هل أنّ هذه الملايين التي تحجّ كلّ عامٍ جميعاً على خطأ ؟!

أو هل أنّ هذه الحشود العظيمة مشركة وكافرة ؛ لأنّها تزور القبور ؛ قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور الشهداء في البقيع واُحدٍ وغيرهما من الأماكن ؟!

وبين هذه الحشود المليونية قضاة وحكّام واُمراء ووزراء وملوك ، وعلماء ! أكُلّ اُولئك كفرة يجب قتلهم ومحاربتهم ، والنيل منهم كما نالوا منّا ؟! أم ماذا ؟

تأمّل أخي العزيز هذه الآية الكريمة :

( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) (١).

لأنّ تعظيمه لا ينقطع بموته ، ولا يقال : إنّ استغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم إنّما هو في حياته وليست الزيارة كذلك ، لِما أجاب به بعض الأئمة المحقّقون من أنّ الآية دلّت على تعليق وجدان الله تعالى تَوّاباً رحيماً بثلاثة اُمور : المجيء ، واستغفارهم ، واستغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم.

وقد حصل استغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لجميع المؤمنين ؛ لأنّه قد استغفر للجميع ، قال الله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) (٢).

فإذا حصل مجيئهم واستغفارهم كملت الاُمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته (٣).

___________________________________

١ ـ النساء : ٦٤.

٢ ـ محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ١٩.

٣ ـ المواهب اللدنّية للقسطلاني : ٤ / ٥٧٢.


وأمّا الإجماع فأجمع العلماء على استحباب زيارة القبور للرجال ، كما حكاه النووي ، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها... (١).

هذا غيض من فيض ممّا قاله العلماء في استحباب زيارة القبور ، فما ظنّك بمن يجاور رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يزوره حيّاً فترةً من الزمان ؟ أليس هذا هو الجفاء بعينه ؟!

فما الفرق في زيارته في حياته وبعد مماته ؟

وهو القائل : « مَن زارني بعد موتي كمن زارني في حياتي ».

أزوره لاُجدّد العهد.

أزوره لأتذكّر معاناته.

أزوره لأنّه أخرجنا بالإسلام من الظلمات إلى النور.

أزوره لأنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحبيب الله ، وخاتِم الأنبياء والمرسلين ، جاء من عند الله وصدّق المرسلين.

أزوره امتثالاً لأمر الله ، وتعظيماً لتلك الروح المقدّسة التي عانت ما عانت في سبيل إظهار الحق ، وإزهاق الباطل.

أزوره لأتأسّىٰ به ؛ لأنّه خير من يُتأسّٰ كما قال تعالى :

( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (٢).

فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز بأمرٍ من الله تعالى زيارة القبور ، وأمرنا أن نزورها بعد أن زارها بنفسه ، والصحابة والتابعون ، وأمرنا تعالى بطاعته

___________________________________

١ ـ وفاء الوفا : ٤ / ١٣٦٢.

٢ ـ الأحزاب : ٢١.


بقوله :

( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١).

أزوره عارفاً بفضله ، ناهجاً منهجه ، مُقِرّاً معترفاً أنّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، داعياً إلى الله تعالى لنيل شفاعته ، والعيش على ضوء شريعته وبركات سنّته ، حتّىٰ ألقىٰ الله تعالى وأنا مسلم محمدي.

أزوره لأنّه رسول الله وهو حجّة الله ، وهو برهان الله ، يستوجب التعظيم والتقدير حيّاً وميّتاً ، إنّ ما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من قدسية وتعظيم ومقام وهو حي له وهو ميت.

وليس كما قال محمد بن عبد الوهاب : إنّ عصايَ هذه خير من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وكما قال أيضاً :

أما آن لهذه الجيفة أن تُرفَع.

وقد أسلفنا كيف أنّ الله تعالى أمر كليمه موسى بن عمران عليه‌السلام ، أن يُخرج رفاةَ يوسف الصدّيق عليه‌السلام من البحر ويدفنه في بلاد الشام إكراماً وتعظيماً ، وقد جعل لمن يُدلّه عليه بما هو من الإعجاز عجوز ردّ عليها بصرها ، وأصلح رجليها ، وأعاد شبابها ، وضمن لها الجنّة مع موسى عليه‌السلام.

ولم يكن يوسف عليه‌السلام عند الله أعظم من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله شأناً ، وقد اتخذه حبيباً وخاتِماً للأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله.

___________________________________

١ ـ الحشر : ٧.

٢ ـ الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية لابن تيمية : ٤٢.


عجباً ! الله تعالى يكرم الإنسان ويفضّله على كثيرٍ ممّن خلق تفضيلاً ، وبعض من يقيسون في حكمهم يخالفون الله تعالى وهو أحكم الحاكمين ، قال تعالى :

( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) (١).

واستمع إلى ما روته عائشة في حديث لها : أنّ جبريل عليه‌السلام قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كيف أقول لهم ؟ فقال : قل قولي :

السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدِمِين منّا والمستأخِرِين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » (٢).

هذا نصّ صريح ، وهو ما عليه جمع من العلماء ، والاجتهاد في مقابل النص لاتُقرّه شريعة الإسلام.

أمّا تحريم زيارة القبور والحكم بتكفير من يزورها فهو الآخر باطل لا يقرّه أحد من العلماء.

ماذا يقول ابن تيميّة المنكر للزيارة وأصحابه ومَن هم علىٰ مذهبه في حكم شيخ الإسلام الغزالي ، إذ يقول : إذا وقع بصره على حيطان المدينة دعا بهذا الدعاء : « اللهمّ هذا حرم رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله فاجعله لي وقايةً من النار ،

___________________________________

١ ـ الإسراء : ٧٠.

٢ ـ صحيح مسلم : ٧ / ٤٤.


وأمناً من العذاب وسوء الحساب » ؟! (١)

وتأمّل ما يقوله الزرقاني في « شرح المواهب » :

وليتوسّل به ـ أي بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسّل به ، إذ هو محطّ جبال الأوزار وأثقال الذنوب ؛ لأنّ بركة شفاعته وعظمتها عند ربّه لا يتعظّمها ذنب ، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته ، وأضلّ سريرته ، ألم يسمع قوله تعالى :

( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ ) (٢).

وكان أحمد بن حنبل يتوسّل بالضريح النبوي المبارك ، ويدعو الله تعالى عنده (٣).

قال الحافظ أبو العباس القسطلاني : اعلم أنّ زيارة قبره الشريف من أعظم القربات ، وأرج الطاعات ، والسبيل إلى أعلى الدرجات ، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام ، وخالف الله ورسوله وجماعة العلماء الأعلام (٤).

هذا قليل من كثيرٍ ممّا جاء في زيارة القبور.

ومن فوائدها :

١ ـ تُقرِّب الزائرين إلى الله تعالى زُلفىٰ ، وتذكّرهم بالموت والآخرة ، وتذكّرهم بالحقّ والباطل.

___________________________________

١ ـ إحياء علوم الدين : ١ / ٣٤٦.

٢ ـ النساء : ٦٤.

٣ ـ الردّ المحكم المتين على كتاب القول المبين : ٢٥٢.

٤ ـ المواهب اللدنّية : الفصل الثاني ، في زيارة قبره الشريف.


٢ ـ وتذكّرهم بالتاريخ الصحيح ، بأحقّية الأنبياء والمرسلين ، والأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام ، والشهداء والعلماء والصالحين.

٣ ـ إنّ زيارة القبور صفحة من صفحات التاريخ ، يقرأ فيها الزائر سيرة الشهداء والثائرين على طواغيت زمانهم ، ويميّز بين الحقّ والباطل.

هذه قبور الفراعنة والجبابرة ، ..

وتلك قبور الأنبياء والأوصياء والصالحين ، ..

ولعلّ سرّ تحريم الوهّابية لزيارة القبور لا يتجاوز هذه الاُمور.

والله تعالى نسأل أن يجعل من قبورنا روضةً من رياض الجنّة ، بقبول العمل وحسن العاقبة ، ويحشرنا محشر محمدٍ وآل محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

التغليظ في اتخاذ السرج على القبور

تأمّل عزيزي القارئ ما ورد في باقي الصحاح :

أخبرنا قتيبة قال : حدّثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن حُجادة ، عن أبي صالح على أنّ إبن عباس قال :

« لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُّرُج » (١).

لو كانت هناك عقول تدرك الحقيقة بثاقب النظر لَما رأيت مثل هذا

___________________________________

١ ـ سنن النسائي : ٤ / ٩٤ ـ ٩٥.


الحديث ، ومن الصعب أن تجد من يستوعب الحقيقة.

قل لي بربّك أيّها المسلم الكريم : ألم تقرأ وتسمع أنّ الحِجر قبر لهاجر وإسماعيل ولسبعين نبياً عليهم‌السلام ، وأنّ فوق الحِجر مصابيح غايةً في الكبر والدقة والقوة الضوئية ؟! فهذه حلال لا يستوجب اللعن عليها والإسراج على سائر القبور حرام يستوجب اللعن !!

والغرض واضح جداً كما أسلفنا ، وكما يقال :

لقد أسمعتَ لو ناديت حيّاً

ولكن لا حياة لمن تنادي

ولكن من تنادي ؟

عزيزي القارئ الكريم : مراجعة بسيطة لكتب التفسير تجد جواز اتخاذ المساجد على مقربةٍ من القبور ، كما ورد في القرآن الكريم في أهل الكهف :

( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) (١) ، فمنهم من قال : لنتخذن على باب الكهف مسجداً ، وآخر قال : نبني على الكهف مسجداً ، وغير ذلك ، للدلالة عليهم والحفاظ من طوارق الليل والنهار.

___________________________________

١ ـ الكهف : ٢١.


فيلٌ وناقَةٌ وبَقَرَ إحساس واحترام للمقدّسات

جاء في كتاب الكامل في التاريخ (١) ، لعزّ الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير ، ذكر أمر الفيل :

لمّا دام ملك أبرهة باليمن وتمكّن به بنىٰ القُلَّيْسَ بصنعاء ، وهي كنيسة لم يُرَ مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي : إنِّي قد بنيتُ لك كنيسةً لم يُرَ مثلها ، ولستُ بِمُنتَهٍ حتى أصرفَ إليها حاجِّ العرب.

فلمّا تحدّثت العرب بذلك غضب رجل من النَسَأة (٢) من بني فُقيم ، فخرج حتى أتاها فقعد فيها وتغوّط ، ثم لحق بأهله ، فأخبر بذلك أبرهة ، وقيل له : إنَّه فِعل رجلٍ من أهل البيت الذي تحجّه العرب بمكة ، غضب لما سمع أنك تريد صرف الحجّاج عنه ففعل هذا.

فغضب أبرهة وحلف ليسيرنَّ إلى البيت فيهدمه ، وأمر الحبشة فتجهّزت ، وخرج معه بالفيل واسمه محمود ، وقيل : كان معه ثلاثة عشر فيلاً وهي تتبع محموداً ، وإنَّما وحّد الله سبحانه الفيل لأنَّه عنى كبيرها محموداً ، وقيل في عددهم غير ذلك.

فلمّا سار سمعت العرب به فأعظموه ورأوا جهاده حقّاً عليهم ، فخرج عليه رجل من أشراف اليمن يقال له : ذونفر ، وقاتله ، فهُزم ذونفر واُخذ

___________________________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ١ / ٤٤٢.

٢ ـ النَسَأَة : هم الذين كانوا يؤخّرون شهر المحرَّم إلىٰ صَفَر لحاجتهم إلىٰ شَنّ الغارات وطلب الثارات.


أسيراً فأراد قتله ، ثم تركه محبوساً عنده ، ثم مضى على وجهه ، فخرج عليه نُفيل بن حبيب الخثعميّ فقاتله ، فانهزم نُفيل واُخذ أسيراً ، فضمن لأبرهة أن يُدلّه على الطريق ، فتركه وسار ، حتى إذا مرَّ على الطائف بعث معه ثقيف أبا رغالٍ يُدلّه على الطريق ، حتى أنزله بالمغمس ، فلمّا نزله مات أبو رغالٍ ، فرجمت العرب قبره ، فهو القبر الذي يُرجَم.

وبعث أبرهةُ الأسودَ بن مقصود إلى مكة ، فساق أموال أهلها وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطّلب بن هاشم ، ثم أرسل أبرهة حُناطة الحميري إلى مكة ، فقال : سل عن سيّد قريشٍ وقل له : إنِّي لم أئتِ لحربكم ، إنَّما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تمنعوا عنه فلا حاجة لي بقتالكم.

فلمّا بلغ عبدالمطّلب ما أمره قال له : والله ما نريد حربه ، هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم ، فإن يمنعه فهو يمنع بيته وحرمه ، وإن يخلِّ بينه وبينه فوالله ما عندنا من دفع ، فقال له : انطلق معي إلى الملك.

فانطلق معه عبدالمطّلب حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفرٍ ـ وكان له صديقاً ـ فدلَّ عليه وهو في محبسه ، فقال له : هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال : وما غناء رجل أسير بيد ملك ينتظر أن يقتله ؟ ولكن اُنَيس سائس الفيل صديق لي فاُوصيه لك واُعظم حقّك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلّمه بما تريد ، ويشفع لك عنده إن قدر.

قال : حسبي. فبعث ذونفرٍ إلى اُنَيس ، فحضره وأوصاه بعبد المطّلب ، وأعلمه أنَّه سيد قريش ، فكلّم اُنيس أبرهة وقال : هذا سيّد قريشٍ يستأذن ، فأذن له.

وكان عبدالمطّلب رجلاً عظيماً جليلاً وسيماً ، فلمّا رآه أبرهة أجَلّه وأكرمه ، ونزل عن سريره إليه وجلس معه على بساطٍ وأجلسه إلى جنبه ،


وقال لترجمانه : قل له : ما حاجتك ؟ فقال له الترجمان ذلك ، فقال عبدالمطلب : حاجتي أن يردَّ عليَّ مائتي بعير أصابها لي ، ( فلما قال له ذلك ) فقال أبرهة لترجمانه :

قل له : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم زهدت فيك حين كلّمتني ، أتكلّمني إبلك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ؟!

قال عبدالمطلّب : أنا ربُّ الإبل ، وللبيت ربٌّ يمنعه.

قال : ما كان ليمنع منّي. وأمر بردِّ إبله.

فلمّا أخذها قلّده وجعلها هدياً وبثّها في الحرم ؛ لكي يصاب منها شيء فيغضب الله.

وانصرف عبدالمطّلب إلى قريش وأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج معه من مكة والتحرّز في رؤوس الجبال خوفاً من معرّة الجيش ، ثم قام عبدالمطّلب فأخذ بحلقة باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة ، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :

يا ربِّ لا أرجو لهم سِواكا

يا ربِّ فامنع منهُمُ حِماكا

إنّ عدوَّ البيتِ مَن عاداكا

امنعهُمُ أن يُخرِبوا فِناكا

وقال أيضاً :

لا هُمَّ (١) إنَّ العَبدَ يَمْـ

ـنَعُ رَحلَهُ فامنَعْ حِلالَكَ

لا يَغلِبنَّ صَليبُهُم

ومِحالُهُم غَدراً مِحالَك (٢)

إلى آخر الأبيات.

___________________________________

١ ـ مختصر كلمة ( اللّهمّ ) للدعاء.

