بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد

الحمد لله رب العالمين والصلوة والسّلام على خير خلقه محمد وآله اجمعين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الان الى قيام يوم الدين.

اما بعد فيقول العبد المذنب الجاني محمد علي بن مراد علي المدرس الافغاني هذا هو الجزء الرابع من كتابنا المدرس الافضل فيما يرمز ويشار اليه في المطول اسئل الله العلي القدير ان يوفقني لاتمامه انه على كل شىء قدير وبالاجابة جدير.

(اما تركه فلما مر في حذف المسند اليه) من الاحتراز من العبث او تخييل العدول الى أقوى الدليلين وغيرهما مما ذكر هناك فراجع ان شئت.

(وانما قال في المسند اليه حذفه وفي المسند تركه) والفرق بينهما ان الاول معناه بالفارسية (افكندن وانداختن) والثاني معناه بالفارسية (دست برداشتن) وظاهر ان بين المعنيين بون بعيد وتفاوت شديد يظهر من قوله (رعابة للطيفة وهى) اى اللطيفة ما تقدم هناك من (ان المسند اليه اقوم ركن في الكلام وأعظمه والاحتياج اليه فوق


الاحتياج الى المسند فحيث لم يذكر لفظا فكانه اتى به لفرط الاحتياج اليه ثم اسقط لغرض) من الاغراض التى ذكرت هناك اعنى الاحتراز من العبث وتخييل العدول ونحوهما والحاصل انه كل ما يصلح لتعليل الحذف في ذلك الباب يصلح له في هذا الباب (بخلاف المسند فانه ليس بهذه المثابة) والمنزلة (في الاحتياج فيجوز ان يترك ولا يوتى به لغرض) من الاغراض المذكورة هناك (كقوله اي قول ضابى بن الحارثى البرجمى).

ومن يك امسى بالمدينة رحله

فانى وقيار بها لغريب

لفظة من شرطية محذوفة الجزاء ويك فعل الشرط اصله يكون حذفت الواو لالتقاء الساكنين بعد الجزم وحذفت النون ايضا تخفيفا او تشبيها بالتنوين في السكون كما قال في الالفية.

ومن مضارع لكان منجزم

يحذف نون وهو حذف ما التزم

وامسى اما مسند الى ضمير من وجملة بالمدينة رحله خبره ان كانت ناقصة وحال ان كانت تامة فالاسناد في امسى حقيقة واما مسند الى رحله بمعنى المنزل والماوي كما قال (في الاساس لناء في رحله اى في منزله وماويه) فالاسناد مجاز لان المراد امساء اهل المنزل دون المنزل نفسه اى ومن يك امسى بالمدينة رحله فنعم الامساء امائه لانه امساء في المنزل بين الاهل والاحبة والاصدقاء سالما عن كدر الغربة وكمد الفرقة ساكنا فؤاده مطمئنا قلبه بوصلهم كما قال الشاعر الفارسي

دانى كه چيست دولت ديداد دوست ديدن

در كوى او گدائى بر خسروى گزيدن

(وقيار اسم جعل له) اى للشاعر وقال في المختصر اسم فرس له


وقيل اسم غلام له (ولفظ البيت خبر) استعمل في مقام الانشاء اى انشاء التحصر على الغربة اى التحزن منها والتوجع بها (و) ذلك لان (معناه) اى معنى البيت كما قلنا (التحصر على الغربة والتوجع) أى وجع القلب (من الكربة) الحاصلة بسبب الغربة كما قيل بالفارسية ،

غريب اگرچه بغربت ميانه كنجست

همين كه شام شود آن غريب دل رنجست

والشاهد في البيت انه (حذف المسند) من المسند اليه (الثاني) يعنى قيار لا من الاول اعنى اسم ان فقوله غريب خبر لان اللام الابتدائية انما يدخل على خبر ان كما قال في الالفية.

وبعد ان ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو انى لوزر

(والمعنى انى لغريب وقيار ايضا غريب) فحذف المسند من الثاني (لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث في الظاهر) حسبما فصل في اوائل باب المسند اليه والا فلا عبث بحسب الحقيقة ونفس الامر لكونه ركن الكلام في الحقيقة فكيف يكون ذكره عبثا (مع ضيق المقام بسبب التحصر ومحافظة الوزن) والمحافظه على الوزن من اهم الامور عندهم يرتكبون لاجلها امورا لا يرتكبونها في غيرها كما هو ظاهر للمتتبع

(ولا يجوز ان يكون غريب خبرا عنهما) اى عن اسم ان وقيار (بافراده) اى وحده من دون تقدير خبر اخر لقيار وسياتى وجه هذا التقيد والتفسير عند قوله وفي ارتفاع قيار وجهان ولا يخفى عليك انه لو جاز ذلك لكان من عطف المفرد على المفرد بخلاف ما اذا قدر لقيار خبر اخر فانه حينئذ من عطف الجملة على الجملة وذلك جائز


كما يصرح به عنقريب وانما لم يجز كون غريب خبرا عنهما بافراده (لامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر) قال الجامى ويشترط في العطف على اسم ان المكسورة بالرفع مضى الخبر اى ذكر خبرها قبل المعطوف لفظا مثل ان زيدا قائم وعمرو او تقديرا مثل ان زيدا وعمرو قائم اى ان زيدا قائم وعمرو قائم لانه لو لم يمض قبله لا لفظا ولا تقديرا لزم اجتماع العاملين على اعراب واحد مثل ان زيدا وعمرو ذاهبان فانه لا شك ان ذاهبان خبر عن كل من المعطوف والمعطوف عليه فمن حيث انه خبر عن اسم ان يكون العامل في رفعه ان ومن حيث انه خبر المعطوف على اسمه يكون العامل في رفعه الأبتداء فيلزم اجتماع عاملين اعنى ان والابتداء على رفعه وهو باطل انتهى.

من هذا القبيل مثال التفتازانى اعنى (نحو ان زيدا وعمرو منطلقان).

وللمحقق الرضى كلام ادق يعجبنى ذكره وهذا نصه ولا يحمل على المحل عند البصريين الا بعد مضى الخبر فلا يجوز عندهم ان زيدا وعمرو قائمان واجازه الكسائى وانما منعوا من ذلك لان العامل في خبر المبتدء عند جمهورهم الابتداء والعامل في خبر ان ان فيكون قائمان خبرا عن زيد وعمرو معا فيعمل عاملان مختلفان مستقلان في العمل رفعا واحدا فيه وذلك لا يجوز لان عوامل النحو عندهم كالمؤثر الحقيقى كما ذكرنا في صدر الكتاب والاثر الواحد الذي لا يتجزء لا يصدر عن مؤثرين مستقلين في التأثير كما ذكر في علم الاصول لانه يستغنى بكل واحد من المؤثرين عن الاخر فيلزم من احتياجه اليهما معا عدم استغنائه عنهما انتهى.


وانما علل التفتازانى عدم جواز كون غريب خبرا عنهما بما ذكر اى بامتناع العطف على محل اسم ان قبل مضى الخبر لا بافراد غريب لان وزن فعيل يستوى فيه المفرد والمثنى والجمع ولذلك وصف به الجمع في قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) فلولا امتناع العطف المذكور لجاز كون غريب خبرا عنهما بافراده فتنبه.

(وفي ارتفاع قيار وجهان احدهما العطف على محل اسم ان لان الخبر) اي خبر ان اي لغريب (مقدم تقديرا) لانه اى لغريب جزء الجملة المعطوف عليها ، فهو حينئذ نظير باب التنازع بل عينه من وجه اذا اعملنا الاول نحو قد بغى واعتديا عبداك ، فاعمل في عبداك الاول واضمر في الثاني.

ولا محذور لرجوع الضمير الى متقدم في الرتبة (فيكون العطف بعد مضى الخبر ولا يلزم) حينئذ (ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين كما في ان زيدا وعمرو ذاهبان) حيث ارتفع ذاهبان بعاملين مختلفين وقد تقدم بيانه ، وانما قلنا انه لا يلزم حينئذ ارتفاع الخبر بعاملين مختلفين (لان لكل منهما) اي ان وقيار.

(خبرا اخر) فعمل ان في خبره اعنى لغريب وعمل قيار او الابتدائية في خبر اخر مقدر وهو ايضا غريب ، فهو من قبيل عطف شيئين على معمولى عامل واحد ، لان قيارا معطوف على محل اسم ان وغريبا المحذوف على غريب المذكور واحتمل بعضم انه من قبيل عطف الجملة على الجملة وليس بشيء فتامل.

قال الرضى : ولو فرق الخبران بالعطف نحو ان زيدا وهند قائم وخارجة لم يات الفساد الذي ذكروا فيجب جوازه ، فيكون الكلام


من باب اللف ، كقوله تعالى :

«جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ». واذا قدمت الخبر على العطف فاما ان تاتى المعطوف بالخبر ظاهرا نحو ان زيدا قائم وعمرو كذلك او تحذفه وتقدره ، والاكثر الحذف نحو : ان زيدا قائم وعمرو ولا يجوز ان يكون هذا من عطف المفرد ، لان قائم لا يكون خبرا عن الاسمين.

وانما اجاز الكسائى نحو ان زيدا وعمرو قائمان لان العامل عنده في خبران ما كان عاملا في خبر المبتدء ، لان ان واخواتها لا تعمل عند الكوفيين الا في المبتدء دون الخبر ، والعامل في خبر ان اسمها ، لان المبتدء والخبر لا يترافعان عنده ، فلا يلزم صدور اثر واحد عن مؤثرين.

والفراء توسط مذهبي سيبويه والكسائى ، فلم يمنع رفع المعطوف مطلقا ولم يجوزه مطلقا بل فصل وقال : ان خفى اعراب الاسم بكونه مبنيا او معربا مقدر الاعراب جاز الحمل على المحل قبل مضى الخبر ، نحو انك وزيد ذاهبان وان الفتى وعمرو قائمان والا فلا ، لانه لا ينكر في الظاهر كما ينكر مع ظهور الاعراب في المتبوع ، وذلك لان خبرا واحدا عن مختلفين ظاهرى الاعراب مستبدع ولا كذلك اذا خفى اعراب المتبوع ، ولا يلزمه ايضا توارد المستقلين على اثر واحد ، لان مذهبه في ارتفاع خبر ان مذهب الكسائى انتهى.

(و) اما الوجه (الثاني) من وجهى ارتفاع قيار ، فهو (ان يرتفع) قيار بالابتداء والمحذوف خبره والجملة) اى قيار وخبره المحذوف (باسرها عطف على جملة ان مع اسمه وخبره ، ولا تشريك هنا في عامل ، كما تقول ليت زيدا قائم وعمرو منطلق) فانه من عطف


جملة خبرية مستقلة على جملة انشائية مستقلة وفيه كلام ياتى في اوائل الباب السابع انشاء الله تعالى.

(و) اما (السر في تقديم قيار على خبر ان) فهو قصد التسوية بينهما) أي بين الشاعر وقيار (في التحسر على الاغتراب كانه) اى الاغتراب (اثر فى غير ذوى العقول ايضا). هذا بناء على ان قيار اسم جمل او فرس له لا غلام له فتنبه.

(بيان ذلك) اي بيان ان السر في تقديم قيار قصد التسويه بينهما (انه لو قيل : انى غريب وقيار لجاز ان يتوهم) من تاخير قيار عن خبر ان ، اعنى غريب (ان له) اي للشاعر (مزيد) وزيادة (على قيار في التاثر) والتحسر (عن الغربة) وذلك (لان ثبوت الحكم) لشيىء (اولا) وسابقا (اقوى) من ثبوته ثانيا وحقا (فقدمه) اى قيارا (ليتاتى) اى ليمكن (الاخبار عنهما) اى عن الشاعر وقيار (دفعة) واحدة (بحسب الظاهر) لا بحسب الحقيقة اذ في الحقيقة لكل منهما خبر اخر على ما بينا انفا.

فقدمه (تنبيها على ان قيارا مع انه ليس من ذوى العقول قد ساوى العقلاء في استحقاق الاخبار عنه بالاغتراب) وانما فعل ذلك (قصدا الى) اظهار كمال (التحسر) وزيادة التوجع.

(وهذا الوجه) الثاني من وجهى ارتفاع قيار مع السر المذكور (هو الذي قطع به صاحب الكشاف في سورة المائدة في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) الاية وقال) ما حاصله ((وَالصَّابِئُونَ) مبتدء وهو مع خبره المحذوف جملة معطوفة على جملة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) الخ لا محل لها من الاعراب وفائدة تقديم (الصَّابِئُونَ)


التنبيه على انهم) اي الصابئون مع كونهم ابين المذكورين) في الاية (ضلالا واشدهم غيا) لانهم خرجوا عن دين اليهوديه والنصرانيه بل عن الاديان كلها وعبد والملائكة وفي مجمع البحرين عن الصادق عليه‌السلام سمى الصابئون لانهم صبوا الى تعطيل الانبياء والرسل والشرايع وقالوا كلما جائوا به باطل فجحدوا توحيد الله ونبوة الانبياء ورسالة المرسلين ووصية الاوصياء فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول وفيه ايضا قيل اصل دينهم دين نوح عليه‌السلام فمالوا عنه وكذا في مفردات الراغب وفيهم اقوال اخر مذكورة في التفاسير وكتب اللغة وكيفكان لهم (يثاب عليهم ان صح منهم الايمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم) من الكفار والمنافقين ، (وههنا) اى في العطف على محل اسم ان (ابحاث لا يحملها المقام) ونحن قد نقلنا بعض تلك الابحاث عن الرضى.

(اكمال) قال الرضى واما قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) امن فعلى ان الواو في والصابئون اعتراضية لا للعطف وهو مبتدء محذوف الخبر اى والصابئون كذلك اسد خبر ان مسده ودلالته عليه كما في ياتيم تيم عدى على مذهب المبرد ومنه قوله.

فمن يك امسى بالمدينة رحله

فانى وقيار بها لغريب

اى فانى وقيار كذلك بها لغريب انتهى وياتى وجه تسمية هذه الواو اعتراضية في الباب الثامن عند قول المصنف واما بالاعتراض الخ انشاء الله تعالى.

وقال ايضا اعلم انه يختلف عباراتهم في ذلك يقول بعضهم كما


قال المصنف يعطف على اسم المكسورة بالرفع وبعضهم يقول على موضع ان مع اسمها كما قال الجز ولى وكان الاول نظر الى ان الاسم هو الذي كان مرفوعا قبل دخول ان ودخولها عليه كلا دخول يبقى على كونه مرفوعا لكن محلا لاشتغال لفظه بالنصب فان كاللام في لزيد ولا شك ان المرفوع فيه هو الاسم وحده لا الاسم مع الحرف الداخل عليه فكذا ينبغى ان يكون الامر مع ان ومن قال على موضعها مع اسمها نظر الى ان اسمها لو كان وحده مرفوع المحل لكان وحده مبتدء والمبتدء مجرد عن العوامل عندهم واسمها ليس بمجرد.

والجواب انه باعتبار الرفع مجرد لان ان كالعدم باعتباره وانما يعتنى بها اذا اعتبر النصب ويشكل عليه بان ان مع اسمها لو كانت مرفوعة المحل لكانت مع اسمها مبتدء والمبتدء هو الاسم المجرد على ما ذكرنا وهى مع اسمها ليست اسما فالاولى ان يقال العطف بالرفع على اسمها وحده انتهى.

(و) نحو (قوله) اي قول قيس بن عطية او امرء القيس

نحن بما عندنا وانت بما عندك

راض والراى مختلف

اى نحن بما عندنا من الاعتقادات والافعال والاقوال والعادات راضون وانت بما عندك راض ولكن راينا وافكارنا وطريقنا واعمالنا مختلفة والله اعلم بما هو صلاح وصدق وخير منها يعنى ان طريقنا خير من طريقكم لكنه لم يصرح به كما قال الله تعالى (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فالبيت نظير قوله تعالى حكاية (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) او (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

وقيل معناه كل واحد منا راض بما اتاه الله وقسم له من المال


وغيره لا نتنازع ولا نتحاسد فيه والاراء مع ذلك مختلفة لا تتفق وكيفكان (هذا) المثال (صريح في ان) الخبر (المذكور) يعنى راض (خبر عن) المبتدء (الثاني) يعنى انت (وخبر) المبتدء (الاول) يعنى نحن (محذوف) والخبر المحذوف راضون (على عكس البيت السابق) اي قوله وانى وقيار الخ.

والوجه في هذا البيت وجوب المطابقة في الخبر المشتق كما انه في البيت الاول اللام الابتدائية لانها كما قال في المغنى في الباب الرابع في اقسام العطف لا تدخل على خبر المبتدء الا اذا قدم نحو لقائم زيد او كان خبر المبتدء منسوخ كما في الالفية.

وبعد ان ذات الكسر تصحب الخبر

لام ابتداء نحو انى لوزد

قال ابن هشام في الباب الخامس اذا دار الامر بين كون المحذوف اولا او ثانيا فكونه ثانيا اولى الى ان قال تنبيه الخلاف انما هو عند انتردد والا فلا تردد في ان الحذف من الاول في قوله.

نحن بما عندنا وانت بما عندك

راض والراى مختلف

ثم قال وتكلف بعضهم في البيت فزعم ان نحن للمعظم نفسه وان راض خبر عنه ثم رد هذا التكلف بانه لا يحفظ من نحو نحن قائم بل تجب في الخبر المطابقة نحو (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) واما (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) فافرد ثم جمع فلان غير المبتدء والخبر لا يجب لهما من التطابق ما يجب لهما انتهى (وكذا) اي مما حذف الخبر من الاول (قوله).

ومانى بامر كنت منه ووالدى

بريا ومن اجل الطوى رمانى

(على ان بريا خبر لوالدي وخبر كنت محذوف فهو عنده) اي


الخطيب (من عطف المفرد) على المفرد اى من عطف شيئين على معمولى عامل واحد لان والدى معطوف على اسم كان وبريا على خبره المحذوف كما قال ابن مالك (وحذف متبوع بدا هنا استبح).

(و) لكن (جمهور النجاة على ان) بريا (المذكور خبر كنت و) ان (والدي) ليس معطوفا على اسم كان بل هو (مرفوع بالابتداء) على تقدير لئلا يلزم العطف قبل تمام الجملة (والخبر) اى خبر والدى (محذوف) فهو مثل البيت السابق لا عكسه ونظير ما (قال) الامام (المرزوقى في قوله).

فيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البر والبحر مترعا

(ان البحر مرتفع بالابتداء على تقدير التاخير) لما ذكرنا (والمعنى كان منه البر مترعا والبحر ايضا مترع فيكون) العطف في والدى (من عطف الجملة) على الجملة اى على جملة كنت بريا (ولا يلزم العطف قبل تمام المعطوف عليه) وان كان الخبر من الجملة المعطوف عليها اعنى بريا مؤخرا لفظا من مبتدء الجملة المعطوفة اعنى والدي (لان هذا المبتدء) يعنى والدي (في نية التاخير) معنى كما تقدم انفا في تقديم قيار انه (قدم لفرط الاهتمام) وقصد التسوية فتامل جيدا.

(ولو انهم قدروا) الخبر (المحذوف من الثاني) حالكون الخبر المحذوف (منصوبا) لا مرفوعا كما قاله جمهور النحاة والامام المرزوقى (اى كنت منه بريا ووالدى ايضا بريا وكان البر منه مترعا والبحر ايضا مترعا ليكون من عطف المفرد) على المفرد اى من عطف شيئين على معمولى عامل واحد (كقولنا كان زيد قائما وعمرو قاعدا لم يكن بعيدا) قال الرضى عند قول ابن الحاجب واذا عطف على عاملين مختلفين


لم يجز ما هذا نصه واما عطف المعمولين متفقين كانا او مختلفين على معمولى عامل واحد فلا باس به نحو ضرب زيد عمر او بكر خالدا وظننت زيدا قائما وعمرا قاعدا واعلم زيد عمرا بكرا فاضلا وبشر خالدا محمدا كريما وذلك لان حرف العطف كالعامل ولا يقوى ان يكون حرف واحد كالعاملين ويجوز ان يكون كعامل يعمل عملين او ثلثة او اكثر انتهى.

ولا يذهب عليك ان استواء فعيل في المفرد والمثنى والمجموع يضعف بعض ما تقدم فتامل.

(و) نحو (قولك زيد منطلق وعمرو اى وعمرو كذلك) اى منطلق (فحذف) الخبر وهو كذلك او منطلق (للاحتراز عن العبث) اذ لو قلت وعمرو منطلق او كذلك للزم العبث لدلالة العطف صريحا على ان خبر المعطوف هو مثل خبر المعطوف عليه فحذف من الثاني لدلالة خبر الاول عليه فالحذف للاحتراز المذكور (من غير ضيق المقام) مع قصد الاختصار كما في المفتاح.

(و) نحو (قولك خرجت فاذا زيد اى موجود فحذف) الخبر اى موجود (لما مر) أي للاحتراز عن العبث) بناء على الظاهر حسبما مر في حذف المسند اليه (مع) ان في هذا الحذف (تباع الاستعمال) الوارد على ترك الخبر بعد اذا المفاجاة ولهذا ترجح الحذف على الذكر ولو لا ذلك لما جاز الحذف لانه قد تقدم في اول الباب الثاني ان الحذف يفتقر الى امرين احدهما قابلية المقام وهو ان يكون السامع عارفا به لوجود القرائن والثاني الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذكر ولما كان الاول معلوما مقررا في علم النحو ايضا دون الثاني قصد


الخطيب الى تفضيل الثاني مع اشارة ضمنية الى الاول.

فان قلت لم يسبق في كلام الخطيب في حذف المسند اليه ذكر لاتباع الاستعمال والمحافظة على الوزن وضيق المقام فكيف يمثل لهذه الامور ويشير اليها بقوله لما مر.

قلت هذه الامور المذكورة داخلة في قوله او نحو ذلك بناء على كونه من المتن فحينئذ لو جعل هذا المثال لتخييل العدولى الى اقوى الدليلين من العقل واللفظ لكان جائزا ايضا فتامل.

والقرينة فى هذا المثال اى خرجت فاذا زيد هى لفظة اذا المفاجاة (لان اذا المفاجاة تدل على مطلق الوجود) الذى هو من افعال العموم هذا اذا كان الخبر كما في المثال من افعال العموم.

(و) اما (اذا اريد فعل خاص) اى اذا كان الخبر من افعال الخصوص (مثل قائم او قاعد او راكب) ونحوها (فلا بد) حينئذ (من الذكر) اى ذكر الخبر اذ لا دلالة للفظة اذا حينئذ على الذى هو من افعال الخصوص والحاصل ان لفظة اذا نظير لو لا الامتناعية في حذف الخبر حسبما بيناه في المكررات عند قول ابن مالك.

وبعد لو لا غالبا حذف الخبر

حتم وفي نص يمين ذا استقر

(نعم قد يدل الفعل) المتقدم على اذا المفاجاة (على نوع خصوصية) في الخبر وبعبارة اخرى قد ينضم الى لفظة اذا المفاجاة قرائن خاصة تدل على خبر خاص (فيقدر) الخبر (بحسبه) أى بحسب ذلك النوع من الخصوصية (كما في المثال المذكور فان خرجت يدل على ان المعنى حاضر او بالباب او نحو ذلك) كواقف او جالس ونحوهما مما يدل عليه قرينة المقام والحال.


(و) اما (الفاء في فاذا) ففيها اقوال ثلثة (قيل هى للسببية التي يراد بها لزوم ما بعدها لما قبلها اى مفاجاة زيد لازمة للخروج) هذا ماخوذ من كلام الرضى حيث قال واما الفاء الداخلة على اذا المفاجاة فنقل عن الزيادى انها جواب شرط مقدر ولعله اراد انها فاء السببية التي المراد منها لزوم ما بعدها لما قبلها كما تقدم اى مفاجاة السبع لازمة للخروج وقال الماذنى : هى زائدة وليس بشيء اذ لا يجوز حذفها.

(وقيل للعطف حملا على المعنى اي خرجت ففاجات وقت وجود زيد بالباب) هذا ايضا ماخوذ من كلام الرضى حيث قال وقال ابو بكر مبرمان هى للعطف حملا على المعنى اى خرجت ففاجات كذا انتهى وحاصل معنى المفاجاة بالفارسية (ناگهان برخوردن بچيزي يا بكسى) او (ناگاه دريافتن) (فالعامل في اذا) على هذا القول الثالث (هو فاجات فحينئذ تكون) لفظة اذا (مفعولا به) لفاجات (لا ظرفا) اى لا مفعولا فيه هذا.

ولكن قال الرضى ان اذا من الظروف غير المتصرفة وكيفكان فهى مضافة الى الجملة بعده (ويجوز ان يكون العامل فيها هو الخبر المحذوف فحينئذ لا يكون اذا مضافا الى الجملة) بعده لان المضاف اليه لا يعمل في المضاف وهى في كلتا الصوتين من ظروف الزمان.

(وقال المبرد ان اذا ظرف مكان فيجوز أن يكون هو خبر المبتدء اى فبالمكان زيد بخلاف تينك الصورتين فانه لا يجوز ان يكون هو خبر المبتدء لان الزمان لا يخبر به عن الجثة الا اذا افاد كما قال في الالفية.


ولا يكون اسم زمان خبرا

عن چثة وان يفد فاخبرا

(و) انما (التزم تقديمه) اى تقديم اذا مع كون الاصل في الاخبار ان تؤخر (لمشابهتها) اى اذا المفاجاة (اذا الشرطية) لفظا ومعنى كما اشير اليه انفا والشرطية لها الصدر (لكنه) اى كون اذا ظرف مكان وخبرا (لا يطرد) من حيث المعنى (في نحو خرجت فاذا زيد بالباب اذ لا معنى لقولنا فبالمكان زيد بالباب) ولابن هشام كلام فيه بيان اجمال ما تقدم وفوائد اخرى يعجبنى نقله بطوله وهذا نصه : اذا على وجهين احدهما ان تكون للمفاجاة فتختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج لجواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو خرجت فاذا الاسد بالباب ومنه فاذا هى حية تسعى اذا لهم مكر وهى حرف عند الاخفش ويرجحه قولهم خرجت فاذا ان زيدا بالباب بكسر ان لان ان لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.

وظرف مكان عند المبرد وظرف زمان عند الزجاج واختار الاول ابن مالك والثانى ابن عصفور والثالث الزمخشرى وزعم ان عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجاة.

قال في قوله تعالى (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً) الاية ان التقدير ثم اذا دعاكم فاجاتم الخروج في ذلك الوقت ولا يصرف هذا لغيره وانما ناصبها عندهم الخبر المذكور في نحو خرجت فاذا زيد جالس او المقدر في نحو فاذا الاسد اى حاضر وان قدرت انها الخبر فعاملها مستقر او استقر ولم يقع الخبر معها في التنزيل الامصر حابه نحو (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى فَإِذا هُمْ خامِدُونَ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ* فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ).


واذا قيل خرجت فاذا الاسد صح كونها عند المبرد خبرا اى فبا لحضرة الاسد ولم يصح عند الزجاج لان الزمان لا يخبر به عن الجثة ولا عند الاخفش لان الحرف لا يخبر به ولا عنه.

فان قلت فاذا القتال صحت خبريتها عند غير الاخفش وتقول خرجت فاذا زيد جالس او جالسا فالرفع على الخبرية واذا نصب فالنصب على الحالية والخبر اذا ان قيل بانها مكان والا فهو محذوف.

نعم يجوز ان تقدرها خبرا عن الجثة مع قولها انها زمان اذا قدرت حذف مضاف كان تقدر في نحو خرجت فاذا الاسد فاذا حضور الاسد انتهى.

(و) نحو (قوله اى قول الاعشى)

ان محلا وان مرتحلا

وان في السفر اذ مضوا مهلا

(السفر) كركب (جمع سافر كصحب وصاحب) قال في المصباح سفر الرجل سفر امن باب ضرب فهو سافر والجمع سفر مثل راكب وركب وصاحب وصحب وهو مصدر في الاصل والاسم السفر بفتحتين انتهى ومن هنا قال بعض المحققين انه اسم جمع لان فعلا ليس من ابنية الجمع.

(ومهلا اى بعدا وطولا) قال في المصباح امهلته امهالا انظرته واخرت طلبه ومهلته تمهيلا مثله وفي التنزيل (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) والاسم المهل بالسكون والفتح لغة وامهل امهالا وتمهل في امرك تمهلا اى اتئد فى امرك ولا تعجل والمهلة مثل غرفة كذلك وهى الرفق وفي الامر مهلة اى تاخير وتهمل في الامر تمكث ولم يعجل انتهى.

(اى ان لنا في الدنيا حلولا) اشارة الى ان محلا مصدر ميمي


(ولنا عنها الى الاخرة ارتحالا) اشارة الى ان مرتحلا مصدر ميمي (والسفر الرفاق) اى الموتى (قد توغلوا في المضى) الى دار الغربة اى الى دار الاخرة (لا رجوع لهم) الى مواطنهم اى الى دار الدنيا (ونحن على اثرهم عن قريب) وقريب من هذا المعنى بالفارسية

هركه آمد عمارت نو ساخت

رفت ومنزل بديگرى پرداخت

وان دگر پخت همچنان هوسى

وين عمارت بسر نبرد كسى

(فحذف المسند) من قوله ان محلا وان مرتحلا (وهو) اى المسند المحذوف (ههنا) اى فى هذا المثال (ظرف قطعا) وهو لنا (بخلاف ما سبق) فان المسند فيه لا يكون ظرفا قطعا بل يكون ظرفا نحو بالباب وقد يكون غير ظرف نحو واقف وحاضر وجالس وغير ذلك وههنا ظرف قطعا لا يحتمل غيره.

وانما حذف المسند (لقصد الاختصار والعدول الى اقوى الدليلين اعنى العقل مع اتباع الاستعمال) الوارد على ترك المسند في نظائر هذا المثال (لاطراد الحذف في) كل تركيب كرر فيه ان واسمها سواء كان الاسم نكرة او معرفة (نحو ان مالا وان ولدا) اى ان لنا مالا وان لنا ولدا (وان زيدا وان عمرا) والخبر فيهما يقدر بحسب القرينة.

(و) يؤيد ذلك اي كونه مطردا انه (قد وضع سيبويه) في كتابه (لهذا) اي لحذف الخبر فيما كرر ان واسمها (بابا فقال هذا باب ان مالا وان ولدا) ثم بين اطراده اى حذف الخبر وكثرته في جميع المواد والمواقع.

وقد تقدم في باب الاسناد الخبرى في خصائص ان انه (قال الشيخ عبد القاهر انه لو اسقطت ان لم يحسن الحذف او لم يجز لانها الحاضنة


له والمتكفلة بشانه والمترجمة عنه) قال في مجمع البحرين في حديث الأئمة عليهم‌السلام تراجمة وحيك هى جمع ترجمان وهو المترجم المفسر للسان يقال ترجم فلان كلامه بينه واوضحه وترجم كلام غيره عبر عنه بلغة غير لغة المتكلم واسم الفاعل ترجمان وفيه لغات اجودها فتح التاء وضم الجيم والثانية ضمهما معا والثالثة فتحهما معا انتهى والمراد من الحاضنة والمتكفلة والمترجمة ثلاثهن معانيها المجازية اعنى الدلالة على الخبر المحذوف.

(وفيه) اى في قوله ان محلا وان مرتحلا (ايضا ضيق المقام اعنى المحافظة على) وزن (الشعر) فان المحافظة عليه من اهم الامور عندهم ولهذا يرتكبون لاجله امور الايتساهل ارتكابه فى غيرها كما هو واضح للمتتبع في كلامهم (والمصنف بعد ما مثل) في الايضاح (للاختصار بدون الضيق بقوله ان زيدا وان عمرا قال وعليه قوله ان محلا يعنى على هذا الاسلوب الذي هو حذف خبر ان المكررة) حالكون ذلك الخبر (ظرفا) سواء كان هناك ضيق المقام ام لا (ولم يقصد انه) اى قوله ان محلا (بدون ضيق المقام) كما في ان زيدا وان عمرا (فافهم) فانه دقيق والحاصل ان الضمير فى قوله وعليه راجع الى حذف خبر ان المكررة في ان زيدا وان عمرا مع قطع النظر عن كون ذلك الحذف للاختصار بدون ضيق المقام فلا يلزم من قوله وعليه ان يكون الحذف في قوله ان محلا وان مرتحلا للاختصار بدون الضيق فلا مانع من كون الحذف فيه للاختصار وضيق المقام معا فتدبر جيدا (و) اما (قوله تعالى (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) فقوله انتم كما يصرح بعيد هذا (ليس بمبتدء لان لو انما تدخل


على الفعل كما قال في الالفية.

وهى في الاختصاص بالفعل كان

لكن لو ان بها قد يقترن

والى ذلك اشار بقوله (تقديره لو تملكون تملكون فحذف تملكون الاول وابدل من ضميره المتصل اعنى الواو ضمير منفصل وهو انتم لتعذر الاتصال لسقوط ما يتصل به) وهو الموضع الثاني من المواضع الخمسة التي صرح السيوطى عند شرح قول ابن مالك.

وفي اختيار لا يجيىء المنفصل

اذا تاتى ان يجيىء المتصل

فيها بجواز انفصال الضمير بل لزومه (فالمسند المحذوف ههنا) اى في الاية (فعل) فقط من دون فاعله لان المسند اليه المذكور فاعله فالمحذوف مفرد (وفيما تقدم) المحذوف اما (اسم) فهو مفرد (او جملة) وذلك لان المسند اليه المذكور فيما تقدم مبتدء والمسند المحذوف ظرف والمسند اذا كان ظرفا يجوز فيه وجهان كما قال في الالفية.

واخبروا بظرف او بحرف جر

ناوين معنى كائن او استقر

فان قدر اسم فاعل فهو من قبيل المفرد وان قدر فعلا فواضح انه من قبيل الجملة وقد ذكر السيوطى لكل من الوجهين دليلا فراجع ان شئت.

(والغرض منه) اى من حذف المسند في الاية (الاحتراز عن العبث) في الظاهر لوجود المفسر أعنى تملكون الظاهر (لان المقصود من الاتيان بهذا الظاهر تفسير) تملكون (المقدر).

وليعلم ان الغرض من اتيان تملكون الثاني في الاصل انما هو تاكيد تملكون الاول اعنى المقدر فلما حذف الاول جعل الثاني مفسرا


له مع بقاء افادته التاكيد ايضا.

فان قلت قد اشتهر بينهم كما قال السيوطى في بحث المفعول المطلق انه يمتنع الجمع بين حذف المؤكد بالفتح وبقاء المؤكد بالكسر.

قلت نعم ولكن قال بعض المحققين من المحشين على قول ابن هشام في بحث ان المكسورة ان الجمع بين لام التوكيد وحذف المبتدء كالجمع بين المتنافيين ما حاصله ان الجمع بين حذف المؤكد وبقاء المؤكد مما جوزه الخليل وتلميذه سيبويه وقد صرح المحقق المذكور بذلك ايضا في الحاشية في اخر مبحث القسم الخامس من اقسام لو على ان ما اشتهر بينهم انما هو فيما لم يكن الحذف لدليل والا فلا تنافي بينهما كما صرح بذلك ابن هشام في بحث شرائط الحذف وهذا نصه اما حذف الشيىء لدليل وتوكيده فلاتنا فى بينهما لان المحذوف للدليل كالثابت انتهى.

(فلوا ظهرته) اى تملكون المحذوف (لم يحتج اليه) اى الى تملكون الظاهر بل لم يجز اتيانه لامتناع الجمع بين المفسر بالكسر والمفسر بالفتح لانه كالجمع بين العوض والمعوض بل عينه وذلك ممتنع عندهم.

(وانما صير اليه) اى الى جعل المحذوف فعلا فقط وانتم فاعلا (لان لو) كما تقدم في اول البحث (انما تدخل على الفعل دون الاسم فانتم فاعل الفعل المحذوف لامبتدء) حتى يكون تملكون الظاهر خبرا له فلا يكون في الكلام حذف ولا تقدير وذلك لانه يستلزم دخول لو على الاسم وذلك ممتنع.

(ولا تاكيدا ايضا) لفاعل الفعل المحذوف) بناء (على ان يكون


التقدير لو تملكون انتم تملكون لان حذف المفرد اسهل من حذف الجملة) قال ابن هشام في خاتمة الباب الخامس في بيان مقدار المقدر ينبغى تقليله ما امكن لثقل مخالفة الاصل انتهى وقال الجامى عند قول ابن الحاجب وقد يحذف الفعل لقيام قرينة جوازا في مثل زيد لمن قال من قام وانما قدر الفعل دون الخبر لان تقدير الخبر يوجب حذف الجملة وتقدير الفعل يوجب حذف احد جزئيها والتقليل في الحذف اولى انتهى.

(ولانه لا يعهد) من كلام العرب (حذف المؤكد) بالفتح (والعامل) فيه (مع بقاء التاكيد) فيه نظر يظهر وجهه مما تقدم فتامل جيدا.

(قال صاحب الكشاف هذا) الذي ذكر في الاية الى هنا (ما يقتضيه علم الاعراب) اى قواعد النحو (واما ما يقتضيه علم البيان) الشامل للفنون الثلاثة (فهو (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) فيه دلالة على الاختصاص) اى الحصر (و) دلالة على (ان الناس) المخاطبين بانتم (هم المختصون بالشح) اى البخل (المتبالغ) اي الشديد ونحوه قول حاتم (لو ذات سوار لطمتنى) وقول المتلمس (ولو غير اخوالى اراد وانقيصتى) وذلك (لان الفعل) يعنى تملكون (الاول لما سقط) اى حذف (لاجل) وجود (المفسر) يعنى تملكون الثاني الظاهر (برز الكلام) في الظاهر (في صورة المبتدء والخبر) ورحمة الله رزقه وسائر نعمه على خلقه ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التى لا يبلغها الوهم وقيل هو لاهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والانهار وانهم لو ملكوا خزائن الارزاق ليخلوا بها انتهى كلام صاحب الكشاف


مع ما اسقط التفتازانى من كلامه.

وهو اى صاحب الكشاف (يعنى) اى يقصد بقوله برز الكلام في صورة المبتدء والخبر انه (كما ان قولنا انا سعيت في حاجتك وهو مبتدء وخبر يفيد الاختصاص) والقصر حسبما مر بيانه في الباب الثاني مفصلا (فكذا (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ)) نظرا الى ظاهره (لكونه) اى لو انتم تملكون (مثله) اى مثل انا سعيت في حاجتك (في الصورة) نظرا الى ظاهره والحاصل ان لو انتم تملكون بظاهره جملة اسمية مثل انا سعيت في حاجتك.

(فالعجب ممن استدل بهذا الكلام) اي بقول صاحب الكشاف برز الكلام الخ (على ان قولنا انا عرفت عند) القصد منه (الاختصاص) حسبما تقدم بيانه مفصلا في الباب المذكور (جملة فعلية وانا ليس بمبتدء بل تاكيد للضمير من عرفت (مقدم) عليه (وهذا الكلام) المذكور (صريح في مناقضته) اذ صريح هذا الكلام ان انا عرفت عند الاختصاص جملة اسمية حقيقة حيث شبه انتم تملكون بظاهره بها والتشبيه هنا نظير التشبيه في قول ابن مالك.

كلتا كذاك اثنان واثنتان

كابتين وابنتين يجريان

حيث يقول السيوطي واما اثنان واثنتان بالمثلة فهما كابنين وابنتين بالموحدة يعني كالمثنى الحقيقي في الحكم يجريان ومن اراد بيانا اوضح فعليه بمراجعة المكررات في نفس المسئلة (فهو) اى هذا الكلام (حجة عليه لاله) اذ مفاده كما بينا كون انا عرفت جملة اسمية لا فعلية.

(وقوله تعالى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) يحتمل الامرين) احدهما (حذف


المسند اي فصبر جميل اجمل) فحذف المسند اعنى اجمل وثانيهما قوله (او حذف المسند اليه اى فامرى) أي شانى الذي اتصف به (صبر ى جميل) فحذف المسند اليه اعنى امرى (ففى الحذف تكثير الفائدة بامكان حمل الكلام على كل من المعنيين) اى حذف المسند والمسند اليه (بخلاف ما لو ذكر) المحذوف (فانه يكون نصافي احدهما) وهو الذي ذكر في الكلام اما المسند او المسند اليه.

(والصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه الى الخلق) قال بعضهم واذا كان فيه مع ذلك شكوى الى الخالق يكون اجمل لما فيه من رعاية حق العبودية ظاهرا حيث امسك عن الشكوى الى الخلق وباطنا حيث قصر الشكوى على الخالق تعالى والتفويض جميل والشكوى اليه تعالى اجمل.

(ورجح حذف المسند اليه) بامور سبعة الاول (بانه اكثر فالحمل عليه اولى).

(و) الثاني (بان سوق الكلام للمدح) اى مدح يعقوب (ع) (بحصول الصبر له) اى انه عليه‌السلام اخبر عن نفسه بقوله امرى صبر جميل فمدحه الله تعالى بذلك (والاخبار) اي اخباره (ع) (بان الصبر الجميل اجمل لا يدل على حصوله) اي الصبر الجمل (له) (ع) وذلك لان الاخبار عن حسن شيىء لا يدل على حصول ذلك الشيىء الحسن للمخبر والى ذلك إشار الشاعر الفارسي بقوله :

واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند

چون بخلوت ميروند ان كار ديگر ميكنند


مشكلى دارم ز دانشمند مجلس بازپرس

توبه فرمايان چرا خود توبه كمتر ميكنند

ترك دنيا بمردم اموزند

خويشتن سيم وغله اندوزند

العالم بلا عمل كالشجر بلا ثمر (و) الثالث (بانه) اى فصبر (في الاصل من المصادر المنصوبة) التي تكون مفعولا مطلقا نحو (سَلامٌ عَلَيْكَ) و (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على ما بيناه في الديباجه (اي صبرت صبرا جميلا) فحذف الفعل كما قال الجامي وعدل الى الرفع لقصد الدوام والاستمرار فكانه قال صبرى صبر جميل (وحمله على حذف المبتدء) اي أمري صبر جميل (موافق له) اي لصبرت صبرا جميلا لفظا ومعنى اما لفظا فلكون اللفظ في كل منهما محكوما به واما معنى فلان المعنى في كل منها اسناد الصبر الى المتكلم والموافقة بين التركيبين مهما امكن من الامور المطلوبة عندهم كما هو معلوم للتتبع فى امثال المبحث والموافقة بين الرفع اي رفع صبر ونصبه تحصل بحذف المبتدء (دون حذف الخبر).

(و) الرابع (بان قيام الصبر) في الاية (به) اي بيعقوب (ع) (قرينة حالية على حذف المبتدء) اذ عليه يصير المتحصل من الاية انه (ع) صابر صبرا جميلا (وليس على خصوص حذف الخبر) الخاص (اعنى اجمل قرينة) خاصة (لفظية ولا حالية) فمن اين يعرف ان الخبر المحذوف هو خصوص اجمل (وفي هذا) المرجح الرابع ودعوى عدم القرينة الخاصة على خصوص الخبر (نظر لان وجود القرنية) كما تقدم في اول الباب الثاني وياتي عنقريب.

(شرط الحذف فحينئذ) اي حين اذ لم يكن هناك قرينة خاصة


على خصوص الخبر (لا يجوز الحذف اصلا) فكيف يدعى في المقام انه يحتمل امرين احدهما حذف المسند وهو خصوص اجمل فلا وجه للدعوى المذكورة (والقرنية) على حذف خصوص الخبر اعنى اجمل (ههنا) اي في الاية (هى) اي القرنية (انه) اي الشان (اذا اصاب الانسان مكروه فكثيرا ما يقول الصبر خير) وهو عبارة اخرى عن فصبر جميل اجمل وشاع هذا لنحو من الكلام عند اصابة الانسان مكروه (حتى صار هذا لمقام) اي مقام اصابة الانسان مكروه (مما يفهم منه) اي من هذا المقام المذكور (هذا المعنى) اى اجملية الصبر الجميل وخيريته (بسهولة) فلا يحتاج الى ذكرا لخبر اعنى اجمل او خير للعلم به كما قال في الالفية.

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عند كما

(و) الخامس انه (يرجح حذف المبتدء ايضا بقرائة من قرء فصبرا جميلا بالنصب فان معناه) كما اشرنا اليه انفا (اصبر صبرا جميلا) وقد قلنا ان التوافق بين التركيبين من الامور المطلوبة عندهم (و) السادس (بان الاصل في المبتدء التعريف فحمل الكلام على وجه يكون المبتدء معرفة اولى) وذلك الوجه ههنا حذف المسند اليه (وان كانت النكرة) يعنى فصبر مما يسوغ الابتداء به لانها (موصوفة) لكن القول بكونها خبرا والمبتدء محذوفا اولى لما ذكر.

(و) السابع (بان المفهوم من قولنا صبر جميل اجمل انه اجمل من صبر غير جميل وليس المعنى على هذا بل) المعنى على (انه) اى صبر جميل (اجمل من الجزع) وهو ضرب الحدود وشق الجيوب ورفع الصوت واظهار الكآبة وتغيير العادة فى الملبس والمطعم.


(و) من (بث الشكوى) الى الخلق وههنا مرجح ثامن ذكره ابن هشام وهذا نصه : اذا دار الامر بين كون المحذوف مبتدء وكونه خبرا فايهما اولى قال الواسطى الاولى كون المحذوف المبتدء لان الخبر محط الفائدة.

وقال العبدى الاولى كونه الخبر لان التجوز في اخر الجملة اسهل نقل القولين ابن اياز ومثال المسئلة فصبر جميل اى شانى صبر جميل او صبر جميل امثل من غيره انتهى.

وقال المحشى هنا سؤال وهو كيف جاز في كلام واحد ان يقدر المسند تارة والمسند اليه اخرى على وجوه مختلفة والجواب ان ذلك جاز باعتبار تعارض القرائن فباعتبار كل قرينة يتعين محذوف انتهى.

ونظيره ما في بعض الحواشى الاخر وهذا نصه : وفي المقام اشكال لان كل حذف لا بد له من قرينة دالة على عين المحذوف فحذف المسند يحتاج الى قرينة دالة عليه وحذف المسند اليه كذلك فالقرينة ان دلت على المسند لم يمكن ان تدل على المسند اليه وبالعكس فلا يمكن ان تدل القرينة عليهما حتى يحتمل حذفهما معا.

والجواب انه يجوز ان يكون هناك قرينتان تدل احديهما على حذف المسند لمناسبة بينها وبينه والاخرى على حذف المسند اليه كذلك غاية الامر ان احدهما كاذبة لانه لا يجوز ان يراد الامران معا بل المراد احدهما فقط فيكون الاخر مراد ابقرينة كاذبة لانها دلت على ارادته مع انه غير مراد ولا يضر ذلك لان القرينة امر ظنى يجوز تخلفه انتهى.


فتحصل من مجموع الحاشيتين ان المقام نظير باب تعارض الاحوال الذي يذكره الاصيوليون وقد ذكره القمي في اوائل القوانين فتامل جيدا فانه دقيق وبالتامل حقيق.

(ومما يحتمل الامرين) اي حذف المسند والمسند اليه (قوله تعالى (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) اى لا تقولوا لنا او في الوجود آلهة ثلاثة) برفع الاسمين بناء على كون الثاني صفة للاول (او ثلاثة آلهة) برفع الاول ونصب الثاني على التمييز (فحذف الخبر) يعنى لنا اوفي الوجود (ثم الموصوف) يعني الهة هذا على التقدير الاول اعني رفع الاسمين (او المميز) يعني الهة هذا على التقدير الثاني اعني نصب الهة على التمييز هذا كله بناء على حذف المسند.

واما التقدير بناء على حذف المسند اليه فهو ما بينه بقوله (او لا تقولوا الله والمسيح وامه ثلاثة) اي في رتبة واحدة (اى مستوون في استحقاق العبادة والرتبة) وهذا المعنى للثلثة (كما اذا اريد الحاق اثنين بواحد في صفة) من الصفات (ورتبة) من الرتب مثلا اذا اريد الحاق بكر وخالد بزيد في العلم والرياسة (قيل) حينئذ (هم) اي بكر وخالد وزيد مثلا (ثلاثة) اي مستوون في العلم والرياسة لا فرق بينهم فيما (فحذف) المسند اليه اعنى (المبتدء) يعنى الله وما عطف عليه.

(قال صاحب المفتاح) في اول الفن الثالث ما حاصله (وقد يكون حذف المسند بناء على ان ذكره يخرج) بعض اجزاء (الكلام الى ما) اي الى صنف (ليس) ذلك الصنف (بمراد كقولك ازيد عندك ام عمرو) فلفظة ام في هذا الكلام متصلة بشهادة وقوع المفرد


بعدها فان ام المنقطعة كما قال ابن هشام لا تدخل على المفرد فالمراد من لفظة ام في هذا الكلام الاتصال فلا يجوز لك ذكر المسند بعده (فانك لو) تذكر المسند بعده و (قلت ام عندك عمرو) بتقديم المسند.

(او) قلت (ام عمرو عندك) بتاخيره (لخرج ام) بسبب ذكر المسند (عن الاتصال) الذي هو مراد (الى الانقطاع) الذي ليس بمراد (وذلك لانه اذا وليت ام والهمزة) التى قبلها (جملتان مشتركتان في احد الحزئين اعنى المسند اليه او المسند وتقدر) انت (على ايقاع مفرد بعد ام نحو اقام زيد ام قام عمرو) هذا مثال لاشتراك الجملتين فى المسند.

(و) نحو (ا زيد قائم ام هو قاعد) هذا مثال لاشتراك الجملتين في المسند اليه.

(و) واما مثال اشتراك الجملتين في المسند فهو نحو (ا زيد عندك ام عمرو عندك) بتاخير المسند (او) ام (عندك عمرو) بتقديم المسند وهو في كلتا الصورتين ظرف.

وكيفكان (فام) في جميع هذه الصور (منقطعة لا متصله لانك تقدر على الاتيان بالمفرد بعد ام وهو) اى المفرد (اقرب الى الاتصال لكون ما قبلها) اي ام (وما بعدها) حين الافراد (بتقدير كلام واحد من غير انقطاع) لاحدهما عن الاخر.

قال ابن هشام وانما سميت متصلة لان ما قبلها وما بعدها لا يستغنى باحدهما عن الاخر انتهى.

(فالعدول الى الجملة دليل الانقطاع وقولنا مع القدرة على المفرد احتراز عن نحو) الجملتين (الفعليتين المشتركتين في الفاعل) سواء


كان ذلك الفاعل في كلتا الجملتين ضميرا (نحو اقمت ام قعدت) ام كان في احديهما اسما ظاهرا وفي الاخرى ضميرا.

(و) ذلك نحو (اقام زيد ام قعد لان كل فعل لا بد له من فاعل) كما في الالفية.

وبعد فعل فاعل فان ظهر

فهو والا فضمير استتر

(فهى) اي ام (متصلة) وذلك لعدم القدرة على ايقاع مفرد بعدها ومن هنا نقل السيوطى انهم قالوا لا يحذف الفاعل اصلا (و) لكن يجوز مع عدم التناسب بين معنى الفعلين ان تكون) ام (منقطعة نحو اقام زيد ام تكلم) انتفاء التناسب بين معنى الفعلين ظاهر لا يحتاج الى البيان.

(و) قد مر اول باب المسند اليه انه (لا بد للحذف من قرينة) خاصة (كوقوع الكلام) المحذوف منه المسند (جوابا لسؤال محقق) سواء كان المسند المحذوف ظرفا كما قال في الالفية.

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عند كما

او غيره (نحو (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) اى خلقهن الله فحذف المسند) وهو خلفهن لوجود القرينة عليه (لان هذا الكلام) يعنى الله مع مسنده المحذوف (عند تقدير) اى فرض (ثبوت ما فرض من الشرط والجزاء) يعنى جملة لئن سئلتهم الخ.

(يكون) هذا الكلام الواقع في هذه الجملة مقولا القول اعنى ليقولن (جوابا عن سؤال محقق) والحاصل انه لو تحقق سؤال النبي (ص) وثبت بان يقول (ص) من خلق السموات والارض لا جابوا عن ذلك


بقولهم الله بحذف المسند اى خلقهن لوجود القرينة وهو خلق في السؤال المفروض الثبوت ومن ذلك يعلم ان القرينة حقيقة ما وقع في السؤال اعنى خلق لا وقوع الكلام اعنى الله جوابا للسؤال فتدبر جيدا فانه دقيق.

(وجمهور النحاة) الذين بحثوا عن هذه الاية (على ان) الجزء (المحذوف) من الكلام المفروض كونه جوابا عند ثبوت السؤال المفروض (فعل) وهو كما قلنا خلقهن فالمحذوف مفرد لا جملة.

(و) الجزء المذكور) منه وهو الله (فاعل) اصطلاحى فمجموع المحذوف والمذكور جملة فعلية وانما قالوا بكون المذكور فاعلا (لان السؤال) المفروض يعنى من خلق السموات والارض (عن الفاعل) اي عن فاعل الخلقة (ولان القرينة) يعني خلق في السؤال المفروض الثبوت مع الضمير المستتر فيه جملة (فعلية فتقدير الفعل) في الجواب المفروض (اولى) ليطابق الجواب السؤال.

(وفيه) اى في هذا التعليل (نظر) ظاهر (لانه ان اريد) من التعليل (ان السؤال عن الفاعل الاصطلاحي فممنوع) اى فكون السؤال عن الفاعل الاصطلاحي ممنوع (بل لا معنى له) اذا السؤال المفروض الثبوت انما هو بلفظة من الاستفهامية وهى تقع مبتدء في ذلك السؤال فلا معنى للقول بان السؤال عن الفاعل الاصطلاحى (وان اريد) من التعليل (ان السؤال) عن الفاعل اللغوى اى (عمن فعل الفعل وصدر عنه فتقديره) اى الجزء المذكور اعنى الله (مبتدء كقولنا الله خلقها يؤدى هذا المعنى) المطلوب من الكلام فلا وجه لاولوية تقدير الفعل من دون فاعل وجعل الله فاعلا.


(وكذا القرينة) وهى خلق في السؤال المفروض (انما تدل على ان تقدير الفعل اولى من تقدير اسم الفاعل وهو) اي تقدير الفعل (حاصل في قولنا) في الجواب المفروض.

(الله خلقها) بجعل الله مبتدء (لظهور ان السؤال) المفروض (جملة اسمية لا فعلية) حسبما اشرنا اليه انفا (ومن ثم قيل الاولى انه) اي الله (مبتدء والخبر) المحذوف (جملة فعلية) والحاصل ان الاولى جعل الجملة الصغرى فعلية والكبرى اسمية (ليطابق) الجواب المفروض اعنى الجملة الكبرى (السؤال) المفروض (ولان السؤال انما هو عن الفاعل) اي الذي فعل الفعل وصدر عنه (لا عن الفعل) اذا الفعل معلوم لكل احد وانما المجهول عند المنكرين الافاكين هو الفاعل اعنى الله جل جلاله.

(و) المسلم عندهم ان (تقديم المسؤل عنه اهم) من تقديم غيره من اجزاء الكلام.

(والجواب) نعم لكنه مستلزم لحمل الكلام كما اشرنا اليه على جملتين الصغرى والكبرى وذلك مرجوح حيث (ان حمل الكلام على جملة) واحدة (اولى من حمله على جملتين لما فيه) اي في الحمل على جملتين (من الزيادة) على مقدار الحاجه لان هذا المعنى يودي بجملة واحدة ايضا وقد تقدم في اوائل الباب الاول انه اذا كان قصد المخبر افادة المخاطب الحكم او لازمه فينبغى ان يقتصر من التركيب على قدر الحاجة حذرا من اللغو.

(وان الواقع) في القرآن الكريم (عند عدم الحذف جملة فعلية كقوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَ


الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) وجاء ايضا عند عدم الحذف من غير هذا المعنى جملة فعلية كقوله تعالى : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) فالمتحصل من جميع ذلك ان الاولى كون المذكور اعنى الله فاعلا لا مبتدء.

قال ابن هشام اذا دار الامر بين كون المحذوف فعلا والباقى فاعلا وكونه مبتدء والباقى خبرا فالثاني اولى لان المبتدء عين الخبر فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفا كلا حذف فاما الفعل فانه غير الفاعل.

اللهم الا ان يعتضد الاول برواية اخرى في غير ذلك الموضع او بموضع اخر يشبهه او بموضع ات على طريقته.

فالاول كقرائة شعبة (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بفتح الباء وكقرائة ابن كثير (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بفتح الحاء (من يوحى) وكقرائة بعضهم (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) ببناء زين للمفعول ورفع القتل والشركاء وقوله ليبك يزيد ضارع لخصومة فيمن رواه مبنيا لمفعول فان التقدير يسبحه رجال ويوحيه الله وزينه شركائهم ويبكيه ضارع ولا تقدر هذه المرفوعات مبتدءات حذفت اخبارها لان هذه الاسماء قد ثبتت فاعليتها في رواية بنى الفعل فيهن للفاعل.

والثاني كقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ) ليقولن الله فلا يقدر ليقولن الله خلقهم بل خلقهم الله لمجيىء ذلك في مشبه هذا الموضع وهو (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).

و (الثالث قوله) في مواضع اتية على طريقته نحو (قالَتْ مَنْ


أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) انتهى.

وقد ذكر نظير ذلك في الجهة السابعة من الجهات التي يدخل الاعتراض على المعرب فراجع. واحتفظ جميع ذلك فانه يفيدك في كثير من المباحث الاتية : واما قوله (او مقدر) فهو (عطف على) قوله فيما سبق (محقق اي كوقوع الكلام جوابا عن سؤال مقدر) كما قال السيوطي عند قول ابن مالك :

ويرفع الفاعل فعل اضمرا

كمثل زيد في جواب من قرا

(نحو قول ضرار بن نهشل في مرثية) اخيه (يزيد بن نهشل)

لبيك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح

بقوله (ليبك يزيد) منشاء لسؤال مقدر (كانه قيل من يبكيه) اي يزيد (فقال) في جواب هذا السؤال (ضارع) فحذف الفعل مع المفعول وبقى الفاعل (اى يبكيه ضارع اى ذليل) وخاضع.

قال في المصباح ضرع له يضرع بفتحتين ضراعة ذل وخضع فهو ضارع انتهى.

وقوله (لخصومة) ظرف لغو لانه (متعلق بضارع وان لم يعتمد على شيىء) من الاشياء التى اشترطها الجمهور فى عمل اسم الفاعل وقد ذكرها ابن مالك في قوله.

كفعله اسم فاعل في العمل

ان كان عن مضيه بمعزل

وولى استفها او حرف ندا

او نفيا او جاصفة او مسندا

وذلك (لان الجار والمجرور) معمول ضعيف بحيث (يكفيه رائحة


من الفعل اى يبكيه من يذل لاجل خصومة لانه كان ملجاء وظهيرا للاذلاء والضعفاء) والحاصل ان المراد والمعنى انه يبكي على يزيد من من كان مغلوبا ومظلوما في الخصومة وذليلا بالنسبة الى خصمه لا مطلق من كان في خصومة وان كان قويا وغالبا على خصمه.

(و) من ذلك ظهر ان (تعليقه) اى تعليق لخصومة (بيبكى المقدر ليس بقوى من جهة المعنى) لما قلنا من ان مطلق الخصومة ليس سببا للبكاء بل هي بوصف المغلوبية والذليلية والضعيفية لانه اى يزيد كان ملجاء وعونا وظهرا للاذلاء والمغلوبين والضعفاء.

(وتمامه) اى تمام البيت كما ذكرنا انفا (ومختبط مما تطيح الطوائح) ومعنى (المختبط) هو (الذي ياتيك للمعروف) اي الاحسان (من غير وسيلة) اي من غير قرابة وصداقة سابقة قال الطريحي المختبط طالب الرفد من غير سابق معرفة ولا وسيلة شبه بخابط الورق او خابط الليل انتهى.

(وتطيح) بضم الاول وكسر الثاني (من الاطاحة) اى من باب الافعال (وهي) اى الاطاحة (الاذهاب والاهلاك) ويقال له بالفارسية (از بين بردن) قال الطريحي يقال طاح يطوح ويطيح اذا هلك وسقط وكذا اذا تاه في الارض انتهى. حاصله بالفارسية (اذ بين رفتن) (والطوائح جمع مطيحة) بحذف الزوائد (على غير القياس) والقياس المطيحات ولم يستعمل (كلواقح جمع ملقحة) وهى الريح الذي تهب في الربيع وتحمل الاشجار ومنه قوله (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) قال الطريحي يعنى ملاقح جمع ملقحة (بضم الاول وكسر الثاني) اى تلقح الشجرة والسحاب كانها تهيجه ويقال لواقح جمع


لاقح اي حوامل لانها تحمل السحاب وتقله وتصرفه ثم تمر به فتدره يدل عليه قوله تعالى (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً) أي حملت وفي الصحاح رياح لواقح ولا يقال ملاقح وهو من النوادر اي لواقح على غير القياس والقياس ملاقح ولم يستعمل.

(يقال طوحته الطوائح) بتشديد الواو من طوحته (و) يقال ايضا (اطاحته الطوائح) والمعنى اهلكته المهلكات واذهبته فى الصورتين (ولا يقال) فى الصورة الاولى طوحته (المطوحات) بان يكون اسم الفاعل والفعل من باب واحد (ولا) يقال ايضا اطاحته (المطيحات) كذلك.

(و) اما قوله (مما) فهو (يتعلق بمختبط) لكونه قريبا ولكونه مثل ما يتعلق به لخصومة اعنى ضارع.

(و) لفظة (ما) في مما (مصدرية) والجملة بعدها مؤلة بالمصدر والمعنى حينئذ ما اشار اليه بقوله (اي يسئل) المختبط (من اجل اذهاب الوقايع) والحوادث واهلاكها (ماله) فلفظة من في مما للتعليل ويجوز ان تكون ابتدائية نشوية نظير اياتى في بحث التغليب في قوله تعالى (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) والمعنى حينئذ يسئل سؤالا ناشئا من اذهاب الوقايع والحوادث ماله (او) قوله مما يتعلق (بيبكى المقدر) والمعنى حينئذ ما اشار اليه بقوله (اي يبكى) المختبط (لاجل اهلاك المنايا) هي جمع المنية بمعنى الموت واضافة الاهلاك الى المنايا من اضافة المصدر الى الفاعل وقوله (يزيد) مفعوله هذا ولكن تعقله بيبكى مما ياباه نظم الكلام اذا المناسب لنظمه انه لما بين سبب الضراعة ناسب ان يبين سبب الاختباط ايضا.


ان قلت لا يهلك الشخص الواحد الامنية واحدة فكيف يصح قوله لاجل اهلاك المنايا يزيد.

قلت المراد بالمنايا اسباب الموت فهو من باب اطلاق اسم المسبب على السبب ولا يخفى عليك كثرة السبب.

(و) اما قوله (تطيح) فهو (على التقديرين) اي على تقدير تعلق مما بمختبط او بيبكى (بمعنى الماضي) اما على التقدير الاول فلتقدم اهلاك حوادث الدهر ماله على السؤال واما على التقدير الثاني فلتقدم اذهاب المنايا يزيد فتامل.

فان قلت فلم عدل الى المضارع قلت (عدل اليه استحضارا لصورة ذلك الامر الهائل) اي الخائف عنه اي اهلاك الحوادث ماله او اهلاك المنايا يزيد وذلك لان المضارع كما يجبىء في بحث لو يصلح الاستحضار لدلالته على الحال والامور الهائلة تنسى ويغفل عنها غالبا اذا ازالت ومضت عليها مدة من الزمان بخلاف ما اذا كانت حاضرة في الحال فانها من اشد الاحوال اعاذنا منها القادر المتعال بحق رسوله محمد والال عليهم صلوات الله الملك ذى الجلال.

فان قلت لم عدل الى هذا التركيب اى الى جعل ليبك مبنيا للمفعول وجعل يزيد نائبا عن فاعله وهو خلاف الاصل مع استلزام هذا التركيب حذف المسند من ضارع حسبما بين هذا ايضا خلاف الاصل مع امكان الاصل اعنى البناء للفاعل وجعل يزيد مفعولا وضارع فاعلا ولا ضرورة في ارتكاب خلاف الاصل لاستقامة الوزن بلا ارتكابه.

قلت نعم ولكن في ذلك الارتكاب فضل بينه بقوله (وفضله اي فضل ليبك يزيد ضارع وهو ان يجعل الفعل) اي ليبك (مبنيا


للمفعول ويرفع المفعول) اي يزيد حالكونه (مسندا اليه) للفعل (ثم يذكر الفاعل) اي ضارع حالكونه (مرفوعا بفعل مضمر) يعنى يبكيه المقدر حالكونه (جوابا لسؤال مقدر) يعنى من يبكيه (على خلافه وهو ليبك يزيد ضارع بالبناء للفاعل) اي بناء ليبك للفاعل (ونصب يزيد) حالكونه (مفعولا بتكرر الاسناد) اي اسناد البكاء الى فاعله (اذ قد اسند الفعل اجمالا ثم تفصيلا وذلك لانه) اي الشان (لما قيل ليبك يزيد فقد علم) اجمالا (ان هناك باكيا يسند اليه هذا البكاء) الذي علم باكيه اجمالا (لكنه) اي الباكى (مجمل) كما قلنا (فلما قيل ضارع اى يبكيه ضارع فقد اسند الى) باك (مفصل) يعنى ضارع فقد اسند البكاء الى فاعله مرتين مرة اجمالا ومرة تفصيلا حسبما بين.

(ولا شك ان الاسناد مرتين اوكد واقوى وان الاجمال ثم التفصيل اوقع في النفس) اذ الاسناد اذا علم على وجه الاجمال اولا يحصل للنفس تهيوء الى علمه على وجه التفصيل ثانيا فاذا علم على وجه التفصيل يتمكن في النفس فضل تمكن فيكون اوقع في النفس جدا (فيكون) هذا التركيب (اولى) وافضل من خلافه المذكور لانه يعلم الاسناد حينئذ تفصيلا اولا وقد تقدم في بحث ذكر المسند اليه ان حصول الشيىء بعد الشوق الذ واوقع في النفس وبعبارة اخرى اذا قبل ليبك يزيد علم ان هناك باكيا لكن لم يعلم انه من هو فاذا قبل ضارع فقد فصل ذلك المجمل وعلم ان ذلك الباكى هو ضارع وفي هذا النوع من الكلام اعنى المتضمن للاجمال اولا والتفضيل ثانيا ضرب من المبالغة لان الشيىء اذا ابهم ثم فسر كان في النفس اوقع ولانه اذا ذكر كذلك


كان مذكورا مرتين بعبارتين مختلفتين فيكون ابلغ.

(وقد يقال ان الاسناد اجمالا في السؤال المقدر اعنى من يبكيه) لافي ليبك المذكور (لانه) اي السؤال المقدر يعنى من يبكيه (سؤال عن تعيين الفاعل المعلوم اسناده اليه) اي الفاعل اي الى باك (على الاجمال ولا يبعد) حينئذ (ان يقال قد اسند) البكاء الى الفاعل ثلث مرات اثنين) منها (اجمالا) الاول منهما ما ذكره بقوله لما قيل ليبك يزيد بالبناء للمفعول فقد علم ان هناك باكيا والثاني منهما في السؤال المقدر اعنى من يبكيه (وواحدا) منها (تفصيلا) وهو ما ذكره بقوله فلما قيل ضارع اي يبكيه ضارع فقد اسند الى مفصل (وبوقوع نحو يزيد) اي كل اسم كان مفعولا لفعل مبنى للفاعل فجعل نائبا للفاعل بسبب جعل ذلك الفعل مبنيا للمفعول (غير فضلة بل جزء جملة) اي ركنا للكلام لكونه حينئذ (مسندا اليه) وهو الركن الاعظم للكلام (بخلاف ما اذ انصب على المفعولية فانه فضلة) وذلك واضح لا يحتاج الى البيان.

(ويكون معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقبة لان اول الكلام) من حيث كونه فعلا مبنيا للمفعول (غير مطمع لذكره اي ذكر الفاعل فيكون) معرفة (الفاعل رزقا من حيث لا يحتسب وهو الذ بخلاف ما اذا بنى للفاعل فانه) اي اول الكلام من حيث كونه مبنيا للفاعل (مطمع في ذكر الفاعل) اذ لا بد بعد كل فعل معلوم من فاعل وبعبارة اخرى اول الكلام غير مطمع في ذكر الفاعل لاسناد الفعل الى المفعول اعنى يزيد وتمام الكلام به فلا يحتاج الى شيىء اخر بخلاف ما اذا بني الفعل للفاعل فانه اي اول الكلام مطمع في ذكر الفاعل اذ لا بد الفعل المبني


للفاعل من شيىء يسند هو اليه.

(ولمعارض ان يفضل نحو ليبك يزيد بنصب يزيد وبناء الفعل) اي ليبك (للفاعل على خلافه) اي على التركيب الذي فضلناه ورجحناه بالامور الثلاثة المذكورة بثلاثة أمور :

الاول (بسلامته) أي سلامة ليبك يزيد بنصب يزيد وبناء الفعل للفاعل (عن الحذف والاضمار) اي التقدير ولهذا البحث تتمة نذكرها في بحث الايجاز والاطناب والمساواة عند قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) انشاء الله تعالى.

(و) الثاني (اشتماله على ايهام الجمع بين المتناقضين من حيث الظاهر لان نصب نحو يزيد وجعله فضلة يوهم ان الاهتمام به دون الاهتمام بالفاعل وتقديمه) اي تقديم يزيد (على الفاعل المظهر) يناقض من حيث الظاهر ما يوهمه النصب لان التقديم (يوهم ان الاهتمام به) اي يزيد (فوق الاهتمام بالفاعل) المظهر وانما قال من حيث الظاهر لان جعل الشيىء مفعولا انما يدل في الحقيقة على عدم الحاجة اليه بحسب قواعد النحو في اتمام الكلام لافي اداء المقصود والمرام وتقديم ذلك الشيىء المجعول مفعولا انما يدل في الحقيقة على كونه اهم في الذكر واداء المرام وقد يكون تعلق الفعل بالمفعول هو المقصود الاصلي من الكلام مع انه لا يتوقف عليه حصول اركان الكلام فلا يتحد ما يوهمه نصب يزيد وتقديمه فلا تناقض بين ما يوهمان لانتفاء الاتحاد المعتبر في التناقض المصطلح عند الاعيان.

(و) الثالث (بان في اطماع اول الكلام في ذكر الفاعل) يعنى ضارع (مع تقديم المفعول) يعنى يزيد (تشويقا اليه) اى الى الفاعل


يعنى ضارع (فيكون حصوله) اى الفاعل بعد المفعول المتقدم (اوقع) في النفس (واعز).

الى هناك كان الكلام في حذف المسند والقرينة عليه (واما ذكره اي ذكر المسند فلما مر في ذكر المسند اليه من ان الذكر هو الاصل) في جميع الالفاظ التي يتالف منها الكلام ركنا كان او غيره (ولا مقتضى للحذف) وبعبارة اخرى لا مقتضى اى لا نكتة في العدول من الاصل (نحو زيد قائم ومن الاحتياط) اى احتياط المتكلم مع قيام القرينة (لضعف التعويل على القرينة نحو (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)).

فان قلت قد تقدم ان وقوع الكلام جوابا لسؤال محقق قرينة على حذف المسند كالاية المتقدمة هناك والمخاطب بتلك الاية وبهذه الاية التي ذكر فيها المسند واحد فالذكر في هذه الاية لضعف التعويل على القرينة والحذف في تلك الاية مع اتحادهما معنى واتحاد المخاطب بهما وهو النبى (ص) مما لا وجه له فالاولى ان يقال ان الذكر في هذه الاية لزيادة تقرير المسند.

قلت ان وجود القرينة مصحح للحذف لا موجب فان عول على دلالتها حذف المسند وان لم يعول عليها احتياطا بناء على ان المخاطب من حيث هو مخاطب مع قطع عن خصوصية اى عن كونه نبيا لعله يغفل عنها يذكر المسند وان كان المخاطب في الحالين واحدا.

وبعبارة اخرى لما اختلف تيقظ المخاطب من حيث هو مخاطب باختلاف العوارض والاحوال لو حظ وعول على القرينة في بعض المواضع فحذف المسند ولم يلاحظ ولم يعول عليها في بعض المواضع الاخر فذكر


والى بعض ما ذكرنا يشير الشاعر الفارسي حيث يقول :

يكى پرسيد از ان گمگشته فرزند

كه اى روشن روان پير خردمند

ز مصرش بوى پيراهن شنيدى

چرا در چاه كنعانش نديدى

بگفت احوال ما برق جهان است

گهى پيدا وديگردم نهان است

وايضا :

گهى بر طارم اعلى نشينى

گهى توزير پاى خود نبينى

(ومن التعريض بغباوة السامع) اى التنبيه على بلادته اي انه ليس ممن يتنبه بالقرائن فكانه لا يفهم الا المحسوس المشاهد او المصرح (نحو محمد نبينا في جواب من قال من نبيكم) فلم يحذف المسند اعنى نبينا ولم يكتف بقوله محمد مع وجود القرينة على المسند في السؤال.

(ومنه) اي من التنبيه على غباوة السامع (قوله تعالى) حكاية عن ابراهيم (ع) (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) بعد قوله) تعالى حكاية عن الكفار (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) فلم يقل (ع) بل كبيرهم بحذف المسند اعنى فعله مع وجود القرينة في السؤال.

(وغير ذلك) كالاستلذاذ والتعظيم والاهانة وبسط الكلام وغيرها مما مر في باب المسند اليه.

(و) ذكره لاجل (ان يتعين كونه اى المسند اسما او فعلا فيفيد الثبوت) صريحا نحو زيد عالم وذلك لان اصل الاسم من حيث انه اسم مشتقا كان او غير مشتق للدلالة على الثبوت لعدم اقترانه بالزمان وضعا.

(او) يفيد (التجدد) والحدوث الذي هو من لوازم الزمان الذي


هو جزء الفعل نحو زيد علم وذلك لان اصل الفعل اقترانه بالزمان وهو متجدد شيئا فشيئا كما هو ثابت في محله وتجدد الجزء وحدوثه يقتضى تجدد الكل وحدوثه (كما سنذكره عنقريب عند قوله واما كونه فعلا واذا كان المسند ظرفا فهو بحسب ما يتعلق به من نحو كائن او استقر فان تعلق بالاول فهو كالاول وان تعلق بالثاني فهو كالثاني.

(او) ذكره لاجل (ان يدل على قصد التعجب) اي قصد المتكلم تعجيب السامع من المسند اليه (كقولك زيد يقاوم الاسد) اذا كان هذا القول منك.

(عند قيام القرائن) الدالة على المسند اعنى مقاومته للاسد.

(كل سيفه وتلطخ ثوبه ونحو ذلك) كتحدر الدم من بعض اعضائه مثلا فذكر المسند اعنى يقاوم الاسد انما هو لتعجيب المتكلم المخاطب من المسند اليه اعنى زيدا.

(و) ان قلت حيث ان القرائن المذكورة تدل على المسند فالتعجيب يمكن ان يحصل من دون ذكر المسند لدلالة القرائن على المسند المحذوف والمفروض انه موجب المتعجب لغرابته لانه لم يعهد مقاومة امثال زيد للاسد.

قلت (حصول التعجب بدون الذكر ممنوع لان القرينة) وان كانت متعددة كما فيما نحن فيه (انما تدل على نفس المسند واما تعجب المتكلم للسامع فبالذكر) اي ذكر المسند (المستغنى عنه في الظاهر) لابناء على الحقيقة وفي نفس الامر لانه كما تقدم في اول الباب الثاني في الحقيقة الركن الاعظم من الكلام او لانه فى الحقيقة


يجوز ان يتعلق به غرض مثل التبرك والاستلذاذ والتنبيه على غباوة السامع ونحو ذلك.

(واما افراده اي جعل المسند غير جملة فلكونه غير سبي) سياتى المراد من السبي بعيد هذا فانتظر واما التقوى فقد تقدم المراد منه في بحث تقديم المسند اليه وسيأتي بعض الكلام فيه في بحث كون المسند جملة وفيه ايضا ايضاح المراد من السببي (مع عدم افادة) نفس التركيب (تقوى الحكم) لا بامر خارج عن التركيب كالتكرار والتاكيد (اذ لو كان) المسند (سببيا نحو زيد قام ابوه او) كان (مفيدا للتقوى نحو زيد قام فهو) اي المسند (جملة قطعا) في كلتا الصورتين فان قلت ان قائم في زيد قائم مفيد للتقوى لكون الضمير فيه موجبا لتكرر الاسناد مع كونه مفرد الاجملة قلت (واما نحو) قائم في (زيد قائم) وان كان الضمير فيه موجبا لتكرر الاسناد (فليس بمفيد التقوى بل هو قريب من زيد قام في اعتبار التقوى كما مر) بيانه في بحث تقديم المسند اليه فراجع ان شئت.

فان قلت ظاهر كلام المصنف ان العلة في افراد المسند عدم افادة التقوى فيفهم من ذلك ان يكون العلة في كونه جملة افادة التقوى فيرد على ذلك نحو عرفت عرفت مما تكرر فيه المسند وافاد التقوى بسبب تاكيد المسند بالتكرير مع كون المسند فيه وهو الفعل مفرد او كذلك نحو ان زيدا قائم مما افاد التقوى والتاكيد بسبب حرف التاكيد مع كون المسند فيه ايضا مفردا كما هو ظاهر.

قلت (قوله مع عدم افادة تقوى الحكم) من اضافة المصدر اعنى الافادة الى المفعول اعنى التقوى والفاعل محذوف كما اشرنا اليه انفا


فحينئذ (معناه مع عدم افادة نفس التركيب تقوى الحكم لا شيىء) اخر اعنى التكرير وحرف التاكيد ونحوهما (فحذف فاعل المصدر) يعنى نفس التركيب (فيخرج ما يفيد التقوى بحسب التكرير نحو عرفت عرفت او بحرف التاكيد نحو ان زيدا قائم ونحو ذلك مما تقدم فى اول الباب الاول عند قوله استغنى عن موكدات الحكم فراجع ان شئت.

(او يقال) في الجواب ان المراد من (تقوى الحكم في الاصطلاح) ههنا تقو خاص لا مطلق التقوى و (هو) اى التقوى الخاص (تاكيده) اي تاكيد الحكم (بالطريق المخصوص) وهو تكرر الاسناد مع وحدة الفعل (نحو زيد قام) فيخرج نحو عرفت عرفت وان زيدا قائم ونحو ذلك ايضا.

(تنبيه) اعلم انه ليس المراد خروج المثالين ونحوهما عن ضابطة افراد المسند اذ المراد دخولها بل المراد خروجها عن القيد الذي أضيف اليه العدم اعنى افادة التقوى واذا خرج عن افادة التقوى دخل في عدم الافادة فيكون المسد فيها مفردا فتكون داخلة في قوله اما افراده اى جعل المسند غير جملة فتدبر.

(وانما لم يقل) المصنف (مع عدم قصد التقوى كما يشعر به لفظ المفتاح) وهذا نصه واما الحالة المقتضية لافراد المسند فهى اذا كان فعليا ولم يكن المقصود من نفس التركيب تقوى الحكم واعنى بالمسند الفعلى ما يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند اليه او بالانتفاء عنه كقولك أبو زيد منطلق والكر من البر بستين : وضرب اخوك عمرو : يشكرك بكر ان تعطه وفي الدار خالد اذ تقديره استقر


او حصل في الدار على الاحتمالين لتمام الصلة في الظرف كقولك الذي في الدار اخوك كما يقرره ائمة النحو وتفسير تقوى الحكم يذكر في حال تقديم المسند على المسند اليه انتهى. فاحفظ ذلك فانه يفيدك في اخر البحث (ليشمل) الاحتراز والاخراج (صورة) كون الغرض من تقديم المسند اليه.

(التخصيص) من دون قصد تقوى الحكم وتاكيده (نحو انا سعيت فى حاجتك ورجل جائنى وما انا قلت هذا) حسبما مر بيانه في الباب الاول في بحث تقديم المسند اليه مفصلا.

(فانه) اي ما ذكر من امثلة صور التخصيص (لم يقصد به التقوى بل انما قصد منه التخصيص لا غير (لكنه يفيده) اى التقوى (ضرورة تكرير الاسناد) الموجب للتقوي في الامثلة المذكورة لما ياتي في بحث كون المسند جملة ان المبتدء لكونه مبتدء يستدعى ان يسند اليه شىء فاذا جاء بعد ، ما يصلح ان يسند الى ذلك المبتدء صرفه المبتدء الى نفسه سواء كان الجائى بعده خاليا عن الضمير نحو انا اخوك او متضمنا له نحو الامثلة الثلاثة المذكورة فيعقد بينهما اي بين المبتدء والخبر حكم واسناد ثم اذا كان الجائى بعد المبتدء متضمنا الضميره اي ضمير المبتدء صرفه ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا نحو الامثلة الثلاثة المذكورة فيكتسى الحكم والاسناد قوة (فعدم افادة التقوى اعم من عدم قصد التقوى) لكون الاول اي عدم افادة التقوى مخرجا عن ضابطة الافراد.

صورة التخصيص كالامثلة الثلاثة المذكورة وغيرها مما يفيد التقوى سواء قصد بها التقوى ام لا بخلاف الثاني اى عدم قصد التقوى فانه


لا يخرج عن ضابطة الافراد الا ما قصد به التقوى فيلزم ان يدخل في تلك الضابطة نحو صورة التخصيص اعنى الامثلة الثلاثة المذكورة فانه لم يقصد به التقوى مع كون المسند فيها جملة لا مفردا اذ كل واحد من تلك الامثلة جملة اسمية والمسند الى المبتدء فيها جملة فعليه والحاصل ان عدم افادة التقوى اعم واشمل من حيث الاحتراز والاخراج عن ضابطة الافراد لان فيه اي عدم قصد التقوى نفى امرين واخراجهما احدهما نفى القصد الى التقوى واخراجه والثاني نفى افادة التقوى بدون القصد بخلاف عدم قصد التقوى فانه لا يدل على نفى التقوى بدون القصد فليس المراد من الاعمية الاعمية بحسب الصدق على الافراد على ما توهم بل المراد منها الاعمية بحسب ما ذكر اي الاحتراز والاخراج والعموم بهذا المعنى يستلزم الخصوص بحسب الصدق على ما بين في المنطق من ان نقيض الاعم كلا حيوان مثلا اخص من نقيض الاخص كلا انسان مثلا فلا حيوان فيه نفى الانسان ونفى الحمار ايضا بخلاف لا انسان فانه ليس فيه الا نفى الانسان هذا بحسب النفى واما بحسب الصدق فلا حيوان اخص من لا انسان اذ كل لا حيوان لا انسان ولا عكس على ما بين في محله.

فعدول المصنف عما في المفتاح حسن واولى (واجيب لصاحب المفتاح) ردا لما عدل اليه المصنف (بان نحوانا سعيت) والمثالين الاخرين (عند قصد التخصيص جملة فعلية) لا اسمية.

(و) ذلك لما تقدم في بحث تقديم المسند اليه من ان (انا) في نحو انا سعيت وانا قلت (تاكيد مقدم لا مبتدء) لانه قال التقديم يفيد الاختصاص بشرطين اشار الى الاول بقوله :


ان جاز تقدير كونه في الاصل مؤخرا على انه فاعل معنى فقط واشار الى الثانى بقوله : وقدر والا اى وان لم يوجد الشرطان فلا يفيد الا التقوى واما نحو رجل في نحو رجل جائنى فهو عنده بدل عن الضمير المستتر في جائنى لانه جعله من باب واسروا النجوى الذين ظلموا على القول بابدال الذين ظلموا من الواو اى من ضمير الجمع في اسروا.

(والمسند) حينئذ هو الفعل وحده والمسند اليه هو الفاعل والفعل وحده (مفرد لا جملة كما في سعيت انا) وما قلت انا وكما في اسروا النجوى (وقد عرفت) هناك اي في بحث تقديم المسند اليه (ما فيه) اي فيما ذهب اليه صاحب المفتاح من شيوع امتناع تقديم التابع ما دام تابعا عند النحاة.

(و) اعلم ان ههنا عدولا اخر ايضا عما في المفتاح لانه (وقع قوله) اى قول المصنف (غير سببي موقع الفعلى في عبارة المفتاح) وانما (عدل اليه) اي الى غير سبي (المصنف لان صاحب المفتاح) كما نقلنا عنه في اول هذا البحث (قد فسر) المسند (الفعلى بما) اى بمسند (يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند اليه او بالانتفاء عنه) اي عن المسند اليه (فزعم المصنف انه) اى تفسير المسند الفعلى (يشمل) المسند (السببي ايضا لان كل مسند) سببيا كان وسياتى مثاله والمراد منه او غير سببى نحو زيد انطلق او منطلق ونحو انطلق زيد ونحو ذلك مما هو من قبيل الصفة بحال الموصوف (محكوم به بالثبوت للمسند اليه.

او بالانتفاء عنه ضرورة ان الاسناد حكم بثبوت الشيىء) اى المسند


(للشيىء) اى المسند اليه (او بنفيه) اى الشيىء يعنى المسند (عنه) اي عن الشيىء يعنى المسند اليه فيلزم من ذلك دخول المسند السببي وهو جملة في ضابطة الافراد مثلا جملة انطلق ابوه في زيد انطلق ابوه وهو مسند سببي قد حكم بثبوتها للمسند اليه اعنى زيد وكذلك في قولك ما زيد انطلق ابوه قد حكم بنفى انطلق ابوه عن زيد.

(و) لكن يصح (لقائل ان يقول) ردا على المصنف وتاييدا للمفتاح (لا نسلم صدق هذا التفسير على المسند السببي لانا سنبين ان المسند السبي في نحو زيد ابوه منطلق وزيد انطلق ابوه هو) اي المسند (منطلق) فقط (او انطلق) فقط (بالنسبة الى زيد) المبتدء (لا الجملة) اى منطلق مع ابوه الذي هو المبتدء الثاني في المثال الاول وانطلق مع ابوه الذي هو الفاعل في المثال الثاني (التي وقعت خبرا للمبتدء) يعنى زيد في كلا المثالين (وظاهر انه لم يحكم بثبوت منطلق) وحده (او انطلق) وحده (لزيد) بل حكم بثبوت كل واحد منهما اى منطلق وانطلق لابوه وذلك لان الانطلاق في المثالين صادر منه لا من زيد وذلك واضح لا يحتاج الى البيان (لكن هذا) الذي يصح ان يقوله القائل حسبما بيناه (غير مفيد) للرد على المصنف وتاييد المفتاح (لان الجملة) يعنى ابوه مع منطلق في المثال الاول وانطلق مع ابوه في المثال الثاني.

(الواقعة خبرا للمبتدء) يعنى زيد في المثالين (قد اسندت) هذه الجملة (اليه) اي الى المبتدء اي زيد فى المثالين (ضرورة) كما ثبت في النحو واذا كان كذلك يصدق التفسير المذكور على المسند السببي فيلزم دخوله في ضابطة الافراد مع كونه جملة فلا بد من العدول كما


فعله المصنف.

(و) انما قلنا ان الجملة الواقعة خبرا للمبتدء قد اسندت الى المبتدء ضرورة لانه اي السكاكى (قد فسر الاسناد الخبرى في كتابه) المفتاح (بانه) اي الاسناد الخبرى (الحكم بمفهوم وهو) اى الحكم (اما بثبوته) اي المفهوم الاول (له) اي للمفهوم الثاني (او بانتفائه) عنه ضرورة فلا بد من الحكم بثبوت مفهوم انطلق ابوه) وابوه منطلق (لزيد بمعنى انه) اى زيد (ثبت له هذا الوصف وهو كونه) اي زيد (منطلق الاب غاية ما فى الباب انه) اي منطلق الاب.

(وصف اعتبارى) لزيد لا حقيقى قال في الفن الثانى الصفة الحقيقية كما تطلق على ما يقابل الاضافى الذي لا يكون متقررا في الذات بل يكون معنى متعلقا بشيئين كازالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس فانها ليست هيئة متقررة في ذات الحجة او الشمس ولا في ذات الحجاب كذلك قد تطلق على ما يقابل الاعتباري الذي لا تحقق لمفهومه الا بحسب اعتبار العقل كالصورة الوهمية الشبيهة بالمخلب او الناب للمنية والى كليهما اشار صاحب المفتاح حيث قال ان الوصف العقلى ينحصر بين حقيقي كالكيفيات النفسانية وبين اعتبارى ونسبى كاتصاف الشيىء بكونه مطلوب الوجود او العدم عند النفس او كاتصافه بشيىء تصورى وهمى محض انتهى.

وقال بعض المحشين هناك معرفة هذا تتوقف الى مقدمة وهى ان الشيىء الموجود لا يخرج عن احد احوال ثلثة لانه اما ان يكون وجوده في الخارج اى يكون الخارج ظرفا لوجوده كزيد او يكون الخارج ظرفا له لا لوجوده كالملازمة بين طلوع الشمس ووجود النهار فانها


فانها ثابتة في الخارج سواء اعتبرتها او لم تعتبر واما ان يكون وجوده في الاعتبار وهو الذي لا تحقق لمفهومه الا بحسب اعتبار العقل فان اعتبرة كان موجودا كالصورة الموجودة الشبيهة بالمخلب او الناب للمنية وكتصور بحر من زيبق وبحر من نار موجه الذهب اذا علم هذا فنقول قد يطلق الحقيقى على ما يقابل الاضافي كما في صنع المصنف فيشمل الحقيقى على هذا الاصطلاح الموجود في الخارج والموجود في الاعتبار وقد يطلق الحقيقى باستعمال اخر على ما يقابل الاعتبارى فهو بهذا الاعتبار اخص من الاستعمال الاولى انتهى.

وانما اطنينا الكلام ههنا ليعلم ان المراد ان الوصف الاعتبارى ههنا الاعتبارى الاضافى اى النسبى لا الاعتبارى المحض الذى مثلوا له بالصورة الوهمية الشبيهة بالمخلب او الناب للمنية او تصور بحر من زيبق وبحر من نار موجه الذهب ضرورة كون منطلق الاب من قبيل كون الشيىء مطلوب الوجود او العدم وكازالة الحجاب في تشبيه الحجة بالشمس لا من قبيل الصورة الوهمية وتصور البحرين المذكورين واذا عرفت ذلك فلنرجع الى ما كنا فيه (فلو اراد) السكاكى (ههنا) اي في بحث افراد المسند (الثبوت) اي ثبوت المفهوم (بالفعل) اي في احد الازمنه (حقيقة) بحيث يكون المسند من الاوصاف الحقيقية للمسند اليه بان يكون امرا معلوما يمكن ان ينص عليه ويشار اليه اشارة حسية (لا نتقض) تعريف الافراد اي ضابطة افراد المسند او تعريف الاسناد الخبرى.

(بكثير من المسندات الفعلية الاعتبارية) نحو زيد صديق عمرو وبكر عدو خالد فان الصدافة والعداوة وان كانتا مما له تحقق في


الخارج لكنهما ليستا من الامور الحقيقية التى يشار اليها حسا بل هما من الامور الاعتبارية الاضافية التى تكون متعلقا بشيئين فلا بد من القول بثبوت مفهوم انطلق ابوه لزيد (واذا كان المجموع) اي مجموع انطلق ابوه (مسندا فعليا) لزيد.

(فقد بطل) ما يفهم من المفتاح في ضابطة افراد المسند وهو قوله (ان كون المسند فعليا مع عدم قصد التقوى يقتضى افراده) اي افراد المسند فصح عدول المصنف عما في المفتاح.

(ومما ذكره الفاضل في شرح المفتاح ههنا) اي في بحث افراد المسند (ان المسند في زيد منطلق ابوه فعلى) يعنى يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند اليه اعنى زيد (بخلافه) اي بخلاف المسند (في زيد ابوه منطلق) فان المسند فيه ليس بفعلى بل سببي (ثم استدل على ان المسند في زيد منطلق ابوه هو منطلق بدون ابوه بان اسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة فالمحكوم به) اي المسند (في زيد منطلق ابوه هو المفرد) يعنى منطلق وحده (بخلاف) المحكوم به في (زيد ابوه منطلق) فان المحكوم به فيه هو مجموع ابوه منطلق ومعلوم ان المجموع جملة (وهذا) الاستدلال الذي ذكره في المثال الاول اعنى منطلق ابوه (خبط ظاهر لان اللازم مما ذكر ه‍) في هذا الاستدلال (ان لا يكون منطلق مع ابوه جملة) وهو كذلك عند المحققين.

(و) لكن (لا يلزم منه) أي من عدم كون منطلق مع ابوه جملة (ان يكون المسند هو منطلق وحده) بل هذا كما قال المحشى امر عجيب اذ بعد القول بان المسند هو منطلق بدون ابوه والاستدلال عليه كيف يحكم بفعلية المسند مع انه لم يحكم بثبوت منطلق لزيد بالمعنى


المعتبر في الفعلى بل لابيه.

(والظاهر ان مراد السكاكى ان المسند في زيد منطلق ابوه ليس بفعلى كما انه ليس بسببى والا لكان المناسب ان يورد في) بحث المسند (الفعلى) وامثلته (مثالا من هذا القبيل لانه لخفائه اولى بان يمثل له) وسنذكر الامثلة التي ذكرها السكاكى في الفعلى بعيد هذا لتعرف انه لم يورد فيه مثالا من هذا القبيل.

(وايضا القول بان مفهوم منطلق ابوه ثابت لزيد) ليكون مسندا فعليا كما زعمه الفاضل في شرح المفتاح (بخلاف مفهوم انطلق أبوه تحكم محض) اي استقلال بالراي من دون مستند صحيح قال في المصباح تحكم في كذا فعل ما راه انتهى.

(ثم المذكور في قسم النحو من المفتاح) ما حاصله (ان نحو رجل كريم وصف فعلى ونحو رجل كريم ابائه وصف سببى) واما عين ما في قسم النحو من المفتاح فهذا نصه : ثم ان المعرب في قبوله الاعراب على وجهين احدهما ان يكون بحيث لا يقبله الا بعد ان يكون غيره قد قبله والثاني ان لا يكون كذلك والوجه الاول من النوع الاسمى خمسة اضرب تسمى التوابع وهي صفة وعطف بيان ومعطوف بحرف وتاكيد وبدل.

فالصفة هي ما يذكر بعد الشيىء من الدال على بعض احواله تخصيصا له في المنكرات وتوضيحا في المعارف وربما جائت لمجرد الثناء والتعظيم كالصفات الجارية على القديم سبحانه وتعالى او لما يضاد ذلك من الذم والتحقير او للتاكيد كنحو امس الدابر ومن شانها اذا كانت فعلية وهى ما يكون مفهومها ثابتا للمتبوع ان تتبعه في الافراد والتثنية والجمع


والتعريف والتنكير والتانيث والتذكير كما تتبعه في الاعراب واذا كانت سببية وهى ما يكون مفهومها ثابتا لما بعدها وذلك متعلق لمتبوعها ان لا تتبع الا في الاعراب والتعريف والتنكير انتهى.

(وعلى هذا كان القياس ان يجعل) السكاكى (نحو زيد منطلق ابوه مسندا سببيا لكنه) اي السكاكى (لم يقل به) اي لم يقل بان نحو زيد منطلق ابوه مسند سببى (ففي الجملة عبارة المصنف) في ضابطة افراد المسند (اوضح) من عبارة المفتاح في تلك الضابطة وذلك لدخول نحو المثال المذكور في تلك الضابطة في عبارة المصنف دون عبارة المفتاح.

(ثم اورد صاحب المفتاح) في ضابطة افراد المسند (بعد تفسير المسند الفعلى) بالتفسير الذي تقدم في اول المبحث ووصيناك بحفظه (امثلة) ذكرت هناك وكان (منها الكر من البربستين وفي الدار خالد وقال) بعد المثال الثاني (اذ التقدير) عبارة المفتاح اذ تقديره (استقر فيها او حصل على اقوى الاحتمالين) الذين اشار اليهما ابن مالك بقوله :

واخبر والظرف او حرف جر

ناوين معنى كائن او استقر

(واعترض عليه) أي على صاحب المفتاح (المصنف) في الايضاح (بان الظرف) يعنى بستين في المثال الاول وفي الدار في المثال الثاني (اذا كان مقدرا بجملة) يعنى استقرا وحصل (كان المسند في المثالين جملة ويحصل التقوى) فلا يصدق عليه اي على الظرف في المثالين ضابطة افراد المسند فكيف يمثل بالظرف المذكور لافراد المسند وانما قلنا ان الظرف حينئذ جملة ويحصل التقوى (لان خالدا) في المثال


الثاني (مرفوع بالابتداء لا بالفاعلية لعدم اعتمادا لظرف على شيىء) هذا اشارة الى ما في الرضى ونحن ننقله بطوله لما فيه من فوائد تنفعك فيما ياتى قال في بحث المبتدء والخبر وادعى بعضهم انه مجمع عليه ان الظرف اذا اعتمد على موصوف او موصول او مبتدء او ذى حال او حرف استفهام او حرف نفى فانه يجوز ان يرفع الظاهر لتقويه بالاعتماد كاسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وكذا قال اذا وقعت بعده ان المصدرية كقوله تعالى (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) لا صريح المصدر واما قوله :

احقا بنى ابناء سلمى بن جندل

تهدكم اياى وسط المجالس

فلا عتماد الظرف قيل انما عمل في ان بلا اعتماد لشبهها بالمضمر في انها لا توصف مثله ويجوز ان يقال في جميع ذلك ان الظرف خبر مقدم على مبتدئه اما في غير المواضع المذكورة نحو في الدار رجل فالمرفوع مبتدء مقدم الخبر.

