
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
كلمة شكر وتقدير
إن كتاب طلوع سعد
السعود الذي نقدمه اليوم للقراء ، عبارة عن موسوعة كبيرة تاريخية ، وثقافية
وجغرافية ، واجتماعية ، لعدد من بلدان العالم القديم على مستوى قاراته الأربعة :
إفريقيا ، وأوروبا ، وآسيا ، وأوقيانيا.
فقد توسّع مؤلفه
الآغا إسماعيل بن عودة المزاري في التأريخ لمدينة وهران ، والجزائر ، والغرب
الوهراني ، وإسبانيا ، وفرانسا ، والأتراك العثمانيين ، من غابر العصور إلى عهده
عام ١٨٩٠ م. فأرخ لسير أجيال من العلماء ، والأولياء ، والأمراء ، والسلاطين ،
والملوك ، والخلفاء. وأسهب في الحديث عن النظام الإداري للأتراك في بلادهم ، وفي
الجزائر ، وبلدان المغرب ، وعن قبائل المخزن في الغرب الوهراني ، مع تتبع أصولها ،
وفروعها ، وأدوارها السياسية والعسكرية خلال عهد الأتراك ، وقبلهم ، وبعدهم إلى
عهده هو. وسلك طريق وأسلوب ابن خلدون في وضع شجرات الأنساب لها.
كما أسهب في
التأريخ لأجناس أوروبا ، وسكان إسبانيا ، وفرنسا ، وأقاليم الأرض الجغرافية ،
والجزر ، والأودية ، والأنهار ، والخلجان ، والمدن ، والموانىء ، وفي التأريخ
لملوك اسبانيا الكاثوليكية الحديثة ، وملوك فرنسا من غابر الأزمان إلى نهاية القرن
التاسع عشر.
وتوسع في الحديث
عن أصل جنس الأتراك في آسيا. ونزوحهم إلى آسيا الصغرى وتكوينهم لدولتهم ، واستعرض
ملوكهم وسلاطينهم جميعا إلى عهده أواخر القرن ١٩ م. كما توسع في التأريخ لبايليك
الغرب الوهراني ، وباياته ،
وصراعهم ضد الوجود
الإسباني في وهران والمرسى الكبير ، واستعرض الحكام الأتراك في الجزائر. وتفرغ بعد
ذلك لاستعراض مقاومة الأمير عبد القادر بتوسع ، وقدم لنا قراءة جديدة لها سوف تسمح
بأعادة النظر في فهم وتفسير الكثير من أحداثها. خاصة مواقف قبائل المخزن من الأمير
عبد القادر ، ومواقفه هو منها.
وأوجز في التاريخ
للأندلس الإسلامية ، وأورد قوائم للخلفاء الأمويين في الشرق ، والأندلس ، والخلفاء
الفاطميين ، وسلاطين المرابطين ، والموحدين ، والزيانيين ، والمرينيين ، والسعديين
، في الجزائر ، والمغرب الأقصى ، وتتبع غارات الإسبان والفرنسيين ، على الجزائر وتونس
، في العصر الحديث ، وتحدث عن الحروب الصليبية خلال حديثه عن ملوك فرنسا.
وخلال كل هذا ،
تحدث المؤلف على قضايا كثيرة ، تاريخية ، وفكرية وأدبية ، وثقافية ، واعتمد على
مصادر كثيرة نثرية ، وشعرية ، مخطوطة ، ومطبوعة. مما أضفى على المخطوط القيمة
العلمية المطلوبة. وهذا بغض النظر على أسلوب السجع الممل الذي اتبعه ، وركاكة
اللغة في بعض الأحيان.
وإخراج هذا
المخطوط إلى حيز الساحة الثقافية بعد مضي قرن كامل على تأليفه ، يدخل في إطار
إحياء التراث الفكري بمفهومه الواسع للبلدان المغاربية أساسا ، والإسلامية بصفة
عامة.
وهذا ما تقوم به
مؤسسة : دار الغرب الإسلامي بقيادة رئيسها الفاضل السيد الحبيب اللمسي ، الحريص
على أن يكون المثل والنموذج لعملية الإحياء هذه ، التي بدأها منذ عدة سنوات ،
وأخرج إلى الساحة الثقافية تراثا حضاريا هاما ومتنوعا : في العلوم ، والآداب ،
والتاريخ ، والسير ، واللغة ، والدين ، وغيرها ، وزوّد المكتبات العربية والعالمية
بنصيب وافر ، من أمهات الكتب ، ونفائس المخطوطات ، وقدم للأجيال الصاعدة جهود
الأجداد الضخم الذي شاركوا به في خدمة العلم ، والفكر ، والثقافة العربية
الإسلامية ، والإنسانية العالمية.
وما إقدام هذه الدار
، ورئيسها الفاضل ، على طبع هذا المخطوط ، ونشره ، إلا دليل آخر على مدى الجهد
الذي يبذله في هذا الميدان.
هذا وقد أدخلنا
تحويرا جزئيا على اسم المخطوط في ظهر الغلاف الخارجي فقط ، ليكون أكثر دلالة على
محتواه ، وهو «طلوع سعد السعود ، أو تاريخ وهران ، والجزائر ، وإسبانيا ، وفرنسا ،
من غابر الأزمان إلى نهاية القرن ١٩ م».
فإلى الأخ الفاضل
السيد الحبيب اللمسي ، وإلى داره العامرة : دار الغرب الإسلامي ، نقدم كل التحية ،
والشكر ، والتقدير ، والسلام.
والله الموفق
وهران ـ حي جمال الجمعة
٢٥ رمضان ١٤١٠ ه.
٢٠ أبريل ١٩٩٠ م.
|
د. يحيى بو عزيز
(جامعة وهران)
|
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
تقديم وتوضيح
إن مخطوط طلوع سعد
السعود في تاريخ وهران ومخزنها الأسود. الذي نقدمه اليوم للقراء. قد استنفد منا
عملا شاقا وطويلا ، بسبب كبر حجمه ، وتعقد إجراءات الحصول على إذن لتصويره. والوقت
الطويل الذي استغرق في نقله باليد ، وضربه على الآلة الكاتبة ، ومراجعته ،
والتعليق عليه.
فقد استغرق الحصول
على إذن لتصويره من طرف وزارة الثقافة والسياحة ، أكثر من ستة شهور ، وكان السبب
في ذلك المسؤول عن متحف زبانا بوهران الذي تلكأ وراوغ في تنفيذ أمر الوزارة لأمور
لا نعلمها ، سامحه الله.
واستغرق نسخه
باليد قرابة عام كامل ، بسبب ضخامة حجمه ، وصعوبة ضربه على الآلة الكاتبة مباشرة.
وبذل الأخ الطالب صديقي سليمان القنادسي. جهودا مشكورة في نسخه. وتحمل ذلك وتطوع
رغم انشغاله بمتابعة دروسه. لتحضير شهادة الليسانس في التاريخ ، ولو لا جهوده هذه
، لتأخر إعداد المخطوط للطبع سنوات أخرى. أو تعذر إطلاقا.
وتطلبت قراءته
وتصحيحه ، والتعليق عليه ، وتبويبه أوقاتا طويلة. واستغرق ضربه على الآلة الراقنة
قرابة عام كامل كذلك مع إعادة قراءته وتصحيحه وترتيبه ، وفهرسته ، كل ذلك وسط
الأشغال والاهتمامات اليومية التربوية وغيرها. وهنا لا بد من التنبيه على عدة أمور
:
أولا : توحد
بالمخطوط أخطاء كثيرة جدا. ولا تخلو منها أية صفحة في
اللغة وقواعد
اللغة ، والرسم ، والإنشاء ، والصياغة ، فاكتفينا بالإشارة والتنبيه على البعض
منها وتركنا الباقي على حالها ، لأن الإشارة إليها كلها. سيؤدي إلى تضخيم حجم
المخطوط. ثم إنها لا تؤدي إلى عدم فهم المعلومات والحوادث.
ثانيا : إن
التعليقات والهوامش التي وضعناها للمقاصد الثلاثة الأولى ، أثبتت أن المواصلة على
ذلك النهج سيؤدي إلى مضاعفة حجم المخطوط مرة أو أكثر ، ولذلك خففنا منها كثيرا في
المقصدين الباقيين والطويلين : الرابع ، والخامس. واكتفينا فقط بالضروري منها.
ثالثا : أورد
المؤلف قوائم كثيرة وطويلة لأسماء الأعلام الأجنبية الرومانية ، واليونانية ،
والإسبانية ، والفرنسية ، وغيرها ، فكتب البعض صحيحا ، وحرف أخرى ، ولذلك حاولنا نحن
تصحيح بعضها بكتابتها بالحروف اللاتينية أمامها. أو في الهامش. وتركنا الباقي إلى
حين التعرف عليها.
رابعا : ليس
للمخطوط عناوين ولذلك وضعنا نحن له عناوين فرعية مستقلة ليسهل التعرف على موضوعاته
، والعودة إليها بدون مشقة ، وصعوبة ، ووضعنا أرقام الصفحات بين قوسين داخل النص.
خامسا : نظرا لطول
المخطوط وكبر حجمه ، فقد قسمناه إلى جزئين : الجزء الأول : يشمل المقاصد الثلاثة
الأولى. والقسم الأكبر من المقصد الرابع ، وينتهي عند نهاية الدولة الثامنة أو
دولة الأتراك العثمانيين عام ١٨٣٠ م ، ويحوي ٣١٧ صفحة من المخطوط.
الجزء الثاني :
يشمل القسم الأخير من المقصد الرابع ، والمقصد الخامس والأخير ويحتل باقي صفحات
المخطوط إلى صفحة ٥٨٢.
سادسا : بذلنا
جهودا مكثفة للحصول على سيرة المؤلف الآغا بن عودة المزاري. فلم نوفق ، فقد راجعنا
مجلة الجمعية الجغرافية والأثرية لمدينة وهران. ورجعنا إلى ما كتبه مارسيل بودان
عن المخطوط ، ولم نحصل على شيء ، وزرنا أفراد عائلة المزاري في سبدو ، ومغنية ،
واستجوبناهم فلم يفيدونا بشيء ويجهلون أصلا هذا الرجل.
وسألنا المسنين في
مدينة وهران ، الذين لهم صلة بالعائلات المخزنية فلم يفيدونا بشيء.
وقد سجل المؤلف حياته
وسيرته في مخطوطه ، خلال تأريخه لرجال المخزن ، بعد أن سجل سيرة والده الحاج محمد
المزاري ، وعمه مصطفى ابن إسماعيل. في المقصد الخامس والأخير من مقاصد الكتاب من
صفحة ٥٣٨ إلى صفحة ٥٤٥. ولكن هذه الصفحات بترت من المخطوط ويبدو أن ذلك تم عن عمد
، وقصد. ولذلك بقيت حياة هذا الرجل ثغرة. ولم نجد حاليا ما يملؤها. فأرجأنا ذلك
إلى حين العثور على معلومات جديدة عنه ، أو العثور على الصفحات المبتورة من
المخطوط. وقد قال في صفحة ٥٤٦ التي بقيت لم تبتر : «ولي في هذا الوقت ولدان بلامين
أكبرهما إسماعيل ، والآخر الحسين». والشيء المعروف عنه حاليا هو أنه ابن الحاج
محمد المزاري الذي هو ابن أخ مصطفى بن إسماعيل ، وكلاهما تولى وظيفة للأمير عبد
القادر ، ثم للفرنسيين بعد أن انضما إليهم في حدود عام ١٨٣٥ م. ومن بعدهما تولى
المؤلف ابن عودة المزاري وظيفة الآغا للفرنسيين ، ولكن لا ندري متى تولى هذه
الوظيفة ، ومتى ولد ، ومتى توفي كذلك ، والمؤكد هو أنه توفي بعد عام ١٨٩٧ م.
وقد يكون عاش إلى
مطلع القرن الحالي ولا ندري أيضا أين توفي ، وأين دفن ، ولعلنا نكتشف في يوم ما
الأجوبة على هذه الأسئلة والتساؤلات. فنضمها للطبعة التالية إن شاء الله تعالى.
سابعا : وضعنا
للمخطوط فهارس ، للأعلام ، والقبائل ، والجماعات ، والأماكن الجغرافية ، وأسماء
الكتب. كل جزء بفهارسه الخاصة.
ثامنا : أضفنا إلى
المخطوط في الأخير قائمة المراجع ذات الصلة بالموضوع ، ومنها المراجع التي اعتمد
عليها المؤلف وأشار إليها داخل النص.
تاسعا : إذا كان
ما بد من شكر أحد فهو الناسخ للمخطوط الأخ الطالب والأستاذ صديقي سليمان ،
والمسؤولون عن مديرية التراث بوزارة الثقافة وعلى رأسهم الأخ عبد الله بالسرياني ،
ثم الأخ الضابط الصديق إيمخلاف رئيس القطاع العسكري بولاية النعامة والأخ قاسمي
الهاشمي بالإذاعة الجهوية بوهران اللذان
ساعداني في ضرب
المخطوط على الآلة الراقنة ، فإليهم وإلى غيرهم شكري وتقدري.
عاشرا : وقد زودنا
هذه الدراسة في الأخير بقوائم لأسماء أباطرة الرومان والبيزنطيين ، وملوك فرنسا ،
وإسبانيا ، وحكام وهران الأوائل ، والسلاطين العثمانيين ، وحكام الجزائر في العهد
العثماني ، وبثلاثة خرائط لوهران ؛ والمنطقة الوهرانية التي شهدت أحداث الإسبان ،
والمرسى الكبير.
حادي عشر : لقد
أدخلنا تحويرا جزئيا على عنوان المخطوط الأصلي ليكون أكثر دلالة على محتواه ، وذلك
على ظهر الغلاف الخارجي فقط ، وأصبح هكذا : «طلوع سعد السعود أو تاريخ وهران
والجزائر وإسبانيا وفرنسا». (من غابر العصور إلى نهاية القرن ٢١٩). أما في الداخل
فقد أبقينا على العنوان الأصلي للأمانة التاريخية.
وأرجو أن يجد
الطلاب والباحثون ، والأساتذة في المعاهد والجامعات ، ضالتهم في هذا المخطوط الذي
لا شك أنه سيزودهم بمعلومات واسعة ، عن تاريخ وهران ، والغرب الوهراني والجزائر ،
وإسبانيا وفرنسا ، وعبر التاريخ خاصة خلال عهد الأتراك العثمانيين وعهد الاحتلال
الفرنسي إلى عام ١٨٩٠ م.
والله الموفق :
وهران ـ حي الصديقية
الخميس ٢٩ شعبان ١٤٠٩ ه
٠٦ أبريل ١٩٨٩ م
|
د. يحيى بو عزيز
|
المخطوطات


تمهيد في التعريف بمخطوط
طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود
للآغا بن عودة المزاري
مؤلف هذا المخطوط
هو أبو إسماعيل ابن عودة بن الحاج محمد المزري البحثاوي ، كما جاء في مطلع الصفحة
الأولى منه التي تحمل رقم ٢. ويعرف عن الناس في الناحية الغربية بالآغا المزاري.
وكان أبوه الحاج محمد المزاري ، وعم أبيه مصطفى بن إسماعيل ، قد توليا منصب :
ووظيفة «الآغا» عند الأمير عبد القادر أولا ، ثم عند الفرنسيين بعد أن انضما إليهم
في حدود ديسمبر ١٨٣٥ م الموافق لأواخر شعبان ١٢٥١ ه. كما جاء في صفحات ٤٣١ ـ ٤٣٤
من المخطوط نفسه.
ويقع هذا المخطوط
في مجلد كبير يحتوي على ٥٨٢ صفحة من مقاس ١٩* ٢٥ ، وتتراوح أسطرها بين ١٨ و ٣٠
سطرا ، وكتب بخط مغربي واضح ، وسهل القراءة على طريقة المصحف الكريم المغربي ،
بحيث تنقط الفاء من أسفل والقاف من أعلى بنقطة واحدة.
ليس للمخطوط عنوان
على ظهره بالصفحة الأولى ، ولكن ذكر داخل الصفحة الثالثة وفي آخرها. وقد بدئى
بالصفحة الثانية ، بينما أبقيت الصفحة الأولى بيضاء ، ولا توجد به صفحة رقم ٥٠٥ ،
وذلك لخطأ في الترقيم فقط ، إذا انتقل المؤلف من رقم ٥٠٤ إلى رقم ٥٠٦ مباشرة. ولكن
المخطوط تنقصه ثماني صفحات من رقم ٥٣٨ إلى رقم ٥٤٥ ، إذ اقتلعت منه أربعة أوراق ،
وذلك في المقصد الأخير منه. ومن سوء الصدف أن الصفحات الناقصة هي التي تتصل
بحياة المؤلف نفسه
، وموقفه من الأمير والمقاومة الوطنية. ويبدو لنا أن هذه الصفحات انتزعت عن قصد
ولغرض معين كذلك ، وكل صفحة من صفحات المخطوط يبدؤها المؤلف بالعبارة التالية :
«اللهم صلّ على
الحبيب محمد وآله وصحبه وسلم». وذلك على يمين صفحة اليمين ، ويسار صفحة اليسار.
ويوجد هذا المخطوط
في مكتبة متحف زبانا بمدينة وهران تحت رقم ٤٦٦ ، وجلد بغلاف من الورق المقوى ذي
اللون البني المائل إلى الخضورة ، وكتب على ظهر حاشيته القاعدية الجلدية الحمراء
بالحروف اللاتينية ، المزري. تاريخ وهران. وليس له نظير على ما نعرف ، بحيث تتفرد
به مكتبة هذا المتحف دون غيرها .
ويضم هذا المجلد
بين دفتيه ثلاثين كرّاسا ، كل منها يتألف من عشرة أوراق ما عدا :
كراس رقم ٢٦ الذي
يحتوي على ١٢ ورقة من صفحة ، ٤٨٠ إلى ٥٠٤.
وكراس رقم ٢٧ الذي
يحتوي على ١٢ ورقة كذلك من صفحة ٥٠٦ إلى ٥٢٩.
وكراس رقم ٢٨ الذي
يحتوي فقط على ٨ ورقات من صفحة ٥٣٠ إلى ٥٥٣ ، وهو الكرّاس الذي تنقص به الصفحات
التي تخص حياة المؤلف وبعض أفراد أسرته.
وكراس رقم ٣٠
الأخير الذي يحتوي فقط على ٥ ورقات من ٥٧٤ إلى ٥٨٢.
__________________
أقسام المخطوط وتاريخه
ويتألف هذه
المخطوط من خمسة أقسام يحمل كل منها اسم المقصد :
ـ المقصد الأول :
فيمن بنى وهران ، وفيمن أمر ببنائها وأي تاريخ بنيت فيه.
وبه ٨ صفحات من ٤
إلى ١١.
المقصد الثاني :
في ذكر بعض أوليائها والتعريف بهم ، وبه ٢٠ صفحة من ١١ إلى ٣٠.
ـ المقصد الثالث :
في ذكر بعض علمائها والتعريف بهم ، وبه ٩ صفحات من ٣٠ إلى ٣٨.
ـ المقصد الرابع :
في ذكر الدول التي حكمتها وهي تسعة وبه ٤٨٦ صفحة من ٣٨ إلى ٥٢٣.
ـ المقصد الخامس :
في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، وبه ٥٩ صفحة من ٥٢٣ إلى ٥٨٢. وتنقص به ثماني صفحات
من ٥٣٨ ـ ٥٤٥.
وليس لهذا المخطوط
تاريخ محدد لتأليفه ، ولكنه ألف في نهاية عقد الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن
التاسع عشر ، وذلك استنادا إلى كلام المؤلف نفسه فيما أورده في صفحتي ٥٢٠ و ٥٢١
حول تواريخ حكام الجزائر ووهران. فقد قال عن الحاكم العام تيرمان بأنه «تولى يوم
١٦ نوفمبر ١٨٨١ م وما يزال عليها حتى الآن سنة ١٨٩٠ م». وقال عن سعدية كارنو الذي
يحكم وهران بأنه «تولى سنة التسليم (وهي ١٨٨٨) وهذا الرايس هو الموجود الآن في عام
التسعين والثمانمائة والألف الموافق للعام الثامن والثلاثمائة والألف».
واستنادا كذلك إلى
التقريظ الذي وضعه للمخطوط في صفحته الأخيرة السيد عبد العالي شبكه وأثبت في
نهايته التاريخين ١٨٩٧ م و ١٣١٤ ه وأذن له في طبعه. وإلى التقريظ الذي وضعه له
كذلك بعد التقرظ الأول ، السيد عبد الرحمن بن سليمان المصري المالكي ، ولكنه لم
يضع له تاريخا على أي حال.
ليس للمخطوط
عناوين مستقلة ، ما عدا في المقاصد الثلاثة الأولى وجزء من المقصد الرابع صفحة ٥٧
فإن له عناوين على هوامش الصفحات توضع دائما
تحت كلمة : قف ،
غير أن المؤلف يبرز عناوينه داخل الصفحات بكتابتها بالخط الغليظ ، ويستعمل المداد
الأحمر في كتابة الكلمات الأولى أو الحروف الأولى للكلمات في بداية الجمل والفقرات
التي من المفروض أن تكون في بداية السطر ، لأنه لا يتوقف اطلاقا قبل تمام السطر
ليبدأ في الآخر ، كما هو متعارف حاليا ، غير أنه يستعمل النقط الغليظة للفصل بين
الجمل والفقرات حتى ولو مع عدم تمام المعنى ، ويستعمل المداد الأحمر كذلك لوضع
سطور تحت الكلمات ، والحروف ، وكل عناوين الكتاب من وضعنا نحن.
ويختلف عدد أسطر
الصفحات ، وشكل الخط ، حسب الكيفية التالية :
ـ فالصفحات الأولى
لغاية صفحة ١٢٠ تقريبا ، عدد أسطرها بين ١٨ و ١٩ وخطها واسع.
ـ الصفحات من ١٢٠
إلى ٢٩٨ عدد أسطرها بين ١٩ و ٢٠. وخطها مضغوط نوعا ما.
ـ والصفحات
الباقية من ٢٩٩ إلى نهاية المخطوط عدد أسطرها بين ٢٤ و ٣٠ وكتابتها مضغوطة جدا
ودقيقة.
أغلب الصفحات
استعمل فيها المؤلف المداد الأحمر ، والباقي لم يستعمل فيها ، وهناك بعض الأوراق
يقطعها ، ويستبدلها بغيرها ويلصقها الصاقا. وهذا واضح في عدة مواطن من المخطوط.
وبما أن المخطوط يتألف من ٣٠ كرّاسا فإن المؤلف رقمها كلها في بدايتها على اليسار
بالتتابع من ١ إلى ٣٠ وذلك بوضع الرقم فوق حرف الكاف هكذا : ك ٢. ويعني كراس ٢.
ومما تجدر ملاحظته
هنا أن كل عناوين الكتاب من وضعنا نحن ولم نحاول أن نشير لكل أخطاء الكتاب اللغوية
، والرسم ، لأنها كثيرة جدا. وتتطلب الإشارة إليها زيادة لا أقل من ربع حجم
الكتاب. كذلك تجنبنا التعقيب والتدخل كثيرا في المعلومات لأن ذلك يتطلب زيادة حجم
الكتاب بالنصف على الأقل.
وقد كانت تجربة
التعليقات في المقاصد : الأول ، والثاني ، والثالث ، خير دليل على هذا. إذ زادت
على حجم كل مقصد على حدة.
محتويات المقاصد الخمسة
ـ المقصد الأول :
يقع في عشر صفحات ، وموضوعه فيمن بنى وهران وأي وقت بنيت ، ومن أمر ببنائها ، ومن
أشرف على ذلك ، وفي وصف الرحالة والمؤرخين لها. وقد ذكر المزري أنها بنيت في القرن
الثالث الهجري ، ولكن هناك خلاف في السنة. فالحافظ أبوراس له روايتان :
الأولى : في كتابه
، عجائب الأسفار ، مفادها أن مغراوة هي التي بنتها بأمر من الخليفة الأموي بالأندلس
عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، والذي أشرف على بنائها هو خزر
بن حفصى بن صولات بن وزمار ابن صقلاب ، بن مغراو الزناتي المغراوي. وهذا يعني أنها
بنيت في وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمن بن الحكم تولى الخلافة عام ٢٠٦ ه ،
وتوفي في ربيع الآخر عام ٢٨٨ ه ، كما في المختصر لأبي الفداء.
الثانية : في
كتابيه : عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، وتفيد أن الذي بناها هو خزر بن حفص
حقيقة ، ولكن الذي أمر ببنائها هو الخليفة الأموي بالأندلس أبو محمد عبد الله بن
محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ، وذلك اما سنة ٢٩٠ أو
٢٩١ أو ٢٩٢. وقد رجح الزياني الذي نقل عليه ، التاريخ الثالث والأخير لأن هذا
الخليفة تولى الخلافة عام ٢٧٥ وتوفي عام ٣٠٠ ه كما في مختصر أبي الفداء. وقد
بناها قبل وفاته بعشر سنوات كما في دليل الحيران.
أما عبد الرحمن
الجامعي فقد ذكر في شرحه على الحلفاوية أنها بنيت من طرف مغراوة وفي أيام أمرائها
، ولكنه لم يحدد السنة وتجنب ذلك حتى لا يقع في حرج أو خطأ. بينما أكد كل من محمد
بن يوسف القيرواني ، وأبي عبيد الله البكري ، وابن خلكان ، والرشاطي ، والصفدي ،
كل في تاريخه بأن الذين بنوها هم : محمد بن أبي عون ، ومحمد بن عبدوس ، ومحمد بن
عبدون ، وجماعة من البحارة الأندلسيين الذين كانوا ينتجعون مرسى وهران ، مع نفزة
وبني مسقن ، وهم بنو مسرغين من أزديجة وكانوا أصحاب القرشي ، وهو الخليفة الأموي
بالأندلس ، وذلك عام ٢٩٠ ه.
وقد استعرض أوصاف
الرحالة والمؤرخين لها كالزياني ، وابن خلكان ، وأبي راس المعسكري ، كل ذلك نقلا
حرفيا عن دليل الحيران لشيخه محمد ابن يوسف الزياني في ست صفحات كاملة.
ـ المقصد الثاني :
في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر لمن هو منهم شريف ، وقد اعتمد
فيه على دليل الحيران حرفيا ومما قاله بالحرف الواحد : «اعلم أيدني الله وإياك
بأنواره ونفعني وإياك بأسراره أن أولياءها عددهم كثير ، وحصرهم عسير ولكني أذكر
منهم المشاهير كما ذكرهم شيخنا الزياني في الفصل الثالث من دليل الحيران وأنيس
السهران.
وقد استعرض المؤلف
في هذا المقصد سير ومناقب ، وحياة عدد من أولياء وهران عددهم حوالي ٥٣ وليا صالحا
، وتوسع في ترجمة البعض مثل الشيخ محمد بن عمر الهواري ، الذي خصه بثماني صفحات
وتلميذه إبراهيم التازي الذي خصه بأربع صفحات ونصف الصفحة. أما الباقي فقد اختصر
تراجمهم في ما بين نصف الصفحة ، وثلثها وربعها وسطر ، ونصف السطر ، بل أن عددا
كبيرا منهم أوردهم بأسمائهم فقط ، وذلك لقلة المعلومات عنهم لديه على ما يبدو.
ومن ضمن من ترجم
لهم إلى جانب من ذكر : سيدي هيدور ، ودادة أيوب ، ومحمد بن يبقي ، وسيدي غانم ،
وعبد الله بن خطاب ، وأحمد بن أبي جمعة الوهراني ، وبلخير الجماعي ، وسيدي الغريب
، وسيدي البشير بن يحيى ، وبدر الدين ، وسيدي السنوسي ، والخروطي ، ومحمد بن يعزي
، وسيدي قتادة بالمختار ، وعبد الله رحو التيجيني ، وفرقان الفليتي ، وسيدي أحمد
الفيلالي الضرير. كل ذلك في ٢٠ صفحة من المخطوط.
ـ المقصد الثالث :
في ذكر بعض علمائها من حيث بنيت للآن. اعتمد فيه كذلك على دليل الحيران للزياني ،
وقال : «اعلم أيدني الله وإياك بنوره ، ونفعني وإياك بسره ، ووقانا من ضروره أن
علماءها عددهم كثير وحصرهم شديد عسير ، ولكني أذكر منهم إن شاء الله تعالى
المشاهير كما ذكرهم شيخنا الحافظ المحقق سيدي ومولاي ، وسمط محياي العالم الرباني
الشريف الحسن أبو عبد الله محمد ابن يوسف الزياني في الفصل الثالث من كتابه دليل
الحيران».
وقد ترجم لحوالي
٦٣ عالما ، توسع في البعض منهم واختصر في الباقي كما فعل في مقصد الأولياء. وكرر
في هذا المقصد ذكر عدد من أولياء وهران عدهم من العلماء كذلك ، وهم : الشيخ
الهواري ، وإبراهيم التازي وسيدي يحيى البوعناني ، وسيدي محمد بن يبقى ، وسيدي
غانم ، وأحمد بن أبي جمعة المغراوي.
ومن العلماء الذين
ترجم لهم كذلك : أبو إسحاق إبراهيم الوهراني وأبو تميم الواعظ ، وأبو زيد عبد
الرحمن مقلاش ، وأبو عبد الله محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي ، والكاتب
المستغانمي محمد بن حسن ، والسيد أحمد ابن الخوجة ، ومصطفى بن عبد الله الدحاوي ،
والشيخ الطاهر بن الشيخ المشرفي ، ومحمد بن عبد الله سقاط المشرفي ، والحاج عبد
القادر بن مصطفى المشرفي ، والخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الذي كان كاتبا لدى
الباي الباهي حسن آخر بايات وهران. كل ذلك في تسع صفحات.
ـ المقصد الرابع :
وهو أطول مقاصد الكتاب يحتل خمسة أسداس المخطوط تقريبا. ويشغل ٤٨٦ صفحة كاملة. وقد
تحدث فيه المزاري على الدول التي حكمت وهران والمغربين الأوسط والأقصى على سبيل
الترتيب من يوم بنيت إلى زمن المؤلف وعددها تسعة كما في دليل الحيران دائما ، وهي
:
١ ـ دولة الأمويين
بالأندلس القائمين بأمور زناتة وعمالهم مغراوة وأولهم خزر ، وذلك في ٤ صفحات من ٣٨
إلى ٤١
٢ ـ والعبيديون
وهم الشيعة في ١٥ صفحة من ٤١ إلى ٥٦
٣ ـ والمرابطون
وهم الملثمون في ١٢ صفحة من ٥٧ إلى ٦٨
٤ ـ والموحدون في
٢٣ صفحة من ٦٨ إلى ٩١
٥ ـ والزيانيون
وهم بنو عبد الواد في ١٣ صفحة من ٩١ إلى ١٠٤
٦ ـ والمرينيون
بنو أحمامة ثم الزيانيون في ٣٣ صفحة من ١٠٤ إلى ١٣٧
٧ ـ والإسبانيون
في ٣٩ صفحة من ١٣٧ إلى ١٧٦
٨ ـ والأتراك وهم
الترك في ١٤١ صفحة من ١٧٦ إلى ٣١٧
٩ ـ والفرنسيين في
٢٠٨ صفحة من ٣١٧ إلى ٥٢٣.
وقد أكثر المؤلف
في هذا المقصد من الاستطرادات التي أخرجته تماما عن موضوعه الأصلي ، وأغرقت تاريخ
وهران في محيط تاريخ العالم كله تقريبا وخاصة بلدان المغرب ، والأندلس ، وفرنسا ،
والبلاد العثمانية بالمشرق ، وسنحاول أن نقدم فيما يلي موجزات ومختصرات ، لما توسع
فيه من تاريخ هذه الدول أو العهود التسعة ، للتعريف بمحتوياتها ، والتنبيه إلى ما
هو مهم منها :
أولا : الدولة
الأولى بنو أمية وعمالهم مغراوة وأولهم خزر بن حفص الذي اختطها وبناها في القرن
الهجري الثالث ، وكان جده الأعلى وزمار بن صقلاب ابن مغراو ، قد أسلم على أيدي عبد
الله بن سعد بن أبي سرح ، فأرسله ضمن وفد إلى المدينة لمقابلة الخليفة الثالث
لرسول الله ، سيدنا عثمان بن عفان ، فجدد إسلامه على يديه كذلك ، ومن ثم بقيت
مغراوة موالية لبني أمية ، مثلما فعلت صنهاجة عند ما بقيت موالية للعلويين
العبيديين بإفريقيا.
وقد أورد المؤلف
تفاصيل عدة عن أحداث وهران وولاتها المغراويين بعد خزر مثل ابنه محمد ، والخير بن
محمد ، وتحدث عن إحراقها عام ٢٩٧ ه وتجديدها في العام الموالي وعن حروب محمد بن خزر
مع أزديجة وعجيسة ، وصلات ابنه الخير بالمروانيين بالأندلس خاصة عبد الرحمن الناصر
، واتساع ملكه على معظم المغربين الأوسط والأقصى إلى السوس الأدنى ، والصحراء ،
وحروبه مع الشيعة ، وغزوه لبسكرة والزاب والمسيلة وتدويخه للمغرب الأوسط تدويخا
كاملا إلى أن حصل خلاف له مع أبيه ، شديد ، فأرسل الخليفة الناصر من الأندلس قاضي
قرطبة الفقيه منذر بن سعيد الولهاصي البلوطي ليصلح بينهما ، ويبقى الأمر هكذا حتى
سيطر الشيعة العبيديون على وهران. وقد استغرق ذلك أربع صفحات نقلها من دليل
الحيران.
ثانيا : دولة
الشيعة الرافضة ، والعبيديون ، والعلويون ، والفاطميون ، وقد شرح فيها أسباب
تسميتهم بهذه الأسماء والألقاب وسيطرتهم على وهران. وانتقال الحكم فيها إلى بني
يفرن ، وقيام يعلي بن محمد اليفريني ببناء مدينة إيفكان عام ٣٣٨ ه ، في ضواحي بني
راشد بسفح جبل أوسلاس ، ونقله سكان وهران إليها بعد أن خربها ، ونقل مقر حكمه
إليها كذلك ، ثم شرح بعد ذلك
كيف مال محمد بن
الخير بن خزر المغراوي إلى الشيعة ، والتحق بالمعز لدين الله الفاطمي في القيروان
، وعاد مع جيش جوهر الصقلي إلى تيهرت وتم قتل اليفريني غدرا ، وخرب جوهر مدينة
إيفكان وعاد محمد بن الخير إلى حكم وهران ، فبث فيها وفي غيرها الدعوة الشيعية
الفاطمية العبيدية ، وقد استعرض أحداث الخزريين في هذا العهد الثاني وأشار إلى
بناء مدينة وجدة عام ٣٨٤ ه من طرف زيري بن عطية ، وإلى فساد العلاقة بين زيري بن
عطية ، والمنصور بن أبي عامر بالأندلس ، وختم هذا العهد وهذه الدولة بذكر أسماء
حكام وهران خلال العهدين : المغراوي الخزري ، والشيعي الفاطمي ، وذكر أنهم ستة عشر
حاكما ، عشرة مغراويون ، واثنان من أزديجة وعجيسة ، وواحد شيعي ، وواحد يفريني ،
واثنان صنهاجيان. وأورد كذلك أسماء ملوك الأمويين المروانيين بالأندلس ، وعددهم
ستة عشر ملكا وأسماء ملوك وخلفاء بني أمية بالمشرق وعددهم أربعة عشر ، وأسماء ملوك
الشيعة العبيديين ، وعددهم أربعة عشر ملكا ، وملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى وعددهم
ثلاثة عشر. وملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط وعددهم واحد وعشرون : أربعة بتلمسان
، وأربعة برشقون وثلاثة بجراوة ، وثلاثة بتاهرت ، وسبعة بتنس. وقد استغرق الحديث
عن هذه الدولة ١٥ صفحة من المخطوط.
ثالثا : دولة
المرابطين الملثمين ، ابتداء من يوسف بن تاشفين مؤسس مدينة مراكش ، وقد استعرض
فيها أحداث هذه الدولة في المغربين الأقصى ، والأوسط ، والفتوحات والتوسعات التي
قامت بها ، وبناء مدينة مراكش ، وأحداث وهران ومشاكلها خلال ذلك ، وذكر أن ملوك
صنهاجة الملثمين ، الذين يبلغ عددهم اثنين وأربعين أميرا ينتمون إلى ثلاثة فرق هي
:
١ ـ البولكانية :
نسبة إلى بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي ، وعددهم خمسة وعشرون ملكا : عشرة
بإفريقيا (تونس) ، وعشرة ببجاية وواحد بالمغرب الأوسط ، وأربعة بالأندلس.
٢ ـ المرابطون
الملثمون اللمتونيون : وعددهم اثنا عشر.
٣ ـ الغانية : أو
بنو غانية أولاد المرأة التي يقال لها غانية وهي بنت عم يوسف ابن تاشفين. وعدد
ملوكهم خمسة ما بين بجاية وتونس.
وقد استغرق الحديث
على هذا العهد ١٢ صفحة من المخطوط.
رابعا : دولة
الموحدين ، وقد تحدث فيها عن سبب تسميتهم بالموحدين وعن المهدي بن تومرت داعية هذه
الدولة ، ونسبه ، ودعوته ، وعن عبد المؤمن ونسبه ، وأصله ، وسيرته ، وأوليات حياته
، وبداية حكمه ، وفتوحاته ، وقيامه بمسح جغرافي لبلدان المغرب من برقة إلى واد نون
بالسوس الأقصى ، بالفراسخ ، والأميال ، طولا وعرضا ، مع إسقاط الثلث بعد ذلك الذي
يشغل الأودية ، والجبال ، والغابات ، والشعاب ، والسباخ ، والطرقات ، والخرابات ،
وذلك من أجل تحديد الخراج بها. وتحدث عن قيام عبد المؤمن ببناء مدينة البطحاء بأرض
هوارة ، ومدينة الفتح بجبل الفتح في الأندلس التي نقل إليها عددا من سكان الحشم
بإفريقيا للاستقرار بها.
وبعد ذلك استعرض
تاريخ خلفائه من بعده ، وأحداثهم وحروبهم أحيانا بإيجاز وأحيانا بالتفصيل ، وختم
ذلك بإيراد إحصاء لعدد ملوك وأمراء هذه الدولة الموحدية وعددهم ٤٧ ملكا : منهم ١٤
بالمغرب الأقصى ، و ٢٩ بإفريقيا (تونس) ، و ٣ ببجاية ، وواحدة بالمهدية وطرابلس ،
وحدد الأقاليم والأوطان التي وصل إليها حكمهم ، وخضعت لهم واستغرق ذلك ٢٣ صفحة من
المخطوط.
خامسا : الدولة
الخامسة وهم الزيانيون وبنو زيان ، والعبد لواديون ، وبنو عبد الواد ، وقد تحدث
فيها عن سبب تسميتهم بذلك ، وأصلهم ونسبهم ، وكيفية وصولهم إلى الحكم ابتداء من
جابر بن يوسف بن ياغمراسن واستقلالهم بتلمسان والمغرب الأوسط ، واستعرض أحداث
أمراء هذه الدولة وتاريخ وهران وأحداثها خلالها ، وأورد بعض الصراعات والحروب التي
كانت تحصل بين بني زيان وبني مرين حول السلطة والنفوذ على كل أقاليم المغرب العربي
، وتدخل بني حفص في الصراع كذلك ، وما انجز عن ذلك من التقلبات السياسية والتمردات
، والانقلابات. وقد استغرق ذلك ١٣ صفحة من المخطوط.
سادسا : دولة
المرينيين ويقال لهم بنو أحمامة ، وقد تحدث عن تسميتهم ، ونسبهم ، ومواطنهم بالزاب
، وفيقيق ، وتافيلالت وملوية ، وعن كيفية وصولهم إلى الحكم ، وأول ملكهم بالمغرب
الأقصى عبد الحق ، ومن جاء بعده من الأمراء
والملوك ، هذا
وراء الآخر ، مع اختصار أحداثهم إلى عهد أبي الحسن المريني ، وابنه أبي عنان ، وما
حصل بينهما من الأحداث والمشاكل.
وخلال هذا شرح
أحداث وهران وتعاقب الحكم فيها بين بني زيان وبني مرين حوالي خمس مرات مثلما حصل
لتلمسان وباقي المغرب الأوسط ، نظرا لحدة الخلافات والصراعات بين الفريقين ، وقد
استغرق ذلك ٣٣ صفحة من المخطوط.
سابعا : «الدولة
السابعة وهم الإسبانيون ، ويقال لهم السبنيول سموا بذلك نسبة لمدينة إسبانيا بقطع
الهمزة المكسورة وسكون السين المهملة ، وفتح الباء الموحدة من أسفل بعدها ألف ساكن
، ثم نون موحدة من أعلى مكسورة ثم ياء مثناة من تحت بعدها ألف مقصورة». وقد تحدث
فيها عن عاصمة إسبانيا ماتريج (مجريط) ، وموقعها ، وموقع إسبانيا ومساحتها ،
والدول والملوك الذين تعاقبوا عليها ، وسكانها ، وعددهم وأصولهم ، وأقسام إسبانيا
السياسية الثلاثة عشرة ، الثمانية الساحلية والخمسة الداخلية ، وأشهر مدنها ،
وجبالها ، وأنهارها ، وأنهار العالم كلها ، وجباله ، وموقع إسبانيا في أوربا ،
وباقي القارات الخمس ، وسكانها ودول العالم جميعها ، في القارات الخمس. وقد توسع
في الحديث عن أصل السكان الإسبان إلى أن وصل إلى عهد فيردينند ، وإزابلا ،
الكاثولكيين في القرن ١٥ م. واستعرض بعد ذلك أحداث الغزو الإسباني لوهران والمرسى
الكبير ، وضواحيهما وأحوازهما بكثير من التفصيل وشرح سعي الإسبان لتركيز وجودهم
بهما ، وفرض سيطرتهم على المناطق المجاورة ومقاومة السكان لهم ، وتحدث عن سكان
هبرة ، وأصلهم وفروعهم ، واستعرض الغزوات الإسبانية ، وتوسعاتهم خارج وهران على طول
سواحل الجزائر ، وتونس ، وطرابلس ، وتتبع تاريخ ملوك الإسبان أمثال فردينند الأول
، وفيليب الأول والثاني ، والثالث ، وكارلوس الأول ، والثاني ، والثالث ، والرابع
، واستطرد للحديث عن قدوم الأتراك إلى مدينة الجزائر ابتداء من خير الدين وعروج
وسعيهم لتحرير وهران ابتداء من حسن بن خير الدين إلى الباي شعبان الزناقي ، واغتنم
فرصة حديثه عن محاولة السلطان العلوي إسماعيل تحرير وهران ، فأورد أسماء ملوك بني
وطاس بفاس ،
وملوك العلويين ،
وأشار إلى التحصينات الإسبانية بوهران ، واستغرق ذلك ٣٩ صفحة من المخطوط.
ثامنا : «دولة الأتراك
وهي الدولة الثامنة التي حكمت وهران وقد تحدث عن أصل الأتراك ، ومنبتهم ، وبلادهم
في أقصى المعمورة وما وراء النهر إلى الصين ، والسد الذي بناه ذو القرنين ، وعن
انتشارهم في الأرض ، وإسلامهم ، وجدهم الأول عثمان ، ونسبه ، إلى آدم عليهالسلام ، وأخذ بعد ذلك يستعرض تاريخ ملوك وسلاطين العثمانيين إلى
عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يحكم في عهده أواخر القرن ١٩ م تم تطرق
للحديث عن وصول الأتراك إلى الجزائر ، وأسباب ذلك وتاريخه ، واستعرض حكامهم
وأمراءهم بها ، مع أحدائهم ابتداء من عروج وخير الدين إلى الداي حسين باشا آخرهم
بالجزائر.
وتوقف عند أحداث
استعادة الإسبان لوهران عام ١٧٣٢ بعد أن حررها بوشلاغم قبل ذلك عام ١٧٠٨ لمدة ربع
قرن ، وأرخ للأحداث التي تلت ذلك ، والغزوات الإسبانية المتكررة على الجزائر خلال
عهد الداي محمد عثمان باشا في أعوام ١٧٧٥ و ١٧٨٣ ، و ١٧٨٤ م. أثناء حكم الملك
الإسباني كارلوس الثالث ، وعاد بعد ذلك للحديث عن فتح وهران ، وتحريرها التحرير
الثاني والنهائي على أيدي البطل الشجاع الباي محمد بن عثمان الكبير ، وحشد من طلبة
العلم ، والفقهاء والعلماء ، وحفاظ القرآن الكريم ، وأورد حكايات وتفاصيل كثيرة
حول الموضوع. ثم استطرد للحديث والتاريخ عن باقي ملوك إسبانيا قبل أن يعود للتأريخ
عن نظام الحكم التركي بالجزائر الإداري والعسكري وأجهزة الحكم ، وأقسام البايليكات
، وأجهزة الحكم ، والألقاب ، والرتب ، والتخصصات ، وتحدث عن عواصم بايليك الغرب :
مازونة مع باياتها ، وتلمسان مع باياتها ، ثم قلعة بني راشد ، ومعسكر ، ووهران
ومستغانم أخيرا ، وشرح أجهزة حكم البايات ، وتنظيماتهم الإدارية والسياسية
والعسكرية ، والاقتصادية ، واختصاصات الموظفين ، ورتبهم ، ونظام الدنوش.
وبعد كل هذا شرع
في الحديث والتأريخ بالتفصيل ، لبايات بايليك الغرب ابتداء من حسن بن خير الدين
إلى مصطفى بوشلاغم المسراتي وأبنائه ، والباي
محمد بن عثمان
الكبير وابنه عثمان إلى أن وصل إلى الباهي حسن آخر بايات وهران وبايليك الغرب وقد
خصص حيزا كبيرا للحديث عن البايات المسراتية ، وأعمالهم ومنشآتهم العمرانية في
معسكر ، ومستغانم ، ووهران ، وقلعة سيدي راشد ، كما خصص حيزا كيرا للحديث عن ثورة
درقاوة ، والتيجاني ضد بايات بايليك الغرب ، وما حصل خلالهما من الأحداث والتطورات
، والحروب ، والقلاقل والاضطرابات وتحدث عن قبائل المخزن الخمسة ببايليك الغرب وهي
: الدوائر ، والزمالة ، والغرابة ، والبرجية ، والمكاحلية ، ولم ينس أن يتحدث عن
مقتل الرئيس حميد وخلال مواجهته للمراكب الأمريكية في البحر ، وعن الصلح الذي تم
على أثر ذلك بين الجزائر ، وأمريكا ، وغارات الإنكليز على الجزائر ، إلى أن وصل
إلى حملة الاحتلال الفرنسي على الجزائر عام ١٨٣٠ م ، وقد استغرق ذلك ١٤١ صفحة من
المخطوط. وقد استقى كل معلوماته ونقلها عن دليل الحيران.
تاسعا : «ثم ملك
وهران الدولة التاسعة وهي الفرنسيس ويقال لهم أيضا الفرنج ، فتسميتهم بالفرنج
قديمة التأسيس ثم سمتهم العامة بعدها بالفرنسيس نسبة إلى بلدة افرانسا بقطع الهمزة
، وهي قاعدتهم القديمة ، وملك دارهم القويمة ، وتقرأ بالجيم بدل السين أيضا لا
حرجا كما قال ابن خلدون».
وقد تحدث عن نسب
الفرنسيين ، ومملكتهم ، وموقعها ، وحدودها وعاصمتهم ، وموقع فرنسا من أوربا ،
وسكانها ، ونسلهم ، وديانتهم ، وعددهم ومساحة فرنسا ، وأشهر مدنها ، وموانيها ،
وخلجانها ، وجبالها ، وأوديتها وجزرها ، وبواغيزها ، والشعوب ، والدول ، التي
توالت عليها من الإغريق إلى اللاتين ، والفرنجة ، والغاليين ، وشرع بعد ذلك في
الحديث والتأريخ لملوك فرنسا ابتداء من فرامون الذي تولى سنة عشرين من القرن
الخامس الميلادي إلى نابليون الثالث ، وعددهم ثلاثة وسبعون ملكا فاستعرض أحداثهم
أحيانا باختصار ، وأحيانا بتوسع ، سواء في فرنسا أو خارجها ، وذلك زيادة على رؤساء
الجمهوريات الذين جاؤوا بعدهم وقد قسمهم إلى أربع طبقات :
١ ـ الميروفينجيون
، وعدد ملوكهم ٢٢.
٢ ـ الكارلوفينجيون
وعدد ملوكهم ١٣.
٣ ـ الكبيسيان
وينقسمون إلى ستة فروع :
أ ـ الكابي وعددهم
١٤.
ب ـ روميارد
وفالوا وعددهم ٧.
ج ـ دورليان
وعددهم واحد.
د ـ سيفوائد
ديفيلوا وعددهم ٥.
ه ـ بوربون ،
وعددهم ٥.
و ـ أورليان
وعددهم ٢.
٤ ـ النابوليونيون
وعددهم ٣.
وقد عدد المؤلف
سلاطين فرنسا كما قلت واحدا وراء الآخر من فرامون أوائل القرن الخامس الميلادي إلى
شارل العاشر الذي تم في عهده احتلال الجزائر ، ولويس فيليب بعده الذي تمت في عهده
مقاومة الأمير عبد القادر التي دامت سبعة عشر عاما كاملة ، ومن الأحداث التي
تناولتها : الحروب الصليبية ، ودور الأمراء الفرنسيين فيها ، وغزو لويس التاسع
لمصر ، وقصة أسره في المنصورة ، وغزوة لتونس ، وموته بها ، وقد استغرق ذلك ١٢٤
صفحة من المخطوط.
ثم تفرغ للحديث
بالتفصيل كشاهد عيان ، عن أحداث مقاومة الأمير عبد القادر ، وجهاده وأحداثه وحروبه
الواسعة ، والمكثفة ، واستطرد للحديث عن أعمال أبيه الحاج محمد المزري ودوره مع
الأمير عبد القادر أولا ثم مع الفرنسيين ثانيا ، وعن دور عم أبيه مصطفى بن إسماعيل
كذلك مع الأمير أولا ثم الفرنسيين ثانيا مثل أبيه ، واستعرض قصة تخليهما عن الأمير
والتحاقهما بالجيش الفرنسي ، وتعرض للحديث بالتفصيل كذلك عن كيفية احتلال فرنسا
لوهران ، والتفاف زعماء المخزن حول الشيخ محي الدين الغريسي الراشدي ، واتصالهم
بسلطان المغرب عبد الرحمن بن هشام ، وعرضهم عليه أن يبايعوه سلطانا على المغرب
الأوسط كذلك مقابل إمداده لهم بالدعم المادي للمقاومة ، وقبوله لذلك وإرساله ابن
أخيه علي إلى تلمسان ، ثم تراجعه ، وقيامهم بالإلحاح على محي الدين لمبايعة ابنه
عبد القادر أميرا للجهاد والمقاومة ، ومما قاله عن هذه المبايعة بالغمز واللمز : «وكان
أول من مد يده فبايعه من هؤلاء
السادة السيد
الأعرج بن محمد بن فريحة من أولاد سيدي محمد بن يحيى ... ولما عقدوا له البيعة ...
قال بعض علماء وأولياء الله بغريس سبحان الله هذه البيعة لا يستقيم لصاحبها حال ،
ولا يهنأ له قرار ومنال ، ولا شفقة له ورحمة في الأعيان وغيرم من النساء والرجال
وإنما هو سفاك للدماء ، وليس من السادات الرحماء لكون أول من بايعه اسمه الأعرج ،
والمحل المبايع فيه اسمه الدردارة ، فلا ريب أن أيامه وأحكامه وأحواله عرجاء ولا
تستقيم وإنما تبقى مدردارة ، وهلا كان اسم ومحل غير هذين من الأسماء التي يكون بها
التعاون ولا تدل على الريب والبين ، قلت وكأنه أخذ في فراسته من قضية المبايعة
للإمام سيدنا علي ابن أبي طالب ... لأن أول من بايعه سيدنا طلحة بن عبد الله أحد
العشرة ... وكانت يده قد شلت في قضية أحد فيما اشتهر فقال حبيب بن ذؤيب ... إنا
لله وإنا إليه راجعون ، وأول من بدأ بالمبايعة يد شلاء لا يتم هذا الأمر. ولما سمع
الأمير الراشدي المقاتلة (كذا) أسرها في نفسه وأضمر الفتك بمن سيظفر به من علماء
وأولياء غريس ، فكان بعد ذلك بينه وبينهم من العداوة الواضحة التغريس» (ص ٤٠٢).
وبعد هذا استطرد
المؤلف للحديث عن المخزن ، وإحداث الدواير والزمالة واستسلامهم للفرنسيين وإمضائهم
معهم معاهدة من ١٢ بندا لتنظيم العلاقة بينهم. وقد تحدث بتوسع عن مقاومة الأمير
عبد القادر ومعاركه كما قلنا ، وذكر أحداث أسرى سيدي إبراهيم ، وعين تيموشنت
وبلعباس وتلمسان ، ومعارك المقطع والهبرة ، وآرزيو ، ومستغانم ووهران ، ومسرقين ،
وموقف سلطان المغرب الأقصى عبد الرحمن بن هشام منه ، ومحاربته له ، ومقتل بلأحمر ،
وبعثة البوحميدي إلى فاس ، وأسره وقتله بالسم ، وشرح بالتفصيل كذلك بعض خلفيات
استسلام الأمير عبد القادر ومما قاله في هذا الصدد : «ولما رأى الأمير قلة جيشه
صعد ليلا لبني يزناسن ، ومن الغد أخذ عياله وصار بمن معه في التردد هل يرجعون
لناحية الدولة أو يذهبون على وجدة لناحية توات. وقد سدت عليه الدولة طرق المجاز
وهو لا علم له بذلك ، ثم أسرع السير بقصد أن يأخذ أسفل الجبل ويصعد على وجدة ويذهب
لصحراء المغرب إلى أن يصل إلى توات ، ويستريح من جميع المهالك ، فبينما هو سائر
إذا به وجد نفسه قد دخل بعسة الدولة وكان
في تلك العسة
رجلان أحدهما يقال له محمد بن خوجة الزمالي والآخر يقال له أحمد بن حطاب الدايري ،
وهما من أهل السياسة في الفعلة والقولة ، فاجتمعا به وعرفاه بأنفسهما وقالا له
أيها الأمير أين تريد الذهاب ، فأخبرهما بالواقع ، فقالا له نحن لا طاقة لنا على
إهلاكك ولا تسريحك للجواز بغير ارتياب ، ولكن الرأي عندنا الذي ندلك عليه هو أن
تسلم نفسك للدولة وتكتب لهم بأنك رجعت لهم برضاك ونحن نضمن لك إن شاء الله تعالى
أن لا يقع لك شيء وتريح نفسك من هذا التعب ونحن من تلامذتك فقد رأينا لأن لك مصلحة
وتصير من أهل الراحة لا من أهل الوصب. فقال ، فوافقهما على ذلك وكتب لهما كتابا
للجنرال لمنسيير (لامورسيير) يطلب فيه من الدولة الأمن والأمان ، فأخذ محمد بن
خوجة الزمالي تلك الرسالة وذهب مسرعا لولد الرأي ، وأبي هراوة (لامورسيير) «ص ٥٠٨».
وقد ترجم المؤلف
للأمير بعد استسلامه وتتبع مراحل حياته باختصار في فرنسا ، ودمشق الشام إلى أن
توفي عام ١٨٨٣ م ، وأشاد به وبخصاله ، وأعماله ، وبعد ذلك ترجم لحياة نابوليون
الثالث ، الحاكم الثالث والسبعون. من ملوك فرنسا ، وأشار إلى أحداث ثورة أولاد
سيدي الشيخ باختصار ، وإلى زيارة نابوليون الثالث للجزائر عام ١٨٦٠ وعام ١٨٦٥ ،
وأورد خطابه الذي ألقاه على السكان الجزائريين.
وختم هذا المقصد
الرابع ، وهذه الدولة التاسعة ، باستعراض أسماء الحكام الفرنسيين الذين حكموا
الجزائر إلى عهده وعددهم ٢٧ حاكما ، آخرهم ترمان الذي كان ما يزال يحكم تلك السنة
عام ١٨٩٠ وأسماء الضباط الذين حكموا وهران وعمالتها وعددهم ١٤ حاكما لغاية عام
١٨٩٠ كذلك.
وذكر أن مساحة
عمالة وهران ٩٧٢ ، ٥٧٢ ، ١١ هكتارا ، منها :
ـ ٩٧٢ ، ٩٧٩ ، ٢ ه
تخضع للحكم المدني.
ـ ٨٠٠ ، ٥٧٢ ، ٨ ه
تخضع للحكم العسكري.
وأن فرنسيي
الجزائر ينقسمون إلى ثلاثة طوائف :
١ ـ الخاصة : وهم
العسكريون ويتوزعون على سبعة أصناف أو طبقات :
الكبلار :
والمرسلوجي : والفسيان :(L'officier).
والقبطان :(Le capitaine) والكماندات :(Le
commandant) والكولونيل : (Le colonel)
. والجنرال (Le General) .
٢ ـ العامة : وهم
المدنيون ، وعبر عنهم بطبقة العمومي ، ويتوزعون إلى أربع طبقات:
المير :(Le Maire) والأدمنيستراتور :(L'administrateur).
والسوبريفي :(Le sous ـ Prefet) والبريفي :(Le
Prefet).
٣ ـ الشرعي :
وعددهم أربعة :
الجوج :(Le Juge) ووكيل الدولة :(Procureur D'etat).
والبريزيدان :(Le President) والبّروكيرو جينيرال :(Procureur General)) .
وقد استغرق هذا
العهد التاسع أو هذه الدولة التاسعة ٢٠٨ صفحة من المخطوط ، وهو ما يمثل ثلثي
المخطوط كله : ويبدو أنه أراد أن يتقرب من السلطات الفرنسية بتوسعه في عهدهم
وفترتهم ، وتاريخ بلادهم فرنسا ، فأقحم نفسه في موضوع ليس من تخصصه ، ولا شك أن
أحدا من المتخصصين هو الذي زوده بالمعلومات التي صاغها في مخطوطه بأسلوبه هو ، أو
أسلوب من كتب المخطوط كله.
ـ المقصد الخامس :
في ذكر مخزنها وهو عين المراد ، واستغرق ٦٠ صفحة من المخطوط رغم أنه عين المراد
كما ذكر المؤلف نفسه. وقد استعرض فيه المؤلف فرق المخزن والعائلات المخزنية بكثير
من التفصيل وأورد شجرات
__________________
النسب لها
ولفروعها ، وفرقها في الغرب الوهراني ، وذلك منذ عهد الأتراك حتى عهده هو أواخر
القرن ١٩. وقد تتبع أصول هذه العائلات منذ القدم بالجزيرة العربية ، وخلال هجرة
عرب بني هلال إلى هذه البلاد المغربية ، ووضح ذات الأصل العربي من غيره ، وتتبع
تاريخ زعمائها من العهد التركي إلى عهده هو. وتأثر بابن خلدون في وضع شجرات نسب
فرق وقبائل المخزن.
وقد عرف المزري
المخزن بقوله : «إن المخزن هو الناصر للدولة كيفما كانت ، وحيثما وجدت وتملكت
وباتت ، والنسبة إليه مخزني ، ومخازني ، مفرد المخازنية في تحقيق المباني وسمي
بذلك لأنه يخزن بصدره ما يولمه إلى وقت الظفر وحصول الانتقام فيفعله بصاحبه وبه
يلزمه ، وقد يطلق المخزن مجازا على دار الحاكم نفسها في المستبن ومنه قولهم إني
ذاهب إلى دار المخزن».
ثم ذكر أن مخزن
وهران على قسمين وهما : المخزن الشرقي والمخزن الغربي ، فالشرقي هو نجع المكاحلية
، وأولاد سيدي عربي ، وصبيح ، وأولاد العباس ، وغيرهم من أهل النواحي الشرقية من
واد مينا إلى واد الشلف.
والغربي هو نجع
الدواير ، والزمالة ، والغرابة ، والبرجية ، لا غير. فالدواير والبرجية إخوة
يتناوبون الخدمة بينهما ويتداولونها وأصل الرياسة في الدواير للبحايثية ، وخلال
عهد الأتراك صارت تدور بين ثلاثة فرق ومجموعات هي : البحايثية ، والكراطة ،
والبناعدية. وصارت في عهد إيالة الدولة (الفرنسيس) للدوايرية ذات المحايثية. وهي
نوبة بين هذه الفرق الأربعة بالترتيب ، ولو أن البحايثية هي أكثر الفرق التي تتولى
رياسة المخزن.
وأصل الرياسة في
البرجية نوبة بين فريقين في إيالة الترك وهما : النقايبية والبلاغة والزيانيون ،
وفي عهد الأمير (عبد القادر) انتقلت لغيرهما ، ثم عادت لهما في عهد الفرنسيس مدة
قبل أن تتمخض للنقايبية.
وينتمي البحايثية
إلى أولاد المسعود من سويد ، وينحدرون من عرب بني هلال : المحال ، أو المطارف ،
على خلاف في ذلك بين المؤرخين. وكان جدهم المسعود صاحب الرياسة على سويد خلال عهد
بني مرين وبني زيان ، وتوارث أبناؤه الرياسة أبا عن جد خاصة في عهد الأتراك
العثمانيين.
وينقسم البحثاويون
أولاد البشير البحثاوي إلى أربع طبقات :
الطبقة الأولى :
أولاد إسماعيل البحثاوي ، وعددهم سبعة أخوة هم : قدور الكبير ، وعثمان ، وقدور
الصغير ، ومصطفى ، وعدة ، ومحمد ، والحاج بلحضري. وقدور الكبير هو والد الحاج محمد
المزري والد المؤلف بن عودة المزري.
الطبقة الثانية :
أولا عدة بلبشير ، وعددهم ستة أخوة ذكورهم : علي ومنصور ، وقدور ، وأعمر ، والحاج
محمد ، والبرادعي الكبير.
الطبقة الثالثة :
أولاد يوسف بلبشير ، الذي تولى قيادة الدواير على عهد الأتراك ، وخلف ولدين هما :
عدة ، وعلي.
الطبقة الرابعة :
أولاد الموفق بلبشير البحثاوي.
أما الكراطة : فهم
أولاد الشريف الكرطي ، واسمه عبد الله بن عبد الرزاق التلاوي القرطي من شرفاء
الراشدية بمدينة الكرط إحدى مدن غريس الغربي.
أما البناعدية :
فنسبة إلى جدهم بن عدة بن خدة المنحدر من ذرية الشيخ السنوسي ، وأصلهم من أجواد
واد الحمام ، من أجواد الحشم.
وأما الدوايدية :
فأصلهم من هبرة ، وكان أبوهم داوود وكيلا على آغا عثمان بن إسماعيل البحثاوي بهبرة
، ومنهم الكولونيل بن داود.
وأما البرجية :
فإن الرياسة فيهم انحصرت في النقايبية ، والبلاغة.
فالنقايبية :
ينحدر جدهم من قبيلة خلافة ، وهم أبناء عم الأمير عبد القادر يجتمعون معه في الجد
أحمد بن عبد القادر الشهير بابن خدة ، وسموا بالنقايبية نسبة إلى محمد أبي نقاب.
والبلاغة : نسبة
إلى جدهم أعمر البلغي الزياني.
وفيما يخص الزمالة
والغرابة : فهم فريق صغير ، وأخوة متناصرون. وقد اختصت الزمالة بتولية مناصب :
الآغا ، والقايد ، على القسمة ، والعرش ، وانحصرت الرياسة في ثمانية أعراش منها
وهي :
١ ـ المخاليف :
نسبة إلى جدهم مخلوف ، وأصلهم من بني زروال.
٢ ـ القدادرة :
نسبة إلى جدهم قدور بن علي بن الحبوشي ، وهم أخوة للعلايمية.
٣ ـ القرايدية :
ويقال لهم المعايزية ، نسبة إلى جدهم قرادة أو إلى أحمد أبي معزة بن الحبوشي والد
قرادة ، وهم أخوة للقدادرة والعلايمية.
٤ ـ الوراردية :
نسبة إلى جدهم وارد الذي ينحدرون منه.
٥ ـ المخاترة :
ويقال لهم الزوابيرية ، نسبة لجدهم القريب المختار ، ولجدهم البعيد الزبير ، ويقال
لهم أيضا أولاد يحيى بالزبير.
٦ ـ الونازرة :
نسبة إلى جدهم ونزار الذي جاء على ما قيل من الساقية الحمراء.
٧ ـ اليساسفة :
نسبة إلى جدهم يوسف.
٨ ـ الشوايلية :
نسبة إلى جدهم أو جدتهم شايلة ، وهم من الحشم بغريس.
وأما الغرابة :
فإنهم عرش ملتقط كالزمالة والدواير. ويطلق لفظ العبيد على الدوار ، وقد انقسم عرش
الغرابة إلى عرشين : غربي ، وشرقي ، وانحصرت الرياسة في عرش الغرابة في ثمانية
فروع هي :
١ ـ الوراردة :
نسبة لجدهم موسى بن وارد.
٢ ـ العلايمية :
نسبة لجدهم أبي علام بلحبوش ، من منطقة تافيلالت.
٣ ـ الخدايمية :
نسبة إلى جدهم أبي خادم.
٤ ـ الوناونية :
نسبة لجدهم ونان ابن العبد من أهل غريس.
٥ ـ السهايلية :
نسبة لجدهم سهلية (أو محمد بن شاعة).
٦ ـ المحاميد :
نسبة لجدهم محمود بالحشم الشراقة ، وأصلهم من حميان.
٧ ـ الرفافسة :
نسبة لجدهم الرفاس من أولاد عوف.
٨ ـ العوايلية :
ويقال لهم أولاد بن عوالي نسبة لجدهم بن عوالي ، أو جدتهم عوالي ، وهم من جبال
عمور بشمال الصحراء.
بعض الملاحظات حول محتوى المخطوط
ذلك هو ملخص شكل
ومحتوى مخطوط : طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود ، لمؤلفه الآغا بن
عودة المزاري ، ومن خلاله نخرج بالملاحظات والنتائج التالية :
أولا : ليس هناك
توازن بين مقاصده الخمسة التي هي أقسام له. فالأربعة مقاصد من ضمن الخمسة لا تحتل
سوى سدس المخطوط ، وبالضبط سبعة وتسعون صفحة ، بينما المقصد الباقي يحتل خمسة
أسداسه ، وبالتفصيل : المقصد الأول يحتل ثماني صفحات ، والثاني عشرين ، والثالث
تسعا ، والرابع أربعمائة وستة وثمانين صفحة (٤٨٦) والخامس تسعة وخمسين.
ومرد ذلك يعود إلى
أن المؤلف اتبع وسلك أسلوب وطريقة الأقدمين في التأليف ، فحاول أن يتحدث عن كل شيء
، وأكثر من الحشو والاستطرادات ، بشكل كبير وواسع ، وأخرجه عن الموضوع الذي حدده
لنفسه ، وجعله يتيه في موضوعات بعيدة عن موضوعه ، خاصة في المقصد الرابع الذي يمتد
عبر فترة زمنية طويلة على مدى ثلاثة عشر قرنا والذي جعله يترك تاريخ وهران جانبا ،
ويؤرخ لمعظم الدول الإسلامية بالمغرب والأندلس والبلاد العثمانية بالمشرق ،
ولبلادي فرنسا واسبانيا.
ثانيا : ليست كل
المعلومات التي جاء بها المؤلف في المخطوط صحيحه ، خاصة عندما يؤرخ لبلدان أوربية
كفرنسا ، واسبانيا ، وبلدان شرقية كالدولة العثمانية ، أو عندما يتحدث عن
المعلومات الجغرافية ، للقارات وبعض البلدان الأوربية ، فرغم سعة المعلومات التي
سردها في مخطوطه الضخم الذي يقع في ٥٨٢ صفحة ، إلا أنه اعتمد على السرد ، والنقول
الكثيرة من مصادر متعددة ومتنوعة نثرية ، وشعرية ، لكل ما هب ودب ، ونادرا ما يدلي
برأيه أو يعارض رأي غيره.
ثالثا : لغة
المخطوط سهلة ، وبسيطة ، ولكنها كثيرة الأخطاء والأغلاط اللغوية ، وفي قواعد النحو
، والصرف ، والرسم ، والبلاغة ، ويطغى عليها السجع الممل غير البلاغي ، وغير
السليم من الأخطاء في اللغة والقواعد ، والذي لا
يهدف إلا إلى الملائمة
فقط بين خواتم الجمل والفقرات ، والكلمات ، ولو على حساب قواعد اللغة ، والرسم
والبلاغة. وقد استعمل هذا السجع حتى في اسمه في صدر الصفحة الأولى من المخطوط حيث
قال : «يقول العبد الضعيف الراجي عفو ربه وغفران سائر المساوي ، أبو إسماعيل ابن
عودة الساري بن الحاج محمد المزري البحثاوي ، آمنه الله بمنه وكرمه ، ولطفه ، آمين
، آمين ، آمين ، آمين».
وأشرنا إلى بعضها
فقط بكلمة : كذا بين قوسين. وأهملنا الباقي لكثرته.
رابعا : اعتمد
المؤلف على مصادر عديدة تفوق الخمسين ، نثرية تاريخية ، وشعرية أدبية ، بعضها عامة
، وأغلبها متخصصة ، ولكنه لا يشير إلى الصفحات ، أو الفصول ، أو الأبواب ، ما عدا
في كتاب دليل الحيران. وأكثر نقوله من كتب أبي رأس المعسكري ، ومن كتاب دليل
الحيران لشيخه محمد بن يوسف الزياني ، واعتماده على هذه المصادر تم على ستة أشكال
وطرق.
ـ الطريقة الأولى
: يذكر فيها اسم المؤلف واسم كتابه بالكامل مثل :
عبد الرحمن بن
خلدون في كتاب العبر.
يحيى بن خلدون في
بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد.
ابن رشيق في ميزان
العقل.
البكري في المغرب
في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب.
ابن أبي زرع في
روض القرطاس.
لسان الدين بن
الخطيب في رقم الحلل.
ابن رشيق في ميزان
العقل.
ابن أبي دينار في
المؤنس في أخبار إفريقيا وتونس.
التنسي في نظم
الدر العقيان في شرف بني زيان.
أبو الفوز السويدي
في سبائك الذهب.
أبو محمد صالح في
الأنيس المطرب بروض القرطاس.
ابن هشام في
التيجان.
اليفريني في نزهة
الحادي.
ابن خلكان في
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان.
محمد بن يوسف
الزياني في دليل الحيران وأنس السهران وفي أخبار مدينة وهران.
أبو إسحاق الشاطبي
في الجمان.
القسطلاني على شرح
البخاري.
ابن بطوطة في تحفة
النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
أحمد بن عبد
الرحمن البوشيخي الشقراني في القول الأوسط في بعض من حل بالمغرب الأوسط.
أبو راس المعسكري
:
أ ـ عجائب
الأسفار.
ب ـ عجائب
الأخبار.
ج ـ الخبر المعرب.
د ـ الشماريخ.
ه ـ الحلل
السندسية أو نفيسة الجمان.
و ـ روضة السلوان.
ـ الطريقة الثانية
: يذكر فيها اسم الكتاب فقط دون الإشارة إلى مؤلفه مثل : صحيح الحكاية المؤذنة
للنصارى بالنكاية.
در الأعيان في
أخبار مدينة وهران.
بهجة الناظرين
وآية المستدلين.
أنيس الغريب
والمسافر.
المجسيطي.
ـ الطريق الثالثة
: يذكر فيها اسم المؤلف مضاف إلى تاريخه هكذا :
الغازي بن قيس في
تاريخه.
اليافعي في تاريخه.
أبو فارس في
أرجوزته.
عبد الرزاق بن
أحمادوش الجزائري في تاريخه.
ابن سعيد المغربي
في تاريخه.
أبو الفداء الحموي
في مختصره.
عبد الرحمن
الجامعي في رجز الحلفاوي.
ـ الطريقة الرابعة
: يذكر فيها اسم الكتاب مسبوقا بكلمة صاحب هكذا :
صاحب أثمد
الأبصار.
صاحب القرطاس.
صاحب الجغرافية.
صاحب الخميس.
صاحب الخريدة.
ـ الطريقة الخامسة
: يذكر فيها اسم المؤلف فقط مثل :
الرشاطي ـ الصفدي
ـ القلصادي ـ ابن رزقون ـ ابن مطروح ـ ابن نحيل ـ الشيخ المشرفي ـ الشبراملسي.
ـ وهناك طريقة
سادسة : لا يذكر فيها اسم المؤلف ولا كتابه وإنما يقول : قال بعضهم ، أو قال بعض
مؤرخي النصارى. وهذا كله في القسم الأول من المخطوط لغاية صفحة ١٧٦ تقريبا. أما
بعد ذلك ولغاية نهاية التأليف فإنه أهمل كل هذه الطرق والأشكال وأصبح يستعمل فقط
الكلمات التالية : قيل ، يقال ، قال ، يحكى.
أما عندما يستشهد
بالأشعار فإنه يذكر أصحابها دائما.
خامسا : ومع كل
هذا فإن المخطوط يكتسي أهمية كبيرة من كذا وجه :
أ ـ في المخطوط
تراجم وقوائم لعدد كبير من الشخصيات العلمية والدينية الصوفية ، اشتهرت بهم وهران
سواء ممن أنجبتهم ، أو عاشوا وتوطنوا بها ، حتى أصبحوا من أهلها ، من القرن الثالث
الهجري إلى زمن المؤلف في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، ومطلع القرن الرابع
عشر الهجري ، وجمع هذا الحشد من تراجم العلماء والأولياء في مخطوط واحد قلما توجد
في غيره ما عدا في دليل الحيران ، وذلك طبعا بالنسبة لوهران ، وليس لغيرها ، ولو
أن كل المعلومات نقلها عن شيخه الزياني في دليل الحيران كما اعترف هو بذلك.
ب ـ وفي المخطوط
تفاصيل واسعة ومهمة عن مقاومة الأمير عبد القادر من أولها إلى نهايتها ، أوردها
المؤلف كشاهد عيان لها تدخل في إطار المذكرات والتقاييد الشخصية له ، وهذه
التفاصيل تتيح لنا قراءة جديدة لجهاد الأمير ، ومواقفه السياسية ، ومعاركه
العسكرية وسلوكه مع رفاقه ، ومواقف رجال المخزن منه ، ومنهم : المزاري نفسه وأبوه
الحاج محمد المزري ، وعمه مصطفى بن إسماعيل ، والدواير ، والزمالة ، والحشم ،
والعلماء ، والتجار ، واليهود. ومواقف الفرنسيين منه ومن العائلات المخزنية
والقاعدة الشعبية. إن هذا القسم سيقدم أشياء جديدة للمكتبة التاريخية الجزائرية
الحديثة ، ويعطي تفاصيل جديدة ، وتقيما جديدا لكفاح وجهاد الأمير عبد القادر. وهذا
مما يعطي الأهمية لهذا المخطوط ، مع الملاحظة أنه ليس من اللازم أن تكون كل
المعلومات التي يقدمها لنا المزاري صحيحة خاصة وأنه في النهاية أصبح خصما للأمير ،
وصديقا للفرنسيين إن لم يكن عميلا لهم.
ج ـ يكتسي المقصد
الخامس والأخير أهمية خاصة لأنه أرخ فيه لفرق وقبائل المخزن بالناحية الغربية من
عهد الأتراك إلى زمانه وأورد تفاصيل واسعة عن أنسابها ، وأصولها ، ووظائفها ،
وسلطاتها ، ونفوذها ، وأدوارها سواء مع الأتراك ، أو مع الأمير عبد القادر ، أو مع
فرنسا ، وقد تأثر فيه بأسلوب ابن خلدون في وضع شجرات الأنساب.
إن هذا المقصد ،
بأحداثه وتفاصيله الواسعة ، يمثل درة المخطوط ويسمح بالقيام بدراسات واستنتجات
هامة للحياة الاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، والعسكرية ، ويكشف في الوقت
نفسه على مدى سعة اطلاع المؤلف ، وحسن استيعابه للأحداث والتطورات السياسية
والاجتماعية لهذه البلاد خاصة بايليك الغرب الوهراني منه ، هذا كله إن صح أن
المخطوط من تأليفه هو.
د ـ كذلك يكتسي
المخطوط أهمية خاصة بالنسبة للقسم الذي أرخ فيه لبايليك الغرب وباياته منذ أن ظهر
البايليك في مطلع القرن السادس عشر إلى سقوطه عام ١٨٣١ م ، وللأحداث التي تخللت
ذلك مثل دور رجال وقبائل
المخزن ، وسياسة
البايات ، وثورة درقاوة ، وثورة التيجاني ، وأجهزة البايليك ، وتنظيماته الإدارية
، والاقتصادية ومواقف السكان من الحكام.
وفوق هذا كله
يعتبر هذا المخطوط موسوعة بحاله لأحداث كثيرة ومتنوعة : تاريخية ، وجغرافية ،
واجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية وعسكرية ، ليس فقط بالنسبة لوهران والجزائر ،
وإنما لكل بلدان المغرب ، والأندلس ، والمشرق العربي الإسلامي ، وأوربا ، وإفريقيا
وآسيا ، وأمريكا ، والجزر الأوقيانية. وهذا بقطع النظر عن صحة المعلومات وجدتها ،
فهذا موضوع آخر متروك للباحثين والمحققين. ومرتبط كذلك بشخصية المؤلف نفسه ومستوى
ثقافته ، والفترة الزمنية التي أنجزه فيها. كل هذه الأمور والجوانب تتدخل في ذلك.
ه ـ في المخطوط
مجموعة كبيرة من القطع والقصائد الشعرية الطويلة والقصيرة ، الفصيحة والملحونة.
تتخله من أوله إلى آخره. أقصرها بيتان ، وأطولها ١١٨ بيتا. ويوردها المؤلف
للاستشهاد على حادث من الأحداث ، أو تدعيم. رأي أو توضيح مقولة ، أو تفنيدها ،
طبعا نقلا من غيره خاصة دليل الحيران. وكتب أبي راس.
هل مخطوط طلوع سعد السعود
من تأليف المزاري؟
هذا سؤال كبير ،
وتساول ، كان مطروحا منذ مطلع القرن الحالي ولربما كان مطروحا في حياة بن عودة
المزاري نفسه أواخر القرن التاسع عشر. وهناك خلفيات ، وحيثيات كثيرة فرضت إطلاق
هذا السؤال ، وذلك التساول ، يمكن بعد التعرف عليها واستعراضها ، التوصل إلى جواب
قد يكون صحيحا مائة في المائة.
وسنوجز هذه
الخلفيات والحيثيات في محورين اثنين :
المحور الأول :
يتمثل في الإشاعات التي نقلها لنا مارسيل بودان عام ١٩٢٤ ، ولخصها في الأمور
التالية :
أولا : شاع في
أوساط المتعلمين الأهالي بمدينة وهران بأن كتاب طلوع سعد السعود في الحقيقة ،
والواقع ، هو عمل سي محمد بن يوسف الزياني الذي أرغم على التنازل عنه مقابل «وظيفة
قاضي» لأسباب خارجة هنا عن الموضوع ، واستقبل من طرف عائلة المزاري ، وخدم الأخير
كمعلم له.
ثانيا : ومن رأي
هؤلاء المتعلمين أن ابن عودة المزاري ، رجل السيف والبارود (أي الحرب) ، وليس رجل
القلم والسجادة ، ولا يقدر بواسطة الدروس التي تلقاها عن شيخه محمد بن يوسف
الزياني ، أن يؤلف كتابا تاريخيا ، وليس بإمكانه ذلك.
ثالثا : إن مخطوط
طلوع سعد السعود ، مقتبس ، ومنقول غالبا من مخطوط عن تاريخ وهران بعنوان : دليل
الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران. وهذا المخطوط مؤلفه معروف بالتحديد
وهو محمد بن يوسف الزياني ولكنه لم يكن قد رؤي إطلاقا. وافترض البعض أن سي محمد بن
يوسف الزياني أعطى اسما جديدا لمؤلفه التاريخي ، وذلك مما منح الحق للمزاري ، وسمح
له أن يقول بأنه هو المؤلف لمخطوط : طلوع سعد السعود.
ومما ذكره مارسيل
بودان في تقييمه لمخطوط طلوع سعد السعود قوله : «مهما يكن مؤلف طلوع سعد السعود ،
فمما لا شك فيه أنه تابع لعائلة آغوية من الدواير ، أو كان يعيش في وسطها لأنه
استطاع أن يقدم لنا فيه معلومات مهمة حول أحداث تخص حكومة الداي حسين ، ثم إن طلوع
سعد السعود يقدم معلومات مفصلة جديدة غير معروفة ، أو يكمل ، أو يصحح ، معلومات
كانت معروفة من قبل.
«وعلى العكس في
بعض الأحيان يسكت إطلاقا عن بعض الأحداث مثل قيام الباي حسن بقتل صهره الخاص مصطفى
تشورمي : Tcheurmi وأحيانا يشرح بكيفية سيئة سكوته عن
حدث كان بإمكانه أن يوضحه ويعدله ، حتى في بلاد الإسلام ، حيث حوادث عائلته حصلت
بكيفية متواترة».
«وطريقة المؤلف في
التأليف واضحة ، وسريعة السرد ، عن طريق السجع.
يتوسع أحيانا ،
ويفصل أحيانا ، ويستعمل أحيانا ألفاظا وجملا لا معنى لها اطلاقا سوى كونها تتلاءم
مع السجع» .
المحور الثاني :
يتمثل في المقارنة بين كتاب : دليل الحيران للزياني ، وطلوع سعد السعود للمزاري
فيما يخص : المخطط ، والعناوين والأقسام ، والترتيب ، والمحتوى. وهذه المقارنة هي
التي ستكشف لنا الحقيقة ، وأكاد أجزم أنها ستقدم لنا الجواب الصحيح.
المقارنة بين دليل الحيران وطلوع سعد السعود
فيما يلي هذه
المقارنة مع العلم بأن كتاب دليل الحيران الذي اعتمدناه في هذه المقارنة ، هي
النسخة التي حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدللي البطيوي ، وليس المخطوط نفسه.
وهي نسخة مبتورة في الوسط ، وفي الأخير ، ولكنها مع ذلك صالحة للمقارنة كما سنرى :
ـ قسم محمد بن
يوسف الزياني كتابه : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران إلى أربعة
فصول :
الأول : في
التعريف بوهران.
الثاني : في ذكر
من اختطها وأي وقت ولماذا سميت بوهران.
الثالث : في ذكر
بعض علمائها وأوليائها ومن جلب لها الماء إلى أن صارت مورد ضمآن.
الرابع : في ذكر
من ملكها من حين اختطت إلى هذا الزمان.
ـ وقسم بن عودة
المزاري كتابه : طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود إلى خمسة مقاصد :
الأول : في من بنى
وهران وأي وقت بنيت فيه ووصفها بالتعريف.
__________________
الثاني : في ذكر
بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر إلى من هو منهم شريف.
الثالث : في ذكر
بعض علمائها من حيث بنيت إلى الآن.
الرابع : في ذكر
دولها على سبيل الترتيب من حيث بنيت إلى هذا الزمان ، وما أذكر من غيرهم فذلك رغبة
لإتمام الفائدة.
الخامس : في ذكر
مخزنها وهو عين المراد والتعرض إلى سيرته الجميلة التي لا يكون فيها الانتقاد.
ويتضح من هذا
التقسيم أن المزاري قلد شيخه الزياني في عناويه ونقلها عنه حرفيا وخالفه فقط في
إطلاقه على الفصل اسم المقصد ، ثم أن المزاري أدمج الفصلين : الأول والثاني من
دليل الحيران ، في مقصد واحد بكتابه ، وعكسهما فقدم الثاني وأخر الأول. وأهمل
الفقرة التي خصها الزياني لاستعراض الأقوال السبعة التي تخص تسمية المدينة بوهران.
وعلى العكس من ذلك
قام المزاري بتقسيم الفصل الثالث من دليل الحيران إلى مقصدين اثنين في كتابه :
واحد تحدث فيه عن أولياء وهران ، والآخر عن علمائها. ونقل ذلك حرفيا عن الزياني ،
وأهمل التفاصيل التي أوردها الزياني عن ركن الدين ابن مجرز وهراني.
أما الفصل الرابع
: فقد اتبع فيه المزاري نفس التقسيم الذي وضعه الزياني في دليل الحيران ، ونقله عنه
حرفيا. وقد قال الزياني : «اعلم أنّ الذين ملكوا وهران من حين اختطت إلى هذا الزمن
تسع دول وأما الأدارسة ، والسليمانيون فلم أذكرهم لأنهم لم يملكوا وهران».
ثم أخذ الزياني
يستعرض الدول التسعة على الشكل التالي :
الدولة الأولى :
مغراوة عمال الأمويين أمراء الأندلس والكلام عليهم في خمسة مواضيع:
الأول : في
التعريف بهم وذكر نسبهم.
الثاني : في
بطونهم.
الثالث : في ذكر
علمائهم وأوليائهم.
الرابع : في ذكر
سبب إسلامهم وصيرورتهم موالي لبني أمية.
الخامس : في ذكر
من ملك منهم وهران.
وقد نقل المزاري
نفس عنوان الزياني ، وأغفل الموضوعات الأربعة الأولى ونقل حرفيا الموضوع الخامس
بحذافيره.
الدولة الثانية :
العبيديون ، وهم الشيعة ويقال لهم الرافضة والكلام عليهم في خمسة مواضيع :
الأول : في ذكر
أنسابهم.
الثانية : في ذكر
أصحاب الإمامة المعدين للمهدي منهم.
الثالث : في سبب
تسميتهم بالشيعة.
الرابع : في سبب
مصير الملك إليهم.
الخامس : في ذكر
ملوكهم ومن ملك منهم وهران.
وقد اختصر المزاري
الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الموضوع الخامس بحذافيره مع بعض
التصرفات الطفيفة ، تحت نفس العنوان من الزياني.
الدولة الثالثة :
المرابطون ، ويقال لهم لمتونة والملثمون وصنهاجة.
والكلام عليهم في
خمسة مواضيع :
الأول : في نسبهم.
الثاني : في وقت
مسيرهم للمغرب.
الثالث : في ذكر
قبائلهم وبطونهم.
الرابع : في ذكر
علمائهم.
الخامس : في ذكر
فرقهم ، ومن ملك منهم وهران.
وقد نقل المزاري
نفس العنوان ، واختصر الموضوعات الأربعة الأولى في نصف صفحة ، ونقل الخامس على ما
يبدو بحذافره أو على الأقل ما بقي منه. لأن نسخة دليل الحيران مبتورة هنا ابتداء
من قوله : الفرقة الثانية من صنهاجة لمتونة وهم الملثمون. كما ضاع منها موضوع :
الدولة السادسة في أولها وهم بنو
مرين. فأما أن يكون
المزاري قد انتزع هذه الأقسام من دليل الحيران وأدخلها وأدمجها بعينها في كتابه ،
وأما أن يكون قد نقلها من نسخة أخرى كاملة.
وقد اختصر المزاري
موضوع تسمية المرابطين وأصل موطنهم وبلادهم في أربع صفحات ، وتوسع في الحديث عن
ملوكهم وأمرائهم على عادته وبنفس الأسلوب وختم حديثه عنهم باستعراض الفرق الثلاثة
التي انحدروا منها.
الدولة السابعة :
الاسبانيون نسبة لاسبانيا ، والكلام عليهم في ستة مواضيع :
الأول : في ذكر
نسبهم.
الثاني : في بيان
أرض الاسبانيين وحدودها.
الثالث : في بيان
مساحتها ، وعدد سكانها الآن ، وأقسام ولاياتها ، وأشهر مدنها ، وجبالها ،
وأوديتها.
الرابع : في بيان
محلها من أوروبا.
الخامس : في بيان
من ملك تلك العدوة سابقا.
وقد نقل المزاري
هذه الموضوعات نقلا يكاد يكون حرفيا بنفس الترتيب مع إهمال ذلك التقسيم.
الدولة الثامنة :
الترك ويقال لهم الأتراك والكلام عليهم في ستة مواضيع :
الأول : في ذكر
نسبهم وبطونهم ومسكنهم.
الثاني : في سبب
انتشارهم في الأرض.
الثالث : في سبب
مجيئهم إلى الجزائر وأي وقت جاؤوا وكم مكثوا بالجزائر.
الرابع : في ذكر
ملوكهم في الإسلام ومن ملك منهم وهران.
الخامس : في ذكر
باشاتهم بالجزائر ، ومنهم من يجمعهم على باشوات ، ومن ملك منهم وهران.
السادس : في ذكر
معنى الباي وكيفية تصرفه وعمله بالعوائد.
وقد نقل المزاري
نفس عنوان الزياني : وتحدث عن هذه الموضوعات الستة بنفس الترتيب دون الإشارة إلى
ذلك التقسيم. ويكاد يكون النقل حرفيا.
الدولة التاسعة :
الفرنسيس ، ويقال لهم الفرنج ، والكلام عليهم في سبعة مواضيع. الأول. ا. ه. وقد
توقف الزياني عند هذا العنوان وبهذين الحرفين ألف وهاء ، دليلا على انتهائه ، وعدم
اكماله للفصل الرابع كما وعد في بدايته.
أما المزاري فبعد
أن نقل هذا العنوان كما هو في دليل الحيران ، أرخ لهذه الدولة حسب مخطط الزياني
بالتتابع وبالترتيب ، دون أن يشير إلى ذلك التقسيم كما هي عادته في الأقسام
الماضية ، وتوسع في هذه الدولة توسعا كبيرا استغرق (٢٠٨) مائتين وثماني صفحات وهو
ما يعادل أكثر من ثلث المخطوط. وحاول أن يؤرخ لتاريخ فرنسا ، وأغرق نفسه في مواضيع
ليست في متناوله. وذلك رغبة منه على ما يبدو في التقرب من الإدارة الفرنسية التي
كان يعمل تحت إمرتها ، ووفق أوامرها ، وتعليماتها.
إن هذه المقارنة
تثبت بما لا يدع مجالا للشك ، بأن مخطوط : طلوع سعد السعود ، إما أن يكون للزياني
نفسه ونسبه المزاري لنفسه لظرف من الظروف التي حكى منها شيئا ، مارسيل بودان ، أو
يكون المزاري نقله حرفيا من كتاب دليل الحيران للزياني ، وتصرف فيه قليلا بالحذف ،
والاختصار ، والتقديم والتأخير ، واستغل مركزه كآغا ليقنع شيخه الزياني ، أو يرغمه
على السكوت ، وقبول الأمر الواقع ، وليس هناك تفسيرا آخر غير هذين الافتراضين.
وللشيخ المهدي
البو عبدلّي البطيوي الذي حقق ونشر مخطوط دليل الحيران للزياني ، رأي آخر فيما يخص
القسم الأخير الذي عنون له المؤلف ، ولم يكمله. فقد قال في المقدمة التي وضعها
للكتاب : إن التأليف الذي يحمل اسم «أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس».
ونسب إلى أبي راس المعسكري ، ووضع ضمن قائمة مؤلفاته ، ليس له «لأن المتأمل فيه
يدرك من أول وهلة أنه كتب بعد الاحتلال الفرنسي ، وأبو راس كما نعلم توفي حوالي
سنة ١٢٣٧ أي قبل الاحتلال الفرنسي بسنوات».
__________________
ومن رأي الشيخ
المهدي البو عبدللي أن مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ محمد بن يوسف الزياني أو أحد سكان
قرية البرج مقر أسرة المخفي.
ومما قاله : «وفي
آخر الجزء الثاني عقد المؤلف عنوانا للعهد الفرنسي فقال : «الدولة التاسعة
الفرنسيس ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في سبع مواضع». لكنه أنهى تأليفه عند هذا
العنوان. ولا شك أنه لم يرد أن يتورط ، فاختار طريقة أخرى سجل فيها الأحداث الهامة
في العهد الأول من الاحتلال وحذر مواطنيه من عواقبها وأفرغ ذلك كله في قالب
التنبؤات التي كان أفراد الشعب خصوصا المتدين يؤمن بها ، إذ لم تفارق عقيدة المهدي
المنتظر «الذي يملأ الدنيا عدلا» الطبقات المؤمنة في بلاد المغرب العربي ، ومؤلفنا
أمكنه أن يتخلص من الورطة فينسب تأليفه الذي هو عبارة عن صفحات للمؤرخ أبي راس
المعسكري الناصري ، كما أمكنه أن يسجل هذا التأليف أي عنوانه في آخر رحلة أبي راس
التي ذكر فيها تأليفه وقد تناقل هذا التأليف معظم المثقفين ، وقد بلغ خبره للسلطات
فبذلت جهودا للتحصيل عليه خصوصا في الحرب العالمية الأولى ، فقد فتشوا المنازل
وسجنوا كثيرا من الطلبة الذين كانوا يشكون أنهم يملكونه ، كما أمكن لمؤلفه الحقيقي
أن يحتفظ بسره حيث لم يعرف نسبته إليه إلا أقلية واسم الكتاب : «أقوال التأسيس عما
وقع وسيقع من الفرنسيس». وقال أيضا «وهذا التأليف تختلف كثير من نسخه وإن كانت
تتفق في جوهر الموضوع الذي هو شبه مذكرات لرجل عاش في الفترة الأولى من عهد
الاحتلال الفرنسي واطلع على نوايا الاستعمار وأهدافه ، فسجلها بعد ما أفرغها في
قالب التكهنات أو التنبؤات» ثم قال : «وهذه الرسالة هامة تحتاج إلى دراسة خاصة ،
فالذي نتحققه أن نسبتها للمؤرخ أبي راس مستحيلة فقد كتبت بعد الاحتلال الفرنسي
بمدة طويلة وبعد إنهاء الأمير عبد القادر المقاومة ، وقد ذكره صاحب الرسالة وفي
نفسه منه شيء فخصه بسطور نسب فيها لأعوانه الظلم والفوضى ، ولا شك أن
__________________
المؤلف الذي كان
من سكان البرج وكان البرج مقر أسرة المخفي ، حتى لا زالت تحمل اسمه الآن ، الذين
كانوا من أعوان الأتراك ثم انضموا إلى الفرنسيس وحاربوا الأمير ، فانتقم منهم
الأمير شرّ انتقام. فقد أوقد فيها النيران وسجن جل سكانها ، فلربما بقي في نفس
القاضي البرجي شيء».
وقال كذلك : «وأقل
ما نستفيده من هذه الرسالة أو التأليف ، بقطع النظر عن مقصد مؤلفه الحقيقي ، هو
الاطلاع على صفحات من تاريخ الجزائر ، تصور انطباعات شاهد عيان ، اطلع على أحداث
أوائل الاحتلال ، إذ المصادر العربية المسجلة لذلك العهد قليلة. ولنرجع إلى الحديث
عن النسخة الثانية من : «قول التأسيس مما وقع وسيقع من الفرنسيس» وهي وإن كانت
تتفق مع الأولى في جوهرها. يظهر أن صاحبها اختصرها وزاد فيها وتأخرت كتابتها إلى
أوائل الحرب العالمية الأولى واعترف صاحبها بأنه لا يريد أن يطلق العنان لتنبؤه إذ
أمر بذلك» .
وقد ذكر الشيخ
المهدي البو عبدللي بأن مؤلف دليل الحيران الشيخ محمد ابن يوسف الزياني البرجي ،
ينتمي إلى أسر علمية بنواحي مدينة برج عياش المشهور الآن ببرج ولد المخفي قرب
معسكر. وأن جدّه أحمد بن يوسف الزياني كان من العلماء المستشارين عند الباي
إبراهيم الملياني (١١٧٠ ه). وقد تولى مؤلف دليل الحيران القضاء بمدينة البرج سنة
١٨٦١ حسبما وجد ذلك في وثيقة رسمية كاتبه بها الحاكم العسكري الفرنسي للناحية ، ثم
انتقل عام ١٨٨٣ إلى مدينة تليلات ليتولى نفس الوظيفة ، قبل أن ينقل إلى مدينة سيق
كذلك لنفس الوظيفة : قاضيا.
وكان ما يزال حيا
في مطلع القرنين : الرابع عشر الهجري ، والعشرين ميلادي. وذكر الشيخ المهدي أنه
اطلع على كثير من فتاواه وتعاليقه على بعض الكتب ، وعلى مراسلاته لبعض علماء البلد
، ومنهم العالم علي بن عبد الرحمن الجزائري مفتي وهران الشهير الذي كاتبه عام ١٣٢٠
ه (١٩٠٢ ـ ١٩٠٣ م).
__________________
وقد خلف بعد وفاته
ابنا فقيها تولى إمامة مسجد بناه له صهره بمدينة سيق وبقي به حتى توفي ، كما خلف
بنتا ذات شهرة في مدينة وهران وولايتها ، لأنها تمردت على عادات البلاد ، وصارت
تخرج سافرة ، وتمارس أعمال الفلاحة لأسرتها وتشارك زوجها في أعماله وكان غنيا
ويملك أراضي شاسعة. ويعمل موظفا لدى الإدارة الفرنسية كذلك ، لأن أسرته من أسر
المخزن في عهد الأتراك ، وأقرها الفرنسيون على ذلك في عهدهم.
وبما أنها كانت
تركب الخيل وتشارك في ألعاب الفروسية ، وتستقبل زوار زوجها وتشارك في الحفلات التي
كان يقيمها الولاة العامون بالجزائر لأعيان البلاد ، فإن الناس كانوا يدعونها : «القايدة
حليمة». وعند ما حجت أصبحت تدعى : «الحاجة حليمة» ، وتوفيت أوائل الحرب العالمية
الأولى.
إن النسخة التي
حققها ونشرها الشيخ المهدي البو عبدلّي لدليل الحيران ، ناقصة ومبتورة في الوسط ،
ينقصها جزء من الدولة الثانية وهم المرابطون ، وكل الدولة الرابعة وهم الموحدون ،
وكل الدولة الخامسة وهم بنو زيان.
وهذا القسم
المبتور موجود كله في مخطوط : طلوع سعد السعود. وينقصها في الأخير ، الدولة
التاسعة ويقال لهم الفرنج والكلام عليهم في ستة مواضيع. الأول. ا. ه.
وهذا القسم طويل
جدا في مخطوط طلوع سعد السعود. يقع في مائتين وثمانية من الصفحات. ألا يكون
المزاري أخذ هذه الأقسام الناقصة والمبتورة من مخطوط : دليل الحيران لأستاذه
الزياني ، وضمها إلى مخطوطه بعنوانه الجديد ، طلوع سعد السعود.
سؤال مطروح.
وسيبقى كذلك مطروحا إلى أن يتم العثور على النسخة الكاملة لدليل الحيران ، وعلى
بعض الوثائق التي تسمح بالمقارنة والاستنتاج ، والخروج برأي صحيح ونهائي.
بقيت بعد هذا كلمة
أخيرة حول المقصد الأخير من كتاب طلوع سعد السعود الذي خصصه المزاري للتأريخ لمخزن
وهران ، وهذا المقصد لم يشر
إليه الزياني وهو
المقصد الوحيد الذي لربما يكون من تأليف المزاري باعتباره من رجال المخزن. أو أحد
أقاربه المثقفين من رجال المخزن كذلك ، إذا لم يكن الزياني نفسه ، لأنه من بلد
المزاري ، ومن العائلات العلمية المشهورة بالمنطقة ، له خبرة ودارية بتاريخ
العائلات المخزنية.
وهران ـ حي الصادقية
الأربعاء ٦ شوال ١٤٠٧ ه
٣ جوان ١٩٨٧ م
|
د. يحيى بو عزيز
جامعة وهران
|

بسم الله الرّحمن
الرّحيم
اللهم صلّ على
الحبيب محمد وآله وصحبه وسلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
يقول العبد الضعيف الراجي عفو ربه وغفران سائر المساوي أبو إسماعيل بن عودة الساري
بن الحاج محمد المزري البحثاوي. أمنه الله بمنه وكرمه ولطفه آمين ، آمين ، آمين ،
آمين.
الحمد لله الذي
فضل العلماء على الجهلاء بتفضيل العلم على الجهل ، وصيرهم أمناء على خلقه يقومون
بحفظ شريعته في كل الفرد والحفل وجعل بالعلم تعرف الفرائض والسنن وسائر ما يكون به
التكليف وتعرف به الملل ، وكذا الماضي والآتي وسائر الدول ، والأنساب ، وما قل
منها وجل لا سيما علم التاريخ الذي تكفّل بأخبار القرون والأمم ودولها ومن مضى
منها أو حل أو هو آت في المستقبل. فحقه الاعتناء به بتدوينه كي لا يضيع فيهمل ،
والصلاة والسلام التامان على سيدنا ومولانا محمد أشرف المخلوقات ومنبع الكون وخاتم
الأنبياء والرسل وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته وأمته والتابعين ومن تبعهم
بإحسان / (ص ٣) إلى يوم يتبين فيه المفضول من الفاضل والشقي من السعيد والثاني من
الأول ، وبعد:
فإني لما طالعت
كتب التاريخ واجتمعت عندي منه رقائع جليلة.
تاقت نفسي إلى جمع
تأليف جليل في أخبار وهران ، ومخزنها القساور
(كذا) الذين بهم
فاقت ما عداها من المدون (كذا) فهم أهل الخصائل الجميلة. فجمعته بحمد الله تعالى
في كتاب جليل الفرائد ورتبته بإذن الله تعالى على خمسة مقاصد :
ـ المقصد الأول :
فيمن بنا (كذا) وهران وأي وقت بنيت فيه ، ووصفها بالتعريف.
ـ المقصد الثاني :
في ذكر بعض أوليائها بحسب الاستطاعة والتعرض بالذكر إلى من هو منهم شريف.
ـ المقصد الثالث :
في ذكر بعض علمائها من حين بنيت للآن (كذا).
المقصد الرابع :
في ذكر دولها على سبيل الترتيب من حين بنيت إلى هذا الزمان. وما أذكره من غيرهم (كذا)
فذالك (كذا) رغبة في إتمام الفائدة بزيادة البيان.
ـ المقصد الخامس :
في ذكر مخزنها وهو عين المراد. والتعرّض إلى سيرته الجميلة التي لا يكون فيها
الانتقاد.
وسمّيته :
طلوع سعد السعود في
أخبار وهران
ومخزنها الأسود
فأقول : بحسب ما
رزقت من نصيب ، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
المقصد الأول
فيمن بنى وهران
/ اعلم أيدني الله
وإياك بنوره. ورزقني وإياك خيره ووقاني وإياك من (ص ٤) شروره. أنه لا خلاف في أن
وهران بنيت في القرن الثالث من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى
التسليم. وإنما الخلاف فيمن بناها والعام الذي بنيت فيه والخليفة الذي بنيت بأمره
بالتلزيم (كذا) .
فقال الحافظ أبو
راس في عجائب الأسفار على السينية له ، بنتها مغراوة بإذن أمراء الأندلس الأمويين
وأن الذي بناها من مغراوة هو خزر بن حفص ابن صولات بن وزمار بن صقلاب بن مغراو بن
يصلين بن مسروق بن زاكين ابن ورسيخ بن جانا ابن زنات. وكان صقلاب في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم وأن الخليفة الأموي الذي أمر ببنائها هو عبد الرحمان بن
الحاكم (كذا) بن هشام بن عبد الرحمان الداخل الخليفة بالأندلس ا ه. بعضه باللفظ
وبعضه بالمعنى .
فيفهم من أنها
بنيت في وسط القرن الثالث لأن عبد الرحمان بن الحاكم
__________________
(كذا) تول سنة ست
ومائتين وتوفي في ربيع الأخير سنة ثمان وثلاثين ومائتين كما في المختصر لأبي
الفداء صاحب حماة وهذا القول لا يوافق بوجه ولا حال. وذكر الحافظ أبو زيد
عبد الرحمن الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي أنها بنتها مغراوة في أيامهم وأطلق . وقال الحفّاظ الخمسة وهم : محمد بن يوسف (ص ٥) القيراوني
والبكري / وابن خلكان ، والرشاطي ، والصفدي كل في تاريخه أن الذي بناها محمد بن أبي عون ، ومحمد بن
عبدون ، وجماعة من الأندلسيين البحريين الذين ينتجعون مرسى وهران مع نفزة وبني «مسقن»
وهم بنو مسرقين من أزديجة ، وكانوا أصحاب القرشي وهو الخليفة الأموي بالأندلس وذلك
سنة تسعين ومائتين.
وقال الحافظ أبو
راس في كتابيه : عجائب الأخبار ، والخبر المعرب ، على
__________________
السينية أن الذي
بناها هو خزر بن حفص المار ، وأن الذي أمره ببنائها هو الخليفة الأموي بالأندلس
أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحاكم (كذا) ابن هشام بن عبد الرحمن
الداخل وذلك سنة تسعين ومائتين وقيل إحدى وتسعين وقيل اثنين وتسعين ا ه والصحيح من هذه الأقوال التي ذكرها الحافظ في كتابيه ،
الأول ، لكون الخليفة المذكور تولى سنة خمس وسبعين ومائتين وتوفي في ربيع الأول
سنة ثلاثمائة كما في مختصر أبي الفداء صاحب حماة. وقد بناها قبل وفاته
بعشرة أعوام كما في دليل الحيران وأنيس السهران ، في أخبار مدينة وهران وإلى من بناها ووقت بنائها أشار الحافظ أبو راس في سينيته
التي تسمى بالحلل السندسية ويقال لها إنها نفيسة الجمان بقوله :
/ بنتها مغراوة بإذن مواليهم
|
|
الأمويين أمراء
أندلس
|
(ص ٥)
ثالث قرن خزر منهم قد أسسها
|
|
وملكهم في غاية
العز والشمس
|
__________________
وقال في وصفها
والتعريف لها الشريف الحسني الرباني ، شيخنا العلامة الحافظ السيد محمد بن يوسف
الزياني ، في تاريخه : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ـ في
الفصل الأول منه ما نصه بطوله : اعلم أن وهران بفتح الواو ، وكما لابن خلكان في
كتابه : وفيات الأعيان ، وأنباء أبناء الزمان ، والحافظ أبي راس في كتبه : عجائب
الأخبار ، وعجائب الأسفار ، والخبر المعرب ، وروضة السلوان ، لا بكسرها وغلط من
كسرها. هي مدينة من مدن المغرب الأوسط بساحل البحر الرومي عظيمة ، ذات مساحة وفخامة جسيمة ، وبساتين وأشجار ، ومياه
عذبة وأطيار ، وحبوب عديدة ، وفواكه وخضر جديدة ، وبروج مشيّدة وقصور معددة ، من
طبقتين فأعلا (كذا) ببناء التحكيم ، وأرحية ماء ونار وريح وطحونات (كذا) وسور فخيم
(كذا) ، وفنادق وحمامات ، وشوارع ورياضات ، ومدافع وأبراج ، ومنافذ ، وسبل فجاج ،
وأتكية ، وغنى لكل محتاج ، (ص ٧) متبحرة في العمران ، وسارت بأخبارها لكل ناحية
الركبان ، معدودة / من أمصار المغرب التي عن نفسها تدافع ولا تدافع ، ومن أحسن
معاقله التي تطاع ولا تنازع ، مقصودة للعلماء والتجار وسائر أرباب البضائع ، لها
صيت بالمغرب والمشرق وسائر الآفاق ، وقد ذكرها صاحب الدرر المكنونة المازونية في
نوازل الطلاق ، وجاءت لها الملوك من أقاصي الأقطار ، وتزاحمت عليها لنيل
الأوطار ورحل لسكانها الأخيار والأشرار ، والعبيد والأحرار ، والمسلمون والكفار ،
فكانت مفتخمة (كذا) على غيرها من المدون (كذا). بمخزنها السادات الأسود ، أهل
العناية والشجاعة والعطاء الممدود والحياء ، والرياسة ، والبسالة والسياسة ،
مقصودة للعفات (كذا) والوجود ، والعساكر والجيوش والحشود. مؤسسة في أسفل جبل
__________________
هيدور الأشم ، الذي اختط الإسبانيون بقمته بالبناء الأحكم ، برج مرجاج (كذا)
الشامخ العتيد ، وقطب رحا حربها الشديد ، الصعب المسلك البعيد المدرك ، الضيق
الفجاج ، المشرف على المدينة والمرسى والأبراج ، الذي غص منه الجو في الصعود ،
وعاد يلمس بيده الأفلاك بالقعود ، ذهب في السماء بفروعه وكلاكله ، وملأ الجو
بقرونه وهياكله ، ونظّم النجوم في مفرقه واستوى كالملك في جلسته وترقية ومرتفقه ،
وترفع بمروط (كذا) السحاب ، فضرب بينه وبين الناس بحجاب ، رعده / صوت المدافع ،
وبرقة شعلتها التي ليس لها مدافع ، كأن (ص ٨) الرياح آوت (كذا) إلى جوه بإذنه ،
وأصغا (كذا) لها ملاقيا إلى حيز السماء بأذنيه وأطل على البحر بشماريخه وجعله
يحاكي معاني تواريخه ، واستدبر البر بظهره ، وأناخ سائر الجبال بمنيعه وحجره ، حتى
صارت جبال قيزة ، وبنى مخوخ ، وتاسالة ، تبايعه وله تنوخ ، وتسمى باسم الرجل الذي
كان به من غير مناكث ، وهل هو الرجل الزناتي ، أو الإسبنيولي ، أو الحمياني؟ أقوال
، أصحها الثالث وطال ما ارتفع للسماء جبل كهر ، فانخفض له وبعلوه عليه أقر
، تراه وأنت أسفله كأنه في الجو قلامة ، في قنّة غمامة أو باز أو عقاب ، على ظهر
سحاب ، وقد قال في وصفه بعض الفصحاء في ملحون :
سلوا عليه مرجاج
ليس أهيانا
|
|
وامراقب البحر
وأبراج تلمسان
|
شيخ الجبال عالي
يا فطانا
|
|
كل الجبال خرّت
له سجدان
|
ولما دخلها ابن
خميس أحد العلماء الكبار ، والفقهاء السادات الأخيار ، في آخر القرن الرابع ، وقعت
منه كل موقع بعد ما دخل الجزائر في الخبر الشائع ، وكانت الجزائر إذ ذاك قريبة عهد
بالبناء والتمدين ، فقال : أعجبني بالمغرب
__________________
مدينتان بثغرين :
وهران خزر وجزاير بلكّين . وكيف لا تكون من ذخائر النفائش ، وهي أول مدينة ملكها عبد
المؤمن بن علي الكومي الموحّدي سنة تسع وثلاثين من القرن السادس ولو رءا (كذا) بناءها صاحب تاريخ مصر (ص ٩) والقاهرة ، /
لعده من أعجوبات البناء التي ذكرها في كتابه : حسن المحاضرة ،
__________________
ولو رءاها الغزالي
صاحب الرحلة ، لما اعتنا (كذا) بوصف سبتة وطيلطلة ، ولو أخبر بها صاحب كتاب اللباب الواصف لضخامة بنيان
البلدان لما قال : الدار داران : إيوان ، وغمدان ، ولو رءا (كذا) الغزالي مسجدها الجامع الأعظم ، وما اشتمل
عليه من السعة والأساطين واتقانه في الهواء بالبناء الأحكم ، والتراويق المرونقة ،
والاحتكامات المحققة ، وخاصته الدافقة بالماء ، وصومعته التي علت لجو السماء ،
تروم منه النزول لها بالهيكلة ، لما وصف الجامع الأعظم الذي بمدينة طيلطلة . واجتمعت العجائب بالبرج الأحمر ، فإنه يفوق حصون بني
__________________
الأحمر ، ولو رءاه
المطماطي سليمان بن سابق لقال لا يقدر على مثله لاحق ولا سابق وزادت له بالابتهاج والرونقة مقلته التي صعدت للجو مشرقة.
ولو رءا (كذا) يوسف بن قريون مؤرخ اليهود ، برج اليهود ، لما وصف قلاع أمصيا التي
هي ملك بني يهود .