٢ ـ المَحْلُ : الشدّة ، وقوله تعالىٰ : ( وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ) قيل : معناه شديد القدرة والعذاب ، وقيل : شديد القوة والعذاب. لسان العرب : ١٣ / ٤١ ( مادة مَحَل ).


ثم أرسل عبدالمطّلب حلقة باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شَعَف الجبال ، فتحرّزوا فيها ينتظرون ما يفعل أبرهة بمكة إذا دخل.

فلمّا أصبح أبرهة تهيّأ لدخول مكة وهيّأ فيله ، وكان اسمه محموداً ، وأبرهة مجمع لهدم البيت والعود إلى اليمن ، فلمّا وجّهوا الفيل أقبل نُفيل ابن حبيب الخثعميّ فمسك باُذُنه وقال : ارجع محمود ، ارجع راشداً من حيث جئت ، فإنَّك في بلد الله الحرام ! ثم أرسل اُذنه ، فألقى الفيل نفسه إلى الأرض واشتدَّ نُفيل فصعد الجبل ، فضربوا الفيل ، فأبىٰ ، فوجّهوه راجعاً إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجّهوه إلى الشام ففعل كذلك ، ووجّهوه راجعاً إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجّهوه إلى الشام ففعل كذلك ، ووجّهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجّهوه إلى مكة فسقط إلى الأرض.

وأرسل الله عليهم طيراً أبابيل من البحر أمثال الخطاطيف مع كلِّ طير منها ثلاثة أحجار تحملها ، حجر في منقاره وحجران في رجليه ، فقذفتهم بها ، وهي مثل الحمّص والعدس لا تصيب أحداً منهم إلّا هلك ، وليس كلّهم أصابت ، وأرسل الله سيلاً ألقاهم في البحر ، وخرج من سلم مع أبرهة هارباً يبتدرون الطريق الذي جاؤوا منه ، ويسألون عن نُفيل بن حبيب ليُدلَّهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نُفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمة :

أينَ المفرُّ والإلٰهُ الطالبُ

والأشرمُ المغلوبُ غيرُ الغالب ؟

وقال أيضاً :

حَمدتُ اللهَ إذ عاينتُ طَيراً

وخِفتُ حِجارةً تُلقىٰ عَلَيْنا


وكُلُّ القومِ يَسألُ عن نُفَيلٍ

كأنّ عَلَيَّ للحُبشانِ دَينا

واُصيب أبرهة في جسده ، فسقطت أعضاؤه عُضواً عضواً ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل الفرخ ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه !

فلمّا هلكَ مَلَكَ ابنُه يكسوم بن أبرهة ، وبه كان يُكنّىٰ ، وذلّت حِميَر واليمن له ، ونَكحت الحبشة نساءهم ، وقتلوا رجالهم ، واتّخذوا أبناءهم تراجمةً بينهم وبين العرب.

ولمّا أهلك الله الحبشة وعاد ملكهم ، ومعه من سلم منهم ، ونزل عبدالمطّلب من الغد إليهم لينظر ما يصنعون ، ومعه أبو مسعود الثّقفي لم يسمعا حسّاً ، فدخلا معسكرهم فرأيا القوم هلكىٰ ، فاحتفر عبدالمطّلب حفرتَين ملأهما ذهباً وجوهراً له ولأبي مسعود ، ونادىٰ في الناس ، فتراجعوا ، فأصابوا من فضلهما شيئاً كثيراً ، فبقي عبدالمطّلب في غنىً من ذلك المال حتى مات (١).

وبعث الله السيل ، فألقى الحبشة في البحر. ولمّا ردَّ الله الحبشة عن الكعبة وأصابهم ما أصابهم عظّمت العرب قريشاً وقالوا : أهل الله قاتل عنهم. ثم مات يكسوم وملك بعده أخوه مسروق (٢).

تأمّل أخي القارئ ما ورد في المصدر نفسه :

« ... ثم أقاموا عليه يقاتلونه بقية المحرَّم وصفر كلّه ، حتى إذا مضت ثلاثة أيّامٍ من شهر ربيع الأوّل سنة أربعٍ وستّين رموا البيت بالمجانيق

___________________________________

١ ـ وقال كثير من أهل السِيَر : إنّ الحصبة والجدري أول ما رُئيَ في العرب بعد الفيل ، وكذلك قالوا : إنّ العشر والحرمل والشجر لم تعرف بأرض العرب إلّا بعد الفيل. وهذا ممّا لا ينبغي أن يعرض عليه ، فإنَّ هذه الأمراض والأشجار قبل الفيل مُذ خلق الله العالَم.

٢ ـ الكامل في التاريخ : ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٧.


وحرقوه بالنار ، وأخذوا يرتجزون ويقولون :

خطّارةٌ مثل الفنيقِ المُزبدِ

نَرمي بها أعوادَ هذا المسجدِ !!

وقيل : إنَّ الكعبة احترقت من نارٍ كان يوقدها أصحاب عبدالله حول الكعبة ، وأقبلت شرارة هبّت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت ، والأوّل أصحّ ؛ لأنَّ البخاري قد ذكر في صحيحه : أنَّ ابن الزبير ترك الكعبة ليراها الناس محترقةً يحرّضهم على أهل الشام (١).

نقول : ومن حقِّنا القول : إنَّ أبرهة نصرانيّ ، قد جاء بالفيل والجيش لهدم الكعبة ، فما بالكم وأنتم مسلمون قد رميتم الكعبة بآلاف الأحجار المزيّته فأحرقتم الكعبة الشريفة ؟ وأخذتم فرحين ترتجزون ؟!

الكعبة قبلتنا وبيت الله الحرام الذي جعله اللهُ مثابةً للناسِ وأمناً (٢) ، لكنّه لم يأمن منكم ومن شرِّكم ، فبأيِ دين تدينون ؟ وبأيِّ شرعة تعترفون ؟

لقد سمعتم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقتلتم ابنته ، وضربتم ابن عمّه ووصيّه على قرنه ، ففجعتم الاُمّة والإنسانية بشهادته ، وسمعتم الحسن وهو أحد سيدي شباب أهل الجنة ، ومِلتُم على الحسين سيد شباب أهل الجنة وحبيب رسول الله فحززتم رأسه لِيُدارَ على القنا في الأمصار ، وسبيتم حُرَم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ! وما اكتفيتم حتى تذرّعتم بذرائع واهية وتنصّلتم من كلِّ ذلك ، وأخذتم تترحمون عل الفَجَرة أصحاب الجرائم الشفيعة ، وتكفّرون من يقول بظلمهم ، لله درُّكم ما بالكم كيف تحكمون ؟ وبأيِّ دين تدينون ؟

___________________________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ٤ / ١٢٤.

٢ ـ اقتباس من الآية : ١٢٠ من سورة البقرة.


أما تتّعظون ، فيل لا يتجرّأ ، وأنتم بكلِّ جرأةٍ وجسارةٍ لبيت الله هدمتم وحرقتم ، وهتكم حرمة الله ، وتجاسرتم علىٰ أعراض أبناء ملّتكم ، وقتلتم مَن قَتَلتم من الأبرياء رجالاً ونساءً أطفالاً !!

ناقة طاعنة بالسن تتمرّغ بتراب قبر علي بن الحسين عليه‌السلام وفاءً ، وأنتم تهدمون القبور ، وأنتم تأمرون بحرثها ، والماء الجاري عليها تفتحون !!

فماذا رأيتم ؟ وماذا سمعتم ؟ حتى الماء بقي حائراً حول مرقد الإمام الحسين عليه‌السلام الطاهر لا يتقدّم إلى جهة القبر !!

أخي القارئ العزيز ، تأمّل كيف يحاول الكاتب أن يحرّف الحقيقة ؟! ولكن دون جدوى.

فنحن بصدد القول :

إنَّ المتوكِّل وهو يومئذٍ خليفة يأمر اليهود أن يحرثوا قبر الحسين عليه‌السلام ويمنع الناس من زيارته ، ولكن ترد عليه البقر دون البشر ، وهي تمتنع من الوصول إلى القبر ليُحرَث.

ما هذا العداء ؟ وما هذا الحسد لأهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ألا دليل على أحقّيتهم وبطلان ما هو عليه أعدائهم من الأوّلين والآخرين ؟

وإلّا ماذا تعني هذه المخازي ، وهذه الخروقات ؟ يتناقلها الأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل ، عودوا لأنفسكم واسألوها :

أيجوز أن تقابلوا أباسفيان برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ أيصحّ أن تقابلوا معاوية بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ؟ أيجوز أن تقابلوا يزيد الفاجر الخليع بالحسن والحسين عليهم‌السلام سيدي شباب أهل الجنة ؟

وهكذا أيجوز أن تقابلوا عثمان بن عنبسة ، بالمهدي المنتظر من آل


محمدٍ عليهم‌السلام ؟

ما بالكم كيف تحكمون ؟!

فأمّا قبر الحسين عليه‌السلام فإنَّه لم يزل مشهوراً مُعلَماً يقصده الخلائق من الآفاق ، وكبار الصحابة قصدوا زيارته والاستشفاء بتربته لمّا سمعوا في فضله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام وآلهما ، كجابر بن عبدالله ، وغيره ، ولقد جهدت بنو اُميّة في إخفائه وصدّ الناس عنه ، وأقاموا مسالح على الطرقات يقتلون كلَّ من ظفروا به من زوّاره عليه‌السلام ، كما رواه الشيخ جعفر بن قولويه ، والشيخ الطوسي رضي‌الله‌عنه ، وسأذكر فيما بعد منه نبذة ، وظهر من الكرامات له ما لا مزيد عليه من شفاء المرضى ، والاستشفاء بتربته ، وإجابة الدعاء لديه صلوات الله عليه (١).

نعم يا سيدي ، إنّ قبر الحسين عليه‌السلام سيبقى كما بقي عبر هذه القرون ، بقي عبر (١٣٦٤) سنة خلت ، وسيبقى ما بقيت أرض وسماء ، مشهوراً معلَماً يقصده الخلائق من الآفاق ، ونحن اليوم والعالَم قد شهد الملايين التي جاءت لزيارته مشياً على الأقدام ، باذلةً النفس والنفيس ، في مواكب ، وقصائد ، وردّات ، القبر يعني الحسين عليه‌السلام ، والحسين باقٍ ما بقي الإسلام والمسلمون ، وخصوصاً الشيعة.

أمّا أن يمنعوا زيارته أو يحرثوا قبره ، فهو باقٍ ، وبقاؤه أكبر دليل على أحقّيّته وبطلان أعدائه الذين هم أعداء الدين.

وأينَ هم أعداؤه ؟ وبأيِّ ذكر يذكرهم التاريخ ؟

___________________________________

١ ـ تسلية المجالس وزينة المجالس : ٢ / ٤٧٣ ، للسيد محمد بن أبي طالب الحسيني الموسوي الحائري الكركي ، وكامل الزيارات : ٢٢١ ح ٢ ، عنه البحار : ٤٥ / ٤٠٨ ح ١٤ ، وص : ٣٩١ ضمن ح ١ ، عن أمالي الطوسي : ٣٢٢ ضمن ح ٦٥٠.


كفاه فخراً أنَّه أعطى بيده إعطاء الذليل ، وأنَّه ما اغترَّ بدنياً فانية ، ولا ارتضى غير الآخرة والاُولى ، فأين هم اُولئك الذين سقطت براقعهم ، ودُحضت حُججهم ؟ تلاحقهم لعنة التاريخ ، ولهم في الآخرة عذاب أليم.

والعجيب في الأمر أنَّ هناك وعلى مرَّ القرون مَن يُسفر عن وجهه ، وحقيقته ، ويُفصح في عدائه لأهل البيت عليهم‌السلام ، ويخالف الدين الحنيف علناً وجهراً ، ويدّعي الإسلام ويتمشدق بحبّهم !! وقد قيل : ما اختلف اثنان إلّا وكان أحدهما على حقّ ، وإلّا لا داعي للخلاف.

يقول الله تعالى في محكم قرآنه المجيد : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) وقربى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هم أهل بيته ، فأين هؤلاء من هذا ؟ يحرثون القبر ، ويقتلون الزوّار ، ومِن قَبلُ قتلوا أهل بيته إمّا بالسيف أو السُّمّ ! وهناك من يبرّر أسباباً من أنزل الله بها من سلطان ، متناسياً أنَّ الحق بيّن ، وأنَّ المسألة مسألة صراع بين الحق والباطل ليس إلّا ، فإن كان الحق في غير أهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فمن المَحال أن يكون في الطُلقاء وأبناء الطُلقاء ومن تبعهم وحذا حذوهم ، ونهج منهجهم !

فالحرب سِجال من يوم البعثة الشريفة ، وستبقى إلى الوقت المعلوم ،

وكلّ ما قيل ويقال من أعذارٍ وحجج واهيةٍ وتبريرات مُموِّهة فهي مرفوضة ومحاسب عليها : ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢).

لقد ضُربت القباب والمآذن بالصواريخ والمدافع ، ودفن الزوار أحياءً ، وبالتالي انهار عرش الطاغوت ، وجاءت الملايين مشياً على الأقدام ،

___________________________________

١ ـ الشورىٰ : ٢٣.

٢ ـ ق : ١٨.


وبقيت القباب والمآذن تناطح السحاب !

فهول هناك من شاهد أعظم من هذه الشواهد لنقول : إنَّ الحسين عليه‌السلام على حق ، وإنَّ أعداءه على باطل ؟ فهل من سبيل إلى الاتّعاظ ؟

ولم يتيسّر لبني اُميّة ما أرادوا ، وكان قد بُني عليه مسجد ، ولم يزل كذلك بعد بني اُميّة ، وفي زمن بني العباس ، إلّا على زمن الرشيد ـ لعنه الله ـ فإنَّه خرّبه وقطع السدرة التي كانت نابتة عنده ، وكرب موضع القبر ، ثم اُعيد على زمن المأمون وغيره ، إلى أن حكم اللعين المتوكّل من بني العباس ، وكان سيئَ الاعتقاد في آل أبي طالب ، شديد الوطأة عليهم ، قبيح المعاملة معهم ، ووافقه على ذلك وزيره عبدالله بن يحيى لعنه الله ، فبلغ من سوء معاملتهم ما لم يبلغه أحد ممّن تقدّم من بني اُميّة وبني العباس ، فأمر بتخريب قبر الحسين عليه‌السلام وقبور أصحابه ، وكرب مواضعها ، وأجرى الماء عليها ، ومنع الزوّار عن زيارتها ، وأقام الرصد ، وشدّد في ذلك ، حتى كان يقتل من يوجد زائراً ، وولّىٰ رجلاً كان أصله يهوديّاً ، ثم أسلم يقال له : الديزج.

وسلّط اللعين قوماً من اليهود على ذلك حتى تولّوه ، وسأذكر نبذةً من فعله ـ عليه اللعنة ـ إلى أن قتل المتوكِّل (١).

الذي يراجع التاريخ جيّداً يجد أنَّ بني اُميّة عملوا على طمس معالم الدين في كلِّ صغيرة وكبيرة جاء بها ، وهكذا كان شأن أعداء الدين ، وإن كانوا يدّعون الإسلام ، والحال من خلال هذه الفكرة يمكن أن يخرج الباحث بكتاب له شأن ، يثبت فيه ما جاء في القرآن والحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمة الهداة الميامين ، وما جاء به المخالفون ، كما هو واضح

___________________________________

١ ـ تسلية المجالس : ٢ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤.


