بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.


كتاب البيع‌

البيع لغة

وهو في الأصل كما عن المصباح (١) ـ : مبادلة مالٍ بمال.

اختصاص المعوّض بالعين

والظاهر اختصاص المعوّض بالعين ، فلا يعمّ إبدال المنافع بغيرها ، وعليه استقرّ اصطلاح الفقهاء (٢) في البيع (٣).

نعم ، ربما يستعمل في كلمات بعضهم (٤) في نقل غيرها ، بل يظهر ذلك من كثيرٍ من الأخبار ، كالخبر الدالّ على جواز بيع خدمة المدبّر (٥) ، وبيع سكنى الدار التي لا يُعلم صاحبها (٦) ، وكأخبار بيع الأرض الخراجية وشرائها (٧) ، والظاهر أنّها مسامحة في التعبير ، كما أنّ‌

__________________

(١) المصباح المنير : ٦٩ ، مادّة : «بيع».

(٢) في «ص» ونسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» زيادة : في تعيّن العوض والمعوّض.

(٣) لم ترد «في البيع» في «ف».

(٤) كالشيخ قدس‌سره في المبسوط ٦ : ١٧٢.

(٥) الوسائل ١٦ : ٧٤ ، الباب ٣ من أبواب التدبير ، الأحاديث ١ ، ٣ و ٤.

(٦) الوسائل ١٢ : ٢٥٠ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٥.

(٧) الوسائل ١١ : ١١٨ ، الباب ٧١ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ١ و ٦ ، و ١٢ : ٢٧٥ ، الباب ٢١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٩ و ١٠.


لفظ الإجارة يستعمل عرفاً في نقل بعض الأعيان ، كالثمرة على الشجرة.

جواز كون العوض منفعة

وأمّا العوض ، فلا إشكال في جواز كونها منفعة ، كما في غير موضع من القواعد (١) ، وعن التذكرة (٢) وجامع المقاصد (٣) ، ولا يبعد عدم الخلاف فيه.

نعم ، نُسب (٤) إلى بعض الأعيان (٥) الخلاف فيه ؛ ولعلّه لما اشتهر في كلامهم : من أنّ البيع لنقل (٦) الأعيان ، والظاهر إرادتهم بيان المبيع (٧) ، نظير قولهم : إنّ الإجارة لنقل المنافع.

جعل عمل الحرّ عوضاً

وأمّا عمل الحرّ ، فإن قلنا : إنّه قبل المعاوضة عليه من الأموال ، فلا إشكال ، وإلاّ ففيه إشكال ؛ من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع «مالاً» قبل المعاوضة ؛ كما يدلّ عليه ما تقدّم عن المصباح.

أقسام الحقّ ، وما يقع منها عوضاً

وأمّا الحقوق (٨) ، فإن لم (٩) تقبل المعاوضة بالمال كحقّ الحضانة‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٣٦ و ٢٢٥.

(٢) التذكرة ١ : ٥٥٦ ٥٥٧ و ٢ : ٢٩٢.

(٣) جامع المقاصد ٧ : ١٠٣.

(٤) نسبه الشيخ الكبير قدس‌سره في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٤٨.

(٥) هو الوحيد البهبهاني قدس‌سره في رسالته العملية الموسومة ب «آداب التجارة» (انظر هداية الطالب : ١٤٩).

(٦) في غير «ف» : نقل.

(٧) في «ش» : البيع.

(٨) في غير «ش» زيادة : «الأُخر». قال الشهيدي في شرحه (الصفحة ١٤٩) : الظاهر زيادة كلمة «الأُخر».

(٩) في «ف» : فلو لم.


والولاية (١) فلا إشكال ، وكذا لو لم تقبل النقل (٢) ، كحقّ الشفعة ، وحقّ الخيار ؛ لأنّ البيع تمليك الغير.

ولا ينتقض (٣) ببيع الدين على من هو عليه ؛ لأنّه لا مانع من كونه تمليكاً فيسقط ؛ ولذا جعل الشهيد في قواعده «الإبراء» مردّداً بين الإسقاط والتمليك (٤).

والحاصل : أنّه يعقل أن يكون مالكاً لما (٥) في ذمّته فيؤثّر تمليكه السقوط ، ولا يعقل أن يتسلّط على نفسه. والسرّ : أنّ هذا (٦) الحقّ سلطنة فعلية لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد ، بخلاف الملك ، فإنّها نسبة بين المالك والمملوك ، ولا يحتاج إلى من يملك عليه حتى يستحيل اتّحاد المالك والمملوك عليه ، فافهم.

وأمّا الحقوق القابلة للانتقال كحقّ التحجير ونحوه فهي وإن قبلت النقل وقوبلت بالمال في الصلح ، إلاّ أنّ في جواز وقوعها عوضاً للبيع إشكالاً ، من أخذ المال في عوضي المبايعة لغةً وعرفاً ، مع ظهور كلمات الفقهاء عند التعرّض لشروط العوضين ولِما يصحّ أن يكون اجرة في الإجارة في حصر الثمن في المال.

__________________

(١) عبارة «كحقّ الحضانة والولاية» من «ش».

(٢) كذا في «ف» و «ش» ونسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» ، وفي غيرها : الانتقال.

(٣) النقض من صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٠٩.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٢٩١.

(٥) لم ترد «لما» في «ش».

(٦) في «ش» وهامش «ن» : مثل هذا.


تعاريف الفقهاء والمناقشة فيها

ثمّ الظاهر : أنّ لفظ «البيع» ليس له حقيقة شرعية ولا متشرّعية (١) ، بل هو باقٍ على معناه العرفي ، كما سنوضّحه إن شاء الله ، إلاّ أنّ الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه ، ففي المبسوط (٢) والسرائر (٣) والتذكرة (٤) وغيرها (٥) : «انتقال عينٍ من شخصٍ إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي».

وحيث إنّ في هذا التعريف مسامحة واضحة ، عدل آخرون (٦) إلى تعريفه ب : «الإيجاب والقبول الدالّين على الانتقال» ، وحيث إنّ البيع من مقولة المعنى دون اللفظ مجرّداً أو بشرط قصد المعنى ، وإلاّ لم يعقل إنشاؤه باللفظ عدل جامع المقاصد إلى تعريفه ب : «نقل العين بالصيغة المخصوصة» (٧).

ويرد عليه مع أنّ النقل ليس مرادفاً للبيع ؛ ولذا صرّح في التذكرة : بأنّ إيجاب البيع لا يقع بلفظ «نقلت» ، وجعله من الكنايات (٨) ،

__________________

(١) في «ف» : متشرّعة.

(٢) المبسوط ٢ : ٧٦.

(٣) لم ترد «السرائر» في غير «ف» ، انظر السرائر ٢ : ٢٤٠.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٥) في «ن» ، «ع» ، «ص» و «ش» : غيرهما ، انظر القواعد ١ : ١٢٣ ، والتحرير ١ : ١٦٤.

(٦) منهم : المحقّق في المختصر النافع : ١١٨ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٩١ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٤.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٥٥.

(٨) لم نعثر عليه بعينه ، نعم فيه بعد ذكر شرط التصريح ـ : «عدم انعقاده بمثل : أدخلته في ملكك أو جعلته لك» ، انظر التذكرة ١ : ٤٦٢.


وأنّ المعاطاة عنده (١) بيع مع خلوّها عن الصيغة ـ : أنّ النقل بالصيغة أيضاً لا يعقل إنشاؤه بالصيغة.

ولا يندفع هذا : بأنّ المراد أنّ البيع نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة ، فجعله مدلول الصيغة إشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النقل ، لا أنّه (٢) مأخوذ في مفهومه حتى يكون مدلول «بعت» : نقلت بالصيغة ؛ لأنّه إن أُريد بالصيغة خصوص «بعت» لزم الدور ؛ لأنّ المقصود معرفة مادة «بعت» ، وإن أُريد بها ما يشمل (٣) «ملّكت» وجب الاقتصار على مجرّد التمليك والنقل.

الأولى في تعريف البيع

فالأولى تعريفه بأنّه : «إنشاء تمليك عين بمال» ، ولا يلزم عليه شي‌ء ممّا تقدّم.

ماذا يرد على هذا التعريف

نعم ، يبقى عليه أُمور :

الإيراد الأوّل وجوابه

منها : أنّه موقوف على جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» ‌وإلاّ لم يكن مرادفاً له (٤).

ويردّه : أنّه الحقّ كما سيجي‌ء (٥).

الإيراد الثاني وجوابه

ومنها : أنّه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه ؛ لأنّ الإنسان لا يملك مالاً على نفسه.

__________________

(١) أي عند المحقّق الثاني ، راجع جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٢) في «ف» : لا لأنّه.

(٣) في «ف» : يشتمل.

(٤) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : لها.

(٥) يجي‌ء في الصفحة ١٥ و ١٢٠.


وفيه مع ما عرفت (١) وستعرف من تعقّل تملّك ما على نفسه (٢) ورجوعه إلى سقوطه عنه ، نظير تملّك ما هو مساوٍ لما في ذمّته ، وسقوطه بالتهاتر ـ : أنّه لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع ؛ إذ ليس للبيع لغةً وعرفاً معنى غير المبادلة والنقل والتمليك وما يساويها من الألفاظ ؛ ولذا قال فخر الدين : إنّ معنى «بعت» في لغة العرب : «ملّكت غيري» (٣) ، فإذا لم يعقل ملكيّة (٤) ما في ذمّة نفسه لم يعقل شي‌ء ممّا يساويها ، فلا يعقل البيع.

الايراد الثالث وجوابه

ومنها : أنّه يشمل التمليك بالمعاطاة ، مع حكم المشهور ، بل دعوى الإجماع على أنّها ليست بيعاً (٥).

وفيه : ما سيجي‌ء من كون المعاطاة بيعاً (٦) ؛ وأنّ (٧) مراد النافين نفي صحّته.

الايراد الرابع وجوابه

ومنها : صدقه على الشراء ؛ فإنّ المشتري بقبوله للبيع يملّك ماله بعوض المبيع.

__________________

(١) راجع الصفحة ٩ ، قوله : «والحاصل : أنّه يعقل ..».

(٢) في «ف» : «ما في ذمّة نفسه». وفي مصحّحة «ن» ونسخة بدل «ش» : ما في ذمّته.

(٣) قاله في شرح الإرشاد ، على ما حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٢.

(٤) في «ف» : ملكيّته.

(٥) كما ادّعاه ابن زهرة في الغنية : ٢١٤.

(٦) يأتي في الصفحة ٤٠.

(٧) في «ش» : لأنّ.


وفيه : أنّ التمليك فيه ضمنيّ ، وإنّما حقيقته التملّك بعوض ؛ ولذا لا يجوز الشراء بلفظ «ملّكت» ، تقدّم على الإيجاب أو تأخّر. وبه يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه بمستأجر العين بعين (١) ؛ حيث إنّ الاستئجار يتضمّن تمليك العين بمالٍ ، أعني : المنفعة.

الايراد الخامس وجوابه

ومنها : انتقاض طرده بالصلح على العين بمالٍ ، وبالهبة المعوّضة.

وفيه : أنّ حقيقة الصلح ولو تعلّق بالعين ليس هو التمليك على وجه المقابلة والمعاوضة ، بل معناه الأصلي هو التسالم ؛ ولذا لا يتعدّى بنفسه إلى المال. نعم ، هو متضمّن للتمليك إذا تعلّق بعينٍ ، لا أنّه نفسه.

حقيقة الصلح

والذي يدلّك على هذا : أنّ الصلح قد يتعلّق بالمال عيناً أو منفعة ، فيفيد التمليك. وقد يتعلّق بالانتفاع به (٢) ، فيفيد فائدة العارية ، وهو مجرّد التسليط (٣) ، وقد يتعلّق بالحقوق ، فيفيد الإسقاط أو الانتقال ، وقد يتعلّق بتقرير أمرٍ بين المتصالحين كما في قول أحد الشريكين لصاحبه : «صالحتك على أن يكون الربح لك والخسران عليك» فيفيد مجرّد التقرير.

فلو كانت (٤) حقيقة الصلح هي عين كلٍّ من (٥) هذه المفاداة الخمسة لزم كونه مشتركاً لفظيّاً ، وهو واضح البطلان ، فلم يبقَ إلاّ أن يكون مفهومه معنىً آخر ، وهو التسالم ، فيفيد في كلِّ موضع (٦) فائدة من‌

__________________

(١) لم ترد «بعين» في «ف».

(٢) لم ترد «به» في غير «ف».

(٣) في «ف» : التسلّط.

(٤) في غير «ش» : كان.

(٥) لم ترد «كلٍّ من» في «ف».

(٦) في هامش «ف» زيادة : من المواضع.


الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلّقه.

فالصلح على العين بعوضٍ : تسالمٌ عليه (١) ، وهو يتضمّن التمليك ، لا أنّ مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام وحقيقته هو إنشاء التمليك ، ومن هنا لم يكن طلبه من الخصم إقراراً (٢) ، بخلاف طلب التمليك.

حقيقة الهبة المعوّضة

وأمّا الهبة المعوّضة والمراد بها هنا : ما اشترط فيها (٣) العوض فليست إنشاء تمليكٍ بعوض على جهة المقابلة ، وإلاّ لم يعقل تملّك أحدهما لأحد العوضين من دون تملّك الآخر للآخر (٤) ، مع أنّ ظاهرهم عدم تملّك العوض بمجرّد تملّك الموهوب الهبة (٥) ، بل غاية الأمر أنّ المتّهب لو لم يؤدِّ العوض كان للواهب الرجوع في هبته ، فالظاهر أنّ التعويض المشترط في الهبة كالتعويض الغير المشترط فيها في كونه تمليكاً (٦) مستقلا يقصد به وقوعه عوضاً ، لا أنّ حقيقة المعاوضة والمقابلة مقصودة في كلٍّ من العوضين ؛ كما يتّضح ذلك بملاحظة التعويض الغير المشترط في ضمن (٧) الهبة الاولى (٨).

__________________

(١) في «ف» زيادة : به.

(٢) في «ش» زيادة : له.

(٣) في «ص» : فيه.

(٤) لم ترد «للآخر» في «ف».

(٥) في «ش» و «م» ونسخة بدل «ن» ، «خ» و «ع» : بالهبة.

(٦) في «ف» : تملّكاً.

(٧) في «ف» بدل «ضمن» : إنشاء.

(٨) في غير «ف» و «ش» زيادة ما يلي : «وممّا ذكرنا تقدر على إخراج القرض من التعريف ؛ إذ ليس المقصود الأصلي منه المعاوضة والمقابلة ، فتأمّل» ، لكن شطب عليها في «م» وكتب عليها في «ن» : زائد.


فقد تحقّق ممّا ذكرنا : أنّ حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلاّ البيع ، فلو قال : «ملّكتك كذا بكذا» كان بيعاً ، ولا يصحّ صلحاً ولا هبة معوّضة وإن قصدهما ؛ إذ التمليك على جهة المقابلة الحقيقيّة ليس صلحاً ، ولا هبة ، فلا يقعان به.

نعم ، لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجّه تحقّقهما مع قصدهما ، فما قيل من أنّ البيع هو الأصل في تمليك الأعيان بالعوض ، فيقدّم على الصلح والهبة المعوّضة (١) ، محلّ تأمّل ، بل منع ؛ لما عرفت من أنّ تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير.

نعم ، لو اتي بلفظ «التمليك بالعوض» واحتمل إرادة غير حقيقته كان [مقتضى (٢)] الأصل اللفظي حمله على المعنى

الحقيقي ، فيحكم بالبيع ، لكنّ الظاهر أنّ الأصل بهذا المعنى ليس مراد القائل المتقدّم ، وسيجي‌ء توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله (٣).

الإيراد الأخير وجوابه

حقيقة القرض

بقي (٤) القرض داخلاً في ظاهر الحدّ ، ويمكن إخراجه بأنّ مفهومه ليس نفس المعاوضة ، بل هو تمليك على وجه ضمان المثل (٥) أو القيمة ، لا معاوضة للعين بهما ؛ ولذا لا يجري فيه ربا المعاوضة (٦) ، ولا الغرر‌

__________________

(١) انظر الجواهر ٢٢ : ٢٤٦.

(٢) لم ترد «مقتضى» في النسخ ، إلاّ أنّها زيدت في «ن» ، «ص» و «ش» تصحيحاً أو استظهاراً.

(٣) يجي‌ء في الصفحة ٩١ عند قوله : الخامس في حكم جريان المعاطاة ..

(٤) في «ف» و «ن» : وبقي.

(٥) في «ف» : الضمان للمثل.

(٦) في «ف» : المعاوضات.


المنفي فيها ، ولا ذكر العوض ، ولا العلم به ، فتأمّل (١).

استعمال البيع في معانٍ اُخر

ثمّ إنّ ما ذكرنا ، تعريفٌ للبيع المأخوذ في صيغة «بعت» وغيره (٢) من المشتقّات ، ويظهر من بعض من قارب عصرنا (٣) استعماله في معانٍ أُخر غير ما ذكر‌ (٤) :

أحدها : التمليك المذكور ، لكن (٥) بشرط تعقّبه بتملّك المشتري ، وإليه نظر بعض مشايخنا (٦) ، حيث أخذ قيد التعقّب (٧) بالقبول (٨) في تعريف البيع المصطلح ؛ ولعلّه لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ ، بل وصحّة السلب عن المجرّد ؛ ولهذا لا يقال : «باع فلان ماله» ، إلاّ بعد أن يكون قد اشتراه غيره ، ويستفاد من قول القائل : «بعت مالي» ، أنّه اشتراه غيره ، لا أنّه أوجب (٩) البيع فقط.

__________________

(١) عبارة «بقي القرض إلى فتأمّل» لم ترد في «خ» ، وكتب عليها في غير «ف» و «ش» : «زائد» ، وقد تقدّم (في الصفحة ١٤ ، الهامش ٨) زيادة عبارةٍ عن بعض النسخ ترتبط بإخراج القرض ، والظاهر أنّ المؤلف قدس‌سره كتب أوّلاً تلك العبارة ثمّ أعرض عنها وبيّنها هنا بلفظٍ أوفى ، فصار ذلك منشأً لاختلاف النسخ.

(٢) في «ف» : غيرها.

(٣) انظر مقابس الأنوار : ١٠٧ (كتاب البيع) ، و ٢٧٥ (كتاب النكاح).

(٤) عبارة «غير ما ذكر» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن».

(٥) في «ف» : لكنّه.

(٦) لم نعثر عليه ، ولعلّه المحقّق النراقي ، انظر المستند ٢ : ٣٦٠.

(٧) في «ف» : التعقيب.

(٨) في غير «ش» زيادة : «مأخوذاً» ، وشطب عليها في «ن».

(٩) في «ف» : وجب.


الثاني : الأثر الحاصل من الإيجاب والقبول ، وهو الانتقال ، كما يظهر من المبسوط (١) وغيره (٢).

الثالث : نفس العقد المركّب من الإيجاب والقبول ، وإليه ينظر من عرّف البيع بالعقد (٣). قال (٤) : بل الظاهر اتّفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب المعاملات ، حتى الإجارة وشبهها التي ليست هي في الأصل (٥) اسماً لأحد طرفي العقد (٦).

المناقشة في هذه الاستعمالات

أقول : أمّا البيع بمعنى الإيجاب المتعقّب للقبول ، فالظاهر أنّه ليس مقابلاً للأوّل ، وإنّما هو فردٌ انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة على إرادة الإيجاب المثمر ؛ إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرّد ، فقول المخبر : «بعت» ، إنّما أراد الإيجاب المقيّد ، فالقيد مستفاد من الخارج ، لا أنّ البيع مستعمل في الإيجاب المتعقّب للقبول ، وكذلك لفظ «النقل» و «الإبدال» و «التمليك» وشبهها ، مع أنّه لم يقل (٧) أحد بأنّ تعقّب القبول له دخل في معناها.

نعم ، تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج ، لا في نظر الناقل ؛ إذ‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٧٦.

(٢) السرائر ٢ : ٢٤٠.

(٣) مثل الحلبي في الكافي : ٣٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٣٦ ، واختاره العلاّمة في المختلف ٥ : ٥١.

(٤) أي بعض من قارب عصر المؤلّف قدس‌سره ، المشار إليه آنفاً.

(٥) لم ترد «هي في الأصل» في «ف».

(٦) انظر مقابس الأنوار : ١٠٧ و ٢٧٥.

(٧) في «ف» : لم ينقل.


لا ينفكّ التأثير عن الأثر (١) ، فالبيع وما يساويه معنىً من قبيل الإيجاب والوجوب ، لا الكسر والانكسار كما تخيّله بعض (٢) فتأمّل. ومنه يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح ، فضلاً عن أن يجعل أحد معانيها (٣).

وأمّا البيع بمعنى الأثر وهو الانتقال ، فلم يوجد في اللغة ولا في العرف (٤) ، وإنّما وقع في تعريف جماعة تبعاً للمبسوط (٥). وقد يوجّه (٦) : بأنّ المراد بالبيع المحدود المصدر من المبنيّ للمفعول ، أعني : «المبيعيّة» ، وهو تكلّف حسن.

وأمّا البيع بمعنى العقد ، فقد صرّح الشهيد الثاني رحمه‌الله : بأنّ إطلاقه عليه مجاز ؛ لعلاقة السببية (٧).

والظاهر أنّ المسبّب هو الأثر الحاصل في نظر الشارع ؛ لأنّه المسبّب عن العقد ، لا النقل الحاصل من فعل الموجِب ؛ لما عرفت من أنّه حاصل بنفس إنشاء الموجِب من دون توقّف على شي‌ءٍ ، كحصول وجوب الضرب في نظر الآمر (٨) بمجرّد الأمر وإن لم يَصر واجباً في‌

__________________

(١) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وقد وردت العبارة في سائر النسخ مع اختلاف غير مخلّ في التقديم والتأخير.

(٢) المراد به ظاهراً الشيخ أسد الله التستري ، راجع مقابس الأنوار : ١٠٧.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : معانيه.

(٤) العبارة في «ف» هكذا : فلم يوجد له أثر في اللغة ولا العرف.

(٥) راجع الصفحة ١٠.

(٦) وجّهه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ٢٧٤.

(٧) المسالك ٣ : ١٤٤.

(٨) في «ف» : في نفس الآمر.


الخارج (١) في نظر غيره.

وإلى هذا نظر جميع ما ورد في النصوص والفتاوى من قولهم : «لزم البيع» ، أو «وجب» ، أو «لا بيع بينهما» ، أو «أقاله في البيع» ونحو ذلك.

والحاصل : أنّ البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحقّقه في نظر الشارع ، المتوقّف على تحقّق الإيجاب والقبول ، فإضافة العقد إلى البيع بهذا المعنى ليست بيانيّة ؛ ولذا يقال : «انعقد البيع» ، و «لا ينعقد البيع».

البيع ونحوه من العقود اسم للصحيح أو للأعم؟

اختيار الشهيدين كونه للصحيح

ثمّ إنّ الشهيد الثاني نصّ في «كتاب اليمين» من المسالك على أنّ عقد البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح ، مجاز في الفاسد ؛ لوجود خواصّ الحقيقة والمجاز ، كالتبادر وصحّة السلب. قال : ومِن ثَمّ حُمل (٢) الإقرار به عليه ، حتى لو ادّعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعاً ، ولو كان مشتركاً بين الصحيح والفاسد لقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة ، وانقسامه إلى الصحيح والفاسد أعمّ من الحقيقة (٣) ، انتهى.

وقال الشهيد الأوّل (٤) في قواعده : الماهيّات الجعليّة كالصلاة والصوم وسائر العقود لا تطلق على الفاسد إلاّ الحجّ ؛ لوجوب المضيّ فيه (٥) ، انتهى. وظاهره إرادة الإطلاق الحقيقي.

المناقشة فيما أفاده الشهيدان

ويشكل ما ذكراه بأنّ وضعها للصحيح يوجب عدم جواز التمسّك‌

__________________

(١) لم ترد «في الخارج» في «ف» ، وشطب عليها في «ن».

(٢) في غير «ش» : «قبل» ، وصحّح في أكثر النسخ بما في المتن.

(٣) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ١٥٩.

(٤) لم ترد «الأوّل» في «ف».

(٥) القواعد والفوائد ١ : ١٥٨.


بإطلاق نحو (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ، وإطلاقات (٢) أدلّة سائر العقود في مقام الشكّ في اعتبار شي‌ءٍ فيها ، مع أنّ سيرة علماء الإسلام التمسّك بها في هذه المقامات.

توجيه ما أفاده الشهيدان

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ البيع وشبهه في العرف إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل (٣) : «بعت» عند الإنشاء ، لا يستعمل حقيقة إلاّ في ما كان صحيحاً مؤثّراً ولو في نظر القائل (٤) ، ثمّ إذا كان مؤثّراً في نظر الشارع كان بيعاً عنده ، وإلاّ كان صورة بيع ، نظير بيع الهازل عند العرف.

فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل : «بعت» عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ، ومجاز في غيره ، إلاّ أنّ الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع.

وجه التمسّك بإطلاق أدلّة البيع ونحوه

وأمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلّة البيع ونحوه ؛ فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف ، حمل لفظ «البيع» وشبهه في الخطابات الشرعيّة على ما هو الصحيح المؤثّر عند العرف ، أو على المصدر الذي يراد من لفظ «بعت» ، فيستدلّ بإطلاق الحكم بحلّه أو بوجوب الوفاء على كونه مؤثّراً في نظر الشارع أيضاً ، فتأمّل فإنّ للكلام محلاّ آخر.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) في «ف» : إطلاق.

(٣) كلمة «القائل» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٤) في «ف» : «نظر الفاعل» ، وفي «ش» : «نظرهم» ، وفي سائر النسخ جُمع بين ما أثبتناه وما في «ش».


[الكلام في المعاطاة]



الكلام في المعاطاة‌

حقيقة المعاطاة

اعلم أنّ المعاطاة على ما فسّره جماعة (١) ـ : أن يعطي كلٌّ من اثنين عوضاً عمّا يأخذه من الآخر ، وهو يتصوّر على وجهين :

صور المعاطاة

أحدهما : أن يبيح كلٌّ منهما للآخر التصرّف فيما يعطيه ، من دون نظر إلى تمليكه.

الثاني : أن يتعاطيا على وجه التمليك.

وربما يذكر وجهان آخران (٢) :

أحدهما : أن يقع النقل (٣) من غير قصد البيع ولا تصريحٍ بالإباحة المزبورة ، بل يعطي شيئاً ليتناول شيئاً فدفعه (٤) الآخر إليه.

الثاني : أن يقصد الملك المطلق ، دون خصوص البيع.

__________________

(١) منهم المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٥ ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٣ : ٢٢٢ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٠.

(٢) ذكره صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٣) في «ن» : الفعل.

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «فيدفعه» ، كما في مصحّحة «ع».


ويردّ الأوّل : بامتناع خلوّ الدافع (١) عن قصد عنوان من عناوين البيع ، أو الإباحة ، أو العارية ، أو الوديعة ، أو القرض ، أو غير ذلك من العنوانات الخاصّة.

والثاني : بما تقدّم في تعريف البيع (٢) : من أنّ التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع ، لا غير.

نعم ، يظهر من غير واحدٍ منهم (٣) في بعض (٤) العقود كبيع لبن الشاة مدّةً ، وغير ذلك ـ : كون التمليك المطلق أعمّ من البيع.

حكم المعاطاة

ثمّ إنّ المعروف بين علمائنا في حكمها : أنّها مفيدة لإباحة التصرّف (٥) ، ويحصل الملك بتلف إحدى العينين ، وعن المفيد (٦) وبعض العامّة (٧) : القول بكونها لازمة كالبيع ، وعن العلاّمة رحمه‌الله في النهاية‌

__________________

(١) في نسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : الواقع.

(٢) تقدّم في الصفحة ١٥.

(٣) انظر المختلف ٥ : ٢٤٩ ، والدروس ٣ : ١٩٧ ، وجامع المقاصد ٤ : ١١٠.

(٤) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ بدل «في بعض» : كون بعض.

(٥) كما سيأتي عن الحلبي ، والشيخ ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، والعلاّمة في التذكرة.

(٦) نقله عنه المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٦ ، وفيه : «خلافاً للمفيد رحمه‌الله فإنّه جعلها كالعقد» ، ونسبه في جامع المقاصد (٤ : ٥٨) إلى ظاهر عبارة المفيد ، ونحوه في مجمع الفائدة (٨ : ١٤٢). وفي الجواهر (٢٢ : ٢١٠) : «اشتهر نقل هذا عن المفيد» ، ولكن قال بعد أسطر : «وليس فيما وصل إلينا من كلام المفيد تصريح بما نسب إليه».

(٧) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر (٢٢ : ٢١٠) عن أحمد ومالك ، وأُنظر المغني لابن قدامة ٣ : ٥٦١ ، والمجموع ٩ : ١٩١.


احتمال كونها بيعاً فاسداً في عدم إفادتها لإباحة التصرّف (١).

محل النزاع في المعاطاة

ولا بدّ أوّلاً من ملاحظة أنّ النزاع في المعاطاة المقصود بها الإباحة ، أو في المقصود بها التمليك؟

الظاهر من الخاصّة والعامّة هو المعنى الثاني.

تنزيل المحقّق الثاني الإباحة على الملك الجائز

وحيث إنّ الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف وحصوله بعده لا يجامع ظاهراً قصد التمليك من المتعاطيين ، نزّل المحقّق الكركي الإباحة في كلامهم على الملك الجائز المتزلزل ، وأنّه يلزم بذهاب إحدى العينين ، وحقّق ذلك في شرحه على القواعد وتعليقه على الإرشاد بما لا مزيد عليه (٢).

توجيه صاحب الجواهر بأنّ محلّ النزاع هي المعاطاة بقصد الاباحة

لكن بعض المعاصرين لمّا استبعد هذا الوجه التجأ إلى جعل محلّ النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرّد الإباحة ، ورجّح بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها المقابل للملك ، ونزّل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة على هذا الوجه ، وطعن على من جعل محلّ النزاع في المعاطاة بقصد التمليك ، قائلاً : إنّ القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك ممّا لا ينسب إلى أصاغر الطلبة ، فضلاً عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم (٣).

المناقشة في توجيه المحقّق الثاني

والإنصاف : أنّ ما ارتكبه المحقّق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل ، بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب ، مثل : الشيخ في‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨ ، حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٦.

(٣) الجواهر ٢٢ : ٢٢٤ ٢٢٥.


المناقشة في توجيه صاحب الجواهر

المبسوط ، والخلاف (١) ، والحلي في السرائر (٢) ، وابن زهرة في الغنية (٣) ، والحلبي في الكافي (٤) ، والعلاّمة في التذكرة وغيرها (٥) ، بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف إلاّ أنّ جعل محلّ النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك أبعد منه ، بل لا يكاد يوجد في كلام أحدٍ منهم ما يقبل (٦) الحمل على هذا المعنى.

دلالة كلام الفقهاء على بُعد التوجيهين

ولننقل أوّلاً كلمات جماعة ممّن ظفرنا على كلماتهم ؛ ليظهر منه بُعد تنزيل الإباحة على الملك المتزلزل كما صنعه المحقّق الكركي (٧) وأبعديّة جعل محلّ الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرّد إباحة التصرّفات دون التمليك (٨) ، فنقول وبالله التوفيق :

كلام الشيخ

قال (٩) في الخلاف : إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب ، فقال : أعطني بها بقلاً أو ماءً ، فأعطاه ، فإنّه لا يكون بيعاً وكذلك سائر المحقّرات وإنّما يكون إباحة له ، فيتصرّف كلٌّ منهما في ما أخذه تصرّفاً‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٨٧ ، الخلاف ٣ : ٤١ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٩.

(٢) السرائر ٢ : ٢٥٠.

(٣) الغنية : ٢١٤.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٥٢ ٣٥٣.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٢. وانظر المختلف ٥ : ٥١ ، والإرشاد ١ : ٣٥٩ ، والقواعد ١ : ١٢٣.

(٦) العبارة في «ف» هكذا : بل لا يكاد يوجد كلام منهم يقبل ..

(٧) تقدّم عنه في الصفحة السابقة.

(٨) في «ف» زيادة : كما صنعه بعض المعاصرين.

(٩) في «ف» : قال الشيخ.


رأي الشافعي في المعاطاة

رأي أبي حنيفة في المعاطاة

مباحاً من دون أن يكون ملكه ؛ وفائدة ذلك : أنّ البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك ؛ لأنّ الملك لم يحصل لهما ؛ وبه قال الشافعي.

وقال أبو حنيفة : يكون بيعاً صحيحاً وإن لم يحصل (١) الإيجاب والقبول. وقال ذلك في المحقّرات ، دون غيرها.

دليلنا : إنّ العقد حكم شرعي ، ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا (٢) ، فيجب أن لا يثبت ، وأمّا الإباحة بذلك ، فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها (٣) ، انتهى.

ولا يخفى صراحة (٤) هذا الكلام في عدم حصول الملك ، وفي أنّ محلّ الخلاف بينه وبين أبي حنيفة ما لو قصد البيع ، لا الإباحة المجرّدة ، كما يظهر أيضاً من بعض كتب الحنفيّة ؛ حيث إنّه بعد تفسير البيع ب : «مبادلة مال بمال» قال : وينعقد بالإيجاب والقبول ، وبالتعاطي (٥) ، (٦) وأيضاً ، فتمسّكه بأنّ العقد حكمٌ شرعيّ ، يدلّ على عدم انتفاء قصد البيعيّة ، وإلاّ لكان الأولى ، بل المتعيّن : التعليل به ؛ إذ مع انتفاء حقيقة‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر : لم يوجد.

(٢) في «ف» والمصدر : ها هنا.

(٣) الخلاف ٣ : ٤١ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٩.

(٤) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «ظهور» ، وفي نسخة بدلها : صراحة.

(٥) في «ف» : والتعاطي.

(٦) انظر الفتاوى الهندية ٣ : ٢ ، وفيه بعد التعريف المذكور ـ : وأمّا ركنه ، فنوعان : أحدهما الإيجاب والقبول ، والثاني التعاطي وهو الأخذ والإعطاء.


البيع لغةً وعرفاً لا معنى للتمسّك بتوقيفيّة (١) الأسباب الشرعية ، كما لا يخفى.

كلام ابن ادريس

وقال في السرائر بعد ذكر اعتبار الإيجاب والقبول واعتبار تقدّم الأوّل على الثاني ما لفظه : فإذا دفع قطعة إلى البقلي أو إلى الشارب ، فقال : «أعطني» ، فإنّه لا يكون بيعاً ولا عقداً ؛ لأنّ الإيجاب والقبول ما حصلا ، وكذلك سائر المحقّرات ، وسائر الأشياء محقّراً كان أو غير محقّر ، من الثياب والحيوان أو غير ذلك ، وإنّما يكون إباحة له ، فيتصرّف كلّ منهما في ما أخذه تصرّفاً مباحاً ، من غير أن يكون ملكه أو دخل في ملكه ، ولكلٍّ منهما أن يرجع في ما بذله ؛ لأنّ الملك لم يحصل لهما ، وليس ذلك من العقود الفاسدة ؛ لأنّه لو كان عقداً فاسداً لم يصحّ التصرّف فيما صار إلى كلّ واحدٍ منهما ، وإنّما ذلك على جهة الإباحة (٢) ، انتهى.

فإنّ تعليله (٣) عدم الملك بعدم حصول الإيجاب والقبول يدلّ على أن ليس المفروض (٤) ما لو لم يقصد التمليك ، مع أنّ ذكره في حيّز شروط العقد يدلّ على ما ذكرنا ، ولا ينافي ذلك (٥) قوله : «وليس هذا من العقود الفاسدة .. إلخ (٦)» كما لا يخفى.

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : «بتوقّفه على» ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» و «ع» بما في المتن.

(٢) السرائر ٢ : ٢٥٠.

(٣) في «ف» : تعليل.

(٤) في ظاهر «ف» : المقصود.

(٥) لم ترد «ذلك» في «ف».

(٦) لم ترد «إلخ» في «ف».


كلام ابن زهرة

وقال في الغنية بعد ذكر الإيجاب والقبول في عداد شروط صحّة انعقاد البيع ، كالتراضي ومعلوميّة العوضين ، وبعد بيان الاحتراز بكلٍّ (١) من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ما هذا لفظه :

واعتبرنا حصول الإيجاب والقبول ؛ تحرّزاً عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، والإيجاب من البائع ، بأن يقول : «بعنيه بألف» ، فيقول : «بعتك بألف» ؛ فإنّه لا ينعقد بذلك ، بل لا بدّ أن يقول المشتري بعد ذلك : «اشتريت» أو «قبلت» حتى ينعقد ، واحترازاً أيضاً عن القول بانعقاده بالمعاطاة ، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة ويقول : «أعطني بقلاً» ، فيعطيه ؛ فإنّ ذلك ليس ببيع ، وإنّما هو إباحة للتصرّف.

يدلّ على ما قلناه : الإجماع المشار إليه ؛ وأيضاً فما اعتبرناه مجمع على صحّة العقد به ، وليس على صحّته بما عداه دليل ، ولما ذكرنا نهى (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع «المنابذة» و «الملامسة» ، وعن بيع «الحصاة» على التأويل الآخر ، ومعنى ذلك : أن يجعل اللمس بشي‌ءٍ (٣) ، والنبذ له ، وإلقاء الحصاة بيعاً موجباً (٤) ، انتهى.

فإنّ دلالة هذا الكلام على أنّ المفروض قصد المتعاطيين التمليك (٥) ، من وجوه متعدّدة‌ :

__________________

(١) في غير «ش» : لكلّ.

(٢) في «ف» : نهى النبيّ.

(٣) كذا في النسخ ، والأصحّ : «للشي‌ء» ، كما في المصدر.

(٤) الغنية : ٢١٤.

(٥) في «ف» : التملّك.


منها : ظهور أدلّته (١) الثلاثة في ذلك.

ومنها : احترازه عن المعاطاة والمعاملة بالاستدعاء بنحوٍ واحد.

كلام الحلبي

وقال في الكافي بعد ذكر أنّه يشترط في صحّة (٢) البيع أُمورٌ ثمانية ما لفظه : واشتراط (٣) الإيجاب والقبول ؛ لخروجه من دونهما عن حكم البيع إلى أن قال ـ : فإن اختلّ شرط من هذه لم ينعقد البيع ، ولم يستحقّ التسليم وإن جاز التصرّف مع إخلال بعضها ؛ للتراضي ، دون عقد البيع ، ويصحّ معه الرجوع (٤) ، انتهى.

وهو في الظهور قريب من عبارة الغنية.

كلام المحقّق

وقال المحقّق رحمه‌الله في الشرائع : ولا يكفي التقابض من غير لفظٍ وإن حصل من الأمارات ما دلّ على إرادة البيع (٥) ، انتهى.

وذكر كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة لما لم يقصد (٦) به البيع ، بل للتنبيه على أنّه لا عبرة بقصد البيع من الفعل.

كلام العلّامة

وقال في التذكرة في حكم الصيغة : الأشهر عندنا أنّه لا بدّ منها ، فلا يكفي التعاطي في الجليل والحقير ، مثل «أعطني بهذا الدينار ثوباً»

__________________

(١) كذا في «خ» ، «ش» ونسخة بدل «ع» وظاهر «ف» ، وفي سائر النسخ : أدلّة.

(٢) لم ترد «صحّة» في «ف».

(٣) في غير «ف» : واشترط.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٥٢ ٣٥٣.

(٥) الشرائع ٢ : ١٣.

(٦) في «ف» : لما يُقصد.


فيعطيه ما يرضيه ، أو يقول (١) : «خذ هذا الثوب بدينار» فيأخذه. وبه قال الشافعي مطلقاً ؛ لأصالة بقاء الملك ، وقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد. وعن (٢) بعض الحنفية وابن شريح في الجليل. وقال أحمد : ينعقد مطلقاً. ونحوه قال مالك ، فإنّه قال : ينعقد (٣) بما يعتقده (٤) الناس بيعاً (٥) ، انتهى (٦).

ودلالته على قصد المتعاطيين للملك لا يخفى من وجوه ، أدونها : جعل مالك موافقاً لأحمد في الانعقاد من جهة أنّه قال : ينعقد بما يعتقده (٧) الناس بيعاً.

كلام الشهيد

وقال الشهيد في قواعده بعد قوله : قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي ، وذكر أمثلة لذلك ما لفظه : وأمّا المعاطاة في المبايعات ، فهي تفيد الإباحة لا الملك وإن كان في الحقير عندنا (٨) ، انتهى (٩). ودلالتها على قصد المتعاطيين للملك ممّا لا يخفى.

__________________

(١) كذا في «ش» و «ص» والمصدر ، وفي «ف» : «وبقوله» ، وفي سائر النسخ : أو بقوله.

(٢) لم ترد «عن» في «ف» والمصدر.

(٣) في «ف» ونسخة بدل «م» و «ع» : يبيع.

(٤) في غير «ش» : يقصده.

(٥) لم ترد «بيعاً» في «ف».

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٧) تقدّم آنفاً اختلاف النسخ في هذه العبارة ، انظر الهامش ٣ و ٤.

(٨) القواعد والفوائد ١ : ١٧٨ ، القاعدة ٤٧.

(٩) كلمة «انتهى» من «ف».


تأييد أنّ النزاع في المعاطاة بقصد الملك

هذا كلّه ، مع أنّ الواقع في أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك ، ويبعد فرض الفقهاء من العامّة والخاصّة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس ، مع أنّهم صرّحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس.

ثمّ إنّك قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدّمة في عدم حصول الملك ، بل صراحة بعضها ، كالخلاف والسرائر والتذكرة والقواعد.

كلام المحقّق الثاني في جامع المقاصد

ومع ذلك كلّه فقد قال المحقّق الثاني في جامع المقاصد : إنّهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل ؛ فقال : المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيعٌ وإن لم تكن كالعقد في اللزوم ، خلافاً لظاهر عبارة المفيد ، ولا يقول أحد (١) بأنّها بيع فاسد سوى المصنّف في النهاية ، وقد رجع عنه في كتبه المتأخّرة عنها (٢). وقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) (٣) عامّ إلاّ ما أخرجه الدليل.

وما يوجد في عبارة جمعٍ من متأخّري الأصحاب : من أنّها تفيد الإباحة وتلزم بذهاب إحدى العينين ، يريدون به عدم اللزوم في أوّل الأمر وبالذهاب يتحقّق اللزوم ؛ لامتناع إرادة الإباحة المجرّدة عن (٤)

__________________

(١) في «ش» والمصدر زيادة : من الأصحاب.

(٢) في «ش» والمصدر زيادة : وقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) يتناولها ؛ لأنّها بيع بالاتّفاق حتى من القائلين بفسادها ؛ لأنّهم يقولون : هي بيع فاسد.

(٣) النساء : ٢٩.

(٤) في غير «ف» و «ص» : من.


أصل الملك ؛ إذ المقصود للمتعاطيين (١) الملك ، فإذا لم يحصل كان بيعاً فاسداً (٢) ولم يجز التصرّف (٣) ، وكافة الأصحاب على خلافه.

وأيضاً ، فإنّ الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلاً ورأساً ، فكيف يتحقّق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده؟ وإنّما الأفعال لمّا لم تكن دلالتها على المراد بالصراحة كالقول لأنّها (٤) تدلّ بالقرائن منعوا من لزوم العقد بها ، فيجوز الترادّ ما دام ممكناً ، ومع (٥) تلف إحدى العينين يمتنع التراد فيتحقّق (٦) اللزوم (٧) ، ويكفي تلف بعض إحدى العينين ؛ لامتناع الترادّ في الباقي ؛ إذ هو موجب لتبعّض الصفقة والضرر (٨) ، انتهى (٩).

كلام المحقّق الثاني في تعليقه على الإرشاد

ونحوه المحكي عنه في تعليقه على الإرشاد ، وزاد فيه : أنّ مقصود المتعاطيين إباحةٌ مترتّبة على ملك الرقبة كسائر البيوع ، فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلنا ، وإلاّ لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلّية ، بل يتعيّن الحكم بالفساد ؛ إذ المقصود غير واقع ، فلو وقع غيره لوقع بغير‌

__________________

(١) في «ش» والمصدر زيادة : إنّما هو.

(٢) في «ش» والمصدر : كانت فاسدة.

(٣) في «ش» والمصدر زيادة : في العين.

(٤) العبارة في «ش» والمصدر هكذا : في الصراحة كالأقوال ، وإنّما.

(٥) في «ش» والمصدر : فمع.

(٦) في «ش» : ويتحقّق.

(٧) في «ش» والمصدر زيادة : لأنّ إحداهما في مقابل الأُخرى.

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٩) لم ترد «انتهى» في «ف».


قصد ، وهو باطل. وعليه يتفرّع النماء ، وجواز وطء الجارية ، ومن منع فقد أغرب (١) ، انتهى.

والذي يقوى في النفس : إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها ، وأنّهم يحكمون بالإباحة المجرّدة عن الملك في المعاطاة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك ، وأنّ الإباحة لم تحصل بإنشائها ابتداءً ، بل إنّما حصلت كما اعترف به في المسالك (٢) من استلزام إعطاء كلٍّ منهما سلعته مسلّطاً عليها الإذن في التصرّف فيه بوجوه التصرّفات ، فلا يرد عليهم عدا ما ذكره المحقّق المتقدّم في عبارته المتقدّمة ، وحاصله :

حاصل ما أورده المحقّق الثاني على المشهور

أنّ المقصود هو الملك ، فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرّف ؛ إذ الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنّه لم يصدر منه إلاّ التمليك ، وإن كانت من الشارع فليس عليها دليل ، ولم يشعر كلامهم بالاستناد إلى نصٍّ في ذلك ، مع أنّ إلغاء الشارع للأثر المقصود وترتيب غيره بعيدٌ جدّاً ، مع أنّ التأمّل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكيّة لا الشرعية.

ويؤيّد إرادة الملك : أنّ ظاهر إطلاقهم «إباحة التصرّف» شمولها للتصرّفات التي لا تصحّ إلاّ من المالك ، كالوطء والعتق والبيع لنفسه. والتزامهم حصول الملك مقارناً لهذه التصرّفات كما إذا وقعت هذه التصرّفات من ذي الخيار ، أو من (٣) الواهب الذي يجوز له الرجوع بعيد.

__________________

(١) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٦.

(٢) المسالك ٣ : ١٤٨.

(٣) في «ف» : ومن.


وسيجي‌ء (١) ما ذكره بعض الأساطين : من أنّ هذا القول مستلزم لتأسيس قواعد جديدة.

الجواب عمّا أورده المحقّق الثاني على المشهور

لكنّ الإنصاف : أنّ القول بالتزامهم لهذه الأُمور (٢) أهون من توجيه كلماتهم ؛ فإنّ هذه الأُمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الأصل عدم الملكيّة ، ولم يساعد عليها دليل معتبر ، واقتضى الدليل صحّة التصرّفات المذكورة ؛ مع أنّ المحكيّ (٣) عن حواشي الشهيد على القواعد (٤) : المنع عمّا يتوقّف على الملك ، كإخراجه في خمسٍ ، أو زكاةٍ (٥) ، وكوطء الجارية (٦).

وممّا يشهد على نفي البُعد عمّا ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجرّدة مع قصد المتعاطيين التمليك ـ : أنّه قد صرّح الشيخ في المبسوط (٧) ، والحلي في السرائر (٨) ، كظاهر العلاّمة في القواعد (٩) بعدم حصول الملك‌

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٤٤.

(٢) في «ف» : لهذه الوجوه.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٤) لم ترد «على القواعد» في «ف».

(٥) في «ف» : وزكاة.

(٦) في غير «ف» و «ش» زيادة ما يلي : «وصرّح الشيخ في المبسوط : بأنّ الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب والقبول ، ولا يحلّ وطؤها» ، لكن شطب عليها في «ن» ، وقال المامقاني رحمه‌الله : وهذه العبارة بتمامها قد خطّ أي شطب عليها المصنّف قدس‌سره في نسخته. انظر غاية الآمال : ١٧٨.

(٧) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٨) السرائر ٣ : ١٧٧.

(٩) القواعد ١ : ٢٧٤.


بإهداء الهديّة بدون الإيجاب والقبول ولو من الرسول ، نعم يفيد ذلك إباحة التصرّف ، لكنّ الشيخ استثنى وطء الجارية.

هل المعاطاة على القول بالإباحة بيع حقيقة؟

ثمّ إنّ المعروف بين المتأخّرين : أنّ من قال بالإباحة المجرّدة في المعاطاة ، قال بأنّها ليست بيعاً حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدّمة (١) ومعقد إجماع الغنية (٢) ، وما أبعد ما بينه وبين توجيه المحقّق الثاني من إرادة نفي اللزوم (٣)! وكلاهما خلاف الظاهر.

ويدفع الثاني (٤) : تصريحُ بعضهم (٥) بأنّ شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار ، فكلّ بيعٍ عنده لازم من غير جهة الخيارات ، وتصريحُ غير واحدٍ (٦) بأنّ الإيجاب والقبول من شرائط صحّة انعقاد البيع بالصيغة (٧).

وأمّا الأوّل (٨) ، فإن قلنا بأنّ البيع عند المتشرّعة حقيقةٌ في الصحيح‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٦ عبارة الشيخ قدس‌سره في الخلاف : «فإنّه لا يكون بيعاً» ، وفي الصفحة ٢٨ عبارة الحلّي في السرائر : «فإنّه لا يكون بيعاً ولا عقداً».

(٢) تقدّم في الصفحة ٢٩.

(٣) تقدّم كلامه في الصفحة ٣٢.

(٤) أي توجيه المحقّق الثاني.

(٥) لم نقف على مصرّح بذلك ، نعم قال العلاّمة قدس‌سره في القواعد (١ : ١٤١ ١٤٢) : الأصل في البيع اللزوم ، وإنّما يخرج عن أصله بأمرين : ثبوت خيار ، وظهور عيب.

(٦) كالحلبي في الكافي : ٣٥٣ ، وابن زهرة في الغنية : ٢١٤ ، وتقدّم كلامهما في الصفحة ٢٩ و ٣٠ ، فراجع.

(٧) قال الشهيدي في شرحه بعد ذكر توجيهٍ للعبارة : فالظاهر بل المتعيّن أنّ كلمة «بالصيغة» من غلط النسخة. (هداية الطالب : ١٦٠).

(٨) أي ما هو المعروف بين المتأخّرين من أنّ المعاطاة ليست بيعاً حقيقة.


ولو بناءً على ما قدّمناه في آخر تعريف البيع (١) : من أنّ البيع في العرف اسمٌ للمؤثّر منه في النقل ، فإن كان في نظر الشارع أو المتشرّعة ، من حيث إنّهم متشرّعة ومتديّنون بالشرع ، صحيحاً مؤثّراً في الانتقال كان بيعاً حقيقيّا ، وإلاّ كان (٢) صوريّاً ، نظير بيع الهازل في نظر العرف فيصحّ على ذلك نفي البيعيّة على وجه الحقيقة في كلام كلّ من اعتبر في صحّته الصيغة ، أو فسّره بالعقد ؛ لأنّهم في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثّر في النقل في نظر الشارع.

الأقوال في المعاطاة

إذا عرفت ما ذكرنا ، فالأقوال في المعاطاة على ما يساعده ظواهر كلماتهم ستّة :

اللزوم مطلقاً ، كما عن ظاهر (٣) المفيد (٤) ، ويكفي في وجود القائل به قول العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة : الأشهر عندنا أنّه لا بدّ من الصيغة (٥).

واللزوم بشرط كون الدالّ على التراضي أو المعاملة لفظاً ، حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (٦) ، وبعض متأخري المحدّثين (٧) ، لكن‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٠.

(٢) في «ف» زيادة : بيعاً.

(٣) كذا في «ف» و «ن» ، وفي «م» و «ص» : «كما هو ظاهر المفيد» ، وفي «خ» ومصحّحة «ع» : «كما هو عن ظاهر المفيد» ، وفي «ش» : «كما هو ظاهر عن المفيد».

(٤) راجع الصفحة ٢٤ ، الهامش ٦.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٦) هو السيّد حسن بن السيّد جعفر ، على ما في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٦ ، وقد حكاه الشهيد الثاني عنه بلفظ : وقد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك ، المسالك ٣ : ١٤٧.

(٧) وهو المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٥٥.


في عدّ هذا من الأقوال في المعاطاة تأمّل (١).

والملك الغير اللازم ، ذهب إليه المحقّق الثاني ، ونسبه إلى كلّ من قال بالإباحة (٢). وفي النسبة ما عرفت (٣).

وعدم الملك مع إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك ، كما هو ظاهر عبائر كثير (٤) ، بل ذكر في المسالك : أنّ كلّ من قال بالإباحة يسوّغ جميع التصرّفات (٥).

وإباحة ما لا يتوقّف على الملك ، وهو الظاهر من الكلام المتقدّم عن حواشي الشهيد على القواعد (٦) ، وهو المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب وقبول (٧).

والقول بعدم إباحة التصرّف مطلقاً ، نسب إلى ظاهر النهاية (٨) ، لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها (٩).

رأي المشهور

والمشهور بين علمائنا : عدم ثبوت الملك بالمعاطاة‌ وإن قصد‌

__________________

(١) كتب في «ش» على قوله : «لكن إلى تأمّل» : هذه حاشية منه قدس‌سره.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٣) راجع الصفحة ٢٥ ٢٦ و ٣٤.

(٤) تقدّمت عباراتهم في الصفحة ٢٦ ٣١.

(٥) المسالك ٣ : ١٤٩ ، ولفظه : لأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرّفات.

(٦) تقدّم في الصفحة ٣٥.

(٧) راجع الصفحة ٣٥ ٣٦.

(٨) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩ ، حيث قرّب فيها كون حكم المعاطاة حكم المقبوض بالعقود الفاسدة.

(٩) كما سيأتي عن التحرير.


المتعاطيان بها التمليك (١) ، بل لم نجد قائلاً به إلى زمان المحقّق الثاني الذي قال به ، ولم يقتصر على ذلك حتى نسبه إلى الأصحاب (٢).

نعم ، ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير ، حيث قال فيه : الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة ، بل لكلٍّ منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية ، فإن تلفت لزمت ، انتهى. ولذا نسب ذلك إليه في المسالك (٣) ، لكنّ قوله بعد ذلك : «ولا يحرم على كلٍّ منهما الانتفاع بما قبضه ، بخلاف البيع الفاسد» (٤) ظاهر في أنّ مراده مجرّد الانتفاع ؛ إذ لا معنى لهذه العبارة بعد الحكم بالملك.

رأي العامّة في المعاطاة

وأمّا قوله : «والأقوى .. إلخ» ، فهو إشارة إلى خلاف المفيد رحمه‌الله والعامّة القائلين باللزوم. وإطلاق «المعاوضة» عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان ، وإطلاق «الفسخ» على «الردّ» (٥) بهذا الاعتبار أيضاً ، وكذا «اللزوم».

ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه ـ : أنّ الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقّفها على الإيجاب والقبول ، ثمّ قال (٦) : وهل يستغنى عن‌

__________________

(١) عبارة «وإن قصد إلى التمليك» لم ترد في «ف» و «ش» ، وشطب عليها في «خ» ، وكتب عليها في «ن» : زائد.

(٢) راجع الصفحة ٣٢.

(٣) المسالك ٣ : ١٤٨.

(٤) التحرير ١ : ١٦٤.

(٥) في «ف» : الترادّ.

(٦) كذا في النسخ ، والعبارة لا تخلو من تأمّل ، والمعنى واضح.


الإيجاب والقبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه ، نعم يباح التصرّف بشاهد الحال (١) ، انتهى. وصرّح بذلك أيضاً في الهدية (٢) ، فإذا لم يقل في الهبة بصحّة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع؟

الأقوى : حصول الملك الاستدلال بالسيرة

وذهب جماعة (٣) تبعاً للمحقّق الثاني إلى حصول الملك ، ولا يخلو عن قوّة ؛ للسيرة المستمرّة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرّف فيه بالعتق ، والبيع ، والوطء ، والإيصاء ، وتوريثه ، وغير ذلك من آثار الملك.

الاستدلال بآية أحل الله البيع

ويدلّ عليه أيضاً : عموم قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٤) ؛ حيث إنّه يدلّ على حلّية جميع التصرّفات المترتّبة على البيع ، بل قد يقال : بأنّ الآية دالّة عرفاً بالمطابقة (٥) على صحّة البيع ، لا مجرّد الحكم التكليفي. لكنّه محلّ تأمّل.

وأمّا منع صدق البيع عليه عرفاً فمكابرة.

وأمّا دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعاً‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٨١.

(٢) التحرير ١ : ٢٨٤.

(٣) منهم : المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٣٩ ١٤١ ، والمحدّث الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٤٨ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٥٠ و ٣٦١ ، والمحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦١ ٣٦٢ ، ونفى عنه البُعد المحقّق السبزواري في الكفاية : ٨٨.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) في «ف» : دالّة بالمطابقة عرفاً.


كابن زهرة في الغنية (١) فمرادهم بالبيع : المعاملة اللازمة التي هي إحدى (٢) العقود ؛ ولذا صرّح في الغنية بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحّة البيع.

ودعوى : أنّ البيع الفاسد عندهم ليس بيعاً ، قد عرفت الحال فيها (٣).

الاستدلال بآية التجارة

وممّا ذكر يظهر وجه التمسّك بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٤).

الاستدلال بحديث السلطنة والمناقشة فيه

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٥) فلا دلالة فيه على المدّعى ؛ لأنّ عمومه باعتبار أنواع السلطنة ، فهو إنّما يجدي فيما إذا شكّ في أنّ هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك ، وماضية شرعاً في حقّه ، أم لا؟ أمّا إذا قطعنا بأنّ (٦) سلطنة خاصّة كتمليك ماله للغير نافذة في حقّه ، ماضية شرعاً ، لكن شكّ في أنّ هذا التمليك الخاصّ هل يحصل بمجرّد التعاطي مع القصد ، أم لا بدّ من القول الدالّ عليه (٧)؟ فلا يجوز الاستدلال على سببيّة المعاطاة في الشريعة للتمليك‌

__________________

(١) تقدّم كلامه في الصفحة ٢٩.

(٢) في «ف» و «ش» : أحد.

(٣) راجع الصفحة ١٩ وغيرها.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٦) في «ف» : بأنّه.

(٧) في «ع» و «ش» زيادة : «فلا» استدراكاً.


بعموم تسلّط الناس على أموالهم ، ومنه يظهر أيضاً ـ : عدم جواز التمسّك به (١) لما سيجي‌ء من شروط الصيغة.

المناقشة في دلالة الآيتين

وكيف كان ، ففي الآيتين مع السيرة كفاية. اللهم إلاّ أن يقال : إنّهما لا تدلاّن على الملك ، وإنّما تدلاّن على إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك ، كالبيع والوطء والعتق والإيصاء ، وإباحة هذه التصرّفات إنّما تستلزم الملك بالملازمة الشرعيّة الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع وعدم القول بالانفكاك ، دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم ، حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرّفات.

وصرّح في المسالك : بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرّفات (٢) ، غاية الأمر أنّه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرّف المتوقّف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آناً ما ؛ فإنّ الجمع بين إباحة هذه التصرّفات وبين توقّفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار. ولا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر (٣) ليقال (٤) : إنّ مرجع هذه الإباحة أيضاً إلى التمليك.

المناقشة في دلالة السيرة

وأمّا ثبوت (٥) السيرة واستمرارها على التوريث ، فهي كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة وقلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم وسياساتهم ، كما لا يخفى.

__________________

(١) لم ترد «به» في «خ» ، «م» و «ع».

(٢) المسالك ٣ : ١٤٩.

(٣) في هامش «ف» زيادة : كما التزمه المحقّق الثاني صح.

(٤) في غير «ف» و «ش» : فيقال.

(٥) في «ف» : وأمّا ترتّب.


ودعوى : أنّه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرّفات المتوقّفة على الملك كما يظهر من المحكيّ عن حواشي الشهيد على القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، وعدم جواز وطء الجارية المأخوذة بها (١) ، وقد صرّح الشيخ رحمه‌الله بالأخير في معاطاة الهدايا (٢) فيتوجّه (٣) التمسّك حينئذٍ بعموم الآية على جوازها ، فيثبت الملك ، مدفوعة : بأنّه وإن لم يثبت ذلك ، إلاّ أنّه لم يثبت أنّ كلّ من قال بإباحة جميع هذه التصرّفات قال بالملك من أوّل الأمر ، فيجوز للفقيه حينئذٍ التزام إباحة جميع التصرّفات مع التزام حصول الملك عند التصرّف المتوقّف على الملك ، لا من أوّل الأمر.

الأولى في الاستدلال على المختار

فالأولى حينئذٍ : التمسّك في المطلب بأنّ المتبادر عرفاً من «حلّ البيع» صحّته شرعاً.

هذا ، مع إمكان إثبات صحّة المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض إطلاقاتهما ، وتتميمه في البيع بالإجماع المركّب.

هذا ، مع أنّ (٤) ما ذكر : من أنّ للفقيه (٥) التزام حدوث الملك عند التصرّف المتوقّف عليه ، لا يليق بالمتفقّه فضلاً عن الفقيه! ولذا ذكر‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٥.

(٢) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٣) في «ف» : فيوجّه.

(٤) في «ن» شطب على كلمة : أنّ.

(٥) في «ن» شطب على كلمة : للفقيه.


دعوى كاشف الغطاء أنّ القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة

بعض الأساطين في شرحه على القواعد في مقام الاستبعاد ـ : أنّ القول بالإباحة المجرّدة ، مع فرض (١) قصد المتعاطيين التمليك والبيع ، مستلزم لتأسيس قواعد جديدة :

منها : أنّ العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود.

ومنها : أن يكون إرادة التصرّف من المملِّكات ، فتملك (٢) العين أو المنفعة بإرادة التصرّف بهما (٣) ، أو معه (٤) دفعة وإن لم يخطر ببال المالك الأوّل الإذن في شي‌ءٍ من هذه التصرّفات ؛ لأنّه قاصد للنقل من حين الدفع ، وأنّه (٥) لا سلطان له بعد ذلك ، بخلاف من قال : أعتق عبدك عنّي ، وتصدّق بمالي عنك.

ومنها : أنّ الأخماس والزكوات والاستطاعة والديون والنفقات وحقّ المقاسمة (٦) والشفعة والمواريث والربا والوصايا تتعلّق بما (٧) في اليد ، مع العلم ببقاء مقابله ، وعدم التصرّف فيه ، أو عدم العلم به ، فينفى بالأصل ، فتكون متعلّقة بغير الأملاك ، وأنّ صفة الغنى والفقر تترتّب‌

__________________

(١) لم ترد «فرض» في «ف».

(٢) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : فيملك.

(٣) كذا في «ش» و «ص» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي «خ» : «فيها» ، وفي سائر النسخ : بها.

(٤) في أكثر النسخ : «بيعه» ، إلاّ أنّه صحّح بعضها طبقاً لما أثبتناه.

(٥) في «ش» : لأنّه.

(٦) في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ع» : المقاصّة.

(٧) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «بما يتعلّق» ، لكنّه صحّح بعضها طبقاً لما أثبتناه.


عليه كذلك ، فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.

ومنها : كون التصرّف من جانبٍ مملّكاً للجانب الآخر ، مضافاً إلى غرابة استناد الملك إلى التصرّف.

ومنها : جعل التلف السماوي من جانبٍ مملّكاً للجانب الآخر ، والتلف من الجانبين (١) معيّناً للمسمّى من الطرفين ، ولا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

ومع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها ، فالقول بأنّه المطالب ؛ لأنّه تملّك (٢) بالغصب أو التلف في يد الغاصب ، غريب! والقول بعدم الملك بعيد جدّاً ، مع أنّ في التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فهو عجيب (٣)! ومعه بعيد ؛ لعدم قابليّته (٤) ، وبعده ملك معدوم ، ومع عدم الدخول في الملك يكون ملك الآخر بغير عوض ، ونفي الملك مخالف للسيرة وبناء المتعاطيين.

ومنها : أنّ التصرّف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقّف على النيّة ، فهو بعيد ، وإن أوقفناه عليها كان الواطئ للجارية من غيرها (٥) واطئاً بالشبهة ، والجاني عليه والمتلف (٦) جانياً على مال الغير ومتلِفاً له.

__________________

(١) في «ش» وهامش «ن» زيادة : مع التفريط.

(٢) في «ص» والمصدر : يملك.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فعجيب.

(٤) في «ص» والمصدر زيادة : حينئذٍ.

(٥) في المصدر : من غير علمٍ.

(٦) في «ش» زيادة : له.


ومنها : أنّ النماء الحادث قبل التصرّف ، إن جعلنا حدوثه مملّكاً له دون العين فبعيد ، أو معها فكذلك ، وكلاهما منافٍ لظاهر الأكثر ، وشمول الإذن له خفيّ (١).

ومنها : قصر التمليك (٢) على التصرّف مع الاستناد فيه إلى أنّ (٣) إذن المالك فيه إذن في التمليك ، فيرجع إلى كون المتصرّف في تمليكه (٤) نفسه موجباً قابلاً ، وذلك جارٍ في القبض ، بل هو أولى منه ؛ لاقترانه بقصد التمليك ، دونه (٥) ، انتهى.

المناقشة فيما ادعاه كاشف الغطاء

والمقصود من ذلك كلّه استبعاد هذا القول ، لا أنّ الوجوه المذكورة تنهض (٦) في مقابل الأُصول والعمومات ؛ إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف القواعد المتداولة بين الفقهاء.

أمّا حكاية تبعيّة العقود وما قام مقامها للقصود ، ففيها :

أوّلاً : أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجرّدة من العقود ، ولا من القائم مقامها شرعاً ؛ فإنّ تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنّما هو لأجل دليل صحّة ذلك العقد ، بمعنى ترتّب الأثر المقصود عليه ، فلا يعقل حينئذٍ الحكم بالصحّة مع عدم ترتّب الأثر المقصود عليه ،

__________________

(١) في «ف» : وشمول العين له غير خفيّ.

(٢) في المصدر : التملّك.

(٣) لم ترد «أنّ» في «ش».

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : في تمليك.

(٥) شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة : ٥٠.

(٦) في «ف» : لأنّ الوجوه المذكورة لا تنهض.


أمّا المعاملات الفعليّة التي لم يدلّ على صحّتها دليل ، فلا يحكم بترتّب الأثر المقصود عليها ، كما نبّه عليه الشهيد في كلامه المتقدّم (١) من أنّ السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المبايعات (٢) ، نعم إذا دلّ الدليل على ترتّب أثر عليه حكم به (٣) وإن لم يكن مقصوداً.

وثانياً : أنّ تخلّف العقد عن مقصود المتبايعين كثير ، فإنّهم أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسداً يؤثّر في ضمان كلٍّ من العوضين القيمة (٤) ؛ لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه ، مع أنّهما لم يقصدا إلاّ ضمان كلٍّ منهما بالآخر.

وتوهّم : أنّ دليلهم على ذلك «قاعدة اليد» ، مدفوع : بأنّه لم يذكر هذا الوجه إلاّ بعضهم معطوفاً على الوجه الأوّل ، وهو إقدامهما على الضمان ، فلاحظ المسالك (٥).

وكذا الشرط الفاسد (٦) لم يقصد المعاملة إلاّ (٧) مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣١.

(٢) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «المعاملات» ، وفي نسخة بدلها : المبايعات.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : على عدم ترتّب الأثر عليه يحكم به.

(٤) في مصحّحة «ن» : بالقيمة.

(٥) المسالك ٣ : ١٥٤.

(٦) كذا في النسخ ، وصحّحت العبارة في «ص» بزيادة : مع أنّه.

(٧) لم ترد «إلاّ» في «ف».


وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكلّ.

وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير (١).

وترك ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائماً ، على قولٍ نسبه في المسالك وكشف اللثام إلى المشهور (٢).

نعم ، الفرق بين العقود وما نحن فيه : أنّ التخلّف عن القصود (٣) يحتاج إلى الدليل المخرج عن أدلّة صحّة العقود ، وفيما نحن فيه عدم الترتّب مطابق للأصل.

وأمّا ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرّف مملّكاً ، فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل ودليل جواز التصرّف المطلق ، وأدلّة توقّف بعض التصرّفات على الملك ، فيكون كتصرّف ذي الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالوطء والبيع والعتق وشبهها (٤).

وأمّا ما ذكره من تعلّق الأخماس والزكوات إلى آخر ما ذكره فهو استبعاد محض ، ودفعه بمخالفته (٥) للسيرة رجوع إليها ، مع أنّ تعلّق الاستطاعة الموجبة للحجّ ، وتحقّق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة ، لا يتوقّفان على الملك.

__________________

(١) منهم العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٥ ، والتحرير ٢ : ١٤٢ ، والقواعد ١ : ١٢٤ وغيرها ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٦٩ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٧ ، وانظر مقابس الأنوار : ١٣٠.

(٢) المسالك ٧ : ٤٤٧. كشف اللثام ٢ : ٥٥.

(٣) في بعض النسخ : المقصود.

(٤) في «ف» : وشبههما.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ودفعها بمخالفتها.


وأمّا كون التصرّف مملّكاً للجانب الآخر ، فقد ظهر جوابه.

وأمّا كون التلف مملّكاً للجانبين ، فإن ثبت بإجماع أو سيرة كما هو الظاهر كان كلٌّ من المالين مضموناً بعوضه ، فيكون تلفه في يد كلٍّ منهما من ماله مضموناً بعوضه ، نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع ؛ لأنّ هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الإجماع وبين عموم «على اليد ما أخذت» (١) وبين أصالة عدم الملك إلاّ في الزمان المتيقّن وقوعه (٢) فيه.

توضيحه : أنّ الإجماع لمّا دلّ على عدم ضمانه بمثله أو قيمته ، حكم بكون التلف (٣) من مال ذي اليد ؛ رعايةً لعموم «على اليد ما أخذت» ، فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في أنّ : تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه (٤) ، فإذا قدّر التلف (٥) من مال ذي اليد (٦) ، فلا بدّ من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره ؛ رعايةً لأصالة عدم حدوث الملكيّة قبله ، كما يقدّر ملكية المبيع للبائع وفسخ البيع من حين التلف ؛ استصحاباً لأثر العقد.

وأمّا ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة ، فالظاهر على‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٨ ، الباب الأوّل من كتاب الوديعة ، الحديث ١٢.

(٢) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : بوقوعه.

(٣) في مصحّحة «ن» : التالف.

(٤) مستدرك الوسائل ١٣ : ٣٠٣ ، الباب ٩ من أبواب الخيار ، الحديث الأوّل ، وانظر الوسائل ١٢ : ٣٥٨ ، الباب ١٠ من أبواب الخيار.

(٥) في مصحّحة «ن» : التالف.

(٦) في غير «ش» : البائع ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» ، «ع» و «ص» بما في المتن.


القول بالإباحة أنّ لكلٍّ منهما المطالبة ما دام باقياً ، وإذا تلف ، فظاهر إطلاقهم «التملّك (١) بالتلف» : تلفه من مال المغصوب منه. نعم ، لو [لا] (٢) قام إجماع كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه قبله.

وأمّا ما ذكره من حكم النماء ، فظاهر المحكيّ عن بعضٍ أنّ القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ (٣) ، بل حكمه حكم أصله ، ويحتمل أن يحدث النماء في ملكه بمجرّد الإباحة.

ثمّ إنّك بملاحظة ما ذكرنا (٤) تقدر على التخلّص عن سائر ما ذكره ، مع أنّه رحمه‌الله لم يذكرها للاعتماد ، والإنصاف : أنّها استبعادات في محلّها.

وبالجملة ، فالخروج عن أصالة عدم الملك المعتضد بالشهرة المحقّقة إلى زمان المحقّق الثاني ، وبالاتّفاق المدّعى في الغنية (٥) والقواعد (٦) هنا وفي المسالك في مسألة توقّف الهبة على الإيجاب والقبول (٧) مشكل ، ورفع اليد عن عموم أدلّة البيع والهبة ونحوهما المعتضدة بالسيرة‌

__________________

(١) في «ف» ، «م» ، «ع» و «ص» : التمليك.

(٢) الزيادة من «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي شرح الشهيدي : حكي أنّ نسخة المصنّف رحمه‌الله صحّحت هكذا (هداية الطالب : ١٦٩).

(٣) في «ش» : بالأخذ.

(٤) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحتي «خ» و «ع» ، وفي «ن» و «م» : «ثمّ إنّ ممّا ذكرنا» ، وفي «ش» : ثمّ إنّك ممّا ذكرنا.

(٥) تقدّم في الصفحة ٢٩.

(٦) أي قواعد الشهيد ، كما تقدّم في الصفحة ٣١.

(٧) المسالك ٦ : ١٠.


القطعيّة المستمرّة ، وبدعوى الاتّفاق المتقدّم عن المحقّق الثاني (١) بناءً على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة أشكل.

فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة.

هل المعاطاة لازمة أم جائزة؟

وعليه ، فهل هي لازمة ابتداءً مطلقاً؟ كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه‌الله (٢) ، أو بشرط كون الدالّ على التراضي لفظاً؟ كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني (٣) ، وقوّاه جماعة من متأخّري المحدّثين (٤) ، أو هي غير لازمة مطلقاً فيجوز لكلٍّ منهما الرجوع في ماله؟ كما عليه أكثر القائلين بالملك ، بل كلّهم عدا من عرفت ، وجوه :

مقتضى القاعدة : اللزوم مطلقاً

أوفقها بالقواعد هو الأوّل ؛ بناءً على أصالة اللزوم في الملك ؛ للشكّ في زواله بمجرّد رجوع مالكه الأصلي.

ودعوى : أنّ الثابت هو الملك المشترك بين المتزلزل والمستقرّ ، والمفروض انتفاء الفرد الأوّل بعد الرجوع ، والفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أوّل الأمر ، فلا ينفع الاستصحاب ، بل ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك الأوّل ، مدفوعة مضافاً إلى إمكان دعوى كفاية تحقّق القدر المشترك في الاستصحاب ، فتأمّل ـ : بأنّ انقسام الملك إلى المتزلزل والمستقرّ ليس باعتبار اختلاف في حقيقته ، وإنّما هو باعتبار حكم الشارع عليه في‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٢.

(٢) راجع الصفحة ٢٤ و ٣٧.

(٣) راجع الصفحة ٣٧.

(٤) كالمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٥٥ ، ولم نعثر على غيره ، وقد تقدّم في الصفحة ٣٧ عن بعض متأخري المحدّثين.


بعض المقامات بالزوال برجوع المالك الأصلي. ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملّك ، لا اختلاف حقيقة الملك. فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعية للسبب ، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبّب.

ويدلّ عليه مع أنّه يكفي في الاستصحاب الشكّ في أنّ اللزوم من خصوصيات الملك. أو من لوازم السبب المملّك ، ومع أنّ المحسوس بالوجدان أنّ إنشاء الملك في الهبة اللازمة وغيرها على نهج (١) واحد ـ : أنّ اللزوم والجواز لو كانا (٢) من خصوصيّات الملك ، فإمّا أن يكون تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيّتين بجعل المالك ، أو بحكم الشارع.

فإن كان الأوّل ، كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب (٣) قصد الرجوع ، وقصد عدمه ، أو عدم قصده ، وهو بديهي البطلان ؛ إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع وعدمه.

وإن كان الثاني ، لزم إمضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ ، وهو باطل في العقود ؛ لما تقدّم أنّ العقود المصحّحة (٤) عند الشارع تتبع القصود ، وإن أمكن القول بالتخلّف هنا في مسألة المعاطاة ؛ بناءً على ما ذكرنا سابقاً انتصاراً للقائل بعدم الملك : من منع وجوب‌

__________________

(١) في «ف» : منهج.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي غيرهما : لو كان.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : التفصيل في أقسام التمليك بين.

(٤) في «ف» : الصحيحة.


إمضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطيين (١) ، لكنّ الكلام في قاعدة اللزوم في الملك يشمل (٢) العقود أيضاً.

وبالجملة ، فلا إشكال في أصالة اللزوم في كلّ عقدٍ شكّ في لزومه شرعاً ، وكذا لو شكّ في أنّ الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز ، كالصلح من دون عوض ، والهبة. نعم ، لو تداعيا احتمل التحالف في الجملة.

ما يدل على اللزوم من الكتاب والسنّة

ويدلّ على اللزوم مضافاً إلى ما ذكر عموم قوله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٤) فإنّ مقتضى السلطنة أن لا يخرج عن ملكيّته (٥) بغير اختياره ، فجواز تملّكه عنه بالرجوع فيه من دون رضاه منافٍ للسلطنة المطلقة.

فاندفع ما ربما يتوهّم : من أنّ غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ، ولا نسلّم ملكيّته (٦) له بعد رجوع المالك الأصلي.

ولِما (٧) ذكرنا تمسّك المحقّق رحمه‌الله في الشرائع على لزوم القرض‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٤٧.

(٢) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : تشمل.

(٣) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : قولهم.

(٤) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٨ ، الحديث ٤٩.

(٥) في «ف» : «عن الملكية» ، وفي نسخة بدل «ش» : عن ملكه.

(٦) كذا في «ص» ، وفي سائر النسخ : ملكية.

(٧) في أكثر النسخ : بما.


بعد القبض : بأنّ فائدة الملك السلطنة (١) ، ونحوه العلاّمة رحمه‌الله في موضع (٢) آخر (٣).

ومنه يظهر جواز التمسّك بقوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٤) ؛ حيث دلّ على انحصار سبب حِلّ مال الغير أو جزء سببه في رضا المالك ، فلا يحلّ بغير رضاه.

وتوهّم : تعلّق الحِلّ بمال الغير ، وكونه مال الغير بعد الرجوع أوّل الكلام ، مدفوع : بما تقدّم (٥) ، مع أنّ (٦) تعلّق الحِلّ بالمال يفيد العموم ، بحيث يشمل التملّك أيضاً ، فلا يحلّ التصرّف فيه ولا تملّكه إلاّ بطيب نفس المالك.

ويمكن الاستدلال أيضاً بقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٧) ، ولا ريب أنّ الرجوع‌

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٦٨.

(٢) في «ف» : مواضع.

(٣) لعلّه أشار بذلك إلى ما أفاده في التذكرة (١ : ٤٦٤) بقوله : «يجوز بيع كلّ ما فيه منفعة ؛ لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف» ، أو إلى ما أفاده في (١ : ٥٩٥) بقوله : «وفائدة الملك استباحة وجوه الانتفاعات».

(٤) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩ ، وفيه : «لا يحلّ مال امرئ مسلم ..» ، وجاء في تحف العقول مرسلاً عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولا يحلّ لمؤمنٍ مال أخيه إلاّ عن طيب نفسٍ منه» ، تحف العقول : ٣٤.

(٥) تقدّم في الصفحة السابقة عند دفع التوهّم عن الاستدلال بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون ..».

(٦) في «ش» ومصحّحة «ن» : من أنّ.

(٧) النساء : ٢٩.


ليست (١) تجارة ، ولا عن تراضٍ ، فلا يجوز أكل المال.

والتوهّم المتقدّم في السابق [غير (٢)] جارٍ هنا ؛ لأنّ حصر مجوّز أكل المال في التجارة إنّما يراد به أكله على أن يكون ملكاً للآكل لا لغيره.

ويمكن التمسّك أيضاً بالجملة المستثنى منها ؛ حيث إنّ أكل المال ونقله عن مالكه بغير رضا المالك ، أكل وتصرّف بالباطل عرفاً.

نعم ، بعد إذن المالك الحقيقي وهو الشارع وحكمه بالتسلّط (٣) على فسخ المعاملة من دون رضا المالك يخرج عن (٤) البطلان ؛ ولذا كان أكل المارّة من الثمرة الممرور بها أكلاً بالباطل لولا إذن المالك الحقيقي ، وكذا الأخذ بالشفعة ، والفسخ بالخيار ، وغير ذلك من الأسباب (٥) القهريّة.

الاستدلال بما يدل على لزوم خصوص البيع

هذا كلّه ، مضافاً إلى ما دلّ على لزوم خصوص البيع ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (٦).

__________________

(١) في «ص» ومصحّحة «ن» : ليس.

(٢) لم ترد «غير» في النسخ ، ووردت في هامش نسخ «ن» ، «ع» و «ش» استظهاراً ، وقد أيّد الشهيدي قدس‌سره ضرورة هذه الزيادة ، انظر هداية الطالب : ١٧٠.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : التسلّط.

(٤) في «ف» : من.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : النواقل.

(٦) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٩ ، الحديث ٥١ ، وانظر الوسائل ١٢ : ٣٤٥ ، الباب الأوّل من أبواب الخيار ، الحديث ١ و ٢.


وقد يستدلّ أيضاً بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ؛ بناءً على أنّ العقد هو مطلق العهد ، كما في صحيحة عبد الله بن سنان (٢) ، أو العهد المشدّد ، كما عن بعض أهل اللغة (٣) ، وكيف كان ، فلا يختصّ باللفظ فيشمل المعاطاة.

وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المؤمنون عند شروطهم» (٤) ؛ فإنّ الشرط لغةً مطلق الالتزام (٥) ، فيشمل ما كان بغير اللفظ.

قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة

والحاصل : أنّ الحكم باللزوم في مطلق الملك وفي خصوص البيع ممّا لا ينكر ، إلاّ أنّ الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة ، بل ادّعاه صريحاً بعض الأساطين في شرح القواعد (٦) ، ويعضده الشهرة المحقّقة ، بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخّري المتأخّرين (٧) ، فإنّ العبارة المحكيّة عن المفيد رحمه‌الله (٨) في المقنعة لا تدلّ‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) تفسير القمّي ١ : ١٦٠ ، وتفسير العياشي ١ : ٢٨٩ ، الحديث ٥. وعنه الوسائل ١٦ : ٢٠٦ ، الباب ٢٥ من كتاب النذر والعهد ، الحديث ٣.

(٣) انظر لسان العرب ٩ : ٣٠٩ ، والقاموس ١ : ٣١٥ ، مادّة : «عقد» ، ومجمع البحرين ٣ : ١٠٣.

(٤) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، ذيل الحديث ٤.

(٥) قال الفيروزآبادي في القاموس (٢ : ٣٦٨) : الشرط إلزام الشي‌ء والتزامه في البيع ونحوه.

(٦) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة : ٤٩.

(٧) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٤ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٨.

(٨) عبارة «المحكيّة عن المفيد» لم ترد في «ف» ، وشطب عليها في «ن».


على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به (١) فإنّه قال (٢) : ينعقد البيع على تراضٍ بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعاً ، وتراضيا بالبيع ، وتقابضا ، وافترقا بالأبدان (٣) ، انتهى.

ويقوى إرادة بيان شروط صحّة العقد الواقع بين اثنين وتأثيره في اللزوم ؛ وكأنّه لذلك (٤) حكى كاشف الرموز عن المفيد والشيخ رحمهما الله : أنّه لا بدّ في البيع عندهما من لفظٍ مخصوص (٥).

وقد تقدّم دعوى الإجماع من الغنية على عدم كونها بيعاً (٦) ، وهو نصّ في عدم اللزوم ، ولا يقدح كونه ظاهراً في عدم الملكيّة الذي لا نقول به.

التشكيك في انعقاد الإجماع

وعن جامع المقاصد : يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع (٧).

نعم ، قول العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة : «إنّ الأشهر عندنا أنّه لا بدّ‌

__________________

(١) المختلف ٥ : ٥١ ، وفيه بعد نقل عبارة المقنعة ـ : وليس في هذا تصريح بصحّته إلاّ أنّه موهم.

(٢) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فإنّ المحكيّ عنه أنّه قال.

(٣) المقنعة : ٥٩١.

(٤) في «ف» : لذا.

(٥) كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٦) تقدّم في الصفحة ٢٩.

(٧) جامع المقاصد ٥ : ٣٠٩ ، وفيه : «لأنّ النطق معتبر في العقود اللازمة بالإجماع» ، وحكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ٢٧٦.


من الصيغة» (١) يدلّ على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة ، ولو كان المخالف شاذّا لعبّر بالمشهور ، وكذلك نسبته في المختلف إلى الأكثر (٢) ، وفي التحرير : أنّ الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة (٣).

عدم كشف هذا الإجماع عن رأي المعصوم على فرض حصوله

ثمّ لو فرضنا الاتّفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنّها ليست مملّكة ، وإنّما تفيد الإباحة لم يكن هذا الاتّفاق كاشفاً ؛ إذ القول باللزوم فرع الملكيّة ، ولم يقل بها إلاّ بعض من تأخّر عن المحقّق الثاني (٤) تبعاً له ، وهذا ممّا يوهن حصول القطع بل الظنّ من الاتّفاق المذكور ؛ لأنّ قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء (٥) الموضوع.

القول بالملك اللازم قول ثالث

نعم ، يمكن أن يقال بعد ثبوت الاتّفاق المذكور ـ : إنّ أصحابنا بين قائلٍ بالملك الجائز ، وبين قائلٍ بعدم الملك رأساً ، فالقول بالملك اللازم قولٌ ثالث ، فتأمّل.

وكيف كان ، فتحصيل الإجماع على وجه استكشاف قول الإمام عن قول غيره من العلماء كما هو طريق (٦) المتأخّرين مشكل ؛

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٢) المختلف ٥ : ٥١.

(٣) التحرير ١ : ١٦٤.

(٤) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٣٩ ، وغيره ، راجع الصفحة ٤٠ ، الهامش ٣.

(٥) في «ف» : منتفية.

(٦) في «ف» : طريقة.


لما ذكرنا (١) وإن كان هذا لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء ، كما بُيِّن في الأُصول (٢).

وبالجملة ، فما ذكره في المسالك من قوله بعد ذكر قول من اعتبر (٣) مطلق اللفظ في اللزوم ـ : «ما أحسنه وأمتن (٤) دليله إن لم يكن إجماع (٥) على خلافه» (٦) في غاية الحسن والمتانة.

ما يدل على عدم لزوم المعاطاة

والإجماع وإن لم يكن محقّقاً على وجه يوجب القطع ، إلاّ أنّ المظنون قويّاً تحقّقه على عدم اللزوم ، مع عدم لفظٍ دالٍّ على إنشاء التمليك ، سواء لم يوجد لفظ أصلاً أم وجد ولكن لم ينشأ التمليك به (٧) ، بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض.

وقد يظهر ذلك من غير واحد من الأخبار (٨) ، بل يظهر (٩) منها أنّ إيجاب البيع باللفظ دون مجرّد التعاطي كان متعارفاً بين أهل السوق والتجّار.

__________________

(١) في الصفحة السابقة.

(٢) راجع فرائد الأُصول : ٧٩ ٨٣.

(٣) في «ش» : من لم يعتبر.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيره : وما أمتن.

(٥) في «ش» والمصدر : إن لم ينعقد الإجماع.

(٦) المسالك ٣ : ١٥٢.

(٧) في «ف» : به التمليك.

(٨) انظر الوسائل ١٢ : ١١٤ ، الباب ٣١ من أبواب ما يكتسب به ، والصفحة ٣٧٥ و ٣٨٥ ، الباب ٨ و ١٤ من أبواب أحكام العقود.

(٩) في «ف» : بل قد يظهر.


بل يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة التي يراد بها عدم الرجوع بمجرّد التراضي. نعم ، ربما يكتفون بالمصافقة ، فيقول البائع : بارك الله لك ، أو ما أدّى هذا المعنى بالفارسية (١). نعم ، يكتفون بالتعاطي في المحقّرات ولا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها ، بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين. نعم ، الاكتفاء في اللزوم (٢) بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد ؛ للسيرة ولغير واحدٍ من الأخبار ، كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في شروط الصيغة.

الاستدلال بحديث «إنّما يحلّل الكلام» على عدم الإباحة أو عدم اللزوم

بقي الكلام في الخبر الذي تُمُسِّك به في باب المعاطاة ، تارةً على عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرّف ، وأُخرى على عدم إفادتها اللزوم ؛ جمعاً بينه وبين ما دلّ على صحّة مطلق البيع كما صنعه في الرياض (٣) وهو قوله عليه‌السلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام».

وتوضيح المراد منه يتوقّف على بيان تمام الخبر ، وهو ما رواه ثقة الإسلام في باب «بيع ما ليس عنده» ، والشيخ في باب «النقد والنسيئة» عن ابن أبي عمير ، عن يحيى بن الحجّاج ، عن خالد بن الحجّاج (٤) أو ابن نجيح (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل‌

__________________

(١) وردت عبارة : «نعم إلى بالفارسية» في أكثر النسخ في المتن وفي بعضها في الهامش ، لكن شطب عليها في «ف» ، وكُتب عليها في «ن» : زائد.

(٢) في «ف» : باللزوم.

(٣) الرياض ١ : ٥١١.

(٤) كما في التهذيب.

(٥) كما في الكافي.


يجيئني ويقول : اشتر لي هذا الثوب وأُربحك كذا وكذا. فقال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس ، إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام (١)» (٢).

وقد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أُخر مجرّدة عن قوله عليه‌السلام : «إنّما يحلّل .. إلخ» (٣) ، كلّها تدلّ على أنّه لا بأس بهذه المواعدة والمقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه.

ونقول : إنّ هذه الفقرة مع قطع النظر عن صدر الرواية تحتمل وجوهاً :

الوجوه المحتملة في معنى هذا الحديث :

الوجه الأوّل

الأوّل : أن يراد من «الكلام» في المقامين اللفظ الدالّ على التحليل والتحريم (٤) ، بمعنى أنّ تحريم شي‌ءٍ وتحليله لا يكون إلاّ بالنطق بهما ، فلا يتحقّق بالقصد المجرّد عن الكلام ، ولا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال.

الوجه الثان

الثاني : أن يراد ب «الكلام» اللفظ مع مضمونه ، كما في قولك : «هذا الكلام صحيح» أو «فاسد» ، لا مجرّد اللفظ أعني الصوت ويكون المراد : أنّ المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حِلاّ وحرمة (٥)

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» زيادة : «الخبر» ، والظاهر أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الخبر مذكور بتمامه.

(٢) انظر الكافي ٥ : ٢٠١ ، الحديث ٦ ، والتهذيب ٧ : ٥٠ ، الحديث ٢١٦ ، والوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب العقود.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيره : التحريم والتحليل.

(٥) في «ف» : أو حرمة.


باختلاف المضامين المؤدّاة بالكلام ، مثلاً (١) : المقصود الواحد ، وهو التسليط على البضع مدّة معيّنة يتأتّى بقولها : «ملّكتك بضعي» أو «سلّطتك عليه» أو «آجرتك نفسي» أو «أحللتها لك» ، وبقولها : «متّعتك (٢) نفسي بكذا» ، فما عدا الأخير موجب لتحريمه ، والأخير محلّل ، وبهذا (٣) المعنى ورد قوله عليه‌السلام : «إنّما يحرّم الكلام» في عدّة من روايات المزارعة (٤).

منها : ما في التهذيب عن ابن محبوب ، عن خالد بن جرير (٥) ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه سُئل عن الرجل يزرع أرض رجلٍ آخر فيشترط عليه ثلثاً للبذر ، وثلثاً للبقر ، فقال : «لا ينبغي له أن يسمّي بذراً ولا بقراً ، ولكن يقول لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ولك منها كذا وكذا : نصف ، أو ثلث ، أو ما كان من شرط ، ولا يسمّي بذراً ولا بقراً ؛ فإنّما يحرّم الكلام» (٦).

__________________

(١) كلمة «مثلاً» ساقطة من «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيره : متّعت.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيره : على هذا.

(٤) راجع الوسائل ١٣ : ٢٠٠ ٢٠١ ، الباب ٨ من أبواب المزارعة والمساقاة ، الحديث ٤ ، ٦ و ١٠.

(٥) عبارة «عن خالد بن جرير» من «ش» والمصدر.

(٦) التهذيب ٧ : ١٩٤ ، الحديث ٨٥٧ ، وعنه الوسائل ١٣ : ٢٠١ ، الباب ٨ من أبواب المزارعة ، الحديث ١٠. وبما أنّ الحديث ورد مختلفاً في النسخ ، ومع تقديمٍ وتأخير في بعضها ، فلذلك أثبتناه طبقاً لنسخة «ش» التي هي مطابقة مع المصدر.


الوجه الثالث

الثالث : أن يراد ب «الكلام» في الفقرتين الكلام الواحد ، ويكون تحليله وتحريمه (١) باعتبار (٢) وجوده وعدمه ، فيكون وجوده محلّلاً وعدمه محرّماً ، أو بالعكس ، أو باعتبار محلِّه وغير محلِّه ، فيُحِلّ في محلِّه ويُحرِّم في غيره ؛ ويحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة.

الوجه الرابع

الرابع : أن يراد من الكلام المحلِّل خصوص المقاولة والمواعدة ، ومن الكلام المحرِّم إيجاب البيع وإيقاعه.

المناقشة في الوجه الأوّل

ثمّ إنّ الظاهر عدم إرادة المعنى الأوّل ؛ لأنّه مع لزوم تخصيص الأكثر حيث إنّ ظاهره حصر أسباب التحليل والتحريم في الشريعة في اللفظ يوجب عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جواباً عن السؤال ، مع كونه كالتعليل له ؛ لأنّ ظاهر الحكم كما يستفاد من عدّة روايات أُخر (٣) تخصيص الجواز بما إذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء (٤) المتاع من مالكه ، ولا دخل لاشتراط النطق في التحليل والتحريم في هذا الحكم أصلاً ، فكيف يعلّل به؟

المناقشة في الوجه الثاني

وكذا المعنى الثاني ؛ إذ ليس هنا مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمونٍ محلِّلاً ، وبآخر محرِّماً.

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي غيرها : تحريمه وتحليله.

(٢) كذا في «م» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : اعتبار.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٠ ، الباب ٥ من أبواب العقود ، الحديث ٤ ، والصفحة ٣٧٤ ، الباب ٧ من الأبواب ، الحديث ٣ ، والصفحة ٣٧٨ ، الباب ٨ من الأبواب ، الحديث ١١ و ١٣.

(٤) في «ف» : اشتراء.


تعيّن الوجه الثالث أو الرابع

فتعيّن : المعنى الثالث ، وهو : أنّ الكلام الدالّ على الالتزام بالبيع لا يحرِّم هذه المعاملة إلاّ وجوده قبل شراء العين التي يريدها الرجل ؛ لأنّه بيع ما ليس عنده ، ولا يحلِّل إلاّ عدمه ؛ إذ مع عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلاّ التواعد بالمبايعة ، وهو غير مؤثّر.

فحاصل الرواية : أنّ سبب التحليل والتحريم في هذه المعاملة منحصر في الكلام عدماً ووجوداً (١).

أو المعنى الرابع ، وهو : أنّ المقاولة والمراضاة مع المشتري الثاني قبل اشتراء العين محلِّل للمعاملة ، وإيجاب البيع معه محرّم لها.

وعلى كلا المعنيين يسقط الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام في التحليل ، كما هو المقصود في مسألة المعاطاة.

استظهار اعتبار اللفظ من هذا الحديث بوجه آخر

نعم ، يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع بوجهٍ آخر بعد ما عرفت من أنّ (٢) المراد ب «الكلام» هو إيجاب البيع بأن يقال : إنّ حصر المُحلِّل والمُحرِّم في الكلام لا يتأتّى إلاّ مع انحصار إيجاب البيع في الكلام ؛ إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المُحلِّل والمُحرِّم في الكلام ، إلاّ أن يقال : إنّ وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد ؛ إذ المفروض أنّ المبيع عند مالكه الأوّل ، فتأمّل.

روايات اُخرى تشعر باعتبار اللفظ في البيع

وكيف كان ، فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور. كما يشعر به قوله عليه‌السلام في رواية أُخرى واردة في هذا الحكم أيضاً ، وهي رواية‌

__________________

(١) في «ف» : أو وجوداً.

(٢) في «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» : بأنّ.


يحيى بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن رجلٍ قال لي : اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابّة ، وبعنيها أُربحك (١) فيها كذا وكذا؟ قال : لا بأس بذلك ، اشترها ، ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (٢) ؛ فإنّ الظاهر أنّ المراد من مواجبة البيع ليس مجرّد إعطاء العين للمشتري (٣).

ويشعر به أيضاً رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يبيع بيعاً فيقول : أبيعك بده دوازده ، [أو ده يازده (٤)]؟ فقال : لا بأس ، إنّما هذه" المراوضة" فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» (٥) ؛ فإنّ ظاهره على ما فهمه بعض الشرّاح (٦) ـ : أنّه لا يكره ذلك في المقاولة التي قبل العقد ، وإنّما يكره حين العقد.

وفي صحيحة ابن سنان : «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ثمّ تشتري له نحو الذي طلب ، ثمّ توجبه على نفسك ، ثمّ تبيعه منه بعد» (٧).

__________________

(١) في «ش» : ارابحك.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.

(٣) لم ترد عبارة : «فإنّ الظاهر إلى للمشتري» في «ف».

(٤) من «ش» والمصدر.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٨٦ ، الباب ١٤ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٥.

(٦) وهو المحدّث الكاشاني قدس‌سره في الوافي ١٨ : ٦٩٣ ، الحديث ١٨١٣١.

(٧) الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث الأوّل.


تنبيهات المعاطاة

وينبغي التنبيه على أُمور :

الأوّل

هل المعاطاة بيع حقيقة أم لا؟

الظاهر (١) : أنّ المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع ، بل الظاهر من كلام المحقّق الثاني في جامع المقاصد (٢) : أنّه ممّا لا كلام فيه حتى عند القائلين بكونها فاسدة ، كالعلاّمة في النهاية (٣). ودلّ على ذلك تمسّكهم له بقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٤).

وأمّا على القول بإفادتها للإباحة (٥) ، فالظاهر : أنّها (٦) بيع عرفيّ لم يؤثّر شرعاً إلاّ الإباحة ، فنفي البيع عنها في كلامهم (٧) ومعاقد إجماعاتهم (٨) هو البيع المفيد شرعاً اللزوم زيادةً على الملك.

هذا على ما اخترناه سابقاً (٩) : من أنّ مقصود المتعاطيين في‌

__________________

(١) في «ف» : أنّ الظاهر.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

(٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.

(٤) البقرة : ٢٧٥.

(٥) في «ف» زيادة : دون الملك.

(٦) كذا في «ف» ومصحّحة «م» و «ص» ، وفي غيرها : أنّه.

(٧) مثل ما تقدّم عن الخلاف في الصفحة ٢٦ ، وعن السرائر والغنية في الصفحة ٢٨ و ٢٩.

(٨) كذا في «ف» ، وفي غيرها : إجماعهم.

(٩) في الصفحتين ٢٥ و ٣٢.


المعاطاة التملّك (١) والبيع (٢) ، وأمّا على ما احتمله بعضهم (٣) بل استظهره (٤) ـ : من أنّ محلّ الكلام هو ما إذا قصدا (٥) مجرّد الإباحة ، فلا إشكال في عدم كونها بيعاً عرفاً ، ولا شرعاً.

حكم الشكّ في اعتبار شرط في المعاطاة

وعلى هذا فلا بدّ عند الشكّ في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلى الأدلّة الدالّة على صحّة هذه الإباحة العوضيّة من خصوصٍ أو عموم ، وحيث إنّ المناسب لهذا القول التمسّك في مشروعيّته بعموم : «الناس مسلّطون على أموالهم» (٦) كان مقتضى القاعدة هو نفي شرطيّة غير ما ثبت شرطيّته ، كما أنّه لو تمسّك لها بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس.

والحاصل : أنّ المرجع على هذا عند الشكّ في شروطها ، هي أدلّة هذه المعاملة ، سواء اعتبرت في البيع أم لا.

وأمّا على المختار : من أنّ الكلام فيما قصد (٧) به البيع ، فهل (٨)

__________________

(١) في هامش «ص» : التمليك ظ ، وهكذا أثبته المامقاني قدس‌سره في حاشيته ، انظر غاية الآمال : ١٨٧.

(٢) لم ترد «والبيع» في «ف».

(٣) وهو صاحب الجواهر قدس‌سره ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٢٤.

(٤) في «ف» : استظهر.

(٥) في «ف» : قصد.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٧) في «ف» : يقصد.

(٨) كذا في «ص» و «ش» ، وفي غيرهما : هل.


هل يعتبر في المعاطاة شروط البيع ، أو لا؟

يشترط فيه شروط البيع مطلقاً ، أم لا كذلك ، أم يبتني (١) على القول بإفادتها للملك ، والقول بعدم إفادتها إلاّ الإباحة (٢)؟ وجوه :

يشهد للأوّل : كونها بيعاً عرفاً ، فيشترط (٣) فيها جميع ما دلّ على اشتراطه في البيع.

ويؤيّده : أنّ محلّ النزاع بين العامّة والخاصّة في المعاطاة هو : أنّ الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط ، أم لا؟ كما يفصح عنه عنوان المسألة في كتب كثيرٍ من الخاصّة والعامّة (٤) فما انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع ، خارج عن هذا العنوان وإن فرض مشاركاً له في الحكم ؛ ولذا ادّعى (٥) في الحدائق : أنّ المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة : صحّة المعاطاة المذكورة إذا استكملت (٦) شروط البيع غير الصيغة المخصوصة ، وأنّها تفيد إباحة تصرّف كلٍّ منهما فيما صار إليه من العوض (٧).

ومقابل المشهور في كلامه ، قول العلاّمة رحمه‌الله في النهاية بفساد المعاطاة (٨) كما صرّح به بعد ذلك فلا يكون كلامه موهماً لثبوت‌

__________________

(١) في «ف» : مبنيّ.

(٢) في «ف» : إلاّ للإباحة.

(٣) في «ف» : ليشترط.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيرها : العامّة والخاصّة.

(٥) كذا في «ش» ، وفي «ف» غير مقروءة ، وفي غيرهما : أفتى.

(٦) كذا في «ف» ، وفي غيرها : استكمل.

(٧) الحدائق ١٨ : ٣٥٦.

(٨) نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩.


الخلاف في اشتراط صحّة المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

ويشهد للثاني : أنّ البيع في النصّ والفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم ، وثبت له الخيار في قولهم : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» ، ونحوه.

أمّا على القول بالإباحة ، فواضح ؛ لأنّ المعاطاة ليست على هذا القول بيعاً في نظر الشارع والمتشرّعة ؛ إذ لا نقل فيه عند الشارع ، فإذا ثبت إطلاق الشارع عليه في مقام (١) ، فنحمله على الجري على ما هو بيع باعتقاد العرف ، لاشتماله على النقل في نظرهم ، وقد تقدّم سابقاً في تصحيح دعوى الإجماع على عدم كون المعاطاة بيعاً (٢) بيان ذلك.

وأمّا على القول بالملك ، فلأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد المحكوم باللزوم في قولهم : «البيّعان بالخيار» ، وقولهم : «إنّ الأصل في البيع اللزوم ، والخيار إنّما ثبت لدليل» ، و «أنّ البيع بقول مطلق (٣) من العقود اللازمة» ، وقولهم : «البيع هو العقد الدالّ على كذا» ، ونحو ذلك.

وبالجملة ، فلا يبقى للمتأمّل شكّ في أنّ إطلاق البيع في النصّ والفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه إلاّ بفسخ عقده بخيار أو بتقايل (٤).

ووجه الثالث : ما تقدّم للثاني على القول بالإباحة ، من سلب‌

__________________

(١) لم ترد «في مقام» في «ف».

(٢) في الصفحة ٤١ وغيرها.

(٣) في «ف» : وأنّ البيع مطلقاً.

(٤) في «ف» : لخيار أو لتقايل.


البيع عنه ، وللأوّل على القول بالملك ، من صدق البيع عليه حينئذٍ وإن لم يكن لازماً.

ويمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النصّ ، فيحمل على البيع العرفي وإن لم يفد عند الشارع إلاّ الإباحة ، وبين ما ثبت بالإجماع على اعتباره في البيع بناءً على انصراف «البيع» في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم.

مختار المؤلّف

والاحتمال الأوّل لا يخلو عن قوّة ؛ لكونها بيعاً ظاهراً على القول بالملك كما عرفت من جامع المقاصد (١) ـ ، وأمّا على القول بالإباحة ؛ فلأنها لم تثبت إلاّ في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط ، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضاً.

نفي الشهيد اعتبار بعض الشروط في المعاطاة

ثمّ إنّه حكي عن الشهيد رحمه‌الله في حواشيه على القواعد أنّه بعد ما منع من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي إلاّ بعد تلف العين ، يعني العين الأُخرى ذكر : أنّه يجوز أن يكون الثمن والمثمن في المعاطاة مجهولين ؛ لأنّها ليست عقداً ، وكذا جهالة الأجل ، وأنّه لو اشترى أمةً بالمعاطاة لم يجز له (٢) نكاحها قبل تلف الثمن (٣) ، انتهى. وحكي عنه في باب الصرف أيضاً : أنّه لا يعتبر التقابض في المجلس في معاطاة النقدين (٤).

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٢ وغيرها.

(٢) لم ترد «له» في «ف».

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٤) نفس المصدر ، الصفحة ٣٩٧.


المناقشة فيما أفاده الشهيد

أقول : حكمه قدس‌سره بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الصدقات الواجبة وعدم جواز نكاح المأخوذ بها ، صريح في عدم (١) إفادتها للملك ، إلاّ أنّ حكمه رحمه‌الله بعدم اعتبار الشروط المذكورة (٢) للبيع والصرف معلِّلاً بأنّ المعاطاة ليست عقداً ، يحتمل أن يكون باعتبار عدم الملك ؛ حيث إنّ المفيد للملك منحصرٌ في العقد ، وأن يكون باعتبار عدم اللزوم ؛ حيث إنّ الشروط المذكورة شرائط للبيع العقدي اللازم.

والأقوى : اعتبارها وإن قلنا بالإباحة ؛ لأنّها بيع عرفي وإن لم يفد شرعاً إلاّ الإباحة ، ومورد الأدلّة الدالّة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي لا خصوص العقدي ، بل تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب ؛ ولِما عرفت من أنّ الأصل في المعاطاة بعد القول بعدم الملك ، الفساد وعدم تأثيره شيئاً ، خرج ما هو محلّ الخلاف بين العلماء من حيث اللزوم والعدم ، وهو المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة ، وبقي الباقي.

جريان الربا في المعاطاة

وبما ذكرنا يظهر وجه تحريم الربا فيها (٣) أيضاً وإن خصصنا الحكم بالبيع ، بل الظاهر التحريم حتّى عند من لا يراها (٤) مفيدة للملك ؛ لأنّها معاوضة عرفيّة وإن لم تفد الملك ، بل معاوضة شرعيّة ، كما (٥) اعترف بها‌

__________________

(١) في «ف» : صريح في قوله بعدم.

(٢) في «ف» : باعتبار الشرط المذكور.

(٣) كذا في «ف» و «م» ، وفي غيرهما : فيه.

(٤) في «ف» : عند من يراها.

(٥) كما» ساقطة من «ش».


الشهيد رحمه‌الله في موضعٍ من الحواشي ؛ حيث قال : إنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة أو لازمة (١) ، انتهى.

ولو قلنا بأنّ المقصود للمتعاطيين (٢) الإباحة لا الملك ، فلا يبعد أيضاً جريان الربا ؛ لكونها معاوضة عرفاً ، فتأمّل (٣).

جريان الخيار في المعاطاة

وأمّا حكم جريان الخيار فيها قبل اللزوم ، فيمكن نفيه على المشهور ؛ لأنّها إباحة (٤) عندهم ، فلا معنى للخيار (٥).

وإن قلنا بإفادة الملك ، فيمكن القول بثبوت الخيار فيه (٦) مطلقاً ؛ بناءً على صيرورتها بيعاً بعد اللزوم كما سيأتي عند تعرّض الملزمات فالخيار موجود من زمان المعاطاة ، إلاّ أنّ أثره يظهر بعد اللزوم ، وعلى هذا فيصحّ إسقاطه والمصالحة عليه قبل اللزوم.

ويحتمل أن يفصّل بين الخيارات المختصّة بالبيع ، فلا تجري ؛ لاختصاص أدلّتها بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار (٧) ، وبين‌

__________________

(١) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٢) في «ف» زيادة : إنشاء.

(٣) وردت عبارة «ولو قلنا إلى فتأمّل» في «ف» وهامش «ن» ، «خ» و «م» ، وكتب بعدها في «ن» : «إلحاق منه دام ظلّه» ، وفي «خ» و «م» : «إلحاق منه رحمه‌الله».

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «جائزة» بدل «إباحة» ، لكن صُحّحت في «ع» بما أثبتناه.

(٥) في «ف» زيادة : مطلقاً.

(٦) لم ترد «فيه» في «ف».

(٧) عبارة «لاختصاص إلى الخيار» ساقطة من «ف».


غيرها كخيار الغبن والعيب بالنسبة إلى الردّ دون الأرش فتجري (١) ؛ لعموم أدلّتها.

وأمّا حكم الخيار بعد اللزوم ، فسيأتي (٢) بعد ذكر الملزمات إن شاء الله (٣).

__________________

(١) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : فيجري.

(٢) سيأتي في الأمر السابع ، الصفحة ١٠٣.

(٣) التعليق على المشيئة من «ف».


الأمر الثاني

حكم الإعطاء من جانب واحد

إنّ المتيقّن من مورد المعاطاة : هو حصول التعاطي فعلاً من الطرفين ، فالملك أو الإباحة في كلٍّ منهما بالإعطاء ، فلو حصل الإعطاء من جانبٍ واحدٍ لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيّته ، فلا يتحقّق المعاوضة ولا الإباحة رأساً ؛ لأنّ كلاّ منهما ملكٌ أو مباح في مقابل ملكيّة (١) الآخر أو إباحته ، إلاّ أنّ الظاهر من جماعة من متأخّري المتأخّرين (٢) تبعاً للشهيد في الدروس (٣) جعلُه (٤) من المعاطاة ، ولا ريب أنّه لا يصدق معنى المعاطاة ، لكنّ هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه ؛ بناءً على عموم الحكم لكلّ بيعٍ فعليٍّ ، فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكاً له بعوض ، أو مبيحاً (٥) له به ، وأخذ الآخر له تملّكاً له بالعوض ، أو إباحة له بإزائه ، فلو كان المعطى هو الثمن كان‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي «ف» : «الملك» ، وفي «ن» : «ملك» ، وفي غيرها : ملكه.

(٢) منهم : المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٧ ، والسيد المجاهد في المناهل : ٢٧٠ ، والشيخ الكبير في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة : ٥١ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٣٨ ، ويظهر من المحدّث البحراني والسيد العاملي أيضاً ، انظر الحدائق ١٨ : ٣٦٤ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٢.

(٤) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «جعلوه» ، إلاّ أنّه صحّح في «خ» ، «ع» و «ص» بما في المتن.

(٥) في «ص» : إباحة.


دفعه على القول بالملك والبيع (١) اشتراءً ، وأخذه بيعاً للمثمن به ، فيحصل الإيجاب والقبول الفعليّان (٢) بفعلٍ واحدٍ في زمانٍ واحد.

ثمّ صحّة هذا على القول بكون المعاطاة بيعاً مملِّكاً واضحة ؛ إذ يدلّ عليها ما دلّ على صحّة المعاطاة من الطرفين ، وأمّا على القول بالإباحة ، فيشكل بأنّه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها في الإباحة ، اللهم إلاّ أن يدّعى قيام السيرة عليها ، كقيامها على المعاطاة الحقيقية.

هل تنعقد المعاطاة بمجرّد إيصال الثمن وأخذ المثمن؟

وربما يدّعى انعقاد المعاطاة بمجرّد إيصال الثمن وأخذ المثمن من غير صدق إعطاءٍ أصلاً ، فضلاً عن التعاطي ، كما تعارف أخذ الماء مع غيبة السقّاء ، ووضع الفلس في المكان المعدّ له إذا علم من حال السقّاء الرضا بذلك ، وكذا غير الماء من المحقّرات كالخضروات (٣) ونحوها ، ومن هذا القبيل الدخول في الحمّام ووضع الأُجرة في كوز صاحب الحمّام مع غيبته.

المعيار في المعاطاة

فالمعيار في المعاطاة : وصول العوضين ، أو أحدهما (٤) مع الرضا بالتصرّف ، ويظهر ذلك من المحقّق الأردبيلي رحمه‌الله أيضاً في مسألة المعاطاة (٥) ، وسيأتي توضيح ذلك في مقامه (٦) إن شاء الله.

__________________

(١) في «ف» : أو البيع.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الفعليّين.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : كالخضريات.

(٤) في «ف» زيادة : مقامه.

(٥) انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٤١.

(٦) سيأتي في الصفحة ١١٢ ١١٣.


خلوّ المعاطاة من الإعطاء والإيصال رأساً

ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة ، أمكن خلوّ المعاطاة من الإعطاء والإيصال رأساً ، فيتقاولان على مبادلة شي‌ءٍ بشي‌ءٍ من غير إيصال ، ولا يبعد صحّته مع صدق البيع عليه بناءً على الملك ، وأمّا على القول بالإباحة ، فالإشكال المتقدّم هنا آكد.


[الأمر (١)] الثالث

تميّز البائع من المشتري في المعاطاة الفعليّة‌ حالات العوضين في المعاطاة

مع كون أحد العوضين ممّا تعارف جعله ثمناً كالدراهم والدنانير والفلوس المسكوكة واضح ؛ فإنّ صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرّح بالخلاف.

وأمّا مع كون العوضين من غيرها ، فالثمن ما قصدا (٢) قيامه مقام الثمن (٣) في العوضيّة ، فإذا أعطى الحنطة في مقابل اللحم قاصداً إنّ هذا المقدار (٤) من الحنطة يسوي درهماً هو ثمن اللحم ، فيصدق عرفاً (٥) أنّه اشترى اللحم بالحنطة ، وإذا انعكس انعكس الصدق ، فيكون المدفوع بنيّة البدليّة عن الدرهم والدينار هو الثمن ، وصاحبه هو (٦) المشتري.

ولو لم يلاحظ إلاّ كون أحدهما بدلاً عن الآخر من دون نيّة قيام أحدهما مقام الثمن في العوضيّة ، أو لوحظ القيمة في كليهما ، بأن لوحظ كون المقدار من اللحم بدرهم ، وذلك المقدار (٧) من الحنطة بدرهم ،

__________________

(١) من «ص».

(٢) في «ف» : ما قصد.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ص» : المثمن.

(٤) في «ف» : القدر.

(٥) لم ترد «عرفاً» في «ف».

(٦) لم ترد «هو» في «ف».

(٧) في «ف» : القدر.


فتعاطيا من غير سبق مقاولة تدلّ على كون أحدهما بالخصوص بائعاً :

ففي كونه بيعاً وشراءً بالنسبة إلى كلٍّ منهما ؛ بناءً على أنّ البيع لغةً كما عرفت مبادلة مالٍ بمال ، والاشتراء : ترك شي‌ءٍ والأخذ بغيره كما عن بعض أهل اللغة (١) فيصدق على صاحب اللحم أنّه باعه بحنطة ، وأنّه اشترى الحنطة ، فيحنث لو حلف على عدم بيع اللحم وعدم شراء الحنطة. نعم ، لا يترتّب عليهما أحكام البائع ولا المشتري ؛ لانصرافهما في أدلّة تلك الأحكام إلى من اختصّ بصفة (٢) البيع أو الشراء ، فلا يعمّ من كان في معاملة واحدة مصداقاً لهما باعتبارين.

أو كونه بيعاً بالنسبة إلى من يعطي أوّلاً ؛ لصدق الموجب عليه ، وشراءً بالنسبة إلى الآخذ ؛ لكونه قابلاً عرفاً.

أو كونها (٣) معاطاة مصالحة ؛ لأنّها بمعنى التسالم على شي‌ء ؛ ولذا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه : «لك ما عندك ، ولي ما عندي» (٤) على الصلح (٥).

__________________

(١) انظر لسان العرب ٧ : ١٠٣ ، والقاموس ٤ : ٣٤٨ ، مادّة : «شرى».

(٢) في «خ» ، «ع» و «ص» : «بصيغة» ، وفي نسخة بدلها : بصفة.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : «كونهما» ، وتأنيث الضمير باعتبار الخبر ، كما هي طريقة المصنّف قدس‌سره.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الصلح ، الحديث الأوّل.

(٥) فإنّهم استدلّوا بالرواية المذكورة على صحّة المصالحة مع جهالة المصطلحين بما وقعت فيه المنازعة ، انظر المسالك ٤ : ٢٦٣ ، والحدائق ٢١ : ٩٢ ، والجواهر ٢٦ : ٢١٦.


أو كونها معاوضة مستقلّة لا يدخل تحت العناوين المتعارفة ، وجوه.

لا يخلو ثانيها عن قوّة ؛ لصدق تعريف «البائع» لغةً وعرفاً على الدافع أوّلاً ، دون الآخر ، وصدق «المشتري» على الآخذ أوّلاً ، دون الآخر ، فتدبّر.


[الأمر (١)] الرابع

أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين

١ ـ تمليك المال بإزاء المال

أنّ أصل المعاطاة وهي إعطاء كلٍّ منهما الآخر (٢) ماله يتصوّر بحسب قصد المتعاطيين على وجوه :

أحدها : أن يقصد كلٌّ منهما تمليك ماله بمال الآخر ، فيكون الآخر (٣) في أخذه قابلاً ومتملّكاً (٤) بإزاء ما يدفعه ، فلا يكون في دفعه العوض إنشاء تمليكٍ ، بل دفع لما التزمه على نفسه بإزاء ما تملّكه ، فيكون الإيجاب والقبول (٥) بدفع العين الاولى وقبضها ، فدفع العين الثاني (٦) خارج عن حقيقة المعاطاة ، فلو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة ؛ وبهذا الوجه صحّحنا سابقاً (٧) عدم توقّف المعاطاة على قبض كلا العوضين ، فيكون إطلاق المعاطاة عليه من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القول ، لا من حيث كونها متقوّمة‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) في «ف» : لآخر.

(٣) عبارة «فيكون الآخر» ساقطة من «ش».

(٤) كذا في «ش» ، ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي «ف» : «أو مملّكاً» ، وفي سائر النسخ : ومملّكاً.

(٥) وردت عبارة «إنشاء تمليك إلى الإيجاب والقبول» في «ف» هكذا : أنشأ نفسه بإزاء ما تملّكه ، فيكون تمليك ، بل دفعٌ لما التزمه على الإيجاب والقبول.

(٦) كذا في النسخ ، والصواب : الثانية ، كما في مصحّحة «ص».

(٧) راجع الصفحة ٧٤ ٧٥.


بالعطاء من الطرفين.

ومثله في هذا الإطلاق : لفظ «المصالحة» و «المساقاة» و «المزارعة» و «المؤاجرة» وغيرها ، وبهذا الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن والقرض والهبة ، وربما يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل ولو لم يكن عطاء ، وفي صحّته تأمّل.

٢ ـ تمليك المال بإزاء التمليك

ثانيها (١) : أن يقصد كلّ منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إيّاه ، فيكون تمليكاً (٢) بإزاء تمليك ، فالمقاولة بين التمليكين لا الملكين ، والمعاملة متقوّمة بالعطاء من الطرفين (٣) ، فلو مات الثاني قبل الدفع لم يتحقّق المعاطاة.

وهذا بعيد عن معنى البيع وقريب إلى الهبة المعوّضة ؛ لكون كلٍّ من المالين خالياً عن العوض ، لكن إجراء حكم الهبة المعوّضة عليه مشكل ؛ إذ لو لم يملكه الثاني هنا لم يتحقّق التمليك من الأوّل ؛ لأنّه إنّما ملكه بإزاء تمليكه ، فما لم يتحقّق تمليك الثاني لم يتحقّق تمليكه (٤) ، إلاّ أن يكون تمليك الآخر له ملحوظاً عند تمليك الأوّل على نحو الداعي ، لا العوض ، فلا يقدح تخلّفه.

فالأولى أن يقال : إنّها مصالحة وتسالم على أمرٍ معيّن أو معاوضة مستقلّة.

__________________

(١) في «ف» : الثاني.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : تمليك.

(٣) عبارة «من الطرفين» ساقطة من «ف».

(٤) كذا في «ف» ، وفي «ص» و «ش» : «تملّكه» ، وفي «ن» و «م» : «تملّكاً» ، وفي «خ» و «ع» : تملّك.


٣ ـ إباحة المال بإزاء العوض

ثالثها : أن يقصد الأوّل إباحة ماله بعوض ، فيقبل الآخر بأخذه إيّاه ، فيكون الصادر من الأوّل الإباحة بالعوض ، ومن الثاني بقبوله لها التمليك ، كما لو صرّح بقوله : أبحت لك كذا بدرهم.

٤ ـ إباحة المال بإزاء الإباحة

رابعها : أن يقصد كلّ منهما الإباحة بإزاء إباحة الآخر‌ (١) ، فيكون إباحة بإزاء إباحة ، أو إباحة بداعي (٢) إباحة ، على ما تقدّم نظيره في الوجه الثاني من إمكان تصوّره على نحو الداعي ، وعلى نحو العوضية.

وكيف كان ، فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين على فرض قصد المتعاطيين لهما ، ومنشأ الإشكال :

الاشكال في القسمين الاخيرين من جهتين

أوّلاً الإشكال في صحّة إباحة (٣) جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على ملكيّة المتصرّف ، بأن يقول : أبحت لك كلّ تصرّف ، من دون أن يملّكه العين.

الاشكال الاوّل في إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك

وثانياً الإشكال في صحّة الإباحة بالعوض ، الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة وتمليك.

فنقول : أمّا إباحة جميع التصرّفات حتى المتوقّفة على الملك ، فالظاهر (٤) أنّها (٥) لا تجوز ؛ إذ التصرّف الموقوف على الملك لا يسوغ‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «آخر» ، وفي مصحّحة «ع» ونسخة بدل «ش» : اخرى.

(٢) كذا في «ص» ، وفي غيرها : لداعي.

(٣) لم ترد «إباحة» في «ف».

(٤) لم ترد «فالظاهر» في «ف».

(٥) كذا في «ش» ، وفي غيرها : أنّه.


لغير المالك بمجرّد إذن المالك ؛ فإنّ إذن المالك ليس مشرّعاً ، وإنّما يمضي فيما يجوز شرعاً ، فإذا كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره غير معقول كما صرّح به العلاّمة في القواعد (١) فكيف يجوز للمالك أن يأذن فيه؟

تصحيح إباحة التصرّفات المتوقفة على الملك بوجهين

١ ـ كون ما نحن فيه من قبيل «اعتق عبدك عنّي»

نعم ، يصحّ ذلك بأحد وجهين ، كلاهما في المقام مفقود (٢) :

أحدهما : أن يقصد المبيح بقوله : «أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك» أن ينشأ (٣) توكيلاً له في بيع ماله له ، ثمّ نقل الثمن إلى نفسه بالهبة ، أو في نقله أوّلاً إلى نفسه ثمّ بيعه ، أو تمليكاً له بنفس هذه الإباحة ، فيكون إنشاء تمليك له ، ويكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله ، كما صرّح في التذكرة : بأنّ قول الرجل (٤) لمالك العبد : «أعتق عبدك عنّي بكذا» استدعاءٌ لتمليكه ، وإعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء (٥) ، فيحصل النقل والانتقال بهذا الاستدعاء والجواب ، ويقدّر وقوعه قبل العتق آناً ما ، فيكون هذا بيعاً ضمنياً لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة‌

__________________

(١) انظر القواعد ١ : ١٦٦ ، وفيه : «لأنّه لا يتصوّر أن يبيع ملك غيره لنفسه» ،

(٢) في مصحّحة «ن» : مفقودان.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ع» ، «ص» ونسخة بدل «ش» : «إنشاء توكيل» ، ونسبه الشهيدي في شرحه إلى بعض النسخ المصحّحة ، انظر هداية الطالب : ١٨٠.