وأين مرجاج
المتقدم ، وبرج المرسى ، وبرج الحمارات ، والإصبايحية ، ومرية ، والحرسى (كذا)
والقصبة ، والمرستانات ، والمدرسة ، وبرجا (كذا) رأس العين والمكنسة ، وأبوابها
التسعة المفترقة بحسب النواحي ، والمدن ، والقرى ، والضواحي ولو وصفت لك مصانعها على التمام ، وما تحت أراهيها (كذا)
من
__________________
الأبنية العظام ،
لقلت يعجز عنه «سور ديب» المفتخير ببناء الأهرام ، ولعجز بالاشتهار ، واصف قصر
الجمّ والبديع والأجدار / وسائر بنيانها المرصوص (ص ١٠) ومياهها
العذبة المتدفقة التي تعلو للسماء ثم تنبسط على الأرض وتتفرق على الرخام الملون ثم
تجتمع في سيح تحت الأرض بالبناء المحكم فتذهب معه للبحر ففيه تنصب وتغوص. ولقد
عظمت مساحتها في النفل والفرض. حتى صارت لا تحمى في الطول والعرض فأحاط بها سورها
الجديد ببرود شتى فصارت عظيمة العدّ ، والتعديد ومن أين يطيق عدّ ولبة العدس ، أو
غيره من الدخنة والعلس. وما خرج عن سورها من البنيان ، فلا يضبطه لسان ، وقول
الحافظ الشيخ عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي : هي مدينة صغيرة غير
ظاهر كما في شروح الحافظ أبي راس لسينيته. وما قيل في مدحها من الكلام ما بين
النظم والسجع والنشر فإنه مما لا يضبط بعصر فمن ذلك قول بعض علماء الراشدية
الأذكياء ، السادات الكرام الأصفياء وهو العلامة الأجل والقدوة الأبجل ، مؤلف كتاب
: فتح وهران النقاد الراوي الخالي من سائر المساوي ، أحد شرفاء غريس الشريف الحسني
السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي في مدحها ومدح
__________________
أميرها السيد محمد
بن عثمان ، صاحب العدل والرفق والجهاد والإنصاف والإحسان ، باي الإيالة الغربية
وتلمسان في قصيدته القافية التي من بحر (ص ١١) الطويل ، فريدة القصائد ونفيحة
الجواهر في غاية التكميل / ذات الصدر في وهران والعجوز ، في الأمير الجليل ، المشتملة
على ثلاث وعشرين بيتا بالجملة والتفصيل :
عراني أحبّتي
سهاد مورق
|
|
ومن ذاليك
السّهاد قلبي يخفق
|
ورقّ فؤادي من
حلول ضبابة
|
|
وعم دواخل
الميزاج تعلّق
|
أتاني هو نجد
وطيب نسميها
|
|
وصرت كسيف البال
إذ أتشوّق
|
ورمت انضماما
نحوها برياضها
|
|
بها غرف وسلسبيل
مدفّق
|
وأزهارها تفوح
منها رياحين
|
|
ونور يلوح منه
للعين رونق
|
وأشجارها ترنّ
فيها بلابل
|
|
بمختلف الأصوات
تربى التعشّق
|
وأفنانها ملمّة
لفواكه
|
|
ألا كلّ غصن
منها غض مورق
|
فما شئت من ذوق
لذيذ ومنظر
|
|
تنعّم فيه العين
ثم موفق
|
وأعظم شيء في
اشتياقي لكامل
|
|
يلوذ بأنسه
المعنّى المشوق
|
له في معالي
المجد أرفع همة
|
|
وأوفر حظ وهو
بالمدح أليق
|
وإثبات ذهن في
العلوم بأسرها
|
|
وزان ارتفاع
القدر منه تحقّق
|
بطلعته وهران
ثمّ نعيمها
|
|
وطاب بها النّوى
وبان التأنّق
|
انظر تمامها في
دليل الحيران وأنيس السهران .
__________________
المقصد الثاني
في ذكر بعض أوليائها
اعلم / أيدني الله
وإياك بأنواره ، ونفعني وإياك بأسراره أن أولياءها عددهم (ص ١٢) كثير ، وحصرهم
عسير ولا كنّي أذكر منهم المشاهير ، كما ذكرها (كذا) شيخنا الزياني في الفصل
الثالث من دليل الحيران وأنيس السهران فنقول : إن من أولياء وهران : الولي المشهور
، المتعبد بأسماء الشكور ، القطب الواضح سيدي هيدور صاحب جبل وهران المشهور ، كثير العظامة (كذا) والجلالة ، دفين بلاد أسلافه تاسّالة
، وكان من أهل متم القرن الثالث ونسب له جبل وهران لتعبّده به وكان له وارث .
ومنهم ذو النور
الباهر ، كثير الأسرار والجواهر ، والإحسان والعوارف (كذا) والإكمال والمعارف ،
صاحب البرهان الساطع ، سيدي دادّ أيوب المغراوي الذي كان من أهل القرن الرابع وهو بينها وبين المرسى الكبير ، بمكان على البحر
__________________
في محلّ فيه
متعبّدون وصالحون وحمامه مقصود للتبرك فيه نفع كبير ومعنى دادّ في لغة زناتة هو الأب الكبير. وليس هو بهذا
المحل مدفون وإنما المحل محل تعبّده فيما يعرفون.
ومنهم الشريف
الحسني النقاد الراوي ، المقطوع بولايته على الإطلاق سيدي محمد بن عمر الهواري ثم
المغراوي فهو قطب الأولياء ، ورايس الزّهاد الأتقياء ، صاحب الكرامة
الظاهرة ، والأحوال الباهرة كان كثير السياحة والنجابة (ص ١٣) والنجاحة. أخذ بفاس
عن العبدوسي والقبّاب ، / وببجاية عن الشيخ أحمد ابن إدريس ، والوغليسي ، كثير الأتباع والأصحاب وبمصر عن العراف
__________________
وغيره. وجاور
بالحرمين الشريفين وسافر للقدس فجال بالشام لنيل خيره ومكث بدمشق بالجامع الأموي
ما شاء الله. وكانت تأتيه الوحوش وعادية السّباع في سياحته لقضاء أوطارها فتقضى
لها بإذن الله ، ومكث آخر عمره بوهران بلد أسلافه بالتحرير ، مثابرا فيها على
العلم والعمل إلى أن انتفع به الخلق الكثير. ولما قرب أجله كثر كلامه الذي يدل على
سعة عفو الله بالتبشير. وألف كتاب : «السهو والتّنبيه ، للفقراء أهل الفضل النبيه».
وله تآليف عديدة في طريق القوم النجاية ، وكان كثيرا الثناء على أهل بجاية. وقد نص
على شرفه صاحب كتاب : جواهر الأسرار ، في معرفة آل النبي المختار وكذا الفاسي في أثمد الأبصار ، وكانت له كرامات عديدة ،
وخوارق عادة مديدة منها أن بعض طغاة الأعراب أخذ مال بعض أصحابه لما أراد الله به
النكال فبعث إليه الشيخ رسوله ليرد ذلك المال ، فأخذ الظالم الرسول وقيّده ومقته ،
فبلغ الشيخ أمره فقام من مجلسه مغاضبا وقد اسودّ وجهه من شدة الغضب ودخل خلوته.
قال تلميذه التازي فسمعته جهارا ، يقول مفرطح ، مفرطح ، يكرره مرارا ، وفي الوقت
قام الظالم يلعب في عرس والناس ينظرون إليه تفرّسا / فإذا برجل أبيض الثياب نزعه
من (ص ١٤) فوق فرسه وضرب به الأرض فإذا هو مفرطح دخل رأسه في جوفه من شدة ضربه
منكّسا. فأطلقت أمه رسول الشيخ وخاطبت ولدها الميت خطاب البوم : يا ولدي حذّرتك
دعوة الشيخ فأبيت فلا حيلة فيك اليوم.
ومنها أن امرأة
أسر ولدها فأتت إليه فقال لها إيتيني بقصعة من ثريد ولحم
__________________
فأتته بها فدفعها
لسلوقية كانت عنده ترضّع أولادها فلما فرغت قال لها اذهبي لموضع كذا من عدوة
النصارى وايتيني بابن هذه المرأة فذهبت وجازت البحر فوجدته فوجدته اشترى دوارة
للنصرانية التي ملكته فخطفتها من يده وصار يتبعها خوفا من النصرانية إلى أن عرضت
له ساقية فقطعها وهي البحر ثم تبعها إلى أن دخلت به على أمه في وهران وهذا قليل في
حق الأولياء.
ومنها أن السلطان
أبا فارس عزوز بن السلطان أبي العباس أحمد الحفصي الملك العادل الذي قال فيه ابن
عرفة إنه كعمر بن عبد العزيز بحسب الزمان قد زحف من تونس بجنود عظام لتلمسان لأمر
له فيه حق فرغبه ملكها أحمد العاقل بواسطة الشيخ أبي علي الحسن أبركان بن مخلوف
المزيلي الراشدي دفين تلمسان فبعث خديمه للشيخ الهواري في كفّ أبي فارس فقال
الهواري مالي وللملوك ولمّا اشتدت الرغبة والإلحاح دعا عليه وقد نزل آخر رمضان من
سنة سبع وثلاثين (ص ١٥) وثمانمائة بفج السدر حذو جبل ونسريس فمات / فجأة ضحوة عيد الفطر فانتظره الناس لصلاة العيد حتى
خشوا خروج وقتها فذهب ابنه للسرادق والفساطيط فوجده ميتا فجعله في محفة وانقلب إلى
تونس وأخفى أمره ، إلى غير ذلك من كراماته. وهو القائل لتلميذه لا تخف من النار
فإن صاحبي أدخله في بطني كي لا تراه النار. ولما سمع هذا القول بعده سيدي أحمد بن
يوسف
__________________
ابن عبّاد بن
مصباح الوامودي الراشدي قال إن البطن تلقي ما دخلها وتطرحه وأنا أدخل صاحبي في
قلبي كي لا تمسّه النار. ا ه. فانظر ما بينهما من البون في المعنى. وتوفي رحمهالله في صبيحة يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثلاث وأربعين
وثمانمائة في وقت الملك أحمد العاقل بن أبي حمّ موسى ابن يوسف
الزياني ووقت القائم عليه وهو أخوه أبو يحيى زكرياء بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني وهذا القائم هو الذي اتخذ وهران دار
ملكه وسكناه. وقول الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار : أحمد العاقل الذي جعل وهران
دار ملكه سبق قلم ، ولما مات الشيخ الهواري دفن بوهران وضريحه بها مشهور مقصود
للتبرك ويؤيده قول العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد المؤمن قاضي المالكية
بالجزائر يحرّض أمير وقته حسن باشا رحمهالله على غزو وهران في قصيدته الهائية /.
نادتك وهران
فلبّ نداها
|
|
وانزل بها لا
تقصدن سواها
|
واحلل بتلك
الأباطح والرّبى
|
|
واستصرخنّ
دفينها ـ الأوّاها
|
إلخ. وأراد به
الشيخ الهواري نفعنا الله به ، ولا تلتفت لمن يقول أنه مدفون بسيدي المسعود بتارقة
، وبسيدي سعيد بشافع ، فإن ذلك من خرافات العامة
__________________
__________________
ولم يدخل النصارى
الإسبانيّون لوهران في حياته وإنما دخلوها بعد وفاته باثنين وسبعين عاما لأن
دخولهم إياها كان سنة أربعة أو خمسة عشر من القرن العاشر وسبب دخولهم لها وتملكهم بها دعاء الشيخ الهواري عليها وعلى
أهلها وذلك أن أهل وهران بغوا على ولده سيدي أحمد الهايج وقتلوه ظلما وعدوانا
بالمحل المسمى به للآن (كذا) وهو الهايج وواديه يقال له واد الهايج وادّعوا أنه هايج عليهم بغير حق وسمع بذلك الشيخ وسكت
فحرّضته زوجته أم الولد على أخذ ثأر ولده بالانتقام من أهل وهران فلم يلتفت لها
فذهبت إلى دجاجة كانت عندها ذات فلا ليس صغار وأخذت فلّوسا منهم والشيخ ينظر فجاءت
الدجاجة وصارت تضاربها على ولدها لتخلّصه منها ولها صياح فقالت له يا هواري انظر
لهذه الدجاجة كيف أخذتها الغيرة على ولدها وكيف بك لم تأخذك الغيرة على ولدك القتيل
ظلما وعدوانا فعند ذلك غضب الشيخ / وقال لأهل وهران لأي شيء قتلتم (ص ١٧) ولدي
فإنه قرت (كذا) عيني وثمرة فؤادي وبضعة مني فقالوا له لأنه ارتكب ذنبا وثبت عليه
وقتلته الشريعة فقال لهم من حكم بقتله من ساداتها العلماء فقالوا له لا نحتاجوا (كذا)
في ذالك إلى حكم وإنما رأينا الشريعة قتلته فقتلناه فقال لهم أنتم قلتم بزعمكم أنّ
الشريعة قتلت ولدي الهواري وأن الهواري لا يجوز ولده لعدم تحقيق دعواكم وإن كان
قولكم بزعمكم في الظاهر مقبول. ففي باطن الأمر الذي لا اطّلاع لكم عليه ولدي ناج
وكلامه محمول. فأسلمها رحمهالله للنصارى لأنه سلطان مصرها ، ومتولي أمرها ، وكان من الذين
لو أقسموا على الله لأبر قسمهم. ونص دعائه «روحي يا وهران الفاسقة ، يا كثيرة
الجور والبغي والطارقة ، يا ذات الأهل الباغية السارقة إني بعتك بالبيعة الموافقة
، لنصارى مالقة والجالقة ، إلى يوم البعث والتالقة ، مهمي (كذا) ترجعي فأنت
الطالقة». فلما
__________________
قال الشيخ ذلك قال
له بعض تلامذته الحاضرين لدعوته : وأظنه الشيخ إبراهيم التازي «يا سيدي والفرج
لاحقة» ، فقال الشيخ «والفرج لا حقة». وحضر لدعوته على وهران الشيخ سيدي أبي الحسن
علي الأصفر التلمساني وأنذر تلميذه الشيخ إبراهيم التازي أهل وهران بقصيدة تاءية (كذا)
مع ما انضم لتلك الدعوة من (ص ١٨) دعوة الشيخ / أبي العباس سيدي أحمد بن يوسف
الراشدي أحد الأولياء الكبار ، والأتقياء الأخيار الأبرار ، الهواري وطنا الوامودي
أصلا نفعنا الله بالجميع ، آمين فإنه في وقته ذهب مرة لوهران فعظمه أهلها أشدّ
التعظيم فكتب قائدها للأمير أبي عبد الله الزياني ، «آه رجل بأرض هوارة يخشى منه
الملك فكتب الأمير ، إلى القائد ابعثه إليّ أو اقتله لما أتى الشيخ أهله برأس
الماء ، بعث العامل لأمير هوارة أحمد بن غانم في الشيخ فأطلع الشيخ على ذلك وارتحل
من وطنه وقال شوّشونا شوّشهم الله من البحر والبر فلم يك إلا قليل حتى شوّش الله
بني زيان من البحر بالكفرة فأخذوا وهران ومن البر الأتراك فأخذوا تلمسان فذهب
الشيخ قاصدا بني غدو فاعترضه محاربون من سويد فقبض على ثلاثة أحجار من الصمّ وحكّهم في يده فصاروا رمادا
وقال لهم إن تعرضتم لنا يسحقكم الله مثل هذه الأحجار فأتوه تائبين مذعنين. وذكر
الشيخ صالح القلعي أنّ له حينئذ ابنت (كذا) اسمها عائشة. وتوفي رحمهالله سنة ، إحدى وثلاثين على ما للحافظين : أبي راس والصباغ ،
وأربعة وعشرين على ما للحافظ الغول في وافيته ، اللّاميّة ، من القرن العاشر وقبره بمليانة من أعظم المزارات ، وله كرامات لا تحصى:
__________________
منها أن شابا قال
له أطعمني مشماشا وذلك في زمان الشتاء وبإزائه شجرة فهزّها الشيخ فتساقط منها
المشماش ، فتاب الشابّ وحسن حاله / ومنها قضيته مع (ص ١٩) المحاربين المتقدمين (كذا)
الذكر ، ومنها أن أمير تلمسان أبا حمّ سجن الشيخ بتلمسان وفعل له دجاجة ميتة على
الطعام وأخرى مذكاة فقال هذه حلال وهذه حرام ، وبعث الأمير الذباح فدخل البيت الذي
فيه الشيخ فلم يجد أحدا قال الشيخ وأنا أنظر إليه فرجع وقال لم أجد أحدا فرده
ثانيا وثالثا ولم يجد أحدا ثم أتى الأمير بنفسه فلم ير شيئا وأخذ الله بأبصارهم ،
ولما رجع الأمير لقصره بعث للشيخ بالتسريح. فقال الشيخ للرسول لا أخرج حتى نخرجا (كذا)
جميعا. ثم بعد أيام قدم المسعودي حاركا على أخيه فهرب أبو حمّ لوهران وولي
المسعودي فحينئذ خرج الشيخ بلا إذن لتوكّله على مولاه. ومنها أن خديمه علي بن أحمد
الكثيري كان أبوه خديم الشيخ عبد الرحمن الغلامي وتفاخرا فأرى الأب لابنه الكعبة
تلعب بأستارها فذهب الولد للشيخ وأخبره فقال له اذهب قد أعطاك الله الدنيا والآخرة
فكثر ماله. ومنها أن بعض أصحابه قالوا عن الشيخ الثعالبي أنه قال من رءا (كذا) من
رآني لا تأكله النار إلى ثلاثة فقال الشيخ وأنا إلى عشرة. ومنها أنه أخبر بإمارة
الأمير محمد علي تلمسان قبل أن يكون فكان كما قال. ومنها أن الشيخ علي الندرومي
كان (كذا) له منزلة في الولاية وتأتيه الناس فاعترض على الشيخ فسلب. قال الشيخ
يحيى بن علي المغراوي القاطن بمسراتة شاهدت الرجل تضحك منه العامّة. ومنها / ما
حدّث به محمد (ص ٢٠) ابن الهواري المسراتي أن الشيخ كان بكرشتل قبل أخذ النصارى وهران فإذا
__________________
بعروج التركي رسى
سفينته بالقرب منه وكان مع عرّوج رجل مراكشي شجاع فقال لعروج سر بنا نتبرك بهذا
الشيخ فقال عروج إن خرج على ما في ضميري فذهبا وسلما على الشيخ فقال لعروج أنت
عزمت على الغدر بأصحابك فقبّل رجل الشيخ فقال المراكشي قل لعروج يطلقني فسرحه ودعا
له وقال إن أصابك هول في البحر فقل يا أحمد بن يوسف فأغيثك ، ومنها أن شيخه زروق قال له لك ثلاثة أرباع الدنيا وشاركت
الناس في الرابع إلى غير ذلك من كراماته وهو شريف حسني نص عليه صاحب كتاب الاعتبار
، وصاحب كتاب أثمد الأبصار .
ومنهم الشريف
الحسني الذي علمه بمنزلة الرّازي ، تلميذ الهواري أبو إسحاق الشيخ إبراهيم بن علي
بن مالك التازي. نصّ على شرفه بالإجهار صاحب جواهر الأسرار ، وصاحب أثمد الأبصار ،
وصاحب كتاب : الاعتبار. وله ولشيخه نسل مبارك. كان رضياللهعنه ريحان الدين والأدب ، وإكسير اللجين والذهب فقيها بارعا
علّامة ، جامعا ، مع حسب وفضل ، وسخاء وعدل ، ونزاهة وأمانة وعفة وديانة ، فهو
نبيل جليل ، ذو معارف وتحصيل ، محدّث لغوي ، بياني ، أصولي ، نحوي ، صوفي ، سني ،
بديعي معاني ، خاشي خاشع حجة لا يدافع ، إمام العبّاد ، وملحق العوام ، بالأفراد ،
والأحفاد بالأجداد من أكابر الفقهاء (ص ٢١) والمحدثين ، وجهابذة العلماء الراسخين
الوارثين الموروثين ، / وكان جامعا بين العلم والعمل ، والزهد والورع ، والفضل
والكمل (كذا). ذا تصانيف صحيحة ، وقصائد ظريفة مليحة ، وخطب بديعة. ومنح صنيعة ،
عارفا بالأولياء وأخبارهم ،
__________________
وأيام العرب
وأشعارهم ، والأدب والأدباء ونوادرهم ، والبلغاء ومواردهم ومصادرهم ، صاحب اللسان
، حافظا للحديث وفصوله ، بصيرا في الفقه وأصوله ، له خط رايق ، وحفظ فايق ، لا
يعادله في فهمه وحفظه سابق ولا لاحق معروفا بجودة النظر وثقوب (كذا) الفهم في جميع
الحقائق ، لا نظير له في التمكّن والمعارف وبلوغ الدرجات العليا ، والهمة التي
نيطت هامتها بالثّريّا لا يقوم بمعرفة كلامه في التصرّف ومعاني العرفان إلّا من
تمكّنت معرفته ، وذاق من طعم الحبّ ما توفرت به مادته. وكان له تصرف في الولاية
وكرامات ، وأمور باطنية وخوارق عادات. فله كرامة عجيبة ، وأحوال غريبة ، وكلام
موشح بالحكمة في غاية الاقتباس ، وقصائد جليلة مشهورة عند الناس. وكان شديدا على
الملحدين ، لين الجانب على المتقين والمرشدين. وصار يضرب به المثل ، حتى إذا بالغ
أحد في وصف غيره قال كأنه التازي الأكمل. وإذا امتلأ غيظا ، قال لو كنت في منزلة
إبراهيم التازي ما صبرت لهذا ولو لحظا. فهو ممّن أظهره الله / لهداية الخلق ، (ص
٢٢) وألحقه برود المحبّة والمهابة عند الخاصّة والعامّة بالأسبق.
وكان أحسن الناس
صوتا وتجويدا ، حتى إنه إذا قرأ البخاري أيّام مجاورته لمكة انحاش (كذا) الناس
إليه ويسئلون (كذا) منه مزيدا. وانتشر صيته إلى مشارق الأرض ومغاربها ، ومباعدها
ومقاربها ، حتى حدث عنه من يوثق به أنه وجد بمكة المشرفة تأليفا مشتملا على قصائد
تتعلق بطريق القوم من تأليف الشيخ المذكور ، ومع ذلك أن بائعه عراقي مشهور وكان الوازعي يقول للطلبة
__________________
هذا عالمكم
وصالحكم فهو ذو العزّ الشامخ ، لبس الخرقة ، عن المزاغي ، والشيخ صالح الزواوي
بسنده إلى أبي مدين شعيب شيخ المشايخ. وأخذ بمكة عن تقي الدين الفاسي الحدوسي ،
وبالمدينة عن أبي بكر القرشي ، وبتونس عن الحافظ العبدوسي ، وبلتمسان عن ابن مرزوق
الحفيد الساري ، وبوهران عن الشيخ محمد الهواري ، فتلمّذه ولازمه فنال بركاته
ومقامه وقاومه ، إلى أن كان في غالب أمره في طريقه يذهب ، وعلى قالبه في جميع
أحواله يضرب .
قال الحافظ أبو
راس في عجائب الأسفار : لما حكى ما للتازي من المآثر الكبار ، وأني رأيت في تأليف
منسوب له أنه بعث من وهران إلى أهله بالمغرب مكتوبا بلفظ موجز موضوح (كذا) يقول
فيه فقد ظهر فضل الشيخ عليّ والحمد لله أنّي أدرّس في مختصر الشيخ خليل ولا أحتاج
لنظر شروح.
__________________
قال القلصادي لقيت
إبراهيم التازي خليفة الهواري بوهران ، وله اعتناء / (ص ٢٣) بكلام شيخه في السرّ
والإعلان. ا ه. وقد أخذ عنه جماعة ففازوا بنيل خيرهم منهم التونسي ،
والحافظ التّنسي والتالوتي وزروق ...
__________________
والسنوسي إلى غير ذلك من غيرهم. ولما مات شيخه الهواري رضياللهعنهما قام بوهران مقامه ، وتقلّد حسامه ، ونصب راية العلوم وشيّد
بنيانها ، ورفع قواعدها ودعّم أركانها ، فابتهج به المحل والأوان ، وحاز رئاسة
الفضل بثغر وهران ، فهو المطاع وليس بذي سلطان ، والنافذ الكلمة من غير أعوان.
وهو الذي جلب
الماء العظيم لوهران. قد جمعه لها من محاله بغاية الصيانة ، فاخترعه بتدبير عجيب
وابتدعه بتوفيق من الله والإعانة. وقد كان أهل وهران قبل ذلك في غاية الإهمال ،
بحيث تذهب المرأة بكرة لسقي الماء ، فلا تروج لبيتها إلّا بعد الزوال لكون الماء
بيض قليلا قليلا وعليه نوبة وزحام. ويقال إنه لما وصله للموضع المعروف برأس العين
من وهران طلسم عليه فلا يعرف من أين مجيئه (كذا) باحتكام ، وبديع تدبيره لمائه ،
يدل على عظيم فراسته ودهائه. وكان يقترض الدراهم الكثيرة من التجار بتحقيق
المسالك. ويصرفها في إصلاح هذا الماء فلا يدرى من أين يوفي ذلك. ولما أتمّ بنيانه
، وصوّب ميزانه ، وأرصد مكانه ، وأفخم عرفانه ، أخرج الأطمعة المختلفة الألوان ،
فشبع كل من
__________________
كان بثغر وهران ،
وكان ذلك / اليوم مشهودا ومن المواسم والأعياد معدودا فقيل له (ص ٢٤) من أين أخرجت
هذا الطعام وما صرفت على الماء وأنت فقير بالعيان ، فلست من الملوك ولا من
الأغنياء الأعيان ، فقال مساعدة الزمان ومساعفة الإخوان ، فعل بهما كلّ ما كان.
وكان جمعه له قبل موته بأمد في الشايع. لأنه توفي رحمهالله في تاسع شعبان سنة ست وستين من القرن التاسع أيام السلطان مولانا أبي عبد الله المتوكل الزياني رحمهالله وأسكنه دار التهاني ، ودفن بالقصبة الخلانصة ، كما دفن
شيخه الهواري بالبلانصة ، وبقي بضريحه خمسين عاما ، ولما ملكها الإسبانيون في
المرة الأولى سكن بعضهم عند قبره فرءا (كذا) ما يكرهه التزاما. فأخبره بطريقهم
بتلك القضية. وقد وافق قدوم أهل القلعة عليه بالضربية ، فأمرهم بأخذه فأخذوه بفرح
وسرور ، ودفنوه بمدينتهم فضريحه بها مزار مشهور ، وعليه قبّة عجيبة ، وله مناقب
كثيرة غريبة ، ولا زال على محل ضريحه بوهران تحويط من الحجر مقصود للتبرك به عند الخميل ، والأشهر ، وفيه وفي شيخه
الهواري قال الحافظ أبو راس في سينيته :
في رقتهم كان
قطبها وعالمها
|
|
محمد ذي المقدار
العادم الحجس
|
خلفه من بعد
موته تلميذه
|
|
إبراهيم الذي
كان يسموعن برجيس
|
وأتت لها لمّا
حجّ أهل مشرقنا
|
|
بل أقصاذاك كأهل
طوس مع قومس
|
جلب ماء إليها
فيه منفعة
|
|
لذلك الثغر
بأبدع مقتبس
|
__________________
(ص ٢٥) / ومنهم
العلامة الشريف الذي أغنى عن التعريف به ما له من شهرة وخمرة ، سيدي بختي بن عياد
دفين بلاد غمرة قد جمع الله له بين العمل والعلم ، وجودة النظر وثقوبة
بالفهم (كذا) ، والنجابة وذكاء القريحة ، والديانة وكثرة النصيحة ، فانتفع به خلق
كثير ، فهو من الأولياء المشاهير ، وكان رضياللهعنه من أهل القرن التاسع فهو القطب الرباني ، في زمان الملك أحمد العاقل ابن الملك
أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني. فاجتمع بالشيخ محمد الهواري وتلمّذه وأخذ عنه.
فانتفع بعلوم دينية ولدنية منه. ونال بركاته في القول الحفي
__________________
فكان من المفتوح
لهم في كل شيء. وكانت له صحبة جسيمة ، ومحبّة عظيمة ، مع الولي الزاهد ، القطب
الغوث الماجد ، شيخ الزّهّاد ، وقدوة العباد ، كثير المعاني ، وصاحب أسرار الأسماء
والحروف ، أبي على الحسن أبركان ابن مخلوف المزيلي الراشدي دفين تلمسان وأحد
ساداتها الأعيان لأخذهما معا عن من اشتهر عن وصف الواصف ، الشيخ محمد بن
أعمر الهواري ، العلوم وأسرار المعارف فتلمّذه له وخدمه بالنية والتصديق ، إلى أن
نال منه سرا عظيما بالتحقيق. وكان سيدي بختي من الشرفاء الحسنيين أولاد أبي عنان
الأخيار. نصّ على ذلك صاحب جواهر الأسرار.
ومنهم القطب
الكامل ، العامل الواصل ، العالم الفاضل ، قامع أهل الضلالة واللصوص / أبو عبد
الله سيدي محمد بن يبقى دفين جبل أبي عروص. (ص ٢٦) كان رحمهالله من أهل القرن التاسع وله جلالة وعظامة وسر نافع. وعلى
__________________
ضريحه مشهد عظيم
مزار ، مقصود للتبرك به وقضاء المأرب (كذا) في الليل (كذا) والنهار.
ومنهم العلامة
الأكبر ، والكبريت الأحمر ، من جمع الله له بين العلم والعمل ، ونار وقته وسعد به
المكان والمحل ، الشريف الحسني الذي سرّه وعلمه كالماء الجاري ، يجري ، الشيخ غانم
بن يوسف الملقب التركي الغمري ، دفين جبل ماخوخ من بلاد أولاد علي أحد بطون بني عامر ، فظهر فضله وكثر
سرّه فهو للكسير جابر. وكان من أهل القرن التاسع ومات بالعاشر واجتمع بالشيخ أبي
العباس أحمد بن يوسف الراشدي الملياني ذى السرّ الناشر ، نصّ على شرفه أبو عبد
الله محمد الفاسي في كتابه ـ أثمد الأبصار ـ فهو من السادات الأولياء العلماء
الأبرار. وكان معاصرا للذي له في العلم والشرف والولاية قدم رسوخ (كذا) سيدي معاش
بن أحمد الكثيري ، دفين ثنية ماخوخ واصل مسكن
__________________
سيدي غانم ببني
وراغ فسمع به الأحلاف فرقة منهم بأنه عنده شاة من الضان مسمّنة منذ ثلاث سنين ،
فقدموا إليه لطغيانهم وأمروه بذبحها لهم فسالهم غيرها فأبوا لما أراد الله بهم
الانتقام المكين. فذبحها لهم واحتسب وبش في وجوههم وانطرب ، ولما فرغوا من الأكل
وأرادوا الانصراف ، أنشأ يقول : حاف حاف طاح الكاف على الأحلاف ، فلا ينجى منهم
إلّا الأعمى والزحاف ، فذهبوا نحو كاف الوادي وناموا في ظلّه / من شدة الحرّ فسقط
عليهم ذلك الكاف وماتوا ولم ينج (ص ٢٧) منهم إلّا من كان أعمى أو زحافا كما قال.
ثم ارتحل وجاء عند
أبيه بمستغانيم فسكن بغربها بحشم داروغ إلى أن توفي أبوه سيدي يوسف الشريف فدفنه
بالمطمر من مدينة مستغانيم . وفي
__________________
التوسل بوالده ،
وسيدي عبد الله بن خطاب يقول الشيخ محمد بن حواء القدّاري ثم التجيني في غوثيته
التي من بحر الرجز :
وبدفين المطمر
الأواه
|
|
الإمام الأعظم
عبد الله
|
وبالإمام الختما
للشرف
|
|
رفيقة بعد
الممات يوسف
|
ثم انتقل وسكن
وهران أمدا ، ثم انتقل لغمرة غربي وهران وسكن بها إلى أن نسب لها. ثم انتقل منها
وسكن بجبل ماخوخ إلى أن توفي به ودفن هناك وعلى ضريحه قبّة ومشهد عظيم مقصود
للتبرك به وله نسل كثير أكثرهم بلهاء .
ومنهم العلامة
الكبير الدرّاكة الشهير ، الفهامة الأثير ، كثير المعارف والأنوار ، والخوارق
والأسرار ، أبو العباس سيدي أحمد بن أبي جمعة المغراوي النجار ، مؤلف كتاب : «جواهر
الاختصار والبيان ، فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان». كانت له اليد الطولا (كذا)
في كل شيء ، كثير التقارير. وكان من أولياء الله الأكابير (كذا). اجتمع بالشيخ
غانم بن يوسف الغمري وأخذ عند فوائد جمّة ، ومسائل مهمة. وتوفي بالعشرة الثالثة من
العاشر رحمهالله ونفعنا به وأمثاله. آمين .
(ص ٢٨) ومنهم
الولي الأشهر ، والكبريت الأحمر ، المنتشر الصيت / المراصد في العبادة للأوقات ،
أبو عبد الله سيدي محمد بن الخير الجماعي دفين وادي تليلات
__________________
وأصله من أولاد
جماعة فرقة من العرب من بني زروال ، وكان من أهل القرن الثاني عشر في صحيح الأقوال
ويقال إنّ الدعاء عند قبره مستجاب كأبي مدين أحد الإمامين والأقطاب. وله
كرامات جليلة ، وخوارق عادات جميلة خرج رحمهالله من وهران لما دخلها العدو في المرّة الأولى وسكن برأس التافراوي ثم انتقل بزاويته إلى المحل الذي به
ضريحه وسكنه إلى أن مات. وعلى ضريحه قبة وله مشهد للزيارة. ويقال إن له نسل وكانت
زاويته في أمن من العدو وسائر الآفات.
ومنهم الشيخ
النجيب ، الآخذ من العلم والسرّ بأوفر النصيب الطائع للإله (كذا) الرقيب المجيب ،
أبو عبد الله سيدي محمد أغريب كان من أهل العطا والنفع الوافر. وهو من الأقدمين في
المتواتر. وضريحه بصفح (كذا) جبل هيدور ، غربي وهران خارج سورها مشهور ولدى ضريحه
مقبرة جليلة ، منتمية إليه فضيلة .
__________________
ومنهم سيدي البشير
بن يحيى من ذرية الشريف الحسني القطب الأكمل (ص ٢٩) مقر الجان على الإطلاق. سيدي
محمد بن يحيى المغراوي دفين وادي فروحة بالاتفاق ، الذي نصّ على شرفه أبو زيد عبد
الرحمان في عقد الجمان النفيس ، وشارحه الشيخ الجوزي المزيلي ، والحافظ أبو راس في
عجائب الأسفار. وكذا صاحب جواهر الأسرار ، وأثمد الأبصار ، وغيرهم من ذوي الأسرار.
وكان سيدي البشير وقبره مشهور ومقصود للزيارة. وعليه قبّة وعنده مقبرة منتمية إليه
بالاشتهارة .
__________________
ومنهم العلامة
سيدي بدر الدين وضريحه بوهران مشهور. وكان من العلماء الأكابر فهو من أهل الثالث
عشر وله مسجد بها في المساجد مذكور .
ومنهم سيدي
السنوسي مقامه خارج سور وهران بطريق تلمسان .
وسيدي إبراهيم
الخرّوطي الوهيبي مقامه خارج سور وهران بطريق كدية الخيار يعان (كذا) .
وسيدي محمد بن أبي
يعزى من ذرية سيدي أبي يعزى الغربي الهسكوري مقامه بمقبرة سيدي البشير المارّ
المبروري .
__________________
وهؤلاء الثلاثة
كلهم من أهل القرن الثالث عشر .
والشريف سيدي قادة
بن المختار مقامه بالمدينة الجديدة وهو في القرن الحادي عشر مشتهر غير انّي في حيرة من هذا المقام بالتعيين ، لأنه إن كان
المنسوب له جلس به فإن وهران بذلك الوقت مسكونة بالاسبانيين. ثم زالت حيرتي بكونه
قدم مجاهدا وجلس به ليلا فجعل له المقام. والحمد لله على زوال هذه الحيرة باتضاح
المرام.
ومنهم العلامة
الكبير ، والقدوة الشهير الجامع بين العلم والعمل الشيخ الرباني ، أبو محمد عبد
الله بن الطيب بن حواء القدّاري التجاني ، شيخ الطريقة الدرقاوية كثيرة النوالي ،
بعد شيخه مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي البوبريحي الزروالي.
والسيد فرقان
الفيليتي بالبيان.
(ص ٣٠) وهما /
الذان (كذا) أمر الباي حسن بقطع رأسيهما فقطعا في شعبان سنة تسع وثلاثين من القرن
الثالث عشر بالتحيري ودفنا بضريح واحد بلحدين أحدهما قبلة والآخر بحرا بمقبرة
سيدي البشير. ويحكى أن السبب في قتلهما قاضي الحملة السيد محمود ابن حواء التجيني وشى بهما عند الباقي لينال سعده ، بأنهما يريدا (كذا)
القيام عليه كما قام ابن الشريف على من قبله من بايات الأتراك وهو الباي مصطفى بن
عبد الله العجمي فمن بعده. ثم نقلا معا من وهران
__________________
في عام أربعة
وثمانين من الثالث عشر ودفنا بضواحي البطحا في المشتهر .
ومنهم الضرير
السيد أحمد الفلالي المختاري كان يقرأ القرآن بالسبع ولقراءته قد حرر.
توفي سنة خمس أو ست وستين من القرن الثالث عشر ودفن بقبة مقام سيدي عبد القادر الجيلالي بقرب مقبرة سيدي
الغريب خارج سور وهران. وقبره مقصود للتبرك به نفعنا الله بالجميع في السرّ
والإعلان .
__________________
المقصد الثالث
في ذكر بعض علمائها
اعلم أيدني الله
وإياك بنوره. ونفعني وإياك بسره ووقانا من ضروره ، أن علماءها عددهم كثير. وحصرهم
شديد عسير. ولكني أذكر منهم إن شاء تعالى المشاهير ، كما ذكرهم شيخنا الحافظ
المحقق سيدي ومولاي ، وسمط محياي ، العالم الربّاني ، الشريف الحسني أبو عبد الله
محمد بن يوسف الزياني / في (ص ٣١) الفصل الثالث من كتاب ـ دليل الحيران فنقول :
إن من علماء وهران
عالمها ومحدثها أبو إسحاق إبراهيم الوهراني أحد شيوخ ابن عبد الله النمري الأندلوسي
(كذا) كان من أهل القرن الرابع .
ومنهم أبو تميم
الواعظ نفعنا الله به .
ومنهم أبو عبد
الله محمد الوهراني الملقب بركن الدين صاحب الرسالة المشهورة على لسان بغلته
للأمير بمصر عز الدّين موسك المذكورة في دليل الحيران وعقد الأجياد وغيرهما ، دخل
مصر في حدود السبعين من القرن السادس واشتهر بالعلم والأدب ، وحسن الفهم والنجب وحصل بها من
العلوم لبابها. وكشف الحقائق حجابها.
__________________
ومنهم أبو زيد عبد
الرحمان مقلاش وهو الذي أصلح في سهو الشيخ محمد الهواري أشياء وزنا وإعرابا وأتى
به إلى الشيخ وقال له يا سيدي إني أصلحت سهوك فلم يقبل منه وقال له هذا السهو يقال
له سهو مقلاش وأما سهوي فهو سهو الفقراء يبقى على ما هو عليه إنما ينظر فيه إلى
المعنى ومن أين لمحمد الهواري بالعربية والوزن. وأنشد سبويه في هذا المعنى أبياتا
فقال :
لساني فصيح معرب
في كلامه
|
|
فيا ليته من
وقفة العرض يسلم
|
أراه فصيحا في
الحياة وإنّما
|
|
أخاف عليه في
القيام يلجّم
|
وما ينفع
الإعراب إن لم تكن تقى
|
|
وما ضرّ ذا تقوى
لسان معجّم
|
وكان من أهل القرن
التاسع .
__________________
ومنهم المشايخ
الستة المتقدمون / الذكر وهم : سيدي محمد الهواري ، (ص ٣٢) وتلميذاه سيدي إبراهيم
التازي ، وسيدي بختي البوعناني ، وسيدي محمد بن يبقى ، وهؤلاء الأربعة كانوا في
عصر واحد من أهل القرن التاسع. وسيدي غانم الغمري وتلميذه سيدي أحمد بن أبي جمعة
المغراوي ، وكانا ممن أهل التاسع أيضا لكنهما ماتا بالعاشر كما مرّ .
ومنهم الشيخ أبو
عبد الله سيدي محمد بن أبي جمعة الوهراني المغراوي شارح لامية كعب بن زهير التي
اسمها : بانت سعاد. وله يد في علم النجم والحساب وكل علم لا سيما اللغة. واسم
الشرح المذكور : «تسهيل الصعب ، على لامية كعب». قال شيخنا الزياني وهو عندي في
الملكية بخطّ مؤلفه رحمهالله تعالى وهو صنو السيد أحمد ابن أبي جمعة المار وكلاهما من
ذرية سيدي محمد الهواري ابنا ابنه توفي سنة عشر من القرن العاشر .
ومنهم بالقرن
الثالث عشر :
الشريف السيد محمد
بن حسن المعروف بالكاتب المستغانمي لكونه كان كاتبا لإنشاء الباي المجاهد السيد
محمد بن عثمان ، فاتح مدينة وهران. وقد
__________________
وصفه الحافظ أبو
راس في رحلته المسمّة (كذا) بفتح الإلاه (كذا) ومنته ، في التحدث بفضل ربي ونعمته
، في الباب الثالث منه بما نصّه : فانجرّ الكلام إلى أن قلت الأمر الفلاني كلا شيء
بفتح الهمزة ، فقال لي لسان الدولة ، وفارس الجولة الذي عظّم مكانه ورفعه. وأفرد
له متلو العزّ وجمعه ، وأوتره وشفّعه وقرّبه في بساط الملك تقريبا فتح له باب
السعادة وشرّحه وأعطاه لواء القلم الأعلى (ص ٣٣) فوجب على من دونه من أولي صنعته
أن يتبعه. / وحسبك من ذمام لا يحتاج إلى شيء معه ، العالم الفقيه ، الحبر النزيه ،
الأمثل الأفضل السيد محمد بن حسن ، من بيت علم وصيانة ، ونزاهة وأمانة ، وبركة
وخير وقرى ومير ، ومنصب كريم ، وحسب صميم. وكان رحمهالله ذا يد في النحو واللغة وسائر العلوم ولا سيما الأدب. فينسل
إليه فيه من كل حدب ، حتى أنه كان لهجته وربيع حواسيه ومهجته. قل كلا شيء بكسر
الهمزة ألا ترى أنك تقول جئت بلا زاد وحرف لا ، لا عمل له. فقلت له أن الكاف لا
تعيق عن العمل كهمزة الاستفهام والباي رحمهالله ينظر إلينا ثم ذهبت وفي قلبي من كلامه شيء فعملت على ذلك
تأليفا فلما قرأه استحسنه وأراه للباي لأنه رحمهالله ممن طاب خيمه ، وسلم من الحسد أديمه. وسميت هذا التأليف : «بغية
المرتاد في كلا شيء وجئت بلا زاد». ولما علمت أنه لم ترتضه ذهبت وألّفت تأليفا
آخرا وبعثته له فأعجبه وسميته : «عمدة الزاد في إعراب كلا شيء ، وجئت بلا زاد» ـ ثم
انتقل رحمهالله من خطة الكتابة إلى خطة القضاء إلى أن مات بها.
وابنه القاضي
الشريف السيد أحمد بن الخوجة المستغانمي .
__________________
وأهل الراشدية وهم
: الشريف السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي مؤلّف : «فتح وهران» . والشريف السيد الحاج محمد بن البشير الحريزي الزياني . والشريف السيد أحمد بن يوسف الزياني عم شيخنا والشريف السيد عبد الله ابن محمد بن عبد / الله الجيلالي
الفيقيقي . (ص ٣٤)
والشرفاء الثلاثة
المشارف وهم : السيد الطاهر بن الشيخ المشرفي صاحب التأليف العديدة. وابن أخيه السيد
محمد بن عبد الله سقاط بن مصطفى بن الشيخ المشرفي. وابن عمهما السيد الحاج عبد
القادر بن مصطفى المشرفي الذي توفي بمصر سنة تسع وستين ومائتين وألف .
__________________
__________________
والشريف السيد
أحمد بن التهامي أحد أولاد سيدي أحمد بن علي
__________________
البو عمراني وابنه السيد الحاج مصطفى بن التهامي خليفة الأمير السيد
الحاج عبد القادر الحسني بالمعسكر .
وشيخ الجماعة
السيد محي الدين بن المصطفى بن المختار والد الأمير الحسني .
__________________
__________________
والشريف السيد
مصطفى بن الهاشمي. وصنواه : السيد أحمد ابن الهاشمي قاضي المعسكر والسيد الحبيب بن
الهاشمي المراحيين .
والشريف السيد
أحمد بن أعمر بن الخضير المهاجي .
والشريف السيد عبد
القادر بن بروكش الورغي المفتي بوهران وابن عمّه السيد الحبيب بن بروكش الورغي ،
فهؤلاء أهل المعسكر من الراشدية
__________________
وحافظ البخاري
السيد مصطفى بن جلول الخروبي ، وصنوه السيد محمد ابن جلول الخروبي. والخوجة السيد
الحاج محمد بن الخروبي ، والشبيه بالحكيم اليوناني ، القاضي السيد محمد بن
الجيلاني ، الخروبي الذي قال فيه الخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الحميدي في أنيس
الغريب والمسافر هذين البيتين :
ونديم لأبي
محمّد عثمان
|
|
مصدّر في كل شيء
فقيه
|
عفيف ذو نجابة
مهاب
|
|
ظريف ذو رئاسة
وجيه
|
/ وهؤلاء أهل القلعة الراشدية . (ص ٣٥)
والسيد الحاج محمد
بن قجيل ...
__________________
والسيد أحمد بن
أفغول وهذان برجيان من الراشدية أيضا ؛ والسيد محمد الصادق الحميسي ابن علي
المازوني ثم المغيلي والسيد عبد الله بن حواء. والسيد فرقان والسيد بدر الدين
المتقدمين (كذا) الذكر. والسيد محمود بن حواء التجيني. والسيد الحاج مفتاح البخاري
الحنفي شيخ الجماعة بوهران. والسيد
__________________
أحمد بن هطال
التلمساني وأبو عبد الله السيد محمد الغزلاوي وماتا معا يوم فرطاسة في ربيع الأول
سنة تسعة عشر من القرن الثالث عشر في قصة ابن الشريف الدرقاوي الحارك على الباي
مصطفى بن عبد الله العجمي باي وهران .
والشريف الوادفلي
السيد الحاج محمد بن البشير أحد شرفاء الواد المبطوح وصهره السيد الغوثي ، والخوجة السيد مسلم ابن عبد القادر
__________________
الحميدي وهو الذي
سأل الحافظ الشيخ أبا راس أن يجمع تأليفا في الأمثلة السائرة فجمعه الشيخ وسمّاه :
«كشف النقاب ، ورفع الحجاب ، على أمثال سائرة وحكم باهرة ، ومواعظ زاجرة». على
ترتيب حروف الهجاء للسان الدولة ، وفارس الجولة. ألهم لها وبادر ، السيد مسلم بن
عبد القادر». نص عليه الحافظ في الباب الخامس من رحلته ، والسيد علي ابن أبي سيف الدائري والسيد سليمان بن
النزاري الدائري أيضا وهؤلاء الثلاثة من علماء المخزن وسكنوا بوهران. وفي السيد
سليمان المذكور قال السيد أحمد الكلاعي بن السيد (ص ٣٦) الحاج / المكي الدحاوي في
قصيدته الملحونة التي منها :
كلا بلاد بدحّها
|
|
في وهران صبت
سليمان
|
والسيد الحاج قارة
الجزائري ، والسيد أحمد بن الطاهر الرزيوي ، والسيد محمد بن قريد ، والسيد عبد
الله بن عمارة البو عمراني ، وهذان غريبان. إلى غير ذلك مما لا أطيق حصره ، ولا
أحصي ذكره ، وكلهم علماء أجلّة ، وأيمة بدور أهلّة .
__________________
ومنهم بوقتنا الذي
هو العام السابع من القرن الرابع عشر أستاذ الاخوان والياقوت البرهان ، فائق
البراعة ، وجزيل الفصاحة والبراعة ، مفتيها وخطيبها ذو الإنصاف والإحسان أبو الحسن
السيد علي بن عبد الرحمان ، الجزائري وجارا الوهراني دارا ، العبّاسي نجارا ولما حل بها أتحف جامعها الأعظم غاية الإتحاف ورونقه
بالفرش المختلفة الألوان والأنواع وأغناه حتى صار لا يسئل الإلحاف. وطهره من
الأدناس وسائر المناكب ، بعد أن وقع في زوايا الإهمال ونسجت بجميعه العناكب. فعاد
بفضل الله مبتسما ضاحكا ، وأضاء منه ما كان ديجورا حالكا ، وعلا بمنارته جهير
الصوت بالأذان ، ونادى بقوله هلموا للطاعة والعبادة في الأوقات الخمس والجمعة
والعيدين يا أهل الإيمان ، فلله درّه من ماهر ومربّي سنّي باهر.
ومنهم شيخنا
الفاضل الماجد ، العالم الفاضل الزاهد ، من هو بحفظ الأوقات للعبادة شديد المراصد
، قدوة السالكين ، وبقية الأيمة الناسكين ، المدرس المضيف / الحافظ الضابط الموثّق
المؤلف الشريف الحسني الصمداني (ص ٣٧) الربّاني ، العلّامة السيد محمد بن يوسف
الزياني. فهو معدود في أعيان علماء المخزن وإن كان من جملة علماء وهران وبها قد
سكن .
__________________
ونخبة الأشراف
وقدوة السادات الظراف ، ومقصد الذاهب والعاني ياقوتة الكمال والجوهر القاني ،
الشريف الحسني السيد الحسني ابن إبراهيم العلمي الوزّاني نفعنا الله به وبسلفه ،
ومتّعنا به وبخلفه.
وإمام جامعها
الأعظم الفقيه الوهراني ، الشريف الحسني السيد أحمد انكروف بن الملياني النّكروفي.
والفقيه المدرّس
بالجامع الوهراني ، الشريف الحسني السيد الحبيب ابن البخاري الحريزي الزياني .
والفقيه الشريف ذو
التدريس بالكفراوي إمام قبّة الشيخ الهواري السيد محمد بن الجيلاني الشهير بابن
العالية بن سيدي أحمد بن عربية المعسكري المغراوي.
والفقيه الوجيه
الرحماني ، الشريف السيد الحاج عبد الرحمن بن الطيب أحد أولاد سيدي أحمد بن علي
البو عمراني .
__________________
والفقيه الأجل
الذي للتحقيق يحوي ، السيد الحاج بن آمنة بن عمر المرياني العبد الغوي.
والفقيه النبيل
الشريف البلاحي المشيشي الذي في أموره لله راجي السيد أحمد بن محمد بن أحمد ، وكذا
ابن عمّه السيد المولود ابن عبد الرحمان ابن أحمد البلاحي المهاجي.
وقدوة العبّاد ،
وبقية الزهاد ، الأبر الأكمل الفقيه الأجلّي ، السيد الحاج الطيب بن البشير الشرفي
الشريف الوادفلي .
فهؤلاء السادات
الكرام الأفاضل ، والعلماء / الأجلة البواسل الذين بهم (ص ٣٨) طاب الوقت ونار ،
واطمأنت القلوب بهم وحلّت بها الأسرار.
__________________
المقصد الرابع
في ذكر دولها
اعلم أنار الله
قلبي وقلبك بأنواره ، وأيدني وإيّاك بأسراره. وأمنني وإياك بحوله وقوته من مكره
وسرّه. ووقاني وإياك من بأسه وضرّه. أن دول وهران من حين اختطّت تسعة دول كما في
دليل الحيران ، وهم : دولة الأمويين بالأندلس القائمين بأمورهم زناتة. والعبيديين
وهم الشيعة ، والمرابطين وهم الملثّمون ، والموحدين ، والزيانيين وهم بنو عبد
الواد ، والمرينيين وهم بنو احمامة ، ثم الزيانيين ، والإسبانيين ، والأتراك ، وهم
الترك والفرانسيس. فهؤلاء تسعة إجمالا.
وأما تفصيلا فكانت
عمالهم يتداولونها بينهم إلّا الدول الثلاثة الأخرة (كذا) فعمالهم منهم.
الدولة الأولى مغراوة
عمال بني أمية
وأول العمال
مغراوة عمال بني أمية الذين هم الدولة الأولى ، وأول من ملكها من مغراوة خزر بن
حفص المختط لها في القرن الثالث كما مرّ. وتولى إمارة مغراوة بوهران وغيرها بعد
موت أبيه حفص بن صولات بن وزمار ابن صقلاب بن مغراو. ووزمار هو الذي أسلم على أيد
سيدنا عبد الله بن سعد ابن أبي صرح ، لما غزى (كذا) إفريقية وبعثه لأمير المؤمنين
، وخليفة رسول رب العالمين سيدنا عثمان بن عفان رضياللهعنه ثالث الخلفاء بالمدينة المنورة ، / (ص ٣٩) على صاحبها أفضل
الصلاة وأزكى التسليم فجدّد إسلامه على يده وعقد له على قومه ورجع لإفريقية. ومن
ثم بقيت مغراوة موالي (كذا) لبني أمية كصنهاجة للعلويين العبيديين بإفريقية.
وأقام خزر مقام
أبيه في أمر زناتة واعتزّ قومه على المضرية بالقيروان واستفحل ملكهم وعظم سلطانهم
على البدو وزناتة بالمغرب الأوسط عند تقلص ظل الخلافة بعض الشيء بالمغرب حيث عمت
فتنة ميسرة الحقير ومدغرة وقوى اعتزاز خزر وقومه ، وعتوّه وانتشر صيته وعلت كلمته
عند المروانيين بالأندلس والأدارسة بالمغرب الأقصا (كذا) والسليمانيين برشقون
وتلمسان ، والشيعة بإفريقية إلى أن هلك في خلال ذلك. ا ه.
قال البكري في
تاريخه المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب :
«وفي سنة سبع
وتسعين ومائتين زحف (كذا) قبائل كثيرة إلى وهران يطالبون أهلها بإسلام بني
مسقن إليهم لدماء كانت بينهم فأبى أهل وهران من إسلامهم إليهم فنصب (كذا) القبائل
عليهم الحرب وحاصروهم ومنعوهم من الماء فخرج عنهم بنو مسقن وهم من أزديجة ويقال
لهم بنو مسرقين ليلا هاربين واستجاروا بأزديجة فأجاروهم وتغلّب الحاركون على أهل
وهران فخرج أهلها منها بأنفسهم وأسلموا ذخائرهم وأموالهم للحاركين وخربت وهران
وأضرمت نارا وذلك في ذي الحجة من هذه السنة ثم عاد أهل وهران إليها في السنة بعدها وهي سنة ثمان
وتسعين ومائتين بأمر أبي حميد داوس بن صولات ويقال له داوود عامل تاهرت.
(ص ٤٠) وابتدأوا
بنيانها في شعبان من هذه السنة فعادت أحسن مما / كانت وولى عليهم داوود بن صولات الدهيصي
، محمدا بن أبي عون فلم تزل في عمارة وكمال ، وزيادة وحسن حال. ا ه.
وهو مخالف لما في
الحافظ أبي راس.
ولما هلك خزر بن
صولات تولى بموضعه ابنه محمد بن خزر وسكن وهران وأجلب على ضواحيها بكل ما أراد
وشنّ الغارات في المغرب الأوسط إلى إفريقية وفي الأقطار إلى المصامدة وهابته
الملوك وخشيت سطوته وأذعنت له
__________________
الناس وعاش كثيرا
من السنين وجرب الأمور. فقد قال ابن خلدون في تاريخه الكبير في الجزء السابع منه
أنه نيف على المائة سنة بكثير والذي يقتضيه استقراء كلامه من أوله إلى آخره أنه
بلغ المائتي سنة أو قاربها فإنه قال في أخباره أن إدريس بن عبد الله لما نهض إلى
المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين ومائة تلقاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة وبايع له عن
قومه وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بني يفرن أهلها وانتظم لإدريس بن إدريس
الأمر وغلب على جميع أعمال أبيه وملك تلمسان وقام بنو خزر هؤلاء بدعوته كما كانوا
لأبيه إلى أن قال : ثم وفد على المعتز بعد ذلك سنة خمسين وثلاثمائة وهلك بالقيروان وقد نيّف على المائة من السنين. ه.
لكن قال الحافظ
أبو راس في عجائب الأسفار في الكلام على مغراوة كلام ابن خلدون فيه تخليط وتناقض ا
ه. وفي سنة ست وثلاثمائة حرك ازديجة وعجيسة على محمد بن خزر المغراوي وقاتلوه شديدا
، وحاصروه عتيدا ، إلى أن أخذوا من يده وهران عنوة فبقيت في ملكهم وتحت تصرفهم سبع
سنين وهم عمال على المروانيين ثم صاروا عمالا / على الشيعة. ثم قام عليهم محمد (ص
٤١) ابن خزر بجيوش لا تحصى وحاصرهم وأثخن فيهم إلى أن غلبهم عليها سنة ثلاثة عشر
وثلاثمائة وبقوا تحت حكمه. ولما غلبهم عليها وعادت لحكمه بعد حروب
كثيرة كان الظفر له فيها عليهم ، أخّر نفسه ، وولى عليها ابنه الخير وبقي (كذا)
ازديجة وعجيسة تحت حكمه ، وفي قبضة جبره وحلمه. فقام الخير بضبط ملك وهران غاية
الضبط وظاهر المروانيين بالأندلس كعادة أسلافه وأمير الأندلس وقتئذ عبد الرحمن
الناصر وشن الغارات على ضواحي وهران والمغرب الأوسط فملك بلاد الغرب كلها وسوس
الأدنا (كذا) وتلمسان والصحرا (كذا) وحارب الشيعة ملوك إفريقية وتاهرت حروبا عظاما
وغزى (كذا) بسكرة والمسيلة والزّاب
__________________
ودوّخ المغرب
الأوسط تدويخا عظيما ووالده محمد بن خزر لم يفارقه في كل ذلك. واتصلت يده بيد موسى
بن العافية المكناسي فبثا معا دعوة المراوانيين امراء الأندلس بالمغربين وقطعا
دعوة الشيعة بإفريقية ثم فسد ما بينهما وتزاحفا للحرب فبعث لهما عبد الرحمان
الناصر أمير الأندلس قاضي قرطبة وهو الفقيه منذر ابن سعيد الولهاصي ثم البلوطي
فأصلح بينهما ولم يزل الملك في يده إلى أن انتقل لولده محمد بن الخير بعده.
الدولة الثانية الشيعة الفاطميون
ثم ملك وهران
الدولة الثانية وهم الشيعة ويقال لهم الرافضية والعبيديون والعلويون والفاطميون.
أما / تسميتهم
بالشيعة والرافضية فلتمذهبهم بمذهب شيعة المشرق والرافضية (ص ٤٢) من سبهم للشيخين
أبي بكر وعمر رضياللهعنهما ، ورفضهم للسنة واتباعهم للبدعة ومدحهم لعلي بن أبي طالب
كرم الله وجهه ورضي عنه دون غيره.
وأما تسميتهم
بالعبيديين فذلك نسبة لجدهم عبيد الله المهدي الشيعي أول ملوكهم.
وأما تسميتهم
بالعلويين والفاطميين فذلك نسبة لجدهم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه
وجدتهم فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهم حسينيون بضم الحاء المهملة ولا عبرة بالطعن فيهم.
وذلك أن وهران
غزاها في سنة ثمانية عشر داوس بن صولات ويقال له داوود بن صولات الدهيصي عامل تاهرت
على يد الدولة الشيعية فحاصرها حصارا عظيما وحارب ملكها الخير بن محمد بن خزر المغراوي
ومن معه من أزديجة وعجيسة لكونهم صاروا يدا واحدة مع الخير بن محمد بن خزر فأثخن
فيهم كثيرا وأخذها من يد ملكها الخير عنوة بعد حروب شاب لها رأس الغراب وولى عليها
من قبله محمدا ابن أبي عون الشيعي فهو أول عامل للشيعة بوهران وأول من ملكها من
الشيعة داوس عامل عبيد الله الشيعي فعمّت الرافضية المغرب
__________________
الأوسط وانقطع حكم
المروانيين منه بالكلية وخرج حكم وهران من يد الدولة الأموية ودخل في يد الدولة
الشيعية.
فأقام محمد بن أبي
عون الشيعي الملك بوهران وتصرّف في المغرب الأوسط بما شاء وصار معه ازديجة وعجيسة
يدا واحدة وعنه أخذوا الرافضية (ص ٤٣) واندرست / السنّة ولما مر ميسور الخصّى ،
سمي بذلك لكونه لا لحية له ، في عام ثلاث وعشرين وثلاثمائة بأمر القائم العبيدي حال ذهابه لمحاربة موسى ابن أبي
العافية المكناسي للمغرب لمظاهرته للمروانيين وإعراضه عن الشيعة متوجها بجيشه لفاس
ولقيه محمد بن أبي عون الشيعي والي وهران فأقرّه عليها. وكذلك لما توجه مصالة بن
حبوس الكتامي للمغرب في عام إحدى وأربعين وثلاثمائة بجيشه لتدويخ المغرب بأمر المعزّ العبيدي أقرّه على وهران
كما أقر كل عامل كان للشيعة على محلّه ودوّخ المغرب غاية وأزال ما ظهر به من أمر
المروانيين ملوك الأندلس ورجع بغنائم عظيمة.
ثم في سنة ثمان
وثلاثين وثلاثمائة اختط يعلا بن محمد بن صالح اليفريني مدينته بايفكان أحد
أراضي بني راشد بصفح (كذا) جبل أوسلاس وهو بجوفها واستقر بها وظاهر المروانيين
بالأندلس وتجانب الشيعة بإفريقية فولّاه عبد الرحمن الناصر الأموي ملك الأندلس على
المغرب الأوسط وعقد له على حروب الشيعة الرافضية. وكان مصالة بن حبوس الكتامي قد
رجع من المغرب للمهدية فخلا الجوّ ليعلا بن محمد بن صالح اليفريني وزحف لوهران
فحاصر بها محمدا بن أبي عون الشيعي وازديجة وعجيسة وطالت بينه وبينهم حروب عظام
إلى أن فرّق جمعهم بجبل قيزة غربي وهران وذلك في يوم السبت منتصف جمادى الثانية
سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة ودخل وهران عنوة وأضرمها نارا (ص ٤٤) وخربها ولحق أكثر
أزديجة وعجيسة بالمغرب ، / وبعضهم بالأندلس لما أيّسوا
__________________
(كذا) منها وملكوا
دار بني صالح وهي قلعة النكور سنة ست من القرن الهامس فخربوها وبقوا بها إلى أن قطع ملكهم يوسف بن تاشفين
اللمتوني. ومن لحق منهم بالأندلس ، صار من أعيان جند المنصور ابن أبي عامر
المعافري حاجب المؤيد هشام الأموي. ولما فتح يعلا مدينة وهران وخرّبها نقل أهلها
إلى مدينته المعروفة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وبقيت خرابا مدة ثم تراجع الناس لها وبنيت. وذكر الحافظ
أبو راس في عجائب الأسفار أن يعلا ابن محمد بن صالح لما خرّب وهران جدّد بناءها في
تلك السنة وانتقل إليها بأهله وولده من مدينته بأيفكان. قال البكري في تاريخه وكان
في عمل وهران قرية أهلها موصوفون بعظم الأجساد ، وشدة الأياد (كذا) حتى أن الرجل
الكامل في الخلق المعهود من غيرهم يكون إلى دون منكب الرجل منهم وكان رجل منهم
يحمل ستة أنفار ويخطوا بهم خطوات اثنين على عتقيه ويتأبّط باثنين وعلى ذراعيه
اثنين. وأن رجلا منهم احتاج لعمل بيت يسكنه فاقتطع ألف كلخة وحملها على ظهره وبنا
بهم بيتا تاما معرسا. ه.
ثم أن محمدا بن
الخير بن محمد بن خزر المغراوي لما رأى (كذا) وهران دار ملكهم اتخذها بنو يفرن دار
ملكهم أيضا وبثوا بها الدعوة المروانية نزع إلى الشيعة وظهر لهم وأدّى لهم الطاعة
ووفد على المعزّ العبيدي الشيعي / بإفريقية (ص ٤٥) فألفاه جهز قائده جوهرا لغزو
المغرب سنة سبع وأربعين وثلاثمائة وخرج من القيروان في جيش عرمرم فجاء معه مغربا وكان من
مشاهير بني خزر وأشرفهم نفسا فكان عنده بمكانة عظيمة وسار جوهر إلى أن نزل بتاهرت
فلقيه بها يعلا ابن محمد بن صالح اليفرني في جيش عظيم من قبائل زناتة على مقربة من
تاهرت بناحية شلف فالتحم (كذا) الحرب بينهما وبذل جوهر الأموال لقواد كتامة ولما
اشتد الحرب صممت عصابة من أنجاد قواد كتامة وأجنادها وقصدوا يعلا فقتلوه واجتزوا
رأسه وأتوا به إلى جوهر فأعطاهم الأموال الجليلة بشارة عليه وبعث
__________________
برأسه إلى المعزّ
فطيف به بالقيروان وهزم بنو يفرن وتفرق جمعهم. هكذا في الأنيس المطرب ، وفي ابن
خلدون ما يخالفه.
ولما مات يعلا قام
ابنه يدّو مقامه لكنه لم يملك وهران. ثم ذهب جوهر مغربا ومرّ بمدينة إيفكان التي
بناها يعلا فخربها ولم تعمر للآن وذهب معه محمد ابن الخير وقد عقد له على وهران
فحضر معه جميع وقائعه بالمغرب ولما رجع أقرّه على وهران بعد أن قطع الدعوة
المروانية من المغرب بأجمعه وردّها للشّيعة فخطب لهم على جميع منابر المغرب.
ثم حل محمد بن
الخير بوهران وأقام ملكها غاية وبثّ دعوة الشيعة بالمغرب بعد أن وقعت له معهم حروب
عظام ولما تقلدها في سنة سبع أو ثمان وأربعين (ص ٤٦) وثلاثمائة / وهي السنة التي
قتل فيها يعلا. ويقال إن محمدا بن الخير هو الذي أغرى جوهرا على قتله. أدّى لهم
الطاعة التامة وظاهرهم غاية الظهور ورفض المروانيين بالأندلس رفضا كليا. وفي سنة
خمسين وثلاثمائة توفي جده محمد ابن خزر بالقيروان بعد أن عمر كثيرا كما في
ابن خلدون. ثم في سنة ستين وثلاثمائة فسد ما بين محمد بن الخير والشيعة وتقلد طاعة المروانيين
بالأندلس وحشّد جميع زناتة المغرب الأوسط ما عدا تاهرت لبقائها بيد الشيعة وأمدّه
المرواني من قرطبة بما أراد من الجيش العرمرم ونهض من وهران يجرّ الأمم بحذافرها
فبلغ ذلك زيري بن مناد الصنهاجي عامل الشيعة وجمع له الجموع التي لم يعهد الزمان
بمثلها ولما اجتمعت بدار ملكه أشير ، عقد لابنه بلكين وأمره بحرب محمد بن الخير
فالتقى الجمعان بالبطحاء ووقعت الدائرة على محمد بن الخير بعد أن وقعت بينهما
الحروب العظام ويقال أن زيري دسّ من يجرّ الهزيمة على محمد بن الخير. ولما رءا (كذا)
ذلك مال بنفسه إلى ناحية من عسكره وذبح نفسه سنة ستين وثلاثمائة وانهزم قومه سائر يومهم وبقيت عظامهم ماثلة بمحل القتل
أعصرا وهلك من قومه سبعة عشر أميرا في تلك الواقعة سوى الأتباع كذا في ابن خلدون ،
وقال غيره بضعة عشر من غير تعيين ،
__________________
فأخذ بلكّين رؤسهم
وانقلب بها إلى أبيه ظافرا بالغنيمة وبعث بها زيري إلى إفريقية للمعزّ الشيعي /
فامتلأ سرورا وغمّ لها المنصور الأموي بقرطبة وبذلك (ص ٤٧) علا قدر زيري على سائر
العمال.
ثم تولى الخير بن
محمد بن الخير بن محمد بن خزر رئاسة قومه بموضع أبيه بوهران فملكها واجتمع بأخيه
يعلا بن محمد بن الخير وقومهما وطلبوا الثأر. ولما جاءهم جعفر بن علي عامل المسيلة
للشيعة فارا من المعزّ الشيعي ألقوا إليه حالهم وجعلوا بيده زمام أمرهم فقام بدعوة
المرواني منتقضا على الشيعي فزحف لهم زيري بن مناد الصنهاجي من آشير واقتتلوا
قتالا شديدا فكانت الدائرة على زيرى وأكبّ (كذا) به فرسه فأخذوه وقتلوه واجتزوا
رأسه وبعثوا به إلى الحاكم المرواني بقرطبة سنة ستين أو إحدى وستين وثلاثمائة فأخذ
مغراوة ثأرهم وشفوا غليلهم ، وأبردوا (كذا) غليلهم وتهدم بموت زيري البنيان
لصنهاجة ، والدنيا تلك عادتها يوم بيوم والدّهر قاض ما عليه لوم. ولما أخذ الخير
بن محمد بن الخير بثأر أبيه من الصنهاجيين وتمهّد له الملك نهض بلكّين ابن زيري بن
مناد الصنهاجي لقتاله آخذا بثأر أبيه زيري المذكور وذلك سنة سبع وستين وثلاثمائة فجمع الجموع التي لا تحصى ولا تعد ، وغزى (كذا) المغربين
حتى انتهى إلى أقاصي المغرب الأقصا (كذا) وملك فاسا وسجلماسة وأطرد (كذا) جميع
أولياء المروانيين وتقبّض على علي بن نور ، ومحمد والخير ، ابني محمد بن الخير
فقتلهم وفرّ من بقي من ملوك زناتة مثل يدّو بن يعلا اليفريني وبني عطيّة
المغراويين وغيرهم ولاذوا بسبتة وبعثوا بالصريخ إلى المنصور بن أبي عامر المعافري
فخرج من قرطبة للجزيرة الخضراء / وأمدهم بعساكر جمّة ولّى عليها (ص ٤٨) ابن حمدون
وعقد له على حرب بلكين وأمّده بمائة حمل من المال فأجاز (كذا) البحر وصيّر مصافّ
القتال لظاهر سبتة. وكان بلكين بعساكره في تيطاون فتحيّل وأطلّ على عسكرهم فرءا (كذا)
ما أدهشه وقال هذه أفعا أفغرت إلينا فاها (كذا) وكرّ راجعا فهدم البصرة وجاهد في
بر غوّاطة وسلبهم وبعث بذلك للقيروان وأقطع (كذا) الدولة الأموية من المغرب كله.
ولم تزل معه مغراوة في تشريد إلى
__________________
الصحرا وإذعان له
إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة بموضع يقال له وازركس بين سلجماسة وتلمسان بسمّ سقته له
زوجته.
ثم تولى بوهران
يعلا بن محمد بن الخير الخزري المغراوي بموضع أخيه الخير بن محمد وقام بأمر زناتة
فضبط الملك وتكررت إجازته (كذا) مع ابن أخيه محمد بن الخير بن محمد إلى المنصور بن
أبي عامر المعافري بقرطبة ليمدهما بالجيش لأخذ الثأر في الخير بن محمد وأصحابه من
أعدائهم الصنهاجيين فلم تحصل لهما فائدة وسلم يعلا بن محمد بن الخير لابن أخيه
محمد في رئاسة قومه بوهران.
ثم تولى بوهران
محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر المغراوي رئاسة قومه وذلك في أعوام
الستين وثلاثمائة ثم تولى بعده أمر زناتة بالمغرب الأوسط بدار ملكهم وهران
محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد ابن خزر المغراوي فملك ما ملك أبوه وجده
كافة واستولى على كافة المغرب حتى أضاف لعمله المسيلة والصحرا والمغرب وبوادي
زناتة. ولم يبق لبني أمية (ص ٤٩) معه سوى الخطبة خاصة وأطرد (كذا) الصنهاجيين من /
أكثر عملهم.
ثم في سنة ثمان
وستين وثلاثمائة تولى زيري بن عطية بن عبد الله ابن محمد بن خزر الخزري
المغراوي ، فملك وهران وغيرها وذلك بدعوة هشام المؤيد الأموي وحاجبه المنصور بن
أبي عامر المعافري بعد انقطاع أيام الأدارسة وبني أبي العافية المكناسي من المغرب
الأقصا (كذا) ، فملك المغربيين وغلب على بواديهما كله (كذا) واستوطن فاسا وصيره
دار ملكه في عام سبعة وسبعين وثلاثمائة وأورثه لبنيه من بعده. المعروف الآن بباب القيسة وعلا قدره
وعظم سلطانه وارتفع شأنه على سائر العمال.
ثم قام عليه أبو
البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي بالمغرب الأوسط
__________________
مخالفا على ابن
أخيه منصور بن بلكين ظهير الشيعة فنقض أمر الشيعة ومال للمروانيين وغلب على تلمسان
ووهران ومازونة وتمزغران (كذا) ومستغانيم ، والبطحا ، وتنس ، وشلف ، وشرشال ،
ووانسريس ، ومليانة ، وكثير من بلاد الزّاب ، وخطب للمؤيد وحاجبه وبعث لهما
بالبيعة والهدية وذلك سنة سبع وسبعين وثلاثمائة فبعث له المنصور بالعهد على ما بيده من البلاد وصارت وهران
في حكمه ودار ملكه وبقي نحو الشهرين ورفض دعوة الأمويين ومال للشيعة فبلغ المنصور
أمره فبعث فورا لزيري بن عطية المغراوي المذكور بالعهد على بلاد أبي البهار وأمره
بقتاله فسار له بجيوش كثيرة وفرّ أبو البهار هاربا بنفسه فلحق بابن أخيه وترك
المغرب لزيري الخزري فرجعت له وهران كأول مرة فاتسع عند ذلك سلطانه وامتدّ ملكه من
سوس الأقصا إلى الزاب ، وكتب بالفتح للمنصور وبعث له صحبة الكتاب بهدية عظيمة من
جملتها قطط الزبد ثم اللمط ، والزرفة وغيرهم ، فسرّ المنصور بذلك كثيرا وكتب له
بالجواز عنده فجاز في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة فأوسع له المنصور ولأصحابه في الجوائز / وأعطاه مالا (ص ٥٠)
عظيما ، وهدايا كثيرة ولقّبه بالوزارة فرجع لأهله كارها لذلك ومستقللا للعطايا
ونهر من قال له يوما يا وزير وقال له ما أنا إلّا أمير وابن أمير ، فو الله لو
ألقى المنصور رجلا بالأندلس ما تركه على حاله يراه ، تسمّع بالمعيد خير من أن تراه
، ثم وضع يده على رأسه وقال له يا هذا الراس الآن علمت أنك لي ، وكان في حال جوازه
للأندلس وجد يدو بن يعلا اليفريني فرصة للمغرب فزحف بجنوده لفاس ودخله في ذي
القعدة سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة ولما سمع به زيري جدّ السير له إلى أن وصله فقاتله كثيرا
واتصلت بينهما حروب عظيمة وصار كل من غلب منهما دخل فاسا إلى أن ظهر به زيري في
سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة فقتله وبعث برأسه للمنصور فلم يبق له بالمغرب منازع وهابته
الملوك. ويدّو بن يعلا هو القائل للنصور لما استدعاه للقدوم عنده : حمر الوحش لا
تقاد للبيطار.
__________________
ثم في رجب سنة
ثلاث أو أربع وثمانين وثلاثمئاة بنا (كذا) زيري مدينة وجدة وحصّنها وشيد قصبتها وانتقل
إليها بأهله وذخائره وجعلها قاعدة ملكه لتوسطها بين المغربين. قال الحافظ أبو راس
في الخبر المعرب : إن وجدة هي الفاصل بين المغرب الأقصا والأدنا. وقال في فتح
الرحمان : إن وجدة كانت في القديم بها مدينة عظيمة لها ثلاثمائة باب وبضع وستون
بابا. وسمّيت وجدة لأنها مسكن أهل الوجد ، أو لوجود الصالحين فيها. قاله الغزالي.
وبإزائها قبر يحيى بن يونس المدفون بغرب جبل الكواكب من أرض أنقاد يقال إنه من
الحواريين الصديقيين ، عبد الله تعالى ثمانين سنة صياما وقياما ولم يأكل فيها شيئا
وآمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم قبل مبعثه بخمسمائة عام يقال إن ماء وجدة يخرج من قرب
ضريحه أو منه نفعنا الله وذريتنا وقرابتنا وأحبابنا وكافة المؤمنين ببركته.
ثم فسد ما بين
زيري بن عطية الخزري المغراوي وبين المنصور بن أبي عامر المعافري في سنة ست
وثمانين وثلاثمائة فبعث المنصور جيوشا كثيرة لنظر واضح لمحاربته ولقيه زيري
بجيوشه وحصل المصافّ بوادي ردات بأحواز (ص ٥١) طنجة واتصلت الحروب الكثيرة بينهما
ثلاثة أشهر فكان الظفر فيها لزيري / وهزم واضح بجيوشه ومات منه خلق كثير وفرّ
لطنجة فتحصّن بها وكتب للمنصور يستصرخه فأمده بجيوش الأندلس وقوادها وعقد عليها
لابنه المظفر بن المنصور وأمره بحرب زيري فأجاز البحر وحلّ بطنجة فأهابه زيري وكتب
لجيوشه فاجتمعت عليه من سجلماسة ، وتلمسان ، ووهران ، والزاب ، وسائر بوادي زناتة
، ونهض بهم للقاء المظفر فكان المصاف بوادي مينا من أحواز طنجة. وكان لزيري غلام
يقال له سلام لا يحبه فألفى الغلام في زيري الفرصة لما وجده مضطجعا ظنّا منه أنه
نائم فتقدم له وضربه بسكين كانت عنده للبّته يريد نحره وجرحه ثلاث جراحات ، وتركه
كالميت في دمه وانطلق مسرعا للمظفر وأخبره فأمكنته الفرصة وشدّ على زناتة وهم في
دهشة مما حلّ بأميرهم من غلامه سلّام فهزمهم واحتوى على المحلة بجميع ما فيها وكثر
السبي والقتل وغنم ما لا يحصى ولا يعدّ. وهرب
__________________
زيري لمضيق الحية
وهو موضع قرب مكناسة واجتمع عليه فلّه وهم بالرجوع فجهّز له المظفر خمسة آلاف فارس
لنظر واضح فأسرى بهم ليلا وضرب محلّة زيري غفلة وذلك في نصف رمضان سنة سبع وثمانين
وثلاثمائة فأوقع بهم موقعا عظيما وأسر من أعيانهم نحو ألفي رجل فمنّ
عليهم المظفر وصاروا من جملة جنوده. وفرّ زيري في شرذمة من أصحابه وقرابته لفاس
فأغلقت الأبواب في وجهه فأخذ أهله والدواب والزاد وذهب للصحرا (كذا) فنزل بسجلماسة
ثم زاد لبلاد صنهاجة فألفى أهلها قد اختلفوا على ملكهم باديس بن منصور بن بلكين
بعد وفاة / منصور فبعث لقبائل زناتة فأتاه خلق كثير فاغتنم الفرصة وزحف (ص ٥٢)
لصنهاجة فأوغل فيهم كثيرا وهزم جيوشهم ودخل تاهرت وجملة من الزاب وملك المسيلة ،
ووانسريس ، وشلف ، وتنس ، ومازونة ، والبطحاء ، ومستغانم ، وتمزغران ، ووهران ،
وتلمسان ، وسائر المغرب الأوسط ، وغيره ، وأعاد (كذا) لوجدة وأقام الدعوة للمؤيد
وحاصر آشير قاعدة صنهاجة وبقي يغاديها ويراوحها إلى أن مات من جراحاته المارة سنة
إحدى وتسعين وثلاثمائة .
ثم تولى بعده
بوهران يعلا بن محمد بن الخير مرة ثانية وضبط أمرها وخضعت له الرعية وأدّت طاعته
زناتة ، وهابته الملوك فبقي إلى سنة عشرة وأربعمائة .
ثم بويع بموضعه
ابن أخيه وهو محمد بن الخير بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة ثانية وضبط الملك
أكثر من عمّه يعلا وأطاعته سائر زناتة المغرب الأوسط مدنه وبواديه وامتدّ له في
الملك من سنة عشرة وأربعمائة إلى سنة ثلاثين وأربعمائة .
ثم قام بأمره من
بعده في وهران ابن عمه محمد بن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر مرة أخرى
ومهّد له الملك أكثر من الأولى ودخل في
__________________
طاعته سائر المغرب
الأوسط بواديه وقراه ومدنه ، وحصنه ، وضايق صنهاجة بالمشرق وأبناء عمه مغراوة وبني
يفرن بالمغرب والصحراء ، وصاروا معه تارة في حرب وأخرى في سلم واتصلت يده بيد ابن
أخيه بختي بن تميم بن يعلا ابن محمد بن الخير بن محمد بن خزر ملك تلمسان فتمهّد
لهما المغرب. ولا زالا كذلك في الملك إلى أن هلكا معا ومعهما وزير بختي بن تميم
وهو أبو سعيد (ص ٥٣) الزناتي خليفة اليفرني في حرب الأثبج / وزغبه ، الهلاليين
بالزاب في أعوام الخمسين وأربعمائة كما في ابن خلدون وغيره.
ثم تولى بموضع
محمد بن يعلا بوهران ابنه محمد الصغير ابن محمد ابن يعلا بن محمد بن الخير بن محمد
بن خزر المغراوي. وبتلمسان العباس ابن بختي بن تميم بن يعلا بن محمد بن الخير بن
محمد بن خزر المغراوي. واستبدّ كلّ منهما بموضعه وما يليه وتحت حكمه ، وضبط الأمر
بحكمه. ولا زالا كذلك إلى أن أزالهما يوسف بن تاشفين اللمتوني سنة ثلاث وسبعين
وأربعمائة فانقطع ملك الدولتين بالمغرب وهما المروانيين والشيعة
بالكلية.
قائمة حكام وهران
فتلخص من هذا أن
الذين ملكوا وهران من عمّال الدولتين المذكورتين ستة عشر. فمن مغراوة عشرة وهم :
خزر بن حفص ، ثم ابنه محمد بن خزر ، ثم ابنه الخير بن محمد ، ثم ابنه محمد بن
الخير ، ثم ابنه الخير بن محمد ابن الخير ، ثم ابنه يعلا بن محمد بن الخير ، ثم
محمد بن الخير بن محمد ابن الخير بن محمد بن خزر ، ثم محمد بن يعلا ، ثم زيري بن
عطية ، ثم محمد الصغير بن محمد بن يعلا. وهؤلاء كلهم خزريون مغراويون. ومن أزديجة
وعجيسة اثنان : وهما : أبو ديلم بن الخطاب الزديجي من بني مسرقين ، وشجرة ابن عبد
الكريم العجيسي. ومن الشيعة واحد وهو محمد بن أبي عون. ومن بني يفرن واحد وهو يعلا
بن محمد بن صالح اليفرني. ومن صنهاجة اثنان وهما
__________________
بلكين بن زيري بن
مناد الصنهاجي ، وأخوه أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي.
قائمة الخلفاء الأمويين بالأندلس والمشرق
واعلم أن جملة
المروانيين بالأندلس ستة عشر ملكا وهم : عبد الرحمن الداخل ، ثم ابنه هشام الراضي
، ثم / ابنه الحاكم ، ثم ابنه عبد الرحمن ، ثم ابنه (ص ٥٤) محمد بن عبد الرحمن ،
ثم ابنه المنذر بن محمد ، ثم أخوه عبد الله بن محمد ، ثم عبد الرحمن الناصر بن
محمد بن عبد الله ، ثم ابنه الحاكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم ابنه هشام المؤيد ،
ثم محمد المهدي بن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستعين سليمان بن الحاكم بن سليم بن
عبد الرحمن الناصر ، ثم عبد الرحمن ابن هشام بن عبد الجبار ، ثم المستكفي محمد بن
عبد الرحمن بن عبيد الله ابن عبد الرحمن الناصر ، ثم المستعين هشام بن محمد بن عبد
المالك بن عبد الرحمن الناصر ، ثم أميّة الأموي وبه انقطعت دولة بني أمية من
الأندلس.
وجملتهم بالمشرق
أربعة عشر ملكا وهم : معاوية بن أبي سفيان ، ثم ابنه يزيد بن معاوية ، ثم ابنه
معاوية بني (كذا) يزيد ، ثم مروان ابن عبد الحاكم ، ثم ابنه عبد المالك (كذا) بن
مروان ، ثم ابنه الوليد ابن عبد المالك ، ثم أخوه سليمن (كذا) بن عبد المالك ، ثم
عمر بن عبد العزيز ابن مروان ، ثم يزيد بن عبد المالك بن مروان ، ثم هشام بن عبد
المالك ، ثم الوليد بن اليزيد بن عبد المالك ، ثم ابنه يزيد بن الوليد ، ثم
إبراهيم (كذا) ابن الوليد ، ثم مروان بن محمد بن مروان ، وبه انقرضت دولتهم
بالمشرق. قال العلا (كذا) ولما انقضت مدة دولة بني أمية وقرب تمامها كنت نائما عند
سليمان ابن هشام فإذا به قد أيقظني وقال لي كنت نائما فرأيت في نومي كأني في جامع
دمشق وكأن رجلا في يده خنجر وعلى رأسه تاج وهو رافع صوته بهذه الأبيات :
أبني أمية قد
دنا تشتيتكم
|
|
وذهاب ملككم وأن
لا يرجع
|
وينال صفوته عدو
ظالم
|
|
للمحسنين إليه
ثمّت يفجع
|
/ (ص ٥٥)
بعد الممات فكل ذلك صالح
|
|
يا ويحه من قبح
ما قد يصنع
|
قال العلا فقلت
لسليمان ولعل ذلك لا يكون ، فأطرق سليمان ساعة وقال لي هيهات يا علا ما يأتي به
الزمان قريب ، فلم تتم الجمعة حتى دخل عليهم مروان الجعدي وانقرضت دولتهم فاتح
ثلاث وثلاثين ومائة انظر الجمان للشاطبي.
قائمة خلفاء الشيعة الفاطميين
وجملة ملوك الشيعة
وهم العبيديون أربعة عشرة ملكا وهم : المهدي ثم القائم ، ثم المنصور ، ثم المعزّ ،
ثم العزيز ، ثم الحاكم ، ثم الظاهر ثم المستنصر ، ثم المستعلا ، ثم الآمر ، ثم
الحافظ ، ثم الظافر ، ثم الفائز ، ثم العاضد وهو آخرهم. وبه انقرضت دولتهم ، ودأب
الدنيا لم تعط إلّا استردّت ولم تحل إلّا تمرّرت ولم تصف إلا تكدرت بل صفوها لا
يخلو من الكدر. وفي ذلك قال الشاعر من البسيط :
حسّنت ظنك
بالأيام إذ حسنت
|
|
ولم تخف سوء ما
يأتي به القدر
|
وساعدتك الليالي
فاغتررت بها
|
|
وعند صفو
الليالي يحدث الكدر
|
الحذر ينفع ما
لم يغلب القدر
|
|
فإن أتى قدر لم
ينفع الحذر
|
لا بدّ من فرح
يوما ومن ترح
|
|
وهكذا الدّهر في
تصريفه عبر
|
وليس من قدر
إلّا له سبب
|
|
وليس من سبب
إلّا له قدر
|
رمت البقا أبدا
ولا بقاء بها
|
|
والموت حقّ فلا
يبقي ولا يذر
|
قائمة ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى
وجملة ملوك
الأدارسة بالمغرب الأقصا (كذا) ثلاثة عشر وهم : إدريس الأكبر ابن عبد الله الكامل
، ثم ابنه إدريس الأصغر ، ثم ابنه محمد بن إدريس ، ثم ابنه علي ابن محمد ، ثم أخوه
يحيى بن محمد ، ثم ابنه يحيى بن يحيى ، ثم علي بن عمر ابن إدريس الأصغر ، ثم يحيى
المقدام بن القاسم بن إدريس الأصغر ، ثم يحيى ابن إدريس بن عمر بن إدريس الأصغر.
وهو أعلا الأدارسة ملكا ، ثم الحسن الحجام
__________________
ابن محمد بن
القاسم بن إدريس الأصغر. ثم محمد كانون ابن القاسم بن إدريس الأصغر. ثم ابنه أبو
يعيش أحمد بن محمد كانون ، ثم أخوه الحسن بن محمد كانون.
وهو آخرهم ، وبه
انقرضت دولتهم من المغرب بالكلية.
قائمة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط
وجملة ملوك
السليمانيين بالمغرب الأوسط إحدى وعشرون : فبتلمسان أربعة وهم : محمد بن سليمان بن
عبد الله الكامل. ثم ابنه أحمد ، ثم ابنه محمد ، ثم ابنه القاسم. وبرشقون أربعة
أيضا وهم : عيسى بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم
ابنه يحيى ، ثم أخوه إدريس بن إبراهيم. وبجرارة ثلاثة وهم : إدريس بن محمد بن
سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه أبو العيش عيسى ، ثم ابنه الحسن. وبتاهرت
ثلاثة أيضا وهم : الحسن بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم ابنه حناش ، ثم
ابنه بطوش. وبتنس سبعة وهم: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، ثم
ابنه عيسى ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم محمد بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عبد الله
الكامل ، ثم ابنه يحيى ، ثم ابنه علي ، ثم أخوه حمزة بن علي ، وتغلّب العبيديون
على السليمانيين ، لما تملّكوا المغرب الأوسط فأزالوا دولتهم وقطعوها والملك لله
وحده.
الدولة الثالثة المرابطون
(ص ٥٧) ثم ملك
وهران / الدولة الثالثة وهم المرابطون :
ويقال لهم
الملثمون وهم لمتونة فرقة من صنهاجة تلقّبوا بذلك لكونهم انقطعوا في جزيرة ببحر
النيل وربطوا أنفسهم فيها للطاعة مع شيخهم عبد الله ابن ياسين إلى أن كثر عددهم
فقاموا للملك إلى أن كان منهم ما كان. ومن ثمّ صار هذا لقب لكل ناسك مبرور ملازم
للطاعة لا يدخل في شؤون المخزن سيّما بالمغرب الأوسط. وسمّوا بالملثمين إمّا
لكونهم لا يتركوا (كذا) اللثام حتى أنه لا يعرف أحدهم إلا إذا كان ملثما وإلّا فلا
، وإما لكون رجالهم غابت عن حيّهم وبقي به النساء فجاءتهم العرب لأخذهم فلبس
النساء لباس الرجال وتلثمن لئلا يعرفن وركبن النجائب وقاتلن العدو إلى أن دفعن (كذا)
عن الحي ففعل ذلك الرجال وبقيت فيهم سنّة للآن في بلادهم وهم الذين يقال لهم
التوارق بقرب السّودان.
وأول من ملك منهم
وهران المجاهد يوسف بن تاسفين اللمتوني وذلك أنه استقر بالمغرب سنة ثلاث وخمسين
وأربعمائة خليفة «لابن عمه أبي بكر ابن عمر اللمتوني لما اختار
الرجوع للصحراء وصار يدوّخ فيه ولما صعب عليه حرب المصامدة ذهب لمراكش وهي مفاوز
ومعناها بلغتهم «إمش مسرعا». فمر
__________________
معناه : إمش ، وكش
، معناه : مسرعا. وبنا (كذا) قصبة صغيرة ومسجدا وأدار بذلك سورا وذلك سنة أربع أو
خمس وخمسين وأربعمائة واتخذ الأجناد والقواد والبنود والطبول وسائر / آلة الملك
تلك السّنة وتوجه بذلك لفاس فدخله (ص ٥٨) عنوة وخرّبه وهدم أسواره وظفر بعامله
بكّار بن إبراهيم فقتله وارتحل إلى صفرو فدخله من يومه عنوة وقتل عماله أولاد
المسعود والمغراوي ورجع لفاس لكونه لما فتحه أولا وجعل عليه عاملا لمتونيا قام
عليه به تميم بن معنصر المغراوي فدخله وقتل عامله ولما سمع بقدوم يوسف هرب من فاس
ودخله يوسف ثانيا وهو الفتح الثاني في يوم الخميس ثاني جمادى الثانية سنة اثنين
وستين وأربعمائة فأسرف في قتل مغراوة إلى أن قتل منهم بالجامعين الأعظمين
ما يزيد على ثلاثة آلاف ، وهدم الأسوار التي فصل بها ابنا زيري بن عطية وهما :
الفتوح ، وعجيسة ، بين العدوتين وصيرهما (كذا) مدينة واحدة حمل أهلها على تكثير
المساجد وأقام بها إلى صفر سنة ثلاث وستين وأربعمائة فخرج لقصور بني وطاط بملوية ففتحها ووجه إلى أمراء المغرب
وأشياخه بالقدوم ليتفقد أحوالهم وأحوال رعيته وغزى (كذا) مدينة رهونة من طنجة سنة
خمس وستين وأربعمائة فدخلها عنوة وفتح جبل علودان ، وفتح غياثة وبني مكود ،
وزهينة ، سنة سبع وستين وأربعمائة وفتح طنجة في سبعين وأربعمائة . ثم بعث قائده مزدلي لتلمسان في عشرين ألفا ففتحها سنة
اثنين وسبعين وأربعمائة وقتل ابن أميرها معلا بن يعلا المغراوي وكتب اسمه على
السكة في جهة وفي الأخرى كتب : «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه» سنة ثلاث
وسبعين وأربعمائة / وفيها غزا (كذا) (ص ٥٩)
__________________
وجدة وبني يزناسن
وتلمسان فلقيه بها ملكها العباس بن بختي المغراوي بجيشه من بني يفرن ومغراوة فقتله
وأكثر جنده وفتحها عنوة واستعمل عليها محمدا ابن تعمر المسوفي وبنا (كذا) بها تلمسان الجديدة بمحل محلّته وهي المسكونة
الآن.
ثم تخط (كذا) منها
لوهران تلك السنة ففتحها عنوة ونفا (كذا) عنها ملوكها بني الخزر المغراويين وصيرها
من جملة رعيته وقطع دعوة مغراوة وبني يفرن من المغرب كله. وفي إخراجه لمغراوة من
فاس ، ووهران ، قال الحافظ أبو راس في سينيته ما نصّه :
ثم أزالهم يوسف
أيضا فعي
|
|
كما أزالهم قبل
عن أرض فاس
|
ثم زاد إلى مازونة
وتنس ووانسريس وشلف وزاد متماديا بجيوشه إلى الجزائر فطوعها وأطاعه أهلها بنو
مزغّنة وكان دخوله لها في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وأربعمائة وصيرها حدّا بينه وبين ملوك البلكانية من صنهاجة للقرابة
التي بينهم. فملك رحمهالله من الجزائر إلى السودان إلى البحر المحيط إلى جبل الذهب
بهذه العدوة وكلها بسط فيها العدل وأبطل منها المكس (ص ٦٠) والمغارم. ثم تخط إلى
عدوة الأندلس سنة تسع وسبعين وأربعمائة / فهزم الكفرة وأوقع بهم في قضية الزلاقة المشهورة الموقع
العظيم حتى أنه جمع فيها الرؤوس إلى أن صارت تلا يعني ربوة وأذن عليها المؤذن ثم
فرّقها على المدن فأعطى لكل مدينة ألوفا عديدة ، وازينت لتلك الواقعة بغداد ،
والحرمان الشريفان ، ومصر ، والعراق ، والشام ، وغيرهم من مدن المشرق وشاع خبرها
إلى مدينة سرة قاعدة مدن الهند وبعث له الناصر العباسي على ذلك خلعا
كثيرة يقصر عنها الوصف ، وجدد له العهد وقطع رحمهالله ثوار الأندلس مثل ابن عبّاد وغيره.
__________________
وملك بعدوة
الأندلس من أفراغة قاصية أرض الفرنج إلى إشبونة حدها من المغرب عند البحر المحيط
وذلك مسيرة شهر وثلاثة أيام طولا ، والعرض نحو العشرين يوما وبسط فيها أيضا العدل
وأبطل المكس وبايعه بها ثلاثة عشر ملكا وخطب له على ألف منبر وتسعمائة منبر وساست
ملكه زوجه زينب وماتت سنة أربع وستين وأربعمائة وكان رحمهالله زاهدا يلبس الصوف ويأكل خبز الشعير بلبن الإبل ولحومها ،
وغالب أكل جنده الجيّد كالدرمك والفالوج ونحوهما ، وجدد السكة من واقعة الزلاقة
فنقش في ديناره في جهة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وتحته أمير المؤمنين
يوسف بن تاشفين ، وفي الدائرة : ومن يبتغ غير الإسلام دينا إلى الخاسرين. وفي
الصفحة الأخرى الأمير عبد الله أمير المؤمنين العباسي وفي الدائرة تاريخ الضرب
وموضع السكة. ولد رحمهالله سنة أربعمائة وتوفي سنة خمسمائة عن مائة سنة بعد ما ملك أربعين سنة ودفن بمراكش وقبره بها
من أعظم المزارات وعليه مشهد عظيم.
ثم ملك وهران بعده
ابنه علي ، تولى / بموضع أبيه قيل سنة خمسمائة وقيل (ص ٦١) سنة واحد وخمسمائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، فملك جميع الغرب من بجاية لسوس
الأقصا وللقبلة من سجلماسة لجبل الذهب في السودان والأندلس شرقا وغربا وخطب له على
ألفين وثلاثمائة منبر وكان محبّا لأبي الوليد بن رشد فولاه القضاء بقرطبة سنة تسع
وخمسمائة وعزله منها سنة ثلاثة عشر وخمسمائة وجعل بدله أبا القاسم ابن حميدين فشرع ابن رشد في شرح
العتيبة وسماه بالتحصيل والبيان. وفي أعوام العشرة الثانية أمر بحرق كتاب الإحياء
للغزالي لما فيه من التشديد بإغراء أبي القاسم ابن حمدين وموافقة ابن رشد والقاضي
عياض. وفي أيامه ظهر أمر الشريف المهدي بن تومرت القائم بدولة
__________________
الموحدين وذلك سنة
خمسة عشر وخمسمائة فقال له قاضي المرية بمراكش اجعل على رجليه كبلا ، قبل أن
يسمعك طبلا ، فأبى إلى أن كان ما كان وبسببه دخل الدولة المرابطية الهرم وكثر فيها
الإرجاف وكمل بناء مدينة مراكش بإشارة ابن رشد عليه سنة اثنين وعشرين وخمسمائة فأنفق على سورها سبعين ألف دينار وعلى جامعها الأعظم
والمنارة ستين ألفا دينار أخرى. وأخذ البيعة لولده (ص ٦٢) تاشفين سنة سبع وسبعين
وأربعمائة / وتوفي بمراكش سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وهو ابن سبع
وخمسين سنة بعد ما ملك سبعا وثلاثين سنة. وكان فقيها عالما فاضلا خير مالك ودولته
عز للإسلام وسيرته حسنة وأحواله مستحسنة. وفي وقته بنا (كذا) وزيره عبد الرحمن
المعافري الحمام بجوف الجامع الأعظم من غرناطة وفرّش صحن جامع قرطبة وأصلح بناء
مدينة طرطوشة.
ثم تولى ابنه
تاشفين بموضعه في ثامن رجب سنة سبع وثلاثين وخمسمائة في معظم فتنة الموحدين بمعاهدة أبيه إليه في حياته فأطاعته
العدوتان كأبيه وجده واتصلت حروبه مع عبد المؤمن بن علي من أول أمره وصار يتبع عبد
المؤمن بن علي حيث مرّ إلى أن توجه لتلمسان فأتبعه لها ودخلها تاشفين سنة تسع
وثلاثين وخمسمائة ونزل عبد المؤمن بن علي بين الصخرتين بظاهرها مما يلي
الجبل ونزل تاشفين الوطا مما يلي الصفصيف وزحف المرابطون للموحدين فنهاهم تاشفين
فأبوا وتعلقوا بالجبل فانحدر لهم الموحدون وهزموهم شنيعا وفرّ تاشفين لوهران في
مواعدة صاحبه ابن ميمون في أسطوله بالبحر ونزل بظاهرها وترك تلمسان تحت عامله محمد
بن الشيّور فترك عبد المؤمن لمحاصرة تلمسان وزيره يحيى بن تومرت ولحق بوهران في
طلب تاشفين فنزل عليه وحاصره بها إلى أن مات. واختلف في وجه الموت على أربعة أقوال
ومعناها واحد. فقال أبو محمد صالح في الأنيس المطرب بروض
__________________
القرطاس : خرج
تاشفين ليلا ليضرب في محلة العدو فتكاثرت عليه الخيل والرجال وكانت ليلة مظلمة
ممطرة وهي ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة / تسع (ص ٦٣) وثلاثين وخمسمائة ففرّ أمامهم وكان بجبل عال منيف على البحر فظن أن الأرض
متصلة فأهوى بفرسه من شاهق بإزاء رباطة وهران فمات. وقال الحافظ أبو راس في عجائب
الأخبار وسائر كتبه المؤلفة في التاريخ : إنه لما طال عليه الحصار بوهران وعلم أنه
لا طاقة له ودّع خواصه وخرج ليلة عيد الفطر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة إلى جبل
هيدور وهو جبل وهران على فرس عتيق وحملها (كذا) على شاهق فتردى به في بعض الأخاديد
فمات ومن الغد وجد.
وقوله رضياللهعنه في عجائب الأسفار أن ذلك سنة إحدى وأربعين وخمسمائة سبق
قلم.
وقال أبو الفدا
صاحب حماة في المختصر ، فلما كان ليلة تسع وعشرين من رمضان سنة تسع وثلاثين
وخمسمائة وهي ليلة يعظمها المغاربة سار تاشفين في جملة يسيرة مختفيا ليزور مكانا
على البحر فيه متعبدون وصالحون بقصد التبرك فبلغ الخبر مقدم جيش عبد المؤمن واسمه
عمر بن يحيى الهنتاني فساروا وأحاط به فركب تاشفين فرسه وحمل ليهرب فسقط من جرف
عال فمات. وقال أبو إسحاق الشاطبي في الجمان إن تاشفين لما هرب من تلمسان اتبعوه
إلى أن نزل بمرسى وهران فحاصروه بها ودخلوا عليه فلجؤه (كذا) إلى جرف عال فرمى
بنفسه وهو راكب على فرسه من أعلا (كذا) الجرف فاندق عنقه وعنق فرسه في تلك السنة.
ا ه.
قال شيخنا الزياني
في دليل الحيران وأنيس السهران ، والموضع الذي مات فيه يعرف إلى الآن بمكبّ /
الفرس قرب حمام سيدي دادّ أيوب ما بين وهران (ص ٦٤) والمرسى (الكبير) ثم أنه لما
وجد من الغد ميتا بأزاء البحر أخذ وصلب على جذع واجتزّ رأسه وحمل لتنمليل فعلق بها
على شجرة صفصاف عالية ولما صلب بوهران استأصل القتل أصحابه وتفرقوا فهرب بعضهم
للنهر المنحدر من رأس العين وهو نهر وهران وكان مشعرا وبه غيظ ملتف بعضه ببعض
فأضرم الموحدون
__________________
النار في الوادي
فمن بقي احترق ومن خرج قتل وسار عبد المؤمن لوهران فتمكن منها بالسيف وقتل بها ما
لا يحصى.
قائمة ملوك صنهاجة
واعلم أن ملوك
صنهاجة على ثلاثة فرق :
الفرقة
الأولى البلكانية : وهم ملوك إفريقية وبجاية والمغرب الأوسط والأندلس أيام
الطوائف وجملتهم خمسة وعشرون : فبإفريقية عشرة : أولهم مناد الصنهاجي مقيم الدولة
الفاسية ، ثم ابنه زيري مختط مدينة أشير بصفح (كذا) جبل تيطرى أواسط القرن الرابع ، ثم ابنه يوسف بلكين مختط مدينة الجزائر ومليانة والمدية
أواسط القرن الرابع أيضا بأمر أبيه المذكور وكانت له أربعمائة حاضنة (كذا) في قصره
حتى إنه بشر في يوم واحد بولادة سبعة عشر غلاما وهذا لم يسمع مثله. ثم ابنه منصور
، ثم ابنه باديس ، ومات بدعاء الشيخ محرز ابن خلف عليه. ثم ابنه المعز الذي بلغ في
خسارة عرسه ستة عشر ألف ألف (ص ٤٥) دينار وتراتيب بيته من العود الهندي بمسامير
الذهب وأنه عمل لجدّته / لما ماتت تابوتا من العود الهندي مرصعا بالجواهر وصفائح
الذهب وعلّق عليه عشرين سبحة من نفيس الجوهر وذبح عليها مائة بقرة وألف شاة ونحر
خمسين ناقة وفرق على النساء عشرين ألف دينار. ثم ابنه تميم الذي قال فيه أبو علي
رشيق :
أصح وأعلا ما
سمعناه في الندا
|
|
من الخبر
المأثور منذ قديم
|
أحاديث ترويها
الشيول عن الحبا
|
|
من البحر في كفّ
الأمير تميم
|
ثم ابنه يحيى ، ثم
ابنه علي ، ثم ابنه الحسن وهو آخرهم بإفريقية وبه تمت دولتهم بها فهؤلاء عشرة.
وببجاية عشرة :
أولهم : حماد بن بلكين بن زيري بن مناد مختط مدينة قلعة بني حمّاد بجبل عجيسة
بإزاء بجاية الذي يقال له جبل المعاضيد في آخر القرن الرابع ثم الناصر بن علناس بن
حماد ، ثم ابنه المعز ، ثم ابنه القايد ، ثم ابنه
__________________
محسن ، ثم بلكين
بن محمد بن حماد ، ثم ابنه المنصور ، ثم ابنه باديس ، ثم أخوه العزيز بن منصور ،
ثم ابنه يحيى. وبه تمت دولتهم ببجاية فهؤلاء العشرة مع العشرة الأولى تلك عشرون.
وبالمغرب الأوسط
واحد : وهو أبو البهار فذلك إحدى وعشرون.
وبالأندلس أربعة :
أولهم صاحب غرناطة زاوي بن بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي كما في الجمع والبيان
في تاريخ القيروان. ثم ابن أخيه حابوس ابن ماكس بن بلكين ، ثم ابنه باديس صاحب
اللعب الذي يقال له السلام عليك يا باديس ، ثم ابن أخيه عبد الله بن بلكين بن
حابوس وهو الذي أخذه مع أخيه / (ص ٦٦) تميم ، يوسف بن تاشفين وعبر بهما البحر
لمراكش فهؤلاء خمسة وعشرون.
الفرقة
الثانية : المرابطون ويقال لهم الملثمون ، وهم لمتونة ملوك المغرب الأقصى والأوسط وعدوة الأندلس
وجملتهم في الإسلام اثنا عشر ملكا. أربعة قبل تسميتهم بالمرابطين ، وثمانية بعد
تسميتهم بها ، إلّا أن المراد بالمرابطين هم الخمسة التاشفنيون : يوسف بن تاشفين ومن
بعده لا غير. أول الاثنا عشر : تيلوتان بن تيكلان اللمتوني كان في أيام عبد الرحمن
الداخل ملك الصحراء بأسرها وأطاعه بها من ملوك السودان عشرون ملكا كلها تؤدي له
الجزية وكان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة ثلاثة أشهر في مثلها لكنه لم يملك
الغرب وعاش نحو الثمانين سنة. ثم حفيده الأثير بن فطين بن تيلوتان ، ثم ابنه تميم
ومات قتيلا سنة ست من الرابع وبقي بعده صنهاجة همّلا من الأمير نحو المائة وعشرين سنة
وإنما أمرهم جمهوريا شوريا بينهم. ثم أبو عبد الله تارشنا ابن تفاوت اللمتوني ، ثم
يحيى بن إبراهيم القدالي وهو الذي حجّ وأخذ عن الشيخ أبي عمران الفاسي بالقيروان
وسأل منه أن يصحبه من تلامذته من يعلمه وقومه الديانة فأمرهم فأبوا فكتب له
لتلميذه محمد بن واقاق اللمطي بنفوسه ليبعث معه من يقوم بهم في دينهم فبعث معه
الشيخ عبد الله بن ياسين الجزولي سنة ثلاثين من الرابع وانقطع بهم / بجزيرة ببحر النيل إلى أن كثر عددهم (ص ٦٧)
__________________
وتسمّوا
بالمرابطين لملازمتهم لرابطة الشيخ عبد الله بن ياسين ببحر النيل. ثم يحيى بن عمر
اللمتوني ، ثم أخوه أبو بكر بن عمر وهو الذي ملك الصحراء وتخطا (كذا) للمغرب وجعل
ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقوت ابن وزنقطن بن منصور بن محالة بن أمية
بن وثمار بن تلميت اللمتوني الصنهاجي الحميري خليفة عليه. ثم استقل يوسف بالمغرب.
ثم ابنه علي ، ثم ابنه تاشفين ، ثم ابنه إبراهيم ، ثم عمه إسحاق بن علي بن يوسف بن
تاشفين وهو آخر المرابطين وبه انقطعت دولتهم لما قتله وابن أخيه إبراهيم ، عبد
المؤمن ابن علي بمراكش. ولكل بداية نهاية والله يوتي ملكه من يشاء. وقد ألّف
الحافظ الصيرافي رحمهالله في المرابطين كتابا أسماه ـ الأنوار الجالية (كذا) في
أخبار الدولة المرابطية.
الفرقة
الثالثة الغانية : أولاد المرأة التي يقال لها غانية بنت عمّ يوسف ابن تاشفين
وأبوهم مسوفي من صنهاجة يقال له علي بن يحيى المسوفي كان من الشجعان وبالمكانة
العظيمة عند يوسف بن تاشفين فلذلك زوّجه من ابنت عمه غانية فأتت معه بولدين وهما :
يحيى ، ومحمد ، اللذان ولّاهما علي بن يوسف بالأندلس أحدهما وهو يحيى على غربي
الأندلس والآخر وهو محمد على شرقها (ص ٦٨) كميورقة ويابسة / وغيرهما. وجملة ملوكهم
ما بين الأندلس وبجاية وقابس خمسة. أولهم يحيى المعروف بابن غانية بن علي بن يحيى
المسوفي بالجهة الغربية من الأندلس وهو الذي أعان شيخه القاضي بسبتة على عبد
المؤمن بن علي. ثم أخوه محمد بن علي بن يحيى على شرقي الأندلس. ثم ابنه عبد الله
على ذلك ، ثم أخوه علي بن محمد بن غانية على بجاية ، ثم أخوه يحيى بن محمد بن
غانية على قابس وهو الذي دوّخ المغرب الأوسط وإفريقية وخرّب تاهرت فلم تعمر من
وقته إلى أن جدد عمارتها الفرنسيس في أعوام الخمسين من القرن الثالث عشر وتقبّض بمنديل المغراوي فصلبه بالجزائر واشتدت وطأته على
الموحدين إلى أن توفي بشلف تحت مليانة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعد ما ملك خمسين عاما
__________________
فاستراحوا عند ذلك
بموته وطاب لهم القرار وصفا حالهم من الأكدار. فجملة ملوك فرق صنهاجة الثلاثة :
اثنان وأربعون ملكا. خمسة وعشرون من الأولى. واثنا عشر في الثانية. وخمسة في
الثالثة. والملك والدوام لله الواحد القهار لا إله غيره ، ولا خير إلّا خيره.
الدولة الرابعة : الموحّدون
ثم ملك وهران
الدولة الرابعة وهم الموحدون سمّوا بذلك لأخذهم علم التوحيد عن شيخهم الشريف
المهدي بن تومرت فهو الذي سمّاهم بذلك تعريضا (ص ٦٩) بالمرابطين لكون أهل المغرب
كانوا على مذهب الحنابلة في الاعتقاد وبمعزل / عن التأويل فهم كتسمية لمتونة بالمرابطين
لملازمتهم لرابطة شيخهم عبد الله ابن ياسين وانقطاعهم معه وأخذهم عنه فعبد الله بن
ياسين شيخ المرابطين والمهدي بن تومرت شيخ الموحّدين.