وعند الكوفيين والاخفش في احد قوليه هو فاعل للظرف لتضمنه معنى الفعل كما قالوا في نحو قائم زيد وانما قال الكوفيون ذلك لاعتقادهم ان الخبر لا يتقدم على المبتدء مفرد اكان او جملة فيوجبون ارتفاع زيد في نحو في الدار زيد وقائم زيد على الفاعلية لئلا يتقدم الضمير على مفسره وليس بشيىء لان حق المبتدء التقدم فالضمير متاخر تقديرا كما في ضرب غلامه زيد واما الاخفش فلا يوجب ذلك بل يجوز ارتفاعه بالابتداء ايضا اذ هو يجوز تقدم الخبر على المبتدء لكنه لما اجاز عمل الصفة بلا اعتماد اجاز كون زيد فاعلا ايضا وله في جواز عمل الظرف قولان وذلك لان الظرف اضعف في عمل الفعل من


الصفة وثبوت الاجتماع على جواز نحو في داره زيد يصحح تقديم الخبر ويمنع كون زيد فاعلا والا لزم الاضمار قبل الذكر انتهى.

(واشار الفاضل في الشرح) اي في شرح المفتاح (الى الجواب) عن اعتراض المصنف.

(بان المثال الاول) يعنى الكر من البربستين (مبنى على ان الظرف) اي بستين (مقدر باسم الفاعل لا بالفعل) فليس مقدرا بجملة (والمثال الثاني) يعنى في الدار خالد (مبنى على) ما تقدم في كلام الرضى من (مذهب الاخفش والكوفيين حيث لم يشترطوا في عمل الظرف الاعتماد على شيى) فلا يرد ما اعترضه المصنف على صاحب المفتاح.

(ثم قال) الفاضل الشارح (وانما قيد) صاحب المفتاح (المثال الاخير) يعنى في الدار خالد (بقوله اذ تقديره استقر فيها او حصل لانه لو قدر بمستقر حتى يكون خالد مرفوعا به لم يصح التركيب) لان مستقرا ان جعل مبتدء يلزم وقوع المبتدء نكرة من دون مسوغ وان جعل خبرا يلزم تحقق الخبر بلا مبتدء اذ ليس ههنا شيى اخر مقدر فتأمل.

(وجميع ذلك) اي اعتراض المصنف على المفتاح وجواب الفاضل عنه (خبط) لان مبناهما ان يكون الامثلة التي منها هذان المثالان للمسند المفرد.

(و) ليس كذلك اذ (لم يقصد السكاكى الا ذكر امثلة المسند الفعلى ايضا حالتفسيره) اي تفسير المسند الفعلى (مفردا كان) ذلك المسند (او جملة ولم يذكر لافراد المسند ههنا) اي في بحث المسند الفعلى (مثالا) وذلك (لان) المسند (المفرد اما اسم او فعل وكل


منهما مذكور) في المفتاح فى محله (بامثلته واغراضه) وقد ياتى في هذا الكتاب ايضا مثال كل واحد منهما والغرض منه عنقريب عند قوله واما كونه اي المسند فعلا فللتقييد للمسند باحد الازمنة الثلاثة الخ.

(فيكون التمثيل) لكل منهما (هنا) اي في بحث المسند الفعلي من المفتاح (ضايعا ولذا تركه المصنف ايضا) لما قلنا من انه ياتى مثال كل واحد عنقريب (ويدل على ما ذكرنا) اي على ان السكاكى لم يقصد الا ذكر امثلة المسند الفعلى ايضاحا لتفسيره مفرد اكان او جملة (انه) اي السكاكى (بعد ما فرغ من الامثلة) اي امثلة المسند الفعلى ايضاحا لتفسيره.

(قال) بعد ذلك (وتفسير تقوى الحكم يذكر في تقديم المسند على المسند اليه فلو كان قصده انها) اي الامثلة التى ذكرها لتفسير المسند الفعلى وايضاحه (امثلة لافراد المسند لكان المناسب تاخيرها) اي الامثلة (عن هذا الكلام) اي عن قوله وتفسير تقوى الحكم يذكر في تقديم المسند على المسند اليه (لانه) اي الشان (قد وقع منه فى ضابطة الافراد) اى افراد المسند (منه) اي من السكاكى (ذكر) شيئين احدهما ذكر (الفعلى و) الاخر (ذكر التقوى فتوسيط امثلة الافراد) لو كانت الامثلة للافراد على ما توهم (بين تفسيريهما لا يكون مناسبا) اذ المقصود من ذكر الامثلة ايضاح الممثل فالمناسب ان تذكر بعد الفراغ عن تفسير كل ما وقع في الضابطة لا في الوسط وبعبارة اخرى قد تقدم في الديباجة ان الامثلة هي الجزئيات التي تذكر لايضاح القواعد وايصالها الى فهم المستفيد فالمناسب بل يمكن


ان يقال ان الواجب ان تذكر بعد بيان القواعد وتوضيحها بتفسير كل ما وقع فيها من الاجناس والفصول ثم تذكر تلك الامثلة لايضاح القواعد وايصالها الى فهم المستفيد فالمناسب بل يمكن ان يقال ان الواجب ان تذكر بعد بياى القواعد وتوضيحها بتفسير كل ما وقع فيها من الاجناس والفصول لان الامثلة انما تذكر لايضاح القواعد وايصالها الى العقول (وهذا ظاهر للفطن العارف بصياغة التركيب ونظم الكلام) وذلك لا يحصل الا بتوفيق من الله الملك العلام.

قال في المختصر ان السببى والفعلى من اصطلاحات صاحب المفتاح حيث سمى في قسم النحو الوصف بحال الشيىء نحو رجل كريم وصفا فعليا والوصف بحال ما هو من سببه نحو رجل كريم أبوه وصفا سببيا وسمى في علم المعاني المسند في نحو زيد قام مسندا فعليا وفي نحو زيد قام ابوه مسندا سببيا ونسرهما بما لا يخلو عن صعوبة وانغلاق فلهذا اكتفى المصنف في بيان المسند السببى بالمثال.

وقال (المراد بالسببى نحو زيد أبوه منطلق) انتهى.

والى ذلك اشار بقوله (لم يفسره) اى لم يعرفه تعريفا متعارفا عند اهل الميزان وهو ذكر مركب تقييدى يحصل به العلم بما هية المعرف او امتيازه عن جميع ما عداه (لاشكاله) أي التفسير (وتعسر ضبطه) بحيث يحصل من التفسير احد الامرين والا فقد ثبت في محله ان التمثيل للشيىء تعريف له بالمماثلة كما اشار اليه السيوطى بقوله ان من عادة الناظم اعطاء الحكم بالمثال فقوله نحو زيد أبوه منطلق تعريف بالمثال واما تفسير صاحب المفتاح الذي لا يخلو عن صعوبة واتغلاق فسياتى نقله بعيد هذا.


(وكان الاولى ان يمثل بالجملة الفعلية ايضا نحو زيد انطلق ابوه) كما مثل بالجملة الاسمية اعنى قوله زيد منطلق ابوه (ويمكن ان يفسر) المسند السببى من دون ان يكون فيه اشكال وتعسر او صعوبة واغلاق (بانه جملة علقت على المبتدء بعائد بشرط ان لا يكون ذلك العائد مسندا اليه في تلك الجملة فخرج به) اى بقوله جملة (نحو زيد منطلق ابوه لانه مفرد) لا جملة.

(و) خرج بقوله علقت على المبتدء بعائد (نحو (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)) اي خرج جملة الله احد (لان تعليقها) اي تعليق جملة الله احد (على المبتدء) أي على هو (ليس بعائد) هذا اذا قلنا بان هو ضمير شان.

فلفظة هو مبتدء وجملة الله احد خبره ولا تحتاج الى عائد لانها عين المبتدء فى المعنى لانها مفسرة له والمفسر عين المفسر اي الشان والقصة الله احد واما اذا قدر لفظة هو ضمير المسؤل عنه فالخبر مفرد لان الخبر حينئذ هو لفظة الله فقط لانه لما قال المشركون صف لنا ربك فنزلت هذه السورة المباركة ولفظة احد خبر بعد خبر واجاز الزمخشري ان يكون بدلا من الله او خبر مبتدء محذوف اي هو أحد.

وقال ابو البقاء في تفسيره انه يحتمل ان يكون الله بدلا من هو واحد خبر هو وكيفكان ففي تعليل خروج قل هو الله احد بان تعليقها على المبتد ليس بعائد نظر واضح يظهر وجهه من قوله بعيد هذا والعائد اعم من الضمير وغيره فتامل.

(و) خرج بقوله بشرط ان لا يكون ذلك العائد مسندا اليه في تلك الجملة (نحو زيد قام و) نحو (زيد هو قائم لان العائد) الى المبتدء


في جملة الخبر فى كل واحد من المثالين (مسند اليه) وذلك واضح لا يحتاج الى البيان (ودخل فيه) اى في تفسير المسند السببى الجمل التي يكون العائد فيها غير مسند اليه في تلك الجمل بان يكون مجرورا او منصوبا (نحو زيد ابوه قائم وزيد قام ابوه وزيد مررت به وزيد ضربت عمرا في داره وزيد كسرت سرج فرس غلامه وزيد ضربته) لان جملة الخبر في جميع هذه الامثلة علقت على المبتدء بعائد ليس ذلك العائد مسندا اليه في تلك الجملة.

(و) دخل فيه ايضا الجملة التي فيها عموم يدخل فيه المبتدء المنسوخ الابتداء (نحو) جملة (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) في (قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) لان المبتدء اعم من ان يكون قبل دخول العوامل).

الناسخة للابتداء كالامثلة المتقدمة (او بعدها) كهذه الاية (والعائد) في جملة الخبر (اعم من الضمير وغيره كما قال السيوطى في شرح قول ابن مالك.

ومفرد اياتى ويأتى جملة

حاوية معنى الذي سيقت له

وهذا نصه : وهو اما ضمير موجود كزيد قام ابوه او مقدر كالبر قفيز بدرهم اى منه او اسم اشير اليه نحو (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) ويغنى عن الرابطة تكرار المبتدء بلفظه كالحاقة مالحاقة او عموم في الخبر يدخل المبتدء تحته نحو (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الاية.

(فان قلت ما الحكمة في جعل الرابط للجملة الواقعة خبرا اعم من رابط جملة الصلة بالموصول وكذا من الجملة الواقعة حالا او صفة قلت


قد اجيب عن ذلك في بعض حواشى التوضيح بانه لما كان الاخبار بالجملة اكثر من الوصف والوصل والحال ناسب ان يكون رابطها اعم من رابط كل لان الشيىء اذا كثر في الكلام ناسب ان ياتى على انحاء مختلفة انتهى.

ولكن لا يخفى ما فيه فان دعوى الكثرة في الخبر دونها مما لا دليل عليه (فعلى هذا) التفسير (المسند السببى هو مجموع الجملة التي وقعت خبر مبتدء) الى هنا كان الكلام في التفسير الذي اختاره التفتازانى (وقال صاحب المفتاح) في تفسير المسند السببى وقد تقدم انه لا يخلو عن صعوبة وانغلاق فلا بد في بيان ذلك من تقديم مقدمة فنقول : ظاهر تفسيره كما يصرح به التفتازانى ان المسند السببى قد يكون مفردا واقعا جزء جملة صغرى تكون من قبيل الصفة بحال متعلق الموصوف وقد يكون مجموع تلك الجملة مسندا سببيا والذي يدل عليه مجموع كلام المفتاح هو ان المسند السببى دائما يكون تلك الجملة.

قال ابن هشام الكبرى هى الاسمية التى خبرها جملة نحو زيد قام أبوه وزيد ابوه قائم والصغرى هى المبنية على المبتدء كالجملة المخبر بها في المثالين وقد تكون الجملة صغرى وكبرى باعتبارين نحو زيد ابوه غلامه منطلق فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير وغلامه منطلق صغرى لا غير لانها خبر وابوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق وصغرى باعتبار جملة الكلام.

وقال ايضا ما فسرت به الجملة الكبرى هو مقتضى كلامهم وقد يقال كما تكون مصدرة بالمبتدء تكون مصدرة بالفعل نحو ظننت زيدا يقوم ابوه انتهى.


واذا عرفت ذلك فاعلم انه قد يكون الجملة الصغرى اسمية فيكون في الكلام مبتدئان مبتدء للكبرى ومبتدء للصغرى وقد تكون فعلية فيكون في الكلام مبتدء واحد فاشار صاحب المفتاح الى الاولى بقوله (هو ان يكون مفهوم المسند مع الحكم عليه) اي على مفهوم المسند (بانه) اي مفهوم المسند (ثابت للشيىء الذي بنى عليه ذلك اي جعل خبرا عنه) فالمراد من الشيىء الذى بنى عليه ذلك المسند هو المبتدء في الجملة الصغرى.

(او) مع الحكم على المسند بانه (منتف عنه) اي عن الشيىء الذي بنى عليه ذلك المسند.

وفي كلتا الصورتين اي صورة كون مفهوم المسند ثابتا وصورة كونه منفيا يكون ذلك المفهوم (مطلوب التعليق) اي يكون المطلوب من مفهوم المسند تعلقه (بغير ما) اى بغير مبتدء (بنى عليه ذلك المسند) حاصله ان يكون الجملة الصغرى من قبيل الصفة بحال متعلق الموصوف وتكون فيها سبب وياتى المراد من السبب بعيد هذا سواء كان ذلك التعليق المطلوب (تعليق اثبات لذلك الغير بنوع ما) اي بان يكون في الجملة الصغرى شيىء له تعلق وارتباط بالمبتدء فى الجملة الكبرى بان يكون ما في الصغرى ابا للمبتدء في الكبرى أو اخاه أو غلامه ونحو ذلك مما يعد في العرف من متعلقاته (او تعليق نفى عنه بنوع ما) حسبما بيناء.

واشار الى الثانية اى الى كون الجملة الصغرى فعلية بقوله (او يكون المسند) في الجملة الصغرى (فعلا يستدعى الاسناد الى ما بعده بالاثبات او بالنفى فيطلب تعليق ذلك المسند) الذي في الصغرى (على ما قبله بسبب ما).


قال الميرزا ابو طالب في اول باب الاشتغال اطلقوا السبب على المضاف الى ضمير الشيىء لان هذا المضاف بسبب تلك الاضافة سبب لتصور هذا الشيىء مرة اخرى وقد يطلق عليه المسبب لان ذكر ذلك الشييء سبب لصحة اضافة هذا المضاف الى ضميره ولا يبعد ان يكون الاطلاقان باعتباران المراد بالسبب والمسبب طرفا النسبة وبالسبية التى يصيران بها سببا ومسببا نفس النسبة فان كلا من الطرفين باعتبار اتصافه بالنسبة صار سببا للاخر باعتبار اتصافه بها فانهم انتهى.

(فالاول) اى ما كانت الجملة الصغرى فيه اسمية (نحو زيد ابوه منطلق فان مفهوم) المسند يعنى (منطلق) في الجملة الصغرى (مع الحكم عليه) اي على المسند يعنى منطلق (بثبوته) اي ثبوت منطلق (لمبتدئه اعنى أبوه قد علق) ذلك المفهوم (بزيد) الذي هو مبتدء في الجملة الكبرى (بالاثبات له) أي لزيد (وزيد غير ما) اي غير مبتدء (بنى منطلق عليه لان معناه) أي معنى ما بنى (ما جعل مبتدء واوقع منطلق مثلا خبرا عنه) وقد قلنا ان ما جعل مبتدء في الجملة الصغرى انما هو أبوه لا زيد فزيد غير ما بنى عليه منطلق.

(فخرج من هذا القسم) اى من القسم الذي يكون المسند السببى جملة اسمية صغرى (نحو زيد منطلق أبوه أو) زيد (انطلق ابوه) حاصله انه خرج من هذا القسم نحو منطلق في المثال الاول ونحو انطلق في المثال الثاني لان اللازم في هذا القسم كما اشرنا اليه انفا ان يكون في الكلام مبتدئان مبتدء في الكبرى ومبتدء في الصغرى وظاهر ان في هذين المثالين ليس الا مبتدء واحد والى ذلك اشار بقوله (لان مجردا اسم الفاعل) يعنى منطلق في المثال الاول (او الفعل)


يعنى انطلق في المثال الثاني (ليس بمبنى على شيىء) اي ليس مجرد اسم الفاعل في المثال الاول او الفعل في المثال الثاني خبرا عن مبتدء اخر غير المبتدء الذي يكون مجموع اسم الفاعل مع فاعله او الفعل وفاعله خبرا عنه وقد قلنا ان اللازم في هذا القسم ان يكون في الكلام مبتدئان اولهما في الكبرى ومعلق عليه للمسند اليه في الصغرى وثانيهما في الصغرى ومبنى عليه للمسند اليه فيها ومعلوم ان المثالين ليسا كذلك فتدبر جيدا والى بعض ما بيناه اشار بقوله (لما عرفت من تفسيره) اي من تفسير ما بنى عليه اذ قلنا ان معناه ما جعل مبتدء واوقع منطلق مثلا خبرا عنه.

(والثاني) اي ما كانت الجملة الصغرى فيه فعلية (نحو عمرو ضرب أخوه فان ضرب فعل اسند الى ما بعده وهو أخوه ثم علق على ما قبله وهو عمر بالاثبات) وكذا نحو عمرو ما ضرب اخوه فان ضرب فعل اسند الى ما بعده وهو اخوه ثم علق على ما قبله وهو عمرو بالنفى (لكون الاخ) في الصورتين متعلقا به) أي بعمرو (ومضافا الى ضميره فالمسند السببى) عند صاحب المفتاح كما نبهناك في صدر المبحث قسمان :

الاول : ما كانت الجملة الصغرى فيه اسمية واليه اى الى القسم الاول اشار بقوله ان يكون مفهوم المسند مع الحكم عليه الخ.

والثاني : ما كانت الجملة الصغرى فيه فعلية نحو عمرو ضرب اخوه حسبما مر بيانه انفا.

(و) ذلك لان يكون في (قوله) اي قول صاحب المفتاح (او يكون المسند فعلا منصوب) لانه اي يكون (معطوف على) يكون في


قوله (يكون مفهوم المسند) الخ.

والحاصل ان قوله او يكون المسند فعلا الخ اشارة الى القسم الثاني.

(وقد توهم بعضهم ان المسند السببي) عند صاحب المفتاح انما (هو القسم الاول فقط) الذي اشار اليه بقوله هو ان يكون مفهوم المسند مع الحكم عليه الخ.

(و) ذلك لانه قد توهم هذا المتوهم (ان قوله) اي قول صاحب المفتاح (او يكون) المسند فعلا الخ. ليس منصوبا حتى يكون معطوفا على قوله ان يكون مفهوم المسند مع الحكم عليه الخ بل هو أي قوله يكون المسند فعلا الخ (مرفوع معطوف على) ما قبل هذا الكلام وهو (قوله اذا كان) المسند سببيا.

(في قوله واما الحالة المقتضية لكونه) اي المسند (جملة فهي اذا اريد تقوى الحكم او اذا كان المسند سببيا) فتوهم هذا المتوهم ان قوله او يكون المسند فعلا الخ عطف على قوله او اذا كان المسند سببيا (ولا يخفى انه) اي القول بان قوله او يكون المسند فعلا عطف على قوله اذا كان المسند سببيا (سهو) ظاهر (ولا) اي وان لم يكن هذا القول سهوا (لكان المناسب) توافق الفعلين المتعاطفين وهو (ان يقول) في المقطوف (او اذا كان المسند فعلا) كما قال في المعطوف عليه اذا كان المسند سببيا (اذ لا وجه) في المعطوف (للعدول) من الفعل الماضي (الى) الفعل (المضارع و) كذلك (ترك لفظ اذا في) الا بعد أي قوله فهى اذا اريد تقوى الحكم مع انه اي الا بعد اعنى قوله او يكون المسند فعلا (موضع الالتباس) كما ترى (مع رعايته) اي لفظ اذا يعنى اتيانه (في الاقرب الذي لا التباس فيه


اعنى قوله اذا كان المسند سببيا) فالحق ان المسند السببي كلا القسمين لا القسم الاول فقط.

(ثم الظاهر من لفظ المفتاح) يعنى قوله هو ان يكون مفهوم المسند مع الحكم الخ.

(ان المسند السببى في زيد أبوه منطلق هو منطلق) وحده لا مجموع الجملة الصغرى (و) كذلك (في عمر وضرب اخوه هو ضرب) وحده لا مجموع الجملة الصغرى فالمسند السببى في الصورتين مفرد.

(و) بعبارة اخرى ان الظاهر من لفظ المفتاح المنقول انفا (انه) أي المسند السببى (قد يكون مفردا كما فى هذين المثالين وقد يكون جملة كما في قولنا زيد ابوه انطلق وليس في كلامه) المنقول انفا ولا في غيره (ما يدل على ان نفس المسند السببى يجب) دائما (ان يكون جملة بل اللازم من كلامه انه اذا كان في الكلام مسند سببى يجب) دائما (ان يكون مسند ذلك الكلام جملة) تسمى في النحو صغرى سواء كان اسمية او فعلية حسبما بيناه مفصلا (وهذا حق لما مر من ان المسند السببى لا يكون الا في جملة) صغرى (وقعت مسندا الى مبتدء) في جملة كبرى.

الى هنا كان الكلام فيما يفهم من ظاهر لفظ المفتاح. (و) لكن ظاهره غير مراد فالاحسن نقل كلام المفتاح بتمامه ليتضح حقيقة مرامه قال واما الحالة المقتضية لكونه جملة فهى اذا اريد تقوى الحكم بنفس التركيب كقوله انا عرفت وانت عرفت وهو عرف او زيد عرف كما سياتيك تقرير هذا المعنى قولك بكر يشكرك ان تعطه او بكر ان تعطه يشكر لما عرفت من ان الجملة الشرطية ليست الا جملة خبرية


مقيدة بقيد مخصوص وكقولك خالد في الدار او اذا كان المسند سببيا وهو ان يكون مفهومه مع الحكم عليه بالثبوت لما هو مبنى عليه او بالانتفاء عنه مطلوب التعليق بغير ما هو مبني عليه تعليق اثبات له بنوع ما او نفى عنه بنوع ما كقولك زيد ابوه انطلق او منطلق والبر الكر منه بستين.

او يكون المسند فعلا يستدعى الاستناد الى ما بعده بالاثبات او بالنفى فيطلب تعليقه على ما قبله بنوع اثبات او نفى لكون ما بعده بسبب مما قبله نحو عمرو ضرب اخوه لا شيئا متصلا بالفعل نحو زيد ضارب اخوه او مضروب او كريم لسر نطلعك عليه انتهى. واذا تاملت انت في مجموع هذه العبارة تعرف انه (يمكن ان يقال ان في قوله هو ان يكون) مفهو المسند مع الحكم عليه الخ (مضافا) الى ان يكون (محذوفا) و (هو) اي المضاف المحذوف.

لفظة اذا او لفظة وقت كما يصرح به التفتازانى او غيرهما مما يدل على الزمان (و) حينئذ (ضمير هو) في قوله هو ان يكون مفهومه مع الحكم عليه الخ (عائد الى المسند السببى) المدلول عليه بقوله او اذا كان المسند سببيا (او) عائد (الى) نفس قوله اذا كان المسند سببيا والمعنى) أي معنى قوله في بيان المسند السببى (ان المسند السببى يكون اذا كان مفهوم المسند كذا او وقت كون المسند سببيا وقت كونه كذا) اي وقت كون مفهوم المسند مع الحكم عليه الخ او وقت كون مفهوم المسند مع الحكم عليه الخ او وقت كون المسند فعلا الخ (وحينئذ يكون المسند السببى هو الماخوذ من مجموع كلامه) الذي نقلناه بطوله (وهو) اي الماخوذ من مجموع كلامه (نفس الجملة)


الصغرى اي مجموعها (كما ذكرنا اولا) لا ما يفهم من ظاهر لفظ المفتاح من ان المسند السببى هو منطلق وحده او ضرب وحده على ما تقدم بيانه انفا هذا ما تقرر عندى في شرح هذا المقام العويص ولا اظن ان تجد عند غيرى ما فيه محيص وهذا من فضل ربى انه ذو الفضل العظيم.

(واما كونه اي كون المسند فعلا فللتقييد للمسند باحد الازمنة الثلاثة اعنى الماضى وهو الزمان الذى قبل زمان تكلمك والمستقبل وهو الزمان الذي يترقب) اي ينتظر (وجوده بعد هذا الزمان) اي زمان تكلمك.

قال في شرح التصريف المشهور ان المستقبل بفتح الباء اسم مفعول والقياس يقتضى كسرها ليكون اسم فاعل لانه يستقبل كما يقال الماضي ولعل وجه الاول ان الزمان يستقبل فهو مستقبل اسم مفعول لكن الاولى ان يقال المستقبل بكسر الباء فانه الصحيح لان زمان الاستقبال يستقبل اي يتوجه الى جانب الحال والاستقبال التوجه فاذا كان متوجها موصوفا بالتوجه فهو مستقبل بكسر الباء لا مستقبل بفتح الباء والا لزم ان يكون متوجها اليه وليس كذلك لان المتوجه اليه هو الحال ومن هنا قبل ان الماضى متاخر عن الاستقبال لانه متوقف على الاستقبال فتامل لتعرف حقيقة الحال والتوجيه الاول لا يخلو من حزازة انتهى.

(والحال وهو اجزاء من اواخر الماضي واوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وقراخ كما يقال زيد يصلى والحال ان بعض صلوته ماض وبعضها باق فجعلوا الصلوة الواقعة في الانات الكثيرة المتعاقبة واقعة في الحال) من هنا قيل ان الحال الحقيقي لا وجود له لان الحال مركب من


اجزاء بعضها اخر الماضي وبعضها اوائل المستقبل واما الماضي والاستقبال فلا تركيب فيهما ولا اختلاط لاجزائهما لحيلولة الحلل بينهما كما قال الشاعر :

ما فات مضى وما ياتيك فاين

قم فاغتنم الفرصة بين العدمين

وليعلم ان الحاكم في كون شيىء في الحال هو العرف لا غير فان تعيين مقدار الحال مفوض اليه بحسب الافعال فلا يتعين له مقدار مخصوص يقال ياكل ويمشي ويحج ويكتب القران ويجاهد الكفار ويعد كل ذلك حالا ولا شك في اختلاف مقادير ازمنتها.

قال بعض الاعلام في هذا المقام ان كلام التفتازانى في بيان الحال غير مفيد ولا تام لان اواخر الماضي يكون ماضيا قطعا واوائل المستقبل يكون مستقبلا قطعا فلا يتحقق على هذا التقدير زمان الحال.

ولكنه مردود بان الجزء الاخير من الماضي وان كان ماضيا والجزء الاول من المستقبل وان كان مستقبلا الا انه لم يجعل الحال عبارة عن احد الجزئين فقط بل عن المجموع المركب من الجزئين والمجموع المركب من الماضي والمستقبل لا يكون ماضيا ولا مستقبلا فلا بد ان يكون حالا نعم في كلامه مسامحة ظاهرة لان الحال على مذهب الحكماء القائلين بوجود الزمان نهاية الماضي نظرا الى جانبه وبداية المستقبل نظرا الى جانبه فان له اتصالا بالجانبين فحينئذ يكون الحال جزء واحدا غير منقسم متصلا بجانبى الماضي والمستقبل لا اجزاء من اواخر الماضي واوائل المستقبل متعاقبة من غير مهلة وتراخ والى ما حققنا ينظر كلام من قال بان الحال عرض حل في الزمان حلول النقطة في الخط فانه غير منقسم مثله واما المتكلمون فلا وجود للزمان عندهم بل هو عندهم


امر موهوم محض فالحال عندهم موهوم في موهوم : تحقيق الحق من المذهبين في شروح التجريد ومن الله الهداية والتسديد.

(على اخصر وجه) لان الفعل بصيغته وهيئته دال على احد الازمنة الثلاثة من غير احتياج الى قرينة تدل على ذلك كما بين في النحو (بخلاف الاسم) وان كان مشتقا (نحو زيد قائم امس او الان او غدا فانه يحتاج) في الدلالة على احد هذه الازمنة الثلاثة (الى انضمام قرينة) لفظية كما مثلنا او غيرها من القرائن العقلية والحالية.

فان قلت قد سبق في الباب الثاني عند قول الخطيب ومنه التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي انه لا خلاف في ان اسم الفاعل والمفعول فيما لم يقع كالمستقبل مجاز وفيما هو واقع كالحال حقيقة وكذا الماضي عند لاكثرين من النحوين والاصوليين وحينئذ لا فرق بين الفعل وما هو من قبيل اسم الفاعل والمفعول من المشتقات.

قلت قد اجيب عن ذلك مرة بان معنى كون اسم الفاعل وما هو من قبيله من المشتقات حقيقة في الحال انه حقيقة في الحدث الحا لا في الزمان الحال والى ذلك اشار الهروى في لاية بقوله في بحر؟؟؟ المشتق ان المراد بالحال في عنوان المسئلة هو حال التلبس لا حال النطق ضرورة ان مثل كان زيد ضربا امس او سيكون غدا ضاربا حقيقة اذا كان متلبسا بالضرب فى الامس في المثال الاول ومتلبسا به في الغد في الثاني فجرى المشتق حيث كان بلحاظ حال التلبس وان مضى زمانه في احدهما ولم يات بعد في الاخر حقيقة بلا خلاف الى اخر ما ذكر هناك فراجع ان شئت.

ومرة اخرى بان الزمان ليس جزء من مدلول اسم الفاعل ونحوه


واما الفعل فاحد الازمنة جزء من مفهومه فهو) كما قلنا انفا (بصيغته يدل عليه) واليه يشير بقوله :

المصدر اسم ما سوى الزمان من

مدلولى الفعل كامن من امن

وهذا هو المراد من قوله على اخضر وجه كما بينا انفا ولفظة اخصر اسم تفضيل من اختصر بحذف الزوائد وهو من الشواذ كما صرح به السيوطى في ذلك الباب (مع افادة التجدد) اي الحدوث وهو يطلق على معنيين احدهما الحصول بعد ان لم يكن والثاني التقضى شيئا فشيئا فالذي هو لازم لمعنى الفعل بحسب الوضع هو الاول واما الثاني فغير لازم له ولا دلالة له عليه الا بالقرينة وقد جمع التفتازاني بين المعنيين فاشار الى الاول بقوله (الذي هو من لوازم الزمان الذي هو جزء من مفهوم الفعل وتجدد الجزء وحدوثه يقتضي تجدد الكل وحدوثه وظاهر انه غير قار الذات) بمعنى انه لا يجتمع اجزاء بعضها مع بعض) كما بسين في شرح التجريد واشار الى الثاني بقوله بعيد هذا في شرح البيت يحدث منه ذلك شيئا فشيئا ويصدر منه النظر لحظة فلحظة وانت خبير بان الجمع بين المعنيين والقول بدلالة الفعل على الاثنين لا يخلو من نظر فتامل.

(كقوله اي قول ظريف بن تميم او كلما وردت عكاظ) على وزن غراب غير منصرف للعلمية والتانيث باعتبار البقعة ومنصوب بنزع الخافض اي على عكاظ فهو صلة وردت و (هو سوق) مشهور (للعرب كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون) فيه الاشعار (ويتفاخرون) بذكر انسابهم واخلاقهم المستحسنة عندهم وعاداتهم المرغوبة (وكانت فيه) اي في ذلك السوق (وقايع) أي حوادث كالحرب والجدال


والقتال.

قال في المصباح عكاظ وزان غراب سوق من اعظم اسواق الجاهلية وراء قرن المنازل بمرحلة من عمل الطائف على طريق اليمن وقال ابو عبيدة هى صحراء مستوية لا جبل فيها ولا علم وهى بين نجد والطائف وكان يقام فيها السوق في ذي القعدة نحوا من نصف شهر ثم ياتون موضعا دونه الى مكة يقال له سوق مجنة فيقام فيه السوق الى اخر الشهر ثم ياتون موضعا قريبا منه يقال له ذو المجاز فيقام فيه السوق الى يوم التروية ثم يصدرون الى منى والتانيث لغة الحجاز والتذكير لغة تميم انتهى.

(قبيلة) فاعل وردت (بعثوا) اى ارسلوا ووجهوا (الى عريفهم) اي مدبر امرهم والقائم بسياستهم وذلك لان (عريف القوم هو القيم بامرهم الذي شهر) بضم الاول وكسر الثاني (بذلك وعرف) كذلك وهذا اشارة الى وجه تسميته عريفا وهو دون الرئيس رتبة.

وقوله (يتوسم) حال من العريف وهذا محل الاستشهاد اي كون المسند فعلا للتقييد باحد الازمنة الثلاثة وهو ههنا الحال على اخصر وجه مع افادة التجدد (اي يتفرس الوجوه) اى يتعرف الوجوه (ويتاملها يحدث منه ذلك التوسم) والتعرف والتامل (شيئا فشيئا) قال في شرح المطالع حال بتاويل متدرجا فهو بنفسه بلا تاويل لا يدخل في شيىء من المنصوبات (ويصدر منه لحظة فلحظة يعنى ان لي على كل قبيله جناية فمتى وردوا عكاظ طلبنى الكافل بامرهم) وعريفهم للانتقام منى.

(واما كونه) اي كون المسند (اسما فلا فادة عدمها اي عدم


التقييد المذكور) يعنى عدم التقييد باحد الازمنة الثلاثة (و) عدم (افادة التجدد) المذكور (بل لافادة الثبوت) اى تحقق المحمول للموضوع وذلك لعدم التقييد المذكور (و) لافادة (الدوام) وليعلم ان الاول اعنى الثبوت لما كان بحسب اصل الوضع بخلاف الدوام والاستمرار فانه من خارج اعنى القرينة لا بحسب اصل الوضع قال (لاغراض يتعلق بذلك) أي بافادة الثبوت مع الدوام ويحتمل قويا ان يكون ذلك اشارة الى الدوام فقط لانه كما قلنا يحتاج الى قرينة خارجية كما) اذا كان المتكلم (فى مقام المدح او الذم وما اشبه ذلك مما يناسبه الدوام والثبوت) ككون الغرض التوصيف بكثرة الجود (كقوله) اي قول نصر بن جوية او جوية بن نصر كما في بعض الحواشي (لا يالف الدرهم المضروب صرتنا وهو) اي الصرة جمعها كما في المصباح صور مثل غرفة وغرف وهو (ما يجمع فيه الدراهم لكن يمر عليها وهو منطلق يعنى الانطلاق) من الصرة (ثابت له) أي للدرهم (دائما) من غير اعتبار تجديد ه‍ وحدوثه في احد الازمنة الثلاثة فقط ولو قال ينطلق افاد تجدد الانطلاق المنافي لغرضه التوصيف بكثرة الجود ودوامه واما قوله ولكن يمر عليها فلدفع خلاف المقصود واستدراكه وهو ان عدم الالفة ليس بسبب انتفاء حصول جنس الدراهم بل بسبب التصدق على الفقراء والمساكين واهل الحاجة يدل على ذلك قوله قبل هذا.

انا اذا اجتمعت يوما دراهمنا

ظلت الى طرف الخيرات تستبق

فالتعبير بقوله منطلق للاشعار بان انطلاق الدراهم من الصرة امر ثابت دائم لا يتجدد وان الدراهم ليس لها استقرار ما في الصرة وهذا


مبالغة فى مدحهم بالكرم وفي قوله لكن يمر عليها تكميل لهذا المعنى فالاحسن حينئذ نصب الدرهم المضروب على ان يكون مفعولا لقوله لا يالف ليكون عدم الالفة من جانب الصرة وان كان المشهور نصب الصرة على انه مفعول لقوله لا يالف.

واعلم انه لما كان كلام الخطيب بظاهره ان الثبوت والدوام كلاهما يستفاد من الفعل بحسب اصل الوضع وكان الحق خلاف ذلك اذ الدوام انما يستفاد من القرائن الخارجية حسب ما بيناه استشهد على ذلك بكلام الشيخ لكنه نقله بالمعنى.

(قال الشيخ عبد القاهر) في الفصل الذي يذكر فيه فروق الخبر ما حاصله ان (المقصود من الاخبار) عن الشيىء (هو الاثبات المطلق) من غير اشعار بزمان ذلك الثبوت (فينبغى ان يكون) الاخبار (بالاسم وان كان الغرض) والمقصود من الاخبار عن الشيء (لا يتم الا بالاشعار بزمان ذلك الثبوت فينبغي ان يكون) الاخبار (بالفعل وقال ايضا) في ذلك الفصل (موضوع الاسم على ان يثبت به الشيء للشيء من غير اقتضاء انه يتجدد ويحدث شيئا فشيئا فلا تعرض في زيد منطلق لاكثر من اثبات الانطلاق فعلا) اي عملا وشغلا (له) أي لزيد (كما فى زيد طويل وعمرو قصير) فكما لا يقصد ههنا الى ان تجعل الطول او القصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط وتقضى بوجودهما على الاطلاق كذلك لا تتعرض في قولك زيد منطلق لاكثر من اثباته لزيد.

وبعبارة اخرى اذا قلت زيد طويل وعمرو قصير لم يصلح مكانه يطول ويقصر وانما تقول يطول ويقصر اذا كان الحديث عن شيىء


يزيد وينمو كالشجر والنبات والصبى ونحو ذلك مما يتجدد فيه الطول او يحدث فيه القصر والى ذلك يشير بقوله (واما الفعل فانه يقصد فيه التجدد والحدوث ومعنى زيد ينطلق ان الانطلاق يحصل منه) اي من زيد (جزء فجزء وهو يزاوله) اي يحاوله ويعالجه.

قال الطريحي المزاولة المحاوله والمعالجة وتزاولوا تعالجوا (ويزجية) اى يفعله قليلا قليلا.

قال الطريحي فلان يزجى العيش اي يقنع بالقليل ويكتفى به انتهى.

ولا يخفى وجه المناسبة بينه وبين ما فسرناه به ههنا (وقولنا في زيد يقوم انه بمنزلة زيد قائم لا يقتضى) قولنا هذا (استواء المعنى) بين الخبرين (من غير افتراق) بينهما (والا لم يختلفا اسما وفعلا).

قال في ذلك الفصل ما نصه ولا ينبغى ان يغرك انا اذا تكلمنا في مسائل المبتدء والخبر قدرنا الفعل في هذا النحو تقدير الاسم كما تقول في زيد يقوم انه موضع زيد قائم فان ذلك لا يقتضى ان يستوى المعنى فيهما استواء لا يكون من بعده افتراق فانهما لو استويا هذا الاستواء لم يكن احدهما فعلا والاخر اسما بل كان ينبغى ان يكونا جميعا فعلين او يكونا اسمين انتهى.

(واما تقييد الفعل وما يشبهه من اسمى الفاعل والمفعول وغير ذلك) يعنى المصدر واسم التفضيل ونحوهما (بمفعول مطلق او به او فيه اوله او معه ونحوه) اي نحو المفعول (من الحال والتمييز والاستثناء) والامثلة لكل واحد من هذه القيود الثمانية واضحة مذكورة في النحو (فلتربية الفائدة) اي لتربية فائدة الكلام (وتقويتها لان ازدياد التقييد يوجب ازدياد الخصوص) اى ازدياد التخصيص (وهو) اى


ازياد التخصيص (يوجب ازدياد البعد) عن ذهن المخاطب كما يظهر بالنظر الي قولنا شيىء ما موجود والى قولنا فلان بن فلان حفظ التوراة سنة كذا في بلد كذا لغرض كذا (الموجب لقوة الفائدة كما مر) بيان ذلك في) بحث (المسند اليه عند قول الخطيب واما تعريفه وليعلم ان ظاهر الكلام في المقام ان تقييد الفعل بمفعول ونحوه يوجب ازدياد فائدة اخرى غير فائدة اصل الفعل والامر في المقام ليس كذلك ولكن ههنا للشيخ كلام يوضح ما هو المقصود من المقام فلا بد من نقله بتمامه ليتضح حقيقة المرام من الكلام في المقام قال في بحث متعلقات الفعل ومما ينبغى ان يحصل في هذا الباب انهم قد اصلوا في المفعول وكل ما زاد على جزئي الجملة انه يكون زيادة في الفائدة وقد يتخيل الى من ينظر الى ظاهر هذا من كلامهم انهم ارادوا بذلك انك تضم بما تزيده على جزئى الجملة فائدة اخرى وينبغى عليه ان ينقطع عن الجملة حتى يتصور ان يكون فائدة على حدة وهو ما لا يعقل اذ لا يتصور في زيد من قولك ضربت زيدا ان يكون شيئا براسه حتى تكون بتعديتك ضربت اليه قد ضممت فائدة الى اخرى واذا كان ذلك كذلك وجب ان يعلم ان الحقيقة في هذا ان الكلام يخرج بذكر المفعول الى معنى غير الذي كان وان وزان الفعل قد عدى الى مفعول معه وقد اطلق فلم يقصد به الى مفعول دون مفعول وزان الاسم المخصص بالصفة مع الاسم المتروك على شياعه كقولك جائنى رجل ظريف مع قولك جائنى رجل في انك لست في ذلك كمن بضم معنى الى معنى وفائدة الى فائدة ولكن كمن يريد ههنا شيئا وهناك شيىء اخر.

فاذا قلت ضربت زيدا كان المعنى غيره اذا قلت ضربت ولم تزد


زيدا (اي لم يقصد الى مضروب مخصوص) وهكذا يكون الامر ابدا كلما زدت شيئا وجدت المعنى قد صار غير الذى كان.

ومن اجل ذلك صلح المجازات بالفعل الواحد اذا اتى به مطلقا في الشرط ومعدى الى شى في الجزاء كقوله تعالى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) وقوله عزوجل (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) مع العلم بان الشرط ينبغى ان يكون غير الحزاء من حيث كان الشرط سببا والجزاء مسببا وانه محال يكون الشيىء سببا لنفسه فلولا ان المعنى في احسنتم الثانية غير المعنى في الاولى وانها في حكم فعل ثان لما ساغ ذلك كما لا يسوغ ان نقول ان قمت قمت وان خرجت خرجت ومثله من الكلام قوله المرء باصغريه ان قال قال ببيان وان صال صال بجنان ويجرى في ذلك في الفعلين قد عديا جميعا الا ان الثاني منهما قد تعدى الى شيىء زائد على ما تعدى اليه الاول ومثاله قولك ان اتاك زيد اتاك لحاجة وهو اصل كبير والادلة على ذلك كثيرة انتهى.

(ولما كان هنا مظنة سؤال) قال في المصباح المظنه بكسر الظاء المعلم وهو حيث يعلم الشىء قال النابغة فان مظنة الجهل الشباب.

وقال الطريحي مظنة الشيىء بفتح الميم وكسر الظاء موضعه ومالفه الذي يظن كونه فيه والجمع المظان انتهى.

قيل وانما صار هنا موضع سؤال واشكال بسبب قوله اي الخطيب ونحوه فلو اقتصر على قوله بمفعول لما كان هنا موضع سوال ولكن فيه نظر ظاهر لانه لو اقتصر على قوله بمفعول للزم اختصاص تقييد الفعل وما يشبهه بالتقييد بالمفعول فقط مع انه اعم منه من حيث انه يكون بنحوه ايضا اعنى الحال والتميز والاستثناء ولهذا قال ونحوه لكن


المتبادر من نحوه ما كان مثله في كونه فضلة فلا موضع للسؤال هنا اصلا فضلا عن الجواب فتامل.

(وهو) أى السؤال (ان خبر كان مما هو نحو المفعول) لانه من المشبهات بالمفعول وملحقاته.

قال الجامي في اول بحث المنصوبات والمراد بعلم المفعولية علامة كون الاسم مفعولا حقيقة او حكما فقال المحشى على قوله او حكما كما في الملحقات بالمفاعيل من الحال والتميز وغيرهما.

(وتقييد كان به) اي بخبره (ليس لتربية الفائدة اذ لا فائدة في نحو كان زيد) مما هو (بدون الخبر ليكون) مجيىء (الخبر لتربيتها) اى لتربية الفائدة وذلك لان كان هذه ناقصة وانما سميت ناقصه لانها كما قال الرضى لا تتم بالمرفوع بها كلاما بل بالمرفوع مع المنصوب فلا فائدة فيها بدون الخبر لانها حينئذ ليست بكلام لان الكلام عندهم لفظ مفيد كاستقم.

بخلاف الافعال التامة فانها تتم كلاما بدون المنصوب ومن هنا قال ابن مالك وذو تمام ما يرفع يكتفى (اشار) الخطيب (الى) الجواب بقوله (انه) اي خبر كان (مستثنى من هذا الحكم) يعنى ان خبر كان شبيه المفعول ومندرج في قوله ونحوه لكنه مستثنى عن هذا الحكم لانه اى خبر كان ليس قيدا للفعل اعنى كان بل الامر فيه بالعكس لان الفعل قيد للخبر.

(فقال والمقيد في نحو كان زيد منطلقا هو منطلقا لا) الفعل يعنى (كان) ونحوه (لان منطلقا هو نفس المسند) الذي قيد بكان لتربية الفائدة (اذ الاصل) اي اصل كان زيد منطلقا جملة اسمية اعنى


(زيد منطلق وفي ذكر كان) أي في دخوله على هذه الجملة (دلالة على زمان النسبة) الحاصلة بين المسند والمسند اليه (فهو) أي كان (قيد لمنطلقا) لانه يدل على ان الانطلاق حاصل لزيد في الزمان الماضي (كما في قولك زيد منطلق في الزمان الماضي) فاختيار كان زيد منطلقا على انطلق زيد لاجل افادة الثبوت مع الزمان وكذا يكون زيد منطلقا لكون الجملة في الصورتين كما قلنا في الاصل اسمية لا فعلية فتامل.

(وايضا وضع الباب) اي باب كان واخواته (لتقرير الفاعل على صفة اي جعله وتثبيته على صفة غير مصدر ذلك الفعل) اي كان واخواته وانما قيد بذلك فان زيدا في ضرب زيد ايضا متصف بصفة الضرب وكذا في جميع الافعال التامة واما الناقصة فهي للتقرير المذكور (وهو) اي الصفة والتذكير باعتبار الخبر.

(مفهوم الخبر على انها اعنى تلك الصفة) يعنى الخبر (متصفة بمعانى تلك الافعال) الناقصة.

(فمعنى كان زيد قائما انه متصف بالقيام المتصف بالكون أي الحصول والوجود في الماضي ومعنى صار زيد غنيا انه متصف بالقيام المتصف بالصيرورة اى الحصول بعد ان لم يكن) الغنى متصفا بالحصول (في الماضي) هذا كله ماخوذ من الرضى بتغير وتقديم وتاخير فراجع ان شئت.

(وهذا) اي الذي ذكره بقوله وايضا وضع الباب الى هنا (معنى قولهم) كما في متن الجامى بعد ما فرغ ابن الحاجب عن التعريف وتعداد الافعال الناقصة (انها) تدخل على الجملة الاسمية المركبة من المبتدء والخبر نحو زيد منطلق فخرج نحوا منطلق زيد وما منطلق زيد كما


في بعض حواشى الجامى فانهما جملتان اسميتان مركبتان من المبتدء والفاعل كما قال ابن مالك.

واول مبتدء والثاني

فاعل اغنى في اسار ذان

(لاعطاء الخبر) اي لاجل اعطائها الخبر (حكم معناها) اي معنى هذه الافعال (فان للغنى في هذا المثال) اى في صار زيد غنيا (حكم الانتقال) اى الصيرورة من حال الى حال (لانه) اي الغنى (الحالة التى انتقل) زيد من حالة الفقر (اليها) اى حالة الغنى.

والحاصل كما في الجامى انه لما دخل صار على الجملة الاسمية اعنى زيد غنى وافاد معناه الذي هو الانتقال اعطى الخبر الذي هو غنى اثر ذلك الانتقال وهو كون الغنى الحاصل لزيد منتقلا اليه.

(وهذا) الذي حكمنا بانه معنى قولهم انها لاعطاء الخبر حكم معناها.

(نوع اخر) اي جواب اخر للسؤال المظنون (في تحقيق كون هذه الاخبار) أى اخبار كان واخواته (مقيدة بهذه الافعال) اي بكان واخواته فثبت ان المقيد في نحو كان زيد منطلقا هو منطلقا لا كان.

(واما تركه اى ترك التقييد) اي ترك تقييد المسند بالمفعول ونحوه (فلمانع منها اي من تربية الفائدة) والمانع اما قريب بان يكون التقييد غير ممكن وذلك (كعدم العلم بالمقيدات) اى لا يكون المتكلم عالما بالقيد كقولك ضربت من دون ان تقول زيدا مثلا لعدم علمك بمن وقع عليه ضربك.

ان قلت كيف جعل عدم العلم مانعا والمانع لا يكون الا وجوديا


وهذا امر عدمى قلنا ان المراد بالمانع هنا المانع اللغوى وهو ما لا يتلى؟؟؟ تحصيل الشيىء معه وجوديا كان او عدميا منا فيا كان اولا وبهذا اندفع ايضا ما قيل ان المانع من الشيى يكون منافيا له وعدم العلم بالمقيدات لا ينافى التربية وان كانت متعذرة فتدبر.

(او) المانع بعيد وهو ما اذا كان المتكلم عالما بالقيد لكن للتقييد مانع مثل (عدم الاحتياج اليها) اي الى تربية الفائدة وانما كان عدم الاحتياج مانعا لما تقدم في الباب الاول من انه اذا كان قصد المخبره افادة الحكم او لازمه فينبغى ان يقتصر على قدر الحاجة حذرا عن اللغو.

(أو خوف انقضاء الفرصة) بسبب ذكر المقيدات كقولك لراكب السيارة او الطيارة القاصدة للحج او لزيارة الحسين (ع) وهي في حال الحركة انا ملتمس للدعاء من دون ان تقول في بيت الله الحرام أو عند قبر الحسين (ع) ونحو ذلك (او عدم ارادة) المتكلم (ان يطلع السامع) اي المخاطب (او غيره من الحاضرين على زمان الفعل) نحو ان تقول مات زيد من دون ان تقول سنة كذا او شهر كذا او يوم كذا ونحو ذلك لاغراض تتعلق بعدم الارادة أي باخفاء زمان موته (او) عدم ارادة ان يطلع السامع او غيره من الحاضرين على (مكانه) اي مكان الفعل كقولك المذكور من دون ان تقول في بلد كذا او قرية كذا او مدرسة كذا ونحو ذلك لاغراض تتعلق بعدم الادارة اي باخفاء مكان موته (او غير ذلك) من المفاعيل والقيود الاخر التي لا يريد المتكلم ان يطلع السامع او غيره من الحاضرين عليها (لاغراض تتعلق به) اى بعدم الارادة اي بالاخفاء.


(او خوف) المتكلم من (ان يتصور المخاطب) بسبب ذكر القيد (ان المتكلم مكثار) اي كثير الكلام فيستهان اذ كثرة الكلام دليل على البلاهة ولذا قيل ان الرجل اذ اكثر عقله قل كلامه ولنعم ما قيل بالفارسية.

صراف سخن باش وسخن بيش مگو

چيزى كه نپرسند تو از پيش مگو

(او) خوف ان يتصور المخاطب ان المتكلم (قادر على التكلم فيتولد منه) أي من هذا التصور (عداوة) ناشئة من الحسادة (وما اشبه ذلك) المذكور من الموانع التي تقتضى اختصار الكلام كضجرة وسامة ونحوهما.

(واما تقييده اى تقييد الفعل) وما اشبهه (بالشرط) اعترض عليه بانه كان ينبغى ان يقدم هذا على حالة ترك التقييد ويؤخر ترك التقييد ليجرى القيود الوجودية على سنن واحد كيف والتقييد بالشرط في قوة المفعول فيه كما يعلم من قوله الاتي : بمنزلة قولك اكرمك وقت اكرامك اياى وقوله بمعنى اكرمك وقت مجيئك واجيب بانه لما كان محتاجا الى بسط من البحث اخره عن الترك والمراد من الشرط الجملة الشرطية بدون الجواب (نحو اكرمك ان تكرمنى او) نحو (ان تكرمني اكرمك) وانما انى بمثالين اشار الى مائي الرضى وهذا نصه : واعلم انه اذا تقدم على اداة الشرط ما هو جواب من حيث المعنى فليس عند البصريين بجواب له لفظا لان للشرط صدر الكلام بل هو دال عليه وكالعوض منه وقال الكوفيون بل هو جواب في اللفظ ايضا لم ينجزم ولم يصدر بالفاء لتقدمه فهو عندهم


جواب واقع في موقعه كما ذكرنا انما ينجزم على الجواز اذا تاخر عن الشرط وذلك نحو اضرب ان ضربتنى فاضرب جواب من حيث المعنى اتفاقا لتوقف مضمونه على حصول الشرط ولهذا لم يحكم بالاقرار في قولك لك على الف درهم ان دخلت الدار وعند البصرية ايضا لا يقدر مع هذا المقدم جواب اخر للشرط وان لم يكن جوابا للشرط لانه عندهم يغنى عنه فهو مثل استجارك المذكور الذي هو كالعوض من المقدم اذا ذكرت احدهما ولم يذكر الاخر ولا يجوز عندهم ان يقال هذا المقدم هو الجواب الذي كان مرتبته التاخر عن الشرط تقدم على أداته لانه لو كان هو الجواب لوجب جزمه وللزم الفاء في أنت مكرم ان اكرمتنى ولجاز ضربت غلامه ان ضربت زيدا على ان ضمير غلامه لزيد فمرتبة الجزاء عند البصرية بعد الشرط وعند الكوفية قبل الاداة كما مر انتهى.

ولكلامه تتمة مفيدة جدا ننقله عن قريب.

(فلا عتبارات وحالات تقتضى تقييده) اي الفعل (به) اي بالشرط (لا تعرف) تلك الاعتبارات والحالات (الا بمعرفة ما بين ادواته أي حروف الشرط واسمائه من التفصيل) هذا بيان لما الموصولة في قوله ما بين فلا تغفل.

(وقد بين ذلك التفصيل) بين الادات (في علم النحو فليرجع اليه) اي الى علم النحو ويمكن معرفة بعض ذلك التفصيل في هذا العلم ايضا بمراجعة باب الانشاء اذ اكثر اداة الاستفهام والشرط متحد معنى واعتبارا كما صرح به ابن الحاجب في الكافية فتامل.

(وفي هذا الكلام) اي في قوله واما تقييده بالشرط (تنبيه على


ان الشرط قيد للفعل) او ما اشبهه اي الجزاء (مثل) كون (المفعول ونحوه) قيد اللفعل او ما اشبهه هذا اذا كان في الجزاء فعل كالمثال الاتى او ما اشبهه وان لم يكن فيه ذلك نحو ان كان زيد ابا لعمرو فانا اخ له فالتقييد حينئذ للملازمة بين الشرط والجزاء اذ لا فعل في الجزاء حينئذ ولا ما اشبهه وانما قلنا ان الشرط قيد للفعل مثل المفعول ونحوه (فان قولك ان تكرمنى اكرمك) وكذلك قولك اكرمك ان تكرمني (بمنزلة قولك اكرمك وقت اكرامك اياي) اي الشرط بمنزلة المفعول فيه بالنسبة الى الفعل في الجزاء.

(و) ان قلت ظاهر ان الكلام في الجملة الخبرية المحتملة للصدق والكذب كما ينبه عليه بقوله في اخر الباب السادس تنبيه الانشاء كالخبر الخ. والجملة الشرطية ليست كذلك لان الكلام يخرج بتقييد الفعل بالشرط من الخبرية واحتمال الصدق والكذب اذ ليس الحكم فيها بطريق الجزم والاعتقاد فلا يكون خبرية اذ الخبر هو الذي يحكم فيه جزما.

قلت (لا يخرج الكلام) اي الجزاء (بتقييده بهذا القيد) اي بالشرط (عما كان عليه من الخبرية والانشائية فالجزاء ان كان خبرا فالجملة) اي الجزاء مع هذا القيد (خبرية نحو ان جئتني اكرمك بمعنى اكرمك وقت مجيئك) فان قلت هذا ينافي ما في التهذيب من قوله وطرفا الشرطية في الاصل قضيتان حمليتان او متصلتان او منفصلتان او مختلفتان الا انهما خرجتا بزيادة الاتصال والانفصال عن التمام (و) كذلك قوله (ان كان) الجزاء (انشاء فالجملة انشائية نحو ان جاءك زيد فاكرمه).


قلت هذا مبنى على اصطلاح اهل العربية وما في التهذيب مبني على اصطلاح اهل الميزان وسياتى ان الاصطلاحين مختلفان في مفهوم القضية الشرطية فتحصل مما ذكر ان الجزاء لا يحزح بتقييده عما كان عليه من الخبرية والانشائية والمتحصل من ذلك ان الجزاء قد يكون خبرية وقد يكون انشائية ولكن اعترض عليه بانه قد صرح في المفتاح في الفن الثالث ما ظاهره ان الجزاء لا يكون الا جملة خبرية واليه اشار بقوله (فقول صاحب المفتاح ان الجملة الشرطية جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص محتملة في نفسها للصدق والكذب واصرح من ذلك ما ذكره في اواسط الفن المذكور من ان الجملة الشرطية ليست الا جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص وحاصل الاعتراض ان ظاهر المفتاح بل صريحه ان الجزاء ابدا ودائما جملة خبرية محتملة في نفسها للصدق والكذب فكيف قلتم ان الجزاء قد يكون جملة انشائية فاجيب عن هذا الاعتراض بما اشار اليه بقوله (بناء على انه) اي صاحب المفتاح (قال) هذين الكلامين (في بحث تقييد المسند الخبرى) يعنى كان كلامه.

في الجملة الخبرية لا في مطلق الجملة كما فيما نحن فيه والدليل على ذلك انه لم يذكر شيئا من الكلامين فيما نحن فيه اي عند قوله في ذلك الفن واما الحالة المقتضية لتقييد الفعل بالشروط المختلفة الخ الى هنا كان الكلام في الجزاء المقيد بالشرط وفي عدم خروج الخبر والانشاء الواقعين جزاء من الخبرية والانشائية لكن لم يعلم ان الجملة الخبرية الواقعة شرطا هل يخرج في هذا الاصطلاح من الخبرية ومن احتمال الصدق والكذب ام لا.

فبينه التفتازاني بقوله (واما نفس الشرط بدون الجزاء فليس بخبر


قطعا لان الحرف) اي ادات الشرط (قد اخرجته الى الانشاء) قيل فيه بحث فان اداة الشرط انما اخرجته من احتمال الصدق والكذب ولم يخرجه الى الانشاء لان الانشاء من اقسام الكلام والشرط بدون الجزاء ليس بكلام وسياتى البحث فيه عنقريب.

واجيب بانه محمول على حذف المضاف بقرينة السوق اي حكم الانشاء وهو تغيير معنى الكلام واحداث معنى تطرق اليه عدم احتمال الصدق والكذب فلا يرد ان نفس الشرط بدون الجزاء ليس كلاما فضلا عن كونه انشاء.

وبذلك ظهر وجه الشبه في قوله (كالاستفهام) يعنى ان اداة الشرط كاداة الاستفهام في تغيير معنى الكلام واحداث معنى تطرق اليه عدم احتمال الصدق والكذب (ولذا) أي ولتغييرها معنى الكلام واخراجها اياه الى حكم الانشاء (لا يتقدم عليه) اي على حرف الشرط (ما في حيزه ولا يصح عمرا ان تضرب اضربك) ظاهره الاتفاق على ذلك ويظهر من الرضى انه مذهب البصريين وهذا نصه : ولا يجوز عند البصريين تقديم معمول الشرط على اداة الشرط نحو زيدا ان تضرب يضربك وكذا معمول الجزاء فلا يجوز زيدا ان جئتنى اضرب بالجزم بل انما تقول اضرب مرفوعا ليكون الشرط متوسطا وزيدا اضرب دالا على جزائه اي ان جئتنى فزيدا اضرب وعلة ذلك كله ان لكلمة الشرط صدر الكلام كالاستفهام انتهى.

وعلة ذلك ان كل ما يغير معنى الجملة وكان حرفا او كان متضمنا معنى حرف كذلك فمرتبته الصدر ليعلم من اول الامر ان الكلام من اي نوع من انواعه.


(واما ما ذكره الشارح العلامه من ان مراده) اي مراد صاحب المفتاح بقوله ان الجملة الشرطية جملة خبرية الخ. (ان الجزاء) وحده أي بدون الشرط (جملة خبرية محتمله للصدق والكذب في نفسها اي نظرا الى ذاتها) حال كونها (مجردة عن التقييد بالشرط) لا مع التقييد به على ما ظن (لان التقييد بالشرط يخرجها) عن التمام كما تقدم من التهذيب فيخرجها (عن الخبرية وعن احتمال الصدق والكذب) لان الخبرية واحتمال الصدق والكذب من مختصات المركب التام اعنى الكلام وقد نقلنا عن التهذيب انه ليس بتام (ولهذه الدقيقة) اي لان التقييد بالشرط يخرجها عن التمام وعن الخبرية وعن الاحتمال (قيده) اي الجزاء (بقوله في نفسها) وقول التفازانى (فتعسف منه) جواب لقوله واما ما ذكره الشارح العلامة عطف عليه قوله (وتخليط لكلام اهل العربية بما ذهب اليه المنطقيون) حاصله ما نقلناه انفا عن التهذيب (من ان القضية اذا جعلت جزء من الشرطية مقدما او تاليا ارتفع عنها اسم القضية ولم يبق لها احتمال الصدق والكذب وتعلق الاحتمال بالربط بين القضيتين) اى بين المقدم والتالي.

(فقولنا ان كانت الشمس طالعة) الذي هو الشرط (ليس بقضية ولا محتمل للصدق والكذب) لانهما من مختصات القضية (وكذا قولنا فالنهار موجود عند وقوعه جوابا للشرط) فانه ايضا ليس حينئذ بقضية ولا محتمل للصدق والكذب لما تقدم (وعليه) اي على ان القضية اذا جعلت جزء من الشرطية مقدما او تاليا ارتفع عنها اسم القضية ولم يبق احتمال الصدق والكذب (منع ظاهر) على اصطلاحنا معاشر اهل العربية (وهو) اي المنع الظاهر (انا) معاشر اهل العربية (لا نسلم


ذلك) اى ارتفاع اسم القضية عما جعلت جزء من الشرطية (لان قولنا اكرمك ان جئتني بمنزلة قولنا اكرمك على تقدير مجيئك او وقت مجيئك) ولا ريب في ان اكرمك في قولنا الثاني قضية محتمله للصدق والكذب فكذلك اكرمك في قولنا الاول هذا ولكن ظاهر هذا الكلام ينافي ما يظهر من السيوطى في شرح قول ابن مالك.

كلامنا لفظ مفيد كاستقم

واسم وفعل ثم حرف الكلم

حيث يقول وقيد في التسهيل المقصود بكونه لذاته ليخرج المقصود لغيره كجملة الصلة والجزاء انتهى فتامل.

(والتحقيق في هذا المقام ان مفهوم) القضية الشرطية (بحسب اعتبار المنطقيين غيرها بحسب اعتبار اهل العربية لانا اذا قلنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود فعند اهل العربية النهار محكوم عليه وموجود محكوم به والشرط قيد له ومفهوم القضية) عندهم (ان الوجود يثبت للنهار على تقدير طلوع الشمس وظاهر) حينئذ (ان الجزاء باق على ما كان عليه من احتمال الصدق والكذب) ومن كونه قضية (وصدقها) كسائر القضايا (باعتبار مطابقة الحكم بثبوت الوجود للنهار حينئذ وكذبها بعد مها) على ما تقدم في بحث صدق الخبر وكذبه.

(واما عند المنطقيين فالمحكوم عليه هو) مجموع (الشرط والمحكوم به هو) مجموع (الجزاء) وذلك لما نقلناه من التهذيب من ان الشرط والجزاء قد خرجتا بدخول الاداة عن التمام.

(ومفهوم القضيه) عندهم (الحكم بلزوم الجزاء للشرط) وانما جعلوا المفهوم الحكم اذ لا شك كما في الجامى ان كلم المجازات اي ادوات


الشرط لا تجعل الشيىء سببا لشيىء فالمراد بجعلها الشيىء سببا ان المتكلم اعتبر سببية شيىء لشيىء بل ملزومية شيىء لشيىء وجعل كلم المجازاة دالة عليها ولا يلزم ان يكون الفعل الاول سببا للثاني لا خارجا ولا ذهنا بل ينبغي ان يعتبر المتكلم بينهما نسبة يصح بها ان يوردهما في صورة السبب والمسبب بل الملزوم واللازم (وصدقها باعتبار مطابقة الحكم باللزوم وكذبها بعد مها فكل من الطرفين قد انخلع عن الخبرية وعن احتمال الصدق والكذب وقالوا انها) أي الجملة الشرطية (تشارك) الجملة (الحملية في انها) اي الجملة الشرطية ايضا (قول جازم موضوع التصديق والتكذيب) مثل الجملة الحملية وذلك لان كل واحد من الحملية والشرطية كما صرح في التهذيب من اقسام القضية وقد صرح فيه بانها قول يحتمل الصدق والكذب.

ولكن (تخالفها) اي تخالف الجملة الشرطية الحملية (بان طرفيها) اي طرفي الجملة الشرطية (مؤلفان) بعد دخول الاداة (تاليفا خبريا وان لم يكونا) قبل دخولها (خبرين) كان يكون الجزاء في الاصل انشاء كما اذا قلت ان جائك زيد فاكرمه فالمراد الحكم بثبوت الاكرام ولزومه عند مجيئه ولو كانت صورة الجزاء انشاء وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في بحث وصف المسند اليه فراجع ان شئت.

(و) تخالفها ايضا (بان الحكم فيها) اى في الجملة الشرطية (ليس بان احد الطرفين هو الاخر بخلاف) الجملة (الحملية) فان الحكم فيها انما هو بان احد الطرفين هو الاخر او انه ثابت له (الا ترى ان قولنا كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مفهومه عندهم ان وجود النهار لازم لطلوع الشمس و) اما (عند النحاة) فمفهومه


(ان التقدير ان النهار موجود فى كل وقت طلوع الشمس وظاهر) حينئذ (انه) اي النهار موجود (جملة خبرية قيد مسندها) يعنى موجود (بمفعول فيه) اي بقولنا كلما كانت الشمس طالعة فانه بمعنى كل وقت طلوع الشمس (فكم فرق بين المفهومين) اي المفهوم عند المنطقيين والمفهوم عند النحاة (وتحقيق هذا المقام) وبيان الفرق بين المفهومين (على هذا الوجه) الذي بيناه (من نفايس المباحث) اى من كرائم المباحث واشرافها التى يرغب فيها المحققون.

قال الطويحي شيى نفيس يتنافس فيه ويرغب وهذا شيىء نفيس اى جيد في نوعه ومنه جارية نفيسة ونفس الشيىء بالضم نفاسة اي صار مرغوبا فيه.

وقال في المصباح نفس الشيىء بالضم نفاسة كرم فهو نفيس.

(ولكن لا بد من النظر ههنا) اى في هذا العلم (في) ثلاثة من حروف الشرط وهي (ان ولو واذا لكثرة مباحثها الشريفة المهملة) بزعمه (في علم النحو) ولكثرة دورانها في كلام البلغاء وفي القران الكريم مع ما في كل واحد منها من المعاني الدقيقة المشتملة عليها القران العزيز على ما ياتى بيانها وقد تركوها بزعمه في علم النحو فلو تركت ههنا لفاتت (فان واذا للشرط في الاستقبال) الشرط تعليق شيىء بشيىء بحيث اذا اوجد الشيىء الاول يوجد الشيى الثاني وهذا قدر مشترك بين ادوات الشرط كلها والفرق بين ان واذا وبين غيرهما بحسب الزمان ولهذا قيد بقوله في الاستقبال حتى يفترقا عن سائر الادوات ولكن سياتى نقل استعمال اذا في الماضي عن الجامي.

واما الفرق بينهما : فمن وجهين الاول ان اذا اسم فيها معنى


الشرط بخلاف ان فانها حرف وضع في الاصل للشرط فاذا غير راسخة في معنى الشرط ولا عراقة لها فيه كما فى بعض حواشي الجامى ولذا جاء جزائها الجملة الاسمية بغير فاء واذا كقوله تعالى (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) وقوله (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) ومجيىء جملتها الشرطية اسمينة على سبيل الشذوذ نحو قوله اذا الخصم اسرء مائل الراس انكب واما الثاني فاشار اليه بقوله (ولكن اصل ان عدم الجزم بوقوع الشرط في اعتقاد المتكلم) هذا يشمل الشك في الوقوع وتوهمه وظنه (فلا يقع) باحد هذه المعاني (في كلام الله تعالى الاعلى سبيل الحكاية) عن غيره تعالى كقوله تعالى (قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ) وقوله تعالى (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) الاية (او على ضرب من التاويل) وسياتى مثاله : (واصل اذا الجزم بوقوعه في اعتقاده) اي في اعتقاد المتكلم والدليل عليه كما فى الجامى استعمالها في الاغلب الاكثر فى هذا المعنى نحو اذا طلعت الشمس وقوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) الاية ولهذا كثر في الكتاب العزيز استعماله لقطع علام الغيوب بالامور المترقبة وقد استعمل فى الماضي كما في قوله تعالى (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ) و (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) و (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) فتامل.

(فان قلت كما انه يشترط في ان عدم الجزم بوقوع الشرط فكذا يشترط ايضا عدم الجزم بلا وقوعه كما ذكره جميع النحاة وصرحوا بانه انما تستعمل في المعانى المحتملة المشكوكة فلم لم يتعرض له) اى لعدم الجزم بلا وقوعه (المصنف) فهل له وجه (قلت) نعم وذلك (لان الغرض) ههنا (بيان وجه الافتراق بين ان واذا بعد اشتراكهما


في كونهما للشرط في الاستقبال وذلك) الوجه يحصل (بالجزم بوقوع الشرط) في اذا (وعدم الجزم به) اي بوقوع الشرط في ان (واما عدم الجزم بلا وقوع الشرط فمشترك بينهما) غاية ما في الباب ان عدم الجزم باللا وقوع في ان انما هو باعتبار التردد فيه وفي اذا باعتبار الجزم بانتفائه وهذا هو المراد بقوله (فلينامل).

ويمكن ان يقال في وجه عدم تعرض المصنف لعدم الجزم باللا وقوع بانه اراد بعدم الجزم بوقوع الشرط ما هو المتبادر منه عرفا اعنى التردد فيه فيعرف من ذلك انه يشترط في ان عدم الجزم باللاوقوع ايضا لان التردد في احد الطرفين والشك فيه مستلزم للتردد في الطرف الاخر والشك فيه فتدبر جيدا.

(ولذا) اي ولانه يشترط في ان عدم الجزم باللاوقوع ايضا كما ذكره جميع النحاة (ذكر في المفتاح ان الاصل فيها) اي في ان (الخلو عن الجزم بوقوع الشرط نحو ان تكرمني اكرمك حيث لا يعلم القائل اتكرمه ام لا) وبعبارة اخرى حيث يكون القائل مترددا وشاكا في وقوع الاكرام منك ايها المخاطب وفي عدم وقوعه منك اي حيث يكون القائل خاليا ذهنه عن الجزم بوقوع الاكرام منك وعن الجزم باللاوقوع ايضا.

(فنبه في) بيان (المثال) المذكور وتوضيحه (على اشتراط الحلو) اي اشتراط خلو ذهن القائل (عن الجزم باللاوقوع) ايضا كاشتراط الخلو عن الجزم بالوقوع (وكذا قال انها) اي ان (في نحو) قول الاب لابنه الغير القائم بمراعاة حقوق الاب (ان لم اكن لك ابا فكيف تراعى حقى مستعملة في مقام الجزم) باللاوقوع اي لا وقوع


عدم كون المتكلم ابا للمخاطب (لنكتة) وهي تنزيل المخاطب منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب علمه من مراعاة حق لاب (وظاهر ان الجزم ههنا) اي في هذا المثال (انما هو بلا وقوع الشرط لان الشرط) فيه (انما هو انتفاء كونه اباله) اي للمخاطب لا ثبوت كونه اباله ووقوعه (فلو لم يشترط) ما ذكره النحاة اعنى (الخلو عنه) اي عن الجزم باللاوقوع (ايضا) كما اشترط الجزم بالوقوع (لما احتاج هذا المثال الى) هذا (التاويل) الذي بينه بقوله مستعمله في مقام الجزم لنكتة وقد بينا نحن النكتة والتاويل (وقد سمى الفاضل الشارح) العلامة (ههنا) أي في هذا المثال (فزعم ان الجزم فيه) اي في هذا المثال (انما هو بوقوع الشرط) اي كونه اباله (والمخاطب عالم به) اي بكونه اباله وهذا من الفاضل مع كون فعل الشرط منفيا بلم عجيب اللهم الا ان يقال ان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو والمعصوم من الخطا من عصمه الله.

(ولذلك أي ولان اصل ان عدم الجزم بالوقوع) واللاوقوع (واصل اذا الجزم به) اي بالوقوع (كان الحكم النادر الوقوع موقعا) ومحلا (لا) ستعمال (ن لان النادر) الوقوع (غير مقطوع به) اي مشكوك فيه فيكون موقعا لان حقيقة هذا (في الغالب) وقد يكون النادر الوقوع مقطوعا به لكنه لندرته يكون موقعا لان مجازا ولنكتة كما سياتى عنقريب عند قوله وقد يستعمل ان في مقام الجزم تجاهلا الخ.

وفي كلتا الصورتين غلب في الاستعمال معها لفظ المضارع بقرينة قوله (ولذلك ايضا غلب لفظ الماضي على لفظ المضارع في الاستعمال مع اذا لان الماضي اقرب) من المضارع (الى القطع بالوقوع نظرا


الى لفظه الموضوع للدلالة على الوقوع وان كان بالنظر الى المعنى) بعد دخول اداة الشرط (على الاستقبال لان اذا) بل جميع الاسماء (الشرطية تقلب الماضي الى معنى الاستقبال مثل ان) الشرطية فتأمل.

وليعلم ان الظاهر ان الراجح الوقوع موقع لاذا والمتساوي الطرفين موقع لان واما الذي رجح لا وقوعه فليس موقعا لشيء منهما واما استعمال ان في الكثير الوقوع الذي يكون مقطوعا به نحو ان مات زيد افعل كذا فقد وجهه الزمخشري بان وقت الموت لما كان غير معلوم استحسن دخول ان عليها.

ثم ليعلم ان المراد القطع وعدمه بالنظر الى حال الشيء في نفسه وفرض الكلام على لسان من يجوز عليه الشك والتردد والا فبالنظر الى علم الله تعالى ليس الا العلم بالوقوع او اللا وقوع.

(نحو) قوله تعالى في سورة الاعراف (فَإِذا جاءَتْهُمُ) اي قوم موسى (الْحَسَنَةُ) كالخصب) بكسر الخاء النماء والبركة وهو خلاف الجدب يقال اخصب الله الموضع اذا انبت به العشب والكلاء وانما اتى بكاف التشبيه اشارة الى انه ليس المراد من الحسنة الخصب فقط بل مطلق ما كان حسنة كالاموال وصحة البدن وكثرة الاولاد وغير ذلك مما هو مرغوب فيه عند العرف فذكر الخصب من باب المثال لا الانحصار (والرخاء) عطف تفسير له او عطف لازم على الملزوم.

قال في المصباح الرخو بالكسر اللين السهل يقال حجر رخو وقال الكلابيون رخو بالضم والفتح لغة قال الازهرى الكسر كلام العرب والفتح مولد ورخى ورخو من باب تعب وقرب رخاوة بالفتح اذا لان وكذلك العيش ورخى رخو اذا اتسع فهو رخى


فهو رخى على فعيل والاسم الرخاء وزيد رخى البال اي في نعمة وخصب انتهى.

(قالوا) اي قوم موسى (لَنا هذِهِ) الحسنة واللام في لنا للاختصاص كما فى الجل للفرس (اي هذه) الحسنة (مختصة بنا نحن مستحقوها) لا موسى (ع) ومن معه من المؤمنين اى لاجلنا هذه الحسنة لا لأجلهم يعني لا سبب لهذه الحسنة الا نحن كل ذلك مستفاد من تقديم الظرف اعني لنا على هذه فتبصر.

((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) اى جدب) وهو خلاف الخصب (وبلاء) عطف تفسير له او عطف لازم على الملزوم قال في المصباح الجدب هو المحل وزنا ومعنى وهو انقطاع المطر ويبس الارض يقال جدب الباء بالضم جدوبة فهو جدب وجديب وأرض جدبة وجدوب وأجدبت اجدابا وجدبت تجدب من باب تعب مثله فهي مجدبة والجمع مجاديب وأجدب القوم اجدابا اصابهم الجدب انتهى.

((يَطَّيَّرُوا بِمُوسى) اي يتشاموا به ويقولوا هذا) الجدب (بشر موسى) وشؤمه (وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين) والشاهد في هذه الآية الكريمة انه (جيء في جانب الحسنة بلفظ الماضي مع اذا لان المراد الحسنة المطلقة) اي جنسها الذي يوجد في ضمن كل فرد من الافراد (التي حصولها مقطوع به) ولو في ضمن فرد من الافراد المتيقنة الحصول التي دلت عليها صفة الرحمانية كما اشار اليه الشاعر الفارسي بقوله :

اى كريمى كه از خزانه غيب

كبر وترسا وظيفه خور داري

دوستانرا كجا كني محروم

تو كه با دشمنان نظر داري


(ولهذا) اي ولان المراد الحسنة المطلقة بالمعنى المذكور (عرفت الحسنة تعريف الجنس) اى عرفت باللام الجنسية (اي الحقيقة) والماهية (لا الاستغراق) حاصله ان المراد من قوله تعريف الجنس انما هو الجنس المقابل للاستغراق لا الاستغراق (وان كان تعريف الجنس) قد (يطلق عليهما) فانهما كالظرف والجار والمجرور الذين كالفقير والمسكين الذين قيل فيهما اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا لكن ذلك اذا لم يكن هناك قرينة بخلاف المقام حيث ان قرينة عدم ارادة الاستغراق ظاهرة لمن كان له ذوق سليم وفهم مستقيم.

(وجنس الحسنة وقوعه كالواجب) لما اشير اليه في الشعر الفارسي المتقدم والى ذلك اشار بقوله (لكثرته واتساعه) كما قال عزوجل (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (لتحققه) اي الجنس (في) ضمن (كل نوع من الانواع) بل في ضمن كل فرد من الافراد (بخلاف نوح الحسنة فانه لا يكثر كثرة جنسها) والحاصل ان جنس الحسنة كثير لأنه يشمل انواع الحسنات مثل اعطاء الحياة والصحة والمال والاولاد وغيرها مما يطلق عليه اسم الحسنة عرفا فوقوعه كالواجب بخلاف نوع الحسنة فانه لقلته وندرته بالنسبة الى جنس الحسنة ليس وقوعه كالواجب قيل انما قال كالواجب اشارة الى ان هناك من الاجناس ما لم يقع كالعنقاء فتأمل.

(ولهذا) اي ولان النوع لا يكثر كثرة الجنس فليس وقوعه كالواجب (جيء بان دون اذا فيما اذا قصد به) اي بما ذكر في الشرط (النوع) اى نوع مخصوص كما يأتى (كقوله تعالى) في سورة النساء (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) (يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ


تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) فان الظاهر من سياق الأية والله العالم ان المراد من كل واحدة من الحسنة والسيئة ههنا نوع مخصوص منها فان المرد من الاولى خصوص الخصب والرخاء ومن الثانية نقص الاثمار وغلاء الاسعار.

قال الزمخشري في تفسير الآية والمعنى وان تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها الى الله وان تصبهم بلية من قحط وشدة اضافوها اليك وقالوا هي من عندك وما كانت الا بشؤمك كما حكى الله عن قوم موسى (ع) وان تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه وعن قوم صالح (ع) قالوا اطيرنا بك وبمن معك وروى عن اليهود لعنة الله عليهم انها تشاممت برسول الله (ص) فقالوا منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت اسعارها فرد الله عليهم قل كل من عند الله يبسط الارزاق ويقبضها على حسب المصالح لا يكادون يفقهون حديثا فيعلموا ان الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب انتهى ولنعم ما قيل بالفارسية مخاطبا له جل جلاله :

يكى را برارى وقارون كني

يكى را بنانى جگر خون كني

يكى را ببخشى تو تاج وكلاه

يكى را نشانى بخاك سياه

(قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله النبي الكريم وكقوله تعالى ايضا في هذه السورة (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) (وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ) (لَيَقُولَنَّ كَأَنْ


لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) فان الظاهر من سياقه ايضا والله العالم ان المراد من كل واحد من المصيبة والفضل نوع مخصوص منه فان المراد من المصيبة القتل او الهزيمة والمراد من الفضل الفتح او الغنيمة.

قال في الكشاف الخطاب لعسكر رسول الله (ص) والمبطثون منهم المنافقون لأنهم كانوا يغزون معهم نفاقا ومعنى ليبطثن ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد وبطأ بمعنى ابطأ كعتم بمعنى اعتم (في الصحاح العتم الابطاء) وقريء ليبطئن بالتخفيف يقال بطأ على فلان وابطاء على وبطؤ نحو ثقل ويقال ما بطأ بك فيعدى بالباء ويجوز ان يكون منقولا من بطؤ نحو ثقل (بالفتح) من ثقل (بالضم) فيراد ليبطئن غيره وليثبطنه عن الغزو وكان هذا ديدن المنافق عبد الله بن ابى وهو الذي ثبظ الناس يوم احد فان اصابتكم مصيبة من قتل او هزيمة فضل من الله من فتح او غنيمة ليقولن وقرء الحسن ليقولن بضم اللام اعادة للضمير الى معن لان قوله (لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) في معنى الجماعة وقوله (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) اعتراض بين الفعل الذي هو ليقولن وبين مفعوله وهو يا ليتني المعنى كان لم تتقدم له معكم مودة لان المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر وان كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن ولذا قيل في حقهم (بظاهر مسلمان بباطن يهود) والظاهر انه تهكم لانهم كانوا اعدا عدو للمؤمنين وأشدهم حسدا لهم فكيف يوصفون بالمودة الا على وجه العكس تهكما بحالهم وقرء فأفوز بالرفع عطفا على كنت معهم لينتظم الكون معهم والفوز في معنى التمني فيكونا متمنيين جميعا ويجوز ان يكون خبر مبتدأ محذوف بمعنى فانا


افوز فى ذلك الوقت انتهى وقد تقدم بعض الكلام في الآية في بحث وصف المسند اليه فراجع ان شئت.

وانما نقلنا كلامه بطوله لامور منها ما اشرنا اليه والعاقل يكفيه الاشارة ومنها انه بعد ما كان المراد النوع المخصوص كما صرح به الزمخشري فلا وجه لقوله (وههنا بحث وهو ان عدم التكثير وعدم القطع بالحصول انما هو في نوع معين او فرد معين) لان القطع بحصول الجنس المطلق من شيء لا يوجب القطع بحصول نوع معين منه ولا فرد معين منه ولذا قيل العام لا يدل على الخاص (وأما في نوع) غير معين (من الانواع أو فرد) غير معين (من الافراد كما يدل عليه) اي على عدم التعيين (التنكير) في الآيتين في سورة النساء (فلا) دلالة فيهما على عدم التكثير وعدم القطع بالحصول بل فيهما دلالة على التكثير والقطع بالحصول (لان القطع بحصول الجنس) المطلق (يوجب القطع بحصول نوع ما) من الانواع (او فرد ما) من الافراد (ضرورة انه لا يحصل) الجنس المطلق ان قلنا بوجوده (الا في ضمنه) اي في ضمن نوع ما او فرد ما (فالفرق بين نحو (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) ونحو (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ)) بان الحسنة في الاول حصولها مقطوع به لان المراد بها الجنس اى الحسنة المطلقة ولهذا جيء باذا دون ان وفي الثاني حصولها غير مقطوع به لان المراد بها النوع ولهذا جيء بان دون اذا (غير واضح) وقد اوضحنا الفرق بما لا مزيد عليه وقلنا ان المراد بالحسنة في الثاني نوع مخصوص وكذلك السيئة والفضل فلا وجه للتعبير بقوله (اللهم الا ان يقصد به نوع مخصوص) لان التعبير كذلك اى باللهم انما هو فيما اذا لم


يكن الامر مما له وجه صحيح ظاهر وقد اتضح بما لا مزيد عليه ان المقصود به نوع مخصوص والفرق بين المطلق والمخصوص جلي ظاهر.

(تنبيه) ظاهر قوله ههنا من وقوع الجنس والنوع وحصولها في ضمن النوع والفرد ينافي قوله في التهذيب من ان الحق ان وجود الطبيعي بمعنى وجو اشخاصه على ما بينه المحشى هناك وهذا نصه انما النزاع في ان الطبيعي كالانسان من حيث هو الانسان الذي يعرضه الكلية في العقل هو موجود في الخارج بوجود افراده ام لا بل ليس الموجود فيه الا الافراد والاول مذهب جمهور الحكماء والثاني مذهب بعض المتأخرين ومنهم المصنف ولذا قال الحق هو الثاني انتهى اللهم الا ان يراعى مذهب غيره فتأمل.

(والمصنف قد قطع بكون تعريف الحسنة) في قصة موسى (ع) (تعريف الجنس) لا غير على ما يظهر من المتن (ردا على صاحب المفتاح حيث جوز) بل رجح (ان يكون) تعريف الحسنة (تعريف عهد) لانه قال لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به كثرة وقوع واتساعا ولذلك عرفت ذهابا الى كونها معهودة او تعريف جنس والاول اقضى لحق البلاغة انتهى فيفهم من تقديم تعريف العهد على تعريف الجنس انه جوز بل رجح الاول على الثاني (و) لا سيما بقرينة انه (زعم انه) اي تعريف العهد (اقضى لحق البلاغة) فيكون جائزا بل راجحا لان كلام الله اولى وأحق برعاية ما يقضي به حق البلاغة.

(وذلك) اى قطعه بما ذكر ردا على صاحب المفتاح (لانه) اى صاحب المفتاح (ان اراد به) اى بتعريف العهد (العهد على مذهب


الجمهور فغير صحيح) لان العهد على مذهبهم بناء على ما أجمله السلكوتي الاشارة الى حصة معهودة الذكر وقد فصله ابن هشام فجعله في المغنى ثلاثة اقسام الاول ان يكون مصحوب اللام معهود اذكر يا نحو (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) وعبرة هذه ان يسد الضمير مسدها مع مصحوبها الثاني ان يكون معهودا ذهنيا نحو (إِذْ هُما فِي الْغارِ) او معهودا حضوريا نحو (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في بحث تعريف المسند اليه باللام فراجع ان شئت والحسنة في الآية على زعمه ليس بشيء من هذه الاقسام الثلاثة (اذ لم يتقدم) على زعمه (ذكر الحسنة لا تحقيقا) كما في القسم الاول (ولا تقديرا) كما في القسمين الاخيرين (ليكون اللام) فيها (اشارة اليها) اي الى الحسنة المتقدم ذكرها تحقيقا او تقديرا.

(ولو سلم) انه تقدم ذكرها تقديرا لكونها حاضرا عندهم متداولا لديهم بقرينة سياق الآية بحيث لا يلتفت ذهنهم الى الغير كقولهم ادخل السوق اذا لم يكن في البلد الاسوق واحد (فيجب ان يكون القصد الى حصة معينة من الجنس) اى من جنس الحسنة وانما وجب ذلك لان المعهودية بأقسامها الثلاثة مستلزمة للتعيين واذا كان الواجب القصد الى الحصة المعينة من الجنس يكون المقصود من الحسنة نادرا قليل الوقوع فيكون الحسنة غير مقطوع بها (والمقدر) اي المفروض خلاف ذلك لانه اي صاحب المفتاح صرح في كلامه الذي نقلناه انفا.

(ان المراد) من الحسنة في قصة موسى (ع) (الحسنة المقطوع بها كثرة وقوع واتساع) اي لكثرة وقوعها واتساعها فبطل بزعمه ارادة


العهد على مذهب الجمهور لكونه مخالفا لما صرح به (وبهذا) أي بما ذكر من بطلان ارادة العهد على مذهب الجمهور (ظهر فساد ما قيل انه) اي العهد (اقضى لحق البلاغة لكونه) اى العهد (ادل على فضل الله تعالى وعنايته) على قوم موسى الجاحدين الكافرين به (ع) وبمن معه من المؤمنين (حيث جعل الحسنة المعهودة) المعينة (التي حقها ان يشك في وقوعها) ولا سيما لهؤلاء القوم الكافرين المتطيرين برسول الله موسى ومن معه (كثيرة الوقوع قطعية الحصول مع جعل السيئة القليلة) التى حقها ان لا يشك في وقوعها ولا سيما على القوم المذكور.

وجه الفساد انه حمل العهد في كلام صاحب المفتاح على مذهب الجمهور ثم جعله اقضى لحق البلاغة حسبما بينه وقد بينا ان العهد على مذهبهم غير صحيح فكيف يكون اقضى لحق البلاغة والدليل على الحمل المذكور قوله حقها ان يشك فيه.

الى هنا كان الكلام فيما اذا اراد صاحب المفتاح العهد على مذهب الجمهور (وان اراد به) اي بالعهد (العهد على مذهبه) والعهد على مذهبه بناء على ما ذكره السلكوتى الاشارة الى شيء معهود حاضر في الذهن سواء كان نفس الحقيقة او حصة منها فتعريف الجنس عنده قسم من العهد وقسيم له عند الجمهور هذا ولكن ما ذكره السلكوتى والتفتازانى من الفرق بين المذهبين فيه نوع خفاء فالاولى ان ننقل كلام صاحب المفتاح لعلك تطلع على الفرق حق الاطلاع فيرتفع به الخفاء حق الارتفاع مع ما في نقله من فوائد اخرى لها أهميتها عند من كان من متقنى انواع الادب واراد الاطلاع.


قال في بحث تعريف المسند اليه واما الحالة التي تقتضى التعريف باللام فهى متى اريد بالمسند نفس الحقيقة كقولك الماء مبدء كل حي قال عز من قائل وجعلنا من الماء كل شيىء حي اى جعلنا مبدء كل شيىء حى هذا الجنس الذي هو جنس الماء ياتى في الروايات انه جل وعلا خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء والجن من نار خلقها منه وادم من تراب خلقه منه وكقولك الرجل افضل من المرئة والدينار خير من الدرهم والكل اعظم من الجزء ونعم الرجل وبئس الرجل ومن تعريف الجنس قوله :

والخل كالماء يبدى لى ضمائره

مع الصفاء ويخفيها مع الكدر

الناس ارض بكل ارض

وانت من فوقهم سماء

وقوله عز قائلا (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) ولقرب المسافة اذا تاملت بين ان يعرف الاسم هذا التعريف وبين ان يترك غير معرف به يعامل معرفه كثيرا معاملة غير المعرف قال :

ولقد امر على اللئيم يسبنى

فمضيت ثمت قلت لا يعنينى

فعرف اللئيم والمعنى ولقد امر على لئيم من اللئام ولذلك تقدر يسبنى وصفا لاحا لاوله فى القران غير نظير او العموم والاستغراق كقوله عز وعلا (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وقوله (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وقوله (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ) اتى او كان المسند اليه حصة معهودة من الحقيقة كما اذا قال لك قائل جائنى رجل من قبيلة كذا او رجلان او رجال فتقول له الرجل الذي جاءك اعرف او الرجلان المذان جاءاك او الرجال الذين جائوك وفي التنزيل (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ)


فجمع السحرة وفي موضع اخر كما ارسلنا الى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول وتقدير ما ذكرنا من افادة اللام الاستغراق او العهد يذكر في الفن الثالث انشاء الله تعالى ثم قال في الفن الثالث واعلم ان القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل اذا قلنا المراد بتعريف الحقيقة القصد اليها وتمييزها من حيث هى هى لزم ان يكون اسماء الاجناس معارف فانها موضوعة لذلك وانه قول لم يقل به احد.

ولئن التزمه ملتزم ليكذبن في امتناع نحو رجع رجعى السريعة والبطيئة وذكر ذكرى الحسنة او القبيحة وانما لم اقل رجوعا السريع وذكر الحسن قصرا للمسافة في التجنب عن حديث التنوين ما هى ولئن ذهبت الى ان في نحو رجل وفرس وثور اعتبار الفردية فليس فيها القصد الى الحقيقة من حيث هى هى ليلزمنك المصادر من نحو ضرب وقتل وقام وقعود ورجعى وذكرى فليس فيها ذلك بالاجماع.

ولزم ان يكون اللام في الرجل او نحو الضرب لتاكيد تعرف الحقيقة اذا لم يقصد العهد وانه قول ما قال به احد واذا قلنا المراد بتعريف الحقيقة القصد اليها حال حضورها او تقدير حضورها لم يميز عن تعريف العهد الوارد بالتحقيق او بالتقدير لان تعريف العهد ليس شيئا غير القصد الى الحاضر في الذهن حقيقة او مجازا كقولك جائنى رجل فقال الرجل كذا وقولك انطلق رجل الى موضع كذا والمنطلق ذوجد قال تعالى (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) اي ليس الذكر الذي طلبت كالانثى التى وهبت لها واذا قلنا المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق لزم فى اللام كونها موضوعة لغير التعريف اذا تاملت.

ولزم مع ذلك ان يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين


المتنافيين وان صير في الجمع بينهما الى نحو الجمع بين المفرد وبين الواو والنون في نحو المسلمون امتنع لوجوه كثيرة لا تخفى على متقنى انواع الادب ادناها وجوب نحو الرجل الطوال والفرس الدهم او صحته لا اقل على الاطراد وكل ذلك على ما ترى فاسد.

والاقرب بناء على قول بعض ائمة اصول الفقه بان اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير هو ان يقال المراد بتعريف الحقيقة احد قسمي التعريف وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية اما لان ذلك الشيىء محتاج اليه على طريق التحقيق فهو لذلك حاضر في الذهن فكانه معهود او على طريق التهكم وستعرف معنى هذا في علم البيان.

واما لانه عظيم الخطر معقود به الهمم على احد الطريقين فيبنى على ذلك انه قلما ينسى فهو لذلك بمنزلة المعهود الحاضر واما لانه لا يغيب عن الحس على احد الطريقين فيبنى على ذلك حضوره وينزل منزلة المعهود واما لانه جار على الالسن كثير الدور في الكلام على احد الطريقين فيقام لذلك مقام المعهود.

واما لان اسبابا في شانه متأخذة او غير ذلك مما يجرى مجرى هذه الاعتبارات فيقام لذلك مقام المعهود ويقصد اليها بلام التعريف انتهى وانت اذا تاملت ما نقلناه يتضح لك الفرق بين المذهبين في العهد كما انك تعرف ان التفتازانى جمع بين اكثر الوجوه الخطابية التي ذكرها صاحب المفتاح في قوله (بناء على ان الحسنة المطلقة نزلت منزلة الحاضر في الذهن حتى كانها نصب اعينهم لفرط الاحتياج اليها وكثرة دورها فيما بينهم ويكون) العهد (اقضى لحق البلاغة لما فيه) اي في العهد (من الاشارة الى هذا المعنى) اي الى ان الحسنة المطلقة نزلت الخ.


(فهذا) اى العهد على مذهبه بناء على ما ذكر (بعينه تعريف الجنس على مذهبه) فلا معنى لجعله العهد غير الجنس ومباينا له وترجيحه العهد على الجنس كما يشير اليه اي الى المغايرة والترجيح عطف تعريف الجنس في قوله المتقدم نقله انفا على كونها معهودة بلفظة او وتقديم كونها معهودة على تعريف الجنس ثم قوله والاول اقضى لحق البلاغة.

(وبهذا) اي بما تقدم من بطلان ارادة العهد على المذهبين (يبطل ما ذكره الشارح العلامة) في شرح المفتاح وسنذكر وجه البطلان بعد بيان ما ذكره (من ان تعريف العهد اقضى لحق البلاغة) معنى ولفظا (اما معنى فلكونه) اي العهد (ادل على سوء معاملتهم) اى قوم موسى (ع) (لان الحسنة وهى الخصب والرخاء قد صارت لكثرة دورهما فيما بينهم بمنزلة المعهود الحاضر ففى تعريف العهد دلالة على ان هؤلاء الذين يدعون انهم احقاء باختصاص هذه العظائم من الحسنات ولا يشكرون الله عليها فهم اقبح الناس اعتقادا واسوئهم) اي اسوء الناس (معاملة ولا يلزم ذلك) أي كونهم اقبح الناس اعتقادا واسوئهم معاملة (في تعريف الجنس اذ ليس دعوى استحقاق القليل) الذي يستفاد من تعريف الجنس (كدعوى استحقاق الكثير) الذي يستفاد من تعريف العهد (لانه قد يسلم) الدعوى (الاولى) دون الدعوى (الثانية) نظير ما ورد في بعض الاخبار في حاتم وانو شيروان وغيرهما من الكفار الذين اختصوا ببعض الملكات الفاضلة والصفات المرضية التي توجب استحقاق بعض النعم الحسنة الدنيوية بل الاخروية على ما يستفاد من بعض الاخبار المروية من السيد المختار (ص) واله الاطهار عليهم صلوات الملك الجبار.