(٤) وردت عبارة «بمنزلة قبوله إلى قول الرجل» في «ف» هكذا : بمنزلة قبولٍ له ، كما صرّح به في التذكرة بأن يقول الرجل.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٢.


عدم جريان الوجه الأوّل فيما نحن فيه

لعقد البيع ، ولا شكّ أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلى نفسه أوّلاً ، ولا في نقل الثمن إليه ثانياً ، ولا قصد التمليك بالإباحة المذكورة ، ولا قصد المخاطب التملّك (١) عند البيع حتى يتحقّق تمليك (٢) ضمنيّ مقصود للمتكلّم والمخاطب ، كما كان مقصوداً ولو إجمالاً في مسألة «أعتق عبدك عنّي» ؛ ولذا عدّ (٣) العامّة والخاصّة من الأُصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها : بأنّها دلالة مقصودة للمتكلّم يتوقّف صحّة الكلام عقلاً أو شرعاً عليه ، فمثّلوا للعقليّ (٤) بقوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٥) ، وللشرعي (٦) بهذا المثال (٧) ، ومن المعلوم بحكم الفرض أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس إلاّ مجرّد الإباحة.

٢ ـ كون ما نحن فيه من قبيل «شراء من ينعتق عليه»

الثاني : أن يدلّ دليل شرعيّ على حصول الملكيّة للمباح له بمجرّد الإباحة ، فيكون كاشفاً عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آناً ما ، فيقع البيع في ملكه (٨) ، أو يدلّ دليلٌ شرعيّ على انتقال الثمن عن المبيح‌

__________________

(١) في «ف» : التمليك.

(٢) في «ف» بدل «تمليك» : قصد.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : عدّه.

(٤) في «ف» : العقلي.

(٥) يوسف : ٨٢.

(٦) في «ف» : والشرعي.

(٧) انظر : الإحكام في أُصول الأحكام ؛ للآمدي ٣ : ٧٢ (طبعة دار الكتاب العربي) ، والوافية في أُصول الفقه : ٢٢٨.

(٨) كذا في «ش» ، وفي «ف» و «خ» : «يقع المبيع في ملكه له» ، وهكذا في سائر النسخ مع اختلافٍ يسير ، إلاّ أنّه صُحّح في بعضها بما في المتن.


بلا فصل بعد البيع ، فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آناً ما لا يقبل غير العتق ؛ فإنّه حينئذٍ يقال بالملك المقدّر آناً ما ؛ للجمع بين الأدلّة.

عدم جريان الوجه الثاني فيما نحن فيه أيضاً

وهذا الوجه مفقود فيما نحن فيه ؛ إذ المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص على صحّة هذه الإباحة العامّة ، وإثبات صحّته بعموم مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) يتوقّف على عدم مخالفة مؤدّاها لقواعد أُخر مثل : توقّف انتقال الثمن إلى الشخص على كون المثمن مالاً له ، وتوقّف صحّة العتق على الملك ، وصحّة الوطء على التحليل بصيغة خاصّة ، لا بمجرّد الإذن في مطلق التصرّف.

ولأجل ما ذكرنا صرّح المشهور ، بل قيل : لم يوجد خلاف (٢) ، في أنّه لو دفع إلى غيره مالاً وقال : اشترِ به لنفسك طعاماً من غير قصد الإذن في اقتراض المال قبل الشراء ، أو اقتراض الطعام ، أو استيفاء الدين منه بعد الشراء لم يصحّ ، كما صرّح به في مواضع من القواعد (٣) ، وعلّله في بعضها (٤) بأنّه لا يعقل شراء شي‌ءٍ لنفسه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) قاله صاحب الجواهر قدس‌سره ، انظر الجواهر ٢٣ : ١٧٤.

(٣) لم نظفر على التصريح بذلك إلاّ في موردٍ واحد ، وهو حكم التسليم والقبض ، انظر القواعد ١ : ١٥١.

(٤) لا يوجد هذا التعليل في المورد المتقدّم ، نعم قال في كتاب الرهن : «ولو قال : بعه لنفسك بطل الإذن ؛ لأنّه لا يتصوّر أن يبيع ملك غيره لنفسه» ، القواعد ١ : ١٦٦. وسيأتي نقل المؤلف لهذا المطلب بعينه من كتب العلاّمة لا خصوص القواعد ، في الصفحة ٣٨٦.


بمال الغير (١). وهو كذلك ؛ فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة والمبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوّض (٢) عن ملكه ، وإلاّ لم يكن عوضاً وبدلاً ؛ ولما ذكرنا حكم الشيخ (٣) وغيره (٤) بأنّ الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة التصرّف ، لكن لا يجوز وطء الجارية مع أنّ الإباحة المتحقّقة من الواهب تعمّ جميع التصرّفات.

وعرفت أيضاً : أنّ الشهيد في الحواشي لم يجوّز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، ولا وطء الجارية (٥) ، مع أنّ مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة.

ودعوى : أنّ الملك التقديري هنا أيضاً لا يتوقّف على دلالة دليلٍ خاصّ ، بل يكفي الدلالة بمجرّد (٦) الجمع بين عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٧) الدالّ على جواز هذه الإباحة المطلقة ، وبين أدلّة توقّف مثل العتق والبيع على الملك (٨) ، نظير الجمع بين الأدلّة في الملك التقديري ،

__________________

(١) في «ف» : بمال غيره.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : العوض.

(٣) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٤) الدروس ٢ : ٢٩١.

(٥) راجع الصفحة ٣٥ و ٧٠.

(٦) كذا في النسخ ، والمناسب : يكفي في الدلالة مجرّد ..

(٧) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٨) راجع : الوسائل ١٦ : ٦ ، الباب ٥ من أبواب العتق ، و ١٢ : ٢٤٨ ٢٥٢ ، الباب ١ و ٢ من أبواب عقد البيع ، وعوالي اللآلي ٢ : ٢٩٩ ، الحديث ٤ ، والصفحة ٢٤٧ ، الحديث ١٦.


مدفوعةٌ : بأنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» إنّما يدلّ على تسلّط الناس على أموالهم لا على أحكامهم ، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرّفٍ جائز شرعاً ، فالإباحة وإن كانت مطلقة ، إلاّ أنّه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلاّ ما هو جائز بذاته في الشريعة.

ومن المعلوم : أنّ بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل والنقل الدالّ على لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوض ، فلا يشمله العموم في «الناس مسلّطون على أموالهم» حتى يثبت التنافي بينه وبين الأدلّة الدالّة على توقّف البيع على الملك ، فيجمع بينهما بالتزام الملك التقديري آناً ما.

وبالجملة ، دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم على عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الدالّ على إمضاء الإباحة المطلقة من المالك على إطلاقها ، نظير حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم (١) وجوب الوفاء بالنذر والعهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه ، فلا يتوهّم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر.

نعم ، لو كان هناك تعارض وتزاحم من (٢) الطرفين ، بحيث أمكن تخصيص كلٍّ منهما لأجل الآخر ، أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري آناً ما ، فتأمّل.

__________________

(١) من الكتاب : الآية ٢٩ من سورة الحجّ ، والآية ٩١ من سورة النحل ، والآية ٣٤ من سورة الإسراء ، ومن السنّة : ما ورد في الوسائل ١٦ : ١٨٢ ، كتاب النذر والعهد.

(٢) في «ف» : في.


عدم كون ما نحن فيه من قبيل بيع الواهب وعتقه

وأمّا حصول الملك في الآن المتعقّب بالبيع والعتق ، فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه ، فليس ملكاً تقديرياً نظير الملك التقديري في الدية بالنسبة إلى الميّت ، أو شراء العبد المعتق عليه ، بل هو ملك حقيقيّ حاصل قبل البيع من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله في الآن المتّصل ؛ بناءً على الاكتفاء بمثل هذا في الرجوع ، وليس كذلك فيما نحن فيه.

وبالجملة ، فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمني المذكور أوّلاً في «أعتق عبدك عني» ؛ لتوقّفه على القصد ، ولا على الملك المذكور ثانياً في شراء من ينعتق عليه ؛ لتوقّفه على التنافي بين دليل التسلّط ودليل توقّف العتق على الملك ، وعدم حكومة الثاني على الأوّل ، ولا على التمليك الضمني المذكور (١) ثالثاً في بيع الواهب وذي الخيار ؛ لعدم تحقّق سبب الملك هنا سابقاً بحيث يكشف البيع عنه ، فلم يبقَ إلاّ الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره ، سواء صرّح بذلك كما لو قال : «بِع مالي لنفسك» ، أو «اشترِ بمالي لنفسك» ، أم أدخله في عموم قوله : «أبحت لك كلّ تصرّف» ، فإذا باع المباح له على هذا الوجه وقع البيع للمالك إمّا لازماً ؛ بناءً على أنّ قصد (٢) البائع البيع (٣) لنفسه غير مؤثّر (٤) ، أو موقوفاً على الإجازة ؛ بناءً على أنّ المالك لم ينوِ تملّك الثمن.

__________________

(١) لم ترد «المذكور» في «ف».

(٢) في «خ» ونسخة بدل «ع» و «ص» : نيّة.

(٣) لم ترد «البيع» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٤) في «ف» و «خ» : غير مؤثّرة.


استظهار صحّة إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك من جماعة

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدين (١) والشهيد قدس‌سرهما في باب بيع الغاصب : أنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن والإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئاً ، وأنّه يملك الثمن (٢) بدفعه إليه ، فليس للمالك إجازة هذا الشراء (٣).

ويظهر أيضاً من محكيّ المختلف ، حيث استظهر من كلامه فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة أنّ له وطء الجارية مع علم البائع بغصبيّة الثمن ، فراجع (٤). ومقتضى ذلك : أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله وإن لم يكن على وجه الملكيّة يوجب جواز التصرّفات المتوقّفة على الملك ، فتأمّل. وسيأتي توضيحه في مسألة الفضولي إن شاء الله تعالى.

الإشكال الثاني في صحّة الإباحة بإزاء العوض

وأمّا الكلام في صحّة الإباحة بالعوض سواء صحّحنا إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك أم خصّصنا الإباحة بغيرها فمحصّله : أنّ هذا النحو من الإباحة المعوّضة ليست معاوضة ماليّة ليدخل كلّ من العوضين في ملك مالك العوض الآخر ، بل كلاهما ملك للمبيح ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) وهو محمد بن محمد الرازي البويهي ، من تلامذة العلاّمة الحلّي قدس‌سره ، وروى عنه الشهيد قدس‌سره ، وهو من أولاد أبي جعفر ابن بابويه ، ذكره الشهيد الثاني في بعض إجازاته وغيره. انظر رياض العلماء ٥ : ١٦٨.

(٢) في «ش» : المثمن.

(٣) يظهر ذلك ممّا قالاه في حاشيتهما على القواعد ، على ما حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٢.

(٤) راجع المختلف ٥ : ٢٥٩.


المباح له يستحقّ التصرّف ؛ فيشكل الأمر فيه (١) من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعاً وعرفاً ، مع التأمّل في صدق التجارة عليها (٢) ، فضلاً عن البيع ، إلاّ أن يكون نوعاً من الصلح ، لمناسبة (٣) له لغةً ؛ لأنّه في معنى التسالم على أمرٍ بناءً على أنّه لا يشترط فيه لفظ «الصلح» ، كما يستفاد من بعض الأخبار الدالّة على صحّته بقول المتصالحين : «لكَ ما عندك ولي ما عندي» (٤) ، ونحوه ما ورد في مصالحة الزوجين (٥) ، ولو كانت معاملة مستقلّة كفى فيها عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٦) ، و «المؤمنون عند شروطهم» (٧).

وعلى تقدير الصحّة ، ففي لزومها مطلقاً ؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ؛ أو من طرف المباح له ؛ حيث إنّه يخرج ماله عن ملكه ، دون المبيح ؛ حيث إنّ ماله باقٍ على ملكه ، فهو مسلّط عليه ، أو جوازها مطلقاً ، وجوه ، أقواها أوّلها ، ثمّ أوسطها.

حكم الإباحة بإزاء الإباحة

وأمّا حكم الإباحة بالإباحة ، فالإشكال فيه أيضاً يظهر ممّا ذكرنا في سابقه ، والأقوى فيها أيضاً الصحّة واللزوم ؛ للعموم ، أو الجواز من الطرفين ؛ لأصالة التسلّط.

__________________

(١) كذا ، ولعلّ تذكير الضمير باعتبار عوده إلى «هذا النحو».

(٢) أي الإباحة المعوضة.

(٣) في «ش» : لمناسبته.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الصلح ، الحديث الأوّل.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٩٠ ٩١ ، الباب ١١ من أبواب القسم والنشوز.

(٦) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٧) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.


[الأمر (١)] الخامس

جريان المعاطاة في غير البيع كلام المحقّق الثاني في معاطاة الإجارة والهبة

في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود وعدمه‌

اعلم أنّه ذكر المحقّق الثاني رحمه‌الله في جامع المقاصد على ما حكي عنه ـ : أنّ في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة ، وكذا في (٢) الهبة ؛ وذلك لأنّه (٣) إذا أمره بعملٍ على عوضٍ معيّن فعمله استحقّ (٤) الأُجرة ، ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل ، ولم يستحقّ اجرة مع علمه بالفساد ، وظاهرهم الجواز بذلك ، وكذا لو وهب بغير عقد ؛ فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف ، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز ، بل منع (٥) من مطلق التصرّف ، وهي ملحظ (٦) وجيه (٧) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني في معاطاة الإجارة

وفيه : أنّ معنى جريان المعاطاة في الإجارة على مذهب المحقّق الثاني : الحكم بملك المأمور (٨) الأجر المعيّن على الآمر ، وملك الآمر العمل‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) عبارة «كذا في» من «ش» والمصدر وهامش «ص».

(٣) في غير «ش» : أنّه.

(٤) في «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» والمصدر : «عمله ، واستحقّ» ، وفي «ف» : وعمله استحقّ.

(٥) في «ص» : يمنع.

(٦) في المصدر : وهو ملخّص.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.

(٨) لم ترد «المأمور» في «ف».


المعيّن على المأمور به ، ولم نجد من صرّح به في المعاطاة.

وأمّا قوله : «لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل» فموضع (١) نظر ؛ لأنّ فساد المعاملة لا يوجب منعه عن (٢) العمل ، سيّما إذا لم يكن العمل تصرّفاً (٣) في عينٍ من أموال المستأجر.

وقوله : «لم يستحقّ اجرة مع علمه بالفساد» ، ممنوع ؛ لأنّ الظاهر ثبوت اجرة المثل ؛ لأنّه لم يقصد التبرّع وإنّما قصد عوضاً لم يسلّم له.

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني في معاطاة الهبة

وأمّا مسألة الهبة ، فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدلّ على جريان المعاطاة فيها (٤) ، إلاّ إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة ؛ فإنّ جماعة كالشيخ (٥) والحلّي (٦) والعلاّمة (٧) صرّحوا بأنّ إعطاء الهديّة من دون الصيغة يفيد الإباحة دون الملك ، لكنّ المحقّق الثاني رحمه‌الله ممّن لا يرى (٨) كون (٩) المعاطاة عند القائلين بها مفيداً للإباحة المجرّدة (١٠).

وتوقّف الملك في الهبة على الإيجاب والقبول كاد أن يكون متّفقاً‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيرها : موضع.

(٢) في «ف» : من.

(٣) لم ترد «تصرّفاً» في «ف».

(٤) كذا في «ش» ، وفي غيرها : فيه.

(٥) المبسوط ٣ : ٣١٥.

(٦) السرائر ٣ : ١٧٧.

(٧) القواعد ١ : ٢٧٤.

(٨) في «ف» و «خ» ومصحّحة «ن» : لا يرضى.

(٩) كذا في «ص» ، وفي غيرها : بكون.

(١٠) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.


عليه كما يظهر من المسالك (١).

وممّا ذكرنا يظهر المنع في قوله : «بل مطلق التصرّف».

هذا ، ولكنّ الأظهر بناءً على جريان المعاطاة في البيع جريانها في غيره من الإجارة والهبة ؛ لكون الفعل مفيداً للتمليك فيهما (٢).

الأظهر جريان المعاطاة في غير البيع من الإجارة والهبة

وظاهر المحكيّ عن التذكرة : عدم القول بالفصل بين البيع وغيره ؛ حيث قال في باب الرهن : إنّ الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والإيجاب عليه المذكورة (٣) في البيع آتٍ هنا (٤) ، انتهى.

لكن استشكله في محكيّ جامع المقاصد : بأنّ البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع ، بخلاف ما هنا (٥).

الإشكال في جريان المعاطاة في الرهن

ولعلّ وجه الإشكال : عدم تأتّي المعاطاة بالإجماع في الرهن على النحو الذي أجروها في البيع ؛ لأنّها هناك إمّا مفيدة للإباحة أو الملكيّة الجائزة على الخلاف والأوّل غير متصوّر هنا ، وأمّا الجواز (٦) فكذلك ؛ لأنّه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن ، خصوصاً بملاحظة أنّه لا يتصوّر هنا ما يوجب رجوعها إلى اللزوم ، ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان.

__________________

(١) المسالك ٦ : ١٠.

(٢) في «ف» : فيها.

(٣) في «ش» ومصحّحة «ن» : المذكور.

(٤) التذكرة ٢ : ١٢.

(٥) جامع المقاصد ٥ : ٤٥.

(٦) العبارة في «ف» هكذا : هناك أمّا الجواز.


وإن جعلناها مفيدة للّزوم ، كان مخالفاً لما أطبقوا عليه من توقّف العقود اللازمة على اللفظ ، وكأنّ هذا هو الذي دعا المحقّق الثاني إلى الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة والهبة والقرض (١) ، والاستشكال في الرهن.

نعم ، من لا يبالي مخالفة ما هو المشهور ، بل المتّفق عليه بينهم ، من توقّف العقود اللازمة على اللفظ ، أو حمل تلك العقود على اللازمة من الطرفين ، فلا يشمل الرهن ولذا جوّز بعضهم (٢) الإيجاب بلفظ الأمر ك‍ «خذه» ، والجملة الخبرية أمكن أن يقول بإفادة المعاطاة في الرهن اللزوم ؛ لإطلاق بعض أدلّة الرهن (٣) ، ولم يقم هنا إجماع على عدم اللزوم كما قام في المعاوضات.

عدم جريان المعاطاة في الوقف

ولأجل ما ذكرنا في الرهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف بأن يكتفى فيه بالإقباض ؛ لأنّ القول فيه باللزوم منافٍ لما اشتهر بينهم من توقّف اللزوم على اللفظ ، والجواز غير معروف في الوقف من الشارع ، فتأمّل.

نعم ، احتمل (٤) الاكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من‌

__________________

(١) تقدّم منه قدس‌سره ما يرتبط بالأوّلين في الصفحة ٩١ ، وأمّا بالنسبة إلى القرض فليراجع جامع المقاصد ٥ : ٢٠.

(٢) كالشهيد قدس‌سره في كتاب الرهن من الدروس ٣ : ٣٨٣.

(٣) مثل قوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) البقرة : ٢٨٣ ، ومثل ما ورد في الوسائل ١٣ : ١٢١ ، كتاب الرهن.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : «يظهر» ، وفي نسخة بدل «خ» ، «م» و «ع» : يحتمل.


الذكرى (١) تبعاً للشيخ رحمه‌الله (٢).

ملزمات المعاطاة في غير البيع

ثمّ إنّ الملزم للمعاطاة فيما تجري فيه من العقود الأُخر هو الملزم في باب البيع ، كما سننبّه به بعد هذا الأمر.

__________________

(١) الذكرى : ١٥٨.

(٢) المبسوط ١ : ١٦٢.


الأمر السادس

في ملزمات المعاطاة على كلٍّ من القول بالملك والقول بالإباحة‌

تأسيس الأصل في المعاطاة من حيث اللزوم والجواز

اعلم : أنّ الأصل على القول بالملك اللزوم ؛ لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدّمة (١) ، وأمّا على القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم ؛ لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، وأصالة سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة ، وهي حاكمة على أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلّم جريانها.

تلف العوضين ملزم إجماعاً

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ تلف العوضين ملزم إجماعاً على الظاهر المصرّح به في بعض العبائر (٢) أمّا على القول بالإباحة فواضح ؛ لأنّ تلفه من مال مالكه ولم يحصل ما يوجب ضمان كلٍّ منهما مال صاحبه ، وتوهّم جريان قاعدة الضمان باليد هنا مندفعٌ بما سيجي‌ء (٣).

وأمّا على القول بالملك ، فلما عرفت (٤) من أصالة اللزوم ، والمتيقّن‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٥١ ٥٦.

(٢) صرّح بعدم الخلاف : المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٦٢ ، والشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة : ٥٠ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٦٩ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٧.

(٣) يجي‌ء في الصفحة ٩٨ عند قوله : والتمسّك بعموم على اليد هنا في غير محلّه.

(٤) في الصفحة ٥١.


من مخالفتها جواز ترادّ العينين (١) ، وحيث ارتفع مورد الترادّ امتنع ، ولم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف ؛ لأنّ ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين ، فلا مانع من بقائه ، بل لا دليل على ارتفاعه بعد تلفهما (٢) ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ الجواز فيه هنا بمعنى جواز الرجوع في العين ، نظير جواز الرجوع في العين الموهوبة ، فلا يبقى بعد التلف متعلّق الجواز (٣) ، بل الجواز هنا يتعلّق (٤) بموضوع الترادّ ، لا مطلق الرجوع الثابت في الهبة.

هذا ، مع أنّ الشكّ في أنّ متعلّق الجواز هل هو أصل (٥) المعاملة أو الرجوع في العين ، أو ترادّ العينين؟ يمنع من استصحابه ؛ فإنّ المتيقّن تعلّقه بالترادّ ؛ إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللزوم على ثبوت أزيد من جواز ترادّ العينين الذي لا يتحقّق إلاّ مع بقائهما.

لو تلف أحد العوضين أو بعضه

ومنه يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين أو بعضها على القول بالملك.

وأمّا على القول بالإباحة ، فقد استوجه بعض مشايخنا (٦) وفاقاً‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ش» ونسخة بدل «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : العين.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : تلفها.

(٣) في «ف» : للجواز.

(٤) في «ف» : متعلّق.

(٥) لم ترد «أصل» في «ف».

(٦) وهو السيّد المجاهد في المناهل : ٢٦٩.


لبعض معاصريه (١) ، تبعاً للمسالك (٢) أصالة عدم اللزوم ؛ لأصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة ، وملكه لها.

وفيه : أنّها معارضة بأصالة براءة ذمّته عن مثل التالف (٣) أو قيمته ، والتمسّك بعموم «على اليد» هنا في غير محلّه ، بعد القطع بأنّ هذه اليد قبل تلف العين لم تكن يد ضمان ، بل ولا بعده إذا بنى مالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة ولم يرد الرجوع ، إنّما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع ، وليس هذا من مقتضى اليد قطعاً.

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ أصالة بقاء السلطنة حاكمة على أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة ، مع أنّ ضمان (٤) التالف ببدله معلوم ، إلاّ أنّ الكلام في أنّ البدل هو البدل الحقيقي ، أعني المثل أو القيمة ، أو البدل الجعلي ، أعني العين الموجودة ، فلا أصل.

هذا ، مضافاً إلى ما قد يقال : من أنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» يدلّ على السلطنة على المال الموجود بأخذه ، وعلى المال التالف بأخذ بدله الحقيقي ، وهو المثل أو القيمة ، فتدبّر.

لو كان أحد العوضين ديناً في الذمّة

ولو كان أحد العوضين ديناً في ذمّة أحد المتعاطيين ، فعلى القول بالملك يملكه من في ذمّته ، فيسقط عنه ، والظاهر أنّه في حكم التلف ؛

__________________

(١) وهو الفاضل النراقي في المستند ٢ : ٣٦٣.

(٢) المسالك ٣ : ١٤٩.

(٣) في «ش» زيادة : عنده.

(٤) ورد في «ف» بدل عبارة «ولكن يمكن أن يقال إلى مع أنّ ضمان» ما يلي : ولكن يمكن أن يمنع أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة ؛ لأنّ ضمان ..


لأنّ الساقط لا يعود ، ويحتمل العود ، وهو ضعيف ، والظاهر أنّ الحكم كذلك على القول بالإباحة ، فافهم.

حكم نقل العوضين أو أحدهما بعقد لازم

ولو نقل العينان (١) أو إحداهما (٢) بعقدٍ لازم ، فهو كالتلف على القول بالملك ؛ لامتناع الترادّ ، وكذا على القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرّفات الناقلة.

ولو عادت العين بفسخ ، ففي جواز الترادّ على القول بالملك ؛ لإمكانه فيستصحب ، وعدمه ؛ لأنّ المتيقّن من الترادّ هو المحقّق قبل خروج العين عن ملك مالكه ، وجهان. أجودهما ذلك ؛ إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز الترادّ بقولٍ مطلق ، بل المتيقّن منه غير ذلك ، فالموضوع غير محرز في الاستصحاب.

وكذا على القول بالإباحة ؛ لأنّ التصرّف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرّف ، فيرجع بالفسخ إلى ملك الثاني ، فلا دليل على زواله ، بل الحكم هنا أولى منه على القول بالملك ؛ لعدم تحقّق جواز الترادّ في السابق هنا حتى يستصحب ، بل المحقّق أصالة بقاء سلطنة المالك الأوّل المقطوع بانتفائها.

نعم ، لو قلنا : بأنّ الكاشف عن الملك هو العقد الناقل ، فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلى المالك الأوّل وإن كان مباحاً لغيره ما لم يستردّ عوضه ، كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز الترادّ لو فرض كون العوض الآخر باقياً على ملك مالكه الأوّل ، أو عائداً (٣) إليه بفسخ.

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيرها : العينين.

(٢) في «ف» : أحدهما.

(٣) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : وعائداً.


وكذا لو قلنا : بأنّ (١) البيع لا يتوقّف على سبق الملك ، بل يكفي فيه إباحة التصرّف والإتلاف ، ويملك الثمن بالبيع ، كما تقدّم استظهاره عن جماعة في الأمر الرابع (٢).

لكنّ الوجهين (٣) ضعيفان ، بل الأقوى رجوعه بالفسخ إلى البائع.

لو كان الناقل عقداً جائزاً

ولو كان الناقل عقداً جائزاً لم يكن لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيه ، ولا رجوعه بنفسه إلى عينه ، فالترادّ غير متحقّق ، وتحصيله غير واجب ، وكذا على القول بالإباحة ؛ لكون المعاوضة كاشفة عن سبق الملك.

لو كان الناقل غير معاوضة

نعم ، لو كان غير معاوضة كالهبة ، وقلنا بأنّ التصرّف في مثله لا يكشف (٤) عن سبق الملك إذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض مالاً لواحد وانتقال المعوّض (٥) إلى الآخر (٦) ، بل الهبة ناقلة للملك (٧) عن ملك المالك إلى المتّهب فيتحقّق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلى المالك لا الواهب اتّجه الحكم بجواز الترادّ مع بقاء العين‌

__________________

(١) في «ف» : أنّ.

(٢) تقدّم استظهار ذلك عن قطب الدين والشهيد قدس‌سرهما في الصفحة ٨٩.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي غيرهما : الوجهان.

(٤) كذا في «ش» ونسخة بدل «م» ، «ع» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : للكشف.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وأمّا سائر النسخ ، ففي بعضها : «لانتقال العين» ، وفي بعضها : وانتقال العين.

(٦) في مصحّحة «ن» و «خ» : آخر.

(٧) لم ترد «للملك» في «ف».


الأُخرى أو عودها إلى مالكها (١) بهذا النحو من العود ؛ إذ لو عادت (٢) بوجهٍ آخر كان حكمه حكم التلف.

لو باع العين ثالث فضولاً

ولو باع العين ثالث فضولاً ، فأجاز المالك الأوّل ، على القول بالملك ، لم يبعد كون إجازته رجوعاً كبيعه وسائر تصرّفاته الناقلة.

ولو أجاز المالك الثاني ، نفذ بغير إشكال.

وينعكس الحكم إشكالاً ووضوحاً على القول بالإباحة ، ولكلٍّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر.

ولو رجع الأوّل فأجاز الثاني ، فإن جعلنا الإجازة كاشفة لغى الرجوع ، ويحتمل عدمه ؛ لأنّه رجوع قبل تصرّف الآخر فينفذ (٣) ويلغو الإجازة ، وإن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعاً.

لو امتزجت العينان أو إحداهما

ولو امتزجت العينان أو إحداهما ، سقط الرجوع على القول بالملك ؛ لامتناع الترادّ ، ويحتمل الشركة ، وهو ضعيف.

أمّا على القول بالإباحة ، فالأصل بقاء التسلّط على ماله الممتزج بمال الغير ، فيصير المالك شريكاً مع مالك الممتزج به ، نعم لو كان المزج مُلحِقاً له بالإتلاف جرى عليه حكم التلف.

لو تصرّف في العين تصرّفاً مغيّراً للصورة

ولو تصرّف في العين تصرّفاً مغيّراً للصورة كطحن الحنطة وفصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة ، وعلى القول بالملك ، ففي اللزوم‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : عوده إلى مالكه.

(٢) في غير «ش» : لو عاد.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ص» : ويفسد ، وفي سائر النسخ : فيفسد.


وجهان مبنيّان على جريان استصحاب جواز الترادّ ، ومنشأ الإشكال : أنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ أو حقيقيّ.

موت أحد المتعاطيين

ثمّ إنّك قد عرفت ممّا ذكرنا أنّه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود اللازمة حتى يورّث بالموت ويسقط بالإسقاط ابتداءً أو في ضمن المعاملة ، بل هو على القول بالملك نظير الرجوع في الهبة ، وعلى القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام ، بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني ، بحيث لو علم كراهة المالك باطناً لم يجز له التصرّف ، فلو مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول بالملك للأصل ؛ لأنّ مَن له وإليه الرجوع هو المالك الأصلي ، ولا يجري الاستصحاب.

ولو جُنّ أحدهما ، فالظاهر قيام وليّه مقامه في الرجوع على القولين.


[الأمر (١)] السابع

هل المعاطاة بعد التلف بيع ، أو معاوضة مستقلّة؟ كلام الشهيد الثاني في ذلك

أنّ الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعاً بعد التلف أو معاوضة مستقلّة ، قال : يحتمل الأوّل ؛ لأنّ المعاوضات محصورة وليست إحداها ، وكونها معاوضة برأسها يحتاج إلى دليل. ويحتمل الثاني ؛ لإطباقهم على أنّها ليست بيعاً حال وقوعها ، فكيف تصير بيعاً بعد التلف؟ وتظهر الفائدة في ترتّب الأحكام المختصّة بالبيع عليها ، كخيار الحيوان ، لو كان التالف الثمن أو بعضه. وعلى تقدير ثبوته ، فهل الثلاثة من حين المعاطاة ، أو من حين اللزوم؟ كلّ محتمل ، ويشكل الأوّل بقولهم : «إنّها ليست بيعاً» ، والثاني بأنّ التصرّف ليس معاوضة بنفسها (٢) ، اللهم إلاّ أن يجعل المعاطاة جزء السبب والتلف تمامه. والأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا ؛ بناءً على أنّها ليست لازمة ، وإنّما يتمّ على قول المفيد ومن تبعه (٣) ، وأمّا خيار العيب والغبن فيثبتان على التقديرين كما أنّ خيار المجلس منتفٍ (٤) ، انتهى.

تفريع هذا البحث على القول بالإباحة

والظاهر أنّ هذا تفريع على القول بالإباحة في المعاطاة ، وأمّا على‌

__________________

(١) من «ص».

(٢) في المصدر ونسخة بدل «ن» : بنفسه.

(٣) من القائلين بلزوم المعاطاة كما تقدّم عنهم في الصفحة ٣٧ وغيرها.

(٤) المسالك ٣ : ١٥١.


القول بكونها (١) مفيدة للملك المتزلزل ، فيلغى (٢) الكلام في كونها معاوضة مستقلّة أو بيعاً متزلزلاً قبل اللزوم ، حتى يتبعه حكمها (٣) بعد اللزوم ؛ إذ الظاهر أنّه (٤) عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال (٥) في ذلك عندهم على ما تقدّم من المحقّق الثاني (٦) فإذا لزم صار بيعاً لازماً ، فيلحقه أحكام البيع عدا ما استفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه على اللزوم لولا الخيار ، وقد تقدّم (٧) أنّ الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار.

الأقوى أنّ المعاطاة بعد التلف بيع

وكيف كان ، فالأقوى أنّها على القول بالإباحة بيع عرفيّ لم يصحّحه الشارع ولم يمضه إلاّ بعد تلف إحدى العينين أو ما في حكمه ، وبعد التلف يترتّب عليه أحكام البيع عدا ما اختصّ دليله بالبيع الواقع صحيحاً من أوّل الأمر.

عن الشهيد : أنّها معاوضة مستقلّة

والمحكيّ عن حواشي الشهيد : أنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة‌

__________________

(١) في «ف» : بأنّها.

(٢) في «ف» ومصحّحة «ن» : «فيبقى» ، وفي «ص» : «فيلغو» ، وفي نسخة بدل «ش» : «فينبغي» ، وجاء في هامش «ن» : «الظاهر أن يقال : فلا ينبغي الكلام» ، وفي شرح الشهيدي (١٨٧) : الصحيح «ينبغي» بدل «يلغى».

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : «حكمه» ، كما في مصحّحة «ن».

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «أنّها» ، كما في مصحّحة «ن».

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : بل لا إشكال.

(٦) تقدّم في الصفحة ٣٢.

(٧) تقدّم في الصفحة ٩٧.


أو لازمة (١). والظاهر أنّه أراد التفريع على مذهبه من الإباحة وكونها معاوضة قبل اللزوم ، من جهة كون كلٍّ من العينين مباحاً عوضاً عن الأُخرى ، لكن لزوم (٢) هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى ، فلا بدّ أن يقول بالإباحة اللازمة ، فافهم.

__________________

(١) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٨.

(٢) في «ف» بدل «لزوم» : رفع.


[الأمر (١)] الثامن

لا إشكال في تحقّق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصّة والعامّة‌ بما إذا تحقّق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل ، وهو قبض العينين.

العقد غير الجامع لشرائط اللزوم معاطاة أم لا؟

أمّا إذا حصل بالقول الغير الجامع لشرائط اللزوم :

فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي‌ءٍ زائد على الإنشاء اللفظي كما قوّيناه سابقاً (٢) بناءً على التخلّص بذلك عن اتّفاقهم على توقّف العقود اللازمة على اللفظ فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك عقداً لازماً.

وإن قلنا بمقالة المشهور من اعتبار أُمور زائدة على اللفظ ، فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلى حكم المعاطاة مطلقاً ، أو بشرط تحقّق قبض العين معه ، أو لا يتحقّق (٣) به مطلقاً؟

نعم ، إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقّق بعده تحقّق المعاطاة ، فالإنشاء القولي السابق كالعدم ، لا عبرة به ولا بوقوع القبض بعده خالياً عن قصد الإنشاء ، بل بانياً على كونه حقّا لازماً لكونه من آثار الإنشاء القولي السابق ، نظير القبض في العقد الجامع للشرائط.

__________________

(١) من «ص».

(٢) في الصفحة ٦٠.

(٣) لم ترد عبارة «أو لا يتحقّق» في «ش».


ظاهر جماعة كونه معاطاة

ظاهر كلام غير واحدٍ من مشايخنا المعاصرين (١) : الأوّل ، تبعاً لما يستفاد من ظاهر كلام المحقّق والشهيد الثانيين.

قال المحقّق في صيغ عقوده على ما حكي عنه بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة (٢) ـ : إنّه لو أوقع البيع بغير ما قلناه ، وعلم التراضي منهما كان معاطاة (٣) ، انتهى.

وفي الروضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة على النطق ـ : أنّها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح (٤) ، انتهى.

وظاهر الكلامين : صورة وقوع الإنشاء بغير القبض ، بل يكون القبض من آثاره.

ظاهر آخرين عدم كونه معاطاة

وظاهر تصريح (٥) جماعة منهم المحقّق (٦) والعلاّمة (٧) ـ : بأنّه لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك وكان مضموناً عليه ، هو الوجه الأخير ؛ لأنّ مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد (٨) اختلال شروط الصيغة كما ربما يشهد به ذكر هذا الكلام بعد شروط‌

__________________

(١) منهم : السيّد المجاهد في المناهل : ٢٧٠ ، والفاضل النراقي في المستند ٢ : ٣٦١ ٣٦٢ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٥٦ ٢٥٧.

(٢) عبارة «على ما حكي عنه إلى في الصيغة» لم ترد في «ف» و «ش».

(٣) رسائل المحقّق الكركي ١ : ١٧٨.

(٤) الروضة البهيّة ٣ : ٢٢٥.

(٥) في «ع» و «ص» : وظاهره كصريح جماعة.

(٦) الشرائع ٢ : ١٣.

(٧) القواعد ١ : ١٢٣.

(٨) لم ترد «مجرّد» في «ف».


الصيغة ، وقبل شروط العوضين والمتعاقدين وإمّا (١) ما يشمل هذا وغيره كما هو الظاهر.

وكيف كان ، فالصورة الأُولى داخلةٌ قطعاً ، ولا يخفى أنّ الحكم فيها بالضمان منافٍ لجريان حكم المعاطاة.

الجمع بين القولين

وربما يجمع (٢) بين هذا الكلام وما تقدّم من المحقّق والشهيد الثانيين ، فيقال : إنّ موضوع المسألة في عدم جواز التصرّف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرضا إلاّ بزعم صحّة المعاملة ، فإذا انتفت الصحّة انتفى (٣) الإذن ؛ لترتّبه (٤) على زعم الصحّة ، فكان التصرّف تصرّفاً بغير إذن وأكلاً للمال بالباطل ؛ لانحصار وجه الحِلّ في كون المعاملة بيعاً أو تجارة عن تراضٍ أو هبة ، أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض. والأوّلان قد انتفيا بمقتضى الفرض ، وكذا البواقي ؛ للقطع من جهة زعمهما صحّة المعاملة بعدم الرضا بالتصرّف مع عدم بذل شي‌ء في المقابل ، فالرضا المقدّم كالعدم. فإن تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد واستمرّ رضاهما فلا كلام في صحّة المعاملة ، ورجعت إلى المعاطاة ، كما إذا علم الرضا من أوّل الأمر بإباحتهما التصرّف بأيّ وجهٍ اتّفق ، سواء صحّت المعاملة أم فسدت ؛ فإنّ ذلك ليس من البيع الفاسد‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : أو.

(٢) الجامع هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : انتفت.

(٤) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ن» : لترتّبها ، وصُحّح في «ن» بما أثبتناه في المتن.


في شي‌ء (١) ، انتهى (٢).

المناقشة في الجمع الذكور

أقول : المفروض أنّ الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا تتضمّن إلاّ إنشاءً واحداً هو التمليك ، ومن المعلوم أنّ هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك ، والموجود بعده إن كان إنشاءً آخر في ضمن التقابض خرج عن محلّ الكلام ؛ لأنّ المعاطاة حينئذٍ إنّما تحصل به ، لا بالعقد الفاقد للشرائط ، مع أنّك عرفت أنّ ظاهر كلام الشهيد والمحقّق الثانيين حصول المعاوضة والمراضاة بنفس الإشارة المفهمة بقصد البيع وبنفس الصيغة الخالية عن الشرائط ، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

ومنه يعلم : فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراضٍ جديد بعد العقد غير مبنيّ على صحّة العقد.

ثمّ إنّ ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد ، دون غيره من الصور ، مع أنّ كلام الجميع مطلق يرد عليه :

أنّ هذا التراضي إن كان تراضياً آخر حادثاً بعد العقد :

فإن كان (٣) لا على وجه المعاطاة ، بل كلّ منهما رضي بتصرّف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضا صاحبه بتصرّفه في ماله ، فهذا ليس من المعاطاة ، بل هي إباحة مجّانية من الطرفين تبقى ما دام العلم‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٨.

(٢) كلمة «انتهى» من «ف» و «خ».

(٣) في «ف» : وإن كان.


بالرضا ، ولا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع (١) ؛ لأنّه كالإذن الحاصل من شاهد الحال ، ولا يترتّب عليه أثر المعاطاة : من اللزوم بتلف إحدى العينين ، أو جواز التصرّف إلى حين العلم بالرجوع (٢) ، وإن كان على وجه المعاطاة فهذا ليس إلاّ التراضي السابق على ملكية كلٍّ منهما لمالك الآخر (٣) ، وليس تراضياً جديداً ؛ بناءً (٤) على أنّ المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور (٥) خصوصاً المحقّق الثاني (٦) فلا يجوز له أن يريد بقوله المتقدّم عن صيغ العقود ـ : «إنّ الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي تدخل في المعاطاة» (٧) التراضي (٨) الجديد الحاصل بعد العقد ، لا على وجه المعاوضة.

تفصيل الكلام في صور المسألة

١ ـ التقابض بغير رضى منهما بالتصرّف

وتفصيل الكلام : أنّ المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط : إمّا أن يقع تقابضهما بغير رضاً من كلٍّ منهما في تصرّف الآخر بل حصل قهراً عليهما أو على أحدهما ، وإجباراً على العمل بمقتضى العقد فلا إشكال في حرمة التصرّف في المقبوض على هذا الوجه.

__________________

(١) في مصحّحة «ن» و «ش» : عدم العلم به وبالرجوع.

(٢) في غير «ف» و «ش» زيادة : «أو مع ثبوت أحدهما» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن» و «م».

(٣) في «ص» : لمال الآخر.

(٤) لم ترد «بناءً» في «ف».

(٥) راجع الصفحة ٢٥ وما بعدها.

(٦) تقدّم كلامه في الصفحة ٣٢.

(٧) تقدّم في الصفحة ١٠٧.

(٨) في «ف» و «ن» : «بالتراضي» ، ولكن صُحّح في الأخير بما أثبتناه في المتن.


٢ ـ التقابض برضى ناشئ عن اعتقاد الملكية

وكذا إن وقع على وجه الرضا الناشئ عن بناء كلٍّ منهما على ملكية الآخر اعتقاداً أو تشريعاً كما في كلّ قبض وقع على هذا الوجه ؛ لأنّ حيثيّة كون القابض مالكاً مستحقّاً لما يقبضه (١) جهة تقييدية مأخوذة في الرضا ينتفي بانتفائها في الواقع ، كما في نظائره.

حرمة التصرّف في هاتين الصورتين

وهذان الوجهان ممّا لا إشكال فيه (٢) في حرمة التصرّف في العوضين ، كما أنّه لا إشكال في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد وتقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد.

٣ ـ الرضا بالتصرّف مستقلاً عن العقد

هذه الصورة من المعاطاة بشرطين :

وأمّا إن وقع (٣) الرضا بالتصرّف بعد العقد من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق ولا قصدٍ لإنشاء التمليك (٤) ، بل وقع مقارناً لاعتقاد (٥) الملكية الحاصلة ، بحيث لولاها لكان الرضا أيضاً موجوداً ، وكان المقصود الأصلي من المعاملة التصرّف ، وأوقعا العقد الفاسد وسيلةً له ويكشف عنه أنّه لو سئل كلّ منهما عن رضاه (٦) بتصرّف صاحبه على تقدير عدم التمليك ، أو بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان راضياً فإدخال هذا في المعاطاة يتوقّف على أمرين‌

__________________

(١) في «ف» : لما يستحقّه.

(٢) كلمة «فيه» من «ش» فقط.

(٣) في «ف» : أن يقع.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : تمليك.

(٥) في «ف» : لاعتقاده.

(٦) كذا في «ف» و «ص» ، وفي غيرهما : من رضاه.


أـ كفاية الرضا الارتكازي

الأوّل : كفاية هذا الرضا المركوز في النفس ، بل الرضا الشأني ؛ لأنّ الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكاً في نظره ، وقد صرّح بعض من قارَب عصرنا بكفاية ذلك (١) ، ولا يبعد رجوع الكلام المتقدّم ذكره (٢) إلى هذا ؛ ولعلّه لصدق طيب النفس على هذا الأمر المركوز في النفس.

ب ـ عدم اشتراط الإنشاء بالقبض في المعاطاة

الثاني : أنّه لا يشترط في المعاطاة (٣) إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض ، بل ولا بمطلق الفعل ، بل يكفي وصول كلٍّ من العوضين إلى مالك (٤) الآخر ، والرضا بالتصرّف قبله أو بعده على الوجه المذكور.

وفيه إشكال :

من أنّ ظاهر محلّ النزاع بين العامّة والخاصّة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه قول العلاّمة رحمه‌الله (٥) في ردّ كفاية المعاطاة في البيع ـ : إنّ الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد (٦) ، وكذا استدلال المحقّق الثاني على عدم لزومها ـ : بأنّ الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة (٧) ، وكذا‌

__________________

(١) الظاهر هو المحقّق التستري ، انظر مقابس الأنوار : ١٢٨.

(٢) يعني به ما أفاده السيّد العاملي بقوله : «كما إذا علم الرضا من أوّل الأمر .. إلخ» المتقدّم في الصفحة ١٠٨.

(٣) في «ش» : المباحات.

(٤) كذا في «ف» و «ص» ، وفي غيرهما : المالك.

(٥) في «ف» زيادة : «في التذكرة» ، ولم ترد فيها عبارة الترحيم.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.


ما تقدّم من الشهيد رحمه‌الله في قواعده : من أنّ الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول ، وإنّما يفيد الإباحة (١) ، إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أنّ محلّ الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض ، وكذا كلمات العامّة ، فقد ذكر بعضهم أنّ البيع ينعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي (٢).

ومن أنّ الظاهر أنّ عنوان التعاطي (٣) في كلماتهم لمجرّد الدلالة على الرضا ، وأنّ عمدة الدليل على ذلك هي (٤) السيرة ؛ ولذا تعدّوا إلى ما إذا لم يحصل إلاّ قبض أحد العوضين ، والسيرة موجودة في المقام أيضاً (٥) فإنّ بناء الناس على أخذ الماء والبقل وغير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها (٦) مع عدم حضورهم ووضعهم (٧) الفلوس في الموضع المعدّ له (٨) ، وعلى دخول الحمّام مع عدم حضور صاحبه ووضع الفلوس في كوز الحمامي.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ١٧٨ ، القاعدة ٤٧.

(٢) راجع الصفحة ٢٧.

(٣) في «ف» ونسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : التقابض.

(٤) في «ف» : هو.

(٥) كلمة «أيضاً» من «ف» ومصحّحة «ن».

(٦) في «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» ونسخة بدل «ن» : «أربابهم» ، وفي مصحّحة «ن» و «ص» : «أربابها».

(٧) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «يضعون» ، وفي نسخة بدل أكثرها ما أثبتناه في المتن.

(٨) في مصحّحة «ص» : «لها».


فالمعيار في المعاطاة : وصول (١) المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرّف ، وهذا ليس ببعيد على القول بالإباحة.

__________________

(١) في «ف» ، «خ» و «ع» : «دخول» ، وفي نسخة بدل «ع» : وصول.


[الكلام في عقد البيع]



مقدّمة

في خصوص ألفاظ عقد البيع‌ (١)

اعتبار اللفظ في العقود

كفاية الإشارة مع العجز عن التلفظ

قد عرفت أنّ اعتبار اللفظ في البيع بل في جميع العقود ممّا نقل عليه (٢) الإجماع (٣) وتحقّق فيه الشهرة العظيمة ، مع الإشارة إليه في بعض النصوص (٤) ، لكنّ هذا يختصّ (٥) بصورة القدرة ، أمّا مع العجز عنه كالأخرس ، فمع عدم القدرة على التوكيل لا إشكال ولا خلاف في عدم اعتبار اللفظ وقيام الإشارة مقامه ، وكذا مع القدرة على التوكيل ، لا لأصالة عدم وجوبه كما قيل (٦) لأنّ الوجوب بمعنى الاشتراط‌

__________________

(١) سيأتي ذكر ذي المقدّمة في الصفحة ١٣٠ ، وهو قوله : «إذا عرفت هذا فلنذكر ألفاظ الإيجاب والقبول ..».

(٢) في غير «ف» و «ش» زيادة : «عقد» ، إلاّ أنّه شطب عليه في «ن».

(٣) تقدّم عن السيّد ابن زهرة في الصفحة ٢٩ ، وعن المحقّق الكركي في الصفحة ٥٧.

(٤) نحو قوله عليه‌السلام : «إنّما يُحلّل الكلام ويحرّم الكلام» ، الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب العقود ، الحديث ٤ ، وغير ذلك ، وراجع الصفحة ٦٢ ٦٣.

(٥) في «ف» : مختصّ.

(٦) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٤.


كما فيما نحن فيه هو الأصل ، بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس (١) ، فإنّ حمله على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب.

ثمّ لو قلنا : بأنّ الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها الملكيّة (٢) ، فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ.

كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة

والظاهر أيضاً : كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة ؛ لفحوى ما ورد من النصّ على جوازها في الطلاق (٣) ، مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه. وأمّا مع القدرة على الإشارة فقد رجّح بعض (٤) الإشارة ؛ ولعلّه لأنّها أصرح في الإنشاء من الكتابة. وفي بعض روايات الطلاق ما يدلّ على العكس (٥) ، وإليه ذهب الحلّي رحمه‌الله هناك (٦).

الخصوصيات المعتبرة في ألفاظ العقود

ثمّ الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللفظ :

تارةً يقع في موادّ الألفاظ من حيث إفادة المعنى بالصراحة‌

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٢٩٩ ، الباب ١٩ من أبواب الطلاق.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : للملكية.

(٣) الوسائل ١٥ : ٢٩٩ ، الباب ١٩ من أبواب الطلاق ، الحديث الأوّل.

(٤) كالشيخ الكبير كاشف الغطاء ، انظر شرحه على القواعد (مخطوط) : الورقة ٤٩.

(٥) مثل صحيحة البزنطي المشار إليها في الهامش ٣.

(٦) السرائر ٢ : ٦٧٨.


والظهور والحقيقة والمجاز والكناية ، ومن حيث اللغة المستعملة في معنى المعاملة (١).

وأُخرى في هيئة كلٍّ من الإيجاب والقبول ، من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعليّة ، وكونه بالماضي.

وثالثة في هيئة تركيب الإيجاب والقبول من حيث الترتيب والموالاة.

المشهور عدم جواز الإنشاء بالألفاظ الكنائية والمجازية

أمّا الكلام من حيث المادّة ، فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات.

قال في التذكرة : الرابع من شروط الصيغة : التصريح (٢) ، فلا يقع بالكناية بيعٌ البتّة ، مثل قوله : أدخلته في ملكك ، أو جعلته لك ، أو خذه منّي بكذا (٣) ، أو سلّطتك عليه بكذا ؛ عملاً بأصالة بقاء الملك ، ولأنّ المخاطب لا يدري بِمَ خوطب (٤) ، انتهى.

وزاد في غاية المراد على الأمثلة مثل (٥) قوله (٦) : «أعطيتكه بكذا» أو «تسلّط عليه بكذا» (٧).

__________________

(١) لم ترد عبارة «ومن حيث اللغة المستعملة في معنى المعاملة» في «ف».

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الصريح.

(٣) من «ش» والمصدر.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٥) لم ترد «مثل» في «ف».

(٦) في «ش» : قولك.

(٧) لم يزد إلاّ مثالاً واحداً وهو : «أعطيتك إيّاه بكذا» ، انظر غاية المراد : ٨١.


وربما يبدّل هذا باشتراط الحقيقة في الصيغة ، فلا ينعقد بالمجازات ، حتى صرّح بعضهم : بعدم الفرق بين المجاز القريب والبعيد (١).

والمراد بالصريح كما يظهر من جماعة من الخاصّة (٢) والعامّة (٣) في باب الطلاق ، وغيره ـ : ما كان موضوعاً لعنوان (٤) ذلك العقد لغةً أو شرعاً ، ومن الكناية : ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع ، فيفيد إرادة نفسه بالقرائن ، وهي على قسمين عندهم : جليّة وخفيّة.

الظاهر جواز الإنشاء بكل لفظ له ظهور عرفي في المعنى المقصود

والذي يظهر من النصوص المتفرّقة في أبواب العقود اللازمة (٥) والفتاوي المتعرّضة لصيغها في البيع بقولٍ مطلق وفي بعض أنواعه وفي غير البيع من العقود اللازمة (٦) ، هو : الاكتفاء بكلّ لفظٍ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود ، فلا فرق بين قوله : بعت وملّكت ، وبين قوله : نقلت إلى ملكك ، أو جعلته ملكاً لك بكذا ، وهذا هو الذي قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين.

__________________

(١) حكى ذلك السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٤٩) عن أُستاذه الشريف السيّد الطباطبائي (بحر العلوم) ، وصرّح بعدم الفرق أيضاً صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٤٩.

(٢) منهم فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٣ : ١٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٥ : ١٧٢.

(٣) انظر المغني ٦ : ٥٣٢ (فصل انعقاد النكاح وألفاظه) ، و ٧ : ١٢١ (باب ألفاظ الطلاق).

(٤) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : بعنوان.

(٥) منها ما تقدّمت الإشارة إليها في المعاطاة ، راجع الصفحة ٥٩ ، الهامش ٨.

(٦) سيأتي نصّ فتاوى بعضهم.


وحكي عن جماعة ممّن تقدّمهم كالمحقّق على ما حكي عن تلميذه كاشف الرموز ، أنّه حكى عن شيخه المحقّق ـ : أنّ عقد البيع لا يلزم فيه لفظٌ مخصوص ، وأنّه اختاره أيضاً (١).

ظهور كلمات الفقهاء في وقوع البيع بكل لفظ يدل عليه

وحكي عن الشهيد رحمه‌الله في حواشيه : أنّه جوّز البيع بكلّ لفظ دلّ عليه ، مثل : «سلّمت (٢) إليك» ، و «عاوضتك» (٣). وحكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين (٤).

بل هو ظاهر العلاّمة رحمه‌الله في التحرير ، حيث قال : إنّ الإيجاب اللفظ الدالّ على النقل ، مثل : «بعتك» أو «ملّكتك» ، أو ما يقوم مقامهما (٥).

ونحوه المحكيّ عن التبصرة والإرشاد (٦) وشرحه لفخر الإسلام (٧).

فإذا كان الإيجاب هو اللفظ الدالّ على النقل ، فكيف لا ينعقد بمثل «نقلته إلى ملكك» ، أو «جعلته ملكاً لك بكذا»؟! بل ربما‌

__________________

(١) كشف الرموز ١ : ٤٤٦.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : أسلمت.

(٣) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٠.

(٤) المسالك ٣ : ١٤٧ ، وقد تقدّمت ترجمة الشخص المذكور في الصفحة ٣٧ ، الهامش ٦.

(٥) التحرير ١ : ١٦٤.

(٦) كذا حكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٠ ، لكنّ الموجود فيهما لا يوافقه ، انظر التبصرة : ٨٨ ، والإرشاد ١ : ٣٥٩.

(٧) شرح الإرشاد (مخطوط) ، لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٠.


يدّعى (١) : أنّه ظاهر كلّ من أطلق اعتبار الإيجاب والقبول فيه من دون ذكر لفظ خاصٍّ ، كالشيخ (٢) وأتباعه (٣) ، فتأمّل (٤).

وقد حكي عن الأكثر : تجويز البيع حالاّ بلفظ السلم (٥).

وصرّح جماعة أيضاً في بيع «التولية» : بانعقاده بقوله : «ولّيتك العقد» (٦) أو «ولّيتك السلعة» (٧) ، والتشريك في المبيع بلفظ : «شرّكتك» (٨).

وعن المسالك في مسألة تقبّل (٩) أحد الشريكين في النخل حصّة صاحبه بشي‌ءٍ معلومٍ من الثمرة ـ : أنّ ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبيل (١٠) ، مع أنّه لا يخرج عن البيع أو الصلح أو معاملة ثالثة لازمة‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : قد يدّعى.

(٢) انظر الخلاف ٣ : ٧ ، كتاب البيوع ، المسألة ٦.

(٣) انظر المراسم : ١٧١ ، المهذّب ١ : ٣٥٠ ، الوسيلة : ٢٣٦.

(٤) لم يرد «فتأمّل» إلاّ في «ف» و «ش» ونسخة بدل «ن».

(٥) حكاه الشهيد الثاني قدس‌سره في المسالك ٣ : ٤٠٥.

(٦) ممّن صرّح بذلك العلاّمة قدس‌سره في التذكرة ١ : ٥٤٥ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ٢٢١ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٣١٣ ، والروضة ٣ : ٤٣٦.

(٧) لم نقف على من صرّح بانعقاده بهذه الصيغة ، إلاّ أنّ الشهيدين قالا : ولو قال : ولّيتك السلعة ، احتمل الجواز ، انظر الدروس ٣ : ٢٢١ ، والمسالك ٣ : ٣١٤.

(٨) صرّح به الشهيدان في الدروس ٣ : ٢٢١ ، واللمعة وشرحها (الروضة البهيّة) ٣ : ٤٣٦ ٤٣٧.

(٩) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : تقبيل.

(١٠) المسالك ٣ : ٣٧٠.


عند جماعة (١).

هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع.

ظهور كلمات الفقهاء في وقوع غير البيع بكل لفظ يدل عليه أيضا

وأمّا في غيره ، فظاهر جماعة (٢) في القرض عدم اختصاصه بلفظٍ خاصّ ، فجوّزوه بقوله : «تصرّف فيه أو انتفع به وعليك ردّ عوضه» ، أو «خُذْه بمثله» ، و «أسلفتك» ، وغير ذلك ممّا عدّوا مثله في البيع من الكنايات ، مع أنّ القرض من العقود اللازمة على حسب لزوم البيع والإجارة.

وحكي عن جماعة (٣) في الرهن : أنّ إيجابه يؤدّي بكلّ لفظٍ يدلّ عليه ، مثل قوله : «هذه وثيقة عندك» ، وعن الدروس تجويزه بقوله : «خذه» ، أو «أمسكه بمالك» (٤).

وحكي عن غير واحد (٥) : تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ «تعهّدت المال» و «تقلّدته» ، وشبه ذلك.

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٣٦٨ ، ونسبه في المسالك ٣ : ٣٧٠ إلى ظاهر الأصحاب ، وفي مفتاح الكرامة (٤ : ٣٩١) نسبه إلى صريح جماعة.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ٦٧ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٥٦ ، والشهيدان في الدروس ٣ : ٣١٨ والمسالك ٣ : ٤٤٠.

(٣) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ٧٥ ، والعلاّمة في التحرير ١ : ٢٠١ ، والشهيدان في اللمعة وشرحها (الروضة البهية) ٤ : ٥٤ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٠٧.

(٤) الدروس ٣ : ٣٨٣.

(٥) مثل العلاّمة في التذكرة ٢ : ٨٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ١٨٣ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٣٥١ ، وأُنظر المناهل : ١١٢.


وقد (١) ذكر المحقّق (٢) وجماعة ممّن تأخّر عنه (٣) : جواز الإجارة بلفظ العارية ؛ معلّلين بتحقّق القصد. وتردّد جماعة (٤) في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة.

وقد ذكر جماعة (٥) : جواز المزارعة بكلّ لفظٍ يدلّ على تسليم الأرض للمزارعة ، وعن مجمع البرهان (٦) كما في غيره (٧) ـ : أنّه لا خلاف في جوازها بكلّ لفظٍ يدلّ على المطلوب ، مع كونه ماضياً ، وعن المشهور : جوازها بلفظ «ازرع» (٨).

وقد جوّز جماعة (٩) : الوقف بلفظ : «حرّمت» و «تصدّقت» مع‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : ولقد.

(٢) الشرائع ٢ : ١٧٩.

(٣) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٩ ، لكن قيّده بانضمام شي‌ء يدلّ على الإجارة ، وصاحب الروض على ما نقله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٧٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٧ : ٢٠٥.

(٤) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ١٧٩ ، والشهيد في اللمعة الدمشقية : ١٦٢.

(٥) كالمحقّق في الشرائع ٢ : ١٤٩ ، والعلاّمة في التذكرة ٢ : ٣٣٧ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٢٩٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٧ : ٣.

(٦) مجمع الفائدة ١٠ : ٩٦.

(٧) مفتاح الكرامة ٧ : ٢٩٩.

(٨) الروضة البهية ٤ : ٢٧٦.

(٩) كالمحقّق في الشرائع ٢ : ٢١١ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٦ ، والشهيدين في اللمعة وشرحها (الروضة البهية) ٣ : ١٦٤ ، والمسالك ٥ : ٣١٠ ، وانظر مفتاح الكرامة ٩ : ٥.


القرينة الدالّة على إرادة الوقف ، مثل : «أن لا يباع ولا يورّث» ، مع عدم الخلاف كما عن غير واحد (١) على أنّهما من الكنايات.

وجوّز جماعة (٢) : وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتّع مع أنّه ليس صريحاً فيه.

ومع هذه الكلمات ، كيف يجوز أن يسند (٣) إلى العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له ، وأنّه لا يجوز بالألفاظ المجازية؟! خصوصاً مع تعميمها للقريبة (٤) والبعيدة (٥) كما تقدّم عن بعض المحقّقين (٦).

جمع المحقّق الكركي بين كلمات الفقهاء

ولعلّه لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازيّة في العقود اللازمة ، مع ما عرفت منهم من الاكتفاء في أكثرها بالألفاظ الغير الموضوعة لذلك العقد ، جمع المحقّق الثاني على ما حكي عنه في باب السلَم والنكاح بين كلماتهم بحمل المجازات‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٥ : ٣١٠ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ١٧ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٨ : ٣.

(٢) منهم المحقّق في المختصر : ١٦٩ ، والشرائع ٢ : ٢٧٣ ، وفيه بعد التردّد : وجوازه أرجح ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٤ ، والإرشاد ٢ : ٦ ، والشهيد في اللمعة : ١٨٤.

(٣) في غير «ص» و «ش» : «يستند» ، وصُحّح في «ن» بما في المتن.

(٤) في «خ» ، «م» و «ع» : للقرينة.

(٥) لم ترد «والبعيدة» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٦) تقدّمت حكايته عن العلاّمة بحر العلوم في الصفحة ١٢٠.


الأحسن في وجه الجمع

الممنوعة على المجازات البعيدة (١) ، وهو جمع حسن ، ولعلّ الأحسن منه (٢) : أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية ، سواء كان اللفظ الدالّ على إنشاء العقد موضوعاً له بنفسه أو مستعملاً فيه مجازاً بقرينة لفظ موضوع آخر ، ليرجع الإفادة بالأخرة إلى الوضع ؛ إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة بين إفادة لفظٍ للمطلب بحكم الوضع ، أو إفادته له بضميمة لفظٍ آخر يدلّ بالوضع على إرادة المطلب من ذلك اللفظ.

وهذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد ؛ فإنّ الاعتماد عليه في متفاهم (٣) المتعاقدين وإن كان من المجازات القريبة جدّاً رجوع عمّا بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد ؛ ولذا لم يجوّزوا العقد بالمعاطاة ولو مع سبق مقالٍ أو اقتران حالٍ تدلّ (٤) على إرادة البيع جزماً.

الإشكال في الاعتماد على القرائن الحاليّة

وممّا ذكرنا يظهر الإشكال في الاقتصار على المشترك اللفظي اتّكالاً على القرينة الحاليّة المعيّنة ، وكذا المشترك المعنوي.

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٤٩ ، وانظر جامع المقاصد ٤ : ٢٠٧ ٢٠٨ و ١٢ : ٧٠.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وكذا في «ش» لكن بدون «لعلّ» ، وفي سائر النسخ : ولعلّ الأولى أن يراد.

(٣) في «ف» : تفاهم.

(٤) في «ص» : يدلّ.


رجوع استدلال التذكرة إلى ما ذكرناه

ويمكن أن ينطبق على ما ذكرنا الاستدلال المتقدّم في عبارة التذكرة بقوله قدس‌سره : «لأنّ المخاطب لا يدري بِمَ خوطب» (١) ؛ إذ ليس المراد : أنّ المخاطب لا يفهم منها المطلب ولو بالقرائن الخارجية ، بل المراد أنّ الخطاب بالكناية لمّا لم يدلّ على المعنى المنشأ ما لم يقصد الملزوم ؛ لأنّ اللازم الأعمّ ، كما هو الغالب بل المطّرد في الكنايات ، لا يدلّ على الملزوم ما لم يقصد المتكلّم خصوص الفرد المجامع (٢) مع الملزوم الخاص فالخطاب في نفسه محتمل ، لا يدري المخاطب بِمَ خوطب ، وإنّما يفهم المراد بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلّم.

والمفروض على ما تقرّر في مسألة المعاطاة (٣) أنّ النيّة بنفسها أو مع انكشافها بغير الأقوال لا تؤثّر في النقل والانتقال ، فلم يحصل هنا عقدٌ لفظيٌّ يقع التفاهم به ، لكن هذا الوجه (٤) لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية.

دعوى أن العقود أسباب شرعية توقيفية

ثمّ إنّه ربما يدّعى : أنّ العقود المؤثّرة في النقل والانتقال أسباب شرعيّة توقيفيّة ، كما حكي عن الإيضاح من أنّ كلّ عقدٍ لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء (٥) ، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١١٩.

(٢) في «خ» ، «م» و «ش» : الجامع.

(٣) تقدّم في الوجه الأوّل من الوجوه الأربعة في معنى قوله عليه‌السلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» في الصفحة ٦١.

(٤) شطب في «ف» على «الوجه» وكتب فوقه : التوجيه.

(٥) إيضاح الفوائد ٣ : ١٢.


وهو كلام لا محصّل له عند مَن لاحظ فتاوى العلماء ، فضلاً عن الروايات المتكثّرة الآتية (١) بعضها.

تفسير كلام الفخر : «أنّ لكلّ عقد لازم صيغة تخصّه شرعاً»

وأمّا ما ذكره الفخر قدس‌سره ، فلعلّ المراد فيه من الخصوصيّة المأخوذة في الصيغة شرعاً ، هي : اشتمالها على العنوان المعبّر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع ، فإذا كانت (٢) العلاقة الحادثة بين الرجل والمرأة معبّراً عنها في كلام الشارع بالنكاح ، أو الزوجيّة ، أو المتعة ، فلا بدّ من اشتمال عقدها على هذه العناوين ، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك ، وهكذا الكلام في العقود المنشأة للمقاصد الأُخر كالبيع والإجارة ونحوهما.

فخصوصيّة اللفظ من حيث اعتبار اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة في لسان الشارع ، أو ما يرادفها (٣) لغةً أو عرفاً ؛ لأنّها بهذه العنوانات موارد للأحكام (٤) الشرعية التي لا تحصى.

وجوب إيقاع العقد بالعناوين الدائرة في لسان الشارع

وعلى هذا ، فالضابط : وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في لسان الشارع ؛ إذ لو وقع بإنشاء غيرها ، فإن كان (٥) لا مع قصد تلك العناوين كما لو لم تقصد المرأة إلاّ هبة نفسها أو إجارة نفسها مدّة للاستمتاع (٦) لم يترتّب عليه الآثار المحمولة في الشريعة على الزوجيّة‌

__________________

(١) في «ص» ومصحّحة «خ» : الآتي.

(٢) في غير «ش» : كان.

(٣) في «ف» : أو بما يرادفها.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : الأحكام.

(٥) كذا في «ن» ، وفي غيرها كانت.

(٦) كذا في «ف» ، وفي غيرها : مدّة الاستمتاع.


الدائمة أو المنقطعة ، وإن كان (١) بقصد هذه العناوين دخلت في الكناية التي عرفت أنّ تجويزها رجوع إلى عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال.

فما ذكره الفخر قدس‌سره (٢) مؤيّد لِما ذكرناه واستفدناه من كلام والده قدس‌سره (٣).

إشارة بعض الفقهاء إلى ما ذكره الفخر

وإليه يشير أيضاً ما عن جامع المقاصد : من أنّ العقود متلقّاة من الشارع ، فلا ينعقد عقدٌ بلفظٍ آخر ليس من جنسه (٤).

وما عن المسالك : من أنّه يجب الاقتصار في العقود اللازمة على الألفاظ المنقولة شرعاً المعهودة لغةً (٥) ، ومراده من «المنقولة (٦) شرعاً» ، هي : المأثورة في كلام الشارع.

وعن كنز العرفان في باب النكاح ـ : أنّه حكمٌ شرعيٌّ حادث فلا بدّ له من دليلٍ يدلّ على حصوله ، وهو العقد اللفظيّ المتلقّى من النصّ. ثمّ ذكر لإيجاب النكاح ألفاظاً (٧) ثلاثة ، وعلّلها بورودها في القرآن (٨).

__________________

(١) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي النسخ : كانت.

(٢) وهو قوله : «كلّ عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة» المتقدّم في الصفحة ١٢٧.

(٣) يعني كلامه في التذكرة : «لأنّ المخاطب لا يدري بِمَ خوطب» المتقدّم في الصفحة ١٢٧.

(٤) جامع المقاصد ٧ : ٨٣.

(٥) المسالك ٥ : ١٧٢.

(٦) في غير «ف» : بالمنقولة.

(٧) كذا في «ش» ، وفي «ص» : «ثلاثة ألفاظ» ، وفي سائر النسخ : ألفاظ ثلاثة.

(٨) كنز العرفان ٢ : ١٤٦.


ولا يخفى أنّ تعليله هذا كالصريح فيما ذكرناه (١) : من تفسير (٢) توقيفيّة العقود ، وأنّها متلقّاة من الشارع ، ووجوب الاقتصار على المتيقّن.

ومن هذا الضابط تقدر على تمييز (٣) الصريح المنقول شرعاً المعهود لغةً من الألفاظ المتقدّمة في أبواب العقود المذكورة من غيره. وأنّ الإجارة بلفظ العارية غير جائزة ، وبلفظ بيع المنفعة أو السكنى مثلاً لا يبعد جوازه ، وهكذا.

ألفاظ الإيجاب

إذا عرفت هذا ، فلنذكر ألفاظ الإيجاب والقبول :

الإيجاب بلفظ «بعت»

منها : لفظ «بعت» في الإيجاب ، ولا خلاف فيه فتوًى ونصّاً ، وهو وإن كان من الأضداد بالنسبة إلى البيع والشراء ، لكن كثرة استعماله في وقوع البيع تعيّنه (٤).

الإيجاب بلفظ «شريت»

ومنها (٥) : لفظ «شريت» (٦) ‌لوضعه له ، كما يظهر من المحكي عن بعض أهل اللغة (٧) ، بل قيل : لم يستعمل في القرآن الكريم إلاّ في البيع (٨).

__________________

(١) انظر الصفحة ١٢٧ ١٢٩.

(٢) لم ترد «تفسير» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : تميّز.

(٤) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وكذا في «ش» مع زيادة «به» بعد «البيع» ؛ وفي سائر النسخ : لكن كثرة استعماله في البيع وصلت إلى حدّ تغنيها عن القرينة.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : وأمّا.

(٦) في غير «ف» و «ش» زيادة : فلا إشكال في وقوع البيع به.

(٧) انظر الصحاح ٦ : ٢٣٩١ ، ولسان العرب ٧ : ١٠٣ ، والقاموس المحيط ٤ : ٣٤٧.

(٨) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٣.


وعن القاموس : شراه يشريه : ملكه (١) بالبيع وباعه ، كاشترى (٢) فيهما (٣) ضدّ. وعنه أيضاً : كلّ من ترك شيئاً وتمسّك بغيره فقد اشتراه (٤).

وربما يستشكل فيه : بقلّة استعماله عرفاً في البيع ، وكونه محتاجاً إلى القرينة المعيِّنة ، وعدم نقل الإيجاب به في الأخبار وكلام القدماء.

ولا يخلو عن وجه.

الإيجاب بلفظ «ملّكت»

ومنها : لفظ «ملّكت» بالتشديد‌ والأكثر على وقوع البيع به ، بل ظاهر نكت الإرشاد الاتّفاق ؛ حيث قال : إنّه لا يقع البيع بغير اللفظ المتّفق عليه ك‍ «بعت» و «ملّكت» (٥).

الاستدلال على وقوع البيع بلفظ «ملّكت»

ويدلّ عليه (٦) : ما سبق في تعريف البيع ، من أنّ التمليك بالعوض المنحلّ إلى مبادلة العين بالمال هو المرادف للبيع عرفاً ولغةً ، كما صرّح به فخر الدين ، حيث قال : إنّ معنى «بعت» في لغة العرب : ملّكت غيري (٧).

وما قيل (٨) : من أنّ التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها. فيه : أنّ الهبة إنّما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض ،

__________________

(١) في «ف» : إذا ملكه.

(٢) كذا في «ن» والمصدر ، وفي «ش» : «كاشتراه» ، وفي سائر النسخ : واشتراه.

(٣) كذا في «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فهما.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٣٤٧ ٣٤٨ ، مادّة : «شرى».

(٥) غاية المراد : ٨٠.

(٦) في «ف» : عليها.

(٧) قاله في شرح الإرشاد ، على ما حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٢.

(٨) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهية ٣ : ٤١٣.


لا من مادّة التمليك ، فهي مشتركة معنىً بين ما يتضمّن المقابلة وبين المجرّد عنها ، فإن اتّصل بالكلام ذِكر العوض أفاد المجموع المركّب بمقتضى الوضع التركيبي البيع ، وإن تجرّد عن ذكر العوض اقتضى تجريده الملكيّة المجانيّة.

وقد عرفت سابقاً : أنّ تعريف البيع بذلك تعريف بمفهومه الحقيقي ، فلو أراد منه الهبة المعوّضة أو قصد المصالحة ، بنى صحّة العقد به على صحّة عقد بلفظ غيره مع النيّة.

ويشهد لما ذكرنا قول فخر الدين في شرح الإرشاد : إنّ معنى «بعت» في لغة العرب ملّكت غيري (١).

الإيجاب بـ «اشتريت»

وأمّا الإيجاب ب «اشتريت» ، ففي مفتاح الكرامة : أنّه قد يقال بصحّته ، كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة ، والمنقول عنها في نسختين من تعليق الإرشاد (٢).

أقول : وقد يستظهر ذلك (٣) من عبارة كلِّ من عطف على «بعت» و «ملّكت» ، شبههما أو ما يقوم مقامهما (٤) ؛ إذ إرادة خصوص لفظ «شريت» من هذا بعيد جدّاً ، وحمله على إرادة ما يقوم مقامهما في اللّغات الأُخر للعاجز عن العربية أبعد ، فيتعيّن (٥) إرادة ما يرادفهما لغةً‌

__________________

(١) تقدّم آنفاً.

(٢) مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٠.

(٣) لم ترد «ذلك» في «ف».

(٤) مثل العلاّمة في التحرير ١ : ١٦٤ ، والشهيد في غاية المراد : ٨٠.

(٥) في «ف» : فتعيّن.


أو عرفاً ، فيشمل «شريت» و «اشتريت» ، لكنّ الإشكال المتقدّم (١) في «شريت» أولى بالجريان هنا ؛ لأنّ «شريت» استعمل في القرآن الكريم في البيع ، بل لم يستعمل فيه إلاّ فيه ، بخلاف «اشتريت».

ودفع (٢) الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة تقديمه الدالّ على كونه إيجاباً إمّا بناءً على لزوم تقديم الإيجاب على القبول ، وإمّا لغلبة ذلك غير صحيح ؛ لأنّ الاعتماد على القرينة الغير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت ما فيه (٣) ، إلاّ أن يدّعى أنّ ما ذكر سابقاً من اعتبار الصراحة مختصّ بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد ، وتميّزه عمّا عداه من العقود.

وأمّا تميّز إيجاب عقد معيّن عن قبوله الراجع إلى تميّز البائع عن المشتري فلا يعتبر فيه الصراحة ، بل يكفي استفادة المراد ، ولو بقرينة المقام أو غلبته (٤) أو نحوهما (٥) ، وفيه إشكال.

ألفاظ القبول

وأمّا القبول ، فلا ينبغي الإشكال في وقوعه بلفظ «قبلت» و «رضيت» و «اشتريت» و «شريت» و «ابتعت» و «تملّكت» و «ملكت» مخفّفاً.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة المتقدّمة بقوله : وربما يستشكل فيه بقلّة استعماله عرفاً في البيع.

(٢) كلمة «دفع» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٣) أشار بذلك إلى ما ذكره في الصفحة ١٢٦ من قوله : فإنّ الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين رجوع عمّا بنى عليه ..

(٤) في «ف» : بغلبته.

(٥) في «ف» ، «ن» و «ش» : ونحوها.


القبول بلفظ «بعت»

وأمّا «بعت» ، فلم ينقل إلاّ من الجامع (١) ، مع أنّ المحكيّ عن جماعة من أهل اللغة : اشتراكه بين البيع والشراء (٢) ، ولعلّ الإشكال فيه كإشكال «اشتريت» في الإيجاب.

واعلم أنّ المحكيّ عن نهاية الإحكام والمسالك : أنّ الأصل في القبول «قبلت» ، وغيره بدل ؛ لأنّ القبول على الحقيقة ممّا لا يمكن به الابتداء (٣) ، والابتداء بنحو «اشتريت» و «ابتعت» ممكن ، وسيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الإيجاب (٤).

القبول بلفظ الإمضاء والإجازة وشبههما

ثمّ إنّ في انعقاد القبول بلفظ الإمضاء والإجازة والإنفاذ وشبهها ، وجهين.

«فرع»

لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة ثمّ اختلفا

لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب والقبول ، ثمّ اختلفا في تعيين الموجب والقابل إمّا بناءً على جواز تقديم القبول ، وإمّا من جهة اختلافهما في المتقدّم فلا يبعد الحكم بالتحالف ، ثمّ عدم ترتّب الآثار المختصّة بكلٍّ من البيع والاشتراء على واحدٍ منهما.

__________________

(١) نقله عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٢ ، لكنّ الموجود في الجامع : «ابتعت» ، انظر الجامع للشرائع : ٢٤٦.

(٢) انظر الصحاح ٣ : ١١٨٩ ، والمصباح المنير : ٦٩ ، والقاموس ٣ : ٨ ، مادّة : «بيع».

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٣ ، وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٨ ، والمسالك ٣ : ١٥٤.

(٤) يأتي في الصفحة ١٤٣ و ١٤٨.


مسألة

هل تعتبر العربية في العقد؟

المحكيّ عن جماعة ، منهم : السيّد عميد الدين (١) والفاضل المقداد (٢) والمحقّق (٣) والشهيد (٤) الثانيان : اعتبار العربيّة في العقد ؛ للتأسّي كما في جامع المقاصد ولأنّ عدم صحّته بالعربي الغير الماضي يستلزم عدم صحّته بغير العربي بطريقٍ أولى.

وفي الوجهين ما لا يخفى.

وأضعف منهما : منع صدق العقد على غير العربي (٥).

فالأقوى صحّته بغير العربي.

الأقوى اعتبار عدم اللحن

وهل يعتبر عدم اللحن من حيث المادّة والهيئة ، بناءً على اشتراط العربي؟ الأقوى ذلك ؛ بناءً على أنّ دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقّن من أسباب النقل ، وكذا اللحن في الإعراب.

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في حواشيه ، على ما في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٢.

(٢) التنقيح الرائع ٢ : ١٨٤ ، وكنز العرفان ٢ : ٧٢.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.

(٤) الروضة البهية ٣ : ٢٢٥.

(٥) في غير «ف» زيادة : مع التمكّن من العربي.


وحكي عن فخر الدين : الفرق بين ما لو قال : «بَعتك» بفتح الباء وبين ما لو قال : «جوّزتك» بدل «زوّجتك» ، فصحّح الأوّل دون الثاني إلاّ مع العجز عن التعلّم (١) والتوكيل (٢).

ولعلّه لعدم معنى صحيح في الأوّل إلاّ البيع ، بخلاف التجويز (٣) ؛ فإنّ له معنىً آخر ، فاستعماله في التزويج غير جائز.

إيقاع العقد باللغات المحرّفة هل تعتبر عربية جميع أجزاء العقد؟

ومنه يظهر أنّ اللغات المحرّفة لا بأس بها إذا لم يتغيّر بها المعنى.

ثمّ هل المعتبر (٤) عربية جميع أجزاء الإيجاب والقبول ، كالثمن والمثمن ، أم يكفي عربية الصيغة الدالّة على إنشاء الإيجاب والقبول ، حتى لو (٥) قال : «بعتك اين كتاب را به ده درهم» كفى؟ الأقوى (٦) هو الأوّل ؛ لأنّ غير العربي كالمعدوم ، فكأنه لم يذكر في الكلام.

نعم ، لو لم يعتبر ذكر متعلّقات الإيجاب كما لا يجب في القبول واكتفي بانفهامها ولو من غير اللفظ ، صحّ الوجه الثاني (٧) ، لكنّ‌

__________________

(١) في «ف» : العلم.

(٢) حكاه الشهيد عن فخر الدين على ما في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٣.

(٣) في «ف» : بخلاف الثاني.

(٤) في «ف» : هل يعتبر.

(٥) لم ترد «لو» في النسخ ، إلاّ أنّها زيدت في «ش» و «ص» تصحيحاً.

(٦) في غير «ف» : والأقوى.

(٧) في غير «ش» : «الأوّل» ، إلاّ أنّه صُحّح في بعضها بما في المتن ، والظاهر أنّ الكلمة وردت في النسخة الأصلية هكذا : «الأوّل» ، فإنّ الفاضل المامقاني قال بعد أن أثبتها ـ : الظاهر هو «الثاني» بدل «الأوّل» ، وكأنّه سهو من قلم الناسخ. وقال الشهيدي : أقول : الصواب «الثاني» بدل «الأوّل» كما لا يخفى ، انظر غاية الآمال : ٢٣٩ ، وشرح الشهيدي (هداية الطالب) : ١٩١.


الشهيد رحمه‌الله في غاية المراد في مسألة تقديم القبول نصّ على وجوب ذكر العوضين في الإيجاب (١).

هل يعتبر العلم التفصيلي بمعنى اللفظ في العقد؟

ثمّ إنّه هل يعتبر كون المتكلّم عالماً تفصيلاً بمعنى اللفظ ، بأن يكون فارقاً بين معنى «بعت» و «أبيع» و «أنا بائع» ، أو يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ الظاهر هو الأوّل ؛ لأنّ عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام ، بل بقصد (٢) المتكلّم منه المعنى الذي وضع له عند العرب ، فلا يقال : إنّه تكلّم وادّى المطلب على طبق لسان العرب ، إلاّ إذا ميّز بين معنى «بعت» و «أبيع» و «أوجدت البيع» وغيرها.

بل على هذا لا يكفي (٣) معرفة أنّ «بعت» مرادف لقوله : «فروختم» ، حتى يعرف أنّ الميم في الفارسي عوض تاء المتكلّم ، فيميّز بين «بعتك» و «بعتُ» بالضمّ و «بعتَ» بفتح التاء فلا ينبغي ترك الاحتياط وإن كان في تعيّنه نظر (٤) ؛ ولذا نصّ بعضٌ (٥) على عدمه.

__________________

(١) انظر غاية المراد : ٨٠.

(٢) كذا في «ن» ، «خ» و «م» ، وفي سائر النسخ : يقصد.

(٣) في غير «ش» ومصحّحة «ص» : يكتفى.

(٤) في «ف» : في تعيينه نظراً.

(٥) لم نعثر عليه.


مسألة

هل تعتبر الماضوية في العقد؟

المشهور كما عن غير واحد (١) ـ : اشتراط الماضويّة ، بل في التذكرة : الإجماع على عدم وقوعه بلفظ «أبيعك» أو «اشترِ منّي» (٢) ولعلّه لصراحته في الإنشاء ؛ إذ المستقبل أشبه بالوعد ، والأمر استدعاء لا إيجاب ، مع أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

وعن القاضي في الكامل والمهذّب (٣) : عدم اعتبارها ؛ ولعلّه لإطلاق البيع والتجارة وعموم العقود ، وما دلّ في بيع الآبق (٤) واللّبن في الضرع (٥) : من الإيجاب بلفظ المضارع ، وفحوى ما دلّ عليه‌

__________________

(١) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٥ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٩ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٢.

(٢) في التذكرة : «أشتري» بدل «اشتر منّي» ، انظر التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٣) حكاه عنهما العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٣. أمّا الكامل فلا يوجد لدينا. وأمّا المهذّب فلم نقف فيه على ما يدلّ على المطلب.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٢٦٢ ، الباب ١١ من أبواب أحكام العقد.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٥٩ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقد.


في النكاح (١).

الأقوى عدم اعتبار الماضوية

ولا يخلو هذا من قوّة لو فرض صراحة المضارع في الإنشاء على وجهٍ لا يحتاج إلى قرينة المقام ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ١٩٧ ، الباب الأوّل من أبواب عقد النكاح ، الحديث ١٠. و ٤٦٦ ، الباب ١٨ من أبواب المتعة ، وغيرهما من الأبواب.


مسألة

هل يعتبر تقديم الإيجاب على القبول‌؟ الاستدلال على الاعتبار

الأشهر كما قيل (١) ـ : لزوم تقديم الإيجاب على القبول ، وبه صرّح في الخلاف (٢) والوسيلة (٣) والسرائر (٤) والتذكرة (٥) ، كما عن الإيضاح (٦) وجامع المقاصد (٧) ؛ ولعلّه للأصل (٨) بعد حمل آية وجوب الوفاء (٩) على العقود المتعارفة ، كإطلاق «البيع» و «التجارة» في الكتاب والسنّة.

وزاد بعضهم : أنّ القبول فرع الإيجاب فلا يتقدّم عليه ، وأنّه تابع‌

__________________

(١) قاله العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.

(٣) الوسيلة : ٢٣٧.

(٤) السرائر ٢ : ٢٤٣.

(٥) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٣.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٦٠.

(٨) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الأصل.

(٩) وهي قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، المائدة : ١.


له فلا يصحّ تقدّمه عليه (١).

وحكى في (٢) غاية المراد عن الخلاف : الإجماع عليه (٣) ، وليس في الخلاف في هذه المسألة إلاّ أنّ البيع مع تقديم (٤) الإيجاب متّفق عليه فيؤخذ به ، فراجع (٥).

جواز تقديم القبول عند جماعة

خلافاً للشيخ في المبسوط في باب النكاح ، وإن وافق الخلاف في البيع (٦) إلاّ أنّه عدل عنه في باب النكاح ، بل ظاهر كلامه عدم الخلاف في صحّته بين الإمامية ؛ حيث إنّه بعد ما ذكر أنّ تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح بأن يقول الرجل : «زوّجني فلانة» جائز بلا خلاف قال : أمّا البيع ، فإنّه إذا قال : «بعنيها» فقال : «بعتكها» صحّ عندنا وعند قومٍ من المخالفين ، وقال قومٌ منهم : لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب (٧) ، انتهى.

وكيف كان ، فنسبة القول الأوّل إلى المبسوط مستند إلى كلامه في باب البيع ، وأمّا في باب النكاح فكلامه صريح في جواز التقديم ،

__________________

(١) ذكره المحقّق الثاني وقال : فإنّ القبول مبنيّ على الإيجاب ، انظر جامع المقاصد ٤ : ٦٠.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : «عن» ، إلاّ أنّه صحّح في بعضها بما في المتن.

(٣) غاية المراد : ٨٠.

(٤) في «ف» : تقدّم.

(٥) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.

(٦) المبسوط ٢ : ٨٧.

(٧) المبسوط ٤ : ١٩٤.


الاستدلال على جواز التقديم

كالمحقّق رحمه‌الله في الشرائع (١) والعلاّمة في التحرير (٢) والشهيدين في بعض كتبهما (٣) وجماعة ممّن تأخّر عنهما (٤) ؛ للعمومات السليمة عمّا يصلح لتخصيصها ، وفحوى جوازه في النكاح الثابت بالأخبار ، مثل خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة المشتمل على صحّة تقديم القبول بقوله للمرأة : «أتزوّجكِ متعةً على كتاب الله وسنّة رسول الله (٥) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» إلى أن قال ـ : فإذا قالت : «نعم» فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها (٦).

ورواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين كما قيل (٧) المشتملة على تقديم القبول من الزوج بلفظ «زوّجنيها» (٨).

__________________

(١) الشرائع ٢ : ١٣.

(٢) التحرير ١ : ١٦٤.

(٣) الشهيد الأوّل في الدروس ٣ : ١٩١ ، واللمعة : ١٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤ ، وحاشية الشرائع (مخطوط) : ٢٧١.

(٤) منهم المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٤٥ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٨٩ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٤٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٥٤ ، وغيرهم.

(٥) في «ف» : رسوله ، وفي المصدر : نبيّه.

(٦) الوسائل ١٤ : ٤٦٦ ، الباب ١٨ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.

(٧) قاله الشهيد الثاني في المسالك ٧ : ٨٩ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٦٩.

(٨) عوالي اللآلي ٢ : ٢٦٣ ، الحديث ٨ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٢ ، باب النكاح على تعليم القرآن ، وانظر الكافي ٥ : ٣٨٠ ، الحديث ٥ ، والتهذيب ٧ : ٣٥٤ ، الحديث ١٤٤٤.


مختار المؤلف : التفصيل بين ألفاظ القبول

والتحقيق : أنّ القبول إمّا أن يكون بلفظ «قبلت» و «رضيت» ، وإمّا أن يكون بطريق الأمر والاستيجاب ، نحو «بعني» فيقول المخاطب : «بعتك» ، وإمّا أن يكون بلفظ «اشتريت» و «ملكت» مخفّفاً و «ابتعت».

عدم جواز تقديم القبول بلفظ «قبلت» ونحوه

فإن كان بلفظ «قبلت» فالظاهر عدم جواز تقديمه ، وفاقاً لمن عرفته (١) في صدر المسألة (٢) ، بل المحكيّ عن الميسيّة (٣) والمسالك (٤) ومجمع الفائدة (٥) : أنّه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ «قبلت» ، وهو المحكي عن نهاية الإحكام وكشف اللثام في باب النكاح (٦) ، وقد اعترف به غير واحدٍ من متأخّري المتأخّرين (٧) أيضاً ، بل المحكي هناك عن ظاهر التذكرة : الإجماع عليه (٨).

الاستدلال على عدم جواز التقديم في هذه الصورة

ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر ، وإلى كونه خلاف المتعارف من‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي «ش» : «لما عرفت» ، وفي سائر النسخ : لمن عرفت.

(٢) راجع الصفحة ١٤٠ ١٤١.

(٣) لا يوجد لدينا ، وحكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥.

(٤) المسالك ٣ : ١٥٤.

(٥) مجمع الفائدة ٨ : ١٤٦.

(٦) حكى ذلك عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، وأُنظر نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٨ ، وكشف اللثام ٢ : ١٢.

(٧) منهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٧٢.

(٨) المشار إليه بقوله : «هناك» هو باب النكاح ، لكن لم نقف في مسألة تقديم الإيجاب على القبول على ما يظهر منه الإجماع ، والموجود فيه أنّه نقل المنع عن أحمد ونفى عنه البأس ، انظر التذكرة ٢ : ٥٨٣.


العقد ـ : أنّ القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب ، فلا يعقل تقدّمه عليه ، وليس المراد من هذا القبول الذي هو ركن للعقد (١) مجرّد الرضا بالإيجاب حتى يقال : إنّ الرضا بشي‌ءٍ لا يستلزم تحقّقه قبله (٢) ، فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقبل ، بل المراد منه الرضا بالإيجاب على وجهٍ يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب على وجه العوضيّة ؛ لأنّ المشتري ناقل كالبائع ، وهذا لا يتحقّق إلاّ مع تأخّر الرضا عن الإيجاب ؛ إذ مع تقدّمه لا يتحقّق النقل في الحال ، فإنّ مَن رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل لم ينقل في الحال ماله إلى الموجب ، بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقاً ؛ فإنّه يرفع بهذا الرضا يده من ماله ، وينقله إلى غيره على وجه العوضية.

ومن هنا يتّضح فساد ما حكي عن بعض المحقّقين في ردّ الدليل المذكور وهو كون القبول فرعاً للإيجاب (٣) وتابعاً له وهو : أنّ تبعيّة القبول للإيجاب ليس تبعيّة اللفظ للّفظ ، ولا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه ، وإنّما هو على سبيل الفرض والتنزيل ، بأن يجعل القابل نفسه متناولاً لما يُلقى إليه من الموجب ، والموجب مناولاً ، كما يقول السائل في‌

__________________

(١) لم ترد عبارة «الذي هو ركنٌ للعقد» في «ف».

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «مجرّد الرضا بالإيجاب سواء تحقّق قبل ذلك أم لا ، حيث إنّ الرضا بشي‌ءٍ لا يستلزم تحقّقه في الماضي ، فقد يرضى الإنسان .. إلخ» إلاّ أنّه شطب في «ن» على بعض الكلمات وصُحّحت العبارة بنحو ما أثبتناه في المتن.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : فرع الإيجاب.


مقام الإنشاء : «أنا راضٍ بما تعطيني وقابلٌ لما تمنحني» فهو متناول ، قدّم إنشاءه أو أخّر (١) ، فعلى هذا يصحّ تقديم القبول ولو بلفظ «قبلت» و «رضيت» إن لم يقم إجماع على خلافه (٢) ، انتهى.

ووجه الفساد : ما عرفت سابقاً (٣) من أنّ الرضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من نقل ماله بإزاء مال صاحبه ، ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال ، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال ، وليس المراد أنّ أصل الرضا بشي‌ءٍ تابعٌ لتحقّقه في الخارج أو لأصل الرضا به (٤) حتى يحتاج إلى توضيحه بما ذكره من المثال ، بل المراد الرضا الذي يعدّ قبولاً و (٥) ركناً في العقد.

عدم جواز تقديم القبول لو كان بلفظ الأمر

وممّا ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم (٦) القبول بلفظ الأمر ، كما لو قال : «بعني هذا بدرهم» فقال : «بعتك» ؛ لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها ، لكن لم يتحقّق بمجرّد الرضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلى البائع ، كما لا يخفى.

__________________

(١) في «ف» زيادة : قال.

(٢) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦٥ ، لكن إلى كلمة «أو أخّر» ، ثمّ قال : وهذا قد ذكره الأُستاذ دام ظلّه.

(٣) في الصفحة السابقة.

(٤) في «ش» : «أوّلاً قبل الرضا به» ، ويظهر من شرحي المامقاني والشهيدي أنّ الموجود في نسختيهما هو ما أثبتناه ، انظر غاية الآمال : ٢٤٥ ، وهداية الطالب : ١٩٣.

(٥) لم ترد «قبولاً و» في «ف» و «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٦) كذا في «ش» ، وفي غيرها : تقدم.


وأمّا ما يظهر من المبسوط من الاتّفاق هنا على الصحّة به (١) ، فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه.

وأمّا فحوى جوازه في النكاح ، ففيها بعد الإغماض عن حكم الأصل ؛ بناءً على منع دلالة رواية سهل (٢) على كون لفظ الأمر هو القبول ؛ لاحتمال تحقّق القبول بعد إيجاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويؤيّده أنّه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب والقبول منع الفحوى ، وقصور دلالة رواية أبان (٣) ؛ من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة : «نعم» في الإيجاب.

اختلاف الفقهاء في صحّة تقديم القبول بلفظ الأمر

ثمّ اعلم : أنّ في صحّة تقديم القبول بلفظ الأمر اختلافاً كثيراً بين كلمات الأصحاب ، فقال في المبسوط : إن قال : «بعنيها بألف» فقال : «بعتك» ، صحّ ، والأقوى عندي أنّه لا يصحّ حتى يقول المشتري بعد ذلك : «اشتريت» (٤) ، واختار ذلك في الخلاف (٥).

كلمات المانعين

وصرّح به في الغنية ، فقال : واعتبرنا حصول الإيجاب من البائع والقبول من المشتري ، حذراً عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري ، وهو أن يقول : «بعنيه بألف» ، فيقول : «بعتك» فإنّه لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد ذلك : «اشتريت» أو «قبلت» (٦) ، وصرّح به‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ١٩٤ ، وقد تقدّم في الصفحة ١٤١.

(٢) تقدّمت الإشارة إليها في الصفحة ١٤٢.

(٣) تقدّمت في الصفحة ١٤٢.

(٤) المبسوط ٢ : ٨٧.

(٥) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.

(٦) الغنية : ٢١٤.


أيضاً في السرائر (١) والوسيلة (٢).

وعن جامع المقاصد : أنّ ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتّفاقي (٣) ، وحكي الإجماع أيضاً (٤) عن ظاهر الغنية أو صريحها (٥).

وعن المسالك : المشهور (٦) ، بل قيل : إنّ هذا الحكم ظاهر كلِّ من اشترط الإيجاب والقبول (٧).

كلمات المجوّزين

ومع ذلك كلّه ، فقد صرّح الشيخ في المبسوط في باب النكاح ـ : بجواز التقديم بلفظ الأمر بالبيع ، ونسبته إلينا مشعر (٨) بقرينة السياق إلى عدم الخلاف فيه بيننا ، فقال :

إذا تعاقدا ، فإن تقدّم الإيجاب على القبول فقال : «زوّجتك»

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٤٩ ٢٥٠.

(٢) لم نقف في الوسيلة على هذا التفصيل ، ولكن عدّ فيها من شرائط الصحّة : تقديم الإيجاب على القبول ، انظر الوسيلة : ٢٣٧ ، نعم صرّح بذلك العلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٩ ، ولعلّ التشابه بين رمز الوسيلة «له» ورمز النهاية «يه» صار منشأً لاشتباه النسّاخ ، ويؤيّد هذا الاحتمال تأخير ذكرها عن السرائر.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.

(٤) وردت «أيضاً» في «ع» ، «ص» و «ش» بعد عبارة «ظاهر الغنية».

(٥) الغنية : ٢١٤ ، والترديد من السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦١.

(٦) المسالك ٣ : ١٥٣.

(٧) قاله السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٦١ ، وفيه : .. الإيجاب والقبول والماضوية فيهما.

(٨) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «مشعراً» ، وفي مصحّحة «ص» : ونسبه إلينا مشعراً.


فقال : «قبلت التزويج» صحّ ، وكذا إذا تقدّم الإيجاب على القبول في البيع صحّ بلا خلاف ، وأمّا إن تأخّر الإيجاب وسَبَق القبول ، فإن كان في النكاح فقال الزوج : «زوّجنيها» فقال : «زوّجتكها» صحّ وإن لم يُعِد الزوج القبول ، بلا خلاف ؛ لخبر الساعدي : «قال (١) : زوّجنيها يا رسول الله ، فقال : زوّجتكها بما معك من القرآن» (٢) ، فتقدّم (٣) القبول وتأخّر الإيجاب ، وإن كان هذا في البيع فقال : «بعنيها» فقال : «بعتكها» صحّ عندنا وعند قومٍ من المخالفين ؛ وقال قومٌ منهم (٤) : لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب (٥) ، انتهى.

وحكي جواز التقديم بهذا اللفظ عن القاضي في الكامل (٦) ، بل يمكن نسبة هذا الحكم إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب بقولٍ مطلق ، وتمسّك له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبَّر فيها عن القبول بطلب التزويج ، إلاّ أنّ المحقّق رحمه‌الله مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب والإيجاب صرّح بجواز تقديم القبول على الإيجاب (٧).

__________________

(١) في «ش» : قال الرجل.

(٢) انظر عوالي اللآلي ٢ : ٢٦٣ ، الحديث ٨ ، وسنن البيهقي ٧ : ٢٤٢ ، باب النكاح على تعليم القرآن.

(٣) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فقدّم.

(٤) انظر المغني ؛ لابن قدامة ٣ : ٥٦١ ، والمجموع ٩ : ١٩٨.

(٥) المبسوط ٤ : ١٩٤.

(٦) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٣.

(٧) الشرائع ٢ : ١٣.


وذكر العلاّمة قدس‌سره الاستيجاب والإيجاب ، وجعله خارجاً عن قيد اعتبار الإيجاب والقبول كالمعاطاة وجزم بعدم كفايته ، مع أنّه تردّد في اعتبار تقديم القبول (١).

وكيف كان ، فقد عرفت (٢) أنّ الأقوى المنع في البيع ؛ لما عرفت ، بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ «قبلت» يمكن المنع هنا ؛ بناءً على اعتبار الماضوية فيما دلّ على القبول.

ثمّ إنّ هذا كلّه بناءً على المذهب المشهور بين الأصحاب : من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم وعدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك.

وأمّا على ما قوّيناه (٣) سابقاً في مسألة المعاطاة : من أنّ البيع العرفي موجب للملك وأنّ الأصل في الملك اللزوم (٤) ، فاللازم الحكم باللزوم في كلّ مورد لم يقم إجماع على عدم اللزوم ، وهو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأساً ، أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة ممّا قام الإجماع على عدم إفادتها اللزوم (٥) ، وأمّا في غير ذلك فالأصل اللزوم.

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢٣.

(٢) في الصفحة ١٤٥.

(٣) في نسخة بدل «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : اخترناه.

(٤) راجع الصفحة ٤٠ و ٩٦.

(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : وهو ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء ، وفي «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» كتب عليها : «نسخة».


وقد عرفت أنّ القبول على وجه طلب البيع قد صرّح في (١) المبسوط بصحّته ، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا ، وحكي عن الكامل أيضاً (٢) ، فتأمّل.

جواز تقديم القبول لو كان بلفظ «اشتريت» ونحوه ، والاستدلال عليه

وإن كان التقديم بلفظ «اشتريت» أو (٣) «ابتعت» أو «تملّكت» أو «ملّكت هذا بكذا» فالأقوى جوازه ؛ لأنّه أنشأ ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضاً ، ففي الحقيقة أنشأ المعاوضة كالبائع (٤) إلاّ أنّ البائع ينشئ ملكيّة ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه ، والمشتري ينشئ ملكيّة مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله ، ففي الحقيقة كلٌّ منهما يُخرج ماله إلى صاحبه ويدخل مال صاحبه في ملكه ، إلاّ أنّ الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض وفي القبول مفهوم من نفس الفعل ، والإخراج بالعكس.

وحينئذٍ فليس في حقيقة الاشتراء من حيث هو معنى القبول ، لكنّه لمّا كان الغالب وقوعه عقيب الإيجاب ، وإنشاء انتقال مال البائع إلى نفسه إذا وقع عقيب نقله (٥) إليه يوجب تحقّق المطاوعة ومفهوم القبول ، أُطلق عليه القبول ، وهذا المعنى مفقود في الإيجاب المتأخّر ؛ لأنّ المشتري إنّما ينقل ماله إلى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضاً ، والبائع إنّما ينشئ انتقال المثمن (٦) إليه كذلك ، لا بمدلول الصيغة.

__________________

(١) لم ترد «في» في غير «ش».

(٢) كما تقدّم في الصفحة ١٤٨.

(٣) في «ش» بدل «أو» : و.

(٤) في «ف» : كالتبايع.

(٥) في «ف» ، «ن» و «خ» زيادة : له.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : الثمن.


وقد صرّح في النهاية والمسالك على ما حكي (١) ـ : بأنّ «اشتريت» ليس قبولاً حقيقةً ، وإنّما هو بدل ، وأنّ الأصل في القبول «قبلت» ؛ لأنّ القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به ، ولفظ «اشتريت» يجوز الابتداء به.

ومرادهما (٢) : أنّه بنفسه لا يكون قبولاً ، فلا ينافي ما ذكرنا من تحقّق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع ، كما أنّ «رضيت بالبيع» ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلى البائع إلاّ إذا وقع متأخّراً ؛ ولذا منعنا عن تقديمه.

فكلٌّ من «رضيت» و «اشتريت» بالنسبة إلى إفادة نقل المال ومطاوعة البيع عند التقدّم والتأخّر متعاكسان.

فإن قلت : إنّ الإجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله (٣) : «اشتريت» حتى يقع قبولاً ؛ لأنّ إنشاء مالكيته لمال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقّق فيه معنى الانتقال وقبول الأثر ، فيكون «اشتريت» متأخّراً التزاماً بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع ، بخلاف ما لو تقدّم ؛ فإنّ مجرّد إنشاء المالكيّة لمالٍ لا يوجب تحقّق مفهوم القبول ، كما لو نوى تملّك (٤) المباحات أو اللقطة ، فإنّه لا قبول فيه رأساً.

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٥٣ ، وانظر نهاية الإحكام ٢ : ٤٤٨ ، والمسالك ٣ : ١٥٤.

(٢) في «ف» : مرادهم.

(٣) في «ف» : «قول» ، وفي «خ» : قبوله.

(٤) في «ف» : ملك.


قلت : المسلّم من الإجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعنى الشامل للرضا بالإيجاب ، وأمّا وجوب تحقّق مفهوم القبول المتضمّن للمطاوعة وقبول الأثر ، فلا.

فقد (١) تبيّن من جميع ذلك : أنّ إنشاء القبول لا بدّ أن يكون جامعاً لتضمّن إنشاء النقل وللرضا بإنشاء البائع تقدّم أو تأخّر ولا يعتبر إنشاء انفعال نقل البائع.

فقد تحصّل ممّا ذكرناه : صحّة تقديم القبول إذا كان بلفظ «اشتريت» وفاقاً لمن عرفت (٢) ، بل هو ظاهر إطلاق الشيخ في الخلاف ؛ حيث إنّه لم يتعرّض إلاّ للمنع عن الانعقاد بالاستيجاب والإيجاب (٣) ، وقد عرفت (٤) عدم الملازمة بين المنع عنه والمنع عن تقديم مثل «اشتريت» ، وكذا السيّد في الغنية ، حيث أطلق اعتبار الإيجاب والقبول ، واحترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة وبالاستيجاب والإيجاب (٥) ، وكذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي ، حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد (٦).

__________________

(١) في «ف» : وقد.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٩ ، كتاب البيوع ، المسألة ٥٦.

(٤) انظر الصفحة ١٤٨ ١٤٩.

(٥) الغنية : ٢١٤.

(٦) انظر الكافي في الفقه : ٣٥٢ (فصل في عقد البيع).


وهن الإجماع المنقول على وجوب تقديم الإيجاب

والحاصل : أنّ المصرح بذلك في ما وجدت من القدماء الحليّ (١) وابن حمزة (٢) ، فمن التعجّب بعد ذلك حكاية الإجماع عن الخلاف (٣) على (٤) تقديم الإيجاب ، مع أنّه لم يزد على الاستدلال لعدم (٥) كفاية الاستيجاب والإيجاب (٦) بأنّ ما عداه مجمعٌ على صحّته ، وليس على صحّته دليل (٧). ولَعَمري أنّ مثل هذا ممّا يوهن الاعتماد على الإجماع المنقول ، وقد نبّهنا على أمثال ذلك في مواردها.

نعم ، يشكل الأمر بأنّ المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب ، ولا فرق بين المتعارف هنا وبينه في المسألة الآتية ، وهو الوصل بين الإيجاب والقبول ، فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال.

ثمّ إنّ ما ذكرنا جارٍ في كلّ قبولٍ يؤدّى بإنشاءٍ مستقلٍّ كالإجارة التي يؤدّي قبولها بلفظ «تملّكت منك منفعة كذا» أو «ملكت» ، والنكاح‌

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٤٣ ، هكذا وردت الكلمة في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : «الحلبي» بدل «الحليّ» ، وهو سهوٌ أو تصحيف ، فإنّه قد تقدّم آنفاً : أنّ الحلبي أطلق ، ولم يذكر تقديم الإيجاب.

(٢) الوسيلة : ٢٣٧.

(٣) حكاه عنه الشهيد الأوّل في غاية المراد : ٨٠ ، كما تقدّم في صدر المسألة ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٣.

(٤) في «ص» زيادة : لزوم.

(٥) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : بعدم.

(٦) كذا في النسخ ، والظاهر سقوط كلمة : إلاّ.

(٧) انظر الخلاف ٣ : ٤٠ ، كتاب البيوع ، ذيل المسألة ٥٦.


الذي يؤدّي قبوله (١) بلفظ «أنكحت» (٢) و «تزوّجت».

تقديم القبول فيما لا إنشاء في قبوله إلّا «قبلت» ونحوه

وأمّا ما لا إنشاء في قبوله إلاّ «قبلت» أو ما يتضمّنه ك‍ «ارتهنت» فقد يقال بجواز تقديم القبول فيه ؛ إذ لا التزام في قبوله بشي‌ء (٣) كما كان في قبول البيع التزام (٤) بنقل ماله إلى البائع ، بل لا ينشئ به معنى غير الرضا بفعل الموجب ، وقد تقدّم (٥) أنّ الرضا يجوز تعلّقه بأمرٍ مترقّب (٦) كما يجوز تعلّقه بأمرٍ محقّق ، فيجوز أن يقول : «رضيت برهنك هذا عندي» فيقول : «رهنت».

التحقيق عدم الجواز

والتحقيق : عدم الجواز ؛ لأنّ اعتبار القبول فيه من جهة تحقّق عنوان المرتهن ، ولا يخفى أنّه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص إلاّ بعد تحقّق الرهن ؛ لأنّ الإيجاب إنشاءٌ للفعل ، والقبول إنشاءٌ للانفعال (٧).

وكذا القول (٨) في الهبة والقرض ، فإنّه لا يحصل من إنشاء القبول‌

__________________

(١) في غير «ش» : قبولها.

(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : نكحت.

(٣) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : لشي‌ء.

(٤) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : التزاماً.

(٥) تقدّم في الصفحة ١٤٤.

(٦) في «ف» : مستقبل.

(٧) في نسخة بدل «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : لأنّ الإيجاب إنشاء للنقل ، والقبول إنشاء للانتقال.

(٨) في «خ» ، «ص» ومصحّحة «ع» : القبول.


فيهما (١) التزام بشي‌ء ، وإنّما يحصل به الرضا بفعل الموجب ، ونحوها (٢) قبول المصالحة المتضمّنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض.

لزوم تأخير القبول في المصالحة المشتملة على المعاوضة

وأمّا المصالحة المشتملة على المعاوضة ، فلمّا كان ابتداء الالتزام بها جائزاً من الطرفين ، وكان نسبتها إليهما (٣) على وجه سواء ، وليس الالتزام (٤) الحاصل من أحدهما أمراً مغايراً للالتزام الحاصل من الآخر ، كان البادئ منهما موجباً ؛ لصدق الموجب عليه لغةً وعرفاً. ثمّ لمّا انعقد الإجماع على توقّف العقد على القبول ، لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول ؛ إذ لو قال أيضاً : «صالحتك» كان إيجاباً آخر ، فيلزم تركيب العقد من إيجابين.

وتحقّق من جميع ذلك : أنّ تقديم القبول في الصلح أيضاً غير جائز ؛ إذ لا قبول فيه بغير لفظ «قبلت» و «رضيت» ، وقد عرفت (٥) أنّ «قبلت» و «رضيت» مع التقديم لا يدلّ على إنشاءٍ لنقل العوض في الحال.

تلخيص ما سبق ، وبيان أقسام القبول

فتلخّص ممّا ذكرنا : أنّ القبول في العقود على أقسام (٦) :

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي غيرها : فيها.

(٢) في «ص» : نحوهما.

(٣) في «ف» : إليها.

(٤) في «ف» : وكان الالتزام.

(٥) في الصفحة ١٤٣ ١٤٤.

(٦) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : «ثلاثة أقسام» ، إلاّ أنّ «ثلاثة» محيت في «ن» تصحيحاً.


لأنّه إمّا أن يكون التزاماً بشي‌ءٍ من القابل ، كنقل مالٍ عنه أو زوجيّة ، وإمّا أن لا يكون فيه سوى الرضا بالإيجاب.

والأوّل على قسمين :

لأنّ الالتزام الحاصل من القابل ، إمّا أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة ، أو متغايراً كالاشتراء.

والثاني أيضاً على قسمين :

لأنّه إمّا أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان والاتهاب والاقتراض (١) ، وإمّا أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب كالوكالة والعارية وشبههما.

ما يجوز تقديمه من تلك الأقسام

فتقديم القبول على الإيجاب لا يكون إلاّ في القسم الثاني من كلٍّ من القسمين.

ثمّ إنّ مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفي ، فكلّ من التزم بنقل مالِه على وجه العوضية لمالٍ آخر يسمّى مشترياً ، وكلّ من نقل مالَه على أن يكون عوضه مالاً من آخر يسمّى بائعاً.

وبعبارةٍ اخرى : كلُّ من ملَّك مالَه غيرَه بعوضٍ فهو البائع ، وكلّ (٢) مَن ملِك مالَ غيرِه بعوض ماله فهو المشتري ، وإلاّ فكلٌّ منهما في الحقيقة يملِّك مالَه غيرَه بإزاء مالِ غيرِه ، ويملك مالَ غيرِه بإزاء ماله.

__________________

(١) في «ف» : الإقراض.

(٢) في «ش» : فكلّ.


اشتراط الموالاة في العقد

الموالاة بين إيجابه وقبوله‌

ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع (١) ، ثمّ العلاّمة (٢) والشهيدان (٣) والمحقّق الثاني (٤) ، والشيخ المقداد (٥).

ما أفاده الشهيد في اعتبار الموالاة

قال الشهيد في القواعد : الموالاة معتبرة في العقد ونحوه ، وهي مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين الاستثناء (٦) والمستثنى منه ، وقال (٧) بعض العامّة : لا يضرّ قول الزوج بعد الإيجاب : «الحمد لله والصلاة‌

__________________

(١) المبسوط ٤ : ٣٦٢.

(٢) القواعد ٢ : ٤ و ٨٠ ، في النكاح والخلع.

(٣) أمّا الشهيد الأوّل فقد صرّح بذلك في كتاب الوقف من الدروس ٢ : ٢٦٤ ، وقال في كتاب البيع منه : «ولا يقدح تخلّل آنٍ أو تنفّسٍ أو سعال» ، الدروس ٣ : ١٩١. وأمّا الشهيد الثاني فقد صرّح بذلك في الهبة والخلع من المسالك ، انظر المسالك ٦ : ٩ ، و ٩ : ٣٨٤.

(٤) رسائل المحقّق الكركي ١ : ٢٠١ ، في الخلع ، وجامع المقاصد ٤ : ٥٩ ، في البيع.

(٥) التنقيح الرائع ٢ : ٢٤.

(٦) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المستثنى.

(٧) في غير «ش» : فقال.


على رسول الله ، قبلت نكاحها» (١).

ومنه : الفوريّة في استتابة المرتدّ ، فيعتبر في الحال ، وقيل (٢) : إلى ثلاثة أيام.

ومنه : السكوت في أثناء الأذان ، فإن كان كثيراً أبطله.

ومنه : السكوت الطويل في أثناء القراءة أو قراءة غيرها (٣) ، وكذا التشهّد.

ومنه : تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع ، فإن تعمّدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة. واعتبر بعض العامّة تحريمهم معه قبل الفاتحة.

ومنه : الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى (٤) أنّه تكرار ، والموالاة في سنة التعريف ، فلو رجع في أثناء المدّة استؤنفت (٥) ليتوالى (٦) ، انتهى (٧).

أقول : حاصله أنّ الأمر المتدرّج شيئاً فشيئاً إذا كان له صورة اتّصالية في العرف ، فلا بدّ في ترتّب الحكم المعلّق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتّصالية ، فالعقد المركّب من الإيجاب والقبول القائم‌

__________________

(١) قاله النووي ، انظر المجموع ١٧ : ٣٠٧.

(٢) قاله العلاّمة في الإرشاد ٢ : ١٨٩.

(٣) في المصدر زيادة : خلالها.

(٤) في «ف» : لا يصدق.

(٥) في «ف» : استأنف ، وفي المصدر : استؤنف.

(٦) القواعد والفوائد ١ : ٢٣٤ ، القاعدة ٧٣.

(٧) لم ترد «انتهى» في «ف» و «م».


بنفس المتعاقدين بمنزلة (١) كلامٍ واحدٍ مرتبط بعضه ببعض ، فيقدح تخلّل الفصل المخلّ بهيئته الاتّصالية ؛ ولذا لا يصدق التعاقد (٢) إذا كان الفصل مفرطاً في الطول كسنة أو أزيد ، وانضباط ذلك إنّما يكون بالعرف ، فهو في كلّ أمرٍ بحسبه ، فيجوز الفصل بين كلٍّ من الإيجاب والقبول بما لا يجوز بين كلمات كلّ واحدٍ (٣) منهما ، ويجوز الفصل (٤) بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف ، كما في الأذان والقراءة.

المناقشة فيما أفاده الشهيد

وما ذكره حسن لو كان حكم المِلك واللزوم في المعاملة منوطاً بصدق العقد عرفاً ، كما هو مقتضى التمسّك بآية الوفاء بالعقود (٥) ، وبإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك ، أمّا لو كان منوطاً بصدق «البيع» أو (٦) «التجارة عن تراضٍ» فلا يضرّه عدم صدق العقد.

وأمّا جعل المأخذ في ذلك اعتبار الاتّصال بين الاستثناء والمستثنى منه ، فلأنه منشأ الانتقال إلى هذه القاعدة ؛ فإنّ أكثر الكليات إنّما يلتفت إليها من التأمّل في موردٍ خاصّ ، وقد صرّح في القواعد‌

__________________

(١) لم ترد «بمنزلة» في «ف».

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : المعاقدة.

(٣) لم ترد «واحد» في «ف».

(٤) لم ترد «الفصل» في «ن» ، «م» و «ش» ، ووردت في «ص» ونسخة بدل «خ» و «ع» بعد «الكلمات» ، وما أثبتناه مطابق ل «ف».

(٥) المائدة : ١.

(٦) في «ف» بدل «أو» : «و».


مكرّراً بكون الأصل في هذه القاعدة كذا (١).

ويحتمل بعيداً أن يكون الوجه فيه : أنّ الاستثناء أشدّ ربطاً بالمستثنى منه من سائر اللواحق ؛ لخروج المستثنى منه معه عن حدّ الكذب إلى الصدق ، فصدقه يتوقّف عليه ؛ فلذا كان طول الفصل هناك أقبح ، فصار أصلاً في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام ، ثمّ تُعدّي منه إلى سائر الأُمور المرتبطة بالكلام لفظاً أو معنى ، أو من حيث صدق عنوانٍ خاصٍّ عليه ؛ لكونه (٢) عقداً أو قراءة أو أذاناً ، ونحو ذلك.

ثمّ في تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء ، كمسألة توبة المرتدّ ؛ فإنّ غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه : إنّ المطلوب في الإسلام الاستمرار ، فإذا انقطع فلا بدّ من إعادته في أقرب الأوقات.

وأمّا مسألة الجمعة ، فلأنّ هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من القيام والركوع والسجود مطلوبة ، فيقدح الإخلال بها.

وللتأمّل في هذه الفروع ، وفي صحّة تفريعها على الأصل المذكور مجال.

__________________

(١) منها ما أفاده في القاعدة المشار إليها آنفاً من قوله : «وهي مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين الاستثناء والمستثنى منه» ، ومنها قوله في القاعدة ٨٠ (الصفحة ٢٤٣) : «وهو مأخوذ من قاعدة المقتضي في أُصول الفقه» ، ومنها قوله في القاعدة ٨٦ (الصفحة ٢٧٠) : «لعلّهما مأخوذان من قاعدة جواز النسخ قبل الفعل» ، ومنها قوله في القاعدة ١٠٥ (الصفحة ٣٠٨) : «واصلة الأخذ بالاحتياط غالباً».

(٢) في «ص» : ككونه.


ثمّ إنّ المعيار في الموالاة موكول إلى العرف ، كما في الصلاة والقراءة والأذان ونحوها.

ويظهر من رواية سهل الساعدي المتقدّمة (١) في مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الإيجاب والقبول بكلامٍ طويل أجنبيّ ؛ بناءً على ما فهمه الجماعة من أنّ القبول فيها قول ذلك الصحابيّ : «زوّجنيها» ، والإيجاب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فصلٍ طويل : «زوّجتكها بما معك من القرآن» ؛ ولعلّ هذا موهنٌ آخر للرواية ، فافهم.

__________________

(١) راجع الصفحة ١٤٢ و ١٤٨.


ومن جملة الشرائط التي ذكرها جماعة :

اشتراط التنجيز في العقد

التنجيز في العقد‌

بأن لا يكون معلّقاً على شي‌ء بأداة الشرط ، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشي‌ء ، لا في غيرها.

وممّن صرّح بذلك : الشيخ (١) والحليّ (٢) والعلاّمة (٣) وجميع من تأخّر عنه ، كالشهيدين (٤) والمحقّق الثاني (٥) وغيرهم (٦) قدّس الله تعالى أرواحهم.

وعن فخر الدين في شرح الإرشاد في باب الوكالة ـ : أنّ تعليق (٧) الوكالة على الشرط لا يصحّ عند الإمامية ، وكذا غيره من‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٩٩ ، والخلاف ٣ : ٣٥٤ ، كتاب الوكالة ، المسألة ٢٣.

(٢) السرائر ٢ : ٩٩.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٤ و ٤٣٣ ، والقواعد ١ : ٢٥٢ و ٢٦٦ ، و ٢ : ٤ ، وغيرها.

(٤) اللمعة الدمشقية وشرحها (الروضة البهية) ٣ : ١٦٨ ، الدروس ٢ : ٢٦٣ ، والمسالك ٥ : ٢٣٩ و ٣٥٧.

(٥) جامع المقاصد ٨ : ١٨٠ ، و ٩ : ١٤ ١٥ ، و ١٢ : ٧٧.

(٦) كالمحقّق الحليّ في الشرائع ٢ : ١٩٣ و ٢١٦ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٢٨ و ١٤٠ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ١٨٩ و ٢٠٧.

(٧) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي غيرها : تعلّق.


العقود ، لازمة كانت أو جائزة (١).

دعوى الإجماع على هذا الشرط

وعن تمهيد القواعد : دعوى الإجماع عليه (٢) ، وظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف ـ : الاتّفاق عليه (٣). والظاهر عدم الخلاف فيه كما اعترف به غير واحد (٤) ، وإن لم يتعرّض الأكثر في هذا المقام.

ويدلّ عليه : فحوى فتاويهم ومعاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة ، مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن ، حتى أنّ العلاّمة ادّعى الإجماع على ما حكي عنه على عدم صحّة (٥) أن يقول الموكّل : «أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي» (٦) ، وعلى صحّة (٧) قوله : «أنت وكيلي ، ولا تبع عبدي إلاّ في يوم‌

__________________

(١) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٥٢٦.

