الإهداء

إلى أستاذي الكريم

الدّكتور فيليب حتيّ

أهدي جهدي في هذا الكتاب

رعيا لذكراه واعترافا بفضله عليّ



المقدمة

إن مخطوطة كتاب «فضائل القدس» الذي ألفه ابن الجوزي لمن المخطوطات النادرة وهي في حوزة جامعة برنستون ، وكانت قد اشترتها مع كتب أخرى من عائلة مراد البارودي في بيروت من زمن بعيد ولا يزال بعض محققي كتب ابن الجوزي ينقلون عن بروكلمن أنها في مكتبة البارودي. وقد بحثت قبل الإقدام على نشرها في فهارس المكتبات العالمية التي أمكنني الاطلاع عليها فلم أجد ذكرا لنسخة أخرى إلا في موضعين. الواحد في كتاب عبد الحميد العلوجي «مؤلفات ابن الجوزي» حيث يذكر وجود نسخة في مكتبة جار الله رقم ٥٨٦ دون أن يذكر أي شيء آخر عنها (١) ولعله نقل خبره هذا عن مصدر قبل منتصف هذا القرن لأنه ليس لهذه المكتبة من وجود الآن.

والموضع الثاني هو كتاب بروكلمن تاريخ الآداب العربية وملحقه ففيه أن هناك نسخة في مكتبة بارودي وأخرى في مكتبة برلين (٢) ولم أستطع أثناء هذه السنوات الأربع الأخيرة أن أحصل على صورة من الأخيرة أما مخطوطة

__________________

(١) العلوجي. مؤلفات ابن الجوزي (بغداد ، ١٩٦٥) ص ١٢٩.

(٢) راجع كتاب كارل بروكلمن تاريخ الادب العربي بالالمانية (برلين ١٩٠٢) ج ١ ص ٥٠٦ والملحق (ليدن ، ١٩٣٧) ج ١ ٩٢٠ حيث يذكر مخطوطة فضائل القدس في مكتبة بارودي في بيروت. وليس غريبا ان تكون نسخة برلين مأخوذة عنها.


مكتبة بارودي فهي المخطوطة نفسها التي اشترتها جامعة برنستون وهي نفسها التي نحققها.

وكنت نشرت منذ نحو ثلاث سنوات في نشرة معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية التمس فيها اعلامي عما إذا كان أحد يعرف عن وجود نسخة أخرى في بلد ما كي أطلع عليها قبل النشر فلم يرد لي أي نبأ من أحد عن وجود شيء. وكنت مزمعا على نشر هذه المخطوطة سنة ١٣٩٧ ه‍. بمناسبة مرور ثمانمئة سنة هجرية على وفاة مؤلفها العالم الشهير ابن الجوزي فحالت الاضطرابات في لبنان دون ذلك. وقد لا حظت حين قابلت بينها وبين ما أخذه عنها ابن فضل الله العمري في كتابه «مسالك الابصار في ممالك الامصار» الجزء الذي حققه ونشره أحمد زكي باشا إن ما نقله العمري لا يختلف عما هو فيها وذلك في كل المواضع المتفرقة ما عدا ذكر رجال السند فقد كان العمري يهملهم ويكتفي إمّا بالراوية الأخير أو بالراوية الأول. وهذا الاتفاق التام يدل على أن نسخة برنستون أصيلة قديمة جدا لم تتعرض لأي تغيير منذ زمن العمري أي منذ نحو سبعمئة سنة. ونسخة برنستون هي فيما يظهر من ورقها وخطها قديمة جدا تكاد تكون من عصر المؤلف ، ولهذا فقد رأيت أن أقدم على نشرها برغم أنها مبتورة في آخرها ينقصها بضع ورقات لا تزيد عن ثلاث أو أربع.

أما المخطوطة فكتاب صغير يحتوي على اثنتين وستين صفحة من الورق القديم الصقيل بمقياس ٧ ، ١٥ س. م في ٦ ، ١١ والكتابة في الصفحة بمقياس ١١ طولا في ٤ ، ٨ عرضا. ويوجد في كل صفحة ثلاثة عشر سطرا دون استثناء والخط فيها نسخي قديم وفيه بعض الشكل ، وقد اضيفت إلى حركات الشكل حركات أخرى في عصر متأخر. والخط واضح تماما إلّا في بعض الصفحات التي كادت تمحى فيها الكلمات بسبب الرطوبة.

وقد يبدو لأول وهلة أن المخطوطة موجز أو مختصر لكتاب أكبر كما


ألف ابن الجوزي أن يفعل في بعض كتبه لا سيما وأن بعض فصولها لا تتجاوز الصفحتين. ولكن الواقع فيما يلوح لي هو غير ذاك إذ لم يرد أي ذكر لكتاب آخر باسم فضائل القدس بين كل كتبه في جميع الاصول التي ذكرت كتبه ، زد على هذا أن ابن الجوزي كان يسمي الموجز مختصرا حين يختصر بعض كتبه فعنده مثلا مختصر لقط الجمان ومختصر تقويم اللسان ومختصر المنتظم وهلم جرا ولم يذكر هذا الكتاب في أي أصل من الأصول باسم «مختصر فضائل القدس» بل «فضائل القدس». ويشار إليه أنه مجلد واحد أو في جزء واحد. والنص في هذه المخطوطة يتفق مع الأبواب المذكورة في المقدمة وهو من النصوص المسندة المعنعنة ـ وهو أمر راعاه ابن الجوزي في كثير من كتبه التي لها علاقة بالحديث وببعض أمور الدين. وقد اقتضاه الإسناد الطويل أن يقصر عليه نحو ربع المادة في هذا الكتيب ، ولو أهمله لما بقي من الكتاب شيء كثير.

وقد اتّبع الناسخ الاصطلاحات المختصرة للعبارات المألوفة في الأحاديث المسندة فكتب «ثنا» معجمة أحيانا ومهملة أحيانا أخرى بدلا من «حدثنا» وكتب «أنبا» معجمة أو مهملة بدلا من «أنبأنا» وقد يكتب أحيانا حدثني أو حدثنا أو أنبأنا دون اختصار. وقد رأيت أن اثبتها كاملة كلها تسهيلا على القارىء.

كذلك يكتب الناسخ ابراهيم واسحاق واسماعيل وثلاث وثمانين دون ألف في الوسط ويكتب سليمان والنعمان أحيانا بألف وأحيانا دون ألف ويكتب التوراة بياء بدل الالف ويكتب ابن في جميع حالاتها دون الألف المهموزة بهمزة الوصل حتى في مثل «ابن عباس» حيث لم يذكر الاسم الأول. ويهمل النقط في التاء المربوطة والياء الاخيرة حتى في مثل كلمة نبيّ أو انصاريّ ، ويهمل الهمزة أحيانا في أواخر الكلمات مثل جاء والفرّاء وايلياء. واحيانا في أوساطها مثل «جاءك». ويخففها ويكتبها بصورة ياء


في مثل «الملائكة» و «ببنائه». وقد رأيت تسهيلا على القارىء وتجنبا لإصلاحها في الهوامش ، أن أصلحها كلّها في المتن دون أن أشير إلى ذلك في الهامش. وهكذا فقد اثبتّ الالف في وسط الاسماء واثبتها في همزة ابن في كل المواضع حتى في المواضع التي تقع «ابن» فيها بين علمين ، لأني من الذين يرون أن ترسم الكلمة على اعتبار أنها مبدوء بها موقوف عليها وأرى أن حذفها كان اصطلاحا لضبط القراءة ولم يعد له مبرّر الآن. وكنت كتبت مقالا في مجلة المقتطف (٣) في همزة ابن وفي المواضع التي اصطلح الكتّاب أن يثبتوها فيها وهي أكثر من المواضع التي اصطلحوا على حذفها فيها. وأدعو الآن إلى اثباتها في كل المواضع كهمزة «اسم» التي لم تحذف إلا في عبارة «بسم الله الرحمان الرحيم». واثبت النقط في التاء المربوطة وفي الياء الواقعة في أواخر الكلم ، واثبت الهمزة في آخر الكلمة وفي وسطها حيث حذفت أو خفّفت بياء دون أن أشير في أي حالة إلى ذلك في الهامش ، غير أني كنت إذا عثرت على خطأ أو بدا لي اصلاح كلمة أو تغيير ما غير ما ذكرت ، أشير في الهامش إلى ما فعلت. ويمكن للقارىء الكريم أن يرى شكل الخط وبعض الامثلة على اصطلاحات الناسخ التي أشرت اليها وذلك في الراموزين الواضحين من النسخة الخطية المنشورين في أول هذا الكتاب.

وقد عارضت بعض ما في المخطوطة بما في بعض كتب ابن الجوزي الأخرى ، وبما في كتب مؤلفين بحثوا في مثل مواضيعها وبما في كتب الدين المختلفة التي عرضت لبيت المقدس وأمر بنائه وبما في كتب التفسير والحديث وشرحت بعض الأمور المتعلقة برجال السند المذكورين ومكانتهم وتاريخهم.

وأشعر أني بغنى عن الإشارة إلى المواضع التي طرقها ابن الجوزي في كتابه هذا «فضائل القدس» فقد كفاني هو نفسه مؤونة ذلك حين ذكرها

__________________

(٣) المقتطف ج ٨٧ سنة ١٩٣٥ ص ٥١٨.


مفصّلة في أول الكتاب فلا حاجة لتكرارها. ولكني لا أرى بدّا من الملاحظة أن القدس وقد كانت القبلة الأولى في الاسلام وكان مسجدها المسجد الذي تمّ الاسراء اليه وقد شهد فتحها الخليفة عمر ابن الخطاب صار لها فضل على كثير من المدن وأصبحت محط أنظار العالم الاسلامي. وقد حاول الامويون منذ عهد معاوية ابن أبي سفيان أن يؤكدوا على فضلها وأهميتها وقد روي عنه «أنه قام على منبر بيت المقدس يقول : ما بين حائطي هذا المسجد أحب إلى الله تعالى من سائر الأرضين» (٤). وبنى الخليفة عبد الملك قبة الصخرة في بيت المقدس تثبيتا لأهميته الدينية. وللشاعر الفرزدق في فائيته المشهورة التي مطلعها :

عزفت بأعشاش وما كدت تعزف

وانكرت من حدراء ما كنت تعرف

قوله :

وبيتان بيت الله نحن ولاته

وبيت بأعلى إيلياء مشرّف

وعندما انتزع مدينة القدس الصليبيون من العرب ثم أعادها صلاح الدين أخذ المؤلفون يكثرون من وضع الكتب في فضلها ومكانتها وفضل غيرها من الأماكن المقدسة في الإسلام. ولما كان ابن الجوزي قد بلغ في الربع الأخير من القرن السادس للهجرة مكانة كبرى في العلم والفضل والمعرفة سأله أحد المقدسيين أن يذكر له فضائل بيت المقدس فكتب كتابه هذا وجعل أكثره مسندا كما لو كان يكتب كتابا يروي فيه الحديث النبوي وقد رجع بالفعل في بعض أخباره مسلسلة حتى تصل إلى النبي وفي بعضها الآخر حتى تصل إلى الامام علي وفي البعض إلى أبي هريرة أو إلى سعيد ابن المسيب أو إلى كعب الاحبار أو إلى ابن عباس. وقد نقلها عن شيوخه وعن بعض

__________________

(٤) ابن الفركاح ٧٤.


الكتب. وكان شيخه أبو المعمر المبارك ابن أحمد الانصاري (٥) صاحب الأثر الاكبر في هذه الاخبار فقد روى عنه في أكثر من عشرين موضعا. يليه خاله الشيخ محمد ابن ناصر (٦) ثم الشيخ هبة الله ابن محمد ابن الحصين (٧). ويكتفي في بعض المواضع بالقول : وقال علماء السير أو أهل السير أو قال الزهري دون عنعنة أو إسناد وقد يقع البخاري أحيانا في سلسلة الإسناد إذا كان حديثا نبويا كما أنه يهمل الرواة مطلقا في بعض الاحيان كما فعل في اخباره عن فتح عمر لبيت المقدس وعن أخذ الفرنجة لمدينة القدس.

وكتب بعد ابن الجوزي عن فضائل القدس كثيرون منهم بهاء الدين ابن عساكر في كتابه «الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى» ، ومنهم أمين الدين ابن هبة الله الشافعي وله «كتاب الأنس في فضائل القدس». ومنهم برهان الدين الفزاري المعروف بابن الفركاح وله كتاب «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» ، ومنهم شهاب الدين أحمد ابن

__________________

(٥) كان من القرّاء والحفاظ وله معجم في مجلد ، ابن العماد الحنبلي ٤ : ١٥٤ والذهبي ٤٩٤ وقد توفي ٥٤٩ ه‍.

(٦) توفي سنة ٥٥٠ ه‍. وهو ابو الفضل محمد ابن ناصر ابن محمد ابن علي ابن ناصر السلامي الداري خال ابن الجوزي. كان شافعيا من اصل فارسي ثم تحول الى المذهب الحنبلي وكان في عصره من اشهر محدثي بغداد وقد درس ابن الجوزي الحديث عليه ثلاثين سنة ٥٢١ ـ ٥٥٠ ه‍ وزعم انه لم يستفد من احد من شيوخه كما استفاد منه. سبط ابن الجوزي ٨ : ١٣٨ ، الذهبي (تذكرة) ٤ : ٨١ ، وقال عنه ابن العماد الحنبلي ٤ : ١٥٥ محدث العراق ... كان ثقة ثبتا حسن الطريقة متدينا فقيرا متعففا نظيفا نزها. وقال عنه ابن رجب (الذيل ١ : ٢٢٥ كان في اول الامر اميل الى الادب وكان ابن الجواليقي [من شيوخ ابن الجوزي ايضا] اميل الى الحديث وكان الناس يقولون يخرج ابن ناصر لغوي بغداد وابن الجواليقي محدثها فانعكس الامر فصار ابن ناصر محدث بغداد وابن الجواليقي لغويها.

(٧) احد محدثي بغداد ولد سنة ٤٣٢ وتوفي سنة ٥٢٥ وقال عنه ابن العماد الحنبلي كان دينا صحيح السماع (٤ : ٧٧) ونعته بمسند العراق وكان من تلامذته الوزير ابن هبيرة وابن عساكر. وكان عمر ابن الجوزي خمس عشرة سنة حين توفي ابن الحصين ويظهر انه نقل عنه بعض الحديث قبل وفاته .. راجع سبط ابن الجوزي ٨ : ٢١٣ وانظر الذهبي (تذكرة) ٨ : ٢١٣.


محمد المقدسي وله كتاب «مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» وكذلك كتب الحسين ابن أحمد الحسيني كتاب «الروض المغرس في فضائل البيت المقدس» وكتب مجير الدين عبد الرحمان العليمي الحنبلي «كتاب الانس الجليل بتاريخ القدس والخليل» وكتب آخرون قبلهم وبعدهم كتبا أخرى وبعضهم ينقل عن البعض الآخر ولا يرى في ذلك بأسا إذ كانت جلّ غايتهم ابراز أهميّة هذا البلد المقدس. وكان من الذين أخذوا عن كتاب ابن الجوزي هذا الجغرافي الشهير ابن فضل الله العمري فقد نقل عنه فقرات بالحرف الواحد كما سيجيء معنا في هوامش النص. وكذلك فعل السيوطي.

ويكفي أن نقرأ في الأخبار التي تناقلوها ما ذكره مثلا ابن الفقيه ـ قبل ابن الجوزي لندرك تلك الأهمية قال : تزف الكعبة يوم القيامة إلى بيت المقدس ويقال لها مرحبا بالزائر والمزور ، وتزف مساجد الله عز وجل إلى بيت المقدس ... وينفخ في الصور يوم القيامة بها ، ويحشر الله عز وجل الخلائق اليها. وتزف الجنة عند بيت المقدس ... وباب السماء مفتوح على بيت المقدس» (٨). أو ما ذكر في كتاب العقد لابن عبد ربه قبل ابن الجوزي أيضا ... ينصب الصراط المستقيم ببيت المقدس ، ويؤتى بجهنم ـ نعوذ بالله منها ـ إلى بيت المقدس ، وتزف الجنة يوم القيامة زفا مثل العروس إلى بيت المقدس ، وتزف الكعبة بحاجها إلى بيت المقدس ، ويقال لها مرحبا مرحبا بالزائرة والمزورة ، ويزف الحجر إلى بيت المقدس (٩) ... أو ما ورد في الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : «الانهار كلها والسحاب والبحار والرياح من تحت صخرة بيت المقدس» (١٠).

__________________

(٨) ابن الفقيه ٩٤.

(٩) ابن عبد ربه ٦ : ٢٦٥.

(١٠) ابن الجوزي ص ٥٧ من مخطوطة فضائل القدس.


ومع أن كثيرا من هذه الأحاديث والأخبار لا تثبت أمام النقد العلمي وقد نقل بعضها عن أشخاص مثل كعب الاحبار وأبي هريرة ولهذا فقد لا يقبلها العلماء النقاد من المحدّثين فان مجرد تناقلها على ألسنة الرواة وتدوينها في أمثال هذه الكتب التي ذكرنا كان له وقع وتأثير كبير في النفوس. وكان للخيال فيما بعد دوره في هذه الروايات فذكر ابن الفركاح مثلا عن أبي ادريس الخولاني أنه قال : «يحوّل الله تعالى صخرة بيت المقدس يوم القيامة مرجانة بيضاء بعرض السماء والأرض ثم يضع عليها عرشه ويضع ميزانه ويقضي بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة والنار» (١١).

وكان ابن الجوزي لا يزال حيا حين استرد المسلمون القدس من أيدي الصليبيين فأورد الخبر بعد خبر استيلاء الصليبيين عليها واستغاثة المسلمين بأهل بغداد. ومن الغريب أنه لم يطل في أخباره لا هنا ولا هناك واكتفى بالقول عن الاسترداد : «وما زالت بيت المقدس مع الكفار إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة فقصده صلاح الدين النائب هناك عن أمير المؤمنين الناصر لدين الله بعد أن ملك ما حوله ، فوصل الخبر الينا في سابع وعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة أن يوسف ابن أيوب الملقب بصلاح الدين فتح بيت المقدس وخطب فيه بنفسه وصلىّ فيه» (١٢). ولم يزد على ذلك ، وكم كنا نود لو زاد وتوسع لأنه معاصر لتلك الاحداث. ومن يدري فلعل غمرة الفرح حالت دون ذلك.

ويظهر من الاخبار أن ابن الجوزي لم يزر بيت المقدس في حياته ولو كان فعل لكان أطال في وصفه ولكان وصفه أدق وأوفى. وقد عرض لفضائل القدس ومكانتها ولم يذكر شيئا يفيد أنه رآها وسنرى من

__________________

(١١) ابن الفركاح ٦٤.

(١٢) انظر ص ٤٩ من المخطوطة.


أخباره عند بحثنا في حياته أن رحلاته اقتصرت على الحجاز وبعض مدن العراق.

وأودّ أن أشير في الختام إلى أني حاولت التعريف في الهامش ببعض الشخصيات التي وردت اسماؤها في الكتاب وببعض الرجال غير المشهورين الذين نقل عنهم اخباره ، واهملت التعريف بالمشهورين. مع الاعتراف بأنه يصعب في كثير من الحالات التفريق بين بعض المشهورين وغير المشهورين. وكذلك قابلت بين بعض النصوص في هذا الكتاب وبين ما في كتب أخرى مختلفة ممّا يمكن أن تكون أصلا لهذه النصوص في فضائل الاماكن المقدسة واخبارها. وعلقت بعض التعليقات هنا وهناك. وذكرت المآخذ التي رجعت اليها في حواشي كل صفحة بشكل موجز اقتصر في أكثر الاحيان على الاسم المشهور وأفردت في آخر الكتاب جدولا مفصلا لأصحاب المآخذ وكتبهم وسنة طبعها قبالة كل اسم موجز ورد في الهوامش.

واني آمل أن أكون وفقت في ذلك والا فحسبي أني بذلت ما أمكنني من جهد وارضيت ضميري في ما حاولت من عمل.

  بعد ان تم طبع الكتاب وصلت الي صوره مخطوطة برلين المسوبة لابن الجوزي كما أشرت في هذه المقدمة ، وقد تبين لي ان المخطوطة هذه ليست مخطوطة فضائل القدس ، ولا هي لابن الجوزي ، وانما في كتاب باعث النفوس الى زيارة القدس المحروس تأليف ابراهيم ابن عبدالرحمن الانصاري الفزاري المعروف بان الفر كاح نسخ سنة ١١٣٢ ه. وقد طبع ، وهو من الاصول التي رجعنا اليها عند تحقيق فضائل القدس. ويظهر ان الصفحة التي كان عليها اسم المؤلف سقطت فظن احد المتأخرين ان الكتاب لابن الجوزي فاضاف صفحة بدلها نسب الكتاب فيها خطأ لابن الجوزي ، ونقل برو كامن ما على الورقة الاول دون ان بدرس متن الكتاب والنصوص التي تؤيد انه كتاب باعث النفوس ، وقد وردت الي مع المخطوطة نشرة تفيد ان آلورت قد نبه الى خطأ برو كامن.



حياة ابن الجوزي

اسمه ونسبه :

إذا كان هناك بين رجال القرن السادس للهجرة من يستطيعون أن يرجعوا بأنسابهم في سلسلة متصلة الحلقات إلى أحد من الصحابة ، فعبد الرحمان ابن الجوزي هو فيما يزعم المؤرخون واحد من هؤلاء ، وقد ورد نسبه متسلسلا بحلقات من عشرين جيلا متصلا بالخليفة الراشد أبي بكر الصدّيق. فهو : عبد الرحمان ابن علي ابن محمد ابن علي ابن عبيد الله ابن عبد الله ابن حمادي ابن أحمد ابن محمد ابن جعفر الجوزي ابن عبد الله ابن القاسم ابن النضر ابن القاسم ابن محمد ابن عبد الله ابن عبد الرحمان ابن القاسم ابن محمد ابن أبي بكر الصديق القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي (١).

وكنيته أبو الفرج ، ولقبه جمال الدين ، وجده الاكبر جعفر الجوزي منسوب فيما يقول سبطه إلى محلة بالبصرة تسمىّ محلّة الجوزة ، أو إلى فرضة فيها يقال لها جوزة (٢) ، بينما يزعم ابن خلكان أن جوزة فرضة على شاطىء

__________________

(١) ابن رجب (الذيل) ١ : ٣٩٩ وابن الفرات ، المجلد ٤ ج ٢ ، ص ٢١٠ وسبط ابن الجوزي ٨ : ٣١٠ وابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩ ووردت سلسلة نسبه في مصادر اخرى وفي موضع اخر من مرآة الزمان مختلفة عما هي ها هنا حيث سقطت بعض الاسماء.

(٢) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٠٩ ، ٣١٠ وابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.


دجلة قريبا من بغداد (٣).

ويتفرد الذهبي بقوله : وعرف جدهم بالجوزي بجوزة كانت في داره بواسط لم يكن في واسط جوزة سواها (٤).

مولده

ولد ابن الجوزي كما ذكر سبطه بدرب حبيب في بغداد سنة ٥١٠ ه‍. تقريبا (٥). زعم أنه سأل جده عن تاريخ مولده فقال : ما أحققه. ولكن في سنة عشرة [كذا] وخمسمئة تقريبا (٦). ويظهر أن الذين أرّخوا ولادته بعد ذلك لم يتفقوا على تحديد سنتها ، فقد جارى ابن العماد الحنبلي سبط ابن الجوزي ، ولكنه قال سنة ٥١٠ أو قبلها (٧). بينما جعلها ابن خلكان سنة ٥٠٨ بالتقريب ، ثم قال : وقيل عشر وخمسمئة (٨). ونقل ابن الفرات عن ابن خلكان ثم زاد : وقال اليغموري ويقال سنة عشر ويقال غير ذلك (٩).

كذلك نقل ابن الساعي رواية السبط وقال : سئل عن مولده فلم يحققه وقال هو في سنة عشر وخمسمائة أو نحوها (١٠).

ونرى أن رواية السبط أقرب إلى الحقيقة ، ذلك لأنه أقرب الناس إليه ،

__________________

(٣) ابن خلكان ١ : ٥٠٠.

(٤) الذهبي «تذكرة» ٤ : ١٣١.

(٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٠٩ ، ٣١٢ قال : «وفيها ولد جدي رحمه الله على وجه الاستنباط لا على وجه التحقيق».

(٦) سبط ابن الجوزي ٨ ، ٣١٢ قال : «وسألت عن مولده غير مرة وفي كلها يقول : ما أحققه ، ولكن يكون تقريبا في سنة عشرة وخمسماية تقريبا».

(٧) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩ وكذلك فعل الذهبي «تذكرة» ٤ : ١٣١.

(٨) ابن خلكان ١ : ٥٠٠.

(٩) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٩.

(١٠) ابن الساعي ٩ : ٦٧.


وأقدم من ذكر مولده. وقد أشار فوق ذلك في مواضع أخرى من كتابه إلى سني عمر جده حين تيتم ، وانها كانت ثلاثا (١١). وكان قد ذكر في في موضع آخر أن والد جده توفي سنة ٥١٤ ه‍. فاصبح من المحتم أن تكون ولادة ابن الجوزي في آخر سنة ٥١٠ ه‍. إن لم يكن في أوائل سنة ٥١١. لا سيما وأن هناك من يذكر أنه وجد بخط ابن الجوزي تصنيف له في الوعظ ذكر فيه أنه صنفه سنة ٥٢٨ ه‍. وله من العمر سبع عشرة سنة (١٢).

كما أن ابن رجب أشار إلى بعض الروايات التي ذكرت مولده ثم قال : وهذا يؤذن أن مولده بعد العشرة (١٣).

بغداد في عهده

وكانت بغداد في ذلك العهد قد فقدت نفوذها السياسي في العالم الاسلامي ، وأمست مركزا لخلافة دينية لبني العباس ليس أكثر ، يسيطر عليها السلاطين من السلاجقة الاتراك. وقد زارها ابن جبير في ذلك العهد فقال : هذه المدينة العتيقة ، وان لم تزل حاضرة الخلافة العباسية ، ومثابة الدعوة الامامية القرشية الهاشمية. قد ذهب أكثر رسمها ولم يبق منها إلا شهير اسمها (١٤). وقد تعرضت في عهد ابن الجوزي لمحن عظيمة ذكر بعضها سبطه في مرآة

__________________

(١١) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣١٠ وانظر ايضا ابن خلكان ، بيروت تحقيق احسان عباس ، ١٩٦٨ ج ٣ : ١٤٢.

(١٢) ابن الجوزي ، «مناقب الامام». ص ١.

(١٣) ابن رجب (الذيل) ١ : ٤٠٠ بل ان هناك اشارة في كتابه المنتظم تلمح الى انه ولد بعد سنة ٥١٠ او في اخرها على الاقل حيث يقول عن الزلزال الذي اصاب بغداد سنة ٥٢٩ ثم ارتجت يوم الثلاثاء النصف من الليل حتى تفرقعت السقوف وانتثرت الحيطان وكنت في ذلك الزمان صبيا وكان نومي ثقيلا لا انتبه الا بعد الانتباه الكثير. ج ١٠ : ٤٦ ـ ٤٧.

(١٤) ابن جبير ٩٦.


الزمان بتسلسلها الزمني ، وذكر بعضها الآخر ابن العماد الحنبلي. فقد صادفت سنة ولادته حريقها الشهير سنة ٥١٠ ه‍ (١٥). ثم حدث في سنة رضاعته أي سنة ٥١١ أن أصابها زلزال عظيم يوم عرفة ، كانت الحيطان بسببه تذهب وتجيء (١٦). وفي سنة ٥١٥ احترقت دار السلطنة كلها ببغداد وذهب ما قيمته ألف ألف دينار (١٧). وفي سنة ٥١٧ كانت فتنة دبيس الأسدي وطغيانه وتمرده والقتال بينه وبين المسترشد (١٨). ثم وقع زلزال آخر سنة ٥٣٨ (١٩). وهاجت في السنة نفسها فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية (٢٠). وبعد ذلك بست سنوات أي في سنة ٥٤٤ حدثت زلزلة عظيمة ، انهدمت بسببها أماكن كثيرة ، وهلك تحت الأبنية خلق كثير (٢١). ثم كان الطوفان العظيم سنة ٥٥٤ ، فغرق به قسم كبير من بغداد تحت الماء ، وغرقت مقبرة الامام أحمد ابن حنبل ، وهدمت المنازل في قسم كبير من أحيائها ، ومنها الحي الذي كانت فيه دار ابن الجوزي ، وغرقت كتبه (٢٢). ثم كان عام ٥٧٤ عام الوبا والجوع ، زعم سبط ابن الجوزي أن الناس أكلوا أولادهم ، وماتوا على الطريق (٢٣). وكانت المحنة فوق هذا على من أسماهم ابن العماد بالرافضة قال : فأحرقوا كتبهم ، وانقمعوا حتى صاروا في ذلة اليهود ، وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مئتين وخمسين سنة (٢٤).

__________________

(١٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٠٩.

(١٦) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٠٩ وابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٠.

(١٧) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٤٧.

(١٨) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٥٣.

(١٩) سبط ابن الجوزي ٨ : ١١١.

(٢٠) ابن العماد الحنبلي ٤ : ١١٨.

(٢١) سبط ابن الجوزي ٤ : ١١٧.

(٢٢) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٤٣ وابن العماد الحنبلي ٤ : ١٦٩ وقال عن المقبرة وكانت آية عجيبة.

(٢٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٢٤.

(٢٤) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٢٤٦.


وبرغم هذا كله ، فقد ظلت بغداد مدينة العلم والأدب ومحجة العلماء. وقد عاصر ابن الجوزي في مدى السنين السبع والثمانين التي عاشها أربعة وعشرين وزيرا ، منهم من اضطهده ، ومنهم من ناصره ، وعاصر من الخلفاء ستة ، هم المسترشد ، واستخلف من ٥١٢ ـ ٥٢٩. ثم الراشد ٥٢٩ ـ ٥٣٠ ، الذي لم تدم خلافته طويلا ، ثم المقتفي ٥٣٠ ـ ٥٥٥ ، ثم المستنجد ٥٥٥ ـ ٥٦٦ ، ثم المستضيء ٥٦٦ ـ ٥٧٢ وأخيرا الناصر ٥٧٢ ـ ٦٢٢. ولم نذكر المستظهر والد المسترشد لأنه توفي حين كان ابن الجوزي في الثانية من عمره.

وهكذا فان الحياة الأدبية لم تضعف في بغداد في عهد هؤلاء الخلفاء برغم ما اعتور العاصمة من ضعف سياسي. فقد ظلت بغداد موئل الحركة الأدبية وعرف فيها في القرنين الخامس والسادس كتّاب وشعراء مجيدون ذكر بعضا منهم ابن الجوزي نفسه في كتبه وذكر عماد الدين الاصبهاني الكاتب في كتابه خريدة القصر وجريدة العصر شعرا لكثيرين منهم كالشميم الحلّي وابن الخياط حتى الخلفاء أنفسهم والامراء والوزراء كان منهم في هذا الدور نفسه من نظم الشعر كالقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والمستنجد والمستضيء من الخلفاء وظهير الدين وعميد الدولة وسديد الملك ويحيى ابن هبيرة وولداه من الوزراء والأعيان ومنهم من أجاد (٢٥).

وكانت الصبغة الغالبة في الحياة العلمية في بغداد الالتفات إلى علوم الدين ، وبخاصة تلك التي لها علاقة بالقرآن والحديث. ومن هنا فقد يسّر لابن الجوزي كما سنرى أن يدرس على كثير من الشيوخ ، ويحظى بثقافة دينية واسعة. ومع أن كتب الحديث الستة كانت قد دونت ، وأصبحت المرجع الأول بعد القرآن للمسلمين في ذلك العصر ، فقد استمرت دراسة الحديث

__________________

(٢٥) عماد الدين الاصبهاني خريدة القصر وجريدة العصر ، القسم العراقي ، الجزء الاول (بغداد ، ١٩٥٥) ٩ ـ ٣١ ، ٩٣ ، ٩٦ ، ١٠١ ، ١١٧.


وقتا طويلا بعد عصر هذه الكتب ، وظل نقد الحديث ، وتفسيره ، وتقدير رجاله ، وتصنيفهم إلى طبقات ، وتصنيف الحديث إلى أنواع ، ودرس القرآن وتفسيره ـ ظلت هذه كلها جوانب هامة من العلوم الدينية التي تعلّق بها الباحثون.

وكانت قد نشأت بعض الاختلافات بين المدارس الفقهية والفكرية منذ العصر العباسي الأول ، واستمرت إلى ما بعد زمن الغزالي الذي توفي سنة ٥٠٥ ، بعد أن حقّق بتعاليمه نصرا كبيرا لمدرسة المحافظين الأشعرية في معركة الجدل الفقهي الكلامي ولم تهمل في الوقت نفسه الفروع الأخرى من العلوم التي كانت قد أزدهرت في النصف الأول من العصر العباسي. فقد أسّس نظام الملك سنة ٤٥٩ ه‍. في بغداد المدرسة النظامية (٢٦) الشهيرة التي كان لها أثر كبير في استمرار الحركة العلمية. وكان قبل ذلك العهد قد ظهر عدد من العلماء البارزين الذين حملوا مشعل الحركة في علوم الدين وغيرها بحيث لم تنطفىء. وكان أبو نعيم الاصبهاني (ت ٤٣٠ ه‍.) قد وضع كتابه «حلية الأولياء» الذي استعان به ابن الجوزي في كتابه «صفة الصفوة» ، واختصره في كتاب آخر خاص. كذلك كان الخطيب البغدادي (ت ٤٦٣ ه‍.) قد ألف من الكتب ستة وخمسين مصنفا وقفها قبل موته على المسلمين. منها كتابه الشهير «تاريخ بغداد» الذي قرأه ابن الجوزي واقتبس منه الكثير في كتبه ، وبخاصة في كتابه «المنتظم في تاريخ الملوك والامم» ، وذكر فيه أسماء نحو خمسين من تلك المصنفات. وكان علي ابن عقيل الحنبلي (ت ٥١٣ ه‍) ، قد وضع كتابه «الفنون» في مئتي مجلد ، جمعه طول عمره ، فاختصر منه ابن الجوزي عشر مجلدات ، فرقها في تصانيفه (٢٧). وكان ابو محمد القاسم الحريري (ت ٥١٦) ه. قد وضع

__________________

(٢٦) ابن العماد الحنبلي ٣ : ٣٠٧.

(٢٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١.


في الأدب مقاماته الشهيرة سنة ٥٠٤. ووضع بعده يحيى ابن سعيد الطبيب النصراني (ت ٥٥٨ ه‍). ستين مقامة تضاهي مقامات الحريري. وقال عنه سبط ابن الجوزي أنه أوحد زمانه في معرفة الطب والأدب (٢٨) وكثيرون غيرهم من العلماء والأدباء. وهذا كله يشير إلى أن الحركة العلمية لم تمت.

وكان فنّ الخطّ والنسخ قد ارتقى بفضل رغبة الكتّاب في نسخ القرآن والدواوين الشعرية وكتب الحديث وغيرها لمكتبات الخلفاء والامراء والوزراء وللمريدين. فصار لهذه الطبقة من الكتّاب مكانة مرموقة بعد ظهور الخطاطين المشهورين ـ الريحاني وابن مقلة وابن البوّاب. وأصبح النسخ أمرا شائعا وسهلا ، وأصبحت الكتابة أمرا مستجادا. ومع أننا لم نطلع على أي نسخة خطية من كتب ابن الجوزي ممّا يمكن أن يكون كتبها بيده فاننا لا نستغرب ـ بعد أن اطلعنا على المخطوطات التي تخلفت عن ذلك العصر ـ أن يكون ممن أجادوا الخط لا سيما وانه قد كتب بخط يده الوف الصفحات وقد زعم الرواة أنه كان يكتب كل يوم أربع كراريس (٢٩). وقد ذكر ابن خلكان وابن الفرات ان ابن الجوزي جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث الرسول ، فحصل منها شيء كثير ، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ، ففعل ذلك وكفت وفضل منها (٣٠). وسنرى حين نعرض لتآليفه أنه وضع من الكتب ما يزيد عن ثلاثمئة ، كتبها كلها بخط يده. وقد لاحظ ذلك ابن العماد الحنبلي ، فقال فيه : وكتب بخطّه ما لا يوصف (٣١). وقال ابن الساعي خازن كتب المستنصرية

__________________

(٢٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٥٢.

(٢٩) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠ ، ابن الفرات : المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٠ ينقل عن ابن خلكان ان هناك من زعم انه كان يكتب ٩ كراريس.

(٣٠) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٠.

(٣١) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩.


عنه : «وكتب بخطه ما لم يدخل تحت حصر» (٣٢).

كان ابن الجوزي حنبليا. وكانت الجماعة الاسلامية قد انقسمت قبل عهده بزمن طويل إلى فئتين رئيستين ـ كما هو معروف ـ ، هما فئة السنّة وفئة الشيعة. وقد تفرّعت الأولى إلى أربعة مذاهب ، هي المالكية والشافعية والحنفية والحنبلية. وكان من الطبيعي لكل فرقة من أتباع هذه المذاهب أن تعمد إلى القرآن والحديث للدفاع عن مذهبها. فدعا هذا الأمر إلى كثرة الشيوخ من علماء الدين ، بحيث زعم ابن الجوزي أنه سمع من أكثر من ثمانين شيخا ذكرهم في كتابه «المشيخة» وذكر بعضهم سبطه في مرآة الزمان. وابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة. وهكذا وجد ابن الجوزي طريقه إلى التعمق في دراسة القرآن والحديث ، بحيث استطاع أن يقول عن نفسه حين شعر بتفوقه في علم الحديث : «لا يكاد يذكر لي حديث ولا يمكنني أقول صحيح او حسن أو محال» (٣٣).

وقد أدى الاختلاف بين بعض أتباع هذه المذاهب ، في كثير من الأحوال ، إلى النزاع كما نرى من بعض كتبه التي تعرّض بها لاتباع بعض المذاهب الأخرى. أو إلى الاضطهاد من الذين كانوا يتولّون السلطة ، كما جرى له هو نفسه على يد بعض الوزراء وأعوانهم في بغداد.

شيوخه

وفدت أسرة ابن الجوزي إلى بغداد من فرضة جوزة كما مر معنا ، وكان والد ابن الجوزي فيما يظهر من تجار النحاس ، وقد مات حين كان لابنه ثلاث سنين من العمر ، فعهد بتربيته إلى عمّة له كانت صالحة ، فبذلت

__________________

(٣٢) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٥.

(٣٣) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.