وأول ملوك الموحدين
شيخهم المهدي بن تومرت المذكور فهو ممن مهّد الملك لغيره ولم يملك وهران. قال
الغازي بن قيس في تاريخه : ـ وكان جدّه لأبيه دخل المغرب مع عقبة بن نافع الفهري
الصحابي واستوطنه من حينئذ ـ واختلف في نسبه على ستة أقوال : فقال ابن رشيق وابن
مطروح : هو مرغاتي نسبة لقبيلة يقال لها مرغاتة أحد بطون المصامدة. وقال غيرهما :
هو نفيسي نسبة لقبيلة يقال لها نفيسة أحد (كذا) بطون المصامدة أيضا فهو أبو عبد
الله محمد المهدي بن تومرت الملقب أمغار أيضا ابن عبد الله بن وجليد المرغاتي أو
النفيسي المصمودي. وقال لسان الدولة ابن الخطيب السلماني في شرحه لرقم الحلل : هو
من الآل من بني العباس بن الحسن بن علي كرم الله وجهه. وهو غير صحيح لأن الحسن
السبط لا عقب له إلّا من الحسن المثني وزيد ، وعلى أنه من بني العباس فهو كما في
الجمان ، والأنيس المطرب ، محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن
تمام بن عدنان بن سفيان بن جابر بن يحيى
__________________
ابن عطاء بن رباح
بن يسار بن العباس بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضياللهعنه. وقال الشيخ علي بن أبي زرع في القرطاس هو من بني محمد /
بن علي (ص ٧٠) وهو غير صحيح أيضا لأن محمد خلّف أبا هاشم فقط ولم يعقّب. وقال ابن
نخيل وهو من أهل البيت من ذرية محمد بن سليمان أخي إدريس بن عبد الله لأن عبد الله
الكامل له من الأولاد إدريس وسليمان ومحمد النفس الزاكية (كذا) وإبراهيم ويحيى ، وموسى
، هؤلاء باتفاق وعيسى على خلاف فيه وجعل بعضهم بدل إبراهيم جعفر فقال في رجزه :
خلّف ستة من
الذكور
|
|
عبد الله الكامل
في المشهور
|
فجعفر بجزيرة
سوس
|
|
وزرهون فيه
مولاي إدريس
|
وثالثهم مولاي
سليمان
|
|
فقبره بثغور
تلمسان
|
والينبوع فيه
مولاي محمد
|
|
ومولاي موسى في
بلاد الهند
|
ومولاي يحيى في
بلد السودان
|
|
بجاههم نجّنا من
نيران
|
فجعفر منه
الجزولي محمّدا
|
|
به دليل الخيرات
قد ابتدوا
|
من موسى كان
الصالح الجيلاني
|
|
ومن محمد عليّ
الثاني
|
وأبو عنان صاحب
الغزالا
|
|
غصنه من سليمان
لا زالا
|
ومن إدريس كان
إدريس الثاني
|
|
قبرهما في زرهون
الأثناني
|
مزاره فاس فيه
ثم أمره
|
|
وقيل بل ضعيف
ذاك قبره
|
اجعلنا في حماهم
يا من مهدهم
|
|
في الأرض يا رب
بجاه جدّهم
|
أعني بذاك سيّد
الإرسال
|
|
محمد الموصوف
بالكمال
|
وزوج بنته فاطمة
البتول
|
|
عنه الرضاء
بالبكور والأصول
|
/ وقال الحافظ أبو راس في عجائب
الأخبار ، والخبر المعرب ، والصواب أنه (ص ٧١) من أهل البيت من بني محمد النفس
الزاكية بشقيق إدريس ه. والصحيح أن سليمان بن عبد الله الكامل لم يأت المغرب لأنه
مات بقصة فخ وإنما الذي أتى للمغرب واستقر بتلمسان وخلّف أولاده بها هو ابنه محمد
بن سليمان. ه.
ثم ملك وهران
تلميذه وخليفته عبد المؤمن بن علي الكومي الزناتي واختلف في نسبه على قولين : فقيل
أصله من بني عابد من قبيلة كومة أحد بطون ترارة أهل جبل تاجرا على ثلاثة أميال من
مرسى هنين ويقال له أهناي. وقيل
أصله من بني عبس
أحد قبائل قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان بالحجاز. وعليه
فهو أبو محمد عبد المؤمن بن علي بن يعلا بن مروان ابن نصر بن علي بن عامر بن لمتي
بن موسى بن عون الله بن يحيى بن وزجايع ابن صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن
مادغس بن عبس بن قيس بن غيلان ابن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، قاله في
الأنيس المطرب. والصحيح الأول ، وكان أبوه طيانا فخاريا يعمل النافخ فبينما هو في
شأن طينه للنافخ إذ جاءته زوجته تبكي قائلة له إن ابني نزل عليه جند نحل فذهب معها
إلى أن رآه في تلك الحالة فزم عنه النحل لذلك ثم انصرف ولم يؤذه فقال (ص ٧٢) لعراف
ما رأى فقال له أنت طيان من أين يبلغ ابنك الملك ، وتطلّب من / صغره ، ولزم
المساجد لدرس القرآن والعلم فقرأ على ابن صاحب الصلاة بتلمسان ، والشيخ عبد السلام
التونسي ضجيع الشيخ أبي مدين ، ثم على المهدي فكان من العلماء الجماهر والفقهاء
الأكابر وكذا أولاده من بعده. وتصدّا (كذا) لشرح المقامات الحريرية وكان في الحزم
والنجدة بالغاية وتعلم الحيل من شيخه المهدي فكان منها في الغاية من جملتها أنه
علّم الطائر يقول عند زريبته العز والتمكين للخليفة عبد المؤمن أمير المؤمنين
والشبل إذا رآه يبصبص ويسكن إلى أن صار أسدا. فبويع لذلك وقال في ذلك أبو علي :
آنس الشبل
ابتهاجا لذا الأسد
|
|
ورأى شبه إليه
لمّا قصد
|
ودعا الطائر
بالنصر لكم
|
|
فقضى حقكم لما
قد وفد
|
وأنطق الخالق
مخلوقاته
|
|
بالشهادة فكلهم
قد شهد
|
بأنك القائم
بالأمر له
|
|
بعد ما طال على
الناس ذا الأمد
|
وكان شاعرا بالغا
فمن جملة شعره ما يروى أنه خرج يوما ومعه وزيره أبو جعفر بن عطية للتنزّه ببعض
بساتين مراكش فنظر على طاقة دار عالية عليها شبّاك من خشب ، جارية بارعة قد خرجت
تنظره فأوقعت به حبّا.
فقال ارتجالا من
البسيط :
قدت فؤادي من الشباك إذ نظرت
فقال الوزير :
خذوا بثأري أيا عاشق بالمقلى
فقال عبد المؤمن :
كأنما لحظها في قلب عاشقها
فقال الوزير :
سيف المؤيّد عبد المؤمن بن علي
/ فاستحسنه وخلع
عليه. ثم قتله بعد ذلك بغرناطة لنزغة ملوكية. وكان رقيق (ص ٧٣) الطبع والحشاشة
وتربي في البادية فاكتسب الرقة وكانت له جارية مولّدة من ولادة العرب تسمى حسناء
وكان لها عاشقا وبها مغرما مع ما كان يكابده من تطويل المملكة وإخماد الفتن فقال
فيها لما خرج يوما إلى بعض غزواته وودّعها منشدا :
ألا كيف صبري
عنك يا غاية المنا
|
|
ألا إن روحي
بعدكم سوف تذهب
|
لقد أورثتني يوم
ودّعت حسنها
|
|
حرارة وجدي
والهوى يتلهّب
|
فقلبي حيران
لفرط لهيبها
|
|
وفي الخدّ عين
من دموعي تسكب
|
انظر أنيس الغريب
والمسافر ، للشيخ مسلم بن عبد القادر. وكان في عصره الشيخ أبا يعزّى الغربي
الهسكوري وقد شاهد منه كرامات عند الخليفة عبد المؤمن بن علي فقال لأخيه ما هذا
الذي يذكر عن أخيك في مشاركته لله في علم الغيب فقال يا أمير المؤمنين أنت أقدر
عليه مني فبعث إليه الأمير فلقيه الرسول بالطريق قادما للأمير فلما وصل سلم عليه
ثم قال له يا أمير المؤمنين في نفسك شيء مما قال لك فلان وفلان في يوم كذا في ساعة
كذا فهل لا أخبرك أنّ تحت ذلك البساط ألف دينار عيونا قطعتها وقلت في نفسك هل ترجع
إلى بيت المال أم لا فقال له الخليفة صدقت وقلت الآن في نفسك أكتب له كتابا بكل ما
يريد فأرح الكاتب ووفّر الكاغط. ثم قال حاجتي / إليك أن تمشي معي (ص ٧٤) لتلك
الكدية وبها زرع وأحب أن تسقي ذلك الزرع من هذا الوادي فقال ومن يطيق ذلك ثم حرك
الشيخ شفتيه فأمر الله المطر حتى شربت الكدية وجرت الأودية في الحين وقال له عرفنا
بصدق الغيوب التي تذكر عنك فقال حماري يأكله السبع الليلة فوجّه الخليفة من جعله بين
مربط خيله وبات عليه العبيد هنالك فلما أصبح تفقده العبيد فوجدوا الحمار عقيرا
والسبع يأكل فيه حتى وقف عليه وضربه بعصاه فخرّ الأسد ميتا فقيل للخليفة ذلك فقال
لجلسائة اعتبروا بهذه
القصة فقد ضربها
لكم مثلا فكأنه يقول أنا رب الحمار قتله لي الأسد فسلطت عليه وقتلته وأنا عبد ،
وربي الله وإن قتلتموني غضب عليّ سيدي فيفعل مثل ذلك أو أشد وقد توفي رحمهالله ونفعنا به سنة اثنين وسبعين وخمسمائة عن مائة وثلاثين سنة.
قال ابن رزقون كنت
في العلماء الذين جمعهم عبد المؤمن بن علي سنة خمسين من القرن السادس التي أمر فيها بحرق كتب الفروع وقام وزيره أبو جعفر بن
عطية وقال بلغ سيدنا أن قوما تركوا الكتاب والسّنّة وصاروا يفتون بفروع لا أصل
لها. فمن نظر فيها عاقبته وأنهم عندهم كتاب يقال له المدونة لا يرجعون إلّا إليه
ومن العجب قولها بإعادة الصلاة في الوقت مراده بذلك أن (ص ٧٥) يحمل الناس على مذهب
ابن حزم الظاهري / قال فحملتني الغيرة وتكلمت بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما صلى أعرابي أمامه قال له صلّ فإنك لم تصلّ كما في
البخاري فقال لا أحسن غير هذا فعلّمه ولم يأمره بإعادة ما خرج وقته فقام عبد
المؤمن وسكن الحال ولم أر منه بعد هذا إلّا الكراهة ه.
وهو الذي أمر
بتكسير الأرض بالمغرب في سنة أربع وخمسين من السادس من برقة إلى واد نون بسوس الأقصا بالفراسخ والأميال طولا
وعرضا فأسقط بعد التحقيق الثلث للجبال والأودية والشّعاب والغيّب والسّباخ
والطرقات والخراب وقسّط على الثلثين الباقيين الخراج وألزم كلّ قبيلة بقسطها من
الزرع والورق والذهب. ثم بنا (كذا) في التي تليها جبل الفتح وحصّنه ونقل من عرب إفريقية للمغرب ألفا من كل قبيلة
بأهلهم وهم الذين بالمغربين يقال لهم الحشم سمّوا بذلك لأنهم حشم عبد المؤمن بن
علي أي أتباعه الخادمين له الممتزجين الأجناس. وبنا (كذا) مدينة البطحاء بأرض
هوارة تلك السنة ودفن بها شيخه وبنا على ضريحه قبّة وبإزائها جامعا وترك بها عشرة
من كلّ قبيلة من قبائل
__________________
العرب وبعث خفية
لقبيلته وهو بمراكش فأتوه في أربعين ألف فارس كلهم شبّان في أثناء سنة سبع وخمسين
من السادس فصيّرهم جندا له في الدرجة الثانية. لأن الدرجة الأولى هي
أهل تنمليل ، والثانية كومة ، والثالثة الأتباع ، وأدناهم منه بطانة يركبون وراءه
ويقفون على رأسه ويمشون بين يديه وقد تمهدت / له العدوتان (ص ٧٦) وبسط فيهما العدل
حتى صارت المرأة تمشي وحدها حاملة معها ما تحبه من سوس الأقصا (كذا) إلى برقة فلا
يتعرض لها أحد ولا يكلمها بسوء. وكذا حفيده المنصور في أيامه مثله وقد ابتدأه
المرض الذي مات منه في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بمدينة سلا حال تجهيزه الجيوش للغزو فنزل برباط الفتح وقد
اجتمع عليه من القبائل ما يزيد على ثلاثمائة ألف ومن المطاوعة ثمانون ألف فارس
ومائة فارس راجل وانتشرت محلته بسلا من موضع يقال له غيولة إلى موضع يقال له عين
خميس. فتوفي ليلة الثلاثاء وقت الفجر ثامن جمادى الثانية تلك السنة عن ثلاث أو أربع وستين سنة بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين سنة
وخمسة أشهر وعشرين يوما فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر شيخه المهدي. وإلى كون
الموحدين ملكوا وهران في وسط السادس أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
موحدون أتوا من
بعد ذا وعلو
|
|
استحوذوا عليها
في وسط السادس
|
ثم ملكها بعده
ابنه يوسف بن عبد المؤمن بن علي الكومي. وكان عالما صالحا منزّها عن سفك الدماء
وهو أول من جاز بنفسه من ملوك الموحدين لغزو الأندلس وقيل أبوه قبله ملك بالمغرب
من سويقة مطكوك قاصية إفريقية إلى وراء نون بأقصا سوس إلى آخر بلاد القبلة
وبالأندلس من تطليت قاصية شرقي الأندلس إلى آخر غربي الأندلس. وهو الذي بنا (كذا)
قنطرة تانسيفت سنة ست / (ص ٧٧) وستين منه وكذا القصبة وغيرها وأتى بالماء لإشبيلية من قلعة
جابر. كل ذلك
__________________
تلك السنة. وقام
عليه مزدرع الغماري المفتاحي سنة تسع وخمسين من السادس وكتب في سكته مزدرع الغريب ، نصره الله قريب ، فبعث له
جيشا فقتلوه وأتوا له برأسه لمراكش. ثم قام عليه بغمارة يوسف بن منفقيد سنة إحدى
وستين منه فتحرك له بجيشه في سنة اثنين وستين منه فقتله وحمل رأسه لمراكش. ثم قام عليه بقفصة بإفريقية ابن
زيري سنة أربع وسبعين فتحرك له من مراكش في السنة التي بعدها ووصل لإفريقية سنة ست
وسبعين منه وضايق ابن زيري ثم ظفر به وقتله وعاد لمراكش فدخلها في
السنة السابعة وسبعين منه وبنا (كذا) المعدن الذي ظهر ببليان سنة ثمان وسبعين منه . ثم جهز الجيوش للجواز الثاني بالأندلس سنة تسع وسبعين منه
ولما حل بسلا أخبر بتمهيد إفريقية ثم رحل لمكناسة ثم لفاس وخرج منه سنة
ثمانين من السادس فحل بسبتة وأمر الناس بالجواز فجاز العرب أولا ، ثم زناتة
من غير مغراوة ، ثم المصامدة ، ثم مغراوة ، ثم صنهاجة ، ثم أوروبة وسائر البربر ،
ثم الموحدون والأغزاز والرمات (كذا) ثم هو في عبيده ودائرته. فنزل بمرسى جبل
الفتح. ثم للجزيرة الخضراء ، ثم لقلعة خولان ، ثم لاوكس ، ثم لشريش ، ثم لبنريشة ،
ثم (ص ٧٨) لإشبيلية ، / ثم لواد بصر ثم لشنترين فنزل عليها وأدار بها الجيوش
وضايقها ثم انتقل لغربها لأمر أراده الله تعالى (كذا) فأنكر المسلمون ذلك وبعد
العشاء أمر ابنه أبا إسحاق بالرحيل نهارا لأشبونة ويشن الغارات بجيش الأندلس خاصة
فأساء الفهم ورحل ليلا فاتبعه الناس بلا علم من الأمير وبقي في شرذمة قليلة فسمع
العدوّ فصك محلته إلى خبائه فمزقوه وقاتلهم بسيفه إلى أن قتل منهم ستة فطعنوه
__________________
طعنات نافذة وقتل
من جواريه ثلاثة وحلّ بالأرض فاجتمعت عليه عبيده وباقي جيشه وتراجع المسلمون
فدفعوا عنه العدو وهزموه وفتحوا البلد عنوة وقتل من العدو ما يزيد على العشرة آلاف
ومن المسلمين جماعة ولاح الأمن للأمير فركب ورحل وضل الناس فاهتدوا بالطبول وساروا
لإشبيلية. قال ابن مطروح القيسي في تاريخه فاشتدّ بالأمير ألمه ومات بالطريق قرب
الجزيرة قاصدا مراكش يوم السبت ثاني عشر ربيع الثاني سنة ثمانين وخمسمائة عن نحو الست وخمسين سنة بعد ما ملك اثنين وعشرين سنة وشهرا
وستة أيام فحمل لتنمليل ودفن بجانب قبر أبيه ، وقيل مات بمراكش. قال اليافعي في
تاريخه : وكان يحفظ أحد الصحيحين ، وذكر الحافظ اللواتي الشهير بابن بطوطة الطبخي
في رحلته التي اسمها : تحفة النظار ، وغرائب الأمصار ، وعجائب الأسفار ، أنه يحكى
أن يوسف بن عبد المؤمن دخل دمشق فمرض بها شديدا مطروحا بالأسواق وبعد برءه ، (كذا)
خرج لظاهر دمشق / ليلتمس بستانا يحرسه فاستؤجر لحراسة بستان (ص ٧٩) الملك نور
الدين وأقام ستة أشهر وفي أوان الفاكهة جاء السلطان لبستانه وأمر أن يؤتى له برمان
يأكله فأوتي به فوجده حامضا وتكرر ذلك فقال له الوكيل أنت في حراسة منذ ستة أشهر
ولا تعرف حلوه من حامضه فقال استأجرتني على الحراسة لا على الأكل فأعلم الوكيل
الملك بذلك فبعث له وكان الملك رأى في المنام أنه يجتمع به وتحصل له منه فائدة
فتفرّس أنه هو وقال له أنت يوسف قال نعم فقام له وعانقه وأجلسه بحانبه واحتمله
لمجلسه وأضافه (كذا) بحلال مكتسب من كدّ يمينه لأنه من الصالحين كان ينسج الحصر
ويقتات بثمنها فبقي عنده أياما ثم خرج من دمشق فارّا من أوان البرد الشديد فأتى
قرية من قراها وبها رجل من الضعفاء فعرضه للنزول ففعل وأتاه بمرقة ودجاجة مطبوخة
وخبز شعير فأكل ودعا له. وله جملة أولاد منهم بنت ، آن بناء زوجها بها وعادتهم أن
يجهّزها أبوها ومعظم الجهاز أواني النحاس به يتفاخرون ويتبايعون فقال له أعندك
النحاس قال بلى إني اشتريته كثيرا لتجهيز البنت فأمره أن يأتيه به فأتاه وقال له
استعر من الجيران ما أمكنك ففعل وأحضره وأوقد عليه النار وأخرج صرة فيها الأكسير
__________________
فطرح منه عليه
فعاد ذهبا. وتركه في بيت مقفل. وكتب لنور الدين ملك دمشق يعلمه به وينبّهه على
بناء مارستان للمرضى الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني (ص ٨٠) الزوايا بالطرق
ويرضي أرباب النحاس ويعطي لصاحب البيت الكفاية. / وقال في آخر الكتاب إن كان
إبراهيم بن أدهم خرج عن ملك خراسان فأنا خرجت عن ملك المغرب وعن هذه الصنعة. وقبره
بكرك نوح من بقاع العزيز ببيروت وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر ووقّف عليه
صلاح الدين وقيل نور الدين الأوقاف. وقال اليافعي في تاريخه أن القضية وقعت لابنه
المنصور كما ستراه إن شاء الله تعالى (ذا).
ثم ملكها بعده
ابنه يعقوب المنصور ، وكان شهما شجاعا محبا للعلماء معظّما لهم مشاركا في كثير من
الفنون. وأول ما فعله أخرج مائة ألف دينار ذهبا من بيت المال وفرقها على الضعفاء ،
وكتب بتسريح المساجين ورد المظالم وإكرام العلماء والصلحاء ورجوع الأحكام للقضاة
وإجراء الإنفاق على أهل الفضل والصلحاء والعلماء وتفريق الأموال على الأجناد
وتشحيم الثغور بالخيل والأبطال وغزى إفريقية سنة اثنين وثمانين من السادس فدوّخ وسبا إلى أن أذعنوا له ونقل عربها لمراكش وجاز جوازه
الأول لغزو الأندلس سنة ثلاث وثمانين منه فقتل وخرّب لأشبونة وانصرف للعدوة بسبي كثير ما بين النساء
والصبيان. ثم ارتحل للأندلس لغزوة الأراك المشهورة سنة إحدى وتسعين منه فأجاز العرب أولا ثم زناتة ثم المصامدة ثم غمارة ثم
الموحدين ثم المطاوعة ثم الرماة ثم العبيد ثم هو في أثرهم ومعه العلماء والصلحاء
وأهل النجدة والزعامة. فحل بالخضراء وزاد (ص ٨١) إلى أن بقي بينه وبين الأرك
مرحلتان / قدّم على جيشه أبا عبد الله بن صناديد وحصل المصافّ بالأرك فقسم جيشه
على نصفين : نصفه في مقابلة العدو ، ونصفه كمينا. واشتدّ القتال ودارت نار الحرب
فوقع النصر له وأثخن في العدو
__________________
قتلا وسبيا وانهزم
الفنش وفتح الحصن عنوة تلك السنة وكان جملة القتلى ثلاثين ألفا والأسارى (كذا) خمسة
آلاف. وجال بالقتل والسبي والتخريب إلى إشبيلية فدخلها وبنا (كذا) جامعها الأعظم
ومنارته فكان بين غزوة الزلاقة والأرك مائة واثنا عشر سنة وفتح كثيرا من مدن
الأندلس وحصنيه وبنا (كذا) مراكش ورباط الفتح وجامع حسان ومنارته حال جوازه
للأندلس ثم رجع لمراكش سنة أربع وتسعين منه وأخذ البيعة لابنه الناصر فبدأه مرض موته ولما اشتدّ به
قال ندمت على ثلاث مسائل وهي إدخالي عرب إفريقية للمغرب وهم أهل فساد ، وبنائي
رباط الفتح وهو بعيد لا يعمر ، وإطلاقي أسارى الأرك ولا بد لهم من طلب الثأر ،
وتوفي رحمهالله بعد صلاة العشاء من ليلة الجمعة ثاني عشرين من ربيع الأول
سنة خمس وتسعين وخمسمائة بقصبة مراكش وحمل لتنمليل فدفن بها وهو ابن أربعين سنة بعد
ما ملك أربعة عشر سنة وإحدى عشر شهرا وأربعة أيام. قال أبو الفدا صاحب حماة وكان
يتظاهر بمذهب الظاهرية وأعرض عن مذهب مالك. قال اليافعي في تاريخه ويحكى أنه زهد
في الملك وساح إلى أن مات بالشام لأني سمعت ممن لا أشك فيه أن جمعا من شيوخ /
المغاربة تذاكروا (ص ٨٢) رسالة القشيري وما فيها من مشايخ المشارقة ومناقبهم فرأوا
معارضته برسالة فيها مناقب شيوخ المغاربة ثم تذاكروا أن في القشيرية من زهد في
الملك من المشارقة وهو ابن أدهم فلم يجدوا ذلك في شيوخ المغرب وقالوا لا يتم إلّا
بذكر ملك زهد في الملك فجاء الشيخ الكبير أبو إبراهيم إلى يعقوب المنصور فسرّ به
وأعطاه جوهرا نفيسا فالتفت الشيخ أبو إبراهيم إلى شجرة هناك ونظرها فإذا هي حاملة
جوهرا يدهش منه العقول فعلم السلطان ما أكرم الله به أولياءه غنى صارت ملوك الدنيا
بين أيديهم كالخدم ، وملكهم
حقير كالعدم ،
فعندها أحقر يعقوب الملك وزهد فيه وصار من أكابر الأولياء. قال الحافظ أبو راس في
عجائب الأخبار ، وما يقال أنه ساح في الأرض وترك الملك زهدا ووصل إلى الشام وقبره
__________________
به كما هو الشائع
عند العوام لا أصل له. زاد اليفريني في نزعته أنه لم يسح ولا حمام له وأنه لم يزهد
، وليس بمولاي وإنما ذلك كله خرافات ه.
ثم قال الحافظ أبو
راس في الخبر المعرب ، كان ابن زهر الطبيب الماهر بمراكش عند يعقوب المنصور فتشوّق
وأهله بإشبيلية فسمعه يقول هذه الأبيات الثلاثة :
ولي واحد مثل
فرخ القطات
|
|
صغير تخلّفت
قلبي لديه
|
وأفردتّ عنه فيا
وحشتي
|
|
لذاك الشخيص
وذاك الوجيه
|
تشوّقني
وتشوّقته
|
|
فيبكي عليّ
وأبكي عليه
|
(ص ٨٣) / قال فأرسل المنصور المهندسين
لإشبيلية وأمرهم أن يحيطوا علما ببيوت ابن زهر وحارته ثم يبنوا مثلها بمراكش
فذهبوا وانقلبوا لمراكش وفعلوا ما رأوا في أقرب مدة ثم أمر بنقل عيال ابن زهر وكل
ما يتعلّق به بعد ما فرش المهندسون البيوت بمثل فرشه ووضعوا فيها آلة مثل آلته ثم
جاء ابن زهر فرأى دارا أشبه بداره فتحير وظن أنه نام ، وتلك أضغاث أحلام ثم رأى
ولده الذي تشوق له يلعب في البيت ورأى أهله جالسين فسرّ سرورا عظيما وهو القائل
لما شاب رحمهالله تعالى (كذا) :
كانت سليمى
تنادي يا أخيّ وقد
|
|
صارت سليمى
تنادي اليوم يا أبانا
|
وهو مثل قول
الأخطل في المعنى حيث قال :
وإذا دعونك
عمّهنّ فإنه
|
|
نسب يزيدك
عندهنّ خبالا
|
وإذا دعونك يا
أخيّ فإنه
|
|
أدنى وأقرب خلّة
ووصالا
|
ولما أراد المنصور
أن يحمل الناس على مذهب ابن حزم الظاهري وسمع المواق ذلك جمع من كتب ابن حزم مسائل
كثيرة انتقدت عليه وأراها للمنصور فلما قرأها قال أعوذ بالله أن أحمل أمة محمد على
هذا وثنا (كذا) عليه وليس هو المواق شارح مختصر الشيخ خليل لأن الشارح متأخر عن
هذا بنحو ثلاثمائة سنة ه.
قائمة ملوك الموحدين
واعلم أن ملوك
الموحدين ما بين المغرب وإفريقية وبجاية والمهدية مع طرابلس سبعة وأربعون ملكا :
فبالمغرب أربعة
عشر ملكا : أولهم شيخهم المهدي بن تومرت ، ثم عبد المؤمن بن علي الكومي العابدي ،
ثم ابنه يوسف العسري ، ثم ابنه المجاهد يعقوب المنصور صاحب قصة الأرك ، ثم ابنه
محمد الناصر وهو صاحب / غزوة العقاب التي حصد فيها شوكة المسلمين سنة تسع من
السابع (ص ٨٤) فكانت
مشومة على المسلمين عامة وعلى أهل الأندلس خاصة وهو أنه غزاها في جيش كالجراد
المنتشر فأدركه الإعجاب من ذلك وحل به الانتقام فكانت الدائرة عليه. ثم ابنه يوسف
المستنصر وفي وقته سنة ثلاثة عشر من السابع ظهر أمر عبد الحق المريني وبظهوره دخل دولتهم الهرم ، ثم عمه
عبد الواحد المخلوع بإجماع الدولة على توليته وخلع بعد تسعة أشهر وقتل خنقا
وانتهبت أمواله وسبي حريمه وهتك ستره فهو أول من خلع وقتل من الموحدين وصار
الموحدون كالأتراك لبني العباس. ثم ابن أخيه عبد الله العادل بن يعقوب المنصور وقد
بويع أولا بمرسيّة من الأندلس في نصف صفر سنة إحدى وعشرين وستمائة وبويع ثانيا بمراكش يوم الأحد ثاني عشرين شعبان تلك السنة وتوقف عن بيعته بلنسية وشاطبة ودانية والحفصيون عمال
إفريقية. وفي أيامه كانت الواقعة الشنيعة بين المسلمين والفرنج على طليطلة بالأندلس انهزم فيها المسلمون هزيمة قبيحة وهي التي هدمت
دعائم الإسلام بالأندلس فسأل منه الموحدون أن يخلع نفسه فأبى وقال لا أموت إلّا
أميرا فخلعوه ثم جعلوا عمامته في عنقه وشنقوه بها ورأسه في الخاصّة إلى أن مات يوم
الثلاثاء حادي عشرين شوال سنة أربع وعشرين من
__________________
السابع ونهب المصموديون قصره واستباحوا حريمه ، ثم يحيى بن محمد (ص
٨٥) الناصر باتفاق الموحدين على بيعته وخالفهم عرب / الخلط وهسكورة وقام عليه
بإشبيلية إدريس المأمون بن يعقوب المنصور وثارت عليه جماعة من أهل مراكش وانضم
إليهم العرب ووثبوا عليه بمراكش فهرب للجبل ثم زاد العرب المعقل بفج عبد الله من
رباط تازة فغدروا به وقتلوه وكانت مدته بأسرها مزاحمة للمأمون وولده الرشيد. ثم
إدريس المأمون بن يعقوب المنصور بإشبيلية وكان فصيح اللسان فقيها حافظا للحديث
ضابطا للراوية عارفا بالقراءة حسن الصوت والتلاوة إماما في اللغة والعربية والأدب
وأيام العرب كاتبا مداوما على البخاري وسنن أبي داوود عالما بأمور الدين والدنيا
شهما حازما شجاعا مهابا سفاكا للدماء لا يتقيها طرفة عين شاعرا ، فمن شعره متمثلا
:
تكاثرت الظبا
على خدّاش
|
|
فلم يدر خدّاش
ما يصيد
|
وأطاعته العدوتان
وخرج عليه المتوكل بن هود شرقي الأندلس واستولى على الأندلس ففارقها المأمون وجاز
لمراكش فاستقرّ بها وتتبع الخارجين على من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم وهم
أربعة آلاف وستمائة وجزّ رؤوسهم وعلّقها بمراكش وكان زمان الصيف فنتنت المدينة
وتضرر الناس بالرائحة فرفعوا أمرهم إليه فقال تلك رائحة طيبة للمحبّين وكريهة
للمبغضين وأنشد يقول :
أهل الحرابة
والفساد من الورى
|
|
يعزون في
التشبيه للذكّار
|
ففساده فيه
الصلاح لغيره
|
|
بالقطع والتعليق
بالأشجار
|
(ص ٨٦)
/ من رآهم ذكرى إذا ما أبصروا
|
|
فوق الجذوع وفي
ذروى الأسوار
|
وكذا القصاص
حياة أرباب النّهى
|
|
والعدل مألوف
بكل الجوار
|
لو عمّ حلم الله
سائر خلقه
|
|
ما كان أكثرهم
من أهل النّار
|
ولكثرة سفكه
للدماء سموه حجاج المغرب وأمر بإسقاط اسم مهديهم من الخطبة وإزالته من السكة
المربعة وقال لا مهدي إلّا عيسى وعمل فيه رسالة وكان خطيبا فأفصح بتكذيبه وضلاله
فيها. وثار عليه أخوه بسبتة فسار إليه وحاصره بها
__________________
ثم لحقه الخبر بأن
البعض من أولاد الناصر دخل مراكش فرجع إليه من سبتة ومات بالطريق مفقوعا بوادي
العبيد. وفي أيامه سنة سبع وعشرين من السابع كان ابتداء أمر بني عبد الوادي.
ثم ابنه عبد
الواحد بن إدريس المأمون الملقب بالرشيد وتقاتل مع يحيى وهو ابن أربعة عشر سنة
فهزم يحيى بجيشه واستقر بملكه وهرب يحيى لرباط تازة فغدر به عرب المعقل وقتلوه
وأتوا برأسه وبقي بملكه بمراكش إلى أن قتل غريقا في سهريج (كذا) بستان له وكان حسن
السياسة وأعاد اسم مهديهم في السكة والخطبة وقمع العرب لكنه لما استقر أمره تخلى
للذّات فلم يخطب له بالمغرب الأوسط وإفريقية.
ثم أخوه أبو الحسن
علي المعتضد ويقال له السعيد بن إدريس المأمون وكان بطلا (كذا) شجاعا مهابا له
إقدام في الحروب والنجدة فاق بها سلفه وهو الذي حرك / على يغمراسن بن زيان بتلمسان
وحاصره بقلعة تمزريغت الغربية ببني (ص ٨٧) ورنيد قرب تلمسان وقبلة وجدة إلى أن
قتله يغمراسن بها بالجبل وعمل له جنازة الملوك ودفنه بالعبّاد.
ثم أبو حفص عمر بن
أبي إبراهيم إسحاق بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علي ، قال بعضهم ، بويع له بمراكش
يوم الأربعاء غرّة ربيع الأول سنة ست وأربعين من السابع قال ابن رشيق في تاريخه المسمى بميزان العقل ، هذا وهم فإن
السعيد توفي يوم الثلاثاء منسلخ صفر ولا يمكن أن يصل الخبر بموته من تلمسان إلى
مراكش في ليلة واحدة والصحيح أن بين موت السعيد وبيعة أبي حفص المرتضى مهلة نحو
العشرة أيام ه. وفي أبي الفدا أن بيعة المرتضى في ربيع الأخير وبه ظهر الوهم الذي
قال عليه ابن رشيق لما ردّ على غيره فاستقام له الأمر من سلا لسوس الأقصا وغزا (كذا)
فاسا سنة ثلاث وخمسين وستمائة فانهزم وأخذ أبو يحيى المريني محلته ودخل مرّاكش في فلّه
إلى سنة
__________________
خمسة وخمسين
وستمائة حادي أو ثاني عشرين المحرم دخل عليه القائم أبو دابوس الموحدي مراكش فهرب المرتضى إلى
أزمّور فقبض عليه عامله وبعثه لأبي دابوس فقتله بكتامة على ثلاثة أيام من مراكش.
ثم أبو العلا
الواثق أبو دابوس بن أبي حفص بن عبد المؤمن بن علي ، وكان بطلا شجاعا داهية مقداما
في الحروب دخل مراكش غدرا على المرتضى وبايعه بها كافة الموحدين وغيرهم ثم وقعت
بينه وبين المريني أبي يوسف حروب (ص ٨٨) قتل ببعضها / وبه انقطع ملك بني عبد
المؤمن وانقرضت دولة الموحدين من المغرب الأقصا واستقامت دولة المرينيين به ومن
المغرب الأوسط واستقامت دولة الزيانيين به.
وبإفريقية تسعة وعشرون ملكا ، أولهم أبو حفص عمر بن يحيى صاحب المهدي
بن محمد بن واندين بن علية بن أحمد بن والّال بن إدريس بن خالد ابن اليسع بن إلياس
بن عمر بن وافتن بن محمد بن لجبة بن كعب بن محمد ابن سالم بن عبد الله بن عمر بن
الخطاب رضياللهعنه. قاله الشيخ أحمد بن الشمّاع في تاريخه ودولتهم تسمى
بالحفصية. ثم ابنه أبو محمد عبد الواحد ابن الشيخ أبي حفص صاحب المهدي. ثم أبو
العلا بن عبد المؤمن بن علي ، ثم عبد الله بن عبد الواحد الحفصي واتسع ملكه إلى أن
ملك إفريقية وبجاية وسائر المغرب الأوسط وتلمسان ووهران وبلد الجريد والزاب ،
وتوفي ببونة سنة سبع وستين من السابع . وقد أنشأ بتونس بنيانا شاهقا. ثم ابنه أبو عبد الله محمد
بن أبي زكرياء وسعى عمه أبو إبراهيم في خلعه وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على
كره منه فجمع له أبو عبد الله محمد بن أبي زكرياء المخلوع أصحابه وشدّ على عمّيه
فقهرهما وقتلهما واستقل بملكه وتلقب بالمنتصر وفي أيامه سنة ثمان وستين من السابع وصل الفرنسيس لإفريقية بجموعه وأشرفت إفريقية على الذهاب
لو لا أن الله منّ عليهم بموت أمير
__________________
الفرنسيس الحارك وتفرقت الجموع. ثم ابنه يحيى بن محمد وتلقب / بالواثق. ثم
خلعه عمه أبو إسحاق إبراهيم وخطب لنفسه وتلقب بالمجاهد وترك (ص ٨٩) زىّ الحفصيين
وتزيّ بزّي زناتة واشتغل بالشرب وفرّق الملك على أولاده وذبح الواثق المخلوع
وولديه الفضل والطيب وسلم له ابن صغير يقال له أبو عصيدة ثم قام عليه شخص من بجاية
يقال له أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة وادعى أنه الفضل المذبوح ابن الواثق لشبهه به
فقيل له الداعي واجتمعت عليه أناس وقصد أبا إسحاق إبراهيم فهرب به لبجاية عند ابنه
أبي فارس عبد العزيز بن إبراهيم وهو أمير بها فتركه ابنه أبو فارس بها وذب بإخوته
وجمعه للداعي بتونس فانهزم جيشه بعد الالتقاء وقتل هو وإخوته ثلاثة ونجا الرّابع
وهو أخوه الصغير يحيى ابن إبراهيم وعمه أبو حفص عمر بن زكرياء ، ثم أرسل الداعي
لبجاية من قتل أبا إسحاق وأتى له برأسه وتحدّث الناس بالداعي. ثم اجتمعت العرب على
عمر بن أبي زكرياء بعد هروبه من المعركة وقوي أمره وقصد الداعي ثانيا فأثخن فيه
واستتر في بعض دور التجار ثم أحضر واعترف بنفسه وضربت عنقه. ولما قتل أبو حفص
الداعيّ استقرّ في ملكه وتلقب بالمستنصر فسار ابن أخيه يحيى السالم من المعركة
لبجاية وملكها وتلقب بالمنتخب ولما اشتدّ مرض المستنصر بايع لابنه الصغير فأتته
الفقهاء وقالوا له أنت صائر لعفو الله وتولية مثل هذا لا يحلّ فأبطله.
ثم أبو عصيدة ولد
الواثق المخلوع / وتلقب بالمستنصر أيضا وكنّي بأبي (ص ٩٠) عصيدة لعمل أمه في
نفاسها به العصيدة وإهدائها للجيران. وفي أيامه توفي صاحب بجاية المنتخب وملك
بجاية ابنه خالد. ثم أبو بكر عبد الرحمن بن أبي زكرياء عبد الواحد بن الشيخ أبي
حفص. ثم خالد بن المنتخب صاحب بجاية بعد قتله لأبي بكر المذكور. ثم زكرياء
اللحياني جاء من مصر مع عساكر الناصر لطرابلس فبايعته العرب وزاد لتونس فخلع خالدا
وحبسه وقتله قصاصا بأبي بكر بن عبد الرحمن واستقرّ بإفريقية وهو أبو يحيى زكرياء
بن أحمد ابن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي حفص. ثم أبو بكر بن يحيى
المنتخب أخو خالد قتيل زكرياء اللحياني فهرب منه اللحياني لمصر وأقام
__________________
بالإسكندرية وملك
أبو بكر ما عدا المهدية وطرابلس فقام عليه محمد بن اللحياني بعد هروب أبيه لمصر
وقتل معه فهزمه أبو بكر واستقل ابن اللحياني بما بيده من المهدية وطرابلس. ثم
اجتمعت الناس على طاعة محمد بن أبي بكر الحفصي صهر زكرياء اللحياني وبايعوه لما
ضعف أبو بكر وهرب باستيلاء العرب ولكون ابن أبي بكر كان نائبا على اللحياني فلذلك
بويع له وكاتبوا اللحياني على القدوم فأبى. هذا مفاد ما في تاريخ أبي الفداء.
وقال ابن أبي
دينار في المؤنس في أخبار إفريقية وتونس :
ثم أبو ضربة بن
محمد اللحياني ، ثم ابنه أبو حفص وبقي إلى أن مات فملك أبو الحسن المريني ، ثم
الفضل الحفصي ، ثم إبراهيم ، ثم خالد ، ثم أبو العباس أحمد ، ثم ابنه أبو فارس عبد
العزيز الذي قال فيه ابن عرفة أنه في (ص ٩١) العدالة مثل عمر بن عبد العزيز الأموي
بحسب الزمان ومات / بوانسريس بسبب دعاء الشيخ محمد الهواري عليه كما مرّ ، ثم ابنه
عبد الله المنتصر ، ثم ابنه أبو عمر عثمان ، ثم حفيده أبو زكرياء يحيى بن عبد الله
محمد المسعود ، ثم أبو عبد الله محمد بن أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد
المسعود ، ثم أبو محمد الحسن بن محمد الحسن بن المسعود وبه ختام بني أبي حفص ومن
أتى بعده فهو اسم لا رسم. ثم أحمد ابن أبي محمد بن الحسن بن أبي عبد الله محمد بن
أبي محمد الحسن ابن أبي عبد الله محمد المسعود ، ثم محمد ابن الحسن وهو خاتمة بني
أبي حفص وبانقراضه انقرضت أيامهم.
وببجاية ثلاثة :
أولهم أبو فارس عبد العزيز بن إبراهيم ، ثم يحيى المنتخب ، ثم ابنه خالد.
وبالمهدية مع طرابلس واحد : وهو محمد بن اللحياني فهؤلاء السبعة والأربعون
الموحدين.
قال الحافظ أبو
راس في عجائب الأخبار : ولا زالت إفريقية بيد الحفصيين واحدا بعد واحد إلى أن
أخذها منهم الأتراك سنة إحدى وثمانين وتسعمائة فمدّتهم بإفريقية ثلاثمائة وثمانون سنة إلّا ما تخلل ذلك
من الداعي بن أبي عمارة ونحوه من الذين لا حكم له. والملك لله وحده يورثه من يشاء
من عباده.
__________________
الدولة الخامسة الزيانيون
ثم ملك وهران ،
الدولة الخامسة ، وهم الزيانيون ويقال لهم بنو زيان والعبد الواديون يوم وبنو عبد
الوادي.
فتسميتهم
بالزيانيين نسبة لجدهم لأبيهم زيان بن ثابت بن محمد بن زيدان ابن يندوكس / بن طاع
الله بن علي بن يمل بن يزوجن بن القاسم بن محمد (ص ٩٢) ابن عبد الله بن إدريس بن
إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب كرّم
الله وجهه. وتسميتهم ببني عبد الواد نسبة لجدهم لأمهم عبد الوادي ابن يادين بن
محمد بن رزجيك ابن واسين كما في ابن خلدون وغيره. قال صاحب بغية الرواد : وعبد
الواد أصله عابد الوادي رهبانية عرف بها جدهم من ولد سجيع بن واسين بن يصليتن ابن
مسرى بن زاكيا بن رسيح بن مادغس الأبتر بن قيس بن غيلان بن إلياس بن مضر بن نزار
بن معد بن عدنان. قال التّنسي في نظم الدرر والعقيان في شرف بني زيان ، والقاسم جد
أمير المؤمنين المتوكل ، اتفق النّسابون على أنه من ولد عبد الله الكامل بن الحسن
المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضياللهعنه. ولكن اختلف في طريق اتصاله به. فقيل إنه القاسم بن محمد
بن عبد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل. قال صاحب بغية الرواد : وهذا
القول من أشهرهم. وقيل إنه القاسم بن محمد ابن أحمد بن محمد بن سليمان بن عبد الله
الكامل ، وهو الذي صحّحه صاحب ترجمان العبر حيث قال : إنه القاسم بن محمد بن أحمد
بن محمد بن سليمان بن عبد الله الكامل ، واحتجّ على ذلك بأن القاسم هو الذي كان
بتلمسان فلمّا غلب
عليه العبيديون
دخل لبني عبد الوادي القاطنين بصحراء تلمسان فأصهر فيهم وعقب عقبا مباركا فشا فيهم
حتى زاد عليهم بخلاف أعقاب الأدارسة فإنهم كانوا (ص ٩٣) يلتقون بغمارة الريف. /
وخالفه في ذلك بغية الرواد بقوله إنه لما قتل المنصور بن أبي عامر المعافري الحسن
بن أبي كانون آخر ملوك الأدارسة بالمغرب افترقت الأدارسة في البلاد. فكان القاسم
بن محمد بن عبد الله بن إدريس ممّن توجه إلى الصحراء فانضاف إلى بني عبد الوادي
فأكرموا نزوله وعظموا قدره وحكّموه بينهم فتزوّج فيهم وأنسل نسلا كثيرا والله أعلم
بحقيقة الأمر. فبان لك بهذا أن القاسم من ولد عبد الله الكامل بلا خلاف وإنما
الخلاف هل هو من ولد إدريس ابن عبد الله أو من ولد أخيه سليمان بن عبد الله.
وسليمان هو الذي ملك المغرب الأوسط ، وإدريس هو الذي ملك المغرب الأقصا (كذا) ه.
قال الحافظ أبو راس في تواريخه : والقول بأن سليمان بن عبد الله الكامل هو الذي
جاء للمغرب غير صحيح والصحيح أن الذي جاء له هو ابنه محمد بن سليمان وهو الذي ملك
المغرب الأوسط ، ووهم التنسي في قوله دخلها سليمان وملكه أهل تلمسان عليهم لأن
سليمان استشهد بوقعة فخ التي قتل فيها جعفر بن يحيى البرموكي (كذا) بأمر الرشيد.
الأشراف وقبورهم مشهورة بين التنعيم ومكة المشرّفة مع ضريح ابن عمر رضياللهعنهم. ومن أولاد سيدي محمد هذا بنو العيش ملوك رشقون ، وبنو
إبراهيم ملوك أتنس. وإلى إبراهيم هذا ينسب السوق الذي هو غربي العروسي حيث مكب واد
أسلي في شلف. ومنهم حمزة وأخوه علي ملوك الأبيرة بإزاء جرجرة جبل زواوة وبحمزة سميت تلك الأراضي إلى الآن
ه.
(ص ٩٤) قال صاحب
بغية الرواد : فبنو القاسم هذا هم / الذين حازوا الشرف وكرم الأبوة وفخر الملك
القديم والحادث (كذا). ولا يسمح للطّعن في هذا النسب الكريم لأنه من الشهرة
بالآفاق والفشو في القبائل والأجداد في الغاية بحيث لا يحجبه بعد دار ولا يجحده
عدو ولا بار ، وفي المشهور من مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضياللهعنه ثبوت النسب بمجرد الشهادة من غير معرفة أحوالها. وحكى
الباجي في منتقاه وغيره من المتأخرين أن شهادة السماع
__________________
الفاشي المتواتر
تفيد العلم إجماعا. وقال ابن القاسم يقطع بالنسب وإن لم يعلم الأصل ، وقال بعض
قضاة المتكلمين خبر الواحد إذا اختفت به القرائن أفاد العلم. فإن روعي في إثبات
هذا النسب الشريف الشهادة ، فلا شهادة أعدل من قبل الأصل المشتمل على مشيب وشبان
رؤساء ومرؤسين رجال ونساء من بني عبد الوادي كرام القوم وعيانهم يعرفون أصلهم
ويدينون بصحبة منتماهم الهاشمي. وإن اكتفي فيه بالسماع الفاشي فأمره في المشارق
والمغارب مشهور في لسان الوالي والصدوق والعدو شأنهم معترف به. وأخبرت بحضرة
تلمسان دار أولهم وآخرهم عرفان الشمس المعروفة ، فهو إذا أظهر من أن يخفى وأوضح من
أن يجحد.
وهل يبقى على
الأذهان شيء
|
|
إذا احتاج
النهار إلى دليل
|
وقال ابن خلدون :
كان يغمراسن بن زيان يرفع نسبه إلى إدريس ثم يقول إن كان هذا صحيحا نفعنا في
الآخرة وأما الدنيا فنلناها بأسيافنا ه.
وقد ألّف / الحافظ
التنسي في شرفهم كتابا سماه : نظم الدرر والعقيان ، في (ص ٩٥) شرف بني زيان. وكذا
الحافظ أبو راس كتابا سماه : العجالة. وذكر شرفهم صاحب بغية الرواد ، وأثمد
الأبصار ، وجواهر الأسرار ، وغيرهم من الأئمة. وسبب مصير الملك إليهم أن بني عبد
المؤمن لما ضعف أمرهم بما بينهم من الفرقة تطاول بنو عبد الوادي إلى الاستيلاء على
قطر تلمسان لقربهم منها فجاسوا خلالها وأوجفوا عليها بالخيل والركاب واحتاز كل
منهم جانبا من القطر وأمّن أهله على خراج يؤديه إليه كل سنة ، وأمرهم إلى كبيرهم
جابر بن يوسف بن عم زيان والد يغمراسن بن زيان وكان وإلى تلمسان أبو سعيد عثمان بن
يعقوب المنصور لأخيه المأمون إدريس بن المنصور فاحتال على جماعة من رؤسائهم بإغراء
الحسن بن حيون فأخذهم واعتقلهم بدار الريح من القصر القديم وبعد مدة شفع فيهم
إبراهيم بن إسماعيل بن غيلان اللمتوني فردّت شفاعته فأنف وجمع قومه وهجم عليهم
وسرحهم وقتل الحسن بن حيّون واعتقل الأمير أبا سعيد موضعهم وخلع طاعة المومنية وتطاول لإحياء اللمتونية وسولت له نفسه أنه لا يتأتى له
إلّا
__________________
إذا قطع كبار عبد
الوادي فبعث إلى جابر وكبراء قومه لحضور وليمة فأتوه فخرج إليهم في ثمانية من
أصحابه وقد بلغهم الخبر فقبضوا عليه وأصحابه وأوثقوهم ودخلوا البلد بدعوة المأمون
فجاء جابر دار الإمارة وضبط أمرها وبعث إلى (ص ٩٦) المأمون بالخطبة والسكة فقنع
منه لقعود / الشيخوخة به عن النهوض.
فأول من ملك منهم
جابر بن يوسف ونزع الملك من بني عبد المؤمن واستخلص تلمسان من يد عمّال إفريقيا فملك تلمسان ووهران واستولى عليهما وعلى أحوازهما وعلى
كافة بني راشد وبني عبد الواد وحواضر ذلك القطر سوى ندرومة فزحف لحصارها فهلك هناك
بسهم أصابه من داخلها من يد يوسف الغفاري التلمساني. ثم ملكها ابنه الحسن بن جابر
وخلع نفسه لما كبر سنّه لعمّه عثمان ثم ملكها عثمان بن يوسف وكان فظا غليظا فأساء
السيرة وضيّع الملك فأخرج من تلمسان. ثم اتفق بنو عبد الوادي على تقديم أبي يعزّ
زيدان بن زيان فاستولى عليها وأعمالها فنكث عنه بنو مطهر بمظاهرة بني راشد فكانت
بينه وبينهم حروب سجال قتل في بعضها وبموته انقطعت دولة بني عبد المؤمن من تلمسان
وقطرها وعلا صيت بني زيان فهؤلاء الأربعة تولوا لا استقلالا. ثم ملك استقلالا أبو
يحيى يغمراسن بن زيان وهو في الحقيقة أول ملوكهم والذين قبله كانت لهم المشيخة ،
واسمه يحيى ولقبه يغمراسن ومعناه بلغتهم كثير المرق لقب بذلك لكثرة جوده ، نصّ
عليه الحافظ أبو راس في كتاب الحاوي. وكان ابتداء ملكه يوم الأحد رابع عشرين ذي
القعدة الحرام سنة سبع وعشرين من (ص ٩٧) السابع / في أيام الرشيد عبد الواحد بن إدريس المأمون ونازعه بنو
مظهر وبنو راشد فأظهره الله عليهم وبعث له الرشيد المؤمني هدية عظيمة راجيا منه
الخطبة والسكة فأبى وظهرت العداوة بينهما وهمّ الرشيد بالنهوض له فعاجلته المنية
وهو أول من خلط البادية زي الملوك وأظهر قبيلة لباس الشريعة وتعرض لهدية أبي
زكرياء الحفصي الهنتاتي التي بعثها من إفريقية للسعيد المؤمني وأخذها فنظر للسعيد
فلم يظهر منه شيء فاستقلّ بنفسه وجهّز الجيوش لتلمسان فنازلها
__________________
سنة خمس وأربعين
من السابع بجيوش فيها ثلاثون ألف رام من المشاة فضلا عن غيرهم وأحاط
بها فكان الهرّ مع صغر جرمه تأتيه العشرون سهما فأكثر فخرج منها يغمراسن بجيشه وقد
أفرج له لشدة بأسه وصعد لبني ورنيد ودخلها الحفصي وعرضها على ولاته فأبوا خشية من
يغمراسن فاصطلح معه ورجع كل لموضعه واتفقا معا على عداوة بني عبد المؤمن فسمع
السعيد بذلك فأقسم لا بد يملك مملكتهما معا ونهض من مراكش يجرّ الأمم العظيمة
والبحور الزاخرات من الجيوش وساعدته على ذلك بنو مرين فانجاز يغمراسن لحصن تمزريدت
الغربية جنوب وجدة بجبل بني ورنيد وحاصره فيها السعيد بعد أن نزل بوادي سلي وسأل
منه الدخول في طاعته فأبى فزحف له وتعلق بالجبل محرّضا على الهجوم فتعرض له
يغمراسن للقتال ونصره الله عليه فقتل السعيد على يد يوسف ابن خزرون وأوتي له برأسه
فأدخله على أمه لكونها أمرته بطاعته فأبى وأقسم لها أن يأتيها برأسه فأبر الله /
قسمه وقال في ذلك الظفر الوزير أبو علي الحسن صاحب (ص ٩٨) سبتة القصيدة السينية
الطويلة التي مطلعها :
بشرى بعاجل أوجب
لنا العرسا
|
|
وأصفر الدهر عنه
بعد ما عبسا
|
واستولى يغمراسن
على المحلة بما فيها فكان منه العقد اليتيم وغدار زمرّد والمصحف العثماني الذي
بخطّه رضياللهعنه. وكان يغمراسن دينا فاضلا محبا للأولياء والعلماء فأتى
بأبي إسحاق الشيخ إبراهيم بن يخلف بن عبد السلام التنسي وأخيه أبي الحسن علي بن
يخلف بن عبد السلام من تنس لتلمسان إلى أن ماتا بها وقبرهما بالعبّاد. ووفد عليه
خاتمة أهل الأدب أبو بكر محمد بن عبد الله بن داوود بن خطاب فأحسن إليه وصيّره
صاحب القلم الأعلا (كذا) وارتحل لزيارة أبي اليمان القطب الشيخ واضح بن عاصم
المكناسي بجبل وافرشان من وادي رهيو لنيل الفضل منه. قال الحافظ أبو راس في الحاوي
: ولما جاء يحيى الملقب يغمراسن لزيارة سيدي واضح المكناسي فكوشف له عن ذلك وسد
باب المغارة بالحجر فوقف السلطان بباب الخلوة فاستأذن على الشيخ فلم يأذن له فمكث
حينا طويلا وكان يوما حارا فصار يتشفع إليه بخدّامه وقرابته
__________________
وهو ممتنع فقال
بعض وزارئه قد حصل المقصود فانصرف لعل الله ييسر رؤيته في غير هذا الوقت فقال
يغمراسن والله لا أنصرف حتى يرضى عنا فلما رأى منهم أنهم يئسوا من لقائه برز لهم
وقال يا يغمراسن ، أما تعلم وقوف ذي الحاجات (ص ٩٩) ببابك وما يجدونه من الانكسار
ومدافعة الحرس لطول / احتجابك عنهم وإنما جعلت لك ذلك للتيقظ من غفلتك فصار
يغمراسن يتملّق بين يديه ويتعذّر له والشيخ في كل ذلك منقبض عنه وقد ألقى الله في
قلب يغمراسن وجنده من هيبة الشيخ ما لا يوصف. ثم أنه خلا به وقال له أما كفاك ما
ترتكب من الأعمال الخبيثة جمعت بين علجتين وهما أختان فتبّا للذّة تصيّر صاحبها
إلى النار فقبّل عند ذلك السلطان أقدام الشيخ وقال أنا تائب لا أعود هذا. ثم التفت
الشيخ لأخيه يحيى وقال لهءاتيهم بطعام فبعد ساعة قرب لهم طعاما جيّدا ولحما سمينا
فرمى الشيخ ذلك وقال تطعم الزيار (كذا) خبز الشعير وتطعم الأمير ما أرى ، فقال
يغمراسن إن لم يطب خاطرك لم نأكله فقال لا بل كولوا على بركة الله. ثم قال لأخيه
أنت معذور تحتاج لما بيد يغمراسن لأنك لك ذرية بكلامه الزناتي فلما أكلوا انبسط
الشيخ وقال من تولي عهدك فقال هذا وأشار لولده محمد فقال له الشيخ الرعية لا تحتاج
للفقيه الحاذق الكيس لأن الفقيه مجبول على جمع المال يقول للدرهم درهمان فقال له
السلطان ومن ترى فقال هذا وأشار لولده عثمان فسرّ يغمراسن ببقاء الملك في عقبه
فلما هم بالانصراف قال الشيخ لأحد ولدي يغمراسن ألم توصك أمك أن تأتيها بحجاب
أكتبه لك فقال نسيت وقبّل يده فقال الشيخ يا سيدي عزّوز ناوله إياه فناوله فحينئذ
أوصي الشيخ يغمراسن بالرفق بالرعية وقال له يغمراسن كل راع مسؤول عن رعيته. وسيدي
واضح هذا هو (ص ١٠٠) الذي تسمى عليه جد سيدي أبي عبد الله محمد المغوفل / بن محمد
بن واضح بن عثمان بن محمد بن عيسى بن فكرون المغراوي سمّاه عليه والده لكونه
تلميذه وتوفي سيدي واضح بن عثمان المغراوي سنة ست وخمسين وثمانمائة كما في ذيل الديباج للشيخ أحمد بابا. ويغمراسن هو الذي بنا
(كذا) الصومعتين بالجامعين الأعظمين من أقادير ، وتلمسان. ولم يكتب اسمه عليهما
__________________
وقال علمهما عند
ربي. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : ويقال أن الجامع الذي بتلمسان القديمة
بناه مولانا إدريس الأكبر وعمل له المنبر. وبالقديمة ضريح الشيخ داوود بن نصر أول
من شرح البخاري توفي في آخر القرن الرابع . وحروبه مع زناتة والعرب أمر لا يحصى ولا يصدر من أحد لشرف
همته ، فقد قال صاحب بغية الرواد : له في العرب وحدهم اثنان وسبعون غزوة ومثلها مع
تجين (كذا) ومغراوة. ولما حل الأمير أبو إسحاق الحفصي بتلمسان لطلب ملكه بتونس سنة
ثمان وسبعين من السابع زوّج إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة لولد يغمراسن
عثمان ثم بعد تمهد الملك له بعث يغمراسن ابنه إبراهيم المكنى بأبي عامر ليأت (كذا)
بها فلما رجع بها لقيه يغمراسن بمليانة للتنويه ببنت سلطان تونس ولما نزلوا برهيو
مات سنة إحدى وثمانين من السابع وحمل لتلمسان فدفن بها.
ثم ابنه أبو سعيد
عثمان باتفاق الملأ من بني عبد الوادي فشمّر في غزو الأعادي ذيله حتى أقام من كل
ذي زيغ ميله ، فقتل ابن عبد القوي ملك تجين وانتزع لهم وانسريس والمدية وأخذ
مازونة وتنس وفرشك من يد مغراوة / وهرب (ص ١٠١) مالكهم راشد بن منديل في
البحر ، وقطع ملكهم. غير أن الحافظ أبو راس قال في عجائب الأسفار : قد رأيت راشدا
بن منديل مذكورا في نحو السّبع من الثامن وزاد عثمان لبجاية فخربها وغزى (كذا)
العرب فأجلاهم للصحراء وحرك عليه يوسف بن عبد الحق المريني خمس مرات كان الحصار
صادر منه في الخامسة لتلمسان ثمان سنين وثلاثة أشهر ، وبنا (كذا) المنصورة وتوفي
أبو سعيد في الحصار. ثم ابنه أبو زيان محمد بن أبي سعيد ونهض لحرب عدوه غير أنه
عاجلته المنية في أثناء الحصار لمرض اعتراه.
ثم أخوه أبو حمّ موسى بن عثمان وفي وقته حصل الفرج وزال الحصار
__________________
بسبب الولي أبي
زيد عبد الرحمن الهزميري جاء من أغمات ليوسف بن يعقوب المريني شفيعا فأبى فذهب
الشيخ مغاضبا وقال يأتي سعاذا (؟) يقضي هذاء وانصرف للمغرب فدخل عليه سعادة غلام
العلامة أبي علي الملياني الذي قتله يوسف ابن يعقوب فألفاه (كذا) نائما وقد ألقى
الله في قلبه طلب الثأر فوجأه بسكين في بطنه فبلغ الخبر الهزميري وهو بفاس فقال له
خديمه نرجع لبلدنا فقال الشيخ وعبد الرحمن يموت فمات لأيام قلائل ودفن بفاس بروضة
الأنوار. وأول ما بدأ به أبو حمّ هدم المنصورة وأصلح ما ثلم من تلمسان وبنى
الأسوار وحفر الخناديس والأهرية وملأها طعاما وإيداما وحطبا وفحما وملحا وجميع ما
يحتاج إليه بما لا حدّ له (ص ١٠٢) ثم استقبل بالتمهيد وتتبع الحركات بنفسه / على
تجين ومغراوة وسائر المخالفين أيام الحصار وحرك عليه أبو سعيد المريني إلى أن بلغ
وجدة ففرّ عنه أخوه يعيش لتلمسان فرجع وثار عليه راشد بن راشد المغراوي بشلف فنهض
له وفر راشد لزواوة واستعصم بها فنازله أبو حمّ بوادي تمهل وبنى به قصره المعروف
به ففرّ راشد لبني أبي سعيد وانحاز للموحدين فبعث له جيشين عظيمين أحدهما لنظر
مسعود بن أبي عامر الزياني والآخر لنظر موسى بن علي الغزّى فاستباحوا أبل قسنطينة
وحصل التنافس بين الرؤساء كادت تبين الفتنة وعزل عامل مليانة وبعث به لتلمسان
فاستقبح ابنه أبو تاشفين سجن خاله وأمره بالمسير للأمير فغضّ بصره ففر للمدية وثار
بها وتبعه الغوغاء فرجع أبو حمّ مغاضبا على ابنه وصار يؤثر عليه مسعود بن أبي عامر
بن عمه فأغرا (كذا) أبا تاشفين خواصّه بقتل المسعود وأبيه فقتلهما. وكان أبو حمّ
محبا للعلماء والعلم وهو الذي بنى المدرسة المعروفة لابني الإمام وأعطى بلاد تجين
للحشم فصلا بينه وبينهم.
ثم ابنه أبو
تاشفين ، فاستولى على البدو والحضر ، واستخدم ربيعة ومضر وتولّع بتبييض الدور ،
وبنى (كذا) القصور ، ونهض لخاله محمد بن يوسف الثائر على أبيه والموجب لقتله
فحاصره ، بوانسريس إلى أن أخذه عنوة وقتله وعفا عن غيره ، ثم زاد لبجاية فأخذ
رياحا أخذة رابية وأمر قائده موسى بن علي ببناء مدينة
__________________
على وادي بجاية
فبنيت في أربعين يوما وسمّاها تمزريدت الشرقية وأما الغربية فهي التي / بجبل بني ورنيد كما مرّ. وجهز
عامله يحيى الجمي جيوشا لغزو (ص ١٠٣) تونس تحت نظر ابن أبي عمران الحفصي فلقيهم
مالكها أبو يحيى بجيوشه فهزموه واستولوا على حريمه وذخائره ومحلاته وأفلت جريحا
لقسنطينة وزادوا فدخلوها واستراحوا بها أربعين يوما وأسلموها لابن أبي عمران فبعث
له أبو سعيد المريني على الإقلاع عن بجاية فأبى وهمّ أبو سعيد بقتاله فعاجلته منيته
(كذا). وكان له بالعلم وأهله احتفال عظيم فقد ورد عليه أبو موسى المشذالي فأكرمه
وولّاه التدريس بمدرسته الجديدة وورد عليه أبو العباس البجائي تاجرا ودخل المدرسة
القديمة فألفاهم يتكلمون بمجلس أبي زيد بن الإمام في قول ابن الحاجب في الأصول في
حدّ العلم أنه صفة توجب تمييزا لا يحتمل التنقيض فقال يا سيدي هذا الحد غير مانع
لانتقاضه بالفصل والخاصة فقال أبو زيد من المتكلم فقال أحمد البجائي فقال يقع
الجواب بعد الضيافة وأنزله وأكرمه وسأله عن مقدمه فقال تاجرا فعرّف به الأمير فرفع
عنه مغرمه ومن معه قدره مائة دينار وزاده صلة مائة دينار ذهبا ، ووقع بمجلسه
السؤال عن ابن القاسم هل هو مقلدا أو مجتهد فقال أبو زيد مقلد النظر بأصول مالك
وقال المشذالي مجتهد مطلق الاجتهاد واحتجّ بمخالفته لمالك في بعض المسائل واستظهر
أبو زيد نصّ ابن التلمساني الذي مثل به للاجتهاد المخصوص / بابن القاسم لمالك
والمازني (ص ١٠٤) للشافعي فقال المشذالي هذا مثال لا تلزم صحته. وحرك عليه أبو
الحسن المريني فنزل بتاسالة وأطال بها إلى أن ثار عليه أخوه بسجلماسة فرجع له إلى
أن قتله ومهّد المغرب ثم رجع لتلمسان وحاصرها وبنى عليها مدينته التي هي الآن
محراث ولم يزل أبو تاشفين وأولاده ووزيره في المقاتلة معه إلى أن استشهدوا جميعا
في يوم الأربعاء ثامن عشرين رمضان سنة سبع وثلاثين من الثامن فدخلها المريني وبموته جرّ الحادث ، والخطب الكارث ، على
الدولة الزيانية القفا ، وكدر بنيها الحنسى ما كان صفا.
__________________
الدولة السادسة : المرينيون
ثم ملك وهران
الدولة السادسة ، وهم المرينيون ، ويقال لهم بنوا حمامة. أما تسميتهم بالمرينيين
فذلك نسبة لجدهم مرين بن أمير الناس على قول ، وابن ورتاجن على الآخر ، وأما
تسميتهم ببني حمامة فذلك نسبة لجدهم حمامة ابن محمد بن ورزين. واختلف في نسبهم على
ثلاثة أقوال ، فقال صاحب أثمد الأبصار وغيره إنهم أدارسة من ذرية يحيى بن إدريس ،
وقال صاحب القرطاس إنهم زناتة من ذرية ماخوخ الزناتي ، وقال أيضا في موضع آخر إنهم
من نسل قيس بن غيلان بن مضر. ومن زنات تفرقت قبائل زناتة فهم عرب صريحون وسبب
تغيّر لسانهم عن العربية إلى البربرية أن بر بن نزار كان له ولدان : قيس ، (ص ١٠٥)
ودهمان ، ابنا / غيلان. فدهمان ولده قليل وهم أهل بيت من قيس يعرفون ببني امامة.
وقيس ولد أربعة رجال وجارية وهم : سعيد وعمر وحفصة أمهم مريم بنت أسد بن ربيعة بن
نزار ، وبرّ ونماض أمهما بريع بنت محمد بن مجدل بن عمر ابن مضر المجدولي. وكان
البربر يسكنون بالشام ويجاورون العرب في الأسواق والمساكن والمراعي ، ويشاركونهم
في المياه والمساعي ويصاهرون بعضهم بعضا. وكانت البها بنت دهمان بن غيلان بن مضر
من أجمل النساء وأكملهنّ ظرفا وطربا وحسنا فكثر طلابها للتّزويج من كل قبيلة فقال
أبناء عمها قيس وهم : عمر وسعيد وبرّ وحفصة لا يتزوج بنت عمنا غيرنا فخيّروها
فاختارت برّا لكمال شرفه وصغره وتزوجته فحسده اخوته عليها وهموا بقتله. وكانت أمه
بريع من دهات (كذا) النساء فبعثت إلى ولدها بر وزوجته البها وأمرتهما بالذهاب معها
لقومها فوافقاها وذهبوا فنزلوا عند أخواله وأعرس بها وامتنع من قومه فولدت له
البها علوان ومادغس : فعلوان مات صغيرا ولم يعقّب ، ومادغس لقّب بالأبتر فهو
جدّ البتر ومن
ولده جميع زناتة فبمكث برّ بالبربر تغير لسانه وأورث في ذريته فهذا هو السبب وقالت
في ذلك أخته ترثيه :
وشاطت ببرّ داره
عن بلاده
|
|
واطرح برّ نفسه
حيث يمّما
|
وأورث برّ لكنة
أعجميّة
|
|
وما كان برّ
بالحجاز بأعجما
|
/ وقال أبو فارس في أرجوزته نظم
السلوك :
فجاورت زناتة
البرابرا
|
|
فصيرت كلامهم
كما ترا
|
وما بدّل الدهر
سوى أقوالهم
|
|
ولم يبدّل منتهى
أحوالهم
|
بل فعلهم أربى
على فعل العرب
|
|
في الحال
والآثار ثم في الأدب
|
فانظر كلام
العرب قد تبدّلا
|
|
وحالهم عن حاله
تحوّلا
|
لا يعرفون اليوم
ما الكلام
|
|
وما لهم نطق ولا
إفهام
|
وإن تمادت بهم
الأحوال
|
|
لم يبق في الدهر
لهم أقوال
|
كذاك كانت قبلهم
مرين
|
|
كلامهم كالدّرّ
إذ يبين
|
فاتخذوا سواهم
خليلا
|
|
وبدّلوا كلامهم
تبديلا
|
وأصل مواطنهم
كاخوتهم بني لومى ومديونة ، قبلة زاب إفريقية ثم دخلوا المغرب سنة تسع وستمائة فنزلوا من فقيق إلى تفلالت إلى ملوية. وكانت بين بني لومى
هؤلاء وبين بني مانّوا حروب عظيمة هلك فيها ماخوخ الزناتي صاحب الخيمة المشهورة
التي آثارها للآن ببلاد أولاد علي من بني عامر في أواخر المائة الخامسة وكان بنوا
لومى يمدون بني مرين بالجيوش وسبب مصير الملك إليهم أنهم كانوا ببلادهم المذكورة
رائسهم (كذا) محمد بن ورزين. ثم قام ابنه حمامة مقامه ثم أخوه عسكر ثم ابنه
المخضّب ولما سمعوا بعبد المؤمن بن علي الموحّدي غزى (كذا) وهران واستولى على
أموال لمتونة وبعث بها لتنمليل تعرّضوا له من الزّاب مغلغلين إلى وادي تلاغ
فاستولوا / عليها به ثم لحقهم (ص ١٠٧) الموحدون ومعهم بنوا عبد الوادي فكان المصاف
بفحص حسّون وانكشف المرينيون وقتل شيخهم المخضب واكتسح العبد الواديّون حللهم سنة
أربعين من
__________________
السادس فلحقوا بالصحراء وركد ريحهم إلى سنة عشرة من السابع في وقت المنتصر الموحدي وكان صبيّا صغيرا لا يعرف شيئا
أتوا على عادتهم للكيل فوجدوا الغرب لا حياة فيه لمن تنادي فأقاموا بمكانهم وبعثوا
لإخوانهم على القدوم فأسرعوا على الخيل والنجائب ، يقطعون المهامة والسّباسب
يريدون الدنو والبلاغ ، إلى أن وصلوا لوادي تلاغ ، فدخلوا المغرب بجيش كالجراد
يقمع الحاضر والباد ، فظهر ما كان في الغيب مجهولا ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
قال أبو فارس في أرجوزته :
في عام عشرة
وستمائة
|
|
أتوا إلى الغرب
من البريّة
|
جاؤوا من
الصحراء والسباسب
|
|
على ظهور الخيل
والنجايب
|
كمثل ما قد دّخل
الّلمتونيّون
|
|
من قبل ذا وهم
لهم ميمّمون
|
فهذا سبب مصير
الملك إليهم. قال ابن خلدون : وهم قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم من أقوى القبائل
وأنجدها وأفرسها كثير جمعهم ، مضاهون للعرب والفرس واليونان والروم. وفيهم قال ابن
الخطيب في رقم الحلل :
وأورث الله بلاد
الغرب
|
|
للسّادات الغرّ
الكرام النجب
|
أهل الخيول
والرماح والهمم
|
|
أقوى بني الدنيا
وأوفى بالذّمم
|
وأدرب الخلق
بركض الخيل
|
|
وخوض أحشاء
الفلا والليل
|
(ص ١٠٨)
/ قاموا وقد بان اختلال الطاعة
|
|
بمذهب السّنّة
والجماعة
|
ولما دخلوا المغرب
تفرقوا فيه وشنّوا الغارات فمن أذعن لهم سالموه ومن أبى قتلوه. ففرت الناس منهم
وبلغ خبرهم إلى أمير الموحدين المستنصر فقال لقومه : ما ترون من هؤلاء فاتفق رأيهم
على محاربتهم فبعثوا لهم جيشا فيه عشرون ألفا تحت رئاسة أبي علي بن واندين فسمعت
مرين فلقيتهم بأكمل حالة وجعلوا أموالهم وحريمهم بقلعتي : تازة وزا فلما تراء
الجمعان كانت الدائرة لمرين على الموحدين فقتلوهم ذريعا وهزموهم شنيعا واحتووا على
ما في المحلة
__________________
بأجمعه ودخل فلّ
رباط تازة وفاسا منهزمين ، وبالمشعلة مستترين ومنحرمين. وهي نبت يشبه الحلفا له
أوراق طويلة عريضة تمسيها عامة المغرب بلحية الشيخ ويقال لها بالشلحة الأثموج
وأكثر نبتها قبلة تازة سيما بلاد مكناسة وقلوبهم بالحزن مشتعلة ، فسمّي العام عام
المشعلة وهو عام ثلاثة عشر وستمائة .
وأول ملوكهم
بالمغرب عبد الحق بن محيوا وكان فاضلا صالحا متبركا به وهو الذي استخلص الملك من
غيره لكنه لم يستول على كرسي الخلافة بمراكش. ثم ابنه أبو سعيد عثمان ، ثم أخوه
أبو معرّف محمد بن عبد الحق وبايعته كافة مرين وسار فيهم سيرة حميدة وكان بطلا
شجاعا ، شهما مهابا مطاعا ، كثير الغارات لا يفتر عن القتال والمحاولات. وفيه قال
صاحب الأرجوزة :
/ ثم ولّي من بعده محمد
|
|
وكان في أموره
مسدّد
|
فكان لا يفتر عن
قتال
|
|
مواضبا للحرب
والنّزال
|
كم عسكر له وكم
حشود
|
|
ومن جميع جمّة
الجنود
|
وكم من جيش جاء
من مراكش
|
|
أفناه بالحروب
والتناوش
|
نهاره وليله
طعان
|
|
لكنه مؤيّد معان
|
ولم يزل في قتال
الموحدين إلى أن قتل بصخرة أبي بياس من أحواز مدينة فاس ، يوم الخميس تاسع جمادى
الثانية سنة اثنين وأربعين من السابع تحاملا مع زعيم الروم. ثم أخوه أبو يحيى
زكرياء بن عبد الحق وهو أول من عمل من ملوكهم مراسم الملك من بنود وطبول وغيرها.
وأوّل ما ابتدأ به تقسيم البلاد على قومه وإنزال كل قبيلة في ناحية وأمرهم بتكثير
الجيش وركوب الرجال وما غلبت عليه كل قبيلة فهو لها وتوفي بفاس ودفن بإزاء قبر
الفشتالي تبرّكا به.
ثم أخوه سلطان
الجهاد أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ولقبه المنصور. وقد استوفى أبو فارس في
أرجوزته سيرته حيث قال :
سيرة يوسف بن
عبد الحق
|
|
قد حاز فيها
قصبات السّبق
|
__________________
سيرته أن يقرأ
الكتابا
|
|
ويذكر العلوم
والآدابا
|
يقوم للصلاة ثلث
الليل
|
|
وما له عن ورده
بميل
|
(ص ١١٠) إلى آخر الأبيات السبعة
والعشرين وشرع في تمهيد المغرب ففتح / بلاده من أقصى سوس إلى وجدة وفتح مراكش وقطع
ملك الموحدين ومحا أثرهم وجاز للأندلس فدوّخها وملك بها ما يزيد على خمسين قصرا ما
بين مدن وحصن كمالقة ورندة والخضراء ، وطريف ومربات وأشبونة وما بين ذلك من الحصن
والقرى والبروج وخطب له على جميع منابر الغرب فهو أول ملك حما (كذا) الإسلام من
بني مرين ونزل في سنة ثمان وخمسين من السابع بتازة يستنشق ريح يغمراسن فبلغه الخبر بأن النصارى دخلوا مدينة
سلا غدرا ووضعوا السيف في رقاب أهلها فجدّ السير لها يومه وليلته إلى أن أدرك
المسلمين وخلّصهم من العدوّ وأطرد العدو منها وبنا عليها (كذا) السّور وغزى (كذا)
مراكش سنة ستين من السابع فحاصرها شديدا وغلق أميرها المرتضى على نفسه ثم خرج منها
ووقعت بينهما حروب عظيمة قتل فيها عبد الله ولد المريني فارتحل عنها. وفي ذلك قال
أبو فارس عبد العزيز في أرجوزته :
في عام ستّمائة
وستين
|
|
سار المراكش
سلطان مرين
|
فوقف المنصور
بجليز
|
|
مبرزا بأحسن
التبريز
|
وعاد فيها
المرتضى محصورا
|
|
ذا أرق في قصره
مقصورا
|
ودارت الأعراب
بالأسوار
|
|
واعتمدوا فيها
على الإحصار
|
(ص ١١١) وضيّق على أبي دابوس بمراكش
شديدا ولما أيقن بعدم النجدة / استصرخ بيغمراسن فشن الغارات على أطراف الغرب فرجع
إليه المريني ووقع المصاف بوادي تلاغ الغربي وحصلت الحرب العظيمة بينهما من الضحى
للظهر فرجعت الدائرة على يغمراسن فهزم وقتل أكبر أولاده عمر. ثم غزا (كذا) تلمسان
في سنة تسع وستين من السابع فلقيه يغمراسن بواد سلى قرب وجدة فوقع بينهما حرب
__________________
عظيم مات فيه من
جيش يغمراسن خلق كثير ولو لا ما حال الظلام بينهما لم تقم قائمة لبني عبد الوادي
وفرّ يغمراسن لتلمسان وأضرمت محلته نارا وتبعه يعقوب المريني فمرّ بوجدة وجعل
عاليها سافلها وسبا (كذا) أموالها وزاد لتلمسان فحاصرها شديدا وأدار محلاته بها
وجاءه بها محمد بن عبد القوي إعانة ثم سرحه لأهله ولم ترتحل عنها حتى وصل التجيني
بلده خشية عليه من يغمراسن ثم أقلع عنها ورجع للمغرب فقال بعض كتابه ، الملزمين
لخدمة بابه :
فإنك إذا الخيل
جالت حبستهم
|
|
قضاء من الرحمان
ما منه عاصم
|
فذاك على اليمنى
يبيد حمامتها
|
|
وهذا على اليسرى
فأين المقاوم
|
ووالدهم في جاحم
الحرب بينهم
|
|
يبيد حماة الجيش
والسّقر قائم
|
فويحك يا يغمور
هل لك حاجز
|
|
أيقظان حقا أنت
أم أنت نائم
|
أفي كل عام تترك
ابناك للفنى
|
|
وتسبى لك المغيد
الحسان المكارم
|
وجهّز جيشا قدره
خمسة آلاف لنظر ولده أبي زيان سنة ثلاث / وسبعين من (ص ١١٢) السابع فغزى (كذا) الأندلس به ونزل بطريف واستراح ثلاثا ومنه
للحيرة فغنمها وبعث بالغنائم للجزيرة ووالى السير في الأرض يفتح ويسبي إلى شريش
ورجع بالغنائم للجزيرة ولحقه والده في سنة أربع وسبعين من السابع ففتح فتوحا كثيرة وغنم غنائم عظيمة وجال بالقتل والسبي
والتخريب وقتل زعيم النصارى دنونة وهزمت عساكره وأوتي له بالرؤوس فكانت نيفا وثمانية عشر
ألفا على ما لصاحب الأنيس ، وتسعة آلاف على ما لصاحب رقم الحلل ، فجعلت تلا وأذّن
عليها للصلاة وصلى المسلمون بالمعركة الظهر والعصر وأوتي له برأس دنونة فبعثه لابن
الأحمر فكوفره ومسّكه ابن الأحمر وبعثه للفنش (الفونسو) تقرّبا منه وتجنبا من أبي
يوسف. قال ابن الخطيب في رقم الحلل :
تسعة آلاف من
الكفّار
|
|
دعا بهم داع إلى
البوار
|
وعدد الأسارى سبعة
آلاف وثمانمائة وثلاثون أسيرا والكراع أربعة عشر ألفا
__________________
وستمائة والبقر
مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، وأما الغنم فضاقت بها الأرض وبيعت الشاة بدرهم
والمرأة بدينار ونصف. ولما قسم الغنائم ارتحل ونزل قصر الصخرة فأتاه هرنادة ملك قشتالة لعقد الجزية وقبّل يد السلطان فدعا بماء بمرأى
بطارقته وغسلها من قبلته فكانت له فخرا وفي ذلك قال لسان الدين ابن الخطيب في رقم
الحلل : (ص ١١٣)
/ واجتمع القوم بقصر الصخرة
|
|
وشاهد النّاس
جميعا فخره
|
وحين حل بالخضراء
بعث له أبو محمد بن أشقيلولة كتابا يهنّيه بالفتح مشتملا على قصيدة عينية فيها
تسعة عشر بيتا مطلعها :
هبّت بنصركم
الرياح الأربع
|
|
وجرت بسعدكم
النجوم الطوالع
|
واصطلح في سنة
أربع وسبعين من السابع مع شانجة طاغية الروم فبعث له الطاغية بثلاثة عشر حملا من
كتب المسلمين التي أخذوها ما بين الكتاب العزيز وتفاسيره وكتب الحديث وشراحاته
وكتب الفروع والأصول واللغة والعربية والآداب وغيرها وأتاه العلامة الأديب أبو
فارس عبد العزيز المكناسي ناظم الأرجوزة التي يقال لها نظم السلوك بقصيدة بائية
مشتملة على مائتين وثلاثين بيتا يذكر فيها سيرته وجهاده وغزواته وجميع أموره كلها
مطلعها :
بحمد الله أفتح
الخطابا
|
|
وأبدأ في النظام؟
والكتابا
|
لعل الله يبلغني
أمالي
|
|
ويفتح بالسّرور
عليّ بابا
|
فأنشدها بين يديه
قارئه أبو زيد عبد الرحمن الفاسي الغرابلي وحضور أشياخ بني مرين والعرب لقراءتها
فاعطا (كذا) لقارئها مائتي دينار وللنّاظم ألف دينار وخلعا ومركوبا ومن أرادها
بتمامها فعليه بالأنيس ، أو دليل الحيران. وتوفي ضحى يوم الثلاثاء ثاني عشرين من
المحرم كما في الأنيس ، وصفر كما في (ص ١١٤) عجائب الأخبار ، سنة خمس وثمانين من
السابع / بالجزيرة الخضراء بعد موت
__________________
يغمراسن بخمس سنين
كما في الخبر المعرب. وحمل إلى رباط الفتح من بلاد العدوة ودفن بمسجد شالة منها
كما في الأنيس وبموته انصدع الإسلام. قال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار : ولو
لا يغمراسن ألهاه بشن الغارات لا ستردّ كثيرا من الأندلس فكان له مانعا من
الموانع.
ثم ابنه يوسف
الناصر فصالح ابن الأحمر وجدد الصلح لابن الفنش (الفونسو) وأكثر من غزو الأندلس
فأثخن في النصارى ثم صرف عزمه لغزو تلمسان بسبب ابن عطوا فحاصرها وبها ملكها عثمان
بن يغمراسن ودام حصاره عليها أعواما وشهرا ومات ملكها عثمان أيام الحصار وانتهت
عساكر المريني إلى إفريقية واشتدّ البلاء على أهل تلمسان إلى أن قتله غلامه وهو
نائم مع إحدى جواريه فافرجت عساكر مرين عنها وحمل إلى شالة برباط الفتح ودفن بها.
ولما مات جلس ابنه أبو سالم على الكرسي فغلبه ابن أخيه أبو ثابت وخلعه بإعانة أبي
حمّ الزياني.
ثم أبو ثابت عامر
بن عبد الله فارتحل عن تلمسان ورجع للمغرب فدوخه كثيرا وجال في نواحيه إلى أن توفي
بقصبة طنجة فجلس على كرسي الملك عمّه علي بن يوسف فخلع فورا ورضوا بسليمان أخي (كذا)
أبي ثابت. ثم أبو الربيع سليمان بن عبد الله أخو أبي ثابت فجدّد الصلح مع آل زيان
وتوفي مريضا بتازة ودفن من ليلته بصحن جامع تازة وقد ترفّهت الناس في أيامه /
باتخاذ الدّواب (ص ١١٥) والملابس الجيدة وتشييد الدور وترويقها بالزّليج والرخام
والنّقوش. ثم أبو سعيد عثمان السعيد بن يعقوب فمهّر الملك ودوّخ المغرب وأوقع
بملوية ووجدة وبني يزناسن كثيرا وحاصر تلمسان شديدا وبها سلطانها أبو حمّ موسى بن
عثمان ثم أفرج عنها ورجع للمغرب وغزى (كذا) الأندلس وطالت مدته في التدويخ ووقع
الخلل بينه وبين ولده عمر فاجتمع العسكر على عمر وخاف السعيد من العسكر فانتصر
عليه ولده وهرب السعيد لتازة ولحقه بها ولده وحصره إلى أن سلّم له الأمر بالأشهاد
وبقي بتازة ثم سار ولده بالجيوش لفاس وحلّ به المرض الشديد فحاصره أبوه بها إلى أن
سلّم له الأمر على أموال عظيمة أعطاها له السعيد مع سجلماسة وترك الملك لأبيه
فاستقلّ به إلى أن مات. وهؤلاء الملوك التسعة من بني مرين لم يملك واحد منهم
وهران.
ثم ملكها أبو
الحسن المريني وهو عليّ بن عثمان السعيد بن يعقوب ابن عبد الحق بن محيو بن أبي بكر
بن حمامة بن محمد بن ورزين بن فلوس ابن كرماط بن مرين فدوّخ المغرب بأجمعه وحاصر
تلمسان مدة حصرا شديدا وبنى المنصورة غربي تلمسان مدة الحصار وفيها يقول ابن
الخطيب السلماني في رقم الحلل :
ثم بنا المنصورة
الشهيرة
|
|
البلدة الجامعة
الكبيرة
|
(ص ١١٦) / وقيل بناها يوسف بن يعقوب
كما مرّ وفتك بأهل تلمسان فتكا عظيما وقاتله مالكها أبو تاشفين إلى أن استشهد هو
وأولاده ووزيره فدخلها عنوة ولما حلّ بها طلب الإعانة منهم بالأموال للجهاد فقال
له أبو زيد بن الإمام لا يصح لك حتى تكنس بيت المال وتصلي فيها ركعتين كما فعل عمر
رضياللهعنه. وفتح ندرومة ووجدة ورجع للمغرب. ثم غزى (كذا) طريف
بالأندلس فهزم هزيمة كبيرة حصدت فيها شوكة المسلمين. ثم غزى (كذا) وهران والمغرب
الأوسط إلى أن وصل لإفريقية بسبب أن السلطان أبا بكر الأصغر الحفصي لما توفي سنة
سبع وأربعين من الثامن وكثر القتال بين بقيّة بني حفص وبين ولديه أبي العباس وأبي
فارس وأضرمت إفريقية نار الفتنة هرب حاجب السلطان محمد بن تافركين للمغرب لسعاية
بلغت به فلحق بأبي الحسن المريني وصار يرغبه في ملك تونس ويسهل عليه أمرها
ويهوّنها عليه وكانت نفسه تحدثه لما فتح تلمسان بإفريقية ويتربّص بالسلطان أبي بكر
فقويت عزائمه عليها ثم أخبر بمهلك ولدي أبي بكر أبي العباس وأبي فارس فارتحل من
مراكش وجدّ السّير إلى تلمسان فوافته بها الحشود من كل جهة وارتحل في صفر سنة ثمان
وأربعين من الثامن يجرّ الدنيا بما حملت فنزل بوهران وفتحها وأمر ببناء البرج
الأحمر بها فبني وجعل في وسطه دائرة لا تراكين لها بناء محكما واتقنه إلى أن كاد
الجوّ يغصّ به وقلّما يوجد مثله في السّعة واتقان البناء فهو إيوان الحكم لكل من
ملك (ص ١١٧) وهران ثم بنا (كذا) ثانيا برج / المرسى كلاهما تلك السنة فبينما هو
بوهران إذ وفدت عليه بها أولاد حمزة ، والكعوب وسائر أمراء إفريقية وبعث ابن مكي
أمير
__________________
قابس وفده بالطاعة
وابن جلول صاحب توزر وابن عابد صاحب قفصة وصاحب الحامة وصاحب نفطة كلهم بايعوه
بوهران رغبة ورهبة وأدّوا بيعة ابن ثابت صاحب طرابلس لبعد داره ثم قدم في أثرهم
يوسف بن منصور صاحب الزّاب ومعه كبير الذواودة يعقوب بن علي فأوسع الكل كرمه
وجوائزه وعين القهارمة لإتمام البرجين المذكورين والعمالة والولاة وفي ذلك قال
الحافظ أبو راس في سينيته :
ثامن قرن قدمها
المريني أبو
|
|
حسن ثمت بيعة
طرابلس
|
بنا بها الأحمر
ففاق كل بنا
|
|
ثم بنا الثاني
حذو سفن المرس
|
ثم ارتحل يجرّ
الأمم قاصدا إفريقية فمرّ على كل بلدة ومكان في أمن وأمان إلى أن دخل تونس في يوم
مشهود يقلّ مثله بعده في الوجود ، ومعه شيخ الموحدين بتونس أبو محمد بن تافركين
بجنود عظام فبايعه بها خمسون ملكا ووافق ذلك موت الحاجب لتعلقات العلم وجامع أشتات
النثر والنظم وإمام المصنفين بحكم أقرانه الراشدة العلامة ابن هارون أحد شارحي ابن
الحاجب وشيخ ابن عرفة وزوجته في ليلة واحدة ، فقدم السلطان لما حضر جنازتهما
للصلاة عليهما أبا عبد الله السبطي صاحب الفتوى بالمجلس الذي أولاده مشهورون
بأولاد السّبطي للآن بفاس. ولما حلّ بتونس اندفع إليه الشعراء بها يهنونه بالفتح
وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوي من ناشئة أهل الأدب فرفع / إليه
قصيدة بائية محتوية على ثمان وستين بيتا مطلعها : (ص ١١٨)
أجابك شرق إذ
دعوت ومغرب
|
|
فمكّة هشّت
للقاء ويثرب
|
ونادتك مصر
والعراق وشامه
|
|
بدارا فصدع
الدين عندك يشعب
|
وحيّتك أو كادت
تحيّي منابر
|
|
عليها دعاة الحق
باسمك تخطب
|
وانظر تمامها إن
شئت في ترجمان العبر أو دليل الحيران.
ثم غزى (كذا) من
تونس العرب بالقيروان بعد صلاة عيد الأضحى فوافاهم في الفرح بين بسيط تونس وبسيط
القيروان المسمى بالثنية فأجفلوا أمامه وقاتلوه منهزمين وهو في اتباعهم إلى أن حلّ
بالقيروان ورأوا أن لا ملجأ منه فاتفقوا على الاستماية (كذا) ودسّ إليهم من عسكر
السلطان بنوا عبد الواد ومغراوة وتجين
فغلبوا بني مرين
وواعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيزوا إليهم براياتهم وصبحوا معسكر السلطان
فركب إليهم التعبئة فاختلّ مصافه وتحيّز إليهم الكثير من جيشه فكانت الدائرة عليه
ونكب نكبة عظيمة ونجا إلى القيروان فدخلها في الفلّ من عساكره وتدافعت ساقات العرب
في إثره وتسابقوا إلى محلّته فنهبوها ودخلوا فساطيطه واستولوا على ذخائره والكثير
من حريمه وأحاطوا بالقيروان ودارت حللهم بها وتعاوت ذيابهم بأطراف البقاع وأجلب
ناعق الفتنة من كل مكان ولم ينج إلّا في أرذل حالة وذهب ليلا إلى سوسة على تعبئة
فركب منها في الأسطل (كذا) إلى تونس وحل بها فشرع في إصلاح ما ثلم منها.
عودة وهران لدولة بني زيان
(ص ١١٩) ثم / رجع
ملك وهران للدولة الخامسة وهي دولة بني زيان فملكها بعد أن استولى على تلمسان أبو
سعيد بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الزياني فأحيا (كذا) الدولة الزيانية بعد
العفاء وأظهرها بعد طول الخفاء وهو سادس الملوك الزيانية ، وعاشر القاسمية ، بويع
له في ربيع الأول سنة تسع وأربعين من الثامن بأرض إفريقية وجاء مغربا ومعه تجين ومغراوة وبنوا عبد
الواد ولما حلّ بشلف فارقته تجين ومغراوة بعد التحالف على المناصرة عند الحاجة
وتمادى بنوا عبد الوادي بسلطانهم لتلمسان. وكان أبو عنان المريني أقام بها عثمان
بن جرار أحد بني طاع الله فبعث لهم ابن جرار أخاه في جيش للمحاربة فكان مصاف
القتال بسكّاك فقتل ابن جرار وأخذ ما معه إلّا اليسير وجاء أبو سعيد لتلمسان فسأل
عاملها ابن جرّار الأمان فأمن ودخلها أبو سعيد في جمادى الثانية تلك السنة ، فبرز في سماء الخلافة وشارك أخاه أبا ثابت في المملكة
فكانت السكة والخطبة لأبي سعيد ، وأمر الحرب واستتباع الجيوش لأبي ثابت ، واختار
أخوهما الأكبر أبو يعقوب سكنى ندرومة منقطعا للعبادة ، وتركا أبا الحسن المريني
بالمشرق فمهدا البلاد ودوّخا العباد. فبينما هما كذلك إذ أتاهما الخبر أن أبا
الحسن نزل بالجزائر ومعه وزمار بن عريف السويدي الهلالي على ما
__________________
لابن خلدون ،
والمخزومي ، / على ما للحفاظ الثلاثة : أبي راس المعسكري ، (ص ١٢٠) وموسى بن عيسى
المازوني المغيلي ، وابن الخطيب التلمساني القرشي ، وتجين وعرب تلك النواحي ، وأنه
رايم تلمسان فخرج أبو ثابت بجيش عظيم وبعث لعلي بن راشد المغراوي فالتقيا بالتاغية
واتفقا على أن أبا ثابت يلقى أبا الحسن ، وعليا بن راشد يلقى الناصر ، فكان مصاف
القتال بتيغرين وحصلت الحروب الشديدة التي يشيب لها رأس الوليد انهزم فيها
المغراوي وثبت أبو ثابت إلى أن هزم أبا الحسن وقتل ولده الناصر وأعيانه ، ولو لا
ظلام الليل (كذا) ما نجا أبو الحسن ودخل وزمار بن عريف بأبي الحسن للصحراء إلى أن
وصل لسجلماسة وذهب مغرّبا ورجع أبو ثابت بالظفر والغنيمة.
ثم قتل مغراوة بعض
بني عبد الوادي غيلة فتوجه لهم أبو ثابت وهم بالجبل المطل على تنس وهجم عليهم ففرّ
علي بن راشد لتنس واقتحمها عليه فذبح عليّ نفسه وبه انقرض ملك بني ثابت بن منديل
واستولى أبو ثابت على بركش والمدية ومليانة والجزائر ورجع لتلمسان وكتب له أبو
عنان المريني على الإقلاع عليهم فأبى وسمع بموت علي بن راشد فأنف وتحرك لتلمسان
ولقيه أبو سعد وأبو ثابت بجيش بلغ منه الإعجاب بأنقاد ونزلوا بسلى فكان مصاف
القتال بوادي القصب ولما حمى الوطيس خدعت بنو عامر على عادتهم الذميمة وجرّت
الهزيمة عل أبي سعيد وكبّ به فرسه فأخذ وقتل يوم السبت حادي عشرين جمادى الأولى
سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة واستمرّ / أبو ثابت لتلمسان فأقام بها يوما ولحق (ص ١٢١)
بالجزائر فاجتمع عنده جيش عظيم ورجع به مغربا لعدوه فكان مصاف القتال بوادي شلف
فوقعت حروب يشيب لها الرضيع ونكص بنو مرين الأعقاب فحمل وزمار ابن عريف السويدي
على أبي ثابت فردّهم على أعقابهم وحصلت الهزيمة ففرّ أبو ثابت وأبو حمّ موسى
والوزير يحيى بن داوود مشرقين في ثياب التنكّر فأرصدهم صاحب بجاية وأخذهم حولها
فقال لهم الآخذون من هو أبو ثابت منكم فتقدم أبو حمّ وقال أنا فأطلقوا غيري فورد
عليهم من يعرف أبا ثابت وهو وزمار بن عريف السويدي فحملهم إلى أبي عنان المريني
فقال أبو عنان
__________________
لأبي ثابت كيف
رأيتم أبطال بني مرين فقال أبو ثابت أعانكم السعد وأما الرجلة غلبناكم فيها فدفعه
لبني جرار فقتلوه قصاصا ثالث عشر رمضان تلك السنة وذهب أبو حمّ لتونس فاستقرّ بها عند أبي إسحاق إبراهيم بن
أبي يحيى زكرياء الحفصي في نعمة شاملة إلى أن كان ما يأتي ذكره.
عودة وهران للدولة المرينية
ثم رجع ملك وهران
للدولة السادسة وهي المرينية فملكها أبو عنان وذلك أن أبا الحسن لما رجع للمغرب
حصل الخلل بينه وبين ابنه أبي عنان على الخلافة وغلبه ابنه على ذلك إلى أن عهد له
بها فرجع له ابنه وتوفي سنة اثنين وخمسين من الثامن ودفن بسلا. وسبب موته أنه لما رجع من مقاتلة ابنه ابن عنان
تمرّض. ففصد لإزالة الدم واغتسل بالماء قصد الطهارة فتورّم ومات بعد أيام قليلة
وهو الذي شيّد بناء جامع سيدي أبي مدين ، وبنا (كذا) جامع سيدي الحلوى. ولما مات
تولّى أبو عنان فارس بن أبي الحسن بموضع أبيه وشرع في تدويخ المغرب وتمهيده ثم غزى
(كذا) تلمسان سنة أربع وخمسين من الثامن فحاصرها شديدا إلى أن دخلها عنوة وأطرد (كذا) عنها سلطانها
صاحب الحرب أبا ثابت للمشرق ثم قتله بعد الظفر به وذبح سلطانها صاحب الأمر أبا
سعيد بإفتاء الفقهاء له بذلك وخرّب تلمسان فحرثها غلام أسود على ثورين أسودين تلك
السّنة. ثم تخطّا لوهران فملكها أيضا. وقد قال موسى بن صالح (ص ١٢٢) / الكاهن
المعروف عند الناس بموسى ، وصالح المشهور بالكهانة ، إن تلمسان تحرث فكان كما قال
وكان هذا الكاهن يسكن ببرابرة غمرة وأرضهم من المشتل إلى الزّاب. قال ابن خلدون : «واختلف
الناس في أمره فبعضهم يقول بكهانته وبعضهم يقول بولايته ولا صحة لخبره ه» وقول
الحافظ أبي راس في عجائب الأسفار : إن تلمسان حرثت سنة ستين من الثامن سبق قلم لأن
أبا عنان كان ميتا
__________________
في الستين وكانت
تلمسان معمورة وهي حرثت في حياته وقت تخريبه لها. وكان أبو عنان عالما كبيرا يقرأ
القرآن بالسبع . وقال الحافظ أبو راس في الشماريخ : أنه كان يقرأه (كذا)
بالعشر ، وأن أباه كان يقرأه (كذا) بالسبع وكان أديبا كثير الاعتناء بشعر ابن خميس
التلمساني فهو علم الأعلام ، ومستخدم السيف والأقلام ، وله بطش وبغض شديد في
الأمور حتى أنه حبس الإمام ابن مرزوق الخطيب لاتهامه في تقصيره خطبة حفصة بنت
سلطان تونس حتى قدم عليه شيوخ إفريقية بالخراج فقالوا له سمعنا في بلادنا أنك حبست
عالما كبيرا فأمر بإطلاقه وقيل أطلق بعد موته وهو أول من اعتنا (كذا) بتعظيم
المولد النبوي في البلاد الغربية فاقتدا (كذا) به أبو حمّ موسى بن يوسف الزياني
أحد الأعياص وبنوا حفص بتونس لا سيما أبو فارس عبد العزيز الحفصي وتوفي يوم
الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة الحرام سنة تسع وخمسين من الثامن وقد عاهد (كذا) بالملك لابنه أبي زيان فأبى أهل المجلس ذلك
وعقدوا البيعة لأخيه السعيد ابن أبي عنان وكان صغيرا ابن خمس سنين وجزموا على
الفتك بأبي زيان فأجبروه على البيعة لأخيه فبايع له وتلفت مهجته. واستقل بالأمر
الحسن بن عمر كافل الخليفة السعيد بن أبي عنان فصارت الخلافة للسعيد وبقي تسعة
أشعر ثم خلعه منها عمه أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني في منتصف شعبان سنة
ستين من الثامن .
عودة وهران للدولة الخامسة الزيانية
ثم رجع ملك وهران
للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو حمّ موسى ابن يوسف الزياني وذلك أنه لما خلص
من واقعة أبي عنان وذهب لتونس / فاستقر (ص ١٢٣) بها عند الملك الحفصي أبي إسحاق
إبراهيم بن أبي يحيى زكرياء في نعمة شاملة إلى أن جاءه من المغرب سقير بن عامر
الهلالي رئيس بني عامر بقبيله
__________________
ومعه مغراوة
فجاؤوا مغرّبين به لجبل عياض ومنه للزاب وريغة ووارقلا وجبل مزاب وواد زرقون وغزوا
أولاد عريف ساروا إليهم عشرة أيام بلياليها (كذا) فصبحوهم بواد ملّال فاستباحوا
مالهم وقتلوا كثيرا من رجالهم من جملتهم عثمان ابن وزمار بن عريف السويدي فهذه
الواقعة هي باكورة السّعد. ثم جاءهم البشير بموت أبي عنان فاستبشروا بنيل المراد.
ثم بايعوه في خامس محرم سنة ستين من الثامن وجاؤوا مغربين إلى أن وصلوا إلى مكرّة فسمع أهل وطن تلمسان
فأتوه من كل حدب ينسلون (كذا) ثم زادوا لتلمسان وبها محمد بن أبي عنان فنزلها
وحاصرها ثم دخل أقادير بعد حروب فسأل منه بنوا مرين الأمان فأمّنوا وأسلموا البلد.
وبايعوا أبا حمّ فدخلها بعد صلاة ظهر يوم الخميس غرة ربيع الأول تلك السنة ولما جلس على كرسي المملكة أنشأ يقول قصيدته الميمية التي
من الطويل الذاكر فيها أحواله من حين مجيئه من تونس إلى حال دخوله تلمسان مطلعها :
جرت أدمعي بين
الرّسوم الطّواسم
|
|
لما شطحتها من
هبوب الرّواكم
|
وقفت بها
مستفهما لخطابها
|
|
وأي خطاب للصعاب
الصلادم
|
وانظر تمامها في
الدر والعقيان ، أو بغية الرواد ، أو زهر البستان ، أو دليل الحيران ، أو لباب
اللباب ، وكان أهم ما بدأ به الإحسان إلى أنصار الدولة ثم لوفود التهنئة ثم التفت
إلى قبيله فاستركب منهم في يوم واحد ألفي فارس وضبط ملكه وأسّسه واجتمع بأبيه أبي
يعقوب وابنه أبي تاشفين في عام الستين من الثامن فجهّز لأبيه جيشا دوّخ به المشرق
وأخذ يحيى البطيوي بوانسريس أخذا وبيلا وفتح المدية ومليانة عنوة وأسر ما فيها من
شيعة بني مرين واصطلح مع أبي سالم المريني لما أفضت الخلافة إليه في عام الستين
المار وجهز لابنه أبي تاشفين في (ص ١٢٤) عام إحدى وستين من الثامن / جيشا لحرب أبي زيان بن أبي يحيى الراشدي ففرّ أبو زيان واستولى
أبو تاشفين على المال والذراري ، ولوزيره أبي محمد
__________________
عبد الله بن مسلم
جيشا لحرب محمد بن عثمان فهزمه الوزير هزيمة بليغة وجاءته البشارتان بالهزيمتين
وفيها بايعته أهل البطحاء ، ومستغانيم ومزغران وجهز جيشا بعثه مع وزيره موسى بن
برغوث لفتح وهران فكانت الدائرة على وزيره وهر جيشه وكبّ به فرسه فأخذ أسيرا وبعث
به للمغرب وحرك عليه فيها أبو سالم المريني بجنود كالجراد المنتشر فدخل تلمسان
وخرج أبو حمّ وتوجه للمغرب فدوّخه وبعد أربعين يوما فتح تلمسان من يد أبي سالم
ودوّخ بني وطاط كثيرا ومات في تلك الواقعة سقير بن عامر فحمله بجنازة الملوك ودفنه
بالعبّاد وكان في موته راحة له لأنه خادعه غفلة وأراد غدره لميله لبني مرين فأراحه
الله منه وتلك عادة بني عامر بكبيرهم وصغيرهم. ثم نهض للجبهة الشرقية فدوّخها وفي
سنة اثنين وستين من الثامن فتح وهران عنوة على يد أبي موسى عمران فارس الولادي وسلّم
له أبو سالم المريني الجزائر فاجتمعت له الجهة الشرقية وجاءه محمد بن موسى
اليزناسي طريدا فآواه وأحسن إليه ولله درّ القائل :
تطاول دائي
فاستفزّ منامي
|
|
وطال سهادي
واستطال سقامي
|
وحرمت سبعا ليس
للنفس بعدها
|
|
مقام بطيب وجدّ
حزامي
|
منامي وعقلي
والفؤادي وعبرتي
|
|
وقلبي ولبّي
والتذاذ طعامي
|
واصطلح مع أبي
سالم المريني أمير المغرب فردّ كلّ واحد الأسارى لصاحبه وذهب وزيره أبو محمد عبد
الله بن مسلم للجهة الشرقية فمهدها ومات والده أبو يعقوب بالجزائر في شعبان تلك
السنة فحمله ودفنه بباب أيلان وبنا (كذا) عليه المدرسة اليعقوبية ونقله لجوار
أخويه أبي سعيد وأبي ثابت ولما كملت المدرسة نقل الثلاثة لها وجعل أطعمة ورتب
أوقافا ، وأتاه خالد بن عامر صحبة محمد بن عمر للاختلاس فبعث لهما ابنه أبا تاشفين
وعمران بن موسى فهزمهما ببني ورنيد ورجع أبو تاشفين منصورا ، وفي أربع وستين من الثامن / جهز جيشا كثيفا لوزيره وأمره بطرد أبي زيان
الراشدي أو الفتك به وبخالد (ص ١٢٥) ابن عامر القاتل لأخيه شعيب بن عامر غدرا
ففرّا وأطردا عن الوطن. وفي خمس
__________________
وستين منه جهز لوزيره جيشا لإطراد المنافقين فأزعجهم إلى المسيلة
ومات وولّى بموضعه أخاه عثمان بن مسلم فاجتمعت عليه الحشود فأرسل ابنه أبا تاشفين
ثم لحقه في جيشه ولما حل بالبطحاء نزل العدوّ بغليزان ووقع الحرب بينهما يوما
كاملا وأبو حمّ بمحلته ينظر ففرّ عنه الناس ولم يشعر إلى أن وجد نفسه منفردا
بخاصته فارتحل لحضرته وتكالب عليه العدو وزاد معه إلى سيق كأنه جراد منتشر واشتدّ
القتال في الثنية فقطع رأس بعض أعيانهم فرجعوا منهزمين وذهب لحضرته. ولقد انتكب
ثلاث نكبات : واحدة بناحية بجاية ، والأخرى بتسكاله ، وأخرى بوانسريس ، والأمر لله
وحده. وفي سنة ست وستين منه اجتمعت عليه العرب لأمر لم يرده الله فذهبوا خائبين
وأذعنوا بالطاعة ، وأتى سويد لبابه الكريم يتلمسون الرضى فأصفح (كذا) عنهم وعفا ،
وحضرت ليلة الميلاد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فاحتفل لها كعادته وأنشد
قصيدته الجيمية المسمّة (كذا) بالمنفرجة المحتوية على أربعين بيتا من بحر البسيط مطلعها
بتمامها للفائدة فيها بالتوسل :
يا من يجيب دعا المضطر في الدّيج
|
|
ويكشف الكرب عند
الضيق والهرج
|
ولطف رحمته يأتي
على قنط
|
|
إذا القنوط دعا
يا أزمة الفرج
|
ومن إذا حلّ خطب
واعترى توب
|
|
أبدا (كذا) من
اللطف ما لم يجر في المهج
|
إني دعوتك جنح
الليل يا املي
|
|
دعاء مبتهل
بالعفو مبتهج
|
يا كاشف الضر عن
أيوب حين دعا
|
|
قد مسّني الضر
فاكشف ضرّ كل شجّ
|
أنت المنجي لنوح
في سفينته
|
|
ومخرج يونس من
ضيقة اللّجج
|
يا من وقى يوسف
الصّديق كلّ أذى
|
|
لما رموه بجبّ
ضيّق حرج
|
أجاب يعقوب لمّا
أن بكا وشكا
|
|
وجاءه منه لطف
لم يخله يج
|
وعاد بعد بصيرا
حين هبّ له
|
|
نسيم نشر القميص
الطّيب الأرج
|
(ص ١٢٦)
/ نجّا من النّار إبراهيم حين رمي
|
|
فيها وعادت
سلاما دون ما وهج
|
يا من تكفّل
موسى وهو منتبذ
|
|
باليمّ في جوف
تابوت على لجج
|
__________________
يا من أعاد
لللّام بعد ما يئست
|
|
موسى وقرّبه في
المرسلين نج
|
يا من كفى
المصطفى كيد الذي كفروا
|
|
إذ جاءهم بكتاب
غير ذي عوج
|
يا من وقاه
الرّدا في الغار إذ نسجت
|
|
ببابه عنكبوت خير
منتسج
|
وكلّ ما حاولوا
مكرا به انقلبوا
|
|
بالرعب ما بين
مكبوت ومرتعج
|
من قد أتى رحمة
للعالمين وقد
|
|
أحيا القلوب
بوحي واضح الحجج
|
من عطّر الكون
طيبا عند مولده
|
|
وأشرق الأفق من
نور له بهج
|
من أنزلت فيه
آيات مطهّرة
|
|
أنوارها كمصباح
لاح منبلج
|
يبلي الجديدين
أخلاقا وجدناهما
|
|
مع الجديدين في
نور وفي بهج
|
في طيها كل علم
ظلّ مندرجا
|
|
وأي علم لديها
غير مندرج
|
وكم له معجزات
ما لها عدد
|
|
جلّت عن الحصر
من فرد ومزدوج
|
عمّت شفاعته
للخلق أجمعهم
|
|
فبالوسيلة ترقى
أرفع الدّرج
|
محمد خير خلق
الله قاطبة
|
|
نور الهدى وإمام
الرسل ذي السّرج
|
يا حادي العيس
عرّج نحو أربعة
|
|
بالله عج بي على
ذاك المحلّ عج
|
لله قوم إلى
معناه قد وصلوا
|
|
بالعزم إذ وصلوا
الروحة بالدّلج
|
ساروا فزاروا
وفرط الذنب أقعدني
|
|
وقد مزجت بدمعي
دمي ممتزج
|
فالجسم منتحل
والدمع منهمل
|
|
والقلب مشتعل من
حرّه الوهج
|
وقد تقلّدت ما
لا نستطيع له
|
|
من الخلافة
أوهنت قوّى حجج
|
يا ربّ عبدك
موسى قد دعاك عسى
|
|
تنيله نفحة من
نصرك الأرج
|
فكن نصيري فقد
أصبحت مكتئبا
|
|
فالقلب من نكد
الأوزار في السيرج
|
قد ضقت ذرعا
بزلتي وكثرتها
|
|
فما اعتذاري إذ
ذاك نبت بالحجج
|
فكم قطعت من
الأيام في لعب
|
|
وفي ضلال وكم
ضيعت من حجج
|
/ وفي البطالة لهوا قد مضى عمري
|
|
آه لتضييعه في
اللهو والمرج
|
(ص ١٢٧)
وكم عصيتك جهلا ثم تسترني
|
|
وباب فضلك عني
غير مرتتج
|
منّي الإساءة
والإحسان منك بدا
|
|
منّي الذنوب وكل
العفو منك زج
|
كم جدت بالفضل
والإحسان منك وكم
|
|
سترت بالفضل عن
أفاعلي السمج
|
إني سألتك
بالسرّ الذي ارتفعت
|
|
به السموات
والأراضي لم تمج
|
أصلح بفضلك ما
قد كان من خلل
|
|
واجبر بحلمك ما
قد بان من عوج
|
واجعل لنا مخرجا
في أثره فرجا
|
|
فكم تعامل بعد
الضيق بالفرج
|
وصل صلاة على
المختار من مضر
|
|
ما لاحت الشّهب
في الأفق كالسرج
|
وتحرك لتدويخ
المغرب بجميع عساكره شرقا وغربا فنزل جبل دبدوجاس خلال دياره ثم لثنية تيزى ، ثم
فرط ، ثم لثنية بلزوز ، وقرية تابريد ، وغارت خيله لتازة ثم كرّ قافلا لتاوريرت
فهدم أسوارها وخربها وعاد لحضرته العالية فدخلها سنة سبع وستين منه وصرف إلى كوّر قطره جميع قواده فبعث إلى تجين راشد ابن أبي
يحيى ، وإلى منداس ونزمار ، وإلى وانسريس إبراهيم بن محمد ، وإلى شلف عطية بن موسى
، وإلى المدية وادفل بن عبّ ، وإلى تدلس ابن راشد ، وإلى وجدة موسى بن خالد. وحرك
عليه في سنة إحدى وسبعين من الثامن أبو فارس عبد العزيز أبي الحسن المريني بجيوش عظيمة فأفرج
له عن تلمسان وقصد نحو المشرق بجنوده فدخل لتلمسان أبو بكر بن غازي وزير أبي فارس
ثم دخلها أبو فارس المريني في أثره في عاشوراء سنة اثنين وسبعين من الثامن ولما حل بقصر الإمارة ألفى مكتوبا بحائطه هذه الأبيات من
شعر أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني ونصّها :
ساكناها ليالي
آمنينا
|
|
وأياما تسرّ
الناظرينا
|
(ص ١٢٨)
/ بناها جدّنا الملك المعلّا
|
|
وكنا نحن بعض
الوارثينا
|
فلما أن جلانا
الدّهر منها
|
|
تركناها لقوم
آخرينا
|
فأمر عبد العزيز
بتبديلها فقالوا في تغييرها :
سكنّاها ليالي
خائفينا
|
|
وأياما تسوء
الناظرينا
|
بناها جدّنا شيخ
المعاصي
|
|
وكنّا نحن شرّ
الوارثينا
|
فلمّا أن جلانا
السيف عنها
|
|
تركناها لقوم
غالبينا
|
ونظير هذا ما وقع
للعلامة الشيخ أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي رضياللهعنه فإنه لما رأى البيت التي (كذا) قيلت في مدح مسيلمة الكذاب
وهي :
__________________
علوت بالمجد يا
ابن الأكرمين أبا
|
|
وأنت غيث الورى
لا زلت رحمانا
|
أبدلها بقوله :
سفلت بالكفر يا
ابن الأرذلين أبا
|
|
وأنت شرّ الورى
لا زلت شيطانا
|
قال التنسي في نظم
الدر والعقيان : وما قاله المولى أبو حمّ وقيل فيه من الشعر فكثير. وأما حروبه
ووقائعه في العرب وزناتة وسوق عمال بني مرين إليه في السلاسل وحركته إلى بلادهم
وتحركه عليهم وما كان بينه وبينهم من الوقائع ، فأمر لا يحاط به. وقد تولى ذلك
صاحب بغية الرواد وصاحب زهر البستان ه. وكان رحمهالله له اعتناء بالعلم وأهله في الغاية. وفي وقته كان شريف
العلماء وعالم الشرفاء أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن يحيى بن محمد بن
القاسم ابن حمّو فكان له محبا ومعظما ودرّس التفسير بالمدرسة اليعقوبية وحضر
الخليفة أبو حمّ للختم وأطعم الناس فكان موسما عظيما. وقول الحافظ أبي راس في
عجائب الأسفار أن أبا عبد الله الشريف وابني الإمام أبا زيد وأبا موسى وفدوا على
أبي حمّ موسى بن يوسف فإنه صحيح بالنسبة لشريف العلماء ، وسبق قلم بالنسبة لابني
الإمام لأنهما كانا في وقت أبي حم الأول في الوفود ، لا الثاني فكلامه فيه تلفيف رحمهالله وصنف رضياللهعنه كتابا أدبيا لولده خليفة عهده أبي تاشفين سمّاه : نظم
السلوك في سياسة الملوك ، أتى فيه بالعجب العجاب وأودعه من رائق نظمه ما يزري بأولي الألباب. ثم حصلت
السعاية الخبيثة بينه وبين ولده أبي تاشفين الخليفة من بعده فعمد أبو تاشفين لأبيه
أبي حمّ وخلعه من الملك وأسكنه بعض حجر القصر ووكّل به من لا يدعه يخرج ثم استلبه
من الأموال والذخائر وبعثه لقصبة وهران فاعتقله بها واعتقل سائر إخوته بتلمسان ثم
/ قتلهم (ص ١٢٩) سنة ثمان وثمانين من الثامن وبعث لأبيه بوهران من يقتله فأغلق الباب في وجوههم وصعد
لجدران القصبة واستصرخ أهل البلد فأتوه من كل جهة وتدلّى لهم بعمامته والرهط واقف
بباب القصبة فسألوا الأمان وطلبوا النجاة واجتمع أهل البلد عليه
__________________
وجدّدوا له البيعة
وارتحل من حينه لتلمسان فدخلها أوائل سنة تسع وثمانين منه وأقام بملكه فسمع ابنه أبو تاشفين وهو بتيطرى فجاءه مغلغلا
قبل تمام الأمر فدخل عليه وأحيط به ففرّ للصومعة واستعصم فسأل عنه فأخبر به فأخرجه
منها وأدركه الندم وبكا (كذا) ثم عاد به للقصر وربطه مع حجرة أعوذ بالله من هذا
العقوق فخلع أبوه نفسه وسلم له في الملك وسأل منه التوجه للمشرق في البحر بقصد
الحج فجاء به لوهران وركبه من مرساها مع نصارى القطلان مكبّلا للإسكندرية فلما وصل
بجاية سأل من رايس السفينة إخراجه لها فأخرجه ولما حلّ بها جددت له البيعة وجاء متوجها
لتلمسان مستجيشا كل من ببلدة الشرقية من عرب وزناتة ثم ذهب مع الصحراء إلى ناحية
المغرب فنزل بوادي زا ثم جاء لتلمسان وفرّ أبو تاشفين أمامه لفاس خائفا عاديته
لأمور وقعت منه في إخوته فاستجاش بني مرين فبعث معه السلطان أبو العباس أحمد
المريني زيان بن محمد الوطاسي بجيوش عظيمة وجاءوا لتلمسان فلقيهم أبو حمّ بجيشه
بجبل بني ورنيد فاقتتلوا شديدا وكبّ به فرسه فاستشهد رحمهالله بموضع يقال له الغيران من بني ورنيد غرة ذي الحجة الحرام
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة عن ثمان وستين سنة بعد ما ملك إحدى وثلاثين سنة. وهذا
العجب الكبير في ملوك بني زيان كل خليفة اسمه أبي (كذا) حمّ يقتله ولده اسمه أبي (كذا)
تاشفين على الرئاسة. ثم ابنه أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبي حم موسى بن يوسف
الزياني أحد الأعياص فهو تاسع الزيانيين وثالث عشر القاسميين. فاستقرّ في الملك
ودوخ البربر والعربان وملك من ملوية إلى جبل الزبان. وكان عين الجود والكرم ومعدن
النزاهة وعلو (ص ١٣٠) الهمم ، فهو ليث النزال ، وغيث النوال ، / فشمل الرعية عدله
وأمانه ، وعمهم فضله وامتنانه وتوفي على سرير ملك سابع عشر ربيع الثاني وقيل رمضان
سنة خمس وتسعين من الثامن .
