مقدمة المحقق

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل خلق الله الصادق الأمين صاحب السيرة الزكية محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه وبعد :

علم التاريخ من العلوم الإنسانية التى لها دورا أساسى فى حياة الأمم والشعوب والحضارات على مر العصور والأحقاب والأزمنة ، بل لا يوجد شىء فى الوجود إلا وله تاريخ ، فلهذا حرصت كل الحرص على تقديم كتابا هاما للمكتبة العربية «الفوز بالمراد فى تاريخ بغداد» لسليمان الدخيل المؤرخ. فقبل تناولنا محتويات الكتاب نلقى الضوء على مدينة بغداد على مر العصور حتى سقوطها فى أيدى الأتراك فيقول الدكتور عصام عبد الرءوف فى كتابه الحواضر الإسلامية.

تمهيد : خطط بغداد وتطورها فى العصر العباسى الأول :

كان من الطبيعى ومن المنتظر أن يرفض العباسيون ـ بعد أن أقاموا دولتهم على أنقاض الدولة الأموية ـ الأبقاء على مدينة دمشق حاضرة للخلافة ذلك أن بلاد الشام كانت مقر بنى أميه ، وبها عصبيتهم من العنصر العربى الذى يناصرهم ، ويرفض انتقال الخلافة إلى غيرهم ، لذا نقل العباسيون حاضرة دولتهم إلى العراق قريبا من أنصارهم الفرس الذين أقاموا ملكهم على أكتافهم ، وبذل الفرس أموالهم ودمائهم فى سبيل إقامة صرح دولتهم ، يضاف إلى ذلك أن بلاد العراق غنية بمواردها الطبيعية ، وفى مأمن من غارات البيزنطيين لبعدها عن


حدودهم (١). وأصبح العراق بعد انتقال قصبة الدولة اليه ـ حلقة الأتصال بين العنصرين العربى والإيرانى اللذين يتألف منهما الجماعة الإسلامية (٢).

ولم تكن كل من الكوفة والبصرة ـ وهما المدينتان الكبيرتان اللتان كانتا موجودتين منذ الفتح العربى الأول للعراق ـ تصلح لأن تكون حاضرة للدولة الجديدة ذلك أن أهل الكوفه كان معظمهم شيعة يعارضون الحكم العباسى بل ويسعون إلى نقل الخلافة للعلويين ، أما البصرة فلم تكن تصلح هى كذلك لوقوعها فى الجنوب لذلك أقام أبو العباس السفاح ـ أول خلفاء الدولة العباسية ـ فى الحيرة (٣). وفى سنة ١٣٤ ه‍ انتقل إلى الأنبار وبنى مدينة على شاطئ الفرات ، سماها الهاشمية نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف (٤) ، وتوفى أبو العباس قبل أن يتم بناء المدينة ، ولما ولى أبو جعفر المنصور الخلافة سنة ١٣٦ ه‍ لم يشأ أن يقيم فى مدينة أخيه وسلفه أبى العباس ، إذ بنى مدينة بين الكوفة والحيرة سماها الهاشمية أيضا ، وأقام بها لكنه لم يلبث أن كره سكناها لما ثارث عليه الراوندية (٥). كما أن قربها من الكوفة ـ ومعظم أهلها يناصر العلويين ـ جعلته لا يشعر بالطمأنينة ، لأنهم قد يثورون عليه فى أى وقت ، وفعلا أفسدوا جنده وأنصاره عليه (٦).

وعلى ذلك فقد عول المنصور على تأسيس حاضرة جديدة لدولته ، فخرج بنفسه يرتاد لها موضعا يتخذه مسكنا لنفسه وجنده وبنى به مدينته ، فبدا فانحدر إلى جرجرايا (٧) ثم صار إلى بغداد ، ثم مضى إلى الموصل ثم عاد إلى بغداد

__________________

(١) اليعقوبى : البلدان ص ٢٢١

(٢) ENCY of ISLAM : Art Baghdad

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ، حوادث سنة ١٣٤ ه‍.

(٤) le Strange : Beghdad during the Abbasid caliphote p. s

(٥) الراوندية قوم من أهل خراسان كانوا يقولون تناسخ الأرواح ، ويزعمون أن روح آدم أنتقل إلى رجل من كبارهم ، وأن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو المنصور ، وطافوا : بقصره وقالوا : هذا نصر ربنا. فأمر المنصور بالقبض على رؤسائهم فغضب الباقون وثاروا عليه ، فأخذ المنصور ثورتهم ، ونكل بهم.

(٦) ابن طباطبا : الفحرى فى الآداب السلطانية ص ١٤٣.

(٧) بلد من أعمال النهروان الأسفل بين واسط وبغداد (ياقوت : معجم البلدان ج ٣ ص.


وضرب عسكره على الصراة ، وتدبر موقعها فاعجبه وقال : هذه دجله ليس بيننا وبين الصين شئ يأتينا فيها كل ما فى البحر وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية (١) وما حول ذلك ، وهذه الفرات يجئ فيها كل شئ من الشام والرقة وما حول ذلك ، كما أنه لا حظ خصب البقعة التى تقع فيها بغداد ، الأمر الذى ييسر لسكانها رغد العيش ، يضاف إلى ذلك سهولة الدفاع عن موضوع بغداد ، فإن هاجمها أحد كانت دجلة والفرات وروافدهما خنادق لها ، فإذا خربت القناطر احتاج العدو إلى العبور ، لذلك فإن الهجوم عليها أمر صعب (٢).

أصاب المنصور فى اختياره لبغداد حاضرة لدولته ، وقد ذكر ابن خلدون فى مقدمته عن الشروط الواجب توافرها فى الحاضرة فقال : أما أن تقع على هضبة متوعرة من الجبل ، وأما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها بعد العبور ، وطيب الهواء للسلامة من الأمراض ، وقرب الزرع منها ليحصل الناس على الأقوات.

وكانت الأرض التى تقع فيها بغداد منذ القدم من أهم مراكز الحضارة ، وازدهرت فيها بصفة خاصة الثقافة الشرقية القديمة ، وكانت من أهم المراكز التجارية حيث تلتقى فيها عدة طرق تصلها بمختلف البلاد ، وشهدت هذه الأرض الحواضر (٣) عظيمة مثل بابل وسلوقية والمدائن وورثت بغداد هذه بل واستخدم فى بنائها انقاض مدينة المدائن التى تبعد عنها بضعة كيلو مترات (٤).

أحاط بتأسيس مدينة بغداد روايات من نسج الخيال رواها الكتاب العرب ، فذكروا أن رهبان الدير القريب من مدينة بغداد سأل المنصور عن الرجل الذى يريد بناء المدينة ، فقيل له المنصور ، فقال الراهب للرجل : اذهب إلى صاحبك وقل له لا يتعب نفسه فى بناء هذه المدينة ، فأنا نجد فى كتبنا أن رجلا اسمه

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ـ حوادث سنة ١٤٥ ه‍.

(٢) مقدمة : ابن خدون ص ٣٤٣.

(٣) Ency.of Islam.Art Baghdad

(٤) Hitti : Hist ,of the Arabs P.٢٤٢.


مقلاص يبنى ههنا مدينة ، ويكون لها شأن من الشأن ، وأن غيره لا يتمكن من ذلك ، فجاء الرجل إلى المنصور وأخبره بما سمع ، فقال المنصور : أما والله كان اسمى مقلاصا ، أطلقته على مربية عجوز لى (١) والدليل على عدم صحة هذه الرواية أن الغيب لا يعلمه إلا الله.

ويرجع ترديد الكتاب العرب لهذه الرواية إلى أن الاعتقاد فى التنجيم كان شائعا فى ذلك العصر حتى أن المنصور وضع أساس مدينته فى الوقت الذى اختاره له المنجمون ، وبشروه بطول بقائها وكثرة عمارتها (٢) على أننا نلاحظ أن الأساطير أحاطت بتأسيس المدن الكبرى مثل أتينا وروما ودمشق.

كانت بغداد قبل تمصيرها قرية قديمة بناها بعض ملوك الساسانيين المتأخرين وتقع على الشاطئ الغربى لنهر دجلة فى أعلى المكان الذى يلتقى فيه نهر الفرات بدجله ، وكان يعقد بها سوق شهرى يأتيه التجار من بلاد الفرس والصين ، وتعرضت للغزو العربى سنة ١٣ ه‍ حينما هاجمها المثنى بن حارثة الشيبانى ، واستولى عليها ، وغنم من غزوها مغانم كثيرة (٣) ، وقد أثبت البحث الحديث وجود مدينة قديمة فى موضع بغداد أثبته المكتشف الإنجليزى السير هنرى رولنسون سنة ١٨٤٨ م ، وظهر اسم بختنصر الثانى على أحجار هذه المدينة ، وقامت فى هذا المكان أيضا مدينة تشبه فى تسميتها بغداد (٤).

اختلف الكتاب والمؤرخون حول معنى كلمة بغداد فيعتقد البعض أن بغداد كلمة فارسية تتركب من باغ ومعناها بستان وداد رجل ، وقيل أن بغ اسم لصنم وداد أعطى وقيل أن تسمية بغداد باغ داذوية لأن موضع بغداد كان باغا لرجل من الفرس يسمى داذويه ، ولكننا نرجح أن كلمة بغداد معناها عطية الله أو هبته (٥).

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٤٥ ه‍.

(٢) المصدر نفسه السابق حوادث سنة ١٤٥ ه‍.

(٣) le strange : Baghdad during the Abbasid Caliphate p. ٩

(٤) ياقوت : معجم البلدان ج ٢ ص ٢٣٢.

(٥) le strange : Baghdad during the Abbasid Caliphate p ٢٧.


وسميت بغداد أحيانا بغداد ، وأحيانا أخرى بغداد (١). على أنها اشتهرت باسم مدينة السلام ، واختلف المؤرخون كذلك حول هذه التسمية فبعضهم ذكر أنها سميت بهذا الإسم قبل أن يبنيها المنصور ، ويرى البعض أن اسمها اشتق من اسم نهر دجله المدعو نهر السلام. ولكن الأرجح أن المنصور رغب فى اطلاق تسمية عربية على بغداد فدعاها دار السلام ، لأن الله هو السلام أو لعل المقصود هنا الجنة فقد ورد فى القرآن الكريم عن الجنة (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام الآية ١٢٧.

«والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم ، ومهما يكن من أمر فقد كان الشعراء والأدباء وسائر الناس يطلقون على الحاضرة الجديدة بغداد أو بغداد ، وأحيانا يطلقون عليه الزوراء لأن قبلتها غير مستقيمة ، يحتاج المصلى فى المصلى فى مسجدها الجامع إلى أن ينحرف جهة اليسار (٢) ، أو أن أبوابها الداخلة مزورة عن الأبواب الخارجية أى ليست على سمتها ، على أننا نلاحظ أن كثيرا ما كان يتردد ذكر دار السلام فى المكاتبات الرسمية وعلى العملة (٣).

تأسست مدينة بغداد فى موضع عدة قرى منها بغداد والمخرم وبستان القس والعتيقة ، وحرص المنصور على أن يطمئن على أحوال هذه القرى الصحية والمعيشية ، فاستدعى رؤساءها وسألهم عن أحوال قراهم ، فطمأنوه على حسن اختياره ، ولم يكتف بذلك بل عهد إلى بعض رجاله بأن يبيتوا فى هذه القرى ، ويدرسوا أحوالها ، فلما انتهوا من مهمتهم ، قدموا على المنصور ، وأجمعوا على أفضلية هذه عما سواها فازداد المنصور تفاؤلا بنجاح المشروع الذى أقدم عليه (٤).

__________________

(١) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٦.

Hitti : Hist. of the Arabs p. ٢٩٢

(٢) الفخرى فى الأداب السلطانية ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٤٥ ه‍.

(٤) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ١٧ ـ ١٨.


عول المنصور على الإستفادة بكافة الخبرات الموجودة فى مملكته فى انجاز مشروعه الكبير ، فاستدعى إليه من كل بلد من بلدان دولته المهندسين ، وأهل المعرفة بالبناء والعلم بالزرع والمساحة وقسمة الأرضين والبنائين والفعلة والصناع من الحدادين والحفارين والنجارين حتى أجتمع لديه على ما قيل ـ نحو مائة ألف من أرباب المهن والصناعات ، وحدد لهم رواتب وأجور معلومة ، وأسند مهمة الإشراف على عملية البناء إلى رجال ممن يثق بهم من ذوى الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة ، فكان ممن أحضر لذلك الحجاج بن أرطأة وأبو حنيفة النعمان بن ثابت (١).

أشرف المنصور بنفسه على تخطيط مدينته الجديدة ، فأمر بوضع خطوط بالمرماد تمثل رسم المدينة الهندسى الذى أقره ، ودخل من كل باب من أبوابها وعبر فى فصلانها وطاقاتها ورحابها ، وشاهد تخطيطها على الطبيعة ، ولم يكتف بذلك ، بل أمر بوضع حب من القطن على الخطوط المرسومة فى موضع بغداد ، وصب ، النفظ عليها ونظر إلى موضع المدينة ، والنار تشتعل ، فشاهد رسمها ، واطمأن إلى حسنه وقال : «الحمد لله الذى أخرها لى» وأغفل عنها كل من تقدمنى «والله لأبننيها ثم اسكنها أيام حياتى ، ويسكنها ولدى من بعدى ، ثم لتكونن أعمر مدينة فى الأرض» (٢).

افتتح المنصور مشروع تأسيس مدينته فى يوم تاريخى مشهود حضره كبار رجال الدولة (٣) ، ووضع أول لبنة بيده وقال : «بسم الله والحمد لله ، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (٤) ثم أمر عماله بأن يبدأوا فى البناء على بركة الله».

على أن بناء بغداد لم يقدر له أن يتم سريعا ، فلما بلغ سور بغداد مقدار

__________________

(١) ابن الأثير : الكامل فى التاريخ حوادث سنة ١٤٥ ه‍.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤١.

(٣) Hitti : Hist.of the Arabs p.٢٤٢.

(٤) le strange : Baghdad during the Abbasid Coliphate p. ٩


قامة ، أمر المنصور بوقف البناء بعد أن نمى إلى علمه انتقاض محمد ذى النفس الزكية بالمدينة المنورة عليه ، وأقام بالكوفة حتى فرغ من قمع ثورة العلويين بقيادة الأخوين محمد وإبراهيم ، وعاد إلى بغداد ليستأنف عملية البناء ، وكان مولاه أسلم قد أحرق ما أعد لبناء المدينة من الخشب والساج خوفا من أن ينتصر العلويين ويزحفوا إلى بغداد ويستولوا على أدوات بنائها (١).

ومهما يكن من أمر فقد استأنف المنصور بناء مدينة بغداد ، وجعلها مدورة ، ويذكر اليعقوبى (٢) أنه لا يعرف فى جميع أقطار الدنيا مدينة مدورة غيرها.

وبنيت المدينة مدورة لئلا يكون الملك إذا نزل وسطها إلى موضع منها أقرب منه إلى موضع (٣).

أحاط المنصور مدينته بسورين ، وجعل للبلدة أربعة أبواب للسور الداخلى ونظير لهذه الأبواب بالسور الخارجى ، وأول هذه الأبواب باب خراسان ويسمى باب الدولة لاقبال الدولة العباسية من خراسان ، والثانى باب الكوفة وهو تلقاء الكوفة ، والثالث باب الشام وهو من ناحية الغرب ، والرابع باب البصرة وهو بمقربة من دجله (٣) فكان القادم إلى بغداد أو من الشرق يدخل من باب خراسان ، والقاصد من الحجاز يدخل من باب الكوفة ، والقاصد من المغرب يدخل من باب الشام ، والقاصد من فارس والأهواز وواسط والبصرة واليمامة والبحرين يدخل من باب البصرة (٤) ، وكان بين كل باب من أبواب المدينة والباب الآخر مسافة تقدر بميل (٥).

عنى المنصور بتحصين مدينته ، فأحكم بناء السورين ، وجعل للمدينة أبوابا متينة من واسط والكوفة والشام ، ونصبها على أبواب خراسان والكوفة

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٤٦ ه‍.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤.

(٣) le strange : Baghdad during the Abbassid Coliphate p. ٩

(٤) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٥) ياقوت معجم البلدان ج ٢ ص ٢٣٥.


والبصرة ، أما باب الشام فقد صنع فى بغداد ، وكان أضعف الأبواب (١).

أقيم على كل باب من الأبواب الأربعة سواء السور الداخلى أو أبواب السور الخارجى طاقات ، وعلى كل باب من أبواب السور الداخلى قبه معقودة مذهبة ، ويصعد إلى هذه القباب على عقود مبنية بالجص والآجر ، وبعضها باللبن ، ولكل باب من هذه الأبواب التى على السور الداخلى قائد فى ألف جندى ، يتولون مراقبة القادمين والخارجين من المدينة وتمكنهم القباب على الأبواب من رصد الحركة المتجهة إلي بغداد من مساقات بعيدة (٢).

حرص المنصور على تقوية وسائل الدفاع عن مدينته ، فشيد لها سورين ـ كما قلنا ـ سور داخلى وسور خارجى ، ويحيط بالسور الخارجى من الخارج خندق عميق أحكم بناؤه ، وله حافتين بالجص والأحر ، وأجرى فيه الماء تأخذ من نهر كرخايا ، وكان عرض السور الداخلى من أسفله خمسون ذراعا ومن أعلاه عشرون ذراعا ، ويطلق عليه اليعقوبى السور الأعظم ، أو سور المدينة ، أما السور الخارجى فكان إرتفاعه ثلاثون ذراعا وعرضه كعرض السور الداخلى ، وبين السورين فصيل ، وكان يسمى سور الفصيل ، وعلى السور أبراج ، وبنيت عليه شرافات ، وبين حائط السور حائط الفصيل مائة ذراع (٣).

قلنا أن مدينة بغداد بنيت مدورة ، وكان قطرها من باب خراسان إلى باب الكوفة ٢٠٥ ذراع ومن باب البصرة إلى باب الشام كذلك ، واتخذ المنصور المسجد الجامع وقصره فى الرحبة التى هى فى وسط المدينة أو بعبارة أخرى مركز الدائرة للمدينة (٤) وعنى المنصور تشييد قصره وسماه باب الذهب ، وكان فى وسطه القبة الخضراء ، التى كانت ترى من أطراف بغداد ، وكان على رأس القبة

__________________

(١) Hitti : Hist.of the Arabs p.٣٩٢.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٤٠.

الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١٠ ص ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) حسن إبراهيم حسن : تاريخ الإسلام السياسى ج ٢ ص ٣٧١.

(٤) le strange : Baghdad during the Abbasid Coliphate p. ٧١


تمثال على صورة فارس فى يد رمح ، وتحت القبة مجلس بمستوى سطح الأرض مساحته عشرة أمتار فى مثلها ، وفى صدر المجلس الأسفل ايوان عظيم على الطراز الفارسى ، وارتفعت القبة الخضراء على علو يزيد على ثمانين ذراعا ليشرف منها على جهات المدينة وما يجاورها من البساتين ، كما أنه عنى بتجميلها بالرسوم البديعة ليكون منها للدلالة على سعة ملكه والشهادة باقتدار على عظائم الأعمال ، فظهرت وكأنها أكليل من نور قد تدلى على قصر السلام (١).

اتخذ المنصور ومعظم خلفاؤه فى العصر العباسى الأول قصر باب الذهب أو قصر السلام مقرا لهم ، ولم يقم فيه الخليفة الرشيد غير أن الأمين اتخذه مقرا له وأضاف إليه بناءا جديدا ، واعتصم الأمين بهذا القصر أثناء حصار قوات المأمون لبغداد وتعرض القصر للتخريب والتدمير من ضربات طاهر بن الحسين العنيفة.

أما القبة الخضراء فظلت قائمة على حالها ، وبلغت مساحة قصر باب الذهب ٠٠٠ ، ١٦٠ ذراعا مربعا (٢).

روعى فى تأسيس المدينة الإسلامية بناء مسجد جامع لها ، فأنشاؤه يدل على طابعها الإسلامى ، وقد أقام المنصور مسجد بغداد الجامع مجاورا لقصر باب الذهب وكان محرابه منحرفا عن القبلة ، وبناه المنصور باللبن ، ذلك أنه شيد بعد بناء القصر ، ولكى يكون وضعه متناسبا مع وضع القصر أصبح منحرفا محرابه عن القبله وكان سقف المسجد قائما على أساطين من خشب ، ولكل أسطوانه تاج مدور مصنوع من قطعة خشب ، وبقى هذا الجامع بهذه الصورة حتى ولى الرشيد الخلافة فعول على تجديده سنة ١٩٢ ه‍ ، فأمر بهدمه وأعاده بنائه بالجص والآجر ، وكتب عليه اسم الرشيد وذكر اسماء بنائيه ومشيديه وتاريخ البناء وقد تم ذلك سنة ١٩٣ ه‍ وصار يعرف هذا الجامع بالصحن العتيق (٣).

قلنا أن مركز الدائرة بها القصر والمسجد الجامع ، ولم يكن حولهما بناء ولا دار

__________________

(١) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤١.

(٢) le strange : Baghdad during the Abbasid Coliphate p. ٩١

(٣) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٧٦.


ولا مسكن لأحد إلا دار من ناحية باب الشام للحرس وسقيفه كبيرة ممتدة على عمد مبنية بالآجر والجص ، يجلس فى أحداهما صاحب الشرطة وفى الأخرى صاحب الحرس ، وحول الرحبه تدور منازل أولاد المنصور الأصاغر ومماليكه وبيت المال وخزانة السلاح وديوان الرسائل وديوان الخراج وديوان الخاتم وديوان الجند وديوان الحوائج وديوان النفقات ومطبخ العامة (١).

على أن المنصور لم يكف بقصر باب الذهب ، إنما عول على إتخاذ قصر آخر له باطراف المدينة ، ولعل المنصور بعد أن شيد مدينة بغداد شعر أنه منعزل فى قصر باب الذهب فى وسط المدينة لتزايد السكان من حوله ، فأقام لنفسه قصر الخلد ، وأصبح أجمل المواضع التى ببغداد ويقع على الضفة الغربية مما يلى باب خراسان ، وسماه الخلد نسبة إلى حدائقه الواسعة وتشبيهها بجنة الخلد وما يحويه من كل منظر رائق ومطلب فائق وغرض غريب ومراد عجيب ، وفضل الرشيد الإقامة فيه بدلا من قصر باب الذهب ، وعاش فيه طوال خلافته تقريبا (٢).

اشتملت مدينة بغداد على أربع شوارع رئيسية ، تفرعت من أبواب السور الداخلى الذى يحيط بالرحبة ، وهذه الشوارع تتخذ صورة محاور الدائرة ، ويتجه إلى خارج المدينة وتنتهى عند الخندق (٣) ، وقد أقيمت على جانبى هذه الشوارع الأبنية العالية التى بنيت على نمط واحد وأحسن تنسيقها ، وتفرعت من هذه الشوارع سكسكا (٤) ودروبا عرفت باسم قواد المنصور ومواليه أو الإسم الذى يغلب على سكان السكة أو الدرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، الشارع الممتد من باب البصرة إلى باب الكوفة تتفرع منه سكة المطبق ، والمطبق سجن بغداد ، وثيق البنيان محكم السور ، والشارع من باب البصرة إلى باب خراسان سكة

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية ص ٢٢١.

le strange : Baghdad during the Abbasid Coliphate p. ٦٢.

(٢) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٧٥.

(٣) le strange : Baghdad during the Abbasid Coliphate p. ٢٣.

(٤) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤١.


الحرس وسكة الربيع وهكذا ، ومن باب الكوفة إلى باب الشام شارع يخرج منه سكة العلاء وسكة نافع ... الخ.

والشارع من باب الكوفة إلى باب خراسان يتفرع منه سكة الحكم بن يوسف وسكة صاعد مولى أبى جعفر.

وفى كل سكة من هذه السكك جلة القواد الموثوق بهم وجلة موالى الخليفة المنصور ، ومن احتاج إليهم فى مهام الأمور ، وحرص المنصور بأن يراعى فى تخطيط السكك والدروب ما يحتاجه الناس من مرافق كالمساجد والحمامات والأسواق وأن تتسع هذه السكك لإقامة المساكن والمنازل والمساجد.

ولكى ييسر المنصور أمر تشييد مدينته ، قسم المدينة إلى أربعة أرباض أى نواحى ، وعهد إلى أربعة من رجاله المقربين إليه بأن يشرف كل واحد منهم على تأسيس ربض ، ومنحه الأموال اللازمة لتأسيس ربضه ، وأمرهم بأن يتوسعوا فى إقامة الأسواق فى الأرباض بحيث يكون فى كل ربض سوق جامعة يضم مختلف التجارات وأن يجعلوا لكل ربض من السكك والدروب النافذة وغير النافذة ما يعتدل بها المنازل ، وأمرهم بأن يجعلوا عرض الشارع خمسين ذراعا ، والدرب ستة عشر ذراعا وأن يبنوا فى جميع الأرباض المساجد والحمامات ما يكتفى بها فى كل ناحية ومحله ، وأمر أن يجعلوا من قطائع القواد والجند ذراعا معلوما للتجار يبنونه وينزلونه هم وأهل البلدان الأخرى (١).

ولما فرغ المنصور من عمارة بغداد أقطع أعيان دولته قطائع من الأرض رغبة فى تخفيف الضغط على بغداد من جهة ومكافأة لهم على ما قدموه من الخدمات الجليلة من جهة أخرى ، وسرعان ما عمرت هذه القطائع وازدحمت بالسكان وأصبحت كل قطعة منها تعرف باسم الرجل أو الطائفة التى تسكنها ، فمن بينها قطيعة العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس على الصراة وقطيعة الصحابة وهم من سائر قبائل العرب من قريش والأنصار وربيعة ومضر ، وكانت على

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية ص ٢٢١.


الصراة أيضا ، وقطيعة الربيع بن يونس ـ مولى المنصور ـ وكان بها تجار خراسان من البزازين ، وقطيعة صالح بن المنصور وقطيعة الحرب بن عبد الله ـ أحد أصحاب المنصور ـ وسرعان ما اتسعت هذه القطائع ، وازداد إقبال الناس على سكناها ، وظلت تحمل اسم أصحابها مثل العباسية والصالحية والحربية (١).

حرص المنصور على توفير المياه بأرض بغداد ، فأمر بشق قناة تأخذ من نهر كرخايا ـ أحد روافد الفرات ـ تمر بداخل بغداد ، وقناة أخرى تأخذ من دجلة مباشرة ، وسماها دجيل ، وجر لأهل الكرخ وما اتصل به نهر يقال له نهر الدجاج وأدى توفر المياة إلى غرس الناس النخيل الذى جلب من البصرة وغرسوا الأشجار ، فأثمرت وأينعت ، وبذلك أمتلأت المدينة وضواحيها بالحدائق والمنتزهات البديعة (٢). وعنيت الحكومة فى بغداد بنظافة المدينة ، فلم يكن يسمح قط بإلقاء القاذورات على جانبى الطرق أو الأزقة ، وأنما كانت الشوراع تكنس وترش بأحسن نظام (٣).

يبالغ اليعقوبى (٤) فى ذكر عدد مساجد وحمامات وأسواق بغداد فيذكر أن المساجد كانت ثلاثين ألفا ، والحمامات عشرة آلاف ، وهذه الأرقام مشكوك فى صحتها. لأن مدينة بغداد بتصميمها ومساحتها لا يمكن بحال من الأحوال أن تتسع لهذه الأرقام التى ذكرها اليعقوبى ، على أننا نعتقد أن ما رواه اليعقوبى يدل على كثرة مرافق هذه المدينة.

على كل حال عنى المنصور بتأسيس مدينته ، وأقام لها المرافق الضرورية والأسواق فى كل ربض ، على أن المنصور عاد فأمر بنقل الأسواق إلى الكرخ خارج المدينة ، وجعل لكل تجارة شوارع معلومة وصفوفا فى تلك الشوارع وحوانيت ، ويرجع السبب فى نقل المنصور الأسواق من داخل المدينة إلى

__________________

(١) اليعقوبى : البلدان ص ٢٥٠.

(٢) ياقوت : معجم البلدان ج ٢ ص ٢٣٦.

(٣) المصدر السابق ذكره ج ٢ ص ٢٣٦.

(٤) البلدان ص ٢٥١.


خارجها إلى أنه خشى أن يضم الغرباء الذين يبيتون فى السوق جواسيس ، وجعل مدينته للشرطة والحرس وسائر السكان. وكان الكرخ ـ وهو السوق الذى اختاره المنصور ـ يقع ما بين الصراة ونهر عيسى ، ثم أمر ببناء مسجد فى السوق الجديد ، ولما كثر الناس ضاقت عليهم هذه الأسواق ، فبنوا أسواقا من أموالهم حتى اتسع الكرخ (١). ومع ذلك فقد أمر المنصور بأن يبقى فى كل ربض يقال واحد لبيع الأشياء اليومية التى لا غنى للناس عنها. وبمرور الزمن اتسعت بغداد حتى صار الكرخ فى وسطها (٢).

لم يكتف المنصور بتأسيس مدينة على الضفة الغربية لدجلة ، بل عول سنة ١٥١ ه‍ ، على توسيعها ، وذلك بإقامة مدينة جديدة على الجانب الشرقى لدجلة ، وأقامها فعلا وسماها الرصافة ، وعمل لها سورا وخندقا ومسجدا جامعا وقصرا ، وأجرى لها الماء ، ويرجع السبب فيما شرع فيه المنصور أنه خشى من اجتماع جنده فى مكان واحد ، أقصد الضفة الغربية ، فرأى تفريقهم على جانبى دجلة ، فإذا ثار عليه جند الضفة الغربية ضربهم بجند الضفة الشرقية ، وأمر أبنه المهدى بالإقامة فى الرصافة مع عسكره ، وأقطع المنصور أخوته وقواده نواحى فى البلدة الجديدة ، وتنافس الناس فى النزول بالرصافة لمحبتهم المهدى ولاتساعة عليهم بالأموال والعطايا ، ولأن الرصافة كانت أوسع الجانبين أرضا. ذلك أن الناس قد سبقوا إلى الجانب الغربى ، ولم تلبث أن عمرت الرصافة بالأسواق ومنازل التجار والجند وسائر الناس (٣).

اتسع الجانب الشرقى من بغداد واستقرت فيه الأسر الغنية وأتباعها من الموالى والعبيد الذين يبلغ تعدادهم بضعة آلاف ، وشيدت فى الرصافة قصور فخمة أهمها قصر جعفر بن يحيى البرمكى ، وأتخذه للهو والطرب وكان القصر فى موقع حسن لإطاله على دجله وصار إلى المأمون منزل صيده وقنصه ، وبنى حوله

__________________

(١) ياقوت : معجم البلدان ج ٢ ص ٢٢٣.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٣٦.

(٣) ياقوت : معجم البلدان ج ٤ ص ٢٥٤.


وقريبا منه منازل لخاصته وأصحابه وحاشيته سميت بالمأمونية (١). كذلك توسع الناس فى البناء فى القسم الشرقى ، فبنوا فيه القصور المنيفة والمنازل المزخرفة ، اتخذوا الأسواق والمساجد والحمامات ، وأقطع المهدى رجاله مواضع بها ، وبنواحيها ، ونشأت فى الرصافة عدة محلات أهمها أبى حنيفة وبها مقبرة الإمام أبو حنيفة ومحلة باب الطاق ، والطاق قسما من أقسام قصر لإحدى بنات المنصور ، ثم صار فى زمن الرشيد مجمعا للشعراء ، وإلى جوار هذا الطاق سوق الصاغة ودار صاحب شرطة المهدى ، كذلك نشأت محلة دار الروم نسبة إلى أسرى الروم الذى أنزلوا فيها فى عهد الخليفة المهدى ، فشيدوا هناك ضيعة ودورا لهم.

وازدهرت محلة الشماسية فى عهد الرشيد لأن البرامكة اتخذوا قصورهم بها ، فشيد يحيى بن خالد قصره المعروف بقصر الطين بها ، كذلك اتخذوا ولديه جعفر والفضل قصرين هناك. وامتدت قطائع البرامكة من الشماسية حتى البردان (٢).

كذلك برزت محلات أخرى فى الرصافة نخص بالذكر منها سوق الثلاثاء ، وقد نشأت إلى جوار هذه المحلة محلتان على ضفاف دجله تسمى إحداهما محلة دار دينار الكبرى والأخرى دار دينار الصغرى نسبة إلى دينار بن عبد الله ـ من موالى الرشيد ـ وكان من أجل القواد فى زمن المأمون.

وصفوة القول أن بغداد صارت من أمهات المدن الإسلامية ، بل والعالمية فى العصر العباسى الأول ، ومركز العلم والثقافة ، وأهم مراكز النشاط التجارى فى العالم ، وكثرت ثروتها وازدهرت فى عهد الخليفة الرشيد ، وتجلى ذلك فى بلوغ العمران بها غايته وازدحام الناس بانحائها ، وتموجهم كالبحر فى أرجائها ، حتى قيل أن تعدادهم زاد على مليون ونصف نسمة (٣). وهذا العدد الهائل يدل على أنه ليس فى المدن أعين ولا أيسر من الموضع الذى يتكوفون فيه تكوف الرمال (٤).

__________________

(١) ابن الساعى : نساء الخلفاء ص ٧١.

(٢) اين الساعى : نساء الخلفاء ص ٧١.

(٣) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٩٣.

(٤) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٩٣.


على أن مدينة بغداد لم تنعم بازدهارها طويلا ، بل تعرضت بعد عامين من وفاة الرشيد إلى التخريب والتدمير ، ذلك أن الخلاف نشب بين الأمين والمأمون ـ ولدى الرشيد ـ وما لبث أن تطور هذا الخلاف إلى حرب بين الأخوين ، وحاصرت قوات المأمون بغداد ، أربعة أشهر بقيادة هرثمة بن أعين وطاهر بن الحسين ـ قائدى المأمون ـ وعزل هرثمة الجانب الشرقى عن الجانب الغربى ، وهدم سوره ، بينما حاصر طاهر بن الحسين الجانب الشرقى (١).

واشتبكت قوات طاهر بن الحسين مع قوات الأمين فى معارك متعددة كان من نتيجتها تدمير حى الحربية بعد أن رمى بالنفط والنيران والمنجنيقات وأرسل طاهر إلى أهل الأرباض يطلب منهم التسليم ، فمن أجابه كف عنه ، ومن لم يجبه ودخل فى طاعته قاتله وأحرق منزله ، وظل يغدو ويروح بفرسانه وقواده ورجالته ، ويشن هجماته على بغداد ونواحيها حتى أوحشت مدينة المنصور ، وخاف الناس أن تبقى خرابا ، وأسمى طاهر الأرباض التى خالفه أهلها ومدينة أبى جعفر الشرقية وأسواق الكرخ والخلد وما والاها دار النكث ، وأستولى على كل أملاك من خالفه من بنى هاشم والقواد والموالى ، فذلوا وانكسروا وانقادوا ، واشتد القتال وضعف أنصار الأمين ، وتعرضت المدينة للسلب والنهب حيث واتت الفوضى التى حلت بالمدينة الفرصة للصوص وقطاع الطرق والرعاع وأهل السوقه لسلب الناس والاعتداء عليهم ، وهدم طاهر بعض قناطر بغداد ، وشن هجماته (٢) على الكرخ ، وحاصر بغداد ، وهاجم قصر أم جعفر وقصر الخلد ونصب المنجنيقات خلف سور بغداد ، وقذف المدينة ، وتفرق جنده فى السكك والطرق لا يلوى منهم أحد على أحد ، وتحصن محمد الأمين بالمدينة هو وأنصاره ، وشدد طاهر الحصار ، وفى سنة ١٩٨ ه‍ وقع الأمين فى الأسر بعد أن حوصر فى قصر الخلد ، ولم يلبث أن قتل ، وتوقفت الحرب بعد أن تحولت بغداد

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه‍.

(٢) المصدر السابق ذكره حوادث سنة ١٩٨ ه‍.


إلى خرائب ورماد حتى أتت النيران على أحياء باكملها ودمرت هذه الحرب قصرى الخلافة ، باب الذهب فى وسط المدينة ، والخلد على دجلة (١).

وكان لمقتل الأمين أثر سئ فى نفوس أهل بغداد ، فاشتدت معارضتهم للمأمون وثاروا على وزيره الحسن بن سهل حتى غادر بغداد سنة ٢٠١ ه‍ ، وزاد أهل بغداد ، معارضة المأمون حين بايع لعلى الرضا بولاية العهد وأمر الناس يلبس الخضرة ـ شعار العلويين ـ بدلا من السواد ـ شعار العباسيين ـ لذلك بايعوا إبراهيم بن المهدى ولقبوه المبارك وظل يحكم بغداد مدى عامين ، غير أن خيانة قواده له ، وتمردهم عليه أجبرته على تسليم المدينة وزمام الحكم إلى المأمون ، ونزل المأمون بالجانب الشرقى حيث نقل إليه مقر حكمه فى قصر من قصور البرامكة وقام بتوسيعه (٢).

وقدر لبغداد أن تنزل عن مركزها الممتاز بعد أن انتقلت حاضرة الدولة إلى سامرا ، ذلك أن المعتصم جمع جيشا من الترك بلغ عدة آلاف وألبسهم أنواع الدبياج ، والمناطق الذهبية والحلية المذهبة ، وأبانهم عن سائر جنوده ، وكان الأتراك يؤذون الناس بمدينة السلام بجريها الخيول فى الأسواق ، وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك (٣) وضاقت بهم بغداد وتأذى بهم الناس بعد أن زاحموهم فى دورهم وتعرضوا بالنساء ، فتذمر أهل بغداد وتقدموا بالشكوى إلى المعتصم ، فرأى الخليفة ضرورة الإنتقال من بغداد مع عسكره ، ووقع اختياره على سامرا ، وشيدها سنة ٢٢١ ه‍ ، وأتخذها حاضرة بدلا من بغداد. وبذلك فقدت بغداد أهميتها كحاضرة إسلامية كبرى.

حقيقة ظلت بغداد محتفظة بقدر كبير من النشاط الأدبى والإزدهار الإقتصادى ، لكن انتقال حاضرة الخلافة عنها ، أفقدها السيادة على المملكة الإسلامية الكبرى.

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ١٦٦.

(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية س ١١١.

(٣) المصدر السابق ذكره.


الحالة الإقتصادية فى بغداد

فى العصر العباسى الأول

١ ـ الثروة الزراعية.

٢ ـ مظار تقدم الصناعة.

٣ ـ النشاط التجارى.

٤ ـ الإدارة المالية.

٥ ـ المعاملات المالية والتجارية.

٦ ـ الدواوين المالية.



الحالة الإقتصادية فى بغداد

فى العصر العباسى الأول

١ ـ الثروة الزراعية :

عنى الخلفاء العباسيون الأوائل بتنمية الثروة الزراعية فى منطقة بغداد ، فعملوا على تيسير الرى حتى يتمكن الزراع من زراعة الأرض دون جهد ومشقة ، من ذلك أنهم شقوا للترع وأقاموا المصارف وشيدوا القناطر ، ولما كانت الأرض الواقعة بين نهرى والفرات خصبة ، زاد إنتاجها بمد تحسين ريها.

استغل الخليفة المنصور نهر دجلة الغزير المياه ، فأمر بشق عدد من الجداول والترع تستمد مياهها منه ، تيسر رى الأراضى القريبة منه مثل قناة دجيل ، كما أحسن أستغلال نهر الفرات ـ على الرغم من قلة مياهه ، وذلك بإقامة قناة تخذ من كرخايا ـ إحدى روافد الفرات ـ وتجرى فى عقود وثيقة من أسفلها محكمة بالآجر من أعلاها ، وتنفذ فى أكثر شوارع بغداد صيفا وشتاءا ، وصممت بحيث لا ينقطع ماؤها فى وقت من أوقات السنة ، كما أمر المنصور بشق قناة تجرى إلى الكرخ وما اتصل به ، سميت نهر الدجاج ، ونهر يسمى نهر طابق ، ونهر عيسى الأعظم الذى يستمد معظم مائه الفرات ، ويتفرغ منه أنهار تحترق بغداد ـ ومن بينها الصراة ـ ويصب فى دجلة (١). وكذلك شق المنصور فى الرصافة نهر المهدى (٢). وكان لتوفر المياه فى منطقة بغداد أكبر الأثر فى وفرة إنتاجها الزراعى.

__________________

(١) ياقوت : معجم البلدان ج ٢ ص ، ٢٣٦

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ، ٣٥٣


واستخدم العباسيون الأسلوب العلمى فى الزراعة ، فدرسوا الوسائل التى تؤدى إلى خصوبة الأرض ، وأنواعه النباتات ، ونوعية التربة التى تصلح لكل نبات (١) ، ورشحت المستنقعات بنظام دقيق (٢).

كانت أرض العراق من الناحية القانونية ملكا للدولة ، وأبقاها الخلفاء فى أيدى أصحابها يزرعونها ويؤدون خراجا عنها ، وقد حرص الخلفاء العباسيون على عدم اثقال كاهل الأهلين بضريبة الأرض الأمر الذى شجعهم على بذل الجهود لزيادة إنتاج الأرض ، وبذكر الجهشيارى (٣) أن الخليفة المهدى نهى عمال الخراج عن التعسف وإلحاق الجور بالمزارعين وكان الوالى الذى يلحق الأذى بأهل الخراج يعزل أو يعاقب (٤).

وكانت الحكومة تمتلك أرضا آلت إليها من الأمويين الذين صودرت أملاكهم ، أو مات أصحابها دون أن يتركوا من يرثهم ، أو أراضى صادرها الخلفاء عقوبة لأصحابها ، وأرض الدولة هذه يقطعها الخلفاء إلى رجال يثقون بهم ، أو ممن أدوا خدمات جليلة لأمتهم ، وقد عمروا هذه الإقطاعات ، وسميت بأسمائهم ، من ذلك أن المنصور أقطع العباس بن محمد بن على الجزيرة بين الصراتين ، فجعلها العباس بستانا ينمو فيه مختلف الزروع ، ولا تنقطع غلاتها صيفا ولا شتاءا ، وسميت بالعباسية (٥) ، وأقطع المأمون وزيره الحسن بن سهل الصلح ، وهى كورة فوق واسط لها نهر يتفرع من دجله على الجانب الشرقى يسمى فم الصلح (٦).

ولم يكن إقطاع الأرض مقصورا على الخليفة وحده ، بل إن صاحب الأرض الواسعة كان يقطع أحيانا بعض المزارعين جزءا من أرضه فيقومون بزراعتها.

__________________

(١) حسن إبراهيم حسن : تاريخ الإسلام السياسى ج ٢ ص ، ٣٠٧

(٢) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامى ص ، ٣٦٤

(٣) الوزراء والكتاب ص ، ١٤٣

(٤) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ٢١٩

(٥) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٥٩

(٦) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢٢١ ه‍.

Hitti : Hist. of the Arabs p. ٠٤٣.


ويمدهم بما يحتاجون إليه من مواد وأدوات فى الزراعة ، وييسر لهم سبل الرى ، ويمنحهم جزءا من المحصول ، ويقوم المقطع بأداء الخراج عن الأرض المقطعة بواقع العشر فقط ، وتظل الأرض ملكا له يتوارثها أبناؤه من بعده (١).

وقد يحدث أحيانا أن يرغب صغار ملاك الأراضى الزراعية فى الإفلات من عبء الخراج العادى ، فدونوا ضياعهم مع ضياع كبار ملاك الأراضى الأقوياء ، فكانوا يدفعون عنها العشر فقط ، كما هو الحال فى الإقطاعات ، على أن هذا التصرف لم يمنعهم من ممارسة حقوق ملكياتهم لأراضيهم ، فظلوا يتبايعونها ويتوارثونها ، وإن كانت بأسماء كبار الملاك المدونة مع ضياعهم (٢) ، فالجهشيارى (٣) يذكر أن رجلا من أهل الأهواز قدم إلى أبى أيوب الموريانى ـ وزير المنصور ـ وقال له : إن ضيعتى بالأهواز قد حمل على فيها العمال ، فإن رأى الوزير أن يعيرنى اسمه أجعله عليها مقابل قدر من المال ، فوافق الوزير على أن يهب اسمه للرجل.

شاع نظام الضمان على جباية الخراج ، فكان على الضامن أن يقدم للحكومة مبلغا معينا من المال سبق أن اتفق مع الحكومة عليه ، وإذا ما أخل الضامن بالتزامه ، فإن الحكومة تفرض عليه عقوبات ، وقد ألحق الضمان ضررا كبيرا بأهل الخراج من المزارعين وبالأرض ، لأن الضامن كان يلجأ فى بعض الأحيان إلى استخدام العنف للحصول على المال المحدد بالضمان فيسلمه إلى الحكومه فضلا عن الربح الذى يحرص على جمعه من أهل الخراج ، فيضر ذلك بهم ، فيخربوا ما عمروا (٤).

وكانت المزارع سيحا أو بواسطة الآلات الرافعة ، وأكثر هذه الآلات شيوعا ، الدالية والناعورة والدولاب (الساقية) قالدالية دولاب يجره ثور أو بقرة ، أما

__________________

(١) أبو يوسف : الخراج ص ، ٣٣

(٢) عصام الدين عبد الرءوف : تاريخ الإسلام فى جنوب غرب أسيا فى العصر التركى ص ، ١٨٢

(٣) الوزراء والكتاب ص ، ١١٨

(٤) أبو يوسف : الخراج ص ، ٦٠


الناعورة دولاب يديره تيار النهر ، والدولاب أكثر الثلاثة تعقيدا يديره حصان أو ثور (١).

وتقع بغداد فى منطقة خصبة ، تضم قرى تنمو وتزدهر فيها الكثير من الغلات ، وشجع توفر المياه أهل بغداد على غرس النخيل الذى حمل من البصرة ، حتى صار فى بغداد أكثر منه فى البصرة والكوفة ، كما غرسوا الأشجار ، وأنتجت أجود الثمار ، وانتشرت الحدائق والبساتين فى كل ناحية من نواحى بغداد (٢).

وازدهرت قرى بغداد التى توفر فيها المياه ، فكانت بلدة المحول التى تقع عند الموضع الذي يتفرع منه نهر الصراة ونهر عيسى بها سد على النهر الرئيسى ـ عيسى الأعظم ـ لتنظيم المياه فيه ، وتقسيمها بين فرعى الصراة وعيسى الذين ينحدران شرقا إلى بغداد ، لذا اشتملت على البساتين الرائعة التى تنمو فيها مختلف المزروعات (٣) ويذكر الأصطخرى (٤) أن بادوريا ـ إحدى قرى بغداد ـ كانت خصبة الأرض غنية بمزارعها لحسن ريها ، وجودة أرضها.

ومن المزروعات التى أنتجتها بغداد الحنطة والشعير والتمر والأرز والفواكه كالعنب والمشمش ، والخضروات والرياحين وأنواع الأزهار كالنرجس والياسمين والورد ، وكذلك الجوز والموز واللوز والقرنفل (٥) وكان ببغداد سوق البطيخ يباع فيه الفواكه (٦) وجلب إلى بغداد النارنح من الهند ، وحسنت زراعته فيها.

٢ ـ مظاهر تقدم الصناعة :

عنى الخلفاء العباسيون بتحسين الصناعات فى بغداد وتيسير أمرها للعاملين

__________________

(١) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ، ٥١

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٩٣

Hitti : Hist. of the Arabs p. ٠٤٣

(٣) ياقوت : معجم البلدان ج ٤ ص ، ٢١٤

(٤) المسالك والممالك ص ، ٨٥

(٥) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ، ٥٣

(٦) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٦٤


فيها ، فشيد الخليفة المعتصم مصانع فى بغداد لصناعة الصابون بالدهون والعطور ، وكانت بغداد تنتج أنواع الزيوت (١). كذلك أنشأ العباسيون مصنعا للورق فى بغداد ، وجلبوا له الصناع وأرباب الحرف من مصر التى اشتهرت بهذه الصناعة منذ وقت بعيد (٢) ، وكان ببغداد عدد كبير من المصانع حتى قيل أنه كل بها أربعمائة رحى مائية وأربعة آلاف معمل لصنع الزجاج ، وبضعة آلاف معمل لصنع الخزف ، وكان لكل صناعة سوق خاص (٣).

وازدهرت فى بغداد صناعة الأدوات الجديدية والخشبية المختلفة فى سوقى الحدادين والنجارين ، كذلك كانت تصنع السفن والقوارب فى بغداد سواءا الحربية أو التجارية أو الترفيهية. ويذكر الطبرى (٤) أن الأمين أمر بعمل خمس حراقات فى دجلة على خلقة الأسد والفيل والعقاب والحيه والفرس ، وأنفق فى عملها مالا عظيما ، كما ابتنى سفينة عظيمة أنفق على بنائها ثلاثة آلاف درهم ، واتخذ أخرى على شكل دأبه بحرية قيل إنها تنقذ الغريق أسمها الدلفين.

وتقدمت صناعة حياكة الثياب الحريرية والقطنية والأقمشة بأنواعها فى بغداد ، وكان ببغداد سوق للبزازين ، ويباع فيه بالإضافة إلى الأقمشة والمنسوجات ، للعمائم الدقيقة من صنع بغداد والمناديل ، وكان السقلاطون وهو نسيج حريرى سميك ـ يصنع فى بغداد ، وفى محلة العتابية تصنع الثياب العتابية ، وهى ثياب مخططة تصنع من خيوط قطنية وحريرية (٥) ، وتقدمت صناعة البسط فى بغداد ، ويصنعونها من القطن والكتان (٦) ويذكر صاحب كتاب الفخرى (٧) أن الحسن بن

__________________

(١) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٧٥ ـ Hitti : Hist.of the Arabs p.٠٤٣

(٢) مقدمة : ابن خلدون ص ، ٢٤٥

(٣) أمين زكى : كتاب عمران بغداد ص ، ٥٠

(٤) تاريخ الأمم والملوك ، حوادث سنة ١٩٨ ه‍.

وقال أبو نواس فى ذلك :

قد ركب الدلفين بدر الدجى

مقتحما فى الماء قد لججا

فأشرقت دجله فى حسنه

وأشرف الشطان واستبهجا

خص به الله الأمين الذى

أضحى بتاج الملك قد توجا

(٥) Hitti : Hist.of the Arabs p.٥٤٣.

(٦) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ٩٣ ، ١٤١


سهل ، فرش للخليفة المأمون يوم زواجه من ابنته بوران حصيرا منسوجا من الذهب ، وصنع للسيدة زبيدة زوجة الرشيد بساطا من الدبياح ، جمع صورة كل حيوان وطائر من جميع الأجناس ، وأنفقت عليه نحوا من ألف ألف دينار (١) وأتخذ المأمون فى قصوره ثلاثة آلاف وثمانمائة بساط منها ألف ومائتين مزركشه بالذهب (٢).

وأنشأ العباسيون فى بغداد ـ كما فعل الأمويون فى دمشق من قبل ـ دور الطراز ، فكانت تنقش أسماؤهم أو علامة مميزة تختص بهم على الأثواب التى يرتدونها ، وكذلك ملابس أجنادهم ورجال دولتهم ، وعليها شارة الخليفة أو لقبه وبعض عبارات الدعاء (٣) ، والكتابة تحاك بخيوط من الذهب أو من خيوط ذات ألوان زاهية وكان القائم بالنظر فى دور الطراز يسمى صاحب الطراز (٤) وهو ينظر فى أمور الصباغ والحاكة ، ويشرف على أعمالهم ويجرى عليهم أرزاقهم ، وتنتج دور الطراز البسط والثياب والأعلام والبنود والفرش ، ويستعملها الخليفة أو يمنحها لكبار عماله (٥).

واشتهرت بغداد بالصناعات الزجاجية ، أخذوها عن الفرس ، وبلغت درجة كبيرة من الدقة والأتقان ، وبلغ من مهارة الصناع أن الزجاج كانوا يرصعونه بالجواهر ويكتبون عليه بالذهب المجسم ويصنعون أقداحا بديعة الصنع.

كذلك ظهر فن الصناعة على المبانى ، فكان على الجدران والسقوف نقوش فى رسم ملون أو فسيفساء من ذهب ، وعلى دائر الأبواب كتابة من الزجاجة الملون ويحوطونها بخشب أسود من الأبنوس وغيره ، ويعلق الصناع رسوما من النحاس تمثل غصونا وثمارا أو أزهار إلى غير ذلك من الأشكال التى تؤكد براعة الصانع وذوقه الفنى ودقته ومهارته (٦).

__________________

(١) ابن طباطبا ص ، ٢٠٣

(٢) ابن الابشيهى : المستطرف ج ١ ص ، ٨٩

(٣) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ، ٩٥

(٤) مقدمة ابن خلدون ص ٢١٠ ـ ، ٢١١

(٥) الدمبرى : حياة الحيوان الكبرى ص ، ٧٩

(٦) Hitti : Hist.of the Arabs p.٥٤٣


٣ ـ النشاط التجارى :

لم يأل الخلفاء العباسيون جهدا فى سبيل تشجيع التجارة على اعتبار أنها مصدر هام من مصادر الثروة.

وكانت التجارة داخل بغداد مركزها الأسواق ، وقد حرض الخليفة المنصور عند تأسيس مدينة بغداد على انعاش الحالة التجارية فيها فأمر المشرفين على تشييدها أن يراعوا فى تخطيط المدينة ما يحتاجه كل ربض من أسواق وحوانيت ، وأن يتوسعوا فى إنشاء الحوانيت ليكون فى كل ربض سوق جامعة تجمع التجارات ، «وكان لكل نوع من التجارة شوارع معلومة وصفوف فى هيئة الشوارع وحوانيت ، وليس يختلط قوم بقوم ولا تجارة بتجارة ، ولا يباع صنف مع غير صنف ، ولا يختلط كل فئة من التجار بغيرهم ، وكل سوق مفرده وكل أهل منفردين بتجارتهم» (١).

ازدهرت التجارة فى أسواق بغداد حتى أن الكبش كان يباع بدرهم والحمل بأربعة دوانق ، وينادى على لحم الغنم كل ستين رطلا بدرهم ، ولحم البقر كل تسعين رطلا بدرهم ، والتمر كل ستين رطلا بدرهم ، والزيت ستة عشر رطلا بدرهم ، والسمن ثمانية أرطال بدرهم ، والعسل عشرة أرطال بدرهم ، ولهذا الأمن والرخص كثر سكان بغداد ، وكثر الدارج فى أسواقها ، حتى أن المار لا يستطيع أن يجتاز أسواقها لكثرة زحام أهلها (٢).

على أن المنصور لم يلبث أن أمر التجار بالخروج من المدينة ، كما سبق أن أوضحنا ـ وأمر ببناء سوق للتجار ما بين الصراة ونهر عيسى (٣) ، وشيد بحيث يكون صفوفا ، ورتب كل أهل تجارة فى موضع ، وأمر بجعل سوق القصابين فى آخر السوق لأن فى أيديهم الحديد (٤). وهذا السوق الجديد يعرف بالكرخ ، وكان

__________________

(١) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٣٠

(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٩٩

(٣) ياقوت : معجم البلدان ج ٧ ص ، ٢٢٣

(٤) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٥٠


يباع فيها مختلف البضائع ، ولقد أعفا المنصور التجار من الضرائب تحقيقا عليهم ، وتشجيعا لهم على مواصلة عملهم ، ولما استخلف المهدى فرض الضرائب على الحوانيت (١) ، وبمرور الزمن كثر التجار فى الكرخ ، وضاق بهم ، فبنى التجار أسواقا من أموالهم حتى اتسع الكرخ (٢).

وكانت التجارة فى الرصافة تتركز فى محلة باب الطاق فى طرف الجسر المركزى ، ومن ساحة هذا الجسر يتفرع سوقان ، سوق الأساكفة وسوق الطيب حيث تباع العطور والزهور ، ويلى هذا السوقان سوق الخبازين وسوق القصايين ، وسوق الصاغة وسوق الوراقين (٣) وظلت التجارة مزدهرة فى هذه الأسواق حتى عهد الأمين فتعطلت بسبب الحصار ، وفى بداية عهد المأمون ارتفعت الأسعار بسبب الأضطرابات التى حدثت داخل بغداد.

كانت بغداد ملتقى التجارة فى العصر الساسانى ، وازدهرت التجارة فيها بعد تأسيسها مباشرة ، فقد سكنها أناس من مختلف الأمصار ، وآثارها السكان الجدد على أوطانهم «فليس من أهل بلد إلا ولهم فيها محلة ومتجر ومتصرف ، فاجتمع بها ما ليس فى مدينة أخرى» وأدى موقعها التجارى الممتاز ، وجريان دجله والفرات فى حافتيها إلى أن كانت التجارة تأتيها برا وبحرا بأيسر السبل حتى أجتمعت بها بضائع المشرق والمغرب من أرض الإسلام وغير أرض الإسلام ، فتأتيها التجارة من الهند والسند والصين والتبت وبلاد ما وراء النهر والترك والخزر والحبشة وسائر البلدان (٤).

ومن أسباب اختيار المنصور لموقع بغداد حاضرة لدولته موقعها التجارى ، رآها جزيرة بين دجلة والفرات ، دجلة شرقيها والفرات غربيها فتأتيها من دجلة تجارات واسعة ، من البصرة والأبلة والأهواز وفارس وعمان والبحرين واليمامة وما

__________________

(١) ياقوت : معجم البلدان ج ٧ ص ، ٢٢٣

(٢) Le Strang : Hist.of Baghdad p.١٨١.

(٣)

Ibid pp.١٧٢ ـ ٢٧٢.

John Glubb : The Empire of the Arabs, p ٠٣٣.

(٤) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٣٤


يتصل بذلك ، وكذلك ما يأتى من الموصل وديار ربيعة وأذربيجان وأرمينية مما يحمل فى السفن فى دجله ، ويأتى من ديار مضر والرقة والشام والثعور ومصر والمغرب مما يحمل فى السفن فى الفرات من أهل الجبل وكور خراسان وأصفهان (١).

خرجت من بغداد رحلات تجارية من مختلف البلدان ، وبرز رحاله يسروا للناس أمر الوصول إلى البلدان المختلفة ، فابن خرداذبه وضع دليلا للمسافرين وصف فيه الطريق البحرى الذى يبدأ من مصب دجلة عند الأبله ، وينتهى إلى بلاد الهند والصين (٢).

وكانت رحلات العرب البحرية تبدأ من بغداد وتسير فى الخليج الفارسى حتى تصل إلى شبه جزيرة ملقا (الملايو) وكانوا يمرون بعدة موانى تمكنهم من إبتياع بضائع الهند والصين وغيرها (٣). وجدير بالذكر أن طرائف الصين كانت تباع فى سوق خضير بالرصاقة.

ويتفرع من بغداد طرق تجارية أبرزها طريق شرقى الى حلوان ومنها إلى إيران وأواسط آسيا ثم البصرة وطريق شمالى إلى الموصل والجزيرة وطريق جنوبى إلى واسط ثم البصرة وطريق جنوبى غربى إلى الكوفه ومنها إلى الجزيرة العربية حيث ينتهى عند الحجاز ، وطريق غربى إلى الرحبه ومنها إلى سوريه فمصر (٤).

قلنا إن التجار حملوا السلع من مختلف البلدان إلى بغداد فحملوا الحديد من خراسان والرصاص من كرمان والآنيه والتوابل من الهند والنسيج الملون من كشمير ، والعود والمسك وسائر العطور من الصين ، والعطر وأنواع الطيب من اليمن ، ومن إفريقية الذهب والأبنوس ، والكافور والعود والثياب والقطنية من السند ، ومن سرنديب اليواقيت المختلفة ، والماس والدر واللؤلؤ والمرجان من

__________________

(١)

Heyd : Hist du commerce de Levant au Moyen Age. I. p. ٧٢.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٥٣

(٣) المصدر السابق ص ، ٢٥٣

(٤) Hitti : Hist.of the Arabs p.٥٤٣.


سواحل الخليج ، والجلود والرقيق من بلاد الروم ، والسلاح والحديد والجلود من بلاد الروس (١) ، وكانت السفن تأتى إلى بغداد محملة بالبضائع خصوصا الدقيق والخضراوات من سورية فى الفرات ثم تسلك نهر عيسى إلى بغداد (٢). ومن بلاد ما وراء النهر كانت بغداد تشترى القطن والمنسوجات الحريرية والملابس الصوفية والفرو والرقيق التركى والأسلحة والكاغد ، ومن أرمينية البسط والطنافس والسجاد وثياب الكتان والثياب الرقاق والطيالس من الصوف والقلانس (٣).

واشتهرت شمال فارس بجودة فواكهها ، وبصفة خاصة مرو التى كانت تنتج أجود أنواع البطيخ (٤) ، وكان يقدم ويحمل إلى العراق وكان يحمل هذا النوع من البطيخ إلى الخليفة المأمون ثم إلى الواثق فى قوالب الرصاص المعبأة بالثلج (٥).

وكان التجار فى عداد الطبقة المتوسطة ، لذلك أنف من الاشتغال بها عليه القوم ، فلما اعتزم يحيى بن خالد البرمكى الاشتغال بالتجارة واتصل ببعض التجار لهذا الغرض ، قال له أحدهم : أنت رجل شريف وابن شريف وليست التجارة من شأنك (٦) وكان وزير المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات أبوه تاجرا موسرا ونشأ محمد وتأدب وكان ذكيا فبرع فى كل شىء ، وكان يقول : الحمد لله الذى نقلنى من ذل التجارة إلى عز الوزارة (٧)

٤ ـ الإدارة المالية :

حرصت الدولة العباسية على تحقيق التوازن بين مواردها ومصروفاتها ، ومن أهم الموارد الثابتة لبيت المال الجزية والخراج والمكوس.

١ ـ الخراج : هو ضريبة الأرض ، ويحدد طبقا للمحصول التى تنتجه الأرض ،

__________________

(١) المدور : حضارة الإسلام فى دار الإسلام ص ، ١١٦

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ، ٢٥٠

(٣) الجاحظ : التبصر بالتجارة ص ٣٤٤ ـ ، ٣٤٦

Hitti : Hist. of the Arabs p. ٣٤٣.

(٤) الثعالبى : لطائف المعارف ص ، ١٢٩

(٥) محمد جمال الدين سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ، ١٢٨

(٦) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ١٨٦

(٧) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ٢١٣


ونوع التربة. وطريقة ريها ، ونوع الزرع ، ومساحة الأرض ، وكانت سياسة عمر ابن الخطاب. كما رأينا من قبل ـ عدم تقسيم الأرض بين الغزاة الفاتحين ، فتركها فى يد أهلها يزرعونها يؤدون خراجها ، وقال : قد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها ، وأضع عليهم فيها الخراج ، وفى رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة والذريه ولمن يأتى من بعدهم ، والمقاتلة الذين يذودون عن الثغور ويعسكرون فى المدن الكبرى وقال : فمن أين يؤتى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟ (١). ويقول أبو يوسف (٢) : إن ما رآه عمر بن الخطاب من جمع خراج ذلك وقسمته بين المسلمين عموم النفع لجماعتهم ، لأن هذا لو لم يكن موقوفا على الناس فى الأعطيات والأرزاق لم تشحن الثغور ولم تقو الجيوش على السير فى الجهاد ، ولما أمن رجوع أهل الكفر إلى مدنهم إذا خلت من المقاتلة والمرتزقة.

عنى المنصور عناية كبيرة بالخراج ، فراقب عمال الخراج مراقبة شديدة وأمرهم ألا يقبلوا من الناس إلا النقد الموثوق بسلامته ونفاوته لمن يدفع نقدا ، والمكيال الصحيح لمن يؤدى الخراج عينا (٣) ولضبط الخراج العينى استحدث كيلا جديدا ، وأدخل المهدى نظاما جديدا فى جباية الخراج ، فبعد أن كان الخراج يؤدى على حسب مساحة الأرض ، بصرف النظر عن نوع المحصول وطرق الرى ، قرر المهدى إدخال نطام المقاسمة ، وبمقتضاه كانت الدولة تقاسم المزارعين المحصول بنسب معينة بغض النظر عن مساحة الأرض. وقد حدد المهدى نسبة المقاسمة بمقدار نصف المحصول (٤).

ومما لا شك فيه أن نظام المقاسمة ضمن للدولة الحصول على نصيبها من الخراج بعد تحديده ، وأراح الناس ، فنشطوا فى زراعة الأرض وأطمأنوا على

__________________

(١) أبو يوسف : الخراج ص ، ١٤

(٢) الخراج : ص ، ١٥

(٣) البلاذرى : فتوح البلدان ص ، ١٤٦٩

(٤) الفخرى فى الآداب السلطانية ص ، ١٩٨


أحوالهم المعيشية بعكس نظام المساحة الذى كان يضر ببعض الزراع لأنه يفرض عليهم خراجا على الأرض زرعت أو لم تزرع.

كانت دواوين الخراج فى الدولة تقوم مقام خزائن الدولة ، فتستوفى من مال الخراج النفقات وأعطيات الجند ، ثم يحمل ما تبقى إلى بيت المال العام بمدينة بغداد ، ولذلك فإن بيت المال فى بغداد لم يكن يعنى إلا بدار الخلافة وحاجاتها وبشؤون الدواوين (١).

انتظم الخراج فى عهد الرشيد بعد الإصلاحات التى استحدثها البرامكة فى الزراعة والرى ، كما شعر الزراع بالأمان بعد أن نظر البرامكة فى ظلماتهم ، وألغوا المبالغ المتأخرة على الزراع العاجزين عن السداد وقد أوصى القاضى أبو يوسف الرشيد بأن تقوم الدولة بحفر الترع والقنوات وتيسير سبل الرى (٢). وكان الرشيد لا يتهاون مع عمال الخراج الذين يلحقون الأذى بالأهلين ، ويحملونهم فوق طاقتهم.

ظل نظام المقاسمة معمولا به حتى ولى الرشيد الخلافة فخفض المقاسمة بحيث أصبحت فى السواد ، كما حددها القاضى أبو يوسف (٣) على الحنطة والشعير خمسين والنخل والكروم والرطاب والبساتين الثلث ، وأما غلال الصيف فعليها الريع ، وتكون المقاسمات فى أثمان ذلك بعد تحديد قيمتها تحديدا عادلا لا يكون فيه إحجاف بأهل الخراج ، وظل الحال كذلك حتى أيام المأمون إلا أنه آحدث كيلا جديدا فى تقدير الخراج (٤).

وأما القطائع فيحدد خراجها تبعا لطريقة ريها فما كان ريها سيحا فعليها العشر ، وما سقى منها بالدلو أو بمشقة نصف العشر ، ويعفى بعض أنواع المحاصيل مثل الخضروات والبطيخ ، وما يكال الفقير ويوزن بالأرطال فهو مثل الحنطة والشعير

__________________

(١) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ، ١٤٣

(٢) أبو يوسف : الخراج ص ، ٢٧

(٣) أبو يوسف : الخراج ص ٢٧ ـ ، ٢٨

(٤) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٢٥١


والذرة والأرز والحبوب والسمسم ، إذ عليه العشر إذا كان ريه سيحا ونصف العشر إذا كان ريه بمشقة (١).

وأما الإقطاعات التى كانت فى الأصل صوافى ـ وهى أرض كانت لكسرى ومرازبته وأعوانه وأنصاره ، أو التى فر أصحابها أو قتلوا فى الحرب وآلت إلى الدولة الإسلامية ـ فكان عمر بن الخطاب يقطعها لمن له مواقف فى الإسلام ، وعليها العشر ، ويلزم صاحب الأقطاع تيسير أمر ريها وإصلاحها ، ومن الناحية النظرية كان كل من يعتنق الإسلام تصبح أرضه أرض عشر بعد أن كانت أرض خراج (٢).

٢ ـ الجزية : الجزية واجبة على جميع أهل الذمة ، وتجب على الرجال منهم دون النساء والصبيان ، على الموسر ثمانية وأربعون درهما وعلى الوسط أربعة وعشرون ، وعلى المحتاج الكادح اثنى عشر درهما ، يؤخذ منهم ذلك فى أول كل سنة قمرية ، ولا تؤخذ الجزية من المسكين الذى يتصدق عليه ولا من أعمى لا حرفة له وكذلك المترهبون فى الديارات إذا كانوا فقراء ، ولا تؤخذ من الشيخ الكبير الذى لا قدره له على العمل.

وكان ولاة الخراج فى العراق يبعثون رجالا من قبلهم ينقون بدينهم وأمانتهم ، يأتون القرية فيأمرون صاحبها بجمع من كان فيها من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والسامرة ، فإذا جمعوهم أخذوا منهم الجزية على قدر طاقاتهم (٣).

٣ ـ الضرائب التى تفرض على تجار أهل الذمة وتسمى المكوس وقد حددت بمقدار ٢٠ / ١ من قيمة بضائع التجار ، إن كانوا يقيمون فى الدولة الإسلامية ، وتجبى مرة فى السنة ، بشرط أن تزيد قيمة التجارة عن عشرين دينار أو مائتى درهم ، وعشر قيمة بضائع التجار القادمين من خارج البلاد الإسلامية ، إن زادت

__________________

(١) أبو يوسف : الخراج ص ، ٢٨

(٢) المصدر السابق ذكره ص ، ٣٧

(٣) أبو يوسف : الخراج ص ، ٧٠


القيمة على عشرين دينار أو مائتى درهم ، وكان جباة هذه الضريبة يتخذون أماكنهم فى طرق التجارة البرية والنهرية (١) ، ويمنح التاجر إيصالا بتأديته الضريبة يسرى لمدة سنة. وكان العراق كثير المراصد فى البر والنهر والبحر ، كذلك فرضت ضرائب على الأسواق وعلى الأوزان والمكاييل والطواحين ، ونظم الرشيد المراصد على الحدود ، وأمر بتفتيش التجار المارين بها تفتيشا دقيقا ، وعند ما حوصرت بغداد فى عهد المأمون ، عمد بعض قادة طاهر بن الحسين إلى فرض ضرائب على التجار (٢). وفرضت الدولة ضرائب على سك النقود فى دار الضرب بنسبة ١% عما يضرب بها من دنانير ودراهم (٣).

وكانت الدولة العباسية يرد إليها أموال من الدولة البيزنطية فى بعض السنوات التى تحرز انتصارات عليها ، فلما غزا الرشيد دولة الروم سنة ١٩٠ ه‍ طلب منه نفقور فوكاس ـ إمبراطور الروم ـ الهدنة مقابل جزية سنوية قدرها ثلاثمائة ألف دينار سنويا ، فوافق الرشيد (٤).

شكلت المصادرات موردا ماليا هاما ، فصادر الرشيد أموال البرامكة. فكانت ... ، ٦٧٦ ،. ٣ (٥) وصادرت أموال على بن عيسى بن ماهان ـ واليه. على خراسان ـ فكانت ... ، ... ، ٨٠ من الدراهم وصادر الأمين أموال أخيه المأمون وضياعه فى بغداد ونواحيها لما نشبت الفتنة بينهما (٦) ، وصادر المعتصم أموال وزيره الفضل بن مروان (٧).

تدفقت الأموال على بغداد فى العصر العباسى الأول بفضل استقرار الدولة الذى كفله لها الخليفه المنصور وخلفاؤه من بعده خصوصا الرشيد ، وامتلأ بيت المال بالذهب والفضة حتى بلغ دخل الدولة فى بعض السنوات المبكرة من الحكم

__________________

(١) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ، ٢٦٢

(٢) البغدادى : تاريخ بغداد ص ، ٧٠

(٣) اليعقوبى : البلدان ص ، ١٢٢

(٤) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٢٠٣

(٥) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ٢٣٥

(٦) المصدر السابق ذكره ص ، ٢٩٣

(٧) الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١٢.


العباسى خمسمائة ألف ألف درهم من الفضة وعشرة آلاف دينار من الذهب ما عدا الغلال والمصنوعات التى تشتهر بها البلاد العباسية (١) وجدير بالذكر أن المنصور خلف لأبنه المهدى قبل وفاته من الأموال ما إن كسر عليه الخراج عشر سنين كفاه لأرزاق الجند ، وسائر النفقات ، وكان ما خلفه فى بيت المال أربعة عشر ألف ألف دينار وستمائة ألف ألف درهم (٢). وبلغ دخل الدولة فى عهد الرشيد خمسة آلاف ألف دينار ، ومن الدراهم أربع مائة ألف ألف وأربعة آلاف ألف وسبع مائة وثمانية آلاف درهم (٣).

حرص الخلفاء العباسيون على التمييز بين أموالهم الخاصة والأموال العامة.

فلما شعر المنصور بدنو أجله ، استدعى ابنه المهدى وقال له : على دين أحب أن تقتضيه وتضمنه قدره ثلاثمائة ألف درهم ونيف وليست أستحلها من بيت المال ، فاضمنى عنها (٤).

كانت الدولة تنفق الموارد السابق ذكرها فى دفع أجور العمال والموظفين وقد بلغ رزق كل كاتب من رؤساء الكتاب ٣٠٠ درهم شهريا (٥) والكاتب المبتدئ عشرة دنانير (٦) وكاتب ديوان القضاء والجند ٢٠٠ درهم ، وأنفق المنصور أموالا طائلة فى تشييد مدينة بغداد ، وحدد أجور الموظفين والعمال الذين عملوا فى بنائها ، وبعد تشييدها مثل أئمة المساجد والمؤذنين الذين عملوا فى مساجد المدينة ، وكذلك الكتاب الذين اشتغلوا فى دواوينها (٧).

وكان الخلفاء يفرقون الأموال الكثيرة على أفراد البيت العباسى حتى أن المنصور أطلق فى يوم واحد لبعض أعمامه ألف ألف درهم ، وفى هذا اليوم فرق

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ، ٢٤٣

(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ٢٨٨

(٣) الجهشيارى : ص ٢٨٢ وما بعدها :

(٤) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه‍.

(٥) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ١٠٠

(٦) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ، ١٢٦

(٧) المصدر السابق ذكره ص ، ١٣٩


فى بيته عشرة آلاف درهم (١) وازداد عدد أفراد البيت العباسى فى عهد المهدى ، فحدد لهم رواتب ومخصصات بلغت ستة آلاف درهم فى السنة غير المنح والهبات واستمر هذا الوضع من بعده ، وكان للخليفة حرس خاص من أهل بغداد لهم رواتب كبيرة (٢).

أنفق الخلفاء أموالا جليلة فى المنح والهبات والعطايا للأدباء والشعراء والعلماء والندماء ومن يلوذبهم من ذوى الحاجة.

كانت الدولة تنفق أموالا باهظة فى إعداد الجيوش وتجهيزها بالمؤن والعتاد ، ففى سنة ١٥٤ ه‍ أعد المنصور جيشا بقيادة يزيد بن حاتم ، وأمره بقتال الخوارج فى إفريقية وأنفق على هذا الجيش نحوا من ثلاث وستين ألف درهم (٣) ، وفى سنة ١٦٥ ه‍ جهز المهدى ولده الرشيد لغزو الروم ، وأعد له من النفقة مائة ألف دينار ، وأربعة وتسعون ألف دينار ، وأربعمائة وخمسون دينارا ، ومن الدراهم إحدى وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألفا وثمانمائة درهم (٤) وفى سنة ١٩٥ ه‍ عقد الأمين لعلى بن عيسى بن ماهان الأمارة على الجبل وهمذان وأصبهان وقم وتلك البلاد ، وأمره بحرب المأمون (٥) ، وجهز معه جيشا كثيرا ، وأنفق فيه نفقات عظيمة ، وأعطاه مائتى ألف دينار ولولده خمسين ألف دينار ، وفى سنة ٢٢٢ ه‍ جهز المعتصم جيشا كثيفا مددا الأفشين على محاربة بابك الخرمى ، وبعث إليه ثلاثين ألف ألف درهم نفقة للجند (٦).

كذلك كان العباسيون يعملون على استرضاء بعض الثائرين خصوصا ـ العلويين بالمال. ليكفوا عن مناوأة الدولة ، فأطلق الرشيد من بيت المال أربعمائة

__________________

(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ١٢٦

(٢) البغدادى : تاريخ بغداد ج ٥ ص ، ٣٩٣

(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ١١١

(٤) المصدر السابق ج ١٠ ص ، ١٤٧

(٥) المصدر السابق ج ١٠ ص ، ٢٢٦

(٦) المصدر السابق ج ١٠ ، ٢٨٣


ألف دينار ليحيى بن عبد الله العلوى (١) وأوصى المأمون أخاه المعتصم بالعلويين خيرا ، وأن يواصلهم بصلاتهم فى كل سنة (٢).

وكان الخلفاء العباسيون ينفقون الأموال الجزيلة على أهل مكة والمدينة. ففى سنة ١٦٠ ه‍ حج المهدى ، وفرق فى أهل مكة والمدينة ثلاثين ألف ألف درهم ومائة ألف ثوب ، ورد من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار ، فأعطاها كلها لأهل مكة والمدينة (٣).

وكانت الدولة تكافأ قوادها الذين أظهروا براعة وشجاعة فى التغلب على أعدائها ، فالخليفة المعتصم كافأ الأفشين عقب انتصاره على بابك وأسره والقضاء على ثورته بأن قلده وشاحين من جوهر ، وأطلق له عشرين ألف ألف درهم ، وكتب له بولاية السند (٤).

وكان تأخر رواتب الجند من الأمور التى تحدث الاضطرابات والقلافل فلما خلع أهل بغداد بيعة المأمون سنة ٢٠٢ ه‍ وبايعوا إبراهيم بن المهدى ، طلب منه الجند أرزاقهم فماطلهم ثم أعطى لكل واحد منهم مائتى درهم ، وكتب لهم بتعويض من أرض السواد ، فخرجوا إلا يمرون بشئ إلا انتهبوه ، وأخذوه حاصل على الفلاح والسلطان (٤).

حرص الخلفاء العباسيون على تحسين أحوال الدولة المالية ، فعرف عن المنصور الخبرة الواسعة فى إدارة المال (٥) حتى أنه فرض رقابة شديدة على عمال الخراج ، وأمرهم بعدم قبول الدنانير والدراهم من الناس إلا الموثوق بسلامتهما من الغش والتزييف ، وكان يقول : لو لا أن المال حصن للسلطان ودعامة للدين والدنيا ما بت ليلة وأنا أحرز منه دينارا ولا درهما لما أجد لبذل المال من اللذة ، ولما أعلم فى إعطائه من جزيل المثوبة (٦).

__________________

(١) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٦٨

(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢٨١

(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ، ١٣٢

(٤) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٢٨٥

(٤) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ٢٨٥

(٥) المصدر السابق ج ١٠ ص ، ٢٤٨

(٦) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ، ١٢٩


ومع حرص المنصور على المال إلا أنه كان ينفق الأموال الكثيرة فى تعمير البلاد وحماية الثغور وتحصينها وتجهيز الجيوش ، وقد عرف عنه الدقة الشديدة فى حسابات الدولة ، فأنفق فى بناء بغداد أربعة آلاف ألف وثمانى مائة وثلاثة وثلاثين درهما ، ولما فرقت حاسب القواد بما كان حول عليهم لعمارتها ، فألزمهم بالبواقى حتى استوفى من بعضهم ما أقتضاه الحساب خمسة عشر درهما (١) ، وكان يباشر بنفسه جميع العمال وأصحاب الحرف ويحدد لهم رواتبهم (٢).

ولم يكن المهدى كأبيه المنصور فى حرصه الشديد على المال ، بل عرف بسخائه ، وإجزاله والعطايا والمنح ، وعمل على تخفيف أعباء الناس المالية ، وأنتعشت الأحوال المالية فى عهد الرشيد بفضل كفاءة البرامكة وحسن إدارتهم للدولة ، وآخذت موارد الدولة المالية تتضاءل فى عهد الأمين بسبب الحروب التى نشبت بينه وبين أخيه ، وأنفقت الأموال الكثيرة فى إعداد الجيوش واستماله الأنصار كما أن بعض ولايات الدولة لم تعد تلتزم بإرسال ما عليها من أموال إلى بغداد فى خضم الفوضى التى عاشت فيها إبان الفتنه.