في الصحاح والمسانيد والكتب والأسفار ، وإلى يومنا هذا.

لقد ظنّ بنو اُميّة أنّهم سيُميتوا الوحي بقتلهم الحسين ، وسيُخمدوا جذوة الدين ، وسيُعيدوا المسلمين إلىٰ الوراء ، ولكن خابت ظنونهم ، وهكذا ظنّ من جاء بعدهم.

فالدين باقٍ ما بقي الليل والنهار ، حيث لجؤوا إلى قبر الحسين عليه‌السلام ، حين رأوا أنَّ هناك من يزوره ، ويجدد العهد معه ، فعملوا على طمس معالمه ورفع آثاره ، وامتدّت الأيادي الأثيمة إلى قتل الأئمة الهداة الميامين سُمّاً ، ومع هذا خابت الظنون ، وباءت المحاولات بالفشل ، وبقي الدين حيّاً يقارع الباطل.

وأمّا بنو العباس : فما فعلوه فهو يضاهي أضعاف أضعاف ما عمله بنو اُميّة ومن غير اتّعاظ ، فهم كسابقيهم باؤوا بالفشل الذريع أيضاً ، وهكذا من جاء بعدهم ومن يجيء ليبوء بالفشل.

فالرشيد ـ عليه لعائن الله تعالى ـ خرّب القبر الشريف ، وقطع السدرة التي كانت نابتة عند مرقده الطاهر للاستدلال على القبر الشريف ، وكرب موضع القبر ، فهل اندرس القبر وضاعت معالمه ؟ وهل انتقص شيء ممّا عليه الحسين من الجاه الوجيه والمقام الجليل ؟

قطعاً لا ، وألف لا ، فقد زاد رسوخاً في القلوب والأذهان ، وباتت حقيقة الأعداء الحاقدين على الإسلام والحاسدين لسيد شباب أهل الجنّة أكثر فأكثر ، حيث جعل الإسلام كرامةً له ميتاً ككرامته حيّاً ، وإعرض عن الذين في قلوبهم مرض ، إلى يومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار.

وإنَّ ما حصل في زمن المأمون وغيره ليس إلّا تغظيةً لِما حدَث ، لا من قبيل الاعتراف بالحقِّ والحقيقة ، وإلّا لِمَ سُمَّ الرضا والجواد ومن جاء


بعدهم صلوات الله عليهم ؟ ولِمَ اُدِعَ السجنَ الإمام الكاظمُ والعسكري صلوات الله عليهما ثمَّ دُسَّ إليهما السُمَّ ؟

وأمّا المتوكِّل المتجاهر بقبيح المعاملة ووزيره ـ عليهما لعائن الله ـ هو الآخر دليلٌ لا ينكر وحجة عليهم في الدنيا والآخرة ، وهو الآخر كما كان سبباً في بيان فضل الحسين وأهل البيت عليهم‌السلام ، « فأمر بتخريب قبر الحسين عليه‌السلام وقبور أصحابه ، وكرب مواضعها ، وأجرى الماء عليها ، ومنع الزوار عن زيارتها ، وأقام الرصد ، وشدَّد في ذلك ، حتى كان يقتل من يوجد زائراً ، وولّىٰ ذلك رجلاً كان أصله يهوديّاً » ، كما أسلفنا ذكره آنفاً.

فالرشيد كرب القبر الشريف وهدم ما عليه من بناء ، ولم يحصل إلّا على الخيبة والخسران ، ولم يتّعظ مَن جاء بعده... .

والمتوكِّل كرب القبر الشريف ، وفعل ما فعل ، ولم يحصل إلّا على الخيبة والخسران ، ولم يتّعظ مَن جاء بعده... .

وسيأتيك الدليل.

« قام بأمره بعده ابنه المنتصر ، فعطف على آل أبي طالب ، وأحسن إليهم ، وفرّق فيهم الأموال ، وأعاد القبور في أيّامه ، إلى أن خرج الداعيان : الحسن ومحمد ابنا زيد بن الحسن ، فأمر محمد بعمارة المشهدين : مشهد أمير المؤمنين ، ومشهد أبي عبدالله عليهم‌السلام ، وأمر بالبناء عليهما ، وبعد ذلك زِيدَ فيهما ، وبلغ عضد الدولة بن بويه رحمه‌الله الغاية في تعظيمهما ، والأوقاف عليهما ، وكان رضي‌الله‌عنه يزورهما كلّ سنة » (١).

الصراع قائم ـ كما أسلفنا ـ بين الحقّ والباطل ، وسيبقى حتى ظهور صاحب العصر والزمان عليه‌السلام ، والحقّ متمثّل بمحمدٍ وآل محمدٍ صلوات الله

___________________________________

١ ـ تسلية المجالس : ٢ / ٤٧٤.


عليهم جميعاً ، والباطل فيمن خالفهم.

محمد وآل محمدٍ ـ صلوات الله عليهم جميعاً ـ أحياء وأموات ، ومن خافهم من الأحياء والأموات لذا نرى التغيير والتزوير والحذف والإضافة ، والتأويل والتعليل ، وأمّا ما يخصّ الأموات ، فهذا يهدم وذا يبني ، وهذا يأمر وذا ينه ، فكم مرّة قام البناء على المشاهد ، وكم اُخرى هُدِم ؟

« وروى شيخنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضي‌الله‌عنه في أماليه قال : أخبرنا ابن خشيش ، قال : حدّثنا محمد بن عبدالله ، قال : حدّثني محمد بن جعفر بن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : حدّثني أبي ، عن عمّه ( عمر بن فرج ) ، قال : أنفذني المتوكِّل في تخريب قبر الحسين عليه‌السلام ، فصرت إلى الناحية ، فأمرنا بالبقر يُمَرُّ بها على القبور فمرّت عليها كلّها ، فلمّا بلغت قبر الحسين عليه‌السلام لم تمرّ عليه.

قال عمّي عمر بن فرج : فأخذت العصا بيدي ، فما زلت أضربها حتى انكسرت العصا بيدي ، والله ما جازت على قبره ، وكان هذا الرجل شديد الانحراف عن آل محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله » (١).

تأمّل أخي القارئ العزيز : البقر حيوان طالما يستعمل للحراثة في ما مضى وحاضراً ، ولا يميّز في عمله ، فما الذي منعه من عدم الجواز على قبر الحسين عليه‌السلام ، ولم يمنعه من الجواز على بقية القبور ، غير الحكمة ، وبيان ما للحسين عليه‌السلام من المقام ؟!

لماذا يتحمّل الضرب بالعصا ، وحتى تنكسر العِصِيّ ؟! فلو أنَّ إنساناً وقع تحت التعذيب ما كان ليصبر ، فما السِّر ؟ وما الحكمة من ذلك غير أنَّه ليُري الطغاة أنَّهم على خطأ ، وأنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع ؟!

___________________________________

١ ـ تسلية المجالس : ٢ / ٤٧٥ ، وأمالي الطوسي : ٣٢٥ ح ٦٥٢ ، عنه البحار : ٤٥ / ٣٩٨ ح ٨.


فيلٌ وناقةٌ وبَقَر مواقفٌ يعجز عنها البشر !!

وإذا كان هناك من يحتمل ، فهل في الماء ما يحتمل ؟ فُتح على القبر فتأخّر ودار حائراً ولم يتقدَّم !

فهل من متّعظٍ ومعتبر ؟

هذا الحسين ابن بنت النَّبي ، وابن خير البشر ، سيبقى مشعلاً رغم العِدى ورغم من بحقّه كفر.

ناقة الإمام الرابع علي بن الحسين عليه‌السلام

روي أنَّه لمّا مات عليّ بن الحسين عليه‌السلام كانت له ناقة ، وقد حجَّ عليها اثنتين وعشرين حجّةً ما قرعها بمِقرعةٍ قطّ ، فجاءت إلىٰ قبر علي بن الحسين عليه‌السلام وضربت بجرانها على القبر وتمرّغت عليه ورقّت وهملت عيناها ، فأتىٰ محمد بن علي عليه‌السلام ، فقيل له : إنَّ الناقة قد خرجت إلى القبر فضربت بجرانها ورقّت وهملت.

فأتاها عليه‌السلام فقال : مَه ، الآن قومي بارك اللهُ فيكِ ، فثارت ودخلت موضعها ، فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورقّت وهملت عيناها ، فأتى محمد بن علي عليه‌السلام ، فقيل له : إنَّ الناقة قد خرجت.

فأتاها عليه‌السلام ثانيةً فقال : مَه ، الآن قومي ، فلم تفعل ! قال : دعوها فإنَّها مُودَعَة ، فلم تلبث إلّا ثلاثة حتى نفقت ، أي ماتت (١).

وقال الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي في الدرَّ النظيم :

___________________________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٥٠٣ ح ١١ ، عنه البحار : ٤٦ / ١٤٧ ح ٢.


كان سبب وفاة عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أنَّ الوليد بن عبد الملك سَمَّه ، ولمّا دُفن ضربت امرأته على قبره فسطاطاً (١).

عجباً ! ناقة لا عقل لها وإدراك ، كما هو في البشر السَويّ ، تأتي القبر وتتمرّغ عليه ، وتهمل الدموع وفاءً واعترافاً.

وهناك من البشر من لا يقرّ ولا يعترف ، وهو يحمل عقلاً وحسّاً مرهفاً !

ناقة لا عقل لها ولا إحساس تمتثل الأمر وتعمل به.

وهناك من البشر من ليس بمستواها : ( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) (٢).

ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يذبح كما يُذبح الكبش ، وتطأ الخيل جسده الشريف ، وتقطِّع أوصاله ، ويُدار رأسه الشريف على القناة من بلدٍ إلى آخر ، ثمَّ يمنع من دفنه ، ويحرث قبره ليندرس أثره ، ويدّعي البشر أنَّه من البشر !!

عجباً ! ناقة لا عقل لها ولا إحساس ، ولا تكليف ، تمرّغ نفسها بتراب القبر ، وتهمل الدموع تعبيراً عن ما فيها ! وفي عصر الذرّة ، وعصر الحضارة والتقدّم العلمي والتكنولوجي ، وفي عصر الحريّة لا زال هناك من يفكِّر بعقلية بني اُميّة وبني العباس !

هناك من يُصدِّر الأوامر بضرب الأضرحة والمراقد الشريفة بالصواريخ الثقيلة والمدافع ويدّعي أنَّه من صنف البشر !!

عجباً ! ما بالكم كيف تُفكِّرون ؟ وغداً بماذا تجيبون ؟ وبأيِّ عذر

___________________________________

١ ـ الدر النظيم ( مخطوط ) : الباب السادس ، فصل في ذكر وفاته عليه‌السلام.

٢ ـ الفرقان : ٤٤.


تعتذرون ؟

وحقّاً أنتم كالأنعام ، بل أضلّ سبيلاً...

ومن عَلَّمَ الناقةَ أن تمرّغ نفسها على القبر ؟

من أجبرها على البكاء عند القبر ؟

من علّمها أن تزور القبر وتودّع ؟!

ما ارتكبه المتوكِّل بمرقد الإمام الحسين عليه‌السلام

في هذه السنة أمر المتوكِّل بهدم قبر الحسين بن علي عليه‌السلام ، وهدّم ما حوله من المنازل والدُور ، وأن يبذر ويُسقى موضع قبره ، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فنادى عامل صاحب الشرطة بالناس في تلك الناحية : مَن وجدناه عند قبره بعد ثلاثةٍ حبسناه في المطبق !

فهرب الناس ، وتركوا زيارته ، وحُرِثَ وزُرع.

وكان المتوكِّل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولأهل بيته عليهم‌السلام ! وكان يقصد من يبلغه عنه أنَّه يتولىٰ عليّاً وأهله بأخذ المال والدم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المُخنَّث ، وكان يشدّ على بطنه ، تحت ثيابه ، مِخَدِّة ، ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكِّل ، والمغنون يغنون :

قد أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين.

يقصد بذلك عليّاً عليه‌السلام ! والمتوكِّل يشرب ، ويضحك ، ففعل ذلك يوماً ، والمنتصر حاضر ، فأوما إلى عبادة بتهدّده ، فسكت خوفاً منه ، فقال المتوكِّل : ما حالك ؟ فقام وأخبره ، فقال المنتصر : يا أمير المؤمنين ، إنَّ الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمّك ، وشيخ أهل بيتك ،


وبه فخرك ، فكُلْ أنت لحمه إذا شئت ، ولا تُطعم هذا الكلب وأمثاله منه ! فقال المتوكِّل للمغنّين : غنّوا جميعاً :

غارَ الفتى لابن عمّهِ

رأسُ الفتى في حِرِّ اُمِّهِ

فكان هذا من الأسباب التي استحلّ بها المنتصر قتل المتوكِّل.

وقيل : إنَّ المتوكِّل كان يبغض من تقدّمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم. والواثق في محبّة عليٍّ وأهل بيته عليهم‌السلام ؛ وإنّما كان ينادمه ويجالسه جماعة من اشتهروا بالنصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجُهم ، الشاعر الشامي من بني شامة ابن لؤي ، وعمر بن فرج الرخجي ؛ وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة ، من موالي بني اُميّة ؛ وعبدالله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة.

وكانوا يخوّفونه من العلويين ، ويُشيرون عليه بإبعادهم والإعراض عنهم ، والإساءة إليهم ، ثمَّ حسّنوا له الوقيعة في أسلافهم الذين يعتقد الناس علوّ منزلتهم في الدين (١).

أليست المدينة المنورة حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ فلماذا أبحتموها ثلاثة في واقعة الحَرّة ؟ وقتلتم الصحابة الكرام ، وفسقتم ، وهتكتم الأعراض من النساء حتى ولد الاُلوف ممّن لا يُعرَف أبوه ، عشرة آلاف مسلمٍ قُتل من أهل المدينة وضواحيها ومن بقي ، حكمتم عليهم بالرقِّ والعبودية ليزيد الفاجر الكافر ، أبهذا تفخرون ؟

ألا تعساً لكم ولما جنته أيديكم وأيدي أسيادكم ، ومع كل هذه المآسي وهتك الحُرُمات ، يخرج علينا من يقول : إنَّ الحسين عليه‌السلام قُتل بسيف جدّه ، وإنَّ يزيد أمير المؤمنين مفترض الطاعة !

___________________________________

١ ـ الكامل في التاريخ : ٧ / ٥٦.


انتبهوا من غفلتكم قبل فوات الأوان ، وتوبوا إلى الله توبةً نصوحاً ، فإنَّ غداً لناظره قريب !

أتدرون من تحاربون ، أم أنتم غافلون متغافلون ؟

أنتم تحاربون الله تعالى ، وقد حاربتم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقتلتم أهل بيته بالسُّم والسيف ! فما بالكم ، أبهذا اُمرتم ، أم عن هذا نُهيتم ؟

ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.


مِن فَمِكَ اُدينُكَ

قال الخطيب البغدادي تحت عنوان : سلمان المحمّدي : وَلَم يَزل بالمدينةِ حَتىٰ غَزا المسلمونَ العراق ، فخرج معهُم وحضر فتح المدائِن ، ونزلها حتىٰ ماتَ بِها ، وقبرهُ الآن ظاهرٌ معروفٌ بقربِ إيوانِ كسرىٰ ، عليه بِناءٌ ، وهناكَ خادِمٌ مقيمٌ لحفظِ الموْضعِ وعمارتِهِ ، والنظرِ في أمرِ مصالحِهِ ، وقَد رأيتُ الموضعَ وزرتُهُ غَيرَ مَرةٍ (١).