__________________
عودة وهران للدولة السادسة
ثم رجع ملك وهران
للدولة السادسة المرينية فملكها أبو العباس أحمد ابن أبي سالم إبراهيم بن أبي
الحسن المريني سلطان المغرب وذلك أنه لما سمع بموت السلطان أبي تاشفين الزياني خرج
من فاس لتازة وبعث ابنه أبا فارس لتلمسان فاستولى عليها وأقام بها دعوة أبيه ثم
زاد لوهران ومليانة وما وراءها من الجزائر ودلس إلى حدود بجاية فملكها تلك السنة
وانقرضت دولة بني عبد الواد من المغرب الأوسط أمدا والله غالب على أمره. ولا زال السلطان
أبو العباس بتازة إلى أن اعتراه مرض كان فيه حتفه فتوفي في المحرم سنة ست وتسعين
من الثامن .
ثم استدعى
المرينيون ابنه أبا فارس من تلمسان فلما جاءهم بايعوه بتازة ورجعوا به إلى فاس
فاستقل بالملك وتمهد له المغرب ومنه ذهب ما تعلّق بحفظي من ملوك المرينيين إلى أبي
سعيد ثم منه إلى محمد بن أبي ظريف بن أبي عنان ثم منه إلى آخر ملوكهم عبد الحق بن
أبي سعيد الذي خلعه السيد محمد بن علي بن عمران الإدريسي الجوطي وتولى مكانه سنة
خمس وسبعين من التاسع فلذلك لم أذكرهم ولكون وهران خرجت عن ملكهم بالكلية بل لم
يملكها إلّا من تقدّم ذكره منهم.
عودة وهران للدولة الخامسة
ثم رجع ملك وهران
للدولة الخامسة الزيانية فملكها أبو زيان محمد ابن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني
وبه انقطع ملك بني مرين بالمغرب الأوسط فلم يملكه أحد منهم. وذلك أن أبا تاشفين بن
أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني لما توفي على سرير الملك كما مرّ ، تولى بموضعه ابنه
أبو ثابت فبقي في الملك أربعين يوما ودخل عليه عمّه أبو الحجاج فاغتاله. ثم تولى
عمه أبو الحجاج
__________________
المذكور يوسف بن
أبي حم موسى بن يوسف الزياني منسلخ جمادى الأولى سنة خمس وتسعين من الثامن فجنّد الجنود وعقد الألوية والبنود. فلم تسامحه (ص ١٣١) /
الأيام في ملكه بامتداد الأوان بل أوغرت عليه صدور بني مرين ففوّقوا له سهم أخيه
أبي زيان ، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أيامه ، وتركته مخاصما مع أحلامه ، وذهب لبني
عامر واستقرّ في أمان فوجه له من جرّعه كأس الحمام وكما تدين تدان.
ثم تولى أبو زيان
المار غرة ربيع الثاني سنة ست وتسعين من الثامن وتولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة ، ولا عمرت إلّا
بمذاكرة ومحاضرة ، فلاحت للعلم في أيامه شموس ، وارتاحت للاستغراق فيه نفوس بعد
نفوس ، وصنّف كتابا نحا فيه منحا التصوف سمّاه : كتاب الإشارة في حكم العقل بين
النفسين المطمئنة والأمارة ، ونسخ بيده نسخا من القرآن ونسخا من الشفا لأبي الفضل
القاضي عياض ونسخة من صحيح البخاري وحبّسها كلّها بخزانته التي بمقدّم الجامع
الأعظم بتلمسان وأتته هدية من ملك مصر أبي سعيد برقوق فوجّه له هدية جليلة ومعها
قصيدة لامية من نظمه عدد أبياتها خمس وستون بيتا مطلعها :
لمن الركاب
سيرهنّ خميل
|
|
فالصّبر إليّ
بعدهنّ جميل
|
وانظر تمامها في
نظم الدرر والعقيان للتنسي ، ولم يزل في دار ملكه مطاعا مديد الاطناب ، مهابا
مرهوب الجناب ، إلى سنة واحد من التاسع تحرك عليه لتلافته ، أخوه أبو محمد عبد الله مستجيشا ببني
مرين وكثيرا من أهل الوطن ففرّ منه وانخلع من خلافته ، وتوجه للمشرق يلتمس معينا
أو منجدا ويطلب ناصرا ومؤيدا ، والدهر يمنيه بالآمال المكذوب ويعده مواعد عرقوب.
وهو في العرب والبرابر يتقلب من فئة لفئة ، ودام إلى سنة خمس وثمانمائة سنة ، فاغتاله محمد
__________________
ابن مسعود
الوعزاني بعد أن أظهر له الخدمة ، وقتله في بيته منتهكا منه أعظم الحرمة فعاجله
الله بانتهاكها بأعظم النعمة والشدّة ، وكانت مدته خمس سنين بالعدة.
ثم أخوه أبو محمد
عبد الله بن أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فخافه أرباب دولته ، وشرفت به بنوا مرين
بعد أن كانوا من شيعته ، فدبّر / الجميع في (ص ١٣٢) خلعه أمرا أبرموه بالليل فلم
يشعر إلى أن دهمته في مملكته من مرين الرجال والخيل فأسلمته أحبابه الذين ركن
إليهم ، وكان يعوّل في المهمات عليهم فاعتقل وأخرج في هيئة توجب النحيس والغولة (كذا)
وعوض مكانه محمد بن خولة ، وحمل من حينه للمغرب وحيدا ، مستوحشا فقيدا. ثم أبو عبد
الله محمد بن خولة ابن أبي حمّ بن يوسف البارع سنة أربعة من التاسع فكانت أيامه خير أيام ، ودولته خير دولة وعزّ وإحكام فهو
عقدهم الثمين ومغناهم التام المكين. ولما توفي في ثالث عشر من التاس بإثبات كتب على قبره هذه الثلاثة الأبيات (كذا) :
يا زائرين لقبري
فيقوا
|
|
يسكن في القبر
زائرا ومزورا
|
تركنا ما قد
كسبنا تراثا
|
|
وسكنّا بعد
القصور قبورا
|
يا إله الخلق
فالطف بعبد
|
|
عاد بعد الغنا
إليك فقيرا
|
ثم ابنه أبو زيد
عبد الرحمن بن محمد بن أبي حمّ موسى وهو ممّن لم تمد له الأزمان. ولا كان له عليها
معوان ، ولا ساعده على ما تقلّده إخوان ، فانقض عليه عمه السعيد ليث العرين المفلت
من أشراك بني مرين ، وهجم عليه في قصر إمارته وخلعه لشهرين وأيام من ولايته ، فصح
فيه قول الشاعر من البسيط ، المقتضى لكل معنى مركب وبسيط :
لا تطمئن إلى
حظّ حظيت به
|
|
ولا تقل باغترار
صحّ لي وثبت
|
فما الليالي وإن
أعطت مقادتها
|
|
إلّا عدا المرء
مهما استمكنت وثبت
|
ثم عمه السعيد بن
أبي حمّ موسى بن يوسف الزياني فوجد حضرة الملك
__________________
مملوءة معمّمة ،
من بدرات نقود متمّمة وسلع مرزّمة ، وعتاق خيل مسوّمة ، وجالت فيها يد الجود إلى
أن صيرته للعدم بعد الوجود ، وبقي في أثوابه رافلا وعن عواقب أموره غافلا إذا بأهل
فاس من كل معاند وجّهوا له غفلة أخاه عبد الواحد ، بعد ما مكث خمسة أشهر ونصفا
فأسرع به أخوه تلفا وخرج السعيد (ص ١٣٣) للقائه. وكان ذلك سببا لشقائه ولما استقر
في بسيط / واحد أدلج ليلا عبد الواحد بعد إبرامه الأمر مع الرؤساء والرعية فأدخلته
البلد ليلا جماعة الرحويّة ، وأقام لهم النذيرة على الأسوار مشاعيل النيران علامة
لمن هو بالمحلة على الإقامة ، ولما سمعوا أصحاب السعيد انصرفوا عنه وبقي كالوحيد
ولم يتأمل في السابق قول الشاعر القائل بتحذيره لكل عارف ماهر :
إنّ الليالي لم
تحسن إلى أحد
|
|
إلّا أساءت إليه
بعد إحسان
|
ثم أخوه الهمام
الماجد أبو مالك عبد الواحد بن أبي حمّ ، موسى الشائع ، سادس عشر رجب سنة أربعة
عشر من القرن التاسع فنفق في أيامه سوق الأدب ، وجاء بنوه إليه ينسلون من كل
حدب ، فينقلبون بخير الحقائب ظافرين بجزيل الرغائب. ولما قصده من الأندلس محمد بن
أبي طريق بن أبي عنان المريني قال له وقت التسليم والاقتباس أنا في حسب يغمراسن بن
زيان حتى تعينني على فاس ، فقال له وصلت وجهز له الجيوش وأعطاه الأموال وآلة الملك
وأرسل معه العمال حتى استولى على فاس وملكه في قصّته المشهورة ، ودوّخ مملكة
المغرب الأقصى ، فكانت من مناقبه المأثورة ، واستمرّ عبد الواحد في الملك إلى سنة
سبع وعشرين وثمانمائة فخلعه ابن أخيه محمد بن أبي تاشفين المعروف بابن الحمرا
على يد أبي فارس الحفصي صاحب تونس فخرج من تلمسان متوجها للغرب. ثم ابن أخيه أبو
عبد الله محمد بن أبي تاشفين بن أبي حمّ موسى بن يوسف فقابل الدّهر أيامه بالإسعاد
، حتى صارت كالمواسم والأعياد. ثم فسد ما بينه وبين أبي فارس فأبدل سعيده بالناحس.
وسببه أن
__________________
عبد الواحد لما
توجه للمغرب حاول الحركة لتلمسان ، فلم يتمّ له الأمر ولم يكن المعان ، ووجه ابنه
لتونس عند أبي فارس فأكرمه وكتب معه لأبيه بالقدوم فأرصده أبو عبد الله وأوتي به
إليه فقتله ونظر مكاتب التونسي فهذا سبب الأمر مع ما تقدم بينهما من الكلام. ثم
توجه عبد الواحد لتونس وواعده الحفصي بالانتصار وهو ذاهب للجريد فاستعمل ابن أبي
حامد / وزير عبد الواحد مكاتب على ألسنة رؤساء (ص ١٣٤) الوطن يسئلونه القدوم نحوهم
وذهب بها لأبي فارس وقال له أنّ أهل بلدنا يحبوننا وإذا كانت رائحتك معنا ولو
فارسا نلنا المراد وهذه مكاتبتهم فأراها له فقال له نحن متحركون وإذا وصلنا
لقسنطينة بعثنا معكم قائدها جاء الخير فرجع الوزير لعبد الواحد وأخبره فقال له
هلكتنا فقال له أن الحفصي قد أفسد في المرة الأولى أموالا ولم يدرك شيئا منها وإذا
ذهب معنا صاحبه فإن ربح فذلك وإن خسر فيأتي لثأر ما ضاع له فبعث معهم العلج وأخذ
أخذا شنيعا فتحرك أبو فارس مع عبد الواحد وحصر تلمسان شديدا فخرج أبو عبد الله
لجهة الغرب ودخلها عبد الواحد ورجع التونسي لبلده وبقي أبو عبد الله في الجهة
الغربية ثم توجه للشرقية فدخل بركش وتنس ثم توجّه لتلمسان في جيش عظيم فدخلها وفرّ
عبد الواحد صبيحة تلك الليلة فطلع عليه النهار ونزل على جواده ودخل شيشة بقرب باب
كشوط بالمطمر فنظرته عجوز من أكابر عبد الوادي فدخلت عليه وجرّدته من ثيابه وصاحت
بعبد الواد فدخلوا عليه وذبحوه وجرّوه إلى حمام الطبول ورموه هنالك. ولما استقرّ
أبو عبد الله بحضرة ملكه وجّه عماله للنواحي فطار الخبر لأبي فارس فحرك له من فوره
ولما قرب تلمسان خرج أبو عبد الله وذهب لبني يزناسن فأقام أبو فارس بعض قواده
الأعلاج بتلمسان ولحقه لبني يزناسن وحاصره فزيّن له بعض أصحابه الرجوع لأبي فارس
فرجع وأظهر له أبو فارس السرور والبشرى والترحب (كذا) ثم قبض عليه وعلى أصحابه
فكان آخر العهد بهم ثم رجع أبو فارس لتلمسان وأخذ مشرقا فقيل له من يقوم بها فقال
ما لها إلّا أحمد العاقل فأخرج منها عامله وانصرف للشرق.
ثم الماجد الفاضل
الحليم الكامل النحرير الباسل ، أبو العباس أحمد العاقل بن أبي حمّ موسى بن يوسف
الزياني فأظهر العدل في الرعيّة ، وسار فيما تملكه بالسيرة المحمودة المرضيّة
وبانت شهامته ونجدته ، وقوّته وشدّته ، ثم عجز
عن النهوض وكلّ ،
وتلاشا (كذا) ماله واضمحلّ واستولى المتغلبون على (ص ١٣٥) الأوطان ، وعثوا الثّرى
زناتة والعربان ، ودامت / دولته على هذه الحالة اثنين وثلاثين سنة حتى استوفت
أيامه المكتوبة بأتمّ سنة. فقام عليه أخوه أبو يحيى زكرياء ابن أبي حمّ موسى بن
يوسف سنة ثمان وثلاثين من التاسع فبايعه موسى ابن حمزة وسليمان بن موسى وعبد الله بن عثمان
وتوجه لتلمسان فلم يتم له المراد ، وانعطف بوهران ، فاستولى عليها وكانت بينه وبين
أخيه أحمد العاقل حروب استمرت بيده إلى سنة اثنين وخمسين من التاسع فاقتحمها عمّال أخيه أحمد ودخلوها فهرب أبو يحيى في البحر
بما خفّ ونزل ببجاية ثم زاد لتونس إلى أن مات بها. وقام عليه أيضا حفيد أخيه وهو
أبو زيان محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي حم في أواخر إحدى
وأربعين من التاسع من تونس وتوجه للمغرب وبايعه بوطن حمزة أولاد بالليل ثم
مليكش ثم ابن عمر موسى أهل أيليلي ، ثم الثعالية وبعض حصين ، ثم زاد للجزائر
فحاصرها إلى أن أقرّ بعضها وأذعن البعض فدخلها أولا ابنه المتوكل سنة اثنين
وأربعين منه ثم دخلها أبوه المستعين عشية ذلك اليوم وذهب ابنه المتوكل
فمهّد متيجة وفتح المدية ومليانة وتنس وخطب له بجميعها استقلالا وقصدته الناس حتى
من تلمسان وعظم أمره على أحمد العاقل حتى نسي أمر أخيه أبي يحيى ثم ثقلت وطأته على
أهل الجزائر والعرب فقاموا عليه في ثلاث وأربعين منه وحاربوه فاستشهد مع جماعة من أصحابه ونجا ابنه المتوكل
لكونه بتنس لأمر أراده الله. وقام عليه أيضا ابن أخيه أحمد بن الناصر بن أبي حمّ
موسى سنة خمسين من التاسع مع جماعة فلم ينجح له الأمر وأوتي به لأحمد العاقل فقتله
وكان ذلك سبب بناء السور العظيم المدير على القصر الزائد لتلمسان حسنا. وحرك عليه
__________________
أبو فارس الحفصي
من تونس بالبحر الزاخر من الجيوش ومات قبل أن يصله بوانسريس كما مرّ.
ثم نهض أبو عبد
الله محمد المتوكل على الله بن محمد المستعين بن أبي ثابت بن أبي تاشفين بن أبي
حمّ موسى بن يوسف الزياني سنة ست وستين من التاسع من مليانة ثائرا عليه وتوجه للمغرب والنصر يلوح أمامه
فاستولى / على بني راشد ثم هوارة ثم مستغانيم ومزغران ثم فتح وهران ثم زاد لتلمسان
(ص ١٣٦) فأقام عليها يومين ودخلها في الثالث وهرب أحمد العاقل لسيدي أبي مدين
فأوتي له به فمنّ عليه وصرفه للأندلس واستقلّ بالملك. ثم حرك عليه أحمد العاقل لما
رجع لهذه العدوة في جمع من الناس وحاصره بتلمسان فانتصر عليه المتوكل وعاجله
بأمنيته سنة سبع وستين من التاسع ودفنه بالعبّاد ونجا صاحبه محمد ابن غالية بن عبد الرحمن
بن أبي عثمان بن أبي تاشفين فبقي في الغوغاء عليه محاصرا للبلد إلى أن قام عليه
أهل البلد فقتلوا البعض من جمعه وفرّ الباقي وذهب محمد بن غالية لوجدة واستقرّ بها
لقصد الضرر وصار يأتي مرة بعد أخرى للضواحي إلى أن جاء به حتفه مرة مع الأوباش
بجبل بني ورنيد فسمع به المتوكل وبعث له جندا وحصل مصاف القتال بالجبل المذكور
ووقع القتال الذريع فتفرق الجمع وأوقع الجند فيهم فكان ابن غالية من جملة الصرعى
فقتل سنة ثمان وستين من التاسع وجيء برأسه للمتوكل فوضعه في طست أصفر ودعا بمن يعرفه
فميزوه وعرفوا عينه ثم جيء من الغد بجسده فدفن مع العاقل بالعبّاد. ونظم الحافظ
التنسي في هذه القضية ومدح المتوكل وأولاده قصيدة طائية مشتملة على مائة بيت
وأربعة أبيات عدد الكتب المنزلة انتخبها من بحر الطويل مطلعها :
أرقت لدمع من
جفوني ينحطّ
|
|
كنثر نفيس
الدّرّ أن خانه السّمط
|
وانظر تمامها في
الدر والعقيان للتنسي. وتوفي يوم الأحد ثالث عشر
__________________
ربيع الثاني سنة
إحدى عشر من العاشر بعد ما ملك خمسا وأربعين سنة واثنين وعشرين يوما.
ثم أخوه أبو حمّ
ويقال له أبو قلموس عبد الله بن محمد فقام عليه (ص ١٣٧) الإسبانيون وأخذوا من
يده وهران ثم الأتراك وأخذوا من يده الجزائر / وغيرها فهو ممن لم يهن له في الملك
قرار ، ولا استقرت في المملكة عمارة ولا دار ، آخر ملوك بني زيان الذين يشار إليهم
بالملك جسما ، ولمن تغلب عليهم رسما ، وعجز عجزا كليا عن الدفاع ، وصار غير نافذ
الكلمة ولا مطاع.
__________________
الدولة السابعة : الإسبان
ثم ملك وهران
الدولة السابعة ، وهم الإسبانيون ويقال لهم السبنيول سموا بذلك نسبة لمدينة
إسبانيا بقطع الهمزة المكسورة وسكون السّين المهملة وفتح الباء الموحدة من أسفل
بعدها ألف ساكن ثم نون موحّدة من أعلا مكسورة ثم ياء مثنات من تحت بعدها ألف
مقصورة. وخالف أبو الفداء في ضبط غير الهمزة والسين المهملة فقال وإسبينيا بقطع
الهمزة المكسورة من تحت وسكون السين المهملة وكسر الباء الموحدة من أسفل وبعدها
ياء مثنات من تحت ساكنة وكسر النون الموحدة من فوق وفتح الياء المثنات من تحت وفي
آخرها ألف مقصورة وهي قاعدتهم القديمة ودار ملكهم القويمة ، وقد تلاشت وبقي الاسم
لها كما في عجائب الأسفار لأبي راس الحافظ ، وبهجة الناظر للشيخ المشرفي شيخ
الحافظ أبي راس. وأما الآن فقاعدة ملكهم مدينة مادريد باللام وهي مدينة الطاغية
ويقال لها مادريد بالدال. وكان يقال لها سابقا ما تريج بالتاء والجيم وهي حذاء
طليطلة. ومسكنهم كما في كتب الحافظ أبي راس وكتاب شيخه الشيخ المشرفي ، بأرض
الأندلس من قطلان وبرشلونة من جهة الشرق إلى إسبونة في جهة الغرب ، ويجاورونهم (كذا)
الدبرقيز وهم البرتغير ببعض الغرب ، والفرانسيس من جهة الشرق ، وجبل الطار داخل في
تخومهم إلّا أنه بيد الإنكليز. وقال صاحب الجغرافيا جاءت إسبانيا بين إفرانسا
والبحر الأوسط والبرتقال والأوقيانوسيا فتحدها إفرانسا في شمالها الشرقي ويحدّها البحر الأوسط في
شرقها وجنوبها ويحدّها البرتقال في غربها ويحدّها الأقيانوسيا في
__________________
(ص ١٣٨) غربي
شمالها وجنوبها ، فهي جزيرة / غير كاملة لكونها لا تتصل بالبر إلّا بجبل البريني
الفاصل بينها وبين إفرانسا فهي في أقصا جنوب أوروبا الغربي وليس بينها وبين عدوة
الغرب إلا بوغاز جبل طارق القليل العرض. ومساحتها خمسمائة ألف كيل متر وهي خمسمائة
ألف ميل يزيد أو ينقص شيئا لأن الكيل متر عند النصارى يشابه الميل عندنا تقريبا.
وملكهم منذ مدة مديدة وهو يلقب بالملك الكثوليكي ومعناه المتبع للبطرك وهو الباب وابتداء ملكهم في القرن الخامس من الميلاد المسيحي على
صاحبه وعلى نبينا وكافة الأنبياء الصلاة والسلام وكانوا على عدة ملوك.
واختلف في أول من
ملك أرض الاسبانيين وهي الأندلس للآن على أربعة أقوال. فقال بعض مؤرخي النصارى أن
أول من ملك أرض الإسبانيين هم الإبريّون نسبة إلى جدهم الابر مجهول الأصل ، ثم
الفنيسيان ، قيل أنهم الفرس وملوكها مدة ثم اليونانيون نسبة لجدّهم يونان بن يافث
، ثم القرطاجيون ، وبنوا بها مدينة يقال لها قرطاجنة ، ثم الرومان ومنهم الروم ،
ثم الفندال وهم أمة من الجهة الجوفية من بر الافرنج خرجوا من بلدهم الكائنة بقرب
بحر البلطيك ومرّوا ببلد الجرمانية وهي بلد النامسة وبلد الغول وهي إفرانسا وتوجهوا في أوائل القرن الخامس
المسيحي إلى اسبانيا وهي بلد الأندلس فاستقروا بها وتدينوا بدين المسيح عيسى بن
مريم عليهالسلام. غير أنهم كانوا يعدون من الروافض المتبعين لشيخ يقال له
أريوس ، ثم الإفرنج ، ثم القبريقوا ، ثم العرب في آخر القرن الأول من الهجرة ، ثم الإسبانيون
استقلالا للآن بعد أن حاربوا المسلمين عليها نحو الثمانمائة سنة. وقال آخر منهم أن
المملكة الإسبانية كانت تحت حكم الرومان ، فيما مضى من قديم الزمان ، وفي آخر
القرن الأول من الهجرة فتحها الإسلام وبقيت ملوك النصارى مع الإسلام في حروب
متتابعة مدة ثمانمائة سنة إلى أن غلبت النصارى المسلمين عليها سنة سبع وتسعين
وسبعمائة من
__________________
الهجرة فبقيت في ملك / الإسبانيين للآن .. وكانت إسبانيا في
السابق من دول (ص ١٣٩) أوربا الكبار لكونها كانت لها أملاك كبيرة في أمريكا
الجنوبية وقد تملكوا عليها سنة سبع وتسعين وسبعمائة من الهجرة بسبب ظهور ذي معرفة منهم من العلماء البحريين المنجمين
يقال له كريستوف قلومب (كولومب) فكشف على أمريكا التي لا معرفة لهم بها قبله
فتملكوا على أعظم جزء منها وعلى عدة أجزاء بجوانبها واستمرت بأيديهم إلى أن نزعت
منهم سنة سبعة عشر ومائتين وألف من الهجرة لاجتماع أهلها على الحكومة الجمهورية التي هم
عليها للآن وخرجوا عن حكمهم فلم يبق لهم بأمريكا إلا جزيرة كوبا ولذا لا تعدّ مملكة إسبانيا من كبار دول أوربا الآن
لانحطاطها عن مقامها الأول ه.
وقال ابن خلدون
أول من سكن الأندلس بعد الطوفان الأوربيون نسبة لجدهم أوروب من ولد طوبال بن يافت
ودخلوا في طاعة الروم. ثم ملكها القوط نسبة لجدهم قوط من ولد ماغوغ بن يافت ثم لحق
بهم القلنش من الروم الإغريقيين وباسم القلنش سمّيت الأندلس لما عرّبت. وقال ابن
سعيد المغربي والحافظ أبو راس في الشماريخ أول من عمّر الأندلس أندس بن يافث بن
نوح وأخوه سبت بن يافت بن نوح بالعدوة المقابلة لها وإليه تنسب مدينة سبتة فبقي
أولاد أندس به ملوكا دهرا. ثم ملكها إشبيلان بن طيطش الرومي وبه سمّيت إشبيلية لما
عرّبت. وطيطش هذا هو الذي فتك ببني إسرائيل وجلاهم الجلوة العظيمة التي سلّط الله
عليهم بها الذلّ حتى انقطع ملكهم انقطاعا كليا للآن. ونقل من آثار الهيكل المبارك
بالقدس إلى طليطلة حتى وجد ذلك موسى بن نصير بها فبعثه إلى الوليد بن عبد المالك
الأموي بدمشق. ثم أنّ الأندلس تغلب عليهم الاغريق وهم الاغريقيون من الروم فبقوا
دهرا ثم أخذها منهم القوط ملك
__________________
منهم بطليطلة أحد
قواعد الأندلس ستة وعشرون ملكا. وآخرهم لذريق الذي قتله طارق بن زياد غلام موسى بن نصير في خلافة الوليد
بن عبد الملك سنة اثنين وتسعين من الهجرة وتزّوج امرأته ، ومن بقايا ذرية ملوكهم صارة بنت المنذر والدة
اللغوي النحوي العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف (ص ١٤٠) بابن
القوطية / بضم الواو المتوفى سنة سبع وستين وثلاثمائة بقرطبة وأصله من مرسية مدينة بالأندلس. قال الشبراملسي
وقوط هذا هو أبو السّودان والسّند والهند. وقال شيخنا الزياني في دليل الحيران ثم
أن إسبانيا لما تملكها الرومان انقسمت مملكتها على خمسة أقسام. فقسم يقال له
الأقاسط لتملّكهم عليه وقسم يقال له الألى ، وقسم يقال له الأراق ، والقسم القبليّ
يقال له النفار ، وقسم يقال له القطلان ، وجملة الأقسام الخمسة يقال لها إبيرى. ثم
قال لها ها إسبانيا ثم قيل لها إسبانيا بترك الهاء ، وكانت تسميتها بإسبانيا وقت
اجتماعهم على ملك واحد وذلك سنة ثمان وثمانين وثمانمائة من الهجرة وقيل غير ذلك. وسكّانها وقتئذ ستة عشر مليونا ونصفا ،
والمليون ألف ألف. وأرضهم جيّدة للغراسة لا للفلاحة ، وما يستنبت. ولذلك عظمت
فاكهتها. ويوجد بها من الخيل المسومة والبغال المقوّمة ، والحمر الفارهة ما يرتضى.
كما يوجد بها معادن الحديد والنحاس والرصاص والزواق إلّا أن الغالب على أهلها
الفقر لقلة الصناعة عندهم كما غلب عليهم القساوة والفظاظة ، وشدة البغض ، والحقد ،
والضل ، والعداوة ، وكثرة سفك الدماء والجهل. وتنقسم مملكتهم إلى ثلاثة عشر ولاية
، منها ثمانية ساحلية بشاطىء البحر وهي : غليسيا وإستوريا وقسطيلية القديمة
والأقاليم البسكية وكتسالونيا ، وبلنسية ومرسية وأندلسية مع غرناطة القديمة ومنها
خمسة داخلية وهي : أرغون ونافرا وليوني واسترمارودة وقسطيلية الجديدة.
وأشهر مدنها
مادريد التي هي الآن قاعدة ملكهم وقد استولى عليها
__________________
الفرانسيس سنة ست
وعشرين من القرن الثالث عشر ثم برشلونة وهي ذات مرسى كبيرة على البحر الأوسط من أكبر
مراسي إسبانيا وأخص مراسي البحر الأوسط. ثم بلنسية ثم إشبيلية ثم مالقة ثم سرقسطة
ثم قادس ويقال لها قالس باللّام بدل الدال وهي على البحر المحيط المغربي ولها مرسي
عظيمة حصينة. وقد استولى عليها الفرانسيس سنة أربعين من القرن الثاني عشر / ثم غرناطة ، (ص ١٤١) وكانت قاعدة
أحد ملوك الإسلام ، ثم السهلة ، وشاطبة ، وشريش ، وطليطلة ، وروندة ، وطرطوشة ،
وقرطبة ، وطريف ، وميورقة ، ومنورقة ، ويابسة ، وبطليوس ، وقطلان ، وصقلية ، وهي سلسلة وغيرهم. وبها
جبال كثيرة أكبرها جبل بريني ثم سيارنقادا ، ثم سياربونيل ، ثم سياركوادلوب ، ثم
جبال الأستورية ، ثم جبال طليطلة.
وبها أودية كثيرة
أكبرها نهر إبرة ، ثم دوروا ، ثم ناغوا ، ثم مينوا ، ثم الواد الكبر ، ثم
كراديانا.
أنهار الشمال الإفريقي والعالم
وأما هذه العدوة
وغيرها فقال الحافظ أبو راس في الشماريخ ، ونهر المغرب الأقصى
وادي الربيع ويمتنع عبوره أيام الأمطار فتنظره داخلا في البحر المغربي نحو السبعين
ميلا عند أزمّور ومنبعه من جبال درن. وينبع منها نهر آخر ببلاد درعة إلى أن يغوص
في الرمال قبلة سوس الأقصى. ونهر ملوية منبعه من جبال قبلة تازة ويصبّ في البحر
الرومي عند غسّاسة. ونهر المغرب الأوسط شلف وهو لبني واتيل ويقال لهم بنوا واطيل
منبعه من جبال راشد وهو جبل العمور ويدخل إلى التل من بلاد حصين ثم يمر إلى أن
يصبّ في البحر الرومي
__________________
ما بين كلميتوا
وجبل عياشة أحد بطون مغراوة. ونهر المغرب الأدنا مجردة يصب في البحر الرومي عند
بنزرت على مرحلة من تونس. ثم قال صاحب بهجة الناظرين وآية المستدلين ، أن عدد
أنهار الدنيا الكبار مائتان وسبعون نهرا. وعدد العيون الكبار مائتان وثلاثون عينا
وهي في الأرض كالعرق في البدن. وقال صاحب الخريدة أنّ بهذا الرّبع المسكون مائتي
نهر كل نهر منها طوله خمسون فرسخا إلى ألف فرسخ. فمنها ما يجري من المشرق إلى
المغرب وعكسه ومنها ما يجري من الشمال إلى الجنوب وعكسه وكلها تنبع من الجبال وتصب
في البحر. فمن الأنهار العظيمة بالمشرق النيل ، والفرات ، والدجلة ، وسيحون ،
وجيحون ، وأن النيل المبارك ليس في الدنيا أطول منه لأنه مسيرة شهرين في الإسلام ،
وشهرين في الكفر ، وشهرين في البرية ، وأربعة أشهر في الخراب ، (ص ١٤٢) / ومخرجه
من جبل القمر خط الاستواء. وسمي بذلك لأن القمر لا يطلع على ذلك الجبل أصلا لخروجه
عن الخطّ ، وميله عن نوره وضوئه ، فيخرج من بحر الظلمات من تحت جبل القمر وأنه
ينبع من اثنتا عشرة عينا ، وقيل مبدؤه من خلف خط الاستواء بإحدى عشر درجة. وذهب
بعضهم إلى أن مجراه من جبال الثلج وهي بجبل قاف. وأنه يخترق البحر الأخضر بقدرة
الله تعالى ويمرّ على معادن الذهب والياقوت فيسير ما شاء الله إلى أن يأتي لبحيرة
الزنج. قال حاكيه ولو لا دخوله في البحر المالح واختلاطه به لما كان يستطاع أن
يشرب منه لشدة حلاوته وأنّ الله تعالى سخر للنيل كل نهر على وجه الأرض في المشرق
والمغرب وذلّله له فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر كل نهر أن يمده فإذا
انتهى جريه إلى ما قدّره الله تعالى أمر كل نهر أن يجري إلى عنصره. ومصداق هذا أنك
ترى النيل مخالفا لكل نهر على وجه الأرض لأنه يزيد إذا نقصت وينقص إذا زادت لأنها
تمدّه بما بها والله أعلم. قال صاحب الخريدة وقد حملت الشياطين مقرس الأول وهو
عبقام إلى هذا الجبل فرأى النيل كيف يخرج من البحر الأسود ومن تحت جبل القصر فبنا (كذا)
في صفح (كذا) ذلك الجبل قصرا فيه خمس وثمانون تمثالا من نحاس جعلها جامعة لما يخرج
من هذا الماء من هذا الجبل بقدر مصاب في أحكام مديدة يجري الماء منه إلى تلك
التماثيل فيخرج من حلوقها على قياس معلوم وأذرع قدرها ثمانية عشر ذرعا في كل ذراع
اثنان وثلاثون
أصبعا والزائد يغيض إلى الرمال ثم يصب إلى أنهار فيصل لبطحتين ويخرج منهما للبطحة
المجمعة فيشق جبالها المعترضة ويخرج نحو الشمال مغربا فيخرج منه نهر واحد ويفترق
في أرض النوبة فتصب منه فرقة إلى أقصى المغرب والأخرى إلى مصر منحدرا منها إلى
أسوان ثم ينقسم في صحاري البلاد على أربعة فرق كل فرقة إلى ناحية ثم يصب في بحر
الإسكندرية. وأن رجلا من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهالسلام يسمى حايد لما دخل مصر ورأى عجائبهاءالا (كذا) على نفسه أن
لا يفارق النيل إلى منتهاه أو يموت فسار ثلاثين / سنة في العمران ومثلها في الخراب
حتى انتهى إلى بحر أخضر فرأى النيل يشقّه (ص ١٤٣) فركب به دابة سخرها الله له وعدت
زمانا فوقع في أرض حديد جبالها وأشجارها حديدا ثم أخرى نحاسا جبالها وأشجارها كذلك
، ثم على ثالثة فضة جبالها وأشجارها فضّة ، ثم رابعة ذهبا جبالها وأشجارها كذلك ،
ثم انتهى إلى سور متّسع من ذهب وفيه قبّة عالية من ذهب لها أربعة أبواب : ثلاثة
تغيض في الأرض وهي سيحون ، وحيحون ، والفرات ، والرابع يجري على الأرض وهو النّيل
وأنه أتاه ملك حسن الهيئة فسلم عليه وقال له هذه الجنة سيأتيك رزقك منها فلا تؤثر
عليه شيئا من الدنيا فبينما هو في ذلك إذ أتاه عنقود عنب له ثلاثة ألوان أحدها
كاللؤلؤ ، والثاني كالزبرجد الأخضر ، والثالث كالياقوت الأحمر ، فقال له الملك يا
حايد هذا من حصرم الجنة فأخذه ورجع فوجد شيخا تحت شجرة تفاح فحدّثه وأنّسه وقال له
يا حايد خذا هذا التفاح وكله فقال إن معي طعاما أغناني عن تفاحك فقال صدقت إني
أعلم به وبمن أتاك به وهو أخي وهذا من الجنة أيضا ولم يزل به الشيخ إلى أن أكل منه
وحين عضّ على التفاحة رأى الملك يعضّ على أصبعه ويقول له أتعرف هذا هو الذي أخرج
أباك من الجنة ولو قنعت بالعنقود لأكل منه أهل الدنيا ولم ينفذ وهو الآن مجهودك
إلى مكانك فبكى حايد وندم وسار حتى دخل مصر وصار يحدّث بما رأى في سفره من
العجائب. ه.
جبال العالم
وجملة جبال الأرض
سبعمائة وتسعون جبلا وكلها طويلة عظيمة وارتفع عليها جبل بالشام باثنا عشر ميلا.
وإلى عدد هذه الجبال وارتفاعها وارتفاع جبل
الشام عليها أشار
الشيخ : أبو زكرياء يحيى بن سعيد السوسي ، ثم السملالي ، في رجزه : خبر الزمان
بقوله :
وعن مقاتل فلما
دوّرت
|
|
الأرض بالجبال
حيث ثبتت
|
كانت على الماء
تميد دائرة
|
|
إلى اليمين
والشمال سائره
|
فسلّط الريح على
الماء يضربه
|
|
حتى أعاد زبده
ولعبه
|
فأمر عزوجل رجعت
|
|
جميع موجه جبالا
جمدت
|
(ص ١٤٤)
/ عدّتها خاء كذا يقال
|
|
قاف وظاء بعدها
مشال
|
إلى أن قال :
جبال الأرض كلها
طول عظام
|
|
وجبل بالشام من
فوقها قام
|
زاد عليها يا
أخي للأعلا
|
|
وطوله عنها بييا
ميلا
|
موقع إسبانيا والأقاليم الأرضية
ومحل إسبانيا من
مماليك أوربا هو الجزء الثامن عشر وذلك أن الأقدمين من أهل الجغرافية كالإدريسي
قسموا معمور الأرض إلى سبعة أقسام وسموها أقاليم جمع إقليم ، كل إقليم بكسر الهمزة
كقنديل فيه سبعمائة فرسخ في سبعمائة فرسخ من غير أن يدخل ذلك جبل ولا واد. والبحر
الأعظم محيط بذلك كله ويحيط به جبل قاف. نصّ عليه ابن الجوزي ، ونقله عنه الشيخ
إبراهيم الشبرخيتي في شرحه المختصر الشيخ خليل المالكي في باب الجهاد منه لدى قوله
كتأمين غيره إقليما فجعلوا السند والهند إقليما واحدا ، والحجاز إقليما ، ومصر
بشامه وغربه إقليما واحدا ، لاتحاد دينه وميقاته ، وبابل إقليما ، والروم إقليما ،
وأضاف له بعضهم الشام والترك وياجوج وماجوج إقليما واحدا والصين إقليم ، وأضاف له
بعضهم ما ولاها من ياجوج وماجوج. وأن المتأخرين منهم ، ومنهم النصارى ، قسموه إلى
خمسة أقسام أصلية وهي : أوربا ، وآسيا ، وإفريقيا ، وأمريكا ؛ وجزائر أوقيانوسيا ،
فأما أوربا فجزؤها على ثمانية عشر مملكة ، فمنها ثلاثة في شمالها وهي جزائر
الإنكليز ، ومملكة سويد ، مع نرفيج ، ومملكة دينرمك ، ومنها واحدة في شرقها وهي
الموسك. ومنها ستة في وسطها وهي:
افرانسا ،
والبلجيك ، وهلاند ، والممالك المعاهدة ويقال لهم الألمان ، ولتريش وهم النامسة ،
وسويس . ومنها ثمانية في جنوبها وهي : إسبانيا ، وبرتقال ، وطليان ، ومملكة القريق ،
وهم اليونان ، ونصف مملكة الترك ، والرملي ، والسّرب ، والجبل الأسود. وهذا القسم
هو الصغير بالنسبة للأربعة الباقية. وأما إيسيّا فجزؤها على تسعة مماليك وهي : بلاد سبري ، ونصف مملكة
الترك أيضا ، وبلاد / التتار ، ومملكة العجم ، وأرض الصين ، وأرض يافون ، وبلاد (ص
١٤٥) الهند ، وبلاد السند ، وجزير العرب. وأما إفريقيا فجزؤها على ستة مماليك وهي
: مملكة مراكش ، وبر الجزائر ، ومملكة تونس ، ومملكة طرابلس ، ومملكة مصر ، وبلاد
الصحراء. وأما أمريكا فإنها شمالية وجنوبية فالشمالية جزؤها إلى أربعة مماليك وهي
: أمريكا المسكوبية وبيرثانيا الجديدة ، وبلاد الليتانوزي ، وبلاد المكسيك.
والجنوبية جزؤها إلى ثلاثة مماليك وهي : بلاد قلوسبيا ، وبلاد بير ، ومملكة
بريزيل. وأما جزائر أوقيانوسيا فإنها لا تضبط كغيرها لكثرة جزائرها ، وفي كل من
هذه الأقسام عدّة حصن ، وقرى ، ومدن ، وشعاب وأودية ممتدين بين أوربا وإفريقيا
وأمريكا. والبحر المحيط الأكبر وهو ممتد بين آسيا وأمريكا والبحر المحيط الهندي
وهو ممتد بين إفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا.
محيط الدائرة الأرضية
وحاصله أن دور
الأرض في كتب الأوائل أربعة وعشرون وألف ميل ولما بلغ المأمون العباسي ذلك أراد
تحقيقه أمر بني موسى الذين ينسب إليهم جبل بني موسى المشهورين وهم محمد بن موسى
ابن شاكر وأخواه أحمد والحسين وكان لهم همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكان
الغالب عليهم الهندسة ، والحيل ، والموسيقى بتحرير ذلك فسألوا عن الأراضي
المتساوية فأخبروا بصحراء سنجار ووطأة الكوفة فأرسل معهم المأمون جماعة يثق إلى
أقوالهم فساروا إلى
__________________
صحراء سنجار
وحققوا ارتفاع القطب الشمالي وضربوا هناك وتدا وربطوا فيه حبلا طويلا ومشوا إلى
الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف حسب الإمكان وبقي كلما فرغ حبل نصبوا
في الأرض وتدا آخر وربطوا فيه حبلا آخر كفعلهم الأول حتى انتهوا كذلك إلى موضع قد
زاد فيه ارتفاع القطب الشمالي المذكور درجة محققة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين
ميلا وثلثي ميل ثم وقفوا عند موقفهم الأول وربطوا في الوتد حبلا ومشوا إلى جهة
الجنوب من غير (ص ١٤٦) انحراف وفعلوا ما شرحناه / حتى انتهوا إلى موضع قد انحطّ
فيه ارتفاع القطب الشمالي درجة ومسحوا ذلك القدر فكان ستة وستين ميلا وثلثي ميل ثم
عادوا إلى المأمون وأخبروه بذلك فأراد المأمون تحقيق ذلك في موضع آخر فسيّرهم إلى
أرض الكوفة فساروا إليها وفعلوا كما فعلوا في أرض سنجار فوافق الحسابات وعادوا إلى
المأمون فتحقق صحة ذلك وصحة ما نقل من كتب الأوائل لمطابقة ما اعتبره ثم ضربوا
الأميال المذكورة في ثلاثمائة وستين وهي درج الفلك فكان الحاصل أربعة وعشرين ألف
ميل وهو دور الأرض. قال أبو الفدا أقول كذا نقله ابن خلكان ونقل غيره من المؤرخين
أن الذي وجد في أيام المأمون لحصة الدرجة الستة وستون ميلا وثلثا ميل وهو غير صحيح
فإن ذلك هو حصة الدرجة على رأي المتقدمين وأما في أيام المأمون فإنه وجد حصة
الدرجة ستة وخمسين ميلا وقد تحقق ذلك في علم الهيئة ه. ثم اقتدى النصارى بذلك في
جعلهم لمعرفة مساحة الأرض علامتين أحدهما (كذا) للتحقيق وهي سلسلة الحديد والأخرى
للتقريب وهي البوصلة والجبر.
أصل الإسبان
وأعلم أنه لا خلاف
في أن الإسبانيين من ولد يافث بن نوح عليهالسلام. وإنما الخلاف في كونهم من ولد يافث لصلبه أو من ولد حفيده
وهل هم إخوة الفرنج أو من الروم. فقال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار ،
والإسبانيون هؤلاء من الليطنيين وهم الكتيم وكانوا من أعظم ملوك العالم. وقال أيضا في
__________________
الشماريخ
والليطنيون من ولد ليطن بن يونان. وقال في موضع آخر منه أن الليطنّيين وهم الكتيم
المعروفون بالروم من بني يونان. وقال في موضع آخر أيضا منه والمحققون ينسبون الروم
جميعا إلى يونان الإغريقيين ، والليطنيين. ويونان معدود في التورية من ولد يافث
لصلبه واسمه فيها ياقمان. وعن البيهقي أن يونان ابن علجان بن يافث ولذا يقال لهم
العلوج وأن الشعوب الثلاثة وهم الإغريقيون والليطنيون والعلوج من يونان ،
والليطنيون من ولد ليطن بن يونان كما مرّ وأن الإسكندري الرومي منهم ه. وفي
الإصحاح العاشر من التورية / أن الليطنيين (ص ١٤٧) وهم الكتّيم من ولد كتّيم بن
يونان بن يافث بن نوح. قال شيخنا الزياني في دليل الحيران فأنت ترى أنهم من ولد
يافث بلا خلاف وإنما الخلاف في وجه اتصالهم به على ثلاثة أقوال ومرجعها إلى قولين
وهما كون يونان ولد يافث لصلبه أو حفيده. والصحيح أنه حفيده ، لأن يافث له اثنا
عشر ولدا على الصحيح وهم : كومر ، وياوان ، وماغوغ ، وطوبال ، وماسخ وطيراش ، وماذاي
، وشئويل ، وعلجان ، وأندس ، وست ، وسوس ، وأن الإسبانيين أخوة الفرنج وهم
الفرنسيس ، والطليان ، والبرتقال ، لاشتراكهم في اللتانة والكتوليكية وهي اتباعهم
للبطرك وهو الباب وضربهم للناقوس واعتكافهم على الأصنام في البيع.
وقال الحافظ أبو
راس في عجائب الأخبار ، لا شك أنهم فرقة من الروم لا من الفرنج بدليل ما ذكره شهاب
الدين الخفاجي على الشفا من أن كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم الذي كتبه إلى هرقل عظيم الروم يقال له بالرومية أراقليوش
يدعوه للإسلام هو الآن عند ملك طليطلة. وقد أراه لابن الصائغ النحوي لما أوفده عليه
سلطان مصر قلاوون ، ثم قال أيضا وقد سمعت أنه عند النامسة المجاورين للموسك ه. ومعلوم أن الإسبانيين هم الذين أخذوا
منا طليطلة. وفي الأنيس المطرب أن الناصر بن المنصور لما غزى (كذا) الأندلس بجيش
يضيق عنه الفضاء وسمع الفنش (الفونسو) وملوك النصارى بذلك واهتزمت منه ملوك الروم
جاءه منهم بيونة لإشبيلية مستسلما خاضعا بهدية عظيمة مقدما بين يديه كتاب النبي صلىاللهعليهوسلم الذي كتبه لهرقل عظيم الروم يستشفع به ويعلمه أن الملك
عنده
__________________
موروث لأكابر عن
أكابر وأن هذا الكتاب عندهم يتوارثونه محفوظا مطيبا في حلة خضراء في وسط صندوق من
ذهب مملوء مسكا وطيبا تعظيما وإجلالا لحقه ، فقضى له أمير المؤمنين مآربه وذلك سنة
سبع وستمائة ه . والروم هم بنوا الأصفر وسمّوا بذلك إما لكون جدهم اسمه
الأصفر أو لأنه كان أصفر اللون أو لأنه كان بخديه خاصة صفورة ، أقوال ثلاثة. وكان
اجتماع الإسبانيين على ملك واحد سنة ثمان وثمانين وثمانمائة من الهجرة .
قائمة ملوك الإسبان
وأول ملوكهم
المجتمعة عليه تلك السنة فردنند وزوجته إيزابيلة مشتركين (ص ١٤٨) في المملكة /
وبقي في الملك خمسا وثلاثين سنة وخلع. ولما استقر في الملك غزى (كذا) غراطة في رجب
سنة خمس وتسعين من التاسع وبها سلطانها أبو عبد الله محمد حسن فنزل بمرجها وأفسد
زرعها ورجع ثم جهز لها جيشا عظيما في ثاني عشر جمادى الثانية ست وتسعين منه فنزل بمرجها أيضا وحاصرها وضيق عليها إلى أن أخذها صلحا
على سبعة وستين شرطا وقعت بينه وبين أهلها منها : أن يكون التأمين بجملة الناس ،
وأن يكون بقاؤهم في أماكنهم ، وأن يقيموا (كذا) شريعتهم كما كانت ، وأن لا يتعرضوا
لها بتغيير ولا استثناء أمور ، وأن تبقى المساجد على حالها ، وأن تبقى الأوقاف على
حالها ، وأن تكون الحرية لجميع المسلمين مؤبدة ، وأن لا يدخل نصراني دار مسلم ،
وأن لا يغصبوا أحدا ، وأن لا يتولى على المسلمين يهودي ولا نصراني ، وأن يطلقوا
جميع أسارى غرناطة ، وأن من هرب من أسارى غيرها لها لا يرد لمالكه بل يأخذ ثمنه من
عند السلطان ، وأن من أراد الانتقال لا يمنع ، وأن الذهاب يكون في مدة معينة في
مراكب السلطان بلا كراء ، ومن زاول الأجل فيلزمه الكراء مع تعشير ماله ، وأن لا
يؤخذ أحد بذنب غيره ، وأنّ من أسلم من النصارى لا يلزم
__________________
بالرجوع لذلك
الدين ، وأنّ من تنصّر من المسلمين يوقف حتى يظهر حاله ، وأنه لا عقاب على من قتل
نصرانيا أيام الحرب ، وأن لا يؤخذ منه ما سلبه منهم أيام العداوة ، وأن لا يكلف
المسلم بضيافة أجناد النصارى ، وأنهم لا يزيدون في المقام على العتاد ، وأن ترفع
عن المسلمين جميع المظالم ، وأن ترفع عنهم جميع المغارم ، وأن لا يطلع النصراني
للسور ، وأن لا يتطلع على دور المسلمين ، وأن لا يستطلع على عوراتهم ، وأن لا يدخل
لمساجدهم ، وأن يسير المسلم في بلاد النصارى آمنا من كل شيء ، وأن لا يجعل المسلم علامة
كما يجعلها اليهودي ، وأن لا يمنع المؤذن من الأذان ، وأن لا يمنع المصلي من
الصلاة ، وأن لا يمنع الصائم من الصيام ، وأن لا يمنع الحاج من الحج ، وأن لا
يمنعوا المسلمين من إقامة المواسم ، وأن لا يتعرضوا لهم في النكاح وغيره ، وأنّ من
ضحك من النصارى على المسلمين يعاقب ، وأن لا يحجروا عليهم في مقابرهم ، وأن يوافق
على كل شرط من الشروط صاحب رومة ، وأن تكون موافقته بخط يده ، وخاتمه معا ، إلى
غير ذلك من بقية الشروط. ودخل أهل البشرات في ذلك وكان / دخوله لها في ربيع الأول
سنة سبع وتسعين منه وذهب سلطان (ص ١٤٩) غرناطة لفاس بأن خرج على مليلية فاستقر
به إلى أن مات وذهب عمه أبو عبد الله محمد الزغلي صاحب إش (كذا) للمغرب الأوسط
فخرج على وهران ونزل بتلمسان واستقر بها إلى أن مات وكان خروجها في آخر شوال تلك
السنة وصفت الأندلس بأجمعها للنصارى ولا حول ولا قوة إلّا بالله. فكان أول ما
أخذوا لنا مدينة طليطلة سنة ثمان وتسعين من الخامس أخذها اذفونش بن فراند بن هراند
صلحا من يد الأمير الظاهر من ولد إسماعيل بن عبد الرحمن ناصر الدولة الهواري. وآخر
ما أخذوا لنا مدينة غرناطة سنة سبع وتسعين من التاسع وإنا لله وإنّا إليه راجعون.
وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
طليطلة هي
باكورة فتحهم
|
|
من الهواري رجعت
لأذفنس
|
ءاخر ذلك غرناطة
حلّ بها
|
|
ما لقت شقرة من
الويل والركس
|
من بعد عزّ بني
نصر ومواقها
|
|
طاغية ينظرهم
نظر الشوس
|
__________________

غزو المرسى الكبير ووهران
ثم جهز جيشا
لوهران وغزاها فملك برج مرساها في أول ربيع الثاني سنة إحدى عشر من العاشر قاله الحافظ أبو محمد عبد الله قاضي نهر بني راشد. ولما
ملكوها استقروا بها إلى أن تقدموا لوهران فدخلوها في آخر المحرم سنة أربع عشر من
العاشر وهو العام الذي مات فيه صاحب المعيار ، قاله التغريري ،
والشيخ أحمد بابا ، والمديوني ، واليفريني ، وقال الحافظان : الصباغ ، وأبو راس ،
وغيرهما كان ذلك في صفر سنة خمسة عشر من العاشر ، بمداخلة يهودي غدار للمسلمين
وذلك أن اليهود الذين بوهران تحت ذمة المسلمين أتى واحد منهم يقال له زاوي بن
كبيسة المعروف بابن زهو بجيش النصارى للمدينة غفلة وأدخلهم لها سرا بالحيلة فقام
الجيش لباب المدينة الموالي للمرسى ففتحه ليلا وأخذ العساسين وهما : عيسى بن غريب
العريبي ، والغناس بن طاهر العبدلّاوي ، وصار الجيش يدخل ويخرج ونكبوا المسلمين
قتلا وسبيا وكان ذلك وقت أبي قلموس الزياني. / وقد عجز عن دفاعهم عجزا كليا وإلى
ذلك أشار الحافظ (ص ١٥٠) أبو راس في سينيته بقوله :
خامس عشر من
عاشر أناخ بها
|
|
الإسبانيون أهل
الشرك والرجس
|
جحافل الكفر قد
حموا جوانبها
|
|
وعن دفاعهم عجز
أبو قلمس
|
ولما مكنوهم من
المدينة شرطوا عليهم برج المرسى فأنزلوهم به وفاء بالعهد وإليهم ينسب برج اليهودي
الذي بهيدور وجعلوا لهم الصولة العظيمة التي لا توصف على المسلمين فكانوا يخرجون
لبني عامر لقبض الضريبة كالملوك ثم تخيّل منهم النصارى بعد ثمانين سنة ما يكرهونه فأخبروا
سلطانهم بذلك فأمرهم بطردهم مخافة أن يفعلوا بهم ما فعلوا بالمسلمين من الخديعة.
__________________
غارات الإسبان على أحواز وهران
وكان طاغية
النصارى بوهران اسمه دك ، ولما استقل قدمه بها صار يشن الغارات على المسلمين إلى
أن دخل في طاعته كرشتل ، وبنو زيّان ، والونازرة ، وقيزة ، وغمرة ، وحميان ، وشافع
، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وغيرهم من بني عامر ولم يخرج عن طاعتهم من
المجاورين لهم بوهران إلّا مخيس والرّفافة المستقرين بين البحر وجبل هيدور مع جبل
قيزة. وصار الداخلون في طاعته شيعته الذين ينصرونه ويعتمد عليهم في جلب الأخبار
والمسير بهم في الطرق في الليل والنهار. واتخذ منهم الجواسيس الذين يقال لهم
المغاطيس ، فقويت شوكته ، واشتدت قوته وتعددت غزواته على الأقربين والأبعدين
والأنزلين والأصعدين وخلا له الجوّ إلى أن صارت ملاتة وسيرات من جملة بلاده التي
تحت يده وشداده ، يتردد بها في ليله ونهاره. ولا منازع له فيها باضطراره واختياره
وتكرّرت غزواته على هبرة والحرب بينه وبينهم سجال ، إلى أن تلاشوا وحل بهم
الاضمحلال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وما النصر إلا من عند الله
العزيز الحكيم ، وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وعاث دك
ببطحتيها مجتلبا
|
|
على الإيمان فلم
يبل بمفترس
|
ورجّ أرجاءها
لما أحاط بها
|
|
فأبدلت شمّ
أعلامها بالفطس
|
(ص ١٥١)
/ وشحنت بخنزيرهم وصلبانهم
|
|
مواضع الإيمان
بها ذو توس
|
كم توليت بها من
آية محكمة
|
|
فبعد طهرها قد
ملئت بالنجس
|
كأنها ما حوت
شمسا ولا قمرا
|
|
لم يدر في الناس
والعالي من النّدس
|
خلا له الجوّ
فامتدت يداه إلى
|
|
إدراك ما لم تنل
رجلاه مختلس
|
عمّرها بعدنا
بخبث مالقة
|
|
شناضيض
كاليعافرة والتيس
|
وسار سيرته فينا
من أعقبه
|
|
وكلهم مقتف
آرغون وإفرانس
|
فغزوا هبرة بموضع
يقال له يعلوا من جبال سيرات وذلك أن هبرة كانوا نازلين بيعلوا فغزاهم دك بها
وتقاتلوا شديدا قتل من الطلابة (كذا) ثلاثون ومقبرتهم بها تسمّى للآن بمقبرة
الطلبة بالطريق لأنها اندرست ومن هبرة تسعون شجاعا وانجرح أربعون. ومن إسبنيول
ثلاثمائة وانجرح ثلاثون وتركوا ثقالهم وفرّوا هاربين وارتكب هبرة ظهورهم إلى حجار
الروم بالجانب البحري من وادي
سيق فرجعوا عنهم.
ثم غزوهم بسيدي الأخضر من بلاد حميان فكان القتال بين الفريقين شديدا وصبر لهم
هبرة صبر الكرام انجلا الأمر فيه على موت مائتي شجاع من هبرة وانجراح ثلاثين وموت
ما يزيد على الستين من السبنيول وانجراح ما يزيد على السبعين. ثم غزوهم بيعلوا
ثانيا وكان المصاف أسفل العقبة ونشبت نار الحرب بينهما وقت الضحى فلا ترى إلا رجال
هبرة كأنها أسود هائجة في القتال يكرّون عليهم الكرّة الهلالية مرة بعد أخرى وحصلت
الدائرة على الإسبنيول وأعان هبرة رجال شداد من بني شقران ومع السبنيول خيول أولاد
علي ، وحصلت الهزيمة في الإسبانيين بسبب أولاد علي بعد ما مات من الإسبانيين عدد
كثير ومن أولاد علي ما يزيد على الخمسين وركبت هبرة وبنوا شقران أكتافهم إلى وادي
سيق وغنم هبرة وبنوا شقران جميع الأثقال وذاع الخبر في ذلك اليوم بفعل هبرة
بالسبنيول. ثم غزوهم بعوينت الزيتون من بلد العبيد ، الشراقة خرج لهم من مزغران
غفلة / فأثخن فيهم كثيرا ومات منهم ما بين الرجال (ص ١٥٢) والنساء والذراري ما
يزيد على السبعمائة فضلا عمن انجرح ، وأخذ لهم النصارى جميع ما وجدوه عندهم من
الدواب وغيرها وكان ذلك بإعانة أولاد حمدان من مجاهر فصار عدد هبرة يقل. ثم غزوهم
بسيدي مبارك وذلك أن هبرة كانت مفترقة في النزول ما بين سيرات الشرقية والغربية
والساحل والجبال ولم يكن منهم إلا البعض من أولاد هدّاج بن هبرة بسيدي مبارك بن
بخباخ فصكّهم السبنيول ومعه جيشه من قيزة ، والونازرة ، وغمرة ، وشافع ، وحميان ،
وكرشتل ، وبني زيان ، وأولاد عبد الله ، وأولاد علي ، وأحاط بهم إلى أن أسرهم عن
آخرهم فبلغ الخبر لأخوتهم فأتوهم مسرعين وحصل القتال بينهم وبين العدو ففكوا جميع
الأسارى من يده بعد أن مات من رجالهم في ذلك اليوم ما لا يعدّ وضعف بذلك حالهم
ودخلهم التلاشي فذهب السبنيول بغنيمة الأموال ورجع هبرة بأسارى أخوتهم من الصبيان
والنساء والرجال. ثم غزوهم بسيدي عبد المؤمن من مزغران وكان خندقا عظيما بالطرفا
وغيره فكانت الدائرة لهبرة عليهم ومنحهم الله النصر فقتلوهم مقتلا شنيعا وظفروا
بهم وبأموالهم بحيث ناب للواحد من هبرة من النّاضّ ما يزيد على الثلاثين ريالا كبيرا وفضلا عن غيره. ثم غزوهم
به ثانيا
__________________
من وهران بأن
أتوهم مع الساحل وخرجوا لسيدي عبد الرحمن الصّماش وهبرة في غفلة إلى أن كادوا
يصلونهم وهم مفترقون في النزول ولما بلغهم الخبر بغتة فزعوا لسيدي عبد المؤمن بن
عبد الرحمن وأعلموه بذلك فقال لهم لا خوف عليكم هم غنيمة لكم. وكان هبرة بشرق وادي
هبرة العدوّ بغربه وهو حاجز بينهم ولم يخرج السيد من خلوته فبينما هم في الرجاء
والخوف وإذا بوادي الحمام أتى حاملا حملة منكرة وكذلك وادي سيق وصار العدوّ بين
الوادين في الغرق فركبت هبرة ظهورهم أخذا وقتلا ولم ينج منهم إلا القليل وقد غرق
أكثر الإسبانيين بالماء وأخذت هبرة دوابهم وأثقالهم ومن ثم سمي سيدي عبد المؤمن
بحمّال الويدان (ص ١٥٣) للآن. ووقائع هبرة مع الإسبانيين كثيرة ومن أراد استفاءها
فليراجع الكتاب / الذي اسمه : القول اليقين في وقائع هبرة مع الإسبانيين للحافظ
أبي العباس أحمد ابن محمد الشقراني. وكان هبرة في القتال مع الإسبانيين وسويد غير
عامرة ولذلك ضعف حالهم وتلاشا (كذا) أمرهم. وسبب مقاتلتهم مع سويد أن هبرة كانوا
يتعرضون للمسلمين الفارين من الأندلس لهذه العدوة لما تغلب عليهم الإسبانيون بها
وحيث ينزلون بمرسى رزيو يذهبون لهم هبرة فيأخذون ما بأيدهم حتى أنهم يشقون بطون
المهاجرين ظنّا منهم أنهم يبتلعون الناض أو غيره ، فسمع بذلك ولي الله الأكبر سيدي
محمد أقدار التجيني الذي ضريحه بسدّار مينا المتوفى سنة خمس وستين وألف فامتلأ غيضا وحرّض أحميد العبد كبير سويد وقيل حرض ابنه
أحمد بن أحمد العبد على غزو هبرة المنتهكين لحرمة المهاجرين فأتاه من السّرسو
بجنود سويد ووافق ذلك ختم صحيح البخاري في يوم الجمعة فزحف إلى هبرة وكافة بطونهم
بتلك الجنود الكثيرة العدد ووقع المصاف بسدار العامري المسمى الآن بالغمرى ووقعت
بين الفريقين حروب عظام فانهزمت جموع هبرة وركبت سويد أكتافهم فقتلوا منهم كيف
شاؤا وكان جملة من قتل من هبرة مائتان وعشرون من الأبطال فمن ثم انكسرت شوكتهم
وقلّ عددهم واضمحلّ جمعهم وافترقوا في الأعراش فلم يبق بمحلهم إلا دوار واحد يسمى
بهبرة للآن مع تسلط الإسبانيين عليهم أيضا. ولما تراكمت عليهم
__________________
المحن من
الإسبانيين وسويد صارت نساؤهم تجتمعن ليلا في وسط الحلل وتقلن برفع الصوت تداولا
كلام فصيحهم (كذا) ويسمون ذلك بالتبواش ومن جملة كلام فصيحهم (كذا) :
فينا بين النار
يا رب والنار
|
|
بين انصارت دك
وانصارت قدّار
|
أنت المعين
بالعزيز القهّار
|
|
يا رب علينا
دبّر
|
ميتين وعشرين
قعدت في مشوار
|
|
دوار من الملاح
ما عزّه دوّار
|
الموت من الإله
والسّبّ قدّار
|
|
لا بد الحي
يفتكر
|
وهبرة هؤلاء هم
على الصحيح أولاد المقداد بن مهاجر بن سويد بن عمارة ابن مالك بن زغبة بن أبي
ربيعة بن هلال بن صعصعة بن معاوية بن بكر ابن هوازين بن منصور بن عكرمة بن زيد بن
حفصة بن قيس ابن / غيلان بن إلياس (ص ١٥٤) ابن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، فهم
عرب هلاليون مضريون من بطون زغبة كما في الجزء السادس من ابن خلدون في ترجمة مالك
بن زغبة في شجرته. فهم سويد خلافا لابن الخطيب الحكيم التلمساني القرشي القائل
بإنهم ملتقطون. وبطونهم تسعة وهم الدّعامشة أولاد دعماش بن هبرة ، والهدادجة أولاد
هداج بن هبرة ، والملايلة أولاد ملّال بن هبرة ، والمكاثرية أولاد مكثر ابن هبرة ،
والفطانسة ويقال لهم فطناسة أولاد فطناس بن هبرة ، والدعاعنة أولاد دعنان بن هبرة
، والصواوقة أولاد صواق بن هبرة ، والعزايزة أولاد العزيز ويقال له عبد العزيز بن
هبرة ، والدواودية أولاد داوود بن هبرة ومنهم السيد محمد ابن داودءاغة الدواير
وأخوه السيد عبد القادر بن داوودءاغة سعيدة وأبناؤهما فهم من أعيان المخزن وقتئذ
بوهران. ثم غزا الإسبانيون بني شقران برمال عين أبوس الشرقية على يد جبور بن حسنة
من أولاد سيدي محمد بن حسنة بحيث صعد لهم مع وادي فرقوق والحمام ووادي تخوارت إلى
أن وصلهم فأثخن فيهم بالقتل والسبي إثخانا عظيما إلى أن أذعنوا له بالطاعة.
ثم فردينة فيليب
الأول تولى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة بعد خلع الذي قبله وبقي في الحكم عشر سنين وخلع ولما تولى
أقرّ دكّ بوهران على حاله
__________________
وأمره بالغزو على
المسلمين الذين بهذه العدوة فاشتدت شوكته عليهم وأبلاهم بلاء عظيما واقتدى به من
أتى بعده من عمال النصارى بوهران مثل إفراسيسك وابن يالبة وأجوان JUAN
وغيرهم من الإسبانيين الذين لم يحضروا حفظي وقتئذ. فغزى سنة خمس وعشرين من العاشر قلعة بني راشد لما سأل منه الإعانة عليها أبو قلموس وقصدها
في جيش عرمرم (كذا) ما بين جيشه وجيش أبي قلموس فنزل ببراقها وهو الجبل المطل
عليها من ناحية البحر ونصب به مدافعه ورمى الكور على القلعة فخرج أهلها ومعهم
أميرها إسحاق الإسكندر شقيق خير الدين باشة الجزائر فسألوا الأمان فأمنوا ولما
تمكن النصارى منهم قتلوهم عن آخرهم والأمر لله وحده. قال الحافظ أبو راس في الحاوي
وكان (ص ١٥٥) الشيخ / سيدي محمد الشريف الزهار دفين الجزائر أحد تلامذة القطب سيدي
أحمد بن يوسف الراشدي بالقلعة قبل مجيء الإسكندر والأتراك إليها يدخل المسجد حافيا
ويقول أنا أنجسه قبل أن ينجسه الكفّار فلم يكن إلا قليل حتى قدم عروج والإسكندر
والأتراك فذهبوا لتلمسان فبقي فيها عروج ورجع الإسكندر للقلعة فحصر بها ودخل
النصارى للجامع الأعظم ونجّسوه كما قال. ثم كارلوص وهو شارل الأول تولى سنة ثلاث
وثلاثين من العاشر وبقي في الملك أربعين سنة واستمرت وهران في حكمه. فجهّز
جيشا عظيما لغزو مزغران ففتحها عنوة في أواسط الستين من القرن العاشر تحت رئاسة الطاغية الفرطاس ولما سمع بذلك خير الدين باشة الجزائر تألم كثيرا وجمع جيوشا من كل جهة وقصد مزغران فنزل عليها
وقاتلها شديدا وأمنحه الله النصر فأثخن فيهم قتلا وأسرا وسبيا إلى أن فتحها عنوة
زوال يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة خمس
__________________
وستين من العاشر ولما فرغ من القتال أمر بجمع الرؤوس فجعلت تلا إلى أن
رءاها (كذا) نصارى مرجاجو بوهران. وفي هذا الفتح قال بعضهم من بحر الرّجز :
فتح خير الدين مزغران
|
|
مرتجيا لفتحه
وهران
|
في يهّ قعدة
زوال الجمعة
|
|
سنة هرّ قصخ
فاستمعه
|
وهذه القصة عند
الناس
|
|
مشهورة بقصة
الفرطاس
|
غارات الإسبان على تلمسان ومعسكر
وغزوا سابقا
تلمسان سنة تسع وأربعين من العاشر فدخلوها عنوة وربطوا دوابهم بجامعها الأعظم حتى خرجوا
مختارين بعد إقامة نحو الثلاثة عشر يوما ويقال أن قراب الخالفي جد القراريب الذين
منهم الحاج بالضيف آغة مستغانيم ومحمد ولد علي الشريف بن يوسف التحلايتي وكيل
محكمة سيق هو الذي أتى بهم في الفترة الكائنة بين بني عبد الوادي والأتراك وقصته
متواترة على ألسنة الناس. وغزوها أيضا سنة خمسين وإحدى وخمسين من العاشر مع أميرها أبي عبد الله محمد بن المسعودي حفيد رضوان العلج
في أربعة عشر ألفا فدخلوها عنوة ومكثوا بها نحو الشهرين وخرجوا مختارين. قال
الحافظ أبو راس في الحاوي أن / السيد محمد الشريف الزهار المار الذكر قال للمرابط
عبد الله الملقب (ص ١٥٦) إخلّال ، النصارى يأخذون تلمسان فقال له كيف وأبو مدين
فيها فقال يطوّق على بطنه ونحو هذا الكلام فكان كما قال أخذوها الكفار وأسروا
حرمها وأفسدوها وخربوها وقت قدوم أبي عبد الله بهم من وهران سنة خمسين وتسعمائة ه.
وقد حرك لها أبو عبد الله بالنصارى على أحمد أبي زيان مرارا. ففي الأولى أتاها سنة
سبع وأربعين من العاشر ولم يحصل على طايل ، وفي الثانية أتاها سنة ثمان وأربعين
من العاشر ولما سمع به أخوه أحمد جهز لقتاله جيشا لنظر
__________________
المزوار بن غانم
كبير بني راشد فنزل أبو عبد الله بمحلته بمشرع الزواش ثم بواد سنان ثم بحمام سيدي
العبدلي فلقيه المزوار بجيشه وحصر محلتهم في خربة هناك ودارت بهم العرب فانهزم
النصارى بعد ما مات منهم خلق كثير ورجعوا لوهران. ثم سألهم في الثالثة الحركة
فأبوا فذهب لمالكهم كارلوس بإسبانيا وسأله الإعانة فأمرهم بالخروج معه فخرج
بالجيوش النصرانية في سنة خمسين من العاشر وذهب لتلمسان فدخلها كما مرّ وتزوّج ببنات أكابرها وخرج
أحمد منها ثم رجع له حاركا ، ولما خرج أبو عبد الله لقتاله ورام الرجوع منعه أهل
البلد من الدخول وقالوا له يا خذيم الروم اذهب عندهم فدخلها أحمد وفرّ هو إلى أن
قتله العرب غدرا وبقي أحمد في الملك إلى أن مات فتولى أخوه حسن وكان بينه وبين
صالح باشة بالجزائر محبة عظيمة ثم بعد أربعة أعوام فسد ما بينهما وسأل الإعانة من
النصارى وهرب لوهران فمات بها في دار الملك بالوباء وتنصّر ولده بعده والأمر لله
وحده.
وتكرر غزو النصارى
لتلمسان بسبب اختلاف كلمة أمرائها حتى صار كل منهم يستعين على الآخر بالنصارى. فمن
ذلك أن المزوار منصور بن غانم الحشمي. كبير بني راشد سأل من النصارى في سنة ثلاث
وخمسين من العاشر الإعانة وغزى بهم تلمسان بعد أن أعطاهم ولده عليا رهنا
وشرط معهم شروطا فخرجت محلتهم بجيش وهران وكرشتلة ونزلوا بغبال فأتتهم العرب
بالخيول المسوّمة والهدايا المقوّمة ورأى رجل أعرابي منهم اسمه برقون جيش الترك
ذاهبا لتلمسان فطلب منهم الإغارة عليهم فأبوا فذهب وحده ثم اتبعوه ونشأ القتال (ص
١٥٧) فكانت الدائرة / على الأتراك ولم ينج إلّا القليل وذهب محلة النصارى بمن معها
على رابطة الزواش وخيمت به ستة عشر يوما وزادت لواد سنان ولما عبرته جاءها الخبر
بأن الترك خرجوا من الجزائر في الجيش العظيم لطلب الثأر فرجع النصارى وأخذوا على
عرب دمليون وهم أولاد عبد الله سمّوا بذلك لأنهم كانوا يطلبون منهم العدد الكثير
فيقول أحدهم للنصارى دمليون بمعنى أيها الروم
__________________
أعطونا عشرة
ملايين (كذا) أي عددا كثيرا فيه عشرة ألف ألف ثم لإغبال ووادي تليلات وبه جاء
الرسول للمزوال منصور بن عالم من عند كبير ترك تلمسان يسئله (كذا) أن يدع جيش
الترك يذهب من تلمسان للجزائر ولا يتعرض له أحد وله ما شاء من المال فوافقه على
ذلك ورجع لأهله بجيشه وذهبت المحلة النصرانية لمستغانم فمرت بالشيخ الزناقي ووادي
هبرة وفرنكة وحلت بمزغران في ثالث عشرين جمادى الثانية تلك السنة وخاب رأي كبيرها وفسد أمره ورجع لوهران ثم غزوا الرابطة
والكرط على يد كبير الجيوش العربية وهو رابح بن صولة أحد أولاد علي بطن من بني
عامر وأولاده يقال لهم الصوالة وهم الآن دوّار فخرجوا من وهران ومرّوا بالكرمة
وبتنازات فنزلوا بأبيارها ثم صعد بهم مع وادي التفراوي إلى جبل غدالة ببلد ماخوخ
ومشى على القطّارة إلى أن وصلوا لأزبوجة الكبيرة المطلة على واد للحمام المنفردة
وحدها فاستراحوا بها ثم صعد بهم مع شعاب تيفرورة إلى الرابطة بأعلاها فترك بها بعض
الجيش وذهب بالبعض للكرط ففعل بهاتين القريتين ما أراد الله فعله. وتكرّر غزوهم
على الكرط إلى أن استاصلوا (كذا) أهله فهرب من بقي به وهم سبب خرابه إلى أن عمر بظهور
الإسلام للآن ولما كبر رابح بن صولة وعمي تقعّد عن الغزو فأغار الحشم على أولاد
علي فألفوه بالمراح فقتلوه. ثم غزوا فروحة بغريس أرض الشيخ سيدي محمد ابن يحيى
مقري الجن فلقوا خيولا من أولاد عباد أحد بطون الحشم هنالك فاقتتلوا معهم إلى أن
استشهد من أعيانهم العروسي أحد الأجواد بغريس قبلة كدية عظيمة فأخذوا رأسه وفرسه
وانقلبوا لوهران. وغزوا غريسا أيضا وتخطوا فيه إلى أسفل / نسمط أرض لواتة بأراضي
بني راشد. ثم في وسط الستين من (ص ١٥٨) العاشرة غزوا زاوية الشيخ أبي مهدي سيدي عيسى بن موسى التجيني ثم
الزنداوي وهو نازل شرقي واد التاغية فأتته قنبرة وهي القوبع وجلست أمامه وصارت
تذري التراب على رأسها وتصوّت شديدا وكان الشيخ عارفا بزجر الطير فأمر زاويته
وأهله بالرحيل فورا فارتحلوا وعبروا النهر ودخلوا في غيظة كبيرة يقال
__________________
لها دار الهناء
فلم يكن إلا يسير وإذا بجند النصارى واقف في حافة الواد الشرقية ومعهم بني عامر
ولما لم يروا أحدا رجعوا من غير عبور للنّهر ثم أولاد سيدي العبدلي المرة بعد
الأخرى ولم ينتج لهم شيء من ذلك. قال الحافظ أبو زيد عبد الرحمان الجامعي في شرحه
لرجز الحلفاوي وحدثني المرابط أبو الحسن علي بن حسّون العبدلي إنهم كانوا لا يهنأ
لهم نوم إلّا إذا جعلوا حارسا ومهمى (كذا) ينم أحدهم نجده يهذوا (كذا) بإغارة
النصارى ويصرخ في نومه من شدة خوفهم.
غارات الإسبان على مدينة الجزائر
وقد غزوا الجزائر
مرات. ففي الأولى غزوها قبل دخول الترك لها وتملكهم بها فملكوا برج مرساها الذي
بوسط البحر في الجزيرة حيث برج الفنار الآن وصار لهم جباية حجيجة ، وضرائب على أهل
متيجة ، وبقوا على تلك الحالة إلى أن دخلها الأتراك فنشأ معهم السيد حسن خير الدين
بن المدلية أول باشة بالجزائر الحرب وأدامه معهم إلى أن فتح البرج عنوة سنة ست
وأربعين من العاشر وجعل في البحر طريقا تصل للبرج. وفي الثانية غزوها سنة
ثمان وأربعين من العاشرة .
حملة شاركان الكبرى على الجزائر عام ١٥٤١ م
وسبب قدوم
البلادور لها أنه كان عمّر مركبا من مراكبه وأوسقه بالمال والسعة وبعثه لوهران
فأخذه رايس من رؤساء الجزائر يقال له كجك علي ودخل به للجزائر بعد ما وقع الحرب
بينهما فوجد فيه رايسا (كذا) عظيما مع جملة الرؤساء ودخل في شهرة عظيمة ثم أن كجك
أحضر هذا الرايس إلى حسن آغة
__________________
خليفة خير الدين
باشا وقبّل يده وكشف عن رأسه وبقي داهشا من الهيبة فسأله حسن آغة عن أخبار بلاد
النصارى فقال له الرايس أن سفينة تركتها تريد القدوم إلى بجاية لكونها كانت عامرة
/ بالسبنيول فعند ذلك أمر حسن آغة أن تجهز له (ص ١٥٩) أغربة فتجهزوا في أسرع وقت
وساروا إلى طلبها بنواحي بجاية وكمنوا بموضع يقال له العش والمنقار وكان من جملة
رؤساء الجزائر كجك علي المتقدم الذكر فطلعت لهم تلك السفينة ذاهبة لبجاية فقربوا
منها وشرعوا في قتالها وكانت مستعدة للقتال في غاية الاستعداد فلم تزل مع أجفان
المسلمين في أخذ ورد إلى أن وقعت فيها النار فالتهبت في أطراف السفينة وعجز الكفار
عن إطفائها فألقوا أنفسهم في الماء فالتقطهم المسلمون من البحر وأطفوا النار ورجع
الرؤساء للجزائر وهم فارحون (كذا) بالسفينة ودخل الجزائر في شهرة كبيرة وفرح به
حسن آغة غاية الفرح وأمر بإنزال ما فيها من الغنيمة فأنزلوا الكفار وأحضروا بين
يديه ومعهم رئيسهم وكانوا في حال طلوعهم إلى دار الإمارة تصفق لهم النساء والصبيان
وأهل البلد ليتفرجوا فلما وصلوا بهم إلى حسن آغة أمر بهم إلى السجن المعد لذلك
فلما سمع بهم صاحب إسبانيا تأسّف عليهم وكان أهل طاعته قد ضجوا إليه بالشكاية مما
يفعله بهم أهل الجزائر خصوصا أهل السواحل منهم بأن قالوا للطاغية إما أن تكفينا
أمر الجزائر وإلا نعطوا (كذا) الطاعة لصاحبها فشرع في الحركة للجزائر وأطلق النداء
في سائر أقطاره بذلك فانحاشت إليه جيوشه أفواجا أفواجا وزخرت إليه جيوشه وعساكره
أمواجا أمواجا ، فوصل خبر عمارته إلى حسن آغة خليفة خير الدين فصدّق بذلك ولم
يكذّب ثم أخذ في حركة عرس ولده وعمل مفرجات عظيمات يقال إنه خرج من يده مال عظيم
بسبب هذا العرس في كل ناحية يقال إن من جملة ما جعل فيه من المفرجات نصب صاريا في
باب الوادي وطلاه بالشحم بحيث صار لا يقدر أحد يصعد إليه وجعل في جاموره شقة نفيسة
من الملف ومعها صارة من الذهب وأباحما لمن صعد إليهما فجاء فتى من الأتراك صغير
السن وبدأ في الطلوع معه ولم يزل يتلاصق الصاري شيئا فشيئا حتى وصل إليهما ونزل
بهما فتعجب الناس مما شهدوا منه فلما تم هذا العرس وصار مثلا سائرا ونزاهة من
نزاهة الدنيا أدار وجهه إلى تحصين المدينة / والاستعداد لمقابلة العدوّ فبنا (كذا)
أسوار المدينة وأصلح ما (ص ١٦٠)
انهدم منها ونصب
عليها المدافع وعلى سائر الأبراج وعين أربعمائة أسير من الكفار لهذا البناء ثم أنه
بعث إلى شيخ المدينة وأمره أن يرفع إليه حساب الرجال في كل حكومة من الجزائر ففعل
ذلك شيخ المدينة ومع ذلك فأخبار العمارة تتوارد عليه في كل وقت وكذا على أهل
الجزائر فأمر حسن آغا بقطع أشجار البساتين كلها خوفا من النصارى أن يستتروا بها
حال القتال وأول ما بدأ بقطع بستانه فلم يترك فيه شجرة واحدة فبينما هو في بعض
الأيام جالس في دار الإمارة إذ دخل عليه حارس البحر الذي يقال له صاحب الناظور
وأخبره بأن عمارة النصارى قد أتت وهي عمارة كبيرة أخذت وجه الماء كله وسترته وشرعت
في عددها فلم أقدر وتشوّش نظري من ذلك لكثرتها فعند هذا عيّن حسن آغا حملة من
الخيل فصعدوا إلى جبل أبي زريعة ليأتوه بتحقيق العمارة فرجعوا إليه وكل واحد يقول
لم أقدر على إحصاء ما رأيت لأن العدد كثير لا يصل إليه الإدراك فعند ذلك أمر حسن
آغا سيدي سعيد الشريف وكان هو شيخ المدينة ، أن يوجّه رجالا من أهل البلد إلى
الأبراج والأسوار برسم حراستها في مقاتلة العدو منها فنهض شيخ المدينة المذكور
وعيّن الرجال للأبراج والأسوار ونصبوا رايات الإسلام عليها ووزّع حسن آغا رجاله
على أبواب المدينة بطوائف من العسكر فعيّن لباب عزون رجلا من أعيان العسكر يقال له
الحاج مامي وكان مشهورا بالشجاعة فقام بما عين له ، وأما حسن آغا فإنه أقام بحصن
من حصون الجزائر تصل مدافعه إلى العدو برا وبحرا ومعه جماعة من العسكر وطبوله تصعد
أصواتها إلى الجو وألويته المنصورة تخفّق على رأسه وجعل على باب الوادي أي حصنها
مدفعا عظيما يدهش الإنسان عند صيحته وتزهق النفس من دفعته ، وجعل من هذا الحصن إلى
القصبة قائدا اسمه حسنا ومعه طائفة من العسكر وعيّن لحراسة باب الوادي رجلا يقال
له القائد يوسف ومعه جماعة من العسكر وعيّن معه ثلاثة من (ص ١٦١) القياد أحدهم
يقال له سافر وجعله في برج من الأبراج / وثانيهم يقال له أصلان عيّنه لقاع السور
وثالثهم يقال له رضمان فإنه أقامه قريبا منه في بعض النواحي ثم أقام كجك علي وحيدر
ومعهما قبطان السفن أخضر وجملة من رؤساء البحر بباب الجزيرة وجعل أهل الجزائر من
العسكر والأندلس والبلدية دائرين بأسوار المدينة متسلحين بالمكاحل والسيوف والرماح
والنشاب كما جعل العرب ركابا ومشاتا
بخارج البلد في
غاية من الحزم والضبط فبينما الناس في غاية الاستعداد للقتال سائلين من المولى جل
جلاله أن يعينهم على النزال ، إذ بعمارة النصارى ظهرت لهم في يوم الأربعاء آخر
جمادى الثانية بأن بقت له ثلاثة أيام سنة ثمان وأربعين وتسعمائة ، ورست وقت العصر من يوم الخميس في جون تمانتفوس ، الموالي للجزائر ولما رسّوا سقط لهم بعض الرايات في
البحر فتفاول (كذا) المسلمون لما رأوا ذلك وعلموا أنهم منصورون (كذا) عليهم بإذن
الله تعالى ، وكان نزولهم للبر في يوم الأحد قبل الزوال بشيء قليل ولما نزل سلطان
إسبانيا دارت به عساكره. فيقال إن عدتهم تسعين ألفا وكان المسلمون أرادوا أن
يمنعوهم من النزول إلى البر فرمت عليهم السفن بالمدافع من البحر فأوسعوا لهم في
المجال حتى تمكنوا من النزول وبات العدو ليلة الاثنين قرب البلد بموضع يقال له
الحامة وكان زعيم من زعماء الترك يقال له الحاج باشا عزم أن يضرب العدوّ ليلا
ففتحت له أبواب المدينة وأخذ الراية في يده وخرج في جماعة وافرة من المسلمين وكان
خروجه لما بقي الربع الآخر من الليل (كذا) فلم يشعر العدو لشدّة الشتاء لكونهم
وصلوا في شهر اكتوبر في أيام قاسم كون إلّا والمسلمون قد خالطوهم ورموا عليهم
بالمكاحل دفعة واحدة ورشقوهم بالسهام بالسهام فحصلت بهم ضجة عظيمة فانتبه مالكهم مرعوبا
من نومه وصاح برجاله وخواص وزرائه وقال هؤلاء الذين أخبرتموني عنهم أنهم لا يقومون
بحربنا انظروا ما عملوا فينا هذه الليلة. ثم أن المسلمين رجعوا سالمين إلى البلد
بعد ما قتلوا منهم خلقا كثيرا فلما كان يوم الإثنين تحركت النصارى إلى المدينة
ومعهم الطاغية حتى قرّبوا الأسوار وهم يزعقون في انفرتهم وألويتهم منصوبة عليهم
فخيل لأهل الجزائر / أنهم نمل أسود قد ملأ الفضاء وكان فيهم من الفرسان أربعة آلاف
(ص ١٦٢) فارس فشرع في قتالهم من الأسوار ، بالمدافع وبنادق الرصاص والسهام وتقدم
في ذلك اليوم إلى القتال رجال من الأتراك فظهرت شجاعتهم العظيمة منهم الحاج باشا
والحاج مامي والحاج بكير وأخضر وغيرهم فقاتلوا قتالا شديدا إلى الليل
__________________
(كذا) ثم رجع
النصارى إلى رأس تفورة ونزلوا بأمحالهم وأخذت تلك الوعور كلها وشرعوا في قتال
المدينة وصبت عليهم مدافع المسلمين من كل جهة وخاب رجاؤهم من المدينة فصعدوا
بألوية منشورة إلى الكدية المعروفة بكدية الصابون وصاروا يقاتلون المدينة منها
فصار أهل الجزائر يرمون عليهم بالمدافع من كل ناحية بأصوات الصواعق وربما وصلوا
الرمي على أجفانهم التي في البحر ولما كان يوم الثلاثاء أرسل الله تبارك وتعالى في
آخر الليل (كذا) ريحا عاصفا فقطعت حبال أجفانهم ونشروا صواريهم خوفا من الهلاك
وتزايد هذا الريح فتشوّش جنرالهم أندرية من ذلك وكذلك من معه في الأجفان وساقت هذه الريح التي
أرسلها الله عليهم جملة من أجفانهم إلى البرّ فعطبت على المطاحن وخرج منهم أسارى
المسلمين ومالت عرب الجزائر على أهل تلك الأجفان واستاصلوهم قتلا إلى آخرهم وحين رأى
الطاغية ما حصل بأجفانه من الغرق والعطب انكسرت شوكته وضعفت قوته وأخمدت ناره ،
وبرد شراره وظهرت عليه مخايل الذل فخرج أهل المدينة صبيحة يوم الثلاثاء لقتالهم
باجتهاد وقوة وعزم شديد وعلموا أن الله تعالى نصرهم على الأعداء فخالطوهم وقاتلوهم
في تلك الأوعار فأتى وجوه العساكر إلى الطاغية وقالوا له أيها الملك قم بنفسك إلى
الحرب فإن المحلة أشرفت على الأخذ فعند ذلك خرج الطاغية والتفّت عليه عساكره
وأخذوا في القتال فتقهقر المسلمون عنهم نازلين رأس تفورة وجدّ الكفار في قتالهم
وتكالبوا عليهم فتقهقروا أيضا إلى ملعب الكورة (كذا) ثم إلى قنطرة الأفران فلما
رأى النصارى ذلك منهم تراكمت جيوشهم عليهم كالبحر الزاخر وصاحوا عليهم من كل ناحية
وطالبوهم من كل دانية فتقهقر المسلمون إلى ناحية سيدي أبي التقي ثم صرخ المسلمون
في وجوه الكفار صرخة واحدة وحملوا عليهم وضربوهم (ص ١٦٣) حتى بالحجارة والنشاب
وكان ذلك اليوم يسيل فيه المطر كأفواه القرب ، / فتراجع المسلمون لحماية بعضهم
بعضا وحملوا على الكفار من كل ناحية فردوهم على أعقابهم إلى المحلة ورجع المسلمون
للمدينة ولما كان صباح يوم الأربعاء ظهر للكفار أنهم لا مطمع لهم بالجزائر وأن
الغنيمة أن ينجوا بأنفسهم فقربت أجفانه
__________________
إلى البر ونزل
الجنرال أندريه منها حزين فوصل إلى الطاغية في محلته وأعطاه حق المبايعة وقال له
أيها الملك ألم أحذّرك عن السفر إلى الجزائر فانظر عاقبة الأمر الذي حذرتك عنه
الآن قم اطلب النجاة لنفسك فإن جلّ أجفاننا عطب على السواحل فكيف يكون رجوع هذا
المعسكر إلى بلادنا فها أنا أيها الملك أذهب إلى تمانتفوس وانتظرك فيها فبادر أنت
ومن معك من العسكر بالرحيل لتركب في الأجفان الباقية وتخلص إلى بلادك فعند ذلك رحل
الطاغية عن الجزائر ونزل على واد الحراش وكان قد أجهدهم الجوع فأكلوا أربعمائة من
الخيل وباتوا تلك الليلة والمطر يتراكم عليهم والأعراب والقبائل يضربوهم بالمكاحل
والأحجار وغيرها ويلتقطون في السّعي. ولما كان يوم الخميس نظر الطاغية إلى الوادي
فرآه فهالته رؤيته فاستشار رجاله كيف يتحيلون على القطع إلى الناحية فعقدوا صواري
سفنهم المنعطبة على الساحل وقطعوا عليهم فلما قطعوا إلى الناحية الأخرى هجمت عليهم
فرسان العرب أيضا وصاحوا عليهم وحملوا نحوهم بعنان واحد وقتلوا منهم خلقا كثيرا
ولم يزل الطاغية ذاهبا وفراسان العرب تطاعنوهم (كذا) إلى أن وصلوا إلى تمانتفوس
وأقام بها أياما والحرب لا ينقطع عليه من المسلمين إلى أن خمد هيجان البحر فركب
فيما بقي من الأجفان وسافر إلى بلاده وهو لا يصدق النجاة بنفسه وخلّف كثيرا من
الأغربة والأجفان الرقاق وكثيرا من الأجفان العظام والعشريات والفرقطات ومدافع
عظام وخلّف كثيرا من الرجال والنساء والصبيان التي أتى بها لأنه لم يذهب واحد منهم
وعددهم ألفان وثلاثمائة وأما خيله لم يذهب منها واحد سوى الذي مات منها في الحرب
أو أكلوه وحاصل ما خلفه لأهل الجزائر مال لا يحصى.
وفي الثالثة غزوها
سنة سبع وستين من العاشر ولم تحصل لهم فائدة ورجعوا خائبين.
__________________
حملة الإسبان على تونس
(ص ١٦٤) / ثم غزوا
تونس سنة سبع وستين من العاشر فأخذوها عنوة من يد سلطانها أبي العباس أحمد بن حسن الحفصي
ونبشوا ضريح سيدي محرز بن خلف البكري الصديقي فألفوه مملوءا رملا وبقيت بأيديهم
إلى أن استخلصها منهم سليمان باشا التركي سنة إحدى وثمانين من العاشر . واستولوا بطاعة المغرب الأقصا (كذا) على حجر باديس بالريف
سنة أربع وستين من العاشر وهي بأيديهم للآن أعطاها لهم سلطان المغرب عبد الله الغالب
السعدي لما تملّك المغرب تلك السنة ورأى مراكب الأتراك تتكرر بمرساها تخوّف منهم
على ملكه واتفق مع الطاغية على قطع المدد ولما حلّوا بها نبشوا قبور أمواتها
وأحرقوا عظامها بالنار وأهانوا من بها من المسلمين شديدا. وفي ولايته سنة سبعين من
العاشر غزى الباشا حسين بن خير الدين وهران فهو أول من غزاها من
الأتراك وألحّ عليها حتى هدم حصن النصارى الأعلا (كذا) من برج المرسى وهربوا
للأسفل فدخله المسلمون ليلة السبت خامس عشر رمضان تلك السنة ثم أقلع عنها. ونظم
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن موسى التلمساني في ذلك قصائد انظرها في البستان.
وأهدى الشيخ أبو مهدي عيسى بن موسى العارف بزجر الطير التجيني للباشا حسين حينئذ
ثوبا جيدا. وإلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وقيّض الله
الأتراك بمزغنة
|
|
لحرب وهران دار
الشرك والألس
|
غزاها الباشا بن
خير الدين أولهم
|
|
وبرج مرساها قد
رماه بالنّقس
|
وحسين هذا كما في
الحافظ أبي راس في الخبر المعرب هو الذي غزى المغرب وبعث له ولي الله الشيخ أبو
زيد عبد الرحمن بن عبد الله اليعقوبي من أولاد يعقوب بن طلحة النقادي الذي تنسب له
الزاوية التي بإزاء ندرومة ابنه
__________________
عبد الله ليرجع عن
الغزو وهو بملوية فأبى وتمادى على غزوه فرجع خائبا ، وهذا اليعقوبي هو الذي كلم
الشيخ أبا مدين في قبره على عز التّرك فقال له أبو مدين ما كان باش نبدلهم إذا
أرادت أن تكون في موضعهم فذلك فقال لا. قال أبو العبّاس أحمد نزيل العبّاد ولما
سمعت الكلام من الطاق الفوقي الذي عن يمين الداخل دنوت فجذبني / من خلفي شيء
فالتفت فلم أر شيئا ثم أردت الدنوّ (ص ١٦٥) ثانيا وثالثا فمنعت من ذلك. انظر البستان.
ثم فيليب الثاني تولّى سنة ثلاثا وسبعين وتسعمائة وبقي في الملك اثنين وأربعين سنة ووهران تحت حكمه. ثم
فيليب الثالث تولى سنة خمسة عشر وألف وبقي في الملك ثلاثا وثلاثين سنة ودخلت مدينة
العرايش بالمغرب الأقصا في حكمه سنة تسعة عشر وألف بإعطاء سلطان المغرب محمد الشيخ السعدي إيّاهم فبقيت تحت
حكمهم إلى أن نزعها منهم مولاي إسماعيل بن علي العلاوي سلطان المغرب سنة واحد
ومائة وألف بعد محاصرته لها ثلاثة أشهر بالحرب المتصل ولم يفتحها حتى
جعل لها لغما هدّ به سورها واقتحمها حينئذ وقتل منهم ألفين وأسّر نحو الإثنا عشر
مائة وذلك مبلغ عمارتها فلم يفلت منهم أحد وألفى بها خزائن البارود ونحو المائة
وثمانين نفضا منها اثنان وعشرون نحاسا واحد يسمى الغصّاب في طوله خمسة وثلاثون
قدما وزنة كورته خمسة وثلاثون رطلا يحلّق عليه بقرب خزنته أربعة رجال وقد بقيت
بأيديهم اثنين وثمانين سنة. ثم فيليب الرابع تولى سنة ثمان وثلاثين وألف وبقي في الملك أربعا وأربعين سنة. وفي ولايته غزى إبراهيم
باشا الجزائر وهران في وسط القرن الحادي عشر ونصب عليها المدافع والبونبة (كذا) من
المائدة وهي سطح جبل هيدور المطل على وهران فهو أول من فعل ذلك من الأتراك فامتنعت
عليه ورجع مؤيسا (كذا) منها إلى مملكته بالجزائر وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في
سينيته بقوله :
__________________
أتاها باشا
إبراهيم وسط حادي
|
|
من القرون من
بعد الألف للوطس
|
قام بالمايدة
حينا يزاولها
|
|
ثم قفا درجه من
فتحهاءايس
|
ويوجد في بعض
النسخ بدل هذا البيت :
قام بهيدور
أياما يزاولها
|
|
ثم قفا درجة من
عسرة الرطس
|
(ص ١٦٦) / ومن حينئذ وقع للإسبانيين
الاعتناء بقلعة مرجاجو ودبّروا الحيلة في إقامته فصعب عليهم الماء فأتاهم شيخ
حميان بقرب الماء لإقامته من عند قبيله. ولما أقلع إبراهيم باشا عن وهران مأيسا
منها امتدت يد النصارى أيضا إلى الإسلام وصاروا معهم ما بين نفرة واستقامة ورأى
الطاغية شوكة نفسه بأتباعه قويت كتب للممدود وهو عدة ولد الصحراوي رايس (كذا)
الحشم بقوله إن كانت أمك عربية حرة حقيقة وتزعم أنك لا تخشى سطوتي ، ولا تلتفت
لشوكتي فانزل بعربك سيرات أو ملاته ذات الوطي ترى ما يفعله بك ابن النصرانية وكان
الدّال عليه بذلك ونزار العبدلاوي جد الونازرة لكونه كان جنرالا على العرب عند
الإسبانيين فأنف الممدود من ذلك وارتحل بجميع الجشم الشراقة والغرابة وأهل الوادي
ومن انخرط في سلكهم ونزل بوطاء سيرات من سيق إلى الغمري وتفرّغ بسيرات الشرقية
والغربية وجعل عيونا وحراسا بينه وبين وهران من زبوج مولاي إسماعيل إلى المقطع
واستعدّ للحرب استعدادا قويا ووافقه على ذلك هبرة والبرجية وبنو شقران ولمّا سمع
الطاغية بنزوله بسيرات جمع جيشه من النصارى والعرب المتنصرة وهم كرشتل وحميان
وغمرة وبنو زيان والونازرة وقيزة وشافع وأولاد عبد الله وأولاد سليمان وأولاد علي
والحجز وغيرهم من بني عامر وخرج من وهران ليلا ومشى على طريق مسرقين إلى أولاد عبد
الله ثم مشوا به إلى تاسّالة ثم إلى ماخوخ ومشوا به لمكرة ورجعوا به لأولاد سليمان
إلى أن وصل لخشاب النصارى فكمنوا به وسمى من ذلك الوقت بخشاب النصارى ومنه طار
الخبر للممدود ثم هبطوا بالطاغية مع الوادي المبطوح ولما وصل لسيق تركه الممدود
إلى أن اشتغل بأخذ الأموال وقد ذهبت الناس بأنفسها (كذا) قصدا لاشتغاله بذلك وقد
سدّ عليه طرق المجاز من كل جهة فقصده بجيوشه وصار يقتل ويسبي واستخلص منه جميع ما
أخذه وأثخن فيه بالقتل الذريع اثخانا عظيما فلم ينج منه إلا القليل وحصلت الهزيمة
فيهم وركب الممدود بجيشه أكتافهم إلى وهران
فدخلها الطاغية في
فله في أرذل حالة وكتب له الممدود وهو بضواحي وهران وأرباضها كتابا يقول له فيه
أخبرني أيها الطاغية لمن علو الكلمة الآن هل للعرب / أو للنصارى كلا لئن لم تنته
عن فعلك الذميم ومحاربتك للمسلمين والغارات (ص ١٦٧) عليهم لأرجمنك شديدا.
ثم كارلوص الثاني
وهو شارل الثاني تولى سنة اثنين وثمانين وألف وبقي في الملك خمسا وثلاثين سنة فبقيت وهران تحت حكمه وفي
أيامه تولى الغطريف الهمام ، والأسد الهصور الضرغام ، معزّ الدين وأهل الإيمان
الزناقي السيد الباي شعبان ، أحد الأتراك الأنجاد ، وأعيانهم الأمجاد ، أيالة
مازونة وغيرها من شرقي المغرب الوسط ، في حدود التسعين وألف بلا شطط.
معركة كدية الأخيار واستشهاد الداي شعبان
فغزى رحمهالله وهران وطالت به معهم الحروب واتصلت عليهم بدولته أعظم
الكروب ، ومنعهم من الخروج ، وضيّق عليهم إلى أن صاروا في أحوج المحوج ، ولازموا
بيوتهم والحصون ، وصاروا لا يفارقون الجواسيس والعيون ، إلى اليوم الذي استشهد فيه
حصل لهم فرج وتنوية وتنزيه. ومن خبره أنه زحف لهم في نحو أربعة آلاف فيهم نحو
الثلاثة آلاف فارس وزحف النصارى مع مردة العرب وشياطينهم من بني عامر وقيزة وغمرة
وكريشتل وغيرهم في أزيد من ثلاثة آلاف فيهم ألف خيل والباقي راجلة. وفي غريب
الأخبار للحافظ أبي راس أن النصارى زحفوا إليه في زهاء أربعة آلاف أكثرهم راحلة
وهو في أكثر من ألف كلهم خيل. قال الحافظ في عجائب الأسفار فكان المصاف في كدية
الخيار وصبر الفريقان ثم انقضت جموع النصارى واختل مصافهم وقد ربط بعضهم نفسه
بالأحبال وربط الآخر نفسه بالأكبال فكانوا غنيمة للمسلمين. وفيئا للموحدين ، فقتل
في تلك الهزيمة أكثر من إحدى عشر مائة ودامت عليهم الهزيمة إلى أن حلّ المسلمون
بقبّة برج العين فاقتتلوا به قتالا شديدا وهزمهم
__________________
المسلمون ثانيا
وهو أمام جيشه المنصور كالأسد الهصور إلى باب وهران فجيء عنده الوطيس وتسابقت
للتقدم الفرسان. وفي تلك المعركة قتل الباي شعبان ، رحمه برحمته الرحمان ، وأمدّه
رضوانه ، وأسكنه بالفردوس ميطانه. وذلك سنة ثماني وتسعين وألف من هجرة من له كل العز والشرف والوصف ، فلقد كان من أسد
الإسلام ، الناصر لأهله على اللئام (كذا) حتى جرى للغاية المحمودة (ص ١٦٨) فأدركها
وأزعج السواكن للأجر / وحركها وكل من عمل في هذا السبيل مطيته رسميا ورملا فله
الأجر لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولا يخيّب لراجيه أملا. ولما قتل بقيت
جثته بأيديهم على وجه التّراب فجزّوا رأسه وعلّقوه بالباب. وقد أخذ المسلمون
الجثّة وتركوا الرأس لما لم يقدروا على الرجوع إليه ، فرأى بعض النصارى باليل (كذا)
النور يسطع عليه فأخبر بطريقهم وحينئذ بعثوه للمسلمين فجعلوه مع جسده في الحين ،
ودفنوه خارج وهران ، وقبره للآن يعرف بقبر سيدي شعبان. وكان على ضريحه قبّة عالية
، ولما سكن بجواره بعض النصارى الآن وملك تلك الأرض هدمها لما صارت بالية. وقال
الحافظ أبو زيد عبد الرحمن الجامعي علي الحلفاوي في قوله الناير ، أنه حمل ودفن
بالجزائر والله أعلم بالمراد ، وإليه الرجعا (كذا) والمعاد. ويقال أن الذي قتله هو
أحد المغطسين أبو نصابية من النصاصيب الذين منهم كل ظالم وفاجر أحد بطون أولاد عبد
الله من بطون بني عامر. وقيل غير ذلك والله أعلم بحقيقة ذلك. وقال الجامعي أيضا
وحدثني بعض من حضر أنه تكسّر في يده يوم الاستشهاد سيفان وأنه لبس أفخر ثيابه
وتحلى بأشرف حليته وركب أجود مراكبه ملأ جيوبه دنانير الذهب افتخارا على العدوّ أن
بقي بأيديهم فوجدوه على تلك الحالة ه. وموته سبب لغزو إسماعيل سلطان المغرب لوهران
إلى هذا أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
ءاخره شعبان
الزناقي حاصرها
|
|
فامتنعت وشمشت
أيما شمس
|
أوطى الفليق
الجرار لأراضيهم
|
|
به هامت دمعهم
من زكا وخس
|
دارت حروب عظام
بينهم قد أتى
|
|
ءاخر أمرها
باستشهاده النفس
|
__________________
ولما مات الباي
شعبان فرح النصارى واشتدت شوكتهم على الإسلام. ورجعوا يغزونهم في البيوت والخيام ،
فغزوا وليّ الله الأكبر ، وقطبه الأشهر سيدي بلاحة المهاجيء وأسروه هو وبناته
الثلاثة ، وخمسين رجلا من زاويته ورجعوا لوهران وبقي بها مع بناته سنة كاملة / ثم
فدى وفدى إحدى بناته أبو عزة بن حميدة (ص ١٦٩) شيخ أولاد سليمان وفدى الأخرى الشحط
والد دموش شيخ أولاد علي فزوجها له أبوها لما رامت تزويجه ولم ينتج منها شيء
لدعائه عليها وبقيت الثالثة بلا فداء فكثر بكاء أمها وأقلقته فخرج يوما لساحة بيته
وتوضّى (كذا) ودعا الله وإذا بها مقبلة فقال لها اخرجي لابنتك فسئلت فقالت إني
أمشط رأسي وإذا بطائر أبيض نقرني وصدّ أمامي فتبعته إلى وطني قاله الحافظ أبو راس
في الخبر المعرب.