كفل المأمون للدولة الاستقرار والهدوء فتحسنت موارد البلاد المالية ، ولما ولى المعتصم الخلافة أنفق الأموال الكثيرة فى شراء الترك وإعدادهم للجندية ، ومع ذلك فقد حرص على المحافظة على حقوق الدولة المالية (٣) ، وأمر الواثق بعقوبة عمال الدواوين لاستخلاص الأموال منهم بعد أن ظهرت له خياناتهم ، وأخذهم أموال الدولة بدون وجه حق (٤).

٥ ـ المعاملات المالية والتجارية :

ظهرت بيوت مالية فى بغداد كانت تقوم مقام البنوك من تقديم القروض ، وإيداع الودائع ، والتوسط بين الناس ودار الضرب والإنجار فى المعادن النفيسة والنقود والسندات الممثلة للنقود ، وهذه البيوت المالية يمتلكها الجهابذة ، وكانت

__________________

(١) الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٤٥.

(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٣٠٠.

(٣) المصدر السابق ذكره.


تسند إليهم مهمة جباية الخراج ، ويوكل إليهم أيضا مهمة العمل فى بيت المال لخبرتهم المالية الواسعة ، وقد أتهم خالد البرمكى حين حكم عليه المنصور بأداء مبلغ من المال ، بأنه يودع أمواله عند أحد الجهابذة (١).

أدى ازدهار التجارة والعمليات التجارية إلى اتخاذ أساليب جديدة فى العمليات المالية ، تيسر للعملاء التعامل فى أمن وطمأنينة ويسر ، ومن هنا استعمل الناس السفاتج ، والسفتجة حواله خطاب يشمل على قيمة معينه من المال قابل للصرف من أى مكان من عملاء وجهابذه الشخص الذى له السفتجه ، فكانت تدفع النقود فى أى بلد من البلاد ويحصل صاحبها على سفتجه بقيمة ماله ، ويحملها معه فى رحلته الطويلة وهو آمن على ماله لأنه لم يكن يجوز صرف أى مبلغ إلا لصاحب السفتجه ، وقد استخدم التجار هذه الوسيلة لإنجاز عملياتهم التجارية ، وشاع استخدام السفاتج حتى أن أموال الجبايات من الولايات العباسية كانت ترسل إلى بغداد بسفاتج ، وكانت السفاتج تصرف فى أوقات محددة ، ولقد نظم الجهابذة التعامل بالسفاتج ، والسفتجه كانت تصرف فى موعدها مجانا ، أما إذا تأخر صرفها صرفت بعموله (١).

أما الصك ، فأشبه بالشيك فى عصرنا الحالى ، يثبت فيه قيمة القرض أو الأستحقاق ، وموعد استحقاق صرفه ، وقد استخدمه بعض الأفراد فى معاملاتهم ، وكان الجهابذة يصرفون هذه الصكوك لأصحاب الأموال المودعة لديهم نظير مبلغ معين من المال ، ويشهد على الصك عادة اثنين ثم يختم ، وفى بعض الأحيان يوقع عليه ضامن يتعهد بأنه يدفع قيمة الصك فى حالة عجز المدين عن دفع قيمته ، وفى بعض الأحيان كانت أرزاق الجند والموظفين تكتب قيمتها صكوكا يوقع عليها رؤساء دواوينهم : وأحيانا الخليفة ، ويصرفونها من بيت المال (٢) ، والصلات التى يقررها الخليفة فى بعض الأحيان يكتب بها صكوكا ، وجدير بالذكر أن الإمام العلوى محمد بن إبراهيم ركبه دين ، فقصد الفضل بن

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٠٠.

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٠٠.

(٢) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ١٢٣ ـ ١٢٤.


يحيى فقال له : قصرت بنا غلاتنا ، وأغفل أمرنا خليفتنا ، وتزايدت مؤونتنا ولزمنا دين احتجنا لأدائه إلى ألف ألف درهم ، فتوسط الفضل لدى الرشيد فى فك ضيق الرجل ، فكتب الرشيد صكا إلى محمد بن إبراهيم بالمبلغ الذى طلبه (١). واشترى الفضل بن يحيى ضيعه ، كتب بثمنها صكا إلى صاحبها (٢).

شاع استعمال الدرهم فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، على أن وزنه نقص قليلا عما كان عليه فى العهد الأموى ، وحرص العباسيون علي نقش أسمائهم على العملة التى بدأوا فى ضربها منذ فجر دولتهم (٣) ، فأبو العباس السفاح أول خلفاء بنى العباس ـ ضرب درهما بالأنبار ، ونقص وزنه حبة واحدة ثم حبتين فى خلافه المنصور ، وظل الحال على ذلك حتى سنه ١٧٨ ه‍ حيث نقص ثلاث حبات وذلك فى عهد الخليفة الرشيد. ولم يستمر الحال على ذلك ، بل أخذ الدرهم فى النقصان ، ففى سنة ١٨٤ ه‍ بلغ النقص قيراطا وحبة ونصف (٤).

والأمر الجدير بالأعتبار فى هذه العملة هو وزنها لا قيمتها الأسمية ، وكان يشرف على دار ضرب النقود جعفر بن يحيى البرمكى فلما قتل ، فوض الرشيد أمر دار الضرب إلى السندى بن شاهك فضرب الدراهم على العيار الصحيح ، وحرص على نقاوة الذهب والفضة (٥).

ضرب المنصور الدنانير الهاشمية ، ويبلغ وزن الواحد منها مثقالا بصريا. وفى سنة ١٩١ ه‍ نقصت الدنانير الهاشمية نصف حبه ، ولكنها تبودلت على أعتبار أنها مثاقيل كاملة بالرغم من أنها لم تضرب بوزنها الصحيح إلا فترة قصيرة (٦) ، ونلاحظ أن اسعمال الدراهم فى بغداد كان أكثر شيوعا من الدنانير (٧).

__________________

(١) Kremer.Orient under the Califate ,p.٥١٤.

(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٩٦.

(٣) المصدر السابق ص ٢١٤.

(٤) المقريزى : شذور العقود ص ٨.

(٥) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٣٨.

(٦) المقزيزى : شذور العقود ص ٨.

(٧) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ٢٢٧.


واستعملت فى بغداد أجزاء من الدراهم والدنانير مثل الثلث والربع والخمس والسدس ، كذلك ضرب العباسيون مضاعفات للعملة ، ففى عهد الخليفة المأمون ضربت دنانير قيمة الواحد منها دينارين ، وعليها الكتابة الآتية : ضرب العصر الحسنى لخريطة أمير المؤمنين ويذكر الجهشيارى (١) أن جعفر بن يحيى ضرب دنانير وزن كل دينار مائة دينار ودينار ، وعلى كل دينار من أحد جانبيه.

وأصفر من دار الملوك

يلوح على وجهه جعفر

ومن الجانب الأخر :

يزيد على مائة واحدا

إذا ناله معسر ييسر

واستعمل الناس فى معاملاتهم اليومية البسيطة أجزاءا من العملة الفضية مثل القيراط والحبة والدانق والطسوج ، كما استعملت الفلوس النحاسية (٢). كذلك شاع نظام المقايضة.

وكانت النقود تضرب فى دار ضرب النقود ، ولا يجوز أن تضرب فى غيرها خوفا من الغش والتزييف ، ويرى الماوردى (٣) وجوب تعامل الناس بالنقد المطبوع بالسكة السلطانية الموثوق بسلامة طبعه ، المأمون من تبديله وتلبيسه ، وكان من حق كل فرد أن يضرب ما معه من ذهب وفضة دنانير ودراهم.

ويجدر بنا أن نشير إلى المظهر العام للدينار الأموى ظل قائما فى عصر العباسيين بنفس العبارات المسجلة على وجه السكة الأموية ، وكانت دراهم المهدى مستدير الشكل ، وظهر عليها إسمه وقد نقش العباسيون منذ عهد المهدى اسمه واسمى ولديه موسى وهارون ، كما نقش الهادى اسمه واسم هارون على العملة (٤) وكان الرشيد أول خليفة نقش اسمه على الدنانير ، كما نقش اسم ابنيه

__________________

(١) الوزراء والكتاب ص ٢٤١.

(٢) الدورى : تاريخ العراق الاقتصادى ص ٢٢٩.

(٣) الأحكام السلطانية ص ١٥٠.

(٤) المقريزى : شذور العقود ص ١٠.


الأمين ، والمأمون ، ووهب الحقوق نفسها لوزرائه وولاته وعمال المال (١) وكان الرشيد لا يباشر بنفسه عيار الدراهم والدنانير ، وكان الخلفاء قبله يتناولون النظر فى العيار ، كما نقش الأمين اسمه على العملة مع أخيه المأمون ، ولو أنه أسقطه بعد ذلك ، ونقش اسمه ابنه موسى بعد أن بايعه بولاية العهد بدلا من المأمون ، وضربت فى عهد الأمين أنواع مختلفة من الدنانير ، وكتب على بعضها عبارة «ربى الله» وعلى الوجه الاخر «محمد رسول الله» (٢).

نقش المأمون أسمه ، وأسماء بعض أولاده ، وبعض عماله والمدينة التى ضربت العملة فيها ، وضرب دينارا كتب عليه اسم ولى عهده «على الرضا» وفى سنة ٢٠٧ ه‍ أضاف المأمون على السكة بعض الآيات القرآنية على وجه الدينار ، وأكملت عبارات أخرى على ظهر الدينار محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (٣).

وقد ضرب المعتصم أول دينار له سنة ٢١٩ ه‍ نقش عليه اسمه ولقبه ، واسم ولى عهده.

٦ ـ الدواوين المالية :

كان فى بغداد ديوانان لبيت المال أحدهما ديوان بيت المال العام وهو خزانة الدولة الذى يثبت فى سجلاتها أموال الدولة العامة التى ترد إليها من الولايات ، أما بيت المال الخاصة ، فهو خزانة الخليفة ، ويحمل إليه أنواع معينة من الأموال ، ويعتبر ديوان بيت المال العام من أهم الدواوين لأنه كان يضم دفاتر لكافة إيرادات الدولة العباسية ، ولديوان بيت المال المركزى فى بغداد فروع فى مختلف الولايات (٤) وإيراداته تشمل موارد الدولة الرئيسية وهى الخراج والمكوس وأموال المصادرات وهذه الموارد تنفق ـ كما أشرنا ـ فى أوجه مصارف الدولة ، مثل إعداد

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٠٤.

(٢) المقريزى : شذور العقود ص ٨٧ ـ ٨٨.

(٣) عبد الرحمن فهمى : فجر السكة العربية ص ٨٣٤.

(٤) الخوارزمى : مفاتيح العلوم ص ٦٠.


الجيوش وتجهيزها للغزو ، ودفع رواتب الموظفين ، وإصلاح شؤون الزراعة والرى.

وكانت لكل ولاية من الولايات العباسية بيت المال ـ كما أشرنا ـ وتتولى الولاية ـ جميع نفقاتها من إيراداتها الخاصة ، وإرسال فائض الأموال إلى بيت المال المركزى فى بغداد ، وكانت هذه الأموال ترسل كما أوضح الجهشيارى (١) نقدا عينا ، والكتب المتعلقة بالشئون المالية تعرض على صاحب ديوان المال قبل إرسالها إلى الديوان الأخرى ، واعتبر توقيع صاحب بيت المال على الصكوك والأوامر المالية من الأمور اللازمة لصحتها (٢).

عنى الخلفاء العباسيون عناية كبيرة بديوان بيت المال ، فحرص المنصور على وجود احتياطى فى بيت المال ، يفيد الدولة فيما عسى أن تتعرض له من طوارئ ، وخصص مكانا فى بغداد لبيت المال يقع إلى جوار قصر باب الذهب فى وسط بغداد (٣) وعين عليه الفرج بن فضاله التنوخى (٤).

ظل بيت المال يتضمن فائضا سنويا حتى ولى الرشيد الخلافة ، فأسند الإشراف على بيت المال إلى جعفر بن يحيى البرمكى ، فازدادت إيراداته بشكل ملحوظ ، فلما استخلف الأمين ونشبت الحرب بينه وبين المأمون استنقذ خزانة الدولة فى إرضاء أنصاره ، وفى الدفاع عن بغداد ، وظل بيت المال يعانى عجزا فى إيراداته حتى أستقرت خلافة المأمون ، ولما اختط المعتصم سامرا نقل إليها بيت المال.

ديوان النفقات :

اختص ديوان النفقات بالإشراف على نفقات الخلافة واحتياجاتها ، ويشترط على رئيسها أن يكون على دراية تامة بالحساب والمكاييل والموازين والأسعار ، وقد أشرف هذا الديوان على صرف استحقاقات رجال البلاط ، ومحاسبة التجار الذين

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٠٤.

(٢) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ١٠٠.

(٣) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤٠.

(٤) الجهشيارى : : الوزراء والكتاب ص ١١٢.


يتعاملون مع قصور الخلافة مثل توريد احتياجات قصور الخلافة ، وكان من اختصاصه الإشراف على أعمال التشييد والتعمير التى يأمر بها الخليفة ومهمة صاحب هذا الديوان مرتبطة بيت المال العام والخاص إرتباطا وثيقا لأنه يتولى بنفسه الحصول على استحقاقات الخليفة من بيت المال (١) ، والإشراف على نفقاته وكان لهذا الديوان مبنى خاصا فى بغداد بالقرب من قصر الخليفة ودولى الإشراف عليه فى عهد المهدى يحيى بن خالد البرمكى ، وفى عهد الرشيد الفضل بن الربيع (٢).

ديوان الخراج :

يحتفظ ديوان الخراج بسجلات يدون فيها تقديرات الخراج على مناطق الدولة المختلفة ، والتعديلات التى قد تطرا عليها ، وتحديد أنواع الأراضى فى كل منطقة من حيث أرض خراج وأرض عشر وأرض صوافى .. الخ ويرجع إليها صاحب هذا الديوان عند جباية الخراج ، وكان لديوان الخراج المركزى فى بغداد فروع فى سائر الولايات ، ويشرف صاحبه على مبالغ الخراج الواردة من الولايات إلى ديوان الخراج المركزى فى بغداد.

كان يعمل فى ديوان الخراج عدد من الكتاب الذين يباشرون أمور السجلات ، وموظفون يقومون بجباية الخراج من نواحى الأقاليم وكان المساحون يقومون بمسح الأرض وتحديد الجزء المزروع منها ، ويقدرون كمية المحصول الناتج منها ، وكان عامل الخراج يتبع الخليفة مباشرة وسجلاته التى يدون فيها الخراج وتقديراته ، والجبايات التى ترد إلى ديوانه تسمى قانون الخراج (٣).

وكان على عامل الخراج أن يراعى الرفق فى الأستيفاء ، والصبر على الزراع حتى يتيسر لهم أداء ما عليهم وأعفاء من يستحق الأعفاء ، ويجب على عامل

__________________

(١) محمد جمال الدين سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرقى ٩ ص ١٠٠.

(٢) اليعقوبى : البلدان ص ٢٤٠.

(٣) الخوارزمى : مفاتيح العلوم ص ٥٤.


الخراج الدراية التامة بالحساب والمساحة ، وأن يكون معروفا بالعدالة والأمانة ، ولا نخاف من جور فى حكم إذا حكم (١).

أسندت إدارة ديوان الخراج إلى خالد بن برمك ، فنظم شؤونه بحنكة ودراية ، وعامل الناس برفق ، وأجرى المهدى ـ كما أشرنا ـ تعديلا فى الخراج ، فأحل نظام المقاسمة محل المساحة ، وتطلب ذلك زيادة العمل فى ديوان الخراج ، حيث أصبح على عامل الخراج أن يقدر قيمة المحاصيل ويحدد أماكن خزنها ، ويقدر قيمة المقاسمة على أساس ذلك ، ويحصل منها حصة الحكومة ، وقد أنشأ المهدى ديوان زمام الخراج لضبط حسابات الجبايات والإيرادات (٢).

وقد أشرف على ديوان الخراج فى عهد الرشيد يحيى بن خالد البرمكى ، وأجاز الخليفة له أن يكتب إلى عمال الخراج فى الولايات دون الرجوع له ، وحرص الخلفاء العباسيون على إتباع منهج السلف فى تقدير الخراج والجزية وسائر أمور الدولة المالية ، لذلك طلب الرشيد من الفقيه أبى يوسف تصنيف كتاب فى الخراج يحدد فيه ما يجب اتباعه فى الأوراق المالية ، فصنف أبو يوسف كتاب الخراج.

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٢٣.

(٢) أبو يوسف : الخراج ص ٧٠.



الحياة الأجتماعية فى بغداد

فى العصر العباسى الأول

١ ـ عناصر السكان وأثرها فى الحياة الاجتماعية.

(أ) العرب والفرس والترك.

(ب) أهل الذمة.

(ج) الرقيق.

٢ ـ الحياة العامة فى بغداد

(أ) القصور والدور فى بغداد فى العصر العباسى الأول.

(ب) المواكب والأعياد والمواسم.

(ج) الموسيقى والغناء وأنواع التسلية.

(د) المرأة فى بغداد وأثرها فى المجتمع.

(ه) الأخلاق والعادات.



ويقول أستاذنا الجليل الدكتور عصام عبد الرءوف فى كتابه الحواضر الإسلامية عن :

الحياة الاجتماعية فى بغداد فى العصر العباسى الأول

١ ـ عناصر السكان وأثرها فى الحياة الأجتماعية :

(أ) العرب والفرس والترك.

العرب :

أنقسم شعب بغداد إلى عناصر رئيسية هى العرب والفرس والترك وينقسم العرب إلي قيسيه ويمينة ، وأنقسم السكان عموما إلى مسلمين وأهل ذمة ، والمسلمون انقسموا إلى سنة وشيعة.

قامت الدولة العباسية على أكتاف الفرس ، وكان من الطبيعى أن ينالوا حظوة فى دولة بنى العباس ، وفعلا اعتمد عليهم العباسيون فى تدبير كثير من أمور دولتهم ، ولم يكن الحال كذلك فى العهد الأموى ، إذا اعتمد الأمويون على العرب اعتمادا كليا فى تدبير ملكهم.

على كل حال ازداد نفوذ الفرس فى بغداد على نفوذ العرب فى بضع سنين من الحكم العباسى فى العصر الأول ، وليس فى كل سنى هذا الحكم ، ذلك أن الخلفاء العباسيين لا يمكنهم مجال من الأحوال أن يتجاهلو أصلهم العربى ، فهم عرب هاشميون يعتزون بعروبتهم ويفخرون بها ، وحتى الفترات التى طغى فيها نفوذ الفرس على نفوذ العرب فلاحظ أن الخلفاء الذين مكنهم الفرس من السلطة والسلطان هم أنفسهم الذين يقلبون عليهم ظهر المحن ، ويتخلصون منهم ، كما تخلص المنصور من أبى سلمة الخلال وأبى مسلم الخراسانى ، والمهدى من وزير يعقوب بن داود ، والرشيد من البرامكة ، والمأمون من الفضل بن سهل.


ويذكر الجاحظ أن دولة بنى العباس أعجمية خراسانية ، ويردد بعض المؤرخين أن العرب ذلوا وضعف شأنهم فى العصر العباسى الأول فالمسعودى (١) والسيوطى (٢) يرويان أن المنصور أول خليفة استعمل مواليه وغلمانه ، وصرفهم فى مهماته وقدمهم على العرب ، فاتخذت ذلك الخلفاء من بعده من ولده سنه ، فسقطت وبادت العرب ، وزال بأسها ، وذهبت مراتبها. ولا يمكن قبول هذه الرواية لأن العباسيين اعتمدوا على بعض رجال من العرب فى إدارة أمور دولتهم ، ووقف بنو جلدتهم من العرب إلى جانبهم فى الشدائد ، فحينما ثار الراوندية الفرس على المنصور ، وكادوا أن يفتكوا به لم ينقذه إلا رجل من سادات العرب هو معن بن زائدة الشيبانى ، لذلك كافأه المنصور وأسند إليه ولاية اليمن (٣) ، وأسند العباسيون بعض مناصب الدولة الكبيرة لرجال من العرب حتى لم يخل عصر خليفة من خلفاء العصر العباسى الأول من عرب يتقلدون فى بغداد مناصب الوزارة والحجابة والكتابة والقضاء ، وفى أشد فترات ازدياد النفوذ الفارسى.

فحينما سيطر البرامكة على أمور الدولة فى عهد الرشيد كان الفضل بن الربيع ـ وهو عربى ـ يتقلد منصبا كبيرا ، ويستثيره الرشيد ، ويأنس به ، وولى الرشيد أبا يوسف منصب قاضى القضاة فى مملكته كلها ، وهو أول من شغل هذا المنصب فى الإسلام ، وكان له ابن يسمى يوسف ولى القضاء فى حياة أبيه (٤) وظل يشغله حتى سنة ١٩٢ ه‍. ومن أشهر رجالات الدولة العباسية المسيب بن زهير بن عمر أبو مسلم الضبى ، ولى شرطة بغداد أيام المنصور حتى عهد الرشيد فى سنة ١٧٥ ه‍ (٥).

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٢٢٣.

(٢) تاريخ الخلفاء ص ١٠٥.

(٣) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية ص ١٤٣.

(٤) ابن النديم : الفهرست ص ٢٨٦.

(٥) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٣٤.


لذلك نرى إنه لا صحة لما ذهب إليه بعض المؤرخين من أن الخلفاء تجاهلوا العرب. واعتمدوا على الفرس اعتمادا كاملا ، بل كان الخلفاء العباسيون يحرصون على رفع منزلة العرب ، ويأنفون من إذلالهم ، فيروى الطبرى (١) أن المنصور رأى خادما له من أصل عربى سبى من اليمن ، وبيع إلى بعض بنى أمية ثم إلى المنصور فاعتقه المنصور وقال : لا يدخل قصرى عربى يخدم جرمى ، وأقدم على الهادى شهود على رجل أنه شتم قرشا ، فجلس الهادى مجلسا فيه فقهاء أهل زمانه ، ومن كان بالحضرة على بابه وأحضر الرجل ، وأحضر الشهود ، وأقروا بما سمعوا عن الرجل فقال الهادى : إنى سمعت أبى المهدى يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه على بن عبد الله بن عباس قال : من أهان قريشا أهانه الله.

وعاقبه الهادى أشد عقاب (٢). وحتى الخليفة المأمون الذى تأثر كثيرا بالفرس لما اعترضه رجل من العرب وقال له : يا أمير المؤمنين أنظر العرب كما نظرت لأهل خراسان قال المأمون : والله ما أنزلت قيسا عن ظهور الخيل إلا وأنا أرى أنه لم يبق فى بيت مالى درهم واحد (٣). وحتى الفرس على الرغم مما بلغوه من حظوة فى بعض فترات الحكم العباسى ظلوا يعتقدون أن العنصر العربى أفضل منهم.

بدليل أنهم احتاجوا فى كثير من الأحيان إلى الانتماء إلى العرب بالولاء حتى أصحاب المكانة الكبيرة منهم ، فأبو مسلم الخراسانى يزعم أنه من أصل عربى حتى يحظى بتقدير الناس وتأييدهم ، فادعى أنه من ولد سليط بن عبد الله بن عباس (٤) وحمزة بن ميمون ـ أحد المقربين إلى المهدى ـ يغضب ويعاتب الخليفة حينما قدمه إلى أحد جلسائه القرشيين على أنه مولى (٥). وإسحاق الموصلى ذهب إلى خازم بن خزيمة ـ وهو عربى ـ وطلب منه أن يكون مولى له ، فيقبل ذلك منه (٦)

ومهما يكن من أمر فقد ظهر فى بغداد منذ نشأتها عنصران رئيسيان من سكانها

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه‍.

(٢) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٦٩.

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢١٨ ه‍.

(٤) المصدر السابق حوادث سنة ١٣٧ ه‍.

(٥) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٤٢.

(٦) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ٢٦٩ ـ ٢٧٠.


يتناقسان حول الأستئثار بالسلطة والنفوذ فى حاضرة الخلافة ، وكان لا بد للخلفاء من حفظ التوازن بين الفريقين حتى لا يطغى فريق على فريق. ونلاحظ فى دراستنا لهذا الموضوع أن الخلفاء استعانوا بالفرس كما أستعانوا بالعرب ، وحينما طغى نفوذ الفرس ، نكلوا بهم وأبعدوهم ، واستعانوا بالعرب ، ومكنوا لهم ، وأدى ذلك إلى الصراع مرير بين العنصرين استمر حتى خلافة المعتصم.

حرص الخليفة المنصور على عدم التمكين لأحد العنصرين ـ العرب والفرس ـ من ازدياد نفوذه على حساب العنصر الآخر ، فكان للخليفة قواد وولاة من العرب ، وقواد وولاة من الفرس ، وكون جيشه من مضر واليمن وربيعة والخراسانية (١) ، وكما استوزر المنصور أبا يعقوب الموريانى ـ وهو فارسى ـ فقد استوزر الربيع بن يونس ـ العربى الأصل ـ وكان جليلا منفذا للأمور فصيحا حازما ، أصطحب المنصور فى رحلته الأخيرة إلى مكة المكرمة وأوصاه المنصور قبل موته. وأخذ البيعة لخليفته المهدى ، ولعيسى بن موسى من بعده ، ولما فرغ من بيعة بنى هاشم ، دعا بالقواد فبايعوا ، وبلغ من حرص المنصور على حفظ التوازن بين عنصرى السكان فى بغداد أنه لما شرع فى تأسيس بغداد قسمها ـ كما قلنا ـ أربعة أرباض وعهد إلى أربع من كبار رجال دولته بالإشراف على عمارة هذه الإرباض فكما جعل ربضا يشرف على تأسيسه الربيع بن يونس ، عهد إلى أبى يعقوب الموريانى ـ وزيره الفارسى ـ بالإشراف على أحد الأرباض (٢).

سار المهدى على سياسة أبيه فى حفظ التوازن بين عنصرى السكان فى بغداد ، فأسند حجابته إلى الربيع بن يونس ، وأختص به كما كان مع أبيه (٣) ، وأستوزر أبا عبيد الله بن معوية بن يسار مولى الأشعريين وفوض إليه تدبير مملكته فعهد إليه بالإشراف على الدواوين ، وتنظيم أمر الخراج ، وصنف فى الخراج كتابا ذكر فيه أحكامه الشرعية ، ودقائقه وقواعده ، وحرص هذا الوزير العربى على إبعاد الفرس عن المهدى ، حتى يصفو الأمر للعرب ذون سواهم ، فلما رأى تقرب

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥١ ه‍.

(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٦٠.

(٣) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٠٠.


الفرس إلى الخليفة ، جمع أربعة رجال من قبائل عربية شتى من أهل العلم والأدب فضمهم إلى المهدى ، وصاروا من أصحابه المقربين ، وحالوا بينه وبين الجلوس إلى الفرس (١).

وكان المهدى يطمئن إلى العرب ويأنس بهم ، فحينما ذهب إلى الحج سنة ١٦٠ ه‍ أمر باختيار خمسمائة من الأنصار ، ونقلهم إلى بغداد ، ليكونوا حرسا له وأعوانا ، وأجرى عليهم أرزاقا سوى أعطياتهم وأقطعهم عند .. قدومهم معه إلى بغداد قطيعة عرفت بهم (٢). وكان الخليفة المهدى يجتمع بانتظام فى بغداد مع القرشيين للنظر فى حوائجهم (٣) وكان فى ذلك يسير على سياسة أبيه المنصور (٤) ، لكن المهدى عاد فأسند بعض المناصب الهامة إلى الفرس ، فعزل أبا عبيد الله بن معاوية عن الوزارة ، وأسندها إلى يعقوب بن داود ـ الفارس الأصل ـ ثم الفضل بن صالح (٥).

إزداد نفوذ الفرس فى عهد الخليفة الرشيد الذى أسند أمور دولته إلى البرامكة الفرس ، وأستبدوا بأمور الدولة دونه ، فالخلافة على الحقيقة كانت لهم ، وليس للرشيد منها شئ إلا أسمها وقد استاء العرب فى بغداد من ذلك وسعوابهم إلى الرشيد ومن أبرز من تصدى للبرامكة من العرب الفضل بن الربيع الذى ما زال يحرض الرشيد على التخلص منهم ، ويذكره باستبدادهم بالملك حتى أوغر صدره عليهم ، فأوقع بهم ، وكان لتأثير السيدة زبيدة ـ زوجة الرشيد ـ العربية الهاشمية ـ أثر واضح فيما حل بالبرامكة ، وفى تولية ابنها محمد العهد قبل المأمون ، كذلك حرض بنو هاشم فى بغداد الرشيد على أخذ البيعة لمحمد الأمين قبل أخية المأمون ، وفيه ما فيه من الأنقياد لهواه والتصرف مع طوبتبه ، والتبذير لما حوته يده ، ومشاركة النساء والآماء لرأية ، وقالوا : إن ملت إلى عبد الله المأمون ـ وأمه فارسية ـ أسخطت بنو هاشم (٦). وكان الأمين أصغر سنا من المأمون ، وأمه ـ كما قلنا ـ عربية. أما المأمون فأمه فارسية.

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥١ ه‍.

(٢) المصدر السابق حوادث ١٦٠ ه‍.

(٣) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٤٥.

(٤) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه‍.

(٥) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٥٦ ، ١٦٤.

(٦) المصدر السابق ص ٢٢٨.


وجاءت نكبة البرامكة انتصارا للعرب على الفرس ، وازداد نفوذ العرب نتيجة لها. فاسندت الوزارة إلى الفضل بن الربيع بعد البرامكة ـ وكان حاجبا للمنصور والمهدى والهادى ـ وما زال الفضل وزيرا للرشيد حتى توفى (١) ـ أى الرشيد ـ كذلك أسند الرشيد قيادة الجيش وديوان الجند إلى الشحر الهذلى وعبد الله بن عبده الطائى (٢).

لما ولى الأمين الخلافة انتعش العرب فى بغداد ، وازداد نفوذهم بينما ضعف شأن الفرس ، وأسندت المناصب الكبيرة إلى العرب فقلد الأمين ، العباس بن الفضل بن الربيع حجابته ، والفضل بن الربيع الوزارة ، وبكر بن المعتمر ديوان الخاتم (٣).

رأى العرب فى بغداد ضرورة تأمين ما حصلوا عليه فى عهد الأمين من مكاسب وامتيازات ، فسعوا إلى تحريض الأمين على نقض بيعة أخيه المأمون بولاية العهد ، لأن المأمون تربى منذ نعومة أظفاره فى أحضان الفرس ، لذلك سعى العنصر العربى فى بغداد ـ وعلى رأسه الفضل بن الربيع ـ بالأمين لخلع المأمون ، ونقل ولاية العهد من بعده إلى ابنه موسى. والحقيقة أن ذلك لم يكن من رأى الأمين ولا من عزمه ، بل كان عزمه الوفاء لأخويه عبد الله والقاسم بما كان أخذ عليه لهما والده من العهود والشروط ، فلم يزل الفضل بالخليفة يصغر فى عينيه شأن المأمون ، ويزين له خلعه حتى قال له : ما تنتظر يا أمير المؤمنين بعبد الله والقاسم أخويك ، فإن البيعة كانت لك متقدمة قبلهما ، وإنما أدخلا فيها بعدك واحدا بعد واحد (٤).

على كل حال أفلح العنصر العربى فى إقناع الأمين بخلع أخيه المأمون من ولاية العهد ، ومبايعة ابنه موسى ، وسماه الناطق بالحق ، وتسبب ذلك فى

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٩.

(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٩٢.

(٣) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٨٩.

(٤) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٤ ه‍.


حدوث صراع بين الأخوين الأمين والمأمون انتهى بقتل الأمين.

وجاء انتصار المأمون على الأمين انتصارا للفرس على العرب ، فاستعاد الفرس نفوذهم ، بينما ضعف أمر العرب.

على أن العرب فى بغداد لم يستسلموا لما حل بهم من هزيمة على أيدى المأمون ورفاقه الفرس ، فقد ساءهم وعلى رأسهم أمراء البيت العباسى ازدياد نفوذ الفرس ، ووقوع المأمون تحت تأثيرهم ، فلما سمع العباسيون فى بغداد ما فعل المأمون من نقل الخلافة من البيت العباسى إلى البيت العلوى وتغيير لباس آبائه وأجداده من السواد إلى الخضره ، وأنكروا ذلك وخلعوا المأمون من الخلافة غضب من فعله ، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدى وكان فاضلا شاعرا فصيحا أدبيا حاذقا وقد عبر أحد وجوه العرب عن موقف المأمون المناهض العرب ـ ويدعى نعيم بن خازم ـ بقوله للفضل بن سهل ـ وزير المأمون الفارسى ـ إنك إنما تريد أن تزيل الملك من بنى العباس إلى ولد على ، ثم تحتال عليهم ، فتصير الملك كسرويا. ثم أقبل هذا الرجل على المأمون وحذره من عاقبة فعله بأن قال له : لا يخدعنك عن دينك وملكك فإن أهل خراسان لا يجيبون إلى بيعة رجل تقطر سيوفهم من دمه (١).

ومهما يكن من أمر فقد خشى المأمون من ثورة أهل بغداد ، فتخلص من وزير الفضل بن سهل ، وقصد بغداد سنة ٢٠٠ ه‍ وكان العرب قد سيطروا عليها سيطرة كاملة فهرب عنها إبراهيم بن المهدى ، والفضل بن الربيع ، ودخل المأمون بغداد ، واسترد نفوذه عليها (٢). على أن الفرس ظلوا فى عهده يشغلون المناصب الكبيرة فى بغداد إلا أننا نلاحظ أن المأمون لم يغفل العرب نهائيا بل قرب إليه أحمد بن أبى دؤاد ، وكان ضليعا فى الفقه وعلم الكلام والمنطق ومن أبرز العلماء الذين ينعقد بهم مجالس المأمون العلمية ، وبتأثيره أمر المأمون بامتحان

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٣٨٣.

(٢) ابن الأثير : الكامل فى التاريخ حوادث سنة ٢٠٠ ه‍.


الناس فى خلق القرآن ، وبلغ من تقدير المأمون له أن أوصى المعتصم به بقوله : لا يفارقك الشركة فى المشورة فى كل أمرك فإنه موضع ذلك (١).

عول العرب على استرداد نفوذهم فى بغداد بعد وفاة المأمون وتولية المعتصم ، فالتفوا حول العباس بن المأمون معتزمين توليته الخلافة بدلا من المعتصم الذى يميل إلى الترك ، ولكن هذه المحاولة باءت الفشل ، وتولى المعتصم الخلافة (٢) ، وجرت على العرب نقمة المعتصم فى كراهيته ، وأهمل أمرهم ، واستعان بالترك فى أمور دولته ، ورفع شأنهم ، لكن العرب لم يرضخوا لما حل بهم من ضعف ووهن ، بل تآمروا على المعتصم ، وتزعم هذه الحركة العباس بن المأمون ، وحاول العرب تنفيذ هذه المؤامرة أثناء غزو الخليفة لعمورية ، وكان المعتصم قد أظهر انحيازا واضحا ضد العرب فحين وجه عجيف بن عنبسة إلى بلاد الروم ، لم يطلق يد هذا العربى فى النفقات كما أطلق يد الأفشين ، بل أستصفى المعتصم من شأن عجيف ، واستبان ذلك لعجيف ، فحرص العباس بن المأمون على التآمر ضد المعتصم ، والسعى بمساعدة العرب على التخلص من الخليفة وتولية العباسى ، وبينما المعتصم يتجه بجيشه إلى عموريه ، حاول العرب التنكيل ، بقادة الترك ، ولكن المؤامرة باءت بالفشل ، ونكل الخليفة بالمتآمرين ، ويقول المؤرخون إن ذلك أدى إلى إمعان المعتصم فى الاعتماد على الترك ، وأبعاد العرب ، وحذفهم من الديوان (٣) ، فضعفت فيهم الروح العسكرية.

إلا أننا نلاحظ أن هذا القول فيه بعض المبالغة ، إذ ظهرت شخصيات كبيرة فى عهده لعبت دورا كبيرا فى سياسة الدولة فأحمد بن أبى دؤاد ، ولاه المعتصم منصب قاضى القضاة فى الدولة ، وبلغ من تقدير المعتصم له أن قال : هذا والله الذى يتزين بمثله ، ويبتهج بقربة ، ويعتز به ألوف من جنسه ، ولما مرض نذر المعتصم إن شافاه الله من مرضه بأن يتصدق بعشرة آلاف دينار (٤). ولقد استغل

__________________

(١) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ٤ ص ١٤٢.

(٢) ابن الأثير : الكامل فى التاريخ حوادث سنة ٢١٨ ه‍.

(٣) Muir : The caliphate.p.٤٥.

(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٣١.


هذا الرجل نفوذه فى الرفع من شأن العرب وإبعاد الضرو الأذى عنهم فالأفشين ـ قائد جيش المعتصم ـ كان يكره العرب ويقول : إذا ظفرت بالعرب شدقت رءوس عظمائهم بالدبوس وظهرت نواياه الانتقامية ضد أبى دلف ـ أحد القواد العرب سيد قومه كريما شجاعا شاعرا (١) وهم الأفشين بقتله. فأسرع ابن أبى دؤاد إلى الأفشين ، وأنقذ الزعيم العربى (٢) وشجع هذا أهل العلم والأدب فالتفوا حوله وأغدق عليهم ، ووقف ببابه الشعراء مثل أبى تمام ، وقرب إليه الجاحظ.

ولم يستسلم العرب لميل العتصم إلى الترك فنسمع عن كثير من البارزين منهم يطلبون من المعتصم رعاية أصحاب الحاجات من العرب الهاشميين والأنصار (٣).

ومهما يكن من أمر فقد كانت الحياة الأجتماعية فى بغداد عربية فى روحها وساهم العرب بدور رئيسى فى توجيهها ، فسادت تقاليد العرب وعاداتهم وأساليب حياتهم على نمط المعيشة في بغداد ، فالدين الإسلامى الذى حمل لواءه العرب.

وبشروا به فى العراق ، كما بشروا به فى غير العراق ، كان من الطبيعى أن يحدد الأسس الأجتماعية لحياة الناس ، كما هو الحال فى المعاملات الشخصية والقضاء واتخاذ الجوارى والغلمان وبناء المساجد ، وغير ذلك من الحدود التى رسمها الشرع ، وظهر أثر الدين فى تعدد المذاهب الفقهية ، فقد شهدت بغداد أئمة المذاهب الرئيسية ، كما أن اللغة العربية ـ لغة القرآن ـ واللغة الرسمية للدولة ـ لها أثرها فى تأكيد مركز العرب ، ونبغ من العرب فى بغداد فى العصر العباسى الأول كثيرون فى علوم الدين واللغة. على كل حال ظل مركز العرب مرموقا فى بغداد بصفة عامة فى العصر العباسى الأول ، فمنهم الخليفة وأمراء البيت الحاكم وسائر بنى هاشم ، والعرب لهم مركزهم أمام العناصر الأخرى فهم الذين مصروا الأمصار ، ويذلوا أموالهم ودماءهم فى سبيل رفع رأية الإسلام.

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٢.

(٢) التنوخى : الفرج بعد الشدة ج ٢ ص ٦٨.

(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٠.


الفرس :

قلنا إن الفرس أزداد نفوذهم فى بغداد فى بضع سنى العصر العباسى الأول واستعان بهم العباسيون فى بداية حكمهم ، لأنهم أقاموا ملكهم على أكتافهم ، ويتضح لنا ذلك من قول المنصور لأهل خراسان : أنتم شيعتنا وأنصارنا وأهل دعوتنا. كما أوصى ولى عهده بهم بقوله : وأوصيك بأهل خراسان خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك ، بذلوا أموالهم فى دولتك ودماءهم دونك ، ومن لا تخرج محبتك من قلوبهم أن تحسن إليهم ، وتتجاوز عن مسيئهم ، وتكافئهم على ما كان منهم (١). ولما أسس المنصور مدينة بغداد سمى باب خراسان ، باب الدولة لإقبال الدولة العباسية منه (٢).

على أن الأعتماد على الفرس والرفع من شأنهم فى العصر العباسى الأول أثار مشاكل عدة فى بغداد ، ذلك أن الفرس طموحون يعملون على إحياء مجدهم القديم ، ويميلون إلى إبراز نحلهم القديمة. ويناصرون الشيعة. لذلك تصدى لهم الخلفاء وسخطوا عليهم ، ولحق بهم من العباسيين الكثير من النكبات ، لأن اتجاهاتهم تهدد أمن الدوله وسلامتها وأستقرارها.

أسند العباسيون إلى الفرس فى بغداد مناصب كبيرة مثل الوزارة وقيادة الجيش. لكن كثيرا منهم لم ينج من بطش العباسيين للأسباب التى ذكرناها فالخليفة المنصور قتل وزيره أبا أيوب الموريانى ، وقتل أقاربه ، واستصفى أموالهم ، لأنه أساء استغلال نفوذه وثقة الخليفة فيه (٣).

واستوزر المهدى يعقوب بن داود ، وفوض إليه أمور دولته وسلم إليه الدواوين ، وقدمه على جميع الناس ، حتى قيل إن المشرق والمغرب بيد يعقوب.

ولما اتضح المهدى أن هذا الوزير يتعصب للعلويين ، وأسند إليهم بعض المناصب

__________________

(١) عصام الدين عبد الرءوف : تاريخ الإسلام فى العصر التركى ص ١٣.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ص ٢٢٧.

(٣) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٥٧.


الهامه ، وأطلق سراح أحد العلويين دون إذن الخليفة ، ـ عزله وو زجه فى السجن ، ولم يزل فى سجنه حتى أخرجه الرشيد فاقد البصر (١).

أزداد نفوذ الفرس فى عهد الخليفة الرشيد ، فقد استوزر كاتبه يحيى بن خالد ابن برمك ، وكان البرامكة قديما على دين المجوس ، ثم دخلوا فى الإسلام وحسن إسلامهم ، وقد كان خالد بن برمك من الشخصيات البارزة فى بغداد فى عهد الخليفة المنصور ، ومن أهل الرأى فيها ، وكان سخيا جليلا ، حتى قيل لم يكن يرلجليس خالد دار إلا وخالد بناها له ولا ضيعة إلا وخالد ابتاعها له ، ولا دابة إلا وخالد حمله عليها ويرجع الفضل إلى يحيى بن خالد فى تولية الرشيد الخلافة (٢) ذلك أن الهادى اعتزم خلع أخيه الرشيد من ولايه العهد وتوليه ابنه موسى بدلا منه فتصدى له يحيى بن خالد ، وحذره بقوله : حملت الناس على نكث الإيمان ، ونقض العهود ، وتجرا الناس على مثل ذلك ، ولو تركت أخوك هارون على ولاية العهد ، ثم بايعت لجعفر بعده كان ذلك أوكد فى بيعته ، وحذره من اعتراض بنى هاشم. ولما ولى الرشيد قدر ليحيى بن خالد موقفه ، وعد هذا فضلا كبيرا من يحيى عليه (٣).

واستوزره الرشيد ، وكان يخاطبه بالأبوه ، وبلغ من ثقته به أن قال له : يا أبة أنت أجلستنى هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك ، وقد قلدتك أمر الرعيه ، وأخرجته من عنقى إليك ، فاحكم بما ترى واستعمل من شئت ، وأسقط من رأيت ، فإنى غير ناظر معك فى شئ (٤).

نهض يحيى بن خالد بأعباء الدولة أتم نهوض ، وسد الثغور ، وتدارك الخلل ، وجبئ الأموال ، وعمر الأطراف ، وأظهر رونق الخلافة وتصدى لمهمات المملكة ، وكان صائب الرأى حسن التدبير.

__________________

(١) المصدر السابق ص ١٦٦ ـ ١٦٧ ـ ١٦٩.

(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٥٠.

(٣) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٧٩ ـ ١٨٧٠.

(٤) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٢٧.


على أن نفوذ البرامكة ازداد فى بغداد وطغى على نفوذه الخليفة ، وقد أستاء الرشيد من ذلك وقال : استبد يحيى بالأمور دونى ، فالخلافة على الحقيقة له وليس له منها إلا أسمها (١).

كذلك وقف الرشيد على ميل البرامكة إلى التشيع ، وسعى أعداء البرامكة عند الرشيد ، وأوضحوا له استبدادهم بالملك وبأموال الدولة حتى أوغروا صدر الرشيد على البرامكة ، فنكل بهم ، وقد كانت نكبة البرامكة هزيمة الفرس ، وأدت إلى ضعفهم.

ظل الفرس بعيدين عن السلطة والنفوذ فى بغداد بقية عهد الرشيد وطوال عهد الأمين ، ودارت رحى الرب بين الأخوين الأمين والمأمون انتهت بمقتل الأمين وانتصار المأمون وتوليته الخلافة فعاد النفوذ الفارسى إلى قوته. فقد قرب المأمون الفرس إليه ، وأسند إليهم المناصب الهامة فى الدولة. وجدير بالذكر أن المأمون نشأ وترعرع فى أحضان الفرس ، فأمة فارسية ، وأشرف البرامكة وبنو سهل الفرس على تربيته (٢).

استوزر المأمون الفضل بن سهل الذى سمى ذو الرئاستين لجمعه بين السيف والقلم ، والفضل بن سهل من أولاد ملوك الفرس المجوس ، وكان قهرمانا ليحيى ابن خالد بن برمك ، ولما رأى الفضل نجابة المأمون فى صباه لزم ناحيته ، ودبر أموره ، وتنبأ بوصوله إلى الخلافة ، وكان سخيا كريما يجارى البرامكة فى جوده جليلا عالما بآداب الملوك (٣).

وقع المأمون تحت تأثيره وزيره الفارسى ، لذلك أحدث تغييرا جذريا فى نظام الخلافة ، فعهد إلى على بن موسى ، وكتب بذلك كتابا بخطة ، وأمر المأمون

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية ص ١٩٠.

Hitti : Hist of the Arabs p. ٠٨٢.

(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الأداب السلطانية ص ١٧٩.

(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٢٩.


الناس يخلع لباس السواد ، ولبس الخضرة وكان هذا بخراسان فلما سمع العباسيون فى بغداد ذلك آثارهم نقل الخلافة من البيت العباس إلى البيت العلوى ، وخلعوا المأمون ، وبايعوا عمه إبراهيم بن المهدى ، ولما بلغ المأمون ذلك تخلص من وزيره الفضل بن سهل ، وكان يحجبه فى مرو عن سائر الناس ، ويمنع الأخبار عنه ، وسار إلى بغداد ، وأعاد لباس السواد وأرضى بنى هاشم ، على أنه استمر فى إسناد الوزاره إلى الفرس ، فقلد الحسن بن سهل وزارته ، وتزوج ابنته ، وكان أعظم الناس منزلة عند المأمون (١) على أن نفوذ الفرس لم يستمر طويلا ، فلما توفى المأمون ، وولى المعتصم الخلافة ، أبعد الفرس كما أبعد العرب ، واستعان بالترك.

وصفوة القول أن الفرس اشتركوا فى الحياة السياسية فى بغداد وكان لهم أثر أوضح فى إدارة أمور الدولة ، واشتركوا فى الجيش ، الذى كان يضم فرقة منهم ، وساهموا بنصيب كبير فى الحياة الفكرية لكن بعضهم لم يصح إسلامه فأظهروا نحلهم القديمة كالزندقة ، وبذل الخلفاء قصارى جهدهم فى تعقبهم واستئصال شأفتهم وكان هؤلاء الفرس قد دخلوا فى الإسلام ظاهرا ليستفيدوا من حقوق المواطن المسلم لكنهم ظلوا يخلصون لعقيدتهم القديمة ، ويعملون على بثها فى العلوم والآداب.

الأتراك

إستاء المعتصم من الفرس والعرب ، ورأى ضرورة استبدالهم بعنصر آخر ، ليس له مطامح الفرس القومية ، ولا الأهواء السياسية التى للعرب يضاف إلى ذلك أن المعتصم أمه تركية ، وكان به صفات الآتراك من حيث الشجاعة وقوة البأس ، فضلا عن أن الأتراك يتميزون بالروح العسكرية.

جلب الأتراك إلى بغداد من بلاد ماوراء النهر ، وكانوا رجالا أشداء يعيشون

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢٠٢.


رعاة وصيادين فى هضابهم وجبالهم العالية ، لذلك عرف عنهم. خشونة الطبع وقوة الشكيمة ، وأثرت هذه الحياة فى أخلاقهم لذا برعوا فى أساليب الحرب والقتال. وساعدهم على الأندماج فى مجتمع بغداد ، أعتناقهم الإسلام وتعلمهم اللغة العربية.

توافد الأتراك على بغداد بطرق شتى ، إما عن طريق وقوعهم فى أسر العرب الفاتحين ، وبيعوا فى الأسواق الرقيق ، وإما عن طريق إرسال ولاة الأقاليم التركية تركا ضمن الجبايات التى كانت ترسل إلى بغداد (١) ، وأما عن طريق هجرة كثير من الأتراك إلى بغداد بعد فتح بلادهم لتحسين أحوالهم المعيشية. وكانت بلاد ما وراء النهر خصوصا سمرقند أكبر أسواق تجارة الرقيق الأبيض. وكانوا مدربين تدريبا خاصا (٢).

توافد الأتراك بكثرة على مدينة بغداد منذ تأسيسها ، وازداد طلب الخلفاء لهم لأن مميزاتهم العسكرية تؤهلهم ـ كما قلنا ـ للعمل فى حراسة الخلفاء ، وكان المنصور أول من أستخدم الأتراك كحرس بل واعتمد عليهم كذلك فى الأعمال المدنية ، فالجهشيارى (٣) يذكر أن المنصور أمر حماد التركى ـ أحد كبار موظفيه ـ بتعديل نظام الضرائب فى السواد. وكان قصر الرشيد يضم بضعة مئات من الغلمان الترك (٤).

استكثر المعتصم من الترك حتى بلغ عددهم ثمانية آلاف رجل ، وتكون منهم فرق من الجيش يقودها قواد من الترك ، وكانت هذه الفرق فى عزله تامة عن بقية الجيش. وازداد نقوذ الترك فى بغداد ، وأصبح لهم السلطة والنفوذ فيها ، بينما ضعف أمر العرب والفرس.

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

(٢) ابن حوفل : المسالك والممالك ص ٢٦٨.

(٣) الوزراء والكتاب ص ١٣٤.

(٤) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ٢٣٠.


وبذلك دخل فى نزاع العصبية عنصر قوى جديد ، فقد كان النزاع من قبل محصورا بين الفرس والعرب ، فأصبح بين العرب والفرس من ناحية والترك من ناحية أخرى ، ووجه الترك كل جهودهم للنيل من الفرس والمستبدين بالسلطان ، وبعد أن كانت الأحداث تنصل بأعلام الفرس كأبى مسلم الخراسانى والبرامكة وبنى سهل ظهر تاريخ مرتبط أحداثه بأشناس وايتاخ ، إذ كانوا القابضين على زمام الدولة والمتصرفين فى شئونها (١).

حافظ المعتصم على جنوده الترك ، وحرص على أن تبقى دماؤهم متميزة فجلب لهم نساءا من جنسهم ، وكان المعتصم ينفق على جنده الترك بسخاء ، وعنى بزيهم وألبسهم أنواع الدبياج والمناطق المذهبة وأتخذلهم ثكنات خاصة ، يعيشون فيها معيشة كريمة ، وقد خص المعتصم الأتراك بالنفوذ ـ كما قلنا ـ وجعل لهم مراكز كبيرة فى مجالات السياسة والحرب ، وأجزل عليهم الهبات والأرزاق وفضلهم على سائر جنوده (٢).

وكانت الأتراك تؤذى أهل بغداد بجريها للخيول فى الأسواق وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك ، فكان أهل بغداد ربما ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمه لإمرأة أو شيخ كبير أو صبى أو ضرير (٣) وضاقت بغداد بعسكر المعتصم ، فتأذى منهم الناس ، وزاحموهم فى دورهم ، وتعرضوا للنساء فخشى المعتصم من أن تحدث فتنة فى بغداد بين جنده من ناحية وأهل بغداد العرب والفرس من ناحية أخرى.

لذلك نقل حاضرة دولته إلى سامرا ، ونقل إليها جنده الترك وقال : إن رابنى من عساكر بغداد حادث كنت بنجوة ، وكنت قادرا على أن آتيهم فى البر وفى الماء (٤).

يذكر بعض المؤرخين مثل الفخرى والسيوطى أن المعتصم قدم إليه رجل شيخ

__________________

(١) أحمد أمين : ظهر الإسلام ص ٦.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢. ص ٢٦٦.

(٣) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٦٦.

(٤) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١١.


وقال له : جئتنا بهؤلاء العلوج من غلمانك الأتراك ، والله لنقتلنك بسهام السحر ـ يعنى الدعاء ـ فسار المعتصم إلى موضع سامرا فبناها. وهذه الرواية متؤخرة لا يمكن قبولها لأن العمل الكبير الذى قام به المعتصم من حيث بناء مدينة جديدة يتخذها حاضرة لدولته لا يمكن القيام به خوفا من دعاء شيخ وإنما المعقول أن المعتصم رأى بنفسه بذور فتنة تؤدى إلى إضطراب أمور دولته وانقسام جيشه ، وكان يعرف ويدرك جيدا قوة بأس جنده الترك وتهورهم ، بدليل ما ذكره الطبرى من أن المعتصم شكى إلى نديمه إسحاق الموصلى من مغبة أصطناعه للترك (١).

وصفوة القول أن عناصر السكان فى بغداد كانت تتكون ـ كما رأينا ـ من العرب والفرس والترك ، وأنهكت العناصر العربية والفارسية قواها بالصراع الذى دار بينهما حول الاستئثار بالسلطة والنفوذ ، وظهر الترك أخيرا على مسرح الأحداث ، وحلوا محل العرب والفرس. غير أن أزدياد نفوذهم فى بغداد أدى إلى طغيانهم فنقل المعتصم حاضرة دولته من بغداد إلي سامرا ، ففقدت بغداد مركز السيادة على العالم الإسلامى ، وتأثرت الحياة الأجتماعية والأقتصادية فى بغداد نتيجة لذلك ، وزادت نقمة أهل بغداد على الترك ، وتجلى ذلك فى الأحاديث التى وضعها المحدثون فى ذم الترك تعبيرا عن شعورهم وشعور أهل بلدهم.

وكما أنقسم أهل بغداد إلى عرب وفرس وترك ، أنقسم المسلمون فيها إلى سنة وشيعة : فأما أهل السنة فلهم المركز الأول فى بغداد لأن السنة مذهب الدولة الرسمى ، وعاش فى بغداد كبار أئمة السنة ، وصنفوا فيها المصنفات القيمة ، مثل أبى حنيفة النعمان وأبى يوسف وأحمد بن حنبل.

أما الشيعة فى بغداد فعلى الرغم من أن الخلفاء العباسيين كانوا فى عداء مع العلويين ـ حتى لا يكاد يخلو عهد خليفة منهم من غير أن يثور عليه أحد الشيعة

__________________

(١) تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢٢٧ ه‍.


ـ فقد عاش فى بغداد فريق منهم دون أن يتعرض لآضطهاد العباسيين ، وكان وزراء العباسيين الفرس يميلون إلي العلويين ، ويحاولون أبعادهم عن بطش بنى العباس ، بل ويسعون لدى الخلفاء للنظر فى احتياجاتهم وتلبيتها ، وظهر طالبيون فى بغداد وصلوا إلى أعلى المناصب ، فيقطين دخل فى خدمة أبى العباس والمنصور ـ وكان شيعيا ـ وكان ابنه على يحمل الأموال إلى أبى جعفر محمد بن على (١) ، ووفد على بغداد وأقام بها فترة من الوقت الإمام الشافعى ، وكان شديدا فى التشيع ، وحضر ذات يوم مجلسا فيه بعض الطالبيين. فقال لا أتكلم فى مجلس يحضره أحدهم ، وهم أحق بالكلام ولهم الرياسة والفضل (٢) ، على أن ازدياد خطر العلويين فى عهد الرشيد دفعة إلى إخراج الطالبيين من بغداد إلى المدينة المنوره (٣).

ومما لا شك فيه أن العلويين انتعشوا فى عهد المأمون فقد نقل ـ كما ذكرنا ـ ولاية العهد إلى على بن موسى ، وأمر الناس بلبس الخضرة بدلا من السواد.

لكن على بن موسى لم يلبث أن توفى. وعاد المأمون إلى بغداد ، وأمر الناس بالعودة إلى لبس السواد. وظهر فى بغداد علويون لهم نشاط علمى كبير مثل الواقدى ، ولى القضاء المأمون ، وكان عالما بالمغازى والسير والفتوح واختلاف الناس فى الحديث والفقه (٤). وأوصى المأمون آخاه المعتصم بالعلويين خيرا.

ب ـ أهل الذمة

شكل أهل الذمة فى بغداد فى العصر العباسى الأول عنصرا هاما من عناصر المجتمع. والواقع كانت معاملة الخلفاء ورجال الدولة لهم تتم عن عدل وتسامح وكرم ، وأطلق الخلفاء لرؤسائهم الروحيين مباشرة أمور وشئون أبناء ملتهم ، وكان

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٣١٤.

(٢) المصدر السابق ص ٢٩٥.

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٢١ ه‍.

(٤) ابن النديم : الفهرست ص ١٤٤.


رئيس النصارى فى بغداد يسمى الجاثليق ، ويعينه الخليفة بعد استشارة كبار الأساقفة ، ويتم تعيينه بعهد أو منشور يتضمن الحقوق والامتيازات التى تمنحها الدولة له ـ أى للجاثليق ـ وتمنحه الحق فى مراجعة حكومة بغداد فى الأمور التى تتعلق بالمسيحيين الرعايا (١).

وكان الجاثليق الجديد إذا تم تعيينه ، يسير بحفاوة إلى قصر الخلافة وهناك يمنحه الخليفة عهد توليته ، ويتضمن حقوقه فى مباشرة سلطاته ثم تلقى عليه الخلع الثمينه ، وبعد ذلك يتوجه إلى المدائن ، وتصحبه فرقة من الجنود وجماعة من القسس والأساقفة ، وكبار رجال الدولة حيث يزور ضريح مارى فى ديره ، وفقا للتقاليد المتبعة فى ذلك ثم يعود إلى بغداد ، ويقيم فى كنيسة دار الروم ـ مقره الرسمى ـ (٢).

قلنا إن الجاثليق كان من حقه مباشرة شئون النصارى ، وإصدار قرارات تعيين أقضل القسس والأساقفة وسائر رجال الكنيسة ومن حقه معاقبة النصارى ، وذلك بفرض الغرامات عليهم ، وإصدار قرار الحرمان على من يستحق منهم ، غير أن الأحكام الجنائية الكبيرة كالإعلام لا تدخل فى إختصاصاته ، إنما كانت من حق الحكومة (٣) ومن أبرز من ولى منصب الجاثليق فى بغداد طيمثاوس الأول (٧٨٠ م ـ ٨٣٢ م) وقد كان على علاقة وثيقة بالخلفاء العباسيين الخمسة الأول الذين عاصرهم ولقى منهم كل رعاية وتقدير ، وكان الخليفة موسى الهادى يستدعيه إلى قصره ويحاوره فى مسائل الدين ، ويجيبه بما يتفق مع وجهة نظره (٤).

أما اليهود فلهم رئيس خاص ، يلقب أحيانا بلقب ملك ، يدفع له أهل ملته الضرائب ، وكان نصف ما يحصل من اليهود يعطى لرئيسهم ،

__________________

(١) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٤٢.

(٢) روفائيل بأبو إسحاق : تاريخ نصارى العراق ص ٦٧.

(٣) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٤٢.

(٤) المصدر السابق ص ٦٨.


ويرسل النصف الآخر إلى بيت المال بخلاف ما كان الحال عليه بالنسبة للنصارى الذين كانوا يؤدون الضرائب لبيت المال مباشرة (١).

أذن الخلفاء العباسيون للنصارى واليهود بتشييد كنائس ودور عبادة لهم ، فوافق الخليفة المهدى على تشييد كنيسة للنصارى فى محلة الروم بالجانب الشرقى من بغداد ـ الرصافة ـ وتقضى القاعدة الفقهية بترك البيع والكنائس لأهل الذمة ، وبخروج النصارى بالصلبان أيام أعيادهم ، ومن حق أهل الذمة على المسلمين حقن دمائهم ، ويقاتل المسلمون من ناوأهم من عدوهم ، ويذبوا عنهم (٢).

وبلغ من تسامح بعض الخلفاء أن يحضر مواكبهم وأعيادهم. ويأمر بصيانتها ، ففى أيام الرشيد كان النصارى يخرجون فى بغداد يوم عيد الفصح فى موكب كبير وبين أيديهم الصليب ، إلا أنهم كانوا يخرجون بلا رايات (٣) ، وكان أهل الذمة يقيمون حفلاتهم الدينية بحرية تامة يظهر فيها اللهو والطرب ، ويبلغ السرور أقصاه ، ويشاركهم المسلمون فى هذه الاحتفالات. وكان الخليفة المأمون يهتم بالنظر فى أمور أهل الذمة ، ويعقد مجلسا استشاريا يتألف من ممثلى جميع الطوائف ، ويستمع إلى مطالبهم ، ويعمل على تحقيقها (٤).

ولا أدل على تسامح الخلفاء من أنهم تركوا أرقاءهم وجواربهم على ملتهم ، وكان المهدى جارية نصرانية ، ترتدى رداءها القومى وتعلق فى صدرها صليبا من ذهب (٥).

وكانت الأديرة المسيحية منتشرة فى جميع أنحاء بغداد حتى لم تخل منها ناحية ، ويقم فيها للنصارى شعائرهم الدينية فى أمن وطمأنينة ، وتحاط بالأسوار العالية والأبواب الحديدية وتأوى اللاجئ إليها والمجتاز بها ، وأقام رهبانها دور

__________________

(١) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٥٨.

(٢) أبو يوسف : الخراج ص ٨٠.

(٣) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٢٠.

(٤) المصدر السابق.

(٥) ابن رسته : الأعلاق النفسية ص ٢١٣.


ضيافة لمبيت الزوار ، وعابرى السبيل ، ويقضى للنصارى فى بغداد أعيادهم فى ديارات معروفة ، ولا يبقى أحد من يحب اللهو إلا تبعهم ، والواقع أن الديارات كانت أماكن مناسبة جدا للنزهة والترفيه ، فكانت تقع فى أماكن غاصة بالبساتين والشجر والنخل والرياحين ، لذلك حرص المسلمون من أهل بغداد على قضاء أوقات فراغهم بها ، وعقد مجالس اللهو هناك (١) ومن أقرب الديارات إلى مدينة بغداد دير قوطا فى قرية البردان على شاطئ دجله ، ويفصله عن بغداد بساتين ومنتزهات متتابعة (٢).

ومن أشهر بيع بغداد بيعة سمالو وبيعة درب دينار ، وبيعة درب القراطيس ، وبيعة سوق الثلاثاء (٣) ، على أن الحرب بين قوات الأمين وقوات المأمون قد ألحقت الكثير من التخريب والتدمير بكنائس بغداد وأديرتها (٤).

ساهم أهل الذمة فى بغداد فى إزدهار الحركة العلمية فى العصر العباسى الأول ونشر المعرفة ، فأسسوا المدارس وقاموا بالتدريس لأبناء كبار رجال بغداد ، وترجموا الكتب من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ذلك أن الخلفاء العباسيين الأوائل عنوا بترجمة الكتب العلمية واستعانوا بأهل الذمة فى حركة الترجمة هذه ، وقدر الخلفاء جهودهم ومنحوهم الرواتب الجزيلة ، وكان الخلفاء يرسلون العلماء الموثوق بهم من أهل الذمة إلى الدولة البيزنطية لابتياع طرائف الكتب وغرائب المصنفات فى الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب ويعهدون إلى التراجمة من أهل الذمة بنقل هذه الكتب إلى العربية (٥).

ومن أشهر من ساهم فى حركة الترجمة بنصيب موفور من أهل الذمة ، حنين ابن إسحاق ، نشأ على حب العلم ، وتتلمذ على الطبيب الحاذق يوحنا بن

__________________

(١) الشابستى : الديارات ص ٣ ، ٩ ، ١٦ ، ١٨ ، ٣٠.

(٢) المصدر السابق ص ٤١.

(٣) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٦٩.

(٤) ابن النديم : الفهرست : ص ٣٣٩.

(٥) Hitti : Hist.of the Arabs.p.٧٢٣.


ماسوية ، وتوجه إلى الدولة البيزنطية وأقام بها فترة من الوقت درس خلالها اللغة اليونانية ، وعاد إلى العراق ودرس اللغة العربية دراسة مستفيضة على الخليل بن أحمد ، ثم عاد إلى بغداد ، ومكنته معرفته القوية باللغتين اليونانية والعربية من القيام بنشاط كبير فى حركة الترجمة ، فنقل كتاب أقليدس وكتاب المجسطى لبطليموس وكتاب أبولونيوس فى المخروطات ولخص مؤلفات أفلاطون وسقراط وجالينوس ، ونقلها إلى العربية ، ولم يكن مجرد مترجم للكتب التى أشرنا إليها ، بل كان يعلق عليها ، ويوضح ما فيها ، ويلخص ما يحتاج إلى تلخيص ، وبيوبها ، وبالجملة كان خير ما قدم خلاصة الفكر اليونانى إلى المثقفين العرب ، وبالإضافة إلى ما قام به من ترجمة ، فقد صنف أكثر من خمسة وعشرين كتابا (١).

ومن أبرز مترجمى المأمون من أهل الذمة يوحنا بن البطريق ، وكان أمينا على ترجمة الكتب العلمية حسن التأدية للمعانى ، وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب (٢) ، وعنى المأمون بعقد مجالس علمية فى قصره يناظر فيها العلماء على اختلاف تخصصاتهم ، وكان أغلب علماء العلوم العقلية من أهل الذمة (٣).

من أبرز المهن التى عمل بها أهل الذمة فى بغداد ـ لا سيما النصارى ـ مهنة الطب ، فقد برعوا فى تشخيص الأمراض ، ووصف العلاج الناجع لها ونقلوا الكتب الطبية من اللغة اليونانية إلى العربية ، وانكبوا على دراستها ، وإضافة الجديد لها مما يتمشى مع خلاصة تجاربهم وقراءاتهم. ومن أشهر أطباء المنصور جيورجيس بن بختيشوع استدعاه المنصور لما ألم به مرض شديد ، وكان رئيسا لمستشفى جنديسابور فحضر إليه مع تلميذه عيسى بن شهلاتا ، ودعا للمنصور بالفارسية والعربية ، فأعجب المنصور من حسن منطقه ، وعالج المنصور وأحسن علاجه ، فأمر له بخلعة جليلة ، وأمر بإنزاله فى أجمل موضع وأكرمه كما يكرم

__________________

(١) القفطى : إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص ١٤٤.

(٢) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٣٣٦ ، ٣٣٩.

(٣) المصدر السابق ٢١٤.


أخص الأهل (١) وجدير بالذكر أن المنصور ، دعا طبيبه إلى اعتناق الإسلام ، فرفض الطبيب وقال : أنا دين آبائى أموت ، وحيث يكون آبائى أحب أن أكون إما فى الجنة أو فى جهنم (٢).

على كل قدر المنصور طبيبه أحسن تقدير ، وأهداه ثلاث جوار روميات مع منحة قدرها ثلاثة آلاف دينار ، ولما مرض هذا الطبيب زاره المنصور ، وأمر بحمله إلى دار العامة ، ووافق على رغبته فى العودة إلى بلده ، وأنفذ معه خادما ، ومنحه عشرة آلاف دينار واتخذ المنصور من بعده عيسى بن شهلانا طبيبا خاصا له بعد أن وقف على مهارته (٣) لكن هذا الطبيب استغل صلته الوثيقة بالخلافة ، وآذى بنى قومه من النصارى ، فلم يقبل المنصور منه ذلك ، وعاقبه ونفاه (٤).

ووفد على الرشيد الطبيب بختيشوع بن جيورجيس من أطباء جنديسابور ، فأكرمه وخلع عليه خلعة سنية ، ووهب له مالا وأخيرا جعله رئيس الأطباء ودخل ابنه جبريل فى خدمة البرامكة ، ومما يجدر ذكره أن جبريل هذا عالج الأمين والمأمون ، وكانت رواتبه سبعمائة ألف وأربعة وثلاثين درهم سنويا ، وأحصى ما ربحه من الرشيد فكان ثلاثمائه ألف وثمانين مليونا من الدراهم (٥).

ومن أساتذة الطب فى عهد الرشيد يوحنا بن ماسوية النصرانى السريانى ولاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة ، وكان موضع تقدير الناس فى بغداد ، وله مصنفات قيمة ، وكان يعقد مجالس علمية يتناول فيها خلاصة معرفته ، وقد وفد إليه طلاب العلم للإستفادة من علمه ، والاستزادة من معرفته (٦).

كما عالج بختيشوع بن جبريل المأمون والمعتصم والواثق (٧) وجالسهم ونادمهم ونال منهم العطايا السنية ، وصنف كتبا فى الطب.

__________________

(١) Hitti : Hist ,of the Arabs p.٣٦٣.

(٢) ابن أبى اصبيعة : عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ج ١ ص ١٢٥.

(٣) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢١٥.

(٤) المصدر السابق ج ٢١٥.

(٥) المصدر السابق ص ٢٢٦.

(٦) القفطى : إخبار العلماء بأخبار العلماء ص ٧١ ـ ٧٢.

(٧) المصدر السابق ص ٩٩ ـ ١٠٠.


ومن أبرز الأطباء النصارى فى بغداد سهل بن سابور ، ومن أطباء المأمون جبريل الكحال ، وكان يتقاضى راتبا شهريا قدره ألف درهم ، وكان أول من يدخل إليه فى كل يوم (١) ، كان سلموية عالما بصناعة الطب وعالج المعتصم مرضه ، وبلغ من اعتزاز المعتصم به أن هذا الطبيب لما توفى قال المعتصم : سألحق به لأنه كان يمسك حياتى ، ويدير جسمى وامتنع عن الطعام فى ذلك اليوم بل أمر بإحضار جنازته إلى قصره ، وأن يصلى عليه بالشمع والبخور وفقا للرسوم الجنائزية المتبعة عند المسيحيين (٢).

كذلك شغل أهل الذمة فى بغداد ، وظائف التنجيم لمعرفتهم بأمور الكواكب والنجوم ، ومن أبرز من عمل هذا المجال ، ما شاء الله اليهودى الذى كان منجما للمنصور ، وكان أوحد زمانه فى رصد النجوم (٣) وكان للخليفة المهدى منجم نصرانى يسمى توفيل بن توما ، وبلغ من ثقته به أن جعله رئيس منجميه ، وصنف وترجم بعض الكتب فى هذا المجال (٤) ، وكان سند بن على ـ وهو يهودى ـ منجما للمأمون ، ودخل فى الإسلام ، وهو فى جملة الراصدين ، ثم أهلته كفاءته إلى أن أصبح على الأرصاد كلها (٥).

أندمج أهل الذمة فى المجتمع العربى فى بغداد ولم يقتصر نشاطهم على الترجمة أو الأشتغال بالطب والفلك بل أنكبوا على دراسة اللغة العربية وآدابها ، وصنف رجال منهم كناب أدبية مثل حبيب أبو رائطة التكريتى والجاثليق طيثماوس ، وعرف أيضا من شعراء وأدباء النصارى أبو قابوس ، وانقطع إلى البرامكة ، واشتهر كذلك عيسى بن فرخنشاه ـ وكان من

__________________

(١) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢٣٩.

(٢) المصدر السابق ٢٤٠ ، ٢٤٣.

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٣٩.

(٤) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢٢٠.

(٥) ابن النديم : الفهرست ص ٣٤٠.


أهل بغداد ومن كتاب الدواوين (١) وكان إتقان أهل الذمة للغتين العربية واليونانية سببا فى إسناد الخلفاء لهم السفارات الدبلوماسية إلى الدولة البيزنطية وغيرها (٢).

كذلك اشتغل أهل الذمة فى الدواوين ، وكان لعدم إخلاص بعضهم فى تأدية واجباته أثره فى ارتياب فى اخلاصهم فموسى ـ وهو ذمى ـ أحد اثنين كلفهما المنصور بجباية الخراج ـ ولما ساءت سيرته ، غضب منه المنصور وعزله. وأمر بمعاقبة كل عامل أو والى يستعمل كاتبا من أهل الذمة (٣) وعلى الرغم من أن الرشيد عرف بتسامحه مع أهل الذمة إلا أنه أمرهم بألا يتشبهوا بالمسلمين فى لباسهم وركوبهم (٤) ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء ليس اضطهادا من الخليفة لأهل الذمة ، أو امتهانا لهم ، بدليل أن القاضى أبا يوسف الذى حث الرشيد على اتخاذ هذا الإجراء هو نفسه الذى حث الرشيد على حسن معاملة أهل الذمة فقال للخليفة : ينبغى أن تتقدم بالرفق بأهل الذمة والتفقد لهم حتى لا يظلموا أو يؤذوا ، ولا يكلفوا فوق طاقتهم ، ولا يؤخذ شئ من أموالهم بحق يجب عليهم (٥).

ومهما يكن من أمر فقد كان عدد النصارى فى بغداد أكثر بكثير من عدد اليهود ، وأشتغل اليهود بالتجارة والصناعة ، ونبغ بعضهم فى الطب ، كما كانوا على صلة وثيقة بالخلافة وكبار رجال الدولة لاشتغالهم بتجارة المجوهرات.

انفصلت الطوائف الدينية عن بعضها تمام الأنفصال ، فلم يقع تزواج بين المسلمين وغير المسلمين ، ولا يمكن للمسيحى أن يعتنق اليهودية ، ولا يستطيع اليهودى أن يدخل فى المسيحية ، واقتصر التغيير فى الدين على الدخول فى الإسلام فقط ، ولا يجوز للمسيحى أن يرث اليهودى ، ولا اليهودى أن يرث

__________________

(١) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٣٤.

(٣) الخراج ص ٧٢.

(٤) المصدر السابق ص ٧١.

(٥) Hitti : Hist.of the Arabs P.٢٥٣.


المسيحى ولا يرث المسيحى واليهودى المسلم ، والمسلم لا يرث المسيحى أو اليهودى وفى ذلك قال الرسول : «لا يتوارث أهل ملتين» (١).

(ح) الرقيق :

كثر الرقيق فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، وساعد على كثرته الانتصارات الكثيرة التى كانت تحرزها الدوله الإسلامية على أعدائها وما يتبع ذلك من استخواذها على مغانم كثيرة ، من بين هذه الغنائم الأسرى (٢) ، وكانت بعض الولايات الإسلامية ترسل إلى بغداد رقيقا كجزء من الأتاوة المفروضة عليها (٣). فضلا عن أن الرقيق يجلب من الأسواق.

كذلك امتلات قصور الخلفاء وكبار رجال الدولة بالرقيق من أجناس مختلفة منها الأبيض والأسود والأصفر تختلف فى لغاتها وعاداتها وتقاليدها (٤) ، ولم ينظر الخلفاء العباسيون إلى الأرقاء نظرة امتهان وازدارء ، ولا أدل على ذلك من أن كثيرا منهم كانوا أبناء أمهات وقعن فى أيدى آبائهن عن طريق الأسر أو الأسترفاق ، بل إن بعض كبار رجال الدولة كانوا يتخذون الإماء من غير العرب ، ويفضلونهن على العربيات الحرائر (٥).

ومما يجدر ذكره أن الخليفة المنصور أمه أم ولد يقال لها سلامة البربرية (٦) كذلك كان الهادى والرشيد والمأمون والمعتصم من أمهات أولاد ولم يكن من خلفاء العصر العباسى الأول من أم عربية حرة سوى المهدى والأمين وقد ينجب الرجل ذرية بعضها من أولاد الجوارى والبعض الآخر من أولاد الحرائر. فيفخر أولاد الحرائر على أولاد الجوارى ، فالامين كان يفخر على المأمون بأنه لم يجر فى عروقه دم رقيق (٧).

__________________

(١) متز : الحضارة الإسلامية ص ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) الماوردى : الأحكام السلطانية ص ١٣٨.

(٣) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٨٣.

(٤) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٩٨.

(٥) محمد جمال الدين سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ١٩٤.

(٦) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٢٣.

(٧) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٤٣.


على أن الجارية أو الأمة قد أتيحت لها الفرصة للانتقال إلى مرتبة أعلى من مرتبه الرق. فإذا أنجبت من سيدها سميت أم ولد وصارت فى وضع أرفع شأنا من وضع الامة ، فلا يجوز لسيدها أن يبيعها أو يهبها وإنما تبقى حلاله ، وإذا توفى سيدها ، صارت حرة ، ينطبق عليها أحكام الميراث ، والطفل الذى يولد من أمة يكون حرا.

انتشرت تجارة الرقيق فى بغداد ، فكان بها محلة تسمى دار الرقيق (١) وكان بالرصافة ـ الجانب الشرقى من بغداد ـ محلة دار الروم نسبة إلى سكانها الذين قدموا إليها فى عهد المهدى أسرى من بلاد الروم ، واشتهر كثير من تجار الرقيق فى بغداد من النخاسين ، وسبب شهرتهم كثرة ما كان يفد عليهم من الشعراء والأدباء لابتياع الجوارى الحسان ، وكان بالكرخ نخاس يسمى أبو عمير له جوار قيان لهن ظرف ، وكذلك أبو خطاب النخاس ، ومنهم حرب بن عمير ، وله جارية مغنية يفد إليها الشعراء وأهل الأدب فى بغداد للاستماع إليها (٢).

والنخاس ينادى لمن حوله من الراغبين ، ويصف لهم الجارية بعد الجارية بأحسن ما يكون من أوصاف الحسن والجمال. ومن بينهن جوار عليهن اللباس الفاخر ويتخذن العصائب المحلاة بالدر والجواهر ، وكان على تجار الرقيق عامل من قبل الحكومه يشرف على أعمالهم ، ويراقب تجارتهم ، يسمى قيم الرقيق.

قلنا إن الرقيق تنوعت أجناسه وألوانه ، وأحسن أنواع الرقيق ، النوع الأبيض ، وكان من الترك أو الصقالبة ، والصقالبة يفضلون على الترك ويقول الخوارزمى (٣) : ويستخدم التركى عند غيبة الصقلبى. وأكثر ما يجلب من بلاد البلغار ، وكانت سمرقند أكبر مراكز تجارة الرقيق الأبيض ، وخير رقيق بلاد ما وراء من تربيتها ، وكان أهلها يتخذون من تهذيب وتربية الرقيق صناعة يعيشون منها.

ولقد كان لكل نوع من أنواع الرقيق صفات خاصة ، فالهنديات عرفن بالطاعة

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ج ٨ ص ٤٧.

(٢) الأصفهانى : الأغانى. ج ٤١ ص ١٩٩.

(٣) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٢٢٧.


والهدوء وإتقان مباشرة الشؤون المنزلية والاشغال اليدوية ، واشتهرت مولدات المدينة بالمرح والميل إلى اللهو ، وعرفت السودانيات بالميل إلى الرقص وألوان الطرب ، والمغربيات والتركيات عرفن بإتقان الشؤون المنزلية ، والعبد الرومى يجيد تدبير المنزل ويحب النظام ويميل إلى القصر فى الانفاق ، والعبد الروى ويجيد الفنون الجميلة ، والأرمن فيهم خشونة فى الطبع. على أن الرقيق المجلوب من بلاد السند كثرت جرائمهم مع سادتهم ، ققل إقبال الناس على شرائهم ، لذلك رخص سعرهم (١).