نقول للخطيب البغدادي : هل زرت قالع باب خيبر وقاتِل مَرحبَ ؟

هَل زُرتَ قاتِلَ عمرو بن عبد وُدِّ العامِريّ ؟

هل زُرتَ صاحِبَ راية رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أكثر غزاواته ؟

هَلْ زُرتَ ولو مرةً مرقد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ؟

وَنَقُولُ : أَيّها الآمِر بحرثِ وَنَبْشِ قُبورِ آلِ محمّدٍ صَلواتُ الله عَلَيْهِم ،

وضربها بالصواريخ ، وتفخيخها وخرابها ، ماذا تقول في الخطيب البغدادي وهو يزور سلمان المحمّدي غير مرّةٍ ؟ أمِن عبّادِ القبُور هو ، أم ماذا ؟

قال الحاكم النيسابوري في المستدرك تحت عنوان : أبو أيوب الأنصاري :

وقبره بأصل حُصن القسطنطينية بأرض الروم فيما ذُكر ، يتعاهدون قبره ويزورونه ، ويستسقون به إذا قحطوا (٢).

نعم ، أبو أيّوب الأنصاري يتعاهدون قبره ويزورونه ويستسقون به إذا قحطوا ! ولكنّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً تُضرب

___________________________________

١ ـ تاريخ بغداد : ١ / ١٦٣.

٢ ـ المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٥١٨.


قبورهم ، بعد أن ذُبحوا كالأضاحي ، وتُنبش قبورهم مرّاتٍ ومرّات ! عجباً لقومٍ ضلّوا وأضلّوا ، وارتدّوا حسداً وبغضاً وعناداً مابالهم لايفقهون ؟! أليسوا مسلمين أوائل ؟ أليسوا قادة الحُروب الإسلامية ؟! أليسوا هم من المبشَّرين بالجنة ؟ وهل على وجه الأرض غيرهم من هذه الدوحة المحمدية ؟ لابل من أولاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليٍّ وفاطمة !

أيّها العاقل اللبيب ، لو وضعت أبو أيوب الأنصاري في الميزان ، أترجحُ كَفّته على عليٍّ وحمزة وجعفر ، وعلى سيّدي شباب أهل الجنة ؟

ما بال من يتسمّى بأسمائهم يُقتل وكأنّه العدوّ اللدود ؟ أمِنَ الإسلام هذا أم بماذا تتذرّعون ؟ لماذا لاتجتمع النبوة والخلافة والإمامة في بيتٍ واحد ، وتجتمعون أنتم على ضرب آل الرسول ؟! ألكم من القرآن آية ، أم من الحديث رواية ! كما قُلتم زوراً وبهتاناً وكذباً على الله وعلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نحن معاشر الأنبياء لانورّث » (١) ، والله تعالى يقول في محكم قرآنه المجيد : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) (٢) ، ورث النبوة والملك.

وروى الحاكم في المستدرك قائلاً : حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا : العباس بن محمد بن حاتم الدوري ، ثنا : أبو عامر عبدالملك بن عمر العقدي ، ثنا : كثير بن زيد ، عن داود بن أبي صالح ، قال : أقبل مروان يوماً ، فوجد رجلاً واضعاً وجهه على القبر ، فأخذ برقبته وقال : أتدري ماتصنع ؟ قال : نعم ، فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رحمه‌الله ، فقال : جئت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم آتِ الحجر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « لاتبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكُوا عليه إذا وليه غير أهله » (٣).

ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يُخرجاه.

___________________________________

١ ـ فتح الباري : ١٢ / ٦ ، عمدة القاري : ١٤ / ١٦٣.

٢ ـ النمل : ١٦.

٣ ـ المستدرك على الصحيحين : ٤ / ٥٦٠.


إذا كان هذا الحديث صحيح الإسناد ، فلمَ لَمْ يُخرجاه البخاري ومسلم إذا كانا يريدان وجه الله والتعريف بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟! أليس هذا دليل على الانقلاب على الأعقاب ؟! وهذا الانقلاب لايضرّ الله شيئاً ، ولكنّ الحُجّة بالغة والدليل قاطعٌ.

نعم : وهل ترجو من مروان ، وأمثال مروان الحقيقة ؟ إنّه طريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهل ترجو من الطليق وابن الطُلقاء غير تشويه الحقائق ؟

نحن لانزور الحديد ولا الذهب ولا الفضة ولا الحجارة أو المرمر ، ولكن نزور صاحب القبر تعظيماً له ، واعترافاً بفضله وجهاده.

أذرفوا الدموع على الدين ، فقد وليه ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب العاقّ ، الذي أوّل من تصدّ له أبوه وأخوه واُستاذُه !!

اعرفوا هؤلاء تعرفوا الحقيقة ، تعرفوا لماذا يُشتمُ ويُسبُّ ويُلعن أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ؟!

قال الذهبي : صحيح.

الحديث صحيح ، وإلّا فالذهبي كذّاب ، والمستدرك على الصحيحين محشوٌّ بما لايليق ! ولكن لماذا لم يُخرجاه ؟ إنّها غاية دنيئة في نفس إسماعيل البخاري ومسلم النيسابوري يكشفها اُولو الألباب.

قال ابن الجوزي في المنتظم بشأن أبي حنيفة : وفي هذه الأيام من عام ( ٤٥٩ هـ ) بنىٰ أبو سعد المستوفي ـ الملقّب بشرف الملك ـ مشهد أبي حنيفة ، وعمل لقبره ملبّناً ، وعقد القبّة ، وعمل المدرسة بإزائه ، وأنزلها الفقهاء ، ورتّب لهم مدرّساً ، فدخل أبو جعفر ابن البيّاضي إلى الزيارة فقال ارتجالاً :

ألَمْ تَر أنّ العِلم كان مُضيَّعَاً

فجمَّعه هذا المغيَّب في اللَحد


كذلك كانت هذه الأرض مَيتةً

فأنشرها جودُ العميد أبي سعدِ

إلى أن قال : فلمّا جاء شرف الملك سنة ثلاثٍ وخمسين عزم على إحداث القبة وهي هذه ، فهدم جميع أبنية المسجد وما يحيط بالقبر وبنى هذا المشهد ، فجاء بالقطّاعين والمهندسين ، وقدّر لها ما بين اُلوف آجر ، وابتاع دوراً من جوار المشهد ، وحفر أساس القبّة (١).

عرضت هذه النصوص لتعرف ـ أخي القارئ ـ أنّ الناصب للإسلام ولأهل بيت الرحمة عليهم‌السلام العداء كم هو مشتبه ؟ وكم هو مغالط لنفسه وللآخرين في تعامله وكَيلِه بمكيالين ؟ وإنّي لا اُريد أن أعيب فلاناً من الناس أو علاناً ، ولكن كما قيل : الحرُّ تَكفِيهِ الإشارةُ !

البناء المشيَّد على قبر أبي حنيفة ، والمدرسة المحيطة بقبره ، والقبّة الشامخة والمِئذنة الشاخصة ، كلّ اُولئك لاتكفي أن نقول : ما الفرق بينها وبين ما نجدهُ في مشهد الإمامين العسكريّين الذي نُسفَ ، وبين ماهو في كربلاء والنجف الذي ضرب بالمدافع والدبابات ؟

أليس الشيخ عبدالقادر الگيلاني عليه ضريح وقبّة فضّية ومآذن ؟!

أليس له هناك مدرسة علمية ؟!

أليس القبر يزار ليل نهار ، وتأتيه الزوار من أنحاء العراق وخارجه ؟!

فلماذا تُنسَف وتُحرَث قبور أهل البيت عليهم‌السلام وتُعَزُّ قبور.... ؟

نترك لك الجواب أخي القارئ لتحكم : أيّ الفريقين على حق ؟ وكما قيل : ما اختلف اثنان إلّا وكان أحدهما على صواب. ولولا الإطالة لذكرت لك الكثير من هذا الباب ، وأتيتك بالصور التي تثبت ذلك.

ثم روى عن أبي الحسين ابن المهتدي أنّه يقول : لايصحّ أن يكون قبر أبي حنيفة في هذا الموضع الذي بنوا عليه القبّة ، وكان الحجيج قبل

___________________________________

١ ـ المنتظم : ٨ / ٢٤٥ ، عنه الغدير : ٥ / ٢٧٦.


ذلك يردّون ويطوفون حول المقبرة ، فيزورون أبا حنيفة لايُعيِّنون موضعاً (١) ، وهذا يعني جواز الطواف بقبر أبي حنيفة وإن لم يكن ، ولا يخفى أنّ الكلّ يطوفون بحجر إسماعيل ، وهو قبر إسماعيل وهاجر وبنات إسماعيل وسبعين نبياً من الأنبياء عليهم‌السلام ، ولكنّ الذي يزور قبور الأنبياء والأئمة الهداة الميامين كافر يعبد الحجارة والحديد !!

الشافعي إمام مذهب الشافعية ـ وهو أحد المذاهب الأربعة ـ يقول : إنّي لأتبرّك بأبي حنيفة ، وأجيء إلى قبره في كلّ يومٍ ـ يعني زائراً ـ فإذا عرضت لي حاجة صلّيت ركعتين وجئت إلى قبره ، وسألت الحاجة عنده ، فما تبعد عنّي حتى تُقضى (٢).

إنّ الذي يحدث عندنا لايزيد عمّا يأتيه الشافعي ، فما حدا ممّا بدا ؟

فتأمّل ما يقوله البغدادي بشأن موسى بن جعفر الكاظم عليهما‌السلام : روى البغدادي في تأريخه عن أبي علي الخلّال ( شيخ الحنابلة في عصره ) يقول : ماهمّني أمر فقصدت به قبر موسى بن جعفر فتوسّلت به إلّا سهّل الله تعالى لي ما اُحبُّ (٣).

ونحن نُسمّيه ( بباب الحوائج ) ، وموسى الكاظم عليه‌السلام يراد به حفيده محمد الجواد عليهما‌السلام ، وهما باب الحوائج ولكن لمن عرف الله تعالى وعرف سبيل باب الحوائج ، لا لمن نصب العداء ، وبرأيي أنّ باب الحوائج عليه‌السلام هو باب حوائج البرِّ والفاسق ، ومَن شكّ في ذلك فليجرّب... ؟

أمّا الحاسد ، أمّا الحاقد ، أمّا الناصب ، أمّا الجاهل الذي يتّبع النفس الأمّارة بالسوء ، أمّا الذي باع ضميره ، ودينه ، فيسقي زوّار باب الحوائج اللبن السموم والماء المسموم ، ويرميهم بقذائف الهاون ، وقذائف البازوكا ،

___________________________________

١ ـ المنتظم لابن الجوزي : ٨ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، عنه الغدير : ٥ / ٢٧٧.

٢ ـ تاريخ الخطيب البغدادي : ١ / ١٢٣ ، عنه الغدير : ٥ / ٢٧٦.

٣ ـ المصدر السابق : ١٢٠ ، الغدير ٢٧٩.


يقتلهم زرافاتٍ ووحداناً ، ليمنع وصولهم إلى باب الحوائج !

أمّا زوّار الگيلاني ، أمّا زوّار أبي حنيفة فهم في أمانٍ ؛ لأنّه ليس فينا مَن يجوّز لنفسه أن يتأذّى منهم أحد ! أمّا زوّار الإمام الحسين وأبيه أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، فحدِّث ولا حرج !

قال الخطيب البغدادي في تاريخه حول الشيخ معروف الكرخي : ( ودفن في مقبرة باب الدَير ، وقبره ظاهر معروف هناك يُغشى ويُزار ) (١).

وروي عن الزهري أنّه كان يقول : ( قبر معروف الكرخي مجرّب لقضاء الحوائج ، ويقال : إنّه من قرأ عنده مائة مرّةٍ ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) وسأل الله تعالى مايريد قضى الله له حاجته ) (٢).

كلّ هؤلاء قبورهم في بغداد ، ولا تتعرّض لانتهاك الحرمة ، ولكنّ الذي حدث عند مرقد باب الحوائج مايندى له الجبين ، أهكذا اُمِرنا ياسادة ياكرام أن نتعامل مع قبور أهل البيت عليهم‌السلام ، بعد قتلهم بالسيف والسُّمّ ، أم أنّها مصداق قوله تعالى : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) (٣) ؟!

وقال الخطيب في تاريخه : ( أبو الحسن بن بشّار الزاهد دفن بالعقبة قريباً من النخمي ، وقبره إلى الآن ظاهر ومعروف يتبرّك الناس بزيارته ) (٤).

قولٌ يؤرَّخ ؛ لأنّ الناس يتبرّكون بزيارته ، ولا غبار عليه وعلى زوّاره ، أمّا زوّار الأنبياء ، أمّا زوّار الأئمة الهداة الميامين عليهم السلام ، أمّا زوّار الآباء والاُمّهات ، فيُضربون بالطائرات والمدافع والدبّابات ، يُقتلون ويحرقون ، وتقطعَّع رؤوسهم ، ما هكذا الظنّ بكم ياسادة ياكرام ؟ ألهذا

___________________________________

١ ـ تاريخ بغداد : ١٣ / ٢٠٨.

٢ ـ المصدر السابق : ١ / ١٢٣.

٣ ـ آل عمران : ١٤٤.

٤ ـ المصدر السابق : ١٢ / ٦٦.


ولدتم ؟ ألهذا تربّيتم حتى يتقلّد المناصب أولاد البغايا والزناة ؟ ما بالكم لاتفرّقون بين الغثّ والسَمين ؟ وهذه كتبكم ، وهذه مصادركم ، وهذه علماؤكم ، نقلوا لنا الحقائق كما هي ، وأنتم تمرّدتم على كلّ القيم والأعراف ؛ لأجل إرضاء العدوّ الكافر الغازي ، ولكنّ موعدهم الصبح ( أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) (١) ، ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) (٢) ، وعندها تُسألون عن كلّ صغيرة وكبيرة فتحرّوا الجواب ، ومِن وراءكم عقبات كأداء ، ويومها تطالبكم الناس الأبرياء بأيّ ذنبٍ قتلوا ؟ وبأيّ ذنبٍ شُرِّدوا ؟ وبأيّ ذنبٍ هُجّروا ؟ وبأيّ ذنبٍ ظُلموا وقُهروا ؟!

( أبو عليّ بن بيان ، من أهل دَير العاقول ، كان عابداً زاهداً يتبرّك أهل بلده بزيارة قبره ) (٣).

كثيرٌ هُم الذين يُزارون ويُتبرَّك بزيارة قبوزهم في العراق وفي غيره من بلدان العالم الإسلامي والعربي ، ولكن مافي اليد حيلة ، رضوا بأن يكونوا من صغار الحطب ، ورضوا أن تقول جهنّم فيهم ( هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) (٤) ، بعد أن تُسأل : ( هَلِ امْتَلَأْتِ ) (٥) ؟

وأتمنّى أن اُريكم واُري القارئ العزيز صور ومقابر الأولياء والأقطاب والصلحاء ، ولكن مافي اليد حيلة !

