


بسم الله الرّحمن
الرّحيم
إن للعلم
أزهرا يتسامى
|
|
كسماء ما
طاولتها سماء
|
حين وافاه ذو
البناء ، ولو لا
|
|
منّة الله ما
أقيم البناء
|
رب إن الهدى
هداك وآيا
|
|
بك نور تهدى
به من تشاء
|
مذ تناهى
أرخت باب علوم
|
|
وفخار به
يجاب الدعاء
|
الأزهر
للشاعر عزيز أباظة
منبر في ثرى
الكنانة قدسي
|
|
تتمنى لو قد
حوته الثريا
|
ما ارتقى
الانبياء أعرق منه
|
|
شرفا سامقا
وعتقا سنيا
|
إنه الأزهر
الشريف أجد الله
|
|
في صحنه
السنا العربيا
|
واجتباه
مجاهدا خاشى الله
|
|
مقيما حدوده
مخشيا
|
درجت حوله
القرون فلم
|
|
تعرفه تحت
الأحداث إلا جريا
|
سل طواغيت كل
عصر بمصر
|
|
كيف هابوا
المعمم الأزهريا
|
آنسوا فيه
مغاوير عمرو
|
|
شبها واضح
السمات جليا
|
__________________
عزة عفة
وأنفا حميا
|
|
وإباء على
الهنات عصيا
|
فإذا ما دعاه
للحق داع
|
|
لم يبت ناكلا
ولا قعديا
|
في حمى
الأزهر الرحيب وفي
|
|
افنائه
الحانيات عشنا مليا
|
يوم هبت تذود
عن عرضها
|
|
مصر كمى منها
يبارى كميا
|
والمنايا من
حولهم حاشدات
|
|
يتخطفن
رائحات غديا
|
نبذ الأزهر
المتون وألقى
|
|
بالحواشي
وانقض ليثا عتيا
|
سل أبناؤه
إلى النصر عزما
|
|
حيدريا وصارما
خالديا
|
يا أبا
الجامعات في الشرق والغرب
|
|
ويا شيخها
الوقور الفتيا
|
كم بنيت
الأفذاذ فكرا وعلما
|
|
عبقري منهم
يلي عبقريا
|
الأشداء في
يقين ودين
|
|
والارقاء في
السجود البكيا
|
النواوى
والمراغى والعدوى
|
|
والرازقي
والبشريا
|
__________________
والبحيري من
محلة نصر
|
|
مالىء العصر
كابن رشد دويا
|
مصلحا مخضعا
فتاواه للفكر
|
|
وحبرا مجددا
سلفيا
|
يتحرى النقلى
في العلم بالبحث
|
|
ويغزو بعقله
العقليا
|
صفوة من بنيك
عزت بهم مصر
|
|
وكادت علوا
تشق السميا
|
لست أحصى ولا
أخصص بل
|
|
أجنيت من
زحمة الحلى حليا
|
من رسول
الأزهريين شيخا
|
|
وفتيا ودانيا
وقصيا
|
أدركوا الصدع
قبل أن يصبح
|
|
الصدع على
الرائبين صعبا عصيا
|
وشباب
يستمرئون ذليل العجز
|
|
وردا رنقا
ومرعى وبيا
|
ركبوا الجهل
والسهولة والوشك
|
|
وليست
للراشدين مطيا
|
أرسلوا الشعر
طمطمات فلا غربي
|
|
نسج سدوا ولا شرقيا
|
وانتحوه
كأنما هو ثأر حين
|
|
رضوا وزنا
وهضوا رويا
|
مذهب من مذهب
السوء يطوي
|
|
بجلال الفصحى
العداء الضريا
|
__________________
يتعدى بهدمها فض شمل العرب فضا كما نثرت العصيا
يتعدى بهدمها أن يبيت الدين لا راعيا ولا مرعيا
واستباحوا
كرامة الحق والفن
|
|
دعى منهم
يمالي دعيا
|
هاتكا حرمة
المعايير والأخطار
|
|
حتى عدوا
الفصاحة عيا
|
فغدا الذم
عندهم أن يقولوا
|
|
شاعر يؤثر
البيان السريا
|
أو يقولوا
أسف واعتاقه العجز
|
|
فجارى الشريف
والبحتريا
|
أو يقولوا عن
كاتب ما له هان
|
|
فأمسى أسلوبه
جاحظيا
|
أنه الزيع فاضربوا حوله الايمان سدا يوأد دنيا شقيا
حلاومن أنزل القرآن على المبعوث الحق مرسلا ونبيا
لن تضام الفصحى وفينا كتاب الله يتلى صبيحة وعشيا
أو يقولوا عن
كاتب ما له هان
|
|
إنه كان وعده مقضيا
|
الباب الرابع
أعلام من الأزهر في
العصر الحديث
الشيخ محمّد عبده
وأثره في الإصلاح
الديني
١٢٦٦ ه ـ ١٩٠٥ م
ولد الأستاذ
الإمام الشيخ محمد عبده ، في إحدى قرى مديرية البحيرة. وفي مكتب القرية حفظ القرآن
وتعلم القراءة والكتابة ، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي في طنطا ، فإلى الجامع
الأزهر بالقاهرة ، لتلقي العلم ، على أن طرق التدريس التي كانت متبعة حينذاك في
الأزهر لم ترقه. حتى إذا جاء السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر ، اختلط به ، وأخذ
عنه كثيرا من مبادىء الفلسفة والمنطق ، وتدرب على الكتابة في الصحف السياسية. فلما نفي السيد
الأفغاني بعد ذلك من البلاد ، كان مما قال لمريديه : «قد تركت لكم الشيخ محمد عبده
، وكفى به لمصر عالما».
وعمل الأستاذ
الإمام مدرسا في المدارس الأميرية ، ومحررا في «الوقائع المصرية». وتولى الكتابة
في بعض دواوين الحكومة. حتى قامت ثورة العرابيين فاتهم بممالأتهم ونفي من مصر
، فأقام بسوريا ست سنين ألقى خلالها كثيرا من الدروس. ثم نزح إلى باريس حيث أصدر
مع السيد جمال الدين جريدة «العروة الوثقى». وبعد العفو عنه وعودته إلى مصر عين
مستشارا في محكمة الاستئناف الأهلية ، وعضوا في مجلس إدارة الأزهر ، ثم أسند إليه
منصب مفتي الديار المصرية.
ويعد الشيخ
محمد عبده حامل لواء الإصلاح الديني في العالم
الإسلامي في العصر الحديث ، فقد قضى حياته في تنقية الدين من الشوائب التي
طرأت عليه ، وتقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليفيدوا من ثمار مدنيتهم ،
وكذلك اشتهر بصراحته في فتاواه الدينية ، وتفسيره القرآن بما يطابق أحكام العقل ،
ويحل الإسلام من قيود التقليد ، وقد طالما هاج عليه جماعة الجامدين وأنصار بقاء
القديم على قدمه ، ولكنه لم يعبأ بهم ، ومضى في سبيله قدما لتحقيق برنامجه
الإصلاحي العظيم.
تولى الأستاذ
الإمام منصب القضاء فعين في ٧ يونية ١٨٨٨ نائب قاض بمحكمة بنها ، ثم رقي قاضيا من
الدرجة الثانية بمحكمة المنصورة ، فقاضيا من الدرجة الأولى بمحكمة مصر من ٧ يناير
١٨٩٢ ، وفي ٢١ نوفمبر ١٨٩٥ رقي نائب مستشار بمحكمة الاستئناف ، ـ ولم يكن يوجد
غيرها ـ وظل بها إلى أن وقع عليه الاختيار مفتيا للديار المصرية في ٥ يونية ١٨٩٩.
كان الأستاذ
الامام قاضيا بمحكمة عابدين ـ وكانت أهم محاكم العاصمة في ذلك الحين ـ فاطمأن
الكافة إلى قضائه ، وقال فيه ذوو الرأي من أهل عصره : «إنهم لا يذكرون إن كرسي
القضاء في تلك المحكمة قد ازدان بمثله وأن الوقار والهيبة والجلال كانت تفيض في
أفقها» وقال فيه أحد شيوخ المحامين رحمة الله عليه : «كان محمد عبده يصدر الحكم
ويشفعه أو يسبقه بدروس ومواعظ يلقيها على المحكوم عليه أمام الجمهور إلقاء يشعر
الجماهير والمحكوم على نفسه أنهم في حضرة أب ومصلح كبير.
وترجع صلة محمد
عبده بجمال الدين الأفغاني (١٢٥٤ ه ـ ١٨٣٩ م ـ ١٣١٤ ه ـ ٩ مارس ١٨٩٧ م) ـ إلى
شهر المحرم عام ١٢٨٨ ه ـ ٢٢ مارس ١٨٧١ م ، حين نزل جمال الدين مصر ، وكان يعرفها
من قبل قليلا ، ولكنه في هذه المرة اندمج في حياتها الأدبية والاجتماعية ، وتردد
على دار إبراهيم بك المويلحي ، وكانت قائمة في حارة الأمير حسين بشارع محمد علي ،
وهي في ذلك الوقت ندوة المفكرين والعظماء والقادة ، فلما
أجرى عليه رياض باشا رزقا شهريا قدره عشرة جنيهات مقابل بقائه في مصر ولو
لم يؤد عملا ، استأجر منزلا في حارة اليهود ، ويقول الشيخ محمد عبده : إن طلاب العلم عرفوا
الأفغاني عند ذلك و «اهتدوا إليه واستوروا زنده فأوري ، واستفاضوا بحره ففاض درّا
، وحملوه على تدريس الكتب فقرأ من الكتب العالية في فنون الكلام الأعلى والحكمة
النظرية طبيعة وعقلية ، وفي علم الهيئة الفلكية وعلم التصوف وعلم أصول الفقه
الإسلامي ، وكانت مدرسته بيته من أول ما ابتدأ إلى آخر ما اختتم».
وفي هذه المرة
بقي جمال الدين في القاهرة فترة أطول ، وهي الفترة التي كون فيها مدرسته وبث فيها
رسالته ، واتصل بتلميذه وصفيه الشيخ محمد عبده.
بقي الشيخ جمال
الدين يدرس ويدعو دعوته الإصلاحية ، ويشارك في كل أمر ذي خطر من حياة مصر في ذلك
العهد أكثر من ثماني سنين حتى نفي الشيخ من مصر ف سنة ١٢٩٦ ه إلى الهند مرة اخرى.
ويقول الشيخ
الباقوري :
إن أحدا لا
يستطيع إلا أن يرى في الأستاذ الإمام قائدا زعيما يحرص أشد الحرص على إيقاظ الرأي
العام وتنبيهه من غفوته بشتى الأساليب ومختلف الوسائل ، حتى يكون له أن يميز ما
للحاكم من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدل على الحاكم ، لأن الحاكم بشر
يصيب ويخطىء.
ويقظة الرأي
العام من طريق الصحافة النزيهة والتربية الاجتماعية السليمة وإعداد القادة
المستنيرين الغيارى على صالح الأمة ، هي الوسيلة القادرة بالقدرة على تقصي الحقائق
ودرس المسائل درسا وافيا وإبداء الرأي في أمانة وإخلاص.
ولئن كان
الأستاذ الإمام قد سلك في بيروت عاصمة لبنان الشقيق مسلكا قرب فيه بين مختلف
المذاهب والأفكار والطوائف ، فإن عمله في
مصر بعد أن عاد من المنفى لم يكن أقل قدرا من عمله في لبنان ، فقد عمل على
دعم الوحدة الوطنية في لبنان ، وكان كثير من شيوخ الأمة في ذلك الوقت على مثل رأيه
السياسي كسعد زغلول ، وحسن عاصم ، ومحمود سليمان وغيرهم من رجال حزب الأمة ، ولكنه
هو جم من هذه الناحية أكثر مما هو جم أصدقاؤه الذين كانوا على مثل رأيه ، لأن
الخديو عباس كان يؤلب عليه أكثر مما يؤلب عليهم ، ثم لأن الناس اعتادوا أن يروا
علماء الدين بعيدا عن السياسة.
لقد كان الشيخ
محمد عبده ـ بما وهبه الله من غزارة علم وبعد نظر وقوة نفس ورحابة صدر ـ شيئا
كبيرا لا يقدره حق قدره إلا أولئك الذين يتخلصون من كبرياء الغرور ، وتسلط النزوات
فيحكمون عليه بأنه إن لم يكن أفضل زعيم حكيم فإنه في الصدارة من حكماء الزعماء
الذين تحتاج إليهم الأمم إبان نهضتها وعلى طول تاريخها ، بحيث تخسر الإنسانية
كثيرا بالتجهم لهم والتهجم عليهم في حياتهم وبعد مماتهم.
وليس يخفى ما
كان الشيخ قد لقي من العنت ودناءة الخصومة وعقوق قومه له وجحود فضله عليهم ، فكانت
حربهم له من جهات متعددة ، فالخديوي عباس يتخذ السيد توفيق البكري وغيره وسيلة
للإفساد بينه وبين رجال الأزهر وتحريض أعضاء مجلس الإدارة على الاستقالة حتى يحل
محلهم من يكرهون الشيخ لكي يقفوا في سبيله. وكثير من شيوخ الأزهر يخاصمونه لانه
كان لا يكف عن الدعوة إلى تحرير الأفكار من قيود التقليد حتى يكون للمفكرين أن
يفهموا الدين على طريق سلف الأمة قبل ظهور الخلافات المذهبية.
ولا ريب في أنه
أيقظ الشعور الديني وأشعر المسلمين بأن عليهم أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم
وإكمال نقصهم غير معتمدين على الفخر
بماضي أسلافهم ، بل ساعين إلى أن يبنوا من جديد لحاضرهم ومستقبلهم في
حياتهم كما بنى أسلافهم.
فهو أبدا داع
إلى أن العقل يجب أن يحكم كما يحكم الدين ، فالدين عرف بالعقل ولا بد من اجتهاد
يعتمد على الدين وعلى العقل معا حتى يستطيع المسلمون أن يواجهوا الاوضاع الجديدة
في المدينة الجديدة مقتبسين منها ما يفيد وينفع ، وإذا كان المسلمون لا يستطيعون
ان يعيشوا في عزلة فلا بد لهم من أن يتسلحوا بما يتسلح به غيرهم ، واكبر سلاح في
الدنيا هو العلم. واكبر عمدة في الأخلاق ، هو الدين ومن حسن حظ المسلمين إن دينهم
يشرح للعلم صدره حاضا عليه غير ضائق بالأخلاق الفاضلة التي تدعو إليها المدنية
الحاضرة.
ان الشيخ ـ مع
هيبته وحدته ـ كان طيب القلب سليم الصدر وفيا لأصدقائه لطيف الحديث سمح النفس ينصف
الناس في الحق حتى من نفسه.
ومن أعجب ما يعجب
له الذين يحبون أن يعرفوه على حقيقته أن يطلب إلى فاضل من فضلاء علماء المسلمين
النيل منه حتى يتخذ من ذلك ذريعة إلى تعيينه شيخا لعلماء مدينة الاسكندرية فتتهيأ
بذلك له السبيل إلى إصلاح الأزهر من مدينة الاسكندرية وقد عجز عن ذلك الإصلاح في
مدينة القاهرة وذلك ـ على ما يروى السيد رشيد رضا ـ أن الإمام أشار على الأستاذ
الشيخ محمد شاكر قاضي قضاة السودان أن يظهر السخط عليه لاستمالة الخديو تمهيدا
لتعيينه شيخا لعلماء مدينة الإسكندرية ، إذ كان من المعروف لدى الخديو أن الشيخ
محمد شاكر هو من حزب الشيخ محمد عبده ومن رجاله وأنه هو الذي اختاره للسودان وسعى
لجعله قاضي القضاة فيه ، وبهذه الحيلة من الرجلين الكبيرين محمد عبده ومحمد شاكر
لطف الله بعباده العلماء وأراد ألا يبقى حالة الإسكندرية على ما كانت عليه من
الخلف وتعطيل الأعمال فتقرر انتخاب الشيخ شاكر شيخا لعلماء الإسكندرية وصدر الأمر
العالي بذلك في ٢٦ إبريل سنة ١٩٠٤.
ولا يجهل الناس
أن هذه منقبة للأستاذ الإمام تذكر في تاريخه كما تذكر كبار المناقب لكبار المصلحين
.
ويقول الشيخ
مصطفى عبد الرازق : لم يكن الإمام أول من أحدث في الأزهر حركة تجديد ، فإن حركة
التجديد الأولى ترجع إلى عهد قبل ذلك ، ومن مظاهر هذه الحركة اختيار شيوخ الأزهر
من الأذكياء ذوي الوجاهة وحسن السياسة من غير مراعاة لما كانت تجري به التقاليد في
هذا الباب ، فإن الشيخ مصطفى العروسي الذي ولي مشيخة الأزهر من سنة ١٢٨١ ه إلى
١٢٨٧ ه ـ ١٨٦٤ م ـ ١٨٦٩ م والشيخ محمد العباسي المهدي الذي اختير على أثره شيخا
للأزهر سنة ١٢٨٧ ه ١٨٧٠ م لم يكونا من أسن شيوخ عصرهما ، ولا من أوفرهم شهرة
بالتدريس والعلم.
وقد أبطل الشيخ
العروسي كثيرا من البدع الدينية وأقال جماعة ممن يدرسون في الأزهر بلا استحقاق
وعزم على عمل امتحان لمن يريد التدريس ففاجأه العزل من منصبه ، وجاء من بعده الشيخ
المهدي فوضع سنة ١٢٨٨ ه ـ ١٨٧١ م أول قانون للأزهر يحصر مواد الدروس ويبين طريقة
الامتحان ، وفي عهده عني بإصلاح الأزهر ليصل بذلك إلى إصلاح المحاكم الشرعية ..
فالغرض من هذا الإصلاح كان تخريج قضاة المحاكم الشرعية تخريجا نظاميا تتم به
المشاكلة مع صورة التخريج لقضاة المحاكم المدنية.
وهذا الاتجاه
في إصلاح الأزهر هو بعينه ما أعرب عنه الخديوي عباس في خطبته بقصر عابدين في حفلة
الإنعام بالخلعة على الشيخ عبد الرحمن الشربيني شيخ الأزهر سنة ١٣٢٣ ه ـ ١٩٠٥ م
وهي الخطبة التي استقال على أثرها الشيخ محمد عبده وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان
من مجلس إدارة الأزهر. قال الأمير ـ على ما جاء في الجزء الأول من تاريخ الأستاذ
الإمام ـ : إن كل ما يهم الحكومة من الأزهر شيئان : الأول استتباب
الأمن فيه وهو ما
__________________
أوصى به دائما ، والثاني تخريج القضاة الشرعيين .. ويوشك أن يكون كل تغيير في الأزهر توجهه الحكومات
قائما على مثل هذا الأساس. أما الشيخ محمد عبده فقد أراد بنهضة الأزهر غاية هي
الجديرة بأن تسمى إصلاحا.
كان الشيخ محمد
عبده يرى أن إصلاح الأمة لا يكون إلا بإصلاح عقولها وقلوبها بالعلم الصحيح والدين
الصحيح والسبيل إلى ذلك إحداث نهضة دينية وعلمية معا ، والأزهر هو أخصب مكان لهذه
النهضة فإن الحياة إذا انبعثت فيه سرت مسرعة في جسم الأمة وفي الشرق الإسلامي كله
، وقد اتصل الشيخ محمد عبده بالخديوي عباس الثاني وأوحى إليه أن ينهض لإصلاح
الأزهر نهضة قوية تحيي الشرق الإسلامي لأن الأزهر قبلة المسلمين في أقطار الشرق
المختلفة وأقنعه بأن ذلك يرفع شأن مصر في الشرق كله ويجمعه حول الشعب المصري ويخلد
له في المصلحين ذكرا.
واستمع عباس
لنصح الناصح فتوجه بكل عزمه لإصلاح الأزهر على مبادىء الشيخ محمد عبده ، وفي ٧ رجب
سنة ١٣١٢ ه ـ ١٨٩٥ م صدر أمر عال بتشكيل مجلس إدارة للأزهر من أعضائه اثنان من
موظفي الحكومة هما الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان.
وأخذ مجلس
الإدارة في وضع ما لا بد منه من نظم تقر العدل وتمحو ما كان سائدا من الفوضى ،
وتبعث على الجد في تحصيل العلم النافع وترشد الى أساليب الدرس القويمة. كل ذلك في
غير مساس بحرية التعليم ، وبلا إسراف في العناية بالأشكال والصور. ويقول الشيخ عبد
الكريم سلمان في كتاب أعمال مجلس إدارة الأزهر عند الكلام على مشروع نظام التدريس
والامتحان الذي وضعه المجلس : «وفي كل باب من هذه أحكام فسيحة تتوجه كلها إلى مقصد
واحد هو تحصيل جواهر العلوم الدينية في زمن
__________________
محدود بطريقة سهلة التناول والتحلي بثمرة تلك العلوم وهي محاسن الاخلاق
والأعمال».
وكتاب الشيخ
عبد الكريم سجل مفصل لأعمال مجلس الإدارة يهدي القارىء الى الفرق بين وجهة الإصلاح
في عهد الشيخ عبده التي كانت ترمي إلى احداث نهضة علمية دينية يكون الأزهر حامل
لوائها ، وبين الإتجاهات الأخرى.
ومن حضر بعض
عهد الإمام في الأزهر شهد ذلك المعهد العتيق يبعث من مرقده حيا يضطرم بالشباب
والأمل ورأى نهضة صحيحة في الدراسات الأدبية ودراسة العلوم العقلية وعلوم الدين
والعلوم الحديثة .. نهضة تحتفظ بأحسن ما في معارف الأزهر وتقاليده التعليمية
وتقتبس خير ما في النظم والمعارف الحديثة وأخذ الشيخ محمد عبده يبث في العقول
مذاهبه وآراءه في كتبه ورسائله ، وفي دروسه ومحاضراته التي كانت تجتذب بطرافتها
وسمو أفكارها وخلابة بيانها كل الطبقات المثقفة من أزهريين وغير أزهريين. وجملة
مذهبه الديني أن الاسلام دين بساطة ويسر يلائم الفطرة ويوافق العقل ، وأنه قد جاء
بعقائد سليمة لا تعلو على متناول الفكر الانساني وجاء بأصول للفضيلة والخير تغري
بالصالحات وتوفر للإنسان حريته وكرامته وتبعثه للنشاط والكمال في كل نواحي الحياة.
«فهل رأيت
تسامحا مع الفلاسفة والحكماء أوسع من هذا؟ وهل يليق بالحكيم أن يكون من الحمق بحيث
يقول قولا لا يحتمل الإيمان من وجه واحد من مائة وجه؟».
كانت العقول
المتعطشة الى الحرية تتهافت على هذا الداعي إلى حرية العقول ، وتثور على قيودها
وأغلالها ، لكن أكثر العقول قد ألفت سجنها واطمأنت إليه ، فهي تنزعج لهذه الصيحة
الجديدة وتدفعها بكلتا اليدين. وأصبح الأزهر ميدانا لصراع محتوم بين مذهب الشيخ
محمد عبده
ومذهب الشيوخ الجامدين ، وكان هذا الصراع نفسه آية حياة وانتعاش وتنبه
فكري.
وأنشأ الشيخ
عبده في بضع سنين جيلا طموحا للفهم المستقل ، عزوفا عن التقليد يشعر بالكرامة
الإنسانية ، ويلتمس المثل العليا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وكان ذكر الشيخ
عبده يطير في الآفاق مقرونا بذكر النهضة الإصلاحية التي استرعت الأنظار ، وقد
تحركت نوازع الحقد والحسد في أنفس لا ترضى عن الشيخ ولا عن دعوته ، فكادوا له من
كل سبيل ، حتى اضطر إلى الاستقالة من منصبه في الأزهر في مارس سنة ١٩٠٥ م ـ المحرم
سنة ١٣٢٣ ه.
وتوفي الشيخ في
الحادي عشر من يوليو عام ١٩٠٥ ـ ٧ جمادى الأولى ١٣٢٣ ه بعد جهاد طويل في سبيل
إصلاح الأزهر ، وفي سبيل الاصلاح الديني والإسلامي في كل وطن عربي ولا سيما في مصر
قلب الإسلام الخافق.
بين جمال الدين ومحمد
عبده
(١)
كان الأفغاني
ومحمد عبده أعظم مصلحين ظهرا في القرن التاسع عشر الميلادي ، حملا رسالة الإصلاح
الديني والفكري وكونا مدرسة أدبية وسياسية كان لها أعظم الأثر في تاريخ الشرق
الإسلامي.
وعن هذه
المدرسة انبعثت روح التحرر والرغبة في التقدم ونضال الاستعمار في جميع البلاد
الشرقية والعربية.
وترجع صلة محمد
عبده بجمال الدين الأفغاني إلى أول المحرم عام ١٢٧٠ ه ، حيث كان الأفغاني في
زيارة قصيرة للقاهرة في طريقه إلى الآستانة منفيا بيد الإنجليز من الهند ، وكان
محمد عبده إذ ذاك طالبا بالأزهر.
وتردد محمد
عبده على بيت جمال الدين ، وتتلمذ عليه وعلى مائدة علمه وفضله ؛ وبعد أيام قصيرة
سافر جمال الدين إلى الآستانة ، وودعه محمد عبده وداعا حارا ، وفي الآستانة نال
جمال الدين تقديرا كبيرا ، وعين عضوا في مجلس المعارف هناك ، ولكنه شعر بالدسائس
والوشايات تحاك من حوله فعاد إلى القاهرة مرة أخرى في أول المحرم ١٢٨٨ م ، فعاد
محمد عبده إلى التلمذة عليه والإفادة من ثقافته.
وعرف محمد عبده
من أستاذه جمال الدين أن الاستعمار الغربي وبال على الإسلام والمسلمين ، وأنه يجب
محاربة الديكتاتورية الملكية ، والفساد السياسي ؛ وعن طريقه علم أن الأدب يجب أن
يكون في خدمة الشعب وتحريره ، وأنه يجب أن يتحرر من قيود الصناعة اللفظية ، وأن
المعنى لا اللفظ هو سر كل بلاغة ، وتعود الكتابة الدينية والوطنية في الصحف
والمجلات ، وبدأ يهتم بمطالعة مصادر الثقافة الإسلامية والأدبية ، ويطالع الكتب
المترجمة ، ويسعى مع إخوانه من تلامذة جمال الدين في إصلاح الأزهر الشريف وفي
الإلحاح في طلب الحكم النيابي والديمقراطية السياسية.
وظفر محمد عبده
بشهادة العالمية عام ١٢٩٤ ه ١٨٧٧ م وأصبح مدرسا بالأزهر ودار العلوم ومدرسة
الألسن ، وبدأ يكون جيلا جديدا من تلامذته ، ينفخ فيهم روح أستاذه جمال الدين.
(٢)
وفي الخامس
والعشرين من يونيو عام ١٨٧٩ م عزل إسماعيل وتولى مكانه ابنه توفيق ، وقد بدأ حكمه
بنفي جمال الدين من مصر ، وإقالة محمد عبده من وظائفه العلمية ، وتحديد إقامته في
قريته «محلة نصر» ، وذلك في الرابع والعشرين من أغسطس عام ١٨٧٩ م ـ أواسط رمضان
عام ١٢٩٦ ه ، خوفا من النهضة الوطنية التي يتزعمانها ، ويدعوان إليها ، وقبل
أن يغادر الأفغاني أرض مصر قال : «إني تركت في أرض مصر الشيخ محمد عبده يتم
ما بدأت به».
وبعد شهور عفا
توفيق عن محمد عبده ، وأسند إليه رياض باشا التحرير في الوقائع ، فاختار معه سعد
زغلول وجماعة من زملائه من تلامذة جمال الدين ؛ وكون محمد عبده عن طريق الوقائع
مدرسة صحفية نزيهة غايتها خدمة الشعب ، وتحريره فكريا وقوميا من قيود الاستعباد
والاستبداد والرجعية والجهل والجمود والتأخر.
وقامت الثورة
العرابية ، وكان محمد عبده من أبرز زعمائها ، وكان جمال الدين آنذاك في الهند ،
فاعتقلته بريطانيا حتى لا يتصل بزعماء الثورة ، وانتهت الحركة العرابية بالفشل
والاحتلال البريطاني لمصر ، وقبض على محمد عبده وسجن وحوكم ، وحكم عليه بالنفي
ثلاث سنوات ، فاختار سوريا منفى له. وأفرجت بريطانيا عن جمال الدين. وسافر من
الهند إلى لندن فباريس. وهناك استدعي جمال الدين محمد عبده من بيروت ليقيم معه في
عاصمة فرنسا.
(٣)
وفي باريس أخذ
الإمامان يجاهدان من أجل الشرق الإسلامي وتحرره ، ويعملان ليعود للإسلام مجده
وألفا جمعية «العروة الوثقى» عام ١٨٨٤ م ، ثم أصدرا صحيفة باسم «العروة الوثقى»
للجهاد في سبيل الشرق والإسلام. وخلق الوعي السياسي المستنير في الشعوب الإسلامية «ومناهضة
الحكم الديكتاتوري» والعمل على إحياء الأخوة الإسلامية ، وعلى قيام حكم ديمقراطي
شورى بين الناس.
وصدر العدد
الأول من العروة الوثقى في ٥ جمادى الأولى ١٣٠١ ه ـ ١٣ مارس ١٨٨٤ م ، وكله حرب
على الاستعمار الغربي في بلاد المسلمين ، ودعوة إلى حكومة إسلامية موحدة أو حكومات
إسلامية
متآخية متحدة المناهج والأهداف والأفكار يرتبط بعضها ببعض بروابط الود
والإخاء وحب السلام.
وفي يوليو عام
١٨٨٤ م أوفد جمال الدين الأستاذ الإمام محمد عبده إلى لندن لمفاوضة السادة
الإنجليز في القضية المصرية ، ودعوة إنجلترا إلى الجلاء عن مصر ، وترك السودان
للسودان ، وأدى محمد عبده مهمته خير أداء ، وأعلن في عزم وقوة أن مصر ستحارب
الإستعمار الإنجليزي بكل ما أوتيت من قوة.
وعاد الإمام
إلى باريس ليشهد توقف مجلة العروة الوثقى التي حاربها الاستعمار والانجليز حربا لا
هوادة فيها ، وذلك بعد العدد الثامن عشر الصادر في ٢٦ من ذي الحجة عام ١٣٠١ ه ـ ١٦
أكتوبر عام ١٨٨٤ م.
وعاد جمال
الدين فأوفد الإمام إلى السودان لتغذية الثورة المهدية والإفادة منها في تحرير مصر
من الاحتلال ، فسافر محمد عبده سرا إلى تونس ومنها إلى مصر ، وأراد السفر إلى
السودان ولكنه فوجىء بوفاة المهدي في الحادي والعشرين من يونيو عام ١٨٨٥ ، وتسليم
التعايشي ، فسافر سرا إلى بيروت وأقام فيها ، وبقي أستاذه جمال الدين في باريس ،
وأخذ كل منهما يجاهد في سبيل منهجه الإصلاحي المرسوم.
وفي بيروت ألف
محمد عبده جمعية التأليف والتقريب هو وصديقه تلميذ جمال الدين «ميرزا محمد باقر»
للدعوة إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم ؛ وتعريف الغرب بحقائق الإسلام والتعاون
على إزالة اضطهاد أوروبا للشرق أو المسلمين.
وكان قيام هذه
الجمعية تطبيقا رائعا لأفكار جمال الدين ونزعاته وتعاليمه.