انتشرت فى بغداد ظاهرة تعليم الجوارى الغناء ، وكانت الجارية إذا أتقنت الغناء تباع بثمن مرتفع جدا ، وأول من عنى عناية كبيرة بتعليم الجوارى الغناء إبراهيم الموصلى ، فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ورفع من أقدارهن ، وكان بعض الناس يبعثون بجواريهم إلى إبراهيم وإبنه إسحاق لتعلم الغناء ، فإذا برعت فيه ، استطاع سيدها أن يبيعها بثمن مرتفع (٢) وكان عند إبراهيم الموصلى العديد من الجوارى يتقن الغناء من ألحانه ، فبيعت جارية هندية تعلمت الغناء على أيدى إبراهيم الموصلى بمائتى ألف درهم (٣).

وبلغ من حرص الناس على تعليم الجوارى للغناء أن بعض وجوه أهل خراسان كانوا يرسلون غلمانهم إلى إسحاق الموصلى ليعلمهم الغناء وكان يعلم الغلام منهم اللحن بألف درهم (٤).

وجدير بالذكر أن إبراهيم الموصلى وابنه إسحاق علما جارية مولدة صفراء تسمى قلم الصالحية الغناء ، وبرعت فيه حتى ابتكرت حوالى عشرين لحنا ، واشتراها الواثق بعشرة آلاف دينار (٥) ، وكانت شارية جارية تعلمت الغناء حتى أنفنته ، فاشتراها إسحاق الموصلى بثلاثمائة دينار ، ولما تدربت على الغناء

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٥٨.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ٧ ص ١٧٠ ـ ٢٩٤.

(٣) المصدر السابق ج ٥ ص ١٢٧.

(٤) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٧٩.

(٥) المصدر السابق ج ١٢ ص ٣٤٢.


اشتراها ، إبراهيم بن المهدى بعد سنة بثلائمائة ألف دينار ، واشتراها المعتصم بعد ذلك بخمسة آلاف وخمسمائة دينار (١).

وكان للمهدى جارية من أصل فارسى ، تعلمت فى الطائف وتتفقت وأنجبت إبراهيم بن المهدى وكان رجلا أدبيا دينا شاعرا راوية للشعر وأيام العرب فصيحا خطيبا (٢) ، وكانت مكنونة من أبرز الجوارى فى الغناء ، نشأت فى المدينة ، وأتقنت الغناء ، واشتراها بمائة ألف درهم (٣) ، فغلبت عليه ، وأنجبت عليه ، وكانت شاعرة أيضا تتقن الغناء ولها ألحان كثيرة (٤). والواقع أن كبار الموسيقيين فى بغداد قد تخرج على أيديهم الكثير من الأرقاء والجوارى ، ومن أبرز هؤلاء الأرقاء عبد أسود يقال له زرياب ، كان مطبوعا على الغناء ، إبراهيم الموصلى ، وربما حضر به مجلس الرشيد يغنى فيه ، ثم انتقل إلى خدمة بنى الأغلب فى القيروان ، وغضب عليه زيادة الله فغادر القيروان ، وقصد الأندلس ودخل فى خدمة الأمير عبد الرحمن بن الحكم ، وذاع صيته (٥).

ومن الجوارى ظهرت شاعرات يتقن الشعر ، وأول من اشتهر منهن بقول الشعر فى الدولة العباسية عنان بيعت بمائة ألف درهم ، ولم يزل فحول الشعراء فى عصرها يلتقون بها فى منزل مولاها فيتقارضونها الشعر وتنتصف منهن (٦).

اشتغل الرقيق والجوارى عند سادتهم فى جمع الأعمال التى تدر عليهم الربح ، فمنهم من عمل فى زراعة أرض سيده. ومنهم من اشتغل بالصناعة ، ومنهم من عمل فى الحراسة أو فى الخدمة المنزلية ، على أن أهم الأعمال التى أسندت إليهم كانت الجندية ، فقد اشترى الخليفة المعتصم الرقيق الأبيض ، وأدخله فى جيشه ، وعنى به حتى بلغ عددهم بضعة آلاف (٧).

__________________

(١) المصدر السابق ج ٤ ص ٢٦٩.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١١٢.

(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٦٢.

(٤) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٩٤.

(٥) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٤ ص ١١٠.

(٦) المصدر السابق ذكره ونفس الصفحة.

(٧) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢٢١ ه‍.

John Glub. Empire of the Arabs p. ٣٤٣.


قلنا إن الرقيق كثر فى بغداد حتى كانت قصور الخلفاء والأمراء ورجال الدولة تضم الألوف منهم ، ولقد رغب الأسلام فى عتق العبيد. لذلك أقبل الناس على ذلك تقربا إلى الله ، فكانت ريطة ابنة أبى العباس تشترى رقيقا للعتق (١) وأوصى الخليفة المعتصم قبل وفاته بعتق ثمانية آلاف من مماليكه (٢) بل كان العبد يستطيع أن يشترى حريته ، بدفع قدر من المال.

أثر الجوارى تأثيرا كبيرا فى ازدهار الفنون الجميلة فى بغداد ، لأن الناس حرصوا على أن تجمع الجوارى بين الجمال الخلقى والجمال الفنى ، فأخذوا يعلمون الجوارى فنون الرقص واللبس إلي غير ذلك من ضروب الفن ، وسرعان ما لقن المغنون جواريهم ألحانهم ، وطريقة غنائهم (٣).

وظهرت جوار أتقن كنابة الأشعار الرقيقة والعبارات اللطيفة تطريزا على الثياب ، وبعضهن أحب الأزهار وتغنى بها فقلدهن فيها الناس (٤).

وكان للجوارى فضل آخر ، إذ أنهم ـ كما رأينا ـ من بلاد مختلفة روميات وتركيات وهنديات وصقليات وغير ذلك ، وحاولن إدخال عاداتهن ، وأدى ذلك إلى انقسام الناس إلى طائفتين ، طائفة تتعصب للقديم ، وأخرى تفضل الجديد الذى أدخل عليه نغمات رومية أو تركية أو هندية أو نحو ذلك (٥).

وقد تأثر الإنتاج الأدبى بكثرة الرقيق ، فألف بعض الكتاب كتبا فى تجارة الرقيق ، وذكر أوصاف الرقيق من كل جنس وحاول بعضهم وضع قواعد للجمال ، كما تكلم بعضهم فى الألوان وحسنها.

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١١.

(٢) متز : الحضارة الإسلامية ج ١ ص ٢٢٣.

(٣) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ٩٤.

(٤) المصدر السابق ذكره.

(٥) محمد جمال سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ١٧٠.


٢ ـ الحياة العامة فى بغداد

(أ) القصور والدور فى بغداد فى العصر العباسى الأول :

عنى الخلفاء والأمراء العباسيون ومن يلوذ بهم من الوزراء والأباء والعلماء بتشييد القصور الفخمة فى مدينة السلام ، وبلغت درجة من الاتساع جعلتها أشبه بمدن كبيرة ، واشتملت على دور واسعة وقاعات ذات قباب وأروقة وبساتين (١).

وأول القصور التى شيدت فى بغداد قصر باب الذهب ذى القبة الخضراء وارتفاعها ثمانون ذراعا ، ويمكن منها الإشراف على نواحى بغداد المختلفة وما يحيط بها من حدائق وبساتين ، وبدت كأنها «إكليل من نور قد تدلى على مدينة السلام (٢)» وعلى رأس القبة ظهر تمثال على صورة فارس فى يده رمح ، وتحت القبة مجلس بمستوى سطح الأرض مساحته عشرة أمتار فى مثلها. وفى صدر إيوان عظيم على الطراز الفارسى ، وكان يسمى قصر السلام (٣).

على أن المنصور شيد قصرا آخر على أطراف بغداد وسماه الخلد نسبة إلى حدائقه الواسعة (٤) ويقع على دجله تجاه خراسان وتأنق فى بنائه وتجميله ، وبنيت حوله الدور حتى أصبح القصر وما حوله من عمائر يعرف بالخلد (٥) وكان بهذا القصر قباب بديعة الشكل وبأبوابه مسامير من ذهب وفضة «كما تخللته العمد الكثيرة الفخمة ، التى زينها المنصور بالرسوم البديعة ، والصور الجميلة وكان مجلسه فى هذا القصر مفروشا بالرخام يتوسطه قضبان ذهبية ، وفرش بالبسط والديباح التى نقش عليها أبيات شعرية فى مدح الخليفة ، وفى المجلس كراسى فخمة مرصعة باللؤلؤ معدة لجلوس كبار رجال الدولة الذين يحظون بالجلوس فى

__________________

(١) محمد جمال سرور : تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ١٧٥.

(٢) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام

John Glubb. The Empire of the Arabs p. ٣٤٢.

(٣) الفخرى فى الأداب السلطانية ص ٢٢١.

(٤) Hitti : Hist.of the Arabs p.٣٩٢.

(٥) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٧٥.


مجلس الخليفة ، أما الخليفة نفسه فيجلس فى قبة مفروشة بأفخر أنواع الحرير المنسوج بالذهب (١).

حذا الخلفاء العباسيون حذو المنصور فى العناية بتشييد القصور الفخمة فشيد الخليفة المهدى قصرا بعيسى باذ شرقى بغداد ، وسماه قصر السلامة (٢).

كما شيد الرشيد قصرا على دجلة تأنق فى تجميله وزينه بأبهى معالم الزينة وأقام فيه أساطين الرخام (٣) وقام الأمين بتوسيع قصر باب الذهب ، بأن أضاف إليه مبانى جديدة. وكانت قصور الخلافة تكتنفها حدائق غناء تبلغ مساحتها ما يعادل مسيرة عدة ساعات ، ويطل القصر على ميدان فسيح يعرض فيه الجنود الذين كانت ثكناتهم تطل على الضفة اليسرى للنهر (٤).

كذلك تعددت قصورا أمراء البيت العباسى وتميزت بفخامة بنائها واستاعها مثال ذلك قصر عيسى بن على بن عبد الله بن العباس ، وكان يقع على أحد فروع نهر دجله ، وهو أول قصر بناه الهاشميون فى أيام المنصور ببغداد ، ولا أدل على سعته من أن المنصور زار عيسى بن على فى قصره ومعه أربعة آلاف رجل ، وكان عيسى بن على يقيم فيه ومعه عدة آلاف من عياله ومواليه (٥).

وكان لكل هاشمية من بنات البيت العباسى قصر منفرد ، وأعظم هذه القصور قصر السيده زبيده ، وكانت هذه القصور تضم من الخدم والغلمان أعدادا كبيرة مما يدل على حياة الترف والنعيم وجمال السلطان بالبهاء والإشراف (٦).

لم يقتصر تشييد القصور الفخمة على بنى العباس ، لكن سار على منوالهم الوزراء وكبار رجال الدولة وأهل الثراء ، فشيد البرامكة فى الجانب الشرقى من

__________________

(١) Hitti : Hist.of the Arabs p.٣٩٢.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ١٦٥.

(٣) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٧٥.

(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٥) ياقوت : معجم البلدان ج ٧ ص ١٠٧.

(٦) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ١٧٣.


بغداد قصورا منيفة لهم بالشماسية فكان جعفر بن يحيى البرمكى يحب حياة اللهو لذا نصحه والده يحيى بن خالد بأن يتخذ لنفسه قصرا فى الرصافة يجمع فيه ندماءه وقيانه ، ويقضى معهم أوقات فراغه بيعدا عن الأعين ، لذلك شيد قصرا بالشماسية ، وأحاطه ببساتين ذات أرباض خصبة مربعة وفرش به من أنواع الأشجار ما يأتى بأطيب الثمار ، واتخذ لكل مقصورة فرش على مقدار أبنيتها ، «وكان هذا القصر من أحسن القصور وأبهاها وأحب المواقع إليه وأشهاها لا طلاله على نهر دجله» وكماله فى النظر واشتماله بالروض والشجر ، وزين هذا القصر بالرسوم والزخارف البديعة من الداخل والخارج ، وعليه صور من الجص المجسم (١) ، وقد حث يحيى بن خالد البرمكى ابنيه الفضل وجعفر على البناء فقال : لا شئ أبقى ذكرا من البناء ، فاتخذوا منه ما يبقى لكم ذكرا ، فشيد الفضل قصرا كذلك (٢).

ولقد اتصلت عمائر البرامكة فى حى لا يخالطهم فيه أحد فى الشماسية بالرصافة ، وبرز فيها قصر يحيى المعروف بقصر الطين ، الذى أنفق فى بنائه أموالا طائلة ، وحى البرامكة هذا كان قريبا من قرية البردان ، ولقد اشترى البرامكة الدور من أهل هذه القرية ، ووهبوها لمن يلوذ بهم من أهل العلم والأدب (٣).

ظل قصر جعفر بن يحيى ـ الذى سبقت الإشارة إليه ـ قائما حتى قتل الأمين وولى المأمون الخلافة. فأقام المأمون بمرو فى بداية خلافته وعهد إلى الحسن بن سهل بحكم العراق نيابة عنه ، ونزل فى القصر الجعفرى وأقام به ، ولما قدم المأمون من خراسان ، وأقام فى بغداد ، بقى الحسن بن سهل مقيما فى القصر المشار إليه وقام بتوسيعه وكتب أسم الحسن عليه وعرف بالقصر الحسنى بدلا من الجعفرى. على أن الحسن بن سهل خصص هذا القصر لابنته بوران بعد زواجها بالمأمون ، وأضاف إليه المأمون عددا من المبانى المجاورة (٤).

__________________

(١) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢١٧.

(٢) ابن الساعى : نساء الخلفاء ص ٩٠ ـ ٧١.

(٣) المصدر السابق ذكره.

(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.


ويذكر ابن طيفور (١) أن الفضل والحسن ابنى سهل عنيا بالعمارة وكان لا ينزلان من المنازل إلا أطراف البلدان ، وقد أوضح الحسن السبب فى ذلك فقال ـ الأطراف منازل الأشراف ، ينتاولن ما يريدون بالقدرة ، ويتناولن ما يريدون بالحاجة.

عنى شعب بغداد بتشييد الدور الفخمة خصوصا أهل اليسار منهم وكانت تشتمل فى الغالب على طابقين ومبنية بالجص والآجر ، وتحاط بأسوار ، وأقاموا فيها أحواض ماء ، زرعوا حولها بعض الأشجار والزروع ، وأقاموا على الأحواض عمدا مزخرفة من الرخام ، معقودة بقباب من فوقها ، نقش عليها آيات قرآنية. أما العوام فكانت منازلهم بلا أسوار وتتكون فى الغالب من طابق واحد وتطل نوافذها على الشوارع مباشرة (٢).

أخذ العباسيون عن الفرس العمل على تخفيف حرارة الشمس صيفا فكانوا يغطون بيوتهم بطبقة من الطين. تجدد فى كل يوم ، يقضى أهل المنزل وقت الظهيرة فيه ويرصف حول البيت كميات كبيرة من القصب (٣).

كذلك يسر الخلفاء وصول المياه إلى القصور والدور فأنشأوا جداول فى بغداد تأخذ من دجله والفرات ، وكانت الرحاب والشوارع تكنس وترش بأحسن نظام ، ولم يكن يسمح قط بالقاء القاذورات على جانبى الشوارع والأزقة ، وكانت الشوارع تضاء بالمصابيح ليلا (٤).

حرص أهل بغداد على تزيين مجالسهم بالفرش الفاخرة والأثاث وكانوا يكسون حيطان بيوتهم بالدبياج ، ويعنون بفرش الأشجار والأزهار فى حدائق منازلهم ، ويحليون الرياحين من بلاد الهند.

والخلاصة أن مدينة بغداد عظم فيها العمران فى العصر العباسى الأول حتى أن ضفتى دجلة أقيمت فيها القصور الفخمة والحدائق والمنتزهات البديعة والأسواق العامرة والحمامات الجميلة والمساجد الفخمة.

__________________

(١) فضائل بغداد : ص ٧٢

(٢) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه‍.

(٣) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣.

(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.


(ب) المواكب والأعياد والمواسم

فاقت مواكب العباسيين مواكب الأمويين ، وتميزت بالروعة والبهاء ، وكان رجال الحرس يصحبون الخليفة المهدى فى موكبه مرتدين الأزياء الفخمة وبأيديهم الأسلحة ، ولكن الرشيد والمأمون كثيرا ما كانا يفضلان البساطة (١).

تجلت روعة مواكب الخلفاء العباسيين فى الجمع والأعياد ، فكان موكب الخليفة يتقدمه الغلمان ـ أى رجال الحرس على اختلاف طبقاتهم ـ يحملون الأعلام والمقارع وآلات الموسيقى المحلاة بالذهب ، ثم يليهم أمراء البيت العباسى على الخيول المطهمة ، ثم الخليفة ممتطيا جوادا ناصع البياض وبين يديه الأشراف وكبار رجال الدولة ، ويأتى بعدهم بقية الغلمان ، وكان الخليفة فى تلك المواكب يلبس القباء الأسود الذى يصل إلى الركبه ، ويتمتطق بمنطقة مرصعة بالجواهر ، ويتخذ عباءة سوداء ويلبس قلنسوة ، وقد زينت بجوهرة ثمينة ، وبيده قضيب رسول الله والخاتم. وتتدلى على صدره سلسلة ذهبية مرصعة بالجواهر الثمينة. أما القباء فكان مفتوحا عند الرقبة (٢).

وتجلت مظاهر الخلفاء العباسيين الخاصة التى تدل على سيادتهم الروحية فى مواكبهم المتجهة من بغداد إلى الحجاز للحج ، فحينما خرج المنصور فى إحدى السنوات للحج ، اجتمع حشد كبير من أهل العراق وخراسان وغيرهم من المتجهين لأداء فريضة الحج فى باب الكوفة ، وكل معه إبله ومؤوتنه ومتاعه ، واجتمع هناك فريق من الجند لحراسة الحجيج فى حلهم وترحالهم ، وسار الموكب وفى طليعته هو أوج تظلها قباب من الديباج ، وفيها يقيم أمر الحج ، ثم أذن للحج بالمسير ، فضرب بوق إيذانا بركوب الخليفة ، وجلس فى هودج وفى يده قضيب الخلافة ، وفى الأخرى الخاتم ، وعليه جبه وشى من فوقها بردة خضراء للرسول ، وبصحبه جماعة من الأمراء ورجال الدولة ، ومن خلفهم الإبل التى يركبها أهل بيته ، ولهم حرس خاص بهم يحملون الرايات السواد ، فلما وقف

__________________

(١) سيد أمير على : مختصر العرب ص ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

(٢) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٧.


الأمراء ورجال الدولة لوداع الخليفة ، أوصاهم بالسهر على الرعية ثم نفخ فى البوق إيذانا بالنفير ، وزحف الحجيج وفى مقدمتهم هودج الخليفة (١).

ويصف لنا ابن قتيبة (٢) أحد مواكب الرشيد فى رحلة الحج فيقول : لما أعتزم الرشيد الحج أمر بتمهيد طريق ، الحج ، وذلك بإزالة العوائق من الطريق ، ولذلك حولت بعض القنوات ـ التى تعترض الطريق ـ عن مجراها ، وأزيلت المرتفعات والآكام التى تعرقل الطريق ، وردمت الخنادق ، حتى صار الطريق من بغداد إلى مكة المكرمة ممهدا وأمر بعمل محطات فى الطريق تبعد الواحدة عن الأخرى مسافة أثنى عشر ميلا ، وفى كل محطة دار فرشت بالبسط الفاخرة ، ونصبت لها جدار بالستور وسمكها بأكسية الخز الرفيع الملون ، وعلى كل فرسخ من الطريق أقيمت قبة مفروشة ، وقد أحاط بها الأشجار التى تظللها ، وأقيمت الرواقات الكثيفة بها أنواع الطعام والشراب والفاكهة ، فكان يمشى ثلاثة أميال ثم ينزل فى قبة أمامها رواق فينال راحته ، ويصيب ما اشتهى من ألوان الطعام ، واقفه فى طريقه الوزراء والقواد وأمراء الأجناد والأعلام والفقهاء والعساكر قد صاروا منه بمعزل يحاذونه فى طريقه إذا نزل وكان فى تواقفه يتابع أمور دولته ، فيأتيه البريد بأخبار الأمصار والبلدان. ويصدر أوامره وتعليماته إلى بلدان دولته.

لم تقتصر مواكب الخلفاء على الخروج للصلاة أو الحج. وإنما اشتملت أيضا رحلات الخليفة إلى الصيد. فحينما كان يخرج الخليفة المهدى للصيد يحاط بفرسان من الحرس متقلدين سيوفهم ، يتبعهم عدد من الجند وطائفة من الغلمان (٣).

وكانت نساء الخلفاء يتنقلن فى مواكب خاصة بهن ، فالخيزران ـ أم الهادى والرشيد ـ كانت تنقل فى موكب عظيم من الغلمان المزينة ، والخيل عليها كسوة من الديباج والحلية الثقيلة من الفضه (٤).

__________________

(١) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٥٣ ـ ٥٥.

(٢) الإمامه والسياسة ص ٢٢٣.

(٣) Gohn Glubb the Empire of the Arabs p.٤٦٢.

(٤) المدور : حضارة الإسلام فى دار السلام ص ٢٢.


أهتم الخلفاء العباسيون بالاحتفال بالأعياد فى شئ كثير من الإبهة ، والأعياد نوعان دينية وتشمل عيد الفطر وعيد الأضحى وأعياد كان يحتفل بها أهل العراق قبل الإسلام.

كان الخلفاء يحتفلون بعيدى الفطر والأضحى أحتفالا دينيا فيؤدون صلاة العيد فى المسجد الجامع ، ويؤمون الناس فى الصلاة ، ويلقون خطبة العيد عليهم ، وفى ليالى هذا العيد تضاء الأنوار فى المدينة ، وفى العيد يركب الناس نهر دجله فى زوارق مطلية بأبهى الأصباغ والألوان ، ويتلالأ قصر الخلافة بضوء باهر ، ويلبيس الناس الطيالس السود ، وتقام الؤلائم للناس على مراتبهم (١).

أما الأعياد التى كان يحتفل بها أهل العراق من قبل الإسلام مسيحية تماما ، وكان أهل بغداد مسيحيين ومسلمين يحتفلون فى الأديرة بأعياد القديسين ، ويوم أحد الشعانين عيد كبير للعامة ، ويبدو أنه كان عيدا قديما من أعياد الأشجار ، والوصائف فى هذا العيد يظهرن فى قصر الخلافة مرتديات أفخر أنواع الثياب ، وفى أعناقهن صلبان من ذهب ، وبأيديهن قلوب النخل وأغصان الزيتون (٢).

وفى يوم عيد الفصح ، يقصد النصارى دير سمالو شرقى بغداد بباب الشماسية على نهر المهدى ، ويشاركهم احتفالهم أهل اللهو من المسلمين حيث تحف به المنتزهات ويحتفل النصارى بأحد أعيادهم فى دير الثعالب بالجانب الغربى من بغداد ، ويشاركهم المسلمون أيضا الأحتفال بهذا العيد ، ويشمل المكان الذى يقع فيه الدير البساتين التى تضم أنواع الأشجار والرياحين ، وهذا العيد كان فى آخر سبت من أيلول. (سبتمبر) (٣).

أما عيد دير أشمونى فكان في اليوم الثالث من تشرين الأول (٤) ، (أكتوبر) وهو من الأيام العظيمة فى بغداد ، يجتمع أهلها فيه وخصوصا أهل الطرب واللهو ،

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) متز : الحضارة الإسلامية ج ٢ ص ٢٧٨.

(٣) الشابستى : الديارات ص ٩.

(٤) المصدر السابق ص ١٦.


ويتنافسون فيما يظهرونه هناك من زيهم ، ويباهون بما يعدونه لقصفهم ، ويعمرون شطه وديره وحاناته ويضرب لذوى البسطة منهم الخيم والفساطيط ، ويعزف القيان ويتمتع الناس هناك باللهو والطرب. ويكثر الغناء (١).

وأعياد النصارى ببغداد يقسمونها على أعياد معروفة فالأحد الأول منه عيد دير العاصية ، وهو على ميل من سمالو والأحد الثانى دير الزريقية والأحد الثالث دير الزندورد والأحد الرابع دير درمالس ، هذا وعيده أحسن عيد ، يجتمع نصارى بغداد إليه ، ولا يبقى أحد ممن يحب اللهو والطرب إلا تبعهم ، ويقيم الناس فيه الأيام الطوال (٢).

وكان هناك مواسم أخرى يحتفل بها العباسيون منها النوروز وهو أول أيام السنة عند الفرس ، وأحد مواسمهم القديمة ، وفد نهى العرب أهل فارس بعد الفتح ـ عن الاحتفال بهذا العيد ، غير أن العباسيين فى عصرهم الأول أباحوا الاحتفال به (٣) ، وكان الناس يتيادلون فيه الهدايا ، والخليفة يوزع على الناس أشياء منها صور مصنوعة من عنبر ٣١).

ويأتى بعد عيد النوروز بمائة وأربعة وتسعين يوما عيد المهرجان ويعتبر أول أيام الشتاء ، وظل إلى جانب النوروز أكبر الأعياد ، وكان الناس يتهادون فيه ، وتخلع فى هذا العيد على القواد وكبار رجال الدولة ملابس الشتاء ، وكان العامة يغيرون فيه الفرش والثياب ، وكثيرا من الملابس ، وكان هذا العيد يمتاز خاصة بأن الرعية يهدون فيه السلطان (٤).

(ج) الموسيقى والغناء والمجالس الاجتماعية

كانت مجالس الخلفاء العباسيين والآمراء والوزراء وكبار رجال الدولة تضم الندماء والمغنين ، فالندماء يقصون النوادر الآدبيه ويرون الأشعار ، أما المغنون

__________________

(١) الديارات للشابستى ص ٣٠.

(٢) المصدر السابق ص ٣.

(٣) متز : الحضارة الإسلامية ص ٢٨٧.

(٤) الجاحظ : التاج ص ١٤٦.


فيؤدون أغانيهم. وقد يكون النديم مغنيا فى نفس الوقت مثل إسحاق بن إبراهيم الموصلى.

وصناعة الغناء هى تلحين الأشعار والموزونة بتقطيع الأصوات علي نسب منتظمة معروفة يوقع كل صوت منها توقيعا عند قطعة ، فيكون نغمه ثم تؤلف تلك النغم بعضها إلى بعض على نسب متعارفة فيلذ سماعها لأجل ذلك التناسب ، وما يحدث عنه من الكيفية فى تلك الأصوات.

انتشر الغناء فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، وأقبل أهل بغداد عليه ـ على اختلاف مستوياتهم ـ بشغف شديد ، وزاد من شغف الناس به ، إقبال الكثير من الطرب واللهو من بلاد الإسلام على بغداد. وإقامتهم بها ، وعرض فنهم فيها ، وكان بعض الخلفاء فى العصر العباسى الأول يتحرج من الظهور للمغنين ، فلما ولى المنصور الخلافة شغل بإقرار الأمور فى دولته ، والقضاء على أعدائها ، لذلك لم يكن له فى اللهو والطرب مجال ، ولم ير فى دار المنصور لهو ولا غناء ، ولم يظهر لنديم قط. وكان بينه وبين الستارة عشرون ذراعا ، وبين الستارة والندماء مثلها (١). أما المهدى فكان فى أول الأمر لا يحتجب عن الندماء ، تشبهها بأبيه المنصور ، وظل على ذلك نحوا من سنة ، ثم ظهر لهم فأشار عليه أحد خاصته بأن يحتجب عنهم تشبها بأبيه فرفض وقال. إنما اللذة فى مشاهدة السرور ، وفى الدنو ممن سرنى.

وكان محبا للنمادمة لا يترك جليسه إلا عن ضرورة (٢) ومن أشهر ندمائه مروان ابن أبى حفصة ، كان يأتى باب المهدى على برذون قيمته عشرة آلاف دينار والسرج واللجام المزينين ، ولباسه الخز والوشى ورائحة المسك والطيب تفوح منه (٣).

والحقيقة أن المهدى شجع أهل بغداد على الإقبال على الغناء واللهو ، إلا أنه رفض أن يتجاوزوا باللهو حدود ما أمر به الله ، ولكن الأمور سارت على غير

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٢٣.

(٢) المصدر السابق ص ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ٧٧.


ما رسمه ، فقد شاع شعر بشار بن برد فى عهد المهدى بما فيه من مجون وعبث وغزل مكشوف حتى ضج رجال بغداد من شعره ، وشكوا إلى المهدى لأنهم خافوا على نسائهم وبناتهم ، فتدخل المهدى ونهى بشار عن الغزل بالنساء (١).

وكان الهادى يستمع إلى الغناء ويجزل عليه العطاء (٢). أما الرشيد فقد شغف بمجالس الطرب والغناء ، ولم يجتمع على باب خليفة من العلماء والشعراء والفقهاء والقراء والقضاة والكتاب والندماء والمغنيين ما اجتمع على باب الرشيد ، وكان يصل كل واحد منهم بأجزل صلة ، ويرفعه إلا أعلى مرتبه ، وكان فاضلا شاعرا راوية للأخبار والآثار والأشعار (٢) وكثيرا ما يتلثم فيحضر مجالس العلماء وهو لا يعرف ، ولقد قسم الأيام والليالى قليلة للوزراء يذاكرهم أمور الناس ، ويشاورهم فى أمور الدولة الداخلية والخارجية ، وليلة الكتاب يتفقد أعمالهم ، ويرتب الناس ما ظهر من صلاح أحوال المسلمين وليلة للقواد أمراء الأجناد يذاكرهم أمر الأمصار ويسألهم عن الاخبار ، ويذاكرهم العلم ويدارسهم الفقه ـ وكان من أعلمهم ـ وليلة للقراء والعباد يتصفح وجوههم. ويتعظ برؤيتهم ، ويستمع لمواعظهم ، ويرفق قلبه لكلامهم ، وليلة لاهل بيته يأنس بهم وباشرهم ، وليلة يخلو فيها بنفسه لا يعلم أحد قرب أو بعد ما يصنع ، ولا يشك أحد أنه يخلو فيها بربه يسأله خلاص نفسه وفكاك رقه (٣).

وجعل الرشيد للمغنين مراتب وطبقات ، فكان إبراهيم الموصلى وابن جامع وزلزل فى الطبقة الأولى ، والطبقة الثانية سليم بن سلام وعمرو الغزال ، والطبقة الثالثة أصحاب المعازف والطنايبر وعلى قدر ذلك كانت تخرج جوائزهم وصلاتهم ، وإذا أجاد أحد المغنين والموسيقيين الأداء أمر الخليفة بترقيته إلى المرتبة التى تعلو مرتبته فرقى الرشيد برصوما الزامر من الطبقة الثانية إلى الطبقة الأولى بعد أن أطرب الرشيد (٤).

__________________

(١) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ١١١.

(٢) الجاحظ : التاج ص ٣٥.

(٢) الجاحظ : التاج ص ٣٥.

(٣) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ج ١ ص ٢٩٧.

(٤) الجاحظ : التاج ص ٤١.


ومن أبرز ندماء الرشيد الشاعر أبو العتاهيه ، كان لا يفارق الرشيد فى سفر ولا حضر ، إلا فى طريق الحج ، وكان يجرى عليه فى كل سنة خمسين ألف درهم سوى الجوائز والصلات ، وقد أعجب بشعره اللطيف المعانى السهل الألفاظ ، القليل التكلف ، وكثر شعره فى الزهد والأمثال (١).

ولا أوافق الأستاذ أحمد أمين فيما ذهب إليه (٢) من أن أزدياد ونفوذ الفرس فى عهد الرشيد ، وما عرف عنهم من ميل إلى اللهو والسرور ، نشروا مع نفوذهم حياة الأكاسرة وما كان فيها من حضارة ولهو وعبث ، لأن الغناء كان منتشرا قبل عهد الرشيد فى بغداد ، وفى دمشق إبان الحكم الأموى (٣) ، حقيقة بلغ الترف والنعيم فى بغداد فى عهد الرشيد أقصاه ، إلا أن الفضل فى ذلك يرجع إلى ما بلغته الدولة العباسية من سعة وغنى واستقرار ، ومساهمة عناصر السكان على اختلاف أجناسهم فى ازدهار الحياة العامه (٤).

وكان الأمين لا يحتجب عن الندماء ، ويجزل عليهم العطايا ، ويقضى أجل أوقاته فى الاستمتاع بضروب اللهو ، وعلى الرغم من أن أخباره وضع أكثرها فى عهد المأمون للإساءة إليه ، والحط من قدره ، فإننا لا نستطيع أن ننكر ميله إلى اللهو ، يؤيد ذلك ما ذكره الطبرى (٥) من أن الأمين لما ولى الخلافة وجه إلى جميع البلدان فى طلب الملهين ، وضمهم إليه ، وأجرى لهم الأرزاق ، كما أمر ببناء مجالس لمنتزهاته ، ومواضع لهوه وخلوته بقصر الخلد وقصور اللهو ، واقتنى الوحوش والسباع والطيور وأنفق أموالا طائلة فى بناء سفن على شكل بعض الحيوانات ، كالأسد والفيل والعقاب وغير ذلك ، وقسم ما فى بيوت الأموال من الجوهر على جلسائه ومحدثيه (٦).

__________________

(١) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ٦٣.

(٢) ضحى الإسلام ج ١ ص ١١١.

(٣) انظر : الإدارة المركزية للدولة الأموية ١٢٥.

(٤) Gohn Glubb : The Empire of the Arabs p.٩٧٢.

(٥) تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه‍.

(٦) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٨.


كانت شخصية المأمون تخالف شخصية الأمين ، فقد عرف المأمون منذ حداثته بالجد والحرص على طلب العلم والتفقه فيه حتى أصبح حجة فى المسائل العلمية والفلسفية ، ولما قدم بغداد ظل بها ما يقرب من عشرين شهرا لا يستمع إلى للغناء ، ثم سمعه من ولاء ستار متشبها بالرشيد ، واستمر كذلك سبع سنين ثم ظهر للمغنين والملهين (١).

ويجدر بنا أن نشير هنا إلى أشهر المغنين فى بغداد فى العصر العباسى الأول.

وذكرنا أن إبراهيم الموصل كان من المقربين إلى الرشيد لبراعته فى الغناء ، وأصله فارسى ، تعلم الغناء فى الموصلى ، تم صار إلى الرى وتعلم فيها أيضا ، وتعلم الغناء العربى والفارسى ، وأعجب به كثير من الناس ، والتفوا حوله حتى أن الرشيد قال : ما أعرف أحدا أكثر أصدقاء من إبراهيم (٢) يصنع فيحسن ، وكان بمنزله خطيب أو شاعر أو كاتب يتقن مهنته ، فضلا عن أنه كان شاعرا وأديبا حتى قيل إن إبراهيم بستان فيه جميع الثمار والرياحين (٣).

ولم يكن الناس يعلمون الجوارى الغناء ، وأول من علهم إبراهيم فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ، ورفع من أقدارهن ، وكان يضع اللحن ، ويكرره لتستوى له أجزاؤه ، وجواريه يضربن عليه ، صنع إبراهيم الموصلى تسعمائة لحن ، تفوق فى ثلاثمائة منها على جميع الموسيقيين المعاصرين والسابقين عليه (٤).

لما ولى الرشيد الخلافة وجلس بعد فراغه من إحكام الأمور ، دخل عليه المغنون ، وأول من غناه إبراهيم الموصلى ، فشقف به ، وكان الرشيد يعقد مجالس المغنيين ، ويطلب منهم أن يبرز كل واحد منهم ألحانه ، وفضل إبراهيم الموصلى على غيره ، وبلغ من محبته لأغانيه ، أنه كان يذهب إليه فى منزله ، ويطلب منه أن يغنيه من ألحانه (٥) وكان لكل واحد من المغنيين مذهب فى الألحان التى

__________________

(١) الجاحظ : التاج ص ٤٣.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ١٦٩.

(٣) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٤ ص ١٠٨.

(٤) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ١٨٧.

(٥) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٣٠.


يختارها لأغانيه ، ولم يكن أحد يتصرف فى مذاهب الأغانى مثل إبراهيم الموصلى ابنه إسحاق وترك إبراهيم الموصلى بعد وفاته ثروة قدرت بأربعة وعشرين ألف ألف درهم سوى أرزاقه الجارية وهى عشرة آلاف درهم وسوى غلات ضياعه (١).

كذلك اشتهر فى الغناء فى بغداد إسحاق بن إبراهيم الموصلى والرشيد شغف به لأنه كان على جانب كبير من المقدرة العلمية والأدبية والرواية ، وكان شاعرا مجيدا ، وعلى ذلك نقول إنه لم يكن مغنيا بارعا فحسب بل عالما وأديبا وشاعرا.

ويذكر صاحب كتاب الأغانى أن إسحق لم يكن له نظير فى الغناء ، فإنه لحق من مضى فيه ، وسبق من بقى ، فهو إمام أهل صناعته جميعا ورأسهم ومعلمهم.

يعرف ذلك عنه الخاص والعام ، وكان إسحاق الموصلى يحدث الرشيد بأحاديث القيان والمغنين تارة وبأخبار العرب وأيامها تارة أخرى ، ويتفوق على غيره من المغنين فى مجالس الغناء (٢).

كان إسحاق رغم تفوقه فى الغناء لا يحب أن يوصف بأنه مغنى وبلغ من تقدير الخليفة المأمون له أن قال. لو لا ما سبق على ألسنة الناس وشهر به عندهم من الغناء لوليته القضاء فإنه أولى به وأحق ، وقد روى الحديث ولقى أهله مثل مالك بن أنس ، وهو الذى صحح أجناس الغناء وطرقه ، وميزه تمييزا لم يقدر عليه أحد قبله ، ولا تعلق به أحد بعده ، وصنف كتابا فى الألحان رتب فيه جميع طرقه والأجناس ، وجمع الغناء القديم وألحق به الغناء الحديث إلى آخر أيامه بما فى ذلك أقوال العلماء الأقدمين من اليونان مثل أقليدس وغيره من أهل العلم بالموسيقى ، وتفهم ما أفنوا فى بحثه الأيام والليالى. ومن أقوال إسحاق فى الغناء : إن الإيقاع من الغناء بمنزلة العروض من أشعر ، «والمغنى الحاذق من تمكن من أنفاسه ، ولطف فى اختلاسه وتفرغ فى أجناسه (٣).

وكان الخليفة الواثق من أكثر العلماء تقديرا لإسحاق ، وكان إذا صنع شيئا من

__________________

(١) المصدر السابق ج ٥ ص ١٦٤.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ٢٦٧ ـ ٢٦٩.

(٣) ابن خرداذبه : مختارات من كتاب اللهو والملاهى ص ٥٥.


الألحان عرضه على إسحق فيصلحه ، وقال إسحاق : ما وصلنى أحد بمثل ما وصلنى به الواثق (١) ، وبلغ من تقدير الواثق لإسحاق أنه قال : ما عنانى إسحاق قط إلا ظننت أنه قد زيد فى ملكى (٢) وكان الواثق أعلم الخلفاء بالغناء ، وصنع مائة لحن ، وهو أحذق من غنى بضرب العود (٣).

ومما لا شك فيه أن إسحاق الموصلى لم يبلغ ما بلغه من إتقان للغناء إلا بفضل دراسته لهذا الفن دراسة واعية فقد تتلمذ على أبيه ، وعلى منصور زلزل ـ المغنى المشهور ـ واتفق على تعليمه مائة ألف درهم (٤). ونبغ فى الغناء ـ كما ذكرنا ـ ، ومجالس المنادمة فكان «لا يمل جليسه مجلسه ، ولا تمج الآذان حديثه ، إن حدثك الهاك وإن ناظرك أفادك ، وإن غناك أطربك».

تتلمذ فى مدرسة إبراهيم وإسحاق الموصلى الموسيقية كثير من هواة الغناء ، نخص بالذكر منهم علويه ، كان مغنيا حاذقا صانعا متقنا ، برع فى الغناء ، وغنى للأمين ، وعرفت ألحانه بالجودة وحسن السبك (٥).

وكذلك نبغ محمد الرف ، وكان إسحاق الموصلى يرفع من قدره ويبرزه فى مجالس الخلفاء (٦).

كذلك حرص كبار رجال الدولة على عقد الغناء ، وتقريب المغنين لهم أسوة بالخلفاء ، فكان جعفر بن يحيى البرمكى ـ وزير الرشيد ـ له ظرف وأدب غناء وضرب بالطبل ، وكان يأخذ بأجزال حظ من كل فن من الأدب ، ويأمر الجوارى بالمثول بين يديه فى الغناء ، ويغنى فى مجالس لهوه وطربه (٧) ، وجعفر من ندماء

__________________

(١) المصدر السابق ج ٩ ص ٢٨٢.

(٢) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٨١.

(٣) المصدر السابق ج ٩ ص ٢٩٣.

(٤) المصدر السابق ج ٥ ص ٢٦٩.

(٥) الأصفهانى : الأغانى ج ١٤ ص ١٧٨.

(٦) ابن خرداذية : مختارات من كتاب اللهو والملاهى ص ٥٥.

(٧) الأصفهانى : الأغانى ج ٥ ص ٤٠٧.


الرشيد ، وكان أبوه ينهاه عن منادمته ، ويأمره بترك الأنس به ، لأنه كان لا يأمن أن ترجع العاقبة عليه منه (١).

بلغ الشغف بالغناء فى بغداد حدا جعل العمل به لا يقتصر على عامة الناس بل تجاوزه إلى أمراء البيت العباسى ، وكان أولهم وأتقنهم صنعة فى الغناء إبراهيم ابن المهدى ، فإنه كان لا يستتر منه ، وفى أول أمره كان يغنى من وراء ستار إلا إذا جلس مع الرشيد والأمين من بعده فى خلوه ، ولما أمنه المأمون ظهر بالغناء ، وكان من أعلم الناس بالنغم والوتر والإيقاعات وأطبعهم بالغناء وأحسنهم صوتا ، وهو من المعدودين فى طيب الصوت خاصة ، وأصبح الناس ينقسمون فى الغناء طائفتين ، فمن كان منهم على مذهب إسحاق وأصحابه يفضل الغناء القديم ويعظم الإقدام عليه (٢) ومن اعتز بمذهب إبراهيم بن المهدى مثل مخارق إنما يغنى الغناء الجديد (٣). وكان أديبا شاعرا راوية للشعر وأيام العرب فصيحا ، فكان يغنى طربا لا تكسبا ويغنى لنفسه لا للناس. وقد شغف به الناس فى بغداد حتى قال بعضهم : لم ير فى جاهلية ولا إسلام أحسن غناءا من إبراهيم بن المهدى (٤) وكان يحتفظ بدفاتر الغناء (٥) وتجلت مقدرة إبراهيم فى مجالس الخلفاء ، ففى مجلس المأمون والمعتصم يغنى المغنون ، ويغنى هو ، فإذا ابتدأ لم يبق من الغلمان وخدم القصر وأصحاب الصناعات والمهن الصغار والكبار أحد إلا ترك ما فى يده ، وقرب من أقرب موضع يمكنه أن يسمعه فلا يزال مصغيا إليه لاهيا عما كان فيه ما دام يغنى حتى إذا أمسك وتغنى غيره رجعوا إلى التشاغل بما كانوا فيه (٦).

وكان صالح بن الرشيد يحتفظ بدفاتر للغناء ، وبطرحها على جواريه وغلمانه

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٢ ه‍.

(٢) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١١١.

(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ١٧٥.

(٤) المصدر السابق ج ١١ ص ١٢٦.

(٥) المصدر السابق ج ١١ ص ١٤٠.

(٦) المصدر السابق ج ١١ ص ١٦٢.


لغناء ما يستجيده منها (١) أما أبو عيسى الرشيد فكان من أحسن الناس غناء وقيل انتهى جمال ولد الخلافة إلى أولاد الرشيد ، ومن أولاد الرشيد إلى محمد وأبى عيسى وكان أبو عيسى إذا عزم على الركوب جلس الناس له حتى يروه أكثر مما يجلسون للخلفاء (٢). وكان عبد الله بن موسى الهادى من أضرب الناس بالعود وأحسنهم غناءا (٣).

واشتهر فى الغناء بعض أميرات البيت العباسى مثل عليه بنت المهدى ، وأمها أم ولد مغنية. وكانت من أحسن الناس وأظرفهم ، تقول الشعر الجيد وتلحنه أحسن تلحين ، وبلغ من ولعها بالشعر أنها كانت تراسل من تختصه بالأشعار (٤).

كذلك ظهر مغنون من كبار البيوتات فى بغداد ، فقد كان عبد الله بن العباس ابن الفضل بن الربيع مغنيا ماهرا وماجنا يعيش عيشة لهو وخلاعة (٥).

وعلى الرغم من انتشار الغناء فى بغداد فى مجالس الخلفاء والأمراء ورجال الدولة وسائر الأهلين إلا أنه لقى معارضة من العناصر المحافظة وخصوصا أصحاب الطيالس من رجال الدين ، بل إن الخلفاء المحبين للهو ، كرهوا أن ينشأ أبناؤهم على محبته ، فالخليفة المهدى عاقب ابن جامع والحرانى ـ المغنين ـ لأنقطاعهما إلى ولى عهده الهادى ، ولما ولى هذا الخليفة استدعى إليه ابن جامع ، وضعه إلى مجلس منادمته (٦).

وظهر ندماء انقطعوا لبعض الأسر الكبيرة مثل الفضل الرقاشى الذى اقتصر على انشاد البرامكة الشعر دون غيرهم ، وكانوا يفضلونه على سائر الشعراء ، ويروون أولادهم أشعاره ، ويدونونها تعصبا له ، وحفظا لخدمته ، وتنويها بإسمه ،

__________________

(١) المصدر السابق ج ٧ ص ١٠٦.

(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٨٧.

(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٩٤.

(٤) المصدر السابق ج ١١ ص ١٦٢.

(٥) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١٩٤.

(٦) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ٢٩٢.


وتشجيعا له على الاستمرار فى نشاطه فحفظ ذلك لهم ، فلما نكبوا صار إليهم فى حبسهم ، وأقام معهم بقية أيامهم ينشدهم ويسامرهم ، ثم رثاهم فأكثر فى الإشادة بمحاسنهم وجودهم ومآثرهم ، فأذاع منها ما كان مستورا (١).

ولقد رأينا أن الجوارى فى بغداد اشتغلن بالغناء ، وبرز منهن كثيرات مثل عاتكة ، وبلغ من شهرتها وحسن غنائها أن المغنيين فى مجلس الرشيد كانوا يغنون من ألحانها ، وكانت عاتكة تتقن الضرب بالعود ، ومن أحسن المغنيات غناءا وأروجهم ، وكان مخارق مملوكا لعاتكة ، وهى علمته للغناء ، ودربته على استعمال العود ثم باعته ، فانتقل من رجل إلى رجل حتى صار إلى الرشيد وكان حسن الأداء طيب الصوت (٢).

وكانت متيم صفراء مولدة من مولدات البصرة ، وبها نشأت وتأدبت وغنت ، وأخذت عن إسحاق الموصلى وعن أبيه وعن المغنية المشهورة بزل ، وبلغ من شهرتها بالغناء أن الخليفة المأمون كان يبعث إليها فتجيئه وتغنيه ، فلما انتقل الخليفة المعتصم إلى سامرا أرسل إليها ، وأنزلها فى دار سميت الدمشقى ، ولكنها كانت ترفض الأبتعاد عن بغداد طويلا ، فكانت تستأذنه فى الذهاب إلى بغداد فيأذن لها ، وتقضى بمدينة السلام بعض الوقت ثم تعود إلى سامرا (٣).

من هذا نرى أن الموسيقى والغناء انتشرا فى بغداد انتشارا واسعا وأقبل كثير من الناس عليهما من طبقات مختلفة حتى أن شعر الشعراء كان إلا النزر اليسير ، داعرا ، ولم يقاس أهل بغداد من البؤس والشقاء إلا إبان الفتنة بين الأمين (٤) والمأمون.

اهتم الخلفاء العباسيون بعقد مجالس الغناء بمظاهر البذخ والروعة فيتخذ

__________________

(١) المصدر السابق ج ٦ ص ٢٤٥.

(٢) المصدر السابق ج ٦ ص ٢٦٠ ـ ٢٦٢.

(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ٧ ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٤) سيد أمير على : مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٧.


الخليفة مجلسه فى صدر الإيوان فى القصر وبين يديه الحرس فى أثواب زاهية ، ويقف حوله عن يمين ويسار كبار رجال الدولة وكثيرا ما كانت الأميرات وسيدات الطبقة الراقية فى بغداد يشتركن فى حفلات موسيقية خاصة ، وأحيانا يحضر نساء قصر الخلافة مجلس غناء الخليفة. وفى هذه الحالة يجلسن خلف الستارة (١) وكان مجلس الرشيد فى بعض الأحيان يضم ألف جارية فى أحسن زى من كل نوع من أنواع الثياب ، يتخذن الحلى والجواهر (٢).

كذلك عنى كبار رجال الدولة وسائر أفراد الشعب بعقد مجالس للطرب والغناء ، وبعض هذه المجالس

يعقد فى الحدائق والبساتين يجتمع فيها أهل الطرب ، ويقضى الناس وقتا ممتعا : بل كان الملاحون يغنون فى الزلالات ، وأعجب الرشيد بغنائهم ، وأمر الشعراء بآن يقولوا شعرا يغنيه هؤلاء الملاحون (٣) وبالجملة كانت أيام الرشيد من حسنها كأنها أعراس. وكان الأمين يعقد مجالس غنائه فى قبة اتخذ لها فراشا مبطنا بأبدع الحرير والديباج المنسوج بالذهب (٤).

قلنا إن حياة الناس فى بغداد فى الفتنة التى حدثت بين الأمين والمأمون قد عمها البؤس والشقاء حتى خربت الديار ، وعفت الآثار ، وارتفعت الأسعار ، وقاتل الأخ أخاه والإبن أباه وهدمت المنازل ، وأحرقت الديار وانتهبت الأموال ، فلما عادت السكينة ، وعم الأمن والسلام ربوع بغداد ، شعر الناس أنهم فى حاجة أن يعوضوا ما فقدوا ، فلهوا ، وأفرطوا فى اللهو والطرب (٥).

وقد لعب المال دورا كبيرا فى ازدهار الفنون فى بغداد ، فتنوعت مصادر الثروة ، والمال خير وسيلة لازدهار اللهو ويسير جنبا إلى جنب مع الترف ، فيكون

__________________

(١) الأصفهانى : الأغانى ج ٦ ص ٣١٠.

(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٦٢.

(٣) المصدر السابق ج ٤ ص ١٠٢.

(٤) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٠٩.

(٥) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٨ ه‍.


الترف حيث يكون المال وكل نابغ فى فن أو مذهب يذهب إلى بغداد لعرض شعره أو غنائه ، فقصدها أناس كثيرون من بلدان مختلفة من بلاد الفرس وبلاد الهند والروم وغيرهم. ومن هؤلاء كثيرون تبغوا فى مجالات مختلفة فى اللهو والغناء ، ووجدوا الحياة فى بغداد حقلا خصبا تبرز فيه مواهبهم ، ويقدرون فنهم أحسن تقدير ، فعرضت كل أمة فنها وأنواع حضارتها فكان فى ذلك معرض عام ، وأخذ أهل بغداد من كل لون من ألوان الفنون بحظ وافر ، وأخذت البلاد الأخرى تقتبس الفن من بغداد (١).

على أن ما تحدثنا عنه من شغف أهل بغداد باللهو والمجون لا يمنع من ابراز حقيقة ، أن هذا اللهو لم يكن إلا جانبا من حياة الناس فقط المعقدة حقيقة كثر الغناء والطرب فى بغداد لكن الناس جميعا لم يكن كلهم يحيون هذه الحياة ، ولا يغيب عن أذهاننا أن الأخبار التى أوردها صاحب كتاب الأغانى فى كتابه لا تخلو من مبالغة ظاهرة ليكسب من وراء أخباره مالا أو جاها أو تشويقا لسامعيه ،.

وكان هناك تفاوت كبير بين طبقات الناس ، لذلك انقسم السكان فى بغداد إلى فريقين ، فرقة يتمثل فيها نزعة اللهو ، وفرقة تفضل الزهد ، ويمثل الأولى أبو نواس ، والثانية أبو العتاهية ، ذلك أن قوما يئسوا من الغنى ورأو أن نفوسهم لا تطاوعهم فى القرب من ذوى الجاه ، أو حاولوا ذلك وفشلوا ، فلجأوا إلى القناعة يروضون أنفسهم عليها ، وكثيرون زهدوا تدينا (٢).

على كل حال أدى الإفراط فى اللهو إلى ظهور عناصر مفسدة للإخلاق فى بغداد ، ذلك أن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد والكرخ آذوا الناس إيذاءا شديدا ، وأظهروا الفسق وقطع الطريق ، وأخذوا النساء والغلمان علانية من الطرق فكانوا يخطفون الطفل من أبيه ولا يردوه إليه إلا إذا أدى لهم كثيرا من المال ، وكانوا يجتمعون فيأتون القرى ويرهبون أهلها ، ويأخذون ما استطاعوا من ممتلكاتهم لا سلطان يمنعهم ولا يقدر على ذلك ، لأن أمير بغداد ، كان يعتز بهم ،

__________________

(١) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ١٢٥.

(٢) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.


وكانوا بطانته ، ولا يمنعهم من فسق يرتكبونه ، وكان الناس منهم فى بلاء عظيم ، وازداد نهبهم لقرى بغداد.

ولم يستجب أمير بغداد لنداء أهلها بحمايتهم ، وظلت الفوضى سائدة ببغداد لذلك لم يكن هناك بد من أن يعتمد أهل بغداد على أنفسهم فى حماية ممتلكاتهم ونسائهم وأبنائهم : فقام صلحاء كل ربض وكل درب. وتدارسوا وسائل القضاء على المفسدين ، ونهض نفر منهم يدعو الناس إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، وتزعم هذه الحركة سهل بن سلامة الأنصارى الذى علق مصحفا فى عنقه ، واجتمع حوله الناس ، وبايعوه على ما اعتزم عليه «وطاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها يتصدى للشطار ، ويقاتل المفسدين (١).

نخرج من ذلك إلى القول بأن الحياة فى بغداد لم تكن كلها مجون ولهو كما يصور ذلك بعض الأدباء ، بل كان اللهو والطرب جانبا من جوانب الحياة الإجتماعية ، وعرف طريقه فى قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة وفى بيوت تجار الرقيق والقيان وغير ذلك «وكره فريق من أهل بغداد هذا النوع من الحياة واستنكروه ، وعكفوا على المساجد يقضون فيها أوقات فراغهم حيث يستمعون إلى الفقهاء ورجال العلم ، ويستفيدون منهم ، وفريق من الناس زهد فى الدنيا والحياة المترفه التى نعم بها الكثير من البغداديين ، ولا يغيب عن الأذهان أن طبقة رجال الدين والأدب كانت تأتى فى المحل الأول من الأهمية والإعتبار قبل طبقة المغنيين والموسيقيين ، ومن ثم نظر الناس إلى رجال الدين ونظرة الأدب تختلف كل الإختلاف عن نظرتهم إلى أهل اللهو والطرب ، بل ترى بعض الفقهاء يتجنب الحديث مع الموسقيين والمغنيين ، ويتحرج منهم ، إسحاق الموصلى يكره أن يوصف بأنه مغنى.

وبهذه المناسبة نذكر أن بعض الكتاب قد أفرط فى وصف حياة الرشيد كانت

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢٠١ ه‍.


فى معظمها لهو وطرب ، وهؤلاء الكتاب اعتمدوا فيما كتبوه على كتب الأدب التى لا تخلو من مبالغة ـ كما ـ ذكرنا ـ ذلك أن الرشيد كان يغزو سنة ويحج سنة فى الغالب ، ويقود الجيوش للقضاء على الفتن الداخلية وكان رجلا عمليا فى حياته ، وأبعد ما يكون عن الأستهتار ، بدليل أنه لم يقبل أن يبقى مسلوب السلطة ، وأمور الدولة فى أيدى البرامكة ، لذا تراه ينكل بهم ويسترد سلطانه ، ولو كان ـ كما صوره بعض الكتاب ـ لعكف على اللهو والطرق ـ تاركا أمور الدولة فى أيدى البرامكة. ولم تكن حياة اللهو والطرب سوى جانبا من حياة الرشيد ، ولم تحل بينه وبين تأدية مهماته وأعبائه.

على كل حال تطوع بعض الرجال فى بغداد للقضاء على المفاسد ، فأمروا الناس بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فسالم بن سالم البلخى لم يخش فى دعوته أحد ، حتى أنه أنكر على الرشيد وشنع عليه ، فحبسه وقيده (١) كذلك نقم أسد ابن يزيد على الأمين لعبه وتهاونه فى أمر الرعية ، وارتكابه للصيد وغيره فى هذا الوقت (٢).

* * *

وينبغى أن نشير هنا إلى أن المنصور ـ مؤسس الدولة العباسية لم يهتم بمجالس اللهو والطرب لأن شغله الشاغل انحصر فى توطيد الأمن والنظام فى ربوع دولته ، فكان فى أول النهار يتصدى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والولايات والعزل والنظر فى مصالح العامه ، فإذا صلى الظهر دخل منزله واستراح إلى العصر ، فإذا صلاه جلس لأهل بيته ، ونظر فى مصالحهم الخاصة ، فإذا صلى العشاء نظر فى الكتب والرسائل الواردة من الآفاق ، وجلس عنده من يسامره إلى ثلث الليل ، ثم يقوم إلى أهله فينام فى فراشه إلى الثلث الأخير ، ليقوم فى

__________________

(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ١٥٦.

(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢٣٥.


وضوئه وصلاته حتى يتفجر الصباح ثم يخرج فيصلى بالناس ، ثم يدخل فيجلس فى إيوانه (١).

أما الرشيد فقد اجتمع له من الجد والهزل ما لم يجتمع لغيره من بعده ، كان أبو يوسف قاضيه ، والبرامكة وزراءه ، وحاجبه الفضل بن الربيع من أنبه الناس وأشدهم تعاظما ، وشاعره مروان بن أبى حفصة ، ونديمه عمر بن العباس ، ومغنيه إبراهيم الموصلى ، ومضحكه ابن أبى مريم ، وزامره برصوما ، وزوجته أم جعفر ـ زبيده ـ وكانت أرغب الناس فى كل خير وأسرعهم إلى كل بر ومعروف (٢).

أما الأمين فكان ينفق على مجالسه أموالا جزيله ، وتفرش بأنواع الحرير ، والآنية من ذهب وفضة ، كان كثير الأدب فضيحا يقول الشعر ، ويعطى عليه الجوائز الكثيره ، وكان شاعره أبو نواس ، وقد قال فيه مدائح حسانا ، وقد وجده مسجونا فى حبس الرشيد ، فأطلقه ، وأطلق له مالا ، وجعله من ندمائه (٣).

كان الناس يقضون أوقات فراغهم فى بغداد فى الاستماع إلى الحكايات القصيره ، والنوادر الهزلية والأحاديث التى تتجلى فيها اللباقة والذكاء وذلك فى المجالس الخاصة ، أما المجالس العامه فكان يجتمع فيها كثير من الناس يستمعون إلى القصاص يروى لهم الحكايات الطوال (٤).

ومن أحسن من حدث الرشيد ، ابن عطاء الليث ، صاحب أخبار وأسمار فضلا عن علمه بالأنساب ، وكان من أظرف الناس وأحلاهم (٥).

ومن جلساء الرشيد ابن أبى مريم وكان مضحكا محدثا فكيها ، حتى أن الرشيد

__________________

(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ٣٢٥.

(٢) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢١٧.

(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ٢٤٢.

(٤) متز : الحضارة الإسلامية ج ٢ ص ٢٤٦.

(٥) الجاحظ : البيان والتبيين ج ١ ص ٣٤٤.


فضل أن يقضى معه الكثير من الأوقات للاستمتاع بحديثه ، لأنه جمع المعرفة بأخبار أهل الحجاز وألقاب الأشراف وأحوال المجان ، وبلغ من إعجاب الرشيد به أن أنزله فى بعض غرف قصره (١).

ومن أبرز ندماء الرشيد الأصمعى وهو من أعلم الناس بالنوادر والأخبار وأيام الناس ، مشهور له بصدق الرواية ، أقام فى حياته فى الباديه أياما طوالا ، يستطلع فيها عادات العرب ويستكشف أخبارهم ، ويستنطق آثارهم ، وكان يسوق أخباره فى كلام رشيق بليغ حتى فاق غيره فى النوادر (٢) أما أبو نواس فكان من محدثى الرشيد ومسامريه ، له كلام طريف فى المجون والخلاعة ، وحوادث تدل على خفة روحه (٣).

وكان أبو دلامه صاحب نوادر وحكايات وأدب ونظم ، وهو من أصل حبشى ، نبغ فى أيام بنى العباس ، وانقطع إلى المنصور والمهدى وغيرهما وكانوا يقدمونه ويفضلونه ، ويستطيبون نوادره ، وكان يضحك المنصور وينشده الأشعار ويمدحه ، ومما يجدر ذكره أن المهدى خرج وعلى بن سليمان للصيد ، ومعهما أبو دلامه فرأى المهدى ظبيا فأصابه ، ورمى على بن سليمان ظبيا فأخطاه ، وأصاب كلبا ، فقال أبو دلامه شعرا :

قد رمى المهدى ظبيا

شك بالسهم فؤاده

وعلى بن سليمان

رمى كلبا فصاده

فهنيئا لكما كل أمرئ

يأكل زاده. (٤)

فأمر له المهدى بثلاثين ألف درهم ، وتوفى أبو دلامه سنة ١٦١ ه‍ (٥) ومن

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٢ ه‍.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٣١٤.

(٣) المصدر السابق ج ١ ص ٣٧٣.

(٤) مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٥.

(٥) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٢٤٣.


وسائل التسلية فى بغداد لعب الشطرنج. وقد أدخلها الرشيد وانتشرت هذه التسلية بين أهل بغداد ، وكان يلعبون بها على رقعة مربعة حمراء من أدم ، والرشيد أول خليفة لعب بالصولجان فى الميدان ، ورمى بالنشاب ، ولعب بالاكرة والطبطاب وقرب إليه الحذاق فى ذلك ، وقرب إليه هواة الشطرنج والنرد وأجرى عليهم الرزق ، فسمى الناس أيامه لنضارتها وكثرة خيرها خصبها أيام العروس (١).

ويذكر المسعودى (٢) أن الخليفة المأمون كان من هواة لعب الشطرنج وقد وجه اللوم إلى الذين يلعبون معه ، لأنهم كانوا يتوقرون بين يديه ، وقال لهم : إن الشطرنج لا يلعب مع الهيبة.

كذلك انتشر لعب النرد فى بغداد ، ويلعب على رقعة بها أثنى عشر أو أربعة وعشرون منزلا بثلاثين حجر أو فصين. وشبه بعض الحكماء رقعة النرد بالأرض الممهدة لساكنها ، ومنازل الرقعة وهى أربعة وعشرون بساعات الليل والنهار ، وحجارتها وهى ثلاثون بعدد أيام الشهر ، واختلاف ألوانها باختلاف بياض النهار وسواد الليل (٣).

كان سباق الليل من أجمل أنواع التسلية عند الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة فى بغداد فى العصر العباسى الأول. وبلغ من شغفهم به وتقديرهم له أن للسابق كان يأخذ حصان المسبوق ، واشترط الفقهاء فى هذه الرياضة التى أباحوها ألا تلعب طلبا للمال. وتنافس هواة سباق الخيل بتربية خيل السباحة. وجدير بالذكر أن الرشيد كان يسابق بالخيل فجاءه فرس يقال له المشمر سابقا ، والرشيد أعجبه ذلك الفرس ، فأمر الشعراء أن يقولوا فيه شعرا ، فقال أبو العتاهية (٤) : جاء المشمر والأفراس يقدمها ـ هونا على رسله منها وما انبهرا.

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٥.

(٢) مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٦.

(٣) متز : الحضارة الإسلامية ج ٢ ص ٢٥٣.

(٤) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ٣١٢.


ومن وسائل التسلية للصيد. وكان الخليفة المهدى شغوفا بالصيد ومطاردة الظباء ، وكان يقوم برحلات منظمة لهذا الغرض ، يصحبه فرسان يتقلدون السيوف ، ويتبعهم طائفة الجند والغلمان ويسير الخليفة محاذيا لنهر دجلة ارتيادا للخضرة التى تجنح إليها الطيور ، وتجذب إليها الغزلان ، وقد عنى غيره من الخلفاء والأمراء بالصيد حتى أنهم أخذوا يصنعون نصال سهامهم من الذهب كما عنوا باستخدام الصقر وغيره فى الصيد ، وحرصوا كذلك على تربية الكلاب السريعة العدو (١) وكان الأمين يصارع الأسود ويخرج إلى الصيد ومعه أصحاب اللبابيد والحراب على البغال ، وهم الذين كانوا يصطادون السباع.

ووجد المتمسكون بتعاليم الدين والمعادين لمجالس اللهو والطرب فى الإمام أحمد بن حنبل ضالتهم المنشودة ، فالتفوا حوله واعتنقوا مذهبه ، ومن هنا ظهرت فى بغداد طائفة الحنابله التى اشتدت وطاتها على الناس ، فكروا آلات الموسيقى ، وضيقوا الخناق على أهل الطرب واللهوا والعابثين والخارجين على الدين وتجولوا فى شوارع بغداد يأمرون الناس بالمعروف وينهون عن المنكر.

(ح) المرأة فى بغداد وأثرها فى المجتمع

شاع الحجاب بين نساء بغداد الحرائر ومع ذلك لم ينعزلن عن الحياة العامة ، بل شاركن فى أمورها بنصيب كبير. على أن الجوارى كان لهن نشاط ملموس فى الحياة الإجتماعية أكثر من الحرائر ، ذلك أن الناس حرصوا على حجاب الحرائر ، أما الجوارى فكان الحجاب لا يفرض عليهن ما لم يتجبن ، وقد يتزوج الرجل والمرأة الحرة دون أن يراها ، وإذا أراد الرجل أن يستمع إلى الغناء أو يلهو يذهب إلى بيوت تجار الرقيق حيث القيان يقيمن بالغناء له دون حرج.

لذلك كان من الطبيعى أن يلقن الأدباء والشعراء أدبهن وشعرهم للجوارى دون الحرائر. فلا عزو أن يحرص الرجال على تعليم الجوارى أكثر من حرصهم على تعليم الحرائر (٢).

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٦.

(٢) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ١ ص ٩٨.


وأدى اهتمام رجال بغداد بالجوارى إلى ظهور تنافس بين الحرائر والجوارى ، فكانت أم موسى الحميرية ـ زوجة المنصور ـ اشترطت عليه ألا يتخذ سرية ، وكتبت عليه بذلك كتابا أكدت عليه فيه رغبتها هذه ، وأشهدت عليه الشهود والثقات المعتدلين.

على أن الحجاب الذى فرض على المرأة الحرة فى بغداد لم يمنعها من ممارسة النشاط فى الحياة العامة ، فكانت ابنة الخليفة المهدى تسير راكبة بين يديه على هيئة الجند (١).

ومن أبرز سيدات بغداد فى العصر الذى نكتب عنه الخيزران زوجة الخليفة المهدى وأم الهادى والرشيد ، فقد أتيحت لها الفرصة لإظهار موهبها وفرض إرادتها (١).

زاد نفوذ الخيزران فى بغداد ، وتدخلت فى أمور الدولة السياسية وشؤون الحكم ، وحرص المهدى على رفع مستواها الاجتماعى ، فأمرها بأن تلزم زينب بنت سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ، لتقتبس من آدابها ، وتأخذ من أخلاقها فهى على حد قول المهدى «عجوز لنا قد أدركت أوائلنا» (٢) والواقع أنها كانت جليلة القدر مثقفة واسعة الإطلاع.

وكان الهادى كثير الطاعة لأمه الخيزران مجيب لها فيما تسأل عن حوائج الناس ، ومواكب ذوى الحاجات لا تخلو من بابها. على أن تدخلها فى شؤون الدولة واستبدادها بالأمر والنهى ـ كما كان حالها أيام المهدى أغضب الهادى ، فنهاها بقوله : «إنه ليس من قدر النساء الاعتراض فى أمر الملك» وأمرها بألا تستمع لذوى الحاجات ، وألا تأذن لأحد برفع مطلبه إليها ، ونصحها بالتفرغ. للصلاة والتسبيح (٣).

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٦٩ ه‍.

John Glubb : The Empire of the Arabs. p. ٥٦٢.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٤٨.

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك ، حوادث سنة ١٧٠ ه‍.


على أن الخيزران لم تستجب لمطلب ابنها الهادى ، فاستمرت فى مزاولة نشاطها فى الحياة العامة ، فلما اعتزم الهادى خلع أخيه هارون من ولاية العهد ومبايعة أبنه بدلا منه ، تصدت له الخيزران ، وانضم إليها يحيى بن خالد بن برمك فى دحض محاولة الهادى (١).

ظل نفوذ الخيزران فى عهد الرشيد على ما كان عليه فى عهد أخيه الهادى وأبيه المهدى. فكان يحيى بن خالد بن برمك ـ وزير الرشيد ـ ويأخذ برأيها وتوفيت فى عهد الرشيد ، وقدرت ثروتها يوم وفاتها بمائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم ، ووجد فى منزلها من ثياب الوشى ١٨ ألف (٢).

ومن ذلك نرى أن الخليفة المهدى قد أتاح للمرأة فرصة إظهار مواهبها ، ولم يعزلها عن الحياة العامة ، ولا أدل على ذلك من أن أبنته عليه ذاعت شهرتها على اعتبار أنها من أرباب الفنون الرفيعة ، وزاد فى شهرتها ولعها بالشعر والغناء والأدب ، وبلغت فى الغناء درجة كبيرة من الاتقان ، بل وضعت ألحانا قيمه ، وكانت واسعة الاطلاع ، ومن أحسن النساء وأظرفهن ومما شجعها على الغناء إقبال أخيها إبراهيم بن المهدى وأخته وتوفيت سنة ٢١٠ ه‍. وبلغ من تفوقها الأدبى أنها كانت تراسل بالشعر (٣). واشتغال هذه السيدة بالغناء دليل على أن المرأة كانت تتاح لها الفرصة لإبراز مواهبها الأدبية والفنية.

ومن أشهر نساء بغداد فى العصر العباسى الأول السيدة زبيده أم جعفر ـ زوجة الرشيد ـ ساهمت مع زوجها مساهمة كبيرة فى إصلاح أحوال البلاد وتخفيف أعباء الحياة عن الأهلين ، ومن أفضالها أنها سقت أهل مكة المكرمة الماء ، بعد أن كانت القربة من الماء عندهم بدينار ، فأسالت الماء عشرة أميال من المرتفعات القريبة من مكة حتى نقلته من الحل إلى الحرام ، وكان لها بجوار الكعبة دار عرفت بأسمها ، وقامت بإصلاحات جليلة فى المدينة المنورة ، ومهدت طريق الحج

__________________

(١) الأغانى ج ٨ ص ٢٣٤.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٦٧.

(٣) الأصفهانى : الأغانى ج ١٠ ص ١٦٢.


بين بغداد ومكة ، وأقامت البرك والأبار والمنازل ، ولو لا أصلاحاتها الجليلة لتعذر المسير في هذا الطريق (١).

وعرف عنها الخير والفضل على أهل العلم والبر بالفقراء والمساكين وحرصت على تربية أولادها وجواريها تربية دينية ، فكان لها مائة جارية يحفظن القرآن ، ولكل واحدة ورد عشر القرآن ، ويسمع فى قصرها كدوى النحل من قراءة القرآن (٢).

لعبت السيده زبيده أم جعفر دورا كبيرا فى تطور الحياة السياسية فى بغداد فيذكر المسعودى (٣) أنها ما زالت بالرشيد حتى أقنعته بأخذ البيعة لابنها الأمين قبل المأمون على الرغم من أن المأمون أكبر سنا من الأمين ، فوافق الرشيد وهو يعلم أن المأمون أكثر كفاءة من المأمون ، بدليل أن الرشيد قال لها : ليس أبنك أهلا للخلافة ولا يصلح للرعايا (٤).

ولما ولى الأمين الخلافة ، ونشبت الفتنة بينه وبين أخيه المأمون شجعت السيدة زبيده أم جعفر قواد بغداد على الدفاع عن الحاضرة الإسلامية الكبرى ، وقهر المأمون ، فدفعت إلى على بن عيسى بن ماهان ـ قائد جيش الأمين ـ يقيد ، وطلبت منه أن يقيد المأمون به ، ولكن لا يعنف عليه فى السير حتى ولو أساء إليه (٥).

وكانت تحيا حياة مترفه فى قصرها المنيف ، وتمتلك ثروة ضخمة ، وهى أول من اتخذ الآله من الذهب والفضه المكللة بالجوهر وصنعت لها ثياب من الوشى بلغ ثمن الثوب منه خمسين ألف دينار ، واتخذت الخدم والجوارى يذهبون على الدواب في حوائجها ، وهى أول من اتخذ القباب من الفضة والأبنوس والصندل

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٦.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢ ص ٧٠.

(٣) مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٨.

(٤) ابن قتبيه : الإمامة والسياسة ج ٢ ص ٣٢٤.

(٥) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٧٨.


وأتخذت الخفاف المرصعة بالجوهر واتخذت شمع العنبر ، وتشبه الناس فى سائر أفعالهم بها (١).

ولما قتل الأمين وولى المأمون الخلافة تتضاءل نفوذ أم جعفر لأن المأمون لم يغفر موقفها منه فى ولاية العهد ، فى الفتنة التى حدثت بينه وبين أخيه الأمين ، وظلت مقيدة الحركة حتى تزوج المأمون من بوران ، وكان لا يرد لها طلبا ، فسألته العفو عن إبراهيم بن المهدى والاذن للسيدة زبيده أم جعفر بالحج. فوافق على ذلك (٢).

ولم تكن السيده بوران وحدها صاحبة النفوذ فى عهد المأمون بل كانت السيده زينب بنت سليمان بن على بن عبد الله بن العباس ـ التى سبقت الإشارة إليها ـ فتمتع بنفوذ كبير ، وكان بنو العباس يعظمونها وإليها ينسب الزبنييون ولا أدل على قوة تأثيرها من أن بنى العباس طلبوا منها أن تطلب من المأمون ترك لباس الخضرة ، والعودة إلى لبس السواد ـ شعار العباسيين ـ فقالت له : يا أمير المؤمنين ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على. قال : يا عمه إنى رأيت عليا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس ، فولى عبد الله البصره وعبيد الله اليمن. وما رأيت أحدا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم كافأوه على فعله فى ولده ، فأحببت أن أكافئه على إحسانه ، ثم سألته تغيير لباس الخضرة. فأجاب إلى ذلك ، وأمر الناس بتغييره ، والعودة إلى لباس السواد (٣).

وكانت عائشة بنت الرشيد من أفضل نساء عصرها تشجع الشعراء والأدباء ، وتجزل الصلاة لهم ، وكذلك عاليه بنت الرشيد كانت من الشعراء ومن ربات الرأى ، وعرف عنها الحزم ، لذلك كان أبوها يعتمد عليها فى مهام أموره ، ونفضى إليها بأسراره (٤).

أما العباسية بنت المهدى فكانت سيدة أدبية فاضلة. وكان الرشيد يشركها فى

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ٥٥٦.

(٢) ابن الساعى : نساء الخلفاء ص ٧٠.

(٣) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢٠٠.

(٤) عمر كحالة : أعلام النساء ج ٣ ص ١٣٣ ..


مجالسه مع وزيره جعفر بن يحيى البرمكى حينما ينظر فى الأمور الهامة لأنه ، يأنس برأيها ، ويطمئن إليها (١).

ومن أسباب غزو المعتصم لعموريه أن الإمبراطور البيزنطى تيوفيل هاجم زبطره ونهبها ، وقتل من بها من الرجال وسبى الذرية والنساء وقيل إنه كان فى جملة السبى امرأة فسمعت وهى تقول : وامعتصماه فبلغ المعتصم ما فعله إمبراطور الروم ، فكبر عليه ذلك وأنكره ، وبلغته ما قالته الهاشمية ، فقال وهو مجلسه : لبيك لبيك ، ونهض من ساعته ، وصاح فى قصره : الرحيل الرحيل ، وسار على رأس جيش كبير وهاجم عمورية ، ودمرها تدميرا (٢).

ه. الأخلاق والعادات

عرفنا أن العناصر الرئيسية فى بغداد كانت العرب والفرس والترك ويغلب على كل عنصر من هذه العناصر عادات وصفات معينة ميزتهم عن غيرهم ، فكان العرب يميلون إلى البداوة ، ويتعصبون لبنى جنسهم وهم سريع التأثر بالحضارة ، فإذا تحضروا انغمسوا فى البذخ والترف. أما الفرس فقد ورثوا مدنية قديمة.

فعملوا على نقلها ، ولهم مقدرة إدارية كبيرة ومهارة فى إدارة الشؤون الأقتصادية وتنمية موارد الثروة ، وعنوا عناية شديدة بالحياة الثقافية ، فقاموا بدور كبير فى رواج الحياة العلمية فى بغداد ، لكنهم كانوا يميلون إلى إظهار نحلهم القديمة ، والانتقام من العرب لما لحقهم منهم من سوء معاملة فى العهد الأموى ، وكانوا يميلون إلى التشيع : على أن الترك خالفوا الفرس فى الأهتمام بالحياة الثقافية بل كانوا أشبه بالبدو لأنهم لم يكونوا أهل مدينة وحضارة ، وقد أكسبتهم البداوة قوة فى البدن وخشونة فى الطبع والإعتداد بقوة الجسم وعرف الشجاعة وحب الفروسية (٣) ، ويسميهم الجاحظ أعراب العجم.

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ١٩٠.

(٢) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١٠.

John Glubb : The Empire of the Arabs. p. ٥٦٢.

(٣) محمد جمال الدين سرور ـ تاريخ الحضارة الإسلامية فى الشرق ص ١٩٢.


غلبت على أهل بغداد صفات الخلفاء ، والناس كما يقولون على دين ملوكهم ، فالمنصور أول خليفة قرب المنجمين ، وعمل بأحكام النجوم ، وقد نظر فى العلم ، وقرأ المذاهب ، وأرتاض فى الآراء ووقف على النحل ، وكتب الحديث ، فكثرت فى أيامه روايات الناس واتسعت عليهم علومهم (١) وكان المهدى سمحا كريما جوادا ، فسلك الناس فى عصره سبيله وذهبوا فى أمرهم مذهبه ، حتى كان لا يسؤل أحد فى أيامه إلا وأعطى ، أما الهادى فأول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف والقسى ، فسلك عماله طريقته ، وكثر السلاح فى عصره (٢).

وكان الرشيد مواظبا على الحج متابعا للغزو ، واتخاذ القصور وتمهيد الطرق فى طريق مكة فعم الناس إحسانه مع ما اقترن به من عدله وأقتدت به رعيته فظهر الحق وخفق الباطل (٣).

أما المأمون فكان أكثر الناس عفوا وأشدهم احتمالا وأحسنهم مقدرة ، وأجودهم بالمال الرغيب وأبذلهم بالعطايا ، واتبعه وزراؤه وأصحابه فى فعله ، وسلكوا سبيله وذهبوا مذهبه (٤) ، على أن المعتصم غلب عليه حب الفرسية والتشبه بالملوك الأعاجم فى ملبسه ومظهره ، فاقتدى بفعله الناس ، وعم الناس أفضاله ، وأمنت السبل فى أيامه ، وشمل الناس إحسانه (٥).

ظهرت نزعة فى بغداد تدعوا إلى الزهد ، وذلك أن بعض الناس بئسوا من الثراء وعفت نفوسهم عن التزلف والتقرب للأغنياء ، أو لم تمكنهم ظروفهم من ذلك ، وقوم خلصت نواياهم نحو الله واتجهوا إليه بكل ما استطاعوا ، وصفت نفوسهم ، ورأوا أن النفس إذا نالت ما أرادت انقادت إلى المعاصى ففضلوا التغلب

__________________

(١) المسعودى ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.

(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ٥٥٥.

(٣) المسعودى ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٥.