ويقال أن سيدي
بلاحة قال لمعلم ولده الزين قبل الواقعة بيوم إذا كان في صبيحة غد خذ الزين وأمه
وأصعد بهما رأس الجبل واجلس هناك للغروب ودعني وبناتي الثلاثة ليقضي الله أمرا كان
مفعولا ففعل المعلم ما أمره به الشيخ فنجّاهم الله من العدو وعدّ ذلك من كراماته
كإتيانه ببينة من الأسر. وولده سيدي الزين هو الذي تنسّل منه جميع أولاد سيدي بلاحة
حيث كانوا.
حملة السلطان إسماعيل على وهران
ولما سمع الشريف
سلطان المغرب مولاي إسماعيل بن علي العلاوي بقتل العرب المتنصرة للباي شعبان
استغاظ غيظا شديدا وجمع جيشا عظيما لا يكاد يسمع بمثله من أقاصي سوس إلى بني
يزناسن وجاء حاركا به على وهران سنة اثنا عشر من الثاني عشر وقيل في أربعة منه وقيل في أوله فنزل بجبل هيدور ونظر
إليها وحطّ كلكله عليها. ووجد حولها القبيل المديم لقتالها ، نجع مخيس أخوة سويد
فاستعان بهم أيضا على نزالها ، فقاتلها مدة وأطال ذلك وبان شرره ولم يجد لها محلا
يلحقها منه ضرره. لمنعها ببرج مرجاجو ، والنصارى بها هاجوا وماجوا ، فعندها صعد
على المائدة ونظرها نظر ليث العريسة ، إذا دفع على الفريسة وعاين أحكامها ومنعها.
وإتقانها وصنعها ، فقال هذه أفعى تحت
__________________
حجر تضرّ ولا تضر
، وارتحل عنها مشرقا يروم المعط ، إلى أن وصل لزبوجة الوسط ، فقامت عليه الأعراب
مع الأتراك إقامة الغضب ، ورجع مفلولا إلى أن وصل في فلّه إلى المغرب وإلى هذا
أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
وبعد ألف ومائة
في نقط يبّ
|
|
جهز إسماعيل لها
أقاصي سوس
|
وأهل تامسنا إلى
أهل ملوية
|
|
ووجدة ومعقل
وبني زنس
|
(ص ١٧٠)
/ فحطّ كلكله عليها معتزما
|
|
على النزال فلم
يجد محلّ بوس
|
قام بهيدور
أياما يحتال لها
|
|
قد استعان بما
حولها من مخيس
|
أعيته حيلتها
حزما ومنعتها
|
|
عقاب جوّ قد
ارتقى من الحرس
|
فقال هذه أفعى
تحت صخرتها
|
|
تضرّ لا الضرّ
يأتي لها من أنس
|
قد حلقت بحرس
غير غافلة
|
|
بل يسمعون حسيس
الآتي كالحسس
|
قائمة الملوك الوطاسيين والسعديين والعلويين
واعلم أن العلويين
الذين منهم مولاي إسماعيل هذا أخذوا المغرب من يد الملوك السعدية وهم من يد بني
وطاس وهم من يد الجوطي وهو من يد بني مرين ، وقد ذكرت المرينيين تفصيلا إلا ما ذهب
عن حفظي منهم. وكون الجوطي خلع آخرهم وتولى بموضعه سنة كاملة. وخلعه بنوا وطاس
فبقي المغرب بأيديهم ثمانين سنة.
وأولهم أبو عبد
الله محمد الشيخ ثم ابنه محمد الغالب ، ثم أخوه المنصور ، ثم آخرهم أبو حسّون.
وتولى ملك المغرب السعدية وأولهم الشريف عبد الله القائم ، ثم ابنه أحمد الأعرج ،
ثم محمد الشيخ ، ثم عبد الله الغالب ، ثم أخوه المنصور أبو العباس أحمد الذهبي ،
ثم ابنه زيدان وحصل بينه وبين أخوته كالشيخ وغيره الخصام ورام كل واحد منهم
الخلافة حسبما ذلك مبيّن في نزهة الحادي ، والمهرة الوردية ، وقام عليه أبو العباس
أحمد بن أبي محلى المساوري. ثم ابنه أحمد بن زيدان ، ثم أخوه عبد الملك بن زيدان ،
ثم أخوه الوليد ، ثم أخوه محمد الشيخ الأصغر ، ثم ابنه أحمد العباس. ثم انتقل ملك
المغرب لأهل الزاوية الدلائية السوسية وهم السيد أبو بكر بن محمد ، ثم ابنه السيد
محمد. وقام عليهم أبو الحسن علي بن محمد السوسي بسوس. وصنوه
أبو حسّون ، ثم
قام عبد الكريم بن أبي بكر الشيباني بمراكش. ثم انتقل ملك المغرب للعلويين. وأولهم
الشيخ الشريف ، ثم ابنه محمد ، ثم أخوه رشيد ، ثم أخوه مولاي إسماعيل ، ثم ابنه
أحمد الذهبي ، ثم أخوه عبد المالك ، ثم رجع الذهبي ، ثم أخوه عبد الله ، ثم أخوه
علي وخلع ورجع عبد الله مرة ثانية ، ثم أخوه المستضيء ورجع عبد الله ثالثة ، ثم /
أخوه زين العابدين وخلع ورجع عبد الله رابعة (ص ١٧١) وخامسة ، ثم ابنه سيدي محمد
بن عبد الله صاحب التئاليف (كذا) العديدة ، ثم ابنه اليزيد ، ثم أخوه مولاي سليمان
، ثم مولاي عبد الرحمن ، ثم ابنه مولاي محمد ، ثم ابنه مولاي الحسن وهو الموجود
الآن. وأتيت بهذا لإتمام دول المغرب الأقصا (كذا).
منشآت الإسبان بوهران
ولما دام الملك
للإسبانيين بوهران بنوا بها البناء المحكم الضخم فبنوا سورها وزادوا في بناء البرج
الأحمر وبرج المرسى وبنوا مرجاج وبرجي رأس العين وبرج المرسى الثاني وبرج الحمارات
والبرج الجديد وبرج الدهان وبرج الويز وبرج فراند وبرج كارلوص. وذكروا أن البرج
الجديد أقامته امرأة نصرانية بتسعين ألف ريال كبيرة من خالص مالها صدقة عليها
ليتقبل الله منها عملها وإنما يتقبل الله من المتقين. وأما برج اليهودي فبناه
يهودي فنسب إليه والبرج الأحمر وبرج المرسى بناهما أبو الحسن المريني لكن النصارى
زادوا فيهما فاتسعت دائرتهما وبرج الإصبايحية بناه الأتراك والقبة التي بالبرج
الأحمر بناهما الباي محمد الكبير بن عصمان ، فاتح وهران ، وما عدا ذلك مما فيه
عظمة البنيان ، فإنما بناه ملوك بني زيان.
ثم غزوا العبيد
الشراقة حذو المقطع في جيش ضخم خرجوا به من وهران ومرّوا على قديل ثم رزيو ثم
الصنهاجي ويقال له الزناقي أيضا إلى أن وصلوا إلى المقطع وانحدروا للشراقة وكان
الخبر تقدم لهم فاجتمع معهم الغرابة وهبرة والبرجية ومجاهر فاختل المصاف على
النصارى ودارت الدائرة عليهم فكان أكثرهم غنيمة للمسلمين ورجع فلّهم لوهران ومن ثم
أتوا بحميان من ملاتة لهذه الأرض التي عم بها الآن ترسا بينهم وبين هؤلاء الأعراش
فكان حميان تارة مذعنين وأخرى ممتنعين.

التحرير الأول لوهران عام ١٧٠٨ م
ثم فيليب الخامس
وولده ألوى الرابع عشر وهو ببطن أمه وتولى سنة سبعة عشر ومائة وألف وبقي في الملك أربعة وعشرين سنة وبقيت وهران كسائر مملكة
إسبانيا تحت حكمه واشتدت شوكة النصارى على المسلمين إلى أن تولى بوقته شريف النسب
، وكثير اللجين والذهب ، إمام جامع المجادة الأزهر ، وبدر مطالع السعادة الأزهر
أبو الفتوحات الربانية القائم في أيالة / محروسة الجزائر (ص ١٧٢) بتصرفات الدولة
العثمانية ، أبو عبد الله محمد خوجة بن علي داي الجزائري الدار ، النكدلي المنشأ
القرشي النجار المعروف ببكداش ، المنصور بالله على النصارى الأوباش ، قدس الله
روحه وبرد ضريحه ، باشة بالجزائر ، التي هي مأوى لكل قاطن وزائر ، يوم الجمعة
منسلخ ذي القعدة الحرام ، سنة ثمانية عشر من القرن الثاني عشر بلا انصرام ، بعد عزل الباشة الذي قبله الشريف السيد حسين
خوجة ، الصائر للأمور المحوجة ، جهّز الجيوش لباي الجهة الغريبة المجتمعة الخالية
الفواتي الموافق لها في سائر الأحوال المواتي أبي الشلاغم مصطفى بن يوسف المسراتي
إعانة له لما هو فيه من الحصار لوهران في جيشه المخصوص به من الترك والعربان لنظر
صهره ورديفه السالم من جميع المحن ، وزيره أوزن حسن فجاء بالجيوش برا وبحرا ،
وخيموا على أرجائها سهلا ووعرا ، في جنة المأوى ورهبة من نار السعير ، وصارت
الجنود البحرية تنزل بمرسى رزيو ثم تذهب لوهران ، فرارا من المانع بالبحر من
المراكب المشحونة بالعديان (كذا) فحاصروا وهران وضايقوها من كل وجه متفق ومتخالف
واشتد القتال وكثر النزال بها مدة والحرب مترادف ، وشوهد للمسراتي في حال الحروب
أمور عجيبة ، وحملات على الأعداء غريبة ، بانت فيهما شجاعته وكفايته وفراسته
وعنايته ولا زالت جيوش الإسلام تحاربها وتنال منها الغنائم والمثوبة والاجراء (كذا)
وتراوحها وتصابحها وتعالجها بالقتال الذريع إلى أن فتحوها عنوة وقهرا ، وذلك
__________________
صبيحة يوم الجمعة
سادس عشرين شوال سنة تسعة عشر من الثاني عشر بعد إقامة النصارى
بها مائتي سنة وخمس سنين في ما اشتهر ، وإلى ذلك أشار الحافظ أبو راس في سينيته
بقوله :
لما أراد الله
عود الإيمان بها
|
|
أقام بالجزاير
مذهب الدّمس
|
محمدا بكداش
أضحى باشتها
|
|
قد فاق الأكفاء
في الدّهاء والرعس
|
جهز أجفنا
بالأتراك مشحنة
|
|
في شرقها نزلوا
في برّها اليبس
|
مدافعا وعرادات
أتانا بها
|
|
أضحى لذلك حزب
الكفر منبئس
|
(ص ١٧٣)
/ في كل حين أوزن حسن يزاولها
|
|
وقائف مصطفى ذو
البأس والفرس
|
ففتحت عنوة في
تسع عاشرة
|
|
من بعد سكنى به
والدين في وكس
|
عاقبة الغدر
للبوار قد قررت
|
|
سنّة ربنا قد
سنّها في جرس
|
أضحت مراتع أمن
للأنام وقد
|
|
كانت لها طيبات
الأنس في دنس
|
قدمه بعد عشر
استقل بها
|
|
بغاية وجدت
كالعدو للفرس
|
حكم الالآه (كذا)
كما قد ترى قدّره
|
|
لو شاء ما
ملكوها عشر النّفس
|
وقال الشيخ الحافظ
أبو عبد الله سيدي محمد التغريري في رجزه ما نصّه :
الحمد لله الذي
فتحا
|
|
وهران عن أيدي
الرجال الصلحا
|
وقهر القوم
الليام الفجرة
|
|
ورفع الإسلام
فوق الكفرة
|
في مدة السلطان
فخر الناس
|
|
أحمد خاقان أبي
العباس
|
من ملك البرين
والبحرين
|
|
ومصر والشام
بدون مين
|
وخادم الحرمين
في طول المدا
|
|
دام انتصاره على
جمع العدا
|
يا سائلا عمّا
بوهران ظهر
|
|
من أخذها وفتحها
كما انتشر
|
أخذها الكفار
الثبات
|
|
فيما رويناه عن
الثقات
|
سنة أربع وعشرة
مضت
|
|
من بعد تسعمائة
قد كملت
|
فمائتان مع خمسة
سنين
|
|
عدة مكثها بأيدي
المشركين
|
ثم بدا العز من
الالآه (كذا)
|
|
وجاءنا الفتح
ونصر الله
|
__________________
ففتحت سنة تسعة
عشر
|
|
ومائة من بعد
ألف تعتبر
|
في سادس العشرين
من شوال
|
|
صبيحة الجمعة خذ
مقال
|
عن يد من قصد
صيّر الجزاير
|
|
جنة كل قاطن
وزاير
|
محمد بكداش فخر
الدولة
|
|
وحسن صهره عالي
الصولة
|
زاد الإلاه لهما
في النصر
|
|
والظفر وافتتاح
أرض الكفر
|
لا زال من
عادهما في الانتقام
|
|
بالقهر والنهب
على طول الدوام
|
ثم الصلاة عن
محمد الأمين
|
|
وءاله وصحبه
والتابعين
|
/ ما جاهد الإسلام في الكفار
|
|
بالقتل والأسر
وأخذ الثار
|
(ص ١٧٤) وقال الحافظ المحقق أبو عبد
الله محمد بن أحمد الحلفاوي التلمساني في رجزه :
إذا جمع الرأي
بأمر حازم
|
|
على الجهاد لم
يعقبه جازم
|
مجهزا جيشا حمى
الدين فساد
|
|
إذ ظهرت به بقاع
من فساد
|
فنهضوا لله حزما
وأعد
|
|
معهم ألة حرب لا
تعد
|
من نحو بارود
وكم من مدفع
|
|
ومنجنيق ما له
من مدفع
|
مؤمرا صهره أوزن
حسنا
|
|
قرما رضى فسار
سيرا حسنا
|
والحازم العارف
باي مصطفى
|
|
وهو من الأقيال
قايف مصطفى
|
ثمّت نادى
بالجهاد في الورى
|
|
مقدّما ما كان
عندهم ورى
|
فسارع الناس له
إذ طلبه
|
|
لا سيما جماعة
من طلبه
|
فنزلوا الأول من
ربيع
|
|
النبوي منسلخ
الربيع
|
في عسكر بيوته
عد مقر
|
|
وتركوا الأثقال
فيه في مقر
|
وقصدوا حصونها
بكل شق
|
|
بزمان تاريخه
يهدّ شق
|
فاجتمع الجيش
بذلك الثغر
|
|
جمعا كبنيان رسا
أو ثغر
|
ونصبت من حولها
مدافع
|
|
للرّمي كل أسد
مدافع
|
ومرعدات كورها
في الجو
|
|
كنجم رمي من
سماه يهو
|
تلمع من خلالها
البوارق
|
|
ووقعها أمضى من
الصّواعق
|
فأجّجوا نار
الحرب سرمدا
|
|
وتابعوها
باعتناء طول المدا
|
فنشروا ما نظموا
من عقدها
|
|
ونقضوا ما
أبرموا من عقدها
|
فكان باكورة ذاك
الفتح
|
|
برج العيون
ضامنا للنّجح
|
عاشر يوم من
جماد الأخرا
|
|
يوم الثلاثاء
مساء قسرا
|
ثمّت حصنها الذي
تقنعا
|
|
بالسّحب واغتال
الأسود ونعا
|
قلعة مرجاجو
التي لو قلعت
|
|
شوامخ الأطواد
ما تقلّعت
|
وإذ دعاها الله
للإسلام
|
|
ألقت له القياد
باستسلام
|
(ص ١٧٥)
/ فأصبحت ترمي العدا بالكور
|
|
سابع عشرين من
المذكور
|
وانحدروا البرج
بن زهو وقد
|
|
حلّ به من نار
حرب قد وقد
|
ضنا به وظنّهم
مانعهم
|
|
فكان من حياتهم
مانعهم
|
سقوا به مرارة
وكم حلت
|
|
عيشتهم به دهرا
قد خلت
|
فأصبحوا خامس
شعبان به
|
|
كقتلى شعبان
نصيح ربّه
|
من بعده لغم هدّ
جل جرفه
|
|
وحصرهم به ينقط
حرفه
|
ثم أتى الجيش
لوهران ولم
|
|
يك مقاتل بها
إلّا ألم
|
وبالجديد برجها
الحام لها
|
|
لم تغنّءالة بها
حاملها
|
ففتحا يوم
العروبة معا
|
|
فتحا أرى في
الأندلس مطمعا
|
بسادس العشرين
من شوال
|
|
أكرم بذاك العيد
في التوال
|
وافتتح الأحمر
في الغد وقد
|
|
رأوا لظى موت
شبيه انتقد
|
وذي حصون عنهم
لم تغن
|
|
وعد ما سور بها
لم يغن
|
وانقلبوا من بعد
ذا للمرسي
|
|
فأصبح الجيش
عليها مرسي
|
واشتدت الحرب
عليها واحتموا
|
|
بالبحر والطود
الذي فيه رسوا
|
فلم يكن لهم من
الله وزر
|
|
بل مكّن الإسلام
منهم ونصر
|
ففتحت من بعد
حرب وعنا
|
|
ورمي مرعدات علج
ذي اعتنا
|
ولغم ببرجها قد
شقّه
|
|
وكان ذاك عام
هدّوا شقّه
|
ثالث عاشر من
المحرم
|
|
لا جعل الله بها
من محرم
|
وانكسرت شوكة من
بالكفر
|
|
يلوذ أوله اعتنا
بأمر
|
ومزّقوا تمزيق
آلاء سباء
|
|
وأصبحوا ما بين
قتل وسبا
|
وأخرجوا بالذل
للأسار
|
|
في عدد كفر صغار
سار
|
وانقرضت دولة ذي
الفسّاق
|
|
والحمد لله
الكريم الباق
|
وانتصف الإسلام
منهم وغدا
|
|
بين قتيل ذي
حياة أبدا
|
وذي حياة لا
يزال للعدا
|
|
سهما بكل مرصد
مسدّدا
|
/ لله من قد صار منهم في الثرى
|
|
ومن أباح النفس
منهم والثرى
|
وقد تعرض بعض
الأدباء البلغاء لوصف المدينة وأبراجها وفتحها ومن فتحها في قصيدة عروبية ملحونية
في غاية الإتقان ومن أرادها فليطالعها في شرح الجامعي لرجز الحلفاوي.
الدولة الثامنة : الترك
ثم ملك وهران
الدولة الثامنة وهم الترك ويقال لهم الأتراك. واختلف في سبب تسميتهم بذلك على
قولين : فقال بعضهم إنما سمّوا بذلك لأنه نسبة لجدهم ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليهالسلام. قال وفي قلبي منه شيء ، وقال ابن هشام في التيجان : إن
أمة من ياجوج وماجوج آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنا (كذا) السدّ بأرمينية
فسموا لذلك بالترك. انظر القسطلاني في السفر الآخر من شرحه للبخاري. وفي كتاب بدء
الخلق عنه أيضا عن قاتدة أن ياجوج وماجوج اثنان وعشرون قبيلة بنا ذو القرنين السد
على إحدى وعشرين وترك واحدة منهم (كذا) فسمّوا بذلك الترك. واعلم أنه لا خلاف في
أنهم من ذية ترك وإليه ينتهي نسبهم وإنما الخلاف في كون ترك ولد ليافث من صلبه أو
حفيده. فقال صاحب الخميس : لترك من ولد ترك بن يافث لصلبه من نوح عليهالسلام فهم إخوة الخزر والصقالبة والتاريس والمنسك وكار والصين.
وقال أبو الفوز السويدي في سبائك الذهب ، والحافظ أبو راس في عجائب الأخبار :
الترك من ولد ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليهالسلام فهم إخوة الفرنج. وقال ابن سعيد المغربي في تاريخه : هو
ترك بن عابر بن شئويل (كذا) بن يافث بن نوح عليهالسلام ، فإخوتهم في يافث : ياجوج وماجوج ، والفرنج ، والخزر ،
والصقالبة ، والتاريس ، والصين ، والكار ، والمنسك ، وغيرهم. وإلى ذلك أشار صاحب
تحفة الطلاب بقوله :
أولاد نوح عليهالسلام
|
|
سام ويافث كذاك
حام
|
عرب فارس وروم
ويهود
|
|
لا غيرهم مّن
نسل سام المقصود
|
(ص ١٧٧)
/ سودان هند نوبة زنج حبش
|
|
قبط وبربر من
حام انتقش
|
صقالبة ترك وأوس
خزرج
|
|
ياجوج من يافث
زد وماجوج
|
نسل الأتراك وسلاطينهم
قال وفي القلب من
كون الأوس والخزرج من ولد يافث شيء ، ويقال للترك ليوث بني آدم في الحروب ، وملكهم
يلقب بالخاقان من أول دولتهم إلى الآن. وهم أمة قديمة عظيمة تضاهي أمة فارس والروم
وغيرهما. وملكهم قديم من عهد الملوك الكينية ولهم بطون كثيرة. فمنهم التركمان أي
ترك الإيمان أسلم منهم في شهر مائة ألف ، والخزر أسلموا على يد حذيفة بن اليماني
صاحب سر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والزط بضم الزاي ، والتتار ، والغور ، وهم الغزو
والفنجاق وهم الفخشاخ ، والقرج على قول والجركس ، والعبلات ويضاف إليهم اللات
والشركس والأزكش والروس والبلغار والبرجان والهياطلة وهم الصغد والصقالبة والأكراد
ورهيل والعثامنة ملوك سلامبول وهو اسطنبول. وذكر السخاوي في الضوء اللامع : أنهم
من آل عثمان ابن عفان واستغربه الحافظ أبو راس والسيوطي ، الصحيح أنهم من ولد
عثمان الغازي من الترك والصول إلى غير ذلك.
ومسكنهم في أقصا (كذا)
المعمور وماوراء النهر إلى الصين والسد الذي بناه ذو القرنين فهم ممتدون من بلخ
إلى الصين ومتوغلون في المشرق وشمال القسطنطينية وبحر نيطش حتى أن منهم أهل جرجان
وخزرجان ودستان وقالي قالا وبردعة وغيرهم ومن تخومهم بخارى وسمرقند. قال القسطلاني
على البخاري : وهم أجناس مدن وحصون وقرى وأهل جبال وبراري. ولما فشا فيهم الإسلام
صار إمامهم في الاعتقاد أبو منصور الماتريدي كالأشعري عندنا وكلهم على هدى من
ربهم. ولم يكن اختلاف بين الأشعرية والماتريدية إلّا في ثلاثة عشر مسئلة (كذا) لا
تؤدي للتبديع فضلا عن التكفير ، منها مسئلة (كذا) ولا يرضى لعباده الكفر هل لعموم
الناس أو للخصوص ، ومسئلة (كذا) التكوين التي أخلّ بها الشيخ السنوسي في كتبه
الخمسة غاية الإخلال وما ينبغي له ذلك. وسبب انتشارهم في الأرض / أنّ جدّ سلاطينهم
المنتمين له وهو عثمان خاقان بين (ص ١٧٨) أرطغول بن سليمان شاه بن قبا ألب بن قزل
بوعا بن يندر خان بن أبقوة تلوغ ابن باينسنقر خان بن باقي ، أو ابن سوغا وجاق بن
توقمتمون خان بن باسوف ابن كوكب ألب خان بن أرغون خان بن قراخان بن أيقوتلو خان بن
توراق خان
ابن قراخان بن باي
سرب خان بن يلواج خان بن باي بك خان بن طغرل خان ابن أي طوغش خان بن كوج بك خان بن
أرتوق خان بن قماري خان بن يكتمور خان بن طورج خان بن قمري خان بن قزل بوغا بن
يماق خان بن باش بوغا خان ابن قاي خان بن حمور مير خان بن يلي سرب خان بن قراجاد
خان بن بالجق خان ابن قرماش خان بن قرة أو غلان خان بن سليمان شاه خان بن قرة خول
خان ابن قوزلوغان خان بن يلي تمورخان بن تورمش خان بن قوي خان بن جين ابن ماجين بن
بولجاس بن ترك بن كومر بن يافث بن نوح عليهالسلام بن لامك ابن متوشلخ بن أخنوح بن يرد بن مهلايل بن قينان بن
أنوش بن شيث بن آدم عليهالسلام. قاله في السبايك كان جده ملكا ببلد ماهان قرب بلخ ولما غزاهم
جنكز خان التتاري وخرب بلخ وأخرج منها سلطانها علاي الدين خوارزم شاه خرج سليمان
شاه من ماهان بخمسين ألف بيت من الترك إلى أرض الروم ومرّ بحلب وعبر الفرات فغرق
بفرسه فيه وأخرج ودفن أمام قلعة سيدنا جعفر بن أبي طالب رضياللهعنه وتفرق من معه وكانت أولاده (كذا) أربعة عاد منهما (كذا)
اثنان للعجم وهما سنقرود ويقدار وتوجه اثنان لبلاد الروم وهما أرطغول وكون دوغذك
وقدما على علاي الدين السلجوقي سلطان قرمان وقونية فأكرمهما وأذن لهما في الإقامة
فاجتمع عليهما طائفة من الغزاة وأذن لهما علاي الدين المذكور في الجهاد سنة ست
وسبعين من السابع فاستقرّا ما بين قرة (كذا) حصار وبلجيك وصار (ص ١٧٩)
الجهاد شأنهما إلى أن مات أرطغول سنة ثمانين / وقيل تسع وثمانين من السابع وخلّف أولادا أمجادا أنجادا أشدهم وأقواهم السلطان عثمان
فلازم الجهاد كأبيه فلقب بالغازي إلى أن تولى على بلاد الروم وانضاف عليه جند
السلجوقي لما ضعف ودخل في طاعته إلى أن تولى موضعه وبقي على الجهاد إلى أن توفي
سنة خمس أو ست وعشرين من الثامن فهذا سبب انتشارهم. ولما توفي السلطان عثمان الغازي الذي
هو أول العثامنة تولى ابنه أورخان يوم موت أبيه وبقي في
__________________
الملك خمسا
وثلاثين سنة وهو الذي فتح بروسيا وجعلها مقر سلطنته وفتح قلاعا وبلادا كثيرة حتى
فاق والده في الجهاد وعاش ثلاثا وثمانين سنة. ثم ابنه مراد بك خان تولى يوم موت
أبيه وهو سنة إحدى وستين وسبعمائة وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وافتتح بلادا كثيرة منها
أدرنة وعاش خمسا وستين سنة وهو أول من اتخذ المماليك وسمّاهم ينكجري ومعناه العسكر الجديد وألبسهم اللباد المثنى إلى خلف وسماه
بركا بضم الباء وسكون الراء آخره كاف وكانت له صولة عظيمة على الكفار. ثم ابنه
يلدرم با يزيد خان ومعنى يلدرم الصاعقة تولى يوم موت أبيه وهو سنة اثنين وتسعين
وسبعمائة وبقي في الملك ستة عشر سنة وقد استولى على قلاع كثيرة
للنصارى وبلادهم وأراضيهم. ثم ابنه محمد خان جلي تولى سنة ستة عشر وثمانمائة وبقي في الملك تسعة أعوام وبذل نفسه في الغزو إلى أن فتح
بلادا وقلاعا كثيرة وبنا (كذا) مدارس وعماير. ثم مراد خان الثاني تولى سنة خمس
وعشرين وثمانمائة وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وقد فتح فتوحات ومهد
الممالك وأفام الشرع والدين. ثم أبو الفتوحات محمد خان بن مراد تولى سنة ست وخمسين
وثمانمائة وبقي في الملك إحدى وثلاثين سنة وهو أعظم سلاطين آل عثمان
وهو الذي فتح القسطنطينية العظمى وجعلها دار ملكه. ثم با يزيد خان الثاني تولى سنة
ست وثمانين وثمانمائة وعاش اثنين وستين سنة وافتتح قلاعا كثيرة وحصونا شهيرة.
وأصابه مرض النقرس فاستولى عليه وهو أكثر مرض آل عثمان إلى أن مات سنة ثماني عشرة
وتسعمائة بعد ما ملك ثلاثا وثلاثين سنة. ثم / ياوز سليم خان الأول
تولى سنة (ص ١٨٠)
__________________
ثماني عشرة
وتسعمائة وبقي في الملك تسعة أعوام ولم تطل سلطنته لكثرة سفكه للدماء وهذه عادة
الله في السلاطين والأمراء والحكام إذا أكثروا سفك الدماء لا يطيل لهم مدة وهو
الذي فتح مصر وأزال الدولة الجركسية وفتح حلب والشام وغيرها من البلاد وجهّز
الجيوش لخير الدين بن المدلية ففتح الجزائر ثم جهّز الجيوش لدرغوث ففتح طرابلس
الغرب. ثم سليمان شاه خان تولى سنة ست وعشرين وتسعمائة وذلك يوم موت والده المذكور وبقي في الملك تسعا وأربعين
سنة وعاش أربعا وسبعين سنة وكان سعيدا ذا خيرات حسان وهو الذي فتح بغداد دار
السلام وعراق العرب وجهز الجيوش لإخراج النصارى من إفريقية وبجاية فأخرجوا وألطف
تاريخ وضع فيه تاريخ العراق. ثم سليم خان الثاني تولى سنة أربع وسبعين وتسعمائة وبقي في الملك تسعة أعوام وكان كريما رؤوفا بالرعية حليما
عفوا عن الجرائم محبا للعلماء والصلحاء محسنا للعلماء والمشايخ والفقراء وفتح
بلادا كثيرة منها جزيرة قبرس وغيرها من البلاد الكبار المشهورة. ثم مراد خان
الثالث تولى سنة اثنين وثمانين وتسعمائة وبقي في الملك عشرين سنة وكان مهابا هماما ، وأسدا ضرغاما
، وهزبرا مقداما. ثم محمد خان الثالث تولى يوم موت والده وهو سنة ثلاث وألف وهو ابن خمسة عشر سنة وبقي في الملك تسعة أعوام وكانت
سلطنته خالية من الأكدار وهو الذي فتح أكرى التي تجيشت عليه النصارى فيها لقتاله بما يزيد على
أربعمائة ألف مقاتل ومنحه الله النصر عليهم فهزمهم إلى أن صار يقتل بعضهم بعضا من
الزخام. ثم ابنه أحمد خان الأول تولى يوم موت والده وهو سنة اثنا عشر وألف وبقي في الملك أربعة عشر سنة قهر جميع الأعداء وله مئاثر (كذا)
حسان في مكة والمدينة لم يسبقه أحد إلى مثلها من آل عثمان وهو الذي أرسل إلى
الروضة المطهرة على صاحبها
__________________
أفضل الصلاة وأزكى
التسليم ، الكوكب الدري الذي لا قيمة له واستولى على بلاد متعددة قيل إلى حد
بروسيا. / ثم مصطفى خان بن محمد خان تولى يوم موت (ص ١٨١) أخيه وهو سنة ستة وعشرين
وألف وبقي في الملك ثلاثة أشهر وخلع نفسه في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وألف وكان من أهل الفضل والعبادة ، والصلاح والإجادة ، لا يلتفت
إلى الدنيا وزهرتها ، ولا يميل إلى زينتها ونضرتها ، متجنبا لها وعنها ، وهاربا
ومستوحشا منها وأجدره بقول الشاعر الأديب الخرير الحاذق البارع الماهر :
لاحت له الدنيا
تريد خداعه
|
|
لاكنّه (كذا)
بغرورها لم يخدع
|
وتزينت لتروقه
بجمالها
|
|
فأبى وطلّقها
طلاق مودع
|
ثم عثمان خان تولى
يوم خلع عمه مصطفى نفسه وهو سنة سبع وعشرين وألف وبقي في الملك خمسة أعوام واستولى
على بغداد وما وراءه وغزى الفرنج وانتصر عليه ثم أراد السفر للحج فقام عليه العسكر
وقتله بخامس رمضان سنة اثنين وثلاثين من الحادي عشر وقال فيه بعض الشعراء :
قضى عثمان سلطان
البرايا
|
|
بأسياف العساكر
والجنود
|
ووافته المنايا
في السّرايا
|
|
مؤرخة كعثمان
الشهيد
|
ثم رجع للمملكة
عمه مصطفى خان بن محمد خان المخلوع مرة ثانية يوم موت ابن أخيه عثمان وبقي على
عادته من رفضه للدنيا كالمرة الأولى وعدم مبالاته بها إلى أن خلع نفسه ثانيا
لشهرين من توليته. ثم مراد خان الرابع تولى بموضع عمّه مصطفى يوم خلع نفسه وهو عام
اثنين وثلاثين من القرن الحادي عشر وبقي في الملك سبعة عشر سنة وعاش ثمانا وعشرين سنة وكانت
له مناقب كثيرة. ثم إبراهيم خان تولّى سنة تسع وأربعين وألف وبقي في الملك
__________________
ثمانية أعوام
وثمانية أشهر وعاش ثلاثا وأربعين سنة وهو الذي فتح جزيرة كريد سوى قلعة منها لم يفتحها لحصانتها. ثم محمد خان الرابع
تولى سنة ثمانية وخمسين وألف وبقي في الملك إحدى وأربعين سنة وخلعه الجنة سنة تسع
وتسعين وألف وتوفي سنة أربع ومائة وألف عن ثلاث وخمسين سنة وله فتوحات (ص ١٨٢) كثيرة.
ثم سليمان خان الثاني تولى يوم خلع أخيه / محمد وهو سنة تسع وتسعين وألف وبقي في الملك ثلاثة أعوام ونصف وتوفي سنة اثنين ومائة
وألف وهو ابن خمسين سنة وبمجرد جلوسه على كرسي المملكة التفت لقتال النصارى فسألوا
منه المهادنة أربعة أعوام فوافقهم على ذلك لاقتضاء نظره الواسع في مصالح المسلمين
ذلك. ثم أحمد خان تولى سنة اثنين ومائة وألف وبقي في الملك أربعة أعوام ونصفا. ثم مصطفى خان الثاني
تولى سنة ستة ومائة وألف وبقي في الملك تسعة أعوام. ثم أحمد خان الثالث تولى سنة
خمسة وعشرين ومائة وألف وبقي في الملك ثمانية وعشرين سنة وتوفي سنة ثلاث وأربعين
من الثاني عشر وهو ابن ستين سنة. وفي وقته فتحت وهران من الإسبانيين الفتح الأول
وذلك سنة تسعة عشر من الثاني عشر على يد باشة الجزائر الشريف السيد محمد بكداش
ووزيره أوزن حسن وباي الإيالة الغربية الجامع بين مازونة وتلمسان مصطفى أبي
الشلاغم بن يوسف المسراتي كما مرّ وإلى ذلك أشار الحافظ أبو زيد عبد الرحمن
الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي بقوله :
وكان ذا في دولة
الإمام
|
|
فخرا الملوك
ضابط الإسلام
|
ملك مصر والعراق
واليمن
|
|
والشام والبرّين
خير مؤتمن
|
__________________
أبي الفتوحات
التي لم تحصر
|
|
كادت تقضي ملك
آل قيصر
|
أحمد خاقان
الهمام المرتضى
|
|
سيف الإله في
الأعادي منتضى
|
لا زال تحت راية
الإقبال
|
|
والنصر والفتح
قرير البال
|
وراجع ما مرّ
للتغريري في رجزه في فتح وهران فهو أول من ملك وهران من سلاطين آل عثمان. ثم محمود
خان الأول تولى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وبقي في الملك أربعة أو خمسة وعشرين سنة توفي سنة سبع
وستين. ومائة وألف وهو ابن ستين سنة. ثم عثمان خان الثالث تولى سنة سبعة وستين
ومائة وألف وبقي في الملك أربعة أعوام. ثم مصطفى خان بن أحمد خان تولى
سنة إحدى وسبعين ومائة وألف ، وبقي في الملك سبع سنين. ثم عبد الحميد الأول خان تولى سنة
ثمانية / وسبعين ومائة وألف وبقي في الملك (ص ١٨٣) ستة عشر سنة كاملة. ثم سليم خان
الثالث بن مصطفى خان تولى سنة ثلاثة ومائتين وألف وبقي في الملك سنة واحدة وعاش ثلاثين سنة. ثم محمود خان
الثاني تولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين وألف وبقي في الملك اثنين وثلاثين سنة وعاش خمسا وخمسين سنة
ونصفا ، وفي وقته انعقدت البيعة للحسني السيد الحاج عبد القادر ابن محي الدين
المختاري المخلص على المغرب الأوسط في يوم الإثنين أو الأحد ثاني عشر رمضان سنة
ثمان وأربعين من الثالث عشر بموضع يقال له الدردارة من أراضي الحشم بغريس التي هي محل
موسم رجال غريس المعبر عنها بالوعدة وخرجت الجزاير عن الأتراك يوم الإثنين أو
السبت
__________________
ثالث أو رابع عشر
من المحرم فاتح سنة ستّ وأربعين من الثالث عشر ودخلت بيد الفرانسيس. ثم عبد الحميد خان بن محمود خان بن
عبد الحميد خان تولى سنة خمس وخمسين ومائتين وألف وبقي في الملك اثنين وعشرين سنة ونصف وعاش تسعا وثلاثين
سنة وكانت بينه وبين الموسكوا حروب كثيرة سجال في سنة إحدى وسبعين من الثالث عشر وأعانه فيها الفرانسيس وذلك شأن الملوك الضخام وءال الأمر
فيها إلى الصلح بين الفريقين انعقد بباريز ثم عبد العزيز خان تولى سنة سبع وسبعين
ومائتين وألف وبقي في الملك خمسة عشر سنة وخمسة أشهر وعاش ثمانا وأربعين
سنة ، وفي وقته كان الإمام أبو الفوز السويدي مؤلف كتاب سبايك الذهب. ثم مراد خان
الخامس تولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف ثم خولع (كذا) لما خولط في عقله سنة توليته ، وسببه أنه
رأى عمه السلطان عبد العزيز قد فصد وقهره الدم وغلبه فمات فجأة (كذا) فاختلط بذلك
في عقله وسلّم في الملك للسلطان عبد الحميد بعد ما ملك ثلاثة أو ثمانية أشهر. وكان
لعمّه عبد العزيز وقائع كثيرة وحروب جليلة لكنه خدعته الوزراء في ذلك ولو لا أن
الله أيقظه لذلك لتلاشا الملك العثماني واضمحل (ص ١٨٤) بالكلية فبادر / للصلح
بغاية الإعزام وانتقم من الوزراء غاية الانتقام. ثم عبد الحميد خان الثاني وهو
الموجود الآن تولى سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف قال شيخنا الزياني في دليل الحيران ومدحه العلامة الأفاندي
أبو الهدى الصيادي في كتابه : قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر
بقصيدة رائية من بحر البسيط مشحونة بجوهر كل معنى وسيط ، فقال :
طاب الزمان وطاب
الوقت والعمر
|
|
بظلّ ركن لديه
الزهر تنحدر
|
ركن الخليفة
سلطان البرية من
|
|
بباب علياه لاذ
البدو والحضر
|
__________________
عبد الحميد إمام
الدين سيدنا
|
|
ومن به أمة
الإسلام تفتخر
|
رئيس جحفل حزب
المسلمين أمير
|
|
المؤمنين حماهم
إن دامت غير
|
مؤدّ حفّه
المولى بواقية
|
|
من العناية يمضي
وفقها القدر
|
كالليث لكن له
عقل مزيته
|
|
عظيمة دونها
الأسد تحتقر
|
أحيا مراسم حين
جاء له
|
|
كالميت كان
تولّى نهبه الضرر
|
فكفّ عنا يد
الأعداء وشيّده
|
|
كأنه لا انقضت
أيامه الخضر
|
من آل عثمان
قادات مآثرهم
|
|
على وجوه اليالي
كلّها غرر
|
رشيد رأي أمين
الطبع معتصم
|
|
بالله مأمون خلق
واثق بصر
|
كنز السياسة
ممدوح الرياسة مصباح
|
|
الفراسة بحر ولم
ينهمر
|
خليفة المصطفى
المختار من شرفت
|
|
بمجد طينته بين
الملا ومصر
|
إذا سال سحاب
الفضل ملتفتا
|
|
لجبر كسر عديم
يخجل المطر
|
وإن أمال عنانا
يوم معركة
|
|
تخاله قدرا في
الخصم ينتشر
|
راياته بحروف
النصر بردتها
|
|
منسوجه وعليها
للرضى طرر
|
وطبله سالم من
كل ناقصة
|
|
ما شأنه عن
معالي أهله قصر
|
أخلاقه ذكرتنا
الراشدين كما
|
|
دلّت على بعضها
الآثار والسّير
|
رشيق عزم رقيق
الفكر قطعته
|
|
لحسن حكمتها
يستسلي الخطر
|
كأنّها سبغت
بالفضل طينته
|
|
ورأيه صاغه في
فكره عمر
|
لا زال مرتفع
الأقدار مبتهجا
|
|
بعزّة وبه
الإسلام ينتصر
|
/ وسمي النصارى الآن ملكهم بالميت
لخروج جل الرعية عن حكمه حتى (ص ١٨٥) لم يبق له إلا طرابلس الغرب وما قارب
الآستانة كما سموا ملك المغرب بالمريض المشرف على الهلاك والأمر لله وحده. فهذا ما
كان من الكلام على ملوكهم وعليهم بالمشرق.
أسباب قدوم الأتراك إلى الجزائر
وأما الكلام عليهم
ببر الجزائر الذي نحن بصدده فاعلم أنه اختلف في سبب مجيء الترك للتملك ببر الجزائر
على قولين : فقال العلامة الحافظ أبو عبد الله محمد بن عسكر الشريف في دوحة الناشر
، والحافظ الشيخ أحمد
بابا في الذيل ،
والحافظ أبو راس في عجائب الأخبار أنّ سبب ذلك هو تغلب النصارى على السواحل ولما
رأى العلامة أبو العباس أحمد بن القاضي الزواوي ذلك كتب لسليم سلطان الترك بذلك
وسأله النجدة والإقدام فبعث للجزائر الباشا خير الدين بن المدلية وشقيقيه عروجا
والإسكندر إسحاق بالجيوش ولما قتل إسحاق بالقلعة وعروج ببني يزناسن تخوّف خير
الدين من الشيخ أحمد ابن القاضي وقتله فمات شهيدا وذلك أول سفكهم للدماء ظلما ببر
الجزائر والقصة شهيرة فلا نأتي بها. وقال الحافظ أبو راس في عجائب الأسفار أن خير
الدين وشقيقيه لما شبّوا في أكمل حالة الرجولية وغاية الشجاعة والعجولية اشتغلوا
بالتجارة ، وتدربوا بالذكاءة والسياسة والجسارة ، ثم عملوا أجفنا للجهاد في البحر
فأذاقوا النصارى شرا ، وقهروهم قهرا ، حتى أن عروجا قطعت يده في بعض الحروب بقرب
بجاية ، لكونها كانت عامرة بالنصارى ولهم بها للمسلمين نكاية فكان هؤلاء الثلاثة
يأتون بالغنائم ويرسّون على مدن الإسلام الساحلية لبيع ما عندهم ويقضوا حوائجهم
الخافية والجالية ، فرسى خير الدين مرّة أسطوله بمرسى الجزائر وقضى مأريه (كذا)
على عادته بالمزايز ، فسأله أهل الجزائر في المبايعة والتملك عليهم ، فأجابهم لذلك
ومال إليهم ، ثم حصل بينهم وبينه كلام فغضب عليهم بالفعل والقول ، وذهب عنهم ولم
يرجع لهم إلا بعد الحول ، فرغبوه ثانيا في المكث والمبايعة لإصلاح الدين ، فقبل
بشرط قتل المفسدين ، فعينوا له جماعة منهم وسألهم التحقيق لإتمام كل خير ، ولم
يزالوا في التعيين بالنقص إلى انحصار الأمر في ثلاثة لا غير ، فصلبهم على السور ،
فهم أول من حكم فيه بالقتل المصطور ، واختلف في وقت مجيئهم على ستة أقوال : فقال :
بعض المؤرخين أنهم جاؤوا سنة تسع وتسعين من القرن التاسع واستولوا على (ص ١٨٦) تلمسان استلاء تاما سنة إحدى /
وأربعين من العاشر ولا يخفاك ضعفه. وقال الحافظ أبو راس في زهر الشماريخ ،
وابن عسكر في الدوحة ، إنهم ملكوا الجزائر في أول العاشر يعني في العام الأول منه . وقال الحافظ عبد الرزاق
__________________
الجزائري أن ذاك
في خمسة عشر من العاشر وبه قال العلامة السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان الشقراني
في تاريخه : القول الأوسط في وقايع المغرب الأوسط. وقال بعضهم في اثنين وعشرين من
العاشر وقال اليفريني في نزهة الحادي أنهم ملكوا الجزائر في ثلاث
وعشرين من العاشر وبه قال الحافظ أبو راس أيضا في عجائب الأخبار ، وأما
الحافظ أبو زيد عبد الرحمان الجامعي في شرحه لرجز الحلفاوي فإنه قال في بضع وعشرين
من العاشر فقد أجمل لأن البضع من الثلاثة إلى التسعة. وقال الحافظ أبو راس أيضا في
موضع آخر من الشماريخ أنهم ملكوها في الخامس والعشرين من العاشر وبه قال الخوجة السيد مسلم بن عبد القادر الحميري في رجزه
حيث قال :
في عام كه من
القرن العاشر
|
|
كان ابتداء
الترك بالجزائر
|
وامتدّ ملكهم
بها كافاوسين
|
|
حتى إذا كمل
الوعد كان البين
|
قائمة الحكام الأتراك بالجزائر
فأول بشاواتهم
بالجزائر حسن خير الدين بن المدلية وسمي بذلك لكون أمه من مدينة يقال لها المدلية ووجه ذلك أن السلطان محمد فاتح القسطنطينية ابن السلطان
مراد أحد ملوك بني عثمان افتتح مدينة في بعض جزر البحر يقال لها المدلية وأنزل
فيها حامية من الترك فبعثوا له أن يأذن لهم في تزويج بنات أهل الذمة من نصارى
جزيرة المدلية فأذن له فتزوج والد السيد حسن خير الدين بامرأة منهم فولدت له عروجا
وهو الأكبر وخير الدين وإسحاق. فخير الدين هو سبب سعادة الترك وانتشار صيتهم
بالمغرب فكان وجهه للصباحة ولسانه للفصاحة ، ويده للسماحة ، وعقله للرجاجة. وكان
بالغاية القصوى في الزهد والورع والإنابة
__________________
والتقوى ، ولم
يقبل الملك حتى قيل له أنه واجب عليك. وكان يرى النبي صلىاللهعليهوسلم في المنام كثيرا وكانت له مكاشفة كثيرة حتى أن البعض من
الناس أراد اغتياله بمداخلة غلام له فكوشف له عن ذلك وانتقم منه في الحين. وحاصل
الأمر أن المؤرخين لهم اضطراب كثير في بشاوات الجزائر ما بين مقلل ومكثر ومقدّم
ومؤخر. فقال الحافظ عبد الرزاق بن محمد بن أحمادوش الجزائري في تاريخه : (ص ١٨٧)
أولهم إسحاق تولى سنة خمسة عشر من العاشر ، / ثم أخوه عروج سنة ستة عشر وتسعمائة.
ثم أخوهما خير الدين سنة اثنين وعشرين وتسعمائة. ولا يخفاك ضعفه لكون الصحيح أولهم
خير الدين كما مر المتولي على الصحيح سنة خمس وعشرين وتسعمائة المتوفى سنة ست وستين من العاشر بعد ما ملك إحدى وأربعين
سنة ثم حسن سنة إحدى وأربعين وتسعمائة. ثم حسن أيضا سنة اثنين وخمسين من العاشر.
ثم صالح سنة تسع وخمسين منه. ثم محمد سنة ثلاث وستين منه. ثم حسن بن خير الدين سنة
أربع وستين منه. ثم أحمد بسطانجي سنة تسع وستين منه ثم رمضان سنة أربعة وثمانين
منه. ثم حسن بن قبطان سنة خمس وثمانين منه. ثم جعفر أيضا سنة تسع وثمانين منه. ثم
رمضان أيضا سنة تسعين منه. ثم حسن أيضا سنة تسعين منه. ثم مامي سنة ثلاث وتسعين
منه. ثم محمد أيضا سنة ثلاث وتسعين منه ، ثم أحمد سنة خمس وتسعين منه. ثم أخضر سنة
سبع وتسعين منه. ثم شعبان سنة تسع وتسعين منه. ثم مصطفى سنة ثلاث وألف. ثم أخضر
أيضا سنة ثلاث منه. ثم مصطفى أيضا سنة سبع منه. ثم حسن أيضا سنة سبع منه. ثم
سليمان سنة تسع منه. ثم أخضر أيضا سنة ثلاث عشر منه. ثم مصطفى أيضا سنة خمسة عشر
منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفى أيضا سنة تسعة عشر منه. ثم حسن سنة اثنين
وعشرين منه. ثم مصطفى سنة خمس وعشرين منه. ثم حسين سنة سبع وعشرين منه. ثم حسن سنة
ثمان وعشرين منه. ثم حسن سنة ثلاثين منه ، ثم حسين سنة اثنين وثلاثين منه. ثم
__________________
مراد سنة اثنين
وثلاثين منه ، ثم أسراف سنة أربع وثلاثين منه. ثم حسن سنة ثلاث وخمسين منه. ثم حسن
أيضا سنة ست وثلاثين منه. ثم أسراف سنة سبع وثلاثين منه. ثم يونس سنة تسع وثلاثين
منه. ثم حسن سنة إحدى وأربعين منه. ثم يوسف سنة أربعة وأربعين منه ثم علي سنة
خمسين منه. ثم محمد سنة اثنين وخمسين منه. ثم أحمد سنة أربع وخمسين منه. ثم محمد
سنة إحدى وستين منه. ثم محمد سنة ثلاث / وستين من القرن الحادي عشر. ثم عبد الله
بلكباش (ص ١٨٨) سنة خمس وستين منه. ثم إبراهيم سنة ست وستين منه. ثم أحمد سنة سبع
وستين منه. ثم إبراهيم سنة تسع وستين منه. ثم خليل بلكباش سنة سبعين منه. ثم رمضان
بلكباش سنة إحدى وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة اثنين وسبعين منه. ثم شعبان آغا سنة
اثنين وسبعين منه. ثم علي آغا سنة ثلاث وسبعين منه. ثم موسى آغا سنة أربع وسبعين
منه. ثم الحاج حسين موزمورط سنة أربع وتسعين منه. وفي نسخة ست وتسعين منه. ثم
مصطفى باشا سنة مائة وألف. ثم شعبان خوجة سنة واحد من القرن الثاني عشر. ثم عمر
سنة اثنين منه. ثم مصطفى سنة ثلاث منه. ثم موسى سنة خمس منه. ثم أحمد أهجي سنة
سبعة منه. ثم حسين شاوش قارة باغلي سنة عشرة منه. ثم علي سنة اثنا عشر منه. ثم
مصطفى أهجي سنة ستة عشر منه. ثم حسين خوجة شريف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد خوجة
بكداش سنة ثمانية عشر منه. ثم كوسة سنة عشرين منه. ثم دالي إبراهيم سنة اثنين
وعشرين منه. ثم أوزن علي شاوش سنة اثنين وعشرين منه وفي نسخة سنة أربع وعشرين منه.
ثم محمد خزناجي أوزن علي سنة ثلاثين منه. ثم عبدي آغا الصبايحية سنة ست وثلاثين
منه. ثم إبراهيم خزناجي عبدي سنة خمس وأربعين منه ثم إبراهيم خزناجي سنة ثمان
وخمسين منه وهنا انتهى كلام عبد الرزاق. وقال صاحب الزهرة النيرة أولهم عروج تولى
في خمس وعشرين من العاشر. ثم أخوه خير الدين سنة سبع وعشرين منه ولا يخفاك بطلانه
مما مرّ. ثم حسن آغا سنة إحدى وأربعين منه. ثم حسن بن خير الدين سنة اثنين وخمسين
منه ثم حسن آغا أيضا سنة ثمان وخمسين منه. ثم حسن بن خير الدين أيضا سنة تسع
وخمسين منه. ثم صالح سنة تسع وخمسين منه وهو غير صحيح والصحيح أنه تولّى سنة ست
وستين منه وفتح بجاية من الإسبانيين عنوة يوم الأربعاء سابع
عشرين شوال سنة
ثمان وستين وتسعمائة كما أن الصحيح أن حسين بن خير الدين تولى سنة سبعين من
العاشر وغزى وهران في سنته وغزى المغرب ورجع من ملوية خائبا كما مرّ. ثم محمد قرطالجي
سنة ثلاث وستين منه. ثم (ص ١٨٩) حسين بن خير الدين أيضا سنة ثمان وستين منه. ثم
أحمد / بسطانجي سنة تسع وستين من العاشر. ثم حسن بن خير الدين أيضا سنة أربع
وسبعين منه وتقدم الصحيح ثم محمد بن صالح سنة أربع وسبعين منه وهو غير صحيح
والصحيح أنه تولى سنة إحدى وسبعين من العاشر وغزى المغرب تلك السنة فدخل فاسا عنوة
يوم الأحد ثاني صفر من سنته. ثم علي العلج الملقب الفرطاس سنة سبع وسبعين منه. ثم
أحمد أعراب سنة تسع وسبعين منه. ثم رمضان سنة اثنين وثمانين منه. ثم حسين قبطان
علي سنة خمس وثمانين منه. ثم جعفر سنة ثمان وثمانين منه. ثم حسين قبطان علي أيضا سنة
تسع وثمانين منه. ثم يونس سنة تسعين منه. ثم رمضان سنة تسعين منه. ثم حسين بن خير
الدين سنة إحدى وتسعين منه ثم مامي سنة ثلاث وتسعين منه. ثم محرم سنة ثلاث وتسعين
منه. ثم مامي سنة أربع وتسعين منه. ثم دالي أحمد سنة خمس وتسعين منه. ثم أخضر سنة
سبع وتسعين منه. ثم الحاج شعبان سنة تسع وتسعين منه. ثم مصطفى سنة اثنين وألف. ثم
أخضر سنة ثلاث من القرن الحادي عشر ، ثم مصطفى سنة ثلاث منه. ثم دالي حسن سنة سبع
منه. ثم سليمان سنة تسع منه. ثم أخضر سنة ثلاثة عشر منه. ثم مصطفى سنة خمسة عشر
منه. ثم رضوان سنة ستة عشر منه. ثم مصطفى كوسة سنة تسعة عشر منه. ثم حسين سنة ثلاث
وعشرين منه. ثم مصطفى خزناجي حسين سنة خمس وعشرين منه. ثم سليمان سنة ست وعشرين
منه. ثم حسين الشيخ سنة سبع وعشرين منه. ثم سليمان سنة ثمان وعشرين منه. ثم مصطفى
حفيد كوسة سنة ثلاثين منه. ثم حسين سنة إحدى وثلاثين منه ثم إبراهيم سنة اثنين
وثلاثين منه. ثم حسين بن إلياس باي سنة اثنين وثلاثين
__________________
منه. ثم مراد سنة
أربع وثلاثين منه. ثم إبراهيم سنة أربع وثلاثين منه. ثم حسين سنة أربع وثلاثين
منه. ثم أسراف سنة خمس وثلاثين منه. ثم حسن خوجة سنة ثمان وثلاثين منه. ثم يونس
سنة تسع وثلاثين منه. ثم حسين الشيخ / سنة إحدى (ص ١٩٠) وأربعين من القرن الحادي
عشر. ثم يوسف سنة أربع وأربعين منه. ثم علي سنة سبع وأربعين منه ، ثم حسين الشيخ
سنة خمسين منه. ثم يوسف قرطالجي سنة خمسين منه. ثم مراد سنة اثنين وخمسين منه. ثم
محمد برسالي سنة اثنين وخمسين منه. ثم أحمد سنة أربع وخمسين منه. ثم عمر سنة أربع
وخمسين منه. ثم مراد سنة ست وخمسين منه. ثم يوسف سنة سبع وخمسين منه. ثم علي أبو صبع
سنة إحدى وستين منه وكانت توليته يوم الأربعاء بعد طلوع الشمس بنحو الساعتين سادس
عشرين صفر ثم عزل وتوفي سنة ثمان وستين منه بعد مدة من عزله. ثم محمد سنة ثلاث
وستين منه. ثم محمد أبو شناق سنة خمس وستين منه. ثم أحمد سنة خمس وستين منه ثم
إبراهيم سنة ست وستين منه. ثم الحاج أحمد سنة ست وقيل سبع وستين منه. ثم إبراهيم
سنة سبع وقيل ثمان وستين منه. ثم علي سنة تسع وستين منه. ثم مصطفى سنة إحدى وسبعين
منه. ثم إسماعيل سنة اثنين وقيل ثلاث وسبعين منه. ثم خليل سنة ثلاث وسبعين منه. ثم
رمضان سنة أربع وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة خمس وسبعين منه ثم رمضان سنة أربع
وسبعين منه. ثم إسماعيل سنة خمس وسبعين منه. ثم الحاج علي آغا سنة ست وقيل سبع
وسبعين منه. ثم محمد سنة تسع وسبعين منه. ثم التريكي سنة ثلاث وثمانين منه. ثم
بابا حساين سنة ثلاث وثمانين منه. ثم حسين موزمورط سنة أربع وتسعين منه. ثم
إبراهيم خوجة موزمورط سنة سبع وتسعين منه. ثم الحاج شعبان خوجة سنة مائة وألف ثم
عمر سنة واحد من القرن الثاني عشر. ثم موسى سنة ثلاث منه. ثم شعبان خوجة سنة خمس
منه ثم الحاج أحمد سنة خمس وقيل ست منه ثم قارة علي سنة تسع منه. ثم حسن شاوش سنة
عشر منه. ثم علي سنة إحدى عشر منه. ثم بابا الحاج مصطفى أهجي سنة اثنا عشر وقيل
ثلاثة عشر منه. ثم حسين خوجة شريف سنة سبعة عشر منه. ثم محمد بكداش خوجة سنة
ثمانية وقيل تسعة عشر منه. ثم دالي إبراهيم باي سنة اثنين وعشرين منه. وهنا انتهى
/ كلام الزهرة النيّرة. ثم بابا علي (ص ١٩١)
سنة اثنين وعشرين
من القرن الثاني عشر. ثم بابا محمد سنة ثلاثين منه. ثم بابا عبدي سنة ست وثلاثين
منه. ثم إبراهيم أفاندي سنة أربع وأربعين منه ثم إبراهيم خوجة سنة ثمان وخمسين منه
ثم محمد سنة إحدى وستين منه. ثم علي سنة ثمان وستين منه. ثم محمد سنة تسع وسبعين منه.
ثم حسين سنة ثلاث وقيل خمس من القرن الثالث عشر. ثم مصطفى سنة اثنا عشر منه ثم
أحمد سنة عشرين منه. ثم علي سنة ثلاث وعشرين منه. ثم الحاج علي شريف سنة أربع
وعشرين منه. ثم محمد سنة ثلاثين منه. ثم عمر آغا سنة ثلاثين منه. ثم الحاج محمد
سنة اثنين وثلاثين منه. ثم علي سنة اثنين وثلاثين منه. ثم حسين سنة ثلاث وثلاثين
منه. وهو آخرهم وعليه قامت الدولة التاسعة كما يأتي.
وكان الباشالار
يأتي على يد الخليفة الأعظم من إسطنبول من أولهم خير الدين بن المدلية إلى عبد
الله بلكباش سنة خمس وستين من القرن الحادي عشر كما مرّ فترك ذلك. وصار الباشالار
تتفق عليه الأتراك ويقيمونه من الجزائر لا غير.
وأول من أقيم من
الجزائر عبد الله بلكباش . ولما فتح مصطفى أبو شلاغم ابن يوسف المسراتي وهران كما
مرّ. انتقل لسكناها من المعسكر فسكنها بأهله وصيّرها دار ملكه فهو أول باياتها
الثمانية الآتي ذكرهم إن شاء الله تعالى واستقر بها إلى أن جاءها العدو السبنيول
مرّة ثانية.
عودة وهران لحكم الدولة السابعة الإسبانية
ثم رجع ملك وهران
للدولة السابعة الإسبانيين (كذا) فملكها سلطانهم ألوى دابوربوا وذلك أنه تولى سنة إحدى وأربعين ومائة وألف وسلم في الملك تلك السنة لابن عمّه فيليب الخامس المار
فبقي في الملك المرة الثانية
__________________
اثنين وعشرين سنة.
وفي السنة الثالثة من توليته وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف جهّز يعني فيليب لغزو وهران جيشا عظيما فدخلوها / عنوة
وذلك بعد موت (ص ١٩٢) الباشا بكداش رحمهالله وفي حياة الباي مصطفى أبي الشلاغم. ولما جاءها العدوّ خرج
لقتاله الباي مصطفى أبو الشلاغم المسراتي في جيش جليل ونشب الحرب معه بمناوشة
قليلة قتل فيه النزر من جيشه واستشهد فيه علي بن مسعود المحمودي الحشمي وحصلت الهزيمة
في جيشه فلجأ الباي إلى بني عامر فخذلوه ولما رأى (كذا) ذلك أخذ أهله وأصحابه
وأسلمها للعدوّ وذهب لمستغانيم فصيرها دار ملكه ومكث بها بعد إقامة المسلمين
بوهران أربعة وعشرين سنة فأخذها النصارى في المرة الأولى بمالها وأهلها وأخذوها في
المرة الثانية بأكثر ما فيها من الأموال ونجت الأنفس. وإلى وقت خروج المسلمين منها
وكم بقوا بها ودخول النصارى لها أشار الحافظ أبو راس في سينيته بقوله :
من بعد عشر وعشر
ثم أربعة
|
|
عادوا إليها قرة
أعين النعس
|
فملكوها بلا
كبير ملحمة
|
|
لاكن في الأولى
بخدعة متحيس
|
فمرّتين ابتاعوها
غير غالية
|
|
كيف يباع ثغر
وهران بالبخس
|
أتوها طورين
انتقدوها عامرة
|
|
وعد عليها إليهم
غير منحبس
|
خلا لها الجوّ
صرفا واطمأنّوا بها
|
|
وقد تخلّت للكفر
جلوة العرس
|
يا له من ثغر
أضحى لها جزرا
|
|
للنائبات والجدّ
منه في التعس
|
مدينة العلم والإيمان
حلّ بها
|
|
ما حلّ بالحصن
من الخبس والخبس
|
من كل شارقة
الإلمام بارقة
|
|
مأتمها عاد
للأعداء كالعرس
|
تقاسم الروم لا
نالت مقاسمهم
|
|
غرّ عقائلها
المحجوبة النفس
|
كانت حدائق
للأحداق مونقة
|
|
فصرخ النصر في
الأدواح بالدحس
|
محى محاسنها طاغ
أتيح لها
|
|
اكتحل السهر لها
مكثر الجوس
|
ما سهى عن هضها
حينا مذ حاربها
|
|
ولا مكثّر
للتواني والنّعس
|
صارت تدور
لناطورا واعدئينا
|
|
وكلّما وعدتنا
فهو في ركس
|
__________________
ولا زال أبو
الشلاغم رحمهالله بمستغانم منذ دخلها إلى أن مات بها فدفن (ص ١٩٣) / بالمطمر
منها وعلى ضريحه قبّة.
عودة إلى تاريخ ملوك إسبانيا
ثم فردينة السادس
تولى سنة ثلاث وستين ومائة وألف وبقي في الملك ثلاثة عشر سنة. ثم كارلوص الثالث تولى سنة
سست وسبعين ومائة وألف وبقي في الملك تسعا وعشرين سنة إلّا أن نصارى وهران من حين
الفتح الأول انكسرت شوكتهم عن الغزو العظيم للمسلمين وعرفوا قدرهم لكن (كذا) رعبهم
لم يذهب من قلوب المسلمين بعد ذلك الفتح فأحرى بعد رجوعهم لها. قال الشيخ الحافظ
المحقق أبو زيد عبد الرحمن الجامعي التلمساني في شرحه لرجز الحلفاوي : كنت وفدت
عقب الفتح بقليل على العالم العلامة الداركة الفهامة ، الدراية النقاد ، سراج
التحقيق الوقاد ، منهل العلوم الأصفى أبي عبد الله سيدي محمد المصطفى القلعي
الرماصي ، تجاوز الله عنا وعنه يوم الأخذ بالنّواصي فوجدته يسكن بأهله ببيوت الشعر
قرب غابة في رأس الجبل يأوي إليهم ليلا ويظل نهاره في دار يطالع كتبه ويقري (كذا)
طلبته فسألته عن ذلك فقال لي كنّا على هذه الحالة على عهد النصارى خوفا منه لأننا
كنا لا نأمن في الدور من أن يصكّونا ليلا فخرجنا لبيوت الشعر ليسهل علينا الفرار
إلى غابة الجبل فنمتنع منهم. فانظر إلى أين بلغ بالمسلمين خوف أولائك الطواغيت ولا
يعرف حلاوة الإيمان إلّا من ذاق مرارة الخوف. ثم أن كارلوص المذكور جهّز جيشا
عظيما في خمسمائة مركب لغزو الجزائر فغزوها سنة تسع ومائة وألف فئ ولاية الباشا محمد فخرجوا ونزلو بإزاء الحراش في البر
وجعلوا ترسا من حطب ولوح وغير ذلك وبنوا برجا في ليلة واحدة يقال له الآن برج
مولاي حسن ووافق ذلك قدوم الباي صالح من قسنطينة للجزائر لدفع لزمة الصوف وهي
محمولة على الإبل فقدم تلك الإبل أمامه وجعلها سورا بين المسلمين والإسبانيين
واجتمعت إليه القبائل والأعراب مع جيش الجزائر فأوقدوا نار الحرب واشتد القتال
وحمى الوطيس
__________________
وبات النصارى
ليلتهم في موضعهم فلما كان قبيل صبيحة يوم الأحد رجعت الدائرة عليهم وهزمهم الله
وكسرت لهم / السفن وفشا فيهم القتل والجراحات (ص ١٩٤) وأثخن فيهم المسلمون إثخانا
عظيما إلى أن علا دمهم على البحر ومات منهم ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى ورجعوا
مغلولين خائبين لم ينالوا خيرا واستشهد من المسلمين نحو أربعمائة جعلت لهم مقبرة
بإزاء عين الربط وبقيت عظام النصارى ماثلة في رمال الحراش أعصرا وقد حضر
لهذه الواقعة المنصور بالله أبو الفتوحات سيدي محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية
وتلمسان ثاني بايات وهران ، بعسكره فظهر من إقدامه واعتنائه مقامات تعدّ من مفاخر
دولته وذكر أنه آخر الأيام. ثم غزوها أيضا سنة سبع وتسعين ومائة وألف فهدموا بالبونبة أزيد من مائتي دار وطلبوا الصلح فلم
يجابوا ورجعوا خائبين. ثم غزوها أيضا السنة التي بعدها فزحف لهم المسلمون في البحر
وردوهم على أعقابهم فرجعوا بلا طائل. ثم جاؤها أيضا سنة تسع وتسعين من القرن
المذكور طالبين الصلح في الحال ، باذلين القناطير من الأموال ، راضيين بدخولها
للتجر لما أيّسوا من الظفر وقدموا في ذلك علجة على عادتهم فانبرم الصلح بينم وبين
المسلمين كل ذلك أيام الباشا محمد دولاتلي مات رحمهالله سنة خمس من القرن الثالث عشر أيام السلطان سليم ابن
السلطان مصطفى العثماني. والحاصل أن الجزائر كانت قبل بنا بلكّين الصنهاجي لها
اخصاصا وكان بنوا مزغنة وأكثر متيجة يؤدون الخراج للإسبانيين ولما بناها بلكّين
الصنهاجي وحصنها بالأسوار وأنزل بها الجيوش قصرت النصارى عن عادتهم ورضوا بدل
الخراج بالبيع والشراء معهم وهم ببرج المرسى الذي بالبحر. ولم يزل خير الدين لما
تولى يحاصره ويقاتله ويصالحه إلى أن فتحه عنوة سنة ثمان وأربعين وتسعمائة كما مرّ وأول غزو النصارى لها بعد استيلاء الأتراك عليها
__________________
سنة خمس وعشرين
وتسعمائة في ثلاثمائة وعشرين جفنا فهزمهم الله بعد ما قتل منهم خلق
كثير يزيد على عشرة آلاف وغزوها مرة أخرى أيام (ص ١٩٥) خير الدين أيضا فهزمهم /
الله وأسر المسلمون نحو الثلاثة آلاف. ثم غزاها الطاغية بنفسه وهو كرلوص شارل
الأول لما استولى المسلمون على بر المرسى بها وذلك سنة ثمان وأربعين من العاشر في زهاء سبعمائة سفينة فبعث الله عليهم ريحا كسّرت لهم
أكثر مراكبهم ومن خرج منهم للبّر قتل حتى أن الطاغية رجع في اثنا عشر مركبا وكل
هذا أيام خير الدين رحمهالله ومرّ الكلام على هذا مستوفيا غاية. ونظير هذه الغزوة غزة
قسطنطين بن هرقل ملك الروم لما أخذت الإسكندرية واستولى عليها المسلمون وعلى
كنيستها العظمى وقد كان المسلمون أخذوها قبل ذلك في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضياللهعنه ثم رجع لها النصارى بعد أول خلافة سيدنا عثمان بن عفان رضياللهعنه فأخرجوا منها وحلف عمر بن العاصي (كذا) ليتركنها كبيت
الزانية تؤتى من كل جهة فلما سمع قسطنطين بهدم حصونها غزاها في ألف مركب في الشتاء
فغرّقتهم الريح كلهم إلّا مركبه نجا لصقلية فأدخلوه الحمام ووثبوا عليه فقتلوه
جزاء له على فعله وغزوه في ذلك الفصل. ثم غزوها سنة سبع وستين وتسعمائة ولم تحصل
لهم فايدة ورجعوا خائبين. ثم غزوها الغزوات الثلاثة المارة وهي سنة تسع وثمانين من
القرن الثاني عشر ثم السنة التي بعدها ثم سنة تسع وتسعين منه وهي ذات الصلح وتقدم
هذا كله مستوفيا .
التحرير الثاني والنهائي لوهران والمرسى الكبير
ثم فردينة السابع
تولى سنة خمس ومائتين وألف وبقيت وهران تحت حكمه وفي وقته جهّز لها من قيّضه الله
لفتحها وأرشده لسعادتها ونجحها الممتطي
__________________
منصة الرضوان
والمشيد رايات الإيمان والباسط مهد العدل والأمان ، الباي السيد محمد بن عثمان ،
باي الإيالة الغربية وتلمسان أتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه سنة خمس
ومائتين وألف من هجرة من حاز للكمال والشرف والوصف ، جيشا حصل له به النصر والسرور
والاطمئنان (كذا) فخرج به من المعسكر قاصدا بحول الله وقوته فتح وهران وقدم أمامه
/ البارود في عدّة صناديق وجعله ذخرا ببرج (ص ١٩٦) شلابي التركي بوادي سيق. ثم نزل
بجيشه بوادي الحمام ورحل منه مرتجيا النصر له من المالك العلام. فنزل بسيق وهو
كالليث الضرغام وارتحل بقصد قتال النصارى بغير الملام. فنزل بوادي تليلات واشتاقت
نفسه لدخول روضات الجنات ثم ارتحل من الغد وهو بفعله كالغانج فنزل بوطاء وادي
الهايج ، واجتمعت عنده الأعراش بالتمكين وجاءه المخزن والنصر بلوح عليه من رب
العالمين. وكان الوقت وقت الحصاد ، والذي فيه تجمع قوت سنتها سائر العباد ،
فتفاوضوا معه في الأمر وتشاوروا ، وتجاوبوا معه في القول وتحاوروا ، وقالوا له يا
نعم الأمير الرأي الذي لنا ولك فيه العزّ المنيف ، أن تدع هذا القتال وتؤخره إلى
وقت الخريف ، لتذهب الناس لجمع عيشها ، وتتفرغ لقتال العدو بجيشها ، فأجابهم بقوله
رأيكم فيه الحكمة والصواب ولاكن (كذا) أنتم ونحن في رأي الأولياء والعلماء أولى
الألباب فهم أدرى بالأمور ، وبإشارتهم يكون الفوز والسرور فبعثوا فورا للولي
الشهير ، بسيدي محمد أبي دية الضرير ، وهو بزاويته بجبل تاسّالة ، فأتوه به في
أكمل حالة لحالة كمّاله ، فاجتمع هو وأعيانه به فشاوروه ، وتردّد القول بينه
وبينهم وحاوروه ، فقا الولي لهم قولته الكاملة أنك لا تفتحها في سنتك هذه وإنما
تفتحها في محرم السنة القابلة. فسّر الباي وفرح واطمأن قلبه وانشرح. وكان الباي
معتمدا على كلام الولي الصوفي سيدي الأكحل ابن عبد الله الخلوفي وكان أبو دية
مأذونا له في الكلام ، ومشهورا بذلك عند الخاص والعام ، حتى صار يقول من أبي دية
الخبّار ، لم يبق من يعط الأخبار. وعند موته باع الولاية لأبي عمامة ، فقام مقامه
في التكلم بأحسن استقامة ، ولما سمع الباي كلام أبي دية ارتحل من حينه ولأمّ عسكر
رجع. وصار يراصد الوقت الذي له أنفع ، ولما دخلت سنة ست من الثالث عشر بالإثبات قدم لفتحها في
__________________
مائة فسطاط إلى أن
نزل بوادي تليلات. وبها جاءه وليّ بهلول من غير خلف من أولياء الله المفتوح لهم
حجاب الكشف وصار يدور في المحلة ويقول يا أمير (ص ١٩٧) المؤمنين / إذا أردت أن
تفتح وهران فجيء لها (كذا) على طريق جنين مسكين ، وكان الجنين ببلاد أولاد علي
قريبا إليه ، فلما سمع الباي ذلك أحضره لديه ، وقال له أيها السيد ماذا نقوله في
مقالك فقال له القول هو ذلك ، وإلا فأيّس من فتحها بتحقيق الخبر ، فساعده الباي
ورجع للمعسكر ثم خرج بمحلته المنصورة ونزل بحمام أبي الحنيفة ثم بالزفيزف وبعده
بالقعدة ، فنزل بجنين مسكين ، وقلبه مطمئن بالفتح آمين ، ثم تقدم لتليلات ، فجاءه
الولي بها بالبشارات قائلا له إنك تفتحها بإذن الله. ويكون لك فيها العزّ والجاه ،
ثم ارتحل ونزل بالضاية ، قبلتها في صحيح الرواية ، ثم ارتحل ونزل عليها وحاصرها ،
وضايقها شديدا وقاهرها. وكان القتال له عليها مترادفا ، والحصار لها من كل جهة
متخالفا ، وحضر لقتاله بها عدد من الطلبة يزيد على الخمسمائة ، رائسهم (كذا) الشيخ
محمد ابن المولود المخيسي المعدد لهم عدد الحيسي ، وفيهم العلامة الأجل ، المازوني
صاحب الحاشية على الخرشي المسمّة بدرة الحواشي ، في حلّ ألفاظ الخراشي ، وقد باشر
هذا الأمير حربها بنفسه ، مدخرا ثواب ذلك لرمسه ، ولم يكن رحمهالله وأدام وجوده ، وخلّد ذكره ووفى معهوده ، إلا في محلته
المعهودة له في سائر الأيام وهي مائة فسطاط ، ولم يمده محمد باشا بمدد يظهر منه في
هذا الأمر النشاط وقد توفي هذا الباشا أثناء الحصار وتولى بعده حسن باشا في صحيح
الأخبار ، فأقرّ الأمور على ما كان عليه ولم يزده حامية إلا ما كان لديه ، حتى فتح
الله هذا الفتح المبين ، الذي أضاء به للإسلام الجبين ، وتبسّم به في الثغر وجه
الدين بعد عبوسه واستبدل النعيم بعد ضنكه وبؤسه ، لا كما وقع للسيد مصطفى أبي
الشلاغم ابن يوسف المسراتي في فتحها الأول المزيل به لكربها ، فإن الباشا محمد
بكداش رحمهالله وجّه له من الجزائر الجيوش لحربها ، وأمّر عليها من عرفت
نجدته ، وظهرت في المضايق شجاعته وشدته ، رديفه ووزيره وصهره وخبيره السيد أوزن
حسن رحم الله الجميع برحمته التي ليس فيها ثبط والأمير (ص ١٩٨) مصطفى فهو / على
محلته فقط. وتحرك لها الأمير محمد في العام الثالث عشر من ولايته ، رايما النجح (كذا)
والتوفيق من الله في عمله وسعايته. ورأيت في بعض
التقاييد أنه من
حين قصدها في العام الخامس. لم يرجع عنها إلى أن أكمل له الأمر بالفتح واندحض كل
جالس. وقد أفرد ابنه الأمير عثمان في هذا القتال ، بمحلة فكثر منها على الأعداء
النّزال وصار الحرب بين الأمير والنصارى سجال. وقد أثخن الطلبة في النصارى إثخانا
عظيما حل به على النصارى التبديد والنكال. يقال في صحيح الحكاية الموذنة للنصارى
بالنكاية. أنّ من شدة قتال الطلبة للنصارى ، تقدموا لهم من غير توان ولا قصارى إلى
أن سبق طالب لنصراني وارتمى على ظهره ، ولم يخش من بأسه ومكره ، بل صيّره لنفسه
مطيّة ، وقال هذا إليّ من الله عطية. وكان الطالب لطيفا ، وفي جسمه نحيفا ، فذهب
به ذلك النصراني وهو على ظهره فارا للمدينة ، وترك القتال وحلّت به الغبينة لم
ينزل الطالب عن ظهره ، ولا حاجة له في نهبه وأمره ، وإنما استخرج من جيبه سكينا
صغيرا وصار يجرحه به تجريحا مترادفا كثيرا ، والنصراني لا يبالي بذلك وقصد به
البلد ، ولما رأى بعض الطلبة ذلك جرى في أثره بالقوة والجد ، إلى أن لحقه فضربه
للعراقيب بالسكين فخر النصراني صريعا وقرب أجله في الحين ، فقتله الثاني واجتزّ
رأسه وأتيا به معا لمحلتهما في غاية الاقتباس ، وكل ما فعلاه فهو لمرءات الناس.
ويحكى أن الطبجية
الذين بمرجاجوا حققوا النيشان بغير اشتباه ، وضربوا بكورهم فسطاط الأمير وهو بوسطه
فكسروا ركيزته ، ونجاه الله ، فجاء أحد الطبجية الذين بمحلة الأمير إلى محل اختاره
وهو في غيظ كبير ، وجعل نيشانا صحيحا نحو المدفع الذي جاءت منه الكورة ، وكوى
مدفعه فذهبت منه بسرعة الكورة ، إلى أن دخلت جوف المدفع الأول فعطّله ونال حالة
مشكورة ، قيل ولم يخدم ذلك المدفع المعطل للآن. ورحل الباي من منزله ونزل بالمبرك
غربي وهران ، ولا زال رحمهالله يحرض النّاس على قتالها ، ويتقدم لفتحها وزوالها فعدل نصره
الله عن طرق عواقبها ، فلم يعتبرها ولم يعبأ بثواقبها ، ولم يلتفت لقول المرجفين
من أنها ذات بأس شديد ، وجند كثير / عتيد ، وأنّ اعتناءه بها فهو (ص ١٩٩) من قبل
اللعب واللهو ، لكونها أمنع بعقاب الجو ، وأن عاقبة أمره معها عدم الظفر بها وقتل
جنده بلا طائل ، لا حصول قوة ونايل ، بل نبذ ذلك كله وراء ظهره ، ولم يعمل إلا
برأيه وأمره ولم يستشر في ذلك أحدا خوفا من تثبيطه وعدم شدته
وتنشيطه ، لما فيه
من رشده ونجحه سوى سيفه ورمحه ، ودام حصاره لها بالقتل ، الصادر منه ومن جنوده ،
وشدة صواعقه ومدافعه وكوره وباروده ، إلى أن فتحها في أوائل المحرم سنة ست من
القرن الثالث عشر بقتاله الذريع ، ودخلها في اليوم الخامس من رجب الفرد ضحى
يوم الإثنين من سنته في فصل الربيع. وقد أقام النصارى بها في هذه المرة الثانية
التي صارت بعد الفتح كالسنة ثلاثا وستين سنة ، وفي الأولى خمسا ومائتي سنة ، ولما
دخلها في ذلك اليوم المبارك ، أناخ بها راحلته ولا له فيها معاند ولا مشارك.
واختلف في كيفية
فتحها على ثلاثة أقوال : قال بعضهم أن الأمير فتحها عنوة ودخلها بعد الزوال. وقال
آخر أنها فتحت بشدّة الزلازل الحالة بها في كل حين ففرّ منها النصارى دون علم من المسلمين ولما ذهب لها
الطلبة ليلا للاختلاس والتجسيس. لم يجدوا أحدا عند أبوابها ولا بها حس ولا حسيس. فتسوروا
عليها من جهة رأس العين ودخلوها ، فوجدوها خاوية على عروشها ثم جالوها مفرقي أحدهم
المنارة ورجع صوته بالأذان. وكان جهير الصوت ذا تطريب وألحان ، فسمع المسلمون ذلك
وتحققوا من الطلبة أنقامهم ، فأتوها والأمير المؤيد بالنصر أمامهم ، فألفوا الطلبة
مقبلين على تلاوة القرآن ، فدخلها الأمير رحمهالله في أمن وآمان.
وقال الحافظ أبو
راس أن أمير المؤمنين السيد محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ، لما ضايق
وهران أشد التضييق ، سأل منه النصارى السلم والتوثيق ، وراودوه عليه فأعطاهم
الأمان ، على أمتعتهم وأنفسهم من غير امتهان ، (ص ٢٠٠) فذهبوا منها وتركوا كل ما
فيها للأمير فأخذه منهم بالقيمة بلا تجميح ، / وقيل تركوها خاوية والأول منهما هو
الصحيح.
قال الحافظ أبو
راس في السينية :
حتى تداركها
الله برأفته
|
|
من بعد ما مضى
لها مدة العنس
|
__________________
بتقليد المغرب
الوسط لعمدتنا
|
|
أضاء شمسه بعد
حالك القلس
|
ملك تقلدت
الأملاك سيرته
|
|
دنيا وأخرى تراه
محسن السيس
|
مؤيد لو رمى
نجما لأثبته
|
|
ولود عاد بلا
لبّ وما احتبس
|
شهم شجاع بحزم
الملك متّزر
|
|
ومرتد النصر وفي
الحلم ذو طخس
|
فملك آل منديل تحت
سلطانه
|
|
قد كان مدّ من
واجر إلى تنس
|
كذاك ملك تجين
في إيالته
|
|
كذا الجدار
القديم المتقن الأسس
|
ملك لآل يغمور
فيه نصرتهم
|
|
كذاك ملك ابن
يعلا اليفريني الرئيس
|
لشعنب ومصاب
مدّت طاعته
|
|
على مسافات شتّى
من أبي الضّرس
|
فمهّد الكل برخص
وعافية
|
|
قد آمنوا كلهم
عواقب الفلس
|
محمد بن عثمان
نجم سعدهم
|
|
رصد من كلّف يصع
ومن سجس
|
مدة ست وسبع من
إمارته
|
|
حلّ بأهل وهران
الويل في التعس
|
عمّر كل مرصد
كان مسلكهم
|
|
بالخيل والراجل
مع حلق العسس
|
طلبة أثخنوا
فيهم وعاثوا فلا
|
|
تفسهم بقيس عبس
ولا بيهس
|
أحيوا مراسم عفت
من شيوخهم
|
|
أحمدا ومحمدا
وابن يونس
|
سنة خمس أتى لها
بكلكه
|
|
جند عظيم ما بين
الشهم والحوس
|
مدافعا وعرادات
أحاط بها
|
|
كأنها بينهم
كحلقة الجلس
|
يكاد يصدع
الشامخات باروده
|
|
رعد سحاب مديم
الصعق والجرس
|
يفني الفناء ولا
تفنى له حروب
|
|
كأنّه من صروف
الدهر لم تيس
|
يشيب من حربه
رأس الغراب ولا
|
|
يشيب رأس نهار
دايم الغلس
|
يسودّ مبيض وجه
لرجاه ـ ولا
|
|
يبيضّ مسوده من
شدة الدمس
|
بنقع خيله ودخان
باروده
|
|
يوم حليمة أو
كرج لأرمنس
|
فحار بطريقهم من
بأسه فرقا
|
|
وقلبه مملوء
بالرعب والوجس
|
/ أخبارها قد طارت في الأرض قاطبة
|
|
لقتنا في
أمدوجات من ورا قابس
|
(ص ٢٠١)
أوبة حجّنا فقلنا هنيئا لنا
|
|
وصلنا حجّ جمع
بالجهاد النفس
|
وجدنا سوسة
والمنستير قد سمعا
|
|
مدينة اللخمي
وجربة مع تونس
|
عدة أشهر الحرب
يساجلها
|
|
طالع سعد له
عليهم بالنحس
|
فطلبوا السلم من
بعد مراودة
|
|
فأعطوا الأمان
على الأمتع والنفس
|
فكانت مدتهم في
هذه كمج
|
|
جرى بذا القلم
قدما في الطّرس
|
هم يخربون
بيوتهم بأيديهم
|
|
فاعتبروا يا
أولي الأبصار والنفس
|
بنوا النضير في
المشر سبقوهم بذا
|
|
فكيف بالروم
بفعل اليهود تس
|
نصارى وهران
تركوها عامرة
|
|
فالحمد لله آمنا
من الهجس
|
بأبي عثمان
وعثمان قد رجعا
|
|
إلينا ما يسلّي
عن أرض أندلس
|
رماهم الله
بالملك أميرنا
|
|
رمية سهم أتتهم
على غير قس
|
أقام أحوالا للأعدا
منوّعة
|
|
بالمكر والكيد
والأنفاض والدسس
|
إلى أن قال :
في خامس الفرد
ضحى يوم اثنينه
|
|
كان الدخول بعون
الملك القدّس
|
سنة ستّ ثم
الحمد لخالقنا
|
|
وصل أيضا على
المنقى من الرجس
|
وقال في بقائهم
بها في الأولى كما مرّ :
ففتحت عنوة في
تسع عاشرة
|
|
من بعد سكنى؟؟؟
والدين في وكس
|
ولما اصطلح الأمير
محمد بن عثمان مع نصارى وهران ، على رفع القتال (ص ٢٠٢) / عنهم يخرجون منها في
أمان ، صاروا يخربون بنيانها بالألغام. نكاية منهم للمسلمين بالاحتكام ، كفعل بني
النضير أحد فرق اليهود الذين بإزاء المدينة المنورة ، لما عزموا على الجلاء
بالمشتهرة لما حاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم تسليما ، وشرفه وكرمه تشريفا وتكريما.
ثم أن وهران لما
منّ الله تعالى بمنه وفضله على المسلمين بفتحها من الإسبانيين بالبيان ، على يد
الأمير المؤيد بنصر الله السيد محمد بن عثمان ، باي الأيالة الغربية وتلمسان ، طار
خبرها للمشارق والمغارب وحصل السرور للمسلمين الأباعد والأقارب ، واستبشروا بالفوز
والربح والنجح والحبور ، «وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إنّ ربنا لغفور
شكور».
من اخترع البارود؟
قال شيخنا الزياني
في دليل الحيران واختلف في أول من عمل البارود على ثلاثة أقوال. فقيل اخترع ببر
الصين في الزمان القديم ونقله المسلمون عنهم
لهذه الأماكن وقيل
اخترعه الروم لما نزلوا بقرب تونس لأخذها في سنة تسع وستين وستمائة وقيل أحدث في نيف وستين وسبعمائة أحدثه حكماء المسلمين وهو المشهور وذلك أن حكيما كان يعالج
صنعة الكيمياء فعالج ذلك ففرقع له فأعجبه فاتخذه لآلة الحرب وهو قول الحافظ
البناني في حاشيته على الزرقاني في باب الذكات والحافظ أبي راس في كتبه والحافظ
الرباصي علي العمل الفاسي. وأما المدافع والبنادق فأحدثهم النصارى بإسبانيا
وإفرانسا سنة أربعين وسبعمائة.
تتميم لملوك / الإسبانيين
(ص ٢٠٣) ثم ززاف
الفرانسوي صنو سلطان الفرانسيس (كذا) نابليون بونبارت (كذا) تولى سنة خمس وعشرين
ومائتين وألف وبقي في الملك خمس سنين. ثم فردينة السابع تولى مرة ثانية
سنة ثلاثين ومائتين وألف وبقي عشرين سنة. ثم إيزابلة الثانية تولت سنة خمسين
ومائتين وألف وبقيت في الملك خمسا وثلاثين سنة. وفي سنة ست وسبعين
ومائتين وألف جهزت جيشا لغزو تيطاون بهذه العدوة من المغرب الأقصا (كذا)
فحصل بينهم وبين المسلمين قتال ذريع ثم استولوا عليها وبقوا بها نحو ثلاثة أشهر ثم
خرجوا منها مختارين على أخذ مال معيّن من سلطان المغرب. ثم صار حكمهم للجماعة
الجمهورية الشورية بينهم سنة خمس وثمانين ومائتين وألف وبقوا على ذلك سنتين. ثم
أمادى تولى سنة سبع وثمانين ومائتين وألف وبقي في الملك
__________________
ثلاثة أعوام. ثم
رجع حكمهم جمهوريا أيضا مرة ثانية سنة تسعين ومائتين وألف وبقوا عليه سنتين أيضا. ثم الفونص الثاني عشر وتسمّيه (كذا)
المسلمون الفنش تولى سنة اثنين وتسعين ومائتين وألف وبقي في الملك عشرة أعوام ومات ملكا. ثم ابنه الفونص
الثالث عشر تولى يوم موت أبيه وهو عام اثنين وثلاثمائة وألف وهو طفل صغير في كفالة أمه فهي المديرة لحكمه وهو الموجود
الآن في الملك والله يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
قائمة أباطرة الرومان
(ص ٢٠٤) / وجملة
ملوك الروم المشتهرين قبل الإسلام إلى أن ظهر الإسلام ، ستة وخمسون ملكا. وأول من
اشتهر منهم غانيوس ثم يوليوس ثم أغسطس وأصله بشينين معجمتين ثمّ عرب بسينين
مهملتين ولقبه قيصر ومعناه بلغتهم المبقور عنه لأن أمه ماتت بالطلق فأبقر عليه
وأخرج فلقّب بقيصر وصار لقبا لملوك الروم وكان يفتخر به فيقول إني لم أخرج من
الفرنج كغيري ثم طيباربوس ثم غانيوس ثم قلوذونس ثم نارون ثم ساسيانوس ثم طيطوس
وملك سبعة أعوام وغزى اليهود وأسرهم وباعهم ثم ذو مطينوس ثم نارواس ثم طرايانوس
وقيل غراطيانوس ثم إذريانوس ومات مجذوما ثم أنطونينوس الأول ثم مرقوس وقيل قوموذوس
وشركاؤه في المملكة ثم قوموذوس وخنق نفسه فمات بغتة ثم فرطنجوس ثم سيوارس ثم
أنطونينوس الثاني ثم الإسكندروس ثم مكسيمينوس ثم غورذ بانوس ثم دقيوس ويقال له
دقيانوس ثم غاليوس ثم علينوس ولريانوس وقيل اسمه ولوسينوس ثم انفرد ولريانوس
بالملك ثم قلوذيوس ثم أردفاس وقيل أورليانوس ومات بصاعقة ثم قلرونوس ثم قاروس ثم
دقيطيانوس وهو آخر عبّادة الأصنام من ملوك الروم ثم قسطنطين المظفر ومات تابعا
لدين المسيح عليهالسلام بعد ما ملك إحدى (ص ٢٠٥) وثلاثين سنة في منتصف سنة ست
وعشرين وستمائة / للإسكندر ولما مات انقسم
__________________
ملكه بين أولاده
الثلاثة ، وكان الحاكم عليهم منهم قسطس ثم لليانوس وارتدّ إلى عبادة الأصنام وقاتل
سابور ذا الأكتاف وانتصر عليه ثم قتل في أرض الفرس بسهم ثم يونيانوس واصطلح مع
سابور ذي الأكتاف ثم والنطيانوس ثم أنونبانوس ثم خرطيانوس ثم ثاودسيوس الكبير ثم
أرقاذبوس ملك بقسنطينة وشريكه أوثوربوس برومية ثم ثاوذسيوس الصغير وفي أيامه غزت
فارس الروم وانتبه أصحاب الكهف من كهفهم ثم مرقيانوس ثم والطيس ثم لاون الكبير ثم
لاون الصغير ثم زبنون ثم اسطيثيانوس ثم يسطينينوس الأول ثم يسطينينوس الثاني ثم
يسطينينوس الثالث ثم طبريوس الأول ثم طبريوس الثاني ثم ماريقوس الأول ثم ماريقوس
الثاني ثم قوقاس ثم هرقل عظيم الروم واسمه بالرومية أراقليوس وكانت الهجرة النبوية
في السنة الثانية عشر من ملكه وهو الذي بعث له النبي صلىاللهعليهوسلم مع صاحبه دحية الكلبي رضياللهعنه كتابه يدعوه إلى الإسلام وأتيت بهذا استطرادا تتميما
للفائدة في ملك الروم .
عودة وهران لحكم الدولة الثامنة التركية
والألقاب والرتب التركية
ثم رجع ملك وهران
للدولة الثامنة وهي دولة الترك فملك وهران منهم الأمير المنصور / الأسد الهصور ،
وثاني بايات وهران الثمان ، المجاهد في سبيل الله السيد محمد (ص ٢٠٦) ابن عثمان ،
باي الإيالة الغربية وتلمسان ، بعد فتحها من أهل التثليث والأوثان. اعلم أن الباي
عند أتراك الجزائر لقب لمن ولّي أحد الإيالات الثلاث وهو : تلمسان ، وتيطرى ،
وقسنطينة فقط. والباشا لقب للذي يولّي البايات الثلاث ولذا يقال له باشا باي وباي
البايات ودولاتلي قال الحافظ أبو عبد الله محمد الصغير اليفريني في كتابه نزهة
الحادي : ومعنى الباي بلغة الأتراك قايد القياد ويختص به قايد الصبايحية. ولما
يعظمونه يقولون له الباي لار. وقال الحافظ أبو راس في
__________________
الخبر المعرب :
والباي هو الذي يوليه الباشا ناحية كبيرة في عرفنا. والحاصل أنّ أمراء الإسلام
أعلاهم رتبة الخليفة وقد انقطع هذا الاسم أوائل القرن العاشر. ثم السلطان وهو
الموجود الآن في إسطنبول والمغرب الأقصا. ثم الوزير وهو المتولي الحروب بإسطنبول.
ثم الباشا وهو الذي يوليه السلطان قاعدة كبيرة كالجزائر وتونس وطرابلس ومصر والشام
وبغداد في عرفنا الآن. ثم الباي وهو عندنا من يولّيه باشا الجزائر جهة مخصوصة مثل
قسنطينة ، والمغرب الأوسط وغير ذلك. ولار بمعنى جميع ومن ذلك يولضاش لار فيولضاش
بمعنى الجندي ولار بمعنى الجميع. ودأب العجم إضافة المضاف إليه للمضاف عكس العرب
لأن (ص ٢٠٧) معنى هذه الكلمة بالعربية جميع يولضاش. والانقشرية /. العسكر الجديد
وذلك أن السلطان مراد بن أورخان بن عثمان خان الخاقاني اتخذ مماليك سنة إحدى وستين
وسبعمائة فسمّاهم بهذا الاسم فهو أول من سمى به والرأي بمعنى
الراءيس (كذا) والأودباشية لار الواحد أودباش ومعناه رايس الدار على عادتهم في
الإضافة فلفظ أود هي الدار وباش هي الرايس. وأعلا منه البلكباشية. فالبلك اسم
الجماعة والباش الرايس كما مرّ ومعناه رايس الجماعة. وأعلا منه آغا. ومواطن الباي
ثلاثة :
بايليكات الجزائر وأقسامها
أولهم باي تيطرى
وهو أكبر البايات اسما لأنه أول من ولته الدولة التركية بذلك المحل. وقاعدته
المدية. وثانيهم باي الشرق يعني الجهة الشرقية وقاعدته قسنطينة. وثالثهم باي الغرب
يعني الجهة الغربية.
بايليك الغرب الوهراني وعواصمه وباياته
وفي الحقيقة أنه
هو الثاني في المرتبة لكون الترك تولوا على الجهة الغربية وجعلوا فيها باي قبل
الجهة الشرقية. وقاعدته وهران. وهذا الثالث كان منوّعا على نوعين أحدهما مازونة
وأول باياتها حسن بن خير الدين باشا وسلم في
__________________
وظيفة. ثم أبو
خديجة ، ثم صواق ومات مسموما من سم سقته له زوجته. ثم السايح وبقي في الملك إحدى
عشر سنة ومات. ثم ساعد. ومنه إلى محمد ابن عيسى تولى بمازونة عشرة بايات وذهب عن
حفظي ما تعلّق به منهم. ثم محمد بن عيسى وهو السادس عشر من باياتها. ثم شعبان
الزناقي الذي توفي بالجهاد في وهران. وثانيهما تلمسان ولم يبق بحفظي من باياتها
إلا عصمان ، ويوسف / المسراني. ثم جمعا في الثامن وتسعين وألف لواحد وصارت القاعدة (ص ٢٠٨) قلعة بني راشد ، ثم صارت
المعسكر ، ثم صارت وهران في الفتح الأول ، ثم صارت مستغانيم ، ثم صارت المعسكر ،
ثم صارت وهران في الفتح الثاني واستمر الحال على ذلك إلى انقطاعهم.
طبيعة حكم البايات وموظفوهم ونوابهم
ولبايات هؤلاء
القواعد الثلاث التصرف المطلق في الرعية العربية بكل وجه من القتل والقطع والضرب
والسجن والعقوبة بالمال المسمّة (كذا) بالخطيّة إلى غير ذلك دون متعرّض لهم في شيء
، ولا يقدر الباي على قتل أحد من الأتراك إلّا بمشاورة الباشا بالجزائر ولما يؤذن
له في قتله ويقتله يقال فيه أنّ الباي قد اشتراه من الباشا. وللباي خليفتان من
الترك أحدهما ينوب عنه في الخروج للرعية بالجهة الشرقية خاصة لأخذ مال الدولة منها
ويتصرف فيها بما شاء على إرادة الباي وفي القدوم إلى الجزائر عند الافتقار ويقال
له خليفة الشرق. والآخر ينوب عنه في قاعدته بالجلوس على الكرسي إذا غاب الباي في
الرعية أو حالة الدنش ويقال له خليفة الكرسي. وله كاتبان عربيان يكتبان له جميع
الأوامر والنواهي أحدهما كاتب السر وهو الكبير ويقال له باش تافتار ، والآخر يكتب
الرسايل ويسجلها إلى غير ذلك وهو الصغير. وله وزيران من العرب أحدهما كبير وهو من
أعيان الدواير ويقال له قايد آغا وعلى يده ما سوى المدن والزمالة والغرابة ومجاهر
وفليتة ورعية خليفة الشرق واليعقوبية فله دايرة كبيرة. والآخر صغير وهو / من أعيان
الزمالة ويقال له قايد كبير وعلى يده الزمالة (ص ٢٠٩)
__________________
والغرابة
واليعقوبية ومجاهر وحميان فله دايرة صغيرة لكون آغا على يده الدواير وبني عامر
وجميع الجهة الغربية إلى وجدة ما عدا تلمسان وحوزها كما على يده بني وعزان وأولاده
الميمون وأولاد بالغ وبني مطهر والجعافرة الغرابة وساير الحشم ورزيو وبني شقران
والبرجية جبلا ووطاء وزدامة والحوارث وخلافة وفرندة والكسانة والأحرار في بعض
الأحيان وأولاد الشريف وأولاد الأكرد وأولاد خليف وساير سويد وأولاد عايد وأولاد
عياد وبني أمديان وساير من بالجبال. وحاصله أنه يمتد حكمه إلى ثنية الحد فله دايرة
كبيرة بخلاف قايد الزمالة فله الخمسة الأعراش المذكورة. ولا آغا الدواير مشورة في
رعية خليفة الشرق وهذا المنصب لا يتولاه من الناس إلّا من كان من أبناء البيوت
الكبار المتأهلين له غاية التأهل. ومن جملة الأعيان المعتمد عليهم في ساير الأمور
، ويشترى من الباي بمبلغ وافر من المال وكان قبل أن يتولاه المزاري يبلغ عشرة آلاف
فرنك بل ريال أو عشرة ماية شك من الراوي ولما تولاه المزاري أبلغه إلى عشرين ألفا
أو عشرين مائة شك منه أيضا. وهاذان (كذا) الوزيران هما الذان (كذا) يقبال (كذا)
دعاوى العرب وشكاياتها كل فيما يليه ثم يعرضانها على الباي للتنفيذ ولهما مدخل
عظيم في ذلك فلا بد للباي من مشاورتهما كل فيما يليه وتارة يجمعهما للمشورة. وله
ثمانية شواش أعوان أربعة من الترك ولباسهم مخالف للباس شواش الباشا فهم عند الباي
كسائر العسكر لكون خدمتهم ليست موظّفة من عند الباشا وإنما هي موظفة من عند الباي
خاصة فله أن يأخذ من شاء (ص ٢١٠) لقطع الرأس ونحوه. ويسمون شواشا ما داموا / في
الخدمة لا غير. وأربعة من العرب للتقديم والتأخير وضبط أحوال الباي وأموره ويقال
لهم شواش بني عرب وله سبعة طبول وغوايط وناغرات وعدة سناجيق يحملهم معه حال ركوبه
وله فسطاط كبير جدا يقال له الوتاق يحمله اثنا عشر جملا فضلا عن البغال. والمتولي
أمور داره يقال له قايد الدار وأمور سلاقه يقال له قايد السلاق ، وأمور سبسيه يقال
له قايد السبسي ، وأمور ظليلته يقال له قايد الظليلة وأمور كرسيه يقال له قايد
الكرسي ، وأمور طابعه يقال له قايد الطابع ، وأمور جنانه ومنزهه يقال له قايد
الجنان ، وأمور مكاحليته يقال له قايد المكاحلية ، وأمور خزنته يقال له خزندار
وخزناجي ، والقاطع للرأس بأمره يقال له طزبير إلى غير ذلك.
كيفية حمل الدنوش إلى الجزائر
وللباي شرط في
الدخول للجزائر في كل ثلاث سنين إن لم يكن به عذر من مرض ونحوه وإلّا بعث خليفة
الأول وهو خليفة الشرق عوضا عنه ويسمى هذا الدخول بالدنوش وسببه في كل ثلاث سنين
الإعطاء لمال الدولة بيد الخزناجي والإعطاء للعوايد الجارية وفي يوم دخوله يقع
المهرجان العظيم بالجزائر تخرج فيه أكثر الناس من البلاد لملاقاته والتفرج في ذلك
المهرجان وصفته : أن الباي إذا قدم للجزائر لما يبقى بينه وبينها مسافة سير الاربع
سوايع (كذا) ينزل في محل معزولة (كذا) يقال له حوش الباي ومنه يقدم للجزائر فيصل
قبل الفجر لمحل يقال له عين الربط فينزل به إلى ارتفاع النهار وانفتاح الأبواب
فيركب أرباب الدولة من الخزناجيات والأغوات وخوجة الخيل والديوان وغيرهم ويخرجون
للقائه ومعهم نوبة الباشا تضرب عليهم فإذا وصلوا لقربه ركب / الباي (ص ٢١١) ومن
معه تحت الألوية والرايات وتضرب نوبته ويتوجه نحوهم ولما يقرب منهم تسكت نوبته
وتبقى نوبة الباشا تضرب ثم ينزل الباي ومن معه على خيولهم ويمشي خطوات ثم ينزل
الخزناجي ومن معه ويسلم كل فريق على صاحبه ويجلسون في محل مرتفع هناك فتتسابق
الخيل في جريها أمامهم عليها فرسانها ويضرب البارود ويسمى هذا بالملعب واللعب ثم
يركبون جميعا ويقصدون الباشا ومن حين الركوب يشتغل الباي بتفرقة الدراهم ورميها
على رؤوس الناس الواقفين يمينا وشمالا إلى أن يصل لمقر الباشا فينزل ويدخل على
الباشا فيحييه بأحسن التحية ويؤدي له الطاعة بالمبايعة ويجلس هنيئة معه ثم ينصرف
للمحل المعد من طرف الدولة لنزول الباي فينزل به ثم يباشر خدمته وكيله المقيم
بالجزائر المسمى بوكيل الباي وتلك الرتبة لا تعطى إلّا لمن كان هو أهل لها فتأتيه
في يومه الأول الأطعمة بما يتبعها ثم يشتغل في اليوم الثاني بتوزيع العوايد
الجارية فأول ما يبدأ به الباشا فإذا كان باي الشرق فإنه يدفع بعد مبلغ وافر من
المال ، البرانس ، والحياك ، والمصوغ ، وإذا كان باي الغرب فإنه يعطي بعد وافر
المال ، العبيد والإيماء ، والحياك ، وريش النعام ، وبيضه ، والزرابي ، القلعية ،
ثم يعطي لأرباب الدولة وأصحاب المناصب حتى الشواش وغيرهم عوايدهم. وبعد دفع
العوايد اللازمة وغيرها تضيفه أرباب الدولة وأكابرها ويعطي فيها مالاءاخر (كذا)
لخدام المحل على
سبيل الإكرام زيادة على ما يدفعه للخزنة ويمكث في البلد (ص ٢١٢) ثمانية أيام لا
غير ويرجع لمحل عمله وإذا خرج للرجوع لأهله فإنه لا يخرج / معه من أرباب الدولة
إلّاءاغا لا غير فيشيعه على مسافة نحو الساعتين والثلاث ويرجع عنه بعد أن يدفع له
في تشييعه قدرا جليلا من المال إكراما له. ثم إن الباشا إذا أراد قتله يبعث له من
يقتله بمحل القتل وكذلك إذا أراد قتله قبل لقائه فإنه يبعث له من يقتله في الطريق
قبل الوصول بحسب ما اقتضاه أمر الباشا من خنق وغيره. ولا يتولى باي ، أو خليفته ،
أو قيادة المدينة ، أو المرسى ، أو فليتة ، إلّا من كان تركيا أو قرغليا.
أقسام بايليك وهران الستة
ولباي وهران في
دائرته تقسيم : فالقسم الأول المرس يكونون على يد قايد المرسى وهو أعلا (كذا) رتبة
من سائر القواد لكون وسق البحر على يده مدخولا ومخروجا وعلمه بمن يأتي من
الأفاقيين وغيرهم واطلاعه على إتيان العدو للاختلاس. والقسم الثاني دائرة آغا
الدواير غربا وبحرا وشرقا وقبلة. والقسم الثالث دائرة قايد الزمالة وهي الأعراش
الخمسة المارة. والقسم الرابع دايرة خليفة الشرق وذلك من مينا إلى انتهاء رعيته
وهران شرقا وبحرا وطاء (كذا) وجبالا ومخزنه المكاحلية وأولاد سيدي عريبي ومن انخرط
في سلكهما من أهل الفضاء وغيرهم نائبة له كما أن ما عدا الدواير والزمالة والغرابة
والبرجية نايبة للأكابر وهم رؤساء الدواير والزمالة وغيرهم من أعيان الدولة
المخزنية بوهران.
والقسم الخامس
المدن كوهران وتلمسان والمعسكر والقلعة ومستغانيم ومازونة وأحوازهم وهؤلاء على يد
قايد البلد ، وتحته شيخ عرفي يقال له شيخ البلد. والقسم السادس فليتة وهم على يد
قايد فليتة ، ومن يتولى قيادة فليتة وتلمسان فإنه يسوغ له أن يتولى بايا إذا كانت
له إعانة بالجزائر.
الباي مصطفى بوشلاغم المسراتي
(ص ٢١٣) وأول
بايات وهران مصطفى أبو الشلاغم / ابن يوسف بن محمد ابن إسحاق المسراتي الذي جمع له
في توليته بين الإيالة الشرقية والغربية تولى
بايا على مازونة
وتلمسان فهو أول من جمعت له الإيالة الغربية بتمامها سنة ثمانية وتسعين وألف ونقل كرسي المملكة من مازونة وتلمسان معا للقلعة ، ثم
للمعسكر ، وجعلها قاعدته لكونها وسطا بين مازونة وتلمسان. ولما غزى وهران وأمدّه
الباشا السيد محمد بكداش بالجيوش العديدة لنظر وزيره أوزن حسن وفتحها عنوة صبيحة
يوم الجمعة السادس والعشرين من شوال سنة تسعة عشر ومائة وألف نقل كرسي المملكة من المعسكر لوهران فسكنها بأهله وجعلها
قاعدة ملكه. وبنا (كذا) بها وقيل بمستغانيم قبّة جليلة وروضة جميلة ، في آخر (كذا)
شعبان سنة ست وعشرين ومائة وألف وحبّسها للدفن على عقبه وعقب عقبه وكتب فيها اسمه
وتاريخ بنائها وتحبيسها بما نصّه : حبّس هذه القبّة المباركة والروضة المرونقة
أمير المؤمنين ، العاشق المحب في سيد المرسلين ، الباي مصطفى بن يوسف محي الدين
رزقه الله كمال اليقين ، وأفاض عليه من كرامة الصالحين ، آمين يا رب العالمين على
عقبه وعقب عقبه بأن لا يدفن فيها غيرهم ومن بدّل أو غيّر فالله حسبه ويتولى
الانتقام منه وأتممت وكملت هذه القبّة على يد المعلم أسطى أحمد أعراب الجزائري
بتاريخ أواخر شهر الله شعبان عام ستة وعشرين / ومائة وألف ثم هاتين البيتين من
الرجز :
يا داخل القبّة
الله يرعاك
|
|
أبشر بما ترجه
من خير مولاك
|
وكتب لهذه
الأسطار
|
|
أسطى أحمد صفه
بالنجّار
|
وعلى القول بأنه
بناها بمستغانيم فهي التي بمدينة المطمر من مستغانيم وهي التي دفن بها لما مات. ثم
بنا (كذا) الأقواس التي بالبلانصة من وهران وكتب عليها اسمه وتاريخ البناء بما
نصّه : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيء بعده ، أمر ببناء هذه
الأقواس المجاهد في سبيل الله السيد مصطفى ابن يوسف عام ثمانية وثلاثين ومائة وألف
ولما دخل وهران بقي بها إلى
__________________
أن أخرجه
الإسبانيون منها ودخلوها مرة ثانية سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف فخرج منها وسكن مستغانيم وصيّرها قاعدة ملكه وبقي بها إلى
أن توفي سنة ست وأربعين ومائة وألف بعد ما ملك ستا وأربعين سنة فدفن بها وعلى ضريحه قبّة
مرونقة يجاوره بها قبرءاغته الفارس الباسل الشجاع الكامل ، البطل الصنديد ، الهمام
العتيد ، الذي لا يطرق ساحة جاره الهم الملزومي ، السيد البشير بن أحمد نجد
المخزومي جد البحايثية ، أصحاب الأقوال الصادقة والعطاء الحايثية. ولما حل أبو
الشلاغم بمستغانيم ومعهءاغته البشير المذكور بنا (كذا) كل واحد منهما بها برجا
جليلا فما بناه الباي يقال له برج الترك الأبطال ، وما بناهءاغته يقال له برج (ص
٢١٥) المحال. وتوفيءاغته المذكور ، صاحب الاسم المشهور ، ضحى يوم / الاثنين رابع
عشر من أول الربيعين سنة خمسين ومائة وألف من هجرة حائز كمال الوصف. ولما مات رثاه العلامة الربّاني
السيد يوسف بن بغداد الزياني ، بهذه الأبيات :
هنيئا لك الجنان
لا السّعير
|
|
يا كافل الأرامل
يا بشير
|
لقد عشت سعيدا
في رغد عيش
|
|
وفزت بالشهادة
يا أمير
|
ببلدة مستغانيم
كان المثوى
|
|
فنعم السكنى
سكناك يا نحرير
|
وجاورت بالضريح
خير إمام
|
|
وبالمطمر ضريحك
مستنير
|
فمن للأرامل
واليتامى
|
|
ومن إلى العلماء
نصير
|
لقد بكا (كذا)
هذا القطر عليك
|
|
وصار رونق القدر
دثير
|
وفي ضحى الإثنين
في نقط يدّ
|
|
من أول الربيعين
مسير
|
سنة نشق كان
الارتحال
|
|
وحلّ بنا من
الفراق تدمير
|
ه ، ولم يمت حتى
أخّر نفسه عن الخدمة وصير أكبر أولاده بن عودة بمحله بموافقة باي الوقت على ذلك.