عناية فائقة بأمره ، وعنيت بتعليمه عند بعض الشيوخ. فشرع في تعلّم القرآن قبل العاشرة. وهو يذكر بين شيوخه في حفظ القرآن المبارك ابن جعفر المتوفى سنة ٥١٨ ه‍. أي حين كان ابن الجوزي في الثامنة أو السابعة من العمر.

وحين بلغ العاشرة أخذ يدرس على أبي القاسم العلوي (ت ٥٣٦ ه‍). ويروى عنه أنه ألقى وهو في ذلك العمر عظة أمام جمع غفير في جامع بغداد كان استاذه هذا علمه إياها (٣٤). وأخذته عمّته في هذا العهد إلى مسجد خاله الشيخ أبي الفضل محمد ابن ناصر (ت ٥٥٠ ه‍). فاعتنى به ، واسمعه الحديث ، وظل يدرس عليه أكثر من ثلاثين سنة. وزعم أنه استفاد من خاله أكثر مما استفاد من أي شيخ آخر. وبطريقته أخذ علم الحديث (٣٥). وكان من أساتذته في هذه السنين جماعة من الشيوخ بلغوا كما ذكر هو نفسه أكثر من ثمانين شيخا ما عدا ثلاث سيدات عالمات هن فاطمة بنت الحسين الرازي (ت ٥٢١ ه‍). وفاطمة بنت عبد الله الخيري (ت ٥٣٤ ه‍). وفخر النساء الشهدة بنت أحمد الاثري (ت ٥٧٤ ه‍) وقد عمرّت الأخيرة حتى قاربت المئة ، وكانت تكتب الخط الحسن (٣٨). وكان من شيوخه جماعة من أشهر علماء عصرهم. منهم ابن الزاغوني (ت ٥٢٧ ه‍) (٣٩) وقد صحبه زمانا وسمع منه الحديث وعلق عنه من الفقه والوعظ. وأبو بكر

__________________

(٣٤) سبط ابن الجوزي ٨ : ٧٢ وفي ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ٣٢ انه توفي سنة ٥٢٧ ه‍.

(٣٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٣٨ والذهبي (تذكرة) ٤ : ٨٢ ، ٨٤ ، ١٣٣.

(٣٨) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ٢٨٨ وسبط ابن الجوزي ٨ : ٢٢٤.

(٣٩) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ٣٢ وابن رجب (الذيل) ١ : ١٨٠ ـ ١٨٤ وابن العماد الحنبلي ٤ : ٨٠.


الدينوري الحنبلي (ت ٥٣٢ ه‍) (٤٠). قال ابن الجوزي حضرت درسه بعد موت شيخنا ابن الزاغوني نحوا من أربع سنين (٤١) ومنهم أبو منصور الجواليقي (ت ٥٤٠ ه‍). (٤٢) وابراهيم ابن دينار النهرواني (ت ٥٥٦ ه‍) (٤٣) وعبد الوهاب ابن المبارك الانماطي (ت ٥٣٨ ه‍) (٤٤). وقد ذكره في عدة مواضع من كتبه وأثنى عليه كثيرا وروى عنه في فضائل القدس ص ٢٩ من المخطوطة ، وقال عنه في المنتظم «وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته» (٤٥). وقد توفي كثير من شيوخه قبل منتصف ذلك القرن. وكان جلّهم من الحنابلة ومن علماء الدين. ولكنه لم يكتف بالعلوم الدينية بل حاول أن يلمّ بعلوم أخرى بحيث نرى بين تآليفه كتبا في الأدب واللغة والطب.

رحلاته

لقد كفته بغداد مؤونة الارتحال في طلب العلم. ولكنه قام في سنة ٥٤١ ه‍. بحجة إلى مكة مع نسطو الخادم أمير الحاج بالعراق وكان معه شيء من سماعاته ليقرأها عليه بمكة والمدينة ، فلما رأى ظلمه للحمالين لم يكلمه (٤٦). وقام بعدها باثنتي عشرة سنة بحجة أخرى زار فيها المدينتين ،

__________________

(٤٠) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ٧٣ وابن رجب (الذيل) ١ : ١٩١.

(٤١) ابن رجب (الذيل) ١ : ١٩٠ وابن العماد الحنبلي ٤ : ٩٨.

(٤٢) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١١٨. وراجع ابن رجب (الذيل) ١ : ٢٠٦. وسبط ابن الجوزي ٨ : ١١١ حيث تذكر وفاته سنة ٥٣٩.

(٤٣) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ٢٠١ وابن العماد الحنبلي ٤ : ١٧٦.

(٤٤) الذهبي (تذكرة) ٤ : ٧٥ ، وابن رجب (الذيل) ١ : ٢٠٣ وسبط ابن الجوزي ٨ : ١٣٨ ، ١٤٥.

(٤٥) ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١٠٨.

(٤٦) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٢٤


وكانت شهرته قد ذاعت وعرفت مكانته ، فألقى عظة في كلّ من الجامعين الكبيرين فيهما. وهكذا فانه لم يقم بأيّ رحلة إلى قطر غير الحجاز ، وظلّ طول حياته في بغداد ما عدا السنين التي نفي فيها إلى واسط. وقد وصف ما رآه في زيارته الثانية للحجاز ، فقال : «ودار بنا الدليل على طريق خيبر ، فرأيت من الجبال وغيرها العجايب» وعلّق حفيده على كلام جدّه فقال : «ما رأى رحمه الله جبل لبنان وجبل الثلج وايلة وغيرها» (٤٧). ويقصد سبطه بهذا القول أنه لو رأى هذه المواضع ، لما بلغ إعجابه إلى هذا الحد بما رأى في الحجاز.

نكبته في طوفان بغداد

وفي آخر خلافة المتقي (٥٣٠ ـ ٥٥٥ ه‍) كان ابن الجوزي قد كتب كتبا كثيرة ، ولكنها غرقت فيما يقول سبطه ، وذلك بسبب الطوفان العظيم الذي اجتاح بغداد سنة ٥٥٤ ه‍. ودمّر كل الضاحية التي كانت فيها داره ، وكانت في شارع اسمه درب الغبار فاضطر ابن الجوزي ، حين أخذ الطوفان يحتاج الحي الذي كانت داره فيه ، إلى أن يعبر الجانب الغربي ، حتى إذا عاد بعد ذلك بيومين ، لم يجد حائطا قائما ، ولم يستطع أن يعرف أين كانت ، بل لم يستدل على الدرب نفسه إلا من منارة المسجد فانها لم تقع (٤٨). وقد نكب في تلك السنة نفسها بوفاة ابنه الاكبر عبد العزيز

__________________

(٤٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٤١. يقصد بجبل الثلج الجبل المعروف الان في لبنان بجبل الشيخ وقد رآه السبط كما نعرف من اخباره.

(٤٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٤٣. اما ابن الجوزي نفسه فانه حين ذكر اخبار تلك السنة في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والامم. ج ١٠ ص ١٨٩ ـ ١٩٠ ذكر الطوفان في ١٨ ربيع الاول وهدمه للدور والسور ولكنه لم يشر الى غرق كتبه مع انه قال : وخرجت من داري بدرب القيار (بالقاف والياء) يوم الاحد وقت الضحى فدخل اليها الماء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدور كلها ... وتهدم السور ... وجئت بعد يومين الى درب القيار فما رايت حائطا قائما ولم يعرف احد موضع داره الا بالتخمين.


(أبي بكر) وكان مقيما في الموصل ، ويقال أن وفاته كانت بالسم (٤٩). وكان له من البنين في ذلك العام اثنان أكبرهما عبد العزيز أبو بكر.

وكان قد تعرض قبل هذه النكبة لشيء من خصومة المتعصبين على الحنابلة. فقد كان للمقتفي خادم اسمه مرجان ، زعم سبط ابن الجوزي ، نقلا عن جدّه ، أن هذا الخادم كان متعصبا ببغض الحنابلة ، وتعصب على على ابن الجوزي ، بحيث قال جدّه عنه : «عاداني دون الكل وناصبني ، فقيل له في ذلك فقال : «قصدي أن أقلع مذهب الحنابلة». وسعى بي إلى الخليفة فلم يلتفت إليه». ثم قال : فلما رأيته كذا ، لجأت إلى الله تعالى ودعوت عليه ، وسألته أن يكفيني شره ، فمات سنة ٥٦٠ ه‍. وسر الحنابلة بموته لأنه لما حج قلع الحطم الذي كان لهم بمكة ، وابطل امامتهم وبالغ في أذاهم (٥٠).

مجالسه وصلته بالحكام

كان من حظ ابن الجوزي أن تولى الوزارة في خلافة المستنجد رجل حنبلي عالم شاعر كان ابن الجوزي قد سمع منه وأخذ عنه هو الوزير يحيى ابن محمد ابن هبيرة. فكان للحنابلة ولابن الجوزي في هذا الوزير وفي ابنه بعده خير نصير ، بحيث قال ابن العماد الحنبلي عن هذه العلاقة : «وعظم شأنه في ولاية ابن هبيرة» (٥١). بل كان يعظ في بيت الوزير نفسه. وفي أثناء حياته كان ينوب عنه في الوزارة ابنه عز الدين وكان شاعرا ، واشتدت هذه الصلة بين آل هبيرة وآل الجوزي بحيث انتهت إلى قربى ، وذلك

__________________

(٤٩) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.

(٥٠) سبط ابن الجوزي ٨ ، ١٥٨.

(٥١) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠ وانظر ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١٩٢


حين زوج ابنه الثاني (أبو القاسم) من ابنة الوزير (٥٢). ولم يقتصر اثر ابن الجوزي في هذا العهد القصير على الوعظ في بيت الوزير ، بل كانت له مجالس في الجامع الكبير ، ومجالس في المدارس المختلفة التي تولى التعليم فيها بعد شيوخه. غير أنه في سنة ٥٦٠ فقد الحنابلة بموت يحيى ابن هبيرة عضدا عظيما ، وكان قد تفقه على مذهب ابن حنبل ، ودافع عن الحنابلة ، فتعرضوا بعد موته لمحنة من جماعة الاشعرية ، ومن بعض موظفي الدولة فقد سجن ابنا الوزير ومات أحدهما عز الدين خنقا في السجن سنة ٥٦١ ه‍ (٥٣). ومات شرف الدين في السجن سنة ٥٦٢ وكلاهما كان شاعرا مجيدا. حتى إذا توفي الخليفة المستنجد سنة ٥٦٦ ه‍. وخلفه المستضيء تغيّر الأمر ، فقد حظي ابن الجوزي عنده بمكانة كبيرة ، وسمح له أن يعظ بحضوره سلسلة عظات ، وأمر باقامة دكة له في جامع القصر ، وحضر مجلسه مرات من وراء الستر (٥٤). ولم يفت ابن الجوزي أن يذكر هذا العطف الخاص ، فقد أشار في كتبه إلى أن المستضيء كان لطيفا ومحسنا إليه ، وزعموا في اخباره أنه كان يحضر مجلسه في بغداد أكثر من عشرة آلاف نفس ، وقال سبطه : وربما مئة ألف. (٥٥). ولعل مصدر هذه المبالغة من سبطه تعود إلى ما قرأه في كتاب جده «المنتظم في تاريخ الملوك والامم» فهو يذكر فيه في أخبار سنة ٥٦٩ مجلسا حضره جمع كبير قال :

__________________

(٥٢) عرض السيد مصطفى عبد الواحد في مقدمته لكتاب ذم الهوى ص ٩ وقال : لم يعرف التجاؤه الى احد منهم [يقصد الحكام] غير ما يذكر ابن العماد الحنبلي من انه عظم شأنه في ولاية ابن هبيرة. فلا نعلم سر هذه العظمة أكانت اتفاقا حدث في ولاية هبيرة ام كانت من ابن هبيرة له» ويظهر ان السيد مصطفى لم يعلم بهذه الصلة من القربى والمشيخة.

(٥٣) راجع تفصيل خبر موته في : ابن الجوزي (المنتظم) : ١٠ : ٢١٨.

(٥٤) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(٥٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣١٠ وابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١٩٤.


«وسألني أهل الحربية أن أعقد عندهم مجلسا للوعظ ليلة فوعدتهم ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الأول فانقلبت بغداد وعبر أهلها عبورا زاد على نصف شعبان زيادة كثيرة فعبرت إلى باب النصر فدخلتها بعد المغرب فتلقاني أهلها بالشموع الكثيرة وصحبني منها خلق عظيم فلما خرجت من باب البصرة رأيت أهل الحربية قد أقبلوا بشموع لا يمكن احصاؤها فأضيفت إلى شموع أهل باب البصرة فحزرت بألف شمعة فما رأيت البرية إلّا مملوءة ضوءا وخرج أهل المحال الرجال والنساء والصبيان ينظرون وكان الزحام في البرية كالزحام في سوق الثلثاء فدخلت الحربية وقد امتلأ الشارع واكتريت الرواشن من وقت الضحى فلو قيل أن الذين خرجوا يطلبون المجلس في الصحراء بين باب البصرة والحربية مع المجتمعين في المجلس كانوا ثلثمائة ألف ما أبعد القائل» (٥٦).

مجالس ابن الجوزي التي حضرها ابن جبير

لعله ليس بين جميع الذين كتبوا عن ابن الجوزي من وصف مجالسه كما فعل الرحّالة الاندلسي الشهير ابن جبير. حتى حفيده لم يصف مجالس جدّه كما فعل ابن جبير. ومن الممتع أن نعلم أن ابن جبير يصفها وصف معاين. فقد قام برحلته إلى المشرق ، وحجّ ، وزار الاماكن المقدسة ، ومرّ ببغداد ، وحضر مجالس بعض شيوخها ، ومنها مجالس ابن الجوزي ، في عهد الخليفة الناصر ابن المستضيء. وذلك سنة ٥٨٠ ه‍. ومع أنه لم يرض عن أهل بغداد ، بل ذمّهم ، فانه استثنى فقهاءها المحدّثين ، ووعاظها المذكّرين ، ووصف بعض هذه المجالس ، وأطال في وصفه لمجالس ابن الجوزي ، واطنب في الثناء. ونرى من الخير أن نترك له الكلام قال :

__________________

(٥٦) ابن الجوزي ، المنتظم ١٠ : ٢٤٣.


«ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده مجلس الشيخ الفقيه الامام الأوحد جمال الدين أبي الفضائل ابن علي الجوزي بأزاء داره على الشط بالجانب الشرقي وفي آخره على اتصال من قصور الخليفة ... وهو يجلس به كل يوم سبت ، فشاهدنا مجلس رجل ليس من عمرو ولا زيد ، وفي جوف الفرا كل الصيد. آية الزمان ، وقرة عين الإيمان ، رئيس الحنبلية ، والمخصوص في العلوم بالرتب العلية ، امام الجماعة ، وفارس حلبة هذه الصناعة ، والمشهود له بالسبق الكريم في البلاغة والبراعة ، ملك ازمّة الكلام في النظم والنثر ، والفائض في بحر فكره على نفائس الدر ، فأمّا نظمه فرضي الطباع ، مهياري الانطباع ، وأما نثره فيصدع بسحر البيان ، ويعطل المثل بقس وسحبان. ومن أبهر آياته ، وأكبر معجزاته ، أنه يصعد المنبر ، ويبتدىء القرّاء بالقرآن ، وعددهم نيف على العشرين قارئا. فينتزع الاثنان منهم أو الثلاثة آية من القرآن ، يتلونها على نسق بتطريب وتشويق ، فاذا فرغوا تلت طائفة أخرى على عددهم آية ثانية. ولا يزالون يتناوبون آيات من سور مختلفات ... فاذا فرغوا ، أخذ هذا الامام الغريب الشان في ايراد خطبته عجلا مبتدرا ، وافرغ في اصداف الاسماع من الفاظه دررا ، وانتظم أوائل الآيات المقروءات في أثناء خطبته فقرا ، وأتى بها على نسق القراءة لها لا مقدّما ولا مؤخّرا ، ثم اكمل الخطبة على قافية آخر آية منها. فلو أن أبدع من في مجلسه تكلف تسمية ما قرأ القراء آية آية على الترتيب لعجز عن ذلك ، فكيف بمن ينظمها مرتجلا ويورد الخطبة الغرّاء بها عجلا؟ (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون. إن هذا لهو الفضل المبين) فحدّث ولا حرج عن البحر ، وهيهات ليس الخبر عنه كالخبر ، ثم أنه أتى بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ ، وآيات بيّنات من الذكر ، طارت لها القلوب اشتياقا ، وذابت بها الأنفس احتراقا ، إلى أن علا الضجيج ، وتردد بشهقاته النشيج ، واعلن التائبون بالصياح ، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح ، كل يلقي ناصيته بيدها فيجزها ، ويمسح على رأسه داعيا له.


ومنهم من يغشى عليه ، فيرفع في الأذرع إليه. فشاهدنا هو لا يملأ النفوس انابة وندامة ، ويذكرها هول يوم القيامة. فلو لم نركب ثبج البحر ، ونعتسف مفازات القفر ، الا لمشاهدة مجلس من مجالس هذا الرجل ، لكانت الصفقة الرابحة ، والوجهة المفلحة الناجحة. والحمد لله على أن منّ بلقاء من يشهد الجمادات بفضله ، ويضيق الوجود عن مثله. وفي أثناء مجلسه ذلك يبتدرون المسائل ، وتطير اليه الرقاع ، فيجاوب أسرع من طرفة عين. وربما كان أكثر مجلسه الرائق من نتائج تلك المسائل ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا إله سواه.

ثم شاهدنا مجلسا ثانيا له بكرة يوم الخميس الحادي عشر لصفر بباب بدر في ساحة قصور الخليفة ، ومناظره مشرفة عليه. وهذا الموضع المذكور وهو من حرم الخليفة ، وخصّ بالوصول اليه ، والتكلم فيه ، ليسمعه من تلك المناظر الخليفة ووالدته ومن حضر من الحرم. ويفتح الباب للعامة فيدخلون إلى ذلك الموضع ، وقد بسط بالحصر. وجلوسه بهذا الموضع كل يوم خميس. فبكرنا لمشاهدته بهذا المجلس المذكور ، وقعدنا إلى أن وصل هذا الحبر المتكلم ، فصعد المنبر وارخى طيلسانه عن رأسه تواضعا لحرمة المكان ، وقد تسطر القراء أمامه على كراسي موضوعة ، فابتدروا القراءة على الترتيب وشوقوا ما شاؤوا. واطربوا ما أرادوا ، وبادرت العيون بارسال الدموع. فلما فرغوا من القراءة وقد أحصينا لهم تسع آيات من سور مختلفات ، صدع بخطبته الزهراء الغراء ، وأتى بأوائل الآيات في أثنائها منتظمات ، ومشي الخطبة على فقرة آخر آية منها في الترتيب إلى أن أكملها ، وكانت الآية (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) فتمادى على هذا السيّن ، وحسّن أي تحسين ، فكان يومه في ذلك أعجب من أمسه. ثم أخذ في الثناء على الخليفة ، والدعاء له ولوالدته ، وكنى عنها بالستر الاشرف ، والجناب الارأف. ثم سلك سبيله في الوعظ. كل ذلك بديهة لا روية ، ويصل كلامه في ذلك


بالآيات المقروآت على النسق مرة أخرى. فارسلت وابلها العيون ، وأبدت النفوس سرّ شوقها المكنون ، وتطارح الناس عليه بذنوبهم معترفين ، بالتوبة معلنين ، وطاشت الالباب والعقول ، وكثر الوله والذهول ، وصارت النفوس لا تملك تحصيلا ، ولا تميز معقولا ، ولا تجد للصبر سبيلا. ثم في أثناء مجلسه ينشد بأشعار من النسيب مبرحة التشويق ، بديعة الترقيق ، تشغل القلوب وجدا ، ويعود موضوعها النسيبي وهدا. وكان آخر ما أنشده من ذلك وقد أخذ المجلس مأخذه من الاحترام ، واصابت المقاتل سهام الكلام :

أين فؤادي أذابه الوجد

واين قلبي فما صحا بعد

يا سعد زدني جوى بذكرهم

بالله قل لي فديت يا سعد

ولم يزل يرددها والانفعال قد أثر فيه ، والمدامع تمنع خروج الكلام من فيه ، إلى أن خاف الافحام ، فابتدر القيام ، ونزل عن المنبر دهشا عجلا ، وقد أطار القلوب وجلا. وترك الناس على أحرّ من الجمر ، يشيعونه بالمدامع الحمر. فمن معلن بالانتخاب ، ومن متعفر في التراب. فياله من مشهد ما أهول مرآه ، وما أسعد من رآه. نفعنا الله ببركته ، وجعلنا ممن فاز به بنصيب من رحمته. بمنّه وفضله. وفي أول مجلسه أنشد قصيدا نير القبس ، عراقي النفس ، في الخليفة أوله :

في شغل من الغرام شاغل

ما هاجه البرق بسفح عاقل

يقول فيه عند ذكر الخليفة :

يا كلمات الله كوني عوذة

من العيون للامام الكامل

ففرغ من إنشاده وقد هزّ المجلس طربا ، ثم أخذ في شأنه ، وتمادى في ايراد سحر بيانه ، وما كنّا نحسب أن متكلما في الدنيا يعطى من ملكة النفوس والتلاعب بها ، ما أعطي هذا الرجل فسبحان من يخص بالكلام من


يشاء من عباده لا إله غيره. وشاهدنا بعد ذلك مجالس لسواه من وعاظ بغداد ممن يستغرب شأنه بالاضافة لما عهدناه من متكلمي الغرب ، وكنا قد شاهدنا بمكة والمدينة شرفهما الله مجالس من قد ذكرناه في هذا التقييد ، فصغرت بالاضافة لمجلس هذا الرجل الفذ في نفوسنا قدرا ، ولم نستطب لها ذكرا ، واين تقعان مما أريد ، وشتان بين اليزيدين ، وهيهات ، الفتيان كثير ، والمثل بمالك يسير. ونزلنا بعده بمجلس يطيب سماعه ، ويروق استطلاعه. وحضرنا له مجلسا ثالثا يوم السبت الثالث عشر لصفر بالموضع المذكور بازاء داره على الشط الشرقي ، فاخذت معجزاته البيانية مأخذها ، فشاهدنا من أمره عجبا ، صعّد بوعظه أنفاس الحاضرين سحبا ، وأسال من دمعهم وابلا سكبا ، ثم جعل يردد في آخر مجلسه أبياتا من النسيب شوقا زهديا وطربا ، إلى أن غلبته الرقة فوثب من أعلى منبره والها مكتئبا ، وغادر الكل متندّما على نفسه منتحبا ، لهفان ينادي يا حسرتا واحربا. والنادبون يدورون بنحيبهم دور الرحى ، وكل منهم بعد من سكرته ما صحا ، فسبحان من خلقه عبرة لأولي الالباب ، وجعله لتوبة عباده أقوى الاسباب ، لا إله سواه» (٥٧).

وبرغم ما في قول ابن جبير من المبالغة التي اقتضاها السجع أحيانا في أسلوبه البياني ، فان القارىء يدرك ما كان لمجالس هذا الامام الجليل من الأثر في نفوس الناس. وكان الخليفة المستضيء قبل الناصر يطلبه ويأمره بعقد مجلس الوعظ ، ويجلس بحيث يسمع ولا يرى (٥٨). ولمّا خطب للمستضيء بمصر صنّف ابن الجوزي كتابا خاصا بهذه المناسبة سمّاه النصر على مصر (٥٩). وكان لابن الجوزي في عهد الناصر نفسه

__________________

(٥٧) ابن جبير. ١٩٩ ـ ٢٠٣.

(٥٨) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٢٥٠.

(٥٩) ابن رجب (الذيل) ١ : ٤٠٤.


مجالس في مدارس ودور أخرى منها دار للوزير سعيد ابن حديدة كان يجلس فيها. وكان يمدحه (٦٠). وقال سبطه عنه : «وسمعته يقول على المنبر في آخر عمره كتبت باصبعيّ هاتين الفي مجلدة ، وتاب على يدي مئة ألف ، واسلم على يدي الف يهودي ونصراني» (٦١).

مكانته

وهكذا فقد بلغ ابن الجوزي في هذه الحقبة من الشهرة والمكانة بحيث ذكر سبطه أنه لما غلب نور الدين ابن زنكي الصليبيين حول انطاكية وأسر بوهيمند الثالث وريموند الثالث كتب إلى ابن الجوزي يعلمه بهذا النصر ، ويخبره عن مقدار الاموال التي أخذها من بوهيمند ، والشروط التي فرضها عليه ليخلي سبيله. وقال ابن الجوزي عن نور الدين : «لقد كاتبني مرارا وذكر أسره لملوك الافرنج» (٦٢).

وفي سنة ٥٧٠ ه‍. أقام ابن الجوزي حفلة كبرى حين انهى تفسير القرآن الذي كان يمليه من المنبر في الجامع سنين عديدة. وكان بين الحاضرين

__________________

(٦٠) سبط ابن الجوزي ٨ : ٧١ ـ ٧٢. وليس غريبا ان يكون قد وضع في عهد الناصر كتابه المفاخر في ايام الناصر (١) كما وضع في عهد المستضيء نفسه المضيء بفضائل المستضيء. (٢) ومنه نسخة خطية في مكتبة المتحف العراقي تم تحقيقها في رسالة تقدمت بها الانسة ناجية عبد الله العربي الى قسم التاريخ بكلية الاداب بجامعة بغداد لنيل درجة الماجستير وتعكف وزارة الاعلام في المجمع العلمي العراقي على طبع الكتاب الذي يقع في مجلدين كل مجلد في ٥٥٠ صفحة بالقطع الكبير (عن نشرة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية).

(٦١) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣١١ وانظر ابن رجب (الذيل) ١ : ٤٠٩.

(٦٢) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٩٧.


في ذلك الحفل جمهور من الوجهاء والاعيان ، فمنحه الخليفة المستضيء ، جائزة وخلع عليه خلعة نفيسة. وقدم هو بدوره للخليفة دعاء خاصّا. وافتخر في خطبته بأنه لم يعرف أحدا قبله أكمل تفسير القرآن كله من المنبر. وقال عن ذلك اليوم : «وكان يوما مشهودا وخرجت وبين يدي الدعاة وارتفعت الأدعية للخليفة ووقف الناس صفوفا مثل يوم العيد». ثم قال : «وأصاب أهل المذهب يعني الحنابلة من ذلك غمّ شديد لأنهم حسدوني». ونقل سبطه هذا الخبر ثم قال : «وقال جدي والله لو لا أحمد [يعني الامام ابن حنبل] والوزير ابن هبيرة لانتقلت عن المذهب. فاني لو كنت حنيفا أو شافعيا لحملني القوم على رؤوسهم» (٦٣).

وفي سنة ٥٧١ عقد عقد ابنته رابعة على ابن رشيد الطبري (٦٤) في حفل عظيم جرى في دار بنفشا احدى نساء الخليفة نفسه. وزفّت بعدها في الدار نفسها وجهزتها بمال عظيم (٦٥). وكانت بنفشا هذه حنبلية ساهمت في أن يكون لابن الجوزي مثل تلك المكانة في بلاط المستضيء ، (٦٦). وتمّ في هذه السنة نفسها زواج ابنه الثاني (أبي القاسم) من ابنة الوزير ابن هبيرة (٦٧) أما صهره زوج رابعة فلم يعش طويلا ، فزوجت ثانية من مملوك لابن هبيرة. وانجبا ولدا هو سبط ابن الجوزي الذي دوّن مآثر جده في كتابه العظيم «مرآة الزمان» ، ودوّن فيه ثبتا باسماء ما عرف من كتب

__________________

(٦٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٠٦.

(٦٤) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٠٩.

(٦٥) نقل السبط هذه الاخبار عن جده ، ثم علق عليها بقوله : ما قصد جدي بهذا الكلام الا الاعلام بمكانته وعلو منزلته عند الخليفة ، وان احدا من ابناء جنسه لم يصل الى مرتبته ٨ : ٢١٠.

(٦٦) وكانت بنفشا قد اشترت سنة ٥٧٠ دارا لاحد الوزراء واوقفتها على اصحاب احمد ابن حنبل ، وجعلتها مدرسة سلمتها الى ابن الجوزي ، وفوضت امرها اليه ، ووقفت عليها قرية. (سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٠٦ ، ٣٣١).

(٦٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٠٩.


جده ، فكان كتابه خير مصدر لدرس حياة جده ومعرفة بعض آثاره العلمية ، وعنه أخذ أكثر المتأخرين.

وفي سنة ٥٧٤ أكمل ابن الجوزي أكبر مؤلفاته وأعظمها في نظر الكثيرين. وهو كتابه المعروف «بالمنتظم في اخبار الملوك والامم» (٦٨). وليس غريبا أن يكون قد تزوج هو نفسه في هذه الحقبة أو بعدها بقليل من امرأة ثانية لا نعرف من أخبارها سوى أن ابنها يوسف الذي ولد حوالي سنة ٥٧٥ ه‍. كان خير معين لوالده في محنته الكبرى التي سيجيء خبرها. وأصبح له بعد والده شأن كبير. وفي هذه السنة الأخيرة المذكورة مات الخليفة المستضيء وخلفه الناصر (٦٩).

استرجاع القدس من أيدي الصليبيين في عهده

وفي خلافة الناصر استرجع صلاح الدين الأيوبي القدس الشريف من أيدي الفرنجة سنة ٥٨٣ ه‍. وكانت قد أخذت في هذه الحقبة تلفت أنظار العالم الاسلامي بشكل خاص مرة أخرى ، وأخذ المؤلفون الغيارى يضعون الكتب في فضائلها ، إذ قبل استعادتها من أيدي الفرنجة كان ابن عساكر (ت ٥٧١ ه‍.) قد وضع كتابا في فضائل المدن المقدسة الثلاث. مكة والمدينة وبيت المقدس. وليس من شك في أن ابن الجوزي ألّف كتابه «فضائل القدس» بعد سنة ٥٨٣ ه‍. لأنه يذكر فيه النبأ الذي ورد إلى بغداد في أن صلاح الدين استرد القدس في تلك السنة. ولكن ليس في الكتاب

__________________

(٦٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٢٤.

(٦٩) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٢٥٠ وفيه قال ابن الجوزي في المنتظم : اظهر من العدل والكرم ما لم نره في اعمارنا ، وفرق ما لا عظيما في الهاشميين وفي المدارس ، وكان ليس للمال عنده وقع.


إشارة تفيد بالضبط السنة التي تم فيها تأليف الكتاب ، فهو يكتفي بالقول أن أحد المقدسيين سأله أن يذكر له فضائل بيت المقدس ففعل. ومن يدري فلعل التاريخ قد دوّن في الأوراق الاخيرة الساقطة.

ولم ينقطع ابن الجوزي طيلة كل هذه السنين عن الوعظ والتعليم والتأليف في مواضيع مختلفة ، بحيث أصبح من أشهر الوعاظ ومن أعظم المؤلفين في الاسلام وأكثرهم تأليفا. وليس غريبا أن يكون في هذا العهد من عمره قد شرب حب البلاذر ، فسقطت لحيته وأصبحت قصيرة جدا. قالوا : فصار يخضبها بالسواد إلى أن مات (٧٠).

محنته في عهد الوزير ابن القصاب

ولم تصف له الأقدار في آخر حياته. فقد كان أن تسلّم الوزارة في بغداد سنة ٥٩٠ ه‍. وزير جديد يعرف بابن القصاب ، وكان يميل إلى الشيعة ، فقتل سلفه الوزير ابن يونس. واستغلّ بعض ابناء الشيعة هذه السانحة ، فادعوا على ابن الجوزي أنه كان من اعوان ابن يونس ، وانه ممن يبغضون الامام عليا ويبغضون شيعته. وكان قد ألف كتابا اسمه «درة الاكليل» ذيّل به «المنتظم» زعم سبطه أن منه ما سبّب الدعوى عليه (٧١). فأمر ابن القصاب بنفي ابن الجوزي إلى واسط. ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أنه «نالته محنة في أواخر عمره ...» «جاءه من شتمه وأهانه وختم على داره وشتّت عياله. ثم أخذ في سفينة إلى واسط ، فحبس بها في بيت ،

__________________

(٧٠) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٠ وابن عماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(٧١) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٢٤ و ٢٨٩ يزعم الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٥ ان السبب كان عداء بين ابن الجوزي وشيخ اسمه الركن ابن عبد الوهاب وهو الذي حرض ابن القصاب عليه.


وبقي يغسل ثوبه ويطبخ ، ودام على ذلك خمس سنين وما دخل حماما (٧٢). وظل ابن الجوزي في محنته ومنفاه طيلة هذه السنين وقد احتملها بصبر وأناة ـ تلك كانت محنته الكبرى وقال عنها سبطه : «زاحم بها الانبياء والعلماء والفضلاء والاولياء وبلغ ذلك بالصبر والحمد والشكر» (٧٣).

وفي أثناء هذه السنين استطاع ابنه علي (أبو القاسم) ت ٦٣٠ ه‍. كبير ولديه الباقيين أن يدخل إلى بيت أبيه ، وأخذ يتردد اليه ، ويسرق كثيرا من كتبه ويبيعها بالرخص هنا وهناك. قال سبط ابن الجوزي عن خاله أبي القاسم هذا وعن الكتب التي سرقها : «فقد تحيّل عليها بالليل والنهار حتى أخذ منها ما أراد ، وباعها ولا بثمن المداد» (٧٤). وقال في موضع آخر : «باعها بيع العبيد» (٧٥). وهذه كانت النكبة الثانية التي حلت بكتبه التي ألفها.

عودته من المنفى ووفاته

وفي السنة الاخيرة من سني منفاه ، كان ابنه الاصغر يوسف (أبو محمد ت ٦٤٠ ه‍.) قد بلغ الخامسة عشرة من عمره (٧٦). فحاول انقاذ ابيه من المنفى ، وقصد أم الخليفة الناصر والخليفة الناصر نفسه ، واسترحمهما (٧٧) وكان الوزير في تلك السنة برز القمي ، فلبيّا طلبه ، وامرا بالافراج عن

__________________

(٧٢) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٥ وانظر مصطفى عبد الواحد ، مقدمة ذم الهوى لابن الجوزي ١٠ ـ ١١.

(٧٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٨١ و ٣١١.

(٧٤) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.

(٧٥) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.

(٧٦) سبط ابن الجوزي ٨ : حيث يذكر انه ولد سنة ٥٨٠.

(٧٧) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٩٥.


أبيه. فعاد ابن الجوزي من منفاه شيخا في الخامسة والثمانين ، مكسور القلب يائسا ، ولم يلبث سوى سنتين حتى وافته المنية. وكان ذلك ليلة الجمعة في ١٢ رمضان سنة ٥٩٧ ه‍. وكان له مأتم عظيم ، حملت فيه جنازته على رؤوس الناس إلى مقبرة الامام أحمد ابن حنبل. وذكر حفيده أن بغداد لم تشهد مأتما أكثر حفلا منه منذ وفاة أحمد ابن حنبل (٧٨). وقال ابن الفرات : وكان يوما مشهودا بكثرة الخلائق وشدة الزحام ، حتى أنه أفطر جماعة من شدة الحر (٧٩). وقال أبو شامة نقلا عن سبط ابن الجوزي إن خلقا كثيرا ممن صحبه ما استطاعوا الوصول إلى حفرته من كثرة الزحام.

وأن الناس باتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالقناديل والشموع (٨٠). وقال ابن كثير : ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الامام أحمد وأوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات :

يا كثير العفو من كثرت ذنبي لديه

جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه

أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه (٨١)

ومن الخير أن نشير هنا إلى أن ابنه يوسف هذا وعظ بعد وفاة أبيه تحت تربة والده. وانه أذن له بالجلوس على قاعدة والده ، وخلع عليه الخليفة القميص والعمامة وجعل على رأسه طرحة وكان له أولاد ثلاثة هم تاج الدين عبد الكريم ، وجمال الدين المحب ، وشرف الدين عبد الله ، وانه هو

__________________

(٧٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٨١.

(٧٩) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٩ يذكر ابن الساعي ان وفاته كانت بداره بقطفتا ج ٩ ص ٦٧.

(٨٠) ابو شامة ٢٥.

(٨١) ابن كثير ٢٩ و ٣٠.


وأولاده ضربت أعناقهم بمخيم التتار وتوفوا مقتولين يوم دخول هولاكو بغداد في شهر صفر سنة ست وخمسين وستمئة (٨٢).

وانه كان لابن الجوزي عدا أبنائه الثلاثة الذين ذكرنا ست بنات ، احداهن رابعة والدة سبط ابن الجوزي والخمس الاخريات هن شرف النساء ، وزينب ، وجوهرة ، وست العلماء الكبرى ، وست العلماء الصغرى. وكلهن سمعن الحديث منه (٨٣) ويذكر الذهبي أن له أخا اسمه عبد الرزاق (٨٤).

كتبه

أشرت فيما سبق إلى كثرة تآليفة. وقد ذكر الحافظ الذهبي أنه لم يعرف أحدا من العلماء صنّف ما صنّف هذا الرجل (٨٥). كذلك أشار ابن خلكان إلى كثرة كتب ابن الجوزي وقال : «وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعدّ ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، والناس يغالون في ذلك حتى يقولون أنه جمعت الكراريس التي كتبها ، وحسبت مدة عمره ، وقسمت الكراريس على المدة ، فكان ما خص كل يوم تسعة كراريس ، وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله عقل» (٨٦). وليس من شك في أن تعليق ابن خلكان صائب لأنه لو فرضنا أن ابن الجوزي بدأ التأليف في الخامسة والعشرين من عمره ، لبلغت تآليفه حسب هذه الرواية أكثر من مئتي ألف كراس ، وهذه تبلغ ألوف الكتب. وهو أمر لا يعقل. ولكن ليس من اللازم أن يدفعنا هذا إلى الشك في الرواية التي تذهب إلى أنه وضع أكثر من ثلاثمئة مؤلف ، كما شك الاستاذ مصطفى

__________________

(٨٢) ذيل فوات الوفيات ج ٤.

(٨٣) سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٢٥.

(٨٤) الذهبي (المشتبه) ١٢٧.

(٨٥) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٣.

(٨٦) انظر مقدمة ذم الهوى ، لمصطفى عبد الواحد (مصر ، ١٩٦٢) ص ١٣.


عبد الواحد في مقدمته التي وضعها لكتاب ابن الجوزي «ذمّ الهوى» حيث قال : «ورغم ما يذكرونه عن الاعداد الكثيرة لكتب هذا الرجل ، فان ما ذكر من اسمائها في كتب متفرقة لا يكاد يبلغ المئة». ولكي يدلل الاستاذ مصطفى على صحة رأيه ذكر أسماء الكتب التي أوردها الذهبي في «تذكرة الحفاظ» فبلغت أربعة وثلاثين ، ثم نقل أسماء الكتب التي ذكرها آخرون فكانت اثنين وثلاثين ، وبلغ المجموع ستة وستين ، أكثرها مخطوط. واكتفى بذلك. (٨٧). والغريب أنه لم يكلف نفسه الدقة في الاحصاء فعدد الكتب التي ذكرها الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ لابن الجوزي خمسة وخمسون وليس أربعة وثلاثين ومنها ما هو أكثر من مجلد اتبعها الذهبي بقوله : وأشياء كثيرة يطول شرحها كاختصار فنون ابن عقيل في بضعة عشر مجلدا. ثم عاد فروى عن سبط ابن الجوزي أنه سرد مصنفات جدّه فذكر منها خمسة كتب أخرى لم تذكر في الجدول السابق وأنهى الكلام بعبارة نقلها عن السبط المذكور ـ وهي ومجموع تصانيفه مئتان ونيف وخمسون كتابا (٨٨).