(٤)
وفي أواخر عام
١٨٨٨ م عاد محمد عبده إلى وطنه بعد أن ظل في المنفى ست سنوات «وأخذ يكون مدرسة
فكرية متحررة لتثقيف الشعب
وتربيته وتحريره من الجهل والخوف والجمود ، وإعداده لحياة ديمقراطية صالحة
، وكان من تلاميذه سعد زغلول والمنفلوطي ولطفي السيد والهلباوي ومصطفى عبد الرازق
والأحمدي الظواهري ومحمد مصطفى المراغي والزنكلوني ورشيد رضا وسواهم.
وعاد جمال
الدين إلى الآستانة يقيم فيها في ظلال السلطان عبد الحميد ، وأخذت دعوة جمال ومحمد
عبده إلى التحرر الفكري والإصلاح الديني تنتشر في صفوف الشباب في مصر والعالمين
العربي والإسلامي انتشارا كبيرا.
وسعى محمد عبده
في إصلاح الأزهر والمحاكم الشرعية والقضاء والمساجد والإفتاء ذائع معروف ، وساح
محمد عبده في الأقطار الإسلامية فقام برحلات إلى تونس والجزائر والشام والآستانة
وأوروبا والسودان ، وهو أينما نزل ، وحيثما رحل ، ينشر رسالته ، ويدعو إلى الإصلاح
والتجديد.
ومات جمال
الدين في الآستانة في صباح الثلاثاء الخامس من شوال عام ١٣١٤ ه ـ التاسع من مارس
عام ١٨٩٧ م ودفن فيها ، وبعد سنوات ثمان مات محمد عبده في الثامن من جمادى الأولى
عام ١٣٢٣ ه ـ ٢١ يوليو عام ١٩٠٥ ، وذهب الإمامان إلى ربهما راضيين مرضيين بعد أن
أديا رسالتيهما على خير الوجوه ، وجاهدا في سبيل الإسلام والمسلمين جهاد الأبطال
وأسهما في خلق الوعي السياسي وتأجيج الشعور الوطني ، وإحياء العزة القومية في نفوس
المسلمين عامة.
وكان نضال
الإمامين وكفاحهما مضرب الأمثال ، لأنه كان نضالا صادقا خالصا لوجه الله والإسلام.
مات الإمامان
ولكن تلاميذهما كانوا هم محور النهضة السياسية والوطنية في تاريخ العالمين العربي
والإسلامي بعد وفاتهما ، وظلت مبادىء جمال الدين الأفغاني والإمام محمد عبده حية
في النفوس مشتعلة في القلوب ، مسجلة في أنصع صفحات التاريخ الحديث.
إن هذين
الإمامين الجليلين والحكيمين الرائدين ، والعبقريين المصلحين ، لهما سبب كل تقدم
أحرزناه خلال الخمسين سنة الماضية ، ومن أفكارهما وآرائهما ودعوتهما انبعثت شعلة
الثورة والتحرر والإصلاح في كل مكان ..
سعد زغلول في الأزهر
جاور سعد في
الأزهر عام ١٨٧٥ وهو في سن الخامسة عشرة وحضر الأزهر يصحبه شقيقه الشناوي سعد
زغلول الذي تولى أمره بعد وفاة أبيه ، وأوصى به طالبين يكبرانه سنا وهما : الشيخ
حسن البليهي والشيخ محمد أبو رأس الذي وصل فيما بعد إلى شيخ معهد دسوق ، وتوطدت
الصلة بينه وبين الهلباوي الأزهري الذي كان يسبقه في الدراسة وكان يسكن معه في
منزل واحد في غرفة أمام غرفته. حضر سعد دروس محمد عبده وبواسطته اتصل بجمال الدين
الأفغاني ، وقضى سعد في الأزهر خمس سنوات نبغ فيها ، ثم عين محررا بالوقائع سنة
١٨٨٠ م.
ويقول زميله
الهلباوي عنه : اشتهر سعد بين زملائه طلبة الأزهر باليسر وسعة اليد. فقد كانت
عائلته أكبر العائلات في الريف المصري ومن أعظمها جاها وسلطانا في موطنها. وقد كان
سعد هو الطالب الوحيد الذي يلبس الجبة والقفطان في (شلتنا) ، فكنا نفتخر به وبجبته
وقفطانه ونتباهى بملبسه أمام الطلبة الآخرين .. ولا عجب في ذلك فقد كنت أنا مثلا
ألبس (الزعبوط) الذي لازمني طول مدة دراستي حتى تخرجت في الأزهر فتوظفت وأنا ألبس (الزعبوط)
..
وكان سعد يعير
دروسه الاهتمام الأول ، ولم يكن له دراية بشئون المنزل ـ شأن طلبة الأزهر ـ فأهمل
مأكله وملبسه رغم النقود والملابس لديه ، ولاحظ ذلك شقيقه الشناوي أفندي فخصص له
زميلين من زملائه عهد إليهما في إعداد طعامه وقضاء لوازمه. وكان يعطيهما أجرا خاصا
نظير هذه المهمة ، فإذا تصادف يوما أن شغلهما شاغل عن القيام بخدمته حار
سعد وأسقط في يده .. فكنت أتطوع لخدمته شفقة وعطفا عليه ، إذ كان قاصرا
صغير السن.
وقد يعرف أن
المغفور له سعد زغلول درس في الأزهر ، ولكن كثيرين منا لا يعرفون إلى أي مدى وصل
في دراسته ، ولا كيف تلقى علومه ودروسه.
لقد زامل سعد
زغلول في الأزهر فرقة كان في طليعتها ، ولم يبق من زملائه في هذه الفرقة على قيد
الحياة إلا فضيلة الشيخ عبد المعطي الشرشيمي العضو السابق في جماعة كبار العلماء ،
وهو العضو الوحيد الذي استقال من الجماعة منذ انشائها إلى الآن ، لأن جماعة كبار
العلماء لم يكن من قبل يشترط فيها مدة قانونية يحال بعدها العضو إلى المعاش.
وقد تلقى سعد
وعبد المعطى وزملاؤهما الفقه على مذهب الإمام الشافعي في أوائل حياتهم الدراسية في
زاوية العدوى بالقرب من الجامع الأزهر ، ثم انتقلوا إلى الجامع الأزهر لاستيفاء
دراستهم فيه.
وقد أوغل سعد
في علوم الأزهر ودراساته ، وضرب فيها بسهم وافر ، ولم يبق بينه وبين أداء امتحان
الشهادة العالمية إلا أن يتقدم لهذا الامتحان.
ولكنه لم يتقدم
لهذا الامتحان مكتفيا بما أحرز من ثقافة وما حصل من علوم ، وانصرف إلى التحرير في
الوقائع المصرية مع أستاذه الإمام محمد عبده ثم إلى ميدان المحاماة بعد ذلك ، وعكف
سعد على دراسة اللغة الفرنسية وهو في سن متقدمة وحصل على إجازة الحقوق.
وقد كانت دراسة
سعد في الأزهر خير معوان له في حياته ، خصوصا بعد اتصاله بالإمام محمد عبده ،
وتوجيهه وجهة أخرى تختلف في ذلك الوقت عما درج عليه الأزهريون في حياتهم الدراسية.
وقد بلغ من شغف
الطالب سعد زغلول بعلوم الأزهر أن ألف كتابا في
الفقه ، قدره أساتذة الأزهر وأثنوا على كفايته وصفاء ذهنه ، وقد طبع هذا
الكتاب ونشر ونفد بعد طبعه.
وكان المغفور
له الشيخ المراغى شيخ الأزهر الأسبق يحتفظ في مكتبه بنسخة منه.
وذات يوم كان
لطفي السيد باشا يزور صديقه المرحوم الشيخ المراغى في داره بحلوان ، وجرى الحديث
في شئون العلم والفلسفة على دأبهما في ذلك.
وتناول الحديث
الزعماء والعلم فقال لطفي باشا : إن بين الزعماء السياسيين نوابغ لو تفرغوا بعض
الوقت للتأليف والانتاج لأفادوا فائدة عظيمة.
وهنا ابتسم
المرحوم الشيخ المراغى وقال لصديقه : هل تعلم أن المرحوم سعد زغلول باشا ألف كتابا
في الفقه؟
وشغف لطفي
بالاطلاع على هذا الكتاب ، فقام الشيخ المراغى إلى مكتبته وجاء بهذا الكتاب إلى
لطفي باشا الذي تناوله كما يتناول المنهوم الطعام ، وقلب صفحاته وقلب الكتاب وهو
يقول : عجيبة.
وأزاح لطفي
باشا غلاف الكتاب وقرأ اسمه ، وقد كتب الناشر تحت عنوان الكتاب ما يلي : ألفه
الفقير إلى الله تعالى الشيخ سعد زغلول الشافعي المذهب من طلاب الأزهر الشريف.
ثم قضى لطفي
باشا وصديقه الشيخ المراغى بعض الوقت في دراسة فصول الكتاب ، وفي ذكريات طريفة عن
صديقهما المغفور له الشيخ سعد زغلول باشا.
ولسعد في
الأزهر ذكريات كثيرة شهد بعضها المنزل رقم ٢٠ في درب الأتراك بحي الأزهر المتداعي
للسقوط اليوم.
وفي الدور
الأرضي من هذا المنزل وقف سعد زغلول يترافع ذات
ليلة .. ولعلها كانت المرافعة الأولى في حياته ، ومن أجل غرامة قدرها
مليمان! وقد تحمس في دفاعه ؛ وحمى وطيس المناقشة بينه وبين ممثل الاتهام إبراهيم
الهلباوي ، فلم تنته الجلسة إلا في الخامسة صباحا! أما المرافعة فهي أن سعد زغلول
كان خامس خمسة يسكنون غرفة واحدة ، ويطلبون العلم في الأزهر ، وكانوا يضيئون
غرفتهم بقنديل يشعل بالزيت ويكلفهم طول الشهر عشرة مليمات ، يدفع كل منهم نصيبه
فيها. ولكن إبراهيم الهلباوي رأى أن يضايق (سعدا) من باب المداعبة فحرض بقية
المشايخ ضده متهما إياه بأنه أكثرهم انتفاعا بالقنديل ، لأنه أكثرهم قراءة بالليل
ولذا حق عليه أن يدفع أربعة مليمات!
وفي آخر الشهر
فوجىء سعد بالثورة ضده ومطالبته بالغرامة ، وظن الهلباوي أنه ربح المداعبة ، ولكن
سعد المحاور المداور ، شرع يدافع عن نفسه ، وضرب لهم مثلا غاية في الطرافة إذ قال
: لو أن رجلا علق على باب بيته فانوسا ليضيء له ، فانتفعت بهذا الضوء غازلة أو
ناسجة وهي في منزلها ، وزاد انتاجها ، فهل يعني هذا أن للرجل الحق في مقاسمتها
انتاجها الذي زاد؟ كلا بالطبع! وهكذا حالكم معي فقنديلكم مشعل طول الليل ، قرأت
عليه أم لم أقرأ ... وليس لكم أن تطالبوني بأكثر مما يدفعه أي واحد منكم!.
وأفحم الجميع.
ثم جاءت القوانين الحديثة فأيدت مبدأه بحق الارتفاق وهو حق قانوني معروف!.
وفي حارة (القرد)
المتفرعة من شارع (المقريزي) خلف الأزهر منزل متهدم تنام تحت أنقاضه قصة طريفة من
قصص سعد زغلول والهلباوي وثالث (من بلدياتهم) كان اسمه الشيخ (بسطاويسي) لم يقدر
له من الشهرة والمجد ما قدر لزميله ، فقد كان الفرسان الثلاثة ، يسكنون غرفة
أجرتها ستة قروش ولكنهم عجزوا في شهر ما لأزمة طارئة عن سدادها ... وفشلت كل
المفاوضات التي حالوا أن يقنعوا بها صاحبة المنزل لتأخير الدفع ، فأنذرتهم
بأنها سوف تلقي في الصباح بكل متاعهم وكتبهم في عرض الحارة الضيقة!. واجتمع
الفرسان تحت القنديل للتداول وخطرت لسعد زغلول فكرة بسطها عليهم ، فصفقوا لها ثم
ناموا دون تفكير في كارثة الصباح!.
ودخلت صاحبة
المنزل في الصباح تهدد وتتوعد ومدت يدها تنفذ وعيدها ولكنها لم تلبث أن هدأت
ثورتها وخفت حدتها واغرورقت عيناها بالدموع. لقد كان (الشيخ بسطاويسي) يتأوه من
الحمى في فراشه ... وكانت صاحبة البيت لا تطيق أن ترى غريبا مريضا ، فقد توفي لها
ابن في بلاد الغربة!.
ونجحت الحيلة ،
لكنها كانت بالنسبة للشيخ (بسطاويسي) مقلبا ... فقد أصرت المرأة على أن تعالجه
بنفسها ، وراحت تسقيه ألوانا من الوصفات البلدية ، كالحنظل المنقوع والخل وغيره!
وبعد أيام
وصلتهم النقود وحاول (بسطاويسي) أن يغادر الفراش ولكن الفراش رفض أن يتركه فقد مرض
بالحمى فعلا!
وقد ظل (الشيخ
بسطاويسي) يتندر بهذه القصة حتى توفي سنة ١٩٤٥!.
ويتلخص تاريخ
سعد زغلول الأزهري فيما يلي :
ولد سنة ١٨٥٩ ،
وفي ٥ أكتوبر سنة ١٨٨٠ عين الشيخ سعد زغلول الطالب بالأزهر الشريف محررا بقلم
الوقائع المصرية بمرتب قدره ٨٠٠ قرش في الشهر (وهو حسن السير والسلوك بمقتضى شهادة
للمرحوم الشيخ محمد عبده).
وفي أول فبراير
سنة ١٨٨٢ منح ١٣٣ قرشا علاوة شهرية فصار راتبه الشهري ٩٣٣ قرشا.
وفي ٣ مايو سنة
١٨٨٢ صدر الأمر بنقل سعد زغلول إلى وظيفة
معاون بنظارة الداخلية ، ومنح ٥٦٧ قرشا علاوة لابلاغ ماهيته (١٥) جنيها في
الشهر اعتبارا من ٢٦ إبريل سنة ١٨٨٢.
وفي ٦ سبتمبر
سنة ١٨٨٢ فصل سعد زغلول من وظيفة التحرير بالوقائع المصرية لأنه عين ناظرا لقلم
القضايا بمديرية الجيزة ابتداء من ٧ سبتمبر سنة ١٨٨٢.
وفي ٢٧ يوليو
سنة ١٨٩٢ عين نائب قاض بمحكمة استئناف مصر الأهلية براتب قدره ٤٥ جنيها في الشهر.
وفي أول فبراير
سنة ١٨٩٤ صدر الأمر بمنحه ١٥ جنيها علاوة شهرية لإبلاغ ماهيته ٦ جنيهات.
وفي أول يناير
سنة ١٨٩٧ منح خمسة جنيهات علاوة شهرية.
وفي ٨ ابريل
١٨٩٩ أنعم عليه برتبة (المتمايز).
وفي ١٢ يونيو
سنة ١٩٠٤ أنعم عليه بالنيشان المجيدي الثالث.
وفي أول يناير
سنة ١٩٠٦ عدلت درجته وجعل راتبه ١٠٠٠ جنيه في السنة.
وفي ٢٨ أكتوبر
سنة ١٩٠٦ عين سعد زغلول (بك) المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية ناظرا للمعارف
العمومية بدلا من حسين فخري باشا.
وفي ١٢ نوفمبر
سنة ١٩٠٦ أنعم عليه برتبة (الميرمران) الرفيعة.
وفي ١٨ يناير
سنة ١٩٠٨ أنعم على سعد زغلول باشا وزير المعارف العمومية بالنيشان المجيدي الأول.
وفي ٢٣ فبراير
سنة ١٩١٠ عين سعد زغلول باشا ناظرا للحقانية.
وفي ٢٧ يناير
سنة ١٩٢٤ عين رئيسا لمجلس الوزراء وأنعم عليه برتبة الرياسة الجليلة.
وفي ٢٣ مارس
سنة ١٩٢٥ انتخب رئيسا لمجلس النواب.
وفي ١٠ يونيو
سنة ١٩٢٦ عين رئيسا لمجلس النواب للمرة الثانية.
وفي ٢٣ أغسطس
سنة ١٩٢٧ توفي إلى رحمة الله.
أزهريون نابهون
ومن الذين
حضروا في الأزهر أو تتلمذوا على شيوخه ، من الجيل الماضي :
الشيخ زين
المرصفي الشافعي توفي عام ١٢٠٠ ه وكان من علماء الأزهر وتولى منصب كبير المفتشين
بوزارة المعارف (٨٦ ـ ٨٧ أعيان القرن ١٣ لأحمد تيمور).
الشيخ مصطفى
السفطي الأزهري عين في وظائف التدريس بالمعارف وتوفي عام ١٣٢٧ ه (٩٨ ـ ١٠٢ المرجع).
أحمد تيمور
باشا (١٢٨٨ ـ ١٨٧١ ـ ١٣٤٨ ه ـ ١٩٣٠) ، وكان عالما حجة بحاثة في شتى العلوم. ومن
أساتذته الطويل والشنقيطي وسواهم .
الشيخ أحمد مفتاح
(١٢٧٤ ـ ١٣٢٩ ه)
طلب العلم
بالأزهر ، ثم التحق بدار العلوم وعين مدرسا فيها. ومرت عليه أحداث كثيرة .
ومن علماء
الأزهر الشيخ محمد البسيوني البيباني ، وقد اختير إماما للمعية ، ثم مدرسا للغة
العربية بمدرسة الإدارة ـ الحقوق ـ وقد كان أستاذ شوقي في اللغة والأدب ، وتوفي في
١٣ ربيع الآخر ١٣١٠ ه ٣ نوفمبر
__________________
١٨٩٢ ، وله كتاب «حسن الصنيع في المعاني والبيان والبديع ، وكان من تلاميذه
كذلك أحمد زكي (باشا).
ومنهم الشيخ
حسين المرصفي المتوفى سنة ١٣٠٧ ه ـ ١٨٨٩ م وهو أستاذ البارودي في الأدب والشعر
واللغة ، وكذلك تتلمذ عليه عبد الله فكري باشا ... وأشهر مؤلفاته «الوسيلة الأدبية
للعلوم العربية ، وقد طبع في جزءين وشهرته ذائعة ، وله كتاب «الكلمات الثماني» ،
وكتاب «دليل المسترشد في الإنشاء».
ومن الذين
درسوا في الأزهر الشيخ على الليثي شاعر إسماعيل المتوفى ١٣١٣ ه ـ ١٨٩٦ م ، وكان
مولده في بولاق مصر سنة ١٢٣٦ ه ، وتعلم بالأزهر.
ومن الذين
درسوا في الأزهر كذلك المرحوم مصطفى لطفي المنفلوطي الأديب الكبير (١٨٧٦ ـ ١٩٢٤)
صاحب الكتب المشهورة الذائعة بين الأدباء والمتأدبين ومن أشهرها : النظرات ،
العبرات ، الشاعر ، ماجدولين ، الانتقام ، في سبيل التاج ، الفضيلة.
ومنهم كذلك
عميد المحاماة إبراهيم الهلباوي ، وكان من أشهر الخطباء في العصر الحديث ، وتوفي
عام ١٣٥٩ ه ـ ١٩٤٠ م.
ومنهم الشيخ عبد
العزيز البشرى نجل الشيخ البشرى شيخ الأزهر السالف ، وكان أدبيا كاتبا ناقدا
متذوقا ، وله كتاب «المرآة» ، ومختارات البشرى وغيرهما ، وكان من أعلام القضاء
الشرعي. وتوفي نحو عام ١٩٤٠.
ومن الأزهريين
في النشأة العلمية ممن يعاصروننا أو كانوا يعاصروننا إلى عهد قريب : الدكتور طه
حسين ، وأحمد أمين ، وزكي مبارك ، وعبد الوهاب عزام ، والشيخ محمد أبو زهرة ،
وأحمد حسن الزيات ، والدكتور أمين الخولي ، والشيخ عبد الوهاب خلاف ، والشيخ مصطفى
خفاجي ، وسواهم من الشخصيات المعاصرة المعروفة في مصر والعالم الإسلامي.
الشيخ محمد رشيد رضا
في ٢٣ جمادى
الأولى ١٣٥٤ ه ـ ٢٢ أغسطس عام ١٩٣٥ م توفي الشيخ محمد رشيد رضا ، وكان الشيخ قد تجرد رحمه الله لخدمة الإسلام ، ووقف
له كل ما وهبه الله من علم وقوة وصبر ومثابرة ، وليس يؤسف الناس من وفاته خفوت صوت
من أرفع الأصوات في الدفاع عن الإسلام فحسب ، ولكن من خلو مكان رفيع كان يشغله
أيضا بين العاملين على تطهير عقول المسلمين من البدع التي اعتبرها عامتهم من الدين
وليست منه في شيء.
نعم إن ثورة
المرحوم السيد رشيد على البدع لا يوجد لها نظير إلا في أفراد من السلف الصالح ،
فقد صمد لها صمودا أشفق عليه منه حتى الذين كانوا يشاطرونه رأيه من العارفين ،
ولكنهم لم يؤتوا الشجاعة التي أوتيها ، فباتوا يتوقعون له الشر المستطير ، وقد لقي
منه ما لو لقيه سواه لصده عن السبيل ، ولكنه ثبت للمعارضين ، واستبسل في الكفاح
أيما استبسال ، حتى استطاع بفضل إخلاصه وصبره أن يحدث في الصفوف المتراصة حياله
ثغرة اقتحمها على مناوئيه وفي أثره جمهور غفير ممن كانوا لا يجرءون على مواجهتهم
مجتمعين ، فأصبحنا وللسنة الصحيحة أنصار مجاهرون ، وحيال البدع خصوم مجاهدون.
فلو لم يكن
لفقيد العلم السيد رشيد غير هذا الموقف لخلد ذكره في تاريخ المسلمين ، فما ظنك به
وقد أسقط دولة التقليد ، تلك الدولة التي قضت على المسلمين بأن ينقسموا شطرين شطرا
جمدوا على ما هم عليه من التقاليد المنافية لروح الدين ، وقوما مرقوا من الإسلام
واتخذوا لهم طريقا غير طريق المؤمنين ، فلو كان دام سلطان التقليد لقضي على كل
مفكر أن يفني في حزب المقلدين ، وهي كارثة جدير بكل من يعرف حقيقة الإسلام ان يذوب
قلبه أسفا منها.
__________________
فكان السيد
رشيد البطل المعلم في هذا الموطن الشريف ، تلقي فيه بصدره كل ما يتلقاه المصلحون
من الجامدين ، وكان لجهاده أثر بعيد في تبصير المسلمين بسماحة دينهم ، وببقاء باب
الاجتهاد فيه مفتوحا إلى يوم يبعثون.
وكان تلميذ
الأستاذ محمد عبده ، وحامل لواء الإصلاح الديني من بعده ، ولا بدع فإن أربعين سنة
قضاها الفقيد الكريم في تحرير المنار يفسر كتاب الله على طريقة الإمام ويبسط
أحاديث الرسول على نهج السلف ، ويحرر الفتاوى في المسائل الدينية المختلفة ، ويقطع
ألسنة المبشرين والملحدين بالأدلة النواهض ، ويجلو عن الشريعة ظلام الشبه بالعقل
المنير ، ويزيد في ثروة الأدب الإسلامي بالمصنفات القيمة ، حرية أن تحله من قلوب
المؤمنين موضع التجلة ، وتبوئه من صفحات التاريخ مكان الأئمة.
ولد الفقيد في
قرية (القلمون) إحدى قرى لبنان القريبة من طرابلس ، فتلقى العلم طفلا ويافعا في
هذه المدينة ، ثم هاجر إلى مصر ، فدخل الأزهر واتصل بالإمام محمد عبده اتصالا
وثيقا ، فأشار عليه أن يصدر (المنار) فكانت سجلا لآراء الأستاذ الاجتهادية في
حياته ، واستمرارا لدعوته الإصلاحية بعد مماته. ثم أسهم في النهضة العربية واتصل
بجمعياتها السرية في أطوارها المختلفة من سنة ١٩٠٨ إلى قيام الحرب الكبرى. فلما
أعلنت الهدنة عاد إلى سورية فانتخب رئيسا للمؤتمر السوري الذي نادى بالأمير فيصل
ملكا ، ثم ظل في خدمة هذه الدولة العربية الجديدة حتى ثل عرشها الفرنسيون سنة ١٩٢٠
، فارتد إلى القاهرة يحرر المنار ويعالج التأليف ، فأصدر طائفة من الكتب القيمة
أشهرها تكملة تفسير الإمام على هديه ووحيه ، ثم الجزء الأول من تاريخ الإمام وكان
قد أصدر منه جزءه الثاني فيما قاله ، والثالث فيما قيل فيه ، ثم كتابه «الوحي
المحمدي».
وكان علما من
أعلام الدين والعلم ، وتلميذ محمد عبده الوفي ،
والرجل الذي قضى حياته في خدمة الاسلام وتراثه إلى أن توفي في ٢٢ أغسطس
١٩٣٥ ـ ٢٣ جمادى الأولى عام ١٣٥٤ ه.
مات فبكته مصر
والعروبة والإسلام والشرق ، وأقيمت بجمعية الشبان المسلمين حفلة تأبين له في أبريل
١٩٣٦ ، خطب فيها جمهور من العلماء والأدباء.
وقال فيه
العالم العلامة الشيخ علي سرور الزنكلوني في حفلة تأبينه :
كان لصاحب
المنار منذ عرفته مصر وجود قوي ، وشخصية بارزة ، امتد صوتها إلى الأقطار العربية
والأقطار الشرقية ، بل كان لهذا الصوت أثر في بعض الأمم التي ليست شرقية ولا
إسلامية ، لأن الأبحاث التي تعرض لها صاحب المنار وأن اتصلت بالشرق وبالإسلام
اتصالا قويا ، فانها متصلة بالغرب أيضا ، لأن عيون الغرب لا تنام عن المسلمين ولا
عن الشرقيين.
اشتغل صاحب
المنار طوال حياته بقضية الاسلام وقضية العرب ، وبما يتصل بالاسلام من أمر الخلافة
، وما يتصل بالعرب من هجمات الاستعمار ، ولم تحرم مصر من نزعاته السياسية في
ظروفها المختلفة ، فكان بهذا كله لمصر ، وللشرق وللاسلام والمسلمين.
وليس في وسعي
أن أوفي صاحب المنار حقه في مثل هذا الموقف ، ولكني أردت ان أساهم مع المساهمين ،
وفاء لحق الصداقة ، وتقديرا لتلك الشخصية النادرة.
عرفت المغفور
له صاحب المنار منذ ابتداء الأستاذ الإمام ـ رضوان الله عليه ـ دروسه في الأزهر ،
ولم يكن صاحب المنار في ذلك العهد يدهشنا وجوده العلمي ، لأن طلاب الشيخ جميعا
كانوا يغترفون من بحر واحد ، وإن تفاوتت مراتب جهودهم واستعدادهم. ولم يكن لصاحب
المنار ميزة في ذلك الوقت سوى أنه كان يكتب ما يلقنه أستاذنا علينا ، وقد كان مثل
هذا العمل في نظر الأزهريين عملا عاديا لا أثرا لموهبة خاصة ، ولا لنبوغ ممتاز ،
تآخينا
وتآخى معنا السيد رشيد بحكم صلة الدرس العامة ، وبقدرها ، وكان هذا لا يمنع
بعضنا من توجيه النفس إلى السيد رشيد ، توجيها خاصا كلما ظهر السيد رشيد بمواهب
ممتازة ، قد يطول الحديث عنها ، حتى هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية
والاصلاحية ، مهاجمة عنيفة ، من كل القوى التي توفرت لها عوامل الكيد والاستبداد ،
وإذا بالسيد رشيد يبرز في وجوده القوي لمناصرة الحق ، والوقوف في وجه هذه الجيوش
الحاشدة ، فأخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه ، وينشر في مجلة المنار
آراء أستاذه واتجاهاته ، وكان يتلقاه من دروس شيخه ، وما كان يعلق عليها بعبارات
من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر ، وكذلك كان أمر السيد رشيد في كل ما
كان يكتب من مقالات ، وما يدون من أبحاث! لأن أسلوب الأستاذ الإمام خلق ممتاز ،
وسيبقى ممتازا. مات الأستاذ الإمام ، وللسيد رشيد في نفوس إخوان الشيخ وابنائه
منزلة سامية ، ومع سمو هذه المنزلة لم يخطر ببال أحد أن السيد رشيد سيرث الشيخ
فيما كان يدعو إليه ، وأنه سيرتفع صوته في بلاد الإسلام النائية ؛ ولكن أبى الله
سبحانه إلا أن يسير السيد رشيد بخطى واسعة الى الامام ، وقدر الله لصوته وهو على
منبر منارة ان يدوي في بلاد الاسلام والشرق ، ولم يصب جهاده في سبيل العلم والدين
بعد وفاة شيخه مع كثر المخاطر شيء من الوهن والفتور ، ولا جرم ان هذه الميزة هبة
الهية لا تمنح الا للقليل من أفذاذ الرجال ، لأن حياة الأستاذ الإمام كانت قوية في
مصر وفي غير مصر. لهذا كان بقاء صاحب المنار أكثر من ثلاثين عاما بعد وفاة شيخه في
وجوده القوي ، يصد عادية جيوش الباطل التي لم تفتر ولم تنم ، دليلا ملموسا على أنه
من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم ، ولعل أكبر شاهد على ذلك ان
مهمة السيد رشيد العلمية لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد او جماعة على كثرة
العلماء والكاتبين. ان لصاحب المنار ـ رحمة الله عليه ـ من حياته العلمية آثارا
كثيرة ، وجوانب قوية لا أستطيع أن أوفيها حقها. وقد أردت أن تكون كلمتي فيه الآن
مقصورة على علمه بالقرآن وبأسرار القرآن ، لأن صلتي به
لم تتأكد إلا من درس التفسير على الأستاذ الإمام ، ولأن آثاره في تفسير
القرآن هي أقوى الآثار وأظهرها في الإقناع والإلزام ، ولأن مفسر القرآن إذا أخلص
وصدق! استحق الثناء الخالد ، لأنه بصدقه وإخلاصه يشرف عقله على الوجود ، وعلى ما
وراء الوجود ، وقد تحقق ذلك للسيد رشيد رحمة الله عليه ، فالقرآن كتاب الوجود ،
وكتاب ما وراء الوجود ، وكل من جهله ، واتجه إلى غيره مهما كان قويا في نظر نفسه ،
وفي نظر أمثاله ، فحياته غير صادقة ، وسعادته لا ضمان لها ، ولا استقرار ، بل
المسلمون إذا أخلصوا للقرآن فهما وعملا ، وعرضوا جواهره السماوية على عقول البشر ،
فقد ملكوا كل شيء ، لأن العقول من مادة السماء ، ومادة السماء إذا تركزت في الأرض
محال أن يطغى عليها شهوات النفس الترابية ، والانسان إذا أهمل فهم القرآن والتبصر
فيه ، وقد أحاط بما في الأرض علما ، فليس من الله ولا من الوجود الحق في شيء ،
فحصر العقل في جزء صغير من الوجود يستخدمه في حياته المادية لا يصور الحقيقة ، ولا
يحقق معنى الحياة والسعادة إذ الحياة الانسانية مسبوقة بوجود لانهائي وبعدها وجود
لانهائي ، ومن حق العقل ان يفكر طويلا في ذلك لوجود اللانهائي ، وهذا لا يتم إلا
بفهم القرآن. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً
مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ويقول : (وَإِنَّ الدَّارَ
الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.) إن لأهل القرآن وأنصاره مرتبتين. المرتبة الأولى ـ هي
فهم معانيه الصحيحة وامتزاجها بالعقل والروح والنفس ، فيشع منها النور والقوة بحيث
يعملان عملهما في الوجود بقدر الطاقة البشرية ، وهذه هي مرتبة النبي صلى الله عليه
وسلم ، ومرتبة الصديقين من أصحابه وأمته إلى يوم الدين.