(٢) تمهيد القواعد : ٥٣٣ ، القاعدة ١٩٨ ، وفيه : «الاتّفاق عليه» ، وحكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٩.

(٣) المسالك ٥ : ٣٥٧.

(٤) كالعلاّمة في التحرير ١ : ٢٨٤ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٤٠ ، والمحدّث الكاشاني في مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٠٧.

(٥) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : على صحّة.

(٦) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أنت وكيلي في أن تبيع عبدي يوم الجمعة.

(٧) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : وعلى عدم صحّة ، وشطب في «ن» على كلمة «عدم».


الجمعة» (١) ، مع كون المقصود واحداً. وفرّق بينهما جماعة (٢) بعد الاعتراف بأنّ هذا في معنى التعليق ـ : بأنّ العقود لمّا كانت متلقّاةً من الشارع أُنيطت (٣) بهذه الضوابط ، وبطلت فيما خرج عنها وإن أفادت فائدتها.

فإذا كان الأمر كذلك عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع؟ وبالجملة ، فلا شبهة في اتّفاقهم على الحكم.

وجه اشتراط التنجيز

وأمّا (٤) الكلام في وجه الاشتراط ، فالذي صرّح به العلاّمة في التذكرة : أنّه منافٍ للجزم حال الإنشاء ، بل جعل الشرط هو الجزم ثمّ فرّع عليه عدم جواز التعليق ، قال : الخامس من الشروط : الجزم ، فلو علّق العقد على شرطٍ لم يصحّ وإن شرط (٥) المشيئة ؛ للجهل بثبوتها حال العقد وبقائها مدّته ، وهو أحد قولي الشافعي ، وأظهرهما عندهم : الصحّة ؛ لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد ؛ لأنّه لو لم يشأ لم يشترِ (٦) ، انتهى كلامه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٤ ، والعبارة منقولة بالمعنى ، كما صرّح بذلك المحقّق المامقاني ، انظر غاية الآمال : ٢٢٥.

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٥ : ٢٤٠ ٢٤١ ، وتبعه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٥٢٧.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : نيطت.

(٤) في «ف» و «ن» : وإنّما.

(٥) في «ش» والمصدر : وإن كان الشرط.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٢.


وتبعه على ذلك الشهيد رحمه‌الله في قواعده ، قال : لأنّ الانتقال بحكم الرضا ولا رضا إلاّ مع الجزم ، والجزم ينافي التعليق (١) ، انتهى.

ومقتضى ذلك : أنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمرٍ مجهول الحصول ، كما صرّح به المحقّق في باب الطلاق (٢).

وذكر المحقّق والشهيد الثانيان في الجامع (٣) والمسالك (٤) في مسألة «إن كان لي فقد بعته» : أنّ التعليق إنّما ينافي الإنشاء في العقود والإيقاعات حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول.

لكنّ الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدّم : أنّ الجزم ينافي التعليق ؛ لأنّه بعرضة عدم الحصول ولو قدّر العلم بحصوله ، كالتعليق على الوصف ؛ لأنّ الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه ، فاعتبر المعنى العام دون خصوصيات الأفراد. ثمّ قال : فإن قلت : فعلى هذا (٥) يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (٦) : «إن كان لي فقد بعته منك بكذا» (٧). قلت : هذا تعليق على واقع ، لا [على (٨)] متوقّع الحصول ، فهو علّة للوقوع أو‌

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٦٥ ، القاعدة ٣٥.

(٢) الشرائع ٣ : ١٩.

(٣) جامع المقاصد ٨ : ٣٠٥ ، واللفظ له.

(٤) المسالك ٥ : ٢٧٦.

(٥) عبارة «فعلى هذا» من «ش» والمصدر.

(٦) في «ف» : الوكيل.

(٧) عبارة «منك بكذا» من «ش» والمصدر.

(٨) من المصدر.


مصاحبٌ له ، لا معلّق عليه الوقوع ، وكذا (١) لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج وإنكار التزويج حيث تدّعيه المرأة : «إن كانت زوجتي فهي طالق» (٢) ، انتهى كلامه رحمه‌الله.

وعلّل العلاّمة في القواعد صحّة «إن كان لي فقد بعته» بأنّه أمرٌ واقع يعلمان وجوده ، فلا يضرّ جعله شرطاً ، وكذا كلّ شرطٍ علم وجوده ؛ فإنّه لا يوجب شكّاً في البيع ولا وقوفه (٣) ، انتهى.

صور التعليق في العقود

وتفصيل الكلام : أنّ المعلّق عليه ، إمّا أن يكون معلوم التحقّق ، وإمّا أن يكون محتمل التحقّق.

وعلى الوجهين ، فإمّا أن يكون تحقّقه المعلوم أو المحتمل في الحال أو المستقبل وعلى التقادير ، فإمّا أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحاً للعقد ككون الشي‌ء ممّا يصحّ تملّكه شرعاً ، أو ممّا يصحّ إخراجه عن الملك ، كغير أُمّ الولد ، وغير الموقوف (٤) ونحوه ، وكون المشتري ممّن يصحّ تملّكه شرعاً ، كأن لا يكون عبداً ، وممّن يجوز العقد معه بأن يكون بالغاً ـ ، وإمّا أن لا يكون كذلك.

ثمّ التعليق ، إمّا مصرّح به ، وإمّا لازم من الكلام ، كقوله : «ملّكتك هذا بهذا يوم الجمعة» ، وقوله في القرض والهبة : «خذ هذا‌

__________________

(١) في «ش» زيادة : «نقول» ، وفي المصدر : وكذا القول.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٦٥ ، القاعدة ٣٥.

(٣) القواعد ١ : ٢٦٠ ٢٦١.

(٤) في غير «ش» زيادة : عليه.


بعوضه» ، أو «خذه بلا عوض يوم الجمعة» ، فإنّ التمليك معلّق على تحقّق الجمعة في الحال أو في الاستقبال ، ولهذا احتمل العلاّمة في النهاية (١) وولده في الإيضاح (٢) بطلان بيع الوارث لمال مورّثه بظنّ حياته (٣) ؛ معلّلاً بأنّ العقد وإن كان منجّزاً في الصورة إلاّ أنّه معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك.

التعليق على معلوم الحصول حين العقد

فما كان منها معلوم الحصول حين العقد ، فالظاهر أنّه غير قادح ، وفاقاً لمن عرفت كلامه كالمحقّق والعلاّمة والشهيدين والمحقّق الثاني (٤) والصيمري (٥) وحكي أيضاً (٦) عن المبسوط (٧) والإيضاح (٨) في مسألة ما لو قال : «إن كان لي فقد بعته» ، بل لم يوجد في ذلك خلافٌ صريح ، ولذا ادّعى في الرياض في باب الوقف عدم الخلاف فيه صريحاً (٩).

التعليق على معلوم الحصول في المستقبل

وما كان معلوم الحصول في المستقبل وهو المعبّر عنه بالصفة فالظاهر أنّه داخل في معقد اتّفاقهم على عدم الجواز وإن كان تعليلهم‌

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٧.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٠.

(٣) كذا في «ف» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : موته.

(٤) تقدّم النقل عن هؤلاء الأعلام في الصفحة ١٦٥ ١٦٦.

(٥) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتابه ولا على الحاكي عنه.

(٦) الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٩.

(٧) المبسوط ٢ : ٣٨٥.

(٨) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٦٠.

(٩) الرياض ٢ : ١٨.


للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به الشهيد فيما تقدّم عنه (١) ، ونحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه (٢) ، بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه ممّا لا خلاف فيه بيننا ، بل بين العامّة ؛ فإنّه قال : إذا قال الواقف : «إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته» لم يصحّ الوقف بلا خلاف ؛ لأنّه مثل البيع والهبة ، وعندنا مثل العتق أيضاً (٣) ، انتهى (٤) ؛ فإنّ ذيله يدلّ على أنّ مماثلة الوقف للبيع والهبة غير مختصّ بالإمامية ، نعم مماثلته للعتق مختصّ بهم.

التعليق على مشكوك الحصول

وما كان منها مشكوك الحصول وليست صحّة العقد معلّقة عليه في الواقع كقدوم الحاجّ فهو المتيقّن من معقد اتّفاقهم.

وما كان صحّة العقد معلّقة عليه كالأمثلة المتقدّمة فظاهر إطلاق كلامهم يشمله ، إلاّ أنّ الشيخ في المبسوط حكى في مسألة «إن كان لي فقد بعته» قولاً من بعض الناس بالصحّة ، وأنّ الشرط لا يضرّه ؛ مستدلا بأنّه لم يشترط إلاّ ما يقتضيه إطلاق العقد ؛ لأنّه إنّما يصحّ البيع لهذه الجارية من الموكّل إذا كان أذن له في الشراء ، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره وشرطه ، كما لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك (٥) ، انتهى.

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٦٥.

(٢) انظر المسالك ٥ : ٢٣٩.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٩٩.

(٤) لم ترد «انتهى» في «ف».

(٥) المبسوط ٢ : ٣٨٥.


وهذا الكلام وإن حكاه عن بعض الناس ، إلاّ أنّ الظاهر ارتضاؤه له. وحاصله : أنّه كما لا يضرّ اشتراط بعض لوازم العقد المترتّبة عليه ، كذلك لا يضرّ تعليق العقد بما هو معلّق عليه في الواقع ، فتعليقه ببعض مقدّماته كالإلزام ببعض (١) غاياته ، فكما لا يضرّ الإلزام بما يقتضي العقد التزامه (٢) ، كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلّقاً عليه ومقيّداً به.

وهذا الوجه وإن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد لأنّ المعلّق على ذلك الشرط في الواقع هو ترتّب الأثر الشرعي على العقد ، دون إنشاء مدلول الكلام الذي هو وظيفة المتكلّم ، فالمعلّق في كلام المتكلّم غير معلّق في الواقع على شي‌ء ، والمعلّق على شي‌ء ليس معلّقاً في كلام المتكلّم على شي‌ء ، بل ولا منجّزاً ، بل هو شي‌ء خارج عن مدلول الكلام إلاّ أنّ ظهور ارتضاء الشيخ له كافٍ في عدم الظنّ بتحقّق الإجماع عليه.

مع أنّ ظاهر هذا التوجيه لعدم قدح التعليق يدلّ على أنّ محلّ الكلام فيما لم يعلم وجود المعلّق عليه وعدمه ، فلا وجه لتوهّم اختصاصه بصورة العلم (٣).

ويؤيّد ذلك : أنّ الشهيد في قواعده جعل الأصحّ صحّة تعليق البيع على ما هو شرطٌ فيه ، كقول البائع : «بعتك إن قبلت» (٤). ويظهر‌

__________________

(١) في «ف» ، «ن» و «م» : كإلزام بعض.

(٢) في «ف» : أو التزامه.

(٣) لم ترد عبارة «مع أنّ الظاهر إلى بصورة العلم» في «ف» ، وكتب عليها في «ن» : نسخة.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ١٥٥ ١٥٦ ، القاعدة ٤١.


منه ذلك أيضاً في أواخر (١) القواعد (٢).

وجوه اُخر ضعيفة لاشتراط التنجيز

١ ـ عدم قابلية الإنشاء للتعليق

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ العمدة في المسألة هو الإجماع ، وربما يتوهّم أنّ الوجه في اعتبار التنجيز هو عدم قابلية الإنشاء للتعليق ، وبطلانه واضح ؛ لأنّ المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام فالتعليق غير متصوّر فيه ، إلاّ أنّ الكلام ليس فيه ، وإن كان الكلام في أنّه كما يصحّ إنشاء الملكية المتحقّقة على كلّ تقدير ، فهل يصحّ إنشاء الملكيّة المتحقّقة على تقديرٍ دون آخر ، كقوله : «هذا لك إن جاء زيد غداً» ، أو (٣) «خذ المال قرضاً أو قِراضاً إذا أخذته من فلان» ، ونحو ذلك؟ فلا ريب في أنّه أمر متصوّر واقع في العرف والشرع كثيراً في الأوامر والمعاملات ، من العقود والإيقاعات.

٢ ـ لزوم ترتيب مسبّب العقد عليه

ويتلو هذا الوجه في الضعف : ما قيل : من أنّ ظاهر ما دلّ على سببيّة العقد ترتّب مسبّبه عليه حال وقوعه ، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (٤).

وفيه بعد الغضّ عن عدم انحصار أدلّة الصحّة واللزوم في مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٥) ؛ لأنّ دليل حلّية البيع (٦) وتسلّط الناس‌

__________________

(١) في «م» و «ش» : «آخر» ، وهكذا في «ن» إلاّ أنّها صحّحت بما أثبتناه.

(٢) انظر القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٧ ، القاعدة ٢٣٨ ، و ٢٥٨ ، القاعدة ٢٥١ ، وغيرهما.

(٣) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : و.

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ١٩٨ ، و ٢٧ : ٣٥٢ ، و ٣٢ : ٧٩.

(٥) المائدة : ١.

(٦) مثل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، البقرة : ٢٧٥.


على أموالهم (١) كافٍ في إثبات ذلك ـ : أنّ العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على طبق مدلوله ، فليس مفاد (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) إلاّ مفاد (أَوْفُوا بِالْعَهْدِ) (٢) في أنّ العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقّب تحقّق المعلّق عليه في تحقّق المعلّق لا يوجب عدم الوفاء بالعهد.

والحاصل : أنّه إن أُريد بالمسبّب هو مدلول العقد ، فعدم تخلّفه عن إنشاء العقد من البديهيّات التي لا يعقل خلافها ، وإن أُريد به الأثر الشرعي وهو ثبوت الملكيّة ، فيمنع كون أثر مطلق البيع الملكيّة المنجّزة ، بل هو مطلق الملك ، فإن كان البيع غير معلّق كان أثره الشرعي الملك الغير المعلّق ، وإن كان معلّقاً فأثره الملكيّة المعلّقة ، مع أنّ تخلّف الملك عن العقد كثير جدّاً.

مع أنّ ما ذكره لا يجري في مثل قوله : «بعتك إن شئت أو إن (٣) قبلت» ، فإنّه لا يلزم هنا تخلّف أثر العقد عنه.

مع أنّ هذا لا يجري في الشرط المشكوك المتحقّق في الحال ، فإنّ العقد حينئذٍ يكون مراعى لا موقوفاً.

مع أنّ ما ذكره لا يجري (٤) في غيره من العقود التي قد يتأخّر مقتضاها عنها كما لا يخفى ، وليس الكلام في خصوص البيع ، وليس على‌

__________________

(١) مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الناس مسلّطون على أموالهم» ، انظر عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) الإسراء : ٣٤.

(٣) في «ف» و «ش» : وإن.

(٤) عبارة «في الشرط المشكوك إلى لا يجري» ساقطة من «ف».


هذا الشرط في كلّ عقد دليل على حدة.

٣ ـ توقيفيّة الأسباب الشرعيّة

ثمّ الأضعف من الوجه المتقدّم : التمسّك في ذلك بتوقيفيّة الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقّن ، وليس إلاّ العقد العاري عن التعليق.

إذ فيه : أنّ إطلاق الأدلّة مثل حلّية البيع ، وتسلّط الناس على أموالهم ، وحلّ التجارة عن تراضٍ ، ووجوب الوفاء بالعقود ، وأدلّة سائر العقود كافٍ في التوقيف (١).

وبالجملة ، فإثبات هذا الشرط في العقود مع عموم أدلّتها ووقوع كثيرٍ منها في العرف على وجه التعليق بغير الإجماع محقّقاً أو منقولاً مشكل.

الشكّ في ترتّب الأثر على الإنشاء

ثمّ إنّ القادح هو تعليق الإنشاء ، وأمّا إذا أنشأ من غير تعليق صحّ العقد وإن كان المنشئ متردّداً في ترتّب الأثر عليه شرعاً أو عرفاً ، كمن ينشئ البيع وهو لا يعلم أنّ المال له ، أو أنّ المبيع ممّا يتموّل ، أو أنّ (٢) المشتري راضٍ حين الإيجاب أم لا ، أو غير ذلك ممّا يتوقّف صحّة العقد عليه عرفاً أو شرعاً ، بل الظاهر أنّه لا يقدح اعتقاد عدم ترتّب الأثر عليه إذا تحقّق القصد إلى التمليك العرفي.

وقد صرّح بما ذكرنا بعض المحقّقين ؛ حيث قال : لا يخلّ زعم فساد المعاملة ما لم يكن سبباً لارتفاع القصد (٣).

__________________

(١) في «ف» : بالتوقيف.

(٢) في «ف» : وأنّ.

(٣) صرّح به المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٥.


الشكّ في الشروط المقوّمة

نعم ، ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقوّمة كعدم الزوجيّة أو الشكّ فيها في إنشاء الطلاق ، فإنّه لا يتحقّق القصد إليه منجّزاً من دون العلم بالزوجيّة ، وكذا الرقّية في العتق ، وحينئذٍ فإذا مسّت الحاجة إلى شي‌ءٍ من ذلك للاحتياط ، وقلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء على ما هو شرط فيه ، فلا بدّ من إبرازه بصورة التنجيز (١) وإن كان في الواقع معلّقاً ، أو يوكّل غيره الجاهل بالحال بإيقاعه ، ولا يقدح فيه تعليق الوكالة واقعاً على كون الموكِّل مالكاً للفعل ؛ لأنّ فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن.

إلاّ أنّ ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوّجه (٢) امرأة يشكّ في أنّها محرّمة عليه أو محلّلة (٣) ، فظهر حلّها ، وعلّل ذلك بعدم الجزم حال العقد. قال : وكذا الإيقاعات ، كما لو خالع امرأةً أو طلّقها وهو شاكّ في زوجيّتها ، أو ولّى نائب الإمام عليه‌السلام قاضياً لا يعلم أهليّته وإن ظهر أهلاً.

ثمّ قال : ويخرج من هذا بيع مال مورّثه لظنّه حياته ، فبان ميّتاً ؛ لأنّ الجزم هنا حاصل ، لكن خصوصيّة البائع غير معلومة ، وإن قيل بالبطلان أمكن ؛ لعدم القصد إلى نقل ملكه. وكذا لو زوّج أمة أبيه (٤) فظهر ميتاً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ن» ، «خ» و «م» ، وفي سائر النسخ : التنجّز.

(٢) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : زوّج.

(٣) أو محلّلة» من «ف» والمصدر.

(٤) في «ف» : أمته ابنه.

(٥) القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٨ ، القاعدة ٢٣٨.


والظاهر الفرق بين مثال الطلاق وطرفيه ، بإمكان الجزم فيهما ، دون مثال الطلاق ، فافهم.

وقال في موضعٍ آخر : ولو طلّق بحضور خنثيين فظهرا رجلين ، أمكن الصحّة ، وكذا بحضور من يظنّه فاسقاً فظهر عدلاً ، ويشكلان في العالم بالحكم ؛ لعدم قصدهما (١) إلى طلاقٍ صحيح (٢) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : «قصده» ، كما في المصدر ومصحّحة «ص».

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٣٦٧ ، القاعدة ١٤٣.


ومن جملة شروط العقد :

التطابق بين الإيجاب والقبول‌

اشتراط التطابق بين الايجاب والقبول

فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع على وجهٍ خاصّ من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن أو توابع العقد من الشروط ، فقبل المشتري على وجهٍ آخر ، لم ينعقد.

ووجه هذا الاشتراط

ووجه هذا الاشتراط واضح ، وهو مأخوذ من اعتبار القبول ، وهو الرضا بالإيجاب ، فحينئذٍ لو قال : «بعته من موكّلك بكذا» فقال : «اشتريته لنفسي» لم ينعقد ، ولو قال : «بعت هذا من موكّلك» ، فقال الموكّل الغير المخاطب : «قبلت» صحّ ، وكذا لو قال : «بعتك» فأمر المخاطب وكيله بالقبول فقبل ، ولو قال : «بعتك العبد بكذا» ، فقال : «اشتريت نصفه بتمام الثمن أو نصفه» لم ينعقد ، وكذا (١) لو قال : «بعتك العبد بمائة درهم» ، فقال : «اشتريته بعشرة دينار» (٢).

ولو قال للاثنين : «بعتكما العبد بألف» ، فقال أحدهما (٣) :

__________________

(١) لم ترد «كذا» في «ف».

(٢) كذا في النسخ ، والصواب : دنانير.

(٣) في «ف» : أحد.


«اشتريت نصفه بنصف الثمن» لم يقع ، ولو قال كلٌّ منهما ذلك ، لا يبعد الجواز ، ونحوه لو قال البائع : «بعتك العبد بمائة» فقال المشتري : «اشتريت كلّ نصفٍ منه بخمسين» ، وفيه إشكال.


ومن جملة الشروط في العقد (١) :

أن يقع كلٌّ من إيجابه وقبوله في حالٍ‌

يجوز لكلّ واحدٍ (٢) منهما الإنشاء

اشتراط أهلية المتعاقدين معاً حين العقد

فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول ، أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب ، لم ينعقد.

وجه هذا الشرط

ثمّ إنّ عدم قابليتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت والجنون والإغماء بل النوم فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنى المعاقدة والمعاهدة حينئذٍ.

وأمّا صحّة القبول من الموصى له بعد موت الموصي ، فهو شرط حقيقة (٣) ، لا ركن ؛ فإنّ حقيقة الوصية الإيصاء ، ولذا (٤) لو مات قبل القبول قام وارثه مقامه ، ولو ردّ جاز له القبول بعد ذلك.

وإن كان لعدم الاعتبار (٥) برضاهما ، فلخروجه أيضاً عن مفهوم‌

__________________

(١) لم ترد «في العقد» في «ف».

(٢) لم ترد «واحد» في «ف».

(٣) في «ص» : شرط تحقّقه.

(٤) في غير «ن» و «ش» : وكذا.

(٥) في «ف» : اعتبار.


التعاهد والتعاقد ؛ لأنّ المعتبر فيه عرفاً رضا كلٍّ منهما لما ينشئه الآخر حين إنشائه ، كمن يعرض له الحجر بفَلَسٍ أو سَفَهٍ أو رقّ لو فرض أو مرض موت.

والأصل في جميع ذلك : أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغي الإيجاب السابق ، وكذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راضٍ ، أو كان ممّن لا يعتبر رضاه كالصغير ـ ، فصحّة كلٍّ من الإيجاب والقبول يكون معناه قائماً في نفس المتكلّم من أوّل العقد إلى أن يتحقّق تمام السبب ، وبه يتمّ معنى المعاقدة ، فإذا لم يكن هذا المعنى قائماً في نفس أحدهما ، أو قام ولم يكن قيامه معتبراً ، لم يتحقّق معنى المعاقدة.

عدم اشتراط الرضا حين العقد

ثمّ إنّهم صرّحوا بجواز لحوق الرضا لبيع المكره ، ومقتضاه عدم اعتباره من أحدهما حين العقد ، بل يكفي حصوله بعده ، فضلاً عن حصوله بعد الإيجاب وقبل القبول ، اللهم إلاّ أن يلتزم بكون الحكم في المكره على خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

«فرع»

اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة

لو اختلف المتعاقدان اجتهاداً أو تقليداً في شروط الصيغة ، فهل يجوز أن يكتفي كلٌّ منهما بما يقتضيه مذهبه أم لا؟ وجوه ، ثالثها : اشتراط عدم كون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بكونه سبباً في النقل كما لو فرضنا أنّه لا قائل بجواز تقديم القبول على الإيجاب وجواز العقد بالفارسي أردؤها أخيرها.

والأوّلان مبنيّان على أنّ الأحكام الظاهرية المجتهَد فيها بمنزلة‌


الواقعية الاضطرارية ، فالإيجاب بالفارسية من المجتهد القائل بصحّته عند مَن يراه باطلاً بمنزلة إشارة الأخرس وإيجاب العاجز عن العربية ، وكصلاة المتيمّم بالنسبة إلى واجد الماء ، أم هي أحكام عذريّة لا يعذّر فيها إلاّ (١) من اجتهد أو قلّد فيها ، والمسألة محرّرة في الأُصول (٢).

اختلاف المتعاقدين في الموالاة والتنجيز والأهليّة

هذا كلّه إذا كان بطلان العقد عند كلٍّ من المتخالفين مستنداً إلى فعل الآخر ، كالصراحة والعربية والماضوية والترتيب ، وأمّا الموالاة والتنجيز وبقاء المتعاقدين على صفات صحّة الإنشاء إلى آخر العقد ، فالظاهر أنّ اختلافها يوجب فساد المجموع ؛ لأنّ بالإخلال (٣) بالموالاة أو التنجيز أو البقاء على صفات صحّة الإنشاء ، يفسد عبارة من يراها شروطاً ؛ فإنّ الموجب إذا علّق مثلاً ، أو لم يبقَ على صفة صحّة الإنشاء إلى زمان القبول باعتقاد مشروعيّة ذلك ، لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب بالقبول ، وكذا القابل إذا لم يقبل إلاّ بعد فوات الموالاة بزعم صحّة ذلك ؛ فإنّه يجب على الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة ، فتأمّل.

__________________

(١) لم ترد «إلاّ» في «ف».

(٢) انظر مطارح الأنظار : ٢٢ (هداية في الأمر الظاهري الشرعي). وراجع غيرها من كتب الأُصول في مبحث «إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي».

(٣) في «ع» و «ص» : «الإخلال» ، والظاهر من «ف» كونها : «بالاختلال».


مسألة

[أحكام المقبوض بالعقد الفاسد] (١)

[الأوّل] (٢)

ضمان المقبوض بالعقد الفاسد

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه ، وكان مضموناً عليه.

أمّا عدم الملك ؛ فلأنه مقتضى فرض الفساد.

دعوى الاجماع على الضمان

وأمّا الضمان بمعنى كون تلفه عليه وهو أحد الأُمور (٣) المتفرّعة على القبض بالعقد الفاسد فهو المعروف ، وادّعى الشيخ في باب الرهن (٤) ، وفي موضع من البيع : الإجماع عليه صريحاً (٥) ، وتبعه في ذلك (٦) فقيه عصره في شرح القواعد (٧).

وفي السرائر : أنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان (٨) ، وفي موضعٍ آخر نسبه إلى أصحابنا (٩).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) العنوان منّا‌

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «خ» و «ص» ، وفي سائر النسخ : أُمور.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٠٤.

(٥) نفس المصدر ٢ : ١٥٠.

(٦) في «ف» : على ذلك.

(٧) هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء في شرح القواعد (مخطوط) : ٥٢.

(٨) و (٩) السرائر ٢ : ٢٨٥ و ٣٢٦.


الاستدلال على الضمان

ويدلّ عليه : النبويّ المشهور : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (١).

والخدشة في دلالته : بأنّ كلمة «على» ظاهرة في الحكم التكليفي فلا يدلّ على الضمان ، ضعيفة جدّاً ؛ فإنّ هذا الظهور إنّما هو إذا أُسند الظرف إلى فعلٍ من أفعال المكلّفين ، لا إلى مالٍ من الأموال ، كما يقال : «عليه دين» ، فإنّ لفظة «على» حينئذٍ لمجرّد الاستقرار في العهدة ، عيناً كان أو ديناً ؛ ومن هنا كان المتّجه صحّة الاستدلال به على ضمان الصغير ، بل المجنون إذا لم يكن يدهما ضعيفة ؛ لعدم التمييز (٢) والشعور.

ويدلّ على الحكم المذكور أيضاً : قوله عليه‌السلام في الأمة المبتاعة إذا وُجِدت مسروقة بعد أن أولدها المشتري : إنّه (٣) «يأخذ الجارية صاحبها ، ويأخذ الرجل ولده بالقيمة» (٤) ، فإنّ ضمان الولد بالقيمة مع كونه نماءً لم يستوفه المشتري يستلزم ضمان الأصل بطريقٍ أولى ، وليس (٥) استيلادها من قبيل إتلاف النماء ، بل من قبيل إحداث نمائها (٦) غيرَ قابلٍ للملك ، فهو كالتالف لا المتلَف (٧) ، فافهم.

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٢) كذا في «ن» ، وفي سائر النسخ : التميّز.

(٣) لم ترد «إنّه» في «ف».

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٥) في «ش» : فليس.

(٦) في «ش» : إنمائها.

(٧) في «ش» : لا كالمتلف.


قاعدة ما يضمن بصحيحه وعكسها

ثمّ إنّ هذه المسألة من جزئيات القاعدة المعروفة «كلّ عقدٍ يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وهذه القاعدة أصلاً وعكساً وإن لم أجدها بهذه العبارة في كلام من تقدّم على العلاّمة ، إلاّ أنّها تظهر من كلمات الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، فإنّه علّل الضمان في غير واحدٍ من العقود الفاسدة : بأنّه دخل على أن يكون المال مضموناً عليه.

وحاصله : أنّ قبض المال مُقْدِماً على ضمانه بعوضٍ واقعيّ أو جعلي موجب للضمان ، وهذا المعنى يشمل المقبوض (٢) بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها.

وذكر أيضاً في مسألة عدم الضمان في الرهن الفاسد : أنّ صحيحه لا يوجب الضمان فكيف يضمن بفاسده (٣)؟ وهذا يدلّ على العكس المذكور.

ولم أجد من تأمّل فيها عدا الشهيد في المسالك فيما لو فسد عقد السبق في أنّه (٤) يستحقّ السابق اجرة المثل أم لا؟ (٥).

الكلام في معنى القاعدة

وكيف كان ، فالمهمّ بيان معنى القاعدة أصلاً وعكساً ، ثمّ بيان المدرك فيها.

__________________

(١) راجع المبسوط ٣ : ٥٨ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٨٥ و ٨٩.

(٢) في «ش» : القبوض.

(٣) المبسوط ٢ : ٢٠٤.

(٤) كذا في «ف» وهامش «خ» و «م» ، وفي سائر النسخ : بدل «في أنّه» : فهل.

(٥) المسالك ٦ : ١١٠.


معنى «العقد»

فنقول ومن الله الاستعانة : إنّ المراد ب «العقد» أعمّ من الجائز واللازم ، بل ممّا كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه ، فيشمل الجعالة والخلع.

معنى «الضمان»

والمراد بالضمان في الجملتين : هو كون دَرَك المضمون ، عليه ، بمعنى كون خسارته ودَرَكه في ماله الأصلي ، فإذا تلف وقع نقصان فيه ؛ لوجوب تداركه منه ، وأمّا مجرّد كون تلفه في ملكه بحيث يتلف مملوكاً له كما يتوهّم (١) فليس هذا معنى للضمان أصلاً ، فلا يقال : إنّ الإنسان ضامنٌ لأمواله.

ثمّ تداركه من ماله ، تارةً يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى هو والمالك على كونه عوضاً وأمضاه الشارع ، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح.

وأُخرى بأداء عوضه الواقعي وهو المثل أو القيمة وإن لم يتراضيا عليه.

وثالثة بأداء أقلّ الأمرين من العوض الواقعي والجعلي ، كما ذكره بعضهم في بعض المقامات (٢) مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

__________________

(١) قيل : إنّه الشيخ علي في حواشي الروضة في تفسير القاعدة. انظر غاية الآمال : ٢٧٧ ، وهداية الطالب : ٢١٠ ، ولعلّ المراد من الشيخ علي المذكور هو صاحب «الدرّ المنثور» حفيد صاحب المعالم ، انظر الذريعة ١٢ : ٦٧.

(٢) ذكره المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ١٧٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ٦ : ٦٣.


فإذا ثبت هذا ، فالمراد بالضمان بقولٍ مطلق ، هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي ؛ لأنّ هذا هو التدارك حقيقة ، ولذا (١) لو اشترط (٢) ضمان العارية لزم غرامة مثلها أو قيمتها. ولم يرد في أخبار ضمان المضمونات (٣) من المغصوبات وغيرها عدا لفظ «الضمان» بقولٍ مطلق.

وأمّا تداركه بغيره فلا بدّ من ثبوته من طريقٍ آخر ، مثل تواطئهما عليه بعقدٍ صحيح يُمضيه الشارع.

فاحتمال : أن يكون المراد بالضمان في قولهم : «يضمن بفاسده» هو وجوب أداء العوض المسمّى نظير الضمان في العقد الصحيح ـ ، ضعيف في الغاية (٤) ، لا لأنّ ضمانه بالمسمّى يخرجه من فرض الفساد ؛ إذ يكفي في تحقّق فرض الفساد بقاءُ كلٍّ من العوضين على ملك مالكه وإن كان عند تلف أحدهما يتعيّن الآخر للعوضيّة نظير المعاطاة على القول بالإباحة بل لأجل ما عرفت من معنى الضمان ، وأنّ التدارك بالمسمّى (٥) في الصحيح لإمضاء الشارع ما تواطئا على عوضيّته ، لا لأنّ‌

__________________

(١) في «ف» : ولهذا.

(٢) في «ع» و «ص» : «شرط» ، وكتب فوق الكلمة في «ص» : اشترط.

(٣) انظر الوسائل ١٣ : ٢٥٧ ٢٥٨ ، الباب ١٧ من أبواب أحكام الإجارة ، الأحاديث ٢ ٦ ، و ١٣ : ٢٧١ و ٢٧٦ ، الباب ٢٩ و ٣٠ ، و ١٩ : ١٧٩ ١٨٢ ، الباب ٨ ١١ من كتاب الديات وغيرها.

(٤) قال المحقّق المامقاني بعد نقل العبارة ـ : تعريض بما في شرح القواعد ، انظر غاية الآمال : ٢٧٩ ، وشرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء (مخطوط) : الورقة ٥٢.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المسمّى.


معنى الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكاً في العبارة ، فافهم.

عموم «العقود» ليس باعتبار الأنواع

ثمّ العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع ليكون أفراده مثل البيع والصلح والإجارة ونحوها ؛ لجواز كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان ، وإنّما المقتضي له بعض أصنافه ، فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به دون الفرد الفاسد من غير ذلك الصنف ، مثلاً الصلح بنفسه لا يوجب الضمان ؛ لأنّه قد لا يفيد إلاّ فائدة الهبة الغير المعوّضة أو الإبراء ، فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة ، فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب (١) للضمان أيضاً ، ولا يلتفت إلى أنّ نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضماناً فلا يضمن بفاسده ، وكذا الكلام في الهبة المعوّضة ، وكذا عارية الذهب والفضّة.

نعم ، ذكروا في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم : أنّ صحيح العارية لا يوجب الضمان فينبغي أن لا يضمن بفاسدها (٢) ، ولعلّ المراد عارية غير الذهب والفضّة ، وغير المشروط ضمانها.

ثمّ المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه ، فلو اقتضاه الشرط المتحقّق (٣) في ضمن العقد الصحيح ، ففي الضمان بالفاسد‌

__________________

(١) في «ف» : يوجب.

(٢) انظر المسالك ٥ : ١٣٩ ، والحدائق ٢١ : ٤٨٩ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٥٦ وغيرها ، وسوف يجي‌ء الكلام في المسألة عند التعرّض للإشكال في اطّراد القاعدة في الصفحة ١٩٥.

(٣) في «ف» : المحقّق.


من هذا الفرد المشروط فيه الضمان تمسّكاً بهذه القاعدة إشكال ، كما لو استأجر إجارة فاسدة واشترط فيها ضمان العين ، وقلنا بصحّة هذا الشرط ، فهل يضمن بهذا الفاسد لأنّ صحيحة يضمن به (١) ولو لأجل الشرط ، أم لا؟ وكذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة.

ويظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقاً (٢) ، تبعاً لظاهر المسالك (٣). ويمكن جعل الهبة المعوّضة من هذا القبيل ؛ بناءً على أنّها هبة مشروطة لا معاوضة.

وربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه : أنّ كلّ شخصٍ من العقود يضمن به لو كان صحيحاً ، يضمن به مع الفساد.

ويترتّب (٤) عليه عدم الضمان فيما (٥) لو استأجر بشرط أن لا اجرة كما اختاره الشهيدان (٦) ، أو باع بلا ثمن ، كما هو أحد وجهي العلاّمة في القواعد (٧).

ويضعّف : بأنّ الموضوع هو العقد الذي يوجد (٨) له بالفعل صحيح‌

__________________

(١) لم ترد «به» في «ف».

(٢) انظر الرياض ١ : ٦٢٥.

(٣) المسالك ٥ : ١٣٩ ١٤١.

(٤) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : ورتب.

(٥) لم ترد «فيما» في «ف».

(٦) نقله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٢٠ ، عن حواشي الشهيد ، ولكنّها لا توجد لدينا ، ونقله الشهيد الثاني أيضاً في المسالك ٥ : ١٨٤ ، وقال : وهو حسن.

(٧) القواعد ١ : ١٣٤.

(٨) كذا في «ف» ، وفي غيرها : وجد.


وفاسد ، لا ما يفرض تارةً صحيحاً وأُخرى فاسداً ، فالمتعيّن بمقتضى هذه القاعدة : الضمان في مسألة البيع ؛ لأنّ البيع الصحيح يضمن به.

نعم ، ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة : بأنّه أقدم على العين (١) مضمونة عليه ، لا يجري في هذا الفرع ، لكنّ الكلام في معنى القاعدة ، لا في مدركها.

معنى «الباء» في «بصحيحه» و «بفاسده»

ثمّ إنّ لفظة «الباء» في «بصحيحه» و «بفاسده» ، إمّا بمعنى «في» ، بأن يراد : كلّ ما تحقّق الضمان في صحيحه تحقّق في فاسده ، وإمّا لمطلق السببيّة الشامل للناقصة لا العلّة التامّة ؛ فإنّ العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلاّ بعد القبض ، كما في السلم والصرف ، بل مطلق البيع ، حيث إنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع ، بمعنى أنّ دَرَكَه عليه ، ويتداركه بردّ الثمن ، فتأمّل ، وكذا الإجارة والنكاح والخلع ؛ فإنّ المال في ذلك كلّه مضمون على من انتقل عنه إلى أن يتسلّمه من انتقل إليه.

وأمّا العقد الفاسد ، فلا يكون علّة تامّة أبداً ، بل يفتقر في ثبوت الضمان به (٢) إلى القبض فقبله لا ضمان ، فجعل الفاسد سبباً : إمّا لأنّه المنشأ للقبض على وجه الضمان الذي هو سبب للضمان ، وإمّا لأنّه سبب الحكم بالضمان بشرط القبض ؛ ولذا علّل الضمان الشيخ (٣) وغيره (٤)

__________________

(١) كالشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤.

(٢) لم ترد «به» في غير «ف».

(٣) تقدّم في الصفحة ١٨٢.

(٤) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤ ، و ٤ : ٥٦.


بدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه ، ولا ريب أنّ دخوله على الضمان إنّما هو بإنشاء العقد الفاسد ، فهو سبب لضمان ما يقبضه.

والغرض من ذلك كلّه : دفع ما يتوهّم أنّ سبب الضمان في الفاسد هو القبض ، لا العقد الفاسد ، فكيف يقاس الفاسد على الصحيح في سببيّة الضمان ويقال : كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟

وقد ظهر من ذلك أيضاً : فساد توهّم أنّ ظاهر القاعدة عدم توقّف الضمان في الفاسد على (١) القبض ، فلا بدّ من تخصيص القاعدة بإجماعٍ ونحوه.

الكلام في مدرك القاعدة الاستدلال بقاعدة الإقدام وخبر «على اليد»

ثمّ إنّ المدرك لهذه الكلية على ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعاً بعد انقضاء الأجل (٢) هو : إقدام الآخذ على الضمان ، ثمّ أضاف إلى ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (٣).

والظاهر أنّه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط (٤) ، حيث علّل الضمان في موارد كثيرة من البيع والإجارة الفاسدين ـ : بدخوله على أن يكون المال مضموناً عليه بالمسمّى ، فإذا لم يسلّم له المسمّى رجع إلى المثل أو القيمة.

المناقشة في الاستدلال بقاعدة الإقدام

وهذا الوجه لا يخلو عن (٥) تأمّل ؛ لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا‌

__________________

(١) كذا في «ن» ، وفي سائر النسخ : إلى.

(٢) المسالك ٤ : ٥٦.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، و ١ : ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٤) تقدّم في الصفحة ١٨٢.

(٥) في «ف» : من.


وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمانٍ خاصّ ، لا الضمان بالمثل أو القيمة (١) ، والمفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاصّ ، ومطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوّم بخصوصيّة اخرى ، فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت ، فحكم شرعي تابع لدليله وليس ممّا أقدم عليه المتعاقدان.

هذا كلّه ، مع أنّ مورد هذا التعليل أعمّ من وجه من المطلب ؛ إذ قد يكون الإقدام موجوداً ولا ضمان ، كما (٢) قبل القبض ، وقد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضمان ، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع إذا تلف في يد المشتري ، وكما إذا قال : «بعتك بلا ثمن» أو «آجرتك بلا اجرة».

نعم ، قوّى الشهيدان في الأخير عدم الضمان (٣) ، واستشكل العلاّمة في مثال البيع في باب السلم (٤).

وبالجملة ، فدليل الإقدام مع أنّه مطلب يحتاج إلى دليل لم نحصّله منقوض طرداً وعكساً.

المناقشة في الاستدلال بخبر «على اليد»

وأمّا خبر اليد (٥) فدلالته وإن كانت ظاهرة وسنده منجبراً ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : والقيمة.

(٢) لم ترد «كما» في «ف».

(٣) تقدّم عنهما في الصفحة ١٨٦.

(٤) القواعد ١ : ١٣٤.

(٥) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» ، عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦.


مورده مختصّ بالأعيان ، فلا يشمل المنافع والأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة.

الاستدلال بما دلّ على احترام مال المسلم وقاعدة نفي الضرر

اللهم إلاّ أن يستدلّ على الضمان فيها بما دلّ على احترام مال المسلم (١) ، وأنّه لا يحلّ مال امرئٍ (٢) إلاّ عن طيب نفسه (٣) ، وأنّ حرمة ماله كحرمة دمه (٤) ، وأنّه لا يصلح (٥) ذهاب حقّ أحد (٦) ، مضافاً إلى أدلّة نفي الضرر (٧) ، فكلّ عمل وقع من عاملٍ لأحدٍ بحيث يقع بأمره وتحصيلاً لغرضه ، فلا بدّ من أداء عوضه ؛ لقاعدتي الاحترام ونفي الضرار.

توجيه الاستدلال بقاعدة الاقدام

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ ومن تبعه من الاستدلال على الضمان بالإقدام والدخول عليه : بيان أنّ العين والمنفعة اللذين (٨) تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجّاناً وتبرّعاً حتى لا يقضي احترامهما‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٧ : ٣٠٩ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب ، الحديث ٤ ، وعوالي اللآلي ٣ : ٤٧٣ ، الأحاديث ١ ٥.

(٢) لم ترد «مال امرئ» في غير «ف».

(٣) الوسائل ٣ : ٤٢٥ ، الباب ٣ من أبواب مكان المصلّي ، الحديث ٣ ، مع اختلافٍ في اللفظ ، وعوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٤) الوسائل ٨ : ٥٩٩ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٩ ، والصفحة ٦١٠ ، الباب ١٥٨ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ٣.

(٥) في غير «ش» : لا يصحّ.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٩٠ ، الباب ٢٠ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٣.

(٧) منها ما ورد في الوسائل ١٧ : ٣٤٠ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

(٨) كذا في النسخ ، والمناسب : اللتين.


بتداركهما بالعوض ، كما في العمل المتبرّع به والعين المدفوعة مجّاناً أو أمانة ، فليس دليل الإقدام دليلاً مستقلا ، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال واحترام الأعمال.

نعم ، في المسالك ذكر كلاّ من الإقدام واليد دليلاً مستقلا (١) ، فيبقى عليه ما ذكر سابقاً من النقض والاعتراض (٢).

الضمان فيما لا يرجع فيه نفع إلى الضامن

ويبقى الكلام حينئذٍ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى الضامن ولم يقع بأمره ، كالسبق في المسابقة الفاسدة ، حيث حكم الشيخ (٣) والمحقّق (٤) وغيرهما (٥) بعدم استحقاق السابق اجرة المثل ، خلافاً لآخرين (٦) ، ووجهه : أنّ عمل العامل لم يعد نفعه إلى الآخر ، ولم يقع بأمره أيضاً ، فاحترام الأموال التي منها الأعمال لا يقضي بضمان‌

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٤ ، و ٤ : ٥٦.

(٢) أمّا النقض ، فهو ما أفاده في الصفحة السابقة بقوله : «وبالجملة فدليل الإقدام .. منقوض طرداً وعكساً». وأمّا الاعتراض ، فهو ما ذكره في الصفحة ١٨٨ ١٨٩ بقوله : «لأنّهما إنّما أقدما وتراضيا وتواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص لا الضمان بالمثل أو القيمة».

(٣) المبسوط ٦ : ٣٠٢ ، لكنّه نفى فيه استحقاق المسمّى ، وأمّا اجرة المثل فقد نسب إلى قومٍ ثبوته وإلى آخرين سقوطه.

(٤) الشرائع ٢ : ٢٤٠.

(٥) كالشهيد الثاني في المسالك ٦ : ١٠٩ ١١٠ ، والسبزواري في الكفاية : ١٣٩.

(٦) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ٢٦٣ ، والتذكرة ٢ : ٣٥٧ ، وولده فخر المحقّقين في الإيضاح ٢ : ٣٦٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٣٧.


الشخص له (١) ووجوب (٢) عوضه عليه ؛ لأنّه ليس كالمستوفي له ؛ ولذا كانت شرعيّته على خلاف القاعدة ، حيث إنّه بذل مالٍ في مقابل عملٍ لا ينفع الباذل ، وتمام الكلام في بابه.

لا فرق في الضمان بين جهل الدافع بالفساد ، وعلمه به

ثمّ إنّه لا فرق في ما ذكرنا من الضمان في الفاسد ، بين جهل الدافع بالفساد وبين علمه مع جهل القابض.

وتوهّم : أنّ الدافع في هذه الصورة هو الذي سلّطه عليه والمفروض أنّ القابض جاهل ، مدفوع : بإطلاق النصّ والفتوى ، وليس الجاهل مغروراً ؛ لأنّه أقدم على الضمان قاصداً ، وتسليط الدافع العالم لا يجعلها (٣) أمانة مالكية ؛ لأنّه دفعه على أنّه ملك المدفوع إليه ، لا أنّه أمانة عنده أو عارية ؛ ولذا لا يجوز له التصرّف فيه والانتفاع به ، وسيأتي تتمّة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري (٤).

هذا كلّه في أصل الكلّية المذكورة.

الكلام في عكس القاعدة

وأمّا عكسها ، وهو : أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ،

فمعناه : أنّ كلّ عقدٍ لا يفيد صحيحه ضمان مورده ففاسده لا يفيد ضماناً ، كما في عقد الرهن والوكالة والمضاربة والعارية الغير المضمونة ، بل المضمونة بناءً على أنّ المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه ، لا بأمرٍ خارج عنه ، كالشرط الواقع في متنه وغير ذلك من العقود اللازمة والجائزة.

__________________

(١) لم ترد «له» في «ف».

(٢) في «ف» : أو وجوب.

(٣) كذا في النسخ.

(٤) عبارة «ثمّ إنّه لا فرق إلى علم المشتري» لم ترد في «ف».


هل تضمن العين المستأجرة فاسدا؟

ثمّ إنّ مقتضى ذلك عدم ضمان العين المستأجرة فاسداً ؛ لأنّ صحيح الإجارة غير مفيدٍ لضمانها كما صرّح به في القواعد (١) والتحرير (٢) وحكي عن التذكرة (٣) و (٤) إطلاق الباقي (٥) ، إلاّ أنّ صريح الرياض الحكم بالضمان ، وحكى فيها عن بعضٍ نسبته إلى المفهوم من كلمات الأصحاب (٦) ، والظاهر أنّ المحكيّ عنه هو المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة (٧).

وما أبعد ما بينه وبين ما عن جامع المقاصد ؛ حيث قال في باب الغصب : إنّ الذي يلوح من كلامهم هو (٨) عدم ضمان العين المستأجرة فاسداً باستيفاء المنفعة ، والذي ينساق إليه النظر هو الضمان ، لأنّ التصرّف فيه (٩) حرام ؛ لأنّه غصب فيضمنه ، ثمّ قال : إلاّ أنّ كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها منافٍ لذلك ،

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٣٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٥٢ ، هذا وقد وردت الكلمة في أكثر النسخ هكذا : «ئر» ، ولكنّنا لم نقف عليه في السرائر ، فراجع.

(٣) التذكرة ٢ : ٣١٨.

(٤) لم ترد «و» في «ف».

(٥) كابن حمزة في الوسيلة : ٢٦٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ١٧٩ ، والشهيدين في اللمعة وشرحها (الروضة البهية) ٤ : ٣٣١.

(٦) الرياض ٢ : ٨.

(٧) مجمع الفائدة ١٠ : ٥٠.

(٨) لم ترد «هو» في «ف»

(٩) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.


فيقال : إنّه دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن مستحقّاً والأصل براءة الذمّة من الضمان فلا تكون العين بذلك مضمونة ، ولو لا ذلك لكان المرتهن ضامناً مع فساد الرهن ؛ لأنّ استيلاءه بغير حقّ وهو باطل (١) ، انتهى.

منشأ الحكم بالضمان

ولعلّ الحكم بالضمان في المسألة :

إمّا لخروجها عن قاعدة «ما لا يضمن» ؛ لأنّ المراد بالمضمون مورد العقد ، ومورد العقد في الإجارة المنفعة ، فالعين يُرجع في حكمها إلى القواعد ، وحيث كانت في صحيح الإجارة أمانة مأذوناً فيها شرعاً ومن طرف المالك ، لم يكن فيه (٢) ضمان ، وأمّا في فاسدها ، فدفع المؤجر للعين إنّما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها ؛ لحقّ الانتفاع فيه (٣) ، والمفروض عدم الاستحقاق ، فيده عليه (٤) يد عدوان موجبة للضمان.

وإمّا لأنّ (٥) قاعدة «ما لا يضمن» معارضة هنا بقاعدة اليد.

الأقوى عدم الضمان

والأقوى : عدم الضمان ، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة بالعين المستأجرة ، ولا متخصّصة.

الموارد التي توهم اطراد القاعدة فيها

١ ـ الصيد الذي استعاره المحرم

ثمّ إنّه يشكل اطّراد القاعدة في موارد :

منها : الصيد الذي استعاره المحرم من المحِلّ ؛

بناءً على فساد العارية ، فإنّهم حكموا بضمان المحرم له بالقيمة ، مع أنّ صحيح العارية‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٢١٦.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : فيها.

(٤) كذا ، والمناسب : عليها.

(٥) كلمة «لأنّ» وردت في غير «ف» مستدركة.


لا يضمن به ، ولذا ناقش الشهيد الثاني في الضمان على تقديري الصحّة والفساد (١).

إلاّ أن يقال : إنّ وجه ضمانه بعد البناء على أنّه يجب على المحرم إرساله وأداء قيمته ـ : أنّ المستقرّ عليه قهراً (٢) بعد العارية هي القيمة لا العين ، فوجوب دفع القيمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذي هو سبب لضمان ملك الغير في كلّ عقد ، لا بسبب التلف.

٢ ـ المنافع غير المستوفاة من المبيع فاسدا

ويشكل اطّراد القاعدة أيضاً في المبيع (٣) فاسداً بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها ؛ فإنّ هذه المنافع غير مضمونة في العقد الصحيح ، مع أنّها مضمونة في العقد الفاسد ، إلاّ أن يقال : إنّ ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح والفاسد ، وفيه نظر ؛ لأنّ نفس المنفعة غير مضمونة بشي‌ءٍ في العقد الصحيح ؛ لأنّ الثمن إنّما هو بإزاء العين دون المنافع.

٣ ـ حمل المبيع فاسدا

ويمكن نقض القاعدة أيضاً بحمل المبيع فاسداً ، على ما صرّح به في المبسوط (٤) والشرائع (٥) والتذكرة (٦) والتحرير (٧) : من كونه مضموناً على‌

__________________

(١) المسالك ٥ : ١٣٩.

(٢) لم ترد «قهراً» في «ف».

(٣) كذا في «ف» وظاهر «ن» ، وفي سائر النسخ : البيع.

(٤) المبسوط ٣ : ٦٥.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٣٦.

(٦) التذكرة ١ : ٤٩٦ ، و ٢ : ٣٩٧.

(٧) التحرير ٢ : ١٣٧.


المشتري ، خلافاً للشهيدين (١) والمحقّق الثاني (٢) وبعضٌ آخر (٣) تبعاً للعلاّمة في القواعد (٤) ، مع أنّ الحمل غير مضمون في البيع الصحيح ؛ بناءً على أنّه للبائع.

وعن الدروس توجيه كلام العلاّمة بما إذا اشترط الدخول في البيع (٥) ، وحينئذٍ لا نقض على القاعدة.

٤ ـ الشركة الفاسدة

ويمكن النقض أيضاً بالشركة الفاسدة ؛ بناءً على أنّه لا يجوز التصرّف بها ، فأخذ المال المشترك حينئذٍ عدواناً موجب للضمان.

مبنى عدم الضمان في عكس القاعدة هي الأولوية والمناقشة فيها

ثمّ إنّ مبنى هذه القضية السالبة على (٦) ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط (٧) هي الأولوية ، وحاصلها : أنّ الرهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟

وتوضيحه : أنّ الصحيح من العقد إذا لم يقتضِ الضمان مع إمضاء الشارع له ، فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر في الضمان ؛ لأنّ أثر الضمان إمّا من الإقدام على الضمان ، والمفروض عدمه ، وإلاّ لضمن‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٠٨ ، والروضة البهية ٧ : ٢٤ و ٢٥ ، والمسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٥.

(٢) جامع المقاصد ٦ : ٢٢٠.

(٣) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٥١١.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٢.

(٥) الدروس ٣ : ١٠٨ ، والعبارة في «ف» هكذا : إذا شرط الدخول في المبيع.

(٦) كلمة «على» وعبارة «هي الأولوية» وردتا في «ف» في الهامش استدراكاً.

(٧) تقدّمت في الصفحة ١٨٢.


بصحيحه ، وإمّا من (١) حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة ، والمفروض أنّها لا تؤثّر شيئاً.

ووجه الأولوية : أنّ الصحيح إذا كان مفيداً للضمان أمكن أن يقال : إنّ الضمان من مقتضيات الصحيح ، فلا يجري (٢) في الفاسد ؛ لكونه لغواً غير مؤثّر ، على ما سبق تقريبه : من أنّه أقدم على ضمان خاصّ ، والشارع لم يمضه فيرتفع أصل الضمان (٣).

المناقشة في الأولويّة

لكن يخدشها : أنّه يجوز أن يكون صحّة الرهن والإجارة المستلزمة لتسلّط المرتهن والمستأجر على العين شرعاً مؤثّرة في رفع الضمان ، بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلّطاً لهما على العين ، فلا أولويّة.

فإن قلت : إنّ الفاسد وإن لم يكن له دخل في الضمان ، إلاّ أنّ مقتضى عموم «على اليد» هو الضمان ، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة على القابض ، وبقي الباقي.

مدرك عكس القاعدة بنظر المؤلف

قلت : ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به المقبوض بفاسدها ، وهي (٤) عموم ما دلّ على أنّ من لم يضمّنه المالك سواء ملّكه إيّاه بغير عوض ، أو سلّطه على الانتفاع به ، أو استأمنه عليه (٥) لحفظه ، أو دفعه إليه لاستيفاء حقّه ، أو العمل فيه بلا اجرة أو‌

__________________

(١) كلمة «من» من «ش» ومصحّحة «خ».

(٢) في «ف» : ولا يجري.

(٣) سبق تقريبه في الصفحة ١٨٩.

(٤) كذا في النسخ ، وفي «ف» غير واضحة ، والمناسب : هو.

(٥) في «ف» : أو استأمنه به.


معها أو غير ذلك فهو غير ضامن (١).

أمّا في غير التمليك بلا عوض أعني الهبة فالدليل المخصّص لقاعدة الضمان عموم ما دلّ على أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن (٢) ، بل ليس لك أن تتّهمه (٣) (٤).

وأمّا في الهبة الفاسدة ، فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم «اليد» : بفحوى ما دلّ على خروج صور (٥) الاستئمان (٦) ؛ فإنّ استئمان المالك لغيره على ملكه إذا اقتضى عدم ضمانه له ، اقتضى التسليط المطلق عليه مجّاناً عدم ضمانه بطريقٍ أولى. والتقييد بالمجّانية لخروج التسليط المطلق بالعوض ، كما في المعاوضات ؛ فإنّه عين التضمين.

فحاصل أدلّة عدم ضمان المستأمن : أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجهٍ لا يضمِّنه بعوض واقعي أعني المثل أو القيمة (٧) ولا جعلي ، فليس عليه ضمان.

__________________

(١) قال الشهيدي في شرحه : «لم نعثر بهذا الدليل» ، بل الظاهر من عبارة المصنّف فيما بعد عدم عثوره عليه أيضاً (هداية الطالب : ٢١٨).

(٢) راجع الوسائل ١٣ : ٢٢٧ ، الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة ، والصفحة ٢٧٠ ، الباب ٢٨ من أبواب أحكام الإجارة ، الحديث الأوّل.

(٣) كما ورد في الحديث ٩ و ١٠ من الباب ٤ من أبواب أحكام الوديعة.

(٤) عبارة «بل ليس لك أن تتّهمه» لم ترد في «ف».

(٥) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «ش» ، وفي سائر النسخ بدل «صور» : مورد.

(٦) انظر الهامش ٢.

(٧) في «ن» ، «م» و «ش» : والقيمة.


[الثاني] (١)

وجوب ردّ المقبوض بالبيع الفاسد

الثاني من الأُمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالبيع الفاسد ، وجوب ردّه فوراً إلى المالك. والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرّف فيه كما يلوح (٢) من مجمع الفائدة (٣) ، بل صرّح في التذكرة (٤) كما عن جامع المقاصد ـ : أنّ مئونة الردّ على المشتري لوجوب ما لا يتمّ الردّ إلاّ به (٥) ، وإطلاقه يشمل ما لو كان في ردّه مئونة كثيرة ، إلاّ أن يقيّد بغيرها بأدلّة نفي الضرر.

الاستدلال على وجوب الردّ وحرمة الإمساك

ويدلّ عليه : أنّ الإمساك آناً ما تصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فلا يجوز ؛ لقوله عجّل الله فرجه : «لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه» (٦).

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) الضمير في قوله «يلوح» عائد إلى عدم جواز التصرّف ، لا إلى نفي الخلاف ، كما صرّح به المحقّق المامقاني ، انظر غاية الآمال : ٢٨٦.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ١٩٢.

(٤) التذكرة ١ : ٤٩٥.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٤٣٥.

(٦) الوسائل ١٧ : ٣٠٩ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب ، الحديث ٤.


ولو نوقش في كون الإمساك تصرّفاً ، كفى عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ لأخيه إلاّ عن طيب نفسه» (٢) حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به ، التي منها كونه في يده.

وأمّا توهّم : أنّ هذا بإذنه حيث إنّه دفعه باختياره ، فمندفع : بأنّه إنّما ملّكه إيّاه عوضاً ، فإذا انتفت صفة العوضيّة باعتبار عدم سلامة العوض له شرعاً (٣) ، والمفروض أنّ كونه على وجه الملكيّة المجانيّة ممّا لم ينشئها المالك ، وكونه مالاً للمالك و (٤) أمانة في يده أيضاً ممّا لم يؤذن فيه ، ولو أذن له فهو استيداع جديد ، كما أنّه لو ملّكه مجّاناً كانت هبة جديدة.

الظاهر من المبسوط والسرائر عدم الإثم في الإمساك

هذا ، ولكنّ الذي يظهر من المبسوط (٥) : عدم الإثم في إمساكه (٦) ، وكذا السرائر ناسباً له إلى الأصحاب (٧) ، وهو ضعيف ، والنسبة غير ثابتة ، ولا يبعد إرادة صورة الجهل ؛ لأنّه لا يعاقب.

__________________

(١) في «ف» ، «ن» ، «خ» و «ع» : عليه‌السلام.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٢٥ ، الباب ٣ من أبواب مكان المصلّي ، الحديث ٣ ، باختلافٍ في اللفظ. ورواه في عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ و ٢٤٠ ، الحديث ٣٠٩ و ٦.

(٣) الظاهر سقوط جواب الشرط ، وهو «انتفى الإذن».

(٤) لم ترد «و» في «ف».

(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : «في قبضه معلّلاً بأنّه قبضه بإذن مالكه ، وقد تقدّم أيضاً من التحرير التصريح بعدم الإثم» ، وشطب عليها في «ن» ، ولعلّها كانت حاشية خلطت بالمتن ، ويشهد لذلك عدم تقدّم كلام من التحرير في المسألة ، ولم نقف في التحرير أيضاً على التصريح بعدم الإثم في الإمساك.

(٦) المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٧) السرائر ٢ : ٣٢٦.


الثالث

ضمان المنافع المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد ، والدليل عليه

أنّه لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الردّ ، كان عليه عوضها على المشهور ، بل ظاهر ما تقدّم من السرائر ، من كونه بمنزلة المغصوب (١) : الاتّفاق على الحكم.

ويدلّ عليه : عموم قوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم (٢) إلاّ عن طيب نفسه» (٣) ، بناءً على صدق المال على المنفعة ، ولذا يجعل ثمناً في البيع وصداقاً في النكاح.

نفي ابن حمزة الضمان بالنبوي : «الخراج بالضمان»

خلافاً للوسيلة ، فنفى الضمان ؛ محتجّاً بأنّ الخراج بالضمان (٤) كما في النبويّ المرسل (٥).

وتفسيره : أنّ مَن ضمن شيئاً وتقبّله لنفسه فخراجه له ، فالباء‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٨٠.

(٢) في «ش» زيادة : لأخيه.

(٣) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٤) الوسيلة : ٢٥٥.

(٥) عوالي اللآلي ١ : ٢١٩ ، الحديث ٨٩.


للسببية أو المقابلة ، فالمشتري لمّا أقدم على ضمان المبيع وتقبّله على نفسه بتقبيل البائع وتضمينه إيّاه على أن يكون الخراج له مجّاناً ، كان اللازم على (١) ذلك أنّ خراجه له على تقدير الفساد ، كما أنّ الضمان عليه على هذا التقدير أيضاً.

والحاصل : أنّ ضمان العين لا يجتمع مع ضمان الخراج ، ومرجعه إلى أنّ الغنيمة والفائدة بإزاء الغرامة ، وهذا المعنى مستنبط من أخبار كثيرة متفرّقة ، مثل قوله عليه‌السلام في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري : «ألا ترى أنّها لو أُحرقت كانت من مال المشتري؟» (٢) ونحوه في الرهن (٣) وغيره.

المناقشة في الاستدلال

وفيه : أنّ هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتّى يكون الخراج بإزائه ، وإنّما هو أمرٌ قهريٌّ حكم به الشارع كما حكم بضمان المقبوض بالسوم والمغصوب.

المراد بـ «الضمان» في النبوي

فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج : التزام الشي‌ء على نفسه وتقبّله له مع إمضاء الشارع له.

وربما ينتقض ما ذكرنا في معنى الرواية بالعارية المضمونة ؛ حيث إنّه أقدم على ضمانها ، مع أنّ خراجها ليس له ؛ لعدم تملّكه للمنفعة ، وإنّما‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : من.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥٦ ، الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ ، ولفظ الحديث : «أرأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت تكون الدار ، دار المشتري؟!» ، ومثله في الدلالة الحديث الأوّل من هذا الباب.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٢٦ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الرهن ، الحديث ٦ ، وغيره.


تملّك الانتفاع الذي عيّنه المالك ، فتأمّل.

والحاصل : أنّ دلالة الرواية (١) لا تقصر عن سندها في الوهن ، فلا يترك لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم واحترامه وعدم حلّه إلاّ عن طيب النفس.

استدلالان آخران على الضمان ، والمناقشة فيهما

وربما يردّ هذا القول : بما ورد في شراء الجارية المسروقة ، من ضمان قيمة الولد وعوض اللبن ، بل عوض كلّ ما انتفع (٢).

وفيه : أنّ الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين من جهة أنّ مالك العين جعل خراجها له بإزاء ضمانها بالثمن ، لا ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير.

وأضعف من ذلك ردّه بصحيحة أبي ولاّد (٣) المتضمّنة لضمان منفعة المغصوب المستوفاة ؛ ردّاً على أبي حنيفة القائل بأنّه إذا تحقّق ضمان العين ولو بالغصب سقط كراها (٤) ، كما يظهر من تلك الصحيحة.

نعم ، لو كان القول المذكور موافقاً لقول أبي حنيفة في إطلاق القول بأنّ الخراج بالضمان ، انتهضت الصحيحة وما قبلها ردّاً عليه.

حكم المنافع الفائتة بغير استيفاء

هذا كلّه في المنفعة المستوفاة ، وأمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء ،

__________________

(١) أي النبوي المرسل : «الخراج بالضمان» ، المتقدّم في الصفحة ٢٠١.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الأحاديث ٢ ٥.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣١٣ ، الباب ٧ من أبواب الغصب ، الحديث الأوّل.

(٤) انظر بداية المجتهد ٢ : ٢٣١ ، والمغني لابن قدامة ٥ : ٥٠١.


ما يمكن أن يستدلّ به على الضمان

فالمشهور فيها أيضاً الضمان ، وقد عرفت عبارة السرائر المتقدّمة (١) ، ولعلّه لكون المنافع أموالاً في يد من بيده العين ، فهي مقبوضة في يده ؛ ولذا يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين ، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر ، ويتحقّق قبض الثمن في السلَم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمناً ، وكذا الدار المجعول سكناها ثمناً ، مضافاً إلى أنّه مقتضى احترام مال المسلم ؛ إذ كونه في يد غير مالكه مدّة طويلة من غير اجرةٍ منافٍ للاحترام.

المناقشة في الاستدلال

لكن يشكل الحكم بعد تسليم كون المنافع أموالاً حقيقة ـ : بأنّ مجرّد ذلك لا يكفي في تحقّق الضمان ، إلاّ أن يندرج في عموم «على اليد ما أخذت» (٢) ، ولا إشكال (٣) في عدم شمول صلة الموصول للمنافع ، وحصولها في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ. ودعوى : أنّه كناية عن مطلق الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض (٤) الأعيان ، مشكلة.

وأمّا احترام مال المسلم ، فإنّما يقتضي عدم حلّ التصرّف فيه (٥) وإتلافه بلا عوض ، وإنّما يتحقّق ذلك في الاستيفاء.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ١٨٠ ، وإليك نصّها : إنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في الضمان.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦.

(٣) في «ش» : فلا إشكال.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ف» : «لبعض» ، وفي سائر النسخ : لقبض.

(٥) لم ترد «فيه» في «ف».


القول بعدم الضمان موافق للأصل

فالحكم بعدم الضمان مطلقاً كما عن الإيضاح (١) أو مع علم البائع بالفساد كما عن بعضٍ آخر (٢) موافق للأصل السليم.

مضافاً إلى أنّه قد يدّعى شمول قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» [له (٣)]. ومن المعلوم (٤) أنّ صحيح البيع لا يوجب ضماناً للمشتري للمنفعة ؛ لأنّها له مجّاناً ولا يتقسّط الثمن عليها ، وضمانها مع الاستيفاء لأجل الإتلاف ، فلا ينافي القاعدة المذكورة ؛ لأنّها بالنسبة إلى التلف لا الإتلاف.

مضافاً إلى الأخبار الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية المسروقة المبيعة (٥) ، الساكتة من ضمان غيرها في مقام البيان.

وكذا صحيحة محمّد بن قيس الواردة في مَن باع وليدة أبيه بغير إذنه ، فقال عليه‌السلام : «الحكم أن يأخذ الوليدة وابنها» (٦) وسكت عن المنافع الفائتة ، فإنّ عدم الضمان في هذه الموارد مع كون العين لغير البائع يوجب عدم الضمان هنا بطريقٍ أولى.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٤.

(٢) نسبه المؤلّف قدس‌سره إلى بعض من كتب على الشرائع ، انظر الصفحة الآتية.

(٣) من مصحّحة «ص».

(٤) في «ف» : إذ من المعلوم.

(٥) الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الأحاديث ٢ ٥.

(٦) نفس المصدر ، الحديث الأوّل.


للتوقّف في المسألة مجال

والإنصاف : أنّ للتوقّف في المسألة كما في المسالك (١) تبعاً للدروس (٢) والتنقيح (٣) مجالاً.

وربما يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرّض لأحكام البيع الفاسد ـ : اختصاص الإشكال والتوقّف بصورة علم البائع (٤) على ما استظهره السيّد العميد (٥) والمحقّق الثاني (٦) من عبارة الكتاب ، وعن الفخر : حمل الإشكال في العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء (٧).

محصّل الأقوال في المسألة

فتحصّل (٨) من ذلك كلّه : أنّ الأقوال في ضمان المنافع الغير المستوفاة خمسة :

الأوّل : الضمان ، وكأنّه للأكثر.

الثاني : عدم الضمان ، كما عن الإيضاح.

الثالث : الضمان إلاّ مع علم البائع ، كما عن بعض مَن كتب على الشرائع (٩).

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٤.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٤.

(٣) التنقيح الرائع ٢ : ٣٢.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٨.

(٥) كنز الفوائد ١ : ٦٧٦.

(٦) جامع المقاصد ٦ : ٣٢٤ ٣٢٥.

(٧) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٤.

(٨) كذا في «ف» و «ص» ، وفي «ش» وظاهر «ن» : «فيتحصّل» ، وفي سائر النسخ : «فيحصل».

(٩) لم نقف عليه.


الرابع : التوقّف في هذه الصورة ، كما استظهره جامع المقاصد والسيّد العميد من عبارة القواعد.

الخامس : التوقّف مطلقاً ، كما عن الدروس والتنقيح والمسالك ومحتمل القواعد ، كما يظهر من فخر الدين.

وقد عرفت أنّ التوقّف أقرب إلى الإنصاف ، إلاّ أنّ المحكي من التذكرة ما لفظه (١) : إنّ منافع الأموال من العبيد (٢) والثياب والعقار وغيرها مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية ، فلو غصب عبداً أو جارية (٣) أو عقاراً أو حيواناً مملوكاً ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها ، أو فاتت تحت يده بأن بقيت مدّة في يده (٤) لا يستعملها عند علمائنا أجمع (٥).

ولا يبعد أن يراد ب «اليد العادية» مقابل اليد الحقّة ، فيشمل يد المشتري في ما نحن فيه ، خصوصاً مع علمه (٦) ، سيّما مع جهل البائع به.

وأظهر منه ما في السرائر في آخر باب الإجارة ـ : من الاتّفاق أيضاً على ضمان منافع المغصوب الفائتة (٧) ، مع قوله في باب البيع : إنّ‌

__________________

(١) لم ترد «ما لفظه» في «ف» و «ش».

(٢) كذا في «ف» و «ن» ، وفي سائر النسخ : العبد.

(٣) في المصدر زيادة : أو ثوباً.

(٤) في «ف» : بأن بقيت تحت يده مدّة.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٨١.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «م» ، وفي سائر النسخ : غلبته.

(٧) السرائر ٢ : ٤٧٩.


البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشي‌ء المغصوب إلاّ في ارتفاع الإثم عن إمساكه (١) ، انتهى.

القول بالضمان لا يخلو من قوّة

وعلى هذا ، فالقول بالضمان لا يخلو عن قوّة ، وإن كان المتراءى من ظاهر صحيحة أبي ولاّد (٢) اختصاص الضمان في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلى غير محلّ الرخصة ، إلاّ أنّا لم نجد بذلك عاملاً في المغصوب الذي هو موردها.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٣٢٦.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣١٣ ، الباب ٧ من أبواب الغصب ، الحديث الأوّل.


الرابع

ضمان المثلي بالمثل

إذا تلف المبيع ، فإن كان مثليّا وجب مثله‌ بلا خلاف إلاّ ما يحكى عن ظاهر الإسكافي (١).

تعريف «المثلي» عند المشهور

وقد اختلف كلمات أصحابنا في تعريف المثلي ، فالشيخ (٢) وابن زهرة (٣) وابن إدريس (٤) والمحقّق (٥) وتلميذه (٦) والعلاّمة (٧) وغيرهم (٨) قدّس الله أسرارهم ، بل المشهور على ما حكي (٩) أنّه : ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة.

__________________

(١) حكاه العلاّمة في المختلف ٦ : ١٣١ ، والشهيد في غاية المراد : ١٣٥ ، وغيرهما.

(٢) المبسوط ٣ : ٥٩.

(٣) الغنية : ٢٧٨.

(٤) السرائر ٢ : ٤٨٠.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٣٩.

(٦) وهو الفاضل الآبي في كشف الرموز ٢ : ٣٨٢.

(٧) القواعد ١ : ٢٠٣.

(٨) مثل أبي العباس في المهذّب البارع ٤ : ٢٥١ ، والمقتصر : ٣٤٢.

(٩) حكاه الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٧ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.


توضح التعرف

والمراد بأجزائه : ما يصدق عليه اسم الحقيقة. والمراد بتساويها من حيث القيمة : تساويها بالنسبة ، بمعنى كون قيمة كلّ بعضٍ بالنسبة إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث المقدار ؛ ولذا قيل في توضيحه : إنّ المقدار منه إذا كان يستوي (١) قيمة (٢) ، فنصفه يستوي (٣) نصف تلك القيمة (٤).

ومن هنا رجّح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميّاً ، قال : إذ لو انفصلت نقصت قيمتها (٥).

قلت : وهذا يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليّا ؛ إذ لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع (٦) ، إلاّ أن يقال : إنّ الدرهم مثليّ بالنسبة إلى نوعه. وهو الصحيح ؛ ولذا لا يعدّ الجريش مِثلاً للحنطة ، ولا الدُّقاقة مِثلاً للأرُزّ.

ومن هنا يظهر أنّ كلّ نوعٍ من أنواع الجنس الواحد ، بل كلّ‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعلّه مصحّف «يسوي» بمعنى : يساوي ، لكن عن الأزهري : أنّ قولهم «يسوي» ليس عربيّاً صحيحاً ، انظر المصباح المنير ، مادّة : «سوى».

(٢) في «م» زيادة : معيّنة.

(٣) كذا في النسخ ، ولعلّه مصحّف «يسوي» بمعنى : يساوي ، لكن عن الأزهري : أنّ قولهم «يسوي» ليس عربيّاً صحيحاً ، انظر المصباح المنير ، مادّة : «سوى».

(٤) قاله الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.

(٥) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٩.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي «ف» ومصحّحة «ص» : «نقص قيمة نصفيه عن قيمة المجموع» ، وفي سائر النسخ : «نقص قيمة نصفه عن قيمة المجموع».


صنفٍ من أصناف نوعٍ واحد مثليّ بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع أو الصنف.

فلا يرد ما قيل : من أنّه إن أُريد التساوي بالكلّية ، فالظاهر عدم صدقه على شي‌ء من المعرَّف ؛ إذ ما من مثليٍّ إلاّ وأجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة ؛ فإنّ قفيزاً من حنطة (١) يساوي عشرة ومن اخرى يساوي عشرين. وإن أُريد التساوي في الجملة ، فهو في القيمي موجود ، كالثوب والأرض (٢) ، انتهى.

وقد لوّح هذا المورد في آخر كلامه إلى دفع إيراده بما ذكرنا : من أنّ كون الحنطة مثليّة معناه : أنّ كلّ صنفٍ منها (٣) متماثل الأجزاء (٤) ومتساوٍ (٥) في القيمة ، لا بمعنى أنّ جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة ، فإذا كان المضمون بعضاً من صنف ، فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف ، لا القيمة ولا بعض من صنف (٦) آخر (٧).

لكنّ الإنصاف : أنّ هذا خلاف ظاهر كلماتهم ؛ فإنّهم يطلقون المثلي على جنس الحنطة والشعير ونحوهما ، مع عدم صدق التعريف‌

__________________

(١) في «ف» : الحنطة.

(٢) قاله المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٢ ٥٢٣.

(٣) في غير «ش» : منه.

(٤) كذا في «ن» ، وفي «ش» : «لأجزاء» ، وفي سائر النسخ : للأجزاء.

(٥) في غير «ش» : متساوية.

(٦) في «ف» : الصنف الآخر.

(٧) انظر مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٥ ٥٢٦.


عليه ، وإطلاق المثلي على الجنس باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه وإن لم يكن بعيداً ، إلاّ أنّ انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار بعيد جدّاً ، إلاّ أن يُهملوا خصوصيّات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة ونقصانها ، كما التزمه بعضهم (١).

غاية الأمر وجوب رعاية الخصوصيّات عند أداء المثل عوضاً عن التالف ، أو القرض ، وهذا أبعد.

هذا ، مضافاً إلى أنّه يشكل اطّراد التعريف بناءً على هذا ، بأنّه :

إن أُريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساوياً حقيقيّا ، فقلّ ما (٢) يتّفق ذلك في الصنف الواحد من النوع ؛ لأنّ أشخاص ذلك الصنف لا تكاد تتساوى في القيمة ؛ لتفاوتها بالخصوصيّات الموجبة لزيادة الرغبة ونقصانها ، كما لا يخفى.

وإن أُريد تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة وإن لم يتساو حقيقة ، تحقّق ذلك في أكثر القيميّات ؛ فإنّ لنوع الجارية أصنافاً متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة ، وبهذا الاعتبار يصحّ السلَم فيها ، ولذا اختار العلاّمة في باب القرض من التذكرة على ما حكي عنه (٣) أنّ ما يصحّ فيه السلَم من القيميّات مضمون في القرض بمثله (٤).

__________________

(١) لم نقف عليه بعينه ، ولعلّه ينظر إلى ما قاله الشهيد الثاني وغيره في المثلي : من أنّ المثل ما يتساوى قيمة أجزائه ، أي أجزاء النوع الواحد منه ، انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، والكفاية : ٢٥٧ وغيرهما.

(٢) في مصحّحة «ص» : فإنّه قلّما.

(٣) عبارة «على ما حكي عنه» لم ترد في «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٤) التذكرة ٢ : ٥.


وقد عدّ الشيخ في المبسوط الرطب والفواكه من القيميّات (١) ، مع أنّ كلّ نوعٍ منها مشتمل على أصناف متقاربة في القيمة ، بل متساوية عرفاً.

ثمّ لو فرض أنّ الصنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيميّة عزيز الوجود بخلاف الأنواع المثليّة ، لم يوجب ذلك إصلاح طرد التعريف. نعم ، يوجب ذلك الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثلي بالمثل ، والقيمي بالقيمة.

تعارف اُخرى للمثلي

ثمّ إنّه قد (٢) عُرِّف المثلي بتعاريف أُخر أعمّ من التعريف المتقدّم أو أخصّ :

فعن التحرير : أنّه ما تماثلت أجزاؤه وتقاربت صفاته (٣).

وعن الدروس والروضة : أنّه المتساوي الأجزاء والمنفعة ، المتقارب الصفات (٤) ، وعن المسالك والكفاية : أنّه أقرب التعريفات إلى السلامة (٥).

وعن غاية المراد : ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية (٦).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٩٩.

(٢) لم ترد «قد» في «ف».

(٣) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٢ ، وانظر التحرير ٢ : ١٣٩ ، وفيه : «ويتفاوت صفاته» ، ولم نقف على غيره.

(٤) الدروس ٣ : ١١٣ ، الروضة البهية ٧ : ٣٦.

(٥) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ ، الكفاية : ٢٥٧ ، واللفظ للأخير ، وحكاه عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٢.

(٦) غاية المراد : ١٣٥ ، وفيه : ما تتساوى.


وعن بعض العامّة : أنّه ما قدّر بالكيل أو الوزن (١).

وعن آخر منهم زيادة : جواز بيعه سلماً (٢).

وعن ثالث منهم زيادة : جواز بيع بعضه ببعض (٣) ، إلى غير ذلك ممّا حكاه في التذكرة عن العامّة (٤).

ثمّ (٥) لا يخفى أنّه ليس للفظ «المثلي» حقيقة شرعيّة ولا متشرّعيّة (٦) ، وليس المراد معناه اللغوي ؛ إذ المراد بالمثل لغةً : المماثل ، فإن أُريد من جميع الجهات فغير منعكس ، وإن أُريد من بعضها ، فغير مطّرد.

وليس في النصوص حكم يتعلّق بهذا العنوان حتّى يبحث عنه. نعم ، وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم (٧) على أنّ المثلي يضمن بالمثل ، وغيره بالقيمة ، ومن المعلوم أنّه لا يجوز الاتّكال في تعيين معقد الإجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين.

وحينئذٍ فينبغي أن يقال : كلّ ما كان مثلياً باتّفاق المجمعين‌

__________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٧ ، والمغني ؛ لابن قدامة ٥ : ٢٣٩ ٢٤٠ ، والمحلّى ٦ : ٤٣٧.

(٢) انظر مغني المحتاج ٢ : ٢٨١.

(٣) لم نقف عليه في ما بأيدينا من كتب العامّة.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨١.

(٥) في «ف» : ثمّ إنّه.

(٦) في النسخ : ولا متشرّعة.

(٧) انظر جامع المقاصد ٦ : ٢٤٥ ، والرياض ٢ : ٣٠٣ ، والمناهل : ٢٩٩ ، ومفتاح الكرامة ٦ : ٢٤١ ، والجواهر ٣٧ : ٨٥.


فلا إشكال في ضمانه بالمثل ؛ للإجماع ، ويبقى ما كان مختلفاً فيه بينهم ، كالذهب والفضّة الغير المسكوكين ، فإنّ صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميّات (١) ، وظاهر غيره (٢) كونهما مثليين ، وكذا الحديد والنحاس والرصاص ؛ فإنّ ظواهر عبائر المبسوط (٣) والغنية (٤) والسرائر (٥) كونها قيميّة.

وعبارة التحرير صريحة في كون أُصولها مثليّة وإن كان المصوغ منها قيميّاً (٦).

وقد صرّح الشيخ في المبسوط : بكون الرطب والعنب قيميّاً (٧) ، والتمر والزبيب مثليّا (٨).

وقال في محكي المختلف : إنّ في الفرق إشكالاً (٩) ، بل صرّح بعض‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٦١.

(٢) كالمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٤٠ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣٩ ، والتذكرة ٢ : ٣٨٤ ، والمختلف ٦ : ١٢٢ ، والشهيد في الدروس ٣ : ١١٦ ، ونسبه الشهيد الثاني إلى المشهور ، انظر المسالك ٢ : ٢٠٩ ، ومثله في الكفاية : ٢٥٨.

(٣) المبسوط ٣ : ٦٠.

(٤) الغنية : ٢٧٨.

(٥) السرائر ٢ : ٤٨٠.

(٦) التحرير ٢ : ١٣٩.

(٧) كذا في النسخ ، والمناسب : «قيميّين» ، كما في مصحّحة «ص» ، وهكذا الكلام في «مثليّا».

(٨) انظر المبسوط ٣ : ٩٩ ١٠٠.

(٩) المختلف ٦ : ١٣٥.


من قارب عصرنا بكون الرطب والعنب مثليّين (١).

وقد حكي عن موضعٍ من جامع المقاصد : أنّ الثوب مثليّ (٢) ، والمشهور خلافه. وأيضاً فقد مثّلوا للمثلي بالحنطة والشعير (٣) ، ولم يعلم أنّ المراد نوعهما أو كلّ صنف؟ وما المعيار في الصنف؟ وكذا التمر.

ما هو الأصل فيما يشكّ في كونه مثلياً أو قيمياً؟

والحاصل : أنّ موارد عدم تحقّق الإجماع على المثليّة فيها كثيرة ، فلا بدّ من ملاحظة أنّ الأصل الذي يرجع إليه عند الشكّ هو الضمان بالمثل ، أو بالقيمة ، أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل والقيمة؟

ولا يبعد أن يقال : إنّ الأصل هو تخيير الضامن ؛ لأصالة براءة ذمّته عمّا زاد على ما يختاره ، فإن فُرِض إجماعٌ على خلافه فالأصل تخيير المالك ؛ لأصالة عدم براءة ذمّته بدفع ما لا يرضى به المالك ، مضافاً إلى عموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٤) فإنّ مقتضاه عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين ، خرج ما إذا رضي المالك بشي‌ءٍ آخر.

والأقوى : تخيير المالك من أوّل الأمر ؛ لأصالة الاشتغال ، والتمسّك بأصالة البراءة لا يخلو من منع.

__________________

(١) صرّح به المحقّق القميّ في جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ٢ : ٥٤٣ ٥٤٤.

(٢) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٩ ، وانظر جامع المقاصد ٦ : ٢٥٠.

(٣) كما في جامع المقاصد ٦ : ٢٤٣ ، والروضة البهية ٧ : ٣٦ ، ومجمع الفائدة ١٠ : ٥٢٢.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.


نعم ، يمكن أن يقال بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال ، والإجماع على عدم تخيير المالك ـ : التخيير في الأداء من جهة دوران الأمر بين المحذورين ، أعني : تعيّن المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة ولا للضامن الامتناع ، وتعيين (١) القيمة كذلك ، فلا متيقّن في البين ، ولا يمكن البراءة اليقينية عند التشاحّ ، فهو من باب تخيير المجتهد في الفتوى ، فتأمّل.

مقتضى القاعدة : الضمان بالمثل ثمّ بالقيمة من النقدين

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات والأمانات المفرّط فيها ، وغير ذلك ، هو الضمان بالمثل ؛ لأنّه أقرب إلى التالف من حيث الماليّة والصفات ، ثمّ بعده قيمة التالف من النقدين وشبههما ؛ لأنّهما (٢) أقرب من حيث الماليّة ؛ لأنّ ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما.

ولأجل الاتّكال على هذا الظهور لا تكاد تظفر على موردٍ واحد من هذه الموارد على كثرتها قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به ، بل كلّها إلاّ ما شذّ وندر قد أُطلق فيها الضمان ، فلولا الاعتماد على ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان.

الاستدلال على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة بآية الاعتداء

وقد استدلّ في المبسوط (٣) والخلاف (٤) على ضمان المثلي بالمثل ، والقيمي بالقيمة بقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ

__________________

(١) في غير «ش» : وبين تعيين.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : لأنّه.

(٣) المبسوط ٣ : ٦٠.

(٤) الخلاف ٣ : ٤٠٢ و ٤٠٦ ، كتاب الغصب ، المسألة ١١ و ١٨.


مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) بتقريب : أنّ مماثل «ما اعتدى» هو المثل في المثلي ، والقيمة في غيره ، واختصاص الحكم بالمتلف عدواناً (٢) لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.

وربما يناقش في الآية بأنّ مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء لا المعتدى به (٣) ، وفيه نظر.

المناقشة في الاستدلال

نعم ، الإنصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه (٤) بالقول المشهور ؛ لأنّ مقتضاهما وجوب المماثلة العرفية في الحقيقة والماليّة ، وهذا يقتضي اعتبار المثل حتّى في القيميّات ، سواءً وجد المثل فيها أم لا.

أمّا مع وجود المثل فيها ، كما لو أتلف ذراعاً من كرباس طوله عشرون ذراعاً متساوية من جميع الجهات ، فإنّ مقتضى العرف والآية : إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر من ذلك ولو بأضعاف قيمته ودفعه إلى مالك الذراع المتلف ، مع أنّ القائل بقيمية الثوب لا يقول به ، وكذا لو أتلف عليه عبداً وله في ذمّة المالك بسبب القرض أو السلم عبد موصوف بصفات التالف ، فإنّهم لا يحكمون بالتهاتر القهريّ ، كما يشهد به ملاحظة كلماتهم في بيع عبدٍ من عبدين (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) لم ترد «عدواناً» في «ف».

(٣) المناقشة من السيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٣.

(٤) وهو استظهار الضمان بالمثل عرفاً من إطلاقات أدلّة الضمان في الصفحة السابقة بقوله : ولكن يمكن أن يقال .. إلخ.

(٥) راجع الخلاف ٣ : ٢١٧ ، كتاب السلم ، المسألة ٣٨ ، والشرائع ٢ : ١٨ ، والدروس ٣ : ٢٠١ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٣٥٣.


نعم ، ذهب جماعة منهم الشهيدان في الدروس والمسالك (١) إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة ، لكن لعلّه من جهة صدق أداء القرض بأداء العين ، لا من جهة ضمان القيمي (٢) بالمثل ؛ ولذا اتّفقوا على عدم وجوب قبول غيرها وإن كان مماثلاً لها من جميع الجهات.

وأمّا مع عدم وجود المثل للقيميّ التالف ، فمقتضى الدليلين (٣) عدم سقوط المثل من الذمّة بالتعذّر ، كما لو تعذّر المثل في المثلي ، فيضمن بقيمته يوم الدفع كالمثلي ، ولا يقولون به.

وأيضاً ، فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصاناً فاحشاً ، فمقتضى ذلك عدم وجوب (٤) إلزام المالك بالمثل ؛ لاقتضائهما (٥) اعتبار المماثلة في الحقيقة والمالية ، مع أنّ المشهور كما يظهر من بعض (٦) إلزامه به وإن قوّى خلافه بعض (٧) ، بل ربما احتمل جواز دفع‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٢٠ ، المسالك ٣ : ٤٤٩.

(٢) كذا في «ش» و «ص» ومصحّحة «خ» ، «م» ، «ع» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ف» : المثلي ، وفي «ن» : القيمية.

(٣) أي : الاستظهار العرفي والآية.

(٤) في شرح الشهيدي : الصواب «الجواز» بدل «الوجوب» كما لا يخفى ، انظر هداية الطالب : ٢٣١.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «خ» ، وفي سائر النسخ : لاقتضائها.

(٦) انظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٢ ، والجواهر ٣٧ : ٩٩.

(٧) قوّاه الشهيد قدس‌سره في الدروس ٣ : ١١٣ ، ولكنّه فيما لو خرج المثلي عن القيمة.


المثل ولو سقط من القيمة بالكلّية (١) وإن كان الحقّ خلافه.

فتبيّن : أنّ النسبة بين مذهب المشهور ومقتضى العرف والآية عموم من وجه ، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين ولا يضمن به عند المشهور ، كما في المثالين المتقدّمين (٢) ، وقد ينعكس الحكم كما في المثال الثالث (٣) ، وقد يجتمعان في المضمون به كما في أكثر الأمثلة.

ثمّ إنّ الإجماع على ضمان القيمي بالقيمة على تقدير تحقّقه لا يجدي بالنسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميّاً ، ففي موارد الشكّ يجب الرجوع إلى المثل بمقتضى الدليل السابق (٤) وعموم الآية (٥) ؛ بناءً على ما هو الحقّ المحقّق : من أنّ العام المخصّص بالمجمل مفهوماً ، المتردّد بين الأقلّ والأكثر لا يخرج عن الحجّية بالنسبة إلى موارد الشكّ.

ما اُجمع على كونه مثلياً يضمن بالمثل

فحاصل الكلام : أنّ ما أجمع على كونه مثليّا يضمن بالمثل ، مع مراعاة الصفات التي تختلف بها الرغبات وإن فرض نقصان قيمته في زمان الدفع أو مكانه (٦) عن قيمة التالف ؛ بناءً على تحقّق الإجماع على إهمال هذا التفاوت ، مضافاً إلى الخبر الوارد في أنّ الثابت في ذمّة من‌

__________________

(١) احتمله العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) يعني : مثالي إتلاف الكرباس وإتلاف العبد ، المتقدّمين في الصفحة ٢١٨.

(٣) هو ما لو فرض نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف نقصاناً فاحشاً.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢١٧ المشار إليه بقوله : ولكن يمكن أن يقال ..

(٥) المتقدّمة في الصفحة ٢١٧ ٢١٨.

(٦) لم ترد «مكانه» في «ف».


اقترض دراهم (١) وأسقطها السلطان وروّج غيرها ، هي الدراهم الأُولى (٢) (٣).

ما اُجمع على كونه قيمياً يضمن بالقيمة

وما أجمع على كونه قيميّاً يضمن بالقيمة بناءً على ما سيجي‌ء من الاتّفاق على ذلك (٤) وإن وجد مثله أو كان مثله في ذمّة الضامن (٥).

ما شكّ في كونه قيمياً أو مثلياً

وما شكّ في كونه قيميّاً أو مثلياً يلحق بالمثلي ، مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع والتالف ، ومع الاختلاف الحق بالقيمي ، فتأمّل.

__________________

(١) كذا في «ف» ، «خ» ، «م» ، «ع» ، «ص» ونسخة بدل «ش» ، وفي «ن» و «ش» هكذا : «في أنّ اللازم على مَن عليه دراهم» ، وقال الشهيدي بعد نقل هذه العبارة : هكذا في النسخ المصحّحة ، انظر هداية الطالب : ٢٣١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ ، الباب ٢٠ من أبواب الصرف ، الحديث ٢.

(٣) في «ن» زيادة : «فتأمّل» استدراكاً ، ويشهد على وجودها في الأصل أنّ المامقاني والشهيدي قدس‌سرهما نقلاها في شرحهما وعلّقا عليها ، انظر غاية الآمال : ٣٠٥ ، وهداية الطالب : ٢٣١.

(٤) يجي‌ء في الأمر السابع.

(٥) في «ش» : في ذمّة المالك.


الخامس

إذا لم يوجد المثل إلّا بأكثر من ثمن المثل

ذكر في القواعد : أنّه لو لم يوجد المثل إلاّ بأكثر من ثمن المثل ، ففي وجوب الشراء تردّد‌ (١) ، انتهى.

أقول : كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقيّة للمثل بأن صارت قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه ، فالظاهر أنّه لا إشكال في وجوب الشراء ولا خلاف ، كما صرّح به في الخلاف ، حيث قال : إذا غصب ما له مثلٌ كالحبوب (٢) والأدهان فعليه مثل ما تلف في يده ، يشتريه بأيّ ثمنٍ كان ، بلا خلاف (٣) ، انتهى (٤). وفي المبسوط : يشتريه بأيّ ثمنٍ كان إجماعاً (٥) ، انتهى (٦).

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي «ف» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «ش» : «كاللحوم» ، وفي سائر النسخ : الحبوب.

(٣) الخلاف ٣ : ٤١٥ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٩.

(٤) لم ترد «انتهى» في «ش».

(٥) المبسوط ٣ : ١٠٣.

(٦) عبارة «وفي المبسوط : إلى انتهى» من «ش» وهامش «ن».


ووجهه : عموم النصّ والفتوى بوجوب المثل في المثلي ، ويؤيّده فحوى حكمهم بأنّ تنزّل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف لا يوجب الانتقال إلى القيمة ، بل ربما احتمل بعضهم (١) ذلك مع سقوط المثل في زمان الدفع عن الماليّة ؛ كالماء على الشاطئ والثلج في الشتاء.

وأمّا إن كان (٢) لأجل تعذّر المثل وعدم وجدانه إلاّ عند من يعطيه بأزيد ممّا يرغب فيه الناس مع وصف الإعواز ، بحيث يعدّ بذل ما يريد (٣) مالكه بإزائه ضرراً عرفاً والظاهر أنّ هذا هو المراد بعبارة القواعد (٤) ؛ لأنّ الثمن في الصورة الاولى ليس بأزيد من ثمن المثل ، بل هو ثمن المثل ، وإنّما زاد على ثمن التالف يوم التلف وحينئذ (٥) فيمكن (٦) التردّد في الصورة الثانية كما قيل (٧) : من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم ، كالرقبة في الكفّارة والهدي ، وأنّه يمكن معاندة البائع وطلب أضعاف القيمة ، وهو ضرر.

__________________

(١) احتمله العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : إن كانت.

(٣) في بعض النسخ : يزيد.

(٤) تقدّمت عبارته في صدر المسألة.

(٥) في مصحّحتي «ن» و «ص» : فحينئذٍ.

(٦) في مصحّحة «ن» : «ويمكن» ، وفي مصحّحة «ص» : يمكن.

(٧) قاله العلاّمة في التذكرة ٢ : ٣٨٤ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٤.


الأقوى وجوب الشراء

و (١) لكنّ الأقوى مع ذلك : وجوب الشراء ؛ وفاقاً للتحرير (٢) كما عن الإيضاح (٣) والدروس (٤) وجامع المقاصد (٥) ، بل إطلاق السرائر (٦) ، ونفي الخلاف المتقدّم عن الخلاف (٧) ؛ لعين ما ذكر في الصورة الأُولى (٨).

جواز المطالبة في بلد التلف وغيره

ثمّ إنّه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره ، ولا بين كون قيمته (٩) في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف ، أم لا ؛ وفاقاً لظاهر المحكيّ (١٠) عن السرائر (١١) والتذكرة (١٢) والإيضاح (١٣) والدروس (١٤) وجامع المقاصد (١٥).

__________________

(١) لم ترد «و» في «ف».

(٢) التحرير ٢ : ١٣٩.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٨.

(٤) الدروس ٣ : ١١٣.

(٥) جامع المقاصد ٦ : ٢٦٠.

(٦) انظر السرائر ٢ : ٤٨٠.

(٧) تقدّم في الصفحة ٢٢٢.

(٨) وهو ما أفاده بقوله : ووجهه عموم النصّ والفتوى بوجوب المثل في المثلي.

(٩) في «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» زيادة : «الأُولى» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن».

(١٠) حكاه عنهم السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٢.

(١١) السرائر ٢ : ٤٩٠.

(١٢) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

(١٣) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٦.

(١٤) الدروس ٣ : ١١٤.

(١٥) جامع المقاصد ٦ : ٢٥٦.


وفي السرائر : أنّه الذي يقتضيه عدل الإسلام والأدلّة وأُصول المذهب (١) ، وهو كذلك ؛ لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٢).

هذا مع وجود المثل في بلد المطالبة ، وأمّا مع تعذّره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة.

__________________

(١) انظر السرائر ٢ : ٤٩٠ ٤٩١.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.


السادس

إذا تعذّر المثل في المثلي

لو تعذّر المثل في المثلي ، فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك ؛ لأنّ منع المالك ظلم ، وإلزام الضامن بالمثل منفيّ بالتعذّر ، فوجب القيمة ؛ جمعاً بين الحقّين.

التفصيل بين ما لو طالب المالك ، وعدمه

مضافاً إلى قوله تعالى (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) فإنّ الضامن إذا أُلزم بالقيمة مع تعذّر المثل لم يعتد عليه أزيد ممّا اعتدى.

وأمّا مع عدم مطالبة المالك ، فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة ؛ لأنّ المتيقّن أنّ دفع القيمة علاجٌ لمطالبة المالك ، وجمعٌ بين حقّ المالك بتسليطه على المطالبة وحقّ الضامن بعدم (٢) تكليفه بالمعذور أو المعسور ، أمّا مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل.

وما ذكرناه (٣) يظهر من المحكيّ عن التذكرة والإيضاح ، حيث ذكرا‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : لعدم.

(٣) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : وما ذكرنا.


في ردّ بعض الاحتمالات الآتية في حكم تعذّر المثل ما لفظه : إنّ المثل لا يسقط بالإعواز ، ألا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر إلى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به؟ وإنّما المصير إلى القيمة وقت تغريمها (١) ، انتهى.

لكن أطلق كثيرٌ منهم الحكم بالقيمة عند تعذّر المثل ، ولعلّهم يريدون صورة المطالبة ، وإلاّ فلا دليل على الإطلاق.

ويؤيّد ما ذكرنا : أنّ المحكيّ عن الأكثر في باب القرض : أنّ المعتبر في المثل (٢) المتعذّر قيمته يوم المطالبة (٣) ، نعم عبّر بعضهم بيوم الدفع (٤) ، فليتأمّل.

هل العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمة يوم الدفع أو التعذّر؟

وكيف كان ، فلنرجع إلى حكم المسألة فنقول : المشهور (٥) أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع (٦) ؛ لأنّ المثل (٧) ثابت في الذمّة إلى ذلك الزمان ، ولا دليل على سقوطه بتعذّره ، كما لا يسقط الدّين بتعذّر أدائه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٣ ، إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥ ؛ وقوله : «إنّما المصير .. إلخ» ليس في الإيضاح.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : المثلي.

(٣) حكاه السيد المجاهد في المناهل : ٨ ، قال بعد نقل أقوال أربعة : لا يبعد أن يقال : إنّ الأحوط هو القول الأوّل ؛ لأنّ القائل به أكثر.

(٤) عبّر به العلاّمة في المختلف ٥ : ٣٩٢.

(٥) في غير «ف» : إنّ المشهور.

(٦) وردت العبارة في «ف» هكذا : إنّ العبرة بقيمة يوم دفع قيمة المثل المتعذّر.

(٧) كذا في «ف» ، «م» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : المثلي.


وقد صرّح بما ذكرنا المحقّق الثاني (١) ، وقد عرفت من التذكرة والإيضاح ما يدلّ عليه (٢).

ويحتمل اعتبار وقت تعذّر المثل ، وهو للحلّي في البيع الفاسد (٣) ، وللتحرير في باب القرض (٤) ، ومحكيّ (٥) عن المسالك (٦) ؛ لأنّه وقت الانتقال إلى القيمة.

ويضعّفه : أنّه إن أُريد بالانتقال انقلاب ما في الذمّة إلى القيمة في ذلك الوقت ، فلا دليل عليه ، وإن أُريد عدم وجوب إسقاط ما في الذمّة إلاّ بالقيمة ، فوجوب الإسقاط بها وإن حدث يوم التعذّر مع المطالبة ، إلاّ أنّه لو أخّر الإسقاط بقي المثل في الذمّة إلى تحقّق الإسقاط ، وإسقاطه في كلّ زمانٍ بأداء قيمته في ذلك الزمان ، وليس في الزمان الثاني مكلّفاً بما صدق عليه الإسقاط في الزمان الأوّل.

هذا ، ولكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقاً : من الآية (٧) ، ومن أنّ المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذّر المثل ، توجّه القول‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٢٤٥ و ٢٥٥.

(٢) راجع الصفحة السابقة.

(٣) السرائر ٢ : ٢٨٥.

(٤) تحرير الأحكام ١ : ٢٠٠.

(٥) في «ف» و «ن» : حكي.

(٦) المسالك ٣ : ١٧٤.

(٧) المتقدّمة في الصفحة ٢٢٦.


بصيرورة التالف قيميّاً بمجرّد تعذّر المثل ؛ إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء كما في القيميّات ، وبين طروّه بعد التمكّن ، كما في ما نحن فيه.

ودعوى : اختصاص الآية وإطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذّر المثل ابتداء ، لا يخلو عن تحكّم.

ثمّ إنّ في المسألة احتمالات أُخر ، ذكر أكثرها في القواعد (١) ، وقوّى بعضها في الإيضاح (٢) ، وبعضها بعض الشافعية (٣).

الاحتمالات في المسألة مع مبانيها

وحاصل جميع الاحتمالات في المسألة مع مبانيها (٤) ، أنّه :

إمّا أن نقول باستقرار المثل في الذمّة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة ، وهو الذي اخترناه تبعاً للأكثر من اعتبار القيمة عند الإقباض ، وذكره في القواعد خامس الاحتمالات.

وإمّا أن نقول بصيرورته قيميّاً عند الإعواز ، فإذا صار كذلك ، فإمّا أن نقول : إنّ المثل المستقرّ في الذمّة قيميّ ، فتكون القيميّة صفة للمثل بمعنى أنّه لو تلف وجب قيمته.

وإمّا أن نقول : إنّ المغصوب انقلب قيميّاً بعد أن كان مثليّا.

فإن قلنا بالأوّل ، فإن جعلنا الاعتبار في القيميّ بيوم التلف كما‌

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ٢٠٣ ٢٠٤.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥.

(٣) قال النووي : والأصحّ أنّ المعتبر أقصى قيمةٍ من وقت الغصب إلى تعذّر المثل. مغني المحتاج ٢ : ٢٨٣ ، وانظر التذكرة ٢ : ٣٨٣.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : بيانها.


هو أحد الأقوال كان المتعيّن قيمة المثل يوم الإعواز ، كما صرّح به في السرائر في البيع الفاسد (١) ، والتحرير في باب القرض (٢) ؛ لأنّه يوم تلف القيميّ.

وإن جعلنا الاعتبار فيه بزمان الضمان كما هو القول الآخر في القيميّ كان المتّجه اعتبار زمان تلف العين ؛ لأنّه أوّل أزمنة وجوب المثل في الذمّة المستلزم لضمانه بقيمته عند تلفه ، وهذا مبنيّ على القول بالاعتبار في القيميّ بوقت الغصب كما عن الأكثر (٣).

وإن جعلنا الاعتبار فيه بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف كما حكي عن جماعة من القدماء في الغصب (٤) كان المتّجه الاعتبار بأعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان الإعواز ، وذكر هذا الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات (٥).

وإن قلنا : إنّ التالف انقلب قيميّاً ، احتمل الاعتبار بيوم الغصب كما في القيميّ المغصوب والاعتبار بالأعلى منه إلى (٦) يوم التلف ، وذكر هذا أوّل الاحتمالات في القواعد (٧).

__________________

(١) السرائر ٢ : ٢٨٥.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٠٠.

(٣) نسبه إلى الأكثر المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٤٠ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣٩.

(٤) منهم : الشيخ في المبسوط ٣ : ٧٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٧٦ ، وابن زهرة في الغنية : ٢٧٩ وغيرهم ، انظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٤.

(٥) القواعد ١ : ٢٠٣.

(٦) في «ف» بدل «إلى» : لا.

(٧) القواعد ١ : ٢٠٣ ٢٠٤.


وإن قلنا : إنّ المشترك بين العين والمثل صار قيميّاً ، جاء احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذّر المثل ؛ لاستمرار الضمان فيما قبله من الزمان ، إمّا للعين وإمّا للمثل ، فهو مناسب لضمان الأعلى من حين الغصب إلى التلف ، وهذا ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات (١).

واحتمل الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل (٢) ، ووجّهه في محكيّ التذكرة والإيضاح : بأنّ المثل لا يسقط بالإعواز ، قالا : ألا ترى أنّه لو صبر المالك إلى وجدان المثل ، استحقّه؟ فالمصير إلى القيمة عند تغريمها (٣). والقيمة الواجبة على الغاصب أعلى القيم.

وحاصله : أنّ وجوب دفع قيمة المثل (٤) يعتبر (٥) من زمن وجوبه أو (٦) وجوب مبدله أعني العين فيجب أعلى القيم منها ، فافهم.

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٠٣ ٢٠٤.

(٢) في مصحّحة «ن» : إلى دفع قيمة المثل. قال الشهيدي قدس‌سره : وجعله في القواعد رابع الاحتمالات ؛ فإنّه قال : «الرابع : أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة» ، انتهى. ومنه يُعلم أنّ الصواب في عبارة المصنّف أن يقول : «إلى دفع القيمة» بدل «إلى دفع المثل» ، وعلى تقدير صحّة النسخة فلا بدّ من الالتزام بتقدير القيمة مضافة إلى المثل ، يعني : دفع قيمة المثل المفروض تعذّره. انظر هداية الطالب : ٢٣٤.

(٣) التذكرة ١ : ٣٨٣ ، إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : «المثلي».

(٥) لم ترد «يعتبر» في «ف».

(٦) في «ش» بدل «أو» : إلى.


إذا عرفت هذا ، فاعلم : أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثلي هو أنّه مع تعذّر المثل لا يسقط المثل عن الذمّة ، غاية الأمر يجب إسقاطه مع مطالبة المالك ، فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل ، فلا عبرة بالقيمة إلاّ يوم الإسقاط وتفريغ الذمّة.

وأمّا بناءً على ما ذكرنا (١) من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف فالأقرب كان المثل مقدّماً مع تيسّره ، ومع تعذّره ابتداءً كما في القيمي ، أو بعد التمكّن كما فيما نحن فيه ، كان المتعيّن هو القيمة ، فالقيمة قيمة للمغصوب من حين (٢) صار قيميّاً ، وهو حال الإعواز ، فحال الإعواز معتبر من حيث أنّه أوّل أزمنة صيرورة التالف قيميّاً ، لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين ، فعلى القول باعتبار يوم التلف في القيمي توجّه ما اختاره الحلّي رحمه‌الله (٣).

ولو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف كما عليه جماعة من القدماء (٤) توجّه ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الإعواز ؛ إذ (٥) كما أنّ ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذّر أدائه (٦) المتدارك لارتفاع القيم ،

__________________

(١) ذكره في الصفحة ٢٢٨.

(٢) في «ف» : من حيث.

(٣) وهو ثمن المثل يوم الإعواز ، راجع السرائر ٢ : ٢٨٥.

(٤) تقدّم التخريج عنهم في الصفحة ٢٣٠ ، الهامش رقم ٤.

(٥) لم ترد «إذ» في «ف» ، ووردت في مصحّحة «ن» و «م».

(٦) في «ص» ومصحّحة «ن» : أدائها.


كذلك (١) بشرط (٢) تعذّر المثل في المثلي ؛ إذ مع ردّ المثل يرتفع ضمان القيمة السوقية ، وحيث (٣) كانت العين فيما نحن فيه مثلية (٤) كان أداء مثلها عند تلفها كردّ عينها (٥) في إلغاء ارتفاع القيم ، فاستقرار ارتفاع القيم إنّما يحصل بتلف العين والمثل.

فإن قلنا : إنّ تعذّر المثل يسقط المثل (٦) كما أنّ تلف العين يسقط العين توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز ، وهو أصحّ الاحتمالات في المسألة عند الشافعية على ما قيل (٧).

وإن قلنا : إنّ تعذّر المثل لا يسقط المثل وليس كتلف العين ، كان ارتفاع القيمة فيما بعد تعذّر المثل أيضاً مضموناً ، فيتوجّه ضمان القيمة من‌

__________________

(١) عبارة «بشرط تعذّر أدائه المتدارك لارتفاع القيم كذلك» لم ترد في «ف» ، وكتب عليها في «ن» : زائد ، وورد في هامشها تصحيحاً العبارة التالية : «عند التلف في القيمي ، كذلك ارتفاع القيمة مع بقاء العين أو المثل مضمون بشرط .. نسخة».

ووردت هذه العبارة في نسخة بدل «ش» أيضاً.

(٢) في «ص» : يشترط.

(٣) في «ف» : «فحيث».

(٤) كذا في «ص» ، وفي غيرها : مثليّا.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أداء مثله عند تلفه كردّ عينه.

(٦) في غير «ف» زيادة : «كما إنّ تلف العين يسقط المثل» ، ولكن شطب عليها في غير «ش».

(٧) قاله العلاّمة في التذكرة ٢ : ٣٨٣ ، وانظر مغني المحتاج ٢ : ٢٨٣.


حين الغصب إلى حين دفع القيمة ، وهو المحكيّ عن الإيضاح (١) ، وهو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم ردّ العين أو المثل.

هل يختصّ التعذّر بالطارئ أو يشمل الابتدائي أيضاً؟

ثمّ اعلم : أنّ العلاّمة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات : أنّه لو تلف المثلي والمثل موجود ثمّ أعوز (٢) ، وظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرأ (٣) تعذّر المثل بعد تيسّره (٤) في بعض أزمنة التلف ، لا ما تعذّر فيه المثل ابتداءً.

وعن جامع المقاصد : أنّه يتعيّن حينئذٍ قيمته (٥) يوم التلف (٦) ، ولعلّه لعدم تنجّز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات.

ويمكن أن يخدش فيه : بأنّ التمكّن من المثل ليس بشرط لحدوثه في الذمّة ابتداءً ، كما لا يشترط في استقراره استدامة (٧) على ما اعترف به (٨) مع طروّ التعذّر بعد التلف ؛ ولذا لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥.

(٢) انظر القواعد ١ : ٢٠٣.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : «بما طرأ فيه».

(٤) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : بعد وجود المثل.

(٥) كذا في «ف» ، وفي غيرها : قيمة.

(٦) جامع المقاصد ٦ : ٢٥٢.

(٧) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : استدامته.

(٨) انظر جامع المقاصد ٦ : ٢٥٥.


وبالجملة ، فاشتغال الذمّة بالمثل إن قيّد بالتمكّن لزم الحكم بارتفاعه بطروّ التعذّر ، وإلاّ لزم الحكم بحدوثه مع التعذّر من أوّل الأمر ، إلاّ أن يقول (١) : إنّ أدلّة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكّن وإن لم يكن مشروطاً به عقلاً ، فلا تعمّ صورة العجز.

نعم ، إذا طرأ العجز فلا دليل على سقوط المثل وانقلابه قيميّاً.

وقد يقال على المحقّق المذكور : إنّ اللازم ممّا ذكره (٢) أنّه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ القيمة لم يكن له المطالبة ، ولا أظنّ أحداً يلتزمه ، وفيه تأمّل.

المراد من «إعواز المثل»

ثمّ إنّ المحكيّ عن التذكرة : أنّ المراد بإعواز المثل : أن لا يوجد في البلد وما (٣) حوله (٤).

وزاد في المسالك قوله : ممّا ينقل عادة منه إليه ، كما ذكروا في انقطاع المسْلَم فيه (٥).

وعن جامع المقاصد : الرجوع فيه إلى العرف (٦).

ويمكن أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب أداء مال الناس (٧)

__________________

(١) في «ش» : أن يقال.

(٢) في «ف» : ممّا ذكر.

(٣) في «ف» : ولا ما.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

(٥) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨.

(٦) جامع المقاصد ٦ : ٢٤٥.

(٧) يدلّ عليه ما في الوسائل ١٧ : ٣٠٨ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب ، ومستدرك الوسائل ١٧ : ٨٧ ، الباب الأوّل من أبواب الغصب.


وتسليطهم على أموالهم (١) أعياناً كانت أم في الذمّة (٢) ـ : وجوب تحصيل المثل كما كان يجب ردّ العين أينما كانت ولو كانت في تحصيله مئونة كثيرة ، ولذا كان يجب تحصيل المثل بأيّ ثمنٍ كان ، وليس هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة (٣).

نعم ، لو انعقد الإجماع على ثبوت القيمة عند الإعواز تعيّن ما عن جامع المقاصد ، كما أنّ المجمعين إذا كانوا بين معبّرٍ بالإعواز ومعبّرٍ بالتعذّر ، كان المتيقّن الرجوع إلى الأخصّ وهو التعذّر (٤) ؛ لأنّه المجمع عليه.

نعم ، ورد في بعض أخبار السلم : أنّه إذا لم يقدر المسلم إليه على إيفاء المسلم فيه تخيّر المشتري (٥).

ومن المعلوم : أنّ المراد بعدم القدرة ليس التعذّر العقلي المتوقّف على استحالة النقل من بلد آخر ، بل الظاهر منه عرفاً ما عن التذكرة ، وهذا يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.

المعار ف معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه

ثمّ ، إنّ في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالاً ؛ من حيث إنّ العبرة بفرض وجوده ولو في غاية العزّة كالفاكهة في أوّل زمانها أو آخره أو وجود المتوسّط؟ الظاهر هو الأوّل ، لكن مع فرض وجوده بحيث يرغب في بيعه وشرائه ، فلا عبرة بفرض وجوده عند من‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٢) في «ف» : الذمم.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

(٤) كذا في «ف» ظاهراً ، وفي سائر النسخ : المتعذّر.

(٥) راجع الوسائل ١٣ : ٦٩ ، الباب ١١ من أبواب السلف ، الحديث ٧ وغيره.


يستغني عن بيعه بحيث لا يبيعه إلاّ إذا بذل له عوض لا يبذله (١) الراغبون في هذا الجنس بمقتضى (٢) رغبتهم. نعم (٣) ، لو الجئ إلى شرائه لغرضٍ آخر بذل ذلك ، كما لو فرض الجَمد في الصيف عند ملك العراق ، بحيث لا يعطيه إلاّ أن يبذله بإزاء عتاق الخيل وشبهها ، فإنّ الراغب في الجَمد في العراق من حيث إنّه راغب لا يبذل هذا العوض بإزائه ، وإنّما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر كالإهداء إلى سلطان قادم إلى العراق مثلاً ، أو معالجة مشرف على الهلاك به ، ونحو ذلك من الأغراض ؛ ولذا لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذّر كما ذكرنا في المسألة الخامسة (٤).

فكلّ موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذّر فلا عبرة بفرض وجوده في التقويم عند عدمه.

هل الاعتبار بقيمة بلد المطالبة ، أو التلف ، أو أعلاهما

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكّنه ولو كان في غير بلد الضمان وكان قيمة المثل هناك أزيد (٥) ، وأمّا مع تعذّره وكون قيمة المثل في بلد التلف مخالفاً لها في بلد المطالبة ، فهل له المطالبة بأعلى القيمتين ، أم يتعيّن قيمة بلد المطالبة ، أم بلد التلف؟ وجوه.

وفصّل الشيخ في المبسوط في باب الغصب ـ : بأنّه إن لم يكن في نقله مئونة كالنقدين فله المطالبة بالمثل ، سواء أكانت القيمتان‌

__________________

(١) في «ش» : لا يبذل.

(٢) في «ف» بدل «بمقتضى» : بمقدار.

(٣) كذا في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ثمّ.

(٤) راجع الصفحة ٢٢٣.

(٥) راجع الصفحة ٢٢٤.


مختلفتين أم لا. وإن كان في نقله مئونة ، فإن كانت القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضاً ؛ لأنّه لا ضرر عليه في ذلك ، وإلاّ فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتّى يوفّيه بذلك البلد ، ثمّ قال : إنّ الكلام في القرض كالكلام في الغصب (١).

وحكي نحو هذا عن القاضي أيضاً (٢) ، فتدبّر.

ويمكن أن يقال : إنّ الحكم باعتبار بلد القرض أو السلم على القول به مع الإطلاق لانصراف العقد إليه ، وليس في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف.

إذا سقط المثل عن الماليّة

بقي الكلام في أنّه هل يعدّ مِن تعذّر المثل خروجه عن القيمة كالماء على الشاطئ إذا أتلفه في مفازة ، والجَمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف أم لا؟ الأقوى بل المتعيّن هو الأوّل ، بل حكي عن بعض نسبته إلى الأصحاب وغيرهم (٣).

والمصرّح به في محكيّ التذكرة (٤) والإيضاح (٥) والدروس (٦) : قيمة المثل في تلك المفازة ، ويحتمل آخر مكان أو زمانٍ سقط المثل فيه (٧) عن المالية.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٧٦.

(٢) المهذّب ١ : ٤٤٣.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٢ عن جامع المقاصد ٦ : ٢٥٨.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨٤.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٧.

(٦) الدروس ٣ : ١١٣.

(٧) في «ش» : به.


«فرع»

لو تمكن من المثل بعد دفع القيمة

لو دفع القيمة في المثلي (١) المتعذّر مثله ثم تمكّن من المثل ، فالظاهر عدم عود المثل في ذمّته ؛ وفاقاً للعلاّمة رحمه‌الله (٢) ومَن تأخّر عنه (٣) ممّن تعرّض للمسألة ؛ لأنّ المثل كان ديناً في الذمّة سقط بأداء عوضه مع التراضي فلا يعود ، كما لو تراضيا بعوضه مع وجوده.

هذا على المختار ، من عدم سقوط المثل عن الذمّة بالإعواز ، وأمّا على القول بسقوطه وانقلابه قيميّاً ، فإن قلنا : بأنّ المغصوب انقلب قيميّاً عند تعذّر مثله ، فأولى بالسقوط ؛ لأنّ المدفوع نفس ما في الذمّة.

وإن قلنا : بأنّ (٤) المثل بتعذّره النازل منزلة التلف صار قيميّاً ، احتمل وجوب المثل عند وجوده ؛ لأنّ القيمة حينئذٍ بدل الحيلولة عن المثل ، وسيأتي أنّ حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة (٥).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ن» ، وفي سائر النسخ : المثل.

(٢) القواعد ١ : ٢٠٤ ، والتذكرة ٢ : ٣٨٤.

(٣) مثل الشهيد في الدروس ٣ : ١١٣ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٢٥٥ ٢٥٦ ، والشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٨ وغيرهم.

(٤) كذا في «ف» ، وفي غيرها : إنّ.

(٥) يأتي في الصفحة ٢٦٧ ، عند قوله : «ثمّ إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين وصار ممكناً وجب ردّها إلى مالكها».


السابع

ضمان القيمي بالقيمة في المقبوض بالعقد الفاسد ، والدليل عليه

لو كان التالف المبيع فاسداً قيميّاً ، فقد حكي : الاتّفاق على كونه مضموناً بالقيمة (١) ، ويدلّ عليه : الأخبار المتفرّقة في كثيرٍ من القيميّات (٢) ، فلا حاجة إلى التمسّك بصحيحة أبي ولاّد الآتية في ضمان البغل (٣) ، ولا بقوله عليه‌السلام : «مَن أعتق شقصاً من عبدٍ قُوِّم عليه» (٤) بل الأخبار‌

__________________

(١) لم نعثر على حكاية الاتّفاق ، نعم استظهر السيّد المجاهد عدم الخلاف بين الأصحاب ، راجع المناهل : ٢٩٨.

(٢) انظر الوسائل ١٧ : ٣٧٢ ، الباب ٢٣ من أبواب اللقطة ، الحديث الأوّل ، و ١٨ : ٥٣٨ ، الباب ٣ من أبواب الحدود والتعزيرات ، الحديث الأوّل.

(٣) تأتي في الصفحة ٢٤٦ ٢٤٧.

(٤) رواه ابن أبي جمهور في عوالي اللآلي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع اختلافٍ في اللفظ ، انظر عوالي اللآلي ٣ : ٤٢٧ ، الحديث ٢٤ ، وعنه في مستدرك الوسائل ١٥ : ٤٦١ ، الباب ١٦ من أبواب العتق ، الحديث ٥ ، ولفظ الحديث موجود في الغنية : ٢٧٩.


كثيرة (١) ، بل قد عرفت (٢) أنّ مقتضى إطلاق أدلّة الضمان في القيميّات هو ذلك بحسب المتعارف ، إلاّ أنّ المتيقّن من هذا المتعارف (٣) ما كان المثل فيه متعذّراً ، بل يمكن دعوى انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض القيميّات كالبغل والعبد ونحوهما (٤) لصورة تعذّر المثل ، كما هو الغالب.

استظهار الاجماع على ضمان القيمي بالقيمة مع تيسّر المثل

فالمرجع في وجوب القيمة في القيمي وإن فرض تيسّر المثل له كما في مَن أتلف عبداً من شخص باعه عبداً موصوفاً بصفات ذلك العبد بعينه ، وكما لو أتلف عليه ذراعاً من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلاً هو الإجماع ، كما يستظهر.

لو تيسّر المثل من جميع الجهات

وعلى تقديره ، ففي شموله لصورة تيسّر المثل من جميع الجهات تأمّل ، خصوصاً مع الاستدلال عليه كما (٥) في الخلاف (٦) وغيره (٧) بقوله تعالى (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٨) ؛ بناءً على أنّ القيمة‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٦ : ٢٠ ٢١ ، الباب ١٨ من أبواب العتق ، الأحاديث ١ ، ٤ ، ٥ ، ٩ و ١٠ وغيرها.