وليت بعد هذا الجهد الذي بذله في تحقيق الكتاب لم يتسرع الاستاذ مصطفى في ابداء حكمه بالنسبة إلى عدد مؤلفات ابن الجوزي. ولو كان رجع إلى كتاب مرآة الزمان الذي ألفه سبط ابن الجوزي ، وهو أقدم مصدر وأفضل مصدر لدرس حياة ابن الجوزي ، أو إلى كتاب الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ، أو إلى كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحجي خليفة ،

__________________

(٨٧) مصطفى عبد الواحد في مقدمته لكتاب ذم الهوى لابن الجوزي الذي نشره ص ١٣ ـ ١٤ حيث بدأ حديثه عن كتب ابن الجوزي بقوله : «شاعت لابن الجوزي شهرة في كثرة التآليف واحاطت المبالغة بعدد كتبه : ذكر ابن العماد الحنبلي ان ابن الجوزي سئل عن عدد تصانيفه فقال : زيادة على ثلاثمئة واربعين مصنفا.

(٨٨) الذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٢ ـ ١٣٣ و ١٣٤.


وهو يذكر الكتب التي اطلع عليها بالفعل ، ويذكر مقدماتها ، أو لو رجع على الأقل إلى كتاب بروكلمن في تاريخ آداب اللغة العربية (باللغة الالمانية) وملحقاته ، وهي كتب كان يجب أن يرجع اليها ، لرأى أنه اشتط كثيرا في حكمه. فانه بالرغم من المبالغة التي أشرنا اليها في زعمهم أنه كان يكتب تسع كراريس في اليوم ، أو حتى أربع كراريس ، كما في رواية أخرى ، نرى أنه بالفعل ألّف أكثر من ثلاثمئة كتاب. وقد حاولت منذ نحو ثلاثين سنة حين نسخت مخطوطة فضائل القدس وأنا في جامعة برنستون أن أدوّن أسماءها فبلغت ثلاثمئة وتسعا وثلاثين. ورد منها في مرآة الزمان أكثر من مئتين عرّفها سبطه باسمائها الكاملة أحيانا ، والمختصرة أحيانا أخرى. وورد منها في كشف الظنون مئة كتاب ، منها قسم لم يذكره السبط ، ولم يكتف حجي خليفة بذكر أسماء الكتب بل كان يدون ما ورد في فواتح أكثرها ، مما يدل على أنه كان ينقل من نسخ رآها. وورد في كتاب بروكلمن نحو مئة وأكثر نقل أسماءها عن مكتبات تحفظها في هذا العصر ، وورد في الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب نحو مئتين. هذا عدا ما وقعت عليه في فهارس بعض المكتبات المنشورة التي استطعت الوصول اليها في مكتبة جامعة برنستون.

وفي سنة ١٩٦٥ وضع الاستاذ عبد الحميد العلوجي دراسة في مؤلفات ابن الجوزي ، ظهرت في كتاب مستقل ، فيه احصاءات عن عدد كتبه ومواضيعها وغير ذاك ، فبلغت عنده ثلاثمئة وأربعة وثمانين. منها ٢٧ في القرآن وعلومه ، و ٤٢ في الحديث ورجاله وعلومه ، و ٥٤ في المذاهب والأصول والفقه والعقائد ، و ١٤٣ في الوعظ والاخلاق والرياضيات ، و ١٠ في الطب و ١٦ في الشعر واللغة و ٦٤ في التاريخ والجغرافيا والسير والحكايات و ١١ في الحكايات والقصص ، و ١٠ في التاريخ ، و ٧ في


التاريخ الجغرافي (٨٩) ، وهذا العدد لا يختلف كثيرا عمّا ذكره ابن العماد الحنبلي حين قال : «ان ابن الجوزي سئل عن عدد تصانيفه ، فقال : زيادة عن ثلاثمئة وأربعين مصنفا ، منها ما هو عشرون مجلدا أو أقل» (٩٠). وذكر سبط ابن الجوزي عن جده أنه أشار في قصيدة نظمها في منفاه إلى عدد كتبه وذكر أنها تزيد عن ثلاثمئة (٩١). ويجب أن نذكر هنا أن أكثر تآليفه كانت سماعا من شيوخه ، أو نقلا من بعض الكتب. وقد ذكر مرة عن ابن عقيل الحنبلي أحد شيوخه ، أنه وضع كتابا كبيرا اختصر منه عشر مجلدات فرقها في تصانيفه (٩٢).

ومع تسليمنا بأن أسماء الكثير من الكتب ترد بأشكال مختلفة ، وهي بالأصل اسم لكتاب واحد ، وذلك إما لخطأ النساخ في قراءة الاسم ، أو لضعف ذاكرة الرواة ، واعتماد البعض على معنى العنوان ، فيوردون اسما جديدا حين لا يذكرون الاسم تماما ، ويشتبه الامر على المتأخرين ، فترد أسماء متعددة للكتاب الواحد ، ككتاب لفتة الكبد إلى نصيحة الولد ، فقد ورد اسمه لقبة الكبد ، وورد مختصرا لقية الكبد. في بعض المصادر ، ولعنة الكيد في البعض الآخر ، ومثله سيرة عمر ابن عبد العزيز ، فقد ورد مناقب عمر ابن عبد العزيز ، وفضائل عمر ابن عبد العزيز. وبرغم أن

__________________

(٨٩) العلوجي ٢٢٢ ـ ٢٣٩ وفي الكتاب دليل نقدي مقارن لكتب ابن الجوزي من ص ٦٣ ـ ٢٠٣ بلغت ارقام عددها ٥١٩ منها ما كرر ذكر الكتاب بأسماء مختلفة وعند اسم كل كتاب اشارة الى اين ذكر في المصادر المختلفة وقد نقل اسماء هذه الكتب الثلاثمئة والاربعة والثمانين الاستاذ محمد بحر العلوم عن كتاب العلوجي في مقدمته لكتاب اخبار الظراف والمتماجنين من ص ٧٣ ـ ١١٢.

(٩٠) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(٩١) سبط ابن الجوزي ٨ :. ولا نتقيد بحرف هذه الرواية التي زعم فيها سبطه انه سمعه يقول على المنبر في اخر عمره : «كتبت باصبعي هاتين الفي مجلدة وتاب على يدي مئة الف مسلم واسلم على يدي الف يهودي ونصراني ٨ : ٣١١.

(٩٢) سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١.


هذا الأمر لو وقع فهو قليل ، لأنه لا يخفى الآن على الباحث المتخصص ، فان ما يبقى من أسماء الكتب التي أحصيتها أو التي ذكرها الاستاذ العلوجي يفوق الثلاثمئة. ويمكن أن يضاف اليها ما قد يوجد في مكتبات منتثرة في كل أقطار العالم مما لم توضع لها فهارس ، ولا سيّما في الأقطار الشرقية في الهند وايران وأفغانستان وباكستان وتركيا ، هذا عدا ما في بعض المكتبات الخاصة التي لا يعرف عنها شيء بعد. زد على هذا كله أنه يمكن أن نقع على أسماء كتب لابن الجوزي في المصادر القديمة ، ضاعت ولم يبق لها أثر في فهارس المكتبات أو الجداول المنشورة في الكتب ، فابن العماد الحنبلي لم يذكر شيئا من كتب ابن الجوزي في ترجمته لسيرته ، ولكنه حين أتى عرضا على ذكره في ترجمته لسيرة أحد أساتذته ، أشار إلى أن ابن الجوزي ذكر استاذه هذا في عدة مواضع من كتبه ، وعدّ خمسة ، بينها واحد اسمه طبقات الاصحاب المختصرة» (٩٣) ، ولم أقع على ذكر لهذا الكتاب لا في مرآة الزمان ، ولا في تاريخ ابن الفرات ، حيث ذكر له الأخير ٨٧ مؤلفا (٩٤).

ومن الممتع أن ألاحظ هنا ، أنه بعد أن صدر كتاب الاستاذ عبد الحميد العلوجي القيّم في مؤلفات ابن الجوزي ، وأصبح من المراجع الهامة في هذا الباب ، ورد مقال في مجلة المورد العراقية (المجلد الأول والعددان الأول والثاني) (٩٥). كتبه الاستاذ محمد باقر من جامعة انديانا في الولايات المتحدة ، أشار فيه إلى وجود عدد آخر من تآليف ابن الجوزي ، لم تذكر في كتاب الاستاذ العلوجي. وقد ذكر أسماءها وأشار إلى وجودها في مكتبات معروفة بعد اطلاعه على فهارس لم يطلع عليها الاستاذ العلوجي. فليس غريبا كما قلت ، أن يكون في بعض المكتبات الخاصة كتب أخرى لم تكشف

__________________

(٩٣) ابن العماد الحنبلي ٤ : ١١٦.

(٩٤) ابن الفرات المجلة ٤ ج ٢ ص ٢١١ ـ ٢١٥.

(٩٥) وزارة الاعلام ـ الجمهورية العراقية ١٩٧١.


بعد. ولا بدّ من اشارة هنا إلى أنه قد طبع من كتب ابن الجوزي حتى هذا العام ١٩٧٩ نحو أربعين مؤلفا ، وورد في نشرة معهد المخطوطات في مصر ما يفيد أن هناك كتبا لابن الجوزي تحقق الآن للنشر.

بعض نواحي خلقه

قال سبطه عنه أنه كان زاهدا في الدنيا متقللا منها ، وما مازح أحدا قط ، ولا لعب مع صبي ، ولا أكل من جهة الا تيقن حلها (٩٦). وكان ينتقد الفقهاء الذين يأخذون أجرا على فقههم. ومن يقرأ كتاب تلبيس إبليس أو صفة الصفوة يدرك حبّه للاتقياء ، وثناءه على المخلصين في الدين ، ومن هم على طريقة السلف الصالح وانكاره للسماع والغناء واعتباره الاستماع إلى المغنيين والمغنيات وآلات الطرب في حفلات اللهو من المحرمات (٩٧). ويلاحظ من خبر له مع أمير الحاج ذكرناه (٩٨) ، ومع صهره ، أنه كان مخلصا في عقيدته ، وفي تعليمه ، وفي وعظه ، ديّنا بحيث زعم أنه لما تحقق أن صهره زوج ابنته ست العلماء كان يبدو منه ما يدل على سوء عقيدته ، هجره سنين ، ولما مات لم يصلّ عليه. كذلك نقل عنه سبطه أنه ذكر في كتبه الشيخ ابن الحداد الحنبلي ، وكيف تغيّر اعتقاده حين قرأ كتب الفلاسفة ، ثم قال : «وكان يبدو من فلتات لسانه ما يدل على سوء عقيدته ، وتارة يشير إلى عدم بعث الأجساد ، ويعترض على القضاء والقدر ، ثم يقول : فلما تحقق هذا عندي ، هجرته سنين ، ولما مات لم أصلّ عليه» (٩٩).

__________________

(٩٦) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(٩٧) ابن الجوزي (تلبيس) ٢٢٧ ـ ٢٣٦.

(٩٨) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٢٤.

(٩٩) سبط ابن الجوزي ٨ : ١٢٤.


ومع أنه كان يعارض أهل بعض المذاهب الأخرى. ولا سيّما الشيعة ، فانه حين اضطهده خادم المقتفي لجأ إلى الله تعالى ، واكتفى بأن دعا عليه. وكان يشيد في كتبه بالأمانة والصدق والعفة كما نرى في كتابه «ذمّ الهوى» ، وفي كتابه «صفة الصفوة». وهو يحب الحقّ في المناظرة ، فتراه يقول : «ومن ذلك أحدهم يتبين له الصواب مع خصمه ، ولا يرجع ، ويضيق صدره كيف ظهر الحق مع خصمه ، وربما اجتهد في رده مع علمه أنه الحق ، وهذا من أقبح القبائح ، لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق» (١٠٠).

ويظهر من مجالسه ووعظه ، وتهافت الناس على حضورها وسماعه ، وتوبة الكثيرين على يديه ، أنه كان ديّنا حقّا ومخلصا في عقيدته. وقد شهد بذلك الرحالة ابن جبير كما رأينا حين حضر مجالسه ، وأثنى عليه في كتاب رحلته ، وذكر التائبين على يديه ، وكيف كان يملأ الناس انابة وندامة.

ومع أن سبطه ذكر عنه أنه ما مازح أحدا قطّ ، فاننا نرى في اخباره أنه كان على رزانته يحب المزاح اللطيف والمفاكهة ، بحيث قال عنه ابن العماد الحنبلي (وقد أكثر النقل عنه) : «وله مجون لطيف ومداعبات حلوة» (١٠١). وقال عنه ابن الفرات : «وكان له على المنبر نكت لطاف ، ومعاني [كذا] طراف ، على طريقة البغداديين ، لا يكاد يفهمها غيرهم. كان يتخالع فيها ويتمازح» (١٠٢). منها واحدة تدل على نباهته وسرعة خاطره ، فقد زعموا «أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي (رضي الله عنهما) ، فرضي الكل بما يجيب الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي ، فأقاموا شخصا يسأله عن ذلك وهو على الكرسي في مجلس

__________________

(١٠٠) ابن الجوزي (تلبيس) ١٢٠.

(١٠١) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣٠.

(١٠٢) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦.


وعظه. فقال : «أفضلهما من كانت ابنته تحته» ، ونزل في الحال. حتى لا يراجع ، فقالت السنّة : أبو بكر (رض) لأن ابنته عائشة (رض) تحت رسول الله (ص). وقالت الشيعة : هو علي بن أبي طالب (رض) لأن فاطمة (رض) ابنة رسول الله (ص) تحته» (١٠٣).

وكان في العهد الذي كتب فيه كتاب الحمقى والمغفلين ، (أو المغفلين كما يسميه سبطه) أن جاءه شخص اسمه نصر ابن منصور الحرّاني يعاتبه ، لأنه وضع اسمه بين المغفلين ، «وكان هذا اشترى مملوكا بألف دينار وجهّزه إلى بلاد الترك ولم يعد. فجعله ابن الجوزي من المغفلين. فلما بلغ نصر أتى فعاتبه وقال : أنا من جملة المحببين والمبغضين وأنت تلحقني بالمغفلين؟ فقال له ابن الجوزي : بلغني كذا وكذا وكيف يعود اليك المملوك وقد صار ببلاده ومعه الف دينار؟ فقال نصر : فان عاد؟ قال ابن الجوزي : أمحو اسمك واكتب اسمه» (١٠٤).

أدبه

ليس هنا موضع البحث في قيمة هذا العدد الضخم من الكتب التي ألّفها ، وفي اثرها العلمي والأدبي ، أو حتى البحث في علم مؤلفها ، أو في تحليل الكتب التي نرى فيها نزعة أدبية ، ولكني أود أن أقول أن ابن الجوزي لم يكن من الكتاب المتأنقين الذين قصدوا أن يكتبوا بأسلوب أدبي فني خاص ، فقد غلبت في كتبه النزعة التاريخية والاسلوب التاريخي في

__________________

(١٠٣) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦ والذهبي (تذكرة) ٤ : ١٣٤ حيث قال : فألقى هذا القول في اودية الاحتمال ، ورضي الفريقان لجوابه.

(١٠٤) مرآة الزمان ٨ : ١٤٢ وقد روى هذه القصة سبط ابن الجوزي بمناسبة وفاة نصر ابن منصور سنة ٥٥٣ وتناقلها المؤرخون بعده ولكن اسم نصر ابن منصور لم يرد في كتاب الحمقى والمغفلين.


سرد الأخبار ، وكان حريصا في الكثير منها على التقيّد بالاسناد. ولعل كثرة دراسته للحديث وحفظه لاسانيده قوّت هذا الحرص على الاسانيد في أخباره ، سواء أكانت عن شيوخ تتلمذ عليهم ، أم من كتب مسندة قرأها وحافظ على أسانيدها. نستثني بعض مقدمات كتبه التي راعى فيها الاسلوب المألوف في عصره من سجع منمّق ، ولكنه في هذه المقدمات المسجوعة ماهر يأتي السجع معه في أغلب المواضع بشكل فني جميل بارع قليل التكلف. وتختلف مقدمات هذه الكتب باختلاف تاريخ تأليفها. فاذا تركنا المقدمات نرى أسلوبه أقرب إلى أسلوب الكتاب في هذا العصر منه إلى أسلوب أكثرية الكتاب في عصره ، فهو بعيد عن التأنق والبديع والاستعارات الجافة ، تنساق فيه الألفاظ مع المعاني التي يريدها انسياقا طبيعيا ، لا تكلف ولا صنعة فيه ، فهو يقول مثلا : «كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة ، فأخرج في طلب الحديث ، وأقعد على نهر عيسى. فلا أقدر على أكلها إلا عند المساء ، فكلّما أكلت لقمة شربت عليها» ويقول في فتح بيت المقدس : «وما زال بيت المقدس مع الكفار إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة ، فقصده صلاح الدين النائب هناك عن أمير المؤمنين الناصر لدين الله ، بعد أن ملك ما حوله ، فوصل الخبر الينا في سابع وعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ، أن يوسف ابن أيوب الملقب بصلاح الدين فتح بيت المقدس وخطب فيه بنفسه وصلّى فيه».

ويقول في تلبيس ابليس على العباد في العبادات.

«اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه ابليس على الناس هو الجهل. فهو يدخل منه على الجهال بأمان. وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة وقد لبس ابليس على كثير من المتعبدين بقلّة علمهم» ص ١٣٤.

ويروي خبرا في باب التنديد بالرقص عن سعيد ابن المسيب أنه سمع


شعرا أطربه فضرب برجله الأرض زمانا وقال هذا مما يلذ سماعه : فينكر الخبر ثم يقول :

لو قدرنا أن ابن المسيّب ضرب برجله الأرض فليس في ذلك حجة على جواز الرقص. فان الانسان قد يضرب الأرض برجله أو يدقها بيده لشيء يسمعه ولا يسمّى ذلك رقصا فما أقبح هذا التعليق. وأين ضرب الأرض بالقدم مرة أو مرتين من رقصهم الذين يخرجون به عن سمت العقلاء (تلبيس) ٢٥٩.

كذلك تميز ابن الجوزي بالوعظ واكثر كتبه تدور على الوعظ فقد قضى معظم حياته يعظ في الجوامع والمجالس وقد ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية عنه أنه تفرد بهذا الفن ـ فن الوعظ ـ الذي لم يسبق إليه ، ولا يلحق شأوه فيه وفي طريقته وشكله. وأشار إلى أن أسلوبه في الوعظ كان فصيحا بليغا عذبا حلو الترصيع نافذا يغوص فيه على المعاني العويصة ويقرب الاشياء الغريبة فيما يشاهده من الامور الحسية بعبارة وجيزة سريعة الفهم والادراك بحيث يجمع المعاني الكثيرة في الكلمة اليسيرة (١٠٥) وقال الذهبي : وإليه المنتهى في النثر والنظم الوعظي (١٠٦).

ويجب أن نلاحظ هنا أنه كتب في اللغة والأدب ، وكان له ذوق أدبي فائق في اختياره للاشعار التي أوردها لشعراء الغزل في كتابه «ذم الهوى» ، واختيار المرء رائد عقله ، وكان هو نفسه شاعرا ، وقال ابن خلكان عنه إن له أشعارا لطيفة ذكر بعض أبيات منها ، ثم قال : «وله أشعار كثيرة». أما الأبيات التي أوردها له فقد تناقلها بعده أكثر الذين أرخوا حياته ، وفيها

__________________

(١٠٥) ابن كثير ج ١٣ ص ٢٨.

(١٠٦) الذهبي «تذكرة» ٤ : ١٣٥.


يعتب على أهل العراق ، كما عتب على أبناء مذهبه الذين حسدوه. قال :

عذيري من فتية بالعراق

قلوبهم بالجفا قلّب

يرون العجيب كلام الغريب

وقول القريب فلا يعجب

ميازيبهم إن تندّت بخير

إلى غير جيرانهم تقلب

وعذرهم عند توبيخهم

«مغنيّة الحيّ لا تطرب» (١٠٧)

وقال عنه ابن العماد الحنبلي : «ونظم الشعر المليح» ولكنه لم يذكر لنا شيئا من شعره (١٠٨). أما ابن الفرات فقد ذكر أن لابن الجوزي شعرا كثيرا ، وديوانا كبيرا ، ثم ذكر له بيتين يعاتب فيهما بغداد ، أو أهل بغداد ، ويضمنهما القول المشهور «هوى كل نفس حيث كان حبيبها» فيقول :

وكنّا نرى بغداد أطيب منزلا

فلما تباعدنا استبانت عيوبها

وصح لنا قول الذي كان قائلا

هوى كل نفس حيث كان حبيبها (١٠٩)

وروى أبو شامة في «الذيل على الروضتين» أن لأبي الفرج أشعارا كثيرة وذكر منها قوله :

يا صاحبي إن كنت لي أو معي

فعج على وادي الحمى نرتع

وسل عن الوادي وسكانه

وانشد فؤادي في ربى المجمع

حيّ كثيب الرمل رمل الحمى

وقف وسلّم لي على لعلع

واسمع حديثا قد روته الصبا

تسنده عن بانة الاجرع

__________________

(١٠٧) راجع دائرة المعارف (اللبنانية) تحت اسم ابن الجوزي وانظر ابن خلكان نشر احسان عباس ج ٣ ص ١٤٢.

(١٠٨) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٢٩.

(١٠٩) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦.


وابك فما في العين من فضلة

ونب فدتك النفس عن مدمعي

وانزل على الشيح بواديهم

وقل ديار الظاعنين اسمعي

رفقا بنضو قد براه الأسى

يا عاذلي لو كان قلبي معي

لهفي على طيب ليال خلت

عودي تعودي مدنفا قد نعي

إذا تذكرت زمانا مضى

فويح أجفاني من مدمعي

يا نفس كم أتلو حديث المنى

ضاع زماني بالمنى فاقطعي (١١٠)

ونقل عن الشيخ تاج الدين البغدادي الشهير بابن الساعي ، خازن كتب المستنصرية ، ثناء عظيما على تآليف ابن الجوزي ، قال في آخره : وله شعر كثير وهو أدنى فضائله ، ذكرت منه تبريكا به قوله :

سلام على الدار التي لا نزورها

على أن هذا القلب فيها أسيرها

إذا ما ذكرنا طيب أيامنا بها

توقّد في نفسي الذعور سعيرها

رحلنا وفي سير الفؤاد ضمائر

إذا هبّ نجديّ الصبا يستثيرها

محت بعدكم تلك العيون دموعها

فهل من عيون بعدها نستعيرها

أتنسى رياض الروض بعد فراقها

وقد أخذ الميثاق منك غديرها

ألا أيها الركب العراقي بلّغوا

رسالة محروق حواه سطورها

إذا كبتت أنفاسه بعض وجدها

على صفحة الذكرى محاه زفيرها

ترفق رفيقي هل بدت نار أرضهم

أم الوجد يذكي ناره ويثيرها

أعد ذكرهم فهو الشفاء وربما

شفا النفس أمر ثم عاد يضيرها

إلا أن أزمان الوصال التي خلت

وحين خلت خلّت وجاء مريرها

__________________

(١١٠) ابو شامة ص ٢٤.


سقى الله أياما مضت ولياليا

تضوّع رياها وفاح عبيرها (١١١)

وقد ورد في ثبت أسماء كتبه مجموعتان شعريتان ، الواحدة منظومة في الحديث ، لا نعدها من الشعر الذي يحسب له حساب ، وإن لم نرها ، والثانية فيها أشعار في عشر مجلدات. ولا نستطيع الحكم على شاعريته قبل الاطلاع عليها. وقد بدا لنا شيء من الغرابة أنه لم يذكر شيئا من شعره في كتابه ذم الهوى ، الذي ملأه بشعر المحبين ، ولو على سبيل المعارضة كما فعل قبله ابن عبد ربه في عقده ، حيث عارض بعض الشعراء السابقين ، وأضاف إلى أقوال المتقدمين. ومهما يكن من أمر ، فان هذه الأبيات القليلة التي دونّا بعضها تدل على ذوق شعريّ ، وفيها رقة وسلاسة.

ولا بدّ لي من أن أشير هنا إلى أن محقق كتاب أخبار الظرفاء والمتماجنين الاستاذ محمد بحر العلوم قد قدّم للكتاب في الطبعة الثانية التي اطلعت عليها بمقال قيّم فيه دراسة طويلة وعرض لكتبه المختلفة ولم يفته أن يلتفت إلى هذه الناحية الأدبية في حياة ابن الجوزي وإلى الموهبة الشعرية التي كانت عنده وغمرتها كثرة تآليفه الأخرى فوصفه بالشاعر المغمور واستطاع أن يجمع لابن الجوزي مقتطفات من شعره من بين ثنايا الكتب والمجاميع بلغت أكثر من مئة بيت نقل أكثرها عن ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب ومنها قصيدة «سلام على الدار» المذكورة في أعلاه وغيرها من المقتطفات. ثم قال في آخرها : «أكاد أجزم أن لابن الجوزي طابعا رائعا في الشعر

__________________

(١١١) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١٦. لم اقع على اثر لهذه القصيدة في الجزء التاسع من كتاب ابن الساعي الجامع المختصر غير انه يذكر ان ابن الجوزي كان من الذين عرفوا ايضا بنظم الشعر العامي البغدادي المعروف (بالكان وكان) وهو شعر ليس له وزن معلوم ولا يتقيد بحركات الاعراب ج ٩ ص ج كذلك يذكر ابن كثير في البداية والنهاية ص ٢٩ ان لابن الجوزي من النظم والنثر شيئا كثيرا جدا وان له كتابا اسمه لقط الجمان في كان وكان».


نستطيع أن نضع عليه بعض اللمسات الشعرية من خلال هذه المقتطفات التي أثبتناها وهي تشير إلى شاعرية حيّة كان يتمتع بها» (١١٢).

وكان أثره عظيما ، فكثيرون هم الذين نقلوا أو كتبوا عنه. نذكر منهم سبطه يوسف في مرآة الزمان وابن فضل الله العمري «في مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» وابن الفرات في تاريخه ، وابن رجب في كتابه الذيل على طبقات الحنابلة ، وابن خلكان في وفيات الأعيان ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ، وابن جبير في رحلته ، والذهبي في تذكرته (١١٣) ، وجلال الدين السيوطي في غير كتاب واحد ، عدا الكثيرين غيرهم. وكان اسمه محاطا بالاكرام والتبجيل ، ينعت بأحسن النعوت والألقاب ، فهو في بعض الكتب : شيخ الامة ، وعلم الأئمة ، وناصر السنّة ، وفي بعضها الآخر : شيخ الاسلام وسيّد الفقهاء ، وشرف الحفاظ ، ومفتي الفرق ، وفي أخرى : الشيخ الامام العلامة الأوحد. وفي أخرى : الامام العلامة الحافظ ، عالم العراق وواعظ الآفاق.

بقي أن أذكر في الختام ، أن ما نشر من كتب ابن الجوزي هو عدد قليل من مؤلفاته ولكنه يفوق الأربعين كتابا وأرى من الخير أن أذكرها هنا.

١) أخبار أهل الرسوخ (القاهرة ، ١٣٢٢ ه‍).

٢) أخبار الحمقى والمغفلين (دمشق ١٣٤٥ ه‍).

٣) أخبار الظرفاء والمتماجنين (النجف ١٩٦٧ م).

٤) أخبار النساء (دمشق ، ١٣٤٧ ه‍).

__________________

(١١٢) محمد بحر العلوم في مقدمته لكتاب اخبار الظراف والمتماجنين (النجف ، ١٩٦٧) ص ٢٤ ـ ٣٣.

(١١٣) الذهبي (تذكرة) ٤ : ويذكر عددا من الشيوخ الذين حدثوا عنه وعددا اخر بالاجازة.


٥) الاذكياء (دمشق ، ١٩٧١ م).

٦) بستان الواعظين ورياض السامعين (القاهرة ، ١٩٦٣ م.).

٧) تاريخ عمر ابن الخطاب (القاهرة ، ١٩٢٤ م.).

٨) التاريخ والمواعظ (بغداد ١٣٤٨ ه‍.).

٩) تبصرة الاخيار في ذكر نيل مصر وأخواته من الأنهار (دمشق ١٣٤٤ ه‍)

١٠) تحفة الواعظ ونزهة الملاحظ (بغداد .....)

١١) التحقيق في أحاديث الخلاف (القاهرة ، ١٩٥٤ م.).

١٢) تقويم اللسان (القاهرة ، ١٩٦٦ م.).

١٣) تلبيس إبليس (القاهرة ، ١٩٢٨ م.).

١٤) تلقيح فهوم الأثر في التاريخ والسير (دهلي ، ١٨٦٩ و ١٩٢٧ م.).

١٥) تنبيه النائم الغمر على حفظ مواسم العمر (ط. الجوائب ، ١٨٨٥ م).

١٦) دفع شبهة التشبيه والردّ على المجسمة (دمشق ، ١٣٤٥ ه‍.).

١٧) ذمّ الهوى (القاهرة ، ١٩٦٢ م.).

١٨) الذهب المسبوك في سير الملوك (بيروت ، ١٨٨٥ م.).

١٩) روح الأرواح (القاهرة ، ١٣٠٩ ه‍.).

٢٠) رؤوس القوارير (القاهرة ، ١٩١٤ م.).

٢١) زاد المسير في علم التفسير (دمشق ، ١٩٦٧ م.).

٢٢) سلوة الأحزان (أنظر نشرة معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية ١٥ ـ ١٠ ـ ١٩٧١).

٢٣) سيرة (أو مناقب) عمر ابن عبد العزيز (القاهرة ، ١٣٣١ ه‍.)

٢٤) صفة الصفوة (حيدر آباد ١٣٥٥ ـ ٦ ه‍).

٢٥) صيد الخاطر (دمشق ، ١٩٦٠ م.).


٢٦) الطب الروحاني (دمشق ، ١٣٤٨ ه‍.).

٢٧) القرامطة (بيروت ، ١٩٦٨ م.).

٢٨) القصاص والمذكرون (بيروت ، ١٩٧١ م.).

٢٩) لفتة الكبد إلى نصحة الولد (مصر ، ١٣٤٩ ه‍.).

٣٠) المدهش في علوم القرآن والحديث الخ. (بغداد ، ١٣٤٨ ه‍.).

٣١) ملتقط الحكايات (القاهرة ، ١٣٠٩ ه‍.).

٣٢) مناقب الامام احمد ابن حنبل (القاهرة ، ١٣٤٩ ه‍.).

٣٣) مناقب بغداد (بغداد ، ١٣٤٢ ه‍.).

٣٤) مناقب الحسن البصري (القاهرة ، ١٩٣١ م).

٣٥) المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (حيدر آباد ، ١٣٥٧ ـ ٨ ه‍).

٣٦) مولد النبي (القاهرة ، ١٩٢٦ م.).

٣٧) نقد العلم والعلماء (القاهرة ، ١٣٤٠ ه‍.).

٣٨) الوفا بأحوال المصطفى (القاهرة ١٩٦٦ م.).

٣٩) ياقوتة المواعظ والموعظة (القاهرة ، ١٣٢٢ ه‍.).

وهناك مختصرات لبعض الكتب أذكر منها.

٤٠) مختصر مناقب عمر ابن عبد العزيز (ليبزك ، ١٨٩٩ م.).

٤١) مختصر مناقب بغداد (بغداد ، ١٩٦٢ م.).

٤٢) تلخيص التبصرة (دمشق؟).

٤٣) منتخب قرة العيون النواظر من الوجوه والناظئر ...

(الاسكندرية ١٩٨٠) (هذا الكتاب صدر بعد طبع الرسالة)

وهناك غير ذاك ألوف من المخطوطات العربية التي لم تنشر بعد ، منتثرة في أقطار العالم المختلفة ، فحبذا لو تتعهد هذا التراث العظيم دولة أو مؤسسة


عربية غنية ، تجنّد له رهطا من العلماء المتخصصين ، ليقوموا بجمع أشتاته ، ودرسه ، وتحقيقه ، ونشره ، فان في هذا خدمة للغتنا ، وحفظا لتراث أمتنا ، وتقديرا لسلفنا الصالح. وان مثل هذا العمل هو الذي يبقى ، وهو الذي يدوم ، ولمثل هذا فليعمل العاملون.

ومع هذا كله فانه لم يسلم من ألسنة النقّاد من بعض النواحي ، فقد أثنى عليه الشيخ موفق الدين المقدسي ، ولكنه قال بعد ثنائه : «إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنّة ولا طريقته» (١١٤) وقال ابن رجب : «نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه ، واشتدّ نكيرهم عليه» (١١٥) وذكر حجي خليفة أن الواحدي انتقده وضعفه (١١٦) وكذلك فعل ياقوت الرومي فقد ذكره في معجم الأدباء ، وروى من تاريخه سنة وفاة قدامة ابن جعفر ، ثم علق على ذلك بقوله : «وأنا لا أعتمد على ما تفرّد به ابن الجوزي ، لأنه عندي كثير التخليط (١١٧). حتى ابن الفرات نفسه فانه قال عنه : «كان كثير الغلط فيما يصنفه ، وأشار بالفعل إلى شيء من أغلاطه (١١٨). ومثله الذهبي وقد أثنى عليه كثيرا ولكنه نقل عن بعضهم أن ابن الجوزي كان كثير الغلط فيما يصنفه فعلق عليها : قلت : نعم له وهم كثير في تآليفه ٤ : ١٣٦.

ويجب أن نلاحظ أنه كان كثير التأليف ، ولهذا فهو ينقل كثيرا من الأخبار

__________________

(١١٤) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(١١٥) ابن العماد الحنبلي ٤ : ٣٣١.

(١١٦) حجي خليفة ١ : ٧٩.

(١١٧) ياقوت ـ (م. الادباء) ج ١٧ ص ١٣.

(١١٨) ابن الفرات المجلد ٤ ج ٢ ص ٢١١.


دون أن يتسع له الوقت لدرسها وتمحيصها ، فيصبح عرضة للخطأ فيما ينقل أو يكتب. وقد رأينا بالفعل أنه ينقل أخبارا لا يمكن أن يقبلها العقل ، فهو يوردها مسندة أحيانا ، ولا ينقدها كما كان علماء الحديث يتحرون في نقل الحديث ، بل يمرّ بها مرورا يشعر معه القارىء أنه يقبلها.

ومن الخير أن أشير مرة ثانية إلى أن بعض أسماء هذه الكتب وردت بشكل آخر في بعض المصادر أو مسبوقة بكلمة كتاب أو كلمة سيرة بدل مناقب وقد أدرجتها مرتبة على حروف الهجاء لا على تاريخ صدورها ليسهل الرجوع اليها. ومنها ما طبع غير مرة واحدة وبأسماء مختلفة.






بسم الله الرّحمن الرّحيم ، وبه العون ، قال شيخ الأمّة ، وعلم الأئمّة [١](١) ، ناصر السنّة جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن علي ابن محمد الجوزي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه. الحمد لله خالق السموات والارض ، ومشرّف بعض البقاع على بعض ، وصلى الله على أشرف نبيّ جاء بالسنن والفرض ، محمد المقدم على الانبياء يوم العرض (٢) ، الذي زويت له الدنيا (٣) فرأى طولها والعرض (٤) ، ووعد أمته ملكها وحضّهم على الجهاد (٥) لينالوا الحظّ الاحظ بالحضّ. سألني بعض المقدسيّين أن أذكر له فضائل بيت المقدس ، فذكرته مسبوبا أبوابا ، التمس بذلك أجرا وثوابا ، وقد جعلته سبعة وعشرين بابا ، والله الموفق فانه إذا وفق يسّر أسبابا.

تراجم الأبواب.

الباب الأوّل في فضل الأرض المقدسة.

[٢] الباب الثاني في ذكر الجبل الذي عليه بيت المقدس.

__________________

(١) نشير الى ترقيم اوائل صفحات المخطوطة بأرقام بين معكوفين كبيرين.

(٢) انظر القرآن ١٨ : ١٠٠ و ٤٦ : ١٩ ، ٣٣ و ٦٩ : ١٨.

(٣) انظر ابن ماجه ـ السنن ـ الباب التاسع من كتاب الفتن «.... زويت لي الارض حتى رأيت مشارقها ومغاربها. وابن حنبل : ٤ : ١٢٣ ان الله عز وجل زوى لي الارض حتى رأيت مشارقها ومغاربها وان ملك امتي سيبلغ ما زوي لي منها».

(٤) راجع ابن حنبل ٦ : ١٢٣.

(٥) انظر القرآن ٢ : ١٨٦ ـ ١٩٠ وقد اعتبر الجهاد عند بعض الفرق كركن سادس من اركان الاسلام.


الباب الثالث في وضع بيت المقدس وبداية أمره.

الباب الرابع في ذكر العجائب التي كانت فيه.

الباب الخامس في فضل بيت المقدس.

الباب السّادس في فضل زيارته.

الباب السّابع في ثواب الصّلوة فيه.

الباب الثامن في ذكر مضاعفة الحسنات والسيئات فيه.

الباب التاسع في فضل السكنى فيه.

الباب العاشر في أنّه أحد المساجد التي تشد الرّحال اليها.

الباب الحادي عشر في ذكر ما هناك من قبور الأنبياء ومحراب داود وعين سلوان.

الباب الثاني عشر في ذكر ما جرى على بيت المقدس من الخراب والنهب.

الباب الثالث عشر في ذكر غزاة موسى أرض بيت المقدس.

الباب الرابع عشر في ذكر فتح يوشع بيت المقدس.

[٣] الباب الخامس عشر في صلاة رسول الله عليه السلام إلى بيت المقدس.

الباب السادس عشر في ذكر مسرى رسول الله عليه السلام اليه وما رأى هناك.

الباب السابع عشر في ذكر فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس وصلاته فيه.

الباب الثامن عشر في ذكر ما جرى على بيت المقدس أخيرا.

الباب التاسع عشر في ذكر من نزله من الأكابر وأقام به.

الباب العشرون في ذكر من ينتابه من الملائكة والزهاد والعباد.


الباب الحادي والعشرون في ذكر أنّ الحشر من هناك.

الباب الثاني والعشرون في فضيلة الصخرة.