ومحمد بن إسحاق المسراتي جدّ أبي الشلاغم هو الذي بنا (كذا) قصبة القلعة التي يقال
لها قصبة المسارتية ويقال
__________________
لها أيضا قصبة بني
يوسف . وكان للمسارتية رياسة وعزة كاملة بمسراتة والقلعة وانقطعت بموت محمد بن إسحاق
جد أبي الشلاغم ولما مات محمد خلّف زوجة حاملا فأتت بولد ذكر وسمته يوسف ثم ماتت
عنه وخلّفته في كفالة أمها. وكان بمسراتة ولي كبير من أولياء الله المشاهير يقال
له سيدي عابد / ابن الزرقاء (ص ٢١٦) يتعبد بمغاراتها التي بواديها وأصله من أولياء
غريس فاشتهى يوما دشيشا باللّحم فسمعت به جدة يوسف المسراتي فصنعت ذلك وأتته به
لمحل تعبده ومعها مكفولها حفيدها يوسف ولما أكل ورأت منه الإقبال عليها قالت له يا
سيدي أدع الله لخديمك هذا اليتيم من الأبوين فقال لها ، هو خليفة على خليفة إلى ما
شاء الله ، وإن تعدّ الحدود زالت عنه ضمانتي ، وخرج من دعاوتي. ولما كبر يوسف قدم
إلى الجزائر وانكتب جنديا وكان بنواحي قسنطينة رجل يقال له يونس قاطع للطريق لا
ينجوا (كذا) منه أحد مشهور بالحرابة وقد نهب أموالا عظيمة ولما بلغ خبره للباشا
بالجزائر وتكررت عليه الشكاية به جمع جنده وأرباب دولته وقال لهم يا قوم إن يونس
القاطع للطريق كثر ضرره للمسلمين وتعطلت السبل بسببه ألم يأتكم عيب تدعوني أغزوه
بجيشي وهو رجل واحد فقال له يوسف المسراتي أنا أكفك أمره يا سيدي فذهب له وقتله
واجتز رأسه وأتى به للباشا ففرح به كثيرا وأعزّه شديدا وقال له اختر أي عمالة من هؤلاء
(كذا) الثلاث أجعلك بها بايا فأبى واختار أن يكون خليفة ببلد قسنطينة فذهل لها
وبقي بها مدة طويلة ثم جاء للناحية الغربية فسكن بمستغانيم ثم انتقل للقلعة بلد
أسلافه وبقي بها خليفة إلى أن مات وترك ثمانية أولاد ذكور وبنتا وهم مصطفى أبو
الشلاغم ، ويوسف ، ومصطفى الأحمر ، ومصطفى قايد ، ومحمد زرق العين ، ومحمد أبو
طالب المجاجي ، ومحمد بن الزرقا ، وعابد ، وخروفة. فأول / من تولى منهم بايا (ص
٢١٧) بالإيالة الغربية مصطفى أبو الشلاغم بن يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي كما
مرّ.
__________________
الباي يوسف المسراتي
ثم أخوه يوسف بن
يوسف بن محمد بن إسحاق المسراتي تولى يوم موت أخيه مصطفى أبي الشلاغم وبقي في
الملك سنة واحدة ومات بتلمسان بالوباء سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بها وكانءاغته الصنديد الكامل ، الحائز للفضايل
والفواضل ، من في العطاء لا يعدّ وإنما يحث السيد بن عودة بن البشير ابن بحث.
الباي مصطفى الأحمر المسراتي
ثم أخوه مصطفى
الأحمر المسراتي تولى سنة سبع وأربعين ومائة وألف وسقي السمّ فمات بمستغانيم ودفن مع أخيه أبي الشلاغم.
وكانءاغته الجواد الذي في العطاء لا يعرف العدد بل فيه يحث ، الشجاع الوجيه منتشر
الصيت ومسموع الكلمة بالجزائر دار الملك السيد بن عودة بن البشير بن بحث ، ومات
بمستغانيم ودفن مع أبيه بقبّة المسارتية. ولما تولى السيد ابن عودة المذكور مدحه
العلامة السيد عدة بن داوود العفيفي بهذه الأبيات التي مسكها دفور ، فقال :
ترونقت بحسنها
البهيج
|
|
مستغانيم صارت
في التّبريج
|
لما حلّ السهم
بها بن عودة
|
|
ءاغة من أقواله
محمودة
|
كالأفعال فإنها
مرضيّة
|
|
وأنه نسبه
بحثيّة
|
وابتهجت عن جميع
المدون
|
|
وجميع القرى مع
الحصون
|
أكرم به من وزير
جليل
|
|
وءاغة معظم جميل
|
فاق بفضله جميع
الوزرا
|
|
ونال عزّا كاملا
ليس يرا
|
أنخبه عن غير
المسراتي
|
|
مصطفى الأحمر له
المواتي
|
__________________
الباي محمد أبو طالب المجاجي المسراتي
ثم أخوه محمد أبو
طالب المجاجي تولى بموضع أخيه مصطفى وبقي في الملك تسعة أعوام ومات قتيلا من
الدولة ، وهو الذي ترك زيارة أولاد سيدي عابد ابن الزرقا واشتغل بزيارة ولي الله
أخي حمّ العياشي المغراوي بعياشة أحد بطون مغراوة بشلف فذهب وزاره بتسعة دنانير
ذهبا وسأل منه المملكة فقال له هي لك وتبقى فيها بعدد ما أعطيت ولو زدت في العدد
لزيد لك فيه أيضا ولما سمع ولد سيدي عابد بذلك قال إن أبي صرّهم في صرّة وإني
قطعتهم في مرة ، لم يملك بعد هذا إلا قايد صاحب المقبرة ، ولينفعهم العياشي لما
تركوا خدمة صاحب الدشاشي ، وهذا سيدي عابد هو مدفون بمقبرة البراق وهو الجبل المطل
على القلعة. وكانءاغته الطود الأعظم والكنز المطلسم ، ذو الأقوال والأفعال
المحمودة ، البحثاوي السيد ابن عودة ، وقتله المجاجي المذكور بسبب أنه رءا (كذا)
كلمته قد علت عند العرب والأتراك ، وخاف منه التولية بموضعه أو توقيعه في بعض
الأشراك ، فقتله غدرا ، ولما لم يطلع أحد على ذلك ذهب دمه هدرا ، وفرّ أخوه
إسماعيل بأخوته وأمه إلى الغرابة فاستقر عند أبي علام بن الحبوشي رايس الغرابة في
أمن وأمان ، وعزّ واطمئنان (كذا) ثم قال له أبو علام في بعض الأيام يا إسماعيل قد
اشتد الطلب عليكم وقد خشيت على نفسي وعليكم من الوشاة أن يتملقوا / بكلامهم عند
الباي فيمكر بالجميع والآن إني أبعثكم عند (ص ٢١٩) دموش ولد لشحط العلياوي رايس
أولاد علي فتمكثون عنده في الأمان على نظري حتى ننظر في عواقبكم بما قدره الله
تعالى ولا يكون إلا خيرا فساعده إسماعيل على ذلك وارتحل بأمه وأخوته لأولاد علي
وقد زوده أبو علام بكل ما يريد فنزل عند دموش وبقي هناك إلى أن تزوج دمّوش بأم
إسماعيل فصاروا في أمان مع نظر أبي علام ثم إن إسماعيل لما كبر واشتهر بالشجاعة
ركب فرسه وذهب لأم عسكر لسوقها خفية فقضى مئاربه (كذا) ولما رجع ألفى بالطريق أسدا
فقتله ثم تعرّض به بعض المغاطيس بطريقه وهم ثلاثة فقتلهم وحين وصل لبيته تحدّث في
الدوار بما وقع له فمن الناس من صدق ومنهم من ضحك ومنهم من كذب فقال لهم مربيه
وكان رجلا عارفا بالأمور من جملة أعيان أولاد علي لا تكذبوا ولدي في قوله ولا
تضحكوا عليه فإنه صادق في
ذلك وتعرفون
بسالته وشهامته وإن تماديتم على ذلك فإني أعلم والده دموشا بذلك ويحل بكم الانتقام
ثم أنه قال لإسماعيل اركب فرسك وامش بي لذلك فركب كل منهما فرسه ومعهما أصحابهما
وذهبوا للمحل فألفوا الأسد والمغاطيس قتلى فسلخ مربيه الأسد وأخذ جلده به رأسه
واجتزّ رؤوس المغاطيس وحملهم على أعمدة وذهب بهم للمعسكر فأعطاهم للباي وهم عصمان
صهر المسارتية فقال له من فعل هذا فقال له إسماعيل ولد آغا البشير ابن بحث وأخو
آغا بن عودة ولد البشير بن بحث فال عصمان نحبك تأتيني به لما الأثر لم ينقطع
فالحمد لله (ص ٢٢٠) على ذلك فأتاه به فجعله / خليفة على آغا المخزن وهو الشريف
الكرطي التّلاوي.
الباي مصطفى قائد الذهب المسراتي
ثم أخوه مصطفى
قائد الذهب لقّب بذلك كثرة جوده وإعطائه الذهب للناس ويقال له باي المحال تولى يوم
موت أخيه المجاجي ، وهو سنة خمس وخمسين ومائة وألف وبقي في الملك ستة أعوام ثم قام عليه صهره زوج أخته خروفة
وهو الحاج عصمان بن إبراهيم ففرّ منه لوهران عند الإسبانيين. وسببه أن أخاه محمد
زرق العين كان متزوجا بابنة دلّة الحشمي أحد أجواد الحشم وكان أكبر من قايد وخليفة
عليه فقال قايد لأخ زوجة أخيه زرق العين أقتله غدرا ولك ما تحب من المال ونوليك
شيخا على عرشك فذهب له صهره وقتله غدرا وأخبر قايدا بذلك ثم خشي من قايد وفرّ
لعرشه فندم قايد على قتل أخيه ولما اعتدت زوجة أخيه تزوجها فبقيت عنده مدة ولم ير
منها إحسانا فقال لها ذات يوم أيتها الزوجة كيف لا تحسني به وأنا قائد المسراتي
فقالت له إن كنت قائدا كما يحكى عنك وتقوله أنت فطلقني لأنك لا توافقني وأنا لا
أوافقك بعد قتلك لأخيك ولا شك أن الله ينتقم منك كما قتلته غدرا فطلقها ثم أنه نظر
من المسارتية والرعية ما يكرهه وانتشرت الأقاويل بأنه قتل أخاه لأجل زوجته مع قيام
عصمان عليه ففرّ لوهران وبقي بها إلى أن لحقه المحال بنجوعهم فارين من عصمان لما
صال
__________________
عليهم فنزلوا بقرب
وهران وأمّروه عليهم ، ولما حصل الصلح بينهم وبين عصمان رجعوا لأماكنهم بين مينا
وشلف / وأتوا بقائد الذهب معهم فولوه عليهم وخرجوا (ص ٢٢١) عن حكم عصمان بموافقة
باشا الجزائر على ذلك ثم فر لتونس وسببه أنه سمع من الباشا ما يكرهه ، ورءا (كذا)
المحال قد اتفقوا على تمكينه بيد عصمان ليقتله ويبقوا تحت حكم عصمان لكون قايدا
صار إذا ميّزوا عليه فرحا يعطيهم الصلة الكثيرة ظنا منه أنهم يحبون ذلك كسائر عرب
زغبة وغيرهم وهم ينكرون منه ذلك ظنا منهم أنه أراد أن يتحدثوا به مع أهلهم إلى أن
قالوا له يوما أيها الباي قد كثر غلطك معنا وسامحناك على ذلك فلا تعد لفعلك ولا
تظن في نفسك أننا نتحدث بك وبعطائك عند المحليات ونشكرك بينهنّ فإذا أردت ذلك
فافعله مع بني معين لا معنا فانظر كيف اختلف الظن من الجانبين ولما سمع ذلك فرّ
لتونس ومكث بها إلى أن مات وبها ضريحه ولم أقف على تاريخ وفاته.
يحكى أنه لما حل
بتونس استقر عند امرأة كبيرة فصارت تطبخ له وتغسل ثيابه وهو يكرمها بما أحبّ إلى
أن مرض ببيتها فشمرت على ساق الجد في دوائه والإحسان إليه إلى أن برىء (كذا) فلم يجد
ما يكافيها به إلا خاتم الملك فنزعها من أصبعه وأعطاها لها وقال لها بيعه لنفسك
وعيشي في ثمنه فأعطته للدلال فكل من أخذه لا يطيق على شرائه لكونه خاتما ملوكيا
وتحدث الناس بذلك إلى أن بلغ الخبر لملك تونس فأمرهم بإحضار الخاتم فأحضروه ولما
نظره تيقن بأنه خاتم ملوكي فسألهم لمن هو فقال الدلّال أعطته لي العجوز الفلانية
في المحل الفلاني لأبيعه لها فأحضرت لديه وسألها عنه فقالت أعطاه لي رجل مغربي هو
في بيتي منذ كذا فأحضر قايد لدى الأمير وكان يسمع بخبره وكان كاتب سرّه جاء مرة
لمرسى وهران ورءاه (كذا) بها لما كان بوهران فلما رءاه (كذا) الكاتب تيقن به معرفة
فقام له إجلالا وعانقه غاية رغبة ورهبة فقال له باي تونس من هذا فقال له فلانا
فعند ذلك أجلسه الباي عنده وقال له هذا مقامك إلى أن تموت أو يرد الله لك ملكك
فحصلت بينهما مودة الارتباط وتزوج قايد هنالك بامرأة وأتى معها ببنت يقال أن من
ذرية تلك البنت الوجيه السيد علي ولد مصطفى ولد محي الدين الذي هو الآن المترجم
بالمحكمة الشرعية الفرانسوية بالمطلب الأول من وهران وهو من أعيان المخزن الآن وله
كلمة نافذة في جميع الأمور وذو عقل
راجح وفهم ثاقب
ولبابة وفطانة وذكاءة (كذا) وأدب وسياسة ومعرفة وكياسة ونصرة (ص ٢٢٢) للمظلوم
والقوي والضعيف ، وإعانة ونصيحة للوضيع والشريف. / وفي حال مكث قايد بتونس اجتمع
به رجل برجي من الأدباء في إيابه من الحج في وقت الصباح وهو بمحفل عظيم فقال له
السلام عليك أيها الأمير الخرير أنعم الله صباحك يا باي ابن ثلاثة عشر بايا
ببلادنا فسرّه ذلك غاية وقال له مثلك يليق للصحبة لكن هذه المقالة الأدبية ليتني
كنت معها في بلدي وصاله بشيء فأبى الرجل من أخذه رأسا. وقايد هو الذي غزى من
المعسكر حناشا شيخ المهاية فأخذه وسلب له فرسه المعروف عند الناس بعود حناش وكان
فرسا طويلا مع الأرض يقال إنه كان يسابق ثلاث مشالي ويعلف برشالة من الشعير. وقيل
إن الذي أتى به هو الباي إبراهيم الملياني الآتي ذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
فضل البايات المسراتية
واعلم أن
المسارتية هم فضلاء البايات بالمغرب ولهم نسل قليل. فأما أبو الشلاغم وقايد فلم
يخلفا إلا البنات. وأما محمد زرق العين ويوسف ومحمد أبو طالب المجاجي ومصطفى
الأحمر فلم يعقبوا شيئا. وأما عابد فخلّف ابنين وهما يوسف ومحي الدين فمنها يوسف
خلّف ابنه القايد محمدا وهو خلف محمدا وأبا زيان فمحمد خلّف محمدا ومحمدا
الموجودين الآن ومنها محي الدين خلف ابنه الخوجة وهو خلّف يوسف وهو خلّف أبا زيان
وهو خلّف عدة أولاد موجودين الآن. وأما محمد بن الزرقا فخلّف ابنين وهما ابن علي
وعلي فابن علي خلّف محمدا وهو خلف عدة وقارة ومحمدا موجودين الآن وعلي خلف مصطفى
وهو خلّف ابنين عابدا وبن يوسف وذريته بالقلعة الآن. وكانءاغته الشريف الكرطي وهو
عبد الله بن عبد الرزاق التلاوي.
الباي الحاج عثمان
ثم الحاج عثمان
ويقال له عصمان بن الحاج إبراهيم تولى أولا بتلمسان لما كانت القاعدة بها وقام
عليه مع أهل تلمسان يوسف المسراتي المتقدم الذكر
فخلعه وتولّى
مكانه. وتولّى ثانيا على جميع الإيالة الغربية في أواسط محرم الحرام فاتح سنة ستين
ومائة وألف فمكر بأهل تلمسان والمحال مكرا كبارا (كذا) أفنى فيه
كثيرهم. وسببه أنه لما كان بايا في المرة الأولى بتلمسان تعصّب عليه أهلها ونقموا
حكمه وصاروا يرسون ساحته في اليل (كذا) بكل نجاسة وميتة ودم وغيرها / فاغتاظ لذلك
شديدا وترك حلق رأسه ولحيته إلى أن كبرا وهو في (ص ٢٢٣) تزايد الغضب ثم ذهب
للجزائر وقد اشتد به العطش في الطريق ولمّا مرّ بالمحال استسقاهم فأسقوه لبنا وفي
حال شربه أهرقوا عليه الإناء وقهقهوا بذلك فأسرها في نفسه وأسرع في سيره للجزائر
ولما دخلها اجتمع بالباشا بواسطة الأعيان فتعجب منه شديدا وسأله عن حاله فأخبره
بكل ما صار له مع أهل تلمسان ثم المحال في طريقه فصبّره الباشا على ذلك ثم أنه سأل
من الباشا التولية ويعطيه قدرا من المال فولّاه وأرسل معه الجيش فجاء به مغربا
وأوقع بأهل تلمسان إيقاعا شديدا. ومكر بهم مكرا عتيدا. ثم توجه إلى المحال وصال
عليهم إلى أن أفناهم وأجلاهم لتلمسان ثم لوهران ثم رجعهم لمحلهم على أن لا يرفعوا
رؤوسهم وحلّ بهم ما هو مشهور على الألسنة ومذكور في كلام الفصحاء كابن سويكت وعدة
ابن البشير وغيرهما ويحكى أنه قتل من أعيانهم في يوم واحد أربعين بطلا
فضلا عن غيرهم. ويحكى أيضا أنه لما نزل بأرض المحال أتوه لينظروه وبأيديهم حجلة
فقال لهم ما عملت هذه الحجلة المسكينة حتى أتيتوني بها بأيديكم ثم أطلقها فقالوا
هذا الباي يقال له مسكينة ولقبوه بذلك بينهم ولمّا رجعوا لأهلهم واجتمعوا بمديرهم
وصاحب الرأي منهم قالوا له الواقع وأخبروه بأنهم لقبوه مسكينة فقال لهم كفوا عن
قولكم هذا وأطيعوه فإن هذا الباي هو مفنيكم وأن الحجلة تجعل لكم فجلة ، فكان الأمر
كذلك. وجاءه المسارتية يوما لقتله فألفوه بالمحكمة فضربه أحدهم بكابوس بيده فنجاه
الله من ذلك ثم أنه ظفر بهم فقتلهم ولم ينج منهم إلا اثنان وهما ابن الزرقا وعابد
لصغرهما ولكون الله أراد بقاء النسل فيهما ففرّا لضريح سيدي محمد بن عودة بفليتة
واستجارا به فعفا عنهما
__________________
وأمنهما. ولا زال
بابا إلى أن توفي بالمعسكر ودفن بها بعد ما ملك تسعة أعوام. وهو الذي بنا (كذا)
الجامع الأعظم بداخل المعسكر سنة توليته ونقش على (ص ٢٢٤) حجارة اسمه وتاريخ
البناء ونصه : الحمد لله حمدا لا نهاية / لطوله ، وصلى الله على سيدنا محمد نبينا
عبده ورسوله ، أما بعد فقد أمر ببناء هذا المسجد المبارك المحمود المعظم القامع
للعداء من جمع بين الشجاعة والنداء وطلع على الناس بدر هداء صاحب لواء الحمد
الأسماء ومالك أزمة المجد الإحماء حاج الحرمين الشريفين أمير المؤمنين ، المجاهد
في سبيل رب العالمين ، صاحب الرتبة العالية ، ونخبة الملوك العثمانية مولانا الحاج
عثمان باي بن السيد إبراهيم خلد الله ملكه ملكا عاليا ، وهو على الأمة واليا ساميا
، وكان ذلك في شهر شعبان عام ستين ومائة وألف . ثم بنا (كذا) الدار والقبّة الملاحقة للجامع الأعظم
بالمعسكر المعروفة عند الناس بقبة الباي إبراهيم لكونه مدفونا بها ، وإلّا فهي
قبّة الشيخ عبد القادر الجيلاني نفعنا الله به التي هي الآن محكمة قاضي المعسكر
وأمر بكتب اسمه وتاريخ بنائها فكتب بحجارة بما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى
الله على سيدنا ومولانا محمد ، أما بعد فقد أمر بناء هذه الدار المباركة الأمير
الأجل العدل الشهير الأكمل الرفيع الحظ المجاهد المرابط المقسط عدله في الجوائز
مدن النواحي الغربية عبد الله أمير المؤمنين مولانا الحاج عثمان ابن إبراهيم خلّد
الله ملكه ونصره حسبما أمر أيّده الله بتشييد هذه القبة العظيمة حرمة للشيخ الجليل
سلطان الصالحين سيدي عبد القادر الجيلاني أدركنا الله رضاه قصد بذلك وجه الله
العظيم ، وثوابه الجسيم بتاريخ فاتح المحرم الحرام عام سبعة وستين ومائة وألف وأمر بتحرير العلامة السيد محمد بن حوّاء وإخوانه ، وبني
عمه التجاجنة من جميع التكاليف المخزنية وكتب لهم بذلك رسما نص ختامه : بأمر
المعظم الجليل المجاهد الكفيل أبي سعيد السيد الحاج (ص ٢٢٥) عثمان باي الإيالة
الغربية وتلمسان في أواسط جمادى الأولى عام سبعة / وستين ومائة وألف . وكم له رحمهالله من غزوات لوهران ورباط عليها بقصد فتحها
__________________
ولم يمنّ الله
تعالى بفتحها على يديه بل دخّر فضل ذلك لمن هو محبوب لديه. وكانت وفاته سنة سبعين
ومائة وألف . وكانءاغته الشجاع الجواد ، الكنز المراد ، عقد سمط
الجواهر الشريف الكرطي التلاوي ، وخليفته كافل الأرامل الشهم البارع إسماعيل بن
البشير البحثاوي.
الباي حسن
ثم حسن باي تولى
سنة سبعين ومائة وألف ثم هرب من ملكه لإسطنبول لما أهانه الباشا بالجزائر
وخليفته البحثاوي المسطور.
الباي إبراهيم الملياني
ثم أبو إسحاق
إبراهيم باي الملياني تولى عام السبعين ومائة وألف وكان محبا للعلماء بمحبته للعلم وراغبا في الصالحين لنيل
الفضل والكرم. وهو الذي بنا (كذا) برج العسكر بالمعسكر ، وأمر بكتب اسمه وتاريخه
عليه فكتب بما نصّه : بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد
وأله وصحبه وسلم ، أما بعد أمر بتشييد هذا الفندق المبارك الظريف الجامع لعسكر
الجزائر المنتصر سيدنا أمير المؤمنين المجاهد في سبيل رب العالمين ، ناصر الدنيا
والدين لرب العالمين ، مولانا إبراهيم باي الإيالة الغربية وتلمسان خلّد الله ملكه
وأعزّه ونصره آمين وكان الفراغ منه أول شهر الله العظيم رمضان عام ست وسبعين ومائة
وألف عرفنا الله خيره وكفانا ضيره وشره آمين يا رب العالمين وصانع هذا التاريخ
محمد بن الحسين بن صرماشق. وتوفي سنة خمس وثمانين ومائة وألف بعد ما ملك أربعة عشر سنة ودفن بالمعسكر بالقبة التي بناها
الباي الحاج عثمان للشيخ عبد القادر الجيلاني الملاصقة للجامع الأعضم كما مرّ.
__________________
وكانءاغته الفارس
الأعظم والطود الشامخ الأفخم ، والجواد الأكرم والشجاع الأعزم. والبحر الطامي
الألطم ، الذي لا يدانيه شجاع ولا جواد له يساوي ، السيد إسماعيل بن البشير
البحثاوي ، الذي تسمت به مدينة العرقوب بالمعسكر ، (ص ٢٢٦) لكونه أول من بنا (كذا)
بها في المشتهر /. وهذاءاغة مدحه العالم العلامة الدراكة الفهّامة كثير المعاني
ومشارك الفنون ، قاضي المعسكر السيد محمد ولد مولاي علي الشريف بن سحنون بأبيات من
الرجز فقال :
تكاثر بالسّيل
السلسبيل
|
|
لك وكل الخير يا
إسماعيل
|
لقد نلت الحسنى
مع الزيادة
|
|
لما فيك للناس
من إفاده
|
يا من وقاك الله
من مساوي
|
|
وأرقاك للعلا يا
بحثاوي
|
يا من ترصّعت
بكل خير
|
|
يا من تجنّبت
لكل ضير
|
ياءاغ يا بنءاغ
يا بن شيخ
|
|
يا رايس الوقت
بكل فيخ
|
تغافلت عنّا في
هذا الوقت
|
|
فاجبر لكسرى
نجوت من مقت
|
قد قيل لي أنّ
أمير المؤمنين
|
|
إبراهيم باي
يريد يا أمين
|
توليت غيري وأنت
المفتاح
|
|
والاتكال عليك
يا مصباح
|
وكيف قد أخشى
وأنت عندي
|
|
يا ملاذي وعدتي
ورشدي
|
فلا تدع تمنيت
الأمير
|
|
تكمل يا عمدتنا
الشهير
|
ثم أن إسماعيل
المذكور لما تولىءاغة جعل أخاه الطود العظيم ، الكنز المطلسم الفخيم ، الفارس
الأمجد ، السيد عدة بن البشير بن نجد ، خليفة عليه ، وفوّض له الأمر في سائر
الأمور التي تلقى عليه وفي عدة المزبور ، قال العلامة السيد عبد الحليم المستغانمي
هذه الأبيات التي كالدّر المنشور :
لك العز قد تم
بأسر يا عده
|
|
فأنت بإذن الله
تخلص من شدّه
|
وأنت الذي بك
الحوائج قد تقضى
|
|
ويحصل لنا كل
فوز بلا شدّه
|
ونبلغ للأماني
طرا بأسرها
|
|
فليس لك شبه في
فعلك مذ عدّة
|
وكيف يخيب من
تكون له حما
|
|
وأنت المخزومي
من جدّك ومن جدّه
|
وجعل أخاه الموفق
بن البشير قايدا على الدواير وأخاه يوسف قايدا على العبيد وهم الزمالة ونظر بعين
المودة في أبي علام بن الحبوشي ودموش ولد
الشحط وصيّر كلّا
منهما رئيسا (كذا) على قبيلة ولما توفي أخوه الموفق ترك ولده قادي في حجره فزوجه
بابنته هكذا قيل والله أعلم.
الباي الحاج خليل
ثم / الحاج خليل
باي تولى سنة خمس وثمانين ومائة وألف . وكان (ص ٢٢٧) مبغضا للعلماء والأولياء وغيرهم من أهل
النفع. وتوفي بتلمسان سنة اثنين وتسعين ومائة وألف فدفن بقبة سيدي محمد السنوسي جيرة ضريحه. وسبب موته دعاء
الشيوخ الثلاثة عليه بالهلاك وهم : سيدي المداني بن عطاء الله العمراني الغريسي
شاعر الرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه والأولياء رضياللهعنهم ، وسيدي الحاج الموفق الكبير بن سعيد الشقراني ثم البوشيخي
، وسيدي أبو ترفاس محمد ابن محمد الساحلي شيخ الطلبة بالساحل. فالشيخ المدني
ورفيقه واعدهما خليل بالقتل إذا رجع من سفره فاشتغل الأول بالاستصراخ بشيخ الشيوخ
سيدي عبد القادر الجيلاني في عروبيته الملحونية يقول في بعض أبياتها :
الباي خليل لا
ترده من ذي التغرابا يا الجيلاني بابا حلف فيّ وقال لي من السّور ناليك.
واشتغل الثاني
بالعبادة بأن تطهر ليلة طهارة كبرى وانفرد وحده وشرع في الصلاة بالقرآن العزيز وهو
قائم على رجل واحدة إلى أن ختمه في ركعة واحدة ولما نام كل منهما أتا الهاتف لكل
منهما وبشره بهلاك الباي في سفره وأنه لا يرجع لأهله. ولما استيقظ كل منهما بعث
رسولا لصاحبه يبشره بهلاك الباي فالتقى الرسولان برأس الماء وأخبر كل صاحبه فرجع
الرسولان من هناك بعد التحويط على محل الاجتماع. وأما الشيخ أبو ترفاس فإنه غزاه
الباي خليل بمدشرة بالساحل وأخذ قيطنته وفرق طلبته وهمّ بقتله لو لا أن الله عصمه
منه فقال له أبو ترفاس نحن مساكين لا معرفة لنا بالملوك ولا دخول لنا في شئونهم
__________________
وفضحتنا علانية
بلا سبب فضحك الله وعجّل بهلاكك لتستريح منك البلاد والعباد فرجع الباي ولما وصل
لحمام أبي غرارة بأرض دوى يحيى ابتلاه الله بعلّة يقال لها الشهدة وهي حية عظيمة
أصابته بين كتفيه وتعاظمت جدا وتخرقت كالشهدة وركبها الدود فحملوه لتلمسان في أرذل
حالة ولما وصلها مات بالبيت التي بها دون علم أحد ، ولما دخلوا عليه من الغد ألفوه
ميتا. وتوفي أبو ترفاس بعده بقليل في فصل الشتاء ليلة الجمعة الحادي والعشرين من
ذي الحجة الحرام (ص ٢٢٨) سنة اثنين وتسعين ومائة وألف /. وفيها ضحوة يوم الخميس عاشر رمضان توفي القطب العلامة الحافظ الشيخ عبد القادر المشرفي ورثاه
تلميذه الحافظ أبو راس بهذه الأبيات الرائية (كذا) من الطويل :
لقد كان للإسلام
كهفا وملجأ
|
|
تراه في أقل
الشئون ببادر
|
له الباع في كل
العلوم بأسرها
|
|
سريع الجواب
عنها ليس بضاير
|
فيا لو رأيته
بدرسه جالسا
|
|
وحوله حلقة
الأسود الهواصر
|
كأنّ قمر الأفق
في غيهب الدجا
|
|
من بين كواكب
النجوم الزواهر
|
فيتلوا فرايد
عليهم نفيسة
|
|
بحسن بيان
واختتام عواطر
|
فتلقاها أنوار
القلوب بديهة
|
|
كنقش فصوص
للخواتم بواهر
|
يذلّل صعاب
العلوم لهم كما
|
|
يقرّب قاصيات
عنهم نوافر
|
له خلق كمثل
أحنف الذي
|
|
غرائبه مسطورة
في الدفاتر
|
تعود بسط الكف
في بحور النّدا
|
|
لقد فاق هرما
ومعنى وعامر
|
أيا ثرى الكرط
كيف واريت سيّدا
|
|
مآثره مثل
البحار الزواخر
|
لقد حلّ فيك
العلم والحلم والتّقى
|
|
فحسبك رهنا من
كريم العشائر
|
همام ثوى ضحى
الخميس لعاشر
|
|
من شهر رمضان
الهدى والمغافر
|
من سنة اثنين
وتسعين قيّدوا
|
|
من بعد المائة
والألف أهل البصائر
|
وهي طويلة. وفي
تسعين ومائة وألف في وقت الباي خليل حلّ بالناس قحط
__________________
عظيم ودام إلى نصف
إحدى وتسعين فزال بإذن الله تعالى. وإلى هذا القحط أشار ولي الله سيدي الأكحل
الخلوفي المعروف عند الناس بسيدي الأخضر ابن خلوف في عروبيته الملحونية التي
صيّرها تاريخا بطريق الكشف بقوله : ونصف عام من بعد تذهب الكشرا.
وكانءاغته الهمام
الفاضل الجواد الباسل ، المتجنب لسائر رذائل الدعاوي ، السيد إسماعيل بن البشير
البحثاوي. وهؤلاء البايات التسع كلهم كانت لهم دار ملكهم المعسكر ، وكلهم كان لهم
اعتناء شديد بالجهاد ولم يفز منهم بالفتح الأول إلّا أبو الشلاغم المسراتي.
الباي محمد بن عثمان الكبير
ثم أبو عثمان
الفقيه المجاهد السيد محمد بن عثمان ، باي الإيالة الغربية وتلمسان ، الذي قيضه
الله / لفتح وهران ، وأرشده إلى مهيع السعادة والغفران ، (ص ٢٢٩) الممتطي منصة
الرضوان ، ومشيد راية الإسلام والإيمان والإحسان ، وباسط مهد العدل والأمان في كلّ
زمان ، اتحفه الله برضاه ، وجدد له اللطف وأمضاه ، تولى سنة اثنين وتسعين ومائة
وألف ، على الصحيح ، فكان رحمهالله من أهل البلاغة واللسان الفصيح ، بعد أن كان خليفة على
خليل رقي لمنصب الباي بالعز والتفضيل ، فهو ثاني ملوك العثمانية ، خلافا لما في
أنيس الغريب والمسافر من أنه هو أولهم وهي قولة واهية ، وبه رفع ذكرهم ، وانتهى
إليه خيرهم ، فلقد دوّخ الأتراك والأعراب ، وهابته الأباعد والأقارب وذلت له
الملوك والجبابرة ، وخشيته الفراعنة والأكاسرة ، وأطاعته الرعايا ، وخصت به
المزايا ، ووفدت عليه الوفود ودارت به العساكر والجنود فحاصر مدينة وهران ، وضيّق
عليها من كل فج نزهة الزمان ، ودام عليها إلى أن فتحها في أوائل المحرم الحرام بلا وصب ، ودخلها صبيحة وقبل ضحى يوم الإثنين الخامس من
رجب سنة ست من القرن الثالث
__________________
عشر دون ثلب ، كما مرّ ذلك مفصّلا ، مختصرا لا مطولا. وفي وقته
حصلت العافية قليلة الوجود ، وتواخت (كذا) القبائل في بعضها واصطلحت على الراحة
وترك الفساد والعنود (كذا) حسبما أشار إلى ذلك الشيخ الأكحل في عروبيته بطريق
الكشف بقوله :
تأت العافيا في
أزمان ميم وحا
|
|
هجّ وزيد حرفين
قول ميم ودال
|
تضحا القبائل
أخو جميع مصطلحا
|
|
لخ (كذا)
|
وكان رجلا جسيما
بالتجدير ، أسمر اللون لا بالطويل ولا بالقصير ، محبا للعلماء والصلحاء ، والنبلاء
، والأدباء والشجعان والفضلا ، قريب الغضب سريع الرضا ، شديد الحزم والأوامر
والإمضا ، كثير الغزو على أهل الصحراء ، دائم الارتحال والإسرا ، ففتح بني الأغواط
، والشلالتين ، وعين ماض ، ومزابا ، وأبا الضروس ، ونزل شرّاعة وهمّ بفتح بني
يزناسن وأبي عروس ، وبلغ مبلغا لم يبلغه أحد من ملوك الأتراك ، ووصل المواضع التي
صعبت على غيره وسهل عليه فيها (ص ٢٣٠) الإدراك. وأعظم فتوحاته فتح وهران / التي
صيّرها الله على يده للمسلمين دار إيمان وأمان. وإلى ما تحت سلطاته أشار الحافظ
أبو راس في سينيته بقوله :
فملك آل منديل
تحت سلطانه
|
|
قد كان مدّ من
واجر إلى تنس
|
كذلك ملك تجين
في إيالته
|
|
كذا الجدار
القديم المتقن الأسس
|
ملك لآل يغمور
فيه نضرتهم
|
|
كذاك ملك ابن
يعلا اليفريني الرئيس
|
لشعنب ومصاب مدت
طاعته
|
|
على مسافات شتّى
من أبي الضّرس
|
وقد مرّ هذا في
الكلام على فتح وهران. وكان ، رحمهالله ، والده عثمان الكردي حاكما بمليانة ثم صار بايا بتيطرى ،
فهو أول ملوك العصمانية ، ولد ولدان ذكران أحدهما الباي محمد الكبير هذا وأمه أم
ولد اسمها زايدة أهداها له ملك المغرب لمحبة بينهما ، والآخر الباي محمد الصغير
ويقال له الرقيق كما يأتي وأمه حرّة اسمها خديجة بنت السيد محمد بن عيسى اللمدانية
من مرابطين (كذا) المدية.
__________________
ثم أن الباي الذي
نحن بصدد الكلام عليه لما فتح وهران وارتحل إليها بالسكنا (كذا) وصيرها دار ملكه
الأسنا قصدته الشعراء من كل باب وتزاحمت في الدخول عليه ومعهم العلماء ما بين
إيجاز وإطناب ، فمن ذلك قصيدة العلامة الجامع ، الدراكة المانع النّاثر الناظم
اللّافظ ، الشيخ أبي راس الحافظ :
خليلي قد طاب
الشراب المورّد
|
|
لمّا أن صار
الأمير بالثغر يقصد
|
وأجفت رحال
الوافدين أم عسكر
|
|
وقد كان مأوى
للوفود ومقصد
|
تجاذبته وهران
لما افتتحها
|
|
وقد قالت جاءني
الملك محمّد
|
فهات أعقارا في
قميص زجاجة
|
|
كياقوتة في درّة
تتوقّد
|
يصبّ عليه الماء
مسبك فضة
|
|
له حلق بيض تحلّ
وتعقد
|
جلوسا على ذرى
الحصون فما ترى
|
|
بوهران ناقوسا
ولا الوثن يعبد
|
فهلّا أبصرت
طربها بأذاننا
|
|
وقرائتنا أم كان
طرفك أرمد
|
/ ألم ترها تهتز شرقا إلى النّدا
|
|
إذا قال في
الخميس المؤذن أشهد
|
إذا قطعت بأندلس
يد العدا
|
|
يدا بقيت والحمد
لله لي يد
|
وما زال طمع
المسلمين في رده
|
|
لعلمك أن الدهر
يدني ويبعد
|
فها هي وهران
العداء صفت لنا
|
|
وفي كل عورة لها
لنا مرصد
|
كأن لم تكن
بالأمس ترم صواعقها
|
|
علينا بزمجر
عتيلة صلد
|
تقني من النار
الجحيم بنفسها
|
|
فيا عجبا لي كيف
يجتمع الضّدّ
|
وكيف تدوم
الخيزرات بفكرهم
|
|
وتدمر ومنها
الفريدة روند
|
وقرطبة كانت محط
رحالنا
|
|
شريس الشريسي
وشقة ثم لوكد
|
بتذكارهم عمّت
وجمّت همومنا
|
|
إلى أن نفى
الأكدار قوم ممجّد
|
بفتحه وهران
واسطة عقدهم
|
|
بها طال ملكهم
قديما ممدّد
|
زهت بها مصر ثم
نجد وشامنا
|
|
ويضربهم بها
غريض ومعبد
|
وأهل الحجاز قد
تسامعوا فعله
|
|
ولا شك للمصريين
يعلو ويصعد
|
فكان بوسط الغرب
دخر مضرّة
|
|
وكم درّة علياء
باليم توجد
|
وعم العفات نيل
فيض عطائه
|
|
وذلك من إحسانه
ليس يجحد
|
بها علا صيته
الملوك بأسرهم
|
|
فطاب له أصل
وفرع وقعدد
|
ومنها قوله فيه
أيضا :
فقد سد ثلما كان
يخشى اتساعه
|
|
ورقّع خرقا ما
عليه مزيد
|
وأصلح ما قد
أفسدته صروفه
|
|
وأذاب ما أثنى
فخاب حسود
|
وقوم معوجا من
الثغر فاستوى
|
|
وبلّغه ما كان
منه يريد
|
نفى عنه خبث
الشرك والرجز والأذى
|
|
وكم من رميم عاد
وهو جديد
|
وجلا كروبا عمّ
في الأفق وقعها
|
|
وهمّ له وسط
الفؤاد ركود
|
وأشرق أنوار
الهدى بعد حجبها
|
|
أنار لها دان
وضاء بعيد
|
واطلع في أفق
السعادة أنجما
|
|
لهنّ ترق في
العلا وصعود
|
وعمّ وفود
العالمين بنيله
|
|
بذكر له بين
الأنام مشيد
|
(ص ٢٣٢)
/ مواس لأهل العلم في كل بلدة
|
|
وإن لم يكن منهم
إليه ورود
|
جدير بأن يدعى
وحيد زمانه
|
|
وتفخر أبناء به
وجدود
|
فكم رسم مجد
قبله كان باليا
|
|
وكم من واه ضعيف
عاد جديد
|
فجمع خصال
الكمال منيفة
|
|
فهو بها عن
الملوك فريد
|
ومنها قوله فيه
أيضا من البسيط :
سلطان وهران ما
خيّب قاصده
|
|
زهت به وعالت (كذا)
أقاليم الأمم
|
شدّ قواعدها
بحزمه فعادت
|
|
مكفولة به لم
تيتم ولم تئم
|
يرثها بعده
أولاده أبدا
|
|
كإرث آل شيبة
مفتاح الحرم
|
فالدنيا ألبست
البها بطلعته
|
|
رشيدها الثاني
جاءت به للعلم
|
عمّ بإحسانه
بدوا وحاضرها
|
|
كل لليث للهضبات
يروى والأكم
|
في قبّة من نوى
قد شيدت عن حسب
|
|
وجعفر بن يحيى
بها من الخدم
|
وابن أمامة وابن
سعد أتابعه
|
|
وحاتم وأبو دلف
مع هرم
|
تعودت كفه بسط
الحسام فلو
|
|
أراد قبضها لم
تعطه بل تهم
|
سار مسير زحل في
منازله
|
|
وهبّ كالرّيح في
الأراضي والأطم
|
شمس بدت في أعلى
الأفق ساطعة
|
|
أضاءت الخلق من
عرب ومن عجم
|
ملوك أقطار
الأرض هم كواكبها
|
|
شعاع أنواره
وأراهم كالظلم
|
بشرى فقد أنجاز
الإقبال موعده
|
|
بالكوكب السعد
لم يفل ولم يرم
|
ذو المفاخر
أعيته مآثره
|
|
من دون أدناها
وقفوا على العدم
|
وبالجملة فإن ما
قيل فيه من المدح حال سكناه بالمعسكر وفتحه لوهران وبعد فتحه إياها وسكناها كثير ،
يقلّ حصره وتضيق به الدفاتير (كذا). وقصة فتحه لوهران مشهورة ، مقرّرة مسطورة ،
ألّف فيها العلماء كالحافظ النقاد ، النور الوقاد ، العلامة الماهر أبي راس محمد
بن الناصر والحافظ البارع ، العلامة الجامع ، السيد مصطفى بن عبد الله الدحاوي
وغيرهما عدّة تآليف ، وصنف فيها ما بين النثر والنظم جملة تصانيف ، وقد مرّ لنا
بها طرف من ذكرها ، حسبما نتجته / القريحة من بنات فكرها. (ص ٢٣٣)
منشآت الباي محمد
بن عثمان بوهران ومعسكر والبرج
ثم أن هذا الباي
المراد ، الحاصل نفعه لجمع العباد ، أمر بالهام من الله تعالى في اليوم الحادي
والعشرين من فتحه إياها بهدم الأبراج الموالية للبروهي برج مرجاج وبرج رأس العين
الكبير والصغير وبرج الويز وبرج فراند وبرج كالوص (كذا) وأشباههم من الأبراج
الموالية للبر ومن عادته رحمهالله أنه مهمى (كذا) أشار برأي إلّا كان فيه الخير والسداد
وغرضه بذلك رفع الضرر عن المسلمين. وحسما لمادة النصارى فإن الباي أبو الشلاغم لما
فتحها أولا ترك الأبراج بلا هدم ولما رجع لها النصارى كان أول ضرر حصل للمسلمين من
تلك الأبراج فلذلك أمر رحمهالله بهدمها. ولما استقل قدمه رحمهالله بها جمع لسكناها الناس من كل فج ومكان ، وأمرهم بتعميرها
ليتم في الغاية الإيمان ، فبعضهم بالإقطاع وبعضهم بالبيع بلا نزاع ، إلى غير ذلك
من الوجوه الصادرة من أمير المؤمنين ، وثمن المبيع عمّر به بيت مال المسلمين. وفي
يوم دخوله لها بأهله ومخزنه بغاية نيله ، قدم أمامه العلماء والصلحاء وبيدهم صحيح
البخاري تبركا به وتيمنا بفضله ، فحقق الله رجاءه ، ونشر صيته ودمر أعداءه ، وبنا (كذا)
بالموضع الذي وقف به فرسه عند الباب للواقف مسجد الصلاة الخمس والجمعة يعرف عند
الناس للآن بجامع بالناصف لكونه كان به وكيلا ، وبأموره قائما كفيلا. ثم بنا (كذا)
في السنة السابعة والمائتين والألف قبّة البرج الأحمر
__________________
فزدات له رونقة
لصعودها للسماء مشرقة ، ولما أكمل بناءها كتب على صالة مركز جلوسه بأمامه الأبيات
التي أنشدها العالم الجليل ، المتضمن الجميل ، العدل الماجد ، البارع الفارد ،
الكاتب الفاخر ، الناظم الناثر ، ذو المعاني والإعراب ، والفنون والآداب ، والكرم
والفضائل ، والأخلاق والشمائل الجامع بين الحسب والنسب الأصيل والمعارف والتحصيل ،
الشريف الجميل ، الذي هو أنجب من كل من حثّوا في طلب العلم ولحّوا ، السيد مصطفى
بن عبد الله بن دحّو (كذا) ، مؤلف فتح وهران وجامع الجواهر الحسان ، وهي من البسيط
:
يا غافلا عن
أمور زانها ذهب
|
|
ولونها لجين
وتمرها رطب
|
ونورها مضيء
وجوها دائم
|
|
وصوتها منشد
بالحسن مرتقب
|
(ص ٢٣٤)
/ أقصد إيوان أمير المؤمنين أبي
|
|
عثمان تلفى
الخيرات كلها كوعب
|
به تشارك من نوى
لمقصده
|
|
فهو منافع للورى
فما أرهب
|
به اشتباك الزهر
في صفحتيه حكى
|
|
فكيف بالعشائر
المقيم صوحب
|
وحكى كيف
الأهالي به يتفنون
|
|
وكيف يسلكون
بكلهم مذهب
|
فعند ذا خاطبوني
وابتسامي بدا
|
|
منه جواب عن
سنوى يظل المنحب
|
كيف انسباب
الأمور اللواتي ارتبطت
|
|
برضى من يسرّ
قدرا وينتصب
|
أهكذا عقال عصري
قد التصقوا
|
|
بالذي نصر
القدير علاه رجب
|
أظهر به كيف
الذي ترونقه
|
|
محبة الصديق عند
الأهالي ركب
|
تجدهم باختلاف
في الدعاء إلى
|
|
من واحد لواحد
بالنّدا رتب
|
إلى كمال العطا
من غير مبتخل
|
|
لأحد ولعطائه قد
قرب
|
وبنا (كذا)
المدرسة الجليلة العظيمة بخنق النطاح التي بها ضريحه وتعرف للآن بالمدرسة . وبنا (كذا) أيضا الجامع الأعظم المعروف بها بجامع الباشا
__________________
للآن وهو حسن باشا
وكل ما صرف عليه هذا الأمير فمن عند الباشا. يحكى أن الباشا حسن لما بشّر بفتح وهران
سرّ سرورا كثيرا ولما رأته زوجته فاطمة وخالتها حلّ به الطرب العظيم قالتا له كان
اللائق بك لإتمام سرورك أن تبني بها جامعا عظيما يبقى ذكرك به مخلدا في الألسنة
فعند ذلك أمر الباي ببنائه وبعث له بصندوقين مملوين (كذا) مالا واحدا بعد واحد
ليصرف ذلك على البناء صحبة أمين البنائين محمد الشرشالي بن بيرت. ولما شرع في
بنائه حفر أساسه في بستان تحت البرج الأحمر ، فألفى بالأساس قلّة معمرة ذهبا
فصرفها في البناء أيضا وجمع لمنارته حجرا ضخما أتى به السخارة من برج الصبايحية في
أربعة أيام متوالية وكلما صرفه الباي على الجامع مفصلا ومجملا فهو مذكور في دفاتره
وضربنا عنه صفحا خشية السئامة (كذا) وابتدا (كذا) بنائه في السابع من الثالث عشر
بعد فراغه من القلة وأتمّ بنائه في الثامن أو التاسع منه. وتاريخ ذلك مكتوب
بالحجارة التي بها جملة الأشياء المحبّسة. وبنا (كذا) رحمهالله الجامع الأعظم قليل الوجود بالعين البيضا (كذا) من بلد
المعسكر وأحاط به / المدرسة. وتاريخ (ص ٢٣٥) بنائه بمدرسته مكتوب بجانب محرابه
ونسيته لطول العهد. كما بنا (كذا) جامع الكرط ، والجامع الأعظم بمدينة البرج ، إلى
غير ذلك من شعائر الإسلام والتي عملها. وكتب على بعض حوائط البرج الأحمر تاريخ
فتحه لوهران ومن فتحها وأي سلطان وباشا كان الفتح في وقته مع تاريخ دخوله لها
ونصّه : ـ الحمد لله وحده فتحت وهران وأعادها الله للمسلمين وخرج الكفار منها أذلة
صاغرين ، في سعادة المعظم السلطان الأفخم والخاقان الأفخم ، الخائف من مولاه
الطائع الأواه ، السيد سليم نصره الله ، ودولة المعظم الأرفع والهمام الأنفع ، حسن
باشا أيده الله على يد محي الدين كثير الغزو والجهاد ، وقامع أهل البغي ، والفساد
، السيد محمد باي بن عثمان باي وفقه الله ، في أوائل محرم الحرام سنة ست ومائتين
وألف ، لتمام المرام ، ودخلها بتاريخ يوم الإثنين الرابع من رجب الأشرف سنة ست
ومائتين وألف. ه ـ لكن في كثير النقل أنه دخلها في خامس رجب وربك أعلم بالصواب ،
وإليه المرجع والمئاب. وكان محبا للطلبة ولذلك بنا (كذا) لهم المدرستين الأولى
بالمعسكر والثانية بوهران.
يحكى أنه لما رفعت
له الشكاية من أهل وهران بالطلبة وتكررت عليه أمر
بإخراجهم من وهران
لينظر في ذلك فخرج الطلبة منها ، وانصرفوا بكلهم عنها ، وهو ينظر فيهم من محلّه
وقلبه متحير في الأمر بكلّه ، فلم ير من لحقهم ورء (كذا) النساء درجن على الأسطاح
وأعينهم شاخصات نحوهم أسفا عليهم وفي غم من أهل الصلاح ، فجاءهءاغته الأسد الضرغام
، البطل الهمام الشهم الكامل ، الجواد العاقل ، الكمى الباسل ، فارس القتال ،
وصنديد النزال مبدد الأعداء ، وفاصل الدعاوي ، ءاغة السيد قدور الكبير بن إسماعيل
البحثاوي وقال له يا سيدي لا يليق بك ولا بنا طرد الطلبة الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي ، ويتلون كتابه العزيز بالإتلاء الحضي وإنما اللائق أن من فعل ذنبا يستحق
به العقاب ، عقب ومن لا فلا بلا ارتياب. والذين اشتكوا لك بهم بأنهم أهل افتيات ،
عليهم بحفظ أنفسهم وأهلهم مما ادعوه عليهم بغير إثبات ، فقبل منه هذا الكلام ، وفرح
به كثيرا بالانتظام ، وأمر بردهم لمحلهم فرجعوا ، بعد أن (ص ٢٣٦) خرجوا منه وفزعوا
، ولما استقروا بمواضعهم ، واشتغلوا بمصانعهم ، ذهب / لهم على فرسه بشواشه ،
متبخترا في سيره ونواشه ، وحين وصلهم لمحلهم ، دفع لهم مالا كثيرا زيارة بقصد
التبرك بهم ، وقال لهم أيها الطلبة اشتغلوا بالقراءة وكفوا أنفسكم عن الإذاية فما
في المدينة من يحبكم إلا ثلاثة في المحبة سواء ، وهم : أنا وءاغة قدور بن إسماعيل
البحثاوي والنساء. وفيءاغة المذكور ، الفارس المشهور ، قال الحافظ العلامة ،
القدوة الفهامة إمام المحققين وحافظ الوقت على الإطلاق بالتبيين الشيخ محمد أبو
راس الناصري هذه الأبيات :
ألا إنّ أوصاف
الكمال تجمعت
|
|
بأسرها في شهم
جليل تبرّعت
|
أموره وهو قدور
الذي قد فاق
|
|
غيره ورتبه إلى
السما قد علت
|
سليل إسماعيل
سليل بشيرها
|
|
يلقّب ببحث
تلقيبا له دنت
|
جميع قواصيها
وحاز كمالها
|
|
كما لسطوته
الرقاب قد أخضعت
|
|
ونال علوا لا
يناله غيره
|
|
فما للبحثاوي من
شبه يرى ـ روت
|
فإنه حاتم وأخنق
قيسها
|
|
هرم ومأمون رشيد
بلا عنت
|
فاق ابن مكدّم
في كل أموره
|
|
ولو كان حاضرا
سلّم له ثبت
|
وكيف وأنه من
نسل صعصعة
|
|
وهو من المخزومي
أصلا له ثبت
|
وكانت رئاسة
المخزن بين آغا هذا ومحمد الزحاف ولد الشريف الكرطي
التلاوي نوبة
ابتدئت (كذا) من هاذين. توفي الباي رحمهالله ببلاد صبيح حال إقباله من الجزائر على الصحيح سنة ثلاثة
عشر ومائتين وألف بعد ما ملك عشرين سنة. وما في در الأعيان وأنيس الغريب
والمسافر من أنه بقي ثمانية عشر سنة سهو لما قد علمت أنه تولى سنة اثنين وتسعين
ومائة وألف وتوفي سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف وبينهما عشرون سنة صحيحة. وبالجملة
أنه كان خليفة علي خليل سبعة أعوام وبايا مستقلا عشرين سنة فذلك سبعة وعشرون سنة
خدمة للدولة العثمانية المنصورة. ولما طار خبر موته لأهل الجزائر بعثوا لابنه
عثمان خليفته وهو أكبر أولاده بالمملكة فركب فورا وحث السير إليهم حثيثا بعد ما
بعث أباه لوهران وأوصى على دفنه بالمدرسة التي بالموضع المسمى بخنق النطاح من
وهران وحين وصل الجزائر ولّي بايا مكان أبيه تلك السنة. وكان للباي محمد ألقاب
وكنى ، فالألقاب : يقال له الكبير والمجاهد / والأكحل (ص ٢٣٧) والمنصور. والكنا :
يقال له أبو عثمان وأبو علي وأبو محمد وأبو أحمد وأبو الفتوحات وأبو النصر وأبو
المواهب وأبو الربيع وأبو الفتح إلى غير ذلك. قال الشيخ حسن خوجة في درّ الأعيان ،
والشيخ مسلم في أنيس الغريب والمسافر. وحدث بأول مملكته بالمعسكر مسغبة عظيمة هلك
بها أناس كثيرة إلى أن أكلوا فيها الميتة والدم والخنزير ولحم الآدمي والعياذ
بالله من ذلك.
قلت وهو مخالف لما
مر من أن ذلك حدث في أيام خليل وهو الصواب ثم حدث بأيامه الطاعون العظيم الذي لم
يحدث في هذا الأقليم قبله قط إلى أن مات به جلّ الناس بدوا وحضرا وآل فيه الأمر
إلى أن انتقل أهل الحضر والباي بأهله ومخزنه إلى البدو في خيام الشعر ظاعنين ظعن
الأعراب البادية زمانا طويلا وقد جعل الباي خيمة حمراء من الوبر وسكن بها ببلاد
أولاد سليمان أحد بطون بني عامر وأدار بها الزمالة ثم أدار بهم الدوائر فسمي بذلك
الزمالة والدوائر لكونها زمالة الباي ودوائره وسمي العام بعام الخيمة الحمرا. ثم
حدثت الزلزلة العظيمة التي لم تحدث قبل ذلك واشتدت بوهران أكثر من غيرها إلى أن
سقط بها الدور والأبراج على أمم من النصارى فأهلكوا بذلك ودام ذلك إلى أن اتخذ
النصارى
__________________
بيوتا من اللوح
لسكناهم. قيل وتلك الززلة هي سبب فتحها كما مرّ. وهذا الباي المنصور هو الذي جعل
على المخزن رايسين (كذا) أحدهما كبيرا وهو آغا الدوائر والآخرة صغيرا وهو قائد
الزمالة وإلّا فكانوا قبله تحت رايس (كذا) واحد وهو القائدءاغة وكان من الدواير لا
غير كما مر. وأول من تولى ذلك من الزمالة مصطفى بن قرادة فإذا تولى قدور بن
إسماعيل الكبير فإنه يتولى مصطفى بن قرادة وإذا تولى محمد الزحاف ولد الشريف الكرطي
التلاوي فإنه يتولى قدور بن علي وهلمّ جرّا.
الباي عثمان بن محمد
ثم ابنه عثمان بن
محمد بن عثمان وهو ثالث بايات وهران ، وأبوه ثانيهم ، وأبو الشلاغم المسراي أولهم.
كما مرّ. تولى سنة ثلاثة عشر ومائتين وألف بعد موت أبيه بأيام قلائل وبقي في الملك ثلاثة أعوام غير
شيء. ولما تولى نقل الحكومة من البرج الأحمر إلى القصبة التي بأعلا البلانصة من
ناحية مرجاجو واشتغل ببناء المعالم المرونقة ، والغرف المعددة المزوّقة ، والقصور
المشيدة ، (ص ٢٣٨) والأساطين الكثيرة المعددة ، وغرس / الأشجار ذات الفواكه
والروائح الطيبة المختلفة ، وجرى المياه في القوارير الموتلفة وأعرض عن المملكة
باللّبّ وأقبل بكله على اللهو والطرب ، فانهمك فيه انهماك بعض ملوك العرب ، فصار
مجلسه لا يخلوا (كذا) من الأدباء الظرفاء ، والسادات الأعيان والشرفاء ولم يلتفت
لما كلفه الله به من أمور الرعية ، بل جعل ذلك نسيا منسيا بالكلية. وكان من جملة
ندمائه حقا ، وأظرفهم خلقا وخلقا ، الفقيه اللبيب ، الكعب الأريب ، الآخذ من كل
علم وافر نصيب الحائز للآداب بالكمال المرعي ، السيد محمد بن الجيلاني الخروبي ـ القلعي
، الذي قال فيه الفقيه الحاذق ، البارع السابق ، الخرير الماهر السيد مسلم بن عبد
القادر ، هاتين البيتين بمدحه فيهما بدون مين :
ونديم لأبي محمد
عثمان
|
|
مصدّر في كل شيء
فقيه
|
__________________
عفيف ذو نجابة
مهاب
|
|
ظريف ذو رياسة
وجيه
|
وقد تقدمتا. واتخذ
مجلسا للخلوة بأحكام ، فصار لا يخرج منه للحكم إلّا بعد مرور أيام ، وصرف أمر
رعيته إلى من شاء من أرباب دولته ، فانتفعوا نفعا كثيرا ، ونالوا من الرعية مالا
غزيرا ، وهو لا يلتفت إليهم في الذّكر والسّهو ، لما شغف به من أمر اللعب واللهو ،
حتى أنه جاءه يوما بعض قواده للمحاسبة على ما بيديه ، فأطرده وقال له أن المحاسب
هو الله ولا يكون الحساب إلا بين يديه ، ارجع إلى سبيلك وأمرك ، فإني لست بملتفت
لما بيدك أو بيد غيرك ودام على ذلك إلى أن أداه حاله للعزل ، ورجع أمره من السّمن
إلى الهزل. وذلك أنه بعث مع بعض التجار لتونس مالا ليشتري له بعض الجواري المغنيات
، ذات الجمال والغناء الفائقات فأتاه بجاريتين مغنيتين بارعتي الجمال والغناء
متصدرتين فيه لإنالة المنا ، تذهبان عن القلب ما به من النصب والعنا ، فتسلّا بهما
ليالي وأياما ولغيرهما تحاشا ، إلى أن بلغ خبره للجزائر إلى الباشا ، فغضب منه
غضبا شديدا ، ونهب ماله وسمّر داره وكبّله قيدا حديدا ، ونقله إلى البليدة ، على
غير الحالة المرضية فنزلها بأهله وولده وحشمه نزلته الكلية.
ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوي
وبقي بها إلى أن
تولى بايا بقسنطينة / وحاله لم يتشوش إلى أن قام عليه (ص ٢٣٩) ثائرا رجل من درقاوة
يقال له السيد أحمد بن الأحرش ، فتى مغربي مالكي مذهبا ، درقاوي طريقة ، درعي نسبا
، جاء لتلك القبائل وادعى أنه الإمام المهدي المنتظر ، وكان صاحب شعوذة وخنقطرة
وحيل وخبر ، يبدل بها الأشياء للشيء الذي يريد فورا ، كاستحالة البعر زبيبا وتقطير
السيف دما والحجارة درهما والروث تمرا ، فرأت الناس منه العجائب ، وأظهر لهم
الأمور الغرائب ، التي هي قلب العين ، لا حقيقة لها دون مين فنصروه وعقدوا له
البيعة حزبا حزبا ، وجندوا معه وأمره كله كذبا ، واتبعوه في المصادر ، وامتثلوا له
في النواهي والأوامر ، فحرك بهم على قسنطينة وحاصروها يوما كاملا ، وكان الباي
عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (كذا) فلما سمع أتاه عاجلا ، فألفاه هزم وأصيب
بالرصاص في فخذه فتكسرت ، لكن حاله لا زال مجتمعا غير متشتت ، فبات بداره ومن الغد
خرج لطلبه وهو
بواد يقال له وادي الزهور فلحقه هناك وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر والحرق
أمّنه من شوكتهم الغرور ، إلى أن توغل في بلادهم وقد ترك وراءه معقلا صعبا ومضيقا
وعرا وكان أمره منشورا. ففرّ القبائل للمعقل وأجروا فيه الماء وداروا بعسكره من كل
جانب دحورا. واشتدّ القتال وحمي الوطيس وكبر النهار ، فهزم الباي هزيمة شنيعة
وولّى الأدبار ، فوجد المعقل على غير ما تركه فحلّ به المكر بالقتل والأسر والكسر
والسبي إلى أن كبّ به فرسه في الطين ثم فرّ عنه وتركه ، فأخذ الباي وقتل هنالك
وفرح ابن الأحرش بذلك ، ولم ينج من جيش الباي إلا القليل ، وقد أدارت (كذا) بهم
القبائل إدارة عظيمة صار العزيز بها كأنه الذليل. قال صاحب در الأعيان ، وكذا صاحب
أنيس الغريب والمسافر ، وحدث في أيامه الطاعون الذي كان قد وقع وذهب فمات به جلّ
الناس وكثير من العلماء ، منهم بالراشدية العلامة الإمام ، والفهامة الهمام ، ذكي
الفهم والأحوال ذكاءة المسك والعنبر والقرنفل وزهر القرفة السيد عبد القادر بن
السنوسي بن دحّ ابن زرقة ، ومنهم صنوه الفقيه ذو الفهم الراشمي ، الخرير السيد
الهاشمي ، ومنهم ابن عمهما الفقيه الأديب الألمعي الذكي الأنجب الشبيه بالأوزعي
مؤلف فتح وهران السيد مصطفى بن عبد الله وغيرهم من الأعيان. وظهر الجراد الكثير
كثيرا (ص ٢٤٠) جسيما / فأفسد الزرع والثمار فسادا عظيما. وكانءاغته بالدوائر
الشجاع الطاوي ، السيد عثمان بن إسماعيل بن البشير البحثاوي. وبالزمالة قائده قدور
بن علي الثابت في الجزء (كذا) والكلي. ثم صار على الدوائرءاغة بن عودة بن خده أحد
أجواد غريس من ذرية الممدود وتوليته على المخزن من وضع الشيء في غير محله وتطوّر
الشخص على غير شكله. وسبب توليته إنه كان شاوشا علىءاغة قدور بن إسماعيل ثم
تزوّجءاغة بابنته ميرة فصيّره خليفة عليه ولما مات قدور وتولى أخوه عثمان أبقاه
معه خليفة إلى أن مات عثمان تولىءاغة بموضعه وبقيءاغة إلى أن مات بغارته انقاد في
وقت مصطفى باي في توليته الأولى.
الباي مصطفى العجمي وثورة درقاوة
ثم الحاج مصطفى بن
عبد الله العجمي وهو رابع بايات وهران التي منها
سبعة سرد ، وواحد
فرد ، تولى سنة خمسة عشر ومائتين وألف ، وكان رجلا عاقلا لكنه جبانا أدته جبانته للشقاوة حتى هاجت
في أيامه هيجانا عظيما عامة درقاوة. وقد أشار عليه بعض الأولياء بقوله (كذا) سيأتي
مصطفى عصي ، هو فوق الكرسي والناس تعصي. وفي السنة الثانية من ولايته وهي سنة ستة
عشر ومائتين وألف غزى (كذا) أهل انقاد غزوته الذميمة فهزموه الهزيمة العظيمة
، مات فيها جملة من رؤساء مخزنه الأعيان منهمءاغته بن عودة بن خدة وللجنان ذهبوا ،
واشتدت الهزيمة حتى أسّروا وسلبوا ، وهي أول واقعة وقعت بهذا الوجه في المخزن ،
فدخله بها الرعب والوهن بعد أن كان في أحواله بالقلب هو المطمئن ، وكثر طمع الرعية
في شبه ذلك وقد مسّ المخزن بعض الجبن والكسل من ذلك ، لا سيما إذا كان الأمير
جبانا خوالا ، فلم يزدهم ذلك إلا جبنا وكسالا (كذا) لأن الرعية تابعة للراعي في
الصلاح والفساد وأحوال المراعي ، والجيش إذا كان رايسه (كذا) أسدا فهو بذلك جدير ،
وإن كان بعكس ذلك فهو بحسب الأمير ، قال الشاعر :
المرء في ميزانه
أتباعه
|
|
فاقدر إذا قدر
النبيّ محمّد
|
أسباب ثورة درقاوة
وسبب قيام درقاوة
، أهل الحالة الدالة على ذمّ وشقاوة ، أنهم عامة ينتحلون العبادات ، ويتلبسون على
الناس ببعض الخيالات. ـ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف وهم في أحوالهم في غاية
التلطف لإنالة مالهم به التوصّف ، يجتمعون في الأسواق والطرق والفنادق ومراح
الدواوير والمقابر والمواسم والزوايا حلقا حلقا ويذكرون لا إله إلا الله جهرا
مناوبة / ثم يذكرون الاسم المفرد بالأصوات (ص ٢٤١) المتجاوبة ، ثم يقومون للشطح
والرقص بعد الأكل الكثير ، إلى أن يغمرهم العرق والتشرير ، ويركبون على القصب
والكلخ وما هو كالعهن المنفوش ، ويعلقون القرون وقلائد الببوش ، ويتسابقون على تلك
الحالة ، ويعتقدون أنهم على أكمل
__________________
الحالة ، ويلبسون
الثياب المرقعة ، ويرومون المسائل الموقعة ، وربما أخذوا جديد الثياب! فيقطعونها
ثم يرقعونها بالاستعاب ، ويظهرون الزهد في الدنيا إظهارا كليا ، ويجلبون الناس
للأخذ عنهم والدخول في طريقتهم تحليا ، ويذمون الدنيا وتابعها ، ويعظمون طريقتهم
وجامعها ، ويطالعون كتب التصوّف فيأخذون منها الألفاظ الدالة على ذمّ الدنيا ومدح
الآخرة. وفي الحقيقة أنهم ليسوا من أبناء الدنيا ولا من أبناء الآخرة. وإن هم إلّا
كالأنعام بل هم أظل سبيلا ، وأقدم حالة وأكذب مقيلا ، ويكرهون الأولياء والعلماء
ويقدحون في أمواتهم سيما شيخ المشايخ الشيخ عبد القادر الجيلاني ذا السر الباهر ،
وينفون عنه التصوّف بالكلية وينسبونه لأنفسهم بالإخفاء والظاهر ، وينتسبون إلى رجل
مغربي من بني زروال بوادي أبي بريح من فرقة يقال لها درقاوة ، يقال له الشيخ مولاي
محمد العربي بن أحمد وينسبون له السرّ والنقاوة. أخذ عنه جملة من أشياخهم وأصولهم
وأفراخهم ، منهم السيد عبد القادر بن الشريف القائم بالغوغاء والعامة على أهل
الملك والتصريف ، وهو من أولاد سيدي أبي اليل (كذا) المرابطين بقبيل الكسانة النقد
، حي من أحياء العرب البادية المتوطن بواد العبد. وكان هذا القائم في أول حاله
عالما متفننا في (ص ٢٤٢) سائر العلوم ، محققا لها بقيودها والمنطوق والمفهوم /
ورعا زاهدا ، متعبدا راكعا ساجدا ، صائما قائما ، حنينا راحما ، أستاذا يقري (كذا)
القرآن ويعزّ أهله ويزيل بتعلمه لكل جاهل جهله ، والناس يشيرون إليه بالصلاح.
والنّسك والنجاح ، فذهب للمغرب وأخذ عن مولاي العربي تلميذ مولاي علي الجمل. فقدمه
على إعطاء الذكر لمن بهذا المحل ، ثم رجع من المغرب وترك ما كان عليه من التعليم ،
واشتغل في زعمه بالتربية والتكليم ، ولم يدر أنها انقطعت في القرن التاسع باتفاق
من الأئمة وليس في هذا مدافع ، ولبس الخرقة المرقعة وعلّق الببوش وركب الكلخ وعلّق
القرون المرقّعة ، وابتدع أمورا يمجّها الطبع ، وينكرها الشرع ، واقتدى به في ذلك
الجلّ من الناس ، وأخذ عنه كل من هو في عقله في غاية الإخساس ، خصوصا أهل الصحراء
فأذعنوا له إلى أن قهرهم قهرا ، وزاغت به نفسه الأمارة بالسوء وباع آخرته بدنياه ،
ثم أصبح بلا بهما معايا ويلاه ، وصارت عامة درقاوة تجتمع إليه ، فيخرج بهم إلى
الصحراء فيجتمعون عليه ، وتتلقاه الأعراب بالفرح والسرور ، حتى أخذت عنه جميعها
الورد وهو في
سرور ، وصارت كل
شيعة تهدي إليه الهدايا ، ويأتون إليه من كل فج بالعطايا ، ويشتكون إليه ضرر
المخزن وما هم فيه من أداء المغارم ، ولم يعلموا أنهم سيرجعوا إلى انتهاك المحارم
، فكان يعدهم بالفرج القريب المشكور ، ويجمع تلك الزيارة والهدايا فيذهب بها إلى
شيخه المذكور ويدفعها إليه ويقص عليه ما هم فيه خدّامه من إهانة المخزن إليهم ،
فيقول له انصرهم والله ينصرك عليهم ، فحصل له بشيخه الطمع الكثير مع ما نظره من
اجتماع الغوغاء عليه بالأمير العسير ، وهم الأحرار وغيرهم من أهل العناد ، الذين
يشبّهون بصغار الجراد في الفساد ، فدعا أهل الصحراء كالأحرار وغيرهم لمبايعته
فأجابوه فورا لذلك ولكل ما يشتهي وأقام بالأحرار / يأمر وينهي. وفي هؤلاء درقاوة
وقع السؤال والجواب (ص ٢٤٣) من العلماء أولي الألباب ونصّه :
أيا أهل تطوان
فما الحكم عندكم
|
|
في أصحاب درقاو
إلى الجمل ينسب
|
بنصّ يزيل
المشكلات بأسرها
|
|
أيتبع مطلقا أم
التّرك أصوب
|
ومن أين ذاك
الأخذ بالسند الجلب
|
|
كما قرّروا للشاذلي
الجاه يحسب
|
إذ ذّا المحدثات
شاع في الناس حكمها
|
|
يا ذا الأمن
بالأوطان بلدنا مغرب
|
وما أحدثوا من
جلد ذيب ونحوه
|
|
في لبسهم والحبل
والعود يركب
|
إذا نصبوا
للاقتداء فهل لنا
|
|
ثواب صلاتنا أم
الأمر أصعب
|
وهل غيبة تجري
وينصق عادل
|
|
جوابكم نبغي من
الحوض نشرب
|
جوابه
عليك سلام الله
يا سائليّ فخذ
|
|
نقولا من
المعيار بالسوط يضرب
|
وابن هلال شدّد
جدا محررا
|
|
ومن يتّبع ذا
الأمر إبليس يصحب
|
ومن يعتقد الرقص
والشطح باليد
|
|
عبادة ربّه
فزنديق يحسب
|
وقد خالفوا سبل
الرسول محمّد
|
|
ومن خالف سنّ
النبيّ يعذّب
|
إمامتهم مع
الشهادة باطلة
|
|
لبدعتهم حقّا
وصدقا مركّب
|
فلا غيبة تجري
في سبعة طبّقوا
|
|
في مثلهم
الأخيار للعلم ينسب
|
فهذا هو المشهور
عند جميعهم
|
|
فجنّب طريق
اللهو للحقّ تقرب
|
وأيقن بأن الله
أنزل حكمه
|
|
في تنزيله القرآن
شرعا مهذّب
|
معركة فرطاسة ونتائجها
قال فبينما الناس
على غفلة إذا بابن الشريف أصبح قائما بأقوالهم ، معلنا (ص ٢٤٤) بجهاد / الترك
والمخزت محللا لدمائهم وأموالهم فاجتمعت عليه الغوغاء من كل جانب ومكان للحرك ،
وهبط مع وادي مينا قاصدا نحو المخزن وأذن لأتباعه في النهب لأموال أتباع الترك.
وكان الباي في بعض حركاته راجعا بعد فراغه منها إلى وهران. ولما سمع بالدرقاوي جمع
له الجيوش وخرج للقائه فبلغه الخبر المحقق وهو نازل بالموضع المعروف بالبطحاء الآن
، بأن ابن الشريف بمينا بقرب تاقدمت بجيشه حائطا ، فصار الباي صاعدا نحوه ، وابن
الشريف له هابطا ، إلى أن تلقيا بفرطاسة في غاية الحزم والشدة ، وكان ذلك المحل ما
بين مينا وواد العبد ، فاشتدّ القتال بينهما على الماء وصارت نار الحرب بينهما
دائرة بالحتوف ، وتزاحفت لبعضها بعضا الصفوف وتراكم الأمر وحام الوطيس المعروف ،
فانهزم الباي وقام مخزنه على ساق واحد وركب العدّو بظهره في تزايد ، وصار يقتل
ويسبي ويأسر إلى قرب أم العساكر ، وبقيت محلة الباي بما فيها بيد الدرقاوي
المتجاسر ، فأمسى الباي بمخزنة في نكد ، وأصبح الدرقاوي بأتباعه في رغد ، فسبحان
المعز المذل الإله بوحدانية المنفرد ، ودخل الباي للمعسكر على غير الحالة المعهودة
، وعساكره خلفه مطرودة ، ومات من مخزنه خلق كثير ، وعدد حصره عسير ، من جملتهم
كاتبا الباي وهما : العلامة السيد الحاج أحمد ابن هطال التلمساني الراوي ،
والعلامة الأديب أبو عبد الله السيد محمد الغزلاوي إلى غير ذلك من الأعيان ، الذين
انتقلوا إلى جنّة الرضوان. وفيها قال السيد حسن خوجة في در الأعيان هذه الأبيات :
فرطاسة يومها
ترى الجنود به
|
|
ما بين قتلى
وأسرى غير ناجينا
|
فالباي جاء بجيش
لا نفاذ له
|
|
به يريد لقاء
العدو باغينا
|
فلم يحقّق له
سعي ولا أمل
|
|
بل جاء جنده صفر
الكف باكينا
|
(ص ٢٤٥)
/ فاليوم لابن الشريف عزّ فيه على
|
|
باي الأعاجم
لولا الدين لا دينا
|
وقال السيد مسلم
الحميري :
فيوم فرطاسة يوم
كبير
|
|
ذلّ فيه العزيز
عزّ الحقير
|
لقد هيّا مصطفى
جيشا كبيرا
|
|
تركا ومخزنا
الملك الجدير
|
فلم تك ساعة
إلّا وانهزموا
|
|
من جيش قليل
هيّأه الفقير
|
قال : ثم خرج من
المعسكر عشية يومه وقيل عشية اليوم الثاني ، وكان يوم الأحد ثالث أو ثامن من ربيع
الأول بالبياني ، سنة تسعة عشر ومائتين وألف ، من هجرة من حاز الكمال والشرف والوصف. ورجع لوهران
فدخلها في فلّه ، وهو في وجل ببعضه وكله ، فاجتمع عليه أعيان مخزنه وسهّلوا عليه
الأمر وهوّنوا عليه المصيبة ، وأزالوا عنه ما بنفسه من الوجل والريبة وقالوا له لا
تجزع من الدرقاوي وأعرابه ، وجيوشه وأصحابه فنحن سيوفك الماضية. ورماحك النافذة
القاضية ، وشجعانك الداهية وفرسانك الضارية الدامية ، والأمر كذلك وفوق ذلك ، ولا
يكون إلّا ما تراه من الدفع عنك بأنفسنا وأكثر من ذلك ، فإن كان الأمر من الله فلا
يليق إلا التسليم ، والرضى؟ بما قدره وقضاه الحكيم العليم وإن كان غير ذلك فلا ترى
إن شاء الله إلا ما يسرّنا ويسرّك بغير خلف ، ألم تعلم أننا فحول هذه الأوطان
وأبطالها موروث ذلك عندنا خلفا عن سلف ، ومن يناقمنا يحلّ به الويل ، ويصده النكل
والخبل. وقد صدق فينا قول الشاعر الماهر ، الذي قوله ذائع عند البادي والحاضر :
إذا قالت قريش
في أمر شيئا
|
|
فذاك القول
مصداق المرام
|
/ فصدقوها في المقال حقا
|
|
ولا يكن تكذيب
في الكلام
|
(ص ٢٤٦) وقول الآخر :
إذا قالت حذام
فصدقوها
|
|
فإنّ القول ما
قالت حذام
|
وقول آخر :
وننكر إن شئنا
على الناس قولهم
|
|
ولا ينكرون
القول حين نقول
|
وقد نصبنا أنفسنا
للموت والتزمناها ، بحيث من لم يمت منّا بالسيف مات بغيره فيتمناها فصدق فينا قول
الشاعر :
ومن لم يمت
بالسيف مات بغيره
|
|
تعدّدت الأسباب
والدّاء واحد
|
__________________
ولا خير في خلف
إذا لم يتبع السلف ، ولا في الرجل إذا لم يتبع أباه ولخصاله يقتف ، والورقة من
الشجرة ، والنار من الزناد والحجارة. وقال فعند ذلك اتفق رأيهم على تحصين البلاد
بكل الأدوار ، وإقامة آلة الحرب وما يئول (كذا) إليه الحصار ، وأتقنوا أمرهم غاية
، واستعدوا للعدو بدءا ونهاية. ولما استولى الدرقاوي على المحلة وعزّ جانبه في كل
قرية وحلّة ، واتصف بالمزية ، كتب بالبشائر والتهاني لجميع الرعية ، قائلا لهم
بقوله الذي بان لهم فيه النصيحة والمعونة ، أننا نزعنا عنكم ما كنتم فيه من الحقر
والذلة والمسكنة ، وأداء المغارم والجزية الثقيلة ، والمؤن الكثيرة الجليلة ، الذي
جميع ذلك هو حرام ، على من انتظم بالدخول في سلك الإسلام ، وقد قطعنا دابر الترك
الظلام ، وأتباعهم الشّرار اللئام. فالواجب عليكم مبايعتنا والإذعان لنا وطاعتنا ،
فوافقه على ذلك (ص ٢٤٧) جمّ غفير ، وعدد كثير / فاجتمع عند ضحى يوم الجمعة ، ثالث
عشر ربيع الأول تلك السنة ذات القصعة ، ما لا يحصى عده ، ولا يستطاع دفعه ورده ، من
رعايا الباي ، من ذوي العقول الفاسدة الرأي ، فمرّ بغريس الشرقي والألوية على رأسه
في غاية الخفقى ، إذا به سمع امرأة تنادي على أخرى تركية ، وكان ذلك اسمها في
المحكية ، فأنف من ذلك وأبدل اسمها فورا بعربية ، وقال ما عدونا إلّا الترك
بأتباعهم وحشومهم وأشياعهم. ثم دخل المعسكر فأطاعوه ، ما بين طوع وإكراه بايعوه
وما داعوه فصيرها دار ملكه وسكناه ، وجمع بها أهله وأولاده وجعلها مثواه. وقد ألفى
بها وقتئذ الفارس القائد أبا محمد بالحضري بن إسماعيل البحثاوي نسبا ، الدايري (كذا)
مرتبا ، قد كان الباي بعثه لها لبعض شئونه ، وقضاء مطالبه ومؤنه ، فتقبّض عليه
كغيره من القواد وسجنه ، وكبّله ومهنه. وهزم جيشه خليفة الباي مصطفى ببلاد مجاهر
في ربيع الثاني من تلك السنة هزيمة شنيعة ، وقتلوا العسكر ونهبوا المحلة ذريعة. ثم خرج
من المعسكر بجيوش كالجرذ أن تملأ الخراب والعمران ، قاصدا بها فتح وهران. ولما حلّ
بسيق بأرض الغرابة ، فرّ منه أهلها بعضهم للجبال وبعضهم للغيب والأماكن المتوعرة
الشعابة ، ومن دخل منهم لغابة الجيرة التي هي طريقه أوقع بهم عظيما ما بين القتل
والأسر
__________________
والسبي وحلّ بهم
تطريقه ، حتى عرف بالموضع الذي وقع به ذلك للآن بشعبة النواح ، لكثرة نوح الناس
بالبكاء على أنفسهم وأهلهم وما بهم من الفراح. وكان الولي أبا عمامة الغربي تلميذ
أبي دية قبل الواقعة يقول وهو في خلوته : مزينكم يا حواض السماء لو كان فيكم الماء
لأن كل من فرّ لأحواض السماء وهو الجبل المطل على طلقة العلوج وسيق نجا ، وكل من /
ذهب لغيره حلّ به ما يرتجا (ص ٢٤٨) (كذا) ، وصارت جنوده المفسدة الذميمة الوافرة
العدد الجسيمة ، ما تمرّ بموضع إلا تركته وحشا ، مهانا ووجهه وخشا ، وكان قدومه
لوهران في الصيف في أبّان الحصاد ، فسارت إليه وأطاعته جميع العباد لا عربي ولا
مخزني ، ولا شريف القدر ولا دني ، خشية منه على زرعهم ومالهم وضرعهم ، لكون الجنود
مضنة الفساد ، والضلال والنكاد ، لا سيما عادة الجنود السلطانية المتوّجة
بالتّيجان الشيطانية ، فلم ينفع ذلك من دخل في طاعته ، ولا من أتاه للخلاص ببضاعته
، بل سلّط من شدة ظلمه أتباعه ، على من انتسب للمخزن فأكثر إيقاعه ، فأخذوا ماله
ونهبوه وسبوا أولاده ، وتركوا حيارى زوجه وأفراده ، فحرقوا ونهبوا وقتلوا وأسروا
وسبوا ، وصار المستغيث بهم كالمستغيث في الرمضاء بالنار ، أو السفيه في القفار.
فكانوا أهلا بقول الشاعر ، الحاذق الماهر :
فالمستغيث
بالسفيه عند كربته
|
|
كالمستغيث في
الرمضاء بالنار
|
ولم ينج من
وقائعهم الرذيلة إلّا من نجاه الله منهم أو لجأ إلى بعض المواضيع الممتنعة عنهم.
قال : ثم ارتحل ونزل ضواحي وهران بقربها في المشتهر ، وصبحها بجنوده كأنها الجراد
المنتشر ، طامعا في دخولها وأخذ ذخائرها ، وتزوج نساء أكابرها ، كطمع جنوده بذلك
لضعف أهلها في زعمه عن دفع ذلك ، مستحلّين ذلك لضعف مذاهب الأعراب ذات الفعل
القبيح الخائضة مع كل ريح ، وما ذلك إلا لضعف عقولهم وقساوة قلوبهم ، وشدة جهلهم
وكثرة لعوبهم وزلّة أقدامهم ورؤوسهم ، واتباعهم هواهم وما سوّلته لهم أنفسهم في
قيامهم وجلوسهم ، وشدة حسن ظنهم بأميرهم ، ولا فرق بين كبيرهم وصغيرهم جازمين أن
كلمته لا تردّ ، وأن دعاءه مستجاب في كل واحد ، فاستعدّ / للقائه (ص ٢٤٩) أهل
البلد ، وتهيّوا (كذا) لقتاله بكل مرصد وخرجوا لمبارزته ومكافحته ومنابزته ،
ومحاربته وقتاله ، ومناطحته ونزاله ، فقاتلوا شديدا مددا وهم مع ذلك أقل منه
عددا وعددا ، فكان
من أمرهم الظهور عليه بحشوده ، وحصل النصر لهم فهزموه مع كثرة جنوده ومكر الله
بالقوم الظالمين الفاجرين ، قال تعالى (كَمْ مِنْ فِئَةٍ
قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) ، واشتد المخزن في القتال مع قلّته ، وانهزم العدو من حينه
مع كثرته وجلّته ، وصار ذلك اليوم هو باكورة سعدهم ونجحهم وعلامة ظفرهم بالعدو
وربحهم وظهور قوتهم وبأسهم ، ومسرة بشارتهم وأنسهم ، فما من يوم بعده حاربوه إلا
كان لهم فيه النصر والظفر ، والمهابة والنصرة تجري على القضاء والقدر ، ولا زالت
بينهم وبينه الحروب الشديدة ، والمكايد المديدة العديدة ، وانسدّت السّبل البريّة
بين وهران والجزائر أياما.
فبينما الناس كذلك
وإذا بالسفن في البحر تخفق فيها أعلاما مشحونة بعساكر الأتراك الشداد ، تحت حكم
باي آخر وهو محمد بن محمد بن عثمان على حسب المراد. وكانءاغته البطل الشجاع الفارس
الباسل المطاع ، كافل الأراميل (كذا) ، البحثاوي عثمان بن إسماعيل ، ثم كثير الشدة
، بن عودة بن خدة ، ثم الطّود الشّامخ ، الإكليل الباذح البحثاوي علي ولد عدة ،
المزيل لكل غمرة وشدة ، ثم الفارس الجواد الباسل ، الخرير الكامل الواصل ، الضرغام
الجميل ، البحثاوي قدور الصغير بن إسماعيل. ومن الزمالة مدير الأمور الوهراني
السيد محمد ولد قدور.
الباي محمد بن
عثمان المقلش وحروبه مع الدرقاوي
ثم محمد بن محمد
بن عثمان ، الملقب بالمقلش وهو خامس بايات وهران ، الذين نار بهم الوقت وطاب
الزمان ، كان انتقل مع أخيه عثمان إلى مدينة البليدة كما سبق البيان ، وأقام بها
إلى أن قام ابن الشريف الدرقاوي على (ص ٢٥٠) مصطفى بن عبد الله المارّ وحاصره
بوهران / ولما رءا (كذا) أهل الجزائر عجزه عن دفاع العدو وخانه ، عزلوه وخليفته
حسن وولّوه في مكانه لرياسته وشجاعته بالميامنية ، وسعادة الوطن بولاية العثمانية.
تولى سنة عشرين ومائتين وألف وهو
__________________
ابن ثمانية عشر
سنة على ما قد قيل ، وقيل غير ذلك من الأقاويل وبقي في الملك ثلاثة أعوام غير كسر
بالبيان. ولما أمره الباشا بالإتيان مع البرّ قال له أن ما بين الجزائر ووهران لا
يسلكه حتى الذّبان ، وكيف تأمرني بالذهاب معه أيها الباشا ، فالسالك معه لا شك أن
أمره يتلاشا (كذا) فأرسله في السفن في البحر ، وهو في غاية الحزم والعزم والصبر.
قال : وكان من
خبره أنه لما قدم لوهران ، وجد الدرقاوي محاصرا لها من كل جهة ومكان ، والناس في
ضيق شديد من طول الحصار ، وانقطاع الأقوات البرية باستلاء العدو على ضواحيها
بالاشتهار ، فكان طلوعه على أهل البلد طلوع نجم سعيد ، يراصده رجل حكيم مفيد ،
وقدومه عليهم صعدا ، وملاقاتهم إياه فوزا ومجدا ، يشمله قول الشاعر الحكيم الحاذق
الماهر :
بشرى فقد أنجز
الإقبال ما وعدا
|
|
وكوكب المجد في
أفق السّما صعدا
|
وكان للبلد وقت
ذلك خمسة أبواب ألفاها كلها مغلوقة ، لا من يدخلها من أهل الضواحي ولا من يخرج
منها من أهل البلد إلا بإذن وخلوقة ، فأمر بفتحها وحاله في عزم وشد ونادى المنادي
من قبله أيها الناس من أراد الدخول والخروج فليدخل وليخرج ولا حرج في ذلك على أحد
، فتفسح الناس وانفرج المضيق وأمنت من حينه البراري والطريق ، وصار المسافر لا
يحتاج إلى الرفيق ، وهبت رياح النصر وخفقت أعلامه وضاق متسع العدو وأظلمت عليه
لياله (كذا) وأيامه ، وسئم مكثه بالمحل الذي هو فيه ومقامه ، وصار الحرب معه عند
أهل البلد عيدا ، / وعدوهم بين أيديهم صيدا متعددا وفريدا ، والدّرقاوي يعد جنوده (ص
٢٥١) كل يوم بفتح وهران ، وهو مستحوذ عليه الشيطان ، ويمنيهم بالأماني الكاذبة ،
ويطمعهم بأقواله الجالبة ، ويعدهم المواعيد العرقوبية ، ويقاولهم بالأقاويل
الكذوبية ، إلى أن جاءه شيخه من المغرب وحضر لمقاتلة وشدة الحرب ، مع جيش تلميذه
فرءا (كذا) بالعيان ، ما لا يقدر عليه بكلمة البهتان ، وأزعجه قتال المخزن وما فيه
من الأعيان ، بعد أن أمرهم بحمل الشواقير والفيسان وأنهم في يومهم يدخلون وهران ،
ويصيرونها بالهدم والتخريب مغارات للفيران ، فباء وشرذمته بغضب من الله ، ولحقهم
الضرر من المخزن ما لم يلحقهم من أحد
بإذن الله ، إلا
أن الجاهل كل الجهل من يريد أن يحدث في الوقت ما لم يحدثه الله ، عالم الغيب
والشهادة ومقدر الشقاوة والسعادة ، المعطي المانع ، المعز المذل ، الخافض الرافع.
قال ، وكان مع الدرقاوي من أعيان المخزن أبو القاسم ابن ونّان قائد الغرابة مطيعا
له راكبا ، فرءاه يوما ورجله ترتعد في الركاب ارتعادا شديدا قد ارتعد لها جميع
جسده والمخزن عليه كالبا ، وكان رجلا جسيما غليظ القوائم طويل القامة بالطول
الحايم ، متسع الوجه مدوّره شديد البياض كثيف اللحية طويلها سريع الانقاض. فقرب
منه وقال له ما هذا الخوف والجزع ، الذي اعتراك حتى حل بك الارتعاد والفزع ، وأنت
في هم وحيرة ، وغم وسكرة ، فقال له يا خالي أبا القاسم والله لقد ذهب جميع ما كان
عندي من السر الذي جئت وأنا لمن أرذل الناس كالنايم ، فقال له أن شيخك عما قريب
يكون عندك ، فتنتصر على غيرك وحدك ، فأجابه بأن الشيء إذا ذهب ليس له رجوع ، ولا
يفيد (ص ٢٥٢) فيه الشيخ ولا غيره / في المسموع ، فأيقن درقاوة من أنفسهم بالعجز
والخذلان ، وأيسوا بحمد الله تعالى من فتح وهران. قال في در الأعيان أولئك الطائفة
حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ، وهؤلاء الدافعة هم حزب الله ألا إن
حزب الله هم المفلحون الناصرون. قال فاتفق رأيهم على الارتحال عنها برجف وخفق ،
لحصنها وشدة مخزنها والذهاب عنها لغيرها من مدن الشرق ، فأصبحوا ظاعنين وللعود
لوهران ليسوا بطاعنين ، وكان بالغرابة ولي من أولياء الله الكاملين الواصلين الذين
للسر حاملين ، يقال له السيد عبد القادر أبي عمامة ، تلميذ الضرير سيدي محمد أبي
دية كثير الكرامة ، وكان مأذونا له بالكلام في أمور الكشف كشيخه الجليل ، وكان
يسكن في عبادته بغابة مولاي إسماعيل. ولما تحرك الدرقاوي مشرقا ، وأحواله باطلة
وقلبه مخفقا ، صار يقول هذا الولي بكلامه المشجع يا سيدي داوود ، غير هذه المرة
ولا تعاود ، يا سيدي مبارك ، نوّض الجمل المبارك. ولما وصل الدرقاوي لمزارع سيق
قرب سيدي داوود قامت عليه الغرابة مجتمعة للميدان ، ورايسهم (كذا) قايدهم أبو
القاسم بن ونان يرومون منه أخذ الثار بما فعله بهم من قتل الرجال والنساء والصبيان
فتعرضوا له بالضرب والنهب ، والقتل والسبي والعطب فنالوا منه بعض الإنالة وابتدا (كذا)
في النقص بتلك الحالة. ثم لما وصل لسيدي مبارك قرب وادي هبرة ، لقيته فرسان
البرجية
مع ما انضم إليهم
من بني شقران وصيروه غبرة ، وقد تعرضوا له وهو سائر ، وتكلم المدفع الرّباني فيه
من سيدي مبارك في الدرقاوي الثائر ، سمعه الغائب وشاهده الحاضر ، فبصر الله
البرجية على درقاوة ، وهزموهم هزيمة شنيعة وأبدلوا سعادتهم بالشقاوة وأخذوا
بظهورهم وأدبارهم / ووضعوا البارود والسيف في (ص ٢٥٣) خيارهم وأشرارهم فكان يوما
عظيما على درقاوة ، وغنم وقتل فيه من قتل وأسر من أسر وسبي من سبي وجرح ، وحلت بهم
الشقاوة وغنم منهم الحاضرون لهم من البرجية وبني شقران ، غنائم كثيرة ليس لها
حصران ، لم يفتقر بعضهم بعدها قط ولا يرى الخسران ، فلله درّ فرسان البرجية ومن
انضم إليهم ، حيث قاتلوهم وهزموهم وغنموهم وسلطوا عليهم ، لقد أشفوا العليل ،
وأبردوا الغليل ، ولم يقنعوا منهم بأخذ القليل ، بل تركوهم حصيدا لكل لاقط من
الكثير والقليل. قال وفرّ الدرقاوي مفلولا فلة جليلة في شرذمة قليلة ، قاصدا لأهله
وخاصته بالمعسكر فمنعه أهلها من الدخول ، وتقبّضوا بأهله وأولاده وسائر الذين بها
من درقاوة ، ومكنوهم من القائد السيد الحاج بالحضري بن إسماعيل البحثاوي فجعلهم
فورا في الكبول. وذلك أن الدرقاوي كان سجنه كما مرّ مع سائر القواد ، وتركهم في
أرذل حالة على رؤوس الأشهاد. ولمّا حلّ بالدرقاوي من البرجية ما حل بسيدي مبارك ،
أخرج المعسكريون الحاج بالحضري من السجن بمن معه وحكّموه عليهم ومكنوه من أهل
الدرقاوي وأولاده وسائر طائفته عند ذلك ، وأعطوه السلاح فصار حكيما أميرا ، بعد أن
كان مسجونا أسيرا ، وفتك بدرقاوة ما بين القتل والجرح والسّبي والكبل ، فتكا شديدا
، لا يكون له مثل ، والمرء بما دان يدان ، والأيام متداولة بأحوالها من الخير
والشر على كل إنسان. قال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ
نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ). وقال صلىاللهعليهوسلم : «يوم لك ويوم عليك». وقالت العرب : يوم سمين ويوم هزيل.
وقال الشاعر من بحر الطويل :
/ ثمانية تجري على المرء كلّها
|
|
وكل امرء لا بدّ
يلقى الثمانية
|
(ص ٢٥٤)
سرور وحزن واجتماع وفرقة
|
|
ويسر وعسر ثم
سقم وعافية
|
ثم أن الدرقاوي
لما منع من الدخول للمعسكر فات على وجهه مع جموع الأحرار وسلّم في أهله وأولاده
وأصحابه وفرّ. قال ولما أتى الخبر للباي بتشتيت درقاوة قام من ساعته ، وجمع أرباب
دولته وأمرهم بالخروج لطلب الدرقاوي ،
وفتح ما يتيسّر له
من البلاد بالفتح الحاوي فقال له من معه من الوزراء والسادات والكبراء ، أمهل
بالخروج المعلوم ، واكتب لأهل الضواحي من المخزن بالقدوم ، ولا تعاقب أحدا بما فعل
ولا تكن منك له لائمة لأنهم لم يروا ذلك فارطا فظنوا عند الرؤية أن لا تقوم لنا
قائمة ، فأساء الله ظنّهم ، وخالفهم الدرقاوي بما منّهم فقال لهم رأيكم هو عين
الصواب ، وهو الذي يقع به الكتاب وأمر كتابه بمكاتبة ما أشار به أعيان المخزن ، وقلبه
مسرور ليس بمتحزن ، ثم بعث للمعسكريين رسله ليأتوه بنساء الدرقاوي وأهله وذخائره ،
فبمجرد الوصول بعثوهم له صحبة القائد الحاج بالحضري وأعيانهم ببشائره ، فقدموا بهم
على الباي بوهران بإظهار السرائر ، فأركبهم في الفلك وبعثهم إلى الجزائر وطارت إلى
كل مكان صحف البشائر.
ظهور الدرقاوي من جديد
ثم خرج نحو
المعسكر فنزل بلد البرجية ومعه أخوه أحمد المغيار ، وأقام بها أياما ينتظر من كل
جهة ورود الأخبار ، فبينما هو كذلك إذ جاءه الخبر الطائر ، بأنّ الدرقاوي جمع جيشا
جليلا من الصحرا (كذا) بموافقة مجاهر وبني عامر ، وأن مجاهرا عزموا على الغارة
عليك وصمموا بالمجيء إليك ، فتحيّر وضاق به (ص ٢٥٥) المتسع / واشتد به القلق
والجزع ، والاضطراب والفزع ، وخشي أن الخرق على الراقع يتسع ، ونادى لنديمه الأديب
ورفيقه الحبيب ، ومؤنسه وصاحب سره ، المطلع في جميع الأحوال على سعده ونحسه وخيره
وشره ، شبيه الحكيم اليوناني ، اللبيب الخروبي القلعي السيد محمد بن الجيلاني
فلمّا أن حضر مجلسه أخبره بما سمعه واقتبسه ، فقال له أيها الأمير المالك ، اجمع
أعيان مخزنك واستشرهم في ذلك ، لأن الرأي هم أهله ، والحرب هم صدره وأصله ،
فأحضرهم وأخبرهم بالخبر وكرّر لهم ذلك وحرّر ، فاختلف أمرهم في الرأي بالجواب ،
فبعضهم قال بالرجوع لوهران وغلق الأبواب وأهل الجزائر يدفعون عن أوطانهم لعدم
الطاقة عن دفع العدو وأقرانهم ، وبعضهم قال غير ذلك ، إلى أن سمع الباي رأي الجميع
بما هنالك. وكان الفارس الهمام ، والأسد الضرغام والبطل الشجاع ، والصنديد المطاع
، الذي للغيظ كظّام ، النّافع لمن انضم إليه
من الأنام كافل
اليتامى والرامل ، وقامع الشجعان البواسل من أسعده الله وأسعد به البلاد ، وأقامه
لنفود مصالح العباد ، القائد الأنجد ، الفاضل الأمجد ، الجواد الأسعد ، المخزومي
الأوكد سمط عقدة أبو مدين السيد قدور الصغير بن إسماعيل البحثاويءاغة ، مكّن الله
من الجنّة إن شاء الله وصله وبلاغه ، حاضرا ساكتا ، وعارفا بالرأي وصامتا ، فلما
رءا (كذا) الاختلاف وعدم ما يحصل به الإتلاف قال له يا سيدي الذي أشير به عليك لا
بدّ لنا من لقاء العدو لا محالة ولا تضرنا كثرته فإنهم حثالة الحثالة ، بمنزلة
الضباب أو النخالة ، فلا يهوّلنك هذا الأمر ، ولا تكن منه في قلق وعسر ، فما خرجنا
إلّا لنلقوا مالا / نحبّه ، وعدونا إن شاء الله على أم (ص ٢٥٦) رأسه نكبّه ،
والصبر مفتاح الفرج ، ومزيل للجزع والهرج ولا يدرك المجد إلا بالصبر ولا يحصل
الظفر بالعدو إلّا بعد أكل الصّبر ، لقول الشاعر ، المفيد بالوعظ الماهر :
لا تحسب المجد
تمرا أنتءاكله
|
|
لن تبلغ المجد
حتى تلعق الصّبرا
|
والحكماء يقولون
فاز بالّلذات الجسور ، وبالصبر يتميز الأمر من المأمور ، ومن يريد العسل ، يصبر
لجني النحل ، ومن طلب المعالي سهر الليالي. وأنت أيها الملك إنما بعثك أهل الجزائر
لتفتح لهم الوطن ، فلا تخيّب لهم فيك الظن وتمهّد لهم البلاد ، وتدوخ لهم الأبطال
الشداد ، فلا تخيّب لهم رأيا أصابوه فيك ، ولا تكسّر لهم قلبا يسرّ حين يوافيك
فإنهم على غيرك اختاروك ، وأنت أولى بذلك لمّا اختاروك ، وإياك أن تكون كمن في أول
غزاته (كذا) انكسرت قناته وانفصمت أوثق عراته ، حتى تكالبت عليه العدا ، وطمعت في
أكله الرخام والحدا ، وأنّ هؤلاء الأعراب لا يخفى علينا حالهم وما لديهم كما لا
يخفى حالنا عليهم ، فلا رجوع لنا عن تدويخهم إلّا إذا متنا عنءاخرنا ، ويكون النصر
لنا عليهم بانتصارءامرنا (كذا) وقد جمع الله شملنا بعد ما فرّقه الدرقاوي ، فصار
المخزن كحاله المضاوي. والرأي المتين الرجيح (كذا) أن تبعث من أعيان المخزن من
يكشف لنا عن حال بني عامر وما هم عليه ويأتوك بالخبر الصحيح ، كما تبعث لكبراء
الحشم والبرجية الجبلية بغير تراوي. يجتمعون بكلهم ويلقون الدرقاوي ، ونحن نكونوا (كذا)
في مقابلة مجاهر بقوة وشدة ووحدة ، ونحاربوا (كذا) بحول الله وقوته لكل واحد وحده
، ويكون النصر لنا لا علينا بانتقاد ، لأننا
(ص ٢٥٧) نريدوا (كذا)
الصلاح وهم يريدون / الفساد ، فهم فرقة باغية زاحفة في هذا الأمر ، فوقع الاتفاق
على هذا الأمر. قال فظهر أمر بني عامر كذبا ، واجتمع الحشم والبرجية كما أمرهم
فورا وقربا ، ولقوا الدرقاوي فهزموه بعد الحروب الكثيرة الصحاحي ، واطردوه عن سائر
تلك النواحي ، وقدم مجاهر إلى بلد البرجية فأثخنوا فيها بالنهبية واشتغلوا بحوص
الحب ونقله من المطامير ، وهم في حالهم بغير ناه ولا أوامير (كذا). ولما سمع الباي
بما لديهم أمر مخزنه بالركوب إليهم ، فامتثلوا أمره وشنّوا الغارة عليهم ، فلم يك (كذا)
إلّا قليل في قتلهم ، وإذا بالمخزن قطع نحو التسعين رأسا منهم وفرّ الباقون
لمحلهم.
ثم رحل الباي في
صبيحة الغد ، ونزل بطرف البرجية بينهم وبين مجاهر في الحدّ ، ثم رحل من الغد بقصد
بلد مجاهر فلقوه بالضريوية وحاربوه ساعة ، فهزمهم بعد ما مات من الفريقين كثير
ونجوا سراعة ، ونزل بماسرة ، وأقام بها أياما ، يدبر أمورهم جلوسا وقياما ، فبينما
هو في تلك الحالة ، إذا بمجاهر اجتمعوا وجاؤه رجّالة وخيّالة ، وغاروا على محلته
وقت الصباح غفلة ودارت جنودهم بالمحلة وجالت جولة فخرج المخزن إليهم خروج اليقين ،
وتزاحفت الصفوف لبعضها بعضا واشتدّ الطنين ، فلم يكن غير ساعة إلا ومجاهر ولوا
الأدبار بحالة المنهزمين ، ومات من الفريقين خلق كثير ، وعدد حصره عسير ، وكان من
جملة من مات من المخزن القائد المشهور ، الفارس الذي عند الناس مذكور ، الصنديد
المكين ، الزمالي السيد عدة بن محي الدين. ثم ارتحل الباي صبيحة غدا ونزل ببلاد
مجاهر ، أهل الضلالة والمناكر ، وزاد في الغد لوادي مينا وبه نزل (ص ٢٥٨) وراغ ،
فأتته به جموع مخزن الشرق بالمسيرة ومن الرعايا / جماعة بني أوراغ ، ثم ارتحل وصعد
مع وادي مينا إلى أن نزل بالواد المالح وأقام بها أياما وقلبه مطمئن فارح. فبينما
هو هنالك بين اليقظة والنعاس ، إذا بالدرقاوي بجمعه قصد المحلة على غفلة من الناس
، فنادى المنادي بأفصح الخطاب ، عليكم بالركاب إلى كاب ، ففزع الناس لذلك وحكى كل
لصاحبه بما هنالك وركبوا خيولهم وخرجوا من المحلة ينظرون غيولهم وخرجت عساكر
الأتراك كأنها الليوث العوابس ، فهم أسود بني آدم بزماننا ، وجالت الفوارس ، وحصل
الحرب خارج المحلة ، وكثر العياط بين الناس بغير القلّة وتزاحفت لبعضها بعضا
الصفوف ،
والعدوّ في العدد
ألوف الألوف. قال فلم يكن غير ساعة وإذا بالدرقاوي بجيوشه قائم شارد ، وللنجات (كذا)
سائل ونائد وأظلم الجو الغبار ، وتكادر الأمر وكبر النهار ، وغضبت فرسان المخزن
وصارت حائمة كأنها الطيور ، تخوض بين أسراب الزرزور ، فلا ترى في جيش الدرقاوي
إلّا القتيل والمأسور ، والمسلوب من الباس ، والمقطوع الأعضاء والراس ، وزادوا في
الحملة إلى قرب قرية الولي الكبير الغوث القطب الشهير ، ذي المناقب المعدودة ،
سيدي محمد بن عودة ، فرجع المخزن بعد ذلك عنهم ، وقلوبهم شائقة إلى الظفر بهم
والغنيمة منهم. ثم رحل الباي في صبيحة غد متوجها للقرية المذكورة ذات المسالك في
طلب الدرقاوي ونزل بموضع هناك ، ثم زحف للقرية بجنود لا قبل لهم في حالة القتال ،
وكان بالقرية أمم لا تحصى فلم تغن شيئا حالة النّزال ، ودخلتها العساكر وجالوا
فيها وجاسوا ما لها من الحلال ، وأخذوا في السبي والقتل وأخذ الأموال. قال / صاحب
در الأعيان وإني رأيت امرأة مقطوعا رأسها كسائر الرجال ، ولم ينج (ص ٢٥٩) إلّا من
فرّ ولجأ لضريح سيدي محمد المشار إليه بالإجلال ، لكون الباي أوصى باحترامه وعدم
التعرض لمن لجأ إليه بحال من الأحوال. ثم ركزت الأتراك سناجقها لدى الضريح ، وشرعت
في القتل والنهب والسبي والجريح ، إلى أن فرغت من ذلك في المأثور ، فرجعت لزيارة
الولي المذكور ، قال ولقد أخبرني من أثق به أنهم قدّموا قبل الزيارة صدقة تنيّف
على المائتي ريال دراهم ، وبعد ذلك على الزيارة حصل التداهم ، قال وأما المخزن
فإنهم لقوا جموع درقاوة خارجا من القرية وهم في عددهم ألفية ، فقاتلوهم قتالا
شديدا إلى أن جرح الأكثر من الكبراء والرؤساء في القول الأشهر ، وكان النصر لهم
على درقاوة كوقوع الدائرة عليهم ، فهزموهم عظيما واطرحهم من تلك الناحية من غير
ملتفت إليهم. ولما افترق الحرب أمر الباي بجمع الرؤوس فجمعت ، وبين يديه وضعت. قال
في در الأعيان ولقد رأيت الجندي يأتي بالثلاثة والأربعة رؤوس بالعيانة فيضعها بين
يدي الباي كما يضع البصل بالإهانة. ومنهم من يأتي بالواحد والاثنين ، كل على حسب
ما رزق من القطع بدون مين ، ولما جمعت الرؤوس بعثها الباي لمدينة المعسكر مع بشائر
الظفر والنصر.
ظهور الدرقاوي مرة أخرى
ثم ارتحل في أثر
ذلك وألوية النصر تلوح عليه التزاما ، قاصدا المعسكر إلى أن دخلها ومكث بها أياما.