وقال الخطيب البغدادي أيضاً في رجلٍ من ولد عليٍّ عليه‌السلام :

( ومقبرة باب البردان فيها أيضاً جماعة من أهل الفضل ، وعند المصلّى المرسوم بصلاة العيد كان قبره يعرف بقبر النُذُور ، ويقال : إنّ المدفون فيه

___________________________________

١ ـ هود : ٨١.

٢ ـ النساء : ٧٨.

٣ ـ تاريخ بغداد : ١٤ / ٤٢٧.

٤ ـ ق : ٣٠.

٥ ـ ق : ٣٠.


رجل من ولد عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، يتبرّك الناس بزيارته ، ويقصده ذو الحاجة منهم لقضاء حاجته ) (١).

عجباً لهذه المفارقة ! رجل من أولاد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يُزار ويتبرّك الناس بزيارته ، ويُقصد لقضاء الحاجة ، ومِن أولاد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، مَن حُرِثَ قبرهُ سابقاً ، وضُربَ بالصواريخ لاحقاً !!

سيّد شباب أهل الجنّة يحرثُ قبره المتوكّل العباسي مرّاتٍ ومرّات ، ويفتح الماء على قبره حتى يندثر أثرهُ ، وفي القرن العشرين يضرب صدام التكريتي وصهره وابن عمّه حسين كامل القبرَ بالصواريخ وقذائف الهاون ، ويدخل الجلاوزة الصحن والحرم الشريف فيمطرونه بوابلٍ من الرصاص ، ولازالت آثاره باقية ، وعلماء المذاهب الأربعة سكوتٌ وكأنّ على رؤوسهم الطير !! أمّا قبر أبي حنيفة والگيلاني وغيرهم في أمان واحترام ، ما هكذا الظنّ بكم ؟ أين حرمة الموتى ؟ أين حرمة النبي من أهل بيته ؟ وهناك من يتسابق لتناول العشاء أو الغداء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجنّة !! يُفجِّر نفسه ليكون سبباً في قتل أكثر عددٍ من شيعة أولاد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام !!

والعدوّ ويسرح ويمرح ويبذل المال لأجل إيجاد الهُوّة بين أبناء المجتمع الإسلامي الواحد !

أين أنت أيّها المسلم الغيور على دينك ، على مرضاة نبيّك ، على اتّباع الحقيقة وكسب مرضاة ربّك ؟

قال ابن الجوزي في « المنتظم » في حال أحمد بن حنبل : وفي أوائل جمادىٰ الآخرة تقدّم أمير المؤمنين [ الخليفة العباسي ] بعمل لوحٍ ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل ، فعُمِل ، ونقضت السترة جميعها وبنيت

___________________________________

١ ـ تاريخ بغداد : ١ / ١٢٣.


بآجرٍّ مقطوع جديدة ، وبني لها جانبان ، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب : هذا ما أمر بعمله سيّدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، وفي وسطه : هذا قبر تاج السُنّة ، وحيد الاُمّة ، العالي الهمّة ، العالم العابد ، الفقيه الزاهد ، الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه‌الله وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك ، ووعدت بالجلوس في جامع المنصور ، فتكلّمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الاُولى ، فبات في الجامع خلق كثير ، وخُتمت ختمات ، واجتمع للمجلس بكرةً ماحُرِز بمائة ألف ، وتاب خلق كثير ، وقطعت شعورٌ ، ثمّ نزلتُ ، فمضيت إلى زيارة قبر أحمد ، فتبعني مَن حُرِز بخمسة آلاف ) (١).

لا اُريد أن اُعلِّق أكثر ممّا هو موجود في هذا النصّ ، ولكن أقول : إنّ ما على قبر أحمد بن حنبل نفس ما على غيره ، فما حدا ممّا بدا ؟

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وفي صفر رأى رجلٌ في المنام قائلاً يقول له : من زار أحمد بن حنبل غُفر له ، قال : فلم يبقَ خاصّ ولا عامّ إلّا زاره ) (٢).

نقول للوهّابيّة والسلفيّة ولمن لايؤمن بزيارة القبور : ماذا تقولون بهذه النصوص ، وهي من كتبكم وعلى لسان علمائكم ؟ إن كانت حقّاً فلماذا تحاربوننا أشدّ محاربةً ؟ وإن كانت باطلة حكمتم على أنفسكم وبرئت ساحتنا !

عمار بن رجاء أبو نصر الأسترابادي قال فيه ابن الجوزي في « المنتظم » : ( رحل إلى العراق وسمع من أبي داود الحفري ، ويزيد بن هارون وأبي نعيم وغيرهم ، وكان عابداً زاهداً ورعاً ، وتوفّي في هذه السنة

___________________________________

١ ـ المنتظم : ١٠ / ٢٨٤.

٢ ـ البداية والنهاية : ١٢ / ٢٢٣.


وقبره يُزار ويُتبرَّك به ) (١).

يُزارُ قبره ، ويُتبرّك به ، ولكنّ قبرَ الحسين وأولاد الحسين عليهم‌السلام تُهان وتُمنع من زيارتها ، ويُقتل زوّارهم ، حتى يدخل قاتلهم الجنّة ، هذه هي المصيبة حيث أصبح الدين طيناً تتلاعب به الجُهّال !!

فتأمّل ما قاله ابن الجوزي في عليّ بن محمد بن بشّار : ( دفن ببغداد ، وقبره اليوم ظاهر يُتبرّك به ) (٢).

وفي أحمد القزويني قال ابن الجوزي : ( كان من الأولياء المحدّثين ، توفّي في رمضان هذه السنة ، فشهدته اُمم لاتُحصى ، وقبره ظاهر يُتبرّك به في الطريق إلى معروف الكرخي ) (٣).

كثيرٌ هم الذين يمكن أن يكونوا المَثَل والقدوة ، ولكن لمن تنادي ؟ لهم أعينٌ لايُبصرون بها ، ولهم آذان لايسمعون بها ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) (٤) ، ( بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (٥).

أبو جعفر بن موسى الهاشمي قال فيه ابن الجوزي في « المنتظم » : ودفن إلى جانب قبر أحمد بن حنبل ، وكان الناس يبيتون هناك كلّ ليلة أربعاء ، ويختمون الختمات ، ويخرج المتعيّشون فيبيعون المأكولات ، وصار ذلك فرجةً للناس ، ولم يزالوا كذلك إلى أن جاء الشتاء فامتنعوا فخُتم على قبره في تلك المدّة أكثر من عشرة آلاف ختمة ) (٦).

وأمّا قبر علي بن أبي طالب عليه‌السلام الذي تخرّج إلى جواره علماء فطاحل نوّروا بعلومهم المشارق والمغارب ، ورفدوا مكاتب الدنيا بالموسوعات

___________________________________

١ ـ المنتظم : ٥ / ٦١.

٢ ـ المصدر السابق : ٦ / ١٩٩.

٣ ـ المصدر السابق : ٩ / ١٩٤.

٤ ـ البقرة : ١٧١.

٥ ـ المطففين : ١٤.

٦ ـ المنتظم : ٨ / ٣١٧.


والمؤلفات بما لاحصر لها على مدى هذه القرون ، والمخطوطات النفيسة التي كتبت إلى جواره لامثيل لها تدين لها البشرية ، تضرب قبّته عليه‌السلام بالمدفعية الثقيلة ، وتُنهب نفائس الهدايا والآثار من مرقده الشريف ، أمّا حلقات الدرس التي كانت تعقد ، والصلوات التي كانت تؤدّىٰ بإمامة المراجع والعلماء والفضلاء فحدِّث ولا حَرَج ، ولكن لمن تنادي ؟ توارثوا نصب العداء كابراً عن كابر ، وباتوا على الحقد الدفين ، حتى نفثوه في آخر الزمان شتماً ولعناً ، وقتلاً وحرقاً لكلّ من كان اسمه عليّاً وحسناً وحسيناً !!

نور الدين محمد زنكي : أفرد له ابن كثير في البداية والنهاية فصلاً بعنوان : « في وفاة الملك نور الدين محمد زنكي ، وذِكُر شيء من سيرته العادلة » ، وقال فيه : ( وقبره بها يزار ويحلق بشبّاكه ويطيّب ، ويتبرّك به كلّ مارٍّ ، فيقول : قبر نور الدين الشهيد ) (١).

الحافظ أبو الحسن عليّ بن محمد بن خلف : قال فيه ابن كثير :

( ولمّا توفّي في ربيع الآخر من هذه السنة ، عكف الناس على قبره ليالي يقرؤون القرآن ويدعون له ، وجاء الشعراء من كلّ أوبٍ يرْثون ويترحّمون ) (٢).

أين أنتم يامن تعدّون زيارة القبور حراماً ؟

أين أنتم يامن تعدّون زوّار القبور كفرةً ؟

هذه قبور علمائكم وفقهائكم وعبّادِكم وزُهّادكم ، تُزار وتؤرّخ لهم الأحداث ، وعلى لسان كُتّابكم !!

أبو سليمان الداراتي : قال عنه ابن كثير : ( وقد دُفِنَ في قرية داريا في قِبلتها ، وقبره بها مشهور وعليه بناء ، وقبلته مسجد بناه الأمير ناهض الدين عمر النهرواني ، ووقف على المقيمين عنده وقفاً يدخل عليهم منه غلّة ، وقد

___________________________________

١ ـ البداية والنهاية : ١٢ / ٢٨٤.

٢ ـ المصدر السابق : ١١ / ٣٥١.


جُدِّدَ مزاره في زماننا هذا ) (١).

إلى الذين يحرِّمون البناء على القبور ، نقول : أين أنتم من هذه النصوص ؟ راجعوا أنفسكم واسألوها : هل يحلّ لكم الكذب والتحايل ، والتلاعب بالألفاظ ، كما هو شأن الأوائل من الحزب الاُموي ومَن والاهم ، من أجل دنياً زائلة ؟ لاتكونوا صغار الحطب !

عمر بن عبدالعزيز الخليفة الاُموي : قال الذهبي عنه في « تذكرة الحُفّاظ » : ( سيرته تحتمل مجلّداً ، ومات بدَير سمعات ، وقبره هناك يُزار ، مات في رجب سنة إحدى ومائة ، وله أربعون سنة سوى ستّة أشهر رحمه‌الله ) (٢).

أبو عوانه : قال عنه أيضاً الذهبي في التذكرة : ( الحافظ الثقة الكبير ، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأسفراييني النيسابوري الأصل ، صاحب الصحيح المسند المخرَّج على صحيح مسلم... قال الحاكم : وأبو عوانه من علماء الحديث وأثباتهم ، سمعت ابنه محمداً يقول : إنّه توفّي سنة ستّة عشر وثلاثمائة ، وقال غيره : قبر أبي عوانة عليه مشهد مبنيّ بأسفرايين يُزار وهو بداخل المدينة ) (٣).

وإليك عزيزي القارئ ما جاء عن ابن حجر العسقلاني في كتابه « التهذيب » بشأن زيارة وتعظيم قبر الإمام الرضا عليه‌السلام : عن أبي بكر بن المؤمن بن الحسن بن عيسى أنّه قال :

خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي عليّ الثقفي مع جماعة من مشائخنا ، وهم إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر عليّ بن موسى الرضا بطوس ، قال : فرأيت من تعظيمه ـ يعني ابن خزيمة ـ

___________________________________

١ ـ البداية والنهاية : ١٠ / ٢٥٩.

٢ ـ تذكرة الحفّاظ : ١ / ١٢١.

٣ ـ مصدر السابق : ٣ / ٧٨٠.


لتلك البقعة وتواضعه لها ، وتضرّعه عندها ما تحيّرنا ! ) (١).

ونقول : لاتعجب ، فإنّ الإسلام لايعرف الطائفية ولا المذهبيّة ، وإنّ علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ـ عليه وعلى آبائه وأبنائه الأئمة الهداة الميامين السلام ـ هو من أهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ومَن أحبّهم فقد أحبّ الله تعالى ؛ لأنّهم أولياء الله وأوصياؤه ، ومَن أبغضهم فقد أبغض الله تعالى ، والعاقبة للمتقين.

وهؤلاء زَهدوا في الدنيا ، وضحّوا بالمُهَج لأجل بقاء الإسلام ، وهم أحياء عند ربّهم يُرزَقون ، وقبور كلٍّ منهم روضة من رياض الجنّة.

وأمّا الذي يدرس عنه اُستاذٍ سنتين ثم يخالف اُستاذه ويُفتي برأيه وقياسه فهذا في منتهى الغرور والشرور ( خالف تعرف ) ، كما هو في دراسة أبي حنيفة عند الإمام الصادق عليه‌السلام ، حيث قال حينها أبو حنيفة : ( لولا السنتان لهلك النعمان ) وهو اسم أبي حنيفة. ولكن للأسف الشديد إلى ما آلت إليه حياة الاُمّة إزاء وجود بعض أقطاب الشرّ بين ظهرانيها !!

وإليك ما ذكره الذهبي في تذكرة الحفّاظ بشأن منزلة أبي حنيفة :

حدثني الحسن بن عبدالعزيز الجروي ، ثنا أبو حفص التنيسي ، عن الأوزاعي قال :

ماولد في الإسلام مولد أشرُّ من أبي حنيفة وأبي مسلم ، وما اُحبّ أنّه وقع في نفسي أنّي خير من أحدٍ منهما ، وإنّ لي الدنيا وما فيها. ( رجاله ثقات ) (٢).

هذا قول الذهبي في التذكرة ، وليس قول علماء الشيعة ، إنّه قول الأوزاعي ، وما أدراك ما الأوزاعي ؟

عجّلوا بحذفه أيّها السادة الكرام ، ونزّهوا إمامكُم ، ولكن دون جدوى.

___________________________________

١ ـ تهذيب التهذيب : ٧ / ٣٩٧.

٢ ـ التذكرة : الحديث ٤٨٠.


حدثنا أبي ، حدثنا أسود بن عامر قال : سمعت أبا بكر عيّاش ذكر أبا حنيفة وأصحابه الذين يخاصمون ، فقال : كان المغيرة يقول : والله الذي لا إله إلّا هو لأَنَا أخوف على الدين منهم من الفسّاق !! وحلف الأعمش قال : والله الذي لا إله إلّا هو ما أعرف مَن هو شرٌّ منهم !! قيل لأبي بكر : يعني المرجئة ؟ قال : المرجئة وغير المرجئة. ( إسناده صحيح ) (١).

وهذا يعني أنّ المغيرة يريد أن يقول : إنّ الفُسّاق أهون من... !!

أمّا الأعمش : فهو لايعرف من هو شرّاً منهم.

حدثني أبي ، ثنا شعيب بن حرب ، قال : سمعت سفيان الثوري يقول : ما اُحبّ أن اُوافقهم على الحقّ ، قلت لأبي رحمه الله : يعني أبا حنيفة ؟ قال : نعم ، رجلٌ استُتيب في الإسلام مرّتين ، يعني أبا حنيفة ! قلت لأبي رحمه الله : كان أبا حنيفة المستتيب ؟ قال : نعم. ( إسناده صحيح ) (٢).

سفيان الثوري ، وما أدراك ما سفيان الثوري ؟ يقول : رجلٌ استتيب في الإسلام مرتين ، يعني أبا حنيفة !

احذفوها هذه هي الاُخرى ، واعلموا كما قيل : « مِن فَمِكَ اُدينُك ».