(٤) المصدر السابق ج ٥٥٦.

(٥) المصدر السابق ص ٥٥٧.


عليها ، وقوم لجأوا إلى الزهد بعد أن فشلوا فى الحصول على المال والحياة وكثيرا زهدوا تقربا إلى الله لأن الزهد يعصمهم من الوقوع فى المعاصى حتى قال محمد بن واسع : يعجبنى أن يصبح الرجل ، وليس له عشاء وهو مع ذلك راض عن الله ، صرفوا نفوسهم عن الشهوات وأكثروا من ذكر الموت والحياة الأخرة.

وتعففوا عن محاولة طلب من ذويه ، وقنعوا بالقليل (١) ، وكان الشاعر أبو العتاهية يمثل طلب المال الزهد فى بغداد ، وظهر ذلك جليا فى أشعاره ، كقوله :

لا تأمن الموت فى طرف ولا نفس

إذا تسترت بالأبواب والحرس

وعم بأن سهام الموت قاصدة

لكل مدرع منا ومترس (٢)

نرجو النجاة ولم تسلك طريقتها

إن السفينة لا تجرى على اليبس

ودخل بعض الزهاد على المنصور فقال : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها «فاشتر نفسك ببعضها ، وأذكر ليلة تبيت فى القبر لم تبت قبلها ليلة. فأفحم المنصور قوله وأمر له بمال ، فرفض الزاهد صلة الخليفة ، وقال زاهد آخر للمنصور : إن هذا الأمر كان لمن قبلك ثم صار إليك ثم هو صائر لمن بعدك ، واذكر ليلة تسفر عن يوم القيامة.

وكان صالح بن بشير المرى أحد العباد الزهاد جلس إلى المهدى فوعظه حتى أبكاه ، ثم قال له : إعلم أن رسول الله خصم من خالفه فى أمته ومن كان محمد خصمه فالله خصمه ، فأعد لمخاصمة الله ومخاصمة رسول حججا تضمن لك النجاة ، وإلا فاستسلم للمهلكة ، وأعلم أن الله قاهر فوق عباده ، وأن أثبت الناس قدما ، آخذهم بكتاب الله وسنة رسوله (٣).

والإمام أحمد بن حنبل خير من مثل نزعة الزهد فى بغداد فكانت غلته من ملك له فى كل شهر سبعة عشر درهما ينفقها على عياله ، ويقنع بذلك صابرا

__________________

(١) الأصفهانى : كتاب الأغانى ج ٤ ص ١٠٦.

(٢) ابن كثير ـ البداية والنهاية ج ١٠ ص ١٢٤.

(٣) المصدر السابق ج ١٠ ص ١٧١.


محتسبا ، ولم يزل كذلك حتى ولى المتوكل الخلافة ، فأرسل إليه عشرة آلاف درهم نفقة له ، ففرقها الإمام أحمد على المحتاجين من أهل الحديث ، وغيرهم من أهل بغداد والبصرة ، حتى لم يبق منها درهما (١).

وروى عن الرشيد أنه طلب من الزاهد ابن السماك أن يعظه ، فقال له : أعلم أنك واقف بين يدى الله ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالثة لهما جنة أو نار ، فبكى الرشيد حتى اخضلت لحيته (٢).

وقالوا عن الزاهد من لم يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره (٣).

وقال بعض الزهاد : يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ، وإذا ما رأيت الناس فى الخير فنافسهم فيه ، وإذا رأيتهم فى الشر فابتعد عنهم (٤).

ولم يقتصر الزهد علي أفراد الشعب بل تعداه إلى بعض أمراء البيت العباسى ، فكان أحمد بن هارون الرشيد أميرا صالحا ، ترك الدنيا فى حياة أبيه مع القدرة ، ولم يتعلق بشئ من أمورها ، وأبوه خليفة الدنيا وآثر الأنقطاع والعزلة بل كان يتكسب من عمل يده بعمل يؤديه يوم السبت من كل أسبوع ، وينفق ما اكتسب فى احتياجاته بقية الأسبوع ، ويتفرع للاشتغال بالعبادة وتوفى سنة ١٨٤ ه‍ (٥).

وفى مقابل نزعة الزهد ظهرت نزعة أخرى فى بغداد تدعو إلى اللهو والمجون ، انغمس فيها المترفون من أهل بغداد ، وكان يمثل هذه النزعة بشار وأبو نواس. على أن الفترة التى قام فيها الأمين لم ينعم الناس فيها بالحياة الآمنة بسبب الفتنة وحصار بغداد وأعمال التخريب والتدمير التى نجمت عن ذلك ، لذا حاول أهل المجون تعويض ما أصاب الحياة من بؤس وشقاء بعد تولية المأمون الخلافة ، واستقرار الدولة.

__________________

(١) المصدر السابق ج ١٠ ص ٣٣٨.

(٢) الطبرى. تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٩٣ ه‍.

(٣) الجاحظ. البيان والتبيين ج ٣ ص ١٥٤.

(٤) المصدر السابق ج ٣ ص ١٣٢.

(٥) ابن كثير. البداية والنهاية ج ١ ص ١٨٤.


كان التنجيم شائعا فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، حتى أن الخليفة المنصور استشار المنجمين بشأن مشروعه فى تأسيس مدينة بغداد ، فبشروه بعمرانها وطول بقائها ، وكان أول خليفة قرب المنجمين وعمل بأحكام النجوم (١).

وبلغ من اعتقاد الخليفة المنصور بالتنجيم أن توبخت ـ منجم المنصور ـ بشر المنصور أثناء الحرب بينه وبين إبراهيم بن الحسن العلوى. بأن إبراهيم يقتل ، وتصادف وقوع هذا الحدث ، فأقطع المنصور منجمه ألفى جريب ، ويذكر صاحب كتاب البداية والنهاية أن هذا المنجم إن كان قد أصاب فى قضية واحدة فقط أخطأ فى أشياء كثيرة. وقد كان المنصور فى ضلال مع منجمه هذا ، وقد ورث الملوك اعتقاد أقوال المنجمين ، وذلك ضلال لا يجوز (٢).

وكان يحيى بن خالد البرمكى من أعلم الناس بالنجوم (٣) ، ولما خص الفضل ابن سهل بالمأمون ، وتبين نجابته ودلته النجوم ـ طبقا لما ذكره الجهشيارى (٤) ـ على أنه يلى الخلافة استوزر الفضل بن سهل ، وفوضه أمور دولته حتى غلب عليه (٥).

وكانت احتفالات الزواج فى بغداد تتم فى شئ كثير من الأبهة والعظمة فحينما تزوج الرشيد من السيدة زبيدة أعد لها صناديق الجوهر والحلى والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة ، وأعطاها ثوبا منقطع النظير فى الفخامة ، وفى صدرها وظهرها قصان ياقوت أحمر وباقيها من الدر الكبار الذى ليس مثله (٦) ، ودخل الرشيد بها فى قصره المعروف بالخلد سنة ١٦٥ ه‍ ، وأتاه الناس من الآفاق لتهنئته ، وفرق فيهم من الأموال شيئا عظيما ، فكانت الدنانير تحمل فى كؤوس فضة والدراهم فى كؤوس ذهب ، والمسلك والعنبر فى أوعية

__________________

(١) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.

(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٤٩.

(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٩٤.

(٤) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ٢٤٩.

(٥) الوزراء والكتاب ص ٢٧٩.

(٦) المصدر السابق ص ٢٨٠.


زجاج. ويفرق ذلك على الناس ، ويخلع عليهم خلع الوشى المنسوجة ، وأوقد بين يديه فى تلك الليلة شمع العنبر ، وأحضر نساء بنى هاشم ، فكان يؤدى إلى كل واحدة منهن كيس فيه دنانير وكيس فيه دراهم وصينية كبيرة فضة فيها طيب ، ويخلع عليها خلع وشى ، وبلغت النفقة فى هذا العرس خمسين ألف ألف درهم (١).

ولما دخل المأمون ببوران أمهرها بمائة ألف دينار وخمسة آلاف ألف درهم ، وفى احتفال العرس نثرت عليها جدتها ألف درة فى صينية ذهب ، فأمر المأمون أن تجمع ، فجمعها فى الطبق ، ووضعها فى حجر بوران ولبى جميع طلباتها ، وألبستها السيدة زبيدة قميصا مرصعا باللؤلؤ (٢) ، وأوقد فى تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون فى إناء ذهب ، وأقام المأمون عند الحسن بن سهل سبعة عشر يوما يعد الحسن له فى كل يوم ولخاصته ما يحتاجون إليه ، وخلع الحسن على القواد على مراتبهم ، ووصلهم وكانت النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم وأمر المأمون بعد انصرافه أن يدفع للحسن عشرة ألاف دينار من مال فارس ، وأقطعه الصلح ، ففرق الحسن الأموال على قواده وأصحابه وخدمه وحشمه ، ولما انحدر المأمون ناحية واسط فرش له حصير من ذهب ، ونثر عليه جوهر كثير ، فجعل بياض الدريشرق على صفوة الذهب ، ولم يسسمه أحد ، فوجه الحسن إلى المأمون هذا النثار. فدعا المأمون من حوله من بنات الخلفاء إلى أخذ هذا النثار ، فأخذت كل واحدة منهن درة ، وبقى من بقى من الدر على الحصير الذهب (٣). ونثر الحسن فى ذلك من الأموال ـ كما يقول المسعودى (٤) ـ ما لم ينثره ولم يفعله ملك قط فى جاهلية ولا إسلام. وذلك أنه نثر على الهاشميين والقواد والكتاب والوجوه بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع وأسماء جوار ، فكانت البندقة إذا

__________________

(١) الشايستى : الديارات ص ١٠٠.

(٢) ابن طيفور : مناقب بغداد ص ١٠٢.

(٣) ابن الساعى : لسان الخلفاء ص ٦٧ ـ ، ٧٠

(٤) مروج الذهب : ج ٢ ص ٢٤٤ ـ ، ٢٤٥


وقعت فى يد الرجل فتحها فقر أما فيها فيجد على قدر إقباله وسعوده فيها ، فيمضى إلى الوكيل الذى نصب لذلك ، فيقال له ضيعة يقال لها فلانة فى ناحية كذا وجارية يقالها فلانة ، ودابة صفتها كذا ، ثم نثر بعد ذفك على الناس الدنانير والدراهم وبعض العنبر. وعاد المأمون إلى بغداد وأقام مع زوجته فى القصر الحسنى الذى كان لأبيها (١).

* * *

كان لباس العباسيين منذ قيام دولتهم اللون الأسود ، فلما ولى المأمون الخلافة. أمر الناس بلبس اللون الأخضر ولم يكن أحد يدخل عليه إلا فى الخضرة ، علي أن بنى هاشم عارضوا هذا العمل ، وقالوا له : يا أمير المؤمنين : تركت لباس أهل بيتك ودولتهم. ولبست الخضرة ، وتكلم فى ذلك نواد أهل خراسان والناس جميعا. فاستجاب المأمون لهذه النداءات ، ودعا بخلعة سوداء ولبسها ، وكساها لطاهر بن الحسين ، وخلع على عدد من قواده أقبية وقلانس سوداء ، فلما خرجوا من عنده مرتدين السواد ، طرح سائر القواد الخضرة ولبسوا السواد (٢).

كان المنصور يأمر أهل بيته بحسن الهيئة وإظهار النعمة وبلزوم الوشى والطيب ، فإن رأى أحدا لا يلتزم بذلك عاتبه ، وكان يشدد عليهم بضرورة الإكثار من الطيب (٣) وشابه المهدى أباه فى الحرص على حسن مظهر رجاله حتى أن سلم كان يأتى بابه على برذون قيمته عشرة آلاف درهم والسرج واللجام المزينين وعليه لباس الخز والوشى ورائحة المسك العالية والطيب تفوح منه ، ويجئ مروان بن أبى حفصة ـ من رواد المهدى ـ إليه وعليه فروكبش وقميص صوف وعمامة صوف وكساء غليظ (٤).

__________________

(١) ابن طيفور : مناقب بغداد ص ، ١٠٢

(٢) المصدر السابق ص ، ١٠

(٣) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ١٥٨ ه‍.

(٤) الأصفهانى ـ كتاب الأغانى ج ١٠ ص ، ٧٠


ودخل العمانى الراجز على الرشيد لينشده شعرا وعليه قلنسوة طويله ولباس بسيط ، فقال الرشيد : إياك أن تشدنى إلا وعليك عمامة عظيمة الكور ، ويخفان مستديران أملسان (١).

وفى سنة ١٤٩ ه‍ أخذ المنصور الناس بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول كما أدخل الملابس المحلاة بالذهب ، وغدا خلعها على الناس من حق الخليفة ، وكان اللباس العادى للطبقة الراقية يشتمل على سروال فضفاض وقميص ودراعة وستر وقفصان وقباء وقلنسوة ، أما لباس العامة فيشمل على إزار وقميص ودراعة وستر طويلة وحزام وكان لباس الخليفة العباسى فى المواكب القباء الأسود أو البنفسجى الذى يصل إلى الركبة ، ومفتوح عند الرقبة بحيث يظهر القفصان زاهيا من تحته ، وأكمامه ضيقة حتى عهد المعتصم حيث جعلها فضفاضة ويتمتطق الخليفة بمنطقة مرصعة بالجواهر ، ويتخذ عباءة سوداء ويلبس قلنسوة طويلة مزينة بجوهرة عالية (٢).

وكان الكتاب يلبسون الدراعات وهى ثياب مشقوفة من الصدر ، ويابس القواد الأقبية الفارسية القصيرة ، والرجال والنساء يلبسون الجوارب المصنوعة من الحريرى أو الصوف أو الجلد ، وكان ثمة فروق ملحوظة فى ملابس أصحاب المهن المختلفة ، فالعمائم التى حرصوا على اتخاذها اختلفت تبعا للسن والمراكز الاجتماعى والعلمى ، وقد حافظ العرب على لبس العمائم ، وكانوا يقولون : ما زالت العرب عربا ما لست العمائم وتقلدت السيوف (٣). ويقول الجاحظ (٤) : وللخلفاء عمه والفقهاء وللأبناء عمه وللنصارى عمه ولأهل التشاجى عمه وللصوص عمه ...

__________________

(١) الجاحظ ـ البيان والتبيين ج ١ ص ، ٩٥

(٢) سيد أمير على ـ مختصر تاريخ العرب ص ٣٨٨ ـ ، ٣٨٩

(٣) الجاحظ ـ البيان والتبيين ح ٣ ص ، ٦٠

(٤) البيان والتبيين ح ٣ ص ، ٦١


اتخذت الخلفاء ومن يلوذ بهم وكبار رجال الدولة فى بغداد على ملابسهم ، ويشمل اسم الخليفة ، وبقصر الخلافة يقوم دار الطراز بهذه المهمة (١) ..

وكان لباس المرأة يتكون من ملاءة فضفاضة وقميص مشقوف عند الرقبة عليه رداء قصير ضيق يلبس عادة فى الشتاء ، واتخذت سيدات الطبقة الراقية غطاء الرأس مرصعا بالجواهر محلى بسلسلة ذهبية مطعمة بالأحجار الكريمة (٢) وكان السيدة زبيدة لها تأثير كبير فى تطور الزى وإدخال تيسيرات على ملابس السيدات فى عصرها ، فيعزى إليها اتخاذ المناطق والنعال المرصعة بالجواهر ، ولقد اتخذت ثوبا من الوشى الرفيع يزيد ثمنه على خمسين ألف دينار (٣).

كما أن سيدات الطبقة المتوسطة لم يجهلن فن التجميل ، فكن يتخذن اللؤلؤ والزمرد على عصائبهن ، ويلبسن الخلاخل فى أرجلهن (٤).

وجدير بالذكر أن الناس فى بغداد كانوا يلبسوا الملابس البيضاء عند العزاء.

حرص الخلفاء على تعليم أبنائهم مكارم الأخلاق ، ويتضح ذلك مما ذكره الرشيد لمؤدب ولده ، إذ يقول : امنعه الضحك إلا فى أوقاته ، وخذه بتعظيم مشايخ بنى هاشم إذا دخلو إليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تقيده إياها من غير أن تخزق به فتميت ذهنه ، ولا تمعن فى مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة (٤).

وقد قال المنصور لابنه المهدى : إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هودونه ..

استدم النعمة بالشكر ، والقدرة بالعفو ، والطاعة بالتأليف ، والنصر بالتواضع والرحمة للناس ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ونصيبك من رحمة الله.

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٢١٠ ـ ، ٢١١

(٢) سيد أمير على ـ مختصر تاريخ العرب ص ، ٣٩٠

(٣) المدور ـ حضارة الإسلام فى دار السلام ص ، ٥٥

(٤) المسعودى ـ مروج الذهب ، ٢٧٨

(٤) المسعودى ـ مروج الذهب ، ٢٧٨



النهضة الثقافية فى بغداد

١ ـ عوامل النهضة الثقافية.

٢ ـ العلوم النقلية.

٣ ـ حركة الترجمة وأثرها فى ازدهار الحياة الثقافية.

٤ ـ العلوم العقلية.



ثم يضيف لنا مؤرخنا الفاضل الدكتور عصام عبد الرءوف فى كتابه الحواضر الإسلامية عن :

النهضة الثقافية

عوامل النهضة الثقافية فى بغداد فى العصر العباسى :

ازدهرت الحياة الثقافية فى بغداد فى العصر العباسى الأول نتيجة لعوامل متعددة منها أن نظرة الخلفاء العباسيين إلى الموالى الفرس كانت تختلف كل الأختلاف عن نظرة الأمويين لهم ، فقد حقق العباسيون لهم مطالبهم التى نادوا بها ، وأقبلوا على بغداد فور تأسيسها وأقاموا واستقروا بها ، ومما لا شك فيه أن الفرس كانوا قد بلغوا درجة كبيرة من التقدم فى مضمار الحياة الثقافية ، ودفعهم اعتناق الإسلام والاندماج فى الحياة العامة فى بغداد إلى تعلم اللغة العربية ، فنقلوا خلاصة معارفهم من الفارسية إلى العربية وصنفوا مصنفات قيمة فى العلوم العربية والدينية ، أدت إلى ازدهار الحياة الثقافية.

يقول ابن خلدون (١) : أن حملة العلم فى الملة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعية ولا من العلوم العقلية إلا فى القليل النادر ، وإن كان منهم العربى فى نسبه فهو أعجمى فى لغته ونشأته وثقافته ، والسبب فى ذلك أن العرب فى بداية الإسلام كانوا أهل بداوة وسذاجة وليسوا أهل علم ، وكانت أحكام الشريعة ـ التى هى أوامر الله ونواهيه. ينقلها الناس فى صدورهم وقد عرفوا أنها مأخوذة من القرآن الكريم والسنة بما تلقوه من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبه ، والعرب لم يعرفوا أمر التدوين والتأليف ، وجرى الأمر كذلك على يد الصحابة والتابعين ويتابع ابن خلدون كلامه فيقول : لقد قام العجم بدور فعال فى ذلك ، ولم يقم بحفظ العلم

__________________

(١) المقدمة ص ٥٤٣ ـ ، ٥٤٤


وتدوينه. إلا الأعاجم (١) وقد أيد بعض الباحثين رأى ابن خلدون.

والواقع أن ابن خلدون وغيره أغفلوا دور العرب تماما فى ازدهار الحياة الثقافية مثل الأصمعى والإمام الشافعى والقاضى أبى يوسف وحنين بن إسحاق والإمام أحمد بن حنبل الفقيه والمحدث ، وأحمد بن أبى دؤاد العالم بالكلام والكندى فيلسوف العرب ـ كما أن النهضة الثقافية لم تبلغ ما بلغته من تقدم إلا بفضل تشجيع الخلفاء العباسيين ، وحتى الأعاجم الذين ساهموا فى تقدم الحركة العلمية ، كانوا عربا مربى ونشأة ، وغلبت عليهم الحياة العربية وتأثروا بها ، وكانت الثقافة العربية هى محور دراساتهم وأبحاثهم.

ومن أسباب تقدم الحياة الثقافية فى بغداد أن أهل الذمة ـ كما قلنا ـ حظوا برعاية الخلفاء العباسيين ، وقدروا ذوى المواهب منهم ، وبذلك أتيحت لهم الفرصة لإبراز مقدرتهم العلمية ، وكان لمعرفتهم باللغات الأجنبية ـ خصوصا اليونانية والسريانية سببا فى اعتماد الخلفاء العباسيين عليهم فى حركة الترجمة إلى اللغة العربية.

ظهرت الحاجة إلى الاستفادة من العلوم التى توصل اليها الناس فى العصر العباسى الأول ، فقسم العلماء المسلمون العلوم إلى نقلية تتصل بالقرآن الكريم وتشمل علوم التفسير والقراءات وعلم الحديث والفقه وعلم الكلام وعلوم اللغة العربية كالنحو والصرف والبيان والشعر ، ويطلق عليها أحيانا العلوم الشرعية والنوع الثانى والعلوم العقلية وتشمل ، الفلسفة والطب وعلوم النحو والكيمياء والتاريخ والجغرافيا والموسيقى ، ويطلق عليها أحيانا العلوم الحكمية أو علوم العجم أو العلوم القديمة.

والعلوم العقلية يهتدى اليها الإنسان بفكره ، ويهتدى بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها حتى يعرف الخطأ من الصواب ويصيب

__________________

(١) ابن كثير ـ البداية والنهاية ح ١٠ ص ، ١٢٢


الحقيقة.

أما العلوم النقلية فهى مستندة إلى الخير عن الوضع الشرعى ولا مجال فيها للعقل إلا بإلحاق الفروع من مسائلها بالأصول (١).

لذلك ظهر فى هذا العصر نوعان من العلماء ، الأول يغلب على ثقافتهم النقل والإستيعاب ، ويسمون أهل علم ، والثانى هم الذين يغلب على ثقافتهم الإبتداع والاستنباط ، ويسمون أهل حكمة ، والعرب لم يدونوا علوم الدين ، وجرى الأمر كذلك على يد الصحابة والتابعين ، فكان الذى يتحمل نقل الشريعة القراء أى قراء كتاب الله سبحانه وتعالى والسنة المأثورة ، لأنهم لم يعرفوا الأحكام الشرعية إلا منه ومن الحديث ، الذى هو فى الغالب تفسير وشرح له ، ثم احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتدوين الحديث مخافة ضياعه ، واحتيج إلى معرفة الأسانيد وللتأكد من صحتها ، ثم احتيج إلى استنباط الأحكام من القرآن والسنة ، يضاف إلى ذلك فساد اللسان ، فظهرت الحاجة إلى وضع القوانين النحوية ، وصارت العلوم الشريعة كلها مادة للإستنباط والإستخرج والقياس والتنطير (٢) ، ولذلك كان لا بد من تدوين العلوم الدينية والعربية وتم تدوين العلوم فى مستهل العصر العباسى فى كتب تداولها الناس.

والورق الذى استعمل فى الكتابة فى بغداد ، البردى ، وكان فى بغداد درب يسمى القراطيس ، وكان هذا الورق يجلب من مصر ، وفى بغداد كميات هائلة منه ، فيحدثنا الجهشيارى (٣) أن المنصور وقف على كثرة القراطيس فى خزانته فدعا أحد أعوانه وقال له : إنى أمرت بإخراج حاصل القراطيس فى خزائننا ، فوجدته شيئا كثيرا جدا ، فتولى بيعه ، وأن لم تعطى بكل دينار إلا دائقا ، فإن تحصيل ثمنه أصلح منه ، وكان الطومار فى ذلك الوقت بدرهم.

ولكن المنصور عاد فتدارك ما قد ينجم عن ذلك ، فدعا الرجال وقال له :

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٥٤٣ ـ ، ٥٤٤

(٢) مقدمة ابن خلدون ص ، ٤٨٤

(٣) الوزراء والكتاب ص ، ١٣٨


فكرت فى كتبنا ، وأنها قد جرت فى القراطيس ، وليس يؤمن من حادث بمصر ، فتنقطع القراطيس عنا بسببه ، فنحتاج إلى أن نكتب فيما لم تعوده عمالنا ، فدع القراطيس على حالها.

ويقول الجهشيارى ، ولهذه العلة كانت الفرس تكتب فى الجلود والرق ، ويرفضون الكتابة على الورق حتى ولى الفضل بن يحيى البرمكى الوزارة فأدخل صناعة الكاغذ ، وكتب فيه رسائل الخليفة ، وصكوكه ، واتخذه الناس فى مكاتباتهم وتصنيفاتهم وكانت سمرقند قد أشتهرت بصناعة الكاغد ، وانتقلت هذه الصناعة منها إلى بغداد ، وكانت الكتب فى بيت الحكمة من الكاغد على أن استعمال ورق البردى والورق المصنوع من الخز ظل قائما طوال العصر العباسى الأول.

ويذكر الثعالبى (١) أن كواغيد سمرقند خير أنواع الورق لأنهم أنعم وأحسن وأرفق ، وأونشى أول معمل لصناعة الورق فى بغداد ١٧٨ ه‍.

وتقدم فى بغداد فن الوراقة ، ويقصد به نسخ الكتب وتصحيحها ، وتجليدها وكل ما يتعلق بإخراج الكتاب ، وكان الوراقون يبيعون هذه الكتب فى دكاكينهم (٢) ، والمهتمون بالحياة الثقافية يترددون على هذه الدكاكين للقراءة أو لشراء ما يلزمهم من الكتب والمصنفات ، وكان ببغداد نحو مائة وراق (٣) ودكاكينهم أشبه بالمكتبات العامة فى يومنا هذا ، واهتم الخلفاء بإسناد الوراقة إلى رجال من ذوى الدراية والمعرفة فكان علان الشعوبى راوية عارف بالانساب والمناظرات ، بنسخ فى بيت الحكمة للرشيد والمأمون (٤).

ولا يغيب عن أذهاننا أن من أسباب ازدهار الحياة الثقافية فى بغداد تحسن أحوال الناس الاقتصادية ، فكان طلاب العلم يفدون إلى بغداد لطلب العلم على

__________________

(١) مراد كامل : بيت الحكمة ص ، ٨٥

(٢) مقدمة ابن خلدون ص ، ٢٤١

(٣) اليعقوبى : البلدان ص ، ١٣٥

(٤) Noldeke : Aliterary Hist of Persia ,p ١٩٢.


علمائها أو الأستفادة منهم ، ومن ينبغ منهم يصنف المصنفات فى مختلف التخصصات (١).

لم تكن فى بغداد مدارس يتلقى فيها الطلاب تعليمهم ، وإنما كانت بها كتاتيب يثقف فيها الصبيان ثقافة عامة يحفظون فيها القرآن الكريم ويتعلمون الكتابة والحساب ، ويتقاضى المعلم أجرا على عمله (٢).

والدراسة فى الكتاتيب أشبه بالدراسة فى المدارس الإبتدائية فى يومنا هذا ، أما الدراسة المتخصصة ، فكان مقرها المسجد وضمت المساجد حلقات يدرس فيها مختلف العلوم ، ويقوم بالتدريس فيها رجال العلم من المشايخ ، فهناك حلقة للفقه وحلقة التفسير ، وحلقة الحديث ، وحلقة لعلم الكلام ، وكان الطالب يتردد على الحلقة التى تتناسب مع ميوله للون معين من العلم ، وشيخ الحلقة يتقاضى أجرا نظير مهمته ، والدولة لا تتدخل فى هذه الدراسة ، واقتصر إشرافها على عدم تعارض الدراسة وما يجرى فيها من مناقشات مع تعاليم الدين أو مع سياسة الدولة العامة ، وإذا كان المعلم ميسورا فإنه يؤدى مهمته بدون أجر إبتغاء مرضاة الله ، وكان أبو حنيفة النعمان يعمل بزازا وفى نفس الوقت يقوم بالتدريس ، والطلاب الذين يترددون على هذه الحلفات لا يستمرون فيها إلا إذا تأكد الشيخ من جديته وإقباله على الدراسة ، وذلك من خلال مناقشته له ، ولقد أظهرت هذه الحلقات مواهب كبيرة ، فنبغ من حلقة الإمام أبى حنيفة القاضى أبو يوسف ، ولم يكن الطالب يتفرغ للدراسة إنما يعمل ويدرس فى نفس الوقت (٣). والشيخ يحدد المنهج الذى يدرسه لطلابه فى المسجد إلا أن هذه الدراسات كانت تدور حول علوم الدين واللغة ، وكان القراء يجلس فى المسجد ، والقارئ يقرأ وهو يفسر لطلابه (٤).

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٧٤

(٢) أنتونى ناتنج : العرب ص ، ١٧٤

(٣) Hitti : Hist.of the Arabs p.٣٦٣.

(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٥٢٥


اهتم العلماء فى مختلف أنحاء الدولة الإسلامية بالرحيل إلى المدن الكبرى للاتصال بالعلماء المشهورين للاستفادة من علمهم وفضلهم ، والسبب فى ذلك «أن الناس يأخذون معارفهم تارة علما وتعليما وإلقاء ، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة ، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها .. وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية فالرحلة لا بد منها فى طلب العلم ، واكتساب الفوائد» (١).

وكان الخلفاء يشجعون أهل الذمة المثقفين على الرحيل إلى الدولة البيزنطية لقراءة كتب الحكمة وترجمتها (٢).

أما الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة فكانوا يستعينون بمعلمين لتعليم أبنائهم فى قصورهم ، وقد حدد الرشيد لمؤدب ولده الأمين المنهج الذى يجب أن يعلمه وينشئ عليه ابنه الأمين ، فقال : أقرئه القرآن ، وعرفه الآثار ، ورواه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره مواقع الكلام وبدنه ، وامتعه من الضحك إلا فى وقته ، وخذه بتعظيم مشايخ بنى هاشم ، إذا دخلوا عليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ، ولا تمرن عليك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه ، فتميت قلبه ولا تمعن فى مسامحته فيستحلى الفراغ ، وعليك بالرفق به ، فإن لم يأت بالرفق فخذه بالغلظة (٣) وكان الفراء ـ وهو من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة وفنون الأدب ـ يؤدب ولدى المأمون ، وأجزل صلته على حسن تأديبه لهما (٤).

انتشرت المجالس العلمية فى بغداد التى تضم العلماء فى الدور والقصور والمساجد ، ويتناظرون فيها فى فروع العلم المختلفة ، وقد حرص الخلفاء على عقد

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ، ٥٤١

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ، ٣٤١

(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ، ٢٧٨

(٤) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٥٢٥


هذه المجالس ، ومما لا شك فيه أن هذه المناظرات أدت إلى رواج الحركة العلمية لأن المناظرة إذا كانت تتم أمام خليفة أو أحد كبار رجال الدولة ، فأن المشتركين فيها يحرصون على إتقان مادتها العلمية حتى يدعم رأيه بالأسانيد المعقولة والمقبولة ، ويحظى بتقدير الحاضرين ، وكان للخلافات فى الرأى التى تحدث بين رجال العلم أثر كبير فى تقدم الحركة العلمية ، ذلك أنها شجعت العلماء على مواصلة البحث والدرس ، وإعداد أنفسهم حتى لا يخذلوا فى مجلس المناظرة مما يسئ إلى سمعتهم ومكانتهم (١).

والواقع أن الخلفاء العباسيين لم يألوا جهدا فى سبيل تشجيع الحركة العلمية فكان الرشيد من أبلغ الناس كلاما ، وأحسنهم نطقا وأكثرهم علما وفهما ، كتب إلى ولاة الأمصار كلها وإلى أمراء الأجناد يطالبهم بتشجيع العلم وأهله فقال : فانظروا من التزم الأذان عندكم فاكتبوه فى ألف من العطاء ، ومن جمع القرآن وأقبل على طلب العلم ، وعمر مجلس العلم ومقاعد الأدب ، فاكتبوه فى ألف دينار من العطاء ، ومن جمع القرآن وروى الحديث ونفقه فى العلم فاكتبوه فى أربعة آلاف دينار من العطاء واسمعوا قول فضلاء عصركم وعلماء دهركم.

وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ـ وهم أهل العلم ـ وبلغ من تشجيع الرشيد للعلم والتعليم أن الغلام كان يحفظ القرآن الكريم وهو ابن ثمان سنين ويتبحر فى الفقه ويروى الحديث ، ويناظر المعلمين وهو ابن أحد عشر عاما (٢).

وكان المأمون أعلم الخلفاء بالفقه والكلام وله عدة رسائل (٣) لذلك شجع العلماء على مواصلة البحث والدرس ، وعنى بمجالس المناظرة ، فكان يدخل عليه من العلماء الفقهاء المتكلمين جماعة يختارهم لمجالسته ومحادثته وأختير له من الفقهاء لمجالسته مائة رجل ، وناظرهم وناقشهم كثيرا ، حتى وقع اختياره على أفضلهم فكانوا عشرة فقط (٤).

__________________

(١) ابن طيفور : مناقب بغداد ص ، ٣٦

John : Giubb The Empire of the Araba p. ٩١٣.

(٢) ابن قتيبة : الأمامة والسياسة ج ١ ص ، ٩٩

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٦٨

(٤) ابن طيفور : مناقب بغداد ص ، ٣٦


على أن مجالس المناظرة احتدت فيها المناقشات بين المتكلمين حول مسألة خلق القرآن ، وكان المأمون يميل إلى المعتزلة لأن آراءهم تتفق مع العقل والمنطق.

ويرتبط بظهور الحركة العلمية ونشاطها فى بغداد الحاجة إلى المحافظة على الكتب والمصنفات. ومن هنا أقيم فى بغداد بيت الحكمة ، وهى مكتبة كبيرة فيها مختلف الكتب ، وسميت خزانة الحكمة وبيت الحكمة وخزانة كتب الحكمة ـ ويحيط الغموض بتأسيس هذا البيت فلا نعرف على وجه التحديد متى تم تشييده ولا مكان موضعه ، وكل ما نعرفه أن المنصور نقل الخزائن إلى بغداد بعد تشييدها ، والكتب كانت جزءا هاما من محتويات هذه الخزائن وجمع فيها الكتب من مختلف أنحاء مملكته ، وأضاف إليها المصنفات التى صنفت فى عهده ، والتى شجع أصحابها على التأليف ، ولما ولى الرشيد أضاف إلى بيت الحكمة كثيرا من الكتب وأضاف البرامكة إلى هذه الخزائن الكثير من الكتب وخصوصا الفارسية ، وفى أواخر عهد الرشيد ضمت خزانة بيت الحكمة كثيرا من الكتب بلغت متعددة منها العربية واليونانية والفارسية والسريانية وبعض اللغات الهندية (١).

وازدهر بيت الحكمة فى عهد الخليفة المأمون لميله إلى الفلسفة والعلوم العقلية وأنفق أموالا طائلة فى نقل الكتب إلى بيت الحكمة من الدولة البيزنطية وغيرها ، وكان يعمل فى بيت الحكمة علماء تنوعت ثقافتهم ومعارفهم ، فسهل بن هارون صاحب خزانة الحكمة للمأمون كان حكيما شاعرا ، وجدير بالذكر أنه فارسى شعوبى المذهب شديد العصيبة على العرب ، ويصف الجاحظ براعته وفصاحته وله عدة كتب (٢).

وازداد عدد الكتب فى عهد الخليفة المأمون ، ولم تكن الكتب اليونانية هى التى حرص المأمون نقلها إلى بيت الحكمة ، بل نجد المأمون يطلب من يحيى بن البطريق إحضار كتب لاتينية إلى بغداد ، وقد كان يحيى يعرف اللغة اللاتينيه ، وضمت هذه الكتب إلى بيوت الحكمة وبذلك ضم بيت الحكمة كتبا فى مختلف اللغات ، ومختلف العلوم (١).

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ٣٥١

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٧٤

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ٣٥١


وكان العلماء فى الدولة الإسلامية يودعون نسخا من مؤلفاتهم فى بيت الحكمة على أن بيت الحكمة ضعف شأنه فى عهد الخلفية المعتصم ، لعدم اهتمامه بالنواحى الثقافية.

وكان يلحق ببيت الحكمة علماء لهم رواتب محددة ، وتنوعت اختصاصاتهم ، ومن بين هؤلاء العلماء علماء فلكيون ، ذلك لأن المأمون ألحق بيت الحكمة مرصدا لإصلاح آلات الرصيد ، وكانت أعمال بالضرورة من بيت الحكمة ، بل كان بعضهم من خارجه.

وصاحب بيت الحكمة يشرف على العاملين فيه ، وعليه أن يرتب الكتب وبعد فهارسها ، ويصنفها ، وضم بيت الحكمة عدة طوائف ، طائفة النساخ ، وطائفة المترجمين ، وطائفة المفسرين ، وطائفة المنجمين ، وطائفة الكتبة وطائفة المجلدين ، وكان الناسخ ينسخ ما يطلب منه نظير أجر. وعليه أن يرتب أوراق كل نسخة بعد جمعها ، وإصلاح ما قد يظهر فيها من أخطاء. (١)

وكان الخليفة يعين المترجمين فى بيت الحكمة ، ويعين لهم رئيسا يتفقد أعمالهم ويراجعها ويصححها مثل يوحنا بن ماسويه ـ كان نصرانيا سريانيا ولاه الرشيد ترجمة الكتب الطبية القديمة التى وجدها بأنقرة وعمورية وسائر بلاد الروم التى فتحها المسلمون (٢) ، وعينه أمينا على الترجمة ، ورتب له كتابا يكتبون بين يديه ، وظل يباشر مهامه حتى أيام المأمون ، وقام بالترجمة أيضا يوحنا بن البطريق ، وحنين بن إسحاق (٣).

وبذلك ساهم بيت الحكمة فى ترجمة كتب فى علوم مختلفة وبلغات متعددة إلى العربية ، وكان المترجم يملى كتابة المترجم على عدد من الكتاب أو النساخ ، حتى تتعدد نسخ الكتاب الواحد ، وتجلد هذه الكتب ، وتودع نسخ منها فى بيت الحكمة (٤) حيث تتاح الفرصة للقراء للإطلاع عليها ، والإستقادة منها.

__________________

(١) ابن خلدون : المقدمة ص ، ٤٢١

(٢) القفطى : اخبار العلماء باخبار الحكماء ص ، ٣٨٠

(٣) المصدر نفسه.

(٤) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٠


ظهر فى بغداد علماء عنوا بتأليف الكتب واقتناء النفيس منا ، فمحمد بن عمر الواقدى خلف بعد وفاته ستمائه قمطر كتبا كل قمطر منها حمل رجلين ، وكان له غلامان مملوكان يكتبان له الليل والنهار (١) وله عدة مصنفات ، ويذكر ابن خلكان (٢) أن إسحاق بن ابراهيم الموصلى كان عنده ألف جزء من لغات العرب.

كان مركز الحركة الثقافية قبل تأسيس بغداد في البصرة والكوفة ، ثم شيدت بغداد ، فغلبت على المدينتين ، ويقول اليعقوبى (٣) ليس لها نظير فى مشارق الأرض ومغاربها سعة وكبرا وعمارة وكثرة مياه ، وصحة هواء ، ولانه سكنها من أصناف الناس وأهل الأمصار والكور وانتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم ..

وهى مع هذا مدينة بنى هاشم ودار ملكه ومحل سلطانهم .. واعتدال الهواء وطيب الثرى وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها ، ونضرت وجوههم وانفتقت أذهانهم حتى فصلوا الناس فى العلم والفهم والأدب. ، فليس أعلم من عالمهم ، ولا أروى من راويتهم ، ولا أجدل من متكلمهم ولا أحذق من مفتيهم ولا أعرب من نحويهم ولا أصح من قارئهم ، ولا أمهر من متطيبهم ، ولا أكتب من كاتبهم. ولا أشعر من شاعرهم ..

العلوم النقلية :

قلنا إن العرب قسموا العلم إلى نقلية وعقلية ، والعلوم النقلية هى علوم الدين واللغة ، ولقد ازدهرت هذه العلوم فى بغداد فى العصر الذى نؤرخ له ، وعلم القراءات من بين العلوم التى عنى المسلمون به لأنه علم قراءة القرآن ، ولقد كان للقراءات سبع طرق ، كل طريقة تستند فى قراءتها إلى أحاديث ، إطمأن شيخها إلى صحتها ودعا أصحابه إلى القراءة بطريقته ومن أشهر قراء بغداد الكسائى ، وهو من القراء السبعة توفى سنة ١٧٩ ه‍ ، وكان ينتقل فى البلدان «ويقرأ بقراءة

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٤٤

(٢) وفيات الأعيان ج ١ ص ، ٩٧

(٣) البلدان ص ، ٢٣٣


حمزة ثم اختار لنفسه قراءة ، فاقرا الناس بها وذلك فى خلافة الرشيد ، وألف العلماء فى قراءته كتاب من بينها كتاب «ما خالف الكسائى فيه» لأبى جعفر بن المغيرة (١) قدم الكسائى إلى بغداد فضمه الرشيد إلى ولديه المأمون والأمين ، وللكسائى عدة كتب ، منها كتب «معانى القرآن» ، وكتاب «مختصر النحو» ، وكتاب «القراءات» ، وكتاب «النوادر الكبير» ، و «النوادر الأوسط» ، و «النوادر الأصغر» ، وكتاب «مقطوع القرآن وموصوله» (٢).

ومن أشهر القراء يحيى بن الحارث الدمارى توفى سنة ١٤٥ ه‍ روى عن جماعة من الصحابة (٣) ومن القراء المشهورين حمزة بن الزيات ، توفى فى خلافة المنصور سنة ١٥٦ ه‍ (٤).

ومن العلوم الدينية التى عنى بها الناس فى بغداد بصفة خاصة على التفسير ، ولقد اتجه المفسرون إلى اتجاهين ، يعرف أولهما باسم التفسير بالمأثور. ويعرف الثانى باسم التفسير بالرأى.

نزل القرآن الكريم بلغة العرب. وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهونه ويعلمون معانيه فى مفرداته وتراكيبه ، وكان ينزل جملا جملا ، وآيات آيات ، فكان الرسول يوضح لأصحابه سبب نزول الآيات ، ومعانيها فكان ذلك ينقل عن الصحابة ، وتداول ذلك التابعون من بعدهم ، ونقل عنهم ، ولم يزل متناقلا. حتى صارت المعارف علوما فدونت هذه الأقوال وهذا هو التفسير بالمأثور ، وكان المفسرون إذا احتاجوا إلى معرفة شئ عن بدء الخلقة والكون وأسرار الوجود يسألون عنه أهل الكتاب ، ويأخذون برواياتهم ، فامتلأت التفاسير بالأخبار التى نقلت عنهم (٥).

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ، ٤٤

(٢) المصدر السابق ص ، ٩٧

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ، ٤٣

(٤) ابن قتيبة كتاب المعارف ص ، ٢٣٠

(٥) مقدمة ابن خلدون ص ٤٣٩ ـ ، ٤٤٠


ومما لا شك فيه أن المفسرين أخطأوا لأنهم نقلوا هذه الأخبار فى كتبهم دون مناقشتها. على الرغم من أن الكثير منها لا يقبله العقل ولا المنطق.

أما طريقة أصحاب الرأى فهى الطريقة التى تعتمد على استنباط المعانى من النصوص عند التفسير ، على أن التفسير حتى فى بداية ظهوره كعلم من العلوم لم يتخذ شكلا منظما ، فقد اقتصر على تفسير بعض الآيات غير مرتبة بترتيب السور ، ثم انتظم التفسير بعد ذلك ، فقد ذكر ابن النديم أن عمر بن بكير كتب إلى القراء أن الحسن بن سهل ربما سألنى عن الشئ بعد الشئ من القرآن. فلا يحضرنى فيه جواب ، فقال القراء لأصحابه : اجتمعوا حتى أملى عليكم كتابا فى القرآن ، وجعل لهم يوما ، فلما حضروا خرج إليهم.

وكان فى المسجد رجل يؤذن ، ويقرأ بالناس فى الصلاة ، فاتفق معه القراء على أن يقرأ للقرآن مرتبا ، ويتوقف عند كل آية ، ليفسرها القراء. ولم يعمل أحد ذلك قبله ، ويتضح لنا مما تقدم أن القراء أول من فسر القرأن بترتيب سوره وآياته ، وفسره بهذا المنهج الذى وضعه لنفسه فى أربعة أجزاء (١).

ولقد ظهرت فى العصر العباسى الأول مصنفات فى التفسير ولكنها فقدت ، نخص بالذكر منها تفسير مقاتل بن سليمان المتوفى سنة ١٥٠ ه‍ وأصله من بلخ ، وانتقل إلى بغداد ، وقدره العلماء فى بغداد حتى أن الشافعى قال : «الناس كلهم عيال على ثلاثة ، على ابن مقاتل فى التفسير وعلى زهير بن أبى سلمى فى الشعر ، وعلى أبى حنيفة فى الكلام».

ومن التفاسير التى فقدت ، تفسير أبو إسحاق ذكر فيه أقوالا لوهب بن منبه ، وكعب الأحبار وغيرهما من الرواة عن اليهودية والنصرانية (٢).

على أن أول تفسير وصل إلينا. كان تفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة ٣١٠ ه‍ والذى يقع فى ثلاثين مجلدا ، وهو يأخذ بالمأثور عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه والصحابة والتابعين ويحرص فى ذلك على الأخذ بالرواية

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ، ١٠٠

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢ ص ، ٣٤١


الصحيحة ، ولا يوافق المفسرون من أصحاب الرأى لأنهم يخطئون كثيرا. وظهر فى تفسيره ثقافته الدينية واللغوية والتاريخية ، ويتضح من كتاباته معرفته لآراء المتكلمين وخاصة المعتزلة ، وتأثر بمذهب المحدثين فى الكلام عن القدر ، وكان يتحرى الدقة فى الإسناد جريا على طريقة العلماء المعاصرين ، وحرص على الأخذ بروايات رجال موثوق بهم ، ونقد من لم يثق به (١).

أما أصحاب التفسير بالرأى ، فكانوا يحكمون العقل ويرفضون الخرافات والتصورات المخالفة لطبيعه الأشياء ، التى تأثر بها كثير من الناس ، ومن أشهر هذه التفاسير تفسير أبى بكر الأصم المتوفى سنة ٢٤٠ ه‍ (٢).

اشتد الحاجة إلى الفقه فى العصر العباسى الأول. لأنه ينظم المعاملات ويضع التشريعات التى تنظم حياة الأفراد وعلاقاتهم بعضهم ببعض من ناحية وعلاقاتهم بالدولة من ناحية أخرى ، فضلا عن أنه يوضح التعليم التى يجب أن يتبعها الناس فى شئون دينهم ، وعنى الخليفة الرشيد بالفقه ، فعهد إلى القاضى أبى يوسف أن يضع له كتابا فى التنظيمات الأقتصادية والإجتماعية لدولته ، لإزالة ماساد فى عهد الأمويين من الأخذ بالرأى ، فصنف كتاب الخراج ، ويقول أبو يوسف فى مقدمة كتابه أن أمير المؤمنين أيده الله تعالى سألنى أن أضع كتابا جامعا يعمل به فى جباية الخراج ، والعشور والصدقات والجوالى وغير ذلك مما يجب عليه النظر فيه ، والعمل به ، وإنما أراد بذلك رفع الظلم عن رعيته والصلاح لأمرهم ـ فلا تضيعن ما قلدك الله به من أمر هذه الأمة والرعية ، فإن القوة فى العمل بإذن الله ، إن الرعاة مؤدون إلى ربهم وما يؤدى الراعى إلى ربه فأقم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهار فإن أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت به رعيته (٣).

استمع الرشيد إلى هذه التوجيهات من قاضيه أبى يوسف ، ولما أتم كتابه «الخراج» أمر الرشيد كل عماله أن يضعوا توجيهات أبى يوسف موضع التنفيذ.

__________________

(١) جولد تسيهر ، المذاهب الإسلامية فى تفسير القرآن ص ٨٦ ـ ، ٨٧

(٢) المصدر السابق ص ٩٩ ـ ، ١٠٠

(٣) أبو يوسف : الخراج ص ، ٢


وكان من أثر تشجيع الخلفاء العباسيين للفقه والفقهاء واعتمادهم عليهم ففى أمور الفقه ، أن وضع الفقهاء قواعد الفقه بدقة وعناية فى الحياة العملية (١) واختلف الفقهاء فى آراءهم الفقهية ، من هنا نشأت المذاهب الفقهية السنية ، وأخذ بعض الفقهاء بالرأى ، وأخذ آخرون بالمأثور ، ويمثل أبو حنيفة النعمان بن ثابت المذهب الأول ، فقد أخذ بالرأى بشكل كبير ، وكان داود يمثل المذهب الثانى ، وعارض الرأى بكل شدة ، وبين هذين الطرفين الشافعى وابن حنبل ، على أن الطبرى لم يضع ابن حنبل فى قائمة الفقهاء ، وإنما عده من المحدثين.

ولم يكن أبو حنيفة أول من أخذ بالرأى. إنما سبقه علماء كثيرون فى القرن الأول الهجرى. على أن أبى حنيفة تطور بالأخذ بالرأى درجة لم تكن معروفة من قبل ، وهو أول من استعمل القياس فى الفقه حتى لقد سمى الإمام الأعظم تقديرا لجهوده. ومما لا شك فيه أن أبا حنيفة قد استفاد من الفقهاء الذين سبقوه فى الأخذ بالرأى وأضاف آراءه إلى آراء اسلافه ، وقد عارض بعض الفقهاء التفكير الحر الذى درج عليه أبو حنيفة فى مذهبه «وقد حمل تلميذه أبو يوسف تعليمه ، وأدى اختلاف اثمة الفقه فى فهم بعض النصوص الفقهية ، واستنباط الأحكام منها إلى تعدد المذاهب.

ولد أبو حنفية النعمان بالكوفة سنة ٨٠ ه‍ وتوفى فى بغداد سنة ١٥٠ ه‍ وجده من أهل كابل ، وأدرك أربعة من الصحابة ، وكان عالما عابدا زاهدا ورعا تقيا كثير الخشوع دائم التصرع إلى الله سبحانه وتعالى ، وكان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه ، فإذا سئل فيه تفتح وسال كالوادى. وقيل : من أراد أن يتبحر فى الفقه فهو عيال على أبى حنيفة (٢).

كان أبو حنيفة إماما فى القياس ، ويحرص على الدقة فى قبول الحديث ويتحرى عنه وعن رجاله ، فلا يروى الخبر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا إذا رواه جماعة ثقات ، وأجمع الفقهاء على الأخذ به (٣).

__________________

(١) على حسن عبد القادر ، نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ج ١ ص ، ٤٣

(٢) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ج ٥ ص ، ٣٦

(٣) ابن النديم ، الفهرست ص ، ٢٨٥


ولقد اندثرت كتب الفقه التى صنفها أبو حنيفة ، وذكر لنا ابن النديم (١) أسماء كتبه فى الفقه.

ومن أبرز تلاميذ أبى حنيفة القاضى أبو يوسف ، كان حافظا للحديث ثم لزم أبا حنيفة ، فغلب عليه الرأى ، وولى منصب قاضى القضاء حتى وفاته سنة ١٨٢ ه‍ ، فى خلافة الرشيد ، ولأبى يوسف من الكتب الفقهية ، الزكاة والصيام ، الفرائض والحدود ، الرد على مالك بن أنس ، رسالته فى الخراج إلى الرشيد ، وأخيرا كتاب الجامع الذى ألفه ليحيى بن خالد ، وتناول فيه اختلاف الآراء فى الفقه (٢).

وجدير بالذكر أن أبا يوسف تتلمذ على ابن أبى ليلى ، ثم انتقل إلى أبى حنيفة ، وأخذ عن مالك بن أنس ، وكان أول قاضى قضاة في الإسلام ، يعين القضاة فى أنحاء الدولة. وساعد على انتشار مذهب أستاذه ، ويقول الجاحظ (٣) : كانت دراسة فقه أبى حنيفة فى بغداد على قدر كبير من الأهمية لمن يريد أن يتولى منصبا هاما ، «وقد تجد الرجل يطلب الآثار وتأويل القرآن ويجالس الفقهاء خمسين عاما وهو لا يعد فقيها ، ولا يجعل قاضيا ، فما هو إلا أن ينظر فى كتب أبى حنيفة وأشباه أبى حنيفة ، ويحفظ كتب الشروط فى مقدار سنة أو سنتين حتى تمر ببابه فتيقن أنه من بعض العمال ، بالحزى ألا يمر عليه من الأيام إلا اليسير حتى يصير حاكما على مصر من الأمصار».

ومن أشهر فقهاء بغداد من أصحاب الرأى البشر بن الوليد ، ولى القضاء للمأمون من تلاميذه محمد بن الحسن ، وله عدة مصنفات فى الفقه ، ترجع أهميتها إلى أنه أول من دون ما أورده الفقهاء من أقوال وآراء ، ومن هنا تفوق على من سبقه من الفقهاء حتى على أبى يوسف نفسه ، الذى حاول إبعاده عن بغداد ، وإليه يرجع الفضل فى تدوين مذهب أبى حنيفة وحفظه فى الكتب ، (٤)

__________________

(١) المصدر السابق ص ، ٢٨٦

(٢) المصدر السابق

(٣) كتاب الحيوان ج ١ ص ، ٤٣

(٤) ابن النديم ، الفهرست ص ، ٢٨٩


وجدير بالذكر أن محمد بن الحسن اتصل بالإمام مالك وروى عنه الموطا ، وروايته للموطا من أهم الروايات لأنه أوضح فيه الخلاف بين أهل الحجاز وأهل العراق فى الفقه ، وقد قدم الشافعى إلى بغداد ، وأخذ عن محمد بن الحسن ، وكتب عنه وقرأ أجمل كتبه ، وله من الكتب ، كتاب المبسوط فى الفقه ، وكان بينه وبين الشافعى مناظرات ، وقد أثنى عليه الشافعى ، وأبرز مكانته العلمية والخلقية بقوله : «أنه كان يملأ القلب والعين» وقال : ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد كأنه عليه نزل (١).

ولقد أدت شهرة بغداد بعلمائها وفقهائها إلى قدوم طلاب العلم إليها ، فرحل أسد بن الفرات إلى بغداد ، وتعلم فقه أبى حنيفة من علمائها ، غير أنه لما عاد إلى مصر اتصل ببعض فقهاء المالكية وأخذ عنهم آراء الإمام مالك وعاد إلى القيروان ، ونشر آراء الإمام مالك هناك ، فى مقالات سميت بالأسدية وتوفى غازيا فى صقلية (٢).

ومن أشهر الأئمة الذين وفدوا على بغداد فى العصر العباسى الأول وأقاموا بها فترة من الزمن ينشرون معارفهم على الناس والطلاب بصفة خاصة ، أبو عبد الله محمد إدريس الشافعى الذى جمع بين أقوال أهل الرأى ، وآراء أهل الحديث ، وهو أول من تكلم فى أصول الفقه ، وأول من وضع أسسه ومبادئه ، كثير من المناقب جم المفاخر منقطع القرين «درس علوم القرآن دراسة وافية شاملة ، وألم بأقوال الصحابة والتابعين ، وآراء الفقهاء وعلوم العربية. وقال عنه أحمد بن حنبل : ما عرفت ناسخ الحديث من منسوخة حتى جالست الشافعى وقال عن الشافعى أنه كالشمس للدنيا والعافية للبدان.

والشافعى هاشمى قرشى ولد بغزة سنة ١٥٠ ه‍ وتربى فى محيط عربى ، لذلك نشأ بارعا فى اللغة العربية والشعر القديم ، واتصل ـ كما قلنا ـ بالشيبانى

__________________

(١) المالكى ، رياض النفوس ص ، ١٦٠

(٢) ابن خلكان ، وفيات الأعيان ج ٣ ص ، ٢٧٧


والإمام مالك وأنتقل إلى بغداد سنة ١٩٥ وأتصل علماؤها ، به ورووا عنه مذهبه القديم وفى سنة ١٩٨ ه‍ طلبت منه عبد الرحمن بن المهدى فى بغداد أن يضع له كتابا فيه معانى القرآن الكريم وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة وحجة الإجماع (١) ، فوضع له كتاب الرسالة وترجع أهمية الرسالة إلى أنها نقطة الاتصال التاريخية للفقه الإسلامى ، إذ أنه كان وسطا بين أهل الرأى وأهل الحديث.

وعلى الرغم من رحيل الشافعى عن بغداد إلا أنه ترك فيها تلاميذ فى فقه ، وأصلوا جهوده ، نخص بالذكر منهم أبو البخترى وهب بن كثير ، كان فقهيا أخباريا ، ولاه الرشيد القضاء فى الرصافة ثم عزله ، وله من الكتب كتاب الرايات ، كتاب طسم وجديس ، كتاب فضائل الأنصار (٢).

وترك الشافعى فى بغداد تلاميذ نشروا فقهه وشرحوه ، نخص بالذكر منهم سليمان بن داود بن على بن خلف ، وينسب إلى عائلة من قاشان قرب أصفهان وقد درس ببغداد فقه الشافعى ، وهو أول من ألف فى مناقب الشافعى ، وأقام فى بغداد يعلم التلاميذ فقه الشافعى الذى تعصب له وتوفى فى بغداد سنة ٢٧٠ ه‍.

ومن تلاميذ الإمام الشافعى ومر يديه إبراهيم بن خالد بن إلياس الكلبى نقل أقواله القديمة ، وكان أحد الفقهاء الأعلام والثقات المأمونين فى الفقه له المصنفات القيمة فى الأحكام ، جمع فيها بين الحديث والفقه ، وكان أول اشتغاله بمذهب أهل الرأى حتى قدم الشافعى إلى العراق ، فتردد عليه ، وأتبع مذهبه ، ولم يزل على ذلك حتى وفاته فى بغداد سنة ٢٤٦ ه‍.

على أن أحمد بن حنبل يعتبر بحق أبرز تلاميذ الشافعى ، ولد ابن حنبل فى بغداد فى سنة ١٦٤ ه‍ ورحل فى طلب العلم ، ورجع إلى بغداد حيث تتلمذ على الشافعى من سنة ١٩٥ حتى سنة ١٩٧ ه‍ ، ويعتبر إمام المحدثين ، صنف كتابه المسند. وجمع فيه من الحديث ما لم يجمعه غيره ، وقيل أنه كان يحفظ ألف ألف حديث وبلغ من تقدير الشافعى له أن قال : خرجت من بغداد وما خلفت فيها

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ، ٢٩٥

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ، ١٤٦


أتقى ولا أفقه من ابن حنبل ، وقد عارض مذهب المعتزله الذى أعتنقه الخليفة المأمون ، فلما دعى إلى القول بخلق القرآن ، ولم يجب ، ضرب وحبس ، وأخذ عنه جماعة من العلماء الأجلاء نخص بالذكر منهم محمد بن إسماعيل البخارى ، ومسلم بن الحجاج النيسابورى (١).

وكان ابن حنبل عالما ورعا تأثر به الناس حتى أن يوم وفاته فى بغداد سنة ٢٤١ ه‍ أسلم عشرون ألفا من النصارى واليهود (٢).

ومن فقهاء بغداد فى ذلك العصر داود بن على الأصبهانى المعروف بداود الظاهرى ، درس مذهب الشافعى ، وألف فى مناقبه ثم أستقبل بمذهب يعرف بالظاهرية وهو يناقض المذهب الحنفى ، إذ أنه يرفض القياس رفضا تاما ، ويرى أن فى القرآن والحديث ما يكفى لاستنباط الأحكام ، بل يجب التقيد بهما وبظاهرهما ، وهاجم داود القياسية وأبرز أخطاء لهم فى الأحكام نتيجة أخذهم بالقياس (٣).

يأتى الحديث فى الأهمية بعد القرآن الكريم كمصدر من مصدر التشريع الإسلامى ، والحديث هو ما أثر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قول أو فعل أو حكم أصدره فى موضوع عرض عليه ، ولقد كان جمع الحديث فى هذا العصر عاملا هاما عند المشتغلين بالفقه ، وكان هناك طريقتين فى جمع الأحاديث : أولهما الحديث المسند الذى ليس بالضرورة أن يتصل أسناده بالصحابة أنما يكتفى بنقل اسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ، وبعض هذه الأحاديث يفصل أسنادها إلى صحابى بعينه ، والصحابى بالطبع يأخذ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأهم مسند وضع فى بغداد هو مسند ابن حنبل (٤).

لذلك فأن من أهم فروع علم الحديث النظر فى الأسانيد ، ومعرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بالوقوف على المسند الكامل ، ومعرفه رواة الحديث

__________________

(١) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ، ١٧

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢ ص ، ٥٧

(٣) مقدمة ابن خلدون ص ، ٤٤٦

(٤) المصدر السابق ص ، ٤٣٦


بالعدالة والضبط ويثبت ذلك بالنقل عن أعلام الدين بعد تعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة فيكون ذلك دليلا على القبول أو الترك ، وكذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة والتابعين وتفاوتهم فى ذلك ، وتميزهم فيه ، وكذلك الآسانيد تتفاوت باتصالها وانقطاعها وبسلامتها من العلل الموهنة لها (١).

تعرض الحديث للتحريف ، لأن العرب كانوا لا يدونونها ، وظهر علماء أجلاء بذلوا جهودا مضيئة فى سبيل جمع الحديث الصحيح ، ومع ذلك فإن الفقهاء ناقشوها ورفضوا كثيرا منها ، فالإمام أبو حنيفة لم يوافق إلا على ستة عشر حديث جمعها البخارى (٢).

ظهرت المصنفات فى العصر العباسى الأول فى الحديث ، وتتضمن تقسيم الأحاديث وتبويبها حسب الموضوعات من عبادات ومعاملات وأخلاق وغير ذلك ، والمصنفات تختلف عن المسند ، لأن المسند يبوب حسب الرجال ، أما المصنف فهو ـ كما قلنا ـ حسب الموضوعات (٣).

ولقد ظهرت المصنفات فى بغداد فى وقت احتدام الصراع بين أهل الحديث وأهل الرأى الذين لم يعتمدوا على الحديث كثيرا كمصدر من مصادر التشريع ، ومن حرص علماء الحديث على وضع مصنفات يبرزون فيها المسائل الفقهية المختلفة ، بحيث لا يجد أهل الرأى مجالا للأدعاء بأن الحديث ليس مصدرا هاما للتشريع الإسلامى.

وجدير بالذكر أن أحمد بن حنبل اعتمد فى فقهه على الحديث ، فإذا وجد حديثا صحيحا اكتفى به ، وإذا عثر على فتوى من الصحابة أخذ بها ، وأحيانا يروى فى المسألة الواحدة رأيين ، وكان يرفض القياس إلا فى الضرورة القصوى ، ويفضل عليه الحديث حتى ولو كان مرسلا أو ضعيفا (٤).

ومن أشهر رواة الحديث الذين أقاموا فى بغداد ، محمد بن إسحاق بن يسار ـ

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٣٤٥.

(٢) دى بور ، تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ٤٨.

(٣) على حسن عبد القادر ، نظرة عامة فى تاريخ الفقه الإسلامى ص ٤٣.

(٤) ابن النديم ، الفهرست ص ١٣٦.

Nicholson : Literary Hist of persia. p. ٧٣٣.


صاحب السيرة (١) وأخذ أصحاب الزهرى عن ابن إسحاق روايته فى الأحاديث التى رواها الزهرى ، وشكوا فى صحتها ، وكان الإمام أحمد بن حنبل يأخذ برواية ابن إسحاق.

ومن العلوم التى ازدهرت فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، علم الكلام ، وهو يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية ، والرد على المبتدعة والمنحرفين فى الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ، وأساس هذه العقائد الإيمانية يكمن فى التوحيد ، ويقدم فى برهان عقلى (١) ، وكان أهل الحديث يرون أن مناقشات المتكلمين وآرائهم بدعة ، لأن الإيمان عندهم هو الطاعة ، وقد غلاخصوم المتكلمين ، فرموهم بالزندقة ، وقالوا : علماء الكلام زنادقة ، والحق أن مناقشات المتكلمين أنعشت الحياة الثقافية فى بغداد ، ولكن ظهرت مشكلة ـ كما سنرى ـ أثارت جدلا كبيرا بين المتكلمين وأهل الحديث وهى مسألة القول بخلق القرآن ، هل هو مخلوق أو قديم؟ لذلك كانت أهمية المتكلمين هو الرد على أهل البدع والضلالات ، فدونوا الأدلة العقلية دفاعا عن الدين (٢).

لاقى المتكلمون ـ وقوامهم المعتزلة ـ معارضة شديدة فى بغداد ، لأنهم آمنوا بسلطان العقل وتحكيمه فى كل الأمور ، وقد استخدموا ما توصلوا إليه من تقدم علمى ـ خصوصا فى الفلسفة والمنطق ـ فى آرائهم الدينية ، وهاجموا أهل السنة بشدة وضراوة ، وأثاروا مسائل كبيرة فى الإلهيات والطبيعيات والسياسات ، وكان لهم مقدرة كبيرة على الجدال والإقناع والحوار بمهارة فائقة.

أضعف من شأن المتكلمين فى العصر العباسى الأول فى بغداد ، معارضة الخلفاء العباسيين الأوائل للاعتزال ، فكان عمرو بن عبيد من أبرز المعتزلة فى عهد المنصور ، ينجنب المنصور ، لأنه يدرك مدى معارضته المعتزلة (٣).

كذلك كره الرشيد المعتزلة ، فلما أدرك أن الشاعر العتابى من المعتزلة ، عظم

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٨.

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٥٨.

(٢) أحمد أمين ، ضحى الإسلام ج ٣ ص ٨٩ ـ ٩٠.

(٣) ابن قتيبة : عيون الأخبار ج ٢ ص ٢٣٧.


عليه ذلك وأنكره ، ولما أدرك أن الرشيد يعتزم التنكيل به غادر بغداد ، ولم يكن للمتكلمين الحرية فى عهد الرشيد فى إبداء آرائهم فقد نهى عن الجدال فى الدين وزج من خالف ذلك فى السجن (١).

على أن المعتزلة أرتفع شأنهم وأنتعشوا فى عهد المأمون لأنه أيد المعتزلة وأعتنق مبادئها ، وسار المعتصم على نهجه ، كما أن الواثق كان يؤمن بآراء المعتزلة.

ويجمع المؤرخون على أن بشر بن المعتمر مؤسس الأعتزال فى بغداد ، غضب الرشيد منه فقال : بلغنى أن بشرا يقول : القرآن مخلوق ، والله إن أظفرنى الله به لأقتلنه ، فأقام بشرا متواريا أيام الرشيد.

وقد تتلمذ عليه كثيرون مثل أبو موسى المردار وشماسة بن الأشرس وأحمد ابن أبى دؤاد وكان لهم صلات قوية بالمأمون (٢).

أما أبو موسى فيرجع إليه الفضل فى انتشار الأعتزال فى بغداد ، كان ورعا زاهدا فصيح اللسان قوى البيان ، واعظا وقصاصا موفقا وله تلميذان ساهما بنصيب كبير فى نشرا اراء المعتزلة فى بغداد ، يقال لهما الجعفران ، وهما جعفر بن مبشر ، وجعفر بن حرب سارا سيرة أستاذهما فى الورع والزهد والتقوى ، فلا غرو أن نرى هؤلاء العلماء الثلاثة يكثر أنصارهم الذين آمنوا بآرائهم بعد أن رأوا حسن سيرتهم.

ومن أشهر المتكلمين فى بغداد أبو الهذيل العلاف ، يرجع إليه الفضل فى إدخال الفلسفة على مبادئ المتكلمين ، كان واسع الأطلاع ، فصيح القول ، قوى البيان ، يستشهد بالشعر العربى فى مناظراته ، درس الفلسفة اليونانية ، استفاد منها فى مناقشاته وإبداء آرائه ، وقد جادل الزنادقة والمجوس وضعاف العقيدة ، وبلغ من قوة إقناعه وتأثيره أن أسلم على يديه ثلاثة آلاف رجل (٣).

كما أن أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندى ، كان من الفضلاء فى عصره ،

__________________

(١) الجهشيارى. الوزراء والكتاب ص ٢٩٠.

(٢) الخطيب البغدادى ، تاريخ بغداد ج ٧ ص ١٧٧.

(٣) دى بور ، تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ٥٧.


وله عدة كتب فى علم الكلام تزيد على المائة ، وقد انفرد بآراء نقلها عنه أهل الكلام فى كتبهم (١).

وكان النظام واسع الأفق ، متعدد الثقافات ، قوى الحجة ، مقنعا قوى التأثير تتلمذ على ابن هذيل العلاف ، لعب دورا كبيرا فى مناهضة البدع والخرافات التى نقشت بين الناس فى بغداد ، اتبع الأسلوب العلمى فى إثبات صحة آرائه ، ودافع عن الإسلام بالمنطق والبرهان القاطع ، وأظهر الملحدين والخارجين على الدين خطأ اتجاهاتهم بالأدلة المقنعة.

والنظام أستاذ الجاحظ ، وقد شابه أستاذه فى أعتماده على النقل وسعة اطلاعه ودراسته للفكر اليونانى ، وسعة ثقافته.

ومن المتكلمين فى بغداد شماسة بن الأشرس ـ إمام أهل الفكر الحر فى العصر العباسى الأول ـ وفلسفة شماسة تقول بأن الله فعل العالم بطباعه أى أوجد العالم بذاته لا بإرادته ، ويقول أن كل معارفنا ضرورة لا شأن للصدفة فيها ، ومن لم يضطر إلى معرفة الله عن إقناع ومنطق لم يكن مأمورا بالمعرفة وفى هذا وذاك لبس وغموض يجب أن يزول ـ أى أن من لم يعرف الله معرفة ضرورية ليس عليه أمر ولا نهى. أى لا يكون مكلفا بل مخلوقا للسخرة ، ويكون لهذا الجهل معذورا لا يستحق ثوابا ولا عقابا (٢).

وكان الجاحظ كشيخه أبى إسحاق إبراهيم بن سيار النظام من أوائل المعتزلة والذين درسوا فلسفة اليونان ، وكان يستشهد فى أحكامه بالتاريخ وتجاربه ولا يرضى عن الأحكام القائمة لمجرد النظر.

وكان الجاحظ عالما بالطبيعة والإنسان ، وكتابه الحيوان وثيقة الصلة بالكلام لأن المؤلف سعى إلى إظهار وحدة الطبيعة وإلى أن الأجزاء المكونة لها متساوية القيمة فى نظر الرائى (٣).

__________________

(١) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٧٨.

(٢) انظر دائرة المعارف الإسلامية.

(٣) المصدر السابق.


استهل المأمون فى بلاطه عصرا من النقاش المستنير لم يسمع به من قبل ، ذلك أن المأمون كان ليبراليا فى الفكر بمثل ما كان كريما فى الأخلاق ، ولم يكن يحب شيئا أكثر من أن يجادل العلماء علنا حول أقوى وأدق المسائل الخلافية فى الدين ـ هذه المناقشات التى أجريت عمدا مع الفقهاء وعلماء الدين من جميع المدارس الفكرية قادته إلى الاعتقاد بخلق القرآن ، وذلك على خلاف التعليم التقليدى ، أما أن الله سبحانه وتعالى أوحى به وأنزله ، فهذا ما سلم به بسهولة ، ولكنه لم يستطع ولم يكن لديهم الفكرة الخفية التى تذهب إلى أن القرآن كان كلمة الله غير المخلوقة أنزلت من السماء عن طريق جبريل ، وانطلاقا من هذا أعلن المأمون صحة المذهب القائل أن الحياة ليست مقدرة من قبل وأن الإنسان وهب إرادة حرة (١).

وكان المأمون مثقفا ثقافة واسعة ، ولقد تأثر بالفكر اليونانى الذى شجع على ترجمة الكثير منه إلى العربية ، لذلك اعتنق مذهب المعتزلة الذى يعتمد على العقل والمنطق ، وقرب المعتزلة إليه مثل أحمد بن أبى دؤاد ، وكان منطقيا راجح العقل وقوى نفوذه فى قصر الخلافة (٢).

حمل المأمون الناس على القول بخلق القرآن ، وناهض القائلين بأن القرآن قديم قدم الله تعالى ، ففى سنة ٢١٨ ه‍ أمر المأمون عامله على بغداد بأن يمتحن الناس فى القول بخلق القرآن ، وأمره بأن يعاقب من يعارض القول بخلق القرآن ، فكتب إليه : «إن من حق الله سبحانه وتعالى وأئمة المسلمين على خلفائهم الإجتهاد فى إقامة دين الله الذى استحفظهم ، ومواريث النبوة التى أورثهم .. وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية ، وسفلة العامة .. ساروا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا مجتمعين ، وأتفقوا غير متهاجمين على أنه قديم ، أو لم يخلقه الله.

ويحدثه ويخترعه .. ثم هم الذين جادلوا بالباطل ، فدعوا إلى قولهم ونسبوا أنفسهم إلى أنفسهم إلى السنة .. فاستطالوا بذلك على الناس ، وغروا به

__________________

(١) أنتونى ناتنج : العرب ١٢٢.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٢١.


الجهال .. فأجمع من بحضرتك من القضاة ، واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين هذا إليك ، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون فى خلق الله القرآن وأحداثه (١).

وعلى الرغم من تشدد المأمون فى حمل الناس على القول بخلق القرآن فإن بعض العلماء رفضوا رأى الخليفة ، وأصروا على أن القرآن قديم وتعرضوا للأذى بسبب إصرارهم وأوصى المأمون قبل وفاته المعتصم بحمل الناس على القول بخلق القرآن ، فلما ولى المعتصم الخلافة سار سيرة المأمون فى القول بخلق القرآن ، على الرغم من ضآلة ثقافته ، وإغفاله مجالس المناظرة ، ومجالسة العلماء ، كما كان الحال فى عهد سلفه.

اشتد المعتصم مع المعارضين للقول بخلق القرآن ، ومن الذين اشتد فى عقوبتهم ، أحمد بن حنبل ، فعلى الرغم من أنه تعرض الضرب المؤلم والتعذيب إلا أنه أصر على امتناعه ورفض أن يستجيب لمطلب بعض الذين أشفقوا عليه بأن يقول بخلق القرآن تقية وقال : إذا أجاب العالم تقية ، والجاهل يجهل ، فمتى يتبين الحق؟ وأصر الرجل على امتناعه ، حتى أعجب الناس بقوة عقيدته ، وكان أحمد بن حنبل يقول بأن الله قديم وليس كمثله شئ. ولا يقول بخلق القرآن لأن الله لم يقله ورسوله لم يدع إليه.

وعلى الرغم من أن الذين عارضوا القول بخلق القرآن تعرضوا للقتل بأمر من المعتصم إلا أن هذا الخليفة لم يعاقب ابن حنبل بمثل ما عاقب به غيره ، لأنه خشى أن يحدث قتله فتنة نظرا لالتفاف الناس حوله بعد أن أعجبوا بصلابته ، كما أن المعتصم نفسه أعجب بشجاعته وثباته على ما يعتقد أنه الحق ، وأكتفى بضربه ، ثم أمر بالافراج عنه ، ذلك أن المعتصم عقد مجلسا لمناظرة الإمام أحمد بن حنبل ، وقال له : لو لا أن كنت فى يد من كان قبل ما أتعرض إليك. ثم بدأت المناظرة وقال ابن حنبل : القرآن من علم الله ، ومن زعم أن علم الله مخلوق كفر بالله وكان صوته يعلو على صوت مناظريه ، وتغلب حججه حججهم ، وفى أثناء

__________________

(١) الطبرى : تاريخ الأمم والملوك حوادث سنة ٢١٨ ه‍.


هذه المناقشة كان الخليفة يتلطف ويقول للإمام أحمد أجبنى إلى هذا حتى أجعلك من خاصتى ومن يطأ بساطى ، ولكن الإمام أصر على وجه نظره ، واحتج على مناظريه حين أنكروا الآثار بقوله (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) سورة مريم الأية ٤٢ ، وبقوله تعالى (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) سورة النساء الأية ١٦٤ ونحو ذلك من الآيات البينات ، فلما لم يقم لهم معه حجة طلبوا من الخليفة عقابه ، فضرب بالسوط ، على أن المعتصم ندم على ضربه ، وأرسل إليه طبيبا فى منزله لعلاجه ، وجعل يسأل النائب عنه ، والنائب يستعلم خبره ، فلما عوفى فرح المعتصم والمسلمون بذلك (١).

بلغ من اهتمام المعتصم بحمل الناس على القول بخلق القرآن. أن أمر عماله بتعليم الصبيان ما ذهب إليه. وعزل كل من يلى وظيفة يقول بغير مقالته. ولما ولى الواثق الخلافة سار على سياسة أبيه فى حمل الناس على القول بخلق القرآن.

ظل الناس فى بغداد وفى سائر الدولة العباسية يحملون على القول بخلق القرآن حتى ولى المتوكل الخلافة فعارض مذهب المعتزلة. وأمر بوقف الكلام والمناقشات فى موضوع خلق القرآن ، وفى آراء المعتزلة وأقوالهم أيضا ، وبذلك انتهى ما أسماه المؤرخون المسلمون محنة القرآن.

العلوم الأدبية :

لما تأسست بغداد أقبل عليها العلماء والأدباء خصوصا من البصرة والكوفة ، وأقاموا بها. وحظوا بتشجيع الخلفاء وكبار رجال الدولة ، وساهموا بنصيب كبير فى ازدهار الحياة الأدبية فى بغداد ، ومن أشهر أدباء بغداد ، الأصمعى الذى نشأ بالبصرة ، وتتلمذ على علمائها واستفاد منهم ، ثم إلى البادية ، وحفظ الكثير من أقوال العرب ونوادرهم وأشعارهم «ورحل إلى بغداد. حيث استقر به المقام هناك ، ونال شهرة كبيرة لمقدرته الفائقة على شغل أوقات الخلفاء وكبار رجال الدولة بالمسامرات الشيقة ، واتصل بالرشيد ونادمه ، وأخذ الكثير من الأدباء عنه

__________________

(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١ ص ٣٤١ ـ ٣٤٢.


وفى اللغة والأدب ، كذلك دخل فى مناظرات كثيرة مع العلماء ، وقال عنه الشافعى : ما عبر أحد عن العرب بأحسن من عبارة الأصمعى (١). وكان لوجوده فى القصور وبين يدى الخلفاء والأمراء ، وقيامه بمهمة منادمتهم وحسن استعداده لذلك أن روى الشئ الكثير عن حياة العرب الإجتماعية فى أسلوب قصصى تناقله أهل العراق وسائر أهل الأمصار (٢).

ووفد على بغداد فى عهد الخليفة المهدى أبا زيد الأنصارى الذى تثقف فى مدرسة البصرة ، وكان ثقة فيما يروى عن أخبار العرب يلتزم الصدق فى الرواية.

ولو كانت نادرة ، غريبة ، لذلك فقد أمد النحو بالشواهد الكثيرة التى رواها عن العرب. وفى عهد المهدى أيضا نبغ أبو الفضل الضبى الذى صنف كتاب المفضليات ، وأهداه للخليفة المهدى (٣).

ومن أدباء بغداد أبو عبيدة معمر المثنى. وهو من أصل فارسى. وكان يهوديا لذلك تنوعت ثقافته. فكان عالما بأيام العرب وأخبارهم وعلومهم ، وبالثقافة الفارسية. فضلا عن معارف اليهود ، واسع الأطلاع ، غير أن شعوبيته ظهرت أحيانا فى مؤلفاته. إذ عاب على العرب أحيانا فى مصنفاته ، وقد قدم إلى بغداد فى عهد الخليفة الرشيد ، ومكنه إسحاق بن إبراهيم الموصلى من التردد على قصر الخليفة ، وقربه إليه ، وكان الفرس فى بغداد يرفعون من شأنه لأنه منهم ، ويفضلونه على الأصمعى العربى الأصل (٤).