(٢) في الصفحة ٢٢٨.

(٣) في «ف» : من التعارف.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مواردها في الصفحة السابقة.

(٥) لم ترد «كما» في «ف».

(٦) الخلاف ٣ : ٤٠٢ ، كتاب الغصب ، المسألة ١١ ، و ٤٠٦ ، المسألة ١٨.

(٧) مثل السرائر ٢ : ٤٨٠ ، والتذكرة ٢ : ٣٨٣.

(٨) البقرة : ١٩٤.


مماثلة (١) للتالف في المالية ، فإنّ ظاهر ذلك جعلها من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل.

وكيف كان ، فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي (٢) ، وعن الشيخ والمحقّق في الخلاف والشرائع في باب القرض (٣).

فإن أرادوا ذلك مطلقاً حتّى مع تعذّر المثل فيكون القيمة عندهم بدلاً عن المثل حتّى يترتّب عليه وجوب قيمة يوم دفعها كما ذكروا ذلك احتمالاً في مسألة تعيّن القيمة (٤) متفرّعاً على هذا القول فيردّه إطلاقات (٥) الروايات الكثيرة في موارد كثيرة :

منها : صحيحة أبي ولاّد الآتية (٦).

ومنها : رواية تقويم العبد (٧).

ومنها : ما دلّ على أنّه إذا تلف الرهن بتفريط المرتهن سقط من ذمّته (٨)

__________________

(١) كذا في مصحّحة «ص» ، وفي غيرها : مماثل.

(٢) حكى عنه وعن ظاهر الشيخ والمحقّق ، السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٣.

(٣) الخلاف ٣ : ١٧٥ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٨٧. والشرائع ٢ : ٦٨ ، لكنّه استحسن ضمان المثل بعد أن أفتى بضمان القيمة.

(٤) انظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٣ ، والجواهر ٢٥ : ٢٠.

(٥) في «ف» ، «ن» ، «خ» و «م» : إطلاق.

(٦) يأتي في الصفحة ٢٤٦ ٢٤٧.

(٧) المراد بها ظاهراً ما تقدّم في الصفحة ٢٤٠ من قوله عليه‌السلام : «مَن أعتق شقصاً من عبد قُوّم عليه».

(٨) في «ن» و «ش» : دينه.


بحساب ذلك (١) ، فلولا ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدين بمجرّد ضمان التالف.

ومنها : غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٢).

وإن أرادوا أنّه مع تيسّر المثل يجب المثل لم يكن بعيداً ؛ نظراً إلى ظاهر آية الاعتداء (٣) ونفي الضرر (٤) ؛ لأنّ خصوصيات الحقائق قد تقصد ، اللهم إلاّ أن يحقّق إجماع على خلافه ولو من جهة أنّ ظاهر كلمات هؤلاء (٥) إطلاق القول بضمان المثل ، فيكون الفصل بين التيسّر وعدمه قولاً ثالثاً في المسألة.

ما هو المعيار في تعيين القيمة في المقبوض بالعقد الفاسد؟

ثمّ إنّهم اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد.

فالمحكيّ في غاية المراد (٦) عن الشيخين وأتباعهما : تعيّن قيمة يوم التلف ، وعن الدروس (٧) والروضة (٨) نسبته إلى الأكثر.

والوجه فيه على ما نبّه عليه جماعة ، منهم العلاّمة في التحرير (٩) ـ : أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو يوم التلف ؛ إذ الواجب قبله‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ١٢٩ ، الباب ٧ من أبواب أحكام الرهن.

(٢) المشار إليها في هامش الصفحة ٢٤١.

(٣) البقرة : ١٩٤.

(٤) انظر الوسائل ١٧ : ٣٤٠ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

(٥) يعني الإسكافي والشيخ والمحقّق قدس‌سرهم.

(٦) غاية المراد : ٨٥.

(٧) الدروس ٣ : ١١٣.

(٨) الروضة البهية ٧ : ٤١ ، وانظر الجواهر ٣٧ : ١٠٥.

(٩) التحرير ٢ : ١٣٩.


هو ردّ العين.

وربما يورد (١) عليه : أنّ يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة ، أمّا كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا.

ويدفع : بأنّ معنى ضمان العين عند قبضه : كونه في عهدته ، ومعنى ذلك وجوب تداركه ببدله عند التلف ، حتّى يكون عند التلف (٢) كأنه لم يتلف ، وتداركه (٣) على هذا النحو بالتزام مال معادل له [قائم] (٤) مقامه.

الأصل في ضمان التالف : ضمانه بقيمته يوم التلف

وممّا ذكرنا ظهر أنّ الأصل في ضمان التالف : ضمانه بقيمته يوم التلف ، فإن خرج المغصوب من ذلك (٥) مثلاً فبدليل من (٦) خارج.

نعم ، لو تمّ ما تقدّم عن الحلّي في هذا المقام : من دعوى الاتّفاق على كون البيع (٧) فاسداً بمنزلة المغصوب إلاّ في ارتفاع الإثم (٨) ، ألحقناه بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل ، بل يمكن أن يقال : إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة‌

__________________

(١) لم نعثر على المورد ، نعم أورده في المناهل : ٢٩٨ بلفظ : «ولا يقال».

(٢) عبارة «حتّى يكون عند التلف» لم ترد في «ف».

(٣) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ص» ونسخة بدل «خ» زيادة : «ببدله» ، ولكن شطب عليها في «ن».

(٤) من «ش» فقط.

(٥) لم يرد «من ذلك» في «ف».

(٦) كلمة «من» لم ترد في غير «ف».

(٧) في «ص» ومصحّحة «ن» : المبيع.

(٨) تقدّم في الصفحة ٢٠٧ ٢٠٨.


الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد على أنّ العبرة بقيمة يوم الضمان

أبي ولاّد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف ؛ إذ يلزم حينئذٍ أن يكون المغصوب عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب غير واجب التدارك عند التلف ؛ لما ذكرنا من أنّ معنى التدارك التزام (١) بقيمته يوم وجوب التدارك.

نعم ، لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم ، أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد على مقتضى التدارك مؤاخذة له بأشقّ الأحوال.

فالمهمّ حينئذٍ صرف الكلام إلى معنى الصحيحة بعد ذكرها ؛ ليلحق به البيع الفاسد ، إمّا لما ادّعاه الحلّي (٢) ، وإمّا لكشف الصحيحة عن معنى التدارك والغرامة في المضمونات ، وكون العبرة في جميعها بيوم الضمان ، كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد.

وحيث إنّ الصحيحة مشتملة على أحكام كثيرة وفوائد خطيرة ، فلا بأس بذكرها جميعاً وإن كان الغرض متعلّقاً ببعضها.

صحيحة أبي ولّاد على ما رواه الشيخ

فروى (٣) الشيخ في الصحيح عن أبي ولاّد ، قال : اكتريت بغلاً إلى قصر بني هبيرة (٤) ذاهباً وجائياً بكذا وكذا ، وخرجت في طلب غريمٍ‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «الالتزام» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) راجع الصفحة السابقة.

(٣) لمّا كانت النسخ مختلفة اختلافاً كثيراً في نقل الرواية ، آثرنا نقلها من التهذيب.

(٤) الوسائل : «قصر ابن هبيرة» ، وهو الموافق لما في معجم البلدان ٤ : ٣٦٥.


لي ، فلمّا صرت إلى قرب قنطرة الكوفة خُبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل (١) ، فتوجّهت نحو النيل ، فلمّا أتيت النيل خُبّرت أنّه توجّه إلى بغداد ، فأتبعته فظفرت به وفرغت فيما بيني وبينه ، ورجعت إلى الكوفة ، وكان ذهابي ومجيئي خمسة عشر يوماً ، فأخبرت صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلّل منه فيما صنعت وأُرضيه ، فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل ، فتراضينا بأبي حنيفة ، وأخبرته بالقصّة وأخبره الرجل ، فقال لي : ما صنعت بالبغل؟ فقلت : قد رجعته سليماً. قال : نعم ، بعد خمسة عشر يوماً! قال : فما تريد من الرجل؟ قال : أُريد كرى بغلي فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً. فقال : إنّي ما أرى لك حقّا ؛ لأنّه اكتراه إلى قصر بني هبيرة فخالف فركبه إلى النيل وإلى بغداد ، فضمن قيمة البغل وسقط الكرى ، فلمّا ردّ البغل سليماً وقبضته لم يلزمه الكرى. قال : فخرجنا من عنده وجعل صاحب البغل يسترجع ، فرحمته ممّا أفتى به أبو حنيفة ، وأعطيته شيئاً وتحلّلت منه ، وحججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد الله عليه‌السلام بما أفتى به أبو حنيفة ، فقال : في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءَها وتمنع الأرض بركتها. قال : فقلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فما ترى أنت؟ قال : أرى له عليك مثل كرى البغل ذاهباً من الكوفة إلى النيل ومثل كرى البغل من النيل إلى بغداد ، ومثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة ، وتوفّيه إيّاه. قال : قلت : جُعلت فداك ، قد علفته بدراهم ، فلي عليه علفه؟ قال : لا ؛ لأنّك غاصب. فقلت : أرأيت لو عطب البغل أو أنفق ، أليس كان يلزمني؟

__________________

(١) سوف يأتي توضيحه في هامش الصفحة ٣٦٦.


قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته. قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دَبر أو عقر؟ فقال : عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه. قلت : فمَن يعرف ذلك؟ قال : أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا وكذا فيلزمك. قلت : إنّي أعطيته دراهم ورضي بها وحلّلني. قال : إنّما رضي فأحلّك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور والظلم ، ولكن ارجع إليه وأخبره بما أفتيتك به ، فإن جعلك في حلٍّ بعد معرفته فلا شي‌ء عليك بعد ذلك .. الخبر» (١).

محلّ الاستشهاد في صحيحة أبي ولّاد :

ومحلّ الاستشهاد فيه فِقْرتان :

الاولى : قوله : «نعم ، قيمة بغل يوم خالفته» إلى ما بعد ، فإنّ الظاهر أنّ اليوم قيد للقيمة ، إمّا بإضافة القيمة المضافة إلى البغل إليه ثانياً ، يعني قيمة يوم المخالفة للبغل ، فيكون إسقاط حرف التعريف من البغل للإضافة ، لا لأنّ ذا القيمة بغل غير معيّن ، حتّى توهم الرواية مذهب مَن جعل القيمي مضموناً بالمثل ، والقيمة إنّما هي قيمة المثل. وإمّا بجعل اليوم قيداً للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل.

وأمّا ما احتمله جماعة (٢) من تعلّق الظرف بقوله : «نعم» القائم‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٢١٥ ، الحديث ٩٤٣ ، وأورده في الوسائل ١٣ : ٢٥٥ ، الباب ١٧ من أبواب الإجارة ، الحديث الأوّل ، عن الكافي.

(٢) منهم : السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٤ ، والمحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦٨ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ١٠١ ١٠٢.


مقام قوله عليه‌السلام : «يلزمك» يعني يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فبعيد جدّاً ، بل غير ممكن ؛ لأنّ السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان ، كما يدلّ عليه : «أرأيت لو عطب البغل ، أو نفق أليس كان يلزمني؟» ، فقوله : «نعم» يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته.

وقد أطنب بعضٌ في (١) جعل الفِقْرة ظاهرة في تعلّق الظرف بلزوم القيمة عليه (٢) ، ولم يأتِ بشي‌ءٍ يساعده التركيب اللغوي ، ولا المتفاهم العرفي.

الثانية : قوله : «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا» ، فإنّ إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه ؛ لعدم الاعتبار به (٣) ، فلا بدّ أن يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة ؛ بناءً على أنّه يوم الاكتراء ؛ لأنّ الظاهر من صدر الرواية أنّه خالف المالك بمجرّد خروجه من (٤) الكوفة ، ومن المعلوم أنّ اكتراء البغل لمثل تلك (٥) المسافة القليلة إنّما يكون يوم‌

__________________

(١) في «ش» بدل «في» : من.

(٢) الظاهر أنّه قدس‌سره أشار بهذا الكلام إلى ما حكاه صاحب الجواهر رحمه‌الله في كتاب الغصب بقوله : «نعم ، ربما قيل : إنّه ظاهر فيه ، يعني في تعلّق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله عليه‌السلام : نعم» ، كذا أفاده العلاّمة المامقاني في غاية الآمال : ٣١٥ ، وانظر الجواهر ٣٧ : ١٠٢.

(٣) في «ف» زيادة : قطعاً.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : إلى.

(٥) لم ترد «تلك» في «ف».


الخروج ، أو في عصر اليوم السابق. ومعلوم أيضاً عدم اختلاف القيمة في هذه المدّة القليلة.

وأمّا قوله عليه‌السلام في جواب السؤال عن إصابة العيب : «عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه» فالظرف متعلّق ب «عليك» لا قيد للقيمة ؛ إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الردّ إجماعاً ؛ لأنّ النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين ، فالمعنى : عليك أداء الأرش يوم ردّ البغلة.

ويحتمل أن يكون قيداً ل «العيب» ، والمراد : العيب الموجود في يوم الردّ ؛ لاحتمال ازدياد العيب إلى يوم الردّ فهو المضمون ، دون العيب القليل الحادث أوّلاً ، لكن يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلى يوم الردّ ، والعبرة حينئذٍ بالعيب الموجود حال حدوثه ؛ لأنّ المعيب لو رُدّ إلى الصحّة أو نقص لم يسقط ضمان ما حدث منه وارتفع على مقتضى الفتوى (١) ، فهذا الاحتمال من هذه الجهة ضعيف أيضاً ، فتعيّن تعلّقه بقوله عليه‌السلام : «عليك».

والمراد ب «قيمة ما بين الصحّة (٢) والعيب» قيمة التفاوت بين الصحّة والعيب ، ولا تعرّض في الرواية ليوم هذه القيمة ، فيحتمل يوم الغصب ، ويحتمل يوم حدوث العيب الذي هو يوم تلف وصف الصحّة الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات والمعاوضات ، وحيث عرفت ظهور الفِقْرة السابقة عليه واللاحقة له في اعتبار يوم الغصب ، تعيّن حمل هذا أيضاً على ذلك.

__________________

(١) عبارة «على مقتضى الفتوى» لم ترد في «ف».

(٢) في «ف» : قيمة يوم الصحّة.


ما يوهن الاستدلال بالصحيحة على اعتبار قيمة يوم الضمان

نعم ، يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنّه لا يبعد أن يكون مبنى الحكم في الرواية على ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوماً ، ويكون السرّ في التعبير ب «يوم المخالفة» دفع ما ربما يتوهّمه أمثال صاحب البغل من العوامّ : أنّ العبرة بقيمة ما اشتري به البغل وإن نقص بعد ذلك ؛ لأنّه خسّره (١) المبلغ الذي اشترى به البغلة.

ويؤيّده : التعبير عن يوم المخالفة في ذيل الرواية ب «يوم الاكتراء» (٢) فإنّ فيه إشعاراً بعدم عناية المتكلّم بيوم المخالفة من حيث إنّه يوم المخالفة.

إلاّ أن يقال : إنّ الوجه في التعبير بيوم الاكتراء مع كون المناط يوم المخالفة هو التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء ؛ لكون البغل فيه غالباً بمشهد من الناس وجماعةٍ من المُكارين ، بخلاف زمان المخالفة من حيث إنّه زمان المخالفة ، فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة ، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبيّنة كاليمين (٣) ، في مقابل قول السائل : «ومن يعرف ذلك؟» ، فتأمّل.

__________________

(١) في «ع» و «خ» : «خَسرة» ، قال في شرح الشهيدي بعد أن أثبت «خسّره» وشرح معناها ـ : هذا بناءً على «خسّره» بالضمير ، وأمّا بناء على عدمه كما في بعض النسخ المصحّحة من جهة حك الضمير فيه ، فالمعنى واضح. انظر هداية الطالب : ٢٣٩.

(٢) التعبير الموجود في ذيل الرواية هو : «حين اكتري» ، ولعلّ المؤلّف قدس‌سره نقل ذلك بالمعنى.

(٣) لم ترد «كاليمين» في «ف».


ويؤيّده أيضاً : قوله عليه‌السلام في ما بعد ، في جواب قول السائل : «ومَن يعرف ذلك؟» قال : «أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك (١) فحلفت على القيمة (٢) لزمه ، أو يأتي صاحب البغل بشهودٍ يشهدون على (٣) أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا وكذا ، فيلزمك .. الخبر» ، فإنّ العبرة لو كان (٤) بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفاً للأصل ، ثمّ لا وجه لقبول بيّنته ؛ لأنّ من كان القول قوله فالبيّنة بيّنة صاحبه.

وحمل الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له ويصدّقه فيه من دون محاكمة والتعبير بردّه (٥) اليمين على الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله ، فكأنّ الحلف حقّ (٦) له ابتداء خلاف الظاهر.

وهذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف ؛ فإنّه يمكن أن يحمل توجّه اليمين على المالك على ما إذا اختلفا في تنزّل القيمة يوم التلف مع اتّفاقهما أو الاطّلاع من الخارج على قيمته سابقاً ، ولا شكّ حينئذٍ أنّ القول قول المالك ، ويكون سماع البيّنة في صورة اختلافهما في قيمة البغل‌

__________________

(١) كلمة «عليك» من «ش» والمصدر.

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ بدل على القيمة : له.

(٣) لم ترد «على» في المصدر ، وشطب عليها في «ص».

(٤) كذا ، والمناسب : «كانت» ، كما في مصحّحة «ص».

(٥) في «ف» : بردّ.

(٦) في «ش» : فكان الحلف حقّا.


سابقاً مع اتّفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التلف ، فتكون الرواية قد تكفّلت بحكم صورتين من صور تنازعهما ، ويبقى بعض الصور ، مثل دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة ، ولعلّ حكمها أعني حلف الغاصب يعلم من حكم عكسها المذكور في الرواية.

وأمّا على تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة ، فلا بدّ من حمل الرواية على ما إذا اتّفقا على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة ، أو اللاحق له وادّعى الغاصب نقصانه عن تلك (١) يوم المخالفة ، ولا يخفى بُعده.

وأبعد منه : حمل النصّ على التعبّد ، وجعل الحكم في خصوص الدابّة المغصوبة أو مطلقاً (٢) مخالفاً للقاعدة المتّفق عليها نصّاً (٣) وفتوى : من كون البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر (٤) ، كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة والغصب (٥).

الاستشهاد بالصحيحة على ضمان أعلى القيم والمناقشة فيه

وأضعف من ذلك : الاستشهاد بالرواية على اعتبار أعلى القيم من‌

__________________

(١) في «ف» بدل «تلك» : الملك.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي «ش» : «وجعل حكم خصوص الدابة أو مطلقاً» ، وفي سائر النسخ : «وجعل الحكم مخصوصاً في الدابة المغصوبة أو مطلقاً».

(٣) انظر الوسائل ١٨ : ١٧٠ ، الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم والدعوى وغيره.

(٤) في «ف» : على المنكر.

(٥) انظر النهاية : ٤٤٦ ، هذا في الإجارة ، ولم نعثر عليه في الغصب.


حين الغصب إلى التلف كما حكي عن الشهيد الثاني (١) إذ لم يعلم لذلك وجهٌ صحيح ، ولم أظفر بمن وجّه دلالتها على هذا المطلب.

الاستدلال على أعلى القيم بوجه آخر ، والمناقشة فيه

نعم ، استدلّوا على هذا القول بأنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته (٢).

وفيه : إنّ ضمانها في تلك الحال ، إن أُريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلّم ؛ إذ تداركه لا يكون إلاّ بذلك ، لكنّ المفروض أنّها لم تتلف فيه.

وإن أُريد به استقرار قيمة ذلك الزمان عليه فعلاً وإن تنزّلت بعد ذلك ، فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.

وإن أُريد استقرارها عليه بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف ، فهو وإن لم يخالف الاتّفاق إلاّ أنّه مخالف لأصالة البراءة من غير دليلٍ شاغل ، عدا ما حكاه في الرياض عن خاله العلاّمة قدّس الله تعالى روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل على المالك (٣).

__________________

(١) المسالك ٢ : ٢٠٩ ، والروضة البهية ٧ : ٤٣ ٤٤ ، وحكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٤.

(٢) ممّن استدلّ بذلك : الفاضل المقداد في التنقيح ٤ : ٧٠ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٤ : ٢٥٢ ، والشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٢٠٩ ، وانظر مفتاح الكرامة ٦ : ٢٤٤.

(٣) الرياض ٢ : ٣٠٤ ، والمراد ب «خاله العلاّمة» هو العلاّمة الأكبر الآقا محمد باقر الوحيد البهبهاني قدس‌سره.


وفيه نظر ، كما اعترف به بعض من تأخّر (١).

توجيه الاستدلال

نعم ، يمكن توجيه الاستدلال المتقدّم من كون العين مضمونة في جميع الأزمنة ـ : بأنّ العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان وصار ماليتها مقوّمة بتلك القيمة ، فكما أنّه إذا تلفت حينئذٍ يجب تداركها بتلك القيمة ، فكذا إذا حيل بينها وبين المالك حتّى تلفت ؛ إذ لا فرق مع عدم التمكّن منها بين أن تتلف أو تبقى.

نعم ، لو ردّت تُدارَك تلك الماليّة بنفس العين ، وارتفاع القيمة السوقيّة أمر اعتباري لا يضمن بنفسه ؛ لعدم كونه مالاً ، وإنّما هو مقوّم لمالية المال ، وبه تمايز (٢) الأموال كثرةً وقلّة.

والحاصل : أنّ للعين في كلّ زمانٍ من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من الماليّة ، أُزيلت يد المالك منها وانقطعت سلطنته عنها ، فإن رُدّت العين فلا مال سواها يضمن ، وإن تلفت استقرّت عليا (٣) تلك المراتب (٤) ؛ لدخول الأدنى تحت الأعلى ، نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادّة ، حيث إنّه يضمن الأعلى منها.

ولأجل ذلك استدلّ العلاّمة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله : لأنّه زمان إزالة يد المالك (٥).

ونقول في توضيحه : إنّ كلّ زمانٍ من أزمنة الغصب قد أُزيلت‌

__________________

(١) المراد به صاحب الجواهر قدس‌سره في الجواهر ٣٧ : ١٠٥.

(٢) في «ف» : تميّز.

(٣) في «ف» و «ن» : أعلى.

(٤) في «ف» زيادة : عليه.

(٥) التحرير ٢ : ١٣٩.


فيه يد المالك من العين على حسب ماليّته ، ففي زمانٍ أُزيلت من مقدار درهم ، وفي آخر عن درهمين ، وفي ثالث عن ثلاثة ، فإذا استمرّت الإزالة إلى زمان التلف وجبت غرامة أكثرها ، فتأمّل.

استدلال ثالث على أعلى القيم وتوجيهه

واستدلّ في السرائر وغيرها على هذا القول بأصالة الاشتغال (١) ؛ لاشتغال ذمّته بحقّ المالك (٢) ، ولا يحصل البراءة إلاّ بالأعلى.

وقد يجاب بأنّ الأصل في المقام البراءة ؛ حيث إنّ الشكّ في التكليف بالزائد (٣). نعم ، لا بأس بالتمسّك باستصحاب الضمان المستفاد من حديث اليد (٤).

المحكي عن جماعة أن الاعتبار بيوم البيع ، وتوجيهه

ثمّ إنّه حكي عن المفيد والقاضي والحلبي : الاعتبار بيوم البيع فيما كان فساده من جهة التفويض (٥) إلى حكم المشتري (٦) ، ولم يعلم له وجه ، ولعلّهم يريدون به يوم القبض ؛ لغلبة اتّحاد زمان البيع والقبض ، فافهم.

__________________

(١) السرائر ٢ : ٤٨١ ، الرياض ٢ : ٣٠٤ ، المناهل : ٢٩٩.

(٢) في «ف» : لاشتغال ذمّة المالك.

(٣) أجاب عنها بذلك في الجواهر ٣٧ : ١٠٦.

(٤) وهو ما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» ، عوالي اللآلي ٣ : ٢٤٦ ، الحديث ٢.

(٥) في غير «ش» : تفويض.

(٦) المقنعة : ٥٩٣ ، ولم نعثر عليه في الكافي والمهذّب ، والظاهر أنّ المؤلّف قدس‌سره أخذ ذلك عن العلاّمة قدس‌سره في المختلف ٥ : ٢٤٣ و ٢٤٤ ، حيث نقل عن الشيخ في النهاية ما نصّه : من اشترى شيئاً بحكم نفسه ولم يذكر الثمن بعينه كان البيع باطلاً ، فإن هلك في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتياعه إلى أن قال وكذا قال المفيد وابن البرّاج وأبو الصلاح.


لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف في القيمي

ثمّ إنّه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الأقوال ، إلاّ أنّه تردّد فيه في الشرائع (١) ، ولعلّه كما قيل (٢) من جهة احتمال كون القيمي مضموناً بمثله ، ودفع القيمة إنّما هو لإسقاط المثل.

وقد تقدّم أنّه مخالفٌ لإطلاق النصوص والفتاوى (٣).

ارتفاع القيمة بسبب الأمكنة

ثمّ إنّ ما ذكرنا (٤) من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة ، وأمّا إذا كان بسبب الأمكنة ، كما إذا كان في محلّ الضمان بعشرة ، وفي مكان التلف بعشرين ، وفي مكان المطالبة بثلاثين ، فالظاهر اعتبار محلّ التلف ؛ لأنّ مالية الشي‌ء تختلف بحسب الأماكن ، وتداركه بحسب ماليّته.

ارتفاع القيمة بسبب الزيادة العينية

ثمّ إنّ جميع ما ذكرنا من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة السوقيّة الناشئة من تفاوت رغبة الناس ، وأمّا إذا كان حاصلاً من زيادةٍ في العين ، فالظاهر كما قيل (٥) عدم الخلاف في ضمان أعلى القيم ، وفي الحقيقة ليست قِيَم التالف مختلفة ، وإنّما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينيّة الحاصلة فيه النازلة منزلة الجزء الفائت.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٤٠.

(٢) قاله الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٧ : ٤٠.

(٣) راجع الصفحة ٢٤٠ ٢٤٢.

(٤) في «ف» : ما ذكره.

(٥) قاله الشهيد الثاني قدس‌سره في عكس المسألة ، وهو ما إذا استند نقص القيمة إلى نقصٍ في العين ، انظر المسالك ٢ : ٢٠٩ ، والروضة البهية ٧ : ٤٤ ، وقرّره في الجواهر ٣٧ : ١٠٧. والظاهر أنّ المؤلّف قدس‌سره أراد من الزيادة : الزيادة الفائتة ، بدليل قوله فيما سيأتي : «النازلة منزلة الجزء الفائت» ، وقوله : «نعم يجري الخلاف المتقدّم في قيمة هذه الزيادة الفائتة».


تعذر الوصول إلى العين في حكم التلف

نعم ، يجري الخلاف المتقدّم في قيمة هذه الزيادة الفائتة ، وأنّ (١) العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها أو أعلى القيم.

الدليل على ثبوت بدل الحيلولة

ثمّ إنّ في حكم تلف العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة حكم تعذّر الوصول إليه وإن لم يهلك ، كما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق ؛ لما دلّ على الضمان بهذه الأُمور في باب الأمانات المضمونة (٢).

مورد بدل الحيلولة

وهل يقيّد ذلك بما إذا حصل اليأس من الوصول إليه ، أو بعدم رجاء وجدانه ، أو يشمل ما لو علم وجدانه في مدّة طويلة (٣) يتضرّر المالك من انتظارها ، أو (٤) ولو كانت قصيرة؟ وجوه.

ظاهر أدلّة ما ذكر من الأُمور (٥) : الاختصاص بأحد الأوّلين ، لكنّ ظاهر إطلاق الفتاوى الأخير ، كما يظهر من إطلاقهم أنّ اللوح المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غَرْقُ مالٍ لغير الغاصب انتقل إلى قيمته إلى أن يبلغ الساحل (٦).

__________________

(١) في «ش» : فإنّ.

(٢) راجع الوسائل ١٣ : ١٢٧ ، الباب ٥ من أبواب أحكام الرهن ، الحديث ٨ ، والصفحة ٢٢٩ ، الباب ٥ ، الحديث الأوّل.

(٣) كلمة «طويلة» مشطوب عليها في «خ» و «ص».

(٤) لم ترد «أو» في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص».

(٥) يعني : السرقة والغرق والضياع والإباق.

(٦) صرّح بذلك العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٧ ، والتذكرة ٢ : ٣٩٦ ، ونسبه السيّد العاملي إلى صريح جامع المقاصد والمسالك والروضة وظاهر غيرها ، راجع مفتاح الكرامة ٦ : ٢٨٤.


ويؤيّده : أنّ فيه جمعاً بين الحقّين بعد فرض رجوع القيمة إلى ملك الضامن عند التمكّن من العين ؛ فإنّ تسلّط الناس على مالهم الذي فرض كونه في عهدته يقتضي جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذّر نفسه ، نظير ما تقدّم في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثلي (١). نعم ، لو كان زمان التعذّر قصيراً جدّاً ، بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة والتدارك على أداء القيمة ، أشكل الحكم.

المراد بالتعذّر

ثمّ الظاهر عدم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف ، بل لو كان ممكناً بحيث يجب عليه السعي في مقدّماته لم يسقط القيمة زمان السعي ، لكن ظاهر كلمات بعضهم (٢) : التعبير بالتعذّر ، وهو الأوفق بأصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين ، فتأمّل ، ولعلّ المراد به التعذّر في الحال وإن كان لتوقّفه على مقدّمات زمانيّة يتأخّر لأجلها ذو المقدّمة.

هل يلزم المالك بأخذ البدل؟

ثمّ إنّ ثبوت القيمة مع تعذّر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّا للضامن ، فلا يجوز للمالك الامتناع (٣) ، بل له أن يمتنع (٤) من‌

__________________

(١) تقدّم في الأمر السادس ، الصفحة ٢٢٦.

(٢) كالمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٣٩ و ٢٤١ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٥ والتحرير ٢ : ١٣٩ و ١٤٠ وغيرهما ، والشهيد في الدروس ٣ : ١١٢ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٨.

(٣) عبارة «فلا يجوز للمالك الامتناع» وردت في «ف» قبل قوله : ثمّ إنّ ثبوت ..

(٤) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : أن يمنع.


أخذها ويصبر إلى زوال العذر ، كما صرّح به الشيخ في المبسوط (١) ، ويدلّ عليه قاعدة تسلّط الناس على أموالهم.

وكما أنّ تعذّر ردّ العين في حكم التلف فكذا خروجه عن التقويم.

هل البدل ملك لمالك العين أو مباح له؟

ثمّ إنّ المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف ،

كما في المبسوط (٢) والخلاف (٣) والغنية (٤) والسرائر (٥) وظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين ، ولعلّ الوجه فيه : أنّ التدارك لا يتحقّق إلاّ بذلك.

ولو لا ظهور الإجماع وأدلّة الغرامة (٦) في الملكية لاحتملنا أن يكون مباحاً له إباحةً مطلقة وإن لم يدخل في ملكه ، نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة على القول بها فيها ، ويكون دخوله في ملكه مشروطاً بتلف العين ، وحكي الجزم بهذا الاحتمال عن المحقّق القمّي رحمه‌الله في أجوبة مسائله (٧).

هل تنقل العين إلى الضامن بإعطاء البدل؟

وعلى أيّ حالٍ ، فلا ينتقل العين إلى الضامن ، فهي غرامة لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه ودخول العين في ملكه ،

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٨٧.

(٢) المبسوط ٣ : ٩٥.

(٣) الخلاف ٣ : ٤١٢ ، كتاب الغصب ، المسألة ٢٦.

(٤) الغنية : ٢٨٢.

(٥) السرائر ٢ : ٤٨٦.

(٦) مثل قاعدة «على اليد» وآية «الاعتداء» ، وقاعدة «الإقدام» ، والروايات الواردة في الموارد الخاصّة ، المتقدّمة في الصفحات السابقة.

(٧) لم نعثر عليه.


وليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض والمعوض ، فالمبذول هنا كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له.

وقد استشكل في ذلك المحقّق والشهيد الثانيان :

قال الأوّل في محكيّ جامعه : إنّ هنا إشكالاً ؛ فإنّه كيف يجب القيمة ويملكها الآخذ ويبقى العين على ملكه؟ وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه (١) ، انتهى.

وقال الثاني : إنّ هذا لا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوَّض على ملك المالك من دون دليلٍ واضح ، ولو قيل بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلاً ، و (٢) توقّف تملّك المغصوب منه للبدل على اليأس من العين وإن جاز له التصرّف ، كان وجهاً في المسألة (٣) ، انتهى. واستحسنه في محكيّ الكفاية (٤).

أقول : الذي ينبغي أن يقال هنا : إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن ، ولازم ذلك إقامة مقابله من ماله مقامه (٥) ؛ ليصدق ذهابها من كيسه.

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٢٦١ ، وفيه : إنّ هنا إشكالاً ؛ فإنّه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه ..

(٢) في مصحّحة «ن» والمصدر : أو.

(٣) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٠.

(٤) كفاية الأحكام : ٢٥٩.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : إقامة مقابلها من ماله مقامها ، لرجوع الضمير إلى العين ، وكذا الكلام في الضمائر في الفقرة الآتية.


ثمّ إنّ الذهاب إن كان على وجه التلف الحقيقي ، أو العرفي المُخرج للعين عن قابليّة الملكيّة (١) عرفاً ، وجب قيام مقابله من ماله مقامه في الملكيّة ، وإن كان الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه وفوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكيّة ، وجب قيام مقابله مقامه في السلطنة ، لا في الملكيّة ؛ ليكون مقابلاً وتداركاً للسلطنة الفائتة ، فالتدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك في هذه الصورة.

نعم ، لمّا كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقّفة على الملك ؛ لتوقّف بعض التصرّفات عليها ، وجب ملكيّته للمبذول تحقيقاً لمعنى التدارك والخروج عن العهدة.

وعلى أيّ تقدير : فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها ، إنّما الكلام في البدل المبذول ، ولا كلام أيضاً في وجوب الحكم بالإباحة وبالسلطنة المطلقة عليها (٢) ، وبعد ذلك فيرجع محصّل الكلام حينئذٍ إلى أنّ إباحة جميع التصرّفات حتّى المتوقّفة على الملك هل تستلزم الملك من حين الإباحة ، أو يكفي فيه حصوله من حين التصرّف؟ وقد تقدّم في المعاطاة بيان ذلك.

التفصيل بين فوات معظم المنافع أو بعضها

ثمّ إنّه قد تحصّل ممّا ذكرنا : أنّ تحقّق (٣) ملكيّة البدل أو السلطنة المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها ، إنّما هو مع فوات معظم الانتفاعات به ، بحيث يعدّ بذل البدل غرامة وتداركاً ، أمّا لو لم يفت إلاّ‌

__________________

(١) في «ف» : الملك.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليه» ، كما في مصحّحة «ن».

(٣) كذا في «ن» ومصحّحة «م» ، وفي غيرهما : تحقيق.


بعض ما ليس به قوام الملكيّة ، فالتدارك لا يقتضي ملكه ولا السلطنة المطلقة على البدل.

ولو فرض حكم الشارع بوجوب غرامة قيمته حينئذٍ لم يبعد انكشاف (١) ذلك عن انتقال العين إلى الغارم ؛ ولذا استظهر غير واحد (٢) أنّ الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه يملكه ؛ لأنّه وإن وجب بالوطء نفيه عن البلد وبيعه في بلدٍ آخر ، لكن هذا لا يعدّ فواتاً لما به قوام الماليّة.

خروج العين عن التقويم

هذا كلّه مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على مقدار ملكيّتها (٣) السابقة.

أمّا لو خرج (٤) عن التقويم مع بقائها على صفة الملكية ، فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة ، مع بقاء العين على ملك المالك (٥) ؛ لأنّ القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء (٦) التي خرجت العين لفواتها عن التقويم ، لا عوض العين نفسها ، كما في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب ، فإنّ بقاءها على ملك مالكها لا ينافي معنى الغرامة ؛

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : «كشف» ، كما في مصحّحة «ن» واستظهر في «ص» و «ش».

(٢) منهم الشهيد الثاني في الروضة البهيّة ٩ : ٣١١ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٤٩٩.

(٣) كذا ، والأولى التعبير ب «ماليّتها» كما في مصحّحة «ن».

(٤) كذا ، والمناسب : خرجت.

(٥) في ما عدا «ش» زيادة : «به» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن».

(٦) في «م» و «ش» : والأجزاء.


لفوات معظم الانتفاعات به (١) ، فيقوى عدم جواز المسح بها إلاّ بإذن المالك ولو بذل القيمة.

قال في القواعد (٢) في ما لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة ـ : ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ، ثمّ يضمن الغاصب النقص ، ولو لم يبقَ لها قيمةٌ غرم جميع القيمة ، انتهى.

وعطف على ذلك في محكيّ جامع المقاصد (٣) قوله : ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك ، كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ، ولو استوعبت (٤) القيمة أخذها ولم تدفع العين (٥) ، انتهى.

وعن المسالك في هذه المسألة : أنّه إن لم يبقَ له قيمة ضمن جميع القيمة ، ولا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق ، فيجمع بين العين والقيمة (٦).

لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة ـ : اختيار عدم وجوب النزع ، بل قال : يمكن أن لا يجوز ويتعيّن القيمة ؛ لكونه بمنزلة التلف ، وحينئذٍ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط ؛ إذ لا غصب فيه يجب‌

__________________

(١) لم ترد «به» في «ش».

(٢) في «ش» : «شرح القواعد» ، والمظنون بل المقطوع أنّ ما صدر عن قلمه الشريف هو «القواعد» ، كما ورد في سائر النسخ ؛ بدليل قوله فيما سيأتي : «وعطف على ذلك في محكي جامع المقاصد» ، لكن مصحّح «ش» لمّا رأى أنّ المنقول لم يكن بتمامه في القواعد ، أضاف إليه كلمة : «شرح».

(٣) عبارة «في محكيّ جامع المقاصد» لم ترد في «ش».

(٤) في غير «ف» : استوعب.

(٥) جامع المقاصد ٦ : ٣٠٤ ٣٠٥ ، وانظر القواعد ١ : ٢٠٧.

(٦) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٧ ٢٠٨.


ردّه ، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال الغسل وقبل المسح (١) ، انتهى.

واستجوده بعض المعاصرين (٢) ؛ ترجيحاً لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه ؛ لصيرورته عوضاً شرعاً.

وفيه : أنّه لا منشأ لهذا الاقتضاء ، وأدلّة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها يرجع إلى وجوب تدارك ما ذهب من المالك ، سواءً كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقي ، أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليّتها كغرق المال ، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيّته (٣).

ولا يخفى أنّ العين على التقدير الأوّل خارج (٤) عن الملكيّة عرفاً.

وعلى الثاني : السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين ، وهذا معنى بدل الحيلولة.

وعلى الثالث : فالمبذول عوض عمّا خرج المال بذهابه عن التقويم ، لا عن نفس العين ، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة ، لا نفس العين الباقية ، كيف! ولم تتلف هي ، وليس لها على تقدير التلف أيضاً عهدة مالية؟ بل الأمر بردّها مجرّد تكليف لا يقابل بالمال ، بل لو استلزم ردّه (٥) ضرراً مالياً على الغاصب‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ١٠ : ٥٢١.

(٢) هو صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٨٠.

(٣) كذا ، والمناسب : ملكيّتها.

(٤) كذا ، والمناسب : خارجة.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : ردّها.


أمكن سقوطه ، فتأمّل.

خروج العين عن الملكية مع بقاء حق الأولوية

ولعلّ ما عن المسالك : من أنّ ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القيمة بالإخراج ، فتعيّن القيمة فقط (١) ، محمول على صورة تضرّر المالك بفساد الثوب المخيط أو البناء المستدخل فيه الخشبة ، كما لا يأبى عنه عنوان المسألة ، فلاحظ ، وحينئذٍ فلا تنافي ما تقدّم عنه (٢) سابقاً : من بقاء الخيط على ملك مالكه وإن وجب بذل قيمته (٣).

ثمّ إنّ هنا قسماً رابعاً ، وهو ما لو خرج المضمون عن الملكيّة مع بقاء حقّ الأولوية فيه ، كما لو صار الخلّ المغصوب خمراً ، فاستشكل في القواعد وجوب ردّها مع القيمة (٤) ؛ ولعلّه من استصحاب وجوب ردّها ، ومن أنّ الموضوع في المستصحب ملك المالك ؛ إذ لم يجب إلاّ ردّه ولم يكن المالك إلاّ أولى به (٥).

إلاّ أن يقال : إنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ ، ولذا كان الوجوب مذهب جماعة ، منهم الشهيدان (٦) والمحقّق الثاني (٧) ، ويؤيّده أنّه لو عاد خلاّ ردّت إلى المالك بلا خلافٍ ظاهر.

__________________

(١) انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٧ ، والعبارة منقولة بالمعنى.

(٢) كلمة «عنه» من «ف» و «ش».

(٣) راجع الصفحة ٢٦٣.

(٤) القواعد ١ : ٢٠٦.

(٥) في «ف» : ولم يكن المالك أولى إلاّ به.

(٦) الدروس ٣ : ١١٢ ، المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٤.

(٧) جامع المقاصد ٦ : ٢٩٢.


حكم ارتفاع قيمة العين بعد دفع بدلها

ثمّ إنّ مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين وضمانها ، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع ، سواءً كان للسوق أو للزيادة المتّصلة ، بل المنفصلة كالثمرة ولا يضمن منافعه ، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك.

وعن التذكرة (١) وبعض آخر (٢) : ضمان المنافع ، وقوّاه في المبسوط بعد أن جعل الأقوى خلافه (٣).

وفي موضع من جامع المقاصد : أنّه موضع توقّف. وفي موضعٍ آخر رجّح الوجوب (٤).

حكم ارتفاع القيمة بعد التعذر وقبل الدفع

ثمّ إنّ ظاهر عطف التعذّر على التلف في كلام بعضهم (٥) عند التعرّض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقية الحاصل بعد التعذّر وقبل الدفع ، كالحاصل بعد التلف ، لكنّ مقتضى القاعدة ضمانه له ؛ لأنّ (٦) مع التلف يتعيّن القيمة ؛ ولذا ليس له الامتناع من أخذها ، بخلاف تعذّر العين ؛ فإنّ القيمة غير متعيّنة ، فلو صبر المالك حتّى يتمكّن من العين كان له ذلك ويبقى العين في عهدة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٢.

(٢) وقال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٦ : ٢٤٩) : «وهو الأصحّ» ، وفيه أيضاً : «ومال إليه في المسالك» ، انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٠.

(٣) المبسوط ٣ : ٩٦.

(٤) جامع المقاصد ٦ : ٢٥١ و ٢٧٣.

(٥) مثل المحقّق في المختصر ٢ : ٢٥٦ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ١٣٩.

(٦) في «ف» بدل «لأنّ» : إذ.


الضامن في هذه المدّة ، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف ، أو أعلى القيم إليه ، أو يوم الغصب ، على الخلاف.

والحاصل : أنّ قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن ، فلا عبرة بيوم التعذّر ، والحكم بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأُجرة والنماء إلى دفع البدل وإن تراخي عن التعذّر ، ممّا لا يجتمعان ظاهراً ، فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع إلى يوم دفع البدل ، نظير دفع القيمة عن المثل المتعذّر في المثليّ.

إذا ارتفع التعذر وجب رد العين

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين وصار ممكناً ، وجب ردّها إلى مالكها (١) كما صرّح به في جامع المقاصد (٢) فوراً ، وإن كان في إحضارها (٣) مئونة ، كما كان قبل التعذّر ؛ لعموم «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٤) ، ودفع البدل لأجل الحيلولة إنّما أفاد خروج الغاصب عن الضمان ، بمعنى أنّه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك ، واستلزم (٥) ذلك على ما اخترناه (٦) عدم (٧) ضمان المنافع والنماء المنفصل والمتّصل بعد دفع الغرامة.

__________________

(١) في غير «ش» : ردّه إلى مالكه.

(٢) جامع المقاصد ٦ : ٢٦١.

(٣) في غير «ش» : إحضاره.

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ ، والصفحة ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٥) في «ش» كتب فوق الكلمة : ولازم ظ.

(٦) تقدّم في الصفحة ٢٦٦.

(٧) في غير «ف» و «ش» : «من عدم» ، إلاّ أنّه شطب على «من» في «ن» و «خ».


وسقوط وجوب الردّ حين التعذّر للعذر العقلي ، فلا يجوز استصحابه ، بل مقتضى الاستصحاب والعموم هو الضمان المدلول عليه بقوله عليه‌السلام : «على اليد ما أخذت» المغيّا بقوله : «حتّى تؤدّي».

هل يعود ملك البدل إلى الغارم بمجرّد التمكّن من العين؟

وهل الغرامة المدفوعة تعود ملكه (١) إلى الغارم بمجرّد طروّ التمكّن ، فيضمن العين من يوم التمكّن ضماناً جديداً بمثله أو قيمته يوم حدوث الضمان أو يوم التلف أو أعلى القيم ، أو أنّها باقية على ملك مالك العين ، وكون (٢) العين مضمونة بها لا بشي‌ءٍ آخر في ذمّة الغاصب ، فلو تلفت استقرّ ملك المالك على الغرامة ، فلم يحدث في العين إلاّ حكم تكليفي بوجوب ردّه ، وأمّا الضمان وعهدة جديدة فلا؟ وجهان :

أظهرهما الثاني ؛ لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة ، وعدم طروّ ما يزيل ملكيّته عن الغرامة أو يُحدث ضماناً جديداً ، ومجرّد عود التمكّن لا يوجب عود سلطنة المالك حتّى يلزم من بقاء ملكيّته (٣) على الغرامة الجمع بين العوض والمعوض ، غاية ما في الباب قدرة الغاصب على إعادة السلطنة الفائتة المبدلة (٤) عنها بالغرامة ووجوبها عليه.

وحينئذٍ ، فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكيّة (٥) المالك‌

__________________

(١) كذا ، والصحيح : ملكها.

(٢) شطب على كلمة «كون» في «ن» ، وصُحّح في «ص» ب «تكون».

(٣) في «ش» : مالكيّته.

(٤) كذا ، والمناسب : «المبدل» ، كما في مصحّحة «ن».

(٥) في نسخة بدل «ش» : مالكيّة.


للغرامة ، وتوهّم : أنّ المدفوع كان بدلاً (١) عن القدر الفائت من السلطنة في زمان التعذّر فلا يعود لعدم عود مبدله ، ضعيف في الغاية ، بل كان بدلاً عن أصل السلطنة يرتفع بعودها ، فيجب دفعه ، أو دفع بدله مع تلفه ، أو خروجه عن ملكه بناقلٍ لازم بل جائز ، ولا يجب ردّ نمائه المنفصل.

ولو لم يدفعها (٢) لم يكن له مطالبة الغرامة أوّلاً ؛ إذ ما لم يتحقّق السلطنة لم يعد الملك إلى الغارم ؛ فإنّ الغرامة عوض السلطنة لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك ، فتأمّل.

نعم ، للمالك مطالبة عين ماله ؛ لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (٣) ، وليس ما عنده من المال عوضاً من مطلق السلطنة حتّى سلطنة المطالبة ، بل سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الأملاك ؛ ولذا لا يباح (٤) لغيره بمجرّد بذل الغرامة.

ليس للغاصب حبس العين إلى أن يأخذ البدل

وممّا ذكرنا (٥) يظهر أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يدفع‌

__________________

(١) لم ترد «بدلاً» في «ف».

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : «يدفعه» ، والصحيح ما أثبتناه كما أثبته المامقاني وقال : هذه الجملة عطف على قوله : «فإنّ دفع العين» ، والضمير المنصوب بقوله : «لم يدفع» ، عائد إلى العين ، غاية الآمال : ٣١٩. وأثبتها الشهيدي كما في سائر النسخ ، لكنّه قال : الصواب : «يدفعها» ؛ لأنّ الضمير راجع إلى العين ، هداية الطالب : ٢٤٥.

(٣) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٤) كذا ، والمناسب : «لا تباح» ، كما في مصحّحة «خ».

(٥) في «خ» ، «ع» و «ص» زيادة : أيضاً.


المالك القيمة ، كما اختاره في التذكرة (١) والإيضاح (٢) وجامع المقاصد (٣).

وعن التحرير : الجزم بأنّ له ذلك (٤) ؛ ولعلّه لأنّ القيمة عوض إمّا عن العين ، وإمّا عن السلطنة عليه (٥) ، وعلى أيّ تقديرٍ فيتحقّق الترادّ ، وحينئذٍ فلكلٍّ من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتّى يتسلّم ما بيد الآخر.

وفيه : أنّ العين بنفسها ليست عوضاً ولا معوَّضاً ؛ ولذا تحقّق للمالك الجمع بينها وبين الغرامة ، فالمالك مسلَّطٌ عليها ، والمعوّض للغرامة (٦) السلطنة الفائتة التي هي في معرض العود بالترادّ.

اللهم إلاّ أن يقال : له حبس العين من حيث تضمّنه لحبس مبدل الغرامة وهي السلطنة الفائتة.

والأقوى : الأوّل.

لو حبس العين فتلفت

ثمّ لو قلنا بجواز الحبس ، لو حبسه (٧) فتلفت العين محبوساً ، فالظاهر أنّه لا يجري عليه حكم المغصوب ؛ لأنّه حبسه بحقّ ، نعم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٥.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٨.

(٣) جامع المقاصد ٦ : ٢٦١.

(٤) التحرير ٢ : ١٤٠ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٢٥٦.

(٥) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليها» ، كما استُظهر في «ص».

(٦) في «ش» : لغرامة.

(٧) كذا ، والمناسب : «حبسها» ؛ لعود الضمير إلى العين ، وكذا الكلام فيما يأتي من الضمائر.


يضمنه ؛ لأنّه قبضه لمصلحة نفسه ، والظاهر أنّه بقيمة يوم التلف على ما هو الأصل في كلّ مضمون ومن قال بضمان المقبوض بأعلى القيم يقول به هنا من زمان الحبس إلى زمان التلف.

وذكر العلاّمة في القواعد : أنّه لو حبس فتلف محبوساً ، فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع القيمة الأُولى (١).

والظاهر أنّ مراده ب «قيمة (٢) الآن» : مقابل القيمة السابقة ؛ بناءً على زوال حكم الغصب عن العين ، لكونه محبوساً بغير عدوان ، لا خصوص حين التلف. وكلمات كثيرٍ منهم لا يخلو عن اضطراب.

ثمّ إنّ أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب ، لكنّ الظاهر أنّ أكثرها بل جميعها حكم المغصوب من حيث كونه مضموناً ؛ إذ ليس في الغصب خصوصيّة زائدة.

نعم ، ربما يفرّق من جهة نصٍّ في المغصوب مخالفٍ لقاعدة الضمان ، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولاّد (٣) أو أعلى القيم على ما تقدّم من الشهيد الثاني دعوى دلالة الصحيحة عليه (٤) ، وأمّا ما اشتهر من أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال ، فلم نعرف له مأخذاً واضحاً.

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٠٤.

(٢) في «ف» : بقيمته.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٢٤٦ ٢٤٧.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٥٢.


ولنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد وإن بقي منه أحكامٌ (١) أُخر أكثر ممّا ذكر ، ولعلّ بعضها يجي‌ء في بيع الفضولي إن شاء الله تعالى (٢).

__________________

(١) لم ترد «أحكام» في «ش».

(٢) يجي‌ء في الصفحة ٣٤٥.


الكلام في شروط المتعاقدين‌



مسألة

المشهور بطلان عقد الصبي

المشهور كما عن الدروس (١) والكفاية (٢) ـ : بطلان عقد الصبي ، بل عن الغنية : الإجماع عليه وإن أجاز الولي (٣).

وفي كنز العرفان : نسبة عدم صحّة عقد الصبي إلى أصحابنا (٤) ، وظاهره إرادة التعميم لصورة إذن الولي.

وعن التذكرة : أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ والإجماع سواء كان مميّزاً أو لا في جميع التصرّفات إلاّ ما استثنى ، كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيّته وإيصال الهديّة وإذنه في الدخول ، على خلافٍ في ذلك (٥) ، انتهى.

واستثناء إيصال الهديّة وإذنه في دخول الدار ، يكشف بفحواه عن‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٩٢ ، لكنّه نسبه إلى الأشهر.

(٢) الكفاية : ٨٩ ، وحكاه عنه وعن الدروس السيّد المجاهد في المناهل : ٢٨٦.

(٣) الغنية : ٢١٠.

(٤) انظر كنز العرفان ٢ : ١٠٢.

(٥) التذكرة ٢ : ٧٣.


شمول المستثنى منه لمطلق أفعاله ؛ لأنّ الإيصال والإذن ليسا من التصرّفات القوليّة والفعليّة ، وإنّما الأوّل آلة في إيصال الملك كما لو حملها على حيوان وأرسلها ، والثاني كاشف عن موضوعٍ تعلّق عليه إباحة الدخول ، وهو رضا المالك.

الاستدلال على البطلان بحديث رفع القلم

واحتجّ على الحكم في الغنية (١) بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبيّ حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ» (٢) ، وقد سبقه في ذلك الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار وقال : إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم (٣). ونحوه الحلّي في السرائر في مسألة عدم جواز وصيّة البالغ عشراً (٤) ، وتبعهم في الاستدلال به جماعة ، كالعلاّمة (٥) وغيره (٦).

الاستدلال بروايات عدم جواز أمر الصبي

واستدلّوا (٧) أيضاً بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه‌السلام : «إنّ الجارية إذا زوّجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ،

__________________

(١) الغنية : ٢١٠.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢٠٩ ، الحديث ٤٨.

(٣) المبسوط ٣ : ٣.

(٤) السرائر ٣ : ٢٠٧.

(٥) التذكرة ٢ : ١٤٥.

(٦) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ٨٢ ، والمحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٠٨.

(٧) كما في الحدائق ١٨ : ٣٦٩ ، والرياض ١ : ٥١١ ، ومقابس الأنوار : ١٠٨ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦١ وغيرها.


ودفع إليها مالها ، وجاز أمرها في الشراء (١) ، والغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتّى يبلغ خمس عشرة سنة .. الحديث» (٢).

وفي رواية ابن سنان : «متى يجوز أمر اليتيم؟ قال : حتّى يبلغ أشدّه. قال : ما أشدّه؟ قال : احتلامه» (٣) ، وفي معناها روايات أُخر (٤).

المناقشة في دلالة هذه الروايات

لكنّ الإنصاف : أنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرّف ؛ لأنّ الجواز مرادفٌ للمضيّ ، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة ، كما يقال : بيع الفضولي غير ماضٍ ، بل موقوف.

ويشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله : «إلاّ أن يكون سفيهاً» (٥) ، فلا دلالة لها حينئذٍ على سلب عبارته ، وأنّه إذا ساوم وليّه متاعاً (٦) وعيّن له قيمته (٧) وأمر الصبيّ بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف‌

__________________

(١) في المصدر زيادة : والبيع.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٦٨ ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل ، وذيله.

(٣) الخصال ٢ : ٤٩٥ ، الحديث ٣ ، وعنه في الوسائل ١٣ : ١٤٣ ، الباب ٢ من أبواب كتاب الحجر ، الحديث ٥.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٢٦٧ ، الباب ١٤ من أبواب عقد البيع وشروطه ، و ١٣ : ١٤١ و ١٤٢ ، الباب ١ و ٢ من أبواب كتاب الحجر ، والصفحة ٤٢٨ و ٤٣٢ ، الباب ٤٤ و ٤٥ من أبواب كتاب الوصايا وغيرها.

(٥) مثل رواية ابن سنان المتقدّمة والروايتين الأُخريين عنه أيضاً في الوسائل ١٣ : ٤٣٠ و ٤٣١ ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٨ و ١١.

(٦) كذا في «ف» ، «خ» و «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : متاعه.

(٧) في «ف» : قيمة.


الآخر كان باطلاً ، وكذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليّه.

المناقشة في دلالة حديث رفع القلم

وأمّا حديث رفع القلم ، ففيه :

أوّلاً : أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة ، لا قلم جعل الأحكام ؛ ولذا بنينا كالمشهور على شرعيّة عبادات الصبيّ.

وثانياً : أنّ المشهور على الألسنة أنّ الأحكام الوضعيّة ليست مختصّة بالبالغين ، فلا مانع من أن يكون عقده سبباً لوجوب الوفاء بعد البلوغ ، أو على الوليّ إذا وقع بإذنه أو إجازته ، كما يكون جنابته سبباً لوجوب غسله بعد البلوغ وحرمة تمكينه من مسّ المصحف.

وثالثاً : لو سلّمنا اختصاص الأحكام حتّى الوضعية بالبالغين ، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعاً للأحكام المجعولة في حقّ البالغين ، فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجاً عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ.

ترديد بعضهم في الصحّة ، وتصريح آخرين بها

وبالجملة ، فالتمسّك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعيّة عبادة الصبيّ ، وما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة بالبالغين. فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي (١) ، المعتضد بالشهرة العظيمة ، وإلاّ فالمسألة محلّ إشكال ؛ ولذا تردّد المحقّق في الشرائع في إجارة المميّز بإذن الوليّ (٢) بعد ما جزم بالصحّة في العارية (٣) ،

__________________

(١) تقدّم حكايته عن الغنية والتذكرة في أوّل المسألة.

(٢) الشرائع ٢ : ١٨٠.

(٣) الشرائع ٢ : ١٧١.


واستشكل فيها في القواعد (١) والتحرير (٢).

وقال في القواعد : وفي صحّة بيع المميّز بإذن الوليّ نظر (٣) ، بل عن الفخر في شرحه : أنّ الأقوى الصحّة ؛ مستدلا بأنّ العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه (٤) ولكن لم أجده فيه وقوّاه المحقّق الأردبيلي على ما حكي عنه (٥).

ويظهر من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده ، حيث قال : وهل يصحّ بيع المميّز وشراؤه؟ الوجه عندي : أنّه لا يصحّ (٦).

واختار في التحرير : صحّة بيع الصبي في مقام اختبار رشده (٧).

وذكر المحقّق الثاني : أنّه لا يبعد بناء المسألة على أنّ أفعال الصبيّ وأقواله شرعيّة أم لا ، ثمّ حكم بأنّها غير شرعيّة ، وأنّ الأصحّ بطلان العقد (٨).

__________________

(١) القواعد ١ : ٢٢٤.

(٢) التحرير ١ : ٢٤٤.

(٣) القواعد ١ : ١٦٩.

(٤) حكاه عنه المحقّق التستري في مقابس الأنوار (الصفحة ١١٠) ، ولكنّ الموجود في الإيضاح (٢ : ٥٥) ذيل عبارة والده هكذا : «والأقوى عدم الصحّة» ، ولم نعثر فيه على غيره.

(٥) لم نعثر على الحاكي عنه بهذا النحو ، نعم في المقابس (الصفحة ١١٠) : ومال المقدّس الأردبيلي في كتابه إلى جواز بيعه مع الرشد وإذن الوليّ ، انظر مجمع الفائدة ٨ : ١٥٢ ١٥٣.

(٦) التذكرة ٢ : ٨٠ ، وفيه : وشراؤه بإذن الوليّ.

(٧) التحرير ١ : ٢١٨.

(٨) جامع المقاصد ٥ : ١٩٤.


وعن المختلف أنّه حكى في باب المزارعة عن القاضي كلاماً يدلّ على صحّة بيع الصبي (١).

وبالجملة ، فالمسألة لا تخلو عن إشكال ، وإن أطنب بعض المعاصرين (٢) في توضيحه حتّى ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه.

الحجة في المسألة هي الشهرة والإجماع المحكي

فالإنصاف : أنّ الحجّة في المسألة هي الشهرة المحقّقة والإجماع المحكيّ عن التذكرة (٣) ؛ بناءً على أنّ استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلاّ بإذن الوليّ شاهد على أنّ مراده بالحَجر ما يشمل سلب العبارة ، لا نفي الاستقلال في التصرّف ؛ وكذا إجماع الغنية (٤) ؛ بناءً على أنّ استدلاله بعد الإجماع بحديث «رفع القلم» دليل على شمول معقده للبيع بإذن الوليّ. وليس المراد نفي صحّة البيع المتعقّب بالإجازة ، حتّى يقال : إنّ الإجازة عند السيّد (٥) غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقلّ ولو كان غير مسلوب العبارة ، كالبائع الفضولي.

ويؤيّد الإجماعين ما تقدّم عن كنز العرفان (٦).

المناقشة في تحقق الإجماع

نعم لقائلٍ أن يقول : إنّ ما عرفت من المحقّق والعلاّمة وولده‌

__________________

(١) حكى المحقّق التستري في مقابس الأنوار (الصفحة ١١٠) ما نقله العلاّمة عن القاضي ، وقال : «ومقتضاه صحّة شراء الصبي وبيعه» ، انظر المختلف ٦ : ١٨٨ ، والمهذّب ٢ : ٢٠.

(٢) الظاهر أنّ المراد هو صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦١ ، وانظر مقابس الأنوار : ١١١ ١١٢ أيضاً.

(٣) التذكرة ٢ : ٧٣.

(٤) الغنية : ٢١٠.

(٥) يعني السيّد ابن زهرة.

(٦) تقدّم في أوّل المسألة.


والقاضي وغيرهم خصوصاً (١) المحقّق الثاني (٢) الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبيّ يدلّ على عدم تحقّق الإجماع.

العمل وفق المشهور ، وهو البطلان

وكيف كان ، فالعمل على المشهور (٣).

ما يستأنس به للبطلان

ويمكن (٤) أن يستأنس له أيضاً بما ورد في الأخبار المستفيضة من أنّ «عمد الصبي وخطأه واحد» كما في صحيحة ابن مسلم (٥) وغيرها (٦) ، والأصحاب وإن ذكروها في باب الجنايات ، إلاّ أنّه لا إشعار في نفس الصحيحة بل وغيرها بالاختصاص بالجنايات ؛ ولذا تمسّك بها الشيخ في المبسوط (٧) والحلّي في السرائر (٨) ، على أنّ إخلال الصبيّ المُحرِم بمحظورات الإحرام التي تختصّ الكفارة فيها (٩) بحال التعمّد لا يوجب كفارةً على الصبيّ ، ولا على الوليّ ؛ لأنّ عمده خطأ.

__________________

(١) لم ترد «غيرهم خصوصاً» إلاّ في «ف» ، «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) تقدّم كلامهم في الصفحة ٢٧٨ ٢٨٠.

(٣) لم ترد «فالعمل على المشهور» في «ف».

(٤) في «ف» : فيمكن.

(٥) في «ف» : محمد بن مسلم.

(٦) الوسائل ١٩ : ٣٠٧ ، الباب ١١ من أبواب العاقلة ، الحديث ٢ و ٣ ، والصفحة ٦٦ ، الباب ٣٦ من أبواب كتاب القصاص في النفس ، الحديث ٢.

(٧) المبسوط ١ : ٣٢٩.

(٨) السرائر ١ : ٦٣٦ ٦٣٧.

(٩) كذا في «ف» ، وفي «ص» بدل «الكفارة فيها» : «حرمتها» ، وفي غيرهما جمع بينهما بجعل أحدهما أصلاً والآخر بدلاً ، وفي «ش» جمع بينهما مع عدم الإشارة إلى ذلك.


وحينئذٍ فكلّ حكمٍ شرعيٍّ تعلّق بالأفعال التي يعتبر في ترتّب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد فما يصدر منها عن الصبيّ قصداً بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد ، فعقد الصبي وإيقاعه مع القصد كعقد الهازل والغالط والخاطئ وإيقاعاتهم.

استظهار البطلان من حديث رفع القلم

بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون والصبي استظهار المطلب من حديث «رفع القلم» وهو ما عن قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام ، أنّه كان يقول [في (١)] المجنون والمعتوه الذي لا يفيق ، والصبي الذي لم يبلغ : «عمدهما خطأ تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم (٢)» (٣) ؛ فإنّ ذكر «رفع القلم» في الذيل ليس له وجه ارتباط إلاّ بأن تكون علّة لأصل الحكم ، وهو ثبوت الدية على العاقلة ، أو بأن تكون معلولة (٤) لقوله : «عمدهما خطأ» ، يعني أنّه لمّا كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع وفي الواقع رفع القلم عنهما.

ولا يخفى أنّ ارتباطها (٥) بالكلام على وجه العلّية أو المعلوليّة (٦)

__________________

(١) من المصدر.

(٢) في «ف» زيادة : «إلخ» ، وفي سائر النسخ : «اه» ، لكنّ المذكور هنا هو المذكور في المصدر بتمامه.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٥ ، الحديث ٥٦٩ ، وعنه في الوسائل ١٩ : ٦٦ ، الباب ٣٦ من أبواب القصاص في النفس ، الحديث ٢.

(٤) كذا ، والمناسب : بأن يكون معلولاً.

(٥) كذا ، والمناسب تذكير الضمير ؛ لرجوعه إلى «رفع القلم».

(٦) في «ش» : والمعلوليّة.


للحكم المذكور في الرواية أعني عدم مؤاخذة الصبي والمجنون بمقتضى جناية العمد وهو القصاص ، ولا بمقتضى شبه العمد وهو الدية في مالهما لا يستقيم إلاّ بأن يراد من «رفع القلم» ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعاً من حيث العقوبة الأُخروية والدنيوية المتعلّقة بالنفس كالقصاص ـ ، أو المال كغرامة الدية وعدم ترتّب ذلك على أفعالهما المقصودة المتعمّد إليها ممّا (١) لو وقع من غيرهما مع القصد والتعمّد لترتّبت عليه غرامة أُخروية أو دنيوية.

وعلى هذا ، فإذا التزم على نفسه مالاً بإقرارٍ أو معاوضةٍ ولو بإذن الوليّ ، فلا أثر له (٢) في إلزامه بالمال ومؤاخذته به ولو بعد البلوغ (٣). فإذا لم يلزمه شي‌ء بالتزاماته ولو كانت بإذن الولي ، فليس ذلك إلاّ لسلب قصده وعدم العبرة بإنشائه ؛ إذ لو كان ذلك لأجل عدم (٤) استقلاله وحجره عن الالتزامات على نفسه ، لم يكن عدم المؤاخذة شاملاً لصورة إذن الوليّ ، وقد فرضنا الحكم مطلقاً ، فيدلّ بالالتزام على كون قصده في إنشاءاته وإخباراته مسلوب الأثر.

ثمّ إنّ مقتضى عموم هذه الفقرة بناءً على كونها علّة للحكم ـ : عدم مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما ، كما هو ظاهر المحكي عن بعض‌

__________________

(١) في «م» و «ع» : «بما» ، وفي نسخة بدلهما : ممّا.

(٢) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «لها» ، وفي مصحّحة «ص» : لهما.

(٣) عبارة «ولو بعد البلوغ» وردت في «ف» قبل قوله : «فلا أثر له».

(٤) في «ف» بدل «لأجل عدم» : لعدم.


إلاّ أن يلتزم بخروج ذلك من (١) عموم رفع القلم ، ولا يخلو عن (٢) بُعد.

لكن (٣) هذا غير واردٍ على الاستدلال ؛ لأنّه ليس مبنيّاً على كون «رفع القلم» علّة للحكم ؛ لما عرفت (٤) من احتمال كونه معلولاً لسلب اعتبار قصد الصبيّ والمجنون ، فيختصّ رفع قلم المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل فيخرج مثل الإتلاف ، فافهم واغتنم.

ثمّ إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين ، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي ، كالتعزير.

رأي المؤلف في المسألة ودليله

والحاصل : أنّ مقتضى ما تقدّم (٥) من الإجماع المحكي في البيع وغيره من العقود ، والأخبار المتقدّمة (٦) بعد انضمام بعضها إلى بعض ـ : عدم الاعتبار بما يصدر من الصبيّ من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها ، كإنشاء العقود أصالةً ووكالةً ، والقبض والإقباض ، وكلّ التزام على نفسه من ضمانٍ أو إقرارٍ أو نذرٍ أو إيجار.

__________________

(١) في غير «ف» : عن.

(٢) في غير «ف» : من.

(٣) في «ش» : ولكن.

(٤) في الصفحة السابقة.

(٥) في أوّل المسألة.

(٦) راجع الصفحة ٢٧٦ ٢٧٧ و ٢٨١.


كلام العلامة في عدم صحة تصرفات الصبي

قال (١) في التذكرة (٢) : وكما لا يصحّ تصرّفاته اللفظية ، كذا لا يصحّ قبضه ، ولا يفيد حصول الملك في الهبة وإن اتهب له الولي ، ولا لغيره وإن أذن الموهوب له بالقبض ، ولو قال مستحقّ الدين للمديون : سلّم حقّي إلى هذا (٣) الصبيّ ، فسلّم مقدار (٤) حقّه إليه ، لم يبرأ عن الدين وبقي المقبوض على ملكه ، ولا ضمان على الصبيّ ؛ لأنّ المالك ضيّعه حيث دفعه إليه ، وبقي الدين لأنّه في الذمّة ولا يتعيّن إلاّ بقبض صحيح ، كما لو قال : ارمِ حقّي في البحر ، فرمى مقدار حقّه ، بخلاف ما لو قال للمستودع : سلّم مالي إلى الصبيّ أو ألقِه في البحر ؛ لأنّه امتثل أمره في حقّه المعيّن ، ولو كانت الوديعة للصبي فسلّمها إليه ضمن وإن كان بإذن الولي ؛ إذ ليس له تضييعها بإذن الولي.

وقال أيضاً : لو عرض الصبي ديناراً على الناقد لينقده أو متاعاً إلى مقوّم ليقوّمه فأخذه ، لم يجز له ردّه إلى (٥) الصبي ، بل على (٦) وليّه إن كان. فلو أمره الوليّ بالدفع إليه فدفعه إليه ، برئ من ضمانه إن كان المال للولي (٧) ، وإن كان للصبي فلا ، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في‌

__________________

(١) في «ش» : وقال.

(٢) نقل السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٢ عدّة فروع من التذكرة ونهاية الإحكام ، ولم يفرزها ، ولكنّ المؤلّف قدس‌سره نسبها جميعاً إلى التذكرة.

(٣) كلمة «هذا» من «ش» والمصدر.

(٤) في المصدر ونسخة بدل «ش» : قدر.

(٥) في المصدر : على.

(٦) في «ش» ومصحّحة «م» : إلى.

(٧) كذا في «ص» ، «ش» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : للمولى.


البحر ، فإنّه يلزمه ضمانه. وإذا تبايع الصبيّان وتقابضا وأتلف كلّ واحدٍ منهما ما قبضه ، فإن جرى بإذن الوليّين فالضمان عليهما ، وإلاّ فلا ضمان عليهما ، بل على الصبيّين. ويأتي في باب الحجر تمام الكلام (١).

ولو فتح (٢) الصبي الباب وأذن في الدخول على أهل الدار ، أو أدخل (٣) الهدية إلى إنسان عن (٤) إذن المهدي ، فالأقرب الاعتماد ؛ لتسامح السلف فيه (٥) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

لا فرق في معاملة الصبي بين الأشياء اليسيرة والخطيرة

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا : أنّه لا فرق في معاملة الصبي بين أن تكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة ؛ لما عرفت من عموم النصّ والفتوى حتّى أنّ العلاّمة في التذكرة لمّا ذكر حكاية «أنّ أبا الدرداء اشترى عصفوراً من صبيّ فأرسله» ، ردّها بعدم الثبوت وعدم الحجّية ، وتوجيهه بما يخرجه عن محلّ الكلام (٦).

تفصيل المحدّث الكاشاني بين الأشياء اليسيرة والخطيرة

وبه يظهر ضعف ما عن المحدّث الكاشاني : من أنّ الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما (٧) جرت العادة به من الأشياء اليسيرة ؛ دفعاً للحرج (٨) ، انتهى.

__________________

(١) هذه العبارة للسيّد العاملي في مفتاح الكرامة.

(٢) هذا الفرع ذكره العلاّمة في النهاية ، ونقله السيّد العاملي بتصرّف.

(٣) في المصدر : أوصل.

(٤) في غير «ف» و «ش» : من.

(٥) انظر التذكرة ١ : ٤٦٢ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٤٥٤ ٤٥٥ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٧٢.

(٦) التذكرة ٢ : ٨٠.

(٧) في «ف» : لما.

(٨) مفاتيح الشرائع ٣ : ٤٦.


فإنّ الحرج ممنوع ، سواء أراد أنّ الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات والتزام مباشرة البالغين لشرائها ، أم أراد أنّه يلزم من التجنّب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة.

ثمّ لو (١) أراد استقلاله في البيع والشراء لنفسه بماله من دون إذن الوليّ ليكون حاصله أنّه غير محجورٍ عليه في الأشياء اليسيرة ، فالظاهر كونه مخالفاً للإجماع.

وأمّا ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعةً بيده» ؛ معلّلاً بأنّه «إن لم يجد سرق» (٢) ، فمحمولٌ على عوض كسبه من التقاطٍ ، أو اجرةٍ عن (٣) إجارةٍ أوقعها الولي أو الصبي بغير إذن الولي ، أو عن عمل أمر به من دون إجارة فأعطاه المستأجر أو الآمر اجرة المثل ، فإنّ هذه كلّها ممّا يملكه الصبي ، لكن يستحبّ للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبيّ فيها ؛ لاحتمال كونها من الوجوه المحرَّمة ، نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممّن لا يبالي بالمحرَّمات.

وكيف كان ، فالقول المذكور في غاية الضعف.

تصحيح المعاملة لو كان الصبي بمنزلة الآلة

نعم ، ربما صحّح سيّد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا‌

__________________

(١) في «ع» و «ص» : «إن» ، وفي نسخة بدلهما : لو.

(٢) الوسائل ١٢ : ١١٨ ، الباب ٣٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) في «ف» بدل «عن» : أو.


كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له أهليّة التصرّف ؛ من جهة استقرار السيرة واستمرارها على ذلك (١).

المناقشة في ذلك

وفيه إشكال ، من جهة قوّة احتمال كون السيرة ناشئة من (٢) عدم المبالاة في الدين ، كما في كثيرٍ من (٣) سيرهم الفاسدة.

ويؤيّد ذلك : ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين وغيرهم ، ولا بينهم وبين المجانين ، ولا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الوليّ أصلاً ، ومعاملتهم لأوليائهم على سبيل الآلية ، مع أنّ هذه (٤) ممّا (٥) لا ينبغي الشكّ في فسادها (٦) ، خصوصاً الأخير.

مع أنّ الإحالة على ما جرت العادة به كالإحالة على المجهول ؛ فإنّ الذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كلِّ صبيٍّ ما هو (٧) فطنٌ فيه ، بحيث لا يغلب في المساومة عليه ، فيَكِلون إلى من بلغ ستّ سنين (٨) شراءَ باقة بقلٍ ، أو بيعَ بيضة دجاجٍ بفَلْسٍ ، وإلى من بلغ‌

__________________

(١) الرياض ١ : ٥١١.

(٢) في غير «ف» : عن.

(٣) لم ترد «كثير من» في «ش».

(٤) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : هذا.

(٥) لم ترد «ممّا» في «ف».

(٦) في «ش» : فساده.

(٧) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ص» : «ماهر» ، لكنّ صُحّح في «ن» بما أثبتناه في المتن.

(٨) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : من بلغ سنتين.


ثمانية (١) سنين اشتراء اللحم والخبز ونحوهما ، وإلى من بلغ أربع عشرة سنة شراء الثياب ، بل الحيوان ، بل يكلون إليه أُمور التجارة في الأسواق والبلدان ، ولا يفرّقون بينه وبين مَن أكمل خمس عشرة سنة ، ولا يكِلون إليه شراء مثل القرى والبساتين وبيعها إلاّ بعد أن يحصل له التجارب ، ولا أظنّ أنّ القائل بالصحّة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ هذا القول أيضاً مخالف لما يظهر منهم.

وقد عرفت حكم العلاّمة في التذكرة بعدم جواز ردّ المال إلى الصبيّ إذا دفعه إلى الناقد لينقده ، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه (٢) ، مع كونه غالباً في هذه المقامات بمنزلة الآلة للوليّ ، وكذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه بإذن الوليّ ، مع أنّه بمنزلة الآلة في ذلك غالباً.

دعوى كاشف الغطاء إفادة معاملة الصبي الإباحة لو كان مأذونا والمناقشات فيه

وقال كاشف الغطاء رحمه‌الله بعد المنع عن (٣) صحّة عقد الصبي أصالة ووكالة ما لفظه : نعم ، ثبت الإباحة في معاملة المميّزين (٤) إذا جلسوا مقام أوليائهم ، أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتّى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء خصوصاً في المحقّرات. ثمّ قال : ولو قيل بتملّك الآخذ منهم لدلالة مأذونيّته في جميع التصرّفات فيكون موجباً قابلاً ، لم يكن بعيداً (٥) ، انتهى.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «ثماني» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) راجع الصفحة ٢٨٥.

(٣) في «ف» : من.

(٤) كذا في «ن» و «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : المتميّزين.

(٥) كشف الغطاء : ٤٩ ٥٠.


المناقشة في ذلك

أقول (١) : أمّا التصرّف والمعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه البيع أو المعاطاة (٢) فهو الذي قد عرفت (٣) أنّه خلاف المشهور والمعروف حتّى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة ؛ لأنّها تصرّف لا محالة وإن لم تكن بيعاً ، بل ولا معاوضة.

كلام المحقّق التستري في توضيح الدعوى

وإن أراد بذلك أنّ إذن الولي ورضاه المنكشف بمعاملة الصبيّ هو المفيد للإباحة ، لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي (٤) فتوضيحه ما ذكره بعض المحقّقين من تلامذته (٥) ، وهو : أنّه لمّا كان بناء المعاطاة على حصول المراضاة كيف اتّفق ، وكانت مفيدةً لإباحة التصرّف خاصّة كما هو المشهور وجرت عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة والرضا باعتماد غيرهم في التصرّف فيها على الأمارات المفيدة للظنّ بالرضا في المعاوضات ، وكان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبيّ تعيين (٦) القيمة ، أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة ، فلأجل ذلك صحّ القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع والشراء مع الشروط المذكورة ، كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار وفي إيصال الهديّة إذا ظهرت أمارات‌

__________________

(١) لم ترد «أقول» في غير «ف».

(٢) لم ترد «سواء كان إلى أو المعاطاة» في «ف».

(٣) راجع أوّل المسألة.

(٤) انظر جامع المقاصد ٦ : ٦٥ ، والمسالك ٥ : ١٣٦.

(٥) هو المحقّق التستري قدس‌سره.

(٦) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «ش» ومصحّحة «ن» : تعيّن.


الصدق ، بل ما ذكرنا أولى بالجواز من الهديّة من وجوه ، وقد استند فيه في التذكرة إلى تسامح السلف (١).

وبالجملة ، فالاعتماد في الحقيقة على الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ والإعطاء ، مع البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرّف ، لا على قول الصبي ومعاملته من حيث إنّه كذلك ، وكثيراً ما يعتمد الناس على الإذن المستفاد ، من غير وجود ذي يدٍ أصلاً ، مع شهادة الحال بذلك ، كما في دخول الحمّام ووضع الأُجرة و (٢) عوض الماء التالف في الصندوق ، وكما (٣) في أخذ الخُضَر الموضوعة للبيع ، وشرب ماء السقّائين ووضع القيمة المتعارفة في الموضع المعدّ لها (٤) ، وغير ذلك من الأُمور التي جرت العادة بها ، كما يعتمد على مثل ذلك في غير المعاوضات من أنواع التصرّفات.

فالتحقيق : أنّ هذا ليس مستثنى من كلام الأصحاب ولا منافياً له ، ولا يعتمد على ذلك أيضاً في مقام الدعوى ولا فيما إذا طالب المالك بحقّه وأظهر عدم الرضا (٥) ، انتهى.

حاصل ما أفاده التستري

وحاصله : أنّ مناط الإباحة ومدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاطٍ قائمٍ بشخصين ، أو بشخصٍ منزَّلٍ منزلة شخصين ، بل على تحقّق‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٢ ، وتقدّم عنه في الصفحة ٢٨٦.

(٢) كلمة «و» من «ف» والمصدر.

(٣) في «ش» : وكذا.

(٤) كذا في «ف» و «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لهما.

(٥) مقابس الأنوار : ١١٣.


الرضا من كلٍّ منهما بتصرّف صاحبه في ماله ، حتّى لو فرضنا أنّه حصل مال كلٍّ منهما عند صاحبه باتّفاقٍ كإطارة الريح ونحوها فتراضيا على التصرّف بإخبار صبيٍّ أو بغيره من الأمارات كالكتابة ونحوها كان هذه (١) معاطاة أيضاً ؛ ولذا يكون (٢) وصول الهدية إلى المُهدى إليه على يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضا المهديّ بالتصرف بل التملّك كافياً في إباحة الهديّة ، بل في تملّكها.

المناقشة فيما أفاده

وفيه (٣) : أنّ ذلك حسن ، إلاّ أنّه موقوف أوّلاً على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحةٍ وتمليك ، والاكتفاء (٤) فيها بمجرّد الرضا.

ودعوى حصول الإنشاء بدفع الوليّ المال إلى الصبي ، مدفوعة : بأنّه إنشاء إباحةٍ لشخصٍ غير معلوم ، ومثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة ، مع العلم بخروجه عن موضوعها.

وبه يفرق بين ما نحن فيه ومسألة إيصال الهديّة بيد الطفل ؛ فإنّه يمكن فيه دعوى كون دفعها (٥) إليه للإيصال إباحة أو تمليكاً (٦) ، كما ذكر أنّ إذن الوليّ للصبيّ في الإعارة إذن في انتفاع المستعير ، وأمّا دخول‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «هذا» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) في «ش» : كان.

(٣) في «ف» : ففيه.

(٤) كذا في «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ف» : «يكفي» ، وفي مصحّحة «ص» : «أن يكتفى» ، وفي سائر النسخ : يكتفى.

(٥) كذا في «ص» ، وفي غيرها : دفعه.

(٦) كذا في «ن» ، «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : تملّكاً.


الحمّام وشرب الماء ووضع الأُجرة والقيمة ، فلو حكم بصحّتهما (١) بناءً على ما ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرّد المراضاة الخالية عن الإنشاء انحصرت صحّة وساطة الصبيّ فيما يكتفى (٢) فيه بمجرّد (٣) وصول العوضين ، دون ما لا يكتفى (٤) فيه.

والحاصل : أنّ دفع الصبي وقبضه بحكم العدم ، فكلّ ما يكتفى فيه بوصول كلٍّ من العوضين إلى صاحب الآخر بأيّ وجهٍ اتّفق فلا يضرّ مباشرة الصبي لمقدّمات الوصول.

ثمّ إنّ ما ذكر (٥) مختصٌّ بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبيّ وليّاً كان أم غيره.

المناقشة في بعض ما أفاده كاشف الغطاء

وأمّا ما ذكره كاشف الغطاء أخيراً (٦) : من صيرورة الشخص (٧) موجباً قابلاً (٨) ، ففيه :

أوّلاً : أنّ تولّي وظيفة الغائب وهو من أذن للصغير إن كان‌

__________________

(١) في غير «ش» : بصحّتها.

(٢) وفي «ش» : «يكفي».

(٣) كذا في «ص» ، وفي غيرها : مجرّد.

(٤) كذا في «ص» ، وفي غيرها : مجرّد.

(٥) يعني ما ذكره كاشف الغطاء وتلميذه المحقّق التستري قدس‌سرهما في تصحيح معاملات الصبيّ.

(٦) تقدّم نصّ كلامه في الصفحة ٢٨٩.

(٧) كذا في «ش» ، «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي مصحّحة «خ» : «أحد الشخصين» ، وفي سائر النسخ : الشخصين.

(٨) في غير «ف» : وقابلاً.


بإذنٍ منه ، فالمفروض انتفاؤه ، وإن كان بمجرّد (١) العلم برضاه ، فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل ، بل ممنوع.

وثانياً : أنّ المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمّن أذن للصبي.

ثمّ إنّه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآليّة بالصبي ، ولا بالأشياء الحقيرة ، بل هو جارٍ في المجنون والسكران بل البهائم ، و (٢) في الأُمور الخطيرة ؛ إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار وكان الصغير آلة ، فلا فرق في الآليّة بينه وبين غيره.

نعم ، من تمسّك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشّم لإدخال ذلك تحت القاعدة ، فله تخصيص ذلك بالصبي ؛ لأنّه المتيقّن من موردها ، كما أنّ ذلك مختصّ بالمحقّرات.

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيره : مجرّد.

(٢) الواو» من «ف».


مسألة

في اشتراط قصد المتعاقدين مدلول العقد الدليل على هذا الشرط

ومن جملة شرائط المتعاقدين : قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفّظان به.

واشتراط القصد بهذا المعنى في صحّة العقد بل في تحقّق مفهومه ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، فلا يقع من دون قصدٍ إلى اللفظ كما في الغالط. أو إلى المعنى لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه ، بل بمعنى عدم تعلّق إرادته (١) وإن (٢) أوجد مدلوله بالإنشاء ، كما في الأمر الصوري فهو (٣) شبيه الكذب في الإخبار كما في الهازل. أو قصد معنى يغاير مدلول العقد ، بأن قصد الإخبار أو الاستفهام. أو أنشأ معنىً غير البيع مجازاً أو غلطاً ، فلا يقع البيع لعدم القصد إليه ، ولا المقصود إذا اشترط فيه عبارة خاصّة.

ثمّ إنّه ربما يقال بعدم تحقّق القصد في عقد الفضولي والمكره كما صرّح به في المسالك ، حيث قال : إنّهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله (٤).

__________________

(١) في «ص» زيادة «به» تصحيحاً.

(٢) في مصحّحة «ن» : بأن.

(٣) لم ترد «فهو» في «ف».

(٤) المسالك ٣ : ١٥٦ ، نقلاً بالمعنى.


وفيه : أنّه لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقّق في صدق مفهوم العقد ؛ مضافاً إلى ما سيجي‌ء في أدلّة الفضولي (١) ، وأمّا معنى ما في المسالك فسيأتي في اشتراط الاختيار (٢).

كلام صاحب المقابس في اعتبار تعيين المالكين والمناقشات فيه

واعلم أنّه ذكر بعض المحقّقين ممّن عاصرناه (٣) كلاماً في هذا المقام ، في أنّه هل يعتبر تعيين المالكين اللذين يتحقّق النقل والانتقال (٤) بالنسبة إليهما ، أم لا؟ وذكر ، أنّ في المسألة أوجهاً وأقوالاً ، وأنّ المسألة في غاية الإشكال ، وأنّه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدّس الله أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه. ثمّ قال :

وتحقيق المسألة : أنّه إن توقّف تعيّن المالك على التعيين حال العقد ؛ لتعدّد وجه وقوعه الممكن شرعاً ، اعتبر تعيينه في النيّة ، أو مع اللفظ (٥) به أيضاً كبيع الوكيل والولي العاقد عن اثنين في بيعٍ واحد ، والوكيل عنهما (٦) والوليّ عليهما في البيوع المتعدّدة ، فيجب أن يعيّن من يقع له البيع أو الشراء ، من نفسه أو غيره ، وأن يميّز البائع من المشتري إذا أمكن الوصفان في كلٍّ منهما.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٣٧٢.

(٢) يجي‌ء في الصفحة ٣٠٧.

(٣) هو المحقّق التستري.

(٤) في غير «ش» : أو الانتقال.

(٥) في المصدر : التلفّظ.

(٦) كذا في «ش» والمصدر ، وفي مصحّحة «ن» : «منهما» ، وفي سائر النسخ : فيهما.


فإذا عيّن جهة خاصّة تعيّنت ، وإن أطلق : فإن كان هناك جهة يصرف إليها الإطلاق كان كالتعيين كما لو دار الأمر بين نفسه وغيره إذا لم يقصد الإبهام والتعيين بعد العقد وإلاّ وقع لاغياً ، وهذا جارٍ في سائر العقود من النكاح وغيره.

والدليل على اشتراط التعيين ولزوم متابعته في هذا القسم : أنّه لولا ذلك لزم بقاء الملك بلا مالكٍ معيّنٍ (١) في نفس الأمر ، وأن لا يحصل الجزم بشي‌ءٍ من العقود التي لم يتعيّن فيها (٢) العوضان ، ولا بشي‌ءٍ من الأحكام والآثار المترتّبة على ذلك ، وفساد ذلك ظاهر.

ولا دليل على تأثير التعيين المتعقّب ، ولا على صحّة العقد المبهم ؛ لانصراف الأدلّة إلى الشائع المعهود (٣) من الشريعة والعادة ، فوجب الحكم بعدمه (٤).

وعلى هذا ، فلو شرى (٥) الفضولي لغيره في الذمّة ، فإن عيّن ذلك الغير تعيّن ووقف على إجازته ، سواء تلفّظ بذلك أم نواه ، وإن أبهم مع قصد الغير بطل ، ولا يوقف إلى أن يوجد له مجيز إلى أن قال ـ : وإن لم يتوقّف تعيّن (٦) المالك على التعيين حال العقد بأن يكون العوضان‌

__________________

(١) كلمة «معيّن» من «ش» والمصدر.

(٢) في «ش» : فيه.

(٣) في «ش» : «المعروف» ، طبقاً للمصدر.

(٤) عبارة «من الشريعة إلى بعدمه» من «ش» والمصدر.

(٥) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : اشترى.

(٦) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «تعيين» ، إلاّ أنّه صُحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.


معيّنين ، ولا يقع العقد فيهما على وجهٍ يصحّ إلاّ لمالكهما ، ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل ، وعدمه فيصحّ ، أوجه ، أقواها (١) الأخير ، وأوسطها الوسط ، وأشبهها للأُصول الأوّل.

وفي حكم التعيين ما إذا (٢) عيّن المال بكونه في ذمّة زيدٍ مثلاً.

وعلى الأوسط :

لو باع مال نفسه عن الغير ، وقع عنه ولغى قصد كونه عن الغير.

ولو باع مال زيد عن عمرو ، فإن كان وكيلاً عن زيد صحّ عنه ، وإلاّ وقف على إجازته.

ولو اشترى لنفسه بمالٍ في ذمّة زيد ، فإن لم يكن وكيلاً عن زيد وقع عنه وتعلّق المال بذمّته ، لا عن زيد ؛ ليقف على إجازته ، وإن كان وكيلاً فالمقتضي لكلٍّ من العقدين منفرداً موجود ، والجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما ، ولمّا لم يتعيّن احتمل البطلان ؛ للتدافع ، وصحّته عن نفسه ؛ لعدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء وترجيح جانب الأصالة ، وعن الموكل ؛ لتعيّن العوض في ذمّة الموكل ، فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن.

ولو اشترى عن زيد بشي‌ءٍ في ذمّته فضولاً ولم يجز ، فأجاز عمرو ، لم يصحّ عن أحدهما.

__________________

(١) في المصدر : أحوطها.

(٢) في «ش» : المعيّن إذا ما.


وقس على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب ، ولا فرق على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النيّة المخالفة والتسمية ، ويفرّق بينهما على الأخير ، ويبطل الجميع على الأوّل (١) ، انتهى كلامه رحمه‌الله (٢).

المناقشة فيما أفاده صاحب المقابس

أقول : مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كلٍّ من العوضين في ملك مالك الآخر ، وإلاّ لم يكن كلٌّ منهما عوضاً وبدلاً.

وعلى هذا ، فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك ، إلاّ أنّ ملكيّة العوض وترتّب آثار الملك عليه قد يتوقّف على تعيين المالك ؛ فإنّ من الأعواض ما يكون متشخّصاً بنفسه في الخارج كالأعيان. ومنها ما لا يتشخّص إلاّ بإضافته إلى مالك ك‍ «ما في الذمم» ؛ لأنّ (٣) ملكيّة الكلّي لا يكون (٤) إلاّ مضافاً إلى ذمّة ، وإجراء أحكام الملك على ما في ذمّة الواحد المردّد بين شخصين فصاعداً غير معهود.

فتعيين (٥) الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقّف اعتبار ملكيّة ما في الذمم على تعيين (٦) صاحب الذمّة.

فصحّ على ما ذكرنا أنّ تعيين المالك مطلقاً غير معتبرٍ سواء في‌

__________________

(١) مقابس الأنوار : ١١٥ ١١٦.

(٢) الترحيم من «ف».

(٣) في «ف» ، «خ» ، «ع» و «ص» : ولأنّ.

(٤) كذا ، والمناسب : لا تكون.

(٥) كذا في «ف» ، «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : فتعيّن.

(٦) في «ف» بدل «على تعيين» : على اعتبار.


العوض المعيّن أو في (١) الكلّي ، وأنّ اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشقّ الأوّل من تفصيله (٢) إنّما هو لتصحيح ملكيّة العوض بتعيين من يضاف الملك إليه ، لا لتوقّف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكاً ، فإنّ من اشترى لغيره في الذمّة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن مِلكاً ؛ لأنّ ما في الذمّة ما لم يضف إلى شخصٍ معيّن لم يترتّب عليه أحكام المال : من جعله ثمناً أو مثمناً ، وكذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين ؛ فإنّه إذا جعل العوضين في الذمّة بأن قال : «بعت عبداً بألف» ، ثمّ قال : «قبلت» فلا يصير العبد قابلاً للبيع ، ولا الألف قابلاً للاشتراء به حتّى يُسنِد كلاّ منهما إلى معيّن ، أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن ، فيقول : «بعت عبداً من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع عن المشتري.

عود إلى مناقشة صاحب المقابس

وأمّا ما ذكره من الوجوه الثلاثة (٣) فيما إذا كان العوضان معيّنين ، فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقيّة التي قد عرفت أنّ من لوازمها العقليّة دخول العوض في ملك مالك المعوّض تحقيقاً لمفهوم العوضيّة والبدليّة ، فلا حاجة إلى تعيين من يُنقل عنهما وإليهما العوضان ، وإذا‌

__________________

(١) في «ف» : وفي.

(٢) يعني تفصيل صاحب المقابس ، والمراد من الشقّ الأوّل هو ما أفاده بقوله : «إن توقّف تعيّن المالك على التعيين» ، راجع الصفحة ٢٩٦.

(٣) إشارة إلى ما ذكره صاحب المقابس في الشقّ الثاني من تفصيله ، وهو قوله : «ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه ، أو عدمه مطلقاً ، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف فيبطل ، وعدمه فيصحّ ..» ، راجع الصفحة ٢٩٨.


لم يقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد ؛ فإن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملّكه المعوّض (١) فقال : «ملّكتك فرسي هذا بحمار عمرو» ، فقال المخاطب : «قبلت» ، لم يقع البيع لخصوص المخاطب ؛ لعدم مفهوم المعاوضة معه ، وفي وقوعه اشتراءً فضوليّاً لعمرو كلامٌ يأتي.

وأمّا ما ذكره من مثال «مَن باع مال نفسه عن غيره» (٢) فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره ، والظاهر وقوعه عن البائع ولغوية قصده عن الغير ؛ لأنّه أمر غير معقول لا يتحقّق القصد إليه حقيقة ، وهو معنى لغويّته ؛ ولذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي‌ء ولا يقع عن نفسه أبداً.

نعم ، لو ملكه فأجاز ، قيل بوقوعه له (٣) ، لكن لا من حيث إيقاعه أوّلاً لنفسه ؛ فإنّ القائل به لا يفرّق حينئذٍ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه ، فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائماً ووجوده كعدمه.

إلاّ أن يقال : إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره (٤) إنّما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية ، لِمَ لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته‌

__________________

(١) في «ف» و «خ» : العوض.

(٢) راجع الصفحة ٢٩٨.

(٣) الظاهر أنّ القائل به كثير ، منهم : المحقّق القمّي في الغنائم : ٥٥٤ ناسباً إلى الأكثر ، ومنهم : كاشف الغطاء في شرحه على القواعد ، حيث قال في ذيل كلام العلاّمة : «وكذا لو باع مال غيره ثمّ ملكه» : «والأقوى عدم الاشتراط» ، راجع شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٦١.

(٤) في «ف» : بيع مال الغير لغيره.


من البيع المبادلة الحقيقية ، أو على تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكيّة المبيع كما سيأتي أنّ المعاوضة الحقيقيّة (١) في بيع (٢) الغاصب لنفسه لا يتصوّر إلاّ على هذا الوجه؟ وحينئذٍ فيحكم ببطلان المعاملة ؛ لعدم قصد المعاوضة الحقيقيّة مع المالك الحقيقي.

ومن هنا ذكر العلاّمة (٣) وغيره (٤) في عكس المثال المذكور : أنّه لو قال المالك للمرتهن : «بعه لنفسك» بطل ، وكذا لو دفع مالاً إلى من يطلبه الطعام وقال : اشترِ به لنفسك طعاماً.

هذا ، ولكنّ الأقوى صحّة المعاملة المذكورة ولغوية القصد المذكور ؛ لأنّه راجعٌ إلى إرادة إرجاع فائدة البيع إلى الغير ، لا جعله أحد ركنَي المعاوضة.

وأمّا حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام ، فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب ، لا أنّ المخاطب إذا قال : «بعته لنفسي» ، أو «اشتريته لنفسي» لم يقع لمالكه إذا أجازه.

وبالجملة ، فحكمهم بصحّة بيع الفضولي وشرائه لنفسه ، ووقوعه للمالك ، يدلّ على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه حكم وجوب تعيين كلٍّ من البائع والمشتري من يبيع له ويشتري له.

__________________

(١) لم ترد «أو على تنزيل الغير إلى المعاوضة الحقيقية» في «ف».

(٢) في «ف» : فبيع.

(٣) القواعد ١ : ١٥١ و ١٦٦.

(٤) مثل الشهيد في الدروس ٣ : ٢١١ و ٤٠٩.


هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري والقابل للبائع؟

وأمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب (١) ، والقابل لخصوص البائع ، فيحتمل اعتباره ، إلاّ فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلٍّ من المتخاطبين كما في غالب البيوع والإجارات فحينئذٍ يراد من ضمير المخاطب (٢) في قوله : «ملّكتك كذا أو منفعة (٣) كذا بكذا» هو المخاطب بالاعتبار الأعمّ من كونه مالكاً حقيقيّا أو جعليّاً كالمشتري الغاصب أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية.

ويحتمل عدم اعتباره (٤) إلاّ فيما (٥) علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين ، كما في النكاح ، والوقف الخاصّ ، والهبة ، والوكالة ، والوصيّة.

مختار المؤلف ودليله

والأقوى (٦) هو الأوّل ؛ عملاً بظاهر الكلام الدالّ على قصد الخصوصيّة ، وتبعيّة العقود للقصود.

وعلى فرض القول بالثاني (٧) ، فلو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتّبع قصده ، فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره.

__________________

(١) كلمة «المخاطب» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) في «ف» : الخطاب.

(٣) في «ف» بدل «منفعة» : بعته.

(٤) العبارة في «ف» هكذا : ويحتمل اعتباره.

(٥) كلمة «فيما» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، نعم ورد في مصحّحة «خ» و «ص» بدل «فيما» : إذا.

(٦) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ش» : الأقوى.

(٧) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الثاني.


قال في التذكرة : لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر ، فإشكالٌ ، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد (١).

وهذا الإشكال وإن كان ضعيفاً مخالفاً للإجماع والسيرة إلاّ أنّه مبنيّ (٢) على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

كلام العلامة في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح والمناقشة فيه

وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح : إنّ الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود ، ويختلف الأغراض باختلافهما (٣) ، فلا بدّ من التعيين وتوارد الإيجاب والقبول على أمرٍ واحد ، ولأنّ (٤) معنى قوله : «بعتك كذا بكذا» رضاه بكونه مشترياً للمال المبيع ، والمشتري يطلق على المالك ووكيله ، ومعنى قولها : «زوّجتك نفسي» رضاها بكونه زوجاً ، والزوج لا يطلق على الوكيل (٥) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده العلّامة من الفرق

ويرد على الوجه الأوّل من وجهي الفرق : أنّ كون الزوجين كالعوضين إنّما يصحّ (٦) وجهاً (٧) لوجوب التعيين في النكاح ، لا لعدم وجوبه في البيع ؛ مع أنّ الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف وإخوته (٨)

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٢) كذا في «خ» ، «ع» و «ص» ، وفي سائر النسخ : «مبنيّة» ، ولا يبعد أن تكون مصحّفة «منبّهٌ» كما في نسخة بدل «ش».

(٣) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : باختلافها.

(٤) في «ن» : وأنّ.

(٥) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٥.

(٦) في مصحّحة «ص» : يصلح.

(٧) كلمة «وجهاً» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٨) أي الهبة والوكالة والوصيّة ، على ما تقدّم في الصفحة السابقة.


كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة أو الفضولي ، فلا بدّ من وجهٍ مطّردٍ في الكلّ.

وعلى الوجه الثاني : أنّ معنى «بعتك» في لغة العرب كما نصّ عليه فخر المحقّقين وغيره هو ملّكتك بعوض (١) ، ومعناه جعل المخاطب مالكاً ، ومن المعلوم أنّ المالك لا يصدق على الوليّ والوكيل والفضولي.

الأولى في الفرق بين النكاح والبيع

فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أنّ الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو ، بل بالاعتبار الأعمّ من كونه أصالة أو عن الغير ، ولا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل فتأمّل بخلاف النكاح وما أشبهه ؛ فإنّ الغالب قصد المتكلّم للمخاطب من حيث إنّه ركن للعقد ، بل ربما يستشكل في صحّة أن يراد من (٢) القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصيل (٣) ، كما لو قال : «زوّجتك» مريداً له (٤) باعتبار كونه وكيلاً عن الزوج ، وكذا قوله : «وقفت عليك» و «أوصيت لك» و «وكّلتك» ، ولعلّ الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها ، فلا يقال للوكيل : الزوج ،

__________________

(١) لم نعثر عليه بعينه ، نعم حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٥٢) عن شرح الإرشاد لفخر المحقّقين : «أنّ بعت في لغة العرب بمعنى ملّكت غيري» ، كما تقدّم في الصفحة ١٢ وغيرها.

(٢) في مصحّحة «ن» : مع.

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : الأصل.

(٤) لم ترد «له» في «ن» و «م».


ولا الموقوف عليه ، ولا الموصى له ، ولا الوكيل (١) ، بخلاف البائع والمستأجر ، فتأمّل ؛ حتّى لا يتوهّم رجوعه (٢) إلى ما ذكرنا سابقاً (٣) واعترضنا عليه (٤).

__________________

(١) في «ش» : الموكّل.

(٢) ضمير «رجوعه» راجع إلى ما ذكره بقوله : فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أنّ الغالب .. إلخ.

(٣) إشارة إلى ما تقدّم في الصفحة ٣٠٤ بقوله : «وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه .. إلخ» ، والمراد من الاعتراض عليه ما تقدّم في الصفحة السابقة من قوله : «وعلى الوجه الثاني : إنّ معنى بعتك .. إلخ».

(٤) جملة «واعترضنا عليه» لم ترد في «ف».


مسألة

من شرائط المتعاقدين الاختيار

المراد من «الاختيار»

ومن شرائط المتعاقدين : الاختيار ، والمراد به القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفسٍ ، في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس ، لا الاختيار في مقابل الجبر.

ويدلّ عليه قبل الإجماع قوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١).

ما يدل على اشتراط الاختيار

وقوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخبر المتّفق عليه بين المسلمين : «رُفع أو وُضع عن أُمّتي تسعة أشياء أو ستّة .. ومنها : ما اكرهوا عليه» (٣).

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٣) انظر الوسائل ٥ : ٣٤٥ ، الباب ٣٠ من أبواب الخلل ، الحديث ٢ ، و ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، الحديث الأوّل ، و ١٦ : ١٤٤ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث ٣.


وظاهره وإن كان رفع المؤاخذة ، إلاّ أنّ استشهاد الإمام عليه‌السلام به في رفع بعض الأحكام الوضعيّة يشهد لعموم (١) المؤاخذة فيه لمطلق الإلزام عليه بشي‌ءٍ.

ففي صحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : «في الرجل يستكره على اليمين» فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه ذلك؟ فقال عليه‌السلام : لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وضع عن أُمّتي ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوا ، وما أخطأوا» (٢).

والحلف بالطلاق والعتاق وإن لم يكن صحيحاً عندنا من دون الإكراه أيضاً ، إلاّ أنّ مجرّد استشهاد الإمام عليه‌السلام في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما اكرهوا عليه ، يدلّ على أنّ المراد بالنبوي (٣) ليس رفع (٤) خصوص المؤاخذة والعقاب الأُخروي.

هذا كلّه ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في طلاق المكره (٥) بضميمة عدم الفرق.

ثمّ إنّه يظهر من جماعة منهم الشهيدان (٦) ـ : أنّ المكره قاصد‌

__________________

(١) في «ف» : بعموم.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٣٦ ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث ١٢.

(٣) لم ترد «بالنبوي» في «ف».

(٤) كلمة «رفع» من «ف» فقط.

(٥) انظر الوسائل ١٥ : ٣٣١ ، الباب ٣٧ من أبواب مقدّمات الطلاق ، والصفحة ٢٩٩ ، الباب ١٨ من نفس الأبواب ، الحديث ٦.

(٦) انظر الدروس ٣ : ١٩٢ ، والمسالك ٣ : ١٥٦ ، والروضة البهية ٣ : ٢٢٦ ٢٢٧.


إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله ، بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلاّمة.

وليس مرادهم أنّه لا قصد له إلاّ إلى مجرّد التكلّم ، كيف! والهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصداً صورياً ، والخالي عن القصد إلى غير التكلّم هو من يتكلّم تقليداً أو تلقيناً ، كالطفل الجاهل بالمعاني.

المراد من قولهم : «المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله»

فالمراد بعدم قصد المكره : عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج ، وأنّ الداعي له إلى الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج (١) ، لا أنّ كلامه الإنشائي مجرّد عن المدلول ، كيف! وهو معلولٌ للكلام (٢) الإنشائي إذا كان مستعملاً غير مهمل.

وهذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّلٍ في معنى الإكراه لغةً وعرفاً وأدنى تتبّع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم (٣) مع ما توهمه (٤) ، من خلوّ المكرَه عن قصد مفهوم اللفظ (٥) وجعله مقابلاً للقصد ، وحكمهم بعدم وجوب التورية في التفصّي‌

__________________

(١) وردت العبارة في «ف» مختصرة هكذا : فالمراد عدم وقوع مضمونه في الخارج.

(٢) كذا في «ف» ، وفي غيرها : الكلام.

(٣) في «م» و «ش» : لا يستقيم.

(٤) أي توهمه عبارة الجماعة ، منهم : العلاّمة والشهيدان ، وفي مصحّحة «ن» : توهم.

(٥) لم ترد «التي لا تستقيم إلى مفهوم اللفظ» في «ف».


عن الإكراه (١) وصحّة بيعه (٢) بعد الرضا (٣) ، واستدلالهم (٤) له بالأخبار الواردة في طلاق المكره وأنّه لا طلاق إلاّ مع إرادة الطلاق (٥) ، حيث إنّ المنفيّ صحّة الطلاق ، لا تحقّق مفهومه لغةً وعرفاً ، وفي ما ورد فيمن طلّق مداراةً بأهله (٦) ، إلى غير ذلك ، وفي أنّ مخالفة بعض العامّة في وقوع الطلاق إكراهاً (٧) ، لا ينبغي أن تحمل على الكلام المجرّد عن قصد المفهوم ، الذي لا يسمّى خبراً ولا إنشاءً وغير ذلك ، ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو : القصد إلى وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به ، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني : من أنّ المكره والفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله (٨) ، نعم ذكر في التحرير والمسالك في‌

__________________

(١) انظر الروضة البهيّة ٦ : ٢١ ، والمسالك ٩ : ٢٢ ، ونهاية المرام : ٢ : ١٢ ، والجواهر ٣٢ : ١٥.

(٢) كما ادّعى الاتّفاق ظاهراً في الحدائق ١٨ : ٣٧٣ ، والرياض ١ : ٥١١. وفي مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٣ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦٧ نسبتها إلى المشهور.

(٣) في «ف» زيادة : به.

(٤) كما استدلّ به المحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦٤.

(٥) راجع الوسائل ١٥ : ٣٣١ ، الباب ٣٧ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(٦) الوسائل ١٥ : ٣٣٢ ، الباب ٣٨ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(٧) خالف في ذلك أبو حنيفة وأصحابه ، انظر بداية المجتهد ٢ : ٨١ ، والمغني لابن قدامة ٧ : ١١٨.

(٨) كما تقدّم عنه في الصفحة ٢٩٥ و ٣٠٨.


فروع المسألة ما يوهم ذلك (١) ، قال في التحرير : لو اكره على الطلاق فطلّق ناوياً ، فالأقرب وقوع الطلاق ، إذ لا إكراه على القصد (٢) ، انتهى.

وبعض المعاصرين (٣) بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهَّم كلامهم ، فردّ عليهم بفساد المبنى ، وعدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور ، لكنّ المتأمّل يقطع بعدم إرادتهم لذلك ، وسيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به (٤).

حقيقة الإكراه

ثمّ إنّ حقيقة الإكراه لغةً وعرفاً : حمل الغير على ما يكرهه ، ويعتبر في وقوع الفعل عن (٥) ذلك الحمل : اقترانه بوعيد منه (٦) مظنون الترتّب على ترك (٧) ذلك الفعل ، مضرٍّ بحال الفاعل أو متعلّقه نفساً أو عِرضاً أو مالاً.

فظهر من ذلك : أنّ مجرّد الفعل لدفع الضرر المترتّب على تركه لا يُدخِله في «المكره عليه» ، كيف! والأفعال الصادرة من العقلاء كلّها أو جلّها ناشئة عن دفع الضرر ، وليس دفع مطلق الضرر الحاصل من‌

__________________

(١) انظر المسالك ٩ : ٢٢.

(٢) التحرير ٢ : ٥١.

(٣) انظر الجواهر ٣٢ : ١٥.

(٤) يأتي في الصفحة ٣٢٥.

(٥) في غير «ف» و «ن» : من.

(٦) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «بتوعيد» ، وصُحّح في «ن» بما أثبتناه ، إلاّ أنّه شطب فيها على «منه».

(٧) لم ترد «ترك» في «ف».


إيعاد شخص يوجب صدق «المكره» عليه ، فإنّ من اكره على دفع مالٍ وتوقّف على بيع بعض أمواله ، فالبيع الواقع منه لبعض أمواله وإن كان لدفع الضرر المتوعّد به على عدم دفع ذلك المال ولذا يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه لحلف أو شبهه ـ ، إلاّ أنّه ليس مُكرَهاً عليه (١).

المعيار في صدق الإكراه

فالمعيار في وقوع الفعل مُكرَهاً عليه : سقوط الفاعل من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر عن الاستقلال في التصرّف ؛ بحيث لا تطيب نفسه بما يصدر منه ولا يتعمّد (٢) إليه عن رضا وإن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره ؛ دفعاً للضرر أو ترجيحاً لأقلّ الضررين ، إلاّ أنّ هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به ؛ فإنّ النفس مجبولة على كراهة ما يحمله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشقّ (٣) تحمّله.

والحاصل : أنّ الفاعل قد يفعل لدفع الضرر ، لكنّه مستقلّ في فعله ومخلّى وطبعه فيه بحيث يطيب نفسه بفعله وإن كان من باب علاج الضرر ، وقد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه ، وهذا ممّا لا يطيب النفس به ، وذلك معلوم بالوجدان.

هل يعتبر عدم إمكان التفصي عن الضرر بما لا ضرر فيه

ثمّ إنّه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصّي‌

__________________

(١) عليه» من «ف» فقط.

(٢) في «خ» ، «ع» و «ص» : يعتمد.

(٣) كذا في «ف» و «ش» ، وفي «م» و «ع» : «لا يشقّ» ، وفي «ن» ، «خ» و «ص» محلّ كلمة «لا» بياض.


عن الضرر المتوعّد به بما لا يوجب (١) ضرراً آخر كما حكي عن جماعة (٢) أم لا؟

عدم اعتبار العجز عن التورية

الذي يظهر من النصوص (٣) والفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية ؛ لأنّ حمل عموم رفع الإكراه وخصوص النصوص الواردة في طلاق المكره وعتقه (٤) ومعاقد الإجماعات والشهرات المدّعاة في حكم المكرَه على صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة ، بعيد جدّاً ، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد ، كما لا يخفى على من راجعها ، مع أنّ القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيّز الإكراه عرفاً.

هل يعتبر العجز عن التخلص بغير التورية

هذا ، وربما يستظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصّي بوجهٍ آخر غير التورية أيضاً في صدق الإكراه ، مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يمين (٥) في قطيعة رحم ، ولا في جبر ، ولا في إكراه ، قلت : أصلحك الله! وما الفرق بين الجبر والإكراه؟ قال : الجبر من السلطان ، ويكون الإكراه من الزوجة والأُمّ‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ن» زيادة : «به» ، وشطب عليه في «ص».

(٢) منهم الشهيد الثاني في المسالك ٩ : ١٨ ١٩ والمحدّث البحراني في الحدائق ٢٥ : ١٥٩ ، والمحقّق النراقي في المستند ٢ : ٣٦٤.

(٣) منها حديث الرفع المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٤) انظر الوسائل ١٥ : ٣٢٧ ، الباب ٣٤ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٣. والصفحة ٣٣١ ، الباب ٣٧ من نفس الأبواب. و ١٦ : ٢٤ ، الباب ١٩ من أبواب كتاب العتق.

(٥) في المصدر : «لا يمين في غضب ولا في قطيعة رحم».


والأب ، وليس ذلك بشي‌ء (١)» (٢).

ويؤيّده : أنّه لو خرج عن الإكراه عرفاً بالقدرة على التفصّي بغير التورية خرج عنه بالقدرة عليها ؛ لأنّ المناط حينئذٍ انحصار التخلّص عن الضرر المتوعّد به (٣) في فعل المكره عليه ، فلا فرق بين أن يتخلّص عنه (٤) بكلامٍ آخر أو فعلٍ آخر ، أو (٥) بهذا الكلام مع قصد معنىً آخر.

ودعوى : أنّ جريان حكم الإكراه مع القدرة على التورية تعبّديّ لا من جهة صدق حقيقة الإكراه ، كما ترى.

اعتبار العجز عن التخلص بغير التورية

لكنّ الإنصاف : أنّ وقوع الفعل عن (٦) الإكراه لا يتحقّق إلاّ مع العجز عن التفصّي بغير التورية ؛ لأنّه يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتّب الضرر المتوعّد به على الترك ، ومع القدرة على التفصّي لا يكون الضرر مترتّباً على ترك المكره عليه ، بل على تركه وترك التفصّي معاً ، فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين : من فعل المُكرَه عليه ، والتفصّي ، فهو مختار في كلٍّ منهما ، ولا يصدر كلٌّ منهما إلاّ باختياره ، فلا إكراه.

__________________

(١) في غير «ص» زيادة : «الخبر» ، والظاهر أنّه لا وجه له ؛ لأنّ الحديث مذكور بتمامه.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٤٣ ، الباب ١٦ من أبواب كتاب الأيمان ، الحديث الأوّل.

(٣) لم ترد «به» في «ش».

(٤) لم ترد «عنه» في «ش».

(٥) في «ف» بدل «أو» : و.

(٦) في «ف» : من.


وليس التفصّي من الضرر أحد فردَي المكره عليه ، حتّى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما ، كما لو أكرهه على أحد الأمرين (١) ، حيث يقع كلٌّ منهما حينئذٍ مكرَهاً (٢) ؛ لأنّ الفعل المتفصّى به مسقِط عن المُكرَه عليه ، لا بدلٌ له ؛ ولذا لا يجري أحكام المكره عليه إجماعاً ، فلا يفسد إذا كان عقداً.

وما ذكرناه وإن كان جارياً في التورية ، إلاّ أنّ الشارع رخّص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصّي بوجهٍ آخر ؛ لما ذكرنا من ظهور النصوص والفتاوى ، وبُعدِ حملها على صورة العجز عن التورية ، مع أنّ العجز عنها لو كان معتبراً لأُشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذباً عند الخوف والإكراه (٣) ، خصوصاً في قضيّة عمّار وأبويه ، حيث اكرهوا على الكفر ، فأبى أبواه فقُتلا ، وأظهر لهم عمّار ما أرادوا ، فجاء باكياً إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت الآية (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٤) فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن عادوا عليك فعد» (٥). ولم ينبّهه على التورية ، فإنّ التنبيه في المقام وإن لم يكن واجباً ، إلاّ أنّه لا شكّ في رجحانه ،

__________________

(١) في «ف» : أمرين.

(٢) في «ص» زيادة : «عليه» استدراكاً.

(٣) انظر الوسائل ١٦ : ١٣٤ و ١٤٣ ، الباب ١٢ و ١٦ من أبواب كتاب الأيمان.

(٤) النحل : ١٠٦.

(٥) مجمع البيان ٣ : ٣٨٨ ، والوسائل ١١ : ٤٧٦ ، الباب ٢٩ من أبواب الأمر والنهي ، الحديث ٢.


خصوصاً من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتبار شفقته على عمّار ، وعلمه بكراهة تكلّم عمّار بألفاظ الكفر من دون تورية ، كما لا يخفى.

الفرق بين إمكان التفصي بالتورية وإمكانه بغيرها

هذا (١) ، ولكنّ الأولى : أن يفرّق بين إمكان التفصّي بالتورية وإمكانه بغيرها ، بتحقّق الموضوع في الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ الأصحاب (٢) وفاقاً للشيخ في المبسوط (٣) ذكروا من شروط تحقّق الإكراه : أن يعلم أو يظنّ المكرَه بالفتح أنّه لو امتنع ممّا (٤) اكره عليه وقع فيما توعّد عليه ، ومعلوم أنّ المراد ليس امتناعه عنه في الواقع ولو مع اعتقاد المكرِه بالكسر عدم الامتناع ، بل المعيار في وقوع الضرر : اعتقاد المكرِه لامتناع المكرَه ، وهذا المعنى يصدق مع إمكان التورية ، ولا يصدق مع التمكّن من التفصّي بغيرها ؛ لأنّ المفروض تمكّنه من الامتناع مع اطّلاع المُكرَه عليه وعدم وقوع الضرر عليه.

والحاصل : أنّ التلازم بين امتناعه ووقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الإكراه موجود مع التمكّن بالتورية ، لا مع التمكّن بغيرها ، فافهم (٥).

__________________

(١) لم ترد «هذا» في «ص».

(٢) مثل المحقّق في الشرائع ٣ : ١٣ ، والعلاّمة في التحرير ٢ : ٥١ ، والشهيد الثاني في الروضة ٦ : ٢٠ ، والسيّد السند في نهاية المرام ٢ : ١١ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٩٨.

(٣) المبسوط ٥ : ٥١.

(٤) في «م» و «ع» : ما.

(٥) لم ترد : «هذا ولكن إلى فافهم» في «ف».


عدم اعتبار العجز في الإكراه الرافع لأثر المعاملات

ثمّ إنّ ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصّي إنّما هو في الإكراه المسوِّغ للمحرمات ، ومناطه توقّف دفع ضرر المكرِه على ارتكاب المكرَه عليه ، وأمّا الإكراه الرافع لأثر المعاملات ، فالظاهر أنّ المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة ، وقد يتحقّق مع إمكان التفصّي ، مثلاً من كان قاعداً في مكان خاصّ خالٍ عن الغير متفرّغاً لعبادة أو مطالعة ، فجاءه من أكرهه على بيع شي‌ءٍ ممّا عنده وهو في هذه الحال غير قادرٍ على دفع ضرره وهو كارهٌ للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له في الخارج خَدَمٌ يكفونه شرّ المكرِه ، فالظاهر صدق الإكراه حينئذٍ ، بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي‌ء ، بخلاف من كان خَدَمه حاضرين عنده ، وتوقّف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خَدَمه بدفعه وطرده ؛ فإنّ هذا لا يتحقّق في حقّه الإكراه ، ويكذّب لو ادّعاه ، بخلاف الأوّل إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل.

ولو فرض في ذلك المثال إكراهه على محرّمٍ لم يعذر فيه بمجرّد كراهة الخروج عن ذلك المنزل ، وقد (١) تقدّم الفرق بين الجبر والإكراه في رواية ابن سنان (٢).

المراد من الإكراه الرافع لأثر المعاملات

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات ، هو : الإكراه بمعنى الجبر المذكور في الرواية (٣) ، والرافع لأثر المعاملات هو (٤) : الإكراه الذي ذكر‌

__________________

(١) في «ش» : فقد.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٣١٣.

(٣) عبارة «في الرواية» من «ف» ومصحّحتي «ن» و «خ».

(٤) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «وهو» ، ومحلّ «و» في «ص» بياض.


فيها (١) أنّه قد يكون من الأب والولد والمرأة ، والمعيار فيه : عدم طيب النفس فيها (٢) ، لا الضرورة والإلجاء وإن كان هو المتبادر من لفظ الإكراه ؛ ولذا يحمل (٣) الإكراه في حديث الرفع (٤) عليه ، فيكون الفرق بينه وبين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع والعطش والمرض ، لكنّ الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس ؛ حيث استدلّوا (٥) على ذلك بقوله تعالى (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٦) ، و «لا يحلّ مال امرئٍ مسلم (٧) إلاّ عن طيب نفسه» (٨) ، وعموم اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق (٩) ، وخصوص ما ورد في فساد (١٠) طلاق من طلّق للمداراة مع عياله (١١).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ذكر في تلك الرواية.

(٢) لم ترد «فيها» في «ف».

(٣) كذا في «ن» ، «ص» و «ش» ، وفي «ف» : «نحمل» ، وفي سائر النسخ : تحمل.

(٤) المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٥) انظر مقابس الأنوار : ١١٤ ، والجواهر ٢٢ : ٢٦٥.

(٦) النساء : ٢٩.

(٧) لم ترد «مسلم» في «ف».

(٨) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٩) انظر الوسائل ١٥ : ٢٨٥ ، الباب ١١ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(١٠) في «ف» بدل «في فساد» : في خصوص.

(١١) انظر الوسائل ١٥ : ٣٣٢ ، الباب ٣٨ من أبواب مقدّمات الطلاق.


الفرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية

فقد تلخّص ممّا ذكرنا : أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.

ولو لوحظ ما هو المناط في رفع كلٍّ منهما ، من دون ملاحظة عنوان الإكراه كانت النسبة بينهما (١) العموم من وجه ؛ لأنّ المناط في رفع الحكم التكليفي هو دفع (٢) الضرر ، وفي رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة وطيب النفس ،

لو أكره الشخص على أحد الأمرين

ومن هنا لم يتأمّل أحدٌ في أنّه إذا أُكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه ، فكلٌّ منهما وقع في الخارج لا يتّصف بالتحريم ؛ لأنّ المعيار في رفع (٣) الحرمة دفع (٤) الضرر المتوقّف على فعل أحدهما ، أمّا لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو اكره على طلاق إحدى زوجتيه ، فقد استشكل غير واحد (٥) في أنّ ما يختاره من الخصوصيّتين (٦) بطيب نفسه ويرجّحه على الآخر (٧) بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه (٨) ، مكره عليه باعتبار جنسه ، أم لا؟ بل‌

__________________

(١) كلمة «بينهما» من «ش».