الباب الثالث والعشرون في فضل الصلاة إلى جانبي الصّخرة.

الباب الرابع والعشرون في ذكر الصخرة التي قام عليها سليمان لما فرغ من البناء.

الباب الخامس والعشرون في أنّ نبيّ الله عرج إلى السماء من هناك.

الباب السادس والعشرون في ثواب الإهلال من بيت المقدس.

[٤] الباب السابع والعشرون في ذكر زيارة الكعبة الصّخرة يوم القيامة.



الباب الأوّل

في فضل الارض المقدسة

قال الله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم قال الزجاج (١) المقدسة المطهرة وقيل للسطل القدس (٢) لانه يتطهّر منه وسمي بيت المقدس (٣) لأنّه يتطهّر فيه من الذنوب وقيل سمّاها مقدسة لأنّها طهرت من الشرك وجعلت مسكنا للانبياء والمؤمنين وفي المراد بالارض المقدسة أربعة أقوال. أحدها أنها أريحا

__________________

(١) هو ابو اسحاق ابراهيم ابن محمد الزجاج وكان من النحاة وفقهاء اللغة واهل التفسير من رجال القرن الثالث للهجرة وقد ذكره ابن خلكان ١ : ١٨ في الوفيات وذكر اسماء بعض الكتب التي ألفها ويذكره ابن منظور كثيرا في معجمه لسان العرب توفي في بغداد بين ٣١١ و ٣١٦ ه‍.

(٢) انظر «قدس» في لسان العرب لابن منظور ٨ : ٥٠ تجد الشرح نفسه منسوبا الى الزجاج.

(٣) تطلق هذه التسمية عند اكثر المؤلفين القدامى على مدينة القدس نفسها واحيانا على مسجدها.


قاله ابن عبّاس (٤) قال السدّي (٥) اريحا أرض بيت المقدس وقال الضّحاك (٦) المراد بهذه الارض ايلياء وبيت المقدس. قال ابن قتيبة (٧) وقرأت في مناجاة موسى أنه قال اللهم انك اخترت من الانعام الضانية ومن الطير الحمامة (ومن البيوت بيت) ايلياء (٨) ومن ايلياء بيت المقدس فهذا يدل على أن ايلياء الارض التي فيها بيت المقدس وهو معرب.

__________________

(٤) ابن عم النبي وهو اشهر من ان يعرف وكان من اعظم المفسرين وقد عرف بحبر الامة وبترجمان القرآن وبالبحر وذلك كله لعلمه العظيم وينسب اليه انه نقل ١٦٧٠ حديثا من الصحابة ونقل عنه كثير من التابعين وتوفي بين ٦٨ و ٧٠ ه‍. ابن حجر (الاصابة) ٢ : ٨٠٢ ـ ٨١٣ ابن الاثير (اسد الغابة) ٣ : ١٩٢ المسعودي (مروج الذهب) ٤ : ٣٥٣ ـ ٣٦٢ ابن الجوزي (صفة) ١ : ٣١٤ ـ ٣١٩.

(٥) اسماعيل ابن عبد الرحمان السدي احد المحدثين والمفسرين نقل الحديث عن انس بن مالك (ابن حنبل ٣ : ١٣٣) زعم ابن النديم ص ٣٣ ان له تفسيرا للقرآن.

ويقال ان السدي منسوب الى سدة جامع المدينة حيث كان يبيع الحجب او الى سدة جامع الكوفة. ابي قتيبة المعارف ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، وذكر ابن القيسراني (الجمع بين رجال الصحيحين) ١ : ٢٨ انه مات سنة ١٢٧ ه‍.

(٦) الضحاك ابن مزاحم كان واحدا من اوائل علماء التفسير ويزعم ابن حجر (الاصابة) ٥ : ٥٣) انه درس على ابن عباس ولكن ابن سعد (٦ : ١٠) يزعم ان الضحاك لم يأخذ من ابن عباس ولم يقابله في حياته بل درس التفسير علي سعيد ابن جبير ويؤرخ ابن الاثير (الكامل) ج ٥ : ٩٤ وفاته سنة ١٠٥ ه‍.

(٧) في عيون الاخبار لابن قتيبة ـ دار الكتب المصرية سنة ١٩٢٥ ـ ٣٠ ج ٢ : ٢٧٢ «كان فيما ناجى به عزيز ربه اللهم ... وانك اخترت من النبات الحبلة [يعني الكرمة] ومن المواشي الضائنة ومن الطير الحمامة ومن البيوت بيت ايلياء ومن ايلياء بيت المقدس».

(٨) اضفنا : «ومن البيوت بيت» قبل ايلياء ليستقيم المعنى. انظر ابن قتيبة ـ عيون الاخبار ٢ : ٢٧٢.


[٥] قال الفرزدق :

وبيتان بيت الله نحن ولاته

وبيت بأعلى ايلياء مشرّف

وقال قتادة (٩) الأرض المقدسة الشام كلها.

__________________

(٩) لعله قتادة ابن النعمان الانصاري احد الصحابة وهو جد عاصم ابن عمر الذي اعتمد عليه ابن اسحاق في كتابه «السيرة» (ابن الاثير (اسد الغابة) ٦ : ١٩٥) وكان قتادة من الرماة المشهورين وصحب النبي في كثير من المغازي (ابن الجوزي (صفة الصفوة) ١ : ١٨٣) وقد يجوز ان يكون قتادة ابن دعامة وهو احد التابعين وكان من رواة الحديث وقد نقل الحديث عن انس ابن مالك وغيره ونقل الامام الاوزاعي عنه وقد وثقه ابن سعد والامام احمد بن حنبل وتوفي سنة ١١٧ او ١١٨ ه‍. عن ٥٦ سنة انظر ابن سعد ٣ قسم ٢ ص ٢٥ وابن حنبل ٣ : ١٣٠ ـ ١٣٤ والنووي (تهذيب) ٥١١.


الباب الثّاني

في ذكر الجبل الذي (١) عليه بيت المقدس

قال أبو هريرة (٢) الزيتون طور زيتا. قال قتادة والزيتون جبل عليه بيت المقدس. وقال أبو زرعة السيباني (٣) رفع عيسى من طور زيتا.

__________________

(١) في الاصل التي

(٢) يختلف الناس في اسمه ولكن النووي (تهذيب) ٧٦٠ ذكر ان الاصح عند المحققين والاكثرين انه عبد الرحمن ابن صخر وقد اشتهر بهذه الكنية لهرة كان يحملها ويلعب بها. وكان من المقربين الى الرسول ومن هنا فقد روي عنه اكبر عدد من الاحاديث نقلها شخص بمفرده ذكر ابن حنبل انها بلغت ٥٣٧٤ حديثا (١ : ٦٣) وهو من اهم رجال السند في مسند الامام ابن حنبل ويزعمون ان اكثر من ثمانين محدث نقلوا عنه الحديث. توفي بين ٥٧ و ٥٩ ه‍. عن عمر بلغ ٧٨ عاما ، ودفن في المدينة. ابن سعد ٦ : قسم ٢ : ٣٥ وابن القيسيراني (الجمع) ٢٠ : ٦٠٠ : وهناك فيما ذكروا سبعة من رواة الحديث المكثرين الذين نقل الواحد منهم اكثر من الف حديث وهم : ابو هريرة (٥٣٧٤) وعبد الله ابن عمر (٢٦٣٠) وانس ابن مالك (٢٢٧٦) وعائشة ام المؤمنين (٢٢١٠) وعبد الله بن عباس (١٦٧٠) وجابر ابن عبد الله الانصاري (١٥٤٠) وابو سعيد ابن مالك الخدري (١١٧٠) وقد جمعوهم في شعر فقالوا :

سبع من الصحب فوق الالف قد نقلوا

من الحديث عن المختار خير مضر

ابو هريرة سعد جابر انس

صديقة وابن عباس كذا ابن عمر

(٣) في الاصل الشيباني بشين معجمة «والسيباني نسبة الى سيبان بسين مهملة بطن من مراد منهم ابو زرعة يحيى بن ابي عمرو السيباني». الذهبي (المشتبه) ٢٨٧ وصفة الصفوة لابن الجوزي ٤ : ١٧٩.


أخبرنا أبو المعمر الانصاري [أنبأنا](٤) أبو الحسين محمد ابن محمد ابن الفرّا. أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب حدثنا عمر ابن الفضل حدثنا أبي حدثنا الوليد [ابن](٥) حماد حدثنا ابراهيم ابن محمد حدثنا عمر ابن بكر عن ثور ابن يزيد عن خالد ابن معدان (٦) عن أبي هريرة قال أقسم ربنا عزّ وجل بأربعة أجبل فقال (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)(٧). قال التين طور زيتا.

__________________

(٤) بياض بالاصل يتسع لكلمة لعلها انبانا

(٥) ساقطة بالاصل وقد اثبتها الناسخ في المواضع الاخرى التي ستلي انظر ص ٦ من المخطوطة.

(٦) الدال غير واضحة بالاصل وقد ضبطناها عن الاسم نفسه في صفحة ٥٠ من المخطوطة وهي معدان في ابن الفركاح ص ٧٤ وفي ابن القيسراني (الجمع) ١ : ١٢٠ وهو من رجال الحديث شامي ، حمصي مات بطرسوس سنة ١٠٤ ه‍.

(٧) القرآن ٩٥ : ١ ـ ٣.


[٦] الباب الثّالث

في وضع بيت المقدس وبداية أمره

أنبأنا أبو المعمر المبارك ابن أحمد الانصاري (١) ، أنبأنا أبو الحسين ابن الفرّا ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر النصيبي ، أنبأنا أبو بكر ابن أحمد ابن محمد الخطيب ، حدثنا أبو حفص عمر ابن الفضل ابن المهاجر اللخمي ، حدثني أبي ، حدثنا الوليد ابن حماد ، حدثنا اسحق ابن الحسين الطحّان ، حدثنا عبد الله ابن صالح ، حدثني ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب ، أخبرني عطاء ابن أبي رباح عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن مكة بلد عظّمه الله وعظم حرمته ، وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئا من الأرض يومئذ (٢) كلها بألف عام ، ووصلها بالمدينة ، ووصل المدينة ببيت

__________________

(١) احد شيوخ ابن الجوزي توفي سنة ٥٤٩ ه‍. كان من القراء والحفاظ والمحدثين له معجم في مجلد وكان سريع القراءة ملما بالرواية : ابن العماد الحنبلي ٤ : ١٥٤ والذهبي (تذكرة) ص ٤٩٤.

(٢) كذا بالاصل وهي كذلك في كتاب ابن الفركاح «باعث النفوس لزيارة القدس المحروس» ص ٧٤ ولكن ماثيوس ناشر الكتاب المذكور ارتأى نقل «يومئذ كلها» من موضعها الى موضع اخر ذكرت فيه كلمة الارض في حديث اخر عن علي تجده في اول الصفحة السابقة من هذه المخطوطة ولا مبرر لنقلها مطلقا.


المقدس ، ثم خلق الأرض بعد الف عام خلقا واحدا. حدثنا الوليد ابن حماد (٣) ، حدثنا محمد بن النعمان ، حدثنا سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني (٤) ، قال : «قال علي ابن أبي طالب : [٧] كانت الارض ماء ، فبعث الله ريحا ، فمسحت الارض مسحا ، فظهرت على الارض زبدة ، فقسمها أربع قطع ، خلق من قطعة مكّة ، والثانية المدينة ، والثالثة (٥) بيت المقدس ، والرابعة الكوفة» (٦). أنبأنا محمد ابن ناصر (٧) أنبأنا عبد الرحمن ابن أبي عبد الله ابن مندة ، حدثنا أبي ، أنبأنا أحمد ابن محمد ابن حكيم ، حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير ، حدثنا سليمان ابن عبد

__________________

(٣) لم يكن الوليد بن حماد من شيوخ ابن الجوزي ويجب ان نلاحظ هنا ان ابن الجوزي او الناسخ ينقل احيانا الرواية عن شخص يقع في وسط سلسلة رواة الخبر ويهمل المتأخرين ويظهر من النص ان الوليد هذا كان من رجال اوائل القرن الثالث للهجرة او اواخر الثاني وقد ورد اسمه في وسط السلسلة في اكثر من موضع واحد من هذا الكتاب.

(٤) هو اسحاق ابن مراد مولى بني شبيان وكان من شيوخ ابن حنبل ويعده ابن النديم ص ٦٨ ثقة عاش اكثر من مئة سنة. وتوفي ٢٠٦ او ٢١٠ كتب كتبا كثيرة لم يبق منها سوى كتاب الجيم ويقول كرنكو عن هذا الكتاب في مقالته عن الشيباني هذا في الموسوعة الاسلامية (بالانكليزية) انه من اقدم كتب اللغة وجدير بأن يلتفت اليه التفاتا خاصا. انظر ايضا ابن خلكان ١ : ١١٣.

(٥) بالاصل «والثالث».

(٦) نقلت هذه الفقرة في «مسالك الابصار في ممالك الامصار لابي فضل الله العمري بالحرف الواحد من قال علي بن ابي طالب ما عدا كلمة «فظهرت» فانها هناك وظهرت وبدل «قال» وروى. وقال في اخرها «ذكره ابو الفرج ابن الجوزي» ولكنه لم يشر الى اسم الكتاب وورد نصها بالحرف في ابن فركاح ص ٦٤ ثم ذكر في اخرها نقلتها من اوائل جماع فضائل بيت المقدس ولعله يشير الى كتاب ابن الجوزي هذا مع انه ذكر في مقدمة كتابه ص ١ انه نقل مادته من كتابي ابن عساكر وابي المعالي المقدسي بعد ان حذف الاسانيد.

(٧) هو ابو الفضل محمد ابن ناصر ابن محمد ابن علي ابن ناصر السلامي الداري خال ابن الجوزي وكان شافعيا ومن اصل فارسي ثم انتقل الى المذهب الحنبلي وكان في عصره من اشهر محدثي بغداد. درس ابن الجوزي عليه الحديث ثلاثين سنة (٥٢١ ـ ٥٥٠ ه‍) وقد مر ذكره في المقدمة. انظر سبط ابن الجوزي ٨ : ١٣٨.


الرحمن ، حدثنا محمد ابن حرب عن أبي بكر ابن أبي مريم ، عن شريح ابن عبيد ، عن كعب (٨) ، قال : بنى سليمان ابن داود بيت المقدس على أساس قديم ، كما بنى ابراهيم الكعبة على أساس قديم. قال المصنف رضي الله عنه : «قلت وسكن الجبارون الارض المقدّسة ، فسلط عليهم يوشع ، ثم سلّط الكفار على بيت المقدس ، فصيّروه مزبلة ، فأوحى الله تعالى إلى سليمان فبناه» (٩). أنبأنا أبو المعمر المبارك ابن أحمد الانصاري ، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن محمد الفرّاء ، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز [٨] ابن أحمد ابن عمر النصيبي المقدسي ، حدثنا أبو حفص عمر ابن الفضل ابن المهاجر اللخمي ، حدثني أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا المسيّب ابن واضح ، حدثنا ابن المبارك عن عثمان ابن عطاء ، عن أبيه ، عن «سعيد ابن المسيّب» (١٠) ، قال : أمر الله داود أن يبني مسجد بيت المقدس. قال : يا رب وأين أبنيه؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه ، قال : فرآه في ذلك المكان. قال : فأخذ داود فأسّس قواعده ورفع حائطه ،

__________________

(٨) كعب ابن ماتع المعروف بكعب الاحبار يهودي الاصل من اليمن حميري وفد الى المدينة سنة ١٧ ه‍ واسلم الطبري (تاريخ) ١ : ٢٥١٤. وكان في حاشية عمر ابن الخطاب حين دخل القدس .. سكن حمص ودمشق واتخذه معاوية مستشارا له وعنه رويت اكثر الاخبار والاحاديث المعروفة بالاسرائيليات ، مات في حمص سنة ٣٢ او ٣٤ ه‍. وقيل سنة ٢٩ ه‍ ابن القيسراني (الجمع) ج ٢ : ٤٣٠. ابن حجر (الاصابة) ٣ : ٦٣٥ ـ ٦٣٩ ، النووي (تهذيب) ٥٢٣.

(٩) كذلك نقل العمري هذه الفقرة من سكن الجبارون الى فبناه بحذف كلمة تعالى ولكن الناشر وضع موضعها (عز وجل) بين هلالين. ص ١٣٤ واشار الى انه نقلها عن ابن الجوزي.

(١٠) هو صهر ابي هريرة وكان من اعظم فقهاء الحجاز روى عنه جماعات من اعلام التابعين ، ولد حوالي سنة ١٤ ه‍. ووفد الى المدينة حيث اتصل بكثير من الصحابة ونقل عنهم الحديث ومات في المدينة سنة ٩٤ او ٩٣ النووي (تهذيب) ٢٨٣ ـ ٢٨٥ اضطهده ابن الزبير وبعده اضطهده الامويون لانه ابى ان يبايعهم وقد كتب ابن الجوزي كتابا في مناقبه وانظر عصر ابن ابي ربيعة لجبرائيل جبور ١٠٧ وابن قتيبة (المعارف) ٢٢٣ والاصبهاني (حلية) ٢ : ١٦١ ـ ١٧٥ والنووي (تهذيب) ٢٨٣.


فلما ارتفع انهدم. فقال داود : يا ربّ أمرتني أن أبني لك بيتا ، فلما ارتفع هدمته. فقال : يا داود! إنما جعلتك خليفتي في خلقي ، لم أخذته من صاحبه بغير ثمن؟ انه يبنيه رجل من ولدك. فلما كان سليمان ، ساوم صاحب الارض عليها (١١) ، فقال له : هي بقنطار. فقال سليمان : قد استوجبتها. فقال له صاحب الأرض : هي خير أو ذاك (١٢)؟ قال : بل هي خير. قال : فانه قد بدا لي. قال : أوليس قد أوجبتها؟ قال : بلى! ولكن البيعين (١٣) بالخيار ما لم يتفرقا. قال ابن المبارك : هذا أصل [٩] الخيار. قال : فلم يزل يراده ويقول له مثل قوله الأول حتى استوجبها منه بسبعة قناطير. فبناه سليمان حتى فرغ منه ، وتغلقت أبوابه ، فعالجها سليمان أن يفتحها ، فلم تنفتح حتى قال في دعائه : بصلوات أبي داود ألا تفتّحت الابواب. ففتحت (١٤) الابواب. قال : فقرع (١٥) له سليمان عشرة آلاف من قرّاء بني اسرائيل ، خمسة آلاف بالليل ، وخمسة آلاف بالنهار. لا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلّا والله عزّ وجل يعبد فيه (١٦). قال الوليد (١٧) : حدثنا عمر حدثنا ضمرة عن

__________________

(١١) في الاصل : لها وهذه الكلمة غير موجودة في مسالك الابصار حيث نجد النص نفسه عن سعيد ابن المسيب.

(١٢) في الاصل هي خيرا وذاك. وهو خطأ من الناسخ.

(١٣) انظر صحيح البخاري ٢ : ١١ وانظر الابواب ١٩ ، ٢٢ ، ٤٤ ، ٤٦ ، ٤٧ من كتاب البيوع.

(١٤) بالاصل فتحت وفي مسالك الابصار ص ٣٤ ففتحت.

(١٥) في الاصل فقرع في مالك ، الابصار ص ١٣٤ ففرغ.

(١٦) هذا الخبر عن سعيد بن المسيب نقله بالحرف ابن فضل الله العمري ص ١٣٤ و ١٣٥ وقال : وروى يعني ابن الجوزي عن سعيد بن المسيب واهمل كلمة «لها» بعد ساوم صاحب الارض ويا قبل كلمة رب الاولى واهمل اسم ابن المبارك وعبارة هذا اصل الخيار فاثبتها الناشر.

(١٧) هو الوليد بن حماد المذكور سابقا في روايته المعنعنة عن الشيباني.


الشيباني ، قال : «أوحى الله عز وجل إلى داود أنك لن تتم (١٨) بنا [ء] بيت المقدس. قال : أي ربّ ، ولم؟ قال (١٩) : لأنك غمرت يدك في الدم (٢٠). قال : أي ربّ ، ولم يكن ذلك في [طاعتك](٢١) قال : بلى ، وان كان (٢٢)». قال عمر (٢٣) : وحدثني أبي ، حدثنا زكريا ابن يحيى ابن يعقوب المقدسي ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن عبد الله البغداديّ ، حدثنا علي ابن عاصم ، حدثنا الحريري عن عبد الله ابن شفيق العقيلي ، عن كعب [١٠] ، قال : لما ولي سليمان ، أوحى الله تعالى اليه أن ابن بيت المقدس ، فبناه ، فلما دخله خرّ ساجدا شكرا لله سبحانه وتعالى ، فقال : يا ربّ من دخله من خائف فآمنه ، أو من داع فاستجب له ، أو من مستغفر فاغفر له ، فذبح أربعة آلاف بقرة ، وسبعة آلاف (٢٤) شاة ، وصنع طعاما ودعا (٢٥) بني اسرائيل اليه. وفي رواية أن الله تعالى أوحى إلى داود : ابن لي بيتا ، فبنى لنفسه بيتا قبل ذلك ، ثم بناه فسقط.

__________________

(١٨) في مسالك الابصار تتمم.

(١٩) كلمة (قال) مكررة بالاصل.

(٢٠) في اخبار الايام الاولى ٢٢ : ٨ «فكان الى كلام الرب قائلا قد سفكت دما كثيرا وعملت حروبا عظيمة فلا تبني بيتا لاسمي لانك سفكت دماء كثيرة على الارض امامي». وفي مختصر كتاب ابن الفقيه ، البلدان : ٨ «فأوحى جل وعز اليه بأمره ان يمسك عن البناء ويعلمه ان الذي يتولى بناءه من بعده ابنه سليمان .. حتى يجري بناؤه على يدي نبي من انبيائي نقي الكفين».

(٢١) غير موجودة في الاصل ونقلتها من مسالك الابصار.

(٢٢) نقل هذه العبارة العمري عن ابن الجوزي دون ان يشير الى مصدرها بل قال وقال ابو عمرو الشيباني واهمل «عز وجل» بعد كلمة الله المسالك ص ١٣٤ ونرى في المسالك انه اهمل ذكر رجال السند واكتفى بذكر اقدم الرواة في سلسلة الاسناد.

(٢٣) يقصد «ابو حفص عمر ابن الفضل المهاجر» احد الرواة في السلسلة التي اخرها سعيد ابن المسيب في الحديث السابق.

(٢٤) في الاصل ألف.

(٢٥) في الاصل ودعى.


قال أبو بكر الخطيب المقدسي (٢٦) : وحدثنا عيسى بن عبيد الله ، قال : أخبرني علي ابن جعفر ، قال : حدثنا محمد ابن ابراهيم ابن عيسى ، حدثنا محمد ابن النعمان ، حدثنا سليمان ابن عبد الرحمن ، حدثنا أبو عبد الملك الجزري (٢٧) ، قال : لما خلا من ملك سليمان سنين ، بدأ في بنا [ء] بيت المقدس ، فكان عدد من يعمل في بناء بيت المقدس ألف رجل. عليهم قطع الخشب في كل شهر عشرة آلاف. وكان عدّة الذين يعملون في الحجارة عشرة آلاف (٢٨). وكان عدّة الذين يقومون عليهم ثلثمئة أمين. وأولج [١١] فيه تابوت موسى وهارون ، وصلى فيه ودعا ربّه ، فقال : يا ربّ! امرتني ببناء هذا البيت الشريف ، يا ربّ فليكن نداك (٢٩) عليه الليل والنّهار ، وكل من جاءك يبتغي منك الفضل والمغفرة والنصرة والتوبة والرزق فاستجب له من قريب أو بعيد ، فاستجاب له ربّه عز وجل. وقال : قد استجبت لك دعا [ء] ك. قال : يا سليمان! قد غفرت لمن أتى هذا البيت لا يعنيه إلّا الصلاة فيه. قال سليمان ابن عبد الرحمن (٣٠) وحدثنا الوليد ابن محمد ، قال : سمعت عطا [ء] الخراساني (٣١) يقول :

__________________

(٢٦) هو محمد بن احمد بن محمد الخطيب احد الرواة في وسط السلسلة التي ترد في رواية ابي المعمر الانصاري وهو من شيوخ ابي الوفاء ابن عقيل الحنبلي. سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١.

(٢٧) يجب ان يكون الجزري من رجال القرن الثاني لان سليمان ابن عبد الرحمان الذي نقل عنه توفي في سنة ٢٣٠ ه‍ ، كما سنرى.

(٢٨) في الاصل «الف».

(٢٩) مهملة النقطة بالاصل.

(٣٠) ابن بنت شرحبيل الدمشقي من رجال سورته المحدثين وكان شيخه الوليد ابن مسلم وقد ذكرهما البخاري. ولد سليمان ١٥٣ ه‍ وتوفي ٢٣٠ انظر ابن القيسراني (الجمع) ١ : ١٨٣ والاصبهاني (الحلية) ٦ : ١٢٦.

(٣١) من التابعين المشهورين ولد على الارجح سنة ٥٠ ه‍. واخذ عن ابن عباس وانس ابن مالك وسعيد بن المسيب ونافع وغيرهم وقد هاجر الى سورية فأخذ عنه الاوزاعي وغيره وعد من ثقات رجال الحديث مات في اريحا سنة ١٣٥ ه‍. ودفن في القدس ابن سعد ٣ القسم الثاني ص ١٠٢ النووي تهذيب ، ٤٢٣ ـ ٤٢٤ الاصبهاني (ابو نعيم) (الحلية) ٥ : ١٩٣ ـ ٢٠٠ وابن العماد الحنبلي ١ : ١٩٢ ـ ١٩٣.


لما فرغ سليمان ابن داود من بناء بيت المقدس ، أنبت الله عزّ وجل له شجرتين عند باب الرحمة ، احداهما (٣٢) تنبت الذهب ، والأخرى تنبت الفضة. فكان في كل يوم ينزع من كل واحدة مائتي رطل ذهبا وفضة. ففرش المسجد بلاطة ذهب وبلاطة فضة (٣٣) ، فلما جاء بخت نصّر (٣٤) خرّبه ، واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة فطرحه بروميّه (٣٥) [١٢]

قال علما [ء] السير : كان بيت المقدس قد خرب حتى صار كالمزابل ، فأمر الله تعالى سليمان ببنائه ، وذلك لأربع سنين خلت من ملكه ، فبناه في سبع سنين. ومن هبوط آدم إلى بنا [ء] سليمان بيت المقدس أربعة آلاف (٣٦) واربع مئة وست وسبعون. أنبأنا يحيى ابن ثابت ابن بندار (٣٧) أنبأنا أبي ، أنبأنا الحسين ابن الحسين ابن روما ، أنبأنا محمد ابن جعفر الباقرجي ، أنبأنا الحسن ابن علي القطان ، أنبأنا اسماعيل ابن عيسى العطّار ، حدثنا أبو حذيفة اسحاق ابن بشر ، أنبأنا أبو الياس عن وهب ابن منبّه

__________________

(٣٢) في الاصل احديهما.

(٣٣) «وكان بلاطه من ذهب وبلاطة من فضة». الطبري تفسير ١٥ : ١٧.

(٣٤) هو نبوخذ نصر المذكور في الكتاب المقدس سفر الملوك الثاني ٢٤ : ١ ـ ٢٠ ، ٢٥ : ١ ـ ٢٦ واخبار الايام الثاني ٣٦ : ٥ ـ ٢٠ ، وكان ملك بابل من سنة ٦٠٥ الى ٥٦٢ ق. م وفي سنة ٦٠٥ اجتاح القدس واخذ منها أسرى كثيرين ثم هاجمها ثانية ٥٩٧ فأسر ملكها يهوياقيم واهل بيته وعشرة الاف شخص اخرين ثم عاد مرة ثالثة سنة ٥٨٦ فهاجم القدس وفتحها وقتل من قتل من اهلها وسبى من سبى واحرق المدينة والهيكل.

(٣٥) في تفسير الطبري ١٥ : ١٧ ان بخت نصر سبى حلي بيت المقدس واوردها بابل.

(٣٦) في الاصل «الف».

(٣٧) محدث من رجال القرن السادس ه في بغداد وكان من شيوخ عبد الغني المقدسي الحمائلي (٥٤١ ـ ٦٠٠ ه‍) وكان الاخير قد درس ايضا على ابن الجوزي انظر سبط ابن الجوزي ٨ : ٣٣٩.


عن كعب (٣٨) ، قال : «إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان أن ابن بيت المقدس. فجمع حكما [ء] الانس وعفاريت الجن وعظماء الشياطين ، ثم فرق الشياطين ، ثم فرق (٣٩) الشياطين ، فجعل منهم فريقا يبنون ، ففريقا يقطعون الصخر (٤٠) ، وفريقا يقطعون القنا (٤١) والعمد من معادن الرخام ، وفريقا يغوصون في البحر فيخرجون منه الدر والمرجان ، [١٣] الدرة مثل بيضة النعام وبيضة الدجاج (٤٢). وأخذ في بناء المسجد ، فلم يثبت البنا [ء]. وكان عليه حير (٤٣) بناه داود فامر بهدمه ، ثم حفر الارض حتى بلغ الماء. فقال : اسّسوا على الماء. فالقوا فيه الحجارة ، فكان الماء يلفظ الحجارة ، فاستشار في ذلك ، فاشاروا عليه أن يتخذ قلالا من نحاس ، ثم يملأها حجارة ، ثم يكتب عليها ما على خاتمه من ذكر التوحيد ، ثم يلقيها في الماء ، فيكون أساس البنا [ء] عليها. ففعل ، فثبت وبنى وعمل بيت المقدس عملا لا يوصف ، وزينه بالذهب والفضة والدر والياقوت (٤٤) وألوان الجوهر ، في سمائه وأرضه وأبوابه وجدره (٤٥) ، ثم جمع الناس وأخبرهم أنه مسجد لله تعالى ، وانه هو الذي أمر ببنائه ، وان كل شيء فيه لله تعالى (٤٦) ، وان من انتقصه شيئا فقد خان (٤٧) الله ، وانه كان

__________________

(٣٨) كل ما سيأتي بعد كعب بين فاصلتين نقله العمري في المسالك مع تغيير ضئيل ص ١٣٥.

(٣٩) غير واضحة بالاصل ولعلها فرق وهي اقرب الى «قرن». والارجح ان عبارة ثم فرق الشياطين قد كررها الناسخ سهوا لانها ليست مكررة في مسالك الابصار.

(٤٠) في المسالك «الصخور».

(٤١) المسالك اهمل كلمة «القنا» وحرف العطف الذي بعدها.

(٤٢) المسالك اهمل من كلمة «الدرة» الى كلمة «الدجاج».

(٤٣) في الاصل «حين» وفي المسالك «حير» وهو الصواب.

(٤٤) اهمل المسالك الدر والياقوت.

(٤٥) في تفسير الطبري ١٥ : ١٧ «بناه سليمان بن داود من ذهب ودر وياقوت وزبرجد ... اعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الاشياء في طرفة عين».

(٤٦) المسالك اهمل «وان كل شيء فيه لله تعالى».

(٤٧) في المسالك «ضاد».


قد عهد إلى داود في ذلك ثم أوصى سليمان بذلك من بعده ، ثم اتخذ طعاما وجمع الناس (٤٨). أنبأنا المبارك ابن أحمد ، أنبأنا [١٤] أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ابن يزيد ، عن سعيد ابن عبد العزيز ، عن عطيّة ابن قيس ، عن عبد الله (٤٩) ابن عمرو ابن العاص ، فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب ، قال : هو سور بيت المقدس الشرقي (٥٠) والله أعلم.

__________________

(٤٨) الى هنا تم ما نقله المسالك.

(٤٩) صحابي قرشي من سهم أسلم قبل ابيه عمرو ابن العاص. وكان فيما يزعمون اصغر من ابيه باثنتي عشرة سنة فقط (ابن الاثير اسد الغابة ٣ : ٢٣٣) والنووي (تهذيب) ص ٣٦١ وابن حجر (الاصابة) ٦ : ١١١) او باحدى عشرة كما يقول ابن العماد الحنبلي (١ : ٧٣) وكان يكتب كل ما يريد ان يحفظه من كلام النبي فوبخه القريشيون فتوقف فلما سمع النبي شجعه فاستمر (ابن حنبل ٢ : ١٦٢) (وابن سعد مجلد ٧ قسم ٢ ص ١٨٩) ومع ان ابا هريرة كان يزعم ان عبد الله يحفظ من الاحاديث النبوية اكثر منه فان الذي اثر عن عبده الله لا يزيد عن ٧٠٠ حديث (ابن العماد الحنبلي ١ : ٦٣) وكتب مجموعة من الاحاديث تعرف بالصادقة وساهم في فتح سورية وكان حامل راية ابيه في اليرموك وشارك اباه في صفين (ابن الاثير (اسد الغابة) ٣ : ٢٣٣ وما بعده) وحلف انه لم يرم في تلك الحرب برمح ولا سهم. وانما حضرها لعزم ابيه عليه ويزعمون انه كان يعرف السريانية وقرأ الانجيل وزار بيت المقدس (ابن قتيبة) المعارف ص ١٤٦ توفي سنة ٦٣ وقيل ٦٥ وقيل ٦٧ وقيل ٥٥ وقيل ٦٨ وقيل ٧٣.

(٥٠) نقله المسالك ص ١٣٥ ثم قال «وقد اخبرنا عن كثير مما ورد في البناء السليماني والعجائب التي كانت فيه لعدم صحته بالنقل.


الباب الرّابع

في ذكر العجائب التي كانت فيه

أنبأنا المبارك ابن أحمد ، أنبأنا أبو الحسين ابن الفرّاء ، أنبأنا عبد العزيز ابن (١) أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد (٢) ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد ابن العباس ، حدثنا عمران ابن موسى ، حدثنا البسام ابن داود ، حدثنا أحمد ابن (٣) عن سلمة ابن أبي سلمة الابرش ، عن محمد ابن اسحق ، عن أبي مالك (٤) ابن ثعلبة ابن أبي مالك القرظي ، قال : سمعت ابراهيم ابن طلحة ابن عبيد الله (٥) ، يحدث عن أبيه ، عن جدّه ، يرفعه (٦) ، قال : إن ذا القرنين كان من

__________________

(١) وهي في ص ١٩ من المخطوطة عبد العزيز احمد ابن عمران.

(٢) بالاصل «عن محمد».

(٣) بعد ابن بياض بالاصل فيه اثار كلمة مكشوطة.

(٤) ابن هشام : ١٧ : قال ابن اسحق : حدثني ابو مالك بن ثعلبة ابن ابي مالك القرظي قال سمعت ابراهيم ابن محمد ابن طلحة ابن عبد الله يحدث ان تبعا لما دنا من اليمن .. الخ وانظر الطبري ١ : ص ٩٠٤ ـ ٩٠٥.

(٥) الصواب ابراهيم ابن محمد ابن طلحة كما ورد في الطبري وابن هشام ص ١٧ وفي هذا الكتاب في مواضع اخرى.

(٦) اي مرفوع الى النبي.


حمير (٧). وانه قصد بيت المقدس ، وقد خضعت له الملوك ، [١٥] فرأى في بيت المقدس العجائب التي صنعها الضحّاك بن قيس (٨) في الزمان الأول. احدى (٩) تلك العجائب أنه صنع نارا عظيمة اللهب ، فمن لم يطع تلك الليلة أحرقته تلك النار. والثانية من رمى بيت المقدس بنشابة رجعت النشابة عليه. والثالثة وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس ، فمن كان عنده شيء من السحر إذا مرّ بذلك الكلب نبح عليه ، فاذا نبح عليه ، نسي ما عنده من السحر. والرابعة وضع بابا ، فمن دخله إذا كان ظالما ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه. والخامسة وضع عصا (١٠) في محراب بيت المقدس ، فلم يقدر أحد يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ، ومن كان سوى ذلك أحرقت يده. والسادسة أنهم كانوا يحبسون أولاد الملوك عنده في محراب بيت المقدس ، فمن كان من أهل

__________________

(٧) ان ذا القرنين هذا هو غير الاسكندر المقدوني. وقد ذكره القرآن في سورة الكهف ٨٣ ، ٩٤ وقرنه بياجوج وماجوج. وتذهب بعض المصادر العربية القديمة الى انه رجل من حمير عمر عمرا طويلا بلغ سبعمئة سنة وبنى سد يأجوج ومأجوج وأوتي من كل شيء سببا ورفع الى السماء وكان يسمى عياشا (ابن الفقيه ٧١) بينما لم يعش ذو القرنين المقدوني طويلا فيما يقول ابن الفقيه ولم تكن سيرته حميدة.

(٨) من رجال الاساطير زعم الطبري (تاريخ) ١ : ٢٠١ انه فارسي واسمه اسدهاك فقلبها العرب الى الضحاك ويقال عنه انه عاش اكثر من الف سنة وفتح اكثر ممالك العالم حتى ان الجن كانت تخضع له ولعل نسبته الى قيس اضيفت خطأ بعد ان عرف الضحاك ابن قيس والي معاوية على الكوفة ، ابن قتيبة (المعارف) ٢١٠.

(٩) بالاصل احد. بالاصل عصى.

(١٠) «وكانت سلسلة قضاء الخصوم من اتخاذ سليمان وكان مما اتخذ ايضا ببيت المقدس من الاعاجيب ان نصب في زاوية من زوايا المسجد عصا ابنوس فكان من مسها من أولاد الانبياء لم يضره مسها ومن مسها من غيرهم احرقت يده» ابن الفقيه ١٠١.


المملكة إذا أصبح أصابوا يده مطلية بالدهن. وجعل «سليمان ابن داود سلسلة [١٦] معلقّة من السّماء إلى الأرض ، ليبين المحقّ من المبطل ، فالمحق ينالها ، والمبطل لا ينالها ، وان يهوديا استودع مائة دينار ، فجحدها فجاءوا إلى السلسلة ، وقد سبك اليهودي الدنانير ، فجعلها في عصا (١١) وناولها صاحب المال ، وحلف لقد أعطيته دنانيره ، وحلف الآخر أنه لم يأخذ. فارتفعت السلسلة من ذلك اليوم» (١٢) وجعل سليمان تحت الأرض مجلسا وبركة فيها ماء (١٣) ، فمن وقع في الماء وكان مبطلا غرق ، والله أعلم.

__________________

(١١) في الاصل بالالف المقصورة عصى.

(١٢) انظر مسالك الابصار ص ١٤ حيث تجد النص نفسه وفيه «لتبين» بدل «ليبين» والذهب بدل «الدنانير فجعلها».

(١٣) سنثبت الهمزة في كل الكلمات التي حذفت منها في الابواب التالية دون وضعها بين قوسين كما فعلنا سابقا.