قال في السفينة في باب السين بعده الحاء المهملة روى ان رسول الله (ص) قال لعدى بن حاتم طي رفع عن ابيك العذاب الشديد بسخاء نفسه.

قال الصادق (ع) : جاهل سخى افضل من ناسك بخيل وقال (ص) طعام السخي دواء وطعام الشحيح داء.

ثم قال القمي ان الذين تعاقدوا على قتل النبي (ص) امر (ص) بقتلهم الا واحدا منهم لانه كان سخيا فاسلم الرجل لذلك. وروى في قصة السامرى ان موسى (ع) هم بقتله فاوحى اليه ان لا يقتله لانه كان سخيا وعن ابى عبد الله (ع) قال : اتى رسول الله (ص) وفد من اليمن وفيهم رجل كان اعظمهم كلاما واشدهم استقصاء في محاجة النبي (ص) فغضب النبي (ص) حتى التوى عرق الغضب بين عينيه وتريد وجهه واطرق الى الارض فاتاه جبرئيل فقال ربك يقرئك السّلام ويقول لك هذا رجل سخى يطعم الطعام فسكن عن النبى (ص) الغضب ورفع راسه وقال له لو لا ان جبرئيل اخبرنى عن الله عزوجل انك سخى تطعم الطعام لشددت بك وجعلتك حديثا لمن خلفك فقال له الرجل وان ربك ليحب السخاء فقال نعم قال اني اشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله والذي بعثك بالحق لارددت عن مالى احدا انتهى ولنعم ما قيل بالفاسية :

بهر مذهب كه هستى باش نيكوكار وبخشنده

كه كفر ونيك خوئى به ز اسلام وبداخلاقى

وقس على ذلك سائر الملكات الفاضلة والاخلاق الحسنة التى اشار اليها النبى (ص) بقوله :


بعثت لاتمم مكارم الاخلاق واما انوشيروان فلنكتف بما قال الشاعر الفارسى :

زنده است نام فرخ نوشيروان بعدل

جمشيد جز حكايت جام از جهان نبرد

(ولا ترك الشكر على القليل) من الحسنات (كتركه على الكثير) منها (فانه) أي الشان (قد يعذر) الانسان في الترك (الاول دون) الترك (الثاني) وانى ليعجبنى ان اذكر متبركا حديثا يناسب المقام بل يثبته رواه القمى في السفينة عن الحسين بن احمد البيهقي في باب النون بعده العين وهذا نصه : قال كنا يوما بين يدي علي بن موسى الرضا (ع) فقال ليس في الدنيا نعيم حقيقى فقال له بعض الفقهاء ممن يحضره فيقول الله عزوجل (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) اما هذا النعيم في الدنيا الماء البارد فقال له الرضا (ع) وعلا صوته كذا فسرتموه انتم وجعلتموه على ضروب فقال طائفة هو الماء البارد وقال غيرهم هو الطعام الطيب وقال اخرون هو النوم الطيب ولقد حدثنى ابى عن ابيه ابيعبد الله (ع) ان اقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عزوجل لتسئلن يومئذ عن النعيم فغضب وقال ان الله عزوجل لا يسئل عباده عما تفضل عليهم به ولا يمن بذلك عليهم والامتنان بالانعام مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف الى الخالق عزوجل ما لا يرضى المخلوق به ولكن النعيم حبنا اهل البيت وموالاتنا يسئل الله عزوجل عنه بعد التوحيد والنبوة لان العبد اذا وفى بذلك اداه الى نعيم الجنة الذي لا يزول ولقد حدثنى بذلك ابى عن ابيه عن محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين


بن علي عن ابيه علي عليهم‌السلام انه قال قال رسول الله (ص) يا علي ان اول ما يسئل عنه العبد بعد موته شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وانك ولى المؤمنين بما جعله الله وجعلته لك فمن اقر بذلك وكان يعتقده صار الى النعيم الذي لا زوال له فقال لي ابن ذكوان بعد ان حدثنى بهذا الحديث مبتدء من غير سؤال احدثك بهذا من جهات منها لقصدك لى من البصرة ومنها ان عمك افادنيه ومنها انى كنت مشغولا باللغة والاشعار ولا اعول على غيرهما فرايت النبي (ص) في النوم والناس يسلمون عليه فيجيبهم فسلمت فمارد على فقلت ما انا من امتك يا رسول الله فقال بلى ولكن حدث الناس بحديث النعيم الذي سمعته من ابراهيم انتهى.

(واما) كون تعريف العهد اقضى لحق البلاغة (لفظا فلانه) اي الشان (اذا قصد بها) اي باللام تعريف (العهد) فحينئذ (تكون الحسنة واقعة) اي حاصله و (موجودة) فتكون من الامور المقطوعة (فتوافق) الحسنة (اذا) الشرطية.

(و) الفعل الماضي اعنى (جاء) لما تقدم من ان اصل اذا الجزم بوقوع الشرط وان الماضي اقرب الى القطع بالوقوع نظرا الى لفظه الموضوع للدلالة على الوقوع وان كان بالنظر الى المعنى على الاستقبال لان اذا الشرطية تقلب الماضي الى معنى المستقبل مثل ان الشرطية.

(بخلاف) ما اذا كان اللام في الحسنة لتعريف (الجنس فانه) اي الشان (لا يلزم) حينئذ (وقوعها) اي الحسنة (من حيث هو) اي الحسنة والتذكير باعتبار الخبر اعنى (جنس).

الى هنا كان الكلام فيما ذكره الشارح العلامة في شرح المفتاح


واما وجه بطلانه فهو ما تقدم من بطلان ارادة العهد على كلا المذهبين ولا ثالث لهما فلا معنى لجعل العهد اقضى لحق البلاغة اذ الاقضائية فرع كون عهد في البين والا فكيف تحصل الاقضائية ومن اين (على انا نقول انهم) اى قوم موسى (اذا ادعوا استحقاقهم واختصاصهم بجنس الحسنة فقد دخل فيه المعهود دخولا اوليا) اذ الذهن الى المعهود اسبق وهو بالمألوف انس (ولزم من ترك الشكر على الجنس تركه على المعهود وغيره فيكون ترك الشكر على الجنس (اسوء) من ترك الشكر على المعهود فقط فلا وجه للالتزام بجعل اللام لتعريف العهد او ترجيحه على تعريف الجنس معللا بأنه اقضى لحق البلاغة معنى.

(وايضا وقوع جنس الحسنة) في الخارج (ليس الا باعتبار وقوع) تلك الجنس في ضمن (افرادها) في الخارج (واما) جنس الحسنة (من حيث هي) هي اى مع قطع النظر عن وقوعها في ضمن الافراد (فممتنع) اى فوقوعها ممتنع كما صرح به الشارح العلامة في آخر كلامه بل لا وجود لها اصلا لا من حيث هي هي ولا في ضمن الافراد لان الحق كما في التهذيب ان وجود الطبيعي بمعنى وجود افراده (فدخول اذا عليها) اى على الحسنة اذا اريد باللام تعريف الجنس (يكون ممتنعا لا مرجوحا) لان الاصل في اذا الجزم بالوقوع والممتنع لا وقوع له اصلا فلا معنى لترجيح تعريف العهد على تعريف الجنس لكونه افصى لحق البلاغة لفظا بدعوى انه اذا قصد بها العهد تكون الحسنة واقعة موجودة فتوافق لفظى اذا وجاء بخلاف الجنس فانه لا يلزم وقوعها لان ترجيح شيء على شيء انما هو فيما اذا كان كل واحد منهما ممكنا والمقام ليس كذلك لان الجنس من حيث هي هي ممتنع


حسبما ما بيناه فيجب ان يجعل المراد من الحسنة الحسنة المعهودة لا الجنس من حيث هي هي لأنها ممتنعة (واذا جعلت الحسنة هي) المعهودة (الواقعة الموجودة لم يكن المراد مطلق الحسنة) المقطوع بها كثرة وقوع واتساعا (كما هو المقدر) والمفروض عند صاحب المفتاح فلا وجه لتجويزه ان يكون التعريف في الحسنة تعريف عهد وزعمه انه اقضى لحق البلاغة لاستلزام التجويز المذكور شبه تناقض وتناف كما سيصرح به بعيد هذا.

(وحينئذ) اى حين اذ ثبت بطلان العهد على المذهبين مع انه يلزم من جعل الحسنة هي المعهودة الواقعة الموجودة عدم كون المراد مطلق الحسنة حسبما بيناه (يظهر فساد ما قيل انه) اى تعريف العهد (اقضى لحق البلاغة لكونه) اى العهد (ابعد من الانكار وادخل في الالزام لكونها) اى الحسنة او اللام فيها (اشارة الى) شيء اى حسنة (حاضر معهود) لما تقدم من ان تعريف العهد قد يكون للاشارة الى حاضر معهود واذا كان كذلك (لا يمكنهم) اى قوم موسى (انكاره) اى انكار ذلك المعهود اى الحسنة.

(والحاصل) اى حاصل ما أورده الخطيب على صاحب المفتاح حيث جوز ان يكون اللام في الحسنة لتعريف العهد وزعم انه اقضى لحق البلاغة (ان القول يكون المراد بالحسنة الحسنة المعهودة ينافي القول بكون المراد) من الحسنة (الحسنة المطلقة) كما هو المفروض والمقدر عند صاحب المفتاح.

(و) لكن (يمكن الجواب) عن هذا التنافي الذي اورده الخطيب (بان معنى كونها) اى الحسنة (معهودة) حاضرة (انها عبارة عن


حصة معينة من الحسنة وهى) اى الحصة المعينة (الحصب والرخاء) وقد بينا معنا هما في اوائل المبحث (ومعنى كونها) اي الحسنة (مطلقة ان المراد بها) اى بالحسنة المعهودة التي هي عبارة عن حصة معينة من الحسنة (مطلق الخصب والرخاء من غير تعيين بعض) منهما كالخصب والرخاء في الحنطة او الشعير او الفواكه او الصحة او الامان وغير ذلك مما يحتاج في تعيشه الانسان (وبهذا يظهر صحة ما ذكر) صاحب المفتاح ومؤيدوه (في كونه اقضى لحق البلاغة) لانه لا تنافي في البين ويصح لعهد على كل واحد من المذهبين هذا ما تقرر عندى في شرح هذا المقام العويص ولا اظن ان تجد عند غيرى ما فيه محيص يظهر لك صدق ما اقول ان كنت ممن هو في فهم دقائق الكلام حريص.

الى هنا كان الكلام في وجه غلبة استعمال لفظ الماضي مع اذا وفي وجه مجيء لفظ الماضي مع اذا في جانب الحسنة (و) أما الكلام في استعمال لفظ المضارع مع ان في جانب (السيئة) فلانها (نادرة بالنسبة اليها) اى الى الحسنة كالمرض بالنسبة الى الصحة والخوف بالنسبة الامن (اى جيء في جانب السيئة بلفظ المضارع مع ان لان السيئة) كما بينا ومثلنا (نادرة الوقوع بالنسبة الى الحسنة المطلقة ولهذا) اى لكون السيئة نادرة الوقوع بالنسبة الى الحسنة المطلقة (نكرت) السيئة في الآية (ليدل تنكيرها على تقليلها) في نفسها او من حيث الوقوع فتأمل جيدا.

(فان قلت قد جاء استعمال الماضي مع اذا في السيئة) يعني ضر (منكرا) في سورة الزمر (في قوله تعالى (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ


ضُرٌّ دَعانا) ثم اذا خولناه نعمة منا قال انما اوتيته على علم بل هي فتنة ولكن اكثرهم لا يعلمون (و) جاء ايضا استعمال الماضي مع اذا في السيئة يعني الشر (معرفا) في سورة فصلت في قوله تعالى (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) اى دعاء كثير ودائم قال الراغب العرض خلاف الطول وأصله ان يقال في الاجسام ثم يستعمل في غيرها كما قال فذو دعاء عريض انتهى فالمراد منه والله العالم ما ذكرنا وياتى تأييده بما ننقل عن الكشاف بعيد هذا كذا في الكشاف (فما وجهه) اى فما وجه استعمال الماضى واذا مع السيئة يعني ضر والشر في الايتين.

(قلت اما) وجه الاستعمال (الاول فللنظر الى لفظ المس المنبيء عن معنى القلة لان المس كما في مفردات الراغب يقال فيما يكون معه ادراك بحاسة اللمس.

(والى تنكير ضر المفيد) هذا التنكير (للتقليل والى الانسان المستحق ان يلحقه كلى ضرر لبعده عن الحق وارتكاب الضلالات فنبه بلفظ اذا) الذى اصله الجزم بالوقوع (و) لفظ (الماضي) الذى هو اقرب الى القطع بالوقوع نظر الى لفظه الموضوع للدلالة على الوقوع وان كان بالنظر الى المعنى على الاستقبال لان اذا كما تقدم انفا تقلب الماضي الى معنى المستقبل (على) متعلق بقوله فنبه (ان مساس قدر يسير من الضر لمثله) اى لمثل هذا الانسان المستحق عقلا ان يلحقه الخ (حقه) اى حق مساس قدر يسير من الضر (ان يكون) هذا المساس (في حكم المقطوع به) وذلك لان حكم العقل باستحقاق الكثير من الضر يوجب القطع باستحقاق اليسير منه.


(و) اما وجه الاستعمال (الثانى فلان الضمير في مسه للانسان الممرض المتكبر المدلول عليه بقوله تعالى) في صدر الاية (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ) وللاعراض على ما ذكره الراغب في المفردات معان منها اظهار الانسان عرضه اى ناحيته وذلك اذا استعمل مع اللام فاذا قيل اعرض لي كذا فمعناه يدى وظهر عرضه فأمكن تناوله ومنها التولى عن الشيء وذلك اذا استعمل مع عن فاذا قيل اعرض عني فمعناه ولى مبديا أى مظهرا عرضه وبهذا المعنى جاء قوله تعالى (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) و (أَعْرِضْ عَنْهُمْ) و (عِظْهُمْ) و (أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) و (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) و (هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ) وربما حذف لفظة عن استغناء عنها نحو قوله تعالى (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) ونحو قوله (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ونحو قوله (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) ومن ذلك والله العالم ما نحن فيه متضمنا معنى التكبر بقرينة قوله تعالى (نَأى بِجانِبِهِ) بناء على ما في الكشاف في تفسير الاية وهذا نصه هذا ايضا ضرب اخر من طغيان الانسان اذا اصابه الله بنعمة ابطرته النعمة وكأنه لم يلق بوسا قط فنسى المنعم واعرض عن شكره وناى بجانبه اى ذهب بنفسه وتكبر وتعظم وان مسه الضر والفقر اقبل على دوام الدعاء واخذ في الابتهال والتضرع وقد استعير العرض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الاجرام ويستعار له الطول ايضا كما استعير الغلظ لشدة العذاب الى ان قال فان قلت حقق لي معنى قوله تعالى (وَنَأى بِجانِبِهِ).

قلت فيه وجهان ان يوضع جانبه موضع نفسه كما ذكرنا في قوله تعالى (عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) ان مكان الشيء وجهته ينزل منزله


الشيء نفسه ومنه قوله

وماء قد وردت لاجل اروى

عليه الطير كالورق اللجين

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذئب كالرجل اللعين

يريد ونفيت عنه الذئب ومنه ولمن خاف مقام ربه ومنه قول الكتاب حضرت فلان ومجلسه وكتبت الى جهته والى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قال وناى بنفسه كقولهم في المتكبر ذهب بنفسه وذهبت به الخيلاء كل مذهب وعصفت به الخيلاء وان يراد بجانبه عطفه ويكون عبارة عن الانحراف والازورار كما قالوا ثنى عطفه وتولى بركنه انتهى (فنبه بلفظ اذا والماضي على ان ابتلاء مثل هذا الانسان بالشر يجب ان يكون مقطوعا به.

(وقد يستعمل ان) على خلاف اصلها (في مقام الجزم بوقوع الشرط تجاهلا لاقتضاء المقام التجاهل) فان قلت في التقييد بوقوع الشرط نظر واشكال لان الجزم بلا وقوعه ايضا كذلك لما تقدم من من انها للامور المشكوكة فكل من الجزم بالوقوع والجزم باللاقوع على خلاف اصلها.

قلت نعم ولكنه قيد بذلك نظرا الى الامثلة المذكورة (كما اذا سئل العبد عن سيده هل هو في الدار وهو) اي العبد يعلم ان سيده (فيها) اي في الدار (فيقول) العبد فى الجواب (ان كان) السيد (فيها) اى فى الدار (اخبرك) ايها السائل (فيتجاهل خوفا من السيد) اى من عتابه على الاعلام فيجعل كون السيد في الدار في حكم غير المقطوع به فيستعمل ان وان لم يكن في محلها لانه خلاف اصلها (وكما اذا استطلت) انت (ليلتك فتقول ان يطلع الصبح وينقضى الليل افعل)


انا (كذا) من الافعال (فتتجاهل تولها وتضجرا وقس على هذا) المذكور يعني المثالين غيرهما من الامثلة التي يتجاهل فيها العارف فيستعمل ان في مقام الجزم بالوقوع.

فان قلت هذه الصورة كما ذكرت من صور تجاهل العارف التي سماها السكاكي كما ياتي في الفن الثالث سوق المعلوم مساق غيره لنكتة فهي من مباحث ذلك الفن فكيف تذكر في مباحث هذا الفن.

قلت قد تقدم نظير ذلك في بحث تعريف المسند اليه باسم الاشارة والجواب الجواب فراجع ان شئت وقوله (او لعدم جزم المخاطب) بوقوع الشرط عطف على قوله تجاهلا قيل في اظهار لام التعليل في المعطوف وتغيير الاسلوب اشارة الى الفرق بين المعطوف عليه والمعطوف فان السبب لارتكاب خلاف الاصل في الاول هو المتكلم بخلاف الثاني فان السبب فيه هو المخاطب (كقولك لمن يكذبك) في خبر تخبره (ان صدقت) في خبرى (فما ذا تفعل) ايها المخاطب (مع علمك بانك صادق) في خبرك (او لتنزيله اى لتنزيل) المتكلم (المخاطب العالم بوقوع الشرط منزلة الجاهل لمخالفته) اى المخاطب (مقتضى العلم كقولك لمن يؤذي اباه ان كان) هذا الذي توذيه (اباك فلا توذه مع علمه) اي المخاطب (بانه) اى الذي يوذيه (ابوه لكن مقتضى العلم ان لا يوذيه) ضرورة حكم العقل والشرع بان من شان صدق البنوة اطاعة الابن الاب في امره ونهيه لا ايذائه (او) يكون الغرض من استعمال ان في مقام الجزم بوقوع الشرط (التوبيخ اى) يكون استعمالها في ذلك المقام (لتعيير المخاطب) اى تقبيحه (على) صدور (الشرط) منه اى من المخاطب قال في


المصباح العار كل شيء يلزم منه عيب أو سب وعبرته كذا وعيرته به قبحته عليه ونسبته اليه انتهى (وتسوير) عطف بيان لقوله التوبيخ اى تصوير المتكلم للمخاطب اى تفهيمه (ان المقام لاشتماله على ما) اى على البراهين القاطعة التي (يقلع الشرط) اى يزيله (عن اصله لا يصلح ذلك المقام الا لفرضه اى فرض الشرط كما يفرض المحال لغرض يتعلق بفرضه كالتبكيت) اى تعبير الخصم وتقبيحه قال في المصباح بكت زيد عمرا تبكيتا عيره وقبح فعله ويكون التبكيت بلفظ الخبر كما في قول ابراهيم (ع) بل فعله كبيرهم هذا فانه قاله تبكيتا وتوبيخا على عبادتهم الاصنام انتهى.

(والالزام) اي الزام الشيء اي اثباته على الخصم قال في المصباح لزم الشيء يلزم لزوما ثبت ودام ويتعدى بالهمزة فيقال الزمته اى اثبته وادمته ولزمه المال وجب عليه انتهى.

(والمبالغة) في اثبات الشيء (ونحو ذلك) مما يناسب المقام (نحو (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)) اي القرآن (اى انهملكم) والهمزة للاستفهام الانكارى (فنضرب) اى فنصرف (عنكم القرآن وما فيه من الامر والنهي والوعد والوعيد).

والحاصل انا لا نصرف القرآن وما فيه من الاحكام بل نلزمكموها بحسب ربوبيتنا ومربوبيتكم وان لم ترضوا بها ولم تقبلوها واعرضتم عنها واردتم الاهمال (صفحا اى اعراضا) فيكون صفحا مفعولا مطلقا لنضرب من غير لفظه كقعدت جلوسا (او للاعراض) اى لاعراضكم فيكون مفعولا له وعلة له فان قلت الضرب بمعنى الصرف فعل الله والصفح كما ذكرت بمعنى الاعراض وهو فعل المخاطبين فلا


يجوز حذف اللام كما قال ابن مالك

وهو بما يعمل فيه متحد

وقتا وفاعلا وان شرط فقد

فاجرره باللام وليس يمتنع

مع الشروط كلزهد ذا قنع

قلت المعنى والله اعلم اعتبارا لاعراضكم فينطبق على المشهور (او) يكون صفحا من قبيل زيد عدل فيكون من باب المجاز في الكلمة فهو بمعنى (معرضين) فهو حال من ضمير المخاطبين المجرور والنفى المستفاد من همزة الانكار راجع اليه بناء على ما تقدم في ديباجة الكتاب من ان الشيخ ذكر في دلائل الايجاز ان من حكم النفى اذا دخل على كلام فيه تقييد على وجه ما ان يتوجه الى ذلك التقييد وان يقع له خصوصا وحاصله ان الكلام مثبتا كان او منفيا اذا قيد حكمه بزمان او قيد آخر كان صدقه بتحقق حكمه في ذلك الزمان او مع ذلك القيد وكذبه بعدمه فيه او معه واذا لم يقيد فصدقه بتحققه في الجملة وكذبه بمقابله فاذا قلت اضرب زيدا واردت الاستقبال فان تحقق ضربك اياه فى وقت من الاوقات المستقبلة عليه كان صادقا والا فكان كاذبا وكذلك اذا قلت اضربه يوم الجمعة او في حال ركوبه فلا بد في صدقه من تحقق ضربك اياه وتحقق ذلك القيد معه فان لم تضربه او ضربته في غير يوم الجمعة او في غير حالة الركوب كان كاذبا وبالجملة قولك اضربه يوم الجمعة او في حالة الركوب مشتمل على امرين احدهما وقوع الضرب منك عليه والثاني كون ذلك الضرب واقعا يوم الجمعة او مقارنا بحال الركوب فلو فرض انتفاء المقارنة بالقيد ينتفى مدلول الخبر فيكون كاذبا هذا حال الاثبات وقس عليه النفى.


والشاهد في ((أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) فيمن قرء) همزة (ان بالكسر) ليكون شرطية وأما في قرائة من قرء بالفتح فهو في محل المفعول له والمعنى لان كنتم قوما مسرفين اى مستهزئين بآيات الله وكتابه وانما قلنا ان الشاهد فيه (فان الشرط وهو كونهم مسرفين) قال في المفردات السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الانسان وان كان ذلك في الانفاق اشهر انتهى وقال في المجمع السرف الجهل وقال في المصباح اسرف اسرافا جاز القصد والسرف بفتحتين اسم منه وسرف سرفا من باب تعب جهل او غفل فهو سرف وطلبتهم فسرفتهم بمعنى اخطأت او جهلت انتهى فقوله (اى مشركين) ليس تفسيرا للشيء اى المسرفين بالمعنى المطابقى له بل بالمعنى الالتزامي اى الكنائي بالنسبة الى احد هذه المعانى التي نقلناه عن اهل اللغة فهو نظير ما قاله محشى التهذيب عند قول المصنف سواء الطريق فراجع ان شئت.

والمسرفين بأى معنى كان (امر مقطوع به) فليس موضعا لان (لكن جيء بلفظ ان لقصد التوبيخ) اى توبيخ المتكلم المخاطبين (على الاسراف وتصوير) المتكلم للمخاطبين اى تفهيمهم (ان الاسراف من العاقل في هذا المقام) اى مقام تجاوزهم عن الايمان الذى هو انفع الاشياء لهم في العاجل والاجل الى الاسراف والكفر الذى هو اضر الاشياء بهم كذلك (يجب ان لا يكون الا على مجرد الفرض والتقدير كما يفرض يقدر المحالات لاشتمال المقام على الآيات) كقوله تعالى (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) و (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) والآيات الاخر) الدالة على ان الاسراف مما لا ينبغي ان يصدر عن العاقل اصلا) لان العاقل لا يقدم على ما فيه ضرر ما فضلا عما


فيه ضرر الدنيا والاخرة فالاسراف منه (بمنزلة المحال ادعاء) فيجب ان لا يتحقق ثبوته الا على سبيل مجرد الفرض والتقدير (بحسب مقتضى المقام) وما سيق لأجله الكلام.

(لا يقال) نعم لكن يستشكل حينئذ استعمال كلمة ان لان (المستعمل في فرض المحالات ينبغي ان يكون كلمة لو كما في قوله تعالى) في شأن الاصنام ((وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) يعني الاصنام) وانما عبر بضمير الجمع الذي يأتى عن قريب انه مختص بالعقلاء بناء على اعتقاد المخاطبين الالوهية التي لا يعقل الا لذى العلم.

والحاصل انه ينبغى في فرض المحالات استعمال كلمة لو (دون) كلمة (ان لما مر من انه) اي الشان (يشترط فيها) اي في كلمة ان (عدم الجزم) بشيىء من الطرفين أى (اى بوقوع الشرط ولا وقوعه والمحال مقطوع) به باحد طرفيه اي (بلا وقوعه فلا يقال ان طار الانسان كان كذا) للقطع بعدم وقوع الطيران من الانسان (بل يقال لو طار) كان كذا.

(لانا نقول) نعم ولكن الوجه في استعمال ان مع فرض كون الاسراف من العاقل محالا دون لو (ان المحال في هذا المقام ينزل منزلة ما لا قطع بعدمه) ولا بوجوده اي ينزل منزلة المشكوك فيه (على سبيل المساهلة وارخاء العنان) والمماشاة مع الخصم (لقصد التبكيت) تقدم معنى التكبت انفا وحاصله الزام الخصم واثبات المطلوب بطريق المبالغة.

فان قلت ما الفائدة في انه ينزل اولا منزلة المحال المقطوع عدمه ثم ينزل منزلة ما لا قطع بعدمه ولم لا ينزل ابتداء منزله ما لا قطع


بعدمه ولا وجوده.

قلت لان التدريج ابلغ فانه لو نزل ابتداء كذلك فات اعتبار محاليته فيقوت النكتة اعنى قصد التوبيخ على الاسراف والتصوير المتقدمين وهى مطلوبة في المقام فلا يكون الكلام مطابقا لمقتضى الحال والمقام.

(فمن) اجل (هذا) التنزيل على سبيل المساهلة وارخاء العنان لقصد التبكيت (يصح استعمال ان فيه كما ذكر صاحب الكشاف في قوله تعالى (فَإِنْ آمَنُوا)) اي اهل الكتاب ومنكرى الاسلام ((بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) انه) اي استعمال كلمة ان فيه من باب التبكيت لان دين الحق) الذي يهتدى به الانسان (واحد) وهو الاسلام الذي امن به المخاطبون وهم اصحاب النبى (ص) (لا يوجد له مثل) قطعا فعدمه اى المثل مقطوع به لكن نزل منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة وارخاء العنان لقصد التبكيت (فجيىء بكلمة الشك) يعنى ان (على سبيل الفرض والتقدير) اى فرض وجود المثل وتقديره (اي ان حصلوا) ووجدوا (دنيا اخر مساويا لدينكم في الصحة والسداد فقد اهتدوا) ونحو هذا قولك للرجل الذي تشير عليه هذا هو الراى الصواب فان كان عندك راى اصوب منه فاعمل به وقد علمت ان لا اصوب من رايك ولكنك تريد تبكيت صاحبك وتوفيقه على ان ما رايت لا راى ورائه.

(و) ذكر ايضا (في قوله (إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) اى ان كان حقا فعاقبنا على انكاره والمراد نفى حقيقته وتعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد انه باطل تعليق بالمحال).

قال في الكشاف ما هذا نصه : قيل قائله النضر بن الحرث المقتول


صبرا حين سمع اقتصاص الله احاديث القرون لو شئت لقلت مثل هذا وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديث رستم واسفنديار فزعم ان هذا مثل ذاك وانه من جملة تلك الاساطير وهو القائل ان كان هذا هو الحق وهذا اسلوب من الجحود بليغ يعنى ان كان القران هو الحق فعاقبنا على انكاره بالسجيل كما فعلت باصحاب الفيل او بعذاب اخر ومراده نفى كونه حقا واذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد انه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قولك ان كان الباطل حقا فامطر علينا حجارة انتهى.

(ومنه قوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) اي ان كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فانا اول من يعظم ذلك الولد واسبقكم الى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم ابيه فهذا كلام وارد على سبيل الفرض والغرض منه المبالغة في نفى الولد وان لا يبقى للخصم شبهة الا مضمحلة مع الاثبات لنفس المتكلم ثبات القدم في امر التوحيد وللمفسرين فيها اقوال اخر ليس هنا محل ذكرها ولا يهمنا نقلها.

(او) قد يستعمل ان في مقام الجزم بوقوع الشرط بعد (تغليب غير المتصف به اى بالشرط) اي بمضمونه (على المتصف) به (كما اذا كان القيام قطعى الحصول بالنسبة الى بعض غير قطعى الحصول بالنسبة الى اخرين فتقول للجميع ان قمتم كان كذا تغليبا لمن لا تقطع بانهم يقومون ام لا على من حصل لهم القيام قطعا وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) بان) الشرطية (مع المرتابين)


في كون ما نزله الله تعالى من عنده يعنى القران (يحتملهما اي يحتمل) كل واحد من الامرين المتقدمين اولهما (ان يكون) استعمال ان فيه (للتوبيخ) اي توبيخ المخاطبين (على الارتياب) في نبوته (ص) وفي كون القران من عند الله جل جلاله (وتصوير ان الارتياب مما لا ينبغى ان) يقع و (يثبت لكم) ايها المخاطبون المرتابون (الا على سبيل الفرض) كما يفرض المحالات (لاشتمال المقام على ما يزيله) اي ما يزيل الارتياب (ويقلعه عن اصله وهو) اي ما يزيله (الايات) والمعجزات (الدالة على انه) (ص) نبي والقران (منزل من عند الله) جل جلاله.

(و) ثانيهما (ان يكون) استعمال ان فيه (لتغليب غير المرتابين من المخاطبين) وهم اي غير المرتابين الذين كانوا يعرفون الحق يعنى كونه (ص) نبيا والقران من عند الله جل جلاله (على المرتابين منهم لانه كان فيهم) اي في المخاطبين (من يعرف الحق وانما ينكر عنادا فجعل الجميع) اي جميع المخاطبين (كانه لا ارتياب لهم) في نبوته (ص) وفي كون القران الذي جاء به حق نزل عليه من عند الله جل جلاله فهم قاطعون بذلك فلا يتصور منهم الاتياب لان الاجتماع بينه وبين القطع محال فعدم الارتياب كعدم سائر المحالات مقطوع به فالمتحصل من التغليب نفي الارتياب راسا بحيث لا يحتمل في حقهم الارتياب اصلا وسياتى فيه وجه اخر عند قوله ولا محيص عن هذا الاشكال فانتظر.

(و) لكن لا يذهب عليك ان (الاشكال المذكور) في الاية المتقدمة من ان المستعمل في فرض المحالات كلمة او دون كلمة ان (وارد ههنا) اي في هذه الاية على القول بالتغليب فيها (لان عدم الشرط)


اي عدم الارتياب (حينئذ) اي حين اذ غلب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم (يكون) عدم الشرط (مقطوعا به فلا يصح) حينئذ (استعمال) كلمة (ان لما مر) من انه يشترط فيها عدم الجزم بوقوع الشرط ولا وقوعه.

(لا يقال) لا نسلم كون عدم الشرط في الاية مقطوعا به لان (الشرط) فيها (انما هو وقوع الارتياب) من المخاطبين (في الاستقبال) لا الحال (وهو) اي وقوع الارتياب في الاستقبال (محتمل الوجود والعدم) فيصح استعمال كلمة ان على اصلها لان وقوع الارتياب حينئذ من المعانى المحتملة المشكوكة الوقوع واللاوقوع فلا حاجة الى القول بالتغليب ولا الى وجه اخر من الوجوه الاخر المصححة لاستعمالها فيها (لانا نقول) لا نسلم ان الشرط في الاية وقوع الارتياب بقيد الاستقبال اذ (ظاهر) لكل من له تضلع وتتبع في العلوم العربية (ان ليس المعنى) في الاية (على حدوث الارتياب) من المخاطبين (في المستقبل) بل المعنى على وجود الارتياب منهم في زمن الماضي (ولهذا زعم الكوفيون ان) كلمة (ان ههنا) اي في الاية (بمعنى اذ) لانها كما في المغنى تكون اسما للزمان الماضي ولهذا يجعل الجمهور قوله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) من باب قوله تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) اعنى من تنزيل المستقبل المحقق الوقوع منزلة ما قد وقع في الزمان الماضي.

(وقد نص المبرد والزجاج على ان) لفظ (ان) الشرطية (لا يقلب كان الى معنى الاستقبال وذكر كثير من النحاة) ومنهم الرضى في باب كلم المجازاة (انه اذا اريد ابقاء معنى الماضي مع ان جعل) فعل


(الشرط لفظ كان نحو قوله تعالى (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) و (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) الاية.

(و) انما اختص (ذلك) بلفظة كان (لقوة دلالة كان على المضى لتمحضه له) اي للمضى (لان الحدث المطلق) اي كون اسم كان اي وجوده وثبوته وحصوله (الذي هو مدلوله) ويسمى الافعال الدالة على الحدث المطلق في الاصطلاح بالافعال العموم كما قال الشاعر الفارسي

افعال عموم نزد ارباب عقول

كون است وجود است ثبوت است وحصول

(يستفاد) ذلك الحدث المطلق (من) ثبوت (الخبر) للاسم لان ثبوت شيىء لشيىء فرع ثبوت المثبت له ولانه كما قال الرضى يدل على تعيين الحادث ويستحيل تعيين الحادث من دون مطلق الحدوث فقولك كان زيد قائما معناه في الزمن الماضي زيد قائم فلفظ كان مدلوله هو الزمن الماضي فقط ومع النص على المضى لا يمكن استفادة الاستقبال (فلا يستفاد منه) اي من لفظ كان (الا الزمان الماضي) فقط وقد ذكرنا في المكررات في باب الحال بعض الكلام في ذلك فراجع ان شئت.

(ولذا) اي ولان المستفاد منه ليس الا الزمان الماضي (ذكر صاحب الكشاف في قوله تعالى (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) انه يجوز ان) يقدر فعل الشرط كان بان (يراد وان كان الشيطان ينسينك قبل النهى قبح مجالسة المستهزئين لانه) اى لان مجالستهم (مما ينكره العقول) فكان صدوره منك بانساء منه (فلا تقعد) معهم ولا تجالسهم (بعد ان ذكرناك قبحها) اي


قبح المجالسة معهم (فلما اراد) صاحب الكشاف (جعل) فعل (الشرط ماضيا قدر) لفظ (كان وجعل ينسينك) الذي هو فعل الشرط ظاهرا (خبرا له) اي لكان مقدرا وذلك (ليسيقيم المعنى المضى) قال الرضى في الباب المذكور وهذا اي كون المدلول هو الزمان الماضى فقط من خصائص كان دون سائر الافعال الناقصة لان صار يدل على الانتقال الذي لم يدل خبره عليه وكذابا قبها.

(فان قيل) في دفع الاشكال المذكور الوارد ههنا (لما كان البعض مرتابا قطعا) اي ارتيابهم مقطوع به (والبعض) الاخر (غير مرتاب قطعا) اي عدم ارتيابهم مقطوع به والحاصل انهم كانوا صنفين صنف كان مرتابا في القران لا يدرى انه من عند الله ام لا وصنف لم يكن مرتابا في ذلك بل يعرف انه حق ومنزل من عند الله وانما ينكره عنادا.

فههنا قضيتان جزئيتان الاولى ان بعض المخاطبين مرتاب قطعا ويقينا هذا باعتبار الصنف الاول والثانية ان بعض المخاطبين غير مرتاب قطعا ويقينا وهذا باعتبار الصنف الثاني فالمقام نظير قولنا بعض الحيوان ناطق قطعا ويقينا وبعض الحيوان غير ناطق قطعا ويقينا ومن المعلوم بديهة انه كما يصدق حينئذ ان جميع الحيوان لا قطع بكونه ناطقا ولا بكونه غير ناطق كذلك يصدق فيما نحن فيه ان جميع المخاطبين لا قطع بكونهم مرتابين ولا بكونهم غير مرتابين وهذا هو المراد بقوله (جعل الجميع كانه لا قطع بارتيابهم ولا بعدم ارتيابهم) فيكون الجميع ممن يشك في ارتيابه بحيث يكون ارتيابه محتمل الوجود والعدم فيصح استعمال ان من دون ان يرد الاشكال المذكور ههنا


اذ ليس حينئذ عدم الشرط مقطوعا به بل يكون الشرط اعنى ارتياب المخاطبين كما قلنا محتمل الوجود والعدم.

(قلنا هذه) اى ما ذكر من جعل الجميع لكون بعضهم مرتابا قطعا وبعضهم غير مرتاب قطعا كانه لا قطع بارتيابهم ولا بعدم ارتيابهم (نكتة) دقيقة تجدى وتفيد (في) توجيه صحة (استعمال ان في هذا المقام) اي في قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) الخ.

(و) لكنه اي ما ذكر من النكتة الدقيقة (ليس من التغليب في شيىء) فلا يصح جعل الاية من امثلة التغليب فلا يصح قول الخطيب انها يحتملهما اي التوبيخ والتغليب فصار دفع الاشكال بذلك من قبيل دفع الفاسد بالافسد او من قبيل تفسير الكلام بما لا يرضى صاحبه.

(و) حينئذ (لا محيص عن هذا الاشكال) الوارد على التغليب بدعوى ان عدم الشرط حينئذ يكون مقطوعا به فلا يصح استعمال ان لما مر (الا) بان يجعل نتيجة التغليب والمتحصل منه كون الارتياب في حقهم محتمل الوجود والعدم لكن لا بالتقرير المتقدم في قوله لا يقال الشرط انما هو وقوع الارتياب في الاستقبال الخ بل (بان يقال غلب على المرتابين قطعا) اي الذين نقطع لجهلهم وعدم تمييزهم بين الحق والباطل والصدق والكذب وعدم قدرتهم على التفرقة والتمييز بين كلام الخالق والمخلوق بكونهم مرتابين في كون القران منزلا من عند الله (غير المرتابين قطعا) اي الذين لا قطع لنا لعلمهم وتمييزهم بين الامور المذكورة ولقدرتهم على التفرقة والتمييز بين كلام الخالق والمخلوق


بكونهم غير مرتابين في كون القران منزلا من عند الله والى هذا المعنى اشار بقوله (عنى الذين لا قطع) لنا (بارتيابهم) فيكون ارتيابهم محتمل الوجود والعدم والى ذلك اشار بقوله (ممن يجوز منهم الارتياب وعدمه ويكون معنى الكلام) اي معنى كلام الخطيب في المتن يعنى قوله او تغليب غير المصنف به على المتصف به (او لتغليب غير المقطوع باتصافه بالشرط) يعنى الارتياب وهم العلماء والقادرين على الامور المذكورة ممن يجوز منهم الارتياب وعدمه (على المقطوع به) اي على المقطوع باتصافه بالشرط اعنى الارتياب وهم الجهلة وغير القادرين على الامور المذكورة فانا نقطع عادة باتصافهم بالارتياب في كون القران منزلا من عند الله (كما اشرنا اليه في المثال المذكور ثمة) اي في شرح قول الخطيب او تغليب غير المتصف به على المتصف به حيث قال كما اذا كان القيام قطعى الحصول الخ.

فالمتحصل من التغليب على هذا التقرير كون الارتياب من المخاطبين محتمل الوجهين اي محتمل الوجود والعدم من دون ان يرد عليه الاشكال الوارد على التقرير المتقدم ومن دون ان يدعى ان الشرط انما هو وقوع الارتياب في الاستقبال هذا ما تقرر عندى في هذا المقام العويص الذي هو من مزال الاقدام ولا اظن ان تجد عند غيرى ما فيه محيص والحمد لله الملك العلام.

(والتغليب) عبارة عن ترجيح احد المعلومين على الاخر في اطلاق لفظ عليهما وهو كما يصرح به عنقريب اما مجاز مرسل بعلاقة الجزئية او المصاحبة او نحوهما او استعارة كما يظهر مما ياتى او من باب عموم المجاز ولا ينحصر فيما ذكر في المقام بل هو باب واسع (يجرى


في فنون) اي انواع (كثيرة منه تغليب الذكور على الاناث بان يجرى على الذكور والاناث صفة مشتركة المعنى بينهم اي بين الذكور والاناث (على طريقة اجرائها على الذكور خاصة كقوله تعالى) في شان مريم (ع) (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ) (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) اي من المطيعين والشاهد فيه حيث (عدت الانثى) يعنى مريم (ع) (من الذكور القانتين بحكم التغليب لان القنوت مما يوصف به الذكور والاناث) فهو مشترك المعنى بينهم (والقياس) ان يقال (كانت من القانتات) لا القانتين لان صيغة الجمع بالواو والنون خاصة بالذكور والخاصة بالاناث ما هو بالالف والتاء.

هذا بناء على كون من للتبعيض (ويحتمل ان لا يكون من للتبعيض بل لابتداء الغاية) ويسمى في امثال المقام نشوية ايضا (اى كانت ناشئة من القوم القانتين لانها من اعقاب هرون اخى موسى) عليهما‌السلام (و) الاحتمال (الاول الوجه) الاحسن لان في الاحتمال الثاني تقويت ما هو المقصود والغرض من الكلام (لان الغرض) والمقصود منه (مدحها) في نفسها (بانها صدقت بشرائع ربها وكتبه وكانت من المطيعين) لا ان ابائها كانوا كذلك.

(ومنه تغليب جانب المعنى) اى المصداق والذات لا المفهوم والمدلول وذلك يظهر بادنى تامل في قوله بعيد هذا لكنه في المعنى عبارة عن المخاطبين (على جانب اللفظ) اى المفهوم من اللفظ كالغيبة المدلول عليها بلفظة قوم في (نحو قوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) حيث جيىء صفة القوم (بناء الخطاب والقياس) ان تاتى (بياء الغيبة)


وذلك (لان الضمير) في الصفة اعنى جملة تجهلون (عائد الى قوم ولفظه لفظ الغائب لكونه اسما مظهرا) وقد تقدم في اوائل بحث الالتفات نقلا عن الرضى ان الاسماء الظاهرة كلها موضوعة للغيبة الا المنادي لانه بمنزلة كاف الخطاب كما بيناه في المكررات في باب النداء (لكنه) اي لفظ القوم (في المعنى عبارة عن المخاطبين) بقوله تعالى (أَنْتُمْ) (فغلب جانب الخطاب على جانب الغيبة).

والحاصل ان لفظة القوم لها جهتان جهة المعنى اي المصداق وجهة اللفظ فمن حيث المعنى والمصداق مخاطب لان الخبر عين المبتدء ومن حيث اللفظ كما قلنا غائب لانه اسم ظاهر فغلب جانب المعنى والمصداق لانه اشرف واكمل واقوى على جانب اللفظ واعيد اليه الضمير من جملة الصفة بتاء الخطاب ولا يذهب عليك ان بهذا القدر من العدول من جهة الى اخرى لا يصدق انه تغير الاسلوب وعدل من الغيبة الى الخطاب فلا وجه لما ظنه بعضهم من انه التفات من الغيبة الى الخطاب هذا كله بناء على جعل تجهلون صفة لقوم واما بناء على جعله خبرا عن انتم والقوم بدلالة اي انتم فلا تغليب فيه اصلا.

(ومنه) اي من مطلق التغليب لامن نحو (كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (ابوان) اذ ليس وصف مشترك بين الاب والام بخلاف كانت من القانتين فان وصف القنوت مشترك بين الذكور والاناث وليس فيه تغليب الذكور على الاناث وان كان ظاهر ما تقدم فيه يوهم ذلك بل انما هو في هيئة الوصف المجرى على الذكور على هيئة الوصف المجرى على الاناث واما ابوان فسيصرح بان فيه تغليب الذكور على الاناث وذلك لان الابوة ليست صفة مشتركة بين الاب والام (ونحوه)


اي نحو لفظ ابوان (كالعمرين لابى بكر وعمر (رض) والقمرين للشمس والقمر والحسنين للحسن والحسين عليهما‌السلام وما اشبه ذلك مما غلب احد المتصاحبين والمتشابهين على الاخر) قيل الاول اي المتصاحبين كما في ابى بكر وعمر رضى الله عنهما.

والثاني اي المتشابهين كما في الشمس والقمر والحسن والحسين عليهما‌السلام فتامل (بان جعل الاخر متفقا له في الاسم ثم ثنى ذلك الاسم وقصد اليهما) اي الى المتصاحبين والمتشابهين (جميعا و) لكن (ينبغى ان يغلب الاخف) لان المقصود من التغليب التخفيف فيختار ما هو ابلغ في التخفيف (الا ان يكون احد اللفظين مذكرا فانه يغلب على المونث كالقمرين) فغلب القمر على الشمس لكونه مذكرا والشمس مؤنثا هذا كله محصول كلام الرضى في بحث التثنية وهذا نصه : قد يثنى غير المتفقين في اللفظ كالعمرين وذلك بعد جعلهما متفقى اللفظ بالتغليب والشرط فيه تصاحبهما وتشابههما حتى كانهما شيىء واحد كتماثل ابى بكر وعمر وكذا القمران والحسنان وينبغى ان يغلب الاخف لفظا كما في العمرين والحسنين لان المراد بالتغليب التخفيف فيختار ما هو ابلغ في الخفة وان كان احدهما مذكرا والاخر مؤنثا لم ينظر الى الخفة بل يغلب المذكر كالقمرين في الشمس والقمر انتهى.

(ولا يخفى عليك ان ابوين والقمرين من هذا القبيل) اي من قبيل تغليب المذكر على المؤنث (لا من قبيل قوله تعالى (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) اذ ليس تغليب احدهما) يعنى الاب في ابوين والقمر في القمرين (على الاخر) يعنى الام في ابوين والشمس في القمرين (بان يجرى عليهما الوصف المشترك بينهما على طريقة اجرائه على الذكور


خاصة) اذ ليس بينهما كما قلنا انفا وصف مشترك يجرى عليهما جميعا (بل) التغليب فيهما انما هو (بان يجعل احدهما) يعنى الام والشمس (متفقا للاخر) يعنى الاب والقمر (في اسمه) اي في اسم اخر (ثم يثنى ذلك الاسم) المتفق مع الاخر وان كان مختلفا للاخر معنى.

(فان قلت لا يكفى في المثنى الاتفاق في اللفظ) اي في لفظ المفردين (بل لا بد) فيه (من الاتفاق في المعنى) ايضا (ولذا تاولوا الزيدين بالمسمين بزيد) حتى يتفقا معنى وقد بينا ذلك مفصلا في ثاني مواضع الاعراب النيابى في المكررات فراجع ان شئت.

(فلا يطلق القران الا على الطهرين او الحيضين لا على طهر وحيض قلت هو) اي الانفاق في المعنى (مختلف فيه).

قال الرضى عند المصنف تردد في جواز تثنية الاسم المشترك وجمعه باعتبار معانيه المختلفة كقولك القران للطهر والحيض والعيون لعين الماء وقرص الشمس وعين الذهب منع من ذلك في شرح الكافية لانه لم يوجد مثله في كلامهم مع الاستقراء وجوزوه على الشذوذ في شرح المفصل وذهب الجزولى والاندلسى وابن مالك الى جواز مثله.

(قال الاندلسي يقال العينان في عين الشمس وعين الميزان فهم يعتبرون في التثنية والجمع الاتفاق في اللفظ دون المعنى انتهى.

(ولو سلم) عدم كفاية الاتفاق في اللفظ (فليكن) هذا النوع من المثنى والجمع (مجازا) مرسلا او استعارة حسبما فيه من العلاقة او من باب عموم المجاز كما اشرنا اليه انفا.

(و) لا ضير فيه اذ (جميع باب التغليب) سواء كان في المثنى والجمع


او في غيرهما (من) اقسام (المجاز لان اللفظ) الذي فيه التغليب (لم يستعمل فيما وضع له الا ترى ان القانتين) كما قلنا انفا (موضوع الذكور الموصوفين بهذا الوصف) اي وصف القانتية (فاطلاقه على الذكور والاناث اطلاق على غير ما وضع له) والظاهر انه من باب استعمال اللفظ في معناه الحقيقى والمجازى وفيه للاصوليين كلام ليس هنا محله.

(وقس على هذا) اي على توجيه المجازية في القانتين (جميع الامثلة السالفة والاتية ومنه تغليب الجنس الكثير الافراد على فرد من غير هذا الجنس مغمور) ذلك الفرد (فيما بينهم) اي فيما بين تلك الافراد الكثيرة (بان يطلق اسم ذلك الجنس) الكثير الافراد (على الجميع كقوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) عد ابليس من) افراد (الملئكة لكونه جنسا واحدا فيما بينهم) هذا بناء على كونه استثناء متصلا كما في الكشاف لانه كان جنيا واحدا بين اظهر الالوف من الملئكة مغمورا بهم فغلبوا عليه في قوله (فَسَجَدُوا) ثم استثنى منهم استثناء واحد منهم ويجوز ان يجعل منقطعا فلا شاهد فيه.

(ومنه تغليب الاكثر على الاقل) حالكون الجميع (من جنس) واحد (بان ينسب الى الجميع وصف مختص بالاكثر) والمراد بالوصف المختص ههنا العود الى الكفر (كقوله تعالى (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) والشاهد فيه انه (ادخل شعيب (ع) بحكم التغليب في العود الى ملتهم) الباطلة (مع انه (ع) لم يكن في ملتهم قط حتى يعود اليها) لان الحق عند اهله كما ثبت


في محله ان الانبياء عليهم‌السلام معصمون عن المعاصى والكفر قبل البعثة وبعدها (وانما كان في ملتهم من امن به).

قال في الكشاف فان قلت كيف خاطبوا شعيبا (ع) بالعود في الكفر في قولهم (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) وكيف اجابهم بقوله (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها) والانبياء عليهم‌السلام لا يجوز عليهم من الصغاير الا ما ليس فيه تنفير فضلا عن الكبائر فضلا عن الكفر.

قلت لما قالوا لنخرجنك يا شعيب والذين امنوا معك فعطفوا على ضميره الذين دخلوا في الايمان منهم بعد كفرهم قالوا لتعودن فغلبوا الجماعة على الواحد فجعلوهم عائدين جميعا اجراء للكلام على حكم التغليب وعلى ذلك اجرى شعيب (ع) جوابه فقال ان عدنا فى ملتكم بعد اذ نجانا الله منها وهو يريد عود قومه الا انه نظم نفسه في جملتهم وان كان بريئا من ذلك اجراء لكلامه على حكم التغليب انتهى. ولكن لا يذهب عليك ان فيما قالوه في المقام نظر وتامل فانهم يقولون عاد فلان شيخا وهو لم يكن شيخا قط ومثله يرد الى ارذل العمر وهو لم يكن في ذلك قط فتامل.

(ومنه تغليب المتكلم على المخاطب او الغائب) فالاول (نحو افا وانت فعلنا و) الثاني نحو (انا وزيد ضربنا ومنه تغليب المخاطب على الغائب نحو انت وزيد فعلتما وانت والقوم فعلتم.

قال الله تعالى (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فيمن قرء) تعلمون (بتاء الخطاب) فجعله من قبيل انت والقوم فعلتم اي من قبيل تغليب المخاطب على الغائب (والمعنى تعمل انت يا محمد وجميع من سواك


من المكلفين وغيرهم) من المجانين وصغار الادميين ونحوهم من غير المكلفين.

قال الرضى في باب اسم الاشادة لا يخاطب اثنان في كلام واحد الا ان يجتمعا في كلمة الخطاب نحو يا زيد ان فعلتما وانتما فعلتما او يعطف احدهما على الاخر نحو انت وانت فعلتما مع ان خطاب المعطوف لا يكون الا بعد الاضراب عن خطاب المعطوف عليه انتهى.

فان قلت نعم لكن قوله تعالى (تَعْمَلُونَ) صيغة جمع فيجوزان يخاطب به متعدد من غير تغليب قلت المخاطب بالكاف في قوله تعالى (وَما رَبُّكَ) رسول الله (ص) فلا يصح ان يخاطب بقوله تعالى (تَعْمَلُونَ) غيره اعنى من سواه فقط والا لتعدد المخاطب في كلام واحد مجردا من العطف وغيره فلا بد من اعتبار تغليبه (ص) على من سواه ليكون الخطاب له (ص) وجميع من سواه من المكلفين من غير ان يتعدد المخاطب (فافهم) وتامل فانه دقيق.

(قال الله تعالى) مخاطبا لابليس اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ (فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) قال في الكشاف اما كان من حق الضمير في الجزاء (يعنى في جزائكم) ان يكون على لفظ الغيبة ليرجع الى من تبعك قلت بلى ولكن التقدير (اى) فان جهنم (جزائهم وجزائك) ثم غلب المخاطب على الغائب فقيل جزائكم ويجوز ان يكون للتابعين على طريق الالتفات انتهى.

(وقال) الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فغلب فيه ايضا المخاطب على الغائب (فان الخطاب في لعلكم شامل للناس الذي توجه اليه الخطاب اولا)


بقوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (و) شامل ايضا لقوله (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الذي) ذكر (بلفظ) اسم الظاهر اعني الذين وقد تقدم ان الاسم الظاهر من قبيل (الغيبة) وانما قلنا ان الخطاب في لعلكم شامل لهما جميعا (لان (لَعَلَّكُمْ) متعلق بقوله (خَلَقَكُمْ)) فالمعنى والله العالم ان الله خلق المخاطبين والذين من قبلهم لعلهم يتقون فما اريد من الخلقة من التقوى والخير لا يختص بالمخاطبين فقط بل يعمهم ومن خلق من قبلهم (لا بقوله (اعْبُدُوا) حتى يختص بالناس المخاطبين) اولا (اذ لا معنى لقولنا اعبدوه لعلكم تتقون) لانه يستلزم جعل الشيىء غاية لنفسه اذ ليست التقوى كما في الكشاف غير العبادة.

(ومنه تغليب العقلاء على غيرهم باطلاق اللفظ المختص بالعقلاء على الجميع) اي على العقلاء وغيرهم (كما نقول خلق الله الناس والانعام) اي الحيوانات العجم (ورزقهم) فغلب فيه العقلاء اعنى الناس على غيرهم اعنى الحيوانات الاخر ثم استعمل في الجميع ما هو مختص بالعقلاء (فان لفظ هم مختص بالعقلاء).

وقد يجتمع في لفظ واحد تغليب المخاطب على الغائب والعقلاء على غيرهم كقوله تعالى (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) الشاهد كما ياتى في يذرئكم فتنبه (اي خلق لكم ايها الناس من انفسكم اي من جنسكم ذكورا واناثا وخلق للانعام ايضا من انفسها ذكورا واناثا يبثكم ويكثركم ايها الناس والانعام فى هذا التدبير والجعل) اي في ان دبر لهم سبب التوالد والتناسل بان جعلهم ازواجا اى ذكورا واناثا (لما فيه) اي في هذا التدبير والجعل (من التمكن من التوالد والتناسل فهو) اي فهذا التدبير


والجعل (كالمنبع والمعدن للبث والتكثير فقوله يذرئكم) محل الاستشهاد كما نبهناك انفا لانه (خطاب شامل) للمخاطب والغائب اي (للناس المخاطبين والانعام المذكورة بلفظ) الاسم الظاهر وقد مر انفا انه في حكم (الغيبة ففيه) اي في قوله يذرئكم تغليبان الاول (تغليب المخاطب) يعنى الناس المخاطبين (على الغائب) يعني الانعام (والا) اي وان لم يكن في يذرئكم هذا التغليب (لما صح ذكر الجميع) اي جميع الناس والانعام (بطريق الخطاب لان الانعام غيب) بل غير قابل للخطاب وان كانت حاضرة عند المتكلم وفي محل التخاطب لان الخطاب كما في المجمع هو توجه الكلام نحو الغير للافهام فلا وجه لخطاب الانعام الا بتغليب ذوي الافهام.

(و) الثاني (تغليب العقلاء) يعنى الناس المخاطبين (على غيرهم) يعنى الانعام (والا) اي وان لم يكن في يذرئكم هذا التغليب (لما صح خطاب الجميع) اي الناس والانعام (بلفظ كم المختص بالعقلاء) كلفظ هم وقد مر انفا (ففي لفظ كم تغليبان) وقد اوضحناهما (ولولا التغليب لكان القياس ان يقال يذرئكم) مخاطبا به الناس فقط (واياها) مرادا به الانعام فقط (كذا) فسرت الاية الكريمة (في الكشاف والمفتاح وغيرهما) من الكتب.

(و) لكن يجوز (لقائل ان) يستشكل على كلا التغليبين بان (يقول جعل الخطاب) في يذرئكم بسبب التغليب (شاملا للانعام تكلف لا حاجة اليه لان الغرض) من الاية الكريمة كما يظهر من صياقها (اظهار القدرة وبيان الالطاف في حق الناس) ليعرفوا ربهم ويشكروا له ويقيموا بما يجب عليهم من العبودية (فالخطاب يختص


بهم والمعنى) والله العالم (يكثركم ايها الناس في هذا التدبير حيث مكنكم من التوالد والتناسل وهيأ لكم من مصالحكم ما تحتاجون اليه في ترتيب المعاش وتدبير التوالد) حيث جعلكم ازواجا يعنى ذكورا واناسا.

(و) كذلك ((الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ)) والحال ان ((فِيها دِفْءٌ)) اي ما يدفىء به قال في المفردات الدفء خلاف البرد ثم ذكر الاية ((وَمَنافِعُ)) اخر. (و) الحال ان ((مِنْها تَأْكُلُونَ)) اي من لبنها ولحمها (وجعلها ازواجا) ذكورا واناثا لان (تبقى ببقائكم وتدوم بدوامكم وعلى هذا) اي على القول بعدم الحاجة الى التغليب (يكون) العطف في ومن الانعام من عطف الجملة على الجملة لا من عطف المفرد على المفرد كما يدل عليه كلام القوم على ذلك التفسير حيث عطفوه على من انفسكم فيكون (التقدير وجعل لكم من الانعام ازواجا وهذا) المعنى والتقدير (انسب بنظم الكلام) وسياقه (مما قدروه وهو جعل الانعام من انفسها ازواجا) والفرق بين التقديرين ان تقدير الشارح متضمن لقيد لكم وخال عن قيد من انفسها وتقدير القوم بالعكس وانت اذا تاملت في المعنى على كل واحد من التقديرين يظهر لك وجه انسبية تقدير الشارح من تقدير القوم.

(ومنه تغليب الموجود على ما لم يوجد) وذلك (كما اذا وجد بعض الشيى وبعضه مترقب الوجود فيجعل الجميع) بسبب التغليب (كانه وجد كقوله تعالى) في وصف المتقين (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) والمراد المنزل كله) اي ما وجد حين توصيفهم بالايمان به وما لم يوجد بعد لكنه مترقب الوجود والا يلزم ان يصدق في حقهم قوله تعالى


(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) اعاذنا الله منه بحق محمد واله الامجاد.

(ومنه تغليب ما وقع بوجه مخصوص) كالاعمال والافعال التى يزاولها الانسان بالايدي (على ما وقع بغير هذا الوجه) كالاعمال والافعال التى يزاولها الانسان بغير الايدى (كقوله تعالى) في كفرة اهل جهنم (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وانما حكم فيه بالتغليب (لان اكثر الاعمال) والافعال لا جميعها (يزاول بالايدى فجعل الجميع كالواقع بالايدي) الى هنا كان الكلام في بعض وجوه التغليب وله وجوه اخر تعرف بالقياس الى هذه الوجوه المذكورة والضابط فيه كما قال الدسوقى انهم يغلبوا المذكر او الاخف او الاشرف والمذكر يغلب على غيره وان كان غيره اخف والاخف يقدم غيره وان كان غيره اشرف والادعاء في سبب التغليب كاف انتهى.

واما قوله (ولكونهما) فهو (تعليل لقوله) الاتى في المتن وهو (كان كل) الخ وانما (قدم) التعليل (ليثبت الحكم) يعنى الحكم بكون جملتي كل من ان واذا جملة فعلية استقبالية (من اول امره) اي من اول بيان هذا الحكم (معللا فيكون له) اي للحكم (في النفس) اي في نفس من يطلع على هذا الحكم (استقرار لا يكون) ذلك الاستقرار (لما) اي لحكم (يذكر تعليله بعده اي ولكن ان واذا لتعليق امر) اي شيىء و (هو حصول مضمون الجزاء بغيره يعنى حصول مضمون الشرط في الاستقبال) الجار اعنى في (متعلق بغيره)


اي بلفظ غير لانه كما اشير اليه بمعنى الحصول (على معنى جعل) المتكلم (حصول الجزاء مرتبا على حصول الشرط) الذي هو اى حصول الشرط (في الاستقبال) فيلزمه ان يكون حصول الجزاء ايضا في الاستقبال ضرورة استحالة حصول اللازم اعنى الجزاء في الحال والملزوم اعنى الشرط في الاستقبال لانه يلزم من ذلك انفكاك اللازم عن الملزوم وهو من اوضح انواع المحال.

(ولا يجوز ان يتعلق) الجارا عنى في (بتعليق امر لان التعليق انما هو فى زمان التكلم لا في الاستقبال الا ترى انك اذا قلت ان دخلت الدار فانت حر فقد علقت) في هذه الحال اي حال التكلم (الحرية على دخول الدار) الذي هو (في الزمان المستقبل) لا في زمان الحال (كان كل من جملتى كل من ان واذا يعنى الشرط والجزاء فعلية) لا اسمية (استقبالية) لا ماضوية ولا حالية (اما) وجه كون ما ذكر علة لكون (الشرط) فعلية استقالية (فظاهر لانه) اى الشرط (مفروض الحصول) اى قدر وفرض ان حصوله ووقوعه (في الاستقبال) فلا ثبوت له في زمان الماضى ولا في زمان الحال (فيمتنع ثبوته) المدلول عليه بالجملة الاسمية فلا يكون الشرط اسمية (و) كذلك يمتنع (مضيه) وحاليته فلا يكون جملة ماضويه ولا حالية لما ذكرنا من انه لا ثبوت له في زمان الماضي ولا في زمان الحال.

(واما) وجه كون ما ذكر علة لكون (الجزاء) فعلية استقبالية (فلان حصوله معلق على حصول الشرط) الذي (في الاستقبال و) من المعلوم بديهة انه (يمتنع تعليق حصول الحاصل) لو كان ماضيا و (الثابت) لو كان اسمية (على حصول ما) اي الشرط الذى


مفروض الحصول (في المستقبل) وجه الامتناع انه يلزم من هذا التعليق اما توقف ثبوت احد النقيضين اعني الثبوت في الماضي او الحال على ثبوت الاخر اعنى الثبوت في الاستقبال وذلك لما ثبت في محله من كونها من انواع الوجودات المتناقضة لا يمكن اجتماعها او توقف وقوع ما هو واقع في الماضي او الحال على وقوع ما يقع في الاستقبال وذلك من اوضح اقسام المحال فلا يكون الجزاء ايضا جملة ماضوية ولا اسمية.

(و) لكن (يجب ان يتنبه ان الجزاء) فقط (يجوز ان يكون طلبيا وانشائيا (نحو ان جائك زيد فاكرمه لانه فعلى استقبالى لدلالته على الحدوث في المستقبل) لان الطلب لا يتعلق بما وجد في الماضي او الحال والا يلزم طلب الحاصل وهو كتحصيل الحاصل من اقسام المحال (فيجوز ان يترتب) طلب هذا الحدوث الاستقبالى (على امر) يعنى الشرط (بخلاف الشرط فانه مفروض الصدق في الاستقبال فلا يكون طلبيا) لان فرض الصدق اي الحصول والتحقق في الاستقبال لا يتصور فى الانشاء) لان المعنى الانشائى يوجد بوجود لفظه وليعلم ان هذا عبارة اخرى عن بعض ما ذكره الرضى وهذا نصه : ولا يكون الشرط جملة طلبية ولا انشائية لان وضع اداة الشرط على ان يجعل الخبر الذي يليها مفروض الصدق اما في الماضي نحو لو جئتني لاكرمتك او في المستقبل نحو ان زرتني اكرمتك واما الجزاء فليس شيئا مفروضا بل هو مترتب على امر مفروض فجاز وقوعه طلبية وانشائية نحو ان لقيت زيدا فاكرمه وان دخلت الدار فانت حر ولبعده عن كلمة الشرط جاز وقوعه اسمية وفعلية انتهى. وللفقهاء والاصوليين


في المثال الاخير كلام يذكر في محله.

(ولا يخالف ذلك) الحكم المذكور فى المتن المتقدم (لفظا الا لنكتة) ياتى بيانها في المتن الاتى (تطبيقا للفظ) اي لفظ الشرط والجزاء (بالمعنى) اى معنى الشرط والجزاء (وتفاديا) اي تخلصا واتقاء (عن مخالفة مقتضى الظاهر من غير ان يقتضيها شيىء) من النكت الاتية (وقوله) اى المصنف (لفظا اشارة الى ان الجملتين) اي الشرط والجزاء (وان جعلت كلتاهما او احديهما اسمية او فعلية ماضوية) اما الاسمية في الشرط فعلى ما قاله بعضهم من جواز دخول اذا الشرطية على الاسمية بلا تقدير فعل خلافا لما عليه الاكثر من وجوب دخولها على الفعل واما الاسمية في الجزاء وكذا الفعلية الماضوية مطلقا فبالاتفاق وكيفكان (فالمعنى) اي معنى الاسمية والفعلية الماضوية (على الاستقبال حتى ان قولنا ان اكرمتنى الان فقد اكرمتك امس) مع التصريح في الشرط والجزاء على خلاف الاستقبال (معناه ان تعتد) انت في الزمان الاتى اى في الزمان المستقبل (باكرامك اياى الان فاعتد) انا ان قرء بضم الدال او فاعتد انت ان قرء بفتحها والهمزة في الاول للقطع وفي الثاني للوصول (باكرامى اياك امس) فالشرط والجزاء الفعلان المقدران اعنى تعتد واعتد بقرينة المقام فالان والامس ظرفان للاكرام لا للاعتداد.

(و) كذلك (قوله تعالى (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) معناه) والله العالم (فلا تحزن واصبر) او فتاس بتكذيب الرسل من قبلك فوضع كما في الكشاف ((فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) موضع الجزاء المحذوف اعنى فلا تحزن واصبر او فتاس بتكذبت الرسل من قبلك


على ما في الكشاف استغناء بالسبب عن المسبب وقد تقدم بعض الكلام في هذه الاية الكريمة في بحث تنكير المسند اليه فراجع ان شئت.

(و) كذلك (قوله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) معناه) والله العالم (ينصره من نصره قبل ذلك).

قال في الكشاف فان قلت كيف يكون قوله (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) جوابا للشرط قلت فيه وجهان احدهما الا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه الا رجل واحد (يعنى ابا بكر (رض) ولا اقل من الواحد فدل بقوله (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) على انه ينصره في المستقبل كما نصره في ذلك الوقت.

والثاني انه اوجب له النصرة وجعله منصورا في ذلك الوقت فلن يخذل من بعده انتهى (وقس على هذا) الذي ذكر ما لم يذكر (فقدر) في كل كلام غير مستقبل (ما يناسب المقام) والتوفيق لفهم ذلك من الله الملك العلّام.

ثم اعلم انه قد اول بعضهم الجزاء الطلبى بالخبرى فقال في نحو اذا جائك زيد فاكرمه كانه قيل اذا جائك زيد يوجد اكرامك اياه مطلوبا منك في الحال وبعبارة اخرى كانه قيل انه على تقدير صدق جائك زيد اطلب منك اكرامه وانما ارتكب التاويل في الجزاء لامتناع كون طلب الاكرام الحاصل في الحال مسببا عن المجيىء في الاستقبال فرده التفتازاني بقوله (وتاويل الجزاء الطلبى بالخبرى وهم) اى غلط (لانه) اى الجزاء اى طلب الاكرام (ليس بمفروض الصدق) في الاستقبال حتى يكون (كالشرط) فيحتاج الى التاويل حتى يتحقق فيه الصدق (بل هو) اى الجزاء اى طلب الاكرام (مرتب عليه) اى على الشرط فلا مانع من كونه جزاء من دون الاحتياج الى التاويل بالخبرى.


وليعلم ان منشاء القول بالتاويل ما تقدم من قول التفتازانى انه يمتنع تعليق حصول الحاصل الثابت على حصول في المستقبل وقد اجاب عن ذلك بعض المحققين بانا نمنع كون طلب الاكرام الحاصل في الحال معلقا على مجيىء زيد في الاستقبال بل هو اى طلب الاكرام مسبب من شيء حصل في الحال وهو العلم بان زيدا يجيء في الاستقبال فيطلب اكرامه في الحال بعد مجيئه فى الاستقبال انتهى (هذا) غاية ما يمكن ان يقال في هذا المجال والله العالم بحقيقة الحال.

(ولكن قد يستعمل ان في غير الاستقبال قياسا اذا كان الشرط لفظ كان نحو (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍ) كما مر) في اول بحث التغليب (وكذا اذا جيىء بها) اى بان (في مقام التاكيد مع واو الحال لمجرد الوصل والربط) كما ياتى ببانه في التذنيب الذي يذكر في اخر الباب السابع مع توضيح منا ان ساعدنا التوفيق لذلك (ولا يذكر حينئذ) اى حين اذ جيىء بها في مقام التاكيد مع واو الحال لمجرد الوصل والربط (له جزاء نحو زيد وان كثر ماله بخيل وعمرو وان اعطى جاها لئيم) وان شئت ان تعرف حقيقة هذا الكلام فعليك بمراجعة التذنيب المذكور في ذلك المقام فانه يذكر هناك كلاما ماخوذا من الرضى يكفى في توضيح المرام فلذلك لم نطل نحن ههنا الكلام لان التكرار كثيرا ما يوجب الملال فيظن بالقائل انه مكثار.

(و) قد يستعمل ان في غير الاستقبال (في غير ذلك) المقام اى في غير مقام التاكيد وفي غير كون الشرط لفظ كان و (لكنه) اى هذا الاستعمال (قليل كما في قول ابى العلاء) المعرى.

فيا وطنى ان فاتنى بك سابق

من الدهر فلينعم لساكنك البال


والشاهد فيه وفي تاليه استعمال ان في غير الاستقبال مع انها ليست وصلية ولا شرطها لفظ كان (و) كما في (قوله ايضا)

وان ذهلت عما اجن صدورها

فقد الهبت وجدا نفوس رجال

(لظهور ان المعنى في البيتين على المضى دون الاستقبال ولا الحال (وقد يستعمل اذا) ايضا (للماضي كقوله تعالى في قصة ذي القرنين (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) (لظهور ان لفظ اذا في المواضع الثلاثة للمضى (و) قد يستعمل اذا (للاستمرار كقوله تعالى) في صفة المنافقين من اليهود وغيرهم (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا)) الخ وقد مر بعض الكلام في هذه الاية في اوائل الكتاب فتذكر. ثم اشار الى تفصيل النكتة التي تدعوا الى المخالفة بقوله (كابراز غير الحاصل) في الحال او الماضي (في معرض الحاصل) وذلك (لقوة الاسباب) ال فيه للجنس فيشمل ماله سبب واحد (المتاخذة) اي الشارعة (في حصوله) لانه تفاعل من افعال المقاربة كما صرح به الناظم في قوله

كانشاء السائق يحدو وطفق

كذا جعلت واخذت وعلق

(نحو) قولك (ان اشترينا) هذا الكتاب مثلا (كان كذا) قائلا ذلك القول (حال انعقاد اسباب الاشتراء) مثل رضى المتبايعين وحضورهما وسائر ما يتوقف عليه البيع فعبر عنه بلفظ الماضي لقوة هذه الاسباب فكانه وجد وحصل.

واما قوله (او لكون) فهو (عطف على) قوله (قوة الاسباب لا على ابراز غير الحاصل وكذا جميع ما عطف بعده باولانها كلها علل) لشيء واحد اعنى (لابراز غير الحاصل في معرض الحاصل) يدل عليه ما يبينه


بقوله الاتى فان الطالب الخ فان محصله ان في اظهار الرغبة يقدر غير الحاصل حاصلا او يخيل كذلك ولو كان العطف على ابراز لما كان لذلك البيان وجه صحة لانه يلزم حينئذ الحكم بعلية اظهار الرغبة لتقدير غير الحاصل او تخييل ذلك مع عدم كون ذلك الاظهار علة لذلك التقدير والتخييل وبعبارة اخرى يبقى المعلول بلا علة.

قال في المختصر ومن زعم انها كلها عطف على ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل فقدسها سهوا بينا انتهى قال المحشى هناك اي من وجوه الاول انه خلاف ما اشار اليه المصنف في اظهار الرغبة من انها اي المعطوف علل الابراز الثاني ان ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل يشتمل عليه كل ما بعده وحينئذ فلا يصح ان يكون قسيما له الثالث ان التفال لا يحصل بمجرد المخالفة بل لا بد من تنزيل غير الحاصل منزلة الحاصل لذلك انتهى.

(اى لكون ما هو للوقوع) في المستقبل محققا (كالواقع) في الحال او الماضي (كقولك ان مت) كان الناس صنفان شامت واخر مثن بالذي كنت افعل (كما سبق) في الباب الثاني في بحث خلاف مقتضى الظاهر (من انه يعبر عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقق وقوعه او التفال) قد تقدم في بحث تقديم المسند اليه معنى التفال مع بعض ما يقتضيه المقام من الروايات فراجع ان شئت (او اظهار الرغبة في وقوعه اي وقوع الشرط نحو ان ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام) رزقنا الله ذلك بحق محمد واله الكرام عليهم الصلاة والسّلام مر الليالي والايام وليعلم ان (هذا) المثال (يصلح مثالا التفال) (وحده وللرغبة) وحدها ولكليهما معالان النسبة بينهما


عموم من وجه ان قلنا بان كلا منهما من المتكلم بخلاف ما اذا قلنا بان الاول من السامع على ما تقدم في ذلك المبحث المشار اليه انفا والثاني من المتكلم فان النسبة حينئذ التباين فتامل جيدا.

(ثم) لما كان اقتضاء اظهار الرغبة ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل يحتاج الى البيان (اشار) المصنف (الى بيان ان اظهار الرغبة يقتضى ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل بقوله فان الطالب اذا عظمت رعبته في حصول امر) اى شيى (يكثر تصوره اياه اي تصور الطالب ذلك الامر قربما يخيل ذلك الامر اليه اي الى ذلك الطالب حاصلا فيعبر عنه بلفظ الماضي) لدلالته على الوجود لفظا وقريب من هذا البيان قوله

هر كسى او نقش خود بيند در اب

برزگر باران كازر افتاب

شتر در خواب بيند پنبه دانه

گهى لف لف خورد گه دانه دانه

(وعليه اى على اظهار الرغبة في الوقوع) وفي المختصر اي على استعمال الماضي مع ان لاظهار الرغبة في الوقوع (ورد قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ) اي امائكم وفي الحديث ليقل احدكم فتاى وفتاتي ولا يقل عبدى وامتى (عَلَى الْبِغاءِ) هو مصدر يقال بغت المرئة بغاء بالكسر والمداى زنت فهى بغى والجمع البغايا (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) الشاهد فيه حيث (جيء) الفعل (بلفظ الماضى دلالة غلى توفر الرغبة) اى رغبة الله جل جل جلاله (في ارادتهن) اى الفتيات (التحصن) اى العفة والعصمة وكانت العرب في الجاهلية يكرهون امائهم على البغاء ويضربون عليهم ضرائب وفي صدر الاسلام كان لبعض المنافقين جوار يكرههن على البغاء فشكت بعضهن الى رسول الله (ص) فنزل الاية وقول الخطيب


وعليه ورد قوله تعالى دون ان يقول مثل قوله تعالى اشارة الى التفاوت بينهما ان الله تعالى منزه عن الرغبة وكثرة التصور وتخييل الحصول فالمراد هنا لازمها وهو كمال الرضى بارادتهن التحصن والعفة.

(فان قيل تعليق النهى عن الاكراه) الذي هو الجزاء في المعنى (بارادتهن التحصن يقتضى) من حيث المفهوم جوازا لاكراه عند انتفائها) اي عند انتفاء ارادتهن التحصن وهو الاكثر كما يشعر بذلك ايثار كلمة ان دون اذ الان اكثر النساء البغيات يفعلن ذلك برغبة وطواعية وان ما وجد او يوجد من بعضهن من كراهية لذلك من الشاذ النادر والحاصل ان تعليق النهى عن الاكراه بارادتهن التحصن يدل بالمفهوم المخالفة على جواز الاكراه عند انتفاء تلك الارادة على ما هو مقتضى التعليق بالشرط فكيف يجوز الحكم بالجواز مع كونه مخالفا لما هو من الضروريات اعنى حرمة الاكراه على البغاء.

(اجيب) عن ذلك (بوجوه الاول لا نسلم ان التعليق بالشرط يقتضى انتفاء المعلق) يعنى الجزاء (عند انتفائه) اي الشرط (والاستدلال) على ذلك (بان انتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط لانه) اي الشرط (عبارة عما يتوقف عليه وجود الشيء) يعني المشروط في غاية السقوط لانه اي هذا الاستدلال (غلط نشأ من اشتراك اللفظ) بين الشرط الاصولى والشرط النحوي الذي كلامنا فيه فهو نظير ما وقع لبعض النحويين من الغلط وقد ذكره السيوطي في بحث الحال وقد يجي الكلام فيه في الباب السابع في بحث الحال (اذ لا نسلم) ان ما نحن فيه اي (الشرط النحوى هو ما يتوقف عليه وجود الشيء بل هو) اي الشرط النحوى (المذكور بعد ان واخواته معلقا عليه حصول مضمون جملة) تسمى الجزاء


(اي الحكم بانه يحصل مضمون تلك الجملة) التي تسمى الجزاء (عند حصوله) اي حصول المذكور بعد ان واخواته.

(وكلاهما) اي كل واحد من الشرط الاصولي الذي معناه ما يتوقف عليه وجود الشى والشرط النحوى الذي معناه المذكور بعد ان واخواته (منقول عن معناهما اللغوى) فانه (يقال) في اللغة (شرط عليه كذا اذا جعله علامة) هذا احد معانيه اللغوية وله معان اخر مذكورة في كتب اللغة المبسوسطة ومن اراد الاطلاع عليها فليراجعها.

(الا ترى ان قولنا ان كان هذا) الشبح المرئى من بعيد (انسانا كان حيوانا شرط وجزاء) عند النحويين (مع ان كونه) اي المشار اليه (حيوانا لا يتوقف على كونه انسانا ولا ينتفى) حيوانيته (بانتفائه) اي بانتفاء انسانيته كما هو الحال في الشرط الاصولي (بل الامر) في الشرط النحوي (بالعكس) اي يتوقف الشرط على الجزا وينتفى الشرط بانتفاء الجزاء (لان الشرط النحوي في الغالب ملزوم والجزاء لازم) فيمكن ان يكون اللازم اعم ومن هنا قال اهل الميزان ان الشرطية ان كانت متصلة ينتج منها احتمالان لان وضع المقدم ينتج وضع التالي لاستلزام تحقق الملزوم تحقق اللازم ورفع التالي ينتج رفع المقدم لاستلزام انتفا اللازم انتفاء الملزوم واما وضع التالى فلا ينتج وضع المقدم ولا رفع المقدم ينتج رفع التالى لجواز ان يكون اللازم اعم فلا يلزم من تحققه تحقق الملزوم ولا من انتفاء الملزوم انتفاء اللازم.

الوجه (الثاني انه لا خلاف) عند القائلين بالمفهوم المخالفة بل مطلق المفهوم (في ان التعليق) اي تعليق الجزاء اي تقييده (بالشرط انما يقتضى) ويدل على المفهوم اي على (انتفاء الحكم) اي الجزاء


(عند انتفائه) اي انتفاء الشرط (اذا لم يظهر للشرط فائدة اخرى) غير المفهوم لانه لو لم يفد حينئذ التعليق انتفاء الشرط لكان التعليق لغوا يجب تنزيه كلام الحكيم عنه (ويجوز ان يكون فائدته) اي فائدة الشرط (في الاية المبالغة في النهى عن الاكراه) على البغاء (يعنى انهن اذا اردن التحصن) مع ما بهن من الضعف في العقول والقصور في حفظ النفس عما يخل بالشرف (فالموالى احق بها) اي بارادة التحصن والعفة فحاصل معنى الاية ان المولى احق بارادة التحصن اذا اردن التحصن والمولى جدير بالارادة اذا لم يردن فلا تكرهوا فتياتكم على البغاء سواء اردن التحصن والعفة ام لم يردن فالاكراه حرام مطلقا وهذا معنى المبالغة فتدبر.

والوجه (الثالث ان (لا تُكْرِهُوا)) نهى عن الاكراه والنهى عن الاكراه (معناه) اما (يحرم الاكراه او اطلب منكم الكف عن الاكراه) هذا الترديد اشارة الى ما ياتي في الباب السادس من الاختلاف في ان مقتضى النهى كف النفس عن الفعل او نفس ان لا يفعل وسنذكر وجه الاختلاف هناك انشاء الله تعالى (وعند عدم ارادة) الفتيات (التحصن ينتفى حرمة الاكراه او طلب الكف عن الاكراه ضرورة انتفاء الاكراه حينئذ) اي حين عدم ارادة الفتيات التحصن (لانه) اي الاكراه (انما يكون على فعل يريد الفاعل نقيضه) اي رفعه وعدمه (فعند عدم ارادتهن) التحصن و (الامتناع عن الزنا) فلا يردن نقيض الزنا فاذا (لا يتحقق الاكراه عليه) اى على الزنا.

والحاصل كما في القوانين ان السالبة هنا بانتفاء الموضوع وتقريره كما في حاشيته منقولا عن ابى الحسين البصري ان المفهوم هو انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط والشرط هنا ثابت والظاهر يقتضي عدم حرمة الاكراه


عند عدم ارادتهن التحصن لكن لا يلزم من عدم الحرمة ثبوت الحل اذ كما يكون انتفائها بطريان الحل فقد يكون ايضا بانتفاء المحل والمقام من القسم الثاني لان الاكراه يمتنع مع الارادة.

والوجه (الرابع انا سلمنا ان الآية تدل على انتفاء حرمة الاكراه) اى على جواز الاكراه (بحسب الظاهر نظرا الى مفهوم المخالفة لكن الاجماع القاطع) اي الاجماع الذي يفيد القطع واليقين على حرمة الاكراه مطلقا اى سواء اردن الفتيات التحصن ام لم يردن (عارضه والظاهر يدفع بالقاطع) وبعبارة اخرى سلمنا ان اللفظ من حيث المفهوم يقتضى ذلك ولكن القرينة الخارجية اعني الاجماع القطعي من كافة المسلمين مانعة عن ذلك ولو لا القرينة على عدم ارادة المفهوم لعملنا على مفهومه فالاجماع هو القرينة على عدم ارادة ذلك المفهوم من الاية.

(قال السكاكي او للتعريض اي ابراز غير الحاصل في معرض الحاصل اما لما ذكر) من الامور الاربعة اعني قوة الاسباب وكون ما هو للوقوع كالواقع والتفال واظهار الرغبة (او للتعريض) ويقال له بالفارسية (گوشه ذدن بغير) ولذا بينه بقوله (بان ينسب الفعل الى احد والمراد غيره) ومن هنا قيل اياك اعني واسمعى يا جارة (نحو قوله تعالى (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) فالخطاب) في اشركت (لمحمد (ص) وعدم اشراكه مقطوع به لكن جيء) الفعل يعني اشركت (بلفظ الماضي ابرازا للاشراك) اى اشراكه (ص) (في معرض الحاصل على سبيل الفرض والتقدير) كما يفرض ويقدر المحال وان لم ين اشراكه (ص) محالا


محالا.

قال في الكشاف فان قلت كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى ان رسله لا يشركون ولا تحبط اعمالهم قلت هو على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها لاغراض فكيف بما ليس بمحال انتهى والغرض ههنا ما ذكره بقوله (تعريضا بمن صدر عنهم الاشراك بانهم قد حبطت اعمالهم) اى بطلت وفسدت وهدرت فلم يوجروا عليها هذا ولهم في تفسير الآية وصحة الاحباط بهذا المعنى كلام في الكتب الكلامية والاصولية ليس هنا محل ذكره فمن اراد الاطلاع على ذلك فليطلب من مظانه.

والتعريض (كما اذا شتمك احد) من السفلة والسوقة (فتقول والله لئن شتمني الامير لاضربنه) فجعلت شتم الامير الغير الحاصل تعريضا بان من شتمك يستحق الضرب والعقوبة وان كان اميرا فكيف بمن كان من السفلة والسوقة لانه يستحق ذلك وانت قادر عليه بطريق اولى.

(ولا يخفى عليك انه لا معنى للتعريض لمن لم يصدر عنهم الاشراك) نعم يمكن ان يكون هذا النحو من الكلام من قبيل التهديد والايعاد (و) لا يخفى عليك ايضا (ان ذكر) الفعل (المضارع لا يفيد التعريض لكونه) اى المضارع (على اصله) اى على اصل فعل الشرط الذي هو فعلية استقبالية وانما يفهم التعريض الذي هو نكتة من النكات مما يخالف الاصل.

(و) ليعلم انه (لما كان في هذا الكلام) اي في قول الخطيب او التعريض نوع (من الخفاء والضعف نسبه الى السكاكى) اما الخفاء


فلان خصوصية الماضي لا دخل لها في التعريض فانه انما يستفاد من اسناد الفعل الى فاعل يمتنع صدوره منه عادة واما الضعف فلان العدول عن المضارع ليس للتعريض وانما هو لعدم كون اداة الشرط عاملا فيه لفظا وذلك لما تقرر في علم النحو من ان اداة الشرط اذا كان مقرونة باللام الموطئة للقسم فالجواب للمتقدم منهما كما قال في الالفية

واحذف لدى اجتماع شرط وقسم

جواب ما اخرت فهو ملتزم

فيضعف الاداة بذلك عن العمل فلا تعمل لفظا فيجب كون الشرط ما تعمل فيه محلا وهو الماضي.

قال الرضى في بحث كلم المجازات في باب اعراب الفعل واذا حذف جواب اداة الشرط الجازمة فالواجب فى الاختيار ان لا ينجزم الشرط بل يكون ماضيا لفظا او معنى نحو ان لم افعل لئلا تعمل الاداة في الشرط كما لم تعمل في الجزاء انتهى.

وقال الجامي في بحث حروف الشرط واذا تقدم القسم اول الكلام على الشرط لزمه الماضى اى لزم القسم ان يكون الشرط الواقع بعده ماضيا لفظا او معنى ليكون على وجه لا يعمل فيه ادوات الشرط فيطابق الشرط الجواب حيث يبطل عمل ادوات الشرط فيه اى فى الجواب وكان الجواب للقسم فقط لفظا لا للقسم والشرط جميعا لانه يلزم ان يكون مجزوما وغير مجزوم وهو محال واما معنى فهو جواب للقسم لكون اليمين عليه وللشرط ايضا لكونه مشروطا بالشرط انتهى باختصار غير مخل بالمقصود.


(والا) اى وان لم يكن في هذا الكلام الخفاء والضعف (فهو) اى السكاكى (قد ذكر جميع ما تقدم) من الامور الاربعة مع هذا الامر الخامس اعنى التعريض فلا وجه لتخصيص نسبة ذلك اليه (ثم قال) السكاكى (ونظيره اى نظير (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) في) مجرد (التعريض) بالغير (لا في استعمال الماضي مقام المضارع في الشرط للتعريض) اذ لا شرط ولا ماضي في (قوله تعالى) حكاية من الرجل الذي جاء من اقصا المدنية وايضا ليس في قوله (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ابراز الغير الحاصل في معرض الحاصل بخلاف قوله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) فتامل (اى وما لكم لا تعبدون الذي فطركم) ففيه تعريض بالمخاطبين الذين لا يعبدون الله (بدليل (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بصيغة الخطاب (اذ لو لا التعريض) بالمخاطبين (لكان المناسب لسياق الآية) وصدرها (ان يقال واليه ارجع) بصيغة المتكلم كما سبق في بحث الالتفات.

(ووجه حسنه اى حسن هذا) القسم من (التعريض) لا مطلقه يدل على ذلك قوله (اسماع المتكلم المخاطبين الذين هم اعدائه) لكونهم كفارا والكفار اعداء للمحقين (الحق) هذا مفعول ثان للاسماع ومفعوله الاول المخاطبين (على وجه لا يزيد ذلك الوجه غضبهم) مع ان من شان المخاطب اذا كان عدوا للمتكلم ازدياد غضبه عند سماع الحق من المتكلم لا سيما اذا كان المخاطب من المعاندين امثال ابي جهل وابي لهب ونحوهما (وهو اى ذلك الوجه ترك التصريح بنسبتهم الى الباطل) يعني عدم عبادتهم الله الذي فطرهم اي خلقهم (و) قوله (يعين) من العون (عطف على قوله لا يزيد) اي على النفي والمنفى معا لا على المنفى فقط (وليس هذا من كلام


السكاكي (يعني على وجه يعين) ذلك الوجه (على قبوله اي قبول الحق لكونه اي كون ذلك الوجه ادخل في امحاض النصح) اي في كون النصح خالصا غير مشوب بشيء من الامور التي لا يريدها المتكلم لنفسه وهذا معنى قوله (حيث لا يريد المتكلم لهم) اي للمخاطبين (الا ما يريد لنفسه) وقد تقدم بعض الكلام في هذه الاية في بحث الالتفات فراجع ان شئت.

(ويسمى هذا النوع من الكلام) المشتمل على اسماع الحق على وجه لا يزيد غضب الخصم سواء كان فيه تعريض كالاية او لا كقوله تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (المنصف لان كل من سمعه) اى هذا النوع من الكلام (قال للمخاطب قد انصفك المتكلم به) اي بهذا الكلام اي عاملك بالعدل والقسط.

قال في المصباح انصفت الرجل انصافا عاملته بالعدل والقسط والاسم النصفة بفتحتين لأنك اعطيته من الحق ما تستحقه لنفسك وتناصف القوم انصف بعضهم بعضا انتهى ومن ذلك يظهر معنى قوله (او لان المتكلم قد انصف من نفس وحيث حط مرتبته عن مرتبة المخاطب) أى انزل مرتبته عن مرتبته.

(ويسمى ايضا) هذا النوع من الكلام (الاستدراج) قال في المصباح درجته الى الامر تدريجا فتدرج واستدرجته اخذته قليلا قليلا انتهى ومنه قوله تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) وبه يظهر معنى قوله (لاستدراجه) اى المتكلم (الخصم الى الاذعان) اى الاعتقاد (والتسليم) لما هو الحق (وهو) اى هذا النوع من الكلام (من لطائف الاساليب وقد كثر) هذا النوع من الكلام (في التنزيل


والاشعار والمحاورات) اي التخاطبات.

(فان قلت في قوله تعالى (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) اي ان يجدكم مشركوا مكة ويظفروا بكم ((يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً)) خالصي العداوة (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) اي بالقتل والضرب والشتم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) اي تمنوا ان ترتدوا عن دينكم فتكونوا مثلهم وترتفع العداوة والقتال قد ذكر في موضع جزاء هذا الشرط ثلث جمل متعاطفة وقد عدل في) الجملة (الثالثة) يعني ودوا (الى لفظ الماضي فأى نكتة في ذلك) العدول اذ قد تقدم في صدر المبحث انه لا يخالف ذلك الا النكتة.

(قلت فيه وجهان احدهما وهو المذكور في الكشاف ان الغرض منه) اى من العدول (الدلالة على انهم) اى مشركى مكة (ودوا قبل كل شيء كفر المؤمنين وارتدادهم لانهم يريدون ان يلحق بهم) اى بالمؤمنين (مضار الدنيا والدين واسبق المضار عندهم ان يردوا المؤمنين كفارا لعلمهم) اى المشركين (بان الدين اعز عليهم) اى على المؤمنين (من ارواحهم لأنهم يبذلون الارواح دونه) اى دون الدين اى عنده اى لحفظه فتحصل ان الجمل الثلاث لا انفكاك بينها حين المصادفة والظفر لكن الودادة قبل كل شيء عند المشركين.

(وثانيهما وهو المذكور في المفتاح ان لزوم ودادتهم) اي المشركين (ان يردوهم) اي المؤمنين (كفارا لمصادفتهم) اى ملاقات المشركين المؤمنين في ميدان القتال (والظفر بهم) اى ظفر المشركين بالمؤمنين (لا يحتمل) ذلك اللزوم بين الودادة وبين المصادفة والظفر (من الشبهة ما يحتمله) اى شبهة يحتمله (لزوم الاولين لها) اي


للمصادفة (اعني) بالاولين (كونهم) اى المشركين (اعداء وبسطهم الايدى) بالقتل والضرب (والالسن) بالشتم (اليهم) اى الى المؤمنين (لانها) اى الودادة (واضحة اللزوم) للمصادفة والظفر (بالنسبة اليهما) اى كونهم اعداء وبسطهم الايدى لان ودادتهم) اى المشركين (لكفر المؤمنين ثابتة البة ولا شيء احب اليهم) اى الى المشركين (من كفرهم) اى المؤمنين (لكونه) اى الكفر (اضر الاشياء بالمؤمنين وانفعها) اى الاشياء (للمشركين لانحسام) اى انقطاع (مادة المخاصمة وارتفاع المقاتلة والمشاجرة) اى المنازعة والمطاعنة بالرماح فتحصل انه يمكن الانفكاك بين الودادة وبين كونهم اعداء وبسطهم الايدى حين المصادفة والظفر (بخلاف العداوة وبسط الايدى والالسن فانه) اى الشان (يجوز انتفائهما لدى المصادفة) والظفر (بتذكر ما) اي الذي (بينهم من القرابة والمعارفة) قبل الاسلام (وبما نشئوا عليه من قولهم) في مقام الترغيب والتحريض الى محاسن الاخلاق.

(اذا ملكت فاسجح) اي اذا قدرت فسهل واحسن العفو ولذا قيل احسن العفو عند القدرة.

قال في المجمع ومنه قول بعضهم معاوى اننا بشرفا سجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا وفي حديث على مع عائشة يوم الجمل وقد قال لها كيف رايت صنع الله بك فقالت ملكت فاسجح يعني قدرت فسهل واحسن العفو وهو مثل سائر انتهى.

ولما كان هنا مظنة ان يقال ان في هذا اللزوم ايضا شبهة لجواز انتفاء ودادة كفرهم باسلام المشركين ايضا فلا يصح النكتة المذكورة


للعدول الى الماضي فاجاب بقوله : (واما انتفاء ودادة كفرهم) اي المسلمين (بان يسلم المشركون ايضا فهو وان كان ممكنا محتملا لكن لا يخفى عليك انه ابعد واخفى) لا سيما اسلام امثال ابى جهل وعتبة وامثالهما.

(فان قلت اذا عطف شيىء على جواب الشرط فهو على وجهين احدهما ان يتصورر وجود كل من) المتعاطفين (المذكورين) مستقلا و (بدون الاخر ويصح وقوعه) اي وقوع كل واحد من المذكورين (جزاء) من دون ان يتوقف على الاخر (نحو ان تعطنى اعطك واكسك) حيث لا يتوقف الاعطاء على الاكساء ولا الاكساء على الاعطاء (والثانى ان يتوقف المعطوف على المعطوف عليه نحو ان رجع استاذنت وخرجت) فان الخروج يتوقف على الاذن عادة وعرفا (وهذا) القسم من المتعاطفين (في المعنى على كلامين) مستقلين (اي اذ ارجع) الامير (استاذنته) هذا احد الكلامين.

(و) الاخر (اذا استاذنته خرجت كذا في دلائل الاعجاز.

(فما في الاية ان كان من الضرب الثاني ليكون مجموع الجمل الثلاث لازما واحدا) بحيث يتوقف كل واحدة منها على الاخرى ولا انفكاك بينها فحينئذ (لم يصح ما في المفتاح) من احتمال الشبهة في لزوم الاولين والحكم بان الثالث اعنى الودادة فقط ثابتة البة (وان كان من الضرب الاول) بحيث يتصور وجود كل بدون الاخر فيمكن ان يوجد الودادة بدون بسط الايدي والالسن وكذلك يمكن ان يكونوا


اعداء للمؤمنين بدون ان يثقفوهم فحينئذ (لم يكن في تقييد ودادة الكفر) وكذا كون المشركين اعداء للمؤمنين (بالشرط) اى بيثقفوكم الذي معناه يجدوكم ويظفروا بكم (فائدة) لان الشرط وهذا الجزاء حينئذ من قبيل تقييد وجود شيىء بقيد لا دخل لذلك القيد في وجود ذلك الشيى (لانها) اي الودادة.