(٢) في «ف» : رفع.

(٣) كذا في «ف» ، وفي غيرها : دفع.

(٤) في «ف» : رفع.

(٥) استشكل فيه العلاّمة في التحرير ٢ : ٥١ ، ولم نعثر على مستشكلٍ غيره ، نعم في المسالك ٩ : ٢١ والحدائق ٢٥ : ١٦٢ ١٦٣ ما يفيد هذا.

(٦) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ش» : الخصوصيّين.

(٧) عبارة «على الآخر» وردت في «ف» و «ص» وهامش «ع» ومصحّحتي «ن» و «خ» ، ولم ترد في غيرها.

(٨) في «ف» : من الإكراه.


أفتى في القواعد بوقوع الطلاق وعدم الإكراه (١) وإن حمله بعضهم (٢) على ما إذا قنع المكره بطلاق إحداهما مبهمة.

لكنّ المسألة عندهم غير صافية عن الإشكال ؛ من جهة مدخليّة طيب النفس في اختيار الخصوصيّة وإن كان الأقوى وفاقاً لكلّ من تعرّض للمسألة (٣) تحقّق الإكراه لغةً وعرفاً ، مع أنّه لو لم يكن هذا مكرهاً عليه لم يتحقّق الإكراه أصلاً ؛ إذ الموجود في الخارج دائماً إحدى خصوصيّات المكره عليه ؛ إذ لا يكاد يتّفق الإكراه بجزئيّ حقيقيّ من جميع الجهات.

نعم ، هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصيّة ، وإن كان مكرهاً عليه من حيث القدر المشترك ، بمعنى أنّ وجوده الخارجيّ ناشٍ عن إكراهٍ واختيار ؛ ولذا لا يستحقّ المدح أو الذمّ باعتبار أصل الفعل ، ويستحقّه باعتبار الخصوصيّة.

وتظهر الثمرة فيما لو ترتّب أثر على خصوصيّة المعاملة الموجودة ؛ فإنّه لا يرتفع بالإكراه على القدر المشترك ، مثلاً لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر ، لم يرتفع تحريم الخمر ؛ لأنّه مختار فيه ، وإن كان مكرهاً في أصل الشرب (٤) ، وكذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد ،

__________________

(١) القواعد ٢ : ٦٠.

(٢) نقله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٨ عن بعض الأجلّة ، ولكن لم نتحقّقه من هو.

(٣) كالشهيد الثاني في المسالك ٩ : ٢١ ، والروضة البهيّة ٦ : ٢١ ، وسبطه في نهاية المرام ٢ : ١٢ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ٢٥ : ١٦٣ وغيرهم.

(٤) في «ف» : في جنس الشرب.


فإنّه لا يرتفع أثر الصحيح ؛ لأنّه مختار فيه وإن كان مكرهاً في جنس البيع (١) ، لكنّه (٢) لا يترتّب على الجنس أثرٌ يرتفع بالإكراه.

ومن هنا يعلم أنّه لو اكره على بيع مالٍ أو إيفاء مالٍ مستحقّ لم يكن إكراهاً ؛ لأنّ القدر المشترك بين الحقّ وغيره إذا أُكره عليه لم يقع باطلاً ، وإلاّ لوقع الإيفاء أيضاً باطلاً ، فإذا اختار البيع صحّ ؛ لأنّ الخصوصية غير مكره عليها ، والمكره عليه و (٣) هو القدر المشترك غير مرتفع الأثر.

ولو أكرهه على بيع مالٍ أو أداء مالٍ غير مستحقّ ، كان إكراهاً ؛ لأنّه لا يفعل البيع إلاّ فراراً من بدله أو وعيده المضرَّين ، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر ؛ فإنّ ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأُخروي ببدله أو التضرّر الدنيوي بوعيده.

لو أكره أحد الشخصين على فعل واحد

ثمّ إنّ إكراه أحد الشخصين على فعلٍ واحد بمعنى إلزامه عليهما كفايةً وإيعادهما على تركه كإكراه شخصٍ واحدٍ على أحد الفعلين ، في كون كلٍّ منهما مُكرَهاً.

صور تعلق الإكراه

واعلم أنّ الإكراه : قد يتعلّق بالمالك والعاقد ، كما تقدّم ، وقد يتعلّق بالمالك دون العاقد ، كما لو اكره على التوكيل في بيع ماله ؛ فإنّ العاقد قاصد مختار ، والمالك مجبور ، وهو داخل في عقد (٤) الفضولي بعد‌

__________________

(١) لم ترد «وكذا لو أكرهه إلى جنس البيع» في «ف».

(٢) في «ف» : لكن.

(٣) الواو» من «ف» و «خ» فقط.

(٤) في «م» ، «ع» ، «ص» و «ش» : العقد.


ملاحظة عدم تحقّق الوكالة مع الإكراه ، وقد ينعكس ، كما لو قال : «بِع مالي أو طلّق زوجتي وإلاّ قتلتك» ، والأقوى هنا الصحّة ؛ لأنّ العقد هنا (١) من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في (٢) المكره إذا كان عاقداً ، والرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض ، فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقاً.

واحتمل في المسالك عدم الصحّة ؛ نظراً إلى أنّ الإكراه يُسقِط حكم اللفظ ، كما لو أمر المجنونَ بالطلاق فطلّقها ، ثمّ قال : والفرق بينهما أنّ عبارة المجنون مسلوبة ، بخلاف المكرَه فإنّ عبارته مسلوبة لعارضِ تخلّفِ القصد ، فإذا كان الآمر قاصداً لم يقدح إكراه المأمور (٣) ، انتهى. وهو حسن.

وقال (٤) أيضاً : لو اكره الوكيل على الطلاق ، دون الموكّل ، ففي صحّته وجهان أيضاً (٥) : من تحقّق الاختيار في الموكّل المالك ، ومن سلب عبارة المباشر (٦) ، انتهى.

وربما يستدلّ على فساد العقد في هذين الفرعين بما دلّ على رفع حكم الإكراه.

__________________

(١) لم ترد «هنا» في «ف».

(٢) في غير «ش» زيادة : المالك ، إلاّ أنّه شطب عليها في «م».

(٣) المسالك ٩ : ٢٢.

(٤) لم ترد «قال» في «ف».

(٥) لم ترد «أيضاً» في «ف».

(٦) المسالك ٩ : ٢٣.


وفيه : ما سيجي‌ء (١) من أنّه إنّما يرفع حكماً ثابتاً على المكره لولا الإكراه ، ولا أثر للعقد هنا بالنسبة إلى المتكلّم به لولا الإكراه.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا : حكم المشهور بصحّة بيع المكره بعد لحوق الرضا ، ومن المعلوم أنّه إنّما يتعلّق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمرّ ، وهو النقل والانتقال (٢) ، وأمّا التلفّظ بالكلام الذي صدر مكرهاً فلا معنى للحوق الرضا به ؛ لأنّ ما مضى وانقطع لا يتغيّر عمّا وقع عليه ولا ينقلب.

نعم (٣) ، ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور : بأنّ القصد إلى المعنى ولو على وجه الإكراه شرط في الاعتناء بعبارة العقد ، ولا يعرف إلاّ من قبل العاقد ، فإذا كان مختاراً أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية ، دون المكره عليها.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الكلام بعد إحراز القصد وعدم تكلّم العاقد لاغياً أو مُوَرّياً (٤) ولو كان مُكرَهاً ، مع أنّه يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضاً ، فتأمّل.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٣٣٢ عند قوله : «وثانياً».

(٢) في «ف» : مستمرّ بالنقل والانتقال.

(٣) في «ف» بدل «نعم» : ثمّ.

(٤) لم ترد «أو مورّياً» في «ف».


«فروع» ‌(١)

الإكراه على بيع عبد من عبدين

لو (٢) أكرهه على بيع واحدٍ غير معيّن من عبدين فباعهما أو باع نصف أحدهما ، ففي التذكرة (٣) إشكال.

أقول : أمّا بيع العبدين ، فإن كان تدريجاً ، فالظاهر وقوع الأوّل مكرهاً دون الثاني ، مع احتمال الرجوع إليه في التعيين ، سواءً ادّعى العكس ، أم لا.

ولو باعهما دفعة ، احتمل صحّة الجميع ؛ لأنّه خلاف المكرَه عليه ، والظاهر أنّه لم يقع شي‌ء منهما عن إكراه ، وبطلان الجميع ؛ لوقوع أحدهما مكرَهاً عليه ولا ترجيح ، والأوّل أقوى.

الإكراه على معين فضم غيره إليه

ولو اكره على بيع معيّنٍ فضمّ إليه غيره وباعهما (٤) دفعة ، فالأقوى الصحّة في غير ما اكره عليه.

وأمّا مسألة النصف ، فإن باع النصف (٥) بقصد بيع (٦) النصف الآخر‌

__________________

(١) في «ش» : فرع.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ولو.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٢.

(٤) في «ف» : فباعهما.

(٥) في غير «ف» و «ش» زيادة : «بعد الإكراه على الكلّ» ، إلاّ أنّه أُشير في «ن» إلى زيادتها.

(٦) كلمة «بيع» من «ف» و «ش» ومصحّحة «م» و «ن» ، ولم ترد في غيرها ، وفي «ص» بدلها : أن يبيع.


امتثالاً للمُكرِه بناءً على شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين فلا إشكال في وقوعه مكرَهاً عليه ، وإن كان لرجاء أن يقنع المكرِه بالنصف كان أيضاً إكراهاً ، لكن في سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر.

الإكراه على الطلاق

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره (١) من الفرع المذكور في التحرير ، قال في التحرير : لو اكره على الطلاق فطلّق ناوياً ، فالأقرب وقوع الطلاق (٢) ، انتهى.

ونحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع ؛ لأنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ ، ومجرّد النيّة لا حكم لها (٣).

وحكي عن سبطه في نهاية المرام : أنّه نقله قولاً ، واستدلّ عليه بعموم ما دلّ من النصّ والإجماع على بطلان عقد المكرَه والإكراه يتحقّق (٤) هنا ؛ إذ المفروض أنّه لولاه لما فعله ثمّ قال : والمسألة محلّ إشكال (٥) ، انتهى.

وعن بعض الأجلّة : أنّه لو علم أنّه لا يلزمه إلاّ اللفظ وله تجريده عن القصد ، فلا شبهة في عدم الإكراه (٦) وإنّما يحتمل (٧) الإكراه مع‌

__________________

(١) في الصفحة ٣١١.

(٢) التحرير ٢ : ٥١.

(٣) المسالك ٩ : ٢٢.

(٤) في مصحّحة «ص» ومقابس الأنوار : متحقّق.

(٥) نهاية المرام ٢ : ١٢ ، وحكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٧.

(٦) إلى هنا تمّ ما أفاده بعض الأجلّة ، وهو الفاضل الأصبهاني قدس‌سره في كشف اللثام ٢ : ١١٩ ، وباقي الكلمات من الحاكي.

(٧) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «ف» : «تحمل على الإكراه» ، وفي مصحّحة «ن» : يحمل على الإكراه.


عدم العلم بذلك ، سواء ظنّ لزوم القصد وإن لم يرده المكره ، أم لا (١) ، انتهى.

ثمّ إنّ بعض المعاصرين (٢) ذكر الفرع عن المسالك (٣) ، وبناه على أنّ المكرَه لا قصد له أصلاً ، فردّه بثبوت القصد للمكرَه ، وجزم بوقوع الطلاق المذكور مكرَهاً عليه.

وفيه : ما عرفت سابقاً : من أنّه لم يقل أحدٌ بخلوّ المُكرَه عن قصد معنى اللفظ ، وليس هذا مراداً من قولهم : إنّ المكره غير قاصدٍ إلى مدلول اللفظ ؛ ولذا شرّك الشهيد الثاني بين المُكرَه والفضولي في ذلك كما عرفت سابقاً (٤) ـ ، فبناء هذا الحكم في هذا الفرع على ما ذكر ضعيف جدّاً.

وكذا ما تقدّم عن بعض الأجلّة : من أنّه إن علم بكفاية مجرّد (٥) اللفظ المجرّد عن النيّة فنوى اختياراً صحّ ؛ لأنّ مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها المتفطّن لها ؛ إذ لا فرق بين التخلّص بالتورية وبين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلّم به لاغياً ، وقد عرفت أنّ ظاهر الأدلّة والأخبار الواردة في طلاق المكره وعتقه : عدم اعتبار العجز عن التورية (٦).

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١١٧.

(٢) هو صاحب الجواهر قدس‌سره في الجواهر ٣٢ : ١٥.

(٣) تقدّم الفرع عن المسالك في الصفحة السابقة.

(٤) راجع الصفحة ٣١٠.

(٥) لم ترد «مجرّد» في «ص» ، وشطب عليها في «ع».

(٦) راجع الصفحة ٣١٣ ، قوله : الذي يظهر من النصوص والفتاوى ..


أقسام الإكراه على الطلاق ، وأحكامها

وتوضيح الأقسام المتصوّرة في الفرع المذكور :

أنّ الإكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصداً إليه راضياً به ، إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلاً ، بأن يوقع الطلاق قصداً إليه عن طيب النفس ، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه ؛ لبنائه على تحمّل الضرر المتوعّد به ، ولا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا ، وعدم جواز حمل الفرع المذكور (١) عليه ، فلا معنى لجعله في التحرير أقرب ، وذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك ، وجعله قولاً في نهاية المرام واستشكاله فيه ؛ لعموم النصّ والإجماع.

وكذا لا ينبغي التأمّل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلا في داعي الوقوع ، بل هو بضميمة شي‌ءٍ اختياريّ للفاعل.

وإن كان الداعي هو الإكراه ، فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلّص عن الضرر المتوعّد به ، بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكرِه بالكسر كمن قال له ولده : «طلّق زوجتك وإلاّ قتلتك أو قتلت نفسي» فطلّق الوالد خوفاً من قتل الولد نفسه ، أو قتلِ الغير له إذا تعرّض لقتل والده ، أو كان الداعي على الفعل شفقةً دينيّة على المكرِه بالكسر أو على المطلّقة ، أو على غيرهما ممّن يريد نكاح الزوجة لئلاّ يقع الناس في محرّم.

والحكم في الصورتين لا يخلو عن إشكال.

وإن كان الفعل لداعي التخلّص من الضرر ، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكرَه أنّ الحذر لا يتحقّق إلاّ بإيقاع الطلاق حقيقةً ؛ لغفلته عن أنّ التخلّص غير متوقّف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق‌

__________________

(١) أي الفرع المنقول عن التحرير.


وحصول البينونة ، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة والإعراض عنها ، فيوقع الطلاق قاصداً ، وهذا كثيراً ما يتّفق للعوامّ.

وقد يكون هذا التوطين والإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعيّ أو كونه رأى (١) مذهب بعض العامة (٢) فزعم أنّ الطلاق يقع مع (٣) الإكراه ، فإذا أُكره على الطلاق طلّق قاصداً لوقوعه ؛ لأنّ القصد إلى اللفظ المكرَه عليه بعد اعتقاد كونه سبباً مستقلا في وقوع البينونة يستلزم القصد إلى وقوعها ، فيرضي نفسه (٤) بذلك ويوطّنها عليه ، وهذا أيضاً كثيراً ما يتّفق للعوام.

عقد المكره لو تعقبه الرضا

والحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال ، إلاّ أنّ تحقّق الإكراه أقرب.

الاستدلال على الصحّة

ثمّ (٥) المشهور بين المتأخّرين (٦) : أنّه لو رضي المُكرَه بما فعله صحّ العقد ، بل عن الرياض (٧) تبعاً للحدائق (٨) أنّ عليه اتّفاقهم ؛ لأنّه عقد‌

__________________

(١) قال الشهيدي في شرحه : (رأى) بصيغة الماضي ، لا المصدر ، هداية الطالب : ٢٦١.

(٢) مثل ما تقدّم عن أبي حنيفة وأصحابه في هامش الصفحة ٣١٠.

(٣) في «ف» : على.

(٤) كذا في «ف» و «ش» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : نفسها.

(٥) في «م» ، «ع» و «ص» زيادة : «إنّ» ، لكن شطب عليها في «م».

(٦) كالمحقّق في الشرائع ٢ : ١٤. والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٤ ، والتحرير ١ : ١٦٤ وغيرهما. والشهيد في الدروس ٣ : ١٩٢ ، واللمعة : ١١٠. والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٥ ١٥٦ ، والروضة البهية ٣ : ٢٢٦. وغيرهم.

(٧) الرياض ١ : ٥١١ ، وفيه : إنّ ظاهرهم الاتّفاق ..

(٨) الحدائق ١٨ : ٣٧٣ ، وفيه : وظاهرهم أيضاً الاتّفاق ..


حقيقي ، فيؤثّر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع ، وهو طيب النفس.

ودعوى (١) اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد ، خاليةٌ عن الشاهد ، مدفوعةٌ بالإطلاقات.

وأضعف منها : دعوى اعتبارها في مفهوم العقد ، اللازم منه عدم كون عقد (٢) الفضولي عقداً حقيقة.

وأضعف من الكلّ : دعوى اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده ، اللازم منه عدم صحّة بيع المُكرَه بحقّ ، وكون إكراهه على العقد تعبّدياً لا لتأثير فيه (٣).

ويؤيّده : فحوى صحّة عقد الفضولي ؛ حيث إنّ المالك طيّب النفس بوقوع أثر العقد وغير منشئ للنقل بكلامه ، وإمضاء إنشاء الغير ليس إلاّ طيب النفس بمضمونه ، وليس إنشاءً مستأنفاً ، مع أنّه لو كان فهو موجود هنا ، فلم يصدر من المالك هنالك إلاّ طيب النفس بانتقاله متأخّراً عن إنشاء العقد ، وهذا موجود فيما نحن فيه مع زائد ، وهو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد ؛ لما عرفت (٤) من أنّ عقده إنشاء حقيقيّ.

وتوهّم : أنّ عقد الفضولي واجد لما هو (٥) مفقود هنا وهو طيب نفس العاقد بما ينشئه ـ ، مدفوع : بالقطع بأنّ طيب النفس لا اثر له ،

__________________

(١) ادّعى ذلك صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦٧ ٢٦٨.

(٢) في «ف» : العقد.

(٣) في «ف» : في عقده.

(٤) راجع الصفحة ٣٠٩ وما بعدها.

(٥) في «م» و «ش» زيادة : به.


لا (١) في صدق العقدية ؛ إذ يكفي فيه مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه ، ولا في النقل والانتقال ؛ لعدم مدخليّة غير المالك فيه.

نعم ، لو صحّ ما ذكر سابقاً (٢) : من توهّم أنّ المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلاً ، وأنّه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت كما صرّح به بعض (٣) صحّ أنّه لا يجدي تعقّب الرضا ، إذ لا عقد حينئذٍ ، لكن عرفت سابقاً أنّه خلاف المقطوع من النصوص والفتاوى ، فراجع (٤).

مختار المؤلّف

ما استدلّ به على البطلان

فظهر ممّا ذكرنا ضعف وجه التأمّل في المسألة كما عن الكفاية (٥) ومجمع الفائدة (٦) تبعاً للمحقّق الثاني في جامع المقاصد (٧). وإن انتصر لهم بعض مَن تأخّر عنهم (٨) بقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٩) الدالّ على اعتبار كون العقد عن التراضي مضافاً إلى النبويّ‌

__________________

(١) لم ترد «لا» في «ف».

(٢) راجع الصفحة ٣٠٨ وما بعدها.

(٣) لم ترد «كما صرّح به بعض» في «ف» ، والمصرّح بذلك هو صاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٦٧.

(٤) راجع الصفحة ٣٠٨ ٣٠٩.

(٥) الكفاية : ٨٩ ، وفيها : فالمسألة محلّ إشكال.

(٦) مجمع الفائدة ٨ : ١٥٦ ، وفيه بعد نقل الصحّة عن المشهور ـ : وما نعرف لها دليلاً.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٦٢ ، وفيه : فللنظر فيها مجال.

(٨) لم ترد «عنهم» في «ف» ، ولم نعثر على هذا البعض.

(٩) النساء : ٢٩.


المشهور الدالّ على رفع حكم الإكراه (١) ، مؤيّداً بالنقض بالهازل ، مع أنّهم لم يقولوا بصحّته بعد لحوق الرضا.

المناقشة في أدلّة البطلان

والكلّ كما ترى ؛ لأنّ دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي إمّا بمفهوم الحصر وإمّا بمفهوم الوصف ، ولا حصر كما لا يخفى ؛ لأنّ الاستثناء منقطع غير مفرّغ ، ومفهوم الوصف على القول به مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في

(رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٢) ، ودعوى وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة ، وسيجي‌ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي (٣).

المناقشة في دلالة حديث الرفع على البطلان

وأمّا حديث الرفع ، ففيه :

أوّلاً : أنّ المرفوع فيه هي المؤاخذة والأحكام المتضمّنة لمؤاخذة المكره وإلزامه بشي‌ء ، والحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك ، وهذا حقّ له لا عليه.

نعم ، قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتّى يرضى المكرَه أو يفسخ ، وهذا إلزامٌ لغيره ، والحديث لا يرفع المؤاخذة والإلزام عن غير المكرَه كما تقدّم (٤) ، وأمّا إلزامه بعد طول المدّة باختيار البيع أو فسخه ، فهو من توابع الحقّ الثابت له بالإكراه ، لا من أحكام الفعل المتحقّق‌

__________________

(١) المتقدّم في الصفحة ٣٠٧.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) ستأتي مسألة بيع الفضولي في الصفحة ٣٤٥.

(٤) لم نقف على التصريح به فيما تقدّم.


على وجه الإكراه.

ثمّ إنّ ما ذكرنا واضح على القول بكون الرضا ناقلاً ، وكذلك على القول بالكشف بعد التأمّل.

وثانياً : أنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المُكرَه عليه لولا الإكراه يرتفع عنه إذا وقع مكرهاً عليه كما هو معنى رفع الخطأ والنسيان أيضاً وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه ؛ لأنّ أثر (١) العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم (٢) الإكراه ، السببيّة المستقلّة (٣) لنقل المال ، ومن المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه ، وهذا الأثر الناقص المترتّب عليه مع الإكراه حيث إنّه جزء العلّة التامّة للملكيّة ، لم يكن ثابتاً للفعل مع قطع النظر عن الإكراه ليرتفع به ؛ إذ المفروض أنّ الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه ، فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه (٤)؟

وبعبارةٍ اخرى : اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار (٥) عدم (٦) الإكراه هو اللزوم المنفيّ بهذا الحديث ، والمدّعى ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه على رضا المالك ، وهذا غير مرتفع‌

__________________

(١) شطب في «ن» و «م» على كلمة «أثر».

(٢) شطب في «ن» على «اعتبار عدم» ، وشطب في «م» على كلمة «عدم».

(٣) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : سبب مستقلّ.

(٤) لم ترد عبارة «إذ المفروض إلى بالإكراه» في «ف».

(٥) شطب في «ن» على كلمة «اعتبار».

(٦) كلمة «عدم» من «ش» فقط.


بالإكراه (١).

لكن يرد على هذا : أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقيّدها بالمسبوقية بطيب النفس ، فلا يجوز الاستناد إليها لصحّة بيع المكرَه ووقوفه على الرضا اللاحق ، فلا يبقى دليل على صحّة بيع المُكرَه ، فيرجع إلى أصالة الفساد.

وبعبارةٍ اخرى : أدلّة صحّة البيع تدلّ (٢) على سببيّة مستقلّة (٣) ، فإذا قيّدت بغير المُكرَه لم يبقَ لها دلالة على حكم المُكرَه ، بل لو كان هنا ما يدلّ على صحّة البيع بالمعنى الأعمّ من السببية المستقلّة كان دليل الإكراه حاكماً عليه مقيِّداً له فلا ينفع (٤).

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الإطلاقات المفيدة (٥) للسببيّة المستقلّة (٦) مقيّدةٌ بحكم الأدلّة الأربعة المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل ومع عدم طيب النفس بالبيع المرضيّ به ، سَبَقه الرضا أو لحقَه ، ومع ذلك فلا حكومة للحديث عليها ؛ إذ البيع المرضيّ به سابقاً لا يعقل عروض الإكراه له.

__________________

(١) لم ترد «وهذا غير مرتفع بالإكراه» في «ف».

(٢) في «ف» : إنّما يدلّ.

(٣) في «ف» و «ن» : سببيّته المستقلّة.

(٤) وردت عبارة «بل لو كان إلى فلا ينفع» في «ف» و «ش» ، وهامش «ن» تصحيحاً.

(٥) في «خ» ، «ع» و «ش» : المقيّدة.

(٦) لم ترد «المفيدة للسببيّة المستقلّة» في «ف».


وأمّا المرضيّ به بالرضا اللاحق ، فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف ، وهو أصل البيع (١) ، ولا نقول بتأثيره ، بل مقتضى الأدلّة الأربعة مدخليّة الرضا (٢) في تأثيره ووجوب الوفاء به.

فالإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التامّ لمجموع العقد المكره عليه والرضا به لاحقاً ، ولازمه بحكم العقل كون العقد المُكرَه عليه (٣) بعض المؤثّر التام ، وهذا أمر عقلي غير مجعول (٤) لا يرتفع بالإكراه ؛ لأنّ الإكراه مأخوذ فيه بالفرض ، إلاّ أن يقال : إنّ أدلّة الإكراه كما ترفع السببيّة المستقلّة التي أفادتها الإطلاقات قبل التقييد ، ترفع مطلق الأثر عن العقد المُكرَه عليه ؛ لأنّ التأثير الناقص أيضاً استفيد من الإطلاقات بعد تقييدها بالرضا الأعمّ من اللاحق (٥) ، وهذا لا يفرق فيه أيضاً بين جعل الرضا ناقلاً أو كاشفاً ؛ إذ على الأوّل يكون تمام المؤثّر نفسه ، وعلى الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد وهو تعقّبه للرضا.

__________________

(١) في «ص» زيادة : «قبل الرضا» ، ووردت في «خ» و «ع» أيضاً استدراكاً.

(٢) كذا في «ش» والعبارة في «ف» هكذا : «بل مقتضى الأدلّة الأربعة بمدخليّته للرضا» ، وفي سائر النسخ : بل تقتضي الأدلّة الأربعة مدخليّةً للرضا.

(٣) لم ترد «المكره عليه» في «ف».

(٤) عبارة «أمر عقليّ غير مجعول» من «ف» ونسخة بدل «ش».

(٥) من قوله : لأنّ الإكراه .. إلى هنا لم يرد في «ف» ، ومن قوله : إلاّ أن يقال .. إلى هنا كتب عليه في «ن» : زائد ، وهذا المقدار لم يرد أيضاً في «ش» باستثناء عبارة «كما ترفع السببيّة المستقلّة».


وكيف كان ، فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقّبه له لا يترتّب عليه إلاّ كونه جزء المؤثّر التامّ ، وهذا أمرٌ عقليّ قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثّر التام هو المجموع منه ومن الرضا أو وصف تعقّبه له ، فتأمّل.

الرضا المتأخّر ناقل أو كاشف؟

بقي الكلام في أنّ الرضا المتأخّر ناقلٌ أو كاشف؟

مقتضى الأصل وعدم حدوث حِلّ مال الغير إلاّ عن طيب نفسه هو الأوّل ، إلاّ أنّ الأقوى بحسب الأدلّة النقليّة هو الثاني ، كما سيجي‌ء في مسألة الفضولي (١).

وربما يدّعى (٢) : أنّ مقتضى الأصل هنا وفي الفضولي هو (٣) الكشف ؛ لأنّ مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره ، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى وهو النقل من حين العقد وترتّب الآثار عليه لا يكون إلاّ بالحكم بحصول الملك في زمان النقل.

وفيه : أنّ مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه ، بل نفس النقل ، إلاّ أنّ إنشاءَه لما كان في زمان التكلّم ، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّراً في نظر الشارع في زمان التكلّم حدث الأثر فيه ، وإن كان مؤثّراً بعد حصول أمرٍ حدث الأثر بعده.

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٤٠٨ ٤٠٩.

(٢) لم نعثر على من ادّعى ذلك صريحاً ، نعم في الرياض ١ : ٥١٣ بعد اختياره ذلك في الفضولي وجعله موافقاً للأشهر ، قال : عملاً بمقتضى الإجازة.

(٣) لم ترد «هو» في «ف».


فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر في الحكم ؛ ولذلك كان الحكم بتحقّق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف والسلم والهبة ، أو بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ (١) غير منافٍ لمقتضى الإيجاب ، ولم يكن تبعيضاً في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة.

فإن قلت : حكم الشارع بثبوت الملك وإن كان بعد الرضا ، إلاّ أنّ حكمه بذلك لمّا كان من جهة إمضائه للرضا بما وقع فكأنّه (٢) حكم بعد الرضا بثبوت الملك قبله.

قلت : المراد هو الملك شرعاً ، ولا معنى لتخلّف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك ، وسيأتي توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء الله (٣).

وإن شئت توضيح ما ذكرنا فلاحظ مقتضى فسخ العقد ؛ فإنّه وإن كان حَلاّ للعقد السابق وجعلَه كأن لم يكن ، إلاّ أنّه لا يرتفع به الملكيّة السابقة على الفسخ ؛ لأنّ العبرة بزمان حدوثه لا بزمان متعلّقه.

ثمّ على القول بالكشف ، هل للطرف الغير المُكرَه أن يفسخ قبل رضا المُكرَه ، أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي إن شاء الله (٤).

__________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٩.

(٢) في «ف» : فكان.

(٣) يأتي في الصفحة ٣٩٩ في بحث «القول في الإجازة والردّ» ، و ٤١٢ ، في بحث الثمرة بين النقل والكشف.

(٤) يأتي في الصفحة ٣٩٩ في بحث «القول في الإجازة والردّ» ، و ٤١٢ ، في بحث الثمرة بين النقل والكشف.


مسألة

اشتراط إذن السيّد لو كان العاقد عبداً

الدليل على هذا الشرط

ومن شروط المتعاقدين : إذن السيّد لو كان العاقد عبداً ، فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقداً إلاّ بإذن سيّده ، سواء كان لنفسه في ذمّته أو بما في يده ، أم لغيره ؛ لعموم أدلّة عدم استقلاله في أُموره ، قال الله تعالى (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١).

وعن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، قالا : «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلاّ بإذن سيّده. قلت : فإن كان السيّد زوَّجه ، بيد مَن الطلاق؟ قال : بيد السيّد (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) ، أفشي‌ء (٢) الطلاق؟» (٣).

والظاهر من القدرة خصوصاً بقرينة الرواية هو الاستقلال ؛ إذ‌

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» كما في بعض نسخ الفقيه ـ ، وفي سائر النسخ : فشي‌ء.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٤١ ، الحديث ٤٨٦٠ ، والوسائل ١٥ : ٣٤٣ ، الباب ٤٥ من أبواب مقدّمات الطلاق.


المحتاج إلى غيره في فعلٍ غير قادر عليه ، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنّه شي‌ء ، فكلّ ما صدر عنه من دون مدخليّة المولى فهو شرعاً (١) بمنزلة العدم ، لا يترتّب عليه الأثر المقصود منه ، لا أنّه لا يترتّب عليه حكم شرعي أصلاً ، كيف؟! وأفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار.

هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيد؟

وكيف كان ، فإنشاءات العبد لا يترتّب عليها آثارها من دون إذن المولى ، أمّا مع الإذن السابق فلا إشكال ، وأمّا مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع ؛ لأنّ المنع فيه ليس من جهة العوضين اللَّذَين يتعلّق بهما حقّ المجيز ، فله أن يرضى بما وقع على ماله (٢) من التصرّف في السابق وأن لا يرضى ، بل المنع من جهةٍ راجعةٍ إلى نفس الإنشاء الصادر ، وما صدر على وجهٍ لا يتغيّر منه بعده.

وبتقريرٍ آخر : إنّ الإجازة إنّما تتعلّق بمضمون العقد وحاصِلِه أعني : انتقال المال بعوض وهذا فيما نحن فيه ليس منوطاً برضا المولى قطعاً ؛ إذ المفروض أنّه أجنبيّ عن العوضين ، وإنّما له حقّ في كون إنشاء هذا المضمون قائماً بعبده ، فإذا وقع على وجهٍ يستقلّ به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعاً.

مختار المؤلف ودليله

إلاّ أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى ؛ لعموم أدلّة الوفاء بالعقود (٣) ، والمخصّص إنّما دلّ على عدم ترتّب الأثر على عقد العبد من‌

__________________

(١) في «ف» زيادة : لا شي‌ء.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : بما وقع له.

(٣) كما في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، المائدة : ١.


دون مدخليّة المولى أصلاً سابقاً ولاحقاً لا مدخلية إذنه السابق ، ولو شكّ أيضاً وجب الأخذ بالعموم في مورد الشكّ.

ويؤيّد إرادة الأعمّ من الإجازة : الصحيحة السابقة ؛ فإنّ جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة ، فالمراد بالإذن هو الأعمّ ، إلاّ أنّه خرج الطلاق بالدليل ، ولا يلزم تأخير البيان ؛ لأنّ الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق بحيث لا يحتاج إلى رضا المولى أصلاً ، بل ومع كراهة المولى كما يرشد إليه (١) التعبير عن السؤال بقوله : «بيد من الطلاق؟» (٢).

ما يؤيد المختار

ويؤيّد المختار بل يدلّ عليه ـ : ما ورد في صحّة نكاح العبد الواقع بغير إذن المولى إذا أجازه ، معلّلاً ب : «أنّه لم يعصِ الله تعالى وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز جاز» (٣) ، بتقريب : أنّ الرواية تشمل (٤) ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه ، وحمله على ما إذا عقد الغير له منافٍ لترك الاستفصال ، مع أنّ تعليل الصحّة بأنّه : لم يعصِ الله تعالى .. إلخ ، في قوّة أن يقال : «إنّه إذا عصى الله بعقدٍ كالعقد على ما حرّم الله تعالى على ما مثّل به الإمام عليه‌السلام في رواياتٍ أُخر‌

__________________

(١) كلمة «إليه» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) المتقدّم في الصفحة ٣٣٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل ، ولفظه : «فإذا أجازه فهو له جائز».

(٤) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي «ع» و «ش» : «يشتمل» ، وفي سائر النسخ : تشتمل.


واردة في هذه المسألة (١) كان العقد باطلاً» ؛ لعدم تصوّر رضا الله تعالى بما سبق من معصيته ، أمّا إذا لم يعصِ الله وعصى سيّده أمكن رضا سيّدهِ فيما بعد بما لم يرضَ به سابقاً ، فإذا رضي به وأجاز صحّ.

فيكون الحاصل : أنّ معيار الصحّة في معاملة العبد بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينهَ عنه الشارع هو رضا سيّده بوقوعه ، سابقاً أو لاحقاً ، وأنّه إذا عصى سيّده بمعاملة ثمّ رضي السيّد بها صحّ ، وأنّ ما قاله المخالف : من أنّ معصية السيّد لا يزول حكمها برضاه بعده ، وأنّه لا ينفع الرضا اللاحق كما نقله السائل عن طائفة من العامّة (٢) غير صحيح ، فافهم واغتنم.

ومن ذلك يعرف : أنّ استشهاد بعضٍ (٣) بهذه الروايات على صحّة عقد العبد وإن لم يسبقه إذن ولم يلحقه إجازة ، بل ومع سبق النهي أيضاً لأنّ غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه في إيقاع العقد والتصرّف في لسانه الذي هو ملك للمولى ، لكنّ النهي مطلقاً لا يوجب الفساد خصوصاً النهي الناشئ عن معصية السيّد كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا يقدح بصحّة العقد في غير محلّه ، بل الروايات ناطقة كما عرفت بأنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١٤ : ٥٢٤ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل. وانظر أيضاً المغني ؛ لابن قدامة ٦ : ٥١٥ ، والمجموع ١٧ : ٢٤٩.

(٣) انظر الجواهر ٢٢ : ٢٧١ ، و ٢٥ : ٧٠.


المولى وتبدّله بالرضا بما فعله العبد ، وليس ككراهة الله عزّ وجلّ بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق ، فكأنه قال : «لم يعصِ الله حتّى يستحيل تعقّبه للإجازة والرضا وإنّما عصى سيّده ، فإذا أجاز جاز» فقد علّق الجواز صريحاً على الإجازة.

ودعوى : أنّ تعليق الصحّة على الإجازة من جهة مضمون العقد وهو التزويج المحتاج إلى إجازة السيّد إجماعاً ، لا نفس إنشاء العقد حتّى لو فرضناه للغير يكون محتاجاً إلى إجازة مولى العاقد ، مدفوعة : بأنّ المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلّية : بأنّ (١) رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه يكفي في كلّ ما يتوقّف على مراجعة السيّد وكان فعله من دون مراجعةٍ (٢) أو مع النهي عنه معصيةً له ، والمفروض أنّ نفس العقد من هذا القبيل.

ثمّ إنّ ما ذكره (٣) من عصيان العبد بتصرّفه في لسانه وأنّه لا يقتضي الفساد ، يشعر بزعم أنّ المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفّظه بألفاظ العقد من دون رضا المولى.

وفيه :

أوّلاً : منع حرمة هذه التصرّفات الجزئيّة ؛ للسيرة المستمرّة على مكالمة العبيد (٤) ، ونحو ذلك من المشاغل الجزئيّة.

__________________

(١) في «ف» : في أنّ.

(٢) كذا في النسخ ، والأصحّ : مراجعته.

(٣) فاعله «بعضٌ» في قوله : «ومن ذلك يعرف أنّ استشهاد بعضٍ ..» ، راجع الصفحة السابقة.

(٤) في «ف» : العبد.


وثانياً : بداهة أنّ الحرمة في مثل هذه لا توجب الفساد ، فلا يظنّ استناد العلماء في الفساد إلى الحرمة.

وثالثاً : أنّ الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيّد بالتكلّم بألفاظ العقد والتصرّف في لسانه قادحاً (١) في صحّة العقد ، غير صحيح ؛ لأنّ مقتضاه أنّ التكلّم إن كان معصيةً لله تعالى يكون مفسداً ، مع أنّه لا يقول به أحد ؛ فإنّ حرمة العقد من حيث إنّه تحريك اللسان كما في الصلاة والقراءة المضيّقة ونحوهما لا يوجب فساد العقد إجماعاً.

فالتحقيق : أنّ المستند في الفساد هو الآية المتقدّمة (٢) ، والروايات الواردة في عدم جواز أمر العبد ومضيّه مستقلا ، وأنّه ليس له من الأمر شي‌ء (٣).

«فرع»

أمر العبدَ آمرٌ أن يشتري نفسه من مولاه

لو أمر العبدَ آمرٌ أن يشتري نفسه من مولاه فباعه مولاه صحّ ولزم ؛ بناءً على كفاية رضا المولى الحاصل من تعريضه للبيع من إذنه الصريح ، بل يمكن جعل نفس الإيجاب موجباً للإذن الضمني.

__________________

(١) كذا ، والمناسب : قادحة.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ٣٣٧.

(٣) انظر الوسائل ١٤ : ٥٢٢ ، الباب ٢٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، والصفحة ٥٧٥ ، الباب ٦٤ من نفس الأبواب ، الحديث ٨.


ولا يقدح عدم قابليّة المشتري للقبول في زمان الإيجاب ؛ لأنّ هذا الشرط ليس على حدّ غيره من الشروط المعتبرة في كلٍّ من المتعاقدين من أوّل الإيجاب إلى آخر القبول ، بل هو نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء ، حيث يكفي تحقّقه بعد الإيجاب وقبل القبول الذي بنى المشتري على إنشائه فضولاً.

وعن القاضي : البطلان في المسألة ؛ مستدلا عليه باتّحاد عبارته مع عبارة السيّد فيتّحد الموجب والقابل (١).

وفيه مع اقتضائه المنع لو أذن له السيّد سابقاً ـ : منع الاتّحاد أوّلاً ، ومنع قدحه ثانياً.

هذا إذا أمره (٢) الآمر بالاشتراء من مولاه ، فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولى ، فعن جماعة منهم المحقّق والشهيد الثانيان (٣) ـ : أنّه لا يصحّ ؛ لعدم الإذن من المولى.

وربما قيل بالجواز (٤) حينئذٍ أيضاً ؛ بناءً على ما سبق منه من أنّ المنع لأجل النهي وهو لا يستلزم الفساد.

__________________

(١) حكاه عنه الصيمري في غاية المرام (مخطوط) ٢٧٣ ، وصاحب الجواهر ، انظر الجواهر ٢٢ : ٢٧١ ، ولكن لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب القاضي قدس‌سره.

(٢) في «ف» : أمر.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٦٨ ، والمسالك ٣ : ١٥٨ ، وحكاه عنهما وعن غيرهما صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٧٢.

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٧١.


وفيه : ما عرفت من أنّ وجه المنع أدلّة عدم استقلال العبد في شي‌ء ، لا منعه عن التصرّف في لسانه ، فراجع ما تقدّم (١) ، والله أعلم.

__________________

(١) في الصفحة ٣٤٠.


مسألة

اشتراط كون المتعاقدين مالكين أو مأذونين

ومن شروط المتعاقدين : أن يكونا مالِكَين أو مأذونَين من المالك أو الشارع.

فعقد الفضولي لا يصحّ ، أي لا يترتّب عليه ما يترتّب على عقد غيره من اللزوم.

وهذا مراد من جعل الملك وما في حكمه شرطاً ، ثمّ فرّع عليه أنّ (١) بيع الفضولي موقوف على الإجازة كما في القواعد (٢) ، فاعتراض جامع المقاصد : عليه بأنّ التفريع في غير محلّه (٣) ، لعلّه في غير محلّه.

وكيف كان ، فالمهمّ التعرّض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهمّ المسائل ، فنقول :

اختلاف الفقهاء في صحّة عقد الفضولي

اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي‌ ، بل مطلق عقده بعد‌

__________________

(١) كذا في «ن» وهكذا نقله المامقاني في شرحه (غاية الآمال : ٣٥٠) وفي سائر النسخ : بأن.

(٢) القواعد ١ : ١٢٤.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٦٨.


اتّفاق الفقهاء على بطلان إيقاعات الفضولي المراد من «الفضولي»

اتّفاقهم على بطلان إيقاعه كما في غاية المراد (١) على أقوال.

والمراد بالفضولي كما ذكره الشهيد قدس‌سره (٢) ـ : هو الكامل الغير المالك للتصرّف ولو كان غاصباً. وفي كلام بعض العامّة : أنّه العاقد بلا إذن مَن يحتاج إلى إذنه (٣). وقد يوصف به نفس العقد (٤) ، ولعلّه تسامح.

وكيف كان ، فيشمل العقد الصادر من الباكرة (٥) الرشيدة بدون إذن الولي ، ومن المالك إذا لم يملك التصرّف ؛ لتعلّق حقّ الغير بالمال ، كما يومئ إليه استدلالهم لفساد (٦) الفضولي بما دلّ على المنع من نكاح الباكرة بغير إذن وليّها (٧) ، وحينئذٍ فيشمل بيع الراهن والسفيه ونحوهما ، وبيع العبد بدون إذن السيّد.

هل العقد المقرون برضا المالك من دون إذن منه فضولي

وكيف كان ، فالظاهر شموله لما إذا تحقّق رضا المالك للتصرّف باطناً ، وطيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحاً أو فحوًى ؛

__________________

(١) في غير «ن» و «ش» : غاية المرام ، والاتّفاق المدّعى موجود فيما أثبتناه ، انظر غاية المراد : ١٧٧.

(٢) غاية المراد : ١٧٧.

(٣) لم نقف عليه.

(٤) يعني يقال : «البيع الفضولي» ، كما عبّر به الشهيد في غاية المراد : ١٧٧.

(٥) قال المامقاني قدس‌سره : الأولى التعبير بالبكر بكسر الباء وسكون الكاف فإنّه الذي ضبطه أهل اللغة مرادفاً للعذراء ، وقد صرّح في شرح القاموس بأنّ التعبير عن هذا المعنى بلفظ «الباكرة» غلط ، غاية الآمال : ٣٥٢.

(٦) كذا في «ص» و «ش» ، وفي سائر النسخ : بفساد.

(٧) انظر الوسائل ١٤ : ٢٠٥ ، الباب ٤ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٢. والصفحة ٢١٣ ، الباب ٩ من نفس الأبواب. والصفحة ٤٥٨ ٤٥٩ ، الباب ١١ من أبواب المتعة ، الحديث ٥ و ١٢.


لأنّ العاقد لا يصير مالكاً للتصرّف ومسلّطاً عليه بمجرّد علمه برضا المالك.

ويؤيّده : اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكاً أو مأذوناً أو وليّاً ، وفرّعوا عليه بيع الفضولي.

ويؤيّده أيضاً ـ : استدلالهم على صحّة الفضولي بحديث عروة البارقي (١) مع أنّ الظاهر علمه برضا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعله. وإن كان الذي يقوى في النفس لولا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقّفه على الإجازة اللاحقة ، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد ، سواء علم به العاقد ، أو انكشف بعد العقد حصوله حينه ، أو لم ينكشف أصلاً ؛ فيجب على المالك فيما بينه وبين الله تعالى إمضاء ما رضي به وترتيب (٢) الآثار عليه ؛ لعموم وجوب الوفاء بالعقود (٣) ، وقوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (٤) ، و «لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ عن طيب نفسه» (٥) ، وما دلّ على أنّ علم المولى بنكاح العبد وسكوته إقرار منه (٦) ، ورواية عروة البارقي الآتية (٧) ، حيث أقبض المبيع وقبض‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٥ ، الحديث ٣٦ ، ومستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» و «خ» ، وفي «ش» : بترتيب ، وفي سائر النسخ : يترتّب.

(٣) في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، المائدة : ١.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) عوالي اللآلي ٢ : ١١٣ ، الحديث ٣٠٩.

(٦) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٧) في الصفحة ٣٥١.


الدينار ؛ لعلمه برضا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان فضولياً موقوفاً على الإجازة لم يجز التصرّف في المعوّض والعوض بالقبض والإقباض ، وتقريرُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له على ما فعل دليلٌ على جوازه.

هذا ، مع أنّ كلمات الأصحاب في بعض المقامات يظهر منها (١) خروج هذا الفرض عن الفضولي وعدم وقوفه على الإجازة ، مثل قولهم في الاستدلال على الصحّة : إنّ الشرائط كلّها حاصلة إلاّ رضا المالك ، وقولهم : إنّ الإجازة لا يكفي فيها السكوت ؛ لأنّه أعمّ من الرضا ، ونحو ذلك.

ثمّ لو سلّم كونه فضولياً ، لكن ليس كلّ فضوليّ يتوقّف لزومه على الإجازة ؛ لأنّه (٢) لا دليل على توقّفه مطلقاً على الإجازة اللاحقة ، كما هو أحد الاحتمالات في مَن باع ملك غيره ثمّ ملكه.

مع أنّه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آناً ما ؛ إذ وقوعه برضاه لا ينفكّ عن ذلك مع الالتفات.

ثمّ إنّه لو أشكل في عقود غير المالك ، فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحاً أو بيعاً مع العلم برضا السيّد ولو لم يأذن له ؛ لعدم تحقّق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار ، وعدم منافاته لعدم استقلال العبد في التصرّف.

صور بيع الفضولي

ثمّ اعلم : أنّ الفضولي قد يبيع للمالك ، وقد يبيع لنفسه ، وعلى الأوّل فقد لا يسبقه منع من المالك ، وقد يسبقه المنع ؛ فهنا مسائل ثلاث‌

__________________

(١) كذا في «ص» وهامش «خ» ، وفي سائر النسخ : منه.

(٢) في «ف» : ولأنه.


الاولى

بع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع المشهور الصحّة

أن يبيع للمالك مع عدم سبق منعٍ من المالك ، وهذا هو المتيقّن من عقد الفضولي.

والمشهور : الصحّة‌ ، بل في التذكرة نسبه إلى علمائنا ، تارة صريحاً ، وأُخرى ظاهراً بقوله : «عندنا» ، إلاّ أنّه ذكر عقيب ذلك : أنّ لنا فيه قولاً بالبطلان (١).

وفي غاية المراد (٢) : حكى الصحّة عن العماني والمفيد (٣) والمرتضى (٤) والشيخ في النهاية (٥) وسلاّر (٦) والحلبي (٧) والقاضي (٨) وابن حمزة (٩). وحكي عن الإسكافي (١٠) ، واستقرّ عليه رأي مَن‌

__________________

(١) تعرّض للفضولي في موضعين من التذكرة حسب ما تتبّعناه ، ولم نعثر على نسبة ذلك إلى علمائنا ، انظر التذكرة ١ : ٤٦٢ و ٤٨٦.

(٢) غاية المراد : ١٧٨.

(٣) راجع المقنعة : ٦٠٦.

(٤) راجع الناصريّات (الجوامع الفقهية) : ٢٤٧ ، المسألة ١٥٤.

(٥) انظر النهاية : ٣٨٥.

(٦) المراسم : ١٥٠.

(٧) الكافي في الفقه : ٢٩٢.

(٨) المهذّب ٢ : ١٩٤ ١٩٥ ، ٢١٦.

(٩) الوسيلة : ٢٤٩.

(١٠) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٣ ، وولده في الإيضاح ١ : ٤١٦ ، وابن فهد في المقتصر : ١٦٦.


مقتضى العمومات الصحّة

تأخّر (١) عدا فخر الدين (٢) وبعض متأخّري المتأخّرين ، كالأردبيلي (٣) والسيّد الداماد (٤) وبعض متأخّري المحدّثين (٥) ؛ لعموم أدلّة البيع والعقود ؛ لأنّ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه ، واشتراط ترتّب الأثر بالرضا وتوقّفه عليه أيضاً لا مجال لإنكاره ، فلم يبقَ الكلام إلاّ في اشتراط سبق الإذن ، وحيث لا دليل عليه فمقتضى الإطلاقات عدمه ، ومرجع ذلك كلّه إلى عموم «حِلّ البيع» و «وجوب الوفاء بالعقد» ، خرج منه العاري عن الإذن والإجازة معاً ، ولم يعلم خروج ما فقد الإذن ولحقه الإجارة.

وإلى ما ذكرنا يرجع استدلالهم : بأنّه عقد صدر عن أهله في محلّه (٦).

فما ذكره في غاية المراد : من أنّه من باب المصادرات (٧) ، لم أتحقّق وجهه ؛ لأنّ كون العاقد أهلاً للعقد من حيث إنّه بالغ عاقل لا كلام‌

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٢ : ١٤ وغيره ، وابن سعيد الحليّ في الجامع للشرائع : ٢٤٦ ، والعلاّمة في كتبه وتقدّم آنفاً عن التذكرة والشهيد في الدروس ٣ : ١٩٢ وغيره.

(٢) الإيضاح ١ : ٤١٧.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ١٥٨ ، وزبدة البيان : ٤٢٨.

(٤) انظر ضوابط الرضاع (كلمات المحقّقين) : ٥٦.

(٥) وهو المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٧٨.

(٦) كما في المختلف ٥ : ٥٤ ، والرياض ١ : ٥١٢ ، وانظر المهذّب البارع ٢ : ٣٥٦ ، والمناهل : ٢٨٧.

(٧) غاية المراد : ١٧٨.


فيه ، وكذا كون المبيع قابلاً للبيع ، فليس محلّ الكلام إلاّ خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك ، وهو مدفوع بالأصل ، ولعلّ مراد الشهيد : أنّ الكلام في أهليّة العاقد ، ويكفي (١) في إثباتها العموم المتقدّم.

الاستدلال للصحّة بقضيّة عروة البارقي

وقد اشتهر الاستدلال عليه بقضيّة عروة البارقي‌ ، حيث دفع إليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ديناراً ، وقال له : «اشترِ لنا به شاة للأُضحية» فاشترى به شاتين ، ثمّ باع أحدهما في الطريق بدينار ، فأتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشاة والدينار ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بارك الله لك في صفقة يمينك» (٢) ، فإنّ بيعه وقع فضولاً وإن وجّهنا شراءه على وجه يخرج عن الفضولي.

المناقشة في الاستدلال بقضية عروة البارقي

هذا ، ولكن لا يخفى (٣) أنّ الاستدلال بها يتوقّف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي.

توضيح ذلك : أنّ الظاهر (٤) عِلم عُروة برضا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يفعل ، وقد أقبض المبيع وقبض الثمن ، ولا ريب أنّ الإقباض والقبض في بيع الفضولي حرام ؛ لكونه تصرّفاً في مال الغير ، فلا بدّ :

إمّا من التزام أنّ عروة فعل الحرام في القبض والإقباض ، وهو‌

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي غيرها : يكتفي ، إلاّ أنّها صحّحت في «ن» بما أثبتناه ، واستظهرها مصحّح «ص» كذلك.

(٢) انظر السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ١١٢ ، وعوالي اللآلي ٣ : ٢٠٥ ، الحديث ٣٦ ، ومستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٣) في «ف» زيادة : عليك.

(٤) لم ترد «الظاهر» في «ف».


منافٍ لتقرير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإمّا من القول بأنّ البيع الذي يعلم بتعقّبه للإجازة يجوز التصرّف فيه قبل الإجازة ؛ بناءً على كون الإجازة كاشفة ، وسيجي‌ء ضعفه.

فيدور الأمر بين ثالثٍ ، وهو جعل هذا الفرد (١) من البيع وهو المقرون برضا المالك خارجاً عن الفضولي ، كما قلناه (٢).

ورابعٍ ، وهو عِلم عُروة برضا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإقباض ماله للمشتري حتّى يستأذن ، وعِلم المشتري بكون البيع فضوليّاً حتّى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة ، وإلاّ فالفضولي ليس مالكاً ولا وكيلاً ، فلا يستحقّ قبض المال ، فلو كان المشتري عالماً فله أن يستأمنه على الثمن حتّى ينكشف الحال ، بخلاف ما لو كان جاهلاً.

ولكنّ الظاهر هو أوّل الوجهين ، كما لا يخفى ، خصوصاً بملاحظة أنّ الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة ، وقد تقدّم أنّ المناط فيها مجرّد المراضاة ووصول كلٍّ من العوضين إلى صاحب الآخر وحصوله عنده بإقباض المالك أو غيره ولو كان صبياً أو حيواناً (٣) ، فإذا حصل التقابض بين فضوليّين (٤) أو فضولي وغيره مقروناً برضا المالكين ،

__________________

(١) في «م» و «ع» و «ص» : الفروض ، إلاّ أنّها صحّحت في «ع» و «ص» بما أثبتناه.

(٢) انظر الصفحة ٣٤٦ ٣٤٧.

(٣) راجع الصفحة ٧٥ و ١١٢.

(٤) كذا في «ف» ، «خ» و «ن» ، وفي سائر النسخ : الفضوليّين.


ثمّ وصل (١) كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر وعلم برضا صاحبه ، كفى في صحّة التصرّف.

وليس هذا من معاملة الفضولي ؛ لأنّ الفضولي صار آلة في الإيصال ، والعبرة برضا المالك المقرون به.

الاستدلال للصحة بصحيحة محمد بن قيس

واستدلّ له (٢) أيضاً تبعاً للشهيد في الدروس بصحيحة محمّد ابن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيّدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه ، فجاء سيّدها فخاصم سيّدها الآخر ، فقال : وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال عليه‌السلام : الحكم أن يأخذ وليدته وابنها. فناشده الذي اشتراها ، فقال له : خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتّى ينفذ البيع لك. فلمّا رآه أبوه قال له : أرسل ابني. قال : لا والله! لا أُرسل ابنك حتّى ترسل ابني ؛ فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه .. الحديث» (٣).

قال في الدروس : وفيها دلالة على صحّة الفضولي وأنّ الإجازة كاشفة (٤).

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : دخل.

(٢) كما في الرياض ١ : ٥١٢ ٥١٣ ، ومقابس الأنوار : ١٢٣ ، وغيرهما.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥٩١ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل ، والحديث منقول في الكتب الأربعة. وما نقله المؤلّف قدس‌سره أوفق بما في الكافي ٥ : ٢١١ ، الحديث ١٢.

(٤) الدروس ٣ : ٢٣٣.


المناقشة في الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

ولا يرد عليها شي‌ءٌ ممّا يوهِن الاستدلال بها ، فضلاً عن أن يسقطه. وجميع ما ذكر فيها من الموهنات (١) موهونة ، إلاّ ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالردّ ، من جهة ظهور المخاصمة في ذلك ، وإطلاق حكم الإمام عليه‌السلام بتعيين (٢) أخذ الجارية وأنّها (٣) من المالك بناء على أنّه لو لم يردّ البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الردّ ومناشدة المشتري للإمام عليه‌السلام وإلحاحه عليه في علاج فكاك ولده ، وقوله : «حتّى ترسل ابني» الظاهر في أنّه حبس الولد ولو على قيمته يوم الولادة.

وحمل إمساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها على القيمة ينافيه قوله عليه‌السلام : «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع الولد (٤)».

والحاصل : أنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلاً ممّا لا ينكره المنصف ، إلاّ أنّ الإنصاف أنّ ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للإنكار ، فلا بدّ من تأويل ذلك الظاهر ؛ لقيام القرينة وهي الإجماع على اشتراط الإجازة بعدم سبق الردّ.

__________________

(١) وهي على ما ذكرها المحقّق المامقاني قدس‌سره في غاية الآمال : ٣٥٧ ـ : أربعة.

(٢) في «ش» : بتعيّن.

(٣) في «ف» و «ن» ومصحّحة «ص» : وابنها.

(٤) كذا في «ف» و «خ» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «ص» ، وفي غيرها : الوليد ، وفي «ص» : الوليدة.


والحاصل : أنّ مناط الاستدلال لو كان نفس القضيّة الشخصيّة من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة بناءً على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتّحدة نوعاً في الحكم الشرعي كان ظهورها في كون الإجازة الشخصيّة في تلك القضيّة مسبوقة بالردّ مانعاً عن الاستدلال بها ، موجباً للاقتصار على موردها ؛ لوجهٍ عَلِمه الإمام عليه‌السلام ، مثل : كون مالك الوليدة كاذباً في دعوى عدم الإذن للولد ، فاحتال عليه‌السلام حيلة يصل بها الحقّ إلى صاحبه.

توجيه الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس

أمّا لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه‌السلام في قوله : «خذ ابنه حتّى ينفذ لك البيع» ، وقول الباقر عليه‌السلام في مقام الحكاية : «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» في أنّ للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه وينفذه ، لم يقدح في ذلك ظهور الإجازة الشخصيّة في وقوعها بعد الردّ ، فيؤوّل ما يظهر منه الردّ بإرادة عدم الجزم بالإجازة والردّ ، أو كون حبس الوليدة على الثمن ، أو نحو ذلك.

وكأنّه قد اشتبه مناط الاستدلال على مَن لم يستدلّ بها في مسألة الفضولي ، أو يكون الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة ، فإنّها لا تزيد على الإشعار ؛ ولذا لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي ، بل ذكرها في موضع آخر (١) ، لكنّ الفقيه في غنى عنه (٢) بعد العمومات المتقدّمة.

__________________

(١) ذكرها في بيع الحيوان كما تقدّم التخريج في الصفحة ٣٥٣.

(٢) كذا في مصحّحة «ن» و «ص» ، وفي النسخ : منه.


الاستدلال لصحة بيع الفضولي بفحوى صحة نكاحه

وربما يستدلّ أيضاً (١) : بفحوى صحّة عقد النكاح من الفضولي في الحرّ والعبد ، الثابتة بالنصّ (٢) والإجماعات المحكية (٣) ؛ فإنّ تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى بذلك ، مضافاً إلى ما علم من شدّة الاهتمام في عقد النكاح ؛ لأنّه يكون منه الولد ، كما في بعض الأخبار (٤).

المناقشة في الاستدلال المذكور

وقد أشار إلى هذه الفحوى في غاية المراد (٥) ، واستدلّ بها في الرياض ، بل قال : إنّه لولاها أشكل الحكم من جهة الإجماعات المحكيّة على المنع (٦). وهو حسن ، إلاّ أنّها ربما توهن بالنصّ الوارد في الردّ على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه ، بالصحّة في الثاني ؛ لأنّ المال له (٧) عوض ، والبطلان في الأوّل ؛ لأنّ البضع ليس له عوض ، حيث قال الإمام عليه‌السلام في مقام ردِّهم‌

__________________

(١) كما في المناهل : ٢٨٧ ، ومقابس الأنوار : ١٢١ ، والجواهر ٢٢ : ٢٧٦.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٣. والصفحة ٢٢١ ، الباب ١٣ من الأبواب ، الحديث ٣. والصفحة ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢ وغيرها.

(٣) كما في الناصريات (الجوامع الفقهيّة) : ٢٤٧ ، المسألة ١٥٤. والسرائر ٢ : ٥٦٥. وانظر كشف اللثام ٢ : ٢٢ ، والرياض ٢ : ٨١.

(٤) انظر الوسائل ١٤ : ١٩٣ ، الباب ١٥٧ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث ١ و ٣.

(٥) انظر غاية المراد : ١٧٨.

(٦) انظر الرياض ١ : ٥١٢.

(٧) كذا في «ش» ومصححة «ن» ، وفي غيرهما : منه.


واشتباههم في وجه الفرق «سبحان الله! ما أجور هذا الحكم وأفسده ؛ فإنّ النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه ؛ لأنّه الفرج ، ومنه يكون الولد .. الخبر» (١).

وحاصله : أنّ مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع أولى بالصحّة من البيع ؛ من حيث الاحتياط المتأكّد في النكاح دون غيره ، فدلّ على أنّ صحّة البيع تستلزم صحّة النكاح بطريق أولى ، خلافاً للعامّة حيث عكسوا وحكموا بصحّة البيع دون النكاح ، فمقتضى حكم الإمام عليه‌السلام : أنّ صحّة المعاملة المالية الواقعة في كلّ مقام ؛ تستلزم صحّة النكاح الواقع بطريق أولى ، وحينئذٍ فلا يجوز التعدّي من صحّة النكاح في مسألة الفضولي إلى صحّة البيع ؛ لأنّ الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في (٢) باب الأولوية ، وإلاّ لم يتحقّق الأولوية ، كما لا يخفى.

فالاستدلال بصحّة النكاح على صحّة البيع مطابق لحكم العامّة من كون النكاح أولى بالبطلان ؛ من جهة أنّ البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

بقي الكلام في وجه جعل الإمام عليه‌السلام الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله ؛ مستدلا بأنّه يكون منه الولد ، مع أنّ الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين ، ولا احتياط في البين.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٢٨٦ ٢٨٧ ، الباب ٢ من أبواب الوكالة ، الحديث ٢.

(٢) شطب في «ص» على «في» وكتب فوقه «من» ، وكذا أثبته العلاّمة المامقاني قدس‌سره في شرحه (غاية الآمال : ٣٦٠).


ويمكن أن يكون الوجه في ذلك : أنّ إبطال النكاح في مقام الإشكال والاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحّة واقعاً ، فتتزوّج المرأة ويحصل الزنا بذات البعل ، بخلاف إبقائه ؛ فإنّه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلاّ وطء المرأة الخالية عن المانع ، وهذا أهون من وطء ذات البعل.

فالمراد بالأحوط هو الأشدّ احتياطاً.

وكيف كان ، فمقتضى هذه الصحيحة : أنّه إذا حكم بصحّة النكاح الواقع من الفضولي ، لم يوجب (١) ذلك التعدّي إلى الحكم بصحّة بيع الفضولي. نعم ، لو ورد الحكم بصحّة البيع أمكن الحكم بصحّة النكاح ؛ لأنّ النكاح أولى بعدم الإبطال ، كما هو نصّ الرواية.

ثمّ إنّ الرواية وإن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي ، إلاّ أنّ المستفاد منها قاعدة كليّة ، هي : أنّ إمضاء العقود الماليّة يستلزم إمضاء النكاح ، من دون العكس الذي هو مبنى الاستدلال في مسألة الفضولي.

ما يؤيد لصحة بيع الفضولي

١ ـ ما ورد في المضاربة

هذا ، ثمّ إنّه ربما يؤيّد صحّة الفضولي ، بل يستدلّ عليها : بروايات كثيرةٍ وردت في مقامات خاصّة ، مثل موثّقة جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل دفع إلى رجلٍ مالاً ليشتري به ضرباً من المتاع مضاربة ، فاشترى غير الذي أمره ، قال : هو ضامن ، والربح بينهما على ما شرطه» (٢). ونحوها غيرها الواردة في هذا الباب.

__________________

(١) في «ن» ، «خ» و «م» ونسخة بدل «ص» : «لا يوجب» ، وصحّح في «ن» بما أثبتناه في المتن.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٨٢ ، الباب الأوّل من كتاب المضاربة ، الحديث ٩.


فإنّها إن أُبقيت على ظاهرها من عدم توقّف ملك (١) الربح على الإجازة كما نسب إلى ظاهر الأصحاب (٢) ، وعدّ هذا خارجاً عن بيع الفضولي بالنصّ ، كما في المسالك (٣) وغيره (٤) كان فيها استئناس لحكم المسألة ؛ من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقاً في نقل مال المالك إلى غيره.

وإن حملناها على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو الغالب ، ومقتضى (٥) الجمع بين هذه الأخبار ، وبين ما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله (٦) والنهي عن أكل المال بالباطل (٧) اندرجت المعاملة في الفضولي. وصحّتها في خصوص‌

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : تلك ، وصحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٢) لم نقف عليه بعينه ، نعم قال السيّد الطباطبائي قدس‌سره في الرياض ١ : ٦٠٧ ، بعد أن ذكر النصوص ـ : «وهذه النصوص مع اعتبار أسانيدها واستفاضتها واعتضادها بعمل الأصحاب ..» وقال ولده السيّد المجاهد في المناهل (الصفحة ٢٠٧) : ولهم وجوه منها : ظهور الاتّفاق عليه.

(٣) انظر المسالك ٤ : ٣٤٥ و ٣٥٢ ٣٥٣.

(٤) انظر الحدائق ٢١ : ٢٠٧ ، والمناهل : ٢٠٧.

(٥) كذا في مصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : وبمقتضى.

(٦) مثل قوله تعالى (إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه» ، وغيرهما ممّا تقدّم في الصفحة ٣٠٧ وما بعدها.

(٧) يدلّ عليه قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) البقرة : ١٨٨ ، والنساء : ٢٩.


المورد وإن احتمل كونها للنصّ الخاصّ ، إلاّ أنّها لا تخلو عن تأييدٍ للمطلب.

٢ ـ ما ورد في اتجار غير الولي في مال اليتيم

ومن هذا القبيل : الأخبار الواردة في اتّجار غير الوليّ في مال اليتيم ، وأنّ الربح لليتيم (١) ، فإنّها إن حملت على صورة إجازة الوليّ كما هو صريح جماعة (٢) تبعاً للشهيد (٣) كان من أفراد المسألة ، وإن عمل بإطلاقها كما عن جماعة (٤) ممّن تقدّمهم خرجت عن مسألة الفضولي ، لكن يستأنس بها لها (٥) بالتقريب المتقدّم. وربما احتمل دخولها في المسألة من حيث إنّ الحكم بالمضيّ إجازة إلهية لاحقة للمعاملة ، فتأمّل.

__________________

(١) انظر الوسائل ٦ : ٥٧ ٥٨ ، الباب ٢ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، الحديث ٢ و ٧ و ٨ ، و ١٢ : ١٩١ ، الباب ٧٥ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢ و ٣.

(٢) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٥ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٣٥٧ ، والسيّد العاملي في المدارك ٥ : ٢٠ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٢ : ٢٦.

(٣) راجع الدروس ١ : ٢٢٩.

(٤) مثل الشيخ في النهاية : ١٧٥ ، والمحقّق في الشرائع ١ : ١٤٠ وغيرها ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٥١ وغيرها ، وقال السيّد الطباطبائي في الرياض (٥ : ٣٨) : وأطلق الماتن وكثير أنّ الربح لليتيم.

(٥) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي «ش» : «يستأنس لها» ، وفي مصحّحة «ص» : «يستأنس بها للمسألة» ، وفي سائر النسخ : يستأنس بها المسألة.


٣ ـ رواية ابن أشيم

وربما يؤيّد المطلب أيضاً ـ : برواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة ويعتقها ، ويُحِجَّه عن أبيه (١) ، فاشترى أباه وأعتقه ، ثمّ تنازع مولى المأذون ومولى الأب وورثة الدافع ، وادّعى كلّ منهم أنّه اشتراه بماله ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يُردّ المملوك رِقّاً لمولاه ، وأيّ الفريقين أقاموا البيّنة بعد ذلك على أنّه اشتراه بماله كان رقّاً له .. الخبر» (٢) ؛ بناءً على أنّه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبته المتضمّنة لإجازة البيع ، لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البيّنة عليها كافية في تملّك المبيع.

٤ ـ صحيحة الحلبي

وممّا يؤيّد المطلب أيضاً : صحيحة الحلبي عن الرجل يشتري ثوباً ولم يشترط على صاحبه شيئاً ، فكرهه ثمّ ردّه على صاحبه ، فأبى أن يقبله إلاّ بوضيعة ، قال : لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة ، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ، ردّ (٣) على صاحبه الأوّل ما زاد» (٤) ؛

__________________

(١) كذا في النسخ ، لكنّ الموجود في الرواية وهي عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ : «عن عبدٍ لقومٍ ، مأذون له في التجارة ، دفع إليه رجل ألف درهم ، فقال : اشترِ بها نسمة وأعتقها عنّي وحجّ عنّي بالباقي ، ثمّ مات صاحب الألف ، فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميّت ودفع إليه الباقي يحجّ عن الميّت ، فحجّ عنه ، فبلغ ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميّت ، فاختصموا جميعاً في الألف ..».

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٣ ، الباب ٢٥ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) في «ص» و «ش» : يردّ.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩٢ ، الباب ١٧ من أبواب أحكام العقود.


فإنّ الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق بظاهره إلاّ على صحّة بيع الفضولي لنفسه.

٥ ـ موثقة عبد الله

ويمكن التأييد له أيضاً ـ : بموثّقة عبد الله (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الوَرِق ، فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته ، فيذهب فيشتري ثمّ يأتي بالمتاع (٢) ، فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت. قال : لا بأس .. الخبر» (٣).

بناء على أنّ الاشتراء من السمسار (٤) يحتمل أن يكون لنفسه ، ليكون الوَرِق عليه قرضاً فيبيع على صاحب الوَرِق ما رضيه من الأمتعة ، ويوفّيه (٥) دينه.

ولا ينافي هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممّن يشتري بالأجر ؛ لأنّ توصيفه بذلك باعتبار أصل حرفته وشغله ، لا بملاحظة هذه القضيّة الشخصيّة.

__________________

(١) كذا في النسخ ، والصواب : رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الموثّقة بابن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) كذا في «ص» والمصدر ، وفي «ش» بدل «فيشتري» : ليشتري ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : «فذهب ليشتري المتاع» ، وصحّحت في بعضها بما أثبتناه.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٤ ، الباب ٢٠ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٤) أي : الاشتراء الصادر من السمسار ، وصحّحت في «ن» ب : اشتراء السمسار.

(٥) في «ف» : فيوفّيه.


ويحتمل أن يكون لصاحب الوَرِق بإذنه مع جعل خيار له على بائع الأمتعة ، فيلتزم بالبيع فيما رضي ويفسخه فيما كره.

ويحتمل أن يكون فضوليّاً عن صاحب الوَرِق ، فيتخيّر ما يريد ويردّ ما يكره.

وليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الوَرِق للسمسار على وجه ينافي كونه فضوليّاً ، كما لا يخفى ، فإذا احتمل

مورد السؤال لهذه الوجوه ، وحكم الإمام عليه‌السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات.

٦ ـ أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه

وربما يؤيَّد المطلب بالأخبار الدالّة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه ، معلّلاً بأنّه لم يعصِ الله وإنّما عصى سيّده (١).

وحاصله : أنّ المانع من صحّة العقد إذا كان لا يرجى زواله (٢) فهو الموجب لوقوع العقد باطلاً ، وهو عصيان الله تعالى ، وأمّا المانع الذي يرجى زواله كعصيان السيّد فبزواله يصحّ العقد ، ورضا المالك من هذا القبيل ، فإنّه لا يرضى أوّلاً ويرضى ثانياً ، بخلاف سخط الله عزّ وجلّ بفعلٍ ؛ فإنّه يستحيل رضاه.

مختار المؤلف الصحة

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ ويستشهد به للقول بالصحّة ، وبعضها وإن كان ممّا يمكن الخدشة فيه ، إلاّ أنّ في بعضها الآخر غنى وكفاية.

__________________

(١) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ٥٢٤ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢.

(٢) العبارة في «ف» هكذا : إنّ المانع الذي لا يرجى زواله.


ما استدلّ به لبطلان بيع الفضولي

واحتجّ للبطلان بالأدلّة الأربعة :

أمّا الكتاب ، فقوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) (١).

الاستدلال بآية التجارة عن تراض

دلّ بمفهوم الحصر (٢) أو سياق التحديد على أنّ غير التجارة عن تراضٍ أو التجارة لا عن تراضٍ غير مبيح لأكل مال الغير وإن لحقها الرضا ، ومن المعلوم أنّ الفضولي غير داخل في المستثنى.

المناقشة في الاستدلال بآية التجارة عن تراض

وفيه : أنّ دلالته على الحصر ممنوعة ؛ لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ وصريح المحكي عن جماعة من المفسّرين (٣) ضرورة عدم كون التجارة عن تراضٍ فرداً من الباطل خارجاً عن حكمه.

وأمّا سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد ، فهو مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة أُخرى ، ككونه (٤) وارداً مورد الغالب ، كما فيما نحن فيه وفي قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٥) ، مع احتمال أن يكون «عن تراضٍ» خبراً بعد خبر ل «تكون» (٦) على قراءة نصب «التجارة» لا قيداً لها وإن كان غلبة توصيف النكرة تؤيّد التقييد فيكون المعنى : إلاّ أن يكون سبب الأكل‌

__________________

(١) النساء : ٢٩.

(٢) لم ترد «الحصر» في «ف».

(٣) راجع التبيان ٣ : ١٧٨ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٦ ، والكشّاف ١ : ٥٠٢.

(٤) كذا في «ف» و «م» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : لكونه.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) في غير «ص» : ليكون ، وهو سهو.


«تجارة» ، وتكون (١) «عن تراضٍ».

ومن المعلوم : أنّ السبب الموجب لحِلِّ الأكل في الفضولي إنّما نشأ عن التراضي ، مع أنّ الخطاب لمُلاّك الأموال ، والتجارة في الفضولي إنّما تصير (٢) تجارة المالك بعد الإجازة ، فتجارته عن تراضٍ.

وقد حكي عن المجمع : أنّ مذهب الإماميّة والشافعيّة وغيرهم أنّ معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتفرّق (٣) أو التخاير بعد العقد (٤). ولعلّه يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبراً بعد خبر.

الاستدلال بالروايات على البطلان

وأمّا السنّة ، فهي أخبار :

منها : النبوي المستفيض ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحكيم بن حزام : «لا تبع ما ليس عندك» (٥) فإنّ عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلّطه على تسليمه ؛ لعدم تملّكه ، فيكون مساوقاً للنبويّ الآخر : «لا بيع إلاّ في ما يملك» بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طلاق إلاّ في ما يملك ، ولا عتق إلاّ في ما يملك» (٦) ، ولِما ورد في توقيع العسكري صلوات الله عليه إلى الصفّار : «لا يجوز بيع ما ليس يملك» (٧).

__________________

(١) في غير «ف» : يكون.

(٢) في غير «ص» : يصير.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ : بالتصرّف.

(٤) مجمع البيان ٢ : ٣٧.

(٥) راجع سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ ، ٣١٧ و ٣٣٩.

(٦) كنز العمال ٩ : ٦٤١ ، الحديث ٢٧٧٧٩ ، وراجع المستدرك ١٣ : ٢٣٠ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣ و ٤.

(٧) الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.


وما عن الحميري أنّ مولانا عجّل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله : «أنّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلاّ عن مالكها أو بأمره أو رضاً منه» (١).

وما في الصحيح عن محمّد بن مسلم الوارد في أرضٍ بفم النيل (٢) اشتراها رجل ، وأهل الأرض يقولون : هي أرضنا (٣) ، وأهل [الأسياف] (٤) يقولون : هي من أرضنا. فقال : «لا تشترها إلاّ برضا أهلها» (٥).

وما في الصحيح عن محمّد بن القاسم بن الفضل (٦) في رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم ، فكتب عليها (٧) كتاباً‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٢٥١ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٨.

(٢) النيل» بليدة في سواد الكوفة يخترقها خليج كبير يتخلّج من الفرات الكبير ، حفره الحجّاج بن يوسف وسمّاه بنيل مصر ، معجم البلدان ٥ : ٣٣٤ «نيل».

(٣) في مصحّحة «ن» والمصدر : أرضهم.

(٤) في النسخ : «الأسناف» ، وفي الكافي والتهذيب ومصحّحة بعض النسخ : «الأستان» ، وما أثبتناه مطابق لما نقله الشهيد عن بعض النسخ المصحّحة في شرحه (هداية الطالب : ٢٧٤) ، ولعلّ ما نقله الشهيدي أقرب إلى الصواب ؛ لأنّ الأسياف كما في القاموس جمع سِيف بالكسر وهو ساحل البحر وساحل الوادي ، أو كلّ ساحل ، فأصحاب السيف هم أصحاب ساحل النيل الذي تقدّم تفسيره ويؤيّده قول السائل : «أرض بفم النيل» أي فم الخليج.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٣ بتفاوت يسير.

(٦) في مصحّحة «ص» والمصادر الحديثية : الفضيل.

(٧) كذا في «ف» و «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «إليها» ، إلاّ أنّه صحّح في بعضها بما أثبتناه.


أنّها (١) قد قبضت المال ولم تقبضه (٢) ، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال : قل له (٣) : يمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعت ما لم تملكه» (٤).

المناقشة في الاستدلال بالروايات

والجواب عن النبوي :

أوّلاً : أنّ الظاهر من الموصول هي العين الشخصيّة ؛ للإجماع والنصّ على جواز بيع الكليّ (٥) ، ومن البيع البيع لنفسه ، لا عن مالك العين ، وحينئذٍ فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد الإنشاء ، فيكون دليلاً على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه ، فلا يقع له ولا للمالك بعد إجازته. وإمّا أن يراد ما عن التذكرة من أن يبيع عن نفسه ثمّ يمضي ليشتريه من مالكه ، قال : لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره جواباً لحكيم بن حزام ، حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي ويشتريه ويسلّمه ، فإنّ هذا البيع غير جائز ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ للنهي المذكور وللغرر ؛ لأنّ صاحبها قد لا يبيعها (٦) ، انتهى.

وهذا المعنى يرجع إلى المراد من روايتي خالد ويحيى الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه (٧) ، ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرّد انتقاله إليه بالشراء ، فلا ينافي أهليّته لتعقّب الإجازة من المالك.

__________________

(١) لم ترد «أنّها» في غير «ف» ، لكنّها استدركت في «م» و «ص» بلفظ : «بأنّها» ، وفي «ن» كما أثبتناه.

(٢) في «ف» : قد قضت المال ولم تقضه.

(٣) كلمة «له» من «ن» ، «م» و «ص» والمصدر.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٤٩ ، الباب الأوّل من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢.

(٥) انظر الوسائل ١٣ : ٦٠ ، الباب ٥ من أبواب السلف.

(٦) التذكرة ١ : ٤٦٣ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٦.

(٧) تأتيان في الصفحة ٤٤٧.


وبعبارة اخرى : نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّراً في حقّه ، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك حتّى لا تنفعه إجازة (١) المالك في وقوعه له ، وهذا المعنى أظهر من الأوّل ونحن نقول به ، كما سيجي‌ء (٢).

وثانياً : سلّمنا دلالة النبوي على المنع ، لكنّها بالعموم ، فيجب تخصيصه بما تقدّم (٣) من الأدلّة الدالّة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز.

وبما ذكرناه من الجوابين يظهر الجواب عن دلالة قوله : «لا بيع إلاّ في ملك» ؛ فإنّ الظاهر منه كون المنفي هو البيع لنفسه ، وأنّ النفي راجع إلى نفي الصحّة في حقّه لا في حقّ المالك ، مع أنّ العموم لو سلّم وجب تخصيصه بما دلّ على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

وأمّا الروايتان (٤) ، فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقين (٥) أوضح ،

__________________

(١) كذا في «ف» و «ن» ، وفي غيرهما : بإجازة.

(٢) سيجي‌ء في الصفحة ٤٤٧ و ٤٥٢.

(٣) راجع الصفحة ٣٥٠ وما بعدها.

(٤) قال المامقاني قدس‌سره : الروايتان عبارة عن توقيع العسكري عليه‌السلام إلى الصفّار ، وما عن الحميري. (غاية الآمال : ٣٦٤) واستظهر السيّد اليزدي قدس‌سره أنّ المراد بهما روايتا خالد ويحيى الآتيتان في بيع الفضولي لنفسه ، ثمّ قال : وأمّا دعوى أنّ المراد بهما التوقيعان ، فهي كما ترى. (حاشية المكاسب : ١٤٠) وقال الشهيدي قدس‌سره أيضاً : يعني بهما روايتي خالد ويحيى الآتيتين. (هداية الطالب : ٢٧٥).

(٥) المراد بهما : النبويّان السابقان ، كما قاله المامقاني قدس‌سره في غاية الآمال : ٣٦٤.


وليس فيهما ما يدلّ ولو بالعموم على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز.

وأمّا الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع ، فإنّما هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض والضيعة رأساً ، على ما يقتضيه السؤال فيهما.

وتوضيحه : أنّ النهي في مثل المقام وإن كان يقتضي الفساد ، إلاّ أنّه بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة عليه.

ومن المعلوم : أنّ عقد الفضولي لا يترتّب عليه بنفسه (١) الملك المقصود منه ؛ ولذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيراً ، ولذا عدّ في الشرائع (٢) والقواعد (٣) من شروط المتعاقدين أعني شروط الصحّة ـ : كون العاقد مالكاً أو قائماً مقامه ، وإن أبيت إلاّ عن ظهور الروايتين في لغويّة عقد الفضولي رأساً ، وجب تخصيصهما (٤) بما تقدّم من أدلّة الصحّة.

وأمّا رواية القاسم بن فضل (٥) ، فلا دلالة فيها إلاّ على عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي ؛ لأنّه باع ما لا يملك ، وهذا حقّ لا ينافي صحّة الفضولي.

وأمّا توقيع الصفّار ، فالظاهر منه نفي جواز البيع في ما لا يملك بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب واللزوم ، ويؤيّده (٦) تصريحه عليه‌السلام

__________________

(١) لم ترد «بنفسه» في «ف».

(٢) الشرائع ٢ : ١٤.

(٣) القواعد ١ : ١٢٤.

(٤) كذا في ظاهر «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : تخصيصها.

(٥) تقدّم أنّه في المصادر الحديثية : الفضيل.

(٦) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : يؤيّد.


بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك (١) ، فلا دلالة على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز.

وبالجملة ، فالإنصاف أنّه لا دلالة في تلك الأخبار بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز ، ولا تعرّض فيها إلاّ لنفي وقوعه للعاقد.

الاستدلال بالاجماع على البطلان

الثالث : الإجماع على البطلان ، ادّعاه الشيخ في الخلاف معترفاً بأنّ الصحّة مذهب قوم من أصحابنا ، معتذراً عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم (٢) ، وادّعاه ابن زهرة أيضاً في الغنية (٣) ، وادّعى الحلّي في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب (٤).

المناقشة في الاجماع

والجواب : عدم الظنّ بالإجماع ، بل الظنّ بعدمه ، بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين والمفيد والمرتضى والشيخ بنفسه في النهاية التي هي آخر مصنّفاته على ما قيل وأتباعهم على الصحّة ، وإطباق (٥) المتأخّرين عليه ، عدا فخر الدين وبعض متأخّري المتأخّرين (٦).

__________________

(١) وهو قوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك» ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث الأوّل.

(٢) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٧٥.

(٣) الغنية : ٢٠٧.

(٤) السرائر ٢ : ٤١٥.

(٥) كذا في «ف» ونسخة بدل «خ» و «ع» ، وفي سائر النسخ : «أتباع» ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٦) تقدّم التخريج عنهم جميعاً في الصفحة ٣٤٩ ٣٥٠.


الاستدلال بدليل العقل على البطلان

الرابع : ما دلّ من العقل والنقل‌ على عدم جواز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنه ، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرّف ، ففي التوقيع المرويّ في الاحتجاج : «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلاّ بإذنه» (١) ، ولا ريب أنّ بيع مال الغير تصرّف فيه عرفاً.

المناقشة في دليل العقل

والجواب : أنّ العقد على مال الغير متوقّعاً لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس تصرّفاً فيه.

نعم ، لو فرض كون العقد علّة تامّة ولو عرفاً لحصول الآثار كما في بيع المالك أو الغاصب المستقلّ كان حكم العقد جوازاً ومنعاً حكم معلوله المترتّب عليه.

ثمّ لو فرض كونه تصرّفاً ، فممّا استقلّ العقل بجوازه مثل الاستضاءة والاصطلاء بنور الغير وناره ، مع أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال ؛ بناءً على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي ، مع أنّ تحريمه لا يدلّ على الفساد ، مع أنّه لو دلّ لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم ترتّب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك ، ولا ينكره القائل بالصحّة ، خصوصاً إذا كانت الإجازة ناقلة.

وممّا ذكرنا ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولي قاصداً لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري ؛ بناءً على أنّ العقد المقرون بهذا القصد قبيح محرّم ، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٢٩٩ ، وانظر الوسائل ٦ : ٣٧٧ ، الباب ٣ من أبواب الأنفال ، الحديث ٦ وذيل الحديث ٧.


الاستدلال بوجوهٍ اُخر على البطلان

وقد يستدلّ للمنع بوجوه أُخر ضعيفة ، أقواها : أنّ القدرة على التسليم معتبرة في صحّة البيع ، والفضولي غير قادر (١) ، وأنّ الفضولي غير قاصد حقيقةً إلى مدلول اللفظ كالمكره ، كما صرّح في المسالك (٢).

المناقشة في هذه الوجوه

ويضعّف الأوّل مضافاً إلى أنّ الفضولي قد يكون قادراً على إرضاء المالك (٣) بأنّ (٤) هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعاً ، بل يكفي تحقّقه في المالك ، فحينئذٍ يشترط في صحّة العقد مع الإجازة قدرة المجيز على تسليمه أو (٥) قدرة المشتري على تسلّمه على ما سيجي‌ء (٦).

ويضعّف الثاني بأنّ (٧) المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي والمكره ، لا أزيد منه ، بدليل الإجماع على صحّة نكاح الفضولي وبيع المكره بحقّ ؛ فإنّ دعوى عدم اعتبار القصد في ذلك للإجماع ، كما ترى!

__________________

(١) انظر الإيضاح ١ : ٤١٧ ، والمناهل : ٢٨٨ ، ومقابس الأنوار : ١٢٨.

(٢) المسالك ٣ : ١٥٦.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : رضا المالك.

(٤) في «ف» : أنّ.

(٥) في «م» و «ش» بدل «أو» : و.

(٦) يجي‌ء إن شاء الله في الجزء الرابع من طبعتنا هذه عند قول المؤلف قدس‌سره : «الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم».

(٧) في «ف» : أنّ.


المسألة الثانية

بع الفضول للمالک مع سبق المنع

المشهور الصحّة

أن يسبقه منع المالك ، والمشهور أيضاً صحّته ، وحكي عن فخر الدين : أنّ بعض المجوّزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك (١). ويلوح إليه ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبويّ : «أيّما عبدٍ تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (٢) بعد تضعيف السند على أنّه (٣) نكح بعد منع مولاه وكراهته ؛ فإنّه يقع باطلاً (٤). والظاهر أنّه لا يفرق بين النكاح وغيره (٥) ، ويظهر من المحقّق الثاني ، حيث احتمل (٦) فساد بيع الغاصب ؛ نظراً إلى القرينة الدالّة (٧) على عدم الرضا وهي الغصب (٨).

وكيف كان ، فهذا القول لا وجه له ظاهراً ، عدا تخيّل : أنّ المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة (٩) المختصّة بغير المقام ، وأنّ العقد إذا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٧.

(٢) سنن البيهقي ٧ : ١٢٧.

(٣) في غير «ف» زيادة «إن» ، وشطب عليها في «م».

(٤) التذكرة ٢ : ٥٨٨.

(٥) انظر مقابس الأنوار : ١٢١.

(٦) في النسخ : «حمل» ، والصواب ما أثبتناه ، كما في مصحّحة «ن».

(٧) لم ترد «الدالّة» في «ص».

(٨) جامع المقاصد ٤ : ٦٩.

(٩) تقدّمت في الصفحة ٣٥١.


وقع منهيّاً عنه فالمنع الموجود بعد العقد ولو آناً ما كافٍ في الردّ ، فلا ينفع الإجازة اللاحقة ؛ بناءً على أنّه لا يعتبر في الردّ سوى عدم الرضا الباطني بالعقد على ما يقتضيه حكم بعضهم (١) بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد ؛ لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا.

مختار المؤلف ودليله

هذا ، ولكنّ الأقوى عدم الفرق ؛ لعدم انحصار المستند حينئذٍ (٢) في رواية عروة ، وكفاية العمومات ، مضافاً إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (٣) ، وجريان فحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه (٤) ، مع ظهور المنع فيها ولو بشاهد الحال بين الموالي والعبيد ، مع أنّ رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيّد (٥) ، مع جريان المؤيّدات المتقدّمة له : من بيع مال اليتيم (٦) والمغصوب (٧) ، ومخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال (٨) ، الصريح في منعه عمّا عداه.

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٨ : ٢٩٣ ، والمسالك ٥ : ٣٠٠ ، ومفتاح الكرامة ٧ : ٦٣٢.

(٢) لم ترد «حينئذ» في «ف».

(٣) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٤) انظر الوسائل ١٤ : ٥٢٣ و ٥٢٥ ، الباب ٢٤ و ٢٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء وغيرهما.

(٥) في «م» ، «ص» و «ش» زيادة : حينئذٍ.

(٦) المتقدّمة في الصفحة ٣٦٠.

(٧) راجع الصفحة ٣٥٨ ٣٦٠.

(٨) كما في موثّقة جميل المتقدّمة في الصفحة ٣٥٨.


وأمّا ما ذكر (١) من المنع الباقي بعد العقد ولو آناً ما ، فلم يدلّ دليل على كونه فسخاً لا ينفع بعده الإجازة.

وما ذكره في حلف الموكّل غير مسلّم ، ولو سُلّم فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف على ما أنكره في ردّ البيع وعدم تسليمه له.

وممّا ذكرنا يظهر وجه صحّة عقد المكره بعد الرضا ، وأنّ كراهة المالك حال العقد وبعد العقد لا تقدح في صحّته إذا لحقه الإجازة.

__________________

(١) في «م» و «ش» : ما ذكره.


المسألة الثالثة

بيع الفضولي لنفسه

أن يبيع الفضولي لنفسه ، وهذا غالباً يكون في بيع الغاصب ، وقد يتّفق من غيره بزعم ملكيّة المبيع ، كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدّمة في الإقالة بوضيعة (١).

الأقوى الصحة والدليل عليه

والأقوى فيه : الصحّة وفاقاً للمشهور ؛ للعمومات المتقدّمة (٢) بالتقريب المتقدّم ، وفحوى الصحّة في النكاح (٣) ، وأكثر ما تقدّم من المؤيّدات (٤) ، مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدّمة (٥).

الإشكال على صحة هذا البيع من وجوه

ولا وجه للفرق بينه وبين ما تقدّم من بيع الفضولي للمالك إلاّ وجوه تظهر من كلمات جماعة ، بعضها مختصّ ببيع (٦) الغاصب ، وبعضها مشترك بين جميع صور المسألة :

الوجه الأول وجوابه

منها : إطلاق ما تقدّم من النبويين (٧) : «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلاّ في ملك» [وغيرهما (٨)] ؛ بناءً على اختصاص مورد الجميع‌

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٣٦١.

(٢) تقدّمت في المسألة الأُولى والثانية.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٣٥٦.

(٤) راجع الصفحة ٣٥٨ ٣٦٣.

(٥) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٦) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : على بيع.

(٧) تقدّمتا في الصفحة ٣٦٥.

(٨) كلمة «وغيرهما» من مصحّحة «ن» ، وقد أثبتها المامقاني قدس‌سره في متن شرحه (غاية الآمال : ٣٦٧) ويقتضيها السياق أيضاً.


ببيع الفضولي لنفسه.

والجواب عنها يعرف ممّا تقدّم ، من أنّ مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه الغير المالك ، بلا تعرّضٍ فيها لوقوعه وعدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز.

الوجه الثاني وجوابه

ومنها : بناء المسألة على ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك ، وهذا غالباً مفقود في المغصوب ، وقد تقدّم عن المحقّق الكركي أنّ الغصب قرينة عدم الرضا (١).

وفيه :

أوّلاً : أنّ الكلام في الأعمّ من بيع الغاصب.

وثانياً : أنّ الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقاً ، فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة وتملّك الثمن ، فليس في الغصب دلالة على عدم الرضا بأصل البيع ، بل الغاصب وغيره من هذه الجهة سواء.

وثالثاً : قد عرفت أنّ سبق منع المالك غير مؤثّر.

الوجه الثالث وجوابه

ومنها : أنّ الفضولي إذا قصد إلى بيع مال الغير لنفسه ، لم (٢) يقصد حقيقة المعاوضة ؛ إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر ، فالمعاوضة الحقيقيّة غير متصوّرة ، فحقيقته يرجع إلى إعطاء المبيع وأخذ الثمن لنفسه ، وهذا ليس بيعاً.

والجواب من ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب ـ : أنّ قصد‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٧٣.

(٢) كذا في «ص» ، وفي غيرها : فلم.


المعاوضة الحقيقيّة مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقيّا وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له ، لكنّ المعاوضة المبنيّة على هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقيّة ، نظير المجاز الادّعائي في الأُصول.

نعم ، لو باع لنفسه من دون بناء على ملكيّة المثمن ولا اعتقاد له ، كانت المعاملة باطلة غير واقعة له ولا للمالك ؛ لعدم تحقّق معنى المعاوضة ؛ ولذا ذكروا أنّه لو اشترى بماله لغيره شيئاً بطل ، ولم يقع له ولا لغيره ، والمراد ما لو قصد تملّك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه.

وقد تخيّل بعض المحقّقين (١) : أنّ البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام ، وهو ما لو باع مال غيره لنفسه ؛ لأنّه عكسه ، وقد عرفت أنّ عكسه هو ما إذا قصد تملّك الثمن من دون بناءٍ ولا اعتقادٍ لتملّك المثمن ؛ لأنّ المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز.

الوجه الرابع

ومنها : أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه ، فإن تعلّقت إجازة المالك بهذا الذي قصده البائع كان منافياً لصحّة العقد ؛ لأنّ معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته ، وإن تعلّقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف ، لا إمضاءً لنقل الفضولي ، فيكون النقل من المنشئ غير مجاز ، والمجاز غير مُنشَأ.

جواب المحقّق القمي عن وجه الرابع

وقد أجاب المحقّق القمّي رحمه‌الله عن هذا (٢) في بعض أجوبة مسائله بأنّ الإجازة في هذه الصورة مصحّحة للبيع ، لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود بل بمعنى تبديل رضا‌

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) كذا في «ف» ، والعبارة في غيرها هكذا : وقد أجاب عن هذا المحقّق القمّي رحمه‌الله.


الغاصب وبيعه لنفسه برضا المالك ووقوع البيع عنه (١) ، وقال نظير ذلك فيما لو باع شيئاً ثمّ ملكه (٢).

وقد صرّح في موضع آخر : بأنّ حاصل الإجازة يرجع إلى أنّ العقد الذي قُصد إلى كونه واقعاً على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب والمشتري العالم قد بدّلتُه على كونه (٣) على هذا الملك بعينه لنفسي ، فيكون عقداً جديداً ، كما هو أحد الأقوال في الإجازة (٤).

المناقشة في جواب المحقّق القمي

وفيه : أنّ الإجازة على هذا تصير كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز والمشتري ؛ لأنّ المفروض عدم رضا المشتري ثانياً بالتبديل المذكور ؛ لأنّ قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز ، فالمشتري إنّما رضي (٥) بذلك الإيجاب المغاير لمؤدّى الإجازة ، فإذا التزم بكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد ، وبعدم الحاجة إلى قبول (٦) المشتري ثانياً ، فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه وقبول المشتري ، وهذا خلاف الإجماع والعقل.

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ٣١٩ ، وغنائم الأيام : ٥٥٤.

(٢) انظر جامع الشتات ٢ : ٣٢٠ وما بعدها ، وغنائم الأيام : ٥٥٥.

(٣) في «ش» : بكونه.

(٤) راجع جامع الشتات ٢ : ٢٧٦ ، وفي الصفحة ٣١٨ منه نقل هذا القول عن صاحب كشف الرموز وفاقاً لشيخه المحقّق ، وانظر أيضاً غنائم الأيام : ٥٤١ و ٥٥٤ أيضاً.

(٥) في مصحّحة «ن» زيادة : في قبوله.

(٦) في غير «ش» و «ص» : «قول» ، وصحّح في هامش «ن» بما أثبتناه.


وأمّا القول بكون الإجازة عقداً مستأنفاً ، فلم يعهد من أحد من العلماء وغيرهم ، وإنّما حكى كاشف الرموز عن شيخه (١) : أنّ الإجازة من مالك المبيع بيع مستقلّ فهو بيع بغير لفظ البيع قائم (٢) مقام إيجاب البائع ، وينضمّ إليه القبول المتقدّم (٣) من المشتري (٤).

وهذا لا يجري فيما نحن فيه ؛ لأنّه إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع وتملّك المبيع منه ، فإذا بني على كون وقوع البيع للمالك مغايراً لما وقع ، فلا بدّ له (٥) من قبول آخر ، فالاكتفاء عنه بمجرّد إجازة البائع الراجعة إلى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه ، التزام بكفاية رضا البائع وإنشائه عن رضا المشتري وإنشائه ، وهذا ما ذكرنا أنّه خلاف الإجماع والعقل.

جواب المؤلف عن وجه الرابع

فالأولى في الجواب : منع مغايرة ما وقع لما أُجيز ، وتوضيحه :

أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن ، وأمّا كون الثمن مالاً له أو لغيره ، فإيجاب البيع ساكت عنه ، فيرجع فيه‌

__________________

(١) لم يحكِ ذلك عن شيخه وهو المحقّق الحلّي قدس‌سره بل حكم نفسه بالملازمة بين القول بعدم لزوم اللفظ في البيع وكون الإجازة بمثابة عقد ثانٍ فقط.

(٢) العبارة في «ش» هكذا : «بيع مستقلّ بغير لفظ البيع وهو قائم ..» ، وهكذا في مصحّحة «ن» إلاّ أنّها بلفظ «فهو قائم».

(٣) في غير «ف» : المقدّم.

(٤) انظر كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٥) كذا في «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ بدل «فلا بدّ له» : «فكذا بدله» ، وفي مصحّحة «م» : فكذا لا بدّ من.


إلى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوّض ؛ تحقيقاً لمعنى المعاوضة والمبادلة ، وحيث إنّ البائع يملِّك المثمن بانياً على تملّكه له وتسلطه عليه عدواناً أو اعتقاداً ، لزم من ذلك بناؤه على تملّك الثمن والتسلّط عليه ، وهذا معنى قصد بيعه لنفسه ، وحيث إنّ المثمن ملك لمالكه واقعاً فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه ، فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتّى يتردّد (١) الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين ، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض من دون تعرّضٍ فيه لمن يرجع إليه العوض ، إلاّ باقتضاء المعاوضة لذلك.

الإشكال على هذا الجواب

ولكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشترياً لنفسه بمال الغير فقال للبائع الأصيل : تملّكت منك أو مَلَكْتُ هذا الثوب بهذه الدراهم ؛ فإنّ مفهوم هذا الإنشاء هو تملّك (٢) الفضولي للثوب ، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه ، فلا بدّ من التزام كون الإجازة نقلاً مستأنفاً غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.

وبالجملة ، فنسبة (٣) المتكلّم الفضولي ملك (٤) المثمن إلى نفسه بقوله : ملكت أو تملّكت ، كإيقاع المتكلّم الأصلي التمليك على المخاطب الفضولي‌

__________________

(١) كذا في «ص» ، وفي غيرها : تردّد.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، «ع» و «ص» ، وفي سائر النسخ : تمليك.

(٣) في «ف» : نسبة.

(٤) كذا في «ف» ومصحّحة «م» و «ن» ، وفي «ش» ومصحّحة «ع» : بتملّك ، وفي «خ» ومصحّحة «ص» : تملّك.


بقوله : ملّكتك هذا الثوب بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك.

وبهذا استشكل العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة ، حيث قال : لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال ، من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد (١) ، ولا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته ؛ لأنّه حينئذٍ إنّما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعمّ من كونه أصليّاً أو نائباً ، ولذا يجوز مخاطبته وإسناد الملك (٢) إليه مع علمه بكونه نائباً ، وليس إلاّ بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائباً ، فإذا صحّ اعتباره نائباً صحّ اعتباره على الوجه الأعمّ من كونه نائباً أو أصلياً ، أمّا الفضولي فهو أجنبي عن المالك لا يمكن فيه ذلك الاعتبار.

جواب صاحب المقابس عن الإشكال

وقد تفطّن بعض المعاصرين (٣) لهذا الإشكال في بعض كلماته ، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه ، مع أنّه لا يخفى مخالفته للفتاوى وأكثر النصوص المتقدّمة في المسألة كما اعترف به أخيراً ، وأُخرى بأنّ الإجازة إنّما تتعلّق بنفس مبادلة العوضين وإن كانت خصوصيّة ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها.

المناقشة في جواب صاحب المقابس

وفيه : أنّ حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها في الإشكال أعني قول المشتري الغاصب : تملّكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم ليس إلاّ إنشاء تملّكه للمبيع ، فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملّك المالك‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٢) في «ف» : التمليك.

(٣) انظر مقابس الأنوار : ١٣١ ١٣٢.


الأصلي له ، بل يتوقّف (١) على نقل مستأنف.

جواب المؤلف عن الإشكال

فالأنسب في التفصّي أن يقال : إنّ نسبة الملك (٢) إلى الفضولي العاقد لنفسه في قوله : «تملّكت منك» ، أو قول غيره له : «ملّكتك» ليس من حيث هو ، بل من حيث جعل نفسه مالكاً للثمن اعتقاداً أو عدواناً ؛ ولذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيّته للثمن (٣) التزمنا بلغويّته ؛ ضرورة عدم تحقّق مفهوم المبادلة بتملّك شخص المال بإزاء مال غيره ، فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلاّ إذا كان مالكاً حقيقياً أو ادّعائياً ، فلو لم يكن أحدهما وعقد لنفسه لم يتحقّق المعاوضة والمبادلة حقيقة ، فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه : «تملّكت منك كذا بكذا» فالمنسوب إليه التملّك إنّما هو المتكلّم لا من حيث هو ، بل من حيث عدّ نفسه مالكاً اعتقاداً أو عدواناً ، وحيث إنّ الثابت للشي‌ء من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية ، فالمسند إليه التملّك حقيقة هو المالك للثمن (٤) ، إلاّ أنّ الفضولي لمّا بنى على أنّه (٥) المالك المسلّط على الثمن (٦) أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن إلى‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : توقّف.

(٢) في «ع» ونسخة بدل «ن» ، «خ» و «م» : «المالك» ، وفي نسخة بدل «ع» : الملك.

(٣) في «ف» و «خ» ومصحّحة «ع» : للمثمن.

(٤) في «ف» ، «خ» و «ع» : للمثمن.

(٥) في «ف» زيادة : هو.

(٦) في «ف» ، «خ» و «ع» : المثمن.


نفسه ، فالإجازة الحاصلة من المالك متعلّقة بإنشاء الفضولي وهو التملّك المسند إلى مالك الثمن (١) ، وهو حقيقة نفس المجيز ، فيلزم من ذلك انتقال المثمن (٢) إليه.

جواب كاشف الغطاء عن وجه الرابع

هذا ، مع أنّه ربما يلتزم صحّة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكاً للفضولي ، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد (٣) ، وتبعه غير واحد من أجلاّء تلامذته (٤).

توجيه الجواب بوجهين

وذكر بعضهم (٥) في ذلك وجهين :

أحدهما : أنّ قضيّة بيع مال الغير عن نفسه والشراء بمال الغير لنفسه ، جعل ذلك المال له ضمناً ، حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع أو (٦) الشراء تملّكه (٧) قبل آن (٨) انتقاله إلى غيره ، ليكون انتقاله إليه عن ملكه ، نظير ما إذا قال : «أعتق عبدك عنّي» أو قال : «بع مالي عنك» أو «اشترِ لك بمالي كذا» فهو تمليك ضمنيّ حاصل ببيعه أو الشراء.

ونقول في المقام أيضاً : إذا أجاز المالك صحّ البيع أو (٩) الشراء ، وصحّته تتضمّن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء ، فكما أنّ الإجازة‌

__________________

(١) في «ف» ، «خ» و «ع» : المثمن.

(٢) كذا في «ص» ومصحّحتي «م» و «ن» ، وفي سائر النسخ : الثمن.

(٣) انظر شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٦٠.

(٤) منهم المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٢.

(٥) لم نعثر عليه.

(٦) و (٩) في «ش» بدل «أو» : و.

(٧) في «ن» : يملكه.

(٨) لم ترد «آن» في «ش» ، وشطب عليها في «م».


المذكورة تصحّح البيع أو الشراء ، كذلك تقضي بحصول الانتقال الذي يتضمّنه البيع الصحيح ، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق ، قاضية بتمليكه (١) المبيع ؛ ليقع البيع في ملكه ، ولا مانع منه.

الثاني : أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في انتقال بدله إليه ، بل يكفي أن يكون مأذوناً في بيعه لنفسه أو الشراء به ، فلو قال : «بِع هذا لنفسك» أو «اشتر لك بهذا» ملك الثمن في الصورة الأُولى بانتقال المبيع عن مالكه إلى المشتري ، وكذا ملك المثمن (٢) في الصورة الثانية ، ويتفرّع عليه : أنّه لو اتّفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك إلى مالكه ، دون العاقد.

المناقشة في الوجه الأوّل من الجواب

أقول : وفي كلا الوجهين نظر :

أمّا (٣) الأوّل ، فلأنّ صحّة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة ، كما تقدّم في بعض فروع المعاطاة (٤) ، مع أنّ قياس الإجازة على الإذن قياس مع الفارق ؛ لأنّ الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آناً ما قبل البيع ، بخلاف الإجازة ؛ فإنّها لا تتعلّق إلاّ بما وقع (٥) سابقاً ، والمفروض أنّه لم يقع إلاّ مبادلة مال الغير بمال آخر.

__________________

(١) في «ع» و «ص» : بتملّكه.

(٢) في «ف» ، «خ» و «ع» : الثمن.

(٣) في «ف» زيادة : في.

(٤) تقدّم في الصفحة ٨٣ و ٨٥.

(٥) كذا في «ص» و «ش» ومصحّحة «ع» ، وفي سائر النسخ : يقع.


نعم ، لمّا بنى هو على ملكية ذلك المال عدواناً أو اعتقاداً قصد (١) بالمعاوضة (٢) رجوع البدل (٣) إليه ، فالإجازة من المالك إن رجعت إلى نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز ، وإن رجعت إلى المبادلة منضمّة إلى بناء العاقد على تملّك المال ، فهي وإن أفادت دخول البدل في ملك العاقد ، إلاّ أنّ مرجع هذا إلى إجازة ما بنى عليه العاقد من التملّك وإمضائه له ؛ إذ بعد إمضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل ، إلاّ أنّ من المعلوم عدم الدليل على تأثير الإجازة في تأثير (٤) ذلك البناء في تحقّق متعلّقه شرعاً ، بل الدليل على عدمه ؛ لأنّ هذا ممّا لا يؤثّر فيه الإذن ؛ لأنّ الإذن في التملّك لا يؤثر التملّك ، فكيف إجازته؟

المناقشة في الوجه الثاني من الجواب

وأمّا الثاني ، فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة ؛ ولذا صرّح العلاّمة رحمه‌الله في غير موضعٍ من كتبه (٥) تارةً بأنّه لا يتصوّر ، وأُخرى بأنّه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئاً ، بل ادّعى بعضهم (٦) في مسألة قبض المبيع : عدم (٧) الخلاف في بطلان قول مالك الثمن :

__________________

(١) كلمة «قصد» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٢) في «ف» : المعاوضة.

(٣) في «ف» ظاهراً : المبدل.

(٤) لم ترد «تأثير» في «ف».

(٥) انظر القواعد ١ : ١٥١ و ١٦٦ ، والتذكرة ١ : ٤٧٣.

(٦) ادّعاه صاحب الجواهر في الجواهر ٢٣ : ١٧٤.

(٧) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرها : بعدم.


«اشترِ لنفسك به طعاماً» وقد صرّح به الشيخ (١) والمحقّق (٢) وغيرهما (٣).

نعم ، سيأتي في مسألة جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب (٤) ، أنّ ظاهر جماعة كقطب الدين والشهيد وغيرهما ـ : أنّ الغاصب مسلّط على الثمن وإن لم يملكه ، فإذا اشترى به شيئاً ملكه ، وظاهر هذا إمكان أن لا يملك الثمن ويملك المثمن المشتري ، إلاّ أن يحمل (٥) ذلك منهم على التزام تملّك (٦) البائع الغاصب للثمن (٧) مطلقاً كما نسبه الفخر رحمه‌الله إلى الأصحاب (٨) ، أو آناً ما قبل أن يشتري به شيئاً ؛ تصحيحاً للشراء.

وكيف كان ، فالأولى في التفصّي عن الإشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا (٩).

__________________

(١) راجع المبسوط ٢ : ١٢١.

(٢) الشرائع ٢ : ٣٢.

(٣) كالقاضي في المهذّب ١ : ٣٨٧ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ٢٥٢ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٧١٥.

(٤) يأتي في الصفحة ٤٧١.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «يجعل» ، إلاّ أنّه صحّح في أكثر النسخ بما أثبتناه.

(٦) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «تمليك» ، لكن صحّح في «ن» ، «م» و «ص» بما أثبتناه.

(٧) في «ش» ومصحّحة «ع» : للمثمن.

(٨) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٧.

(٩) راجع الصفحة ٣٨٣.


الوجه الخامس وجوابه

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا من أنّ نسبة ملك العوض حقيقة إنّما هو إلى مالك المعوّض ، لكنّه بحسب بناء الطرفين على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر اندفاع إشكال آخر في صحّة البيع لنفسه ، مختصٍّ بصورة علم المشتري ، وهو : أنّ المشتري الأصيل إذا كان عالماً بكون البائع لنفسه غاصباً فقد حكم الأصحاب على ما حكي عنهم (١) بأنّ المالك لو ردّ فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن ، وهذا كاشف عن عدم تحقّق المعاوضة الحقيقية ، وإلاّ لكان ردّها موجباً لرجوع كلِّ عوضٍ إلى مالكه ، وحينئذٍ فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن ؛ لسبق اختصاص الغاصب به ، فيكون البيع بلا ثمن (٢).

ولعلّ هذا هو الوجه في إشكال العلاّمة في التذكرة ، حيث قال بعد الإشكال في صحّة بيع الفضولي مع جهل المشتري ـ : إنّ الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل (٣) ، انتهى.

هذا الاشكال إنّما يتوجّه على القول بالنقل

أقول : هذا الإشكال بناءً على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنّه ليس للمشتري استرداد الثمن مع ردّ المالك وبقائه (٤) ، وبعد تسليم أنّ الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط على تقديري الردّ والإجازة ، لا (٥) التسليط المراعى بعدم إجازة البيع إنّما يتوجّه على القول بالنقل ،

__________________

(١) حكى ذلك عنهم الفخر في الإيضاح كما تقدّم آنفاً ، وأُنظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٣.

(٢) لم ترد «به فيكون البيع بلا ثمن» في «ف».

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٤) وبقائه» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن».

(٥) في غير «ش» : «لأنّ» ، لكنّه صحّح في أكثر النسخ بما أثبتناه.


حيث إنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة ، فلا يبقى مورد للإجازة.

وأمّا على القول بالكشف ، فلا يتوجّه إشكال أصلاً ؛ لأنّ الردّ كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطاً له على مال نفسه ، والإجازة كاشفة عن كونه تسليطاً له على ما يملكه غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض ؛ ولذا لو لم يقبضه الثمن حتّى أجاز المالك أو ردّ ، لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك ، وسيأتي في مسألة جواز تتبّع العقود للمالك (١) تتمّة لذلك ، فانتظر.

ثمّ اعلم : أنّ الكلام في صحّة بيع الفضولي لنفسه غاصباً كان أو غيره إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز ، وهو الذي لم يفرّق المشهور بينه وبين الفضولي البائع للمالك ، لا لنفسه.

وأمّا الكلام في صحّة بيع الفضولي ووقوعه لنفسه إذا صار مالكاً للمبيع وأجاز سواء باع لنفسه أو المالك (٢) فلا دخل له بما نحن فيه ؛ لأنّ الكلام هنا في وقوع البيع للمالك ، وهناك في وقوعه للعاقد إذا ملك. ومن هنا يعلم : أنّ ما ذكره في الرياض من أنّ بيع الفضولي لنفسه باطل (٣) ونسب إلى التذكرة نفي الخلاف فيه (٤) في غير محلّه ، إلاّ أن يريد ما ذكرناه ، وهو خلاف ظاهر كلامه.

__________________

(١) يأتي في الصفحة ٤٦٩ وما بعدها.

(٢) في مصحّحة «ن» : للمالك.

(٣) في «ف» : فاسد.

(٤) الرياض ١ : ٥١٢ ، والتذكرة ١ : ٤٦٣ ، وتقدّمت عبارة التذكرة في الصفحة ٣٦٧.


بقي هنا أمران :

جعل العوض في ذمّة الغير في بيع الفضولي

الأوّل : أنّه لا فرق على القول بصحّة بيع الفضولي بين كون مال الغير عيناً أو ديناً (١) في ذمّة الغير ، ومنه جعل العوض ثمناً أو مثمناً في ذمّة الغير.

ما به يتشخّص ما في الذمّة

ثمّ إنّ تشخيص (٢) ما في الذمّة الذي يعقد عليه الفضولي إمّا بإضافة الذمّة إلى الغير ، بأن يقول : «بعت كرّاً من طعام في ذمّة فلان بكذا» أو «بعت هذا بكذا في ذمّة فلان» وحكمه : أنّه لو أجاز فلان يقع العقد له ، وإن ردّ بطل رأساً.

وإمّا بقصده العقد له ؛ فإنّه إذا قصده في العقد تعيّن كونه صاحب الذمّة ؛ لما عرفت من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير مَن خرج عنه الآخر ، إلاّ على احتمال ضعيف تقدّم عن بعض (٣).

فكما أنّ تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد ، فكذا قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلّي بإضافته إلى ذمّة شخص خاصّ ، وحينئذٍ فإن أجاز من قصد مالكيّته (٤) وقع العقد (٥) ، وإن ردّ فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعاً ؛ لأنّ مقتضى ردّ العقد بقاء كلّ عوض على ملك صاحبه ، إذ المال مردّد في باب الفضولي‌

__________________

(١) كلمة «ديناً» من «ف» و «ش».

(٢) في غير «ش» زيادة «كون» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٣) تقدّم في الصفحة ٣٨٤.

(٤) كذا في «ف» ، «خ» و «ش» ، وفي سائر النسخ : ملكيّته.

(٥) في «ف» ، «ن» و «خ» زيادة : له.


لو لم يصدق الطرف الآخر الفضولي في قصده

بين مالكه الأصلي ومن وقع له العقد ، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه وتردّده بين الفضولي ومن وقع له العقد ؛ إذ لو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة ووقع له ، إلاّ أنّ الطرف الآخر لو لم يصدّقه على هذا القصد (١) وحلف على نفي العلم حكم له على الفضولي ؛ لوقوع (٢) العقد له ظاهراً ، كما عن المحقّق (٣) وفخر الإسلام (٤) والمحقّق الكركي (٥) والسيوري (٦) والشهيد الثاني (٧).

وقد يظهر من إطلاق بعض الكلمات كالقواعد (٨) والمبسوط (٩) وقوع العقد له واقعاً ، وقد نسب ذلك إلى جماعة (١٠) في بعض فروع المضاربة.

وحيث عرفت أنّ (١١) قصد البيع للغير أو إضافته إليه في اللفظ‌

__________________

(١) في «ف» ، «ن» و «ع» : العقد.

(٢) في مصحّحة «ن» : بوقوع.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٠٥.

(٤) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٤٧.

(٥) جامع المقاصد ٨ : ٢٥١ و ٢٥٢.

(٦) لم نقف عليه في التنقيح.

(٧) المسالك ٥ : ٣٠٠ ، وانظر المسالك ٤ : ٣٧٩ أيضاً ، وحكاه عنهم المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٧.

(٨) انظر القواعد ١ : ٢٤٧.

(٩) انظر المبسوط ٢ : ٣٨٦ وغيره من المواضع.

(١٠) لم نقف على الناسب ، انظر الشرائع ٢ : ١٤٢ ، والقواعد ١ : ٢٤٧ ، والرياض ١ : ٦٠٧ ، والجواهر ٢٦ : ٣٨٤.

(١١) في غير «ش» زيادة : «لازم» ، إلاّ أنّه شطب عليها في «ن» ، «خ» و «م».


يوجب صرف الكليّ إلى ذمّة ذلك الغير ، كما أنّ إضافة الكلّي إليه يوجب صرف البيع أو الشراء إليه وإن لم يقصده أو لم يضفه إليه ، ظهر من ذلك التنافي بين إضافة البيع إلى غيره وإضافة الكلّي إلى نفسه أو قصده من غير إضافة ، وكذا بين إضافة البيع إلى نفسه وإضافة الكلّي إلى غيره.

لو جمع بين نفسه وذمّة الغير

فلو جمع بين المتنافيين ، بأن قال : «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان» ففي الأوّل يحتمل البطلان ؛ لأنّه في حكم شراء شي‌ء للغير بعين ماله ، ويحتمل إلغاء أحد القيدين وتصحيح المعاملة لنفسه أو للغير (١) ، وفي الثاني يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير ، فيقع للغير بعد إجازته ، لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملّك في ذمّة الغير اعتقاداً ، ويحتمل الصحّة بإلغاء قيد «ذمّة الغير» ؛ لأنّ تقييد الشراء أوّلاً بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من إضافة الذمّة إلى الغير ، والمسألة تحتاج إلى تأمّل.

ما أفاده العلّامة فيما لو اشترى فضولياً في الذمّة لغيره ، وردّ ذلك الغير

ثمّ إنّه قال في التذكرة : لو اشترى فضولياً ، فإن كان بعين مال الغير ، فالخلاف في البطلان والوقف على الإجازة ، إلاّ أنّ أبا حنيفة قال : يقع (٢) للمشتري بكلّ (٣) حال (٤). وإن كان في الذمّة لغيره وأطلق‌

__________________

(١) في «ص» : لغيره.

(٢) لم ترد «يقع» في غير «ش» ، إلاّ أنّها استدركت في «ن» ، «م» و «ص».

(٣) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» و «م» ، وفي سائر النسخ : لكلّ.

(٤) راجع المغني ؛ لابن قدامة ٤ : ٢٢٧.


اللفظ ، قال علماؤنا : يقف على الإجازة ، فإن أجاز صحّ ولزمه أداء الثمن ، وإن ردّ نفذ عن المباشر ، وبه قال الشافعي في القديم (١) وأحمد (٢).

وإنّما يصحّ الشراء ؛ لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال غيره ، وإنّما وقف على الإجازة لأنّه عقد الشراء له ، فإن أجازه لزمه ، وإن ردّه لزم من اشتراه ، ولا فرق بين أن ينقد (٣) من مال الغير أو لا.

وقال أبو حنيفة : يقع عن المباشر ، وهو جديد للشافعي (٤) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده العلّامة

مقتضى القواعد في هذه الصورة

وظاهره الاتّفاق على وقوع الشراء مع الردّ للمشتري واقعاً ، كما يشعر به تعليله بقوله : «لأنّه تصرّف في ذمّته لا في مال الغير» ، لكن أشرنا سابقاً (٥) إجمالاً إلى أنّ تطبيق هذا على القواعد مشكل ؛ لأنّه إن جعل المال في ذمّته بالأصالة ، فيكون ما في ذمّته كعين (٦) ماله ، فيكون كما لو باع عين ماله لغيره. والأوفق بالقواعد في مثل هذا : إمّا البطلان لو عمل بالنيّة ؛ بناءً على أنّه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال‌

__________________

(١) انظر فتح العزيز (المطبوع ضمن المجموع) ٨ : ١٢٢ ، والمجموع ٩ : ٢٦٠.

(٢) انظر المجموع ٩ : ٢٦٠ ، وفتح العزيز ٨ : ١٢٢ و ١٢٣ ، وحلية العلماء ٤ : ٧٧.

(٣) في «خ» ، «ع» و «ص» : «ينفذ» ، لكن صحّح في «ع» بما في المتن.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٥) انظر الصفحة ٣٨١.

(٦) كذا في «ش» و «ص» ، وفي غيرهما : «كغير» ، إلاّ أنّها صحّحت في أكثر النسخ بما في المتن.


الغير في ملك غيره قهراً ، وإمّا صحّته ووقوعه لنفسه لو ألغى النيّة ؛ بناءً على انصراف المعاملة إلى مالك العين قهراً (١) وإن نوى خلافه.

وإن جعل المال في ذمّته ، لا من حيث الأصالة ، بل من حيث جعل نفسه نائباً عن الغير فضولاً ، ففيه مع (٢) الإشكال في صحّة هذا لو لم يرجع إلى الشراء في ذمّة الغير ـ : أنّ اللازم من هذا أنّ الغير إذا ردّ هذه المعاملة وهذه النيابة تقع فاسدة من أصلها ، لا أنّها تقع للمباشر. نعم ، إذا عجز المباشر من إثبات ذلك على البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة ، كما ذكرنا سابقاً (٣) ونصّ عليه جماعة في باب التوكيل (٤) وكيف كان ، فوقوع المعاملة في الواقع مردّدةً بين المباشر والمنويّ ، دون التزامه خرط القتاد! ويمكن تنزيل العبارة (٥) على الوقوع للمباشر ظاهراً ، لكنّه بعيد.