ثم أتاه الخبر المتفانن ، بأن خليفة الدرقاوي بجموعه نزل بلد بني مريانن ، فذهب
لطلبه وحصل بينه وبينه القتال الذريع ، (ص ٢٦٠) والحرب المترادف الشّنيع ، فكان /
ذلك اليوم من مشاهير الأيام ، سعد فيه الشجاع وخسر اللئام (كذا) قد أتي فيه للباي
المنصور ، بسلاح ولباس وفرس الخليفة المذكور ، وانجرح فيه من أعيان المخزن وكبرائه
وأهل مشورة الملك ووزرائه ، قطب رحاه ، وشمس ضحاه ، وأساس مبناه ، وإتمام معناه
وأكمل جوائزه ، وأشد ركائزه ، الفارس الباسل ، الصنديد الفاضل ، الشجاع الرايق
الكامل في الخصال الفايق ، ءاغته وكثير جولته ، وقائده ، وسيف دولته ، العري من
جميع المساويءاغة السيد قدور الصغير بن إسماعيل البحثاوي ، فلم يزده جرحه إلّا
تقدّما ، ولعدوّه إلّا تعبّسا ولصديقه إلّا تبسّما ، فلقد صال على العدو كالكاسد
وفعله كالرايح ، ومدحه صاحب درّ الأعيان ، وصاحب أنيس الغريب والمسافر بأبيات. فما
قاله صاحب درّ الأعيان ذهب عن حفظي. وما في الأنيس خذه ، بإثبات :
جزى الله جلّ
الناصر بالبواتر
|
|
قدور بن إسماعيل
رايس الدواير
|
لحزب الأتراك في
جميع المعارك
|
|
فإنّه ليث الحرب
ليس بغادر
|
تراه إذا حام
الوطيس مقدّما
|
|
لقتل العدوّ
الوارد ثم الصادر
|
ولا يولّي
الأدبار ولو تراكمت
|
|
عليه العدا ولا
يخاف من ضاير
|
كمي شجاع شهم
الحرب يوم الوغا
|
|
وكم له من حزم
على العدا ظاهر
|
وكم له من كرّ
وليس له فرّ
|
|
وكم له من طعن
وقطع الحناجر
|
وكم له من وصل
على العدا دايم
|
|
وكم له من فخر
على كل فاخر
|
وكم له من دفع
لكل مزاجف
|
|
يردّه أعقابا
مولى للأدابر
|
(ص ٢٦١)
/ وفي بني مزيانن زادت شجاعته
|
|
فكرّ على الأعدا
بغيظ مواتر
|
وزاد اندفاعا
لمّا رأى رأس العدا
|
|
خليفة ابن
الشريف بالقرب حاير
|
يحاول قبضه وهو
في شهامة
|
|
فحلت به الجراح
ذا العزّ الباهر
|
فلم يلتفت لها
وزاد في حمله
|
|
إلى أن نجا
العدو بين الحوافر
|
وخلّ فرسه سلاحه
لبسه
|
|
فأتى به الليث
لباي الأكابر
|
ودمه مهطل وهو
غير جازع
|
|
فغمّ له الباي
وصار كالحاير
|
فقال له الفهد
على رؤس الملا
|
|
إنني لفي خير من
كلّ المضائر
|
فسرّ به الباي
وعزّ جنابه
|
|
وأدناه منزلا في
كل الأوامر
|
فلا غرو أنّ
الله زاده رفعة
|
|
وخيرا وإحسانا
وكل البشائر
|
فلا تلد الليوث
إلّا الضراغم
|
|
ولا تلد الفهود
سوى القساور
|
ولا تأتي الصقور
إلّا بمثلها
|
|
ولا تلد البزات
سوى الأصاعر
|
فبيت هذا الليث
الزعيم بقوة
|
|
فإنّها أعلا من
بيوت الأكابر
|
قال ، ثم إنّ
الباي رحل من مكانه للعمائر ، ونزل بلد أولاد سليمان أحد بطون بني عامر. ورحل من
الغد ونزل بالمبطوح ربضا ، ثم ارتحل ونزل بثنية مأخوخ بلد أولاد علي أحد بطون بني
عامر أيضا. وقد اجتمع بنو عامر بجمعهم الغاوي ، وجيشوا ببلد أولاد الزاير مع
الدرقاوي ، يرومون لقاء الباي ، وما ذاك إلّا من تلف الرأي ، والباي في قلبه شيء
كبير وغم عسير ، مما هم فيه القرغلان ، المستقرون بتلمسان ، حيث ضاق عليهم الحال ،
حتى عدموا القوت والمال ، وطاش لهم اللّبّ والبال ، بمنازلة العدو عليهم ولا يفارقهم
بالغدوّ والآصال ، ورسلهم تتعاقب على الباي بأنهم في النكال ، ونزل بهم السخط
والوبال ولا لهم طاقة لما هم فيه على القتال ، وافترق التلمسانيون على فرقتين :
قرغلية ، وحضر ، بغير مين ، وشعلت بينهما نار الحرب في البلد ، وطالت واتصلت على
الوالد والولد ، وهم في أشدّ عذاب ونكول ، ولسان حالهم ينشد ويقول ، ما هو في
الأنيس منقول ، أبياتا من المتقارب دالة على الإضاعة والتعاطب :
/ إن لم تدركونا عزما عاجلا
|
|
فاقطعوا لا ريب
منّا الإياس
|
(ص ٢٦٢)
فالزّاد جميعه قد انقضا
|
|
ومات كثير من
جملة النّاس
|
والحرب تدور في كل
يوم
|
|
والجوع قد ضرّ
بأكثر الناس
|
فلا صديق ومعين
لنا
|
|
سوى الله جلّ
علا ربّ الناس
|
ولا تحويل وفرار
لنا
|
|
يقينا عن جانبكم
يا أناس
|
ألا فادركونا
فورا عاجلا
|
|
من قبل دخولنا
إلى الأرماس
|
فالحرب علينا
وليس لنا
|
|
ونحن بها في
أشدّ نقاس
|
والجوع جرى
علينا وطغا
|
|
وجاز بنا حدّا
فوق القياس
|
وما هو في درّ
الأعيان مذكور ، ومحرر ومشهور :
ألّا فادركونا
وإلّا فلم
|
|
تجدوا منّا
بحياة فتى
|
فقوتنا قد نفدت
ضررا
|
|
خزاينه مذ عدوّ
أتى
|
وحرب عظيم يرى
أبدا
|
|
إلى أين تبدو
لنا أو متى
|
قال ولما بلغه خبر
بني عامر والدرقاوي ، وأنه يقول لهم أنه هو طبيبهم من علة الترك ولها مداوي ، أقام
بموضعه أياما إلى أن جمع آلات حربه وسادات حزبه ، واعتمد على طعنه للعدو وضربه ،
بباروده ومدافعه الشعالة ، فرحل نحوهم ونزل تاسّالة ، ثم رحل من الغد وفرسه ثائر ،
يريد واد الحد ببلد أولاد الزائر ، وعيونه ذاهبة وراجعة بأخبار الدرقاوي الزعلوك ،
كما هو شأن أولي الحزم والعزم من الملوك ، إلى أن تحقق بأن بالوادي المذكور
الأعراب ، يريدون لقاءه ، بزياداتهم أمامهم للانتخاب ، وهي هوادج توضع على بوازل
الجمال ، وبداخلها نساء يولولن بين صفوف الحرب حال القتال ، تزعم العرب أن ذلك
يشجع الجبان ، ويزيد في زعامة الشجعان ، وذلك دأب العرب مع بعضها بعضا لا مع
المخزن في القتال أيضا ، لأن عادة المخزن المعهودة ، والقاعدة المحررة الموجودة
أنّ الزعامة والشجاعة لا تبطل على الرجال مدة الزمان ، وأنه بمجرد (ص ٢٦٣) درايته
للعدوّ ويصدمه كائنا ما كان ، فوقف الباي بعد / الخبر ساعة يحرض عساكره ومخزنه ،
ويثني عليهم ويشكرهم وما همه ذلك ولا أوهنه ، ويقول لهم لم يبق لنا إلّا هذا اليوم
الكبير الذي نحن متقدمون له ، فعليكم بالصبر والثبات ولا يصيب الإنسان إلا ما كتب
له. قال ثم زحف للعدو أيضا وانضمت الناس لبعضها بعضا ، وانحاز كل حزب لحزبه ،
وتزايدت جيوشه لقتل من بعد عنه ومن بقربه ، وأشرف المخزن على العدو من ثنية هناك ،
فألفى مقدمة بني عامر راجلة معسكرة مشبهة بعساكر الأتراك ، بمثابة من شبه البطة
بالطير ، وساقطة اللبن بذات الضير ، ولما تراء الجمعان وانتهت الأمال ، وبعدت
الحيرة وقربت الموت وحضرت الأجال ، أنشد المنشد بلسان الحال ، هذه الأبيات ،
وقالها على التوال :
أيا عسكر
الأعراب غركم جمعكم
|
|
فسوف تروا ماذا
بكم قد يصير
|
فالموت ها هي
أتت إليكم بالعجل
|
|
من قوم عادت
منها الروس تطير
|
فتبّا لكم أنتم
وذل عليكم
|
|
برأي خسيس خاب
رأي عسير
|
وهذا يوم الفراق
حان مجيئه (كذا)
|
|
والبين غرابه
نادى أنت كبير
|
ولكن أمر الله
ليس له ردّ
|
|
وحين القضا يأتي
فيعمي البصير
|
هذا قول صاحب
الأنيس ، وقال صاحب در الأعيان بالتأسيس :
أيا عسكر
الأعراب تب جميعكم
|
|
وسوف تروا ماذا
بكم سيصير
|
فلا تعجلوا
للموت ها هي دونكم
|
|
غدات اللقا منها
الرؤس تطير
|
فتبّ أمرؤ أغرّ
افتراؤه جمعكم
|
|
وبيس فصوب الرأي
منه عسير
|
فيوم الفراق
الآن حان مجيئه
|
|
ونادى غراب
البين يوم كبير
|
ولكن أمر الله
لا مردّ له
|
|
فيعمى المرء فيه
وهو بصير
|
قال ولما تلاقى
المخزن والأعراب صال عليهم صولة جامدة ، ومال عليهم ميلة واحدة وحمل عليهم حملة
قوية ، وزاد عليهم فيها بقوّته الكلية ، وصار شعاره الموت الموت ، أدركوهم أدركوهم
قبل الفوت ، فأول المخزن نال بعض الضرب وآخره لم يجد محلا للضرب ، وترادفت على
الأعراب الأمكار ، وأظلم / الجو (ص ٢٦٤) بالغبار ، وحل بهم العمى وكبر النهار ،
ودخلوا في شبكة الهلاك ، ولم يجدوا سبيلا إلى السلاك ، فما لبثوا غير ساعة من
النهار ، إلا وعسكرهم فرّ وولّى الأدبار ، وأخذ عسكر الباي ظهورهم بالقتل والنهب
والأسر والغصب ، ولم ينج منهم إلّا من نجاه الله ، وأطال له العمر وعافاه ،
وغرّتهم المواعد العرقوبية ، فتشتتوا (كذا) على ولهاصة وغيرها ، وفرّ الدرقاوي في
شرذمة قليلة لليعقوبية ، ولم يطق على حمل خيمته منه إلّا الشجاع ، ومع ذلك قلبه
واجل مفزاع ، ونزل الباي في الوادي المذكور ولاح عليه الفرح والسرور بتشتيت تلك
الأمم ، وشدة ثبات مخزنه الأفخم ، وجمعت لديه الرؤس المقطوعة في ذلك اليوم من
درقاوة وبني عامر فكانت ستمائة وبعثها كلها للجزائر. قال ويحكي من حضر لذلك أن
الجندي الواحد يتقبّض على الخمسة والستة رجال ، ويأمرهم بقتل بعضهم بعضا إلى الآخر
منهم فيقتله ويأتي برؤوسهم للباي المفضال وربما قال الجندي لأسيره اصبر للموت أو
ما مت قط وأحوالهم كثيرة.
وقصة ذلك اليوم
مشهورة كبيرة ، نسئل (كذا) الله السلامة والعافية المطاعة ، والانقياد بالأتباع
إلى ما اتفق عليه أمر الجماعة.
ثم ارتحل الباي في
صبيحة الغد متوجها لتلمسان ، وهو في فرح وسرور بمخزنه وبه صار في أمن وأمان ، وجدّ
السير إلى أن نزل بساحتها المتغلية ، فأتاه قائدها مع كبراء القرغلية ، وقصوا عليه
مكابدة الأهوال ، وإساءة الحال ، وغلب الرجال ، وسطوة الأغوال ، والكل على باله ،
ومطرق بمسمعه وحاله ، فأجابهم بكلام السياسة وخاطبهم بخطاب الرياسة ، قائلا لا
يضركم الأمر العسير ، فإن الله تعالى قال في كتابه العزيز ، وهو على جمعهم إذا
يشاء قدير ، وأن الله تعالى هو الفاعل المختار ، وكل شيء يجري على العبد فهو مقدّر
عليه في سابق علم الله ويبرز بالمقدار ، وهذا أمر مقدّر لا محيد عنه من عاص أو
مطيع ؛ وسيفرج الله تعالى بمنّه على الجميع ، وأنشد لسان حاله ، أبيات الشعراء
التي تغنيهم عن مقاله :
إذا كان عون
الله للمرء خادما
|
|
تهيّأ له من كل
صعب مراده
|
وإن لم يكن عون
من الله للفتى
|
|
فأكثر ما يجني
عليه اجتهاده
|
(ص ٢٦٥) / وقول الآخر :
إذا لم يعنك
الله فيما تريده
|
|
فليس لمخلوق
عليه سبيل
|
وإن هو لم يرشدك
في كل مسلك
|
|
ضللت ولو أنّ
السماك دليل
|
وقول الآخر :
إذا أعانتك
الأيام فارقد لها
|
|
واشعل إذا شئت
في الماء نارا
|
وإذا خانتك
الأيام فلا تتعب
|
|
فتعبك في الدنيا
إلّا خسارا
|
وقول الآخر :
إذا أعطيت
السعادة لم تبل
|
|
ولو نظرت شزرا
إليك القبائل
|
لقتك على أكتاف
أبطالها القنا
|
|
وهابتك في
أغمادهن المناصل
|
وإن شدت الأعداء
نحوك أسهما
|
|
نص على أعقابهن
المحافل
|
ثم أنه أعطى
الأمان لكبراء الحضر ، وأرسل إليهم ليأتوه ولا يخشوا من
الضرر ، فأتاه
جماعة الحضرية ، وأصلح بينهم وبين القرغلية ، وألّف بينهما تأليف المودّة الدائمة
، والصحبة والمحبة اللازمة وأوصاهما أن يكونا إخوانا ، وعلى الطاعة والدين أعوانا
، ودخل البلد وأقام بها أياما ، والناس في فرح وبطاعته قياما.
ثم ارتحل راجعا
إلى وهران ، ومعه صهره قائد تلمسان ، وهو أبو الحسن علي قارة باغلي متنقلا بأهله
انتقال من لا يولي ، وصار يجدّ السير وأعلام النصر تخفق على رأسه وتحيات البشرى
توضع على رأسه رائما محل أنسه ، إلى أن دخل وهران مبرورا ، وسالما مأجورا وفارحا
مسرورا ، ولسان حاله ينشد شعرا مأثورا :
فتح الفتوح وءاب
أوبة ظافر
|
|
بالله كان رحيله
وإيابه
|
يلقي العداة ولا
يملّ لقاءها
|
|
فكأنما أهواؤه
أحبّاؤه
|
قال فدخل وهران
وأقام بها نحو الشهر إلى أن استراح ، واطمينت (كذا) نفسه وضحك ولعب وارتاح ، ثم
صار مهمى (كذا) سمع بالدرقاوي بجموعه ، إلّا قصده وفضّ جمعه وصيره في قموعه ، وشتت
شمله وأجلاه ، ومن المحل أطرده وأخلاه فأذلّ الأعراب ودوخهم ومقتهم ووبّخهم ،
وأخلا بعض البلدان حتى من المسافر / وأجلا (كذا) عنها أهلها كبني عامر فإنهم ذهبوا
وتركوا بلادهم خاوية (ص ٢٦٦) قفرا ، وزهرهم غبرا ، وللطيور وكرا ، لا يلقي فيها
سالكها أنسا ولا أنيسا ولا يجد بها حسا ولا حسيسا ، إلّا البوم والذئاب ، تعوي
فيها ليلا ونهارا. وهي خراب. وأكثر ما يلبي بها في كل حين نعق الغراب ، وغراب
البين ينادي في كل حين بكثرة الذهاب ، وافترقوا على أماكن المغرب ، ما بين فاس
وغيره من المبعد والمقرّب. ولم يرجعوا إلّا في تولية أبي كابوس محمد بن عثمان. وبه
حصلت لهم الراحة والأمان. ولما استراح الباي وقلبه قد اطمأن ، وفاز بالسعادة فلم
يكن من أهل الوهن والجبن ، جمع جيشا عظيما وجندا عرمرما جسيما ، وبادر به لغزو
مجاهر ، لأنهم في السابق أخذوا محلة الخليفة حسن وقتلوا رؤساءها وأعيانها المشاهر.
فضلا عن غيرهم من الجيش والأتراك ، الذين يكون بهم الدفع ويقع الإدراك ، وهي واقعة
مشهورة ، وقصة كبيرة مذكورة ، محررة في كتاب درء
الشقاوة ، في حروب
الترك مع درقاوة ، لأديب عصره وفريد وقته ودره ، الشبيه في أدبه بالبارع أبي نواس
، المؤلف العلامة الحافظ محمد أبي راس ، فلا نأتي بها لطولها وشهرتها وتحقيقها في
رسوم جفرتها ، ومن أرادها فعليه بالكتاب المذكور ، للحافظ القدوة المزبور. فخرج
لهم من وهران بالأمم الكثيرة ، والجيوش العديدة الغزيرة وقد بلغ لهم الخبر ، بأن
الباي غازيا عليهم ليقطع الدابر والأثر ، فبعثوا للدرقاوي على المدد بأنواع
الشدائد ، فبعث لهم خليفته الفارس بن المجاهد ، وكان بطلا شجاعا شديد الرأي
والقساوة ، قلّ مثله في طائفة درقاوة لكونه تربى في المخزن وأخذ ببعض قوته ، وصبره
وشجاعته ، وشدته ، وزاد الباي في سيره إلى أن دخل بلدهم الذي هم فيه ، وقد انحاز
مجاهر بأسرهم لواد الرمال واجتمعوا فيه ، فطلبهم الباقي فيه وحملت عساكره عليهم
حملة واحدة ففرّوا منها ولقيهم البحر وأثخن فيهم المخزن بالقتل إلى أن رجعت دماؤهم
سائلة بعد أن كانت جامدة ، واشتد بهم القتل من ورائهم وأثخن فيهم إثخانا شديدا لا
طاقة لأحد على إحصائه ، (ص ٢٦٧) ودام عليهم إلى أن وصل دم قتلاهم للبحر فعلا عليه
/ واختلط بمائه ، وأفناهم إفناء عظيما أذعنوا به للطاعة ولا ملجأ لهم من أمامهم ،
فكان هذا اليوم من أنحس الأيام عليهم ومن شرور أيامهم ، فأفناهم ورجع سالما
ومسرورا بجنوده سرورا دائما ، ولمال عدوّه غانما.
ظهور بالحرش مع الدرقاوي في غريس
ثم استقر بوهران
أياما قلائل ، وقد جمع الله له الأحوال والشمائل وجمع جيشا عظيما وخرج به لتدويخ
المشرق فأتته الناس طائعة مذعنين له ولأوامره ونواهيه سامعة ، ولا زال سائرا إلى
أن نزل بأبي خرشفة أسفل مليانة فأتاه هنالك الطائع والداوي ، فبينما هو كذلك إذا
بالخبر بلغه بقدوم الدرقاوي ، وأنه حلّ من غريس بأرض عين السدرة ، ومعه درقاوة
بنجوعها ونسائها وأولادها وجميع مالها ظاعنة معه بالقوة والقدرة ، وقد جالوا غريسا
وجاسوا خلاله فأفسدوا زرعه واحتطبوا جنّته وبساتنه ، وغيروا مرونقه ومواطنه وهم
كالجراد المنتشر ، ولم يبق لهم إلا القليل لدخول المعسكر ، وجاءه أهل غريس بذلك
الخبر ، وترددوا عليه المرّة بعد المرة بعد الأخرى على ما للراوي ، محرضين له على
القدوم إليهم
ليخلصهم بجيشه
المنصور من الظالم الدرقاوي فركب عند ذلك عجلا وسار حثيثا ، وسأل من مولاه جل
جلاله أن يكون له ناصرا ومغيثا ، إلى أن وصل لذلك الموضع الذي به الدرقاوي على
التحقيق. وكان السيد أحمد بن الأحرش قدم في ذلك اليوم من المشرق على درقاوة فحصل
لهم به الفرح والسرور وعلموا أنه هو المعين الرفيق. فقسّم الباي جيشه ثلاثا بلا
مين ، وجعله قلبا وجناحين ، فالجناح الأيمن جعل فيه باختراعه أعيان الزمالة
وأتباعهم والحشم بأحكام الأوامر ، وأمرهم أن يكونوا في مقابلة جيش بني عامر ،
والجناح الأيسر جعل فيه الخليفة بجيشه والبرجية الدارئين (كذا) للمساوي وأمرهم أن
يكونوا في مقابلة الدرقاوي ، والقلب استقر فيه هو وأعيان الدوائر وأتباعهم وعساكر
الأتراك وأصحاب المدافع ، فكانوا في مقابلة عامة العامة من غير منازع ، ولما تراء
الجمعان وجاء الوطيس تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف وكان الدرقاوي في ألوف الألوف ،
فاشتد القتال وحام الوطيس ، وفقد المألوف والأنيس ، وكثر الصياح / (ص ٢٦٨) والحسّ
والحسيس ، وأظلم الجو بالغبار ، وعظمت فيه المصيبة وكبر النهار. فبينما الناس في
تلك الشدائد ، وإذا بالجناح الأيسر قام على ساق واحد ، وصبر رجال البرجية صبر
الكرام ، واشتدّ ضربهم بالبنادق والحسام ، وتذكروا صبر أسلافهم وما كانوا عليه من
ضرب الحسام ، وقالوا : في مثل هذا اليوم تظهر الشجاع من اللئام (كذا) ، إلى أن ذاق
أربعة من كبرائهم كأس الحمام ، أحدهم الصنديد مصطفى بن المخفي ، والد الشجاعءاغة
قدور بالمخفي ، والثلاثة أبناء عمه الأماجد ، وداموا على ذلك إلى أن قام درقاوة
على ساق واحد ، فانهزموا هزيمة كبيرة ، تقشعوا فيها تقشع الغمام إذا طلعت فيه شمس
منيرة ، وركب المخزن عند ذلك ظهورهم وغنمهم ونال دخورهم ، ولا زال يقتل ويأسّر (كذا)
ويسبي إلى وقت الظهر ودرقاوة قلّوا ، بعد ما كلت الناس من قتلهم وملوا ، فبقيت
نجوعهم على حالها بيد المخزن فأخذ أموالهم وسبا (كذا) نساءهم وأولادهم وقتل رجالهم
، فاضمحلوا من ذلك اليوم وفشل ريحهم ، وتلاشوا وبطل ريحهم وخاب سعيهم ونجيحهم. قال
ولولا فرسان البرجية ورجالهم الكرام في تلك الواقعة لكانت الدائرة على المخزن
بالجمع والتمام ، ولمّا رءا (كذا) الدوائر (كذا) صبر البرجية وموت كبرائهم ، وقد
ذهبت الناس فارّة إلى ورائهم ، تقدموا
للقتال وقالوا
للباي لا يحلّ لنا البقاء من ورائهم ، إذ لا طاقة لنا بعد موت الإخوان ، ولا صبر
لنا على مفارقة الأقران ، وقاتلوا شديدا ، وطعنوا العدو طعنا عتيدا ، فسبحان من
يجعل الخذلان في العدد الكثير العرمرام والنصر بالأقل فهو المالك العلّام. فرجع
الباي بجيشه منصورا ، وأعلامه تخفق عزا وسرورا ، ودخل لوهران وجمعه موقر محترم ،
وأيامه مقبلة وشمله منتظم ، ومكث بها أياما يسيرة ، في راحة ونعمة كثيرة.
عودة الدرقاوي للظهور
ثم سمع بالدرقاوي
قد جيّش جيوشا قوية ، وأنه نازل بجديوية فجمع عساكره المنصورة ، وجيوشه المؤيدة
المبرورة وخرج له من إيوانه بالبحور الزواخر ، وبالرجال السادات الكرام الزواجر ،
الذين يقدمون الموت ويؤخرون (ص ٢٦٩) الحياة ، وعند الشدة والضيق / يحصل بهم الفرج
والاتساع وتكون النجاة وأسرع لقتاله ، طالبا لمحاربته ونزاله إلى أن وصل للموضع
المسمى بأجديوية ، وقاتله وحاصره إلى أن أتى المخزن على عامة درقاوة في الأقاويل
المروية وقد أفنى مخزنه عامة درقاوة ، وصيرهم للضّلالة والشّقاوة ، وخمدت شوكة
باقيهم وفاز بالغنيمة لاقيهم قتل في ذلك اليوم نحو ألف درقاوي ، وبقيت المحلة بما
فيها في يد الباي ومخزنه وغنم مال أهل المساوي ورجع لوهران فارحا بالغنيمة العظيمة
، وقتله للعدو المقتلة الجسيمة فاستقرّ بها واستراح ، وحصل له الانطراب والانشراح
، وبقي على ذلك أياما عديدة ، وليالي مديدة في سرور ونخو ، ولعب ولهو ، فبينما هو
في إيوانه مع أرباب دولته جالس ، ومستيقظ لأموره وليس عنها غافل ولا ناعس ، إذ
جاءه الخبر بأن الدرقاوي بتافنة في جيش جديد ، كأنه البحر المديد والجراد المنتشر
، مغطيا السهل والوعر ، وهو الرجل المنفش المسمى بأحمد بن الأحرش ، ومعه أمة من
الطلبة ، سالكين معه اقتحام العقبة ، لما شاهدوا عنده علوم الخنقطرة ، والشعوذة
المنفطرة ، ظنا منهم أن ذلك من الأسرار الإلهية ، ولم يعلموا أنها من الأمور
السحرية الواهية ، فخرج له فورا بعساكره ومخزنه المبرور ، الفائزين بالسعي المشكور
، وأسرع في سيره وأردف المراحل ، سائلا من مولاه الإعانة في المقاصد والسوائل ،
إلى أن بلغه بوادي تافنة ، وأطلق
عليه سرعة بجنوده
الظاهدة والكامنة وأثخن فيه بالقتل ، والنهب والأسر والنكل ، إلى أن مات من الطلبة
أمة ، وذهب الدرقاوي مفلولا في أشدّ غمّة ، مذمورا مدحوضا ، مدحورا مفضوضا ، وقد
أتى المخزن على جلّ محلته الجسيمة ، فغنمها ورجع الباي لوهران فارحا مسرورا بتلك
الغنيمة فجلس بها أياما للراحة طالبا من مولاه امتداد المساحة. قال فبينما هو جالس
بإيوانه في المنادمة مع أرباب دولته أهل الفخر والاستقامة ، والأخذ من العدو الثأر
والجلب للسلامة ، إذ بادره الخبر بأن الدرقاوي بجيوشه نازلا بالتّوتة من واد العبد
، فخرج / له عجلا (ص ٢٧٠) في جيشه بالأزواج والفرد ، واجتمع به في تلك الناحية ،
وقاتله قتالا شديدا في تلك الضاحية إلى أن بدّد شمله ومزّقه ، ودمّره تدميرا شديدا
وفرّقه ، وقتل منه أمة كثيرة ، وغنم له أموالا عظيمة في عدّها عسيرة.
نهاية الباي المقلش المحزنة
ولهذا الباي مع
درقاوة أيام أخرى غير مشهورة ، وهي مبسوطة في الكتب وعلى الألسنة مذكورة ، أعرضنا
عن ذكرها صفحا ، وطوينا لها كشحا. قال ولما دوّخ المغرب الأوسط بأسره ومهّده وأمّن
سبله وضواحيه وسدّده ، ونشر فيه العدل والعافية وأيّده ، وقطع منه العدو وبدّده ،
عزله أهل الجزائر بالقوة والشد ، وأمروا بقتله بوهران فقتل شرّ قتلة بعد أن ذاق
أنواعا من العذاب خارجة عن الحد ، حتى كانوا يحمون سبائك الحديد ، ويضعونها على
رأسه وهو في العذاب الشديد. وسببه أنه سرّح المحلة للجزائر كما هي العادة القديمة
فيما حكي من الخبر ، ولما عدم الدواب أمر بحمل الأثقال على البقر ، فبلغ خبره
الباشا فأنف من فعله وأمر فورا بعزله وقتله ، مع ما تقدم له من شكاية المخزن ومرة أحمد
التركي بالفعل القبيح ، الذي لا ينبغي أن يذكر ولا يكون به التلويح فضلا عن
التصريح. وكانت أيامه كلها حوادث ، ولا حادثه أشد من الغلاء المفرط بوقته وفناء
الناس وكثرة الفساد والعوابث. والأمر لله الواحد القهار العليم ، بالظواهر
والأسرار. وكانءاغته بالدوائر الفارس النبيل الخارج عن القال والقيل ، السيد قدور
بن إسماعيل ، الصنديد البحثاوي ، والحاج قدور بن الشريف الكرطي التلاوي ،
وبالزمالة السيد محمد الوهراني الحنين وعدة ولد محي الدين.
الباي مصطفى العجمي وحروبه
مع الدرقاوي
ثم مصطفى بن عبد
الله العجمي تولى مرة ثانية ، بعد المرة الأولى الماضية ، في آخر السنة الثانية
والعشرين والمائتين والألف ، من هجرة من له العز والفخر والشرف وكمال الوصف ، وبقي في
الملك تسعة أشهر. وارتقى خزناجيا بالجزائر. وجاء بموضعه الباي الفائز بالمزائر.
ولما تولى قام وعليه ابن الشريف الدرقاوي ، فقال يا عجبا منه كيف سلّط عليّ
بالثوران الداوي ، مهمى تولّيت إلّا عليّ يقوم ، قد عرف اسمي واعتقد أني جبان وأني
لعكروم ، فو الله لأذوقنّه (كذا) كأس الرّدا ولأجعلن شمله مبدّدا ، وقد قام عليه
الدرقاوي في (ص ٢٧١) التولية الثانية / مرتين ، وكر عليه للمقاتلة كرتين. ولما سمع
بالدرقاوي أنه قد جيّش الجيوش ، وهو بالثعالبة من بلاد فليتة ، قال سأخرج له ورأيه
الفشوش ، فعند ذلك خرج في جيشه العزيز ، الذي هو كاللجين والعسجد الأبريز ، وتلاقى
معه بالثعالب ، فكان الدرقاوي مغلوبا والباي هو الغالب وقدمه عالية بالمغالب ، فهزمه
هزيمة شنيعة ، وعادت جيوشه للباي من وقتها مطيعة ، ورجع لوهران في عزّ وسرور ،
بغنيمة وحبور ، فاستراح بها وأقام ، فبينما هو بها إذ جاءه الخبر في بعض الأيام ،
أن الدرقاوي بجيوشه في مدغوسة من بلد خلافة ، فخرج له فورا بجيوشه من غير جزع ولا
مخافة ، وجدّ السير نحوه وكاده كيدا وترك المسير نحوه رويدا رويدا ، إلى أن وصل
للمحل المذكور ، وحمل عليه حملة منكرة بجيشه المنصور ، فلم يك (كذا) غير ساعة إلا
والدرقاوي مهزوما ومخذولا مفلولا مذموما ، وقتل المخزن من أتباعه كثيرا وأفنا (كذا)
منهم جما (كذا) غفيرا ، وغنم الأموال العظيمة فرجع الباي لوهران مسرورا بتلك
الغنيمة ، فمكث بها أياما كثيرة ، وانقطع عنه خبر الدرقاوي مدة شهيرة.
ثم سمع بأن مجاهرا
قد سعوا في الفساد ، وحملوا أنفسهم على اتباع الدرقاوي وراموا العناد ، فخرج لهم
بجيشه الأفخم حاركا ، وللمقام بوهران من ساعته تاركا ، ونزل بوادي الخير أحد أودية
شلف ، فبينما هو به إذ جاء الخبر بأن
__________________
الباشا ولّاه
خزناجيا بالجزائر ففرح بعد ما تأسف وبمجرد وصول الخبر له ذهب للجزائر ، وترك من
حينه وهران بمخزنها المنصور للباي الآخر. وهو الذي بنا (كذا) للعالم العلامة
القدوة الدرّاكة الفهّامة ، شيخ الراشدية وغيرها على الإطلاق ومجدد القرن الثالث
عشر بالاتفاق ، من هو بعين العناية ملحوظ ومخلص من الضرائر ، والحاصر ، الحافظ
محمد أبو راس بن الناصر ، المصريّة ذات العلو الأرفع ، وبيت الكتب والمذاهب الأربع
، فقال فيه الحافظ المذكور في رحلته التي اسمها : «فتح الإلاه (كذا) ومنّته ، في
التحدّث بفضل ربي ونعمته» ، وهذه المصرية بناها لنا الملك الأضفى ، والخليل الأوفى
، والمحب الأصفى ، السيد الباي مصطفى ، برّد الله ضريحه ، وأسكنه من الجنان فسيحه
، وأني بعثت إلى ضريحه بالمديّة مع بعض تلامذتنا بما نصه : عليك أتم السلام ، أيها
المولى الهمام ، الذي عرف فضله الإسلام / وخفقت بنصر عزّه الأعلام ، وتنافت في (ص
٢٧٢) إنفاذ أمره السيوف والأقلام ، قسّمت زمانك ما بين حكم فصل ، وإمضاء نصل ،
وإحراز خصل وعبادة قامت من اليقين على أصل ، السلام عليك يا مقرر الصدقات الجارية
، وكاسي الظهور العارية ، وقادح زناد العزائم الوارية ، ومكتب الكتائب والسّرايا
السارية ، السلام عليك يا حجّة الصّبر والتسليم ، والقلب السليم ، وسامع الحديث
والذكر الحكيم ، كرم الله تربتك وقدّسها وطيّب روحك وأنسها ، فلقد كنت للمستجير
مجيرا ، وللمظلوم وليا ونصيرا ، ولقد كنت في المواكب بدرا ، وللمواهب بحرا ، وعلى
البلاد والعباد ظلا ظليلا وسترا ، بنا (كذا) الله لك بيتا في الجنّة كما بنيت لنا
بيت الكتب بلا أذى ولا منّة ، نفّعك الله بصدق اليقين ، وأعلا درجتك في علّيين
وحشرك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ه.
وكانءاغته حبيبه بالغاية ، وصديقه في البداية والأثناء والنهاية ، واسع العطا
ومفصل الدعاوي السيد قدور الصغير ابن إسماعيل البحثاوي. ومن الزمالة السيد محمد
الوهراني ولد قدور ، الفقيه الباس المشكور. وكان لهذا الباي ولدان بزماننا من
أعيان الناس أحدهما كان كاتبا لدى نوّاب الدولة ، وهو السيد محمد ، والآخر السيد
مصطفى الصادق في القولة.
الباي محمد بن عثمان الرقيق والمسلوخ أبو كابوس
وحروبه مع الدرقاوي
ثم الباي محمد بن
عثمان الشديد في الأمر العابوس الملقّب بالرقيق ، والمسلوخ ، والمشتمل ، والمكنّى
بأبي كابوس ، أما لقبه بالرقيق فلأنه كان رقيق الجسم ، وأما لقبه بالمسلوخ فإنه
لقب به بعد موته الحسم ، لكونءاغة الجزائر عمر سلخ رأسه وهو حي وأحشاه قطنا كما
يأتي في صحيح الروايات ، وأما لقبه بالمشتمل فلأنه متشبها بالعرب في الاشتمال
بالكساء كالمخزن ولا يلبس لباس الأتراك في غالب أحواله كغيره من البايات ، وأما
كنيته بأبي كابوس فلأنه كان يحمل الكابوس وهو البشطول ولا يفارقه أصلا سفرا وحضرا
، واشتهر بذلك لما قتل به السايح بن حضرا. وكان يقال له الباي محمد الصغير فرقا
بينه وبين أخيه الباي محمد المجاهد فاتح وهران ، فإنه كان يقال له الباي محمد
الكبير ، تولى في آخر السنة الثانية والعشرين والمائتين والألف ، وبقي في الملك خمسة أعوام غير شيء بغير الخلق. ولما تولى
اشتغل بقطع الدرقاوي وفصم محالمه ، (ص ٢٧٣) وقطع آثاره ومعالمه. وبغاته ومظالمه /
مدّة أيامه ، وطلوع نجمه وأعلامه ، حتى أنّ من حسد أحدا ووشى به عنده وادعى عليه
محبة الدرقاوي جورا ينتقم منه فورا ، وإذا ظفر بدرقاوي انتقم منه مبادرة ، بأي نوع
شاء من أنواع الانتقام ولا يراعي مشاورة ، ولا يقبل فيه شفاعة شفيع ، واخترع قتلا
لم يصدر من البايات قبله وهو فعل شنيع ونوّع عذاب من يظفر به إلى أنواع ، فمنهم من
يأمر بدقّ أعضائه حيا بالمعاول في السوق إلى أن يموت بانفضاع ، ومنهم من يقلع
عينيه ويتركه أعمى ، ومنهم من يأمر بقطع أعضائه إلى أن يموت أو يجهز عليه وهو أظمى
، ومنهم من يأمر بذبحه ، ومنهم من يقطع رأسه بعد فضحه ، ومنهم من يقتله خنقا ،
ومنهم من يبقره ومنهم من يقتله شنقا ، إلى غير ذلك من الأنواع المختلفة المعاطب
المؤتلفة وقد نجا الدرقاوي بنفسه ، وفشل ريحه. وتراكمت عليه الهموم والغموم وضاق
به فسيحه ، وافترقت عليه أتباعه وتبرأت من عمله ، ولم يبق من ينضمّ إليه لما نالهم
من العطب لأجله ، فإذا جاء عند أحد فرّ منه ولم يصل
__________________
لمصحبه! وخاصمه
وشتمه واستخف بجاهه ومنصبه ما عدا مرة واحدة جاء لليعقوبية واستقرّ فاجتمعوا عليه
يرومون وقعه ، فقصده الباي فورا وشتّت شمله وبدّد جمعه ، فانتقل للأحرار فأطردوه ،
ثم ذهب لعين ماضي ، وعنهم أبعدوه ثم قصد لبني الأغواط فأبعدوه لمّا علموا مقصده
عندهم ، ثم انتقل لبني يزناسن وهو في مذلة ومسكنة فأقروه عندهم ، وترك ما سوّلت له
نفسه ، ودام ذلّه وبخسه ، ولم يتحرك لشيء لعدم طاقته ، وفقد مساعده وشدة فاقته.
وصار لفظ الدرقاوي يقال لكل عاص مخالف ، فتبرأت الناس من ذلك ولم يبق بينهم إلا
اللفظ متعارف. يحكى أن قوما من درقاوة كانوا بالقلعة يأكلون في الطعام الممتزج
بالزبيب ، فظفر بهم قائد القلعة فقتلهم على تلك الحالة فألفيت أمريتهم مملوءة
بالطعام والزبيب ، وأن رجلا أوتي به إلى قائد المعسكر على أنه درقاوي ، فقال
للقائد وحق سيدي دح بن زرفة منذ عقلت لم أقل لا إله إلا الله على ما قال الراوي ،
وغرضه النجاة / لنفسه خشية حلوله فورا برمسه ، فضحك القائد ومن حضر من (ص ٢٧٤)
قوله وتركه بلا مهلكة وقال له لا تعد لهذه القولة الكفرية فقال له يا سيدي قد
جعلها الله لي مسلكة.
ثم غزى هذا الباي
في السنة الثانية من توليته الحشم الغرابة بغريس فقتل أجوادهم وكبراءهم وقوادهم ،
وفتك بهم كثيرا جسيما ، وأوقع بهم موقعا عظيما ، وسببه أن الحشم بدت من بعض
أعيانهم أمور مخالفة للسياسة وقد هرب الفاعل لذلك عند سيدي محي الدين بقصد
الاحترام بالصناعة والكياسة ، فبعث له الباي من يأتي به فعصى وساعده الحشم ،
واتفقوا على المعاندة التي كانت لهم هي عين السم ، فاستغاظ الباي بذلك ، واعتراه
الغضب الشديد من ذلك ، وأمرءاغته رئيس الدوائر وقائده رايس الزمالة بالغزو على
سيدي محي الدين ، فقالا له اصبر فإن الله مع الصابرين الحامدين.
ثم إنءاغة السيد
قدور الصغير بن إسماعيل انتخب مائة فارس مقاتل من مخزنه الصبار ، وبعثهم رفقة
الحاج بن داوود بن المختار ، كما انتخب قائد الزمالة السيد محمد ولد قدور خمسين
فارسا مقاتلا بالتبيين وبعثهم في رفقة الحاج المرسلي ولد محي الدّين ، ولما وصل
الجميع لقيطنة سيدي محي الدين ، وراموا أخذ الهاربين بالتمكين امتنعت الحشم من
تسليمهم للبعوث ، وبدأتهم
بإرسال البنادق
التي تصب كالفراش المبثوث فحصل الضرب من الجانبين ، آل فيه الأمر إلى أن قتل الحاج
بن داوود وجرح الحاج المرسلي بغيرمين ، وذهب الحشم بالمظلومين لغريس ، وعولوا على
القتال الذي حلّ بهم به كل شيء نحيس ، ولما رجعت البعوث لوهران وسمع الباي ما حلّ
بقومه ازداد غضبه ومنه استبان ، وجمع جيشه من المخزن والأتراك ، وغزى أجواد غريس
بطيّ وإدراك ، وقاتلهم إلى أن أثخن فيهم بالقتل الشديد ، ومكر بهم بالمكر العتيد ،
فقتل من أعيانهم أربعة عشر فارسا كل منهم بقتل ذريع راكبا وجالسا ، بحيث قتل عشرة
في دفعة واحدة ، واثنين منفردين في القتل بعناية جاهدة ولم يبق من هؤلاء الأربعة
عشر إلا اثنان وهما قدور وعدة ولدا أبا نقاب ، فكان منهما من القتال ما لا يحيط به
جواب ، ولا زالا في جولان الميدان إلى أن قتلا معا بإرسال العنان ، وقد مات
الصحراوي والحاج ، فضلا عن غير الأعيان من الضعيف والوضيع والمحتاج ، (ص ٢٧٤) ولما
قتل كبراءهم نزل عوّاجة ورهّب عليهم ورام صغراءهم / فبعثوا له على عتيد ، وجعل
عليهم عقوبة بالمال خطيّة عظيمة ، وأذعنوا للطاعة ، الإذعان الذي ليس قيمة ،
وقصتهم مشهورة ، وعلى الألسنة وكلام الفصحاء مذكورة.
حملة الباي على عريب
ثم أنه لما تمهد
له الملك غزى بأمر الباشا عريبا فصيّر رايسهم (كذا) ثريبا ، وهم قبيل عظيم بادية ولهم شوكة
قوية ، وهم رعيةءاغة الجزائر وطنهم ما بين حمزة والدهوص في الحدّ بين باي قسنطينة
وباي المدية. وسبب ذلك أن شيخ عريب خالف برأيهءاغة الجزائر لما أراد الله به أن
يتلاشا فبلغ خبره ، ءاغة فأعلم بذلك الباشا فلم ير الباشا من ينتقم منهم ويهتكهم
هتكا ، ويصيرهم هباء منثورا ويفتك بهم فتكا ، ويرجّعهم كالأرض إذا دكت دكا دكا ،
إلّا باي الغرب لخبرة جنده بالطعن والضرب فإن مخزنه أشداء على العدو في الحروب ،
وشدة
__________________
بأسهم عند تلاقي
الصفوف فلا يعرفون الحيرة وإنما دأبهم الموت وليس من شيمهم الهروب ، فالقاضي عندهم
قريب والعاصي لهم طائع منيب ، والصّعب عندهم سهل وكل واحد منهم ظريف لبيب.
أعراش المخزن الوهراني الخمسة
والمخزن مهمى قيل
له في دائرة وهران فهو خمسة أعراش جالية : الدوائر ، والزمالة ، والغرابة ،
والبرجية ، والمكاحلية ، فهم نجوع شداد في الحرب ، ولبعضهم بعضا متوالية وكلمتهم
تحت كلمة واحد بلا مخالية غير أن النجوع الأربعة هم مخزن الباي ، والخامس وما انضم
إليه هم مخزن الخليفة سديد التدبير والرأي. وغير هؤلاء كالحشم وبني شقران وبني
عامر ومجاهر ، فهم أعراب رعية نائبة ليس لهم جرأة في الحروب وظفر الظافر ، وإن كان
عددهم كثير ، فالمخزن أهل جراءة (كذا) ورأي وتدبير ، فأمره الباشا بالغزو على عريب
، وكان ذلك لا يتعقل لعدم تصرف باي الغرب في غير رعيته بكل وجه بعيد أو قريب ،
وبعد مكانهم عنه بالأحوال السوية ، إذا حال بينه وبينهم باي المدية ، فنهض الباي
من ساعته وهو في أحوال خرجت عن إرادته وكان ذام حزم وجزم وعزم وكياسة ، ووزراءه
ذوي تدبير ورأي وشجاعة وبسالة وسياسة ، فجمعهم وعرفهم بالخبر ، فأشاروا عليه بأنه
لا بدّ من فعل هذا الأمر ، لأنها مزية عظيمة أن بلغوا منها مناهم وفرحة شديدة أن
وصلوا لمنتهاهم ، فاتفق رأيهم على ذلك وتحققوا بأن الأمر هو ذلك ، وتواصوا / بعدم
إفشاء هذا السر بل يجعل ذخرا ، (ص ٢٧٦) وخرج الباي بجيشه من وهران بجر الأمم فتعمر
به أرض وتخلا به أخرا ، إلى أن وصل وادي دردر وما به من خشفة ، أمر برد أثقال
المحلة وضعيفها إلى أبي خرشفة ، وركب أول نهاره وسار في الفيافي طول نهاره ، لا
يلقي إلا النعام والغزلان وطائر الجو من الحداء والغربان ، وبات يسير سيرا شديدا ،
ومخزنه بالظفر طامعا وفارحا بالواقعة إلى أن طلع النهار وعيونه ما بين الذاهبة
والراجعة ، إلى أن بلغ لحيهم ونجعهم ، فأرسل عليهم مخزنه بجمعهم ، وأوقع فيهم جيشه
أسرا وقتلا ونهبا ، وزادهم طعنا وضربا ولا عرفت عريب من أين أقبلت تلك الجنود
الداهية عليهم ولا من هي لاختلاف ملابسها وأشكالها ،
وشجاعة فرسانها
وقوة أحوالها ، فأخذوهم أخذة رابية ، وصارت أموالهم لهم غنيمة مجابية ، ثم تحققوا
بأنه باي الغرب ، لما رأوا في فرسانه من زيادة الطعن والضرب ، لا تكل لهم السواعد
وليس لهم في الحرب إلّا الطعن والضرب للقائم والقاعد ، فكان من جملة ما سباه الباي
بحيشه نساء شيخ عريب وأولاده ، وأقام ببلدهم يومه والسرور زاده.
ثم كر راجعا
للمدية في طرب وابتسام ، فنزلها بعد مسيره ثلاثة أيام ، وقد تعرضت له في طريقه
قبائل الطّمع ، الذي يفضي بصاحبه إلى النجع ، وهو سائر بين جبلين لأناس يقال لهم
أولاد إعلان ، وإذا بهم ابتدؤا الجيش بالضرب في السر والإعلان ، فلما سمع الباي
ضرب البارود. ورأى جيوشه حشودا بعد الحشود ، لا تفعل شيئا إلّا بأمره ليكون ذلك من
فخره ، سأل عن ذلك تبليغا لمرادهم ، فأخبروه بأنهم يريدون منه الزطاطة لمروره
ببلادهم وكانت تلك عادة الأعراب ، إذا لم يكونوا تحت القاهر الغلّاب ، فقال عليكم
بهم لا عنهم ، وأيتوني بمن ظفرتم به منهم ، فلم يك غير ساعة إلّا والمخزن يجرّ في
رؤوسهم ويقتل لمسعودهم ومنحوسهم ، وأتوه بعدة رجال فأمر بقطع أيديهم وقال لهم تلك
الأجرة التي سألتمونيها ، فانصرفوا وهو يزيد بمزيدهم. ولما وصل إلى المدية أقام
بها أياما للراحة وبعث السّبي والمال للجزائر صاحب الإحسان ، فرفعت مكانته عند
الباشا رفعة عظيمة وكرّ راجعا لوهران. قال فلما وصلها مكث بها سائلا من مولاه
الإعانة والسلامة والعافية ، وهو في فرح شديد بمخزنه سيما الأعيان السادات (ص ٢٧٧)
الأسود / الضارية ، فصار لا يقدم ناره زناد ، وإنما تأجّجها على الدوام في ازدياد
، بجنده العزيز ، ومخزنه الأبريز. ثم أنه تحرك لأهل يبدر من أهل الساحل ، لقطع ما
سمعه من جموع الدرقاوي الذي ببني يزناسن نازل ، فغزى صهره الشيخ أبا ترفاس ، لما
سمع بالدرقاوي عنده على غفلة من الناس ، ولما سمع الدرقاوي بنهوض الباي إليه فرّ
هاربا متذللا وأخلا الأرض بين يديه وافترقت من حينها جموعه وجاءته عجلة قواطعه
وقموعه فزاد الباي للساحل وأخلا منه ما أخلا ، وقتل ما قتل وأجلا ما أجلا ، وخرّب
قرية أبي ترفاس واحتطب أجنتها ، وسلط عليها أذاها ومنّتها ، ولما فعل بقرية الشيخ أبي
ترفاس أفعال الشرور والإفلاس ، قال له أيها الباي لماذا فعلت بنا هذا ونحن من جملة
ضعفاء الناس ، فقال له
لأن صهرك درقاوي
يأوي إليك فأنت مثله وأحوالك ببداية ، فقال له إني شيخ طلبة لا غير وعايرتني
بالتدرقي ولست من أهله وخرّبت مكاني خرب الله ملكك عن قريب وألبس لك التدرقي
عباية. وهذا أبو ترفاس ولد الشيخ أبي ترفاس الذي غزاه الباي خليل ، فأهلكه الله
لرجوعه لتلمسان في السبيل ثم كر الباي لأهله راجعا وهو في هلاك غير أبي ترفاس من
درقاوة طامعا ولما وصل لوادي تافنة ، حل به البلاء وانحط ، وأصابه الثلج العظيم
الذي لم يمطر مثله قط. فمات به كثير الخيل وتعيّب كثير الجند ودخل الباي اضطرارا
تلمسان ، وافترقت محلته افتراقا مختلفا هامت به في البلدان ، فمنهم من مات جواده
والآخر تمزّق خباؤه ، ومنهم من تلفت سرجه والآخر انكسرت بندقته (كذا) والبعض
تورّمت أعضاؤه ، وانهدمت بسببه الديار ، وانكسرت منه الأشجار ، فسبحان الله الواحد
الأحد المالك القهار. واشتهرت تلك الواقعة بحركة الثلج ، وعرف عند الناس بقصة عام
الدّلج. وبقي الباي بتلمسان إلى أن صفا الحال ، وأمن على نفسه فضلا عن جيشه من
الضرر والنكال ، رجع لوهران واستقامت له الأحوال واقتدت به الناس في الأفعال
والأقوال.
نهاية الباي بوكابوس المحزنة
قال فبينما هو
بإيوانه في فرح وانبساط ، وسرور واغتباط ، وإذا بالباشا بعث له بالحركة لتونس التي
كانت عليه منحوسة ، وأصل هلاكه وصارت أموره منكوسة ، فهي سيئته وخطيئته ، وبها كان
هلاكه وسخيطته ، وعذابه / وزوال (ص ٢٧٨) الملك عنه ، وإهانته والانتقام منه. وسبب
الحركة أن الجزائريين وقعت بينهم وبين التونسيين مقاتلة ومشاجرة ومواقفة ومحاصرة ،
ودامت زمانا طويلا سرا وجهرا ، فتهيأ الجزائريون لهم بالحركة برا وبحرا وبعث
الباشا لباي الغرب أن يتهيأ للحركة بالمحلة الجليلة من أنجاد مخزنه ذوي الجلالة
لاتصافهم في كل موطن بالشجاعة والحزم والبسالة ومآثرهم في الحروب مشهورة ، وعند
الناس في كل مكان مذكورة ليس لها خفاء بالشدة والجلدة ، وكان يضرب بمخزنه المثل في
كل بلدة ، فالواحد منهم بمنزلة العشرة فاعلا في الثبات والشدة ، والشجاعة والفراسة
والمعرفة والكياسة والأدب والظرافة والفطانة واللطافة والتقدم لإزالة
الجماجم عند الطيش
والوحشة ، والثبات للزحف وقمع العدوّ عند الذهول والدهشة. فهم رجال الوفاء والخجل
، وهم السادات الذين لا يعتريهم الطمع والوجل ، بل شأنهم التقدم للنزال بين الصفوف
، والجولان في الحرب بالبنادق والسيوف ، ولهم معرفة بمكايد الحرب ، وتخلقوا بأخلاق
الطعن والضرب ، فلا يخشون من قتل يوم ترحف الراجفة ولا يفرون من موت حين تتبعها
الرادفة ، فإن ذهل غيرهم فهم ثابتون ، وإن انهزم غيرهم فهم نابتون ، فهم الذين صدق
في وصفهم قول الشاعر ، الواصف لقومه ونفسه بالأمر الصائر :
إذا المرء لم
يدنس من اللوم عرضه
|
|
فكل رداء يرتديه
جميل
|
وإن هو لم يحمل
على النفس ضيمها
|
|
فليس إلى حسن
الثناء سبيل
|
تعايرنا أنّا
قليل عديدنا
|
|
فقلت لها أن
الكرام قليل
|
وما قلّ من كانت
بقاياه مثلنا
|
|
قدم تسامى للعلا
وكهيل
|
وما ضرّنا أنّا
قليل وجارنا
|
|
عزيز وجار
الأكثرين ذليل
|
لنا جبل يحتلّه
من يجوره
|
|
منيع يؤدي الطرف
وهو كليل
|
وإنّا القوم لا
نرى القتل سبّة
|
|
إذا ما رامته
عامر وسلول
|
وما مات منّا
سيد حتف أنفه
|
|
ولا ضلّ منا حيث
كان قتيل
|
تسيل على حدّ
الظبات نفوسنا
|
|
وليس على غير
الظبات تسيل
|
علونا على غير
الظهور وإنّنا
|
|
لوقت إلى خبر
البطون نزول
|
ونحن كماء المزن
ما في نصابنا
|
|
كهام ولا فينا
من يعدّ بخيل
|
وننكر إن شئنا
على الناس قولهم
|
|
ولا ينكرون
القول حين نقول
|
إذا مات منا سيد
قام سيد
|
|
يدل بما يهوى
الكمال يقول
|
ولا أخمدت نار
لنا دون طارق
|
|
ولا ذمّنا في
النازلين نزيل
|
وأيامنا مشهورة
في عدوّنا
|
|
لها غرر معلومة
وحجول
|
وأسيافنا في كل
شرق ومغرب
|
|
لها من قراع
الدارعين فلول
|
معودة إذا تسلّ
نصالها
|
|
فتغمد حين
يستباح قتيل
|
سلي إن جهلت
النّاس عنا وعنهم
|
|
وليس سواء عالم
وجهول
|
__________________
خروج الباي من
وهران في طريقه إلى تونس وعصيانه
قال فامتثل الباي
لذلك وتزود زادا كثيرا ، وجمع من مخزنه جيشا عرمرما غزيرا ، وخرج من وهران يروم
تونس وفقا لما أمر به وصاحب الغيب أعلم بما في غيبه ، ولما نزل وادي يلّل ، الذي
بان به فساده والخبل ، حدثته نفسه برفض الترك والخروج عن طاعتهم في سرّه وعلاه ،
والدخول في سلك سلطان المغرب مولاي سليمان بن عبد الله فأصبح معلنا بقتل الأتراك يا للعجب ، جازما بالدخول في
طاعة سلطان الغرب ، فقتل كلّ من كان بقربه من الأتراك ولو أصهاره ، وأمر بني عامر
بقتل محلة الترك التي عندهم فقتلوهم خديعة بالتفرقة على الخيام ولم ينج إلّا من
نجّاه الله واختاره ، وتمادى على ذلك ولا حصل له في رأيه وهن ، ولما سمع الباشا
غضب وعلى جيشه حزن ، ودخل على قارة باغلي صهره خليفة الكرسي بمن معه من الأتراك
لمازونة وسكن ، وكر الباي راجعا لوهران ، بمشاورة أعيان مخزنه خديعة منهم له حيث
فعل ما لا يليق ، وغرضهم القبض عليه وصيرورته في الكبل الوثيق ، فبينما هم لوهران
داخلون ، وإذا بالسفن المشحونة بعسكر الأتراك في البحر وهم بالمرسى نازلون أتوا
ليتطلعوا على حقيقة الأمر وما سبب ذلك ، كما جاء عمر آغا في البر بمحلة عظيمة
قاصدا لوهران على ذلك ، فدخل الباي محله وقد سمع بذلك ، فجزم بإلقاء النار / في خزنة
البارود ، لتصير المدينة عاليها سافلها ولم ينج منحوس ولا (ص ٢٨٠) مسعود ، وأنه
ميت معهم ما فيها المحالة ، فصعب ذلك على المخزن وأهل البلد واشتد بهم القلق
والوجالة ، فصعد له المخزن للدخول عليه ومعهم كبراء البلد للقبض عليه ونهيه على
فعله ، فلم يدع أحدا يدخل عليه وزاد في قوله وفعله ، فصرخت الناس بالاستغاثة وهرب
من يطيق الهروب وأيقنوا بالهلاك بغتة دون الحروب ، فعند ذلك صعد له العلماء
وبأيديهم المصاحف وصحيحا البخاري ومسلم ، وناجوه من بعيد وأروه ذلك ووعظوه بليغا
فأذن لهم في الدخول وأمنهم وقال من شاء تأخر ومن شاء تقدم ، فدخلوا عليه وصبروه
ووعظوه ، وبقضاء الله لزموه وللموت لحّظوه ، فثبت يقينه وزال ما به من الغضب ،
وعلم أن ذلك حيلة
__________________
من مخزنه فعلوها
لنجاة أنفسهم من العطب ، فاطمأن قلبه ورضي بالموت وزال عنه النصب ، وأذن للعلماء
في قبضه فأبوا ذلك ، وقالوا له هذا شأن المخزن لا شأننا فهم أولى بذلك ، ثم أذن
للمخزن ورؤوساء البلد فدخلوا عليه وكبّلوه وشددوا عليه ووحّلوه ، حتى أن
الوجيهءاغة علي ولد عدة قال له لما اجتمع به بخروف قادما لوهران! أيها الباي فعلت
الذميم مع مخزنك سابقا وأهلكت نفسك لاحقا فلست من آل عثمان ، وقاله ثانيا لما
شرعوا في تكبيله ، وتوثيقه وتنكيله وأخبروا العساكر التي في السفن وأدخلوهم
المدينة ، وكتبوا لعمر آغا بذلك ، ليدخل كمن كان في السفينة. وقد أتى عمر معه
بالقفطان المعد للملوك وبايات لار ، فألبسه بمازونة لخليفة الكرسي على قارة باغلي
باشتهار ، وولّاه من حينه بايا للإيالة الغربية ، بدلا من صهره أبي كابوس ذى
الأحوال الحربية ، فظهرت فيه دعوة الشيخ أبي ترفاس المارة في الرواية عايرتني
بالتدرقي ألبسه الله لك عباية. ثم قدم عمر وعلي قاصدين بجنودهما وهران ، فدخلاها
وألفياه مكبولا في سجنه نادما على فعله الذي حسنته له نفسه وشياطين الإنس والجان ،
وهو صابر لما ساقته له المقادير ، فحق فيه ما قاله الشاعر الماهر :
قالت أراك مع
الأرذال تصحبهم
|
|
ومن يصاحبهم في
دهره يهن
|
لا يصحب المرء
إلّا من يشاكله
|
|
ما رأيت الظّبا
والأسد في قرن
|
(ص ٢٨١)
/ أجبتها مظهرا عذري ومنشدها
|
|
بيتا به تضرب
الأمثال في الزمن
|
يغمى على المرء
في أيام محنته
|
|
حتى يرى حسنا ما
ليس بالحسن
|
عمر آغا يقتل الباي بوكابوس وينصب الباي
علي قارة باغلي
ولما رآه عمر آغا
تركه على تلك الحالة بالاعتماد ، وخرج معه الباي علي بجيوشهما يجوسان البلاد ،
ويتفقدان أحوال الرعية وما عملت وأخّرت وقدّمت ، فوصلا لجبل ترارة وكانت بها دار
ابن الأحرش الدرقاوي فأمرا بهدمها فتهدمت وصعدا مع الجبل إلى تاجرة ثم رجعا
لتلمسان بعد خلوها وفرار أهلها عنها ، ثم رحلا لناحية الحشم ونزلا بالمعسكر
بالخارج منها ، وهناك أمر عمر آغا بقتل
العثمانية فقتلوا
عن آخرهم ولم ينج إلّا من فر بنفس وعصمه الله من مكرهم. قال ثم رجعا لوهران
ودخلاها وبها قتل عمرءاغة الباي الرقيق بأشر القتل ، ونكل به بأشد النكل ، فسلخ
رأسه وهو حيّ وفعل به فعلا شديدا وملّاه بعد السلخ بالقطن وبعثه للجزائر فعلّقوه
على عمود طويل وتركوه به زمانا مديدا ، وقتل أولادهم وهم صغار ولم يتق فيهم رب
العالمين ، وقتل بعض خدامه وصار بهم ما صار بالبرامكة مع الملوك العباسيين. وقال
فيه كل من السيد حسن خوجة والسيد مسلم بن عبد القادر أبياتا ، فأما التي قالها
السيد حسن ذهبت عن حفظي ، وأما التي قالها السيد مسلم خذها إثباتا :
ظننت برأيك أنه
صلاح
|
|
كلا والله ذلك
الفساد
|
من يستقل بالرأي
ليس عاقل
|
|
لا خير في رأي
يعقبه الفساد
|
وفعلك ذا يؤدي
إلى النكال
|
|
وفيه حتف لمن
غرّه الرقاد
|
/ غررت بنفسك والآل كلا
|
|
ما لهم ذنب لا
ولا المراد
|
(ص ٢٨٢) حتى بقوا نساؤهم يهمن
|
|
في كل وطن
وأتلفت الأولاد
|
أبو راس يرثي الباي بوكابوس
قال وطلع في أيامه
نجم غير معهود الطلوع قبل ذلك ، من الشمال ذا ذنب طويل شعاعي وأدام أياما ثم أفل
ولم ير بعد ذلك. ولما مات هذا الباي قال فيه الحافظ أبو راس ما ذكره في رحلته التي
اسمها : فتح الإلاه ومنته ، في التحدث بفضل ربّي ونعمته ، من المدح والثناء الجزيل
، والترحم له بالترحم الجميل ، ما نصّه : ولمّا افتقرت مصريتنا بيت المذاهب الأربع
للترفيع وأردت تجديد تبييضها وبعض ترميمها وتقييضها ، ذكرت ذلك للباي الأسعد
الأقعد الأمجد ، الأنجد الأوحد ، عزيز النصر ، ونخبة العصر ، وريحانة الدهر السادل
على الرعية الأمن والأمان ، الباي السيد محمد بن عثمان ، اتحفه الله بالرضى
والرضوان وألحفه مطاريف التكريم والحنان ، فبعث لي مع ساقه مائة ريال بوجهها ،
قامت أوفى إقامة بترميمها وتبييضها وذلك قبل أن أحجّ عنه رحمهالله فوفّرني أحسن وفارة ، جعل الله ذلك القتل له كفارة ، ولما
أوبت من الحج سنة سبع وعشرين ومائتين
وألف أعطاني مائة محبوب جعله الله يوم القيامة مقربا ومحبوبا ، أنّس
الله غربته ، وأزكى ذريته وتربته ، وجعل ذلك الحج المبرور في ميزانه وراجح أوزانه
، وتقبل الله دعاءنا في تلك المشاهد ، التي ينتفع بها الغائب والشاهد ، وما أنفقنا
من نفقة هنا كبيرة أو صغيرة ، إلّا عوّضه الله عنده ، حسنات كثيرة أثيرة. ولما قبر
(ص ٢٨٣) قمت وذهبت إلى ضريحه وترحمت وبكيت / ، وقلت السلام عليك أيها الإمام ،
الثاوي في دار السلام ، كأنك لم تعرض الجنود ، ولم تنتشر على رأسك البنود ، ولم
تبسط العدل الممدود ، ولم تعامل بفضلك الركّع السجود ، توسدت الثرى وأطلت الكرى ،
وشربت الكأس الذي يشربها الورى ، وأصبحت ضارع الخد ، كليل الجد ، سالكا سنن الأب
والجد ، ولم تجد بعد انصرام الملك إلا صالح عملك ، ولا صحبت لقبرك ، إلّا رابح
تجرك فنسأل الله أن يؤنس اغترابك ، ويصلح في الآخرة ما في الدنيا أرابك ، أعطاك
الله الوسيلة وتمم مقاصدك الجميلة ، ومنحك الزلفى الجزيلة ، ولم أجد مكافآت لك
إلّا التقرّب بدعاءي الله برحمتك ، وتعفير الوجنات في تربتك ، والإشادة بعد الممات
بمجدك وكرمك ، منحك الله المغفرة الطيبة ، والتحيات الطيبة ، مد الدهر وأباديه ،
وتراويحه وتغاديه ، وأسكنك من الجنان بحبوحه ، وأعطاك فيها فسوحه ، آمين يا رب
العالمين ، ولا أرضى بواحدة حتى أقول ألف ألف آمين. وكانءاغته الفارس المشهور ،
البطل الذي في الموارد والمصادر مذكور أبو مدين قدور الصغير ابن إسماعيل البحثاوي
، أبلغه الله المراد وأنقذه من المساوي ومن الزمالة المرسلي والسيد محمد الوهراني
ولد قدور ، السالكين النهج المسرور.
الباي علي قارة باغلي
ثم الباي علي ،
المعروف بقارة باغلي ، نسبة إلى بلدة ببلاد الأتراك ، يقال لها باغل بلا اشتراك.
كان أتى إلى هذا الوطن بالمقامنة في وقت الباي محمد الكبير بن عثمان ثاني ملوك
العثامنة. وكان موصوفا بالعقل والرياسة ، والمعرفة (ص ٢٨٤) والكياسة فزوّجه الباي
محمد الرّقيّق ابنته / وأدناه منه وصيره يتعمل بالأعمال
__________________
المخزنية ، ويتوظف
بالرتب السياسية إلى أن ارتقى للمملكة بغير الخلف ، فتولى بايا بالإيالة الغربية
في نصف السنة الثامنة والعشرين والماتين (كذا) والألف فهو سابع بايات وهران واستقر بحول الله تعالى على الكرسي
في ذلك الإيوان. فألفى بالمخزن تخليطا كثيرا بسبب أمر الباي محمد أبي كابوس الذي
كان قبله اتّهم فيه الكثير من الناس بتهمة الناكوس ، ولشدة عقله ورياسته ودينه وما
كان منه ، وميثاقه غفر جميع ذلك لمن اتّهم به وعفا عنه ، وتلك التهمة والخلاط اختص
به الزمالة ، دون غيرهم من المخزن فكانوا به حثالة الحثالة. وكان لا يقبل الوشاة
ولا يصغي للموهن ، فإذا وشى أحد بغيره عنده لا يقبل ولا يسمع منه ما يؤذي به أخاه
المؤمن ، وهو قليل الخطية للناس ، فلا يخطي إلّا القليل من الناس ، لا سيما المخزن
وأهل البلد وذويه ، عكس ما كان من قبله عليه. وانقطع في أيامه ذكر الدرقاوي حتى
صار لا يذكر إلّا على وجه الحكاية كما قال الراوي. قال وحدث في وقته الجراد
المنتشر غير المعهود الذي أفسد الزروع والثمار ، وعمّ بالشرق والغرب سائر النواحي
والأقطار ، ولم يخل منه مكان ، إلّا مدينة وهران ، وكان من لطف الله تعالى الواقع
بهذا الباي جيد السيرة سديد الرأي ، الذي زاد للناس أمنا متسعا وهدّن روعة الوطن ،
وسكّن من الأمر ما تحرّك وأحرى ما سكن ، فأسعدت به البلاد. واطمأنت به قلوب العباد
، أنّ عمر آغا لما فعل بأبي كابوس ما مر أخذ في نهب ما في بيت المال من الأموال ،
ولما رءا (كذا) إبراهيم خزندار / الكبير ذلك علم أن الباي الآتي لا بد أن يكون من
عدم المال ، (ص ٢٨٥) مع الجيش وغيره في ضرر ونكال ، بادر إلى الخزنة وأخذ منها
غفلة جملة من المال ، وصعد به إلى أعلا (كذا) سطح المحكمة وجعله هنالك ، ولم يطلع
على فعله إلّا الخالق المالك ، وحين تولّى الباي علي واستقر بالإيوان نظر لبيت
المال فوجدها خاوية على العروش ، فتحيّر من ذلك وتألّم كثيرا وقال كيف أفعل مع
هؤلاء الجيوش فدخل عليه إبراهيم خزندار فوجده مع نفسه في هم وحزن ، وتأسف صاعد
وهابط ومحن ، فقال له يا سيدنا ما طرقك حتى صرت في هذا التأسف ، والضرر الشديد
والتقشف ، وأنت البايلار باي وأنت الذي تزيل عن
__________________
عيرك بفضل الله
الأغيار ، فقال يا إبراهيم وكيف لا أتأسف وبيت المال خاوية فما أصنع مع هؤلاء ،
الجيوش الضاوية فإن عمر ذهب فارحا أمينا بأخذه المال لنفسه وتركني أسيرا مع الجيش
حزينا ، فقال له إبراهيم يا سيدنا لا تجزع ، ولا تتأسف ولا تفزع فأنفسنا لك وقاية
، ومالنا لك حماية ، ومخزنك كثير الجود والشجاعة ، والزعامة والبراعة لا يدعوك تتألم
بسبب ذهاب المال ، فلا ريب أنهم يجمعون لك فورا ما يكون به التطريب للبال ، وأني
قد دخرت لك شيئا من الذخائر والأموال ، لتستعين بها على ما أنت فيه من الأحوال
فقال له أحضرها وبادر ، فأحضر ما كان تحت يديه من الذخائر ، ففرح الباي وظهر عليه
السرور واستبشر ولاح على جبينه النور ، ولما سمع المخزن أتوه. بما فيه الكفاية
وفوق الكفاية وقالوا له طب نفسا فأنفسنا ومالنا لك هي الوقاية ، فشكر فعلهم الجميل
، وأثنا (كذا) عليهم (ص ٢٨٦) الثناء الجزيل. / ، قال وفي ثامن جمادى الثانية سنة
توليته غزى ترارة ومعه عمر آغا كما مرّ فقتل منهم أربعة وثلاثين
رجلا من الشجعان ، وسبا (كذا) تسعين امرأة بالبيان.
ثم غزى بني مناد
لما ظهر منهم الفساد ، فأوقع بهم إيقاعا عظيما ، وهتكهم هتكا جسيما ، أفنا (كذا)
منهم عددا من الأبطال وسبا (كذا) الأموال والنساء والصبيان وأسّر الرجال. ومات
بتلك الواقعة من أعيان مخزنه القائد الأنجد ، الفاضل الأمجد الشهم الشجاع الجواد
المطاع ، الصنديد الباسل ، الحليم الكامل ، من هو لليتامى والآرامل كافل. ذو اليد
الواسعة والمآثر الساطعة ، رئيس الدوائر ، محي الدين بالنواهي والأوامر ، صاحب
المحاسن والمعارف ، وجائز المعالي والعوارف جالب الإحسان ، ودافع المساوي مفتخر
النسب المخزومي البحثاوي ، السيد قدور الصغير بن إسماعيل آغا ، واصل الله روحه إلى
الجنة وأحكم بلاغه ، كما مات الطالب الأديب الحاذق اللبيب ، كامل الإحسان والأجور
، قائد الزمالة السيد محمد الوهراني ولد قدور رحمهماالله بمنّه وفضله وكرمه
آمين وجعل في الفردوس آخر دعواهما أن الحمد لله رب العالمين. وهما ركائز المخزن في
الأمور النفّاعة ، وعمدته رأيا وشجاعة. وقد قال السيد مسلم
__________________
خوجة فيءاغة السيد
قدور الصغير بن إسماعيل مرثية يخر لها القائم على ركبتيه جاثية ، وهي :
حلي السياسة
وطلي الرياسة
|
|
قد اجتمعا وفيك
غيرهما تتل
|
كريم عفيف توفي
فيما تقوله
|
|
ومهمى يضيق
الأمر أنت له أهل
|
وما من كريهة
ألّا أنت مفتاحها
|
|
وءالك جملة فحول
وأبطل
|
وثلم من سور
مشيّد موضع
|
|
وأسقطت ثلمة لم
يوجد لها مثيل
|
/ لموتك قد بكا جميع الأحبّة
|
|
وقد عزّ صبرهم
زمانا ولم يسل
|
(ص ٢٨٧) لأن على يديك فتح الحوائج
|
|
ومن قطر ماء
المزن جودك أهطل
|
يسعد من يلجأ
لبابك يلجأ
|
|
وإن كان راديا
تهذّيه يكمل
|
وقال أيضا :
فحزني على
المبلغ للمراد
|
|
حليم منيب وتبر
وقّاد
|
مزيل الكروب
منيل المطلوب
|
|
ومفجي الهموم
ومجلي النّكاد
|
ومعطي العطايا
جزيل الندا
|
|
ومهدي الهدايا
ومن هو الزّاد
|
وذي النجدة
العظمى حال الحروب
|
|
ناصر المظلوم
وطويل النّجاد
|
سريع الغضب قريب
الرّضا
|
|
مغيث الملهوف
كثير الرماد
|
شجاع الهيجاء
وضرغامها
|
|
حسين التدابير
نعم النقّاد
|
قدور بن إسماعيل
بن البشير
|
|
فإنه صار ضجيع
اللّحاد
|
فأبكا الأرامل
واليتامى
|
|
وأبكا الصلحا
وأبكا الزهاد
|
وأبكى الشرفاء
والعلماء
|
|
وأبكا القرّاء
وأهل الرشاد
|
وأبكا العساكر
نعم الشّجاع
|
|
وأبكا الشّجاع
وأهل المعاد
|
وأبكا الجيوش
وأبكا الأمير
|
|
وأبكا الوزرا
وأبكا القيّاد
|
وأبكا السادات
الكرام الرضا
|
|
وأبكا الطّلحا
وكلّ العباد
|
وأبكى النساء
وأبكا الرجال
|
|
وأبكى العبيد
والصبيان زاد
|
فحق عليه البكا
دائما
|
|
بشقّ الجيوب ولطم
الخداد
|
/ وخدش الوجوه وصوت عويل
|
|
وندب طويل بغير
نفاد
|
(ص ٢٨٨)
قد أبكى العيون هذا الباسل
|
|
برجف القلوب
وحرف الكباد
|
فمن للأرامل من
بعده
|
|
ومن للياتامى في
جمع الأعياد
|
ومن للشعرا إذا
وفدوا
|
|
ومن للمدين
مرتاح القصّاد
|
فإنّ النّدا عليه
باكيا
|
|
كذا الحرب قد
بكا حال الطّراد
|
فمخزن وهران منه
انغدر
|
|
ووهران باكية
بالثّماد
|
تقول بصوتها حال
البكا
|
|
عليك حزني قد
دام يا جواد
|
فبك احترامي وبك
التوفير
|
|
ومنك افتصاحي
ومنك السّهاد
|
فويل وويل وويل
شديد
|
|
وويل وويل لبني
منّاد
|
هم الذين غيّبوك
عنّي
|
|
وصرت رهين تراب
اللحاد
|
قد أبرد الله لك
الضريحا
|
|
وأسكنك في فسيح
الخلاد
|
ولا راحم الله
قاتلك
|
|
مأويه جهنّم بيس
المهاد
|
وقال أيضا :
يحق لنا البكا
على أسد الوغا
|
|
وناصر مظلوم
وقامع من طغا
|
وقاهر جبّار
عنيد ومارد
|
|
وجامع أشتات
ومفن لمن بغا
|
ودامغ أعداء
طالت لهم أيد
|
|
وباذل أموال
ومعط لمن صغا
|
وحائز أوصاف
الكمال بأسرها
|
|
مهذّب أخلاق
ومصغ لمن لغا
|
ومعطي العطايا
دون منّ ولا أذى
|
|
كافل أرامل
أيتام بما ابتغا
|
(ص ٢٨٩)
/ ولكل عالم وصالح طالب
|
|
محبّ له في الله
حبّه ما التغا
|
وذلك سيّد
الدّوائر قدور
|
|
نجل إسماعيل
البحثاوي منصبه آغا
|
فلا رحم الرحمان
آل مناديها
|
|
لمّا قتلوا
المرحوم نال لما ابتغا
|
بشرى لك بالجنان
يا قدور الرضا
|
|
بشرى لك
بالغفران والخير أبلاغا
|
وراجع ما مرّ من
واقعة بني مريانن التي هي من أيام المقلش تستفد ما للخوجة فيه من الأبيات الدالة
على مدحه بالجمع والثبات. حدثني المسنّ الطّاعن في السّن أبو العباس الحاج أحمد بن
عتّ الغربي وكان أصله من عكرمة قال حدثني والدي عبد الرحمان بن عتّ عن خصالءاغة
السيد قدور بن إسماعيل المذكور ، إنه قال أني كنت من البيوت الكبار بعكرمة الشراقة
ولنّا قايد يقال له المجاجي ليس من أهل السعي المشكور ، وكان منافسا لي فوشا (كذا)
بي كثيرا عند
خليفة الشرق
بأفعالنا وأقوالنا ، فلم يفده ذلك لاطلاع آغا والخليفة على أحوالنا ، ثم وشي بي
عند الباي علي مرارا عديدة فأثّر وشيه في وخطني الباي خطايا عديدة ، ثم أن الباي
كان بمحلته بالنواحي الشرقية ، ومعه حليفته صاحب الأخلاق المرضية ولما رجع للمعسكر
قال قائدنا المجاجي وأنا على فرسي وكان من عتاق الخيل ، يا سيدنا أنت لست بباي
وأنا لست بقائد وإنما الباي والقائد هذا الرجل الذي تراه على الفرس الأدهم كاليل (كذا)
فأمر الباي فورا بقتلي ، لاكنه (كذا) لم يتم أجلي ، فأحيل بيني وبين فرسي وأخرجوني
للقتل فتكلم الخليفة وآغا الشرق على خلاصي فلم يفد ذلك بالرتل ، فسمع آغا السيد
قدور ابن إسماعيل ذلك ، وعاين ما هنالك ، فتقدم وقال للباي لا يقتل لأنه مظلوم
والمجاجي قائده مسلط عليه / في الأمر المعلوم ، وأن قتلته بسبب هذا القائد (ص ٢٩٠)
البوطال بقيت الجهة الشرقية فارغة من الرجال ، فترك الباي قتلي وحملني مسجونا على
بغلة لوهران ، وقد أخذ فرسي بالإعلان ، ولما وصل لوهران أدخلني السجن ثلاثة أشهر
متتابعة ، ومهمى يسل المساجين أخبره بأحوالي قولة قاطعة ، إلى أن قلت له يا سيدي
خلصني من السجن أو اقتلني ولا تدعني في السجن الدائم ، فقال له آغا السيد قدور
المطلوب من سيادة الباي أن تسرح هذا الرجل من حينه لأنك أطلت سجنه بسبب قول قائده
الظالم. قال فسرحني الباي من وقتي ، وجيت (كذا) لأهلي في الفرح والسرور ، ولما
وصلت خيمتي جاءني القائد المذكور وقال لي أنّ الباي خطّك بمائة سلطاني لا ريال ،
وخلاصها على يدي فلا بد من دفعها فورا في الحال ، فقلت للقائد أن الباي لم يخطني
بشيء من المال ، وإن كان كما قلت فأين بطاقته حورا فقال لي لا تزد في الكلام أدّ
ما أمرتك به فورا ، وإلّا يحلّ بك الانتقام ، وتعود لسجنك على الدوام فقلت له يفتح
الله وسيحصل بعد العسر اليسر ، ثم أني بعثت لصهري المختار العكرمي على فرسه بسرجه
فبعثه لي وركبت مع رفقائي ليلا وسرت إلى أن دخلت وهران مع الفجر ، ولما نبيت
الحكومة تقدمت للشكاية بالقصد فناديت جهرا يا سلطان الحق السيد إذا حرر عبده
ومكّنه من التحرير هل يتعرض له أحد ، فقال لي أعد ما قلت فكرّرت قولي ثانيا وثالثا
، فقال لي ما معنى كلامك فلا تكن ناكثا ، فقلت له يا سيدي إني خديمك الفلاني الذي
عزلت عني فرسي بالمعسكر بسبب كلام القائد
المجاجي ، وأمرت
بقتلي بلا نتاجي فخلصني الله منه على يدءاغة سيدنا قدور ابن إسماعيل ، وسجنتني
ثلاثة أشهر متوالية وخلصني الله منه على يد سيدنا آغا (ص ٢٩١) المذكور الجميل ،
وإني لما ذهبت / لأهلي جاءني القائد المذكور ، وقال لي أن الباي خطك بمائة سلطاني وخلاصها
على يدي بالمحضور وأني تركته بخيمتي نازلا ، وجيتك ليلا نازلا وقد أخذت فرسي وهذا
طلبته على صهري ، أطال الله حياتك وخلّد ملكك فانظر في أمري ، فاستغاظ الباي كثيرا
، وقال للخوجة انظر خطيته في الدفتر جهيرا ، فال الخوجة أني لم أكتب شيئا ولا هو
سجلا ، وقال قائد الطابع أني لم أمكنه من الطابع على هذا الأمر أصلا ، فتقدمءاغة
السيد قدور ابن إسماعيل ، وقال للباي قد اتضح ظلم القائد وجوره على الرعية بالجملة
والتفصيل ، وهذا القائد لا يليق للتولية وإنما شأنه العزل وبالمائة سلطاني تكون له
الخطية ، لينتهي هو وغيره عن ظلم الرعية ، فأمر الباي بعزله للقصاص ، وخطه بالمائة
المذكورة وعيّن له من مكاحليته الخلّاص ، ثم قال ليءاغة المذكور ، يا هذا الرجل
مثلك لا يليق له السكن بمخزن الباي المنصور ، فقال الباي نعم قولك يا آغا هو
المسطور ، فرحلت من حيني وجيت (كذا) للحامول فسكنته بأهلي ، بالزمالة وصرت وكيلا
على السيد محمد بن الحفاف كثير المجالة ، ثم انتقلت وسكنت بأهل الخوجة الغرابة ،
ثم سكنت بدوار أهل العيد فها أنا فيهم من غير استرابة.
قال ولده الحاج
أحمد ولا زال بأهل العيد إلى أن مات في أيام الأمير السيد الحاج عبد القادر بن محي
الدين بالبيان ، ودفن بمقبرة سيدي عبد القادر ابن زيان ، ولا زلنا نحن أولاده بأهل
العيد للآن. وأنه كان كثير الدعاء والترحّم علىءاغة المذكور ، وكان يوصينا الإيصاء
التام بالتعرف بذريته وقرابته لنيل الأمور ، ثم قال الحاج المذكور قال لي والدي
المزبور ، وهذا الفعل كله فعله معنا آغا المار له لا لغيره ، فو الله لم يأخذ منّي
شيئا بل كل ذلك من فضله (ص ٢٩٢) وخيره ، وبعد أمد اجتمعت / به وأردت مكافأته فقال
لي يا هذا العاقل لا تعد لمثل هذا القول فإنه ضير ، وأنا ما فعلت ذلك معك إلّا
ابتغاء لوجه الله ونصرة للمظلوم لا غير ، فقلت له زادك الله الفضل والمنة ، وعوضك
على فعلك قصورا في الجنّة. ولما مات ببني مناد أعطاهم الله الشرور والكساد ، كنت
أول من تقدم
لحمله ، ولم أزل
ملازما لنعشه في نقله ، إلى أن أوصلناه لوهران ، فرحمهالله الرحيم الرحمان وأثابه على فعله ثوابا عظيما ، وأعطاه أجرا
جسيما. وإنما أتيت بهذه الحكاية دليلا على أنءاغة المخزن له التصرف في جميع
الرعاية.
ثم أنّ الباي عليا
خرج في أيامه ابن الشريف الدرقاوي من بني يزناسن ونزل بالأحرار ، وراودهم على
القيام على الباي في الاشتهار ، فأنكرهم جلّهم ، ولبّاه قلّهم ، فسمع به الباي
المذكور ، فامتلأ بالغيظ وطارت عنه الشرور وخرج حاركا إليه بأحوال مستقيمة ، فألفى
محلة الطريق وهي محلّة الغرب بمينا فأخذها وصعد بها مع الوادي ومعه عساكر عظيمة ،
وأمر جميع نواحي القبلة بالظعون معه والتقدم أمامه. بأهاليهم وأموالهم وهو في
أثرهم مخفّقة عليه أعلامه. فامتثلوا أمره وأجابوا دعوته وحوره ، وذهبوا معه إلى أن
نزلوا ببلاد الأحرار. فأفسد زرعهم وشتّت لهم الأقوار ، ولم ينازعه أحد ، ولم يكن
له في ذلك حد ، وأنحلّ عقد الدرقاوي وانتثر وافترقت أتباعه ، وتركه من حينه منفردا
وحيدا ذهبت عنه أشياعه وجاءت شيوخ الأحرار بأجمعها لدى الباي تلتمس منه الرضى ،
فأكرم نزولهم وأعظم مثواهم وزال عنه الغضب وجاءه الرضى وذهب الدرقاوي إلى فقيق
وأقام به أياما وقد ضاق به فسيحه / ثم رجع لبني يزناسن وهو محله الأول فخمدت ناره (ص
٢٩٣) وسكن ريحه.
ثم رجع الباي
لوهران مسرورا في غاية المفاخر ، وذهبت محلة الطريق لموضعها ولما وصلت للجزائر ،
قاموا على عمر باشا فقتلوه بالحمام ، باتفاق الأعيان ، وقالوا أنه لم تسعد عليه
وبه الأيام والبلدان ، ولم يكن بوقته راحة ولا أمان. وقد مات بأيامه الرايس حميدو المجاهد في سبيل الرحمان وغلت الأسعار بوقته وظهر الطاعون ،
وقام النصارى الإنجليز عليهم بالجزائر ومنع الماعون. وذلك أن الإنقليز جاؤ للجزائر
ودخلوا مرسيها بسفنهم على وجه الخديعة من تعرية رؤوسهم مثل المبايعة بغاية الصنيعة
، وبأيديهم
__________________
سجل عظيم يرقاني ،
زعموا أنهم أتوا به من عند السلطان الأعظم صاحب الباب العالي أمير المؤمنين محمود
الخاقان ولما جازوا رماية مدافع المسلمين ، ابتدروا بإرسال صواعقهم إلى أن حرقوا
سفن المسلمين ، وكان ذلك وقت العصر واستمرّوا على ذلك الحال بغاية التمكين ، كأنّ
مدافعهم في الإرسال واحد إلى تمام عشر سوايع بعدّ الحاسبين الموقتين ، فأبطلوا الضرب وملوا لما لحقهم
من المجاهدين. قال ثم اصطلحوا مع أهل الجزائر بإعلان ، على المنّ بأسارى النصارى
الذين بالجزائر ووهران ، فأسلموهم كلهم باعتبار المقاصد ، حتى أنه لم يبق بعمالة
الجزائر نصراني واحد. قال الذي تواترت به الأخبار تواتر المصدع ، أنهم أرسلوا على
الجزائر أربعين ألف مدفع. ولما قتلوه أقاموا مكانه عليا باشا إقامة الأكابر ،
وأجلسوه على كرسي مملكة الجزائر ولما استغل له (ص ٢٩٤) ذلك / واستقر بالملك قدمه ،
غيّر الصرف تغييرا كان به عدمه. فالريال دور (كذا) كان فيه خمسة عشر وقيّة ، حطه
إلى اثنا عشر وقية ، فقد انقص خمسه ، وأضاع من حينه فلسه ، والريال الجزائري كان
فيه ثمانية أواق ، فحطّه إلى ستة أواق ، فأنقص منه ربعه ، وغيّر من ساعته جمعه ،
وأحدث أمرا لم تحدثه قبله ملوك الجزائر في الأوامر. فولّى خليفة الشرق من الجزائر
، كما ولّى قائد تلمسان وكان قبله لا يولى من الجزائر إلّا الباي بالبرهان.
نهاية الباي علي قارة باغلي
ثم عزل الباي عليا
من منصبه ، وأزاله عن مقامه ومرتبه ، وسبب العزل له والقتل ، كما هو مقرر في النقل
، أن هذا الباشا المذكور في البيان ، لمّا تولى الملك نفى بعض الأتراك من أصحاب
عمر باشا لوهران وبعث في أثرهم للباي علي بقتلهم قتلة شرّة ، ولما أحسّوا بذلك
فروا لمحلة الشتاء التي بهبرة ، فبلغ خبرهم للباشا فغاب لبّه وطاش واستغاظ شديدا
على الباي ، واتهمه بأنه هو الذي صدر منه لهم ذلك الرأي ، وبقي في غيظه وغضبه على
الباي بلا ناكث ، إلى أن ذهب الباي مدنشا للجزائر كما هي العادة عندهم في الدنوش
بأنه يكون على
__________________
رأس العام الثالث.
ولما وصل للمشرع وهو موضع بأبي خرشفة بأسفل مليانة ، أرسل الباشا إليه من دويه من
عزله قبل الدخول ثم قتله عيانة ، ودفن في محل القتل بعد تكفينه في الحصير نكاية له
والملك والبقاء والدوام لله تعالى سبحانه السميع البصير.
وولّى من حينه
حسنا بايا لكثرة جفائه ، وأمر بطبع داره وسجن أولاده وتثقيف نسائه. وتلك عادة
الأتراك في الأصل ، فإنهم يقولون يوم للطبل ويوم للحبل ، وذهب حسن مدنشا بجميع ما
دنش به الباي عليّ من الأموال الكثيرة ، والذخائر النفيسة الغزيرة ، والخيول
المسوّمة ، والأمتعة / المثمنة المقومة ، وزاد متماديا إلى أن دخل الجزائر ،
فتلقته الناس بالمبايعة والبشائر ، فقضى بها أربه ، وأكمل مطلبه وخرج منها قاصدا
وهران ، وأعلام النصر على رأسه كأنها شقايق النعمان ، والجنود به دائرة ، والجيوش
خلفه سائرة ، تقف بوقوفه وتذهب بذهابه ، وتمتثل لأمره ونهيه ، وتخشى شدة عقابه ، ولا
زال سائرا إلى أن دخل مدينة وهران ، وقال الحمد والثناء لله سبحانه الملك الديان
الغافر الرحيم الرحمان.
قال وكانت واقعة
الإنقليز بالجزائر وخروج ابن الشريف الدرقاوي وقضية الباي علي في سنة واحدة ، ليس
بينهما طول ولا تفريق في حصول الفائدة. وكانءاغته من الدوائر عليّ ولد عدة ، وقدور
بن إسماعيل ، والحاج قدور بالشريف ، ومن الزمالة السيد محمد ولد قدور الوهراني ،
والحاج المرسلي ابن مخلوف ، وعدة بن قدور بالتعريف.
الباي حسن بن موسى الباهي
ثم الباي حسن بن
موسى المعروف بأهج حسن ، وهو ثامن بايات وهران وآخرهم في القول الأحسن ، تولى في
منتصف ذي الحجة الحرام بغير الخلف ، سنة اثنين وثلاثين ومائتين والألف وهو اليوم الذي مات فيه الباي عليّ كما مر في القول الجلي.
ومن خبره أنه كان في أول أمره طبّاخا لأربعين جنديا من
__________________
الأتراك ، في غاية
ما يكون من التدريج والاشتراك ، ثم صار تبّاغا يبيع الدخان ، ويتعاطى بيعه في السر
والإعلان. قال فى در الأعيان في أخبار وهران ، وكان ذا عقل وافر وسياسة ، ورأي
ناجح ورئاسة ، ولما رءاه الباي محمد الرقيق على تلك الحالة شغف بحبّه ، إلى أن أخذ
بمجامع قلبه ، وظهر أنه لا يصلح لمصاهرته ألّا (ص ٢٩٦) هو ، وأنه هو الذي / يوافقه
في الجد والهزل ، والذكر والسهو ، فقرّبه منه وأدناه وأولاه سرّه ومعناه ، وزوّجه
من ابنته وصيره من جملته ، وشوّر ابنته بدرة بما لا له قيمة مثل الدرة اليتيمة
والذهب والحرير ، والدراهم والدنانير ، وغير ذلك من الشورة والأمتعة فصار من حينه
متسعا في غاية السعة ، وولّاه قائدا بفليتة ، وانضبطت أموره فليس لها تفليتة. قال
صاحب در الأعيان ، وهو السيد حسن خوجة كثير المعاني والبيان ، وكنت كاتبا لأموره
الشاملة ولازمته في الخدمة السنة الكاملة ، فلم أسمع قط منه جناحا ولا كلمة فحش
ولا منا ولا فخرا ولا تكبرا ولا مزاحا ، وإنما يظهر منه من محاسن الأخلاق ،
والتعبّد ما يرضّي المالك الخلّاق. قال وكان قليل الغضب كثير الرضى ، يمسح برؤوس
اليتامى ويعيد المرضى كثير الترحّم والتودّد للفقراء والمساكين ، محبا للعلماء
والشرفاء والأولياء والصالحين والمساكين ، مواضبا على الطهارة لا يتركها أصلا
محافظا على الصلوات فرضا ونفلا ، مجالسا لأهل الفضل والعناية ، مجانبا لذوي
السفاهة والجناية.
ثم ولاه خليفة
الشرق لكنه لم يبلغ فيها مناه ، ولا توصّل إلى مرغوبه ومنتهاه ، بل وافق أمره فيها
مخالفة صهره الباي محمد الرقيق لأهل الجزائر ، كما مرّ فعاقه العيوق عن تلك
المراتب والمشاعر. ثم كان من أمر الله تعالى أنه بلغه إلى مكانة أرفع منها وأرقاه
بايا والأولى أعرضه عنها. وقد قحط الورى قبل ولايته (ص ٢٩٧) فلم يمطروا ، ودام
عليهم ذلك إلى أن تضرروا ، ولمّا ولّى عليهم أمطرهم / الله تعالى بمنّه وفضله ،
وخفّ بعض غلاء الشعر الصادر بعدله. قال السيد حسن خوجة التركي في الكتاب المذكور ،
وهو ذكر الأعيان المشهور ، ولذلك قلت فيه هذه الأبيات ، الدالة على كماله بالثبات
، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل ، وهي من بحر الطويل :
أيا معشر
الإسلام دام سروركم
|
|
بدولته من في
الناس دولته ترضا
|
أمير أتانا بعد
ما قحط الورى
|
|
فأمطرنا رب
العباد به أرضا
|
تراها وقد أبدت
من الغيث أبحرا
|
|
فمن هائم طولا
ومن هايم عرضا
|
كما حسنا كان
اسمه حسنت به
|
|
ليال وأيام
وطبّت به مرضا
|
إذا ذكر البايات
كان أعفّهم
|
|
وأكثرهم جودا
وأوضبهم فرضا
|
وإن ذكر الفرسان
كان أكرّهم
|
|
وأفرسهم خيلا
وأرماهم غرضا
|
وإن ذكر الأبرار
كان أبرّهم
|
|
وأوسعهم صدرا
وأكظمهم غيظا
|
سياسة الباي حسن وسلوكه
قال شيخنا
العلّامة الربّاني ، والقدوة الصمداني ، الشريف الحسني ذو البياني السيد محمد بن
يوسف الزياني ، في كتابه : دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ،
ولما استوسق له الملك وأذعنت له الرعية ، رفض ما كان عليه من الوصف السابق وكثر
ظلمه وغضبه وغيظه وغصبه وعبثه بالرعية ، وحدث بوقته الوباء العظيم العسير وتكرّر
رجوعه بعد ذهابه إلى أن مات به الخلق الكثير.
وفاة أبي راس الناصر بمعسكر
ومات بوقته مجدد
القرن الثالث عشر ذو التآليف العديدة ، والتصانيف الكثيرة المديدة ، الشريف الأمجد
، العلامة / الأفرد ، الضابط الجامع الحافظ (ص ٢٩٨) الدراكة المانع المحقق اللافظ
، أبو راس محمد بن أحمد بن عبد القادر ، ابن محمد بن أحمد بن الناصر بن علي بن عبد
العظيم بن معروف بن عبد الجليل الراشدي المعسكري الناصري الذي ليس له نظير
بالراشدة ، ولا مثيل ، يوم الأربعاء خامس عشر شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف
، من هجرة من له كمال العز والشرف ، وصلى عليه العلامة الأسد الهائج فريد
وقته المعبر عنه بالراشدية بالخرشي الكبير السيد أحمد الدايج ، ودفن بعقبة بابا
علي من المعسكر ، فنسبت له تلك العقبة إلى أن بها اشتهر وعلى ضريحه قبّة نفعنا
الله به وأورثنا منه محبة وقربة. وفي تلك السنة رفع المطر عن العباد بعد ما فرغوا
من
__________________
الحراثة إلى أن
بقي للصيف شهر واحد في القول الذي ليس من أقوال الرثاثة ، فأرسل الله مطره النافع
للعباد ، وأزال ما بهم من التخمين والكساد ، ونبت الحبّ وتمت الصابة وحصدوا ،
وبلغوا مناهم فشكروا الله على ما أولاهم وحمدوا ، فسميت تلك السنة بصابة الشهر ،
وتعاطى اسمها في البدو والحضر. قال واجترأ على العلماء والأولياء والشرفاء والرعية
فبان منه الجور والظلم والتعدي ، وكثر منه الضلال وهتك المحارم والتردي ، وطغا وتجبّر
وتكبر وكثر منه الفساد والسفك بغير موجب لدماء العباد ، ولم يراقب في ذلك خالقه
ولم ينظر ليوم المعاد ، فقتل في سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف ، قتلة ذميمة ، ولي الله الفقيه السيد محمد ابن أحمد
الصدمي من أولاد سيدي بن حليمة ، لمّا سعى به خاله أبو ذريع عنده (ص ٢٩٩) بأنه
يريد أن يقوم عليه بغتة بالعقبة ، فبعث له ما أتاه به وعلى رأسه ساجل من / الحلفاء
ظليلة على عمود نكاية له إلى أن وصل بتلك الحالة لوهران فعلّقه بها مع الخشبة.
وفيها في شهر شعبان أمر بقطع رأسي الفقيهين العالمين الجليلين ، الوليين الكاملين
الجميلين ، السيد بن عبد الله بن حواء التجيني الدرقاوي والسيد فرقان الفليتي بغير
الكلام وأكثر من الخظية وهي العقوبة بالمال للرعية ، ولم يراقب فيها قط الأحوال
المرعيّة ، حتى صار يقول لعماله من اصطاد لنا حجلة فله جناحها ، وربحها ونجاحها ،
يريد بذلك أن من سعى عنده بأحد للعقوبة بالمال والساعي من الخواص ، فإنه يأخذ حظه
من الخطية وهو القدر الذي يأخذه من الأجرة لما يذهب للخلاص ، ولشدة ظلمه أمر كاتبه
أن يكتب لمن يريد أن يخطّيه على الفورية ، إنما استوجبت هذه العقوبة لخدمتك
الرّدية. وأنه في بعض الأيام نظر لضعف الرعية وحصول الغنا للقواد والأغات والعمّال
، استعمل حيلة ليأخذ بها منهم ما شاءه من الأموال ، فقال لهم وهم بمجلسه حجيتكم
أيها السادات الكرام الدائرين بي في هذا المقام ، إني هزلت من اليدين والرجلين
وسمنت من الأذنين والعينين ، فتحيّر عمّاله في فهم حجّايته ، وأمعنوا النظر في
فكها كل بحسب عنايته إلى أن قال لهمءاغة المعظم الوجيه النبيه المحترم من خاض
البحور في فهم المعاني إلى أن أظهرها لكل قاص منهم والداني ، المعتصم في
__________________
أموره كلها
بالباري ، الشجاع الأفضل السيد الحاج محمد المزاري ، أيها الأعيان إنّ باينا يريد
بيديه ورجليه الرعية لما رءا (كذا) ضعفهم ببصره ، ويريد بأذنيه وعينيه أغواته
وقياده لما كثر مالهم في نظره ، فعليكم بإعطاء الأموال ليلا يصير كل واحد منكم في
أرذل الأحوال ، وبادر لذلك فأعطاه من العدد ما أرضاه في الصك ، وقال له هذا الجواب
حجايتك فإني واحد من أذنيك وعينيك فقال له أنك الخبير بالفك ، ثم شرع كل واحد من
الأعيان في دفع ما قدر عليه ، فسرّ بذلك الباي وعلا قدر المزاري لديه ، وقال
لوزرائه وأهل مجلسه أن المزاري لفهيم ، وأنه على التحقيق لآغا جسيم ، وعاتب الباي
يوما بعض أصدقائه على كثرة الخطية ، التي ضعفت بها الرعية ، فقال له / أن أهل
الجزائر قد أكلوني (ص ٣٠٠) بالكلية ، ولذلك تراني قد أكلت للرعية. ثم صار مهمى مات
أحد من رعيته وهو ذو مال وفلوس ، إلّا صيّر نفسه واحد من الورثة ويأخذ حظّه معهم
على عدد الرؤوس. وفي سنة أربعين من القرن الثالث عشر أمر ببناء الرّحبة لبيع الحبّ بمدينة المعسكر ، وكتب على
رخامتها ما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أفضل رسله محمد
الكريم ، وعلى آله وأصحابه المرشدين للصراط المستقيم ، أما بعد فقد أمر ببناء هذه
الرحبة الماسوسي ، صاحب الخيرات والحسنات السيد حسن باي بن موسى زاد الله تعالى
خيراته ، وعفا عنه سيئاته ولوالديه آمين ثم كتب هذه الأبيات :
بناها حسبة لله
حسن باي
|
|
بوجسصّة إيلدي
بنيّا داى
|
صحفه خطر أيله
أجنلف
|
|
جهانك عافيته
أولسون
|
أول تارىّ غدا
أيكان
|
|
جهانك أيلسون
شادان
|
وهم أيلسون رحمت
بوان
|
|
وأجداد له ربّ
غفران
|
صوره أحمد بن محمد
سنة أربعين ومائتين وألف ، ثم أمر بجعل قبرية لضريح سيدي علي أبي الوفا ، بعد ما
بنا عليه القبة ، وذلك سنة ثلاثة وأربعين من الثالث عشر بالحسبة وكتب بأحد جانبيها ما نصه : الحمد لله أمر بصنعة
هذه
__________________
القبرية وتزويقها
المعظم سيدنا حسن باي العمالة التلمسانية ، والثغور الوهرانية ، وقد أدّى جميع ما
أصرف عليها وأهداها للولي الصالح سيدي علي أبي الوفا وبتاريخ أواسط رمضان المبارك
من عام ثلاثة وأربعين ومائتين وألف والمتولي لحلية تزويقها الطالب صالح بن سالم وصيف الشيخ
سيدنا محمد بن أبي زيان القندوسي سامحه الله آمين. وبالآخر هذه الأبيات :
يا رجال الإلاه
إنّي مريض
|
|
وأن الدّوا
لديكم والشفاء
|
أنتم الباي
والإلاه كريم
|
|
من أتاكم له
المنا والهناء
|
فكم أنني حماكم
من سقيم
|
|
وزال عنه سقمه
والعماء
|
كم أغنتم على
الدوام مريض
|
|
في الفراش وقد
كفاه النّداء
|
فانظروا بفضلكم
في علاجي
|
|
وامنحوني جودكم
ما أشاء
|
وأكثر من الربطة
حتى أنه دفع له المزاري سبعة آلاف وخمسمائة ريال في عام توليته ، وكتب له رسما
لتبريته ، ونصّه : الحمد لله تذكرتنا بيد القائد (ص ٣٠١) المزاري بن إسماعيل ، آغا
على أنه دفع لنا سبعة / آلاف ريال وخمسمائة رياب بودهيا؟ من قبل الربطة يوم توليته
أواسط ربيع الأول الأنور من عام ١٢٤١ وكتب بأمر المعظم الأرفع السيد حسن باي وفقه الله وبمقلوب
الرسم خاتم الباي المنقوش فيه ما نصه : الواثق بالرحمان ، عبده حسان باي بن موسى
١٢٣٢ .
ثورة أحمد التيجاني
ثم قام عليه في
عام اثنين وأربعين ومائتين وألف السيد محمد الكبير ابن القطب العلامة المعبر عنه بالقطب
المكتوم السيد أحمد بن سالم التيجيني بغير الخلف ، وجاءه حاركا في ستمائة رجل من
التيجانية أهل عين ماضي ،
__________________
الزاوية المحفوفة
بحفظ الله في الزمان الآتي كالماضي وعدد كثير من العرب الصحراوية التي لا تمتثل
للمعروف ولا تنتهي عن المنكر ، مع قوم الحشم إلى أن وصل للمعسكر ودخل منها حومة
بابا علي ثم خرج منها ورجع لغريس فمات بعوّاجة مع أصحابه كلهم بلا تحريس ، ومن
خبره أن الباي حسن كان قد دخله التخمين بأن التجيني سيقوم عليه بالأصفى ، كقيام
ابن الشريف الدرقاوي على الباي مصطفى ، لإقبال الناس عليه في كل ناحية وانتشار
صيته في كل ضاحية ، فرام كسر شوكته قبل تزايدها ، وهدم قوته قبل تعاهدها فجمع له
جيشا عظيما ، وعددا كثيرا جسيما ، وغزى به عليه بعين ماض ، وحاصره بها شهرا كاملا
يماض ، إلى أن حصل الصلح بينهما على يد كاتبه السيد الحاج محمد ابن الخروبي القلعي
على أن يعطي التجيتي للباي لزمة سنوية في المرعى ، قدرها خمسمائة ريال منجّمة ،
ويعطيه ألفي ريال حالّة مقدّمة (كذا) ، وكان ذلك عام إحدى وأربعين ومائتين وألف ، فأخذ الباي تلك الغرامة الحاضرة وارتحل لوهران بالشضف ،
وقد انكسر في قتال تلك الواقعة بلا تماري ، عدة ولد عثمان البحثاوي خليفة آغا
الحاج محمد المزاري. ثم أنّ التجيني لمّا رأى ما حلّ به بغير سبب ظهر له مقاتلة
الترك والغزو على الباي حسن في محلّه للعطب ودسّ ذلك في سويداء قلبه ، وصار يحشد
الجنود ويجمع الحشود لشيء لم يكن من كتبه ، ويكاتب من يظن به الإذعان للمهالك ومن
جملتهم الحشم فأخبرهم بمراده ووافقوه على ذلك. ولما دخلت سنة اثنين وأربعين
ومائتين وألف ظهر للباي السفر للجهة الغربية لإزالة الغلف ، ويتفقد
أحوالها في السرّ والإعلان ، فذهب بجيوشه / الكثيرة التي رأسها المخزن سيما
أعيانهم قاصدا تلمسان. ولما نزل (ص ٣٠٢) بالحناية كأنه الأسد الحاقد جاءته ثلاثة
مكاتب في وقت واحد ، أحدهما من عند الهواري الحشمي ، صاحب الصدق للباي في القول
الجزمي ، وثانيها من عند قدور بن سفير قائد المعسكر وثالثتهما من عند مرة أحمد
التركي الذي نفاه الباشا حسين من الجزائر للمعسكر ، وصيّره بها بمنزلة ناظر
الأحباس ، يخبرونه فيها
__________________
باتفاق الحشم على
القيام مع التجيني وإظهار الأرجاس ولما قرأ الباي تلك المكاتب ، أعلم أعيان جيشه
ومخزنه بما فيها من الأمر العاطب ، وقال لقواده لا بد تأتوني بجيوشكم الباقية
والجمع بيننا بوادي ماكرة ، وارتحل من الحناية فنزل بيسّر وبعده بماكرة ، وأقام
بها أياما والجيوش تجتمع عليه إلى أن صار خميسه في غاية الخميس ، ثم رحل ونزل
بالزفيزف ثم بعوّاجة من أرض غريس ، فأتاه الحشم بأجمعهم للضيافة ، ولم يعلموا ما
سيحل بهم من المكافة ، فضيفوه وبعد الأمل قالت له نفسه لا يستقيم لك الأمر وتحصل
لك الرّاحة إلّا بقتل قواد الحشم الإثنا عشر ، وهم محمد ولد عبد الله وابن أخته
الحبيب ومحمد بن ركموط ومحمد ابن نكروف وغيرهم في صحيح الخبر ، وكان الكبير في
هؤلاء القواد سنّا ورأيا وتدبيرا وشجاعة محمد ولد عبد الله فالصادر منه هم له طاعة
، فأمر الباي بقبضهم فقبضوا ، ما عدا القائد الحبيب فإنه لا زال على فرسه وقد سمع
ما لفظوا وصار واقفا من بعيد ينتظر ما يحل بهم من الانتقام ، فلما رآهم ذهبوا بهم
لبشوضة وهي محل القتل ذهب فارا بعد طول القيام ، ثم أنّ القواد الإحدى عشر لما
عاينوا القتل وتحققوا به وهم في الجزع والدهش ، نطق كبيرهم ملتفتا وراءه لناحية
الباي وقال يا هذا الوتاق ظلمتنا من غشك سلط الله عليه الغش ، فقال له محمد ابن
زكموط يا مختل العقل حلفك لا ينفع ، وصاحب الوتاق لا ينظر فيك ولا لكلامك يسمع ،
فالشّاه فيك على القساوة ، حيث كنت في نجاة ومن السعداء وصرت في هلاك ومن أهل
الشقاوة ولما وصلوا لبشوضة وقد صارت جموعهم مفضوضة ، قال ابن زكموط لظربير ، وهو
المأمور بقطع الرأس ، بأمر الأمير ، ناشدتك الله أن تبدأ بمحمد ولد عبد الله لتحصل
به الراحة ، لقلة رأيه الفاسد (ص ٣٠٣) وعدم إصغائه / لقولنا حيث كان من أهل السمع
فصار أصمّا كما صار أبكما بعد أن كان في الفصاحة ، ثم اقطع رأس الباقين واحدا بعد
واحد. ففعل ظربير ما قاله ابن زكموط الماجد ، قال ولما قتل الباي في ساعة واحدة
إحدى عشر قائدا ، وبعث برؤوسهم للمعسكر بعثا متواردا ، أنكر عليه ذلك كافة الترك
الذين كانوا بالمحلة والغائبين ، كما أنكر عليه ذلك أغواته الذين هم من الراكبين ،
وقالوا له سترى ما ينتج لك ولنا معك من الضرر العظيم ، حيث لم تستشر أحدا ،
واستقلّيت برأيك الصميم ، وأظنك استشرت المازري وابن وارد ، فقالا نحن
على براءة من هذا
الكلام الوارد ، فإنه لم يستشرنا ونحن من جملتكم ، وإنما ذلك رأيه هو أدرى بأحواله
منّا ومنكم.
ثم أنه لما قتلهم
وحاله استبشر ، رحل من عوّاجه وهو في نخوة ودخل المعسكر وكان في قلبه وجل من
القائد عبدي وأبي الأقدار لعلوّ كلمتهما عند العرب والترك في السرّ والإجهار وميل
أصحاب الجزائر لهما لما فيه الغاية ، وربما تتولد له منهما النكاية ، وقد ضرب على
الحشم الخطية الكبيرة ، والعقوبة المالية العسيرة ، رأى أنه لا تكمل له الأيام ،
ولا تتم له الفائدة إلا بقتل هذين ، التركيين القيام ، بعثهما لقبض تلك الخطية ،
ومراده قتلهما لتكون لهما الرزية ويتهنا من أمرهما ويستريح ، وينفرد في مملكته من
المليح والقبيح ، فذهبا لقبض تلك الخطية ، ولما وصلا للحشم قالوا لهما جئتانا
لإتمام الرزية ، بالأمس قتلتم قوادنا ، والآن جئتما لأخذ مالنا وقد جرحتم أكبادنا
، وغرضكم إتمام النكاية فستريا ما لكما فيه من النكاية ، وبادروا لقبضهما ، لأخذ
الثأر في نفلهما وفرضهما ، ففرّ عبدي هاربا وأتبعه الحشم إلى أن دخل لخيمة سيدي الأعرج
من أولاد سيدي محمد بن يحيى وجلس عند النساء للحرم فدخلوا عليه وأخرجوه منها جبرا
على السيد المذكور بالاشتهار ، وقطعوا رأسه كما قطعوا رأس أبا الأقدار ، وقالوا
هذا ثأر القواد ، الذين ذهبوا لجنة الخلود فاذهبا لجهنم وبيس المهاد ، وبعثوا
بالرأسين للتجيني وقالوا له على عبدي هذا رأس الباي حسن ، وعلى أبي الأقدار هذا
رأس خليفته كثير المحن فاستراح الباي بفعله بالتركيين والحشم ، ولم يبال بما
سيأتيه من الغم والهم.
تآمر الحشم مع التيجاني ضدّ الباي حسن
ثم أن الحشم حثوا
على التيجني حثيث الاحتباك / في القدوم معهم لقتال (ص ٣٠٤) الأتراك ، ولما رجع
الباي لوهران ومكث بها مدة في أمن وأمان ، قام عليه التيجني في جيش عظيم يريد
المجاجنة من أهل الصحراء ، واليعقوبية وستمائة رجل من التجاجنة ، ووصل لغريس في
خريفة اثنين وأربعين ومائتين وألف
__________________
فنزل بفروحة في
يوم الأحد بغير الشك والخلف ، فبعث الهواري للباي بذلك ، وأخبره بتحقيق ما هنالك ،
فلذلك جعله قائدا على الحشم في الرواية الفريدة ، وقد أطاع الحشم للتجيني لما أحلّ
بلادهم بجيوشه العديدة ، ثم كاتب التجيني بني عامر وبني شقران والبرجية والغرابة
والزمالة والدوائر وسائر النواحي الشرقية والغربية له بالإذعان ، فأمّا البرجية
والغرابة والزمالة والدوائر هؤلاء الأعراش الأربعة المتوالية الذين هم مخزن الباي
فقد أبوا من الإذعان ، وأما بنوا عامر وبنوا شقران وغيرهم فقد توقفوا ، وصاروا
ينتظرون الغالب يتبعونه وبذلك اتصفوا.