(حاصلة ظفروا) المشركون (بهم) اي بالمؤمنين (او لم يظفروا) وكذلك العداوة لانهما من الافعال الجوانحية التى لا يحتاج وجودها الى اعمال الجوارح فظهر مما بيناه انه لا يصح جعل الثالث عطفا على الجزاء فقط سواء جعلناه من الضرب الثاني ام من الضرب الاول.

(فالاولى ان يكون) الثالث اعنى (قوله تعالى (وَدُّوا) عطفا على) مجموع (الجملة الشرطية لا على الجزاء وحده) ولا غر وفي ذلك (فان تعاطف الشرطية وغيرها كثير في الكلام.

قال الله تعالى (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) الا ترى انه (عطف (لا يُنْصَرُونَ)) وهو غير شرطية (على مجموع الشرط والجزاء) وقد جاء عكس ذلك ايضا.

(قال الله تعالى (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) الا ترى انه (عطف) مجموع (الشرطية) اعنى لو انزلنا الخ (على) غير الشرطية اعنى (قالوا) فعلى هذا يكون المستفاد من الاية والله العالم امرين مستقلين احدهما ان المشركين ان يثقفوا المؤمنين يكونوا اعداء لهم ويبسطوا اليهم ايديهم وثانيهما ان ودادة الكفر حاصلة دائما سواء ظفروا بالمؤمنين ام لم يظفروا.

(قلت الظاهر انه) اي ما في الاية (من الضرب الاول و) لكن


ليس (المرار) مجرد الودادة والعداوة قلبا بل (اظهار ودادة الكفر واستيفاء مقتضياتها) من منع المومنين من اقامة الشعائر الاسلامية وترغيبهم فيما يفسد عليهم دينهم وعقائدهم وترويج ما يوجب كفرهم والحادهم بواسطة حكامهم وملوكهم من دون خوف وحذر كما نرى ذلك في زماننا هذا (ولا شك انه) اى الاستيفاء على النحو المذكور (موقوف على الظفر بهم وكذا المراد اظهار كونهم اعداء) واستيفاء مقتضياته من بسط الايد والالسن بالضرب والشتم وهتك الاعراض ونهب الاموال بواسطة المذكورين (والا) اى وان لم يكن المراد اظهار الودادة والعداوة واستيفاء المقتضيات (فالعداوة) القلبية (حاصلة ظفروا بهم) اى بالمؤمنين (او لم يظفروا) وكذلك الودادة القلبية.

(لا يقال) ردا على قوله فالعداوة حاصلة ظفروا بهم او لم يظفروا (ان الاية نزلت في حاطب بن ابى بلتعة حين وجه كتابا الى مشركى مكة واخبرهم باستعداد النبي (ص) لقتالهم فقبل ظفر المشركين بهم) اي بحاطب وامثاله او بالمومنين (يظنونهم) اى حاطب وامثالهم (كفارا مثلهم) ومنشاء هذا الظن وموجبه المكاتبة المذكورة لان لهم علما بان المؤمن لا يكاتب الكفار ولا يخبرهم باسرار الحرب لا سيما اذا كانت الحرب بامر وارشاد من رسول الله (ص) (فلا عداوة ولا ودادة للرد الى الكفر (واما اذا اظفروا بهم ووجدوهم) على خلاف ما يدل عليه المكاتبة بان وجدوهم (مؤمنين فحينئذ) يخيب ظنهم و (يتحقق العداوة وبسط الايدى والالسن) بالضرب والشتم ونحو ذلك مما تقدم انفا.


(لانا نقول هذا انما يصح ان لو وصل الكتاب الى المشركين وعلموا) بذلك (عن حاطب الكفر والنفاق والمذكور في القصة) وقد ذكرناها بتمامها وتفاصيلها في ذيل بحث التكرار فى اواخر الجزء الاول (ان الكتاب لم يصل اليهم وانه) اي الشان (اخذه) اي الكتاب (اصحاب النبي (ص) عن الطريق) والمراد من الاصحاب كما ذكرنا هناك على ابن ابي طالب (ع) والزبير والمقداد فان شئت ان تعرف فراجع هناك هذا تمام الكلام في ان واذا وما يناسب ذلك من المباحث.

(و) اما الكلام في (لو) فهو انها (للشرط اى لتعليق حصول مضمون الجزاء) ووجوده (بحصول مضمون الشرط) ووجوده واما قوله (فرضا) فهو اما حال عن حصول مضمون الشرط اى حالكون حصول مضمون الشرط بطريق الفرض والتقدير او صفة لمفعول مطلق له اي حصولا فرضا او منصوب على التميز اى حصول مضمون الشرط من جهة الفرض وكيفكان فانما قيد الحصول الثانى بالفرض لئلا يلزم المنافاة بينه وبين قول الخطيب الاتى مع القطع بانتفاء الشرط فتدبر جيدا.

واما قوله (في الماضي) فمعناه انه يفرض انه لو قدر حصول الشرط فى الماضي لترتب عليه حصول الجزاء (مع القطع بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء الجزاء كما تقول لو جئتنى لاكرمتك) حالكونك (معلقا الاكرام بالمجيىء مع القطع) اى مع قطعك وعلمك (بانتفائه) اى المجيىء (فيلزم انتفاء الاكرام) لما ثبت في محله من ان انتفاء الشرط وكذا السبب يوجب انتفاء المشروط والمسبب.

قال الجامى واعلم ان المشهور ان لو لانتفاء الثانى لانتفاء الاول


وهذا لازم معناها فانها موضوعة لتعليق حصول امر في الماضي بحصول امر اخر مقدر فيه وما كان حصوله مقدرا في الماضي كان منفيا فيه قطعا فيلزم لاجل انتفائه انتفاء ما علق به ايضا فاذا قلت مثلا لو جئتنى لاكرمتك فقد علقت حصول الاكرام في الماضي بحصول مجيىء مقدر فيه فيلزم انتفائهما معا وكون انتفاء الاكرام مسببا لانتفاء المجيىء في زعم المتكلم انتهى.

(فهى) عند المشهور (لامتناع الثاني اعني الجزاء لامتناع الاول اعنى الشرط) فالمعلق اعنى الجزاء والمعلق عليه اعنى الشرط عندهم على نهج واحد اعنى كل واحد منهما مفروض الحصول والوجود مع القطع بانتفاء المعلق عليه فيلزم منه القطع بانتفاء المعلق ولا اشكال فيه ولا فساد.

(واما عبارة المفتاح وهى انها لتعليق ما) اى الذي (امتنع) اي الجزاء (بامتناع غيره) اي بامتناع الشرط (على سبيل القطع) حاصله ان لو لتعليق الجزاء بامتناع الشرط فالمعلق نفس الجزاء والمعلق عليه امتناع الشرط (كقولك لو جئتني لاكرمتك) حالكونك (معلقا لامتناع اكرامك) الذي هو الجزاء (بما) اي بالذى (امتنع من مجيىء مخاطبك) حاصله ان المعلق امتناع الجزاء لا نفسه والمعلق عليه نفس الشرط لا امتناعة (ففيها) اي في عبارة المفتاح (اشكال لانه) كما بينا (جعل اولا) اي في قوله انها لتعليق ما امتنع الخ. (المعلق نفس الجزاء والمعلق عليه امتناع الشرط وثانيا) اي في قوله معلقا لامتناع اكرامك الخ جعل (المعلق امتناع الجزاء) لا نفسه (و) جعل (المعلق عليه نفس الشرط) لا امتناعه والحاصل انه عكس في الثاني


ما في الاول (مع وضوح فساد كل واحد منهما) اي الاول والثاني.

اما فساد الاول اي جعل المعلق نفس الجزاء والمعلق عليه امتناع الشرط فلانه يلزم حينئذ ان يوجد ويتحقق الجزاء في قولك لو جئتنى لاكرمتك لانه جعل فيه اى في الاول نفس الاكرام معلقا على امتناع المجيىء وانتفائه والمفروض ان امتناع المجيىء وانتفائه مقطوع به فيلزم القطع بتحقق الاكرام لانه معلق على ذلك الامتناع والانتفاء والحال ان الاكرام غير متحقق قطعا.

واما فساد الثاني الذي هو عكس الاول فلانه يلزم في قولك المذكور ان لا يتحقق الاكرام الذي هو الجزاء على تقدير تحقق المجيىء لانه جعل فيه اى في الثاني امتناع الجزاء وانتفائه معلقا على نفس الشرط اعنى المجيىء والمفروض حسبما بينا في شرح قول الخطيب فى الماضي انه لو قدر حصول الشرط اعنى المجيىء في الماضي لترتب عليه حصول الجزاء ووجوده لا انتفائه.

فالحق ان يقال كما في الجامى وهو المشهود انها لتعليق انتفاء الجزاء وامتناعه بانتفاء الشرط وامتناعه او يقال كما في قول التفتازانى انها لتعليق حصول الجزاء بحصول الشرط وبعبارة اخرى الحق التوافق بين المعلق والمعلق عليه كما هو المتداول عند من تعرض لهذا المبحث وحينئذ لا يلزم شيىء من الفسادين المتقدمين.

(وقد وجهه) اى وجه ما ذكر من عبارة المفتاح دفعا للاشكال (بعض من اطلع عليه بانه على حذف المضاف) في الاول والثاني (أي انها لتعليق امتناع ما امتنع) فالمحذوف لفظ امتناع قبل لفظ ما الموصولة.


(و) كذلك (معلقا لامتناع اكرامك بامتناع ما امتنع من المجيىء) فالمعلق والمعلق عليه في كلا المقامين متوافقان لانهما فى كل واحد من المقامين الامتناع فلا اشكال ولا فساد في شيىء منهما.

(و) لكن (اظن انه لا حاجة اليه) اي الى القول بانه على حذف المضاف لان العبارة بنفسها تفيد هذا المعنى من دون ان يقال ان ههنا مضافا محذوفا (لان) فيها اي في العبارة (تعليق الحكم) اي تقييده (بالوصف) والمراد من الحكم فيها اي في عبارة المفتاح لفظة التعليق والمراد من الوصف فيها الممتنع المدلول عليه بقوله ما امتنع.

ومن المسلم عند بعض ان تعليق الحكم بالوصف (مشعر بالحيثية) اى العلية قال في القوانين في بحث مفهوم الوصف في ذيل احتجاج النافين ولى في المسئلة التوقف وان كان الظاهر في النظر انه لا يخلو عن اشعار كما هو المشهور اذ التعليق بالوصف مشعر بالعلية لكن لا بحيث يعتمد عليه الا ان ينضم اليه قرينة انتهى.

وسياتى البحث في ذلك في اقسام الدلالات في علم البيان ايضا انشاء الله تعالى (فكانه قيل) في عبارة المفتاح (انها لتعليق ما) اى جزاء (امتنع من حيث انه ممتنع) فالمراد من لفظة ما الجزاء لكن لا مطلقا بل من حيث انه ممتنع (وهذا معنى تعليق امتناعه) اى الجزاء (وكذا قوله) اى المفتاح (بما امتنع) اي الشرط فالمراد من لفظة ما الشرط لكن لا مطلقا بل من حيث انه ممتنع) فتوافق المعلق والمعلق عليه.

(وهذا) الذى بينا من الاشعار بالحيثية (معنى لطيف شجع السكاكى على هذه العبارة) التي لا تخلوا بظاهره من الاشكال المذكور ظنا منه ان كل احد ينتقل من تعليق الحكم بالوصف الى ذلك الاشعار.


(و) قد (غفل عنه المهرة من متقنى كتابه) ولا غر وفي ذلك للتفاوت الفاحش كما ترى في الاذواق والافكار في فهم دقائق الالفاظ وما فيها من الرموز والاسرار ولا سيما في كلام الملك الجبارة.

(فعنده) اى المفتاح (هى لتعليق الامتناع) اى امتناع الجزاء (بالامتناع القطعى) اى بامتناع الشرط الذي امتناعه مقطوع به (و) اما (على ما ذكرنا) فهى (لتعليق الثبوت) والحصول اى ثبوت الجزاء وحصوله (بالثبوت) فرضا في الماضي اي بثبوت الشرط وحصوله (مع القطع بالانتفاء) اي بانتفاء الشرط فيلزم انتفاء الجزاء (والمال) اي مال ما عند المفتاح وما عندنا (واحد) اذ ما كان ثبوته وحصوله مفروضا فى الماضي كان منفيا قطعا فيلزم لاجل انتفائه انتفاء ما علق به ايضا كما صرح به الجامى في عبارته المتقدمه انفا فتبصر.

(ففى الجملة هى لامتناع الثاني اعنى الجزاء لامتناع الاول اعنى الشرط سواء كان الشرط والجزاء) في الاصل (اثباتا) نحو لو جئتنى لاكرمتك (او نفيا) يذكر مثالها بعيد هذا (او احدهما اثباتا والاخر نفيا) نحو لو لم تصل لاهنتك ونحو لو علمتك فاسقا لما اقتديت بك (فامتناع النفي اثبات وبالعكس) اي امتناع الاثبات نفى (فهى فى نحو لو لم تاتنى لم اكرمك) الذي هو مثال لكونهما نفيا (لامتناع عدم الاكرام لامتناع عدم الاتيان اعنى لثبوت الاكرام لثبوت الاتيان هذا هو) المعنى (المشهور بين الجمهور) والوجه في ذلك عندهم ان الشرط سبب للجزاء فاذا انتفى السبب ينتفى المسبب قطعا.

(و) من هنا (اعترض عليه) اى على المعنى المشهور (الشيخ ابن


الحاجب بان الاول) اى الشرط (سبب والثاني) اى الجزاء (مسبب والمسبب قد يكون اعم) من السبب (لجواز ان يكون لشيىء اسباب مختلفة) متعددة يكون كل واحد منها علة تامة لوجود المسبب (كالنار والشمس للاشراق فانتفاء السبب لا يوجب انتفاء المسبب بخلاف انتفاء المسبب فانه يرجب انتفاء السبب الا ترى ان قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما) اى في السماء والارض (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) انما سيق ليستدل بامتناع الفساد) الذى هو الجزاء (على امتناع تعدد الالهة) الذى هو الشرط (دون العكس) اى لم يسق ليستدل بامتناع تعدد الالهة على امتناع الفساد (لجواز ان يفعله الله تعالى) اى يفعل الفساد الله الواحد القهار (بسبب اخر) كما يفعله يوم المعاد لحساب العباد فيطوى السماء كطى السجل ويبدل الارض غير الارض يوم يصدر الناس اشتاتا ليروا اعمالهم اذ السماء انفطرت واذا الكواكب انتثرت واذ البحار سجرت (فالحق انها لامتناع الاول) اى الشرط كتعدد الالهة في الاية (لامتناع الثاني) اي الجزاء كالفساد فيها.

(وقال بعض المحققين) يعنى الرضى (ان دليله) اى الشيخ ابن الحاجب (باطل ودعواه حق اما الاول) اى كون دليله باطلا (فلان الشرط) اى ما يقع بعد الادات اى ما يسمى بالشرط (عندهم) اى عند اهل العربية واللغة (اعم من ان يكون سببا) وهو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم (نحو لو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود (او شرطا) وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود (نحو لو كان لى مال لجحجت او غيرهما نحو لو كان النهار موجودا كانت الشمس طالعة) فان وجود النهار ليس سببا لطلوع


الشمس ولا شرطا له.

(واما الثاني) اى كون دعواه حقا (فلان الشرط ملزوم والجزاء لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس) مثلا انتفاء الحرارة او الحيوانية يوجب انتفاء النار او الانسانية من غير عكس لجواز وجود الحرارة بالشمس والحركة والخجل وجواز وجود الحيوانية بالحمار وسائر المصاديق.

(فهى) اى كلمة لو (موضوعة ليكون جزائها) الذى هو لازم (معدوم المضمون فيمتنع) بسبب عدم الجزاء (مضمون الشرط الذي هو ملزوم) وذلك (لاجل انتفاء لازمه وهو الجزاء فهى) وضع (لامتناع الاول) يعنى الشرط (لامتناع الثاني) اى الجزاء (اى ليدل انتفاء الجزاء على انتفاء الشرط ولهذا قالوا) اى المنطقيون (في القياس الاستثنائى ان رفع التالى يوجب رفع المقدم ورفع المقدم لا يوجب رفع التالي فقولنا لو كان هذا انسان كان حيوانا لكنه ليس بحيوان ينتج انه ليس بانسان وقولنا لكنه ليس بانسان لا ينتج انه ليس بحيوان وهذا ما ذكره جماعة من الفحول) في بيان الاعتراض الوارد على المعنى المشهور بين الجمهور (وتلقاه) اى الاعتراض وبيانه (غيرهم) اى غير الفحول (بالقبول) والمنشاء لذلك انما هو الغفلة والذهول.

(ونحن نقول ليس معنى قولهم) اى الجمهور (لو لا امتناع الثاني لامتناع الاول انه يستدل بامتناع الاول) اى الشرط (على امتناع الثاني) اى الجزاء وبعبارة اخرى ليس معنى قولهم المذكور ان العلم بانتفاء الشرط سبب للعلم بانتفاء الجزاء (حتى يرد عليه) أى على قولهم المذكور.


(ان) المنطقيين قالوا في القياس الاستثنائى ان انتفاء السبب او الملزوم) اى رفع المقدم (لا يدل على انتفاء المسبب او اللازم) اي على رفع التالي والحاصل انهم اى الجمهور ليسوا بصدد ما لكلمة لو من المعنى عند المطقيين حيث انهم اى المتطقيين يستعملونها للدلالة وتحصيل العلم بالمجهول.

(بل معناه) أى معنى قولهم المذكور (انها) أي كلمة لو (للدلالة على ان انتفاء الثاني) اي عدم وجود الجزاء (في الخارج انما هو) اى الانتفاء (بسبب انتفاء الاول) اى بسبب عدم وجود الشرط والفرق ظاهر بين ما يكون علة للعلم بانتفاء بانتفاء مضمون الجزاء وبين ما يكون علة وسببا لنفس انتفاء مضمون الجزاء في الخارج.

قال الجامي ان المعنى المشهور بيان سببية احد انتفائين معلومين للاخر بحسب الواقع فلا يتصور هناك استدلال فانك اذا قلت لو جئتنى لاكرمتك لم تقصد ان تعلم المخاطب انتفاء المجيىء من انتفاء الاكرام كيف وكلا الانتفائين معلوم له بل قصدت اعلامه بان انتفاء الاكرام مستند الى انتفاء المجيىء انتهى.

(فمعنى) قوله تعالى (لَوْ شاءَ) الله (لَهَداكُمْ) اجمعين (ان انتفاء الهداية انما هو بسبب انتفاء المشية فهى) اى كلمة لو (عندهم) اى الجمهور (تستعمل للدلالة على ان علة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج هي انتفاء مضمون الشرط من غير التفات الى ان علة العلم بانتفاء الجزاء ما هى) اذ لو التفت الى ان علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي لكان استدلا لا فيرد عليه ما اعترضه الشيخ ابن الحاجب ومتابعوه من ان انتفاء السبب او الملزوم لا يوجب انتفاء المسبب او اللازم واما اذا لم يلتفت الى ذلك فلا يرد شيىء مما ذكروه.


(الا ترى ان قولهم لو لا لامتناع الثاني) اي الجزاء (لوجود الاول) اى الشرط (نحو) قول عمر في مواطن كثيرة (لولا على لهلك عمر معناه ان وجود على (ع) سبب) وعلة (لعدم هلاك عمر لا ان وجوده (ع) دليل على ان عمر لم يهلك) لجواز وقوع هلاك عمر مع وجود على كما هو كذلك واقعا ولان عدم هلاك عمر معلوم للمخاطب المتلقى هذا الكلام من عمر كما ان وجود علي (ع) ايضا كذلك والبديهة تحكم بانه لا يستدل بمعلوم على معلوم اذ المعلوم لا يستدل عليه لانه تحصيل الحاصل وهو محال ومن هنا قيل بالفارسية (بر فروغ خور نجو يدكس دليل).

ولا يذهب عليك ان ذكر لو لا في المقام تنظير وتوضيح لما نحن فيه يعنى ان قول الجمهور لو لا لامتناع الثاني لوجود الاول اى للدلالة على ان علة امتناع الثاني في الخارج هي وجود الاول فينبغى ان يكون حكم لو حكم لولا.

(ويدل على ما ذكرنا) اى على ان معنى قول الجمهور ان انتفاء الاول علة لانتفاء الثاني في الخارج (قول ابى العلاء المعرى).

ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم

رعايا ولكن ما لهن دوام

(الا ترى) انه صرح فيه برفع المقدم اعنى ما لهن دوام لينتج ذلك رفع التالى اعنى ينتج انه لم يكونوا كغيرهم رعايا فلو كان قوله مبنيا على ما زعمه الشيخ ابن الحاجب ومتابعوه لما صح ذلك اذ من المعلوم (ان استثناء نقيض المقدم) اى رفع المقدم (لا ينتج شيئا على ما تقرر في المنطق) وفي قوله قد انتج حيث جعل رفع المقدم اعنى انتفاء دوام الدولات علة لرفع التالى اى لانتفاء كونهم كغيرهم


رعايا فالمراد من رفع المقدم الدلالة على ان علة انتفاء مضمون الجزاء اى كونهم كغيرهم رعايا انتفاء مضمون الشرط اي دوام الدولات فحاصل المعنى انه لما انتفى دوام الدولات انتفى كونهم كغيرهم رعايا.

والبيت على ما قال بعض المحشين في مدح بعض الملوك وذم قوم خرجوا عن طاعته فغزاهم فقتلهم واسرهم والدولات جمع دولة بفتح الدال وضمها واصلها من التداول والمداولة وهى الاخذ عن تناوب لانها تكون مرة لهذا ومرة لذاك كما قيل بالفارسية (اين نغمت وملك ميرود دست بدست).

والرعايا جمع رعية كالمطايا والمطية وفي هذا الوزن من الجمع قلب ونقل يذكر في علم التصريف والمعنى حينئذ ان الدولات لو دامت على اهلها كان هؤلاء القوم رعايا مطيعين للملك كغيرهم فسلموا من القتل والاسر لكن لا دوام للدولات على احد بل الدهر كما في بعض الادعية الماثورة يرفع قوما ويضع اخرين ويحتمل ان يكون المقصود انه لو دامت الدولات كان جميع السلاطين رعايا لمن كان قبلهم فتامل.

(وكذا قول الحماسى) في وصف فرس (ولو طار ذو حافر) اى ذو ظفر (قبلها) اى قبل هذه الفرس (لطارت) هذه الفرس (ولكنه) اى ذو حافر (لم يطر) فصرح برفع المقدم لينتج رفع التالي على خلاف ما تقرر في المنطق (اى عدم طيران تلك الفرس بسبب انه لم يطر ذو حافز قبلها فليتامل) حتى يعرف ان كلام الجمهور مبنى على هذا المعنى وهو الاكثر استعمالا في القران والحديث واشعار العرب والعجم كقوله :


هر كه غم جهان خورد كى خورد از حيات بر

رو تو غم جهان مخور تا ز حيات برخورى

(واما ارباب المعقول) اي المنطقيون (فقد جعلوا) كلمة (لو وان ونحوهما اداة للتلازم) بين الشرط والجزاء اى (دالة على لزوم الجزاء للشرط من غير قصد الى القطع بانتفائهما) خلافا لما عليه ارباب الادب والعلوم اللغوية فانهم يقصدون منها الدلالة على انتفاء الثاني لانتفاء الاول قطعا.

(ولهذا) اى ولاجل ان ارباب المعقول لا قصد لهم الى القطع بانتفائهما (صح عندهم استثناء عين المقدم) اى وضع المقدم (نحو لو كانت الشمس طالعة فالنهار مرجود لكن الشمس طالعة) وحينئذ (ينتج) وضع التالي اى (ان النهار موجود) فيحصل من العلم بوجود الاول العلم بوجود الثانى ضرورة وجود اللازم عند وجود الملزوم وهذا يسمى عندهم بوضع المقدم.

(فهم) اي ارباب المعقول (يستعملونها) لامرين الاول : للدلالة على ان العلم بوجود الاول علة للعلم بوجود الثاني كالمثال المذكور.

والثاني (للدلالة على ان العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الاول) وهذا يسمى عندهم برفع التالي والوجه في كون العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الاول قوله (ضرورة انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم فهم يستدلون بالمعلوم اى بانتفاء الجزاء على المجهول اى على انتفاء الشرط (من غير التفات الى ان علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هى) بخلاف الجمهور فانهم التفتوا الى ذلك (لانهم) اى ارباب المعقول (يستعملونها في القياسات لاكتساب العلوم والتصديقات ولا شك


ان العلم بانتفاء الملزوم لا يوجب العلم بانتفاء اللازم) لجواز كون اللازم اعم كما تقدم (بل الامر بالعكس) يعنى ان العلم بانتفاء اللازم يوجب العلم بانتفاء الملزوم ضرورة امتناع وجود الملزوم بدون اللازم.

(واذا تصفحنا) اى استقرينا وتتبعنا مظان استعمال كلمة لو (وجدنا استعمالها على قاعدة اللغة) التى عليها كلام الجمهور (اكثر) كما صرح به الجامى و (لكن قد تستعمل على قاعدتهم) اى ارباب المعقول.

قال الجامى وقد يستعمل على قصد لزوم الثانى للاول مع انتفاء اللازم ليستدل به على انتفاء الملزوم انتهى.

(كما في قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) لظهور ان الغرض منه التصديق بانتفاء تعدد الالهة لا بيان سبب انتفاء الفساد) ولكن لا يذهب عليك ان تخصيص هذا الاستعمال بارباب المعقول انما هو لكون اصطلاحهم مقصورا عليه لا نفى كون هذا الاستعمال عند من عداهم فانه ايضا من الاستعمالات اللغوية القليلة النادرة بدليل وروده في القران الكريم نظير ما قاله الصرفيون في ابى يابى فتدبر جيدا.

(فعلم ان اعتراض الشيخ) ابن الحاجب (المحقق واشياعه) الذين تلقوا كلامه بالقبول (انما هو على ما فهموه من كلام القوم) اى ارباب المعقول (وقد غلطوا فيه) اى في الاعتراض (غلطا صريحا) اذ فيه خلط بين الاصطلاحين فالمقام نظير ما صدر من بعضهم في باب الحال من الغلط والخلط وقد اشار اليه السيوطى عند قول الناظم.

وجملة الحال سوى ما قدما

بواو او بمضمر او بهما


(وكم من عائب قولا صحيحا)

(وافته من الفهم السقيم)

(فان قيل لا يصح ما ذكرتم من لزوم انتفاء الجزاء لانتفاء الشرط في نحو قوله نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه والا) اي وان صح ما ذكرتم (لزم ثبوت عصيانه) عند ثبوت خوفه من الله (لان نفى النفى اثبات وهذا) اللازم (فاسد لان الغرض) من هذا الكلام (مدح صهيب بعدم العصيان) مطلقا ولان ترتب العصيان على الخوف غير معقول انما المعقول ترتب عدم العصيان.

(قلنا قد يستعمل ان ولو للدلالة على ان الجزاء لازم الوجود في جميع الازمنة في قصد المتكلم).

قال الجامي ولها استعمال ثالث وهو ان يقصد بيان استمرار شيىء فيربط ذلك الشيىء بابعد النقيضين عنه كقولك لو اهاننى لاكرمته لبيان استمرار وجود الاكرام فانه اذا استلزم الاهانة الاكرام فكيف لا يستلزم الاكرام الاكرام انتهى.

(وذلك) الاستعمال (اذا كان الشرط مما يستبعد استلزامه لذلك الجزاء ويكون نقيض ذلك الشرط انسب واليق باستلزام ذلك الجزاء فيلزم استمرار وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط وعدمه فيكون دائما سواء كان الشرط والجزاء مثبتين نحو لو اهنتنى لاثنيت عليك) فانه اذا استلزم الاهانة الثناء فكيف لا يستلزمه الاكرام.

(او منفيين نحو لو لم يخف الله لم يعصه) فانه اذا استلزم عدم الخوف عدم العصيان فكيف لا يستلزم الخوف عدم العصيان (او مختلفين) بان يكون الشرط مثبتا والجزاء منفيا او بالعكس فالاول (نحو قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ


أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) فانه اذا استلزم ثبوت كون الاشجار اقلاما عدم نفاد كلمات الله فكيف لا يستلزمه عدم كونها اقلاما.

(و) الثاني (نحو لو لم تكرمنى لاثنيت عليك) فانه اذا استلزم عدم الاكرام الثناء فكيف لا يستلزمه الاكرام (ففى) جميع (هذه الامثلة) الاربعة (اذا ادعى لزوم وجود الجزاء) اى بقاء الجزاء على حاله منفيا كان او مثبتا كما بيناه في المكررات في نفس المبحث (لهذا الشرط مع استبعاد لزومه) اى لزوم وجود الجزاء (له) اى للشرط (فوجوده) اى وجود الجزاء بالمعنى الذي ذكرنا (عند عدم هذا الشرط بالطريق الاولى) والحاكم بالاولوية الذوق السليم والفهم المستقيم.

(ويستعمل لهذا المعنى لو لا ايضا نحو لو لا اكرامك اياى لاثنيت عليك يعنى اثنى عليك على تقدير عدم الاكرام فكيف على تقدير وجوده اذ لا فرق في المعنى بين لو لا ولو الداخلة على النفى) فالمستفاد من هذا المثال عين ما يستفاد من المثال الرابع فلا يحتاج الى البيان.

(فان قيل هل يجوز ان يكون لو في هذه الامثلة) الاربعة المتقدمة (على اصلها) المشهور عند الجمهور (من تقدير انتفاء الجزاء) بسبب انتفاء الشرط (بناء على ان الجزاء) يعنى عدم العصيان في المثال الثاني منقسم الى قسمين احدهما (هو عدم العصيان المرتبط بعدم الخوف مثلا فيجوز ان يكون هذا) القسم (منفيا) بسبب انتفاء الشرط يعنى بسبب انتفاء لم يخف.

(و) ثانيهما (عدم العصيان المرتبط بالخوف) ويجوز ان يكون هذا القسم (ثابتا) فيصدق باعتبار القسم الاول ما هو الاصل فيها من


تقدير انتفاء الجزاء بسبب انتفاء الشرط.

(قلنا لا يخفى على احد ان الارتباط بالشرط غير معتبر في مفهوم الجزاء وانما يجيىء ذلك) الارتباط (من قبل ذكر) المتكلم (الشرط) فانه اي المتكلم يدعى الملازمة والارتباط بين الشرط والجزاء ويظهر ذلك بدخول اداة الشرط عليهما (والا) اى وان لم يجىء ذلك من قبل ذكر الشرط بان كان ارتباط الجزاء بالشرط وتقيده به ثابتا قبل ذكر الشرط (لكان تقييده) اى تقييد المتكلم الجزاء (بالشرط تكرارا) واثباتا لما هو ثابت (كما اذا قلنا لو جئتنى لاكرمتك اكراما مرتبطا بالمجيىء) فان في هذا الكلام تكرارا لان في ذكر الشرط وادخال الاداة دلالة على ارتباط الجزاء اى الاكرام بالشرط فالتصريح بكونه مرتبطا به تكرار فكذلك قولنا لو جئتنى لاكرمتك بدون التصريح اذا قلنا ان الارتباط بالشرط معتبر في مفهوم الجزاء.

(و) ايضا (نحن نعلم قطعا) ويقينا (ان) الجزاء (المنفى في قولنا لو جئتنى لاكرمتك هو نفس الاكرام لا الاكرام المرتبط بالمجيىء وليس كل ماله دخل في لزوم شيىء) اى الجزاء (لشيىء) اى الشرط.

له دخل في ثبوته) اى ثبوت شيىء كثبوت ابوة زيد مثلا (له) اى لشيىء اى لعمرو مثلا (يجب ان يكون) ذلك الذي له دخل في ذلك اللزوم او الثبوت (ملاحظا للعقل عند الحكم) باللزوم او الثبوت (وقيدا لذلك الشيىء) الذي حكم بلزومه او ثبوته.

وبعبارة اخرى ان الارتباط بالشرط وان كان له دخل في لزوم


الجزاء لكن لا يجب ان يكون ملاحظا للعقل وقيدا للجزاء حال الحكم بلزومه للشرط وكذا كون ام عمرو زوجة لزيد مثلا وان كان له دخل في ثبوت ابوته له لكن لا يجب ان يكون ملاحظا للعقل وقيدا لابوته له حين الحكم بثبوت ابوته له فتامل جيدا.

(وزعم ابن الحاجب انه) اي كون لو على اصلها (مستقيم فيما وقع الجزاء بلفظ المثبت) كالمثال الاول والرابع (دون المنفى) كالمثال الثانى والثالث (اذ لا عموم للمثبت فيجوز في نحو لو اهنتنى لاثنيت عليك ان يقدر الثناء المنفى غير المثبت) وبعبارة اخرى يجوز ان يكون الثناء المنفى الثناء المرتبط بالاهانة وهو غير الثناء المثبت فان المثبت الثناء غير المرتبط (بخلاف) ما اذا وقع الجزاء بلفظ (المنفى) فلا يجوز حينئذ ان تكون كلمة لو على اصلها بان يقدر الجزاء المنفى غير المثبت (فانه) اي الجزاء المفى (يفيد العموم فيلزم) من افادته ذلك (في نحو لو لم يخف الله لم يعصه نفى العصيان مطلقا) سواء كان مرتبطا بعدم الخوف ام لا بان يكون مرتبطا بالخوف (فلو قدر) اى فرض (ثبوت نفى النفى) اى قدر وفرض انتفاء عدم العصيان (لزم الاثبات ويتناقض).

قال المحشى في توضيح هذه الفقره اى يقع التناقض اذ لو قدر انتفاء عدم العصيان بعمومه لكان العصيان ثابتا على كل تقدير وقرينة المدح تدل على انه غير ثابت فيتناقض المعنى الذي يفهم من القرينة مع المعنى الذي فهم من ظاهر جواب لو ضمنا انتهى.

(وهذا) الذي زعمه ابن الحاجب من التفرقة بين الجزاء المثبت


والمنفى (وهم) اى غلط ان قرء بفتح الهاء واشتباه ان قرء بسكونها قاله ميرزا ابو طالب في بعض الحواشى (لانه) اى الشان (ان اعتبر الارتباط بالشرط في مفهوم الجزاء حتى يكون المعنى في لو اهنتنى لاثنيت عليك ثناء مرتبطا باهانة فليعتبر ذلك) الارتباط (في المنفى ايضا حتى يكون المعنى في لو لم يخف الله لم يعصه عدم عصيان مرتبطا بعدم الخوف فيجوز ان يكون انتفائه) اي انتفاء عدم العصيان (بانتفاء القيد) يعنى الارتباط بعدم الخوف (ويلزم) حينئذ (عدم عصيان غير مرتبط بعدم الخوف) فيصح قول القيل مطلقا ويبطل التفرقة المزعومة (وان لم يعتبر) الارتباط بالشرط في مفهوم الجزاء (بل اجرى) مفهوم الجزاء على اطلاقه (يلزم العموم في نفيه) اي الجزاء (مثبتا كان) الجزاء (او منفيا) فيبطل التفرقة المزعومة وقول القيل ايضا.

(واما قوله تعالى (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا) وهم معرضون الاية في سورة الانفال وقبلها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) حاصل الايات ان من لا يطع الله ورسوله ولا يصدقهما ولا ينقاد لهما شر من الدواب الصم البكم الذين لا يعقلون (فقد قيل انه على سورة القياس الاقترانى) من الشكل الاول (فيجب ان ينتج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهذا محال لان على تقدير ان يعلم) الله (فيهم) اى في الكفرة الذين هم شر من الدواب (خيرا) اى انتفاعا بالاسماع وقابلية للتصديق والانقياد (لا يحصل منهم) حينئذ


(التولى) والاعراض (بل) يحصل منهم حينئذ التصديق (والانقياد) وخالص الاعتقاد.

(واجيب بانهما) اي الصغرى يعنى لو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم والكبرى يعنى ولو اسمعهم لتولوا (مهملتان) لا سور لهما والمهملة في قوة الجزئية.

(و) قد تقر في المنطق ان (كبرى الشكل الاول يجب ان تكون كلية) قال ملا عبد الله في بيان وجوبه ليلزم اندراج الاصغر في الاوسط فيلزم من الحكم على الاوسط الحكم على الاصغر وذلك لان الاوسط محمول ههنا على الاصغر ويجوز ان يكون المحمول اعم من الموضوع فلو حكم في الكبرى على بعض الاوسط لاحتمل ان يكون الاصغر غير مندرج في ذلك البعض فلا يلزم من الحكم على ذلك لبعض الحكم على الاصغر كما يشاهد في قولك كل انسان حيوان وبعض الحيوان فرس انتهى.

(ولو سلم) كون الكبرى منهما مسورة كلية (فانهما تنتجان) حينئذ (لو كانتا لزوميتين) قال في التهذيب الشرطية متصلة ان حكم فيها بثبوت نسبة على تقدير اخرى او نفيها لزومية ان كان ذلك لعلاقة والافا تفاقية.

قال المحشى انما سميت باللزومية لاشتمالها على لزوم التالى للمقدم فاللزومية ما حكم فيها باتصال لعلاقة او نفى ذلك الاتصال نحو كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ونحو ليس البته كلما كانت الشمس طالعة كان الليل موجودا واما الاتفاقيه فهى ما حكم فيها بمجرد الاتصال او نفيه من غير ان يكون ذلك مستندا الى العلاقة نحو كلما كان


الانسان ناطقا فالحمار ناهق او ليس كلما كان الانسان ناطقا كان الحمار ناهقا هذا ولكن في اشتراط الانتاج بكون كلتا المقدمتين لزومية كلام ليس هنا محل ذكره (وهو) اى كونهما لزوميتين (ممنوع ولو سلم) كونهما لزومية (فاستحالة النتيجة) على تقدير وقوع المقدم (ممنوعة) وذلك (لان) غاية ما في المقام ان (علم الله فيهم خيرا محال اذ لا خير فيهم) وذلك لا بوجب استحالة النتيجة.

(و) ذلك لما تقرر في محله من ان (المحال جاز ان يستلزم المحال) نحو قوله تعالى (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) على بعض الوجوه فالنتيجة لها اعتباران اعتبار على تقدير وقوع المقدم واعتبار في نفسها فهى غير مستحيله بالاعتبار الاول ومستحيلة بالاعتبار الثاني فلاتنا في بين منع استحالة النتيجة والحكم بمحاليته في قوله والمحال جازا يستلزم المحال.

(وهذا) الجواب الذي ظاهره تسليم كون الاية قياسا اقترانيا كما ادعى في السوال ثم دفع السوال بالامور الثلاثة المترتبة (غلط) فاحش (لان لفظ لو لم يستعمل في فصيح الكلام في القياس الاقترانى وانما يستعمل في القياس الاستثنائى المستثنى فيه نقيض التالى) كما في قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (لانها) كما بيناه مفصلا (لامتناع الشيىء لامتناع غيره ولهذا) اي ولكونها مستعملة في القياس الاستثنائى المذكور (لا يصرح باستثناء نقيض التالى) لكون هذا الاستثناء معلوما عندهم مثلا لا يقال في الاية لكنهما لم تفسدا فلم يكن فيهما الهة.

(و) ايضا (كيف يصح ان يعتقد في كلام الحكيم تعالى انه قياس


اهملت فيه شرائط الانتاج واى فائدة تكون في ذلك) القياس غير المنتج (وهل يركب القياس) من الصغرى والكبرى (الا لحصول النتيجة بل الحق ان قوله (لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) لَأَسْمَعَهُمْ) (وارد على قاعدة اللغة) التى تقدم بيانها مفصلا (يعنى ان سبب عدم الاسماع عدم العلم بالخير فيهم) كما ان قولنا لو جئتنى لاكرمتك معناه ان سبب عدم الاكرام عدم المجيىء (ثم ابتدء بقوله تعالى (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)) حالكونه (كلاما) مستقلا (اخر على طريقة لو يخف الله لم يعصه يعنى ان التوالى لازم على تقدير الاسماع فكيف على تقدير عدم الاسماع فهو) اي التولى (دائم الوجود كذا ذكر) في بعض التفاسير.

(و) انا (اقول) في الجواب وجها اخر وهو انه (يجوز ان يكون) الجزاء اعني (التولي منتفيا بسبب انتفاء) الشرط اعني (الاسماع) كما هو مقتضى اصل لو) من كونها لامتناع الجزاء لامتناع الشرط حسبما بيناه مفصلا ومستقصى.

وانما قلنا بان التولي منتف (لان التولي) كما في المصباح (هو الاعراض عن الشيء وعدم الانقياد له فعلى تقدير عدم اسماعهم ذلك الشيء لم يتحقق منهم التولى والاعراض عنه) فتكون لو على اصلها اعنى لامتناع الجزاء لامتناع الشرط.

(و) ان قلت اذا لم يتحقق منهم التولى لزم ان يتحقق منهم لانقياد ضرورة ان انتفاء احد الضدين مستلزم لتحقق الاخر.

قلت (لم يلزم من هذا) اى من انتفاء التولى (تحقق الانقياد) وذلك لان الاستلزام المذكور انما هو في الضدين الذين لا ثالث لهما والمقام ليس كذلك اذ الثالث وهو الكفر عن عناد من دون ان


يسمعوا موجود فتأمل.

(فان قيل انتفاء التولي خير وقد ذكر) في صدر الاية على ما قلت ما يفهم منه (ان لا خير فيهم) كما هو مقتضى اصل لو.

(قلنا لا نسلم ان انتفاء التولي بسبب انتفاء الاسماع خير) لما في هذا النوع من الانتفاء الدلالة على انهم كالدواب والانعام لا اهلية لهم للاسماع (و) انتفاء التولي (انما يكون خيرا لو كانوا من اهله) اى من اهل الاسماع (بان اسمعوا شيئا ثم انقادوا له ولم يعرضوا) عنه (وهذا كما يقال لا خير في فلان) اللئيم الخبيث الباطن (لو كان به قوة لقتل المسلمين فان عدم قتل المسلمين بناء على عدم القوة والقدرة ليس خيرا فيه) اى في ذلك اللئيم ومن هذا القبيل ما يقال بالفارسية

خانه نشستن بى بى از بى چادرى است

(واما قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْناهُ)) اى الرسول (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) مشاكلا لهم لان الانسان الى مشاكله انس والى القبول منه اقرب ولان البشر لا يطيق روية الملك بصورته الحقيقية.

(فيتحمل ان يكون من قبيل لو لم يخف الله لم يعصه يعني لو جعلنا الرسول ملكا لكان في صورة انسان فكيف اذا كان) الرسول من الاصل (انسانا) مشاكلا لهم من اصله فكونه على تلك الصورة دائم الوجود ملكا كان الرسول او انسانا لما ذكر من الحكمة في ذلك.

(ويحتمل ان يكون) الاية (على اصل لو من انتفاء الشرط والجزاء


اى لو جعلنا الرسول المرسل اليهم ملكا لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل) فالجعل الثاني منتف بسبب الجعل الاول كما هو اصل لو.

(واذا كان لو) على ما تقدم في المتن المتقدم (للشرط في الماضي فيلزم عدم الثبوت) اى عدم الوجود اى النفي (و) يلزم ايضا (المضى في جملتيها) اى في شرطها وجزاؤها (ليوافق الغرض) والمعنى الموضوع له كلمة لو اى الشرطية والتعليق في الماضي (اذ الثبوت ينافي التعليق والحصول الفرضي) الذى يستلزم عدم الثبوت فان تعليق ثبوت الثابت محال فلا بد من عدم الثبوت حتى يتحقق التعليق والحصول الفرضي (والاستقبال ينافي المضي فلا يعدل في جملتيها عن الفعلية الماضوية الا لنكتة) ياتى بيانها وانواعها في المتن الاتى.

(ومذهب المبرد) والفراء وابن هشام في المغنى (انها) قد (تستعمل في المستقبل استعمال ان) الشرطية لمجرد الوصل والربط وقد تقدم الكلام في ذلك عند الكلام في ان مستوفي فلا نعبده لكن استعمال لو لمجرد الوصل والربط قليل (وهو مع قلته ثابت نحو اطلبوا العلم ولو بالصين) اي ولو كان طلبكم بالصين (و) نحو تناكحوا تناسلوا (فانى اباهي بكم الامم يوم القيامة ولو بالسقط) اى ولو كان مباهاتي بكم بالسقط وهو الولد الذي يسقط من رحم الام وليس له روح وقد ضبطه الصحاح بالضم.

فالشرط في هذين المثالين مستقبل اما في الاول فلانه في حين الامر وهو لا يتعلق بالموجود في الماضي او الحال لانه يلزم من ذلك طلب


الحاصل وذلك كتحصيل الحاصل ممتنع ومحال.

واما في الثانى فلان المباهاة كما صرح فيه تكون يوم القيامة لا في الحال (وقال ابو العلاء) المعرى

ولو وضعت في دجلة الهام لم تفق

من الجرع الا والقلوب خوال

(يصف تأسفه) اى تحزنه (على مفارقة بغداد وشوق ركائبه) اى مطاياه واباله ودوابه (الى ماء دجلة) بكسر الدال نهر ببغداد (والمعنى) اى معنى قوله لو وضعت (ان وضعت) فان المراد من الشرط الاستقبال (لكنه جاء بلو) اى اتى بدل ان الشرطية الدالة على الشك في الوقوع وعدمه لفظة لو الدالة على القطع بالانتفاء (قصدا) اى للقصد (الى) ان (وضع ركائبها الهام في ماء دجلة كأنه امر قد حصل منه الياس وانقطع الرجاء) عن وقوعه (وصار في حكم المقطوع بالانتفاء) اى بانتفاء ذلك الوضع (فدخولها على المضارع في نحو) قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) اى لوقعتم في الجهد والهلاك) قال في المجمع العنت الهلاك واصله المشقة والصعوبة والعنت الوقوع في امر شاق (لقصد استمرار الفعل) اى اطاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله اصحابه (فيما مضى وقتا فوقتا) اى دائما ومستمرا (لانه) اى الشان (كان في ارادتهم) اى الاصحاب (استمرار عمل النبي (ص) على ما يستصوبون) اى يرونه صوابا اى حسنا وذا مصلحة (وانه كلما عن) اى عرض (لهم راى في امر) اى في شيء وقضية (كان معمولا عليه) وهذه الكلية (بدليل قوله تعالى (فِي كَثِيرٍ مِنَ


الْأَمْرِ)) فتأمل.

فالمقصود من المضارع في الاية الاستمرار (كما في قوله تعالى (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) بعد قوله تعالى (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) حيث لم يقل) جل شانه (الله مستهزء بهم بلفظ اسم الفاعل قصدا الى حدوث الاستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت).

اى دائما ومستمرا فلو لا قصد الاستمرار لكان الاحسن ان يقال الله مستهزء بهم بلفظ اسم الفاعل ليكون مطابقا لقول المنافقين (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).

والفرق بين الايتين ان الاولى عدل فيها من الماضي الى المضارع والثانية عدل فيها من اسم الفاعل اليه والمقصود من العدول في كلتا الايتين شيء واحد وهو الاستمرار لان المضارع يفيده اتفاقا كما يدل عليه ظاهر كلام ابن هشام في بحث السين المهملة وقد تقدم الاشارة الى ذلك في اول الكتاب فتذكر.

(والاستهزاء هو السخرية والاستخفاف ومعناه) المراد فى الاية (انزال الهوان والحقارة بهم) اى بالمنافقين (وهكذا كانت نكايات الله في المنافقين وبلاياه النازلة بهم تتجدد وقتا فوقتا وتحدث حالا فحالا) اى في جميع الحالات.

قال النيشابورى في تفسيره واعلم انه قد ورد في القرآن الفاظ دالة على معان لا يمكن اثباتها بالحقيقة في حق الله تعالى منها الاستهزاء (اللهُ يَسْتَهْزِئُ) والاستهزاء مذموم لكونه جهلا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).

ومنها المكر (وَمَكَرُوا) ومكرى ومنها الغضب (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ومنها


التعجب (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) فيمن قرء بضم التاء والتعجب حالة للقلب يعرض عند الجهل بسبب الشيء ومنها التكبر (الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ).

والقانون في تصحيح هذه الالفاظ ان يقال لكل واحدة من هذه الاحوال امور يوجد معها في البداية واثار يصدر منها في النهاية مثاله الغضب حالة يحصل في القلب عند غليان دمه وسخونة مزاجه والاثر الحاصل منها في النهاية ايصال الضرر الى المغضوب عليه فالغضب في حقه تعالى محمول على الاثر الحاصل في النهاية لا الامر الكائن في البداية وقس على هذا انتهى والى اجمال ما فصله اشار بعضهم بقوله خذ الغايات واترك المبادى.

(فان قيل ان اراد) الخطيب (بالفعل في قوله لقصد استمرار الفعل الاطاعة مثلا ليكون المعنى ان انتفاء عنتكم بسبب انتفاء استمراره (ص) على طاعتكم فهذا) المعنى (مخالف لما ذكر فى المفتاح من ان المعنى ان امتناع عنتكم باستمرار امتناعه عن طاعتكم) وجه المخالفة ان السبب على الاول اى على قول الخطيب هو انتفاء الاستمرار وعلى الثاني اى على قول المفتاح استمرار الأمتناع وبعبارة اخرى الاستمرار على الاول يكون راجعا الى الطاعة وعلى الثاني يكون راجعا الى الامتناع والفرق بينهما واضح جلى.

(وان اراد) الخطيب (به) اى بالفعل في قوله لقصد استمرار الفعل (امتناع الطاعة ليكون الاستمرار) كما ذكر فى المفتاح (راجعا الى الامتناع عن الطاعة فهو خلاف ما يفهم من الكلام) اى من الكلام الداخل عليه كلمة لو (لان المضارع) بنفسه (يفيد الاستمرار فدخول لو عليه انما يفيد امتناع الاستمرار لا استمرار


الامتناع) لان المستفاد من لو الامتناع لا الاستمرار.

(قلنا الظاهر هو الاول) وهو كون المراد من الفعل الاطاعة قال المحشى في وجه الظهور لان استفادة المعانى من الالفاظ على وفق ترتيبها يعنى ان كلمة لو الدالة على الامتناع لما كانت قبل يطيعكم فالظاهر ان المراد من الفعل الطاعة ليكون المعنى ما تقدم وهو ان انتفاء عنتكم بسبب انتفاء استمراره (ص) على طاعتكم.

(وللثاني) اى كون المراد بالفعل امتناع الطاعة كما ذكر في المفتاح (ايضا وجه) قال المحشى في بيان الوجه انه بناء على ان المعاني الاصلية يتصورها البليغ اولا فى الذهن ثم يعتبر فيها الخصوصيات والمزايا فالنفي والاثبات مقدم في الاعتبار على الاستمرار انتهى فعليه يكون المعنى بحيث يرد الاستمرار المستفاد من المضارع على الامتناع المستفاد من كلمة لو فلذا قال المفتاح ان المعنى ان امتناع عنتكم باستمرار امتناعه عن طاعتكم فيكون استفادة المعانى من الالفاظ على خلاف ترتيبها وهذا هو المراد بقوله (لانه كما ان المضارع المثبت يفيد استمرار الثبوت يجوز ان يفيد) المضارع (المنفى) بالنفى الذى فهم من استعمال كلمة لو فانها كما تقدم مفصلا لامتناع الثانى لامتناع (استمرار النفى ويفيد) المضارع (الداخل عليه لو) التي هي من اداة النفى (استمرار الامتناع بحسب الاستعمال) كما اشرنا اليه آنفا.

(كما ان الجملة الاسمية تفيد الثبوت والدوام والتأكيد فاذا دخلت عليها حرف النفى تكون) تلك الجملة (لتأكيد النفى وثباته) اى ثبات النفى وتقريره (لا لنفى التأكيد والثبوت ولهذا قالوا) اي


البيانيون (ان قوله تعالى (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) رد لقولهم) اى المنافقين (انا امنا على ابلغ وجه واكده) وقد تقدم بعض الكلام فيه في الجزء الثانى قبيل قول الخطيب فالبلاغة صفة راجعة الى اللفظ في الوجه الرابع عشر من الوجوه التي يرتكب فيها مخالفة الاصل لاجل المناسبة فراجع ان شئت.

(و) لهذا ايضا قالوا (ان قولنا ما زيدا ضربت وما بزيد مررت لاختصاص النفي) اي حصر النفي وقصره (لا لنفي الاختصاص مع انه بدون حرف النفي يفيد الاختصاص) والحصر (ولهذا) اى لكون حرف النفي في الامثلة المذكورة لتأكيد النفي وثباته لا لنفى التأكيد (نظائر في كلام) منها قوله تعالى (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) حيث اجابوا عن الاشكال فيه بان المبالغة فيه ترجع الى نفى الظلم فالمعنى انتفى الظلم من المولى سبحانه انتفاء مبالغا فيه فالجملة مفيدة لتاكيد النفى والمبالغة فيه لا لنفى التاكيد والمبالغه والا لاقتضت ان المنفى انما هو المبالغة في الظلم فيفيد ثبوت اصل الظلم وهو باطل وقد ذكرنا الاشكال في الآية مع اجوبة اخرى عنه في المكررات في آخر بحث النسب فراجع ان شئت.

(و) اما (دخول) كلمة (لو على المضارع في نحو (وَلَوْ تَرى) الخطاب لمحمد (ص) او) كما تقدم في بحث اضمار المسند اليه (لكل من يتاتى منه الرؤية اذ وقفوا على النار) والوقوف معناه الرؤية لذا فسره بقوله (اى اروها) بالبناء للمفعول (حتى يعاينوها) اي النار او جهنم من باب استعمال الحال في المحل (واطلعوا عليها اطلاعا هي تحتهم) ويمكن ان يكون معنى الوقوف شيئا اخر اشار


اليه (او ادخلو ما فيعرفوا مقدار عذابها من قولك وقفته على كذا اذا افهمته وعرفته) هذين الفعلين بصيغة الخطاب وما قبلهما بصيغة التكلم وذلك لما حكى في حاشية المغنى في بحث اى المفسرة عن الشارح ما حاصله انه اذا اريد تفسير الفعل المسند الى ضمير المتكلم فان اتى بكلمة اى كان ما بعدها تفسيرا لما قبلها فيجب تطابقهما وان اتى بكلمة اذا فيجب ان يكون ما بعد اذا على لفظ الخطاب انتهى (وجواب او محذوف اى لرأيت امر فظيعا وكذا) الجواب المحذوف (في قوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) فذلك الدخول (لتنزيله اى المضارع منزلة الماضي لصدوره اى المضارع او الكلام عمن لا خلاف في اخباره وهو الله الذي يعلم غيب السماوات والارض) لا يعزب عنه جل جلاله شيء.

(فالمستقبل الذي اخبر عنه بوقوعه بمنزلة الماضي المتحقق الوقوع فهذه الحالة) اى حالة المنافقين والكافرين التي بين في الاية (انما هي في المستقبل لانها انما تكون في القيامة لكنها جعلت بمنزلة الماضى المتحقق فاستعمل لو واذ وهما مختصان بالماضي وحينئذ) اى اذ كانا مختصان بالماضي (كان المناسب ان يقال ولو رأيت لكنه عدل الى لفظ المضارع لانه كلام من لا خلاف في اخباره فالمضارع عنده بمنزلة الماضي فهذا مستقبل في التحقيق ماض بحسب التأويل كأنه قيل قد انقضى هذا الامر) اى حالتهم (لكنك ما رأيته ولو رأيت لرأيت امرا عجيبا) هذا تحقيق قول الخطيب لتنزيله الخ.

وحاصله ان في المقام امرين احدهما ان الحالة المذكورة في الاية تقع


في المستقبل فلا يناسبها استعمال لو واذا المختصان بالماضى وثانيهما انه بعد استعمالهما كان المناسب صيغة الماضي لا المضارع فالاول لتنزيل تلك الحالة بمنزلة الماضى المقطوع به لتحقق وقوعها والثانى لتنزيل المضارع منزلة الماضي لصدورها عمن لا خلاف في اخباره فالمستقبل الصادر عنه بمنزلة الماضى فتلك الحالة ماضوية تنزيلا مستقبلة تحقيقا فروعي الجهتان (هكذا ينبغى ان يفهم هذا المقام) والتوفيق من الله الملك العلام وبتوقيفه استوفينا الكلام كما يقتضيه المقام.

(وان جعلت الخطاب) في ترى (للنبي ص و) جعلت كلمة (لو) غير شرطية بان تجعلها (للتمنى) بمعنى ليت (فلا استشهاد) في الاية لان لو التمنى تدخل على المضارع ايضا) فانها لا تختص بالماضي وذلك مذكور في النحو فراجع ان شئت.

والمضارع في الاية (كما في (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) فانه قد التزم ابن السراج وابو على في الايضاح ان الفعل الواقع بعد رب المكفوفة بما يجب ان يكون ماضيا لانها) اى رب المكفوفة بما (للتقليل في الماضى وجوز ابو على في غير الايضاح ومن تبعه وقوع الحال والاستقبال بعدها فقوله تعالى (رُبَما يَوَدُّ) نظير قوله تعالى (لَوْ تَرى) لانه ايضا (من تنزيل المضارع منزلة الماضى) لما ذكر في تلك الاية من تحقق وقوعه فاستعمل فيه ربما المختص بالماضي ثم عبر عنه بلفظ المضارع للتنزيل المذكور ولرعاية الجهتين.

وذلك اى التنزيل المذكور وكون رب مكفوفة بما (في احد قولي البصريين) قال ابن هشام وفيه تكلف لاقتضائه ان الفعل المستقبل عبر به عن ماض متجوز به عن المستقبل انتهى فتأمل.


والقول الاخر لهم ما ياتى بعيد هذا اعني واما جعل ما نكرة موصوفة بيود الخ.

يظهر ذلك بمراجعة بحث رب في النحو (واما الكوفيون فعلى انه بتقدير كان اي وربما كان يود فحذف) كان (لكثرة استعمال كان بعد ربما) هذا كله بناء على جعل ما في ربما كافة (واما جعل ما نكرة) بمعنى شيء (موصوفة بيود والفعل المتعلق به رب محذوفا اى رب شىء يود الذين كفروا تحقق وثبت فلا يخفى ما فيه من التعسف وتبتير النظم) اما التعسف فلان فيه تقديرا بلا ضرورة داعية اليه واما الثاني فلفوات الارتباط بينه وبين لو كانوا مسلمين اذ على الكافة يكون قوله (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) مفعولا ليود بخلاف الموصوفة فان المفعول حينئذ مستتر اي ضمير محذوف في جملة يود فيكون التقدير يوده فينقطع لو كانوا مسلمين عما قبله اللهم الا ان يجعل بدلا عن الضمير او بيانا له فتأمل.

(و) كلمة (رب ههنا لتقليل النسبة) أى نسبة الودادة والتمنى اليهم (انه يعني) اى الشان (يدهشهم اهوال القيمة) وفي بعض النسخ احوال القيمة (فيبهتون) اي يتحيرون ويدهشون (وان وجدت منهم افاقة ما) اي افاقة قليل وقد تقدم الكلام في لفظة ما هذه في قول الخطيب كثيرا ما يسمى فصاحة ايضا (تمنوا ذلك) اى ودادة كونهم مسلمين (ويجوز ان تكون) كلمة رب (مستعارة للتكثير) ظاهر هذا الكلام انها في التكثير مجازا لان الاستعارة من اقسام المجاز وهو كذلك عند الاكثرين لا الكل والعلاقة فيه التضاد كاستعارة الاسد للجبان فتأمل.

قال في المغنى وليس معناه التقليل دائما خلافا للاكثرين ولا التكثير


دائما خلافا لابن درستويه وجماعة بل ترد للتكثير كثيرا وللتقليل قليلا فمن الاول (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) الى ان قال ومن الثاني قول ابي طالب (ع)

وابيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للارامل

يريد النبي (ص) انتهى.

(وذكر ابن الحاجب انها) في الاية (نقلت من التقليل الى التحقيق كما نقلوا قد اذا دخلت على المضارع من التقليل الى التحقيق).

قال الجامي على قوله ورب للتقليل وهذا الذي ذكر من التقليل اصلها ثم تستعمل في معنى التكثير كالحقيقة وفي التقليل كالمجاز المحتاج الى القرينة انتهى.

(ومفعول (يَوَدُّ) محذوف بدلالة (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)) والمفعول المحذوف الاسلام او كونهم مسلمين او ما يؤدي هذا المعنى والقول بحذف المفعول انما هو (بناء على ان لو للتمنى) فلذلك لا يصح ان يكون المفعول (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) لان لو التي للتمنى للانشاء وكل ما هو للانشاء فله صدر الكلام فلا يعمل ما قبله فيما بعده يظهر ذلك من قول ابن الحاجب والجامى في باب الحروف الجارة في بحث رب.

واذا كان لو للتمني فقوله (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (حكاية لودادتهم) فان قلت ان كان ذلك حكاية وجب ان يقال لو كنا مسلمين بصيغة المتكلم لا الغيبة لوجوب المطابقة بين الحكاية والمحكى.

قلت نعم ولكن ذلك اذا كان المراد حكاية اللفظ والمعنى معا وههنا ليس كذلك اذ المراد ههنا حكاية المعنى فقط دون اللفظ والى ذلك


اشار بقوله (جيء به) اى بلو كانوا (على لفظ الغيبة لانه) اي لو كانوا (مخبر عنهم) اى عن الكفار الذين يقولون يوم القيامة لو كنا مسلمين (كما تقول) حكايه عن زيد اذا حلف (زيد حلف بالله ليفعلن) بصيغة الغيبة وقد كأن كلامه لافعلن بصيغة التكلم (و) لهذا (لو قيل لافعلن) حكاية اللفظ والمعنى (لكان ايضا سديدا حسنا) بل احسن لان الحكاية عبارة عن ايراد اللفظ على سبيل استبقاء صورته الاولى واما في الاية فانما جيء على خلاف صورته الاولى ليطابق ما عبر به عنهم اعني قوله (الَّذِينَ كَفَرُوا) فانه بلفظ الغيبة فتأمل فانه دقيق.

هذا كله بناء على كون كلمة لو للتمنى (واما) بناء على قول (من زعم ان لو الواقعة بعد فعل يفهم منه معنى التمني حرف مصدرية) كما هو المختار عند السيوطى على ما يظهر منه في اول بحث الموصولات (فمفعول يود عنده هو قوله (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) فلا حذف في الكلام ولا حكاية.

واما قوله (او لاستحضار الصورة) فهو (عطف على قوله او لتنزيله) فالمعنى ان دخول لو على المضارع في نحو (لَوْ تَرى) اما لتنزيله او لاستحضار الصورة (يعني صورة رؤية الكافرين موقوفين على النار قائلين (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا)) هذا في الاية الاولى (وكذا صورة رؤية الظالمين موقوفين عند ربهم) في الاية الثانية (و) كذا صورة رؤية (المجرمين ناكسوا رؤسهم) في الاية الثالثة حال كونهم (متقاولين بتلك المقالات) وهي في الاية الثانية تراجع بعضهم الى بعض القول (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا


مُؤْمِنِينَ) الخ وفي الاية الثالثة (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) والوجه في ذلك ان المضارع كما يأتي بعيد هذا يدل على الحال الحاضر الذي من شانه ان يشاهد كأنه يستحضر بلفظ المضارع تلك الصور اي صور رؤية الكافرين والظالمين والمجرمين متقاولين بتلك المقالات (كما قال الله تعالى (فَتُثِيرُ سَحاباً) بلفظ المضارع بعد قوله تعالى (اللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) بلفظ الماضي) فأتى بلفظ المضارع استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على للقدرة الباهرة اي الغالبة يعني صورة اثارة السحاب مسخرا بين السماء والارض على الكيفية المخصوصة) من بياض بعض وسواد بعض اخر وكذا الغلظ بحيث يكون كالركام والرقة بحيث يكون كالقطن المندوف وغير ذلك مما يرى (والانقلابات المتفاوتة) من الانتقال من موضع الى موضع آخر والتفرقة والاجتماع وغير ذلك مما يرى ايضا.

(وذلك لان المضارع مما يدل على الحال الحاضر الذي من شانه ان يشاهد) ويرى فاذا عدل الى المضارع فالغرض من العدول (كأنه يستحضر بلفظ المضارع تلك الصورة ليشاهدها السامعون) والمخاطبون

(و) ليعلم انه (لا يفعل ذلك) اي العدول الى المضارع لاستحضار الصورة (الا في امر يهتم بمشاهدته) ورؤيته (لغرابة) بان يكون ذلك الامر نادر الوجود (او فظاعة) وبشاعة كما في في الايات الثلاث المتقدمة (او نحو ذلك) من الامور التي يهتم بمشاهدتها بسبب وجه من وجوه الاهتمام كالتعجب ونحوه (وهو) اي العدول الى المضارع للاستحضار (في الكلام) اي فى كلام البلغاء (كثير) لانهم هم الذين يعتبرون في الكلام المزايا والخصوصيات لا


الذين يلحق كلامهم بأصوات الحيوانات.

(وقد يكون دخولها) اي كلمة لو (على المضارع للدلالة على ان الفعل بلغ من الفضاعة) والقبح والشدة (بحيث يحترز ان يعبر عنه بلفظ الماضي لكونه) كما تقدم في بحث ان واذا (مما يدل على الوقوع في الجملة) اي نظرا الى لفظه (كما تقول لقد اصابتنى حوادث) اي مصائب وبلايا ومحن (لو تبقى) تلك الحوادث (الى الان لما بقى منى اثر) الشاهد في تبقى فلا تغفل.

(ولم يتعرض) الخطيب (للعدول عن عدم الثبوت الى جعل الجملة الثانية) اي الجواب جملة (اسمية) وذلك (كقوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ) فجعل الجواب يعني لمثوبة من عند الله خير جملة اسمية (دلالة) اي للدلالة (على ثبات المثوبة واستقرارها لانه) اي جعل الجملة الثالثة اسمية (ظاهر) دعوى الظهور لا تخلو عن مناقشة كما يظهر ذلك من حصر السيوطي الجواب في الجملة الفعلية وهذا نصه جواب لو اما ماض معنى كلو لم يخف الله لم يعصه او وضعا وهو اما مثبت فاقترانه باللام نحو (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً) لاسمعهم اكثر من تركها نحو لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا او منفى بما فالامر بالعكس نحو (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) ولو نعطى الخيار لما افثرقنا انتهى.

(واما الجملة الاولى فلا تقع الافعلية البة) في قوله البة ايضا مناقشة كما يظهر ذلك ايضا مما ذكره في شرح قول ابن مالك.

وهى في الاختصاص بالفعل كان

لكن لو ان بها قد يقترن

وهذا ايضا نصه موضع ان حينئذ رفع مبتدأ عند سيبويه وفاعلا


لثبت مقدرا عند الزمخشري انتهى.

(اما تنكيره اي تنكير المسند فلا رادة عدم) دلالة المسند على (الحصر والعهد المفهومين من تعريفه) اي تعريف المسند باللام فانه كما يأتي عن قريب قد يفيد الحصر والعهد فاذا ترك تعريفه واتى منكرا علم انه لم يرد منه الحصر ولا العهد (كقولك زيد كاتب وعمرو شاعر) فلم يرد في هذين المثالين حصر الكاتبية والشاعرية في زيد وعمرو كما انه لم يرد فيهما الكاتبية والشاعرية المعهوديتين.

(ويدخل فيه) اي فى تنكير المسند اليه اي في كون مقتضى المقام تنكيره (ما اذا قصد حكاية عن المنكر كما اذا قال لك قائل عندي رجل فتقول تصديقا له) نعم (الذي عندك رجل وان كنت تعلم انه زيد) وللحكاية اقسام متفاوتة وحالات مختلفة ذكرناها في الجزء الرابع من المكررات فى باب الحكاية فراجع ان شئت.

(او للتفخيم) اي للتعظيم اي للدلالة على ان المسند بلغ من الفخامة والعظمة بحيث صار مجهولا ومنكرا فلا يدرك كنهه الا الخواص والاوحدي من الناس (نحو (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) الشاهد في هدى بناء (على انه خبر مبتدأ محذوف) اي هو هدى (او خبر) ثان لقوله (ذلِكَ الْكِتابُ) وخبره الاول قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) وفيه وجوه اخر ذكرها في الكشاف ليس هنا محل ذكرها.

(او للتحقير نحو ما زيد شيئا) اي ليس شيئا يعتنى به ليعرف (قال صاحب المفتاح او لكون المسند اليه نكرة نحو رجل من قبيلة كذا حاضر فانه يجب حينئذ تنكير المسند) ايضا وذلك (لان كون المسند اليه نكرة والمسند معرفة سواء قلنا يمتنع عقلا) كما


قال به بعض وسياتى دليلهم (او) قلنا (لا يمتنع) كما اختاره التفتازاني كما يصرح بذلك فيما يأتي (ليس في كلام العرب و) اما ما ورد في كلامهم مما هو ظاهر في ذلك (نحو قوله ولا يك موقف منك الوداعا وقوله).

كان سبيئة من بيث رأس

يكون مزاجها عسل وماء

فهو (من باب القلب على ما مر) بيانه في آخر الباب الثاني (و) لكن (هذا) اي القول بكون المسند اليه نكرة والمسند معرفة ليس في كلام العرب (على اطلاقه ليس بصحيح لانهم) اي بعضهم يجوزون كون المبتدأ نكرة اسم استفهام والخبر معرفة نحو من ابوك وكم درهما مالك وكذا في) قولك (ما ذا صنعت) اذا قلنا بان ما استفهامية وذا موصولة (على ان يكون المعنى) كما في الجامي (اى شيء الذي صنعته).

وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بحث الموصولات من المكررات فراجع ان شئت.

(وقد صرحوا) اى بعضهم (في جميع ذلك بان اسم الاستفهام مبتدأ والمعرفة بعده خبر) قال الجامي في بحث الكنايات ان كون من في نحو من ابوك مبتدأ مبنى على مذهب سيبويه فانه يخبر عنده بمعرفة عن نكرة متضمنة استفهاما واما عند غير سيبويه فهذا خبر مقدم على المبتدأ لكونه نكرة وما بعده معرفة انتهى.

وقال الرضى في آخر باب الافعال الناقصة قد يخبر في هذا الباب وفي باب ان بمعرفة عن نكرة ولم يجز ذلك في المبتدأ والخبر للالتباس لاتفاق اعرابى الجزئين هناك واختلافها ههنا وقد ذكرنا ان سيبويه


قال في نحو من زيد ان زيد هو الخبر.

قال الزمخشري وغيره لا يخبر ههنا عن نكرة بمعرفة الا ضرورة نحو قوله يكون مزاجها عسل وماء فيمن نصب مزاجها وقال ولا يك موقف منك الوداعا.

وقال ابن مالك بل يجوز ذلك اختيارا لان الشاعر امكنه ان يقول ولا يك موقفى منك الوداعا وان يرفع مزاجها على اضمار الشان فى كان كما فى الرواية الاخرى ولا خلاف عند مجوزه اختيار ايضا ان الاولى جعل المعرفة اسما والنكرة خبرا الا ترى انهم قالوا ان ان اولى بالاسمية مما تقدم في نحو قوله تعالى (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) مع كونهما معرفتين لمشابهتها المضمر من حيث انها لا توصف كالمضمر وانما جرئهم على تنكير الاسم وتعريف الخبر عدم اللبس في بابى ان وكان انتهى ثم ذكر المثال الذي اورده سيبويه للجواز مع رده في كلام طويل لا حاجة لنا الى ذكره.

(واستدل بعضهم على ان كون المبتدأ نكرة والخبر معرفة يمتنع عقلا بوجهين الاول ان الاصل في المسند اليه ان يكون معلوما لاستلزام الحكم على الشيء العلم به) ومن هنا قالوا ولا يجوز الابتداء بالنكرة وعلل ذلك كما في شرح التصريح بانها مجهولة والحكم على المجهول لا يفيد غالبا.

(والاصل في المسند التنكير لعدم الفائدة في الاخبار بالمعرفة) ومن هنا حكموا بان النار حارة ليس بكلام ففي كون لمبتدأ نكرة والخبر معرفة مخالفة اصلين (و) من المعلوم عند دون الاذواق السليمة والافهام المستقيمة ان (ارتكاب مخالفة الاصلين) من دون نكتة تقتضيها


(مستبعد عند العقل) ومن هنا قال ابن هشام على ما في بعض حواشي التصريح ان حق المبتدأ ان يكون معلوما لان الحكم على المجهول بعيد عن التحصيل وحق الخبر ان يكون مجهولا لان الحكم بالمعلوم سعى في تحصيل الحاصل انتهى.

(الثاني ان العلم بحكم من احكام الشيء) كالعلم بالقيام الذى هو من احكام زيد مثلا (يستلزم جواز حكم العقل) اى امكان حكم العقل (على ذلك الشيء) اي على زيد مثلا (بذلك الحكم) اى بالقيام مثلا (وجواز حكم العقل عليه) اي على زيد مثلا (يستلزم العلم بذلك الشيء) اى العلم بزيد مثلا (لامتناع الحكم على ما لا يعلم بوجه من الوجوه) وقد يعبر عنه بالمجهول المطلق.

(وكلاهما) اي كلا الوجهين (فى غاية الفساد اما فساد الوجه (الاول فلان وجوب كونه) اي المسند اليه معلوما لا يستلزم كونه اسما معرفا) اذ النسبة بينهما عموم من وجه لا التساوى فاشار الى مادة الافتراق من طرف كونه معلوما بقوله (اذ النكرة المخصصة بل النكرة المحضة) اى غير المخصصة (معلومة من وجه) من الوجوه مثلا فى نحو شجرة سجدت معلوم ان الشجرة جسم نامي وفي نحو كوكب انقص الساعة يعلم ان الكوكب جسم سماوى (والحكم على الشيء) لا يستدعي العلم به من جميع الوجوه بل (انما يستدعى العلم به بوجه ما) اي بوجه من الوجوه كما في المثالين.

اما مادة الافتراق من طرف كونه معرفا فككونه علم جنس وكالمعرف بلام الحقيقة المستعمل في واحد من الافراد فانهما في المعنى كالنكرة كما صرح بالاول في الالفية بقوله


ووضعوا لبعض الاجناس علم

كعلم الاشخاص لفظا وهو عم

وقد تقدم التصريح بالثانى في تعريف المسند اليه باللام واما مادة الاجتماع فهو بحيث لا يحتاج الى المثال والبيان (ولان قوله لا فائدة في الاخبار بالمعرفة غلط) واضح (لما سيجيء) بعيد هذا (في تعريف المسند ولان ما ذكره) من الوجه الاول (على تقدير صحته انما يدل على الاستبعاد كما اعترف به والمطلوب هو) اثبات (الامتناع) لا الاستبعاد فلم يطابق الدليل المدعى.

(واما) فساد الوجه (الثاني فلانه لا يدل الا على ان المحكوم عليه يجب ان يكون معلوما وهذا لا يستلزم كونه معرفة كما مر) في الوجه الاول من ان النسبة بين المعلوم والمعرفة عموم من وجه.

هذا كله على سبيل المجاراة والمماشاة وتسليم الملازمة بين جواز حكم العقل على الشيء وبين العلم بذلك الشيء ولو على وجه من الوجوه والا فالتحقيق (على ان قوله جواز الحكم على الشيء يستلزم العلم به ممنوع بل انما يستلزم جواز العلم به وهو) اي جواز العلم به (لا يوجب كونه معلوما) بالفعل حاصل الكلام في المقام ان الملازمة بين الجوازين اي جواز الحكم وجواز العلم لا بين جواز الحكم وبين تحقق العلم فعلا والفرق بين الملازمتين واضح جلي.

(واما تخصيصه) اي المسند (بالاضافة) الى نكرة (نحو زيد غلام رجل او الوصف نحو رجل عالم) وليعلم ان المراد من التخصيص ههنا ما هو المراد عند النحاة اعني تقليل الاشتراك الحاصل فى النكرات كما صرح بذلك في بحث وصف المسند اليه فان غلام في المثال الاول


ورجل في المثال الثاني كان بحسب الوضع محتملا لكل فرد من افراد الاغلمة والرجال فلما اضفت في الاول واتيت بالوصف في الثاني قللت ذلك الاشتراك والاحتمال وخصصت الغلام والرجل ببعض من الافراد اعني غلام رجل ورجل عالم.

(فلكون الفائدة) المطلوبة من الكلام (اتم) واقوى واكمل (لما مر) في اول بحث تعريف المسند اليه (من ان زيادة الخصوص توجب اتمية الفائدة) لان احتمال تحقق الحكم متى كان ابعد كانت الفائدة في الاعلام به اتم وأقوي وأكمل وكلما ازداد المسند اليه والمسند تخصصا ازداد الحكم بعدا وان شئت توضيحا ازيد فعليك بمراجعة ما ذكرناه هناك.

(و) اما (جعل) المصنف فيما سبق (معمولات المسند كالحال ونحوها من المقيدات) حيث قال هناك واما تقييد الفعل وما يشبهه من اسمى الفاعل والمفعول وغير ذلك بمفعول مطلق او به او فيه او له او معه ونحوه من الحال والتميز والاستثناء فلتربية الفائدة وتقويتها لان ازدياد التقييد يوجب ازدياد الخصوص وهو يوجب ازدياد البعد الموجب لقوة الفائدة كما مر في المسند اليه (و) جعله ههنا (الاضافة والوصف من المخصصات).

فهو (مجرد اصطلاح) من المصنف ومن يحذو حذوه من دون اعتبار مرجح ومناسبة في ذلك ولكن الغالب في الاصطلاح وفى وضع الالفاظ في اللغة رعاية المناسبات والمرجحات كما يظهر ذلك مما يأتي في الفن الثاني عند قول الخطيب والقول بدلالته لذاته ظاهره فاسد وكذلك يظهر من كون عادتهم جارية على بيان معنى اللغوي عند بيان معنى


الاصطلاحي.

(وقيل) انما فعل ذلك لاجل مرجح ومناسبة فى كل واحد من المقامين وذلك (لان التخصيص عندهم) كما تقدم انفا (عبارة عن نقص الشيوع) وتقليله (ولا شيوع للفعل) وشبهه (لانه) كما بين في علم الاصول (انما يدل على مجرد المفهوم) على ما صرح به في القوانين في بحث ان صيغة الامر لا يدل الا على طلب الماهية حيث يقول ان الاوامر وسائر المشتقات مأخوذه من المصادر الخالية عن اللام والتنوين وهي حقيقة في الطبيعة لا بشرط شيء اتفاقا كما صرح به السكاكي انتهى فلا شيوع في الفعل وشبهه فلا تخصيص فيه.

(و) لكن (الحال) ونحوها من المقيدات المذكورة هناك (تقيده) اي المفهوم (و) اما (الوصف) والاضافة فهو (يجيء للاسم الذي فيه الشيوع) اي العموم والاشتراك بين كثيرين (فيخصصه) ويقلل اشتراكه حسبما مر انفا فظهر المرجح والمناسبة في المقامين (وهذا) اي ما قاله القيل في بيان المرجح والمناسبة (وهم) اي غلط ان حركت الهاء واشتباه ان سكنت وذلك (لانه) اي القيل (ان اراد الشيوع باعتبار الدلالة على الكثرة والشمول) الذي يسمى عندهم بالعموم الشمولي (فظاهر ان النكرة في الايجاب ليست كذلك فيجب ان لا يكون الوصف في نحو رجل عالم مخصصا) اذ ليس فيه تلك الدلالة (وان اراد الشيوع باعتبار ان احتمال الصدق على كل فرد يفرض من غير دلالة على التعيين) وهذا يسمى عندهم بالشمول البدلي وعند المنطقيين بالكلي.

اذ لا يمتنع فرض صدقه حينئذ على كثيرين (ففي الفعل ايضا


شيوع) ولكن باعتبار جزء معناه الذي هو الحدث فانه الموصوف بالكلية واما مجموع معناه فلا يوصف بالكلية لانها كما صرح القمى في اول القوانين من صفات المفاهيم المستقلة والفعل بالنسبة الى الوضع النسبي غير مستقل بالمفهومية فان للفعل وضعين فبالنسبة الى الحدث كالاسم وبالنسبة الى نسبته الى فاعل ما كالحرف والحرف لا يتصف بالكلية والجزئية في الاصطلاح.

والى ذلك اشار محشى التهذيب عند قول الماتن وايضا ان اتحد معناه الخ قد تحقق في موضعه ان معنييهما (اي الفعل والحرف) لا يتصفان بالكلية والجزئية.

ومما اوضحنا لك يتضح الاجمال والمسامحة في قوله (لان قولك جائني زيد يحتمل ان يكون على حالة الركوب وغيره) من المشي والسرعة والبطوه ونحوها (وكذا طاب زيد ان يكون من جهة النفس وغيرها) من الخلق والابوة والبنوة ونحوها (ففى الحال والتميز وجميع المعمولات) الاخر ايضا (تخصيص) كما في الاضافة والوصف فلا وجه ولا مناسبة في تسمية الاتيان بالحال ونحوها بالتقييد والاضافة والوصف بالتخصيص.

واما تطبيق قوله (الا ترى الى صحة قولنا ضربت ضربا شديدا بالوصف) على المدعى فيحتاج الى لطف قريحة والى التأمل فيما اوضحنا لك انفا.

فان المقصود من المثال اثبات حصول التخصيص بسبب معمولات الفعل ايضا كما انه يحصل بها التقييد ولكن في كونه مثبتا لذلك نظر وتأمل اذ المدعي اثبات حصول التخصيص بنفس المعمولات لا


بتوصيفها والمثال ظاهر في الثاني لا الاول فتأمل.

(واما تركه اي ترك تخصيص المسند بالاضافة والوصف فظاهر مما سبق في ترك تقييد المسند لمانع من تربية الفائدة) كعدم العلم بالمضاف اليه او الوصف او خوف انقضاء الفرصة ونحو ذلك مما ذكر هناك.

(واما تعريفه) اي تعريف المسند (فلا فادة) المتكلم (السامع حكما على امر) اي على شيء اي على مبتدأ (معلوم له اي للسامع باحدى طرق التعريف) الستة (هذا) الكلام اي المتن (اشارة الى انه) اى الشان (يجب عند تعريف المسند ان يكون المسند اليه) ايضا (معرفة اذ) قد تقدم انه (ليس في كلام العرب كون المبتدأ والخبر معرفة في الجملة الخبرية) سواء قلنا انه يمتنع عقلا او لا يمتنع واما الانشائية فقد تقدم ايضا انه قد يكون المسند فيها معرفة والمسند اليه نكرة نحو من ابوك فتأمل.

(باخر) اي بشيء اخر اي بخبر (مثله اي حكما على امر معلوم بامر اخر مثل ذلك الامر المحكوم عليه في كونه معلوما للسامع باحدى طرق التعريف) الستة (سواء يتحد الطريقان) اي طريق المعرفة في المحكوم عليه وبه.

بان كان كل واحد منهما ضميرا او اسم اشارة او نحوهما (نحو الراكب هو المنطلق) فان الطريق في كليهما اللام واما هو فهو ضمير فصل جيء به ليدل على ان المنطلق خبر لا صفة (او يختلفان نحو زيد هو المنطلق) فان المسند اليه معرف بالعلمية والمسند باللام.

(وقوله باخر اشارة الى انه يجب مغايرة المسند والمسند اليه


بحسب المفهوم ليكون الكلام مفيدا فنحو) قوله

انا ابو النجم وشعري شعرى

لله درى ما احس صدرى

(متأول بحذف المضاف باعتبار حالين اى شعري الان) اى في حال المشيب (مثل شعري فيما كان) اي في حال الشباب (اي المعروف والمشهور بالصفات الكاملة) اي لم يعرض عليه بسبب المشيب تغيير فلولا هذا التاويل ههنا لم يكن الكلام مفيدا لان ثبوت الشيء لنفسه بديهي ومعلوم بحيث لا يجهله احد فلا فائدة فيه الا بتأويل من التأويلات.

ومن هنا قالوا ان نحو النار حارة ليس بكلام وليعلم ان هذا كله كما صرح به شرط الافادة لا الصحة اما شرط الصحة فهو اتحاد ما اى اما وجودا او ذاتا ولا يلزم صحة حمل المبائن على المبائن نحو الانسان حجر لثبوت التغاير بينهما فتدبر جيدا.

(و) ليعلم انه (ليس هذا التأويل) ونحوه (بلازم في كل ما اتحد فيه لفظ المبتدأ والخبر) من دون اتحاد مفهومهما (على ما توهمه بعضهم اذ لا حاجة اليه) اى الى التاويل (في نحو قولنا زيد شجاع فمن سمعته يقاوم الاسد فهو هو) الشاهد في هو هو حيث لا حاجة فيهما الى التأويل لتغايرهما مفهوما من دون تأويل (فاحد الضميرين) يعني الاول (لمن سمعته) لانه اقرب اليه (و) الضمير (الاخر) يعني الثاني (لزيد) لانه ابعد منه (وهذا) القسم من متحدي اللفظ (مفيد من غير تاويل).

(او لازم حكم كذلك) هذا اي قوله لازم منصوب لانه (عطف على) قوله (حكما اى او لافادة) المتكلم (السامع لازم حكم على


امر معلوم باحدى طرف التعريف باخر مثله وفي هذا) اى في قوله او لازم حكم (اشارة الى ان كون المبتدأ والخبر معلومين) للسامع لا ينافي كون الكلام) المركب منهما (مفيدا للسامع فائدة مجهولة لان ما يستفيده السامع من الكلام) اما فائدة الخبر و (هو انتساب الخبر الى المبتدأ (او) لازم فائدة الخبر وهو (كون المتكلم عالما به) كما في حفظت التوراة وقد تقدم بيان ذلك في اول باب احوال الاسناد الخبر مستوفي (و) من البديهى عند الاذهان المستقيمة ان (العلم بنفس المبتدأ) كزيد في المثال المتقدم انفا.

(و) بنفس (الخبر) كمن سمعته انه يقاوم الاسد (لا يوجب) هذان العلمان (العلم بانتساب احدهما الى الآخر) وبعبارة اخرى لا يوجب العلم بان من سمعته انه يقاوم الاسد هو زيد لا غيره (والحاصل ان السامع قد علم امرين) يعني زيد ومن يقاوم الاسد مثلا.

(لكنه) اي السامع (يجوز) بحكم عقله (ان يكونا) اى الامرين (متعددين) اي متغايرين (في الخارج) كما انه يجوز ان يكونا متحدين فيه (فاستفاد) السامع (من الكلام) اى من قولك فهو هو مثلا او من قولك زيد يقاوم الاسد (انهما متحدان في الوجود الخارجي بحسب الذات) وهذا اي الانتساب والاتحاد هو الفائدة المجهولة عنده وهي فائدة تامة يصح السكوت عليها واوضح مما ذكرنا ما يذكره بعيد هذا بقوله والضابط في هذا التقديم الخ.

(نحو زيد اخوك وعمرو المنطلق) فكل واحد من هذين المثالين صالح لان يكون مفيدا للحكم ولازمه فان كان يعلم ان هناك زيدا او


ان هناك عمرا ويعلم ايضا ان هناك رجلا موصوفا بالاخوة له او هناك رجلا موصوفا بالانطلاق ولكن لا يعلم ان المسمى بزيد هو الموصوف بالاخوة له او لا يعلم ان المسمى بعمرو هو الموصوف بالانطلاق فقلت له زيد اخوك او قلت له عمرو المنطلق فقد افدته الحكم وان كان يعلم ان الموصوف بالاخوة له زيد او يعلم ان الموصوف بالانطلاق عمرو فقلت له احد هذين الكلامين فقد افدته لازم الحكم اى افدت انك عالم به.

(حال كون) التعريف في (المنطلق في المثال الاخير باعتبار تعريف العهد او الجنس) لا غيرهما من اقسام معنى اللام وانما اشترط ذلك في المثال الاخير دون الاول لان تعريف الاضافة في الاصل كما سيصرح به عن قريب باعتبار العهد لا غير فالاشتراط فيه شبيه بتحصيل الحاصل.

(وفي هذا) اي في قوله او الجنس (تمهيد لما سيجيء في بحث القصر) الاتي بعيد هذا اعني قوله والثاني قد يفيد قصر الجنس الخ فتأمل.

(ومما ورد على تعريف العهد قول ابى فراس) يعني الفرزق.

فان تكونوا براء من جنايته

فان من نصر الجاني هو الجاني

(اي هو) اي من نصر الجاني (هو) اى الجاني (يعني ان الناصر للجاني والجاني سيان على معنى ان هذا) اي الجاني (ذاك) اي الناصر للجاني (وذاك) اي الناصر للجاني (هذا) اى الجانى (ولا فرق بينهما فى جواز اضافة) اى في نسبة (الجناية الى كل منهما حسب اضافتها الى الاخر).

وبهذا ورد اخبار كثيرة ليس هنا محل ذكرها بل فى بعض الايات


الراجعة الى اليهود وبعض الادعية الراجعة الى بني امية اشعار بل تصريح بذلك فتنبه.

(ويجوز ان يكون المعنى المراد من البيت (فهو) اي الناصر للجاني (الكامل في الجناية) لانه (المربى على كل جان) ومن هنا قيل ان السبب اقوى من المباشر والى ذلك اشير في قوله بالفارسية

اگر حكم از يزيد ستمگر نميشد

سگ پير سردار لشكر نميشد

واليه اشير ايضا في قولها سلام الله عليها مخاطبا لأخيها الحسين (ع) بأبي المقتول بيوم الجمعة او الاثنين ويؤيده ما قيل بالفارسية

ترحم بر پلنگ تيز دندان

ستمكارى بود بر گوسفندان

(ولم يرد) ابو فراس (ان من نصر الجاني فقد جنى جناية حتى يصح له) اي لابى فراس (التنكير) اي تنكير الجاني فى فهو الجاني.

(و) اعلم ان (المذكور في بعض الكتب) ما يظهر منه الفرق فيما نحن فيه بين طرق التعريف لانه قال (ان تعريف المسند ان كان بغير الاضافة) فحينئذ (يجب معلومية المسند اليه والمسند) كليهما (وان كان) تعريف المسند (بالاضافة) فحينئذ (لا يجب الا معلومية المسند اليه) وحده.

(وبهذا) المذكور في بعض الكتب (يشعر لفظ الايضاح) ايضا لانه قال فيه اذا كان للسامع اخ يسمى زيدا وهو يعرفه بعينه واسمه لكن لا يعرفه انه اخوه فتقول زيد اخوك سواء عرف ان له اخا ولم


يعرف ان زيدا اخوه (كقصة بنيامين ويوسف (ع) في مصر) او لم يعرف ان له اخا انتهى.

(لكن قوله) ههنا في المتن المتقدم (بامر معلوم على اخر مثله يأبى ذلك) الفرق المذكور في بعض الكتب (ويدل على انه يجب معلومية الطرفين سواء كان التعريف) اى تعريف المسند (بالاضافة او غيرها ويؤيده ما ذكره النحاة من ان تعريف الاضافة باعتبار العهد فانك لا تقول غلام زيد) بالاضافة (الا لغلام معهود بين المتكلم والمخاطب باعتبار تلك النسبة) الاضافية بمعنى انه لو كان لزيد غلمان متعددة فلا بد ان يشار به الى غلام له مزيد خصوصية به ككونه اعظم غلمانه مثلا او اشهرهم بكونه غلاما له او لكونه معهودا بين المتكلم والمخاطب ونحو ذلك مما يوجب انصراف اللفظ حين الاطلاق اليه (لا) الى (غلام) مبهم غير معين (من غلمانه والا) اى وان لم يكن معهودا بذلك الاعتبار (لم يبق فرق بين المعرفة) بالاضافة نحو غلام زيد (و) بين (النكرة) نحو غلام لزيد فلا وجه لتسمية الاول بالمعرفة والثاني بالنكرة.

(نعم قد ذكر بعض المحققين من النحاة) يعني الرضى (أن هذا) يعني وجوب كون المضاف معهودا بذلك الاعتبار (اصل وضع الاضافة لكنه قد يقال جائق غلام زيد) اى يستعمل الاضافة (من غير) عهد.

و (اشارة الى) غلام معلوم (كالمعرف باللام) الذى تقدم الكلام فيه في باب المسند اليه في بحث تعريف المسند اليه باللام حيث قال وهذا في المعنى كالنكرة (وهو) اى القول اي استعمال الاضافة بغير


عهد واشارة (على خلاف وضع الاضافة لكنه كثير في الكلام فلفظ) هذا (الكتاب ناظر الى اصل الوضع وما في الايضاح) وفي بعض الكتب ناظر (الى هذا الاستعمال) الذي هو على خلاف وضع الاضافة فلا تنافى بين ما في هذا الكتاب وبين ما في الايضاح وما في بعض الكتب.

هذا كله مأخوذ من الرضى كما قلنا بتغيير ما ثم قال في اخر كلامه فلا تظننن من اطلاق قولهم في مثل غلام زيد انه بمعنى اللام ان معناه ومعنى غلام لزيد سواء بل معنى غلام لزيد واحد من غلمانه غير معين ومعنى غلام زيد الغلام المعين من غلمانه ان كان له غلمان جماعة او ذلك الغلام المعهود لزيد ان لم يكن له الا واحد انتهى.

وذلك انما هو فيما كان المعرف بالاضافة مسندا (لكن المعرف بالاضافة ان كان مسندا اليه فلا بد ان يكون) المعرف بالاضافة (معلوما) عند السامع (مثلا لا يقال اخوك زيد لمن لا يعرف ان له اخا لامتناع الحكم بالتعيين) اي بكونه زيدا (على من) اى على اخ (لا يعرفه المخاطب اصلا) ومن اراد الاطلاع على هذا المبحث كمال الاطلاع فعليه بمراجعة اول الباب الرابع من المغنى وكذلك البحث الاتي اعنى قوله (وعكسهما اي ونحو عكس المثالين وهو) اى العكس (اخوك زيد والمنطلق عمرو والضابط في هذا التقديم) اي في تقديم احد الاسمين المعرفتين الذين يصلح كل واحد منهما للمبتدئية (انه اذا كان للشيء صفتان) من صفات التعريف الست (عرف السامع اتصافه) اى الشيء (باحديهما) اى الصفتين (دون) الصفة (الاخرى حتى يجوز ان تكونا وصفين لشيئين متعددين في الخارج فايهما كان بحيث


يعرف السامع اتصاف الذات به وهو كالطالب بحسب زعمك ان تحكم عليه بالاخرى) التي لا يعرف اتصافه بها فحينئذ (يجب ان تقدم اللفظ الدال عليه) اى على الوصف الذي عرف السامع اتصاف الذات به (وتجعله) اى اللفظ الدال عليه (مبتدأ وأيهما) اى الوصفين (كان بحيث يجهل) السامع (اتصاف الذات به وهو كالطالب ان تحكم بثبوته للذات او بنفيه عنها) اي عن الذات فحينئذ (يجب ان توخر اللفظ الدال عليه) اى على الوصف المجهول (وتجعله خبرا) عن ذلك اللفظ الدال على الوصف المعلوم

(فاذا عرف السامع زيدا بعينه واسمه ولا يعرف اتصافه بأنه أخوه وأردت ان تعرفه ذلك قلت زيد اخوك) ولا يصح ان تقول (اخوك زيد وهذا) الذي ذكر من الضابط (يتضح في قولنا رأيت اسودا غابها الرماح) فانه يصح (ولا يصح رماحها الغاب) وذلك لان الغاب معروفة انها للاسود لان الغاب.

كما في المصباح جمع الغابه وهي الاجمة من القصب والاسود غالبا تسكن فيها.

ولذلك قيل بالفارسية :

اگرچه فرش من از بوريا است طعنه مزن

چرا كه خوابگه شير در نيستان است

بخلاف الرماح فان السامع لا يعرف انها للاسود فيجب ان يقدم المعلوم على المجهول ولا يجوز العكس لما تقدم انفا من امتناع الحكم بالتعيين على ما لا يعرفه المخاطب اصلا (ولهذا) الضابط (قيل) اى استشكل (في بيت السقط) :


يخوض بحرا نقعه مائه

يحمله السابح في لبده

(ان الصواب) ان يقال (مائه نقعه لان السامع يعرف ان له) اي للبحر (ماء) لكن ولا يعرف ان ذلك الماء من اي شيء (وانما يطلب تعيينه) اي تعيين ذلك الماء.

(وكذا اذا عرف) السامع (زيدا) بعينه واسمه (وعلم انه) أي الشان (كان من انسان انطلاق و) لكن (لم يعرف اتصاف زيد بأنه المنطلق المعهود واردت ان تعرفه ذلك قلت) حينئذ (زيد المنطلق) بتقديم زيد ولا يصح حينئذ المنطلق زيد بتقديم المنطلق (وان اردت ان تعرفه ان ذلك المنطلق زيد بناء على انه) اى السامع (يطلبه) اي المنطلق المعهود (على التعيين) كأنه يسأل (ويقول من المنطلق قلت) حينئذ المنطلق زيد) بتقديم المنطلق (ولا يصح زيد المنطلق) بتقديم زيد.

(وبهذا) الذي ذكرنا (يظهر ان ما ذكره صاحب الكشاف في) ضمن تفسير (قوله تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) انه اذا بلغك ان انسانا من اهل بلدك تاب) من المعاصي (ثم استخبرت) أي سألت بقولك (من هو) اي الذي تاب (فقيل) في جوابك زيد التائب) بتقديم زيد على التائب الذي تريد تعيينه (محل نظر) لانك اذا بلغك ان انسانا من اهل بلدك تاب فقد عرفت ان هناك تائبا لكن لم تعرفه بعينه.