جريان الفضولي في المعاطاة ، بناءً على الملك

الثاني : الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين البيع العقدي والمعاطاة ؛ بناءً على إفادتها للملك ؛ إذ لا فارق بينها وبين العقد ؛ فإنّ التقابض بين الفضوليّين أو فضوليّ وأصيل إذا وقع بنيّة التمليك والتملّك فأجازه المالك ، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الإجازة ، فعموم مثل قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٦) شامل له.

__________________

(١) لم ترد «قهراً» في «ف».

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ بدل : «ففيه مع» : فمع.

(٣) تقدّما في الصفحة ٣٩١.

(٤) تقدّما في الصفحة ٣٩١.

(٥) يعني ما نقله العلاّمة عن علمائنا في الصفحة السابقة ، بقوله : «وإن ردّ نفذ عن المباشر».

(٦) البقرة : ٢٧٥.


ويؤيده : رواية عروة البارقي (١) ؛ حيث إنّ الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة.

دفع الاشكال عن جريان الفضولي في المعاطاة ، بناءً على الملك

وتوهّم الإشكال فيه : من حيث إنّ الإقباض الذي يحصل به التمليك محرّم ؛ لكونه تصرّفاً في مال الغير فلا يترتّب عليه أثر ، في غير محلّه ؛ إذ قد لا يحتاج إلى إقباض مال الغير ، كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمّة.

مع أنّه قد يقع الإقباض مقروناً برضا المالك ؛ بناءً على ظاهر كلامهم من أنّ العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي.

مع أنّ النهي لا يدلّ على الفساد ، مع أنّه لو دلّ لدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود وهو استقلال الإقباض في السببية ، فلا ينافي كونه جزءَ سبب.

الاستدلال على عدم الجريان

وربما يستدلّ على ذلك (٢) بأنّ المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك ، وهما من وظائف المالك ، ولا يتصوّر صدورهما من غيره ولذا ذكر الشهيد الثاني : أنّ المكره والفضولي قاصدان للّفظ دون المدلول ، وذكر : أنّ قصد المدلول لا يتحقّق من غير المالك (٣) ومشروطة أيضاً بالقبض والإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارناً للأمرين ، ولا أثر له إلاّ إذا صدر من المالك أو بإذنه.

المناقشة في الاستدلال

وفيه : أنّ اعتبار الإقباض والقبض في المعاطاة عند مَن اعتبره‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٣٥١.

(٢) استدلّ على ذلك المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٨.

(٣) ذكره في المسالك ٣ : ١٥٦.


فيها إنّما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة ، فهو عندهم من الأسباب الفعلية كما صرّح الشهيد في قواعده (١) والمعاطاة عندهم عقد فعلي ، ولذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها : أنّ البيع ينعقد بالإيجاب والقبول وبالتعاطي (٢) ، وحينئذٍ فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه : المعنى القائم بنفسه ، المقصود من قوله : «ملّكتك».

واعتبار مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي مع اتّحاد أدلّة اعتبار الرضا وطيب النفس في حلّ مال الغير لا يخلو عن تحكّم.

وما ذكره من (٣) الشهيد الثاني لا يجدي فيما نحن فيه ؛ لأنّا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد الموجود في قوله ؛ لعدم الدليل ، ولو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضاً ، إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى الدليل ذلك ، خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول ، لكنّك قد عرفت أنّ عقد (٤) الفضولي ليس على خلاف القاعدة (٥). نعم ، لو قلنا : إنّ المعاطاة لا يعتبر فيها قبض ولو اتّفق معها ، بل السبب المستقلّ هو تراضي المالكين بملكيّة (٦) كلٍّ منهما لمال صاحبه مطلقاً‌

__________________

(١) انظر القواعد والفوائد ١ : ٥٠ ، القاعدة ١٧ ، و ١٧٨ ، القاعدة ٤٧.

(٢) راجع الفتاوى الهندية ٣ : ٢.

(٣) لم ترد «من» في «ش» ، وشطب عليها في «ص».

(٤) في «ش» : العقد.

(٥) تقدّم تحقيق ذلك في أوائل المسألة في الصفحة ٣٤٩ وما بعدها.

(٦) في نسخة بدل «ن» : بمالكية.


أو مع وصولهما (١) أو وصول أحدهما ، لم يعقل وقوعها من الفضولي.

نعم ، الواقع منه إيصال المال ، والمفروض أنّه لا مدخل له في المعاملة ، فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحقّقت المعاطاة من حين الرضا ولم يكن إجازة لمعاطاة سابقة ، لكنّ الإنصاف أنّ هذا المعنى غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة وإنّما قصدهم إلى العقد الفعلي.

الاشكال على جريان الفضولي في المعاطاة ، بناءً على الإباحة

هذا كلّه على القول بالملك ، وأمّا على القول بالإباحة ، فيمكن القول ببطلان الفضولي ؛ لأنّ إفادة المعاملة المقصود بها الملك للإباحة خلاف القاعدة ، فيقتصر فيها على صورة تعاطي المالكين ، مع أنّ حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن ، والآثار الأُخر مثل بيع المال على القول بجواز مثل هذا التصرّف إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية ، لم تؤثّر أثراً ، فإذا أجاز حدث الإباحة من حين الإجازة ، اللهم إلاّ أن يقال بكفاية وقوعها مع الإباحة الواقعية إذا كشف (٢) عنها الإجازة ، فافهم.

__________________

(١) في غير «ش» وصولها ، إلاّ أنّه صحّح في «ن» ، «ع» و «ص» بما في المتن.

(٢) في غير «ش» : انكشف ، ولكن صحّح في «ن».



القول في الإجازة والردّ‌

أمّا الكلام في الإجازة : فيقع تارةً في حكمها وشروطها ، وأُخرى في المجيز ، وثالثة في المجاز.

هل الإجازة كاشفة أم ناقلة

أمّا حكمها ، فقد اختلف القائلون بصحّة الفضولي بعد اتّفاقهم على توقّفها على الإجازة في كونها كاشفة بمعنى أنّه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتّى كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد ، أو ناقلة بمعنى ترتّب آثار العقد من حينها حتّى كأنّ العقد وقع حال الإجازة ، على قولين :

الأكثر على الكشف

الاستدلال عليه بوجهين الوجه الأوّل

فالأكثر على الأوّل ، واستدلّ عليه كما عن جامع المقاصد (١) والروضة (٢) بأنّ العقد سبب تامّ في الملك ؛ لعموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ، وتمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة ، فإذا أجاز تبيّن كونه تامّاً يوجب (٤) ترتّب الملك عليه ، وإلاّ لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٤ ٧٥.

(٢) الروضة البهية ٣ : ٢٢٩ ، وحكاه عنهما السيّد المجاهد في المناهل : ٢٩٠.

(٣) المائدة : ١.

(٤) في «ش» : فوجب.


خاصّة ، بل به مع شي‌ء آخر.

الوجه الثاني

وبأنّ الإجازة متعلّقة بالعقد ، فهي (١) رضا بمضمونه ، وليس إلاّ نقل العوضين من حينه (٢).

ما استدلّ به فخرالدين للأكثر

وعن فخر الدين في الإيضاح : الاحتجاج لهم بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود ؛ لأنّ العقد حالها عدم (٣) ، انتهى.

المناقشة في الوجه الأوّل

ويرد على الوجه الأوّل : أنّه إن أُريد بكون العقد سبباً تاماً كونه (٤) علّة تامّة للنقل إذا صدر عن رضا المالك ، فهو مسلّم ، إلاّ أنّ بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب ، ولا يتبيّن كونه تامّاً ؛ إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا ، غاية الأمر : أنّ لازم صحّة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن ، فيكون لها (٥) مدخل في تماميّة السبب كالرضا المقارن ، فلا معنى لحصول الأثر قبلها (٦).

تقرير آخر للوجه الأوّل ، والمناقشة فيه

ومنه يظهر فساد تقرير الدليل (٧) بأنّ العقد الواقع جامع (٨) لجميع‌

__________________

(١) في غير «ش» : فهو.

(٢) استدلّ بهذا السيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٣ ، والمحقّق القمي في جامع الشتات ٢ : ٢٧٩ ، وغنائم الأيام : ٥٤٢.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٤) في غير «ش» : كونها.

(٥) في غير «ش» : له.

(٦) في غير «ش» : قبله.

(٧) قرّره الشهيد في الروضة البهية ٣ : ٢٢٩.

(٨) في غير «ش» و «ص» : «جامعة» ، إلاّ أنّها صحّحت في «ن» بما أثبتناه.


الشروط ، و (١) كلّها حاصلة إلاّ رضا المالك ، فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله.

فإنّه إذا اعترف أنّ رضا المالك من جملة الشروط ، فكيف يكون كاشفاً عن وجود المشروط قبله؟

دعوى امكان تقديم المسبّب على السبب الشرعي ، ودفعها

ودعوى : أنّ الشروط الشرعية ليست كالعقلية ، بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع ، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس وإعطاء الفطرة قبل وقته فضلاً عن تقدّم المشروط على الشرط كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة ، وكغسل العشاءَين لصوم اليوم الماضي على القول به (٢) ـ ، مدفوعة : بأنّه لا فرق فيما فرض شرطاً أو سبباً بين الشرعي وغيره ، وتكثير الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي ، فهي كدعوى أنّ التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما ؛ لأنّ النقيض الشرعي غير العقلي.

فجميع ما ورد ممّا يوهم ذلك (٣) لا بدّ فيه من التزام أنّ المتأخّر ليس سبباً أو شرطاً ، بل السبب والشرط : الأمر المنتزع من ذلك ، لكن ذلك لا يمكن في ما نحن فيه ، بأن يقال : إنّ الشرط تعقّب الإجازة ولحوقها بالعقد ، وهذا أمر مقارن للعقد على تقدير الإجازة ؛ لمخالفته الأدلّة (٤) ، اللهم إلاّ أن يكون مراده بالشرط ما يتوقّف تأثير السبب‌

__________________

(١) لم ترد «الواو» في «ف».

(٢) كما قوّاه النراقي في المستند ٣ : ٣٨.

(٣) في «ش» زيادة : أنّه.

(٤) في «ف» : للأدلّة.


المتقدّم في زمانه على لحوقه ، وهذا مع أنّه لا يستحقّ إطلاق الشرط عليه ، غير صادق على الرضا ؛ لأنّ المستفاد من العقل والنقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله ، وأنّه (١) لا يحلّ لغيره بدون طيب النفس (٢) ، وأنّه لا ينفع لحوقه في حلّ تصرّف الغير وانقطاع سلطنة المالك.

دعوى أنّ الشرط هو وصف تعقّب الإجازة ، ودفعها

وممّا ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام (٣) بل التزم به غير واحد من المعاصرين (٤) من أنّ معنى شرطية الإجازة مع كونها كاشفة : شرطية الوصف المنتزع منها ، وهو كونها لاحقة للعقد في المستقبل ، فالعلّة التامّة : العقد الملحوق بالإجازة ، وهذه صفة مقارنة للعقد وإن كان نفس الإجازة متأخّرة عنه.

وقد التزم بعضهم (٥) بما (٦) يتفرّع على هذا ، من أنّه إذا علم المشتري أنّ المالك للمبيع سيجيز العقد ، حلّ له التصرّف فيه بمجرّد العقد ، وفيه ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة.

__________________

(١) في «ش» : لأنّه.

(٢) وردت عبارة «اعتبار رضا إلى طيب النفس» في «ف» هكذا : اعتبار رضا المالك في زمان التصرّف وأنّه لا يحلّ بدون طيب النفس.

(٣) احتمله صاحب الجواهر على ما ذكره السيّد اليزدي في حاشيته على المكاسب : ١٤٨ ، وانظر الجواهر ٢٢ : ٢٨٦ ٢٨٧.

(٤) انظر الفصول الغروية : ٨٠ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٩٠ ، والمستند ٢ : ٣٦٧.

(٥) انظر الجواهر ٢٢ : ٢٨٨.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «ممّا» ، وقد صحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.


المناقشة في الوجه الثاني المناقشة الاُولى

ويرد على الوجه الثاني (١) :

أوّلاً : أنّ الإجازة وإن كانت رضاً بمضمون العقد ، إلاّ أنّ مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتّى يتعلّق الإجازة والرضا بذلك النقل المقيّد بكونه في ذلك الحال ، بل هو نفس النقل مجرّداً عن ملاحظة وقوعه في زمان ، وإنّما الزمان من ضروريات إنشائه ؛ فإنّ قول العاقد : «بعت» ليس «نقلت من هذا الحين» وإن كان النقل المنشأ به واقعاً في ذلك الحين ، فالزمان ظرف للنقل لا قيد له ، فكما أنّ إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان ، فكذلك إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة ، وكما أنّ الشارع إذا أمضى نفس العقد وقع النقل من زمانه ، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان (٢) الإجازة.

ولأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب ، مع أنّه ليس إلاّ رضاً بمضمون الإيجاب ، فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه وكان القبول رضا بذلك ، كان معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب ؛ لأنّ الموجب ينقل من حينه ، والقابل يتقبّل ذلك ويرضى به.

ودعوى : أنّ العقد سبب للملك فلا يتقدّم عليه ، مدفوعة : بأنّ سببيّته للملك ليست إلاّ بمعنى إمضاء الشارع لمقتضاه ، فإذا فرض‌

__________________

(١) أي الوجه الثاني من وجوه الاستدلال على كون الإجازة كاشفة ، وهو ما ذكره بقوله : «وبأنّ الإجازة متعلّقة بالعقد .. إلخ» ، راجع الصفحة ٤٠٠.

(٢) في «ف» زيادة : إمضاء.


مقتضاه مركّباً من نقل في زمانٍ ورضا بذلك النقل ، كان مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب.

ولأجل ما ذكرنا أيضاً لا يكون فسخ العقد إلاّ انحلاله من زمانه ، لا من زمان العقد ؛ فإنّ الفسخ نظير الإجازة والردّ لا يتعلّق إلاّ بمضمون العقد وهو النقل من حينه ، فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذاً في العقد على وجه القيديّة لكان ردّه وحلّه موجباً للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

والسرّ في جميع ذلك ما ذكرنا : من عدم كون زمان النقل إلاّ ظرفاً ، فجميع ما يتعلّق بالعقد من الإمضاء والردّ والفسخ ، إنّما يتعلّق بنفس المضمون ، دون المقيّد بذلك الزمان.

والحاصل : أنّه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك : «رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله» أو «رضيت بانتقال مالي إلى زيد» وغير ذلك من الألفاظ التي لا تعرّض فيها لإنشاء الفضولي فضلاً عن زمانه. كيف! وقد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها ، ونحو ذلك ، ومن المعلوم : أنّ الرضا يتعلّق بنفس نتيجة العقد ، من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي.

تقرير آخر للمناقشة الاُولى

وبتقرير آخر : أنّ الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي أو مقام نفس إنشائه ، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلاّ بعد الإجازة ، فهي إمّا شرط أو جزء سبب للملك.

وبعبارة أُخرى : المؤثّر هو العقد المرضيّ به ، والمقيّد من حيث إنّه مقيّد لا يوجد إلاّ بعد القيد ، ولا يكفي في التأثير وجود ذات المقيّد‌


المجرّدة (١) عن القيد.

المناقشة الثانية

وثانياً : أنّا (٢) لو سلّمنا عدم كون الإجازة شرطاً اصطلاحيّاً ليؤخذ فيه تقدّمه على المشروط ، ولا جزء سبب ، وإنّما هي من المالك محدثةٌ للتأثير في العقد السابق وجاعلةٌ له (٣) سبباً تامّاً حتّى كأنه وقع مؤثّراً ، فيتفرّع عليه أنّ مجرّد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكيّة من غير التفات إلى وقوع عقد سابق ليس (٤) بإجازة ؛ لأنّ معنى «إجازة العقد» : جعله جائزاً نافذاً ماضياً ، لكن نقول : لم يدلّ دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه ؛ لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجّه إلى العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد والنذر ومن المعلوم : أنّ المالك لا يصير عاقداً أو بمنزلته إلاّ بعد الإجازة فلا يجب الوفاء إلاّ بعدها ، ومن المعلوم : أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي ، فما لم يجب الوفاء فلا ملك.

وممّا ذكرنا يعلم : عدم صحّة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود ، بدعوى : أنّ الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام (٥)

__________________

(١) في «ف» : المجرّد.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : وأمّا ثانياً فلأنا.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي غيرها بدل «جاعلة له» : جاعله.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي غيرها : ليست.

(٥) كذا في «ف» و «ش» ، وفي غيرهما : «الإلزام» ، إلاّ أنّها صحّحت في أكثر النسخ بما أثبتناه.


بالنقل من حين العقد ، وقس على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) فإنّ الملك ملزوم لحلّية التصرّف (٢) ، وقبل (٣) الإجازة لا يحلّ التصرّف ، خصوصاً إذا علم عدم رضا المالك باطناً أو تردّده في الفسخ والإمضاء.

المناقشة الثالثة

وثالثاً : سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها اللغوي والعرفي أعني جعل العقد السابق جائزاً ماضياً بتقريب أن يقال : إنّ معنى الوفاء بالعقد : العمل بمقتضاه ومؤدّاه العرفي ، فإذا صار العقد بالإجازة (٤) كأنه (٥) وقع مؤثّراً ماضياً (٦) ، كان مقتضى العقد المُجاز عرفاً ترتّب الآثار من حينه ، فيجب شرعاً العمل به على هذا الوجه.

لكن نقول بعد الإغماض عن أنّ مجرّد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزاً نافذاً ، لا يوجب كون مقتضى العقد ومؤدّاه العرفي ترتّب الأثر من حين العقد ، كما أنّ كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب وإمضاءً (٧) له لا يوجب ذلك ، حتّى يكون مقتضى الوفاء بالعقد‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) في «ف» : لحلّية الإجازة.

(٣) في «ع» ، «ص» و «ش» : فقبل.

(٤) في «م» و «ع» زيادة : ماضياً ظ.

(٥) في غير «ف» و «ش» : «فكأنه» ، ولكن صحّح في «خ» و «ن» بما أثبتناه.

(٦) العبارة في مصحّحة «ص» هكذا : فإذا صار العقد بالإجازة مؤثّراً ماضياً ..

(٧) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «ص» ، وفي سائر النسخ : إمضائه.


ترتيب الآثار من حين الإيجاب ، فتأمّل ـ :

إنّ (١) هذا المعنى على حقيقته غير معقول ؛ لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له ؛ لاستحالة خروج الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإذا دلّ الدليل الشرعي على إمضاء الإجازة على هذا الوجه الغير المعقول ، فلا بدّ من صرفه بدلالة الاقتضاء إلى إرادة معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثّراً من حيث ترتّب الآثار الممكنة ، فإذا أجاز المالك حَكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري وإن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك ووقع النماء في ملكه.

والحاصل : أنّه يعامل بعد الإجازة معاملةَ العقد الواقع مؤثّراً من حينه بالنسبة إلى ما أمكن من الآثار ، وهذا نقل حقيقيّ في حكم الكشف من بعض الجهات ، وسيأتي الثمرة بينه وبين الكشف الحقيقي (٢).

ولم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف إلاّ الأُستاذ شريف العلماء قدس‌سره فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته ، وإلاّ فظاهر كلام القائلين بالكشف أنّ الانتقال في زمان العقد ؛ ولذا عنون العلاّمة رحمه‌الله في القواعد مسألة الكشف والنقل بقوله : «وفي زمان الانتقال إشكال» (٣). فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعاً في زمان الانتقال.

__________________

(١) في «ش» و «ص» بدل «أنّ» : إذ.

(٢) يأتي في الصفحة ٤١٠ وما بعدها.

(٣) القواعد ١ : ١٢٤.


معاني الكشف

وقد تحصّل ممّا ذكرنا : أنّ كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة ، قال بكلٍّ (١) منها قائل :

١ ـ الكشف الحقيقي ، والتزام كون الإجازة شرطاً متأخّراً

أحدها وهو المشهور ـ : الكشف الحقيقي والتزام كون الإجازة فيها شرطاً متأخّراً ؛ ولذا اعترضهم (٢) جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة (٣) بأنّ الشرط لا يتأخّر (٤).

٢ ـ الكشف الحقيقي ، والتزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة

والثاني : الكشف الحقيقي والتزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة ؛ فراراً عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط ، والتزم بعضهم بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد (٥).

٣ ـ الكشف الحكمي

الثالث : الكشف الحكمي ، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلاّ بعد الإجازة.

مقتضى القواعد والعمومات هو النقل ، ثمّ الكشف الحكمي

وقد تبيّن من تضاعيف كلماتنا : أنّ الأنسب بالقواعد والعمومات هو النقل ، ثمّ بعده الكشف الحكمي ، وأمّا الكشف الحقيقي مع كون نفس الإجازة من الشروط ، فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال ؛ ولذا استشكل فيه العلاّمة في القواعد (٦) ولم يرجّحه المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (٧) ،

__________________

(١) في غير «ص» و «ش» : لكلّ.

(٢) في «ص» كتب فوق الكلمة : اعترض عليهم ظ.

(٣) في «ف» : حاشية الروضة.

(٤) انظر حاشية الروضة : ٣٥٨.

(٥) تقدّم في الصفحة ٤٠٢.

(٦) القواعد ١ : ١٢٤.

(٧) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٩.


بل عن الإيضاح اختيار خلافه (١) ، تبعاً للمحكي عن كاشف الرموز (٢) وقوّاه في مجمع البرهان (٣) ، وتبعهم كاشف اللثام في النكاح (٤).

ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعنى الأعمّ

ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي

هذا بحسب القواعد والعمومات ، وأمّا الأخبار ، فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس (٥) : الكشف كما صرّح به في الدروس (٦) وكذا الأخبار التي بعدها (٧) ، لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعنى المشهور ، فتحتمل الكشف الحكمي. نعم ، صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولاً ، الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات ، للزوجة الغير المدركة حتّى تدرك وتحلف (٨) ظاهرة في قول الكشف ؛ إذ لو كان مال الميّت قبل إجازة الزوجة باقية (٩) على ملك سائر الورثة ، كان العزل‌

__________________

(١) الإيضاح ١ : ٤٢٠ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٩ ، وقال : وهو الظاهر من الفخر في الإيضاح.

(٢) انظر كشف الرموز ١ : ٤٤٥ ٤٤٦.

(٣) مجمع الفائدة ٨ : ١٥٩.

(٤) لم نعثر على التصريح بذلك فيه ، لكن قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٨٩) : وإليه مال صاحب كشف اللثام في باب النكاح ، (انظر كشف اللثام ٢ : ٢٢).

(٥) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٦) الدروس ٣ : ٢٣٣.

(٧) وهي روايات تقدّمت في الصفحات ٣٥٨ ٣٦٣. هذا ، وفي «ش» شطب على عبارة : «التي بعدها».

(٨) الوسائل ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث الأوّل.

(٩) كذا في النسخ ، والمناسب : باقياً.


مخالفاً لقاعدة «تسلّط الناس على أموالهم» ، فإطلاق الحكم بالعزل منضمّاً إلى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» (١) يفيد أنّ العزل لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثةً في الواقع ، فكأنه احتياط في الأموال قد غلّبه الشارع على أصالة عدم الإجازة ، كعزل نصيب الحمل وجعله أكثر ما يُحتمل.

الثمرة بين الكشف باحتمالاته والنقل الثمرة بين فردي الكشف الحقيقي

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته والنقل.

فنقول : أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي ، بين كون نفس الإجازة شرطاً ، وكون الشرط تعقّب العقد بها ولحوقها له ، فقد يظهر في جواز تصرّف كلٍّ منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد.

الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي

وأمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي مع كون نفس الإجازة شرطاً ، يظهر (٢) في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز ، فإنّ الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهراً ؛ لأصالة عدم الإجازة ، حلال واقعاً ؛ لكشف الإجازة عن وقوعه في ملكه.

ولو أولدها صارت أُمّ ولد على الكشف الحقيقي والحكمي ؛ لأنّ مقتضى جعل العقد الواقع ماضياً : ترتّب حكم وقوع الوطء في الملك ، ويحتمل عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي ؛ لعدم تحقّق حدوث الولد في الملك وإن حكم بملكيّته للمشتري بعد ذلك.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٢٠٨ ، الحديث ٤٩.

(٢) في «ص» : فإنّه يظهر.


ولو نقل المالك [أُمّ (١)] الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز ، بطل النقل على الكشف الحقيقي ؛ لانكشاف وقوعه في ملك الغير مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ وبقي صحيحاً على الكشف الحكمي ، وعلى المجيز قيمتها (٢) ؛ لأنّه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضياً من حين وقوعه ومقتضى صحّة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل ، كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم.

وضابط الكشف الحكمي : الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد ، فإن ترتّب شي‌ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته كإتلاف النماء ونقله ولم يناف الإجازة ، جمع بينه وبين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل ، وإن نافى الإجازة كإتلاف العين عقلاً أو شرعاً كالعتق فات محلّها ، مع احتمال الرجوع إلى البدل ، وسيجي‌ء.

الثمرات المذكورة بين الكشف والنقل

ثمّ ، إنّهم ذكروا للثمرة بين الكشف والنقل مواضع :

الثمرة الاُولى من حيث النماء

منها : النماء ، فإنّه على الكشف بقولٍ مطلق لمن انتقل إليه العين ، وعلى النقل لمن انتقلت عنه ، وللشهيد الثاني في الروضة عبارةٌ (٣) ، توجيه‌

__________________

(١) لم يرد في «ف» ، والظاهر عدم وروده في النسخة الأصلية ، حيث كتب فوقه في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» العلامة : «ظ».

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : قيمته.

(٣) والعبارة هي : «وتظهر الفائدة في النماء ، فإن جعلناها كاشفة ، فالنماء المنفصل المتخلّل بين العقد والإجازة الحاصل من المبيع للمشتري ، ونماء الثمن المعيّن للبائع ، ولو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز» الروضة البهية ٣ : ٢٢٩ ٢٣٠.


المراد منها كما فعله بعض (١) أولى من توجيه حكم ظاهرها ، كما تكلّفه آخر (٢).

الثمرة الثانية من حيث فسخ الأصيل

ومنها : أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل ، دون الكشف ، بمعنى أنّه لو جعلناها ناقلة كان فسخ الأصيل كفسخ الموجب قبل قبول القابل (٣) في كونه ملغياً لإنشائه السابق ، بخلاف ما لو جعلت كاشفة ؛ فإنّ العقد تامّ من طرف الأصيل ، غاية الأمر تسلّط الآخر على فسخه ، وهذا مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه ، بل قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة والوقف والصدقة فلا يرد ما اعترضه بعض : من منع جواز الإبطال على القول بالنقل ؛ معلّلاً بأنّ ترتّب الأثر على جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه (٤).

وفيه : أنّ الكلام في أنّ عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب‌

__________________

(١) كما وجّهه جمال الدين في حاشية الروضة : ٣٥٨ بكون العقد فضولياً من الطرفين.

(٢) المراد منه ظاهراً صاحب مفتاح الكرامة وبعض من تبعه كما في غاية الآمال : ٣٨٠ وراجع مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٠ ، وغنائم الأيام : ٥٤٢ ٥٤٣ ، وجامع الشتات ٢ : ٢٨١.

(٣) في «م» ، «ع» و «ش» : القائل.

(٤) أورد الاعتراض المحقّق القمي في غنائم الأيام : ٥٤٣ ، وجامع الشتات ٢ : ٢٨٢.


شرط ، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غير مجدٍ في وجود المسبّب ؛ فالأولى في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ بإطلاقات صحّة العقود ولزومها ، ولا يخلو عن إشكال.

الثمرة الثالثة من حيث تصرّف الأصيل

ومنها : جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه بناءً على النقل ، وإن قلنا بأنّ فسخه غير مبطل لإنشائه ، فلو باع جارية من فضوليٍّ جاز له وطؤها ، وإن استولدها صارت أُمّ ولد ؛ لأنّها ملكه ، وكذا لو زوّجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير ، فلو حصل الإجازة في المثالين لغت ؛ لعدم بقاء المحلّ قابلاً.

والحاصل : أنّ الفسخ القولي وإن قلنا : إنّه غير مبطل لإنشاء الأصيل ، إلاّ أنّ له فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه يفوّت محلّ الإجازة ، فينفسخ العقد بنفسه بذلك.

الإشكال على تصرّف الأصيل بناءً على النقل ، ودفعه

وربما احتُمل عدم جواز التصرّف على هذا القول أيضاً ؛ ولعلّه لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل وإن لم يجب في الطرف الآخر ، وهو الذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب ؛ حيث قال : لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرّف في العين لإمكان الإجازة ، سيّما على القول بالكشف (١) ، انتهى.

وفيه : أنّ الإجازة على القول بالنقل له مدخل في العقد شرطاً أو شطراً ، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من (٢)

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٣٣١.

(٢) لم ترد «من» في «ش».


المتعاقدين ؛ لأنّ المأمور بالوفاء به (١) هو العقد المقيّد الذي لا يوجد إلاّ بعد القيد.

حكم تصرّف الأصيل بناءً على الكشف

هذا (٢) كلّه على النقل ، وأمّا على القول بالكشف ، فلا يجوز التصرّف فيه ، على ما يستفاد من كلمات جماعة ، كالعلاّمة والسيّد العميدي (٣) والمحقّق الثاني (٤) وظاهر غيرهم.

وربما اعترض عليه بعدم المانع له (٥) من التصرّف ؛ لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع ، لا يقدح في السلطنة الثابتة له ؛ ولذا صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرّف مطلقاً. نعم ، إذا حصلت (٦) الإجازة كشفت عن بطلان كلّ تصرّف منافٍ لانتقال المال إلى المجيز ، فيأخذ المال مع بقائه وبدله مع تلفه. قال : نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرّف (٧) ، انتهى.

أقول : مقتضى عموم وجوب الوفاء : وجوبه على الأصيل ولزوم العقد وحرمة نقضه من جانبه ، ووجوب الوفاء عليه ليس مراعى بإجازة المالك ، بل مقتضى العموم وجوبه حتّى مع العلم بعدم إجازة‌

__________________

(١) لم ترد «به» في «ش».

(٢) في غير «ف» : وهذا.

(٣) انظر كنز الفوائد ١ : ٣٨٥.

(٤) راجع الصفحة السابقة.

(٥) لم ترد «له» في «ف».

(٦) في غير «ف» : حصل.

(٧) لم نعثر عليه.


المالك ، ومن هنا يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة.

جواز تصرّف الأصيل بناءً على الكشف وكون الشرط التعقّب بالإجازة

لكن ما ذكره البعض (١) المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف : من كون العقد مشروطاً بتعقّبه بالإجازة ؛ لعدم إحراز الشرط مع الشكّ ، فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين : وأمّا على المشهور في معنى الكشف : من كون نفس الإجازة المتأخّرة شرطاً لكون العقد السابق بنفسه مؤثّراً تامّاً ، فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد ، وقد تحقّق ، فيجب على الأصيل الالتزام به وعدم نقضه إلى أن ينقض ؛ فإنّ ردّ المالك فسخٌ للعقد (٢) من طرف الأصيل ، كما أنّ إجازته إمضاء له من طرف الفضولي.

عدم جواز تصرّف الأصيل بناءً على الكشف وكون الشرط نفس الإجازة

والحاصل : أنّه إذا تحقّق العقد ، فمقتضى العموم على القول بالكشف ، المبنيّ على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي‌ءٍ شرطاً أو شطراً ـ : حرمة نقضه على الأصيل مطلقاً ، فكلّ تصرّف يعدّ نقضاً لعقد المبادلة بمعنى عدم اجتماعه مع صحّة العقد فهو غير جائز.

ومن هنا تبيّن فساد توهّم : أنّ العمل بمقتضى العقد كما يوجب حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه ، كذلك يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه ؛ لأنّ مقتضى العقد مبادلة المالين ، فحرمة التصرّف في ماله مع حرمة التصرّف في عوضه ينافي (٣) مقتضى العقد ، أعني المبادلة.

__________________

(١) في «ف» : بعض.

(٢) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : العقد.

(٣) في «ص» : تنافي.


توضيح الفساد : أنّ الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم على نفسه من المبادلة : حرمة نقضه والتخطّي عنه ، وهذا لا يدلّ إلاّ على حرمة التصرّف في ماله ؛ حيث التزم بخروجه عن ملكه ولو بالبدل ، وأمّا دخول البدل في ملكه فليس ممّا التزمه على نفسه ، بل ممّا جعله لنفسه ، ومقتضى الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عمّا التزم على نفسه ، وأمّا قيد «كونه بإزاء مالٍ» فهو خارج عن الالتزام على نفسه وإن كان داخلاً في مفهوم المبادلة ، فلو لم يتصرّف في مال صاحبه لم يكن ذلك نقضاً للمبادلة ، فالمرجع في هذا التصرّف فعلاً وتركاً (١) إلى ما يقتضيه الأصل ، وهي أصالة عدم الانتقال.

ودعوى : أنّ الالتزام المذكور إنّما هو على تقدير الإجازة ودخول البدل في ملكه ، فالالتزام معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه ، فهو كالنذر المعلّق على شرط ؛ حيث حكم جماعة (٢) بجواز التصرّف في المال المنذور قبل تحقّق الشرط إذا لم يعلم بتحقّقه ، فكما أنّ التصرّف حينئذٍ لا يعدّ حنثاً ، فكذا التصرّف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقّق الإجازة لا يعدّ نقضاً لما التزمه ؛ إذ لم يلتزمه في الحقيقة إلاّ معلّقاً.

مدفوعة بعد تسليم جواز التصرّف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال ـ : بأنّ (٣) الفرق بينهما أنّ الالتزام هنا غير معلّق على الإجازة ،

__________________

(١) في «ن» ، «خ» و «م» : أو تركاً.

(٢) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ١٠٨ ، والشهيد الأوّل في الدروس ٢ : ٢٠٥ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ٦ : ٢٩٤ ٢٩٦ والمسالك ١٠ : ٣٠٦ ، والتستري في مقابس الأنوار : ١٩٢ ١٩٣.

(٣) في غير «ص» : أنّ.


وإنّما التزم بالمبادلة متوقّعاً للإجازة ، فيجب عليه الوفاء به ، ويحرم عليه نقضه إلى أن يحصل ما يتوقّعه من الإجازة ، أو ينتقض التزامه بردّ المالك.

ولأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعدّ من التصرّفات منافياً لما التزمه الأصيل على نفسه ، دون غيرها قال في القواعد في باب النكاح : ولو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة ، فإن كان زوجاً حرمت عليه الخامسة والأُخت والأُمّ والبنت ، إلاّ إذا فسخت ، على إشكال في الأُمّ ، وفي الطلاق نظر ؛ لترتّبه على عقد لازم ، فلا يبيح (١) المصاهرة ، وإن كانت زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره إلاّ إذا فسخ ، والطلاق هنا (٢) معتبر (٣) ، انتهى.

وعن كشف اللثام نفي الإشكال (٤) ، وقد صرّح أيضاً جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل ، وفرّعوا عليه تحريم المصاهرة (٥).

حكم التصرّفات غير المنافية لما التزمه الأصيل

وأمّا مثل النظر إلى المزوّجة فضولاً وإلى أُمّها مثلاً وغيره ممّا لا يعدّ تركه نقضاً لما التزم العاقد على نفسه ، فهو باقٍ تحت الأُصول ؛

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فلا يقع.

(٢) لم ترد «هنا» في غير «ف» و «ش» ، وزيدت في «ن» تصحيحاً.

(٣) القواعد ٢ : ٧.

(٤) كشف اللثام ٢ : ٢٣.

(٥) كما فرّع عليه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٥٩ ، والبحراني في الحدائق ٢٣ : ٢٨٨ ٢٨٩.


لأنّ ذلك من لوازم علاقة الزوجية الغير الثابتة ، بل المنفيّة بالأصل ، فحرمة نقض العاقد لما عقد على نفسه لا يتوقّف على ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين.

ثمرات ذكرها كاشف الغطاء ، وما يرد عليها

ثمّ إنّ بعض متأخّري المتأخّرين ذكر ثمرات أُخر لا بأس بذكرها للتنبّه بها‌ (١) وبما يمكن أن يقال عليها :

منها : ما لو انسلخت قابليّة الملك عن أحد المتبايعين بموته قبل إجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطريّ أو غيره مع كون المبيع عبداً مسلماً أو مُصحَفاً ، فيصحّ حينئذٍ على الكشف دون النقل.

وكذا لو انسلخت قابليّة المنقول بتلفٍ أو عروض نجاسة له مع ميعانه .. إلى غير ذلك.

وفي مقابله ما لو تجدّدت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد ، كما لو تجدّدت الثمرة وبدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة ، وفيما قارن العقد فقد الشروط (٢) ثمّ حصلت (٣) وبالعكس (٤).

وربما يعترض (٥) على الأوّل : بإمكان دعوى ظهور الأدلّة في‌

__________________

(١) لم ترد «للتنبّه بها» في «ف».

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : الشرط.

(٣) في مصحّحتي «ن» و «ص» : حصل.

(٤) إلى هنا ينتهي ما ذكره بعض متأخّري المتأخرين وهو كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٦٢ مع تغيير في العبارة.

(٥) اعترض عليه صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٩١.


اعتبار استمرار القابلية إلى حين الإجازة على الكشف ، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّاً إلى حين الإجازة.

وفيه : أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة ، ولا استمرار التملّك المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها ، كما لو وقعت بيوع متعدّدة على ماله (١) ، فإنّهم صرّحوا بأنّ إجازة الأوّل توجب صحّة الجميع (٢) ، مع عدم بقاء مالكية الأوّل مستمرّاً ، وكما يشعر بعض أخبار المسألة المتقدّمة ؛ حيث إنّ ظاهر بعضها وصريح الآخر (٣) عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة ، مضافاً إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين (٤) الذي يصلح ردّاً (٥) لما ذكر في الثمرة الثانية أعني : خروج المنقول عن قابلية تعلّق إنشاء عقد أو إجازة به ؛ لتلف وشبهه فإنّ موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد ، مضافاً إلى إطلاق رواية عروة (٦) ، حيث لم يستفصل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن موت الشاة أو ذبحه وإتلافه (٧).

__________________

(١) في «ص» : مال.

(٢) راجع المسالك ٣ : ١٥٨ ، وغنائم الأيام : ٥٤٣ ، وجامع الشتات ٢ : ٢٨٢ ٢٨٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٩١ ، والجواهر ٢٢ : ٢٩٢.

(٣) مثل رواية ابن أشيم ، المتقدّمة في الصفحة ٣٦١.

(٤) المتقدّم في الصفحة ٤٠٩.

(٥) كلمة «ردّاً» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٦) المتقدّمة في الصفحة ٣٥١.

(٧) كذا في النسخ ، والمناسب : ذبحها وإتلافها.


نعم ، ما ذكره أخيراً من تجدّد القابليّة بعد العقد حال الإجازة لا يصلح ثمرة للمسألة ؛ لبطلان العقد ظاهراً على القولين ، وكذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

وبالجملة ، فباب المناقشة وإن كان واسعاً ، إلاّ أنّ الأرجح في النظر ما ذكرناه.

وربما يقال (١) بظهور الثمرة في تعلّق الخيارات وحقّ الشفعة واحتساب مبدأ الخيارات ومعرفة مجلس الصرف والسلم والايمان والنذور المتعلّقة بمال البائع أو المشتري ، وتظهر الثمرة أيضاً في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن ، وسيأتي إن شاء الله.

__________________

(١) قاله كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) ، الورقة ٦٢.


التنبيه على اُمور

وينبغي التنبيه على أُمور :

الأوّل

عدم كون الخلاف في مفهوم الإجازة ، بل في حكمها الشرعي

أنّ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي‌ ومعنى الإجازة وضعاً أو انصرافاً ، بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك وأدلّة وجوب الوفاء بالعقود وغيرهما من الأدلّة الخارجية ، فلو قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف ، أو (١) الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل ، ففي صحّتها وجهان.

الثاني

هل يشترط التلفّظ في الإجازة؟

أنّه يشترط في الإجازة أن يكون باللفظ الدالّ عليه (٢) على وجه الصراحة العرفية ، كقوله : «أمضيت» و «أجزت» و «أنفذت» و «رضيت» ، وشبه ذلك.

وظاهر رواية البارقي (٣) وقوعها بالكناية ، وليس ببعيد إذا اتّكل‌

__________________

(١) في «م» بدل «أو» : و.

(٢) كذا في النسخ ، والمناسب : «أن تكون باللفظ الدالّ عليها» كما في مصحّحة «ص».

(٣) تقدّمت في الصفحة ٣٥١.


عليه (١) عرفاً.

كفاية الفعل الكاشف عن الرضا في الإجازة

والظاهر أنّ الفعل الكاشف عرفاً عن الرضا بالعقد كافٍ ، كالتصرّف في الثمن ، ومنه إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي‌ء (٢) وكتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوّجت فضولاً ، كما صرّح به العلاّمة قدس‌سره (٣).

وربما يحكى عن بعضٍ اعتبار اللفظ (٤) ، بل نسب إلى صريح جماعة وظاهر آخرين (٥) ، وفي النسبة نظر.

واستدلّ عليه بعضهم (٦) : من أنّه (٧) كالبيع في استقرار الملك ، وهو يشبه المصادرة.

ويمكن أن يوجّه : بأنّ الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة كالبيع وشبهه يقتضي اعتبار اللفظ ، ومن المعلوم أنّ النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الإجازة.

وفيه نظر ، بل لولا شبهة الإجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين (٨) تعيّن القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أيّ‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليها» ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٢) يجي‌ء في الصفحة ٤٦٩ في الأمر الثالث «الكلام في المجاز».

(٣) انظر القواعد ٢ : ٨.

(٤) اعتبره الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢٧.

(٥) نسبه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٨.

(٦) استدلّ عليه الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢٧.

(٧) في مصحّحة «ص» : بأنّها.

(٨) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٨ ، والجواهر ٢٢ : ٢٩٣ ٢٩٤.


طريق ، كما يستظهر من كثير من الفتاوى (١) والنصوص (٢).

فقد علّل جماعة (٣) عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعمّ من الرضا فلا يدلّ عليه ، فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا.

وحكي عن آخرين (٤) أنّه إذا أنكر الموكّل الإذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت ؛ لأنّ الحلف يدلّ على كراهتها.

وذكر بعض : أنّه يكفي في إجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولاً سكوتها (٥).

ومن المعلوم : أن ليس المراد من ذلك أنّه لا يحتاج إلى إجازتها ، بل المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا وإن لم يفد القطع ؛ دفعاً‌

__________________

(١) منها ما ذكره المقدّس الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٦٠ ، والسيّد المجاهد في المناهل : ٢٨٩ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٩٤.

(٢) كالنصوص الآتية في إجازة البكر وإجازة المولى وغيرهما.

(٣) منهم العلاّمة في نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٥ ٤٧٦ ، والشهيد الثاني في الروضة ٣ : ٢٣٤ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٩٣.

(٤) حكاه السيّد المجاهد في المناهل : ٤٦٦ عن الغنية والمختصر النافع والشرائع والإرشاد والقواعد وغيرها ، وانظر الغنية : ٢٦٩ ، والمختصر النافع : ١٥٥ ، والشرائع ٢ : ٢٠٥ ، والإرشاد ١ : ٤١٩ ، والقواعد ١ : ٢٥٩ ٢٦٠ ، والرياض ٢ : ١٢ ، والجواهر ٢٧ : ٤٠٣.

(٥) هذا هو المشهور بين الأصحاب كما صرّح به الشهيد الثاني في المسالك ٧ : ١٦٤ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ٢٣ : ٢٦٣ ، والأشهر الأظهر ، كما قال في الرياض ٢ : ٨٢ ، ونسب الخلاف فيها إلى الحليّ فقط.


للحرج عليها وعلينا.

كفاية الرضا الباطني ، والاستدلال عليه

ثمّ إنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل الثمن وتمكين الزوجة اكتفى به من جهة الرضا المدلول عليه به ، لا من جهة سببيّة الفعل تعبّداً.

وقد صرّح غير واحد (١) بأنّه لو رضي المكره بما فعله صحّ ، ولم يعبّروا بالإجازة.

وقد ورد فيمن زوّجت نفسها في حال السكر : أنّها إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضاً منها (٢).

وعرفت (٣) أيضاً استدلالهم على كون الإجازة كاشفة بأنّ العقد مستجمع للشرائط عدا رضا المالك ، فإذا حصل عمل السبب التامّ عمله.

وبالجملة ، فدعوى الإجماع في المسألة دونها خرط القتاد! وحينئذٍ فالعمومات المتمسّك بها لصحّة الفضولي (٤) السالمة عن ورود مخصّص عليها ، عدا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله وانتقاله إلى الغير ورفع سلطنته عنه (٥) أقوى حجّة في المقام.

مضافاً إلى ما ورد في عدّة أخبار من أنّ سكوت المولى بعد‌

__________________

(١) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ١٤ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٢٤ وغيره ، والشهيد في الدروس ٣ : ١٩٢ واللمعة : ١١٠.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٢١ ، الباب ١٤ من أبواب عقد النكاح.

(٣) راجع الصفحة ٤٠٠ و ٤٠١.

(٤) راجع الصفحات ٣٥١ ٣٦٢.

(٥) راجع الصفحة ٣٦٤ وما بعدها.


علمه بتزويج عبده إقرار منه له عليه (١) ، وما دلّ على أنّ قول المولى لعبده المتزوّج بغير إذنه ـ : «طلّق» ، يدلّ على الرضا بالنكاح فيصير إجازة (٢) ، وعلى أنّ المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه معصية المولى التي ترتفع بالرضا (٣) ، وما دلّ على أنّ التصرّف من ذي الخيار رضاً منه (٤) ، وغير ذلك.

هل يكفي الرضا مقارنا للعقد أو سابقا عليه؟

بقي في المقام : أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ ، وكفاية مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه ، فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارناً للعقد أو سابقاً ، فإذا فرضنا أنّه علم رضا (٥) المالك بقول أو فعل يدلّ على رضاه ببيع ماله كفى في اللزوم ؛ لأنّ ما يؤثّر بلحوقه يؤثّر بمقارنته بطريق أولى. والظاهر أنّ الأصحاب لا يلتزمون بذلك ، فمقتضى ذلك : أن لا يصحّ الإجازة إلاّ بما لو وقع قبل العقد كان إذناً مخرجاً للبيع عن بيع الفضولي.

ويؤيّد ذلك : أنّه لو كان مجرّد الرضا ملزماً ، كان مجرّد الكراهة فسخاً (٦) ، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك ؛ لأنّ الكراهة‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٥ ، الباب ٢٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٦ ، الباب ٢٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) يدلّ عليه ما في الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢ وغيرهما.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٣٥١ ٣٥٢ ، الباب ٤ من أبواب الخيار.

(٥) في «ف» : ورضي.

(٦) في «ف» : فاسخاً.


الحاصلة حينه وبعده ولو آناً ما تكفي في الفسخ ، بل يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلاً ، إلاّ أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخاً وإن كان مجرّد الرضا إجازة.

الثالث

من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ ؛ إذ مع الردّ ينفسخ العقد ، فلا يبقي ما يلحقه الإجازة (١).

والدليل عليه بعد ظهور الإجماع ، بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا (٢) ـ : أنّ الإجازة إنّما تجعل المجيز أحد طرفي العقد ، وإلاّ لم يكن مكلّفاً بالوفاء بالعقد ؛ لما عرفت من أنّ وجوب الوفاء إنّما هو في حقّ العاقدين أو من قام (٣) مقامهما ، وقد تقرّر : أنّ من (٤) شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة.

هذا ، مع أنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم تأثير الردّ في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه ، فلا يبقى ما يلحقه الإجازة ، فتأمّل.

نعم ، الصحيحة الواردة في بيع الوليدة (٥) ظاهرة في صحّة الإجازة‌

__________________

(١) في «ف» بدل «فلا يبقى ما يلحقه الإجازة» : فلا تقع قابلاً.

(٢) صرّح به صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٧٨.

(٣) في «ف» : يقوم.

(٤) في «ف» : وقد تقرّر في شروط.

(٥) تقدّمت في الصفحة ٣٥٣.


بعد الردّ ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الردّ الفعلي كأخذ المبيع مثلاً غير كافٍ ، بل لا بدّ من إنشاء الفسخ.

ودعوى : أنّ الفسخ هنا ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة وقد صرّحوا بحصوله بالفعل.

يدفعها : أنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء والعتق ونحوهما ، لا مثل أخذ المبيع.

وبالجملة ، فالظاهر (١) هنا وفي جميع الالتزامات : عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ ، فإن سلّم ظهور الرواية في خلافه فليطرح أو يؤوّل (٢).

الرابع

الإجازة لا تورّث

الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله ، فموضوعها المالك ، فقولنا : «له أن يجيز» مثل قولنا : «له أن يبيع» ، والكلّ راجع إلى أنّ له أن يتصرّف. فلو مات المالك لم يورّث الإجازة ، وإنّما يورّث المال الذي عقد عليه الفضولي ، فله الإجازة ؛ بناءً على ما سيجي‌ء من جواز مغايرة المجيز والمالك حال العقد في من باع مال أبيه فبان ميّتاً ـ ، والفرق بين إرث الإجازة وإرث المال يظهر بالتأمّل (٣).

__________________

(١) في «ف» زيادة : من الأصحاب.

(٢) كذا ، والأنسب : «فلتطرح أو تؤوّل» ، كما في مصحّحة «ص».

(٣) قالوا : الفرق بينهما يظهر في إرث الزوجة ، وتعدّد الورثة ، انظر هداية الطالب (شرح الشهيدي) : ٢٩٦.


الخامس

إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن أو المثمن

إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن ، ولا لإقباض المبيع ، ولو أجازهما صريحاً أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت الإجازة ؛ لأنّ مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري ، ومرجع إجازة الإقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع ، فيترتّب عليه جميع الآثار المترتّبة على قبض المبيع.

لكن ما ذكرنا إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن ، وأمّا قبض الكلّي وتشخّصه به فوقوعه من الفضولي على وجهٍ تصحّحه الإجازة يحتاج إلى دليلٍ معمِّمٍ لحكم عقد الفضولي لمثل القبض والإقباض ، وإتمام الدليل على ذلك لا يخلو عن (١) صعوبة.

وعن المختلف : أنّه حكى عن الشيخ : أنّه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري بالثمن ، ثمّ ضعّفه بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض (٢).

وعلى أيّ حال ، فلو كان إجازة العقد دون القبض لغواً كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي والتفرّق كان إجازة العقد إجازةً للقبض ؛ صوناً للإجازة عن اللغوية.

__________________

(١) في «ف» : من.

(٢) المختلف ٥ : ٥٧ ، المقام السادس من مقامات بيع المغصوب ، وانظر النهاية : ٤٠٢.


ولو قال : أجزت العقد دون القبض ، ففي بطلان العقد أو بطلان ردّ القبض وجهان.

السادس

الإجازة ليست على الفور

الإجازة ليست على الفور ؛ للعمومات ولصحيحة محمّد بن قيس (١) وأكثر المؤيّدات المذكورة بعدها (٢) ، ولو لم يجز المالك ولم يردّ حتّى لزم تضرّر الأصيل بعدم تصرّفه فيما انتقل عنه وإليه على القول بالكشف فالأقوى تداركه بالخيار أو إجبار المالك على أحد الأمرين (٣).

السابع

هل يعتبر في صحّة الإجازة للعقد؟

هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموماً أو (٤) خصوصاً ، أم لا؟ وجهان :

الأقوى التفصيل

الأقوى : التفصيل ، فلو أوقع العقد على صفقة فأجاز المالك بيع بعضها ، فالأقوى الجواز كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز أحدهما ، وضررُ التبعّض (٥) على المشتري يجبر بالخيار.

__________________

(١) المتقدّمة في الصفحة ٣٥٣.

(٢) راجع الصفحة ٣٥٤ وما بعدها.

(٣) لم ترد «على أحد الأمرين» في «ف».

(٤) في «ف» بدل «أو» : و.

(٥) في «ف» ، «م» ، «خ» و «ع» : «البعض» ، وفي نسخة بدل الأخيرين مثل ما أثبتناه.


ولو أوقع العقد على شرط فأجازه المالك مجرّداً عن الشرط ، فالأقوى عدم الجواز ؛ بناءً على عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلاً للتبعيض من حيث الجزء ؛ ولذا لا يؤثّر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط.

ولو انعكس الأمر ، بأن عقد الفضولي مجرّداً عن الشرط (١) وأجاز المالك مشروطاً ، ففي صحّة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط ؛ لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلاّ إذا وقع في حيّز العقد ، فلا يجدي وقوعه في حيّز القبول إلاّ إذا تقدّم على الإيجاب ، ليرد الإيجاب عليه أيضاً أو بطلانها ؛ لأنّه إذا لغى الشرط لغى المشروط ؛ لكون المجموع التزاماً واحداً ، وجوه ، أقواها الأخير.

__________________

(١) عبارة «مجرّداً عن الشرط» من «ش» ، واستدركت في هامش «م» و «ن».


وأمّا القول في المجيز ، فاستقصاؤه يتمّ ببيان أُمور :

اعتبار كون المجيز جائز التصرّف حال الإجازة

الأوّل : يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ والعقل والرشد ، ولو أجاز المريض بُني نفوذها على نفوذ منجّزات المريض ، ولا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف والنقل.

هل يشترط وجود مجيز حين العقد؟

الثاني : هل يشترط في صحّة عقد الفضولي وجود مجيزٍ حين العقد ، فلا يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة ولا ينفعه إجازته إذا بلغ أو إجازة وليّه إذا حدثت المصلحة بعد البيع ، أم لا يشترط؟ قولان :

أوّلهما للعلاّمة في ظاهر القواعد (١) ، واستُدلّ (٢) له بأنّ صحّة العقد والحال هذه ممتنعة ، فإذا امتنع في زمان امتنع دائماً ، وبلزوم الضرر على المشتري ؛ لامتناع تصرّفه في العين لإمكان عدم الإجازة ، ولعدم تحقّق المقتضي ولا في الثمن ؛ لإمكان تحقّق الإجازة ، فيكون قد خرج عن ملكه.

ويضعّف الأوّل مضافاً إلى ما قيل : من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيداً امتنع الوصول إليه عادة ـ : منع ما ذكره (٣) من أنّ امتناع صحّة العقد في زمانٍ يقتضي امتناعه دائماً ، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف ، وأمّا الضرر فيتدارك (٤) بما يتدارك به صورة النقض المذكورة.

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢٤.

(٢) المستدلّ هو المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٧٢.

(٣) في غير «ن» و «ش» : ما ذكرناه.

(٤) في «ف» : فتداركه.


هذا كلّه ، مضافاً إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار (١) فضولاً (٢) الشاملة لصورة وجود وليّ النكاح وإهماله الإجازة إلى بلوغهم ، وصورة عدم وجود الوليّ ؛ بناءً على عدم ولاية الحاكم على الصغير في النكاح ، وانحصار الوليّ في الأب والجدّ والوصيّ ، على خلافٍ فيه.

مختار المؤلف

وكيف كان ، فالأقوى عدم الاشتراط ؛ وفاقاً للمحكيّ عن ابن المتوّج البحراني (٣) والشهيد (٤) والمحقّق الثاني (٥) وغيرهم (٦) ، بل لم يرجّحه غير العلاّمة.

مثال العلّامة لعدم وجود المجيز حين العقد

ثمّ اعلم أنّ العلاّمة في القواعد مثّل لعدم وجود المجيز : ببيع مال اليتيم (٧).

وحكي عن بعض العامّة وهو البيضاوي على ما قيل (٨) الإيراد‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٤ : ٢٠٧ ، الباب ٦ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٢ ، و ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج. والظاهر أنّ المراد من الوليّ في الرواية غير الأب والجدّ كما قاله الشهيد الثاني في المسالك ٧ : ١٦٠ و ١٧٩.

(٢) لم ترد «فضولاً» في «ف».

(٣) لا يوجد عندنا كتابه ، ولم نعثر على الحاكي ، نعم حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٥ عن غيره.

(٤) الدروس ٣ : ١٩٣.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٧٣.

(٦) مثل الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٢٦ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٩٩.

(٧) القواعد ١ : ١٢٤.

(٨) لم نعثر على القائل.


عليه : بأنّه لا يتمّ على مذهب الإمامية من وجود الإمام عليه‌السلام في كلّ عصر.

وعن المصنّف قدس‌سره : أنّه أجاب بأنّ الإمام غير متمكّن من الوصول إليه (١).

وانتصر للمورد بأنّ نائب الإمام عليه‌السلام وهو المجتهد الجامع للشرائط موجود ، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدل موجود ، بل للفسّاق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول (٢).

لكنّ الانتصار في غير محلّه ؛ إذ كما يمكن فرض عدم التمكّن من الإمام يمكن عدم اطلاع نائبه من المجتهد والعدول أيضاً ، فإن أُريد وجود ذات المجيز ، فالأولى منع تسليم دفع الاعتراض بعدم (٣) التمكّن من الإمام عليه‌السلام ، وإن أُريد وجوده مع تمكّنه من الإجازة ، فيمكن فرض عدمه في المجتهد والعدول إذا لم يطّلعوا على العقد.

فالأولى : ما فعله فخر الدين (٤) والمحقّق الثاني (٥) من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة ، فيرجع الكلام أيضاً إلى اشتراط إمكان فعليّة الإجازة من المجيز ، لا وجود ذات مَن مِن شأنه (٦)

__________________

(١) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٥ ، عن حواشي الشهيد.

(٢) لم نعثر على هذا الانتصار بتمامه ، نعم انتصر المحقّق القمي للمعترض في جامع الشتات ٢ : ٣١٤ وغنائم الأيام : ٥٥٣ بوجود النائب.

(٣) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : لعدم.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٧٢.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : مَن شأنه.


الإجازة ؛ فإنّه فرض غير واقع في الأموال.

هل يشترط كون المجيز جائز التصرّف حين العقد

الثالث : لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد ، سواء كان عدم جواز (١) التصرّف لأجل عدم المقتضي أو للمانع. وعدم المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكاً ولا مأذوناً حال العقد ، وقد يكون لأجل كونه محجوراً عليه لِسَفهٍ أو جُنون أو غيرهما. والمانع كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن ثمّ فكّ الرهن.

تعدّد صور المسألة بتعدّد سبب عدم جواز التصرّف

فالكلام يقع في مسائل :

المسألة الاولى

لو لم يكن جائز التصرّف بسبب الحجر

أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة ، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر (٢).

والأقوى (٣) : صحّة الإجازة ، بل عدم الحاجة إليها إذا كان عدم جواز التصرّف لتعلّق حقّ الغير ، كما لو باع الراهن ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن ، فإنّه لا حاجة إلى الإجازة كما صرّح به في التذكرة (٤).

__________________

(١) كلمة «جواز» من «ف».

(٢) لم ترد «لحجر» في «ف».

(٣) في «ف» : فلا ينبغي الإشكال في صحّة الإجازة.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٥ و ٢ : ٥٠.


[المسألة] الثانية

لو لم يكن جائز التصرّف بسبب عدم الملك

أن يتجدّد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع أو غيره.

من باع شيئاً ثمّ ملكه

لكنّ عنوان المسألة في كلمات (١) القوم هو الأوّل ، وهو ما لو باع شيئاً ثمّ ملكه (٢) ، وهذه تتصوّر على صور ؛ لأنّ غير المالك إمّا أن يبيع لنفسه أو للمالك (٣). والملك إمّا أن ينتقل إليه باختياره كالشراء ، أو بغير اختياره كالإرث. ثمّ البائع الذي يشتري الملك إمّا أن يجيز العقد الأوّل وإمّا أن لا يجيزه ، فيقع الكلام في وقوعه للمشتري الأوّل بمجرّد شراء البائع له.

لو باع لنفسه ثم اشتراه وأجاز

والمهمّ هنا التعرّض لبيان ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه من المالك وأجاز ، وما لو باع واشترى ولم يجز ؛ إذ يعلم (٤) حكم غيرهما منهما.

أمّا المسألة الأُولى : فقد اختلفوا فيها ، فظاهر المحقّق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب (٥) قبل إخراج الزكاة أو رهنه ـ : أنّه صحّ (٦) البيع والرهن فيما عدا الزكاة ، فإن اغترم حصّة الفقراء قال‌

__________________

(١) في «ف» : كلام.

(٢) كما في القواعد ١ : ١٢٤ ، والدروس ٣ : ١٩٣ ، والتنقيح ٢ : ٢٦.

(٣) في «ف» : أو المالك.

(٤) في «ش» : ويعلم.

(٥) في «ف» : نصابه.

(٦) في «ف» : يصحّ.


الشيخ رحمه‌الله : صحّ البيع والرهن (١). وفيه إشكال ؛ لأنّ العين مملوكة (٢) ، وإذا أدّى العوض مَلكها ملكاً مستأنفاً ، فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة ، كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه (٣) ، انتهى.

بل يظهر ممّا حكاه عن الشيخ : عدم الحاجة إلى الإجازة ، إلاّ أن يقول الشيخ بتعلّق الزكاة بالعين كتعلّق (٤) الدين بالرهن ، فإنّ الراهن إذا باع ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن لزم ولم يحتج إلى إجازة مستأنفة.

وبهذا القول صرّح الشهيد رحمه‌الله في الدروس (٥) ، وهو ظاهر المحكيّ عن الصيمري (٦).

والمحكيّ عن المحقّق الثاني في تعليق الإرشاد : هو البطلان (٧) ، ومال إليه بعض المعاصرين (٨) ، تبعاً لبعض معاصريه (٩).

__________________

(١) انظر المبسوط ١ : ٢٠٨.

(٢) في المصدر : غير مملوكة له.

(٣) المعتبر ٢ : ٥٦٣.

(٤) في «ف» : تعلّق الزكاة بالعين تعلّق.

(٥) الدروس ٣ : ١٩٣.

(٦) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، وراجع غاية المرام (مخطوط) : ٢٧٥.

(٧) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٩ ، وحكى عنه ذلك المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤.

(٨) انظر الجواهر ٢٢ : ٢٩٨.

(٩) انظر مقابس الأنوار : ١٣٤.


الأقوى الصحة

والأقوى هو الأوّل ؛ للأصل والعمومات السليمة عمّا يرد عليه (١) ، ما عدا أُمور لفّقها بعض من قارب عصرنا (٢) ممّا يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح (٣) وجامع المقاصد (٤) :

ما أورده المحقق التستري على الصحة والجواب عنه

الأوّل : أنّه (٥) باع مال الغير لنفسه ، وقد مرّ الإشكال فيه ، وربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك.

وفيه : أنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته ، وربما يسلم هنا عن بعض الإشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

الثاني : إنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك ورضا المالك والقدرة على التسليم اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز ؛

لأنّه البائع حقيقة ، والفرض هنا عدم إجازته ، وعدم وقوع البيع عنه.

وفيه : أنّ الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا ، سواء ملك حال العقد أم لا ؛ لأنّ الداعي على اعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلّها لغير ملاّكها بغير طيب أنفسهم وقبح التصرّف فيها بغير رضاهم ، وهذا المعنى لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا. وأمّا القدرة على التسليم فلا نضايق من اعتبارها في المالك حين العقد ،

__________________

(١) في مصحّحة «ن» : عليها.

(٢) وهو المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤ ١٣٥.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٧٣ ٧٤.

(٥) في «ش» زيادة : «قد» ، ولم ترد في سائر النسخ ، نعم في بعض النسخ زيادة : «لو» ، وفي بعضها الآخر زيادة : «إذا» ، استظهاراً أو كنسخة بدل.


ولا يكتفى بحصولها (١) فيمن هو مالك حين الإجازة ، وهذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحّة البيع المذكور ؛ لأنّ الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

الايراد الثالث ، وجوابه

الثالث : أنّ الإجازة حيث صحّت كاشفة على الأصحّ مطلقاً ؛ لعموم الدليل الدالّ عليه ، ويلزم حينئذٍ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه (٢).

وفيه : منع كون الإجازة كاشفة مطلقاً عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتّى فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد ، فإنّ مقدار كشف الإجازة تابع لصحّة البيع ، فإذا ثبت بمقتضى العمومات أنّ العقد الذي أوقعه البائع لنفسه (٣) عقد صدر من أهل العقد في المحلّ القابل للعقد عليه ، ولا مانع من وقوعه إلاّ عدم رضا مالكه ، فكما أنّ مالكه الأوّل إذا رضي يقع البيع له ، فكذلك مالكه الثاني إذا رضي يقع البيع له (٤) ، ولا دليل على اعتبار كون الرضا المتأخّر ممّن هو مالك حال العقد ، وحينئذٍ فإذا ثبت صحّته بالدليل فلا محيص عن القول بأنّ الإجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته ؛

__________________

(١) كذا في «ش» ، وفي أكثر النسخ : «ولا يكفي بحصولها» ، وفي «ص» : «ولا يكفي حصولها» ، والأصحّ : «ولا نكتفي بحصولها» ، بقرينة «فلا نضايق» كما احتمله مصحّح «ن».

(٢) لم ترد «فيه» في «ف».

(٣) في «ف» : نفسه.

(٤) لم ترد «له» في «ف».


إذ لا يمكن الكشف فيه على وجه آخر ، ولا (١) يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف محال عقلي ولا شرعي حتّى يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحّة ، فإن كان لا بدّ من الكلام فينبغي في المقتضي للصحّة ، أو في القول بأنّ الواجب في الكشف عقلاً أو شرعاً أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد.

وقد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحّة ؛ ولذا لم يصدر من المستدلّ على البطلان ، وأنّه لا مانع عقلاً ولا شرعاً من كون الإجازة كاشفة من زمان قابليّة تأثيرها.

ولا يتوهّم أنّ هذا نظير ما لو خصّص المالك الإجازة بزمان متأخّر عن العقد ؛ إذ التخصيص إنّما يقدح مع القابلية ، كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز بناءً على ما سبق في دليل الكشف من أنّ معنى الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية تأثيرها إلاّ من زمان ملك المجيز للمبيع.

الايراد الرابع

الرابع : أنّ العقد الأوّل إنّما صحّ وترتّب عليه أثره بإجازة الفضولي ، وهي متوقّفة على صحّة العقد الثاني المتوقّفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي ، فيكون صحّة الأوّل مستلزماً (٢) لكون المال المعيّن ملكاً للمالك و (٣) المشتري معاً في زمان واحد ، وهو محال ؛

__________________

(١) في غير «ف» : فلا.

(٢) كذا ، والمناسب : مستلزمة ، كما في مصحّحة «ص».

(٣) في غير «ش» زيادة : ملك.


لتضادّهما ، فوجود الثاني يقتضي عدم الأوّل ، وهو موجب لعدم الثاني أيضاً ، فيلزم وجوده وعدمه في آن واحد ، وهو محال.

فإن قلت (١) : مثل هذا لازم في كلّ عقدٍ فضوليّ ، لأنّ صحّته موقوفة على الإجازة المتأخّرة المتوقّفة على بقاء ملك المالك ومستلزمة (٢) لملك المشتري كذلك ، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك والمشتري معاً في آن واحد ، فيلزم إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقاً أو بطلان القول بالكشف ، فلا اختصاص لهذا الإيراد بما نحن فيه.

قلنا : يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهراً ، وهو الحاصل من استصحاب ملكه السابق ؛ لأنّها في الحقيقة رفع اليد (٣) وإسقاط للحقّ ، ولا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني (٤).

الجواب عن الايراد الرابع

أقول : قد عرفت أنّ القائل بالصحّة ملتزم بكون الأثر المترتّب على العقد الأوّل بعد إجازة العاقد له هو تملّك المشتري له من حين ملك العاقد ، لا من حين العقد ، وحينئذٍ فتوقّف إجازة العاقد (٥) الأوّل على صحّة العقد الثاني مسلّم ، وتوقّف صحّة العقد الثاني على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلّم أيضاً ، فقوله : «صحّة‌

__________________

(١) إدامة كلام المحقّق التستري قدس‌سره.

(٢) في «ش» : والمستلزمة.

(٣) في «ص» : لليد.

(٤) إلى هنا ينتهي كلام المحقّق التستري ، وسوف تأتي تتمّته في الصفحة ٤٤٣ ، عند قوله : «الخامس».

(٥) في «ش» ومصحّحة «خ» : العقد.


الأوّل تستلزم كون المال ملكاً للمالك والمشتري في زمان» ممنوع (١) ، بل صحّته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي (٢).

نعم ، إنّما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادّعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد ، ولكن هذا أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث وقد تقدّم منعه (٣) ، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر ، كما لا يخفى.

نعم ، يبقى في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف ، وهو كون الملك حال الإجازة للمجيز والمشتري معاً ، وهذا إشكال آخر تعرّض لاندفاعه (٤) أخيراً ، غير الإشكال الذي استنتجه من المقدّمات المذكورة ، وهو لزوم كون الملك للمالك الأصلي وللمشتري (٥).

نعم ، يلزم من ضمّ هذا الإشكال العامّ إلى ما يلزم في المسألة على القول بالكشف من حين العقد اجتماع ملاّك ثلاثة على ملك واحد قبل العقد الثاني ؛ لوجوب التزام مالكيّة المالك الأصلي حتّى يصحّ العقد الثاني ، ومالكية (٦) المشتري له لأنّ الإجازة تكشف عن ذلك ، ومالكية (٧) العاقد له لأنّ ملك المشتري لا بدّ أن يكون عن ملكه ، وإلاّ لم ينفع‌

__________________

(١) في غير «ص» و «ش» : ممنوعة.

(٢) في مصحّحة «خ» : الفعلي.

(٣) تقدّم في الصفحة ٤٣٨.

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «لدفعه» ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٥) في «ف» : والمشتري.

(٦) في غير «ش» : ملكيّة.

(٧) في النسخ : ملكيّة.


إجازته في ملكه من حين العقد ؛ لأنّ إجازة غير المالك لا يخرج ملك الغير إلى غيره.

ثمّ إنّ ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يُسمن ولا يغني ؛ لأنّ الإجازة إذا وقعت ، فإن كشفت عن ملك (١) المشتري قبلها كشفت عمّا يبطلها ؛ لأنّ الإجازة لا تكون إلاّ من المالك الواقعي ، والمالك الظاهري إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكاً حين الإجازة ؛ ولذا لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته (٢) ؛ لأنّ المالكية من الشرائط الواقعيّة دون العلميّة.

ثمّ إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني من كفاية الملك الصوري (٣) في الأوّل دون الثاني تحكّمٌ صِرف ، خصوصاً مع تعليله بأنّ الإجازة رفع لليد وإسقاط للحقّ ، فليت شعري! أنّ إسقاط الحقّ كيف (٤) يجدي وينفع مع عدم الحقّ واقعاً؟! مع أنّ الإجازة رفع لليد (٥) عن (٦) الملك أيضاً بالبديهة.

والتحقيق : أنّ الإشكال إنّما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقاً في كاشفية الإجازة على الوجه المشهور (٧) من كونها شرطاً متأخّراً‌

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «ذلك» ، وصحّحت فيما عدا الأخير ب «ملك».

(٢) في «ف» : «لم ينفع» ، بدون كلمة «إجازته».

(٣) في «ش» : الظاهري.

(٤) كلمة «كيف» من «ش» وهامش «م».

(٥) في غير «ش» : اليد.

(٦) في غير «ف» : من.

(٧) راجع الصفحة ٤٠٨.


يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدّم من زمانه.

الايراد الخامس ، وجوابه

الخامس (١) : أنّ الإجازة المتأخّرة لمّا كشفت عن صحّة العقد الأوّل وعن كون المال ملك المشتري الأوّل ، فقد وقع العقد الثاني على ماله ، فلا بدّ من إجازته له (٢) كما لو بيع المبيع من شخصٍ آخر فأجاز المالك البيعَ الأوّل ، فلا بدّ من إجازة المشتري البيع الثاني حتّى يصحّ ويلزم ، فعلى هذا يلزم توقّف إجازة كلٍّ من الشخصين على إجازة الآخر ، وتوقّف صحّة كلٍّ من العقدين (٣) على إجازة المشتري الغير الفضولي ، وهو من الأعاجيب! بل من المستحيل ؛ لاستلزام ذلك عدم تملّك المالك الأصلي (٤) شيئاً من الثمن والمثمن ، وتملّك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان ، ودون تمامه إن زاد الأوّل ، ومع زيادة إن نقص (٥) ؛ لانكشاف وقوعه في ملكه (٦) فالثمن له ، وقد كان المبيع له أيضاً بما بذله من الثمن ، وهو ظاهر.

والجواب عن ذلك : ما تقدّم في سابقه من ابتنائه على وجوب‌

__________________

(١) هذه تتمّة كلام المحقّق التستري في المقابس.

(٢) كلمة «له» من «ف».

(٣) كذا في «ش» والمصدر وهامش «ن» ، وفي «ف» : العقد ، وفي سائر النسخ : العقد والإجازة.

(٤) كذا في «ف» والمصدر ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : الأصيل.

(٥) العبارة في «ف» هكذا : أو زاد الأوّل مع زيادة ؛ لانكشاف ..

(٦) لم ترد «في ملكه» في غير «ش» ، إلاّ أنّها استدركت في «ن» ، «خ» و «م».


كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد ، وهو ممنوع.

والحاصل : أنّ منشأ الوجوه الثلاثة (١) الأخيرة شي‌ء واحد ، والمحال على تقديره مسلّم بتقريرات مختلفة قد نبّه عليه في الإيضاح (٢) وجامع المقاصد (٣).

الايراد السادس ، وجوابه

السادس : أنّ من المعلوم أنّه يكفي في إجازة المالك وفسخه فعل (٤) ما هو من لوازمهما‌ (٥) ، ولمّا (٦) باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه وتملّك الثمن ، وهو لا يجامع صحّة العقد الأوّل ، فإنّها تقتضي تملّك (٧) المالك للثمن الأوّل ، وحيث وقع الثاني يكون فسخاً له وإن لم يعلم بوقوعه ، فلا يجدي الإجازة المتأخّرة.

وبالجملة ، حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة بل أولى منها ، فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها فكذلك (٨) عقد الفضولي.

والجواب : أنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه ، وأمّا الفعل‌

__________________

(١) لم ترد «الثلاثة» في «ش».

(٢) انظر إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٧٣ ٧٤.

(٤) في «ف» : نقل.

(٥) في «ف» و «ش» : لوازمها.

(٦) كذا في أكثر النسخ والمصدر ، وفي «خ» و «ش» ونسخة بدل «ع» : «ولو» ، وفي «ص» : فلمّا.

(٧) في غير «ش» : ملك.

(٨) في غير «ف» : كذلك.


المنافي لمضيّه كتزويج المعقودة فضولاً نفسها من آخر وبيع المالك ماله (١) المبيع فضولاً من آخر فليس فسخاً له ، خصوصاً مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضولي ، غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمضيّ العقد مفوِّت لمحلّ الإجازة ، فإذا فرض وقوعه صحيحاً فات محلّ الإجازة ويخرج العقد عن قابليّة الإجازة ، إمّا مطلقاً كما في مثال التزويج ، أو بالنسبة إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع ، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل ، فللمالك الثاني أن يجيز.

نعم ، لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه إجماعاً ، ولعموم تسلّط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها.

فالحاصل : أنّه إن أُريد من كون البيع الثاني فسخاً : أنّه إبطال لأثر العقد في الجملة ، فهو مسلّم ، ولا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلاً بالنسبة إلى المالك الثاني ، فيكون له الإجازة ، وإن أُريد أنّه إبطال للعقد رأساً ، فهو ممنوع ؛ إذ لا دليل على كونه كذلك ، وتسمية مثل ذلك الفعل ردّاً في بعض الأحيان ؛ من حيث إنّه مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعله بحيث يكون الإجازة منه بعده لغواً.

نعم ، لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل (٢) فسخَ العقد بحيث يعدّ فسخاً فعليّاً ، لم يبعد كونه كالإنشاء بالقول ، لكنّ الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب ؛ إذ المقصود أنّ مجرّد بيع المالك لا يوجب بطلان‌

__________________

(١) في غير «ش» بدل «ماله» : «له» ، وشطب على «له» في «ص».

(٢) لم ترد «الفعل» في «ف».


العقد ؛ ولذا لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي العقد على حاله من قابليّة لحوق الإجازة.

وأمّا الالتزام في مثل الهبة والبيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرّد الفعل المنافي ؛ فلأنّ صحّة التصرّف المنافي يتوقّف على فسخ العقد ، وإلاّ وقع في ملك الغير ، بخلاف ما نحن فيه ؛ فإنّ تصرّف المالك في ماله المبيع فضولاً صحيح في نفسه لوقوعه في ملكه ، فلا يتوقّف على فسخه ، غاية الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة.

ومن ذلك يظهر ما في قوله رحمه‌الله أخيراً : «وبالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة ، بل أولى» ؛ فإنّ قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث ، على المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق ، فضلاً عن دعوى الأولويّة ، وسيجي‌ء (١) مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقّق به الردّ.

الايراد السابع

السابع (٢) : الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيع ما ليس عندك‌ (٣) ، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقاً‌

__________________

(١) يجي‌ء في الصفحة ٤٧٧.

(٢) الوجوه التي ذكرها المحقّق التستري هي الستّة المتقدّمة ، وما نقله عنه المؤلف قدس‌سره بعنوان «السابع» ليس في عداد الوجوه المذكورة ، بل هو استدلال من المحقّق التستري قدس‌سره على ما اختاره ، راجع مقابس الأنوار : ١٣٤ ١٣٥.

ثمّ إنّ العبارات الآتية أيضاً تغاير عبارة صاحب المقابس بنحوٍ يشكل إطلاق النقل بالمعنى عليه أيضاً.

(٣) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٤ ٣٧٥ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢ و ٥.


بالنسبة إلى المخاطب وإلى المالك ، فيكون دليلاً على فساد العقد الفضولي ، وإمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة كما استظهرناه سابقاً (١) فيكون دالاّ على عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه مطلقاً ولو ملكه فأجاز ، بل الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع ، وإلاّ فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

وخصوص رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (٢) ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لي : اشتر لي هذا الثوب وهذه الدابّة وبعنيها ، أُربحك كذا وكذا. قال : لا بأس بذلك ، اشترها ولا تواجبه البيع (٣) قبل أن تستوجبها أو تشتريها» (٤).

ورواية خالد بن الحجّاج ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني ويقول : اشتر هذا الثوب وأُربحك كذا وكذا. قال : أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت : بلى. قال : لا بأس به ، إنّما يحلّل‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٦٨.

(٢) قال المامقاني قدس‌سره : هذه العبارة من المصنّف ، وليست عبارة المقابس هكذا إلى أن قال : ولا يظهر وجه لتغيير المصنّف رحمه‌الله عبارته إلى قوله : «المصحّحة إليه» ، وليس بين يحيى بن الحجّاج وبين أبي عبد الله عليه‌السلام واسطة أصلاً فكيف بالواسطة الغير المعتبرة! وليس مؤدّاها إلاّ كون الواسطة بينهما ممّن لا يوصف روايته بالصحّة (غاية الآمال : ٣٩٣).

(٣) في غير «ش» بدل «ولا تواجبه البيع» : «ولا تواجبها» ، ولكن صحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٨ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١٣.


الكلام ويحرّم الكلام» (١) بناءً على أنّ المراد بالكلام عقد البيع ، فيحلّل نفياً ويحرّم إثباتاً ، كما فهمه في الوافي (٢) ، أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء ويحرّم إذا وقع قبله ، أو أنّ الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم ويحلّل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة.

وصحيحة ابن مسلم ، قال : «سألته عن رجل أتاه رجل ، فقال له : ابتع لي متاعاً لعلي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله ، قال : ليس به بأس إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» (٣).

وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أمر رجلاً ليشتري له متاعاً فيشتريه منه ، قال : لا بأس بذلك إنّما البيع بعد ما يشتريه» (٤).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : يجيئني الرجل فيطلب (٥) بيع الحرير ، وليس عندي شي‌ء فيقاولني عليه وأُقاوله في الربح والأجل حتّى نجتمع (٦) على شي‌ء ، ثمّ أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه ، فقال : أرأيت إن وجد مبيعاً هو (٧) أحبّ إليه ممّا‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤.

(٢) الوافي ١٨ : ٧٠٠ ، ذيل الحديث ١٨١٤٤ ٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٦ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٦.

(٥) في «ش» زيادة : منّي.

(٦) كذا في «ن» و «ص» ، والظاهر أنّهما مصحّحتان ، وفي سائر النسخ : يجتمع.

(٧) في غير «ش» : «هو مبيعاً» ، وفي الوسائل : إن وجد بيعاً هو.


عندك ، أيستطيع أن ينصرف إليه ويدعك؟ أو وجدت أنت ذلك أتستطيع أن تنصرف عنه (١) وتدعه؟ قلت : نعم. قال : لا بأس» (٢) ، وغيرها من الروايات.

ولا يخفى ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها ومن حيث التعليل في بعضها الآخر ـ : في عدم صحّة البيع قبل الاشتراء ، وأنّه يشترط في البيع الثاني تملّك البائع له واستقلاله فيه ، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام والتزام سابق بذلك المال.

الجواب عن الايراد السابع

والجواب عن العمومات (٣) : أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من البيع ، وهو النقل والانتقال المنجّز على بيع ما ليس عنده ، فلا يجوز ترتّب الأثر على هذا البيع ، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن ، ولا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع.

ومنه يظهر الجواب عن الأخبار ؛ فإنّها لا تدلّ خصوصاً بملاحظة قوله عليه‌السلام : «ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (٤) إلاّ على أنّ الممنوع منه هو الإلزام والالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء ، فكذا بعده من دون حاجة إلى إجازة ، وهي المسألة الآتية ، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء من البائع من دون حاجة إلى الإجازة ،

__________________

(١) العبارة من قوله : «أيستطيع» إلى هنا مختلفة في النسخ ، وما أثبتناه من مصحّحة «ن» ، طبقاً للوسائل.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٧ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٧.

(٣) المشار إليها في الصفحة ٤٤٦ وما بعدها.

(٤) في رواية يحيى بن الحجّاج ، المتقدّمة في الصفحة ٤٤٧.


وسيأتي أنّ الأقوى فيها البطلان (١).

وما قيل : من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل مفروض في مورد الروايات (٢) وهي إجازة فعليّة (٣) ، مدفوع : بأنّ التسليم إذا وقع باعتقاد لزوم البيع السابق وكونه من مقتضيات لزوم العقد وأنّه ممّا لا اختيار للبائع فيه بل يجبَر عليه إذا امتنع ، فهذا لا يعدّ إجازة (٤) ولا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي ؛ لأنّ المعتبر في الإجازة قولاً وفعلاً ما يكون عن سلطنة واستقلال ؛ لأنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالاً لغيره ، يدلّ على عدم كفاية ذلك.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد المتقدّمة بأنّ المشتري إن شاء أخذ وإن شاء ترك (٥) : ثبوت البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل ، وهذا محقّق فيما نحن فيه ؛ بناءً على ما تقدّم : من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضولي فسخ المعاملة قبل‌

__________________

(١) يأتي في الصفحة ٤٥٣.

(٢) كما في مورد رواية ابن سنان : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتيني يريد مني طعاماً أو بيعاً نسياً وليس عندي ، أيصلح أن أبيعه إيّاه وأقطع له سعره ثمّ أشتريه من مكان آخر فأدفعه إليه؟ قال : لا بأس به» ، الوسائل ١٢ : ٣٧٥ ، الباب ٨ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢.

(٣) لم نقف على القائل.

(٤) في «ص» : الإجازة.

(٥) تقدّمت في الصفحة ٤٤٧.


إجازة المالك أو ردّه (١) ، لكنّ الظاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم (٢) إرادة اللزوم من الطرفين.

والحاصل : أنّ دلالة الروايات عموماً وخصوصاً على النهي عن البيع قبل الملك ممّا لا مساغ لإنكاره ، ودلالة النهي على الفساد أيضاً ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة ، إلاّ أنّا نقول : إنّ المراد بفساد البيع عدم ترتّب ما يقصد منه عرفاً من الآثار ، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفاً من إنشاء البيع ، مثلاً لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي‌ء قبل تملّكه على الوجه الذي يقصده أهل المعاملة ، كأن يترتّب عليه بعد البيع النقلُ والانتقال ، وجواز تصرّف البائع في الثمن ، وجواز مطالبة المشتري البائعَ بتحصيل المبيع من مالكه وتسليمه ، وعدم جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه ، ففساد البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك عليه ، وهو لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد.

ولا يجب على (٣) القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغواً غير مؤثّر أصلاً ، كما يستفاد من وجه دلالة النهي على الفساد ، فإنّ حاصله : دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب وبيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه وهو الملك والسلطنة من الطرفين لا يترتّب عليه ، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين ، لا أنّه لغوٌ من جميع الجهات ، فافهم.

__________________

(١) راجع الصفحة ٤١٣ ٤١٤.

(٢) وهو خبر يحيى بن الحجّاج ، المتقدّم في الصفحة ٤٤٧.

(٣) في «ف» بدل «على» : في.


اللهم إلاّ أن يقال : إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقدٍ بمجرّد إنشائه مع وقوع (١) مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّداً بانضمام بعض الأُمور اللاحقة كالقبض في الهبة ونحوها والإجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها بقولٍ مطلق ؛ إذ معنى صحّة المعاملة شرعاً أن يترتّب عليها شرعاً المدلول المقصود من إنشائه ولو مع شرط لاحق ، وعدم بناء المتعاملين على مراعاة ذلك الشرط لا يوجب النهي عنه إلاّ مقيّداً بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط ، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك بحيث يسلّمون الثمن ويطالبون المبيع لا يوجب الحكم عليه بالفساد.

فالإنصاف : أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملّك للبائع وعدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه مطلقاً حتّى مع الإجازة ، وأمّا صحّته بالنسبة إلى المالك إذا أجاز ؛ فلأنّ النهي راجع إلى وقوع البيع المذكور للبائع ، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز ، فيرجع فيه إلى مسألة الفضولي.

نعم ، قد يخدش (٢) فيها (٣) : أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة (٤) ، ورودها في بيع الكليّ ، وأنّه لا يجوز بيع الكليّ في الذمّة ثمّ اشتراء‌

__________________

(١) في «ف» : مع عدم وقوع.

(٢) لم نقف على الخدشة بعينها ، نعم في جامع الشتات ٢ : ٣٣١ وغنائم الأيام : ٥٥٨ ، ما يلي : والمراد من تلك الأخبار البيع في الذمّة ، وهو كليّ.

(٣) أي في دلالة الروايات على عدم وقوع البيع قبل التملّك للبائع.

(٤) أي الأخبار المتقدّمة في الصفحة ٤٤٦ ٤٤٩.


بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري الأوّل ، والمذهب جواز ذلك وإن نسب الخلاف فيه إلى بعض العبائر (١) ، فيقوى في النفس : أنّها وما ورد في سياقها (٢) في بيع الشخصي أيضاً كروايتي يحيى وخالد المتقدّمتين (٣) أُريد بها الكراهة ، أو وردت في مقام التقيّة ؛ لأنّ المنع عن بيع الكلّي حالاّ مع عدم وجوده عند البائع (٤) حال البيع مذهب جماعة من العامّة كما صرّح به في بعض الأخبار (٥) مستندِين في ذلك إلى النهي النبوي عن بيع ما ليس عندك ، لكنّ الاعتماد على هذا التوهين في رفع اليد عن الروايتين المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي ، وعموم مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكليّ (٦) ، خلاف الإنصاف ؛ إذ غاية الأمر حمل الحكم في مورد تلك الأخبار وهو بيع الكليّ قبل التملّك على التقيّة ، وهو لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأساً ، فتدبّر.

فالأقوى : العمل بالروايات والفتوى بالمنع عن البيع المذكور.

وممّا يؤيّد المنع مضافاً إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف‌

__________________

(١) انظر مقابس الأنوار : ١٣٥.

(٢) في «ف» : بسياقها.

(٣) تقدّمتا في الصفحة ٤٤٧.

(٤) في غير «ش» : المشتري.

(٥) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٤ ، الباب ٧ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ١ و ٣.

(٦) مثل قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن مسلم : «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم : «إنّما البيع بعد ما يشتريه» ، راجع الصفحة ٤٤٨.


من دعوى الاتّفاق ـ : رواية الحسن بن زياد الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت رجلاً مملوكاً فتزوّجت بغير إذن مولاي ثمّ أعتقني (١) بعد ، فأُجدّد النكاح؟ فقال : علموا أنّك تزوّجت؟ قلت : نعم ، قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئاً. قال : ذلك إقرار منهم ، أنت على نكاحك .. الخبر» (٢) فإنّها ظاهرة بل صريحة في أنّ علّة البقاء بعد العتق على ما فعله بغير إذن مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته ، فلو كان صيرورته حرّا مالكاً لنفسه مسوّغةً للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلى الاستفصال عن أنّ المولى سكت أم لا ؛ للزوم العقد حينئذٍ (٣) على كلّ تقدير.

مورد الروايات ما لو باع لنفسه غير مترقب للإجازة

ثمّ إنّ الواجب على كلّ تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات ، وهو ما لو باع البائع لنفسه واشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك ولا لإجازة البائع إذا صار مالكاً ، وهذا هو الذي ذكره العلاّمة رحمه‌الله في التذكرة نافياً للخلاف في فساده ، قال : لا يجوز أن يبيع عيناً لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلّمها ، وبه قال الشافعي وأحمد ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» ولاشتمالها على الغرر ، فإنّ صاحبها قد لا يبيعها ، وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها ، أمّا لو اشترى موصوفاً في الذمّة سواء كان‌

__________________

(١) في المصدر : أعتقني الله.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٢٦ ، الباب ٢٦ من أبواب أحكام العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٣) لم ترد «حينئذ» في «ش».


حالاّ أو مؤجلاً فإنّه جائز إجماعاً (١) ، انتهى ، وحكي عن المختلف أيضاً الإجماع على المنع (٢) أيضاً (٣) ، واستدلاله بالغرر وعدم القدرة على التسليم ظاهر ، بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز ، بل وقع على وجهٍ يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه.

فحينئذٍ لو تبايعا على أن يكون العقد موقوفاً على الإجازة ، فاتّفقت الإجازة من المالك أو من البائع بعد تملّكه ، لم يدخل في مورد الأخبار ولا في معقد الاتّفاق.

ولو تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفاً على تملّك البائع دون إجازته ، فظاهر عبارة الدروس : أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة ؛ حيث قال : وكذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز ، ولو أراد (٤) لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده ، وقد نهي عنه (٥) ، انتهى.

لكنّ الإنصاف : ظهورها في الصورة الأُولى ، وهي ما لو تبايعا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣ ، وفيه : «.. سواء كان حالاً أو مؤجّلاً ؛ فإنّه جائز وكذا لو اشترى عيناً شخصية غائبة مملوكة للبائع موصوفة بما ترفع الجهالة فإنّه جائز إجماعاً».

(٢) لم نقف عليه بعينه ، نعم في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، بعد نقل عبارة التذكرة ، ونسبة البطلان إلى ظاهر التحرير هكذا : وهو الظاهر من المختلف.

(٣) كذا في النسخ ، لكن شطب في مصحّحة «ن» على كلمة «أيضاً».

(٤) في مصحّحة «ن» : أرادا.

(٥) الدروس ٣ : ١٩٣.


قاصدين لتنجّز النقل والانتقال وعدم الوقوف على شي‌ء.

وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك ؛ حيث علّل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم. وأصرح منه كلامه المحكيّ عن المختلف في فصل النقد والنسية (١).

ولو باع عن (٢) المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع فأجازه (٣) فالظاهر أيضاً الصحّة ؛ لخروجه عن مورد الأخبار.

نعم ، قد يشكل فيه من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها (٤) ؛ لأنّ العقد السابق كان إنشاءً للبيع عن (٥) المالك الأصلي ، ولا معنى لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه.

ويمكن دفعه بما اندفع به سابقاً الإشكال في عكس المسألة وهي ما لو باعه الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه (٦) ، فتأمّل.

ولو باع لثالثٍ معتقداً لتملّكه أو بانياً عليه عدواناً ، فإن أجاز المالك فلا كلام في الصحّة ؛ بناءً على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك ، وإن ملكه الثالث وأجازه ، أو ملكه البائع فأجازه ، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة.

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤ ، وراجع المختلف ٥ : ١٣٢.

(٢) في «ف» : من.

(٣) في «ف» : فأجاز.

(٤) في «ف» : «لا تعلّق لها» ، وفي مصحّحة «ن» : لا يتعلّق بها.

(٥) في «ف» : من.

(٦) راجع الصفحات ٣٧٨ ٣٨٠.


لو باع لنفسه ثم تملكه ولم يجز

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الأُخرى ، وهي : ما لو لم يجز البائع (١) بعد تملّكه ؛ فإنّ الظاهر بطلان البيع الأوّل لدخوله تحت الأخبار المذكورة يقيناً ، مضافاً إلى قاعدة تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم صيرورتها حلالاً من دون طيب النفس ؛ فإنّ المفروض أنّ البائع بعد ما صار مالكاً لم تَطِب نفسه بكون ماله (٢) للمشتري الأوّل ، والتزامه قبل تملّكه بكون هذا المال المعيّن للمشتري ليس التزاماً إلاّ بكون مال غيره له.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كلّ عاقد وشارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه وإن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه ونقضه ، ولعلّه لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح بناءً على صحّة الفضولي صحّة العقد المذكور بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة (٣).

قيل (٤) : ويلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك (٥) ، وقد سبق استظهاره من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (٦).

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المالك.

(٢) في «ف» بدل «بكون ماله» : بكونه.

(٣) انظر إيضاح الفوائد ١ : ٤١٩.

(٤) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٤.

(٥) انظر المسالك ٦ : ٤٩.

(٦) راجع الصفحة ٤٣٦.


لكن يضعّفه : أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك فيستصحب ، والمقام مقام استصحاب حكم الخاصّ ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ ، فتأمّل. مضافاً إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلّها لغيرهم إلاّ عن طيب النفس ، وفحوى الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدّمة (١) في نكاح العبد بدون إذن مولاه (٢) وأنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لولا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ لو سُلّم عدم التوقّف على الإجازة فإنّما هو فيما إذا باع الفضولي لنفسه ، أمّا لو باع فضولاً للمالك أو لثالثٍ ثمّ ملك هو ، فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع أشكل.

ولو باع وكالةً عن المالك (٣) فبان انعزاله بموت الموكِّل ، فلا إشكال في عدم وقوع البيع له بدون الإجازة ولا معها ، نعم يقع للوارث مع إجازته.

المسألة الثالثة

لو باع معتقداً لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف

ما لو باع معتقداً لكونه غير جائز التصرّف فبان كونه جائز التصرّف.

وعدم جواز التصرّف المُنكشَف خلافه ، إمّا لعدم الولاية فانكشف‌

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٤٥٤.

(٢) في «ف» : المولى.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ونسخة بدل «خ» ، وفي غيرها : عن البائع.


كونه وليّاً ، وإمّا لعدم الملك فانكشف كونه مالكاً.

صور المسألة أربع :

وعلى كلّ منهما ، فإمّا أن يبيع عن المالك ، وإمّا أن يبيع لنفسه ، فالصور أربع :

١ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه وليّاً

الاولى : أن يبيع عن المالك فانكشف (١) كونه وليّاً على البيع.

فلا ينبغي الإشكال في اللّزوم حتّى على القول ببطلان الفضولي. لكنّ الظاهر من المحكي عن القاضي : أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة فباع واشترى وهو لا يعلم بإذن سيّده ولا علم به أحد ، لم يكن مأذوناً في التجارة ، ولا يجوز شي‌ء ممّا فعله ، فإن علم بعد ذلك واشترى وباع جاز ما فعله بعد الإذن ، ولم يجز ما فعله قبل ذلك ، فإن أمر السيّد قوماً أن يبايعوا العبد والعبد لا يعلم بإذنه له كان بيعه وشراؤه منهم جائزاً ، وجرى ذلك مجرى الإذن الظاهر ، فإن اشترى العبد بعد ذلك من غيرهم وباع جاز (٢) ، انتهى.

وعن المختلف الإيراد عليه : بأنّه لو أذن المولى (٣) ولا يعلم العبد ، ثمّ باع العبد صحّ ؛ لأنّه صادف الإذن ، ولا يؤثّر فيه إعلام المولى بعض المعاملين (٤) ، انتهى.

وهو حسن.

__________________

(١) في «ف» : وانكشف.

(٢) حكاه العلاّمة في المختلف ٥ : ٤٣٥ ، ولم نعثر عليه في المهذّب وغيره من كتب القاضي.

(٣) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : الولي.

(٤) المختلف ٥ : ٤٣٧.


٢ ـ لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّاً

الثانية : أن يبيع لنفسه فانكشف كونه وليّاً.

فالظاهر أيضاً صحّة العقد ، لما عرفت من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع ولا يقدح (١) ، وفي توقّفه على إجازته للمولّى عليه وجه ؛ لأنّ قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون ، فتأمّل.

٣ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه مالكاً

الثالثة : أن يبيع عن المالك ثمّ ينكشف كونه مالكاً.

وقد مثّله الأكثر بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتاً ، والمشهور الصحّة ، بل ربما استفيد من كلام العلاّمة في القواعد (٢) والإرشاد (٣) في باب الهبة الإجماع ، ولم نعثر على مخالف صريح ، إلاّ أنّ الشهيد رحمه‌الله ذكر في قواعده : أنّه لو قيل بالبطلان أمكن (٤) ، وقد سبقه في احتمال ذلك العلاّمة وولده في النهاية (٥) والإيضاح ؛ لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب ، لا عنه ، ولأنه وإن كان منجّزاً في الصورة إلاّ أنّه معلّق ، والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك ، ولأنه كالعابث عند مباشرة العقد ؛ لاعتقاده أنّ المبيع لغيره (٦) ، انتهى.

أقول : أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه ؛ لأنّه إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده ، ففي الحقيقة‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٧٧ ٣٨٣.

(٢) القواعد ١ : ٢٧٥.

(٣) الإرشاد ١ : ٤٥٠.

(٤) القواعد والفوائد ٢ : ٢٣٨ ، ذيل القاعدة : ٢٣٨.

(٥) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٧.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢٠.


إنّما قصد النقل عن المالك لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه ، وقد تقدّم توضيح ذلك في عكس المسألة ، أي : ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنّه ملكه (١).

نعم ، من أبطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي البطلان عنده هنا ؛ لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه ؛ ولذا نقول نحن كما سيجي‌ء (٢) باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد ؛ لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

وأمّا ما ذكر : من أنّه في معنى التعليق ، ففيه مع مخالفته لمقتضى الدليل الأوّل ، كما لا يخفى ـ : منع كونه في معنى التعليق ؛ لأنّه إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه ، كما هو ظاهر هذا الدليل ، فهو إنّما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه ، فبيعه كبيع الغاصب مبنيّ على دعوى السلطنة والاستقلال على المال ، لا على تعليق للنقل (٣) بكونه منتقلاً إليه بالإرث عن (٤) مورّثه ؛ لأنّ ذلك لا يجامع مع ظنّ الحياة.

اللهم إلاّ أن يراد أنّ القصد الحقيقي إلى النقل معلّق على تملّك الناقل ، وبدونه فالقصد صوري ، على ما تقدّم من المسالك من أنّ الفضولي والمكره قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله (٥).

__________________

(١) راجع الصفحة ٣٧٦ و ٣٨٠.

(٢) يجي‌ء في الصفحة الآتية.

(٣) في «ف» : النقل.

(٤) في «ف» ، «خ» و «ن» : من.

(٥) تقدّم في الصفحة ٣٧٢.


لكن فيه حينئذٍ : أنّ هذا القصد الصوري كافٍ ؛ ولذا قلنا بصحّة عقد الفضولي.

ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره أخيراً من كونه كالعابث عند مباشرة العقد ، معلّلاً بعلمه بكون المبيع لغيره.

هل تحتاج إلى إجازة مستأنفة

وكيف كان ، فلا ينبغي الإشكال في صحّة العقد ، إلاّ أنّ ظاهر المحكيّ من غير واحد (١) لزوم العقد وعدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة ؛ لأنّ المالك هو المباشر للعقد فلا وجه لإجازة فعل نفسه ، ولأنّ قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرّد القصد إلى نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه وإن لم يشعر به فهو أولى من الإذن في ذلك فضلاً عن إجازته ، وإلاّ توجّه عدم وقوع العقد له.

الأقوى وقوفه على الإجازة

لكنّ الأقوى وفاقاً للمحقّق والشهيد الثانيين (٢) ـ : وقوفه على الإجازة ، لا لما ذكره في جامع المقاصد من أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن ، بل مع إجازة المالك ؛ لاندفاعه بما ذكره بقوله : إلاّ أن يقال : إنّ قصده إلى أصل البيع كافٍ (٣).

وتوضيحه : أنّ انتقال المبيع شرعاً بمجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من مدلول لفظ العقد حتّى يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه ، وإنّما هو من الأحكام الشرعيّة العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقّف على الأُمور المتأخّرة وعدمه ، مع أنّ عدم (٤) القصد المذكور‌

__________________

(١) حكاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٦ ، عن ظاهر الشهيد وغيره.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٧٦ ، والمسالك ٦ : ٥١.

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٧٦.

(٤) لم ترد «عدم» في «ف».


لا يقدح بناءً على الكشف ، بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه ، فالدليل على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم ، وعدم حلّها لغيرهم إلاّ بطيب أنفسهم ، وحرمة أكل المال إلاّ بالتجارة عن تراض.

وبالجملة ، فأكثر أدلّة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا.

وأمّا ما ذكرناه من أنّ قصد نقل ملك نفسه إن حصل أغنى عن الإجازة ، وإلاّ فسد العقد.

ففيه : أنّه يكفي في تحقّق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم (١) القصد إلى نقل المال المعيّن. وقصد كونه ماله (٢) أو مال غيره مع خطائه (٣) في قصده أو صوابه (٤) في الواقع لا يقدح ولا ينفع ؛ ولذا بنينا على صحّة العقد بقصد (٥) مال نفسه مع كونه مالاً لغيره.

وأمّا أدلّة اعتبار التراضي وطيب النفس ، فهي دالّة على اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله ، لا بنقل مالٍ معيّنٍ يتّفق كونه ملكاً له في الواقع ، فإنّ حكم طيب النفس والرضا لا يترتّب على ذلك ، فلو أذن في التصرّف في مالٍ معتقداً أنّه لغيره ، والمأذون يعلم أنّه له ، لم يجز له التصرّف بذلك الإذن. ولو فرضنا أنّه أعتق‌

__________________

(١) العبارة في «ف» هكذا : القابلة للزوم القصد.

(٢) في مصحّحة «ص» ونسخة بدل «ش» : مال نفسه.

(٣) في بعض النسخ : خطأ.

(٤) في مصحّحة «ص» : وصوابه.

(٥) في «ص» زيادة : نقل.


عبداً عن غيره فبان أنّه له لم ينعتق ، وكذا لو طلّق امرأةً وكالةً عن غيره فبانت زوجته ؛ لأنّ القصد المقارن إلى طلاق زوجته وعتق مملوكه معتبر فيهما ، فلا تنفع الإجازة.

ولو غرّه الغاصب فقال : «هذا عبدي أعتقه عنك» فأعتقه عن نفسه ، فبان كونه له ، فالأقوى أيضاً عدم النفوذ ، وفاقاً للمحكيّ عن التحرير (١) وحواشي الشهيد (٢) وجامع المقاصد (٣) مع حكمه بصحّة البيع هنا ووقوفه على الإجازة (٤) ؛ لأنّ العتق لا يقبل الوقوف ، فإذا لم يحصل القصد إلى فكّ ماله مقارناً للصيغة وقعت باطلة ، بخلاف البيع ؛ فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق وصحّة البيع مع الإجازة ، كما يتوهّم.

نعم ، ينبغي إيراد التناقض على من حكم هناك بعدم النفوذ ، وحكم في البيع باللزوم وعدم الحاجة إلى الإجازة ؛ فإنّ القصد إلى إنشاء يتعلّق بمعيّن هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به ، إن كان يكفي في طيب النفس والرضا المعتبر في جميع إنشاءات الناس المتعلّقة بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق ، وإن اعتبر في طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك ، العلم بكونه مالاً له ولم يكف مجرّد مصادفة الواقع ، وجب الحكم بعدم لزوم البيع.

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٤١.

(٢) لا يوجد لدينا «حواشي الشهيد» ، نعم حكاه عنه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٢٣٣.

(٣) جامع المقاصد ٦ : ٢٣٣.

(٤) جامع المقاصد ٤ : ٧٦.


فالحقّ : أنّ القصد إلى الإنشاء المتعلّق ، بمال معيّن مصحّح للعقد ، بمعنى قابليته للتأثير ، ولا يحتاج إلى العلم بكونه مالاً له ، لكن لا يكفي ذلك في تحقّق الخروج عن ماله بمجرّد الإنشاء ، ثمّ إن كان ذلك الإنشاء ممّا يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود ، وإلاّ وقع الإنشاء باطلاً كما في الإيقاعات.

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا في وجه الوقوف على الإجازة : أنّ هذا الحقّ للمالك من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ ، فعقده متزلزل من حيث الحدوث ، لا البقاء كما قوّاه بعض من قارب عصرنا (١) ، وتبعه بعض من عاصرناه (٢) ؛ معلّلاً بقاعدة نفي الضرر ؛ إذ فيه : أنّ الخيار فرع الانتقال ، وقد تقدّم توقّفه على طيب النفس.

وما ذكراه من الضرر المترتّب على لزوم البيع ، ليس لأمرٍ راجع إلى العوض والمعوّض ، وإنّما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه ورضاه ؛ إذ لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين أن يجهل أصل الانتقال كما يتّفق في الفضولي ، أو يعلمه ويجهل تعلّقه بماله.

ومن المعلوم : أنّ هذا الضرر هو المثبت لتوقّف عقد الفضولي على الإجازة ؛ إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوى هذا الضرر.

ثمّ ، إنّ الحكم بالصحّة (٣) في هذه الصورة غير متوقّفة (٤) على القول‌

__________________

(١) قوّاه المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٧.

(٢) وهو صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٢٩٨.

(٣) لم ترد «بالصحّة» في «ف».

(٤) كذا في النسخ ، والمناسب : «غير متوقّف» ، كما في مصحّحة «ص».


بصحّة عقد الفضولي ، بل يجي‌ء على القول بالبطلان ، إلاّ أن يستند في بطلانه بما تقدّم من قبح التصرّف في مال الغير (١) ، فيتّجه عنده حينئذٍ البطلان ، ثمّ يغرم المثمن وإن كان جاهلاً (٢).

٤ ـ لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره فانكشف أنّه له

الرابعة : أن يبيع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره فانكشف أنّه له ، والأقوى هنا أيضاً الصحّة ولو على القول ببطلان الفضولي والوقوف على الإجازة ؛ بمثل ما مرّ في الثالثة ، وفي عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة ؛ ولذا قوّى اللزوم هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة (٣).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٧١.

(٢) عبارة «ثمّ يغرم المثمن وإن كان جاهلاً» لم ترد في «ف» و «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٣) قاله المحقّق التستري في مقابس الأنوار : ١٣٦ ، في الخامس من موارد بيع الفضولي.


وأمّا القول في المجاز :

فاستقصاؤه يكون ببيان أُمور :

اعتبار كون العقد المجاز جامعاً لجميع الشروط

الأوّل : يشترط فيه كونه جامعاً لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا المالك ، فلا يكفي اتّصاف المتعاقدين بصحّة الإنشاء ، ولا إحراز سائر الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف ؛ للزومه عليه حينئذٍ (١) ، بل مطلقاً ؛ لتوقّف تأثيره الثابت ولو على القول بالنقل عليها ؛ وذلك لأنّ العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه ، وعلى أيّ حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده ؛ ولهذا لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين ، بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا ؛ لأنّ الإجازة على القول بالنقل أشبه بالشرط ، ولو سلّم كونها جزءاً فهو جزءٌ للمؤثِّر لا للعقد ، فيكون جميع ما دلّ من النصّ والإجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل والانتقال بالعقد.

نعم ، لو دلّ دليل على اعتبار شرطٍ في ترتّب الأثر الشرعي على العقد من غير ظهور في اعتباره في أصل الإنشاء ، أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة ، ولعلّ من هذا القبيل : القدرة على التسليم ، وإسلام مشتري المُصحَفِ والعبدِ (٢) المسلم.

هل يشترط بقاء الشرائط إلى زمان الاجازة؟

ثمّ هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلى زمان الإجازة ، أم لا؟ لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين‌

__________________

(١) لم ترد «حينئذٍ» في «ف» و «ش».

(٢) كلمة «العبد» من «ش» فقط.


على شروطهما (١) حتّى على القول بالنقل. نعم ، على القول بكونها بيعاً مستأنفاً يقوى الاشتراط.

وأمّا شروط العوضين ، فالظاهر اعتبارها بناءً على النقل ، وأمّا بناءً على الكشف فوجهان ، واعتبارها عليه أيضاً غير بعيد.

هل يعتبر كون المجاز معلوماً للمجيز بالتفصيل؟

الثاني : هل يشترط في المجاز كونه معلوماً للمجيز بالتفصيل‌

من تعيين العوضين ، وتعيين نوع العقد من كونه بيعاً أو صلحاً ، فضلاً عن جنسه من كونه نكاحاً لجاريته أو بيعاً لها أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان : من كون الإجازة كالإذن السابق فيجوز تعلّقه بغير المعيّن إلاّ إذا بلغ حدّا لا يجوز معه التوكيل ، ومن أنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد ؛ لأنّ المعاهدة الحقيقية إنّما تحصل بين المالكين (٢) بعد الإجازة ، فيشبه القبول مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل.

ومن هنا يظهر قوّة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد ، ولا يكفي مجرّد احتماله فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه ؛ لأنّ الإجازة وإن لم تكن من العقود حتّى يشملها معاقد إجماعهم (٣) على عدم جواز التعليق فيها (٤) ، إلاّ أنّها في معناها (٥) ؛ ولذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء‌

__________________

(١) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : شروطها.

(٢) في «ش» : من المالكين.

(٣) كذا ، والمناسب : إجماعاتهم ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فيه.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : معناه.


بالعقد السابق ، مع أنّ الوفاء بالعقد السابق (١) لا يكون إلاّ في حقّ العاقد ، فتأمّل.

حكم العقود المترتّبة

الثالث : المجاز ، إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير ، وإمّا العقد الواقع على عوضه ، وعلى كلّ منهما إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال أو عوضه ، أو آخره ، أو عقداً بين سابق ولاحق واقعين على مورده ، أو بدله ، أو بالاختلاف.

ويجمع (٢) الكلّ : فيما إذا باع عبداً لمالكٍ بفرس ، ثمّ باعه المشتري بكتاب ، ثمّ باعه الثالث بدينار ، وباع البائع الفرس بدرهم ، وباع الثالث الدينار بجارية ، وباع بائع الفرس الدرهم برغيف ، ثمّ بيع الدرهم بحمار ، وبيع الرغيف بعسل.

أمّا إجازة العقد الواقع على مال المالك أعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له ولما بعده ممّا وقع على مورده أعني العبد بالدينار بناءً على الكشف ، وأمّا بناءً على النقل ، فيبنى على ما تقدّم من اعتبار ملك المجيز حين العقد وعدمه ، وهي فسخ بالنسبة إلى ما قبله ممّا ورد على مورده ، أعني بيع العبد بفرس بالنسبة إلى المجيز.

أمّا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة وهو المشتري بالكتاب فقابليّته للإجازة مبنيّة على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

هذا حال العقود السابقة واللاحقة على مورده ، أعني مال المجيز.

__________________

(١) لم ترد «السابق» في «ف».

(٢) كذا ، والأنسب : يجتمع ، كما استظهره مصحّح «ص».


وأمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز : فالسابقة على هذا العقد وهو بيع الفرس بالدرهم يتوقّف لزومها على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس (١) ، واللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد.

وأمّا إجازة العقد الواقع على العوض (٢) أعني بيع الدرهم برغيف فهي ملزمة للعقود السابقة عليه ، سواء وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أو على (٣) عوضه وهو بيع الفرس بالدرهم ، وللعقود اللاحقة له إذا وقعت على المعوّض (٤) ، وهو بيع الدرهم بالحمار.

أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز أعني بيع الرغيف بالعسل فحكمها حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداءً.

وملخّص ما ذكرنا : أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة (٥) مترتّبة (٦) على مال المجيز ، فإن وقعت من أشخاص متعدّدة كان إجازة وسط منها فسخاً لما قبله وإجازة لما بعده على الكشف ، وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر.

__________________

(١) عبارة «يتوقّف لزومها إلى وهو الفرس» ساقطة من «ف».

(٢) في «ف» و «ع» ونسخة بدل «ن» وفيما يلوح من «ص» : المعوّض.

(٣) لم ترد «على» في «ف».

(٤) في «م» و «ن» : «العوض» ، وفي نسخة بدل الأخير : المعوض.

(٥) لم ترد «متعدّدة» في «خ».

(٦) لم ترد «مترتّبة» في «ف».


ولعلّ هذا هو المراد من المحكي عن الإيضاح (١) والدروس (٢) في حكم ترتّب العقود : من أنّه إذا أجاز عقداً على المبيع صحّ وما بعده ، وفي الثمن ينعكس ؛ فإنّ العقود المترتّبة على المبيع لا يكون إلاّ من أشخاص متعدّدة ، وأمّا العقود المترتّبة على الثمن ، فليس مرادهما أن يعقد على الثمن الشخصي مراراً ؛ لأنّ حكم ذلك حكم العقود المترتّبة على المبيع ، على ما سمعت سابقاً من (٣) قولنا : أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز .. إلخ ، بل مرادهما ترامي الأثمان في العقود المتعدّدة ، كما صرّح بذلك المحقّق والشهيد الثانيان (٤).

وقد علم من ذلك أنّ مرادنا بما ذكرنا في المقسم من العقد المجاز على عوض مال الغير ، ليس العوض الشخصي الأوّل له ، بل العوض ولو بواسطة.

الاشكال في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود لصورة علم المشتري بالغصب

ثمّ إنّ هنا (٥) إشكالاً في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود لصورة علم المشتري بالغصب ، أشار إليه العلاّمة رحمه‌الله في القواعد (٦) ، وأوضحه قطب الدين والشهيد في الحواشي المنسوبة إليه.

__________________

(١) الإيضاح ١ : ٤١٨.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٣ ، وحكى ذلك عنهما المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٧٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩١ ، وغيرهما.

(٣) في غير «ش» زيادة «أنّ» ، ولكن شطب عليها في «ن».

(٤) انظر جامع المقاصد ٤ : ٧٠ ، والمسالك ٣ : ١٥٩ ، والروضة البهية ٣ : ٢٣٣.

(٥) في «ف» : ها هنا.

(٦) القواعد ١ : ١٢٤.


فقال الأوّل فيما حكي عنه : إنّ وجه الإشكال أنّ المشتري مع العلم يكون مسلِّطاً للبائع الغاصب على الثمن ؛ ولذا لو تلف لم يكن له الرجوع ، ولو بقي ففيه الوجهان ، فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط بدفعه ثمناً عن مبيع اشتراه ، ومن أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة ولم يمنع من نفوذ الملك فيه إلاّ عدم صدوره عن المالك ، فإذا أجاز جرى مجرى الصادر عنه (١) ، انتهى.

وقال في محكيّ الحواشي : إنّ المشتري مع علمه بالغصب يكون مسلِّطاً للبائع الغاصب على الثمن ، فلا يدخل في ملك ربّ العين ، فحينئذٍ إذا اشترى به البائع متاعاً فقد اشتراه لنفسه وأتلفه عند الدفع إلى البائع فيتحقّق ملكيّته للمبيع ، فلا يتصوّر نفوذ الإجازة هنا (٢) لصيرورته ملكاً للبائع وإن أمكن إجازة البيع (٣) ، مع احتمال عدم نفوذها أيضاً ؛ لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه فلا يكون ثمناً ، فلا تؤثّر الإجازة في جعله ثمناً ، فصار الإشكال في صحّة البيع وفي التتبّع ، ثمّ قال : إنّه يلزم من القول ببطلان التتبّع (٤) بطلان إجازة البيع في المبيع ؛ لاستحالة كون المبيع بلا ثمن ، فإذا قيل : إنّ الإشكال في صحّة‌

__________________

(١) لا يوجد لدينا كتابه ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٢.

(٢) كذا في «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي «ف» : بها ، وفي سائر النسخ : فيها.

(٣) كذا في «م» ونسخة بدل «خ» و «ع» ؛ وفاقاً للمحكي عن المصدر ، وفي سائر النسخ : المبيع.

(٤) كذا في «ش» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : البيع ؛ وفاقاً للمحكي عن المصدر.


العقد كان صحيحاً أيضاً (١) ، انتهى.

واقتصر في جامع المقاصد (٢) على ما ذكره الشهيد أخيراً في وجه سراية هذا الإشكال إلى صحّة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب.

والمحكيّ عن الإيضاح : ابتناء وجه بطلان جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري على كون الإجازة ناقلة ، فيكون منشأ الإشكال في الجواز والعدم : الإشكال في الكشف والنقل.

قال في محكيّ الإيضاح : إذا كان المشتري جاهلاً فللمالك تتبّع العقود ورعاية مصلحته والربح في سلسلتي الثمن والمثمن ، وأمّا إذا كان عالماً بالغصب فعلى قول الأصحاب من أنّ المشتري إذا رجع عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه ، فيكون قد ملّك الغاصب مجّاناً ؛ لأنّه بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب ، والمالك قبل الإجازة لم يملك الثمن ؛ لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب ، فلو لم يكن للغاصب فيكون (٣) الملك بغير مالك ، وهو محال ، فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له أي الإجازة فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله ، ويكون ما يشتري الغاصب بالثمن وربحه له ، وليس للمالك أخذه لأنّه ملك الغاصب. وعلى القول بأنّ إجازة المالك كاشفة ، فإذا أجاز العقد كان له ، ويحتمل أن يقال : لمالك العين حقٌّ تعلّق بالثمن ، فإنّ‌

__________________

(١) حكى عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٢.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٧١.

(٣) كذا ، والمناسب : «لكان» كما في المصدر ، واستظهر مصحّح «ص» : يكون.


له إجازة البيع وأخذ الثمن ، وحقّه مقدّم على حقّ الغاصب ، لأنّ الغاصب يؤخذ بأخسّ أحواله وأشقّها عليه (١) ، والمالك بأجود (٢) الأحوال ، ثمّ قال : والأصحّ عندي [أنّه (٣)] مع وجود عين الثمن ، للمشتري العالم أخذه ، ومع التلف ليس له الرجوع به (٤). انتهى كلامه رحمه‌الله.

عدم ورود الاشكال على تقدير الكشف

وظاهر كلامه رحمه‌الله : أنّه لا وقع للإشكال على تقدير الكشف ، وهذا هو المتّجه ؛ إذ حينئذٍ يندفع ما استشكله القطب والشهيد رحمهما الله : بأنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن على تقدير الكشف تسليطٌ على ما ملكه (٥) الغير بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض ، فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل مقتضاه (٦) ، وإذا تحقّق الردّ انكشف كون ذلك تسليطاً من المشتري على ماله ، فليس له أن يستردّه ؛ بناءً على ما نقل من الأصحاب.

نعم ، على القول بالنقل يقع الإشكال في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن ؛ لأنّ إجازة مالك (٧) المبيع له موقوفة على تملّكه للثمن ؛ لأنّه‌

__________________

(١) عبارة «وأشقّها عليه» وردت في «ش» وهامش «ن» فقط.

(٢) كذا في «ش» و «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «مأخوذ» ولعلّه مصحّف «بأجود» وصحّح في «ص» هكذا : «مأخوذ بأحسن».

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) الإيضاح ١ : ٤١٧ ٤١٨.

(٥) في «م» و «ص» : «على ملك» ، وفي «ع» : على مالكه.

(٦) في «ص» ومصحّحة «ن» : بمقتضاه.

(٧) كذا في «ف» و «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : المالك.


قبلها أجنبيّ عنه ، والمفروض أنّ تملّكه الثمن موقوف على الإجازة على القول بالنقل. وكذا الإشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع بعد قبض البائع الثمن أو بعد إتلافه إيّاه على الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري على (١) الثمن بصورة التلف وعدمه ؛ لأنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل انتقاله إلى (٢) مالك المبيع بالإجازة ، فلا يبقى مورد للإجازة.

وما ذكره في الإيضاح : من احتمال تقديم حقّ المجيز لأنّه أسبق وأنّه أولى من الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال (٣) ، فلم يعلم له (٤) وجه بناءً على النقل ؛ لأنّ العقد جزء سبب لتملّك المجيز ، والتسليط (٥) المتأخّر عنه علّة تامّة لتملّك الغاصب ، فكيف يكون حقّ المجيز أسبق؟

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن ، لعلّه لأجل التسليط (٦) المراعى بعدم إجازة مالك المبيع ، لا لأنّ نفس التسليط (٧) علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ والإجازة ، وحيث إنّ حكمهم هذا مخالف للقواعد الدالّة على عدم حصول الانتقال‌

__________________

(١) في مصحّحة «م» : إلى.

(٢) كذا في «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : على.

(٣) تقدّم نصّ عبارته في الصفحة السابقة.

(٤) لم ترد «له» في غير «ش» ، لكنّها استدركت في «م» و «خ» ، وفي «ن» صحّحت العبارة بتبديل «وجه» ب «وجهه».

(٥) في غير «ف» و «ش» : «التسلّط» ، لكنّه صحّح في «م» و «ن» بما أثبتناه.

(٦) في غير «ش» : «التسلّط» ، لكن صحّح في «م» و «ن» بما أثبتناه.

(٧) في غير «ش» : «التسلّط» ، لكن صحّح في «م» و «ن» بما أثبتناه.


بمجرّد التسليط المتفرّع على عقد فاسد ، وجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، وهو التسليط على تقدير عدم الإجازة ، فافهم.