الباب الخامس

في ذكر فضل بيت المقدس

قال الله عز وجل : «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام» : يعني مسجد مكة ، «إلى المسجد الاقصى» وهو بيت المقدس ، وقيل له الاقصى لبعد المسافة (١) التي بين المسجدين ، «الذي باركنا حوله» أي بأن أجرى حوله الأنهار وأنبت الثمار ، وقيل لأنه مقر الانبياء ومهبط الملائكة. أنبأنا أبو المعمر ، [١٧] أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد النصيبي ، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمرو ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ، حدثنا داود عن سعيد ابن عبد العزيز ، عن عروة ابن رويم ، عن عبد الله بن مالك الخثعمي ، عن كعب قال : إنّ الله عز وجل ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين.

__________________

(١) انظر القرآن ١٧ : ١ وما بعد الاية الاولى وانظر هامش تفسير الطبري ١٥ : ٤ ـ ٥ وقوله : «لبعد المسافة التي بينه وبين المسجد الحرام».


الباب السّادس

في فضل زيارته

أنبأنا أبو المعمر ، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله ابن ابراهيم ، عن حفص ابن عمرو ، عن عبد الله ابن سريدة ، عن مكحول (١) ، قال : «من زار بيت المقدس شوقا اليه دخل الجنة ، وزاره جميع الأنبياء (٢) ، وغبطوه بمنزلته

__________________

(١) ابو عبد الله مكحول من محدثي الشام كان مولى من اصل خراساني لامرأة من هذيل وقال اخرون من قيس. وكان قد نشأ في بيت عمه في كابل ومنها اخذه العرب الفاتحون اسيرا فلما اعتق وفد الى الشام واصبح فيما بعد المحدث الاكبر فيها ومن شيوخه انس ابن مالك وابو امامة الباهلي ومن طلبته حذيفة ابن اليمان وعبد الله ابن عمر وعبد الله ابن عمرو ابن العاص والاوزاعي توفي سنة ١١٣ وله مقام في دمشق وشارع باسمه في رأس بيروت ابن خلكان ٢ : ٥٥ وابن سعد مجلد ٧ قسم ٢ ص ١٦٠ والاصبهاني (حلية) ٥ : ١٧٧ ـ ١٩٢ وابن العماد الحنبلي ١ : ١٤٦ وقال عنه ابن قتيبة (المعارف) ص ٢٣٠ وكان سنديا لا يفصح.

(٢) في ابن الفركاح : ص ٦٠ «سوقا» ... «وزار» وهو خطأ من الناسخ او الناشر.


من الله عز وجل (٣). وايما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعتهم عشرة آلاف من الملائكة يستغفرون لهم ويصلون عليهم ، ولهم مثل أعمالهم إذا [١٨] انتهوا إلى بيت المقدس ، ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة سبعين ملكا. ومن دخل بيت المقدس طاهرا من الكبائر يلقاه بمائة رحمة ، ما منها رحمة إلا ولو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم. ومن صلى في بيت المقدس ركعتين يقرأ فيها فاتحة الكتاب ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)(٤) خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (٥) ، وكان له بكل شعرة على جسده حسنة. ومن صلى في بيت المقدس أربع ركعات ، مر على الصراط كالبرق (٦) ، وأعطي أمانا من الفزع الاكبر (٧) يوم القيامة. ومن صلى في بيت المقدس ست ركعات ، أعطي مائة دعوة مجابة ، أدناها براءة من النار ، ووجبت له الجنة. ومن صلى في بيت المقدس ثماني ركعات ، كان رفيق ابراهيم خليل الرحمن. ومن صلى في بيت المقدس عشر ركعات ، كان رفيق داود وسليمان في الجنة. ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرّات ، [١٩] كان له مثل حسناتهم ، ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه سبعون مغفرة ، وغفر له ذنوبه كلها (٨). قال الوليد : وحدثنا ابراهيم ابن

__________________

(٣) انظر ابن الفقيه صفحة ٩٥ حيث تجد نص هذا الخبر عن كعب : وقال كعب من زار بيت المقدس دخل الجنة وزاره جميع الانبياء وغبطوه.

(٤) القرآن ١١٢ : ١.

(٥) ابن الفقيه ٩٦ ومن صلى فيه ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه.

(٦) في باعث النفوس ص ٦٠ «براق» وهو خطأ من الناشر وقد ورد بعدها في بعض النسخ الخطية التي اعتمدها الناشر نعت هو «الخاطف» وهو يوافق «البرق» لا «البراق» وانظر القرآن ٢ : ١٩.

(٧) القرآن ٢١ : ٣.

(٨) وردت هذه الرواية عن مكحول في ابن الفركاح ٦٠ ـ ٦١ تقريبا بالحرف ووردت ايضا مسندة الى مكحول في ابن الفقيه ٩٦ ـ ٩٧ عن كعب.


محمد ، حدثنا ضمرة عن الشيباني ، ن سليمان ابن أداود لما ردّ الله ملكه مشى على رجليه من عسقلان إلى بيت المقدس في خرق عليه تواضعا لله عز وجل (٩). وكذلك روينا أن النجاشي لما غلب قيصر مشى إلى بيت المقدس على قدميه شكرا لله عز وجل (١٠).

__________________

(٩) ابن الفقيه ٩٧ وقال بعضهم رد الله جل وعز على سليمان ملكه بعسقلان فمشى الى البيت المقدس على قدميه تواضعا لله وشكرا.

(١٠) لم يرد هذا الخبر عن النجاشي من قبل وفي هذا ما قد يدل على ان الناسخ قد سها عن نقله او ربما كان ابن الجوزي يقصد انه روى هذا الخبر في مصدر اخر.


الباب السّابع

في فضل الصلاة فيه

أنبأنا أبو المعمر المبارك ابن أحمد الانصاري ، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن محمد ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز أحمد ابن عمران (١) ، حدثنا أبو بكر محمد ابن الخطيب (٢) ، حدثنا عيسى ابن عبد العزيز الوراق ، أخبرني أبو الحسين علي ابن جعفر الرازي ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ابن عبد الصمد المقدسي ، حدثني الحسن ابن الحسين العلاف ، حدثنا علي ابن داود القنطري ، [٢٠] حدثنا شيبان عن قتادة عن أنس (٣) ، قال : قال

__________________

(١) صوابه «عبد العزيز بن احمد بن عمر النصيبي» انظر صفحة ٥ و ٦ و ٨ و ١٧ و ٤٣ من المخطوطة.

(٢) الناسخ يختصر الاسماء احيانا وقد ورد هذا الاسم كاملا في صفحة ٦ من المخطوطة هكذا : (ابو بكر محمد بن احمد بن محمد الخطيب) وينسبه في صفحة ١٠ فيقول : «المقدسي».

(٣) هو انس ابن مالك وهو من اشهر رجال الصحابة ومن اكثرهم حفظا للحديث. يذكر ابن العماد الحنبلي ١ : ٦٣ انه يحفظ ٢٢٧٦ حدثنا. وفي النووي (تهذيب) ١٦٥ انها ٢٢٨٦ حديثا وفي كتاب المعارف لابن قتيبة ١٥٧ انه كان خادما منذ حداثته عند النبي وظل في خدمته حتى مماته وعاش طويلا بعد موت النبي وكان يكتب ابن حجر (الاصابة) ١ : ٧١ ـ ٧٢) وابن الاثير (اسد الغابة) ١ : ١٢٧ ومات في البصرة على الارجح سنة ٩٣ ه‍ اذ هناك مصادر تذكر تواريخ اخرى.


رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صلى ببيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس صلوات عشرة آلاف (٤) مرة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فقد اشترى نفسه من الله تعالى ليس للنار عليه سلطان. حدثنا أبو العباس أحمد ابن عمر ابن يونس (٥) ، حدثنا أبو محمد عبد الله ابن محمد ابن سالم المقدسي ، حدثنا هشام ابن عماد الدمشقي ، حدثنا أبو الخطاب ، حدثنا زريق أبو عبد الله الالماني (٦) عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صلاة الرجل في بيته بصلاة واحدة ، وصلاته في مسجد القبائل بست وعشرين (٧) ، وصلاته في المسجد الذي يجمّع فيه بخمسمئة صلاة ، وصلاته في المسجد الاقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاته في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة» (٨). قال أبو بكر الخطيب (٩) : وحدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم (١٠) ابن [٢١] محمد ، حدثنا (١١) محمد ابن عبد الرحمن ، حدثنا

__________________

(٤) في الاصل الف.

(٥) نقله العمري ص ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٦) كذا بالاصل.

(٧) هذه هي المرة الوحيدة التي يذكر فيها هذا المحدث ولا يمكن ان يكون من رجال القرن السادس لانه لم يذكر بين شيوخ ابن الجوزي في مختلف الاصول ولا تطول سلسلة الرواة في هذا الحديث بينه وبين انس مدى خمسمئة سنة اذ لا يوجد سوى اربعة بينهما ويظهر ان الناسخ قد اخطأ فحذف قسما من الرواة.

(٨) مكررة بالاصل.

(٩) ذكرنا من قبل ان ابا بكر الخطيب ليس من شيوخ ابن الجوزي فقد كان من رجال القرن الخامس وهو شيخ ابي الوفا ابن عقيل الذي توفي ٥١٣ وقد ذكر ابن الجوزي انه اقتبس كثيرا من كتب ابن عقيل ونثرها في مؤلفاته.

(١٠) في ابن الفركاح ص ٥٩ «بخمس وعشرين».

(١١) في الاصل «بن» وهو خطأ اذ في صفحة ٢٣ من المخطوطة حدثنا ابراهيم ابن محمد حدثنا محمد ابن عبد الرحمن.


ثور ابن يزيد ، عن مكحول ، أنّ ميمونة (١٢) سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس قال : نعم المسكن بيت المقدس ، ومن صلى فيه صلاة بألف صلاة فيما سواه (١٣) ، قالت : فمن لم يطق ذلك ، قال : فليهد له زيتا (١٤). أنبأنا ناصر (١٥) أنبأنا عبد الرحمن ابن أبي عبد الله ابن مندة ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد ابن محمد ابن ابراهيم ، حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير ، حدثنا سليمان ، حدثنا سليمان أبو عبد الملك عن غالب عن مكحول : عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : لا يسمع أهل السماء من كلام بني آدم شيئا غير آذان مؤذن بيت المقدس.

__________________

(١٢) هي ميمونة بنت سعد مولاة النبي محمد وقد روي عنها بعض الحديث وقد ورد في مسند ابن حنبل عنها (٦ : ٤٦٣) انها قالت يا نبي الله : «افتنا في بيت المقدس. فقال : ارض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فان صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه. قالت : أرأيت لمن لم يطق ان يتحمل اليه او يأتيه. قال : فليهد اليه زيتا يسرج فيه. فان من اهدى له كمن صلى فيه». ومن هنا فهي ليست ميمونة بنت الحرث زوج النبي. وانظر ايضا ابن حجر (الاصابة) ٨ : ١٩٣) (وابن الاثير (اسد الغابة) ٥٥٣ ـ ٥٥٤).

(١٣) ابن حنبل ٢ : ٢٣٩ : صلاة في مسجدي افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام.

(١٤) انظر ابن حنبل ٢ : ٢٣٩ وسنن ابي داود ١ : ٤٨ وابن الفقيه ٩٦ وابن حجر (الاصابة) ٨ : ١٩٣ حيث ترى اختلافا في نص الحديث.

(١٥) صوابها : محمد بن ناصر ، كما في ص ٧ وكما سيجيء في صفحة ٣٥ من هذه المخطوطة.


الباب الثّامن

في ذكر مضاعفة الحسنات والسيئات فيه

أنبأنا المبارك ابن أحمد الانصاري ، أنبأنا محمد ابن محمد ابن الحسين القاضي ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر ، أنبأنا محمد ابن أحمد ابن أبي بكر الخطيب (١) ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبو الحسين [٢٢] يعقوب ابن اسحق العسقلاني ، حدثنا أبو عمير النحاس ، حدثنا ضمرة عن الليث ابن سعد عن نافع (٢). قال : قال ابن عمر ، ونحن في بيت المقدس : يا نافع اخرج بنا من هذا البيت فان السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات ، قال عمر ابن الفضل : وحدثني أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ، حدثنا كثير ابن الوليد ، حدثنا أبو هاشم اسماعيل ابن

__________________

(١) صوابها : ابو بكر محمد بن احمد ، كما ورد قبلا.

(٢) نافع مولى عبد الله ابن عمر فارسي الاصل ويعد من اوثق المحدثين بين التابعين بعثه عمر ابن عبد العزيز الى مصر يعلمهم السنن. روى عنه الامام مالك ويقول اهل الحديث ان الحديث الذي يرويه الشافعي عن مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر هو السلسلة الذهبية. توفي نافع سنة ١١٧ او ١٢٠ ه‍. ابن خلكان ٣ : ٥٠ والنووي (تهذيب) ٥٨٨.


عيّاش (٣) قال : سمعت جرير بن عثمان وصفوان ابن عمرو (٤) يقولان : الحسنة في بيت المقدس والسيئة بألف.

__________________

(٣) في الاصل ابن عباس وفي تاريخ بغداد للبغدادي ٦ : ٢٢١ و ٢٢٤ ـ ٢٥ «اسماعيل ابن عياش» ويذكر في ترجمته انه قدم الكوفة مرة هو وجرير ابن عثمان. كذلك هو في عيون الاخبار لابن قتيبة ، دار الكتب مصر ١٩٢٥ ـ ١٩٣٠ ١ : ٥٤ و ٧٣ و ٣ : ١٤ اسماعيل ابن عياش.

(٤) جرير ابن عثمان وصفوان ابن عمرو محدثان من الشام روى عنهما ابن عياش المذكور (ابن الاثير ، الكامل ٤ : ٩) و (ابن قتيبة (عيون) ٢ : ٣٥٨) ولعل صفوان ابن عمرو هذا هو احد الصحابة وكان اشترك في معركة احد (ابن الاثير (اسد الغابة) ٣ : ٢٤ ـ ٢٥) وابن حجر (الاصابة) ٣ : ٢٤٨).


الباب التّاسع

في فضل السكنى فيه

أنبأنا أبو المعمر ، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر ، أنبأنا أبو بكر محمد ابن محمد (١) الخطيب المقدسي ، حدثنا أبو العباس أحمد ابن عمر ، أنبأنا عبد الله ابن محمد ابن مسلم ، حدثنا هشام ابن عمار ، حدثنا محمد ابن شعيب عن عثمان ابن عطاء ، عن أبيه ، عن زياد ابن أبي سودة ، عن أبي عمران ، عن ذي الاصابع (٢) أنه قال : أرأيت يا رسول [٢٣] الله ان ابتلينا بالبقاء بعدك ، فأين تأمرنا؟ قال : عليك ببيت المقدس ، لعلّ الله يرزقك ذريّة تغدو (٣) اليه وتروح (٤) قال الخطيب المقدسي : وحدثنا نسيم ابن عبد الله المقتدري ، حدثنا عبد

__________________

(١) انظر الهامش على صفحة ١٩ من المخطوطة رقم (٢).

(٢) ذو الاصابع الجهني وقيل التميمي وقيل الخزاعي من الصحابة كان اسمه معاوية سكن بيت المقدس وروي عنه الحديث نفسه الذي نقله ابن الجوزي. ابن الاثير (أسد) ٢ : ١٣٨.

(٣) في الاصل «تغدوا».

(٤) انظر نص هذا الحديث ايضا في ابن الاثير (اسد الغابة) ٢ : ١٣٨. وابن حنبل ٤ : ٦٧ وابن حجر العسقلاني (الاصابة) ٢ : ١٧٣.


العزيز ابن جعفر الخوارزمي ، حدثنا أحمد ابن الفرج أبو عتبة ، حدثنا ضمرة ابن زمعة ، حدثني السيباني (٥) عن عمرو ابن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة الباهلي (٦) ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم كذلك. قالوا : يا رسول الله (٧) وأين هم؟ قال : ببيت المقدس واكناف بيت المقدس (٨). قال الخطيب : وحدثنا عمر ابن الفضل ابن المهاجر ، حدثنا ابي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ، حدثنا محمد ابن عبد الرحمن عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لا تقوم الساعة حتى يسوق الله خيار عباده إلى بيت المقدس وإلى الارض المقدسة فيسكنهم [٢٤] اياها. قال الوليد : وحدثنا محمد ابن

__________________

(٥) في الاصل الشيباني بشين معجمة وهو خطأ انظر الهامش لصفحة ٥ من المخطوطة وقد ذكر ابن حنبل ٥ : ٢٦٩ ان راوي هذا الحديث هو يحيى ابو زرعة ابن ابي عمرو السيباني اما الشيباني فاسمه اسحق ويكنى بأبي عمرو ومن هنا هذا الخطأ في بعض الكتب التي تذكر ترجمة يحيى واحاديثه ، انظر ابن سعد المجلد السابع الجزء الثاني صفحة ١٦٤ وابن الجوزي (صفة) ٤ : ١٧٩ والطبري ١ : ١٨٦٤ ، ١٩٩٨.

(٦) ابو امامة هو صدي ابن عجلان ويقول عنه الاصبهاني (الحلية) ٥ : ٢٠٣) انه الرابع من الذين دخلوا في الاسلام وقد روى الحديث عن النبي وعن الصحابة ويذكر ابن حنبل عنه انه يحفظ ٢٥٠ حديثا ساهم في فتح سورية وبقي فيها ويحسب في عداد محدثي الشام وقد اخذ عنه مكحول ورجاء ابن حيوه توفي سنة ٨٦ ه‍. ابن سعد ٧ قم ٢ ص ١٣١ وابن حنبل ٥ : ٢٤٨ ـ ٢٥١ وابن حجر (الاصابة) ٣ : ٢٤٠ ، وابن العماد الحنبلي ١ : ٩٦.

(٧) في الاصل يرسول الله.

(٨) انظر نص هذا الحديث في ابن حنبل ٥ : ٢٦٩ حيث تجد : «وجدت في كتاب ابي بخط يده حدثني مهدي بن جعفر الرملي حدثنا ضمرة عن الشيباني واسمه يحيى ابن ابي عمرو عن عبد الله الحضرمي عن ابي امامة قال. قال رسول الله صلى عليه وسلم : لا تزال طائفة من امتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم الا ما اصابهم من لأواء حتى يأتيهم امر الله وهم كذلك. قالوا : يا رسول الله : واين هم؟ قال : ببيت المقدس واكناف بيت المقدس.


النعمان ، حدثنا سليمان ابن عبد الرحمن ، حدثنا أبو عبد الملك الجزري عن غالب ابن عبيد الله ، عن مكحول عن كعب ، قال : قال الله عز وجل لبيت المقدس : أنت جنتي ، وقدسي وصفوتي من بلادي ، من سكنك فبرحمة مني ، ومن خرج منك فبسخط مني عليه. قال : وحدثنا الجزري عن مقاتل ابن سليمان عن وهب (٩) ابن منبه : أهل بيت المقدس جيران الله عز وجل وحق على الله أن لا يعذب جيرانه (١٠).

__________________

(٩) ابو عبد الله وهب من اصل فارسي من الابناء الذين ارسلهم كسرى الى اليمن لمحاربة الاحباش ولد في اليمن سنة ٣٤ ه‍ وارتحل الى الحجاز حيث التقى بنفر من الصحابة والتابعين ونقل عنهم الحديث وبخاصة من ابي هريرة وابن عباس وجابر ابن عبد الله والنعمان ابن بشير وسعيد الخدري وقد عرف بأخباره المعروفة بالاسرائيليات المنقولة عن اليهود كان يقول قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتابا قتله ١١٠ او ١١٤ ه‍. جلدا الوالي يوسف ابن عمر حاكم اليمن. ابن سعد ٥ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦ وابن الجوزي (صفة) ١٦٤ ـ ١٦٧ والاصبهاني في الحلية ، ٤ : ٢٣ ـ ٨٢) ، ابن العماد الحنبلي ١ : ١٥٠) ، النووي (تهذيب) ٦١٩.

(١٠) قابل مع ابن الفقيه ٩٦ فقيه : وقال وهب : اهل بيت المقدس جيران الله عز وجل وحق على الله ان لا يعذب جيرانه وانظر ابن الفركاح ٧٤ حيث ترى الحديث نفسه.


الباب العاشر

في انه احد المساجد التي تشد الرحال اليها

أخبرنا هبة الله ابن محمد ابن الحصين (١) ، أخبرنا أبو علي الحسن ابن علي ابن المذهب ، أخبرنا أحمد ابن جعفر ابن حمدان ، حدثنا عبد الله ابن أحمد ابن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا يحيى عن مجالد ، حدثني أبو الوداك عن أبي سعيد (٢) ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة [٢٥] مساجد ، المسجد الحرام ، ومسجدي ، ومسجد بيت المقدس (٣).

__________________

(١) وردت كلمة عنه في المقدمة.

(٢) هو سعد ابن مالك ابن سنان الخدري الانصاري احد الصحابة ساهم مع الرسول في كل المواقع بعد موقعة احد ونقل الحديث عنه وعن كثير من الصحابة ويزعم ابن العماد الحنبلي ١ : ٦٣ انه روى ١١٧٠ حديثا وهو من السبعة الذين رووا اكثر من الف حديث زار المدائن ودمشق وتوفي في المدينة سنة ٧٤ ودفن بالبقيع (ابن حجر (الاصابة) ٣ : ٨٥ ابن قتيبة (المعارف) ١٣٦ وابن العماد الحنبلي ١ : ٨١ ، والنووي (تهذيب) ٧٢٣.

(٣) انظر البخاري ١ : ١٨١ حيث تجد هذا الحديث عن ابي سعيد الخدري عن النبي وفي موضع اخر في الصفحة نفسها عن ابي سعيد عن ابي هريرة. وانظر ابن حنبل ٢ : ٢٣٤ وليلاحظ الاختلافات اللفظية في نص الحديث.


الباب الحادي عشر

في ذكر ما هناك من قبور الأنبياء

ومحراب داود وعين سلوان

في الصحيح أنه لما احتضر موسى عليه السلام ، قال : يا رب ادنني من الأرض المقدسة رمية حجر ، وفي الأرض المقدسة ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام. انبأنا المبارك ابن أحمد الأنصاري ، أخبرنا أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز ابن عمر النصيبي ، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، أنبأنا أبو حفص عمر ابن الفضل ابن مهاجر ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ابن حماد ، حدثنا هارون ابن سعيد ، حدثنا بشر ابن بكر عن أم عبد الله (١) ، عن أبيها ، أنه قال : من أتى بيت المقدس فليأت محراب داود ، فليصل فيه وليسبح في عين سلوان (٢)

__________________

(١) الارجح انها زوج الامام احمد ابن حنبل وكانت تعرف بهذه الكنية انظر ابن الجوزي (صفة) ٢ : ١٩٢.

(٢) بركة سلوان المذكورة في الانجيل ، يوحنا ٩ : ٧.


فانها من الجنة. قال أبو بكر الخطيب : وحدثنا عيسى ابن عبيد الله (٣) الوراق ، أخبرني [٢٦] علي ابن جعفر الرّازي ، حدثنا عبد الله ابن محمد ابن سلم ، حدثنا عبد الرحمان ابن ابراهيم ، حدثنا أبو حفص عن سعيد ابن عبد العزيز ، قال : كان في زمان بني إسرائيل في بيت المقدس عند عين سلوان عين ، فكانت المرأة إذا قاذفت أتوا بها فشربت منها ، فان كانت بريئة لم يضرها ، وإن كانت نطفة (٤) ماتت فلما حبلت مريم حملوها ، فشربت منها فلم تزدد إلّا خيرا ، فدعت الله أن لا يفضح بها امرأة مؤمنة ، فغارت العين.

__________________

(٣) بالاصل : عبد الله وقد اصلحناها عن صفحة ١٠ من هذه المخطوطة وصفحة ٣٤.

وفي صفحة ١٩ من هذه المخطوطة ذكر لراو اسمه عيسى ابن عبد العزيز الوراق وهو يقع في سلسلة الرواة بين ابي بكر الخطيب وعلي ابن جعفر الرازي والارجح انه هو نفسه عيسى ابن عبيد الله وقد ذكر البغدادي (تاريخ بغداد) ٦ : ٢٢٣ شخصا اسمه عبد العزيز ابن عبيد الله يحدث بحمص عن اسماعيل ابن عياش وليس غريبا ان يكون والد عيسى المذكور في اعلاه فيكون الاسم التام «عيسى ابن عبد العزيز ابن عبيد الله الوراق».

(٤) أي نجسة فاسدة.


الباب الثّاني عشر

في ذكر ما جرى على بيت المقدس من النهب والخراب

قال الله عز وجل : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ،) أي في التوراة (١) ، أخبرناهم بذلك لتفسدن في الأرض مرتين (٢) ، أي في أرض مصر ، بالمعاصي ومخالفة التوراة (٣) وقتل الأنبياء ، وفي المقتول من الأنبياء في الفساد الأول قولان ، أحدهما زكريا (٤) قاله السدي عن أشياخه ، والثاني شعيا فأما المقتول في الفساد الثاني فهو يحيى ابن زكريا ، [٢٧] قال مقاتل (٥) : كان بين الفسادين مئتا سنة وعشر سنين ، فأما سبب

__________________

(١) في الاصل التورة ، ويكتبها الناسخ عموما دون الف كما ذكرنا في المقدمة.

(٢) انظر القرآن ١٧ : ٤.

(٣) في الاصل التورية.

(٤) في الاصل ذكر ما وهو خطأ من الناسخ.

(٥) هو ابو الحسن ابن سليمان ابن بشير الخراساني. كان محدثا ومفسرا بحيث زعم الشافعي ان الناس عيال عليه في التفسير وفد من بلخ الى البصرة ثم الى بغداد وزار سورية وبيروت وفي الاخيرة زعم وهو في جامعها انه يعرف كل شيء فكشف الاوزاعي ضعفه. له من الكتب فيما يقول ابن النديم كتاب التفسير الكبير. توفي في البصرة سنة ١٥٠. ابن النديم ١٧٩ ، ابن خلكان ٢ : ٥٦٧ النووي (تهذيب) ٧٥٤ ، ابن العماد الحنبلي ١ : ٢٢٧.


قتلهم زكريا فانهم اتهموه بمريم ، قالوا منه حملت ، فهرب منهم ، فانفتحت له شجرة ، فدخل فيها. وبقى من ردائه هدب ، فجاءهم الشيطان ، فدلهم عليه ، فقطعوا الشجرة بالمنشار وهو فيها. وأما السبب في قتلهم شعيا فهو أنه أرسل اليهم فنهاهم عن المعاصي ، قال ابن اسحاق (٦) وشعيا هو الذي قال لايلياء ، وهي قرية بيت المقدس ، واسمها أوري شلم ، أبشري أوري شلم! أبشري أوري شلم! أبشري أوري شلم! يأتيك الآن راكب الحمار ، يعني عيسى ، ويأتيك بعده راكب البعير ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. واقبل (٧) سنحاريب ملك بابل معه ستمئة ألف راية حتى نزل حول بيت المقدس ، فقال شعيا : لسنحاريب (٨) ان الله تعالى قد أوحى إليّ أن آمرك أن توصي وتستخلف. فاقبل على القبلة فصلى

__________________

(٦) ابن اسحاق هو كاتب سيرة الرسول التي حفظ قسم منها في الكتاب المعروف بسيرة ابن هشام نشأ في المدينة ثم هجرها بسبب الخصومة التي وقعت بينه وبين الامام مالك وزار سورية ومصر والعراق حيث توفي ببغداد سنة ١٥١ ه‍. ابن العماد الحنبلي ١ : ٢٣٠ وابن قتيبة (المعارف) ٢٤٧.

(٧) الخبر غير متصل وفي الرواية تشويش واختلاف عما في المصادر الاخرى.

(٨) في تفسير الطبري ١٥ : ١٨ فقال شعيا لصديقه ولعله خلط بين حزقيا وصدقيا وفي التوراة ٢ أخ ٣٦ : ١١ ان صدقيا كان ملكا على يهوذا زمن نبوخذ نصر ، وفي ملوك الثاني ٢٠ : ١ ـ ٢ ان الذي كان زمن سنحاريب هو حزقيا واليه قال اشعيا ما يقرب مما في اعلاه واذن فالاولى ان يكون موضع «سنحاريب» كلمة «حزقيا» وعندئذ يستقيم المعنى ويتفق مع رواية التوراة. اما نص تفسير الطبري فهو : «فبعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل ومعه ستمئة الف راية .. فأتى شعيا ملك بني اسرائيل صديقة فقال له : ان ربك قد اوحى الي ان امرك ان توصي وصيتك وتستخلف ... فاقبل على القبلة فصلى وسبح .. فأوحى الله الى شعيا ان يخبر صديقة الملك ان ربه قد استجاب له وقبل منه ورحمه وقد رأى بكاءه وقد اخر اجله ١٥ سنة وانجاه من عدوه سنحاريب ملك بابل». اما سنحاريب فقد كان ملكا على اشور من ٧٠٥ ـ ٦٨١ ق. م. وهو ابن سرجون وخليفته هاجم سورية وحاصر القدس واضطر الى ان يعود عنها بسبب الوباء في جيشه. وبعد عودته الى نينوى قتله ابناه.


وتضرع ، وقال : زد في عمري ، فأوحى الله [٢٨] إلى شعيا أن ربك قد رحمه ، وقد أخرّ أجله خمس عشرة سنة ، وأنجاه من عدوه ، فأصبح جميع الأعداء موتى إلّا خمسة من كتابه ، وسنحاريب ، وأحدهم (٩) بخت نصر ، فتركوا في أعناقهم الجوامع ، وطافوا بهم سبعين يوما حول بيت المقدس. ثم آل الأمر إلى أن قتل شعيا ، ثم صار ملك بيت المقدس والشام لاشناسب بن لهواسب ، وعامله على ذلك كله بخت نصر (١٠). وأما السبب في قتلهم يحيى ابن زكريا عليه السلام ، فان ملكهم أراد نكاح امرأة لا تحل له ، وهويها ، فنهاه يحيى ، وقال السدي عن أشياخه : كانت بنت امرأته فحقدت أمها على يحيى ، فقالت لابنتها تزيني له ، فان أرادك فقولي لا : إلّا برأس يحيى ، ففعلت ، فأمر به فجيء برأسه والرأس يتكلم ويقول إنها لا تحل لك. وما زال دم يحيى يغلي حتى قتل عليه من بني إسرائيل سبعون الفا ، فسكن (١١) وقال ابن اسحق لما رجع بنو إسرائيل من بابل إلى [٢٩] بيت

__________________

(٩) هناك تنقيط بخط متأخر بحيث اصبحت الكلمة «وأخذهم» ، كذلك «كتابه» هي بالاصل كنانه ولكن النقط بخط متأخر. انظر الطبري ١ : ٦٤٠ حيث تجد الخبر نفسه.

(١٠) في الطبري تاريخ ١ : ٦٤٤ «لاشتاسب بن لهراسب» وهو تحريف هستاسبوس ابن اربساس ووالد داريوس. الذي ملك على الفرس من ٥٢١ ـ ٤٨٦ ق. م. وفي تفسير الطبري ١٥ : ١٨ ـ ١٩ فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة من كتابه احدهم بخت نصر فجعلوهم في الجوامع (أي القيود) .. وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس ايليا.

(١١) في تفسير الطبري ١٥ : ٢٥ الرواية نفسها عن السدي بشكل مطول قال : ثم ان ملك بني اسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا ويدني مجلسه ويستشيره في امره ولا يقطع امرا دونه وأنه هوى ان يتزوج ابنة امرأة له فسأل يحيى عن ذلك فنهاه عن نكاحها وقال : لست ارضاها لك فبلغ ذلك امها فحقدت على يحيى حين نهاه ان يتزوج ابنتها فعمدت ام الجارية حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها من الحلي وقيل انها ألبستها فوق ذلك كساء


المقدس ، ما زالوا يحدثون الأحداث ويكذبون الأنبياء إلى أن بعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام ، فبعث الله عز وجل عليهم بعد عيسى ملكا من ملوك بابل يقال له خردوس (١٢) ، فدخل بيت المقدس فوجد دما يغلي (١٣) ، قالوا : دم قربان ، قال : ويلكم اصدقوني. قالوا : دم نبيّ منا قتلناه. قال : فلهذا انتقم فيكم منكم. قال الله عز وجل : فاذا جاء وعد أولاهما ، أي عقوبة أولى المرتين ، بعثنا أي أرسلنا عليكم عبادا لنا. وفيهم خمسة أقوال. أحدها (١٤) جالوت (١٥) وجنوده. أخبرنا عبد

__________________

اسود وارسلتها الى الملك وامرتها ان تسقيه وان تعرض له نفسها فان ارادها على نفسها ابت عليه حتى يعطيها ما سألته فاذا اعطاها ذلك سألته ان يأتي برأس يحيى ابن زكريا في طست ففعلت فجعلت تسقيه وتعرض له نفسها فلما اخذ فيه الشراب ارادها على نفسها فقالت : لا افعل حتى تعطيني ما أسألك. فقال : ما الذي تسأليني قالت : اسألك ان تبعث الي يحيى ابن زكريا فأوتي برأسه في هذا الطست ... وتنتهي هذه الرواية في ان بخت نصر اتى ورأى الدم يغلي وقتل من بني اسرائيل ٧٠ الفا. وقابل مع الكامل لابن الاثير ١ : ٢١٤ ـ ٢١٦.

(١٢) انظر الطبري (تاريخ) ١ : ٧٢٠ ـ ٧٢٣ ولعل الاسم محرف عن هيرودس وفي تفسير الطبري ١٥ : ٣٢ يسميه خردوس وقد ذكر الطبري في تاريخه هذا الخبر وزاد على هذا انه كان لخردوس هذا قائد تحت امرته اسمه نبوزر اذ ان نفذ اوامره بالانتقام ليحيى من بني اسرائيل. وهذا القائد هو دون شك نبوزراذان المذكور في التوراة قائدا لحرس نبوخذ نصر وقد خلفه وراءه في فلسطين ليكمل الهدم وقد احرق كما يقول ارميا ٥٢ : ١٢ ـ ٣٠ القدس وحمل كثيرين من اهلها اسرى ويظهر ان مؤرخي العرب ومنهم الطبري وابن الجوزي قد خلطوا بين خردوس المحرفة عن هيرودس وبين نبوخذ نصر ملك بابل. على انه يجب ان نذكر هنا ان الطبري لم يقبل قول من قال ان نبوخذ نصر انتقم ليحيى حيث ان هناك نحو ٤٠٠ سنة تفصل بينهما.

(١٣) لعل هناك شيئا ساقطا بين «يغلي» و «قالوا» كأن يكون : فسألهم عنه.

(١٤) بالاصل «احدهما».

(١٥) هو جليات التوراة الذي قتله داود انظر سورة البقرة الايات (٢٤٧ ـ ٢٥١) لخبر جالوت وطالوت وانظر نص هذه الاقتباسات من القرآن في سورة ١٧ : ٥.


الوهاب ابن المبارك (١٦) الحافظ ، أنبأنا أبو الفضل ابن خيرون. أنبأنا أبو علي ابن سادان ، أنبأنا أحمد ابن كامل ، حدثني محمد ابن سعد ، حدثني أبي عن عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عبّاس ، بعثنا عليكم عبادا لنا جالوت فجاسوا خلال ديارهم ، وضربوا عليهم الخراج والذل ، فسألوا (١٧) الله أن يبعث لهم ملكا يقاتلون في سبيل الله ، فبعث الله طالوت ، فلما أفسدوا بعث الله عليهم في المرّة [٣٠] الأخرى بخت نصر. والثاني ان الذي بعث في المرة الاولى بخت نصر. قاله سعيد ابن المسيّب ، واختاره الفرّاء ، والزجاج. والثالث العمالقة وكانوا كفارا. قاله (١٨) ابن الحسن. والرابع سنحاريب قاله سعيد ابن جبير (١٩). والخامس قوم من أهل فارس قاله مجاهد (٢٠). قال ابن

__________________

(١٦) احد شيوخ ابن الجوزي ولد سنة ٤٦٢ ه‍. وتوفي سنة ٥٣٨. درس عليه ابن الجوزي الحديث في جامع المنصور في بغداد واثنى على علمه بالحديث (ابن الجوزي (صفة) ٢ : ٢٨١) وقال ايضا فيه : «ولقد كنت اقرأ عليه الحديث في زمان الصبا ولم أذق بعد طعم العلم فكان يبكي بكاء متصلا. وكان ذلك البكاء يعمل في قلبي واقول ما يبكي هذا هكذا الا لامر عظيم. فاستفدت ببكائه ما لم استفد بروايته ابن الجوزي (المنتظم) ١٠ : ١٠٨ وانظر ايضا ابن رجب (الذيل) ٢٤٠ وابن العماد الحنبلي ٤ : ١١٦. وكلاهما نقل عن ابن الجوزي.

(١٧) في الاصل «فسلوا».

(١٨) لا نعلم من هو ابن الحسن هذا.

(١٩) سعيد مولى بني والبة وهو احد القراء والمحدثين عينه الحجاج قاضيا في الكوفة ثم كاتبا لواليها ابي بردة. ثم ثار على الحجاج في فتنة ابن الاشعث وهرب بعدها الى مكة فألقي عليه القبض وارسل الى الحجاج فقتله سنة ٩٤ ه‍. النووي (تهذيب) ٢٧٨.

(٢٠) هو الامام ابو الحجاج مجاهد ابن جبر كان مولى بني مخزوم وضع تفسيرا للقرآن وعرضه فيما قال ٣٠ مرة على ابن عباس ليتأكد ان كل اية قد فسرت على الوجه الصحيح.

اعتمد على كثير من الصحابة في عمله ويعد من اعظم رجال التفسير توفي في مكة سنة ١٠٣ ه‍. (الطبري (تفسير) ١ : ٣١ ، الاصبهاني (الحلية) ٣ : ٢٧٩ ـ ٣١٠ ، ابن الجوزي (صفة) ٢ : ١١٧ ، ابن العماد الحنبلي ١ : ١٢٥ ، النووي (تهذيب) ٥٤٠.