فحينئذ يجب نظرا الى الضابط المذكور ان يقال التائب زيد بتقديم التائب على زيد (وقس على ما ذكرنا سائر طرق التعريف) من الاضمار والموصولية واسم الاشارة فان الضابط فيها هو الضابط المتقدم


ولكن في كلام ابن هشام في الباب المذكور ما يدل على الفرق بين الطرق الست فراجع ان شئت.

(والثاني اي اعتبار تعريف الجنس) في المسند المعرف باللام (قد يفيد قصر الجنس) اى جنس المعرف باللام واما الاول اعني اعتبار تعريف العهد فيأتي بعيد هذا التصريح بأنه لا يفيده (على شيء) اى على المسند اليه (تحقيقا اى قصرا حقيقيا مطابقا للواقع نحو زيد الامير اذا لم يكن امير سواه او مبالغة اى قصرا غير محقق بل مبالغا فيه لكماله فيه اي لكمال ذلك الجنس) اى الشجاعة مثلا (في ذلك الشيء) اى في عمرو مثلا (او بالعكس) اي لكمال ذلك الشيء اى عمرو في ذلك الجنس اى الشجاعة مثلا (نحو عمرو الشجاع اى الكامل في الشجاعة فتبرز الكلام في صورة توهم ان الشجاعة مقصورة عليه) اى على عمرو (لا تتجاوزه لعدم الاعتداد بشجاعة غيره لقصورها) اى لقصور شجاعة غيره (عن رتبة الكمال وكذا اذا جعل المعرف بلام الجنس مبتدأ نحو الامير زيد والشجاع عمرو لا تفاوت بينهما) اي بين هذين المثالين (وبين ما تقدم) من المثالين المذكور احدهما في المتن والاخر في الشرح.

(في افادة قصر الامارة على زيد والشجاعة على عمرو وذلك لان اللام ان حملت لكونها في المقام الخطابي) اى في المقام الذى يستعمل فيه كما صرح به محشى التهذيب المقبولات والمظنونات (على الاستغراق وكثيرا ما يقال له) اى للام الاستغراق (لام الجنس).

كما تقدم ذلك في بحث تعريف المسند اليه باللام حيث قال والى هذا ينظر صاحب الكشاف حيث يطلق لام الجنس على ما يفيد الاستغراق


(فامره) اى امر جعل المعرف باللام مبتدأ (ظاهر لانه بمنزلة قولنا كل امير زيد وكل شجاع عمرو) وهذا هو القصر (على طريقة انت الرجل كل الرجل) فاللام حينئذ كما قال السيوطى لاستغراق صفات الافراد لان حلول كل محلها على سبيل المجاز لا الحقيقة بداهة امتناع صيرورة الكثير واحدا.

(وان حملت) اللام (على الجنس والحقيقة) اي على ما يشار بها وبمصحوبها الى الماهية من حيث هي هي نحو الرجل خير من المرئة (فهو) اي جعل المعرف مبتدأ (يفيد ان زيدا وجنس الامير وعمرا وجنس الشجاع متحدان في الخارج ضرورة ان المحمول متحد بالموضوع في الوجود لظهور امتناع حمل احد المتميزين في الوجود الخارجي على الاخر وحينئذ يجب ان لا يصدق جنس الامير) في المثال الاول (والشجاع) في المثال الثاني (الا حيث يصدق زيد وعمرو) كذلك (وهذا معنى القصر) فصح ان الثاني اي اعتبار الجنس قد يقيد القصر.

(فان قلت هذا) البيان والاتحاد (جار بعينه في الخبر المنكر نحو زيد انسان او قائم مثلا فانهما) اى المحمول والموضوع (متحدان في الوجود) لما تقدم انفا من ظهور امتناع حمل احد المتميزين في الوجود الخارجي على الاخر (فيلزم ان لا يصدق الانسان او القائم على غير زيد وفساده ظاهر) بداهة صدق كل واحد منهما على كل من كان من مصاديقه.

(قلت المحمول هنا) اى فيما كان الخبر منكرا (مفهوم فرد من افراد الانسان او القائم) لا الجنس والماهية من حيث هي هي (ولا


يلزم من اتحاده) اى اتحاد فرد من الافراد (بزيد اتحاد جميع الافراد الغير المتناهية به) اى بزيد (بخلاف المعرف فان المتحد به) اى بزيد (هو الجنس نفسه) اى الماهية من حيث هى هى (فلا يصدق فرد منه) اى من الجنس (على غيره) اى على غير زيد (لامتناع تحقق الفرد بدون تحقق الجنس) والمفروض ان الجنس متحد مع زيد فكيف يمكن ان يصدق على غيره.

(وفيه) اى في الفرق بين المعرف والمنكر (نظر) قال في حاشية منه اى التفتازاني في وجه النظر لان اعتبار مفهوم من افراد الانسان خارج في طريق الحمل لان المراد بالمحمول المفهوم مع قطع النظر عن الفردية واما تعيين الفردية فامر خارج عن المفهوم انتهى.

قال الشريف الجرجاني في حاشية له على الشمسية عند تحقيق المحصورات الاربع على قول الشارح فان قلت كما ان لج اعتبارين الخ ما هذا نصه اقول قد عرفت ان كل كلى له مفهوم وما صدق عليه من الافراد فلكل واحد من ج وب مفهوم وما صدق عليه من الافراد فليتصوره هناك معان اربعة :

الاول ان مفهوم ج مفهوم ب وقد عرفت بطلانه.

والثاني ان ما صدق عليه ج من الافراد ثبت له مفهوم ب وهو المراد.

والثالث ان ما صدق عليه ج هو ما صدق عليه ب وهو ايضا باطل لان ما صدق عليه الموضوع هو بعينه ما صدق عليه المحمول سواء انحصر ما صدق المحمول فيما صدق عليه الموضوع او لم ينحصر واذا


اتحد ما صدقا عليه كان مفهوم القضية ثبوت الشيء لنفسه فيكون ضروريا فينحصر القضايا في الضرورية انتهى باختصار.

وقال في شرح المطالع في توضيح المعنى الثالث لو كان المحمول ذات الباء لما صدقت ممكنة خاصة لانه لا يخلو اما ان يكون ذات الموضوع وذات المحمول متغايرين وهو باطل او متحدين فيكون ثبوت ذات المحمول لذات الموضوع بالضرورة فلا يصدق الامكان الخاص ويلزم انحصار ساير القضايا في مادة الضرورة.

ثم قال والذات التي يصدق عليها ج يسمى ذات الموضوع وما يعبر عنها عنوان الموضوع ووصفه والذات والعنوان قد يتحدان في الحقيقة كقولنا كل انسان حيوان وقد يتغايران في الحقيقة فربما يكون العنوان جزء الذات كقولنا كل حيوان متحرك وربما يكون عارضا اما دائما بدوام الذات كقولنا كل زنجى اسود او غير دائم كقولنا كل كاتب متحرك الاصابع انتهى.

وانما اطلنا الكلام في وجه النظر رعاية لجانب من له دقة النظر فلنعد الى ما كنا فيه.

(فالحاصل ان المعرف بلام الجنس ان جعل مبتدأ فهو مقصور على الخبر سواء كان الخبر معرفا بلام الجنس أو غيره نحو الكرم التقوى أي لا غيرها والامير الشجاع اى لا الجبان) هذان مثالان للخبر المعرف بلام الجنس (و) اما المعرف بغيرها فنحو (الامير هذا) اى لا غير هذا (او) نحو الامير (زيد) اي لا غير زيد (او) نحو الامير (غلام زيد) اي لا غير غلام زيد.

(او كان) الخبر (غير معرف اصلا نحو التوكل على الله والفويض


الى امر الله والكرم في العرب والامام من قريش) ففى جميع هذه الامثلة يفيد الكلام ان المبتدأ مقصور على الخبر حقيقة او ادعاء (لان الجنس حينئذ يتحد مع واحد مما يصدق عليه الخبر فلا يتحقق) الجنس (بدون ذلك الواحد لكن يمكن تحقق واحد منه) اى مما يصدق عليه الخبر.

(في الجملة بدون الجنس فيلزم ان يكون الكرم مقصورا على الاتصاف بكونه في العرب ولا يلزم ان يكون ما في العرب مقصورا على الاتصاف بالكرم) بل يمكن ان يكون ما في العرب غير متصف بالكرم بل متصفا باللئامة والدنائة كالافعال التي صدرت من بني امية وامثالهم (وعلى هذا القياس) سائر الامثلة المذكورة (فليتأمل فان فيه دقة) وقد تقدم بعض الكلام فيه في اخر بحث ضمير الفصل فراجع ان شئت.

(وبهذا يظهر ان تعريف الجنس في الحمد لله يفيد قصر الحمد على الاتصاف بكونه لله على ما مر) في خطبة الكتاب.

هذا كله فيما جعل المعرف بلام الجنس مبتدأ (وان جعل خبرا فهو مقصور على المبتدأ نحو زيد الامير) اى لا غير زيد (و) نحو (عمرو الشجاع) اى لا غير (والموصول الذي قصد به الجنس في هذا الباب بمنزلة المعرف بلام الجنس) في انه يفيد القصر نحو الذي يسعى في حوائج الناس مطيع لامر الله والى هذا المعنى اشار الشاعر الفارسى بقوله

اطاعت بجز خدمت خلق نيست

اطاعت بسجاده ودلق نيست


(ثم الجنس المقصور قد يكون مطلقا) اى غير مقيد بقيد من القيود التي تستعمل في الكلام (كما في الامثلة المذكورة) انفا (وقد يكون جنسا مخصوصا باعتبار تقيده بوصف او حال او ظرف او مفعول او نحو ذلك) كالمفعوله ومعه (كقولنا فى القصر تحقيقا او مبالغة هو الرجل الكريم) مثال للتقيد بالوصف.

(و) نحو (هو السائر راكبا) مثال للتقيد بالحال.

(و) نحو (هو الوفي حين لا يفي احد لاحد) مثال للتقيد بالظرف

(و) نحو (هو الواهب الف قنطار) مثال للتقييد بالمفعول به واختلف في تفسير القنطار فقيل انه ملأ جلد الثور ذهبا وقيل المال الكثير وقيل مائة الف دينار (قال الاعشى)

هو الواهب المائة المصطفاة

اما مخاضا واما عشارا

(قصر عليه) اى على الممدوح (هبة المائة من الابل حال كونه) اى (الابل مخاضا) اى الحوامل من النوق (او عشارا) اى الناقة التي مضى على حملها عشرة اشهر وقيل العرب تسمى النوق عشارا بعد وضعها ما في بطونها للزوم الاسم لها بعد الوضع كما يسمونها لفاحا وقيل العشراء من الابل كالنفساء من النساء.

لا هبة الابل مطلقا بأي حال كانت ولا الهبة مطلقا سواء كانت هبة الابل او غيرها وليس هذا مثل قولنا زيد المنطلق باعتبار العهد لان القصد ههنا الى جنس مخصوص من الهبة فهو بمنزلة النوع لا الى هبة) واحدة (مخصوصة هي بمنزلة الشخص) بخلاف قولنا زيد المنطلق فان القصد فيه الى منطلق واحد مخصوص معهود فهو بمنزلة الشخص بل عينه واعلم ان هذا كله مأخوذ مما قاله الشيخ في دلائل الاعجاز


بتغيير ما وهذا نصه الا ترى ان المعنى في بيت الاعشى انه لا يهب هذه الهبة الا الممدوح وربما ظن الظان ان اللام في هو الواهب المائة المصطفاة بمنزلتها في نحو زيد هو المنطلق من حيث كان القصد الى انطلاق مخصوص وليس الامر كذلك لان القصد ههنا الى جنس من الهبة مخصوص لا الى هبة مخصوصة بعينها يدلك على ذلك ان المعنى على انه يتكرر منه وعلى انه يجعله يهب المائة مرة بعد اخرى واما المعنى فى قولك زيد هو المنطلق فعلى القصد الى انطلاق كان مرة واحدة لا الى جنس من الانطلاق فالتكرر هناك غير متصور.

(وههنا نكتة ذكرها الشيخ) ايضا (في دلائل الاعجاز) ذكرها التفتازاني بالمعنى والمحصل ونحن نذكر نصها متفرقا (وهي) اى النكتة ان (قولنا انت الحبيب ليس معناه انك الكامل في المحبوبية حتى انه لا محبة في الدنيا الا ما) اي محبة (انت به حبيب كما في انت الشجاع) وبعبارة اخرى كما في دلائل الاعجاز لا تحتمل ان يكون قولنا أنت الحبيب كقولنا انت الشجاع لانه يقتضى ان يكون المعنى انه لا محبة في الدنيا الا ما هو به حبيب كما ان المعنى فى هو الشجاع انه لا شجاعة في الدنيا الا ما تجده عنده وما هو شجاع به وذلك محال انتهى.

(ولا) اى ليس معناه (ان احدا لم يحب احدا مثل محبتي لك حتى ان سائر المحبات في جنبها غير محبة كما في قولنا انت المظلوم على معنى لم يصب احدا ظلم مثل الظلم الذي اصابك حتى كان كل ظلم في جنبه عدل).

قال فى دلائل الاعجاز بعد ان تقول انت المحبوب على معنى انت


الكامل في كونه محبوبا كما ان بعيدا ان يقال هو المضروب على معنى انه الكامل في كونه مضروبا وان جاء شيء من ذلك جاء على تعسف فيه وتاويل لا يتصور ههنا وذلك ان يقال مثلا زيد هو المظلوم على معنى انه لم يصب احدا ظلم يبلغ في الشدة والشناعة الظلم الذي لحقه فصار كل ظلم سواه عدلا في جنبه ولا يجيء هذا التأويل في قولنا انت الحبيب لانا نعلم انهم لا يريدون بهذا الكلام ان يقولوا ان احدا لم يحب احدا مثل محبتي لك وان ذلك قد ابطل المحبات كلها حتى صرت الذي لا يعقل للمحبة معنى الا فيه انتهى.

(بل معناه) كما فى لائل الاعجاز (ان المحبة منى بجملتها مقصورة عليك وانه ليس) لاحد اى (لغيرك حظ في محبة منى فهو مثل زيد المنطلق اى الذي كان منه الانطلاق المعهود الا ان ههنا نوعا من الجنسية لان المعنى) كما قلنا انفا.

(ان المحبة منى بجملتها مقصورة عليك ولم تعمد) اى لم تقصد (الى محبة واحدة من محباتك ولا يصور هذا في زيد المنطلق اذ لا وجه للجنسية).

قال في دلائل الاعجاز ينبغي ان تعلم ان بين أنت الحبيب وبين زيد المنطلق فرقا وهو ان لك في المحبة التي اثبتها طرفا من الجنسية من حيث كان المعنى ان المحبة مق بجملتها مقصورة عليك ولم تعمد الى محبة واحدة من محباتك الا ترى انك قد اعطيت بقولك انت الحبيب انك لا تحب غيره وان لا محبة لاحد سواه عندك ولا يتصور هذا في زيد المنطلق لانه لا وجه هناك للجنسية اذ ليس ثم الا انطلاق واحد قد عرف المخاطب انه كان واحتاج ان يعين له الذى كان منه وينص


عليه انتهى.

ثم قال ما حاصله (ولو قلت زيد المنطلق في حاجتك اى الذى من شانه ان يسعى في حاجتك عرض فيه معنى الجنسية مثله في انت الحبيب).

قال في المختصر في اخر المبحث جميع ذلك (اى المذكور من المباحث المتقدمة) معلوم بالاستقراء وتصفح تراكيب البلغاء انتهى.

واني ليعجبني ذكر نكتة اخرى ذكرها ايضا وهذا نصها اذا جئت بمعرفتين ثم جعلت هذا مبتدأ وذاك خبرا تارة وتارة بالعكس قولهم الحبيب انت وانت الحبيب وذاك ان معنى الحبيب انت انه لا فصل بينك وبين من تحبه اذا صدقت المحبة وان مثل المتحابين مثل نفس يقتسمها شخصان كما جاء عن بعض الحكماء انه قال الحبيب انت الا انه غبرك وهذا كما ترى فرق لطيف ونكتة شريفة ولو حاولت ان تفيدها بقولك انت الحبيب حاولت ما لا يصح انتهى والى ذلك اشار الشاعر الفارسى بقوله

من كيم ليلى وليلى كيست من

ما يكى جانيم اندر دو بدن

(وقوله) في المتن المتقدم والثانى (قد يفيد) قصر الجنس (بلفظة قد اشارة الى انه) اى المعرف باللام (قد لا يفيد القصر) وذلك لان لفظة قد كما قيل للتقليل فتفيد في المقام التقليل بالنسبة الى الافادة الكلية لا بالنسبة الى عدم الافادة (كما في قول الخنساء في مرثية اخيها صخر).

اذا قبح البكاء على قتيل

رأيت بكائك الحسن الجميلا


(فانها لم ترد قصر) جنس (الحسن على بكائه لا يتجاوزه الى شيء اخر والالم يحسن جعله جوابا لقوله اذا قبح البكاء على قتيل اذ لا معنى للقصر في نحو قولنا اذا قبح البكاء على قتيل لم يحسن الا بكائك) لان مقتضى ترتب الجزاء على الشرط ههنا ليس الا اخراج بكائه من جنس بكاء القتلى باثبات الحسن له لا قصر الحسن عليه (على ما لا يخفى على من له درية) اي معرفة ان قرء بالدال المكسورة والياء المشددة المثنات من تحت او تجربة ان قرء بالدال المضمومة والباء الموحدة او الجرئة (باساليب الكلام لظهور ان الغرض) كما قلنا (ان تثبت لبكائه الحسن وتخرجه عن جنس بكاء غيره من القتلى كما قيل الصبر محمود الا عنك والجزع مذموم الا عليك).

والحاصل ان الخنساء لم ترد ان ما عدا البكاء على صخر ليس بجميل ولا حسن (وبهذا سقط ما قيل انه يجوز ان يكون للقصر مبالغة او ان يكون لقصر الحسن على بكائه بمعنى انه لا يتجاوزه الى بكاء غيره) فيكون القصر اضافي (لا انه لا يتجاوزه الى شيء اخر) حتى يكون القصر حقيقيا ووجه السقوط انها كما قلنا لم ترد القصر اصلا لا الاضافي ولا الحقيقى بل ارادت ان تخرج بكائه من جنس بكاء غيره بان تثبت له الحسن والجمال ، (ومعنى التعريف) اى تعريف الخبر (ههنا) اى في قول الخنساء اي في الحسن الجميلا (ان اتصاف المبتدأ) اي البكاء على صخر (بالخبر) اي بالحسن والجميل (امر) اى شيء (ظاهر) ومقبول عند العقلاء بحيث (لا ينكر ولا يشك فيه) اي في اتصاف المبتدأ بالخبر (ومثله قول حسان) في هجو ابي سفيان


وان سنام المجد من ال هاشم

بنو بنت مخزوم ووالدك العبد

(اراد ان يثبت له) اى لوالد ابي سفيان (العبودية) والرقية (ثم يجعله) اى والد المخاطب (ظاهر الامر فيها) اى في العبودية (معروفا بها) بحيث لا ينكر ولا يشك فيه اى في ثبوتها له (كذا في دلائل الاعجاز) ثم قال ولو قال ووالدك عبد لم يكن قد جعل حاله في العبودية حالة ظاهرة متعارفة.

(فان قيل) ان (اللام حينئذ) اى حين اذ كان معنى التعريف ان اتصاف المبتدء بالخبر امر ظاهر لا ينكر ولا يشك فيه (لا تكون للجنس) فلذلك لم تفد القصر (فلا ينافي) افادة التعريف هذا المعنى (القول بكون اعتبار تعريف الجنس مفيدا للقصر دائما) فكيف القول بان قوله قد يفيد بلفظة قد اشارة الى ان تعريف الجنس قد لا يفيد القصر.

(قلنا قد سبق) في بحث تعريف المسند اليه باللام في قوله والحاصل ان اسم الجنس المعرف باللام الخ (ان اللام التي ليست للعهد انما هي للجنس وباقي المعاني) المذكورة هناك والمعنى المذكور ههنا اعني كون الاتصاف ظاهرا لا يشك فيه (من شعبه وفروعه) فاللام فيما نحن فيه للجنس ولم تفد القصر فصح القول بأن تعريف الجنس قد لا يفيد.

(وكذا) من فروع الجنس (المعنى الذي اشرنا اليه في بحث ضمير الفصل) حيث قال اما اولا فلان هذا اشارة الى معنى اخر للخبر المعرف باللام الخ.

(وانما خص) المصنف في المتن المتقدم (حكم القصر بالثاني


اعني تعريف الجنس لان القصر وعدمه انما يكون فيما يعقل فيه العموم والشمول) حاصله ان يكون فيه تعدد بوجه ما (والمعهود في زيد المنطلق يفيد تساوى المبتدء والخبر فلا يصدق احدهما بدون الاخر) فلا تعدد فى الخبر لكون المبتدء فيه جزئيا حقيقيا (وكذا قولنا انت زيد وهذا عمرو وما اشبه ذلك وكذا نحو زيد اخوك اذا جعل المضاف معهودا كما هو اصل وضع الاضافة).

وقد تقدم بيانه قبيل ذلك في بحث تعريف المسند (ومثل هذا الاختصاص لا يقال له القصر في الاصطلاح) لما بينا انفا من ان القصر وعدمه انما يكون فيما يعقل فيه العموم والشمول.

(وقيل) ردا على الضابط المتقدم في نحو عمرو المنطلق وعكسه اى المنطلق عمرو ان (الاسم) اى عمرو مثلا (متعين للابتداء) سواء (تقدم) كما في المثال الاول (او تاخر) كما في عكسه (لدلالته) اي الاسم (على الذات (واما الصفة) اى المشتق كمنطلق مثلا فهي (متعينة للخبرية) سواء (تقدمت كما في المثال الثاني (او تأخرت) كما في المثال الاول (لدلالتها على امر نسبى) اى على الحدث الذى ينسب الى شيء على نحو الصدور منه او الوقوع عليه او نحوهما والى ذلك اشار بعضهم حيث قال لا شك ان الوصف يستند الى الذات لا الذات الى الوصف فعمرو مثلا متعين للابتداء تقدم او تأخر ومنطلق مثلا متعين للخبرية كذلك (لانه ليس المبتدء مبتدء لكونه منطوقا به او لا بل لكونه مسندا اليه ومثبتا له المعنى وليس الخبر خبرا لكونه منطوقا به ثانيا بل لكونه مسندا ومثبتا به المعنى والذات) يعني عمرو مثلا (هى المنسوب اليها والصفة) يعني منطلق مثلا (هى المنسوب


فسواء قلنا زيد المنطلق او المنطلق زيد يكون زيد مبتدء والمنطلق خبرا فبطل الضابط المذكور.

(ورد هذا القول بأن المعنى) في صورة تقديم الصفة وتأخير الاسم (الشخص الذى له الصفة) يعني يؤل المنطلق بالشخص والذات الذي له صفة الانطلاق (صاحب هذا الاسم) يعني يؤل زيد مثلا بالصفة اى بصاحب اسم زيد (فالصفة) اى المنطلق (قد جعلت دالة على الذات ومسندا اليها والاسم) اي زيد (جعل دالا على امر نسبي ومسندا) اى جعل دالا على صاحب هذا الاسم.

(وقد يسبق الى الوهم ان تأويل زيد بصاحب هذا الاسم مما لا حاجة اليه عند من لا يشترط في الخبر ان يكون مشتقا وهو الصحيح من مذهب البصريين وجوابه) اى جواب ما يسبق الى الوهم (ان الاحتياج اليه) اى التأويل (انما هو من جهة ان السامع قد عرف ذلك الشخص وانما المجهول عنده اتصافه بكونه صاحب اسم زيد وسوق هذا الكلام) اى المنطلق زيد (انما هو لافادة هذا المعنى) اى كونه صاحب اسم زيد.

قال ابن هشام فى الباب الرابع والتحقيق ان المبتدء ما كان اعرف او كان هو المعلوم عند المخاطب كان يقول من القائم فتقول زيد القائم وان علمهما وجهل النسبة فالمقدم المبتدء انتهى باختصار ما غير مخل بالمقصود هذا عند النحويين.

(واما عند المنطقيين فهذا التاويل) اي تاويل زيد مثلا بصاحب هذا الاسم ليصير كليا (واجب قطعا لان الجزئى الحقيقى لا يكون محمولا) عندهم (البتة فلا بد) عندهم (من تاويله بمعنى كلى)


وهذا نظير قول النحاة في نحو سعيد كرزانه بمعنى مسمى هذا اللقب لئلا يلزم اضافة الشيء الى نفسه واما وجه التأويل عند المنطقيين فقد نقلناه انفا عن بعض حواشى الشمسية فراجع ان شئت.

(وان كان) ذلك المعنى الكلى (في الواقع منحصرا في شخص) كما في مفهوم واجب الوجود والمعبود بالحق ونحوهما بل التحقيق ان المعنى الكلى لا يتوقف على وجود الفرد في الخارج كما بينه في التهذيب بقوله امتنعت افراده او امكنت الخ

(واما كونه اى المسند جملة) فسياتي وجهه بعيد هذا.

واعلم انه (قد توهم كثير من النحاة) وهم على ما في الرضى ابن الانبارى وبعض الكوفيين وسننقل كلامه (ان الجملة الواقعة خبر مبتدء لا تصح ان تكون انشائية) طلبية واستدلوا على ذلك بوجهين الاول (لان الخبر هو الذى يحتمل الصدق والكذب) والجملة الانشائية ليست كذلك فلا تصح ان تكون خبرا (و) الثاني (لانه) اى الخبر (يجب ان يكون ثابتا للمبتدأ والانشاء ليس بثابت في نفسه فلا يكون ثابتا لغيره).

وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في بحث الصدق والكذب وفي بحث وصف المسند اليه فراجع ان شئت.

(وجوابه) اي جواب ما استدلوا به فجواب الوجه الاول (ان خبر المبتدء هو الذى اسند الى المبتدء لا ما يحتمل الصدق والكذب والغلط من اشتراك اللفظ) نظير الغلط الواقع منهم في الحال وقد بيناه في المكررات في بحث الحال.

قال الرضى وقال ابن الانبارى وبعض الكوفيين لا يصح ان يكون


(الخبر) طلبية لان الخبر ما يحتمل الصدق والكذب وهو وهم وانما اتوا من قبل ابهام لفظ خبر المبتدأ وليس المراد بخبر المبتدأ عند النحاة ما يحتمل الصدق والكذب كما ان الفاعل عندهم ليس من فعل شيئا ففى قولك ازيد عندك يسمون الظرف خبرا مع انه لا يحتمل الصدق والكذب بل الخبر عندهم ما ذكر المصنف وهو المجرد المسند المغاير للصفة المذكورة ويدل على جواز كونها طلبية قوله تعالى (لا مَرْحَباً بِكُمْ).

وايضا اتفقوا على جواز الرفع في نحو قولهم اما زيد فاضربه وقال تغلب لا يجوز ان تكون قسمية نحو زيد والله لاضربنه والاولى الجواز اذ لا منع انتهى.

(و) جواب الوجه الثاني ان (وجوب ثبوت الخبر للمبتدء انما هو في الخبر والقضية) اى في الكلام الخبرى والقضية الموجبة التي تسميها المنطقيون حملية.

قال في التهذيب فان كان الحكم فيها بثبوت شيء لشيء فحملية (لا مطلق خبر المبتدء لان الاسناد عندهم اعم من الاخبارى والانشائي) والدليل على ذلك ما تقدم في وجه انحصار المقصود من علم المعاني في ثمانية ابواب حيث قال فالكلام ان كان لنسبته خارج تطابقه او لا تطابقه فخبر والا فانشاء.

(الا ترى ان الظرف في نحو اين زيد وانى لك هذا ومتى القتال وما اشبه ذلك خبر مع انه لا يحتمل الصدق والكذب وليس بثابت للمبتدء وكذا قوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ)) مع ان الخبر فيه اعني لا مرحبا بكم انشاء لانه دعاء.

(وقولك واما زيد فاضربه وزيد كأنه الاسد ونحو نعم الرجل


زيد على احد القولين) يعني القول بان جملة نعم الرجل خبر مقدم لزيد ففى جميع هذه الامثلة الخبر لا يحتمل الصدق والكذب لانه انشاء (ولا يخفى ان تقدير القول) ليكون هو الخبر كما قدروا ذلك في باب الصفة في نحو قوله جاؤا بمذق هل رأيت الذئب قط (في جميع ذلك) المذكور من الامثلة (تعسف) وتكلف غير محتاج اليه فتدبر جيدا.

(فللتقوى) قد مر المراد من التقوى اجمالا في بحث تقديم المسند اليه وسيوضحه بعيد هذا كمال التوضيح (او لكونه سببيا كما مر) في بحث ذكر المسند.

(من ان افراده) اى المسند (لكونه غير سببي مع عدم افادة تقوى الحكم) فبطريق المقابلة يعلم ان كونه جملة لافادة التقوى او لكونه سببيا.

(و) ليعلم ان (الخبر السببى بمنزلة الوصف الذي يكون بحال ما هو من سبب الموصوف الا انه) اى الوصف (لا يكون جملة) والمراد من الوصف الذي يكون بحال ما هو من سبب الموصوف ما ذكرناه في الكلام المفيد وهذا نصه وهو اى النعت اما بحال موصوفه اى بحال قائمة به نحو رأيت رجلا فاضلا فان الفضل حال الرجل وصفته ثم قلنا او بحال متعلقة اي متعلق الموصوف اي ما كان له نسبة واضافة الى الموصوف كالاب والغلام نحو جائني رجل مجتهد ابوه ورايت رجلا فاسقا غلامه او كان له ربط الى من له تلك النسبة والاضافة كزيد في قولك جائني رجل ضارب اباه زيد وبالجملة المراد من المتعلق ما كان بحيث يتولد من حاله صفة اعتبارية للموصوف


كصفة مجتهد الاب في المثال الاول وفاسق الغلام في المثانى وكون الرجل ضارب ابيه زيد في المثال الثالث انتهى.

ومما ذكرنا يظهر معنى (قولهم هذا سبب من ذاك اي متعلق به مرتبط لان السبب فى الاصل) اي في اللغة (هو الحبل وكل ما يتوصل به الى شيء).

قال ميرزا ابو طالب في اول بحث الاشتغال اطلقوا السبب على المضاف الى ضمير الشيء لان هذا المضاف بسبب تلك الاضافة سبب لتصور هذا الشيء مرة اخرى وقد يطلق عليه المسبب لان ذكر ذلك الشيء سبب لصحة اضافة هذا المضاف الى ضميره ولا يبعد ان يكون الاطلاقان باعتبار ان المراد بالسبب والمسبب طرفا النسبة وبالسببية التي يصيران بها سببا ومسببا نفس النسبة فان كلا من الطرفين باعتبار اتصافه بالنسبة صار سببا للاخر باعتبار اتصافه بها فافهم انتهى.

(وسبب التقوى على ما ذكره صاحب المفتاح هو ان المبتدء لكونه مبتدء يستدعى ان يسند اليه شيء فاذا جاء بعده ما يصلح ان يسند الى ذلك المبتدء صرفه المبتدء الى نفسه سواء كان) ذلك الشيء (خاليا عن الضمير او متضمنا له فيعقد بينهما حكم) اى اسناد.

(ثم اذا كان) ذلك الشيء (متضمنا لضميره المعتد به بان لا يكون) ذلك الشيء المتضمن للضمير (مشابها للخالي عن الضمير كما مر) في بحث تقديم المسند اليه حيث قال ثم قال السكاكى ويقرب من قبيل هو قام زيد قائم في التقوى فتذكر.

(صرفه) اي اسنده (ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا فيكتسى الحكم قوة فعلى هذا) الذي ذكره صاحب المفتاح (يختص التقوى بما


يكون مسندا الى ضمير المبتدء) وبعبارة اخرى يختص التقوى بما يكون الضمير الصارف لذلك الشيء الى المبتدء ثانيا مسندا اليه وعمدة نحو زيد ضرب وانا ضربت وانت ضربت.

(و) حينئذ (يخرج عنه) اي عما ذكره صاحب المفتاح تعليلا للتقوى (نحو زيد ضربته) اذا الضمير الصارف اعني الضمير الغائب ليس مسندا اليه وعمدة بل هو فضلة ومفعول به.

(و) حينئذ (ينبغى ان يجعل) جملة ضربته (سببيا كما سبقت الاشارة اليه) في بحث افراد المسند في شرح قول المصنف والمراد بالسببى نحو زيد ابوه منطلق حيث قال ويمكن ان يفسر بانه جملة علقت على المبتدء بعائد بشرط ان لا يكون ذلك العائد مسندا اليك في تلك الجملة الى ان قال ودخل فيه نحو زيد ابوه قائم وزيد قام ابوه وزيد مررت به وزيد ضربت عمرا فى داره وزيد كسرت سرج فرس غلامه وزيد ضربته انتهى.

وانما حكم بدخول هذه الامثلة في المسند السببي لان الضمير فيها مفعولا به وفضلة لا عمدة ومسندا اليه.

(واما) سبب التقوى (على ما ذكره الشيخ في دلائل الاعجاز وهو) اى ما ذكر الشيخ (ان الاسم لا توتى به معرى) اى مجردا (عن العوامل) اللفظية غير النواسخ (الا لحديث) اى الا لمسند (قد نوى اسناده اليه) اي الى ذلك الاسم الماتى به معرى (فاذا قلت زيد) وهو الاسم المعرى (فقد اشعرت قلب السامع بانك تريد الاخبار عنه فهذا) القول والاشعار (توطئة وتقدمة للاعلام به) اي بالحديث والاخبار عنه (فاذا قلت قام) وهذا هو الحديث الذي نوى


اسناده اليه (دخل) قام (في قلبه) اي السامع (دخول) الشيء (المانوس وهذا) اى كون دخوله دخول الشيء المانوس (اشد للثبوت) للمبتدء (وامنع) وابعد (من الشبهة والشك) في ثبوته له (وبالجملة ليس الاعلام بالشيء بغتة مثل الاعلام به بعد التنبيه عليه والتقدمة) له والدليل على ذلك انهم يدخلون حروف التنبيه والاستفتاح اعني الا واما ونحوهما على الجمل التي يريدون الدلالة على تحققها حتى لا يفوت السامع شيء منها لغفلة ونحو ما (فان ذلك) اى الاعلام بعد التنبيه والتقدمة (يجرى مجرى تأكيد الاعلام في التقوى والاحكام) وقوله (فيدخل فيه) جواب اما على ما ذكره الشيخ (نحو زيد ضربته وزيد مررت به وما اشبه ذلك) يعني سائر الامثلة التي نقلناها انفا.

(فان قلت هب) كلمة هب بمعنى الامر من ظن يظن وهو غير متصرف صرح بذلك في الالفية في باب افعال القلوب (انه لم يتعرض الجملة الواقعة خبرا عن ضمير الشان لشهرة امره وكونه واحدا متعينا) بما سبق في بحث وضع المضمر موضع المظهر ولكونه غير مفيد للتقوية ولا للسببية.

(لكن كان ينبغى ان يتعرض لصور التخصيص مثل انا سعيت في حاجتك ورجل جائني وما اشبه ذلك مما قصد به التخصيص فان المسند ههنا) اى في صور التخصيص (جملة قطعا) خلافا لما ذهب اليه السكاكى من جعل المسند في امثال المقام مفردا بدعوى كون انا ونحوه في هذه الصور تاكيدا مقدما وقد تقدم الكلام فيه وفيما فيه في بحث تقديم المسند اليه مستوفي فراجع ان شئت.


(قلت) قد تقدم في ذلك المبحث ان كل ما قصد به التخصيص من نحو انا سعيت في حاجتك ورجل جائنى وما اشبه ذلك (هو داخل في التقوى ضرورة تكرر الاسناد فكأنه قال) في المتن المتقدم انفا (للتقوى سواء كان على سبيل التخصيص اولا فلفظ التقوى يشمل التخصيص من حيث انه تقو).

حاصله ان النسبة بين التقوى والتخصيص عموم وخصوص مطلق والخاص هو التخصيص (وفي عبارة المفتاح اشعار بذلك حيث ذكر في نحو زيد عرف ان عدم اعتبار التقديم والتأخير لا يفيد الا التقوى واعتبارهما يفيد التخصيص) اي مع التقوى (و) ذلك لانه (لم يقل لا يفيد الا التخصيص) بطريق الحصر فيفهم من كلامه هذا انه كلما افاد تقديم المسند اليه التخصيص افاد التقوى ايضا ولا عكس.

(كيف لا) يكون كذلك (و) الحال انه (قد ذكر في بحث انما ان ليس التخصيص الا تاكيدا على تاكيد) والتاكيد على تاكيد عبارة اخرى عن التقوى.

(وبهذا) الذي ذكره في بحث انما (ظهر فساد ما ذكره العلامة في شرحه (اى في شرح قوله واعتبارهما يفيد التخصيص (ان المعنى انه يفيد التخصيص فقط دون التقوى) يعني لا يجتمع التخصيص مع التقوى فهما متباينان لا عموم وخصوص مطلق.

(لانه لا بد في التخصيص من تسليم ثبوت اصل الفعل) كالعرفان في نحو المثال المذكور (وبعد تسليم العرفان لا حاجة الى التاكيد) والتقوى (والبيان) فثبت انفكاك التخصيص عن التقوى.

وجه الفساد ان تسليم اصل العرفان انما يقتضى عدم قصد التقوى


قصدا اصليا لا عدم حصوله فانه لازم قطعا بل مقصود تبعا ضرورة استلزام تكرر الاسناد ذلك.

(ثم العجب انه) اى العلامة (صرح بان المسند لا يكون جملة الا للتقوى او لكونه سببيا مع تصريحه بان المسند في نحو انا سعيت في حاجتك عند قصد التخصيص جملة) فكيف يقول ههنا انه يفيد التخصيص فقط هل هذا الا تهافت وتناقض.

فظهر ان كون المسند جملة مطلقا يكون للتقوى او لكونه سببيا (و) اما (اسميتها) اي اسمية تلك الجملة التي تكون للتقوى او لكونه سببيا (وفعليتها وشرطيتها) فذلك (لما مر) من كون اسميتها لافادة الثبوت والدوام وفعليتها لافادة التجدد والحدوث والدلالة على احد الازمنة على اخصر وجه وشرطيتها لافادة التقييد والتعليق بالشرط حسبما مر في ما سبق مفصلا ومشروحا.

(و) اما (ظرفيتها) فهو (لاختصار الفعلية اذ هي اى الظرفية مقدرة بالفعل على اصح) القولين الذين اشار اليهما ابن مالك بقوله

واخبروا بظرف او بحرف جر

ناوين معنى كائن او استقر

(لان الاصل في التعليق) اي العمل (هو الفعل) فتقدير الاصل اولى بل واجب نظرا الى القاعدة في التقدير (واسم الفاعل انما يعمل بمشابهته فالاولى).

بل الواجب كما قلنا (عند الاحتياج ان يرجع الى الاصل ولانه) كما قال السيوطى (قد ثبت تعلقها بالفعل قطعا) اي بلا خلاف وتردد (في) الصلة (نحو الذي في الدار اخوك فعند التردد والخلاف (الحمل عليه) اى على ما قد ثبت بلا خلاف وتردد اولى وقيل


المقدر اسم فاعل لان الاصل في الخبر ان يكون مفرد الاصالة المفرد في الاعراب والتحقيق (على ان الانصاف هو ان المفهوم من قولنا زيد في الدار ثابت فيها او مستقر لا ثبت او استقر).

وقد ذكر السيوطى في المسألة وجوها اخر فعليك بمراجعتها لانها لا تخلو عن تشريح المذهن وتنوير للفكر.

(ثم عبارة النحوين في هذا المقام ان الظرف مقدر بجملة والمصنف قد غير الجمله الى الفعل قصدا الى ان الضمير) المستتر في المتعلق المحذوف (قد انتقل الى الظرف ولم يحذف مع الفعل) ولذلك يسمون الظرف مستقرا اى مستقرا فيه كما بيناه في اوائل المكررات (فحينئذ يكون المقدر) اي المتعلق المحذوف (فعلا) وحده اي بلا فاعل فيكون مفردا (لا جملة لكنه لو قصد هذا لوجب ان يقول) في المتن بدل قوله اذ هي مقدرة بالفعل (اذ المقدر فعل لان معنى قولهم الظرف مقدر بجملة انه يجعل في التقدير جملة لا مفردا) وليس معنى قولهم المتقدم ان الظرفية مقدرة بجملة (وحينئذ لا معنى لعبارة المصنف اصلا) اذ لا ينطبق على ما هو المعنى عندهم (مع ان فيها) اى في عبارة المصنف (فسادا اخر لانها ان حملت على ظاهرها).

بان يراد بضمير اذ هي في المتن الجملة الظرفية (افادت) العبارة (ان الجملة الظرفية مقدرة باسم الفاعل على غير الاصح وفساده واضح لان الظرف في ذلك المذهب) على ما صرح به السيوطى (مفرد لا جملة) فكيف يصح ان يقال ان الجملة مقدر بالمفرد (فكان ينبغي ان يقول) في المتن (اذ الظرف مقدر بالفعل) هذا كله اذا اريد كما قلنا بضمير هى في المتن الجملة الظرفية واما اذا اريد الظرف


فلا فساد فتأمل جيدا.

(وأما تاخيره) اى المسند (فلان ذكر المسند اليه اهم) فيجب عند البلغاء تقديمه على المسند (كما مر) مفصلا ومشروحا (في) بحث (تقديم المسند اليه) فراجع ان شئت.

(واما تقديمه) اى المسند (فلتخصيصه بالمسند اليه اى لقصر المسند على ما مر في) بحث (ضمير الفصل) من ان الباء تدخل على المقصور لا المقصور عليه (لان معنى قولنا قائم زيد انه) اى زيد (مقصور على القيام لا يتجاوزه الى القعود (نحو) قوله تعالى (لا فِيها) اى في خمور الجنة (غَوْلٌ) اى خمار وهلاك ماخوذ من غاله يغول اذا اهلكه وأفسده اى ليس في خمور الجنة غائلة الصداع بدليل قوله تعالى في موضع اخر (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) وقبل معناه لا تغتال عقولهم اى لا تذهب بها كما تذهب بها خمور الدنيا (اى بخلاف خمور الدنيا) فان فيها غول اى صداع اى وجع الراس.

(واعترض عليه بان المسند هو الظرف اعني فيها) يعني مجموع الجار والمجرور.

كما صرح بذلك السيوطى عند قول الناظم

واخبروا بظرف او بحرف جر

ناوين معنى كائن او استقر

(والمسند اليه) اى عدم الغول (ليس بمقصور عليه) اي على الظرف (بل على جزئه المجرور اعنى الضمير الراجع الى خمور الجنة).

(وجوابه ان المراد ان عدم الغول مقصور على الاتصاف بفى خمور الجنة) فحاصل المعنى ان عدم الغول لا اتصاف له الا الاتصاف بالكون


والحصول في خمور الجنة (او) ان عدم الغول مقصور (على الحصول فيها) فحاصل المعنى حينئذ ان عدم الغول لا حصول ولا كون له الا الحصول والكون في خمور الجنة.

فعلى المعنى الاول (لا يتجاوزه) اي الاتصاف بفى خمور الجنة (الى الاتصاف بفى خمور الدنيا) وعلى المعنى الثانى (او) لا يتجاوز الحصول في خمور الجنة الى (الحصول فيها) اى في خمور الدنيا.

هذا كله اذا اعتبرنا النفى في جانب المسند اليه اي اذا جعلنا القضية باصطلاح المنطقيين موجبة معدولة الموضوع (وان اعتبرت النفى في جانب المسند) اي جعلت القضية باصطلاح المنطقيين موجبة معدولة المحمول (فالمعنى) حينئذ (ان الغول مقصور على عدم الحصول والكينونة في خمور الجنة لا يتجاوزه) اي لا يتجاوز الغول عدم الحصول والكينونة (الى عدم الحصول).

والكينونة (في خمور الدنيا) وكيف كان اي سواء كانت القضية معدولة الموضوع ام معدولة المحمول (فالمسند اليه مقصور على المسند قصرا غير حقيقى) لان عدم الغول او عدم الحصول والكينونة انما هو بالنسبة الى خمور الدنيا لا بالنسبة الى كل ما سوى خمور الجنة.

(وكذا) اي القصر غير حقيقى في (قوله تعالى) امرا للنبى ص ان يقول للكافرين (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) اذ (معناه دينكم مقصور على الانصاف بلكم ولا يتصف) دينكم (بلى) حاصله ان دينكم لا يتصف بصفة الا بصفة انه لكم لا بصفة انه لي (ودينى مقصور على الاتصاف بلى ولا يتصف) ديني (بلكم) حاصله ان دينى لا يتصف


بصفة الا بصفة انه لي لا بصفة انه لكم (فهو) اي القصر في الامثلة الثلاثة (من قصر الموصوف) اي المسند اليه (على الصفة) اي المسند اي الحصول والكون.

وقد صرح بذلك في اول المبحث (دون العكس) اي ليس القصر فيها من قصر الصفة اي الحصول والكون على الموصوف (كما توهمه البعض) لان الحمل على ذلك يستدعى جعل تقديم المسند لقصره على المسند اليه وقد تقدم في اول المبحث ان التقديم ليس لذلك بل لقصر المسند اليه على المسند فحمله على العكس خروج عن القانون.

(ونظير ذلك) في كونه من قصر الموصوف على الصفة دون العكس (ما ذكره صاحب المفتاح في قوله تعالى (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) ان معناه حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربي لا يتجاوزه الى الاتصاف بعلي) بتشديد الياء.

واعلم انه جعل هذه الاية نظيرا لا مثالا لانها ليست مما استفيد القصر فيه من تقديم المسند لان القصر فيها انما استفيد من ان النافية والا الاستثنائية فكان نظيرا لا مثالا.

(و) قد قلنا انه (ليس القصر حقيقيا حتى يلزم) في لي دين (من كون ديني مقصورا على الاتصاف بلى ان لا يتجاوزه) اي ان لا يتجاوز ديني الاتصاف (الى غيرى اصلا).

والحاصل ان الحصر اضافي وبالنسبة الى المخاطبين الكافرين (وكذا) الحصر ليس حقيقيا فى (قوله تعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ) و (لا فِيها غَوْلٌ)) حسبما بيناه انفا.

(وبهذا) اي بكون القصر اضافيا وغير حقيقى يظهر فساد ما ذكره


العلامة في شرح المفتاح من ان الاختصاص ههنا ليس على معنى ان دينكم لا يتجاوز الى غيركم وديني لا يتجاوز الى غيري) وذلك لان الخطاب في لكم للكفار المخصوصيين ومن المعلوم ان دينهم يتجاوز الى من سواهم من الكفار وكذلك دين النبى (ص) يتجاوز الى غيرهم من المؤمنين (بل) الاختصاص ههنا (على معنى ان المختص بكم دينكم لا دينى والمختص بى دينى لا دينكم.

كما ان معنى قائم زيد ان المختص به القيام دون القعود لا ان غيره لا يكون قائما فلينظر الى هذا الكلام من) ظهور الفساد ومن (الخبط والخروج عن القانون) اما ظهور الفساد فلان القصر كما بينا ليس حقيقيا حتى يحتاج الى القول بان الاختصاص ههنا ليس على المعنى المذكور.

واما الخبط فلان الاختصاص كما قلنا اضافي بالنسبة الى الطرف المقابل وهو النبى (ص) في لكم دينكم والكفار المخاطبون في لي دين واما الخروج عن القانون فلان العلامة لم يجعل تقديم المسند مفيدا لما هو المسلم عندهم والقانون لهم من حصر المسند اليه في المسند.

(ولهذا اى ولان التقديم يفيد التخصيص على ما ذكرنا لم يقدم الظرف) يعنى فيه (الذى هو المسند على المسند اليه) يعنى ريب (في) قوله تعالى ((لا رَيْبَ فِيهِ) ولم يقل لا فيه ريب لئلا يفيد تقديمه) اى الظرف (عليه) اى على المسند اليه يعنى ريب (ثبوت الريب في سائر كتب الله بحسب دلالة الخطاب) اى مفهوم المخالفة.

قال في القوانين واما المفهوم فاما ان يكون الحكم المدلول عليه بالالتزام موافقا للحكم المذكور في النفى والاثبات فهو مفهوم الموافقة


كدلالة حرمة التافيف على حرمة الضرب ويسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجيء الكلام في بيانه في اواخر الكتاب والا فهو مفهوم المخالفة ويسمى بدليل الخطاب وهو اقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك وسيجيء تفصيلاتها انتهى.

وسيجيء في الباب الخامس ان من طرق القصر التقديم اى تقديم ماحقة التأخير كخبر المبتدأ ومعمولات الفعل (بناء على احتصاص عدم الريب بالقرآن.

وانما قال في سائر كتب الله تعالى دون سائر الكتب وسائر الكلمات لان القصر ليس يجب ان يكون حقيقيا بل الغالب ان يكون غير حقيقي والمعتبر في مقابلة القرآن هو باقى كتب الله تعالى كما ان المعتبر في مقابلة خمور الجنة خمور الدنيا لا سائر المشروبات وغيرها) وهذا هو الوجه لقوله سائر كتب الله.

وقوله (او التنبيه عطف على تخصيصه اى تقديم المسند للتنبيه من اول الامر على انه اى المسند خبر لا نعت اذ) قد تقدم في بحث تقديم المسند اليه ان الحق ان (النعت) بل مطلق التوابع (لا يتقدم على المنعوت) والمتبوع بخلاف الخبر فانه قد يجوز ان يتقدم على المبتدأ بل قد يجب كما بين في النحو.

(وانما قال من اول الامر لانه ربما يعلم) في ثاني الحال من التكلم (انه) اى المسند الذى لم يتقدم (خبر لا نعت بالتأمل في فى المعنى والنظر الى انه لم يرد فى الكلام خبر للمبتدء) ولذلك اوجبوا على المعرب المبتدى التامل الدقيق فيما يعربه من الكلام.

قال ابن هشام في الباب السابع واول ما يحترز منه المبتدى في


صناعة الاعراب ثلاثة امور الى ان قال الثالث ان يعرب شيئا طالبا لشيء ويهمل النظر في ذلك المطلوب كان يعرب فعلا ولا يطلب فاعله او مبتدء ولا يتعرض لخبره بل ربما مر به فاعربه بما لا يستحق ونسى ما تقدم له انتهى.

ثم نقل بعض ما وقع من الاشتباهات من بعضهم بسبب قلة التدبر والتأمل فراجع ان شئت (كقوله اى قول حسان في مدح النبى ص.

له همم لا منتهى لكبارها

وهمته الصغرى اجل من الدهر

والشاهد في قوله له همم (فانه لو اخر الظرف اعني له) وهو خبر (عن المبتدء اعني همم) بان يقال همم له (لتوهم انه) اى الظرف (نعت له) اى لهمم (لا خبر) بل احتمال كونه نعتا في خصوص المقام ارجح وأقوى لان المنكر اذا وقع مبتدء يستدعى مخصصا يخصصه حتى يفيد والا فلا يجوز الابتداء به كما قال في الالفية.

ولا يجوز الابتداء بالنكرة

ما لم تفد كعند زيد نمرة

فحاصل الكلام في المقام انه لم يقل همم له بتأخير الظرف لئلا يتوهم ان الظرف صفة لهمم وقوله لا منتهى لكبارها خبر لها او صفة ثانية لها والخبر محذوف اذ كلا هذين التوهمين فاسد لانه خلاف المقصود اذ المقصود اثبات الهمم الموصوفة بانه لا منتهى لكبارها له ص لا اثبات تلك الصفة لهممه ولا اثبات صفة اخرى لهممه غير تلك الصفة المذكورة فلا يصح جعل الظرف صفة اخرى فقدم الظرف دفعا لهذين التوهمين من اول الامر.

(ثم هذا التقديم) اي تقديم المسند على المسند اليه (واجب فيما اذا كان المبتدء نكرة غير مخصصة نحو في الدار رجل) فقدم


المسند اعنى في الدار وجوبا (ليصير المبتدء) يعنى رجل (بتقديم الحكم عليه كأنه موصوف معلوم بهذا الحكم) المتقدم (كالفاعل فانه يقع نكرة لتقدم الحكم عليه نحو قام رجل).

قال الجامى لانه اذا قيل في الدار علم ان ما يذكر بعده موصوف بصحة استقراره فى الدار فهو في قوة التخصيص بالصفة انتهى.

(ويشترط) حينئذ (ان يكون الخبر) الذى يقدم لدفع الالتباس (ظرفا فلا يصح) التقديم في (نحو قائم رجل لان الالتباس) بالتابع باق لجواز ان يكون قائم مبتدء) حذف خبره (ورجل بدلا منه) اي من قائم ويجوز ان يكون رجل فاعلا له سد مسد الخبر كما قال في الالفية في فائز الو الرشد (بخلاف الظرف فانه يتعين كونه خبرا) لانه لا يحتمل الابتدائية فلا يلتبس رجل بالبدل ولا بالفاعل فلا التباس فتأمل.

(ولانهم) كما بينا في اواخر بحث الالتفات (اتسعوا في الظروف ما لم يتسعوا في غيرها) وقد بينا اقسام التوسع فيها هناك فراجع ان شئت.

هذا كله اذا كانت النكرة غير مخصصة (واما اذا كانت النكرة مخصصة) بغير تقديم المسند (فلا يجب التقديم (كقوله تعالى (وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) فلا يجب تقديم المسند اعنى عنده على المسند اليه اعنى اجل لكونه مخصصا بالوصف اعنى قوله (مُسَمًّى).

(و) اعلم انه قد (اورد على نحو في الدار رجل) اي فيما كان التخصيص بسبب التقديم بان لا يكون للنكرة مخصص سواء (ان التخصيص اذا كان بسبب تقدم الحكم يكون الحكم على) منكر (غير


مخصص) وبعبارة اخرى يكون الابتداء بالنكرة من دون مخصص (ضرورة ان التخصيص لا يحصل الا بعد حصول الحكم) وتقدمه (وقد قالوا ان لا حكم على ما ليس بمخصص) وبعبارة اخرى قد قالوا كما تقدم انفا

ولا يجوز الابتداء بالنكرة

ما لم تفد كعند زيد نمرة

(فالحق فى هذا المقام ما ذكره ابن الدهان وهو ان جواز تنكير المبتدء مبنى على حصول الفائدة فاذا حصلت الفائدة فاخبر عن اي نكرة شئت نحو رجل بالباب وغلام على السطح وكوكب انقض الساعة).

قال الرضى في مقام التعليل وذلك لان الغرض من الكلام افادة المخاطب فاذا حصلت جاز الحكم سواء تخصص المحكوم عليه بشيء او لا فضابط تجويز الاخبار عن المبتدء وعن الفاعل سواء كانا معرفتين او نكرتين مختصتين بوجه او نكرتين غير مختصتين شيء واحد وهو عدم علم المخاطب بحصول ذلك الحكم للمحكوم عليه فلو علم في المعرفة ذلك كما لو علم قيام زيد مثلا فقلت زيد قائم عد لغوا ولو لم يعلم كون رجل من الرجال قائما في الدار جاز لك ان تقول رجل قائم في الدار وان لم يتخصص النكرة بوجه وكذا تقول كوكب انقض الساعة قال الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وكذا في الفاعل لا يجوز مع علم المخاطب بقيام زيد ان تقول قام زيد ويجوز مع عدم علمه بقيام رجل في الدار ان تقول قام رجل فى الدار انتهى (او التفأل نحو سعدت بغرة وجهك الايام) قد تقدم المراد من التفأل في بحث تقديم المسند اليه مستوفى فلا نعيده.


(او التشويق الى ذكر المسند اليه) وذلك كما في المختصر بان يكون في المسند المتقدم طول يشوق النفس الى ذكر المسند اليه فيكون له وقع في النفس ومحل من القبول لان الحاصل بعد الطلب اعز من المنساق بلا تعب ولذلك قيل بالفارسية :

(شبها اگر همه قدر بودى شب قدر بى قدر بودى)

(كقوله اي قول محمد بن وهيب في المعتصم بالله ثلثة هذا هو المسند المقدم) للتشويق الى ذكر المسند اليه (والمسند اليه) قوله فيما ياتى اعنى (شمس الضحى وما عطف عليه) يعنى ابو اسحاق والقمر ووصف ثلثة بقوله (تشرق) وهو (من) باب الافعال مضارع (اشرق بمعنى صار مضيئا) وذا اشراق لان هذا الباب كما ذكرنا في المكررات في بحث ابنية المصادر قد ياتى للصيرورة نحو اغد البعير اي صار ذا غدة فهو حينئذ فعل لازم (وفاعله هو الدنيا والضمير الى الموصوف اعنى ثلثة هو المجرور في قوله ببهجتها اي بحسنها اي تصير الدنيا منورة ببهجة هذه الثلثة وبهائها وقد توهم بعضهم ان تشرق مسند الى ضمير ثلاثة والدنيا ظرف) اي مفعول فيه (او مفعول به على تضمين تشرق معنى فعل متعد وهو) اي كل واحد من هذين الاعرابين (سهو).

اما وجه السهو في الاعراب الاول فهو ان ادعاء اضائة الدنيا بسبب كل واحد من هذه الثلاثة من المبالغة في مدح المعتصم والاعراب الاول لا يفهم منه هذا المعنى كما لا يخفى.

واما وجه السهو في الاعراب الثانى فلان اشرق يستعمل متعديا بنفسه فان صح المعنى على التعدية ففي القول بالتضمين عدول عن الظاهر


القوى الى الخفى الضعيف المحتاج الى ارتكاب التكلف المستغنى عنه.

(شمس الضحى) وانما خص الشمس بكونها في الضحى لصغاء الجو وقوة نورها في ذلك الوقت (وابو اسحق هو كنية المعتصم بالله) وفي توسط المعتصم بين الشمس (والقمر) اشارة لطيفة وهو انه خير منهما لان خير الامور اوسطها ولما فيه من ايهام تولده من الشمس والقمر وان الشمس امه والقمر ابوه كذا قيل وليس عليه غير الذوق دليل (ومما يقتضي تقديم المسند تضمنه للاستفهام) كما قال في الالفية

كذا اذا يستوجب التصديرا

كأين من علمته نصيرا

(أو كونه اهم عند المتكلم نحو عليه من الرحمن ما يستحقه وقد اهملهما المصنف اما الاول فلشهرة امره) لكونه مذكورا فى النحو مستقصى (ولان الكلام في الخبر دون الانشاء) والاستفهام انشاء لا خبر فتأمل.

(واما الثانى فلان الاهمية ليست اعتبارا) على حدة مستقلا (مقابلا للاعتبارات المذكورة) من التخصيص والتنبيه والتفال والتشويق (بل هي) اي الاهمية (المعنى المقتضى للتقديم وجميع) الاعتبارات (المذكورات تفاصيل له) اى للمقتضى الذى هى الاهمية (على ما مر) بيانه (في تقديم المسند اليه) حيث قال ذكر الشيخ في دلائل الاعجاز انا لم نجدهم اعتمدوا في التقديم شيئا الخ.

(ومما جعله السكاكى مقتضيا لتقديم المسند كون المراد من الجملة افادة التجدد) والحدوث (نحو عرف زيد وتركه المصنف لانه كلام


يفتر) اى يظهر ويكشف (عن خبط واشكال) يقال افتر فلان ضاحكا اى ابدى اسنانه وانما عدى بمن لتضمنه معنى الكشف والخبط اي السيرفي الليل من غير هدى ، (و) لانه (يشتمل على نوع اختلال) اى الاضطراب قال في المصباح الخلل اضطراب الشيء وعدم انتظامه انتهى.

والمراد من الخبط في كلامه انه لا يفهم منه ما هو المقصود منه حق الفهم وان كان اصل مقصوده مما لا اشكال فيه أصلا لانه في الحقيقة تكرار لما سبق من ان كون المسند فعلا فللتقييد باحد الازمنة الثلاثة مع افادة التجدد على احضر وجه ولعل هذا اى كونه تكرارا لما سبق هو الوجه في ترك المصنف لا ما زعمه التفتازاني لان خلل البيان والاشكال فيه لا يوجب ترك المقصود ولا يقضي الا تبديل البيان بما يكون خاليا من الخلل والاشكال والله العالم بحقيقة الحال.

والمراد بالاشكال ما ذكره من الوجهين المذكورين والمراد بالاختلال ما يذكره بعيد ذلك بقوله لكن بقى هنا اعتراض صعب لا دفع له الخ (وذلك انه) اى السكاكى (قال او ان يكون المراد من الجملة افادة التجدد دون الثبوت فيجعل المسند فعلا ويقدم البة) اى قطعا (على ما يسند اليه في الدرجة الاولى) اى يقدم على الفاعل سواء كان الفاعل ضميرا او اسما ظاهرا (وقولى في الدرجة الاولى احتراز من نحو انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف فان الفعل فيه) اى في نحو هذه الامثلة الثلاثة يسند الى ما بعده من الضمير ابتداء بواسطة (عود ذلك الضمير الى ما قبله) اى الى المبتدء (يسند) الفعل (اليه) اى المبتدء (في الدرجة الثانية والاشكال فيه من وجهين احدهما.


ان هذا الكلام صريح في ان خبر المبتدء اذا كان فعلا مسندا الى ضمير المبتدء فاسناد الفعل الى الضمير في الدرجة الاولى والى المبتدء في الدرجة الثانية وكلامه في تقرير تقوى الحكم) اي في بيان تقوى الحكم اى في توضيح تقوى الحكم (يدل على عكس ذلك) اى يدل على ان اسناد الفعل الى المبتدء في الدرجة الاولى والى الضمير في الدرجة الثانية.

(حيث قال ان المبتدء لكونه مبتدء يستدعى ان يسند اليه شيء فاذا جاء بعده ما يصلح ان يسند اليه صرفه المبتدء الى نفسه فينعقد بينهما حكم) اى اسناد ونسبة (سواء كان) ذلك الذي جاء بعده خاليا عن ضمير المبتدء) نحو الامير زيد (او) كان ذلك الذي جاء بعده (متضمنا له) اي لضمير المبتدء كالامثلة الثلاثة المتقدمة.

(ثم اذا كان) ذلك الذى جاء بعد المبتدء (متضمنا للضمير) العائد الى المبتدء كما في الامثلة الثلاثة المتقدمة (صرفه ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا فيكتسى الحكم قوة وهذا) الكلام الذي ذكره في تقرير تقوى الحكم (ظاهر في ان اسناد الفعل الى المبتدء وانعقاد الحكم بينهما مقدم على الاسناد الى الضمير) الذى هو الفاعل (وهل هذا) الذي يستفاد من كلاميه (الا تناقض) واضح لانه جعل الاسناد الى الفاعل في الاول مقدما على الاسناد الى المبتدء وجعله في الثانى مؤخرا عنه.

(وثانيهما ان اسناد الفعل في هذه الامثلة اعنى انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف اذا كان الى ضمير المبتدء) اى الى الفاعل اى الى الضمائر المتصلة (في الدرجة الاولى على ما ذكر ههنا) اي فيما نحن لا في تقرير تقوى الحكم (فكيف يصح الاحتراز عنها) اى عن هذه


الامثلة (بقوله في الدرجة الاولى والحال ان الفعل في كل) واحد (منها مقدم على ما اسند اليه في الدرجة الاولى فهل هذا) الكلام من السكاكى (الا تهافت) وتساقط وتزاحم اى يسقط ويزاحم صدر هذا الكلام ذيله وذيله صدره.

قال في المصباح تهافت الناس على الماء ازدحموا قال ابن فارس التهافت التساقط شيئا بعد شيء وقال الجوهرى التهافت التساقط قطعة قطعة انتهى.

(ويمكن ان يجاب عن) الوجه (الاول) من الاشكال بان في نحو زيد عرف ثلثه اسانيد مترتبة في التقدم والتاخر اولها اسناد عرف الى زيد بطريق القصد) مع قطع النظر عن اسناده الى الضمير المستتر فيه المستلزم عوده الى زيد اسناده اليه فهذا الاسناد اى اسناد عرف مع قطع النظر عن اسناده الى الضمير قبل الاسناد الى الضمير وقبل عود الضمير الى زيد.

(و) ان قلت اسناد الفعل الى المبتدء قبل عود الضمير ممتنع قلنا ان (امتناع اسناد الفعل الى المبتدء قبل عود الضمير ممنوع) بدليل ان العربي البدوي القح يفهم من زيد عرف ثبوت العرفان لزيد مع عدم شعوره بالضمير المستتر في عرف العائد الى زيد فان ذلك شيء اعتبره النحويون حفظا للقواعد المجعولة عندهم كقولهم

وبعد فعل فاعل فان ظهر

فهو والا فضمير استتر

وكقولهم ان الفاعل رتبته البعدية ونحو ذلك (وثانيها اسناده الى ضمير زيد) المستتر فيه (وثالثها اسناده الى زيد بطريق الالتزام بواسطه ان عود الضمير) المستتر فيه (الى زيد يستدعى صرف الاسناد


اليه) اى الى زيد (مرة ثانية) فثبت ان في نحو زيد عرف ثلثة اسانيد مترتبة في التقدم والتاخر (اما وجه تقدم) الاسناد (الاول) الذى بطريق القصد (على الثانى فلان الاسناد نسبة لا يتحقق قبل الطرفين وبعد تحققهما لا تتوقف) النسبة (على شيء اخر ولا شك ان ضمير الفاعل انما يكون بعد الفعل والمبتدء قبله فكلما تحقق الفعل استند الى زيد) مع قطع النظر عن كون الفعل متحملا (ثم اذا تحقق الضمير انعقد بينهما) اى بين الفعل والضمير (الحكم) اى النسبة والاسناد.

(واما وجه تقدم) الاسناد (الثانى) اى اسناد الفعل الى الضمير (على الثالث) اى على اسناد الفعل الى زيد بطريق الالتزام (فظاهر) اذ النسبة بين الثانى والثالث كالنسبة بين النار والحرارة اذ عود الضمير الى شيء فرع وجود الضمير فتقدم الاسناد الى الضمير على الاسناد الى المبتدء كتقدم العلة على المعلول (وكلامه ههنا صريح في) ذلك اى في (ان اسناد الفعل الى ضمير المبتدء) وهو الاسناد الثانى (مقدم على اسناده الى المبتدء بوساطة عود الضمير وهو) الاسناد الثالث (الذي كان بطريق الالتزام) فلم يذكر ههنا رتبة الاسناد الاول الذى بطريق القصد.

(و) اما كلامه في بحث تقوى الحكم) فهو (محمول على ان اسناد الفعل الى المبتدء بطريق القصد من غير اعتبار توسط الضمير مقدم على اسناده الى الضمير) الذي هو الاسناد الثاني.

(و) على اسناده (الى المبتدء بطريق الالتزام وتوسط الضمير) الذي هو الاسناد الثالث (فلا تناقض) بين كلاميه لان الحكم بأولية


الاسناد الى الضمير الذى هو الاسناد الثاني انما هو بالنسبة الى الاسناد الثالث الذي هو بواسطة عود الضمير وبطريق الالتزام والحكم بثانوية الاسناد الى الضمير في بحث تقوى الحكم انما هو بالنسبة الى الاسناد الى المبتدء بطريق القصد فتدبر جيدا.

(فالمدعى) في الجواب (ان احد الامرين لازم اما استلزام كلامه) ههنا وفي بحث تقوى الحكم (التناقض) حسبما مر في الوجه الاول من الاشكال (واما اقتضائه) اي اقتضاء كلامه (القول بالاسانيد الثلاثة كما ذكر في الجواب لان قوله) في بحث تقوى الحكم (صرفه ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا ان كان عبارة عن اسناد الفعل الى الضمير فقد تناقض لانه جعل فيما سبق) اى في بحث تقديم المسند على المسند اليه اي في قوله فان الفعل يسند الى ما بعده من الضمير ابتداء (اولا وههنا) اي في بحث تقوى الحكم (ثانيا وان كان) عبارة عن (غيره) اي غير اسناد الفعل الى الضمير (كان) هذا الاسناد (مع الاسنادين الاخرين) المذكورين في بحث تقديم المسند على المسند اليه (ثلاثة) اسانيد كما ذكر في الجواب.

(و) يمكن ان يجاب (عن) الوجه (الثاني) من الاشكال (بانه لما كان اول الاسانيد في هذه الامثلة) الثلاثة يعني انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف (اسناد الفعل الى المبتدء) كما صرح في بحث تقوى الحكم ولذلك قلنا انه (بطريق القصد والمسند اليه بهذا الاسناد مقدم على الفعل كانت هذه الامثلة) الثلاث (خارجة بقوله في الدرجة الاولى) عن قوله فيجعل المسند فعلا ويقدم البة على ما يسند اليه في الدرجة الاولى (بخلاف نحو عرف زيد) فانه داخل


في ضابطة كون المراد من الجملة افادة التجدد (فان المسند اليه في الدرجة الاولى فيه) اى في نحو عرف زيد (هو الفاعل والفعل مقدم عليه) فلا خبط ولا اشكال في كلامه ولا اختلال.

(لكن بقى هنا اعتراض صعب لا دفع له وهو ان قوله) ههنا (فان الفعل فيه) اي في نحو الامثلة الثلاث (يسند الى ما بعده من الضمير ابتداء الى اخره لا يصلح تعليلا للاحتراز عن الامثلة) الثلاث (المذكورة بقوله في الدرجة الاولى لانه) اى قوله فان الفعل فيه يسند الخ (انما يدل على اولية اسناد الفعل الى الضمير والمطلوب) من التعليل (اولية اسناده) اى الفعل (الى المبتدء فلا يكون لهذا الكلام في هذا المقام) اي في مقام تعليل الاحتراز عن الامثلة الثلاث المذكورة) معنى اصلا وانما الصالح لذلك) التعليل (ما اورده في بحث التقوى) يعني قوله ان المبتدء لكونه مبتدء يستدعى ان يسند اليه شيء الخ (فانه الذي يدل على ان اسناد الفعل الى المبتدء في الدرجة الاولى) فيصح ان يجعل تعليلا للاحتراز المذكور.

(هذا) كله (خلاصة ما اورده بعض مشايخنا في شرح المفتاح وصرح بان نحو انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف يفيد الثبوت) والدوام (دون التجدد والحدوث) وذلك لان هذه الامثلة الثلاث خارجة عن ضابطة افادة الجملة التجدد اذ لم يقدم الفعل فيها على المسند اليه في الدرجة الاولى اعني المبتدء.

(ثم انه) اى الشان (تصدى لمناظرته بعض الفضلاء وكتب في ذلك كلاما قليل الجدوى وهو ان الاسناد على قسمين قسم يقتضيه الفاعل وهو على ضربين الاول الاسناد في الدرجة الاولى اى بلا واسطة


شيء كاسناد الفعل الى الضمير في نحو زيد قام الثاني الاسناد في الدرجة الثانية اى بواسطة شيء كاسناده) اي الفعل (الى المبتدء بتوسط) عود (الضمير) الى المبتدء (وقسم يقتضيه المبتدء بنفسه (فقوله) في تقرير تقوى الحكم (صرفه المبتدء الى نفسه محمول على) هذا (القسم الثانى وقوله) ثم اذا كان متضمنا للضمير (صرفه ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا محمول على الضرب الثانى من القسم الاول اعني الاسناد في الدرجة الثانية مما يقتضيه الفاعل وحينئذ لا تناقض) في كلام السكاكى لان المذكور في بحث تقرير تقوى الحكم يدل على تقديم القسم الثانى على الضرب الثانى من القسم الاول والمذكور في ضابطة التجدد الذي كلامنا فيه يدل على تقديم الضرب الاول من القسم الاول على الضرب الثاني منه.

(هذا كلامه) اي كلام بعض الفضلاء الذي تصدى لمناظرة بعض المشايخ (بعد التنقيح والتصحيح ولا يخفى ان) في كلام بعض الفضلاء ايرادين

الاول (ان فيه) ايضا (القول بتحقق ثلاثة اسانيد) كما في كلام بعض المشايخ.

(و) الثاني (انه ان اراد بالاسناد الذي يقتضيه المبتدء اسناد مجرد الفعل الى المبتدء فهو بعينه ما ذكره الشارح) اى بعض المشايخ.

(وان اراد اسناد الجملة التي هي الخبر وانه مغاير لاسناد الفعل بواسطة الضمير فلا بد من بيان جهة تقدمه على الاسناد بواسطة الضمير الى المبتدء فانه منشأ الاشكال) في كلام السكاكي حسبما بيناه من


ان كلامه صريح في خبر المبتدء اذا كان فعلا مسندا الى ضمير المبتدء فاسناد الفعل الى الضمير في الدرجة الاولى والى المبتدء في الدرجة الثانية وكلامه في تقرير تقوى الحكم يدل على عكس ذلك.

(وقد اهمله) اى بيان جهة التقدم (ولا يتم المقصود) اى مقصود بعض الفضلاء من المناظرة ورد بعض المشايخ في دفع التناقض المتوهم في كلام السكاكى (بزيادة لفظ القسمة والاقتضاء وتفسير الدرجة الاولى بما لا يكون بواسطة) والدرجة الثانية بما يكون بواسطة اذ المال والمرجع بعد هذه الزيادة والتفسير ما هو المدعى في كلام بعض المشايخ من لزوم احد الامرين اعني اما استلزام كلام السكاكى التناقض واما اقتضائه القول بالاسانيد الثلاثة.

(ومن العجب انه) اي بعض الفضلاء (لم يقدح في شيء من كلام الشارح) اي بعض المشايخ (ولم يتنبه لما فيه من الغلط) وياتى بيانه (ولم يتعرض لتحقيق مقصود السكاكى من هذا المقال) وياتى بيانه ايضا (ولم يره) اي لم ير بعض الفضلاء ببصره ما المقصود من كلام السكاكي (ولا طيف خيال) اى لم يره في النوم ايضا حاصله انه ليس ممن يفهمون المقصود من امثال هذه العبارات المتضمنة للمطالب الدقيقة.

(ثم) انه (بالغ) فيما كتبه (في التشنيع على الشارح تلافيا لما كان عند المناظرة وتشفيا عما جرى عليه) في مجلس المناظرة من الافحام المستلزم للاهانة والتحقير.

(وانا اقول) في بيان ما في كلام الشارح من الغلط ان (في كلام الشيخ الشارح نظر من وجوه الاول ان لفظ المفتاح) في بيان


الحالة المقتضية لكون الجملة فعلية (صريح في ان كون المسند جملة فعلية في نحو زيد انطلق او ينطلق انما هو لافادة التجدد دون الثبوت).

فكيف يصرح الشيخ الشارح بان نحو انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف يفيد الثبوت دون التجدد والحدوث.

(و) كذلك لفظ المفتاح في بيان الحالة المقتضية لذكر المسند صريح في (ان نحو زيد علم يفيد التجدد وان نحو زيد في الدار يحتمل الثبوت والتجدد بحسب تقدير حاصل او حصل فالقول بان كل جملة اسمية) سواء كان الصغرى فيها اسمية نحو زيد ابوه مجتهد او فعلية كالامثلة الثلاث (يفيد الثبوت وهم) اى غلط (بل انما يكون ذلك) اي افادة الثبوت (اذا لم يكن الخبر) اى الصغرى (جملة فعلية).

فتصريح الشيخ الشارح بان نحو الامثلة الثلاث يفيد الثبوت غلط صدر منه.

(والقول بافادة) الامثلة الثلاث (التجدد والثبوت باعتبار الاسنادين) اي الاسناد في الصغرى والاسناد في الكبرى لان الصغرى فيها فعلية فيفيد التجدد والكبرى فيها اسمية فيفيد الثبوت (مما لا يخفى بطلانه) لان نسبة شيء واحد الي واحد بالذات لا تتصف بالتجدد والثبوت لانه من قبيل اتصاف الشيء الواحد بامر متنافيين.

(الثاني) من وجوه النظر في كلام الشيخ الشارح (ان قول صاحب المفتاح) في ضابطة افادة التجدد (وقولى في الدرجة الاولى


الى اخره كلام ظاهر) بل صريح (في ان المراد بالاسناد في الدرجة الاولى انما هو اسناد الفعل الى الضمير لا الى المبتدء كما زعم) الشيخ الشارح فهذا غلط اخر منه.

(الثالث) من وجوه النظر (ان حمل قوله في بحث التقوى صرفه المبتدء الى نفسه على اسناد مجرد الفعل) يعني من دون الضمير المستتر فيه (الى المبتدء بعيد لانا لا نسلم ان المبتدء لكونه مبتدء يستدعى غير اسناد الخبر) اليه فلا تعرض للمبتدء لان يكون الفعل مجردا عن الضمير او غير مجرد (لظهور ان تضايفه انما هو مع الخبر لا غير) فلا وجه لان يقال انه يستدعى اسناد مجرد الفعل لان لحاظ التجرد ليس من مقتضيات المبتدء.

(وما يقال فى نحو زيد قام ان الفعل مسند الى المبتدء فباعتبار انه مسند الى الضمير الذي هو عبارة عنه) والا فليس الفعل وحده مسندا الى المبتدء بل المسند اليه الجملة اعني الفعل مع فاعله المستتر فيه (وايضا كثيرا ما يقال ان الفعل مع ضميره المتصل به) اسند الى المبتدء فهذا الحمل غلط ثالث صدر من الشيخ الشارح.

(الرابع) من وجوه النظر (انه ان اراد بالاسناد النسبة المعنوية المخصوصة) بين زيد والقيام مثلا (فليس في نحو انا عرفت الا اسناد واحد وهو نسبة العرفان الى المتكلم بالثبوت) فلا معنى لجعلها ثلاثا (وان اراد به) اي بالاسناد (الوصف) العنوانى (الذي به يجعل اهل) العلوم (العربية احد اللفظين مسندا اليه و) اللفظ (الاخر مسندا فظاهر ان الاسناد الى الضمير العائد الى شيء لا يقتضى الاسناد الى ذلك الشيء اصطلاحا كالمجرور في قولنا دخلت على زيد


فقام) وكالمنصوب في قولنا هل زيدا رأيته فان زيدا في كل واحد من المثالين ليس بمسند اليه اصطلاحا لعدم الرفع فيه لفظا ومحلا مع لزوم احدهما في الوصف العنوانى.

(و) ظاهر ايضا (ان الاسناد عندهم) اى اهل العربية (ليس الا بين المبتدء والخبر ولو بعد) دخول (العوامل) يعني النواسخ (او بين الفاعل) او نائبه (وعامله) فعلا كان العامل او شبهه (فلا بد ههنا من زيادة اعتبار ما) والمراد من اعتبار ما ما يذكره بعيد هذا في قوله قلت اما الاول فوجهه الخ.

فتحصل من هذا ان الشيخ الشارح لو كان متعرضا لهذا الاعتبار لكان كلامه واف بتحقيق مقصود السكاكي فالحاصل من الوجه الرابع من وجوه النظر ان الشيخ الشارح لم يتعرض لذلك الاعتبار والا لكان كلامه وافيا بدفع التناقض المتوهم في لفظ المفتاح.

(الخامس) من وجوه النظر (انه) اى الشيخ الشارح (ان اراد بالاسناد بواسطة الضمير اسناد الخبر الذى هو الجملة فلا وجه لجعله التزاما مع انه المتفق على تحققه).

كما صرح به في الالفية بقوله

ومفردا ياتى ويائى جملة

حاوية معنى الذى سيقت له

(وجعل) عطف على لجعله اى لا وجه لجعل (اسناد مجرد الفعل الى المبتدء قصدا مع ما فيه) اي في هذا الجعل (من الاستبداع والاستبعاد) لانه شيء مخترع لم يقل به احد من اهل العربية (وان اراد غيره) اي غير اسناد الخبر (فلا وجه للاقتصار على) الاسانيد (الثلاثة اذ الاسانيد حينئذ اربعة الاول اسناد مجرد الفعل الى المبتدء


الثانى اسناده الى الضمير الثالث اسناده بواسطة الضمير الى المبتدء الرابع اسناد الجملة التي هي الخبر الى المبتدء وهذا) اى القول بان في نحو انا عرفت وانت عرفت وزيد عرف اربعة اسانيد (مما لم يقل به احد) من اهل العربية (ولم يلجيء اليه ضرورة) فلا وجه للالتزام به.

(فان قلت قد ظهر مما ذكرت) في الثالث من وجوه النظر (انه ليس مراد السكاكي بالاسناد في الدرجة الاولى اسناد مجرد الفعل الى المبتدء) لكونه بعيدا وغير مسلم.

(وكلام) الشيخ (الشارح ايضا لا يخلو عن اعتراف بذلك) حيث قال في الاعتراض الصعب الذي لا دفع له لانه انما يدل على اولية اسناد الفعل الى الضمير الخ.

(وكلام المعارض) يعني بعض الفضلاء (غير واف بتمام المقصود فما رايك في تصحيح كلام صاحب المفتاح) اي في دفع التناقض الظاهر بين كلاميه (وفي تحقيق) صحة (احترازه) اى صاحب المفتاح (عن نحو انا عرفت) وانت عرفت وزيد عرف (مع التصريح) اي مع تصريح صاحب المفتاح (بانه مفيد للتجدد دون الثبوت) وقد اشرنا الى موضع التصريح في الوجه الاول من وجوه النظر.

(قلت اما الاول) اى تصحيح كلام المفتاح ودفع التناقض المتوهم عنه (فوجهه ان الاسناد في الدرجة الاولى وفي الدرجة الثانية واحد بالذات مغاير بالاعتبار لان ما يسند اليه الفعل ان اعتبر من حيث انه فاعل فالاسناد في الدرجة الاولى وان اعتبر من حيث انه عبارة عن شيء اخر) يعني غير الفاعل وذلك بان يكون الضمير الفاعل


عائدا اليه سواء كان مبتدء او غيره.

(و) من المعلوم عند الاذهان السليمة والافهام المستقيمة ان (الاسناد الى الضمير العائد الى شيء اخر) يعني غير الفاعل (اسناد الى ذلك الشيء من جهة المعنى اذ لا تفاوت الا فى اللفظ) والاصطلاح حيث لا يطلقون على المعود اليه الضمير لفظ المسند اليه (فالاسناد) بهذا الاعتبار اي اعتبار انه معهود اليه الضمير (في الدرجة الثانية لان هذا الاعتبار لا يكون) ولا يحصل (الا بعد الاسناد الى الضمير) فالاسناد بهذا الاعتبار من قبيل ما يسمونه في علم المنطق بالمعقول الثانى (وهذا كما اذا قلنا في نحو دخلت على زيد فقام) او قلنا ضربت زيدا فتأدب (ان قام) وتأدب (مسند الى زيد باعتبار اسناده الى ضميره) العائد اليه وان كان لا يطلقون على زيد لفظ المسند اليه بل يطلقون عليه في المثال الاول لفظ المجرور وفى المثال الثاني لفظ المفعول به.

(وكلامه ههنا) اى في ضابطة افادة التجدد (صريح في تقدم الاعتبار الاول على) الاعتبار الثانى وكلامه في بحث التقوى لا يدل الا على تاخر الاعتبار الثاني) اى الاسناد بواسطة عود الضمير فقط عن اسناد الخبر الذي هو) مجموع (الجملة) اى الضمير مع عامله (الى المبتدء لانه الذي يستدعيه المبتدء لكونه مبتدء وهو المراد بقوله صرفه المبتدء الى نفسه وانما كان الاعتبار الثاني متاخرا عن هذا الاسناد) اى عن اسناد الخبر الذي هو مجموع الجملة.

(لان هذا الاسناد مما يقتضيه ذات المبتدء) بوصفه العنوانى اى بوصف انه مبتدء (وبعد تحقق الخبر لا يتوقف) اسناد الخبر اليه (على شيء اخر) اى غير ان يعود من الخبر ضمير اليه (بخلاف


الاعتبار الثاني فانه انما يكون بعد اعتبار تضمن الخبر للضمير وكونه عائدا الى المبتدء ولا يخفى ان كون الخبر متضمنا للضمير او غير متضمن وصف له) اي للخبر (متأخر عن ذاته) اي عن ذات الخبر بوصفه العنوانى ولذلك قلنا انه من قبيل المعقول الثانى (فبهذا الاعتبار قال) صاحب المفتاح (ثم اذا كان) الخبر (متضمنا لضميره) اى لضمير المبتدء (صرفه ذلك الضمير الى المبتدء ثانيا يعني بعد صرف المبتدء الخبر الى نفسه ان كان الخبر متضمنا للضمير اي مسندا اليه لزم اسناد الفعل الى المبتدء مرة ثانية بهذا الاعتبار فالمراد بقوله صرفه ذلك الضمير اليه ثانيا هو الاعتبار الثانى) من اسناد الفعل الذي هو عبارة (من اسناد الفعل الى) المبتدء بواسطة عود (الضمير) اذ لا تفاوت الا في اللفظ.

(والمتقدم عليه وعلى اسناد الجملة هو الاعتبار الاول منه) اى من اسناد الفعل (وحينئذ) اي حين زدنا الاعتبار (لم يستلزم كلامه) اى صاحب المفتاح (التناقض ولا اقتضي) كلامه (الاسانيد الثلاثة على الوجه المستبعد المستبدع) اي اسناد مجرد الفعل قصدا مع قطع النظر عن الضمير وعن زيادة اعتبار ما (كما زعم) الشيخ الشارح (و) اما الثاني اي تحقيق صحة الاحتراز عن الامثلة الثلاثة بقوله في الدرجة الاولى والحال ان الفعل في كل منهما مقدم على ما اسند اليه في الدرجة الاولى مع التصريح بانه مفيد للتجدد دون الثبوت (فهو ان معنى كلامه) ههنا (انه اذا كان المراد بالجملة افادة التجدد دون الثبوت يجعل المسند الواقع في تلك الجملة فعلا ويقدم ذلك الفعل البتة على ما يسند اليه في الدرجة الاولى يعنى على فاعله سواء وجد


ههنا اسناد اخر كما فى زيد عرف) وانا عرفت وانت عرفت (وقام ابوه زيد) بناء (على ان زيدا) في المثال الاخير (مبتدء) مؤخر.

(و) جملة (قام ابوه خبر مقدم عليه) واما بناء على ان زيدا بدل من الفاعل كما في قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فالمثال داخل في قوله (او لم يوجد) ههنا اسناد اخر (كما في عرف زيد) وكما في المثال الاخير المتقدم بناء على ما ذكرنا فتأمل.

(فجميع هذه الصور يفيد التجدد والحدوث ولا بد فيها من تقدم الفعل على ما يسند اليه في الدرجة الاولى) اى على الفاعل (واحترز بقوله في الدرجة الاولى عن نحو زيد عرف) وانا عرفت وانت عرفت (يعنى عن اسناد الفعل) فيها (بتوسط الضمير الى المبتدء فانه في الدرجة الثانية ولا يشترط في افادة التجدد تقديم الفعل البتة على هذا المسند اليه) اي على المبتدء (بل يجوز ان يتقدم) الفعل (عليه كما في قام أبوه زيد) بناء على ما تقدم.

(ويجوز ان لا يتقدم) الفعل عليه (كما في نحو زيد عرف مع حصول التجدد في) كلتا (الصورتين والى ما ذكرنا) من انه لا يشترط في افادة التجدد تقديم الفعل الخ.

(اشار بقوله) ويقدم (البتة وهذا معنى الاحتراز عن) نحو (زيد عرف وانا عرفت وانت عرفت لا ما ذكره) الشيخ (الشارح من انه احترز عنه لانه لا يفيد التجدد) والحدوث (لما مر) في كلامه من ان اسناد الفعل الى المبتدء في الدرجة الاولى ولم يتقدم الفعل في هذه الامثلة عليه فلذلك صرح بانها تفيد الثبوت دون التجدد والحدوث


(تنبيه) قد تقدم في اوائل الكتاب في بحث الصدق والكذب وجه التعبير بالتنبيه فنزيدك ههنا فتقول ان التنبيه عندهم يستعمل في موضع يدخل فيه ما بعد التنبيه فيما قبله دخولا فيه خفاء فاذا اريد ازالة ذلك الخفاء يوسم البحث بالتنبيه فيورد ويفصل بعده ما دخل فيما قبله اجمالا.

(كثير مما ذكر في هذا الباب يعني باب المسند والذي قبله يعني المسند اليه غير مختص بهما) فيوجد كثير مما ذكر في غير البابين وما ذكر فيهما (كالذكر والحذف وغيرهما من التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاطلاق والتقييد وغير ذلك مما سبق) كالقصر والتخصيص والتوابع ونحوهما.

(والفطن اذا اتقن) اى احكم (اعتبار ذلك) الكثير (فيهما اي في البابين لا يخفى عليه اعتباره في غيرهما من المفاعيل والملحقات بها) كالحال والتمييز ونحوهما (والمضاف اليه) والحاصل ان الفطن اذا اتقن اعتبار ما ذكر في البابين لا يخفي اعتباره في غيرهما بطريق القياس مثلا اذا علم مما تقدم ان تعريف المسند اليه بالعلمية لاحضاره في ذهن السامع باسم مختص به حيث يقتضيه المقام عرف ان تعريف المفعول ايضا كذلك وهكذا.

(وانما قال كثير مما ذكر) ولم يقل جميع ما ذكر (لان بعضها) اى بعض ما ذكر (مختص بالبابين كضمير الفصل فانه) كما تقدم في آخر بحث توابع المسند اليه (يختص بما بين المسند اليه والمسند) فلا يوجد هذا الضمير بين غيرهما (وككون المسند المفرد فعلا فانه) اى الفعلية (يختص بالمسند لان كل فعل مسند به) لفاعله او نائبه


الا قلما وطالما ونحوهما من الافعال المكفوفة بما كما ذكرناه في باب الفاعل من المكررات.

(فلا يصح ان يكون غير المسند فعلا) ولا يذهب عليك ان هذا الاختصاص لا يوجب كون المسندية مختصة بالفعل فان المسند كما يكون مفردا فعلا كذلك يكون مفردا اسما ويكون جملة اسمية وفعلية والى بعض ما ذكرنا اشار بقوله (نعم يصح ان تكون جملة فعلية) فتدبر جيدا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان التقييد بالكثير دون الجميع اشارة الى اختصاص بعض ما ذكر في البابين بهما فلا يجرى ذلك البعض في غيرهما وبعبارة اخرى التقييد بذلك اشارة كما صرح الى اثبات الاختصاص بالبابين بالنسبة الى ذلك البعض لا نفى جريان جميع ما ذكر في غير البابين كما اشار اليه بقوله (واما ما يقال من انه اشارة الى ان جميعها لا يجري في البابين كالتعريف في الحال والتمييز) فانه اى التعريف لا يجرى فيهما (وكالتقديم) فانه لا يجرى (في المضاف اليه) لانه بوصفه العنوانى لا يقبل التقديم (فليس) ما يقال (بشيء) يعتني به (لان قولنا جميع ما ذكر في البابين غير مختص بهما) نظير قولنا جميع ما روى في الكتابين اي الكافي والتهذيب مثلا غير مختص بهما فكما لا يقتضي صدق هذا الكلام وجود شيء مما روى في الكتابين في كل كتاب غير الكتابين فضلا عن وجود كل ما فيهما في كل كتاب غيرهما.

بل يكفى في صدقه وجود رواية واحدة منهما في كتاب واحد غيرهما كذلك قولنا المذكور (لا يقتضي جريان شىء من المذكورات


في كل ما يغاير البابين فضلا عن جريان كل منهما) اي المذكورات (فيه) اي فيما يغاير البابين (اذ يكفى فى عدم الاختصاص بالبابين ثبوته) اي ثبوت شيء من المذكورات (في واحد مما يغايرهما) فتحصل مما اوضحنا لك ان مراد ما يقال انه لو عبر بقوله جميع ما ذكر في البابين غير مختص بهما افاد ان كل واحد مما ذكر يجري في كل واحد من غيرهما.

وقد اوضحنا لك بما مثلنا انه لا يفيد ذلك فلنكتف في المقام بهذا المقدار من الكلام وصلّى الله على خير خلقه محمد واله مر الليالي والايام واللعن الدائم على اعدائهم اعداء الاسلام.

(الباب الرابع احوال متعلقات الفعل)

(قد سبقت) في التنبيه المتقدم قبيل الباب (اشارة اجمالية) بقوله كثير مما ذكر غير مختص الخ (الى ان متعلقات الفعل) اي معمولاته غير الفاعل.

قال الجامى المتعدي من الفعل ما يتوقف فهمه على متعلق اي على امر غير الفاعل يتعلق الفعل به ويتوقف فهمه عليه فان كل فعل لا بد له من فاعل وفهمه موقوف على فهمه لكن نسبة الفعل الى الفاعل بطريق الصدور والقيام والاسناد فيقال هذا الفعل صادر عن الفاعل وقائم به ومسند اليه ولا يقالى في الاصطلاح انه متعلق به فان التعلق نسبة الفعل الى غير الفاعل انتهى محل الحاجة من كلامه.

(قد يجري فيها كثير من الاحوال المذكورة في البابين لكنه اراد ان يشير الى تفصيل بعض منها لاختصاصها بنوع غموض) فيحتاج الى توضيح (ومزيد دقة) فيحتاج الى بحث وبيان زائدا على ما سبق في


البابين (فوضع هذا الباب) الخامس لأجل ذلك.

(واراد بالاحوال بعضها) وذلك بقرينة انه لا يذكر الا بعضا من الاحوال والا فالجمع المضاف يفيد العموم والشمول كما بين ذلك في علم الاصول (كحذف المفعول وتقديمه على الفعل وتقديم المعمولات بعضها على بعض) حسبما يأتى بيانه.

(ثم مهد لهذا مقدمة فقال) ذكر (الفعل مع المفعول) به (كالفعل) اي كذكر الفعل (مع الفاعل في ان الغرض من ذكره معه اي ذكر كل من الفاعل والمفعول مع الفعل لا ذكر الفعل مع كل منهما يعرف) هذا المعنى (بالتأمل) في كيفية استعمال كلمة مع في اللغة فانها فيها.

كما صرح في اول بحث الكناية يدخل على المتبوع اي الاصل والاشرف يقال جاء فلان مع الامير ولا يقال جاء الامير معه هذا هو الغالب في الاستعمال وقد تستعمل لمجرد المصاحبة فلا يستشكل بقوله الفعل مع المفعول كالفعل مع الفاعل فتأمل.

والمراد من الذكر اعم من اللفظى والتقديرى فلا تغفل (افادة) المتكلم المخاطب (تلبسه به اى تلبس الفعل) اي تخلطه وضمه (بكل) ما يذكر معه (منهما لكنهما يفترقان) كما صرح فى الايضاح (بان تلبسه بالفاعل من جهة وقوعه) وصدوره منه او من جهة قيامه به (وتلبسه بالمفعول من جهة وقوعه عليه ومن هذا) الافتراق الذي صرح في الايضاح (يعلم ان المراد بالمفعول المفعول به) لا سائر المفاعيل.

وانما خص البحث بالمفعول به (لان هذا) الكلام اى المقدمة


(تمهيد لحذفه وان كان) ذكر سائر المفاعيل بل جميع المتعلقات) مع الفعل (كذلك) اي كذكر المفعول به مع الفعل (فان الغرض من ذكرها) اي المتعلقات (مع الفعل افادة) المتكلم المخاطب (تلبسه) اي الفعل (بها) اي بالمتعلقات (من جهات مختلفة (كالوقوع فيه وله ومعه وغير ذلك) كالتقييد به في الحال وكرفع الابهام من نسبة الفعل في التمييز وكتأكيده في المفعول المطلق وغير ذلك (لا افادة وقوعه مطلقا اي ليس الغرض من ذكره) اي من ذكر كل واحد من الفاعل والمفعول به (مع الفعل افادة وقوع الفعل وثبوته في نفسه من غير ارادة ان يعلم ممن وقع وعلى من وقع اذ لو كان الغرض ذلك) اي وقوع الفعل وثبوته من غير تلك الارادة كان ذكر الفاعل والمفعول معه) اي مع الفعل (عبثا) ولغوا لما تقدم في اوائل الباب الاول من انه ينبغى ان يقتصر المتكلم من التركيب على قدر الحاجة حذرا عن اللغو؟

(بل العبارة حينئذ ان يقال وقع الضرب او وجد او ثبت او نحو ذلك من الالفاظ الدالة على مجرد وجود الفعل) كتحقق وحصل ونحوهما من الافعال التي يدل على مطلق الوجود؟

الا ترى انه اذا اريد تلبسه بمن وقع منه فقط ترك المفعول ولم يذكر معه) فيقال ضرب زيد مثلا (واذا اريد تلبسه بمن وقع عليه فقط ترك الفاعل وبنى الفعل للمفعول واسند الفعل اليه) اي الى المفعول فيقال ضرب عمرو مثلا وقد تقدم في بحث تقديم المسند اليه ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(واذا لم يذكر المفعول به معه اي مع الفعل المسند الى فاعله


فالغرض ان كان اثباته اى اثبات ذلك الفعل لفاعله او نفيه عنه اي نفى الفعل عن فاعله مطلقا اى من غير اعتبار عموم في الفعل بان يراد جميع افراده) نحو فلان يؤذي كل احد (او خصوص بان يراد بعضها) اى بعض افراد الفعل نحو فلان يؤذي اباه (ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلا عن عمومه او خصوصه وياتى مثاله عن قريب.