كذلك قدم إلى بغداد. الكسائى ـ الذى سبقت الإشارة إليه ـ وأصله فارسى نشأ بالكوفة. وقدم إلى بغداد فى عهد الرشيد. وأسند إليه مهمة تأديب ولديه الأمين والمأمون وقد نبغ فى اللغة والنحو وبلغ من تقدير الرشيد له أن رفع شأنه. فبعد أن كان من طبقة المؤدبين. ارتفع إلى طبقة الندماء (٥).

__________________

(١) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٣٢٢.

(٢) أحمد أمين. ضحى الإسلام ج ٢ ص ٣٠.

(٣) Nicholson : Literary Hist of persia.p.٦٨٢.

(٤) ابن النديم : الفهرست ص ٩٧.

(٥) ياقوت ، معجم الأدباء ج ٥ ص ١٨٣.


ومن أعلام الأدب فى بغداد الفراء تلميذ الكسائى ، وقيل لو لا الفراء ما كانت العربية لأنه خلصها وضبطها ، ولولاه لسقطت العربية. لأنها كانت تتنازع ، ويذهبها كل من أراد ، ويتكلم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم. فشرح الفراء النحو بطريقة واضحة مبسطة يستفيد منها الخاص والعام ، وبالإضافة إلى تمكنه من الفقه والنحو فإنه كان عالما بالنجوم والطب وأيام العرب وأشعارها (١).

اتصل الفراء بالمأمون ، فأمره أن يؤلف ما جمعه من أصول النحو ، وما سمع من العرب ، وأفرد له حجرات فى قصره ليقيم فيها ، وظل سنتين حتى أنتهى من مؤلفه (٢).

وليس مجال هذا البحث التاريخى مناقشة الأتجاهات الأدبية لمدرستى الكوفة والبصرة ، إما يعنينا فى هذا المقام إبراز هاتين المدرستين على بغداد ، فالخلفاء والأمراء العباسيون اعتمدوا على الكوفة فى تأديب أولادهم ، لذلك وفد الكوفيون بكثرة إلى بغداد وتخيروا ما يناسب مجالس السمر والمنادمة من أقوال ، لذلك نراهم يتجهون باللغة والعلم اتجاها جديدا فيه البساطة والوضوح أكثر مما فعله البصريون ، وأنتهى النزاع بين المدرسين ـ أقصد مدرستى الكوفة والبصرة ـ إلى اندماجهما فى مدرسة واحدة ، وهى مدرسة بغداد (٣).

ظهر فى العصر العباسى الأول أدباء مشهورون مثل عبد الله بن المقفع ، كان شاعرا فى نهاية الفصاحة والبلاغة ، ترجم من الفارسية إلى العربية ، لأنه كان ضليعا فى اللغتين ، وقد ترجم كتبا منها كتاب كليلة ودمنة الذى ترجمه من أقاصيص كتب باللغة السنسكريتية ـ وهى اللغة الهندية القديمة ، ويعد هذا الكتاب من أقدم كتب النثر فى الأدب العربى ويمتاز بقوة الأسلوب ومتانة العبارة ، وله كتاب مزدك وكتاب التاريخ فى سيرة أنوشروان وكتاب الأدب الكبير (٤).

__________________

(١) ياقوت ، معجم الأدباء ج ٧ ص ٣٨٦.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٥ ص ٢٢٥.

(٣) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ٢ ص ٣١٢.

(٤) ابن النديم : الفهرست ص ١٧٢.


ومن أدباء بغداد المشهورين ابن قتيبة الدينورى ، شب فى بغداد منتدى الأدب ومهد العلم يومئذ ، فتفرع للدرس ، وجد فى التحصيل على علماء الحديث وأئمة اللغة والرواية وشيوخ الأدب حتى صار أحد العلماء الأذكياء وحجة فى اللغة والأخبار وأيام الناس وغريب القرآن ومعانيه والشعر والفقه ، كثير التصنيف والتأليف ، ولقد أجمع العلماء على تقدير قيمة مصنفات ابن قتيبة وأنها عظيمة القدر جليلة النفع ، وأشهر مولفاته ، المعارف وعيون الأخبار وطبقات الشعراء وتاريخ ابن قتيبة وقد توفى سنة ٢٧٦ ه‍ (١).

وأما عمرو بن بحر الجاحظ ، فقد عرف بحرية الفكر والميل إلى الاعتزال ولد بالبصرة ، وتثقف فى اللغة والنحو والأدب ، وشغف بالقراءة حتى قيل إنه لم يقع فى يده كتاب إلا استوفى قراءته ، وكان يكترى دكاكين الوراقين ، ويبيت فيها للقراءة ولم تقتصر ثقافته على العربية ، بل تثقف بالثقافة اليونانية والفارسية على يد أربابها (٢) وكان لتنقلاته الكثيرة فى البلدان أثرها بمعرفة آحوال الناس. لذلك أعطى صورة واضحة عن الحياة الإجتماعية فى عصره ، ومن أشهر كتبه «البيان والتبيين» ، كتاب «الحيوان» كتاب «التاج فى أخبار الملوك» و «التبصر بالتجارة».

وألف فى علم الكلام كتاب «خلق القرآن» وفى المجالات العلمية ألف كتاب النبات وكتاب الحيوان.

كذلك وجد الشعر رواجا كبيرا فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، وظهر كثير من الشعراء ، ابتكروا منهجا جديدا فى الشعر يختلف عن منهج الذين سبقوهم ، ومن أشهر شعراء بغداد أبو نواس نشأ فى البصرة واختلف إلى بعض شعراء هذه الأيام ودرس نحو سيبويه ، وتعلم غريب الألفاظ ، وأجاد فى جميع أنواع الشعو خصوصا فى الخمر والغزل والصيد ، وسخر من الأطلال ، وخالف فى ذلك من سبقه من الشعراء الذين يبدأون شعرهم بالإشادة بذكرها ، وقد أثرت طريقته الشعرية وأساليبه وتصرفه فى أبواب النظم ، واستنباطاته للمعانى ، ونال

__________________

(١) أنظر مقدمة كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٢٤. ٢٣.


تقدير الخلفاء ، وساعد نفوذه عندهم على نشر طريقته وأعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء (١).

ومن شعراء بغداد أبو العتاهية الذى نشأ بالكوفة ، وأقام فى بغداد وكان فى أول أمره يعمل بالتجارة ، ثم ظهرت براعته فى الشعر ، وأكثر شعره فى الزهد والأمثال وهو فى طبقة بشار بن برد وأبى نواس ، شعره لطيف المعانى سهل الألفاظ (٢).

أما أبو تمام فهو شامى الأصل ، سار شعره وشاع ذكره ، تقرب من المعتصم العباسى فمدحه بقصائد أجازه عليها ، وقدمه على شعراء زمانه ، واتصف بالظرف وحسن الأخلاق وكرم النفس ، وعرف بنزعته العقلية والفلسفية ومن تلاميذه البحترى صاحب الأوصاف البديعة والمدائح الخالدة ، وابن الرومى الذى عرف عنه حسن التصوير للمعانى (٣).

__________________

(١) المصدر السابق ج ٢ ص ٣١١.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ١٩٨.

(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٣٠٠.


خير ما كتب فى هذا الموضوع المؤرخ المرحوم حسن إبراهيم حسن وأستاذنا الجليل الدكتور عصام عبد الرءوف فى كتابه الجليل الحواضر الإسلامية :

حركة الترجمة وأثرها فى ازدهار الحياة الثقافية

ازدهرت ترجمة الكتب العلمية التى يسميها العرب الحكمية فى العصر العباسى الأول ، وبالذات منذ عهد الخليفة المنصور ، وقام بهذا الدور الكبير السريان الذين اقتبسوا الثقافة اليونانية من الإسكندرية وأنطاكية ، ونشروها فى الشرق فى مدارس الرها ونصيبين وحران وجنديسابور بالذات ، وقد نشط السريان فى الترجمة عن الفلسفة اليونانية منذ القرن الرابع الميلادى حتى القرن الثامن (١).

استفاد العرب من السريان الذين اشتغلوا بنقل الكتب من اليونانية إلى العربية ونقلوا اما نقلوه أما عن التراجم السريانية القديمة ، أو من تراجم نقحوها. ثم أقدموا على نشرها من جديد (٢).

والخليفة المنصور أول خليفة ترجمت له الكتب من اللغات الأجنبية إلى العربية ومن بين هذه الكتب ، كتاب كليلة ودمنة ، وكتاب السند هند (٣) وترجمت له مؤلفات لأرسطو فى المنطق وغيره. وترجم له كتاب المجسطى لبطليموس وكتاب أقليدس وكثير من الكتب القديمة من اليونانية والفهلوية والفارسية والسريانية ، وأخرجت الكتب المترجمة إلى الناس ، ونظروا فيها (٤) :

كانت الكتب الهندية تنقل إلى الفارسية ومنها إلى العربية ، وأما الكتب اليونانية فإنها خلافة الرشيد تنقل عن السريانية أو الفارسية لأنها ترجمت إليهما ،

__________________

(١) دى بور : تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ١٢.

(٢) المصدر السابق.

(٣) Hitti : Hist of the Arabs p.٨٧٣.

(٤) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.


أما الكتب اليونانية فلم يبدأ العرب ترجمتها مباشرة إلا منذ سنة ١٩١ ه‍ ، ولم يكن العرب فى حاجة إلى ترجمة الآداب اليونانية ، لأن الآداب العربية غنية ، إنما نقلوا العلوم الطبية والفلكية والرياضية والفلسفية وهى العلوم التى كان العرب ففى حاجة إليها.

أزدهرت حركة الترجمة فى عهد الخليفة الرشيد ، فكان من بين ما حصل عليه من غزواته المتعددة فى بلاد الروم الكتب النفسية.

ولما كان الرشيد محبا للعلم ، فقد أسند إلى يوحنا بن ماسويه مهمة ترجمة هذه الكتب ، ورتب له كتابا حذافا يكتبون بين يديه ، وخلفه أبا سهل نوبخت الذى كان منجما للمنصور ـ وهو من أصل فارسى (١) ، وتولى منصب رئيس بيت الحكمة ، وكان ينقل من الفارسية إلى العربية ما يجده من الكتب الفارسية (٢).

وثمة ملاحظة هامة ، وهو أن حركة الترجمه بدأت أولا فى نقل الكتب الفارسية إلى العربية. لأن دولة العباسيين قامت على أكتاف الفرس ، وظهر وزراء فرس فى بغداد كانوا أصحاب نفوذ كبير فى الدولة العباسية. ولما كانت ثقافتهم فارسية وعربية أيضا ، فقد شجعوا حركة الترجمه من الفارسية إلى العربية ، وأنفقوا فى ذلك أموالا جمة.

على أن الترجمات التى تمت فى عهد المنصور والرشيد قد فقدت ولم يبق سوى الكتب التى ترجمت فى عهد المأمون.

شغف المأمون بالفلسفة اليونانية وخصوصا فلسفة أرسطو ، ولم يقدم المسلمون حتى أيامه على ترجمة الكتب الفلسفة لاتهام أصحابها بالكفر والزندقة فلما قال المأمون بالاعتزال ، أمر بنقل كتب الفلسفة من اليونانية إلى العربية (٣).

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٣٨٢.

(٢) ابن القفطى : أخبار العلماء بأخبار الحكماء ص ٢٥٥.

(٣) المصدر السابق ص ٢٩.


نشطت حركة الترجمة فى عهد الخليفة المأمون. ولم يكتف بترجمة الكتب المتوفرة لديه ، بل أرسل إلى الامبراطور البيزنطى «تيوفيل» يطلب منه إرسال كتب الحكمة إليه ، فلما وصلته هذه الكتب ، اختار لها مهرة التراجمة وكلفهم بإحكام ترجمتها فترجمت له. ثم حث الناس على قراءتها (١).

وكان يوحنا بن البطريق أمينا على ترجمة الكتب الحكمية ، حسن التأدية للمعانى ، وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب ، ويذكر ابن النديم (٢) أن المأمون أرسل بعثة إلى القسطنطينية لشراء الكتب العلمية المخزونة ، وكانت البعثة تتكون من يوحنا بن ماسويه وحنين بن إسحاق فجاءوا بطرائف الكتب وغرائب المصنفات فى الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب ، وقد شرع حنين فى نقل الكتب عن اليونانية إلى المغنين السربانية والعربية ، ولقد أهله تعمقه فى اللغة اليونانية لنقل إلى العربية ونقل عن أفلاطون وأرسطو وأبقراط ، وترجم لبطليموس.

أما إسحاق بن حنين فكان أوحد عصره فى علم الطب ، وكاد يلحق بأبيه فى البراعة فى الترجمة ، إلا أنه ترجم لأرسطو وغيره من الفلاسفة وأكثر ما ترجم فى الطب (٣) وقد يسر مهمة البعثة تلك العلاقات الودية التى سادت بين الدولتين العباسية والبيزنطية قبل سنة ٢١٢ ه‍ أى قبل أن تناصر الدولة البيزنطية بابك الخرمى الثائر على الدولة العباسية (٣).

ويبدو أن البعثة كانت تتكون من طوائف ثلاثة بعثة الكتب الفلسفية ويرأسها يوحنا بن البطريق ، وكان فيلسوفا أكثر منه طبيبا (٤) ، وقد تولى ترجمة كتب أرسطو خاصة ، وطائفة للكتب الفلكية والرياضية ويرأسها الحجاج بن مطر. وكان مختصا فى هذا الفرع وهو الذى نقل المجسطى وأقليدس ، وطائفة للكتب

__________________

(١) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢٣٦.

(٢) الفهرست ص ٣٤٩.

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٣٩.

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٣٩.

(٤) القفطى : أخبار العلماء باخبار الحكماء ص ٢٧٩.


الطبية برئاسة يوحنا بن ماسويه (١) وبهذا عادت هذه البعثة إلى بغداد محملة بكتب تشمل علوما متنوعة.

ولم يكن الخلفاء وحدهم يباشرون حركة الترجمة ، وينفقون عليها ، بل جاراهم فى ذلك كبار رجال الدولة مثل البرامكة وبنو سهل ، ومن أبرز من عنى بالترجمة فى بغداد محمد وأحمد والحسن أبناء موسى بن شاكر ، وكانت لهم همم عالية فى تحصيل العلوم القديمة وكتب الأوائل ، وافنوا أنفسهم فى شأنهم ، وأنفذوا إلى بلاد الروم من اشتراها لهم وأحضروا النقلة من الأصقاع الشاسعة والأماكن البعيدة ، بالبذل السنى فأظهروا عجائب الحكمة وأمّ العلوم التى عنوا بترجمتها الهندسة والموسيقى والنجوم والفلسفة (٢).

وكان فرع الطب أهم العلوم التى عنى المترجمون بترجمته ، وأكثر ما عنوا به بعد الطب الحكمة ، أى القصص الجميلة ذات المغزى الخلقى أو النوادر ، أو الأقوال الحكيمة وكان يترجم هؤلاء العلماء ما يعجبنا نحن ، إذا كانوا يعجبون بهذه الأقوال ويجمعونها لما تحتويه من حكمة أو لجمال أسلوبها وحسن عرضها (٣).

ولقسطا بن لوقا رسالة قصيرة فى الفرق بين النفس والروح ، ولم تؤثر الثقافة اليونانية فى العرب إلا عن طريق الرياضيات والطبيعيات والفلسفة ، وقد عرفوا شيئا عن أطوار الفلسفة اليونانية ، ولكن هذه المعرفة كانت مشوية بأساطير كثيرة (٤).

على أن العرب استفادوا كثيرا من فلسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو فأفلاطون على ما عرف العرب كان يقول بحدوث العالم وبقاء النفس وكونهما جوهرا روحيا ، وهذه آراء لا تتعارض مع عقيدة المسلمين ، أما أرسطو فكان يقول

__________________

(١) المصدر السابق ص ٣٨٠.

(٢) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٤ ص ٢٤٧.

(٣) دى بور : تاريخ الفلسفة في الإسلام ص ٣١.

(٤) المصدر السابق ص ٣١.


بقدم العالم ، ومذهبه فى أمر النفس وفى الأخلاق أقل روحانية من مذهب أفلاطون ، فكان العرب يرون فيه تعارضا مع تعاليم الإسلام حتى لقد صنف بعض المتكلمين كتبا للرد عليه (١).

ويروى أن يوحنا ، أو يحيى بن بطريق ، أخرج ترجمة قصة طيثماوس لأفلاطون وأنه ترجم أيضا كتاب أرسطو فى الآثار العلوية ، وكتاب الحيوان وأجزاء مأخوذة من كتاب النفس ، وترجم كتابه فى العالم.

وكان حنين بن إسحاق وأبن أخته حبيش بن الحسن أوفر المترجمين إنتاجا ، ونظرا لأنهم كانوا يشتغلون معا فإنا نجد كتبا كثيرة تنسب للواحد منهم تارة ولواحد آخر منهم تارة أخرى. وشملت ترجمتهم كل علوم ذلك الزمان ، وكانوا يصلحون التراجم الموجودة ويترجمون كتبا جديدة وكان حنين يؤثر ترجمة كتب الطب ، أما ابنه إسحاق فكان أميل إلى ترجمة كتب الحكمة (٢).

على أن حركة الترجمة كانت سلاحا ذو حدين ، أفاد العلم من ناحية وأضر بعقائد بعض الناس من ناحية أخرى ، فقد أدت الترجمة إلى تداول الناس الكتب مانى وابن ديصان التى نقلها ابن المقفع وغيره من الفارسية إلى العربية ، فكثر بذلك الزنادقة ، وظهرت آراؤهم فى الناس ، فأمعن المهدى فى تعقبهم والتنكيل بهم. وأمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب للرد على الملحدين من الجاحدين وغيرهم ، وأقاموا البراهن على المعاندين (٣).

ومما لا شك فيه أن حركة الترجمة أوجدت مجالا خصبا للدارسين فى مختلف فروع العلم ، ويسرت لهم الإطلاع على كتب العلماء السابقين ، فاستفادوا منها ، وأضافوا إليها تجاربهم ومعارفهم ، الأمر الذى دفع العلوم الطبيعية دفعة كبيرة إلى الأمام.

__________________

(١) المصدر السابق ص ٣٣.

(٢) المصدر السابق ص ٣٠.

John Glubb : The Empire of the Arabs. p. ٣٣٣.

(٣) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.


العلوم العقلية

يقول ابن خلدون العلوم الطبيعية لازمة للإنسان من حيث أنه ذو فكر وتسمى هذه العلوم عند العرب علوم الفلسفة والحكمة ، وهى مشتملة على أربعة علوم ، الأول علم المنطق ، وهو علم يعصم الذهن عن الخطأ فى اقتناص المطالب المجهولة من الأمور الحاصلة بالمعلومة وفائدته تمييز الخطأ من الصواب فيما يلتمسه الناظر فى الموجودات ليقف على تحقيق الحق فى الكائنات بفكره الحر ، ثم النظر بعد ذلك أما فى المحسوسات من الأجسام العنصرية المكونة عنها من المعدن والنبات والحيوان والأجسام الفلكية والحركات الطبيعية والنفس التى تنبعث عنها الحركات ، ويسمى هذا الفن بالعلم الطبيعى ، والعلم الإلهى هو علم ما وراء الطبيعة ، والعلم الرابع هو الناظر فى المقادير ويشتمل على علم الهندسة وعلم الموسيقى وعلم الهيئة.

١ ـ علم التاريخ :

بدأ المسلمون يدونون تاريخهم فى أواخر العهد الأموى. وقد قام فى بغداد فى العصر العباسى الأول رجال من طبقات الشعب لم يعيشوا فى كنف الخلفاء ، لذلك جاءت مؤلفاتهم فى التاريخ معبرة تعبيرا صادقا عن أحوال المجتمع الذين يعيشون فيه ومظاهر تطوره.

اتخذ كتاب التاريخ فى صدر الإسلام من حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما يتصل بها من غزوات مادة دونوا منها ما سمى كتب السيرة والمغازى ، لذلك فكان أول موضوع يتناول التاريخ الإسلامى سيرة الرسول ، وقد يسر تدوين الأحاديث وتبويبها لكتاب التاريخ أمر جمع مادة غزيرة عن سير ومغازى الرسول ، فكان منها باب يسمى باسم السير والمغازى وسراياه أى الغزوات التى أرسلها دون أن يشترك فيها.

والمؤرخون الذين صنفوا مؤلفاتهم فى بغداد اتسعت دائرة معارفهم عمن

__________________

(١) مقدمة : ابن خلدون ص ٥٦٦ ه‍.


سبقهم لأن السابقين لهم كانوا يعتمدون على الحديث فقط فى كتاباتهم أما هؤلاء .. الدين سنشير إليهم ـ فقد تكون عندهم مادة غزيرة ترجع إلى اختلاط العرب بالنصارى واليهود الذين دخلوا فى الإسلام ، فضلا عن ظهور طبقة القصاص الذين يحكون سير الرسول وأبطال المسلمين ، وبذلك لم يعد الحديث هو المصدر الوحيد للتاريخ بل تنوعت وتعددت مصادرة ، وكان على مؤرخى بغداد أن يضبطوا الحوادث التاريخية ، ويحسنوا عرضها.

ومن أشهر المؤرخين محمد بن إسحاق بن يسار ، وهو من أصل فارسى نشأ فى المدينة ، وأخذ الحديث عن علمائها ، وعنى بصفة خاصة بجمع الأحاديث التى تتناول سير الرسول ومغازيه ، قال الشافعى عنه : من أراد أن يتبحر فى المغازى فهو عيال على ابن إسحاق (١). وبلغ من ثقة الخليفة المنصور به أن عهد إليه بتصنيف كتاب فى التاريخ لابنه المهدى يبدأ منذ بداية الخليفة إلى يومه ، وقام ابن إسحاق بهذا العمل الجليل ، وقدم الكتاب للمنصور مرفقا بموجز له (٢).

اعتمد ابن إسحاق فى كتابه المغازى على الأحاديث النبوية التى أخذها من الرواة فى مصر والمدينة المنورة ، والأخبار التى يرددها الثقاة ، وترجع أهمية هذا الكتاب فى أن عبد الملك بن هشام اعتمد عليه فى كتابه عن السيرة ، لذلك يمكن الإلمام بكتاب ابن إسحاق بصورة مختصرة فى كتاب ابن هشام ، وأعتمد على ابن إسحاق كذلك كل من تكلم فى السير والمغازى «فعليه اعتماده وإليه إسناده» (٣).

ينقسم كتاب ابن إسحاق فى المغازى إلى ثلاثة أقسام : المبتدأ والمبعث والمغازى ، والمبتدأ يشمل تاريخ العرب قبل الإسلام وأعتمد على القصص والأساطير ، وخصوصا ما رواه العلماء اليهود والنصارى ، وأشار إلى قبائل العرب البائدة مثل عاد وثمود والرسل التى بعثت إلى تلك القبائل ، ونقل عن التوراة

__________________

(١) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٠٥.

(٢) الخطيب البغدادى : تاريخ بغداد ج ١ ص ٢٧١.

(٣) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٠٥. ،


والإنجيل نقلا حرفيا ، وينقل بصفة خاصة عن وهب بن منبه ، وذكر أيضا عبادة الأصنام عند العرب فى الجاهلية ، وقبيلة قريش وشيوخها قبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ويتضمن المبعث بعثة الرسول ، واعتمد على أخبار أهل المدينة ، وأضاف فى كتاباته معلومات دقيقة ، ووثائق على جانب كبير من الأهمية مثل الوثيقة التى منحها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل المدينة واليهود بها ، وتنظيم المجتمع الجديد بالمدينة ، أما المغازى فتتضمن غزوات الرسول والسرايا وجهاد المسلمين فى سبيل الدفاع عن الإسلام ونشره ، غير أن المحدثين أخذوا عليه أنه كان لا يتقيد بإسناد الحديث لأنهم يشددون فى نسبة كل جزء من الحديث إلى قائله ، ولقد عاب ابن حنبل على ابن إسحاق توسعه فى نقل الأخبار ، وقال : إنه يجمع كتب الناس ، ويضعها فى كتبه.

يأتى بعد ابن إسحاق فى الأهمية فى بحثنا عن مؤرخى بغداد ، محمد بن عمر الواقدى ، كان من أهل المدينة انتقل إلى بغداد ، وولى القضاء بها فى عهد الخليفة المأمون بالرصافة ، وكان عالما بالمغازى والسير والفتوح واختلاف الناس فى الحديث والفقه والأحكام والأخبار ، وتوفى سنة ٢٠٧ ه‍ ، وله من الكتب كتاب التاريخ والمغازى ، وأخبار مكة ، وكتاب الطبقات. وفتوح الشام ، فتوح العراق ، مقتل الحسين عليه‌السلام ، كتاب السيرة .. الخ (٢) ، وقد روى أخباره عن علماء المدينة مثل مالك بن أنس ، وقد أستدعاه الخليفة المهدى إلى بغداد وأمره بأن يفقه الناس ، وأجزل له العطاء ، ويقول عنه البغدادى (٣) : «ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أثره وسار الركبان بكتبه فى فنون العلم من المغازى والسير والطبقات وأخبار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأحداث التى كانت فى وقته وبعد وفاته».

وقد نبغ الواقدى ـ كما يتضح مما سبق ـ فى التاريخ ، فكان لا يدع رجلا من أبناء الصحابة أو أبناء الشهداء ولا مولى لهم إلا وسألهم عما يعملونه من أحداث

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٩٢.

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ١٤٤.

(٣) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٧٠.


التاريخ وأطلع على جميع المدونات والروايات التى جمعها من سبقه من مؤرخى سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومغازيه ، وكان لا يقتصر على النقل من الرواة ، وإنما ينتقل بنفسه إلى أماكن مغارى الرسول فالواقدى أول من رتب التاريخ حسب السنين ، ولقد استقاد الطبرى فى تاريخه من مؤلفات الواقدى ، وكان ابن إسحاق لا يذكر تواريخ الأحداث الأمر الذى يعقد من قراءتها.

ولقد استفاد كاتبه ابن سعد من كتابه فى طبقات الصحابة والتابعين ، وسار على منواله ، وحرص على الوصول إلى المصدر الصحيح. ولم يبق من كتب الواقدى سوى كتاب المغازى.

ويذكر فى أول كتابه شيوخه الذين أخذ عنهم مغازيه بعد مقدمة حدد فيها اليوم الذى هاجر فيه الرسول إلى المدينة ، ثم أورد فصلا عن مغازى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسراياه ، ثم انتهى إلى إيجاز غزوات الرسول ، وبعد هذه المقدمة تحدث عن كل غزوة من الغزوات التى أجملها. تفصيلا ، والواقدى من أعلم الناس فى عصره بالمغازى والسير ، حجة فى التفسير والفقه والحديث ، وقد أعتمد عليه الطبرى فى تاريخه (١).

أما محمد بن سعد ـ كاتب الواقدى ـ فقد روى عن أستاذه ، وأعتمد فى كتبه على تصنيفات الواقدى ، وكان ثقة عالما بأخبار الصحابة والتابعين ، وتوفى سنة ٢٣٠ ه‍ (٢) ، واشترك مع أستاذ الواقدى فى بعض مؤلفاته ، ومن أحسن كتبه كتاب الطبقات ، وقد قدم له بالحديث عن العصر الجاهلى الأمر الذى تخطاه الواقدى ، وكان الواقدى يبدأ ـ كما قلنا ـ بهجرة الرسول ، وتضمن فى الجزء الأول والثانى من كتاب الطبقات لابن سعد موضوع سيرة الرسول ومغازيه ، وأفراد الأجزاء الستة الأخرى للصحابة والتابعين ، وترجع أهمية كتابه إلى أنه تحرى الدقة فى كثير من مؤلفاته (٣).

__________________

(١) أحمد أمين : ضحى الإسلام ج ٢ ص ٢٣٧.

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ١٤٥.

(٣) البغدادى : تاريخ بغداد ج ٥ ص ٣٢١.


ومن مؤرخى بغداد الهيثم بن عدى كان عالما بالشعر والأخبار والأنساب والمناقب والمآثر ، وتوفى بفم الصلح سنة ٢٠٧ ه‍ عند الحسن بن سهل ، وله من التصانيف كتاب بيوتات قريش ، كتاب الدولة ، بيوتات العرب ، نزول العرب بخراسان والسواد ، تاريخ العجم وبنى أمية (١).

ومن الرواة المشهورين على بن محمد المدائى ، وكان من رفاق إسحاق بن إبراهيم الموصلى ، وله كتب فى أخبار قريش وأخبار الخلفاء والفتوح وكتب فى أخبار العرب وكتب فى الشعراء ، وقد اندثرت كتبه ، ولم يعد منها إلا ما رواه الطبرى أو البلاذرى والمسعودى وابن عبد ربه عنها.

وبالجملة فقد كان عالما بأيام الناس وأخبار العرب وأنسابهم ، وبالفتوح والمغازى ورواية الشعر (٢).

ومن مؤرخى بغداد أحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذرى ، اشتغل منذ نعومة أظفاره بتأليف كتاب جامع لتاريخ الدولة الإسلامية أن فيه على الحقائق التاريخية ونجح فى هذا الموقف الحرج نجاحا تاما لأنه لم يتعصب لخليفة ، ومن مصنفاته ترجمة عهد أردشير من اللغة الفارسية إلى العربية ، ولم يقتصر على مجرد الترجمة بل وضعه فى قالب علمى يفيد القارئ وله كتاب أنساب الأشراف ، ووضع كتابين تحت عنوان الفتوحات أحدهما كبير والآخر مختصر ، ولم يصلنا سوى المختصر ، ومن تلاميذه ابن النديم صاحب كتاب الفهرست.

علم الجغرافيا :

يعزو تقدم علم الجغرافيا فى بغداد إلى الأهتمام بالأراضى الأجنبية الذى أثاره التجار والملاحون العرب ، وإلى عظم مساحة الإمبراطورية العربية ، وكانت كتب بطليموس من أهم المصادر التى حرص العباسيون على الإستفادة منها ، وترجمها

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٥٤٥.

(٢) البغدادى : تاريخ بغداد ج ١٢ ص ٥٥.

Hitti : Hist. of the Arabs p. ٤٨٣.


الكندى وغيره إلى العربية ، واستخدم الخوارزمى هذه المادة لإجراء أبحاثه ، وأخرج بدوره مؤلفه الجغرافى «وجه الأرض» (١).

وفى أواخر العصر العباسى الأول ظهر الرحالة ، ومن أبرزهم ابن خرداذبه الذى عاش فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى ، كتب كتابه المسالك والممالك ، ويعتبر من أقدم الكتب العربية فى الجغرافيا ، وهو عبارة عن دليل يستفيد منه المسافرون فى الأهتداء إلى الطريق البحرى الذى يبدأ من مصب دجلة عند الأبله ويصل إلى الهند والصين (٢).

ومما يدل على عناية المأمون بالبحث الجغرافى أنه جمع علماء عصره وأمرهم بوضع خريطة للعالم ، فوضعوا له خريطة دقيقة كانت أفضل مما تقدمها من دراسات فى جغرافيا للعالم على عهد بطليموس وغيره من علماء اليونان ، ولقد سميت بالمأمونية ، كذلك أمر المأمون سبعين رجلا من علماء الجغرفيا بوضع كتاب فى الجغرافيا ، فصنفوا كتابا أفاد منه ولاة الأقاليم فى الدولة العباسية إذ كان أشبه بدليل أرشدهم إلى مختلف البلاد والأمم (٣).

ومن الأبحاث الجغرافية التى أنجزت فى عهد المأمون ، قياس محيط الأرض وقد قام به علماء بغداد ، وقدروه بنحو أربعة وعشرين ألف ميل ، وقد أختاروا لإجراء تجاربهم ، مكانين منبسطين فى صحراء سنجار وأرض الكوفة ، ونصبوا الآلات وقاسوا الإرتفاعات والميل والأفق. وعلموا أن كل درجة من درجات الفلك يقابلها ٣ / ٢ ٦٦ ميل ، وقياس العرب هذا هو أول قياس حقيقى أجرى كله مباشرة مع كل ما أقتضته تلك المساحة من المدة الطويلة والصعوبة والمشقة ، وخلص العلماء إلى أن الأرض مستديرة (٤).

وتضمنت مجالس مناظرات الخليفة الواثق مناقشات جغرافية على جانب كبير

__________________

(١) أنتونى ناتنج ، العرب ص ١١٨.

(٢) مقدمة كتاب المسالك والممالك لأبن خرداذبه.

(٣) ناتنج ، العرب ص ١٧٨.

(٤) ابن خلكان. وفيات الأعيان ج ٤ ص ٢٤٧.


من الأهمية تضمنت نظريات خاصة بالرياح ، وأنواعها واتجاهاتها والحرارة والبرودة ، وتأثرهما بالتضاريس من حيث الارتفاع والانخفاض والقرب أو البعد من البحر ، وفصول السنة (١).

علم الفلك :

هو علم ينظر فى حركات الكواكب الثابتة أو المتحركة ، ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها الحركات المحسوسة بطرق هندسية ، وكان اليونانيون يعنون بالرصد كثيرا ، ويتخذون له الآلات التى توضع ليرصد بها حركة الكواكب المعينة ، بقصد معرفة عملها والبرهنة على مطابقة حركتها بحركة الفلك (٢).

عنى العباسيون فى بغداد برصد الكواكب والنجوم ، والخليفة المنصور ـ كما ذكرنا ـ وضع أساس مدينته فى الوقت الذى اختاره له المنجمون ، وبشروه بطول بقائها وازدياد عمرانها (٣).

والمنصور أول خليفة قرب المنجمين ، وعمل بأحكام النجوم ، ومن منجميه نوبخت الذى أسلم على يديه ، وإبراهيم الفزارى صاحب القصيدة فى النجوم وغيرها من علوم الفلك وعلى بن عيسى الأسطرلابى المنجم (٤).

وبلغ من شغف المنصور بعلم الفلك أن عهد إلى علماء الفلك بترجمة أعمال الإغريق والسريان والفرس والهنود ، فترجم له كتاب «السند هند الكبير» وظل هذا الكتاب فى بغداد أهم مرجع فى هذا العلم حتى عهد المأمون ، فاختصره الخوارزمى وأضاف إليه إضافات من مراجع فارسية ويونانية ، وضم إليه أبوابا مفيدة ، وأعتمد العرب على زيجه (٥) وأخذوا منه فى وضع أزياجهم ، وألف فى

__________________

(١) عبد الحليم منتصر ، تاريخ العلم ص ١٠٨.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.

(٣) مقدمة ابن خلدون ص ٤٨٧.

(٤) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٥.

(٥) زيج ، جدول فلكى.


الفلك (١) كما نقل يحيى بن البطريق فى عهد المنصور كتاب الأربع مقالات لبطليموس فى أحكام النجوم (٢).

وكان أهتمام المهدى بالنجوم لا يقل عن أهتمام أبيه المنصور فكان تيوفيل بن توما رئيس منجميه عالما بالنجوم ، وصنف فيها كتبا ، وترجم كتابا فى الفلك من اليونانية إلى السريانية ، وفى عهده تم تصحيح بعض أخطاء كتاب المجسطى لبطليموس (٣).

وكان الفضل بن سهل ـ وزير المأمون ـ حجة فى علم الفلك ويقال أن النجوم دلته على أن الأمر سيصير للمأمون ، لذلك تقرب إليه ، وأخلص له ، ولما ولى المأمون الخلافة قدر جهود الحسن بن سهل فى بلوغه الخلافه فاستوزره ، وكان الحسن بن سهل أيضا على علم بالنجوم ، وقد علم بمؤامرة لأغتيال أخيه الفضل من خلال إلمامه بالنجوم. ولا يمكن قبول الروايات التى ترددت عن أن النجوم انبأت الملمين بها عن الحوادث المستقبلة ولكن الناس كانوا فى ذلك العصر شغوفين باستطلاع الأخبار عن طريق النجوم.

ومهما يكن من أمر فقد انتقلت علوم الإغريق فى النجوم إلى العرب وخاصة ما كتبه بطليموس عن الأرض والكواكب والشمس ، فقد نقلوا ـ كما قلنا ـ كتاب المجسطى ، وزادوا عليه ووافقوه فى بعض آرائه.

وخالفوه فى بعضها. قالوا : إن الأرض مركز الكون ، وأنها قائمة فى الفضاء ، وقالوا بدوران الشمس والقمر والنجوم حول الأرض ، وأن القمر أقرب الأجرام السماوية إلى الأرض ويليه الكواكب الأخرى ، وأنها جميعا تدور حول الأرض دورة كاملة كل يوم ، كما قاسوا أجرام الشمس والقمر والنجوم بطرق هندسية حسابية بما يقرب من الحقيقة.

__________________

(١) ابن العبرى : تاريخ مختصر الدول ص ٢٢٠.

(٢) المصدر السابق ص ٢٢٣.

(٣) ابن القفطى : إخبار العلماء بأخبار الحكماء ص ٢٢١ ـ ٢٢٣.


وقاسوا أبعادها عن الأرض ، وقد أنشأ المأمون مرصدا فى الشماسية ببغداد وكان أساس تقدم العرب فى النجوم يرجع إلى المراصد التى أقاموها ، والأجهزة التى ابتكروها. على أن معظم المعدات الفلكية التى أستخدموها مثل الاسطرلاب كانت فى الغالب مبنية على النماذج اليونانية ، وأجريت حسابات دقيقة فى الفلك ، وعلى فروض تفرض لتعليل ما يرى من الظواهر الفلكية (١).

وجدير بالذكر أن المراصد تضمنت آلات الاسطرلاب الذى يقيس ارتفاعات الكواكب من الأفق ، وتعيين الزمن ، وحل كثير من المسائل الفلكية ، كما وضعوا الأزياج ، وهى جداول فلكية تتضمن قوانين رياضية فيما يختص بكل كوكب عن طريق حركته ، مثل زيج البلخى وزيج الخوارزمى.

وكانت أبحاث الكندى فى الفلك تسير على أساس علمى ، ولم يؤمن بالتنجيم وقد لاحظ أوضاع النجوم والكواكب وخاصة الشمس والقمر بالنسبة للأرض.

وما ينشأ عنها من ظواهر يمكن تقديرها من حيث الكم والكيف والزمان والمكان.

وربط بين ذلك ونشأة الحياة على الأرض فى آراء توضح مقدرته العلمية الفائقة وله كتاب فى البصريات ، وآخر فى الموسيقى ووضع رسالة فى زرقة السماء أوضح فيها أن منشأ هذا الكون الأضواء الناتجة عن ذرات الغبار وبخار الماء الموجود فى الجو ، وله رسالة فى المد والجزر وضعها على أساس تجريبى (٢).

ولقد صنف الكندى فى الفلك رسائل علمية على جانب كبير من الأهمية حتى أعتبه بعض المؤرخين واحدا من صمانية هم رواد العلوم الفلكية فى العصور الوسطى (٣).

ولقد صنف الكندى عالما فى رسائل علمية على جانب كبير من الأهمية حتى اعتبره بعض المؤرخين واحدا من ثمانية واد العلوم الفلكية فى العصور الوسطى.

ولم يكن الكندى عالما فى الفلك فحسب بل عالما أيضا فى الطب والفلسفة والمنطق والرياضيات ، وكان مهندسا وطبيبا وفيلسوفا ، وقد عهد إليه المأمون بترجمة كتب أرسطو.

__________________

(١) منتصر ، تاريخ العلم عند العرب ص ١٠٨.

(٢) المصدر السابق

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٣٨٣.


وكان الكندى منصرفا إلى الحياة العلمية عاكفا على طلب الحكمة ينظر فيها إلتماسا لكمال نفسه ، ويقول العاقل من يظن أن فوق علمه علما ، فهو أبدا يتواضع لتلك الزيادة ، والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس (١) وللكندى مؤلفات تزيد على المائتين فى الفلسفة والفلك والحساب والهندسة والطب والطبيعيات والموسيقى والنفس والمنطق والصيدلة والمد والجزر وعلم المعادن والجواهر (٢).

كذلك اهتم جابر بن حيان بدراسة علم الفلك ، وتوصل إلى أن الكواكب السبعة تختلف فى مقدار الحرارة التى نستمدها من الشمس باختلاف قربها منها أو بعدها عنها فالشمس هى التى تمد الكواكب كلها بالحرارة والنور ، والشمس وسط بين الكواكب فتصل حرارتها إلى الكواكب كلها. وعلى قدر القرب أو البعد من الشمس تكون حرارة الكوكب : ودرس كل كوكب من حيث ظواهره الطبيعية وخصائصه ، وكما درس خصائص البروج.

ومن أبرز من تصدى لعلم الفلك فى بغداد جعفر بن محمد بن محمد بن عمر البلخى ، وكان أمام وقنه فى فته. وله التصانيف المفيدة فى علم الفلك.

ولم يكن الخوارزمى عالما فى الرياضة فقط بل كان من المهتمين بعلم الفلك وكان أحد منجمى المأمون ، ولعله اشترك فى حساب ميل الشمس فى عهده وجرى على العكوف فى مكتبة المأمون للإطلاع ، وكان من المنجمين الذين استدعاهم الواثق فى مرضه الأخير لينبؤه بما يكون من أمره ، وقد انصرف إلى دراسة الجغرافيا والفلك والتاريخ بالإضافة إلى الفلك ، وألف كتاب التاريخ الذى اعتمد المسعودى فى بعض كتاباته ، وألف كتبه قبل عصر ازدهار الثقافة اليونانية واعتمد على الهندوس والسريان والفرس فى دراساته ، أما المصادر اليونانية فكانت تأتى فى المرتبة الثانية من مصادره ، وقد ألف كتابين فى الأسطرلاب ، وتناول فيه مسائل فى التنجيم من الناحية العملية ، وأعد مجموعة من صور

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٣١٠.

(٢) Hitti : Hist of the Arabs.p.٠٧٦.


السماوات والعالم نزولا على طلب المأمون (١) ، ومن هذه الصور كتاب صورة الأرض.

الرياضيات :

أخذ العرب عناصر فلسفتهم الطبيعية من مؤلفات أقليدس وبطليموس وابقراط ، وجالينوس ، ومن بعض كتب أرسطو بالإضافة إلى كتب ترجع إلى المذهبين الفيثاغورثى والافلاطونى (٢).

أما الرياضيات بالذات ـ موضوع حديثنا ـ فقد أخذه العرب عن فيثاغورث حقيقة استفاد العرب من الهنود فى هذا المضمار ، لكن من الثابت أن المسلمين تأثروا بالدرجة الأولى بفيثاغورث الذى يعتبر أستاذهم بحق (٣).

أخذ العرب عن الهنود نظام الترقيم ، وكان العرب يكثرون الأمثلة والتمارين فى مؤلفاتهم ، ويأتون بمسائل علمية تتناول ما يقتضيه العصر من معاملات مالية وتجارية وكان محمد بن موسى الخوارزمى أول من اقتبس الأرقام الهندية فى مؤلفاته وكتبه فى الحساب ، وكان بحثه فى الحساب الأول من نوعه فى غزارة مادته ودقته ، كذلك كان محمد بن موسى الخوارزمى أول من ألف فى علم الجبر فى عهد الخليفة المأمون وعلى ذلك يمكن القول بأن الخوارزمى واضع علم الجبر والحساب ، ومما لا شك فيه أن الخوارزمى أطلع على ما عند الإغريق والهنود من علم رياضى ، ويغلب على الظن أنه لم يكن يوجد علم الجبر قبل الخوارزمى (٤).

امتازت خلافة المأمون بالتقدم فى الرياضة ، ولعل أبقى وأهم ما أسهم به العرب فى العلم الغربى كان إدخال الأرقام والإعداد الأفرنجية الشائعة الآن ، فحتى القرن الثالث عشر الميلادى ، كان علماء الرياضيات فى أوربا ما يزالون

__________________

(١) دى بور : تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ١١٠.

(٢) المصدر السابق ص ١١١.

(٣) عبد الحليم منتصر : تاريخ العلم عند العرب ص ٩٢ ـ ٩٣.

(٤) مقدمة ابن خلدون ص ٤٨.


يستخدمون الأرقام الرومانية القديمة المعقدة ، ولكن بمجرد إدخال الأرقام الأفرنجية حدث التقدم فى العلم الرياضى (١).

كان أبو يعقوب بن إسحاق الكندى من قبيلة كنده من أصل عربى ، لذلك لقب فيلسوف العرب ، تمييزا له عن أقرانه من المتوفرين على دراسة الحكمة العقلية من غير العرب ، ولقد درس الكندى الثقافة الفارسية واليونانية فى البصرة وبغداد وبعض مدن العراق ، واشتغل بترجمة الكتب اليونانية إلى العربية ، وتهذيب ما ترجمه غيره ، وكان له تلاميذ يترجمون تحت إشرافه واشتغل فى قصر الخلافة منجما ، وكان الكندى واسع الإطلاع على جميع العلوم لذلك صنف فى عدة علوم مثل الجغرافيا وتاريخ التمدن والطب ، وعلم الكلام الذى يظهر فيه مليه إلى المعتزلة ، وكان ملما بالمذاهب والملل المختلفة لذلك برع فى المقارنة بعضها ببعض (٢).

على أن الكندى قد نبغ فى المرتبة الأولى فى الرياضيات والفلسفة الطبيعية ويرى أن الإنسان لا يكون فيلسوفا إلا إذا درس الرياضيات المركبة ، وللكندى نظريات فلسفية تتعلق بالله والنفس والعقل والعلم. فيرى أن كل ما يقع فى الكون يرتبط بعضه ببعض ارتباط علة بمعلول ، وإلى العقل مرد كل شئ والمادة تتخذ الصورة التى يشاء العقل إفاضتها عليها (٣).

ولقد كان للكندى الكثير من التلاميذ الذين استفادوا من مصنفاته فى الرياضيات وأحكام النجوم والجغرافية والطب.

عنى الخلفاء العباسيون بعلم الهندسة عنايتهم يغيره من العلوم ، ففى عهد الخليفة المنصور ، ترجم كتاب أقليدس المسمى الأصول وكتاب الأركان ويشتمل على خمس عشرة مقالة منها أربعة فى السطوح وثلاثة فى العدد وخمسة فى

__________________

(١) أنتونى ناتنج : العرب ص ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) دى بور : تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ١٣٨ ـ ١٤٢.

(٣) دى بور : تاريخ الفلسفة فى الإسلام ص ١٤٣.


المجسمات ، وقد ألف العرب كتبا على نسقه ، وأدخلوا تمارين جديدة لم يعرفها القدماء. ومما شجع العرب على الاهتمام بالهندسة أنها على حد قول ابن خلدون تفيد صاحبها إضاءة فى عقله ، واستقامة فى فكره ، ولأن براهينها كلها بينة الأنتظام ، جلية الترتيب ، لا يكاد يدخل الغلط أقيستها لترتيبها وانتظامها (١) ، على كل حال وضع العرب أسس الهندسة التحليلية ، ومهدوا لنشأة علم التفاضل والتكامل (٢).

ومن أبرز علماء الرياضة فى بغداد أبناء موسى بن شاكر ، وقد شجعهم المأمون وقربهم إليه ، ولهم أبحاث فى الميكانيكا ، كما ألفوا فى مراكز النقل وكتبوا فى الآلات (٣).

علم الطب :

يعتبر أبقراط المعلم الإنسانى الأول لمهنة الطب ، وهو أول من رتب الطب وبوبه ، وذلك فى القرن الخامس قبل الميلاد ، ولقد بنى الطب على أسس علمية صحيحة ورفع من أداب المهنة ، وأرسى تقاليدها وطهر الطب من الخرافات ، وجعل التجربة الصحيحة أساسا له ، وخلف سبعا وثمانين كتابا ورسالة فى شئون الطب ، ونقل العرب عددا من كتبه ، ونبغ فى الطب عددا من أساتذة جامعة الإسكندرية القديمة وكان جالينوس أشهرهم ويمثل المكان الثانى بعد أبقراط وترجم العرب كتبه أيضا.

نخلص من ذلك إلى أن بغداد أصبح لدى علمائها مادة غزيرة فى الطب ولقد شجع الخلفاء العباسيون الأطباء على تأدية رسالتهم الإنسانية ، فمنحوهم الرواتب الكثيرة وكافأوهم أحسن مكافأة ، كما شجعوهم على الترجمة والتصنيف وأسسوا المدارس الطبية والبيمارستانات من بينها بيمارستان لعلاج مكفوفى البصر ،

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون ص ٤٨٦.

(٢) عبد الحليم منتصر : تاريخ العلم عند العرب ص ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ٤ ص ٢٤٨.


ومصحة للمصابين بأمراض عقلية ، وكان بيت الحكمة مزودا بالكتب الطبية القيمة.

اعتمد العباسيون على أطباء جنديسابور فى العلاج ، فلما مرض الخليفة المنصور ، بعث فى طب جورجيس بن جبريل ، وكان له خبرة بالطب ، ومعرفة أنواع العلاج وقد قدره المنصور لأنه أحسن علاجه ، ووجدد راحة عظيمة فى جسمه ، وتخلص من الأمراض وجدير بالذكر أن جورجيس نهى المنصور عن الإسراف فى الطعام ، وطلب منه تخفيف الغذاء وترجم هذا الطبيب للمنصور بعض الكتب الطبية ، وأعتمد على أطباء غيره من السريان (١).

على أن أسرة بختيشوع قد نبغ أفرادها فى علم الطب ، واعتمدت عليهم بغداد اعتمادا كبيرا لسعة ثقافتهم وإخلاصهم ، فلما مرض الخليفة الهادى أرسل إلى جنديسابور باستدعاء بختيشوع ، لكن الهادى توفى قبل مقدم هذا الطبيب ، على أنه عالج الرشيد ولاحظ دقته وبراعته ، وخلع عليه خلعة حسنة جليلة ، ووهب له مالا وافرا ، وعين بختيشوع رئيسا للأطباء ، وله كتب منها «التذكرة» (٢).

أما جبريل بن بختيشوع فكان مشهورا بالفضل جيد المداواة عالى الهمة ، حظيا لدى الخلفاء ، حصل من الخلفاء من الأموال ما لم يحصله غيره من الأطباء وجعله الرشيد رئيسا للأطباء فى بغداد ، وبلغ من تقديره له أن قال : كل من كانت له حاجة فليخاطب بها جبريل لأنى أفعل كل ما يشاء ، وكان رجال الدولة يقصدونه فى كل أمورهم (٣) لأنه أحسن علاج الرشيد ، ووزراء ، وخاصته ، وكان الأمين لا يأكل ولا يشرب إلا بأذنه ، وأجزل له العطاء ، ولما ولى المأمون الخلافة غضب عليه وقبض عليه ، لكن المأمون مرض ، وعجز الأطباء عن علاجه ولما سمح لجبريل بعلاج المأمون شخص مرضه ووصف له دواءا شفى به ورد إليه الأموال التى صادرها منه ، وبالغ فى إكرامه ، ولما مرض جبريل طلب منه المأمون

__________________

(١) ابن أبى أصبيعه : طبقات الأطباء ج ٢ ص ١٢٥.

(٢) المصدر السابق ص ١٢٤.

(٣) المصدر السابق ص ١٢٦.


أن ينفذ إليه ابنه بختيشوع لعلاجه ولما قدم على المأمون فيه سعة العلم بالغ فى إكرامه ، ورفع منزلته (١).

والخلاصة أن آل جورجيس من الأطباء أجل أهل زمانهم بما خصهم الله من ترف النفوس ونبل الهمم ومن البر والمعروف والأفضال والصدقات ، وتفقد المرضى من الفقراء والمساكين والأخذ بيد المنكوبين (٢).

ونبغ فى الطب فى بغداد أطباء من أصل سريانى نخص بالذكر منهم يوحنا بن ماسويه ولاه الرشيد ترجمة الكتب الطبيه القديمة ، وله تصانيف قيمة ، وكان يجتمع إليه تلاميذ كثيرون (٣) ومن أطباء بغداد سهل بن سابور ، وجبريل الكحال ، ومن أطباء المعتصم سلمويه وكان على حد قول المعتصم «يمسك حياته ويدير جسمه (٤)».

وكان المعتصم ذا بأس وشدة فى جسمه وشجاعة فى قلبه فلاحظ طبيب المعتصم أنه ـ أى المعتصم ـ قد تغير لونه ، وتضاءلت قوته وكان قد خالف رأى طبيبه فى الطعام ، إذا كان ينصحه بتجنب الأطعمة العسيرة الهضم ، وكان فى أكثر أموره يستمع إلى نصائح طبيبه ، ويكثر مشورته ، ثم عاد فخالف مشورة طبيبه ، حتى أنه كان يأكل ويقول «أكل هذا على رغم أنف ابن ماسويه» (٥).

وكان على الطبيب أن يلم بالكواكب فى كل ما يعرض له من حالات ، فالطبيب أخو المنجم ، فكانت أم جعفر بن أبى الفضل فى قصر عيسى بن على الذى كانت تسكنه تعقد مجلسا لا يجالس فيه إلا الأطباء والمنجمون ، وكانت لا تعرض نفسها للعلاج إلا إذا حضر أهل المهنتين ، وتشكو علتها ، فيتناظر الأطباء فيما بينهم حتى يجتمعوا على العلة والعلاج فإذا كان بينهم أختلاف ، دخل

__________________

(١) ابن أبى أصبيعة : طبقات الأطباء ج ٢ ص ٢١٣.

(٢) المصدر السابق.

(٣) ابن العبرى : مختصر تاريخ الدول ص ٢٢٦.

(٤) المصدر السابق ص ٢٤٣.

(٥) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٢٦٢.


الفلكيون بينهم ، ورجحوا كفة من يروه مصيبا ، ثم تسأل المنجمين عن أختيار وقت مناسب للعلاج ، فإن اجتمعوا على وقت وإلا نظر الأطباء فيما بين المنجمين من اختلاف وحكموا ، وإلا لزمهم القياس (١).

ولم يكن الخليفة الواثق أقل أهتمام من أسلافه بعلم الطب ، بل كان يكرم أهل العلم عموما ، وكان يعقد مجالس مناظراته فى فروع العلم المختلفة ، ومن بينها الطب ، ومن مناظرات أطبائه يتضح لنا أن الأطباء فى بغداد كانوا يعتمدون على التجربة ، وقسموا التجربة إلى قسمين ، قسم طبيعى وهو ما تفعله الطبيعة فى الصحيح والمريض ، وقسم عرضى وهو ما يعرض للحيوان من الحوادث والنوازل ، وقسم إرادى ، وهو ما يقع من قبل النفس الناطقة ـ أى النواحى النفسية والعصبية التى قد تصيب الإنسان ـ وحرصوا على تشخيص المرض بدقة ، وإستعمال الدواء المناسب من مرض إلى مرض يشبهه ، ومن عضو إلى عضو يشبهه ومن دواء إلى دواء يشبهه ، وكل ذلك لا يمكن استعماله إلا بالتجربة كذلك حددوا وظائف الأعضاء ، وعرفوا أن الضدين لا يجوز اجتماعهما فى حال ، وأن وجود إحداهما ينفى وجود الآخر وعرفوا أن السبيل إلى معرفة الطب مأخوذ من مقدمات أولية ، منها معرفة طبائع الأبدان والأعضاء وأفعالها ومنها معرفة الأبدان فى الصحة والمرض ومعرفة الاهوية واختلافها ، والأعمال والصنائع والعادات والأطعمة والأشربة ، ومعرفة قوى الأمراض.

وكما تختلف الحيوانات فى صورها وطباعها ، كذلك أعضاء الحيوان مختلفة فى صورها وطباعها ، وأن الأحياء الحيوانية تتغير بالاهوية المحيطة بها ، وبالحركة والسكون والأغذية والنوم واليقظة وسهولة الهضم والأعراض النفسية من الغضب والحزن وأثبتوا أن خير دواء هو الذى يظهر تأثيره الصحيح فى الجسم (٢).

__________________

(١) ابن أبى أصبيعة : طبقات الأطباء ج ٢ ص ١٣٠.

(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٨٥.


كذلك حذق الأطباء فى بغداد فى طب الأسنان ، فقسموا الأسنان إلى ٣٢ سنا منها فى اللحى الأعلى ستة عشر سنا وفى اللحى الأسفل كذلك ، وتوجد قواطع أربع فى كل واحد من اللحيين عراض محددة الأطراف ، وعن جنبى هذه الأربع فى كل واحد من اللحيين سنان رءوسها حادة ، وأصولها عريضة وهى الأنياب ، وبها يكسر كل ما يحتاج إلى تكسيره من الأشياء الصلبة مما يؤكل ، وعن جانبى النابين فى كل واحد من اللحيين خمس أسنان ، وهى الأضراس ، وتسمى الطواحين لأنها تطحن كل ما يؤكل ، وكان فى بغداد أطباء للعيون (١).

كذلك برع أهل بغداد فى علم الصيدلة ، ومن أبرز علماء الصيدلة كوهين العطار اليهودى الذى وضع كثيرا من المؤلفات منها كتاب الصيدلة ، شرح فيه العقاقير شرحا وافيا وأوضح طريقة عمل المشروبات والجرعات والمساحيق والحبوب وغيرها.

الكيمياء :

كذلك نشط أهل بغداد فى دراسة علم الكيمياء ، وأخرجوا فيه أبحاثا قيمة ، ومن أشهر علماء الكيمياء جابر بن حيان ، ولد بخراسان سنة ١٢٠ ه‍ درس الكيمياء على يد أستاذه جعفر الصادق ، وأقام فى بغداد ، واتصل بالبرامكة ، ونال حظوة عندهم ، وغادر بغداد بعد نكبة البرامكة ، ويعتبر جابر بحق واضع علم الكيمياء ، أعتمد على التجربة فى وضع نظرياته ، وتحقيق ما كتب ، وألف كتبا فى الرياضة والفلسفة والفلك بالإضافة إلى ذلك (٢).

ولقد توصل من خلال أبحاثه إلى تكوين الزئبق والكبريت وله أبحاث فى التفاعلات الكيماوية والمعادلات ، فمثلا حدد العناصر التى تكون الذهب وكان جابر ينصح تلاميذه دائما بالتجربه وعدم الاعتماد فى الأبحاث العلمية إلا عليها مع التدقيق فى الملاحظة والاحتياط والتأنى فى الاستنتاج ، لأن التجربة طريق

__________________

(١) المصدر السابق ج ٢ ص ٣٨٦.

(٢) عبد الحليم منتصر : تاريخ العلم عند العرب ص ١٦٢.


المعرفة ، ولقد عرف جابر الكثير من النظريات الكيمياوية كالتبخير والتقطير والترشيح والتبلور والتصعيد والإذابة ، وحضر كثيرا من المواد الكيماوية ، وعرف خواصها مثل نترات الفضة وحامض الأزوتيك وهو أول من لاحظ أن محلول نترات الفضة يكون مع محلول ملح الطعام راسبا أبيض «وأن النحاس يكسب اللهب لونا أخضر ولقد ميز بين التقطير والترشيح» (١).

ونظرية جابر فى طبيعة المعادن تشير إلى أنه كان أكثر تقدما عن نظريات اليونان العلمية ، وعن نظريات مدرسة الإسكندرية ، فالمعادن عنده مقومان دخان أرضى وبخار مائى وتكثيف هذه الأبخرة فى جوف الأرض ينتج الكبريت والزئبق ، واجتماع هذين يكون المعادن والفروق بين المعادن الأساسية يرجع إلى فروق فى النسب التى يدخل فيها الكبريت والزئبق فى تكوينها ، ففى الذهب نسبة الكبريت إلى الزئبق نسبته نسبة تعادل بين هذين العنصرين ، وفى الفضة يكون العنصران متساويين فى الوزن ، أما النحاس ففيه من العنصر الأرضى أكثر مما فى الفضة والحديد والرصاص والقصدير فيها من ذلك العنصر أقل مما فى الفضة. ولما كانت المعادن مكونة من مقومات مشتركة ، فإن تحويل بعضها إلى بعض يصبح أمرا مستطاعا وعند ما يقوم الكيميائى بهذا التحويل فإنه يؤدى فى وقت قصير ما تؤديه الطبيعة فى وقت طويل (٢).

ولقد توصل جابر إلى نظريات تثبت عبقريته ، منها النظرية التى تقول بأن الاتحاد الكيميائى يكون باتصال ذرات العناصر المتفاعلة بعضها ببعض ونظرية جابر هذه لا تختلف كثيرا عن النظرية الذرية التى وضعت بعد ذلك بألف عام.

لقد ترجمت كتب جابر إلى اللاتينية ، وظلت أهم مرجع فى علم الكيمياء زهاء ألف عام ، وكانت مصنفاته ، وضع دراسة مشاهير علماء الغرب ، ومنهم من أنصف جابر وأشاد بأعماله ومنهم من أثار الشك والريبة حول جهوده بل أنكر

__________________

(١) Hitti : Hist of the Arabs pp.٠٨٣ ـ ١٠٣.

(٢) زكى نجيب محمود : جابر بن حيان : ص ٢٤٧.


وجوده ، وقالوا لا يمكن أن تكون كتب جابر وما تحويه من معلومات قيمة من وضع رجل عاش فى القرن الثانى الهجرى (١).

والحق أن جابر كيمائى العرب الأول ، فهو أول من بحث فى علم الكيمياء ولقد أصاب من ارتفاع المكانة وفخامة الثراء وبعد الصيت ما جعله موضع التقدير وقال عنه القفطى (٢) ، كان متقدما فى العلوم الطبيعية بارعا منها فى صناعة الكيمياء ، وله فيها تآليف كثيرة ، ومصنفات مشهورة ، وكان لا يقبل تعليم أحد الكيمياء إلا إذا اطمأن إليه اطمئنانا كاملا على مقدرته العلمية وحسن استعداده وعلى حد قوله : أعلم أن من المفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بنى نوعنا ، وألا نكتمه عن أهله (٣) لأن وضع الأشياء فى مجالها من الأمور الواجبة ، ولأن فى إذاعته خراب العالم وفى كتمانه تضيعا لهم ، ويذكرون أن الكيمياء عناء الدهر (٤).

وينسب إلى جابر بن حيان عدد كبيرا جدا من الكتب والرسائل يدور كثير منها حول الكيمياء والوسائل التى يستطيع بها الكيمياوى أن يبدل طبائع الأشياء تبديلا يحولها بعضها إلى بعض ، وذلك أما بحذف بعض خصائصها أو بإضافة خصائص جديدة إليها ، لانه إن كانت الأشياء كلها ترتد إلى أصل واحد ، كان تنوعها راجعا إلى اختلاط فى نسب المقادير التى دخلت فى تكوينها ، فليس الذهب ـ مثلا ـ يختلف عن الفضة فى الأساس والجوهر ، بل هما مختلفان فى نسبة المزج ، فإما زيادة هنا أو نقصان هناك ، وواجب الكيميائى تحليل كل منهما تحليلا يهديه إلى تلك النسبة ، كما هى قائمة فى كل منهما (٥).

وكان ابن حيان يرى أن العالم فى استطاعته أن يجاوز الطبيعة إلى ما وراءها

__________________

(١) دائرة المعارف الإسلامية (جابر بن حيان).

(٢) عبد الحلم منتصر ، تاريخ العلم عند العرب ص ١٦٢ ـ ١٦٤.

(٣) القفطى : إخبار العلماء ص ٢٢٠.

(٤) زكى نجيب محمود : جابر بن حيان ص ٤٥ ـ ٤٦.

(٥) دائرة المعارف الإسلامية.


بالبحث العلمى المجرد ، وهذا ييسر له استخراج كوامن الطبيعة ، ففى وسع الباحث العلمى أن يلتمس طريقه إلى تحقيق غايته فى الوصول إلى الحقيقة العلمية (١).

والواقع أن جابر ينفرد أو يسبق غيره فى المنهج العلمى ، فهو حريص على أن يقصر نفسه على مشاهداته المستندة إلى التجربة التى تثبت صحتها ، وكان لا يعتمد على أقوال الغير ما لم تؤيدها التجربة التى يجربها هو ، ولا يعتمد على ما توصل إليه غيره من نتائج علمية إلا إذا كانوا ثقات مشهود لهم بأمانتهم العلمية.

ومذهب ابن حيان العلمى يسير فى ثلاث خطوات ، الأولى أن يفترض العالم فرضا ليفسر الظاهرة المراد تفسيرها ، والثانية أن يستنبط من هذا الفرض نتائج تترتب عليه ، والثالثة أن يطابق هذه النتائج على الواقع فإن صدقت تحول الفرض إلى قانون علمى (٢).

ويرى ابن حيان أن العالم يجب أن يكون مثابرا فى جهوده العلمية التى تهدف إلى الكشف عن الحقيقة مهما كلفه هذا البحث من عناء وجهد ، ويؤكد ابن حيان أنه لا نجاح فى عمل علمى إلا إذا كان مسبوقا بعلم يتبعه التجربة ثم التطبيق (٣).

ويرى جابر بن حيان أن أول ما كان فى الأزل هو العناصر الأولية الأربعة الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة ، فهذه هى أوائل الأمهات البسائط كما يسميها ، ثم طرأت على هذه البسائط حركة وسكون فتكون منها تركيبات متنوعة ، ولو لا الحركة والسكون لظلت تلك الأصول الأولى مستقلا بعضها عن بعض كل منها خالص لنفسه.

ومن هذه الأصول الأربعة الأولى الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة نشأت أربعة عناصر ، وذلك بإجتماع تلك الأصول بعضها ببعض أثنين أثنين. فقد اجتمع

__________________

(١) زكى نجيب محمود : جابر بن حيان ، ص ٥٢ وما بعده.

(٢) زكى نجيب محمود ، جابر بن حيان ص ٦٤.

(٣) القفطى : أخبار العلماء ص ٢٢٣.


الحار واليابس فنشأت النار واجتمع الحار والرطب فنشأ الهواء ، واجتمع البادر واليابس فنشأ الأرض ، واجتمع البارد والرطب فنشأ الماء ، وفصول السنة أربعة تقابل تلك العناصر الأربعة فالصيف يقابل النار ، والربيع يقابل الهواء ، والشتاء يقابل الماء والخريف يقابل الأرض (١).

وجابر بن حيان تلميذ الإمام جعفر الصادق المتوفى سنة ١٤٨ ه‍ وأول ما تشير إليه مؤلفاته مسائل تتعلق بتاريخ الدين ، فكما أن أصحاب الكيمياء القدامى من اليونانيين مزجوا تعاليمهم بمذاهب العرفان وغيرها من أراء المسيحية ، فقد ظهرت شيعية جابر فى كتاباته فى تاريخ الدين فيشير إلى أن مفاتيح العلم اليونانى فى أيدى الأئمة المعصومين من ذرية على بن أبى طالب.

وبعد دراساته لتاريخ الدين يتناول الكيمياء ثم الطب ثم الفلك والسحر (الطلمسات) وعلم الخواص أى القوى الباطنة فى بطون الأشياء الطبيعية وعلم الكون أى تكوين الأحياء بطرق صناعية وترجع أهمية مصنفات جابر بن حيان إلى أنها تمكننا من التعرف على جوانب كبيرة من العلوم اليونانية التى فقد الكثير منها ، ويروى عن كتب أفلاطون وأرسطو وجالينوس ، وأقليدس وبطليموس وأرشميدس وغيرهم ، ويأخذ عن ترجمات حنين بن إسحاق ، وأبنه إسحاق وتلاميذهما (٢)

* * *

كذلك شهدت بغداد دراسات مستفيضة فى علم الحيوان وعلم النبات وممن عكفوا على دراسة الحيوان ، الجاحظ فى كتابه (الحيوان) وصف فيه الكثير من أنواع الحيوان من طير ووحش وأسماك وحشرات وزواحف وثدبيات وما إليها.

ولقد أهتم هؤلاء العلماء بالشكل العام للحيوان وما نسميه الآن سلوك الحيوان.

أما علم النبات فقد شغف العرب بدراسته لأن معظم العقاقير التى كانت تستخدم فى العلاج من النبات أو خلاصات نباتيه حتى أن الأطباء كانوا يعرفون بالعشابين.

__________________

(١) دائرة المعارف الإسلامية (جابر بن حيان).

(٢) انظر دائرة المعارف الإسلامية (جابر بن حيان).


ولقد درس جابر بن حيان الحيوان والنبات وقسم الحيوان إلى أربعة أقسام ، وكل من هذه الأقسام مؤلف من نفس وجوهر وحرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة محصورة كلها فى مكان وفى زمان ، والإنسان يزيد عن أنواع الحيوانات الأخرى بما خصه الله من العقل (١).

ويقول جابر عن النبات أنه يختلف عن الحيوان فى شيئين : وهما النفس والعقل ويقارن بين الحيوان والنبات من حيث تركيب كل منهما ، وكذلك يوازن بين الحيوان والنبات من حيث الطبائع ويجد هنا تشابها بينهما ، فى أن كلا منهما ينقسم ثلاثة أقسام فى مراحله التطورية ، وهى الأول والبليد والزكى المرحلة التى تتمثل فى النبات ، ومرحلة الشعور تتمثل فى الحيوان الذى يشعر ويكون على وعى بأنه شاعر (٢).

أما كتاب الحيوان للجاحظ لم يكتف فيه بدراسة الحيوانات فحسب ، بل ظهر ميلا نحو دراسة الحشرات والمخلوقات المتناهية فى الصغر ، وفى هذا الكتاب نظريات علمية وأدب ونقد ، فهو لذلك من كتب علم الأخلاق وهو العلم الذى أوحده الجاحظ.

علم الموسيقى :

تقدم فن الموسيقى فى بغداد فى العصر العباسى الأول ، فازدحمت قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة بالموسيقيين والقبان ، وأنعم عليهم ، وحصلوا على الجوائز السنية والصلات الكبيرة.

وكان الفنانون الكبار يساعدهم فى الغناء الآلاتى والقبئة والقيان يتعلمن على الفنانين الكبار ورأينا أن إسحاق الموصلى كان يدرب القيان على الغناء بأثمان باهظة.

ذكرنا أن من أبرز الموسيقيين فى بغداد إسحاق الموصلى ، ويبدو أن الخليل بن أحمد ـ وهو من أشهر علماء عصره ـ أول من كتب الرسائل العلمية الحقة فى

__________________

(١) زكى نجيب محمود. جابر بن حيان ص ١٧٨.

(٢) القفطى : إخبار العلماء ص ٢٢٥.


علم الموسيقى فى كتابيه «النغم» و «الإيقاع» ولكن أهم كتب الموسيقى فى الفترة التى نكتب عنها رسائل الكندى ، وينسب إليه ما لا يقل عن سبع رسائل ، وتوضح رسائل الكندى دقة فنانى العصر النظرية والعملية فى الموسيقى كما نحصل فيها على نظريات مأخوذة من الموسيقيين اليونانيين وكتب جامعوا الأغانى مثل يحيى المكى وأحمد بن يحيى المكى وإسحاق الموصلى كتبا عديدة فى الموسيقى ، وجمع إسحاق ما يقرب من ١٢ من سير الموسيقيين المشهورين (١).

وكثرت المناقشات بين كبار الفنانين وعلماء الموسيقى فى الموسيقى العلمية حتى أمام الخلفاء حول الإيقاعات واستعمال الآلات والأصابع على الآلات وابتداع الألحان وتطبيقها ، وشاعت الأعواد فى ذلك العصر والطنبور والمزامير والطبل والدف ـ وكان فى المرتبة الثانية بعد العود (٢).

وأصبح إبراهيم بن المهدى زعيم الحركة الموسيقية الإبداعية (الرومانتيكية) ، الفارسية ، فبدأ بذلك صراع بين هذه المدرسة ومدرسة إسحاق الموصلى الذى تمثل المدرسة التقليدية العربية القديمة. وكان صوت إبراهيم بن المهدى رائعا ذا قوة هائلة ، وكان عالما موسيقيا وعازفا على الآلات من أعلم الناس بالوتر والنغم والإيقاعات (٣).

على أن إسحاق الموصلى كان أعظم الموسيقيين فى الإسلام من معلومات ، كان عازفا رائعا ، أخضع نظريات الفن الموسيقى المتضاربة لنظام واضح.

ويحتمل أن حنين بن إسحاق قد ترجم بعض الكتب الإغريقية فى الموسيقى إلى العربية ، وكان الكندى كثير التأليف ومن كتبه رسالته الكبرى الموسيقى وكتاب رسالته فى الإيقاع وكتاب رسالته فى المدخل إلى صناعة الموسيقى ، ومختصر الموسيقى فى تأليف النغم وصفة العود (٤).

__________________

(١) فارمر : تاريخ الموسيقى العربية ص ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ١٤٢.

(٢) انظر كتاب الأغانى.

(٣) انظر الحياة الإجتماعية فى بغداد للدكتور عصام عبد الرءوف

(٤) فارمر ، تاريخ الموسيقى العربية ٢٥٥ ـ ٢٥٦.


وكان أبناء موسى بن شاكر من أشهر علماء عصرهم وألفوا كتبا عن الموسيقى منها ، كتاب الآلات الموسيقية الآلية.

* * *

وصفوة القول أن الحركة الفكرية فى بغداد فى العصر العباسى الأول يمكن أن نعتبرها بحق خلاصة للثقافة العالمية فى ذلك العصر ، فأضافت إلى أصالتها العربية ثقافة الفرس والهنود والإغريق وأهل الذمة تأثرت الثقافة العربية فى بغداد بالأدب الفارسى فى مجالات شتى ، ومن أدب التوقيعات ، حيث دأب ملوك الفرس على التوقيع على شكاوى الناس بأسلوب يتجلى فيه البلاغة ودقة التعبير والحكمة المفيدة ، وقد أخذ العباسيون ذلك عن الفرس ، ولا سيما أن أكثر كتاب بغداد كانوا فرسا ، ونشأ فيما بعد ديوان التوقيع (١).

ولما كان الفرس الذين انتقلوا إلى بغداد بعد تأسيسها شغوفين بالثقافة والأدب ، فقد أقبلوا على التدوين والتأليف مستندين إلى تراثهم الفارسى الزاخر ، وكانت تصنيفاتهم بالعربية لأنهم نشأوا فى البيئة العربية ، وتأثروا بها ، وأصبحوا عربا بيئة ومربى ، ويرجع إلي كثير منهم فضل السبق فى تصنيف الكتب وتدوين العلوم المختلفة ، منهم أبو حنيفة النعمان وحماد الراوية والكسائى والفراء وأبو العتاهية وابن قتيبة.

وعلى ذلك فقد أثرت الثقافة الفارسية فى بغداد ، وتجلى ذلك فى الشعر والأدب والحكم والقصص والموسيقى والغناء والكلام والعقائد (٢) كما كان لها أثر بالغ فى اللغة العربية فقد دخلت ألفاظ فارسية إلى العربية ، كما ترجمت كتب فارسية فى علوم النجوم والهندسة والجغرافيا والتاريخ والسير فترجم عبد الله بن المقفع كتاب خذ ينامه وسماه تاريخ ملوك الفرس وترجم كتاب آبين تامه ، وهو

__________________

(١) حسن أحمد محمود : العالم الإسلامى فى العصر العباسى ص ٢٤٧.

(٢) المصدر السابق ص ٢٤٨.


وصف نظم الفرس وتقاليدهم وعرفهم كما ترجم كتاب مزدك وكتاب التاج فى سيرة أنوشروان وكتاب الأدب الكبير والأدب الصغير وكتاب اليتيمة وكتاب كليله ودمنة كما ترجمت من الفارسية إلى العربية كتاب سير ملوك الفرس ترجمه محمد بن الجهم البرمكى ، وترجم جبلة بن سالم كتاب رستم واسفندبار وكتاب بهرام جور إلى غير ذلك من الكتب الدينية والقصصية (١).

كذلك تأثرت بغداد بالثقافة الهندية ، وذلك بانضمام السند إلى الدولة الإسلامية منذ العهد الأموى. كما أن الفرس ساهموا فى نقل الثقافة الهندية إلى العربية لقوة أواصر الصلة التى كانت تربطهم بالهنود منذ وقت طويل ، فترجمت إلى العربية كتب هندية فى الإلهيات والرياضيات والأدب ، وقد تأثرت قصص ألف ليلة بأفكار الهنود من تناسخ الأرواح ، على أن الثقافة العربية قد أفادت من الهنود فائدة كبيرة من مجالات الفلك والرياضة ، فقد وفد بعض علماء الرياضيات الهنود إلى بغداد فى عهد المنصور ، وترجموا بعض كتب الهند فى الفلك ، وقد أخذ العرب بعض الاصطلاحات الهندية فى الرياضة من الهنود ، وأقتبسوا الكثير من نظريات الهنود فى الحساب والهندسة ، كما وفد إلى بغداد بعض الأطباء الهنود ، واعتمد عليهم الخلفاء ورجال الدولة وتأثر الأدب العربى بالأداب الهندية وأدخلت بعض الألفاظ الهندية فى الأدب العربى. كما شغف العرب بالقصص الهندية ، وكان أصل كليلة ودمنة ـ كما هو معروف ـ هندى ترجم إلى الفارسية ، ومن الفارسية إلى العربية وكانت حكمة الهند أقرب إلى روح العرب وأحب إلى أذواقهم ، وامتلأت الكتب العربية بالكثير من الحكم الهندية لعمق فكرتها كما ترجمت إلى العربية كتب هندية فى الإسحار والأحاديث والقصص الخيالية (٢).

ومما لا شك فيه أن العرب تأثروا بالثقافة الإغريقية فى مجالات شتى فقد أفاد العرب من مراكز الثقافة الإغريقية فى جند يسابور وحران والإسكندرية فأخذ

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٣٤١ ـ ٣٤٢.

(٢) حسن أحمد محمود ، العالم الإسلامى فى العصر العباسى ص ٢٧٨.


المفكرون العرب المنطق عن اليونان. وأعتمدوا عليه اعتمادا كبيرا فى البحث والدراسة والمناقشة والجدل وتوضيح البرهان ومنطق أرسطو هو الذى اعتمد عليه العرب دون غيره ، وأتضح ذلك فى التبويب والترتيب وتقسيم الموضوعات وذكر الأمثلة والأحكام ، واستخدام القياس فى النحو ، والفقه والفلسفة معتمدا بالدرجة الأولى على المنطق.

كذلك تأثرت الثقافة العربية بالفكر اليونانى فى علوم الطب والفلك والجغرافيا والكلام والموسيقى ، وأثرت الأفلاطونية فى التصوف (١).

وكان للثقافة اليونانية أثر كبير فى بغداد ، ذلك لأن اتصال المسلمين بها صاحب عصر تدوين العلوم العربية. فتسربت الثقافة اليونانية إليها ، وصيغتها بصيغة خاصة ، على أن العرب استفادوا من الثقافة اليونانية فى المجالات التى تهمهم فقط ، فأخذوا ما أخذوا عنهم ثم بنوا عليه ورادوا فيه وابتكروا واقتصر اقتباسهم من الثقافة اليونانية على ما يلائم الحياة الإسلامية ولا يتعارض معها ، وأهملوا وتركوا كل ما يتعارض مع الدين الإسلامى والتقاليد العربية (٢) عنى المسلمون بنقل تاريخ بنى إسرائيل وأنبيائهم ، كما فعل ابن قتبية فى كتابه المعارف. وقد ثبت بما لا بدع مجالا للشك أن كثيرا مما نقل عن تاريخ بنى إسرائيل ينقصه الدقة ، وتظهر فيه الأساطير والمبالغات ، ذلك أن الروايات التى نقلت عنهم ، كثيرا من رواتها من العوام ، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن بعض قصص ألف ليلة وليلة من أصل يهودى ، ومهما يكن من أمر فقد تسربت بعض جوانب الثقافة اليهودية إلى الفكر العربى ، بعضها أخذ عن أهل العلم بالكتاب ، وبعضها عن العوام (٣).

كذلك ظهر أثر الثقافة المسيحية فى بغداد ، وقد أوردت الكتب العربية شيئا كثيرا منها كرسالة الجاحظ فى الرد على النصارى حول بعض عقائدهم.

__________________

(١) أحمد أمين ، ضحى الإسلام ج ١ ص ٢٧٥.

(٢) أحمد أمين ، ضحى الإسلام ج ١ ص ٣٧٨.

(٣) المصدر السابق ج ١ ص ٣٣٨.