زيد (٢١) :

سلط عليهم سابور ذا الأكتاف (٢٢) من ملوك فارس «أولي بأس شديد» ، أي ذوي (٢٣) عدد وقوة في القتال «فجاسوا خلال الديار» ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه ، «وكان وعدا مفعولا» ، لا بدّ من كونه ، «ثم رددنا لكم الكرة عليهم» ، حين قتل داود جالوت. وعاد ملكهم اليها ، «وجعلناكم أكثر نفيرا» أي عددا «إن أحسنتم» وقلنا لكم «فاذا جاء وعد الآخرة» ، (٢٤) أي وعد عقوبة المرة الأخرة من إفسادكم ، وهو قتل يحيى ، وقصدهم عيسى ، بعثناهم فسلط الله عليهم ملوك فارس والروم (٢٥) ، فقتلوهم وسبوهم ، وقتل بخت نصر ، فانه أخرب [٣١] المساجد وسبى الذرية ، وهم سبعون الف غلام. أخبرنا عبد الوهاب الحافظ ، أنبأنا أبو الفضل ابن خيرون ، أنبأنا أبو علي ابن شادان ، أخبرنا أحمد ابن كامل ، حدثني محمد ابن سعد ، حدثني أبي ، حدثنا عمي ، عن ابيه ، عن جدّه ، عن ابن عباس ، قال : بعث الله عليهم في المرة الأخيرة

__________________

(٢١) لعله خارجة ابن زيد ابن ثابت وكان من رجال الحديث وعده ابن سعد ثقة (٥ : ١٩٣ ـ ١٩٤) توفي سنة ١٠٠ في خلافة عمر ابن عبد العزيز. النووي (تهذيب) ٢٢٣.

(٢٢) في الاصل الاكتان وهو شابور الثاني ٣١٠ ـ ٣٧٩ م. الساساني سمى كذلك لانه فيما يقال ثقب اكتاف الاسرى العرب.

(٢٣) في الاصل : «ذو».

(٢٤) هذه العبارات التي بين علامات الاقتباس كلها من القرآن سورة الاسراء ٥ ـ ٧ «فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا ، ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اسأتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسوعوا وجوهكم» الى اخر الاية.

(٢٥) الكامل لابن الاثير ١ : ٢٠٨ وسبب تسليط الله اياه (اي ملك الفرس) عليهم قتلهم يحيى بن زكريا .. ثم يقول : وقيل ان الذي غزا بني اسرائيل طيطوس ابن اسفيانوس ملك الروم فقتلهم وسباهم.


بخت نصر ، فخرب المساجد ، «وتبرّ ما علوا تتبيرا ، عسى ربكم أن يرحمكم فرحمهم (٢٦) بعد انتقامه منهم ، وعمر بلادهم ، وأعاد نعمتهم بعد سبعين سنة «وان عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة» (٢٧) قال العلماء : ثم عادوا إلى المعصية. فبعث الله عليهم ملوكا من فارس والروم. ثم كان آخر ذلك أن بعث الله سبحانه محمدا فتركهم في عذاب الجزية (٢٨). فصل (٢٩) : واختلف العلماء في الذي مر على قرية ، فقال الأكثرون هو عزيز (٣٠). أخبرنا ابن الحصين (٣١) ، أنبأنا ابن غيلان ، حدثنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا أبو يعقوب الحربي ، حدثنا أبو حذيفة النهدي ، حدثنا سفيان ثوري ، عن أبي اسحاق [٣٢] ، عن ناجيه (٣٢) ابن كعب ، «أو كالذي مرّ على قرية» (٣٣) ، قال ، هو عزيز. وهذا مذهب علي ابن أبي طالب

__________________

(٢٦) الاسراء : ٨ ، فرحمهم فرد اليهم ملكهم الطبري (تفسير) ١٥ : ٢٧.

(٢٧) «وان عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين مصيرا» (الاسراء ٨).

(٢٨) في تفسير الطبري ١٥ : ٣٥ : ثم كان ختام ذلك ان بعث الله عليهم هذا الحي من العرب فهم في عذاب منهم الى يوم القيامة فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون.

(٢٩) لم تستعمل هذه الكلمة سوى هذه المرة في كل الكتاب وليس غريبا ان يكون قد وضعها فاصلا بين قسمي هذا الباب لانه اطول الابواب كلها. وكان يمكن ان يظن من ورود كلمة «فصل» في هذا الباب ان الكتاب في الاصل كان مطولا وقسمت بعض ابوابه الى فصول حذفت حين اختصر ولم يبق لها ذكر الا في هذا الموضع.

ولكننا اشرنا في المقدمة الى اننا نرجح ان الكتاب الذي بين ايدينا ليس موجزا كما يمكن ان يظن.

(٣٠) هو عزرا في التوراة.

(٣١) وردت ترجمة له في المقدمة.

(٣٢) احد الصحابة سمي ناجيه لانه نجا من العذاب الذي كان تسيمه اياه اعداء النبي.

وكان موكلا بابل النبي وعده ابن الاثير (اسد الغابة) ٥ : ٦. من محدثي المدينة.

(٣٣) القرآن ، البقرة : ٢٥٩.


وابن عباس. قال وهب ابن منبه : كان عزير (٣٤) من السبايا التي سباها بخت نصر من بيت المقدس ، فرجع إلى الشام فبكى على فقد التوراة ، فنّبىء (٣٥) وكان بخت نصر لما دخل إلى بيت المقدس قد أحرق التوراة (٣٦) وساق بني إسرائيل إلى بابل (٣٧) ، فتلاها عزير عليهم فافتتنوا به ، وقالوا : هو ابن الله ، ودفعها إلى تلميذ له ، ومات ، وكان اسم التلميذ ميخائيل ، فبدّلها وزاد فيها ونقص منها. ويدل على ذلك أن فيها أحاديث أسفار موسى ، وما جرى له ، وموته ، ووصيته ، وليس هذا من كلام الله عز وجل. وأتى عزير على بيت المقدس بعد ما خربه بخت نصر البابلي ، فقال : أنى (٣٨) تعمر هذه بعد خرابها. فأماته الله مئة عام (٣٩) ، فأول ما خلق منه رأسه ، ثم ركبت فيه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه تتصل بعضها ببعض. ومات وهو ابن أربعين سنة [٣٣] وابنه ابن عشرين. فلما عاش أتى قومه فقال : أنا عزير ، فقالوا : حدثنا أباؤنا أن عزيرا مات بأرض بابل فأملى التوراة (٤٠) عليهم. وقيل ذلك الرجل ارميا ، روى عبد الصمد ابن معقل (٤١) عن وهب ابن منبه ، قال :

__________________

(٣٤) كان عزير او عزوريا من الذين سباهم بخت نصر الطبري (تفسير) ١٥ : ٢٦.

(٣٥) في الاصل فبني ولعل هناك شيئا قد اهمله الناسخ.

(٣٦) وحمل التوراة معه ثم ألقاها في النار الطبري ١٥ : ٢٧.

(٣٧) قابل بتفسير الطبري ١٥ : ٢٦ ـ ٢٧.

(٣٨) في الاصل أنا راجع ابن الفقيه ٩٨ وانظر القرآن : البقرة ٢٥٩.

(٣٩) ابن الفقيه ٩٨ فاخربه بخت نصر فمر عليه شعيا فرآه خرابا فقال انى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام ثم بعثه. وابتناه ملك من ملوك فارس يقال له كوشك.

(٤٠) في الاصل التورية.

(٤١) في الاصل يعقل وهو ابن اخي وهب وتلميذه وعني كعمه بنقل اخبار اهل الكتاب (ذكره الطبري في مواضع كثيرة انظر الفهرس وابن سعد ٥ : ٣٩٨).


اقام ارميا بارض مصر ، فاوحى الله تعالى اليه ، ان الحق بارض ايلياء فان هذه ليست لك بارض مقام. فركب حماره ، حتى اذا كان ببعض الطريق ، واخذ معه سلة من عنب وسقاء جديدا فيه ماء ، فلما بدا له شخص بيت المقدس ، وما حوله من القرى والمساجد ، ونظر الى خراب لا يوصف ، قال : أنّى يحيى هذه الله بعد موتها. ثم ربط حماره وعلفه وسقاه فالقى الله عليه النوم ، واماته في نومه ، فمرت عليه سبعون سنة ، فارسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم ، فقال :

ان الله يامرك ان تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس ، وايلياء وارضها ، حتى تعود اعمر مما كانت (٤٢). فندب ثلثة الاف (٤٣) قهرمان ، ودفع الى كل [٣٤] قهرمان الف عامل ، وما يصلحه من اداة العمل ، فساروا اليها وهم ثلاثة الاف (٤٤) عامل ، فلما وقعوا في العمل رد الله عز وجل روح الحياة في عيني ارميا ، واخر جسده ميت ، فنظر إلى ايلياء وما حولها من المدائن والمساجد والحروث تعمل وتعمر وتحدد حتى عادت اعمر ما كانت بعد ثلاثين سنة تمام المئة ، فرد الله اليه الروح ، فنودي من السماء كم لبثت [قال](٤٥) يوما ، ثم نظر إلى بقية الشمس فقال : يوما او بعض يوم. فنظر إلى طعامه وشرابه وكان معه تين وعنب ، ولم يتغير ، ونظر إلى حماره وقد تفرقت او صاله فجمعه الله عز وجل (٤٦). انبأنا ابو المعمر ، اخبرنا ابو الحسين الفراء ، انبأنا عبد العزيز ابن احمد ، انبأنا ابو بكر محمد ابن احمد الخطيب ، حدثنا عيسى ابن عبيد الله اخبرني علي

__________________

(٤٢) قابل بما سفر عزرا ١ : ١ ـ ٣. وفي الاصل ألقى الله عليه النوم.

(٤٣) في الاصل ألف.

(٤٤) في الاصل ألف.

(٤٥) في الاصل «يوما» دون قال.

(٤٦) قابل هذه القصص بما ورد في الكامل في التاريخ لابن الاثير ج ١ : ١٨٩ ـ ١٩٢.


ابن جعفر الرازي ، حدثنا محمد ابن سليمان ابن مسكين ، حدثنا اسحق ابن رزيق ، حدثنا عثمان ابن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا يزيد ابن (٤٧) عمر عن منصور عن ربعي ابن حراش ، عن حذيفة ، (٤٨) [٣٥] ابن اليمان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال : غزا طاطري بن اسمانوس (٤٩) بني اسرائيل فسباهم ، وسبى حلي بيت المقدس ، وأحرقها بالنيران ، وحمل منها في البحر الفا وسبع مئة سفينة حليا ، حتى اورده رومية. قال حذيفة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ليخرجن المهدي ذلك حتى تؤديه إلى بيت المقدس (٥٠). أنبأنا محمد ابن ناصر ، انبأنا عبد الرحمان ابن منده ، حدثنا ابي ، حدثنا احمد ابن محمد ابن ابراهيم ابن حكيم (٥١) ،

__________________

(٤٧) كذا بالاصل ولكنها قد أصلحت بخط متأخر لتقرأ «بن مدين» بدل «يزيد بن»

(٤٨) حذيفة العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين (ابن العماد الحنبلي ١ : ٤٤) كان من الصحابة وكان النبي يعزه وسمي ابن اليمان لان جده حالف بني عبد الاشهل وهم من اليمن. توفي سنة ٣٦ ، النووي (تهذيب) ١٩٩ ، ابن القيسراني (الجمع) ١ : ١٠٧.

(٤٩) هو الامبراطور طيطس فلافيوس سابينوس فسبسيانوس ولد ٤٠ او ٤١ م. ومات ٨١ وقابل هذا بما في الكامل لابن الاثير ١ : ٢٠٨ ففيه وقيل ان الذي غزا بني اسرائيل طيطوس بن اسفيانوس ملك الروم فقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس ... الخ.

(٥٠) ليس لهذا الحديث ولا للذي قبله ذكر فيما روي عن حذيفة في كتاب حلية الاولياء ج ١ : ٢٧٠ ـ ٢٨٧ ولكنه موجود في الكامل في التاريخ لابن الاثير ١ : ٢٠٨ وقيل ان الذي غزا بني اسرائيل طيطوس ابن اسفانيوس ملك الروم فقتلهم وسباهم وخرب بيت المقدس. وكانت الروم غزت بلاد فارس يطلبون ثأر انطيخس الخ.

وفي تفسير الطبري ١٥ : ١٧ : الثالث ملك رومية يقال له قاقس بن اسبايوس فغزاهم في البر والبحر فسباهم وسبى حلي بيت المقدس واحرق بيت المقدس بالنيران ... فقال النبي هذا من صفة حلي بيت المقدس ويرده المهدي الى بيت المقدس وهو الف سفينة وسبعماية سفينة يرسى بها على يافا حتى تنقل الى بيت المقدس وبها يجمع الله الاولين والاخرين.

(٥١) بالاصل حليم وقد ضبطناها عن ص ٥٦ من المخطوطة.


حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير ، حدثنا سليمان ، حدثنا الوليد عن سعيد ابن عبد العزيز ، قال : اخربت الروم اهل رومية ، مسجد بيت المقدس واتخذته مزبلة ، حتى ان كانت المرأة لتبعث بخرق من دمها حتى تلقى في مسجد بيت المقدس فلما قرأ قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يدعوه إلى الاسلام ، فقرأه على بطارقة الروم ببيت المقدس فلما فرغ من قراءته قال : ويلكم ما ترون وقد خربتم هذا المسجد واتخذتموه مزبلة توبوا مما [٣٦] صنعتم والا قتلتم عليه كما قتلت بنو اسرائيل على دم يحيى ابن زكريا. فاخذوا في كنسه ، وهو يومئذ مزبلة ، وقد حاذت محراب داود. فما كنسوا الا الثلث حتى قدم المسلمون وحضر عمر ابن الخطاب فتحها ، وولي كنسها بنفسه ومن معه من المسلمين.


الباب الثّالث عشر

في غزاة موسى ارض بيت المقدس

قال علماء السير : امر الله عز وجل موسى وقومه بالسير إلى اريحا. وهي أرض بيت المقدس. قال السدي (١) : فساروا حتى إذا كانوا قريبا منها ، بعث موسى اثني عشر نقيبا من جميع أسباط بني اسرائيل ليأتوا (٢) بخبر الجبارين ، فلقيهم عوج (٣) فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته (٤) ، وعلى رأسه حمل حطب ، فانطلق بهم إلى امرأته ، فقال : انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتلنا ، فطرحهم بين يديه ، فقال : ألا أطحنهم برجليّ؟ قالت : لا بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض : يا قوم انكم إن اخبرتم بني [٣٧] اسرائيل خبر القوم رجعوا عن نبي الله ، ولكن اكتموا واخبروا نبي الله. فانطلق عشرة

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ٦ : ١١٤.

(٢) في الاصل لياتونه.

(٣) ملك باشان الاموري وهو من سلالة الرفائيين وامتد ملكه من وادي ارنون الى جبل حرمون وكان جبارا شديد البأس (تثنية ٣ : ١ ـ ١١) و (يشوع ١٢ : ٤ ، ٥).

(٤) غير منقطة بالاصل والحجزة معقد الازار.


منهم فاخبروا أهاليهم ، وكتم رجلان. فقال الناس : إن فيها قوما جبارين ، وأنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ، والرجلان يوشع وكالب ابن يوفنّا ، فقال الله تعالى فانها محرّمة عليهم ، فضرب عليهم التيه ، فكان موسى لما نزل بأرض كنعان من أرض الشام وفيهم بلعام قالوا له ادع عليه! قال ويلكم : كيف ادعو (٥) على نبي الله فالزموه فدعا عليهم فتاهوا (٦).

__________________

(٥) في الاصل ادعوا.

(٦) قابل بما في سفر التثنية ١ : ٢٣ ـ ٣٨ الطبري (تفسير) ٦ : ١١٣ ـ ١١٥ ، ١١٩.


الباب الرّابع عشر

في فتح يوشع بيت المقدس

قال أهل السير : أمر الله عزّ وجلّ يوشع ابن نون المسير إلى أريحا لحرب من فيها من الجبارين ، وهي التي امتنع بنو اسرائيل عن دخولها فماتوا في التيه ، ومات موسى وهرون في التيه ، ومات الكل سوى يوشع وكالب ، إنما دخل يوشع بابنائهم ، فدخلوا عليهم فقتلوهم ، فكانت العصابة من بني اسرائيل تجتمع [٣٨] على عنق الرجل حتى يقطعوها (١). وكان القتال يوم الجمعة ، فخافوا من دخول السبت ، فقال يوشع : اللهم احبس الشمس. فوقفت بينها وبين الغروب قيد رمح (٢) ، فثبتت مقدار ساعة حتى افتتحها ، وقتل أعداءه ، وهدم أريحا ومدائن الملوك. أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد ابن جعفر ، حدثنا عبد الله ابن أحمد ، حدثني

__________________

(١) في الاصل حتى يقطعونها وفي تفسير الطبري ٦ : ١١٧ فاقتحموا عليهم يقاتلونهم فكانت العصابة من بني اسرائيل يجتمعون على عنق الرجل لا يقطعونها. وقابل بسفر يشوع ١٠ : ٢٤ ـ ٢٥ حيث تجد «تقدموا وضعوا ارجلكم على اعناق هؤلاء الملوك».

(٢) قابل بما في سفر يشوع ١٠ : ١٢ ـ ١٣.


أبي ، حدثنا اسيود ابن عامر ، حدثنا أبو بكر ابن هشام عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الشمس لم تحبس على بشر إلا يوشع ابن نون ليالي سار إلى بيت المقدس (٣). وقال وهب ابن منبه : كان يسرج في بيت المقدس ألف قنديل ، وكان يخرج زيت من طور سينا مثل عنق البعير حتى يصب في القنديل ولا يمس بالأيدي. وكانت تنحدر نار من السماء بيضاء فيسرج بها ، وكان على السراج ابنا هارون ، فاوحى الله تعالى اليهما أن لا تسرجا بنار الدنيا ، فابطأت النار عنهما عشيّة ، فعمدا إلى نار من نار الدنيا فاسرجا بها ، [٣٩] فانحدرت النار فأحرقتهما ، فخرج الصريخ إلى موسى ، فخرج إلى الموضع الذي كان يناجي فيه ربه ، فقال : اي رب! ابنا هرون أخي قد علمت منزلتهما مني ومكاني ، فانحدرت النار فأحرقتهما. فقال له : يا موسى هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف بأعدائي.

__________________

(٣) ابن حنبل ٢ : ٣٢٥ حدثنا عبد الله حدثني ابي حدثنا اسود بن عامر انبأنا ابو بكر عن هشام عن ابن سيرين عن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع ليالي سار الى بيت المقدس.


الباب الخامس عشر

في ذكر صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بيت المقدس

قال الزهري (١) : لم يبعث الله عز وجل منذ خلق آدم إلى الدنيا نبيا إلا جعل قبلته صخرة بيت المقدس ، وقد صلى إليها نبينا صلى الله عليه وسلم. أخبرنا عبد الأول (٢) ، أنبأنا ابن المظفر ، أنبأنا ابن اعين ، أنبأنا الفربري (٣) ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله ابن رجاء عن اسرائيل ،

__________________

(١) هو محمد ابن مسلم ابن عبيد الله المعروف بأبي شهاب الزهري. محدث مشهور ولد حوالي منتصف القرن الاول للهجرة وتوفي سنة ١٢٤ ه‍. اخذ الحديث عن عروة ابن الزبير وسعيد ابن المسيب ويقال انه اول من دون الاحاديث وقد اخذ عنه ابن اسحاق كاتب السيرة ويروي انه لما رأى الخليفة عبد الملك ان عبد الله ابن الزبير اخذ يرغم الحجيج على مبايعته سعى في تحويل السوريين الى الحج الى بيت المقدس واستعان بالزهري لدعمه في ذلك (ابن خلكان ٢ : ٢٢٤ ، ابن قتيبة (المعارف) ٢٣٩ ، اليعقوبي ٢ : ٣١١ ، ابن سعد ٥ : ١٥٨ ، النووي (تهذيب) ١١٧.

(٢) ابو الوقت عبد الاول ابن عيسى السجزي محدث وصفه ابن العماد الحنبلي بأنه مسند الدنيا حمله ابوه من هراة وقدم بعدها بغداد فازدحم الخلق عليه وكان خيرا متواضعا وتوفي فيها عام ٥٥٣ ه‍.

(٣) غير واضحة في الاصل وهي مهملة التنقيط وقد راجعت اصولا كثيرة في البحث عمن اخذوا عن البخاري فوقعت في شذرات الذهب ٢ : ٣٨٦ على اسم صاحبنا وهو «محمد ابن يوسف ابن مطر الفربري صاحب البخاري كان بفربر وهي بليدة على طرف جيحون ، وهو احسن من روى الحديث عن البخاري».


عن أبي اسحق ، عن البراء (٤) ، قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، وكان يحب أن يتوجه إلى الكعبة. أخرجاه في الصحيحين (٥). وقال [٤٠] ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام : وددت أن ربي عز وجل صرفني عن قبلة اليهود إلى قبلة آبائي ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب (٦).

__________________

(٤) البراء ابن عازب ابن الحارث ، محدث صحابي انصاري منعه النبي من المساهمة في واقعة بدر لانه كان صغيرا ولكنه قاتل في واقعة أحد وفي غزوات اخرى (ابن حجر ١ : ١٤٧) وقد ذكره الطبري في مواضع كثيرة من تاريخه وذكره ابن العماد الحنبلي ٧ : ٦٣ بين المحدثين المكثرين وزعم النووي عنه انه روى ثلاثمئة وخمسة احاديث (تهذيب) ص ١٧٢. استقر اخيرا في الكوفة وتوفي سنة ٧٢ (ابن حنبل ٤ : ٢٨٠ ـ ٣٠٤).

(٥) راجع البخاري ١ : ٧١ وانظر ايضا ابن حنبل ٤ : ٢٨٣ تجد هذا الحديث في مسنده.

(٦) في البخاري ١ : ٧٢ عن انس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث. قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى فنزلت الاية واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. واية الحجاب قلت : يا رسول الله لو امرت نساءك ان يحتجبن فانه يكلمن البر والفاجر. فنزلت اية الحجاب. واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت له : عسى ربه ان طلقكن ان يبد له ازواجا خيرا منكن فنزلت هذه الاية.


الباب السّادس عشر

في ذكرى مسرى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الى بيت المقدس

وما جرى له هناك وذكر صلاته اليه

أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد ابن جعفر ، أنبأنا عوف عن زرارة ابن أوفى ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (١) لما كان ليلة أسري بي ، فأصبحت بمكة ، قطعت بأمري وعرفت أن الناس مكذّبي. فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معتزلا حزينا ، فمر به أبو جهل (٢) ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزىء : هل كان من شيء؟ قال : نعم! قال : وما هو؟ قال : اني (٣) أسري بي في (٤) الليلة. قال : إلى أين؟ قال : إلى بيت المقدس.

__________________

(١) الحديث التالي مذكور بتمامه في مسند ابن حنبل ١ : ٣٠٩.

(٢) المخزومي وكان يضطهد المسلمين وقتل يوم بدر راجع ابن هشام ١ : ٢٦٢ ، ٥٠٤ ، ٥٠٩ وجبور (حياة ابن ابي ربيعة) ٤ ، ٧ ، ١٠.

(٣) في المسند «انه».

(٤) «في» غير موجودة في المسند.


قال : ثم أصبحت بين ظهر انينا؟ قال : نعم! قال : فلم يره أنه [٤١] مكذبه (٥) مخافة أن يجحده الحديث إن (٦) دعا (٧) قومه اليه. قال (٨) : إن دعوت قومك اتحدثهم (٩) بما حدثتني؟ فقال : نعم! فقال : ها (١٠) معشر بني (١١) كعب ابن لوي ، حتى انفضت (١٢) اليه المجالس ، وجاءوا حتى جلسوا اليهما (١٣). فقال : حدّث قومك ما (١٤) حدثتني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اني أسري بي في (١٥) الليلة. قالوا : إلى أين؟ قال (١٦) : إلى بيت المقدس. قالوا : ثم أصبحت بين ظهر انينا؟ قال : نعم! فمن بين مصفق ومن بين واضع يديه على رأسه متعجبا للكذب. زعم ، قالوا : وهل تستطيع (١٧) أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (١٨) : فما زلت

__________________

(٥) في المسند يكذبه.

(٦) في المسند اذا.

(٧) في الاصل : دعى وفي المسند دعا.

(٨) في المسند قال أرأيت.

(٩) في المسند تحدثهم.

(١٠) في المسند هيا.

(١١) في الاصل : بن وفي المسند بني.

(١٢) في المسند فانتقضت.

(١٣) في المسند اليهما وفي الاصل اليه.

(١٤) في المسند بما.

(١٥) غير موجودة في المسند.

(١٦) في المسند قلت وفي الاصل قال.

(١٧) في المسند وهل تستطيع وفي الاصل وتستطيع.

(١٨) في المسند «وسلم فذهبت انعت».


أنعت حتى التبس علي بعض النعت (١٩) فجيء بالمسجد وأنا أنظر اليه (٢٠) حتى وضع دون دار عقيل ، فنعته وأنا أنظر اليه (٢١) ، قال القوم أما النعت فو الله لقد أصاب (٢٢).

أخبرنا ابن الحصين ، أنبأنا ابن المذهب ، أنبأنا أحمد ابن جعفر ، حدثنا عبد الله ، حدثني [٤٢] أبي ، حدثنا يعقوب ، حدثنا أبي ، قال ابن شهاب ، قال أبو سلمة ، سمعت ابن عبد الله (٢٣) يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما كذبتني قريش حين اسري بي إلى بيت المقدس ، فقمت (٢٤) ، في الحجر (٢٥) فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم من آياته وأنا أنظر اليه (٢٦).

__________________

(١٩) في المسند النعت قال.

(٢٠) غير موجودة في المسند.

(٢١) في المسند اليه وكان مع هذا نعت لم احفظه.

(٢٢) انظر ايضا نص هذا الحديث عن الاسراء في ابن كثير ٣ : ١١٣ ففيه تغيير طفيف لعله من تصرف ابن كثير وفي تفسير الطبري ١٥ : ١٢ ـ ١٣ قالوا يا محمد تخبرنا انك اتيت بيت المقدس واقبلت من ليلتك ثم اصبحت عندنا بمكة؟

(٢٣) هو جابر ابن عبد الله الانصاري. صحابي رافق النبي في ١٧ غزاة وكان بين المحدثين السبعة الذين روي ان كلا منهم روى اكثر من الف حديث عن النبي وقد نسب اليه رواية ١٥٤٠ حديثا وكان ابوه صحابيا ايضا وقتل في يوم أحد. توفي في المدينة عام ٧٣ ه‍. أو ٧٨ وقيل كان عمره ٩٤ سنة (النووي (تهذيب) ١٨٤ ، ابن الاثير (اسد) ١ : ٢٥٦ ـ ٢٥٨ ، ابن سعد مجلد ٣ قسم ٢ ص ١١٤ والبخاري ٢ : ٢٨٢ حيث تجد الحديث الذي في اعلاه.

(٢٤) بالاصل فنمت.

(٢٥) الحجر هو الساحة بين الكعبة والجدار الشمالي.

(٢٦) قابل بما في البخاري ٢ : ٢٨٢ وابن كثير ٣ : ١١٣.


أنبأنا محمد ابن ناصر الحافظ ، حدثنا أبو بكر أحمد ابن علي ابن العلبي (٢٧) الزاهد ، أنبأنا أبو يعلى ابن الفراء ، أنبأنا موسى ابن عيسى ابن عبد الله السراج ، أنبأنا البغوي ، حدثنا محمد ابن حميد ، حدثنا أبو نميلة ، حدثنا الزبير ابن جنادة عن ابن بريدة عن أبيه (٢٨) ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : لما انتهى به جبريل إلى بيت المقدس ، فنزل عن البراق (٢٩) فأراد أن يشده ، فقال جبريل باصبعه ، فثقب الحجارة فشده. أنبأنا أبو المعمر ، أنبأنا أبو الحسين القاضي ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي حدثنا الوليد ابن حماد ، حدثنا عبد الرحمن ابن محمد ابن منصور ابن ثابت ، حدثنا أبي عن أبي طاهر [٤٣] أحمد ابن محمد ، عن كعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء قبل ، قال : ثم دخل جبريل أمامه ، فأذن جبريل ونزلت الملائكة من السماء ، وحشر الله له المرسلين ، ثم أقام الصلاة. وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين ، ثم تقدم فوضع له مرقاة من ذهب ، ومرقاة من فضة ، وهو المعراج. وهي القبة الدنيا التي عن يمين الصخرة. ومن أتى القبة قاصدا ، وله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة ، فصلى ركعتين أو أربع ركعات ، تبين له سرعة اجابته. أنبأنا المبارك ابن أحمد ، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن محمد ، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر النصيبي ، أنبأنا أبو بكر أحمد ابن صالح ابن عمر المقرىء ، حدثنا عيسى

__________________

(٢٧) غير واضحة في الاصل ومهملة التنقيط.

(٢٨) بريدة ابن الحصيب صحابي من رواة الحديث رافق النبي في ١٦ غزاة (ابن حنبل ٥ : ٣٤٩) وساهم في الفتوح في خلافة عثمان (ابن حجر ١ : ١٥١) حيث استقر في خراسان ومات بها سنة ٦٢ أو ٦٣ ه‍. (ابن الفقيه ٣١٦) وقد نسب اليه انه روى ١٦٤ حديثا (النووي (تهذيب) ١٧٣) وكان من الحفاظ (ابن سعد ٧ قسم ٢ ص ٩٩).

(٢٩) من «برا» الفارسية بمعنى حصان او فرس واللاحقة «القاف»).


ابن عبد الله ، حدثنا علي ابن جعفر الرازي ، حدثنا العباس ابن أحمد ابن عبد الله الرازي ، حدثنا العباس ابن أحمد ابن عبد الله (٣٠) ، حدثنا عبد الله ابن عمر المقدسي ، حدثنا بكر [٤٤] ابن زياد الباهلي عن عبد الله ابن المبارك ، عن سعد ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن زرارة ابن أوفى ، عن أبي هريرة. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أسري بي إلى بيت المقدس ، مرّ بي جبريل على قبر ابراهيم. فقال انزل فصلّ هاهنا ركعتين. هاهنا قبر أبيك ابراهيم. ثم مرّ بي ببيت لحم ، فقال انزل صلّ هاهنا ركعتين [هاهنا] ولد أخوك عيسى. ثم أتى بي إلى الصخرة فقال من هاهنا عرج ربك إلى السماء. قال أبو بكر المقرىء ، حدثنا أبو القسم البغوي ، حدثنا أبو نصر السمار (٣١) حدثنا سعيد ابن عبد العزيز ، عن زياد ابن (٣٢) أبي سودة ، أن عبادة ابن الصامت (٣٣) قام على سور بيت المقدس فبكى ، فقال بعضهم : ما يبكيك؟ فقال : من هاهنا أخبرنا النبي

__________________

(٣٠) كذا بالاصل ولعل اسم الراوي مكرر خطأ.

(٣١) كذا بالاصل وهي غير واضحة ، مهملة التنقيط.

(٣٢) في الاصل عن ويعرف عن زياد ابن ابي سودة انه نقل الحديث عن فضائل القدس من ميمونة خادمة النبي (ابن حجر (الاصابة) ٨ : ١٩٣).

(٣٣) عبادة ابن الصامت ابن قيس ابن الخزرج ويكنى ابا الوليد احد النقباء الاثني عشر شهد بدرا والمشاهد كلها كان طويلا جسيما جميلا ونقل عن النبي ١٨١ حديثا وكان يكتب بعض ما كان يسمعه من القرآن وقد بعث به عمر الى سورية ليعلم الناس القرآن فحل اولا في حمص ثم انتقل الى فلسطين حيث عين قاضيا. ومات اما في الرملة او في القدس حيث دفن سنة ٣٤ ه‍. عن ٧٢ عاما. (انظر فهرس الطبري ، وابن الاثير (اسد) ٨ : ١٠٦ ، والنووي (تهذيب) ٣٢٩ ، وابن حجر (الاصابة) ٤ : ٢٧.


صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم (٣٤). وقال الوليد ابن مسلم (٣٥) : حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به ، إذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان ، [٤٥] فقال : يا جبريل ما هذان النوران؟ فقال الذي عن يمينك محراب أخيك داود ، والذي عن يسارك قبر أختك مريم.

__________________

(٣٤) قابل هذه الرواية بما في الاصبهاني (الحلية) ٦ : ١١٠ و ١٢٩ حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا اسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الاعلى بن مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن ابي سودة قال رئي عبادة بن الصامت وهو على سور مسجد بيت المقدس الشرقي وهو يبكي فقيل له ما يبكيك يا ابا الوليد؟ قال : من هاهنا اخبرنا رسول الله صلعم انه رأى جهنم .. غريب من حديث سعيد لم نكتبه عاليا الا من هذا الوجه ورواه الوليد بن مسلم في جماعة عن سعيد مثله.

وفي الحلية ايضا ٦ : ١١٠ يزيد بن ابي سودة عن عثمان اخيه : قال : رأيت عبادة ابن الصامت وهو على الحائط ـ حائط المسجد المشرف على وادي جهنم ـ واضعا صدره عليه وهو يبكي. فقلت يا أبا الوليد ما يبكيك؟ قال : هذا المكان الذي اخبرنا رسول الله صلعم انه رأى فيه جهنم.

(٣٥) محدث سوري كان عبدا لمسلمة ابن عبد الملك فاعتقه فيما بعد سعيد ابن مسلمة.

ودرس الوليد على الاوزاعي واصبح من اشهر المحدثين السوريين. وقد ذكره الطبري في اخبار فتح مصر وقبرص (١ : ٢٥٩٣ ، ٢٨٢٦) توفي سنة ١٩٤ ه‍.

النووي (تهذيب) ٦١٨ ، ابن القيسراني (الجمع) ج ٢ : ٥٣٧.


الباب السّابع عشر

في فتح عمر بيت المقدس

في سنة خمس عشرة من الهجرة (١) أمر عمر ابن الخطاب عمرو ابن العاص لمناجزة صاحب ايلياء ، فنزل عمرو على الروم وهم في حصونهم وعليهم الارطبون (٢). وكان أدهى الروم وأبعدهم غورا ، وكان قد وضع بالرملة جندا عظيما وبايلياء جندا عظيما ، وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر من الارطبون (٢) على شيء ، ثم أقبلوا على أجنادين فانهزم أرطبون (٢) ، فأوى إلى إيلياء ، وكتب اليه الارطبون (٢) : لا تتعب فانما صاحب الفتح رجل اسمه على ثلاثة أحرف. فعلم أنه عمر ، فكتب اليه عمرو يعلمه بأن الفتح يذخر له ، فنادى في الناس وخرج حتى نزل الجابية ، فقال له يهودي :

__________________

(١) هذا في بعض روايات الطبري ايضا كما سيجيء ولكنه يذكر في موضع اخر : ٢٤٠٨ ان القدس افتتحت في ربيع الاخر سنة ١٦.

(٢) في الاصل الارطبون انظر الطبري (تاريخ) ١ : ٢٣٩٧ ـ ٢٤٠٠ ، ٢٤١٠ ، ٢٤١١ ، ٢٥٨٦ وهي محرفة من cribuaus بمعنى القائد.


والله لا ترجع حتى تفتح إيلياء ، فصالحوه على الجزية وفتحوها له (٣) [٤٦]. فانتهى إلى بيت المقدس ، ودخل المسجد ، ومضى إلى محراب داود ، فقرأ سجدة داود وسجد. فلما قدم عمر بيت المقدس كتب لأهل بيت المقدس : إني قد امنتكم على دمائكم وأموالكم وذراريكم وصلاتكم وبيعكم ولا تكلفوا فوق طاقتكم. ومن أراد منكم أن يلحق لا منه فله الأمان. وأن عليكم الخراج كما على مدائن فلسطين. شهد عبد الرحمن ابن عوف

__________________

(٣) الطبري ٢٣٩٨ ـ ٩٩ «ولما توجه علقمة الى غزة وتوجه معاوية الى قيسارية صمد عمرو ابن العاص الى الارطبون ومر بازائه وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته ... والروم في حصونهم وخنادقهم. وعليهم الارطبون. وكان الارطبون ادهى الروم وابعدهم غورا وانكاها فعلا وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبايلياء جندا عظيما وكتب عمرو الى عمر بالخبر فلما جاءه كتاب عمرو قال قد رمينا ارطبون الروم بارطبون العرب فانظروا عما تتفرج ... واقام عمرو على اجنادين لا يقدر من الارطبون على سقطة ص ٢٤٠٠ فالتقوا باجنادين فاقتتلوا قتالا شديدا كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم. ثم ان ارطبون انهزم في الناس فأوى الى ايلياء ونزل عمرو اجنادين. وكتب ارطبون الى عمرو بأنك صديقي ونظيري.

انت في قومك مثلي في قومي والله والله لا تفتح من فلسطين شيئا بعد اجنادين فارجع ... فكتب اليه [عمرو] جاءني كتابك .. وقد علمت اني صاحب فتح هذه البلاد ص ٢٤٠١ واقبلوا على ارطبون فقالوا من اين علمت انه ليس بصاحبها؟ قال صاحبها رجل اسمه عمر ثلاثة احرف فرجع الرسول الى عمرو فعرف انه عمر فكتب الى عمر يستمده ويقول اني اعالج حربا كؤودا صدوما وبلادا ادخرت لك فرأيك. ولما كتب عمرو الى عمر بذلك عرف ان عمرا لم يقل الا بعلم فنادى في الناس ثم خرج فيهم حتى نزل بالجابية : ص ٢٤٠٢ لما قدم عمر رحمه الجابية قال له ص ٢٤٠٣ رجل من يهود يا امير المؤمنين لا ترجع الى بلادك حتى يفتح الله عليك ايلياء ... فصالحوه على الجزية وفتحوها له. وفي ص ٢٤٠٨ فسار من الجابة فاصلا حتى يقدم ايلياء ثم مضى حتى يدخل المسجد ثم مضى نحو محراب داود ونحن معه فدخله ثم قرأ سجدة داود وسجد» : اما الجابية المذكورة فقد كانت مقر الامراء الف سنة وهي في الارجح البلدة التي تعرف اليوم بالكسوة على نحو ثلاثين كيلومترا من الشام.


وعلي ابن أبي طالب (٤) وخالد ابن الوليد ومعاوية وكتب. أنبأنا أبو المعمر ، حدثنا أبو الحسين ابن الفرّاء ، حدثنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ابن يوسف ، حدثنا عباس ابن طالب ، حدثنا رشد ابن سعد ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن قبيصة ابن ذويب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقبل رايات سود من قبل خراسان ، ولا يردها أحد [٤٧] حتى تنصب بايلياء.

__________________

(٤) عمرو ابن العاص هو الذي شهد على هذا العهد وليس علي ابن ابي طالب انظر الطبري ١ : ٢٤٠٦ وقابل اخبار فتح القدس هذه بما في الطبري ١ : ٢٣٩٨ ـ ٢٤٠٨.