(نزل الفعل المتعدى حينئذ منزلة اللازم ولم يقدر له مفعول لان المقدر بواسطة القرينة كالمذكور في ان السامع يتوهم منهما) اي من المذكور والمقدر (ان الغرض الاخبار بوقوع الفعل من الفاعل باعتبار تعلقه بمن وقع عليه فينتقض غرض المتكلم الا ترى انك اذا قلت هو يعطى الدنانير كان الغرض بيان جنس ما يتناوله الا عطاء لا بيان حال كونه معطيا ويكون) قولك اي هو يعطى الدنانير (كلاما مع من اثبت له اعطاء غير الدنانير لا مع من نفى ان يوجد منه اعطاء).

قال ابن هشام في بيان انه قد يظن ان الشيء من باب الحذف وليس منه قد جرت عادة النحويين بان يقولوا يحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل (اي لقرينة) وبالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو (كُلُوا وَاشْرَبُوا) اي اوقعوا هذين الفعلين وقول العرب فيما يتعدى الى اثنين من يسمع يخل اي تكن منه خيلة.

والتحقيق ان يقال انه تارة يتعلق الغرض بالاعلام بمجرد وقوع الفعل من غير تعيين من اوقعه او من اوقع عليه فيجاء بمصدره مسندا الى فعل كون عام فيقال حصل حريق او نهب وتارة يتعلق بالاعلام بمجرد ايقاع الفاعل للفعل فيقتصر عليهما ولا يذكر المفعول ولا ينوى


اذ المنوي كالثابت ولا يسمى محذوفا لأن الفعل ينزل لهذا القصد منزلة مالا مفعول له ومنه ربي الذي يحيي ويميت هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كلوا واشربوا واذا رأيت ثم اذ المعنى ربي الذي يفعل الاحياء والاماتة وهل يستوي من يتصف بالعلم ومن ينفي عنه العلم واوقعوا الاكل والشرب وذروا الاسراف واذا حصلت منك رؤية هنالك انتهى.

(وهو أي هذا القسم الذي نزل منزلة اللازم ضربان لأنه اما ان يجعل الفعل حالكونه مطلقا اي من غير اعتبار عموم او خصوص فيه ومن غير اعتبار تعلقه بالمفعول كناية عنه اي عن ذلك الفعل حالكونه متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة او لا يجعل كذلك).

فالضرب (الثاني) اى الذى لا يجعل كناية (كقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فان الغرض) مجرد (اثبات العلم لهم) اى للفريق الاول (ونفيه) اي نفى العلم (عنهم) اى عن الفريق الثاني (من غير اعتبار عموم في افراده) اى في افراد العلم (ولا خصوص) في افراده (ومن غير اعتبار تعلقه) اى تعلق العلم (بمعلوم عام او خاص والمعنى لا يستوى من وجد له حقيقة العلم ومن لا توجد) حقيقة العلم له.

(ومع هذا) اي مع عدم الاعتبارين (لم يجعل مطلق العلم كناية عن العلم بمعلوم مخصوص تدل عليه القرينة وانما قدم) الضرب (الثانى) من قسمي الذى نزل منزلة اللازم (لانه باعتبار كثرة وقوعه) في كلام الله تعالى وفي كلام البلغاء بل في كلام عامة الناس وباعتبار كونه مطلقا من جميع القيود والتعلقات (اشد اهتماما


بحاله) واليق بان يقدم.

(ذكر السكاكى في بحث افادة اللام الاستغراق انه اذا كان المقام) اى مقام التكلم بالمعرف باللام (خطابيا) يكتفى فيه بمجرد الظن كالحجج النقلية التي يلقيها الخطباء على سامعيهم وغيرها من الكلام الواقع في محاورات عامة الناس مع احتمال نقيضها احتمالا مرجوحا (لا استدلاليا) يطلب فيه اليقين ويسمى البرهان.

قال في التهذيب القياس اما برهاني يتألف من اليقينات اصولها الاوليات والمشاهدات والتجربيات والحدسيات والمتواترات والفطريات الى ان قال واما خطابى يتألف من المقبولات والمظنونات قال المحشى المقبولات هى القضايا التي تؤخذ عمن يعتقد فيه كالاولياء والحكماء والمظنونات هي القضايا التي يحكم بها العقل حكما راجحا غير جازم ومقابلته بالمقبولات من قبيل مقابلة العام بالخاص فالمراد به ما سوى الخاص انتهى مع تغيير ما.

(كقوله المؤمن غر) بكسر الغين اى جاهل بالامور غافل عنها هذا معناه بحسب الوضع الاول لكن المراد ههنا ان المؤمن ينخدع لانقياده ولينه ولكن ليس ذلك جهلا منه بل لانه (كريم) اى سمح وصفح وحسن الخلق فلا يخدع غيره (والمنافق خب) بكسر الخاء اى خداع (لئيم) هو ضد الكريم.

(حمل المعرف باللام مفردا كان) كما في الحديث المتقدم (او جمعا) نحو المؤمنون عند شروطهم (على الاستغراق بعلة ايهام ان القصد الى فرد دون) فرد (اخر مع تحقق الحقيقة فيهما) اى في كلا الفردين (ترجيح لاحد) الفردين (المساويين على) الفرد (الاخر)


من دون مرجح وذلك قبيح بل محال على وجه كما ثبت ذلك في العلم الاعلى ولا يذهب عليك ان هذا عبارة اخرى عن مقدمات الحكمة التي يجريها الاصوليون في اثبات كون المفرد المعرف باللام نحو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مفيدا للعموم فتبصر.

(ثم ذكر) السكاكى (في بحث حذف المفعول به انه قد يكون) حذف المفعول به (للقصد الى نفس الفعل) اى من غير اعتبار عموم او خصوص في الفعل ومن غير اعتبار تعلقه بمن وقع عليه فضلا عن عمومه او خصوصه ومن غير اعتبار كناية (بتنزيل) المتكلم الفعل (المتعدي منزلة) الفعل (اللازم ذهابا) اى حال كون المتكلم ذاهبا او للذهاب (في نحو فلان يعطى الى معنى يفعل الاعطاء ويوجد هذه الحقيقة ايهاما) اعرابه كذهابا (للمبالغة).

والمراد من المبالغة الحمل على جميع افراد الحقيقة (بالطريق المذكور في) بحث (افادة اللام الاستغراق فجعل المصنف قوله) اى قول السكاكي (بالطريق المذكور اشارة الى قوله) في ذلك البحث (ثم اذا كان المقام خطابيا حمل المعرف باللام على الاستغراق واليه) اي الى جعل المصنف قول السكاكي بالطريق المذكور اشارة الى قوله ثم اذا كان الخ.

(اشار بقوله ثم اي بعد كون الغرض ثبوت اصل الفعل وتنزيله منزلة اللازم من غير اعتبار كناية) ومن غير الاعتبارين الاخرين (اذا كان المقام خطابيا يكتفى فيه بمجرد الظن لا استدلاليا يطلب فيه اليقين البرهاني افاد اي المقام الخطابي او الفعل المذكور ذلك اي كون الغرض ثبوته) اي الفعل (لفاعله) في الايجاب (او نفيه عنه)


اي عن الفاعل في السلب (مطلقا) اى من غير الاعتبارات الثلاثة (مع التعميم في افراد الفعل دفعا للتحكم) اي لدفع التحكم اي لدفع الترجيح بلا مرجح (اللازم) ذلك التحكم (من حمله) اي من حمل الفعل (على فرد دون اخر وتحقيقه ان معنى يعطى حينئذ) اي حين اذ كان الغرض ما ذكر انفا.

وكان المقام خطابيا (يفعل الاعطاء ويوجد هذه الحقيقة) اي الاعطاء (فمصدر هذا الفعل معرف بلام الحقيقة فيجب ان يحمل) المصدر (في المقام الخطابى على استغراق الاعطاءات وشمولها) مبالغة (احترازا عن ترجيح احد المتساويين على الاخر) لانه كما قلنا انفا قبيح او محال.

(لا يقال ان افادة التعميم في افراد الفعل تنافي كون الغرض) ما ذكر انفا اي (ثبوته لفاعله او نفيه عنه مطلقا لان معنى الاطلاق ان لا يعتبر عموم افراد الفعل او خصوصها او تعلقه بمن وقع عليه فكيف يجتمعان) والحال انهما كما بينا متنافيان.

(لانا نقول لا نسلم المنافاة اذ لا يلزم من عدم كون الشيء معتبرا في الغرض والمقصود عدم كونه مفادا من الكلام) وان شئت ان تعرف صحة عدم اللزوم فعليك مراجعة كلام الاصوليين في الايتين اعني قوله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) وقوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) حيث يستفاد منهما ان اقل الحمل ستة اشهر مع انه ليس معتبرا في الغرض والمقصود في واحد منهما فما نحن فيه نظير قولهم لا بشرط يجتمع مع الف شرط فتدبر جيدا.

(وانما المنافي التعميم هو اعتبار عدم العموم لا عدم اعتبار العموم


والفرق) بين المعنيين (واضح) لان الاول من قبيل بشرط لا والثاني كما قلنا نظير لا بشرط.

فحاصل الكلام في المقام انه لا يلزم من عدم كون الشيء متعبرا وداخلا فيما هو غرض ومقصود من الكلام ان لا يكون مفادا من الكلام ومقصودا منه لجواز ان يكون ذلك الشيء مفادا ومقصودا مما هو مقصود من الكلام وان لم يكن داخلا فيه فيكون من مستتبعات التركيب يقصد بطريق الاشارة كاقل الحمل المستفاد من الايتين ففى ما نحن فيه يكون المقصود الاثبات والنفي مطلقا ثم يقصد بتوسطه من الكلام التعميم ايهاما للمبالغة فانه اذا ذكر المفعول العام يحصل تعميم افراد الفعل لكن لاحتماله التخصيص لا يحصل المبالغة بخلاف ما اذا نزل منزلة اللازم فان عمومه لافراد الفعل عقلي وبمقدمات الحكمة والحكم العقلي لا يقبل التخصيص كما بين في الاصول.

(ثم المذكور في شرح المفتاح ان قوله بالطريق المذكور اشارة الى ما ذكره) السكاكى (في اخر بحث الاستغراق من ان نحو حاتم الجواد يفيد الانحصار) اي انحصار الجوادية في حاتم (مبالغة بتنزيل جود غير حاتم منزلة العدم لان قولنا فلان يعطى هو) اي فلان (لا غيره يوجد حقيقة الاعطاء لا غيرها) اي لا غير حقيقة الاعطاء ففى الكلام دلالة على حصرين الاول حصر الاعطاء في فلان والثاني حصر فلان في الاعطاء والاول من قبيل حصر الصفة في الموصوف والثاني عكسه.

(وهذا) المذكور في شرح المفتاح (لعمري فرية) اي كذب (ما فيها مرية) اى شك (لان ما ذكره من) دلالة الكلام على كلا (الحصرين مما لم يشهد به نقل ولا عقل نعم) في الكلام دلالة على الحصر الاول لانه (اذا حمل على التعميم) في افراد الفعل دفعا


للتحكم (افاد) الكلام (انه يوجد كل اعطاء فيلزم ان لا يكون غيره موجدا للاعطاء) و (اما) الحصر الثاني وهو (انه) اي فلان (لا يوجد غير الاعطاء فمما لا تسعه هذه العبارة) اى قولنا فلان يعطى.

(و) قد تبين لك ان (الظاهر) من كلام السكاكى (ما ذكره المصنف) من كون قول السكاكى بالطريق المذكور اشارة الى قوله ثم اذا كان المقام خطابيا الخ.

(وتحقيقه) اى تحقيق ما ذكره المصنف او تحقيق كلام السكاكى (ما ذكرناه فليحافظ عليه) اى على ما ذكرنا (فان هذا المقام مما وقع فيه لبعضهم خبط عظيم) ولا بدع في ذلك لان العصمة من الخطاء لمن اختاره الله الحكيم.

(و) الضرب (الاول) من هذا القسم الذي نزل منزلة اللازم (وهو ان يجعل الفعل مطلقا) اى من غير الاعتبارات المتقدمة (كناية عنه) اى عن الفعل حالكونه (متعلقا بمفعول) معين (مخصوص كقول البحترى في) مدح (المعتز بالله) ابن المتوكل العباسى (معرضا بالمستعين بالله) اخى المعتز الممدوح ويأتى معنى التعريض في آخر بحث الكناية من علم البيان انشاء الله تعالى.

شجو حساده وغيط عداه

ان يرى مبصر ويسمع واع

الشجو الحزن والغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو اشد الحنق والواعى الذي يحفظ كل ما سمع (اى ان يكون ذو روية وذو سمع) وهذا بحسب الحقيقة سبب للحزن والغيظ لكن الشاعر جعله خبرا عنهما تنبيها على كماله في السبب فكانه خرج عن السببية وصار عين المسبب فالحمل فيه نظير زيد عدل على بعض الوجوه.


(فيدرك) ذو رؤية (بالبصر محاسنه) الواضحة ويدرك ذو سمع (بالسمع اخباره الظاهرة الدالة) تلك المحاسن والاخبار (على استحقاقه) اى المعتز (الامامة) والخلافة (دون غيره) يعني المستعين (فلا يجدوا نصب عطف على المضارع قبله) اى عطف على فيدرك (اى فلا يجد اعدائه وحساده الذين يتمنون الامامة) والخلافة (الى منازعته الامامة) والخلافه (سبيلا) لان الامامة والخلافة انما بالصفات الموجبة لاستحقاق الرجل لها لا بالتسلط والغلبة ونحوهما من الاسباب لانها منصب الهى لا بشرى فتأمل.

(فالحاصل) من الاستشهاد بالبيت (انه) اى الشاعر (نزل) الفعل المتعدي اعني (يرى ويسمع منزلة) الفعل (اللازم اي يصدر منه) اى من المبصر والواعى (الرؤية والسماع من غير تعلق بمفعول مخصوص ثم جعلهما) اى الرؤية والسماع غير المتعلق بمفعول مخصوص (كنايتين عن الرؤية والسماع المتعلقين بمفعول مخصوص هو محاسنه واخباره بادعاء الملازمة بين مطلق الرؤية ورؤية اثاره ومحاسنه وكذا بين مطلق السماع وسماع اخباره دلالة) اي للدلالة اى ادعاء الملازمة المذكورة للدلالة (على ان آثاره واخباره بلغت من الكثرة والاشتهار الى حيث يمتنع خفائه فيبصرها كل راء ويسمعها كل واع بل لا يبصر الرائي الا آثاره).

وذلك لان آثار غيره في مقابل آثاره الكثيرة كالعدم (ولا يسمع الواعي الا اخباره) لما ذكر (فذكر) الشاعر (الملزوم) اي مطلق الرؤية والسماع (واراد اللازم) اى رؤية خصوص آثاره ومحاسنه وسماع اخباره الدالة على استحقاقه الامامة والخلافة بناء على ما مر


من ان الخلافة والامامة منصب الهى يستحقه الرجل بالصفات الفاضلة الموجبة لذلك فتأمل.

(ولا يخفى انه يفوت هذا المعنى) الذي اراده الشاعر من ادعاء الملازمة المذكورة (عند ذكر المفعول او تقديره لما في التغافل عن ذكره والاعراض عنه) بان لم يقدره (من الايذان) والاشعار (بان فضائله) اي الممدوح لكثرتها واشتهارها.

(يكفى فيها ان يكون ذو بصر وذو سمع حتى يعلم انه المتفرد بالفضائل) الموجبة للاستحقاق المذكور.

(والا اى وان لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدى المسند الى فاعله او نفيه عنه مطلقا بان قصد تعلقه بمفعول غير مذكور وجب) حينئذ (التقدير) اى تقدير المفعول (بحسب القرائن) الخاصة (الدالة على تعيين المفعول المقدر (ان عاما فعام وان خاصا فخاص) اى ان كانت القرينة عاما فالمفعول المقدر عام نحو قد كان منك ما يؤذي اى كل احد وان كانت القرينة خاصا فالمفعول المقدر خاص كقول عائشة ما رأيت منه وما رأى منى اى العورة ونحو قوله تعالى (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) اى بعثه.

(وانما قلنا بل قصد تعلقه بمفعول لانه لو لم يقصد اثباته او نفيه مطلقا بان قصد اثباته او نفيه باعتبار خصوص افراد الفعل او عمومها من غير اعتبار التعلق بمفعول لم يجب) حينئذ (تقدير المفعول بل لم يجز لفوات المقصود) الذي هو عدم اعتبار التعلق بمفعول لان المقدر كالمذكور فيثبت التعلق.

واما مثال اعتبار خصوص افراد الفعل فهو (كما اذا قلنا فلان


يعطي كل سنة مرة او مرتين اى يفعل اعطاء ما من غير تعيين المفعول) الاول والثاني (و) اما مثال اعتبار عموم افراد الفعل فهو كما اذا قلنا (فلان يعطى مع قصد انه) اى فلان (يفعل كل اعطاء من غير اعتبار التعلق بالمفعول) الاول والثاني وقد تقدم في باب المسند اليه عند قول الخطيب واما تقييد الفعل بمفعول ونحوه فلتربية الفائدة كلام من الشيخ يفيدك هنا فراجع ان شئت.

(فالفرق بين تعميم افراد الفعل وتعميم المفعول ظاهر وهما) اي التعميمين وان فرض تلازمها في الوجود فلا تلازم بينهما في الاعتبار والقصد) فلا يرد ما توهمه بعضهم من ان تعميم افراد الفعل يستلزم تعميم المفعول فلا معنى لتجويز ارادة تعميم الفعل من غير اعتبار تعميم المفعول وليعلم انه الى هنا كان الكلام فيما مهده من المقدمة ومن هنا شرع في المقصود فقال.

(ثم الحذف اى حذف المفعول من اللفظ بعد قابلية المقام اعنى وجود القرينة) اذ لا بد لكل محذوف كما يأتى التصريح به من قرينة (اما للبيان بعد الابهام كما في فعل المشية) اى شاء يشاء وما يشتق منهما (و) فعل (الارادة) اى اراد يريد وما يشتق منهما (ونحوهما) كفعل القصد والمحبة والاختيار والعزم والغضب وما يشتق منها (اذا وقع) ذلك الفعل (شرطا فان الجواب) قرينة خاصة لمفعوله المحذوف لانه اى الجواب (يدل عليه) اى على المفعول المحذوف (ويبينه ما لم يكن تعلقه به اى تعلق فعل المشية بالمفعول غريبا) اى قليل الاستعمال وعجيبا غير عادى (نحو (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) اى لو شاء هدايتكم فانه متى قيل ولو شاء علم السامع ان


هناك شيئا علقت المشية عليه) اى تعلقت تعلق المعمول بالعامل لا تعلق الجزاء بالشرط.

(لكنه) اى ذلك الشىء (مبهم عنده) اى عند السامع (فاذا جيء بجواب الشرط صار مبينا وهذا) اى البيان بعد الابهام اوقع في النفس) واوكد لما تقدم في طى المباحث المتقدمة غير مرة ان ذكر الشيء مرتين مبهما مرة ومبينا مرة اخرى اوكد واوقع في النفس من ذكره مرة واحدة ولو مبينا.

(بخلاف نحو قول الخزيمى يرثى ابنه ويصف نفسه بشدة الحزن والصبر عليه) اى على ابنه.

ولو شئت ان ابكى دما لبكيته

عليه ولكن ساحة الصبر اوسع

(فان تعلق فعل المشية ببكاء الدم فعل غريب) اذ قلما يشاء الانسان ان يخرج الدم من عينه بطريق البكاء (فلا بد من ذكر المفعول) يعني دما (ليتقرر في نفس السامع ويانس السامع به) لان الغريب اذا لم يكن مذكورا لم يكن مقررا في ذهنه ولا مانوسا له.

قال الشيخ في دلائل الاعجاز اذا كان تعلق فعل المشية بمفعوله غريبا فحذفه غير مستحسن انتهى فيعلم من كلامه ان المستحسن ذكره والمستحسن عند البلغاء في حكم الواجب فلذا قال فلا بد من ذكره (واما قوله اى قول ابي الحسن على بن احمد الجوهرى.

فلم يبق منى الشوق غير تفكرى

فلو شئت ان ابكى بكيت تفكرا

(فليس منه اى مما ترك فيه حذف مفعول المشية بناء على غرابة تعلقها به) اى بالمفعول (على ما يسبق الى الوهم وذهب اليه) صدر الافاضل (صاحب الضرام من ان المراد لو شئت ان ابكى تفكرا


بكيت تفكرا) بناء على انه من باب التنازع فتنازع الفعلان اعني ابكي وبكيت في تفكرا فاعمل الثاني واهمل الاول فتوهم صاحب الضرام ان الشاهد في عدم حذف مفعول شئت اعنى جملة ان ابكى فلذا قال (لم يحذف مفعول المشية) يعنى جملة ان ابكى (ولم يقل لو شئت بكيت تفكرا لان تعلق المشية ببكاء التفكر غريب كتعلقها ببكاء الدم فدفع هذا التوهم وصرح بانه ليس من هذا القبيل) اى من قبيل عدم حذف المفعول لغرابة تعلق المشية به (لان المراد بالاول) اي ابكي (البكاء الحقيقى لا) البكاء المجازى يعنى (البكاء التفكرى لانه لم يرد ان يقول لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا بل اراد ان يقول افناني النحول) اى السقم (فمريت جفونى) اى مسحتها وامررت يدي عليها (و) هو قريب المعنى من (عصرت) او هما مترادفان (ليسيل منها) اى من جفونى (دمع لم اجده وخرج منها بدل الدمع التفكر فالبكاء الذى اراد ايقاع المشية عليه بكاء مطلق) اى غير معتبر فيه التعلق بمفعول اصلا فهو (مبهم غير معدى الى التفكر البة والبكاء الثانى مقيد) اى معتبر فيه التعلق بمفعول خاص لانه (معدى الى التفكر فلا يصلح) البكاء الثانى ان يكون (تفسيرا للاول وبيانا له) لأن المفسر والمبين يجب ان يكون عين المفسر والمبين وبعبارة اخرى لا يمكن ان يكون البكاء الثانى قرينة للبكاء الاول اذ لا بد فيما يكون قرينة على شىء اتحاد معناه مع ذلك الشىء وههنا لا اتحاد (كما اذا قلت لو شئت ان تعطى درهما اعطيت درهمين) فلا يجوز حذف جملة ان تعطى درهما بقرينة جملة اعطيت درهمين لانها لا تصلح ان تكون قرينة لها لتباينما بسبب تباين مفعوليهما


(كذا في دلائل الاعجاز) فعدم الحذف فيما نحن فيه اى عدم حذف جملة ان ابكى ليس لكون تعلق المشية بها غريبا بل لعدم القرينة لتباين البكائين من حيث الاطلاق والتقييد حسبما بيناه.

الى هنا كان الكلام في مفعول شئت (ومما نشأ من سوء التامل وقلة التدبر في هذا المقام ما قيل ان الكلام في مفعول ابكى) يعني تفكرا لا في مفعول شئت يعني جملة ابكى (والمراد) اى مراد المصنف بقوله في المتن المتقدم فليس منه (ان البيت ليس من قبيل ما حذف فيه المفعول) يعني تفكرا (للبيان بعد الابهام بل) حذف المفعول يعني تفكرا (لغرض آخر) من الاغراض التي توجب الحذف وهو كونه من باب التنازع او الاختصار او التعميم او الضرورة.

(لا يقال) يمكن ان يكون البيت من ذلك اذ (يحتمل ان يريد) الشاعر (اني ضعفت ونحلت بحيث لم يبق في مادة الدمع فصرت بحيث اقدر على بكاء التفكر والمعنى) حينئذ (لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا (فحذف المفعول من احدهما بناء (على انه) كما اشرنا سابقا (من باب التنازع مثل ضربت واكرمت زيدا فيكون من قبيل ولو شئت ان ابكى دما لبكيته) فان تعلق فعل المشية ببكاء التفكر كتعلقه ببكاء الدم غريب فلا بد من ذكر المفعول اعني جملة ان ابكى ليقرر في ذهن السامع ويانس به السامع فلذا ترك حذفه.

(لانا نقول ترتب هذا الكلام) اى قول الشاعر فلو شئت الخ (على قوله فلم يبق مني الشوق غير تفكرى يدل على فساد هذا الاحتمال لان بكاء التفكر ليس سوى الاسف والكمد) اى الحزن المكتوم (والقدرة عليه) اى على هذا البكاء (لا تتوقف على ان لا يبقى فيه


الشوق غير التفكر بخلاف عدم القدرة على البكاء الحقيقى بحيث يحصل منه بدل الدمع التفكر فانه مما يتوقف على ان لا يبقى فيه غير التفكر فحينئذ يحسن ترتب النظم فليتأمل).

والحاصل ان هذا الاحتمال يقتضى توقف القدرة على بكاء التفكر على ان لا يبقى فيه غير التفكر وهذا التوقف منتف لان المتوقف على عدم بقاء غير التفكر هو عدم القدرة على البكاء الحقيقى لا القدرة على البكاء التفكرى لان هذه القدرة حاصلة عند بقاء غير التفكر ايضا فتحصل ان الكلام في مفعول لو شئت لا في مفعول ابكى والمعنى لو شئت ان ابكى دمعا بكيت تفكرا لا لو شئت ان ابكى تفكرا بكيت تفكرا لان الاخبار بذلك من قبيل توضيح الواضحات لان القدرة على ذلك حاصلة لكل احد فعلم ان البيت ذكر فيه المفعول اعنى ان ابكى لعدم القرينة عليه لان المراد منه البكاء الحقيقى فلا يصلح قوله بكيت تفكرا ان يكون قرينة له لان المراد البكاء المجازى لان من شرائط القرينة اللفظية ان تكون طبق المحذوف فلا يجوز زيد ضارب وعمرو اى ضارب عمرو وتريد بضارب المحذوف معني يخالف المذكور بان تقدر احدهما بمعني السفر من قوله تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) والآخر بمعنى الايلام المعروف فليس البيت من قبيل ما ذكر فيه المفعول لغرابته كما توهم وذهب اليه صاحب الضرام والتوفيق لفهم المعانى الدقيقة من الملك العلام.

(ومما يحذف فيه المفعول بالواسطة للبيان بعد الابهام قولك امرته فقام اى امرته بالقيام فقام قال الله تعالى (أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها) اى امرناهم بالفسق وهو) اى امر الله بالفسق (مجاز من تمكينهم)


للفسق باعطاء اسبابه (واقدارهم) على الفسق والقرينة على المجازية قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) والمنكر وفيه اقوال اخر مذكورة في كتب التفاسير فراجعها ان شئت.

(واما عطف على قوله اما للبيان) يعنى حذف المفعول اما (لدفع توهم) السامع (ارادة) المتكلم معنى (غير) المعنى (المراد) وقوله (ابتداء) ظرف (متعلق بقوله توهم) بقرينة ما يأتي في المتن اعني قوله ربما توهم قبل ذكر ما بعده الخ (كقوله اي البحترى وكم زدت اي دفعت عنى من تحامل حادث) اي امر عارض كالمصيبة والسكلفة والمشقة وغيرها (يقال تحامل فلان على اذا لم يعدل) اي اذا اظلم (وكم في البيت خبرية) بمعنى كثير (مميزها قوله من تحامل حادث.

واذا فصل بين كم الخبرية ومميزها بفعل متعد وجب الاتيان بمن لئلا يلتبس المميز بمفعول ذلك الفعل نحو قوله تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) والوجه في ذلك انه اذا فصل بين كم ومميزه فعل متعد يجب نصب المميز لتعذر الاضافة فبالنصب يشتبه بالمفعول فيجب إدخال من عليه لانه كما سنبين يؤيد التميز.

وإدخال من على التمييز ههنا نظير ادخالها عليه في نحو قولهم طاب زيد فارسا فان فارسا لكونه مشتقا يحتمل كما في الجامي الحالية والتمييزية لكن زيادة من فيه نحو لله دره من فارس وقولهم عز من قائل يؤيد التمييز لان من تزاد في التمييز لا في الحال.

(ومحل كم ههنا النصب على المفعولية) وذلك لما قال في الجامي ان كلا من كم الاستفهامية والخبرية اذا كان بعده فعل او شبهه غير


مشتغل عنه بضميره او متعلق ضميره فهو من حيث هو كذلك كان منصوبا معمولا على حسبه اي على حسب عمل هذا الفعل وعمله لا يكون الا بحسب المميز وذلك انك تقول كم يوما ضربت فكم منصوب على الظرفية مح اقتضاء الفعل المفعول به والمصدر والمفعول فيه وغير ذلك من المنصوبات فتعينه لاحد المنصوبات انما هو بحسب المميز فالاستفهامية نحو كم رجلا ضربت في المفعول به وكم ضربة ضربت في المفعول المطلق وكم يوما سرت في المفعول فيه والخبرية مثل كم غلام ملكت وكم ضربة ضربت وكم يوم سرت. انتهى باختصار غير مخل.

(وسورة ايام أي شدتها وصولتها حززن اي قطعن اللحم الى العظم فحذف المفعول اعنى اللحم) للدفع المذكور (اذ لو ذكر) المفعول اعنى (اللحم ربما توهم قبل ذكر ما بعده اي ما بعد اللحم وهو قوله الى العظم ان الحز لم ينته الى العظم بل كان) الحز (في بعض اللحم فترك ذكر اللحم ليدفع من السامع هذا الوهم) اي وهم انتهاء الحز الى العظم (ويصور في نفسه) أي في نفس السامع (من اول الامر ان الحز مضى فى اللحم حتى لم يرده) اي الحز (الا العظم) ولمثل هذا المعنى يقال بالفارسية (كارد باستخوان رسيده).

(واما) يحذف المفعول (لانه) اي الشان (اريد ذكره اي ذكر المفعول ثانيا على وجه يتضمن) الذكر (ايقاع الفعل على صريح لفظه اي لفظ المفعول اظهارا لكمال العناية) اي عناية المتكلم وقصده (بوقوعه عليه اي وقوع الفعل على المفعول حتى لا يرضى بان يوقعه على ضميره وان كان كناية عنه) اي ضميرا عنه كما قال


السيوطي ان الضمير يسمى بالكناية والمكنى عند الكوفيين (كقوله اي قول البحتري) وهو من باب التنازع

قد طلبنا فلم نجد لك في السو

دد والمجد والمكارم مثلا

(أي قد طلبنا لك مثلا فحذف المفعول) يعنى مثلا (من اللفظ) بقرينة مثلا في آخر البيت (اذ لو ذكره لكان المناسب) للقاعدة الاولية (في قوله لم نجد الاتيان بضميره) اي بضمير مثلا (اي) لكان المناسب ان يقول (فلم نجده وفيه) اي في الاتيان بضميره (تفويت للغرض وهو ايقاع نفي الوجدان على صريح لفظ المثل لكمال العناية بعدم وجدان المثل) وبعبارة اخرى لان الغرض في الحقيقة هو نفي الوجدان عن المثل ولا شك في ان ايقاع ذلك النفي على صريح لفظه اتم في تحصيل الغرض من ايقاعه على ضميره لظهور قصور مثل هذه الكناية في افادة المراد عن التصريح وان كان المسلم في غير هذا الموضع ان الكناية ابلغ من التصريح فتامل.

(ولاجل هذا المعنى بعينه) اي لاظهار كمال العناية بوقوع الفعل على صريح لفظ المفعول (عكس ذو الرمة) وهو ايضا من باب التنازع

ولم امدح لارضيه بشعري

لئيما ان يكون اصاب مالا

(لانه) اي ذو الرمة (اعمل الفعل الاول) يعني لم أمدح (في صريح لفظ اللئيم) (و) اعمل الفعل (الثاني) يعنى لارضيه (في ضميره) اي في ضمير اللئيم (لان الغرض ايقاع نفي المدح على اللئيم صريحا لكمال العناية بذلك بخلاف الارضاء) فانه ليس الغرض ايقاعه على اللئيم صريحا.

(ويجوز ان يكون السبب اي سبب حذف المفعول) من الفعل


الاول (في بيت البحتري ترك مواجهة الممدوح بطلب مثل له قصدا الى المبالغة في التأدب معه لان طلب المثل صريحا مما يدل على تجويزه بناء على ان العاقل لا يطلب الا ما يجوز وجوده في الجملة) وبعبارة اخرى جعل مطلق الطلب كناية عن طلب المثل له بادعاء الملازمة بينهما فيكون من قبيل ذكر الملزوم وارادة اللازم على ما هو طريق الكناية فيعتقد الممدوح من ذلك ان المادح يبالغ في التأدب معه بأن لا يجوز المثل له فضلا عن طلبه ولا يخفى انه لو قال طلبنا لك مثلا يكون في مدحه مواجهة بطلب المثل له صريحا لا كناية وهذا ينافي المبالغة في التأدب معه لدلالته على تجويز وجود المثل اذ العاقل لا يطلب الا ما جوز وجوده وكمال الادب في ادعاء عدم التجويز.

(واما) حذف المفعول (للتعميم في المفعول مع الاختصار) وهذا يسمى بسحر الكلام لانه يتوصل فيه بواسطة تقليل اللفظ بحذف المفعول الى تكثير المعنى وهو افادة التعميم (كقولك) لمخاطبك المسيء في افعاله (قد كان) اي وقع (منك ما يؤلم) اي الذي يؤذي فلفظة ما فاعل كان وهو تامة والشاهد في مفعول يؤلم (اي كل احد) فحذف (بقرينة ان المقام مقام المبالغة) في اسائة المخاطب (وهذا التعميم وان امكن ان يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم) اي كل احد او جميع الناس او جميع المسلمين او جميع المواطنين او جميع الاقرباء ونحو ذلك (لكنه يفوت الاختصار حينئذ) اي حين اذ ذكر المفعول بصيغة العموم.

(وعليه اي على حذف المفعول للتعميم والاختصار) قوله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) اي يدعو العباد كلهم لان الدعوة) الى دار


السّلام اي (الجنة تعم الناس كافة) بدليل قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) لان الدعوة عبارة عن شرع الاحكام بواسطة الرسول (ص) وبيان الحلال والحرام والامر والنهي (لكن الهداية الى الطريق المستقيم الموصل اليها) اي الى الجنة (تختص بمن يشاء (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فالمثال الاول) اي قولك قد كان منك ما يؤلم (يفيد العموم مبالغة) وادعاء لانه لا يمكن ان يكون الجميع مؤلما الا فيما كان المراد منه اشخاصا معينة محصورة محدودة وهو خلاف المفروض فتأمل (و) المثال (الثاني) اي قوله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) يفيد العموم (تحقيقا) حسبما بيناه.

(وهما) اي المثالان (وان احتملا ان يجعلا من قبيل ما نزل منزلة اللازم) بأن لا يعتبر فيهما مفعول اصلا لا عموما ولا خصوصا (لكن التأمل الذوقي) الذي هو موهبة من مواهب الملك العلام (يشهدان القصد في هذا المقام الى تعميم المفعول لا الى نفس الفعل) اي لا الى مجرد اثبات الايذاء والايلام ومجرد اثبات الدعوة (فان الحمل على امثال هذه المعاني) الخارجة عن الدلالات اللفظية (مما يتعلق بقصد المتكلم ومناسبة المقام) كما ان فهمها ايضا خارج عن نطاق دلالة الالفاظ لانها كما قلنا مما يتوقف على التأمل الذوقي (ولذا) اي ولان المثالين يحتملان ان يجعلا من قبيل ما نزل منزلة اللازم لكن التأمل الذوقي يشهد ان القصد في هذا المقام الى تعميم المفعول (جعل صاحب المفتاح نحو فلان يعطى محتملا للتنزيل منزلة اللازم والقصد الى تعميم المفعول.

قال الجامي يقال فلان يعطى الدنانير من غير ذكر المعطى له ويعطى


الفقراء من غير ذكر المعطى وقد يحذفان معا كقولك فلان يعطي ويكسو اذ يستفاد من مثله فائدة بدون المفعولين بخلاف مفعولي باب علمت فانك لا تحذفهما نسيا منسيا فلا تقول علمت وظننت لعدم الفائدة اذ من المعلوم ان الانسان لا يخلو عن علم وظن واما مع قيام القرينة فلا باس بحذفهما نحو من يسمع يخل اي يخل مسموعه صادقا انتهى.

(ومما يحتمل الحذف) اي حذف المفعول بالواسطة والى ذلك ينظر قوله (في غير المفعول به قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) اي على كل امر يستعان فيه ويحتمل ان يراد على اداء العبادة) فقط (ليتلائم الكلام) اي ليتناسب الجمل المذكورة حيث ذكر اياك نعبد بيانا للحمد واياك نستعين طلبا للاعانة على العبادة وهدنا بيانا للاعانة فيتلاحق الجمل الاربع التي اشتملت عليها السورة وقد تقدم في آخر بحث الالتفات بعض الكلام في ذلك.

(وههنا) اي في قوله في المتن واما للتعميم مع الاختصار

(بحث وهو ان ما) اي المورد الذي (جعل الحذف فيه للتعميم والاختصار انما هو من قبيل ما يجب فيه تقدير المفعول بحسب القرائن) ان خاصا فخاص وان عاما فعام لا من قبيل ما نزل الفعل منزلة اللازم بان لا يقدر له مفعول اصلا (وحينئذ) اي حين اذ يجب فيه تقدير المفعول بحسب القرائن (فان دلت القرينة على ان المقدر يجب ان يكون عاما فالتعميم) يستفاد (من عموم المقدر سواء ذكر او حذف) لان المحذوف لقرينة كالمذكور (والا) اي وان لم تدل القرينة على ان المقدر يجب ان يكون عاما (فلا دلالة على


التعميم) فكيف يقال ان الحذف للتعميم والاختصار (فالظاهر ان العموم فيما ذكر) من الامثلة (انما هو من دلالة القرينة على ان المقدر عام والحذف انما هو لمجرد الاختصار كما ذكره فيما) اي في المتن الذي (يليه وهو قوله واما لمجرد الاختصار) لا الاقتصار قال ابن هشام في الباب الخامس جرت عادة النحويين أن يقولوا يحذف المفعول اختصارا واقتصارا ويريدون بالاختصار الحذف لدليل (اي لقرينة) وبالاقتصار الحذف لغير دليل ويمثلونه بنحو (كُلُوا وَاشْرَبُوا) اي اوقعوا هذين الفعلين وقول العرب فيما يتعدى الى اثنين من يسمع يخل اي تكن منه خيلة انتهى.

(وقد وقع في بعض النسخ) اي نسخ المتن (عند قيام قرينة وهو تذكرة لما سبق في قوله يجب التقدير بحسب القرائن ولا حاجة اليه) لأن من المسلم عندهم ان الحذف لا يجوز الا عند قيام القرينة (وما يقال ان المعنى) اي معنى قوله عند قيام قرينة ان الحذف انما يكون لمجرد الاختصار (عند قيام قرينة دالة على ان الحذف لمجرد الاختصار) فليس المراد عند قيام قرينة دالة على المفعول المحذوف حتى لا يقال لا حاجة اليه.

لكن (ليس) ما يقال (بسديد لان هذا) المعنى (جار في سائر الاقسام) اي سائر اقسام الحذف اذ لا بد في كل واحد منها من قرينة دالة على ان الحذف للنكتة الفلانية كالاختصار والتعميم وغير ذلك مما يكون الغرض من الحذف (ولا وجه لتخصيصه) اي تخصيص هذا المعنى (بمجرد الاختصار) هذا ولكن يمكن ان يقال انه يجوز ان يكون وجه تخصيصه بمجرد الاختصار ضعف نكتة الاختصار اذ الحذف


لمجرد الاختصار مما لا يعتد به عند البلغاء فلا يذهب ذهن السامع منهم الى انه لمجرد الاختصار فلا بد من قيام قرينة على ذلك فتأمل.

(نحو اصغيت اليه) فحذف مفعوله (اي اذنى والقرينة عليه ان الاصغاء لا يكون الا بالاذن ويقال له بالفارسية (گوش دادن) (وعليه) اي على الحذف لمجرد الاختصار (قوله تعالى) حكاية عن موسى عليه‌السلام ((أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) اى ذاتك) لان المقصود كما يدل عليه كلام قومه لن نومن لك حتى نرى الله جهرة النظر الى ذاته تعالى وتقدس.

(وقد عرضت هذا البحث) اى الاشكال المذكور بقوله وههنا بحث (على بعضهم فقال) في دفع الاشكال (اذا ذكر المفعول نحو يؤلم كل احد يكون الاعتماد) حينئذ (على اللفظ) اى على لفظ المفعول اي على لفظ كل (من حيث الظاهر وظاهر اللفظ) اى لفظ كل (يوهم الاستغراق الحقيقي) لانه وضع في اللغة لذلك وان كان قد يستعمل في غيره مجازا.

قال في المصباح وكل كلمة تستعمل بمعنى الاستغراق بحسب المقام كقوله تعالى (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وقوله (ص) وكل مسؤول عن رعيته وقد يستعمل بمعنى الكثير كقوله تعالى (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) اى كثيرا لانها انما دمرتهم ودمرت مساكنهم دون غيرهم انتهى.

(واما اذا حذف) المفعول (فيكون الاعتماد) حينئذ (على العقل ظاهرا) وان كان في الحقيقة الاعتماد ايضا على اللفظ لان المقدر كالمذكور فالمعتمد عليه والدال عند الحذف كما تقدم في اول باب المسند اليه ايضا هو اللفظ المدلول عليه بالقرائن لكن الاعتماد في


دلالة اللفظ بالاخرة الى العقل (فلا يعم) المفعول المحذوف (الا ما يجوزه العقل) والعرف وهو المقدار المقصود للمتكلم (ولا يوهم) حينئذ (خلاف المقصود فصح ان الحذف للتعميم الذى لا يوهم خلاف المقصود مع الاختصار اذ لو ترك الاختصار لامكن ان يقال يؤلم كل احد ممن يجوز العقل والعرف ايلامه) اى ايلام المخاطب (اياه) اي من يجوز العقل.

(فقلت) في رد هذا القائل (او لا تقييد التعميم بالذي لا يوهم خلاف المقصود مما لا دلالة للفظ الكتاب عليه) لان قوله واما للتعميم مطلق لا تقييد فيه (وثانيا ان الحذف) اي حذف المفعول (حينئذ) كما ذكرت (انما يكون لدفع الايهام المذكور (والتعميم مستفاد من عموم المقدر ولو سلم) ان التعميم ايضا مستفاد من الحذف (فترك التعرض لما له مزيد اختصاص بالحذف اعنى دفع الايهام والتعرض لما ليس كذلك اعني التعميم غير مناسب) لانه نظير ترجيح المرجوح على الراجح بل عينه (وثالثا ان هذا) الذي قاله هذا القائل في دفع الاشكال (لا يستقيم في نحو قوله تعالى (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) مما قصد فيه التعميم والاستغراق حقيقة) لان المقصود منه كما تقدم آنفا العباد كلهم لان الدعوة الى الجنة تعم الناس كافة فلا فرق حينئذ من حيث المقصود بين الذكر والحذف (اذ الذكر لا يوهم خلاف المقصود بل يحقق المقصود على ما ذكرته) انت من انه اذا ذكر المفعول نحو يؤلم كل احد يوهم الاستغراق الحقيقي (فلا وجه للحذف سوى مجرد الاختصار) فما قاله هذا القائل في دفع الاشكال غير دافع.


(ومن) المواضع التي يكون (الحذف) فيها (لمجرد الاختصار قوله تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الشاهد في المفعول الاول من ادعوا في المقامين بناء (على ان الدعاء) في الاية (بمعنى التسمية التي تتعدى الى مفعولين) فالتقدير ادعوه الله او ادعوه الرحمن (اى سموه الله او سموه الرحمن اياما تسموه فله الاسماء الحسنى) فحذف الضمير الغائب الذي هو المفعول الاول فتبصر.

قال في المصباح دعوت الولد زيدا وبزيد اذا سميته بهذا الاسم انتهى وانما قلنا ان الدعاء في الآية بمعنى التسمية (اذ لو كان الدعاء بمعنى النداء المتعدى الى مفعول واحد) يقال كما في المصباح دعوت زيدا ناديته وطلبت اقباله (لزم) حينئذ (الشرك ان كان مسمى الله) الذى نودى (غير مسمى الرحمن) الذى نودى (ولزم عطف الشيء على نفسه ان كان) مسمى الله (عينه) اى عين مسمى الرحمن.

(ومثل هذا العطف) أي عطف الشيء على نفسه (وان صح بالواو باعتبار الصفات) اي باعتبار عطف بعض الصفات على بعض لا العطف على الموصوف (كقوله)

الى الملك القرم وابن الهمام

وليث الكتيبة في المزدحم

حيث عطف الصفة الثانية أعنى ابن الهمام على الصفة الاولى اعنى القرم مع أنهما لشيء واحد لان الواو لا يقتضي المغايرة (لكنه) اي هذا العطف (لا يصح في) لفظة (او) العاطفة (لانها لاحد الشيئين المتغايرين) ولا تغاير بين الصفات مصداقا اذا كان الموصوف بها واحدا (ولان التخيير) المراد من لفظة او (انما يكون بين الشيئين) ولا شيئين في الاية لان المفروض ان مسمى الله عين مسمى


الرحمن (وايضا) لو كان الدعاء بمعنى النداء (لا يصح قوله تعالى ((أَيًّا ما تَدْعُوا) لان ايا انما يكون لواحد من) متعدد سواء كان ذلك المتعدد (اثنين او جماعة) ولا متعدد في المقام على الفرض المذكور.

(واما) حذف المفعول من يسقون وتذودان في (قوله تعالى) في قصة موسى «ع» (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) اى لما ورد موسى ماء مدين اى مائهم الذي يسقون منه وكان بئرا ومدين قرية شعيب ووردوه مجيئه والوصول اليه وجد عليه اي على البئر اى على شفيره ومستقاه امة اى جماعة كثيرة العدد من اناس مختلفين ووجد من دونهم اى في مكان اسفل من مكانهم امرئتين هما بنتا شعيب «ع» تذودان والذود الطرد والدفع لان على الماء من هو اقوى منهما لا تتمكنان على السقي ففيه مذهبان :

(فذهب الشيخ عبد القاهر وصاحب الكشاف الى ان حذف المفعول فيه للقصد الى نفس الفعل) اي الى نفس السقي والذود (وتنزيله) اى الفعل (منزلة اللازم اى يصدر منهم السقى ومنهما الذود واما ان المسقى والمذود ابل او غنم فخارج عن المقصود) اذ المقصود من الآية ان ترحم موسى «ع» على الامرئتين انما كان بسبب انهما كانتا على الذود والدفع والناس كانوا على السقي مع قطع النظر عن ان مذودهما غنم وهي حيوان ضعيف لا طاقة لها على العطش ومسقيهم ابل وهو حيوان شديد الطاقة على العطش كما هو معروف بذلك (بل) لو اعتبر في المقام ان المسقى والمذود ابل او غنم (يوهم خلاف المقصود اذ لو قيل) اى ذكر (او قدر) المفعول بان يقال (يسقون


ابلهم وتذودان غنمهما) او قدر كذلك (لتوهم ان الترحم عليهما ليس من جهة انهما على الذود والناس على السقي بل) كان الترحم عليهما (من جهة ان مذودهما غنم ومسقيهم ابل) وذلك لما مر منقولا عن الشيخ انه اذا كان في الكلام قيد على وجه ما فالحكم في الكلام يتوجه الى القيد الاخير (الا ترى انك اذا قلت) على سبيل الاستفهام الانكاري (ما لك تمنع اخاك كنت منكرا للمنع لا من حيث هو منع بل من حيث انه منع الاخ) ونظير ذلك قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فانه نهى عن قرب الصلوة لكن لا من حيث هو قرب الصلوة بل من حيث انه قرب لها فى حال السكر.

(وذهب صاحب المفتاح الى انه) اى الحذف في الاية (لمجرد الاختصار والمراد يسقون مواشيهم) التي ملك لهم ومختصة بهم (وتذودان غنمهما) التي ملك لهما ومختصة بهما (وكذا سائر الافعال المذكورة في هذه الاية) وهي لا نسقى وفسقى وما سقيت المذكورة في تتمة الاية.

(وهذا) الذي ذهب اليه صاحب المفتاح (اقرب الى التحقيق لان الترحم لم يكن من جهة صدور الذود عنهما وصدور السقي من الناس) مع قطع النظر عن تعلق الفعلين بمفعول (بل من جهة ذودهما غنمهما المختصة بهما (وسقى الناس مواشيهم) المختصة بهم (حتى لو كانتا تذودان غير غنمهما وكان الناس يسقون غير مواشيهم بل) كانوا يسقون (غنمهما) وكانتا تذودان مواشي غيرهما (مثلا لم يصح الترحم فليتأمل ففيه) اى فيما ذهب اليه صاحب المفتاح (دقة اعتبرها صاحب المفتاح بعد التامل في كلام الشيخين) عبد القاهر


وصاحب الكشاف (وغفل عنها الجمهور فاستحسنوا كلامهما).

فان الشيخين جعلا مجرد الفعلين اعني السقي والذود من دون اعتبار تعلقهما بمفعول سببا للترحم فلو قدر للفعلين مفعول لادى الى فساد المعنى لما تقدم آنفا من انه يتوهم ان الترحم عليهما ليس من جهة انهما على الذود والناس على السقى بل من جهة ان مذودهما غنم ومسقيهم ابل والدقة التي اعتبرها صاحب المفتاح بعد التامل في كلامهما انه نظر الى ان المفعول ليس مجرد الابل والغنم بل الابل المضافة اليهم والغنم المضافة اليهما بحيث لو انعكس الامر لما كان في المقام موجب للترحم فلو لم يقدر المفعول في الاية لفسد هذا المعنى ففيما ذهب اليه دقة يحتاج فهمها الى ذوق سليم وسليقة مستقيم وذلك موهبة من مواهب الله العزيز الحكيم.

(واما) يكون الحذف (للرعاية) والمحافظة (على الفاصلة) اى على اواخر الفقرات من الكلام او الايات القرانية والفرق بين السجع والفاصلة ان الفاصلة اعم لانها كما اشرنا تكون في القران وغيره بخلاف السجع فانه لا يطلق على اخر الايات القرانية تأدبا لانه في الاصل بمعنى هدير الحمامة واحتمل بعضهم ان تسمية اواخر الايات بالفواصل لقوله تعالى (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) (نحو قوله (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) اى اذا اظلم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) والشاهد فيه (اى ما قلاك) اى ما ابغضك (فحذف المفعول لان فواصل الاى) في هذه السورة اغلبها (على الالف).

(و) ليعلم انه (لا امتناع في ان يجتمع في مثال واحد عدة من الاغراض المذكورة) وذلك لان لفظة او فيها بمعنى منع الخلو لا منع


الجمع فلا تزاحم بين الاغراض والنكات (ولذا ذكر صاحب الكشاف ههنا) اى في ما قلى (انه) اى حذف المفعول منه (لاختصار لفظى لظهور) المفعول (المحذوف) بقرينة المفعول في ودعك (مثل) ظهور المحذوف في قوله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) اى والذاكرته) فحذف المفعول من الثاني لظهوره بقرينة المفعول في الاول (واما) يكون الحذف (لاستهجان) اى لاستقباح (ذكره اى ذكر المفعول كقول عائشة رضى الله عنها) عند ذكرها احوال رسول الله (ص) وذكر معاشرته مع نسائه كنت اغتسل انا ورسول الله (ص) في اناء واحد (ما رأيت منه أى من النبى (ص) ولا رأى مني) فحذف المفعول (اي العورة) من الفعلين لاستقباح ذكره والقرينة اقتران هذا الكلام مع ذكر احواله (ص) ومعاشرته مع النساء.

(واما) يكون الحذف (لنكتة) وغرض (اخرى) غير النكات والاغراض المذكورة (كاخفائه) اى اخفاء المفعول عن السامع (او التمكن من انكاره ان مست الحاجة اليه) اى الى الانكار كأن يقال اهان الله ويراد زيد مثلا عند قيام القرينة عليه فيحذف المتكلم ذلك المفعول ليتمكن من الانكار عند الضرورة والحاجة (او تعينه) حقيقة (او ادعاء التعين له او نحو ذلك) كصونه عن اللسان او صون اللسان عنه او فوات فرصة او نحو ذلك مما تقدم في حذف المسند اليه مع توضيح منا هناك فراجع فانه يفيدك ههنا (قال الله تعالى (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) اى لينذر الذين كفروا فحذف المفعول) اى الذين كفروا (لتعينه) ويحتمل ان يكون الحذف في هذه الاية لاحتقار المفعول نظير ما قاله السيوطى في قوله تعالى (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) عند


قول ابن مالك

وحذف فضلة اجز ان لم يضر

كحذف ما سيق جوابا او حصر

(و) يمكن ان يكون الحذف فيما نحن فيه لتنزيل الفعل منزلة اللازم (لان الغرض هو ذكر المنذر به) يعنى الباس الشديد.

(و) اما (تقديم مفعوله اى مفعول الفعل ونحوه اى نحو المفعول من الجار والمجرور والظرف والحال ونحو ذلك) من المعمولات التي يجوز تقديمها كالتميز على قول (عليه اى على الفعل) فهو اى التقديم (لرد الخطاء) الحاصل من السامع (في التعيين) اى في تعيين المفعول ونحوه من المعمولات المتقدمة (كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد أنك عرفت انسانا وانه غير زيد).

ومما يجب ان يعلم في هذا المقام انه سيأتى في الباب الخامس ان المخاطب بكل واحد من طرق القصر التي منها ما نحن فيه اى التقديم يجب ان يكون حاكما حكما مشوبا بصواب وخطاء وانت تريد اثبات ثوابه ونفي خطائه والى ذلك اشار بقوله (فانه اي السامع (مصيب في اعتقاد وقوع عرفانك على انسان) واصاب في ذلك لكنه (مخطىء في تعيين انه غير زيد) فيكون رده بسبب التقديم من قبيل قصر القلب (وتقول لتاكيده اى تاكيد هذا الرد) الذي هو من قبيل قصر القلب (زيدا عرفت لا غيره) ونحوه مثل لا عمرا ولا بكرا ولا سواه وما اشبه ذلك وقد تقدم في الباب الثاني في بحث تقديم المسند اليه عند قوله فقد ياتي التقديم للتخصيص ما يوضح لك المقام فراجع ان شئت.

(وقد يكون) تقديم المفعول ونحوه من المعمولات المتقدمة (ايضا


لرد الخطأ في الاشتراك فيكون قصر افراد (كقولك زيدا عرفت لمن اعتقد انك عرفت زيدا وعمرا وغيرهما) ممن يمكن لك ان تعرفه (وتقول) حينئذ (لتاكيده) اى لتاكيد هذا الرد الذي هو قصر افراد زيدا عرفت وحدى) ونحوه مثل منفردا ومتوحدا او غير مشارك ونحو ذلك وقد تقدم في البحث المذكور وجه اختصاص الموكد الاول بالاول والثاني بالثاني فراجع ان شئت.

فظهر ان التقديم في المقام قد يكون لرد الخطأ في الاشتراك الذي هو من قبيل قصر الافراد (فكان على المصنف ان يذكره) ايضا (بل كان الاحسن ان يقول بدل قوله لرد الخطأ لافادة الاختصاص) اى القصر (ليدخل فيه) اى في لافادة الاختصاص (القصر بانواعه الثلاثة) اى القلب والافراد والتعيين وذلك لما يأتي في باب القصر ان التقديم للانواع الثلاثة جميعا (و) ليدخل فيه ايضا (نحو قولك زيدا اكرم وعمرا لا تكرم) من الانشاءات فان التقديم فيها لا يعقل ان يكون لرد الخطأ لان الخطأ في الحكم انما يتصور اذا كان السامع عالما به قبل القاء الكلام وفي الانشاء انما يفهم الحكم من نفس الكلام لا يقال ان الخطأ انما يكون في الحكم ولا حكم في الانشاء لانه كما صرح محشى التهذيب عند تقسيم العلم من قبيل التصورات لانا نقول نعم لكنه كما اعترفت اصطلاح المنطقيين.

واما عند علماء العربية فالحكم هو النسبة التي يصح السكوت عليها ولذا قسموا الجملة الى الخبرية والانشائية.

واما التكلف الذي اشار اليه بقوله (فان اعتبار رد الخطأ فيه) اى في نحو المثالين (لا يخلو عن تكلف) فهو ان يقال ان الانشاءات


تستلزم نسبا خبرية فالخطأ في اعتقاد المخاطب بالنسبة الى تلك اللوازم فيعتبر مثلا ان المخاطب يعتقد ان المتكلم طالب لاكرام عمرو وامر به او لمجموع اكرام زيد وعمرو فيقول المتكلم زيدا اكرم رد الخطأ المخاطب.

(ولذلك اي ولان التقديم لرد الخطأ في تعيين المفعول مع الاصابة في اعتقاد وقوع الفعل على مفعول في الجملة لا يقال ما زيدا ضربت ولا غيره ولا) يقال ايضا (ما زيدا ضربت ولكن اكرمته) بان تعقب الفعل المنفي الذي قدم مفعوله عليه باثبات فعل اخر يضاده (اما) عدم القول في المثال (الاول فلان التقديم) كما مر في بحث ما انا قلت (يفيد وقوع الضرب على احد غير زيد تحقيقا لمعنى الاختصاص) المستفاد منه (وقولك لا غيره صريح فى نفيه) اي في نفي وقوع الضرب على احد غير زيد فيكون مفهوم التقديم مناقضا لمنطوق لا غيره فالجمع بينهما جمع بين المتناقضين وذلك محال بالبديهة والمحال باطل بالضرورة.

(نعم اذا قامت قرينة) دالة (على ان التقديم ليس للتخصيص) بل لغرض اخر من الاغراض الموجبة للتقديم كالاهتمام والتبرك والاستلذاذ ونحوها مما تقدم في المباحث المتقدمة في البابين السابقين (يصح) حينئذ (ان يقال ما زيدا ضربت ولا غيره كما ذكرنا في ما انا قلت هذا ولا غيري) فراجع ان شئت (وكذا يصح) التقديم في نحو قولك (زيدا ضربت وعمرا اذا لم يكن التقديم للاختصاص) بل لغيره من الامور المشار اليها انفا (بخلاف ما اذا كان) التقديم (له) اى للاختصاص فانه لا يصح كما بين انفا.


(واما) عدم القول في المثال (الثانى فلان مبنى الكلام ليس على ان الخطأ) واقع (في) الفعل بانه (الضرب فترده الى الصواب في الاكرام وانما الخطأ في) المفعول اى (المضروب حين اعتقد) السامع (انه) اى المضروب (زيد) لا عمرو (فرده) اى السامع (الى الصواب ان يقال ما زيدا ضربت ولكن عمرا) هذا كله اذا لم يكن الفعل المتقدم عليه المفعول غير مشتغل بضميره.

(واما) اذا كان الفعل المذكور مشتغلا بضمير المفعول المتقدم على الفعل وبعبارة اخرى اذا كان من باب الاشتغال المذكور في النحو (نحو زيدا عرفته فتاكيد) فقط اى مضمون الكلام مؤكد بالتكرير لان المقدر كالمذكور فتأمل (فلا تخصيص هناك اصلا) (ان قدر الفعل المحذوف) الناصب للمفعول (المفسر) بالفتح (بالفعل المذكور قبل المنصوب نحو عرفت زيدا عرفته) فهو كما قيل من باب التاكيد اللفظي لكن الجمع بين التاكيد وحذف المؤكد مستبعد بل ممتنع كما صرح به السيوطي عند قول الناظم

وحذف عامل المؤكد امتنع

وفي سواه لدليل متسع

واليه اشرنا بقولنا انفا فتامل (والا أي وان لم يقدر الفعل المفسر) بالفتح (قبل المنصوب بل بعده نحو زيدا عرفت عرفته فتخصيص) مع التاكيد الحاصل من التكرير وان لم يتعلق به قصد وذلك (لان التقديم على المحذوف كالتقديم على المذكور كما) ياتي عن قريب (في (بِسْمِ اللهِ)) مفصلا ومشروحا.

(فنحو زيدا عرفته يحتمل) أمرين احدهما (التخصيص) مع التاكيد الحاصل من التكرير وان لم يتعلق به قصد وثانيهما (مجرد


التاكيد) من دون تخصيص فالمدار على القرينة (لكن اذا قامت قرينة) دالة (على ان الفعل) المحذوف (مقدر بعد المنصوب فهو) اى زيدا عرفته (ابلغ في) افادة (الاختصاص من قولنا زيدا عرفت لما فيه) كما قلنا (من التكرير المفيد للتاكيد ومعلوم) كما ياتي في الباب الخامس في اخر بحث انما (ان ليس القصر والتخصيص الا تاكيدا على تاكيد فيتقوى) زيدا عرفته (بازدياد التاكيد الحاصل من التكرير (لا محالة وهذا) اى كون زيدا عرفته ابلغ من زيدا عرفت حسبما فصل (معنى قول صاحب الكشاف في قوله تعالى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) انه من باب زيدا رهبته) اى من باب الاشتغال لان التقدير فارهبوني بياء المتكلم (وهو) اي (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ) اي التقديم فيه (اوكد) وابلغ (في افادة الاختصاص من (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)) اى من التقديم فيه.

قال الزمخشري على ما نقل عنه في الباب الخامس من المغني في الحاشية في بحث حذف جملة الشرط ان في (إِيَّايَ فَارْهَبُونِ) وجوه من التاكيد تقديم الضمير المنفصل وتاخير المتصل والفاء الموجبة معطوفا عليه ومعطوفا تقديره اياى ارهبون فارهبون احدهما مضمر والثاني مظهر وما في ذلك من تكرير الرهبة وما فيه من معنى الشرط بدلالة الفاء كأنه قيل ان كنتم راهبين شيئا فارهبون انتهى.

(وقد صرح في المفتاح بان الفاء) في فارهبوا (للعطف على) الفعل (المحذوف والتقدير اياي ارهبوا فارهبون) فعطف المذكور على المحذوف وذلك جائز كما صرح به في الالفية بقوله

وحذف متبوع هنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح


(و) ان قلت لا بد في المتعاطفين من المغايرة ولا مغايرة ههنا قلت (يتحقق المغايرة) ههنا (بان في المعطوف عليه) المحذوف (الاختصاص) الحاصل من تقديم المفعول عليه (دون المعطوف) المذكور لعدم تقدم المفعول عليه اذ التقدير كما قلنا فارهبوني بياء المتكلم المتصل به (ولم يعتبر فيه) اى في المعطوف التخصيص لان الغرض منه مجرد تفسير الفعل) المحذوف الناصب للمفعول المتقدم (لا بيان كيفية تعلقه) اى تعلق الفعل المحذوف (بالمفعول) فلا موجب لاعتبار التخصيص في المعطوف المفسر للمعطوف عليه المحذوف فتحصل من ذلك ان الفعلين متغايران من وجه ومتحدان من وجه آخر فتدبر جيدا.

(واما قوله تعالى (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) فهو على تقدير فاياى فاعبدوا فاعبدون والفاء) اى مدخولها (في (فَاعْبُدُونِ)) المذكور (جواب شرط محذوف لان المعنى ان ارضى واسعة فان لم تخلصوا لي في ارض فاخلصوها في غيرها) والقرينة على هذا المعنى ان وصف الارض بالسعة وترتب طلب الاخلاص في العبادة يوجب لمن له ذوق سليم فهم هذا المعنى (ثم حذف الشرط) يعنى جملة فان لم تخلصوا العبادة لي في ارض (وعوض منه) اي من الشرط المحذوف (تقديم المفعول) يعني اياي (مع افادته) اى افاد التقديم (الاختصاص) ثم استبدل الجزاء يعنى فاخلصوها لي في غيرها بقوله فاعبدون المذكور واليه ينظر كلام بعض المحققين حيث يقول فاختصر من فاخلصوا العبادة لي بقوله فاعبدون انتهى.

(كذا في الكشاف) ولا غبار عليه.


(و) لكن (في جعله) مدخول (الفاء في (فَاعْبُدُونِ) جواب شرط تسامح بناء على انه) اى فاعبدون تفسير لما هو الجزاء اعنى فاعبدوا) المقدر (فكانه هو) اى فاعبدون المذكور (هو) اى فاعبدوا المقدر والحاصل ان المسامحة مبنى على ان المفسر بالكسر عين المفسر بالفتح.

(واما الفاءات الثلاث فاوليها) اى الفاء في فاياى (هى التي كانت في الشرط المحذوف) اى في فان لم تخلصوا العبادة لي في ارض (ابقيت) هذه الفاء بعد حذف الشرط تنبيها) ودلالة (على مسببيته) اى الشرط المحذوف مع جزائه (عما قبله) اى عن اذا كان ارضى واسعة والى ما بينا ينظر قوله (اى اذا كان ارضى واسعة فان لم تخلصوا الى الاخر) اى الى اخر ما قدرناه.

(و) اما الفاء (الثانية) اى الفاء في فاعبدوا المقدر فهى ومدخولها (جزاء الشرط) المحذوف (و) الفاء (الثالثة) التي في (فَاعْبُدُونِ) المذكور (تكرير لها) اى للفاء الثانية (او عاطفة) لمدخولها على فاعبدوا المقدر نظير ما تقدم فى قوله تعالى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (كما في المفتاح) حسبما اوضحنا لك وسياتي هذا البحث في باب الانشاء قبيل بحث النداء ان شاء الله تعالى فانتظر.

(وقد وقع في بعض النسخ) اى نسخ المتن (واما نحو (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)) وهو بناء على صحة تلك النسخة اشارة الى ان ما ذكر في المتن السابق من انه يجوز في نحو زيدا عرفته ان يقدر الفعل المحذوف قبل المنصوب فيكون للتاكيد المجرد ويجوز ان يقدر بعده فيكون للتخصيص مع التاكيد انما هو فيما لم يكن المنصوب الذى قبل الفعل المشتغل عنه بالضمير بعد كلمة اما واما اذا كان بعدها


كقوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (فلا يفيد) التقديم (الا التخصيص وذلك لامتناع تقدير الفعل مقدما) على المنصوب لما سياتى عن قريب عند البحث في (بِسْمِ اللهِ) من ان كلمة اما لا يليها فعل (نحو واما فهدينا ثمود لالتزامهم) اى العرب (وجود فاصل بين اما والفاء) وذلك كما صرح به السيوطي كراهة ان يوالي بين لفظي الشرط والجزاء.

(وتحقيق المقام ان قولنا اما زيد فقائم اصله مهما يكن من شىء فزيد قائم بمعنى ان يقع في الدنيا شيء يقع معه قيام زيد فهذا جزم بوقوع قيام زيد ولزومه) اى القيام (له) اى لزيد (لانه) اى قيام زيد (جعل لازما لوقوع شيء في الدنيا وما دامت الدنيا فانه يقع فيها شيء) جزما ومن المعلوم بديهة ان الجزم بوقوع الملزوم اي وقوع شيء يستلزم الجزم بوقوع اللازم اى قيام زيد (فحذف الملزوم الذي هو الشرط اعنى يكن من شي واقيم مقامه ملزوم القيام وهو زيد وابقى الفاء الموذن) اى المشعر (بان ما بعدها لازم لما قبلها ليحصل الغرض الكلي اعنى لزوم القيام لزيد والا) اى وان لم يكن المقصود من ابقاء الفاء حصول ذلك الغرض الكلي (فليس هذا) الموضع الذي دخلت الفاء (موقع الفاء لان موقعه صدر الجزاء فحصل) مما ذكر امور اربعة الاول (التخفيف) المطلوب غالبا عند الفصحاء (و) الثاني (اقامة الملزوم في قصد المتكلم اعني زيدا مقام الملزوم في كلامهم اعنى الشرط (و) الثالث (حصل من قيام جزء من الجزاء مقام الشرط ما هو المتعارف عندهم من ان حين ما التزم حذفه ينبغي ان يشتغل بشيء اخر) وبعبارة اخرى حصل من قيام جزء من الجزاء مقام الشرط


ما هو احد شرطى وجوب الحذف اعنى اللفظ الساد مسد المحذوف اذ الحذف الواجب مشروط بشرطين احدهما القرينة والثاني القائم مقام المحذوف صرح بذلك الرضى في بحث اما وفي شرح قول المصنف وقد يحذف المبتدأ لقيام قرينة جوازا كقول المستهل الهلال والله والخبر جوازا نحو خرجت فاذا السبع ووجوبا فيما التزم في موضعه غيره فتدبر جيدا.

(و) الرابع (حصل ايضا بقاء الفاء متوسطة في الكلام كما هو) اى التوسط (حقها اذ لا يقع الفاء السببية) التي هي اصل فاء الجزائية (في ابتداء الكلام ولذا يقدم على الفاء من اجزاء الجزاء المفعول والظرف وغير ذلك من المعمولات مما يقصد لزوم ما بعد الفاء له) وقد فصلنا تلك المعمولات في الديباجة مستوفي (ولا يستنكر) كما في الرضي) اعمال ما بعد الفاء فيما قبله وان امتنع في غير هذا الموضع لان التقديم) اى تقديم المعمولات (لاجل هذه الاغراض) الاربعة (المهمة فيجوز لتحصيلها الغاء المانع) لا بد في توضيح هذه الفقرة من الكتاب وفي بيان المراد من المانع الملغى من نقل ماخذها فنقول قال ابن الحاجب في بحث اما والتزم حذف فعلها وعوض بينها وبين فائها جزء مما في حيزها مطلقا وقيل هو معمول المحذوف مطلقا نحو اما يوم الجمعة فزيد منطلق وقيل ان كان جائز الحذف فمن الاول والا فمن الثاني فقال الرضي قوله وهو معمول لما في حيزها اى ما بين اما والفاء معمول لما في حيز الفاء أى لما بعدها وليس ذلك بمطلق عند المصنف لان المبتدأ فى نحو اما زيد فقائم خرج عنه اذ العامل فيه الابتداء عنده وكذا اداة الشرط مع الشرط نحو في قوله تعالى (وَأَمَّا


إِنْ كانَ مِنْ) المقربين خارجة عنه.

قوله مطلقا اى سواء كان ما بعد الفاء شيء يجب له صدر الكلام كان وما النافية في نحو اما يوم الجمعة فانك مسافر او لم يكن وذلك للغرض المذكور هذا مذهب المبرد اختاره المصنف.

وقال بعضهم هو معمول المحذوف مطلقا اى سواء كان بعد الفاء شيء يمنع من عمل ما بعد الفاء فيما قبلها اولا فنحو اما زيد فقائم عنده بتقدير اما ذكر زيد فهو قائم واما يوم الجمعة فزيد منطلق اى اما ذكرت يوم الجمعة وليس ذلك بشيء اذ لو كان كذلك لجاز النصب في نحو اما زيد فقائم على تقدير اما ذكرت زيدا فهو قائم ولا يجوز اتفاقا ولجاز الرفع اختيارا في نحو اما يوم الجمعة فزيد قائم ولا يجوز الا بتاويل بعيد اى قائم فيه وانما ارتكب هؤلاء هذا المذهب نظرا الى ان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها ولا يفصل بين المبتدأ والخبر بالفاء في نحو اما زيد فقائم ولم يتنبهوا ان التقديم في مثل هذا المقام الخاص للاغراض المذكورة.

وذهب المازني الى انه ان لم يكن بعد الفاء مستحق المتصدر كان وما او مانع اخر من عمل العامل فيما قبله ككون العامل صفة ومعموله قبل موصوفه نحو اما زيدا فانا؟؟؟ رجل ضارب او كون المعمول تمييزا وعامله اسم تام نحو اما درهما فعندى عشرون او كون العامل مع نون التوكيد نحو اما زيدا فلا ضربن او صلة نحو اما القميص فان تلبس خير لك فان لم يكن احدها فالعمل لما بعد الفاء وان كان بعد الفاء احد هذه الموانع فالعامل هو المقدر وهو معنى قوله والا فمن الثاني وليس بشيء لانه اذا جاز التقديم للغرض المذكور مع المانع


الواحد وهو الفاء فلا باس بجوازه مع مانعين واكثر لان الغرض مهم فيجوز لتحصيله الغاء مانعين فصاعدا.

والدليل على ذلك امتناع النصب في نحو اما زيد فانه قائم ولو كان معمول مقدر لم يمتنع تقدير ناصب نحو ذكرت وغيره انتهى محل الحاجة من كلامه وانت اذا امعنت النظر في كلامه يتضح لك هذه الفقرة من كلام التفتازاني والمراد من المانع حق الوضوح بحيث لا تحتاج الى شرحه وبيانه والله الموفق.

(ويظهر لك من هذا التحقيق) لا سيما من بيان وجه تقديم بعض اجزاء الجزاء على الفاء (ان مثل هذا التقديم) الذي قصد به اصلاح التركيب حسبما بيناه (ليس) كما زعمه المصنف (للتخصيص).

قال السيوطي فى عقود الجمان وشرحه ان شرط افادة التقديم التخصيص ان لا يكون لاصلاح التركيب مثل (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (لظهور ان ليس الغرض انا هدينا ثمود دون غيرهم ردا على من زعم الاشتراك) حتى يكون قصر افراد (او) ردا على من زعم (انفراد الغير بالهداية) حتى يكون قصر قلب (بل الغرض اثبات اصل الهداية لهم ثم الاخبار عن سوء صنيعهم ألا ترى انه اذا جاءك زيد وعمرو ثم سألك سائل ما فعلت بهما تقول) في جوابه (اما زيدا فاكرمته واما عمرا فاهنته وليس في هذا) التقديم (حصر وتخصيص لانه) اي السائل (لم يكن عارفا بثبوت اصل الاكرام والاهانة) وكذلك في الآية لم يكن المخاطب عالما بثبوت اصل الفعل والتقديم انما يفيد التخصيص والحصر اذا كان مع علم المخاطب بثبوت اصل الفعل فتحصل مما ذكر بطلان قول المصنف على ما وقع في بعض النسخ واما ثمود فهديناهم


فلا يفيد الا التخصيص.

(وكذلك اى ومثل قولك زيدا عرفت) في افادة التخصيص (قولك بزيد مررت) في المفعول بالواسطة (لمن اعتقد انك مررت بانسان وانه غير زيد) او اعتقد انك مررت بزيد وغيره او تردد بينه وبين غيره فازلت خطأه مخصصا مرورك بزيد دون غيره (وكذا سائر المعمولات نحو يوم الجمعة سرت) في المفعول فيه الزمانى (وفي المسجد صليت) في المفعول فيه المكاني على رأي ابن الحاجب (وتاديبا ضربت) في المفعول لاجله (وماشيا حججت) في الحال.

(والتخصيص لازم للتقديم غالبا يعني ان التخصيص لا ينفك في غالب الامر) اى في اكثر الصور والموارد (عن تقديم ما حقه التاخير يعني انه) اى التخصيص (لازم للتقديم لزوما جزئيا) لا كليا (اكثريا) لا اقليا بشهادة الذوق والاستقراء (كما يقال تحرك الفك الاسفل لازم للمضغ غالبا اى بخلاف التمساح) وليعلم ان عبارة المتن وبيان التفتازاني نظير ما في الكافية وبيان الجامى في باب الحال وهذا نصهما وشرطها اى شرط الحال ان تكون نكرة وان يكون صاحبها معرفة غالبا اي ليس اشراطها بكون صاحبها معرفة في جميع موادها بل في غالب موادها اى في اكثرها وبيان ذلك ان مواد وقوع الحال على قسمين احدهما ما يكون ذو الحال فيه نكرة موصوفة نحو جائني رجل من بني تميم فارسا او مغنية غناء المعرفة لاستغراقها نحو قوله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) ان جعلت امرا حالا من كل امرا وواقعة في حين الاستفهام نحو هل اتاك رجل راكبا او بعد الا نقضا للنفي نحو ما جائنى رجل الا راكبا او مقدما عليه


الحال نحو جائني راكبا رجل.

وثانيهما ما يكون ذو الحال فيه غير هذه الامور وغالب مواد وقوع الحال واكثرها هو هذا القسم ووقوع الحال في هذا القسم مشروط بكون صاحبها معرفة.

فقوله غالبا قيد لاشتراط الحال بكون صاحبها معرفة لا لكون صاحبها معرفة حتى يقال ان غالبية كون صاحبها معرفة المنبئة عن تخلفه في بعض المواد تنافي الشرطية ويحتاج الى ان يصرف الكلام عن ظاهره ويجعل قوله وصاحبها معرفة مبتدأ وخبرا معطوفا على قوله وشرطها ان تكون معرفة انتهى.

ومما نقلنا لك يظهر الجواب عما يمكن ان يقال ان الجمع بين الحكم بلزوم التخصيص للتقديم والحكم بغلبة ذلك جمع بين المتنافيين بل المتناقضين اذ مفاد الاول ان كل تقديم مفيد للتخصيص لانه معنى اللزوم ومفاد الثاني ان بعض التقديم لا يفيد التخصيص لانه معنى الغلبة والجواب هو الجواب.

والى بعض ما ذكرنا اشار بقوله (وقوله غالبا اشارة الى ان التقديم قد لا يكون للتخصيص بل لمجرد الاهتمام) اى كون المقدم نصب عين المتكلم نحو وجه الحبيب اتمنى (او التبرك) فيما اذا كان المفعول المقدم مما يتبرك بذكره (او الاستلذاذ) فيما اذا كان مما يستلذ بذكره (او موافقته) اى موافقة كلام المتكلم كلام السامع كما اذا سأل سائل ازيدا ضربت فتقول نعم زيدا ضربت (او ضرورة الشعر او رعاية السجع) وهو توافق اواخر الكلام المنثور على حرف واحد (و) كذلك (الفاصلة) الا ان ما يسمى في غير القران سجعا يسمى


في القران فاصلة رعاية للادب لان السجع كما تقدم في الاصل هدير الحمام وقد تقدم في الفاصلة وجه اخر ايضا.

(او ما اشبه ذلك) كالتطير والتفال ونحوهما مما تقدم في تقديم المسند اليه والمسند واما مثال التقديم لرعاية الفاصلة في القران فكثير (قال الله تعالى (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) فقدم انفسهم لمجرد مراعاة الفواصل لانها على النون (وقال تعالى (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) فقدم الجحيم وفاسلكوه لما ذكر لان الفاصلة على الهاء (وقال تعالى (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) وليعلم انه ان جعل عليكم صلة لحافظين فالتمثيل ظاهر لانه قدم انفسهم لمجرد مراعاة الفواصل فانها على النون الا انه ان يبقى بلا خبر مذكور فيحتاج الى تقديره.

وان جعل خبرا فالاظهر ان يحمل على التنظير دون التمثيل لان الكلام ههنا في احوال متعلقات الفعل وان كان تقديم ما حقه التاخير مطلقا قد يفيد التخصيص (وقال تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) فقدم المفعول بالواسطة لما ذكر لان فواصل الاى على هاء التأنيث (وقال تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فقدم السائل لان الفاصلة على الراء (الى غير ذلك من المواضع) التي قدم المفعول فيها (مما لا يحسن فيه اعتبار التخصيص لنبو المقام) اى لامتناع المقام (عنه) اى عن التخصيص (على ما صرح به ابن الاثير في المثل السائر حتى ذكر ان التقديم في اياك نعبد واياك نستعين لمراعاة حسن النظم السجعى الذى هو على حرف النون) وهو بعد الياء الساكنة المكسورة ما قبلها فيكون اخر الايات كلها على وزن قبل


نحو حيم ومين ودين وعين وقيم ولين (لا للاختصاص على ما قاله الزمخشري واشار اليه) اى الى ما قاله الزمخشري (بقوله ولهذا) اى ولان التخصيص لازم للتخصيص غالبا.

(يقال في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) معناه نخصك بالعبادة والاستعانة) اى نقصرهما عليك ولا نعبد غيرك ، وهذا بناء على ما تقدم في بحث ضمير الفصل من دخول الباء على المقصور (و) كذلك يقال (في (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) معناه اليه لا الى غيره) وليعلم انه انما ذكر هذا لانه لما قال ان التخصيص لازم للتقديم غالبا ، ولا يمكن اثبات ذلك بالبرهان العقلي القاطع (استشهد بما ذكره ائمة التفسير) الذين لهم الذوق السليم والطبع المستقيم في فهم خواص التراكيب (في المثالين احدهما) تقديم المفعول بلا واسطة) يعني اياك نعبد واياك نستعين فانه (مثل زيدا عرفت والثاني) تقديم المفعول (بواسطة) يعني (لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) فانه (مثل بزيد مررت مع ان الذوق) من غير هؤلاء (ايضا يقتضي ذلك وبهذا) الذي ذكرنا من الاستشهاد بقول ائمة التفسير واقتضاء الذوق ايضا (سقط ما ذكره ابن الحاجب من ان التقديم في نحو الله احمد و (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) للاهتمام ولا دليل على كونه للحصر) والاختصاص (لان الذوق وقول ائمة التفسير دليلان عليه) اى على الحصر) والتخصيص (والاهتمام ايضا حاصل لانه) اى الاهتمام (لا ينافي الاختصاص واليه) اى الى حصول الاهتمام وعدم منافاته الاختصاص (اشار بقوله ويفيد اى التقديم في الجميع) اى في جميع صور التخصيص (وراء التخصيص اى بعده اهتماما بالمقدم لانهم) اى الفصحاء والبلغاء (يقدمون الذى شانه اهم وهم ببيانه


اعني) بالعين المهملة افعل التفضيل من قولهم عنيت بهذا الامر على بناء المجهول فهو من قبيل اشهر واعذر ونحوهما مما يكون بمعنى اسم المفعول كما بيناه في المكررات.

(قال الشيخ في دلائل الاعجاز انا لم نجدهم) اى علماء المعانى (اعتمدوا في التقديم شيئا يجرى مجرى الاصل) والقاعدة الكلية (غير العناية) بما قدم (والاهتمام به لكن ينبغي ان يفسر وجه العناية) اى سببها (بشيء ويعرف له) اى لوجه العناية (معنى وقد ظن كثير من الناس انه يكفى ان يقال انه قدم للعناية ولكونه اهم من غير ان يذكر من اين كانت) اى وجدت وحصلت (تلك العناية) الموجبة لتقديم ما قدم (وبم كان اهم ومن الخطأ ايضا ان يجعل التقديم مفيدا في كلام فائدة وغير مفيد) فائدة اصلا (في) كلام (اخر بان يقال انه) اى التقديم توسعة على الشاعر والكاتب فى القوافي والاسجاع اذ من البعيد ان يكون في النظم) اى في نظم الكلام (ما يدل تارة ولا يدل) تارة (اخرى هذا كلامه) اى الشيخ (وفيه نظر) وجهه على ما نقل عن الشارح ما اشار اليه فيما سبق من أنا لا نسلم ان القول بالتقديم للقافية والفاصلة خطأ والحق معه.

الا ترى انه قدم المفعول في اياك نعبد واياك نستعين لمكان نظم الكلام لانه تقدم قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فجاء بعد ذلك قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وذلك لمراعاة حسن النظم السجعى الذي هو على حرف النون فلو قيل نعبدك ونستعينك لذهبت تلك الطلاوة وزال ذلك الحسن وهذا غير خاف على من له ادنى ذوق فضلا عن ارباب علم المعانى والبيان ومثله ما يأتي


من قوله تعالى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) فقدم المفعول اعنى خيفة على الفاعل اعنى موسى وفصل بين الفعل والفاعل بالمفعول وبحرف الجر قصدا لتحسين النظم السجعى ومن هذا الباب ايضا ما تقدم من قوله تعالى (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ولا شك في ان هذا النظم على هذه الصورة احسن من ان لو قيل خذوه فغلوه ثم صلوه الجحيم ثم اسلكوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا.

فالتقديم في امثال ذلك للفضيلة السجعية والتوسعة على المتكلم في القوافي والاسجاع فبطل ما ذهب اليه الشيخ في آخر كلامه فتامل.

(ولهذا) اى ولان التقديم يفيد في جميع الصور وراء التخصيص اهتماما بالمقدم يقدر) الزمخشري المتعلق (المحذوف في (بِسْمِ اللهِ) مؤخرا نحو (بِسْمِ اللهِ) افعل كذا ليفيد) تاخير المتعلق الموجب لتقديم (بِسْمِ اللهِ) عليه (مع الاختصاص) الحاصل من تقديم بسم الله (الاهتمام) باسم الله جل جلاله (لان المشركين كانوا يبدؤن باسماء الهتهم فيقولون باسم اللات وباسم العزى فقصد الموحد تخصيص اسم الله بالابتداء للاهتمام) باسمه جل جلاله (والرد عليهم).

قال ابن هشام في الباب الثانى في تعداد الامثلة التي تحتمل الاسمية والفعلية الثامن جملة البسملة فان قدر ابتدائي باسم الله فاسمية وهو قول البصريين او ابدأ باسم الله ففعلية وهو قول الكوفيين وهو المشهور في التفاسير والاعاريب ولم يذكر الزمخشري غيره الا انه يقدر الفعل مؤخرا ومناسبا لما جعلت التسمية مبدء له فيقدر باسم الله اقرأ باسم الله احل باسم الله ارتحل ويؤيده الحديث باسمك ربي وضعت


جنبى انتهى.

قال المحشى هناك انه اى الزمخشري يقدر الفعل مؤخرا ليكون معموله مقدما فيفيد الاختصاص وليكون على وفق الوجود فان اسمه تعالى مقدم على القرائة ويقدره مناسبا لما جعلت التسمية مبدء له لان حرف الجر يدل على ان له متعلقا وليس بمذكور ههنا فيكون محذوفا وقرينة تعيين المحذوف في بسم الله هو ما يتلوه ويتحقق بعده وهو ههنا القرائة لان الذي يتلوه في الذكر مقروء.

فان قيل ينبغي ان يقدر باسم الله تعالى ابتدء لان الابتداء لعمومه اولى بالتقدير كما يقدر في الظرف المستقر الحصول والكون.

اجيب بانه اثر ذلك لما فيه من الدلالة على تلبس الفعل كله باسم الله تعالى بخلاف تقدير ابتدء والنحويون انما يقدرون متعلق الظرف المستقر عاما اذا لم يوجد قرينة الخصوص.

هذا ولكن قول الزمخشرى بعد ذلك فوجب ان يقصد الموحد معنى اختصاص اسم الله تعالى بالابتداء يشعر بان المقدر ابتدء فكانه اشار فى الموضعين الى استواء الامرين كذا فى حاشية التفتازانى انتهى.

(واورد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) فانه قدم فيه الفعل فلو كان التقديم مفيدا للاختصاص والاهتمام لوجب ان يؤخر الفعل ويقدم باسم ربك لان كلام الله احق برعاية ما يجب رعايته) يعني الاختصاص والاهتمام.

(واجيب بان الاهم فيه) اى فى قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (القرائة لانها اول سورة نزلت) على قول (فكان الامر بالقرائة اهم) من الامر باختصاص القرائة لا من اسم الله تعالى فلا يرد ما يتوهم من كون غير اسم الله اهم منه (كذا فى الكشاف).


قال في المغنى في الباب الخامس في بحث بيان المقدر القياس ان يقدر الشىء في مكانه الاصلي لئلا يخالف الاصل من وجهى الحذف ووضع الشيء في غير محله فيجب ان يقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه.

وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه وقالوا انه يفيد الاختصاص حينئذ وليس كما توهموا وانما يرتكب ذلك عند تعذر الاصل او عند اقتضاء امر معنوى لذلك فالاول نحو ايهم رأيته اذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو (أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) يمن نصب اذ لا يلي اما فعل الى ان قال والثاني نحو متعلق باء البسملة الشريفة فان الزمخشري قدره مؤخرا عنها لان قريشا كانت تقول باسم اللات والعزى نفعل كذا فيؤخرون افعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبودا تفخيما لشأنه بالتقديم فوجب على الموحد ان يعتقد ذلك في اسم الله تعالى فانه الحقيق بذلك ثم اعترض باقرأ باسم ربك واجاب بانها اول سورة نزلت فكان تقديم الامر بالقرائة فيها اهم ثم قال ما حاصله.

(و) اجاب السكاكى (بانه اى باسم ربك متعلق باقرأ الثاني اى هو) يعنى باسم ربك (مفعول اقرأ الذى بعده ومعنى) اقرأ (الاول اوجد القرائة من غير اعتبار تعديته الى مقروبه كما) تقدم في اول الباب انه (يقال فلان يعطى اي يوجد الاعطاء من غير اعتبار تعلقه الى المعطى.

كذا في المفتاح وهو مبني على ان تعلق باسم ربك باقرأ الثانى تعلق المفعولية ودخول الباء) على المفعول به اى على اسم ربك (للدلالة على التكرير والدوام كقولك اخذت الخطام واخذت بالخطام)


فدخلت الباء على المفعول به للدلالة المذكورة والمراد بالخطام بكسر الخاء ما يجعل في انف الحيوان لينقاد.

قال في المصباح الخطم مثل فلس من كل طائر منقاره ومن كل دابة مقدم الانف والفم وخطام البعير معروف وجمعه خطم مثل كتاب وكتب سمى بذلك لانه يقع على خطمه والخطيمى مشدد الياء غسل معروف وكسر الخاء اكثر من الفتح والمخطم الانف والجمع مخاطم مثل مسجد ومساجد.

واعلم انه لما كان ادخال الباء على المفعول بلا واسطة من الوجوه النادرة التي لا يحس حمل التنزيل عليها.

قال (والاحسن ان اقرأ الاول والثانى كلاهما منزلان منزلة اللازم اى افعل القرائة واوجدها والمفعول محذوف فى كليهما اي اقرأ القران والباء) في (بِاسْمِ رَبِّكَ) (للاستعانة او الملابسة اى مستعينا باسم ربك او متبركا ومبتدء به) اى باسم ربك (ولا يبعد على المذهب الصحيح وهو كون التسمية من السورة ان يجعل باسم ربك متعلقا باقرأ الثانى ويكون متعلق) اقرأ (الاول قوله تعالى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

(وتقديم بعض معمولات الفعل على بعض لان اصله اى اصل ذلك البعض) المتقدم (التقديم على البعض الاخر ولا مقتضى للعدول عنه اى عن ذلك الاصل كالفاعل في نحو ضرب زيد عمرا فان أصله التقديم على المفعول لانه عمدة) اى ركن (يفتقر اليه فى الكلام والمفعول فضلة يستغنى عنه فيه والعمدة احق بالتقديم ولانه كالجزء من الفعل فينبغى ان لا يفصل بينهما بشىء كما قال في الالفية :


والاصل في الفاعل ان يتصلا

والاصل في المفعول ان ينفصلا

(و) مثل (المفعول الاول في نحو اعطيت زيدا درهما) وكسوت زيدا جبة من الافعال التي ثاني مفعوليها غير الاول. وبعبارة اخرى الافعال التى ليس مفعولاها في الاصل مبتدأ وخبر (فان اصله) اى المفعول الاول (التقديم على المفعول الثانى لما فيه) اى في المفعول الاول من معنى الفاعلية وهو انه عاط اى اخذ العطاء) والى ذلك اشار في الالفية بقوله

والاصل سبق فاعل معنى كمن

من اليمن من زاركم نهج اليمن

الى هنا كان الكلام في ترتيب الفاعل والمفعول وما يشبههما معنى (واما ترتيب المفاعيل) التى ليست كذلك (فقيل) والقائل نجم الائمة (الاصل تقديم المفعول المطلق).

قال عند قول ابن الحاجب في باب المنصوبات فمنه المفعول المطلق وهو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه قدم المفعول المطلق لانه المفعول الحقيقى الذى اوجده فاعل الفعل المذكور وفعله ولاجل قيام هذا المفعول به صار فاعلا لان ضاربية زيد في قولك ضرب زيد ضربا لاجل حصول هذا المصدر منه واما المفعول به نحو ضربت زيدا والمفعول فيه نحو ضربت قدامك يوم الجمعة فليسا مما فعله الفاعل المذكور واوجده وكذا المفعول معه واما المفعول له وان كان مفعولا للفاعل وصادرا منه الا ان فاعليته ليست لقيام هذا المفعول به الا ترى ان كون المتكلم زائرا في قولك زرتك طمعا ليس لاجل قيام الطمع به بل لاجل الزيارة فبان ان المفعول المطلق اخص بالفاعل من المفعول له فهو احق بتقديم ذكره.


وايضا لا فعل الا وله مفعول مطلق ذكر ام لم يذكر بخلاف المفعول له فرب فعل بلا علة انتهى.

ولا يذهب عليك ان في اطلاق قوله لانه المفعول الحقيقى الذى اوجده فاعل المذكور وفعله تسامح ظاهر فالاحسن ما قاله الجامى وهذا نصه والمراد بفعل الفاعل اياه قيامه به بحيث يصح اسناده اليه لا ان يكون مؤثرا فيه موجدا اياه فلا يرد عليه مثل مات موتا وجسم جسامة وشرف شرفا انتهى.

وكيف كان فقد علل التقديم بكونه جزء مدلول الفعل كما صرح بذلك في الالفية بقوله

المصدر اسم ما سوى الزمان من

مدلولي الفعل كأمن من أمن

ولعل قول الرضى وايضا لا فعل الا وله مفعول مطلق ذكر او لم يذكر ناظر الى ذلك فتأمل.

(ثم المفعول به بلا واسطة حرف الجر) قال الرضى وقدم المفعول به بعد المفعول المطلق لان طلب الفعل الرافع للفاعل له اشد من طلبه لغيره ألا ترى انه كما يقع على فاعله بصوغه على صورة اسم فاعل منه يقع على المفعول به بصوغه على صورة اسم مفعول منه بلا قيد اخر ففى قولك ضرب زيد عمرا يوم الجمعة وخالدا اكراما لك زيد ضارب وعمرو مضروب واما يوم الجمعة فهو مضروب فيه وخالد مضروب معه واكراما مضروب له فيتعلق ذلك الفعل بالمفعول به بتغير صيغته من غير قيد اخر نحو ضرب زيد واما الى غيره فبحرف جر نحو ضرب في يوم الجمعة واما قولهم سير فرسخان وصيد يوم الجمعة كذا فمجاز قليل انتهى.


والى بعض ما ذكره اشار السيوطى في اخر باب الفاعل من ان استلزام الفعل للمفعول يقوم مقام تقديمه.

(ثم) المفعول به (الذى بالواسطة) اى بواسطة حرف الجر ويعلم وجه تقديمه مما سبق ومما يأتي (ثم المفعول فيه الزمان ثم) المفعول فيه (المكان).

قال الرضى وقدم المفعول فيه على المفعول له والمفعول معه لان احتياج الفعل منا الى الزمان والمكان ضرورى بخلاف العلة والمصاحب (اذ رب فعل بلا علة ومصاحب) كذا قال قبل اسطر واما وجه تقديم الزمانى على المكانى فيظهر مما ذكروه في وجه الفرق بينهما حيث ان الاول ينصب بتقدير في مطلقا دون الثانى كما قال الشاعر بالفارسية

ظرف زمان مبهم ومحدودى

قابل نصبند بتقدير فى

ليك مكان انچه معين بود

چاره در ان نيست بجز ذكر في

وحاصل ذلك الوجه كما اشرنا اليه في المكررات ان المبهم من الزمان جزء من مفهوم الفعل فيصح انتصابه بالفعل كالمفعول المطلق الذى هو ايضا جزء من مفهوم الفعل والمحدود منه محمول عليه لاشتراكهما في الزمانية.

واما المكان فان كان مبهما قبل ذلك الانتصاب حملا على الزمان المبهم لاشتراكهما في الابهام ولكونهما ضروريا في افعالنا وان لم يكن مبهما فلا يقبل ذلك اذ لم يمكن فيه حمله على الزمان المبهم لاختلافهما ذاتا وصفة ولعدم كونه ضروريا فى افعالنا من حيث كونه معلوما.

(ثم المفعول له) قال وقدم المفعول له على المفعول معه اذ الفعل التى لا علة له ولا غرض فيه قليل بخلاف الفعل بلا مصاحب فانه


اكثر منه مع المصاحب وايضا يصل الفعل اليه بواسطة الواو بخلاف سائر المفاعيل ولو لا مراعاة التسمية لكان تقديم الحال على المفعول له والمفعول معه اولى اذ الفعل لا يخلو من حال من حيث المعنى).

الى هنا كان الكلام في ترتيب المفاعيل اخذا من كلام الرضى (والاصل ان يذكر الحال عقيب ذى الحال) من غير فاصل بينهما لان الحال صفة لذى الحال معنى فذو الحال لكونه موصوفا لها معنى مقدم عليه طبعا فناسب ان يقدم عليها وضعا ليوافق الوضع الطبع وناسب ايضا ان لا يفصل بينهما فاصل ان لم يمنع مانع.

(و) الاصل ان يذكر (التابع عقيب المتبوع من غير فاصل) وذلك لاتحادهما فى الاعراب من جهة واحدة مطلقا وفي الذات غالبا (وعند اجتماع التوابع الاصل تقديم النعت) لانه مع المنعوت كشيء واحد معنى فيكون بمنزلة الجزء (ثم التاكيد) لكونه ارسخ في التابعية من البدل اذ البدل هو المقصود بالنسبة دون متبوعه كما صرح بذلك الناظم بقوله

التابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمى بدلا

(ثم البدل او البيان) يعنى انهما متساويان فى الرتبة لا ترجيح لاحدهما على الاخر فانت بالخيار فى تقديم ايهما شئت على الاخر هذا ولكن قال شارح الصمدية في بحث النعت وقدمه على سائر التوابع لان استعماله اكثر ولكونها اشد متابعة واوفر فائدة وكان الاولى ان يتبعه بالبيان ثم التوكيد ثم البدل ثم عطف النسق لانها اذا اجتمعت فى التبعية رتبت كذلك انتهى.