وأدى دخول الكثير من اليهود والنصارى ، ودراستهم للغة العربية والدين واندماجهم فى الحياة العربية ، إلى إدخال بعض آرائهم وأفكارهم فى الفكر العربى ، وتجلى ذلك فى التفسير والحديث والمذاهب الدينية ، والعادات والتقاليد ، وأنهما كانا عنصرين من عناصر الثقافة العامة فى ذلك العصر (١).

ومع سقوط الخلافة العباسية على يد هولاكو ثم تقلدها الأتراك وهذا ما تناوله الكتاب بصفة خاصة.

وصاحب هذا العمل الذى نقدمه للمكتبة العربية هو سليمان بن صالح الدخيل ، فاضل من الكتاب ، ولد فى القصيم بنجد ١٢٩٤ ه‍ / ١٨٧٧ م وسكن بغداد وتتلمذ للسيد محمود شكرى الآلوسى ، وطاف فى كثير من بلاد العرب والهند ، وكان واسع الأطلاع على أحوال العرب المعاصرين ، وعاداتهم ووقائعهم ، وأنشأ فى بغداد بعد خلع السلطان عبد الحميد ١٩٠٨ م جريدة الرياض «أسبوعيه فاستمرت إلى ١٩١٤ م» وأصدر «مجلة» فلم تعش سوى أربعة أشهر ، وألف عدة كتب منها «العقد المتلائى فى حساب اللآلى» و «تحفة الألباء فى تاريخ الإحساء وكتب مقالات كثيرة فى جريدة ومجلة العرب وبلادهم ، وتولى طبع كتب منها «عنوان المجد» فى تاريخ نجد ، «ونهاية الأدب فى معرفة أنساب العرب» ثم الكتاب الذى بين أيدينا ، مات سنة ١٣٦٤ ه‍ ، ١٩٤٥ م بعد أن ترك لنا ثروة قيمة.

فلهذا حرصت كل الحرص على تقديم هذا العمل الذى يلقى الضوء على قطر من أقطار تاريخنا العربى ، وأسال الله العون والمغفرة يا أرحم الراحمين.

القاهرة فى : ١٤٢٣ ه‍ / ٢٠٠٢ م

الدكتور

محمد زينهم محمد عزب

__________________

(١) المصدر السابق ج ١ ص ٣٥٣.



















١ ـ الخلفاء الراشدون

١ ـ أبو بكر الصديق

١١ ه‍

٦٣٢ م

٢ ـ عمر بن الخطاب

١٣ ه‍

٦٣٤ م

٣ ـ عثمان بن عفان

٢٣ ه‍

٦٤٤ م

٤ ـ على بن أبى طالب

٤٠ ه‍

٦٥٦ م ـ ٦٦١ م

٢ ـ الخلفاء الأمويون

١ ـ معاوية بن أبى سفيان

٤١ ه‍

٦٦١ م

٢ ـ يزيد الأول

٦٠ ه‍

٦٨٠ م

٣ ـ معاوية الثانى

٦٤ ه‍

٦٨٣ م

٤ ـ مروان الأول

٦٤ ه‍

٦٨٣ م

٥ ـ عبد الملك «أبو الخلفاء»

٦٥ ه‍

٦٨٥ م

٦ ـ الوليد الأول

٨٦ ه‍

٧٠٥ م

٧ ـ سليمان

٩٦ ه‍

٧١٥ م

٨ ـ عمر بن عبد العزيز

٩٩ ه‍

٧١٧ م

٩ ـ يزيد الثانى

١٠١ ه‍

٧٢٠ م

١٠ ـ هشام

١٠٥ ه‍

٧٢٤ م

١١ ـ الوليد الثانى

١٢٥ ه‍

٧٤٣ م

١٢ ـ يزيد الثالث

١٢٦ ه‍

٧٤٤ م

١٣ ـ مروان الثانى «الحمار»

١٢٧ ه‍ ـ ١١٣٢ ه‍

٧٤٤ م


٣ ـ الخلفاء العباسيون

من سنة ١٣٢ ه‍ ـ ٦٥٦ ه‍ /٧٥٠ م ـ ١٢٥٨ م

١ ـ أبو العباس عبد الله السفاح

١٣٢ ه‍

٧٥٠ م

٢ ـ أبو جعفر عبد الله المنصور

١٣٦ ه‍

٧٥٤ م

٣ ـ أبو عبد الله محمد المهدى

١٥٨ ه‍

٧٧٥ م

٤ ـ أبو محمد موسى الهادى

١٦٩ ه‍

٧٨٥ م

٥ ـ أبو جعفر هارون الرشيد

١٧٠ ه‍

٧٨٦ م

٦ ـ أبو موسى محمد الأمين

١٩٣ ه‍

٨٠٩ م

٧ ـ أبو جعفر عبد الله المأمون

١٩٨ ه‍

٨١٣ م

٨ ـ أبو إسحاق محمد بن المعتصم بالله

٢١٨ ه‍

٨٣٣ م

٩ ـ أبو جعفر هارون الواثق بالله

٢٢٧ ه‍

٨٤٢ م

١٠ ـ أبو الفضل جعفر المتوكل على الله

٢٣٢ ه‍

٨٤٧ م

١١ ـ أبو جعفر محمد المنتصر بالله

٢٤٧ ـ

٨٦١ م

١٢ ـ أبو العباس أحمد المستعين بالله

٢٤٨ ه‍

٨٦٢ م

١٣ ـ أبو عبد الله المعتز بالله

٢٥١ ه‍

٨٦٦ م

١٤ ـ أبو إسحاق محمد المهتدى بالله

٢٥٥ ه‍

٨٦٩ م

١٥ ـ أبو العباس أحمد المعتمد على الله

٢٥٦ ه‍

٨٧٠ م

١٦ ـ أبو العباس أحمد المعتضد بالله

٢٧٩ ه‍

٨٩٢ م

١٧ ـ أبو محمد على المكتفى بالله

٢٨٩ ه‍

٩٠٢ م

١٨ ـ أبو الفضل جعفر المقتدر بالله

٢٩٥ ه‍

٩٠٨ م

١٩ ـ أبو منصور محمد القاهر بالله

٣٢٢ ه‍

٩٣٢ م

٢٠ ـ أبو العباس أحمد الراضى بالله

٣٢٥ ه‍

٩٣٤ م


٢١ ـ أبو إسحاق إبراهيم المقتفى بالله

٣٢٩ ه‍

٩٤٠ م

٢٢ ـ أبو القاسم الفضل المطيع بالله

٣٣٣ ه‍

٩٤٦ م

٢٣ ـ أبو بكر عبد الكريم الطائع لله

٣٦٣ ه‍

٩٧٤ م

٢٤ ـ أبو العباس أحمد القادر بالله

٣٦٣ ه‍

٩٧٤ م

٢٥ ـ أبو جعفر عبد الله القائم بالله

٤٢٢ ه‍

٩٩١ م

٢٦ ـ أبو العباس عبد الله المقتدى بأمر الله

٤٦٧ ه‍

١٠٥٧ م

٢٧ ـ أبو العباس المستظهر بالله

٤٨٧ ه‍

١٠٩٤ م

٢٨ ـ أبو منصور فضل المسترشد بالله

٥١٢ ه‍

١١١٨ م

٢٩ ـ أبو جعفر منصور الراشد بالله

٥٢٩ ه‍

١١٣٥ م

٣٠ ـ أبو عبد الله محمد المقتفى لأمر الله

٥٣٠ ه‍

١١٣٦ م

٣١ ـ أبو المظفر يوسف المستنجد بالله

٥٥٥ ه‍

١١٦٠ م

٣٢ ـ أبو محمد الحسن المستضئ بأمر الله

٥٦٦ ه‍

١١٧٠ م

٣٣ ـ أبو العباس أحمد الناصر لدين الله

٥٧٥ ه‍

١١٨٠ م

٣٤ ـ أبو نصر محمد الظاهر بأمر الله

٦٢٢ ه‍

١٢٢٥ م

٣٥ ـ أبو جعفر المنصور المستنصر بالله

٦٢٣ ه‍

١٢٢٦ م

٣٦ ـ أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله

٦٤٠ ه‍ ـ ٦٥٦ ه‍

١٢٤٢ م ـ ١٢٥٨ م



بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

لما كان كثير من أدباء بغداد يتشوقون إلى أخبار ماضيها منذ سقوطها على يد هولاكو إلى يومنا هذا احببت أن اجمع من الكتب القديمة والحديثة ليتحقق أمنية هؤلاء الفضلاء تلبية لطلب مدير (الرياض) أعزه الله فاقول بعد التوكل عليه تعالى وحمده.



الفصل الأول

التهيوء

فى شهر شوال من سنة ٦٥٥ ه‍ (الموافق لشهر تشرين الأول من سنة ١٣٥٧ ميلادية) رحل هولاكو عن حدود همذان (١) نحو مدينة بغداد. وكان فى أيام محاصرته قلاع الملاحدة قد سير رسولا إلى الخليفة العباسى المستعصم بالله (٢) يطلب منه نجدة فأراد أن يسير الخليفة جيشا تلبية لطلبه فلم يقدر إذ لم يمكنه الوزراء والأمراء وقالوا. أن هولاكو رجل صاحب احتيال وخديعة وليس محتاجا إلى نجدتنا وإنما

__________________

(١) بالتحريك والذال معجمة وآخره نون فى الإقليم الرابع وطولها من جهة المغرب ثلاث وسبعون وعرضها ست وثلاثون درجة. قال هشام بن الكلبى : همذان سميت بهمذان بن القلوج بن سام بن نوح عليه‌السلام ، وهمذان وأصبهان أخوان بنى كل واحد منهما بلدة ، ووجد فى بعض كتب السريانيين فى أخبار الملوك والبلدان : إن الذى بنى همذان يقال له كرميس بن حليمون وذكر بعض علماء الفرس أن اسم همذان إنما كان نادمه ومعناه المحبوبة وروى عن شعبة أنه قال : الجبال عسكر وهمذان معمعتها وهى أعذبها ماء وأطيبها هواء

انظر المزيد فى : معجم البلدان ٥ / ٤١٠ ـ ٤١٧.

(٢) هو عبد الله (المستعصم) بن منصور (المستنصر) بن محمد (الظاهر) بن أحمد (الظاهر) من سلالة هارون الرشيد العباسى وكنيته أبو أحمد آخر الخلفاء الدولة العباسية فى العراق. ولد ببغداد سنة ٦٠٩ ه‍ / ١٢١٢ م وولى الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٤٠ ه‍ والدولة فى شيخوختها لم يبق منها للخلفاء غير دار الملك ببغداد فألقى زمام الأمور إلى أمراء القواد واعتمد على وزيره مؤيد الدين ابن العلقمى وكان المغول قد استفحل أمرهم فى أيام سلفه المستنصر ، فكاتب ابن العلقمى قائدهم هولاكو (حفيد جنكيز خان) يشير عليه باحتلال بغداد ، ويعده بالإعانة على الخليفة ، فزحف هولاكو سنة ٦٤٥ ه‍ وخرجت إليه عساكر المستعصم فلم تثبت طويلا ودخل هولاكو بغداد ، فجمع له ابن العلقمى ساداتها ومدرسها وعلماءها فقتلهم عن أخرهم وأبقى الخليفة حيا إلى أن دل على مواضع الأموال والدفائن ثم قتله سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م وبموته


غرضه إخلاء بغداد عن الرجال فيملكها بسهولة فتقاعدوا بسبب هذا الخيال عن ارسال الرجال. ولما فتح هولاكو تلك القلاع أرسل رسولا أخر إلى الخليفة وعاتبه على إهماله تسيير النجدة فشار الوزير (١) فيما يجب أن يفعلوه فقال. لا وجه غير إرضاء هذا الملك الجبار ببذل الأموال والهدايا والتحف له ولخواصه. وعند ما أخذوا فى تجهيز ما يسيرونه من الجواهر والمرصعات والثياب الذهب والفضة والمماليك والجوارى والخيل والبغال والجمال ، قال الدويدار الصغير وأصحابه. أن الوزير إنما يدبر شأن نفسه مع التتر وهو يروم تسليمنا إليهم فلا نمكنه من ذلك فعدل الخليفة بهذا السبب عن تنفيذ الهدايا الكثيرة واقتصر على شئ نزر لا قدر له ؛ فغضب هولاكو وقال : لا بد من مجيئه هو بنفسه أو يسير أحد ثلثة نفر. أما الوزير وأما الدويدار وأما سليمانشاه.

فتقدم الخليفة إليهم بالمضى فلم يركنوا إلى قوله فسير

__________________

انقرضت دولة بنى العباس فى العراق وعدة خلفائها ٣٧ ، ملكوا مدة ٥٢٤ سنه.

انظر المزيد فى : تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٢ ، فوات الوفيات ١ / ٢٣٧ ، النجوم الزاهرة ٧ / ٦٣ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٥٣٦.

(١) هو محمد بن أحمد (أو محمد بن محمد بن أحمد) بن على أبو طالب مؤيد الدين الأسدى العلقمى البغدادى وزير المستعصم العباسى وصاحب الجريمة النكراء فى ممالأة «هولاكو» على غزو بغداد ، فى رواية أكثر المؤرخين ، اشتغل فى صباه بالأدب ، وارتقى إلى رتبة الوزارة سنة ٦٢٤ ه‍ / فوليها أربعة عشر عاما.

ووثق به «المستعصم» فألقى إليه زمام أموره. وكان حازما خبيرا بسياسة الملك ، كاتبا فصيح الإنشاء ، اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد وصنف له الصنعانى «العباب» وابن أبى الحديد «شرح نهج البلاغة» ونفى عنه بعض ثقات المؤرخين خبر المخامرة على المستعصم حين أغار هولاكو على بغداد سنة ٦٥٦ ه‍ وانفق أكثرهم على أنه مالأة وولى له الوزارة مدة قصيرة ومات سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م ودفن فى مشهد موسى بن جعفر (الكاظمية) ببغداد وخلفه فى الوزارة ابنه عز الدين «محمد بن محمد بن أحمد» ، وكان مولده سنة ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٧ م.

انظر المزيد فى : الفخرى ٩٥ ، البداية والنهاية ١٣ / ٢١٢ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٧٢ ، الوافى بالوفيات ١ / ١٨٥ ، تاريخ الخميس ٢ / ٣٧٧ ، مرأة الجنان ٤ / ١٤٧ ، تاريخ ابن الوردى ٢ / ٢٠١.


غيرهم مثل ابن الجوزى (١) وابن محيى الدين (٢) فلم يجديا عنه. وأمر هولاكو بايجونوين وسونجاق نوين ليتوجها فى مقدمته على طريق أربل وتوجه هو على طريق حلوان وخرج الدويدار من بغداد ونزل قريبا من بعقوبا ولما بلغه أن بايجونوين عبر دجلة ونزل بالجانب الغربى ظن أن هولاكو قد نزل هناك فرحل عن بعقوبا ونزل بحيال بايجونوين ولقى يزك المغول أميرا من أمراء الخليفة يقال له «ايبك الحلبى) فحملوه إلى هولاكو فأمنه أن تكلم بالصحيح طيب قلبه فصار يسير أمام العسكر. ويهديهم وكتب كتابا إلى بعض أصحابه يقول لهم.

ارحمو أرواحكم واطلبا الأمان لأن لا طاقة لكم بهذه الجيوش الجرارة فأجابوه بكتاب يقولون فيه. من يكون هولاكو وما قدرته ببيت عباس. من الله ملكهم.

__________________

(١) هو الإمام العلامة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن على بن عبد الله القرشى البكرى الصديقى البغدادى الحنبلى الواعظ. صاحب التصانيف السائرة فى فنون العلم ، وعرف جدهم لجوزة كانت فى دارهم لم يكن بواسط سواها. ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها. وسمع فى سنة تسع عشرة من ابن الحصين وأبى غالب بن البناء وخلق عدتهم سبعة وثمانون نفسا. وكتب بخطه الكثير جدا ، ووعظ من سنة عشرين إلى أن مات. حدث عنه بالإجازة الفخر على ، وغيره. وله : «زاد المسير» فى التفسير ، و «جامع المسانيد» و «المغنى» فى علوم القرآن ، و «تذكرة الأريب» فى اللغة و «الوجوه والنظائر» و «مشكل الصحاح» و «الموضوعات» و «الواهيات» و «الضعفاء» و «تلقيح فهوم الأثر» و «المنتظم» فى التاريخ وأشياء يطول شرحها. وما علمت أحدا من العلماء صنف ما صنف. وحصل له من الخطوة فى الوعظ ما لم يحصل لأحد قط ، قيل إنه حضره فى بعض المجالس مائة ألف وحضره ملوك ووزراء وخلفاء وقال : كتبت بأصبعى ألفى مجلد ، وتاب على يدى مائة ألف وأسلم على يدى عشرون ألفا. مات سنة ٥٩٧ ه‍.

انظر المزيد فى : انباه الرواة ٢ / ١٦٢ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣١٩ ، بغية الوعاة ٢ / ٨١ ، تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٤٨ ، الديباج المذهب ١٥٠ ، الرسالة المستطرفة ١٠٧ ، شذرات الذهب ٤ / ٢٧١ ، طبقات القراء لابن الجزرى ١ / ٣٧١ ، طبقات المفسرين للداودى ١ / ٢٦٦ ، العبر ٤ / ٢٤٤ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٢٢ ، نكت الهميان ١٨٧ ، وفيات الأعيان ١ / ٢٨٠.

(٢) هو محمد بن على بن محمد بن العربى أبو بكر الحاتمى الطائى الأندلسى المعروف بمحيى الدين بن العربى الملقب بالشيخ الأكبر ، فيلسوف من أئمة المتكلمين فى كل علم ، ولد فى مرسيه بالأندلس سنة ٥٦٠ ه‍ / ١١٦٥ م ومات سنة ٦٣٨ ه‍ / ١٢٤٠ م ، له عدة مصنفات منها «الفتوحات المكية» و «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخبار» ، و «عنقاء مغرب» وغيرهم.

انظر المزيد فى : فوات الوفيات ٢ / ٢٤١ ، جذوة الأقتباس ١٧٥ ، مفتاح السعادة ١ / ١٨٧.


ولا يفلح من يعاديهم ويعاندهم ولو أراد هولاكو الصلح لما داس أرض الخليفة ولما أفسد فيها. والآن إن كان يختار المصلحة فليعد إلى همذان ونحن نتوسل بالدويدار ليخضع لأمير المؤمنين متخشعا فى هذا الأمر لعله يعفو عن هفوة هولاكو.

فلما عرض أيبك الكتاب على هولاكو ضحك هذا واستدل به على غباونهم وغفلتهم ثم سمع الدويدار أن التتر قد توجهوا نحو الأنبار فسار إليهم ولقى عسكر الدويدار فاقتتلوا قتالا شديدا وانجلت الحرب عن كسرة الدويدار فقتل أكثر عسكره ونجا هو فى نفر قليل من أصحابه وفر حتى دخل بغداد.


الفصل الثانى

هولاكو على باب بغداد

وفى منتصف شهر المحرم من سنة ٦٥٦ ه‍ (الموافق لشهر كانون الثانى سنة ١٢٥٨ مسيحية) نزل هولاكو بنفسه على باب بغداد ، وفى يوم وليلة بنى المغول بالجانب الشرقى سورا عاليا وبنى بوقاتيمور. وسونجاق نوين. وبايجو نوين بالجانب الغربى كذلك وحفروا خندقا عميقا داخل السور ونصبوا المنجنيقات بإزاء سور بغداد من جميع الجوانب ورتبوا العرادات وآلات النفط. وكان بدء القتال ثانى وعشرين محرم (٣٠ كانون الثانى).

فلما عاين الخليفة العجز فى نفسه والخذلان من أصحابه أرسل صاحب ديوانه وابن درنوش إلى خدمة هولاكو ومعهما تحف نزرة. قالوا : إن سيرنا الكثير يقول قد هلعوا وجزعوا كثيرا. فقال هولاكو. لم ما جاء الدويدار وسليمانشاه فسير الخليفة وزيره مؤيد الدين ابن (العلقمى) وقال. أنت طلبت أحد الثلاثة وها أنا قد سيرت إليك الوزير وهو أكبرهم. فاجاب هولاكو. اننى لما كنت مقيما بنواحى همذان طلبت أحد الثلاثة والآن لم أقنع بواحد.

وجد المغول بالقتال بازاء برج العجمى (برج العجمى أو برج العجم كان معروفا إلى عهد السلطان مراد الرابع فاتح بغداد لأن التاريخ يذكر أن السلطان المذكور أمر ببناء ثلاثة ابراج شاهقة عميقة الأسس فى داخل الثكنة قريبا من الباب الأبيض فى المحل المشهور باسم تل ذى الفقار بازاء برج العجم ، أما اليوم فلا نرى برجا من هذه البروج كلها ولا نعرف موقعها) وبوقاتيمور من الجانب


الغربى حيث المقابلة وسونجاق نوين وبايجو نوين من جانب البيمارستان العضدى.

وأمر هولاكو البتيكتجية (أى الكتاب) ليكتبوا على السهام بالعربية (إن الأركاونية) أى الذين بيدهم القلاع والعلويين والداذنشمديه (أى كبار السادة) وبالجملة كل من ليس يقاتل فهو آمن على نفسه وحريمه وأمواله وكانوا يرمونها إلى المدينة.

واشتد القتال على بغداد من جميع الجوانب إلى اليوم السادس والعشرين من محرم.


الفصل الثالث

تملك المغول على بغداد

فى ٢٦ محرم (ـ ٣ شباط ١٢٥٧ ه‍) ملك المغول الأسوار وكان الإبتداء من برج العجمى واحتفظ المغول الشط ليلا ونهارا مستيقضين لئلا ينحدر فيه أحد ، وأمر هولاكو أن يخرج إليه الدويدار وسليمانشاه. وأما الخليفة أن أختار الخروج فليخرج والا فليلزم مكانه فخرج الدويدار وسليمانشاه ومعهما جماعة من الأكابر.

ثم عاد الدويدار من الطريق بحجة أنه يرجع ويمنع المقاتلين الكامنين بالدروب والأزقة لئلا يقتلوا أحدا من المغول فرجع وخرج من الغد وقتل.

وعامة أهل بغداد أرسلوا شرف الدين المراغى وشهاب الدين الزنكانى لياخذا لهم الأمان ولما رأى الخليفة أن لا بد من الخروج أراد أو لم يرد استاذن هولاكو بأن يحضر بين يديه فاذن له وخرج رابع صفر (١١ شباط) ومعه أولاده وأهله.

فتقدم هولاكو أن ينزلوه بباب كلواذى وشرع العساكر فى نهب بغداد ودخل بنفسه إلى بغداد ليشاهد دار الخليفة وتقدم باحضار الخليفة فاحضروه ومثل بين يديه وقدم جواهر نفيسة ولألئ ودررا معبأة فى أطباق ، ففرق هولاكو جميعها على الأمراء وعند المساء خرج إلى منزله وأمر الخليفة أن يفرز جميع النساء التى باشرهن هو وبنوه ويعزلهن عن غيرهن ففعل فكن سبعمائة امرأة فاخرجهن ومعهن ثلثمائة خادم خصى وبقى النهب يعمل إلى سبعة أيام ثم رفعوا السيف وبطلوا السبى.

وفى رابع عشر صفر (٢١ شباط سنة ١٢٥٨ ه‍) رحل هولاكو من بغداد


الفصل الرابع

قتل الخليفة المستعصم وانقراض دولة بنى العباس

وفى أول مرحلة من سفر هولاكو قتل الخليفة المستعصم وابنه الأوسط مع ستة نفر من الخصيان بالليل وقتل ابنه الكبير ومعه جماعة من الخواص على باب كلواذى.

وبموت الخليفة المستعصم وأولاده انقرضت دولة بنى العباس ، وكانت مدة خلافة المستعصم ١٦ سنة تقريبا وكانت مدة ملك العباسيين ٥٢٤ سنة هجرية وعدة خلفائهم ٣٧ خليفة (إلى هنا عن تاريخ ابن العبرى (١) بتصرف قليل).

__________________

(١) هو غريغورس واسمه فى الولادة يوحنا بن أهرون أو هارون بن توما الملطى أبو الفرج المعروف بابن العبرى مؤرخ سريانى مستعرب من نصارى اليعاقبة ، ولد سنة ٦٢٣ ه‍ / ١٢٢٦ م فى ملطية (من ولاية ديار بكر) وفر مع أبيه إلى أنطاكية سنة ١٢٤٣ م بسبب هجوم التتار فتعلم العربية والطب ، واشتغل بالفلسفة واللاهوت. وتنقل فى البلدان وانقطع فى بعض الأديرة ونصب أسقفا على جوباس (من أعمال ملطية) سنة ١٢٦٤ م وسمى «غريغويوس» ثم كان أسقفا لليعاقبة فى حلب وارتقى إلى رتبة «جاثليق» على كرسى المشرق سنة ١٢٦٤ م (والجاثليق رياسة رؤساء الكهنة السرياينين فى بلاد المشرق العراق وفارس وما إليهما ويقال لصاحبه هذه الرتبة عند رجال الكنيسة المفريان) وتوفى فى مراغة باذربيجان سنة ٦٨٥ ه‍ / ١٢٨٦ م ونقلت جثته إلى الموصل فدفنت فى دير مارمتى.

انظر المزيد فى : اللؤلؤ المنثور ٤١١ ـ ٤٣٠.


الفصل الخامس

امحاق سكان بغداد

بعد أن دام القتل والذبح سبعة أيام لم يبق من أهل بغداد إلا القليل ، فالذى استطاع أن ينجوا نجا ومن بقى قتل شر قتلة حتى أمحق أغلب البغداديين. وقد أستبقى القتلة جماعة من الشيعة والنصارى لا غير ومن سكن بغداد من بعد السكان الأصليين قوم جاؤوا مع هولاكو من أقطار شتى ونية اغلبهم السلب والتمول بزمن وجيز كما يجرى مثل هذا الأمر فى الفتوحات والحروب العظيمة.


الفصل السادس

الحكومة فى بغداد بعد فتحها على يد هولاكو

بعد أن فتح هولاكو دار الخلافة العباسية سعى فى تنظيم شؤون حكومتها ففوض عمارة بغداد إلى صاحب الديوان (فخر الدين الدامغانى) والوزير (مؤيد الدين ابن العلقمى) وابن درنوش وكانت الحامية جماعة من فرسان المغول وعددهم ثلاثة آلاف ورئيسهم ايليجكتاى نورين وقرابوغا. وعهد إليها (أى إلى الحامية ورئيسها) الشحنة وما يدخل تحتها من الأمور التى تشابهها.

وارسل بوقاتيمور إلى الحلة (١) ليمتحن أهلها هل هم على الطاعة أم لا ، فتوجه نحوها ورحل عنها إلى مدينة واسط وقتل بها خلقا كثيرا اسبوعا. ثم عاد إلى هولاكو وهو بمقام سباه كوه (أى رئيس الجيوش).

وتلقى عمالة الرساتيق فى شرقى بغداد أحمد بن عمران وكان أحمد هذا خادما لحاكم بعقوبا وفى أيام الحصار سعى فى تمرين جيش هولاكو مدة ١٥ يوما وذلك بأن كشف سر انابير الطعام المخزونة فى السراديب والمطامير التى كانت قريبة من بعقوبا فكافأه هولاكو على عمله هذا الجليل أن إقامه على رساتيق شرقى بغداد.

وأقام نظام الدين عبد المومن قاضى القضاة وانتظم به عقد الحكومة لجديدة وموظفيها ووظائفهم.

أما ابن العلقمى وزير المستعصم سابقا (وكان شيعيا وهو أول من سعى بتل

__________________

(١) قرية مشهورة فى طرف دجيل بغداد من ناحية البرية بينها وبين بغداد ثلاثة فراسخ تنزلها القفول.

انظر : معجم البلدان ٣ / ٣٢٨.


عرش الخلافة العباسية معاداة لأهل السنة) فأنه بعد أن خدم الحكومة الجديدة بمنزلة معاون للحاكم لا بمنزلة وزير لم يتهتأ زمنا طويلا لمنصبه الجديد على حقارته إذ توفى بعد ثلاثة أشهر من سقوط بغداد وابنه شرف الدين أبو القاسم على قام فى منصب ابيه بمنزلة معاون للحاكم.

وبقيت الأمور سائرة على هذا الوجه من النظام والترتيب إلى سنة ٦٦١ ه‍ / ١٢٥٣ م وعامئذ أمر خان المغول بقتل وزيره سيف الدين البتيكتجى وكذلك الخواجه عزيز حاكم بلاد الكرج والخواجا مجد الدين التبريزى. ونصب وزيرا له شمس الدين محمد الجوينى واخاه علاء الدين عطاء الملك حاكما على بغداد وعلى ولايتها.

وعلآء الدين هذا هو صاحب تاريخ فتوحات المغول وقد كتبه باللغة الفارسية ووسمه «بتاريخ جهان كوشاى» ولما كان هذا الرجل عادلا نشر للحال أجنحة السلام والنجاح فى دار السلام. وهو الذى أمر بحفر نهر يدفع فى النجف مياه الفرات. ذلك النهر الذى لما تراكمت فيه الرمال وسدت مجراه بعد قرون فتحه الشاه إسماعيل الصفدى فعرف بوقته بالنهر الشاهى وهو المعروف اليوم بنهر الهندية لأن آصف الدولة أحد أمراء الهند فى لكنهور جاء إلى النجف ورأى قلة الماء هناك فاعاد كرى النهر فسمى بالهندية وذلك سنة ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٩١ م نقلا عن مختصر الدول وروضة الصفاء لميرخند وحبيب السير ومخطوطات دير المبعث.


الفصل السابع

مصير أهل المناصب الجديدة

ومن كان من بعدهم وسلطنة باقابن هولاكو

هلك هولاكو سنة ٦٦٣ ه‍ وعمره ٤٨ سنة فى الليلة التى سبقت نهار الأحد ١٩ ربيع الثانى (ـ ٨ شباط ١٢٦٥ م) وقيل هلك فى سنة ٦٦٤ ه‍ وكان حكيما حليما ذافهم ومعرفة ودهاء يحب الحكماء والعلماء وبعده بقليل اندرجت طقز (خاتون) زوجته وكانت أيضا عظيمة فى رأيها وخبرتها.

وبعد ذلك اجتمعت الأولاد والأمراء والخواتين واتفقوا على أن أبا قابن هولاكو يقعد على كرسى المملكة لأن عنده العقل والكفاية والعلم والدراية ، ولما أقيم على عرش أبيه ابقى شمس الدين محمدا فى منصبه إلا أن محمد الملك اليزدى ابن صفى الملك وزير أتابك يزد سابقا ما زال يقتل من شمس الدين فى الذروة والغارب حتى قتل ذؤابة اباقا فى ما يتعلق بأمر وزيره الأعظم فجاء أباقا بغداد.

ويقال أن فى تلك الأنباء كان عطاء الملك يواصل المصريين مواصلة خفية لغايات سياسية فوشى به إلى سلطان المغول فأمر بأن يغل لأنه لم يثبت عليه ما شاع عنه وإلا لافناه ، وقد بذل أخوه الأموال الطائلة لأنقاذه فلم يفلح فتعهد عطاء الملك أن يدفع للخزانة الأميرية ثلثمائة تومان ذهب والظاهر أن التومان كان يومئذ على غير ما هو الأن لأن الرجل المذكور دفع كل ما يملك وباع جميع نسائه وأولاده ومع ذلك لم يتمكن من أن يدفع المبلغ كله وفى ٤ رمضان سنة ٦٨٠ ه‍ (ـ ٨ كانون الثانى ١٢٨٠ م) أطلقه من السجن.


ومن بعد مضى قليل من الزمن على هذا الحادث توفق مجد الملك إلى دخول بغداد فاعاد الكرة على الحاكم المظلوم واوجب عليه أن يدفع ما بقى فى ذمته أى مائة وثلاثين تومانا ولما لم يستطع عطاء الملك أن يفيها عذب أشد العذاب وجرد من ثيابه وطيف به على هذه الحالة فى المدينة كلها وبينما كان يساق إلى السلطان الذى كان قد ذهب إلى همذان شاع خبر وفاة اباقا إيلخان عند وصول مجد الملك إليها وكان موته فجائيا وكان نصرانيا كأبيه هولاكو.


الفصل الثامن

حادثة جاثليق النساطرة

ومحاولة الإسماعيليين لقتل حاكم بغداد

وقع حدثان فى ذلك العهد ولا شك أنهما وقعا فى أيام حكم عطاء الملك على بغداد وأول هاذين الحدثين أمر جاثليق النساطر فأن هذا الخير كان يقيم فى بغداد منذ مصرت هذه المدينة وجعلت دار خلافة إلا أنه فى سنة ٦٦٨ ه‍ (أى سنة ١٢٦٨ م) رأى نفسه مجبورا أن يغادر العاصمة أثر قبتة وقعت فيها والسبب هو أن الجاثليق المذكور (وكان اسمه دنحا) وقد كان خلفا لسلفه (مكيكا) حبس عنده نسطوريا كان قد أسلم قبل بضع سنوات وأشاع بعض المفسدين من أهل الأهواء أن نية الجاثليق أن يغرقه فى الشط فتجمهر المسلمون مفتتين أمام دار الحكومة فبعث الوالى مرارا إلى الجاثليق طالبا منه أن يسلمه الرجل المحبوس فابى مصرا على بقائه فى قصره فما كان من الرعاع إلا واحرقوا باب دار الجاثليق ورواقه وتسلقوا الجدار ليدخلوا عليه ويقتلوه فلم يعثروا عليه لأن الوالى كان قد وجه إليه رجالا لينقذوه من أيدى الأوباش فنجحوا فى سعيهم وهزموه ببنات الطريق ومن بعد أن نجا اشتكى على أولئك الرعاع أمام ديوان القان لكن سعيه ذهب ادراج الرياح فلما رأى أن لأقبل له بالإقامة فى عاصمة العباسيين عقد النية على تبديل مقامه فذهب وأقام كرسيه الجاثليقى فى اربل.

وأما الحدث الثانى فهو أن بعض الإسماعيلية (١) حاولوا أن يقتلوا والى المدينة فاخفق سعيهم فقبض عليهم ومزقوا اربا اربا فاشاع بعض الرعاع أن هؤلاء الإسماعيلية من النساطرة وقد أرسلهم إلى بغداد جاثليقهم انتقاما منه فكانت هذه

__________________

(١) إحدى الفرق «الشيعه».


الأراجيف مدعاة لحبس الأساقفة والمطارنة وسائر رؤساء خدمة الدين الذين بقوا فى الزوراء ووقئذ إمرقاه اربيل وكان قوتلوق شاه أن يقبض على الجاثليق ويلقى فى السجن ولم يطلق سراحه إلا بعد بضعة اسابيع بأمر صدر من ديوان القان ومنذ ذلك الحين صمم جثالقة النساطرة أن يقيموا فى حرز حريز لا يصل إليهم الأعداء بسهولة فذهبوا ونصبو كرسيهم فى (اشنو) من بلاد آذربيجان.


الفصل التاسع

تملك تكودار اغول وما وقع

فى عهده من الحوادث المشهورة

كان لتكودار اغول بن بوخى اغول اسم آخر إسلامى وهو أحمد وهو أخو أباقا بن قوتاى خاتون وقد رقى عرش المملكة خلفا لأخيه سنة ٦٨١ ه‍ (ـ ١٢٨٢ م) فاعاد إلى الوزارة شمس الدين محمدا وأرجع عطاء الملك إلى وظيفته وظيفة وال فلما انتشر هذا الخبر بين أهل بغداد أقاموا أعيادا دامت أثنا عشر يوما وأصدر القان مرسوما وجهه إلى البغداديين ليبشرهم بإرتقائه إلى عرش المملكة وبإيمانه الصادق ومما جاء فيه ما هذا معناه. أعيدوا إلى المدارس والأوقاف ما تزعتموه منها وكان لها فى عهد الخلفاء العباسيين وليأخذ كل واحد نصيبه مما كان يعود إليه من ريع المساجد والمدارس ؛ فهذا كلام جزيل الفائدة لأنه يدلنا على أن الإضطراب كان عظيما فى المدينة وأنه لم يبق باق على حالته الأولى وإن المغول الكفرة كانوا قد اعتبروا الأوقاف والمدارس العديدة بمنزلة ملك عائد إلى الدولة الفاتحة ولهذا أمر تكودار أغول ما أمر حماية لشوكة الإسلام.

ولما مكنت قدم عطاء الملك من الوقوف على دست الولاية انتقم من عدوه مجد الملك وحكم عليه بأنه ساحرو خائن ولم تكن نيته قتله بل تعذيبه فقط إلا أن خدمه ذهبوا وفسخوه فسخا بدون أن ينتظروا أمرا من سيدهم ووزعوا أعضاءه المفسوخة على النواحى المجاورة وعلقوا رأسه على جسر بغداد.

وتوفى عطاء الملك فى تلك السنة عينها (أى فى ذى الحجة سنة ٦٨١ ه‍ / ٥ آذار سنة ١٢٢٣ م) بداء السكتة عند سماعه أخبار أرغون الذى كان عقد نيته على أن يشدد الخناق عليه وعلى أن ينادى تكودار أخاه الذى شتى فى نواحى بغداد تلك السنة.


الفصل العاشر

انتصار ارغون على أخيه تكودار اغول وأخذه

بغداد وذكراهم ما جرى فى عهده

لما حارب أرغون أخاه أحمد وانتصر عليه سلم عنان دار الخلفاء إلى أخيه بايدو أغول سنة ٦٨٣ ه‍ (١٢٨٤ م) فاستوزر هذا الأمير بوقا الذى نسب إلى شمس الدين محمد بسم باقا ولهذا أمر بقتله وقتل أولاده الثلاثة.

ولقد ظهر تملك أرغون على بغداد والعراق بما بذل من السعى المحمود فى حفر نهر جديد يخرج من الفرات وبدفع ماءه فى سهل كربلآء.

وبعد قتل شمس الدين بقليل أمر القائد أروق أخو بوقا الذى كان وزيرا لأرغون وكان بيده إمرة الجيوش فى العراق العربى فى عهد الأمير بايدو بأن يقتل ابن آخر لشمس الدين واسمه خواجا هارون وكيل الولاية لأنه كان يظنه أنه متفق مع مجد الدين أثير الذى كان قد نسب إلى أروق العبث بأموال الدولة. ثم أن أروق قبض عليه وقتل حالا بعد قتل أخيه بوقا.

وممن اشتهر فى ذلك إلا وأن الطبيب اليهودى سعد الدولة فأنه خلف جلال الدين السمنانى فى الوزارة المالية وكان طبيبا خاصا لأرغون لكنه كان يقيم اعتياديا فى بغداد.

فعلمه طول الإقامة الإطلاع على حالة المال فى الولاية ولما كان واقفا اتم الوقوف على بخل القان المغولى كان يكلمه دائما عما اختلسه وكلاء أروق وحالة واردات الأموال الأميرية وكل ذلك طمعا فى تحويل فكره عن الأشغال المبهمة وانتهى به الأمر أن بين له أنه أغلب أموال الدولة ذهب إلى خزائن أروق ومنها إلى خزائن أخيه بوقا الوزير. ومن جملة الشواهد التى أتى بها دعاما لرأيه ما ذكر


له من هدم عدة مدارس وخانات بل هدم جامع وأخذ موادها لبناء ما قد أمر به أروق المذكور وفى الأخر نجح اليهودى فى دسائسه فعين له رجلان من زعماء الدولة وهما أردو قيان وبيان سكورجى وعهد إلى ثلاثهم أن يفصحوا دواوين الحساب ويقبضوا الواردات. فجمع سعد الدولة من ذلك مبلغا طائلا وسلمه بيد أرغون فلما رأى هذا ما فى هذا الطبيب من الكفاءة والجدارة إقامه مراقبا على دخل المملكة وخزانتها.

فلما بلغ اليهودى هذا المبلغ من علو المرتبة أقام أخاه فخر الدولة ناظرا عاما على مزارع العراق وسائر أقاربه فى وظائف أخرى من وظائف الدولة فى أقطارها المختلفة القريبة من بغداد.

ولما مات أرغون أثر مرض لم يمهله زمنا طويلا جمع سعد الدولة حسنات كثيرة ودفع إلى أهل الجباية فى بغداد ثلاثين ألف دينار من البقايا إلا أن قتل هذا الوزير قلب ظهر المجن لليهود وذلك أن بعض كبار الدولة تأمروا على الفتك بحياته فنجحوا فى مؤامرتهم وكان قتله قبل وفاة أرغون التى وقعت فى ٧ ربيع الأول سنة ٦٩٠ ه‍ (ـ ١٠ آذار سنة ١٢٩١ م) ومنذ ذاك الحين ضيق على اليهود تضييقا عظيما حتى عد ذلك الضيق من أعظم المصائب التى نزلت بهم. وقام المسلمون فى بغداد قومة واحدة وبأيديهم الأسلحة هجموا على اليهود فى محلتهم هجوم الأسد الضرغام إلا أن اليهود كانوا قد استعدوا لهذه الموقعة فدافعوا عن أنفسهم دفاع الأبطال وردوا مهاجميهم على أعقابهم وكان القتل فى الجانبين عظيما جدا (إلى هنا نقلا عن ابن العبرى وذو صون ورصاف وغيرهم).


الفصل الحادى عشر

سلطنة كيخاتو

خلف أرغون كيخاتو على عرش السلطنة إلا أن أمرآء المغول ما عتموا أن كرهوه لكثرة مفاسده وخلعه عذار الحياء فعقدوا النية على تمليك بايدو وقبل أن يستوى هذا على العرش دفع بعض الناس إلى قتل محمد السكوريجى الذى كانت بغداد بيده وما قتل إلا ورفع البغداديون علم العصيان والتمرد ولما رقى بايدو تخت المملكة عين حاكما على بغداد تودواجو أحد أخصائه فصادر سكان المدينة واستنزف أموالهم واعتصرهم إعتصارا لم يسمع بمثله.


الفصل الثانى عشر

تملك غازان أو قازان

قبض غازان على عنان الملك بعد كيخاتو وفى غرة ملكه ضيق الإسلاميون على الذميين تضييقات لايقى وصفها القلم وكان أشد هذه المحن وقع فى نصارى بغداد حتى لم يجسر واحد من الرجال أن يظهر فى الطرق تحث نساؤهم بالذهاب إلى السوق لمشترى الأطعمة لأنهن كن يتزين بزى المسلمات كما أنهن كن يبعن ما يلزم بيعه طلبا للرزق والربح إلا أن المرأة كانت إذا عرفت أنها نصرانية أهنيت أشد الأهانه وضربت ضربا ربما اودى بحياتها.

وممن امتحن بهذه المحنة سائر الذميين من يهود ومجوس وإن لم تكن محنتهم بالدرجة التى وصلت إليهم محنة النصارى.

وفى ذلك العهد أيضا انتشل المسلمون من أيدى النصارى الكنيسة التى كان قد بناها الجاثليق مكيكا فى قصر الدويدار الذى أعطاه أباه هولاكو. وزد على ذلك أنهم نبشوا قبره واستخرجوا رفاته ورفات خلفه دنحا والقوها على الأرص فأسرع النساطرة وتلقفوها ودفنوها فى بيع أخرى من بيعهم (إلى هنا نقلا عن ابن العبرى وذو الصون وشابو وغيرهم).

وأما الخراج الذى كان يؤدي الذميون ولا سيما النصارى عن الأرضين التى ابقيت لهم فكان غازان قد ميز بغداد عن سائر بلاد مملكته فى الأمر لذى اصدره فى شهر رجب من سنة ٧٠٣ ه‍ (ـ شياط سنة ١٣٠٤ م) إذ أوجب فيه على أهل سائر المدن أن يدفعوا الخراج مرة واحدة فى السنة من نوروز الربيع إلى اليوم العشرين منه وأما فى دار الخلفاء فكان يجيى فى أيام الحصاد إلى مدة عشرين يوما.


وكان غازان بشتى فى بغداد ويقضى أيامه فى الصيد فى السهول التى تكتنف المدينة وفى ١٨ ذى القعده من سنه ٦٩٥ ه‍ (ـ ٢٩ ايلول ١٢٩٦ م) غادر جوار مراغة واخذ معه أكابر دولته وذهب بهم على شواطئ دجلة فوصلها بعد ثلاثة أشهر فى شهر كانون الأول وقضى أيام الشتاء وأخذ يتصيد فى العراق وبرحه طالبا همذان فى ١٤ جمادى الأولى سنة ٦٩٦ ه‍ (ـ آذار سنة ١٢٩٧ م) وأمر بأن يقام فى دار الخلفاء كما فى سائر مدن المملكة دور ضيافة سماها (دور السيادة) لانزال السادة أبناء ذرية على بن أبى طالب فى رحابها ومقاصيرها وحبس عليها الأموال الطائلة لنفقتها ونقفة من ينزلها من العلويين.

وفى حين زحفته الثالثة على ديار الشام عبر غازان الفرات إلى الحلة فى ١٠ جمادى الثانية من سنة ٨٠٢ ه‍ (ـ ٣٠ كانون الثانى سنه ١٤٠٣ م) وفى اليوم السادس من عبوره الفرات ذهب لزيارية قتيل كربلاء وعين للسادة لتقيمين بجوار التربة ثلاثة آلاف من الخبز فى اليوم الواحد من ربع الأرضين التى يسقيها النهر الأعلى الذى حفره غازان وكان شقة من الفرات إلى مشهد الحسين ناقلا ماء زلالا إلى بلدة مدفن الحسين وقال ذو الصون فى كتابه تاريخ المغول.

أمر غازان فحفر فى أرض الحلة نهرا يأخذ ماءه من الفرات ويدفعه إلى مرقد الحسين ويروى سهل كربلاء اليابس الفقر. وما جرى الماء إلا وفرش عليها بسلطا أخضر كله محاسن ولبست الأرضون ثيابا سندسية سداها مختلف النبات ولحمنها ألوان الأشجار وكانت غلتها تزيد فى السنة على مائة ألف طغار من الحبوب تفوق حبوب بغداد حسنا وجوهرا ، وأمر غازان أن يوزع كل سنة مقدار وافر من الحنطة على السادة الفقرآء الذين كانوا يأوون إلى المرقد وعددهم كان هناك عديدا.

وتسمى ذلك النهر «نهر غازان الأعلى» «أو النهر الأعلى الغازانى» تمييز له عن النهر الأخر الذى كراه هو أيضا ويأخذ ماءه من الفرات وينزل به إلى مرقد السيد أبى الوفاء وكان الباعث على شق هذا النهر أنه ذهب يوما يتصيد فاقضى به الصيد إلى السهل الفقر الذى فيه مرقد هذا السيد. واراد حينئذ أن يورد دوابه وخيله فلم يجد ثم ماء فالى على نفسه أن يجلب الماء إلى ذلك الوطن ويسقى أراضيه ففعل وسمى هذا النهر «نهر غازان الأسفل» أو «النهر الأسفل الغازانى»


وكأنه لم يكتفى بهذين النهرين فحفر نهرا ثالثا فى الطرف الشرقى من بادية كربلاء واشتهر باسم «نهر غازان» واوقف غلات تلك الأنهر وريعها لمرقد أبى الوفاء ولاوقاف شيئا توفى غازان فى الرى سنة ٧٠٣ ه‍ (ـ ١٣٠٠ م).


الفصل الثالث عشر

تملك الجايتق أو خربندة بن أرغون

وبعد أن توفى غازان تسلم سرير الملك «الجايتق» وكان يشتى فى بغداد ويصيف فى «السلطانية» وهى مدينة من بنائه ومن شتواته شتوة سنة ٧١١ ه‍ ، ٧١٢ ه‍ (ـ ١٢١١ م ـ ١٣١٢ م) فسافر من بغداد فى ربيع هذه السنة الثانية المذكورة وكان وزيره تابع الدين على شاه وكان فى السابق جواهريا وبزازا وكان سعد الدين الساوجى الوزير الذى سبقه قد أودع إلى عهدته رئاسة معامل بغداد الملكية تخلصا منه وابعادا أياه من حوالى الملك ولم يشتهر هذا السلطان بأمر يذكر راجع إلى بغداد غير ما ذكرناه ويسمى العرب هذا الملك خربندة بن أرغون ملك على العراق كله وخراسان فضلا عن بغداد وكانت مدة حياته ثلاثين سنة.

وقد ذكر بعض المؤرخين من الفرس كلمة خربندة مصحفة بصورة خدابندة.

والأصح الرواية الأولى وأن تابعهم فى غلطهم هذا البستانى فى دائرة المعارف فى مادة بغداد (فى ٥ / ٥١٥) وإنما صحفوها بصورة خدابندة تعصبا لا طلبا للحقيقة لأن معنى خربندة عبد الحمار أو خادم الحمار وأما خدابندة فمعناه عبد الله أو خادم الله راجع تاج العروس فى مستدرك مادة خرد. تره يقول : وخربنده ملك العراق فارسية أى عبد الحمار» أه وأزيد على ذلك أن كلمة خربندة معروفة إلى يومنا هذا فى بغداد. ومنها بستان خربندة.


الفصل الرابع عشر

سلطنة أبى سعيد بهادر بن

خربندة بن أرغون بن اباقا أو ابغا بن هولاكو

لما أمتطى أبو سعيد بهادر بن خربندة صهوة المملكة لم يكن عمره يتجاوز السنة الثالثة عشرة وكان ذلك سنة ٧١٦ ه‍ (ـ ١٣١٦ م) واستوزو له الأمير جوبان وأودع أولاده سائر الولايات وأقامهم حكاما عليها فوقعت بغداد فى حصة أحدهم ولما استحكمت عرى الصداقة بين الخان ووزيره هام السلطان «ببغداد خاون» ابنة جوبان وزوجة الشيخ حسن الإيليخانى فلما رأى ذلك الوزير وما يترتب على هذا الأمر من العواقب الوخيمة وما يدور عليه من الدوائر الطاحنة أرسل صهره مع أبنته إلى قره باغ وحسن للخان قضاء الشتاء فى جوار بغداد فنجح فى مسعاه مع ما بذل الوزير «ملك ناصر الدين» فى سبيل أحباطه لاجل توفق جوبان إلى أن ينفى الوزير المذكور إلى خراسان وإلى قنلى وقتله فى أثناء الطريق.

وذهب أبو سعيد من بغداد إلى السلطانية فقتل فيها «دمشقى خواجا» ابن جوبان على وشاية لا غير فاوعز هذا العمل صدر الأمير جوبان ودفعه إلى العصيان والخروج على السلطان سنة (٧١٩ ه‍ ـ ١٣٢٠ م) إلا أن رؤساء الجيوش خانوه فولى مدبرا خراسان ومنها إلى هراة طالبا الخلاص مستغيثا بالملك غياث الدين ، فلم يتوفق إلى النجاة فقتل بأمر أبى سعيد وبلغ عدد قتلى الفتنة ثلاثين ألف نسمة. وفى سنة ٧٢١ ه‍ ـ ١٣٣٢ م أرسل بهادر هدية للسلطان الناصر راقت فى عينية ثم بعث بهادر المذكور إلى بغداد فيجا يخبر أهلها باراقة الخمور وإبطال


الفواحش فنادى المنادى بذلك فى الأسواق والشوارع ومما ذكر أنه وجد فى بيت رجل ذمى خابية خمر خذت الخابية واهريق ما فيها وكسرت ووضعت العلائم على الذميين من نصارى ويهود تمييزا لهم من الإسلاميين عند وقوع الفتن بسبب الخمر والعهر فأسلم كثير من الذميين والتتار ، ومات بهادر سنة ٧٣٦ ه‍ ـ ١٣٣٦ م وكانت مدة ملكة عشرين سنة.


الفصل الخامس عشر

سلطنة أريا غاوون أو اريا خان

وموسى خان وحسن الإيلخانى وحسن الجوبانى

«على باشا» أو على رواية بعضهم «عليشاه» وأصح الروايات (على بادشاه) كان حاكما على بغداد لما خلف أريا غاوون على سرير السلطنة سلفه ابا سعيد وكان على المذكور شيخ فخذ من قبيلة الأويرات (المعروفة عند الأجانب باسم الويثة) قد أقام فى نواحى بغداد مع قومه وهو أخ (الحاجة خاتون) أم السلطان (أبى سعيد) فالتجأت إليه زوجة أبى سعيد الثانية واسمها (دلشاد خاتون) أبنة «دمشق خواجا» وكانت يومئذ حبلى خائفة على حياتها وقد فزعت هذه الخاتون إلى على بادشاه حلا بعد مبايعة أريا غاوون وليس بعد وجود (بغداد خاتون) أول زوجة السلطان مخنوقة فى حمام على ما رواه نظمى زاده فان خنق (بغداد خاتون) كان بعد ذلك بقليل.

أما على بادشاه فاستنفر للحال الأويرات ونادى بموسى خان سلطانا على المغول وهو ابن حفيد هولاكو فنفره قومه وابلو بلاء حسنا وهزموا أريا غاوون وأعوانه فولوا الأدبار إلا إنهم تأثروه وقبضوا عليه وقتلوه بعد أن ملك ستة أشهر.

فقام فى تلك الأثناء الشيخ حسن صاحب عساكر بلاد الروم أسية الصغري وقائدها وتحزب لرجل آخر من سلالة هولاكو وهو محمد خان فانجده على موسى خان وعلى بادشاه وغلبهما وكسرهما وخذلهما فى وقعة آلاطاغ فى ١٤ ذى الحجة سنة ٧٣٦ ه‍ (ـ ٢٤ تموز ١٣٣٦) وقتل فى المعركة على بادشاه ، أما


موسى فأنه ولى منهرما إلى بغداد وكان الأويرات قد تملكوها.

وفى شهر ذى الحجة من سنة ٧٣٧ ه‍ (تموز سنة ١٣٣٧) قتل موسى بأمر الشيخ حسن وكان موسى هذا قد أسر بعد أن فر هاربا من معركة دارت رحاها عليه فى جوار مراغة وكان قد حارب فيها دفاعا عن طوغاى تيمور الذى اقامه خوارج خراسان رئيسا عليهم.

وأما محمد خان فأنه قتل فى السنة التالية فى عنفوان الشباب وغضاضة الأهاب بعد معركة نخجبوان التى دارت دائرتها عليه فى ٢٠ ذى الحجة سنة ٧٣٨ ه‍ (١٠ تموز ١٣٣٨) وكان قاتله أحد خصوم الشيخ حسن الأيليخانى واسمه كاسمه فسمى حسن الجربانى تمييزا له من سميه.

فلما اضمحل أثر الخصمين وقع أمر ازال ما فى المعضلة من الأشكال وهو أن حسن الأيليخانى أخذ العراق وحسن الجوبانى اختص لنفسه اذربيجان ثم أختار الأول ملكا وسلطانا شاه جهان تيمور من صلب كيخاتو بن اباقا وذلك بعد أن رأى نفسه مكرها على أن يترك طوغاى تيمور لكثرة مادس حسن الجوبانى من الدسائس والحيل ، وأما هذا فسمى نفسه سليمان خان بن محمد من سلالة هولاكو فطرت شرارة الحرب مرة أخرى ودارت رحاها على حسن الأيليخانى وفر هاربا فازعا إلى بغداد وتحصن فيها وأعلن بسيادته عليها وعلى هذه الصورة انتهى ملك المغول فى دار السلام وحقر الإسلام وذلك فى سنة ٧٤٠ ه‍ (ـ ١٣٣٩ م ـ ١٣٤٠ م) انتهى ملخصا عن ابن العبرى وذو صون ونظمى زاده وكتاب منتجع المرتاد فى تاريخ بغداد وهو كتاب خط لمؤلفه جبرائيل حنوش أصفر.



الباب الثانى

بغداد بيد الإيلخانيين


الفصل الأول

دولة الأيلخانيين أو الجلائريين

آفبقا أو آق بغابن إيلك خان أو أيلخان أو أيلكان بن جلائر ـ كان أمير الأمراء فى عهد كيخاتو خان وقتل فى الفتن التى حدثت عند جلوس بايدو على سرير المملكة وتزوج ابنه الأمين حسين من أبنة أرغون وأصبح فى عهد أبى سعيد شيخا للرحل المبثوثين فى خراسان ورزق ولدا هو هذا الشيخ حسن الأيليخانى الذى تملك على حكومة بلاد «الروم آسية الصغرى» فى عهد أبى سعيد وقد رأيت ما وقع له من الحوادث قبل أن يستقل بملك. بغداد فى سنة ٧٤٠ ه‍ (ـ ١٣٣٩ م ـ ١٣٤٠ م) وكان قد تزوج بدلشاد خاتون) أبنه دمشق خواجا زوجة أبى سعيد الثانية التى كانت قد رزقت منه سلطان أويس الذى خلفه بعده.

وقد سبقنا فقلنا أن الأمير الشيخ حسن الأيليخانى غلب فى المعركة التى نشبت بينه وبين حسن الجوبانى فلما رأى ما صار إليه من الحال عاد ادراجه إلى بغداد وكان فيها ابنه السلطان أويس بمنزلة حاكم ونادى فيها بالاستقلال وملك سبع عشرة سنة وشيد مبانى فخيمة فى النجف وتوفى فى بغداد فى سنة ٧٥٧ ه‍ (١٣٥٦ م) ودفن فى النجف بجوار مدفن على بن أبى طالب ، وقال بعض المؤرخين بل أن حسن الكبير الأيليخانى ملك عشرين سنة فلا شك أنهم حسبوا فى هذه المدة السنوات التى غاب فيها عن بغداد قبل أن يجهر بالاستقلال.

وملك بغداد بعد حسن الكبير أبنه السلطان أويس وذلك فى شهر رجب سنة ٧٥٧ ه‍ (أى تموز سنة ١٣٥٦ م) وفى شهر نيسان من السنة التالية من سلطنة السلطان أويس حدث طغيان دجلة فغرق وافنى شيئا كثيرا من مال ورجال وقد نظم خندمير بيتين فى هذا المعنى وهما.


يسال هفصد وپنجاه وهفت كشت خراب

باب شهر معظم كه خاك بر سر آب

دريغ روضة بغداد آن بهشت آباد

كه كرده است خرابش سهر خانه خراب

أى فى سنة ٧٥٧ ه‍ (ـ ١٣٥٧ م) أخرب الماء البلدة المعظمة (بغداد) محق الله ذلك الماء. وآأسفاه على بغداد تلك الروضة الغناء التى كانت تشبه الجنة فقد اخربتها السماء سماء عساها تكون بدون سماك ـ (ترجمة بتصرف).

وفى ربيع سنة ٧٥٩ ه‍ (ـ ١٣٥٨) زحف أويس بجيش جرار على اخيجوق بجوار تبريز وكان اخيجوق قد تملك على آذربيجان غير أن السلطان أويس لم ينجح إلا بعض النجاح فى زحفته لأن أحد قواده خانه حبا ببلهنية العيش فالتزم أن يعود إلى بغداد وقد تّرك آذربيجان لصاحبها الجديد ، وفى ذلك الحين خرج عليه فى بغداد مولاه الخواجا مرجان وكان سيده أويس قد أبقاه فيها بمنزلة حاكم عند زحفه على العدو ، وإذا بمرجان قصد الإستقلال بحكومة بغداد وتملكها ، ولا سيما لأن بغداد كانت محاطة بالمياه من كل جانب ، فأصبحت كالجزيرة المنيعة التى لا ترام بيد أن السلطان أويس دخل إليها ، وكان معه أربعمائة سفينة مشحونة بالمقاتلة والذخائر ، وما ابطا أن نصره الله على مولاه الخائن وقهره وفرق شمله ومزق حزبه ثم عفا عنه عفو الكرام ، إجابة لطلب أهل بغداد والحاحهم عليه إلا أنة نزع منه الحكم على المدينة ولم تعد إليه إلا عند وفاة سلطان شاه الخازن التى وقعت فى سنة ٧٦٩ ه‍ (الموافقة لسنة ١٣٦٧ م ـ ١٣٦٨ م).

واراد الخواجا مرجان التكفير عن خيانته والتقرب من عزته تعالى بالمبرات والحسنات فأنشأ الأوقاف الطائله الجديرة بالملوك وأقسام المدرسة المعروفة باسمه وفى وسط تلك المدرسة بنى مسجدا غير أنه لم يبق من تلك الأبنية فى يومنا هذا إلا المسجد بل بعضه وحسبك دليلا على ما كان عليه من حسن البناء مدخله فإن عواميده الملتفه والنقوش المختلفة والنقوش التى تزينه بنبئك عما كان فى سابق الزمن وعلى أى طرز من كمال البناء وضع.


استطراد فى جامع مرجان وأوقافه المحبوسة على مدرسته

قال السيد الأستاذ والسند الملاذ الشيخ محمود شكرى أفندى الألوسى من له فى كل علم من علوم العرب امتن القسى ما هذا نصه بل فصه.

هذا مسجد رصين البناء راسخ القواعد مشيد الأرجاء مبنى بالحجارة المهندسة ذو طبقتين سفلى وعليا فيه مصلى واسع وحجر فى الطبقة السفلى والعليا وقد جعله بانيه مدرسة حاكى بها المدرسة النظامية وجعل الحجر مساكن لطلبة العلم ومحال لإقامتهم فيها وأجرى عليهم الجرايات الوافرة ورتب لهم المدرسين من كل مذهب وأوقف الأوقاف الكثيره وما أوقفه من العقارات مذكور على جدران هذه المدرسة وداخل المصلى وهذا نص ما كتب على جدر المصلى والمحراب فى ايوان.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذى وفق المطيعين لعمارة ابنية بيوت العبادات والهم المخلصين اشادة أعمدة دور الطاعات ورفع ذكر الولاة بتأسيس قواعد معالم المكرمات ودل أرباب السعادات على سلوك سبل الخيرات ومنح المحسنين بتشريف أن الحسنات يذهبن السيئات وحباهم بمآل «أن المتصدقين والمتصدقات» والصلاة والسلام على نبى الرحمه محمد المصطفى خير الأنام وأصحابه مصابيح الدجى وبدور الظلام.

أما بعد فيقول المفتقر إلى عفو الملك المنان مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن بدل الله سيئاته حسنات أنى هاجرت مدة فى الأرض وجاهدت سنين فى الطول والعرض ذا شمال ويمين متورطا فى مخاوف البر والبحر متواردا فى متالف البرد والحر حتى ادانى الجد الصاعد وادنانى التوفيق المساعد فعلمت أن الدنيا دار الفرار والأخرة هى دار القرار وايقنت أن أولى ما انفقت فيه الأموال وأحرى ما توجهت إليه همم الرجال ما كان وسيلة إلى أبواب رحمته محط الرحال وذخيرة ليوم المحاسبة والسؤال وقد قال النبى عليه الصلوة والسلام «إذا مات ابن أدم أنقطع عمله إلا عن ثلاث. صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعوا له» (١)

__________________

(١) متفق عليه.


والصدقة الجارية هى الوقف فشمرت عن نية صادقة صافية وسريرة للخير وافية. وشرعت فى عمارة هذه المدرسة المسماة بالمرجانية وتوابعها المتصل بعضها ببعض فى زمن المخدوم الأعظم الدارج إلى جوار الله ورحماته المستريح على أعلى غرفات جناته حسين ثوبان أنار الله برهانه وتممت فى دولة نور حدقته ونور حديقته. المخدوم الأعظم الأعدل رافع رايات السلطنة على الأفلاك ناصر غايات المملكة إلى السماك صاحب ذيل الرحمة على الإعراب والأتراك. محيى مراسم الملة المصطفوية مزين شعار الدولة الجنكيزية حاجيج شاه أويس خلد الله ملكه ووقف على الفقهاء وطلاب العلم والتفسير والحديث والفقه على مذهبى الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعى المطلبى والإمام الأقدم أبى حنيفة نعمان بن ثابت الكوفى رضى الله عنهما.

ووقف على مصالحها كما شرح فى الوقفية الموقعة بتوقيع قضاة الإسلام الموشحة بشهادة الأمراء والوزراء العظام بالريحانيين أربعة وأربعين دكانا وأثنتى عشرة عصارة هى السوق الجديد المجاور للمدرسة والصاغة وتسعة عشر دكانا أخرى وثلاثة خانات ونصف خان أحدها إنشاء الواقف ومواضع بالبدرية وبالأمشاطيين ثلاثة دكاكين وبالمشرعة أربعة عشر دكانا وخانا جديدا من إنشاء الواقف تقبل الله منه صالح الأعمال وبالحلبة ثلاثة عشر دكانا وعصارة وخانا فيه أثنتان وخمسون حجرة وفى الجانب الغربى من محلة القصر دارا ومدارا وخانا يعرف بالجوارى وفى الخليلات خان الزاوية ومدارا هى الأن من حقوق الخان المذكور وبالحريم دكان الكاغذ. وبنهر عيسى ناحية عقرقوف ونصف القائمية وتل دحيم وبساتين بالمخربية وبساتين بقرية البرك والجوبة ومراح الجاموس بالصراط مزرعة وبالقاطول ناحية زادمان وبجلولى من خاناباد النصف ومن بساتين ببعقوبا وببوهرز النصف وبخانقين دورى ونصف دورى وارحية الماء وفى غمايا ودولتاباد وبساتين فى البندتيجين وبستانا جديدة ببهرز إنشاء الواقف ونهر خرناباد وسائر أراضيها ومزارعها المدعوة هرارثة وذلك بين جبل حمرين وخانقين.

وقفا صحيحا شرعيا مؤيدا مخلدا محرما بجميع ما حرم الله مكة والبيت


الحرام والركن والمقام لا زال ذلك كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا يندرس بكرور الأعصار ولا ينطمس بمرور الأدوار لا يؤجر من متغلب ومتعزز وجندى ومن يخاف غائيته بل يؤجر من رجل مسلم معامل بتمكين الوالى على هذا الوقف من مرافعته بين يدى الحكام وقضاة الإسلام ما يتوجه عليه من ضمان الوقف ومن فعل ذلك فتلك الإجازة باطلة وتصرفه حرام ووصيتى نسخت إلى حكام كل زمان وعصر وأوان وإلى قاضى القضاة ببغداد أن يساعد الوالى على هذا الوقف واستخلاص الحقوق الواجبة لوقف هذه المدرسة وأن ينظروا إليهم بنظر الرحمة والرافة فإن الحاكم العادل فى رعيته كالوالد الشفيق على ولده الأوان ، كل من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه ورزها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة ، وأن لا يتعرضوا بمتولى هذا الوقف ومستوفيه ومشرقه من استرقاع حساب أو نصب أو ترتيب ولا يداخلوهم فى ذلك بشبهة من الشبه ولا يعقد بهذه المدرسة ديوانا لفصل القضايا الشرعية أو ينازعوا فيه فإن هذا الموطن موطن العلماء ومنزل الصلحاء طوبى ثم طوبى لم استجلب ترحما لنفسه وويل ثم ويل لمن صاحبته اللعنة فى رمة فبمثل ما تعاملون فى حياتكم تعاملون فى مخلفتكم بعد مماتكم فإن المكافأة من الطبيعة واجبة كما تدين تدان وكما تزرع تحصد فإن الدنيا غدرة وأن طالت مدنها فما طالت وأن نال صاحبها فما نال.

ومن غير شروط هذه الأوقاف أو تصرف فيها خلاف ما شرطت فى الوقفية فهو ظالم عند الله إلا لعنة الله على الظالمين وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ومآواه جهنم وبئس المصير والحق بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وما ذلك على الله بعزيز.

وشرط الواقف تقبل الله منه الحسنات ولا وأخذه بما كسبت يداه من السيئات أن لا يسلم من الأراضى الموقوفة من النواحى والبساتين والبسوط بالقرار الشمسى شيئا أصلا ولا من المسقفات من الدكاكين والخانات والطواحين بالعرضة أبدا ومن فعل ذلك فحكمه باطل وشرطه مفسوخ وتصرف من تصرف فيها بهذه


الشبهة حرام سحت وفاعلة ماثوم ملوم الخالق والخلق فمن بدله بعدما سمعه فإنما أئمة على الذين يبدلون أن الله سميع عليم وكتب فى شهور سنة ثمان وخمسين وسبعمائة والحمد لله وحده والصلوة والسلام على نبى الرحمة وشفيع الأمة وكاشف الغمة النبى الأمى العربى الهاشمى المكى المدنى سيد المرسلين ورسول رب العالمين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه الطاهرين الكرام المنتخبين البررة وسلم تسليما كثيرا.

ما كتب فى الحجر على ظاهر جدار المصلى فى هذه المدرسة

بسم الله الرحمن الرحيم. فى بيوت أذن الله إن ترفع ويذكر فيها أسمه يسبح له بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله انشأه المفتقر لمغفرة الملك المنان مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطانى الأولجاتيى تقبل الله منه فى الدارين طاعته وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم.

ما كتب فى الحجر أيضا قرب البئر فى الجهة الجنوبية من المدرسة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حق حمده والصلوة والسلام على نبى الهدى محمد وآله وصحبه من بعده ـ يقول الواقف مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطانى الأولجاتيى من غير شروط أوقافى أو تصرف فيها خلاف ما شرطت لعن فى الدنيا والأخرة والحق بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحيوة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بأيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا وشرط أن لا يؤجر ما هو وقف من متعزز وجندى ومن يخاف عائلته وأن لا يؤجر أكثر من سنة واحدة ولا يعقد عقد أجارة قبل انقضاء العقد الأول ولا يوفر من الموقوفات شىء بوجه المرسومات بعض المرتزقة بها مما ذكر فهو ظالم عند الله وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم وذلك فى شهور سنة ثمان وسبعين وخمسمائة كتبه أضعف عباد الله تعالى أحمد شاه النقاش التبريزى أحسن الله إليه فى الدنيا والآخرة.


ما كتب على باب المدرسة من خارج (أعنى على باب الجامع على ما هو اليوم مشهور

بسم الله الرحمن الرحيم. (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(١). هذه مدرسة رصينة البناء مشيده الأرجاء انشآها المفتقر إلى عفو الملك المنان. مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن ابتدأ بها فى أيام دولة المخدوم المكرم والنوبان الأعظم السلطان حسين خان أنار الله برهانه وكملت فى أيام ايالة ولده النوبان الأعظم سر العدالة فى العالم سلطان السلاطين. غاية الدنيا والدين ومغيث الإسلام والمسلمين الشيخ أويس لا زال هذا الملك الأعظم ملجاء وملاذا للامم ـ على أن يدرس فيها مذهب الأمامين الهمامين والمجّتهدين الأعظمين الإمام أبى حنيفة النعمان والإمام محمد بن إدريس الشافعى عليهما الرحمة والرضوان وذلك فى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين بقلم المفتقر إليه تعالى أحمد شاه النقاش التبريزى عفا الله عنه تقصيره.

ومن الكتابات الحجرية ما كتب على باب الخان المعروف

بخان الأورتمه (أى المغطى بالسقف الحجرى)

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد النبى وآله وصحبه أجمعين. هذه الخان من إنشاء ذى العمل المبرور والسعى المشكور مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن السلطانى الأولجاتيى وقفها على المدرسة المرجانية ودار الشفاء بباب الغربة والنصف للقائمة وتل دحيم ومزرعة بالصراة وبساتين بالمخربية وبساتين بقرية البزل والرادماز وخدم اباد ورباط جلولى المعروف بقزل رباط ورزين حوى ونصف دورى وبساتين ببعقوبا وبوهرز وبانبندتيجين وخان ودكاكين بالحلبة وأربع خانات ودكاكين بالجوهريين وخان فى الجانب الغربى ودكان بالحريم كما هو محدود ومشروح فى الوقفية وقفا صحيحا شرعيا تقبل الله منه الطاعات فى الدارين وكان الفراغ منه سنة ستين وسبعمائة

__________________

(١) سورة فاطر الأية ٢٨.


والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد النبى الأمى العربى الصادق وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه وسلم كتبه الفقير إلى رحمة الله أحمد شاه النقاش المعروف باليزدى غفر الله ذنوبه.

ما صارت إليه هذه الأوقاف

أعلم أن كثيرا مما ذكر فى الوقفية من الأوقاف قد اندرس ولم يبق له ذكر ومنه ما امتدت إليه يد الغضب. فدار الشفاء أتخذها أحد اليهود خانه للبن وهى الشهيرة اليوم بقهوة المصبغة وباب الغربة هى شريعة المصبغة وكثير من الحوانيت المكتوب عليها وقف مدرسة مرجان ودار الشفاء تملكها الناس ومنها ما هو وقف على كنيسة والحاصل أن ما بقى من الأوقاف أقل قليل بالنسبة لما اندرس.

ما جرى على هذه المدرسة من مستحدث العمارة

لم تزل العمارة الأولى قائمة على ساقها لرصانه أساسها وتمكين قواعدها حتى كأنها جبل منحوت إلا ما كان من الإصلاح فى أيام حكومة سليمان باشا الكبير إلى بغداد وذلك أنه حكم فيها من سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف من الهجرة إلى سنة سبع عشرة بعد المائتين وآلاف (من سنة ١٧٧٩ م ـ ١٨٠٢ م) وقد أمر رحمة الله تعالى أن يوسع المصلى بهدم بعض الحجر المبنية وإدخالها فيه فلما كملت العمارة حسبما أمر ارخ ذلك بعض أدباء عصره هذه الأبيات.

تبارك من أنشا الأيام واوجدا

وفيض منهم من يقام به الهدى

ففى كل قرن يبدو منه مجدد

حديث أتى من سيد الرسل مسندا

فكان بهذا القرن حقا مجددا

وزير محا رجس الضلالة والردى

فاحى ربوع العلم بعد دروسها

وكم جامع أحى وجدد مسجدا

ومذبان فى هذا المكان تخلخل

تداركه فورا فاضحى مشيدا

هنيئا له حاز الثواب لأنه

نوى عملا لله صرفا مجردا

وفيه روى الرواى الحديث مؤرخا

«سليمان أضحى عادلا بل مجددا


ولما توفى مرجان فى أواخر سنة ٧٧٥ ه‍ (بدء سنة ١٣٧٤) دفن فى المشهد الذى أعده لنفسه فى هذه المدرسة وعليه قبة مرتفعة وقبره إلى اليوم يزار ولم يندرس لأنه كان مشهورا بالتقوى والدين والصدقات والقربات. ولما توفى الخواجا مرجان قام مقامه الخواجه سرور.

وفى سنة ٧٧٦ ه‍ (١٣٧٤ م ـ ١٣٧٥ م) غرقت بغداد غرقا لم يسبقه مثله سابق ولا سيما لأن الأسس وكثيرا من الأبنية كانت قد تضعضعت وتخلخلت قبل سبع سنوات فلما طغت دجلة هذه المرة وزعزعت المبانى فالقتها على الأرض وقتلت خلقا كثيرا قدره أربعون ألف نسمة وحيثما كانت الأبنية مكينة انفتحت عيون الآبار والبواليع وأغرقت أهل البيت ومن لم يتوفاه الله بالغرق توفاه بالأمراض المتولدة من الرطوبة والعفونة وسوء الهواء فكانت الطامة عامة. فلما رأى ذلك الخواجا سرور حاكم المدينة أخذ الغم منه كل ماخذ حتى وقع مريضا ومات مسلما أزمة الحكم إلى الأمير وجيه الدين ابن الأمير زكريا الوزير.

وفى ٢ جمادى الأخره من تلك السنة (أى سنة ٧٧٦ ه‍ ـ ٨ تشرين الثانى ١٣٧٤ م) توفى السلطان أويس وكان رجلا عادلا محبا للعلم والعلماء حتى مدحه أغلب شعراء عصره وكتابه مثل سلمان الساوجى وشرف الدين الرامى صاحب أنيس الأشواق والخواجا محمد عصار صاحب الرواية الخيالية الشعرية «مهر ومشترى» وعبيد زاكانى صاحب اللطائف وغيرهم من الشعراء بل السلطان أويس نفسه نظم الشعر وقد أورد لنا من شعره رضا على خان صاحب كتاب «مجمع الفصحاء» ودامت سلطته ١٩ سنة وخلفه على العرش ابنه حسين إلا أن الخلع لم يشبه السلف فإن هذا الأمير كان مؤلعا بالالعاب وأنواع الملاهى ولم يهتم ابدا بالمملكة وشؤونها فرجعت القهقرى فى عهده.

وفى سنة ٧٧٧ ه‍ (١٣٧٥ م) ظهرت دولة قره قوينلى فى الموصل وسوف نراها عن قريب فى بغداد بعد سنة.

وفى سنة ٧٧٨ ه‍ (١٣٧٦ م) قام باعبآء الملك الشاه منصورا بن عم بهرام


صاحب الموصل ونسب العامة هذا الانقلاب إلى الكسوف والخسوف اللذين وقعا فى تلك السنة إذ خسف القمر فى شعبان خسوفا كليا وفى اليوم ٢٨ منه أيضا انكسفت الشمس كسوفا تاما غريبا وظهرت النجوم صلب النهار وخر كوكب من الغرب وظهر له ضوء مثل البدر وسمع صوت هائل وهو المعروف عند العلماء بالرجم فهلع لهذه الأحداث الجوية قلوب أهل بغداد وكادوا يموتون خوفا ولا تحدث عن الهرج والمرج اللذين وقعا على أثر هذه الوقائع. ولم تؤثر هذه الحوادث على الناس فقط بل شملت الحيوانات أنفسها حتى خيل للناس أن قد حانت ساعة القيامة فعلا النحيب وكثر العويل واستغاث أصحاب كل دين بأنبيائه ورسله وأئمته وقديسيه وكان ذلك اليوم من أهول الأيام شدة على الناس على أختلاف طبقاتهم ونحلهم.

على أن هذه السلطة لم تكن إلا أسميه لا حقيقية واشبهت تلك الحوادث الجوية التى ما كادت تظهر للعيان الإوغابت عن الأبصار لأن الشاه منصور لم يتملك على بغداد إلا فى تغيب إلامير حسين بينما أن جماعة من قواده انتهزوا فرصة سيره إلى تبريز لينقطعوا عنه ويستبدوا بالحكم. على أن الأمير حسين يقطع حين الأمل من العود إلى العرش إذ اعتمد على عادل آغا الذى فتح العراق العجمى ليتوصل إلى قتل القواد الخوارج والتخلص منهم ففعل واستراح منهم.

وفى تلك الأثناء اغتصب بعض الأكابر من أهل القوة والنفوذ واجتمعوا يدا واحدة فى دسيسة دسها الشيخ على ابن السلطان أويس وقتلوا الأمير إسماعيل حاكم بغداد بينما كان ذاهبا إلى الجامع ليصلى (سنة ٧٨٠ ه‍ ـ ١٣٧٨ م ـ ١٣٧٩) ثم نادوا بهذا الشيخ ملكا على المدينة وعلى الولاية كلها.

أما السلطان حسين فتريث هنيهة ثم أقر للشيخ بالسلطنة على بغداد وولايتها.

لكن لما رأى امتداد جناح سطوته ونفوذه يوما فيوما حاول أن يقصه أو يقلمه فرفع لوآء العصيان والخروج على الشيخ ، ثم زحف على العاصمة يسانده فى هذا الأمر ويكاتفه فيه عادل آغا (فى خريف سنة ٧٨٢ ه‍ ـ أو أخر سنة ١٣٨٠ م) فلما رأى الشيخ على نفسه على قاب قوسين من الخطر أو يكاد لم يتمكن من الوقوف


بوجه مناوئيه ففر موليا إلى دزفول وششتر. إلا أن البغداديين رأوا فى الأمير حسين من أعمال الظلم والأستبداد والضرب على الأيدى والجنون المتلون ما دفعهم إلى طلب الشيخ على فاحتالوا على ذلك الطاغية وما زالوا يقتلون منه فى الذروة والغارب حتى جندلوه عن العرش فى الشتاء التالى لذلك الخريف وأقاموا عوضا عنه الشيخ عليا وأرادوا قتل ذلك الأمير العسوف العضوض فافلت ولا أفلات جرادة العيار وولى هاربا إلى تبريز متخذا الليل جملا. وما مضى شئ من الزمن إلا وخرج عليه أخوه أحمد وفاجأه فى قصبة أذربيجان وقتله فى السنة الثامنة من ملكه (أى سنة ٧٨٤ ه‍ ـ ١٣٨٢ م ـ ١٣٨٣ م).