الباب الثّامن عشر

في ذكر ما جرى (١) على بيت المقدس أخيرا

أخذ الفرنج بيت المقدس يوم الجمعة ثالث وعشرين شعبان سنة اثنتين (٢) وتسعين واربعمئة ، وقتلوا زايدا على سبعين ألف مسلم ، وأخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا من فضة ، كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف (٣) وستمئة درهم. وأخذوا تنورا من فضة وزنه أربعون رطلا بالشامي ، وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا من ذهب (٤) ، ومن الثياب وغيرها ما لا يحصى. وورد المستنفرون من بلاد الشام وأخبرونا بما جرى (١) على المسلمين. وقام

__________________

(١) في الاصل جرا.

(٢) في الاصل اثنين.

(٣) في الاصل ألف.

(٤) ابن الاثير (الكامل) ١٠ : ١٩٢ «وقتل الفرنج بالمسجد الاقصى ما يزيد على سبعين الفا منهم جماعة كثيرة من ايمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارق الاوطان وجاور بذلك الموضع الشريف». ونقل ابن العماد الحنبلي عن ابن الاثير عدد القتلى ، ثم قال : «وقال ابن الجوزي في الشذور اخذوا من عند الصخرة نيفا واربعين قنديلا فضة كل قنديل وزنه ثلاثة الاف وستماية درهم واخذوا تنور فضة وزنه اربعون رطلا واخذوا نيفا وعشرين قنديلا من ذهب» (٣ : ٣٩٧).

(١) في الاصل جرا.


القاضي أبو سعد الهروي (٥) قاضي دمشق في الديوان ببغداد ، وأورد كلاما أبكى الحاضرين. فندب من الديوان من يمضي إلى العسكر ، ويعرفهم حال هذه المصيبة ، فندب لذلك [٤٨] أعيان العلماء مثل ابن عقيل (٦) وغيره ، فتعللوا واعتذروا ، ووقع التقاعد ، وقال أبو المظفر الأبيوردي (٧) قصيدة يصف فيها الحال :

وكيف تنام العين ملء جفونها

على هفوات أيقظت كل نائم

وأخوانكم بالشام يضحى مقيلهم

ظهور المذاكي أو بطون القشاعم

__________________

(٥) انظر بشأنه سبط ابن الجوزي ٨ : ٦٩ ـ ٧٠ والنووي (تهذيب) ٧٢٢ وابن الاثير (الكامل) ٩ : ١٩٥ ويظهر انه كان مع الوفد وخطب في الديوان طالبا عون العراقيين. وله كتاب في واجبات القضاة اسمه الاشراف على غوامض الحكومات.

ويقال انه مات قتلا في همذان في عودته من خراسان الى بغداد سنة ٥١٨.

(٦) هو علي ابن عقيل ابن محمد ابن عقيل ابو الوفاء الحنبلي. ولد ٤٣١ ه‍. وتوفي ٥١٣. له كتاب الفنون الذي قضى اكثر سني حياته في تأليفه. قالوا كان في مئتي مجلدة. وقد اقتبس منه ابن الجوزي مادة تقرب من عشر مجلدات. فرقها في كتبه المختلفة (سبط ابن الجوزي ٨ : ٥١) وكتب له ابن رجب ترجمة وافية في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة (ص ١٧١ ـ ١٩٨) وقال : من معاني كلامه يستمد ابو الفرج ابن الجوزي في الوعظ. واكبر تصانيفه كتاب الفنون ، وهو كتاب كبير ، فيه فوائد كثيرة جليلة في الوعظ والتفسير والفقه والاصلين والنحو واللغة والشعر والتاريخ والحكايات ... وهذا الكتاب مئتا مجلدة وقع لي منه نحو من مئة وخمسين مجلدة.

(٧) محمد ابن احمد ابو المظفر الابيوردي اللغوي الشاعر الاخباري النسابه صاحب التصانيف والبلاغة والفصاحة كما وصفه ابن العماد الحنبلي ٤ : ١٨ ـ ٢٠ نقلا عن ابن خلكان. اموي النسب ، معاوي ، له تصانيف كثيرة وله ديوان شعر من اقسام مختلفة منها العراقيات ومنها الوجديات ومنها النجديات كما ذكر بروكلمن ١ : ٢٥٣ وقة طبع له مختارات ـ مقطعات (القاهرة ١٢٧٧ ه‍.) توفي باصبهان مسموما ٥٠٧ ه‍ راجع ايضا سبط ابن الجوزي ٨ : ٢٩ وانظر ياقوت (معجم البلدان) تحت «ابيورد» و (معجم الادباء) ١٧ : ٢٣٤ ـ ٢٦٦ حيث ترى شعرا كثيرا رائعا. والانساب المتفقة لابي الفضل محمد ابن طاهر المعروف بابن القيسراني (بريل ، ١٨٦٥ ص ١٥٠ ـ ١٥٢).


يسومهم الروم الهوان ، وأنتم

تجرّون ذيل الخفض فعل المسالم

وتلك حروب من يغب عن غمارها (٨)

ليسلم يقرع بعدها سن نادم

يكاد لهنّ المستجنّ بطيبة (٩)

ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم

أرى أمتي لا يشرعون إلى العدى

رماحهم ، والدين واهي الدعائم

ويجتنبون النار [خوفا] من الردى ،

ولا يحسبون العار ضربة لازم

أترضى صناديد الأعاريب بالأذى ،

ويغضي على ذلّ كماة الأعاجم

فليتهم إذ لم يذودوا حميّة

عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم

وان زهدوا في الأجر إذ حمي (١٠) الوغى

فهلّا أتوه رغبة في المغانم (١١)

__________________

(٨) في الاصل من يعف عن عمادها (وهذا البيت ساقط في رواية السيوطي وثابت في ابن الاثير كما يجيء).

(٩) في الاصل المستحن تظنه

(١٠) في ابن الاثير حمس

(١١) في الاصل «المعالم» وفي ابن الاثير «الغنائم» وهذه الابيات جزء من قصيدة ذكر منها ابن الاثير (الكامل ٩ : ١٩٥) اثنين وعشرين بيتا وذكر منها السيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، مصر ١٩٥٩ ١٤ بيتا اوردها في اخباره عن سنة ٤٩٢ قال : وفيها اخذت الفرنج بيت المقدس بعد حصار شهر ونصف وقتلوا به اكثر من سبعين الفا. منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد ، وهدموا المشاهد ، وجمعوا اليهود في الكنيسة واحرقوها عليهم. وورد المستنفرون الى بغداد فأوردوا كلاما ابكى العيون واختلفت السلاطين فتمكنت الفرنج من الشام.

ومن الخير ان نورد القصيدة كما جاءت في الكامل لابن الاثير :

١ مزجنا دماء بالدموع السواجم

فلم يبق منا عرصة للمراحم

٢ وشر سلاح المرء دمع يفيضه

اذا الحرب شبت نارها بالصوارم

٣ فايها بني الاسلام ان وراءكم

وقائع يلحقن الذرى بالمناسم

٤ انائمة في ظل امن وغبطة

وعيش كنوار الخميلة ناعم

٥ وكيف تنام العين ملء جفونها

على هبوات ايقظت كل نائم

٦ واخوانكم بالشام يضحي مقيلهم

ظهور المذاكي او بطون القشاعم

٧ تسومهم الروم الهوان وانتم

تجرون ذيل الخفض فعل المسالم

٨ فكم من دماء قد ابيحت ومن دمى

توارى حياء حسنها بالمعاصم


وما زالت بيت المقدس مع الكفار إلى سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة. [٤٩] فقصده صلاح الدين النائب هناك عن أمير المؤمنين (١٢) الناصر لدين الله بعد أن ملك ما حوله ، فوصل الخبر الينا في سابع وعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمئة (١٣) أن يوسف ابن أيوب الملقب بصلاح الدين فتح بيت المقدس وخطب فيه بنفسه وصلى فيه.

__________________

٩ بحيث السيوف البيض محمرة الظبا

وسمر العوالي داميات اللهاذم

١٠ وبين اختلاس الطعن والضرب وقفة

تظل لها الولدان شيب القوادم

١١ وتلك حروب من يغب عن غمارها

ليسلم يقرع بعدها سن نادم

١٢ سللن بأيدي المشركين قواضبا

ستغمد منهم في الطلى والجماجم

١٣ يكاد لهن المستجن بطيبة

ينادي بأعلى الصوت يا ال هاشم

١٤ ارى امتي لا يشرعون الى العدى

رماحهم والدين واهي الدعائم

١٥ ويجتنبون النار خوفا من الردى

ولا يحسبون العار ضربة لازم

١٦ اترضى صناديد الاعاريب بالاذى

ويغضي على ذل كماة الاعاجم

١٧ فليتهم اذ لم يذودوا حمية

عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم

١٨ وان زهدوا في الاجر اذ حمس الوغى

فهلا اتوه رغبة في الغنائم

١٩ لئن اذعنت تلك الخياشيم للبرى

فلا عطسوا الا بأجدع راغم

٢٠ دعوناكم والحرب ترنو ملحة

الينا بالحاظ النسور القشاعم

٢١ تراقب فينا غارة عربية

تطيل عليها الروم عض الاباهم

٢٢ فان انتم لم تغضبوا بعد هذه

رمينا الى اعدائنا بالجرائم

قد سقط في رواية السيوطي ثمانية من هذه الابيات وهي المرقمة من ١٠ ـ ١٢ ومن ١٨ ـ ٢٢ ، واثرنا رواية السيوطي في البيت الرابع «انائمة» بدل «اتهويمة» في ابن الاثير.

(١٢) عن امير المؤمنين مكررة بالاصل.

(١٣) في ابن الاثير (الكامل) ١١ : ٣٦٣ ان تسليم المدينة جرى في هذا التاريخ.


الباب التّاسع عشر

في ذكر من نزله من الأكابر وأقام به ومن توفي به

نزله أبو ذر (١) وأكثر الصلاة فيه. وصلى فيه عمر. أنبأنا أبو المعمر ، أنبأنا القاضي أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ، حدثنا عبد الله ابن صالح ، حدثنا معاوية ابن صالح ، عن أزهر ابن سعيد ، عن كعب ، قال : اليوم في بيت المقدس كألف يوم ، والشهر كألف شهر ، والسنة فيه كألف سنة. ومن مات

__________________

(١) هو جندب ابن السكن الغفاري من السابقين الاول في قبول الدعوة الاسلامية ويزعم ابن حجر (الاصابة) ٧ : ٦٠ ـ ٦٢ انه هو الذي استحدث تحية «السلام عليكم» في الاسلام. يعد من اتقى الزهاد والنساك ومن اخلص الصوفيين قال النبي عنه : «ما اظلت الخضراء ولا اقلت الغبراء اصدق لهجة من ابي ذر (ابن العماد الحنبلي ١ : ٣٩). نقل ٢٨١ حديثا عن النبي وعن عطاء وعن مجاهد وعن سعيد بن جبير وعن نافع وغيرهم ويقال انه زار القدس اكثر من مرة وصلى في مسجدها. ونفاه ابن عفان الى ربذة حيث مات سنة ٣١ ه‍. او ٣٢ ه‍. الطبري ٣ : ٣٣٤٧ ـ ٤٨ ، الاصبهاني (حلية) ١ : ١٥٦ و ٥ : ١٠٨ ، ابن حنبل ٦ : ١٦٤. وابن العماد الحنبلي ١ : ٣٩).


فيه فكأنما [٥٠] مات في سماء الدنيا ، ومن مات حوله فكأنما مات فيه. قال ابراهيم ابن محمد : حدثنا محمد ابن عبد الرحمن ، عن ثور ابن يزيد ، عن خالد ابن معدان ، قال : سمعت كعبا يقول : مقبور بيت المقدس لا يعذب. أنبأنا ابن ناصر ، أنبأنا عبد الرحمن ابن منده ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد ابن محمد ابن ابراهيم ، حدثنا محمد ابن النعمان ، حدثنا سليمان حدثنا أبو عبد الملك ، عن مقاتل ، عن وهب ابن منبه ، قال : أهل بيت المقدس جيران الله ، وحق على الله أن لا يعذب جيرانه ، ومن دفن في بيت المقدس نجا (٢) من فتنة القبر وضيقه. ومات ببيت المقدس عبادة ابن الصامت ، وشداد ابن اوس (٣) ، وأبو أبيّ ابن أم حرام (٤) ، وأبو ريحانة واسمه شمعون (٥) ، وذو الأصابع ، وأبو محمد البخاري (٦). هؤلاء من أهل

__________________

(٢) في الاصل نجى.

(٣) ابن اخي حسان ابن ثابت الانصاري ، صحابي روى بعض الاحاديث عن النبي وعن كعب الاحبار وسار بعد فتح سورية الى حمص ومنها الى القدس حيث توفي سنة ٥٨. (ابن حجر (الاصابة) ٣ : ١٩٥ والنووي (تهذيب) : ٣١٢).

(٤) عبد الله ابن عمرو ابن قيس الانصاري صحابي محدث كانت والدته المعروفة بأم حرام خالة انس ابن مالك. انتقل الى سورية واستقر اخيرا في القدس وكان اخر صحابي مات في فلسطين (ابن حجر ٤ : ١١٢ ، ٧ : ٣).

(٥) بالاصل سمعون ولكنه في اكثر المصادر شمعون وفي بعضها شمغون انظر ابن الاثير ٣ : ٤ وابن حجر ٣ : ٢١٢ وابن حنبل ٤ : ١٣٣ ـ ١٣٥.

وهو شمعون ابن يزيد ابن جنافة المعروف بأبي ريحانة. يهودي الاصل من بني قريظة الذين غزاهم النبي سنة ٥ ه‍. وفتح حصنهم وسبيت نساؤهم وكانت ريحانة من نصيب الرسول (ابن هشام ٢ : ٦٩٢ ـ ٦٩٣) وقد ساهم في الفتوحات بعد اسلامه في سورية واستقر في القدس (ابن حنبل ٤ : ١٣٣ ـ ١٣٥ ، ابن حجر ٣ :

٢١٢).

(٦) في الاصل البخاري ولكنه يعود فيذكره ويسميه النجاري ولعله منسوب الى بني النجار (من الانصار).


بيت المقدس ماتوا به. والذي أعقب منهم عبادة وشداد وسلامة ابن قيصر (٧) فيروز الديلمي (٨). والذين لم يعقبوا [٥١] منهم أبو ريحانة وذو الأصابع أبو محمد البخاري (٩).

__________________

(٧) احد الصحابة عاش في مصر وحدث بها ثم انتقل الى القدس حيث توفي (ابن حجر ٣ : ١١١).

(٨) هناك اشارة في مسند ابن حنبل الى رجل عاش في القدس وعرف بابن الديلمي (٢ : ١٩٧) ويذكر ابن حنبل في موضع اخر (٤ : ٢٣٢) ان الاوزاعي نقل بعض الحديث عنه فلعله هو : لان فيروز الصحابي الفارسي الاصل كان من اليمن وكان له اثر في قتل الاسود العنسي الذي ادعى النبؤة ومات باليمن.

(٩) يظهر ان الناسخ قد سها عن ذكر بعض الاسماء عند ذكره الذين ماتوا في بيت المقدس حيث ان المؤلف يذكر بين الذين اعقب منهم اثنين لم يذكر اسمهما الناسخ من قبل وهما سلامة ابن قيصر وفيروز الديلمي وليس غريبا ان يكون الناسخ قد تجاوز سطرا كاملا من الاصل ويعرف هذا النوع من الخطأ بعلم النشر والتحقيق «بالنهايتين». والا فكان يجب ان يذكر سلامة وفيروز مع الجماعة الاولى ايضا.

ويظهر ان العمري نقل عن هذه النسخة او مثيلتها بالحرف ما عدا انه قال «والذي لم يعقب» بدل «والذين لم يعقبوا» ص ١٣٦.


الباب العشرون

في ذكر من ينتابه من الملائكة والعباد

أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد (١) ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا أبو محمد القاسم ابن مزاحم إمام بيت المقدس ، حدثنا محمد ابن الحسن العسقلاني ، حدثنا محمد ابن عمرو ابن الجراح الغنوي ، حدثنا شهاب ابن خراش (٢) الحوسي ، عن سعيد ابن سنان ، عن أبي الزاهرية (٣) ، قال : «أتيت بيت المقدس أريد الصلاة ، فدخلت المسجد ، وغفلت عن سدنة المسجد حتى أطفئت القناديل ، وانقطعت الرجل ،

__________________

(١) لم يكن عبد العزيز من شيوخ ابن الجوزي بل هو حلقة في سلسلة الرواة في الاحاديث التي رواها ابو معمر المبارك ابن احمد ص ٦ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٩ ، وغيرها وهذا يدل على ان شيئا قد سقط من اول هذا الباب.

(٢) بالاصل سهاب بن خراس ولكننا ضبطناها عن الاسم نفسه في صفحة ٥٥ من المخطوطة والحوسى مهملة النقط.

(٣) هو خدير ابن كريب الحضرمي ، محدث وثقه ابن سعد (٧ قسم ٢ : ١٥٩) عاش في سورية ومات سنة ١٢٩ (ابن حنبل ٥ : ١٨٠). وينقل العمري رواية ابي الزاهرية هذه دون اسناد فيقول : وقال ابو الزاهرية «اتيت بيت المقدس .... الى اخر الخبر». مسالك الابصار ص ١٣٦ ـ ١٣٧.


وغلّقت الأبواب ، فبينما أنا كذلك إذ سمعت حفيفا له جناحان قد أقبل وهو يقول سبحان الدائم القائم ، سبحان القائم الدائم ، سبحان الحي القيّوم ، سبحان الملك القدوس ، سبحان رب الملائكة والروح ، سبحان الله ، ونحمده ، سبحان العلي الأعلى ، سبحانه وتعالى (٤) ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها ، حتى [٥٢] امتلأ المسجد. فاذا بعضهم قريب مني ، فقال : آدمي؟ قلت : نعم! قال (٥) : لا روع عليك ، هذه الملائكة. قلت : سألتك بالذي قواكم على ما أرى! من الأول؟ قال : جبريل. قلت : ثم الذي يتلوه؟ قال : ميكائيل. قلت : من يتلوهم بعد ذلك؟ قال : الملائكة. قلت : فسألتك (٦) بالذي قواكم لما أرى (٧) ما لقائلها من الثواب؟ قال : من قالها مرة (٨) في كل يوم لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له. أخبرنا أبو بكر ابن حبيب (٩) ، أنبأنا علي ابن صادق ، أنبأنا أبو عبد الله ابن باكويه ، قال سمعت عبد العزيز ابن اللبان المقرىء يقول : سمعت عبد العزيز ابن الحسين ابن سليمان يقول : سمعت «محمد ابن أحمد الصوفي (١٠) يقول ، أنبأنا استاذي (١١) أبو عبد الله ابن أبي شيبة (١٢) كنت ببيت المقدس ،

__________________

(٤) في ١٩ مسالك الابصار زيادة هنا هذا نصها : «ثم اقبل حفيف يتلوه ، يقول ذلك».

(٥) في مسالك الابصار ١٣٧ فقلت نعم فقال

(٦) في مسالك الابصار سألتك

(٧) في مسالك الابصار على ما أرى

(٨) في الاصل سنة وفي مسالك الابصار مرة وربما كان الاصل «من قالها سنة مرة في كل يوم» ويظهر من النص ان العمري ينقل من فضائل القدس حرفيا.

(٩) هو محمد ابن عبد الله ابن احمد ابن حبيب العامري احد شيوخ ابن الجوزي توفي سنة ٥٣٠ ه‍. انظر سبط ابن الجوزي ٨ : ٩٧.

(١٠) في صفة الصفوة لابن الجوزي ٤ : ٢٢٠ احمد بن محمد الصوفي ولكنه في مسالك الابصار محمد بن احمد الصوفي.

(١١) في صفة الصفوة لابن الجوزي ٤ : ٢٢٠ قال لي استاذي وهي كذلك ايضا في مسالك الابصار.

(١٢) محدث كوفي نقل عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما وكذلك كان ابوه محدثا توفي سنة ٢٣٥ ه‍. (النووي (التهذيب) ١٤٤ ، وابن القيسراني ١ : ٥٢٩).


وكنت أحب أن أبيت في المسجد ، وما كنت أترك ، فلما كان في بعض الأيام بصرت في الرواق بحصر قائمة ، فلما أن صليت العتمة وراء الامام ، أتيت الحصر فاختبأت وراءها ، وانصرف الناس والقوام ، ثم خرجت إلى الصخرة ، [٥٣] فلما سمعت فلق الأبواب وقعت عيني على المحراب ، وقد انشق ودخل منه رجل ، ثم رجل ، إلى أن تمّ سبعة. واصطف القوم ، فلم أزل واقفا شاخصا زائل العقل إلى أن انفجر الصبح ، فخرج القوم على الطريق الذي دخلوه» (١٣). قال ابن (١٤) باكويه ، وحدثنا أحمد ابن هرون الفارسي ، حدثنا الحسن ابن محمد ابن أحمد المقرىء ، حدثنا أحمد ابن محمد الأنصاري ، قال سمعت محمد ابن أحمد النيسابوري (١٥) ، قال سمعت ذا النون (١٦) ، يقول : «بينا أنا في بعض جبال بيت المقدس سمعت صوتا يقول ذهبت الآلام عن أبدان الخدام ، وولهت بالطاعة عن الشراب والطعام ، والفت قلوبهم طول المقام ، بين يدي الملك العلام ، فتبعت الصوت ، فاذا أمرد مصفر الوجه يميل مثل الغصن إذا حركته الريح ،

__________________

(١٣) انظر ابن الجوزي صفة الصفوة ٤ : ٢٢٠ حيث تجد الرواية نفسها مع قليل من من التغيير وكذلك في مسالك الابصار ص ١٣٧ وهي منقولة فيه حرفيا.

(١٤) هو الامام ابو عبد الله محمد ابن عبد الله الشيرازي وهو صوفي محدث ارتحل الى مدن كثيرة في خراسان وفارس والعراق وسورية ليجمع الحديث واخبار الزهاد والزهد. توفي سنة ٤٢٨ ه‍. (ابن العماد الحنبلي ٣ : ٢٤٢).

(١٥) يذكر في صفة الصفوة ٤ : ٢٨٩ قصصا عن ذي النون من رواية محمد ابن احمد النيسابوري ثم يذكر القصة التالية تحت باب عدد جبال بيت المقدس ج ٤ : ٣١٩ مع شيء من التغيير في بعض الكلمات وكذلك هي في مسالك الابصار ١٣٧ ـ ١٣٨ منقولة حرفيا عن ابن الجوزي.

(١٦) هو ابو الفيض ثوبان ابن ابراهيم نوبي الاصل عاش شطرا من حياته في مصر ومن هنا فقط عرف بذي النون المصري ويزعم ابن خلكان ان ذا النون نقل الموطأ عن مالك (١ : ١٧٩) ويعد من اقطاب الصوفية الاول. ويفرد له الاصبهاني في الحلية اكثر من ستين صفحة (٩ : ٣٣١ ـ ٣٩٥) عن حياته واخباره العجيبة.

توفي في الجيزة حوالي ٢٤٦ ه‍. ودفن بالقرافة الصغرى ولا يزال قبره مزارا.


عليه شملة قد اتزر بها ، وأخرى قد اتشح بها ، فلما رآني توارى عني بالشجر. فقلت : ليس الجفاء من أخلاق المؤمنين ، فكلّمني وأوصني ، فخرّ ساجدا وجعل يقول : هذا مقام من لاذ بك واستجار بمعرفتك والف بمحبتك ، فيا اله [٥٤] القلوب «وما تحويه من جلال عظمتك» (١٧) ، احمني (١٨) عن القاطعين لي عنك ، قال : فغاب عني فلم أره» (١٩). قال سعيد الافريقي (٢٠) رأيت جارية ببيت المقدس عليها درع شعر وخمار صوف ، وهي تقول : ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله ، وأوحش خلوة من لم تكن أنيسه. فقلت : يا جارية ما قطع الخلق عن الله؟ فقالت : حب الدنيا ، إن لله عبادا سقاهم من حبه شربة فولهت قلوبهم فلم يحبوا مع الله غيره (٢١).

__________________

(١٧) هذه العبارة ساقطة من المسالك.

(١٨) في المسالك احجبني.

(١٩) انظر ابن الجوزي صفة الصفوة ٤ : ٣١٩ ومسالك الابصار ص ١٣٧ ـ ١٣٨ ففيه النص نفسه ما عدا عبارة وما تحويه من جلال عظمتك.

(٢٠) سعيد الافريقي هو احد زهاد القرن الثاني للهجرة يقال انه روى بعض اخباره الغريبة في الزهد الى سليمان الداراني الذي توفي سنة ٢٠٥ ه‍.

(٢١) انظر ابن الجوزي صفة الصفوة ٤ : ٢٢٥ حيث تجد الرواية نفسها ينفلها ابن الجوزي عن ابي سليمان الداراني عن سعيد الافريقي وقد ضبطنا كلمة خلوة عن المصدر نفسه وقد كانت بالاصل خلق.


الباب الحادي والعشرون

في ان الحشر من هناك

أنبأنا أبو المعالي ابن سهل الاسفراييني (١) ، أنبأنا أبو القاسم علي ابن أبي العلا المصيصي ، أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن ابن عثمان ابن معروف ، حدثنا أبو الحسين أحمد ابن سليمان ابن أيوب الاسدي ، حدثنا خالد ابن روح ، حدثنا ابراهيم ، حدثنا الوليد ابن مسلم ، حدثنا سعيد ابن بشر عن قتادة ، عن عبد الله ابن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : قلت يا رسول الله (٢) اخبرنا عن بيت المقدس ، فقال : أرض [٥٥] المحشر والمنشر ، أمّوه فصلوّا فيه! فليأتين على بيت المقدس ولبسطة قوس أو مسحة قوس في بيت المقدس أو من حيث يرى بيت المقدس خير من كذا وكذا. أنبأنا أبو المعمّر ، أنبأنا أبو الحسين القاضي ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا

__________________

(١) هو الفضل ابن سهل الاسفراييني عن محدثي القرن السادس ذكره ابن العماد الحنبلي (٤ : ٢٠٧) بين شيوخ ابي العباس احمد ابن عمر ابن الحسين القطيعي وقد توفي ابو العباس سنة ٥٦٣ وكان من معاصري ابن الجوزي.

(٢) في الاصل يرسول وقد اصطلح بعض الكتاب على ان يكتبوها كذلك.


أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي حدثنا الوليد ابن حماد ، حدثنا محمد ابن النعمان ، حدثنا سليمان ابن عبد الرحمن ، حدثنا أبو عبد الملك الجزري ، عن غالب ، عن عبد الله الاعرج ، عن كعب ، قال : العرض والحساب ببيت المقدس. قال الوليد ، وحدثنا ادريس ابن سليمان ، حدثنا شهاب ابن خراش ، عن قتادة في قوله تعالى «يوم ينادي المنادي من مكان قريب (٣) ، قال من صخرة بيت المقدس. قال الوليد ، وحدثنا عبد الله ابن محمد العرياني (٤) ، حدثنا الوليد ابن مسلم ، حدثنا عبد الرحمن ابن يزيد ، عن جابر عن أبيه (٥) في قوله «واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب» قال يقف اسرافيل على صخرة بيت المقدس فينفخ في الصور ، فيقول : أيتها العظام النخرة ، والجلود الممزّقة ، والأشعار المتقطعة ، [٥٦] إن الله يأمرك أن تجتمعي للحساب». أنبأنا ابن (٦) ناصر ، أنبأنا عبد الرحمن ابن منده ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد ابن محمد ابن ابراهيم ، حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير ، حدثنا

__________________

(٣) القرآن ٥٠ : ٤١.

(٤) في الاصل مهملة النقط.

(٥) وهنا ايضا ينقل العمري في المسالك عن ابن الجوزي ولكنه او لكن الناسخ يخطىء فيقرأ «بن» بدل «عن» في عبارة عبد الرحمن ابن يزيد عن جابر ويختصر فيقول : وروي عن قتادة في قوله تعالى (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) فال : من صخرة بيت المقدس وقال : يزيد بن جابر في الاية : يقف اسرافيل .. الخ ص ١٣٧ ـ ١٣٨ وقد فاته ان الراوي الاخير هو والد جابر والنص هو «عن» وليس «بن» : واسم الوالد عبد الله ابن عمرو ابن ام حرام وكان صحابيا ومن الانصار حارب في بدر وأحد وقتل في احد وقد اثنى عليه النبي وكان ابنه جابر من الصحابة ايضا كما ورد في تعليقنا على ص ٤٢ من المخطوطة. وقد فات محقق المسالك المرحوم احمد زكي باشا ان يلتفت الى هذا الخطأ.

(٦) بالاصل «بن».


سليمان ، حدثنا أبو عبد الملك عن غالب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، في قوله تعالى («فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ)(٧) قال هو حائط بيت المقدس الشرقي الذي من ورائه واد يقال له وادي جهنم. ومن دونه باب يقال له باب الرحمة.

__________________

(٧) القرآن ٧٥ : ١٣.


الباب الثّاني والعشرون

في فضيلة الصخرة

أنبأنا محمد ابن ناصر ، أنبأنا عبد الرحمن ابن منده ، حدثنا أبي ، حدثنا أحمد ابن محمد ابن ابراهيم ابن حكيم ، حدثنا محمد ابن النعمان ابن بشير ، حدثنا سليمان عن غالب ، عن مكحول ، عن كعب ، عن أنس ابن مالك ، أن الجنة لتحن شوقا إلى بيت المقدس [وصخرة بيت المقدس](١) من جنة الفردوس. وهي الأرض (٢). قال سليمان : وحدثنا الوليد ابن مسلم ، عن عبد الرحمن ابن يزيد عن (٣) جابر عن حبيب ابن مسلم ، عن

__________________

(١) زيادة من الناشر اما العمري فيضع هنا وبيت المقدس.

(٢) ابن الفقيه ٩٤ وسرة الارض بيت المقدس في الاصل وصرة (بالصاد). وقد نقل هذا القول ابن فضل الله العمري ص ١٣ عن ابن الجوزي واورد الكلمة «صرة» كما هي في «فضائل القدس» واصلحها الناشر بسرة وكتب في الهامش في الاصل صرة وكعادته يهمل الرواة ويبقي الراوي الاخير او الاول والاخير او يختار احدهم من رجال السلسلة مع الاخير كما فعل هنا حين قال وروى ابن منده بسنده عن انس بن مالك قال ان الجنة لتحن الخ.

(٣) في الاصل بن انظر ص ٥٥.


أبي إدريس الخولاني (٤) ، قال : يجعل الله عز وجل يوم القيامة (٥) صخرة بيت المقدس مرجانة بيضاء كعرض السماء والارض ، ثم ينصب عليها عرشه ، ثم يقضي بين عباده ، يصيرون منها إلى الجنة وإلى النار». أنبأنا أبو المعمر الانصاري ، أنبأنا أبو الحسن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثنا أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا ابراهيم ابن محمد ، حدثنا آدم ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع ابن أنس ، عن أبي العالية (٦) في قوله تعالى (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها)(٧) قال : من بركتها (٨) أن كل ماء عذب يخرج من أصل صخرة بيت المقدس (٩). قال الوليد ، حدثنا محمد ابن النعمان ،

__________________

(٤) عائذ الله ابن عبد الله الخولاني احد التابعين ولد سنة ٨ ه‍. ثم لما ترعرع اتصل بأبي ذر وعبادة ابن الصامت ومنهما نقل الحديث. وانتقل الى الشام وعينه معاوية قاضيا وكذلك فعل عبد الملك (الطبري ٢ ٢٠٥ ، ٨٥٥) ويعد من اوثق المحدثين في بلاد الشام في عصره. وقد نقل عنه الزهري (ابن الاثير (اللباب) ١ : ٣٩٥) ابن سعد ٧ قسم ٢ : ١٥٧ ، ابن حجر (الاصابة) ٤ : ٢٧ الاصبهاني (الحلية) ٥ : ١٢٥ ، ٢٠٦).

(٥) في ابن فركاح في الهامش رقم (١) ص ٦٤ وعن ابي ادريس الخولاني قال يحول الله تعالى صخرة بيت المقدس يوم القيامة مرجانة بيضاء كعرض السماء والارض ثم يضع عليها عرشه ويضع ميزانه ويقضي بين عباده ويعبرون منها الى الجنة والنار.

(٦) ابو العاليه هو رافع الرياحي مولى امرأة من بني رياح درس الخط والقرآن في البصرة واخذ شيئا من الحديث من بعض الصحابة ولم يكتف بذلك فارتحل الى المدينة حيث قابل بعض الصحابة الاخرين. وانتقل الى خراسان حيث توفي سنة ٩٠ وثقه ابن سعد (٧ قسم ١ : ٨١ ـ ٨٥) وانظر النووي (تهذيب) ٧٣٨ ـ ٣٩.

(٧) قرآن ٧ : ١٣٣.

(٨) في الاصل بركها.

(٩) نقل هذا كله العمري واهمل الاسناد واكتفى بالراوية الاخير ولكنه ذكر ان الخبر مروي مثلا عن ابن منده بسنده عن انس بن مالك ـ وفي موضع اخر يقول وبه (أي بسنده) عن ابي ادريس الخولاني ، واخيرا يقول : وقال ابو العالية في قوله تعالى الى الارض ... الخ مسالك الابصار ص ١٣٨.


حدثنا سليمان ابن عبد الرحمان ، حدثنا أبو عبد الملك الجزري (١٠) ، عن غالب ابن عبيد الله ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال : الأنهار كلها والسحاب والبحار والرياح من تحت صخرة بيت المقدس (١١) قال ابن عباس : صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. قال (١٢) المفسرون في قوله واستمع يوم ينادي المنادي ، استمع حديث [٥٨] يوم ينادي المنادي ، وهو اسرافيل ، يقف على صخرة بيت المقدس ، فينادي : أيها الناس هلموا إلى الحساب ، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء ، وهذه هي النفخة الأخيرة ، والمكان القريب صخرة بيت المقدس. قال كعب ومقاتل : هي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا (١٣). قال الزجاج : ويقال أن تلك الصخرة في وسط الأرض.

__________________

(١٠) بالاصل الجوري

(١١) ابن الفركاح ٦٣ نقل هذا الحديث ولكنه اهمل كلمة و «البحار».

(١٢) ابن الفركاح ٦٣ نقل هذا القول نفسه عن ابن عباس.

(١٣) انظر مسالك الابصار ١٣٨.


الباب الثّالث والعشرون

في فضل الصلاة الى جانبي الصخرة

أنبأنا أبو المعمر الانصاري ، أنبأنا أبو الحسين ابن الفراء ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر النصيبي ، أنبأنا أبو بكر محمد ابن أحمد ابن محمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ، حدثني أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا محمد ابن النعمان ، حدثنا سليمان ابن عبد الرحمان ، حدثنا أبو عبد الملك الجزري ، عن غالب ابن عبيد الله ، عن مكحول ، عن كعب ، «قال : من أتى بيت المقدس فصلى عن يمين الصخرة وشمالها ، ودعا (١) عند موضع السلسلة ، وتصدق بما قل وكثر ، استجيب دعاؤه ، وكشف [٥٩] الله حزنه ، وخرج من ذنوبه مثل يوم ولدته أمه ، إن سأل الله الشهادة أعطاه إياها» (٢).

__________________

(١) في الاصل ودعى.

(٢) ابن الفركاح ٦٤ ففيه «او يسارها» بدل «شمالها» و «وان» بدل «ان».


الباب الرّابع والعشرون

في ذكر الصخرة التي قام عليها سليمان لما فرغ

أنبأنا أبو المعمر الانصاري ، أنبأنا أبو الحسين محمد ابن محمد ، أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ابن عمر ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ابن المهاجر ، حدثني أبي ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبيد الله ابن عبيد ابن عمران الطبراني ، حدثنا منصور ابن أبي مزاحم ، حدثنا معاوية ابن عبيد الله الاشعري ، عن عاصم ابن رجاء ابن حيوة (١) ، عن أبيه ، أن كعبا قدم إيلياء مرة فرشى من أحبار يهود بضعة عشر دينارا ، على أن دلّه على الصخرة التي قام عليها سليمان ابن داود التي قام عليها حين

__________________

(١) رجاء ابن حيوة محدث من محدثي الشام في العصر الاموي أصله من كندة في اليمن وكان مستشارا لبعض الخلفاء الامويين ويروى انه هو الذي نصح الخليفة سليمان بتعيين عمر ابن عبد العزيز خليفة بعده. ويقال انه قطع صلته بالخلفاء بعد موت عمر. روى الحديث عن عبد الله ابن عمرو وعن ابي امامة وعن جابر وعن ابي الدرداء. توفي سنة ١١٢ ه‍. (ابن سعد ٧ قسم ٢ : ١٩١ ، الطبري ، فهرس ، ابن حجر (الاصابة) ٢ : ٦٩ ، الذهبي (تذكرة) ١ : ١١١ ، النووي (تهذيب) ٢٤٥.


فرغ من بناء المسجد ، وهي ممّا يلي ناحية الاسباط ، فقال كعب : قام سليمان ابن داود على هذه الصخرة ، ثم استقبل القدس كله ودعا (٢) [٦٠] الله عز وجل بثلاث ، فأراه الله عز وجل تعجيل إجابته في دعوتين ، وأرجو (٣) أن يستجيب في الآخرة. فقال : اللهم هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ، فاعطاه الله عز وجل ذلك ، وقال : اللهم هب لي ملكا وحكما يوافق حكمك. ففعل الله عز وجل ذلك به ، ثم قال : اللهم لا يأت هذا المسجد أحد يريد الصلاة فيه إلا أخرجته من خطيئته كيوم ولدته أمّه.

__________________

(٢) في الاصل وارجوا

(٣) قابل بما في ابن حنبل ٢ : ١٧٦ والنووي (تهذيب) ٣٠١ حيث تجد نص هذا الدعاء.


الباب الخامس والعشرون

في ان الله تعالى عرج من هناك الى السماء

قد ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتى به الصخرة وقال : من هاهنا عرج ربك إلى السماء. أنبأنا أبو المعمر الانصاري ، أخبرنا أبو الحسين ابن الفراء أنبأنا عبد العزيز ابن أحمد ، حدثنا أبو بكر محمد ابن أحمد الخطيب ، حدثنا عمر ابن الفضل ابن مهاجر ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله ابن ابراهيم ، عن ابراهيم بن أعين ، عن رديح ابن عطية [٦١] ابن النعمان ، عن عبد الله ابن بشر الحمصي ، عن كعب الاحبار ، قال : «يقول الله عز وجل لبيت المقدس أنت عرشي الأدنى (٥) منك ارتفعت إلى السماء ومنك بسطت الأرض ومن تحتك جعلت كل ماء عذب يطلع في رؤوس (٦) الجبال (٧)». قال الوليد : أنبأنا ابراهيم ابن محمد ، حدثنا

__________________

(٥) في الاصل الذي انظر الرواية التي تليها في الصفحة نفسها.

(٦) في الاصل روس.