(او لان ذكره اي ذكر ذلك البعض الذي يقدم اهم) ويأتى


مثاله وليعلم ان ههنا مظنة اعتراض اذ لقائل ان يقول (قد جعل) الخطيب (الاهمية ههنا) اى فى تقديم بعض المعمولات (قسيما لكون الاصل التقديم) حيث قال وتقديم بعض معمولاته على بعض اما لان اصله التقديم او لان ذكره اهم (و) الحال انه (جعلها) اى الاهمية (فى) بحث (المسند اليه) مقسما بحيث تكون (شاملا له) اى لكون الاصل التقديم (ولغيره من الامور المقتضية لتقديم المسند اليه) حيث قال هناك واما تقديمه فلكون ذكره اهم اما لانه الاصل ولا مقتضى للعدول عنه واما ليتمكن الخبر فى ذهن السامع.

وحاصل الاعتراض ان بين الجعلين تناقض بدعوى انه يلزم اما جعل قسم الشىء قسيما له او قسيمه قسما له والاول بناء على صحة الاول فيبطل الثانى والثانى بناء على صحة الثانى فيبطل الاول وهذا الاعتراض نظير ما اورد على قوله فى التهذيب امتنعت او امكنت على ما هو مسطور هناك مع جوابه.

(وكلام المفتاح ههنا موافق لما ذكر فى) بحث (المسند اليه) فأجاب التفتازانى عن الاعتراض بقوله (فمراد المصنف بالاهمية ههنا الاهمية العارضة بحسب اعتناء المتكلم او السامع بشانه) اى بشان ما قدم (واهتمامه) اى المتكلم او السامع (بحاله لغرض من الاغراض) والمراد بالاهمية فى بحث المسند اليه الاهمية الاصلية فجعل اصالة التقديم فى بحث المسند اليه قسما من الاهمية الاصلية لا تنافى جعلها ههنا قسيما للاهمية العارضة.

والحاصل ان الاهمية قد تكون بالاصالة وقد تكون بالعارض والمراد ههنا هو الثانى والمراد فى ذلك البحث هو الاول فجعل اصالة التقديم


قسما من الاهمية الاصلية بحيث تكون الاهمية الاصلية شاملا لها لا تنافى اصالة التقديم قسما من الاهمية العارضة فتأمل.

(كقولك قتل الخارجى فلان بتقديم المفعول) يعنى الخارجى (لان المقصود الاهم قتل الخارجى ليتخلص الناس من شره وكقولك قتل زيد رجلا) بتقديم الفاعل (اذا كان زيد ممن لا يقدر) ولا يحتمل (فيه انه يقتل احدا فالغرض الاهم) حينئذ (الاخبار بانه صدر منه القتل) فبهذا لزم تقديمه (مع ان الاصل تقديم الفاعل) واتصاله بالفعل كما قال في الالفية

والاصل في الفاعل ان يتصلا

والاصل في المفعول ان ينفصلا

(او لان في التاخير اخلالا ببيان المعنى نحو وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه فانه لو اخر من آل فرعون عن قوله يكتم ايمانه لتوهم انه من صلة يكتم) فيصير المعنى ان ذلك الرجل يكتم ايمانه من آل فرعون (فلم يفهم انه اى ذلك الرجل منهم اى من آل فرعون يعنى انه قد ذكر لرجل ثلاثة اوصاف والسبب في تقديم الاول اعني مومن ظاهر لانه اشرف الاوصاف) فيجب عند البلغاء تقديمه.

قال النيشابوري في تفسيره ان التقديم فى الذكر يدل على التقديم في الدرجة ولهذا لما قال الشاعر كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا قال عمر بن الخطاب لو قدمت الاسلام لاجزتك ولما كتبوا كتاب الصلح بين رسول الله والمشركين وقع التنازع في تقديم الاسم وكذا في كتاب الصلح بين علي ومعاوية انتهى.

(واما الثانى) يعنى من آل فرعون (فسبب تقديمه على الثالث)


يعني يكتم ايمانه (ان لا يتوهم خلاف المقصود) لان المقصود بيان كون ذلك الرجل من آل فرعون وحزبه لا بيان كونه يكتم ايمانه منهم وظاهر ان في التاخير توهم خلاف المقصود وفي التقديم عدمه ولذا قدم ولم يؤخر ولو لا ذلك التوهم لكان المناسب تقديم الوصف الثالث لان كتمان الايمان يقتضي تحققه والثبات عليه فهو اشرف من الثانى فيجب عند البلغاء تقديمه.

(او لان في التاخير اخلالا بالتناسب) والمناسبة امر مطلوب عند البلغاء وفي كل لغة ولا سيما في اللغة العربية يرتكب لها امور كثيرة من مخالفة الاصول والقواعد وذلك ظاهر لمن له ادنى المام بالاصول والقواعد.

(كرعاية الفاصلة نحو (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) بتقديم الجار والمجرور والمفعول على الفاعل لان فواصل الآي على الالف) واما تقديم الجار والمجرور على المفعول وان الاصل كما مر انفا هو العكس فلدلالة التقديم على حصر الخيفة في نفسه.

(و) للمصنف في الايضاح اعتراضات على المفتاح يأتي بيانها وذلك حيث (جعل السكاكى) في المفتاح (التقديم للعناية) والاهتمام (مطلقا اى سواء كان من معمولات الفعل او غيرها قسمين احدهما ان يكون اصل الكلام فيما قدم هو التقديم كتقديم المبتدأ المعرف على الخبر وتقديم ذي الحال المعرف على الحال وتقديم العامل على المعمول الى غير ذلك) من الامور التى قد بين في النحو ان الاصل فيها ذلك وقد مر بعض منها في طي المباحث المتقدمة.

(وثانيهما ان يكون العناية بتقديمه اما لكونه فى نفسه نصب عينك


كتقديم المعمول على العامل في قولك وجه الحبيب اتمنى لمن قال لك ما الذى تتمنى وتقديم المفعول الثاني على) المفعول (الاول في قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ)) وهذا (بناء على انهما) اى لله وشركاء (مفعولا جعلوا) وانتصاب الجن بفعل مقدر دل عليه السؤال المقدر فكأنه قيل من جعلوا شركائه فقيل في الجواب الجن اى جعلوا الجن شركائه وقد تقدم فيه وجه آخر نقلا عن الكشاف في اخر بحث عطف البيان للمسند اليه فراجع ان شئت.

وكيف كان (فان ذكر لله) في الآية (وذكر وجه الحبيب اهم لكونه في نفسه نصب عينك) ان كنت صادقا في دعوى المحبة.

(واما لانه يعرض له) اى لما قدم (امر) اى شيء (يوجب) ذلك الامر (كونه) اى كون ما قدم (نصب عينك كما اذا توهمت) في التعبير بالتوهم مع الاستشهاد بالاية من سوء التعبير ما لا يخفى اللهم الا ان يقال كما في بعض الحواشي غير المعتبرة معناه اذا نيقنت (ان مخاطبك ملتفت اليه) اى الى ما قدم (منتظر لذكره كقوله تعالى في سورة يس (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) بتقديم الجار والمجرور على الفاعل لاشتمال ما قبل الاية) وهو قوله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) الى قوله تعالى (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (على سوء معاملة اصحاب القرية الرسل فكان المقام مقام ان ينتظر السامع لالمام حديث) اى اتيان حديث متعلق (بذكر القرية) حتى يعلم انه (هل فيها منبت خير) اى منشأ خير (ام كلها) اى كل القرية اى كل اصحابها (كذلك) اى اشرار سيئوا المعاملة (فهذا العارض) اى التوهم المذكور (جعل) الجار و (المجرور نصب العين) اى


نصب عينك.

(بخلاف قوله تعالى في سورة القصص (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) (فانه ليس فيه ذلك العارض) المذكور اذ لم يشتمل ما قبله على ما يدل عليه على سوء معاملة اصحاب تلك المدينة فتأمل.

(وكما اذا عرفت ان في التأخير مانعا مثل الاخلال بالمقصود في قوله تعالى (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بتقديم الحال اعني (مِنْ قَوْمِهِ) على الوصف اعنى (الَّذِينَ كَفَرُوا) اذ لو اخر) الحال المذكور بأن يقال وقال الملاء الذين كفروا وكذبوا بلقاء الاخرة واترفناهم في الحيوة الدنيا من قومه (لتوهم انه من صلة الدنيا) اى لتوهم ان من الجارة مع مجرورها معمول للدنيا وبعبارة اخرى لتوهم ان الدنيا عديت بمن الجارة وانما صح هذا التوهم (لانها) اى الدنيا (ههنا) اى في الاية (اسم تفضيل) مؤنث مشتق (من الدنو) الواوى اللام بمعنى القرب (وليست اسما) مشتقا من الدنائة المهموز اللام بمعنى الخبث والخسة كما انه بهذا المعنى الثاني جاء في قوله تعالى (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) وذلك مما يندرج تحته جميع المهلكات الباطنة من الغل والحسد والرياء والنفاق والتفاخر وحب الدنيا وحب النساء ولذا قال (ع) حب الدنيا رأس كل خطيئة اعاذنا الله منها.

(والدنو) واوى اللام (يتعدى بمن) الجارة فصح ان يتوهم ان


من قومه من صلة الدنيا نظير قوله

ولست بالاكثر منهم حصى

وانما العزة للكاثر

كما ذكره السيوطى في باب افعل التفضيل (ومثل الاخلال بالفاصلة في قوله تعالى (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) بتقديم هرون (ع) مع ان موسى (ع) احق بالتقديم) لانه اشرف.

(واعترض عليه) اى على السكاكي (المصنف) في الايضاح (بوجوه احدها ان قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) مسوق للانكار التوبيخي) الذي يلام الفاعل ويذم على ما صدر منه من الفعل نظير ما قاله ابن هشام في الاستفهام التوبيخي والفعل المنكر ههنا هو الجعل باعتبار ما تعلق به (فيمتنع ان يكون تعلق جعلوا بالله منكرا الا باعتبار تعلقه بشركاء اذ لا ينكر ان يكون جعل ما متعلقا بالله وكذا تعلقه بشركاء انما ينكر باعتبار تعلقه بالله) اذ لا ينكر ان يكون جعل ما متعلقا بشركاء والحاصل ان المنكر ليس تعلق الجعل بكل واحد منهما على الانفراد بل تعلقه بكل واحد منضما الى الاخر (فلا فرق) حينئذ بين تقديم لله) على شركاء (وتأخيره) عنه.

(وقد علم بهذا) الاعتراض (ان كل فعل متعد الى مفعولين لم يكن الاعتبار بذكر احدهما الا باعتبار تعلقه بالاخر اذا قدم احدهما على الاخر لم يصح تعليل تقديمه بالعناية) اذ العناية انما تعلقت بكل واحد منهما منضما الى الاخر فلا بد في تقديم احدهما على الاخر من التعليل بشيء اخر من الامور التى يوجب التقديم.

ومما يؤيد ذلك ما ذكروه في باب افعال القلوب من انه لا يقتصر على احد مفعوليها وسبب ذلك مع كونهما في الاصل مبتدأ وخبرا


وحذف المبتدأ والخبر غير قليل ان المفعولين معا بمنزلة الاسم الواحد لان مضمونهما معا هو المفعول به في الحقيقة مثلا اذا قلت علمت زيدا فاضلا ليس الغرض الاخبار عن تعلق علمك بزيد بل الغرض الاخبار عن تعلقه بصفة من صفاته وهو الفضل فكان تقدير كلامك علمت فضل زيد اذ زيد كان معلوما لك وانما حصل لك العلم بفضله ثم اخبرت عن ذلك الحاصل فكان ذكر زيد ذريعة الى حاجتك فان اقتصرت على ذكر زيد ضيعت معنى كلامك ولو اقتصرت على فاضل ضيعت الذريعة مع احتياجك اليه فلا بد من ذكرهما معا الا اذا قامت قرينة عليهما او احدهما فيجوز الحذف لان المحذوف لقرينة كالمذكور.

(والجواب انه ليس في كلامه) اى السكاكى (ما يدل على ان المنكر تعلق جعلوا بالله) فقط (من غير اعتبار تعلقه بشركاء) حتى يرد عليه ما ذكر (بل كلامه ان المنكر تعلقه) اى تعلق جعلوا (بهما) معا (لكن العناية بالله اتم وايراده في الذكر اهم لكونه في نفسه نصب عين المؤمنين ولا يخفى انه لا يرد على هذا ما ذكره) من الاعتراض.

(وثانيها) اى ثاني وجوه الاعتراض (انه) اى السكاكى جعل التقديم للاحتراز عن الاخلال بالمقصود او لرعاية الفاصلة من القسم الثاني) من التقديم (و) الحال انه (ليس منه) اى من القسم الثاني.

(وجوابه المنع) من انه ليس من القسم الثاني بل هو منه (فان الاحتراز المذكور امر عارض اوجب لما تقدم) في الايتين ونحوهما (ان يكون نصب العين) والا فليس ما قدم في الايتين ونحوهما مما يكون


الاصل فيهما التقديم.

(وثالثها) اى ثالث وجوه الاعتراض (ان تعلق قومه بالدنيا على تقدير تأخيره وان كان صحيحا من جهة اللفظ) اي نظرا الى القواعد اللغوية (بناء على ان الدنيا) ههنا (وصف) اى اسم تفضيل مشتق من الدنو (والدنو) وما يشتق منه (يتعدى بمن لكنه) اى تعلق من قومه بالدنيا على تقدير تأخيره (غير معقول من جهة المعنى اذ لا معنى لقولنا اترفنا الكفرة وانعمناهم في الحيوة التي دنت من قوم نوح اللهم الا على وجه بعيد مثل ان يراد دنت من حيوة قوم نوح اى كانت) حياة الكفرة قريبة من حيوتهم شبيهة بها).

والحاصل انه لا بد للمعرب كما قال ابن هشام في الجهة الثانية من الباب الخامس ان يراعى معنى صحيحا ولا ينظر في صحة الصناعة فلا يصح القول بان المعنى ان حيوة الكفرة قريبة من ذوات قوم نوح اذ لا بد في المتقاربين ان يكونا من جنس واحد اللهم الا على وجه بعيد وهو ان يقدر بعد من الجارة لفظة الحيوة اى من حيوة قوم نوح فيتحد المتقاربان فيصح المعنى.

(وهذا الاعتراض وان كانت مناقشة في المثال لكنه حق)

قال ابن هشام في الجهة الاولى من الباب المذكور واول واجب على المعرب ان يفهم معنى ما يعربه مفردا او مركبا والا فيدخل عليه الاعتراض وكثيرا ما تزل الاقدام بسبب ذلك.

(واعترض بعضهم) على السكاكي (بانه جعل تقديم وجه الحبيب على اتمنى من باب تقديم المعمولات بعضها على بعض وليس كذلك) لانه من قبيل تقديم المعمول على العامل.


(وجوابه ما اشرنا اليه من انه قسم التقديم مطلقا) سواء كان من معمولات الفعل او غيرها فلا يختص التقديم بتقديم المعمولات بعضها على بعض (بدليل انه اورد فيه) اي في التقديم (تقديم العامل على المعمول والمبتدأ على الخبر) وتقديم المعمول على العامل كتقديم وجه الحبيب على لتمنى فليس المقصود من التمثيل به انه من تقديم المعمولات بعضها على بعض حتى يرد ما ذكره من انه ليس منه.

(نعم قد وضع البحث لتقديم المعمولات بعضها على بعض لكنه عمم الحكم) كما هو عادته في اكثر المباحث (تعميما للفائدة) وبيانا لاكثر اقسام التقديم.

(وقد يجاب) عن هذا الاعتراض (بانه) اى جعل تقديم وجه الحبيب على اتمنى من باب تقديم المعمولات بعضها على بعض (تنبيه على ان تقديم بعض المعمولات على بعض قد يكون بحيث يمتنع الا بعد تقديمه على العامل فالمقصود ههنا تقديم المفعول على الفاعل وانما جاء التقديم على الفعل من جهة الضرورة لامتناع تقديم المفعول على الفاعل المتصل) بارزا كان او مستترا واجبا كان استتاره ام لا (من غير تقديمه على الفعل) فصح جعله تقديم وجه الحبيب على اتمنى من باب تقديم المعمولات بعضها على بعض لانه منه.


الباب الخامس القصر

قد تقدم في بيان انحصار المقصود من علم المعاني في ثمانية ابواب ، انه لم يقل احوال القصر ، لانه والفصل والوصل نفسها من الاحوال.

(وهو) اى القصر (في اللغة الحبس يقال قصرت اللقحة على فرسي اذا جعلت درها) اى لبنها (له) اى للفرس (لا لغيره)

قال فى المصباح قصرت على نفسي ناقة امسكتها لاشرب لبنها فهى مقصورة على العيال يشربون لبنها اى محبوسة وقصرته قصرا حبسته ومنه حور مقصورات في الخيام وقال ايضا اللقحة بالكسر الناقة ذات لبن والفتح لغة ، والجمع لقح مثل سدرة وسدر او مثل قصعة وقصع انتهى.

(وفي الاصطلاح تخصيص شيء بشيء بطريق معهود) من الطرق الاربعة الاتية والغرض من بيان المعنى اللغوي قبل الاصطلاحي ابداء التناسب بينهما ألا ترى انك اذا قلت فى قصر الموصوف على الصفة ما زيد الا شاعر فكانك قد جعلت زيدا محبوسا على صفة الشعر بحيث لا يتجاوزها الى غيرها واذا قلت في قصر الصفة على الموصوف ما شاعر الا زيد فكانك جعلت هذه الصفة محبوسة في ذات زيد وهكذا الحال في كل مورد يبين فيه المعنى اللغوي مع الاصطلاحي فتدبر جيدا.

(وهو) اي القصر الاصطلاحي (حقيقي وغير حقيقي لان تخصيص الشيء بالشيء اما ان يكون بحسب الحقيقة ونفس الامر بان لا يتجاوزه الى غيره اصلا وهو الحقيقى) كقولنا لا رزاق الا الله فان حصر الرازقية


في الله وتخصيصها به بالنسبة الى جميع ما عداه بمعنى ان هذه الصفة لا نتجاوزه الى غيره (او) يكون تخصيص الشيء بالشيء (بالاضافة والنسبة الى شيء اخر بان لا يتجاوزه اليه) الضمير الاول المرفوع اعني المستتر في يتجاوز عائدا الى الشيء الاول والثاني المنصوب البارز المتصل به عائد الى الشيء الثانى والثالث المجرور المتصل بالى عائد الى الشيء الثالث اعنى شيء اخر فالمعنى ان لا يتجاوز الشيء الاول الشيء الثانى الى شيء اخر (وهو غير حقيقى بل اضافى لان تخصيصه) اى تخصيص الشيء الاول (بالمذكور) اى بالشيء الثانى (ليس على الاطلاق) اى ليس مع قطع النظر عن الاضافة والنسبة الى شىء اخر (بل بالاضافة) والنسبة (الى) شىء (معين اخر كقولك ما زيد الا قائم بمعنى انه) اى زيد (لا يتجاوز القيام الى القعود ونحوه) مما اعتبر نفيه عن زيد من الصفات المناسبة للقيام كالانحناء والاضطجاع ونحوهما (لا بمعنى انه لا يتجاوزه) اي القيام (الى صفة اخرى اصلا) فلا مانع من ان يكون زيد في المثال متصفا بالعدالة والاجتهاد ونحوهما.

وانما قال بل اضافي لان الحقيقى قد يطلق على ما يقابل المجاز فيقال هذا معنى حقيقي وذلك معنى مجازي ويطلق على ما يقابل الاضافي فيقال مثلا الصفة اما حقيقية او اضافية فمعنى قوله وهو غير حقيقي ليس انه مجاز بل معناه انه اضافي اى تخصيص شىء بشىء بحسب الاصالة والنسبة الى شيء معين آخر فتحصل في المقام ان الحقيقي والاضافي بحسب اعتبار المعتبر فان اعتبر التخصيص بالنسبة الى جميع الاغيار فحقيقي وان اعتبره بالنسبة الى بعض معين فاضافي.

(و) ان قلت ان القصر بمعنى التخصيص المذكور من الامور الاضافية


اى النسبية بمعنى ان تعقله وتصوره يكون بالنسبة الى تعقل شيء آخر كالابوة والبنوة والاخوة والفوقية والتحتية ونحوها.

وبعبارة اخرى القصر مطلقا اى بقسميه من الامور الاضافية لان في كل منهما اضافة الى الغير لكن فى احدهما بالاضافة الى جميع الاغيار وفي الاخر بالاضافة الى بعضها المعين والمراد من الحقيقى ما كان تعقله وتصوره بذاته لا بالاضافة الى غيره فتقسيم القصر الى الحقيقى والاضافي من قبيل تقسيم الشيء الى نفسه والى غيره وهو باطل قطعا.

قلت (انقسامه الى الحقيقي والاضافى بهذا المعنى) اى بمعنى كون الحقيقي بالاضافة الى جميع الاغيار والاضافي بالنسبة الى بعضها المعين (لا ينافي كون التخصيص مطلقا) اى بقسميه (من قبيل الاضافات) والامور النسبية لانه لا يلزم من هذا الانقسام تقسيم الشيء الى نفسه والى غيره بل يلزم منه تقسيم الشيء الى قسميه كتقسيم الفعل الى الثلاثى والرباعى وتقسيم الكلام الى الخبر والانشاء.

(ولما لم يصرح صاحب المفتاح بتقسيمه الى الحقيقي والاضافى) اى لم يقل ان القصر على قسمين حقيقي واضافى (لقلة جدواه) اى لقلة فائدة التصريح ويحتمل ان يكون الضمير راجعا الى الحقيقي اى لقلة فائدة الحقيقي لان بعض اقسامه كما سيصرح لا يكاد يوجد وبعضها الاخر قليل.

وكيف كان (توهم المصنف) فى الايضاح (انه) اى السكاكى (اهمل ذكر الحقيقي اى توهم انه لم يذكر الحقيقي اصلا (و) الحال انه (ليس كذلك) لانه ذكر الحقيقي ايضا لكن ضمنا واشارة (لانه قال حاصل معنى القصر راجع الى تخصيص الموصوف بوصف دون وصف ثان او)


تخصيص الموصوف (بوصف مكان) وصف (آخر) هذا فى قصر الموصوف على الصفة (والى تخصيص الوصف بموصوف دون ثان او) تخصيص الوصف (بموصوف مكان) موصوف (آخر) هذا فى قصر الصفة على الموصوف (وهذا التفسير شامل للحقيقي وغيره لان المراد بقوله ثان واخر) في المقامين (ما يصدق عليه انه ثان اواخر اعم من ان يكون واحدا او كثيرا) له نهاية وهذان اضافيان او كثيرا (الى ما لا نهاية له) وهذا الحقيقي فلم يهمل السكاكى ذكر الحقيقي.

وانما عممنا الثانى والاخر في كلامه فى المقامين على النحو المذكور (اذ لو اريد) منهما خصوص (الواحد) جمودا على ظاهر صيغتهما الدالة على الوحدة (لخرج عنه) اى عن القصر (كثير من امثلة غير الحقيقي ايضا) كما توهم خروج الحقيقي والمراد من الامثلة ما يكون القصر فيها بالاضافة الى ازيد من وصف واحد او ازيد من موصوف واحد (كقولك ما زيد الا كاتب لمن اعتقد انه كاتب وشاعر ومنجم وكقولك ما شاعر الا زيد لمن اعتقد ان زيدا وبكرا وخالدا شعراء) وخروج امثال ذلك فاسد قطعا (فليتأمل) فان فهم ما ذكرنا لزوما وفسادا دقيق جدا.

(فهذا) الجمود على ظاهر صيغتها وارادة خصوص الواحد (منشأ توهم اختصاص التفسير) المذكور يعني قوله وحاصل معنى القصر الخ (بغير الحقيقي) وقد بينا فساد المنشأ وما انشىء منه فتدبر جيدا.

(نعم انه) اى السكاكى (قد اورد الامثلة في اثناء هذا التفسير من غير الحقيقي اعتبارا لكثرة الوقوع) اى نظرا الى كثرة وقوع غير الحقيقي (واحترازا عن وصمة الكذب) اى من عيب الكذب وعاره


وذلك لما قلنا آنفا ويأتى من ان القصر الحقيقي بعض اقسامه لا يكاد يوجد وبعضها الاخر قليل جدا فلو أورد مثالا له يحتمل في حقه الكذب.

(و) الحال ان (كلامه لا يخلو عن امثلة هى ظاهرة في الحقيقي مثل زيد شاعر لا غير) اى لا غير زيد او لا غير شاعر فهو من امثلة الحقيقي (و) كذلك نحو زيد شاعر (ليس غير وليس الا ومثل ما ضرب عمرا الا زيد وما ضرب زيد الا عمرا).

الى هنا كان الكلام في دفع توهم عدم ذكر السكاكى الحقيقي وفي دفع توهم اختصاص التفسير المذكور في كلامه بغير الحقيقي كل ذلك بعد تسليم انه لم يصرح بتقسيمه الى الحقيقي وغير الحقيقي (و) لكن لا يلزم من عد التصريح بالتقسيم عدم ذكره اصلا وذلك لانك (اذا تأملت) فى كلامه (وجدته مشيرا التقسيم ايضا) كما اشار الى الحقيقي حسبما بينا (حيث قال متى ادخلت النفى على الوصف المسلم ثبوته) عندك وعند المخاطب (وهو وصف الشعر) مثلا (وقلت ما شاعر توجه النفى بحكم العقل الى ثبوته للمدعى) اى الى ثبوته للذي ادعى المخاطب ذلك الوصف له اى ينفي الوصف عن المدعي (ان) كان المدعي له الوصف (عاما كقولك فى الدنيا شعراء او في قبيلة كذا شعراء (و) كذلك (ان) المدعى له الوصف (خاصا كقولك زيد وعمرو شاعران فيتناول النفى ثبوته لذلك) المدعى اى ينفي الوصف عن المدعى له الوصف ان عاما وان خاصا (فمتى قلت) بعد ذلك (الا زيد أفاد القصر) فحينئذ ان كان المدعى عاما فهو الحقيقي وان كان خاصا فهو غير الحقيقي فثبت انه اشار الى التقسيم ايضا لكن فهم


ذلك يحتاج الى تأمل صادق.

(وكل منهما اى من الحقيقي وغير الحقيقي نوعان) :

احدهما (قصر الموصوف على الصفة و) ثانيهما (قصر الصفة على الموصوف) وسيأتي مثال كلا النوعين (والفرق بينهما واضح فان الموصوف في) النوع (الاول لا يمتنع ان يشاركه غيره في) تلك (الصفة لان معناه) اى معنى النوع الاول (ان هذا الموصوف) المذكور في الكلام (ليس له غير تلك الصفة) المذكورة فيه (لكن تلك الصفة يجوز ان تكون حاصلة لموصوف اخر وفي) النوع (الثانى يمتنع تلك المشاركة) اى مشاركة موصوف اخر بان يكون تلك الصفة حاصلة له ايضا (لان معناه) اي معني النوع الثاني (ان تلك الصفة) المذكورة في الكلام (ليست) حاصلة (الا لذلك الموصوف) المذكور فيه (فكيف يصح ان تكون) حاصلة (لغيره) اي لغير الموصوف المذكور فيه (لكن يجوز ان تكون لذلك الموصوف) المذكور (صفات اخر) غير الصفة المذكورة.

(والمراد) بالصفة ههنا (الصفة المعنوية التي هي معني قائم بالغير) وبعبارة اخرى التي يعتبرها النحاة في باب منع الصرف فعدوها احد الاسباب التسعة فاستعملوها في مقابل الاسم وبهذا المعني يستعملها اهل الكلام في مقابل الذات.

(لا النعت النحوي الذي هو تابع يدل على ذات) اى على ما يقوم به غيره لا ما يقوم بنفسه والا يخرج عن تعريف النعت نحو هذا السواد الشديد (ومعنى فيها) اي معني يقوم بتلك الذات وهو فصل خرج به البدل وعطف البيان والتأكيد الذى ليس للشمول (غير


الشمول) فخرج نحو جائني القوم كلهم مما يدل على الشمول (وبينهما) اى بين الصفة المعنوية والنمت النحوي (عموم من وجه لتصادقهما على العلم في قولنا اعجبني هذا العلم) لان العلم صفة معنوية ونعت نحوي لاسم الاشارة (وصدق الصفة المعنوية بدون النعت على العلم في قولنا العلم حسن) لان العلم ههنا مبتدأ لا نعت نحوي.

(وصدقه) اى النعت (بدونها) اي بدون الصفة المعنوية (على الرجل في قولك مررت بهذا الرجل) لان الرجل نعت نحوي لاسم الاشارة وليس صفة معنوية لانه ذات.

(وكذا بين النعت) النحوي (والصفة المعنوية التي فسروها) كما في الرضي ونحن ننقل كلامه بعيد هذا (بما دل على ذات باعتبار معنى هو المقصود عموم من وجه لتصادقهما في جائني رجل عالم) لان عالم نعت نحوي لرجل ويدل ايضا على ذات باعتبار معنى هو المقصود اعني العلم.

(وصدقها) اي الصفة (بدونه) اي بدون النعت (في قولنا العالم مكرم) لان العالم صفة بهذا المعنى الثاني وليس نعتا نحويا لانه مبتدأ (وبالعكس) اي ولصدق النعت النحوي بدون الصفة بهذا المعنى الثاني (في قولنا جائني هذا الرجل) لان الرجل نعت نحوي لاسم الاشارة وليس صفة بهذا المعنى الثاني.

قال الرضي عند قول ابن الحاجب النعت تابع يدل على معنى في متبوعه مطلقا قال فى شرح المفصل الصفة تطلق باعتبارين عام وخاص والمراد بالعام كل لفظ فيه معنى الوصفية جرى تابعا اولا فيدخل فيه خبر المبتدأ والحال في نحو زيد قائم وجائني زيد راكبا اذ يقال انهما


وصفان ويعني بالخاص ما فيه معنى الوصفية اذا جرى تابعا نحو جائني رجل ضارب قال حد العام ما دل على ذات باعتبار معنى هو المقصود وينتقض حده بأسماء الالة والمكان والزمان اذ المقتل مثلا دال على ذات هو الموضع باعتبار معنى وهو القتل هو المقصود من وضع هذا اللفظ على ما فسر.

ثم سأل نفسه وقال ان اسماء الاجناس كلها تدل على ذات باعتبار معنى وليست بصفات فان رجلا موضوع لذات باعتبار الذكورية والانسانية.

قال والجواب انا احترزنا عن مثله بقولنا هو المقصود فان اسماء الاجناس المقصود بها الذات والصفات المقصود بها المعني لا الذات.

ولقائل ان يمنع في الموضعين اى في الاسماء والصفات ويقول ان اردت بقولك فى اسماء الاجناس ان المقصود بها الذات وحدها من دون المعنى فلا نسلم اذا قصد الواضع بوضع رجل ذات فيها الرجولية بلا خلاف وان اردت ان المقصود الذات سواء كان المعنى ايضا مقصودا معها او لا فلا ينفعك لان الصفات ايضا اذا ذكرتها مجردة من متبوعاتها فلا بد فيها من الدلالة على الذات مع المعنى المتعلق بها وكذا اذا ذكرتها مع متبوعاتها لان معنى ضارب ذو ضرب ولا شك ان معنى ذو ذات ومعنى ضرب معنى فى تلك الذات وكذا مضروب وحسن ولو لم يدل الا على المعنى لكان الصفة هو الحدث كالضرب والحسن انتهى كلامه.

والمقصود من نقله بطوله توضيح المقام لانه من العويصات عند الاعلام وكيف كان فتحصل من مجموع ما ذكر فى المقام ان للصفة


المعنوية معنيين الاول المعنى القائم بالغير الذي فسر المتن به والثاني ما دل على ذات باعتبار معنى هو المقصود (ويجوز ان يكون المراد بالمعنوية ههنا هذا المعنى) الثاني (والاول انسب) لان اعتبار المعنى الثاني في نحو ما زيد الا يقوم يحتاج الى تكلف بأن يقال تقديره الا قائما وان المقصور عليه هو مفهوم القيام لا نفس القائم وكون ذلك تكلفا ظاهرا ولما كان هنا امثلة ظاهرها انها خارجة عن القسمين.

اجاب بقوله (واما نحو قولك ما هو الا زيد وما زيد الا اخوك وما الباب الا ساج وغير ذلك مما وقع فيه الخبر جامدا فمن قصر الموصوف على الصفة اذ المعنى انه مقصور على الكون زيدا أو اخاك او ساجا) اي على الاتصاف بكونه ذلك (فليتأمل) فانه دقيق وبالتأمل حقيق.

لكنه يتضح مما قاله ابن هشام في ان المفتوحة وهذا نصه والاصح ايضا انها موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر فان كان الخبر مشتقا فالمصدر المؤول به من لفظه فتقدير بلغني انك تنطلق او انك منطلق بلغني انطلاقك.

ومنه بلغني انك في الدار التقدير استقرارك في الدار لان الخبر في الحقيقة هو المحذوف من استقر او مستقر وان كان جامدا قدر بالكون نحو بلغني ان هذا زيد تقديره بلغني كونه زيدا لان كل خبر جامد يصح نسبته الى المخبر عنه بلفظ الكون تقول هذا زيد وان شئت هذا كائن زيدا ومعناهما واحد انتهى.

(والاول اي قصر الموصوف على الصفة من الحقيقي نحو ما زيد الا كاتب اذا اريد انه لا يتصف بغيرها اي غير الكتابة من الصفات)


واما اذا اريد ان زيدا يتصف بها لا بمقابلها فقط من الشعر مثلا كان من غير الحقيقي اي الاضافي.

(وهو) اي قصر الموصوف على الصفة من الحقيقي (لا يكاد يوجد) فى نفس الامر (لتعذر الاحاطة) اي احاطة المتكلم (بصفات الشيء) اى صفات الموصوف (اذ ما من متصور الا وله صفات) متعددة خفية اكثرها (يتعذر احاطة المتكلم بها) والحال ان الحكم بنفي بعضها واثبات بعضها الاخر فرع الاحاطة بها (فكيف يصح منه) أي من المتكلم غير المحيط بها (قصره على صفة ونفي ما عداها بالكلية) والحاصل ان هذا النوع من القصر متوقف على الاحاطة بجميع الصفات حسبما بينا والاحاطة بالجميع متعذر الا لله جل جلاله لا سيما مع خفاء اكثرها ومن المعلوم ان المتوقف على المتعذر متعذر فلا يكاد يوجد الا اذا كان في كلام الله العالم بكل شيء.

(بل) يمكن ان (نقول ان هذا النوع من القصر) في نفسه (مفض الى المحال) فلا يكاد يوجد حتى في كلام الله المتعال (لان للصفة المنفية نقيضا البتة وهو) اي النقيض (ايضا من الصفات) مثلا الشاعرية ونقيضها اعني اللاشاعرية كلاهما من الصفات (فاذا نفيت عنه) اى عن الموصوف يعني زيد مثلا (جميع الصفات لزم ارتفاع النقيضيين) وهو من أبده المحالات (مثلا اذا فلت ما زيد الا كاتب على معنى انه لا يتصف بغيرها لزم ان لا يتصف بالشاعرية ولا بعدمها) اى باللا شاعرية (وهو) اي عدم الاتصاف بالشاعرية وعدمها (محال) لانه من قبيل ارتفاع النقيضين (اللهم الا ان يراد) من الصفات ، الصفات (الوجودية) لا عدمها هذا ولكن استشكله بعضهم بأنه لا يصح


في الصفات الوجودية ايضا اذ يوجد فيها صفتان هما من قبيل ضدين لا ثالث لهما كالحركة والسكون في الاجسام ومعلوم انه يستلزم نقيض احديهما عين الاخرى وبعبارة اخرى يستلزم اللاحركة السكون ويستلزم اللاسكون الحركة فاذا نفيت كلاهما يلزم المحال ايضا فتدبر جيدا.

(والثاني اي قصر الصفة على الموصوف من الحقيقي كثير نحو ما في الدار الا زيد على معنى ان الكون في الدار) المعينة المعلومة والاستقرار فيها (مقصور على زيد) وقد تقدم انفا وجه ذلك نقلا عن ابن هشام.

(و) لكن (يجب ان يعلم ان الاقسام الثلاثة من قصر الافراد والقلب والتعيين لا تجري في الحقيقي لما ستشير اليه) قبيل قول الخطيب فكل منهما ضربان حيث يقول وهذا التقسيم لا يجري في القصر الحقيقي الخ.

(وقد يقصد به أي بالثاني) اى بقصر الصفة على الموصوف هذا بناء على رجوع الضمير المجرور الى القسم الثاني من الحقيقي كما اختاره التفتازاني.

واحتمل بعض المحققين رجوعه الى الحقيقي مطلقا وهو الأولى ويظهر وجهه مما يأتي في وجه الفرق (المبالغة لعدم الاعتداد) والاعتناء (بغير) الموصوف (المذكور كما يقصد بقولنا ما في الدار الا زيد ان جميع من في الدار ممن عدا زيدا في حكم المعدوم) واظن قويا ان قول جبرئيل (ع) : لا فتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار من هذا القبيل فتبصر.

(ويكون هذا قصرا حقيقيا ادعائيا لا قصرا غير حقيقي لفوات


المقصود) اذ المقصود من المبالغة جعل غير المذكور بمنزلة المعدوم وهذا المعنى يفوت اذا جعلنا القصر غير حقيقي اذ المقصود حينئذ أن الكون في الدار مقصور على زيد بالنسبة الى عمرو بمعنى أنه ليس حاصلا لعمرو مثلا وان كان حاصلا لبكر وخالدا وغيرهما ممن لا يعتبر الحصر بالنسبة اليه.

(فالقصر الحقيقي نوعان احدهما الحقيقي تحقيقا) وهو فيما كان الصفة كالكون في الدار مثلا مقصورا على زيد حقيقة بأن لم يكن فيها غيره واقعا.

(والثاني الحقيقي مبالغة) وهو فيما كان فيها غيره لكن جعل بمنزلة المعدوم (ويمكن ان يعتبر هذا) النوع اي القصر الحقيقي مبالغة (في قصر الموصوف على الصفة ايضا بناء على عدم الاعتداد بباقي الصفات) فتأمل.

(والفرق بين القصر الغير الحقيقي) اي الاضافي (والقصر الحقيقي مبالغة وإدعاء دقيق) والفرق ما أشرنا اليه من أن في قصر الصفة على الموصوف مثلا اذا كان حقيقيا إدعائيا لا بد فيه من نفي الصفة المذكورة عن جميع من سوى الموصوف المذكور لعدم الاعتداد بذلك السوى ولكن لا يشترط فيه كما يأتي بعيد هذا اعتقاد المخاطب على أحد الوجوه الثلاثة في الافراد والقلب والتعيين أعني إتصاف الجميع بتلك الصفة أو إتصاف الجميع غير الموصوف المذكور بتلك الصفة أو الترديد بين اتصاف جميع من سواه وبين إتصافه وكذلك الكلام في قصر الموصوف على الصفة اذا كان حقيقيا إدعائيا لا بد فيه من نفي جميع الصفات عنه ولا يشترط فيه اعتقاد المخاطب على الوجوه الثلاثة اي


اتصافه بجميع الصفات أو الجميع غير الصفة المذكورة أو الترديد بين غير الصفة المذكورة وبينها.

والوجه في الصورتين ما يأتي من ان المخاطب العاقل لا يعتقد ذلك وقد تقدم أن النفي المذكور في الحقيقي الادعائي يقتضي عدم الاعتداد بما نفى واما اذا كان القصر غير حقيقي ففي الصورة الاولى يعتبر فيه نفي الصفة المذكورة عن بعض عن سوى الموصوف المذكور وفي الصورة الثانية نفي بعض الصفات غير الصفة المذكورة عن الموصوف المذكور ولكن يشترط فيه في الصورتين اعتقاد المخاطب على أحد الوجوه الثلاثة في الافراد والقلب والتعيين وليس حينئذ عدم الاعتداد بغير البعض في الصورتين.

الى هنا كان كلامنا في بيان الفرق وأما وجه دقته فهو أن القصر الحقيقي الادعائي وغير الحقيقي يشتركان معا في شيء واحد وهو في الصورة الاولى جواز إتصاف غير الموصوف المذكور بغير تلك الصفة المذكورة وفي الصورة الثانية جواز إتصاف الموصوف المذكور بصفات اخر غير الصفة المذكورة هذا كله بناء على عود الضمير المجرور المتقدم فى قوله وقد يقصد به الى الحقيقي مطلقا كما اختاره بعض المحققين وأما بناء على رجوعه الى القسم الثاني منه فقط كما اختاره التفتازاني فينحصر بيان الفرق حسبما ذكرنا في الصورة الاولى فقط (فليتأمل) فان المقام من الصعوبة بمكان ولذلك اضطربت كلماتهم في الحواشي المنطقة به.

(والاول اي قصر الموصوف على الصفة من غير الحقيقي تخصيص أمر) اي شيء (بصفة دون صفة اخرى او مكانها أي تخصيص امر بصفة مكان صفة اخرى) ويأتي بعيد هذا بيان المراد من لفظة دون


ووجه العطف بلفظة او المنافي بظاهره التفسير أي التعريف.

(والثاني اى قصر الصفة على الموصوف من غير الحقيقي تخصيص صفة بامر دون أمر آخر أو مكانه) اي مكان أمر آخر (ولفظة أو للتنويع) اي لبيان أنواع المعرف لا للترديد في التعريف (فلا تنافي التفسير) اي التعريف فالمقام نظير ما قاله السيوطي في أول باب الفاعل في قول الناظم في شرح الكافية فراجع إن شئت.

(وقوله دون اخرى) حال اما من فاعل التخصيص اعني المتكلم او عن مفعوله أعني امر فيكون (معناه متجاوزا عن صفة اخرى فان المخاطب اعتقد اشتراكه) أي الامر أي الموصوف (في صفتين والمتكلم يخصصه بأحديهما ويتجاوز عن لاخرى) وأنت اذا أنقنت ذلك تقدر أن تقيس عليه دون آخر ومكانها ومكانه.

(ومعنى دون في الاصل) اي في اللغة (أدنى مكان) أي اسفل مكان (من الشيء يقال هذا دون ذاك إذا كان أحط منه أي اسفل منه (قليلا) حاصله ان لفظ دون في الاصل موضوع للتفاوت في الأمكنة فهو ظرف مكان مثل عند ويظهر من المصباح ان فيه معنى القرب ولانحطاط ويوجد كلاهما في قوله أدنى مكان.

(ثم استعير) أي نقل (للتفاوت في الاحوال والرتب) فصار حقيقة فيه ويجوز ان يكون استعارة تشبيها للتفاوت في الرتبة بالتفاوت في المكان (فقيل) بكر دون خالد في الحسن و (زيد دون عمر في الشرف ثم اتسع فيه) بطريق النقل ايضا أو المجاز المرسل من باب استعمال المفيد في المطلق (فاستعمل في كل متجاوز حد الى حد وتخطى حكم الى حكم) وإن لم يكن هناك تفاوت كما فى صور القصر قال الرضي


وهو بهذا المعنى قريب من لفظة غير.

(ولقائل ان يقول أن) تعريف المصنف وهو (قوله دون اخرى ودون آخر) أما غير جامع او غير مانع وذلك لأنه (إن أراد به) في الأول اي في قصر الموصوف على الصفة (دون صفة واحدة اخرى) فقط (و) فى الثاني أي فى قصر الصفة على الموصوف (دون امر واحد) أي دون موصوف واحد فقط (فقد خرج عنه) أي عن التعريف (ما إذا اعتقد المخاطب) فى قصر الموصوف على الصفة (اتصاف أمر) اى موصوف (بأكثر من صفتين او) اعتقد المخاطب فى قصر الصفة على الموصوف (ثبوت صفة لاكثر من امرين) أي موصوفين مثال الاول (نحو قولنا ما زيد إلا كاتب لمن اعتقده كاتبا وشاعرا ومنجما و) مثال الثاني (قولنا ما شاعر إلا زيد لمن اعتقد اشتراك زيد وعمرو وبكر في الشاعرية) فقد خرج هذان المثالان من التعريف (وغير ذلك) من الامثلة التي يكون معتقد المخاطب فيها اكثر من اثنين فلا يكون التعريف جامعا.

(وان أراد به) أي بقوله دون اخرى ودون اخر (أعم من الواحد والاثنين والجمع فقد دخل القصر الحقيقي فى هذا التفسير) الذى هو مختص بالقصر غير الحقيقي (لانه) اى لان القصر الحقيقي ايضا تخصيص امر بصفة دون سائر الصفات) هذا فى قصر الموصوف على الصفة (أو تخصيص صفة بأمر دون سائر الامور) فيدخل القصر الحقيقي بقسميه فى التعريف فلا يكون مانعا.

(وكذا الكلام على قوله مكان اخرى ومكان اخر) فانه ان أراد فى الأول مكان صفة واحدة أخرى ومكان أمر واحد آخر فى الثاني


فلا يكون التعريف جامعا لانه يخرج منه حينئذ ما إذا كان معتقد المخاطب اكثر من صفتين أو أمرين وإن أراد الأعم فلا يكون التعريف مانعا إذ يدخل فيه القصر الحقيقي لأنه أيضا تخصيص أمر بصفة مكان سائر الصفات وتخصيص صفة بأمر مكان سائر الامور.

(فان قلت) نختار الشق الثاني أي إرادة الأعم من الواحد والاثنين والجمع ولكن لا نسلم دخول القصر الحقيقي فى هذا التفسير والوجه فى عدم التسليم ان المراد ان من قوله فى التفسير (تخصيص أمر بصفة دون) اخرى أى دون (سائر الصفات) الاقسام الممكنة الواقعة في المحاورات العرفية والقصر الحقيقى ليس من تلك الاقسام لانه (يقتضي أن يعتقد المخاطب إتصافه) أي الموصوف (بجميع الصفات) المنفية والمثبتة جميعا كما فى قصر الافراد أو المنفية جميعا دون المثبتة كما فى قصر القلب أو يردد بين المنفية والمثبتة كما فى قصر التعيين (لأن القصر) مطلقا حقيقا كان او غير حقيقي (يقتضي أن يعتقد المخاطب ثبوت ما نفاه المتكلم قطعا) كما في قصر الافراد والقلب (أو احتمالا) كما فى قصر التعيين (وهذا) الاعتقاد (مما لا يقع) من المخاطب العاقل وأما السفيه والمجنون فلا كلام لنا معه (وكذا الكلام فى البواقي) أي فى مكانها ودون آخر أو مكانه بأن يقال ان اريد مكان صفة واحدة اخرى أو مكان أمر واحد آخر يخرج ما إذا أعتقد المخاطب أكثر من صفتين أو أمرين وإن اريد أعم دخل القصر الحقيقى لانه يصدق عليه أنه تخصيص بصفة مكان سائر الصفات وتخصيص أمر مكان سائر الامور والجواب الجواب.

(قلت هذا الاقتضاء) أي اقتضاء اعتقاد المخاطب اتصافه بجميع


الصفات حسبما بينا (مختص بالقصر الحقيقى ألا ترى أنهم) أي أهل اللسان والمحاورات العرفية أو علماء علم الفصاحة والبلاغة (اتفقوا على صحة ما في الدار الا زيد قصرا حقيقا مع أنه ليس ردا على من اعتقد أن جميع الناس في الدار) المذكورة لأن العاقل لا يعتقد ذلك فمن اتفاقهم على صحة ذلك يعلم أن الاقتضاء المذكور يختص بالقصر الغير الحقيقي.

(ويمكن أن يجاب عنه) أي عن اشكال القائل (بأن المراد هو الثانى) أي الأعم من الواحد والاثنين والجمع (وهذا المعنى) كما قال القائل (مشترك بين الحقيقي وغير الحقيقي) فيدخل فيه كما قال القائل الحقيقي ولم يأت بقيد مخرج له (لكنه خصصه بغير الحقيقى لانه) أى الخطيب (ليس بصدد التعريف) التام الجامع المانع لغير الحقيقى والا لكان عليه أن يأتى بقيد مخرج له ليتميز عن الحقيقى (بل غرضه من هذا الكلام) أي من قوله والاول من غير الحقيقى تخصيص أمر بصفة دون اخرى الخ (أن يفرع عليه التقسيم) أي تقسيم القصر (الى قصر الافراد والقلب والتعيين وهذا التقسيم لا يجري) كما أشار اليه آنفا بقوله سنشير (في القصر الحقيقى اذ العاقل) كما أشرنا آنفا (لا يعتقد اتصاف أمر بجميع الصفات) حتى يكون الكلام معه قصر افراد حقيقى (ولا اتصافه بجميع الصفات غير صفة واحدة) حتى يكون الكلام قصر قلب حقيقى (ولا يردده ايضا بين ذلك) أى لا يردد الامر اى الموصوف بين جميع الصفات وصفة واحدة حتى يكون الكلام معه قصر تعيين (وكذا اشتراك صفة بين جميع الامور) اذ العاقل لا يعتقده على احد الانحاء الثلاثة من


الافراد والقلب والتعيين.

والى بعض ما ذكرنا ينظر من أجاب عن الاشكال بأنا نريد أعم من الواحد والاثنين والجمع لكن بشرط أن لا ينتهي الجمع الى الجميع فلا يلزم المحذور وانما لم يصرح المصنف بذلك اعتمادا على العقل وعلى شهرة الغير الحقيقي فتأمل جيدا.

(فكل منهما أي فعلم من هذا الكلام) أي من المتن المتقدم (ومن استعمال لفظة او) الدالة على التنويع (فيه) اى في هذا الكلام (ان كل واحد من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف ضربان) اولهما ما عبر فيه بلفظ دون وثانيهما ما عبر فيه بلفظ مكان وكل واحد منهما ايضا ضربان فالضرب الاول من الضرب (الاول تخصيص امر) اى موصوف (بصفة دون) صفة (أخرى) هذا في قصر الموصوف على الصفة (و) الضرب الثاني من الضرب الاول (تخصيص صفة بأمر دون آخر هذا في قصر الصفة على الموصوف (و) اما الضرب الاول من الضرب (الثانى) فهو (تخصيص امر) اي موصوف (بصفة مكان) صفة (اخرى) هذا في قصر الموصوف على الصفة (و) الضرب الثانى من الضرب الثانى (تخصيص صفة بأمر مكان امر آخر) هذا في قصر الصفة على الموصوف.

(والمخاطب بالأول) اي بالذي عبر فيه بلفظ دون (من ضربى كل) اى كل واحد (من قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف) والى هذين الاولين اشار التفتازاني بقوله تخصيص أمر بصفة دون اخرى وتخصيص صفة بأمر دون آخر والمخاطب بكر واحد منهما (من يعتقد) اعتقادا عقلائيا حسبما مر بيانه (الشركة اى


شركة صفتين او اكثر في موصوف واحد) هذا (في قصر الموصوف على الصفة وشركة موصوفين او اكثر في صفة واحدة) هذا (في قصر الصفة على الموصوف حتى يكون المخاطب بقولنا ما زيد الا كاتب من يعتقد اتصافه بالكتابة والشعر) أو ازيد من ذلك (وبقولنا ما كاتب الا زيد من يعتقد اشتراك زيد وعمرو) أو ازيد منهما (في الكتابة ويسمى هذا القصر) في الصورتين (قصر افراد لقطع الشركة اي لقطعه) اى لقطع هذا القصر (الشركة المذكورة) بقوله اي شركة وصفين الخ.

(وبالثاني اى المخاطب بالثاني) اي الذي عبر فيه بلفظ مكان (من ضربي كل) من قصر الموصوف على الصفة (وهو تخصيص امر بصفة مكان اخرى) وقصر الصفة على الموصوف وهو الذي اشار اليه بقوله (او تخصيص صفة بأمر مكان آخر من يعتقد العكس اى عكس الحكم الذي اثبته المتكلم حتى يكون المخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من يعتقد اتصافه بالقعود دون القيام) هذا في قصر الموصوف على الصفة (و) يكون المخاطب (بقولنا ما شاعر الا زيد من يعتقد ان الشاعر عمرو دون زيد) وهذا في قصر الصفة على الموصوف (ويسمى هذا القصر) في المثالين (قصر قلب لقلب حكم المخاطب).

واما قوله (او تسا يا عند) فان (الظاهر انه عطف على قوله يعتقد العكس) لانه اقرب (ولفظ الايضاح صريح فى ذلك اى المخاطب بالثاني اما من يعتقد العكس واما من تساوى عنده الامران اعني) تساوى عنده اتصافه) اى الموصوف (بتلك الصفة واتصافه بغيرها) هذا (في قصر الموصوف) على الصفة (و) تساوى عنده (اتصافه


واتصاف غيره بتلك الصفة) وهذا (في قصر الصفة) على الموصوف.

(حتى يكون المخاطب بقولنا ما زيد الا قائم من يعتقد انه اما قائم او قاعد) يعني تساوى عنده احتمال كونه قائما واحتمال كونه قاعدا مع القطع باتصافه باحدهما (و) لكن (لا يعرفه على التعيين) هذا في قصر الموصوف على الصفة (و) يكون المخاطب (بقولنا ما شاعر الا زيد من يعتقد أن الشاعر اما زيد او عمرو) يعني تساوى عنده احتمال كون الشاعر زيدا واحتمال كونه عمرا مع القطع بأنه احدهما (من غير أن يعلمه على التعيين ويسمى هذا القصر) الذي تساويا عنده (قصر تعيين لتعيينه ما هو غير معين عند المخاطب) الشاك.

(فالحاصل ان) ما عبر فيه بلفظ دون اعني (تخصيص شيء) موصوفا كان او صفة (بشيء) كذلك (دون آخر) كذلك (قصر افراد) فقط (و) اما ما عبر فيه بلفظ مكان اعني (تخصيص شيء) موصوفا كان او صفة (بشيء) كذلك (مكان آخر) كذلك فهو ينطبق على قسمين من اقسام القصر لانه (ان اعتقد المخاطب فيه العكس) فهو (قصر قلب وان تساويا عنده) فهو (قصر تعيين وفيه) اى في الحاصل يعني في انطباق ما عبر فيه بلفظ دون على قصر الافراد فقط وانطباق ما عبر فيه بلفظ مكان على قسمين اى القلب والتعيين أو في جعل عطف قوله او تساويا عنده على قوله يعتقد العكس حتى يكون الحاصل ما اوضحناه (نظر لانه اذا تساوى الامران عند المخاطب وعين المتكلم احدهما يكون هذا) مما ينطبق عليه الاول اى ما عبر فيه بلفظ دون لانه يصدق عليه انه (تخصيص امر بصفة دون اخرى لا تخصيص


امر بصفة مكان اخرى ألا ترى انك اذا قلت ما زيد الا قائم لمن اعتقد اتصافه بواحد من القيام والقعود على التساوي فقد خصصته بالقيام متجاوزا عن العقود ولم تخصصه بالقيام مكان العقود لان المخاطب لم يعتقد اتصافه بالقعود) فقط (حتى توقع القيام مكانه) هذا في قصر الموصوف على الصفة (وكذا الكلام في قصر الصفة على الموصوف) فظهر من ذلك ان ما عبر فيه بلفظ دون ينطبق على قصر التعيين وعلى قصر الافراد (ولهذا جعل صاحب المفتاح تخصيص شيء بشيء دون آخر مشتركا بين قصر الافراد والقصر الذي سماه المصنف قصر تعيين وجعل تخصيصه) أي شيء (به) اى بشيء (مكان آخر قصر قلب فقط) خلافا لما اختاره المصنف.

والحاصل ان المصنف جعل التخصيص بشيء دون آخر قسما واحدا وهو قصر الافراد وجعل التخصيص بشيء مكان آخر قسمين لأن المخاطب ان اعتقد عكس حكم المتكلم فهو قصر قلب وان تساوى عنده الامران فهو قصر تعيين.

والسكاكى يعكس فيجعل التخصيص بشيء مكان آخر قسما واحدا وهو قصر القلب ويجعل التخصيص بشيء دون آخر قسمين لان المخاطب ان اعتقد الشركة فهو قصر افراد وان تساوى عنده الأمران فهو قصر تعيين.

(فان قلت) لا نسلم أنه اذا تساوى الامران عند المخاطب وعين المتكلم احدهما لا يكون ذلك تخصيص امر بصفة مكان اخرى بدعوى انه لم يثبت الصفة الاخرى حتى يثبت المتكلم تلك الصفة الى آخر ما ذكر (لان مراد المصنف بالاخرى) في قوله مكان اخرى (احدى


الصفتين) لا على التعيين (و) كذلك مراده (بالاخر) في قوله مكان امر آخر (أحد الامرين) لا على التعيين ايضا (فاذا قلت ما زيد الا قائم لمن اعتقد اتصافه باحدى الصفتين) لا على التعيين (فقد خصصت زيدا بالقيام) معينا (مكان الصفة الاخرى التي هي احدى الصفتين لا على التعيين (التي اعتقدها المخاطب) هذا في قصر الموصوف على الصفة (وكذا في قصر الصفة) على الموصوف فانك اذا قلت ما شاعر الا زيد لمن اعتقد أن الشاعر اما زيد او عمرو من غير ان يعلمه يعني يعتقد ان احدهما موصوف بهذه الصفة لا على التعيين فقد خصصت الشاعرية بزيد مكان الاخر الذى هو احد الموصوفين لا على التعيين.

والحاصل ان مراد المصنف من قوله مكان اخرى ومكان آخر الاخرى والاخر المردد الذى هو كلي وقدر مشترك بين القيام والقعود مثلا وبين زيد وعمرو مثلا فاذا قلت ما زيد الا قائم لمن اعتقد اتصافه باحدى الصفتين فقد خصصت زيدا بالقيام الذى هو فرد وجزئى معين مكان الصفة الاخرى المرددة الكلي التي هي احدى الصفتين وكذلك اذا قلت ما شاعر الا زيد فقد خصصت الشاعرية بزيد الذي هو فرد وجزئي معين مكان الامر الاخر المردد الكلي الذي هو احد الامرين فصح ما هو ظاهر المتن اعني كون قوله أو تساويا عنده عطفا على قوله يعتقد العكس كما هو صريح لفظ الايضاح.

(قلت) نعم لكن (مقتضى قوله مكان اخرى ان تكون الصفة المذكورة) في كلام المتكلم (ثابتا والاخرى) التي يريد المتكلم تخطئة المخاطب فيها (منفية) بحيث لم تكن موجودة في الخارج (واذا أريد بالاخرى احدى الصفتين) التي هي كلي مردد بين كل واحدة من


الصفتين على التساوى (فهى صادقة على الصفة المذكورة) في كلام المتكلم وعلى الصفة التي اخطأ المخاطب في احتمالها مساويا لما ذكر في كلام المتكلم (لان المخاطب لم يعتقد اتصافه) اى اتصاف الموصوف (باحدى الصفتين بشرط عدم التعيين لان تحققها) في نفسها (محال) كما ثبت في محله فضلا عن ثبوتها لموصوف.

وبعبارة اخرى ماهية احدى الصفتين بشرط عدم تعينها في ضمن القيام ولا في ضمن القعود ونحوه بحيث تكون مجردة عن كل واحد منهما مستحيل ضرورة فكيف يمكن ان يعتقدها المخاطب العاقل (بل اعتقد) المخاطب (اتصافه باحدى الصفتين) المستلزم للتعيين لكن (من غير علم) منه اى من المخاطب (بالتعيين) ومن المعلوم ان عدم العلم بالتعيين غير مستلزم لعدم التعيين واقعا.

(وهذا) اي احدى الصفتين من غير علم بالتعيين (صادق على كل واحدة من الصفتين فلا يكون هذا تخصيصه بصفة مكان اخرى بل) يكون (تخصيصه بصفة يصدق عليها الاخرى) فلا يصح ما ظاهر المتن اعني كون قوله او تساويا عنده عطفا على قوله يعتقد العكس استنادا على ما هو صريح لفظ الايضاح.

(فان قلت قوله مكان اخرى لا يقتضي ان يكون اعتقاد المخاطب نفى الصفة المذكورة ووجوبا وعلى سبيل القطع والبت (واثبات) الصفة (الاخرى) كذلك (بل يكفى فيه) اى في قوله مكان اخرى (تجويز نفيها) اي احتمال نفيها اي نفى الصفة المذكورة (و) تجويز (اثبات) الصفة (الاخرى) اي احتمال اثباتها (وههنا كذلك لانه) اى المخاطب (اذا تساوى الامران عنده) اى عند المخاطب (فكما جوز)


المخاطب (ان تكون الصفة هو القيام) على التعيين (فقد جوز ان تكون هو القعود على التعيين فاذا قلت ردا على المخاطب (ما زيد الا قائم فقد خصصته) اي زيدا (بالقيام مكان الصفة الاخرى التي جوز) المخاطب (ثبوتها له) اى لزيد (على التعيين وهى القعود) فبطل ما قلت من انه لا يكون هذا تخصيصه بصفة مكان اخرى.

(وهذا بخلاف قصر الافراد) فانه ليس فيه تخصيصه بصفة مكان اخرى (فانه) اى المخاطب (اذا اعتقد اتصافه) اي اتصاف زيد (بالصفتين) معا (فلم يجوز) المخاطب حينئذ (انتفاء احدهما فلا يكون قولك ما زيد الا كاتب تخصيصا لزيد بالكتابة مكان الشعر) مثلا (لان الكتابة فى مكانها) لا في مكان الصفة الاخرى التي هى الشعر التي نفاه المتكلم فلذلك جعل المصنف هذا القصر تخصيصه بصفة دون اخرى.

(قلت بعد ارتكاب جميع ذلك فالاشكال بحاله لان غاية هذا التكلف ان يتحقق في قصر التعيين تخصيص شىء بشىء مكان آخر) فبذلك يصح ما هو ظاهر المتن من عطف قوله او تساويا عنده على قوله يعتقد العكس (لكنه) اى التكلف (لا يقتضى ان يمتنع فيه تخصيص شىء بشىء دون آخر لأن قولك ما زيد الا قائم لمن يردده) اي يردد زيدا (بين القيام والقعود) على سبيل التساوى من حيث الاحتمال (تخصيص له بالقيام دون القعود وهذا ظاهر لا مدفع له) فلا مانع من كون قوله او تساويا عنده عطفا على من يعتقد الشركة خلافا لما في الايضاح ووفاتا لما اختاره صاحب المفتاح من جعل تخصيص شىء بشىء دون آخر مشتركا بين قصر الافراد وهذا الذى سماه المصنف قصر


تعيين وجعل تخصيصه به مكان آخر قصر قلب فقط.

(فحينئذ) يصح ان (يكون قوله دون اخرى مشتركا بين قصر الافراد والتعيين ولا يلزم ان يكون المخاطب به) اي بتخصيص شىء دون اخرى (من يعتقد الشركة البة) اي قطعا وفقط (بل) يكون المخاطب به (اما من يعتقد الشركة او من تساويا عنده) فما في لفظ الايضاح من التصريح بأن المخاطب بالثانى اما من يعتقد العكس واما من تساويا عنده المشعر باختصاص دون اخرى بقصر الافراد في غير محله.

(وغاية ما يمكن فى هذا المقام) اي في متن هذا الكتاب اي في عطف قوله او تساويا عنده (ان يقال ان في كلامه حذفا واضمارا) اي تقديرا (وتقديره المخاطب بالاول من يعتقد الشركة او تساويا عنده) فالمحذوف والمضمر ههنا او تساويا عنده (وبالثانى من يعتقد العكس او عنده) ثم حذف واضمر بعد قوله (ويسمى) هذا (القصر) لفظة مجموع أى مجموع (الذى يكون المخاطب به من تساويا عنده سواء كان دون اخرى او مكان اخرى) الى قوله (قصر تعيين) فتدبر جيدا حتى تعرف جيدا المحذوف والمضمر.

(وكفى دليلا على متانة كلام) صاحب (المفتاح) من جعل تخصيص شىء بشىء دون آخر مشتركا بين قصر الافراد والقصر الذى سماه المصنف قصر تعيين وجعل تخصيصه به مكان آخر قصر قلب فقط (وركاكة هذا الكلام) أى متن هذا الكتاب اى ذكر قوله او تساويا عنده بعد قوله ويسمى هذا قصر قلب لقلب حكم المخاطب (انه يفتقر الى هذه التكلفات ولعله هفوة) اى خبط وكلام ساقط (صدرت عنه


من غير قصد الى المخالفة) لصاحب المفتاح.

(وشرط قصر الموصوف على الصفة افرادا عدم تنافي الوصفين) اى لا يكون مفهوم احدهما عين نفى الاخر كالمنجمية والشاعرية او الكاتبية مثلا (ليصح في اعتقاد المخاطب اجتماعهما في الموصوف حتى تكون المنفية فى قولنا ما زيد الا شاعر كونه كاتبا او منجما لا كونه مفحما لامتناع اجتماع الشاعرية والمفحمية لان الافحام هو وجدان الرجل غير شاعر) اى غير قادر على قول الشعر.

(وشرط قصر الموصوف على الصفة قلبا تحقق تنافيهما اى تنافي الوصفين) بحسب الواقع ونفس الامر (ليكون اثباتها) اى اثبات الصفة المذكورة في كلام المتكلم (مشعرا بانتفاء غيرها كذا) قال المصنف (في الايضاح و) لكن (فيه) اى فى هذا الاشتراط (ما سبق الى بعض الاوهام من ان يكون) مجرد (اثبات المتكلم تلك الصفة المذكورة) في كلامه (كالقيام في قولنا ما زيد الا قائم مشعرا بانتفاء غيرها وهو القعود ضرورة امتناع اجتماعهما ففساده واضح لان هذا) الانتفاء (لا يتوقف على تنافيهما لان اثباتها بطريق القصر مشعر بانتفاء الغير كما) هو كذلك (فى قصر الافراد والتعيين) ايضا والا يلغ ذكرها بطريق القصر (بل قد يصرح بالنفي والاثبات جميعا نحو زيد قائم لا قاعد) فعلى هذا الاشتراط يلزم التكرار بل اللغوية المرغوب عنها عند البلغاء فتأمل.

هذا كله اذا كان المناط والاعتبار في النفي والاثبات هو المتكلم (وان اراد به) اى بهذا الاشتراط (ان يكون) المناط والاعتبار في النفى والاثبات هو المخاطب وذلك بأن يكون (اثبات المخاطب تلك الصفة


التي نفاها المتكلم كالقعود مشعرا بانتفاء غيرها وهى التي اثبتها المتكلم كالقيام حتى يكون عكسا لحكم المخاطب فيكون) بذلك (قصر قلب فهو ايضا فاسد لجواز ان يكون انتفاء الغير معلوما من وجه آخر مثل ان يصرح المخاطب به) اى بانتفاء الغير (و) ذلك التصريح بأن (يقول ما زيد الا قاعد) فانه صريح في انتفاء الغير اعني القيام فيكون اشتراط تحقق تنافى الوصفين ليكون اثباتها مشعرا بانتفاء الغير بعد هذا التصريح لغوا محضا فتأمل جيدا.

(وايضا) يلزم على هذا الاشتراط ان (يخرج حينئذ قولنا ما زيد الا شاعر عن) جميع (اقسام القصر لعدم التنافي بين الشعر والكتابة) فلا يكون على هذا الاشتراط قصر قلب ولا يعتقد المخاطب اجتماعها ولا يردد بينهما فلا يكون قصر افراد ولا قصر تعيين (على انه لا شبهة لنا في كونه قصر قلب على ما صرح به صاحب المفتاح) فالشرط لقصر القلب عند صاحب المفتاح هو اعتقاد المخاطب عكس ما يذكره المتكلم سواء تحقق التنافي بين الوصفين ام لا (ولقد احسن) صاحب المفتاح (في عدم اشتراط هذا الشرط) اى التنافى.

(واما ما يقال من ان هذا) اى تنافي الوصفين (شرط حسن القلب) لا شرط صحته حتى يرد ما ذكر (فمما لا يفهم من اللفظ) اى من لفظ المتن (بل يأباه لفظ الايضاح).

وذلك لانه قال في قصر الافراد ما حاصله انه يشترط فيه عدم التنافي ليتصور اعتقاد المخاطب اجتماعهما وقال فى قصر القلب ما حاصله انه يشترط فيه التنافي ليكون اثباتها مشعرا بانتفاء غيرها فلم يذكر في الموضعين ما يدل على الفرق بينهما فحمل الاول على شرط الصحة والثانى


على شرط الحسن تعسف بحت.

(ولو فهم) من المتن ان هذا شرط حسن قصر القلب (فلا دليل عليه لانا لا نسلم عدم حسن قولنا ما زيد الا شاعر لمن اعتقده كاتبا لا شاعرا وكذا) لا دليل على (ما يقال ان المراد) بتنافي الوصفين (التنافي في اعتقاد المخاطب) لا بحسب الواقع ونفس الامر وذلك (بان لا يجتمع فيه) اى فى اعتقاد المخاطب (الوصفان) وذلك (لان هذا الاشتراط حينئذ يكون ضايعا) ولغوا (لانه قد علم) من المتن المتقدم اعني قوله وبالثانى من يعتقد العكس الخ (ان قصر القلب هو الذي يعتقد المخاطب فيه العكس اعني ثبوت ما نفاه المتكلم ونفى ما اثبته) ثم لو كان المراد التنافي في اعتقاد المخاطب يرد على كلام المصنف في الايضاح اشكال آخر اشار اليه بقوله (وايضا قد اعتبر صاحب المفتاح في قصر القلب كون المخاطب معتقدا للعكس فلا يصح قول المصنف) في الايضاح (انه) أى السكاكى (لم يشترط في قصر القلب تنافي الوصفين) وذلك لان اعتبار كون المخاطب في قصر القلب معتقدا للعكس عبارة اخرى عن تنافي الوصفين بهذا المعنى اى التنافى فى اعتقاد المخاطب.

(واما عدم اشتراط السكاكى فى قصر الافراد عدم تنافى الوصفين فمبنى على انه) اى السكاكى (ادخل فيه) اى فى قصر الافراد اى فى تعريفه (قصر التعين) كما تقدم ذلك آنفا فى قول التفتازانى ولهذا جعل صاحب المفتاح تخصيص شىء بشىء دون آخر مشتركا بين قصر الافراد والقصر الذى سماه المصنف قصر تعيين وجعل تخصيصه به مكان آخر قصر قلب فقط.


(وقصر التعيين اعم من ان يكون الوصفان فيه متنافيين) كالشاعرية والمفحمية (او غير متنافيين) كالشاعرية والكاتبية (لان اعتقاد كون الشيء موصوفا بأحد الامرين المتعينين) المعلوم ثبوت احدهما لا على التعيين (لا يقتضي امكان اجتماعهما ولا امتناعه فكل مادة) أي كل مثال (تصلح مثالا لقصر الافراد والقلب) فهو (تصلح مثالا لقصر التعيين من غير عكس) وذلك واضح لا يحتاج الى البيان.

(وللقصر) في كلامهم ومحاوراتهم (طرق) كثيرة (والمذكور) المبحوث عنه (ههنا اربعة) وسيأتي بيان كل واحد منها (و) انما قلنا ان للقصر طرق كثيرة لانه (قد) تقدم في احوال المسند اليه انه قد (يحصل القصر بتوسيط ضمير الفصل وكذلك قد تقدم فى بحث المسند انه قد يحصل بسبب (تعريف المسند) وكذلك تعريف المسند اليه فلا وجه لتركه (و) كذلك قد يحصل (بنحو قولك زيد مقصور على القيام و) بنحو قولك زيد (مخصوص به) اي بالقيام وبنحو القيام منحصر في زيد (وما اشبه ذلك) مما يدل على القصر لغة.

(فكانهم جعلوا القصر بحسب الاصطلاح عبارة عن تخصيص يكون بطريق من هذه الطرق الاربعة) المذكورة ههنا.

(ويمكن ان يجعل) ضمير (الفصل وتعريف المسند وكذا تعريف المسند اليه فلا وجه لعدم ذكره (ايضا من طرق القصر) الاصطلاحي بدليل البحث عنهما في الموضعين الذين اشرنا اليهما آنفا (لكن ترك) المصنف (ذكرهما ههنا لاختصاصهما) اى لاختصاص الحصر الحاصل بهما (بما بين المسند اليه والمسند مع التعرض لهما فيما سبق اى في الموضعين المشار اليهما آنفا.


(بخلاف العطف والتقديم) الذين يذكران ههنا (فانهما وان سبقا) في باب المسند اليه والمسند (لكنهما يعمان غير المسند اليه والمسند كا) لطريقين الاخرين من (الطرق) الاربعة (المذكورة ههنا وكان في قول المصنف منها ومنها) بلفظة من التبعيضية (دون ان يقول الاول والثانى) الدال على بيان عدد الطرق (ايماء الى هذا) اي الى امكان ان يجعل ضمير الفصل وتعريف المسند ايضا من طرق القصر الاصطلاحي لكنه ترك ذكرهما لما بينا من الاختصاص.

(منها) أي من طرق القصر (العطف) وانما قدم العطف على بقية الطرق لانه أقواها للتصريح فيه بالطرفين اعني المثبت والمنفي بخلاف غيره فانه يفهم ضمنا ثم اعلم ان النفي والاستثناء اصرح من انما واخر التقديم عن الكل لان دلالته على القصر ذوقية لا وضعية واعلم ايضا ان العطف يكون للقصر الحقيقي والاضافي وذلك لانه ان كان المعطوف خاصا نحو زيد شاعر لا عمرو فالقصر اضافي وان كان عاما نحو زيد شاعر لا غيره فالقصر حقيقي (كقولك في قصره اى في قصر الموصوف على الصفة افرادا زيد شاعر لا كاتب او ما زيد كاتبا بل شاعر مثل بمثالين احدهما ان يكون الوصف المثبت هو المعطوف عليه والمنفي هو المعطوف والثاني بالعكس وفيه اشعار بان طريق العطف للقصر هو لا وبل دون سائر حروف العطف).

وانما ذكر بل بعد النفي دون الاثبات لانها بعد النفي تفيد الاثبات للتابع فتفيد القصر وبعد الاثبات لا ترفعه عن المتبوع بل تجعله في حكم المسكوت عنه فلا تفيد القصر فقولك ما زيد كاتبا بل شاعر معناه نفى الكتابة عن زيد واثبات الشعر له ونحو زيد كاتب بل شاعر


معناه اثبات الشعر له مع السكوت عن نفي الكتابة واثباتها له وقد تقدم الكلام في ذلك في باب العطف على المسند اليه مستوفى فراجع ان شئت.

(واما لكن فظاهر كلام المفتاح والايضاح في باب العطف انه يصلح طريقا للقصر ولم يذكر له ههنا مثالا وقد اشرنا الى ذلك في بحث العطف) فراجع ان شئت.

(و) كقولك في قصره (قلبا زيد قائم لا قاعد ونفى القعود وان علم من اثبات القيام بناء على تنافيهما لكن لم يعلم منه) اى من اثبات القيام (كون المخاطب معتقدا للعكس فلطريق القصر دلالة على هذا المعنى) اى على كون المخاطب معتقدا للعكس (بخلاف مجرد الاثبات) من دون طريق القصر بان يقال زيد قائم من دون ان يقال لا قاعد (فانه) اى مجرد الاثبات (خال عن هذه الدلالة) وذلك ظاهر لا يحتاج الى البيان (و) كقولك (ما زيد قائما بل قاعد) قد تقدم الوجه في اتيانه بمثالين وفى ذكره بل بعد النفى واما وجه عدم التمثيل لقصر التعيين فسيأتي بعيد هذا.

(و) كقولك (في قصرها اى قصر الصفة على الموصوف زيد شاعر لا عمرو و) كقولك (ما عمرو شاعرا بل زيد) بنصب خبر ما على اللغة الحجازية (ويصح ان يقال ما شاعر عمرو بل زيد) بتقديم الخبر على الاسم (لكنه يجب حينئذ رفع الاسمين) يعني الاسم والخبر (لبطلان عمل ما بتقديم الخبر) كما اشار اليه ابن مالك في قوله

اعمال ليس اعملت ما دون ان

مع بقاء النفى وترتيب زكن

(وقد اجمع النحاة على صحة هذا التقديم وبطلان العمل وقد


ذكر فى شرح المفتاح انه يمتنع تقديم الخبر على الاسم) مطلقا اي (اذا عمل وكذا اذا لم يعمل) والوجه فى ذلك (اما لان اصله) اى اصل ما (العمل) فيمتنع التقديم لكونه موجبا لخروجه عن الاصل (واما لتوافق) اللغة الغير العاملة (اللغة العاملة) في عدم تقديم الخبر على الاسم (وهو) اى القول بامتناع تقديم الخبر اذا لم يعمل مستندا الى أحد الوجهين المذكورين (غلط فاحش لا يعرف له وجه صحة) لان جواز تقديم الخبر ظرفا كان او غيره مما لا خلاف فيه بينهم وانما الخلاف في انه هل يعمل ام لا قالا الرضي وقال ابن عصفور ومنعه العبدي لا يبطل عملها اذا كان الخبر المتقدم ظرفا كان او جارا ومجرورا لكثرة التوسع فيه كما تعمل ان واخواتها قال ابو علي زعموا أن قوما جوزوا إعمالها متقدمة الخبر ظرفا كان او غيره.

وقال الربعي الاعمال عندي هو القياس لبقاء معنى النفي.

وقال الرضي ايضا ما يدل على كون ما فى شرح المفتاح غلطا فاحشا من وجه آخر وهذا نصه اعلم ان الاصل فى ما ان لا يعمل كما في لغة بني تميم اذ قياس العوامل ان تختص بالقبيل الذي تعمل فيه من الاسم او الفعل لتكون متمكنة بثبوتها في مركزها وما مشتركة بين الاسم والفعل واما الحجازيون فانهم اعملوها مع عدم الاختصاص لقوة مشابهتها لليس لان معنييهما سواء في الحقيقة انتهى.

(واعلم انه لما لم يكن في قصر الموصوف على الصفة مثال الافراد) وهو قولك زيد شاعر لا كاتب او ما زيد كاتبا بل شاعر مثلا (صالحا لان يكون مثالا للقلب لاشتراط عدم التنافي في الافراد وتحقق التنافي في القلب على زعمه افرد للقلب مثالا) اخر (يتنافى فيه الوصفان)


وهو زيد قائم لا قاعد (بخلاف قصر الصفة) على الموصوف (فان مثالا واحدا يصلح لهما) اى الافراد والقلب وذلك لان ما ذكر من اشتراط التنافي وعدمه كما صرح به المصنف انفا انما يتأتى في قصر الموصوف على الصفة دون العكس لظهور التنافي بين كل موصوفين والفرق بين القصرين انما هو بحسب اعتقاد المخاطب كما يشير اليه بعيد هذا في النفي والاستثناء فقولك زيد شاعر لا عمرو صالح للافراد والقلب وكذا ما عمرو شاعرا بل زيد فتدبر.

(ولما كان كل مثال لهما) اى للافراد والقلب (يصلح مثالا لقصر التعيين) في قصر الموصوف على الصفة وفى عكسه (لم يتعرض لذكره) لا في قصر الموصوف على الصفة ولا في عكسه (وكذا الكلام في سائر الطرق) اى الطرق الثلاثة الانية فانه لم يتعرض فيها لذكر قصر التعيين لما ذكر ههنا.

(ومنها) اى من الطرق (النفى والاستثناء كقولك فى قصره) اى في قصر الموصوف على الصفة (افرادا ما زيد الا شاعر وقلبا ما زيد الا قائم وفي قصرها) اى في قصر الصفة على الموصوف (افرادا وقلبا ما شاعر الا زيد والكل) اى كل واحد من الامثلة الثلاثة المذكورة (يصلح مثالا للتعيين والتفاوت والفرق) بينه وبين الافراد والقلب) كما اشرنا انفا (انما هو بحسب اعتقاد المخاطب) فان كان معتقده اتصاف الموصوف بكلا الوصفين او كون الصفة لكلا الموصوفين فقصر افراد وان كان معتقده عكس ما في كلام المتكلم فقصر قلب وان ردد بينهما فقصر تعيين فلا حاجة الى تعدد المثال.

(ومنها) اى من الطرق (انما) بالكسر (كقولك فى قصره افرادا


انما زيد كاتب وقلبا انما زيد قائم وفى قصرها افرادا وقلبا انما قائم زيد) والكل يصلح مثالا للتعيين والتفاوت والفرق حسبما مر.

(واعلم ان كلام الشيخ فى دلائل الاعجاز مشعر بان لا) العاطفة (وانما يدلان على قصر القلب) فقط (دون) قصر (الافراد) فتعميم المصنف بالنسبة الى قصر الافراد غير موجه (لانه) اى الشيخ (قال) فى دلائل الاعجاز ما حاصله (ليس المراد بقولهم ان لا تنفى عن الثانى) اى عن المعطوف (ما وجب) اي ما ثبت (للاول) اى للمعطوف عليه (انها تنفى عن الثانى ان يكون) الثانى (قد شارك الاول) فى اعتقاد المخاطب (فى الفعل الا ترى انه ليس معنى) قولنا (جائني زيد لا عمرو انه لم يكن من عمرو مجيء مثل ما كان من زيد حتى كأنه عكس) اى خلاف اى رد (قولك جائني زيد وعمرو) كلاهما فليس قصر افراد (بل المعنى) اي معنى قولنا جائنى زيد لا عمرو (ان الجائي هو زيد لا عمر فهو كلام مع من غلط فزعم ان الجائي عمرو لا زيد) فهو قصر قلب (لا مع من انهما جائيان) حتى يكون قصر افراد.

ثم قال الشيخ فى توضيح ذلك ما هذا نصه والنكتة انه لا شبهة في انه ليس ههنا جائيان وانه ليس الا جاء واحد وانما الشبهة فى ان ذلك الجائى زيد ام عمرو فانت تحقق على المخاطب بقولك جائنى زيد لا عمرو انه زيد وانه ليس بعمرو انتهى.

ثم قال ما حاصله (وهذا المعنى) الذي بينا للاء العاطفة من كونها لقصر القلب دون الافراد حسبما اوضحناه (قائم بعينه فى انما فاذا قلت انما جائني زيد لم تنف ان يكون قد جاء مع زيد غيره)


حتى يكون قصر افراد (بل تنفي المجيء الذي اثبته) انت (لزيد عن عمرو) فيكون قصر قلب (فهو كلام مع من زعم ان الجائى عمرو) فقط (لا مع من زعم ان زيدا وعمرا) كلاهما (جائيان) فليس قصر افراد (فان زعمت ان المعنى انما جائني من بين القوء زيد وحده) حتى يكون قصر افراد (فانه تكلف والكلام) الصحيح المعتد به الذي له المعنى الجيد (هو الاول) اى كونه قصر قلب (وبه) اى بالمعنى الاول (الاعتبار اذا اطلق) الكلام (ولم يقيد بنحو وحده لانه) اى المعنى الاول (السابق الى الفهم) والمتبادر من الكلام (انتهى) حاصل (كلامه) ولكن لا يذهب عليك ان التفتازاني قد تصرف فى كلامه بحيث ليس وافيا بمجموع مرامه فراجعه ان شئت ان تعرف حقيقة ما رامه من كلامه.

(وانما كان) لفظ (انما مفيدا للقصر) خلافا لبعض الاصوليين حيث انكروا ذلك قال الرضى وقد خالف بعض الاصوليين فى افادته الحصر استدلالا بنحو قوله (ص) انما الاعمال بالنيات وانما الولاء للمعتق واجيب بأن المراد فى الخبرين التأكيد فكانه ليس عمل الا بالنية وليس الولاء الا بالعتق كقوله (ص) لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد انتهى.

(لتضمنه معنى ما) النافية (والا) الاستثنائية (وفى هذا الكلام) اى فى قوله لتضمنه كما سيصرح بذلك (اشارة الى ان) لفظة (ما فى انما ليست هى النافية) اذ لو كانت كذلك لكان المناسب ان يقول لكونه بمعنى ما والا (على ما توهمه بعض الاصوليين) وجماعة من البيانيين على ما صرح به ابن هشام وانى ليعجبني نقل كلامه


بتمامه لشدة ارتباطه بالمقام وان كان موجبا لطول الكلام فلا غائلة فيه لانه مما يوجب توضيح المباحث الاتية على الوجه التام.

قال في الباب الاول في بحث ما الزائدة وزعم جماعة من الاصوليين والبيانيين ان ما الكافة مع ان نافية وان ذلك سبب افادتهما للحصر قالوا لان ان للاثبات وما للنفي فلا يجوز ان يتوجها معا الى شيء واحد لانه تناقض ولا ان يحكم بتوجه النفى للمذكور بعدها لانه خلاف الواقع باتفاق فتعين صرفه لغير المذكور وصرف الاثبات للمذكور فجاء الحصر.

وهذا البحث مبني على مقدمتين باطلتين باجماع النحويين اذ ليست ان للاثبات وانما هي لتوكيد الكلام إثباتا كان مثل ان زيدا قائم او نفيا مثل ان زيدا ليس بقائم ومنه ان الله لا يظلم الناس شيئا وليست ما للنفي بل هي بمنزلتها في اخواتها ليتما ولعلما ولكنما وكأنما وبعضهم ينسب القول بأنها نافية للفارسى في كتاب الشيرازيات ولم يقل ذلك الفارسى في الشيرازيات ولا في غيرها ولا قاله نحوى غيره وانما قال الفارسى في الشيرازيات ان العرب عاملوا انما معاملة النفى والا في فصل الضمير كقول الفرزدق انما يدافع عن احسابهم انا او مثلي فهذا كقول الاخر

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطر الفارس الا انا

وقول ابي حيان لا يجوز فصل الضمير المحصور بانما وان الفصل في البيت الاول ضرورة واستدلاله بقوله تعالى (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) انما اشكو بثي وحزنى الى الله وانما توفون اجوركم يوم القيمة وهم لان الحصر فيهن في جانب الفاعل ألا ترى ان المعنى ما اعظكم الا بواحدة


وكذا الباقي انتهى.

ومن هنا يتضح لك ما اجمله التفتازانى في قوله (حيث استدلوا على افادته القصر بان ان للاثبات وما للنفى ولا يجوز ان يكونا لاثبات ما بعده) اى ما بعد لفظ انما (ونفيه) لانه تناقض (بل يجب ان يكونا لاثبات ما بعده ونفى ما سواه أو على العكس والثانى) اى العكس (باطل بالاجماع) وبأنه خلاف الواقع (فتعين الاول) اى كونه لاثبات ما بعده ونفى ما سواه (وهو معنى القصر و) انما قلنا (ذلك) اى قلنا ان لفظة ما في انما ليست نافية على ما توهمه بعض الاصوليين وان العكس باطل بالاجماع (لان ان لا تدخل الا على الاسم) فعلى ما توهمه البعض من ان ما نافية يلزم دخول ان على الحرف مع انه لا يدخل الا على الاسم واما بناء على كونها كافة فلا يلزم ذلك لان ما الكافة اسم عند جمع من النحويين على ما نقل عنهم ابن هشام في البحث المذكور فتأمل.

(و) لان (ما النافية لا تنفى الا ما دخلت عليه باجماع النحاة و) قد قلنا انه (اشار بلفظ التضمن) كما نبهناك آنفا (الى انه) اى لفظ انما ليس بمعنى ما والا حتى) يكون لفظ انما ومجموع ما والا كأنهما لفظان مترادفان).

وانما قال كانهما ولم يقل حتى انهما لانه لو فرض ان انما بمعنى ما والا لا يكونان مترادفين يكونان كالمترادفين لان من شرط المترادفين ان يتحدا معنى وافرادا في اللفظ وهنا ليس كذلك لان انما مفرد وما والا مركب ولهذا لا يقال الانسان مرادف للحيوان الناطق (اذ) قد اشرنا في شرح الديباجة عند قوله اكثرها للاصول جمعا الى انه (فرق


بين ان يكون في الشيء) اي في انما مثلا (معنى الشيء) اي معنى ما والا مثلا (و) بين (ان يكون الشىء) اى انما (الشىء) اى ما والا (على الاطلاق) اى في المعنى والاحكام من غير اعتبار التضمن (فليس كل كلام يصلح فيه ما والا يصلح فيه انما كما سيجيء) في بيان وجوه الاختلاف بين الطرق الاربعة من أن انما تستعمل فيما من شأنه أن لا ينكره المخاطب وما والا بالعكس وايضا تزاد لفظة من مع ما والا نحو ما من اله الا الله ولا تزاد مع انما فلا يقال انما من اله الا الله.

(ثم) اى بعد الاشارة الى ابطال ما توهمه البعض (استدل على) مدعاه من (تضمنه) اى تضمن لفظ انما معنى (ما والا بثلثة اوجه اشار الى) الوجه (الاول) من تلك الوجوه (بقوله لقول المفسرين) القدماء الذين استدل اصحاب هذا الفن بكلامهم وهم المتقدمون من العرب العارفون بموضوعات الألفاظ قبل تدوين هذا الفن كأبن عباس وابن مسعود ومجاهد فهو من باب الاستدلال باللغة وليس المراد المتأخرين من المفسرين الذين يستدلون بقول اصحاب هذا الفن لأنه لو كان ذلك للزم الدور.

(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) في قرائة من قرأ (الْمَيْتَةَ) (بالنصب) ان (معناه ما حرم الله عليكم الا الميتة وهو اى هذا المعنى هو المطابق لقرائة الرفع اى رفع الميتة وتقرير هذا) الوجه بحيث يكون دليلا على مدعاه (ان) في الآية ثلاث قراءات الاولى (القراءة المشهورة) وهي (نصب (الْمَيْتَةَ) و (حَرَّمَ) مبنيا للمفعول و) الثانية (قرأ) الاية (برفع (الْمَيْتَةَ) و (حَرَّمَ) مبنيا للفاعل ايضا و) الثالثة (قرء برفعها) اى برفع (الْمَيْتَةَ)


(حَرَّمَ) مبنيا للمفعول كذا في تفسير الكواشي) قال بعض ارباب الحواشي هو بضم الكاف وتخفيف الواو نسبة الى كواشة حصن من اعمال موصل وهو الامام موفق الدين احمد بن يوسف الحسين الكواشى (فعلى) القرائة الاولى اى (قرائة نصب (الْمَيْتَةَ) و (حَرَّمَ) مبنيا للفاعل) لفظة (ما في انما كافة قطعا اذ لو كانت) لفظة ما (موصولة) على ان تكون اسما لان وتكون الجملة بعدها صلة لها (لبقى) حينئذ (ان بلا خبر) والتقدير كما في ان محلا وان مرتحلا تعسف لا يرتكب مع الوجه الصحيح المقطوع (و) لبقى (الموصول) يعني لفظة ما (بلا عائد) لان المستتر في حرم لله تعالى والتقدير كما سبق.

(بل لم يبق للكلام) اي للاية (معنى اصلا) لان الخبر هو الجزء المتم الفائدة ولأن كل الموصولات تلزم بعدها صلة على عائد لائق مشتملة وبدون ذلك لا معنى للكلام فان تكلف متعسف ويجعلها موصولا والعائد الضمير المستتر في حرم والخبر محذوفا ليصير المعنى ان الذي حرم الميتة هو الله تعالى فهذا عكس المقصود اذ المقصود بيان المحرم بالفتح وهذا يفيد بيان المحرم بالكسر وقس عليه الوجوه المتكلف فيها التي ارتكبوها.

(واذا فسروا قرائة النصب بما حرم الله عليكم ثبت ان انما متضمن معنى ما والا) لانهم كما قلنا عارفون بموضوعات الألفاظ قبل تدوين هذا الفن (فطابقت هذه القرائة) من حيث المعنى (قرائة الرفع لان ما فيها) اي في قرائة الرفع (موصولة) قطعا (و) لذلك نقول أن (العائد محذوف) ومقدر ولا غرو فيه للاحتياج اليه (والميتة خبر ان تقديره ان الذي حرمه الله عليكم الميتة وهذا يفيد القصر لما مر


في تعريف المسند من ان نحو المنطلق زيد وزيد المنطلق يفيد حصر الانطلاق على زيد) سواء كان اللام موصولا بمعنى الذى او حرف تعريف.

(فان قلت هلا جعلت) لفظة (ما في قرائة الرفع كافة مثله في قرائة النصب قلت اما على قرائة (حَرَّمَ) مبنيا للفاعل وهو المذكور في المفتاح والمقصود ههنا فظاهر انها ليست بكافة لان حرم مسند الى ضمير الله) فلا يمكن جعل الميتة مسندا اليه له لان الفعل لا يسند الى شيئين مستقلين (فلا وجه لرفع الميتة الا على تأويل) بعيد اى (انما حرم الله شيئا هو الميتة) حاصله تقدير المفعول وجعل الميتة خبرا لمحذوف والجملة صفة لذلك المحذوف (ومع ظهور هذا الوجه الصحيح وهو ان يجعل ما موصولة والعائد محذوفا والميتة خبر ان والتقدير ان الذى حرمه الله عليكم الميتة لا مجال لارتكاب هذا التأويل) البعيد.

(واما على قرائة (حَرَّمَ) مبنيا للمفعول فيحتمل ان تكون ما كافة وان تكون موصولة) ومعلوم أن ان على الاول تكون ملغاة دخلت على الفعلية واما على الثانى فهي عاملة دخلت على الاسمية كما هو الأصل فيها.

(ونقل ابو علي عن الزجاج انه اختار ان تكون ما كافة وحرم مسندا الى الميتة لكنا نقول) ان (جعلها موصولة اسم ان والميتة خبرها اولى) وذلك (ليبقى) لفظة (ان عاملة) بناء (على ما هو الاصل) في جميع العوامل الى هنا كان الكلام فى الوجه الاول.

(واشار الى) الوجه (الثاني بقوله لقول النحاة) اى القدماء منهم الذين أخذوا النحو من استقراء كلام العرب مشافهة فهم انما


يقولون ما تقرر عندهم من جهة استقراء اللغة فليس المراد النحاة المتأخرين الذين اخذوا القواعد النحوية من الكتب المدونة وايضا ليس المراد منهم المفسرين فلا تكرار مع الوجه الاول والمراد ايضا بعضهم لا كلهم وذلك لما صرح به التفتازانى من انهم اختلفوا في افادة انما للقصر.

(انما لاثبات) مجموع (ما يذكر بعده) لا الجزء الاخير مما يذكر بعده كما توهمه بعض ويأتي بيانه (ونفى ما سواه اى سوى) مجموع (ما يذكره بعده) وذلك في كلا القصرين من غير فرق فيهما في معنى لفظة انما من حيث الاثبات مع الفرق فيهما في معناها من حيث المنفى (اما في قصر الموصوف على الصفة نحو انما زيد قائم فهو لاثبات قيام زيد) جميعا (ونفى ما سواه) مما يقابل قيامه (من القعود) اى قعود زيد بالخصوص لا عمرو وبكر ونحوهما (ونحوه) من الاضطجاع والانحناء ونحوهما مما يقابل قيامه بخصوصه.

(واما في قصر الصفة) على الموصوف (فهو) ايضا (لاثبات قيامه) اي قيام زيد (ونفى ما سواه) مما يقابل قيامه (من قيام عمرو وبكر وغيرهما) يعني قيام جعفر وزهير ونعمان وأمثالهم.

(فما سوى الحكم المذكور بعده) اى بعد انما (فى كل من القصرين) شيء (مخصوص) لا عموم فيه حتى يشمل جميع ما سوى الحكم المذكور (لظهور انه لا ينفى كل حكم سواه) اما اذا كان القصر اضافيا فظاهر انه لا ينفى الا مقدارا يكون الاثبات في معتقد المخاطب بالنسبة اليه واما اذا كان حيققا فلان ما سوى الحكم المذكور بعده في نحو انما زيد قائم يشمل قيام عمرو وقعوده ونحوهما مع انه لا


ينفى ذلك قطعا وفي نحو انما يقوم زيد يشمل كونه كاتبا وكونه شاعرا ونحوهما وكذا يشمل قعود غيره وكتابته وشعره وأمثالهما مع أنه لا ينفى ذلك قطعا.

(و) قد ظهر مما بينا لك ان انما لاثبات مجموع ما يذكر بعده لا الجزء الاخير فقط من غير فرق في القصرين في معناه من حيث الاثبات لكن (قد يقال) أنه ليس لاثبات المجموع من غير فرق والى ذلك أشار بقوله (ان المراد) أى مراد النحاة (انه لاثبات الجزء الاخير) فقط (مما) يذكر (بعده لموصوف) مع نفى ما سواه اى ما سوى الجزء الاخير فهو فى نحو انما زيد قائم لاثبات القيام فقط لزيد ونفي ما سوى القيام من القعود ونحوه هذا في قصر الموصوف على الصفة (او لاثباته) اي الجزء الأخير (على صفة مع نفي ما سواه) اى ما سوى الجزء الأخير فهو في نحو انما يقوم زيد أو انما قائم زيد لاثبات زيد على صفة أعني القيام ونفي ما سوى قيام زيد أعني قيام عمرو وبكر وغيرهما هذا في قصر الصفة على الموصوف (وهو تكلف) مستغنى عنه وجه التكلف أن هذا القائل جعل كل واحد من الاثبات والنفي في كل واحد من القصرين بمعنى فانه جعله في الاول لاثبات شيء أي القيام لشيء أي الموصوف وجعله في الثاني لاثبات شيء اي الموصوف على شيء أي القيام.

ففرق في الموضعين في معناه والأصل عدم الفرق في معنى الكلمة بسبب المكان اذ من البعيد ان يكون في النظم كما نقلنا في آخر بحث متعلقات الفعل ما يدل على معنى تارة ولا يدل على ذلك المعنى تارة اخرى وايضا القول بأن المراد الجزء الأخير فقط خلاف ظاهر المتن اذ الظاهر منه


جميع ما يذكر بعده من غير فرق من حيث المعنى في الموضعين فتأمل جيدا.