والمرتبة
الثانية هي فهم معانيه فهما صحيحا ، وامتزاجها بالعقل ، وبالنفس في أغلب أحوالها ،
وهذه هي مرتبة كبار العلماء والصالحين مع ما في كل من المرتبتين من المنازل
المتفاوتة بتفاوت الاستعداد ، وصفاء الجوهر. واني أو من إيمانا قويا بأن السيد
رشيد قد تمت له المرتبة الثانية في أرقى منازلها ، وأرجو أن يكون له نصيب من
المرتبة الأولى. وإذا علمتم
أن القرآن هو كلام الله ، وأنه كتاب الوجود. تعلمون مقدار ما بذلته وتبذله
العقول في استخراج جواهره منذ أنزل إلى اليوم ، ولا يتم للعقل استقصاء كل ما فيه
وتحديده بالدقة ما دام الوجود قائما ، ولكن العقل يأخذ منه ما استكمل به وجوده ،
وطمأنينته في الدنيا والآخرة على قدر فهمه. ومن هنا تعددت آراء المفسرين لاختلاف
وجوه النظر ، ولذلك كان تفسير القرآن في أكثر العصور فن علم وجدل ، مع أن التفسير
يجب ان يكون زبدا مستخلصا بالمقاييس العلمية الصحيحة المستمدة من الفن والبحث ،
كما أن التفسير الذي لا يعتمد على مقاييس العلم والعقل ، لا يسمى على الحقيقة
تفسيرا للقرآن الكريم. ويجب أن يدخل في مقاييس العلم ما يستظهره العقل من أسرار
الوجود بالدلائل القاطعة ، وليس من التفسير مظاهر الحياة التي تعتمد على نزعات
النفس في إنسانيتها الضعيفة المضطربة. وهذا هو ما وفق إليه الراحل الكريم في
تفسيره للقرآن ، وفي علاجه للأبحاث الدينية ، فقلما كان يتعرض السيد رشيد لبحث ما
يتصل بالقرآن اتصالا جوهريا إلا بقدر ما تمس له الحاجة. وكثيرا ما كان يتعرض
لأقوال المفسرين ، وما يستدلون به ولكنه لم يترك القرآن في المكان الذي تتجاذبه
فيه الآراء كما فعل أكثر المفسرين ، بل كان في تفسيره يستخلص القرآن للعقل مؤيدا
باللغة وبالشواهد والأدلة من ظواهر الوجود. وأول من فتح هذا الطريق وعبده الأستاذ
الإمام رضي الله عنه ، وقد سار فيه تلميذه صاحب الذكرى شوطا بعيدا انتهى فيه إلى
آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وقد فسر من القرآن على هذا المنوال الحكيم
اثني عشر جزءا ، وهي أصعب أجزاء القرآن فهما واستنباطا ، وكان آخر آية فسرها من
سورة يوسف ومات على أثر تفسيره لها قوله تعالى : (رَبِّ قَدْ
آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي
مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.)
وقال في رثائه
الشاعر الحاج محمد الهراوي :
أي صرح هوى
وحصن حصين
|
|
ولواء طوته
أيدي المنون
|
وكتاب في
الرشد يهدي إلى
|
|
الرشد وسيف
مهند مسنون
|
مات رب
المنار والأمر لله
|
|
وما مات غير
داع أمين
|
عاش لله
مخلصا في جهاد
|
|
نصف قرن
مبارك في القرون
|
ومضى باليراع
يدعو الى الحق
|
|
وبالقلب
واللسان المبين
|
لا يطيق
السكون في جرح الد
|
|
ين ويمضي يرج
اهل السكون
|
لم يدع راحة
له أي حين
|
|
وهو في حاجة
لها كل حين
|
طاح بالقلب
حين أودى به الجه
|
|
د وجهد
الغيور نار أتون
|
فقد العلم
منه أي كتاب
|
|
فقد الدين
منه أي معين
|
شعر الناس
باحتياج اليه
|
|
بعد ان لم
يروا له من قرين
|
عز عن صاحب
المنار حمى الش
|
|
ام وعز
الأحباب في «قلمون»
|
بلدة في ذرى
طرابلس قرت
|
|
من طرابلس
غرة في الحبين
|
بلدة انجبت
الى الشرق قوما
|
|
هم نجوى
الهدي وأسد العرين
|
غاب عنها
منارها فتوارت
|
|
من جوى الحزن
بالسحاب الجون
|
بعثتني
جماعة الفضل في مصر
|
رسول القريض
في التأبين
|
|
بعثتني لأندب
العلم والدين
|
وأبكيهما
بدمع سخين
|
|
بعثتني
وساقها حسن ظن
|
في ضعيف ينوء
تحت الظنون
|
|
ولعمري لو لم
تكن بعثتني
|
لرأتني
بالدمع غير ضنين
|
|
فلقد كان بي
حقيقا وكانت
|
بيننا عروة
الود المتين
|
|
عقدت بيننا
المودة قربي
|
زاد توثيقها
توالى السنين
|
|
شيبتني مواقف
الحزن تترى
|
ورثاء الخدن
أثر الخدين
|
|
ووقوفي على
الربوع الخوالي
|
وبكائي
المكان بعد المكين
|
|
والتياعي على
أيامي تخلت
|
عن حماها يد
الكفيل المعين
|
|
ويتامى تذوق
في العيش بؤسا
|
بعد خفض من
الزمان ولين
|
|
برح الحزن
والجوى بفؤادي
|
قرح الدمع
والبكا من جفوني
|
|
من مجيري من
بعدها ومقيلي
|
من وقوفي
بطرف باك حزين؟
|
|
يا غريب
الديار لم تفقد الأهل
|
فما مصر غير
ام حنون
|
|
جئتها عالما
وطالب علم
|
فتلقتك في
الحشى والعيون
|
|
يا ربيب
الامام في مجلس العلم
|
وفي موطن
الهدى واليقين
|
|
كنت أو في
بنيه حفظا لذكراه
|
وأبقى
على الوفاء المصون
|
الشيخ محمد شاكر
١٢٨٢ ه ـ ١٨٦٦ م ـ ١٣٥٨
ه ـ ١٩٣٩ م
تعلم الشيخ
محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر في الأزهر ، وكان من أسرة ابي علياء من أشراف
الصعيد. وولد بمدينة «جرجا» في منتصف شوال من سنة ١٢٨٢ ه ـ مارس سنة ١٨٦٦ ، وقد تخرج من الأزهر. وفي منتصف رجب سنة ١٣٠٧ ه ـ ٤ من
مارس سنة ١٨٩٠ عين أمينا للفتوى مع مفتي الديار المصرية أستاذه الشيخ محمد العباسي
المهدي. وفي السابع من شعبان سنة ١٣١١ ه ـ ١٣ من فبراير سنة ١٨٩٤ ولي منصب نائب
محكمة مديرية القليوبية ، ثم عين في منصب قاضي قضاة السودان في ١٠ من ذي القعدة
سنة ١٣١٧ ه ـ ١١ من مارس سنة ١٩٠٠ ، ثم عاد شيخا لمعهد اسكندرية في أبريل ١٩٠٤ ،
وفي أواخر سنة ١٣٢٤ ه ندب للقيام بأعباء مشيخة الأزهر نيابة عن الشيخ عبد الرحمن الشربيني
شيخ الأزهر إذ ذاك ، فجمع بين ذلك وبين مشيخة المعهد الاسكندري ، حتى كان التاسع
من ربيع الاخر سنة ١٣٢٧ ه ـ ٢٩ من أبريل سنة ١٩٠٩ م ، حيث صدر أمر بتعيينه وكيلا
للجامع الأزهر ، وفي عهد وكالته صدر قانون النظام في الأزهر سنة ١٩١١ م الذي قسمت
بمقتضاه الدراسة إلى مراحل لكل منها نظام ومواد خاصة ، وعهد إليه بتطبيق القانون
الجديد ، فأنشىء القسم الأول وعين شيخا له مع بقائه وكيلا للجامع الأزهر. وقد أنشأ
معهدين في أسيوط وقنا. واختير
__________________
عضوا في جماعة كبار العلماء ، وفي سنة ١٩١٣ عين عضوا في الجمعية التشريعية
، ولما اشتعلت الثورة المصرية سنة ١٩١٩ م صال فيها وجال ، وأذكاها بقلمه ولسانه
ورأيه ، حتى إذا وافت سنة ١٩٣١ أعرض عن الدنيا ولزم داره لمرض الفالج الذي أصابه ،
وظل ينتظر المنون حتى دعاه مولاه ، فلباه في صباح الخميس الحادي عشر من جمادى
الأولى سنة ١٣٥٨ ، التاسع والعشرين من يونيه سنة ١٩٣٩.
مشايخ السادة
المالكية
كانت العادة
بالأزهر الشريف أن للسادة المالكية شيخا عليهم ، ودرجته قريبة من درجة شيخ الجامع
، وأما السادة الحنفية والسادة الشافعية والسادة الحنبلية ، فكان شيخهم هو شيخ
العموم ، ومن عهد قريب صار للسادة الحنفية شيخ ، وصار للحنابلة شيخ كذلك ، ولنأت
بذكر مشايخ السادة المالكية ، فمن تولى مشيخة السادة المالكية إمام المحققين ،
وعمدة المدققين ، العلامة الشيخ علي العدوي المنسفيسي الصعيدي المالكي ، ولد ببنى
عدي سنة ١١١٢ ه وقدم إلى مصر وحضر دروس مشايخ عصره كالشيخ الحفني واضرابه وكان له
كرامات عجيبة وله مؤلفات مفيدة وهو أول من خدم كتب مذهب المالكية بالحواشي وأول من
درس بمسجد محمد بك ابي المذهب وكان يدرس بالأزهر وبمسجد الغريب ويوم الجمعة بمسجد
مرزه ببولاق ، وكان على قدم السلف في التقوى والاشتغال بالعلوم .. وتوفي سنة ١١٨٩
ودفن بالبستان.
ثم تولاها أبو
البركات سيدي أحمد الدردير العدوى المالكي الأزهري الخلوتي ، وولد ببني عدي سنة
١١٢٧ وحفظ القرآن الشريف وقدم الى الأزهر وحضر دروس مشايخ عصره كالشيخ علي الصعيدي
والشيخ الحفني واضرابهما وألف وأفاد وتآليفه أشهر من ان تذكر ، وكان شيخا لرواق
الصعايدة وتوفي سنة ١٢٠١ ه ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين وهو مشهور
يزار.
ثم تولاها عالم
عصره ، ووحيد دهره بلا خلاف سيدي محمد الأمير الكبير صاحب التآليف العديدة في كل
فن معقول ومنقول ، ولد سنة ١١٥٤ بسنبو وهي بلد من قسم ديروط بمديرية أسيوط ، وختم
القرآن الشريف وهو ابن تسع سنين ، ثم التحق بالأزهر وحصل ودرس ولم يدع فنا الا
اتقنه ودرسه حتى فقه الحنفي والشافعي ، وله تآليف جمة في فنون كثيرة وهي كجوامع
الكلم ، وكان توجه في بعض المقتضيات إلى دار السلطنة وألقى هناك دروسا حضره فيها
العلماء وشهدوا بفضله واستجازوه ورجع الى مصر معظما مبجلا ومعه كتب توصية للباشا
والأمراء وقد أنعم عليه من الدولة وكانت تأتيه الصلات من سلطان المغرب وتلك
النواحي وكان كلامه حكما ، ومن كلامه :
دع الدنيا فليس
بها سرور
|
|
يتم ولا من
الأحزان تسلم
|
ونفرض أنه قم
تم فرضا
|
|
فان زواله
أمر محتم
|
وكن فيها
غريبا ثم هيء
|
|
الى دار
البقا ما فيه مغنم
|
وإن لا بد من
لهو فلهو
|
|
بشيء نافع
والله أعلم
|
وسبب تلقيبه
بالأمير أن جده الأقرب أحمد بن عبد القادر كان له إمارة حكم في بلاد الصعيد وأصله
من المغرب وتوفي عليه سحائب الرحمن والرضوان يوم الاثنين العاشر من ذي القعدة سنة
١٢٣٢ ه ، ودفن أمام ضريح الشيخ العفيفي ، ومما قيل في رثائه تمثلا :
حلف الزمان
ليأتين بمثله
|
|
حنثت يمينك
يا زمان فكفر
|
ثم تولاها ابنه
الشيخ محمد الأمير الصغير ، ثم تولاها الشيخ ابراهيم الملواني ، ثم تولاها الشيخ
عبد الله القاضي ، ثم تولاها شيخ الشيوخ
الجامع بين العلم والتقوى فرع الشجرة النبوية وخلاصة السلسلة الهاشمية
الشيخ عليش ، وقد ولد رحمه الله بالقاهرة بحارة الجوار بجوار الجامع الأزهر في شهر
رجب سنة ١٢١٧ ه ، وحفظ القرآن واشتغل بالعلم بالأزهر وأدرك الجهابذة كالشيخ
الأمير الصغير وأضرابه والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ البناني صاحب التجريد وكثير
من كبار العلماء ودرس سنة ١٢٣٢ ولم يدع فنا إلا درسه وتخرج من درسه جل أهل الأزهر
أو كلهم وتوفي عام ١٢٩٩ ه وتوفي ابنه الشيخ عبد الله عليش عام ١٢٩٤ ه .. ثم
ألغيت مشيخة المالكية بعده خمس سنوات حتى تولاها الشيخ سليم البشرى.
الشيخ البحراوي
هو الشيخ عبد
الرحمن البحراوي الحنفي الأزهري ، ولد بكفر العيص قرية على شط النيل بمديرية
البحيرة ، وكانت ولادته سنة ١٢٣٥ ه ، وقدم لمصر وقرأ القرآن بالأزهر وجود فيه ،
وفي سنة ١٢٤٩ شرع في حفظ المتداول من المتون ، وفي سنة ١٢٥١ حضر دروس المشايخ
فتلقى الفقه والتفسير والحديث عن الشيخ محمد الكتبي وأهل طبقته وتلقى علوم الأدب
والمنطق والتوحيد عن الشيخ إبراهيم السقا والشيخ مصطفى البولاقي والشيخ إبراهيم
البيجوري واضرابهم. وكتب بيده كل كتاب حضره فضلا عما كان يكتبه للاقتيات بثمنه
لأنه كان قد قل من العيش وقد اجتهد في التحصيل وسهر الليالي مع جودة قريحته حتى
تأهل للتصدر للتدريس في سنة ١٢٦٤ وشهد بفضله أعيان الأزهر ولم يزل متصدرا للتدريس
مع حسن القائه وعذوبة ملحه وكان محترما عند أولي الأمر ، وفي سنة ١٢٧١ نيط به
تصحيح الفتاوى الهندية بالمطبعة الكبرى ببولاق مصر ، وبعد تمام الطبع تولى قضاء
اسكندرية سنة ١٢٧٧ ثم رفع من قضائها سنة ١٢٨٢ فعاد للتدريس بالأزهر وفي سنة ١٢٨٩
عين للفتوى بالمجلس الخصوصي ، وفي سنة ١٢٩٣ عين رئيس المجلس الأول بالمحكمة
الشرعية المصرية الكبرى ، ثم بعد ذلك تولى افتاء الحقانية ، ثم رفع وعاد للتدريس
بالأزهر ، وله من التآليف تقرير
على شرح العيني وحاشية على شرح الطائي ، وله كتابات على أغلب كتب المذهب
الحنفي ، وتخرج من درسه كثير ممن تولى القضاء وممن درس بالأزهر ، ومن أجلهم
الأستاذ الفاضل الشيخ محمد بخيث المطيعي.
الشيخ محمد بخيت
المطيعي
في اليوم
الحادي والعشرين من شهر رجب ١٣٥٤ ه ـ الثامن عشر من شهر أكتوبر ١٩٣٥ استأثرت رحمة
الله بالعلامة ، الشيخ محمد بخيت المطيعي ، فقضى مبكيا عليه من مئات الألوف من
العلماء والطلاب في جميع بلاد المسلمين ، الذين كانوا يرون فيه المثل الأعلى
للاطلاع الواسع والإفادة والفتيا .. ولد رحمه الله في بلدة المطيعة من أعمال أسيوط
سنة ١٢٧١ ه ـ ١٨٥٦ م ، وحفظ القرآن وحصل رحمه الله العلم بالأزهر فتخرج في علوم
الشريعة والعربية ، ونال فيها شهادة من الدرجة الأولى سنة ١٢٩٤ للهجرة أي منذ نحو
اثنتين وثمانين سنة ، وأكب من ذلك العهد على التدريس والافادة بهمة يندر أن يصادف
لها مثيل في حياة العلماء العاملين ، ثم ندب للاشتغال في القضاء عام ١٢٩٧ ه فتنقل
في وظائفه حتى بلغ أعلى درجاته ، مظهرا في كل منها من الكفاية ما لا يكون إلا
للعلماء الراسخين .. ومن المناصب التي شغلها قضاء مصر نيابة عن القاضي التركي ،
وفي عام ١٩١٤ عين مفتيا للديار المصرية ، وبعد سبع سنوات بلغ السن القانونية
لوظائف الحكومة ، فترك الاشتغال بالقضاء ، وعكف على الدرس والتدريس والافتاء.
فكانت داره مثابة للمستفتين والمستفيدين ، وكان لا يبخل على أحد بفتيا ، حتى إذا
كان بعيدا عنه تكلف له كتابة الفتوى وأرسلها إليه بالبريد.
وكان شهرته قد
تجاوزت مصر الى العالم الإسلامي كله ، فكانت ترد اليه الاستفتاءات تترى في مختلف
المسائل ، ومنها مسائل تحتاج الى مراجعات كثيرة مضنية ، فكان لا يضن بنفسه عن
القيام بها فيحررها ويرسل بها للمستفتين.
ومما انفرد به
أنه كان قد استخدم كتابا لنقل فتاواه وتولى إرسالها إلى طلابها في مختلف الأقطار ،
متحملا مكافآتهم شهريا وأجر ما يرسله بالبريد من الكتب والرسائل.
وقد عرف رحمه
الله بالزعامة في علم الأصول ، فكان يرجع إليه جلة العلماء فيما يشكل من مسائله ،
ويصادفون لديه لكل مشكلة حلا ، كأنها مرت به من قبل فعالجها وانتهى الى ما يحسن
السكوت عليه من أمرها .. وكان خاتم طبقة من العلماء المحققين الذين تميزوا في حياة
الأزهر بالتبسط في العقائد ، والتعمق في الفقه ، فانتهت إليه الامانة فيهما حينا
من الدهر. كما كان ـ غفر الله له ـ من أشد المعارضين لحركة الإصلاح التي قام بها
الامام محمد عبده. دفعه الى تلك المعارضة الثائرة دوافع المنافسة من جهة ، وتحريض
أولى السلطان من جهة أخرى ، وكان في الشيخ زكاته شاهدة ودعابة لطيفة ، وطموح إلى
مساماة الامام في منصبه ونفوذه وشهرته ، حرك فيه الأخذ بنصيب من الادب والثقافة
العامة. ولعله كان أعلم أهل جيله بدقائق الفقه الحنفي ، وأبسطهم لسانا في وجوه
الخلاف بين أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة.
وكان ميلاده في
المطيعة من أعمال أسيوط في ١٠ محرم عام ١٢٧١ ه ، وشب على الذكاء والعقل وحفظ
القرآن المجيد ، ثم حفظ متن الإجرومية في النحو ومتن العشماوية في فقه المالكي
وحضرهما على حضرة الأستاذ الشيخ محمد عنتر الكبير والد الشيخ محمد عنتر أحد علماء
الأزهر ، ثم طلبت نفسه الشريفة التوجه الى الأزهر لتحصيل العلوم من معدنها فقدم
لمصر في أوائل سنة ١٢٨١ واشتغل بالتحصيل مقلدا مذهب أبي حنيفة النعمان ، فحضر على
مشاهير الأزهر كالشيخ الدرستاوي ، والشيخ عبد الغني الملواني ، والشيخ عبد الرحمن
البحراوي ، والشيخ حسن الطويل ، والشيخ الدمنهوري ، والشيخ المهدي ، والشيخ عبد
الرحمن الشربيني ، والشيخ جمال الدين الافغاني حتى حضر غالب الكتب المعتاد قراءتها
بالأزهر من فقه ونحو
وحديث وأصول وتفسير وبلاغة ومنطق وحكمة وغير ذلك على المشايخ المذكورين
وغيرهم من كبار الأزهر ولازم الاجتهاد الى ان مهر وامتحن للتدريس وحاز الدرجة
الأولى ودرس سنة ١٢٩٢ ولازم تدريس كتب المنطق والحكمة والتوحيد الى سنة ١٢٩٥ ثم
درس الفقه والنحو الى سنة ١٢٩٧ وفيها تولى قضاء مديرية القليوبية ثم قضاء مديرية
المنيا ثم قضاء محافظة بور سعيد ثم قضاء محافظة السويس ثم قضاء مديرية أسيوط ثم
تولى تفتيش نظارة الحقانية ثم قضاء اسكندرية ثم تولى رياسة المجلس الشرعي بمحكمة
مصر الكبرى ثم عضوية المحكمة العليا بها ، ومع ذلك كان حفظه الله ملازما لتدريس
العلوم في كل جهة تولى بها مع همة ونشاط ، ولم يزل يدرس الكتب العالية مع القيام
بكامل شئونه وأعماله ، وله تآليف عديدة ، منها حواشي الخريدة ، وحواش على شرح
العقائد العضدية ، وارشاد الأمة في أحكام اهل الذمة ، وحسن البيان في ازالة بعض
شبه وردت على القرآن ، والدرر البهية في الصلاة الكمالية لدفع شبه وردت على تلك
الصيغة ، ومقدمة شفاء السقام المسماة بتطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد وسواها.
الشيخ حسين والي
كان مقررا ان
تنعقد لجنة الفتوى بالأزهر في الساعة الرابعة من مساء يوم السبت ٦ من ذي الحجة سنة
١٣٥٤ الموافق ٢٩ من فبراير سنة ١٩٣٦ برياسة فضيلة رئيسها المغفور له الشيخ حسين
والي ، وما كادت تبزغ شمس ذلك اليوم حتى فوجىء أعضاؤها ، كما فوجىء الناس عامة
بنعي رئيسها العظيم ، وما كادت تحين الساعة المحدودة لانعقاد اللجنة ، حتى كان
شيخها الجليل يعبر الطريق من منزله الى الأزهر الشريف محموة فوق الأعناق ، مشيعا
بقلوب مكلومة ، وزفرات حارة ، ودموع منهمرة ، فذاق اعضاء لجنة الفتوى الذي خبروا
الفقيد عن كثب ، فعرفوا فيه العلم الغزير ، والخلق الكريم ، والعقل الراجح ،
والفكر الثاقب ، والجلد على البحث ، والشغف
بالاطلاع ، والدقة في تلمس الحق ، ذاقوا آلام الحزن العميق على هذا المصاب
الجلل .. ويقول عنه الشيخ عبد الجواد رمضان : هو السيد حسين والي بن العلامة السيد
حسين والي بن السيد إبراهيم والي ، ينتهي نسبه الى الإمام أبي عبد الله الحسين بن
علي ، رضي الله عنهما ، ولد في منية ابو علي من اعمال مركز الزقازيق في مديرية
الشرقية ، في رجب الفرد سنة ١٢٨٥ نوفمبر سنة ١٨٦٨ ، وطلب العلم في الأزهر ، منتسبا
الى رواق معمر ، إلى ان نال شهادة العالمية سنة ١٣١٧ ه ـ ١٨٩٩ م. وأذن له
بالتدريس في الأزهر سنة ١٩٠٠ ، ثم ندب للتدريس في مدرسة القضاء الشرعي سنة ١٩٠٧.
ثم عين مفتشا في الأزهر والمعاهد الدينية سنة ١٩١١ ، ثم وكيلا لمعهد طنطا سنة ١٩١٤
، ثم سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى بالأزهر سنة ١٩٢٠ ، وبقي في هذا المنصب الى أن
ألغي في ديسمبر سنة ١٩٢٦ ، وفي ٧ من شهر ربيع الأول سنة ١٣٤٣ (٦ من أكتوبر سنة
١٩٢٤) عين في هيئة كبار العلماء بمرسوم جاء فيه : «عين في هيئة كبار العلماء كل من
حضرات. الشيخ محمد مصطفى المراغى الحنفي المذهب رئيس المحكمة العليا الشرعية ،
والشيخ حسين والي السكرتير العام لمجلس الأزهر الأعلى والمعاهد الدينية ، والشيخ
محمد الحلبي ، والشيخ سيد علي المرصفي ، الشافعي المذهب». وتوفي ـ طيب الله ثراه ـ
في ٢٨ من فبراير سنة ١٩٣٦ ، وهو عضو في مجلس الشيوخ ، وفي المجمع اللغوي. وما تزال
أصداء جولاته تدوي في قبابهما فيتجاوب بها آفاق العروبة في مشارق الأرض ومغاربها
إلى اليوم.
والسيد حسين
والي ، أحد الأقطاب الذين سما حظهم من التبحر في علوم اللغة العربية وآدابها ،
وأخذوا بآفاقها وشعابها ، على جميع الباحثين والمتأدبين ، في عصر النهضة ، فلا
يسبقهم سابق ، وإن ناصاهم شواذهم في أقطار الشرق العربي معدودون معروفون. هم
الأئمة «وسائر الناس على آثارهم مهتدون».
لا جرم ان
مواهب السيد حسين والي ، جديرة بأن تبوئه هذه المنزلة
الرفيعة التي لا ترام ، فلقد كان ـ إلى تبحره في علوم الأزهر ـ كاتبا قديرا
، وشاعرا فحلا. يكتب كما يكتب حمزة فتح الله ، والسيد توفيق البكري ، والشدياق الخ
، ويشعر كما يشعر حمزة فتح الله ، والسيد توفيق البكري ، وآل اليازجي ، وغيرهم من
كبار الكتاب وفحول الشعراء ، في مصر والشام والعراق ، ويصاول المؤلفين والباحثين
في وزارة المعارف وغيرها ، وينقدهم ، وينال منهم ويوجههم فيتجهون ، ويفتي في اللغة
والأدب ، فينقطع كل قول ، ويخفت كل صوت. ذلك بأنه كان مطلعا فقيها لغويا ، ذواقة ،
هاضما لما علم ، واثقا مما يقول .. والإيمان بالرأي أقوى أسلحة الشجاع. وكان من
الطبيعي أن ينال السيد حسين والي من الشهرة عند الخاصة والعامة كفاء هذه المواهب
المتوافرة ، بيد أنه عض من شهرته شمائل ، هي في شرفها وعنصرها أنفس جوهرا ، وأعز
قيمة ، وأرفع جمالا من كل شهرة. وكان السيد حسين والي غاليا في التعصب للقديم ،
يعتز به ، ويحافظ عليه ، ويرعاه في دينه ، وفي سمته ، وفي لغته ، وفي كل ما يحيط
به ، حتى لقد سمي أولاده : أسامة ، ولؤي ، ونزار ، والفرات. يحدوه إلى ذلك نسبه
الشريف ، ونشأته الأزهري ، ووقار ألبسة الله منه رداء فضفاضا ، ثم نزعة صوفية
عميقة ظهرت فيه طول حياته.
الشيخ محمد الفحام
تخرج الأستاذ
رحمه الله في الأزهر ، وبعد نيله شهادة العالمية التحق بخدمة القضاء الشرعي ،
وتقلب في وظائفه سنين كثيرة عرف فيها بسداد الرأي والحزم ، ثم نقل من القضاء إلى
الإمامة الخاصة للملك ، ثم خرج منها إلى مشيخة معهد الاسكندرية ، فكانت له فيها
آثار ظاهرة ، ونظم مفيدة ، وسمعة بين الناس طيبة رشحته إلى تقليد وكالة الجامع
الأزهر ، وكان قد تملأ خبرة بادارة الاعمال ، وبالزمان وأهله ، وبقيادة الموظفين ،
فكان يخوض معهم في الادارة العامة عباب الأعمال المختلفة ، ويمضي معهم الساعات
الطويلة مناقشة وبحثا وتحقيقا وتثبتا ، ويقابل في أثناء ذلك الوافدين
عليه فيسعهم بتلطفه وطلاقة وجهه ، لا يكاد يفرغ من هذا العمل المتواصل آنا
يسترد فيه ما فقده من قواه حتى موعد الانصراف.
لبث على ذلك
بضع عشرة سنة ، ولو لا صفات متأصلة فيه من المضاء والمرونة المستندة إلى اللباقة ،
لاصطدم طوال هذه المدة التي اجتاز الأزهر فيها أزمات خطيرة ، وعقبات كأداء ،
بعواثير لا تذلل ، ولكنه رحمه الله عالجها على أسلوبه بالموازنة والمياسرة ، وتمكن
بذلك أن يستبقي الادارة العامة قائمة تؤدي واجباتها الديوانية خلال هذه الأزمات
الشديدة.
أصابه رحمه
الله قبل نحو شهرين من وفاته ، مرض عضال أصاب الطحال والقلب ، بذل كثير من الأطباء
جهد العلم في معالجته فاستعصى ، وما زال رحمه الله يضعف حتى أسلم الروح في مساء
السبت ١٨ من جمادى الأولى سنة ١٣٦٢ (الموافق ٢٢ من مايو سنة ١٩٤٣).
الشيخ يوسف الدجوي
في مساء
الثلاثاء ٤ صفر سنة ١٣٦٥ ه ـ ٨ يناير سنة ١٩٤٦ م ، توفي الشيخ العلامة ، يوسف
الدجوي الأزهري النابغة الكفيف البصر ، وعضو جماعة كبار العلماء.
وكان الأستاذ
الدجوي من العلماء الراسخين في العلوم التي تدرس في الأزهر أخذها عن أئمتها مثل
الشيخ هارون عبد الرازق والشيخ احمد الرفاعي الفيومي والشيخ محمد طموم والشيخ احمد
فايد الزرقاني ، والشيخ رزق البرقامي ، والشيخ سليم البشرى ، والشيخ البحيري ،
والشيخ العدوى ، وكلهم من أقطاب الجامعة الأزهرية الذين صانوا رسالتها الى هذا
العصر الحديث.
ولد الدجوي في
قرية دجوة التابعة لمركز قليوب في سنة (١٢٨٧) من أب عربي ، وأدخله والده الأزهر في
سنة (١٣٠١ ه) ونال الشهادة العالمية في سنة (١٣١٧) بنجاح عظيم كان مدعاة لأن
يزوره في دارة الشيخ راضي
الحنفي من كبار العلماء وهنأه على ما أصاب من توفيق. وما فعل ذلك إلا من
شدة إعجابه به ، وإكباره لشأنه ، وتوقعه له حياة علمية تشرف الأزهر والأزهريين ،
وقد صدق حدسه ، فإن الأستاذ الدجوي لم يلبث أن ظهرت مواهبه ، وتجلت خصائصه ، فصار
مرجعا للمستهدين والمستفتين في جميع البلاد الإسلامية.
ولما أسست
المشيخة الأزهرية مجلة الأزهر كان من أول من وقع اختيارها عليهم ليحرروها الشيخ
الدجوي رحمه الله ، فكتب فيها البحوث الممتعة في الدين والتفسير والحكمة ، وبقي
على موافاتها ببحوثه الى عهده الأخير.
ومن مميزات
الشيخ رضي الله عنه أنه كان يأنس الى البحوث النفسية الحديثة في اوروبا ويراها خير
أداة لكسر شوكة الماديين ، وقد اعتمد في كتاباته على ما حققوه منها وكان لا يخشى
في مجاهرته بذلك لومة لائم.