وفى تلك السنوات وقع فى ديار الجزيرة والعراق من الأحداث والبلايا مازاد فى العين بلة وذلك أن تيمور لك أخذ يسعى سعى الأفعوان فى الشر منذ سنة ٧٦٠ ه‍ (ـ ١٣٥٩ م) وما زال يفتح البلاد ويقتل العباد حتى دخل بلاد خراسان وقتل فيها ستمائة ألف من رجال الإسلام دع عنك ما قتل من الأطفال والشيوخ العجزة وما سبى من النساء والبنات وفى سنة ٧٨٠ ه‍ جاء إلى جوار بغداد فنهب القرى وسلب أهلها بصورة هائلة شنيعة ثم عاد ادراجه إلى سمرقند ومن هناك ذهب غازيا بلاد الكرج سنة ٧٨١ ه‍ ثم عطف عنان جواده إلى نواحى الموصل فحمل على أهلها حملة شعرآء شنعآء فاطاعوه وما لبث أن غدر بهم غدرا جديرا باخس اللئام فقتل جما غفيرا منهم وهدم قلعة الموصل حتى ساواها بالأرض ثم لدغة زنبور فقال : ما فعل بى هذا لا حاميها ووليها «نبى الله يونس» فعدل عن الأمعان فى القتل والفتك والتخريب.

وكانت نتيجة هذه الفتن والقلاقل فى ديار العراق والجزيرة أن حدث غلاء فيها أضر أعظم الضرر بالموصل وشهرزور وبغداد وذلك سنة ٧٨٣ ه‍ (ـ ١٣٨١ م) ومات خلق كثير.

وفى سنة ٧٨٤ ه‍ (١٣٨٢ م ـ ١٣٨٣ م) نهض أخ آخر للسلطان أحمد واسمه الأمير بايزيد فسانده عادل آغا والشيخ على ليقوموا معا قومة واحدة. على أحمد


وبعد أن ناجزوه القتال أشد المناجزة انكسر أحمد فذهب للحال إلى قره محمد التركمانى والد قره يوسف واستنجده على أعدائه فانجده وانجلت الموقعة عن قتل الشيخ على وادبار جيش عادل آغا المخذول وبعد ذلك عقدت هدنة طلب فى أثنائها البغداديون إلى عادل آغا أن يبعث إليهم حاكما من قبله فعين لهم طرسون ابن أخيه من أمه أى ابن شقيقيه وأقام له وزيرا وعضدا «قوام الدين النجفى».

وأول شى هم به طرسون كان ذبح عبد الملك الطمنجى وكل من وضع يده وخضبها بدم الأمير إسماعيل ولما تم الأمر وقع اضطراب فى أعظم المدينة وكثرت الفتن وعظمت النوائر ونهبت الخزانة التى كان قد أجتمع ما فيها لحساب عادل آغا فلما سمع بهذه البلابل السلطان أحمد وكان يومئذ فى تبريز غادرها للحال وأسرع فى زحفه على أهل الفساد ليخلص من يديهم عين بلاده ومملكته أى بغداد ولما قرب منها وسمع طرسون بقدومه حاول الفرار لكن السلطان أحمد أقتص أثره فدهمه واحتز رأسه فخلا الجو للسلطان أحمد الجلائيرى وصفت له سماء سيدة البلاد فقضى فيها الشتاء ثم برحها فى الربيع متوجها إلى تبريز وقد لقى فيها نزلة حكم الخواجا يحيى السمنانى (سنة ٧٨٥ ه‍ ـ ١٣٨٣ م) وفى هذه السنة ذهبت ذهاب الهبآء منثور سلطة الشاه منصور بن محمد القوينلى وكانت سلطة اسمية وهمية كما سبقنا فالمعنا إليها وقد ابتدات كما قلنا فى السنة ٧٧٨ ه‍ ودامت إلى هذه السنة أى ٧٨٥ ه‍ ورسخت قدم أحمد الجلائيرى أتم الرسوخ وعرف بكونه صاحب دار الخلافة الحقيقى لا الوهمى.

على أن عادل آغا عدل عن الخضوع لمن أقر له بالطاعة ولم يستصوب بقاءه تحت تلك الضربة التى أضرت بسمعته فتشاور مع «الشاه شجاع خان» وكان صاحب شيراز وتآمر معه على الإيقاع بمناوئه ثم أخذ بالزحف عليه إلا أن «الشاه شجاع خان» أوفد رسلا إلى السلطان أحمد وعهد إليهم أن يسعوا فى إصلاح ذات البين بالتى هى أحسن فقر الرأى على الاتفاق والتحاب فاستقدم حينئذ السلطان أحمد إلى بغداد أخاه بيازيد وأقامه فيها بكل أبهة وجلال.


وفى سنة ٧٩٥ ه‍ (١٣٩٢ م ـ ١٣٩٣ م) كان فتح بغداد للمرة الأولى على يد تيمور لنك ولم يكن فى طاقة السلطان أحمد أن يناجزه فولى هاربا مع الفى رامح إلا أن قواد للفاتح اقتصوا أثره فظفروا به فى سهل كربلاء والتحم القتال وتطايرت النبال وتذابحت الرجال وتوصل السلطان إلى الهرب من أولئك الأسود وتحمى بسلطان مصر برقوق إلى أن تستجم قواه.

ولما كانت سنة ٧٩٧ ه‍ (١٣٩٤ م) استنفر جيشا عرمرما ورجع إلى بغداد وكان عليها يومئذ من قبل تيمور لك الأمير مسعود السبزوارى فلم يستطع هذا أن يناوئه لا سيما لأن صاحبه كان بعيدا عنه إذ كان قد غادر بلاد الكرج وذهب إلى قفجق.

وكان السلطان أحمد قد عرف أن جماعه من وجهاء المدينة قد اتفقوا على أن لا يذعنوا لسلطنة ويفرغوا كنفه وسعهم ليولوه الأدبار فاحتالى فى القبض عليهم وقتلهم الواحد تلو الأخر وكان أهل بغداد يكرهون السلطان أحمد كل الكراهية من كبيرهم إلى صغيرهم ومن غنيهم إلى فقيرهم لأنه كان ظالما عسوما جابرا فتاكا سفاحا وكان يوذ أغلبهم تسلط الفتر عليهم وكان أحمد يرى ذلك ولهذا أوجس فى نفسه خيفة منهم فذهب إلى ديار بكر عند الأمير التركمانى قره يوسف وعقد معه عرى عهد مكين لا يقصم ويفضل هذا العهد ثبتت قدمه فى حاضرته كل الثبوت.

ولما وقف تيمور على طلع هذه الأمور أحتد غضبا إلا أنه لما كان مهتما بفتح بلاد الهند وبما وقع له من المشاكل المعضلة مع بيازيد سلطان آل عثمان التزم أن يؤخر ثاره ليكون أشد هولا وأعظم وقعا فى النفوس.

على أنه يحسن بنا هنا قبل الأمعان فى الموضوع وقائع الأمور أن نذكر منشأ تيمور وكيفية امتداد سطوتة بوجه الاختصار ليكون الواقف على ما يتلو من الأخبار عارفا حق المعرفة من هو هذا الرجل؟ وما هى مكانته من التاريخ؟.


الفصل الثانى

ذكر منشأ تيمور وحداثته

وامتداد سطوته وفتوحه للبلاد

قال صاحب أخبار الدول ما هذا ايراد نصه «تيمور هو أحد الدجالين الموعودين فى الأخبار النبوية أن يخرج على جميع البلاد الإسلامية ، وذكر صاحب المنتخب له نسبا يتصل به إلى جنكيز خان من جهة النساء وكان رجلا ذا قامة شاهقة كأنه من بقايا العمالقة عظيم الجبهة والرأس شديد القوة والبأس أبيض اللون مشربا بحمرة عظيم الأطراف عريض الأكتاف مستكمل البنية مسترسل اللحية أعرج ليمناوين وعيناه كشمعتين جهير الصوت لايهاب الموت وكان من ابهته وعظمته أن ملوك الأطراف وسلاطين الأكتاف مع استقلالهم بالخطبة والسكة كانوا إذا قاموا عليه وتوجهوا بالهدايا والتقاديم إليه يجلسون على أعتاب العبودية والخدمة نحوا من مد البصر من سرادقاته وإذا اراد منهم واحدا أرسل من الخدمة نحوه قاصدا فينادى ذلك الواحد باسمه فينهض فى الحال ويعدو نحوه وكان بدأ أمره وخروجه فى حدود الستين وسبعمائة وهو من قرية تسمى خواجه بلغار من أعمال الكش وهى مدينة من مدائن ما وراء النهر عن سمرقند نحو من ثلاثة عشر شهرا ذكر أنه لما ولد سقط على الأرض ذلك السقيط كان كفاه مماؤتين من الدم العبيط ، فقال بعضهم يكون شرطيا وقال بعض ينشأ لصا حراميا وقال قوم يكون قصابا سفاكا ، وقال آخرون بل يصير جلادا ابتاكا ، وكان أبوه رجلا فقيرا اسكافا وهو نشأ شابا جلدا لكنه من القلة كان يتحرم ففى بعض الليالى


سرق غنمة واحتملها فشعر به الراعى فضربه بسهمين أصاب بأحدهما فخذه فاخطلها وبالأخرى كتفه فابطلها فازداد كسرا على فقره ولؤما على شره ولم يملك سوى ثوب قطن فباعه واشترى بثمنه رأس ماعز وقصد الشيخ شمس الدين الفاخورى فى مدينة كشن وقد ربط بطرف حبل عنق الماعز وريقط عنه بالطرف الآخر وجعل يتشحط على عصا من جريد حتى دخل كما يدخل على الشيخ المريد فصادفه هو والفقرآء مشغولين بالذكر ومستغرقين فيما هم فيه من الوجد والفكر فلا زال قائما فى صف النعال حتى أفاقوا من حالهم وسكتوا عن قالهم فلما وقع نظر الشيخ عليه سارع إلى تقبيل يديه وانكب على رجليه فتفكر الشيخ ساعة ثم دفع راسه إلى الجماعة وقال كان هذا الرجل بذل عرضه وعروضه واستمدنا فى طلب ما لا يساوى عند الله جناح بعوضه فنرى أن نمده ولا نحرمه ولا نرده فاردوه بالدعاء اسعافا لما طلبه فاشبهت قصته قصة ثعلبة ورجع من عند الشيخ وخرج وعرج بعد ما عرج إلى ما عرج ولما فد خراسان اجتمع مع الشيخ زين الدين أبى بكر الحوافى وانكب على رجليه فوضع الشيخ على ظهره يديه فقال تيمور لو أن الشيخ رفع يديه عن ظهرى بسرعة لخلعته ارتض وقد تصورت أن السماء قد وقعت على الأرض وأنا بينهما رضضت أشد رض ثم أنه جلس بين يديه ، وقال يا مولانا الشيخ لم تأمرون ملوككم بالعدل والأنصاف وان لا يميلوا إلى الجور والأعتساف فقال له الشيخ : أمرناهم بذلك فلم يأتمروا فسلطناك عليهم فخرج من فوره من عند الشيخ وقد قامت منه الحدبة وهو قائل ملكت الدنيا ورب الكعبة فانه كان يقول جميع ما نلته بدعوة الشيخ شمس الدين الفاخورى وهمة الشيخ زين الدين الحوافى والسيد محمد بركة وكان من أمره أنه هو ورفقاؤه كانوا يتحرمون فى بلاد ماورآء النهر حتى شعر بهم السلطان حسين حاكم هراة فظفر به فبعد ضربه أمر بصلبه وكان للسلطان ولد رأيه غير متين يدعى الملك غياث الدين فشفع فيه واستوهبه من أبيه فقال له أبوه هذا جغتاى حرامى مادة الفساد لئن أبقى ليهلكن البلاد والعباد فقال له ابنه وما عسى أن يصدر من نصف آمى وقد أصيب بالدواهى ورمى فوهبه أياه فوكل به ن داواه إلى أن اندمل


جرحه وبرى قرحه فكان فى خدمته ففر به وزوجه شقيقته ثم أنه غاضها فى الأيام فقتلها ثم لم يسعه إلا الخروج والعصيان والتمرد والطغيان إلى أن كان من أمره بعض ما كان حتى استعفى ممالك ماورآء النهر وذلت لأوامره جوامع الدهر شرع فى استخلاص البلاد واسترقاق العباد فكان يجرى فى جسد العالم مجرى الشيطان من بنى آدم ويدب فى البلاد دبيب السم فى الأجساد ومن رأيه أنه صاهر المغل وصافاهم وهادنهم وهاداهم وتزوج بنت ملكهم قمر الدين خان فأمن شرهم وكفى ضرهم ثم أرسل إلى مخصومه سلطان هراة الملك غياث الدين الذى كان مغيئه عملا بقوله كتب الله على كل نفس خيبة أن لا تخرج من الدنيا حتى تسىء إلى من أحسن إليها ، وطلب منه الدخول فى طاعته فأرسل غياث الدين يقول صحبة الرسول أما كنت خادما لى وأحسنت إليك واسبلت ذيل نعمتى عليك وذلك بعد أن نجيتك من الضرب والصلب فإن لم تكن إنسانا يعرف الإحسان فكن كالكلب فعبر جيحون وتوجه إليه فلم يكن لغياث الدين قوة إلى الوقوف بين يديه فحصن نفسه فى القلعة فحسب أن يكون له بذلك منه فأمنه وقبض عليه واحتاط على ملك يديه وكان حلف أن لا يريق له دما ولكن قتله فى الحبس جوعا وظمأ ثم عاد إلى خراسان ونوى الأنتقام من أهل سجستان فوضع السيف فيهم وأفناهم عن بكرة أبيهم ثم خرب المدينة فلم يبق بها شجر ولا مدر ولا عين ولا أثر ورحل عنها وليس بها داع ولا مجيب وما فعل ذلك بهم إلا لأنه أصيب منهم أولا. ذكر الشيخ عبد اللطيف الكرمانى أن الذين تخلصوا من القتل من أهل سجستان هزيمة لم تراجعوا إليها بعد رجوع تيمور عنها أرادوا أن يجمعوا بها فاضلوا يوم الجمعة وما اهتدوا إليه حتى أرسلوا إلى كرمان من دلهم عليه ولما خلص له جميع ممالك العجم ودامت له ملوكهم والأمم بلغه ان فيروز شاه سلطان الهند أنتقل إلى رحمة الله ولم يكن له ولد خليفة فعسى أن يتولى تلك الوظيفة فوصل إليها وقتل أقيالها وتسلم أفيالها وقد وفد عليه المبشر بأن أحمد حاكم سيواس والملك الظاهر برقوق حاكم مصر والشام أنتقلا إلى دار السلام فسر بذلك صدره والشرح وكاد أن يطير نحوهما من الفرح فأقام فى الهند


نائبا وتوجه نحو مدينة سيواس وكان بعد وفاة واليها استولى عليها الأمير سليمان بن السلطان بايزيد بيلديرم خان ابن مراد خان بن عثمان خان فوصل إليها تيمور بتلك السيول الهامية فقال أنا فاتح هذه المدينة والقلعة فى ثمانية عشر يوما وكانوا قد حصنوا المدينة والقلعة فأقام فى محاصرتها وفتحها فى اليوم الثامن عشر وذلك بعد أن حلف لأهل البلدان لا يريق دمهم وأنه يرعى ذممهم ويحفظ حرمتهم وحريمهم فلما دخل المدينة ربطهم فى الرباق سربا وحفر لهم فى الأرض سربا والقاهم أحياء فى تلك الأخاديد وعدد من القى فى تلك الحفر كان ثلاثة آلاف نفر ثم أطلق النهب للنهاب واتبع الأسر والخراب وانمحت مراسم نقوشها فهى خاوية على عروشها ولما استوفى سيواس حصدا ورعيا فوق سهام الانتقام إلى نحو المماليك الشامية كالجراد المنتشر فوصل إليها وختل وقتل وفعل فعلته التى فعل وقد ذكر تفصيله فى ذكر فرج بن برقوق ولم يتعد منهم أحد جسر يعقوبا فرجع إلى طريقته العوجاء حتى وصل إلى الموصل وهو يمحو آثار الإسلام ثم توجه إلى مدينة بغداد فلما سمع السلطان أحمد ذلك استناب مكانه نائبا ولحق هو إلى السلطان الروم بايزيد خان فأخذها عنوة يوم عيد الأضحى فتقرب على زعمه بأن جعل المسلمين قرابين ثم أمر عسكره بأن يأتيه كل واحد من أهل بغداد برأسين ثم أتوا بهم وطرحوا ايدانهم فى تلك الميادين وجمع رؤسهم فبنا بها مأذن وعجز بعض الجند عن رؤس الرجال فقطع رؤس النساء والأطفال ثم أن تيمور خرب المدينة بعد أن أخذ ما به من الأموال والخزينة وأبقاها يعشش البوم والغراب فى أماكنهم فاصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ثم الوى بتلك الأتراك ناحية قراباغ ونوى السير نحو ممالك الروم فراسل سلطانها بايزيد المجاهد الغازى وجعل السلطان أحمد حاكم بغداد وقره يوسف حاكم أذربيجان سببا وذكر أنهما من سطوات سيوفه هربا فتوجه نحوه فكان لا يدخل قرية إلا أفسدها ولا ينزل على مدينة إلا محاها وبددها فلما بلغ السلطان بايزيد بمجىء ذلك العنيد توجه إلى ملاقاته فاجتمع العسكران على نحو ميل من مدينة أنقرة واشتغل الحرب بين الفريقين من الضحى إلى العصر فآلت إلى اسر ابن عثمان وكان من أمره ما كان


وقتل غالب عسكره من العطش لأنه كان ثامن عشر تموز وكان نهار الأربعاء سابع عشر ذى الحجة سنة أربع وثمانمائة ولما حصل لراس مملكة الروم هذه الوعكة واندعكت أجسام عساكره أقوى دعكة ووقع السلطان فى مخالبه وعلم أنه غير ناج من معاطبه ، قال لتيمور لنك إليك ثلاث نصائح هن لخير الدنيا والآخرة لوائح أولاهن أن لا نقتل رجال الأروام فأنهم ردء الإسلام وأنت أولى بنصرة الدين لأنك تزعم أنك من المسلمين. ثانيهن أن لا تترك التتار بهذه الديار ولا تذر على أرض الروم منهم ديارا فأنك أن تذرهم يملاؤها من قبائلهم نارا وهم على المسلمين أضر من النصارى ثالثهن : أن لا تمدد يدك فى التخريب فى قلاع المسلمين وحصونهم ولا تجلهم عن مواطن حركتهم وسكونهم فأنها معاقل الدين وملجأ الغزاة المجاهدين وهذه أمانة حملتكها وولاية قلدتكها فقبلها منه بأحسن قبول وحمل هذه الأمانة ذلك الجهول ولما صفا لتيمور شرب ممالك الروم من الكدر وقضى جيشه من الغارة الوطر اندرج إلى رحمة ربه السلطان بايزيد وكان معه مكبلا فى قفص من حديد وبعدما سبكوا الأشباح وسلبوا الأرواح ولم يخلص من شرهم من رعايا الروم إلا الثلث أو الربع بعد أن جعل أهلها بين المحترقة والمختنقة والموقودة والنطيحة وما أكل السبع قرر كل أمير من أمرآء الروم على ولايته وزاد فى رعايته وأمرهم بان يخطبوا له وأن يضربوا السكه باسمه فامتثلوا أوامره واجتنبوا زواجره ثم أن تيمور رجع إلى بلاده وقد بلغ من دنياه المرام وانتهى أمله إلى الكمال والتمام ووصل إلى مدينة تراو وضعف وانقطع ثلاث ليال وعلم أجمال الأنتقال إلى دار الخزى واشكال وأبى الله أن يخرج تلك الروح النجسة إلا على صفات ما اخترعه من الظلم واسسه فجعل يتناول من عرق الخمر حتى فتندت كبده ولم ينفعه ماله وولده وصار يتقيأ دما ويأكل يديه حسرة وندما فانتقل إلى لعنة الله وعقابه واستقر فى اليم رجزه وعذابه وذلك فى ليلة الأربعاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانمائة بنواحى مدينة تراو وحملوا عظامه إلى سمرقند وعمره قد جاور الثمانين ، ومدة ملكه واستيلائه مستقلا ست وثلاثون سنة وذلك خارج عن مدة خروجه وتحزئه رفع الله تعالى برحمته عن البلاد والعباد العذاب المهين وقطع دابروا القوم الدين ظلموا والحمد لله رب العالمين. أه كلام القرمانى بحرفه.



الفصل الثالث

فى منكرات تيمور فى بغداد خاصة


الفصل الثالث

فى منكرات تيمور فى بغداد خاصة

فى سنة ٨٠٣ ه‍ (١٤٠٠ م) عاد تيمور من زحفته على ديار الشام وتوجه نحو بغداد وكان السلطان أحمد قد أبقى فى المدينة الأمير فرجا وعهد إليه دفع المهاجمين وذهب هو إلى قره يوسف فى الموصل واتفق الأثنان على أن يكونا تحت جناح سلطان آل عثمان لأنه هو وحده كان قادرا على أن يناوئ ذلك الفاتح الظافر ومن كان فى أثره من البشر الشبيه بالهامر.

فشرع فرج بالمهمة التى اودعت إلى عهدته وأخذ يدافع عن البلد دفاع البطل الصنديد إلا أن تيمور الذى كان قد بعث بادئ بدء بعضا من أمرآء جيشه استصوب الذهاب هو بنفسه إلى المعسكر وكان أصحابه قد حاصروا المدينة من الجهة الجنوبية والقوا جسرا من القوارب على دجلة فذهب جند التتار وعسكر على طريق آلتون كبرى بازآء قرية العقاب. ولما التحم القتال دام أربعين يوما حوالى العاصمة وأظهر البغداديون من الشجاعة والبسالة والمهارة فى المقاتلة والدفاع ما يعز ورود مثله فى التاريخ فعلم التتار أن البغداديين بل وجميع العراقيين ليسوا كسائر خلق الله أنهم إذا أرادوا شيئا يبذلون فى سبيله كل علق نفيس بل النفس ذاتها.

إلا أن هذا الحصار الطويل سبب القحط والغلآء فالتزم أهل المدينة أن يأتوا ما تلجئ إليه الضرورة أى أنهم اندفعوا إلى القنوط واليأس ثم إلى الفرار وترك الأخوه المرتبطين برباط حب الوطن.


فلما نشأ فى أهل المدينة روح التخاذل والأترة وقد تم ذلك نهار الأحد ٢٧ من ذى القعدة سنة ٨٠٣ ه‍ (الموافق لليوم ١٠ من شهر تموز سنة ١٤٠١ م) وكان حماة الأسوار قد غادروها لشدة حر الهاجرة تسلق جيش تيمور أسوار القلاع بسلالم وأول من وصل إلى رؤوسها كان أميرزاده خليل سلطان والشيخ نور الدين ورستم طغا ولما لم يستطع أن يفعل أكثر مما فعل ركب هو وأهله سفنا وانحدر بها إلى البصرة إلا أن الأعداء تاثروه وأغرقوه هو وأهله وسفنهم وقيل أخذ وقتل.

ولما دخل تيمور المدينة أمر بذبح أهلها ذبحا عاما فأخربت المساجد والجوامع وهدمت المدارس التى يرتقى عهدها إلى العباسيين والسلاطين الأولين الذين جاؤوا بعد الخلفاء قال صاحب كتاب عمدة البيان فى تصاريف الزمان : قتل فيها (أى تيمور فى بغداد) تسعين ألف مسلم. وقال صاحب منتجع المرتاد فى تاريخ بغداد «وكانت واقعة (بغداد هائلة) اندكت لها الأرض وعملوا فيها السيف فقتلوا فيها الأولاد والنساء والرجال وخربوا حصونها وهدموا بروجها واتلفوا كل مما فيها من الحسن فجرى ما جرى إذ ذاك وسالت الدمآء كالماء فى شوارعها الليحاء قيل وأقاموا فيها هرما عليه تسعون ألف رأس من القتلى».

وبعد أن خمدت هذه الشدة وخبت حدث ثائرتها كتب تيمور إلى بيازيد ليسلمه عدويه السلطان أحمد وقره يوسف فلم يجب طلبه فاشتعل غيظا واندفع زاحفا على بلاد الروم (آسيا الصغرى) فانكسر بيازيد فى أنقرة كسرة لا نهوض وراؤها.

ولما عاد تيمور ادراجه عهد إلى حفيده ميرزا أبى بكر بن ميران شاه ولاية بغداد وضم إليه البصرة والجزائر جزائر شط العرب (والمراد بالجزائر جماعة الجزر التى كانت تنشأ من تجمع سواعد الشط بين جوازر وهى اليوم القرنة) وبين الجماسية بقرب واسط وبعد أن مضى ردح من الزمن حاول قره يوسف أن يناجز جيوش التتار على نهر العلقمى بجوار الحلة إلا أنه لم يفز بطائل فان أبا بكر دحره عن تلك الديار فأصبح سيد العراق وحده لا يشاطره فيه مشاطر.


وبعد معركة أنقرة رجع السلطان أحمد الجلايرى وقره يوسف إلى البلاد الراجعة إلى سلطان ديار مصر وكان يومئذ الملك الناصر فرج وأمر حاكم دمشق الشام أن يقبض على الهاربين وبحبسهما فى قلعة المدينة ففعل وذلك فى شهر جمادى الأخرة سنة ٨٠٦ ه‍ (الموافق لشهر كانون الأول سنة ١٤٠٣ م وكانون الثانى سنة ١٤٠٤ م) بقيا فيها إلى وفاة تيمور التى كانت فى السنة التالية.

(قلنا : رواية الأميرين الهاربين فى ديار الشام أثبت من رواية ذهابهما إلى ديار مصر. والذي يرئى هذا الراى الأخيرهم مؤرخوا الفرس فلا تلتفت إلى قولهم).

فلما علم السلطان أحمد بوفاة تيمور فر هاربا من الشام فى الليلة التى سبقت نهار الأحد ١٨ من ذى الحجة سنة ٨٠٧ ه‍ (١٤ حزيران ١٤٠٥ م) وكان قد أطلق من السجن مع رفيقه قره يوسف فى وقت واحد فى شهر شوال من تلك السنة (شهر نيسان ولما بلغ الحلة اختبأ فيها مدة ثم استنفر زعاما واوباشا وأخذ يقطع الطرق. وما سمع أهل بغداد بقدوم هذا السلطان إلا وارتجوا لهذا الخبر ارتجاجا حتى أن حاكم المدينة وكان «دولة خواجا عناق» لم يستطيع أن يردع الناس عنه فاجبر على أن يختلى فى محل من معسكر ميرزا عمر وهو حفيد آخر من أحفاد تيمور وما مضى أسبوع بعد ذلك إلا والسلطان أحمد قد دخل بغداد وأخذها من جديد.

وأول ما قام به السلطان أحمد وبذله من الأهتمام كان إعادة بناء اسوار المدينة حفظا على سكانها وتأمينا للمدينة لأن أهلها كانوا قد قلوا لكثرة ما نابهم من النوائب وفى أواخر سنة ٨٠٨ ه‍ (حزيران ١٤٠٦) زحف على تبريز ومعه الجيش لهام كانه الركام وكله من أهل الفتن والفساد وضم إليه جندا من الأويرات (الألوثة) وطوائف من التركمان. وكان الأمير الشيخ إبراهيم الشروانى رئيسا لهذا الجمع الغفير فسلم قيادته إليه بكل سرور وسهولة. فلما رأى التبريزيون أميرهم السابق كادوا يطيرون فرحا. أما السلطان أحمد فأخذ بالملاهى وعقد مجالس الأنس والطرب حتى قدم فجأة ميرزا أبو بكر حفيد تيمور واتفق فى


الوقت عينه وفود الطاعون فلم يصعب على السلطان أحمد فتح المدينة إذ فر أغلب سكانها. ثم أخذ يناجز قره يوسف فلم يتوفق فى معركته ولم تفده فتوحاته شيئا بل مرت أمر الرياح السوافى مع جميع الولايات المجاورة لها ووقعت كلها. بيد مؤسس دولة التركمان المعروفة «بدولة قره قويولى» أو دولة الخروف الأسود.

تكلمنا عن بناء أسوار بغداد فيحسن بنا أن نقول أن ميرخند يقول ما ملخصه : أن الأسوار التى خططها السلطان أحمد كانت أضيق نطاقا من الأسوار القديمة. وقد بذل كل جهده ليحصن الأسوار ويحفر لها الخنادق. فى بحر سنة ٨١٠ ه‍ (١٤٠٧ ه‍ ـ ١٤٠٨ ه‍) على ما رواه صاحب كتاب مطلع السعدين ويقال أنه فى أثناء حفره للخندق وجد الكنز الدفين العظيم الذى كان قد اودعه الأرض قبل واقعة تيمور ولم يؤخذ منه شىء البتة. وهذا ما أمكنه من تحصين عاصمته فى قليل من الزمن صدا للعدو ودفاعا عن رعيته (عن خندمير وهمر والمقريزى وهوار وغيرهم).


الفصل الرابع

فى أواخر دولة الايلخانيين وانقراضها

فى شتوة سنة ٨١١ ه‍ (أواخر سنة ١٤٠٨ م) أحد طامحى البصر إلى سرير المملكة وجميع المتحزبين له وحاول أخذ العاصمة بينما كان السلطان أحمد يجد عبثا فى حصار السلطانية وكان أسم الرجل هذا أويس وكان يدعى أنه ابن أحمد ولعل لهذا المدعى بعض الحقيقة لأن أهل الحكومة سعوا فى قطع لسانه بالألطاف والأصفر الرنان فسكت هذا فضلا عن أن السلطان عاد حالا إلى بغداد لما سمع بهذه الأخبار المقلقة وقتل كل من كان متحزيا للمدعى بالعرش فاسكت نامتهم.

وفى سنة ٨١٢ ه‍ (١٤٠٩ م) توفى الشاعر نصر الله البغدادى.

وفى سنة ٨١٣ ه‍ وقع تنافر بين قره يوسف والسلطان أحمد. فاراد هذا أن ينتهز الفرصة ليوسع مملكته بتضيق نطاق أرض متاوئه فزحف على تبريز ليأخذها منه فدخلها بدون صعوبة إلا أنه اضطر إلى أن يحارب حربا عوانا سكان ربض شنب غازان (فى ٢٨ ربيع الثانى ٨١٣ ه‍ ـ ٢٩ آب ١٤١٠ م) فكسروه وجرح جرحا عظيما فى هزيمته ثم أخذ ودفع إلى غالبه الذى استحصل منه عهدا يتنازل فيه عن مملكته لأبنه شاه محمد.

أما قره يوسف فرضى فى الآخر بخنق السلطان محمد من بعد أن ألح عليه حاشيته فى إجابة طلبهم. وعلى هذا الوجه قضى نحبه هذا السلطان المقحام وله من علو المقام بين أهل الغناء وعلم الأنغام. وأهل الشعر والنظم والرياضيات


والهندسة ما يزرى بنماط العيوق. إلا أن الذى كرهه فى أعين الخاص والعام ظلمه وجوره وحبه لسفك الدماء.

وبموته عنت آثار سطوة الإيليخانيين لا آثار سلالتهم كما ظنه أغلب المؤرخين لأنه بعد موت هذا السلطان كان قد بقى ثلاثة أولادهم أبناء لأبناء أخته وهم محمود ومحمد وأويس. وعاشوا فى بغداد مقدار سنة ونصف تحت رعاية الأميرة «تندو أو تندى سلطانة» أخت السلطان أحمد. ثم أن شاه محمد ذهب ليحتل المدينة عملا بالعهد الذى قبل به السلطان المقتول فغادر أردبيل وجاء وضرب خيام عسكره بازاء باب «سوق السلطان».

ومما ساعد فى نجاح تركمان دولة قره قويونلى أن أصحاب الأمير بخشائش وهو الذى قام بوظيفة رئيس شحنة وحاكم فى أيام السلطان أحمد نهضوا نهضة واحدة على عبد الرحيم الملاح وكان يحكم باسم محمود كبير الأخوة الثلاثة ذبحوه ذبحا لا رحمة فيه. فأصبحت المدينة فى كبس واضطراب وارتباك لا يوصف. فهرب الأخوة الثلاثة مع «تندا سلطانة» إلى ششتر فكان لهم هناك نوع من السلطنة لكونهم من أتباع شاه رخ.

ولما صفا الجو لشاه محمد تملك على بغداد ودانة له الرقاب وأخضع تحت أمره قلعة هيت المنيعة الشامخة وطائفة من بلاد كردستان ومن هذه البلاد كلها نشأت المملكة الجديدة مملكة تركمان قره قوينلى وأق قوينلى.

(لخصنا هذا الفصل حوار فى كتابه تاريخ بغداد فى الأزمة الحديثة وعن الملا ياسين فى كتابه عمدة البيان).



الباب الثالث

فى دولة التركمان القوينلية


الفصل الأول

دولة قره قويونلى

قره قويونلى واق قوينلى (ومعناهما الخروف الأسود والخروف الأبيض) طائفتان من بادية الترك المعروفين بالتركمان. وكانت مساكنهم القديمة بلاد تركستان ثم تحولوا عنها فى زمن أرغون خان الملك إلى بلاد آذربيجان ثم طعنت طائفة قره قويونلى إلى نواحى أرزنكان وسيواس واستفحل فيها أمرهم وأما طائفة آق قوينلى فظعنت إلى ديار بكر واستولت.

فلنبدأ بالطائفة الأولى التى جاءت ديار العراق أى قره قوينلى. وقبل أن نشرع بالبحث يحسن بنا أن نذكر هنا حادثين وقعا فى نحو تلك السنين وأولهما الغلاء الذى وقع فى سنة ٨٣٤ ه‍ وكان سببه تتابع الحروب فأنه عم ديار بكر وماردين والموصل وبغداد وشهر زور وهمذان وأذربيجان وبلاد الروم (أسية الصغرى) وأضر بالخلائق ضررا عظيما.

وفى سنة ٨٣٥ ه‍ (١٤٣١ م) شمل الخراب من تبريز إلى بغداد وكان سببه الجراد الذى ظهر فى تلك الديار فإنه آكل الزروع حتى أوراق الأشجار ولم يبق شيئا ولم يذر وارتفعت أسعار الأطعمه أرتفاعا فاحشا حتى بيع رطل اللحم بنصف دينار ذهب ولحم الكلب بستة دراهم. ومن أغرب ما ذكر من وقائع هذه السنة ما أورده صاحب عمدة البيان قال ما حرفه «وطلق رجل زوجته فتزوجت قبل العدة ثم طلقت وتزوجت ثالثا فولدت ضفدعة بقدر الطفل» ولا يخفى ما فى هذه الحكاية من سوء التعبير فلو قال الكاتب أن المرأت ولدة أبنا مشوه الخلقة فيه بعض الشبه للضفدع لما كان على كلامه غبار وأما كلامه هذا بالصورة المذكورة


فلا يخلو من غرابة بعيدة والله أعلم بحقائق الأمور. هذا فضلا عن أن المؤرخ لم يذكر محل الواقعة ولا فى أى بلاد وقعت.

وإذ قد قدمنا ما وقع من غرائب الأحداث نقول : أن دولة قره قوينلى نشأت تحت كنف الدولة الإيلخانية نشوء أمكنها من أن تحل محلها بعد عهد مقدر.

ففى عهد السلطان أويس كان بيرم خواجه وهو رأس جماعة البهارلية فى عدة مواقع. ولما مات هذا السلطان أخذ هذا الشيخ أى «بيرم خواجا» الموصل وسنجار وارجيش (أرجيش مدينة قديمة من نواحى أرمينية الكبرى قرب خلاط وأكثر أهلها أرمن نصارى وقد أغرقها مياه بحيرة وإن قيل ستين سنة وأراد ابنه محمد أن يستقل بالملك فلم يوفق فجاء بعده حفيده قره يوسف وشيد دولة على أنقاض الدولة الجلائرية كما اسلفنا الكلام عليه فى وقته.

قلنا قبيل هذا تملك الشاه محمد على بغداد والأن نزيد على ما تقدم أن ملكه دام فى الزوراء ثلاثا وعشرين فلما خرج على أخيه الأمير اسيان وردى بعض الكتاب المتاخرين كحبيب أفندى شيحا ومن أخذ عنه الأمير اسيان وهو خطأ شنيع خاف على حياته ففرها ربا إلى الموصل وهناك استنفر جيشا عرمرما وتهيا للحملة على بغداد وبينما هو على أهبة الزحف إذ بالأمير الحاج همذان هجم عليه واختاله سنة ٨٣٧ ه‍ (١٤٤٣ م ـ ١٤٣٤ م) وذلك على تخوم الشيخان. وكانت قد مضت سنة واحدة منذ أخذ الأمير اسيان بغداد فحكم عليها بدون معارض إلى وفاته التى وقعت فى نفس بغداد سنة (١٤٤٤ م ـ ١٤٤٥ م).

أما قره يوسف فأنه كان عظيم النفس كثير المطامع طامح البصر يؤذان لملك الدنيا كلها وتخضع له الأكابر والأصاغر ولهذا قضى أياما لم ير فيها راحة إذا كان لا يحلم شيئا إلا توسيع نطاق مملكته وتدويخ البلاد وارقاق العباد ولما كان يعلل نفسه بهذه الأمانى الأشعبيه حاول أن يحققها فذهب لمناجزة الشاه رخ بن تيمور وجيش لذلك جيشا جرارا إلا أن الله توفاه فى مدينة أجان مصيف المغول قرب


تبريز سنة ٨٤٣ ه‍ ـ ١٤٤٠ م ولم يكن يومئذ بجانب المحتضر أحد من أبنائه ليختلفه فنهب عسكره كل خزائه ثم ما أعموا أن تفرقوا ايدى سبابل وتحت كل كوكب وتركوا جثه هامدة باردة عارية ليس عليها ما يستر عورتها فى مربط دواب ولم تدفن إلا بعد ثلاثة أيام. وكان قد أستوى على العرش مدة أربع عشر سنة.

فسبحان من يعامل الطامعين الطامحين معاملة يرجح عنها القلم حافيا نافيا وتكون عاقبتهم آية القوم يعقلون. وما أحرى بكل طامع أن يتمثل بقول عمر بن مالك الحارتى.

من كان منه الحرص يوما لحظه

يؤمل أن تاتيه منه رغائبه

فانى رأيت الحرص انكد سددت

عن النجح فى كل الأمور مذاهبه

موارده فيها الردى حياضه

وأن اترعت لم يحظ بالرى شاربه

وان هيجته المطمعات يجدنه

إلى انعى تحدى كل يوم ركائبه

فلم ارحضا لأمرى كقناعة

ولا متل هذا الحرص أفلح صاحبه

وفى أوائل سنة ٨٤٤ ه‍ (١٤٤٣ م) قبض على عنان الملك بعد قره يوسف ابنه إسكندر. واتفق مع أخيه من أمه جهان شاه أو جهانكير شاه بن على بك ومستنفر جيشا لهاما وبادى شاه رخ بعداوة لا تطغا جذوتها وظهر بريقها وبصيصها حينما تلاقى الفريقان قريبا من أرجيش. فنصر الله المعدى عليه شاه رخ إذ ليس للظالمين من نصير. هذا ولم يحاول أحد من أصحاب الشاه رخ ثائر الأعداء ومطاردتهم مع أن هؤلاء الأعداء حملوا على مناوئيهم ثلاث حملات منكرة وفى كل حملة كان الخزى لأولئك الظالمين.

وبعد أن مضى ردح من الزمن والأمور تجرى هذا المجرى سئمت نفس جهانكير شاه وأغلب الأمراء التركمان من معاملة إسكندر لهم وتحموا منه ملتجئين بعسكر الشاه رخ فرحب بهم هذا كل الترحيب وعهد إلى الأمير الطريد الحكم على بلاد ديار بكر وآذربيجان بشرط أن يفتتحها ويستحوذ على أخيه. فلما


رأى إسكندر أن لا مناص من هذا التضييق لجأ إلى حصن النجق. فحاول جهانكير شاه أخذه فلقى منه الأمرين. واضطر إلى استعمال الغدر والخيانة للبلوغ إلى وطره فنجح. ولما كان يعلم أن قباد بن إسكندر قد هام بجارية من جوارى أبيه دفعها إلى أن تقتل إسكندر فقتلته وكان ذلك فى سنة ٨٤١ ه‍ (١٤٣٧ م ـ ١٤٣٨ م) وكانت مدة ملكة ١٦ سنه وجاء فى نخبة التواريخ أن جهانكير شاه قتل بنفسه قباد الفاتك بأبيه ليعاقبه على ما جنت يداه. ولا سيما لأن فى قتله منفعة عظيمة لنفسه.

لما تبوأ جهانكير شاه عرش المملكة قبض أيضا على أعنة بلاد ديار بكر وآذربيجان مدة أثنتى عشر سنة بمقام نائب عن شاه رخ بن تيمور. ولما قضى نحبه الشاه رخ سنة ٨٥٠ ه‍ (١٤٤٦ م) استقل حينئذ جهانكير بالملك أتم الإستقلال وبقى مدة ٣٢ سنة سيدا مستبدا مادام صولجان ملكه على بلاد ديار بكر وآذربيجان وبغداد والبصرة وفارس وكرمان وليس من مناوى يناوئه.

فى سنة ٨٥٤ ه‍ (١٤٥٠ م) فاضت دجلة فيضا فاحشا وأمتلأ الخندق المحيط ببغداد فحصر أهل المدينة حصر أهل الحرب لهم. اندفعت المياه فغرقت الزوراء وتهدمت دور كثيرة وكان أهل المدينة يستغيثون بالله صباح مساء ويكثرون من الصلاة والتردد إلى المعابد والمساجد. ولم يسمع الله فى المدينة حديث آخر إلا حديث الماء انكسار الأسداد ودخول المياه فى بيت فلان وفلان أو فى المحلة الفلانية والفلانية وجامع هذا الصوب. وكثيرون من الناس ماتوا تحت الهدم الردم. ومن لم يمت كان يرتبط مع من يجاوزة من أهل محلته لينجوا من الغرق البيوت التى لم تدخلها الماء. وكانت مياه دجلة قد علت المدينة ودويها يفعل فى المسامع ما تفعله آلت الجذب فى أيام المعامع. إلا أن هذه الحالة لم تدم أياما طويلة فإن ربك رحيم بعباده فرأف بهم وأخذت لمحمة السيل تغتر شيئا فشيئا حتى خمدت شدتها. بيد أن الأهالى كانوا يتخوفون من عاقبة المياه المستنقعة ووحامة بقائها فى مواطنها حتى أخذوا يتشاءمون بفتك الطاعون عن قريب. ولم يحقق سوء الظن هذا فى بغداد وأن كان يتفك يومئذ فى بلاد الكرج.


وفى تلك السنة خسف القمر خسوفا تاما وظهر كوكب فى السماء يجرم القمر وخر فهلعت القلاب واقشعرت الجلود واصطكت الركب وتزلزلت الأقدام وعلا العويل والنحيب وأخذ الناس على اختلاف الأعمار والطبقات والمذاهب والإيان يقرعون أوانى النحاس والدسوت والطشوت والمواعين حتى خاف الناس من هذه الجلبه والضوضاء أكثر من خوفهم من الخسوف نفسه. وكان السامع لهذه الأصوات يتخيل أن قد حانت الساعة وأن الأموات تتململ فى الأحداث وأنهم هم الذين يحدثون تلك الأحداث. والحقيقة أن ذلك الشهاب كان رجماصات صوتا عظيما عند ما تقرقع فى الجو وما أنحل وجه البدر الصبيح بعد ذلك الظلام القبيح على الناس إلى أفراحهم ونشعروا تلك الساعة الهائلة وكل اتراحهم.

وفى سنة ٨٥٩ ه‍ (١٤٥٤ م) سمع أهل بغداد بظهور الطاعون فخافوا على أنفسهم خوفا عظيما لأنهم كلما سمعوا بذكر هذه الوافدة وظهورها فى دار من ديار الله ظنوا أنها تأتيهم شاؤوا أم أبوا. إلا أن ظنونهم لم يتحقق.

بيد أن الطاعون فتك فى السنة التالية فى ديار بكر الجزيرة وماردين نصيبين والموصل ولم يجسر على القدوم إلى دار السلام وما ذلك إلا الصعوبة العدوى المتولدة من صعوبة التنقل والترحات فى ذلك العمد وانقطاع الطرق. فراق الله بعبادة متخذا الوسائط البشرية والطبيعبة وسيلة لإظهار أعماله بين الناس.

فى سنة ٨٦١ ه‍ (١٤٥٦ م ـ ١٤٥٧ م) انتقل إلى دار القرار باى سنقر بن شاه رخ ملك خراسان فتنازع أولاده المملكة. فلما رأى جهان ما وقع من الأنقسام بين أبناء الملك انتهز هذه الفرصة فأخذ هراة ، فلما سمع بهذا الخبر أبو سعيد عملت فى نفسه عوامل الغيرة على آل تيمور وتنبهت شواعره الباطنة فالى على نفسه أن يتأثر هذا الفائح الجسور. ولا سيما لأنه كان قد شهر نفسه ملكا على سمرقند قبل مدة وجيزة فخسف فى الزحف على التركمانى ليقمع ناهض طمعه. فلما رأى جهان شاه ما فى صدر منائه من محكم القصد ولم يستطع أن يقاومه فى السهل


ذهب للحال وتحسن فى حرز منبع من ذلك الصقع وبعث إلى ابنه «بيريودق» حاكم شيراز يطلب إليه أن يعجل فى انجاده. فى كذب ابنه أن استنفر جيشا عظيما فى أسبوع واحد وفيه أثنا عشر ألف مزاتل صنديد.

ولسوء الطالع لم تغد هذه العساكر جهان شاه فائده عظيمة فإن أبا سعيد خضد شوكته وكسر جنده الأبطال. وفضلا عن هذا شاع الخبر فى ذلك الأوان أن ابنا آخر من أبناء التركمانى جهان شاه وهو «حسن على مرزا» لما رأى أن مدينة تبريز تركت وشانها وانتهز هذه الفرصة ليتخمدها لنفسه ففعل ولم يقاومة أحد واستقل فيها أحسن استقلال. وما كنت هذه الأمور إلا لتزيد حسن جهان شاه فصبر على مجامر الكرام وعقد عرى السلام مع أبى سعيد الهمام ثم عاد ادراجه إلى تبريز والقى فى السجن ابنه «حسن على مرزا» وعهد إلى ابنه الآخر «بيريودق» حكم العراق العوبى مكافأة له على حسن خدمه.

وما كادت قدما «بيربودق» تستقران ببغداد إلا ورفع راية العصيان على أبيه كان الله اراد أن يبين لهذا الأب المنكوب المبتلى بأنواع المحن أن الإنسان إذا اقتنى شيئا بالحرام لا يتهنأ به وكيف يتهنأ بمملكة سفكت فيها الدماء زورا وظلما واتسئت بأخذه من قتل قباد بحيلة دبرها هو بنفسه ونصف ولم يزل مثابرا على عزمه حتى افتتحها. ثم قبض على بيريودق وقتله فى سنة ٨٧٠ ه‍ (١٤٦٥ م ـ ١٤٦٦ م) إذ ليس بظالم إلا ويبلى بأظلم وكل كانوا ظالمين.

وكان بيريودق فى حياته قد جرى على نفسه عداوة حسن الطويل وحسن هذا هو مؤسس دولة التركمان المعروفة بآق قوينلى أى دولة الخروف الأبيض فلما قتل بيريودق فرح حسن الطويل فرحا لا مزيد عليه شاشا بموته. فأثار هذا التصرف الذميم ثائر الغضب فى نفس جهان شاه فباداه بالحرب وزحف عليه للحال معه خمسون ألف مقاتل. فلما رأى حسن الطويل هذا الجيش الجرار ولى هاربا إذ رأى من نفسه إذ لا قبل له به إلا أنه بينما كان جهان شاه مع خمسمائة أو ستمائة من رجاله يستريح على ضفة نهر أنتهز حسن الطويل هذه الفرصة فى قابل عدوه


وقاتله حتى ظفر به وأماته فى سنة ٨٧٢ ه‍ (١٤٦٧ م ـ ١٤٦٨ م) فصالح هذا الكلام الماثور أن ما يؤخذ بالسيف فلسيف ينزع وعلى هذا الوجه نشلت هذه المملكة من القتيل وكان قد بذل فى سبيل توسيعها كل مرتخص وغال ولم يبال بحرام أو الحلال. وهكذا انتقلت برمتها إلى حسن الطويل راس الدولة التركمانية المعرفة بآق قوينلى وانقرضت تلك الدولة الأولى من بغداد بعد أن حكمت فيها نحوا من ستين سنة.


الفصل الثانى فى دولة آق قوينلى

لما وقع بين حسن الطويل أو أوزون حسن صاحب ديار بكر وبين جهان شاه صاحب العراقين (العراق العجمى والعربى) حروب كثيرة استحر القتال والتحم النظال مدة سنتين لأنها ابتدأت فى سنة ٩٧١ ه‍ (١٤٦٦ م) وانتهت سنة ٩٧٢ ه‍ (١٤٦٧ م) وفى الأخر فاز حسن الطويل بنصر جليل على عدوه الذليل جهان شاه وقتله هو وأولاده وكثيرا من عسكره ومنذ ذاك الحين استولى على بلاد العراق واذربيجان بل وعلى كل أملاك قتله.

فلما كان لأوزون حسن هذا الفوز المبين ظن أن الجو قد خلا له ورق أديمه وراق ولم يبق له من ينزع من يده صولجان الملك. إلا أن الإنسان فى تفكير الرحمان فى تدبير وخال أوزون حسن أنه لا بد له من أن يدوح البلاد ويخضع له العباد فسأء ظنا لأنه بينما كان يفكر فى مثل هذه الأمور رأى فى أوفق السياسة ما يكثر عن قريب صفو سمائها وذلك على الوجه الذى نبين لك أصله كما يأتى :

كان قره عثمان جد أوزون حسن أو حسن الطويل فى خدمة تيمور وكان يحكم باسمه على عدة قرى من بلاد ديار بكر ثم توفى قره عثمان فى عهد شاه رخ وخلفه «على بك» ابنه ثم عقبه ابنه «أوزون حسن» وكان هؤلاء الأمراء معادين كل المعاداة للتركمان المنتسبين إلى قره قوينلى أو الخروف الأسود. فلما قتل جهان شاه كما المعنا إليه فويق هذا خلفه على عرش المملكة ابنه «حسن على» وما كادت قدماه تستقران حتى أرسل رسلا إلى أبى سعيد ابن مير شاه ابن


تيمور ليطلعه على أعمال أوزون حسن فأراد أبو سعيد مساعدة هذا الأمير المستجير به لا سيما أنه من اتباعه فحمل على العدو ومعن سبعة وعشرون ألف مقاتل. فلما سمع بذلك أوزون حسن داخله الرعب فلجأ إلى التسويق ثم إلى حسن المعاملة. ومما أناه فى هذا الباب أنه لما علم بمجيئه إليه أرسل لاستقباله أمه العجوز ومعها هدايا والطاف كثيرة ثمينة نفيسة. ومن جملتها خيل تركمانية.

والخيل عند اولئك الأقوام من أجل الهدايا. إلا أن هذا التزلف لم يأت بفائدة أبدا. إذ أن أبا سعيد أبى قبول الهدايا ولم يقابل الأم العجوز. وكذلك خاب مسعى حسن الطويل لما حاول أن يهديه بغداد والبصرة وفارس وكرمان واعدا أياه أن لا يدخر لنفسه إلا بلاد آذربيجان وأن يذعن له النقود فى كل أمر يكون له من الأمراء الخاضعين لصولجانه ويضرب النقود باسمه ويذكر اسمه فى خطبة الجمعة. أما أبو سعيد لم يقبل بشىء من هذه المواعيد والشروط وكان كلما لأن خصمه تجبر وعتا. فلما رأى حسن الطويل أن الحلم لا يفيد شيئا وأن له من هذا المازق وقد بلغ السيل الزبى آل على نفسه أن يناهضه ويناجزه ويناوئه مستمدا العون من رب الجنود. وللحال جيش جيشا من قبيلته وفيه أثنا عشر ألف مقاتل وحاصر معسكر أبى سعيد وقطع عنه الطعام أربعين يوما. ولما انقضت هذه المدة سار إلى أردبيل وفى تلك المطاوى رأى أبو سعيد موت أغلب دوابه فلما لم يدر ما يعمل وجه أمه إلى أوزون حسن لتستميله إلى أبنها. على حد ما عمل أوزون حسن حينما بعث أمه لمثل هذه الغاية إلى أبى سعيد. وكان حسن مستعدا لأجابة طلب الأم لو لا أن «جنيدا» جد الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية فى فارس بعدئذ عارضه فى تلبية طلبها. وكان جنيد حاضرا فى المجلس الذى عقده حسن الطويل لاستشارة وجهاء دولته. فرجعت أم أبى سعيد بخفى حنين وعادت إلى ابنها صفر اليدين كما عادت سابقا أم حسن الطويل. وزد على ذلك أن بعض أمراء جيش أبى سعيد قلبوا ظهر المجن لسيدهم وانحازوا إلى الحزب المعادى.

فلما رأى ذلك أبو سعيد فر ولا فرار جرادة العيار.

وما زال يضرب فى الأرض وزينل مرزا بن حسن الطويل يتعقبه حتى قبض


عليه وأتى به إلى أبيه فرحب به وأكرم مثواه وكان يشوب اكرامه له بعض الهوان. فعرض المضيف على ضيفه ما ظنه يرضيه ويطيب خاطره فقال له : خذ لك يا أبا سعيد خراسان وماورآء النهر. وأما أبا فادخر لنفسى ما افتتحته من البلاد وما تحويه من العباد. فأبى أبو سعيد هذا الرأى إذ وجد صاحبه يستقى لنفسه شيئا كثيرا. فلما وقف أوزون حسن على ما فى نفس مناوئه من الطمع والجشع اشتعل غيظا وتلهب غضبا وعمل بمشورة أمرائه لأنهم كانوا يقولون له أن لا يعطيه شيئا بل زاد على ذلك أنه أفتى بقتله أمام جماعة من القضاة الذين كانوا قد اجتمعوا بأمر حسن الطويل لينهوا الأمر على وجه حسن. ومن جملة الأسباب التى حملته على اصدار أمر القتل أن أبا سعيد كان قد أمر بقتل أم رجل اسمه يادكار محمد بدون علة ولذا حكم عليه بالقصاص فقتل سنة ٨٧٤ ه‍ (١٤٦٩ م ـ ١٤٧٠ م).

وفى رواية للقرمانى ما نصه : «فى سنة ٨٧٣ ه‍ قصد صاحب ماورآء النهر الملك أبو سعيد ابن مير شاه ابن تيمور أن يسترد ما كان لجهان شاه من البلاد من حسن الطويل فقابله بحدود آذربيجان فالتحم الحرب بينهما إلى أن قتل خلقا كثيرا من عظماء خراسان وأسر الملك أبو سعيد فى يد زينل بن حسن الطويل. ثم أمر بقتله فقتل وأرسل برأسه إلى صاحب مصر فأمر به صاحب مصر فدفن اجلالا له لأنه كان من أكابر ملوك الإسلام وارسل معه كتابا سلك فيه طريقة الملوك وابرق فيه وأرعد وكان قبله يتلطف بهم وأستولى حسن الطويل على ما كان بيد أبى سعيد المذكور على ملك سمرقند وفيرة.

وفى سنة ٨٧٤ ه‍ حدث طاعون جارف ابتدأ من كربلاء ونجف ثم انتقل إلى بغداد يعيث فيها عيث الأسود المفترسة ثم نزل إلى القرنه والبصرة ومن هناك انتقل إلى بغداد وأصبهان بعد أن فتك فتكا هائلا فى النفوس. وكان العوام ينسب هذه الطامة الكبرى إلى قتل أبى سعيد إذ توهموا أنه أميت ظلما وجودا.

وفى أواخر تلك السنة (٨٧٤ ه‍) سير أوزون حسن جمعا كثيفا من العسكر


على الوند بيك عامل جهان شاه على بغداد. وجهان شاه هذا هو كما رأيت آخر ملوك دولة قرة قوينلى الذى كانت قد ثبتت قدمه فى الزورآء إلى نحو ذلك الحين. فنازل الوند بيك فى الحرب ذلك الجيش الجرار حتى كسره فاضطر حسن الطويل إلى أن يقدم بنفسه إلى حومة الوغى وما زال قراع ونضال أمام دار الخلفاء حتى قتل الوند بيك واورده حياض الموت. وفاز حسن الفوز المبين. ومنذ ذاك الحين ضم العراقين إلى بلاده الواسعة الاكناف فازدادت امتدادا وانبساطا.

وفى سنة ٨٧٦ ه‍ (١٤٧١ م) وصل بوسفجة بيك بعسكر حسن الطويل إلى مدينة توقات أو طوقات فنهبها وخرب أسواقها وامتلكها باسم أوزون حسن. وفى تلك السنة زادت توقات خرابا على خراب أن زلزلت الأرض زلزالها وكادت تغنى من بقى من أهلها فكان هولهم يومئذ من أشد الأهوال وفى سنة ٨٧٧ ه‍ (١٤٧٢ م) كسف القمر فى بغداد فحدث من الهول والضوضاء مالا يصفه واصف وتشاءموا بعدة بلايا تقع فى السنة واتفق أن بعد ذلك أخذ الشريف محمد محمل أوزون حسن فقال العوام : أن البلايا لا تقف عند هذا الحد وكان يوسف جد بيك فى تلك الأثناء يتم مسيره إلى بلاد فرمان وكان بها السلطان مصطفى ابن السلطان محمد خان فاتح القسطنطينية فكبسه السلطان مصطفى وظفر به وأسره وقتل غالب عسكره ثم بعث به إلى أبيه السلطان محمد خان كما مر ذكره.

وفى سنة ٨٧٨ ه‍ (١٤٧٣ م) نهض كل من الملكين السلطان محمد خان وحسن الطويل إلى الآخر فالتقى العسكران بقرب مدينة «بايبودد» (وهى اليوم قصبة قضاء بأسمها فى نفس لوآء أرضروم واقعه على نهر جورك صو على مسافة ٢٤ ساعة من أرضروم إلى الشمال الغربى وفيها آثار يونانية قديمة) فوقع بينهما قتال شديده ثم جاء النصر للسلطان محمد خان فانهزم حسن الطويل وقتل ولده زينل على يد السلطان مصطفى كما ذكر فى محله. أم أوزون حسن فذهب إلى تبريز ولم يعد يفكر بأمر سوى بتوجيه اشغال المملكة على الطريق الذى يرأه الأسد فى عينيه.


وفى تلك السنة سنة ٨٧٨ ه‍ وقع فى بغداد برد عظيم قدر الواحدة منها قدر الرمانة وأصاب خلقا كثيرا كانوا فى البادية فقتلهم وكذلك أمات شيئا عضيما من صغار الحيوانات والطيور وأضر بالأشجار فاتلف عددا منها معدودا وقبل أن يتساقط هذا البرد الهائل سمع أصوات فى الجو كأنها أصوات أسلحة تصطفق.

وفى سنة ٨٨١ ه‍ (١٤٧٦ م) سافر السلطان محمد إلى جهة بغداد فبلغة خروج الأنكروس (المجر) فعاد إلى أدرنة. وفى هذه السنة جاء إلى بغداد رجل من مصر فأخبر أن امرأة من نساء الجراكسة ولدت أبنا له أربع عيون وأنف غير مثقوب من جهة الشمال وله فى كل يد من يديه سبع أصابع وله طول الواحدة منها شبر وشعره طويل أيضا يتعدى الفترين. فكان هذا الخبر من أجل ما أهتم به خواصهم وعوامهم ولم يسمع يومئذ سواه فى البيوت والمجالس والمنتديات.

وفى سنة ٨٨٢ ه‍ (١٤٧٧ م) توفى صاحب العجم أوزون حسن وملك بعده ولده ميرزا خليل وكانت مدة ملك حسن الطويل أثنتى عشرة سنة وكانت وفاته ليلة عيد الفطر وخلف خمسة أولاد وهم خليل ميرزا أو ميرزا خليل وكان حاكم فارس وهو الذى ورث أباه ومقصود بيك. وكان حاكم بغداد. ويعقوب بن ميرزا وكان حاكم ديار بكر ومسيح ويوسف.

أما خليل وهو ابن حسن الطويل بن على بيك بن قطلو بيك بن طور على التركمانى فقد ورث ملك أبيه بعهد منه إليه ، وكان أكبر أولاده وأحبهم إليه فملك جميع ما كان يملكه أبوه من البلاد الشرقية إلا أنه لم يتهنأ بالملك لأنه لما استقر على منصه الملك طغى وبغى وجار وعسف وأخذ الناس بالعنف والشدة.

وقتل كثيرا من الأمراء وقتل أخاه مقصود بيك وخلقا كثيرا من أقاربه وزاد الطين بلة أنه أولع باللهو والمفاسد وكانت الفتن قائمة على قدم وساق فى أطراف البلاد فضلا عن أنحاء العراق وكان الذين يثيرونها بعض الملوك من أصحاب الغايات وما كان أحد يجسر على أن يطلعه على ما يحدث من الأسواء والأحداث لسوء خلقه وخشونة طباعه وشدة جبروته فاتفقوا على خلعه وتوليه أخيه الملك الصغير يعقوب بيك صاحب ديار بكر وكانت مدة سلطنة المخلوع ستة أشهر ونصف شهر وفى رواية أخرى أن حسن الطويل لما كان حيا أقام حاكما على بغداد ابنه ميرزا


مقصود ولما علم الأب أن ابنه هذا قد اتفق مع عمه أوغرلو محمد الذى كان قد رفع رأية العصيان على أخيه حسن فى أصبهان أنزله عن منزلته الرفيعة ثم لما قضى نحبه حسن الطويل وتملك ابنه خليل بعده أتى هذا من المنكرات ما لا يصفه قلم واصف فتمرد عليه أخوه يعقوب ميرزا سنة ٨٨٣ ه‍ (١٤٧٨ م ـ ١٤٧٩ م) وتلاقى الإخوان فنصر أب الصغير الله الفاضل على الكبير الرذل بقرب سلماس من ديار العجم ثم قتل المغلوب فى تلك الموقعة بعد قليل فأستوى على عرش المملكة يعقوب ميرزا وبعد أن قبض على صولجان الملك مدة ثلاث عشرة سنة أشربته أمه بالماء بافعا ولم تدر أنه سم بما أنها هى أيضا شربت منه فمات كلاهما فى وقت واحد أسف عليهما الجميع وسوف نعيد الكلام عن هذه الوفاة بعد هذا فى السنة المناسبة لموتها.

وفى سنة ٨٨٩ ه‍ (١٤٨٤ م ـ ١٤٨٥ م) فاضت دجلة فيضانا فاحشا حتى فاق كل فيضان جاء ذكره سابقا فإن الماء دخل المدينة كلها وبلغ علو الماء فى الأزقة ذراعا واحدا وفى بعض المحلات كجوار مدفن عبد القادر الجيلانى بلغ ذراعا ونصف ذراع.

وتعذر المشىء على الأقدام فى الطرق فاضطر الناس إلى ركوب القفف والقوارب والسفن ومنهم من كان يتجول على الدواب. وقد وافق أزدحام السيل فى طحمة الليل فانبثقت الأمتداد ليلا على غفلة من الناس ففاجأهم السيل وهم نيام فلما انتبهوا على أنفسهم رأوا أن كثيرين منهم قد خنقوا بالماء ومنهم من جاءهم السيل وهم فى البادية فاحتملهم إلى بعيد ولا سيما الأطفال فمات منهم مئات وكذلك يقال على الدواب التى ابتلعتها المياه أو ساقها إلى حيث القها رحلها أم قشعم وكان العويل يسمع من بعيد فالذين فى جانب الكرخ كانوا يسمعون صراخ أهل الرصافة والذين كانوا فى ضفة الرصافة تسنك مسامعهم من نحيب أهل الكرخ وأما الذين دفنوا تحت الردم فلم يحصوا لكثرنهم ولم تدخل المياه البيوت من فيضان دجلة فقط بل كانت أراضى الدور تضيق بالمياه التى كانت تنبط منها لأن سطح ماء الشط كان أعلى بكثير من أعلى محلة ببغداد وفى الناس فى هذا الخوف العظيم مدة تزيد على شهر ولما جاء تموز تبخرت المياه ورجع الناس


إلى منازلهم بعد أن أصابهم من الفزع والجزع ما لا يقوى على وصفه أى فلم تستحسنه.

وفى تلك السنة أى سنة ٨٨٩ ه‍ بعث يعقوب شاه ابن حسن الطويل عسكرا لهاما إلى بلاد الشعشع فكسروه كسرا شنيعا وكان المشعشع يعد نفسه علوبا ثم غالى فى أنفسه حتى زعم أن روح على بن أبى طالب انتقلت إليه فأمن به كثيرون وما زال أمره فى استفحال واستشراء وعدد المخازين إليه يزداد أزدياد السيل المتجمع من كل حدب وصوب حتى أستولى على بلاد ابن علان (وفى رواية : ابن هلال) على أن خروج يعقوب شاه عليه قلم اظفاره وخفض جناحه وقت فى عضده حتى تنوسى العهد به.

وفى سنة ٨٩٢ ه‍ (ـ ١٤٨٦ م) توفى الفقيه الشاعر محمد بن الحصر البغدادى حتى لموته رنة حزن فى جميع ديار العراق تشبه وفاة أعظم ملوك الأرض.

وفى سنة ٨٩٢ ه‍ (١٤٨٧ م) ظهر الشيخ حيدر بن الشيخ صفى الدين بن جنيد الأردبيلى شيخ الصوفية بمريديه وإن شئت فقل بمردته وهجم على شروان شاه صاحب شماخى (شماخى مدينة عامرة وهى قصبة بلاد شروان فى طرف أران تعد من أعمال باب الأبواب) فغلب عليه واستنجد صاحب شماخى يعقوب شاه المذكور وكان بينهما علاقة صهارة فاستنجده على حيدر بعسكر كثير كثيف فاوقعوا بحيدر المذكور فقتلوه وأعادوا شروان شاه إلى مقر ملك شماخى.

وفى سنة ٨٩٤ ه‍ (١٤٨٨ م) تحيل يعقوب شاه بحيلة غريبة حتى استولى على بلاد دياربكر ونزعها من يد الأكراد والتركمان وانتصر عليهم.

وفى سنة ٨٩٦ ه‍ (١٤٨٨ م ـ ١٤٨٩ م) ماتت أم يعقوب شاه وكان موتها سببا لاختلاف حصل بين أهل هذا البيت. وكان دأبها أن تجمع فى كل أسبوع أهل هذا البيت بمكان أعدته لهم وتكلم كلا منهم بما يناسب حاله ومقامه. فلما ماتت انقطع هذا التدبير وتفرقت الكلمة فكان سببا ووسيلة لدس السم على يعقوب شاه بعد وفاة والدته بثمانية عشر يوما وأخيه ميرزا يوسف بيك. وكانت وفاتهم فى نواحى قره باغ. وهذه الرواية تختلف عما رويناه فويق هذا والله أعلم بالحق. وكانت مدة ملك يعقوب شاه أثنى عشرة سنة وشهرين وخلف ثلاثة


أبناءهم بأى سنقر. وحسن. ومراد. وتسلطن. بعده أخوه مسيح بك بن حسن الطويل. فوقع بين الأمراء خلاف إلى أن آل الحال إلى تولية على بيك بن خليل بيك بن حسن الطويل. ثم لم ينتظم به الأمر أيضا حتى أقاموا بأى سنقر بن يعقوب بن حسن الطويل صبيا صغيرا دون العشر سنوات. ثم وقع بين الأمراء عدة حروب تطاعنوا فيها وتطاحنوا بسبب أن كل جماعة منهم أختارت واحدا من أهل بيت الملك ومالت إليه وقتلت جماعة منهم. ثم اتفق أن قتل باى سنقر فى بعض الحروب بعد أن ملك سنة وثمانية أشهر. وفى رواية : ان سبب أختلاف الأمراء فى تعيين الخلف الوارث أنتهى بقتل مسيح بك وتبريع باى سنقر على تخت المملكة وقيل لم ينته الاضطراب بذلك لأن واحدا من حاشية مسيح بك واسمه محمود بيك بن أوغرلو محمد وهو ابن عمه لحاقر هاربا إلى بغداد فاستوى هناك على سرير المملكة بمساعى شاه على بيرناك حاكم الزوراء. ولكن باى سنقر وصوفى خليل مؤدبه جمعا جيشا جرارا وزحفا على المتحالفين حتى أهلكاهما وبيديهما الأسلحة.

وبعد أن مضى ردح من الزمن خرج رستم ميرزا بن مقصود بن حسن الطويل على باى سنقر وتغلب على آذربيجان ولما لم يكن أمينا من جهة بأى سنقر أطلق من سجن أصطخر أولاد الشيخ حيدر الصفوى. وقد نوى بعمله هذا أن يمنع فرخ يسار شاه شروان من أن يغيت بأى سنقر لأنه إذا كان حبله على غاربه يثير لمناوئه ما يتبط به عزمه. وفى تلك المطاوى بلغ الخبر إلى رستم ميرزا أن بأى سنقر أخذ بالزحف فلما تثبت الأمر تهيأ للملاقاة. والتحم القتال وقتل فيه بأى سنقر فبلغ رستم إلى تحقيق أمانيه وهى السملك على آذربيجان فملكها وأقام فيها خمسة أعوام وستة أشهر. وأرسل بأبهة وجلال إلى أردبيل أولاد حيدر وأردبيل هذه هى مهد سعادة الصفوية ولحد جدهم الأكبر.

وقبل وقوع وفاة بأى سنقر قضى تحيه يعقوب ميرزا فلجأ حفيدة أحمد بن أوغرلو محمد بن حسن الطويل إلى السلطان بيازيد الثانى العثمانى فزوجه ابنته.

ومن بعد أن أقام سنوات فى الراحة والسكون أفلت من بلاد الترك فى السنة السادسة من ملك رستم ومعه جيش عظيم وتوجه إلى آذربيجان فذهب وخيم على ضفتى الرس فأنضم إليه بعد ذلك أمراء تلك الأصقاع أصقاع آذربيجان إلى


أمراء العراق ليكونوا جميعم يدا واحدة على رستم. فلما التحم القتال هلك رستم فى حومة الوغى فقام مقامه أحمد بدون أن يتمكن من أن يتمتع بأموال سلفه لأن عيبه سلطان خرج عليه واغتاله بعد ستة شهر من تملكه أى سنة ٩٠٣ ه‍ (١٤٩٧ م ـ ١٤٩٨ م).

وكان السلطان مراد بن يعقوب ميرزا الخلف المعين ليرث عرش أحمد. إلا أن العقبات التى أثارها بوجهه ابن عمه محمد ميرزا بن يوسف الجأته إلى الفرار إلى شيراز وترك له الجو خاليا يبيض فيه ويصفر. وما كاد الملك الجديد يستوى على العرش إلا وانتزع منه أخوه الوند ميرزا من أولاد يوسف المذكور ولاية آذربيجان وأكرهه على الهرب إلى السلطانية ومنها إلى أصبهان.

ثم أن السلطان مراد غادر شيراز حيث كان مالكا وهبط أصبهان فقبض على محمد ميرزا وأخذه معه نحو تبريز التى كان يتهيأ فيها الوند ميرزا اليقارم هذه المهمة الفجائية لكن اتفق أن اناسا مصلحين توسطوا بين الطرفين وحملوهما على عقد عهد سلام بشرط أن تبقي ديار بكر وآران وآذربيجان بيد ألوند ميرزا ويكون العراقان العجمى والعربى وفارس بيد السلطان مراد.

وفى تلك الأثناء وقعت عدة وقائع لا تعلق لها بالحرب من ذلك ما وقع فى بلاد فارس من أمر ذبح اليهود فاهتز له يهود بغداد كلهم. وتحرير الخبر أن يهود بلاد إيران عصوا على الدولة فقاتلهم المسلمون وأهلكوا منهم ثلثمائة ألف يهودى على رواية صاحب عمدة البيان وكان ذلك سنة ٨٩٩ ه‍ (١٤٩٣ م).

وفى سنة ٩٠١ ه‍ (١٤٩٥ م) زادت مياه الأنهر والآبار زيادة فاحشة من ذلك النيل فإنه زاد على المقياس وفاضت دجلة والفرات زيادة غير مالوفة فى السنين السابقة فغرقت المدينة وأشتد الضيق على الأهالى ومما زاد الطين بلة أن الأبار فارت بل والكنف أيضا قذفت ما فى أحشائها لأمتلاء تنانيرها ماء فكانت الطامة من أعظم الطوام التى شوهدت إلى ذلك الحين لأن الذى الناس لم يجدوا لهم محلا تقر فيه قدمهم فإن أقاموا فى بيوتهم شموا من الروائح الكريهة ما يوردهم حياض الموت وينفض عيشتهم ولهذا مات كثير فى هذه السنة ولا سيما النساء


لأنهن كن مضطرات إلى لإقامة فى دورهن. وأن برزوا إلى البرية أو ضاحية المدينة أضرتهم المياه المستنقعة وكثرة الهوام وأثرت فيهم الرطوبة تاثيرا بينا. وأن جلسوا فى منتدياث المدينة خافوا فى أنفسهم من سقوط الحيطان عليهم. ولما كانت هذه الوقائع تقع مرارا فى النهار أخذ فى الناس كل ماخذ وطلبوا إلى الله أن يرأف بهم ويكشف عنهم هذا الغم ويدفع عنهم هذا الهم. فلم يجبهم عزوجل إلا من بعد أن كفروا عن سيئاتهم بأعمال البر والتقوى.

وفى تلك السنة أشتدت وطاة الأمراض الناجمة عن التعفن كالبطاح والبطاحى وأمراض الحلق والوبالة والرثية (وهى الردماتزم بالفرنساوية والصليل بلسان عوام بغداد) والحمى المتقطعة والنقطة (التيفوئيدية) والتهاب الأمعاء ونحوها ومات جم غفير من الناس. ولم يستطع أهل بغداد أن يستريحوا بعض الراحة إلا من بعد نضوب المياه بالتمام وحينئذ عاشوا بهناء وسلام.