حدثني أبو بكر بن خلّاد الباهلي ، قال : سمعت يحي بن سعيد يقول : حدثنا سفيان يقول :

استتاب أصحاب أبي حنيفة أبا حنيفة مرّتين. ( إسناده صحيح ) (٣).

نحن لم نَقُلْها ، ولكنّ سفيان قالها ، إلّا أنّنا نقلناها ، وكما قيل : ( ناقلُ الكفر ليسَ بكافر ). ولكن :

إن كان ربُّ البيتِ بالدَفِّ ناقراً

فشيمة أهل البيتِ كُلِّهِمُ الرقصُ

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٥٨.

٢ ـ التذكرة : الحديث ٢٦٤.

٣ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٦٧.


حدثني عبدالله بن معاذ العنبري ، قال : سمعت أبي يقول : سمعت سفيان الثوري يقول : استُتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين. ( رجاله ثقات ) (١).

راجع يا أخي العزيز ، لتعلم الحقيقة أين هي ؟ لاتتعصب ، ليس بيننا وبينكم ميراث ، ولكن اقرؤوا مصادر علمائكم لتعلموا الحقيقة ، والاعتراف بالخطأ فضيلة ، ومن تاب تاب الله عليه ، ولكن قبل فوات الأوان. ولو أنّنا قلنا مثل هذا الكلام ماذا كنتم تقولون ؟ ولكن.... !!

حدثني أبو الفضل الخراساني ، نا سلمة بن شبيب ، نا الغريابي : سمعت سفيان الثوري يقول : استُتيب أبو حنيفة من كلام الزنادقة مراراً ( رجاله ثقات ) (٢).

وهذه هي الاُخر لاتُطاق ، نرجو حذفها ، وهي ليست إلّا قول سفيان الثوري.

حدثني هارون بن عبدالله ، نا عبدالله بن الزبير الحميدي ، نا حمزة بن الحارث بن عمير من آل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، عن أبيه قال : سمعت رجلاً يسأل أبا حنيفة في المسجد الحرام عن رجلٍ قال : أشهد أنّ الكعبة حقّ ، ولكن لاأدري هل هي هذه أم لا ؟!

فقال : مؤمن حقّاً ! وسأله عن رجلٍ قال : أشهد أنّ محمداً بن عبدالله نبيّ ، ولكن لا أدري هو الذي قبره بالمدينة أم لا ؟! فقال : مؤمن حقّاً !

قال الحميدي : من قال هذا فقد كفر. وقال الحميدي وكان سفيان بن عُيينة يحدّث عن حمزة بن الحارث. ( رجاله ثقات ) (٣).

وهذه هي الاُخرى لاتُحتمل ، نرجو حذفها واستبدالها بفضيلة ، وإلّا

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٦٨.

٢ ـ التذكرة : الحديث ٢٦٩.

٣ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٧٥.


فالرَتقُ يتّسع ، والحقيقة تظهر للعيان ، ويومها لاينفع الندم.

حدثني محمد بن عمرو بن عباس الباهلي ، ثنا الأصمعي قال : قال سفيان الثوري : ما وُلِدَ مولود بالكوفة أو في هذه الاُمّة أضرّ عليهم من أبي حنيفة ! قال : وزعم سفيان الثوري أنّ أبا حنيفة استُتيب مرّتين. ( إسناده حسن ) (١).

حدثني سفيان بن وكيع : سمعت أبي يقول : إذا ذُكر أبو حنيفة في مجلس سفيان كان يقول : نعوذ بالله من شرِّ النبطي إذا استعرب. ( إسناده حسن ) (٢).

حدثني منصور بن أبي مزاحم : سمعت مالك بن أنس ذكر أبا حنيفة فذكره بكلام سوء ، وقال : كادَ الدينَ ! وقال : مَن كاد الدين فليس من الدين. ( رجاله ثقات ) (٣).

وامصيبتاه ! أنس بن مالك من أحد أقطاب أئمة المذاهب المعروفين يقول : أبو حنيفة كاد الدين ، ولكيده الدين فليس من الدين.

هذه هي الاُخرى تحذف وتحلّ محلّها فضيلة من الفضائل....

وإلّا وامصيبتاه !!

تُهدَّم قبور الأئمة عليهم‌السلام في البقيع ، وتُنسف قبورهم في سامراء ، ويُحرث قبر الحسين عليه‌السلام في كربلاء ، وتُضرب قبّة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولا أحد يمسّ شيئاً بأبي حنيفة ، وهذا ما قرأناه عن أئمة المذاهب : المالكي والحنبلي وأهل الحديث والحفّاظ وعَلِيَّة القوم في أوثق الكتب والمصادر.

حدثني منصور مرّةً اُخرى ، قال : سمعت مالكاً يقول في أبي حنيفة قولاً يخرجه من الدين ، وقال : ما كاد أبو حنيفة إلّا الدينَ. ( رجاله

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٧٨.

٢ ـ التذكرة : الحديث ٢٨٨.

٣ ـ المصدر السابق : الحديث...


ثقات ) (١).

حدثني إبراهيم بن سعيد ، ثنا محمد بن مصعب : سمعت الأوزاعي يقول : ما وُلِد في الإسلام مولود أشأم عليهم من أبي حنيفة ! ( رجاله ثقات ) (٢).

قد يسأل البعض : أنّ الموضوع يتعلّق بالقبور وزيارة القبور فما هذا البيان المسهب عن أبي حنيفة ؟

نقول : إنّ ما عليه المجتمع هو من فيض هذا الرجل الذي عمل بالقياس وترك العقل والنقل ، لذا يجب تعريفه كما هو ، ومن لسان كبار العلماء والحفّاظ ؛ ليتّعض اُولئك الذين حلّلوا حرام الله وحرّموا حلاله.

فالقبر كما قيل : إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار ، وزيارة القبر لا إشكال فيها ، كما جاء على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الهداة الميامين عليهم‌السلام.

وإليك ما جاء في « كتاب السنّة » لعبدالله بن أحمد بن حنبل :

حدثني إبراهيم ، ثنا أبو سلمة ، عن أبي عوانة قال : سُئل أبو حنيفة عن الأشربة ؟ فما سُئل عن شيء إلّا قال : لا بأس به ، وسُئل عن المسكر ؟ فقال : حلال ! ( إسناده صحيح ) (٣).

حدثني إبراهيم بن سعيد قال : سمعت وكيعاً يقول : كان أبو حنيفة يقول : لو أنّ رجلاً كَسَرَ طنبوراً ضمن ! ( رجاله ثقات ) (٤).

حدثني إبراهيم بن سعيد ، ثنا أبو توبة ، عن سلمة بن كلثوم ، عن الأوزاعي : أنّه لمّا مات أبو حنيفة قال : الحمد لله الذي أماته ، فإنّه كان

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : الحديث ٢٩٣.

٢ ـ التذكرة : الحديث ٣١٢.

٣ ـ كتاب السنّة : ١ / ١٨٠ ومابعدها.

٤ ـ المصدر السابق.


ينقض عُرى الإسلام عُروةً عُروة !! ( إسناده حسن ) (١).

حدثني أبو معمّر ، عن إسحاق الطباع قال : سألت شريكاً عن أبي حنيفة ؟ فقال : وهل تلتقي شَفَتان بذكر أبي حنيفة ؟! ( إسناده حسن ) (٢).

ذكرنا هذه الأحاديث لنقول : إمّا أن يكون أبو عوانة وأبو إسحاق الفزاري ووكيعُ والأوزاعي وشريك ، وإسناد هؤلاء صحيح حقّاً و حسن ، وهو كذلك. وإمّا أن يكون ماجاء عنهم هو غلط.

فإن كان صحيحاً فما قاله ابن تيميّة يكون لغواً ، وإمّا أن يكون العكس فالمصيبة أعظم ؛ لأنّ الذي يثبت أنّ الكلّ على خطأ ـ والعياذ بالله ـ فهو ناقص ومخطئ حقّاً !!

وإليك ماجاء عن ابن تيميّة في كتابه « منهاج السنّة » وهو ينمّ عن نصبٍ وحقدٍ وعداء :

ابن تيميّة يصف أبا حنيفة بأنّه أعلم من الإمامين العسكريّين الهادي والعسكري عليهما‌السلام ! (٣).

وأعلم بدين النبيّ من العسكريّين والجواد عليهم‌السلام ! (٤).

وإنّ كلّ من له علم وإنصاف يعلم أنّ مثل أبي حنيفة أعلم وأفقه من العسكريّين وأمثالهما (٥) !

وإنّه من أقران الإمام جعفر بن محمد الصادق ، ولم يأخذ منه مع شهرته بالعلم (٦).

وإنّه من أقران الصادق ، فكان يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق ،

___________________________________

١ ـ المصدر نفسه.

٢ ـ المصدر السابق :

٣ ـ منهاج السنّة : ٢ / ٤٧٢.

٤ ـ المصدر السابق : ٢ / ٤٧٦.

٥ ـ المصدر السابق : ٣ / ٤٠٢.

٦ ـ المصدر السابق : ١٤٠.


بل لايُعرف أنّ أبا حنيفة أخذ عن جعفر ولا عن أبيه مسألةً واحدة (١).

فلاحظ عزيزي القارئ :

١ ـ إنّ ابن تيميّة يريد أن يقول : لاتُبقُوا لأهل هذا البيت من باقية ، حتى قبورهم.

٢ ـ ابن تيميّة ليس نبيّاً ولا وصيّاً ولا إماماً حتى يحكم ويشرّع بقياسه ماشاء.

٣ ـ نعم ، إنّ مخالفة أبا حنيفة للإمام جعفر الصادق جعلت ابن تيمية يقول بأعلميّته ، وإنّه أعلم من العسكريّين والجواد ، وإنّه لم يأخذ عن الصادق ولا عن أبيه مسائله التي استُتيب عليها ، كما مرّ سلفاً على لسان الأوزاعي وأمثاله وهو ممّن لاينكر فضله ، اُريد به الأوزاعي مثلاً.

٤ ـ وإذا تأمّلنا جيداً نجد أنّ ابن تيمية وراء الطعن في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وتخريب قبورهم وملاحقة محبّيهم ، وهدم عُرى الإسلام عُروةً عُروة.

٥ ـ إنّ نسفَ قبور العسكريّين عليهم‌السلام أشارَ له ابن تيميّة في حديثه أعلاه ، وتخريب التي في البقيع ، لتبقى قبور المُستتابين فقط !

وإليك في سياق قولنا من فمك اُدينك هذا المعنى :

... ثم هلك قُصي فأقام أمره في قومه من بعده ولده ، وكان قُصي لايخالف سيرته وأمره ، ولما مات دُفِنَ في الحجون ، فكانوا يزورون قبره ويعظمونه (٢).

___________________________________

١ ـ المصدر السابق : ٧ / ٥٣٢ ، وهذا كذب محض ؛ لأنّ نفس أبي حنيفة كان يقول عن نفسه : « لولا السنتان لهلك النعمان » ؛ وذلك حينما حظي بشرف التتلمذ عند الإمام الصادق عليه السلام لمدة سنتين ، وبعدها خرج من حلقة الدرس وأصبح الفقيه المعظّم ، وخالف اُستاذه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في كلّ شيء ، حتى أثناء السجود لم يدرِ هل يُغمض عينيه ، أو يفتحهما ، أو يفتح واحدةً ويغلق الاُخرى ! هكذا كان شيخك يابن تيميّة !!

٢ ـ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ١ / ٤٦٢.


قُل لي بربِّك ، هل كان هؤلاء شيعة يزورون قبر قُصي أم أنّهم آباؤك وأجدادك ، يا مَن أيٌّ كان انتماؤك المذهبي ؟! فماذا نقول فيمن فجّرَ العسكريين وضرب قُبة بطل الإسلام ومنائر وضريح الحسين وأخيه العباس ؟ إنّه الكفر بعينه والحقد السفياني ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) وستشهد عليكم الاُمم من الجِن والإنس ، أنّكم لاتفقهون ، والعاقبة للمتقين.

ولولا الإطالة ـ فإنّ خير الكلام ما قلّ ودلّ ـ لجئنا بالصور والبراهين ، ولراجعنا مصادر اُخرى بشواهد غير ما ذكرناه ، ولكن ليس في اليد حيلة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كان الفراغ من كتابة هذه السطور ، صباح يوم الاثنين المصادف السادس من شهر محرّم الحرام سنة ( ١٤٢٤ هـ ) ، راجين منه تعالى أن يعجّل فرج وليِّه صلوات الله عليه وعلى آبائه ، وأن يتقبّل منّا ومن الجميع أعمالنا ، ويرزقنا جميعاً حسن العاقبة وقبول هذا النزر اليسير بأحسن القبول ، إنّه سميع مجيب ووليّ التوفيق.

الراجي مرضات ربه الكريم

العبد الفقير السيد فاروق الموسوي

٦ / محرم الحرام / ١٤٢٤ هـ


Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUENafedthah-Zyarah-Qobourimagesimage002.gif



فهرس الآيات الكريمة

( ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) ..............................................................  ١٢٣

( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) ....................................  ٩٩

( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ ) .........  ١٣٥

( اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ) ..............................................................  ١٧٨

( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) ................................  ١٤٢

( إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ...................................................................  ١١٣ ، ١١٤

( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) ....................................................  ١٠٤

( إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ...........................................  ٩٦

( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) ............................................................  ١٤٦

( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) .....................................  ٤٠

( إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) ............................................  ٢٢٥

( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) ؟! ........................................................  ٢٣٤

( أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) ............................................................  ٢٣٥

( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) ............................  ٢٣٥

( بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ...........................................  ٢٣٨


( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) .........................................................................  ١٦٠

( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) ............................  ٥٠

( حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) ..............................................................  ١٢١

( رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ ) ...............................................  ١٢٤

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ...........................................  ٣٥

( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ) ..................................................  ٢٣٨

( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ) ......................................................................  ٣٥

( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) .........................................................................  ١١٦

( فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ) ........................................................  ١٢١

( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ...............................  ٢٤٨

( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ....................  ٤٨

( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ؟! ..................  ١٠٢

( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) ........................  ١٢١ ، ١٢٣

( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) ؟! ............................ ٣٩ ، ٢١٩

( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ ) ...............................................................  ٢٣٤

( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) .........................................  ٢٩

( لَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا ) .................................................  ٥٤

( لَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ) ................................................................  ٥٥


( لَّقَدْ رَضِيَ اللَّـهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ..........................................................  ١٧١

( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ) ............................................................................  ١٥٩

( لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .................................................  ٢٠٥

( لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ) ..................................................  ١٧٧ ، ٢١٠

( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا... ) ..................  ١٥٨ ، ١٧٨ ، ٢٠٦

( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ..............................................  ١٤

( مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) .....................................................................  ١٥٦

( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ) .............................  ١٣١

( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ........................................  ١٧

( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) .............................................................................  ١٣٦

( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ )...................................................................... ٥٠

( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ............................  ٥٠

( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ) ...........................................  ٢٠٤

( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) .............................................  ٢٧

( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ! ...............................................................  ٣٨

( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) ...........................................  ٣٨

( ... وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا... ) ........................................  ٥٤


( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) ..............  ١٦٩

( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) ........................................  ١١٣

( وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ) ...........................................................................  ٥٣

( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) ..........................................................  ٢٠٧

( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .................................................  ٥٢ ، ٥٣ ، ، ٨٢ ، ٢٠٤ ، ٢٠٨

( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ....  ١٥٩

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ) ...................  ٤٥ ، ١٠٢

( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ............................................  ٢١٩

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) ....................................  ١٥٨

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ...................  ٤٥

( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ) ...........................................................  ٢٣٠

( وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) ...........................................................  ١٤٨

( هَلِ امْتَلَأْتِ ) ؟ .................................................................  ٢٣٥

( هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) ...................................................................  ٢٣٥

( يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ) .............................................  ١٣١


فهرس الأحاديث والروايات

« ادفنوا عبدالله بن عمرو ابن حزام وعمرو بن الجموح في قبر واحد » .........................  ١٦٧

« ادفنوا هذين المتحابَّين في الدنيا في قبر واحد » ..........................................  ١٦٨

« إدفنوهما في قبر واحد » .............................................................  ١٦٧

« إذا مات ابن آدم انقطعت صلته عن الدنيا ، إلّا عن ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وعلم ينتفع به ، وصدقة جارية » ..................................................................  ٨٩

« إستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي » ....................................................  ١٨٠

« استأذنت ربي تعالى على أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنّها تذكّر بالموت » .......................................................  ١٧٩

القيامة » .............................................................................  ٥٧

« ان الرجل ليموت والده وهو عاقّ لهما ، فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارّين » ...........................................................................  ١٢٧

« انّ الميّت يقعد وهو يسمع خطوات مشِّيعيه ، فلا يكلِّمه شيء إلّا قبره ، فيقول : ويحك يا ابن آدم ، قد حَذَرتني وحَذَرت ضيقي وهولي ودودي ، فماذا أعددت منّي ؟! » ................  ١٣٠

« انّ المؤمن إذا كان إقبال من الآخرة بعث الله ملائكته كأن وجوههم الشمس معهم حنوطه وكفنه ، فيجلسون مدَّ بصره ، فإذا خرجت روحه صلّٰ عليه كلّ ملكٍ بين السماء والأرض ، » ..................................................................  ١٣٠

« انّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أقول لهم ؟ فقال : قل قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدِمِين منّا والمستأخِرِين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » ...........................................  ٢٠٧

« آنس ما يكون الميت في قبره إذا زاره من كان يحبّه في دار الدنيا » ...........................  ٧٦


« انّه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلّا عُمِيَ » ..............................................  ١٥٤

« انّهما ليُعذَّبان ، وما يُعذَّبان بكبير ، أمّا أحدهما فكان يغتاب الناس ، وأمّا الآخر فكان لا يتنزّه من البول » .....................................................................  ١٤٨

« انّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة ، فائتوهم فزوروهم وسلّموا عليهم ، والذي نفسي بيده لا يُسلِّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه » ........................................  ١٥٦

« انّي لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل... » ................................................  ٣٨

« انّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولكنّي خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله... » .....................................................................  ٣٨

« اُوصيكم أيها الناس بتقوى الله وكثرة حمده على آلائه إليكم ، ونعمائه عليكم ، وبلائه لديكم ، فكم خصّكم بنعمة ، وتدارككم برحمة ، أعورتم له فستركم ، وتعرّضتم... » ..........  ١٦٤

« أقضاكم عليّ » .....................................................................  ٤٦

« أكثر خطايا ابن آدم من لسانه » .....................................................  ١٥١

« أكثروا ذكر هادم اللذات » ..........................................................  ١٤٢

« ألا إنّهم لو اُذن لهم في الجواب لقالوا : وجدنا خير الزاد التقوى » ..........................  ١٣٣

« أمّا إنّه سيهون من عذابهما ما دامتا رطبتين » ..........................................  ١٤٨

« أنا بيت الظلمة والوحدة والانفراد ، فإن كنت في حياتك لله مطيعاً كنتُ عليك رحمةً ، وإن كنت لله عاصياً فأنا اليوم عليك نقمة ، أنا الذي مَن دخلني مطيعاً خرج مسروراً ، ومن دخلني عاصياً خرج مثبوراً » .................................................................  ١٢٨

« برز الإيمان كلُّه إلى الشرك كلِّه » .......................................................  ٤٨

« بلى ، من تاب ، تاب الله عليه » .....................................................  ٢٢

« بلى ، ولكنّ هؤلاء لم يأكلوا من اُجورهم شيئاً ، ولا أدري ما تحدثون بعدي ! » .............  ١٠٧

« بلى يا أمير المؤمنين ، إنّه ليضرّ وينفع ، ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمت أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ... ) .........................  ١٣٦


« بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » ...............................................  ٤١

« حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ؟ » ................................  ١٠٢

« رأيت الملائكة تغسّله ـ قالوا : لأنّ حمزة كان جُنباً ذلك اليوم ـ ولم يغسّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشهداء ويومئذٍ » ...................................................................  ١٠٦

« رحم الله عبداً تكلّم فغَنِم ، أو سكت فسَلِم » .........................................  ١٥١

« زُرِ القبور تَذكُرْ بها الآخرة ، ولا تَزُرْها ليلاً ، وغَسِّل الموتىٰ يتحرك قلبك ، فإنّ الجسد الخاوي عِظة بليغة ، وصلِّ على الموتى فإنّ ذلك يُحزِنُكَ ، فإنّ الحزينَ في ظلّ الله » .............  ١٤٨

« زُر القبور تذكّر به الآخرة ، واغسل الموتى فإنّ معالجته مثوبة وموعظة بليغة ، وصلِّ على الجنائز لعلّ ذلك أن يحزنك فإن الحزين في ظلّ الله » .......................................  ١٢٧

« زوروا القبور ، فإنّها تذكّر الآخرة » ...................................  ٧٤ ، ٩٦ ، ٩٩ ، ١٨١

« زوروا موتاكم وصلّوا عليهم ، وسلّموا عليهم فإن لكم فيهم عبرة » .........................  ١٢٧

« السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين والمسلمات » ..............................  ٧٥

« السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار » ............................................  ١٥٦

« السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وآتاكم ما توعدون » ....................................  ٧٥

« السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون » .........................  ١٨١

« السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين ، وإنّا بكم لاحقون » ، ثم قال : « اللٰهُمَّ لا تحرمنا أجرهم ، ولا تَفتِنّا بعدهم » ، ......................................................................  ٩٨

« السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أولها آخرها » .................................................  ١٥٢

« السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنِ لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ! أقبلتِ الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شر من الأولى » .............................  ١٥٩

« السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن إبنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ! قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقَّ عنها تجلّدي ، إلّا أنّ في... » .......................  ١٥٥


« صدقتِ ، لو كان عبداً لأطاع ربه » ....................................................  ٢٢

« ضعوهم فأنا الشهيد على هؤلاء يوم القيامة » ..........................................  ١٠٦

« عليّ منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي » .................................  ٤٨

« غسّلت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في قميصه ، فكانت فاطمة عليها‌السلام تقول : أرني القميص ، فإذا شمّته غشي عليها ، فلمّا رأيت ذلك غيّبته » .......................................................  ١٦٣

« فائتوهم فزوروهم وسلِّموا عليهم » ....................................................  ١٥٨

« فتصلي هناك وتدعو وتبكي حتى ماتت » ...............................................  ٨٧

« فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرة » .......................................................  ١٨٠

« فمثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ، كمثل الجسد إذا إشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » ..............................................................  ١٤٦

« قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من زار قبري بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جفاني » .............................................................................  ٦١

« القبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النار » .................................  ٤١

« قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فقد أذن لمحمدٍ في زيارة قبر اُمّه ، فزوروها ، فإنّها تذكر الآخرة » ......................................................................  ٩٦ ، ١٨٤

« قد وقفت على قبور الأحبة فناديتها » .................................................  ١٤٨

« كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنّها تذكر الآخرة » ! ..........................  ١٣٢

« كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة » .................................................  ٦٠

« كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تزهّد في الدنيا وتذكّر الآخرة » ...................  ٧٤ ، ١١٩ ، ١٨٢

« لاتبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكُوا عليه إذا وليه غير أهله » .....................  ٢٣٢

« لا تشدّوا الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد » ................................................  ٨٣

« لا واللهِ ، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل... » .........................................  ١٠٤


« لا يا أبا مويهبة ، إخترت لقاء ربّي » ..................................................  ١٦٠

« لا ينبغي للمطى أن تشدّ رحالها إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » ......................................................  ٨٣

« لا ينزعه إلّا زيارتي كان حقاً على الله عزّ وجلّ » ........................................  ١٩١

« اللحد لنا والشَقّ لغيرنا » ............................................................  ١٣٤

« لعن الله زوّارات القبور » .............................................................  ٨٧

« لُفّوهم بدمائهم وجراحهم فإنّه ليس أحد يخرج في سبيل الله إلّا جاء يوم القيامة لون جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك » ...................................................  ١٠٦

« لم تنزعه حاجة إلّا زيارتي » .........................................................  ١٩١

« اللهمّ إنّي أعوذ بك من عذاب القبر » ثلاثاً ............................................  ١٣٠

« ليس شيء في الجسد إلّا يشكو إلى الله تعالى ، اللسان على حدّته... » ....................  ١٥١

« ما خرجت أشراً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ، ولكنّي خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي محمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله... » ..............................................................  ١٠٤

« ماذا علىٰ من شَمَّ تربةَ أحمدٍ... » ....................................................  ١٦٢

« مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى » .........................................  ٧٧

« من أتى المدينة زائراً لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة... » .................................  ٦١

« من توضّأ فأسبغ الوضوء ثم غدا إلى مسجد قبا لا يريد غيره ولا يحمله على الغُدوِّ إلّا الصلاة في مسجد قبا فصلّى فيه أربع ركعاتٍ كان له أجر المعتمر إلى بيت الله » .................  ٨٠

« من جاءني زائراً كان له حقّاً على الله عزّ وجلّ أن أكون له شفيعاً يوم ........................  ٥٧

« من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلّا زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة » .....................................................................  ٥٧ ، ١٩١

« من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني » ...........................................  ٥٨ ، ١٩٣

« من حجّ إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كُتِبت له حجّتان مبرورتان » ...............  ٦٠ ، ١٩٩


« من حجّ حجّة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلّى في بيت المقدس لم يسأله الله عزّ وجلّ فيما افترض عليه » ............................................................  ٥٩

« من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي » ...........................  ٥٨ ، ١٩٢

« من حجّ فزارني في حياتي » ...........................................................  ٥٨

« من خرج حتى يأتي هذا المسجد ـ مسجد قبا ـ فصلّى فيه كان له عدل عمرة » .................  ٧٩

« مَن رآني في المنام فقد رآني حقّاً ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي » ............................  ٢٠٠

« من زار قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » ...............................  ٦١

« من زار قبري ـ أو من زارني ـ كنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله عزّ وجلّ في الآمنين يوم القيامة » ..............................................  ٥٩ ، ١٩٤

« من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي » .......................................  ٥٨

« من زار قبري حلّت له شفاعتي » ......................................................  ٥٧

« من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي » ................................................  ١٢٧

« من زار قبري وجبت له شفاعتي » ..............................................  ٥٧ ، ١٩٠

« من زارني إلى المدينة كنت له شهيداً وشفيعاً » ...........................................  ٥٩

« من زارني بالمدينة كنت له شفيعاً وشهيداً يوم القيامة » ....................................  ٦٠

« من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً » .............................................  ١٩٦

« من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة من الآمنين » ............................................................  ٥٩ ، ١٩٥

« من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ ، ومن زارني كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة » .....................................................................  ٦٠ ، ١٩٦

« من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً ، أو قال : شفيعاً » .................................................  ٦٠

« من زارني متعمّداً كان في جواري يوم القيامة... » ........................................  ٥٩


« من زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة » ...................................  ٦٠

« من زارني ميتاً فكأنّما زارني حيّاً ، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة ، وما من أحدٍ من اُمّتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر » ...................................  ٦٠ ، ١٩٨

« من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ، ومن زارني محتسباً إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة » ..........................................................  ١٩٦

« من وجد سعةً ولم يَفِدْ ـ يغدُ ـ إليَّ فقد جفاني » .........................................  ١٩٩

« نعم ، قالت : إنّ خير الزاد التقوى » ..................................................  ١٤٨

« نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّ في زيارتها تذكرةً » ...................................  ١٧٩

« نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنّها تذكّركم الآخرة » ....................................  ١١٨

« وا أبتاه وا رسول الله ، وا نبي الرحمة ، الآن لا يأتي الوحي ، الآن ينقطع عنّا جيرئيل ، اللّهمّ ألحق روحي بروحه ، وأسعفني بالنظر إلىٰ وجهه ، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة » ، .........................................................................  ١٦١

« واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنّها تُذكِّركم الموت » ....................  ١٧٨

« والقبر أول منزلٍ من منازل الآخرة ، فمن نجا منه فما بعده أيسر ، ومن لم يَنجُ منه فما بعده شرّ منه » ..........................................................................  ١٤٦

« وأكثروا ذكر الموت وما بعد الموت » ..................................................  ١٤٢

« ولا أدري ما تحدثون بعدي » ؟ ......................................................  ١٠٧

« ولم يزرني فقد جفاني... » ............................................................  ٨٠

« ونهيتكم عن زيارة القبور فمن أراد أن يزور فليزر » ..................................  ٧٤ ، ٩٧

« ويحها لو تستطيع ما فعلت » ! ........................................................  ٩٨

« هول المطّلع ، وروعات الفزع ، واختلاف الأضلاع ، واستكاك الأسماع ، وظلمة اللحد ، وخيفة الوعد ، وغمّ الضريح ، وردم الصفيح ؟ » ..........................................  ١٦٥

« يا إخواني ، لمثل هذا فأعِدّوا » .........................................................  ١٤


« يا أبا عبدالله ، لا يزور قبري أحد إلّا غُفر له ونال شفاعتي غداً » ..........................  ٢٠٠

« يا أبا مويهبة ، إنّي قد اُمرت أن أستغفر لأهل البقيع ، فأنطلق معي » ......................  ١٥٩

« يا أبا مويهبة إنّي قد اُوهبت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها والجنّة ، فخيّرتُ بينها وبين الجنّة ، فاخترت الجنة » ...............................................................  ١٥٩

« يا أبتاه ، جنّة الخلد مثواه ، يا أبتاه ، عند ذي العرش مأواه ! يا أبتاه ، كان جبريل يغشاه ! يا أبتاه ، لست بعد اليوم أراه ! » ........................................................  ١٦١

« يا أبتاه ، مَن أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه ، مَن جَنّة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، إلىٰ جبريل ننعاه » .............................................................................  ١٦١

« يا أبتاه ، من أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه ، من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه ، مَن ربّه ناداه ، يا أبتاه ، إلىٰ جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه... » ...........................................  ١٦٢

« يا أهل الديار الموحشة ، والمحالّ المقفرة ، والقبور المظلمة ، ياأهل التربة ، ياأهل الغربة ، يا أهل الوحدة ، يا أهل الوحشة ، أنتم لنا فَرَط سابق ، ونحن لكم تَبَع... » ....................  ١٤٧

« يا موسى أعطها ما سألت ، فإنّك إنّما تُعطي عليَّ » ....................................  ١١٦

« يقول القبر للميت حين يوضع في قبره : ويحك يا ابن آدم ، ما غرّك بي ؟ ألم تعلم أنّي بيت الفتنة وبيت الظلمة وبيت الوحدة وبيت الدود... » .......................................  ١٢٨


فهرس المصادر

١ ـ احقاق الحق : القاضي نور الله التستري ، ( ت ١٠١٩ هـ. ق ).