وقد ترجم له
قلم ترجمة مجلة الأزهر كتابه القيم (رسائل السلام) الى اللغة الانجليزية ، فطبعت
المشيخة الأزهرية منه عشرة آلاف نسخة بعث كثيرا منها لمن لا يستطيعون فهم العربية
وللأجانب الراغبين.
كان مفسر
الأزهر ومحدثه ، بل فيلسوفه وكاتبه ، وخطيبه ، كما كان موضع ثقة الجماهير
الاسلامية في شتى الأقطار ، تتوارد اليه استفتاءاتهم من جميع الجهات ، وتصلهم
مقالاته النافعة بمجلة الأزهر وغيرها من المجلات والصحف العربية والافرنجية
ومؤلفاته الممتعة .
ومنها كتاب
سبيل السعادة الذي ألفه عام ١٩١٢ م في فلسفة الاخلاق الدينية وأسرار الشريعة
الاسلامية ، والرد على الطبيعيين ، وقد قرظه امام اللغة المرحوم الشيخ حمزة فتح
الله بكلمة طويلة منها : «أحسنت يا شيخ
__________________
الدين ، وأديت فرض الكفاية عن علماء المسلمين ، وشفيت السقام ، ورويت
الاوام».
ومن مؤلفاته
رحمه الله : الجواب المنيف في الرد على مدعي التحريف في الكتاب الشريف ، اخرجه عام
١٩١٣ م ، رد فيه على القس الانجليزي (كولدساك) الذي طعن القرآن الكريم ونقص من شأن
الاسلام ، فأتى الشيخ على مزاعمه فهدمها من أساسها ، وظل يتابع حملاته على كتاب
هذا القس حتى صودر. ومن مؤلفاته النادرة رسالة في تفسير قوله تعالى :
(لا يُسْئَلُ عَمَّا
يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) لم يتقيد فيها بما قاله المفسرون ، بل ذهب فيها كل مذهب
، وتصرف فيها كل متصرف ، ودعا فيها علماء المسلمين شرقا وغربا للاجتماع والتشاور
لاستنباط أسرار القرآن قبل ان يتهددهم الخطر ... ومنها رسالة في علم الوضع ،
اخرجها عام ١٩١٧ م وقد نالت الجائزة الاولى من لجنة فحص الكتب العلمية ... ومنها
مذكراته في الرد على كتاب الإسلام وأصول الحكم ، وكلماته في السلفيات الحاضرة ،
وقد طبع هذه الكلمات علماء دمشق ونشرت هناك ... ومنها صواعق من نار في الرد على
صاحب المنار. ومنها هداية العباد الى طريق الرشاد. جمع فيه من محاسن الدين
الإسلامي الشيء الكثير ، وقد انفرد فيه بأشياء لم يسبقه بها غيره. ومنها كتاب
رسائل السلام ورسل الإسلام ، انتهى من تأليفه عام ١٩٢٢ م على أثر تكليف مشيخة
الأزهر له بإخراجه بمناسبة اعتناق الألوف المؤلفة من أهل أوروبا وأمريكا ، الدين
الإسلامي ، وقد ترجمته مشيخة الأزهر باللغة الإنجليزية وطبع بالمطبعة الاميرية ،
وأرسل الى الجهات النائية.
وقد وجهت صحيفة
الاهرام الغراء في نهاية عام ١٩٣٩ م نصحها وارشادها الى زعيمي دول المحور الهر
هتلر والسونيور موسوليني باتباع ما جاء بهذا الكتاب والعمل بالتعاليم الموجودة بين
دفتيه ، إذ انها تدعو للوئام والسلام. ولا يفوتنا أن نذكر في هذه الكلمة ما كان
يقوم به من المحاضرات
العلمية في تفسر آي الذكر الحكيم ، وحديث النبي الكريم ، عقب صلاة الفجر
بالرواق العباسي بالأزهر ، وكان جلة العلماء ، ومثقفو الطلبة حريصين على تلقي هذه
المحاضرات ، للارتشاف من منهل الامام الكوثر العذب ، يبادرهم اليها ، سيادة السيد
المجددي ، وزير الافغان المفوض بمصر سابقا ، وقد كتب بعض المستشرقين ؛ عند استماعه
هذه المحاضرات ، مقالات ممتعة ، نشرتها صحف فرنسا بعنوان (سبنسر وباكون ، في
الأزهر الشريف) الخ.
أما ناحيته
العملية ، فتتمثل فيما قام به من تأليف الجمعيات الإصلاحية الدينية ، التي منها
جمعية النهضة الإسلامية لمناهضة المبشرين الذين استشرى فسادهم ، وعم ضررهم حتى ضجت
البلاد من شرهم ، فكانت جمعية موفقة أدت واجبها خير أداء ، وانتشرت فروعها في جميع
الانحاء ، فوقفت هذا التيار الجارف. ومنها الجمعية العظمى لمساعدة منكوبي حرب
الأناضول ، بمناسبة الحرب التركية اليونانية ، وأسندت رئاستها إليه اول مرة ،
وبمناسبة تأسيسه لها أرسل إليه الخليفة عبد المجيد كتاب شكر وثناء وتقدير. ولم
يقتصر نشاط الشيخ على ما تقدم ، بل لم يلهه الجهاد العلمي عن الجهاد الوطني ،
فكانت له مواقفه المشهودة في خدمة أهداف البلاد الوطنية ، ومن تلك المواقف احتجاجه
لدى العميد الإنجليزي على اعتقال المرحوم الزعيم الخالد سعد زغلول وصحبه المجاهدين
المخلصين ، اذ قال : «عجبا لسياستكم العتيقة كيف يفوتها أن شدة الضغط تولد
الانفجار ، وأن تقليم الأشجار لا يزيدها إلا تهيجا ونماء ، وأن النفوس الانسانية
متى امتلأت بشيء استعذبت الموت في سبيله ، ولا تظنوا يا جناب اللورد ان هذه
احتجاجات تفوه بها الألسن. وإنما هي قلوب متأججة وأرواح مشتعلة وأعصاب متنبهة ،
فاعملوا إنا عاملون ، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». وقد نشرته الصحف
في حينه. ومن مواقفه التي تشهد له بالفخر والاريحية والاقدام والشجاعة ، ذلك
الكتاب الذي رفعه الى ملك الانجليز طالبا به تخفيف حكم الإعدام الذي صدر على شاب
من شباب الأزهر وهو ـ
الشيخ محمد الشافعي البنا ـ وقد استجيب طلبه. كما أن الأستاذ الدجوي كان
محاضرا ممتازا تدعوه الجمعيات الاسلامية لإلقاء محاضرات علمية إجتماعية ، إلى غير
ذلك من مواقفه المجيدة ، وأعماله الحميدة.
كتبت عنه مجلة «هدى
الإسلام» تقول : قد وقف (الدجوى) أمام المضللين الذين عرفوا أنفسهم ب (المبشرين)
وقفات جبارة أحبطت جميع مساعيهم وحطمت آمالهم القوية من جهتين :
أولا : بكشف
أغراضهم وبيان ضلالهم وبطلان عقائدهم ومبادئهم.
ثانيا : بيان
صلاحية الشريعة الإسلامية للأزمنة والأمكنة ، وأنها الشريعة الكافلة لحياة البشر ،
وله في ذلك رسائل ومقالات كثيرة تشهد له بفائدتها شدة وقعها في النفوس ، ومع ذلك
فهو متعقب حركات المضللين وسكناتهم لا يدع لهم حيلة إلا فضحها ، وهذه المثابرة
أنتجت فكرة المقاومة ويسرت سبيل الغلبة ، ولو لم يتداركوا أمرهم ويبدلوا خطتهم
القديمة ، لما سمعت لهم صوتا في بلاد الإسلام ، وعلى كل فالهمم متضافرة والعزائم
متعاونة على ملاحقتهم ومكافحة أفكارهم ، فللدجوى يد فعالة في كل حركة إسلامية لا
تعرف الهوادة واللين ، وهو خير مثال للعالم الوقور ، وله مؤلفات عديدة تشف عما
انطوت عليه نفسه من الحكمة والسياسة الدينية والترغيب فى التدين وتصوير حقائق
الإسلام إلى غير ذلك من المباحث القيمة التي انفرد بها ، ولا تخلو منها مكتبة
عامرة ، ومع ذلك فقد كان دائبا على الكتابة والنشر ، حريصا على استثمار حياته ،
والمتتبع له يعتقد اعتقادا جازما بأنه قد جعل حياته كلها وفقا لخدمة الأمة
الإسلامية.
وللدجوي أسلوب
جذاب في الكتابة ، وهذه الجاذبية كما قلنا ليست بنت التصنع والتزويق وإنما من
تواضع صاحبها ونوادر المعاني العالية ، تتخذ لها القوالب الموافقة ، فيأتي المبنى
منطبقا على المعنى ، وعلى الرغم من ذلك فأسلوبه لا يتبدل مهما تبدلت مواضيعه.
وقد تكون بعض
مقالاته فهرس مقالات خصبة ممتعة. فكتاباته كانت أشبه بالإلهام والخواطر بصرف النظر
عن بعض الدواعي التي تدعوه إلى الكتابة حتما ، وهذا السر في أن كتابة الدجوى تأخذ
مفعولا كبيرا في
العقليات لأنها ابتعدت عن التصنع والزخرفة الفارغة ، وله قدرة جليلة على
حسن الاختيار من بدائع المنقول ، فهو يعرف كيف يقتطف لباب الغير وأروع الحوادث من
كتب المتقدمين وكذلك يعرف كيف يختار لها المناسبة ويعطيها اللائق بها ، فكثير من
الناس لا يعرفون كيف يستفيدون من تلك العبر والحوادث وهي بين أيديهم ، فلا غرابة
اذا هم لم يفيدوا بها وإذا فهموها فربما سولت لهم أنفسهم أن يستغلوا تأويلها في
مآربهم الخاصة كما جرى على هذه الطريقة كثير من تجار النفاق. وأنت إذا قرأت منقول
الدجوى ، اطمأنت نفسك اليه وارتاحت من عناء البحث والتنقيب وتعقيب المطولات ، فإنه
إذا نقل حفظ الامانة وأشار الى خلافها كما أنه يبنى عليه المعقول البديع الذي يخلب
الألباب ، وينادم الأفكار الحرة المجردة من قيود التعصب الأعمى والتقليد الطائش ،
وتكاد تلمس تحكمه في معقوله تحكما ينطبق على الواقع ويلائم الأحوال.
ولع بالعلوم
الدينية صغيرا ولم يكن ولعه مقصورا على الكسب والدرس ، بل أفسح لدماغه التجول والمناقشة
والنقد للرواية والدراية فظهر نبوغه بين أقرانه ورمقته عيون الحاسدين فلم تنل منه
شيئا إنما زادته جرأة وحرية أوسع ، ثم جمع بين العلم والزمان فرأى مفهوم العلم عند
بعض الناس يناقض حاجة العصر. حيث إن بعض العلماء عاجزون عن التوفيق بينهما وذلك
لأن فهمهم استمد من حالات قديمة تختلف كل الاختلاف عن الأحوال الراهنة. وقب ، أما
اليوم فليحارب وليثبت ولهذا كان (الدجوي) يسعى في التوفيق ليوحد رأي العلماء ويكون
منهم جبهة مناضلة بقوة العلم الحقيقي ، ليقضوا على الأدعياء الكاذبين ، فهو بطل
العلم وحامل لواء نهضته.
هذه ناحية من
جهاده تريك تأثيره القوي وما كان له من الكلمة النافذة في حياته عند المفكرين
والجماهير.
الشيخ عبد الحكم عطا
كان مولده سنة
١٨٦٥ في «نواى ملوى ـ أسيوط» من أسرة كريمة ، فوالده المرحوم الشيخ عطا عبد الفتاح
كان عالما جليلا مشهورا بالتقوى ،
والعلم والجرأة في الحق ، وله مقام عظيم لدى الكبراء والعظماء ، وكان
المرحوم محمد باشا سلطان يجل الشيخ ويحترمه ، حتى ألح عليه في الانتقال من بلدته.
والاقامة في «بني أحمد بالمنيا» فاستجاب دعوته. وتوارث آل سلطان باشا حب أبناء
الشيخ وإكبارهم. وفي بلدة بني أحمد. كان الشيخ عطا ، يلقي دروسه لأبناء الأعيان.
وقد تتلمذ له ولده الناشىء «عبد الحكيم» حتى إذا كانت سنة ١٨٧٩ أرسله إلى الأزهر
فأخذ عن العلماء الاعلام وابتدأ نجمه يتألق بين طلاب العلم في الأزهر.
وقد حصل على
العالمية الممتازة ، سنة ١٨٩٥ ولفت الأنظار عامئذ ، إلى كفاءته وذكائه وعلمه ،
وأشادت بذكره صحافة العهد. ثم اتخذ مكانة بين المدرسين في الأزهر ، فعمرت دروسه ،
وغصت بالمئات من تلاميذه ، المعجبين به ، الناهلين من علمه. ومكث يدرس في الأزهر
قرابة الثلاثين عاما ، ورفض غير مرة. أن يلي الوظائف ، وصدف عن التنعم في بحبوحة
المرتبات. متلذذا بخدمة العلم وتخريج العلماء. حتى عرض عليه أستاذه المرحوم أبو
الفضل ، بإلحاح ، مشيخة القسم الثانوي سنة ١٩٢٠ فخضع لأمر شيخه ، ومن وقتئذ بدأ
حياته الادارية ، فولي مشيخة القسم الثانوي والقسم العالي ، وجمع بينهما في بعض
الأوقات.
وفي سنة ١٩٢٨ ،
في عهد مشيخة الشيخ المراغى الأولى ، عين شيخا لمعهد أسيوط ، فبقي به سنة. ثم نقل
الى معهد الزقازيق عام ١٩٣٠ ، وقد أحيل إلى المعاش بعد حين. وكان من العلماء
المقدمين ، في هيئة كبار العلماء ، وهو بحق شيخ الشيوخ بلا مراء لكثرة من أخذ عنه
من الأساتذة .. والشيخ أحمد حميدة شيخ معهد أسيوط اليوم ، كان امتحانه في العالمية
من ثلاثين عاما امام الشيخ عبد الحكم. ولقد كان في علمه دائرة معارف اسلامية
أزهرية ، فقد حفظ كتاب الله ، وفهم دقائقه ، واستوعب كتب السنة ، وألم بالكتب
الأزهرية صغيرها وكبيرها ، متونها وشراحها وحواشيها ، إلماما عجيبا ، كأنه
استظهرها عن ظهر قلب. وذلك راجع إلى قوة عقله ، وشدة ذكائه وجلده وصبره على البحث
والدرس.
وفي إداراته ،
كان مثال الإخلاص ، كل همه أن يتجه الأساتذة والطلاب ، بكليتهم ، نحو الثقافة
الأزهرية الصميمة ، وأن يجعلوا وقتهم بأجمعه وقفا على تحصيل العلم ، لذلك كانت
نتائج معاهده في مقدمة النتائج.
أما خلقه وتقاه
، فكان فيهما على سنن السلف الصالح ، لا يعرف مداجاة هذا العصر ، ولا رياءه. ديدنه
الصدق والصراحة ، والتواضع والحلم ، والعطف على المحتاجين .. وبعد حياة حافلة ،
عامرة بالخير ، لقي الله في ١٠ ذي الحجة سنة ١٣٥١ ه (١٩٣٢) وصلى عليه بالأزهر ،
واستقر جثمانه هنالك ، في جوار العلماء والصالحين ، بقرافة المجاورين. ولم يعقب ،
الشيخ رحمه الله أبناء ، ولكنه ترك ثلات بنات أصهر بهن في حياته ، إلى الشيخ محمد
علي سلامة ، المدرس بكلية أصول الدين ، والشيخ قطب أبو العلا المدرس بالمدارس
الثانوية ، ومحمود افندي حسن من أعيان تله ـ المنيا. وقد قرت عينه بأسباطه قبل
وفاته ، ومنهم الأستاذ محمود محمد سلامه ، والمهندس عزت بالهندسة ، وغيرهما.
الشيخ محمود الديناري
كان مولده في «قاي
ـ بني سويف» سنة ١٨٧٥ ، وبين ربوعها نشأ وحفظ القرآن الكريم ، ثم مكث سنة في طنطا
يجود حفظه وقراءته ، وفي سنة ١٨٨٨ ألحق بالأزهر الشريف وبقي ينهل العلم من أعذب
مناهله ، حتى سنة ١٩٠٤ وفيها نال العالمية ، بدرجة ممتازة.
وفي هذه السنة
عين مدرسا في الأزهر ، ثم اختير مدرسا بمعهد الاسكندرية ليكون من حراس النظام
الناشىء بها. واستمر به إلى سنة ١٩١١ ثم نقل مراقبا للقسم النظامي الجديد بالأزهر
، فكان عونا وظهيرا للاستاذ الشيخ محمد شاكر على تركيز النظام. وفي سنة ١٩٢٠ عين
شيخا للقسم الأولى ، فعضوا في مجلس إدارة الأزهر ، ثم أضيفت إليه مشيخة القسم
المؤقت ، وفي سنة ١٩٢٥ عين شيخا للقسم العالي ، ثم اختير مفتشا
للمعاهد الدينية عام ١٩٢٨ في عهد الأستاذ الشيخ المراغى.
وفي ديسمبر سنة
١٩٢٩ عين شيخا لمعهد أسيوط ، فظهر فيه حزمه وكفايته ، وسار المعهد في عهده سيرا
حميدا ، وأحبه الأساتذة والطلاب جميعا ، وظهرت في المعهد روح الجد والنظام. وفي
ديسمبر سنة ١٩٣٠ زار الملك فؤاد أسيوط ووضع الحجر الاساسي في بناء المعهد الجديد ،
وكان الشيخ موضع رعايته.
وفي يونية سنة
١٩٣١ نقل شيخا لمعهد طنطا ، فعالج الروح الثائرة في الطلاب بحكمته ، ثم عني بإنشاء
جمعيات المحافظة على القرآن الكريم ، في طنطا وما حواليها. حتى جعلها في مقدمة
جمعيات القطر ، موردا وإنتاجا.
وفي سنة ١٩٣٤
قدم رسالة في (البلاغة) ، عين على إثرها عضوا في جماعة كبار العلماء ، وفي سنة
١٩٣٦ أنعم عليه بكسوة التشريفة الأولى.
ولقد كان من
المشهود لهم ، بالقوة في العلم ، والدقة في الادارة ، كما عرف بالدهاء وحسن
السياسة ، وهو كفء قليل النظير ، تتجلى كفاءته في كل عمل يسند إليه ، وهو مع ذلك
رجل يقدر الناس رجولته ويعجبون بها ، ويجلونه ، ويحبونه .. وجمهرة كبيرة ، من
أساتذة الأزهر والمعارف ورجال القضاء ، مدينون للشيخ ، بالأستاذية ، عارفون فضله
حافظون عهده .. ثم استجاب نداء ربه ، بعد هذا الجهاد المبرور ، في فجر يوم الجمعة
٢٧ رمضان سنة ١٣٥٥ ه (ديسمبر سنة ١٩٣٦) بمدينة طنطا ، ثم نقل جثمانه الطاهر إلى
القاهرة ، حيث هدأ هدأة الخلود ، في قرافة المجاورين ، في ظلال من رضوان الله.
الشيخ محمد سليمان
السرتي
عين مدرسا
بالمعاهد ، عام ١٩٠٧ ، وتنقل بين وظائف التدريس والمراقبة ، حتى عين شيخا لمعهد
دسوق ، فبقي فيه بضع سنين. وفي ١٢
يونيه ١٩٣١ عين شيخا لمعهد أسيوط ، وهو الذي جمع الدراسة من الدور
المتفرقة. إلى مكان واحد ، هو المدرسة الابتدائية القديمة ، وبفضله ابتدأ العلم في
بناء المعهد الجديد ، بعد تعطيله ، وفي عهده انتقل المعهد من تلك الأماكن
المستأجرة ، لدراسته وإدارته ، إلى ذلك الصرح المشيد ، المشرف على نهر النيل ، وله
بأسيوط مواقف مشهودة ، في الغيرة على الدين ، ومن أجمل آثاره ، جمعية المحافظة على
القرآن الكريم ، فقد أسسها وتعهدها ، حتى نمت وترعرعت .. والمدرسة الإسلامية
الابتدائية بأسيوط ـ التي أنشأها المؤلف ـ لن تنسى تشجيعه لها ، وفضله عليها ،
وكانت له صلات طيبة بالأهلين ، وكلهم محب له ، معجب بصراحته ، وجراءته ، وفصاحة
منطقه ، وكثيرا ما كان يخطب الناس في المساجد ، والمحافل ، في الشئون الاجتماعية
الهامة ، والحادثات الإسلامية المهمة ، وقد نقل شيخا لمعهد الزقازيق ، في فبراير
سنة ١٩٣٥ ، فشيخا لمعهد الاسكندرية ، ثم نقل شيخا لمعهد طنطا ، وفي طلابها بعض
الثورة ، فحاول علاجهم ، ولكن زمامهم أفلت من يده ، فأحيل إلى التقاعد في ١٩ يونيه
سنة ١٩٣٧ ، وعمره نحو ٦٤ سنة.
الشيخ عبد المجيد
اللبان
كان رحمه الله
من أمثل العلماء خلقا ، وأقواهم دينا ، وأصحهم عقيدة ، وأرفعهم شخصية ، مات وهو في
نحو السبعين من عمره ، وذلك نحو عام ١٩٤٠ م ، وكان يشغل منصب شيخ كلبة أصول الدين
، حيث ظل شيخا للكلية منذ إنشائها عام ١٩٣٢ إلى وفاته ، وكان مع ذلك عضوا في مجلس
الأزهر الأعلى ، وعضوا في جماعة كبار العلماء ، وعضوا في كثير من اللجان التي ألفت
لإصلاح الأزهر ، وتعديل مناهج الدراسة فيه ، وسوى ذلك ، وكان رحمه الله قبل أن
يشغل منصب «شيخ كلية أصول الدين» يتولى منصب شيخ القسم العالي في الأزهر. وقد تخرج
على يديه آلاف العلماء الذين كانوا يحبونه حب الابن لأبيه ، والتلميذ لأستاذه ،
وعند ما بدأ لأول مرة امتحان أقسام الأستاذية في الأزهر ، التي تعد خريجيها
للتدريس في الكليات
الأزهرية ، كانت لجان الامتحان برياسة ثلاثة شيوخ من كبار الشيوخ في الأزهر
، وهم الاستاذ الأكبر الشيخ محمد مأمون الشناوي ، والشيخ عبد المجيد اللبان ، أجزل
الله لهما مثوبته ، والأستاذ الأكبر الشيخ ابراهيم حمروش اطال الله في حياته ،
وكانت للشيخ اللبنان رحمه الله مواقف محمودة ، وذكريات لا تنسى ، وكانت عصبية
المراغى رحمه الله تناهضه ، لأنها كانت تعتقد أن الشيخ يعمل ليكون شيخ الأزهر
المرتقب بعد المراغى. وكان الشيخ اللبان يحرص كل الحرص على أن يبقى للأزهر تقاليده
ومقوماته وخصائصه ، وكان يرى ان الطفرة في الاصلاح قد تؤدي إلى نكسة ، ولذلك كان
خير عماد للأزهر في تطوره ، وملاذا لشيوخه الحذرين الخائفين من نتائج الطفرة
والسرعة.
وكان اللبان
مكانة كبيرة عند الحكام ، ومنزلة عظيمة لدى أولياء الأمور ، وكانوا يستشيرونه
دائما في أمور الأزهر وإصلاحه ، ولما تولى المراغى مشيخة الأزهر لثاني مرة ،
وأقيمت حفلة لتكريمه في ٣ يوليو ١٩٣٥ ، كان الشيخ اللبان رئيس لجنة الاحتفال ..
وكان في مطلع كل عام دراسي يستقبل اليوم الأول بخطبة بليغة يلقيها على الطلاب
والأستاذة ، يضمنها نصائحه وتجاربه وخبرته الواسعة.
وقد بدأ الشيخ
حياته العلمية بعد تخرجه من الأزهر الشريف مدرسا في معهد الاسكندرية الديني ، حيث
مكث مدة طويلة ، كان فيها محبوبا مكرما من الشعب والحكام والمسئولين ، ودارت
الأيام حتى أصبح شيخا للقسم العام فشيخا لكلية أصول الدين ، إلى أن توفي رحمه الله
تاركا ذكريات أزهرية طيبة لا تنسى على مر الأيام.
الشيخ عبد الوهاب
النجار
درس في الأزهر
وتخرج في مدرسة القضاء الشرعي وعمل مدرسا في وزارة المعارف المصرية. وقد غضب عليه
وزير المعارف فنقله من مدرسة عابدين إلى مدرسة أسوان ، وهو مدرس حديث العهد
بالوظيفة إثر اشتراكه
في جمعية مكارم الأخلاق الاسلامية فاستقال من وظيفته. وسافر بعد فترة إلى
السودان مدرسا في كلية غرودن ، ثم عاد إلى مصر فعين بمدرسة البوليس والإدارة بعد
فترة قضاها في المحاماة ، ثم اختير مدرسا بمدرسة دار العلوم إلى أن أحيل إلى
المعاش ، ثم عين ناظرا لمدرسة عثمان باشا ماهر وندب مدرسا بكلية أصول الدين. وهو
في جميع هذه الوظائف كان الداعي إلى الدين بالبرهان الساطع ، والبيان الناصع ،
الواقف لأعدائه بالمرصاد ؛ يرد كيدهم ويبطل سعيهم. وقلما وجد منبر من منابر الدعوة
الإسلامية إلا كان الشيخ من أبطاله. وأبرز ما في تاريخ الشيخ اشتراكه في جمعية
الشبان المسلمين ، ونهوضه بجزء عظيم من عملها العلمي والإداري عضوا فوكيلا ، ثم
سفره إلى الهند بعد بعثة أزهرية لدراسة أحوال المسلمين وغيرهم هناك ، وتمكين
الروابط بين مسلمي الهند وطوائفهم ، وللشيخ في التأليف العلمي آثار قيمة : فله
كتاب (قصص الأنبياء) وهو كتاب استقصى فيه قصص الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن
وغيره وجرده مما علق بها من ضلالات وأوهام. وله كتاب «تاريخ الخلفاء الراشدين».
وله غيرهما آثار دينية وأدبية وتاريخية ، حفلت بها المجلات والصحف طول حياته ، وتوفي رحمه الله في ١٩ ـ ٧ ـ ١٩٤١.
الشيخ عبد الرحمن
الجزيري
كان بعيد الأثر
في الاصلاح الديني والتهذيب العلمي. فقد كان مما اضطلع به وظيفة التفتيش على
الأئمة والخطباء بمساجد الأوقاف ، في عهد ساءت فيه حال الخطابة الدينية بالمساجد ،
وشكا الناس من طريقة إلقائها ، وضيق موضوعاتها ، التي كانت تدور غالبا حول النهي
عن السرقة وشهادة الزور وتحريم الربا وشرب الخمر. فما زال الشيخ يلاحظ ويرشد حتى
استطاع ان يخرج الخطابة عن هذا المحيط الضيق ، ويجعلها تلمس حياة الناس وما يجري
بينهم ، مما ينغص الحياة ويبعد من الله. ثم أحيل إلى المعاش فندب في كلية أصول الدين
مدرسا بها تقديرا لعلمه وفضله. وقد
__________________
يستطيع أحد تلاميذه ، وهم كثير ، أن يتحدث عن كفاية الشيخ وإخلاصه وإتقانه
لعلمه.
وللشيخ في
ناحية التأليف العلمي امتياز خاص ، فقد كان كثير الانتاج في تحقيق وتدقيق ومن يقرأ
«كتاب الفقه على المذاهب الأربعة» وهو في أربعة مجلدات ، يعجب لمواهب الشيخ في هذا
الباب ، ويدهش كيف واتته الفرصة على أن يقرأ الفقه في المذاهب الأربعة ثم يجمع
ويهذب ويكتب.
وللشيخ غير هذا
الكتاب كتب كثيرة منها : أدلة اليقين ، وتوضيح العقائد ، والأخلاق. هذا عدا ما
للشيخ من مقالات نشرت في مناسباتها بالصحف والمجلات .
الشيخ محمد عبد الله
أبو النجا
كان المرحوم
الشيخ محمد عبد الله أبو النجا من أفذاذ العلماء ، ومن أمثلهم خلقا ودينا وورعا ،
وحجة ثبتا في علوم الدين والعربية ، وكان يسيطر على قلوب تلامذته ومريديه : بأدبه
الجم ، وتواضعه المأثور ، وصلاحه النادر ، وعفة لسانه ، وقوة بيانه ، وشجاعته في
قول الحق والجهر به. وكانت محاضراته ودروسه في كلية اللغة ـ في النحو والصرف وأصول
الفقه والحديث والتفسير وغيرها ـ ميدانا لتسابق العقول ، وشحذ الملكات ، وتربية
المواهب. ولا يزال إخوانه وأبناؤه في العلم يذكرون ذلك بالوفاء والتقدير وعرفان
الجميل. أية موهبة كان يضمها إهابه ، وأي دين كان ينطوي عليه قلبه ، وأي عقل كنا
نعتز بالانصات لتفكيره والتأدب بأدبه. كان رحمه الله من خيار أساتذته في طلب العلم
: والده المغفور له الشيخ عبد الله أبو النجا ، العالم الكبير ، والأزهري النابغة
، الذي اختير للتدريس بمعهد الاسكندرية الديني (١٩٠٨ ـ ١٩٢٢ م) ، وعند إنشاء أقسام
التخصص في الأزهر اختير لتدريس الفقه والأصول فيها. وكان من خيار شيوخه في الله :
العارف بالله الشيخ منصور أبو هيكل ، وولده الشيخ عثمان ، وقد وصل عليهما الشيخ ،
__________________
والشيخ عبد الخالق الشبراوي الذي كان ملازما له ، والشيخ عبد الحميد
ابراهيم. وسواهم من أولى الصلاح والولاية.
وكانت لذة البحث
والعلم عند الشيخ واضحة جلية في جميع أطواره ، فكان يلازم والده في غدواته وروحاته
، ويناقشه في مسائل العلم والدين حتى حين تناول الطعام وفي أوقات الراحة ، وكثيرا
ما كانت تعقد الندوات العلمية في منزل والده فيشترك فيها سامعا ومناقشا.
وقد ولد رحمه
الله عام ١٨٩٧ في قرية «كفر عيسى» من بلاد مركز فاقوس ونال العالمية بتفوق كبير
عام ١٩٢٥ م.
ثم عين مدرسا
في المعهد الابتدائي ، ونقل للتدريس في المعاهد الثانوية ثم مدرسا في كلية اللغة
العربية منذ إنشائها عام ١٩٣١ ، إلى أن نقل وكيلا لمعهد القاهرة ، فمفتشا بالأزهر
، فوكيلا لكلية اللغة العربية.
وفي ٨ مارس عام
١٩٤٩ شعر الفقيد الكبير بتعب واجهاد ، فاستراح في منزله يومين استأثرت به بعدهما
رحمة الله تعالى في ١٠ مارس سنة ١٩٤٩ ، فخسرت كلية اللغة العربية بوفاته علما من
أعلامها ، وركنا من أقوى أركانها ، وأذهلت لوعة المصاب فيه عقول تلامذته ومريديه
وعارفي فضله.
فرحمة الله
رحمة واسعة ، وجزاه على ما قدم من صالحات خير الجزاء.
وللشيخ كتاب في
علم أصول الفقه ، يجمع صواب الرأي ودقة الملاحظة وعمق الدراسة ، وقوة الملكة. وكان
شيخنا رحمة الله يدرس هذا العلم وهذا الكتاب.