تم الكتاب


الكشاف العام



١ ـ الأعلام

(أ)

أباقا بن قوتاى ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٨ ، ٢٣١

أباقا بن هولاكو ٢١٦ ، ٢١٧

إبراهيم بن خالد بن إلياس ١٣٧

إبراهيم بن سيار النظام ١٤٢ ، ١٤٣

إبراهيم الشروانى ٢٥٦

إبراهيم «العلويين» ١١ ، ١١٣

إبراهيم القرازى ١٦١

إبراهيم بن المهدى ٢٠ ، ٣٩ ، ٥٧ ، ٦٣ ، ٧٨ ، ٩٤ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١٧٧

إبراهيم الموصلى ٧٧ ، ٧٨ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ١٠١ ، ١٠٣

ابقراط ١٥٢ ، ١٦٥ ، ١٦٧

أبو لونس ٧١

أحمد أمين ٩٠

أحمد الجلائيرى ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩

أحمد بن حنبل ٦٦ ، ١٠٤ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١٢٢ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٥٧

أحمد بن أبى داود ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ١٢٢ ، ١٤١ ، ١٤٣

أحمد «السلطان» ٢٤٥

أحمد شاة النقاش التبريزى ٢٣٩


أحمد بن محمد بن أوغرلوا ٢٧٦ ، ٢٧٧

أحمد بن هارون الرشيد ١١٢

أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندى ١٤١

أحمد بن يحيى المكى ١٠٧

أخيجوق ٢٣٥

أدم ١١٢ ، ٢٥٠

أردشير ١٥٩

أردوقيان ٢٢

أرسطو ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٧٥ ، ١٨٠

ارشميدس ١٧٥

أرغون ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٣٤

أرغون خان ٢٦٢

أروق ٢٢١ ، ٢٢٢

أرياخان ٢٣٠

أرياغاوون ٢٣٠ ، ٢٣١

أبو إسحاق ١٣٢

إسحاق بن إبراهيم ١٤٦ ، ١٥٩

إسحاق بن حنين ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٧٥

إسحاق بن ماسويه ١٨١

إسحاق الموصلى ٥٣ ، ٦٦ ، ٧٧ ، ٨٨ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٩ ، ١٣٠

أسد بن الفرات ١٣٦

أسد بن يزيد ١٠٠

اسفنديار ١٧٩

إسكندر بن قرة يوسف ٢٦٤ ، ٢٦٥

أسلم «من الموالى» ١١


إسماعيل «حاكم بغداد» ٢٤٣ ، ٢٤٥

إسماعيل الصفوى ٢١٥ ، ٢٧٠

أسيان ٢٦٣

أشناس ٦٥

الأصطخرى ٢٦

أصف الدولة ٢١٥

الأصمعى ١٠٢ ، ١٢٢ ، ١٤٥ ، ١٤٦

أفبقا ٢٣٤

الأفشين ٣٨ ، ٣٩ ، ٥٨ ، ٥٩

أفلاطون ٧١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٦٥ ، ١٧٥ ، ١٨٠

أق بغا ٢٣٤

أق قوينلى ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦٢ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩

اقليدس ٧١ ، ٩٢ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٧٥

الأمين ١٣ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٣٦ ، ٣٨ ، ٤٠ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٦٢ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٥ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١٢ ، ١٢٦ ، ١٣١ ، ١٤٦ ، ١٦٨

أوخربنده ٢٢٧ ، ٢٢٨

أوزون ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤

أويس ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٣

إيتاخ ٦٥

أيبك الحلبى ٢٠٧ ، ٢٠٨

ايلبجكتاى ٢١٤

أبو أيوب الموريانى ٢٥ ، ٦٠


(ب)

بابك الخرمى ٣٨ ، ٣٩ ، ١٥٢

باقا بن هولاكو ٢١٦

بأى سنقر شاة ٢٦٦ ، ٢٧٦

بايجونوين ٢٠٧ ، ٢٠٩

بايدو اغول ٢٢١ ، ٢٢٣ ، ٢٣٤

بايزيد ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

البحترى ١٤٩

البخارى ١٣٨ ، ١٣٩

البخترى ١٣٧

بختنصر ٨

بختيشوع ٧٢ ، ١٦٨ ، ١٦٩

بخشائش ٢٥٩

برصوما ٨٩ ، ١٠١

برموق ٢٤٦ ، ٢٥٠

بزل ٩٦

البستانى ٢٢٧

بشار بن برد ٨٨ ، ٨٩ ، ١١٢ ، ١٤٩

بشر بن المعتمر ١٤١

بشر بن الوليد ١٣٥

بطليموس ٧١ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٧٥

البغدادى ١٥٧

أبو بكر الأصم ١٣٣

بكر بن المعتمر ٥٦

البلاذرى ١٥٩


البلخى ١٦٣ ، ١٦٤

بهادر بن خربنده ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٤

بهرام جور ١٧٩ ، ٢٤٢

بوران ٢٨ ، ٨٢ ، ١٠٨ ، ١١٤ ، ١١٥

بوسفجة ٢٧٢

بوقا ٢٢١ ، ٢٢٢

بوقا تيمور ٢٠٩ ، ٢١٤ ، ٢٢١

بيان سكورجى ٢٢٢

بيرم خواجه ٢٦٣

بيريودق ٢٦٧ ، ٢٦٨

(ت)

تاج الدين على شاه ٢٢٧

تكود اراغول ٢٢٠ ، ٢٢١

أبو تمام ٥٩ ، ٢٤٩

تندو ٢٥٩

تندى ٢٥٩

توبخت ١١٣

توداجو ٢٢٣

توفيل بن توما ٧٣ ، ١٠٩ ، ١٥٢ ، ١٦٢

تيمور ٢٤٤ ، ٢٤٦ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٦٩

(ث)

الثعالبى ١٢٤

(ج)

جابر بن حيان ١٦٤ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦


جابون ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠

الجاحظ ٥٩ ، ١٠٩ ، ١١٦ ، ١٢٨ ، ١٣٥ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٨٠

جالينوس ٧١ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٧٥

ابن جامع ٨٩ ، ٩٥

الجايتق «أوخربنده» ٢٢٧

جبلة بن سالم ١٧٩

جبرائيل حنوش ٢٣١

جبريل ١٤٣

جبريل بختيشوع ٧٢ ، ١٦٨

جبريل الكحال ٧٣ ، ١٦٩

أم جعفر بن أبى الفضل ١٦٩

جعفر بن بشر ١٤١

جعفر بن حرب ١٤١

جعفر بن خالد ١٨

جعفر الصادق ١٧١ ، ١٧٥

جعفر بن محمد بن محمد البلخى ١٦٣ ، ١٦٤

أبو جعفر بن المغيرة ١٣١

أبو جعفر المنصور ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٥ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٨ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٩ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١٣١ ، ١٤٠ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٦ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٩

جعفر بن يحيى البرمكى ١٧ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٨٢ ، ٩٣ ، ١٠٩


جلال الدين السمنانى ٢٢١

جنكيز خان ٢٣٧ ، ٢٤٨

جنيدا ٢٧٠

جهان شاه ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣

جهانكير شاه ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣

الجهشيارى ٢٤ ، ٢٥ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٦٤ ، ١١٣ ، ١٢٣ ، ١٢٤

جوبان ٢٢٨ ، ٢٣٤

جورجيس بن جبريل ١٦٨ ، ١٦٩

ابن الجوزى ٢٠٧

جيورجيس بن بختيشوع ٧١

(ح)

(الأمير) الحاج ٢٦٣

حبيب أبو رائطة ٧٣

حبيب السير ٢١٥

حبيب (أفندى) شيحا ٢٦٣

حبيش بن الحسن ١٥٤

الحجاج بن أرطاة ١٠

الحجاج بن مطر ١٥٢

الحرانى ٩٥

الحرب بن عبد الله ١٦

حرب بن عمير ٧٦

حسن الإيلينحانى ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥

حسن الجربانى ٢٣١

الحسن بن سهل ٢٠ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٦٣ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ١١٤ ، ١٣٢ ، ١٥٩ ، ١٦٢


حسن الطويل ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤

حسن على مرزا ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧٣

الحسن الكبير بن أويس ٢٣٤ ، ٢٣٥

الحسن بن موسى بن شاكر ١٥٣

حسين بن أويس ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٩

حسين (الأمين) ٢٣٤

حسين خان ٢٤

الحسين بن على ١٥٧ ، ٢٢٥

الحكم بن يوسف ١٥

حمزة بن الزيات ١٣١

حمزة بن ميمون ٥٣

أبو حنيفة «النعمان بن ثابت» ١٠ ، ١٨ ، ٦٦ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٧٨ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠

حنين بن أسحاق ٧٠ ، ١٢٢ ، ١٢٩ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ، ١٧٥ ، ١٧٧

الحوافى «زين الدين» ٢٤٩

حيدر بن صفى الدين ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

(خ)

خاتون ٢١٦ ، ٢٢٠ ، ٢٣٠

خازم بن خزيمة ٥٣

خالد البرمكى ٤١ ، ٤٧ ، ٦١

خاون ٢٢٨

خربندة بن أرغون ٢٢٧

خرداذبه ٣١ ، ١٦٠

أبو خطاب النحاس ٧٦

ابن خلدون ٧ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٥٥ ، ١٦٧


ابن خلكان ١٣٠

خليل بن أحمد ٧١ ، ١٧٦

خليل بن ميرزا ٢٧٤

خندمير ٢٣

الخواجه عزيز ٢١٥

الخوارزمى ٧٦ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥

الخيزران ٨٥ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧

(د)

داذويه ٨

ابن أبى داود ٥٩

أبو داود الظاهرى ١٣٤ ، ١٣٨

ابن درنوش ٢٠٩ ، ٢١٤

أبو دلامة ١٠٢

دلشاد خاتون ٢٣٠ ، ٢٣٤

أبو دلف ٥٩

دمشقى خواجا ٢٢٨ ، ٢٣٠ ، ٢٣٤

دنحا ٢١٨ ، ٢٢٤

دينار «الصغرى» ١٨

دينار بن عبد الله ١٨

دينار الكبرى ١٨

دويدار ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٤٢٤

ابن ديصان ١٥٤

(ذ)

ذو صون ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٣١


(ر)

راغول ٢٢٠ ، ٢٢١

الراوندى ١٤١

الربيع بن يونس ١٦ ، ٥٤

رخ بن تيمور ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٩

رستم ١٧٩ ، ٢٥٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

الرشيد ١٣ ، ١٤ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٢ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٧ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٧ ، ١٤١ ، ١٤٥ ، ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٦٨

رصاف ٢٢٢

رضا على خان ٢٤٢

ابن الرومى ١٤٩

ريطة بنت أبى العباس ٧٩

(ز)

زاده خليل ٢٥٥

زبيدة ٢٨ ، ٥٥ ، ٨١ ، ١٠١ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٧

زرياب ٧٨

زلزل ٨٩ ، ٩٣

الزهرى ١٤٠

زهير بن أبى سلمى ١٣٢

زيادة الله ٧٨


أبو زيد الأنصارى ١٤٦

زينب بنت سليمان بن على ١٠٥ ، ١٠٨

زينل بن حسن الطويل ٢٧١ ، ٢٧٢

(س)

سالم بن سالم البلخى ١٠٠

سرور ٢٤٢

ابن سعد ١٥٨ ، ١٥٩

سعد الدولة اليهودى ٢٢١ ، ٢٢٢

سعد الدين الساوجى ٢٢٧

أبو سعيد ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١

أبو سعيد بن ميرشاه بن تيمور ٢٧١

السفاح «أبو العباس» ٦ ، ٤٢ ، ٦٧

سقراط ٧١ ، ١٥٣

سلمان بن داود ١٣٧

سلمان الساوجى ٢٤٢

سلامة ٧٥

أبو سلمة الخلال ٥١

سلمويه ٧٣ ، ١٦٩

سليط بن عبد الله بن عباس ٥٣

سليم بن سلامة ٨٩

سليمان بن بايزيد ٢٥١ ، ٢٥٢

سليمان الدخيل ٥ ، ١٨١

سليمانشاه ٢٠٦ ، ٢٠٩ ، ٢١١ ، ٢٤١

ابن السماك ١١٢

سند بن على ٧٣


السندى بن شاهك ٤٢

سهل بن سابور ٧٣ ، ١٦٩

سهل بن سلامة ٩٩

سهل بن هارون ١٢٨

سونجاق نوين ٢٠٧

سيبويه ١٤٨

سيف الدين البتيكتجى ٢١٥

السيوطى ٥١ ، ٦٥

(ش)

شابور ٢٢٤

الشافعى ٦٧ ، ١٢٢ ، ١٣٢ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٦ ، ١٥٦ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠

شاه جهان تيمور ٢٣١ ، ٢٣٥

شاه رخ ٢٥٩

شاه محمد ٢٥٩

شجاع خان ٢٤٥

الشحر الهذلى ٥٦

شرف الدين الرامى ٢٤٢

شرف الدين أبو القاسم على ٢١٥

شرف الدين المراغى ٢١١

شروان شاه ٢٧٥ ، ٢٧٦

شماسة بن الأشرس ١٤١ ، ١٤٢

شنب غازان ٢٥٨

شهاب الدين الزنكانى ٢١١

(ص)


صاعد ١٥

صالح بن بشير ١١١

صالح بن الرشيد ٩٤

صالح بن المنصور ١٦

صوفى خليل ٢٧٦ ، ٢٧٧

(ض)

(ط)

طاهر بن الحسين ١٣ ، ١٩ ، ٣٦ ، ١١٥

الطبرى ٢٧ ، ٥٣ ، ٦٦ ، ٩٠ ، ١٣٢ ، ١٣٤ ، ١٥٨

طرسون ٢٤٤

طقز ٢١٦

طوغاى تيمور ٢٣١

ابن طيفور ٨٣

طيمثاوس ٦٨ ، ٧٣ ، ١٥٤

(ظ)

(ع)

عائشة بنت الرشيد ١٠٨

عاتكة ٩٦

عادل أغا ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥

عالية بنت الرشيد ١٠٨

أبو العباس «السفاح» ٦ ، ٤٢ ، ٦٧

العباس بن الفضل بن الربيع ٥٦

العباس بن المأمون ٥٨

العباس بن محمد بن عبد الله بن العباس ١٥ ، ٢٤

العباسية بنت المهدى ١٠٨ ، ١٠٩


(السلطان) عبد الحميد ١٨١

ابن عبد ربه ١٥٩

عبد الرحمن بن الحكم ٧٨

عبد الرحمن بن المهدى ١٣٧

عبد الرحيم الملاح ٢٥٩

عبد القادر الجيلانى ٢٧٤

عبد اللطيف الكرمانى ٢٥٠

عبد الله بن العباس ١٠٨

عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع ٩٥

عبد الله بن عبدة ٥٦

عبد الله بن المقفع ١٤٧ ، ١٥٤ ، ١٧٨

عبد الله بن موسى الهادى ٩٥

عبد الملك بن الطمنحى ٢٤٥

عبد الملك بن مروان ١٥٦

عبيد الله بن العباس ١٠٨

أبو عبيد الله بن معاوية بن يسار ٥٤ ، ٥٥

عبيد زاكانى ٢٤٢

ابن العبرى ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٣١

أبو العتاهية ٩٠ ، ٩٨ ، ١٠٣ ، ١١١ ، ١٤٠ ، ١٤٩

عجيف بن عنبسة ٥٨

عزيز ٢١٥

عصام عبد الرءوف ٥

ابن عطاء الليث ١٠١

علاء الدين عطاء الملك ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠

ابن علان ٢٧٥


علان الشعوبى ١٢٤

ابن العلقمى ٢٠٦ ، ٢٠٩ ، ٢١٤

علويه ٩٣

على بن أويس ٢٤٣ ، ٢٤٤

على باشا ٢٣٠

على بيرناك ٢٧٦

على بن خليل ٢٧٦ ، ٢٧٧

على الرضا ٢٠ ، ٤٤

على بن سليمان ١٠٢

على شاه ٢٢٧ ، ٢٣٠ ، ٢٤٤

على بن أبى طالب ١٠٨ ، ١٧٥ ، ٢٢٥ ، ٢٣٤

على بن عبد الله بن عباس ٥٣

على بن عيسى ١٦١ ، ١٦٩

على بن عيسى بن ماهان ٣٦ ، ٣٨ ، ١٠٧

على بن محمد المدائنى ١٥٩

على بن موسى ٦٢ ، ٦٧

عليه بنت المهدى ٩٥ ، ١٠٦

عمر بن بكير ١٣٢

عمر بن الخطاب ٣٣ ، ٣٥

عمر بن العباس ١٠١

عمر بن مالك ٢٦٤

عمرو بن عبيد ١٤٠

عمرو الغزال ٨٩

أبو عمير ٧٦

عناق (خواجه) ٢٥٦

عنان ٧٨ ، ٢٦٤


أبو عيسى الرشيد ٩٥

عيسى بن شهلاتا ٧١ ، ٧٢

عيسى بن على بن عبد الله بن العباس ٨١

عيسى بن فرخنشاه ٧٣

عيسى بن موسى ٥٤

(غ)

غازان ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧

الغزال ٨٩

غياث الدين ٢٢٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠

(ف)

الفاخورى «شمس الدين» ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢

فخر الدين الدامغانى ٢١٤ ، ٢٢٢

الفخرى ٦٥

الفراء ١٢٦ ، ١٤٧ ، ١٧٨

فرج بن برقوق ٢٥١ ، ٢٥٦

الفرج بن فضالة ٤٥

فرجا ٢٥٤

الفضل بن خالد البرمكى ١٨

الفضل الرقاشى ٩٥

الفضل بن الربيع ٤٦ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ١٠١

الفضل بن سهل ٥١ ، ٥٧ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٨٣ ، ١١٢ ، ١٦٢

الفضل بن صالح ٥٥

أبو الفضل الضبى ١٤٦

الفضل بن مروان ٣٦

الفضل بن يحيى ٤١ ، ٤٢ ، ٨٢ ، ١٢٤


أبو الوفاء ٢٢٥ ، ٢٢٦

فيثاغورث ١٦٥

فيروز شاه ٢٥٠

(ق)

أبو قابوس ٧٣

قازان ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦

قباد بن إسكندر ٢٦٥ ، ٢٦٧

قرابوغا ٢١٤

القرمانى ٢٥٢ ، ٢٧١

قرة باغ ٢٢٨ ، ٢٧٥

قرة عثمان ٢٦٩

قرة قوينلى ٢٤٢ ، ٢٥٧ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦٢

قرة قويولى ٢٥٧ ، ٢٥٩ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢

قرة محمد التركمانى ٢٤٥

قرة يوسف ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤

قسطا بن لوقا ١٥٣

القفطى ١٧٣

قلم «جارية» ٧٧

قمر الدين خان ٢٥٠

قوتلوق شاه ٢١٩

قوم الدين النجفى ٢٤٥

قيس ٥٣

(ك)


ابن كثير ١١٣

الكسائى ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٧٨

كسرى ٣٥ ، ٥٧

كعب الأحبار ١٣٢

الكندى ١٢٢ ، ١٦٠ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨

كوهين العطار اليهودى ١٧١

كيخاتو ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٣١ ، ٢٣٤

(ل)

ابن أبى ليلى ١٣٥

(م)

مارى ٦٨

ما شاء الله ٧٣

مالك بن أنس ٩٢ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٥٧

المأمون ١٣ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢٨ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٥ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ١٠٣ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١١٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٤١ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩

مانى ١٥٤

الماوردى ٤٣

المبارك ٢٠

المتوكل ١١٢ ، ١٤٥

متيم ٩٦


المثنى بن حارثة ٨

مجد الدين أثير ٢٢١

مجد الدين التبريزى ٢١٥

مجد الملك ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٢٠

محمد بن إبراهيم العلوى ٤١ ، ٤٢

محمد بن إسحاق بن يسار ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨

محمد بن إسماعيل البخارى ١٣٨ ، ١٣٩

محمد بن أويس ٢٦٣

محمد بركة ٢٤٩

محمد بن الجهم البرمكى ١٧٩

محمد بن الجوينى ٢١٤ ، ٢١٦ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢

محمد بن الحسن الشيبانى ١٣٥ ، ١٣٦

محمد بن الحصر ٢٧٥

محمد بن خان ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤

محمد الشريف ٢٧٢

محمد ذى النفس الزكية ١١

محمد الرف ٩٣

محمد بن سعد ١٥٨ ، ١٥٩

محمد السكوريجى ٢٢٣

محمد بن عبد الملك الزيات ٣٢

محمد عصار ٢٤٢

محمد بن على أبو جعفر ٦٧

محمد بن عمر الواقدى ١٣٠ ، ١٥٧ ، ١٥٨

محمد بن غازان ٢٥٨

محمد الملك اليزدى بن صفى الملك ٢١٦


محمد بن موسى الخوارزمى ١٦٥

محمد بن موسى بن شاكر ١٥٣

محمد ميرزا بن يوسف ٢٧٧

محمد بن واسع ١١١

محمود بيك بن أوغرلو محمد ٢٧٦

محمود شكرى الألوسى ١٨١ ، ٢٣٦

ابن محى الدين ٢٠٧

مخارق ٩٤ ، ٩٦

مراد بن أغا ٢٧٧

مراد الرابع ٢٠٩ ، ٢٧٦

مرجان «الخواجة» ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢

مرزا بن حسن الطويل ٢٧٠ ، ٢٧١

مروان بن أبى حفصة ٨٨ ، ١٠١ ، ١١٥

ابن أبى مريم ١٠١

المستعصم ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢

مسعود السبزوارى ٢٤٦

المسعودى ٥٢ ، ١٠٣ ، ١٠٧ ، ١١٤ ، ١٥٩ ، ١٦٤

مسلم ١٣٨

أبو مسلم الخراسانى ٥١ ، ٥٣ ، ٦٥

أبو مسلم الضبى ٥٢

المسيب بن زهير بن عمر ٥٢

مسيح ٢٧٣ ، ٢٧٦

المشعشع ٢٧٥

مصطفى بن محمد خان ٢٧٢ ، ٢٧٣

المعتصم ٢٠ ، ٢٧ ، ٣٦ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٥٨ ، ٥٩ ،


٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٩ ، ١٤١ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٩ ، ١٦٩

معمر بن المثنى ١٤٦ ، ١٤٧

معن بن زائدة الشيبانى ٥٢

مقاتل بن سليمان ١٣٢

المقريزى ٢٥٧

مقصود بيك ٢٧٣ ، ٢٧٤

مقلاص ٨

مكنونة (جارية) ٧٨

مكيكا ٢١٨ ، ٢٢٤

الملا ياسين ٢٥٩

المنصور «أبو جعفر» ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٥ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٧ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٨ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٠٥ ، ١٠٩ ، ١١١ ، ١١٣ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٨ ، ١٣١ ، ١٤٠ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٦ ، ١٦٧

المنصور «حاكم بغداد» ٢٤٢ ، ٢٤٣

منصور بن محمد القوينلى ٢٤٥

المهدى (العباسى) ١٧ ، ١٨ ، ٢٤ ، ٣٠ ، ٣٣ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦٠ ، ٦٩ ، ٧٣ ، ٧٦ ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٥ ، ١٠٢ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١٢٣ ، ١٤٦ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٧٩

موسى بن الأمين ٥٥ ، ٥٦

أم موسى الحميرية ١٠٥


موسى خان ٢٣٠ ، ٢٣١

موسى بن شاكر ١٦٧ ، ١٧٨

أبو موسى المردار ١٤١

ميرخند ٢١٥ ، ٢٥٧

ميرزا ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٧٣ ، ٢٧٥

(ن)

ناصر الدولة ٢٢٨

ناصر (السلطان) ٢٢٨

نصر الله البغدادى ٢٥٨

ابن النديم ١٣٢ ، ١٣٥ ، ١٥٢ ، ١٥٩

النظام ١٤٢ ، ١٤٣

نظام الدين عبد المؤمن ٢١٤

نظمى زاده ٢٣٠ ، ٢٣١

النعمان بن ثابت «أبو حنيفة» ١٠

نعيم بن خازم ٥٧

نقفور فوكاس ٣٦

أبو نواس ٩٨ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١١٢ ، ١٤٨ ، ١٤٩

نوبخت ١٥١ ، ١٦١

نور الدين ٢٥٥

(ه)

الهادى ٤٣ ، ٥٣ ، ٥٦ ، ٦١ ، ٦٨ ، ٧٥ ، ٨٥ ، ٨٩ ، ٩٥ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١٦٨

هارون «خواجا» ٢٢١

هارون الرشيد ١٣ ، ١٤ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٦٩ ،


٧٢ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٧ ، ١٢٤ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣١ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٧ ، ١٤١ ، ١٤٥ ، ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٦٨ ، ١٦٩

هاشم بن عبد مناف ٦

أبو الهذيل العلاف ١٤١ ، ١٤٢

هرثمة بن أعين ١٩

ابن هشام ١٥٦

ابن هلال ٢٧٥

همر ٢٥٧

هنرى رولنسون ٨

هوار ٢٥٧

هولاكو ١٨١ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢٢٤ ، ٢٣٠ ، ٢٣١

الهيثم بن عدى ١٥٩

(و)

الواثق ٣٢ ، ٤٠ ، ٧٢ ، ٧٧ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ١٤١ ، ١٤٥ ، ١٦٠ ، ١٦٤ ، ١٧٠

الواقدى ٦٧ ، ١٣٠ ، ١٥٧ ، ١٥٨

وجيه الدين بن زكريا ٢٤١

الوندبك ٢٧٢ ، ٢٧٧

وهب بن كثير ١٣٧

وهب بن منبه ١٣٢ ، ١٥٧

(ى)

يادكار محمد ٢٧١

يحيى بن البطريق ١٢٨ ، ١٥٤ ، ١٦٢


يحيى بن الحارث الدمارى ١٣١

يحيى بن خالد البرمكى ١٨ ، ٣٢ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٨٢ ، ١٠٦ ، ١١٣ ، ١٣٥

يحيى السمنانى ٢٤٥

يحيى بن عبد الله العلوى ٣٩

يحيى المكى ١٧٧

يزد ٢١٦

يزيد بن حاتم ٣٨

اليزيدى ٢٤١

يعقوب بن داود ٥١ ، ٥٥ ، ٦٠

يعقوب الكندى ١٦٣

أبو يعقوب الموريانى ٥٤

يعقوب بن ميرزا ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦

اليعقوبى ١١ ، ١٢ ، ١٦ ، ١٣٠

يوحنا بن البطريق ٧١ ، ١٢٩ ، ١٥٢ ، ١٥٤

يوحنا بن ماسويه ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ١٢٩ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٦٩ ، ١٧٠

أبو يوسف ٣٣ ، ٣٤ ، ٤٧ ، ٥٢ ، ٦٦ ، ٧٤ ، ١٠١ ، ١٢٢ ، ١٢٥ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥

يوسف بن أوزون ٢٧٣ ، ٢٧٤

٢. الأماكن الجغرافية

(أ)

الأبلة ٣٠ ، ٣١ ، ١٦٠

اتينا ٨

أجان ٢٦٣

أدرنة ٢٧٣


أذربيجان ٣١ ، ٢١٩ ، ٢٣١ ، ٢٣٥ ، ٢٤٤ ، ٢٥١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧

أران ٢٧٥

أربل ٢٠٧ ، ٢٠٨

أربيل ٢١٩ ، ٢٥٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧٦

أرجيش ٢٦٣ ، ٢٦٤

أرزنكان ٢٦٢

أرضرم ٢٧٢

أرمينية ٧ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٢٦٣

الإسكندرية ١٥٠ ، ١٦٧ ، ١٧٢ ، ١٧٩

آسيا ٣١

آسيا الصغرى ٢٣٠ ، ٢٣٤ ، ٢٥٥ ، ٢٦٢

اشتو ٢١٩

أصبهان «أو أصفهان» ٣١ ، ٣٨ ، ١٣٧ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧

الأطاع «معركة» ٢٣٠

إفريقية ٣١ ، ٣٨

الأنبار ٦ ، ٤٢ ، ٢٠٨

أنطاكية ١٥٠

أنقرة ١٢٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧

الأندلس ٧٨

الأهواز ١١ ، ٢٥ ، ٣٠

أوربا ١٦٥

إيران ٣١ ، ٢٧٧

باب البصرة ١١ ، ١٤

باب بغداد ٢٠٩


باب خراسان ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ٦٠

باب الذهب «قصر» ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ٢٠ ، ٤٥ ، ٨٠ ، ٨١

باب الشام ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥

باب الطاق ١٨ ، ٣٠

باب الغربة ٢٤٠

باب الكوفة ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ٨٤

باب كلواذى ٢١١ ، ٢١٢

باب المهدى ٨٨

بابل ٧ ، ٢٠٧

بادوريا ٢٦

بايبودد ٢٧٢

ببوهرز ٢٣٧

بجلولى ٢٣٧

البحرين ١١ ، ٣٠

برج العجمى ٢٠٩ ، ٢١١

البردان ١٨ ، ٧٠ ، ٨٢

البزل ٢٤٠

بستان خربنده ٢٢٧

بستان القس ٩

البصرة ٦ ، ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٦ ، ٢٦ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٩٦ ، ١٠٨ ، ١١٢ ، ١٣٠ ، ١٤٥ ، ١٤٧ ، ١٦٦ ، ٢٥٥ ، ٢٦٥ ، ٢٧٠ ، ٢٧١

بعقوبا ٢٠٧ ، ٢١٤ ، ٢٣٧ ، ٢٥١

بغداد ٥ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٥٢ ، ٥٤ ، ٥٥ ،


٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١١ ، ١١٢ ، ١١٣ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١١٧ ، ١١٩ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ٢٠٣ ، ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٣٤ ، ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٣ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٧ ، ٢٦٨ ، ٢٦٩ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨

بلخ ١٣٢

البلغار ٧٦ ، ٢٤٨

البندتيجين ٢٣٧ ، ٢٤٠

بيت الحرام ٢٣٧

بيت الحكمة ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٠ ، ١٥١ ، ١٦٨

بيعة درب دينار ٧٠

بيعة درب القراطيس ٧٠


بيعة سمالو ٧٠

بيعة سوق الثلاثاء ٧٠

البيمارستان ٢٠٩

بيهرز ٢٣٧

(ت)

التبت ٣٠

تراو ٢٥٢

تبريز ٢٣٥ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٥٦ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٧٢

الترك ٣٠

تركستان ٢٦٢

تل ذى الفقار ٢٠٩

توقان ٢٧٢

(ث)

الثغور ٣١ ، ٣٣

(ج)

جامع مرجان ٢٣٥ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١

الجبل (أهل) ٣١ ، ٣٨

جرجرايا ٦

الجزيرة ٧ ، ٣١ ، ٢٤٤ ، ٢٦٦

جلولى ٢٤٠

الجماسية ٢٥٥

جنديسابور ٧١ ، ٧٢ ، ١٥٠ ، ١٦٨ ، ١٧٩

الجوبة ٢٣٧

جورك صو ٢٧٢


جيحون ٢٥٠

(ح)

الحبشة ٣٠

الحجاز ١١ ، ٣١ ، ٨٤ ، ١٠٢ ، ١٣٦

الحرام ١٠٦

حران ١٥٠ ، ١٧٩

الحربية ١٦ ، ١٩

الحلة ٢١٤ ، ٢٢٥ ، ٢٥٥ ، ٢٥٦

حلوان ٣١ ، ٢٠٧

الحيرة ٦

(خ)

خان الجوارى ٢٣٧

خان الزاوية ١٣٧

خان مدارا ٢٣٧

خاناباد ٢٣٧

خراسان ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ١٦ ، ٣١ ، ٣٦ ، ٥٣ ، ٥٧ ، ٦٠ ، ٦٣ ، ٧٧ ، ٨٠ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ١١٥ ، ١٥٩ ، ١٧١ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٣١ ، ٢٣٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٦٦ ، ٢٧١

الخزر ٣٠

خلاط ٢٦٣

الخلد (قصر) ٨٠ ، ٩٠ ، ١١٣

خليج الفارسى ٣١

(د)

دار الدمشقى ٩٦

دار دينار الصغرى ١٨


دار دينار الكبرى ١٨

دار الرقيق ٧٦

دار الروم ١٨

دار زبيدة ١٠٦

دار السلام ٢١٥ ، ٢٣١ ، ٢٥٠ ، ٢٦٦

دار الشفاد ٢٣٨ ، ٢٣٩ ، ٢٤٠ ، ٢٤١ ، ٢٤٢

دار صاحب الشرطة ١٨

دار الطراز ٢٨ ، ١١٧

دار المنصور ٨٨

دار النكث ١٩

الدجاج (نهر) ١٦ ، ٢٣

دجلة ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١١ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٧٠ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ١٠٤ ، ١٦٠ ، ٢٢٥ ، ٢٣٤ ، ٢٤٢ ، ٢٥٤ ، ٢٦٥ ، ٢٧٤

دجيل ١٦ ، ٢٣

دحيم (تل) ٢٣٧ ، ٢٤٠

دزفول ٢٤٤

دمشق ٥ ، ٨ ، ٢٨ ، ٩٠ ، ٢٥٦

دولتاباد ٢٣٧

ديار بكر ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٢٧٧

ديار ربيعة ٣١

ديار مضر ٣١

دير أشمونى ٨٦

دير الثعالب ٨٦


دير درمالس ٨٧

دير الزريقية ٨٧

دير الزندرد ٨٧

دير سمالو ٨٦ ، ٨٧

دير العاصية ٨٧

دير العجم ٢٧٤

دير قوطا ٧٠

دير المبعث ٢١٥

(ذ)

(ر)

الرادهاز ٢٤٠

ربا ٢٦٣

الرحبة ١٢ ، ٣١

الرصافة ١٧ ، ١٨ ، ٢٣ ، ٣٠ ، ٦٩ ، ٧٦ ، ٨٢ ، ١٣٧ ، ١٥٧

الرقة ٧ ، ٣١

الرها ١٥٠

الروس (بلاد) ٣١

(بلاد) الروم ٣١ ، ٣٨ ، ٧٦ ، ٩٨ ، ١٢٩ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ٢٣٠ ، ٢٣٤ ، ٢٥٥ ، ٢٦٢

روما ٨

الرى ٩١ ، ٢٢٦

الرياض ١٨١ ، ٢٠٣

(ز)

زادمان ٢٣٧

زبطرة ١٠٩


الزوراء ٩ ، ٢١٩ ، ٢٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٧٢ ، ٢٧٦

(س)

سامرا ٢٠ ، ٤٥ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٩٦

سجستان ٢٥٠

سرنديب ٣١

سكة الحرس ١٥

سكة الحكم بن يوسف ١٥

سكة الربيع ١٥

سكة صاعد ١٥

سكة العلاء ١٥

سكة نافع ١٥

السلام (مدينة) ٩ ، ٢٠ ، ٨٠ ، ٩٦

السلام (نهر) ٩

السلطانية ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، ٢٥٨ ، ٢٧٧

سلماس ٢٧٤

سلوقة ٧

سمرقند ٦٤ ، ٧٦ ، ١٢٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٢٥٢ ، ٢٦٦ ، ٢٧١

سنجار ١٦٠ ، ١٦٣

السند ٣٠ ، ٣١ ، ٣٩ ، ٧٧ ، ١٧٩

السواد ٣٩ ، ٥٧ ، ٦٤ ، ١٥٩

سورية ٣١ ، ٣٢

سوق الأساكفة ٣٠

سوق البزازين ٢٧

سوق الثلاثاء ١٨

سوق الخنازين ٣٠


سوق خضير ٣١

سوق السلطان ٢٥٩

سوق الصاغة ١٨ ، ٣٠

سوق الطيب ٣٠

سوق القصابين ٢٩ ، ٣٠

سوق الكرخ ١٩

سوق الوراقين ٣٠

سيواس ٢٥٠ ، ٢٥١ ، ٢٦٢

(ش)

الشام ٥ ، ٧ ، ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ٣١ ، ١٥٧ ، ٢٢٥ ، ٢٥٠ ، ٢٥٤ ، ٢٥٦

الشامى (نهر) ٢١٥

شروان ٢٧٥

ششتر ٢٤٤ ، ٢٥٩

شطر العرب ٢٥٥

شماخى ٢٧٥

الشماسية ١٨ ، ٨٢ ، ٨٦ ، ١٦٣

شهرزور ٢٤٤ ، ٢٦٢

شيراز ٢٤٥ ، ٢٦٧ ، ٢٧٧

(ص)

الصحن العتيق ١٣

الصراة ٧ ، ١٥ ، ١٧ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٦ ، ٢٩ ، ٢٤٠

الصراتين ٢٤

صقلية ١٣٦

الصين ٧ ، ٨ ، ٣٠ ، ١٦٠


(ط)

الطائف ٧٨

طابق (نهر) ٢٣

طوقان ٢٧٢

(ظ)

(ع)

العباسية ٢٤

العراق ٥ ، ٢٤ ، ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٥٩ ، ٧١ ، ٨٢ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٦٤ ، ١٥٧ ، ١٦٦ ، ٢٢١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٥ ، ٢٢٧ ، ٢٣١ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٥٥ ، ٢٦٢ ، ٢٦٧ ، ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٢٧٥ ، ٢٧٧

العقاب ٢٥٤

عقرقوب ٢٣٧

العلقمى ٢٥٥

عمان ٣٠

عمورية ٥٨ ، ١٠٩ ، ١٢٩

عيسى (نهر) ١٧ ، ٢٣ ، ٢٦ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٢٣٧

عيسى باذ (قصر) ٨١

(غ)

غازان الأسفل ٢٢٥ ، ٢٢٦

غازان الأعلى ٢٢٥ ، ٢٢٦

غزة ١٣٦

غمرايا ٢٣٧

(ف)

فارس ١١ ، ٣٠ ، ٣٢ ، ٨٧ ، ١١٤ ، ٢٦٥ ، ٢٧٠ ، ٢٧٧

الفرات ٦ ، ٧ ، ٨ ، ١٦ ، ٢٣ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٨٣ ، ٢١٥ ، ٢٢١ ، ٢٢٥


فرمان ٢٧٢

فم الصلح ٢٤ ، ١٥٩

(ق)

قاسان ١٣٧

القاطول ٢٣٧

قبة الخضراء ١٢ ، ١٣ ، ٨٠

قراباغ ٢٥١

القسطنطينية ١٥٢ ، ٢٧٢

قصر الحسنى ٨٢ ،

قصر أم جعفر ١٩

قصر جعفر بن يحيى البرمكى ١٧

قصر الجعفرى ٨٢

قصر الخلد ١٤ ، ١٩ ، ٢٠

قصر زبيدة ٨١

قصر السلام ١٣ ، ٨٠ ، ٨١

قصر السلامة ٨١

قصر الطين ١٨ ، ٨٢

قصر عيسى بن على ٨١ ، ١٦٩

القصيم ١٨١

قطيعة الحرب بن عبد الله ١٦

قطيعة الربيع بن يونس ١٦

قطيعة صالح بن المنصور ١٦

قطيعة العباس بن محمد ١٥

قم ٣٨

قنلى ٢٢٨

قهوة المصبغة ٢٤١


القيروان ٧٨ ، ١٣٦

(ك)

كابل ١٣٤

كربلاء ٢٢١ ، ٢٢٥ ، ٢٢٦ ، ٢٤٦ ، ٢٧١

الكرج ٢٤٤ ، ٢٤٦ ، ٢٦٥

الكرخ ١٦ ، ١٧ ، ١٩ ، ٢٩ ، ٣٠ ، ٧٦ ، ٩٨ ، ٢٧٤

كرخايا «نهر» ١١ ، ١٦ ، ٢٣

كردستان ٢٥٩

كرمان ٢٥٠ ، ٢٦٥ ، ٢٧٠

الكش ٢٤٨ ، ٢٤٩

كشمير ٣١

الكعبة ١٠٦ ، ٢٤٩

كنهورجاء ٢١٥

كنيسة دار الروم ٦٨

الكوفة ٦ ، ١١ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٥ ، ٢٦ ، ٣١ ، ١٣٠ ، ١٣٤ ، ١٤٥ ، ١٤٧ ، ١٤٩ ، ١٦٠

(ل)

(م)

ماردين ٢٦٢ ، ٢٦٦

ماوراء النهر ٣٠ ، ٣٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٧٦ ، ٢٤٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٧١

المجر ٢٧٣

محلة الروم ٦٩ ، ٧٦

محلة العتابية ٢٧

المحول ٢٦

المخرم ٩


المدائن ٧ ، ٦٨

المدرسة المرجانية ٢٣٩ ، ٢٤٠

المدينة المنورة ١١ ، ٣٩ ، ٦٧ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٨

مراغة ٢٢٥ ، ٢٣١

مرو ٣٢ ، ٨٢

مسجد بغداد ١٣

المشرق ٣٠

مصر ٢٧ ، ٣١ ، ٣٩ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٣٦ ، ١٥٦ ، ٢٤٦ ، ٢٥٠ ، ٢٥٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٣

المغرب ١١ ، ٣٠ ، ٣١

مكة ٣٩ ، ٥٤ ، ٨٥ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ١١٠ ، ١٥٧ ، ٢٣٧

الملايو ٣١

ملقا (جزيرة) ٣١

المهدى (نهر) ٢٣ ، ٨٦

الموصل ٦ ، ٣١ ، ٩١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ٢٦٦

(ن)

نجد ١٨١

النجف ٢١٥ ، ٢٣٤ ، ٢٧١

نخجبوال ٢٣١

نصيبين ١٥٠ ، ٢٦٦

نهر (عيسى) ٢٣٧

(ه)

الهاشمية ٦

هرارثة ٢٣٧


هراة ٢٢٨ ، ٢٤٩ ، ٢٥٠ ، ٢٦٦

همدان ٣٨ ، ٢٠٥ ، ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، ٢١٧ ، ٢٢٥ ، ٢٦٢ ، ٢٦٣

الهند ٢٦ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٨٣ ، ٩٨ ، ١٦٠ ، ١٨١ ، ٢١٥ ، ٢٤٦ ، ٢٥٠

الهندية (النهر) ٢١٥

(و)

واسط ١١ ، ٢٤ ، ٣١ ، ١١٤ ، ٢١٤ ، ٢٥٥

(ى)

اليمامة ١١ ، ٣٠

اليمن ٣١ ، ٣٩ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ١٠٨

اليونان ٩٢ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٦٠ ، ١٧٢ ، ١٨٠

٣. البطون والقبائل

(أ)

الأتراك ٥ ، ٢٠ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٨ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ١٠٩ ، ١٨١ ، ٢٥١ ، ٢٩٢ ، ٢٧٥ ، ٢٧٦

الأركاونية ٢١٠

الأرمن ٧٧ ، ٢٦٣

بنو إسرائيل ١٨٠

الأشراف ٨٣ ، ٨٤ ، ١٠٢ ، ١٥٩

الأشعريون ٥٤

الإغريق ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٥ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩

بنو الأغلب ٧٨

الأمويون ٥ ، ٢٤ ، ٢٨

بنو أمية ٥ ، ٢٤ ، ٢٨ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٥١ ، ٥٣ ، ٨٤ ، ٩٠ ، ١٠٩ ، ١٢١ ، ١٣٣ ، ١٥٥ ، ١٥٩ ، ١٧٩

الأنصار ١٥ ، ٥٥ ، ٥٩ ، ١٣٧


الأويرات ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٥٦

الإيرانى ٦

الإيلخانيين ٢٣٢ ، ٢٣٣ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٥٩ ، ٢٦٣

(ب)

البتيكتجية ٢١٠

البرامكة ١٨ ، ٢٠ ، ٣٤ ، ٣٦ ، ٤٠ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٥ ، ٧٢ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٩٥ ، ١٠٠ ، ١٠١ ، ١٢٨ ، ١٥٣ ، ١٧١

البربر ٧٥

البصريون ١٤٧

البغداديون ٩٩ ، ٢١٢ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ، ٢٤٤ ، ٢٤٥ ، ٢٥٤

البهارلية ٢٦٣

البيزنطيون ٥ ، ٣٦ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٤ ، ١٢٦ ، ١٢٨ ، ١٥٢

(ت)

التبريزيون ٢٥٦ ، ٢٥٧

التتر ٢٠٥ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢٢٩ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٥٥

التركمان ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٥٩ ، ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٧٥

ال تيمور ٢٦٦

(ث)

ثمود ١٥٦

(ج)

جديس ١٣٧

الجراكسية ٢٧٣

(ح)

الحربية ١٦ ، ١٩

الحنابلة ١٠٤

(خ)


الخراسانيون ٥٢ ، ٥٤ ، ١٥٩

الخوارج ٣٨ ، ٢٣٠

(د)

الداذنشمريه ٢١٠

(ذ)

أهل الذمة ٣٥ ، ٣٦ ، ٤٩ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ١٢٢ ، ١٢٦ ، ١٧٨ ، ٢٢٤

(ر)

الراوندية ٥٢

ربيعة ١٥ ، ٥٤

الروس ٣٢

الروم ١٨ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٨ ، ٥٨ ، ٦٨ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٧٩ ، ١٠٩ ، ١٢٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٢

الرومان ١٦٦

(ز)

الزنادقة ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٤

(س)

الساسانيون ٨ ، ٣٠

السريانية ١٢٢ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ، ١٦٨

السلف ٤٧

السنة ٥١ ، ١٤٣

بنو سهل ٦٢ ، ٦٥ ، ١٥٣

السواد ١٥٩

السودانيات ٧٧

(ش)


شيعة ٦ ، ٥١ ، ٦٠ ، ٦٢ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ١٠٩ ، ٢١٣

(ص)

الصائبين ٣٥

الصالحية ١٦

الصقالبة ٧٦ ، ٧٩

الصوفية ٢٧٥

(ض)

(ط)

الطالبيون ٦٧

طسم ١٣٧

(ظ)

(ع)

عاد ١٥٦

العباسيون ٥ ، ٦ ، ١١ ، ١٣ ، ١٦ ، ١٨ ، ٢٠ ، ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٦ ، ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٤ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٨٠ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩٤ ، ٩٦ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١٠٨ ، ١٠٩ ، ١١٢ ، ١١٥ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٧ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٦ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٧٦ ، ١٧٨ ، ١٨١ ، ٢٠٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٥٥

أل عثمان ٢٤٦ ، ٢٥٤

العجم ٥٢ ، ١٠٩ ، ١١٠ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٥٩ ، ٢٥٠ ، ٢٧٣

العراقيون ٢٥٤

العرب ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ١٥ ، ٣١ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ،


٥٧ ، ٥٨ ، ٥٩ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٧١ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٧٨ ، ٨٧ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٨ ، ١٠٩ ، ١١٦ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٨ ، ١٣٠ ، ١٣١ ، ١٣٩ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٥٩ ، ١٦٠ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٥ ، ١٦٦ ، ١٦٧ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ٢٢٧ ، ٢٣٦

العلويين ٦ ، ١١ ، ٢٠ ، ٣٨ ، ٥٧ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٣ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٢١٠ ، ٢٢٥

العمالق ٢٤٨

(ف)

الفرس ٥ ، ٨ ، ١٢ ، ٢٨ ، ٤٩ ، ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٤ ، ٦٥ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٨٣ ، ٨٧ ، ٩٠ ، ٩٨ ، ١٠٩ ، ١٢١ ، ١٢٤ ، ١٢٨ ، ١٤٦ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ، ١٥٦ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٦٦ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ٢٢٧ ، ٢٥٦

(ق)

قريش ١٥ ، ٥٣ ، ٥٥ ، ١٥٧ ، ١٥٩

قيسية ٥١

(ك)

كندة ١٦٦

الكوفيون ١٢٦ ، ١٤٧

(م)

المالكية ١٣٦

المأمونية ١٦٠

المتكلمون ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٥٤ ، ١٥٥

المجوس ٣٥ ، ٦١ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ٢٢٤

المسلمون ٣٣ ، ٥١ ، ٦٦ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٤ ، ٧٥ ، ٨٦ ، ٨٩ ، ١٢٢ ، ١٢٩ ،


١٣٠ ، ١٤٣ ، ١٤٥ ، ١٥١ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٦٥ ، ١٨٠ ، ٢١٨ ، ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨

المسيحيون ٦٨ ، ٧٣ ، ٨٦ ، ١٧٥ ، ١٨٠ ، ١٨١

مضر ١٥ ، ٥٤

المعتزلة ١٢٨ ، ١٣٣ ، ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦

المغربيات ٧٧

المغول ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢٢٠ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ، ٢٢٥ ، ٢٣١ ، ٢٦٣

المماليك ٢٥١ ، ٢٧٣

الموالى ١٩ ، ١٢١

(ن)

النساطرة ٢١٨ ، ٢١٩ ، ٢٢٤ ، ٢٢٥

النصارى ٣٥ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ١١٦ ، ١٣٢ ، ١٣٨ ، ١٥٦ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ٢١٣ ، ٢١٧ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٥٢ ، ٢٦٣

(ه)

بنو هاشم ١٩ ، ٤٢ ، ٥١ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٥٩ ، ٦١ ، ٦٣ ، ٨١ ، ١٠٩ ، ١١٤ ، ١١٥ ، ١١٧ ، ١٢٦ ، ١٣٠ ، ١٣٦

الهنديات ٧٦ ، ٧٩ ، ١٥٠

الهنود ١٥٠ ، ١٦١ ، ١٦٤ ، ١٦٥ ، ١٧٨ ، ١٧٩

(و)

الوثية ٢٣٠

(ى)

يمينة ٥١ ، ٥٤

اليهود ٣٥ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠ ، ٧٤ ، ١٣٢ ، ١٣٨ ، ١٤٦ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ٢٢٢ ، ٢٢٤ ، ٢٢٩ ، ٢٣٧ ، ٢٤١


اليونانيون ٧١ ، ٧٤ ، ١٢١ ، ١٤١ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٥٠ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤ ، ١٦١ ، ١٦٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤ ، ١٦٦ ، ١٧٥ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨٠

٤ ـ الأيات

سورة الأنعام ٩

سورة فاطر ٢٤٠

سورة مريم ١٤٥

سورة النساء ١٤٥

٥ ـ الآحاديث

ابن أدم

إذا مات ٢٣٦

لا يرث أهل الملتين ٧٥

٦ ـ الأشعار

تبارك ٢٤١

دريغ روضة ٢٣٥

فاحى ربوع ٢٤١

فأنى رأيت ٢٦٤

ففى كل ٢٤١

فكان بهذا ٢٤٠

فلم أرحضا ٢٦٤

لا تأمن ١١١

فهنيئا لكما ١٠٢

قد رمى ١٠٢

من كان ٢٦٤

موارده ٢٦٤


نرجو النجاة ١١١

هنيئا له ٢٤١

وأصفر من ٤٣

وأن هيجته ٢٦٤

وعلى بن سليمان ١٠٢

وعم بأن ١١١

وفيه روى ٢٤١

يزيد على ٤٣

يسأل هفصد ٢٣٥

٧ ـ الكتب الواردة فى النص

الآثار العلوية ١٥٤

أخبار الخلفاء ١٥٩

أخبار الدول ٢٤٨

أخبار العرب ١٥٩

أخبار قريش ١٥٩

أخبار مكة ١٥٧

الأدب الصغير ١٧٩

الأدب الكبير ١٧٤ ، ١٧٩

الأركان ١٦٦

الأسدية ١٣٦

الأصول ١٦٦

الأغانى ٩٢ ، ٩٨

الآلآت الموسيقية الألية ١٧٨

ألف ليلة ١٧٩ ، ١٨٠

الأنجيل ١٥٧


أنساب الأشراف ١٥٩

أنيس الأشواق ٢٤٢

الإيقاع ١٧٧

البداية والنهاية ١١٣

البيان والتبيين ١٤٨

بيوتات العرب ١٥٩

بيوتات قريش ١٥٩

التاج ١٤٨ ، ١٧٩

تاج العروس ٢٢٧

تاريخ بغداد ٢٥٩

تاريخ الطبرى ١٥٨

تاريخ العجم وبنى أمية ١٧٨

تاريخ ابن العبرى ٢١٢

تاريخ الفرس ١٧٨

تاريخ فتوح المغول ٢١٥

تاريخ ابن قتيبة ١٤٨

تاريخ المغول ٢٢٥

التاريخ والمغازى ١٥٧

التبصر ١٤٨

التذكرة ١٦٨

تفسير أبو بكر الأصم ١٣٣

التوراة ١٥٦

الجامع ١٣٥

الحواضر الإسلامية ٥

الحيوان ١٤٢ ، ١٤٨ ، ١٥٤ ، ١٧٥ ، ١٧٦


الخراج ٤٧ ، ١٣٣

خلق القرآن ١٤٨

دائرة المعارف ٢٢٧

الرايات ٣٧

الرد على مالك بن أنس ١٣٥

الرد على النصارى ١٨٠

الرسالة ١٣٧

روضة الصفاء ٢١٥

الزكاة ١٣٥

السند هند ١٥٠ ، ١٦١

سيرة ابن إسحاق ١٤٠ ، ١٥٧

سيرة أنوشروان ١٤٧ ، ١٧٩

سيرة ملوك الفرس ١٧٩

صورة الأرض ١٦٥

الصيام ١٣٥

الصيدلة ١٧١

الطبقات ١٥٧

طبقات الشعراء ١٤٨

الطبقات الكبرى ١٥٨

طسم وجريس ١٣٧

عقد المتلائى ١٨١

عمدة البيان ٢٥٥ ، ٢٥٩ ، ٢٦٢ ، ٢٧٧

عيون الأخبار ١٤٨

فتوح الشام ١٥٧

فتوح العراق ١٥٧


الفخرى فى الآداب السلطانية ٢٧

الفرائض والحدود ١٣٥

فضائل الأنصار ١٣٧

الفهرست ١٥٩

الفوز بالمراد فى تاريخ بغداد ٥

فى العالم ١٥٤

القراءات ١٣١

كتاب إقليدس ٧١ ، ١٥٠

كتاب التاريخ ١٤٧

كتاب الدولة ١٥٩

كتاب مزدك ١٤٧

كليلة ودمنة ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٧٩

اللطائف ٢٤٢

ما حالف الكسائى فيه ١٣٠

المبسوط فى الفقه ١٣٦

المحبسطى ٧١ ، ١٥٠ ، ١٥٢ ، ١٦٢

مجمع الفصحاء ٢٤٢

مختصر النحو ١٣١

مختصر الدول ٢١٥ ، ٢٣١

مرذك ١٧٩

المخروطات ٧١

المسالك والممالك ١٦٠

المسند ١٣٧ ، ١٣٨

مطلع السعدين ٢٥٧

المعارف ١٤٨ ، ١٨٠


معانى القرآن ١٣١

المغازى ١٥٨

المفضليات ١٤٦

مقتل الحسين ١٥٧

مقدمة ابن خلدون ٧

مقطوع القرآن وموصوله ١٣١

مناقب الشافعى ١٣٧

منتجع المرتاد ٢٣١ ، ٢٥٥

المنتخب ٢٤٨

مهرومشترى ٢٤٢

الموطأ ١٣٦

البنات ١٤٨

نزول العرب بخراسان ١٥٩

النغم ١٧٧

النفس ١٥٤

نهاية الآدب ١٨١

النوادر الأصغر ١٣١

النوادر الأوسط ١٣١

النوادر الكبير ١٣١

وجه الأرض ١٦٠

وصف نظم الفرس ١٧٩

اليتيمة ١٧٩



المصادر والمراجع

١ ـ المخطوطات

١ ـ البرادى (ت ٦٩٧)

أبو القاسم بن إبراهيم البرادى :

رسالة فى ذكر كتب الأباضية

دار الكتب المصرية ب ٢١٧٩١.

٢ ـ ابن حبيب الدمشقى (ت ٧٧٩)

بدر الدين أبو محمد الحسن بن عمر الحلبى :

جهينة الأخبار في ملوك الأمصار

دار الكتب المصرية تاريخ ١١٥٤.

٣ ـ السيوطي (ت ٩٩١)

جلال الدين السيوطي :

أسماء المدلسين

رسالة بمعهد المخطوطات العربية

تاريخ ١٣٥٤

دار الكتب المصرية تاريخ ٥٢٥

٤ ـ ابن عبد البر (ت ٤٦٣ ه‍)

أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر :

الانتقاء في فضائل الفقهاء الأئمة الثلاثة دار الكتب المصرية.

٥ ـ القضاعى (ت ٤٥٤)

 أبو عبد الله محمد بن سلامة :

عيون المعارف وفنون أخبار الخلايف دار الكتب المصرية ـ تاريخ ١٧٧٩ ، تاريخ مملكة الأغالبة.

٦ ـ ابن وردان

دار الكتب المصرية ـ تاريخ تيمود ٢١٩٩.


٢ ـ المصادر المطبوعة

١ ـ ابن الأبار (ت ٦٥٨ ه‍)

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبى بكر القضاعى :

الحلة السيراء

جزآن.

تحقيق الدكتور حسين مؤنس ـ القاهرة ١٩٦٣ م.

٢ ـ ابن الأثير (ت ٦٣٠ ه‍)

 محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانى :

٣ ـ أحمد بن أبى الضياف

الكامل فى التاريخ

دار صادر ـ بيروت ١٣٨٥ ه‍ ـ ١٩٦٥ م.

اللباب فى تهذيب الأنساب

تحقيق د. مصطفى عبد الواحد ـ القاهرة ١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧١ م.

٤ ـ الإدريسى (ت ٥٥٨ ه‍)

إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وعهد الأمان :

تونس ١٩٦٣ م.

أبو عبد الله محمد بن محمد بن إدريس الحموى :

نزهة المشتاق فى اختراق الآفاق

نابولى ـ روما ١٩٥١ م.


٥ ـ الأزدى (ت ٤٨٨)

محمد بن أبى نصر فتوح بن عبد الله الأزدى :

جذوة المقتبيس فى ذكر ولاة الأندلس

القاهرة ١٩٦٦ م.

٦ ـ الأمدى (ت ٣٧٠)

أبو القاسم الحسن بن بشر الأمدى :

المؤتلق والمختلف

تصحيح وتعليق الدكتور ف. كرنكو بيروت ـ ١٩٨٢ م.

٧ ـ الأنبارى

عبد الرحمن بن محمد الأنبارى :

نزهة الألباء

تحقيق إبراهيم الأبيارى

القاهرة ـ ١٩٨٣ م.

٨ ـ الباجى المسعودى (ت ١٢٥٣ ه‍)

أبو عبد الله محمد الباجى المسعودى :

الخلاصة النقية فى أمراء إفريقية

تحقيق محمد بيرم

تونس ـ ١٣١٥ ه‍ ـ ١٨٩٧ م.

٩ ـ البكرى (ت ٤٦٠)

أبو عبيد الله بن عبد العزيز :

المغرب فى ذكر بلاد إفريقية والمغرب باريس ـ ١٩١١ م.

١٠ ـ البلاذرى (ت ٢٧٩)

أحمد بن يحيى بن جابر :

أنساد الأشراف

الجزء ١٠ تحقيق جريفز فالدسنن ـ ١٨٨٣ م.

١١ ـ التجانى (ت ٧١٧١ ه‍)

أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد التجانى :

رحلة التجانى


تقديم الدكتور حسن حسنى عبد الوهاب تونس ١٣٧٨ ه‍ ـ ١٩٥٨ م.

١٢ ـ الجزرى (ت ٨٣٣)

شمس الدين أبى الخير محمد بن محمد بن الجزرى :

غاية النهاية فى طبقات القراء

جزآن ـ نشرة ج. بريستراسر

بيروت ـ ١٤٠٢ ه‍ ـ ١٩٨٢ م.

١٣ ـ ابن حجر (ت ٨٥٣)

شهاب الدين أحمد بن على بن محمد :

لسان الميزان

دار المعارف النظامية ـ الهند ـ ١٣٢٩ ه‍.

تهذيب التهذيب

دار المعارف النظامية ـ الهند ـ ١٣٥٢ ه‍.

١٤ ـ ابن حزم (ت ٤٥٦)

أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسى :

جمهرة أنساب العرب

تحقيق عبد السلام محمد هارون

دار المعارف ـ القاهرة ١٣٨٢ ه‍ ـ ١٩٦٢ م.

جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى

تحقيق إحسان عباس

دار المعارف ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.

١٥ ـ الحميرى (ت القرن التاسع الهجرى)

محمد بن عبد الله بن المنعم :

صفة جزيرة الأندلس

تحقيق ليقى بروفنسال القاهرة ـ ١٩٣٧ م.

١٦ ـ ابن حيان (ت ٤٦٩ ه‍)

أبو مروان حيان خلف بن حسين بن حيان بن محمد :


المقتبس من أنباء أهل الأندلس

تحقيق وتقديم الدكتور محمود على مكى

القاهرة ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧١ م.

١٧ ـ ابن خاقان

أبو الفتح بن خاقان محمد بن عبد الله القيسى :

مطمح الأنفس ومسرح التأنس

قسطنطينية ـ تركيا ـ ١٣٠٢ ه‍.

١٨ ـ الخزرجى (ت ٩٢٣ ه‍)

صفى الدين أحمد بن عبد الله الخزرجى الأنصارى :

خلاصة تذهيب الكمال فى أسماء الرجال

بيروت ـ ١٣٩٩ ه‍ ـ ١٩٧٩ م.

١٩ ـ الخشنى (ت ٣٦١ ه‍)

أبو عبد الله محمد بن حارث بن أسد الخشنى :

قضاء قرطبة وعلماء إفريقية

نشر وتصحيح السيد عزت العطار القاهرة ١٣٧٣ ه‍.

٢٠ ـ ابن الخطيب (ت ٩٤٠ ه‍)

لسان الدين محمد بن الخطيب السليمانى :

أعمال الأعلام

الجزء الثالث

تحقيق أحمد مختار العبادى

الدار البيضاء ـ المغرب ـ ١٩٦٤ م.

الإحاطة فى أخبار غرناطة

تحقيق محمد عبد الله عنان ـ الخانجى

القاهرة ١٩٧٧.

٢١ ـ ابن خلدون (ت ٨٠٨ ه‍)

عبد الرحمن بن محمد :


العبر من ديوان المبتدأ والخبر

بولاق ـ القاهرة ١٢٨٤ ه‍.

المقدمة

دار الشعب ـ القاهرة ١٩٦٨ م.

٢٢ ـ (ابن خلكان (ت ٦٨١ ه‍)

أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبى بكر :

وفيات الأعيان

تحقيق محمد بن محى الدين عبد الحميد

القاهرة ـ ١٩٤٨ م.

٢٣ ـ خليفة بن خياط (ت ٢٤٠)

تاريخ خليفة بن خياط :

جزآن

تحقيق سهيل زكار

العراق ـ ١٩٦٨ م.

٢٤ ـ (الخوارزمى (ت ٦١٦ ه‍)

أبو الفتح ناصر بن عبد السيد بن على المطرزى :

المغرب فى ترتيب المعرب

دائرة المعارف النظامية ـ ١٣٢٨ ه‍.

٢٥ ـ ابن خير

أبو بكر الأشبيلى محمد بن خيز بن عمران :

الفهرسة

جزآن

مدينة سرقسطة ١٨٩٣ م.

٢٦ ـ الداودى (ت ٩٣٢ ه‍)

شمس الدين محمد بن على بن أحمد :

طبقات المفسرين

جزآن

تحقيق الدكتور على محمد عمر.


٢٧ ـ الدباغ (٦٩٦ ه‍)

عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأنصارى :

معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان

تحقيق الدكتور محمد الأحمدى أبو النور

د. محمد ماضور

تونس ـ ١٩٦٤ م.

٢٨ ـ الدميرى (ت ٨٠٨ ه‍)

كمال الدين محمد بن موسى الدميرى :

حياة الحيوان

تقديم الدكتور حسين فوج زين الدين

القاهرة ـ ١٩٦٥ م.

٢٩ ـ ابن أبى دينار (ت ١٠٩٢ ه‍)

أبو عبد الله محمد بن أبى القاسم الرعينى القيروانى :

المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس

تحقيق محمد شمام ـ تونس ـ ١٩٦٧ م.

٣٠ ـ الدوادارى

أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدوادارى :

الدرة المضية فى أخبار الدولة الفاطمية

تحقيق صلاح الدين المنجد

القاهرة ١٣٨٠ ه‍ ـ ١٩٦١ م.

٣١ ـ الذهبى (ت ٧٤٨)

أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز :

دول الإسلام

تحقيق فهيم محمد شلتوت ـ محمد مصطفى إبراهيم

القاهرة ـ ١٩٧٤ م.

ميزان الاعتدال فى نقد الرجال


تحقيق على محمد البجاوى

القاهرة ١٣٨٢ ه‍ ـ ١٩٦٣ م.

العبر في خير من غير

تحقيق صلاح الدين المنجد

الكويت ـ ١٩٦٠ م.

تذكرة الحفاظ

تحقيق السيد مصطفى على

دائرة المعارف النظامية ـ الهند بدون تاريخ

٣٢ ـ الرقيق القيروانى (ت النصف الأول من القرن الخامس الهجرى)

إبراهيم بن القاسم القيروانى

تاريخ إفريقية والمغرب

تحقيق وتقديم المنجى الكعبى

تونس ـ ١٩٦٨ م.

٣٣ ـ الزبيدى (ت ٣٧٩)

محمد بن الحسن الزبيدى :

طبقات اللغويين والنحويين.

٣٤ ـ السبكى (ت ٧٧١ ه‍)

عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى :

طبقات الشافعية

تحقيق محمود الطناحى وعبد الفتاح الحلو

القاهرة ـ ١٣٨٣ ه‍.

٣٥ ـ ابن السراج (ت ١١٤٩ م)

محمد بن محمد الأندلسى :

الحلل السندسية فى الأخبار التونسية

تقديم وتحقيق محمد الحبيب الهيلة

تونس ـ ١٩٦٧ م.

٣٦ ـ (ابن سعد (ت ٢٣٠)

محمد بن سعد بن منبع البصرى :

الطبقات الكبرى

تحقيق إحسان عباس


دار صادر ـ بيروت ـ ١٣٧٧ ه‍ ـ ١٩٥٨ م.

٣٧ ـ ابن سعيد المغربى (ت ٦٧٣ ه‍)

على بن موسى بن عبد الملك :

المغرب فى حلى المغرب

جزآن

تحقيق الدكتور شوقى ضيف

دار المعارف ـ القاهرة ـ ١٩٧٨ م.

٣٨ ـ السفطى

أبو عبد الله محمد بن أبى محمد :

فى آداب الحسبة

مطبعة باريز ـ ١٩٣١ م.

٣٩ ـ السلاوى (ت ١٣١٩ ه‍)

أحمد بن خالد الناصرى :

الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى

الدار البيضاء ـ المغرب ١٩٥٤ م.

٤٠ ـ السيرافى (ت ٣٨٥ ه‍)

أبو محمد يوسف بن الحسن السيرافى :

أخبار النحويين البصريين.

٤١ ـ السيوطى (ت ٩١١ ه‍)

جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر الشافعى :

تاريخ الخلفاء

تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد

القاهرة ـ ١٩٦٧.

حسن المحاضرة فى تاريخ مصر والقاهرة

تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.

القاهرة ـ ١٣٨٧ ه‍ ـ ١٩٦٧ م.

بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة.

جزآن

تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم


القاهرة ـ ١٣٢٥ ه‍.

٤٢ ـ الشعرانى عبد الوهاب السعرانى :

الطبقات الكبرى :

جزآن

القاهرة ـ ١٢٨٦ ه‍.

٤٣ ـ الشماخى (ت ٩٢٨ ه‍)

أحمد بن سعيد بن عبد الواحد :

السير

القاهرة ـ بدون تاريخ.

٤٤ ـ الشيرازى (ت ٤٧٦ ه‍)

أبو إسحاق الشيرازى إبراهيم بن على بن يوسف :

طبقات الفقهاء

بغداد ١٣٥٦ ه‍.

٤٥ ـ الصفدى (ت ٧٦٤)

صلاح الدين بن أيبك الصفدى :

الوافى بالوفيات

إستانبول ـ تركيا ـ ١٩٣١ ه

٤٦ ـ الضبى (ت ٥٩٩ ه‍)

أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة :

الملتمس فى تاريخ رجال الأندلس

القاهرة ـ ١٩٦٦ م.

٤٧ ـ الطبرى (ت ٣١٠ ه‍)

محمد بن حرير الطبرى :

تاريخ الرسل والملوك

تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم

دار المعارف ـ القاهرة ـ ١٩٧٨ م.

٤٨ ـ ابن عبد البر (ت ٤٦٣ ه‍)

أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر :

الاستذكار

الجزء الأول


تحقيق علي النجدى ناصف

الأهرام التجارية ـ القاهرة ـ ١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧١ م.

الأنتقاء فى فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء

القدسى ـ القاهرة ـ ١٣٥٠ ه‍.

٤٩ ـ ابن عبد الحكم (ت ٢١٤ ه‍)

أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم :

سيرة عمر بن عبد العزيز

تحقيق أحمد عبيد

القاهرة ـ ٣٧٣ ه‍ ـ ١٩٥٤ م

٥٠ ـ عبد ربه (ت ٣٢٧ ه‍)

أحمد بن محمد :

العقد الفريد

تحقيق أحمد أمين ، أحمد الزين ، إبراهيم الأبيارى.

القاهرة ـ ١٣٥٩ ه‍ ـ ١٩٤٠ م.

٥١ ـ العبدرى

أبو عبد الله محمد بن محمد بن العبدرى :

رحلة العبدرى

تحقيق محمد الفاسى

قاس ـ العرب ـ ١٩٦٨ م.

٥٢ ـ ابن عذراى (ت نهاية القرن السابع الهجرى)

محمد بن عذارى المراكشى :

البيان المغرب فى أخبار المغرب

بيروت ـ ١٩٥٠ م.

٥٣ ـ أبو العرب (ت ٣٣٣ ه‍)

محمد بن أحمد بن تميم :

طبقات علماء إفريقية

تحقيق محمد بن أبى شنب

الجزائر ١٣٣٢ ه‍ ـ ١٩١٤ م.


٥٤ ـ ابن العماد (ت ١٠٨٩ ه‍)

أبو الفلاح عبد الحى بن العماد الحنبلى :

شذرات الذهب فى أخبار من ذهب

القدسى ـ القاهرة ـ ١٣٥٠ ه‍.

٥٥ ـ القاض عياض (ت ٥٤٤)

أبو الفضل عياض بن موسى السبتى :

ترتيب المدارك وتقريب المسالك

تحقيق أ [مد بكير محمود

٤ أجزاء

بيروت ـ ١٣٨٧ ه‍ ـ ١٩٦٧ م.

٥٦ ـ أبو الفد (ت ٧٣٢ ه‍)

إسماعيل بن نور الدين على بن جمال الدين محمد :

المختصر فى أخبار البشر

٤ أجزاء

القاهرة ـ ١٢٨٦ ه‍.

٥٧ ـ ابن فرحون (ت ٧٩٩)

برهان الدين إبراهيم بن على بن محمد ابن فرحون :

الدبياج المذهب فى معرفة أعيان علماء إفريقية

بيروت ـ بدون تاريخ

٥٨ ـ ابن الفرضى (ت ٣٠٤)

أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف :

تاريخ علماء والرواة للعلم بالأندلس

القاهرة ـ ١٩٦٦ م.

٥٩ ـ القابسى (ت ٤٠٣ ه‍)

أبو الحسن على بن محمد بن خلف :

الرسالة المفصلة لأحوال المعلمين

تحقيق أحمد فؤاد الأهوانى

القاهرة ـ ١٩٥٥ م.


٦٠ ـ ابن قتيبة (ت ٢٧٦ ه‍)

أبو محمد عبد الله بن مسلم :

المعارف

تحقيق ثروت عكاشة

دار المعارة ـ القاهرة ـ ١٩٦٩ م.

٦١ ـ القلقشندى (ت ٨٢١ ه‍)

أبو العباس أحمد :

صبح الأعشى فى صناعة الإنشا

القاهرة ـ ١٩٢٢ م.

٦٢ ـ ابن القوطية (ت ٢٦٧ ه‍)

محمد بن عمر بن عبد العزيز :

تاريخ افتتاح الأندلس

تحقيق عبد الله أنيس الطباع

بيروت ـ ١٩٦٨ م.

٦٣ ـ الكندى (ت ٣٥٠ ه‍)

عمر بن محمد بن يوسف الكندى :

فضائل مصر

تحقيق د. إبراهيم أحمد العدوى وعلى محمد عمر

القاهرة ١٣٩١ ه‍ ـ ١٩٧١ م.

الولاة والقضاء

تحقيق زفن كست

لبنان ـ ١٩٠٨ م.

٦٤ ـ مالك بن أنس الموطأ

تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى

القاهرة ـ ١٩٦٨ م.

٦٥ ـ المالكى (ت نهاية القرن الرابع الهجرى)

عبد الله بن أبى عبد الله :

رياض النفوس

تحقيق د. حسين مؤنس


لجزء الأول

القاهرة ـ ١٩٥١ م.

٦٦ ـ مجهول

العيون والحدائق فى أخبار الحقائق

تحقيق نبيلة عبد المنعم داود.

العراق ـ ١٣٩٢ ه‍ ـ ١٩٧٢ م.

٦٧ ـ مجهول (ت القرن السادس الهجرى)

الاستبصار فى عجائب الأمصار

تحقيق د. سعد زغلول عبد الحميد

الإسكندرية ـ ١٩٥٨ م.

٦٨ ـ أبو المحاسن (ت ٨٧٤)

جمال الدين بن يوسف بن تغرى بردى :

النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة

القاهرة ـ ١٩٦٣ م.

٦٩ ـ محمد بن سحنون (ت ٢٥٦ ه‍)

أداب المعلمين

تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب

القاهرة ـ ١٩٥٥ م.

٧٠ ـ المراكشى (ت ٦٤٧)

محيى الدين أبو محمد بن عبد الواحد بن على التميمى :

المعجب فى تلخيص أخبار المغرب

تحقيق محمد سعيد العربان

القاهرة ـ ١٩٤٩ م.

٧١ ـ المسعودى (ت ٣٤٦ ه‍)

على بن الحسين بن على :

مروج الذهب

تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد

القاهرة ١٩٦٤ م.

٧٢ ـ المقرئ (ت ١٠٤١ ه‍)

شهاب الدين أحمد بن محمد المقرئ التلمسانى :


فنح الطبيب ممن غصن الأندلس الرطيب تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد

القاهرة ١٣٦٧ ه‍ ـ ١٩٤٩ م.

٧٣ ـ الباهى (ت ٧٩٣ ه‍)

أبو الحسن بن الحسن النباهى الملقى :

تاريخ قضاة الأندلس

تحقيق ليفى بروفنسال

القاهرة ـ ١٩٤٨ م.

٧٤ ـ ابن النديم (ت ٣٧٨ ه‍)

محمد بن إسحاق النديم :

الفهرست

بيروت ١٣٩٨ ه‍ ـ ١٩٧٨ م.

٧٥ ـ القاضى النعمان (ت ٤١١ ه‍)

النعمان بن محمد :

رسالة افتتاح الدعوة

تحقيق وداد القاضى

لبنان ـ ١٩٧٠ م.

٧٦ ـ (النووى (ت ٦٧٦ ه‍)

أبو زكريا يحيى بن شرف النوى :

تهذيب الأسماء واللغات

جزآن

القاهرة ـ ١٩٤٨ م.

٧٧ ـ النويرى (ت ٧٣٢ ه‍)

شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويرى :

نهاية الأرب فى فنون الأدب

الجزء ٢٤

تحقيق د. حسين نصار

مراجعة د. عبد العزيز الأهوانى

القاهرة ـ ١٩٨٢ م.


٧٨ ـ اليافعى (ت ٧٦٨ ه‍)

أبو محمد عبد الله بن سعد بن على بن سليمان :

مرآة الجنان

دار المعارف النظامية ـ الهند ـ ١٣٣٧ ه‍.

٧٩ ـ ياقوت الحموى (ت ٦٢٦ ه‍)

شهاب الدين أبى عبد الله ياقوت :

معجم البلدان

القاهرة ١٣٢٤ ه‍ ـ ١٩٠٦ م.

٨٠ ـ يحيى بن عمر (ت ٢٨٩ ه‍)

النظر والأحكام فى جميع أحوال السوق تحقيق حسن حسنى عبد الوهاب

مراجعة فرحات الدشراوى

تونس ـ ١٩٧٥ م.

٨١ ـ اليعقوبى (ت ٢٨١ ه‍)

أحمد بن أبى يعقوب بن واضح :

البلدان

ليدن ـ ١٨٩٠ م.


٣ ـ المراجع

١ ـ الدكتور إبراهميم أحمد العدوى

الأساطيل العربية فى البحر الأبيض المتوسط

القاهرة ـ ١٩٥١ م.

٢ ـ إبراهيم زكى خورشيد

دائرة المعارف الإسلامية

دار الشعب ـ القاهرة ـ ١٩٦٣ م.

٣ ـ إبراهيم العبيدى التورزى

تاريخ التربية فى تونس

الجزء الأول

تونس ـ ١٩٦٧ م.

٤ ـ إبراهيم على طرخان

المسلمون فى أوروبا فى العصور الوسطى

القاهرة ـ ١٩٦٦ م.

٥ ـ إحسان عباس

العرب فى صقلية

دار المعارف ـ القاهرة ـ ١٩٥٩ م.

٦ ـ أحمد أمين

ظهر الإسلام

القاهرة ـ ١٩٦٦ م.

ضحى الإسلام

القاهرة ١٩٦٩ م.

٧ ـ أحمد عطية الله

القاموس الإسلامى

القاهرة ١٣٩٠ ه‍ ـ ١٩٧٠ م.

٨ ـ أحمد فكرى

مسجد القيروان

القاهرة ـ ١٩٣٥ م.

آثار تونس الإسلامية

تونس ـ ١٩٥٨ م.


٩ ـ أحمد فؤاد الأهوانى

التربية فى الإسلام

دار المعارف ـ القاهرة ١٩٧٣ م.

١٠ ـ د. أحمد مختار العبادى

فى تاريخ المغرب والأندلس

إسكندرية ١٩٧٣ م.

١١ ـ ارشيبالدلويس

القوى البحرية والتجارية فى حوض البحر المتوسط

ترجمة أحمد عيسى

القاهرة ـ ١٩٦٩ م.

١٢ ـ أمين الخولى

الإمام مالك

القاهرة ـ ١٩٥٧ م.

١٣ ـ بطرس البستانى

دائرة المعارف الإسلامية

بيروت ـ ١٨٨٧ م.

١٤ ـ الحبيب الجنحانى

القيروان

تونس ـ ١٩٦٨ م.

١٥ ـ د. حسن إبراهيم حسن

تاريخ الإسلام السياسى

القاهرة ـ ١٩٧٣ م.

١٦ ـ د. حسن أحمد محمود

انتشار الإسلام والثقافة العربية فى إفريقية

الجزء الأول

القاهرة ـ ١٩٥٨ م.

١٧ ـ حسن حسنى عبد الوهاب

خلاصة تاريخ تونس

تونس ـ ١٩٧٦ م.

شهيرات التونسيات

تونس ـ ١٣٥٣ ه‍.

خلاصة تاريخ تونس

تونس ـ ١٩٧٦ م.


شهيرات التونسيات

تونس ـ ١٣٥٣ ه‍.

الإمام المازرى

تونس ـ ١٣٤٨ ه‍.

ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية التونسية

المنار ـ تونس ـ ١٩٦٦ م.

١٨ ـ د. حسين مؤنس

فجر الأندلس

القاهرة ـ ١٩٥٩ م.

فتح العرب للمغرب

القاهرة ـ ١٩٤٧ م.

شيوخ العصر فى أهل الأندلس

القاهرة ـ ١٩٦٥ م.

معالم تاريخ المغرب والأندلس

القاهرة ـ ١٩٨٣ م.

١٩ ـ الزركلى

الأعلام

القاهرة ١٣٨٣ ه‍ ـ ١٩٦٣ م.

٢٠ ـ د. زكى محمد حسن فنون الإسلام

القاهرة ـ ١٩٥٤ م.

٢١ ـ د. سعد زغلول عبد الحميد

تاريخ المغرب العربى

الجزء الثانى

الإسكندرية ـ ١٩٨٤ م.

٢٢ ـ د. السيد الباز العرينى

الدولة البيزنظية

القاهرة ـ ١٩٦٠ م.

٢٣ ـ د. السيد عبد العزيز سالم

تاريخ المغرب الكبير

الإسكندرية ـ ١٩٨٤ م.


تاريخ البحرية الإسلامية فى المغرب والأندلس

بيروت ـ ١٩٧٣ م.

تاريخ المسلمين وآثارهم فى الأندلس

بيروت ـ ١٩٦٢ م.

٢٤ ـ عبد العزيز المجذوب

الصراع المذهبى بإفريقية

تونس ١٣٩٥ ه‍ ـ ١٩٧٤ م.

٢٥ ـ الدكتور عبد المنعم ماجد

العصر العباسى الأول

الانجلو ـ القاهرة ـ ١٩٧٣ م

٢٦ ـ الدكتور عصام عبد الرءوف

الحواضر الإسلامية

دار الفكر العربى ـ القاهرة ١٩٨٦ م


الفهرس

مقدمة المحقق.................................................................. ٥

خطط بغداد وتطورها فى العصر العباسى الأول.................................... ٥

الحالة الأقتصادية فى بغداد في العصر العباسى الأول.............................. ٢١

مظاهر تقدم الصناعة......................................................... ٢٦

النشاط التجارى............................................................. ٢٩

الإدارة المالية................................................................. ٣٢

المحاملات المالية والتجارية...................................................... ٤٠

الدواوين المالية............................................................... ٤٤

ديوان النفقات............................................................... ٤٥

ديوان الخراج................................................................. ٤٦

الحياة الاجتماعية في بغداد فى العصر العباسى الثانى.............................. ٤٩

عناصر السكان وأثرها فى الحياة الاجتماعية...................................... ٥١

١ ـ العرب................................................................ ٥١

٢ ـ الفهرس............................................................... ٦٠

٣ ـ الأتراك............................................................... ٦٣

٤ ـ أهل الذمة............................................................ ٦٧

٥ ـ الرقيق................................................................ ٧٥

الحياة العامة فى بغداد......................................................... ٨٠

أ ـ القصور والدور......................................................... ٨٠

(ب) المواكب والأعياد والمواسم.............................................. ٨٤

(ج) الموسيقى والغناء والمجالس الاجتماعية.................................... ٨٧


المرأة فى بغداد وأثرها فى المجتمع............................................... ١٠٤

الأخلاق والعادت.......................................................... ١٠٩

النهضة الثقافية فى بغداد.................................................... ١١٩

عوامل النهضة الثقافية...................................................... ١٢١

العلوم النقلية............................................................... ١٣٠

العلوم الأدبية.............................................................. ١٤٥

حركة الترجمة وأثرها فى ازدهار الحياة الثقافية.................................... ١٥٠

العلوم العقلية.............................................................. ١٥٥

علم التاريخ................................................................ ١٥٥

علم الجغرافيا............................................................... ١٥٩

علم الفلك................................................................ ١٦١

الرياضيات................................................................. ١٦٥

علم الطب................................................................ ١٦٧

الكيمياء.................................................................. ١٧١

علم الموسيقى.............................................................. ١٧٥

الفهرس التاريخى للخلفاء.................................................... ١٨٢

مقدمة المؤلف.............................................................. ٢٠٣

الفصل الأول : التهيوء...................................................... ٢٠٥

الفصل الثانى : هولاكو على باب بغداد....................................... ٢٠٩

الفصل الثالث : تملك المغول على بغداد....................................... ٢١١

الفصل الرابع : قتل الخليفة المستعصم وانقراض دولة بنى العباس................... ٢١٣

الفصل الخامس : امحاق سكان بغداد......................................... ٢١٣

الفصل السادس : الحكومة فى بغداد بعد فتحها على يد هولاكو.................. ٢١٤

الفصل السابع : مصير أهل المناصب الجديدة.................................. ٢١٦

الفصل الثامن : حادثة جاثليق النساطرة....................................... ٢١٨

الفصل التاسع : تملك تكودار اغول.......................................... ٢٢٠


الفصل العاشر : انتصار أرغون على أخيه..................................... ٢٢١

الفصل الحادى عشر : سلطنة كيخاتو........................................ ٢٢٣

الفصل الثانى عشر : تملك غازان أو قازان..................................... ٢٢٤

الفصل الثالث عشر : تملك الجاثيق أوخربندة بن أرغون.......................... ٢٢٧

الفصل الرابع عشر : سلطنة بهادر بن خربندة.................................. ٢٢٨

الفصل الخامس عشر : سلطنة أرياغاوون...................................... ٢٣٠

الباب الثانى : بغداد بيد الايلخانيين.......................................... ٢٣٢

الفصل الأول :

دوله الأيلخانيين أو الجلائريين................................................ ٢٣٤

الفصل الثانى : ذكر منشا تيمور وحداثته...................................... ٢٤٨

الفصل الثالث : فى منكرات تيمور فى بغداد خاصة............................. ٢٥٤

الفصل الرابع : فى أواخر دولة الإيلخانيين وانقراضها............................ ٢٥٨

الباب الثالث : فى دولة التركمان القوينلية..................................... ٢٦٠

الفصل الأول : دولة قزة قويونلى............................................. ٢٦٢

الفصل الثانى : فى دولة اق قوينلى............................................ ٢٦٩

الكشاف العام............................................................. ٢٧٩

المصادر والمراجع............................................................ ٣٣١

الفهرس................................................................... ٣٥١

الفوز بالمراد

المؤلف:
الصفحات: 353