محمد التيجاني يهاجم مدينة معسكر
ثم رحل التجيني في
يوم الإثنين لمدينة المعسكر وهي على سبعة أقسام ، حومة العرقوب بسورها ، وحومة
سيدي علي محمد ، وحومة عين البيضا ، وحومة الباب الشرقي ، وحومة بابا علي ، وحومة
سيدي محمد أبي جلال ، وحومة المدينة الداخلة ، وهو الوسطى بسورها ذي أدهام ، ونزل
على الحومة الغربية وسط النهار وهي حومة العرقوب ، يريد الدخول إليها ويظفر
بالمطلوب ، فتلقاه أهلها بأسرهم بالقتال ، وصار الحرب بينه وبينهم في السجال ،
وأعانهم بنوا شقران على ذلك القتال ، وقد مات من الفريقين خلق كثير وقد بات في تلك
الليلة (كذا) بأعلا الحومة البحرية وهي بابا علي في تحرير ، وفي يوم الثلاثاء بعث
لهم ليدخلوا في طاعته ، فأبوا وبدءوه (كذا) بالحرب من غير مراعته ، فكان من أمرهم
أنه قتل منهم خلقا كثيرا ودخل تلك الحومة فجاس خلالها ودمّرها تدميرا ، ولما رأوا
ذلك قادوا له فرسا أشهب ودخلوا تحت حكمه بانتخاب وأتوه ليلتهم لمؤنته (كذا) جيشه
من المأكول والمشروب وعلف الدواب واندرج في ذلك أهل الحومة الشرقية بلا محال ، وهي
حومة الباب الشرقي ، كما اندرج في ذلك أيضا حومة سيدي محمد أبي جلال.
(ص ٣٠٥) ثم في
الغد وهو / يوم الأربعاء ارتحل من موضعه ونزل بخصيبية على الحومة القبلية ، وهي
سيدي علي محمد وعين البيضاء ، وسألهم الإذعان أو يحلّ بهم ما حلّ بالحومة البحرية
فقادوا له فرسا ودخلوا في الطاعة ، دفعا عن أنفسهم
وعلموا أن ذلك من
الخروج عن الجماعة. وفي يوم الخميس تهيأ بجيشه لقتال الحومتين المحيط بهما السور
وهما العرقوب والمدينة الداخلة ، وكان في السابق دخل أهل سيدي محمد أبي جلال ،
وأهل سيدي علي محمد ، للمدينة الداخلة ، ثم ظهر لهما في الخروج فخرجا وشدت أبواب
المدينتين وكل في مخزنه.
الباي حسن يذهب لمعسكر لمحاربة التيجاني
فبينما هو يحاول
القتال مع هاتين الحومتين وإذا بالباي حسن بلغه الخبر فخرج من وهران بجيشه ومخزنه
، وحث السير فبات بالكرمة ، وتليلات ، وسيق ، ووادي الحمام ، فنزل بمشرع حسين ،
وهو كالأسد الضرغام ، سمي المشرع بذلك سرا وجهرا لكون حسين التركي تعدى على بعض
العرب بالمنكر بذلك المشرع فقتل به وذهب دمه هدرا. وكان من عادة الباي لا يدخل
للمعسكر إلّا مع عقبة الملّاحة ، سميت بذلك للنكبة الكثيرة الواقعة بها الدواب
الملّاحة ، فنكّب عن تلك الطريق وذهب مع تيفرورة ، ومعناها ذات الخير الكثير فهي
بالبربرية مشهورة وأخذ طريق سيدي علي بن أحمد الولي المشهور. ولما قرّبه طوى
ألويته وترك ضرب الطبول بتوابعها توقيرا للولي المذكور ، وبعث لضريحه زيارة تدفع
بيد المقدم ليحصل له الفوز على التجيني والحشم وسأل من الله الإعانة على عدوه في
الحفي مقدما في دعائه ، التوسل إلى الله تعالى بذلك الولي ولما جاوزه قال له ليث
الضراغم ، ومن كثر للأعداء منه التقاصم ، ءاغته المتقاعد النبيل المحترم السيد
مصطفى بن إسماعيل وسائر الأغوات الباقين ، أيها الباي لا تخش أحدا إلا ربّ
العالمين فانشر سناجقك ونقطر طبولك كالعادة ، حيث جاوزت الوليّ ، فالنصر لك ولنا
معك في الزيادة ، والعدو لا ريب يحل به النّكال لأنه ما معك إلّا ليوث الرجال.
قال ولما وصل
الباي لخروبة الصيادة المطلة على غريس ، هبط على قرية الكرط ، ومرّ على سيدي علي
القطني كأنه أسد التغليس ، ولما بلغ الخبر بأن التجيني لا زال محاصرا للمعسكر ،
رجع نحوه / متوجها له وهو بخصيبية من غير (ص ٣٠٦)
المفر ، ولما طلّ
عليه ورأى عنده الجراد المنتشر ، وسمع به التجيني فتأخر عن المعسكر ، وهبط دالجا
ناحية أولاد رحّو يروم المقاتلة وعنه يلحّ دخل الباي الخوف والجزع ، ولحقه الرعب
والفزع وظن أن الدّائرة كائنة عليه فثبّته أعيان مخزنه وواعده بأن النصر مقبل عليه
، وقالءاغته المتقاعد الشبيه بالجوطي الحاج عبد الله بن الشريف الكرطي أيها الباي
رأيك الذي استقليت به حيث تركت المشورة لكل أحد في ابتداء الأمر ، هو الذي وصلك
وأوصلنا معك لهذا الأثر فضحكءاغته المتولي وقت ذلك ، وهو السيد الحاج محمد المزاري
البحثاوي من ذلك ، وقال للباي يا من أنت في ستر الحليم الغفار ، وحفظ العزيز
القهار ، لا يدخلك الجزع ولا تصغي للقول المعسار ، سترى ما يصدر من مخزنك الأبرار
، فإن لهم حق عليك في المشورة ، وأنت تركت ذلك لجميعنا إلى أن صارت الحضاجر هي
القسورة ، فأحسن ظنّك بالله ولا تهن ، ولا تجزع ولا تحزن ، فعند حلول الكفاح في
الميدان يتبين لك الشجاع من الجبان ، ومن كان صغيرا في السن يصير كبيرا في الضرب
والطعن وليس الكلام بالأفواه وقت تقابل الصفوف ، وإنما الكلام للبنادق والسيوف ،
ويظهر الكر من الفر فالشجاع يتقدم والجبان يتأخر ، ولا يخفى سيدنا طعن مخزنه للعدو
إذا تراءا (كذا) الجمعان وغلت الجماجم وتأججت النيران سيما الأعيان الدارئين (كذا)
عن سيدنا ما يلحقه من ألم الدعاوى ، سيما ما ولده البشير البحثاوي فهم فداؤك في
الهموم والكروب ، ووقايتك في القتال والحروب ، فسرّ الباي وجميع الجيش بقوله ، وعلا
شأن عمّه مصطفى وطلع رأسه إلى أن قال أهلا بقوله. وقد كان بن يحيى ابن محمد
الغلالي ثم الشقرائي فيما الراوي قد رواه ، كتب لآغا السيد مصطفى ابن إسماعيل
بطاقة يخبره فيها بقدوم التجيني لأم العساكر ومقاتلتهم إياه ، لكون هذا ابن يحيى
كان خليفة قائد المعسكر في الوارد ، وخليفة القائد عند الأتراك يقال لهءاغة القائد
، وبعث بطاقته مع ابنه فجاء بها ليلا لغنيمة الفيء ، ولما وصل المحلة قبضه أهلها
ومنعوه من الدخول لها وسلبوه من كل شيء ، وهو يقول جهرا يا قوم أوصلوني عند السيد
مصطفى بن إسماعيل ، فإني ولد ابن يحيى بن محمود (ص ٣٠٧) الغلالي قاصدا للنبيل ،
وجئته بالمكاتب / من عند أبي فلم يلتفتوا لقوله وصفا ولا زال ينادي إلى أن
سمعهءاغة مصطفا (كذا) فأمرهم بالإتيان به ومطلبه ، ولما
وصله سأله عن نفسه
ونسبه ، وعرّف بذلك دون شبيه وناوله مكتوب أبيه ، فأمرهم فورا بردّ ما أخذ له بأسره
لما ظهرت العلامة ، فردوه فورا ولم تضع له حتى الغلامة وذهبءاغة مصطفى بمكتوب
خليفة القائد للباي حسن ، وعرّفه بالواقع وزال ما به من الوهن ، وقال له أنّ ما
تراه من الجراد فضباب على رؤوس الحبال ، وستطلع عليه الشمس الحارّة فينصرف عن آخره
وهو في النكال ، وأن العرب ستأكل بعضها بعضا ويقتل بعضها بعضا والنصر مآله إليك ،
فانشر ألويتك ونقّر طبولك واضرب غوائطك بناغراتها ولا حرج عليك ، فنشرت السناجيق
في الحين ونقرت الطبول والغوائط والناغرات بصوتها الحنين ، والتقى الجمعان بعوّاجة
بلاد أولاد رحّو فكان ثمّ أعظم الوقوف ، ونشأ الحرب بين الفريقين وتزاحفت لبعضها
بعضا الصفوف وحام الوطيس وترادفت الردوف ، واشتبكت الناس ببعضها بعضا وهاج الرّيح
العصوف.
المعركة الفاصلة ومقتل التيجاني
قال فلم يكن غير
ساعة إلّا والحشم وسائر الأعراب قامت على ساق واحد ، وبقي وحده في تجاجنته واطّلع
على رأيه الفاسد. ويقال أن الباي فرق أموالا كثيرة على أعيان الحشم وكافة العرب
فأوقعوا الهزيمة ، وفرّوا وتركوه بجيشه الخاص به منفردا في الحالة الذميمة ، فصار
جيشه يذبّ عن نفسه عن نفسه ويسارع في مشيه نحو بستان أولاد رحّو (كذا) وهو بستان
عظيم من الهندية ليتخلصوا به ويتفسحوا فحال بينهم وبينه جيش الباي وأوقفوهم بموضع
يقال له السّمّار ، وأداروا بهم دور مقياس بسواعد الأبكار ، واشتدّ القتال إلى أن
قتل التيجيني بجميع جيشه ولم يفلت منهم واحد ، ومات خليفة التجيني وهو السيد
إبراهيم بن يحيى من أولاد سيدي محمد بن يحيى ذي الفضل الماجد ، ومن جيش الباي عدد
كثير بالأمكن منهم محمد ولد قدور البحثاوي وقائد غمرة وغيرهما وتكسّرءاغته المزاري
من ساقه الأيمن ، وكان عدة بن قدورءاغة الزمالة المتقاعد عن الخدمة في نوبته وقتا
، حلف أنه / إذا ظفر بالتجيني ليضربنّه بسيفه (ص ٣٠٨) حيا كان أو ميتا ، ولما
ألفاه ميّتا ضربه بسكينه للصّدر إزالة للكربة إلى أن هضمه من صدره تهضيما كبيرا
بتلك الضربة ، فعابته الأعيان على ذلك كثيرا ، وقالوا له
لو ضربته حيّا
لنلت المراد ، ولكنك فعلت بنا عسيرا. ولما تمّ القتال أمر الباي بقطع الرؤوس رأس
التيجني ويده ورؤوس التجاجنة أهل الضرر فقطعت الرؤوس وبعث بها الباي أمامه للمعسكر
، ورحل ودخلها فارحا مسرورا ، ومؤيدا مغتبطا منصورا ، وبمخزنه العظيم نال عزا
وشكورا ، ثم رجع لوهران في عزّه وإكرامه ، وفضله وإنعامه ، وألوية النصر تخفي على
رأسه وهو في أنيسه ، واشتد أمره وجرصه ، وكتب لقائد مليانة يخبره بما نصه : الحمد
لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله المكرم ولدنا عليّ قائد مليانة وفقه الله آمين
السلام عليكم غاية ورحمت (كذا) الله والبركة وبعد فالذي نبشركم به خيرا إن شاء
الله تعالى هو أننا طحنا على محلة الظالم ابن التجيني وأحزابه فقتلناه هو بنفسه
وقتلنا خليفته وقطعنا رأسيهما معا وقتلنا جميع من كان معه بمحلته ولم يفلت أحد
منهم ما يزيد على ألف رأس وسبينا جميع ما عندهم من خيول وابل حتى الأخبياء جميعا
والحمد لله على هذه البشارة المباركة لقد هنيت العباد من ظلمه وفساده وها نحن
بشرناك والسلام بأمر المعظم السيد حسن باي آمنه الله آمين.
حصول القحط وغلاء الأسعار
وفي فصل الربيع
سنة اثنين وأربعين ومائتين وألف باقتباس وقع غلاء عظيم وقحط فيه الناس إلى أن صار الباشا
يفرق الرغيف بالمدن على الناس ، فسمي العام بعام خبز الباشا ، وتواتر على الألسنة
للآن وفاشا. وكانت الأولياء في المستبن تقول آخر الترك من يسمى حسن ، ومنهم من
يقول سيأتي الباي حسن يأكل الرتعة ويزيد الرسن ، ومعنى هذه الإشارة بالكمال أنه
يأكل الرتعة وهي الرعية ويزيد الرسن وهو العمال ، فكان الأمر كما قالت الأولياء ،
نعم السادات الأصفياء الكرام.
__________________
سجن الشيخ محي الدين بوهران
وقتل هذا الباي
ولي الله سيدي الحاج محمد البو شيخي المقيم بقيزة ، بإغراء عدة بن ونزار رايس
الونازرة الزمالي له علية في الوجيزة ، بحيث علّقه مع خشبة بوهران ، وقال هذا جزاء
من يريد الظهور والإعلان. ومنع شيخ الجماعة من الحج وهو السيد الحاج محي الدين بن
سيدي مصطفى بن المختار والد الأمير السيد الحاج عبد القادر ، وأسكنه بوهران بمنزلة
المثقف ولم يخلّ سبيله إلّا بعد / أمد طويل متكاثر ، ولما سامه بالسجن عفانا الله
منه ، قال فيه العلامة السيد (ص ٣٠٩) السنوسي ابن السيد الحاج عبد القادر بن
السنوسي الدحاوي قصيدة نونية لتسليته وإبعاد الهمّ عنه نصّها بتمامها :
عوّل على الصبر
لا تفزعك أشجان
|
|
ولا ترعك بما
فاجتك وهران
|
أما هي الدار لم
تؤمن غوائلها
|
|
بلى هي الدّار
أغيار وأحزان
|
تخفي الدسائس لم
تظهر لها حيل
|
|
ولم تعاقداها
والله أيمان
|
شبّت على الغدر
لم تعطف على أحد
|
|
إلّا ومن غدرها
صد وهجران
|
ما أنت أول من
دهت ولا آخر
|
|
ولا بأوسط من
خانته إخوان
|
انظر إلى يوسف
الصديق كم لبثت
|
|
في السّجن نفسه
لم تزره خلّان
|
وانظر إلى ابن
رسول الله ثم إلى
|
|
هلمّ جرّا وما
لاقاه عثمان
|
تلك العوائد
أجراها على قدر
|
|
مدبّر الأمر كيف
شاء ديّان
|
لم يشتوك أمحي
الدين عن زلة
|
|
رأوا ولكن أشقى
القوم شيطان
|
صبرا فلا غرو أن
تنحلّ عقدة من
|
|
من أجله قد عاد
عليك سلطان
|
ويكظم الغيظ من
خصم ومن حكم
|
|
ويكشف الغمّ أن
صدّوا وأن خانوا
|
بل لا عليك وإن
ساءت ظنونهم
|
|
سيهزم الجمع أو
يشتت ديوان
|
إن العواقب في
القرآن ثابتة
|
|
للمتّقين وصدق
القول قرآن
|
وأنت والله لم
تزل على سنن
|
|
يهدي إلى الحق
لم يملك طغيان
|
تقرى الضيوف
وتسعى في حوائجهم
|
|
وتحمل الكل لا
غشّ ولا ران
|
تبيت بين الدجا
تتلوا المفصّل عن
|
|
قلب وتصبح مثل
البدر تزدان
|
تدرّس العلم مرة
وثانية
|
|
تلقّن الذّكر
والفؤاد يقظان
|
فالله أسأل أن
أراك منطلقا
|
|
وما حواليك
حرّاس وأعوان
|
ومنه أرغب أن
ألقاك معتدلا
|
|
كالحال قبل وقد
أمّتك ركبان
|
ثم الصلاة
بمحمود الصلاة على
|
|
محمّد المصطفى
ما تمّ إيمان
|
حملته على الشيخ بلقندوز التيجاني وقتله
(ص ٣١٠) ثم جمع
جيشا عظيما يقينا ، وذهب به لزاوية الشيخ بالقندوز / القدّاري التجيني يمينا ،
وليس عند هذا الشيخ الصريح سوى الطلبة لقراءة القرآن ورام قتله في الصحيح ولما
رءاه على تلك الحالة التي بها خبره انصدع ، قال مثل هذا لا يثور علينا ورجع.
ثم غزاه في عام
خمسة وأربعين ومائتين وألف في جيش عظيم لا يطيق له أحد على الوصف ، ولما وصله قال لمن
بعثه يأتي به شهيرا ، إذا امتنع من الإتيان معك وأراد الطلبة الحرب فارجع لي بذلك
وكان عددهم كثيرا ، وأوصى جيشه الأتراك أيضا رصدا ، بأنه إذا ضرب البارود بالكابوس
فعليكم بنوايل الطلبة فاقتلوهم ولا تحاشوا أحدا. وكان من عادته إذا أراد المكر
بأحد والناكوس ، يعض لحيته فصار يعضها وبيده الكابوس ، ولما رءا (كذا) ذلك جهرا ،
ءاغته السيد مصطفى بن إسماعيل البحثاوي أتاه فورا ، وقال له ماذا تريد أن تفعله
وحدك ، ولم تنس بواقعة التجيني ما بقصدك ، أردت أن يتكلم فيك البارود من جيشك الذي
معك فعند ذلك تندم على رأيك ، فقال له وأي سبب ، حتى يحل بنا هذا العطب ، فقال له
أن هؤلاء الطلبة كلهم من الجيش الذي معك بعضهم من البرجية والزمالة ، والدوائر
بالقول المتراجع ، وبعضهم من بني عامر والحشم وبين شقران ومجاهر وفليتة إلى غير
ذلك من النواجع فمنهم من هنا ولده وقريبه ، ومنهم من هنا أخوه وحبيبه ، وإذا رأوا
ذلك القتل فيهم وأجهدهم لا جرم أنهم يقاتلونك على قرابتهم والحق عندهم والرأي الذي
فيه المصلحة اترك ما نويته وأبعث من يأتك (كذا) به لأنك جئت له لا لكلهم ، حيث لم
يهدك الله في شأنه واترك الطلبة يذهبون لأهلهم. قال فقال له رأيك صوابا ، وأحسنت
تدبيرا وجوابا ، فترك ما أمر به بجده وأدخل كابوسه في غمده ، وبعث له السيد قدور
بن المخفي
__________________
فذهب ولم يأت له
بعد إعطائه الزيارة ثم بعث له من حلّ به المكر والخسارة ، وهو ابن دهما العامري
الخالفي شرير الفعل بكل جواريحه حتى فيه ، فدخل عليه بنوالته ولطم خدّه وأخذه بشدة
وأسحبه على الأرض إلى أن أوصله للباي وهو يسحب فيه ، فأمر الباي بوضع الكبل عليه
لقلّه ، وافترقت الطلبة من حينهم فذهب كل واحد لأهله. وكان بالقندوز يقول قبل وقوع
الأمر به للطلبة ، نعم السادات ما تقولون هل الأفضل الذبح أو الخنق بالغلبة ، ثم
قال الذبح يؤدي لاختلاط الدماء فالخنق أفضل ، فمن أراد الذهاب فليذهب ومن أراد
البقاء ، فليقعد حتى يشاهد القول الأكمل.
/ ثم ارتحل من
موضعه وذهب مشرقا ، إلى أن نزل برهيو فقتله به خنقا مع (ص ٣١١) داوود المزابي قولا
محققا. ولما مات الشيخ بالقندوز دون علم أحد من الناس بغير اشتباه ، صار وليّ الله
السيد الحاج محمد أبو قراب يقول أتى أمر الله يا عباد الله ، فأرسل الله على
المحلة ريحا عاصفا بصعصعه ، إلى أن تكسرت ركيزة وتاق الباي وأزيل الوتاق من موضعه
، وضجت الدواب بالصهيل ، وماجت الناس وهم خائفون من التبديل ، ثم سكن ذلك بعد ساعة
، فعلموا بموت السيد فواروه في رمسه باستطاعة. وكان أبو قراب من أولياء الله
الكاملين ، والرجال السادات الواصلين ، وكان قرابه بيده على الأبد ويمشي على رجليه
مع المحلة حيث ذهبت ، ولا تسبقه للمنهل ولو في مشيها أسرعت وغصبت ، بل هو الذي
يسبقها في سائر الأحوال ، ويبقى في الصدود من ورائها حتى يذهب ضعفاء الرجال ،
فلذلك اشتهر بهذه الكنية ، وامتاز بها في المرثية. وقد أمات الله ابن دهماء أشر
موتة ، ومقته أشر مقتة. ولما قتل بالقندوز صار الشيخ الكامل القطب الواصل ، السالك
المجذوب المقرب المحبوب ، صاحب الملجأ والمناصي ، السيد مولاي محمد الولهاصي يقول
للعجب كل العجب بالتّوفيه ، الترك يقتلون بالقندوز ومولاي محمد يموت فيه ، وبموته
يحصل الفرج للإسلام ، ويحل بالترك الانتقام ثم يراقب البحر ، ويقول بالجهر
بالمركيش أرواح اتعيش ، في لحم البقر والدشيش ، ويكرر ذلك في سائر الأوقات ، إلى
أن تم أجله ومات ، وبموته انقطع الأتراك ، وانفصم حبل الاعتراك. ومن الأولياء من
كان يقول في أيام الصمائم ، ماذا يقع بأهل العمائم ، ولم ينج وليّ من الباي حسن
إلا السيد محمد بن عبد الله
المشتهر بابن
سحنون ويقال له مولا عين الحوت ، فإنه لم يتصرّف فيه بشيء في المثبوت وكان ساكنا
بضواحي تلمسان ، والوشاة ساعون به لدى الباي بوهران ، فبعث له أناسا يأتوه به ،
وكل من يصله لا يخبره بشيء من مطلبه ، ويرجع للباي فيقول له قد أبى وبان منه
العصيان ، ولا يأتيك إلا إذا غزوته بجيشك فيحل به ما كان ، ثم أن الباي قال كيف
أغزوا (كذا) رجلا واحدا بجيشي ، وربما يكون به إزالة ريشي ، فبعث له الفارس الأمجد
الشجاع الأوكد ، الواثق بالباري ، السيد (ص ٣١٢) الحاج محمد المزاري / وقال له
اذهب للإتيان به مكبّلا واستعن بالباري ، وكان المزاري وقت ذاك لم يكن آغا أصلا ،
فامتثل الأمر وقال لا قوة إلا بالله ولا حولا ، ما هذه المصيبة التي ابتليت بها عن
غيري وما هذه الرزية التي جاءتني تجري ، ولما وصله نزل عنده ونظره في أحواله ،
وتدبّر في أفعاله وأقواله ، فألفاه بريئا وأنه من أولياء الله المتعبدين بجحرهم ،
المعزّين للفقراء والمساكين والضعفاء وغيرهم وللوافدين عليهم في محبّة الله أهلا ،
ومرحبا بكم وسهلا ، وأنه ليس من أهل الثوران ، ولا خوف منه على باي وهران ، فبات
عنده ونفسه تدبر في كيفية الخلاص من الأمر الذي ابتلي به المفضي للأخذ بالنّواص ،
ولما أصبح الله بخير الصباح وارتفع النهار وضوؤه بان ، أراد أن يقول له على القدوم
معه لوهران ، فسبقه ذلك الولي بالقول مسرعة وقال له يا لمزاري أنك مأمور بأخذي معك
لوهران مكبلا على برذعة فخذ الكبل وافعل ما أمرت به لا خوف عليك ، وكل من جاءني
قبلك لم يقل لي شيئا بما لديك فقال لي يا سيدي لا أطيق على حملك معي مقيّدا على
البرذعة ولكن اركب فرسك مسرجا واذهب معي وننيل (كذا) إن شاء الله للمنفعة إلى أن
نصلا (كذا) لوهران دون تشديد ، ويفعل الله سبحانه في ملك ما يريد. فقال له الوليّ
لا تعص الأمر لأنه أمر أمير المؤمنين. وطاعته واجبة على الذين بقلوبهم مؤمنين ،
فقال له لا يليق إلا ما نطقت به إليك ، ولا شيء إن شاء علينا ولا عليك ، فقال له
الولي خذ القيد من بيتي لنذهبا (كذا) راكبين على السروج ، وحيث نقربا (كذا) وهران
نركب البغلة المبردعة مكبّلا ولا فيها حروج ، ثم أتاه بالقيد ، وأمر صاحبه أن
يبرذع البغلة بغير رويد ويسرج فرس المزاري وفرسه ، ويذهبون لوهران بلا نفسه ففعل
الخديم كل ما قاله الولي وركبوا وأتوا وهران ، ولما قربوا منها أقسم على المزاري
أن يكبله
ويركب على البغلة
ليكون الاطمنان (كذا) ففعل المزاري ما رضي به السيد الحليم ودخلا وهران على تلك
الحالة التي مئالها (كذا) الفوز العميم ثم ذهب به المزاري لبيته وبها بات ، ومن
الغد تركه بالبيت وذهب عند الباي وقت اجتماع الأغوات ، وقال يا سيدنا أن الذي
أمرتني به جئتك به على تلك الحالة ، وأنه ببيتي وأريد منك الأمن عليه ولا تلتفت
لقول القوالة ، وأخبره بأمر السيد من أوله إلى أخره وما احتوى عليه من باطنه
وظاهره ، فظهرت البشرى على وجه الباي وقال ما تريد يا المزاري فقال / له إذا أردت
ديته أو الخطية نؤديها لك من مالي (ص ٣١٣) لما قلت لي واستعن بالباري ، كما لا
تنتقم منه بالسجن فإنه في ضمانتي في داري ، فقال له عليه الأمان التام أن لا يخشى
من شيء والله شاهد عليّ في ذلك ، غير أني أحب أن اختبره ببعض الأمور السياسية
ليطمئن قلبي بذلك فأحضره المزاري لديه ، ولما مثل بين يديه حصلت للباي منه هيبة
ورهبة ومحبّة ورغبة ، وقال له يا هذا الرجل ما هذا يسمع عنك من اجتماع الناس في كل
وقت عليك ، ووفودهم في كل آن إليك ، فقال له إذا أخبروك بأني جاعل خيمة للطلبة
وضياف الله ، والمخزن إذا جاء فذلك حق ليس به اشتباه ، وإذا أخبروك بغير هذا فذلك
عنّا بعيد ، ونحن في طاعة أمير المؤمنين كما أمرنا الرسول والمولى الكريم المجيد ،
فقال له الباي إني نخايل فيك بعض الأسرار ، وأردت اختبارك بأمور تنشأ لك منها
الأضرار ، فإن كنت من ذوي الأسرار الربانية خلصت منها بسرك ، وإن كنت من الأحزاب
الشيطانية كانت آخرا لعمرك فقال له افعل ما تريد ينفذ ، غير أني أقول لك قولا إن
هلكتني تهلك وإن أنقذتني تنقذ وأن بعثتني برا تبعث برا ، وإن أرسلتني بحرا ترسل
بحرا ، فبادر بالاختيار وانظر لما يكون لك له النجاة من الأسار ، فألقاه أولا على
مخاطيف الحديد ، فصار يلعب عليها والباي ينظر ويزيد ، ثم ألقاه ثانيا ببيت السباع
، فبصبصت له وهي ذات إيطاع ، وصار يركبها واحدا بعد واحد وهم به فارحون وله صابرون
، والباي بمن معه من أرباب دولته ينظرون ، ثم ألقاه ثالثا في الكوشة ، فطفيت نارها
كأن الماء بها في العروشة ، فاتّكأ فيها طولا وعرضا والناس ينظرون له ثم لبعضهم
بعضا ويتعجبون من أمر الله الواحد الباري ، ثم أخرجه وبعثه لبيت المزاري ، وقال له
غدا نبعثك لبني يزناسن مع البحر في اطمأنان (كذا) ويلحقك أهلك فقال للمزاري اعلم
أني
ضمنت لك من الآن
الرياسة والرفعة والسياسة ، ولأولادك من بعدك مؤّبدة ودائمة مسرمدة لا يقطعها منكم
قاطع ، ولا يزيلها قانع ولا طامع ولا يتصرف فيكم أحد (ص ٣١٤) بسوء في السر والعلن
، وأنتم / على الأبد في أمن وأمان من ضرر المخزن ثم من الغد بعثه الباي حسن لبني
يزناسن في السفينة ، وأمر أن يلحق به أهله في أمن وأمان من كل خوف وغبينة ، فكانت
دعوته بالخير على المزاري هي سبب توليتهءاغة فإنه في تلك الأيام صارءاغة وهي
توليته الأولى لذلك المنصب ، واطمأن قلبه وزال ما به من النصب. هذا ما حدثني به
الفقيه الأديب ، الحاذق اللبيب ، الشريف العدل السيد محمد بن الحبيب الغربي ثم
البو عمراني أحد أولاد سيدي عمارة أهل السر الرباني. وكذلك خلص من ضرره الشيخ
الضرير ، السيد إبراهيم الخروطي الخرير ، فإنه بعث له مكاحله محمد بن المختار
الزمالي ليأت (كذا) به لأمر ظهر عليه غير الموالي ، ولما أتاه به نظر في حاله
وأصله ، فألفاه من الذين لا يثورون عليه فسرّحه لأهله. ويقال أنه دعا بالشر على
محمد ابن المختار ، ومقامه كما مرّ خارج سور وهران ، من ناحية الحمرى لاشتهار. وفي
أيامه سنة أربعة وأربعين ومائتين وألف قتل العالم العلامة الحجة الفهامة السيد محمد بن قريد
الغربي شهيدا ببيته ، بخنق النطاح بوهران في المعترف ، قتله بعض من تسلّط على
زوجتيه من اللصوص عمدا لا جهلا ، ولما قام ليدافع قتل ليلا ، ومن الغد أخذت زوجتاه
وذهبتا للباي فأمر بتشكيرهما ، ورميهما في البحر من غير تحويرهما ، فقيل للباي أن
أحدهما حامل ، فقال ليست تأتي بابن قريد في القابل ، فنفذ فيهما الأمر تنفيذا ،
واستحوذ بهما تحويذا ، وأمر بحرق نوائل تلك الحومة ، وصيّرها تنوح بها البومة ،
وحضر لدفن العلامة ، وشاهد منه عجائب الكرامة ، ونجا الظالمان إلى أن قبض أحدهما
في ولاية الأمير ناصر الدين ، السيد الحاج عبد القادر بن محي الدين ، ورفع به فبحث
عن أمره بحثا مشددا. ولما ثبت القتل عليه مكّنه من قرابة الشيخ ابن قريد فقتلوه
قصاصا لا رحم الله قاتل الشيخ أبدا.
__________________
الهجوم على قبائل
الأحرار وعقابهم
ثم غزى أدقافايت
قرية من قرى القبائل بالظهرا ، من رعية المغرب الأقصا وقصدهم جهرا ، فلم يصلهم
لبعدهم عن رعيته ، بل وصل إلى عيون بني مطهر ورجع بفوريته ، وقد عتقهم الله تعالى
من ظلمه وغصبه وسبيه ونهبه. وفي عام أربعة وأربعين من القرن الثالث عشر بالاشتهار ، غزى من رعيته ، قبيل الأحرار ، وهم بأرض
اليعقوبية ، ركب لهم بمحلته من بلاد بني عامر فأخذهم الأخذة الكروبية بحيث شفا
فيهم لنفسه / العليل ، وأبرد فيهم الغليل وكتب بذلك (ص ٣١٥) لحسين باشة الجزائر ،
يخبره بما نصه بالبشائر : الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله
وصحبه وسلم أبقى الله سعادة من أنام الأنام في مهد الأمان وأفاض عليهم سحائب العدل
والإحسان الفاضل الكامل المجاهد الحافل ، سيف الدولة ولسانها وعين أولئك الأعيان
بل هو إنسانها ، مولانا السلطان المعظّم ، الملك المفخم ، ذو الأيادي الجسام ،
والفتوحات العظام ، ناصر الدنيا والدين ، قامع أعداء الله الكافرين الجاحدين
مولانا الدولاتلي سيدنا حسين باشا ، لا زالت الأعداء من خوفه بحول الله برا وبحرا
تضمحل وتتلاشا ، سلام على سيادتكم يملّا البسيطة أرجا وطيبا ، ويقوم على منابر
السنا بنشر محاسنكم خطيبا ، ورحمت (كذا) الله تعالى وبركاته ، تغشاكم ما دام الفلك
وحركاته ، أما بعد أبعد الله عنا وعنكم ما تكرهون ، وقرّب لنا ولكم ما تحبّون
وتشتهون ، فإننا غزونا على قبيل الأحرار الغرابة بعد المراصدة وتخلّف العيون ، لما
هم عليه من عدم الغفلة وكثرة الظنون وقد ركبنا إليهم في المحلة المنصورة من بلاد
بني عامر وسرنا نحوهم سيرا عنيفا ، نحثّ المطايا علّنا (كذا) نظفر بتاليدهم
والطريفا ، فأصبحنا عليهم وهم في غفلة فأحطنا بهم إحاطة الهالة بالقمر ، والخاتم
بالخنصر فجمعنا مالهم جمعا ، وحزناه وترا وشفعا ، فشفا منهم العليل ، وبرد الغليل
لكوننا طال ما رمنا أخذهم فلم يأمنوا والآن قد ظفّرنا الله بهم فأخذناهم أخذة
رابية ، بغزوة شافية كافية ، وذلك ببلاد اليعقوبية ورجعنا نحن والعسكر بالسعية ،
والمخزن بخير وعلى خير فالحمد لله على الغنيمة والسلامة والكل من فضل الله
وبركاتكم أدام
__________________
الله لنا وجودكم
وأفاض علينا بركاتكم وجودكم ، وقد وقع ذلك يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام
فاتح أشهر سنة أربع وأربعين ومائتين وألف ويصلكم صحبة الحامل الطالب الذي أمرتمونا ببعثه ليرقى
إنسانا مريضا جعل الله دواءه على يده وكشف عن ضره كما كشفه عن أيوب عبده ، وقد
اخترناه لمعرفته بتلك الأمور وديانته فإن البركة تلازم لأهل الدين والتقى ، فلذلك
تقضى بهم الحوائج دعاء ورقى والمولى جلّ جلاله ييسر الأمور وإنه على ذلك قدير ،
وبالإجابة حقيق وجدير ، وثم السلام التام في البدء والختام ، وكتب عن إذن (ص ٣١٦)
ابنكم المعظم السيد حسين باي الإيالة / الغربية آمنه الله آمين.
ولا زال حسن بايا
بوهران إلى أن دخلها الفرانسيس بالبيان سنة ست وأربعين ومائتين وألف ، بالثبات فحملوه للمشرق وبقي به إلى أن مات.
رأي محمد بن يوسف الزياني في الأتراك
قال شيخنا الشريف
الحسني الصمداني ، والقدوة الرباني ، العلامة السيد محمد بن يوسف الزياني ، في
دليل الحيران وأنيس السهران ، في أخبار مدينة وهران : واعلم : أن الأتراك لما تمهد
لهم الملك بالجزائر كثر ظلمهم وفسادهم ، وعتوهم في الخلق وعنادهم بحيث لا يليق أن
يذكر ما كانوا فيه من الظلم والمناكر ، وتواتر ذلك على الألسنة بغاية المتواتر
فاشتغل العلماء في ذكر ذلك في نثرهم ونظمهم ، وسألت الناس الله أن يزيل بهم ما حلّ
من ظلمهم ، فمن ذلك قول العلامة الأديب الشاعر الدراكة اللبيب الماهر أبي عثمان
سعيد بن عبد الله المنداسي التلمساني الحاذق النبيل ، في قصيدته النونية التي هي
من بحر الطويل :
بنا السدّ ذو
القرنين للناس رحمة
|
|
فيا ليته من
شوكة الترك هنّنا
|
إلى آخرها. ومنها
قول العلامة الكاتب البارع الشاعر ، في رجزه السيد مسلم بن عبد القادر :
__________________
أدّبهم ربهم لما
طغوا
|
|
عرّفهم بقدرهم
لمّا بغوا
|
فاشتغلوا بالظلم
ليس من عدل
|
|
فاتّخذوا (كذا)
أخذا وبيلا بالمهل
|
لمّا نسوا ما
ذكروا به ختم
|
|
على قلوبهم الله
وانتقم
|
إلى أن قال :
صناديد لولا
الفساد في الورى
|
|
لقلنا قلّ مثلهم
فوق الثّرى
|
عتوا عتوا على
الخلق وجاروا
|
|
فكانوا أكثر
العباد وباروا
|
فرفع الكلّ
الأكفّ ودعوا
|
|
بما به أجاب
الله ورجوا
|
أمهلهم لن بلغ
الوقت الأجل
|
|
أبدلهم بغيرهم
تمّ العمل
|
أغوات الباي حسن
وكانءاغته من
الدوائر بالنوبة الصناديد الثلاثة الذين لا يرون في فللهم النّكاثة وهم الحاج عبد
الله بالشريف الكرطي التلاوي ، ومصطفى بن إسماعيل ، وابن أخيه الحاج محمد المزاري
البحثاوي ، ومن الزمالة ثلاثة أيضا بلا زايد ، وهم الحاج المرسلي بن محي الدين ،
وعدة بن قدور ، وقدور بن وارد ، بقوا على ذلك / إلى انقطاع الأتراك ، فزال التداول
والاشتراك والدوام للواحد القهار (ص ٣١٧) الملّاك.
انتهى الجزء الأول من طلوع سعد السعود
ويليه الجزء الثاني ومبدؤه الدولة التاسعة.
الفهارس العامة
ـ
فهرس الأعلام.
ـ
فهرس القبائل والجماعات.
ـ
فهرس الأماكن الجغرافية.
ـ
فهرس الكتب.
ـ
فهرس الخرائط.
ـ
فهرس الموضوعات.
فهرس الأعلام
ـ أ ـ
أحمد بسطانجي :
٢٥٢.
أحمد العاقل :
٧٠ ، ٧١ ، ٨٠ ، ١٩٣.
أحمد بن يوسف :
٧٠ ، ٧٦ ، ٩٩.
أحمد بن إدريس :
٦٨.
أحمد الهايج :
٧٣.
أحمد بن غانم :
٧٤.
أحمد الفيلالي :
٩١.
أحمد بن الخوجة
: ٩٨.
أحمد بن التهامي
: ٩٩ ، ١٠١ ، ١٠٢.
أحمد بن علي :
٩٩ ، ١٠٤.
أحمد بن أفغول :
١٠٦.
أحمد بن الهاشمي
: ٩٩ ، ١٠٤.
أحمد بن هطال :
١٠٦ ، ٣٠٤.
أحمد بن الطاهر
الرزيوي : ١٠٨.
أحمد العبد :
٢١٤.
أحمد بن أبي
جمعة الوهراني : ٩٧.
أحمد الكلاعي :
١٠٨.
|
|
أحمد الشماع :
١٥٦.
أحمد بن مرزوق :
١٥٧.
أحمد بابا : ١٥٠
، ١٩٦ ، ٢٥٠.
أحمد بن الناصر
: ١٥٦.
أحمد بن زيان :
٢١٦.
أحمد بن محمد
الشقراني : ٢١٤.
أحمد خان الثالث
: ٢٤٦.
أحمد إعراب
الجزائري : ٢٧٤.
أحمد بن الأحرش
: ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٣٦.
أحمد التركي :
٣٢٤ ، ٣٥٣.
أحمد التيجاني :
٣٥٢.
أحمد زروق : ٧٦
، ٧٩.
أحمد بن الشماع
: ١٥٦.
إدريس بن عبد
الله : ١١٧ ، ١٣٠ ، ١٤٣.
إبراهيم بن
الوليد : ١٢٩.
إبراهيم بن أدهم
: ١٥١ ، ١٥٦.
|
__________________
إبراهيم
الوهراني : ٩٥.
إبراهيم باشا :
٢٣٧ ، ٢٢٨.
إبراهيم خزناجي
: ٢٥٢.
إبراهيم أفندي :
٢٥٦.
إبراهيم
الملياني : ٢٨٢.
إبراهيم بن يحيى
: ٣٦٢.
إبراهيم التازي
: ٦٩ ، ٧٤ ، ٧٨ ، ٧٩ ، ٩٧.
إبراهيم خزندار
: ٣٣٩.
بن آمنة : ١١١.
الأخطل : ١٥٢.
أبو إسحاق
إبراهيم : ١٥٧ ، ٢٨٥.
أبو إسحاق الشيخ
: ١٦٣.
أبو إسحاق
الشاطبي : ١٣٧.
أرطغل : ٢٤٢.
إسحاق عروج :
٢٥٢.
إسحاق الإسكندر
: ٢١٦.
إسماعيل سلطان :
٢٣٠.
إسماعيل بن علي
العلوي : ٢٢٧.
إسماعيل بن
البشير البحثاوي : ٢٨٥ ، ٣٤٢.
إسماعيل أو علام
المدني : ٢٧٩.
الأشعري : ٢٤١.
أمية الأموي :
١٢٩.
الإسكندر إسحاق
: ٢٤٩.
أندري دوريا :
٢٢٤ ، ٢٢٥.
أوزون حسن : ٢٣٥
، ٢٥٢ ، ٢٧٥.
أورخان : ٢٤٢.
أوغسطس : ٢٦٨.
إيزابيلا
الكاثوليكية : ٢٦٧.
|
|
ـ ب ـ
باديس بن
المنصور : ١٢٦ ، ١٣٨ ، ١٣٩.
بابا حسن : ٢٥٥.
بابا محمد :
٢٥٦.
بابا عبدي :
٢٥٦.
بابا علي : ٣٥٣.
بختي بن عياد :
٨٢ ، ٩٧.
بدر الدين : ٨٩
، ١٠٦.
البشير بن يحيى
: ٨٨.
البخاري : ١٩٦.
البشير بن أحمد
: ٢٧٦.
بلقندوز القراري
: ٣٦٢.
بوقلموس (ن) :
٢١١ ، ٢١٦.
ابن بطوطة :
١٤٩.
بولكين : ١٢٢ ،
١٢٣ ، ١٢٨ ، ٢٥٩.
البكري : ٥٦ ،
١١٧ ، ١٢١.
أبو بكر الصديق
: ١١٩.
أبو بكر بن عمر
اللمتوني : ١٣١ ، ١٤٠.
بكار بن إبراهيم
: ١٣٢.
أبو بكر بن يحيى
: ١٥٧.
أبو بكر الحسين
: ١٧٦.
أبو بكر بن غازي
: ١٨٦.
بلاحة المهاجي :
٢٣١.
أبو البهار بن
زيري : ١٢٤ ، ١٢٨ ، ١٢٩.
بكير الحاج :
٢٢٣.
البيهقي : ٢٠٧.
الباي بوكابوس :
٣٢٣ ، ٣٣٦.
بن يبقى محمد :
٨٢ ، ٤٧.
|
ـ ت ـ
تاشفين : ١٣٦ ،
١٣٧ ، ١٤٠.
أبو تاشفين :
١٧٦ ، ١٨٨.
ابن تافراكين :
١٧٦.
ابن ترقاس :
٣٣٦.
ترك بن كومر :
٢٣٠.
التغريزي : ٢١١.
تميم بن معنصر :
١٣٢ ، ١٣٨ ، ١٣٩.
ابن تومرت :
١٣٥.
ـ ث ـ
الثعالبي : ٧٥.
أبو ثابت : ١٧٧
، ١٧٨ ، ١٨٠ ، ١٨٩.
ـ ج ـ جابر بن
يوسف : ١٦٢.
جبور بن حسنة :
٢١٥.
جعفر رايس :
٢٥٤.
جعفر البرمكي :
١٦٠.
جعفر بن علي :
١٢٣.
أبو جعفر بن
عطية : ١٤٤ ، ١٤٦.
ابن جرار : ١٧٨.
ابن الجوزي :
٢٠٤.
جنكيز خان :
٢٤٢.
جوهر : ١٢٢.
ابن جلول : ١٧٧.
ـ ح ـ
الحبيب البخاري
: ١١٠.
الحبيب بن بروكش
: ١٠٤.
|
|
الحبيب بن
الهاشمي : ١٠٤.
ابن حمدون :
١٢٣.
ابن حميد داوس :
١١٧.
حماد بن بلكين :
١٣٨.
حذيفة بن
اليماني : ٢٤١.
الحسن ابركان :
٨٣.
حسن آغا : ٢٢٠ ،
٢٢٢.
حسن بن خير
الدين : ٢٢٦ ، ٢٥٢ ، ٢٥٤ ، ٢٧٠.
حسن خوجة : ٢٥٥
، ٣٣٧ ، ٣٤٨.
أبو الحسن
المريني : ٢٣١.
حسن بن قبطان :
٢٥٢.
حسن بابي : ٢٨٥.
حسن التركي :
٣٣٧.
حسن التيجاني :
٣٥٣.
حسن بن موسى (مكي)
: ٣٤٥.
حسين الشيخ :
٢٥٥.
أبو حفص : ١٥٦.
حمد المعاشي :
٢٧٩.
أبو حمد موسى :
١٧٥ ، ١٧٩ ، ١٩٦.
حفص بن حولات :
١١٥.
الرايس حميدو :
٣٤٥.
ابن حزم الظاهري
: ٣٧٧.
ـ خ ـ
خالد بن المنتخب
: ١٥٧.
أبو خديجة (باي)
: ٢٧١.
خروفة : ٢٨٠.
خديجة : ٢٩٠.
|
ابن الخطيب :
١٤٢ ، ١٧٦ ، ١٧٩.
ابن خلدون : ١١٧
، ١٧٩ ، ١٩٩.
ابن خلكان : ،
٥٦ ، ٥٨ ، ٢٠٦.
خزر بن حفص : ٥٥
، ٥٧ ، ١١٥.
ابن خميس : ٥٩.
خليفة الهواري :
٧٩.
خليل بكداش :
٢٥٣.
خوجة بكداش :
٢٥٣.
الخير بن محمد :
١١٩ ، ١٢٣.
خير الدين : ٢٢٠
، ٢٥٢ ، ٢٥٦.
ـ د ـ
دالي إبراهيم :
٢٥٣.
دادة أيوب : ٦٧
، ١٣٧.
بن داود بن
المختار : ٢٣٠.
داود الميزابي :
٣٦٣.
داود بن حولات :
١١٧.
أبو دبوس : ١٧٢.
الحاج داود بن
المختار : ٣٢٤.
أبو ديلم بن
خطاب : ١٢٨.
دنونة : ١٧٣.
أبو دية : ٢٦١ ،
٣١٠.
أبو دهما
العامري : ٣٦٣.
الدرقاوي بن
الشريط : ٣٠٦ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١١ ، ٣١٢ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٣٩ ، ٣٤٧.
دموش : ٢٧٩ ،
٢٨٠ ، ٢٨٦.
ـ ر ـ
راشد بن منديل :
١٦٥.
|
|
راشد بن يحيى :
١٨٦.
رابح بن حاولة :
٢١٨.
ابن رشد : ١٣٥.
ابن رشيق : ١٤٢.
الرشاطي : ٥٦.
الرشيد المؤمني
: ١٦٢.
الرشيد عبد
الواحد : ١٣٥.
أبو راس الناصر
: ٥٥ ، ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٣ ، ٧٤ ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٨ ، ٨٩ ، ١٠٨ ، ١١٧ ، ١٢١ ، ١٣٧ ، ١٤٧ ،
١٥٨ ، ١٧٥ ، ١٧٧ ، ١٧٩ ، ١٩٧ ، ١٩٩ ، ٢٠١ ، ٢٢٦ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٣٦ ، ٢٥٠ ، ٢٦٤.
ـ ز ـ
زاوي بن بلكين :
١٣٩.
زاوي بن كبيسة :
٢١١.
الزرقاني : ٢٦٧.
ابن زرقون :
١٤٦.
زكريا اللحياني
: ١٥٧.
زيان بن ثابت :
١٥٨.
أبو زكرياء يحيى
: ١٥٨.
أبو زيان بن
سعيد : ١٦٥.
أبو زيان الرشيد
: ١٨٣.
أبو زيان : ١٨٠
، ١٨٩.
أبو زيان محمد :
١٩٤.
أبو زيد
الهزميري : ١٦٦.
أبو زيد ابن
الإمام : ١٧٦.
الزهار محمد
الشريف : ٢١٦.
ابن زهر الطبيب
: ١٥٢.
|
زيري بن عطية :
١٢٥.
زيري بن مناد :
١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٢٧ ، ١٣٨.
ـ س ـ
سارة بنت المنذر
: ٢٠٠.
أبو سالم
إبراهيم : ١٧٥ ، ١٨٠.
السايح بن خضرا
: ٣٢٨.
السطي أبو عبد
الله : ١٧٧.
سعيد المنداسي :
٣٦٨.
سعيد المغربي :
١٩٩.
السعيد بن أبي
عنان : ١٨٠.
أبو سعيد عبد
الرحمن : ١٧٨ ، ١٧٩.
أبو سعيد عثمان
: ١٦٥.
السعيد المؤمني
: ١٦٢.
سليمان بن عبد
الملك : ١٢٩.
سليمان بن
النزاري : ١٠٨.
سليمان باشا
التركي : ٢٢٦.
سليمان شاه :
٢٤٢ ، ٢٤٤.
سليمان الثاني :
٢٤٦.
سليم الأول :
٢٤٤.
سليم الثاني :
٢٤٤.
سليم الثالث :
٢٤٧ ، ٢٤٩.
سليمان بن سابق
: ٦٢.
سليمان أبو
الربيع : ١٧٥.
سليمان بن موسى
: ١٩٤.
ابن السويكت :
٢٨٣.
السملالي : ٢٤٠.
سويد بن عمارة :
٢١٥.
|
|
السموأل : ٣٢٤.
ـ ش ـ
شارل الأول :
٢١٦.
شارل الثاني :
٢٢٩.
شارلكان : ٢٢٠.
شانجة : ١٧٤.
الشريف الوادفلي
: ١٠٦ ، ١١١.
ابن الشريف
الدرقاوي : ١٠٦ ، ٣٠٣ ، ٣٠٩ ، ٣٢٦ ، ٣٤٥.
الشحط والد دموش
: ٢٣١.
شراعة : ٩٢.
الشقراني أحمد
بن محمد : ٢١٤.
الشريف الكرطي :
٢٨٠ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣.
الباي شعبان :
٢٢٩ ، ٢٣٠ ، ٢٣١ ، ٢٥٢.
شعبان آغا :
٢٥٣.
شعبان خوجة :
٢٥٣.
أبو الشلاغم :
٢٣٥ ، ٢٥٨ ، ٢٧٦ ، ٢٨٢ ، ٢٨٩.
الحاج شعبان :
٢٥٤.
شهاب الدين
الخفاجي : ٢٠٧.
ـ ص ـ
صالح الزواوي :
٧٨.
صالح القلعي :
٧٤.
الصباغ القلعي :
٧٤.
الصفدي : ٥٦.
صلاح الدين :
١٥٠.
صواف الباي :
٢٧١.
|
ابن الصغير :
١٥٢.
ـ ط ـ
الطاهر المشرفي
: ٩٩.
طارق بن زياد :
٢٠٠.
طيباربوس : ٢٦٨.
الطيب المشرفي :
١١١.
ـ ع ـ
عبد الله بن
خطاب : ٨٦.
عبد الله بن
عمارة : ١٠٨.
عبد الله بن سعد
: ١١٥.
عبيد الله
المهدي : ١١٩.
عبد الله بن
ياسين : ١٣١ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٢.
عبد الله بن
وجليد : ١٤٢.
عبد الله بن
بلكين : ١٣٩.
أبو عبد الله
محمد : ١٤٢ ، ١٥٦.
عبد الله بن عبد
الواحد : ١٥٦.
عبد الله
المستنصر : ١٥٨.
عبد الله
اليعقوبي : ٢٢٦ ، ٢٢٧.
عبد الله الغالب
: ٢٢٦.
عبد الله بلكباش
: ٢٥٦.
عبد الله
العباسي : ١٣٥.
عبد الله بن
الشريف : ٣٦٠.
عابد بن الزرقاء
: ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٢.
بن عبد الله بن
حواء : ٢٩٤.
عبد الرحمن
الحكم : ٥٥ ، ٥٦.
عبد المؤمن بن
علي : ٦٠ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٤٤ ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٦٩.
|
|
عبد الرحمن
الجامعي : ٦٣ ، ١٧٤ ، ٢٢٦ ، ٢٣٠ ، ٢٤٧.
عبد الرحمن
الجوزي : ٨٨.
عبد الرحمن بن
الطيب : ١١٠.
عبد الرحمن
الناصر : ١١٩ ، ١٢٩.
عبد الرحمن
الداخل : ١٢٨ ، ١٢٩ ، ١٣٩.
عبد الرحمن بحشو
: ٣٤٢.
عبد الرحمن بن
هشام : ١٢٩.
عبد الرحمن المعافري
: ١٣٦.
عبد الحق : ١٨٩.
عبد الرحمان
العماش : ٢١٤.
عبد القادر بن
داود : ٢١٥.
عبد القادر (الأمير)
: ٢٤٧ ، ٣٤٤.
عبد القادر بن
السنوسي : ٣٠٠.
عبد القادر
الشريف : ٣٠٢.
عبد القادر
الجيلالي : ٢٨٤ ، ٢٨٥ ، ٣٠٢.
عبد القادر
المشرفي : ٢٨٨.
عبد القادر بن
مصطفى : ٩٩.
عبد القادر
الحسني : ١٠٢.
عبد القادر بن
بروكش : ١٠٤.
عبد الحق بن
محيو : ١٧١.
عبد المالك :
١٢٩.
ابن عبد الكريم
العجيسي : ١٢٨.
عبد الرحمن
مقلاش : ٩٦.
عبد الحليم
المستغانمي : ٢٨٦.
عبد الرزاق
التلاوي : ٢٨٢.
عبدي آغا : ٢٥٣.
عبد الرزاق
الجزائري : ٢٥٠ ، ٢٥٢.
عبد العزيز خان
: ٢٤٨.
|
عبد الحميد خان
الثاني : ٢٤٨ ، ٢٤٩.
عبد الحميد
الأول : ٢٤٧ ، ٢٤٨.
عبد الواد :
١٩٣.
عبد الواحد :
١٩٢.
عبد المؤمن بن
عبد الرحمن : ٢١٤.
العبدوسي : ٦٨.
العباس بن بختي
: ١٢٨ ، ١٣٣.
ابن عبد القوي :
١٦٥.
ابو عباس
البجائي : ١٦٧.
عثمان الغازي :
٢٤١ ، ٢٤٢ ، ٢٤٥.
عبد السلام
التونسي : ١٤٤.
عثمان بن
إسماعيل : ٣٠٠.
عثمان بن محمد :
٢٩٨.
عثمان الكردي :
٢٩٠.
عثمان باي :
٢٨٤.
عثمان الثالث :
٢٤٧.
عثمان بن يوسف :
١٦٢.
عثمان بن
يعمراسن : ١٦٥ ، ١٧٥.
عثمان السعيد :
١٧٥.
عثمان بن وزمار
: ١٨١.
عثمان بن مسلم :
١٨٤.
ابن العالية :
١١٠.
عثمان بن عفان :
١١٥ ، ٢١١ ، ٢٦٠.
ابن عرفة : ٧٠ ،
١٥٨.
عروج التركي :
٧٦ ، ٢٤٩ ، ٢٥٢.
أبو عصيدة :
١٥٧.
عقبة بن نافع :
١٤١.
عدة بن محي
الدين : ٣١٤ ، ٣٢٤.
عدة بن المشير :
٢٨٣ ، ٢٨٦.
|
|
عدة بن داود :
٢٧٨.
عدة ولد
الصحراوي : ٢٢٨.
عدة ولد قدور :
٣٥٩.
عدة بن ونزار :
٣٦١.
علي التدرومي :
٧٥.
علي بن أحمد
الكثيري : ٧٥.
علي بن يوسف
الدايري : ١٠٨ ، ١٧٥.
علي بن أبي طالب
: ١١٩ ، ٢٣٨.
علي بن ثور :
١٢٣.
علي بن يحيى
المسوفي : ١٤٠.
علي بن محمد :
١٤٠.
أبو علي
الملياني : ١٦٦.
علي بن راشد :
١٧٩.
أبو عزة بن
حميدة : ٢٣١.
علاء الدين :
٢٤٢.
علي آغا : ٢٥٣.
العلج علي :
٢٥٤.
علي بو صبع :
٢٥٥.
علي بن عبد
الرحمن : ١٠٩.
علي بن أحمد :
٣٥٧.
علي أبو الوفاء
: ٣٥١.
الباي علي : ٣٤٦
، ٣٤٧.
علي بن مصطفى :
٢٨١.
عصمان بن
إبراهيم : ٢٨٠ ، ٢٨١.
أبو علام : ٢٧٧
، ٢٨٦.
أبو عباس العاقل
: ١٩٤.
عمر آغا : ٢٥٦ ،
٣٢٦.
عمر الزحاف :
١٩٨.
عمر بن يحيى
الهنتاتي : ١٣٧.
|
عمر بن عبد
العزيز : ٧٠ ، ١٢٩ ، ١٥٨ ، ٢١٦.
عمر بن الخطاب :
١١٩ ، ١٧٦ ، ٢٦٠.
عمر بن العاص :
٢٦٠.
أبو العلاء :
١٥٦.
عمر بن أبي
زكرياء : ١٥٧.
ابن أبي عمارة :
١٥٨.
أبو عنان : ١٧٨
، ١٧٩.
بن عودة : ٢٧٦ ،
٢٧٨ ، ٢٨٠.
عيسى بن مريم :
١٩٨.
عيسى بن غريب
العربي : ٢١١.
العزيز بن
المنصور : ١٣٩.
عطية بن موسى :
١٨٦.
ـ غ ـ
غانية : ١٤٠.
ابن غانية :
١٩٦.
غانيوس ويوليوس
: ٢٦٨.
الشيخ غانم بن
يوسف : ٨٤ ، ٨٥ ، ٨٦.
الغزالي : ١٣٥.
الغازي بن قيس :
١٤٢.
ـ ف ـ
فاطمة : ٢٩٥.
فاطمة الزهراء :
١١٩.
أبو فارس عزوز :
٧٠ ، ١٥٧ ، ١٥٨ ، ١٦٨ ، ١٦٩ ، ١٧٤ ، ١٨٠ ، ١٨٦ ، ١٩٢.
أبو الفداء : ٥٦
، ٥٧ ، ١٥١ ، ١٩٧.
فرقان الفليتي :
١٠٦ ، ٣٥٠.
|
|
ألفونسو ١٢ :
٢٦٨.
ألفونسو ١٣ :
٢٦٨.
فيرديناند :
٢١٥.
فيرديناند ٦ :
٢٥٨.
فيرديناند ٧ :
٢٦٠ ، ٢٦٧.
فيليب : ٢١٥ ،
٢٥٧.
فيليب ٢ : ٢٢٧.
فيليب ٣ : ٢٢٧.
فيليب ٤ : ٢٢٧.
فيليب ٥ : ٢٣٥ ،
٢٥٦.
ـ ق ـ
القاسم بن محمد
: ١٥٩.
قارة باغلي :
٣٣٨.
قارة الجزائري :
١٠٨.
القائم العبيدي
: ١٢٠.
القباب : ٦٨.
قدور الكبير بن
إسماعيل : ٢٩٦ ، ٢٩٨ ، ٣٠٠ ، ٣٢٤ ، ٣٥٣ ، ٣٤٤ ، ٣٤٧.
قدور بن علي : ،
٢٩٨ ، ٣٠٠.
قدور بن الشريف
: ٣٦٤.
قدور الصغير :
٣٢٤.
قدور بن سفير :
٣٥٣.
قدور بن المخفي
: ٣٦٢.
الفلجاوي : ٧٩.
القائم أبو ديوس
: ١٥٦.
قسطنطين بن هرقل
: ٢٦٠.
قلودينوس : ٢٦٨.
|
ـ ك ـ
كارلوس : ٢١٦.
كارلوس : ٢٢٩.
كارلوس III : ٢٥٨.
كارلوس : ٢٦٠.
كجّك علي : ٢٢٠.
كوسه محمد :
٢٥٣.
كعب بن زهير :
٩٧.
كريستوف كولومب
: ١٩٩.
ـ ك ـ
لذريق : ٢٠٠.
لسان الدين ابن
الخطيب : ١٧٤ ، ١٧٦.
الوليد بن عبد
الملك : ٢٠٠.
الوليد بن يزيد
: ١٢٥.
لويس : ٢٣٥.
ـ م ـ
المأمون العباسي
: ١٦٢ ، ٢٠٥.
مامي الحاج :
٢٢٢ ، ٢٢٣ ، ٢٥٣.
محمد بن قريد :
٣٦٦.
محمد بن المولود
: ٢٦٢.
محمد الصغير
الغبريني : ٢٦٩.
محمد بن عيسى :
٢٧٠.
محمد الزناقي :
٢٧١.
محمد المزاري :
٢٧٢ ، ٣٥١ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، ٣٦٤ ، ٣٦٥.
محمد المسراتي :
٢٧٦ ، ٢٧٧.
محمد أبو طالب :
٢٧٧ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٢.
|
|
محمد بن زرفة :
٢٧٧.
محمد بن عودة :
٢٨٤ ، ٣١٥.
محمد بن يوسف
الزياني : ٣٦٨.
محمد بن علي
الشريط : ٢٨٦.
محمد الصغير :
٢٩٠ ، ٢٩٥.
محمد بن
الجيلالي القلعي : ٢٩٨.
محمد بن عثمان :
٣٠٨.
محمد ولد قدور :
٣٠٨.
محمد الوهراني :
٩٥ ، ٣٢٤ ، ٣٣٨.
محمد المجاهد :
٣٢٤.
محمد ابن عبد
الله : ٣٥٠.
محمد بن الخروبي
: ٣٥٣.
محمد الصادق :
٣٢٤.
محمد بن يوسف
القيرواني : ٥٦.
محمد بن أبي عون
: ٥٦ ، ١١٧ ، ١٢٠ ، ١٢٨.
محمد بن عبدون :
٥٦.
محمد بن عثمان :
٦٤ ، ١٨١.
محمد بن عبد
المؤمن : ٨١.
محمد بن الهواري
: ٧٥.
محمد بن عمر
الهواري : ٧٨ ، ٨٣ ، ٩٦ ، ١٥٨.
محمد الفاسي : ٨٤.
محمد بن حواء :
٨٦ ، ٩٠ ، ١٠٦ ، ٢٨٤.
محمد بن يحيى :
٨٨.
محمد بن أبي
يعزي : ٨٩.
محمد بن خميس :
٩٧.
محمد بن عثمان
الكبير : ٩٧ ، ٢٣١ ، ٢٦١ ،
|
٢٦٤ ، ٢٦٩ ، ٢٨٩
، ٢٩٠ ، ٣٢٤ ، ٣٣٨ ، ٣٨٨.
محمد بن البشير
الحريزي : ٩٩.
المشرفي الطاهر
: ٩٩.
محمد بن الخير :
١٢٢.
بن محمد صالح :
١٢٠ ، ١٢١.
محمد بن خزر :
١٢٢ ، ١٢٨.
محمد بن عبد
الرحمن : ١٢٩.
محمد المهدي :
١٢٩.
محمد بن تنعمر
المسوفي : ١٣٣.
محمد صالح :
١٣٦.
محمد بن واقاق :
١٣٩.
محمد بن علي :
١٤١ ، ١٨٩.
محمد بن عبد
الله : ١٤١.
محمد بن سليمان
: ١٤١.
محمد النفس
الزكية : ١٤١.
محمد اللحياني :
١٥٦.
محمد بن أبي بكر
: ١٥٨.
محمد بن يوسف :
١٦٦.
محمد بن قريد :
١٠٨.
محمد الصادق
الحميسي : ١٠٦.
محمد بن أقوجيل
: ١٠٦.
محمد بن
الجيلالي : ١٠٤.
محمد بن جلول :
١٠٤.
ماخوخ الزناتي :
١٦٨.
محمد بن ورزيشي
: ١٦٨.
أبو محمد بن
تافراكيش : ١٧٧.
محمد أبي أبي
ظريف : ١٨٩ ، ١٩٢.
محمد بن خولة :
١٩١.
|
|
محمد بن أبي
تاشفين : ١٩٢.
محمد المستعين :
١٩٦.
محمد بن غانية :
١٩٦.
محمد بن موسى :
٢٠٥.
محمد أقدار :
٢١٤.
محمد بن داود :
٢١٥.
محمد الشريف
الزهار : ٢١٦.
محمد علي الشريف
: ٢١٦.
محمد بن يحيى :
٢١٨.
محمد الشيخ السعدي
: ٢٢٧.
محمد خوجة :
٢٣٥.
محمد خان : ٢٤٣.
محمد بكداش :
٢٤٦ ، ٢٧٥.
محمد خان الأول
: ٢٢٧.
محمود الثاني :
٢٤٧.
محمد بو شناق :
٢٥٥.
محمد بن صالح :
٢٥٤.
محمد الرابع :
٢٤٦.
محرز بن خلف :
٢٢٦.
محمد بن الحسين
: ٢٨٥.
محمد البوشيخي :
٣٦١.
محمد بن جلال :
٣٥٦.
محمد بن يحيى :
٣٥٥.
محمد بن كروف :
٣٥٤.
محمد بن زكموط :
٣٦٤.
محمد ولد عبد
الله : ٣٥٤.
محمد بن عبد
الله سقاط : ٩٩.
مصطفى بن
التهامي : ١٠٢.
|
محي الدين
المختاري : ١٠٢ ، ٢٩٥ ، ٣٢٥ ، ٣٤٠.
مراد بك خان :
٢٤٣.
مراد الثاني :
٢٤٣.
مراد الرابع :
٢٤٥.
مراد الخامس :
٢٤٨.
مروان بن محمد :
١٢٩.
ابن مرزوق
الحفيد : ٧٨ ، ١٧٩.
مزدلي : ١٣٢.
المزوار بن غانم
: ٢١٨.
المسعودي : ٧٥.
أبو مدين شعيب :
٧٨ ، ٨٧ ، ١٤٤ ، ٢١٦ ، ٢٢٧.
مسلم بن عبد
القادر : ١٠٥ ، ١٠٦ ، ١٤٥ ، ٢٥١ ، ٢٥٨ ، ٣٠٤ ، ٣٨٨.
مسعود الزياتي :
١٦٦.
ابن مسعود :
١٩١.
مصطفى بن إسماعيل
: ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦٢.
الباي مصطفى :
٩٩ ، ٢٧٥.
مصطفى قايد :
٢٧٧.
مصطفى زرق العين
: ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢.
مصطفى بن عودة :
٢٧٨.
مصطفى الأحمر :
٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢.
مصطفى الدحاوي :
٩٩ ، ٢٧٣ ، ٣٠٨.
مصطفى بن قرادة
: ٢٩٨.
مصطفى باي : ٣٠٠
، ٣٠٦ ، ٣٢٤.
مصطفى بن عبد
الله : ٣٠ ، ٣٢٤.
مصطفى بن
الهاشمي : ١٠٤.
|
|
مصطفى بو
الشلاغم : ٢٤٦ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧.
مصطفى الثاني :
٢٤٦.
مصطفى خان :
٢٤٧.
مصطفى باشا :
٢٥٣.
مصطفى كوسة :
٢٥٤.
أبو موسى
المشدالي : ١٦٧.
موسى بن عيسى :
١٧٩.
موسى بن صالح :
١٧٩.
موسى بن برغوث :
١٨١.
موسى بن خالد :
١٨٦.
موسى بن أحمد :
١٩٤.
موسى بن نصير :
١٩٩.
موسى آغا : ٢٥٣.
موسى بن أبي
العافية : ١١٩ ، ١٢٠.
أبو منصور
الماثوريدي : ٢٤١.
ابن مكي : ١٧٦.
ابن ميمون :
١٣٦.
ابن مطروح : ١٤١
، ١٤٩.
موسى بن علي
العربي : ١٦٦.
مفتاح البخاري :
١٠٦.
المعتز : ١١٧.
معاشو بن أحمد :
٨٥.
المعز العبيدي :
١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٣٨.
المنصور بن أبي
عامر : ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤.
منشد بن سعيد :
١١٩.
المنذر بن محمد
: ١٢٩.
معاوية بن أبي
سفيان : ١٢٩.
معاوية بن يزيد
: ١٢٩.
|
منصور بن بلكين
: ١٢٥.
مناد الصنهاجي :
١٣٨.
منديل المغراوي
: ١٤٠.
المعز بن الناصر
: ١٣٨.
أبو مهدي
الزنداوي : ٢١٨.
أبو مهدي عيسى :
٢٢٦.
المهدي بن تومرت
: ١٣٥ ، ١٤٠ ، ١٤٤ ، ١٤٧.
الحاج المرسلي :
٣٢٥.
مولاي علي الجمل
: ٣٠٠.
ـ ن ـ
الناصر العبدوسي
: ١٣٤.
الناصر عياض :
١٣٥.
الناصر بن علناس
: ١٣٨.
نابوليون
بونابرت : ٢٦٧.
نارون : ٢٦٨.
نزار العبدلاوي
: ٢٢٨.
ابن النصرانية :
٢٢٨.
ابن نصابية :
٢٣٠.
ـ ه ـ
ابن هارون :
١٧٧.
هشام المؤيد :
١٢١ ، ١٢٤ ، ١٢٩.
هشام الراضي :
١٢٨.
هشام بن عبد
الملك : ١٢٩.
هيدور (الشيخ) :
٦٧.
هواري إسحاق :
٧٧.
هواري أبو إسحاق
: ٧٦.
|
|
الهواري (الشيخ
محمد بن عمر) : ٦٨ ، ٧٣ ، ٧٨ ، ٨٣ ، ٩٦.
ـ و ـ
واضح بن عثمان :
١٢٦ ، ١٦٤.
وادفل بن عبو :
١٨٦.
وزمار بن عريف :
١١٥ ، ١٧٨ ، ١٧٩.
الوازعي أبو
إسحاق : ٧٧.
بن ونان : ٣١٠.
ـ ي ـ
أبو يحيى زكرياء
: ٨١ ، ١٩٤.
يحيى بن تومرت :
١٣٦.
يحيى بن محمد :
١٤٠ ، ١٥٧.
يحيى بن إبراهيم
: ١٥٧.
يحيى السائح :
١٥٧.
يحيى الحمى :
١٥٧.
يحيى بن داود :
١٧٩.
بن يبقى سيدي
محمد : ٨٢.
يزيد بن معاوية
: ١٢٩.
يعلى بن محمد :
١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤.
يعقوب المنصور :
١٥٠.
يعقوب بن علي :
١١٧.
أبو يعزى العربي
: ٨٩ ، ١٤٥.
يوسف بن تاشفين
: ١٢٠ ، ١٢١.
يوسف بن قريون :
٦٢.
يوسف الشريف :
٨٥.
يوسف بن تاشفين
: ١٢١ ، ١٢٨ ، ١٣١ ، ١٣٥ ، ١٣٩ ، ١٤٠.
يوسف بن زيري :
١٣٢.
|
يوسف بولكين :
١٣٨.
يوسف بن عبد
المؤمن : ١٤٧ ، ١٤٩.
يوسف الغفاري :
١٦٢.
يوسف بن خزرون :
١٦٣.
يوسف المريني :
١٦٥.
يوسف بن يعقوب :
١٦٦ ، ١٧٦.
|
|
يوسف الناصر :
١٧٥.
يوسف بن منصور :
١٧٧.
يوسف المسراتي :
١٧١ ، ٢٨٢.
يغمراسن الزياني
: ١٥٤ ، ١٦٢ ، ١٧٥.
اليفريني : ١٥٢
، ٢١١.
يونان بن يافث :
١٩٨.
|
فهرس القبائل والجماعات
ـ أ ـ
آل عثمان : ٢٤٣
، ٣٣٦.
آل زيان : ١٧٥.
الأتراك : ١١٥ ،
١٥٨ ، ١٩٥ ، ٢٢٣ ، ٢٢٦ ، ٢٢٨ ، ٢٣١ ، ٢٣٢ ، ٢٨٩ ، ٣٠٨ ، ٣٤٨ ، ٣٦٨.
الأثبج : ١٢٧.
أزديجة : ١٢٨.
الأحرار : ٢٧٢.
الأغزاز : ١٤٨.
الألبيريون :
١٩٨.
الإغريقيون :
٢٠٧.
الإسبانيون :
٢١٧ ، ٢٢٨ ، ٢٤٦ ، ٢٤٧ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٦٦ ، ٢٧٦ ، ٢٨٠.
الأكراد : ٢٤١.
الأدارسة : ١١٧
، ١٣٠ ، ١٦٠.
الأمويون : ،
١١٥ ، ١٢٣ ، ١٢٨.
الإنجليز : ١٩٧.
الأندلسيون :
١٩٨.
أوربة : ١٤٨.
|
|
الأوس والخزرج :
٢٤١.
بنو أمية : ١٢٤.
بنو إسرائيل :
١٩٩.
بنو الأحمر :
٦٢.
أولاد حمدان :
٢١٢.
أولاد حمزة :
١٧٦.
أولاد بليل :
١٩٤ ، ٣٠٢.
أولاد عريف :
١٨١.
أولاد سيدي أحمد
: ١١٠.
أولاد علي : ٢١٢
، ٢٢٩ ، ٢٣١.
أولاد عبد الله
: ٢١٢ ، ٢٢٩ ، ٢٣٠.
أولاد عابد :
٢٧٢.
أولاد عياد :
٢٧٢.
أولاد عربي :
٢٧٤.
أولاد الأكرد :
٢٧٢.
أولاد نصيف :
٢٧٢.
أولاد بالغ :
٢٧٢.
أولاد الشريف :
٢٧٢.
أولاد الميمون :
٢٧٢.
أولاد سليمان :
٢٢٩ ، ٢٣١ ، ٢٩٧.
|
أولاد سيدي محمد
بن يحيى : ٣٥٩.
أولاد رحو : ٣٥٨
، ٣٥٩.
أولاد علان :
٣٢٢.
أولاد بلبشير :
١١١.
ـ ب ـ
البرامكة : ٣٣٧.
البربر : ١٤٨ ،
١٨٨.
البرجية : ٢٢٨ ،
٢٣٢ ، ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، ٣٢١ ، ٣٥٦.
البلكانية : ٣١٠
، ٣١١ ، ٣٣٢ ، ٣٦٢.
ـ ت ـ
التاشفينيون :
١٣٩.
التتار : ٢٤١ ،
٢٤٢.
الترك : ٢٢٧ ،
٢٣٥ ، ٢٤٠ ، ٢٥١ ، ٢٦٩ ، ٣٠٤ ، ٣٠٦ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٦٣.
التركمان : ٢٤١.
التوارق : ١٣١.
توجين : ١٧٧ ،
١٧٨ ، ١٧٩ ، ٢٨٤ ، ٣٥٥.
ـ ث ـ
الثعالبة : ١٩٤.
ـ ج ـ
الجركس : ٢٤١.
الجعافرة : ٢٧٢.
ـ ح ـ
الحشم : ١٤٦ ،
٢٢٨ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٦٢.
|
|
حصين : ١٩٤.
حميان : ٢٢٩ ،
٢٣٢ ، ٢٧٢.
بو حفص : ١٥٦ ،
١٧٦ ، ١٨١.
بنو حمامة :
١١٥.
ـ خ ـ
بنو خزر : ١١٧ ،
١٣٣ ، ٢٢١ ، ٢٤١.
خزريون : ١٢٨ ،
٢٤٠.
ـ د ـ الدواير
والزمالة : ١٠٨ ، ٢٧٤ ، ٣٢١ ، ٣٥٦ ، ٣٥٩ ، ٣٦٢.
ـ ذ ـ
الذواودة : ١٧٧
، ٢١٥.
ـ ر ـ
الراشدية : ٦٣ ،
١٦٢ ، ١٦٥ ، ٢١٨.
الروس : ٢٤١.
الروح : ١٧٤ ،
١٩٨ ، ٢٦٧.
ـ ز ـ
بنو زيان : ٧٤.
بنو زروال : ٨٧
، ٣٠٢.
زواوة : ١٦٠ ،
١٦٦.
بنو زطاط : ١٣٢.
ـ س ـ
السلاجقة : ٢٤٢.
سويد : ٧٤ ،
٢٣١.
السبنيول : ١٩٧.
|
ـ ش ـ
شافع : ٢١٢ ،
٢٢٩.
بنو شقران : ٢٢٩
، ٢٧٢ ، ٣١١ ، ٣٢١ ، ٣٥٦ ، ٣٦٢.
ـ ص ـ
الصقالبة : ٢٤٠.
صنهاجة : ١٣١ ،
١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٨.
ـ ع ـ
بنو عامر : ٨٤ ،
١٧٩ ، ١٨١ ، ١٩٠ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٢٢٩ ، ٢٧٢ ، ٣٢١ ، ٣٢٤ ، ٣٢٥ ، ٣٦٢ ، ٣٦٧.
بنو عطية : ١٢٣.
بنو عبس : ١٤٤.
بنو العيش :
١٦٠.
بنو عبد المؤمن
: ١٦٢.
بنو وعزان :
٢٧٢.
عبد الواد وبنو
عبد الواد : ١١٥ ، ١٦٢ ، ١٦٩ ، ١٧٣ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ، ١٨٩.
عريب : ٣٠٧ ،
٣٢١ ، ٣٢٢.
العبيديون :
٢٧٢.
ـ غ ـ
غمارة : ١٥٠.
غمرة : ٢١٢ ،
٢٢٩.
بني غدو : ٧٤.
|
|
ـ ف ـ
الفاطميون : ١١٩
، ١٣٠.
الفرانسيس : ١١٥
، ١٤٠ ، ١٥٦ ، ٢٠٠.
الفرنج : ١٣٤ ،
٢٠٨ ، ٢٤٠ ، ٢٤٥ ، ٢٦٨.
الفندال : ١٩٨.
الفينيسيون :
١٩٨.
فليتة : ٢٧٤ ،
٢٨٣ ، ٣٦٢.
ـ ق ـ
القرطاجنيون :
١٩٨.
القطلان : ٢٠٠.
القوط : ١٩٩.
قيزة : ٢١٢ ،
٢٢٩.
قيس بن عيلان :
، ٢٤٤.
ـ ك ـ
كتامة : ١٢١ ،
١٥٦.
كريشتل : ٢٢٩ ،
٢٣١.
كومية : ١٤٧.
ـ ل ـ
اللاتينيون :
٢٠٦.
لمتونة : ١٣٩ ،
١٤١.
بني لومي : ١٦٨.
ـ م ـ
الموحدون : ١١٥
، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٤٠ ، ١٤١ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٦٦ ، ١٧٧ ، ٢٣١.
|
المرابطون : ١١٥
، ١٣٦ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ،
١٤١ ، ٢٣٩.
المروانيون :
١١٧ ، ١٢٠ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ،
١٢٨.
الملثمون : ١١٥
، ١٣٩.
المصامدة : ١٤١
، ١٤٨ ، ١٥٠.
بنو مرين
والمرينيون : ١٥٦ ، ١٦٣ ، ١٧٤ ،
١٨٨ ، ١٨٩.
بنو مطهر : ١٦٢
، ٢٧٢.
بنو مزغنة : ١٣٤
، ٢٥٩.
بنو مناد : ،
٣٤٠ ، ٣٤٢ ، ٣٤٤.
بنو مريانن :
٣٤٢.
بنو مسفن
ومسرفين : ٧٦ ، ١١٧.
مغراوة : ٥٥ ،
٥٦ ، ١١٠ ، ١١٥ ، ١٢٣ ،
١٣٣ ، ١٤٨ ، ١٦٦
، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٧٩ ،
١٨١ ، ٢٠١.
مضر : ١٦٦.
مديونة : ١٦٨.
ـ ن ـ
بنو النظير :
٢٦٦.
|
|
النفار : ٢٠٠.
نفزة : ٥٦.
ـ ه ـ
الهلاليون :
١٢٨.
هبرة : ٢٢٨ ،
٢٣٢.
هوارة : ١٩٥.
ـ و ـ
الونازرة : ٢٢٨.
بني واتيل :
٢٠١.
بني وراغ : ٨٥.
بني وامانو :
١٦٩.
بني مطاط : ١٨١.
ـ ي ـ
ياجوج وماجوج :
٢٤٠.
بني يزناسن :
١٣٣ ، ١٧٥ ، ١٩٣ ، ٣٤٥ ، ٣٦٥.
بني يفرن : ١١٧
، ١٢١ ، ١٣٣.
يغمراسن : ١٩٢.
اليهود : ٦٢.
|
فهرس الأماكن الجغرافية
ـ أ ـ
الأغواط : ٢٣٠.
أرزيو : ١٠٨ ،
٢٣٢ ، ٢٣٥.
أشبونة : ١٣٥ ،
١٥٠ ، ١٩٧.
أشير : ١٣٨.
إشبيلية : ١٤٧ ،
١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥١ ، ١٩٩.
أزمور : ١٥٦ ،
٢٠١.
أرض الروح :
٢٤٢.
أرقون : ٢٠٠.
أرض النوبة :
٢٠٣.
إسبانيا : ١٧٧ ،
٢٠٤ ، ٢٥٦ ، ٢١٩ ، ٢٢٣ ، ٢٦٧.
الإسكندرية :
١٥٨ ، ١٨٨ ، ٢٦٠.
أسوان : ٢٠٣.
آسيا : ٢٠٤.
إستوريا : ٢٠٠.
اسطنبول : ٢٨٥.
أدرنة : ٢٤٣.
إفريقيا : ١١٥ ،
١٣٨ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٧٥ ، ١٧٦.
|
|
إيفيكان : ، ١٢٠
، ١٢١.
أقادير : ١٦٤ ،
١٧٩.
أوروبا : ١٩٩ ، ٢٠٤.
أمريكا : ١٩٩ ،
٢٠٤.
أمريكا الجنوبية
: ١٩٩.
الإيالة الغربية
: ٦٤ ، ٢٦٥ ، ٢٧٧ ، ٣٣٦.
أوقيانيا : ٢٠٤.
الأندلس : ٥٦ ،
١١٥ ، ١١٧ ، ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٥ ، ١٣٤ ، ١٣٥ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٨ ، ١٥١.
ـ ب ـ
بحر النيل : ١٣٩
، ١٤٠.
بحر البلطيك :
١٩٩.
بابل : ٢٠٤.
البحر المحيط :
١٣٥ ، ٢٠٢.
باب الواد : ٢٢١
، ٢٢٢.
باب الجزيرة :
٢٢٢.
باب عزون : ٢٢٢.
بجاية : ١٣٥ ،
١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٥٣ ،
|
١٥٦ ، ١٦٥ ، ١٨٤
، ١٨٨ ، ١٩٤ ، ٢٢١ ، ٢٥٠.
البحر المتوسط :
١٣٤ ، ٢٠١.
البحر الرومي :
٢٠١.
بخارى : ٢٤١.
برج اليهودي :
٢١١.
برج المرسى : ٦٢
، ٢٢١ ، ٢٢٦ ، ٢٣٢.
برج مرجاج : ٥٩
، ٢٩٣.
برج الحمارات :
٦٢ ، ٢٣٢.
برج رأس العين :
٦٢ ، ٢٢٩ ، ٢٩٣.
برج الفنار :
٢٢١.
برج الترك :
٢٧٦.
برج الأمحال :
٢٧٦.
برج لويس : ٢٩٣.
برج فيرناندو :
٢٩٣.
برج كارلوس :
٢٩٣.
برج الأحمر :
٢٩٥ ، ٢٩٨.
برقة : ١٤٦ ،
١٤٧.
برشك : ١٦٥ ،
١٩٣.
برشلونة : ١٩٧ ،
٢٠١.
بسكرة : ١١٩.
البصرة : ١٢٣.
البطحاء : ٢١ ،
١٢٢.
بغداد : ١٣٤ ،
٢٤٤ ، ٢٤٥.
البرتغال : ،
٢٠٥.
بروسيا : ٢٤٣.
بلاد العدوة :
١٧٥.
بلد النامسة (النمسا)
: ١٩٩.
بلنسيا : ٢٠٠.
|
|
بلاد درعة :
٢٠١.
بلخ : ٢٤٢.
البليدة : ٢٩٨ ،
٣٠٨.
بلاد الترك :
٣٣٨.
بلاد اليعقوبية
: ٣٦٧.
بنزرت : ٢٠٢.
ـ ت ـ تاهرت :
١١٧ ، ١٢١ ، ١٢٢ ، ١٤٠.
تادلس : ١٨٦.
تاغية : ١٧٩.
تافنة : ٣٢٤.
تاوريرت : ١٨٦.
تافيلالت : ١٦٩.
تازة : ١٨٩.
تاجرة : ١٣٨.
تازة : ١٧٠ ،
١٧٥.
تاكدمت : ٣٠٤.
التبت : ١٨٤.
تركيا : ٢٧٩.
تمانتفوس : ٢٢٥.
تلمسان : ٧٠ ،
٧٨ ، ١١٧ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٦ ، ١٤٤ ، ١٥٦ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ،
١٧٦ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٦ ، ١٩٢ ، ٢١٩ ، ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٢٨١ ، ٢٨٢ ، ٢٨٣ ، ٢٨٤ ، ٢٨٥ ،
٢٨٧ ، ٣٢٣ ، ٣٦٥.
تنس : ١٣٤ ، ١٦٠
، ١٦٥ ، ١٧٩ ، ١٩٣ ، ١٩٤.
|
توزر : ١٧٧.
تونس : ٧٠ ، ٧٨
، ١١٩ ، ١٥٦ ، ١٦٥ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٩٢ ، ٢٠٢ ، ٢٠٥ ، ٢٢٦ ، ٢٤٦ ، ٢٦١ ، ٢٦٧
، ٢٧٠ ، ٢٨٢ ، ٣٢٣.
تيطري : ١٨٨ ،
٢٦٩.
تينملل : ١٤٩.
ـ ث ـ
ثنية ماخوخ :
٨٥.
ثنية تيزي :
١٨٦.
ثنية المد :
٢٧٢.
ثنية بلوزير :
١٨٦.
ـ ج ـ
جامع الباشا :
٢٩٥.
جبل تاجرة :
١٤٣.
جبل هيدور : ٥٩
، ٨٧ ، ١٣٧ ، ٢١٢ ، ٢٢٧ ، ٢٣١.
جبل غمرة : ٥٩.
جبل تيطري :
١٣٨.
جبل عجيسة :
١٣٨.
جبل مرجاجو : ٥٩
، ٦٢.
جبل ماخوخ : ٨٤.
جبل قيزة : ١٢٠
، ٢١٢.
جبل الفتح :
١٤٦.
جبل البيريني :
١٩٨.
جبل بني ورنيد :
١٦٣ ، ١٨٦ ، ١٩٦.
|
|
جبل طارق : ١٩٨.
جبل راشد : ٢٠١.
جبل خياشة :
٢٠١.
جبل الثلج :
٢٠٢.
جبل درن : ٢٠١.
جبل زيان : ١٨٨.
جبل المايرة :
٢٨٢.
جبل سيراط :
٢١٢.
جبل تازة : ٢٠١
، ٣٣٦.
جديوية : ٣٢٤.
جزيرة كورسيكا :
١١٩.
الجزيرة الخضراء
: ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٧٤ ، ١٨٩.
جزيرة كوبا :
١٩٩.
جزيرة العرب :
٢٠٥.
الجريد : ١٥٦.
الجيزة : ٣٠٦.
جرجرة : ١٦٠.
جون تامانتفوست
: ٢٢٢ ، ٢٢٣.
ـ ح ـ
الحراش : ٢٥٨.
حجر باديس :
٢٢٦.
الحجاز : ١٤٤.
حلب : ٢٤٢ ،
٢٤٤.
حماة : ٥٦ ، ٥٧.
الحامة : ٢٢٣.
حمام بو عزارة :
٢٨٨.
الحناية : ٣٥٣.
|
ـ خ ـ
خراسان : ١٥٠.
خصيبية : ٢٩٤.
خنق النطاح :
٢٩٤.
ـ د ـ
دانمارك : ٢٠٤.
دللس : ١٨٩.
دمشق : ٦٩ ، ١٢٩
، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ٢٠٠.
ـ ر ـ
رأس تافورة :
٢٢٤.
رباط الفتح :
١٤٧.
رباط وهران :
١٣٧.
الراشدية : ١٠٤.
رشقون : ١١٧.
ريغة : ١٨٢.
رأس العين :
٢٦٦.
ـ ز ـ
الزاب : ١١٩ ،
١٥٦ ، ١٧٧ ، ١٨٢.
زبوج مولاي
إسماعيل : ٢٢٨.
زفيزف : ٣٥٤.
ـ س ـ
سبتة : ٦١ ، ١٢٣
، ١٤٠ ، ١٦٣ ، ١٤٨ ، ١٩٩.
السرسو : ٢١٤.
سعيدة : ٢١٥.
السودان : ١٣١ ،
٢٠٠.
|
|
السند : ٢٠٤.
السمار : ٣٥٩.
السوس الأقصى :
١٣٥ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ٢٠١.
سيدي البشير :
٩٠.
سيجيلماسة : ١٢٣
، ١٢٤ ، ١٣٥ ، ١٦٧ ، ١٧٥ ، ١٧٤.
سيف : ١٨٤ ، ٢٢٨
، ٣٠٦ ، ٣١٠.
سيراط : ١٣٤.
سويسرا : ٢٠٥.
سد أرمينيا :
٢١٤.
سيدي لخضر :
٢١٢.
سيدي مبارك :
٢١٢ ، ٣١٠ ، ٣١١.
سيدي داود :
٣١٠.
سلا : ١٤٧ ،
١٤٨.
ـ ش ـ
شاطبة : ٢٠١.
الشاح : ٦٩ ،
١٣٤ ، ١٥١ ، ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ٢٤٤.
شريس : ١٤٨ ،
٢٠١.
شلف : ١٣٤ ، ١٤٠
، ١٦٦ ، ١٨٦ ، ٢٠١ ، ٢٣٠ ، ٢٧٧.
ـ ص ـ
صقلية : ٢٠١ ، ٢٥٨.
الصين : ٢٤١ ،
٢٦٦.
ـ ط ـ
طرابلس : ١٥٣ ،
١٥٩ ، ١٧٧ ، ٢٠٥ ، ٢٤٤ ، ٢٤٩ ، ٢٧٠.
|
طرطوشة : ١٣٦ ،
٢٠١.
طليطلة : ١٩٩ ،
٢٠٩.
طنجة : ١٣٢.
ـ ع ـ
العراق : ١٣٤.
العباد : ١٩٥.
عوينت الزيتون :
٢١٢.
عين الربط :
٢٧٣.
العرايش : ٢٢٧.
عين ماضي : ٢٩٠
، ٣٢٨.
العرقوب : ٢٨٦.
ـ غ ـ
غابة مولاي
إسماعيل : ٣١٠.
غاليسيا : ٢٠٠.
الغزوات : ٢٨٤.
غرناطة : ١٣٦ ،
١٣٩ ، ١٤٥ ، ٢٠٠.
غريس : ٦٣ ، ٢٤٧
، ٢٧٧ ، ٣٠٠ ، ٣٠٦ ، ٣٢٨ ، ٣٥٤ ، ٣٥٥ ، ٣٥٧.
غمرة : ٨٢ ، ٨٦
، ١٤٨.
غيليزان : ١٨٤.
ـ ف ـ
فاس : ٦٨ ، ١٢٠
، ١٢٣ ، ١٤٨ ، ١٦٦ ، ١٧٧ ، ١٨٩ ، ١٩٢ ، ٢٠٩ ، ٢٥٤.
فرطاسة : ٣٠٣.
فروحة : ٣٥٦.
فرنسا : ١٩٨ ،
٢٠٥.
فليتة : ٣٥٦.
|
|
ـ ق ـ
قابس : ١٤٠ ،
١٧٧.
قادس : ٢٠١.
قرطبة : ١١٩ ،
١٢١ ، ١٢٢ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٣٥ ، ١٣٦.
قسنطينة : ١٦٦ ،
١٩٣ ، ٢٥٨ ، ٢٦٨ ، ٢٧٠ ، ٢٧٧.
قشتالة : ١٧٤.
قفصة : ١٤٨ ،
١٧٧.
قعر الصخرة :
١٧٤.
القدس : ٦٥ ،
١٢٣.
القاهرة : ٦٠.
القلعة : ١٣٨ ،
٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ ، ٢٨٢ ، ٢٩٨.
قلعة خولان :
١٤٨.
قلعة جابر :
١٤٧.
قصبة القلعة :
٢٧٦.
قلعة مرجاجو :
٢٢٨.
قصبة طانجة :
١٧٥.
قصبة وهران :
١٨٧.
قسنطينة : ١٦٦ ،
١٩٣ ، ٢٥٨ ، ٢٦٨ ، ٢٧٠ ، ٢٧٧.
القسطنطينية :
٢٤١ ، ٢٤٣ ، ٢٥١.
قرمان : ٢٤٢.
قرطاجنة : ١٩٨.
قديل : ٢٣٢.
قونية : ٢٤٢.
القيطنة : ٣٢٨.
|
ـ ك ـ
كاتالونيا :
٢٠٠.
الكرط : ٣٥٧.
كدية الخيار :
٢٢٩.
كدية الصابون :
٢٢٣.
كريشتل : ٢١٢.
مالقة : ٢٠١.
مازونة : ١٢٥ ،
١٣٤ ، ١٦٥ ، ٢٢٩ ، ٢٤٦ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٣٣٥ ، ٣٣٦.
المدية : ١٣٨ ،
١٦٥ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٦ ، ١٩٤ ، ٢٧٠ ، ٣٣٦.
مدريد : ١٩٧ ،
٢٠٠.
المدينة الجديدة
: ٩٠.
مرسى وهران : ٥٦
، ٢٨١.
المرسى الكبير :
٦٧ ، ١٣٧.
المدينة المنورة
: ٧٨ ، ١١٥ ، ٢٦٦.
مراكش : ١٣١ ،
١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٤٩ ، ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٦٣ ، ١٧٦ ، ٢٠٥.
مرسية : ٢٠٠.
مرجاجو : ٢٩٨.
مدغوسة : ٣٣٦.
مزاب : ٢٩٠.
مزغران : ١٨١ ،
٢١٢.
مرسى الجزائر :
٢٤٩.
مسراته ، ٧٥.
مستغانم : ٨٥ ،
٩٨ ، ١٢٥ ، ١٨١ ، ١٩٥ ، ٢٥٧ ، ٢٥٨ ، ٢٧١ ، ٢٧٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٨.
المسيلة : ١١٩ ،
١٢٤ ، ١٨٤.
|
|
مسرفين : ٢٢٨.
مشرع حسين :
٣٥٧.
مصر : ٦٠ ، ٦٧ ،
٩٥ ، ٩٩ ، ١٣٤ ، ١٥٧ ، ٢٠٢ ، ٢٠٤ ، ٢٤٤ ، ٢٧٠.
المحيط الغربي (الأطلسي)
: ٢٠١.
المطمر : ٨٥.
معسكر : ١٠٢ ،
١١٠ ، ٢٥٦ ، ٢٦١ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٨٠ ، ٢٨٥ ، ٢٨٦ ، ٢٩٤ ، ٣٠٤ ، ٣٣٧ ، ٣٤٩ ، ٣٥٥ ،
٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٦٠.
المقطع : ٢٢٨.
مقبرة سيدي
الغريب : ٩١.
متيجة : ١٩٤.
المغرب : ٧٨ ،
١٢٠ ، ١٢١ ، ١٣١ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٥٠ ، ١٦٩ ، ١٧٥ ،
١٧٦ ، ١٨٠ ، ١٩٢ ، ٢٣٠ ، ٢٥١ ، ٢٥٤ ، ٣٠٢.
المغرب الأوسط :
١١٧ ، ١٢٠ ، ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٣١ ، ١٣٨ ، ١٣٩ ، ١٤٠ ، ١٥٦ ، ٢٢٩ ، ٢٤٧ ، ٢٧٠ ، ٣٣٦.
المغرب الأقصى :
١١٧ ، ١٣٠ ، ١٣٩ ، ١٥٦ ، ٢٢٧ ، ٢٦٧ ، ٢٧٠.
المشرق : ١٢٨ ،
١٨٠ ، ٢٤١ ، ٣٦٨.
مكناسة : ١٤٨ ،
١٨١.
مكرة : ١٨١.
مليانة : ٧٤ ،
١٢٥ ، ١٣٨ ، ١٤٠ ، ١٦٦ ، ١٧٩ ، ١٨١ ، ١٨٩ ، ١٩٤ ، ٣٤٧ ، ٣٦٠.
مملكة إسبانيا :
٢٣٥.
مليلية : ٢٠٩.
|
مكة : ٧٨.
مملكة المغرب
الأقصى : ١٩٢.
مملكة غمارة :
١٩٦.
المنصورة : ١٦٥
، ١٧٦ ، ٢٦٢.
المهدية : ١٥٣ ،
١٥٨.
ميورقة : ١٤٠ ،
٢٠١.
مينورقة : ٢٠١.
ـ ن ـ
ندرومة : ١٦٢ ،
١٧٦ ، ١٧٨ ، ٢٢٦.
الناظور : ٢٢٢.
النرويج : ٢٠٤.
نفوسة : ١٣٩.
نهر برو : ٢٠٢.
نهر ملوية :
٢٠١.
نهر النيل :
٢٠٢.
نهر دجلة
والفرات : ٢٠٢ ، ٢٤٢.
نهر سيحون وجيحون
: ٢٠٢.
ـ ه ـ
الهند : ١٣٤ ،
٢٠٠ ، ٢٠٤.
هنين : ١٤٣.
هولاندا : ٢٠٥.
ـ و ـ
وانشريس : ١٣٤ ،
١٥٨ ، ١٦٥ ، ١٨٢ ، ١٩٤.
وجدة : ١٣٣ ،
١٦٣ ، ١٧٥ ، ١٧٦ ، ١٨٦ ، ١٩٦ ، ٢٧٢.
واد مكرة : ٣٥٤.
|
|
واد الحمام :
٣٥٧.
والد الخير :
٣٣٦.
واد تافنة :
٣٢٢.
واد يلل : ٣٢٥.
الواد المالح :
٣١٤.
واد مينا : ٣٠٤
، ٣١٤.
واد العبد : ٣٠١
، ٣٠٤.
واد زهور : ٣٠٠.
واد تليلات :
٢٦١ ، ٢٦٢.
واد الهايج :
٧٣.
واد فروحة : ٨٨.
الواد المبطوح :
١٠٦.
واد نون : ١٤٦.
واد رهيو : ١٦٣.
واد تلاغ : ١٦٩
، ١٧٠.
واد الشلف :
١٧٩.
واد سلي : ١٦٣ ،
١٧٩.
واد ملال : ١٨٠.
واد زرقون :
١٨٢.
الواد الكبير :
٢٠١.
واد هبرة : ٢١٤.
واد الحمام :
٢١٤ ، ٢١٥.
واد سيف : ٢١٤.
واد فرقوق :
٢١٥.
واد الحراش :
٢٢٥.
واد تخمارت :
٢١٥.
ورفلة : ١٨٢.
وهران : ٥٥ ، ٦٠
، ٦٧ ، ٦٩ ، ٧٨ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٩ ، ٩٠ ، ٩١ ، ١٠٤ ، ١٠٨ ، ١٠٩،
|
١١٥ ، ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ١٢٥
، ١٣٣ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٤٢ ، ١٤٣ ، ١٥٦ ، ١٦٢ ، ١٦٨ ، ١٧٦ ، ١٧٧ ، ١٧٨ ، ١٨٩ ، ٢٠٩
، ٢١١ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٧٠ ، ٢٧١ ، ٢٧٤ ، ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٣٨٣ ، ٢٨٥ ، ٢٩٥
، ٣٠٠ ، ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣١٢ ، ٣٢١ ،
|
|
٣٢٢ ، ٣٢٣ ، ٣٢٤
، ٣٢٥ ، ٣٢٦ ، ٣٤٢ ، ٣٤٣ ، ٣٤٥ ، ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، ٣٥٥ ، ٣٥٧ ، ٣٦٠ ، ٣٦٧ ، ٣٦٤ ،
٣٦٦.
ـ ي ـ
يابسة (جزيرة) :
٢٠٤.
يسر : ٣٥٤.
اليونان : ٢٠٥.
|
فهرس الكتب
ـ أ ـ
أثمد الأبصا :
٦٩ ، ٧٦ ، ٨٨ ، ٨٤ ، ٨٨.
الأخبار الجالية
في أخبار الدولة المرابطية : ١٤٠.
أخبار إفريقية
وتونس : ١٥٨.
أنيس الغريب
والمسافر : ١٠٥ ، ١٤٥ ، ٢٨٩ ، ٢٩٧ ، ٢٩٦ ، ٣٠٠.
الأنيس المطرب :
١٤٢ : ١٣٧ ، ١٣٦ ، ١٤٤ ، ١٧٤.
ـ ت ـ
تحفة الناظر :
١٤٩.
ترجمان البحر :
١٧٣.
ـ ج ـ جواهر
الأسرار : ٦٩ ، ٧٦ ، ٨٣ ، ٨٨.
جواهر الاختصار
والبيان : ٨٦.
ـ ح ـ
الحلل السندسية
: ٥٧.
حسن المحاضرة :
٦٠.
|
|
ـ خ ـ
الخبر المعرب :
٥٧ ، ٥٨ ، ١٤٣ ، ١٥٢ ، ١٧٥ ، ٢٤١ ، ٢٧٠.
الخريدة : ٢٠٢.
ـ د ـ
در الأعيان :
٢٩٦ ، ٢٩٧.
دليل الحيران :
٥٧ ، ٥٨ ، ٦٤ ، ٦٧ ، ٩٥ ، ١١٥ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ٢٠٠ ، ٢٠٦ ، ٢٤٨ ، ٢٦٦ ، ٣٠٠ ، ٣٠٤
، ٣٤٩ ، ٣٦٨.
الدرر المكنونة
: ٥٨.
دوحة الناشر :
٢٤٩.
ـ ر ـ
روض السلون :
٥٨.
رجز الحلفاوي :
٥٦ ، ٦٣ ، ٢٢١ ، ٢٣٩ ، ٢٤٦.
رقم الحلل : ١٤٢
، ١٧٢ ، ١٧٦.
روض القرطاس :
١٤٣.
ـ ز ـ
زهرة الشماريخ :
١٨١ ، ١٩٩ ، ٢٥٠.
|
زهر البستان :
١٨٧.
ـ س ـ
السهو والتنبيه
: ٦٩.
السينية : ٢٩٣ ،
٢٥٦ ، ٢٥٧.
سبائك الذهب :
٢٤٨.
ـ ص ـ
صحيح البخاري :
١٩٠.
ـ ع ـ
عجائب الأخبار :
٥٧ ، ٥٨ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٤٣ ، ١٥١ ، ١٥٨ ، ٢٥٠ ، ٢٥١.
عجائب الأسفار :
٥٦ ، ٥٨ ، ٧١ ، ٨٨ ، ١١٩ ، ١٦٥ ، ١٧٥ ، ١٨٠ ، ١٨٧ ، ١٩٢ ، ٢٠٦ ، ٢٢٩ ، ٢٥٠.
العجالة : ١٦١.
عقد الجمان
النفيس : ٨٨.
عقد الأجياد :
٩٥.
ـ غ ـ
غرائب الأخبار :
٢٢٩.
ـ ف ـ
فتح وهران : ٦٣
، ٩٩ ، ٢٩٥ ، ٣٠٠.
فتح الاله ومنته
: ٣٣٨.
|
|
ـ ق ـ
قلادة الجواهر :
٢٤٨.
القول الأوسط :
٢٥١.
ـ ك ـ
كتاب الحاوي :
١٦٢ ، ١٥٦.
كتاب الإشارة :
١٩٠.
كتاب الشفاء :
١٩٠.
كتاب اللباب :
٦١.
كشف النقاب :
١١١.
ـ ل ـ
اللامية : ٧٤.
ـ م ـ
المختصر : ٥٦ ،
٥٧.
مختصر الشيخ
خليل : ٧٨.
المدونة : ١٤٦.
ـ ن ـ
نظم الدر
والعقيان : ١٦١ ، ١٩٠.
نظم السلوك :
١٨٧.
ـ و ـ
وفيات الأعيان :
٥٨.
|
فهرس الخرائط
ـ خريطة وهران والمرسى
الكبير والمنطقة الغربية الوهرانية.............................. ٢١٠
ـ خريطة الأنفاق الأرضية لمدينة وهران خلال الاحتلال
الإسباني...................... ٢٣٤
فهرس
الموضوعات
تقديم وتوضيح................................................................... ٥
تمهيد في التعريف بمخطوط طلوع سعد السعود...................................... ١٣
أقسام المخطوط وتاريخه.......................................................... ١٥
محتويات المقاصد الخمسة........................................................ ١٧
بعض الملاحظات حول محتوى المخطوط........................................... ٣٣
هل مخطوط طلوع سعد السعود من تأليف المزاري................................... ٣٨
طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود.................................. ٤٩
المقصد الأول فيمن بنى وهران.................................................... ٥٣
المقصد الثاني في ذكر بعض أوليائها............................................... ٦٥
المقصد الثالث في ذكر بعض علمائها............................................. ٩٣
المقصد الرابع في ذكر دولها..................................................... ١١٣
الدولة الأولى مغراوة............................................................ ١١٥
الدولة الثانية الشيعة الفاطميون................................................. ١١٩
قائمة حكام وهران............................................................ ١٢٨
قائمة الخلفاء الأمويين......................................................... ١٢٩
قائمة خلفاء الشيعة الفاطميين.................................................. ١٣٠
قائمة ملوك الأدارسة بالغرب الأقصى............................................ ١٣٠
قائمة ملوك السليمانيين بالمغرب الأوسط......................................... ١٣١
الدولة الثالثة المرابطون......................................................... ١٣٢
قائمة ملوك صنهاجة.......................................................... ١٣٨
الفرقة الأولى البلكانية.......................................................... ١٣٨
الفرقة الثانية المرابطون.......................................................... ١٣٩
الفرقة الثالثة الغانية (بنو غانية)................................................. ١٤٠
الدولة الرابعة الموحدون......................................................... ١٤٢
قائمة ملوك الموحدين.......................................................... ١٥٣
الدولة الخامسة الزيانيون........................................................ ١٥٩
الدولة السادسة المرينيون....................................................... ١٦٨
عودة وهران لدولة بني زيان..................................................... ١٧٨
عودة وهران للدولة المرينية...................................................... ١٨٠
عودة وهران للدولة الخامسة الزيانية.............................................. ١٨١
عودة وهران للدولة السادسة.................................................... ١٨٩
عودة وهران للدولة الخامسة.................................................... ١٨٩
الدولة السابعة الأسبان........................................................ ١٩٧
أنهار الشمال الإفريقي والعالم................................................... ٢٠١
جبال العالم.................................................................. ٢٠٣
موقع إسبانيا والأقاليم الأرضية.................................................. ٢٠٤
محيط الدائرة الأرضية.......................................................... ٢٠٥
أصل الإسبان................................................................ ٢٠٦
قائمة ملوك الإسبان........................................................... ٢٠٨
غزو المرسى الكبير ووهران...................................................... ٢١١
غارات الإسبان على أحواز وهران............................................... ٢١٢
غارات الإسبان على تلمسان ومعسكر........................................... ٢١٧
غارات الإسبان على مدينة الجزائر............................................... ٢٢٠
حملة شارلكان الكبرى على مدينة الجزائر عام ١١٥٤.............................. ٢٢٠
حملة الإسبان على تونس عام ١٥٣٥........................................... ٢٢٦
معركة كدية الأخيار واستشهاد الداي شعبان...................................... ٢٢٩
حملة السلطان إسماعيل على وهران............................................... ٢٣١
قائمة الملوك الوطاسيين والسعديين والعلويين...................................... ٢٣٢
منشآت الإسبان بوهران....................................................... ٢٣٣
التحرير الأول لوهران عام ١٧١٨............................................... ٢٣٥
الدولة الثامنة الترك............................................................ ٢٤٠
نسل الأتراك وسلاطينتهم...................................................... ٢٤١
أسباب قدوم الأتراك إلى الجزائر................................................. ٢٤٩
قائمة الحكام الأتراك بالجزائر.................................................... ٢٥١
عودة وهران لحكم الدولة السابعة الإسبانية....................................... ٢٥٦
التحرير الثاني والنهائي لوهران والمرسى الكبير...................................... ٢٦٠
من اخترع البارود.............................................................. ٢٦٦
تتميم لملوك الإسبانيين......................................................... ٢٦٧
قائمة أباطرة الرومان........................................................... ٢٦٨
عودة وهران لحكم الدولة الثامنة التركية والألقاب والرتب
التركية..................... ٢٦٩
بايليكات الجزائر وأقسامها...................................................... ٢٧٠
بايليك الغرب الوهراني......................................................... ٢٧٠
طبيعة حكم البايات وموظفوهم ونوابهم.......................................... ٢٧١
أقسام بايليك وهران الستة..................................................... ٢٧٤
الباي مصطفى بوشلاغم المسراتي................................................ ٢٧٤
الباي يوسف المسراتي.......................................................... ٢٧٨
الباي مصطفى الأحمر المسراتي.................................................. ٢٧٨
الباي محمد أبو طالب المجاحي المسراتي........................................... ٢٧٩
الباب مصطفى قائد الذهب المسراتي............................................. ٢٨٠
فضل البايات المسراتية......................................................... ٢٨٢
الباي الحاج عثمان............................................................ ٢٨٢
الباي حسن.................................................................. ٢٨٥
الباي إبراهيم الملياني........................................................... ٢٨٥
الباي الحاج خليل............................................................. ٢٨٧
الباي محمد بن عثمان الكبير................................................... ٢٨٩
منشآت الباي محمد بن عثمان بوهران ومعسكر والبرج............................. ٢٩٣
الباب عثمان بن محمد......................................................... ٢٩٨
ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوي................................................. ٢٩٩
الباي مصطفى العجمي وثورة درقاوة............................................. ٣٠٠
أسباب ثورة درقاوة............................................................ ٣٠١
معركة فرطائة ونتائجها......................................................... ٣٠٤
الباي محمد بن عثمان المقلش وحروبه مع الدرقاوي................................. ٣٠٨
ظهور الدرقاوي من جديد واختفاؤه.............................................. ٣١٢
ظهور الدرقاوي مرة أخرى واختفاؤه.............................................. ٣١٦
عودة الدرقاوي للظهور......................................................... ٣٢٤
نهاية الباي المقلش المحزنة....................................................... ٣٢٥
الباي مصطفى العجمي وحروبه مع الدرقاوي..................................... ٣٢٦
الباي محمد بن عثمان الرقيق والمسلوخ أبو كابوس وحروبه مع
الدرقاوي............... ٣٢٨
أعراش المخزن الوهراني الخمسة.................................................. ٣٣١
نهاية الباي بوكابوس المحزنة...................................................... ٣٣٣
خروج الباي من وهران في طريقه إلى تونس وعصيانه............................... ٣٣٥
عمر آغا يقتل الباي بوكابوس وينصب الباي علي قارة باغلبي....................... ٣٣٦
أبو راس يرثي الباي بوكابوس.................................................... ٣٣٧
الباي علي قارة باغلي......................................................... ٣٣٨
نهاية الباي علي قارة باغلي..................................................... ٣٤٦
الباي حسن بن موسى الباهي.................................................. ٣٤٧
سياسة الباي حسن وسلوكه.................................................... ٣٤٩
وفاة أبي راس الناصر بمعسكر................................................... ٣٤٩
ثورة أحمد التيجاني............................................................. ٣٥٢
تآمر الحشم مع التيجاني ضد الباي حسن........................................ ٣٥٥
محمد التيجاني يهاجم مدينة معسكر............................................. ٣٥٦
الباي حسن يذهب لمعسكر لمحاربة التيجاني....................................... ٣٥٧
المعركة الفاصلة ومقتل التيجاني.................................................. ٣٥٩
حصول القحط وغلاء الأسعار................................................. ٣٦٠
سجن الشيخ محيي الدين بوهران................................................ ٣٦١
حملته على الشيخ بلقندوز التيجاني وقتله......................................... ٣٦٢
الهجوم على قبائل الأحرار وعقابهم.............................................. ٣٦٧
رأي محمد بن يوسف الزياني في الأتراك........................................... ٣٦٨
أغوات الباي حسن........................................................... ٣٦٩
الفهارس العامة............................................................... ٣٧١
فهرس الأعلام................................................................ ٣٧٣
فهرس القبائل والجماعات...................................................... ٣٨٦
فهرس الأماكن الجغرافية........................................................ ٣٩٠
فهرس الكتب................................................................ ٣٩٨
فهرس الخرائط................................................................ ٤٠٠
فهرس الموضوعات............................................................. ٤٠١
|