(٧) قابل بما في ابن الفقيه ٩٧ وابن الفركاح ٦٣ ـ ٦٤.


داود ، عن صدقة ابن يزيد ، عن ثور ابن يزيد ، عن عبد الله ابن بشر (٨) عن كعب ، قال : إن في التوراة (٩) أنه يقول لصخرة بيت المقدس أنت عرشي الأدنى ، ومنك ارتفعت إلى السماء ، ومن تحتك بسطت الأرض كلها ، وكل ماء يسيل من ذروة الجبال من تحتك. واعلم أن الحديث المرفوع (١٠) قد سبق باوزاق ورداته (١١) بكر ابن زياد. قال أبو حاتم ابن حيان (١٢) الحافظ : هذا حديث لا يشك عوام أهل الحديث أنه موضوع. وكان بكر ابن زياد يضع الحديث على الثقات. وأما الحديث بعده عن كعب فيرويه ابراهيم ابن أعين. قال أبو حاتم الرازي (١٣) :

__________________

(٨) لعل صوابها بسر انظر ابن سعد ٧ : القسم الثاني ص ١٣٣ وابن حجر ٤ : ٤١ وابن الاثير ٣ : ١٢٥ وابن خطيب الدهشة ١٥.

(٩) في الاصل التورية.

(١٠) يعني الحديث الذي ورد في اول هذا الفصل. وقد ورد في الباب السادس عشر وفي ص ٤٤ من المخطوطة.

(١١) كذا بالاصل وهما غير واضحتين ولعلهما بافراده وروايته.

(١٢) محمد ابن حبان ابن احمد ابن حبان التميمي البستي الشافعي صاحب الصحيح كان فيما يقول ابن العماد الحنبلي (٣ : ١٦) حافظا ثبتا اماما حجة. واشتغل بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان من اوعية العلم في الحديث ، والفقه واللغة والوعظ وغير ذلك حتى الطب والنجوم». وزعم ابن العماد الحنبلي ان صحيح ابن حبان اصح من سنن ابن ماجه. ومع ذاك فقد اتهم في عقيدته وطعن عليه وقتل بأمر الخليفة سنة ٣٥٤ ه‍. انظر الذهبي (تذكرة) ٣ : ١٢٥ ـ ١٢٩.

(١٣) محمد ابن ادريس ابن المنذر ابو حاتم الرازي كان فارسي الاصل ويعد من ثقات المحدثين في عصره ومن اعظم نقاد الحديث وكان يقصد في ذلك الامر. ارتحل في سبيل جمع الحديث ونقل عن ابن حنبل وعن الربيع ابن سلمان المرادي وغيرهما واخذ عنه البخاري نفسه. توفي في الري سنة ٢٧٧ (النووي (تهذيب) ١٤٣ ، ٢٤٣ ، ٤٧٧ ، ابن خلكان ٢ : ٥٨٦).


هو منكر الحديث لم يروه عن عبد الله ابن بشر (١٤). [٦٢]

__________________

(١٤) وهنا ينتهي ما بين ايدينا من المخطوطة وقد سقط منها شيء من اخر هذا الباب وكل الباب السادس والعشرين والذي يليه واذا راجعنا ابن الفقيه ص ٩٤ الذي سبق ابن الجوزي فأورد كثيرا من احاديث فضائل القدس وجدنا ما يعيننا على معرفة بعض ما يمكن ان يكون ابن الجوزي قد كتبه في البابين الاخيرين : نذكر على سبيل التمثيل ما يقع تحت موضوع الباب السابع والعشرين في زيارة الكعبة يوم القيامة الى بيت المقدس يقول ابن الفقيه ص ٩٤ : وتزف الكعبة بجميع حجاجها يوم القيامة الى بيت المقدس : ويقول لها : مرحبا بالزائر والمزور ، وتزف مساجد الله عز وجل كلها الى بيت المقدس .. وينفخ في الصور يوم القيامة بها ويحشر الله عز وجل الخلائق اليها وتزف الجنة عند بيت المقدس وباب السماء مفتوح على بيت المقدس.


جدول المصادر

مرتبا على الحروف الهجائية

ابن الأثير (أسد) : أسد الغابة في معرفة الصحابة ، القاهرة ، ١٢٨٠ ه‍ لعز الدين ابن الأثير.

ابن الأثير (الكامل) : الكامل في التاريخ ، ليدن ١٨٦٧ ـ ٧٤ م لعز الدين ابن الأثير.

ابن الأثير (اللباب) : اللباب في الأنساب ، القاهرة ، ١٣٥٧ ه‍.

لعز الدين ابن الأثير.

ابن جبير : رحلة ابن جبير ، مصر ، ١٩٥٥ م. للرحالة الشهير ابن جبير.

ابن الجوزي : مخطوطة فضائل القدس. لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

ابن الجوزي (تلبيس) : تلبيس إبليس مصر ، ١٩٢٨ م. لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

ابن الجوزي (الحمقى) : أخبار الحمقى والمغفلين ، بيروت ، مهمل التاريخ. لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي

ابن الجوزي (ذم) : ذم الهوى ، مصر ، ١٩٦٢ م. لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.


ابن الجوزي (صفة) : صفة الصفوة حيدر آباد ١٣٥٥ ـ ٧ ه‍.

لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

ابن الجوزي (مناقب) : مناقب الإمام أحمد ابن حنبل بيروت ، ١٩٧٧ م لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

ابن الجوزي (منتظم) : المنتظم في تاريخ الملوك والأمم حيدر آباد ١٣٥٧ ـ ٨ لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي.

ابن حجر (الإصابة) : الإصابة في تمييز الصحابة القاهرة ، ١٣٢٣ ـ ٧ ه‍ لابن حجر العسقلاني.

ابن حنبل : مسند ابن حنبل ، القاهرة ١٣١١ ـ ١٣ للامام أحمد ابن حنبل.

ابن خطيب الدهشة : تحفة ذوي الأدب ، ليدن ١٩٠٥ م. لابن خطيب الدهشة.

ابن خلكان : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ، القاهرة ، ١٢٩٩ ه‍. لأحمد شمس الدين ابن خلكان.

ابن رجب (الذيل) : كتاب الذيل على طبقات الحنابلة ، القاهرة ، ١٩٥٢ ـ ٣ م. لعبد الرحمن ابن شهاب الدين أحمد ابن رجب.

ابن الساعي : الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير بغداد ، ١٨٣٤ م. لعلي ابن أنجب المعروف بابن الساعي.

ابن سعد : كتاب الطبقات. ليدن وبرلين ١٩٠٤ ـ ٢٨ م لمحمد ابن سعد.

ابن عبد ربه : كتاب العقد الفريد. القاهرة ١٩٤٩ لأبي عمر أحمد ابن عبد ربه.


ابن العماد الحنبلي : شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، مصر ، ١٣٥٠ ـ ١ ه‍. لعبد الحي ابن العماد الحنبلي.

ابن الفرات : تاريخ ابن الفرات ، المجلد ٤ ج ٢ ، البصرة ، ١٩٦٩ لناصر الدين محمد ابن الفرات.

ابن الفركاح : باعث النفوس إلى زيارة القدس. المحروس ، ١٩٣٥ م. لابراهيم ابن عبد الرحمان الأنصاري المعروف بابن الفركاح.

ابن فضل الله العمري : مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ، الجزء الأول مصر ، ١٩٢٤ لابن فضل الله العمري.

ابن الفقيه : مختصر كتاب البلدان ، ليدن ، ١٨٨٥ م. لأحمد ابن محمد الهمذاني المعروف بابن الفقيه.

ابن قتيبة (عيون) : عيون الأخبار ، القاهرة ، ١٩٢٥ ـ ٣٠ م. لعبد الله ابن مسلم الدينوري المعروف بابن قتيبة

ابن قتيبة (معارف) : كتاب المعارف غوتنجن ١٨٥٠ م. لعبد الله ابن مسلم الدينوري المعروف بابن قتيبة.

ابن القيسراني (الأنساب) : الأنساب المتفقة بريل ، ١٨٦٥ م لأبي الفضل محمد امم ن طاهر ابن القيسراني.

ابن القيسراني (الجمع) : الجمع بين رجال الصحيحين حيدر آباد ، ١٣٢٣ ه‍. لأبي الفضل محمد ابن طاهر ابن القيسراني.

ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ، القاهرة ، ١٩٣٢ م. لابن كثير اسماعيل ابي الفداء.

ابن ماجه : السنن. لابن ماجه.

ابن منظور : لسان العرب بولاق ١٣٠٠ ـ ٨ ه‍ وبيروت


١٩٥٥ ـ ٦ لجمال الدين محمد ابن مكرم ابن منظور.

ابن النديم : الفهرست ، ليبزغ ، ١٨٧٢ م. لمحمد ابن إسحاق ابن النديم.

ابن هشام : سيرة الرسول ، غوتنجن ، ١٨٦٠ م. لعبد الملك ابن هشام.

أبو داود : كتاب السنن ، القاهرة ، ١٢٨٠ ه‍. لأبي داود.

أبو شامة : الذيل على الروضتين طبعة العطار ، ١٩٤٧ م. لشهاب الدين عبد الرحمن المعروف بأبي شامة

الاصبهاني : كتاب الأغاني ، بولاق ، ١٢٨٥ م. لأبي الفرج الإصبهاني.

الاصبهاني (الحلية) : حلية الأولياء وطبقات الاصفياء ، القاهرة ، ١٩٣٢ ـ ٨ م. لأبي نعيم أحمد الإصبهاني.

البخاري : الجامع الصحيح ، القاهرة ، ١٣٠٠ ه‍. لمحمد ابن اسماعيل البخاري.

بروكلمان : تاريخ الأدب العربي بالألمانية مع ملحقاته ، ليدن ، ١٨٩٨ ـ ١٩٦٠ م. لكارل بروكلمان.

البصري : فتوح الشام ، كلكتا ، ١٨٥٤ م. لمحمد ابن عبد الله الازدي البصري.

البغدادي : تاريخ بغداد ، القاهرة ، ١٩٣١ م. لأحمد ابن علي الخطيب.

جبور : عمر ابن أبي ربيعة ، بيروت ١٩٣٥ ـ ١٩٣٩ م لجبرائيل جبور.


حتي : تاريخ العرب ، بيروت ، ١٩٧٣ م. بقلم فيليب حتي وأدورد جرجي وجبرائيل جبور.

حجي خليفة : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ، لندن ، ١٨٣٥ ـ ٥٨ م لمصطفى ابن عبد الله كاتب جلبي.

دائرة المعارف اللبنانية : بيروت ١٩٥٦ ـ لرئيس تحريرها فؤاد أفرام البستاني.

الذهبي (تذكرة) : تذكرة الحفاظ ، حيدرآباد ، ١٣٣٣ ه‍. لشمس الدين الذهبي.

الذهبي (المشتبه) : المشتبه في أسماء الرجال ، ليدن ١٨٦٣ م. لشمس الدين الذهبي.

الرسعني : الفرق بين الفرق ، مصر ، ١٩٢٤ م. الرسغي.

زيدان : تاريخ آداب اللغة العربية ، بمصر ، ١٩١٣ لجرجي زيدان.

سبط ابن الجوزي : مرآة الزمان ، شيكاغو ، ١٩٠٧ م. لشمس الدين أبي المظفر يوسف ابن قيزاوغلو.

السيوطي : تاريخ الخلفاء ، مصر ، ١٩٥٩ م. لجلال الدين السيوطي.

طاش كبري زاده : مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، الطبعة الأولى. لطاش كبري زاده.

الطبري (تاريخ) : تاريخ الرسل والملوك ، ليدن ، ١٨٧٩ ـ ١٩٠١ م. لمحمد ابن جرير الطبري.


الطبري (تفسير) : جامع البيان في تفسير القرآن ، بولاق ، ١٣٢٣ ـ ٢٩ ه‍. لمحمد ابن جرير الطبري.

العلوجي : مؤلفات ابن الجوزي ، بغداد ، ١٩٦٥ م ، لعبد الحميد العلوجي.

عماد الدين الإصبهاني : خريدة القصر وجريدة العصر ، بغداد ، ١٩٥٥ لعماد الدين الاصبهاني الكاتب.

القرآن الكتاب المقدس : طبعة جمعية الكتاب المقدس في الشرق الأدنى بيروت ، ١٩٦١ م.

مجلّة المورد العراقية : المجلد الأول ، العددان الأول والثاني ١٩٧١ م. وزارة الأعلام ، الجمهورية العراقية.

المسعودي (مروج) : مروج الذهب ومعادن الجوهر ، باريس ، ١٨٦١ ـ ٧٦ م. لأبي علي ابن الحسين المسعودي

المقتطف : ج ٨٧ سنة ١٩٣٥ م. لمؤسسه يعقوب صروف.

الموسوعة الاسلامية : بالانكليزية لندن ، ١٩١٣ والجزء الأول من الطبعة الجديدة.

النووي (تهذيب) : تهذيب الأسماء ، غوتنجن ١٨٤٢ ـ ٤٧ م. لأبي زكريا يحيى النووي.

ياقوت (م. الأدباء) : معجم الأدباء ، دار المأمون ، مصر ، ١٩٣٦ لياقوت الرومي.

ياقوت (م. البلدان) : معجم البلدان ، ليدن ، ١٨٨٣ ، وبيروت ١٩٥٥ ـ ٥٧ م. لياقوت الرومي.

اليعقوبي : تاريخ ابن واضح اليعقوبي ، ليدن ، ١٨٨٣ م لابن واضح اليعقوبي.


فهرس الاعلام

آدم ٧٨ ، ١١٤

ابراهيم ٧٤ ، ٨٦ ، ٩٧ ، ١١٥ ، ١٢٠

ابراهيم ابن دينار النهرواني ٢٦.

ابراهيم ابن محمد ١٣٠.

ابن إسحاق ١٠٠ ، ١٠١.

ابن أم حرام ١٣٠.

ابن باكويه ١٣٤.

ابن بردة ١٠٣.

ابن البوّاب (الخطّاط) ٢٣.

ابن جبير ١٩ ، ٣٠ ، ٣٤ ، ٥٤.

ابن الجوزي ٧ ـ ٣٢ ، ٣٤ ـ ٤١ ، ٤٤ ـ ٥٤ ، ٥٧ ، ٦٣

ابن الحداد الحنبلي ٤٦.

ابن الحسن ١٠٣.

ابن الحصين ١١٦ ، ١١٨ وانظر محمد ابن الحصين.

ابن حنبل : انظر أحمد ابن حنبل.

ابن خلكان ١٨ ، ٢٣ ، ٤١ ، ٥٠ ، ٥٤.

ابن الخيّاط ٢١.

ابن رجب ١٩ ، ٢٤ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٧.

ابن رشيد الطبري ٣٦.

ابن الزاعوني ٢٥ ، ٢٦.

ابن الساعي ١٨ ، ٢٣ ، ٥٢.

ابن عباس ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٦ ، ١١٦ ، ١٤١.

ابن عبد ربه ١٣ ، ٥٣.

ابن عساكر ٣٧.

ابن عقيل الحنبلي ٤٤ ، ١٢٦.

ابن العماد الحنبلي ١٨ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٤

ابن الفرات ١٨ ، ٢٣ ، ٤٠ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٥٧.

ابن الفركاح ١٢ ، ١٤.


ابن فضل الله العمري ٨ ، ١٣ ، ٥٤ ، ٧٣ ، ٧٩.

ابن الفقيه ١٣.

ابن قتيبة ٦٨.

ابن القصاب (الوزير) ٣٨.

ابن كثير ٤٠ ، ٥٠.

ابن مقلة (الخطّاط) ٢٣.

ابن هبيرة (الوزير) ٣٦.

ابن يونس ٣٨.

أبو ادريس الخولاني ١٤ ، ١٤٠.

أبو أمامة الباهلي ٨٥ ، ٩٤.

أبو بكر الصديق ١٧ ، ٤٧ ، ٤٨.

أبو بكر ابن حبيب ١٣٣.

أبو بكر محمد بن أحمد الخطيب ٧٧ ، ٩٨.

أبو بكر الدنيوري ٢٥ ، ٢٦.

أبو بكر المقرىء ١٢٠.

أبو جهل ١١٦.

أبو ذر ١٢٩.

أبو زرعة السيباني ٧٠.

أبو سعيد الخدري ٧٠.

أبو شامة ٥١.

أبو العالية (رافع الرياحي) ١٤٠.

أبو العباس أحمد ابن عمر ٨٩.

أبو عمرو الشيباني ٧٣.

أبو القاسم العلوي ٢٥.

أبو القاسم ابن الجوزي : أنظر علي أبو القاسم.

أبو محمد البخاري ١٣٠.

أبو المظفر الأبيوردي ١٢٦.

أبو المعالي الاسفراييني ١٣٦.

أبو المعمر المبارك ابن أحمد ١٢ ، ٧١ ٧٢ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٩١ ، ٩٣ ، ١٠٣ ، ١٠٧ ، ١١٩ ، ١٢٤ ، ١٢٩ ، ١٤٠ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ١٤٥.

أبو منصور الجواليقي ٢٦.

أبو نعيم الاصفهاني ٢٢.

أبو هريرة ١١ ، ١٣ ، ١٤ ، ٧٠ ، ٧١ ، ١١٣ ، ١٢٠ ، ١٢٤ ، ١٤١.

الاتراك ١٩.

أجنادين ١٢٢.

احسان عباس ٥١.

أحمد ابن حنبل ٢٠ ، ٢٩ ، ٣٦ ، ٤٠

أحمد زكي باشا ٨.

الارطبون ١٢٢.

ارميا ١٠٧.

أريحا ٦٧ ، ١١٠ ، ١١٢.

أرجوزة ابن عبد ربه ٩١ ، ٩٢.

إسحاق ابن ابراهيم ٩٧ ، ١١٥.


اسرائيل (بنو) ٧٥ ، ٧٦ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠١. ١٠٦ ، ١٠٨ ـ ١١٠.

اسرافيل ١٣٧ ، ١٤١.

الاسكندر المقدوني ٨٢.

اسماعيل ابن عبد الرحمان : أنظر السدي.

اسماعيل ابن عيّاش ٩١ ، ٩٢ ، ٩٨.

اسماعيل ابن هاجر ١١٥.

الاشعرية ٢٠ ، ٢٢ ، ٢٩.

اشناسب ابن الهواسب ١٠١.

الافرنج ٣٥ وانظر الفرنجة.

افغانستان ٤٥.

أم عبد الله (زوج الامام ابن حنبل) ٩٧.

الامويون ١١.

أمين الدين ابن هبة الله ١٢.

أنس ابن مالك ٧٠ ، ٨٥ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ١٣٩.

انطاكية ٣٥.

أنطيخس ١٠٨.

أوري شلم ١٠٠.

الاوزاعي ٨٥ ، ١٢١.

إيران ٤٥.

إيلة ٢٧.

إيلياء ١١ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ١٠٠ ، ١٠٧ ، ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٤٣.

ب

باب بدر ٣٢.

باب البصرة ٣٠.

باب حرب ٤٠.

باب الرحمة ٧٨ ، ١٣٨.

باب النصر ٣٠.

باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس (كتاب) ١٢.

باكستان ٤٥.

البخاري ١٢ ، ١١٧.

بخت نصر ٧٨ ، ١٠١ ، ١٠٣ ، ١٠٦

البداية والنهاية (كتاب) ٥٠.

البراء بن عازب ١١٥.

البراق ١١٩.

برز القميّ (الوزير) ٣٩.

برلين ٧.

برنستون ٨.

برهان الدين الفزاري : أنظر ابن فركاح.

بروكلمن ٧ ، ٤٣ ، ١٩٧ ، ١٩٨.

البصرة ١٧ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٦ ، ١٢٦


بغداد ١٤ ، ١٨ ـ ٣٠ ، ٣٥ ، ٣٧ ٤٧ ، ٥١.

بلخ ٩٩.

بلعام ١١١.

بنفشا (زوج الخليفة المستضيء) ٣٦

بهاء الدين ابن عساكر ١٢.

بوهيموند ٣٥.

بيت الله ٦٩.

بيت لحم ١٢٠.

بيت المقدس ١٠ ـ ١٤ ، ٤٩ ، ٦٣ ـ ٦٧ ، ٧٠ ـ ٧٩ ، ٨٢ ـ ١٠٢ ، ١٠٦ ـ ١٢٥ ، ١٢٨ ـ ١٤٠ ، ١٤٤ ١٤٥.

بيروت ٢٧ ، ٩٩.

ت

تاج الدين عبد الكريم ٤٠.

تاريخ آداب اللغة العربية (لبروكلمن) ٤٣.

تاريخ ابن الفرات ٤٥ ، ٥٤.

تاريخ بغداد ٢٢.

تبّع ٨١.

التتار ٤١.

تذكرة الحفّاظ (كتاب) ٣٨ ، ٤٢ ، ٥٤.

الترك ٤٨ وانظر الأتراك.

تركيا ٤٥.

تلبيس إبليس (كتاب) ٤٦ ، ٤٩ ، ٥٠

التوراة (كتاب) ٩٩ ، ١٠٦.

ث

........

ج

جابر ابن عبد الله الأنصاري ٧٠.

الجابية ١٢٢.

جار الله ٧.

جالوت ١٠٢ ـ ١٠٤.

الجامع المستقصى في فضائل المسجد الأقصى (كتاب) ١٢.

جامعة أنديانا ٤٥.

جامعة برنستون ٧ ، ٨ ، ٤٣.

جامعة الدول العربية ٨ ، ٣٥.

جبرائيل جبور ٧٤.

جبريل الملاك ١١٥ ، ١١٨ ـ ١٢١ ١٣٣ ، ١٤٥.

جبل الثلج ٢٧.

جبل الشيخ ٢٧.

جدول كتب ابن الجوزي ٥٤ ـ ٥٦

جرير ابن عثمان ٩٢.


جعفر الجوزي ١٧ ، ١٨.

جمال الدين المحب ٤٠.

جوزة (محلة أو فرضة) ١٧ ، ١٨ ٢٤.

الجوزي (آل) ١٧ ، ١٨ ، ٢٨ ، ٤٠

جوهرة بنت ابن الجوزي ٤١.

ح

الحجاز ١٥ ، ٢٧.

الحجاج ابن يوسف ٥٢ ، ١٠٣.

الحجر ١١١.

حجي خليفة ٤٢ ، ٤٣ ، ٥٧

حدراء ١١.

الحديث ١١ ، ٢١ ـ ٢٦ ، ٤٣ ، ٥٣

حذيفة ابن اليمان ٨٥ ، ١٠٨.

الحربية (محلة) ٣٠.

الحريري ٢٢.

حزقيا ١٠٠.

الحسين ابن أحمد الحسيني ١٣.

حلية الأولياء (كتاب) ٢٢.

حمص ٩٨.

الحمقى والمغفلون (كتاب) ٤٨.

حمير ٨٢.

الحنابلة ٢٠ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٢٩.

الحنفية ٢٤ ، ٣١.

خ

خارجة ابن زيد ابن ثابت ١٠٤.

خالد ابن معدان ١٣٠.

خالد ابن الوليد ١٢٤.

خراسان ١٢٤.

خردوس ١٠٢.

خريدة القصر (كتاب) ٢١.

الخطيب البغدادي ٢٢.

خيبر ٢٧.

د

دار عقيل ١١٨.

داريوس ١٠٨.

داود النبي ٧٤ ـ ٧٦ ، ٧٩ ، ٨٠ ٨٦ ، ٩٧ ، ١٠٩ ، ١٢١.

دبيس الأسدي ٢٠.

دجلة ١٨.

درب حبيب ١٨.

درب الغبار ٢٧.

درب القيار ٢٧ وانظر درب الغبار درة الاكليل (كتاب) ٣٨.

دمشق ١٥٦.

ذ

ذم الهوى (كتاب) ٢٩ ، ٤٢ ، ٤٧ ٥٠ ، ٥٣.


الذهبي ١٨ ، ٣٨ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٥٠ ٥٤ ، ٥٧.

ذو الأصابع ٩٣ ، ١٣٠.

ذو القرنين ٨١.

ذو النون ١٣٤.

ذيل طبقات الحنابلة ، ٢٤ ، ٤٢ ـ ٤٣ ، ٥٤.

الذيل على الروضتين (كتاب) ٥١

ر

رابعة بنت ابن الجوزي ٣٦ ، ٤١.

الراشد ٢١.

الرافضة ٢٠.

رافع الرياحي ١٤٠.

ربذة ١٢٩.

رجاء ابن حيوة ١٤٣.

رحلة ابن جبير (كتاب) ٤٧ ، ٥٤

الركن ابن عبد الوهاب ٣٨.

الرملة ١٢٢.

الروض المغرس في فضائل البيت المقدس (كتاب) ١٣.

الروم ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٩ ، ١٢٢ ١٢٧.

رومية ٧٨ ، ١٠٨ ، ١٠٩.

الريحاني (الخطاط) ٢٣.

ريموند ٣٥.

ز

الزجاج ٦٧ ، ١٠٣ ، ١٤١.

زكريا ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠٢.

الزهري (محمد ابن مسلم) ١٢ ، ١١٤

زينب (بنت ابن الجوزي) ٤١.

س

سابور ١٠٤.

سبط ابن الجوزي ٢٠ ، ٢٤ ، ٢٧ ـ ٢٩ ، ٣٥ ، ٤٧.

ست العلماء الصغرى ٤١.

ست العلماء الكبرى ٤١ ، ٤٦.

سحبان ٣١.

السدّي (اسماعيل ابن عبد الرحمان) ٦٨ ، ٩٩ ، ١٠١ ، ١١٠.

سديد الملك ٢١.

سرجون ١٠٠.

سعيد ابن جبير ٣٥ ، ١٠٣ ، ١٢٩.

سعيد ابن مسلمة ١٢١.

سعيد ابن المسيب ١١ ، ٤٩ ، ٥٠ ، ٧٤

السلاجقة ١٩.

سلامة ابن قيصر ١٣١.

سليمان ابن داود ٦٥ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٨ ـ ٨٣ ، ٨٦ ، ١٤٣.

سليمان ابن عبد الرحمان ٧٧.


السنّة ٢٤ ، ٤٧ ، ٤٨.

سنحاريب ١٠٠ ـ ١٠٣.

سورية ٩٩.

سيرة ابن هشام (كتاب) ١٠٠.

سيرة عمر ابن عبد العزيز (كتاب) ٤٤.

السيوطي ١٣ ، ٥٤.

ش

شابور ١٠٤ وانظر سابور.

الشافعي ٩٩.

الشافعية ٢٤.

الشام ٦٩ ، ١٠٦ ، ١١١ ، ١٢٥ ، ١٢٦

شداد ابن أوس ١٣٠ ، ١٣١.

شذرات الذهب (كتاب) ٥٤.

شرف الدين ابن هبيرة ٢٩.

شرف الدين (عبد الله) ٤٠.

شرف النساء (بنت ابن الجوزي) ٤١

شعيا ١٠٠ ، ١٠١.

شمعون (أبو ريحانة) ١٣٠.

الشميم الحلي ٢١.

شهاب الدين (أحمد المقدسي) ١٢ ، ١٣.

الشيباني ٨٧.

الشيعة ٢٤ ، ٣٨ ، ٤٧.

ص

الصحابة ١٧.

الصحيحان ١١٥.

صخرة بيت المقدس ١٣ ، ١٤ ، ٦٥ ١١٤ ، ١١٩ ، ١٣٤ ، ١٣٧ ـ ١٤٦

صدقيا ١٠٠.

صديقه ١٠٠.

صفة الصفوة (كتاب) ٢٢ ، ٤٦ ، ٤٧

صفوان ابن عمرو ٩٢.

صلاح الدين (يوسف ابن أيوب) ١١ ، ١٤ ، ٣٧ ، ٤٩ ، ١٢٨.

الصليبيون ١١ ، ١٤ ، ٣٥ ، ٣٧.

ض

الضحاك ابن قيس ٨٢.

الضحاك ابن مزاحم ٦٨.

ضمرة ٨٧.

ط

طاطري ابن اسمانوس ١٠٨.

طالوت ١٠٣.

الطبري ١٠٠.

طبقات الأصحاب (المختصرة) ٤٥

طور زيتا ٧٠ ، ٧١.


طور سينا ١١٣.

طيطس ابن اسفانوس ١٠٨.

ظ

ظهير الدين ٢١.

ع

عائشة (أم الموئمنين) ٧٠ ، ٧٢.

عبادة ابن الصامت ١٢٠ ، ١٣٠ ، ١٣١

العبّاس (بنو) ١٩.

عبد الله ابن عباس ١١ ، ٦٨ ، ٧٠.

عبد الله ابن عمر ٧٠ ، ٨٥ ، ٩١ ، ١٣٨

عبد الله ابن عمر وابن العاص ٨٠ ، ٨٥

عبد الأول ١١٤.

عبد الحميد العلوجي ٧ ، ٤٣ ، ٤٥.

عبد الرحمن ابن عوف ١٢٣.

عبد الرزاق ابن الجوزي ٤١.

عبد الصمد ابن معقل ١٠٦.

عبد العزيز ابن أحمد ١٣٢.

عبد العزيز ابن الجوزي ٢٧ ، ٢٨.

عبد الملك ابن مروان ١١.

عبد الوهاب الأنصاري : أنظر أبو المعمر.

عبد الوهاب ابن المبارك ٢٦ ، ١٠٤

عثمان ابن عفان ١٢٩.

العراق ١٥ ، ٢٦ ، ٥١ ، ٥٤.

عز الدين ابن هبيرة ٢٩.

عزير ١٠٥ ، ١٠٦.

عصر ابن أبي ربيعة (كتاب) ٧٣

عطاء الخراساني ٧٧ ، ١٢٩.

العقد (كتاب) ١٣ ، ٥٣.

علي ابن أبي طالب ١١ ، ٣٨ ، ٤٧ ٤٨ ، ٧٣ ، ١٠٥ ، ١٢٤.

علي ابن جعفر الرازي ٩٨.

علي ابن عقيل (الحنبلي) ٢٢.

علي أبو القاسم (ابن الجوزي) ٢٩ ، ٣٦ ، ٣٩ ، وانظر أبو القاسم.

عماد الدين الاصفهاني ٢١.

العمالقة ١٠٣.

عمر ابن الخطاب ١١ ، ٦٤ ، ١٠٩ ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٩.

عمر ابن عبد العزيز ١٠٤.

عمرو ابن العاص ١٢٢.

عميد الدولة ٢١.

عيسى (المسيح) ٧٠ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ١٠٤ ، ١٢٠.

عيسى ابن عبد العزيز ٩٨.

عين سلوان ٦٤ ، ٩٧ ، ٩٨.

غ

الغزالي ٢٢.


ف

فارس ١٠٣ ـ ١٠٥ ، ١٠٧.

فاطمة (بنت النبي) ٤٨.

فاطمة بنت الحسين الرازي ٢٥.

فاطمة بنت عبد الله الخيري ٢٥.

فخر النساء (الشهدة) ٢٥.

الفرّاء ١٠٣.

الفرزدق ١١ ، ٦٩.

الفرنج ، الفرنجة ١٢ ، ٣٧ ، ١٢٥ وانظر الافرنج.

فضائل القدس (كتاب) ٧ ـ ١٢ ٢٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٤٣.

فضائل بيت المقدس (كتاب) ٦٣.

فلسطين ١٢٣.

فنون ابن عقيل (كتاب) ٢٢ ، ٤٢

فيروز الديلمي ١٣١.

ق

القائم ٢١.

قبة الصخرة ١١.

قتادة ابن النعمان ٦٩ ، ٧٠ ، ١٣٧.

قدامة ابن جعفر ٥٧.

القدس ١١ ـ ١٤ ، ٣٧ وانظر بيت المقدس.

القرآن ٢١ ـ ٢٥ ، ٣١ ، ٣٥ ، ٣٦

٤٣ ، ١٠٣.

قريش ١١٨

قس ابن ساعدة ٣١.

قيصر ٨٧.

ك

كالب ابن يوفنا ١١١ ، ١١٢.

كان وكان (شعر) ٥٣.

كتاب الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ١٣.

كتاب الأنس في فضائل القدس ١٢

كتاب التفسير الكبير ٩٩.

كتاب الظرفاء والمتماجنين ٥٣.

كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (كتاب) ٤٢ ، ٤٣.

كعب الأحبار ١١ ، ١٤ ، ٧٤ ، ٩٥ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣٧ ، ١٤١ ـ ١٤٦.

كعب ابن لؤي ١١٧.

الكعبة ١٣ ، ٦٥ ، ٧٤ ، ١١٥.

كنعان (أرض) ١١١.

الكوفة ٧٣ ، ٨٢ ، ١٠٣.

ل

لفتة الكبد ... (كتاب) ٤٤.


لبنان ٢٧.

لقط الجمان في كان وكان (كتاب) ٥٣.

م

ماجوج ٨٢.

مالك (الامام) ١٠٠.

المالكية ٢٤.

المبارك ابن أحمد الأنصاري ٨٠ ، ٩٧ ، ١١٩ وانظر أبو المعمر.

المبارك ابن جعفر ٢٥.

المتقي ٢٧.

مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام (كتاب) ١٣.

مجاهد ١٠٣ ، ١٢٩.

مجلّة المورد ٤٥.

المجمع العلمي العراقي ٣٥.

مجير الدين العليمي ١٣.

محراب داود ٥٤ ، ٩٧ ، ١٢٣.

محمد (النبي) ١١ ، ١٣ ، ٢٣ ، ٤٨ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٧٢ ، ٨٩ ، ٩٠ ٩٤ ، ٩٦ ، ١٠٥ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ١١٣ ـ ١٢١ ، ١٢٩ ، ١٤١ ، ١٤٥

محمد باقر ٤٥.

محمد ابن الحصين ٩٦ ، ١٠٥ ، ١١٢

محمد بحر العلوم ٥٣.

محمد ابن ناصر ١٢ ، ٢٥ ، ٧٣ ، ٩٠ ١٠٨ ، ١١٩ ، ١٣٠ ، ١٣٧ ، ١٣٩

مختصر تقويم اللسان (كتاب) ٩.

مختصر لقط الجمان (كتاب) ٩.

مختصر المنتظم (كتاب) ٩.

مخزوم (بنو) ١٠٣.

المدرسة النظامية ٢٢.

المدينة ٢٦ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٧٢ ، ١٠٠

مرآة الزمان (كتاب) ٢٤ ، ٣٦ ، ٤٢ ـ ٤٥ ، ٥٤.

مراد البارودي ٧ ، ٨.

مرجان (الخادم) ٢٨.

مريم (العذراء) ٩٨ ، ١٠٠ ، ١٢١.

مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ٨ ، ٥٤.

المسترشد ٢٠ ، ٢١.

المستضيء ٢١ ، ٢٩ ، ٣٤ ـ ٣٦.

المستظهر ٢١.

المستنجد ٢٨ ، ٢٩.

المستنصرية ٢٣ ، ٥٢.

المسجد الأقصى ٨٩ ، ١٢٥.

مسجد بيت المقدس ٩٦.

المسجد الحرام ٨٤ ، ٩٦.

مسجد القبائل ٨٩.


مسلمة ابن عبد الملك ١٢١.

المشيخة (كتاب) ٢٤.

مصر ٤٦ ، ٩٩ ، ١٠٧.

مصطفى عبد الواحد ٢٩ ، ٤١ ، ٤٢

معاوية ابن أبي سفيان ١١ ، ٨٢ ، ١٢٤

معجم الأدباء ٥٧.

معهد المخطوطات العربية ٨ ، ٤٦

المفاخر في أيام الناصر (كتاب) ٣٥

مقاتل ٩٩ ، ١٤١.

مقامات الحريري (كتاب) ٢٣.

مقامات يحيى ابن سعيد (كتاب) ٢٣

المقتدي (الخليفة) ٢١.

المقتطف (مجلة) ١٠.

المقتفي (الخليفة) ٢١ ، ٢٨ ، ٤٧.

مكة ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٤ ، ٣٧ ، ٧٢ ، ٨٤ ، ١٠٣ ، ١١٦.

مكحول ٨٥ ، ٩٠.

مناقب عمر ابن عبد العزيز (كتاب) ٤٤

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (كتاب) ٢٢ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٩ ، ٣٧ ، ٣٨.

المهدي ١٠٨.

موسى (النبي) ٦٧ ، ٦٨ ، ٧٧ ، ٩٧ ، ١٠٦ ، ١١٠ ـ ١١٣.

الموصل ٢٨.

موفق الدين الالوسي ٥٧.

مؤلفات ابن الجوزي (كتاب) ٧

ميخائيل ١٠٦.

ميكائيل ١٣٣.

ميمونة بنت سعد ٩٠.

ن

ناجية عبد الله العربي ٣٥.

الناصر (الخليفة) ١٤ ، ٢١ ، ٣٠ ٣٤ ، ٣٩ ، ٤٩ ، ١٢٨.

نافع (مولى عبد الله ابن عمر) ٩١.

نبوخذ نصر ١٠٠.

النجاشي ٨٧.

نسطو الخادم ٢٦.

النصر على مصر (كتاب) ٣٤.

نصر ابن منصور الحرّاني ٤٨.

نظام الملك ٢٢.

نهر عيسى ٤٩.

نور الدين ابن زنكي ٣٥.

ه

هارون ٧٧ ، ١١٢ ، ١١٣.

هاشم (آل) ١٢٧.

هبة الله ابن محمد ابن الحصين ١٢.


هبيرة (آل) ٢٨.

هستابسوس ابن اربساس ١٠١.

الهند ٤٥.

هولاكو ٤١.

هيرودس ١٠٢.

و

الواحدي ٥٧.

واسط ١٨ ، ٢٧ ، ٣٨.

وفيات الأعيان .. (كتاب) ٥٤.

الولايات المتحدة ٤٥.

الوليد ابن حماد ٧٣.

وهب ابن منبه ٩٥ ، ١٠٦ ، ١١٣ ، ١٣٠.

ي

ياجوج ٨٢.

يافا ١٠٨.

ياقوت الرومي ٥٧.

يحيى ابن زكريا ٩٩ ـ ١٠٢ ، ١٠٤ ١٠٩.

يحيى ابن ثابت ابن بندار ٧٨.

يحيى ابن سعيد ٢٣.

يحيى ابن هبيرة ٢١ ، ٢٨ ، ٢٩.

يشوع ابن نون : انظر يوشع.

يعقوب ابن إسحاق ٩٧ ، ١١٥.

اليغموري ١٨.

اليمن ٨١.

اليهود ٢٠.

يوسف ابن أيوب : انظر صلاح الدين.

يوسف ابن عبد الرحمان ابن الجوزي ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٠.

يوسف (سبط ابن الجوزي) ٥٤

وانظر سبط ابن الجوزي.

يوسف ابن يعقوب ٩٧.

يوشع ابن نون ٦٤ ، ١١١ ـ ١١٣




فضائل القدس

المؤلف:
الصفحات: 168