محمود أبو العيون
طويت بوفاة أبي
العيون صفحة خالدة من الإيمان والحماسة والكفاح والوطنية ووري الرجل في ومسه ،
وفقدنا فيه أمة في رجل ، ومصلحا قل أن يجود بمثله الزمان. كان أبو العيون مضرب
الأمثال في الغيرة الدينية ، والجهاد
الوطني ، وحب الإصلاح ... وكانت الصحف والمجلات تتسابق إلى أحاديثه في
مختلف المناسبات ، وكان في الأزهر ركنا من أركانه ، وعلما من أعلامه ، أحبه الجميع
، وقدروا فيه العفة والنزاهة وطيبة القلب وحلاوة اللسان.
ولد رحمه الله
عام ١٨٨٢ من أسرة كريمة ، عرفت بالورع والتقوى والعلم ، وحفظ القرآن الكريم ، ثم
التحق بالأزهر ونال العالمية عام (١٣٢٦ ه ـ ١٩٠٨ م). وعين مدرسا بمدرسة ابتدائية
، ثم اختير للتدريس في الأزهر عام ١٩٠٩. وبدأت قصة كفاحه منذ عام ١٩١٢ م حين قامت
الحرب الطرابلسية .. وكتب في ثورتنا الوطنية سنة ١٩١٩ م وما بعدها أروع الصفحات
وأكرم الآيات. وقد اتجه إلى الرذائل الاجتماعية يحاربها ، فأعلن الحرب على البغاء
والخمر ، وعلى المجون ، وعلى التبذل والاستهتار في المصايف والشواطىء. وكان أبو
العيون كثير الاعتزاز بكرامته ، ولا نزال نذكر بالفخر قصة خطف احد رجال البوليس
لعمامته. دون أن يعرف شخصيته ، أثناء حصار المعهد الأزهري الديني عام ١٩٤٦ ،
واحتجاجه المشهور على رئيس الوزراء ، وإنذاره له بان طربوش رئيس الوزراء بعمامة
أبي العيون ، واعتذار رئيس الحكومة له ـ وكان النقراشي باشا ـ في مأدبة غداء
أقامها لهما أحمد عبد الغفار باشا .. ولأبي العيون كتب قيمة في تاريخ مصر والإسلام
، تدرس في الأزهر. وله مقالات وبحوث مشهورة. في محاربة البغاء جمعها في مؤلفات ..
وقبيل وفاته نشرت مجلة «إلا خمسة» الجامعية حديثا وطنيا بعنوان «دم الانجليز ـ الذين
يحاربوننا في القنال ـ غير معصوم» .. رحم الله أبا العيون ، لقد كان رجلا ، وكان
بطلا ، وكان مؤمنا بربه ودينه ، وكان من الخالدين. تخرج الشيخ في الأزهر عام ١٩٠٩
، وعمل مدرسا بوزارة المعارف ، ثم نقل إلى الأزهر وتقلب في وظائفه ، واشترك في
الثورة المصرية عام ١٩١٩ وحكم عليه بالسجن ، وعين بعد الثورة مفتشا بالأزهر ، ثم
اختير عام ١٩٣٥ شيخا لمعهد أسيوط ، ونقل في ١٩ مايو ١٩٣٥ شيخا لمعهد الزقازيق ، ثم
نقل بعد سنوات شيخا لمعهد طنطا ، فالإسكندرية ، ثم اختير سكرتيرا عاما للأزهر ،
وتوفي عليه رحمة الله في ٢٨
صفر ١٣٧١ ه ـ ٢٠ نوفمبر عام ١٩٥١ م ، وهو من مواليد دشلوط مركز ديروط من
أعمال مديرية أسيوط .. ومواقفه في محاربة البغاء والسفور والعرى على الشواطىء
مشهورة.
وقد أقيمت بدار
الشبان المسلمين حفلة تأبين لأبي العيون يوم الجمعة ٢٨ ـ ١٢ ـ ١٩٥١.
ويقول فيه
الأستاذ أبو الوفا المراغى : جل مصاب الوطن ، وفدحت خسارته فيك ، فلقد كنت في
الرعيل الأول من المجاهدين لحريته واستقلاله ، وجهادك صفحة خالدة في تاريخك ،
يعرفها المجاهدون الأحرار ويقدرونها لك ويضعونك بها في الصف الأول من المجاهدين
الصادقين. لقد كنت في طليعة العاملين في فجر النهضة الوطنية ، عرفتك المنابر
العامة في الأزهر وغيره خطيبا مبرزا من خطباء الثورة ، واستضافتك السجون كما
استضافت غيرك من قادة الثورة ومحركيها ، وشاركت في المظاهرات بشخصك ، وعرضت نفسك
للحراب والرصاص ، ولقيت ما يلقى الأحرار من تشريد ، وكسب تجار الوطنية ما كسبوا من
مال وجاه ، ولم تكتسب إلا ما ادخره الله لأمثالك من المجاهدين المخلصين. وكنت بين
الأدباء من مواطنيك أديبا ممتازا ، واضح الأسلوب مشرق الديباجة ، جزل العبارة تصل
الى غرضك في لباقة وكياسة ، عفا في عبارتك وخصومتك ، لم تدنس قلمك بما لا ترضى عنه
أصول المناظرة وقواعد الآداب. وها هي ذي جولاتك في مجلات الأدب الراقية ، وأنديته
الرفيعة تشهد بطول باعك في الأدب وتبريزك في فنونه ، وتضعك في الطليعة من أدباء
العربية ، ولن ننسى لك جزالة أسلوبك وقوة روحك وشخصيتك في مؤلفاتك التاريخية لطلاب
المعاهد الدينية ، وفي مقالاتك بمحلة الأزهر والهلال وغيرهما من المجلات الراقية
ذات الطابع الأدبي الخاص.
__________________
ومن قصيدة
للشيخ عبد الجواد رمضان في رثائه :
شيعوا كواكب
التقى والرشاد
|
|
وطووا راية
الهدى والجهاد
|
حين قالوا :
أبو العيون تردى
|
|
فجعت أعين
العلا في السواد
|
قائد مات ،
والبلاد جنود
|
|
تأثرت ، ترنو
إلى القواد
|
حرة تنشد
الحياة ، وتدعو
|
|
من بينها ،
بكل حر مفادى
|
يا قريع
الخطوب في كل هول
|
|
يا لواء
الكفاح في كل عادى
|
كيف طاح
اللواء ، قل لي ، متى ط
|
|
حت ، وما طحت
في زحام الجلاد
|
كم تدرعته
عزيزا كريما
|
|
خضبت وجهه
دماء الأعادي
|
واقتحمت
الصفوف تزخر بالمو
|
|
ت ، مشيحا ،
تصيح : تحيا بلادي
|
في الرعيل
السباق من حاملي الع
|
|
بء ، ومن كل
أريحي جواد
|
نزلت مصر
منهمو في السويدا
|
|
ء ، فهزت
نفوسهم للطراد
|
رفعوا راية
الجهاد وهبوا
|
|
حين نادى
الجهاد. كالآساد
|
لا يبالون
بالحديد وبالنا
|
|
ر ، وبالموت
، في سبيل المراد
|
لهف نفسي عليك
، فارقت مرما
|
|
ك ، إلى غير
رجعة أو معاد
|
عليكا لهدى
والجهاد في يوم منعا
|
|
ك ، توارى
سناهما في الحداد
|
فعزاء لمصر
فيك ، إذا أغنى
|
|
عزاء لدى
الكبود الصوادى
|
وسلام عليك
في جنة الخلد ،
|
|
مجيدا ، من
عترة أمجاد
|
ومن قصيدة
لفضيلة الشيخ أحمد شفيع السيد الأستاذ المساعد في كلية اللغة العربية في رثائه
أيضا :
طويت صحيفة
عالم موهوب
|
|
قاد الطلائع
وهو غير هيوب
|
ومجاهد في
الله حق جهاده
|
|
لم يخشى من
سجن ولا تعذيب
|
الثورة
الكبرى ذكت نيرانها
|
|
ببراعة
وبيانه المشبوب
|
فلو استمعت
اليه في عزائها
|
|
لرأيت اي
مناضل وخطيب
|
كم ذا يجلجل
صوته فيهزنا
|
|
كالعاصفات
تهز كل قضيب
|
وتخال من عجب
نمير بيانه
|
|
نارا تلظى في
نهى وقلوب
|
في كل مجتمع
وكل صحيفية
|
|
ذوب البراعة
من بنان أريب
|
هو واحد حرس
الفضيلة جاهدا
|
|
لم يلف من ند
له وضريب
|
يا مذكى
العزمات في أبنائه
|
|
ومواصل
الارشاد بالتهذيب
|
مترفقا في كل
ما يبديه من
|
|
نصح بلا لوم
ولا تثريب
|
وشعاره في
حكمة : لا تغضبن
|
|
لكنه للحق جد
غضوب
|
في كل ناحية
ترى آثاره
|
|
كالغيث
شؤبوبا على شؤبوب
|
أو في
السبعين وهو مجاهد
|
|
بذ الشباب
بعزمه ودؤوب
|
الدين أول
ثاكل بمكافح
|
|
قد كان عدته
لكل عصيب
|
لو كان في
الأعلام مثلك داعيا
|
|
هان المصاب
لثاكل كل محروب
|
يا من رأى
بطل الجلاد مجندلا
|
|
في غير ميدان
وغير حروب
|
واها لحدثان
الحياة فإنه
|
|
يأتي من
الأهوال كل غريب
|
يا يوم نعي (ابي
العيون) تركتنا
|
|
ريع النهار
بحالك غربيب
|
فالليل ممدود
الرواق مخيم
|
|
والصبح آذن
ضوءه بمغيب
|
وترى العنادل
أمسكت لهواتها
|
|
شجنا ،
وللغربان شر نعيب
|
لله اي شهادة
كتبت له
|
|
حين الجهاد
فنال خير نصيب
|
أدى رسالة
ربه حتى إذا
|
|
هتف الحمام
أجاب خير مجيب
|
هبني يراعك
أقض حق مآثر
|
|
كالشمس لكن
غير ذات غروب
|
وقد توفي رحمه
الله يوم الثلاثاء ٢٨ صفر ١٣٧١ ه ـ ٢٠ نوفمبر ١٩٥١ ، وشيعت جنازته في اليوم
التالي في موكب رهيب إلى الأزهر الشريف. ونعته الأهرام إلى العالم الاسلامي ، فقالت
:
ننعي إلى
العالم الإسلامي أجمع ، فقيد الشرق والإسلام صاحب الفضيلة العالم الجليل الشيخ
محمود أبو العيون السكرتير العام للجامع الأزهر ، فقد فدحت الفجيعة بوفاته ليلة
أمس إثر حادث أليم ، ففقدت مصر والشرق بفقده عالما من خيرة العلماء العاملين ،
ومجاهدا من صفوة المجاهدين المخلصين ، ومصلحا سلكته جهوده الإصلاحية التامة في
الخالدين.
لقد درج الفقيد
العظيم في حجر الأزهر يافعا يتلقى العلم عن شيوخه الاجلاء ، ويقف في الطليعة من
طلابه النجباء ، حتى نال شهادة العالمية في عام ١٣٢٦ هجرية (١٩٠٨ ميلادية) واختير
عقب ذلك مدرسا في الأزهر حتى رؤى الانتفاع بكفايته في التوجيه العلمي ، فأسندت
اليه مهمة التفتيش في سنة ١٩٢٥ ثم ندب شيخا لمعهد أسيوط سنة ١٩٣٥ وعين بعد ذلك
شيخا لمعهد الزقازيق فشيخا لمعهد الاسكندرية ، وقد ظل في هذا المعهد حتى اختير
سكرتيرا عاما للجامع الأزهر والمعاهد الدينية.
ومع حرص الفقيد
طيب الله ثراه على أن يخص العلم وأهله بالنصيب الأفى من وقته وجهده ، فقد استخلص
جانبا من الوقت والجهد لما عمر به قلبه الكبير من رغبة قوية في الاصلاح الاجتماعي
، فكانت له جولاته
الخالدة على صفحات الأهرام في مكافحة البغاء وفي غير ذلك من النواحي
الاجتماعية التي يعنى بها أنداده من العلماء المصلحين.
وحين نهضت مصر
نهضتها الوطنية الكبرى سنة ١٩١٩ كان الفقيد اكرم الله مثواه في مقدمة الصفوف ،
يخطب ويكتب ويحفز الهمم ويشحذ العزائم ويدعو الى الجهاد لاسترداد المغصوب من حقوق
البلاد ، حتى لقد غدت مواقفه الوطنية في ذلك الحين موضع التنويه والتقدير في كل
مكان.
ومن مقالاته
الرائعة مقال نشرته الهلال عنوانه «اتهم رجال الدين» جاء فيه :
«اتهم رجال
الدين في الماضي القريب ، لأنهم قصروا في أداء رسالتهم من تبليغ حكم الله للمسلمين
في الأحداث التي زحزحت الدين عن مكانه ، وعطلت تنفيذه في القضاء والأحكام ،
وتطبيقه في الحوادث التي تخالف الشريعة وتناقضها.
في سنة ١٨٨٥
استبدل القانون الفرنسي بالشريعة الحنيفية الغراء التي سار عليها المسلمون أجيالا
بعد أجيال في أزهر عصور الاسلام ، فلم يحرك علماء ذلك العهد ساكنا ، ولم ينكروا
ذلك الحدث العظيم في الاسلام ، وإذا كانوا قد أنكروا فلم يسجل التاريخ لهم أنهم
أوذوا ـ أو نفوا من الأرض ـ في سبيل إنكارهم لذلك التبديل والتغيير في شرع الله.
ونظم الاحتلال
الانجليزي بعد استقراره البغاء ، وجعله رسميا ، وأصبحت المسلمة في بلاد الاسلام
تمتهن حرفة الزنا علنا ، تحت حماية الحكومة والقانون ، وبين سمعها وبصرها ، فلم
يحرك رجال الدين ساكنا ، ولم يرو التاريخ انهم غضبوا لله وللحق وللأعراض تستباح
وتنتهك ، او انهم انكروا تشريع هذا الرجس.
وشاع الربا ،
واستعملت الحكومة الربح والفائدة رسميا ، وسمحت بها للجمهور وتأسست له المصارف
الأجنبية والوطنية في طول البلاد وعرضها فلم نسمع ان العلماء أنكروا ذلك الاثم ،
أو انهم غضبوا لتشريعه وتنظيمه.
وأباحت الحكومة
الخمر والميسر ، وانتشرت الحانات ، وأنواع القمار ، في النوادي والأمكنة العامة ،
وفي المدن والقرى والطرقات ومنازل الأثرياء ، فلم يعرف عن رجال الدين أنهم عارضوا
الحكومة معارضة جدية في انها أحلت ما حرم الله.
وفي عهدنا
الحاضر ذاع الفساد ، وتحللت الأخلاق ، واستشرى الداء ، وخلعت المرأة العذار. وهجرت
المنزل وخالطت الرجال على شواطىء البحار ـ عرايا ـ وفي النوادي العامة ، وفي الحفلات
الزاخرة بالمجانة والعبث والهوى والعربدة ، ونبذت التقاليد الصالحة الموروثة وهجر
الدين ، وزال طابعه في مقدرات البلاد ومعنوياتها ولم يدرس دراسة تعليمية تطبيقية
نافعة في المدارس والجامعات. وقعت تلك الأحداث الخطيرة الفاجعة ، فلم نر جمهرة
العلماء ورجال الدين يجمعون جموعهم ، ويرفعون عقائرهم بالانكار والاحتجاج على أولي
الأمر من أجل هذه المنكرات الشائعة ، وهذه المقابح الظاهرة ، وما رأينا أحدهم غامر
وجاهد في سبيل الله ، حتى ناله الضر في نفسه او رزقه ، لم نر شيئا من ذلك ولم نسمع
به ، بل كل ما نفعله هو أن نكتب في الصحف ، وأن نرفع العرائض الفاترة لأولياء
الأمر ، وهم لا يحركون ساكنا ، ولا نحرك نحن ساكنا كذلك ، زعما بأننا أدينا واجبنا
بالخطابة والعرائض وبالكلام وعلى الورق.
وتفرقت البلاد
أحزابا وشيعا ، وانشقت على نفسها أقساما وفرقا ، وتزعم كل فريق زعيم يدعو الى شخصه
، وإلى تولي الحكم دون الآخرين ، حتى نسي القوم قضية الوطن ، وإصلاح أداة الحكم
وشئون البلاد ، ورجال الدين يتفرجون على الموقف ، على حين أن الله أمرهم بإصلاح ما
فسد من أحوال المسلمين ، ورتق ما تصدع من أمورهم «(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ، وَاتَّقُوا اللهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ») فلم نجتمع ولم ندع المتخاصمين إلى الصلح ، والمتنازعين
إلى التفاهم والمتفرقين إلى الاتحاد ، والمدبرين إلى الرجوع إلى الحق ، ولم نقل
كلمة الدين في المخالف ، حتى يفيء إلى أمر الله ، وحتى ننقد البلاد من البلاء
المسلط عليها ، والمحيط بها من كل
جانب ، لم نفعل ذلك ، بل إن جماعتنا نفسها في حاجة إلى إصلاح ذات بينهم
والعمل على جمع كلمتهم ، وتأليف قلوبهم.
إني أتهم رجال
الدين ـ وأنا منهم ـ وعزيز علي أن أتهم نفسي ورفاقي وعهدي بهم أن يكونوا رجال ورع
وتقى ، ورشاد وهدى.
ومن بحث له عن «الإشتراكية
في الإسلام» :
لا ريب ان في
الاسلام يؤيد الملكية الفردية ، والاقتصاد الإسلامي اقتصاد رأسمالي ، له شأنه في
الإسلام ، بل هو يقوم على الأسس الثلاثة : المصلحة الشخصية كهدف ، المزاحمة كوسيلة
، الحرية كشرط. ولكن قيام الملكية في الاسلام على هذه الأسس ليس على إطلاقه ، بل
يصاحبها في كل اتجاهاتها العامل الأخلاقي ، فهو في تلك الأركان الثلاثة عنصر جوهري
فيها لازم لها ، إن هدف الإسلام هو تكوين مجتمع مثالي ، فالعامل الأخلاقي يسير معه
جنبا إلى جنب ، بل يكون رائده ، فإذا انحرف السلوك الاجتماعي رده العامل الأخلاقي
بقوة إلى الاستقامة ليكون ضابطا عاما في مصلحة المجتمع ، وعلى هذا الاعتبار نجد ان
العيوب التي أخذت على الأسس الثلاثة في الاقتصاد الشائع في امريكا وفي اوروبا ليس
لها أثر في الاقتصاد الإسلامي ، لأن المصلحة الشخصية في الرأسمالية الفردية في الغرب
تجرف كل شيء يقف في طريق الانتاج أو العبث به ، فهي لا تبالي بالعامل الأخلاقي ،
ولا بمصلحة المجتمع ، بل هي تنكره ، ولا تتعرف عليه. أما الرأسمالية في الإسلام ،
فإن مصلحة المجتمع عنصر لا غنى عنه فيها ، كما أن الإسلام دين له منهج ثابت هو
تطهير المجتمع من عوامل الفساد ، ويمتاز بطابعه الذي يقرن الأعمال بالخلق والعقيدة
، فلا ضرر ولا ضرار .. وهو يناهض تكديس الثروات ، وتجميعها في يد فئة قليلة ،
وحرمان الأكثرية من ضرورات العيش ، ورنق الحياة ، وما كانت الناحية الروحية في
القرآن الكريم إلا تهذيبا للأمم ليعيش الناس في ظلال الأخوة والمساواة والمودة
والأمن والاطمئنان ، ويكون التعاون بينهم على الجد والتفاني في الصالح
العام ، لذلك وضع دستورا ثابتا واضحا يجعل الثروات رأسماليات متوسطة وصغيرة
، فحث المسلمين على الانفاق في أكثر من سبعين آية ، وفرض الزكاة في مال الأغنياء
للترفيه عن الفقراء والمساكين ، ولقد قاتل الخليفة أبو بكر منكريها ومانعيها ،
وجعل الاسلام إطعام الفقراء ، والتصدق على المساكين كفارة لكثير من الهفوات كما في
حنث اليمين ، وفي إفطار رمضان عمدا أو لعذر ، وفي الظهار ، وفي محظورات الحج. كما
شرعه في مناسبات كثيرة مثل يومي عيد الفطر والأضحى وغيرهما من المواسم الدينية. في
كل هذه الأحوال وغيرها جعل الإسلام التخفيف من ويلات الفقراء والعطف على المساكين
، من سمات تلك المواسم والأحوال.
أضف إلى ذلك
النظام الارثي في الإسلام ، فإنه يحطم الثروة ويفتتها تفتيتا لا مثيل له في أي قانون
آخر. فالقانون الانجليزي يحصر الثروة في البكر من الأولاد ، ويحرم من عداه ، وبعض
القوانين الأخرى تجيز الوصية لأي كائن بجميع المال ، سواء أكان وارثا أم غير وارث
حتى للكلاب والقطط ، وسائر الحيوان ، أما الإسلام فيوزع أنصباء الارث توزيعا واسعا
، فيعطي للقرابات أنصبة متفاوتة ، ولا يسمح لصاحب الثروة ان يتصرف فيها بالوصية
إلا بالثلث ، والثلث كثير ، وهذا كله محافظة على التوازن الاقتصادي ، ويقول الله
تعالى في سورة الحشر : (كَيْ لا يَكُونَ
دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ.)
فأنت ترى أن
الإسلام قد نحا بالاقتصاد منحى عادلا ، رعاية منه للمصلحة الاجتماعية ، واجتنابا
لطغيان الاغنياء (إِنَّ الْإِنْسانَ
لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى.) وهكذا نجد الدين الإسلامي قد وقف موقفا رائعا في توزيع
الثروة وتجزئتها إلى ملكيات متوسطة وصغيرة من غير إكراه ، ليقي المجتمع شرور البطر
من الأثرياء ، والحقد والبغضاء من الفقراء.
والمزاحمة هي
وسيلة في الاقتصاد الغربي ، وكانت عيبا من عيوبه ، وهي أيضا وسيلة الاقتصاد
الإسلامي لكنها ليست عيبا فيه. فهي مختلفة في النظامين ، فما قيل من أنها تؤدي إلى
دخول الرأسماليين في السوق بغير
أسلحة متكافئة ، وأن المنافسة في معركة الحياة الاقتصادية ليست متساوية كما
هو معروف في الاقتصاد الغربي ـ هذا الذي قيل ـ منفى في الاقتصاد الإسلامي ،
فالإسلام قد قرب أصحاب الملكيات بعضهم من بعض بما شرعه في نظام الوصية والإرث
والزكاة ، وجعل الارث أنصبة متعددة ، وشمول الزكاة ثمانية أصناف «إنما الصدقات
للفقراء والمساكين والعاملين عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب والغارمين ،
وفي سبيل الله وابن السبيل».
ونضيف إلى ما
قدمنا تحريم الربا لكيلا يثرى أحد من عمل على حساب غيره ، وتحريم لعب الميسر لكيلا
يثرى أحد بطرق الحظ. هذه الاعتبارات كلها إذا روعيت كعهد المسلمين من قبل لا تدع
أحدا محروما من سلاح يزاحم به مضمار الحياة ، ففي الإرث يدور دولاب تجزئة رأس
المال باستمرار ، ولا يجيء عام جديد حيث يبدأ صندوق الزكاة إلا ترى المال يدور في
أيدي جميع الأصناف ، حتى من أثقلتهم الديون ، فإن صندوق الزكاة يدفع عنهم مغارمهم
، ويسلحهم من جديد ليدخلوا السوق آمنين مطمئنين ، فأي ضمان للناس بعد هذا؟ وما عيب
الرأسمالية في الإسلام؟
أما الحرية
التي هي شرط في الاقتصاد الرأسمالي الغربي ، وعدت من عيوبه ، فإن هذا العيب منتف
في الاقتصاد الاسلامي ، فالحرية في الاقتصاد الغربي تسير مطلقة لا تقف عند حد ،
حتى انقلبت تلك الحرية الى فوضى ، مما اضطر أصحابها إلى إتلاف الحاصلات أحيانا
للاحتفاظ بالأسعار العالية ، أما هذه الحرية في الاقتصاد الإسلامي ، فمقيدة بقيدين
هما : العامل الأخلاقي والمصلحة الاجتماعية ، ويتدخل ولي الأمر في السوق حين يرى
تنكب التجار أصول التعامل ، ويضرب بيد من حديد على أيدي المحتكرين المتحكمين في
الأسواق ، والعازفين عن المصلحة العامة ، وكان عمر بن الخطاب يمشي في الأسواق ومعه
الدرة يؤدب بها ذوي الأثرة والطامعين في الكسب الحرام. والحسبة معروفة في الإسلام
، وكان رجالها يقام لهم في الأسواق وزن واعتبار.
فأي نظام نجده
نزيها وعادلا كنظام الإقتصاد في الإسلام؟ إن الإسلام قد امتاز في نظامه عن
الشيوعية والإشتراكية ، فالإقتصاد الإسلامي رأسمالي فردي من نوع خاص ، قد جمع خير
ما لدى الشيوعية والإشتراكية ، وتجنب عيوبهما ، ولكن كثيرا ممن أخذوا بزيف المدنية
الغربية يشيدون بالاشتراكية ، التي تضمنت المساواة في لذة العيش ، وبسطة الحياة ،
من غير تفرقة بين سوقة وسادة ، وأغنياء وفقراء ، وهي مذاهب وضعية خاضعة للتجارب
والتعديل والتغيير ، كما هو حادث فعلا ، والاشتراكية الصحيحة المعقولة في الإسلام
الذي يضمن للعاجز العيش ، وللعامل الكسب ، وللفقير القوت ، وللمريض الصحة ،
وللعالم كله أمنا وسعادة ، الإشتراكية الصحيحة المعقولة هي في الإسلام الذي يشعر
المسلمين بأنهم أسرة واحدة ، وأنهم جميعا كأسنان المشط وأنهم تتكافا دماؤهم ،
ويسعى بذمتهم أدناهم ، وأنهم «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر
الأعضاء بالحمى والسهر».
هذه هي
الإشتراكية في الإسلام. فأين منها تلك المذاهب الحديثة المادية المتداعية الواهنة.
الشيخ عبد الحليم
قادوم
في ديسمبر عام
١٩٥٣ توفي المغفور له الشيخ عبد الحليم قادوم أستاذ كرسي التفسير في كلية اللغة
العربية بالأزهر الشريف ، وقد عرفت الشيخ قبل هذا التاريخ بنحو ستة عشر عاما حينما
دخلت عليه في لجنة من لجان الامتحان الشفوي ، فسألني وأجبت ، ثم بعد حين رأيت
تقديره لي في الشهادة التي استلمتها ، وفي عام ١٩٤٠ كنت في الفرقة الأخيرة ، وكان الشيخ
يدرس لنا بلاغة عبد القاهر الجرجاني في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الاعجاز ، فلم
أر ذوقا أصفى من ذوقه ، ولا بيانا أنصع من بيانه ، ولا تحليلا لأسرار كتابة عبد
القاهر في النقد الأدبي مثل تحليله .. ومن قبل ذلك طالعت كتابين مطبوعين للشيخ :
احدهما في المنطق ، والثاني في الحديث.
فوجدت فيهما المؤلف ذا مواهب نادرة قلما تكتمل في عالم ، من عمق الدراسة ،
وكثرة الإحاطة بالآراء والمراجع ، ودقة الفهم ، وبراعة التعبير ، وزرت الشيخ في
منزله في فترات متباعدة فوجدت نفسي حيال شخصية لطيفة جذابة تختلف عن شخصية الشيخ
العلمية ، وكان يقيم في منزله كل أسبوع حلقة علمية يدرس فيها كتب الأخلاق والتصوف
والتفسير والحديث وفي مقدمتها الاحياء للغزالي ، وكانت هذه الحلقة عامة للمستمعين
من الناس ، وفي مقدمتهم أهل (منشية الصدر) الذين كان الشيخ يسكن بينهم .. ثم كنت
مدرسا بمعهد الزقازيق الديني ، وكان الشيخ شيخا للمعهد ، فوجدت من الشيخ خبرة
واسعة بشئون إدارة معهد كبير مثل هذا المعهد ، كما كنت أجد لطفه مع الأساتذة ،
وحنوه على الطلاب ، ما لا يتسع المقام لتفصيله ، وكان الشيخ من قبل مفتشا عاما
بالأزهر فكانت له أعمال محمودة في التوجيه العلمي والديني.
وقبيل وفاته
مرض مرضا خطيرا ألزمه الفراش ، واستمر في العلاج ومقاساة المرض ، إلى أن استأثرت
به رحمة الله في أواخر عام ١٩٥٣ .. تاركا وراءه ذكريات لا تنسى ، وتراثا عاليا
عزيزا على كل من طالع فيه.
وقد درس الشيخ
في معهد الأسكندرية الديني ، ونال العالمية عام ١٩٢٤ من الدرجة الأولى ، وعين
مدرسا في الأزهر ، ثم اختير مدرسا في كلية اللغة منذ بدء إنشائها ، ثم اختير مفتشا
، فشيخا لمعهد الزقازيق الديني ، فاستاذا للتفسير في كلية اللغة العربية.
عبد العزيز المراغى
هو شقيق
المراغى شيخ الأزهر ، توفي صباح الخميس ١٦ نوفمبر عام ١٩٥٠ م. فخبا بوفاته نجم
لامع ، وتوارت ومضات أمل ضاحك. وقد لاقى ربه بعض مرض لم يمهله ، ولم يشفق عليه ،
وهو شاب القلب ، فتى الفؤاد ، يقظ الرأي ، موثب الرجاء.
يقول عنه صديقه
الأستاذ محمود رزق سليم :
كان عبد العزيز
واسع الأفق في نواح من الحياة كثيرة ، فقد هيأت له ملابساته ـ مع ذكائه وفطنته ـ ان
تكشف له كثيرا من حقائقها ، كما دفعته إلى تجربة الأمور وملاحظتها. فاكتسب من وراء
ذلك مرانة وخبرة ، وحنكة وحسن بصر بالأمور ومعالجتها. وقد كان منذ صغره شغوفا
بأخيه الأستاذ الشيخ المراغى ، يرى فيه نموذجا يقتدى به ، وقد جمعت بينهما ظروف
الحياة ، أكثر مما تجمع بين شقيقين. فرحل معه إلى السودان ، وتعلم بكلية غردون. ثم
عاد إلى مصر فاندمج في سلك طلاب الأزهر ، مبرزا بينهم حتى تخرج منه بأرقى شهاداته
حينذاك. وأرسل في بعثة علمية إلى انجلترا ، فلبث بها زهاء خمسة أعوام ، ازداد فيها
علما بالحياة ، ومعرفة بمذاهبها ومآتيها.
وتخصص في دراسة
التاريخ الاسلامي وتاريخ الأديان ، وهما من أهم المواد الثقافية صقلا للأذهان ،
ودعما للتجارب وتبليغا إلى الحق.
ولما بلغ أخوه
الأكبر مرتبة المشيخة الجليلة ، للمرة الثانية ، كان عبد العزيز ـ وبخاصة بعد
عودته من انجلترا ـ أشد سواعده القوية ، ومن أقرب مستشاريه إلى نفسه ، فحمل معه
شيئا من العبء ، على مقدار طاقته وجهده. وطبعى أن يصبح في ذلك الحين ، موضعا للأمل
والآملين ، كما كان محطا للنقد والناقدين.