٢ ـ احياء علوم الدين : شيخ الإسلام الغزالي ، ( ت ٥٠٥ هـ. ق ).

٣ ـ ارشاد الساري : شهاب الدين القسطلاني ( ت ٩٢٣ هـ. ق ).

٤ ـ اعلموا إنّي فاطمة : عبدالحميد المهاجر ، ( معاصر ).

٥ ـ الإمامة والسياسة : عبدالله بن مسلم الدينوري ( ت ٢٦٧ هـ. ق ).

٦ ـ امتاع الأسماع : أحمد بن علي المقريزي ، ( ت ٨٤٥ هـ. ق ).

٧ ـ اُنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ، القاضي مجير الدين الحنبلي : طبع القاهرة.

٨ ـ أخبار الدول وآثار الاُول : العلامة القرماني.

٩ ـ أخبار مكة ، للأزرقي.

١٠ ـ أعلام النساء : عمر رضا كحاله ، طبع دمشق.

١١ ـ أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين.

١٢ ـ أمالي الطوسي : الشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ. ق ).

١٣ ـ بحار الأنوار : محمد باقر المجلسي ، ( ت ١١١١ هـ. ق ).

١٤ ـ البداية والنهاية في التاريخ : إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء ، نشر مكتبة المعارف ، بيروت.

١٥ ـ البداية والنهاية في التاريخ ، لإبن كثير القرشي :

١٦ ـ التاج الجامع للاُصول : منصور بن علي بن ناصف.

١٧ ـ تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري ، ( ت ٦٣٠ هـ. ق ).


١٨ ـ تاريخ بغداد : أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

١٩ ـ تذكرة الحفّاظ : أبو عبدالله شمس الدين الذهبي ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، صُحِّح عن النسخة المحفوظة في مكتبة الحرم المكّي تحت إعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهندية.

٢٠ ـ تذكرة الخواص : يوسف بن قزغلي علي سبط الجوزي ، ( ت ٦٥٤ هـ. ق ).

٢١ ـ تفسير الآلوسي : محمود الآلوسي البغدادي.

٢٢ ـ تفسير الرازي : الفخر الرازي ، ( ت ٦٠٤ هـ. ق ).

٢٣ ـ تفسير القرآن ، عبدالرزاق الصنعاني.

٢٤ ـ تفسير المراغي : عبدالله بن مصطفى المراغي المصري ، طبع مصر.

٢٥ ـ تفسير الميزان : محمد حسين الطباطبائي.

٢٦ ـ تهذيب التهذيب : أحمد بن عليّ بن حجر ، أبو الفضل العسقلاني الشافعي ، نشر دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الاُولى ، ١٤٠٤ هـ ( ١٩٨٤ م ).

٢٧ ـ تهذيب الكمال : جمال الدين يونس بن عبدالرحمن المزي ، ( ت ٧٤٢ هـ. ق ).

٢٨ ـ تيسير الوصول : عبدالرحمن بن علي ، مصر ، المطبعة التجارية الكبرى ، ١٣٥٦ هـ. ق.

٢٩ ـ الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي : محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ، ( ت ٢٩٧ هـ. ق ).

٣٠ ـ الحدائق الناضرة : يوسف البحراني ، ( ت ١١٨٦ هـ. ق ).

٣١ ـ الخصال : الشيخ الصدوق ، ( ت ٣٨٢ هـ. ق ).

٣٢ ـ الخلاف : الشيخ الطوسي ، ( ت ٤٦٠ هـ. ق ).

٣٣ ـ الدرر السنيّة في الردّ على الوهابيّة : أحمد زيني دحلان ، نشر مكتبة أنيق اسلامبول ، ١٣٩٦ هـ.


٣٤ ـ دعائم الإسلام : النعمان بن محمد بن منصور التميمي ، مصر ، ١٩٦٣ م.

٣٥ ـ دعوات الراوندي : قطب الدين الراوندي ، ( ت ٥٧٣ هـ. ق ).

٣٦ ـ ربيع الأبرار : محمود بن عمر الزمخشري ، ( ٥٣٨ هـ. ق ).

٣٧ ـ الرياض النضرة : محب الدين الطبري ، طبع مصر.

٣٨ ـ سنن ابن ماجه : محمد بن يزيد القزويني.

٣٩ ـ سنن الدارقطني : علي بن عمر البغدادي ، ( ت ٢٨٥ هـ. ق ).

٤٠ ـ السنن الكبرى : أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، ( ت ٤٥٨ هـ. ق ).

٤١ ـ سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي.

٤٢ ـ سنن أبي داود : سليمان بن الاشعث السجستاني ، ( ت ٢٧٥ هـ. ق ).

٤٣ ـ السيرة الحلبية : علي بن إبراهيم الحلبي ، دار الفكر العربي ، بيروت ، ( ١٤٠٠ هـ. ق ).

٤٤ ـ السيف الصقيل : الشيخ محمد زاهد الكوثري.

٤٥ ـ شجرة طوبى : محمد مهدي الحائري.

٤٦ ـ شرح الجامع الصغير : عبدالرزاق المناوي ، ( مخطوط ).

٤٧ ـ شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد ، ت ( ٦٥٦ هـ. ق ).

٤٨ ـ صحيح البخاري : محمد بن إسماعيل البخاري ، ( ت ٢٥٦ هـ. ق ).

٤٩ ـ صحيح مسلم : محمد بن الحجاج النيسابوري ، ( ت ٢٦١ هـ. ق ).

٥٠ ـ العقد الفريد : ابن عبد ربّه الاندلسي ، ( ت ٣٢٨ هـ. ق ).

٥١ ـ العوالم : عبدالله البحراني ، ( القرن الثاني عشر الهجري ).

٥٢ ـ الغدير : عبدالحسين الأميني ، ( ت ١٣٩٠ هـ. ق ).

٥٣ ـ فتح الباري : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، ( ت ٨٥٢ هـ. ق ).

٥٤ ـ فتوحات البلدان : أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري ، ( ت ٢٧٩ هـ. ق ).


٥٥ ـ الفتوحات المكية : محيي الدين ابن العربي ، ( ت ٦٣٨ هـ. ق ).

٥٦ ـ الفجر الصادق : جميل صدقي الزهاوي ، مطبعة الواعظ ، مصر ، ١٣٢٣.

٥٧ ـ فيض القدير : العلامة المناوي.

٥٨ ـ الكامل في ضعفاء الرجال : للإمام الحافظ أبي أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني ، ( ت ٣٦٥ هـ. ق ).

٥٩ ـ كتاب السنّة : عبدالله بن أحمد بن حنبل الشيباني ، نشر دار ابن القيم ، الدمام ، الطبعة الأولى ، ١٤٠٦ هـ ، تحقيق د. محمد سعيد سالم القحطاني.

٦٠ ـ كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبدالوهاب : السيّد محسن الأميني العاملي ، تحقيق حسن الأمين ، ط ٢ ، نشر مكتبة الحديث ، ١٣٨٣.

٦١ ـ كشف الغطاء : الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، ( ت ١٢٢٨ هـ. ق ).

٦٢ ـ كنز العمال : علي المتقي الهندي ، ( ت ٩٧٥ هـ. ق ).

٦٣ ـ لسان العرب : العلّامة ابن منظور ، ( ت ٧١١ هـ. ق ).

٦٤ ـ لماذا اخترت مذهب أهل البيت : محمد مرعي الأنطاكي ، تحقيق عبدالكريم ، ط ١ ، طبع ونشر مكتب الاعلام الإسلامي ، قم ، ١٤١٧ هـ.

٦٥ ـ مجمع البيان : الفضل بن الحسن الطبرسي ، ( ت ٥٤٨ هـ. ق ).

٦٦ ـ مجمع الزوائد : علي بن أبي بكر الهيتمي ، ( ت ٨٠٧ هـ. ق ).

٦٧ ـ مجموعة ورّام : الأمير الزاهد أبي الحسن ورّام ، ( القرن السادس ).

٦٨ ـ محاسبة النفس : إبراهيم الكفعمي ، ( ت ٩٠٠ هـ. ق ).

٦٩ ـ المحاسن : أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، ( ت ٢٨٠ هـ. ق ).

٧٠ ـ محاضرات الشيخ أحمد الوائلي : ( ت ٢٠٠٣ م ).

٧١ ـ مختصر تاريخ دمشق : محمد بن مكرم بن منظور الافريقي ، ( ت ٧١١ هـ. ق ).


٧٢ ـ مراقد المعارف : محمد حرز الدين ، ( ت ١٣٦٥ هـ. ق ).

٧٣ ـ المستدرك على الصحيحين ؛ محمد بن عبدالله ، أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، ١٤١١ هـ ( ١٩٩٠ م ) ، تحقيق مصطفى عبدالقادر عطا.

٧٤ ـ مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، ( ت ٢٤١ هـ. ق ).

٧٥ ـ مشكاة المصابيح : محمد بن عبدالله التبريزي ، ( ت ٥١٠ هـ. ق ).

٧٦ ـ معجم البلدان : ياقوت بن عبدالله الحموي ، ( ت ٦٢٦ هـ. ق ).

٧٧ ـ المعجم الكبير : سليمان بن أحمد الطبري ، ت ( ٣٦٠ هـ. ق ).

٧٨ ـ المغازي : محمد بن عمر الواقدي ، ( ت ٢٠٧ هـ. ق ).

٧٩ ـ مقتل الحسين : الموفق بن أحمد الخوارزمي ، ( ت ٥٦٨ هـ. ق ).

٨٠ ـ مناقب آل أبي طالب : محمد بن علي بن شهر آشوب ، ( ٥٨٨ هـ. ق ).

٨١ ـ مناقب أحمد : أحمد بن حنبل ، ( ت ٢٤١ هـ. ق ).

٨٢ ـ المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم : عبدالرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي أبو الفرج ، نشر دار صادر ، بيروت ، الطبعة الاُولى ، ١٣٥٨ هـ

٨٣ ـ منتهى الآمال : عباس القمّي ، ( ت ١٣٥٩ هـ. ق ).

٨٤ ـ منهاج السنّة النبويّة في نقض كلام الشيعة والقدرية : أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبدالحليم بن تيميّة ، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، الرياض ، الطبعة الاُولى ، ١٤٠٦ هـ

٨٥ ـ المواهب اللدنّية : أحمد بن محمد القسطلاني ، ( ت ٩٢٣ هـ. ق ).

٨٦ ـ موسوعة العتبات المقدّسة : جعفر الخليلي ،

٨٧ ـ النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين : نعمة الله الجزائري ،

٨٨ ـ نهج السعادة : محمد باقر المحمودي ،


٨٩ ـ وفاء الوفاء : علي بن الحسين الشافعي السمهودي ، بيروت.

٩٠ ـ هل اغتيل النبي : نجاح الطائي ، دار الهدى لإحياء التراث ، بيروت ، ط ٣ ، ١٤٢٥ هـ.

٩١ ـ ينابيع المودة : سليمان بن إبراهيم القندوزي ، ( ت ١٢٩٤ هـ. ق ).


فهرس المحتويات

كلمة الناشر .......................................................  ٨

مقدمة المؤلف ......................................................  ٩

شكر وتقدير .....................................................  ١٢

الجندي المجهول ...................................................  ١٣

المقبرة المَلَكية ......................................................  ١٦

مراقد المعارف .....................................................  ١٨

الشيخ بشّار ......................................................  ٢٢

مرقد النبيّ يونس بن متّي عليه‌السلام .......................................  ٢٤

مراقد المعارف في الدول العربية والإسلامية .................................................  ٢٥

الذَّهب ..........................................................  ٢٩

اجتهادُ الخليفة في حُلي الكعبة الشريفة ................................  ٣٠

الميزاب ...........................................................  ٣٣

قُبَّة الصّخرة .......................................................  ٣٥

القباب والمآذن الذهبية .............................................  ٣٦


روضة وحفرة ......................................................  ٤١

الحِجْرُ ...........................................................  ٤٩

زيارة القبور على ضوء الكتاب والسنّة .................................  ٥١

الأوّل : الكتاب العزيز : ............................................  ٥٢

الثاني : السنّة النبويّة : .............................................  ٥٦

الثالث : الإجماع : .................................................  ٦٥

الرابع : دليل العقل : ..............................................  ٧٣

المقام الثاني في زيارة سائر القبور : ....................................  ٧٤

في شدّ الرحال إلى زيارة القبور : .....................................  ٧٧

السرّ ............................................................  ٨٩

كلمة لابدَّ منها ...................................................  ٩٢

نصب الشهيد ....................................................  ٩٣

نصب الحرية ....................................................  ١٠٠

أبو سفيان والقبر .................................................  ١٠٥

الحجّاج بن يوسف الثَقفي وزيارة القبور ..............................  ١١١

قبر النبيّ يوسف الصديق عليه‌السلام .....................................  ١١٥

مع التفاسير .....................................................  ١١٨

البناء على القبور .................................................  ١٢١

بيان كلام القبر ..................................................  ١٢٨

بيان عذاب القبر وسؤال منكر ونكير ...............................  ١٣٠

فنادىٰ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أهل القبور .......................................  ١٣٣


الخليفة الثاني يقبّل الحجر ..........................................  ١٣٦

شجرة بيعة الرضوان ..............................................  ١٣٧

بيت الأحزان ....................................................  ١٤٠

ذكر الموت ......................................................  ١٤٢

في عالم الرياضة ..................................................  ١٤٣

في شرح نهج البلاغة ..............................................  ١٤٧

موضع دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ............................................  ١٥٣

هؤلاء الذين زاروا القبور ...........................................  ١٥٦

ندبة فاطمة عليها‌السلام أباها وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله .................................  ١٦١

إحدى خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ........................  ١٦٤

في النصح والإرشاد ...............................................  ١٦٤

أجساد الشهداء طريّة .............................................  ١٦٧

ثلاث شجرات ..................................................  ١٧١

الحقّ عزّ وجلّ يزور أحمد بن حنبل في قبره ............................  ١٧٢

مع أصحاب الصحاح ............................................  ١٧٧

مع الغدير الذي لا ينضب .........................................  ١٨٧

أقوال أعلام المذاهب الأربعة في زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله .......................  ٢٠١

التغليظ في اتخاذ السرج على القبور ..................................  ٢٠٩

فيلٌ وناقَةٌ وبَقَرَ ..................................................  ٢١١

ناقة الإمام الرابع علي بن الحسين عليه‌السلام ..............................  ٢٢٤

ماارتكبه المتوكِّل بمرقد الإمام الحسين عليه‌السلام ............................  ٢٢٦


مِن فَمِكَ اُدينُكَ .................................................  ٢٢٩

فهرس الآيات الكريمة .............................................  ٢٥١

فهرس الأحاديث والروايات ........................................  ٢٥٥

فهرس المصادر ...................................................  ٢٦٣

فهرس المحتويات .................................................. ٢٦٩

نافذة على زيارة القبور

المؤلف: السيّد فاروق الموسوي
الصفحات: 272
ISBN: 978-964-8300-11-6