(واشار إلى) الوجه (الثالث بقوله ولصحة انفصال الضمير معه أي مع انما كقولك انما يقوم انا كما تقول ما يقوم إلا انا) فهذا الانفصال يدل على انه متضمن معنى ما وإلا فيفيد القصر (إذ قد تقرر في علم النحو أنه لا يصح الانفصال الا لتعذر الاتصال) كما صرح بذلك في الألفية بقوله

وفي اختيار لا يجيء المنفصل

اذا تأتي أن يجيء المتصل

(ووجوه التعذر) أي تعذر الاتصال (محصورة) في امور خمسة كما صرح بذلك السيوطي (مثل التقدم) أي تقدم الضمير (على لعامل والفصل بينهما) أي بين الضمير والعامل (لغرض) كالحصر ونحوه (ونحو ذلك) مثل حذف العامل أو كونه أي العامل معنويا أو اسند اليه اي الى الضمير صفة جرت على غير من هي له (وجميع هذه الوجوه) الخمسة (منتفية ههنا) اي فى قولك انما يقوم انا (سوى أن يقدر الفصل لغرض) هو الحصر (بأن يكون المعنى ما يقوم إلا أنا) فتعين كونه للحصر.

ولكن اعترض بعضهم على هذا الدليل بأنه فيه دور لأن صحة الانفصال متوقفة على التضمن المذكور ومعرفة التضمن متوقفة على صحة الانفصال لاستدلالهم بها عليه.

واجيب عن ذلك باختلاف الجهة فان التوقف الاول توقف من حيث الوجود والحصول والتوقف الثانى من حيث العلم والمعرفة فلا دور لتغاير المتوقف والمتوقف عليه فتأمل.


(ثم استشهد لصحة هذا الانفصال ببيت) بعض (الفصحاء وصرح باسم الشاعر ليعلم انه) أي البيت (من الأبيات التي يستشهد بها لاثبات القواعد) لكونه من العرب الموثوق بعربيتهم (اذ ليس الغرض) من ذكر البيت (مجرد التمثيل) وقد تقدم في شرح الديباجة عند بيان الفرق بين الشواهد والأمثلة ما يفيدك ههنا فراجع.

(فقال) المصنف (قال الفرزدق أنا الذائد) هو اسم فاعل (من الذود وهو الطرد) والدفع (الحامي الذمار وهو) اي الذمار (العهد وفى) كتاب (الاساس) يقال (هو) اى فلان (الحامى الذمار) يقال ذلك فى حقه (اذا حمى ما) اى شيئا (لو لم يحمه) أي لو لم يحم ذلك الشيء (ليم) أي يلومه العقلاء على عدم الحماية (وعنف) اى عتب على ترك الحماية والمراد (من) ذلك الشيء الذي يلام على عدم حمايته (حماه) اى ابو زوجته او اخوها او عمها.

قال في المصباح حماة المرأة وزان حصاة ام زوجها لا يجوز فيها غير القصر وكل قريب للزوج مثل الأب والأخ والعم وفيه اربع لغات حما مثل عصا وحم مثل يد وحموها مثل ابوها يعرب بالحروف وحمئو بالهمزة مثل خبء وكل قريب من قبل المرأة فهم الاختان.

قال ابن فارس الحمئو ابو الزوج وأبو امرأة الرجل.

وقال في المحكم ايضا وحمؤ الرجل أبو زوجته أو اخوها او عمها فحصل من هذا أن الحم يكون من الجانبين كالصهر وهكذا نقله الخليل عن بعض العرب انتهى.

(وحريمه) أي ما حوله من حقوقه ومرافقه لأنه يحرم على غير مالكه أن يستبد بالانتفاع به كذا في المصباح.


وفسره بعضهم ههنا بأهل بيت الرجل وهو الأنسب (وانما يدافع عن أحسابهم أنا او مثلي) والشاهد في انفصال ضمير المتكلم اعنى أنا عن العامل أعني يدافع والغرض من الانفصال الحصر والتخصيص اي حصر الدفاع عن أحساب قومه في نفسه أو مثله وبعبارة اخرى (لما كان غرضه ان يخص المدافع) بالكسر (لا المدافع عنه) بالفتح (فصل الضمير وأخره) ليفيد الغرض المذكور (اذ لو قال انما ادافع عن أحسابهم) باتصال الضمير (لصار المعنى انه يدافع عن أحسابهم لا عن أحساب غيرهم كما إذا قيل لا أدافع الا عن احسابهم).

وبعبارة اخرى يصير المعنى حصر دفاعه في احساب قومه ونفيه عن احساب غيرهم (وليس ذلك معناه) اي المعنى الذي قصده الشاعر من قوله انما يدافع الخ (وانما معناه ان المدافع عن أحسابهم هو) اى الشاعر (لا غيره) من ابناء قومه.

(ولا يجوز ان يقال انه) اى انفصال الضمير (محمول على الضرورة) الشعرية لا على ان للشاعر غرض في هذا الانفصال حتى يثبت به المدعى اعني تضمن انما معنى ما والا فلا دلالة في هذا الانفصال عليه.

وانما قلنا انه لا يجوز ذلك (لانه كان يصح) اى يمكن للشاعر (ان يقول وانما ادافع عن احسابهم انا) باتصال الضمير المستتر في ادافع بناء (على ان أنا تأكيد) للضمير المستتر في ادافع فليس فى الاتصال ما يكسر له وزنا.

فلو كان الاتصال مفيدا لذلك الحصر لم يعدل الشاعر الفصيح عن الاتصال الذي هو الاصل في الضمير لما فيه من الاختصار المطلوب


عند الفصحاء غالبا الموضوع لأجله الضمير الى الانفصال الذى هو خلاف الأصل.

(ولا يجوز) ايضا (ان تكون) لفظة (ما) في انما (موصولة اسم ان) ولفظة (انا خبرها) اى خبر ان بناء على كون الكلام من باب الاخبار بالذي (اى ان الذى يدافع انا) فيحصل به الغرض اعني الحصر كما تقدم في قوله تعالى (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) فلا دليل فيه على المدعى اعني التضمن.

وانما قلنا انه لا يجوز ذلك (لان قوله انا الذائد) بتقديم انا (دليل على ان الغرض) اى غرض الشاعر (الاخبار عن المتكلم) اى عن نفسه (بصدور الذود والمدافعة عنه) لا عن غيره من ابناء قومه فالغرض جعل انا مخبرا عنه لانه في مقام الافتخار (و) حينئذ (ليس بمستحسن ان يقال انا الذائد والمدافع انا) بتقديم انا تارة وتأخيره اخرى لانه مستلزم لان يكون انا مخبرا عنه تارة ومخبرا به تارة اخرى مع كون الغرض في الصورتين واحدا وهو الاخبار والافتخار بصدور الذود والمدافعة عنه لا عن غيره من ابناء قومه فلا بد من ان يقال ان ما في انما كافة وهو مفيد للحصر لكونه متضمنا معنى ما والا (مع انه لا ضرورة في العدول عن لفظ من) الذي هو نص في العاقل (الى لفظ ما) الذي لغير العاقل او مشترك بينه وبين العاقل (وهو) اى لفظ من (اظهر في المقصود) اذ المقصود انما هو الشاعر وهو من العقلاء ولفظ من كما قلنا نص فيه فتأمل جيدا.

(فان قيل) نعم ولكن فيما ذكرت اشكال آخر وهو انه (كيف يصح اسناد الفعل) الذي فيه علامة الغائب اعني ياء المضارعة كما


صرح بذلك السيد الشريف في صرفه الفارسي بقوله : ياء در ينصر ويضرب علامت غيبت وحرف استقبال است.

(الى ضمير المتكلم) مع ان علامته الهمزة كما صرح بذلك السيد الشريف في كتابه المذكور فلا بد من جعل ما موصولة اسم ان ويدافع صلة ما وفيه ضمير غائب هو العائد ولفظة انا خبر ان فالكلام كما قلنا من باب الاخبار بالذي.

(قلنا لا نسلم ان الفعل) اى يدافع (غائب) وذلك (لان غيبة الفعل وتكلمه وخطابه باعتبار المسند اليه فالفعل في نحو ما يقوم الا انا وانت لا يكون غائبا) بل في الاول متكلم وفى الثاني خطاب.

ولا يذهب عليك ان هذا الكلام من التفتازاني مع تقريره ما في شرح التصريف من ان الياء للغايب المذكر ليس كما ينبغي فتأمل.

(ولو سلم) ان الفعل يعني يدافع غائب لما فيه من العلامة (فالمسند اليه في الحقيقة) ليس لفظة انا بل (هو) اى المسند اليه (المستثنى منه العام) المقدر (وهو غائب) اذ التقدير ما يدافع عن أحسابهم احد إلا أنا.

(وقد يستدل على تضمنه معنى ما وإلا بصحة إعمال الصفة الواقعة بعده على ما صرح به بعض النحاة نحو انما قائم ابواك) فعمل قائم في ابواك لاعتماده على النفي الذي تضمنه انما فهو (مثل ما قائم الا ابواك) في اعتماد الصفة على النفي الذي هو احد الشرائط لاعمال الصفة كما قال في الالفية

كفعله اسم فاعل في العمل

ان كان عن مضيه بمعزل

وولى استفهاما او حرف ندا

او نفيا او جا صفة او مسندا


اذ ليس في نحو انما قائم ابواك من الشرائط المذكورة الا النفي (وقد نقل في) وجه (تضمنه معنى ما وإلا مناسبة عن علي بن عيسى الربعي البغدادي وهي أنه لما كانت كلمة أن لتأكيد إثبات المسند للمسند اليه ثم اتصلت بها ما) الزائدة الكافة (المؤكدة).

قال الرضي في بحث حروف الزيادة قيل فائدة الحروف الزائدة في كلام العرب اما معنوية واما لفظية.

فالمعنوية تأكيد المعنى كما تقدم في من الاستغراقية والباء في خبر ما وليس فان قيل فيجب أن لا يكون زائدة إذا أفادت فائدة معنوية قيل انما سميت زائدة لأنه لا يتغير بها أصل المعنى بل لا يزيد بسببها إلا تأكيد المعنى الثابت وتقويته فكانها لم تفد شيئا لما لم تغاير فائدتها العارضة الفائدة الحاصلة قبلها ويلزمهم أن يعدوا على هذا ان ولام الابتداء والفاظ التوكيد اسما كانت اولا زوائد ولم يقولوا به.

وبعض الزوائد يعمل كالباء ومن الزائدتين وبعضها لا يعمل نحو (فَبِما رَحْمَةٍ).

وأما الفائدة اللفظية فهي تزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح او كون الكلمة أو الكلام بسببها مهيأ لاستقامة وزن الشعر أو لحسن السجع او لغير ذلك من الفوائد اللفظية ولا يجوز خلوها من الفوائد اللفظية والمعنوية معا وإلا لعدت عبثا.

ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ولا سيما في كلام الباري تعالى وأنبيائه وأئمته عليهم‌السلام وقد يجتمع الفائدتان في حرف وقد تنفرد أحداهما عن الاخرى انتهى.

(ناسب ان تضمن معنى القصر) الحاصل من ما والا (لان


القصر) بأي طريق كان (ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيد وذلك لان نحو قولك زيد جائني لا عمرو لمن يردد المجيء بينهما يفيد اثبات المجيء لزيد صريحا في قولك) او لا (زيد جائني وضمنا في قولك) ثانيا (لا عمرو لأن نفس المجيء لما كان مسلم الثبوت لأحدهما فاذا نفيته عن عمرو ثبت لزيد) ضمنا (ضرورة) ان المجيء المردد بينهما لا ينفى عن كليهما.

(فان قلت هذا اثبات على اثبات) فهو تأكيد واحد (لا تأكيد على تأكيد) لانه يلزم أن يكون هناك ثلاثة اثباتات (قلت اما الثانى أعني الاثبات الضمنى فتأكيد قطعا) لكونه كما قلت اثبات على اثبات (واما) الاثبات (الاول) أعني الصريح (فتأكيد ايضا بالنسبة الى نفس الحكم) يعني المجيء مجردا عن كونه مرددا بينهما او معينا لأحدهما المعين (لانه) كما قلنا (كان مسلم الثبوت قبل ذكره) وتعيينه لاحدهما المعين.

(و) لكن (يجب ان هذه المناسبة) التي نقلت عن علي بن عيسى (مناسبة ذكرت لوضع انما) حال كونه (متضمنا معنى ما وإلا فلا يلزم إطرادها حتى يكون كل كلام فيه تأكيد على تأكيد مفيدا للقصر مثل ان زيدا قائم) وذلك لأن المناسبة كما يأتي في الفن الثاني عند قوله والقول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد مرجحة للوضع وليست علة تامة ومصححة له ولذلك لا يلزم انعكاسها ايضا ان فرض انتفاء تلك المناسبة في بعض موارد القصر وللكلام تتمة تأتي هناك انشاء الله تعالى وساعدنا التوفيق منه عزوجل.

(ومنها اي من طرق القصر التقديم أي تقديم ما حقه التأخير


كخبر المبتدأ ومعمولات الفعل) سواء بقى له بعد التقديم اسمه ورسمه كما في زيدا ضربت أو لا كما في أنا سعيت في حاجتك على ما مر في بحث ما انا قلت (كقولك في قصره اي قصر الموصوف على الصفة تميمي أنا فان كان المخاطب يرددك بين قيس وتميم فالمثال قصر تعيين وان كان ينفيك عن تميم ويلحقك بقيس فقصر قلب وان كان معتقدا أنك تميمي وقيسي من جهتين فقصر افراد هذا ولكن فيه مناقشة أشار اليها بقوله (وكان الاحسن أن يذكر مثالين) أحدهما لقصر الافراد والثاني لقصر القلب (لأن هذا المثال) المذكور وحده (لا يصلح مثالا للجميع لأن التميمية والقيسية إن تنافيا لم يصلح لقصر الافراد) لما تقدم من أن شرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا عدم تنافي الوصفين أولان المخاطب العاقل لم يعتقد اجتماع المتنافين فى شيء واحد (والا) اى وان لم يتنافيا بأن يمكن اجتماعهما في شيء كالهاشمية والحنفية في محمد بن علي (ع) أو كالمحمدية والعجمية في سلمان (لم يصلح لقصر القلب) لما تقدم من أن شرط قصر الموصوف على الصفة تحقق تنافيهما ليكون إثبات التميمية مشعرا بانتفاء القيسية وفيه نظر تقدم بيانه.

(و) كقولك (في قصرها) أي قصر الصفة على الموصوف (أنا كفيت مهمك) هذا يصلح مثالا للاقسام الثلاثة فيكون (افرادا) اذا قلته (لمن) أي لمخاطب (اعتقد انك مع الغير كفيته و) يكون (قلبا) اذا قلته (لمن اعتقد انفراد الغير به و) يكون (تعيينا) إذا قلته (لمن اعتقد اتصاف أحدهما) أي انت أو الغير (به وكذا الكلام فى سائر معمولات الفعل مما يصح تقديمه) وقد بين ذلك فى النحو.


(وهذه الطرق الاربعة بعد اشتراكها في) الدلالة على القصر وفي (أن المخاطب بها يجب) في الاغلب وانما قال في الاغلب لئلا يستشكل بنحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ونظائره مما لا يحتمل فيه ذلك الحكم في المخاطب ومن هنا قالوا أن ذلك انما هو في الاضافي لا الحقيقي فتأمل.

(أن يكون حاكما حكما مشوبا) أي مختلطا أي ممزوجا (بصواب وخطأ وأنت تريد اثبات صوابه ونفي خطأه اما في قصر الافراد) سواء كان قصر الموصوف على الصفة أو العكس (فحكمه صواب في بعض وهو ما يثبته المتكلم وخطأ فى بعض وهو ما ينفيه وأما فى قصر القلب فالصواب كون الموصوف على أحد الوصفين) هذا في قصر الموصوف على الصفة (او كون الوصف لاحد الموصوفين) هذا في قصر الصفة على الموصوف (ويكون الخطأ) من المخاطب في الصورتين (في تعيينه) اى فى تعيين ذلك الاحد فيما اعتقده.

(وأما في قصر التعيين فالصواب ايضا كونه) اى كون الموصوف على أحد الوصفين هذا في قصر الموصوف او كون الوصف (لاحدهما) أي لاحد الموصوفين وهذا في قصر الصفة (والخطأ في تجويز كل منهما على التساوي) بالتفصيل الذي أوضحناه لك.

(تختلف) هذه الطرق الاربعة (من وجوه) أربعة فالوجه الاول ما بينه بقوله (فدلالة) الطريق (الرابع اى التقديم بالفحوى أي بمفهوم الكلام).

هذا مخالف لاصطلاح الاصوليين لان الفحوى عندهم عبارة عن مفهوم الموافقة وما نحن فيه من أقسام مفهوم المخالفة.

قال في القوانين أما المفهوم فاما ان يكون الحكم المدلول عليه


بالالتزام موافقا للحكم المذكور في النفي والاثبات فهو مفهوم الموافقة كدلالة حرمة التأفيف على حرمة الضرب ويسمى بلحن الخطاب وفحوى الخطاب وسيجيء الكلام في بيانه أواخر الكتاب والا فهو مفهوم المخالفة ويسمى بدليل الخطاب وهو أقسام مفهوم الشرط والغاية والصفة والحصر واللقب وغير ذلك انتهى.

(بمعنى أنه اذا تأمل) من له (الذوق السليم) والفهم المستقيم (في مفهوم الكلام الذي فيه التقديم فهم منه القصر وان لم يعرف انه في اصطلاح البلغاء) الذين دونوا علم البلاغة وهم العلماء البلغاء كالشيخ وأمثاله لا البلغاء الجهلاء كامرىء القيس لانه ليس لهم اصطلاح (كذلك) اي وان لم يعرف ان التقديم في اصطلاحهم من طرق القصر وأما الذي ليس له ذلك الذوق والفهم فلا نصيب له في ادراك المزايا وخواص التراكيب ولطائف الاعتبارات فربما ينكر أمثال هذا مع كمال قوته الادراكية في غير هذا الفن كما تراه ورأيناه.

(ودلالة الثلاثة الباقية بالوضع لأن الواضع وضع لا وبل) الذين هما من حروف العطف (والنفي والاستثناء) معه (وانما لمعان تفيد القصر).

وبعبارة اخرى أن الواضع وضع كل واحد من هذه الثلاثة لمعنى يجزم العقل عند ملاحظة ذلك المعنى بالقصر فليس المراد انها موضوعة للقصر بل المراد أنه وضعها لاثبات المذكور ونفى ما سواه وهذا يفيد القصر وان شئت فقل ان حرف النفي وضع لنفي الشي بعد الاثبات وحرف الاستثناء للاخراج من حكم النفى وذلك يدل على القصر بالاستلزام ومنه يعلم استلزام معنى بل وانما للقصر فتدبر جيدا.


(والاصل اى الوجه الثانى من وجوه الاختلاف أن الاصل في الاول اى في طريق العطف النص على المثبت والمنفى) جميعا (كما مر من الامثلة) من قولك زيد شاعر لا كاتب وما زيد قائما بل قاعد ونحوهما من الامثلة المتقدمة في طريق العطف (فان فى لا المعطوف عليه هو المثبت والمعطوف المنفى وفي بل العكس) فليتأمل.

وليعلم ان للاصل عندهم معان كثيرة والمراد منه ههنا الكثرة مع الترجيح كما يشعر بذلك قوله (فلا يترك النص عليهما) اى على المثبت والمنفى (الا كراهة الاطناب) لضيق المقام ونحوه مما مر (كما اذا قيل في مقام قصر الموصوف على الصفة (زيد يعلم النحو والتصريف والعروض او) قيل في مقام قصر الصفة على الموصوف (زيد يعلم النحو وعمرو وبكر فتقول فيهما اى فى هذين المثالين) اى فى المقامين (زيد يعلم النحو لا غير اما فى) المثال (الاول) اى فى المقام الاول (فمعناه) اى معنى لا غير (لا غير النحو وهو قائم مقام) المنفى اى لا التصريف ولا العروض وأما فى) المثال (الثانى) اى فى المقام الثانى (فمعناه لا غير زيد وهو) ايضا (قائم مقام) المنفى اي (لا عمرو ولا بكر وحذف المضاف اليه من غير وبنى علم الضم تشبيها بالغايات من جهة الابهام اى الظروف المقطوعة عن الاضافة.

قال الجامي وسميت الظروف المقطوعة عن الاضافة غايات لان غاية الكلام كانت ما اضيفت هى اليه فلما حذف صرن غايات ينتهى بها وانما بنيت لتضمنها معنى حرف الاضافة وشبهها بالحروف فى الاحتياج الى المضاف اليه واختير الضم لجبر النقصان.

وقال ايضا وأجرى مجراه أى مجرى الظرف المقطوع عن الاضافة


لا غير وليس غير فى حذف المضاف اليه والبناء على الضمة وان لم يكن غير من الظروف لشبهه بالغايات لشدة الابهام الذي فيه كما فيها ولا يحذف منه المضاف اليه الا بعد لا وليس نحو افعل هذا لا غير وجائني زيد ليس غير لكثرة استعمال غير بعدهما.

(و) لكن في المقام مناقشة قوية وهى ان (المسطور فى كلام بعض النحاة) يعني الرضى (ان لا هذه ليست عاطفة وانما هى لا التي لنفي الجنس) والتغاير بينهما من وجهين لان العاطفة ما بعدها مفرد ومحكوم باعراب ما قبلها والنافية للجنس ما بعدها مبني اذا كان مفردا وجزء جملة مطلقا فالمثال خارج عما نحن فيه فتأمل.

(او نحوه اى نحو لا غير مثل لا ما سواه ولا من عداه وما أشبه ذلك) كالمثالين في قوله (وقد مثل في المفتاح في هذا المقام اي في مقام طريق العطف (بنحو ليس غير وليس إلا واعترض عليه بأن هذا ليس طريق العطف بل طريق النفى والاستثناء لان معنى زيد يعلم النحو ليس معلومه الا النحو) هذا في قصر الصفة (او ليس العالم بالنحو الا زيدا) هذا في قصر الصفة على الموصوف.

(واجيب بأن ترك النص المثبت والمنفي في) طريق (العطف قد يكون بأن يحذف المنفى) فقط دون العاطف (ويقام مقامه) أي مقام المنفى المحذوف (لفظ اخصر منه متناول له ويكون العطف بحاله) وذلك لكون العاطف باقيا في الكلام (و) قد (يكون) ترك النص على المثبت والمنفي (بأن يحذف العاطف والمعطوف جميعا ويقام مقامهما لفظ اخصر يؤدي معناهما) وذلك (مثل ليس غير وليس الا وحينئذ لا يبقى العطف) في ظاهر الكلام (فليتأمل فانه دقيق)


وبالتأمل حقيقى.

هذا ما يقتضيه المقام من شرح لعبارة ولكني اظن قويا وان كان الظن لا يغني من الحق شيئا ان الاعتراض من أصله غير وارد لان من المظنون قويا أن نظر المفتاح في التمثيل الى ما قاله الكوفيون من ان ليس كما صرح به السيوطي في باب عطف النسق من حروف العطف فلا وجه للاعتراض فضلا عن الجواب.

وان قيل ان التعبير في الجواب بلفظ اجيب قوى صرح بذلك في خاتمة كتاب الجامي في الحاشية وهذا نصه السؤال ثلاثة اقسام قوي ومتوسط وضعيف فالقوي لقائل والمتوسط فان قلت والضعيف فان قيل والجواب ايضا ثلاثة اقسام قوي ومتوسط وضعيف أما القوي فأجيب والمتوسط فقلت والضعيف فيمكن انتهى.

(فالاصل فى) طريق (العطف النص عليهما) اي على المثبت والمنفى (وفي الثلاثة الباقية) الاصل اى الكثير الراجح (النص على المثبت فقط دون النفى) فلا ينص على المنفي وانما يدل عليه ضمنا والا فلا قصر لانه من مقوماته (نحو ما زيد الا قائم وانما هو قائم وقائم هو فانه لا نص فيه) اي فى كل واحد هذه الامثلة الثلاثة (على المنفى اعني القعود) فلا يترك النص على المثبت الا قليلا كما فى نحو ما زيدا ضربت وما انا قمت فانه في التحقيق كما تقدم فى بحث ما أنا قلت لقصر الفعل على غير المذكور لا لقصر نفى الفعل على المذكور فالمثبت المذكور المقصور عليه غير مذكور.

(والنفى اى الوجه الثالث من وجوه الاختلاف أن النفي بلا العاطفة لا مطلق النفي اذ لا دليل على امتناع ما زيد الا قائم ليس


هو بقاعد) فاجتمع النفى بليس مع النفى والاستثناء (وانما لم يقل طريق العطف كما) عبر به (في المفتاح لان الحكم) بعدم الاجتماع مع الثانى (مختص بلا دون بل) أي لا يجري الحكم في بل أصلا (لا تجامع) الطريق (الثانى اعني النفى والاستثناء لا يقال) في قصر الموصوف على الصفة (ما زيد الا قائم لا قاعد و) لا يقال في قصر الصفة على الموصوف (ما يقوم الا زيد لا عمرو وقد يقع مثل ذلك في) كلام المولدين من العرب وفى (تراكيب المصنفين) من الاعاجم وغيرهم كالزمخشري فى تفسير قوله تعالى (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) حيث قال ما هو اصلح لك لا يعلمه الا الله لا أنت ولا من تشاوره وفى قوله (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا* نَذِيراً) لا حفيظا ولا مهيمنا وفى قوله اى الزمخشرى وما هى الا شهوات لا غير وكالحريرى فى المقامة الخامسة والعشرين الكرجية حيث انشد

لعمرك ما الانسان الا ابن يومه

على ما تجلى يومه لا ابن امه

وما الفخر بالعظم الرميم وانما

فخار الذي يبغى الفخار بنفسه

(لا فى كلام البلغاء الذين يستشهد بكلامهم) فالاستشهاد بكلام الزمخشري وامثاله في بعض الموارد انما هو فيما لا يخالف المنقول من الجمهور والقدماء من المفسرين والنحاة العارفين بموضوعات الالفاظ ومعانيها المرادة منها اما بحسب السليقة كابن عباس وابن مسعود ومجاهد أو بحسب تتبع كلام العرب الموثوق بعربيتهم كالخليل وسيبويه وأمثالهما.

(لان شرط المنفي بلا العاطفة على ما صرح به فى المفتاح ودلائل الاعجاز أن لا يكون ذلك المنفي منفيا قبلها بغيرها من ادوات النفي


لانها موضوعة لان تنفى ببا ما اوجبت) اى اثبت (للمتبوع) هذا في قصر الصفة على الموصوف نحو زيد قائم لا عمرو ظاهر لا غبار عليه واما في قصر الموصوف على الصفة نحو زيد قائم لا قاعد ففيه خفاء فلا بد فيه من ان يقال اوجبت لقائم كونه ثابتا لزيد ونفيت ذلك الكون عن قاعد فتدبر جيدا.

(لا لان تعيد بها النفى في شيء قد نفيته وهذا الشرط مفقود في النفي والاستثناء لانك اذا قلت) فى قصر الموصوف على الصفة (ما زيد الا قائم فقد نفيت عنه كل صفة وقع فيها التنازع حتى كأنك قلت ليس هو بقاعد ولا نائم ولا مضطجع ونحو ذلك) مما يعتقده المخاطب من الهيئات غير القيام كالمستلقى والمنحني والمتورك ونحوها (فاذا قلت لا قاعد) او نحوه مما يعتقده المخاطب (فقد نفيت بها) اى بلا العاطفة (شيئا هو منفى) قبلها اي قبل لا العاطفة (بما النافية وكذا اذا قلت) في قصر الصفة على الموصوف (ما يقوم الا زيد فقد نفيت عمرا وبكرا وغيرهما) ممن يعتقده المخاطب كونه مسندا اليه للقيام (عن القيام فلو قلت لا عمرو) او نحوه ممن يعتقده المخاطب (كان نفيا لما) الاولى لمن (هو منفى قبلها) اى قبل لا العاطفة (بحرف النفى وهذا خروج عن وضعها) لان وضعها كما قلنا لان تنفى بها ما اوجبته للمتبوع لا ما نفيته عن المتبوع.

فان هذا الموضوع له لا يوجد في نحو قولك زيد قائم لا قاعد لان اللازم مما بينت في وضعه ان يكون مورد النفى والايجاب واحدا والمورد في المثال ليس كذلك لان مورد النفى هو القعود ومورد الايجاب هو القيام فيلزم ان يكون المثال ونحوه على خلاف وضع لا العاطفة


مع شيوعه وكثرة استعماله.

(قلت لا نسلم ان المثال ونحوه على خلاف وضعها بل هو وارد على وضعها لان المثبت في المثال المذكور للمتبوع اعني قائم هو الاسناد الى زيد وهو المنفى عن قاعد كما اشرنا اليه آنفا.

(فان قلت ما فائدة قوله بغيرها وكأنه يجوز كون منفيها منفيا قبلها بلاء العاطفة الاخرى) نحو جائني الرجال لا النساء لا هند وذلك بناء على ارجاع الضمير في بغيرها الى مطلق لا العاطفة على سبيل الاستخدام لا الى خصوص شخص الفرد الذى فيه البحث والكلام فيصح المثال المذكور لان هندا وان كانت منفية قبل لا الداخلة عليها في ضمن النساء ولكن ليس نفيها في ضمن النساء بغير مطلق لا العاطفة بل بلا العاطفة الاخرى.

(قلت المراد به) اى بقوله بغيرها كما فسرناه آنفا (غيرها من كلمات النفى) مطلقا عاطفة كانت او غيرها (على ما صرح به في المفتاح وفائدته) اى فائدة قوله بغيرها بعد ما يراد به كلمات النفى مطلقا (الاحتراز عن ان يكون منفيا بفحوى الكلام) كما في تقديم ما حقه التأخير فانه ليس من تلك الكلمات نحو زيدا ضربت فان معناه لا عمرا فيجوز ان يقال زيدا ضربت لا عمرا اذ المنفى بلا اعني عمرا وان كان منفيا قبلها لكن النفى ليس بشىء من كلمات النفى بل بفحوى الكلام ومفهومه.

(او) ان يكون منفيا بسبب (علم السامع او المتكلم) كما يقال جاء زيد لا عمرو وانت او المتكلم عالم بعدم مجىء عمرو (او) ان يكون منفيا (بشىء من الافعال الدالة على النفى مثل امتنع) زيد


عن المجىء لا عمرو كما يأتى في المتن الاتى (و) قس على ذلك (ابى) زيد عن المجىء لا عمرو (وكف) زيد عن المجىء لا عمرو (وغير ذلك مما لا يعد من كلمات بالنفى) ويأتى بيانه في شرح المتن الاتى (فانه لا امتناع) في مجامعة لا العاطفة (في) شىء من (ذلك) كما مثلنا وذلك لان شيئا من المذكورات ليس من كلمات النفي.

(و) لهذا (كان الاحسن أن يصرح المصنف ايضا) كصاحب المفتاح (بقوله) اى بقول صاحب المفتاح (من كلمات النفي) حتى يفيد الاحتراز عن الامور المذكورة حسبما بيناه.

(واما ما ذكرت من الوهم) يعني قوله كأنه يجوز كون منفيها منفيا قبلها بلا العاطفة الاخرى (فهو مرتفع بالتأمل في قولنا دأب الرجل الكريم أن لا يؤذي غيره فان المفهوم منه أن لا يؤذي غيره) اى غير نفسه وشخصه لا غير مطلق الكريم أعني البخلاء فقط المراد أنه لا يؤذي غير شخصه (سواء كان كريما او غير كريم لان الضمير في غيره لذلك الشخص) لا مطلق الكريم (فقوله بغيرها) ايضا كذلك (اى بغير) شخص (لا العاطفة التي نفى بها ذلك المنفي) سواء كان غير شخصها لا العاطفة الاخرى أو غيرها من سائر كلمات النفي فلا يصح المثال المذكور لأن المنفي بشخص لا العاطفة الثانية اعني هندا منفي بغير شخص هذه الثانية لانها منفية في ضمن النساء بلا العاطفة الاولى.

ولما كان هنا مظنة سؤال وهو أنه اذا كان المراد بغيرها أن لا يكون منفيها منفيا بغير شخصها مطلقا فهذا يقتضي جواز كون منفيها منفيا بنفس شخصها وذلك ايضا غير صحيح فكان الواجب عليه أن يحترز


عنه أيضا.

فأجاب بقوله (ومعلوم انه يمتنع نفيه) اي نفى منفيها (قبلها بها) اى بنفس شخصها (اذ لا يخفى أنه لا يمكن ان ينفى شىء بلا العاطفة قبل الاتيان بها) لانه من قبيل وجود الدلالة قبل وجود ما به يوجد الدلالة وذلك مساوق لوجود المعلول قبل وجود العلة وذلك من أوضح انواع المحال.

(وبعضهم قد اخذوا هذا الوهم) اي جواز كون منفيها منفيا قبلها بلا العاطفة الاخرى (مذهبا وزعموا انه) اى قوله بغيرها (احترازا عن) خروج الصورة المتوهم جوازها وهى (ان يكون) منفيها (منفيا) قبلها (بلا العاطفة الاخرى نحو زيد قائم لا قاعد لا قاعد) بناء (على ان يكون) المنفى (الثانى تأكيدا) للمنفى الاول فالمراد من الثانى كما بينا المنفى الثانى لا لا العاطفة الثانيه وذلك بقرينة ما يأتى في المثال الثاني من ان الثانى بدل من الاول ومعلوم ان الابدال لا يتأتي في الحروف.

هذا ولكن يظهر من كلام بعض المحشين ان المراد بالثانى لا العاطفة الثانية فلذلك تنظر في المثال بل يظهر منه الحكم بفساده لانه قال فيه نظر لانه اذا كان تأكيدا لم يكن الكلام فيه اللهم الا ان يقال تأكيد للثانى وعطف على الاول انتهى فتأمل (ونحو جائني الرجال لا النساء لا هند ولا زينب ولا غيرهما) بناء (على أن يكون) الثانى وتالياه (بدلا) اى كلا من الكل لان قوله ولا غيرهما يدل على ان المراد الكل والكلام في المراد من الثانى ما قدمناه آنفا فتدبر جيدا.

(ويجامع النفى بلا العاطفة الاخيرين اى انما والتقديم) فيصح


ان (يقال) في قصر الموصوف على الصفة (انما انا تميمى لا قيسى) وفي العكس (هو يأتيني لا عمرو) فهو فاعل معنى قدم للحصر لكن في المثال مناقشة لاحتمال ان يقال ان التقديم فيه من باب التقوى لا التخصيص فليس نصا فيما نحن فيه الا على مذهب السكاكى والى ذلك اشار بقوله (والتمثيل بنحو زيدا ضربت احسن) فلا تغفل (لان المنفى فيهما اى في الاخيرين غير مصرح به فلا يكون المنفى بلا العاطفة منفيا بغيرها من ادوات النفى بخلاف النفى والاستثناء فانه وان لم يكن المنفى فيه مصرحا به لكن النفى مصرح به لوجود كلمة النفى واذا لم يكن الاخيران صريحين في النفى فلا بد وان يكونا صريحين في الايجاب فيكون لا نفيا لذلك المعنى الموجب فلا يلزم خروجها عن وضعها.

واما نحو قولك ما جائني زيد ولا عمر حيث تقدم فيه النفي صريحا فليس كلمة لا فيه لا العاطفة التي كلامنا فيها قال ابن هشام واذا قلت ما جائنى زيد ولا عمرو فالعاطف الواو ولا توكيد للنفي وفي هذا المثال مانع آخر من العطف بلا وهو تقدم النفي انتهى.

ومما يدل على ان النفي الضمني ليس في حكم النفى الصريح انه يصح ان يقال ما من إله الا الله وما من أحد الا وهو يقول ذلك) بزيادة كلمة من فيهما (ويمتنع) اي لا يصح لغة ان يقال (انما من اله الا الله وانما احد وهو يقول ذلك لان) كلمة (من لا تزاد) عند الاكثر (الا في النفي واحد بهذا المعني لا يقع الا فيه) اي الا في النفي.

وقد تقدم تفصيل ذلك في بحث ما أنا رأيت احدا وليعلم انا قد


اقتفينا في المثالين النسخة التى توجد فيها لفظة الا فيهما والدعى الفاضل المحشى والعهدة عليه انه قد خط عليها في النسخة المصححة من نسخة الشارح.

ثم قال ان ذلك الوجه هو المناسب للسياق اذ لا يخفى ان معنى النفي والاثبات مستفاد من انما فالا مستدرك قطعا الا أن يقال جيء بها على سبيل التوكيد ان كان الاستعمال لا يأباه على ان فيه مناقشة ظاهرة وهي انه لو وقع الا مصرحا بها لم لم يجعل النفي في حكم المصرح به فيجوز زيادة من وقوع احد كما جعل المنفى في حكم المصرح به في قولنا ابى زيد الا القيام لا القعود حتى امتنع كما سيأتى الان انتهى ومراده مما سيأتى قول التفتازانى بعيد هذا ثم ظاهر كلامهم الخ.

(وهذا) الذى ذكر في وجه صحة المثالين من ان النفي فيهما غير مصرح به (كما يقال امتنع زيد عن المجيء لا عمرو لانه وان دل على نفى المجىء عن زيد لكن لا) يدل على ذلك النفى (صريحا بل) يدل عليه (ضمنا وانما معناه الصريح ايجاب امتناع المجىء له فتكون لا في قولك لا عمرو تنفى عن الثانى) اي عن عمرو (ما) اي المجىء الذى (اوجبته للاول بخلاف ما جاء زيد لا عمرو فانه صريح فى النفى) اى في نفى المجىء عن زيد (فتكون لا نفيا للنفى وهو ايجاب فتخرج عن وضعها) لان وضعها كما قلنا لان تنفى بها ما اوجبته للمتبوع لا لان تعيد بها النفى في شيء قد نفيته قبلها بأدوات النفى.

(فالتشبيه) اي تشبيه المثالين (بقوله امتنع زيد عن المجىء لا عمرو من جهة ان النفى الضمني ليس في حكم نفى الصريح لا من جهة ان المنفى بلا العاطفة منفى قبلها بالنفى الضمنى كما في انا تميمى لا


قيسى) وهو يأتيني لا عمرو.

ولو اريد ذلك لم يصح التشبيه لفوات وجه الشبه حينئذ في المشبه به اعني امتنع زيد عن المجىء (اذ لا دلالة لقولنا امتنع زيد عن المجىء على نفى المجىء عن عمرو لا ضمنا ولا صريحا فليتأمل) فانه دقيق.

(ثم ظاهر كلامهم يقتضى جواز قولنا ابى زيد الا القيام لا القعود وقرأت الا يوم الجمعة لا سائر الايام لان المنفى بلا) العاطفة (ليس منفيا) صريحا (بشىء من كلمات النفى اللهم الا ان يقال ان التصريح بالاستثناء) يعني كلمة الا (مشعر بان النفى الضمني ايضا فى حكم المصرح به اى لم يرد زيد) شيئا من الحالات والهيئات (الا) حالة (القيام وما تركت القرائة) في كل الايام (الا يوم الجمعة فيمتنع) المثالان كما امتنع ما زيد الا قائم لا قاعد وما يقوم الا زيد لا عمرو لكون النفى فيهما مصرحا به.

(ثم قال السكاكى شرط مجامعته اى المنفى بلا العاطفة الثالث أى انما ان لا يكون الوصف) اريد حصره فى الموصوف (فى نفسه مختصا بالموصوف كما فى قولك انما أنا اثنا عشري فان الاثنا عشرية لا تختص بك وحدك (لعدم الفائدة فى ذلك) اى فى جمع النفى بلا العاطفة مع انما (عند الاختصاص) اذ لو كان الوصف مختصا بالموصوف لعدمت الفائدة لان الوصف اذا كان مختصا بالنظر الى نفسه تنبه المخاطب للاختصاص بأدنى تنبيه على ذلك فيكفى فيه كلمة انما فلا فائدة فى جمع لا العاطفة معها.

والقصد الى زيادة التحقيق والتأكيد انما يناسب المقام الذى يحتمل


عدم الاختصاص فيصير المخاطب على انكاره.

(نحو قوله تعالى (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) هذا مثال للوصف المختص بالموصوف (فانه يمتنع) عرفا بل لغة (ان يقال لا الذين لا يسمعون اذ كل عاقل يعلم انه لا يكون الاستجابة الا ممن يسمع ويعقل) اى كان سماعه مقرونا بالعقل فيميز بين المفيد له وبين غير المفيد له فيستجيب الذي يفيد له (بخلاف انما يقوم زيد لا عمرو اذ لا اختصاص للقيام فى نفسه بزيد).

فلا مانع من المجامعة المذكورة ولا يذهب عليك ان الآية من قبيل قصر الصفة على الموصوف والصفة فيها الاستجابة والموصوف فيها من يسمع ويعقل وقس عليه قصر الموصوف على الصفة ففيه ايضا شرط مجامعة لا العاطفة لانما ان لا يكون الموصوف مختصا بالصفة كقولنا المؤمن يتبع الرسول وآله عليهم‌السلام فانه يمتنع ان يقال لا غيرهم اذ كل عاقل يعلم ان الموصوف اعني المؤمن مختص بالصفة اعنى باتباع الرسول وآله عليهم‌السلام فتدبر جيدا.

الى هنا كان الكلام فيما قاله السكاكى وحاصله امتناع الاجتماع عند الاختصاص (وقال عبد القاهر) الاجتماع عند الاختصاص ليس بممتنع لكن (لا تحسن المجامعة المذكورة في الوصف المختص كما يحسن في غيره) اى في غير الوصف المختص (وهذا) الذى قاله عبد القاهر (اقرب) الى الصواب من قول السكاكي (اذ لا دليل على الامتناع عند قصد زيادة التحقيق والتأكيد) اي زيادة تحقيق الاثبات وتأكيده وقيل اى زيادة تحقيق النفي عن ذلك الغير وتأكيده.

وبعبارة اخرى ما قاله عبد القاهر من ان عدم الاختصاص شرط


الحسن والكمال لا شرط الصحة والجواز أقرب الى الصواب مما قاله السكاكي من انه شرط الصحة والجواز لا شرط الحسن والكمال لوجهين الاول ان ما قاله شهادة على النفي وما قاله الشيخ شهادة على الاثبات وقد بين في بحث الجارح والمعدل في علم الاصول أن الشهادة على الاثبات مقدم مع ان الشيخ أوثق منه في أمثال المقام.

والثانى انه يدعى امتناع المجامعة مطلقا اي سواء قصد زيادة التحقيق والتأكيد ام لا ولا دليل له على هذا الاطلاق (و) ليعلم انهم (لم يذكروا هذا الشرط في التقديم لا وجوبا) كما يقوله السكاكي في انما (ولا استحسانا) كما يقوله الشيخ فيظهر من ذلك جواز اجتماع النفى بلا مع التقديم بلا قبح مطلقا اى عند الاختصاص وعدمه (فكان دلالته) اى دلالة التقديم (على القصر اضعف من انما) فيحسن ذكر لا مع التقديم عند الاختصاص لزيادة التحقيق والتاكيد كقولك الانسان يتعجب فيضحك لا غيره.

(ثم قال عبد القاهر ان النفى فيما يجىء فيه النفى) اى فيما يجامع معه النفى اى مع الاخيرين اى انما والتقديم (يتقدم) النفى (تارة نحو ما جائني زيد وانما جائني عمرو ويتاخر) تارة (اخرى نحو انما جائني زيد لا عمرو وانما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) قال في الصحاح المسيطر والمصيطر المسلط على الشىء يشرف عليه ويتعهد احواله ويكتب عمله واصله من السطر انتهى.

(وفيه) اى في المثال الاول والثالث (بحث لان اي كلامهم في بيان الوجه الثالث من وجوه الاختلاف (في النفى بلا العاطفة) فقط (والا) اى وان لم يكن الكلام والنفى بها فقط (فلا دليل على امتناع)


مجامعة النفى بغير لاء العاطفة مع النفى والاستثناء (نحو ما جائني الا زيد لم يجيء عمرو وما زيد الا قائم ليس هو بقاعد و) الدليل على أن كلامهم في النفي بلا العاطفة لا مطلق النفي انه ورد (فى التنزيل) مجامعة النفي بغير لا العاطفة مع النفى والاستثناء (و) ذلك نحو (ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ).

وهل يمكن لهم مع ذلك أن يحكموا بامتناع مثل ذلك فعليه لا وجه لما قاله الفاضل المحشى وهذا نصه وقد يجاب عنه (اى عن البحث الوارد على عبد القاهر) بان الشيخ خص الكلام (في بيان الوجه الثالث) أو لا بالنفي بلا العاطفة ثم عمم ولهذا قال ثم أن النفي فيما فيه يجيء النفي حيث ذكر الاسم الظاهر ولم يقل ثم انه مع تقدم ذكر النفي بلا العاطفة كما يدل عليه النظر في دلائل الاعجاز انتهى فتدبر جيدا فان المقام من مزال الاقدام.

واعلم انه قد بقى في المقام شيء لا بد من ذكره وهو ان عند مجامعة طريقين من طرق القصر يسند القصر في لا مع انما الى انما لانه اقوى وفي لا مع التقديم الى التقديم لما ذكر واختلف في التقديم مع انما فقال بعض انه يستند الى التقديم لما ذكر وعكس بعض آخر وادعى اقوائية انما فتأمل.

(واصل الثانى) اى الكثير الراجح فيه (أن يكون ما استعمل) الثاني (له مما يجهله المخاطب وينكره بخلاف الثالث اي الوجه الرابع من وجوه الاختلاف) بين الطرق الاربعة (ان اصل النفي والاستثناء أن يكون الحكم الذي استعمل هو) اى الثانى اى النفى والاستثناء (له) اى للحكم (من الاحكام التي يجهلها المخاطب وينكرها بخلاف) الثالث


اعني (انما فان أصله) اى اصل انما (ان يكون الحكم المستعمل هو) اى انما (فيه) اى في الحكم (مما يعلمه المخاطب ولا ينكره كذا) قال المصنف (في الايضاح وقد نقله) اى هذا الوجه الرابع (عن دلائل الاعجاز حيث قال) الشيخ فيه (اعلم ان موضع) استعمال (انما ان يجيء لخبر) اى لحكم (لا يجهله المخاطب ولا ينكره او لما ينزل هذه المنزلة) اي لما ينزل منزلة ما لا يجهله المخاطب ولا ينكره وسيأتى مثال القسمين بعيد هذا.

(و) اما موضع استعمال (ما والا) فهو أن يكون (لما ينكره) المخاطب (او) لما (في حكمه) اى لما في حكم ما ينكره المخاطب بأن ينزل منزلة ما ينكره المخاطب وسيأتى مثال هذين القسمين أيضا بعيد هذا.

(وفيه) اى فيما ذكر في موضع انما (اشكال لان المخاطب اذا كان عالما بالحكم) وغير منكر له (ولم يكن حكمه مشوبا بخطأ لم يصح القصر بل لا يفيد الكلام) حينئذ سوى لازم الحكم) حسبما مر فى اول الباب الاول (فكان مراد الشيخ انه) اى انما (يجىء لخبر) اى لحكم (من شأنه ان لا يجهله المخاطب ولا ينكره حتى ان انكاره يزول بأدنى تنبيه لانه لا يصر عليه) اي على الانكار وقد تقدم في الباب المذكور في بيان قول الخطيب ويجعل المنكر كغير المنكر الخ ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(وعلى هذا يكون) ما ذكره الشيخ في انما (موافقا لما) ذكره السكاكى (في المفتاح وهو ان طريق انما ان يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطأه او يجب عليه) اي على المخاطب (ان لا يصر) على


خطأه وذلك كما تقدم في الموضع المذكور في مقام يكون مع المنكر شىء من الدلائل والشواهد ان تأمل المنكر ذلك الشىء ارتدع عن انكاره ومعنى كونه مع المنكر قد تقدم ايضا هناك فراجع ان شئت.

(ثم انه قد يترك كل من الاصلين) اى اصل النفى والاستثناء واصل انما وذلك كما يأتى بأن ينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب فيستعمل له النفى والاستثناء وبأن ينزل المجهول منزلة المعلوم فيستعمل له انما (اخراجا للكلام) اي بسبب اخراج الكلام (على خلاف مقتضى الظاهر) اذ الظاهر في الاول ان يستعمل انما وفي الثانى ما والا بالعكس انما هو لاخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لاعتبار مناسب يأتى بيانه عند ذكر الامثلة.

(فاشار) الخطيب (الى أمثلة الاصلين وتركهما) في المتن الى قوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) فأشار الى مثال الأصل الاول (بقوله كقولك لصاحبك وقد رأيت شبحا) اي شخصا.

قال فى المصباح الشيح الشخص والجمع اشباح مثل سبب واسباب (من بعيد ما هو الا زيد اذا اعتقده غيره اي اذا اعتقد صاحبك ذلك الشيح غير زيد) حال كونه اى صاحبك (مصرا على هذا الاعتقاد).

واشار الى مثال ترك هذا الاصل بقوله (وقد ينزل) الحكم (المعلوم) للمخاطب (منزلة المجهول) له (لاعتبار مناسب) ويأتى بيان الاعتبار بعيد هذا (فيستعمل له أى لذلك المعلوم الثانى أي النفى والاستثناء افرادا اي حالكونه قصر افراد نحو) قوله تعالى (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) هذا من قصر الموصوف على الصفة (اي مقصور


على) صفة (الرسالة لا يتعداها الى) صفة (التبرء من الهلاك) والموت فالمخاطبون وهم الصحابة رضى الله عنهم أجمعين عالمون بكونه صلى عليه وآله مقصورا على) صفة (الرسالة غير جامع بين الرسالة والتبرء من الهلاك لكنهم كانوا يعدون هلاكه) وموته (أمرا عظيما نزل استعظامهم هلاكه منزلة انكارهم اياه اى الهلاك) فكانهم اعتقدوا الوصفين اى الرسالة والتبرء من الهلاك (فاستعمل له النفي والاستثناء) ليثبت له «ص» الرسالة وينتفي عنه «ص» التبرء من الهلاك (والاعتبار المناسب هو الاشعار بعظم هذا الأمر في نفوسهم وشدة حرصهم على بقاء النبي «ص» فيما بينهم حتى كأنهم لا يخطرون هلاكه بالبال) والله العالم بحقيقة الحال وفي قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) شاهد على ما يدعى في هذا المجال.

وقوله (او قلبا عطف على قوله افرادا اي او يستعمل له الثاني حالكونه قصر قلب نحو) قوله تعالى حكاية عن الكفار القائلين للرسل (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا) اي تمنعونا (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي ببرهان وحجة قاطعة موضح صدقكم في دعواكم الرسالة من الله وفيما تدعوننا اليه من ترك ما كان يعبد آبائنا.

(فان المخاطبين بهذا الكلام) الصادر من الكفار (وهم) اي المخاطبين (الرسل عليهم‌السلام لم يكونوا جاهلين بكونهم بشرا ولا منكرين لذلك لكنهم نزلوا منزلة المنكرين لاعتقاد القائلين) اى الكفار (ان الرسول) من الله (لا يكون بشرا مع اصرار المخاطبين) اي الرسل (على دعوى الرسالة اي لان الكفار القائلين لهذا القول


أعنى ان أنتم الا بشر كانوا يعتقدون ان البشرية تنافي الرسالة في الواقع) وذلك لانهم كانوا يعتقدون أن الرسول من الله لا يكون إلا من الملائكة وذلك لانهم كانوا يعتقدون ان الرسول من الله بجلالة قدره ينزه عن البشرية والعجب من سخافة عقولهم حيث لم يرضوا ببشرية الرسول ورضوا بأن يكون الاله حجرا وبقرا ونحوهما ولنعم ما قيل بالفارسية

از پى رد وقبول عامه خود را خرمساز

چونكه كار عامه نبود جز خرى يا خر خرى

گاو را گويند كو باشد خدا عالمى

نوح را باور ندارند از پى پيغمبرى

(وان كان هذا الاعتقاد) اى اعتقاد ان البشرية تنافي الرسالة في الواقع (خطأ منهم) اذ لا تنافي بين البشرية والرسالة في الواقع (والرسل المخاطبون كانوا يدعون أحد الوصفين) المتنافيين في الواقع باعتقاد الكفار مع ان دعوى ثبوت أحد الوصفين المتنافيين (أعني الرسالة) في معنى دعوى نفي الوصف الآخر وانكاره وذلك لان مقتضى التنافي بين الشيئين عدم امكان الجمع بينهما (فنزلهم الكفار منزلة المنكرين للوصف الآخر أعني البشرية بناء على ما اعتقدوه) اى الكفار (من التنافي بين الوصفين فقلبوا هذا الحكم وعكسوه وقالوا إن أنتم الا بشر مثلنا اى انتم مقصورون على البشرية ليس لكم وصف الرسالة التي تدعونها) فأنتم كاذبون في دعوى الرسالة.

(ولما كان هنا مظنة سؤال) يرد على ظاهر الآية بناء على هذا التقرير (وهو أن القائلين) اى الكفار (قد ادعوا التنافي بين البشرية والرسالة وان المخاطبين) اي الرسل (مقصورون على البشرية والمخاطبون)


اى الرسل (قد اعترفوا بكونهم مقصورين على البشرية حيث قالوا ان نحن الا بشر مثلكم فكانهم) اي الرسل (سلموا انتفاء الرسالة عنهم) مع أن هذا اى انتفاء الرسالة لا يعقل ممن هو رسول الله واقعا هذا هو السؤال الوارد على ظاهر الآية على هذا التقرير.

(فأشار الى جوابه بقوله وقولهم اى قول الرسل المخاطبين ان نحن إلا بشر مثلكم من باب مجاراة الخصم اي التماشي معه وارخاء العنان اليه والمساهلة معه بتسليم بعض مقدماته) كالبشرية في المقام (ليعثر الخصم) وهو مشتق (من العثار وهو) بمعنى (الزلة لا من العثور وهو) بمعنى (الاطلاع) وذلك انما يكون (حيث يراد تبكيته اي اسكات الخصم والزامه) متدرجا الحق وحاصل معنى المجارات المشي مع الغير في الطريق وأنت تريد ازلاقه فتماشيه في الطريق المستقيم حتى اذا وصلت الى مزلقة أزلقته فاللام في ليعثر متعلق بالمجاراة وحيث يراد ظرف ليعثر (لا لتسليم) ما ادعاه الكفار اعني (انتفاء الرسالة فالرسل عليهم‌السلام كأنهم قالوا ان ما قلتم من انا بشر مثلكم حق لا ننكره ولكن ذلك لا يمنع) من (ان يكون الله قد من علينا بالرسالة) كما قال عزوجل ولكن الله يمن على من يشاء من عباده.

(و) ليعلم ان (هذا) اى كون قولهم من باب مجاراة الخصم (يصلح) ان يكون (جوابا لاثبات الرسل البشرية لانفسهم واما اثباتها) اي البشرية (بطريق القصر فليكون على وفق كلام الخصم) لا لتسليم ما ادعاه من قصر الرسل على صفة البشرية.

وبعبارة اخرى ان الرسل لم يريدوا القصر بل أصل الاثبات مجردا عما يدل عليه الكلام من القصر وانما عبروا بصيغة القصر لموافقة كلام


الخصم (كما هو دأب المناظرين) اي عادتهم وديدنهم.

(ويمكن تقرير السؤال بوجه آخر) غير التقر المذكور الذى كان حاصله ان الرسل كيف اعترفوا بمقالة الكفار مع كون الاعتراف بمقالتهم مشعرا بتسليم نفى الرسالة.

(وهو) اي التقرير الآخر عبارة عن الاشكال في استعمال النفي والاستثناء في كلام الرسل حيث (انه استعمل في قوله) تعالى حكاية عن الرسل (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (النفي والاستثناء مع ان المخاطبين) يعني الكفار (لا ينكرون ذلك بل يدعونه ويثبتونه مع التأكيد حيث قالوا (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا).

والجواب على هذا التقرير أن استعمال النفي والاستثناء انما هو لموافقة كلام الخصم واليه أشار التفتازانى بقوله واما اثباتها بطريق القصر الخ.

(و) لكن التقرير (الاول أوفق بجواب المتن) يعني بقوله من باب مجاراة الخصم الخ فليفهم.

وأما وجه الأوفقية فهو قوله فى المتن لا لتسليم انتفاء الرسالة فلان المناسب على التقرير الثاني أن يقال انما استعمل النفي والاستثناء لان المخاطبين اى الكفار ينكرون البشرية فتأمل جيدا.

(ومما اشتمل على تنزيل المعلوم منزلة المجهول) حال كونه (قصر قلب) ما تقدم بعض الكلام فيه في الباب الاول وهو (قوله تعالى حكاية عن أهل انطاكية حين كذبوا رسل عيسى عليه‌السلام (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ)) لفظة إن ههنا سهو لعله من قلم الناسخ فان نظم الآية ما أنتم وكذلك في (فقوله (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ) قصر قلب على ما قررنا


الآن في الآية المذكورة في المتن.

(وأما قوله) تعالى حكاية عن أهل انطاكية ((إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) فالظاهر انه قصر قلب ايضا لان المخاطبين) بهذا الكلام (وهم الرسل عليهم‌السلام يعتقدون أنهم صادقون قطعا وينكرون كونهم كاذبين) فقلب اهل انطاكية ذلك وعكسوه وقالوا إن انتم الا تكذبون.

(لكن حمله صاحب المفتاح على أنه قصر افراد يعني الذي سماه المصنف قصر تعيين) وقد تقدم الكلام في ذلك في أول الباب (بناء على نكتة وهي ان الكفار ترى) بضم التاء وكسر الراء أي يفهمون (المخاطبين) اى الرسل (وتنبههم على أن قطعهم بكونهم صادقين مما لا ينبغي أن يصدر عن العاقل البتة بل غاية أمرهم) أي الرسل (أن يكونوا مترددين بين الصدق والكذب كما هو) أي كونهم مترددين (ظاهر حال المدعى عند السامعين).

وبعبارة اخرى غاية أمر الرسل أن يكونوا مترددين بين الصدق والكذب عند أنفسهم كالتردد بينهما عند السامعين الذي هو ظاهر حال المدعى (فقصر وهم) أى فقصر الكفار دعوى الرسل (على الكذب (قصر تعيين) الذي سماه السكاكي قصر إفراد.

وأشار الى مثال الأصل الثاني بقوله (وكقولك) لأنه (عطف على كقولك لصاحبك يعني ان الاصل في انما ان يستعمل فيما لا ينكره المخاطب كقولك انما هو اخوك لمن يعلم ذلك) اي الاخوة (ويقربه) ولكن لا يشفق عليه (وأنت تريد) بهذا الكلام (ان ترققه) اي المخاطب (عليه) أي على هذا الأخ المراد بهو (أي أن تجعل من يعلم ذلك) اى الاخوة (رقيقا) مشتق من رقة القلب بالقافين لا من الرفق بالفاء


والقاف وذلك بقرينة قوله (مشفقا على ذلك الأخ) المراد بهو فقد ظهر مما قررنا أن المثال للاشارة الى الأصل الثاني فيكون على مقتضى الظاهر.

(و) لكن (الأولى) بناء (على ما ذكرنا) من الاشكال المتقدم على ما قاله الشيخ في دلائل الاعجاز من أن المخاطب اذا كان عالما بالحكم الخ (أن يكون هذا المثال من الاخراج لا على مقتضى الظاهر) اى خلاف مقتضى الظاهر.

(لانه لما لم يشفق على أخيه فكانه اخطأ وزعم أنه ليس بأخيه) فكانه منكر (لكنه غير مصر على ذلك) فاستعمل انما على خلاف الأصل اذ الاصل في انما أن يكون الحكم المستعمل هو فيه مما يعلمه المخاطب ولا ينكره والمفروض في المقام أن المخاطب جعل بمنزلة المنكر مع أنه عالم بذلك فظهر أن المثال من قبيل الاخراج لا على مقتضى الظاهر فتأمل.

وأشار الى مثال ترك الاصل بقوله (وقد ينزل) الحكم (المجهول منزلة) الحكم (المعلوم أي منزلة ما من شأنه أن يكون معلوما للمخاطب) حال كون المخاطب (لا يصر على انكاره) وقد تقدم توضيح ذلك في شرح الاشكال على الشيخ (لادعاء) المتكلم (ظهوره) اى ظهور ذلك الحكم المجهول للمخاطب (فيستعمل له) اى للمجهول المنزل منزلة المعلوم (الثالث اي انما نحو له تعالى حكاية عن اليهود (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)) فاستعملوا لعنهم الله كلمة انما لأنهم (ادعوا ان كونهم مصلحين أمر ظاهر من شأنه أن لا يجهله المخاطب) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو المؤمنين (ولا ينكره ولذلك) الادعاء الباطل


(جاء) قوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) للرد عليهم مؤكدا) بالفتح (بما ترى من ايراد الجملة الاسمية الدالة على الثبوت) مع التأكيد (وتعريف الخبر) يعنى المفسدون (الدال على الحصر الذى هو تأكيد على تأكيد وتوسيط ضمير الفصل المؤكد) بالكسر (لافادة الحصر وتصدير الكلام بحرف التنبيه) يعني لفظ ألا (الدال على ان مضمون الكلام مما له خطر والعناية اليه مصروفة ثم التأكيد بأن ثم تعقيب الكلام بما يدل على التقريع) اى اللوم (والتوبيخ وهو قوله تعالى (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) لانه يدل على انهم كالحيوانات بل الجمادات.

الى هنا كان الكلام في بيان وجوه الاختلاف بين الطرق الاربعة وما يتصل بذلك (فعلم) من ذلك (ان بين الطرق الاربعة مشاركة رباعية) وهي وجوب كون اعتقاد المخاطب في كل واحد منها مشوبا بصواب وخطأ.

(و) مشاركة (ثلاثية كاشتراك الثلاثة الاول) يعنى العطف وتالييه (في أن دلالتها على القصر بالوضع) بخلاف الرابع اى التقديم فان دلالته بالفحوى والذوق.

(و) كاشتراك (الثلاثة الاخيرة) أى النفي والاستثناء وتالييه (في انه لا تنصيص فيها على المثبت والمنفى بل على المثبت فقط) بخلاف الاول اي العطف فان الاصل فيه النص عليهما جميعا.

(و) مشاركة (ثنائية كاشتراك الاخيرين في صحة المجامعة مع لا العاطفة) وكاشتراك الاولين في عدم صحة تلك المجامعة.

(ومزية انما) قال فى الصحاح المزية الفضيلة ولا يبنى منه فعل فالمعنى ان فضيلة انما (على العطف انه تعقل منها اي من انما


الحكمان اي الاثبات للمذكور والنفي عما سواه معا) أى دفعة واحدة لان تعقلهما باعتبار تعقل ما والا وتعقل معناهما انما يكون دفعة واحدة لاستفادتهما من لفظ واحد اعنى انما.

(بخلاف العطف) فانه ليس كذلك (فانه يفهم منه اولا الاثبات ثم النفى نحو زيد قائم لا قاعد او على العكس نحو ما زيد قائما بل قاعد وذلك لان النفي والاثبات في كلتا الصورتين انما تعقل من لفظين.

(و) من المعلوم ان (تعقل الحكمين معا ارجح) من الترتيب (اذ لا يذهب فيه الوهم الى عدم القصر من اول الامر كما في العطف) وقد تقدم في الباب الخامس عند قول المصنف واما لدفع توهم ارادة غير المراد ابتداء ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(واحسن مواقعها اي مواقع انما التعريض) وهو اي التعريض كما يأتي في الفن الثاني في اوائل بحث الكناية نقلا عن صاحب الكشاف ان تذكر شيئا تدل به على شيء آخر لم تذكره (نحو قوله تعالى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) فانه تعريض بان الكفار من فرط جهلهم كالبهائم فطمع النظر) اى التفكر (والتأمل) فى الامور (منهم كطمعه منها اى كطمع النظر من البهائم) بل الجمادات وذلك من قبيل المحالات.

(قال الشيخ اعلم انك اذا استقريت) مواقع استعمال انما في الكلام (وجدتها) أي انما (اقوى ما تكون واعلق ما ترى بالقلب اذا كان لا يراد بالكلام بعدها نفس معناه ولكن) يراد بذلك الكلام (التعريض بأمر هو مقتضاها فانا نعلم قطعا ان ليس الغرض من قوله


تعالى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) ان يعلم السامعون ظاهر معناه ولكن) الغرض منه (ان يذم الكفار وأن يقال انهم من فرط الجهل كالبهائم) بل أضل سبيلا.

(ثم القصر كما يقع بين المبتدأ والخبر على ما مر) من انه يكون حقيقيا واضافيا قصر صفة على موصوف او العكس ومن انه يكون على أقسام ثلاثة من الافراد والقلب والتعيين كذلك (يقع بين الفعل والفاعل نحو ما قام الا زيد وغيرهما كالفاعل والمفعول نحو ما ضرب زيد الا عمرا وما ضرب عمرا الا زيد والمفعولين نحو ما اعطيت زيدا إلا درهما وما اعطيت درهما الا زيدا) ونحو ما علمت زيدا إلا قائما وما علمت قائما الا زيدا.

(و) بين (ذي الحال والحال نحو ما جاء زيد الا راكبا وما جاء راكبا الا زيد وكذا بين الفعل وسائر المتعلقات سوى المفعول معه) فلا يقال ما جئت الا وزيدا.

قال الرضي وأما المفعول معه فلا يجيء بعد الا لا يقال لا تمش إلا وزيدا ولعل ذلك لان ما بعد الا كأنه منفصل من حيث المعنى عما قبله لمخالفته له نفيا واثباتا فالا مؤذن من حيث المعنى بنوع من الانفصال وكذا الواو فاستهجن عمل الفعل مع حرفين مؤذنين بالفضل ولهذا لم يقع من التوابع بعد الا عطف النسق فلا يقال ما قام زيد الا وعمرو كما يقع الصفة انتهى.

(و) اما مثال سائر المتعلقات فهو (نحو ما قام زيد الا في الدار وما نام الا في الليل وما ضربته الا تأديبا وما طاب الا نفسا ونحو ذلك) نحو ما ضربت الا ضربا شديدا او ضربة او ضربا (وكذا) يقع


(بين الصفة والموصوف والبدل والمبدل منه نحو ما جائني رجل الا فاضل وما احد الا اخوك وما ضربت زيدا الا رأسه وما سلب زيد الا ثوبه).

اذا عرفت ذلك (ففي الاستثناء يؤخر المقصور عليه مع اداة الاستثناء كما ترى في الأمثلة) المتقدمة وليعلم انه لا فرق في ذلك بين الا وغيرها من اداة الاستثناء.

واما الوجه في تأخير المقصور عليه فلئلا ينقلب الحصر المطلوب فان المفهوم من قوله ما ضرب زيد الا عمرا مثلا انحصار ضاربية زيد في عمرو مع جواز ان يكون عمرو مضروبا لشخص آخر والمفهوم من قوله ما ضرب عمرا الا زيد انحصار مضروبية عمرو في زيد مع جواز ان يكون زيد ضاربا لشخص آخر فلو انقلب احدهما بالآخر انقلب معنى الحصر المطلوب وقس عليه سائر معمولات الفعل واحفظه ليفيدك فيما يأتي بعيد هذا.

وسيأتي ان في انما يؤخر المقصور عليه والى ذلك اشار في الألفية بقوله

وما بالا او بانما انحصر

اخر وقد يسبق ان قصد ظهر

(و) ان قلت ان القصر لا يكون الا قصر صفة على موصوف او العكس والفاعل والمفعول في الاكثر الأغلب ذات وكذلك المفعولين ونحوهما فكيف يقع القصر بين ذاتين مع ان القصر كما قلنا لا يقع الا بين ذات وصفة.

قلت (معنى قصر الفاعل على المفعول مثلا قصر الفعل المسند الى الفاعل على المفعول وعلى هذا القياس البواقي) من متعلقات الفعل في


الأمثلة المتقدمة (فيرجع) جميع تلك الامثلة (الى قصر الصفة على الموصوف او قصر الموصوف على الصفة) مثلا معنى قولك ما ضرب زيد الا عمرا قصر ضاربية زيد على عمرو ومعنى قولك ما ضرب عمرا الا زيد قصر مضروبية عمرو على زيد ومعنى ما جائني زيد الا راكبا قصر زيد في زمان المجيء على صفة الراكبية ومعنى ما جائني راكبا الا زيد قصر صفة الراكبية في زمان المجيء على زيد ومعنى ما اعطيت زيدا الا درهما قصر عاطئية زيد اى اخذيته على درهم ومعنى ما اعطيت درهما الا زيدا قصر معطائية درهم اي مأخوذيته على زيد فتأمل.

(ويكون) القصر في كل واحد من الامثلة المتقدمة (حقيقيا وغير حقيقي افرادا وقلبا وتعيينا كما مر) بيان كل واحد من هذه الاقسام (ولا يخفى اعتبار ذلك) في كل مثال يرد عليك مثلا كلمة التوحيد اعني لا اله الا الله مع المشركين قصر افراد ومع عباد الكواكب والوثنيين الذين لا يعتقدون الها آخر قصر قلب ومع من لا يعترف باله بل يتردد فيه قصر تعيين ونحو ما ضرب زيد الا عمرا قصر حقيقي ان اعتقد المخاطب ان زيدا ضرب جميع من في العالم واضافي ان اعتقد انه ضرب عمرا وبكرا ونحوهما لا جميع من في العالم فتأمل تعرف.

(وقل تقديمهما بحالهما أي جاز على قلة تقديم المقصور عليه والأداة على المقصور حال كون المقصور عليه والاداة بحالهما وهو ان تكون الاداة متقدمة على المقصور عليه يليها) والى ذلك أشار في الألفية بقوله في باب الفاعل وقد يسبق ان قصد ظهر (نحو ما ضرب الا عمرا زيد في قصر الفاعل على المفعول والتقدير ما ضرب زيد الا عمرا و) نحو (ما ضرب الا زيد عمرا في قصر المفعول على الفاعل


والتقدير ما ضرب عمرا الا زيد ومنه قول الشاعر

لا أشتهي يا قوم الا كارها

باب الأمير ولا دفاع الحاجب)

والتقدير لا اشتهي يا قوم باب الامير ولا دفاع الحاجب الا كارها وقريب من ذلك ما قيل بالفارسية

سگ ودربان چو يافتند غريب

اين گريبان بگيرد ان دامن

(و) منه ايضا (قوله)

كأن لم يمت حي سواك ولم يقم

على أحد الا عليك النوائح

(وكذا) قل تقديمهما بحالهما اذا كان القصر في (سائر المعمولات) اذ لا فرق من هذه الجهة بين الفاعل والمفعول وبين سائر معمولات الفعل.

(وانما قل ذلك) اى التقديم بحالهما (لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها لان الصفة المقصورة على عمرو في) المثال (الاول) يعني ما ضرب الا عمرا زيد (هي الضرب المسند الى زيد) وبعبارة أخرى الصفة المقصورة على عمرو في المثال الاول هي ضاربية زيد لا مطلق الضرب (والصفة المقصورة على زيد في) المثال (الثاني) يعني ما ضرب الا زيد عمرا (هي الضرب المتعلق بعمرو لا مطلق الضرب فلا بد من تقديم الفاعل في) المثال (الاول و) من تقديم (المفعول في) المثال (الثاني لتتم تلك الصفة) المقصورة اذ بدون التقديم يلزم أن تكون تلك الصفة المقصورة الضرب المطلق وهو غير مراد اذ المراد في المثال الاول كما ذكرنا الضرب المقيد بالفاعل وفي المثال الثاني الضرب المقيد بالمفعول.

(و) ان قلت اذا كان الصفة في المثالين غير تامة فكيف جاز ذلك


فيهما قلت (انما جاز) تقديمهما بحالهما (مع قلة لأنها) اي الصفة (في الحقيقة تامة بذكر المتعلق) اي الفاعل في المثال الاول والمفعول في المثال الثاني (في الآخر) اي في آخر كل واحد من المثالين.

(وانما قال بحالهما احترازا عن تقديمهما مع ازالتهما عن مكانهما بأن تؤخر أداة الاستثناء عن المقصور عليه كما يقال في ما ضرب زيد إلا عمرا ما ضرب عمرا إلا زيد بتقديم الأداة والمفعول على الفاعل لكن مع تأخير الاداة عن المفعول وفيما ضرب عمرا إلا زيد ما ضرب زيد الا عمرا بتقديم الفاعل والأداة على المفعول ولكن مع تأخير الأداة عن الفاعل فانه) أي تأخير اداة الاستثناء عن المقصور عليه كما في القولين (ممتنع لما فيه) أى في التأخير المذكور (من اختلال المعنى وانعكاس المقصود).

وقد بينا الاختلال والانعكاس آنفا فلا نعيده (فالضابط ان المقصور عليه يجب أن يلي أداة الاستثناء سواء كانا متأخرين عن المقصور كما هو الشايع او متقدمين عليه كما هو القليل) كما في المتن والبيتين في الشرح.

(واعلم ان تقديمهما بحالهما ايضا مما منعه بعض النحاة) وقد بين وجه ذلك الرضي ببيان أبسط وأوفى وقد لخصه التفتازاني بقوله (لأنه يفيد القصر في الفاعل والمفعول جميعا فيختل المقصود لان التقدير فيما ضرب إلا عمرا زيد ما ضرب أحدا احد الا عمرا زيد وفيما ضرب الا زيد عمرا ما ضرب احد أحدا الا زيد عمرا) فاستثنى بلفظة الا في كل واحد من المثالين شيئان هما زيد وعمر عن شيئين هما لفظا الاحد المحذوفين.


ولكن (هذا) اي لزوم القصر في الفاعل والمفعول (عند من يجوز استثناء شيئين بأداة واحدة مطلقا) أى سواء كان المستثنى مذكورا أم لا وسواء كان المستثنى بدلا من المستثنى منه أم لا.

(وبعضهم يجوز ذلك) اي استثناء شيئين بأداة واحدة (اذا كان المستثنى منه مذكورا والمستثنى بدلا منه نحو ما ضرب أحد أحدا الا زيد عمرا).

قال الرضي وذلك لان الاسمين بكونهما بدلين مما قبل الا كأنهما واقعان موقع ما أبدلا منهما أي كأنهما وقعا قبل الا وليسا بمستثنيين فكانك قلت ضرب زيد عمرا انتهى.

(والاكثرون على منعه) اي على منع استثناء شيئين بأداة واحدة (مطلقا) اى ولو كان المستثنى منه مذكورا والمستثنى بدلا منه (لضعف أداة الاستثناء اذ الاصل فيها إلا وهي حرف فلا يستثنى بها شيئان) لا على وجه البدل ولا على غيره فلا تقول في البدل ما سخى أحد بشيء الا عمرو بدرهم ولا تقول في غير البدل ما سخى أحد بشيء الا عمرو الدينار كذا في الرضي.

(فتقديمهما) اي تقديم المقصور عليه والأداة (بحالهما انما يجوز على تقدير ان لا يجعل الاستثناء متعددا) كيلا يلزم خلاف المقصود (ويجعل المقصور) اى زيد في المثال (مقدما) معنى أى فى النية لئلا يلزم قصر الصفة قبل تمامها ولا استثناء شيئين بأداة واحدة (ويجعل عمل ما قبل الا) أى عمل ضرب (فيما بعد المستثنى بها) اذ لو لم يجعل كذلك لتعذر لما بعد المستثنى عامل آخر فيصير كلامين والى بعض ذلك اشار الرضي بقوله.


وان اردت في اصل المسئلة اعنى ما ضرب الا عمرا زيد أن زيد مقدم معنى وليس بمستثنى وان المراد ما ضرب زيد الا عمرا فالمعنى لا ينعكس ولا يلزم استثناء شيئين بأداة انتهى.

وانما لا يلزم استثناء شيئين بأداة واحدة إذ لا يقدر حينئذ لفظى الاحد حتى يستثني عمرو من احدهما وزيد من الآخر فيتعدد الاستثناء (الا ان اكثر النحاة على منع ذلك) اى على منع عمل ما قبل الا فيما بعد المستثنى بها (الا ان يكون المعمول الواقع بعد المستثنى هو المستثنى منه نحو ما جائني الا زيد احد) فلفظة احد معمول لما قبل الا وهو مستثنى منه.

(او) يكون المعمول الواقع بعد المستثنى (تابعا للمستثنى نحو ما جائني الا زيد الظريف او معمولا لغير العامل فى المستثنى نحو رأيتك اذ لم يبق الا الموت ضاحكا فان ضاحكا مفعول رأيت والعامل فى الموت لم يبق وليطلب بيان) صحة (ذلك من كتبهم).

قال الرضى فى بيان صحة هذه الأمثلة الثلاثة ما هذا نصه وانما جاز وقوع المستثنى منه (فى المثال الاول) وتابع المستثنى (فى المثال الثاني) بعد المستثنى لان المستثنى له تعلق بهما من وجه فكانه وكل واحد منهما كالشيء الواحد واما نحو ضاحكا فليس في الحيز الاجنبي عن عامله اذ قولك اذ لم يبق الا الموت معمول رأيتك وضاحكا معموله الآخر انتهى بزيادة ما للتوضيح.

وأما قوله فليس في الحيز الاجنبى عن عامله فهو اشارة الى ما ذكر قبيل هذا في وجه منع النحاة ان يعمل ما قبل الا فيما بعد المستثنى بها في غير هذه الامثلة الثلاثة وهذا نصه وذلك ان ما بعد الا من


حيث المعنى من جملة مستأنفة غير الجملة الاولى لان قولك ما جائني الا زيد بمعنى ما جائني غير زيد وجائني زيد فاختصر الكلام وجعلت الجملتان واحدة فالاولى ان لا يتوغل المعمول في الحيز الاجنبي عن عامله اما المستثنى فانه على طرف ذلك الحيز غير متوغل فيه.

(وقالوا) اي المانعون مطلقا (الظرف) اى بادىء الرأى (في قوله تعالى (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) منصوب بمضمر اى اتبعوك في بادى الرأى).

قال الرضي فان استدل من اجاز مطلقا بقوله (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) فانه لم يذكر المستثنى منهما والتقدير ما نريك اتبعك احد في حالة الا اراذلنا في بادى الراى اى بلا روية قوية فلغيرهم ان يعتذروا بأنه منصوب بفعل مقدر اى اتبعوا في بادى الرأى او بان الظرف يكفيه رائحة الفعل فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره انتهى.

(وكذا باب الامير في البيت الاول) منصوب بمضمر (اي لا اشتهى باب الامير) وفي الرضى كما يأتى نقله اشتهى بدون لا النافية

(و) كذا (النوائح في البيت الثاني مرفوع بمضمر اى قامت النوائح).

قال الرضي بعد بيان الامثلة الثلاثة المتقدمة فاذا ثبت هذا فان وقع معمول آخر لما قبل الا بعد المستثنى غير الثلاثة المذكورة اما مرفوع او منصوب ولا يكون الا في الشعر كقوله

كأن لم يمت حي سواك ولم يقم

على احد الا عليك النوائح

وكقوله


لا اشتهي يا قوم الا كارها

باب الامير ولا دفاع الحاجب

اضمروا له عاملا آخر من جنس الاول اي قامت النوائح واشتهى باب الامير انتهى.

(وفيه) أي فى كون النوائح مرفوعا بمضمر (بحث لان الفعل الاول) أي لم يقم (يبقى بلا فاعل واعتبار) الفاعل (المضمر) للفعل الاول بأن يقال ان التقدير لم يقم القيام اى لم يقع قيام الا قامت النوائح (لا يخلو عن تعسف) وتكلف.

(نعم يصح هذا) اي كون ما بعد المستثنى معمولا لمضمر (اذا قدم المرفوع واخر المنصوب ومن هذا قيل ان عمرا في قولنا ما ضرب الا زيد عمرا منصوب بمضمر كأنه قيل ما وقع ضرب الا من زيد ثم قيل من ضرب فقيل عمرا اي ضرب زيد عمرا قال المصنف) في الايضاح (فيه نظر لاقتضائه) اى اقتضاء هذا التوجيه (القصر في الفاعل والمفعول جميعا لان) لفظ من في السؤال اي في (من ضرب لابهامه استفهام عن جميع من وقع عليه الفعل حتى انك اذا ضربت زيدا وعمرا وبكرا فقيل لك من ضربت فقلت) في الجواب (زيدا) ولم تذكر عمرا وبكرا (لم يتم الجواب حتى تأتي بالجميع) أي الا ان تذكر عمرا وبكرا ايضا (فعلى هذا لا يكون غير عمرو في المثال المذكور) اي في قولنا ما ضرب الا زيد عمرا على التوجيه المذكور (مضروبا ازيد) لان المفروض ان الجواب يتم بأن يقال عمرا فينحصر المفعول فيه (فيكون القصر في الفاعل والمفعول جميعا) فيصير حاصل المعنى على هذا البيان انه ليس في الدنيا ضارب الا زيد وليس في الدنيا مضروب الا عمرو وهذا فاسد لانه في الحقيقة استثناء شيئين


بأداة واحدة.

(وقد خفى على بعضهم هذا البيان فمنعوا ذلك الاقتضاء) اى اقتضاء القصر في الفاعل والمفعول جميعا (قائلين ان الفعل المضمر) العامل في ما بعد المستثنى اي في عمرو (ليس فيه اداة القصر فمن اين يلزم القصر في المفعول.

نعم يمكن ان يقال انا نلتزم اقتضائه القصر فى الفاعل والمفعول جميعا ونمنع صحة هذا الكلام) الذي يقتضي القصر فيهما بأداة واحدة (في غير هذا المقام) الذى قدم المقصور عليه والاداة بحالهما وقد قدم المرفوع واخر المنصوب لان هذا المقام قابل للبيان المذكور دون غيره فتأمل تعرف.

(ووجه الجميع اى السبب فى افادة النفى والاستثناء القصر فيما بين المبتدأ والخبر او الفاعل والمفعول او غير ذلك) من متعلقات الفعل (إن النفي في الاستثناء المفرغ وهو الذي ترك المستثنى منه فيه ففرغ الفعل الذى قبل) لفظة (الا وشغل عنه) اى عن المستثنى منه المتروك (بالمستثنى المذكور بعد) لفظة (الا يتوجه) النفى (الى مقدر وهو مستثنى منه لان الا للاخراج والاخراج يقتضي مخرجا منه عام) بالجر صفة لمقدر (ليتناول المستثنى) المذكور (وغيره فيتحقق الاخراج ولئلا يلزم التخصيص من غير مخصص) اذ لو لم يقدر مستثنى منه عام للزم أن يقدر خاص فيلزم من ذلك التخصيص من غير مخصص.

فان قلت ما وجه تخصيص بيان الوجه بالاستثناء المفرغ مع وجود في غيره ايضا نحو ما جائني القوم الا زيد وذلك ظاهر.

قلت لان الامر في غير المفرغ ظاهر بين لان كل احد يعلم وجه


افادة نحو ما جائني القوم الا زيد القصر وكذا العطف ولان الشايع في طرق القصر الاستثناء المفرغ.

وأما التقديم فلا يدرك الا بالذوق ولفظة انما بمعنى ما والا والخفاء في المفرغ لعدم ذكر المستثنى منه.

ولا يذهب عليك ان قوله والاخراج يقتضي مخرجا منه مشعر بأن البيان مختص بالاستثناء المتصل وهو كذلك لان الأصل في الاستثناء الاتصال ولان المفرغ لا يكون الا في الاتصال بدليل قوله ليتناول المستثنى وغيره.

(قال صاحب المفتاح) في وجه تقدير المستثنى منه عاما (ولذلك) أى لاستلزام العموم في المستثنى منه المقدر (ترانا في علم النحو نقول تأنيث الضمير في كانت في قرائة أبي جعفر (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً) بالرفع وفي ترى مبنيا للمفعول في قرائة الحسن لا ترى (إِلَّا مَساكِنُهُمْ) برفع مساكنهم وفي بيت ذي الرمة وما بقيت الا الضلوع الجراشع للنظر الى ظاهر اللفظ والاصل التذكير لاقتضاء المقام) تقدير (معنى شىء من الاشياء) ومعنى الشىء مذكر والى ذلك أشار في الالفية بقوله

والحذف مع فصل بالا فضلا

كما زكى الا فتاة ابن العلا

(و) لكن (فيه) اي في قول صاحب المفتاح أي في قوله تأنيث الضمير (اشكال وهو انه إذا فرغ العامل الى ما بعد الا بأن حذف المستثنى منه فلا ضمير في الفعل أصلا) فلا وجه لقوله تأنيث الضمير (فالأحسن أن يقال تأنيث الفعل بالنظر الى ظاهر اللفظ فان الصيحة في حكم فاعل الفعل كما في الكشاف) وكذلك مساكنهم في حكم نائب الفاعل والضلوع بحكم الفاعل.


(ولعل صاحب المفتاح نظر الى الاصل والحقيقة فان الفاعل في الحقيقة هو المستثنى منه المقدر وإلا فكيف يسند الفعل المفى الى الفاعل المراد وقوع الفعل منه) أو المفعول المراد وقوع الفعل عليه (واذا كان الفاعل) أو نائبه (حقيقة هو ذلك المقدر العام وهو ليس بمذكور ففى الفعل) لا محالة (ضمير عائد اليه) لانهم قالوا لا يحذف الفاعل أصلا (كما فى قولهم اذا كان غدا فأتني فان اسم كان ضمير عائد الى) مقدر أي الى (ما نحن فيه) اى الى زمان نحن فيه فالضمير في الفعل من قبيل الضمير فى اذا بلغت التراقي العائد الى الروح (وكقوله تعالى ولا يحسبن الذين يفرحون بما اتوا فيمن قرأ بالياء) المنقوطة من تحت (فان فاعله) أى فاعل يحسبن (ضمير عائد الى حاسب لامتناع حذف الفاعل.

وأما فيمن قرأ بالتاء المنقوطة من فوق فالضمير المستتر فيه عائد الى الرسول «ص» فعلى الاولى الضمير فيه من قبيل الضمير فى ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن اى ولا يشرب الشارب كما فى شرح قول ابن مالك

وبعد فعل فاعل فان ظهر

فهو والا فضمير استتر

(فعلى مذهبه) من كون الضمير مستترا في الفعل عائدا الى ما يقتضى المقام تقديره (يكون هند مثلا فيما قام إلا هند بدلا من الضمير العائد الى أحد).

فيكون الكلام غير موجب قد ذكر فيه المستثنى منه والمستثنى فيه متصل فمقتضى القاعدة جواز الوجهين اعني النصب والابدال في المستثنى كما قال في الالفية


ما استثنت الا مع تمام ينتصب

وبعد نفى أو كنفى انتخب

اتباع ما اتصل وانصب ما انقطع

وعن تميم فيه إبدال وقع

(لكن التزم في هذه القسم الابدال ولم يجوز النصب لاسقاط المستثنى منه من اللفظ بالكلية والاقتصار على الضمير العائد الى ما ليس في اللفظ).

وبعبارة اخرى لم يجوز النصب فى هذا القسم لان المستثنى منه فيه فى حكم غير المذكور لعدم جواز إظهاره.

(وانصراف العامل الى المستثنى) المذكور (مناسب) بالجر صفة بعد صفة لمقدر (للمستثنى فى جنسه بان يقدر فى نحو ما ضرب إلا زيد أحد) اى يقدر احد (وفى نحو ما كسوته الا جبة) يقدر (لباسا وفى نحو ما جاء الا راكبا) يقدر (كائنا على حال من الاحوال وفى نحو سرت الا يوم الجمعة) يقدر (وقتا من الاوقات وفى ما صليت الا فى المسجد) يقدر (فى مكان من الامكنة وعلى هذا القياس) بقية المستثنيات مثلا يقدر فى نحو ما طاب زيد الا نفسا من حيث كل شيء متعلق به وفي نحو ما ضربته الا تأديبا يقدر الشىء وهكذا.

(ولا يصح تفسير المناسبة في الجنس بأن يكون المستثنى منه) المقدر العام (بحيث يصح اطلاقه على المستثنى) مثل شيء ونحوه بل لا بد من كون المستثنى منه المقدر بحيث فيه مناسبة مخصوصة يقتضيها المقام كما تقدم في الامثلة المذكورة آنفا.

(اذ ليس) المستثنى منه (المقدر في ما كسوته الا جبة) لفظة (شيئا مع صحة اطلاقه على الجبة) اذ لا مانع من أن يقال الجبة


شىء (وكذا) ليس المستثنى منه المقدر لفظة شىء (فى سائر الامثلة المذكورة) آنفا (بل المراد) فى جميع ذلك كما بينا (أخص من ذلك) كلفظة احد ولباسا ونحوهما.

(و) مناسب المستثنى (في صفة يعني في كونه فاعلا) كما في المثال الاول (او مفعولا) كما في المثال الثاني (او ظرفا) كما في المثال الرابع والخامس (او حالا) كما في المثال الثالث (او غير ذلك) كالتمييز في المثالين الذين ذكرناهما فقس ولا تقتصر على ما ذكره من الامثلة.

(واذا كان النفى متوجها الى هذا المقدر العام المناسب للمستثنى في جنسه وصفته فاذا أوجب) اي اثبت (منه اي من ذلك المقدر شىء بالا) أو احدى اخواتها من سائر أدوات الاستثناء (جاء القصر ضرورة بقاء ما عدا ذلك الشىء) الذي اوجب من ذلك المقدر على (صفة الانتفاء) الاضافة بيانية اى على صفة هى الانتفاء.

(واعلم) ان اصل الا كما في الرضى ان يدخل على الاسم وفيه ايضا ما حاصله (انه قد يقع بعد الا في الاستثناء المفرغ) دون التام (الجملة) الفعلية التي فعلها مضارع (وهى اما خبر مبتدأ نحو ما زيد الا يقوم او صفة نحو ما جائني منهم رجل الا يقوم ويقعد او حال نحو ما جائني زيد الا يضحك.

قال الرضي وانما شرطوا التفريغ ليكون الا ملغاة عن العمل على قول او عن التوصل بها الى العمل على قول آخر فيسهل دفعها عما تقتضيه من الاسم لانكسار شوكتها بالالغاء وشرط كون الفعل مضارعا لمشابهته للاسم انتهى.


(وكثيرا ما يقع الحال بعد الا ماضيا مجردا عن قد والواو نحو ما أتيته الا اتاني وفي الحديث ما آيس الشيطان من بني آدم الا اتاهم من قبل النساء وذلك لانه قصد لزوم تعقيب مضمون ما بعد الا لما قبلها فأشبه الشرط والجزاء).

قال الرضي واما الماضي فجوز وان يليها في المفرغ بأحد قيدين وذلك اما اقترانه بقد نحو ما الناس الا قد عبروا وذلك لتقريبها من الحال المشبهة للاسم واما تقدم ماض منفى نحو قولك ما انعمت عليه الا شكرا وما اتيته الا اتاني وعنه «ص» ما آيس الشيطان من بني آدم «ع» الا اتاهم من قبل النساء وذلك اذا قصد لزوم تعقب مضمون ما بعد الا لمضمون ما قبلها وانما جاز ان يليها الماضي مع هذا القصد لان هذا المعنى هو معنى الشرط والجزاء فى الاغلب نحو ان جئتني أكرمك.

وانما قلت في الاغلب لانه قد لا يكون مضمون الجزاء متعقبا لمضمون الشرط بل يكون مقارنا له فى الزمان نحو ان كان هناك نار كان احتراق وان كان هناك احتراق فهناك نار وان كان الانسان ناطقا فالحمار ناهق.

لكن التعقيب المذكور أغلب الى ان قال وانما قلنا ان الاغلب فى الحال مقارنة مضمونه لمضمون عامله لانه قد يجىء بخلاف ذلك كقولهم خرج الامير معه صقر صائدا به غدا اى عازما على الصيد وكذا معنى الخبر اى ما آيس الشيطان من بني آدم من جهة غير النساء الا عازما على اتيانهم من قبلهن جعلوا المعزوم عليه المجزوم به كالواقع الحاصل انتهى.


والى بعض ما نقلنا اشار بقوله (وهذا الحال مما لا يقارن مضمونه لمضمون عامله الا على تأويل العزم والتقدير اى ما آيس الشيطان من بني آدم من جهة غير النساء الا عازما على اتيانهم من قبلهن كقولهم خرج الامير معه صقر صائدا به غدا جعل المعزوم عليه المجزوم به كالواقع الحاصل).

وهذا القسم يسمى فى النحو بالحال المقدرة وقد ذكرنا اقسام الحال ببيان اوضح فى المكررات عند قول ابن مالك

مصليا على النبى المصطفى

وآله المستكملين الشرفا

(وفى) القصر بلفظة (انما يؤخر المقصور عليه) لانه لا علامة فى انما تدل على تمييز المقصور عليه من غيره فيلزم طريقة واحدة من الترتيب فى الكلام ولا يمكن ان يكون تلك الطريقة بتوسيط انما بين المقصور والمقصور عليه لان انما لا تجيء الا فى صدر الكلام والترتيب الطبيعى ان يكون المقصور مقدما على المقصور عليه كما فى النفى والاستثناء فيلزم حينئذ ان يكون تلك الطريقة بأن يذكر المقصور بعد انما ويتأخر المقصور عليه (تقول انما ضرب زيد عمرا فالقيد الاخير مما وقع بعده بمنزلة الواقع بعد الا فيكون هو المقصور عليه) والمراد بالقيد الاخير من الكلام ما يكون جزء له عمدة او فضلة وليس المراد ان يذكر فى آخره فقط فان الموصول مع الصلة المشتملة على قيود متعددة قيد واحد.

وكذا الموصوف مع الصفة فالمقصور عليه فى قولنا انما جائني من اكرمته يوم الجمعة امام الامير هو الفاعل أعني الموصول مع الصلة وفى قولك انما جائني رجل عالم هو الموصوف مع الصفة.


ومن هنا تقدر ان تعرف الفرق بين قوله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) وقولنا انما يخشى العلماء من عباده الله فان الاول يقتضي قصر خشية الله على العلماء والثانى يقتصر خشية العلماء على الله (ولا يجوز تقديمه اى تقديم المقصور عليه على غيره للالتباس فانه انما جاز فى النفى والاستثناء على قلة لعدم الالتباس بناء على أن المقصور عليه هو المذكور بعد الاسواء قدم أو اخر عنه وههنا) اى فى القصر بلفظ انما (ليس) لفظ (الا مذكورا بل الكلام متضمن لمعناه) اى لمعنى الا.

(فلو قلنا فى انما ضرب زيد عمرا انما ضرب عمرا زيد انعكس المعنى بخلاف ما اذا قلنا فى ما ضرب زيد الا عمرا ما ضرب الا عمرا زيد فانه يعلم ان المقصور عليه هو المذكور بعد الا قدم أو اخر) وقد مر بيان ذلك مستوفى.

(وههنا) اى فى قول الخطيب ولا يجوز تقديمه على غيره للالتباس (نظر وهو أن تقديم المقصور عليه جائز اذا كان نفس التقديم مفيدا للقصر كما فى قولنا انما زيدا ضربت فانه لقصر الضرب على زيد قال ابو الطيب) :

اساميا لم تزده معرفة

وانما لذة ذكرناها

فانه لقصر الذكر على اللذة (اي ما ذكرناها الا للذة ويمكن الجواب بان الكلام فيما اذا كان القصر مستفادا من) لفظة (انما) دون غيرها.

(وهذا) المثال المذكور والبيت (ليس كذلك اذ القصر فيهما مستفاد من التقديم وذلك لما هو المحقق عندهم من انه عند اجتماع


انما مع التقديم قد يكون المفيد للقصر لفظة انما وقد يكون التقديم.

(و) لفظة (غير كالا في افادة القصرين اى قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف افرادا وقلبا وتعيينا تقول في قصره) اي قصر الموصوف على الصفة (ما زيد غير شاعر افرادا وما زيد غير قائم قلبا) والمثالين كلاهما يصلحان لقصره تعيينا (و) تقول (في قصرها) اي قصر الصفة على الموصوف (ما شاعر غير زيد بالاعتبارين) بل بالاعتبارات الثلاثة اعني الافراد والقلب والتعيين كل ذلك (بحسب المقام) اى مقام اعتقاد المخاطب حسبما مر بيانه في اوائل الباب فلا حاجة الى الاعادة ولكن كان عليه ان يقول حقيقيا او اضافيا اذ لا وجه لترك التعميم بالنسبة اليهما.

(و) كذلك لفظة غير مثل لفظة الا (في امتناع مجامعة لا العاطفة)

فانه (لا) يجوز ان (تقول ما زيد غير شاعر لا منجم ولا ما شاعر

غير زيد لا عمرو لانتفاء شرطها) اي شرط لا العاطفة وهو ان لا يكون

المنفي بها منفيا قبلها بغيرها وقد مر بيان ذلك هناك (لكون منفيها)

يعني منجمية زيد في المثال الاول وشاعرية عمرو في المثال الثاني

(منفيا قبلها بغيرها من أدات النفي) يعني لفظة غير وذلك ظاهر.

وصلّى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين سيما ابن عمه علي امام

كل طاهر وكان الفراغ من هذا الجزء الرابع يوم السبت الثامن عشر

من شهر الصيام من شهور السنة التاسعة والثمانين بعد

الثلاثمائة والالف بجوار مولانا امير المؤمنين وأنا

العبد المذنب المحتاج الى عفو ربه الغني

محمد علي ابن مراد علي المدرس الافغاني

الجاغوري والحمد لله فانه خير ختام

المدرس الأفضل - ٤

المؤلف:
الصفحات: 421