وقد استطاع عبد
العزيز في هذه الحقبة ـ وهو على كثب من أمور الأزهر ـ أن يدرسها ظاهرها وباطنها ،
صريحها ومؤولها ، وأن تتكشف له منها مواضع الداء وأن يقدر لها الدواء. ولا أغلو
حينما أذكر أن حدب عبد العزيز على الأزهر ، وشغفه به ، وأمله القوي أن يسمق بنيانه
، وترتفع أركانه ، كان شيئا فوق مكنة الطالب الذي يعشق معهده ، ويتعصب له.
وقد عرف فيه
إخوانه دماثة الخلق ، والمرح ، وبشاشة الوجه ، وابتسامة الثغر ، وعفة اللفظ ، كما
كان مطاوعا لكل ذي حديث ، ولو كان فيه إملال. لا يصده عنه إلا بكيس ورفق ، وربما
نعى عليه بعض خلطائه أنه يلقى عدوه كما يلقى صديقه ، فلا برم ولا تنكر ـ وما كانت
هذه منه إلا لرحابة صدره
وحسن سياسته ، وحبه لتلافي ما يستطاع باللطف تلافيه. ولذلك ظل كثير ممن
يقدرونه ويحملون عليه ، يبجلونه لذاته ، ويحبونه لشخصه ، ويلقونه لقاء الإخوة
الكرام.
ولما اختير
إماما للمعية الملكية تفتحت له من الحياة سبل جديدة ، ازداد بها مرانة ومعرفة ،
وأخذ يخطو ويبرز نحو الصفوف الأولى بين رجالات الوطن. وكان إذ ذاك حركة دائبة ،
يؤدي واجبه الديني ، ويلقى دروسه وخطبه ، ويذيع في المذياع ، ويكتب في المجلات ،
في الأمور الدينية والإجتماعية والتاريخية.
وقد كان عبد
العزيز عالما أزهريا ، بالمعنى الذي يفهمه التاريخ والعرف ، ومرجع ذلك ـ فيما
أعتقد ـ إلى حبه العميق للأزهر ، وما في الأزهر من علم ، وما له من تقاليد.
وأهم خصوصيات
العالم الأزهري ـ فضلا عن معرفة الشريعة الغراء ـ حبه الجدل والمناقشة ، وقدرته
على سوق الحجة والدليل ، وعدم تسليمه لخصمه في سهولة ويسر. وقد كان عبد العزيز في
ذلك ، من الطراز الأول ، لا يكاد المرء يدخل معه في نقاش حتى يفيض بالاعتراض
والاستشهاد ، وبالتدليل والتعليل ، والموازنة ، حتى يصل إلى قرار الحق. يشهد بذلك
تلاميذه الكثيرون في كليات الأزهر ، وأصدقاؤه أعضاء لجنة الفتوى وكان زميلا لهم ،
قد لمسوا فيه هذه الخصوصية ، خلال عضويته بها.
وكان ضليعا في
معرفة الشريعة السمحة وأحكامها ، خبيرا بمذاهب أئمتها على اختلافهم ، بصيرا بمذاهب
الكلاميين من فقهائها ، وقد أخرج كتابا في حياة «تقي الدين بن تيمية الحراني» ،
ألقى فيه ضوءا على جهاد هذا العلامة في سبيل دينه ، موضحا عقيدته ، مبينا أنها
عقيدة السلف ، وأنها بعيدة عن مزالق المبتدعة من متطرفي الحنابلة.
وقد كان مؤرخا
واعيا لتطورات التاريخ الإسلامي وتقلب دوله ، منقبا عن ذلك في كتب التاريخ
الإسلامي : العربي منها وغير العربي.
وكان أديبا
متذوقا. فقد أوتي حافظة قوية كنت أغبطه عليها ، ملمة بشتى عصور الأدب وتقلباتها
وحوادثها إلماما محمودا ، وكثيرا ما تجود بالأبيات والطرف الأدبية والأمثال ونحو
ذلك عند أدنى مناسبة .. وكان يطرب للدعابة اللطيفة والنكتة الرائعة ـ ولو على
حسابه ـ ويأخذ حينذاك سبيله إلى المرح قائلا : «لقد قتلتنا كثرة الجد» ، ولكنه
سرعان ما ينحدر إلى سوق الحكم ، والنعي على الدنيا ، مع الرضا والاستسلام لقضاء
الله وقدره.
وكان كثير
البحث عن مظان اللغة ، يحفظ من ألفاظها عددا تكتنز فيه المعاني ، أو يعبر عن
المعاني الغريبة او المستحدثة ، ويعني بالألفاظ الطوافة في اللغات ، وما كسبته في
كل لغة من المعاني. وأغلب الظن أن في مسجلاته كثيرا منها.
ولا نقول جديدا
إذا نوهنا بدروسه الدينية وخطبه المنبرية ، فإنه أسبغ عليها سمة من التجديد ،
وغذاها بما تفيض به نزعته الأدبية وثقافته الواسعة ، فخرجت بجديد أسلوبها ومعناها
، عصرية بريئة من السمت التقليدي القديم. ومنذ سنوات أخذ على عاتقه إخراج كتاب من
أهم كتب الحديث والفقه والقضاء الإسلامي ، وهو كتاب (أخبار القضاة) لمحمد بن خلف
بن حيان ، المشهور بوكيع ، استعار نسخته الشمسية الوحيدة ، وأنفق فيها النفيس من
وقته ، والمرجو من راحته ، حتى استقام له تقديمها إلى المطبعة. فأنجزت منها جزءين
وبقي جزآن.
وقد عنى في
الكتاب بالتصحيح والتعليق وشرح الغامض وتخريج الأحاديث ، بما يشعرك بعمله الغزير
وأدبه الجم وإحاطته بمسائل الفقه ومواضع الحديث ومظان الأدب. وبما يشعرك بصبره
وبالغ جهده في سبيل خدمة دينه وشريعته.
وقد توفي بعد
الشيخ بقليل أخوه الأكبر الشيخ أحمد مصطفى المراغى صاحب «تفسير القرآن الكريم»
المسمى تفسير المراغى ، وسواه من الكتب ، وذلك عام ١٩٥٢.
الشيخ فكري ياسين
هو أحد علماء
الأزهر الأجلاء .. كان رحمه الله هينا لينا مهذب النفس ، بعيدا عن اللغو واللهو ،
وكانت همته مصروفة إلى زيادة مادته العلمية ، بمعالجة المسائل الإجتماعية الكبرى
بالتحليل الدقيق تحت ضوء الدين والعلم ، فكان في كل ما يكتبه مفيدا لقارئه يأتي له
بشيء جديد ، وهذه ميزة علمية نادرة.
ولد ـ رحمه
الله تعالى ـ ببلدة قصر هور مركز ملوى في ٢٤ يناير ١٨٩٧ ، وهو من أسرة مشهورة
بالعلم ، فوالده كان من العلماء ، وجده كان عالما.
وقد تعلم في
الأزهر ، ونال الشهادة العالمية النظامية منه سنة ١٩٢٥ ، ودرس فيه علوم اللغة
والأدب على المرحومين الشيخ سيد علي المرصفي ـ الذي كان معروفا بشيخ اللغة في ذلك
الوقت ـ والشيخ مصطفى عبد الرازق ، والشيخ مصطفى القاياتي ، وتلقى كثيرا من العلوم
الأخرى ، مثل الفقه والأصول والبلاغة والنحو والتصريف وعلوم القرآن والسنة
والفلسفة والمنطق وغيرها عن كثير من علماء الأزهر البارزين في ذلك العصر ، من
أشهرهم الشيخ محمد بخيت والشيخ محمد حسنين والشيخ حسين والي.
وكان يزاول
الكتابة والتحرير في الصحف والمجلات وهو طالب ، وكانت أول مقالة نشرت له في جريدة
النظام عن إصلاح الأزهر ، ثم واصل الكتابة بعد ذلك ، إلى أن جاءت الحركة الوطنية
في سنة ١٩١٩ فاشترك فيها واعتقل ، وأذكت فيه روح الحمية والنشاط ، وزاد إقباله على
الكتابة ومتابعته لها ، وكانت أكبر عنايته في الكتابة موجهة في ذلك العهد إلى
إصلاح الأزهر ، وإلى الشئون الإسلامية ، وحرية الوطن في جهاده المقدس آنذاك ضد
الغاصب المحتل ، ولقد كان هذا الجهاد باعثا لزملائه في الأزهر على ان يعتبروه
رائدا لهم في المناداة بالآراء الاصلاحية ، وقد جر ذلك عليه متاعب كثيرة ، فلقد
كان أول طالب في الأزهر أحيل مع زملاء له على
المجالس التأديبية سنة ١٩٢٤ ، ولقد رأى طلاب الأزهر في ذلك الحين ان تكون
لهم لجنة تمثلهم وتتكلم باسمهم ، فاختاروه رئيسا لهذه اللجنة ، وكانت مهمتها
الدعوة الى إصلاح الأزهر.
وفي سنة ١٩٢٦
عين مدرسا في الأزهر ، وأسند إليه تدريس مادتي الأدب والتاريخ فوضع في المادة
الأولى مؤلفا في جزءين ، ووضع في المادة الثانية مؤلفا في ثلاثة أجزاء ، واختير
الى جانب ذلك سكرتيرا لجمعية الهداية الإسلامية ، ومحررا بمجلتها ، وفي سنة ١٩٣١ فصل
من الأزهر مع عدد كبير من العلماء ، فصلهم المرحوم الشيخ الظواهري ، وكان منهم
الشيخ الزنكلوني والشيخ العدوى والشيخ دراز والشيخ شلتوت والشيخ فكري ، ولقد كان
هذا الفصل سببا قويا في نشاطه فأخذ ينشر آراءه في الجهاد والبلاغ والكوكب والسياسة
اليومية والأسبوعية والوادي ، وفي فبراير سنة ١٩٣٥ ، أعيد إلى التدريس في الأزهر
وندب مع قيامه بالتدريس في القسم الثانوي سكرتيرا للجنة الفتوى ، وفي سنة ١٩٣٨
اختير مدرسا بكلية الشريعة ثم وكيلا لمعهد قنا ، ثم أعيد إلى كلية الشريعة ، وجاء
الشيخ مصطفى عبد الرازق فنقل من الكلية إلى معهد الزقازيق ، ثم أعيد إلى الكلية
مرة أخرى حتى جاء المغفور له الأستاذ الاكبر الشيخ مأمون الشناوي ، وكان قد خبره
وعرف فيه مراقبا مساعدا لمكتب البحوث والثقافة بالأزهر.
وقد كتب في
جملة موضوعات علمية نافعة منها «غريب القرآن» و «أعلام القرآن» و «التجارة في الإسلام
، والفقه والفقهاء» وفي بحوث قيمة أخرى ، ووضع رسالة في الحديث لم تطبع بعد. وقد
قام بالكتابة في السنة المحمدية عن الأحاديث النبوية. في مجلة لواء الاسلام من أول
إنشائها إلى يوم وفاته ، كما قام بالتحرير في باب السنة المحمدية ايضا بمجلة
الأزهر ، وقد كتب أكثر من ألف مقال في الصحف في مصر وفي صحف سوريا وتونس والعراق
والبلاد الشرقية .. وكان رحمه الله كريم الخلق عف اللسان محبا لطلابه محبوبا عندهم
رحيما بأهله وأقاربه عطوفا عليهم.
وقد توفي ـ طيب
الله ثراه ـ في الساعة الرابعة بعد عصر يوم الثلاثاء ٢١ من ربيع الثاني سنة ١٣٧٠ ه
ـ الموافق ٢٩ من يناير سنة ١٩٥١ م.
الشيخ نافع الخفاجي
حفيد العلامة الشيخ
نافع الخفاجي الكبير
ولد يوم الجمعة
٢ شوال سنة ١٣٢٢ م ، الموافق ديسمبر سنة ١٩٠٤ م. ثم تعلم الكتابة وحفظ القرآن
الكريم ، وذهب إلى المعهد الأحمدي بطنطا سنة ١٩١٩ م ليتعلم فيه وأخذ منه
الإبتدائية عام ١٩٢٣ م ، ثم كان قد أنشىء في ذلك الحين معهد فالتحق به واستمر في
دراسته إلى أن أصيب بمرض عصبي عضال كان يحول بينه وبين المشي وحده ، فأخذ يعالج
نفسه منه ولكن العلاج لم يجد شيئا ، اللهم إلا في تأخير زحف المرض على صحته ، ثم
أخذ الثانوية من الخارج من معهد الزقازيق عام ١٩٢٨ م الموافق سنة ١٣٤٦ ه ، ثم
التحق بالقسم العالي بالأزهر ، ونال منه شهادة العالمية في يونيو سنة ١٩٣٢ م
الموافق سنة ١٣٥١ ه.
وعاد العالم
بعد ذلك فأقام بالقرية يطالع في أسفار الأدب وبنظم القريض ويعالج نفسه من مرضه
العضال ، ثم تزوج في سبتمبر سنة ١٩٣٩ م ، ووافاه أجله المحتوم في ١٣ أغسطس سنة
١٩٤٠ م ـ الثلاثاء ٩ رجب سنة ١٣٥٩ ه. وكان شاعرا مجيدا.
نماذج من شعره
ـ قال في الغزل :
رويدا مهجتي
هذا الأنين
|
|
لعمري كاد
يقتلني الحنين
|
أحن إلى مغان
شمت فيها
|
|
بروق الصدق
يتلوها الهتون
|
مغان ليلها
عندي قصير
|
|
يقصر طوله
نوم رصين
|
وإن غاب
الكرى فالسهد حلو
|
|
بأخدان
تساليهم فنون
|
ندامى لا
يجالسهم بئيس
|
|
يجوس خلال
جدهم المجون
|
من السمر
البرىء لنا مدام
|
|
تطير به من
الرأس الشجون
|
ومن ضحكاتنا
نغم لذيذ
|
|
كقرع الكأس
يتبعها رنين
|
تخالس دهرنا
لمحات انس
|
|
فتسهل في
مسالكنا الحزون
|
ونجني من فم
الدنيا ابتساما
|
|
كغصن الزهر
تجلوه الغصون
|
ووجه زماننا
حسن بشوش
|
|
تلاشت من
نضارته الغضون
|
وقال في قصيدة
عنوانها «أين الصباح»؟ :
طلت ياليل
فأين الصباح
|
|
والكرى خاصم
عيني وراح
|
طلت ياليل
على مغرم
|
|
مسبل الدمع
طويل النواح
|
رب ليل لم
يكن شملنا
|
|
يتلاقى فيه
والديك صاح
|
وسواء طلت أم
لم تطل
|
|
ليس ياليل
عليك جناح
|
لست أنسى فيك
حسن اللقا
|
|
وعلينا منك
ستر وجناح
|
واجتماع فيك
أخفيته
|
|
عن رقيب وعذول
ولاح
|
فيك من ليلى
شبيه لها
|
|
قمر يحكي
وجوه الملاح
|
فيك شهب
كلحاظ المها
|
|
تلك في قلبي
، وذي في البطاح
|
في سكون
الليل كم آهة
|
|
من فؤاد أن
وجدا وناح
|
في سكون
الليل كم عاشق
|
|
هاجت الذكرى
عليه الجراح
|
في سكون
الليل كم مدنف
|
|
بخفايا السر
لليل باح
|
لا تلوموا
الليل في طوله
|
|
أيها العشاق
أين السماح؟
|
يحمل الطيف
لأهل الهوى
|
|
إن يكن جفن
المحب استراح
|
يكتم السر
ويخفي الجوى
|
|
عن وشاة
السوء خوف افتضاح
|
أيها الليل
لك الشكر من
|
|
كل قلب فيه
حب صراح
|
يا نجوم
الليل لا تنكري
|
|
أن عيني
والكرى في كفاح
|
فاحملي عني
سلامي لمن
|
|
هو لي روح
وروح وراح
|
وقال من قصيدة
أخرى :
بحسبك ما
أشكو وما أتوجع
|
|
زفير وآهات
وسهد وأدمع
|
فيا للنوى ،
لا بارك الله في النوى
|
|
وقلبي من حر
النوى يتقطع
|
فبتنا جميعا
ثم أصبح شملنا
|
|
شتيتا كأن لم
يحتو الشمل مجمع
|
تكلفنا
الأيام ما لا نريده
|
|
وطبع الليالي
صدع ما يتجمع
|
لقيت هوانا
في الهوى وسل الدجى
|
|
ونجم الدجى
إن كنت في الليل أهجع
|
ولي مهجة
ذابت من الوجد والجوى
|
|
وطارت بخارا
أينما هب يتبع
|
رعى الله
عهدا كان بالأمس ناضرا
|
|
غدا وهو
مطموس المعالم أصلع
|
شربنا كؤوس
الحب حتى ثمالها
|
|
ولم يبق في
قوس الصبابة منزع
|
ولم ترتكب في
الحب ذنبا يسوءه
|
|
سوى أن
نفسينا إلى الطهر تنزع
|
وإن أنسى م
الأشياء لا أنسى قوله
|
|
غداة النوى :
هل على البين تزمع
|
فقلت وما
أدراك والعزم في الحشا
|
|
فقال فؤادي
عن فؤادك يسمع
|
فقلت له :
حينا ، فقال : يخيفني
|
|
ويوم النوى
شهر وعام وأفظع
|
فقلت تجلد
قال جهدي وإنما
|
|
تأكد بأني
رغم أنفي سأجزع
|
وقال في شكوى
الزمان :
أواه من
عثرات الحظ أواه
|
|
والحظ ما شاء
قد شاءه الله
|
لا الحزن
يجدي ولا حظى يساعفني
|
|
ولا الزمان
رقيق في سجاياه
|
أرزاء شتى
إذا ما خلت أصغرها
|
|
مضى أرى ضعفه
يحتل مأواه
|
تترى دراكا
كطير طاب موردها
|
|
فزاد وارده
شوقا لمرعاه
|
يلج صرف
الليالي في معاكستي
|
|
كأنما أنا
وحدي كل أعداه
|
خطوب دهري لا
تنفك تذكرني
|
|
بعطفها ذكر
مجنون لليلاه
|
فالحزن
والسهل في سيري سواسية
|
|
والليل
والبوم في الظلماء أشباه
|
كلما قلت لما
استحكمت فرجت
|
|
أرى قشيب
شقاء كنت أنساه
|
إن غاب عني
شقاء جاء مصطحبا
|
|
إخوانه
ليقيموا في راعاياه
|
ما حيلتي وهي
الدنيا وسلطتها
|
|
أي امرىء نال
منها ما تمناه؟
|
نصيب كل
امرىء في عكس همته
|
|
ورفع كتفه
وزن خفض أخراه
|
ورب ذي عزمة
تنبو مضاربه
|
|
وطائش السهم
أصمى الحظ مرماه
|
ونابه النفس
سوء الحظ أخمده
|
|
وخامل القدر
حسن الحظ رقاه
|
وكم حريص له
من علمه صفة
|
|
وكم كسول له
من جهله جاه
|
هي المقادير
لا سعى ولا كسل
|
|
وكل ذي قدر
لا بد يلقاه
|
انظر إلى قطع
الشطرنج إذ نحتت
|
|
ما ذا أتى
الشاه حتى انه شاه
|
كم بيدق مات
لم يذنب وصاحبه
|
|
سما مسوقا
ولم يعمل لمرقاه
|
كذلك الكون
لم تعلم عواقبه
|
|
وليس يعلم
ساع غب مسعاه
|
الدهر علمني
الشكوى فقمت بها
|
|
طوعا وكرها
وخير العلم أفشاه
|
أشكو الزمان
وفي الشكوى رفاهية
|
|
وما علاج شقى
غير شكواه
|
وقال :
حرام على
عينيك أن تتنازعا
|
|
فؤادي إلى أن
صار نهبا موزعا
|
أفر من
اليمنى لياذا بأختها
|
|
فتطعنني اليسرى
فأرجع موجعا
|
أرى لك لحظا
كالقذيفة لو رمى
|
|
يميل من
العشاق ليتا وأخدعا
|
بعينيك ومض
كالشهاب إذا هوى
|
|
فيحرق أكبادا
ويخرق أضلعا
|
إذا نظرت
عيناك أبصرت فيهما
|
|
لذاذة نفسي
والعذاب المبرقعا
|
لحاظك من حظى
سوادا وقوة
|
|
وأبيضه يبدو
ويذهب مسرعا
|
أخاف نفارا
حين أرجو تعطفا
|
|
وأخشى فراقا
حين أبغي تجمعا
|
دلالك أخشى
أن يكون ملالة
|
|
وحبك أخشى أن
يكون تصنعا
|
حنانيك إني
قد ثكلت سعادتي
|
|
وذبت غراما
واحترقت تفجعا
|
ظننت هنائي
في الهوى فأتيته
|
|
فلم أر إلا
لوعة وتصدعا
|
سهاد وأشواق
وسقم وحسرة
|
|
فيا أسفي إني
سأقضي توجعا
|
ولو كان لي
في الجاذبية حيلة
|
|
لكنت من
السلوى جمادا وأفظعا
|
فلو رمت سلوى
بالنوى لتوترت
|
|
حيال الهوى
لكنها لن تقطعا
|
يزيد الهوى
قبضا بقلبي كلما
|
|
بعدت كحبل
كلما شد قطعا
|
وللحب
مغناطيسه واجتذابه
|
|
يخالف قانون
التجاذب موضعا
|
فيضعف ذا
بالبعد والحب شأنه
|
|
يزيد اهتياجا
لو تباعد موضعا
|
بحسبك يا
ليلى غرام زرعته
|
|
فأنبت أشجانا
وأثمر أدمعا
|
سفحت دموعي
في غرامك مرغما
|
|
على حين أنى
ما هويتك طيعا
|
فما كدت ألقي
نحو وجهك نظرة
|
|
إلى أن غدا
قلبي من الحب مترعا
|
سحرت فؤادي
وامتلكت زمامه
|
|
وأطلقت عبدا
في جمالك مولعا
|
عتبت على
قلبي جواه وذله
|
|
فثار وكادت
أضلعي أن تصدعا
|
سكرت غراما
وانتشيت صبابة
|
|
وأعييت يأسا
واشتفيت تطلعا
|
ومن عجب آلام
حبي لذيذة
|
|
ولو لي آمال
لعشت ممتعا
|
أحب ولا أرجو
من الحب غاية
|
|
سوى أن أرى
وجه الحبيب وأسمعا
|
وحسبي إذا
أغفيت طيف يزورني
|
|
فأقطف من
خديه وردا تضوعا
|
أقبل فاه أو
أضم خياله
|
|
فإن زاد بي
وجدي صحوت وودعا
|
أحبك يا ليلى
بدون ملالة
|
|
وأنت دجى بدر
وشمس ضحى معا
|
وأنت المها
والغصن والدر والطلا
|
|
تبارك ربي في
جمالك مبدعا
|
عبدتك يا
ليلى وحسنك دلني
|
|
على الله حتى
لا أضل فاخدعا
|
وقال :
ذهبت ومن رام
المعالي يذهب
|
|
وأبت ولم
أظفر بما أتطلب
|
سعيت إلى
العلياء غاية طاقتي
|
|
ورحت إلى
أفلاكها أتوثب
|
سبحت على بحر
المجرة ماخرا
|
|
عبابا من
الآمال أطفو وأرسب
|
رصدت السهى
حينا فأبصرت طالعي
|
|
جميلا ولكن
فيه سر محجب
|
فيا طالعي
بالله هل من هناءة
|
|
تألق لي أم
أن برقك خلب
|
وهل مطمئن
أنت أم أنت خائف
|
|
تفر من النحس
البغيض وتهرب
|
وهل لي إلى
النعمى سبيل موصل
|
|
وهل لي من
البؤسى مناص ومهرب
|
أتسعدني
الآمال بعد مطالها
|
|
ويدنو من
الآمال ما أترقب
|
إزاء شقائي
مطعم الصاب كالجنى
|
|
ونور نهاري
من مشاكيه غيهب
|
ولو لم أصادف
سوء حظي وشؤمه
|
|
لعشت سعيدا
لم يضق بي مذهب
|
يسمونه حظا
وجدا وطالعا
|
|
وأما المسمى
فالقضاء المغيب
|
مقادير شتى
والمقدر واحد
|
|
مشيئته
كالسيف بل هي أثقب
|
له المثل
الأعلى وفي كل ذرة
|
|
من الكون سر
بالتأله يعرب
|
هنالك شيء كل
فكر يمسه
|
|
ويلمسه
الوحشى والمتهذب
|
هو الله سماه
الطبيعي قوة
|
|
وطبعا ، وفي
علم الأثير تربب
|
ومن شأنه
فينا الظهور بفيضه
|
|
وآثاره ،
والشأن فينا التعجب
|
أأجهل روحي
ثم أعلم ربها
|
|
ضلال غريب
والتشبث أغرب
|
سننظر وجه
الله في الخلد ظاهرا
|
|
كما هو يجلوه
الجلال فنطرب
|
نراه بإحساس
بديع مخصص
|
|
يطيب خيالا
والتحقق أطيب
|
هنالك يبدو
كل حسن مذمما
|
|
وكل ارتياح
غير ذلك متعب
|
عن المثل
والأضداد جل جلاله
|
|
وراجى سوى
التوفيق منه مخيب
|
وما الكون
إلا ذرة فوق ذرة
|
|
سماء وأفلاك
وأرض وكوكب
|
فكل بكل في
نظام مدبر
|
|
جماد وحى ،
كل شيء مرتب
|
بدائع إحكام
وإتقان صانع
|
|
فسبحانك
اللهم أنت المحجب
|
تمنيت موتا
ليس فيه جهنم
|
|
وإلا فعيشا
لست فيه أعذب
|
وكيف حياة
المرء ناء بعبئه
|
|
وجمر الأسى
في صدره يتلهب؟
|
وكيف حياة
المرء عي طبيبه
|
|
وأعضله الداء
العقام العصوصب؟
|
برمت بآمالي
وعفت تجلدي
|
|
ومل جليس ما
أقول وأكتب
|
ولو نلت من
عين العناية نظرة
|
|
فما مر بي
عذب وما بعد أعذب
|
أزهريون في سجل
التاريخ
ومن أظهر
الشيوخ الذين قضوا نحبهم : الشيخ سيد علي المرصفي إمام علماء اللغة والأدب في مصر
ومن هيئة العلماء ، وصاحب (شرح الكامل) ، وشرح (ديوان الحماسة) ، وشرح (أسرار
البلاغة) ، وغيرها .. وقد توفي في ١٢ فبراير سنة ١٩٣١ م.
ومنهم الشيخ
عبد العزيز البشرى نجل الشيخ سليم البشرى شيخ الأزهر الأسبق والقاضي الشرعي النابه
، والمؤلف الكاتب المحدث اللبق الممتاز ، وصاحب (المرآة) (والمختار) وسواهما ، وقد
توفي في ٢٥ ـ ٣ ـ ١٩٤٣ م.
والأزهر فضل
على كثيرين ، ممن جلسوا في حلقاته العلمية ، وإن لم يكملوا ثقافتهم فيه ، وهؤلاء
عدد كبير لا يحصون ، ومن أوائلهم الشيخ أحمد على السكندري ، وقد توفي في ١٩ ابريل
١٩٣٨ م ، وكان عضوا في المجمع اللغوي بالقاهرة ، وأقام المجمع في ١٣ يناير ١٩٣٩ م
حفلة تأبين له وللمستشرق الايطالي نلينو (١٨٧٢ ه ـ ١٩٣٨ م) بدار الأوبرا ...
والسكندري كان
طالبا بالأزهر ، وتخرج من دار العلوم ، ثم عمل مدرسا في المدارس الأميرية ، فناظر
المدرسين المعلمين. وكان يؤمن باللغة العربية ، وبقدرتها على استيعاب المعاني
المتجددة التي تأتي بها الحضارة ، حتى في الكيمياء والطب ، واختير عضو في المجمع
اللغوي بعد إنشائه بقليل ، وله كثير من المؤلفات العميقة ، ومن بينها كتاب في
الأدب العباسي ، كما أنه اشترك في تأليف الوسيط ، وفي كتب أخرى.
الباب الخامس
صور من الأزهر القديم
والحديث
ـ ١ ـ
أوقاف قديمة للأزهر :
في كتاب الخطط
للمقريزي نص سجل الوقف الذي وقف «الحاكم» بمقتضاه بعض أملاكه بمصر والقاهرة على
الجامع الأزهر ودار الحكمة وبعض المساجد الأخرى ، وقد مضى تلخيص لهذا السجل في هذا
الكتاب .
ـ ٢ ـ
أول درس للسيوطي
الأزهري :
في عام ٨٦٧ ه
ألقى السيوطي العالم الأزهري بعد تخرجه من الأزهر أول درس له. وقد عرض له الشيخ
مصطفى عبد الرازق في حديث له في محرم عام ١٣٦٥ ه ومما جاء في كلمته عنه :
منذ حوالي
خمسمائة عام ألقى العالم الشهير «جلال الدين السيوطي»
__________________
المتوفى سنة ٩١١ ه أول درس من دروسه حين أجلس للتدريس ، بحضور شيوخه وكبار
القضاة والأفاضل في عهده ، وقد ألقي هذا الدرس في جامع شيخون المسجد المعروف في
هذه العاصمة. وفي دار الكتب الأزهرية مخطوطة تجمع مؤلفات ورسائل للجلال السيوطي
رحمه الله. وورد في هذه المجموعة أنها بخط المؤلف. ومما حوته هذه المجموعة رسالة
جاء في أولها : «تصدير مبارك ألقيته يوم أجلست للتدريس بجامع شيخو ، رحمه الله ،
بحضرة شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام علم الدين البلقيني وجماعة من القضاة
والأفاضل ، وذلك يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة سنة ٨٦٧ ه ، وقد مضى من عمري ثمان
عشرة سنة وأربعة أشهر وثمانية أيام والحمد لله».
وهذا الدرس
الذي ألقاه السيوطي في مفتتح عهده بالتدريس هو في تفسير آية من سورة (الفتح)
الكريمة.
وهذا التصدير
على صغر حجمه يفيد الباحثين في تطور الدراسات الإسلامية وأساليبها ، وفي الطرق
التي كانت تعتمد عليها مدارس المسلمين في إجازة طلابها وتخريجهم ، وقد بدأ المؤلف
درسه بذكر المراجع التي طالعها فقال : «طالعت على هذا التصدير الكشاف وتفسير
الإمام الرازي وتفسير الإمام ابن العربي والبحر لأبي حيان وأسباب النزول للواحدي
وتفسير السجاوندي وينبوع الحياة لابن ظفر وصحاح الجوهري ، والخطبة إلى آخر الصلاة
من كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه يعني من خطبة ، ، الرسالة ، ،» ... وبعد أن
حمد الله بما حمد به الإمام الشافعي في صدر «الرسالة» وصلى على النبي وآله قال : «رضي
الله عن السادة الصحابة أجمعين وعن إمامنا الشافعي المطلبي وسائر الأئمة وعن سيدنا
ومولانا شيخ الإسلام ووالده شيخ الإسلام وسائر مشايخنا والسادة الحاضرين وجميع
المسلمين ، ثم قال : «أما بعد فقد قال الله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ
فَتْحاً مُبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ
، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ، وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ،
وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً).
الكلام على هذه
الآية من جهات : الأولى سبب النزول ومكانه
وزمانه ، والثانية علم اللغة ، والثالثة علم الإعراب ، والرابعة علم
المعاني ، والخامسة علم التفسير.
أقول : قدمت
أولا الكلام على النزول وما يتعلق به ، ومناسبة تقديمه ظاهرة ، وثنيت باللغة
وقدمتها على الإعراب ، لأنها تبين المعنى ، والاعراب فرعه ومتوقف على معرفته ،
وثلثت بالاعراب وقدمته على المعاني الذي هو ثمرة الإعراب ، ثم تلاه المعاني ، ولما
انتهيت من الأدوات ذكرت المقصود بالذات من الآية وهو التفسير وبيان المراد ، ثم
ختمت بالنهاية وهو علم التصوف ، وهذا ترتيب حسن لطيف.