مسألة

في أحكام الردّ‌

ما يتحقق به الرد

لا يتحقّق الردّ قولاً إلاّ بقوله : «فسخت» و «رددت» وشبه ذلك ممّا هو صريح في الردّ ؛ لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل وقابليّته من طرف المجيز ، وكذا يحصل بكلّ فعل مخرجٍ (١) له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما ، كالعتق والبيع والهبة والتزويج ونحو ذلك ، والوجه في ذلك : أنّ تصرّفه بعد فرض صحّته مفوّت لمحلّ الإجازة ؛ لفرض خروجه عن ملكه.

هل يتحقق الرد بالتصرف غير المخرج عن الملك؟

وأمّا التصرّف الغير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية وإجارة الدار (٢) وتزويج الأمة فهو وإن لم يخرج الملك عن قابليّة وقوع الإجازة عليه ، إلاّ أنّه مخرج له عن قابليّة وقوع الإجازة من زمان العقد ؛ لأنّ صحّة الإجازة على هذا النحو توجب وقوعها باطلة ، وإذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع الإجازة.

والحاصل : أنّ وقوع هذه الأُمور صحيحة ، مناقض (٣) لوقوع‌

__________________

(١) في غير «ن» و «ش» : «يخرج» ، وصحّح في «ص» بما أثبتناه.

(٢) في «ع» و «ص» : «الدابّة» ، وفي نسخة بدل «ص» : الدار.

(٣) كذا في «ش» ، وفي «ف» : «متناقض» ، وفي سائر النسخ : «مناقضة» ، إلاّ أنّها صحّحت في «ن» بما أثبتناه.


الإجازة لأصل العقد ، فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحاً فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر (١) ، أو إبطال صاحبه ، أو إيقاعه على غير وجهه (٢) ، وحيث لا سبيل إلى الأخيرين تعيّن الأوّل.

وبالجملة ، كلّ ما يكون باطلاً على تقدير لحوق الإجازة المؤثّر (٣) من حين العقد ، فوقوعه صحيحاً مانع من لحوق الإجازة ؛ لامتناع اجتماع المتنافيين.

نعم ، لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسكنى واللبس ، كان عليه اجرة المثل إذا أجاز ، فتأمّل.

ومنه يعلم : أنّه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطّلاع على وقوع العقد ، ووقوعها (٤) بدونه ؛ لأنّ التنافي بينهما واقعي (٥).

ودعوى : أنّه لا دليل على اشتراط قابليّة التأثير من حين العقد في (٦) الإجازة ؛ ولذا صحّح جماعة كما تقدّم (٧) إجازة المالك الجديد في من باع شيئاً ثمّ ملكه.

مدفوعة : بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد‌

__________________

(١) في غير «ش» : «الأخير» ، لكن صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٢) كذا في «ص» و «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : وجه.

(٣) في «ن» : «المؤثّرة» ، والظاهر أنّها مصحّحة.

(٤) في غير «ش» : «وقوعه» ، لكن صحّح في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٥) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «واقع» ، إلاّ أنّ في هامش «ن» : واقعي خ.

(٦) في غير «ش» ومصحّحة «ن» بدل «في» : و.

(٧) تقدّم في الصفحة ٤٣٥ ٤٣٦.


مؤثّرة من حينه.

نعم ، لو قلنا بأنّ الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى كون المؤثّر التامّ هو العقد الملحوق بالإجازة كانت التصرّفات مبنيّة على الظاهر ، وبالإجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك ، فتبطل هي وتصحّ الإجازة.

التصرفات الغير المنافية لملك المشتري على قسمين :

بقي الكلام في التصرّفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد ، كتعريض المبيع للبيع ، والبيع الفاسد (١) ، وهذا أيضاً على قسمين : لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي على ماله (٢) ، وإمّا أن يقع في حال عدم الالتفات.

١ ـ ما يقع في حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي

أمّا الأوّل ، فهو ردّ فعلي للعقد ، والدليل على إلحاقه بالردّ القولي مضافاً إلى صدق الردّ عليه ، فيعمّه ما دلّ على أنّ للمالك الردّ ، مثل : ما وقع في نكاح العبد والأمة بغير إذن مولاه (٣) ، وما ورد في من زوَّجَته امّه وهو غائب ، من قوله عليه‌السلام : «إن شاء قبل (٤) وإن شاء ترك» (٥) ، إلاّ أن يقال : إنّ الإطلاق مسوق لبيان أنّ له الترك ، فلا‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ص» ، وفي «ش» : «كتعريض المبيع والبيع الفاسد» ، وفي سائر النسخ : «كتعريض المبيع للبيع الفاسد» ، لكن صحّح في هامش «م» و «ن» بما أثبتناه.

(٢) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ع» : في ماله.

(٣) راجع الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٤) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : فعل.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٣.


تعرّض فيه لكيفيّته (١) ـ : أنّ المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود في الردّ الفعلي ، وهو خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد ، مضافاً إلى فحوى الإجماع المدّعى (٢) على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل ، كالوطء والبيع والعتق ؛ فإنّ الوجه في حصول الفسخ هي دلالتها على قصد فسخ البيع ، وإلاّ فتوقّفها (٣) على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها ، بل يوجب بطلانها ؛ لعدم حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها (٤) حتّى تصادف الملك.

وكيف كان ، فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلاً ، صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير ، بطريق أولى.

٢ ـ ما يقع في حال عدم التفات المالك

وأمّا الثاني وهو ما يقع في حال عدم الالتفات فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به ؛ لعدم دلالته على إنشاء الردّ ، والمفروض عدم منافاته أيضاً للإجازة اللاحقة ، ولا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل (٥) بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الردّ (٦) الموقوف على القصد والالتفات إلى‌

__________________

(١) في غير «ش» : «لكيفية» ، لكن صحّحت في «م» ، «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٢) ادّعاه الشيخ في المبسوط ٢ : ٨٣ ، والحلي في السرائر ٢ : ٢٤٨.

(٣) في «ش» : فتوقّفهما.

(٤) في «ف» زيادة : فيها خ.

(٥) في نسخة بدل «ن» : عن العقد.

(٦) العبارة في «ف» هكذا : مع عدم اعتبار صدق الردّ.


وقوع المردود ، نظير إنكار الطلاق (١) الذي جعلوه رجوعاً ولو مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق ، على ما يقتضيه إطلاق كلامهم.

نعم ، لو ثبت كفاية ذلك في العقود الجائزة كفى هنا بطريق أولى ، كما عرفت (٢) ، لكن لم يثبت ذلك هناك (٣) ، فالمسألة محلّ إشكال ، بل الإشكال في كفاية سابقه أيضاً ؛ فإنّ بعض المعاصرين يظهر منهم دعوى الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة (٤) ؛ ولذا استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها جاهلاً بفساده (٥) ، وقرّره في الإيضاح (٦) وجامع المقاصد (٧) على الإشكال.

حاصل الكلام فيما يتحقّق به الردّ

والحاصل : أنّ المتيقّن من الردّ هو الفسخ القولي ، وفي حكمه تفويت محلّ الإجازة بحيث لا يصحّ وقوعها على وجه يؤثّر من حين العقد.

وأمّا الردّ الفعلي وهو الفعل المنشأ به مفهوم (٨) الردّ فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به.

__________________

(١) هذا مثال للمنفيّ ، لا النفي.

(٢) عرفت الأولوية في الصفحة السابقة.

(٣) في «م» و «ش» : هنا.

(٤) انظر مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٨.

(٥) القواعد ١ : ٢٥٩.

(٦) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٥٤.

(٧) جامع المقاصد ٨ : ٢٨٢.

(٨) كذا في «ش» ، وفي غيرها : المنشئ لمفهوم.


وأمّا مجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصدَ بقاء العقد من غير تحقّق مفهوم الردّ لعدم الالتفات إلى وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للأصل.

وفي حكم ما ذكرنا : الوكالة والوصاية ، ولكنّ الاكتفاء فيهما بالردّ الفعلي أوضح.

وأمّا الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار ، فهو منحصر باللفظ أو الردّ الفعلي.

وأمّا فعل ما لا يجامع صحّة العقد كالوطء والعتق والبيع (١) فالظاهر أنّ الفسخ بها من باب تحقّق القصد قبلها ، لا لمنافاتها لبقاء العقد ؛ لأنّ مقتضى المنافاة بطلانها ، لا انفساخ العقد ، عكس ما نحن فيه ، وتمام الكلام في محلّه.

ثمّ إنّ الردّ إنّما يثمر في عدم صحّة الإجازة بعده ، وأمّا انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضولي فلا يتوقّف على الردّ ، بل يكفي فيه عدم الإجازة ، والظاهر أنّ الانتزاع بنفسه ردّ مع القرائن الدالّة على إرادته منه ، لا مطلق الأخذ ؛ لأنّه أعمّ ، ولذا ذكروا أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقّق به.

__________________

(١) والبيع» من «ش» فقط.


مسألة

حكم المالك مع المشتري لو لم يجز

لو لم يجز المالك ، فإن كان المبيع في يده فهو ، وإلاّ فله انتزاعه‌ ممّن وجده في يده مع بقائه ، ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها على الخلاف المتقدّم (١) في البيع الفاسد (٢) ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده بقيمته يوم التلف أو بأعلى القيم من زمانٍ وقع في يده.

ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر ، وفُرض زيادة القيمة عنده ، ثمّ نقصت عند الأخير ، اختصّ السابق بالرجوع بالزيادة عليه ، كما صرّح به جماعة في الأيدي المتعاقبة (٣).

حكم المشتري مع الفضولي

هذا كلّه حكم المالك مع المشتري ، وأمّا حكم المشتري مع الفضولي ، فيقع الكلام فيه (٤) تارة في الثمن ، وأُخرى في ما يغرمه للمالك‌

__________________

(١) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : المقدّم.

(٢) راجع الصفحة ٢٠١ ٢٠٨ (الثالث من الأُمور المتفرّعة على المقبوض بالعقد الفاسد).

(٣) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ٢٠٢ والتذكرة ٢ : ٣٧٧ ، والشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢٠٥ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٥٩.

(٤) لم ترد «فيه» في «ف».


زائداً على الثمن ، فهنا مسألتان :

الاولى

رجوع المشتري إلى الفضولي بالثمن إن كان جاهلاً بكونه فضولياً

أنّه يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلاً بكونه فضوليّاً ، سواء كان باقياً أو تالفاً ، ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكاً ؛ لأنّ اعترافه مبنيّ على ظاهر يده ، نعم لو اعترف به على وجهٍ يعلم عدم استناده إلى اليد كأن يكون اعترافه (١) بذلك بعد قيام البيّنة لم يرجع بشي‌ء. ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد أو إلى غيره ، ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد أو بظاهر لفظ «الإقرار» من دلالته على الواقع وجهان.

لو كان عالماً بكونه فضولياً وكان الثمن باقياً

وإن كان عالماً بالفضوليّة ، فإن كان الثمن باقياً استردّه وفاقاً للعلاّمة (٢) وولده (٣) والشهيدين (٤) والمحقّق الثاني (٥) رحمهم‌الله ؛ إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه شرعاً ، ومجرّد تسليطه عليه لو كان موجباً لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد ؛ لتسليط كلٍّ من المتبايعين صاحبَه على ماله ، ولأنّ الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك كما هو المشهور ـ

__________________

(١) في «ف» : كأن اعترف.

(٢) القواعد ١ : ١٢٤ والتذكرة ١ : ٤٦٣.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٨ و ٤٢١.

(٤) الدروس ٣ : ١٩٣ ، واللمعة الدمشقية : ١١٠ ، والروضة البهية ٣ : ٢٣٤ ٢٣٥ ، والمسالك ٣ : ١٦٠ ١٦١.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٧٧.


يستلزم تملّك المالك للثمن ، فإنّ تملّكه البائع قبله يلزم فوات محلّ الإجازة ؛ لأنّ الثمن إنّما ملكه الغير ، فيمتنع تحقّق الإجازة ، فتأمّل.

حكم ما لو كان الثمن تالفاً

وهل يجوز للبائع التصرّف فيه؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما العدم ؛ لأنّه أكل مالٍ بالباطل.

المشهور عدم الرجوع

هذا كلّه إذا كان باقياً ، وأمّا لو كان تالفاً ، فالمعروف عدم رجوع المشتري ، بل المحكي (١) عن العلاّمة (٢) وولده (٣) والمحقّق (٤) والشهيد (٥) الثانيين وغيرهم (٦) الاتّفاق عليه ، ووجهه كما صرّح به بعضهم كالحلي (٧) والعلاّمة (٨) وغيرهما (٩) ويظهر من آخرين (١٠) أيضاً (١١) ـ : أنّه سلّطه على

__________________

(١) لم نعثر على الحاكي بعينه ، نعم حكى السيّد العاملي في مفتاح الكرامة (٤ : ١٩٣ ١٩٤) ما يظهر منه هذا ، وراجع الجواهر ٢٢ : ٣٠٥ ٣٠٦.

(٢) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ، والمختلف ٥ : ٥٥ ٥٦.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٢١.

(٤) انظر جامع المقاصد ٤ : ٧٧ و ٦ : ٣٢٦.

(٥) انظر المسالك ٣ : ١٦٠ ، والروضة البهية ٣ : ٢٣٥.

(٦) مثل المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٩٢ ، وكاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٦٤ وغيرهما.

(٧) راجع السرائر ٢ : ٢٢٦ و ٣٢٥.

(٨) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ونهاية الإحكام ٢ : ٤٧٨.

(٩) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٦٠ والروضة البهيّة ٣ : ٢٣٥ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٣ ، وانظر الجواهر ٢٢ : ٣٠٥.

(١٠) في «ش» : من آخر.

(١١) كلمة «أيضاً» من «ش» ومصحّحة «ن».


ماله بلا عوض.

توضيح ما استدلّ به المشهور

توضيح ذلك : أنّ الضمان إمّا لعموم «على اليد ما أخذت» (١) ، وإمّا لقاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ (٢) وغيره (٣) على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه.

والأوّل مخصَّص بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه إليه لحفظه كما في الوديعة (٤) ، أو الانتفاع به

كما في العارية (٥) (٦) ، أو استيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة (٧) ، فإنّ الدفع على هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان ، فالتسليط على التصرّف فيه وإتلافه له ممّا لا يوجب ذلك بطريق أولى.

ودعوى : أنّه إنّما سلّطه في مقابل العوض ، لا مجّاناً حتّى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدّم عدم الضمان فيها.

مندفعة : بأنّه إنّما سلّطه في مقابل ملك غيره ، فلم يُضمّنه في الحقيقة شيئاً من كيسه ، فهو يشبه الهبة الفاسدة والبيع بلا ثمن‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.

(٢) راجع المبسوط ٣ : ٨٥ و ٨٩ ، وتقدّم في الصفحة ١٨٢ من هذا الكتاب.

(٣) كالمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٤ : ٦١ و ٦ : ٣٢٤ ، والشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٥٤.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٢٢٧ ، الباب ٤ من أبواب كتاب الوديعة.

(٥) في «ف» : كالعارية.

(٦) انظر الوسائل ١٣ : ٢٣٥ و ٢٣٩ ، الباب ١ و ٣ من أبواب كتاب العارية.

(٧) انظر الوسائل ١٣ : ٢٨١ ، الباب ٣٢ من أبواب الإجارة وغيره من الأبواب.


والإجارة بلا أُجرة ، التي قد حكم الشهيد وغير واحد (١) بعدم الضمان فيها.

ومن ذلك يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان وهو الإقدام على الضمان هنا ؛ لأنّ البائع لم يُقدم على ضمان الثمن إلاّ بما علم المشتري أنّه ليس ملكاً له.

فإن قلت : تسلّطه (٢) على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه ولو عدواناً على كونه ملكاً له ، ولو لا هذا البناء لم يتحقّق مفهوم المعاوضة (٣) كما تقدّم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه (٤) فهو إنّما سلّطه على وجه يضمّنه بماله ، إلاّ أنّ كلاّ منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكيّة البائع للمثمن (٥) ، وتعاقدا مُعرِضَين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السرّاق والظلمة بل بنى المشتري على كون المثمن ملكاً للبائع ، فالتسليط ليس مجّاناً ، وتضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقيّ ، إلاّ أنّ كون المثمن مالاً له ادّعائيّ ،

__________________

(١) لم نعثر في الهبة الفاسدة على شي‌ء من الشهيد ولا من غيره ، وأمّا في البيع بلا ثمن وفي الإجارة بلا اجرة فقد تقدّم في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد عن الشهيدين والعلاّمة عدم الضمان ، راجع الصفحة ١٨٦.

(٢) في مصحّحة «م» : تسليطه.

(٣) في «ف» زيادة : «والمبادلة» ، وفي هامش «ن» : والمبادلة خ.

(٤) تقدّم في الصفحة ٣٨١ وما بعدها.

(٥) في غير «ص» و «ش» : «للثمن» ، لكن صحّح في «ن» بما أثبتناه ، واختلفت النسخ في هذه الكلمة في السطور الآتية أيضاً ، أعرضنا عن الإشارة إليها اعتماداً على صحّة ما أثبتناه.


فهو كما لو ظهر المثمن المعيّن ملكاً للغير ، فإنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتّفاقاً ، مع أنّه إنّما ضمّنه الثمن بإزاء هذا الشي‌ء الذي هو مال الغير ، فكما أنّ التضمين هنا حقيقي ، وكون المثمن مالاً له اعتقاديّ لا يقدح تخلّفه في التضمين ، فكذلك بناء المشتري في ما نحن فيه على ملك المثمن عدواناً لا يقدح في التضمين الحقيقي بماله.

قلت : الضمان كون الشي‌ء في عهدة الضامن وخسارته عليه ، وإذا كان المضمون به ملكاً لغير الضامن واقعاً فلا يتحقّق الضمان الحقيقي مع علمهما بذلك.

وما ذكر : من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكاً للبائع الغاصب مع كونه مال الغير ، فهو إنّما يُصحّح وقوع عقد التمليك والتملّك منهما ادّعاءً مع عدم كون البائع أهلاً لذلك في الواقع ، وإلاّ فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما ؛ ولذا ينتقل الثمن إلى مالك المبيع ويدخل في ضمانه بمجرّد الإجازة.

والحاصل : أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن ، وأمّا رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكيّة (١) البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ مع أنّه إنّما ضمّنه بمال الغير فلعدم طيب نفسه على تصرّف البائع فيه من دون ضمان ، وإن كان ما ضمنه به غير ملك له ولا يتحقّق به التضمين ؛ لأنّه إنّما طاب نفسه بتصرّف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكاً له وصيرورته مباحاً له بتسليطه عليه ، وهذا مفقود فيما‌

__________________

(١) كذا في «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : لملكيّة.


نحن فيه ؛ لأنّ طيب النفس بالتصرّف والإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل.

لا ينتقض ما نحن فيه بالعلم بفساد البيع

وممّا ذكرنا يظهر أيضاً فساد نقض ما ذكرنا بالبيع مع علم المشتري بالفساد ، حيث إنّه ضمّن البائع بما يعلم أنّه لا يضمن الثمن به ، وكذا البائع مع علمه بالفساد ضمّن المشتري بما يعلم أنّ (١) المشتري لا يضمن به ، فكأنه لم يضمّنه بشي‌ء.

وجه الفساد : أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا ؛ لأنّ المضمون به مال الضامن ، غاية الأمر أنّ فساد العقد مانع عن مضيّ هذا الضمان والتضمين في نظر الشارع ؛ لأنّ المفروض فساده ، فإذا لم يمضِ الشارع الضمان الخاصّ صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقي ، أو قاعدة إثبات اليد على مال من دون تسليط مجاني أو استئمان عن مالكه ، موجباً لضمانه على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه (٢) وشي‌ء منهما غير موجود فيما نحن فيه ، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه (٣) ، وحاصله : أنّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلاّ كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكاً للمبيع وتسليطه على إتلافه ، في أنّ ردّ المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث (٤).

نعم ، لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك كالخمر‌

__________________

(١) في «ع» وظاهر «ن» بدل «أنّ» : «إذ» ، وفي مصحّحتي «م» و «ن» : أنّ.

(٢) راجع الصفحة ١٨٨ ١٩١.

(٣) راجع الصفحة ٤٨٦ ٤٨٧.

(٤) في «ف» زيادة : أو السلطنة على إتلافه.


والخنزير والحرّ قوي اطّراد ما ذكرنا فيه : من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال ، كما صرّح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد (١).

مختار المؤلف ، والدليل عليه

هذا ، ولكن (٢) إطلاق قولهم : «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه وشبهه ؛ نظراً إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان ففاسده كذلك ، إلاّ أن يفسّر بما أبطلناه سابقاً : من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده (٣) ، ولا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه وفي مثل المبيع (٤) بلا ثمن والإجارة بلا اجرة إذا فرض صحيحاً لا يكون فيه (٥) ضمان ، فكذلك مع الحكم بالفساد ، لكنّك عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقاً في توضيح هذه القضيّة ؛ فإنّ معناه : أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه ، فيختصّ موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليّان ، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحاً وأُخرى فاسداً.

نعم ، يمكن تطبيق المعنى المختار فيما نحن فيه وشبهه ، بأن لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع والصلح بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها‌

__________________

(١) شرح القواعد (مخطوط) : ٦٨.

(٢) في «ف» زيادة : مقتضى.

(٣) سبق إبطاله في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد ، راجع الصفحة ١٨٦.

(٤) في مصحّحة «م» : البيع.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : فيها.


فردان صحيح وفاسد ، فيقال : إنّ ما نحن فيه والبيع بلا ثمن والإجارة بلا اجرة ، تمليك بلا عوض من مال الآخر ، والفرد الصحيح من هذه المعاملة وهي الهبة الغير المعوّضة لا ضمان فيها ، ففاسدها كذلك ، فتأمّل.

المناقشة في مستند المشهور

وبالجملة ، فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض ؛ ولذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتّفاقهم عليه هنا (١) ، وصرّح بعضهم (٢) بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه. نعم ، ذكر الشهيد رحمه‌الله وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة (٣).

ويؤيّد ما ذكرنا : ما دلّ من الأخبار على كون ثمن الكلب أو الخمر سحتاً (٤) ، وإن أمكن الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه في التحريم ، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف كأصل السحت.

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن : ثبوت‌

__________________

(١) لم ترد «هنا» في غير «ف» و «ش» ، واستُدركت في «ن».

(٢) صرّح به المحقّق في الشرائع ٤ : ٧٨ ، والعلاّمة في القواعد ٢ : ٢٠٥ ، وفي المستند (٢ : ٥٢٧) هكذا : على المصرّح به في كلام الأصحاب بل نفي الخلاف بيننا عليه.

(٣) تقدّم عن الشهيدين في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد (راجع الصفحة ١٨٦) ، واستحسنه السيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٨ فيما لو اشترط عدم الأُجرة.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٦١ و ٨٣ ، الباب ٥ و ١٤ من أبواب ما يكتسب به ، وغيرهما من الأبواب.


ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي عن المالك وأخذ الثمن لكونه واسطة في الايصال

الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائعٍ لنفسه ، بل باع عن المالك ودفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلى المالك فتلف في يده ؛ إذ لم يسلّطه عليه ولا أذن له في التصرّف فيه ، فضلاً عن إتلافه ، ولعلّ كلماتهم ومعاقد اتّفاقهم تختصّ بالغاصب البائع لنفسه ، وإن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة. وكذا يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري ، بل أخذه بناءً على العقد الواقع بينهما ؛ فإنّه لم يحصل هنا من المشتري تسليط (١) إلاّ بالعقد ، والتسليط العقدي مع فساده غير مؤثّر في دفع (٢) الضمان ، ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم (٣) بإباحة تصرّف البائع الغاصب (٤) فيه مع اتّفاقهم ظاهراً على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

ثبوت الرجوع ـ أيضاً ـ لو أخذ الثمن من دون إذن المشتري

وكذا يقوى الضمان لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العينَ صاحبها.

ولو كان الثمن كليّاً فدفع إليه المشتري بعض أفراده ، فالظاهر عدم الرجوع ؛ لأنّه كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّاناً.

__________________

(١) في غير «ص» و «ش» : «تسلّط» ، لكن صحّح في «ن» و «م» بما أثبتناه.

(٢) في «ص» : رفع.

(٣) لم نقف على المصرّح بهذا ، نعم نسبه في جامع المقاصد ٤ : ٧١ إلى الأصحاب ، وفي الجواهر ٢٢ : ٣٠٧ نسبة جواز التصرّف إلى ظاهر المحقّق الكركي وغيره.

(٤) كلمة «الغاصب» من «ش» ومصحّحة «ن».


المسألة الثانية

حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن :

فإمّا أن يكون في (١) مقابل العين ، كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ، كأن كانت القيمة المأخوذة منه عشرين والثمن عشرة.

وإمّا أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري ، كسكنى الدار ووطء الجارية واللبن والصوف والثمرة. وإمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع ، كالنفقة وما صرفه في العمارة ، وما تلف منه أو ضاع من الغرس والحفر ، أو إعطائه قيمةً للولد المنعقد حرّا ونحو ذلك ، أو نَقَص من الصفات والأجزاء.

لو كان عالماً بالفضولية

ثمّ المشتري ، إن كان عالماً فلا رجوع في شي‌ءٍ من هذه الموارد ؛ لعدم الدليل عليه.

لو كان جاهلاً بالفضولية

وإن كان جاهلاً ، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض (٢) وعن الكفاية (٣) ـ : رجوع المشتري الجاهل بها على البائع ، بل في كلام بعض (٤) تبعاً للمحكي عن فخر الإسلام في‌

__________________

(١) كذا في «ف» و «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : من.

(٢) الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٣) الكفاية : ٢٦٠ ، وفيه : «وذكر الأصحاب .. إلخ» ، كما نقله عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.

(٤) مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.


ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة

شرح الإرشاد (١) دعوى الإجماع على الرجوع بما (٢) لم يحصل في مقابله نفع.

وفي السرائر (٣) : أنّه يرجع قولاً واحداً (٤) ، و (٥) في كلام المحقّق (٦) والشهيد (٧) الثانيين في كتاب الضمان ـ : نفي الإشكال عن ضمان البائع لدرك ما يُحدثه المشتري إذا قلعه (٨) المالك.

وبالجملة ، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة ؛ للغرور فإنّ البائع مغرِّر للمشتري وموقِع إيّاه في خطرات الضمان ومتلِف عليه ما يغرمه ، فهو كشاهد الزور الذي يُرجع إليه إذا رجع عن (٩) شهادته ولقاعدة نفي الضرر ، مضافاً إلى ظاهر رواية جميل أو فحواها : «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ، ثمّ يجي‌ء مستحقّ الجارية ، قال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أُخذت منه» (١٠) فإنّ حريّة ولد‌

__________________

(١) لا يوجد لدينا ، لكن حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩.

(٢) في غير «ف» و «ش» بدل «بما» : ما.

(٣) في «ش» : ير (رمز التحرير) ، وانظر التحرير ٢ : ١٤٢.

(٤) السرائر ٢ : ٤٩٣.

(٥) الواو» من «ف» و «ش».

(٦) جامع المقاصد ٥ : ٣٤٠.

(٧) المسالك ٤ : ٢٠٥.

(٨) في «خ» و «ع» كتب على «قلعه» : تلفه خ ، وفي «ص» : أتلفه خ.

(٩) كذا في «م» ، وفي سائر النسخ : من.

(١٠) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٥.


المشتري إمّا أن يعدّ نفعاً عائداً إليه أو لا ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب ، مع أنّ في توصيف قيمة الولد بأنّها «أُخذت منه» نوع إشعار بعليّة (١) الحكم ، فيطّرد في سائر ما أُخذت (٢) منه.

توجيه بعض الروايات الساكتة عن رجوع المشتري إلى البائع

وأمّا السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار ، فهو لعدم كونه مسوقاً لذلك.

كرواية زرارة : «في رجلٍ اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه (٣) أولاداً ، ثمّ أتاها من يزعم أنّها له وأقام على ذلك البيّنة ، قال : يقبض ولده ويدفع إليه الجارية ، ويعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها» (٤).

ورواية زريق ، قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام يوماً إذ دخل عليه رجلان ، فقال أحدهما : إنّه كان عليّ مالٌ لرجل من بني عمّار ، وله بذلك ذكر حقٍّ (٥) وشهود ، فأخذ المال ولم أسترجع عنه (٦) الذكر بالحقّ ، ولا كتبت عليه كتاباً ، ولا أخذت منه براءة بذلك ؛ وذلك لأني وثقت به ، وقلت له : مزّق الذكر بالحقّ الذي عندك ، فمات وتهاون‌

__________________

(١) كذا في «ن» ، واستظهر في «ص» ، وفي سائر النسخ : لعلّية.

(٢) كذا ، والمناسب : ما أخذ.

(٣) في «ف» : فولد منها.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٤.

(٥) ذكر الحقّ» : الوثيقة التي يُذكر فيها الدين ، انظر لسان العرب ٧ : ٣٧٩ ، والإفصاح : ١٢٠٨.

(٦) في الوسائل : منه.


بذلك ولم يمزّقه ، وعقيب هذا طالبني بالمال ورّاثُه وحاكموني وأخرجوا بذلك ذكر الحقّ (١) ، وأقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم ، فأُخذت بالمال ، وكان المال كثيراً ، فتواريت عن الحاكم ، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشةً لي وقبض القوم المال ، وهذا رجل من إخواننا ابتُلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم قد قبض المال ، وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ويعطونه الثمن في أنجم معلومة ، فقال : إنّي أُحبّ أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذا.

فقال الرجل يعني المشتري ـ : كيف أصنع جعلت فداك؟ قال : تصنع أن ترجع بمالك على الورثة ، وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها.

قال : فإذا فعلت ذلك ، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال : نعم ، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة من ثمن الثمار ، وكلّ ما كان مرسوماً في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن تردّ ذلك ، إلاّ ما كان من زرعٍ زرعته أنت ، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع ، وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع ، فإن لم يفعل ذلك (٢) كان ذلك له ، وردّ عليك القيمة وكان الزرع له.

قلت : جعلت فداك! فإن كان هذا قد أحدث فيها بناءً أو غرساً (٣)؟

__________________

(١) في الوسائل : الذكر بالحقّ.

(٢) لم ترد «ذلك» في الوسائل ، وشطب عليها في «ص».

(٣) في الوسائل : قد أحدث فيها بناء وغرس.


قال : له قيمة ذلك ، أو يكون ذلك المحدث بعينه (١) يقلعه ويأخذه.

قلت : أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقُلع الغرس وهُدم البناء؟ فقال : يردّ (٢) ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض ، فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلاّتها على (٣) صاحبها وردّ البناء والغرس وكلَّ محدث إلى ما كان ، أو ردّ القيمة كذلك ، يجب على صاحب الأرض أن يردّ عليه (٤) كلّ ما خرج عنه (٥) في إصلاح المعيشة ، من قيمة غرسٍ أو بناءٍ أو نفقةٍ في مصلحة المعيشة ، ودفع النوائب عنها (٦) ، كلّ ذلك فهو (٧) مردود إليه» (٨).

وفيه مع أنّا نمنع ورودها (٩) إلاّ في مقام حكم المشتري مع المالك ـ : أنّ السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل ، مع أنّ (١٠)

__________________

(١) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ن» ، «م» ، «ع» و «ش» : نفسه.

(٢) في «ف» ، «م» و «ع» : ترد.

(٣) في الوسائل ومصحّحة «م» و «ص» : إلى.

(٤) عبارة «أن يردّ عليه» من الوسائل ، وقد استدركت في هامش «خ» ، «م» ، «ص» و «ش».

(٥) كذا في الوسائل ومصحّحة «ص» ، وفي النسخ : منه.

(٦) كلمة «عنها» من الوسائل ، واستدركت في «م» و «ص».

(٧) كلمة «فهو» من الوسائل ، واستدركت في «م» و «ص».

(٨) في النسخ زيادة : «إلخ» ، والظاهر أنّه لا وجه له ، لأنّ الحديث مذكور بتمامه ، انظر الوسائل ١٢ : ٢٥٣ ، الباب ٣ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٩) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصواب : «ورودهما» كما في مصحّحة «ن».

(١٠) في «ش» : أنّه.


رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع ، مع أنّ البائع في قضيّة زريق هو القاضي ، فإن كان قضاؤه صحيحاً لم يتوجّه إليه غرم ؛ لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّاً (١) من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها ، وإن كان قضاؤه باطلاً كما هو الظاهر فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه في أُمور المسلمين ، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.

ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة

وأمّا الثاني ، وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء ، ففي الرجوع بها خلاف ، أقواها (٢) الرجوع ؛ وفاقاً للمحكيّ عن المبسوط (٣) والمحقّق (٤) والعلاّمة في التجارة (٥) والشهيدين (٦) والمحقّق‌

__________________

(١) في «ع» و «ص» : غارماً.

(٢) كذا ، ولعلّ الأولى : أقواهما.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٩٩ و ٦ : ٣٠١ عن موضع من المبسوط ، ولم نعثر عليه فيه ، وفي الإيضاح (٢ : ١٩١) والتنقيح (٤ : ٧٥) أنّ للشيخ قولين ، ولكنّ الشهيد الثاني في المسالك (٢ : ٢١٣) الطبعة الحجرية حكى عن الشيخ في المبسوط : العدم ، ومثله المحقّق السبزواري في الكفاية : ٢٦٠ والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٤) حكاه الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٣ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ٣٠٧ وغيرهما عن متاجر الشرائع ، انظر الشرائع ٢ : ١٤.

(٥) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ٣٠١ ، عن ظاهر القواعد في المتاجر ، وانظر القواعد ١ : ١٢٤.

(٦) الدروس ٣ : ١١٥ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٣٨ ، والمسالك ٣ : ١٦٠.


الثاني (١) وغيرهم (٢) ، وعن التنقيح : أنّ عليه الفتوى (٣) ؛ لقاعدة الغرور المتّفق عليها ظاهراً في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل فأكله.

ويؤيّده : قاعدة نفي الضرر ؛ فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي‌ء من دون عوض مغروراً من آخر بأنّ له ذلك مجّاناً ، من دون الحكم برجوعه إلى من غرّه ، في ذلك ضرر عظيم ، ومجرّد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر.

وكيف كان ، فصدق الضرر وإضرار الغارّ به ممّا لا يخفى ، خصوصاً في بعض الموارد.

فما في الرياض : من أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام ؛ لوصول العوض إلى المشتري (٤) ، لا يخلو عن شي‌ء.

مضافاً إلى ما قيل عليه : من منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور ، بل هي مبنيّة على قوّة السبب على المباشر (٥).

لكنّه لا يخلو من نظر ؛ لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصّة والإجماع بصورة الضرر.

__________________

(١) جامع المقاصد ٦ : ٣٢٦.

(٢) كفخر المحقّقين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٩١ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٦٤ ، وغيرهما.

(٣) التنقيح ٤ : ٧٥.

(٤) الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٥) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ١٨٣.


وأمّا قوّة السبب على المباشر ، فليست بنفسها دليلاً على رجوع المغرور ، إلاّ إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفاً إليه ، كما في المُكْرَه وكما في الريح العاصف الموجب للإحراق ، والشمس الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها.

والمتّجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلاً ، كما نُسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره (١) ؛ لكون المباشر بمنزلة الآلة ، وأمّا في غير ذلك فالضمان أو قرار الضمان فيه يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا بدّ من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر ، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى (٢) ، أو بالأخبار الواردة في الموارد المتفرّقة (٣) ، أو كون الغارّ سبباً في تغريم المغرور ، فكان كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ بشهادته (٤).

ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه ، أمّا الأخير فواضح ، وأمّا الأوّل فقد (٥) عرفته ، وأمّا الإجماع والأخبار فهما وإن لم يردا في خصوص المسألة ، إلاّ أنّ تحقّقهما (٦) في نظائر المسألة كافٍ ، فإنّ‌

__________________

(١) نسبه صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٥٧.

(٢) الإيضاح ٢ : ١٩١.

(٣) منها ما تقدّم في الصفحة ٤٩٤ وما بعدها.

(٤) في غير «ف» و «ن» : «لشهادته» ، راجع الوسائل ١٨ : ٢٣٨ و ٢٤٢ ، الباب ١١ و ١٤ من أبواب الشهادات.

(٥) في «ف» ، «ن» و «خ» : قد.

(٦) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «تحقّقها» ، لكن صحّحت في «ن» ، «م» و «ص» بما أثبتناه.


رجوع آكل طعام الغير إلى من غرّه بدعوى تملّكه وإباحته له مورد الإجماع ظاهراً ، ورجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار ، ولا يوجد فرق بينهما وبين ما نحن فيه أصلاً.

وقد ظهر ممّا ذكرنا فساد منع الغرور فيما نحن فيه ، كما في كلام بعض (١) ، حيث عدل في ردّ مستند المشهور عمّا في الرياض (٢) من منع الكبرى ، إلى منع الصغرى ، فإنّ الإنصاف أنّ مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب الإتلاف وإن كان غير منقّح ، إلاّ أنّ المتيقّن منه ما كان إتلاف المغرور لمال الغير وإثبات يده عليه لا بعنوان أنّه مال الغير ، بل قصده إلى إتلافه (٣) مال نفسه أو مال من أباح له الإتلاف ، فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير ، فيشبه المُكرَه في عدم القصد.

هذا كلّه ، مضافاً إلى ما قد يقال : من دلالة رواية جميل المتقدّمة (٤) بناءً على أنّ حريّة الولد منفعة راجعة إلى المشتري ، وهو الذي ذكره المحقّق احتمالاً في الشرائع في باب الغصب (٥) ، بناءً على تفسير المسالك (٦) ، وفيه تأمّل.

__________________

(١) وهو صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ١٨٣.

(٢) الرياض ٢ : ٣٠٧.

(٣) في «م» : إتلاف.

(٤) تقدّمت في الصفحة ٤٩٤.

(٥) الشرائع ٣ : ٢٤٦.

(٦) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٣.


ما يغترمه في مقابل العين

ثمّ إنّ ممّا ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة القيمة على الثمن الحاصلة وقت العقد ، كما لو باع ما يسوي (١) عشرين بعشرة ، فتلف فأخذ منه المالك عشرين (٢) ، فإنّه لا يرجع بعشرة الثمن ، وإلاّ لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغرّه (٣) في ذلك ؛ لأنّه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكيّة لم يزل غرامة المشتري (٤) للثمن بإزاء المبيع التالف ، فهذه الغرامة للثمن (٥) لم تنشأ عن كذب البائع ، وأمّا العشرة الزائدة فإنّما جاء غرامتها من كذب البائع في دعواه ، فحصل الغرور فوجب الرجوع.

وممّا ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر (٦) في وجه عدم الرجوع : من أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين وكون تلفه منه ، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يُضمن بصحيحه ، ومع الإقدام لا غرور ؛ ولذا لم يقل به في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح (٧) الاندفاع : أنّ الإقدام إنّما كان على ضمانه بالثمن ، إلاّ أنّ‌

__________________

(١) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : «سوى» ، وفي الأخيرة مكتوب فوقها : ساوى ظ.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : بعشرين.

(٣) في «ع» : يغرمه.

(٤) في غير «ش» بدل المشتري : «البائع» ، لكن صحّحت في «خ» ، «م» ، «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٥) لم ترد «للثمن» في «ف».

(٦) انظر المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ٢١٣ ، والجواهر ٣٧ : ١٧٩.

(٧) في «ف» : وتوضيح.


الشارع جعل القبض على هذا النحو من الإقدام مع فساد العقد وعدم إمضاء الشارع له سبباً لضمان المبيع بقيمته الواقعيّة ، فالمانع من تحقّق الغرور وهو الإقدام لم يكن إلاّ في مقابل الثمن ، والضمان المسبّب عن هذا الإقدام لمّا كان لأجل فساد العقد المسبّب عن تغرير البائع كان المرتّب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرّاً على الغارّ ، فغرامة العشرة الزائدة وإن كانت مسبّبة عن الإقدام ، إلاّ أنّها ليست مقدماً عليها.

هذا كلّه ، مع أنّ التحقيق على ما تقدّم سابقاً (١) ـ : أنّ سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا على وجه الائتمان ، وأن ليس الإقدام على الضمان علّة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان وإن استدلّ به الشيخ (٢) وأكثر من تأخّر عنه (٣) ، وقد ذكرنا في محلّه توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد ، فراجع (٤). وكيف كان ، فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى منه فيما حصل في مقابلته نفع.

هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد ، ولو تجدّدت بعده فالحكم بالرجوع فيه أولى.

ما يغترمه بإزاء الأجزاء التالفة

هذا كلّه فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة ، وأمّا ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة ، فالظاهر أنّ حكمه حكم المجموع في‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ١٩٠ ١٩١ و ٤٨٩.

(٢) كما تقدّم في الصفحة ٤٨٦ ، وراجع الصفحة ١٨٢ و ١٨٨ ، أيضاً ، في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد.

(٣) كما تقدّم في الصفحة ٤٨٦ ، وراجع الصفحة ١٨٢ و ١٨٨ ، أيضاً ، في مبحث المقبوض بالعقد الفاسد.

(٤) راجع الصفحة ١٩٠ ١٩١.


أنّه يرجع في الزائد على ما يقابل ذلك الجزء لا فيما يقابله على ما اخترناه ويجي‌ء على القول الآخر عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

ما يغترمه بإزاء الأوصاف التالفة

وأمّا ما يغرمه بإزاء أوصافه ، فإن كان ممّا لا يقسّط عليه الثمن كماعدا وصف الصحّة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة ، كما لو كان عبداً كاتباً فنسي الكتابة عند المشتري فرجع المالك عليه بالتفاوت فالظاهر رجوع المشتري على البائع ؛ لأنّه لم يُقدم على ضمان ذلك.

حكم ما يغترمه المشتري فيما إذا كان البيع فاسداً من غير جهة الفضولية

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان البيع المذكور صحيحاً من غير جهة كون البائع غير مالك ، أمّا لو كان فاسداً من جهةٍ أُخرى فلا رجوع على البائع ؛ لأنّ الغرامة لم تجي‌ء من تغرير البائع في دعوى الملكيّة ، وإنّما جاءت من جهة فساد البيع ، فلو فرضنا البائع صادقاً في دعواه لم تزل الغرامة ، غاية الأمر كون المغروم له هو البائع على تقدير الصدق ، والمالك على تقدير كذبه ، فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على تقديري صدق البائع وكذبه.

ثمّ إنّه قد ظهر (١) ممّا ذكرنا : أنّ كلّ ما يرجع المشتري به على البائع إذا رُجع عليه (٢) ، فلا يرجع البائع به على المشتري إذا رُجع عليه ؛ لأنّ المفروض قرار الضمان على البائع ، وأمّا ما لا يرجع المشتري‌

__________________

(١) في «ف» : قد تلخّص.

(٢) كذا في «ف» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : إليه.


به على البائع كمساوي الثمن من القيمة فيرجع البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك ، والوجه في ذلك حصول التلف في يده.

فإن قلت : إنّ كلاّ من البائع والمشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب للضمان (١) ، وحصول التلف في يد المشتري (٢) لا دليل على كونه سبباً لرجوع البائع عليه. نعم ، لو أتلف بفعله رجع ؛ لكونه سبباً لتنجّز الضمان على السابق.

كيفية اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد

قلت : توضيح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلٍّ من اليدين ببدل التالف وصيرورته في عهدة كلٍّ منهما ، مع أنّ الشي‌ء الواحد لا يقبل الاستقرار (٣) إلاّ في ذمّة واحدة ، وأنّ الموصول في قوله عليه‌السلام : «على اليد ما أخذت» (٤) شي‌ء واحد ، كيف يكون على كلّ واحدة من الأيادي المتعدّدة؟

حكم المالك بالنسبة إلى الأيادي المتعاقبة

فنقول : معنى كون العين المأخوذة على اليد : كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه ، فإذا فرض أيدٍ متعدّدة يكون العين الواحدة في عهدة كلٍّ من الأيادي ، لكن ثبوت الشي‌ء الواحد في العهدات المتعدّدة معناه : لزوم خروج كلٍّ منها عن العهدة عند تلفه ، وحيث إنّ الواجب هو‌

__________________

(١) في «ف» : الضمان.

(٢) في غير «ف» و «ش» زيادة : «لا وجه له ، و» ، وقد شطب عليها في «ن».

(٣) كذا في «ش» ، وفي سائر النسخ : «لا يعقل الاستقرار» ، لكن صحّح في «خ» و «ص» ب «لا يعقل استقراره».

(٤) عوالي اللآلي ١ : ٢٢٤ ، الحديث ١٠٦ و ٣٨٩ ، الحديث ٢٢.


تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد ، كان معناه : تسلّط المالك على مطالبة كلٍّ منهم بالخروج (١) عن العهدة عند تلفه (٢) ، فهو يملك ما في ذمّة كلٍّ منهم على البدل ، بمعنى أنّه إذا استوفى أحدها (٣) سقط (٤) الباقي ؛ لخروج الباقي عن كونه (٥) تداركاً ، لأنّ المتدارك لا يتدارك.

والوجه في سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقي : أنّ مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل ولا بدله ، فأيّها (٦) حصل في يده لم يبقَ له استحقاق بدله (٧) ، فلو بقي شي‌ء له في ذمّة واحدة (٨) لم يكن بعنوان‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ن» : الخروج.

(٢) عند تلفه» ساقطة من «ف».

(٣) كذا في «ش» ومصحّحتي «ن» و «م» ، وفي مصحّحتي «خ» و «ص» : أحدهم ، وفي نسختي «ف» و «ع» : «أحدهما» ، والظاهر أنّها كانت في أصل النسخ مثنّاة ، ثمّ أُضيف إليها في بعض النسخ كلمة «من» قبلها تصحيحاً أو استظهاراً.

(٤) في «ص» زيادة : من خ.

(٥) كذا في «ع» و «ص» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : «كونها» ، قال الشهيدي : ضمير «كونها» على تقدير صحّة النسخة راجع إلى «الباقي» بلحاظ المعنى ، فإنّ المراد منه الأبدال ، والصواب «كونه» بدل «كونها». (هداية الطالب : ٣١١).

(٦) كذا في «ف» ، وفي «ن» و «خ» قبل التصحيح ، وفي سائر النسخ : «فأيّهما» ، والصواب ما أثبتناه ، والضمير راجع إلى «الأبدال» المستفاد من الكلام.

(٧) في «خ» شطب على «بدله».

(٨) في «ف» و «ن» : واحد.


البدليّة ، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

ويتحقّق ممّا ذكرنا : أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدلية ، و (١) يستحيل اتّصاف شي‌ء منها بالبدليّة بعد صيرورة أحدها بدلاً عن التالف واصلاً إلى المالك.

ويمكن أن يكون نظير ذلك : ضمان المال على طريقة الجمهور ؛ حيث إنّه ضمّ ذمّة إلى ذمّة أُخرى (٢) ، وضمان عهدة العوضين لكلٍّ من البائع والمشتري عندنا كما في الإيضاح (٣) وضمان الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة (٤) وقوّاه في الإيضاح (٥) ، وضمان الاثنين لواحد كما اختاره ابن حمزة (٦).

وقد حكى فخر الدين (٧) والشهيد (٨) عن العلاّمة رحمه‌الله في درسه (٩) : أنّه نفى المنع عن (١٠) ضمان الاثنين على وجه الاستقلال ، قال : ونظيره في‌

__________________

(١) في غير «ش» بدل «و» : «إذ» ، لكن صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٢) انظر المغني ؛ لابن قدامة ٤ : ٥٩٠.

(٣) لم نقف عليه.

(٤) التذكرة ٢ : ٩٢ ، وفيه : وفي ضمان الأعيان المضمونة والعهدة إشكال ، أقربه عندي جواز مطالبة كلٍّ من الضامن والمضمون عنه بالعين المغصوبة.

(٥) لم نقف عليه.

(٦) راجع الوسيلة : ٢٨١.

(٧) الإيضاح ٢ : ٨٩.

(٨) لم نقف عليه في كتبه ولا على من حكى عنه.

(٩) في «ش» : دروسه.

(١٠) في غير «ف» : من.


العبادات : الواجب الكفائي ، وفي الأموال : الغاصب من الغاصب.

هذا حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي.

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها بالنسبة إلى بعض

وأمّا حال بعضهم بالنسبة إلى بعض ، فلا ريب في أنّ اللاحق إذا رُجع عليه لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجباً لإيقاعه في خطر الضمان ، كما لا ريب في أنّ السابق إذا رُجع عليه وكان غارّاً للاحقه لم يرجع إليه ، إذ لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له ؛ فالمقصود بالكلام ما إذا لم يكن غارّاً له.

وجه رجوع الضامن السابق إلى اللاحق

فنقول : إنّ الوجه في رجوعه هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته (١) بالبدل قبل اللاحق ، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئاً له بدلٌ ، فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل ؛ إذ لا يُعقل ضمان المبدل معيّناً من دون البدل ، وإلاّ خرج بدله عن كونه بدلاً ، فما يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل ، بخلاف ما يدفعه الأوّل ؛ فإنّه تدارك نفس العين معيّناً ؛ إذ (٢) لم يحدث له تدارك آخر بعدُ ؛ فإن أدّاه إلى المالك سقط تدارك الأوّل له. ولا يجوز دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك ؛ لأنّه من باب الغرامة والتدارك ، فلا اشتغال للذمّة قبل حصول التدارك (٣) ، وليس من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل.

فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ش» زيادة : «له» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٢) في «خ» و «ع» : إذا.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : قبل فوات المتدارك.


لا يستحقّ الدفع إليه إلاّ بعد الأداء.

والحاصل : أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك ومن سبقه في اليد ، فيشتغل (١) ذمّته إمّا بتدارك العين ، وإمّا بتدارك ما تداركها (٢) ، وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل ، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة أشخاص على البدل بشي‌ء (٣) واحد لشخص واحد.

ما أفاده صاحب الجواهر في وجه الرجوع

وربما يقال (٤) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده (٥) لو رجع عليه : إنّ ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل وإن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمّته به ، فيملك حينئذٍ من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعيّة القهريّة ، قال : وبذلك اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده ، وبين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ لا ذمّي ؛ إذ لا دليل على شغل ذِمم متعدّدة بمال واحد ، فحينئذٍ يُرجع عليه ولا يَرجع هو (٦) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده صاحب الجواهر

وأنت خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده وخطاب غيره بأنّ خطابه ذمّي وخطاب غيره شرعي ؛ مع كون دلالة‌

__________________

(١) في «ف» : «فيستقل» ، وفي «ش» : ويشتغل.

(٢) في «ف» : تداركه.

(٣) في غير «ن» و «ش» : لشي‌ء.

(٤) قاله صاحب الجواهر في الجواهر ٣٧ : ٣٤.

(٥) عبارة «إلى من تلف في يده» ساقطة من «ش».

(٦) انتهى ما قاله صاحب الجواهر.


«على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السواء ، والمفروض أنّه (١) لا خطاب بالنسبة إليهما غيره ، مع أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء والخطاب الذمّي.

مع أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلٍّ من ذوي الأيدي مشغول الذمّة بالمال فعلاً ما لم يسقط بأداء أحدهم أو إبراء المالك ، نظير الاشتغال بغيره من الديون في إجباره على الدفع أو الدفع عنه من ماله ، وتقديمه على الوصايا والضرب فيه مع الغرماء ، ومصالحة المالك عنه مع آخر ، إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمّة.

مع أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة (٢) من تلف المال بيده بمجرّد دفع البدل ، لا يعلم له سبب اختياري ولا قهري ، بل المتّجه على ما ذكرنا سقوط حقّ المالك عمّن تلف في يده بمجرّد أداء غيره ؛ لعدم تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك.

مع أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن (٣) لحقه في اليد (٤) العادية إلاّ إلى (٥) من تلف في يده ، مع أنّ الظاهر خلافه ؛ فإنّه يجوز له أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده.

نعم ، لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى‌

__________________

(١) في «ف» : أنّ.

(٢) في غير «ش» : ذمّته ، لكن صحّحت في «ص» وظاهر «ن» بما أثبتناه.

(٣) في «ش» : بمن.

(٤) في مصحّحة «ص» : الأيدي.

(٥) كلمة «إلى» من «ش» ومصحّحة «ن» ، والعبارة في «ص» : إلاّ بمن.


أن يستقرّ على من تلف في يده.

لو كانت العين باقية في الأيادي المتعاقبة

هذا كلّه إذا تلف المبيع في يد المشتري. وقد عرفت الحكم أيضاً في صورة بقاء العين (١) وأنّه يرجع المالك بها على من في يده أو (٢) من جرت يده عليها ، فإن لم يمكن انتزاعها ممّن هي في يده غرم للمالك بدل الحيلولة ، وللمالك استرداده (٣) فيردّ بدل الحيلولة.

ولا يرتفع سلطنة المالك على مطالبة الأوّل بمجرّد تمكّنه من الاسترداد من الثاني ، لأنّ عهدتها (٤) على الأوّل فيجب عليه (٥) تحصيلها وإن بذل ما بذل. نعم ، ليس للمالك أخذ مئونة الاسترداد ، ليباشر (٦) بنفسه.

ولو لم يقدر على استردادها إلاّ المالك ، وطلب من الأوّل عوضاً عن الاسترداد ، فهل يجب عليه بذل العوض ، أو ينزّل منزلة التعذّر فيغرم بدل الحيلولة ، أو يفرّق بين الأُجرة المتعارفة للاسترداد وبين الزائد عليها ممّا يعدّ إجحافاً على الغاصب الأوّل؟ وجوه.

هذا كلّه مع عدم تغيّر العين ، وأمّا إذا تغيّرت فيجي‌ء صور كثيرة‌

__________________

(١) في الصفحة ٤٨٣.

(٢) في «ف» زيادة : على.

(٣) في «ش» : «استردادها» ؛ قال الشهيدي قدس‌سره : وضمير «استرداده» راجع إلى «من» في قوله : ممّن هي في يده. (هداية الطالب : ٣١١).

(٤) في غير «ش» : عهدته.

(٥) في غير «ش» : «عليها» ، لكن صحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٦) في «ف» : ليباشره.


لا يناسب المقام التعرّض لها وإن كان كثير ممّا ذكرنا أيضاً ممّا لا يناسب ذكره إلاّ في باب الغصب ، إلاّ أنّ الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في هذا المقام بأدنى مناسبة ؛ اغتناماً للفرصة.

وفّقنا الله لما يرضيه عنّا من العلم والعمل ، إنّه غفّار الزلل.


مسألة

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

الأقوى الصحّة ، والدليل عليه

لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه :

فعلى القول ببطلان الفضولي فالظاهر أنّ حكمه حكم بيع (١) ما يقبل الملك مع ما لا يقبله ، والحكم فيه : الصحّة ؛ لظهور الإجماع ، بل دعواه عن غير واحد (٢) ، مضافاً إلى صحيحة الصفّار المتقدّمة في أدلّة بطلان الفضولي من قوله عليه‌السلام : «لا يجوز بيع ما لا يملك ، وقد وجب الشراء في ما يملك» (٣).

ولما ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي كالشيخ (٤) وابن‌

__________________

(١) كلمة «بيع» لم ترد في «ص» ، ووردت في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» استدراكاً أو كنسخة بدل.

(٢) منهم السيّد ابن زهرة في الغنية : ٢٠٩ ، وكاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٦٥ ، وفي الرياض (١ : ٥١٣) ، والجواهر (٢٢ : ٣٠٩) : بل ظاهرهم الإجماع عليه.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٥٢ ، الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه ، وقد تقدّمت في الصفحة ٣٦٥.

(٤) راجع المبسوط ٢ : ١٤٥ ، والخلاف ٣ : ١٤٤ ، كتاب البيوع ، المسألة ٢٣٢.


زهرة (١) والحليّ (٢) وغيرهم (٣). نعم ، لولا النصّ والإجماع أمكن الخدشة فيه بما سيجي‌ء في بيع ما يُملك وما لا يملك (٤).

وأمّا على القول بصحّة الفضولي ، فلا ينبغي الريب في الصحّة مع الإجازة ، بل وكذا مع الردّ ؛ فإنّه كما لو تبيّن بعض المبيع غير مملوك ، غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذٍ للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة (٥) ، وسيجي‌ء في أقسام الخيار بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع (٦) ، لكن عن الغنية الجزم بعدمه (٧) ، ويؤيّده صحيحة الصفّار (٨).

وربما حُمل كلام الشيخ على ما إذا ادّعى البائع الجهل أو الإذن ، وكلام الغنية على العالم (٩).

__________________

(١) الغنية : ٢٠٩ و ٢٣٠.

(٢) السرائر ٢ : ٢٧٥.

(٣) لم نقف على من صرّح بهذا من القائلين بالبطلان في الفضولي ، نعم يظهر من المحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٣٩٩ ٤٠٠ و ١٩ : ٣١٥.

(٤) يجي‌ء في الصفحة ٥٣١.

(٥) التذكرة ١ : ٥٦٦.

(٦) لم نعثر عليه في الخلاف ولا على من حكاه عنه ، بل أنكره الشيخ في الخلاف ، راجع الخلاف ٣ : ١٤٦ ، المسألة ٢٣٥ ، نعم قوّاه في المبسوط كما هو المحكي في الجواهر ، راجع المبسوط ٢ : ١٤٥ ، والجواهر ٢٢ : ٣١٦.

(٧) الغنية : ٢٣٠.

(٨) المشار إليها آنفاً.

(٩) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٢٠٧ ، والجواهر ٢٢ : ٣١٦.


ثمّ إنّ صحّة البيع فيما يملكه مع الردّ مقيّدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعي ، كلزوم ربا ، وبيع آبقٍ من دون ضميمة (١) ، وسيجي‌ء الكلام في محلّها (٢).

ثمّ إنّ البيع المذكور صحيح بالنسبة إلى المملوك بحصّته من الثمن ، وموقوف في غيره بحصّته.

طريق معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن

وطريق معرفة حصّة كلٍّ منهما من الثمن في غير المثلي : أن يقوّم كلٌّ منهما منفرداً ، فيؤخذ لكلّ واحدٍ جزءٌ من الثمن نسبتُه إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين ، مثاله كما عن السرائر (٣) ـ : ما إذا كان ثمنهما (٤) ثلاثة (٥) دنانير ، وقيل : «إنّ قيمة المملوك قيراط وقيمة غيره قيراطان» فيرجع المشتري بثلثي الثمن.

كيفية تقسيط الثمن عند جماعة من الأعلام

وما ذكرنا من الطريق هو المصرّح به في الإرشاد ، حيث قال : ويقسّط المسمّى (٦) على القيمتين (٧). ولعلّه أيضاً مرجع (٨) ما في الشرائع (٩)

__________________

(١) قيّده صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٠٩.

(٢) كذا في النسخ ، والظاهر أنّ الصحيح : «في محلّه» كما استُظهر في «ص».

(٣) السرائر ٢ : ٢٧٦.

(٤) كذا في «ص» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : ثمنها.

(٥) كذا في «ف» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ : ثلاث.

(٦) في «ف» : «الثمن» ، وفي هامش «م» زيادة : الثمن خ ل.

(٧) الإرشاد ١ : ٣٦٠.

(٨) في «ف» : يرجع إلى.

(٩) الشرائع ٢ : ١٥.


والقواعد (١) واللمعة (٢) : من أنّهما يقوّمان جميعاً ثمّ يقوّم أحدهما ؛ ولهذا (٣) فسّر بهذه العبارة المحقّق الثاني عبارة الإرشاد ، حيث قال : طريق تقسيط المسمّى (٤) على القيمتين .. إلخ (٥).

لكنّ الإنصاف : أنّ هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها في طريق التقسيط واستظهرناه من السرائر ؛ إذ لو كان المراد من «تقويمهما معاً» : تقويم كلٍّ منهما لا تقويم المجموع لم يحتج إلى قولهم : «ثمّ يقوّم أحدهما ، ثمّ تنسب قيمته» إذ ليس هنا إلاّ أمران : تقويم كلٍّ منهما ، ونسبة قيمته إلى مجموع القيمتين ؛ فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ، ثمّ تقويم أحدهما بنفسه ، ثمّ ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

المناقشة في الكيفية المذكورة

ومن هنا أنكر عليهم جماعة (٦) تبعاً لجامع المقاصد (٧) إطلاق القول بذلك ؛ إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة ، كما في مصراعي باب وزوج خفّ إذا فرض تقويم‌

__________________

(١) القواعد ١ : ١٢٥.

(٢) اللمعة الدمشقية : ١١٠.

(٣) كذا في «ف» ، «ع» و «ص» ، وفي سائر النسخ : ولذا.

(٤) في «ف» : «الثمن» ، وفي هامش «م» زيادة : الثمن خ ل.

(٥) حاشية الإرشاد (مخطوط) : ٢١٩.

(٦) مثل الشهيد الثاني في المسالك ٣ : ١٦٢ والروضة ٣ : ٢٣٩ ، والمحدّث البحراني في الحدائق ١٨ : ٤٠٢ ، والسيّد الطباطبائي في الرياض ١ : ٥١٤ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٢٠٤.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٧٨.


المجموع بعشرة وتقويم أحدهما بدرهمين وكان الثمن خمسة ، فإنّه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة استحقّ من البائع واحداً من الخمسة فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد ، مع أنّه لم يستحقّ من الثمن إلاّ مقداراً من الثمن مساوياً لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين ونصفاً (١).

والحاصل : أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصّةٍ من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة ، ويصحّ في نصيب المالك بحصّة كان يأخذها مع إجازة مالك (٢) الجزء الآخر.

توجيه كلام الجماعة

هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ كلام الجماعة إمّا محمول على الغالب : من عدم زيادة القيمة ولا نقصانها بالاجتماع ، أو مرادهم من «تقويمهما» تقويم كلٍّ منهما منفرداً ، ويراد (٣) من «تقويم أحدهما ثانياً» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين ، وإلاّ ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها وإن كان ضعيفاً بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد وبين قيمة المجموع ، بل ينتقض بصورة مدخليّة الاجتماع في نقصان القيمة بحيث يكون قيمة أحدهما منفرداً مثل قيمة المجموع أو أزيد ، فإنّ هذا فرض ممكن كما صرّح به في رهن جامع المقاصد (٤)

__________________

(١) في غير «ش» ومصحّحة «ص» : نصف.

(٢) في «ش» : المالك.

(٣) شطب في «ن» على «يراد».

(٤) جامع المقاصد ٥ : ٥٦.


وغيره (١) فإنّ الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن ، كما لو باع جارية مع أمّها قيمتهما مجتمعتين عشرة ، وقيمة كلّ واحدة منهما منفردة عشرة ، بثمانية ؛ فإنّ نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين (٢) نسبة الشي‌ء إلى مماثله ، فرجع (٣) بكلّ الثمانية (٤). وكأنّ من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا ، أو كان عنده غير ممكن.

التحقيق صحّة ما ذكرناه من الطريق

فالتحقيق في جميع الموارد : ما ذكرنا ، من ملاحظة قيمة كلٍّ منهما منفرداً ، ونسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين.

الاشكال على الطريق المذكور ، ودفعه

فإن قلت : إنّ المشتري إنّما (٥) بذل الثمن في مقابل كلٍّ منهما مقيّداً باجتماعه مع الآخر ، وهذا الوصف لم يبقَ له مع ردّ مالك أحدهما ، فالبائع إنّما يستحقّ من الثمن ما يوزّع على ماله منفرداً ، فله من الثمن جزءٌ نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة ، وهو درهم واحد ، فالزيادة ظلم على المشتري ، وإن كان ما أوهمه عبارة الشرائع وشبهها (٦) من أخذ البائع أربعة ، والمشتري واحداً أشدّ ظلماً ، كما نبّه عليه في‌

__________________

(١) انظر الجواهر ٢٥ : ١٤٠.

(٢) الأصحّ في العبارة أن يقال : «إلى قيمتهما مجتمعتين» كما نبّه عليه بعض المحشّين ، انظر هداية الطالب : ٣١٣.

(٣) كذا في النسخ ، والظاهر : «فيرجع» كما في مصحّحة «ن» و «ص».

(٤) كذا في «ص» و «ش» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ : العشرة.

(٥) في «ش» : إذا.

(٦) تقدّمت العبارة في الصفحة : ٥١٥ ٥١٦.


بعض حواشي الروضة (١) ، فاللازم أن يقسّط الثمن على قيمة كلٍّ من المِلكين منفرداً وعلى الهيئة (٢) الاجتماعية ، ويُعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفرداً ، ويبقى للمشتري بنسبة قيمة ملك (٣) الآخر منفرداً وقيمة هيئة الاجتماع (٤).

قلت : فوات وصف الانضمام كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة ليس مضموناً في باب المعاوضات وإن كان مضموناً في باب العدوان ، غاية الأمر ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع وملك غيره متعدّدين (٥) في الوجود كعبد وجارية ، أو متّحداً كعبد ثُلثه للبائع وثلثاه لغيره ، فإنّه لا يوزّع الثمن على قيمة المجموع أثلاثاً ؛ لأنّ الثلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان ؛ لكونه أقلّ رغبة منه ، بل يلاحظ قيمة الثلث وقيمة الثلثين ويؤخذ النسبة منهما (٦) ليؤخذ (٧) من الثمن بتلك النسبة.

__________________

(١) نبّه عليه سلطان العلماء في حاشيته على الروضة البهية ذيل قول الشارح : «وإنّما يعتبر قيمتهما» ، وحكاه عنه المحقّق الخوانساري في حواشيه على الروضة ، انظر حاشية سلطان العلماء على الروضة : ٦٥ ، وحاشية الروضة : ٣٥٩.

(٢) في غير «ف» : هيئته.

(٣) في «ص» كتب فوق ملك : ملكه ظ.

(٤) في غير «ف» : هيئته الاجتماعية.

(٥) في مصحّحة «ص» : متعدّداً.

(٦) كذا في «ش» ، واستظهره مصحّح «ص» ، وفي «ف» : «بينها» ، وفي سائر النسخ : منها.

(٧) في «ف» : ويؤخذ.


كيفية تقسيط الثمن في المثلي

هذا كلّه في القيمي. أمّا المبيع المثلي : فإن كانت الحصّة مشاعة قُسّط الثمن على نفس المبيع ، فيقابل كلٌّ من حصّتي البائع والأجنبيّ بما يخصّه ، وإن كانت حصّة كلّ منهما معيّنة كان الحكم كما في القيمي : من ملاحظة قيمتي الحصّتين وتقسيط الثمن على المجموع ، فافهم.


مسألة

لو باع من له النصف النصف مشاعاً

لو باع من له نصف الدار نصف ملك (١) الدار ، فإن علم أنّه أراد نصفه أو نصف الغير عمل به ، وإلاّ فإن علم أنّه لم يقصد بقوله : «بعتك نصف الدار» إلاّ مفهوم هذا اللفظ ، ففيه احتمالان : حمله على نصفه المملوك له ، وحمله على النصف المشاع بينه وبين الأجنبيّ.

ومنشأ الاحتمالين : إمّا تعارض ظاهر النصف أعني الحصّة المشاعة في مجموع النصفين مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرّف إلى نصفه المختصّ وإن لم يكن له هذا الظهور في غير (٢) المقام ، ولذا يحمل الإقرار على الإشاعة كما سيجي‌ء (٣) أو مع ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه ؛ لأنّ بيع مال الغير لا بدّ فيه : إمّا من نيّة الغير ، أو اعتقاد كون المال لنفسه ، وإمّا من بنائه على تملّكه للمال‌

__________________

(١) في «ش» : «تلك». قال الشهيدي قدس‌سره : إضافة «الملك» إلى «الدار» بيانية ، ولو ترك المضاف لكان أولى. (هداية الطالب : ٣١٣).

(٢) لم ترد «غير» في «ف».

(٣) يجي‌ء في الصفحة ٥٢٥.


عدواناً كما في بيع الغاصب والكلّ خلاف المفروض هنا.

وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه ، وبين قول البائع : «بعت غانماً» مع كون الاسم مشتركاً بين عبده وعبد غيره ، حيث ادّعى فخر الدين قدس‌سره الإجماع على انصرافه إلى عبده ، فقاس عليه ما نحن فيه (١) ؛ إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير فيبقى (٢) ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع ، وانصراف لفظ المبيع في مقام التصرّف إلى مال المتصرّف ، سليمين عن المعارض ، فيفسّر بهما (٣) إجمال لفظ المبيع.

لو كان البائع وكيلاً في بيع النصف أو وليّاً

ثمّ إنّه لو كان البائع وكيلاً في بيع النصف أو وليّاً عن مالكه ، فهل هو كالأجنبي؟ وجهان ، مبنيّان على أنّ المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف لفظ «المبيع» إلى مال البائع في مقام التصرّف ، أو ظهور التمليك في الأصالة. الأقوى هو الأوّل ؛ لأنّ ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق ، وظهور النصف في المشاع وإن كان كذلك أيضاً ، إلاّ أنّ ظهور المقيِّد وارد على ظهور المُطلَق.

وما ذكره الشهيد الثاني : من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ (٤) ، وإن كان مرجعه إلى ظهورٍ واردٍ على ظهور المقيّد ، إلاّ أنّه مختصّ بالفضولي ؛ لأنّ القصد الحقيقي موجود في الوكيل والوليّ ، فالأقوى‌

__________________

(١) الإيضاح ١ : ٤٢١.

(٢) كذا في «ف» و «ص» ، وفي سائر النسخ : فبقي.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «ص» ، وفي غيرها : بها.

(٤) المسالك ٣ : ١٥٦.


فيهما (١) الاشتراك في البيع (٢) ؛ تحكيماً لظاهر النصف ، إلاّ أن يمنع ظهور «النصف» إلاّ في النصف المشاع في المجموع ، وأمّا ملاحظة حقّي المالكين وإرادة الإشاعة في الكلّ من حيث إنّه مجموعهما فغير معلومة ، بل معلوم (٣) العدم بالفرض.

ومن المعلوم : أنّ النصف المشاع بالمعنى المذكور يصدق على نصفه المختصّ ، فقد ملّك كليّاً يملك مصداقه ، فهو كما لو باع كلّياً سلفاً ، مع كونه مأذوناً في بيع ذلك من (٤) غيره أيضاً ، لكنّه لم يقصد إلاّ مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه أو عن غيره ، فإنّ الظاهر وقوعه لنفسه ؛ لأنّه عقد على ما يملكه ، فصرفه إلى الغير من دون صارف لا وجه له.

هبة المرأة نصف صداقها مشاعاً قبل الطلاق

ولعلّه لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين (٥) والشهيدين (٦) وغيرهم (٧) ـ : أنّه لو أصدق المرأة عيناً ، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق ، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي ، لا نصف الباقي وقيمة نصف الموهوب وإن‌

__________________

(١) في «ف» : فيها.

(٢) في «ف» : «المنع» ، وفي «ش» : المبيع ، واستظهره مصحّح «ص» أيضاً.

(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : معلومة ، كما في مصحّحة «ص».

(٤) في سوى «م» و «ش» : عن.

(٥) الشرائع ٢ : ٣٣٠ ، المسألة العاشرة ، ولم نعثر عليه في كتب العلاّمة ، نعم ذكره في القواعد ٢ : ٤٣ على أحد الاحتمالين.

(٦) اللمعة الدمشقية : ١٩٧ ، والروضة البهية ٥ : ٣٦٧ ، والمسالك ٨ : ٢٥٥.

(٧) مثل فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٣٣ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ١٨٢. والسيّد الطباطبائي في الرياض ٢ : ١٤٦.


ذكروا ذلك احتمالاً (١) (٢) ، وليس إلاّ من جهة صدق «النصف» على الباقي ، فيدخل في قوله تعالى (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٣) وإن كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم : بأنّه لمّا كان الربع الباقي للمرأة من الموجود مِثلاً للربع التالف من الزوج ، ومساوياً (٤) له من جميع الجهات ، بل لا تغاير بينهما إلاّ بالاعتبار ، فلا وجه لاعتبار القيمة ، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيميّة.

لكنّ الظاهر أنّهم لم يريدوا هذا الوجه ، وإنّما (٥) علّلوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقّه ، فلا يخلو عن منافاةٍ لهذا المقام.

الاقرار بالنصف في الشركة

ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا : ما ذكروه (٦) في باب الصلح : من أنّه إذا أقرّ من بيده المال لأحد المدّعيين للمال بسببٍ موجبٍ للشركة كالإرث فصالحه المقرّ له على ذلك النصف كان النصف مشاعاً في نصيبهما ، فإن أجاز شريكه نفذ في المجموع وإلاّ نفذ في الربع ؛ فإنّ مقتضى ما ذكروه هنا اختصاص المصالح (٧) بنصف المقرّ له ؛ لأنّه إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقرّ له به فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار‌

__________________

(١) في «ن» ، «م» و «ع» : إجمالاً.

(٢) ذكره العلاّمة في القواعد ٢ : ٤٣ ، والشهيد الثاني في المسالك ٨ : ٢٥٥ ، والروضة البهيّة ٥ : ٣٦٨.

(٣) البقرة : ٢٣٧.

(٤) في غير «ش» : متساوياً.

(٥) في «ش» : وإنّهم.

(٦) ذكره المحقّق في الشرائع ٢ : ١٢٢ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ١٨٦ ، وراجع لتفصيل الأقوال مفتاح الكرامة ٥ : ٤٩٢.

(٧) في «ص» : «المصالحة» ، وكتب فوقه : المصالح خ ل.


مع غير المقرّ أو معه ، وإن أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضاً إلى حصّته ، فلا وجه لاشتراكه بينه وبين شريكه ؛ ولذا اختار سيّد مشايخنا قدّس الله أسرارهم اختصاصه بالمقرّ له (١).

وفصّل في المسالك بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف ، وبين ما إذا وقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد ، فاختار مذهب المشهور في الثالث ؛ لأنّ الإقرار منزّل على الإشاعة ، وحكم بالاختصاص في الأوّلين ؛ لاختصاص النصف وضعاً في الأوّل وانصرافاً في الثاني إلى النصف المختصّ (٢).

واعترضه في مجمع الفائدة : بأنّ هذا ليس تفصيلاً ، بل مورد كلام المشهور هو الثالث ؛ لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقرّ به (٣) ، وتمام الكلام في محلّه.

وعلى كلّ حال ، فلا إشكال في أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع مجرّداً عن حالٍ أو مقالٍ يقتضي صَرفه إلى نصفه ، يحمل على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه ؛ ولهذا أفتوا ظاهراً على أنّه لو أقرّ أحد الرجلين الشريكين الثابت يد كلٍّ منهما على نصف العين ، بأنّ ثلث العين لفلان ، حمل على الثلث المشاع في النصيبين ، فلو كذّبه الشريك الآخر ، دفع المقرّ إلى المقرّ له نصفَ ما في يده ؛ لأنّ‌

__________________

(١) اختاره السيّد المجاهد في المناهل : ٣٥٨.

(٢) المسالك ٤ : ٢٧٢.

(٣) راجع مجمع الفائدة ٩ : ٣٤٩.


المنكر بزعم المقرّ ظالم للسدس بتصرّفه في النصف ؛ لأنّه باعتقاده إنّما يستحقّ الثلث ، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلى المقرّ والمقرّ له على حدّ سواء ؛ فإنّه قدر تالف من العين المشتركة ، فيوزّع (١) على الاستحقاق.

ودعوى : أنّ مقتضى الإشاعة تنزيل المقرّ به على ما في يد كلٍّ منهما ، فيكون في يد المقرّ سدس ، وفي يد المنكر سدس ، كما لو صرّح بذلك ، وقال : «إنّ له في يد كلٍّ منهما (٢) سدساً» ، وإقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع ، فلا يجب إلاّ أن يدفع إليه ثلث ما في يده ، وهو السدس المقرّ به ، وقد تلف السدس الآخر بزعم المقرّ على المقرّ له بتكذيب المنكر.

مدفوعة : بأنّ ما في يد الغير ليس عين ماله ، فيكون كما لو أقرّ شخص بنصف كلٍّ من داره ودار غيره ، بل هو (٣) مقدار حصّته المشاعة ، كحصّة المقرّ وحصّة المقرّ له بزعم المقرّ ، إلاّ أنّه لمّا لم يجبر المكذّب على دفع شي‌ء ممّا في يده فقد تلف سدس مشاع يوزّع على المقرّ والمقرّ له ، فلا معنى لحسابه على المقرّ له وحده ، إلاّ على احتمالٍ ضعيف ، وهو تعلّق الغصب بالمشاع وصحّة تقسيم الغاصب مع الشريك ، فيتمحّض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه وما يأخذه‌

__________________

(١) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «فوزّع» ، لكن صحّح في «خ» و «ع» بما أثبتناه.

(٢) في هامش «ن» : الظاهر : منّا ، بدل منهما.

(٣) في «ش» : وهو.


الشريك لنفسه ، لكنّه احتمال مضعّف في محلّه وإن قال به أو مال إليه بعض على ما حكي (١) للحرج أو السيرة.

نعم ، يمكن أن يقال (٢) : بأنّ التلف في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحقّ المقرّ له باعتقاد المقرّ ، والشارع إنّما أذن له في أخذ ما يأخذه على أنّه من مال المقرّ له ، فالشارع إنّما حسب السدس في يد المنكر على المقرّ له ، فلا يحسب منه على المقرّ شي‌ء ، وليس هذا كأخذ الغاصب جزءاً معيّناً من المال عدواناً بدون إذن الشارع حتّى يحسب على كلا الشريكين.

والحاصل : أنّ أخذ الجزء لمّا (٣) كان بإذن الشارع وإنّما (٤) أذن له على أن يكون من مال المقرّ له ؛ ولعلّه لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح إلى الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب : أنّ أحد الأخوين إذا أقرّ بثالث ، دفع إليه الزائد عمّا يستحقّه باعتقاده ، وهو الثلث ، ولا يدفع إليه نصف ما في يده ؛ نظراً إلى أنّه أقرّ بتساويهما في مال المورّث ، فكلّ ما حصل كان لهما ، وكلّ ما توى (٥) كان كذلك (٦).

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) في غير «ش» زيادة : في هذا المقام.

(٣) لم ترد «لمّا» في «ش» ، وشطب عليها في «ص» ، والظاهر زيادتها ؛ لعدم وجود جواب لها في العبارة.

(٤) في مصحّحة «ن» : فإنّما.

(٥) أي : هلك وتلف.

(٦) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٦٨.


هذا ، ولكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال ؛ من جهة أنّ الشارع ألزم بمقتضى الإقرار معاملة المقرّ مع المقرّ له بما يقتضيه الواقع الذي أقرّ به ، ومن المعلوم : أنّ مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقرّ هو كون ما في يده على حسب إقراره بالمناصفة ، وأمّا المنكر (١) عالماً ، فيكون ما في يده مالاً مشتركاً لا يحلّ له منه إلاّ ما قابل حقّه (٢) ممّا (٣) في يدهما ، والزائد حقّ لهما عليه.

إقرار أحد الشريكين في الارث بالنسب لشخص

وأمّا مسألة الإقرار بالنسب ، فالمشهور وإن صاروا إلى ما ذكر ، وحكاه الكليني عن الفضل بن شاذان (٤) على وجه الاعتماد ، بل ظاهره جعل فتواه كروايته (٥) ، إلاّ أنّه صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم (٦) بمخالفته للقاعدة حتّى قوّى في المسالك الحمل على الإشاعة (٧) ، وتبعه سبطه (٨) وسيّد الرياض (٩) في شرحي (١٠) النافع.

__________________

(١) في مصحّحة «ص» زيادة : فإن كان.

(٢) في «ش» ومصحّحة «ن» : حصّته.

(٣) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : عمّا.

(٤) حكاه الشيخ الكليني في الكافي ٧ : ١٦٦ ، في باب الإقرار بوارث آخر.

(٥) في غير «ش» : كرواية ، لكن صحّحت في أكثرها بما أثبتناه.

(٦) منهم المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٩ : ٣٥٦ ، والمحقّق الخراساني في الكفاية : ٢٣٢.

(٧) المسالك (الطبعة الحجرية) ٢ : ١٤٥.

(٨) لا يوجد لدينا ما يتعلّق بهذا المبحث من نهاية المرام.

(٩) الرياض ٢ : ٢٤٦.

(١٠) في «ف» : شرح.


والظاهر : أنّ مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث ، كالفضل والكليني ، بل وغيرهما.

فروى الصدوق مرسلاً والشيخ مسنداً عن أبي البختري وهب ابن وهب (١) ، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام : «قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه ـ : أنّه يلزم ذلك في حصّته (٢) بقدر ما ورث ، ولا يكون ذلك في ماله كلّه ، و (٣) إن أقرّ اثنان من الورثة وكانا عدلين أُجيز ذلك على الورثة (٤) ، وإن لم يكونا عدلين أُلزما في حصّتهما (٥) بقدر ما ورثا (٦) ، وكذلك إن أقرّ أحد الورثة بأخٍ أو أُخت فإنّما (٧) يلزمه ذلك في حصّته.

وبالإسناد ، قال : «قال علي عليه‌السلام : من أقرّ لأخيه فهو شريك في المال ، ولا يثبت نسبه ، فإن أقرّ اثنان فكذلك ، إلاّ أن يكونا عدلين ، فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم» (٨).

__________________

(١) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : عن وهب بن وهب أبي البختري.

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : حقّه.

(٣) في غير «ف» و «ش» زيادة : كذلك ، وشطب عليها في «ن».

(٤) عبارة «أُجيز ذلك على الورثة» لم ترد في غير «ش» ، لكنّها استدركت في هامش «ن» ، «خ» و «ص».

(٥) في «ف» ، «ن» ، «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : حقّهما.

(٦) عبارة «بقدر ما ورثا» وردت في «ش» فقط.

(٧) كلمة «فإنّما» من «ش» ومصحّحة «ن».

(٨) الفقيه ٣ : ١٨٩ ، الحديث ٣٧١٤ ، والتهذيب ٦ : ١٩٨ ١٩٩ ، الحديث ٤٤٢ ، وعنهما الوسائل ١٣ : ٤٠٢ ، الباب ٢٦ من أبواب الوصايا ، الحديث ٥ و ٦.


وعن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمّد (١) ، وتمام الكلام في محلّه من كتاب الإقرار أو الميراث (٢) إن شاء الله.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٥٢ ، الحديث ١٧١.

(٢) في «ش» : والميراث.


مسألة

بيع ما يقبل التملّك وما لا يقبله

لو باع ما يقبل التملّك وما لا يقبله كالخمر والخنزير صفقةً بثمنٍ واحد ، صحّ في المملوك عندنا ، كما في جامع المقاصد (١) ، وإجماعاً ، كما عن الغنية (٢) ، ويدلّ عليه : إطلاق مكاتبة الصفّار المتقدّمة (٣).

صحة البيع فيما يقبل التملّك خاصّة

ودعوى : انصرافه إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير ، ممنوعة ، بل لا مانع من جريان قاعدة الصحّة ، بل اللزوم في العقود ، عدا ما يقال : من أنّ التراضي والتعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعاً ، فالحكم بالإمضاء في البعض مع عدم كونه مقصوداً إلاّ في ضمن المركّب يحتاج إلى دليلٍ آخر غير ما دلّ على حكم العقود والشروط والتجارة عن تراضٍ ؛ ولذا حكموا بفساد العقد‌

__________________

(١) لم نقف عليه صريحاً ، ولعلّه يستفاد ممّا قاله في مسألة ما لو باع المملوك وغير المملوك ، حيث قال : فلا سبيل إلى القول بالبطلان في الأخير عندنا. انظر جامع المقاصد ٤ : ٤٣٢.

(٢) الغنية : ٢٠٩.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٣٦٥ و ٥١٣.


بفساد شرطه ، وقد نبّه عليه في جامع المقاصد في باب فساد الشرط ، وذكر : أنّ في الفرق بين فساد الشرط والجزء عسراً (١) ، وتمام الكلام في باب الشروط ، ويكفي هنا الفرق بالنصّ (٢) والإجماع.

دعوى تقييد الحكم بصورة جهل المشتري ، ودفعها

نعم ، ربما يقيّد الحكم بصورة جهل المشتري ، لما ذكره في المسالك وفاقاً للمحكيّ في التذكرة عن الشافعي ـ : من جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع (٣) ، قال في التذكرة بعد ذلك : وليس عندي بعيداً من (٤) الصواب الحكم بالبطلان فيما إذا علم المشتري حريّة (٥) الآخر ، أو كونه ممّا لا ينقل إليه (٦) ، انتهى.

ويمكن دفعه بأنّ اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلى نقله عرفاً وإن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له ، فإنّ هذا العلم غير منافٍ لقصد النقل (٧) حقيقة ، فبيع الغرر المتعلّق لنهي الشارع وحكمه عليه بالفساد ، هو ما كان غرراً في نفسه مع قطع النظر عمّا يحكم عليه من (٨) الشارع ، مع أنّه لو تمّ ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى‌

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٤٣٢.

(٢) المراد به ظاهراً مكاتبة الصفّار المشار إليها آنفاً.

(٣) المسالك ٣ : ١٦٣.

(٤) في «ف» : عن.

(٥) في «ش» : حرمة.

(٦) التذكرة ١ : ٥٦٥ ، وراجع قول الشافعي في المجموع ٩ : ٤٦٩ و ٤٧٣.

(٧) في «ف» ونسختي بدل «ن» و «ش» : البيع.

(٨) في «م» و «ش» : عن.


المملوك ، لا البطلان ؛ لأنّ المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم على ضمان المملوك وحده بالثمن ، كما صرّح به الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه ، حيث قال : إنّ هذا الحكم مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع أو حكمه (١) وإلاّ لكان البذل بإزاء المملوك ؛ ضرورة أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد (٢) ، انتهى.

لكن ما ذكره قدس‌سره مخالف لظاهر المشهور ، حيث حكموا بالتقسيط وإن كان مناسباً لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم : من عدم رجوعه بالثمن إلى البائع ؛ لأنّه سلّطه عليه مجّاناً ، فإنّ مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك ، إمّا لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي وإمّا لبقاء ذلك القسط له مجّاناً كما قد يلوح من جامع المقاصد (٣) والمسالك (٤) إلاّ أنّك قد عرفت أنّ الحكم هناك (٥) لا يكاد ينطبق على القواعد.

طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره

ثمّ إنّ طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره يعرف ممّا تقدّم في بيع ماله مع (٦) مال الغير (٧) : من أنّ العبرة بتقويم كلّ منهما منفرداً ،

__________________

(١) لم ترد «أو حكمه» في «ف» و «ش» ، وشطب عليها في «ن».

(٢) حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢٠٩ ٢١٠.

(٣) انظر جامع المقاصد ٤ : ٨٢ ٨٣.

(٤) انظر المسالك ٣ : ١٦٤.

(٥) في «ف» : هنا.

(٦) في «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» بدل «مع» : من.

(٧) في «ف» بدل «الغير» : غيره.


ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.

طريق معرفة قيمة غير المملوك

لكنّ الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك ، وقد ذكروا (١) : أنّ الحرّ يُفرض عبداً بصفاته ويقوّم ، والخمر والخنزير (٢) يقوّمان بقيمتهما عند من يراهما مالاً ، ويعرف تلك القيمة بشهادة عدلين مطّلعين على ذلك ؛ لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين للكفّار.

ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنّها (٣) شاة. والخمر بعنوان أنّها خلّ فبان الخلاف ، بل جزم بعضٌ هنا بوجوب تقويمهما قيمة الخلّ والشاة ، كالحرّ (٤).

__________________

(١) راجع جامع المقاصد ٤ : ٨٣ ، والمسالك ٣ : ١٦٣ ، ومجمع الفائدة ٨ : ١٦٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٢١٠ ، والجواهر ٢٢ : ٣٢١.

(٢) في «ف» : أو الخنزير.

(٣) في مصحّحة «ص» : أنّه.

(٤) لم ترد «كالحرّ» في «ف» و «ش».


مسألة

[في ولاية الأب والجدّ] (١)

يجوز للأب والجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع والشراء.

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب والجدّ

ويدلّ عليه قبل الإجماع ـ : الأخبار المستفيضة المصرِّحة في موارد كثيرة (٢) ، وفحوى سلطنتهما على بُضْع البنت في باب النكاح (٣).

والمشهور عدم اعتبار العدالة ؛ للأصل ، والإطلاقات ، وفحوى الإجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج (٤).

خلافاً للمحكيّ عن الوسيلة (٥) والإيضاح (٦) فاعتبراها فيهما ؛

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) منها ما في الوسائل ١٢ : ١٩٤ و ١٩٨ ، الباب ٧٨ و ٧٩ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) راجع الوسائل ١٤ : ٢٠٧ و ٢١٧ ، الباب ٦ و ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

(٤) التذكرة ٢ : ٥٩٩ ، وحكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٥٧.

(٥) لم نعثر عليه في الوسيلة ، ولا على من حكى عنه ، نعم اشترط في تصرّف الوليّ كونه ثقة وفي الوصيّ أن يكون عادلاً. راجع الوسيلة : ٢٧٩ ، ٣٧٣.

(٦) إيضاح الفوائد ٢ : ٦٢٨.


مستدلاً في الأخير : بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ولا يصرف عن ماله ، ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أميناً يقبل إقراراته (١) وإخباراته عن (٢) غيره مع نصّ القرآن على خلافه ، انتهى (٣).

ولعلّه أراد بنصّ القرآن آية الركون إلى الظالم (٤) التي أشار إليها في جامع المقاصد (٥) ، وفي دلالة الآية نظر.

وأضعف منها ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة ؛ إذ المحذور يندفع كما في جامع المقاصد ـ : بأنّ الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال (٦) حال (٧) الطفل عزله ومنعه من التصرّف في ماله وإثبات اليد عليه ، وإن لم يظهر خلافه فولايته ثابتة ، وإن لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد وتتبّع سلوكه وشواهد أحواله (٨) ، انتهى.

هل تشترط المصلحة أو عدم المفسدة؟

وهل يشترط في تصرّفه (٩) المصلحة ، أو يكفي عدم المفسدة ،

__________________

(١) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ص» زيادة : «عن غيره» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٢) في المصدر : على.

(٣) لم ترد «انتهى» في «م» ، «ن» و «ص».

(٤) هود : ١١٣.

(٥) جامع المقاصد ١١ : ٢٧٥.

(٦) كذا في «ف» و «ص» ونسخة بدل «ن» ، وفي سائر النسخ ونسخة بدل «ص» : اختلاف.

(٧) في «ش» زيادة : أبو.

(٨) جامع المقاصد ١١ : ٢٧٦ ، مع تفاوت في بعض الكلمات.

(٩) في «ف» : «تصرّفها» ، ولعلّه مصحّف «تصرّفهما» وهذا هو الأصحّ ؛ لرجوع الضمير إلى الأب والجدّ.


ما يشهد لعدم الاشتراط ، والمناقشة فيه

أم لا يعتبر شي‌ء؟ وجوه ، يشهد للأخير : إطلاق ما دلّ على أنّ مال الولد للوالد ، كما في رواية سعد بن يسار (١) ، وأنّه وماله لأبيه ، كما في النبويّ المشهور (٢) ، وصحيحة ابن مسلم : «أنّ الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء» (٣) ، وما في العلل عن (٤) محمد بن سنان عن الرضا صلوات الله عليه : من أنّ علّة تحليل مال الولد لوالده ؛ أنّ الولد موهوب للوالد في قوله تعالى (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٥). ويؤيّده أخبار (٦) جواز تقويم جارية الابن على نفسه.

لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب ، كما يشهد له قوله عليه‌السلام في رواية الحسين بن أبي العلاء ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه. قال : فقلت له : فقول (٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرجل‌ الذي أتاه فقدّم أباه ، فقال له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال : إنّما جاء بأبيه

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ١٩٦ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

(٢) الوسائل ١٢ : ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٤) في غير «ش» : وما في علل محمد بن سنان.

(٥) علل الشرائع : ٥٢٤ ، الباب ٣٠٢ ، وعنه الوسائل ١٢ : ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٩ ، والآية من سورة الشورى : ٤٩.

(٦) راجع الوسائل ١٢ : ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣ ، و ١٩٨ ، الباب ٧٩ من الأبواب ، الحديث ١ و ٢ ، و ١٤ : ٥٤٣ ، الباب ٤٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الأحاديث ١ ، ٣ و ٤.

(٧) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : قول.


إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله هذا أبي وقد (١) ظلمني ميراثي من أُمّي ، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه ، فقال (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أفكان (٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبس الأب للابن؟!» (٤).

ونحوها صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرجل (٥) : أنت ومالك لأبيك ، ثمّ قال : لا نحبّ (٦) أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه ؛ إنَّ (اللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ)» (٧).

فإنّ الاستشهاد بالآية يدلّ على إرادة الحرمة من عدم الحبّ دون الكراهة ، وأنّه لا يجوز له التصرّف بما فيه مفسدة للطفل.

هذا كلّه ، مضافاً إلى عموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٨) فإنّ إطلاقه يشمل الجدّ ، ويتمّ في الأب (٩) بعدم الفصل.

__________________

(١) كلمة «وقد» من «ص» والمصدر.

(٢) في غير «ف» : فقال النبيّ.

(٣) كذا في «ص» والمصدر ، وفي سائر النسخ : أو كان.

(٤) الوسائل ١٢ : ١٩٦ ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٨.

(٥) كلمة «لرجل» من «ص» والمصدر.

(٦) في «ص» : «ما أُحبّ» ، وفي نسخة بدلها : لا نحبّ.

(٧) الوسائل ١٢ : ١٩٥ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢ ، والآية من سورة البقرة : ٢٠٥.

(٨) الأنعام : ١٥٢ ، والإسراء : ٣٤.

(٩) في «ف» ومصحّحة «ن» : وفي الأب يتمّ.


ظهور الاجماع على اشتراط عدم المفسدة ، بل وجود المصلحة

ومضافاً إلى ظهور الإجماع على اعتبار عدم المفسدة ، بل في مفتاح الكرامة (١) استظهر الإجماع تبعاً لشيخه في شرح القواعد (٢) على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة ، وليس ببعيد ؛ فقد صرّح به في محكيّ المبسوط ، حيث قال : ومن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة : الأب ، والجدّ (٣) ، ووصيّ الأب والجدّ ، والحاكم ، ومن يأمره ، ثمّ قال : وكلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلاّ على وجه الاحتياط والحظّ للصغير ؛ لأنّهم إنّما نُصبوا لذلك ، فإذا تصرّف فيه على وجهٍ لا حظّ فيه كان باطلاً ؛ لأنّه خلاف ما نصب له (٤) ، انتهى.

وقال الحليّ في السرائر : لا يجوز للوليّ التصرّف في مال الطفل إلاّ بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه إلى الطفل ، دون المتصرّف فيه ، وهذا الذي يقتضيه أُصول المذهب (٥) ، انتهى.

وقد صرّح بذلك أيضاً المحقّق (٦) والعلاّمة (٧) والشهيدان (٨) والمحقّق‌

__________________

(١) مفتاح الكرامة ٤ : ٢١٧ ، وفيه : وهذا الحكم إجماعي على الظاهر.

(٢) حاشية القواعد (مخطوط) : الورقة ٧١ ذيل قول العلاّمة : مع المصلحة للمولّى عليه وفيه : وظاهرهم الإجماع على ذلك.

(٣) كذا في «ف» والمصدر ، وفي سائر النسخ زيادة : للأب.

(٤) المبسوط ٢ : ٢٠٠.

(٥) السرائر ١ : ٤٤١.

(٦) انظر الشرائع ٢ : ٧٨ ٧٩ و ١٧١.

(٧) القواعد ١ : ١٢٥ ، والإرشاد ١ : ٣٦٠.

(٨) انظر اللمعة الدمشقية : ١٣٨ ، والدروس ٣ : ٣١٨ و ٤٠٣ ، والمسالك ٣ : ١٦٦ ، و ٤ : ٣٣ و ٣٥ ، و ٥ : ١٣٦.


الثاني (١) وغيرهم (٢) ، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي : أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم باعتبار المصلحة من غير استثناء (٣). واستظهر في مفتاح الكرامة (٤) من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين (٥).

وقد حكي عن الشهيد في حواشي القواعد : أنّ قطب الدين قدس‌سره نقل عن العلاّمة قدس‌سره : أنّه لو باع الوليّ بدون ثمن المثل ، لِمَ لا يُنزَّل منزلة الإتلاف بالاقتراض؟ لأنّا قائلون بجواز اقتراض ماله وهو يستلزم جواز إتلافه ، قال : وتوقّف زاعماً أنّه لا يقدر على مخالفة الأصحاب (٦).

الأقوى كفاية عدم المفسدة

هذا ، ولكن الأقوى كفاية عدم المفسدة ، وفاقاً لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم (٧) ؛ لمنع دلالة الروايات (٨) على أكثر من‌

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ٤ : ٨٧ ، و ٥ : ٧٢.

(٢) مثل المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٤ : ١٤ ، و ٦ : ٧٧ ، والمحقّق السبزواري في الكفاية : ٨٩ ، ١٠٨ و ٢٢٠.

(٣) المناهج السويّة (مخطوط) : ٦ ، في ذيل قول الشارح : وكذا لو اتجر الولي أو مأذونه للطفل.

(٤) مفتاح الكرامة ٥ : ٢٦٠.

(٥) انظر التذكرة ٢ : ٨٠.

(٦) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ٢١٧.

(٧) منهم كاشف الغطاء في شرحه على القواعد (مخطوط) : ٧١ ، وصاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٣٢ و ٢٨ : ٢٩٧ ، وغيرهما.

(٨) تقدّم تخريجها في الصفحة ٥٣٥.


النهي عن الفساد ، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدّمة (١) الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد وماله.

وأمّا الآية الشريفة (٢) ، فلو سلّم دلالتها ، فهي مخصّصة بما دلّ على ولاية الجدّ وسلطنته ، الظاهرة في أنّ له أن يتصرّف في مال طفله (٣) بما ليس فيه (٤) مفسدة له ؛ فإنّ ما دلّ على ولاية الجدّ في النكاح معلّلاً بأنّ البنت وأباها للجدّ (٥) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت ومالك لأبيك» (٦) ، خصوصاً مع استشهاد الإمام عليه‌السلام به في مضيّ نكاح الجدّ بدون إذن الأب ؛ ردّاً على من أنكر ذلك وحكم ببطلان ذلك من العامّة في مجلس بعض الأُمراء (٧) وغير ذلك (٨) يدلّ على ذلك.

مع أنّه لو سلّمنا عدم التخصيص ، وجب الاقتصار عليه في حكم الجدّ ، دون الأب.

__________________

(١) تقدّمت في الصفحة ٥٣٧.

(٢) وهي قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الإسراء : ٣٤.

(٣) في «ن» ، «م» و «ص» : «طفل» ، وفي الأخير كتب فوقه : الطفل ظ.

(٤) في «ف» بدل «فيه» : له.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢١٩ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٨.

(٦) الوسائل ١٢ : ١٩٥ ١٩٧ ، الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، الأحاديث ١ ، ٢ ، ٨ و ٩.

(٧) الوسائل ١٤ : ٢١٨ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ، الحديث ٥.

(٨) كما في الأحاديث المتقدّمة آنفاً.


ودعوى عدم القول بالفصل ممنوعة ؛ فقد حكي عن بعض متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما في الاقتراض مع عدم اليسر (١).

مشاركة الجدّ وإن علا للأب

ثمّ لا خلاف ظاهراً كما ادّعي (٢) في أنّ الجدّ وإن علا يشارك الأب في الحكم ، ويدلّ عليه ما دلّ على أنّ الشخص وماله الذي منه مال ابنه لأبيه (٣) ، وما دلّ (٤) على أنّ الولد ووالده لجدّه (٥).

لو فقد الأب وبقي الجدّ

ولو فُقد الأب وبقي الجدّ ، فهل أبوه أو (٦) جدّه يقوم مقامه في المشاركة أو يخصّ هو بالولاية؟ قولان : من ظاهر أنّ الولد ووالده لجدّه ، وهو المحكي عن ظاهر جماعة (٧) ، ومن أنّ مقتضى قوله تعالى (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) (٨) كون القريب أولى بقريبه من البعيد ، فنفي (٩) ولاية البعيد خرج (١٠) منه الجدّ مع الأب وبقي الباقي.

وليس المراد من لفظ «الأولى» التفضيل مع الاشتراك في المبدأ ،

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) انظر المناهل : ١٠٥ ، والجواهر ٢٦ : ١٠٢.

(٣) كما تقدّم آنفاً.

(٤) لم ترد «وما دلّ» في غير «ف» و «ش» ، لكنّه استدرك في «ن» و «ص».

(٥) مثل ما تقدّم في الصفحة السابقة.

(٦) في «ع» و «ش» بدل «أو» : «و».

(٧) حكاه السيّد المجاهد في المناهل : ١٠٥ ، وفيه : ويظهر الأوّل من إطلاق الشرائع والنافع.

(٨) الأنفال : ٧٥ ، والأحزاب : ٦.

(٩) في «ص» : فينفي.

(١٠) في غير «ف» : وخرج.


بل هو نظير قولك : «هو أحقّ بالأمر (١) من فلان» ونحوه ، وهذا محكيّ (٢) عن جامع المقاصد (٣) والمسالك (٤) والكفاية (٥) ، وللمسألة مواضع أُخر (٦) تأتي إن شاء الله.

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : بالأجر.

(٢) حكاه السيّد المجاهد في المناهل : ١٠٥.

(٣) لم نقف عليه بعينه ، نعم في جامع المقاصد ٥ : ١٨٧ هكذا : وهل يكون للجدّ الأعلى مع وجود الأولى ولاية؟ فيه نظر.

(٤) المسالك ٧ : ١٧١.

(٥) لم نعثر عليه في الكفاية.

(٦) مثل كتاب النكاح وكتاب الحجر.



مسألة

[في ولاية الفقيه] (١)

من جملة أولياء التصرّف في مال من لا يستقلّ بالتصرّف في ماله : الحاكم ، والمراد منه : الفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، وقد رأينا هنا (٢) ذكر مناصب الفقيه ، امتثالاً لأمر أكثر حُضّار مجلس المذاكرة ، فنقول مستعيناً بالله‌ للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة :

مناصب الفقيه : الافتاء والحكومة والولاية

أحدها : الإفتاء فيما يحتاج إليها العامي في عمله ، ومورده المسائل الفرعية ، والموضوعات الاستنباطية من حيث ترتّب حكمٍ فرعيٍّ عليها. ولا إشكال ولا خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه ، إلاّ ممّن لا يرى جواز التقليد للعامي.

وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد.

الثاني : الحكومة ، فله الحكم بما يراه حقّا في المرافعات وغيرها في الجملة. وهذا المنصب أيضاً ثابت له بلا خلاف فتوًى ونصّاً ، وتفصيل الكلام فيه من حيث شرائط الحاكم والمحكوم به والمحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء.

__________________

(١) العنوان منّا.

(٢) لم ترد «هنا» في «ف».


الولاية على وجهين

الثالث : ولاية التصرّف في الأموال والأنفس ، وهو المقصود بالتفصيل هنا ، فنقول : الولاية تتصوّر على وجهين :

١ ـ استقلال الولي بالتصرّف

الأوّل : استقلال الولي بالتصرّف مع قطع النظر عن كون تصرّف غيره منوطاً بإذنه أو غير منوطٍ به ، ومرجع هذا إلى كون نظره سبباً في جواز تصرّفه.

٢ ـ توقّف تصرّف الغير على إذنه

الثاني : عدم استقلال غيره بالتصرّف ، وكون تصرّف الغير منوطاً بإذنه وإن لم يكن هو مستقلا بالتصرّف ، ومرجع هذا إلى كون نظره شرطاً في جواز تصرّف غيره. وبين موارد الوجهين عموم من وجه.

ثمّ إذنه المعتبر في تصرّف الغير :

إمّا أن يكون على وجه الاستنابة ، كوكيل الحاكم.

وإمّا أن يكون على وجه التفويض والتولية ، كمتولّي الأوقاف من قِبَل الحاكم.

وإمّا أن يكون على وجه الرضا كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميّتٍ لا وليّ له.

ثبوت الولاية بالمعنى الأول للنبي والأئمة عليهم‌السلام

إذا عرفت هذا ، فنقول : مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي‌ء (١) من الوجوه (٢) المذكورة ، خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبيّ والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين بالأدلّة الأربعة ، قال الله تعالى (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ

__________________

(١) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : «لأخذ شي‌ء» ، لكن صحّحت العبارة في بعضها بما أثبتناه ، وفي بعضها الآخر ورد ما أثبتناه في الهامش ، وصحّحها مصحّح «ص» هكذا : لأحد على أحد في شي‌ء.

(٢) في «ش» : الأُمور.


الاستدلال بالكتاب

مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (١) ، و (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢) ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣) ، و (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤) ، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ..) الآية (٥) ، إلى غير ذلك.

الاستدلال بالروايات

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في رواية أيوب بن عطية ـ : «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه» (٦) ، وقال في يوم غدير خم : «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى. قال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» (٧).

والأخبار في افتراض طاعتهم وكون معصيتهم كمعصية الله كثيرة ، يكفي في ذلك منها مقبولة عمر بن حنظلة (٨) ، ومشهورة أبي خديجة (٩) ، والتوقيع الآتي (١٠) ، حيث علّل فيها حكومة الفقيه وتسلّطه على الناس : بأني قد جعلته كذلك ، وأنّه حجّتي عليكم.

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) الأحزاب : ٣٦.

(٣) النور : ٦٣.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) المائدة : ٥٥.

(٦) الوسائل ١٧ : ٥٥١ ، الباب ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، الحديث ١٤.

(٧) الحديث من المتواترات بين الخاصّة والعامّة ، انظر كتاب الغدير ١ : ١٤ ١٥٨.

(٨) الوسائل ١٨ : ٩٨ ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٩) الوسائل ١٨ : ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦.

(١٠) الآتي في الصفحة ٥٥٥.


الاستدلال بالإجماع والعقل

وأمّا الإجماع فغير خفيّ.

وأمّا العقل القطعي ، فالمستقلّ منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة أنّهم أولياء النعم ، والغير المستقلّ حكمه بأنّ الأُبوّة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب على الابن في الجملة ، كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام على الرعيّة بطريق أولى ؛ لأنّ الحقّ هنا أعظم بمراتب ، فتأمّل.

والمقصود من جميع ذلك : دفع ما يتوهّم من أنّ وجوب طاعة الإمام مختصّ بالأوامر الشرعيّة ، وأنّه لا دليل على وجوب إطاعته (١) في أوامره العرفيّة أو سلطنته على الأموال والأنفس.

وبالجملة ، فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع والتأمّل : أنّ للإمام عليه‌السلام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل الله تعالى ، وأنّ تصرّفهم نافذ على الرعيّة ماضٍ مطلقاً.

هذا كلّه في ولايتهم بالمعنى الأوّل.

ثبوت الولاية بالمعنى الثاني والاستدلال عليه

وأمّا بالمعنى الثاني أعني اشتراط تصرّف الغير بإذنهم فهو وإن كان مخالفاً للأصل ، إلاّ أنّه قد ورد أخبار خاصّة بوجوب الرجوع إليهم (٢) ، وعدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة على شخص معيّن من الرعيّة ، كالحدود والتعزيرات ، والتصرّف في أموال القاصرين ، وإلزام الناس بالخروج عن الحقوق ، ونحو ذلك.

__________________

(١) في «ش» : طاعته.

(٢) انظر الكافي ١ : ١٨٥ ، باب فرض طاعة الأئمة ، و ٢١٠ ، باب أنّ أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمة ، والبحار ٢٣ : ١٧٢ ، الباب ٩ من كتاب الإمامة ، و ٢٨٣ ، وكذا الباب ١٧ منه.


ويكفي في ذلك ما دلّ على أنّهم أُولو الأمر وولاته (١) ؛ فإنّ الظاهر من هذا العنوان عرفاً : من يجب الرجوع إليه في الأُمور العامّة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.

وكذا ما دلّ على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معلّلاً ب «أنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» (٢) ؛ فإنّه دلّ على أنّ الإمام هو المرجع الأصلي.

وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في علل حاجة الناس إلى الإمام عليه‌السلام ، حيث قال بعد ذكر جملة من العلل ـ : «ومنها : أنّا لا نجد فرقة من الفِرَق ، ولا ملّة من الملل عاشوا وبقوا (٣) إلاّ بقيّم ورئيس ؛ لما لا بدّ لهم منه في (٤) أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما يعلم (٥) أنّه (٦) لا بدّ لهم منه (٧) ولا قوام لهم إلاّ به» (٨).

__________________

(١) راجع الكافي ١ : ٢٠٥ ، باب أنّ الأئمة عليهم‌السلام ولاة الأمر ، والبحار ٢٣ : ٢٨٣ ، الباب ١٧ من كتاب الإمامة.

(٢) كما في التوقيع الآتي في الصفحة ٥٥٥.

(٣) في «ف» : «عاشوا ولا بقوا» ، وفي «ش» والمصدر : بقوا وعاشوا.

(٤) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ : لما لا بدّ لهم من أمر.

(٥) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ع» : «وهو يعلم» ، وفي المصدر : «ممّا يعلم» ، وفي مصحّحة «ص» : بلا رئيس وهو يعلم.

(٦) في «ف» : أنّهم.

(٧) لم ترد «منه» في غير «ش».

(٨) علل الشرائع : ٢٥٣ ، الباب ١٨٢ ، ذيل الحديث ٩.


هذا ، مضافاً إلى ما ورد في خصوص الحدود والتعزيرات والحكومات ، وأنّها لإمام المسلمين (١) ، وفي الصلاة على الجنائز من : أنّ سلطان الله أحقّ بها من كلّ أحد (٢) ، وغير ذلك ممّا يعثر عليه المتتبّع.

وكيف كان ، فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في كثيرٍ من الأُمور العامّة بدون إذنهم ورضاهم ، لكن لا عموم يقتضي أصالة توقّف كلّ تصرّفٍ على الإذن.

نعم ، الأُمور التي يرجع فيها كلّ قومٍ إلى رئيسهم ، لا يبعد الاطّراد فيها بمقتضى كونهم اولي الأمر وولاته والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة ، والمرجع في غير ذلك من موارد الشكّ إلى إطلاقات أدلّة تلك التصرّفات إن وجدت على الجواز أو المنع ، وإلاّ فإلى الأُصول العمليّة ، لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام عليه‌السلام أو نائبه الخاصّ مع التمكّن منه لم يجز إجراء الأُصول ؛ لأنّها لا تنفع مع التمكّن (٣) من الرجوع إلى الحجّة ، وإنّما تنفع (٤) مع عدم التمكّن من الرجوع إليها‌

__________________

(١) راجع الوسائل ١٨ : ٦ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي ، و ٢٢١ ، الباب ٣٢ من أبواب كيفية الحكم والدعوى ، الحديث ٣ ، و ٣٣٠ ، الباب ١٧ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث ٣ ، و ٣٤٣ ، الباب ٣٢ من الأبواب ، و ٥٣٢ ، الباب الأوّل من أبواب حدّ المحارب ، والمستدرك ١٧ : ٢٤١ ، الباب ٣ من أبواب صفات القاضي ، و ١٨ : ٢٩ ، الباب ٢٥ من أبواب مقدّمات الحدود ، وغيرها.

(٢) الوسائل ٢ : ٨٠١ ، الباب ٢٣ من أبواب صلاة الجنازة ، الحديث ٤.

(٣) العبارة في «ف» هكذا : لأنّها إنّما تنفع مع عدم التمكّن ..

(٤) في غير «ش» زيادة : «ذلك» ، لكن شطب عليها في «ن».


لبعض العوارض (١).

وبالجملة ، فلا يهمّنا التعرّض لذلك ، إنّما المهمّ التعرّض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدّمين ، فنقول :

الكلام في ولاية الفقيه بالمعنى الأوّل الاستدلال عليها بالروايات

أمّا الولاية على الوجه الأوّل أعني استقلاله في التصرّف فلم يثبت بعمومٍ عدا ما ربما يتخيّل من أخبار واردة في شأن العلماء مثل : «أنّ العلماء ورثة الأنبياء ، و [ذاك] (٢) أنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ بشي‌ءٍ منها أخذ بحظٍّ وافر» (٣).

و «أنّ العلماء أُمناء الرسل» (٤).

وقوله عليه‌السلام : «مجاري الأُمور بيد العلماء بالله ، الامناء على حلاله وحرامه» (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علماء أُمّتي كأنبياء بني إسرائيل» (٦).

__________________

(١) في «ف» و «خ» : «في بعض الموارد» ، لكن صحّح في الأخير بما أثبتناه.

(٢) من المصدر.

(٣) الوسائل ١٨ : ٥٣ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢.

(٤) لم نقف عليه بهذا اللفظ في مجاميعنا الحديثية ، بل ورد في الكافي (١ : ٣٣ ، الحديث ٥) : «العلماء أُمناء» ، وفي (٤٦ ، الحديث ٥) : «الفقهاء أُمناء الرسل» ، نعم ورد بهذا اللفظ في كنز العمّال ١٠ : ١٨٣ ، و ٢٠٤ ، الحديث ٢٨٩٥٢ و ٢٩٠٨٣.

(٥) تحف العقول : ٢٣٨ ، وعنه في البحار ١٠٠ : ٨٠ ، الحديث ٣٧.

(٦) عوالي اللآلي ٤ : ٧٧ ، الحديث ٦٧ ، وعنه البحار ٢ : ٢٢ ، الحديث ٦٧ ، ونقله في المستدرك ١٧ : ٣٢٠ ، الحديث ٣٠ عن العلاّمة في التحرير.


وفي المرسلة (١) المرويّة في الفقه الرضوي : «إنّ منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» (٢).

وقوله عليه‌السلام (٣) في نهج البلاغة : «أولى الناس بالأنبياء : أعلمهم بما جاؤوا به (إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) الآية» (٤).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثاً : «اللهم ارحم خلفائي. قيل : ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال : الذين يأتون بعدي ، ويروون حديثي وسنّتي» (٥).

وقوله عليه‌السلام في مقبولة ابن حنظلة : «قد جعلته عليكم حاكماً» (٦).

وفي مشهورة أبي خديجة : «جعلته عليكم قاضياً» (٧).

وقوله عجّل الله فرجه : «هم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» (٨).

__________________

(١) لم ترد هذه الرواية في «ف».

(٢) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٣٨. وعنه في البحار ٧٨ : ٣٤٦ ، ذيل الحديث ٤.

(٣) لم يرد هذا النصّ في «ف».

(٤) نهج البلاغة : ٤٨٤ ، باب المختار من حِكَم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، الحكمة ٩٦ ، والآية من سورة آل عمران : ٦٨.

(٥) الوسائل ١٨ : ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٧.

(٦) الوسائل ١٨ : ٩٨ ٩٩ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.

(٧) الوسائل ١٨ : ١٠٠ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦.

(٨) ستأتي مصادره في الصفحة ٥٥٥.


إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع.

المناقشة في الاستدلال

لكنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية ، لا كونهم كالنبيّ والأئمة صلوات الله عليهم في كونهم أولى بالناس (١) في أموالهم ، فلو طلب الفقيه الزكاة والخمس من المكلّف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعاً. نعم ، لو ثبت شرعاً اشتراط صحّة أدائهما بدفعه إلى الفقيه مطلقاً أو بعد المطالبة ، وأفتى بذلك الفقيه ، وجب اتّباعه إن كان ممّن يتعيّن تقليده ابتداءً أو بعد الاختيار ، فيخرج عن محلّ الكلام.

هذا ، مع أنّه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار ، وجب حملها على إرادة الجهة (٢) المعهودة المتعارفة من وظيفته ، من حيث كونه رسولاً مبلّغاً ، وإلاّ لزم تخصيص أكثر أفراد العامّ ؛ لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس وأنفسهم إلاّ في موارد قليلة بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته.

وبالجملة ، فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام عليه‌السلام إلاّ ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد!

الكلام في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني أعني توقّف تصرّف الغير على إذنه ، فيما كان متوقّفاً على إذن الإمام عليه‌السلام وحيث إنّ موارد التوقّف على إذن الإمام عليه‌السلام غير مضبوطة فلا بدّ من ذكر ما يكون كالضابط لها ، فنقول :

كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج ، إن علم‌

__________________

(١) في «ع» و «ش» : أولى الناس.

(٢) كذا في «ف» و «ش» ، وفي سائر النسخ : على إرادة العامّ من الجهة.


الضابطة لما يجب استئذان الفقيه فيه

كونه وظيفة شخص خاصّ ، كنظر الأب في مال ولده الصغير ، أو صنفٍ خاصّ ، كالإفتاء والقضاء ، أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف ، فلا إشكال في شي‌ءٍ من ذلك. وإن لم يُعلم ذلك واحتمل كونه مشروطاً في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه ، وجب الرجوع فيه إليه.

ثمّ إن علم الفقيه من الأدلّة جواز تولّيه (١) ؛ لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ ، تولاّه مباشرةً أو استنابةً إن كان ممّن يرى الاستنابة فيه ، وإلاّ عطّله ؛ فإنّ كونه معروفاً لا ينافي إناطته بنظر الإمام عليه‌السلام والحرمان عنه عند فقده ، كسائر البركات التي حُرمناها بفقده عجّل الله فرجه.

ومرجع هذا إلى الشكّ في كون المطلوب مطلق وجوده ، أو وجوده من موجد خاصّ.

ما يدل على وجوب استئذان الفقيه في الأمور المذكورة

أمّا وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأُمور المذكورة ، فيدلّ عليه مضافاً إلى ما يستفاد من جعله حاكماً ، كما في مقبولة ابن حنظلة ، الظاهرة في كونه كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأُمور المذكورة إليه ، والانتهاء فيها إلى نظره ، بل المتبادر عرفاً من نصب السلطان حاكماً وجوب الرجوع في الأُمور العامّة المطلوبة للسلطان إليه ، وإلى ما تقدّم من قوله عليه‌السلام : «مجاري الأُمور بيد العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه» (٢) ـ

__________________

(١) في غير «ف» و «ش» : «توليته» ، ولكن صحّح في «ن» بما أثبتناه.

(٢) تقدّم في الصفحة ٥٥١.


الكلام في التوقيع إلى اسحاق ابن يعقوب

التوقيع (١) المروي في إكمال الدين (٢) وكتاب الغيبة (٣) واحتجاج الطبرسي (٤) الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب ، التي ذكر أنّي (٥) سألت العمري رضي‌الله‌عنه أن يوصل لي (٦) إلى الصاحب عجّل الله فرجه كتاباً (٧) فيه تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ ، فورد الجواب (٨) بخطّه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها ، وفيها : «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ؛ فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله».

فإنّ المراد ب «الحوادث» ظاهراً : مطلق الأُمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفاً أو عقلاً أو شرعاً إلى الرئيس ، مثل النظر في أموال القاصرين لغيبةٍ أو موتٍ أو صغرٍ أو سَفَهٍ.

وأمّا تخصيصها بخصوص المسائل الشرعيّة ، فبعيد من وجوه :

منها : أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرةً أو استنابةً ، لا الرجوع في حكمها إليه.

__________________

(١) في «خ» ، «م» ، «ع» و «ص» : «والتوقيع» ، وفي مصحّحة «خ» و «م» شطب على الواو.

(٢) إكمال الدين : ٤٨٤ ، الباب ٤٥ ، الحديث ٤.

(٣) كتاب الغيبة : ٢٩ ، الفصل ٤ ، الحديث ٢٤٧.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٢٨٣ ، وعن المصادر المتقدّمة الوسائل ١٨ : ١٠١ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٥) في «م» و «ش» بدل «أنّي» : أبي.

(٦) لم ترد «لي» في «ش».

(٧) في «ف» و «ن» زيادة : «يذكر» ، ولكن شطب عليها في «ن».

(٨) في «ش» : فورد التوقيع.


ومنها : التعليل بكونهم «حجّتي عليكم وأنا حجّة الله» ؛ فإنّه إنّما يناسب الأُمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر ، فكان هذا منصب ولاة الإمام عليه‌السلام من قِبَل نفسه ، لا أنّه واجب من قِبَل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام عليه‌السلام ، وإلاّ كان المناسب أن يقول : «إنّهم حُجج الله عليكم» كما وصفهم في مقام آخر ب «أنّهم أُمناء الله على الحلال والحرام» (١).

ومنها : أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الذي هو من بديهيّات الإسلام من السلف إلى الخلف ممّا لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب ، حتّى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه ، بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامّة إلى رأي أحدٍ ونظره ؛ فإنّه يحتمل أن يكون الإمام عليه‌السلام قد وكّله في غيبته إلى شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان.

والحاصل : أنّ الظاهر أنّ لفظ «الحوادث» ليس مختصّاً بما اشتبه حكمه ولا بالمنازعات.

النسبة بين التوقيع وعمومات الاذن في المعروف لكلّ أحد

ثمّ إنّ النسبة بين مثل هذا التوقيع وبين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف لكلّ أحد ، مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ معروف صدقة» (٢) ، وقوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (٣) وأمثال‌

__________________

(١) راجع الصفحة ٥٥١.

(٢) الوسائل ١١ : ٥٢١ ، الباب الأوّل من أبواب فعل المعروف ، الحديث ٥.

(٣) الوسائل ١١ : ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢ ، وفيه : عونك.


ذلك وإن كانت عموماً من وجه ، إلاّ أنّ الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها وكونها بمنزلة المفسّر الدالّ على وجوب الرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو نائبه في الأُمور العامّة التي يفهم عرفاً دخولها تحت «الحوادث الواقعة» ، وتحت عنوان «الأمر» في قوله (أُولِي الْأَمْرِ) (١).

وعلى تسليم التنزّل عن ذلك ، فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعيّة ذلك المعروف مع عدم وقوعه عن رأي وليّ الأمر (٢). هذا ، لكن المسألة لا تخلو عن إشكال ، وإن كان الحكم به مشهورياً.

محدودية مدلول الأدلّة

وعلى أيّ تقدير ، فقد ظهر ممّا ذكرنا : أنّ ما دلّ عليه هذه الأدلّة هو ثبوت الولاية للفقيه في الأُمور التي يكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغاً عنها ، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية. وأمّا ما يُشكّ في مشروعيّته كالحدود لغير الإمام ، وتزويج الصغيرة لغير الأب والجدّ ، وولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه وفسخ العقد الخياري عنه ، وغير ذلك ، فلا يثبت من تلك الأدلّة مشروعيّتها للفقيه ، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيّتها من دليلٍ آخر.

نعم ، الولاية على هذه وغيرها ثابتة للإمام عليه‌السلام بالأدلّة المتقدّمة المختصّة به ، مثل آية (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٣).

__________________

(١) الوارد في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ) ، وتقدّم في الصفحة ٥٤٧.

(٢) في «ف» : اولي الأمر.

(٣) الأحزاب : ٦.


وقد تقدّم (١) : أنّ إثبات عموم نيابة الفقيه (٢) عنه عليه‌السلام في هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد.