وبدأ بالكلام
على سبب النزول وما يتعلق به نقلا عن الواجدي ، ثم تكلم عن اللغة فبين معنى النصر
والبيان والمغفرة والذنب والنعمة والهدى والصراط المستقيم والعزيز. وذكر بعد ذلك
ما يتعلق بالآية من جهة الإعراب ، ثم ما يتعلق بها من جهة علم المعاني. ثم قال :
وأما ما يتعلق بها من جهة التفسير ، قوله : (إنا فتحنا) ، في المراد بالفتح هنا
أقوال : أحدها فتح مكة واختاره الفخر الرازى من الجميع وأبو حيان ، والثاني عام
الحديبية عند انفكاكه منها ، والثالث قاله مجاهد فتح خيبر وفي بعض الآي ما يدل
عليه ، والرابع قال الضحاك : والمراد فتح الله بالإسلام والنبوة والدعوة بالحجة
والسيف ، ولا فتح أبين منه وأعظم ، وهو رأس الفتوح كلها ، إذ لا فتح من فتوح
الاسلام إلا وهو عنه ومشتق منه. الخامس قال غيره : المراد نصر الله تعالى على أهل
مكة بعد ان أوحي اليه : إنك تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت. قوله : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما
تَأَخَّرَ) قال ابن عباس : ما تقدم قبل النبوة وما تأخر بعدها.
وقال غيره : ما وقع وما لم يقع على طريق الوعد بأنه مغفور له. وقال سفيان : ما
تأخر هو ما لم يعلمه ، وقال آخر : المتقدم والمتأخر معا ما كان قبل النبوة. وقال
آخر تأكيد للمبالغة كما تقول : أحبك من عرفك ومن لم يعرفك. وقال آخر ما تقدم من
ذنبك يعني من ذنب أبيك آدم وحواء ، وما تأخر : ذنوب أمتك. وقال آخر :
المعنى لو كان لك ذنب قديم أو حديث لغفرناه. قوله : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ*) قيل النبوة والحكمة ، وقيل بفتح مكة والطائف وخيبر ،
وقيل بخضوع من استكبر ، والصحيح بدخول الجنة.
قوله : (وَيَهْدِيَكَ) المراد يثبتك على الهدى كما في قوله : («يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ»
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) وأمثال ذلك. قوله (صِراطاً
مُسْتَقِيماً*) المراد به هنا الإسلام ... وآخر جملة في هذه الرسالة هي
(وأما من جهة علم التصوف) ، ثم يتلوها بياض بالأصل مقداره نحو ثلاثة أسطر بخط السيوطي
الدقيق. وإذا كان لم يصل إلينا ما كتبه السيوطي في تصديره عن التصوف فإن بعض
المؤلفين أشار في تحديد معاني الفتح إلى معنى هو أقرب إلى معاني الصوفية. قال
الراغب في كتابه (المفردات في غريب القرآن) : وقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) قيل عن فتح مكة ، وقيل بل عنى ما فتح على النبي من
العلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة التي صارت سببا
لغفران الذنوب ، ولعل هذا المعنى هو الذي عبر عنه بعض المفسرين بالإلهام.
ـ ٣ ـ
الحفنى شيخ الأزهر :
كان شيخ الأزهر
الحفني (١١٠٠ ه ـ ١٦٩٨ م ـ ١١٨١ ه ـ ١٧٦٧ ه) شجاعا في الحق شجاعة نادرة. تخاصم
علي بك الكبير مع طائفة كبيرة من الأمراء وتفاقم بينهم الشر حتى أوشك أن ينتهي إلى
الحرب. واجتمع لذلك كبار القوم ومعهم الشيخ الحنفي. فعارض الميل إلى الحرب معارضة
شديدة ، لما يصيب الناس من شرها. وقال للأمراء : إنكم خربتم البلاد ، بحربكم
وخصامكم. ثم أرسل إلى علي بك ، وكان خارج القاهرة ، كتابا شديدا فيه زجر وعظة
ونصيحة. وقد انفرد علي بك بعد ذلك بحكم مصر ، وفتح الشام والحجاز ، وكان مع ذلك لا
يستطيع مخالفة الشيخ. وله مع الأمراء والولاة مواقف من الشجاعة والصلابة يطول بنا
الحديث عنها. وكان لا يتم أمر من أمور الدولة ، إلا بعلمه وإذنه. وكانت له
مهابة عظيمة حتى لا يستطيع كثير من جلسائه أن يتوجه إليه بسؤال ، وكانت على
إحدى عينيه نقطة ، ومع ذلك لم يدرك أكثر الناس ذلك ولم يلحظوه. لأنهم كانوا يغضون
الطرف عند النظر إلى وجهه.
تولى المشيخة
بعد الشيخ الشبراوي ، الذي مات في آخر سنة ١١٧١ ه ... وكان إلى ذلك كله ظريفا
وشاعرا ، يقول الشعر ، والمواليا. كان له رفيق اسمه الشيخ حسن شمة ، رآه مرة يكتب
، فسأله ما ذا يكتب؟ فقرأ عليه الشيخ «شمة» هذا البيت :
قالوا تحب
المدمس؟ قلت بالزيت حار
|
|
والعيش أبيض
تحبه؟ قلت والكشكار
|
فضحك الشيخ
وقال له : أما أنا فلا أحبه بالزيت حار ، بل بالسمن. وأنشده :
قالوا تحب
المدمس؟ قلت بالمسلى
|
|
والبيض مشوي.
تحبه؟ قلت والمقلي
|
وله شيء غير
قليل من المواليا ، بعضه في الغزل ، وكله رقيق جميل فيه عاطفة وعذوبة. وله شعر
رقيق جميل ايضا ، منه :
فلو فتشوا
قلبي لألفوا به
|
|
سطرين ، قد
خطا ، بلا كاتب
|
العلم
والتوحيد في جانب
|
|
وحب آل البيت
في جانب
|
وهذان البيتان
، يمثلان حياته الى حد كبير ، فقد كان عالما كبيرا مخلصا للعلم ، ومتصوفا مؤمنا
طاهر السريرة.
ومن شعره هذان
البيتان الرقيقان. اللذان يفيضان يسرا وإيمانا ورضاء ، وصفاء وروحانية :
خبز ، وماء
وظل
|
|
هو النعيم
الأجل
|
جحدت نعمة
ربي
|
|
إن قلت إني
مقل
|
وقد عمر طويلا.
حيث مات ظهر يوم السبت السابع والعشرين من ربيع الأول سنة ١١٨١ (١٧٦٧) .. وكان يوم
وفاته يوم هول وبكاء. وقال فيه الوالي راغب باشا : انه كان سقفا على أهل مصر ،
يمنع عنهم نزول البلاء .
الإجازات العلمية في
الأزهر القديم
ذكر القلقشندي
في صبح الأعشى صور طائفة من الإجازات التي كان يصدرها أكابر العلماء لتلاميذهم أو
لمن يتقدم اليهم من الطلاب ، كإجازة التدريس والفتيا والرواية وغيرها (ج ١٤ ص ٣٢٢
وما بعدها) ، وتصدر هذه الإجازة بعد اختيار الطالب فيما طلب الإجازة فيه.
١ ـ وهذه صيغة
إجازة بالفتيا والتدريس على مذهب الإمام الشافعي ، أصدرها العلامة سراج الدين أبو
حفص عمر الشهير بابن الملقن لأبي العباس القلقشندي صاحب كتاب صبح الأعشى سنة ٧٧٨ ه
، وكتبها القاضي تاج الدين بن غنوم موقع الحكم بالاسكندرية ، وذلك بعد البسملة
والديباجة :
«ولما كان فلان
ـ أدام الله تسديده وتوفيقه ، ويسر إلى الخيرات طريقه ـ ممن شب ونشأ في طلب العلم
والفضيلة ، وتخلق بالأخلاق المرضية الجميلة ، وصحب السادة من المشايخ والفقهاء ،
والقادة من الأكابر والفضلاء ، واشتغل عليهم بالعلم الشريف اشتغالا يرضى ، وإلى
نيل السعادة ـ إن شاء الله ـ يفضي ، استخار الله تعالى سيدنا وشيخنا وبركتنا ،
__________________
العبد الفقير إلى الله تعالى ، الشيخ الإمام العلامة ، الحبر الفهامة فريد
دهره ونسيج وحده ، جمال العلماء ، أوحد الفضلاء ، عمدة الفقهاء والصلحاء سراج
الدين ، مفتي الإسلام والمسلمين ، أبو حفص عمر بن الملقن ... الخ».
«وأذن وأجاز
فيه لفلان المسمى فيه ، أدام الله معاليه ، أن يدرس مذهب الإمام المجتهد المطلق
العالم الرباني ، أبي عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي ، رضي الله عنه
وأرضاه ، وجعل الجنة متقلبه ومثواه ، وان يقرأ ما شاء من الكتب المصنفة فيه ، وان
يفيد ذلك لطالبيه ، حيث حل وأقام ، كيف شاء متى شاء وأين شاء ، وأن يفتي من قصد
استفتاءه خطا ولفظا ، على مقتضى مذهبه الشريف المشار إليه ، لعلمه بديانته وأمانته
، ومعرفته ودرايته ، وأهليته لذلك وكفايته ... وكتب في تاريخ كذا».
٢ ـ وهذه صيغة
إجازة أصدرها الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدايم إلى ولده أبي العباس المسمى نجم
الدين أبي الفتح ، متضمنة إتقانه لحفظ كتاب (المنهاج) في الفقه للنووي ، وذلك سنة
٨١٣ ه جاء فيها بعد الديباجة : «وبعد فقد عرض على الفقيه الفاضل ، نجل الأفاضل ،
وسليل الأماثل ، ذو الهمة العليا ، والفطنة الذكية ، والفطرة الزكية ، نجم الدين
أبو عبد الله محمد بن فلان ، نفع الله به كما نفع بوالده ، وجمع له بين طارف العلم
وتالده» ـ مواضع متعددة من «المنهاج» في فقه الإمام الشافعي المطلبي رضي الله عنه
وعنا به ، تأليف ولي الله ابن زكريا بن شرف بن مرى النووي ، سقى الله تعالى ثراه ،
وجعل الجنة مأواه ، دل حفظه لها على حفظ الكتاب ، كما فتح الله له مناهج الخير دقه
وجله ، وكان العرض في يوم كذا».
٣ ـ وكتب
العلامة الشيخ عز الدين بن جماعة في بعض الإجازات ما صورته : كذلك عرض على المذكور
باطنها عرضا حسنا ، محررا مهذبا مجادا متقنا ، عرض من أتقن حفظه ، وزين بحسن
الأداء لفظه ، وأجزل لي من عين العناية حفظه ، مر فيه مرور الهملاج الوساع في فسيح
ذي السباع ،
وقد دلني ذلك منه ، نفعه الله تعالى ونفع به ، ووصل أسباب الخير بسببه ،
على علو همته ، ووفور أريحيته ، وتوقد فكرته ، واتقاد فطنته ... وقد أذنت له أن
يروي عني الكتاب المذكور ، وجميع ما يجوز لي وعني روايته ، من مصنفاتي وغيرها من
منظوم ومنثور ، ومنقول ومعقول ومأثور ، بشرطه المعتبر ؛ عند أهل الأثر ، وكتب فلان
بتاريخ كذا ...
صور من إجازات الأزهر العلمية في أواخر القرن التاسع عشر
من صور هذه
الاجازات إجازة خطية طويلة عندي ، وهي التي كتبها الشيخ الباجوري للعالم الكبير
الشيخ نافع الجوهري الخفاجي التلباني (١٢٥٠ ـ ١٣٣٠ ه ١٨٣٤ ـ ١٩١٢ م) ، وقد أثبتها
في كتابي «بنو خفاجة وتاريخهم السياسي والأدبي » فلا داعي لذكرها كاملة هنا ، وفي آخرها يقول الشيخ
الباجوري : «أجزت المذكور بكل ما تجوز لي به الرواية ، وما تلقيت من أشياخي ـ ضاعف
الله أجورهم رواية ودراية ، وبما لي من تأليف وتصنيف» .. والاجازة مذيلة بهذا
التوقيع : الفقير إبراهيم الباجوري خادم العلم.
ومع هذه
الإجازة صورة أخرى لرجاء من أساتذته الشيخ المبلط والشيخ البدري والشيخ علي محمد ،
مرفوع إلى شيخ الجامع الأزهر لإعطاء «ولده الفقير نافع خفاجي تذكرة أسوة بأمثاله
بإكرامه وعدم المعارضة له بطريق ما ، وإجازته بكل ما أفتي وما فعل».
ويلي ذلك إجازة
شيخ الأزهر له ، وجاء فيها : «انتظم المذكور في سلك العلماء» وأخذ عن الشيوخ
الموجودين في هذا العصر بعضا من العلوم ، ودأب في التحصيل فمنح دقائق المفهوم ،
فأجازه أشياخه بما أخذ عنهم ، وتلقاه منهم ، ولما أراد الرجوع إلى وطنه ، التمس
إجازته ، بما تجوز
__________________
له روايته من منقول ومعقول ، وتنسب له عن أشياخه روايته ، فأجزته بما تجوز
لي روايته من منقول ومعقول ، وما تنصرف إليه همم أرباب العقول ، وعليه العمل بتقوى
الله ، وأن لا ينساني من دعواته.
وتاريخ هذه
الإجازة العلمية عام ١٢٨٣ ه ، وكان من شيوخه في الأزهر الشيخ إبراهيم السقا
والشيخ محمد الأشموني والشيخ الخضري والشيخ مصطفى البدري والشيخ الرهبيني ، والشيخ
الرفاعي والشيخ علي المبلط وسواهم ، وكان مما حضره من كتب في الأزهر : الكفرواى
وشرح الشيخ خالد ، والأزهرية ، والقطر ، والخطيب ، والتحرير والمنهج ، وسواها من
كتب وشروح وحواش ، في الفقه والحديث والتفسير والنحو والصرف والبلاغة والأدب
والأصول والتوحيد والعروض والمنطق وسواها.
صورة إجازة علمية أخرى :
بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : فقد سألني الأخ في الله الشيخ العالم
العلامة والحبر البحر الفهامة الشيخ نافع خفاجي بن الجوهري خفاجي التلباني ان
أجيزه في جميع مروياتي من معقول ومنقول من فقه وحديث وتفسير وإفتاء وتدريس ، فعلمت
لياقته لذلك فقلت : قد أجزته في جميع مروياتي عن مشايخي ، وأوصيه بتقوى الله
والوقوف على حدود شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتحرى في القول والعمل
وأن لا ينساني من صالح دعواته .. حرر ذلك في سنة الف ومائتين وثلاث وثمانين في شهر
جمادى الآخرة ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الفقير إلى الله
تعالى : علي ابن احمد الرهبيني خادم العلم بالحرم الشريف.
إجازات علمية أخرى :
ومن هذه
الإجازات مجموعات خطية وقعت لي ، ومن إجازاتها :
١ ـ بسم الله
الرحمن الرحيم لك الحمد على مرسل آلائك ومرفوعها ، ولك الشكر على مسلسل نعمائك
وموضوعها بحسن الانشاء وصحيح الخبر ، يا من تجيز من استجازك وافر الهبات ، فيغدو
موقوفا على مطالعة الأثر ، ما بين مؤتلف ، الفضل ومتفقه ، ومختلف العدل ومفترقه ،
جيد الفكر سليم الفطر ، يجتني بمنتج قياسه شريف الفؤاد ، ويجتبي بمنهج اقتباسه
ثمار السداد ، ويحلى نفيس النفوس بعقود العقائد الغرر ، فان صادفه مديد الامداد ،
وصادقه مزيد الانجاد ، وصفا مشربه الهنى ولا كدر ، ووجد درر الجواهر ويا نعمت
الوفادة ، بادر عند ذلك بالاستفادة والافادة ، ولا أشر ولا بطر ، فبذل المعروف
وبدل المنكر ، اذ ليس عند الاصحاح الجوهر ، ما اعتنى وما افتنى غيرها عند ما عثر ،
لا يزور ولا يدلس ولا يطهر ولا يكلس ولا يعاني الشرر ، فيامن من على هذا المنقطع الغريب
، ومنحه منحة المتصل القريب ، امنحني السلام في داره ونجني من سقر ، ومنك موصول
صلات صلواتك لا مقطوعها. وسلسل سلسبيل تسليماتك ومجموعها ، على سندنا وسيدنا محمد
سيد نوع البشر ، وعلى آله وأصحابه ، وحملة شريعته وأحبابه ، ومن اقتفى أثرهم وعلى
جهاده صبر ... أم بعد :
فلما كان
الاسناد مزية عالية ، وخصوصية لهذه الأمة غالية ، دون الأمم الخالية ، اعتنى بطلبه
الأئمة النبلاء أصحاب النظر ، إذ الدعى غير المنسوب ، والقصى غير المحسوب ، وسليم
البصيرة غير أعشى الفكر .. ولما كان منهم الإمام الفاضل ، والهمام الكامل ، والجهبذي
الأبر ، اللوذعي الأديب ، والألمعي الأريب ، ثاقب الفكر ، صاحب النظر ، ولدنا
السيد محمد الهجرسي الحفناوي ، نجل المرحوم العلامة السيد خليل الهجرسي ، زين
الدين الشافعي الشرقاوي ، أسكنه الله الفردوس وجنبه سقر ، وظهرت لي نجابته أذنته
بالتدريس. وأن يتخذ العلم خير جليس ، فشمر عن ساعده ، وظهر ومهر ، وطلب مني إجازة
ليتصل بسند سادتي سنده ولا ينفصل عن مددهم مدده ، وينتظم في سلك قد فاق غيره وبهر.
فأجبت وإن لم أكن
لذلك أهلا ، رجاء أن ينشر العلم وأنال من الله فضلا ، وأنجو في القيامة مما
للكاتمين من الضرر ، فقلت :
أجزت المومى
إليه بما تجوز لي روايته ، أو تصح عني درايته. من كل حديث وأثر ، ومن فروع وأصول ،
ومنقول ومعقول ، وفنون اللطائف والعبر ، كما أخذته عن الأفاضل السادة ، الأكابر
القادة ، مسددي العزائم ، في استخراج الدرر ، منهم أستاذنا العلامة ، ولي الله
المقرب ، وملاذنا الفهامة الكبير ثعيلب ، بوأه الله أسنى مقر ، عن شيخه الشيخ أحمد
الملوى ، ذي التآليف المفيدة ، وعن شيخه أحمد الجوهري الخالدي صاحب التصانيف
الفريدة ، عن شيخهما عبد الله بن سالم صاحب الثبت الذي اشتهر. ومنهم شيخنا محمد بن
محمود الجزائري ، عن شيخه علي بن عبد القادر الأمين ، عن شيخه أحمد الجوهري
المذكور المصون بالعرفان والتمكين ، عن شيخه عبد الله بن سالم ، ومنهم الشيخ محمد
صالح البخاري عن شيخه رفيع الدين القندهاوي ، عن الشريف الإدريسي عن عبد الله بن
سالم راوي أحاديث الابر ، ومنهم سيدي محمد الأمير عن والده الشيخ الكبير ، عن
أشياخه الذي حوى ذكرهم ثبته الشهير ، ومنهم غير هؤلاء رحم الله الجميع ولى وللمجاز
ولهم أكرم وغفر ، وهؤلاء وغيرهم يروون عن جم غفير ، وجمع كثير ، كالشيخ الحفني ،
والشيخ علي الصعيدي ، وغيرهما ، فمسانيدهم مسانيدي ، فما أكرمها من نسبة وابر ،
وقد سمع مني المجاز المذكور كتبا عديدة معتبرة مفيدة ، وفقه الله لمحاسن ما به أمر
، آمين بجاه طه الأمين.
٢ ـ وكتب تحت
هذه الإجازة ما يلي ، وهي صورة إجازة أخرى بإمضاء الشيخ محمد خليل الهجرسي :
بسم الله
الرحمن الرحيم وبه نستعين من كل شيطان رجيم ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا
وسندنا ومولانا محمد الرءوف وعلى آله أولي الفضل والهداية الحائزين قصب السبق في
مضمار الدراية والرواية ، وبعد فأقول وأنا الحقير المقر بالتقصير محمد خليل
الحفناوي الهجرسي قد أجزت
بما في هذه الإجازات الكامل الفاضل الشيخ إبراهيم كراوية الدمياطي ، وأنا
أوصيه بالتقوى ولا ينساني من صالح دعواته فإنها السبب الأقوى في خلواته وجلواته.
وذيلت بتاريخ
عام ١٣١٠ ه.
٣ ـ صورة إجازة
أخرى صادرة من الشيخ شمس الدين الانبابي :
بسم الله
الرحمن الرحيم : نجوز بإجازتك يا الله على صراط الحمد ، فنفوز بهدايتك يا وهاب على
بساط المجد ، ونزيد شكرا فنزيد أجرا ، ونصلي ونسلم على السيد السند الأعظم ، لكل
ذي هداية ممن تأخر من العلماء أو من الأنبياء تقدم ، إنسان عين حقيقة التوحيد
وترجمان لسان القرآن المجيد ، مفتاح الرحمة كشاف الغمة ، صاحب الشمائل الحسنة.
ومصدر مناهل السنة ، أصل منبع أصول الحكم ، وعين جميع جوامع الأمم ، فقه أمته ،
فأظهرت ملته ، فلم تنح نحوها في تسهيل تفهيم المسائل المهمة أمة ، ولم تتصرف
تصرفاتها في العبادات الجميلة الجمة ، لها في تهذيب الطلاب غاية لطافة ، وفي الحث
على الدأب يحسن الأدب في آداب البحث ، فيبلغ الطالب في أسرع مدة من الفنون بلاغة
وتسر سريرته بسرور أسرار البلاغة ، وغايته أنها رزقت السعد في علومها وحسن المنطق
في نظم كلامها ، لاستنادها في كل أفعالها على أعلى سند وأقوى أساس ، فكانت بذلك
كما في التنزيل خير أمة أخزجت للناس ، ثم نصلي ونسلم بعد ذلك على أصحابه الذين سلكوا
بنوره أقوم المسالك ، وأهل بيته الطاهرين ومن تبعهم من الأولين والآخرين .. أما
بعد : فلما كان الاسناد من المزايا العالية إذ فيه حفظ نسب الأرواح ، فأولى وأعلى
عناية به أسانيد العلماء للطلاب ، وكان الدعي غير المنسوب والمنسوب مطلقا محسوب ،
اشتدت عنايته العلماء الجهابذة ، وفضلاء هذه الأمة الأساتذة قديما وحديثا سواء كان
العلم صناعة أم حديثا بأخذ الأسانيد مسلسلة ، وإجازة الآخذين عنهم بعلوم مفصلة ،
وما عنى بهذا الأمر أشد عناية الا من صدق وصدق فصادفته العناية ، فاستجاز
والتمس الانجاز لحفظ نسبه العلمي ، المقدم على نسبه الجسمي ، فابتدر شيخه
لإجابته ، إذ لاحت منه أمارات نجابته ، وأجازه بما أجيز ، وأصبح بعز الافادة أعز
عزيز ... وممن اعتنى بعد ما اقتنى وقطع المفازة ، فطلب الإجازة ، ولدنا النبيه
النبيل والعالم النجيب الجليل ، الفاضل المحقق النحرير ، البارع في الالقاء والتحرير
من صدق في نجابته اختياري وتفرسي ، الحسيب النسيب السيد محمد الهجرسي بن شمس
الصلاح ، وكوكب سعد الفلاح ، قائد زمام الحقيقة ، وشائد بناء الطريقة ، كاشف الغمة
عن الطلبة والمريدين ، العالم العلامة المرحوم السيد خليل الهجرسي زين الدين بعد
أن لازمني مدة مديدة وأخذ عني فنونا عديدة ، فلما لاح لي كوكب صلاحه ، وفاح لي نشر
مسك فلاحه ، حيث أقرأ بالجامع الأزهر مهرة الطلاب وأفاد وأجاد ، وكشف عن مخدرات
التحقيق النقاب ، وأخذ من الفنون بأقوى طرف ، وزاد في الاقتداء في اخذ الأسانيد
بمن سلف ، فبادرت لطلبه بإعطائه بلوغ أربه ، فلم أثن عنه عنان العناية ، بل أجزته
بما يجوز لي رواية ، ويصح عني دراية ، من فروع وأصول ، ومنقول ومعقول ، وأذنته
بالتدريس ، وأن يتخذ العلم خير جليس ، ليكون في إفادته العلوم لطالبيها على أحسن
سنن ، وينتظم بصحيح مرسل درايته في عقد مسلسل الفضلاء بانتظام حسن ، فلا يعضل في
مقام ، ولا يوضع له مقام ، وليكون أيضا بذلك السند في العلم والشرف ذا غزارة
وغرازة ، لأن إجازتي هذه جازت من علو السند أجزل إجزاء وإجازة إذ هي إجازة مشايخي
الأعلام ، أكابر الشيوخ ومشايخ الإسلام كشيخي وملاذي وقدوتي وأستاذي ، البحر
الزاخر ، ذي القدر الفاخر ، العلم الفرد ، والوبل لا الثرد ، بحر التحقيق ، حبر
التدقيق ، مولى الفوارق ، من ضربت به الأمثال السائرة ، في نشر تآليفه الزاهية
الباهرة ، علمه سار فهو الشمس والدنيا فلك المورد العذب ، والمصدر الرحب ، مسدد
غلطات الأوهام ، مشيد عرفات الافهام من لا يدرك شاؤه ، إذا جورى شيخ الإسلام
أستاذي الشيخ الباجوري قدس الله سره ، وعظم فيه أجرنا وأجره ، فإنه أجازني بما
تجوز له روايته ، واذن لي فيما تصح عنه درايته من فروع
وأصول ، ومنقول ومعقول ، بل أجاز إجازة عامة أهل العصر ، وذلك كان في درسه
الحافل بعد العصر ، وهو مجاز من شيخيه الإمامين ، وأستاذيه الشهيرين ، الهمامين ،
أحدهما واحد العصر وعلامة الأنام ، من أصبح كل لسان من كل إنسان عليه مثنيا ،
الأستاذ الملاذ شيخ الإسلام السيد حسن القويسني ، فإنه أجازه بما حواه ثبت شيخ
مشايخ الاسلام ، والقدم الراسخ في مقام العرفان لأهل الإقدام ، البحر العذب الراوي
، الأستاذ الشيخ عبد الله الشبراوي ، وبجميع مروياته ، ضاعف الله في حسناته .. كما
أجاز السيد المذكور بذلك شيخه الهمام الحبر الشرعي ، الأستاذ أبو هريرة داود بن
الأستاذ محمد القلعي ، فكتب الشيخ أبو هريرة المذكور على ثبت العلامة ، المتقدم
ذكره المشهور.
٤ ـ وبعد ذلك
ما يلي ، وهو مذيل بتوقيع الفقير اليه تعالى محمد الأنبابي خادم العلم بالأزهر :
بسم الله
الرحمن الرحيم وبه ثقتي ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد
: فقد أخذت العلم عن رجال صالحين ، منهم الشيخ أحمد السحيمي بن محمد شارح عبد
السلام فقد أجازني بضمن ما في هذا الثبت الذي أجازه به شيخه الشيخ عبد الله
الشبراوي صاحب هذا الثبت ، ومنهم الشيخ أحمد الملوى فقد أجازني بجميع مروياته ،
ومنهم الشيخ أحمد الدمنهوري أجازني بما في ثبته ، وكتب عليه أنه أجازني بما في
ضمنه ، ومنهم الشيخ محمد الحفني حضرت عليه سنين كثيرة ، ومنهم الشيخ أحمد البجيرمي
، والشيخ عيسى البزاوي ، والشيخ حسن المدابغي ، والشيخ محمد المصيلحي ، والشيخ عبد
الله الشبراوي ، والشيخ عطية الأجهوري ، والشيخ أحمد القوصي ، والشيخ عمر الطحلاوي
، وغيرهم ممن يطول ذكره ، وقد أجزت بذلك السيد حسن العلوي ، ابن السيد درويش ، ابن
السيد عبد الله القويسني ، وبجميع مروياتي ، راجيا من الله أن لا ينساني من صالح
دعواته ... كتبه داود القلعي ، وصلى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون ،
وغفل عن ذكره
الغافلون ... وثانيهما الفرد الذي ليس له ثان ، ولا لعنان عنايته في ميدان
أهل العرفان ثان ، فإنه جواد العلم السابق الأصم ، بل بحره الزاخر الدافق الخضم ،
أستاذ الأساتذة ومولى الموالي ، شيخ مشايخ الإسلام ، الفاضل الفضالى المجاز من
العلامة الأمير الكبير ، بما حواه ثبته الشهير ، ومن غيره من الأعلام ، والأساتذة
الجهابذة الكرام ، وكشيخي الإمام علامة الأنام من سارت بفضائله سائر الركبان ،
وشوهدت طوالع تحقيقاته من مطالع عباراته ، فهو أبو السعود. لهذا الوجود ، وكشاف
لثام الأفهام ولا فخر ، ومفتاح أرواح استرواح عبير العرفان ولا نشر ، ذي المقاصد
الحسنة القوية الصادقة في كشف مواقف العقول الزكية الفائقة.
فإن يفق
الأنام وكان منهم
|
|
فإن المسك
بعض دم الغزال
|
فهو للقطر
القطب الذي عليه المعول ، وكل مادح فيه مقصر ولو كان مدحه مطولا ، لا زال في معراج
المعارف يرقى ، أستاذي وشيخي العلامة السقا ، أدام الله لنا وجوده ، ووقاه ما يكره
ووفاه سعوده ، فإنه أعزه الله العزيز الحكيم أعزني ، وبما حواه ثبت العلامة الأمير
الكبير أجازني ، وقد أجازه به العلامة الأمير الصغير ، عن والده الأستاذ الأمير
الكبير ، عن أشياخه الأفاضل ، والعلماء الأوائل الأماثل ، وبما حواه ثبت العالمين
، والهمامين ، الإمامين ، العلمين ، صاحبي الفضل العبقري ، الشهاب أحمد الملوى ،
والشهاب أحمد الجوهري ، وبجميع المرويات لهما من المعقول والمنقول ، كتوحيد وتفسير
وحديث وفقه ونحو ، وأصول كما هو مجاز بذلك عن شيخه العلامة والحبر الفهامة ، غاية
كل مأرب ، ونهاية كل طالب ، الأستاذ الأعظم ، والملاذ المكرم الشيخ ثعيلب. عنهما
وعن شيوخهما الفضلاء ، الأئمة الفحول ، المعول عليهم في الفروع والأصول ، وبالكتب
المأخوذة منها الأحاديث المشمولة لرسالة الفاضل عبد الله بن سالم البصري ،
المشهورة برسالة الأوائل ، كما أجازه بذلك شيخه محمد بن محمود محمد ابن حسين
الجزائري ، من أكابر الحنفية عن شيخه الشيخ عبد القادر الأمين مفتي
المالكية ، بالجزائر المحمية ، عن شيخه الجوهري الشافعي ، أستاذ أولي
اليقين ، عن الشيخ عبد الله بن سالم ، ملاذ ذوي التمكين ، وكما أجازه بذلك أيضا
شيخه شيخ الإسلام ، وملجأ الأنام السيد حسن القويسني بن السيد درويش مطاوع ، عن
شيخه الشيخ سليمان البجيرمي ، عن شيخه الشيخ محمد العشماوي ، ذي النور اللامع ، عن
شيخه الشيخ أبي العز العجمي ، الشهير عن شيخه الشيخ محمد الشرنوبي ، ذي العلم
الغزير ، عن شيخه شمس الملة والدين ، محمد الرملي سيد العارفين ، عن شيخه شيخ
الإسلام زكريا الأنصاري الهمام ، عن شيخه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني ، وأسانيده
في أوائل الفتح ليس لها ثان ، وكما أجازه بذلك أيضا شيخه السيد حسن القويسني
المتقدم أولا ، عن شيخه السيد القلعي إمام الملا ، وسنده يأتي مفصلا ، وكما أجازه
بذلك أيضا شيخه العلامة ثعيلب المار ، عن شيخه العلامة الجوهري ، ذي الفخار ، عن
شيخه العلامة عبد الله بن سالم الفهامة ، وكذا أجازني بما أجازه به مشايخه من
منقول ومعقول ، كشيخه الناظم بتحقيقه عقود اللآلىء ، الأستاذ الملاذ ذو الأفضال
الفضالى ، وكشيخه ذي التجلي الحسنى ، الأستاذ شيخ الإسلام القويسني وكشيخه الشيخ
محمد بن محمود الجزائري الحنفي ، صاحب الثبت المستوفي ، وكشيخه الشيخ محمد صالح
البخاري ، عن شيخه رفيع الدين القندهاري ، عن الشريف الادريسي ، الإمام العالم ،
عن أستاذ الأساتذة ، الأستاذ عبد الله بن سالم ، ثم وقد من الله علينا الكريم
الباري بالاجتماع بالشيخ محمد بن صالح البخاري وذلك في منصرفه الى الحج الشريف
وأخذنا عنه بلا واسطة ، ومن جملة ما أخذنا عنه حديث الأولية المنيف ، فالحمد لله
على ما أولاه ، وكشيخي الهمام الآخذ بزمام العلم وأي زمام ، مركز دائرة العرفان.