الحاصل : إنّ هنا مقامين

وبالجملة ، فها هنا مقامان :

أحدهما : وجوب إيكال المعروف المأذون فيه إليه ؛ ليقع خصوصياته عن نظره ورائه ، كتجهيز الميّت الذي لا وليّ له ، فإنّه يجب أن يقع خصوصياته من تعيين الغاسل والمغسل وتعيين شي‌ء من تركته للكفن وتعيين المدفن عن رأي الفقيه.

الثاني : مشروعيّة تصرّفٍ خاصٍّ في نفس أو مال أو عرض.

والثابت بالتوقيع وشبهه هو الأوّل دون الثاني ، وإن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعيّة وعدمها أيضاً من وظيفته ، إلاّ أنّ المقصود عدم دلالة الأدلّة السابقة على المشروعيّة.

نعم ، لو ثبتت أدلّة النيابة عموماً تمّ ما ذكر.

التمسّك برواية «السلطان وليّ من لا وليّ له» ، ومناقشتها

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن وتداول في بعض الكتب (٣) رواية (٤) أنّ «السلطان وليّ من لا وليّ له» وهذا أيضاً بعد الانجبار سنداً أو‌

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٥٥٣.

(٢) في غير «ش» : «نيابته للفقيه» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٣) كما في المسالك ٧ : ١٤٧ ، وعوائد الأيام : ٥٦٣ ، ذيل العائدة : ٥٤ ، والجواهر ٢٩ : ١٨٨ ، وراجع الحديث في كنز العمّال ١٦ : ٣٠٩ ، الحديث ٤٤٦٤٣ و ٤٤٦٤٤.

(٤) لم ترد «رواية» في «ف».


مضموناً (١) يحتاج إلى أدلّة عموم النيابة ، وقد عرفت ما يصلح أن يكون دليلاً عليه (٢) ، وأنّه لا يخلو عن وهن في دلالته ، مع قطع النظر عن السند ، كما اعترف به جمال المحقّقين في باب الخمس بعد الاعتراف بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نوّاب الإمام عليه‌السلام (٣) ، ويظهر من المحقّق الثاني أيضاً في رسالته الموسومة ب «قاطع اللجاج» (٤) في مسألة جواز أخذ الفقيه اجرة أراضي الأنفال من المخالفين كما يكون ذلك للإمام عليه‌السلام إذا ظهر الشكّ (٥) في عموم النيابة (٦) ، وهو في محلّه.

المقصود من «من ولا وليّ له»

ثمّ إنّ قوله (٧) : «من ولا وليّ له» في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا وليّ له ، بل المراد عدم الملكة ، يعني : أنّه وليّ مَن مِن شأنه أن يكون له وليّ بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه ، فيشمل الصغير الذي مات أبوه ، والمجنون بعد البلوغ ، والغائب ، والممتنع ، والمريض ، والمغمى عليه ، والميّت الذي لا وليّ له ، وقاطبة المسلمين إذا كان لهم مِلك ، كالمفتوح عنوة ، والموقوف عليهم في الأوقاف العامّة ، ونحو ذلك.

__________________

(١) قال الشهيد قدس‌سره : منشأ الترديد هو الشكّ في أنّ المتداول في الألسنة متن الرواية ونقلت باللفظ ، أو مضمونها ونقلت بالمعنى (هداية الطالب : ٣٣٢).

(٢) راجع الصفحة ٥٥١ ٥٥٣.

(٣) حاشية الروضة : ٣٢٠ ، ذيل عبارة : أو إلى نوّابه وهم الفقهاء.

(٤) كذا في النسخ ، والمعروف تسميتها ب «قاطعة اللجاج».

(٥) كذا في «ف» ، «خ» و «ص» ، وفي سائر النسخ : للشكّ.

(٦) قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج (رسائل المحقّق الكركي) ١ : ٢٥٧.

(٧) في «ف» زيادة : عليه‌السلام.


لكن يستفاد منه ما لم يمكن (١) يستفاد من التوقيع المذكور ، وهو الإذن في فعل كلّ مصلحة لهم ، فثبت (٢) به مشروعيّة ما لم يثبت مشروعيّته بالتوقيع المتقدّم ، فيجوز له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين.

نعم ، ليس له فعل شي‌ء لا يعود مصلحته إليهم ، وإن كان ظاهر «الوليّ» يوهم ذلك ؛ إذ بعد ما ذكرنا : من أنّ المراد ب «من لا وليّ له» مَن مِن شأنه أن يكون له وليّ ، يراد به كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه ، لا بمعنى : أنّه ينبغي أن يكون عليه وليٌّ ، له عليه (٣) ولاية الإجبار ، بحيث يكون تصرّفه ماضياً عليه.

والحاصل : أنّ الوليّ المنفيّ هو الوليّ للشخص لا عليه ، فيكون المراد بالوليّ المثبت ، ذلك أيضاً ، فمحصّله : إنّ الله جعل الوليّ الذي (٤) يحتاج إليه الشخص وينبغي أن يكون له ، هو (٥) السلطان ، فافهم.

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : يكن.

(٢) في «ص» : فثبتت.

(٣) عبارة «وليّ ، له عليه» لم ترد في «م» ، واستدركت في «ع» و «ص».

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : للذي.

(٥) الضمير في «ص» مشطوب عليه.


مسألة

في ولاية عدول (١) المؤمنين‌

حدود ولاية المؤمنين

اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه وهو ما كان تصرّفاً مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول ، فالظاهر جواز تولّيه (٢) لآحاد المؤمنين ؛ لأنّ المفروض كونه مطلوباً للشارع غير مضاف إلى شخص ، واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط (٣) بفرض التعذّر ، وكونه شرطاً مطلقاً له لا شرطاً اختيارياً مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط ؛ لكونه من المعروف الذي أُمر بإقامته في الشريعة (٤).

نعم ، لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو (٥) الإمام ، صحّ‌

__________________

(١) في غير «ش» و «ص» : العدول.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : توليته.

(٣) في غير «ش» زيادة : «له» ، لكن شطب عليها في «ن».

(٤) كما في الآية : «وَلْتَكُنْ منْكُمْ امَّةٌ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ» آل عمران : ١٠٤ ، وغيرها من الآيات ، وراجع الوسائل ١١ : ٣٩٣ ، الباب الأوّل من أبواب الأمر والنهي.

(٥) في «ف» : والإمام.


الرجوع إلى أصالة عدم المشروعيّة ، كبعض مراتب النهي عن المنكر ؛ حيث إنّ إطلاقاته لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح (١).

ما أفاده الشهيد في المقام

قال الشهيد قدس‌سره في قواعده : يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحِكَميّة على الأصحّ ، كدفع ضرورة اليتيم ، لعموم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٢) ، وقوله عليه (٣) السلام : «والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (٤) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ معروف صدقة» (٥). وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس من الممتنع وتفريقها في أربابها ، وكذا بقيّة وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان : وجه الجواز ما ذكرنا ، ولأنه لو مُنع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال ، وهي مطلوبة لله تعالى.

وقال بعض متأخّري العامّة : لا شكّ أنّ القيام بهذه المصالح أهمّ من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها ويصرفونها إلى غير مستحقّها. فإن تُوقِّع إمامٌ يصرف ذلك في وجهه ، حفظ المتمكّن تلك الأموال إلى حين تمكّنه من صرفها إليه ، وإن يئس من ذلك كما‌

__________________

(١) في «خ» ، «ع» و «ص» : الحَرَج.

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٤٠٦ ، القاعدة ١٤٨ ، والآية من سورة المائدة : ٢.

(٣) في «ف» : عليه الصلاة والسلام.

(٤) المستدرك ١٢ : ٤٢٩ ، الباب ٣٤ من أبواب فعل المعروف ، الحديث ١٠ ، وانظر الوسائل ١١ : ٥٨٦ ، الباب ٢٩ من أبواب فعل المعروف ، الحديث ٢ ، وفيه : عون المؤمن .. عون أخيه.

(٥) الوسائل ١١ : ٥٢٢ ، الباب الأوّل من أبواب فعل المعروف ، الحديث ٥.


في هذا الزمان تعيّن صرفه على الفور في مصارفه ؛ لما في إبقائه من التغرير وحرمان مستحقّيه (١) من تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه. ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم ، ومع اليأس يتصدّق بها عنهم (٢) ، وعند العامّة تصرف في المصارف (٣) العامّة (٤). انتهى.

تأييد كلام الشهيد وتوجيهه

والظاهر أنّ قوله : «فإن توقّع .. إلى آخره» من كلام الشهيد قدس‌سره ، ولقد أجاد فيما أفاد إلاّ أنّه قدس‌سره لم يبيّن وجه عدم الجواز ، ولعلّ وجهه : أنّ مجرّد كون هذه الأُمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه كما في قطع الدعاوي وإقامة الحدود ، وكما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجدّ ؛ فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ.

نعم ، لو فُرض المعروف على وجه يستقلّ العقل بحسنه مطلقاً كحفظ اليتيم من الهلاك الذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه صحّ المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة ، أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحدٍ إلاّ أنّه خرج ما لو تُمُكِّن من الحاكم ، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأُمور إليه ، وهذا كتجهيز الميّت ، وإلاّ فمجرّد كون التصرّف معروفاً لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه ،

__________________

(١) في «ف» : مستحقّه.

(٢) في المصدر زيادة : «ويضمن» ، واستدركها مصحّح «ص».

(٣) في المصدر ونسخة بدل «ص» : المصالح.

(٤) القواعد والفوائد ١ : ٤٠٦ ، القاعدة ١٤٨.


ولهذا لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرّد كونه معروفاً ومصلحة ، ولا يفهم من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه ؛ لأنّ المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل أو الشارع من غير جهة نفس أدلّة المعروف.

وبالجملة ، تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصٍّ عقلي ، أو عموم شرعي ، أو خصوصٍ في مورد جزئي ، فافهم.

اشتراط العدالة والدليل عليه

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم ، كما هو ظاهر أكثر الفتاوى ؛ حيث يعبّرون بعدول المؤمنين (١) ، وهو مقتضى الأصل ، ويمكن أن يستدلّ عليه ببعض الأخبار أيضاً :

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : «رجل مات من أصحابنا بغير وصيّة ، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة ، فصيّر عبد الحميد القيّم بماله ، وكان الرجل خلّف ورثة صغاراً ومتاعاً وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة ، وكان قيامه فيها (٢) بأمر القاضي ؛ لأنّهنّ فروج ، قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام ، وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا ، ولا يوصي إلى أحد ، ويخلّف جواري (٣) ، فيقيم القاضي رجلاً منّا لبيعهنّ‌

__________________

(١) كما في المسالك ٦ : ٢٥٩ ، والحدائق ١٨ : ٣٢٣ و ٤٠٣ و ٤٤٤ ، والرياض ٢ : ٣١ و ٥٩ ، والجواهر ٢٢ : ٢٧٢.

(٢) في «ش» بدل «فيها» : بهذا.

(٣) في «ش» : الجواري.


أو قال : يقوم بذلك رجلٌ منّا فيضعف قلبه ؛ لأنّهنّ فروج (١) ، فما ترى في ذلك؟ قال : إذا كان القيّم (٢) مثلك و (٣) مثل عبد الحميد فلا بأس» (٤).

بناء على أنّ المراد من المماثلة : أمّا المماثلة في التشيّع ، أو في الوثاقة وملاحظة مصلحة اليتيم وإن لم يكن شيعيّاً ، أو في الفقاهة بأن يكون من نوّاب الإمام عليه‌السلام عموماً في القضاء بين المسلمين أو في العدالة.

والاحتمال (٥) الثالث منافٍ لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه ولو مع تعذّره. وهذا بخلاف الاحتمالات الأُخر ؛ فإنّ البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف وإن تعذّر غيرهم ، فتَعَيّن أحدها (٦) الدائر بينها ، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل بالأخصّ منها ، وهو العدل.

ظاهر بعض الروايات كفاية الأمانة

لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة وملاحظة مصلحة اليتيم ، فيكون مفسّراً للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة.

__________________

(١) عبارة «قال فذكرت إلى فروج» لم ترد في غير «ش» ، واستدركت في هامش «ص».

(٢) في «ص» و «ش» زيادة : به.

(٣) في «ص» : أو.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع وشروطه ، الحديث ٢ ، وفي غير «ش» زيادة : الخبر.

(٥) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : واحتمال.

(٦) في «ف» : أحدهما.


ففي صحيحة علي بن رئاب : «رجل مات وبيني وبينه قرابة وترك أولاداً صغاراً ومماليك غلماناً (١) وجواري ولم يوصِ ، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها (٢) أُمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟ قال (٣) : إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم و (٤) كان مأجوراً فيهم (٥). قلت : فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية ويتّخذها (٦) أُمّ ولد؟ فقال : لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم ، وليس لهم أن يرجعوا فيما فعله القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» (٧).

وموثّقة زرعة ، عن سماعة : «في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار ، من غير وصيّة ، وله خدم ومماليك وعقد (٨) كيف يصنع‌

__________________

(١) لم ترد «غلماناً» في غير «ش» و «ص».

(٢) في «ص» ومصحّحة «ن» : «ويتّخذها» ، وفي «ن» ، «خ» ، «م» و «ع» : «ويجدها» ، وفي «ش» : يتخذها.

(٣) في «ص» و «ش» زيادة : فقال.

(٤) في «ن» شطب على الواو.

(٥) لم ترد «فيهم» في غير «ش» ، واستدركت في «ص».

(٦) في غير «ص» و «ش» : ويجدها ، ولكن صحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٧) في غير «ش» زيادة : الخبر ، وشطب عليها في «ص» ، ولا وجه لها إذ الحديث مذكور بتمامه ، راجع الوسائل ١٢ : ٢٦٩ ، الباب ١٥ من أبواب عقد البيع وشروطه.

(٨) كذا استدركت في «ص» طبقاً للمصادر الحديثية ، وفي «ش» : وعقر ، ولم ترد الكلمة في سائر النسخ.


الورثة بقسمة ذلك (١)؟ قال : إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كلّه فلا بأس (٢) ؛ بناءً على أنّ المراد من يوثق به ويطمئنّ بفعله عرفاً وإن لم يكن فيه ملكة العدالة.

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة : «قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل يموت بغير وصيّة ، وله ولد صغار وكبار ، أيحلّ شراء شي‌ء من خدمه ومتاعه (٣) من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولاّه قاضٍ قد تراضوا به ولم يستخلفه (٤) الخليفة ، أيطيب الشراء منه أم لا؟ قال عليه‌السلام : إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك» (٥).

رأي المؤلّف في المسألة

هذا ، والذي ينبغي أن يقال : إنّك قد عرفت أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلاّ في مقام يكون عموم عقلي أو نقلي يدلّ على رجحان التصدّي لذلك المعروف ، أو يكون هناك دليل خاصّ يدلّ عليه ، فما ورد فيه نصّ خاصّ على الولاية اتّبع ذلك النصّ عموماً أو (٦) خصوصاً فقد يشمل الفاسق وقد لا يشمل.

__________________

(١) في المصادر الحديثية زيادة : «الميراث» ، واستدركت في مصحّحة «ص».

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٧٤ ، الباب ٨٨ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢.

(٣) في نسخة بدل «ن» و «م» و «ع» : متاعهم ، وفي نسخة بدل «ص» : خدمهم ومتاعهم.

(٤) في الكافي : «لم يستأمره» ، وفي التهذيب والوسائل : لم يستعمله.

(٥) الوسائل ١٢ : ٢٦٩ ٢٧٠ ، الباب ١٦ من أبواب عقد البيع ، الحديث الأوّل.

(٦) في «ف» بدل «أو» : «و».


وأمّا ما ورد فيه العموم ، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق وتكليفه بالنسبة إلى نفسه ، وأنّه هل يكون مأذوناً من الشرع في المباشرة ، أم لا؟ وقد يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة ، كالشراء منه مثلاً.

الظاهر عدم اعتبار العدالة في المباشرة

أمّا الأوّل : فالظاهر جوازه ، وأنّ العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة ؛ لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف ، ولو مثل قوله عليه‌السلام : «عون الضعيف من أفضل الصدقة» (١) ، وعموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) ونحو ذلك.

وصحيحة محمد بن إسماعيل السابقة ـ ، قد عرفت أنّها محمولة على صحيحة علي بن رئاب المتقدّمة ـ ، بل وموثّقة زرعة (٣) وغير ذلك ممّا سيأتي. ولو ترتّب حكم الغير على الفعل الصحيح منه ، كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له ، فالظاهر سقوطها عن غيره إذا علم صدور الفعل منه وشكّ في صحّته ، ولو شكّ في حدوث الفعل منه وأخبر به ، ففي قبوله إشكال.

الظاهر اشتراط العدالة فيما يتعلق بفعل الغير

وأمّا الثاني : فالظاهر اشتراط العدالة فيه ، فلا يجوز الشراء منه وإن ادّعى كون البيع مصلحة ، بل يجب أخذ المال من يده.

ويدلّ عليه بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة ، بل وموثّقة زرعة ، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة ـ : أنّ عموم أدلّة القيام بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٠٨ ، الباب ٥٩ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٢ ، وفيه : «عونك للضعيف ..».

(٢) الأنعام : ١٥٢ ، والإسراء : ٣٤.

(٣) راجع الصفحة ٥٦٤ ٥٦٦.


المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرّد تصرّف الفاسق ؛ فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم ومراعاة غبطته ، لا يرتفع (١) عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

ولا يجدي هنا حمل فعل المسلم على الصحيح ، كما في مثال الصلاة المتقدّم ؛ لأنّ الواجب هناك هي صلاة صحيحة ، وقد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق ، وإذا شكّ في صحّتها أُحرزت بأصالة الصحّة. وأمّا الحكم فيما نحن فيه ، فلم يحمل على التصرّف الصحيح ، وإنّما حُمل على موضوعٍ هو «إصلاح المال ومراعاة الحال» والشكّ في أصل تحقّق ذلك ، فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشكّ فيها.

وإن شئت قلت : إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له ، ولا يحرز (٢) ذلك بأصالة صحّة البيع من البائع ، كما لو شكّ المشتري في بلوغ البائع ، فتأمّل.

نعم ، لو وجد في يد الفاسق ثمن من (٣) مال الصغير لم يلزم الفسخ مع المشتري وأخذ الثمن من الفاسق ؛ لأنّ مال اليتيم الذي يجب إصلاحه وحفظه من التلف لا يعلم أنّه الثمن أو المثمن ، وأصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل ، فتدبّر.

هل يجوز مزاحمة من تصدى من المؤمنين

ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين ، فالظاهر أنّه على وجه التكليف الوجوبي أو الندبي ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع ، فضلاً عن كونه على وجه النصب من الإمام عليه‌السلام ، فمجرّد وضع العدل‌

__________________

(١) في غير «ص» : لا ترتفع.

(٢) كذا في «ف» ونسخة بدل «خ» ، واستظهره مصحّح «ص» أيضاً ، وفي سائر النسخ : ولا يجوز.

(٣) لم ترد «من» في «ف».


يده على مال يتيم لا يوجب منعَ الآخر ومزاحمته بالبيع ونحوه.

ولو نقله بعقد جائز ، فوجد الآخر المصلحة في استرداده ، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتاً بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله للصغير (١) أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد. وأمّا لو (٢) أراد بيعه من شخص (٣) وعرّضه لذلك جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة وإن كان في يد الأوّل.

وبالجملة ، فالظاهر أنّ حكم عدول (٤) المؤمنين لا يزيد عن (٥) حكم الأب والجدّ من حيث جواز التصرّف لكلٍّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

مزاحمة فقيه لفقيه آخر

وأمّا حكّام الشرع ، فهل هم كذلك؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له ، أو من يلي أمواله ، أو وضع اليد على مال يتيم ، فهل يجوز للآخر مزاحمته ، أم لا؟

الذي ينبغي أن يقال : إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (٦) ، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم ؛ لأنّ المخاطب بوجوب إرجاع الأُمور إلى الحكّام هم العوامّ ، فالنهي عن المزاحمة‌

__________________

(١) في «ن» ، «م» ، «ع» و «ص» ونسخة بدل «خ» : لليتيم ، وفي نسخة بدل «ع» : للصغير.

(٢) لم ترد «وأمّا» في «ش» ، وفي «ف» : «أمّا» ، وشطب على «أمّا» في «ن».

(٣) في غير «ف» و «ش» : شخصه ، وصحّحت في «ن» و «ص» بما أثبتناه.

(٤) في غير «ش» : «العدول» ، وصحّحت في «ص» بما أثبتناه.

(٥) كذا ، والمناسب «على» ، كما في مصحّحة «ن».

(٦) تقدّم في الصفحة ٥٥٥.


يختصّ بهم ، وأمّا الحكّام فكلّ منهم حجّة من الإمام عليه‌السلام ، فلا يجب على واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر ، فيجوز له مباشرته وإن كان الآخر دخل فيه ووضع يده عليه ، فحال كلّ منهم حال كلٍّ من الأب والجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق ، ولا عبرة بدخول الآخر في مقدّمات ذلك وبنائه على ما يغاير تصرّف الآخر ، كما يجوز لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر وإن حضر المترافعان عنده وأحضر الشهود وبنى على الحكم.

وأمّا لو استندنا في ذلك إلى (١) عمومات النيابة (٢) ، وأنّ فعل الفقيه كفعل الإمام ، ونظره كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه لا من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال حتّى يقال : إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (٣) ، بل من حيث وجوب إرجاع الأُمور الحادثة إليه ؛ المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجّة منه عليه‌السلام على الناس فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ووضع يده عليه وبنى فيه بحسب نظره على تصرّف وإن لم يفعل نفس ذلك التصرّف ؛ لأنّ دخوله فيه كدخول الإمام ، فدخول الثاني فيه وبناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (٤) له ، فهو (٥) كمزاحمة‌

__________________

(١) كذا في «ف» ، «ن» و «خ» ونسخة بدل «ص» ، وفي سائر النسخ : على.

(٢) المتقدّمة في الصفحة ٥٥١ ٥٥٢.

(٣) راجع الصفحة ٥٥٣.

(٤) في «ف» ، «خ» ، «م» و «ع» : يزاحمه.

(٥) لم ترد «فهو» في «ف».


الإمام عليه‌السلام ، فأدلّة النيابة عن الإمام عليه‌السلام لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام (١) عليه‌السلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا : الفرق بين الحكّام ، وبين الأب والجدّ ؛ لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة وبين كون كلّ واحد منهم نائباً.

وربما يتوهّم : كونهم حينئذٍ كالوكلاء المتعدّدين ، في أنّ بناء واحد منهم على (٢) أمر مأذون فيه لا يمنع الآخر عن تصرّفٍ مغايرٍ لما بنى عليه الأوّل.

ويندفع بأنّ الوكلاء إذا فرضوا وكلاء في نفس التصرّف لا في مقدّماته ، فما لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذوناً في تصرّفٍ مغايرٍ وإن بنى عليه الأوّل ودخل فيه ، أمّا إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله ، وفرضنا أيضاً عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل ، والتعدّي عمّا بنى هو عليه مباشرةً أو استنابةً ، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة ولا نقيصة.

والوهم إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة بنفس ذي المقدّمة ، فتأمّل.

هذا كلّه مضافاً إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكّام سيّما في مثل هذا الزمان (٣) الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن‌

__________________

(١) في «ف» : للإمام.

(٢) في «ف» بدل «على» : في.

(٣) كذا في «ش» ، وفي «خ» و «ص» : «هذه الأزمان» ، وفي سائر النسخ : هذا الأزمان.


يدّعي الحكومة.

وكيف كان ، فقد تبيّن ممّا ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيهٍ لمثله في كلّ إلزام قوليّ أو فعليّ يجب الرجوع فيه إلى الحاكم ، فإذا قبض (١) مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصاً لقبضه أو جعله ناظراً عليه ، فليس لغيره من الحكّام مخالفة نظره ؛ لأنّ نظره كنظر الإمام.

وأمّا جواز (٢) تصدّي مجتهدٍ لمرافعةٍ تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض عنها بل بنى على الحكم فيها ؛ فلأنّ وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم؟

ثمّ إنّه هل يشترط في ولاية (٣) غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم ، أم لا؟.

دعوى الاجماع على اشتراط المصلحة

ذكر الشهيد في قواعده : أنّ فيه وجهين (٤) ، ولكن ظاهر (٥) كثير (٦) من كلماتهم : أنّه لا يصحّ إلاّ مع المصلحة ، بل في مفتاح الكرامة : أنّه إجماعي (٧) ، وأنّ الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتّفاقياً بين‌

__________________

(١) في غير «ف» و «ش» : أقبض.

(٢) في «ف» : عدم جواز.

(٣) كذا ، وفي التعبير ما لا يخفى.

(٤) راجع القواعد والفوائد ١ : ٣٥٢ ، القاعدة ١٣٣ ، وسيأتي نصّ كلامه في الصفحة ٥٧٩.

(٥) في «خ» و «ص» : ظهر.

(٦) كلمة «كثير» وردت في «ف» و «ش» ، واستدركت في هامش «ن».

(٧) مفتاح الكرامة ٤ : ٢١٧.


المسلمين (١) ، وعن شيخه في شرح القواعد : أنّه ظاهر الأصحاب (٢) ، وقد عرفت تصريح الشيخ والحلّي بذلك حتّى في الأب والجدّ (٣).

الاستدلال بقوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)

ويدلّ عليه بعد ما عرفت من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد ـ : عموم قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٤) ، وحيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام ، فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام ، فنقول : إنّ «القرب» في الآية يحتمل معاني (٥) أربعة :

الأوّل : مطلق التقليب (٦) والتحريك حتّى من مكان إلى آخر ، فلا يشمل مثل إبقائه (٧) على حال أو عند (٨) أحد.

محتملات معنى «القرب»

الثاني : وضع اليد عليه بعد أن كان بعيداً عنه ومجتنباً ، فالمعنى : تجنّبوا عنه ، ولا تقربوه إلاّ إذا كان القرب أحسن ، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع (٩).

الثالث : ما يعدّ تصرّفاً عرفاً كالاقتراض والبيع والإجارة وما أشبه‌

__________________

(١) استظهره السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ٢٦٠ ، وانظر التذكرة ٢ : ٨٠.

(٢) شرح القواعد (مخطوط) : الورقة ٧١.

(٣) راجع الصفحة ٥٣٩.

(٤) الأنعام : ١٥٢ ، والإسراء : ٣٤.

(٥) في «ف» : معان.

(٦) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : التقلّب.

(٧) في «ف» : البقاء.

(٨) في مصحّحة «ص» : على حاله وعند.

(٩) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ش» : بعد الارتكاب.


ذلك فلا يدلّ على تحريم إبقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرّف فيه أحسن منه ، إلاّ بتنقيح المناط.

الرابع : مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم ، أعمّ من الفعل والترك ، والمعنى : لا تختاروا في مال اليتيم فعلاً أو تركاً إلاّ ما كان أحسن من غيره ، فيدلّ على حرمة الإبقاء في الفرض المذكور ؛ لأنّ إبقاءه قربٌ له بما ليس أحسن.

محتملات معنى «الأحسن»

وأمّا لفظ «الأحسن» في الآية ، فيحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل ، ويحتمل أن يراد به الحسن. وعلى الأوّل ، فيحتمل التصرّف الأحسن من تركه كما يظهر من بعض ويحتمل أن يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقاً من تركه ومن غيره من التصرّفات. وعلى الثاني ، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة ، ويحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه ، على ما قيل : من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله (١).

الظاهر من احتمالات «القرب» و «الأحسن»

ثمّ إنّ الظاهر من احتمالات «القرب» هو الثالث ، ومن احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني ، أعني التفضيل المطلق.

وحينئذٍ فإذا فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم ، فبعناه بعشرة دراهم ، ثمّ (٢) فرضنا أنّه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها ديناراً ، فأراد الوليّ جعلها ديناراً ، فلا يجوز ؛ لأنّ هذا التصرّف ليس أصلح من تركه ، وإن كان يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار ؛ لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقداً.

__________________

(١) لم نعثر على قائله.

(٢) في «ف» زيادة : لو.


أمّا لو جعلنا «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه ، فيجوز.

وكذا لو جعلنا «القرب» بالمعنى الرابع ؛ لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع فيجوز التصرّف المذكور ؛ إذ بعد كون الأحسن هو جعل مال اليتيم نقداً ، فكما أنّه مخيّر في الابتداء بين جعله دراهم أو ديناراً لأنّ القدر المشترك أحسن من غيره ، وأحد الفردين فيه لا مزيّة لأحدهما (١) على الآخر فيخيّر فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كلٌّ من إبقاء الدراهم على حالها وجعلها ديناراً قرباً ، والقدر المشترك أحسن من غيره ، وأحد (٢) الفردين لا مزيّة فيه على الآخر فهو مخيّر بينهما.

والحاصل : أنّه كلما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء لكون القدر المشترك بينهما أحسن (٣) ، وعدم مزيّة لأحد الفردين تحقّق التخيير لأجل ذلك استدامة ، فيجوز العدول من (٤) أحدهما بعد فعله إلى الآخر إذا كان العدول مساوياً للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم وإن كان فيه نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن الإنصاف : أنّ المعنى الرابع ل «القرب» مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث ، وإن كان الذي يقتضيه التدبّر في‌

__________________

(١) كذا في النسخ ، وكان الأولى الإتيان بكلمة «له» مكان «لأحدهما» ، كما أشار إليه مصحّح «ص».

(٢) في غير «ف» : فأحد.

(٣) في غير «ف» و «ش» : «حسن» ، وكتب في «ص» فوقه : حسناً.

(٤) في «ص» : عن.


غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام : أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلاّ ما كان أحسن من غيره.

ظاهر بعض الروايات كفاية عدم المفسدة

نعم ، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر ، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة (١) الكاهلي : «قيل (٢) لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّا ندخل (٣) على أخٍ لنا في بيت أيتام ومعهم (٤) خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ، ويخدمنا خادمهم ، وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم ، فما ترى في ذلك؟ قال : إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وإن كان فيه ضرر فلا» (٥).

بناءً على أنّ المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرّفون (٦) من مال اليتيم عند دخولهم ، فيكون المراد بالضرر في الذيل : أن لا يصل إلى الأيتام ما يوازي ذلك ، فلا تنافي بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (٧) : من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز‌

__________________

(١) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ع» و «ش» : رواية.

(٢) في غير «ف» و «خ» : «قال» ، وفي مصحّحة «ص» : «قال : قيل».

(٣) في غير «ف» : لندخل.

(٤) كذا في «ص» و «ش» ، وفي سائر النسخ : معه.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٨٣ ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.

(٦) كذا ، والأولى : «يصرفون» ، كما نبّه عليه مصحّح «ص».

(٧) لم نعثر عليه.


بالنفع ، والذيل دالّ على إناطة الحرمة بالضرر ، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع ولا مضرّ. وهذا منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه ، بمعنى أن تكون المنفعة في معاوضة ما يتصرّف (١) من مال اليتيم بما يتوصّل (٢) إليهم من ماله ، كأن يشرب ماءً فيعطي (٣) فلساً بإزائه ، وهكذا .. وأنت خبير بأنّه لا ظهور للرواية حتّى يحصل التنافي.

وفي رواية ابن المغيرة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ لي ابنة أخ يتيمة ، فربما اهدي لها الشي‌ء فآكل منه ثمّ أُطعمها بعد ذلك الشي‌ء من مالي ، فأقول : يا ربِّ هذا بهذا (٤)؟ قال : لا بأس» (٥).

فإنّ ترك الاستفصال عن (٦) مساواة العوض وزيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة ، إلاّ أن يحمل على الغالب : من كون التصرّف في الطعام المهدى إليها (٧) وإعطاء العوض بعد ذلك أصلح ؛ إذ الظاهر من (٨) «الطعام المهدى إليها» (٩) هو المطبوخ وشبهه.

__________________

(١) كذا ، والأولى : «ما يصرف» ، كما في مصحّحة «ص».

(٢) كذا ، والظاهر : «بما يوصل» ، كما استظهره مصحّح «ص».

(٣) في «ف» : ويعطي.

(٤) في «ف» و «خ» ونسخة بدل «ن» و «م» و «ع» بدل «بهذا» : بذا.

(٥) الوسائل ١٢ : ١٨٤ ، الباب ٧١ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٢.

(٦) في «ش» : من.

(٧) في «ف» : المهدى إليه.

(٨) في «ش» بدل «من» : أنّ.

(٩) في «ف» ، «ن» و «م» : المهدى إليه.


وهل يجب مراعاة الأصلح أم لا؟

وجهان (١). قال الشهيد رحمه‌الله في القواعد : هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه ، أو يكفي نفي المفسدة؟ يحتمل الأوّل ؛ لأنّه منصوب لها ، ولأصالة بقاء الملك على حاله ، ولأنّ النقل والانتقال لا بدّ لهما من غاية ، والعدميات لا تكاد تقع غاية. وعلى هذا ، هل يتحرّى الأصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان : نعم ، لمثل ما قلنا ، لا ؛ لأنّ ذلك لا يتناهى.

وعلى كلّ تقدير : لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة ، لم يجز العدول عن الأصلح ، ويترتّب على ذلك : أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة ، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ؛ وغير ذلك (٢) ، انتهى.

الظاهر أنّ فعل الأصلح في مقابل ترك التصرّف رأساً غير لازم ؛ لعدم الدليل عليه ، فلو كان مال اليتيم موضوعاً عنده وكان الاتّجار به أصلح منه ، لم (٣) يجب إلاّ إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية ، بأن يراد : لا تختاروا في مال اليتيم أمراً من الأفعال أو التروك إلاّ أن يكون أحسن من غيره ، وقد عرفت الإشكال في استفادة هذا المعنى ، بل الظاهر التصرّفات الوجوديّة فهي المنهيّ عن جميعها ، إلاّ (٤)

__________________

(١) عبارة : «وهل يجب مراعاة الأصلح ، أم لا؟ وجهان» ، لم ترد في «ف».

(٢) القواعد والفوائد ١ : ٣٥٢ ، القاعدة ١٣٣.

(٣) حرف النفي لم يرد في غير «ش» ، وفي نسخة بدل «ش» ومصحّحة «ن» ، «خ» و «ص» : لا.

(٤) في «ش» بدل «إلاّ» : لا.


ما كان أحسن من غيره ومن الترك ، فلا يشمل ما إذا كان (١) فعلٌ أحسن من الترك.

نعم ، ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة ، وأمّا إذا كان في الترك مفسدة ودار الأمر بين أفعالٍ بعضها أصلح من بعض ، فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه ، بل ربما يعدّ العدول في بعض المقامات إفساداً ، كما إذا اشتُري في موضع بعشرة ، وفي موضع آخر قريب منه بعشرين ، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفساداً للمال ، لو (٢) ارتكبه عاقل عدّ سفيهاً ليس فيه ملكة إصلاح المال ، وهذا هو الذي أراده الشهيد بقوله : ولو ظهر في الحال .. إلخ (٣).

نعم ، قد لا يعدّ العدول من السفاهة ، كما لو كان بيعه مصلحة ، وكان بيعه في بلد آخر أصلح (٤) مع إعطاء الأُجرة منه أن ينقله إليه والعلم بعدم الخسارة (٥) ؛ فإنّه قد (٦) لا يعدّ ذلك سفاهة ، لكن ظاهر الآية وجوبه.

__________________

(١) في «ف» و «ن» زيادة : «الترك» ، ولكن شطب عليها في «ن».

(٢) في «ش» ومصحّحة «خ» : ولو.

(٣) راجع الصفحة السابقة.

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «خ» ، والعبارة في سائر النسخ هكذا : أو كان بيعه في بلد آخر مع إعطاء ..

(٥) في «ص» بعد كلمة «الخسارة» زيادة «أصلح» تصحيحاً.

(٦) لم ترد «قد» في «ص».


مسألة

المشهور عدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر

يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ثمناً أو مثمناً أن يكون مسلماً ، فلا يصحّ نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا ، كما في التذكرة (١) ، بل عن الغنية : عليه الإجماع (٢) ، خلافاً للمحكي في

التذكرة عن بعض علمائنا (٣) ، وسيأتي عبارة الإسكافي في المصحف (٤).

الاستدلال على عدم الصحّة

واستدلّ (٥) للمشهور تارةً : بأنّ الكافر يمنع من استدامته ؛ لأنّه لو ملكه قهراً بإرث أو أسلم في ملكه بيع عليه ، فيمنع من ابتدائه كالنكاح.

وأُخرى : بأنّ الاسترقاق سبيل على المؤمن ، فينتفي بقوله (٦) تعالى :

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٢) الغنية : ٢١٠.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٤) سيأتي في الصفحة ٦٠١.

(٥) انظر التذكرة ١ : ٤٦٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ١٧٥.

(٦) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : لقوله.


(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (١) ، وبالنبويّ المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم واستدلالهم به (٢) في موارد متعدّدة (٣) ، حتّى في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم ، بل عدم جواز مساواته (٤) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه» (٥) ، ومن المعلوم : أنّ ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه به.

لكن الإنصاف : أنّه لو أغمض النظر عن دعوى الإجماع (٦) المعتضد (٧) بالشهرة و (٨) اشتهار التمسّك بالآية حتّى أُسند في كنز العرفان إلى الفقهاء (٩) ، وفي غيره إلى أصحابنا (١٠) لم يكن ما ذكروه من الأدلّة خالياً عن الإشكال في الدلالة.

المناقشة فيما استدلّ به على عدم الصحّة

أمّا حكاية قياس الابتداء على الاستدامة (١١) ، فغاية توجيهه : أنّ‌

__________________

(١) النساء : ١٤١.

(٢) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» ، وفي سائر النسخ : عليه.

(٣) منها عدم جواز إعارة العبد المسلم للكافر ، ومنها عدم ولاية الكافر على المسلم ، وغيرهما ممّا يقف عليها المتتبّع. انظر جامع المقاصد ٤ : ٥٦ ، و ١٢ : ١٠٧.

(٤) كما في المبسوط ٢ : ٤٦ ، وجامع المقاصد ٣ : ٤٦٣.

(٥) الوسائل ١٧ : ٣٧٦ ، الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١١.

(٦) المتقدّم عن الغنية في الصفحة السابقة.

(٧) في «ص» : المعتضدة.

(٨) كذا في «خ» ومصحّحة «ص» ، وفي سائر النسخ بدل «واو» : أو.

(٩) كنز العرفان ٢ : ٤٤.

(١٠) كما في زبدة البيان : ٤٣٩ ، وفيه : واحتجّ به أصحابنا.

(١١) يعني الدليل الأوّل ممّا استدلّ به للمشهور.


المستفاد من منع الشارع عن استدامته عدم رضاه بأصل وجوده حدوثاً وبقاءً ، من غير مدخليّة لخصوص البقاء ، كما لو أمر المولى بإخراج أحد من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد ؛ فإنّه يفهم من ذلك عدم جواز الإدخال.

لكن يرد عليه : أنّ هذا إنّما يقتضي كون عدم (١) الرضا بالحدوث على نهج عدم الرضا بالبقاء ، ومن المعلوم : أنّ عدم رضاه بالبقاء مجرّد تكليفٍ بعدم إبقائه وبإخراجه عن ملكه ، وليس معناه : عدم إمضاء الشارع بقاءه ، حتّى يكون العبد المسلم خارجاً بنفسه شرعاً عن ملك الكافر ، فيكون عدم رضاه بالإدخال على هذا الوجه ، فلا يدلّ على عدم إمضائه لدخوله في ملكه ليثبت بذلك الفساد.

والحاصل : أنّ دلالة النهي عن الإدخال في الملك ، تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء ، في الدلالة على إمضاء الشارع لآثار المنهيّ عنه وعدمه ، والمفروض انتفاء الدلالة في المتبوع.

وممّا ذكرنا يندفع التمسّك للمطلب بالنصّ الوارد في عبدٍ كافر أسلم ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقرّوه عنده» (٢) ؛ بناء على أنّ تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان والاحتراز يدلّ على المنع من بيعه من الكافر ، فيفسد.

توضيح الاندفاع : أنّ التخصيص بالمسلمين إنّما هو من جهة أنّ‌

__________________

(١) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» و «خ» ، وفي سائر النسخ : عدم كون.

(٢) الوسائل ١٢ : ٢٨٢ ، الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع ، الحديث الأوّل.


الداعي على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر والنهي عن إبقائه عنده (١) ، وهي لا تحصل بنقله إلى كافر آخر ، فليس تخصيص المأمور به لاختصاص مورد الصحّة به ، بل لأنّ الغرض من الأمر لا يحصل إلاّ به ، فافهم.

المناقشة في الاستدلال بآية «نفي السبيل»

وأمّا الآية : فباب الخدشة فيها واسع :

تارةً : من جهة دلالتها في نفسها ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص ، فلا بدّ من حملها (٢) على معنى لا يتحقّق فيه تخصيص ، أو بقرينة ما قبلها (٣) الدالّة على إرادة أنّ (٤) نفي الجعل في الآخرة.

وأُخرى : من حيث تفسيرها في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على المؤمنين ، وهو ما روي في العيون ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، ردّاً على من زعم أنّ المراد بها نفي تقدير الله سبحانه بمقتضى الأسباب العاديّة (٥) تسلّط الكفّار على المؤمنين ، حتّى أنكروا لهذا المعنى الفاسد الذي لا يتوهّمه ذو مسكة أنّ الحسين بن علي عليهما‌السلام (٦) لم يقتل ، بل‌

__________________

(١) عبارة «والنهي عن إبقائه عنده» لم ترد في «ف» ، والظاهر زيادتها ، لأنّه لا معنى لأن يكون النهي عن الإبقاء داعياً على الأمر بالبيع ، قال الشهيدي : المناسب تقديم هذه الجملة على قوله «هي إزالة ملك الكافر» ، ولعلّها مقدّمة في أصل النسخة والاشتباه من النسّاخ (هداية الطالب : ٣٣٧).

(٢) في غير «ش» : «حمله» ، وصحّحت في «ن» بما أثبتناه.

(٣) وهو قوله تعالى (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، النساء : ١٤١.

(٤) لم ترد «أنّ» في «ش».

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٣ ، الباب ٤٦ ، الحديث ٥ ، وعنه البحار ٤٤ : ٢٧١ ، الحديث ٤.

(٦) في «ف» : صلوات الله على رسوله وعليهما وعلى أولادهما.


شبّه لهم ورُفع كعيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام.

وتعميم الحجّة على معنى يشمل الملكية ، و (١) تعميم السبيل (٢) على وجه يشمل الاحتجاج والاستيلاء لا يخلو عن تكلّف.

وثالثةً : من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دلّ على صحّة البيع (٣) ، ووجوب الوفاء بالعقود (٤) ، وحِلّ أكل المال بالتجارة (٥) ، وتسلّط الناس على أموالهم (٦) ، وحكومة الآية عليها غير معلومة.

وإباء سياق الآية عن التخصيص مع وجوب الالتزام به في طرف الاستدامة ، وفي كثير من الفروع في الابتداء (٧) ، يقرّب تفسير السبيل بما لا يشمل الملكية ، بأن يراد من السبيل السلطنة ، فيحكم بتحقّق الملك وعدم تحقّق السلطنة ، بل يكون محجوراً عليه مجبوراً على بيعه.

وهذا وإن اقتضى (٨) التقييد في إطلاق ما دلّ على استقلال الناس‌

__________________

(١) في «ش» بدل «واو» : أو.

(٢) في غير «ش» : «الجعل» ، ولكن صحّحت في «ن» و «خ» بما أثبتناه.

(٣) مثل «أحَلَّ اللهُ البَيْعَ» ، البقرة : ٢٧٥.

(٤) المائدة : ١.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) راجع عوالي اللآلي ١ : ٢٢٢ ، الحديث ٩٩.

(٧) قال المامقاني قدس‌سره : الظاهر أنّه أشار بذلك إلى الملك القهري كالإرث ، ومن غير القهري مثل بيعه على من ينعتق عليه ، ومثل ما لو قال الكافر للمسلم : أعتق عبدك عنّي ، ومثل ما لو اشترط عند بيعه على الكافر عتقه. (غاية الآمال : ٤٢٣).

(٨) كذا في «ش» ، وفي غيرها : «اقتضت» ، وصحّحت في «ن» و «خ» بما أثبتناه.


في أموالهم وعدم حجرهم بها ، لكنّه مع ملاحظة وقوع مثله كثيراً في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة لبيان أنّ الجعل شي‌ءٌ لم يكن ولن يكون ، وأنّ نفي الجعل ناشٍ عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال.

هذا ، مضافاً إلى أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات يقتضي الصحّة ، كما إذا كان الكافر مسبوقاً بالإسلام بناءً على شمول الحكم لمن كفر عن الإسلام أو كان العبد مسبوقاً بالكفر ، فيثبت في غيره بعدم الفصل ، ولا يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد ؛ لأنّ استصحاب الصحّة مقدّم عليها ، فتأمّل.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا فرق بين البيع وأنواع التمليكات كالهبة والوصيّة.

تمليك منافع المسلم من الكافر

وأمّا تمليك المنافع ، ففي الجواز مطلقاً كما يظهر من التذكرة (١) ، ومقرّب النهاية (٢) ، بل ظاهر المحكي عن الخلاف (٣) ، أو مع وقوع الإجارة على الذمّة كما عن الحواشي (٤) وجامع المقاصد (٥) والمسالك (٦) ، أو مع كون‌

__________________

(١) راجع التذكرة ١ : ٤٦٣ ، الفرع الخامس.

(٢) نهاية الإحكام ٢ : ٤٥٧.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٨ ، وراجع الخلاف ٣ : ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٩.

(٤) لا يوجد لدينا ، ولكن حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٨.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٦٣.

(٦) المسالك ٣ : ١٦٧.


المسلم الأجير حرّا كما عن ظاهر الدروس (١) ، أو المنع مطلقاً كما هو ظاهر القواعد (٢) ومحكيّ الإيضاح (٣) ، أقوال :

عدم الفرق بن الحرّ والعبد

أظهرها الثاني ، فإنّه كالدين ليس ذلك سبيلاً ، فيجوز.

ولا فرق بين الحرّ والعبد ، كما هو ظاهر إطلاق كثير : كالتذكرة (٤) وحواشي الشهيد (٥) وجامع المقاصد (٦) ، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف : نفي الخلاف فيه ، حيث قال فيه : إذا استأجر كافر مسلماً لعمل في الذمّة صحّ بلا خلاف ، وإذا استأجره مدّة من الزمان شهراً أو سنة ليعمل عملاً صحّ أيضاً عندنا (٧) ، انتهى.

وادّعى في الإيضاح : أنّه لم ينقل من الأُمّة فرق بين الدين وبين الثابت في الذمّة بالاستئجار (٨).

خلافاً للقواعد (٩) وظاهر الإيضاح (١٠) ، فالمنع مطلقاً ؛ لكونه سبيلاً.

__________________

(١) عبارة «كما عن ظاهر الدروس» لم ترد في «ف» ، وشطب عليها في «ن» ، انظر الدروس ٣ : ١٩٩.

(٢) القواعد ١ : ١٢٤.

(٣) عبارة «كما هو ظاهر القواعد ومحكيّ الإيضاح» لم ترد في «ف» ، وشطب عليها في «ن» ، راجع إيضاح الفوائد ١ : ٤١٣.

(٤) راجع الصفحة السابقة.

(٥) تقدّم نقله عن مفتاح الكرامة في الصفحة السابقة.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٦٣.

(٧) تقدّم عنه في الصفحة السابقة.

(٨) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٣.

(٩) القواعد ١ : ١٢٤.

(١٠) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٣.


وظاهر الدروس : التفصيل (١) بين العبد والحرّ ، فيجوز في الثاني دون الأوّل ، حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم الكافر مطلقاً ، قال : وجوّزها الفاضل ، والظاهر أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم (٢) ، انتهى.

وفيه نظر ؛ لأنّ ظاهر الفاضل في التذكرة : جواز إجارة العبد المسلم مطلقاً ولو كانت على العين.

نعم ، يمكن توجيه الفرق بأنّ يد المستأجر على الملك الذي مَلِك منفعته ، بخلاف الحرّ ؛ فإنّه لا يثبت للمستأجر يد عليه ولا على منفعته ، خصوصاً لو قلنا بأنّ إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة ، فتأمّل.

ارتهان العبد المسلم عند الكافر

وأمّا الارتهان عند الكافر ، ففي جوازه مطلقاً ، كما عن ظاهر نهاية الإحكام (٣) ، أو المنع ، كما في القواعد (٤) والإيضاح (٥) ، أو التفصيل بين ما لم يكن تحت يد الكافر كما إذا وضعاه عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط (٦) والقواعد (٧) والإيضاح في كتاب الرهن (٨) والدروس (٩) وجامع‌

__________________

(١) في غير «ش» : «تفصيل» ، لكن صحّحت في «خ» بما أثبتناه.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٩.

(٣) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٩.

(٤) القواعد ١ : ١٢٤.

(٥) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٣.

(٦) المبسوط ٢ : ٢٣٢.

(٧) القواعد ١ : ١٥٨ ١٥٩.

(٨) إيضاح الفوائد ٢ : ١١.

(٩) الدروس ٣ : ٣٩٠.


المقاصد (١) والمسالك (٢) ، أو التردّد كما عن (٣) التذكرة (٤) ، وجوه :

أقواها الثالث ؛ لأنّ استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل ، بخلاف استحقاقه لأخذ حقّه من ثمنه.

إعارة العبد المسلم وإيداعه من الكافر

وأمّا إعارته من كافر ، فلا يبعد المنع ، وفاقاً لعارية القواعد (٥) وجامع المقاصد (٦) والمسالك (٧) ، بل عن حواشي الشهيد رحمه‌الله : أنّ الإعارة والإيداع أقوى منعاً من الارتهان (٨).

وهو حسن في العارية ؛ لأنّها تسليط على الانتفاع ، فيكون سبيلاً وعلوّاً ، ومحلّ نظر في الوديعة ؛ لأنّ التسليط على الحفظ وجعل نظره إليه مشترك بين الرهن والوديعة ، مع زيادة في الرهن التي قيل من أجلها بالمنع (٩) وهي التسلّط على منع المالك عن التصرّف فيه إلاّ بإذنه وتسلّطه على إلزام المالك ببيعه.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٦٣ ، و ٥ : ٥١.

(٢) المسالك ٤ : ٢٤.

(٣) في «ش» بدل «عن» : في.

(٤) لم نقف على من حكاه عن التذكرة ، بل المحكي عنه في مفتاح الكرامة (٤ : ١٧٩) و (٥ : ٨٣) هو المنع ، نعم جاء في مفتاح الكرامة (٤ : ١٧٩) : في التذكرة : «فيه وجهان للشافعي» ، انظر التذكرة ٢ : ١٩ ، الشرط الثالث.

(٥) القواعد ١ : ١٩١.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٦٥.

(٧) المسالك ٣ : ١٦٧.

(٨) حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٠.

(٩) لم نقف على القائل.


وقد صرّح في التذكرة بالجواز في كليهما (١).

وممّا ذكرنا يظهر عدم صحّة وقف الكافر عبدَه المسلم على أهل ملّته.

المقصود من الكافر

ثمّ إنّ الظاهر من الكافر : كلّ من حكم بنجاسته ولو انتحل الإسلام كالنواصب والغلاة والمرتدّ غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية ؛ ولذا استدلّ الحنفيّة (٢) على ما حكي عنهم (٣) على حصول (٤) البينونة بارتداد الزوج (٥).

وهل يلحق بذلك أطفال الكفّار؟ فيه إشكال ، ويعمّ «المسلم» المخالف ؛ لأنّه مسلم فيعلو ولا يُعلى عليه.

والمؤمن في زمان نزول آية «نفي السبيل» لم يُرَد به إلاّ المقرّ بالشهادتين ، ونفيه عن الأعراب الذين قالوا : «آمنّا» بقوله تعالى (٦) (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٧) إنّما كان لعدم اعتقادهم بما أقرّوا ، فالمراد بالإسلام هنا : أن يُسلم نفسه لله ورسوله في الظاهر لا الباطن ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٢) في مصحّحة «ص» زيادة «بالآية».

(٣) في هامش «ن» زيادة : ب «لن يجعل».

(٤) كذا في «ش» ومصحّحة «خ» ، وفي سائر النسخ : «بحصول» ، إلاّ أنّها صحّحت في بعض النسخ بما أثبتناه ، وفي بعضها ب «لحصول».

(٥) انظر الفقه على المذاهب الأربعة ٤ : ٢٢٣.

(٦) عبارة «بقوله تعالى» من «ش» ، واستدركت في هامش «ن» أيضاً.

(٧) الحجرات : ١٤.


بل قوله تعالى (وَلَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) دلّ على أنّ ما جرى على ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيماناً في خارج القلب.

والحاصل : أنّ الإسلام والإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد ، وأمّا ما دلّ على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية (١) ، فهو لا يقاوم بظاهره ، لما دلّ على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم : من التناكح والتوارث ، وحقن الدماء ، وعصمة الأموال ، وأنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس (٢).

ففي رواية حمران بن أعين : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الإيمان ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى الله تعالى وصدّقه العمل بالطاعة لله والتسليم لأمر الله ، والإسلام ما ظهر من قول أو (٣) فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز (٤) النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ فخرجوا بذلك من الكفر وأُضيفوا إلى الإيمان .. إلى أن‌

__________________

(١) يدلّ عليه ما في الوسائل ١ : ١٥٨ ، الباب ١١ من أبواب الماء المضاف ، وما ورد في كتاب الحجّة من الكافي ، انظر الكافي ١ : ١٨٧ ، الحديث ١١ ، و ٤٢٦ ، الحديث ٧٤ ، و ٤٣٧ ، الحديث ٧.

(٢) يدلّ عليه ما في الكافي ٢ : ٢٥ ٢٦ ، الحديث ١ و ٣ ، والوسائل ١٤ : ٤٣٣ ، الباب ١٢ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، الحديث الأوّل.

(٣) كذا في «ص» والكافي ، وفي سائر النسخ : «و».

(٤) في النسخ : «جازت» ، والصواب ما أثبتناه من الكافي ومصحّحة «ص».


قال : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي‌ء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ قال : لا ، إنّهما (١) يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما ، وما يتقرّبان به إلى الله تعالى» (٢).

بيع العبد المؤمن من المخالف

ومن جميع ما ذكرنا ظهر : أنّه لا بأس ببيع المسلم من المخالف ولو كان جارية ، إلاّ إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف ؛ لأخبار دلّت على ذلك (٣) ، فإنّ فحواها يدلّ على المنع من بيع الجارية المؤمنة ، لكن الأقوى عدم التحريم.

موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم

ثمّ إنّه قد استثنى من عدم جواز تملّك الكافر للعبد المسلم مواضع :

١ ـ إذا كان الشراء مستعقباً للانعتاق

منها : ما إذا كان الشراء مستعقباً للانعتاق ، بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهراً واقعاً كالأقارب ، أو ظاهراً كمن أقرّ بحرّية مسلمٍ ثمّ اشتراه ، أو بأن يقول الكافر للمسلم : أعتق عبدك عنّي بكذا ، فأعتقه. ذكر ذلك العلاّمة في التذكرة (٤) ، وتبعه (٥) جامع المقاصد (٦) والمسالك (٧).

__________________

(١) كذا في «ف» ، وفي سائر النسخ : «لا ، بل هما» ، وفي الكافي : لا هما.

(٢) الكافي ٢ : ٢٦ ، الحديث ٥.

(٣) راجع الوسائل ١٤ : ٤٢٣ ، الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٣.

(٥) في «ف» بدل «وتبعه» : والمحقّق في.

(٦) جامع المقاصد ٤ : ٦٢ ٦٣.

(٧) المسالك ٣ : ١٦٧.


والوجه في الأوّل واضح ، وفاقاً للمحكيّ عن الفقيه (١) والنهاية (٢) والسرائر مدّعياً عليه الإجماع (٣) والمتأخّرين كافّة (٤) ؛ فإنّ مجرّد الملكيّة الغير المستقرّة لا يعدّ سبيلاً ، بل لم يعتبر الملكيّة إلاّ مقدّمة للانعتاق.

خلافاً للمحكي عن المبسوط (٥) والقاضي (٦) ، فمنعاه ؛ لأنّ الكافر لا يملك حتّى ينعتق ؛ لأنّ التملّك بمجرّده سبيل ، والسيادة علوّ.

إلاّ أنّ الإنصاف : أنّ السلطنة غير متحقّقة في الخارج ، ومجرّد الإقدام على شرائه لينعتق ، منّةٌ من الكافر على المسلم ، لكنّها غير منفيّة (٧).

وأمّا الثاني ، فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق والكذب ؛ لثبوت الخلل : إمّا في المبيع لكونه حرّا ، أو في المشتري لكونه‌

__________________

(١) لم نقف على من حكاه عن الفقيه ، نعم حكى ذلك عن المقنعة صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٤٠ ، والسيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٧ ، وانظر المقنعة : ٥٩٩.

(٢) حكي ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٧ ، والجواهر ٢٢ : ٣٤٠ ، وانظر النهاية : ٤٠٨ و ٥٤٠.

(٣) حكي ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٧ ، والجواهر ٢٢ : ٣٤٠ ، وانظر السرائر ٢ : ٣٤٣ ، و ٣ : ٧.

(٤) حكي ذلك في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٧ ، والجواهر ٢٢ : ٣٤٠.

(٥) المبسوط ٢ : ١٦٨ ، وحكاه عنه وعن القاضي ، العلاّمة في المختلف ٥ : ٥٩.

(٦) راجع جواهر الفقه : ٦٠ ، المسألة ٢٢٢.

(٧) عبارة «إلاّ أنّ الإنصاف إلى غير منفيّة» لم ترد في «ف».


كافراً ، فلا يُتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه ، إلاّ أن نمنع (١) اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي ، فتأمّل.

وأمّا الثالث ، فالمحكيّ عن المبسوط والخلاف التصريح بالمنع (٢) ؛ لما ذكر في الأوّل.

٢ ـ لو اشترط البائع عتقه

ومنها : ما لو اشترط البائع عتقه ، فإنّ الجواز هنا محكيّ عن الدروس (٣) والروضة (٤) ، وفيه نظر ؛ فإنّ ملكيّته قبل الإعتاق سبيل وعلوّ ، بل التحقيق : أنّه لا فرق بين هذا ، وبين إجباره على بيعه ، في عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك.

والحاصل : أنّ «السبيل» فيه ثلاثة احتمالات كما عن حواشي الشهيد (٥) ـ :

مجرّد الملك (٦) ، ويترتّب عليه عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحريّة.

والملك المستقرّ ولو بالقابليّة ، كمشروط العتق ، ويترتّب عليه استثناء ما عدا صورة اشتراط العتق.

__________________

(١) في «ش» و «خ» : يمنع.

(٢) المبسوط ٢ : ١٦٨ ، والخلاف ٣ : ١٩٠ ، كتاب البيوع ، المسألة ٣١٧ ، وحكى ذلك عنهما السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٧.

(٣) الدروس ٣ : ١٩٩.

(٤) الروضة البهية ٣ : ٢٤٤.

(٥) لا يوجد لدينا ، نعم حكاه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٧٨.

(٦) في «ش» : الملكية.


والمستقرّ فعلاً ، ويترتّب عليه استثناء الجميع.

وخير الأُمور أوسطها.

حكم تملك الكافر للمسلم قهرا

ثمّ إنّ ما ذكرنا كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر للمسلم (١) اختياراً ، أمّا التملّك القهري فيجوز ابتداءً ، كما لو ورثه الكافر (٢) من كافر اجبر على البيع ، فمات قبله ، فإنّه لا ينعتق عليه ولا على الكافر الميّت ؛ لأصالة بقاء رقّيته ، بعد تعارض دليل نفي السبيل وعموم أدلّة الإرث.

لكن لا يثبت بهذا الأصل (٣) تملّك الكافر ، فيحتمل أن ينتقل إلى الإمام عليه‌السلام ، بل هو مقتضى الجمع بين الأدلّة ؛ ضرورة أنّه إذا نُفي إرث الكافر بآية نفي السبيل ، كان الميّت بالنسبة إلى هذا المال ممّن لا وارث له فيرثه الإمام عليه‌السلام.

وبهذا التقرير يندفع ما يقال : إنّ إرث الإمام عليه‌السلام منافٍ لعموم أدلّة ترتيب طبقات الإرث.

توضيح الاندفاع : أنّه إذا كان مقتضى نفي السبيل عدمَ إرث الكافر ، يتحقّق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام عليه‌السلام ، فإنّ الممنوع من الإرث كغير الوارث.

__________________

(١) في «ش» : المسلم.

(٢) في النسخ زيادة : «أو» ، ولكن شطب عليها في «ن» ، «خ» و «ص».

(٣) كذا في «ش» ، والعبارة في «ف» هكذا : «لكن لمّا ثبت في الأصل» ، وفي سائر النسخ : «لكن لا يثبت بها لأصل» ، إلاّ أنّها صحّحت في «ن» و «خ» بما أثبتناه ، وفي «ص» : «لا يثبت بها أصل».


فالعمدة في المسألة : ظهور الاتّفاق المدّعى صريحاً في جامع المقاصد (١).

ثمّ هل يلحق بالإرث كلّ مِلك قهريّ ، أو لا يلحق ، أو يفرّق بين ما كان سببه اختيارياً و (٢) غيره؟ وجوه ، خيرها : أوسطها ، ثمّ أخيرها.

عدم استقرار المسلم على ملك الكافر ووجوب بيعه عليه

ثمّ إنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّه لا يقرّ المسلم على ملك الكافر ، بل يجب بيعه عليه ؛ لقوله عليه‌السلام في عبدٍ كافرٍ أسلم : «اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا إليه ثمنه ولا تقرّوه عنده» (٣).

ومنه يعلم : أنّه لو لم يبعه باعه الحاكم ، ويحتمل أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقاً ؛ لكون المالك غير قابل للسلطنة على هذا المال غاية الأمر أنّه دلّ النصّ والفتوى على تملّكه له ولذا ذكر فيها (٤) : أنّه يباع عليه (٥) ، بل صرّح فخر الدين قدس‌سره في الإيضاح بزوال ملك السيّد عنه ، ويبقى له حقّ استيفاء الثمن منه (٦). وهو مخالف لظاهر النصّ والفتوى ، كما عرفت.

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٦٣.

(٢) كذا في «ف» ومصحّحة «ن» ، وفي غيرهما : أو.

(٣) الوسائل ١٢ : ٢٨٢ ، الباب ٢٨ من أبواب عقد البيع.

(٤) كلمة «فيها» من «ف» و «ش» ومصحّحة «ن» ، ولم ترد في سائر النسخ ، والأنسب : فيهما.

(٥) انظر المختلف ٥ : ٥٩ ، والدروس ٣ : ١٩٩ ، والروضة البهيّة ٣ : ٢٤٥ ، وغيرها.

(٦) إيضاح الفوائد ١ : ٤١٤.


عدم ثبوت الخيار في البيع المذكور

وكيف كان ، فإذا تولاّه المالك بنفسه (١) ، فالظاهر أنّه لا خيار له ولا عليه ، وفاقاً للمحكيّ عن الحواشي في خيار المجلس والشرط (٢) ؛ لأنّه إحداث ملك فينتفي ؛ لعموم (٣) نفي السبيل ؛ لتقديمه على أدلّة الخيار كما يقدّم على أدلّة البيع.

ويمكن أن يبتني على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل ، أو كالذي لم يعد؟ فإن قلنا بالأوّل ، ثبت الخيار ؛ لأنّ فسخ العقد يجعل الملكيّة السابقة كأن لم تزل ، وقد أمضاها الشارع وأمر بإزالتها ، بخلاف ما لو كان الملكيّة الحاصلة غير (٤) السابقة ، فإنّ الشارع لم يمضها. لكن هذا المبنى ليس بشي‌ء ؛ لوجوب الاقتصار في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن.

نعم ، يحكم بالأرش لو كان العبد أو ثمنه معيباً.

ويشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر ؛ من جهة قوّة أدلّة نفي الضرر ، فلا يبعد الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع ، بخلاف ما لو تضرّر الكافر ، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلاّ فيما خرج بالنصّ.

ويظهر ممّا ذكرنا ، حكم الرجوع في العقد الجائز ، كالهبة.

__________________

(١) عبارة «فإذا تولاّه المالك بنفسه» لم ترد في «ف».

(٢) حواشي الشهيد (مخطوط) ولا يوجد لدينا ، نعم حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ٤ : ١٨٠.

(٣) في مصحّحة «ن» : بعموم.

(٤) لم ترد «غير» في «ش».


مخالفة المحقّق الثاني

وخالف في ذلك كلّه جامع المقاصد ، فحكم بثبوت الخيار والردّ بالعيب تبعاً للدروس (١) قال : لأنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه بكون المبيع عبداً مسلماً لكافر ؛ لانتفاء المقتضي ؛ لأنّ نفي السبيل لو اقتضى ذلك لاقتضى خروجه عن ملكه ، فعلى هذا ، لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها ، ولو أخرجه عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها.

نعم لا يبعد أن يقال : للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس أو مطالبته بسببٍ ناقلٍ يمنع الرجوع إذا (٢) لم يلزم منه تخسير للمال (٣) ، انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني

وفيما ذكره (٤) نظر ؛ لأنّ نفي السبيل لا يخرج منه إلاّ الملك الابتدائي ، وخروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه بالفسخ ، واستلزام البيع للخيارات ليس عقلياً ، بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحّة العقد الذي خصّ بنفي السبيل ، فهذا (٥) أولى بالتخصيص به ، مع أنّه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك وعدم زواله بالفسخ والرجوع ، فتأمّل.

وأمّا ما ذكره أخيراً بقوله : «لا يبعد» ففيه : أنّ إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع ، فيكون (٦) خروج المسلم من‌

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٩٩.

(٢) كذا في «ش» والمصدر ، وفي سائر النسخ بدل «إذا» : «و».

(٣) جامع المقاصد ٤ : ٦٥.

(٤) في «ص» : ذكرا.

(٥) في «ف» : فهو.

(٦) في «ف» : ليكون.


ملك الكافر إلى ملك المسلم (١) بمنزلة التصرّف (٢) المانع من الفسخ والرجوع.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ ما ذكره في القواعد من قوله قدس‌سره : ولو باعه من مسلم (٣) بثوب ثمّ وجد في الثمن (٤) عيباً ، جاز ردّ الثمن (٥) ، وهل يستردّ العبد أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من كون الاسترداد تملّكاً للمسلم اختياراً ، و (٦) من كون الردّ بالعيب موضوعاً على القهر كالإرث (٧) ، انتهى محلّ تأمّل ، إلاّ أن يقال : إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار ، ونفي السبيل : ثبوت الخيار والحكم بالقيمة ، فيكون نفي السبيل مانعاً شرعيّاً من استرداد المثمن (٨) ، كنقل المبيع في زمن الخيار ، وكالتلف الذي هو مانع عقليّ.

وهو حسن إن لم يحصل السبيل بمجرّد استحقاق الكافر للمسلم‌

__________________

(١) في «ف» : مسلم.

(٢) في غير «ف» ومصحّحة «ن» ، «م» و «ص» زيادة : التصرّف.

(٣) كذا في «ش» ومصحّحة «ن» والمصدر ، وفي سائر النسخ : «ولو باعه المسلم» ، وفي مصحّحة «ص» : ولو باعه لمسلم.

(٤) في نسخة بدل «ش» : الثوب.

(٥) في نسخة بدل «ن» و «ش» : الثوب.

(٦) عبارة «ينشأ من كون الاسترداد تملّكاً للمسلم اختياراً و» من «ش» والمصدر ، ولم ترد في سائر النسخ ، واستدركه مصحّح «ن» في الهامش ، وقال : كذا في نسخة من القواعد.

(٧) القواعد ١ : ١٢٤.

(٨) في غير «ش» ومصحّحة «ن» : الثمن.


المنكشف باستحقاق بدله ؛ ولذا حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري (١) ، فتأمّل.

__________________

(١) راجع مفتاح الكرامة ٤ : ٥٤٨ ، والجواهر ٢٣ : ١٨ ، ونسب في الحدائق ١٩ : ١٦ سقوط خيار المشتري إلى المشهور.


مسألة

المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر

المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر ، ذكره الشيخ (١) والمحقّق (٢) في الجهاد ، والعلاّمة في كتبه (٣) وجمهور من تأخّر عنه (٤).

وعن الإسكافي أنّه قال : ولا أختار أن يرهن الكافر مصحفاً ، وما يجب (٥) على المسلم تعظيمه ، ولا صغيراً من الأطفال (٦) ، انتهى.

واستدلّوا (٧) عليه بوجوب احترام المصحف ، وفحوى المنع من بيع‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٦٢.

(٢) الشرائع ١ : ٣٣٤.

(٣) التذكرة ١ : ٤٦٣ ، والقواعد ١ : ١٢٤ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٤٥٦ ، والإرشاد ١ : ٣٦٠.

(٤) منهم الشهيدان في الدروس ٣ : ١٩٩ ، والمسالك ٣ : ١٦٦ ، واللمعة الدمشقية وشرحها (الروضة البهيّة) ٣ : ٢٤٣ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٦١ ، وانظر مفتاح الكرامة ٤ : ٨٣ و ١٧٦.

(٥) في غير «ش» : أو ما يجب.

(٦) حكاه عنه العلاّمة في المختلف ٥ : ٤٢٢.

(٧) فقد استدلّ بالأوّل الشيخ في المبسوط ٢ : ٦٢ ، والمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٨ : ١٦١ ، واستدلّ بالثاني صاحب الجواهر في الجواهر ٢٢ : ٣٣٨ ٣٣٩.


العبد المسلم من الكافر.

وما ذكروه حسن وإن كان وجهه لا يخلو عن تأمّل أو منع.

هل تلحق أحاديث النبيّ والأئمّة عليهم السلام بالمصحف؟

وفي إلحاق الأحاديث النبويّة بالمصحف كما صرّح به في المبسوط (١) والكراهة كما هو صريح الشرائع (٢) ، ونسبه الصيمري إلى المشهور (٣) ، قولان ، تردّد بينهما العلاّمة في التذكرة (٤).

ولا يبعد أن يكون الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق الآحاد ، حكمها حكم ما علم صدوره منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإن كان ظاهر ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعلوم صدورها عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكيف كان ، فحكم أحاديث الأئمة صلوات الله عليهم حكم أحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٦٢.

(٢) الشرائع ١ : ٣٣٥.

(٣) غاية المرام (مخطوط) : ٢٦٨ ، وفيه بعد نقل المنع عن الشيخ ـ : والمشهور الكراهية ؛ لأصالة الجواز ، ولأنّ حرمتها أقلّ من حرمة المصاحف فلا يتعدّى حكم المصاحف إليها.

(٤) التذكرة ١ : ٤٦٣.


تمّ

الجزء الثالث

ويليه

الجزء الرابع وأوّله

القول في شرائط العوضين‌



العناوين العامّة

كتاب البيع

الكلام في المعاطاة............................................................ ٢٣

التنبيه على اُمور........................................................... ٦٦

الكلام في عقد البيع........................................................ ١١٥

أحكام المقبوض بالعقد الفاسد............................................. ١٨٠

الكلام في شروط المتعاقدين.................................................. ٢٧٣

بيع الفضولي............................................................ ٣٤٥

القول في الإجازة والردّ.................................................... ٣٩٩

الكلام في المجيز.......................................................... ٤٣١

الكلام في المجاز.......................................................... ٤٦٧

أحكام الردّ............................................................. ٤٧٧

مسائل متفرّقة........................................................... ٤٨٣

ولاية الأب والجدّ........................................................... ٥٣٥

ولاية الفقيه................................................................ ٥٤٥


ولاية عدول المؤمنين........................................................ ٥٦١

مسألة بيع العبد المسلم من الكافر......................................... ٥٨١

مسألة بيع المصحف من الكافر........................................... ٦٠١


فهرس المحتوى

كتاب البيع

البيع لغةً..................................................................... ٧

اختصاص المعوّض بالعين..................................................... ٧

جواز كون العوض منفعة..................................................... ٨

جعل عمل الحرّ عوضاً....................................................... ٨

أقسام الحقّ وما يقع منها عوضاً............................................... ٨

تعاريف الفقهاء ، والمناقشة فيها................................................ ١٠

الأولى في تعريف البيع........................................................ ١١

ما يرد على هذا التعريف...................................................... ١١

حقيقة الصلح............................................................. ١٣

حقيقة الهبة المعوضة........................................................ ١٤

حقيقة القرض............................................................ ١٥

استعمال البيع في معان اخر................................................... ١٦

المناقشة في هذه الاستعمالات................................................. ١٧


البيع ونحوه من العقود اسم للصحيح أو للأعمّ؟.................................. ١٩

اختيار الشهيدين كونه للصحيح............................................... ١٩

المناقشة فيما أفاده الشهيدان.................................................. ١٩

توجيه ما أفاده الشهيدان...................................................... ٢٠

وجه التمسّك بإطلاق أدلّة البيع ونحوه.......................................... ٢٠

الكلام في المعاطاة

حققة المعاطاة............................................................... ٢٣

صور المعاطاة................................................................ ٢٣

حكم المعاطاة................................................................ ٢٤

محلّ النزاع في المعاطاة....................................................... ٢٥

تنزيل المحقّق الثاني الإباحة على الملك الجائز................................... ٢٥

توجيه صاحب الجواهر بأنّ محلّ النزاع هي المعاطاة بقصد الإباحة................. ٢٥

المناقشة في توجيه المحقّق الثاني............................................... ٢٥

المناقشة في توجيه صاحب الجواهر........................................... ٢٦

دلالة كلام الفقهاء على بُعد التوجيهين....................................... ٢٦

تأييد أنّ النزاع في المعاطاة بقصد الملك....................................... ٣٢

كلام المحقّق الثاني في جامع المقاصد.......................................... ٣٢

كلام المحقق الثاني في تعليقه على الإرشاد..................................... ٣٣

حاصل ما أورده المحقق الثاني على المشهور..................................... ٣٤

الجواب عما أورده المحقق الثاني على المشهور................................... ٣٥


هل المعاطاة على القول بالإباحة بيع حقيقة؟.................................. ٣٦

الأقوال في المعاطاة............................................................ ٣٧

رأي المشهور.............................................................. ٣٨

رأي العامة في المعاطاة...................................................... ٣٩

الأقوى : حصول الملك.................................................... ٤٠

الاستدلال بالسيرة......................................................... ٤٠

الاستدلال بآية : «أحلّ الله البيع».......................................... ٤٠

الاستدلال بآية التجارة..................................................... ٤١

الاستدلال بحديث السلطنة ، والمناقشة فيه.................................... ٤١

المناقشة في دلالة الآيتين.................................................... ٤٢

المناقشة في دلالة السيرة.................................................... ٤٢

الأولى في الاستدلال على المختار............................................ ٤٣

دعوى كاشف الغطاء أن القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة............ ٤٤

المناقشة فيما ادعاه كاشف الغطاء........................................... ٤٦

هل المعاطاة لازمة أم جائزة؟................................................... ٥١

مقتضى القواعد : اللزوم مطلقاً.............................................. ٥١

ما يدل على اللزوم من الكتاب والسنة....................................... ٥٣

الاستدلال بما يدل على لزوم خصوص البيع.................................. ٥٥

قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة.......................................... ٥٦

التشكيك في انعقاد الاجماع................................................. ٥٧

عدم كشف هذا الاجماع عن رأي المعصوم على فرض حصوله................... ٥٨

شروط المتعاقدين / بيع العبد المسلم من الكافر................................... ٥٨


القول بالملك اللازم قول ثالث............................................... ٥٨

ما يدل على عدم لزوم المعاطاة.............................................. ٥٩

الاستدلال بحديث «إنما يحلل الكلام» على عدم الإباحة أو عدم اللزوم.......... ٦٠

الوجوه المحتملة في معنى هذا الحديث.......................................... ٦١

المناقشة في الوجه الأول والثاني............................................... ٦٣

تعيّن الوجه الثالث أو الرابع................................................. ٦٤

عدم دلالة الحديث بكلا معنييه على اعتبار اللفظ............................. ٦٤

استظهار اعتبار اللفظ من هذا الحديث بوجه آخر............................. ٦٤

روايات اُخرى تشعر باعتبار اللفظ في البيع.................................... ٦٤

التنبيه على أمور :

الأول : هل المعاطاة بيع حقيقة أم لا؟.......................................... ٦٦

حكم الشكّ في اعتبار شرط في المعاطاة...................................... ٦٧

هل يعتبر في المعاطاة شروط البيع ، أو لا؟.................................... ٦٨

مختار المؤلّف.............................................................. ٧٠

نفي الشهيد اعتبار بعض الشروط في المعاطاة.................................. ٧٠

المناقشة فيما أفاده الشهيد.................................................. ٧١

جريان الربا في المعاطاة...................................................... ٧١

جريان الخيار في المعاطاة.................................................... ٧٢

الأمر الثاني : حكم الإعطاء من جانب واحد.................................... ٧٤

هل تنعقد المعاطاة بمجرّد ايصال الثمن وأخذ المثمن؟............................ ٧٥


المعيار في المعاطاة.......................................................... ٧٥

خلو المعاطاة من الإعطاء والإيصال رأسا...................................... ٧٦

الأمر الثالث : تمييز البائع من المشتري في المعاطاة الفعلية.......................... ٧٧

حالات العوضين في المعاطاة................................................ ٧٧

الأمر الرابع : أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين.............................. ٨٠

١ ـ تمليك المال بإزاء المال................................................... ٨٠

٢ ـ تمليك المال بإزاء التمليك................................................ ٨١

٣ ـ إباحة المال بإزاء العوض................................................. ٨٢

٤ ـ إباحة المال بإزاء الإباحة................................................. ٨٢

الاشكال في القسمين الاخيرين من جهتين.................................... ٨٢

الاشكال الاوّل في إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك......................... ٨٢

تصحيح إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك بوجهين........................... ٨٣

١ ـ كون ما نحن فيه من قبيل «اعتق عبدك عنّي».............................. ٨٣

عدم جريان الوجه الأوّل فيما نحن فيه........................................ ٨٤

٢ ـ كون ما نحن فيه من قبيل شراء من ينعتق عليه.............................. ٨٤

عدم جريان الوجه الثاني فيما نحن فيه أيضا.................................... ٨٥

عدم كون ما نحن فيه من قبيل بيع الواهب وعتقه.............................. ٨٨

استظهار صحّة إباحة التصرّفات المتوقّفة على الملك من جماعة................... ٨٩

الاشكال الثاني في صحّة الاباحة بازاء العوض................................. ٨٩

حكم الإباحة بإزاء الإباحة................................................. ٩٠

الأمر الخامس : جريان المعاطاة في غير البيع...................................... ٩١

كلام المحقّق الثاني في معاطاة الإجارة والهبة ، والمناقشة فيه....................... ٩١


المناقشة فيما أفاده المحقق الثاني في معاطاة الإجارة.............................. ٩١

المناقشة فيما أفاده المحقق الثاني في معاطاة الهبة................................. ٩٢

الأظهر جريان المعاطاة في غير البيع من الإجارة والهبة........................... ٩٣

الإشكال في جريان المعاطاة في الرهن......................................... ٩٣

عدم جريان المعاطاة في الوقف............................................... ٩٤

ملزمات المعاطاة في غير البيع................................................ ٩٥

الأمر السادس : في ملزمات المعاطاة............................................ ٩٦

تأسيس الأصل في المعاطاة من حيث اللزوم والجواز............................. ٩٦

تلف العوضين ملزم إجماعاً.................................................. ٩٦

لو تلف أحد العوضين أو بعضه............................................. ٩٧

لو كان أحد العوضين دينا في الذمة.......................................... ٩٨

حكم نقل العوضين أو أحدهما بعقد لازم..................................... ٩٩

لو كان الناقل عقداً جائزاً................................................. ١٠٠

لو كان الناقل غير معاوضة................................................ ١٠٠

لو باع العين ثالث فضولاً................................................. ١٠١

لو امتزجت العينان أو إحداهما............................................. ١٠١

لو تصرّفت في العين تصرّفاً مغيّراً للصورة.................................... ١٠١

موت أحد المتعاطيين..................................................... ١٠٢

الأمر السابع : هل المعاطاة بعد التلف بيع ، أو معاوضة مستقلّة؟................. ١٠٣

كلام الشهيد الثاني في ذلك.............................................. ١٠٣

تفريع هذا البحث على القول بالإباحة...................................... ١٠٣

الأقوى أنّ المعاطاة بعد التلف بيع.......................................... ١٠٤


عن الشهيد : أنّها معاوضة مستقلّة......................................... ١٠٤

الأمر الثامن : العقد غير الجامع لشرائط اللزوم معاطاة أم لا؟..................... ١٠٦

ظاهر جماعة كونه معاطاة................................................. ١٠٧

ظاهر آخرين عدم كونه معاطاة............................................ ١٠٧

الجمع بين القولين....................................................... ١٠٨

المناقشة في الجمع المذكور................................................. ١٠٩

تفصيل الكلام في صور المسألة............................................ ١١٠

١ ـ التقابض بغير رضى منهما بالتصرّف.................................... ١١٠

٢ ـ التقابض برضى ناشئ عن اعتقاد الملكية................................. ١١١

حرمة التصرّف في هاتين الصورتين......................................... ١١١

٣ ـ الرضا بالتصرّف مستقلّاً عن العقد...................................... ١١١

هذه الصورة من المعاطاة بشرطين :......................................... ١١١

أـ كفاية الرضا الارتكازي.................................................. ١١٢

ب ـ عدم اشتراط الإنشاء بالقبض في المعاطاة................................ ١١٢

الكلام في عقد البيع

مقدّمة في خصوص ألفاظ عقد البيع.......................................... ١١٧

اعتبار اللفظ في العقود................................................... ١١٧

كفاية الاشارة مع العجز عن التلفّظ........................................ ١١٧

كفاية الكتابة مع العجز عن الاشارة....................................... ١١٨

الخصوصيات المعتبرة في ألفاظ العقود....................................... ١١٨


المشهور عدم جواز الإنشاء بالألفاظ الكنائية والمجازية......................... ١١٩

الظاهر جواز الإنشاء بكل لفظ له ظهور عرفي في المعنى المقصود................ ١٢٠

ظهور كلمات الفقهاء في وقوع البيع بكل لفظ يدل عليه...................... ١٢١

ظهور كلمات الفقهاء في وقوع غير البيع بكل لفظ يدل عليه أيضا............. ١٢٣

جمع المحقق الكركي بين كلمات الفقهاء..................................... ١٢٥

الأحسن في وجه الجمع................................................... ١٢٦

الإشكال في الاعتماد على القرائن الحاليّة................................... ١٢٦

رجوع استدلال التذكرة إلى ما ذكرناه....................................... ١٢٧

دعوى أنّ العقود أسباب شرعية توقيفية..................................... ١٢٧

تفسير كلام الفخر : «أنّ لكلّ عقد لازم صيغة تخصّه شرعاً»................. ١٢٨

وجوب إيقاع العقد بالعناوين الدائرة في لسان الشارع......................... ١٢٨

إشارة بعض الفقهاء إلى ما ذكره الفخر..................................... ١٢٩

ألفاظ الإيجاب............................................................. ١٣٠

الإيجاب بلفظ «بعت»................................................... ١٣٠

الإيجاب بلفظ «شريت»................................................. ١٣٠

الإيجاب بلفظ «ملّكت»................................................. ١٣١

الاستدلال على وقوع البيع بلفظ «ملّكت»................................. ١٣١

الإيجاب بلفظ «اشتريت»................................................ ١٣٢

ألفاظ القبول.............................................................. ١٣٣

القبول بلفظ بعت....................................................... ١٣٤

القبول بلفظ الامضاء والاجازة وشبههما.................................... ١٣٤

فرع : لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة ثمّ اختلفا................................ ١٣٤


الكلام في شروط العقد

مسألة : هل تعتبر العربية في العقد؟........................................... ١٣٥

الأقوى عدم الاعتبار..................................................... ١٣٥

الأقوى اعتبار عدم اللحن................................................. ١٣٥

إيقاع العقد باللغات المحرّفة................................................ ١٣٦

هل تعتبر عربية جميع أجزاء العقد؟......................................... ١٣٦

هل يعتبر العلم التفصيلي بمعنى اللفظ في العقد؟.............................. ١٣٧

مسألة : هل تعتبر الماضوية في العقد؟......................................... ١٣٨

الأقوى عدم اعتبار الماضوية............................................... ١٣٩

مسألة : هل يعتبر تقديم الإيجاب على القبول؟................................. ١٤٠

الاستدلال على الاعتبار.................................................. ١٤٠

جواز تقديم القبول عند جماعة............................................. ١٤١

الاستدلال على جواز التقديم.............................................. ١٤٢

مختار المؤلف : التفصيل بين ألفاظ القبول................................... ١٤٣

عدم جواز تقديم القبول بلفظ «قبلت» ونحوه................................ ١٤٣

الاستدلال على عدم جواز التقديم في هذه الصورة............................ ١٤٣

عدم جواز تقديم القبول لو كان بلفظ الأمر................................. ١٤٥

اختلاف الفقهاء في صحّة تقديم القبول بلفظ الأمر.......................... ١٤٦


كلمات المانعين............................................................ ١٤٦

كلمات المجوزين............................................................ ١٤٧

جواز تقديم القبول لو كان بلفظ «اشتريت» ونحوه ، والاستدلال عليه............. ١٥٠

وهن الإجماع المنقول على وجوب تقديم الإيجاب................................ ١٥٣

تقديم القبول فيما لا إنشاء في قبوله إلّا «قبلت» ونحوه.......................... ١٥٤

التحقيق عدم الجواز......................................................... ١٥٤

لزوم تأخير القبول في المصالحة المشتملة على المعاوضة............................ ١٥٥

تلخيص ما سبق ، وبيان أقسام القبول........................................ ١٥٥

ما يجوز تقديمه من تلك الأقسام.............................................. ١٥٦

اشتراط الموالاة في العقد..................................................... ١٥٧

ما أفاده الشهيد في اعتبار الموالاة........................................... ١٥٧

المناقشة فيما أفاده الشهيد................................................ ١٥٩

اشتراط التنجيز في العقد.................................................... ١٦٢

دعوى الإجماع على هذا الشرط........................................... ١٦٣

وجه اشتراط التنجيز...................................................... ١٦٤

صور التعليق في العقود................................................... ١٦٦

أحكام هذه الصور....................................................... ١٦٧

التعليق على معلوم الحصول حين العقد..................................... ١٦٧

التعليق على معلوم الحصول في المستقبل..................................... ١٦٧

التعليق على مشكوك الحصول............................................. ١٦٨

وجوه اُخر ضعيفة لاشتراط التنجيز......................................... ١٧٠

١ ـ عدم قابلية الإنشاء للتعليق............................................ ١٧٠


٢ ـ لزوم ترتّب مسبّب العقد عليه.......................................... ١٧٠

٣ ـ توقيفية الأسباب الشرعية.............................................. ١٧٢

الشكّ في ترتّب الأثر على الإنشاء......................................... ١٧٢

الشك في الشروط المقومة................................................. ١٧٣

اشتراط التطابق بين الايجاب والقبول.......................................... ١٧٥

وجه هذا الاشتراط....................................................... ١٧٥

اشتراط أهلية المتعاقدين معاً حين العقد........................................ ١٧٧

وجه هذا الاشتراط....................................................... ١٧٧

عدم اشتراط الرضا حين العقد................................................ ١٧٨

فرع : في اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة................................. ١٧٨

اختلاف المتعاقدين في الموالاة والتنجيز والأهلية................................. ١٧٩

أحكام المقبوض بالعقد الفاسد

مسألة : في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد..................................... ١٨٠

الأوّل : ضمان المقبوض بالعقد الفاسد..................................... ١٨٠

دعوى الاجماع على الضمان.............................................. ١٨٠

الاستدلال على الضمان.................................................. ١٨١

قاعدة «ما يضمن بصحيحه» وعكسها.................................... ١٨٢

الكلام في معنى القاعدة................................................... ١٨٢

معنى «العقد»........................................................... ١٨٣

معنى «الضمان»........................................................ ١٨٣


عموم «العقود» ليس باعتبار الأنواع.......................................... ١٨٥

معنى الباء في «بصحيحه» و «بفاسده»....................................... ١٨٧

الكلام في مدرك القاعدة.................................................... ١٨٨

الاستدلال بقاعدة الاقدام وخبر «على اليد»................................... ١٨٨

المناقشة في الاستدلال بقاعدة الاقدام......................................... ١٨٨

المناقشة في الاستدلال بخبر «على اليد»....................................... ١٨٩

الاستدلال بما دلّ على احترام مال المسلم وقاعدة نفي الضرر..................... ١٩٠

توجيه الاستدلال بقاعدة الاقدام.............................................. ١٩٠

الضمان فيما لا يرجع فيه نفع إلى الضامن..................................... ١٩١

لا فرق في الضمان بين جهل الدافع بالفساد وعلمه به.......................... ١٩٢

الكلام في عكس القاعدة.................................................... ١٩٢

هل تضمن العين المستأجرة فاسدا؟........................................... ١٩٣

منشأ الحكم بالضمان....................................................... ١٩٤

الأقوى : عدم الضمان...................................................... ١٩٤

الموارد التي توهم اطراد القاعدة فيها............................................ ١٩٤

١ ـ الصيد الذي استعاره المحرم............................................. ١٩٤

٢ ـ المنافع غير المستوفاة من المبيع فاسداً..................................... ١٩٥

٣ ـ حمل البيع فاسداً..................................................... ١٩٥

٤ ـ الشركة الفاسدة...................................................... ١٩٦

مبنى عدم الضمان في عكس القاعدة هي الأولوية.............................. ١٩٦

المناقشة في الأولوية......................................................... ١٩٧

مدرك عكس القاعدة بنظر المؤلف............................................ ١٩٧


الثاني : وجوب ردّ المقبوض بالبيع الفاسد...................................... ١٩٩

الاستدلال على وجوب الردّ وحرمة الإمساك................................. ١٩٩

الظاهر من المبسوط والسرائر عدم الإثم في الإمساك.......................... ٢٠٠

الثالث : ضمان المنافع المستوفاة في المقبوض بالعقد الفاسد ، والدليل عليه......... ٢٠١

نفي ابن حمزة الضمان بالنبوي : «الخراج بالضمان».......................... ٢٠١

المناقشة في الاستدلال.................................................... ٢٠٢

المراد بـ «الضمان» في النبوي.............................................. ٢٠٢

استدلالان آخران على الضمان ، والمناقشة فيهما............................ ٢٠٣

حكم المنافع الفائتة بغير استيفاء........................................... ٢٠٣

ما يمكن أن يستدلّ به على الضمان....................................... ٢٠٤

المناقشة في الاستدلال.................................................... ٢٠٤

القول بعدم الضمان موافق للأصل......................................... ٢٠٥

للتوقّف في المسألة مجال.................................................. ٢٠٦

محصّل الاقوال في المسألة.................................................. ٢٠٦

القول بالضمان لا يخلو من قوة............................................ ٢٠٨

الرابع : ضمان المثلي بالمثل................................................... ٢٠٩

تعريف «المثلي» عند المشهور.............................................. ٢٠٩

توضيح التعريف......................................................... ٢١٠

تعاريف أخرى للمثلي.................................................... ٢١٣

ما هو الأصل فيما يشك في كونه مثليا أو قيميا؟............................. ٢١٦

مقتضى القاعدة : الضمان بالمثل ثمّ بالقيمة من النقدين....................... ٢١٧


الاستدلال على ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة بآية الاعتداء.............. ٢١٧

المناقشة في الاستدلال.................................................... ٢١٨

ما أجمع على كونه مثليا يضمن بالمثل....................................... ٢٢٠

ما اُجمع على كونه قيمياً يضمن بالقيمة..................................... ٢٢١

ما شكّ في كونه قيمياً أو مثلياً............................................. ٢٢١

الخامس : إذا لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل.............................. ٢٢٢

الأقوى وجوب الشراء.................................................... ٢٢٤

جواز المطالبة في بلد التلف وغيره.......................................... ٢٢٤

السادس : إذا تعذّر المثل في المثلي............................................ ٢٢٦

التفصيل بين ما لو طالب المالك ، وعدمه.................................. ٢٢٦

هل العبرة في قيمة المثل المتعذر بقيمة يوم الدفع أو التعذر؟.................... ٢٢٧

الاحتمالات في المسألة مع مبانيها.......................................... ٢٢٩

هل يختص التعذر بالطارئ أو يشمل الابتدائي أيضا؟........................ ٢٣٤

المراد من «إعواز المثل»................................................... ٢٣٥

المعيار في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه................................... ٢٣٦

هل الاعتبار بقيمة بلد المطالبة ، أو التلف ، أو أعلاهما....................... ٢٣٧

إذا سقط المثل عن المالية.................................................. ٢٣٨

فرع : لو تمكن من المثل بعد دفع القيمة....................................... ٢٣٩

السابع : ضمان القيمي بالقيمة في المقبوض بالعقد الفاسد ، والدليل عليه.......... ٢٤٠

استظهار الاجماع على ضمان القيمي بالقيمة مع تيسّر المثل................... ٢٤١

لو تيسّر المثل من جميع الجهات............................................ ٢٤١

ما هو المعيار في تعيين القيمة في المقبوض بالعقد الفاسد؟...................... ٢٤٣


الأصل ضمان التالف بقيمة يوم التلف..................................... ٢٤٤

الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد على أنّ العبرة بقيمة يوم الضمان................ ٢٤٥

صحيحة أبي ولاد على ما رواه الشيخ....................................... ٢٤٥

محلّ الاستشهاد في صحيحة أبي ولّاد....................................... ٢٤٧

الفقرة الاُولى من محلّ الاستشهاد........................................... ٢٤٧

الفقرة الثانية من محل الاستشهاد........................................... ٢٤٨

ما يوهن الاستدلال بالصحيحة على اعتبار قيمة يوم الضمان.................. ٢٥٠

الاستشهاد بالصحيحة على ضمان أعلى القيم ، والمناقشة فيه................. ٢٥٢

الاستدلال على أعلى القيم بوجه آخر ، والمناقشة فيه......................... ٢٥٣

توجيه الاستدلال........................................................ ٢٥٤

استدلال ثالث على أعلى القيم ، وتوجيهه.................................. ٢٥٥

المحكي عن جماعة : أنّ الاعتبار بيوم البيع ، وتوجيهه......................... ٢٥٥

لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف في القيمي.................................. ٢٥٦

ارتفاع القيمة بسبب الأمكنة.............................................. ٢٥٦

ارتفاع القيمة بسبب الزيادة العينيّة......................................... ٢٥٦

تعذّر الوصول إلى العين في حكم التلف.................................... ٢٥٧

الدليل على ثبوت بدل الحيلولة............................................ ٢٥٧

مورد بدل الحيلولة........................................................ ٢٥٧

المراد بالتعذّر............................................................ ٢٥٨

هل يلزم المالك بأخذ البدل؟.............................................. ٢٥٨

هل البدل ملك لمالك العين أو مباح له؟.................................... ٢٥٩

هل تنتقل العين إلى الضامن بإعطاء البدل؟................................. ٢٥٩


التفصيل بين فوات معظم المنافع أو بعضه................................... ٢٦١

خروج العين عن التقويم................................................... ٢٦٢

خروج العين عن الملكية مع بقاء حق الأولوية................................ ٢٦٥

حكم ارتفاع قيمة العين بعد دفع بدلها...................................... ٢٦٦

حكم ارتفاع القيمة بعد التعذّر وقبل الدفع.................................. ٢٦٦

إذا ارتفع التعذر وجب رد العين............................................ ٢٦٧

هل يعود ملك البدل إلى الغارم بمجرد التمكن من العين؟...................... ٢٦٨

ليس للغاصب حبس العين إلى أن يأخذ البدل............................... ٢٦٩

لو حبس العين فتلفت.................................................... ٢٧٠

الكلام في شروط المتعاقدين

مسألة : من شروط المتعاقدين البلوغ.......................................... ٢٧٥

المشهور بطلان عقد الصبي................................................ ٢٧٥

الاستدلال على البطلان بحديث رفع القلم.................................. ٢٧٦

الاستدلال بروايات عدم جواز أمر الصبي................................... ٢٧٦

المناقشة في دلالة هذه الروايات............................................ ٢٧٧

المناقشة في دلالة حديث رفع القلم......................................... ٢٧٨

ترديد بعضهم في الصحّة ، وتصريح آخرين بها............................... ٢٧٨

الحجّة في المسألة هي الشهرة والاجماع المحكي................................ ٢٨٠

المناقشة في تحقّق الإجماع.................................................. ٢٨٠

العمل وفق المشهور ، وهو البطلان......................................... ٢٨١

ما يستأنس به للبطلان................................................... ٢٨١


استظهار البطلان من حديث رفع القلم..................................... ٢٨٢

رأي المؤلف في المسألة ، ودليله............................................ ٢٨٤

كلام العلامة في عدم صحة تصرفات الصبي................................ ٢٨٥

لا فرق في معاملة الصبي بين الأشياء اليسيرة والخطيرة......................... ٢٨٦

تفصيل المحدّث الكاشاني بين الأشياء اليسيرة والخطيرة......................... ٢٨٦

تصحيح المعاملة لو كان الصبي بمنزلة الآلة ، والمناقشة فيه...................... ٢٨٧

دعوى كاشف الغطاء إفادة معاملة الصبي الإباحة لو كان مأذونا............... ٢٨٩

المناقشة في ذلك......................................................... ٢٩٠

كلام المحقق التستري في توضيح الدعوى.................................... ٢٩٠

حاصل ما أفاده التستري ، والمناقشة فيه.................................... ٢٩١

المناقشة في بعض ما أفاده كاشف الغطاء.................................... ٢٩٣

مسألة : ومن شروط المتعاقدين قصد المتعاقدين مدلول العقد..................... ٢٩٥

الدليل على هذا الشرط.................................................. ٢٩٥

كلام صاحب المقابس في اعتبار تعيين المالكين.............................. ٢٩٦

المناقشة فيما أفاده صاحب المقابس........................................ ٢٩٩

الصحيح عدم اعتبار التعيين.............................................. ٢٩٩

عود إلى مناقشة صاحب المقابس.......................................... ٣٠٠

هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري ، والقابل للبائع؟........................... ٣٠٣

مختار المؤلف ودليله...................................................... ٣٠٣

كلام العلّامة في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح......................... ٣٠٤

المناقشة فيما أفاده العلّامة من الفرق....................................... ٣٠٤


الأولى في الفرق بين النكاح والبيع.......................................... ٣٠٥

مسألة : ومن شروط المتعاقدين : الاختيار..................................... ٣٠٧

المراد من «الاختيار»..................................................... ٣٠٧

ما يدلّ على اشتراط الاختيار.............................................. ٣٠٧

المراد من قولهم : «المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله»............... ٣٠٩

حقيقة الإكراه........................................................... ٣١١

المعيار في صدق الاكراه................................................... ٣١٢

هل يعتبر عدم امكان التفصّي عن الضرر بما لا ضرر فيه...................... ٣١٢

عدم اعتبار العجز عن التورية.............................................. ٣١٣

هل يعتبر العجز عن التخلّص بغير التورية................................... ٣١٣

اعتبار العجز عن التخلص بغير التورية...................................... ٣١٤

الفرق بين إمكان التفصي بالتورية وإمكانه بغيرها............................. ٣١٦

عدم اعتبار العجز في الاكراه الرافع لأثر المعاملات........................... ٣١٧

المراد من الاكراه الرافع لأثر المعاملات....................................... ٣١٧

الفرق بين الاكراه في الاحكام التكليفيّة والاحكام الوضعيّة.................... ٣١٩

لو اُكره الشخص على أحد الأمرين........................................ ٣١٩

لو اُكره أحد الشخصين على فعل واحد.................................... ٣٢١

صور تعلّق الاكراه........................................................ ٣٢١

فروع :.................................................................... ٣٢٤

الاكراه على بيع عبد من عبدين........................................... ٣٢٤

الاكراه على معيّن فضمّ غيره إليه.......................................... ٣٢٤


الإكراه على الطلاق..................................................... ٣٢٥

أقسام الإكراه على الطلاق ، وأحكامها..................................... ٣٢٧

عقد المكره لو تعقّبه الرضا................................................. ٣٢٨

الاستدلال على الصحّة.................................................. ٣٢٨

مختار المؤلّف............................................................ ٣٣٠

ما استدلّ به على البطلان................................................ ٣٣٠

المناقشة في أدلّة البطلان.................................................. ٣٣١

المناقشة في دلالة حديث الرفع على البطلان................................. ٣٣١

الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟............................................ ٣٣٥

مسألة : ومن شروط المتعاقدين : إذن السيّد لو كان العاقد عبداً.................. ٣٣٧

الدليل على هذا الشرط.................................................. ٣٣٧

هل ينفذ إنشاء العبد إذا لحقته إجازة السيّد؟................................ ٣٣٨

مختار المؤلّف ، ودليله.................................................... ٣٣٨

ما يؤيد المختار.......................................................... ٣٣٩

فرع : في أمر العبد بشراء نفسه من مولاه...................................... ٣٤٢

مسألة : ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين..................... ٣٤٥

اختلاف الفقهاء في صحّة عقد الفضولي.................................... ٣٤٥

اتّفاق الفقهاء على بطلان إيقاعات الفضولي................................ ٣٤٦

المراد من «الفضولي»..................................................... ٣٤٦

هل العقد المقرون برضا المالك من دونه إذن منه فضولي....................... ٣٤٦


صور بيع الفضولي في مسائل ثلاث........................................... ٣٤٨

الاُولى : بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق المنع................................ ٣٤٩

المشهور الصحّة......................................................... ٣٤٩

مقتضى العمومات الصحّة................................................ ٣٥٠

الاستدلال للصحّة بقضيّة عروة البارقي..................................... ٣٥١

المناقشة في الاستدلال بقضيّة عروة البارقي.................................. ٣٥١

الاستدلال للصحة بصحيحة محمد بن قيس................................. ٣٥٣

المناقشة في الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس.............................. ٣٥٤

توجيه الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس.................................. ٣٥٥

الاستدلال لصحّة بيع الفضولي بفحوى صحّة نكاحه......................... ٣٥٦

المناقشة في الاستدلال المذكور............................................. ٣٥٦

ما يؤيّد صحّة بيع الفضولي................................................ ٣٥٨

١ ـ ما ورد في المضاربة.................................................... ٣٥٨

٢ ـ ما ورد في اتجار غير الولي في مال اليتيم.................................. ٣٦٠

٣ ـ رواية ابن أشيم....................................................... ٣٦١

٤ ـ صحيحة الحلبي...................................................... ٣٦١

٥ ـ موثقة عبد الله....................................................... ٣٦٢

٦ ـ أخبار نكاح العبد بدون إذن مولاه...................................... ٣٦٣

مختار المؤلّف الصحة..................................................... ٣٦٣

ما استدلّ به لبطلان بيع الفضولي.......................................... ٣٦٤

الاستدلال بآية التجارة عن تراض.......................................... ٣٦٤

المناقشة في الاستدلال بآية التجارة عن تراض................................ ٣٦٤


الاستدلال بالروايات على البطلان......................................... ٣٦٥

المناقشة في الاستدلال بالروايات........................................... ٣٦٧

الاستدلال بالاجماع على البطلان.......................................... ٣٧٠

المناقشة في الاجماع....................................................... ٣٧٠

الاستدلال بدليل العقل على البطلان....................................... ٣٧١

المناقشة في دليل العقل................................................... ٣٧١

الاستدلال بوجوهٍ اُخر على البطلان........................................ ٣٧٢

المناقشة في هذه الوجوه................................................... ٣٧٢

الثانية : بيع الفضولي للمالك مع سبق المنع.................................... ٣٧٣

المشهور الصحّة......................................................... ٣٧٣

مختار المؤلف ودليله...................................................... ٣٧٤

الثالثة : بيع الفضولي لنفسه................................................. ٣٧٦

الأقوى الصحّة ، والدليل عليه............................................. ٣٧٦

الإشكال على صحّة هذا البيع من وجوه.................................... ٣٧٦

الوجه الأوّل ، وجوابه..................................................... ٣٧٦

الوجه الثاني ، وجوابه..................................................... ٣٧٧

الوجه الثالث ، وجوابه.................................................... ٣٧٧

الوجه الرابع............................................................. ٣٧٨

جواب المحقّق القمي عن الوجه الرابع........................................ ٣٧٨

المناقشة في جواب المحقق القمي............................................ ٣٧٩

جواب المؤلف عن الوجه الرابع............................................. ٣٨٠

الإشكال على هذا الجواب................................................ ٣٨١


جواب صاحب المقابس عن الاشكال....................................... ٣٨٢

المناقشة في جواب صاحب المقابس......................................... ٣٨٢

جواب المؤلف عن الإشكال............................................... ٣٨٣

جواب كاشف الغطاء عن الوجه الرابع...................................... ٣٨٤

توجيه الجواب بوجهين ، والمناقشة فيهما..................................... ٣٨٤

المناقشة في الوجه الأول من الجواب......................................... ٣٨٥

المناقشة في الوجه الثاني من الجواب......................................... ٣٨٦

الوجه الخامس ، وجوابه................................................... ٣٨٨

هذا الاشكال إنّما يتوجّه على القول بالنقل.................................. ٣٨٨

جعل العوض في ذمّة الغير في بيع الفضولي.................................. ٣٩٠

ما به يتشخّص ما في الذمة............................................... ٣٩٠

لو لم يصدق الطرف الآخر الفضولي في قصده............................... ٣٩١

لو جمع بين نفسه وذمّة الغير.............................................. ٣٩٢

ما أفاده العلّامة فيما لو اشترى فضوليّاً في الذمّة لغيره ، وردّ ذلك الغير......... ٣٩٢

المناقشة فيما أفاده العلّامة................................................ ٣٩٣

مقتضى القواعد في هذه الصورة............................................ ٣٩٣

جريان الفضولي في المعاطاة ، بناء على الملك................................. ٣٩٤

دفع الاشكال عن جريان الفضولي في المعاطاة ، بناءً على الملك................. ٣٩٥

الاستدلال على عدم الجريان.............................................. ٣٩٥

المناقشة في الاستدلال.................................................... ٣٩٥

الإشكال على جريان الفضولي في المعاطاة ، بناء على الإباحة.................. ٣٩٧


القول في الإجازة والردّ

هل الاجازة كاشفة أم ناقلة؟................................................. ٣٩٩

الأكثر على الكشف.................................................... ٣٩٩

الاستدلال عليه بوجهين.................................................. ٣٩٩

الوجه الأوّل............................................................. ٣٩٩

الوجه الثاني............................................................. ٤٠٠

ما استدلّ به فخرالدين للاكثر............................................. ٤٠٠

المناقشة في الوجه الأوّل................................................... ٤٠٠

تقرير آخر للوجه الأوّل ، والمناقشة فيه...................................... ٤٠٠

دعوى إمكان تقديم المسبب على السبب الشرعي ، ودفعها................... ٤٠١

دعوى أن الشرط هو وصف تعقب الإجازة ، ودفعها......................... ٤٠٢

المناقشة في الوجه الثاني................................................... ٤٠٣

المناقشة الاُولى........................................................... ٤٠٣

تقرير آخر للمناقشة الأولى................................................ ٤٠٤

المناقشة الثانية........................................................... ٤٠٥

المناقشة الثالثة........................................................... ٤٠٦

معاني الكشف.......................................................... ٤٠٨

١ ـ الكشف الحقيقي ، والتزام كون الاجازة شرطاً متأخّراً...................... ٤٠٨

٢ ـ الكشف الحقيقي ، والتزام كون الشرط : التعقّب بالإجازة................. ٤٠٨

٣ ـ الكشف الحكمي.................................................... ٤٠٨


مقتضى القواعد والعمومات هو النقل ، ثمّ الكشف الحكمي................... ٤٠٨

ظاهر صحيحة محمد بن قيس هو الكشف بالمعنى الأعمّ...................... ٤٠٩

ظاهر صحيحة أبي عبيدة هو الكشف الحقيقي.............................. ٤٠٩

الثمرة بين الكشف باحتمالاته والنقل...................................... ٤١٠

الثمرة بين فردي الكشف الحقيقي......................................... ٤١٠

الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي...................................... ٤١٠

الثمرات المذكورة بين الكشف والنقل....................................... ٤١١

الثمرة الاُولى من حيث النماء.............................................. ٤١١

الثمرة الثانية من حيث فسخ الأصيل....................................... ٤١٢

الثمرة الثالثة من حيث تصرّف الاصيل..................................... ٤١٣

الاشكال على تصرّف الأصيل بناءً على النقل ، ودفعه....................... ٤١٣

حكم تصرف الأصيل بناء على الكشف................................... ٤١٤

جواز تصرّف الأصيل بناءً على الكشف وكون الشرط التعقّب بالإجازة......... ٤١٥

عدم جواز تصرّف الأصيل بناءً على الكشف وكون الشرط نفس الإجازة........ ٤١٥

حكم التصرفات غير المنافية لما التزمه الأصيل................................ ٤١٧

ثمرات ذكرها كاشف الغطاء ، وما يرد عليها................................. ٤١٨

التنبيه على اُمور :

الأوّل : عدم كون الخلاف في مفهوم الإجازة ، بل في حكمها الشرعي............. ٤٢١

الثاني : هل يشترط التلفّظ في الإجازة؟........................................ ٤٢١


كفاية الفعل الكاشف عن الرضا في الإجازة................................. ٤٢٢

كفاية الرضا الباطني ، والاستدلال عليه..................................... ٤٢٤

هل يكفي الرضا مقارنا للعقد أو سابقا عليه؟................................ ٤٢٥

الثالث : في اعتبار عدم سبق الرد في الإجازة................................... ٤٢٦

الرابع : في أن الإجازة لا تورث............................................... ٤٢٧

الخامس : في أن إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن أو المثمن.................. ٤٢٨

السادس : في أنّ الاجازة ليست فوريّة......................................... ٤٢٩

السابع : هل يعتبر مطابقة الاجازة للعقد؟..................................... ٤٢٩

الأقوى التفصيل......................................................... ٤٢٩

الكلام في المجيز :

اعتبار كون المجيز جائز التصرّف حال الإجازة................................ ٤٣١

هل يشترط وجود مجيز حين العقد؟........................................ ٤٣١

مختار المؤلّف............................................................ ٤٣٢

مثال العلّامة لعدم وجود المجيز حين العقد................................... ٤٣٢

هل يشترط كون المجيز جائز التصرّف حين العقد............................. ٤٣٤

الكلام في مسائل :......................................................... ٤٣٤

المسألة الاُولى : لو لم يكن جائز التصرّف بسبب الحجر......................... ٤٣٤

المسألة الثانية : لو لم يكن جائز التصرّف بسبب عدم الملك..................... ٤٣٥

من باع شيئاً ثمّ ملكه..................................................... ٤٣٥


لو باع لنفسه ثمّ اشتراه وأجاز.............................................. ٤٣٥

الأقوى الصحّة ، والدليل عليه............................................. ٤٣٧

ما أورده المحقّق التستري على الصحّة....................................... ٤٣٧

الإيراد الأوّل ، وجوابه.................................................... ٤٣٧

الإيراد الثاني ، وجوابه.................................................... ٤٣٧

الإيراد الثالث ، وجوابه................................................... ٤٣٨

الإيراد الرابع............................................................ ٤٣٩

الجواب عن الإيراد الرابع.................................................. ٤٤٠

الإيراد الخامس ، وجوابه.................................................. ٤٤٣

الإيراد السادس ، وجوابه.................................................. ٤٤٤

الإيراد السابع........................................................... ٤٤٦

الجواب عن الإيراد السابع................................................. ٤٤٩

مورد الروايات ما لو باع لنفسه غير مترقب للإجازة........................... ٤٥٤

لو باع لنفسه ثم تملكه ولم يجز............................................. ٤٥٧

المسألة الثالثة : لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان جائز التصرف....... ٤٥٨

فبان جائز التصرّف...................................................... ٤٥٨

صور المسألة أربع :...................................................... ٤٥٩

١ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه وليّاً................................... ٤٥٩

٢ ـ لو باع لنفسه فانكشفكونه وليّاً........................................ ٤٦٠

٣ ـ لو باع عن المالك فانكشف كونه مالكاً................................. ٤٦٠

هل تحتاج إلى إجازة مستأنفة.............................................. ٤٦٢


الأقوى وقوفه على الاجازة................................................ ٤٦٢

٤ ـ لو باع لنفسه باعتقاد أنه لغيره فانكشف أنه له.......................... ٤٦٦

الكلام في المجاز :

اعتبار كون العقد المجاز جامعاً لجميع الشروط................................ ٤٦٧

هل يشترط بقاء الشرائط إلى زمان الاجازة؟................................. ٤٦٧

هل يعتبر كون المجاز معلوما للمجيز بالتفصيل؟.............................. ٤٦٨

حكم العقود المترتبة...................................................... ٤٦٩

الإشكال في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب........ ٤٧١

عدم ورود الإشكال على تقدير الكشف.................................... ٤٧٤

مسألة : في أحكام الردّ..................................................... ٤٧٧

ما يتحقّق به الردّ........................................................ ٤٧٧

هل يتحقّق الردّ بالتصرّف غير المخرج عن الملك؟............................ ٤٧٧

التصرّفات غير المنافية لملك المشتري على قسمين :........................... ٤٧٩

١ ـ ما يقع في حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي................. ٤٧٩

٢ ـ ما يقع في حال عدم التفات المالك..................................... ٤٨٠

حاصل الكلام فيما يتحقق به الرد......................................... ٤٨١


مسائل متفرّقة

مسألة : حكم المالك مع المشتري لو لم يجز.................................... ٤٨٣

حكم المشتري مع الفضولي ، وفيه مسألتان.................................. ٤٨٣

الاُولى : رجوع المشتري إلى الفضولي بالثمن إن كان جاهلاً بكونه فضولياً........ ٤٨٤

لو كان عالماً بكونه فضولياً وكان الثمن باقياً................................. ٤٨٤

حكم ما لو كان الثمن تالفاً............................................... ٤٨٥

المشهور عدم الرجوع..................................................... ٤٨٥

توضيح ما استدل به المشهور.............................................. ٤٨٦

لا ينقض ما نحن فيه بالعلم بفساد البيع.................................... ٤٨٩

مختار المؤلف ، والدليل عليه............................................... ٤٩٠

المناقشة في مستند المشهور................................................ ٤٩١

ثبوت الرجوع إذا باع الفضولي عن المالك وأخذ الثمن لكونه واسطة في الايصال.. ٤٩٢

ثبوت الرجوع ـ أيضاً ـ لو أخذ الثمن من دون إذن المشتري.................... ٤٩٢

المسألة الثانية : حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن........................... ٤٩٣

لو كان عالماً بالفضولية................................................... ٤٩٣

لو كان جاهلاً بالفضولية................................................. ٤٩٣

ما يغترمه في مقابل المنافع غير المستوفاة..................................... ٤٩٤

توجيه بعض الروايات الساكتة عن رجوع المشتري إلى البائع.................... ٤٩٥


ما يغترمه في مقابل المنافع المستوفاة......................................... ٤٩٨

ما يغترمه في مقابل العين.................................................. ٥٠٢

ما يغترمه بإزاء الأجزاء التالفة.............................................. ٥٠٣

ما يغترمه بإزاء الأوصاف التالفة............................................ ٥٠٤

حكم ما يغترمه المشتري فيما إذا كان البيع فاسداً من غير جهة الفضولية........ ٥٠٤

كيفية اشتغال ذمم متعدّدة بمال واحد...................................... ٥٠٥

حكم المالك بالنسبة إلى الأيادي المتعاقبة................................... ٥٠٥

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها بالنسبة إلى بعض............................. ٥٠٨

وجه رجوع الضامن السابق إلى اللاحق...................................... ٥٠٨

ما أفاده صاحب الجواهر في وجه الرجوع.................................... ٥٠٩

المناقشة فيما أفاده صاحب الجواهر......................................... ٥٠٩

لو كانت العين باقية في الأيادي المتعاقبة.................................... ٥١١

مسألة : إذا باع الفضولي مال نفسه مع مال غيره............................... ٥١٣

الأقوى الصحّة ، والدليل عليه............................................. ٥١٣

طريق معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن..................................... ٥١٥

كيفية تقسيط الثمن عند جماعة من الاعلام................................. ٥١٥

المناقشة في الكيفية المذكورة................................................ ٥١٦


كيفية تقسيط الثمن في المثلي............................................. ٥٢٠

مسألة : لو باع من له النصف النصف مشاعا................................. ٥٢١

لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا.................................. ٥٢٢

هبة المرأة نصف صداقها مشاعا قبل الطلاق................................ ٥٢٣

الإقرار بالنصف في الشركة................................................ ٥٢٤

إقرار أحد الشريكين في الإرث بالنسب لشخص............................. ٥٢٨

مسألة : بيع ما يقبل التملّك وما لا يقبله...................................... ٥٣١

صحّة البيع فيما يقبل التملّك وما لا يقبله.................................. ٥٣١

دعوى تقييد الحكم بصورة جهل المشتري ، ودفعها........................... ٥٣٢

طريق تقسيط الثمن على المملوك وغيره..................................... ٥٣٣

طريق معرفة قيمة غير المملوك.............................................. ٥٣٤

مسألة : في ولاية الأب والجد................................................ ٥٣٥

عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب والجد..................................... ٥٣٥

هل تشترط المصلحة أو عدم المفسدة؟...................................... ٥٣٦

ما يشهد لعدم الاشتراط ، والمناقشة فيه..................................... ٥٣٧

ظهور الإجماع على اشتراط عدم المفسدة ، بل وجود المصلحة.................. ٥٣٩

الأقوى كفاية عدم المفسدة................................................ ٥٤٠

مشاركة الجدّ وإن علا للأب............................................... ٥٤٢

لو فقد الأب وبقي الجدّ.................................................. ٥٤٢


مسألة : في ولاية الفقيه..................................................... ٥٤٥

مناصب الفقيه : الإفتاء والحكومة والولاية................................... ٥٤٥

الولاية على وجهين....................................................... ٥٤٦

١ ـ استقلال الوليّ بالتصرّف.............................................. ٥٤٦

٢ ـ توقّف تصرّف الغير على إذنه.......................................... ٥٤٦

ثبوت الولاية بالمعنى الأوّل للنبيّ والأئمّة عليهم السلام......................... ٥٤٦

الاستدلال بالكتاب...................................................... ٥٤٧

الاستدلال بالروايات..................................................... ٥٤٧

الاستدلال بالاجماع والعقل................................................ ٥٤٨

ثبوت الولاية بالمعنى الثاني ، والاستدلال عليه................................ ٥٤٨

الكلام في ولاية الفقيه بالمعنى الاوّل......................................... ٥٥١

الاستدلال عليها بالروايات................................................ ٥٥١

المناقشة في الاستدلال.................................................... ٥٥٣

الكلام في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني......................................... ٥٥٣

الضابطة لما يجب استئذان الفقيه فيه........................................ ٥٥٤

ما يدل على وجوب استئذان الفقيه في الأمور المذكورة......................... ٥٥٤

الكلام في التوقيع إلى إسحاق بن يعقوب................................... ٥٥٥

النسبة بين التوقيع وعمومات الإذن في المعروف لكل أحد..................... ٥٥٦

محدودية مدلول الأدلة.................................................... ٥٥٧

الحاصل : إنّ هنا مقامين................................................. ٥٥٨

التمسّك برواية السلطان وليّ من لا وليّ له ومناقشتها......................... ٥٥٨

المقصود من «من لا ولي له».............................................. ٥٥٩


مسألة : في ولاية عدول المؤمنين.............................................. ٥٦١

حدود ولاية المؤمنين...................................................... ٥٦١

ما أفاده الشهيد في المقام.................................................. ٥٦٢

تأييد كلام الشهيد وتوجيهه............................................... ٥٦٣

اشتراط العدالة والدليل عليه............................................... ٥٦٤

ظاهر بعض الروايات كفاية الأمانة......................................... ٥٦٥

رأي المؤلف في المسألة.................................................... ٥٦٧

الظاهر عدم اعتبار العدالة في المباشرة....................................... ٥٦٨

الظاهر اشتراط العدالة فيما يتعلّق بفعل الغير................................ ٥٦٨

هل يجوز مزاحمة من تصدى من المؤمنين؟.................................... ٥٦٩

مزاحمة فقيه لفقيه آخر.................................................... ٥٧٠

رأي المؤلّف في المسألة.................................................... ٥٧٠

هل يشترط في ولاية غير الأب والجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم؟................... ٥٧٣

دعوى الاجماع على اشتراط المصلحة....................................... ٥٧٣

الاستدلال بقوله تعالى : (ولا تقربوا مالَ اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن)............ ٥٧٤

محتملات معنى «القرب»................................................. ٥٧٤

محتملات معنى «الأحسن»............................................... ٥٧٥

الظاهر من احتمالات «القرب» و «الأحسن».............................. ٥٧٥

ظاهر بعض الروايات كفاية عدم المفسدة.................................... ٥٧٧

هل يجب مراعاة الأصلح؟................................................. ٥٧٩


مسألة : بيع العبد المسلم من الكافر.......................................... ٥٨١

المشهور عدم صحّة نقل العبد المسلم إلى الكافر.............................. ٥٨١

الاستدلال على عدم الصحّة.............................................. ٥٨١

المناقشة فيما استدل به على عدم الصحة................................... ٥٨٢

المناقشة في الاستدلال بآية «نفي السبيل».................................. ٥٨٤

تمليك منافع المسلم من الكافر............................................. ٥٨٦

عدم الفرق بين الحر والعبد................................................ ٥٨٧

ارتهان العبد المسلم عند الكافر............................................ ٥٨٨

إعارة العبد المسلم وإيداعه من الكافر....................................... ٥٨٩

المقصود من الكافر...................................................... ٥٩٠

بيع العبد المؤمن من المخالف.............................................. ٥٩٢

موارد جواز تملّك الكافر للعبد المسلم....................................... ٥٩٢

١ ـ اذا كان الشراء مستعقباً للانعتاق....................................... ٥٩٢

٢ ـ لو اشترط البائع عتقه................................................. ٥٩٤

حكم تملك الكافر للمسلم قهرا........................................... ٥٩٥

عدم استقرار المسلم على ملك الكافر ، ووجوب بيعه عليه..................... ٥٩٦

عدم ثبوت الخيار في البيع المذكور.......................................... ٥٩٧

مخالفة المحقّق الثاني....................................................... ٥٩٨

المناقشة فيما أفاده المحقّق الثاني............................................ ٥٩٨

مسألة : بيع المصحف من الكافر............................................ ٦٠١

المشهور عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر................................ ٦٠١

هل تلحق أحاديث النبي والأئمة (عليهم السلام) بالمصحف؟................. ٦٠٢

كتاب المكاسب - ٣

المؤلف:
الصفحات: 639