والمعنى بنادرة هذا الزمان صاحب العلوم اللدنية ، صافي الطوية صادق النية ، علم
العلم الكسبي ولسان قلم اللوح الوهبي غاية مطلبي ومنتهى أربي سيدي وسندي السيد
مصطفى الذهبي ، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث المشمولة لرسالة عبد
الله بن سالم الذي صارت مسانيدي المتقدمة بها
موصولة وذلك عن شيخه شيخ الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي عن
الشيخ أحمد جمعة البجيرمي عن شيخه الشيخ الاسكندراني عن شيخه عبد الله بن سالم
المذكور عن أشياخه الموضحة المسطرة بثبته المعروف المشهور وبجميع المرويات جزاه
الله عني أحسن الجزاء ، وكشيخي القطب العارف بر العوارف وبحر المعارف التقي النقي
والولي الجلي صاحب الصفا والوفا قطب الأزهر الأستاذ الشيخ المبلط مصطفى فقد أجازني
وأعطاني أمنيتي وأماني بإجازة ما حواه ثبت علامة الزمان وقطب أهل العرفان الأستاذ
الشنواني عن أشياخه الموضحة بثبته وبجميع مروياته ، أمدنا الله بمدده وأسكنه في
أعلى غرفاته ، وكشيخي شيخ الإسلام وزهرة الأزهر وبهجة الأنام ، ذي القدر الجليل
الأوحد ، والنسب الشهير الأمجد. كما قال فيه بعض واصفيه :
نسب وايم
الله لم يسبق ولم
|
|
يلحق ولم
يرمق إلى إنسان
|
كيف وهو شيخ
الإسلام ابن شيخ الاسلام سلسلة علماء أفاضل جهابذة أعلام ، من أشرقت من تحقيقاته
شموسي ، الأستاذ الأجل مصطفى العروسي ، فقد أجازني بالكتب التي أخذت منها الأحاديث
المشمولة برسالة عبد الله بن سالم البصري وغيرها وهو مجاز في ذلك عن شيخه شيخ
الإسلام القويسني عن شيخه السيد داود القلعي. بسنده السابق نفعنا الله تعالى بهم
ويسر بحبهم أمرك وأمري ... هذا وأوصيك بالتقوى فإنها السبب الأقوى ، وأن لا تنساني
من دعواتك وحسن توجيهاتك أيدك الله بالرشاد وأفاض عليك غيوث الأمداد ، وحفظك من
الزلل ووفقك لخير العمل. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا
وعذاب الآخرة ، وأفضل الصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي للرسل ختام ، وآله
الكرام ، وأصحابه الأعلام آمين وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.
٥ ـ ويلي ذلك
ما نصه :
بسم الله
الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله ، الحمد لله حمدا يليق بكماله وصلى
الله على سيدنا محمد وآله. يقول الفقير محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري
الحنفي غفر الله ذنوبه وأناله مطلوبه : إنه قد وقعت لي رواية صحيح البخاري وبقية
الكتب الستة من طرق عديدة ، أشهرها طريق الامام الحافظ شيخ الاسلام أحمد بن علي بن
حجر العسقلاني رحمه الله تعالى ورضي عنه ، فأرويه إليه من طريق سماعى ، وقراءتي
على والدي أبي الثناء محمود بن محمد ، وقد توفي رحمه الله سنة ست وثلاثين ومائتين
وألف في منصرفه من الحج ؛ ودفن بساحل سويس وهو بسماعه ، وقرأته على والده عبد الله
محمد بن حسين قاضي الجزائر المتوفي سنة ثلاث ومائتين وألف ، وقد سمعت أنا على جدي
رحمه الله قطعة من كتاب فضائل القرآن من صحيح البخاري ، ووقعت منه إجازة تعمه
وبقية السنة وهو كذلك عن عمه ابن أم أبيه الشيخ مصطفى بن رمضان القباني الحنفي
المتوفي سنة ثلاثين ومائة وألف وهو كذلك عن شيخه ابي عبد الله محمد بن شقرون
المقري التلمساني المتوفي سنة تسع وثمانين وألف ، وهو عن شيخه أبي علي الحسن
الأجهوري المالكي ، وأرويه سماعا لبعضه وإجازة تعمه وبقية الستة وسائر مرويات
الحافظ العسقلاني عن شيخي أبي الحسن علي بن عبد القادر ابن الأمين مفتى المالكية
بالجزائر المحمية المتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين وألف عن نحو من ثمانين سنة ، عن
شيخه أبي العباس احمد الجوهري الشافعي عن شيخه الأستاذ أبي العباس أحمد بن البنا
عن الشيخ على الأجهوري وهو عن مشايخه الثلاثة : شيخ الإسلام محمد الرملي الشافعي
والشيخ المعمر عمر بن الجاي الحنفي والشيخ بدر الدين الكرخي ثلاثتهن عن شيخ
الإسلام زكريا الأنصاري ؛ ويروية شيخنا ابن الامين عن شيخه أبي الحسن علي بن
العربي السقاط المغربي عن شيخه محمد بن عبد الرحمن الفاسي صاحب المنح البادية في
الأسانيد العالية ، عن شيخه محمد بن عبد الكريم الجزائري ، عن الشيخ المعمر مائة
وثلاثين سنة عبد الرحمن البهوتي الحنبلي عن الشيخ زكريا
الأنصاري المذكور وهو عن الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وهو عن شيخه
إبراهيم بن أحمد التنوخي ، وهو عن شيخه احمد بن أبي طالب الحجار عن شيخه الحسين بن
أبي بكر الزبيدي عن أبي الوقت عبد الأول ابن شعيب السنجري عن عبد الرحمن بن محمد
الداوودي ، عن عبد الله بن احمد السرخسي عن محمد بن يوسف الفريري عن الإمام الجليل
أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري ، وأرويه بأعلا سند يوجد في الدنيا عن شيخي
أبي الحسن علي بن عبد القادر عن شيخه احمد الجوهري عن شيخه احمد بن البنا عن شيخه
أحمد بن محمد العجل اليمني عن يحيى بن مكرم الطبري ، قال : أخبرنا البرهان ابراهيم
بن محمد بن صدقة الدمشقي وغيره بروايتهم عن الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الأول
الفرغاني وكان عمره مائة وأربعين سنة وأجازهم سنة عشرين وسبعمائة وقد قر البخاري
جميعه علي ابن عبد الرحمن محمد بن شاذبخت الفرغاني بسماعه لجميعه علي الشيخ ابي
لقمان يحيى بن عمار بن مقيل بن شاهان الختلاني ، وكان عمره مائة وثلاثة وأربعين
سنة ، وقد سمع جميعه علي بن عبد الله محمد بن يوسف الفريري وقد توفي سنة عشرين
وثلاثمائة عن الامام الحافظ ابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري بهذا الاسناد
عشرة رجال فتقع لي ثلاثياته بأربعة عشر ولله الحمد والمنة.
وقد أجاز شيخنا
ابو الحسن كل من أدرك حياته وبيني وبين الحافظ العسقلاني من طريق البهوتي خمسة
رجال وبيني وبين الإمام البخاري من طويقه أربعة عشر رجلا ، ويروي زكريا عن الأستاذ
ابن الجزري عن الصيرفي عن ابن الليثي عن ابي الوقت فبيني وبين الإمام البخاري بهذا
الطريق ثلاثة عشر رجلا ، ويروي أبو الحسن الأجهوري عاليا عن قريش العثماني عن ابن
الجزري فيقع لي من طريقه أيضا بثلاثة عشر ولله الحمد والمنة وبهذه السابقة أروي
جميع مؤلفات الحافظ العسقلاني وسائر مروياته التي تضمنها معجمه وبها إلى الشيخ
زكريا أروي جميع كتبه ومروياته وأروي كتب الإمام الحافظ السيوطي من طريق الأجهوري
عن مشايخه الثلاثة المذكورين عن
الحافظ السيوطي وأروي الأربعين النووية بالاسناد إلى الشيخ زكريا الأنصاري
قال : قرأتها على أبي إسحاق الشروطي ، قال : أخبرنا بها أبو عبد الله محمد بن أحمد
بن علي الرفا ، قال : أخبرنا العالم أبو الربيع سليمان بن سالم الغزى ، قال :
أخبرنا ابو الحسن علي ابن ابراهيم بن داود بن العطار ، قال : أخبرنا مؤلفها الامام
محيى الدين يحيى بن شرف النووي فذكرها وأروي فقه ابي حنيفة رحمه الله تعالى ورضي
عنه وعن والدي عن شيخه ابي الحسن علي بن إمام القصبة الجزائري عن الشيخ سليمان
المنصوري عن الشيخ عبد الحي عن الشيخ حسن الشد نبلالي عن الشيخ علي المقدسي عن الشيخ
أحمد بن يونس الحلبي عن الشيخ عبد الله بن الشحنة عن الشيخ كمال الدين بن الهمام
عن الشيخ عمر قارىء الهداية عن شيخه اكمل الدين صاحب العناية ، عن قوام الدين
السكاكي ، عن حسام الدين السفناقي صاحب النهاية ، عن حافظ الدين الكبير عن شمس
الأئمة محمد ابن عبد الستار الكردي ، عن صاحب الهداية عن نجم الدين عمر النسفي عن
ابي اليسر البزدوي عن إسماعيل بن عبد الصادق عن عبد الكريم البزدوي عن الامام أبي
منصور الماتوريدي عن أبي بكر الجوزجاني عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن
الشيباني عن ابي حنيفة النعمان ابن ثابت ، وهو تفقه على شيخه حماد ابي سليمان وهو
علي إبراهيم النخعي وهو علي علقمة والأسود وشريح ، وهؤلاء أخذوا عن عمر وعلي وابن
مسعود رضي الله عنهم ، وهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقرأت على والدي
رحمه الله سورة الفاتحة وهو سميع بالاستعاذة والبسملة والوقف على الرجيم والرحيم
إلى آخر ما يذكر من وقوفها بقراءته لها كذلك على والده محمد بن حسين ، كذلك على
عمه الشيخ مصطفى بن رمضان بقراءته لها كذلك على شيخه أبي عبد الله محمد بن شقرون
بقراءته لها كذلك علي أبي عبد الله محمد الدلجموني بقراءته لها كذلك علي أبي عبد
الله محمد الجزري ، وينتهي سنده إلى أن قرأها على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
، وكان يمد قراءته مدا ويقف على قوله الرجيم والرحيم والعالمين والرحيم والدين
ونستعين وعليهم الأول
والضالين ... وصاحب شيخنا الشيخ علي بن الأمين رحمه الله وهو صاحب أبي عبد
الله محمد التاودي بن سودة وهو صاحب أبي العباس أحمد بن المبارك ، وهو صاحب الشيخ
عبد العزيز الدباغ وهو صاحب أبي العباس الخضر وهو صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ،
وروي المسلسل عن شيخنا علي ابن الأمين عن شيخه الحفني ، عن شيخه البديري بسنده ،
وقد قرأ على الشيخ الإمام الفاضل أبو الحسن إبراهيم بن علي بن حسن المعروف بالسقا
حفظه الله جل جلاله صحيح البخاري إلى باب الاختباء من كتاب اللباس وسمع ذلك الشيخ
الإمام أبو العباس أحمد بن يوسف القنياتي إمام الجامع الأزهر حفظه الله بمنة
والشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد مطر العفيفي الشافعي حفظه الله بمنة
والشيخ الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن عثمان الدمياطي الغمراوي الشافعي حفظه الله
بمنة والشيخ الإمام أبو الحسن إبراهيم بن حسن الأشعري الشافعي حفظه الله ..
وأجزتهم بباقيه وبجميع مروياتي التي تضمنها هذا الثبت وغيره ، وأوصيهم ونفسي بتقوى
الله في السر والعلن والإخلاص له فيما ظهر وبطن ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا
لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله ، الفقير إليه سبحانه
محمد بن محمود بن محمد بن حسين الجزائري الحنفي المشهور ببلده بابن العناني لطف
الله به وتجاوز عنه بمنة.
٦ ـ صورة إجازة
أخرى من الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري.
بسم الله
الرحمن الرحيم : الحمد لله الذي فض لمن فضل ختام الفضائل والفواضل وجم لمن جمل
بالمعارف أنواء أنواع المآثر التي تتطاول بها أعناق الجحافل في المحافل وأجاز
بأحسن الجوائز كل من جاز على الحقيقة مجاز الرشاد والارشاد ، وجازى بمخارف الجنة
وزخارفها كل من شمر عن ساعد الجهد والاجتهاد .. والصلاة والسلام على من خففت أعلام
علومه في الخافقين ، وشرقت بوحي محامده في آفاق الكونين فبرقت منها أسارير أوجه
الثقلين سيدنا محمد المخصوص بجوامع الكلم والقول الفصل الذي إليه ينتمي إيراد كل
فضل ، وينتهي إسناد كل فضل ، وعلى آله نجوم الهدى وصحبه الذين فاز من بهديهم اقتدى
، وبعد : فلما كان مقام العلم
رفعا ، ومكانه مكينا وحصنه منيعا ، ورياض غياض فضله زاهية زاهرة ، توشيجا
وتوشيعا ، تطلع من أفقه نجوم السعادة ، وتنبع في رياه حدائق السيادة. تثمر أدواح
فنونه قطوف المنى وتسفر عن وجوده عز في الدنيا والآخرة ، باهرة السناء والسنا ،
دأب في جوز صراطه المستقيم ، صراط الدين أنعمت عليهم ، وحوز مناطه الكريم ، مناط
من مدت العلياء أيديها إليهم الحسنة التي أحسن بها الزمان المسيء ، والدنا اللوذعي
الأريب والألمعي الأديب السيد محمد الهجرسي فخفض جناح الذل منه لتحصيل حاصله ،
ورفع جناح الفتور عن همته فيه لنيل فيوض فضائله ، حتى جنى من روضه الأزهر الأزهري
وبنى من قواعده المتينة صرحا ممردا من محاسنه المبينة لا يدركها مدى الأزمان خلل ،
ولا يعتري ، وتجمل بلباس الفضل المبين ، وتصدر حتى تصدى للتدريس وتصدر فأقرت
تقاريره السهلة الممتنعة في المقامات الصعبة بتفوقه على أقرانه ، وأقرت معاهد
تنصيص الدقائق أقدامه ، في مزالق الأقدام وشواهد ثبات جنانه ، وتطلعت نفسه النفيسة
إلى مطالع طوالع عوالي الإسناد ، إذ كانت من أجل مطامح أنظار الأمجاد ، ومسارح
أفكار الأسياد ، فأومأ لطلب الاجازة من الفقير بطرف أدب ناعس الجفون ، يقول لكل
عاشق من أهل الإجازة : كن مجيبا فيكون ، فما وسعني إلا المبادرة بالاجابة وإن كنت
لست بهذه المثابة من تلك العصابة ، فقلت : أجزتك بما تجوز لي روايته ، وتجوز في مناهج
الإحسان درايته ، من منقول الفنون ومعقولها ، ومحلول العلوم ومعقولها ، مما تلقيته
عن مشيختي الذين كانت تشرق الدنيا ببهجتهم ، وتشرق سماء الفضل بنضرة وجه حضرتهم ،
كحضرة باب فتوحي ، ومربي جسمي وروحي ، من فتح للعلم والعمل بابا مرتجا ، سيدي
وأستاذي الوالد السيد رضوان نجا عن مشايخه أعلام الأمة ، وبدور الدياجي المدلهمة ،
كالعلامة الجوهري صاحب النهج وغيره والعلامة الصبان والامير الكبير ، وثبتهم شهرته
مغنية عن ذكره وكشيخنا شيخ الإسلام العلامة القويسني والضياء الباجوري وثبتهما
أشهر من علم ، والفقيه المحدث الشيخ محمد محمود الجزائري وسنده أعلا سند في عصرنا
يكون لشم
المحدثين أرفع شمم ، موصيا لحضرته البهية ، بملازمة السنة السنية ، والتشبث
في معارك مدارك العلوم بأحسن روية ، ليروي ظمأ القلوب حين يروي ويسند ، ويروي إليه
من الثناء الحسن حين يهدي ويرشد ، ويتداركني بدعاته المقبول كلما خطرت بساحات فكره
، وفقنا الله وإياه لما فيه رضاه وأوزعنا القيام بشكره ، ما هبت الصبا.
٧ ـ صورة إجازة
أخرى :
بسم الله
الرحمن الرحيم : يا من يقف المتروك ببابه فيصير مرفوعا مقبولا ، وينقطع الضعيف
لعزيز جنابه فيجعله صحيحا موصولا ، افض متصلات صلواتك ، ومسلسلات تحياتك ، على
الحبيب المرسل ، بإقامة معروف الفضائل ومشروعها وإزالة منكر الرذائل وموضوعها ،
وعلى آله وصحبه والتابعين لآثار سننه ، وخلفائه من بعده ، الرافعين لاعلام سننه ما
رتعت ظباء القلوب في رياض أحاديثه الخصيبة وهب نسيم القبول على ناشري برود أخباره
بسوح حضرته الرحيبة .. اما بعد : فلما كان الاسناد اجل مزية تتطاول بها أعناق
البزل وأجمل زينة تتحلى بها أجياد الكمل كيف لا وهو الخصيصة المعدودة لهذه الامة
من أشرف المزايا ، والمنقبة التي ضربت في تحصيلها أكباد المطايا والفخار الذي شغف
به أعيان السادات والتجارة التي لا تبور في أسواق الخيرات ، وكان الحائز من طارف
الرواية وتلادها أعظم الذخائر ، المالك لأزمة التحقيق والدراية كابرا عن كابر ، قد
بلغ من اهتمامه بأمر الدين ، واتباعه سبيل الأئمة المهتدين ، إنه لم يدع طريقة من
فوائد الرواية إلا سلكها ، ولا ثمينة من فرائد الدراية الا ملكها :
في المهد
ينطق عن سعادة ذاته
|
|
أثر النجابة
ساطع البرهان
|
إن الهلال
إذا رأيت نموه
|
|
أيقنت بدار
منه في اللمعان
|
الجامع بين شرف
الذات ونسب الوالد الطالع من مطلع غرته نور
طريف المجد والتالد ، ولدنا الأجل السيد محمد الهجرسي الحفناوي ، سلالة من
حاز منقبة النسبتين الروحية والجسمية ، وفاز بمزية البنوتين المعنوية والحسية ،
المرحوم مولانا السيد خليل الهجرسي الشرقاوي نور الله ضريحه المقدس وأسكنه الفردوس
الأقدس وكان المومي اليه من كثرة كماله ، شاهد شاهدا في سني أحواله ، فظن ان عندي
إسنادا مفيدا ، أو لدي من عزيز المطالب ضالة ، وما دري اني ما حل
المحل من التروي بمعينه ، عاطل الجيد من التحلي بثمينه ، لكن لما كانت رابطة
المحبة تقتضي الإمارة وامتثال الأمر بمجرد الاشارة لبيت سؤاله ، وامتثلت أمره
ومقاله ، فأقول قد أجزت ولدنا السيد محمد المومى إليه بما سمعته منه من حديث
المسلسل بالأولية وبجميع ما تجوز عني روايته ، وتتقوى بسندي درايته ، من مقروء
ومسموع مجاز ، وما بالمناولة له في قوانين الرواية مساغ وجواز إجازة تامة مطلقة
عامة بالشرط المعتبر ، عند أهل الأثر ، ولي بحمد الله تعالى في جميع العلوم أسانيد
كثيرة وطرق واضحة شهيرة عن مشايخ يستومض من جواهر عباراتهم لمعات من بروق الله نور
السموات ، ويستفتح من أزهار إشاراتهم نسمات إن لربكم في أيام دهركم نفحات ، الذين
منهم الإمام المحقق ، والهمام المدقق ، المرحوم سيدي وأستاذي السيد الشيخ يوسف
كساب الغزي مولدا المدني إقامة ومدفنا عن مشايخه الذين منهم الشيخ محمد المرحوم
الأمير الصغير ، عن والده المرحوم الشيخ محمد الأمير الكبير ، من ثبته بين
العالمين شهير ، ومنهم المرحوم الشيخ محمد عليش المالكي
__________________
الأشعري الشاذلي المتصل سنده أيضا الى الشيخ محمد الأمير صاحب الثبت العزيز
، ومن أشياخ المومى إليه الشيخ عوض الصعيدي السنباوي والشيخ حسن حميد الصعيدي
العدوى والشيخ إبراهيم الصعيدي الملوى والشيخ فراج البحيري والشيخ عبد الجواد
البحيري الشباسي والشيخ يوسف الصاوي والشيخ محمد حبيش البحيري والشيخ حسن الأبطحي
البحيري والشيخ محمد السباعي والشيخ أحمد السباعي والشيخ علي المغربي الحلو والشيخ
محمد الأمير وذكر في سنده أن هؤلاء السادات كلهم تلاميذ الشيخ الأمير الكبير
والشيخ مصطفى البولاقي ، تغمدهم الله برحمته وأسكنهم بحبوحة جنته ، وقد كان
رحمه الله تعالى كتب لي هذا السند بعد قراءتي عليه بعض الأحاديث حين قدومه لزيارة
النبي صلى الله عليه وسلم وإقامته تلك المدة في داري .. ومن مشايخي الأستاذ الطود
الأشم الكامل ، والجهبذ الألمعي الواصل سيدي الشيخ السيد محمد العطوشي الطرابلسي
مولدا المدني إقامة ومدفنا تغمد الله الجميع بالرحمة والرضوان ، وأنا لهم بجوار
حبيبه أعلا الجنان ، متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ،
يقال لهم إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا. هذا وللتبرك بذكر أعلا سند لي في
صحيح البخاري أقول أرويه عن شيخي محمد العطوشي المشار إليه عن شيخه محمد بن سنه عن
أبي الوفا أحمد بن محمد بن العجل عن قطب الدين محمد بن أحمد النهرواني عن والده عن
الحافظ نور الدين أبي الفتوح أحمد بن عبد الله الطاوسي عن المعمر الملقب بأبي يوسف
الهروي عن محمد بن شاذبخت الفرغاني عن المعمر أبي لقمان يحيى بن عمار
__________________
الختلاني عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفريري عن سيد حفاظ الإسلام محمد
بن إسماعيل البخاري فيكون بيني وبين البخاري أحد عشر رجلا لكن قد ذكر الشيخ عبد
الخالق بن علي الجرجاني انه صح ان الشيخ قطب الدين محمد النهرواني روى صحيح
البخاري عن الحافظ نور الدين ابي الفتوح الطاوسي بلا واسطة والده وعليه فيكون بيني
وبين البخاري عشرة رجال. قال أستاذي صاحب هذا السند : لا أعلم في الدنيا سندا أعلا
من هذا السند ... هذا وإني أوصي ولدنا السيد محمد المومي إليه بما أوصي به نفسي من
مراقبة مولاه في سره ونجواه ، والله أسأل ان يجعلني وإياه وجميع إخواننا من
العلماء العاملين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وجاء في آخر
هذه الإجازة ذكر تاريخها وهو السابع بعد العاشر من الواحد بعد العاشر من العاشر من
الرابع بعد العاشر من هجرته صلى الله عليه وسلم .. وفي ذلك ما يفيد ان تاريخ هذه
الإجازة هو ١٧ من ذي القعدة عام ١٣١٠ ه.
الإجازات العلمية في
الأزهر الحديث
كانت شهادات
الأزهر في نظامه القديم قبل النظام الحديث هي :
١ ـ العالمية
النظامية وكان ينالها من أتم دراسة القسم العالي وهي في قيمتها العلمية والمادية
كدبلوم مدرسة المعلمين العليا وليسانس الحقوق والآداب.
٢ ـ شهادة
التخصص القديم وكان يمنحها الأزهر بعد العالمية ، لمن قضى دراسة مهنية تربوية يعلم
فيها طرائق التدريس وما يتصل بها ، مع ثقافة تكميلية لتعويض ما كان في المستوى
العلمي من ضعف حينذاك. وقيمتها قيمة دبلوم معهد التربية للمعلمين.
أما الشهادات
التي تعطى للناجحين في الإمتحانات النهائية وفق النظام الحديث فهي :
١ ـ الشهادة
الابتدائية ـ لمن أتموا دراسة القسم الابتدائي بأعوامه الأربع ، وتخول صاحبها
الاندماج في القسم الثانوي.
٢ ـ الشهادة
الثانوية لمن أتموا دراسة السنة الخامسة من القسم الثانوي. وتخول صاحبها الاندماج
في الكليات ، ودار العلوم ، والتدريس في مدارس التعليم الأولى.
٣ ـ الشهادة
العالية لمن أتموا دراسة كلية من كليات القسم العالي ، والحائزون لها يكونون أهلا
للوظائف الكتابية بالجامع الأزهر ، والمعاهد الدينية ، والمحاكم الشرعية ،
والمجالس الحسبية ، والأوقاف ، والتدريس في المساجد ولوظائف الخطابة ، والإمامة
والمأذونية.
٤ ـ شهادة
العالمية لمن أتموا دراسة التخصص في مهنة التدريس أو القضاء الشرعي أو الوعظ
والإرشاد .. والحائزون لها من قسم التخصص في مهنة التدريس يكونون أهلا للتدريس في المعاهد
الدينية وفي مدارس الحكومة. والحائزون لها من قسم التخصص في القضاء يكونون أهلا
للوظائف القضائية بالمحاكم الشرعية والافتاء والمحاماة أمام المحاكم الشرعية
والمجالس الحسبية. والحائزون لها من قسم التخصص في الوعظ والارشاد يكونون أهلا
لوظائف الوعظ والارشاد.
٥ ـ شهادة
العالمية مع لقب أستاذ لمن تخصص في مادة من المواد ، والحائزون لها يكونون اهلا
للتدريس في الكليات وفي أقسام التخصص.
الكليات وما تمنحه من
شهادات
١ ـ كلية
الشريعة وتمنح الشهادات الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية ومدتها أربع سنوات. والمواد التي تدرس للحصول عليها :
التفسير ،
الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه ، الفقه مع
حكمة التشريع ومقارنة المذاهب في المسائل الكلية ، تاريخ التشريع الإسلامي
، المنطق ، الفلسفة ، لغة أجنبية (الانجليزية او الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.
ب ـ شهادة
العالمية مع اجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة
العالية :
قوانين ولوائح
المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ، التوثيقات الشرعية ، إجراءات
وتمرينات قضائية ودراسة القضايا ذات المبادىء السياسية الشرعية ، القانون الدولي
الخاص ، تاريخ القضاء والقضاة في الاسلام ، النظام الدستوري للدولة ، محاضرات في
مبادىء الاقتصاد ، محاضرات طبية ، محاضرات فلكية ، لغة اجنبية اختيارية ، وهي التي
درست في الكلية.
ج ـ شهادة
العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي يتخصص فيها للحصول عليها
بعد النجاح في الشهادة العالية :
الأصول ، الفقه
مع حكمة التشريع ومقارنة المذاهب وتاريخ التشريع الاسلامي.
٢ ـ كلية أصول
الدين ، وتمنح الشهادات الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :
التوحيد ،
التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا ، المنطق وأدب البحث ، الأخلاق ، الفلسفة ،
الأصول ، التاريخ الإسلامي ، علم النفس ، لغة اجنبية (الانجليزية او الفرنسية).
ب ـ شهادة
العالمية مع الاجازة في الدعوة والارشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد
النجاح في الشهادة العالية هي :
القرآن الكريم
وعلومه ، الحديث الشريف وعلومه ، الدعوة الى سبيل الله ووسائلها ، الخطابة
والمناظرة ، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها ، البدع والعادات ، اللغة
الأجنبية التي درست في الكلية ، لغة شرقية.
ج ـ شهادة
العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد
النجاح في الشهادة العالية هي :
التوحيد ،
المنطق ، الفلسفة ، الأخلاق.
د ـ شهادة
العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف. والمواد التي تدرس
للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية هي :
التفسير ، علوم
القرآن الكريم ، الحديث وعلومه.
ه ـ شهادة
العالمية من درجة استاذ في التاريخ الاسلامي. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد
النجاح في الشهادة العالية هي : التاريخ الاسلامي وما يلزمه من دراسات.
٣ ـ كلية اللغة
العربية ، وتمنح الشهادات الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية في اللغة العربية. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :
النحو ، الصرف
، الوضع ، فقه اللغة ، الأصول ، الانشاء ، علوم البلاغة : (البيان والمعاني
والبديع) ، الآداب العربية وتاريخها ، العروض والقافية ، التفسير ، الحديث ،
المنطق ، الفلسفة ، المطالعة ، الأدب المقارن ، علم الاجتماع ، الخط ، الجغرافيا ،
التاريخ السياسي ، النقد الأدبي ، لغة أجنبية : الانجليزية ، والفارسية ، والعبرية
، والتركية ، والأخيرة بصفة اختيارية ، وتعطى عليها مكافأة شهرية قدرها جنيه لعشرة
طلاب.
ب ـ شهادة
العالمية مع الاجازة في التدريس. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في
الشهادة العالية هي :
علم النفس
العام ، علم النفس التعليمي ، أصول التربية والطرق العامة والتنظيم المدرسي ،
تاريخ التربية العملية ، طرق التدريس الخاصة ، الأخلاق ، تدبير الصحة المدرسي ،
الرسم ، تجويد الخط ، التربية البدنية ، لغة اجنبية اختيارية وهي التي درست في
الكلية.
ج ـ شهادة
العالمية من درجة استاذ في النحو. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في
الشهادة العالية هي :
النحو ، الصرف
، الوضع ، فقه اللغة ، العروض والقافية ، وتدرس مبادىء اللغتين العبرية
والسريانية.
د ـ شهادة العالمية
من درجة أستاذ في البلاغة والأدب ، والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في
الشهادة العالية هي :
علوم البلاغة
وتاريخها ، الأدب العربي وتاريخه ، العروض والقافية ، النقد الأدبي ، مبادىء
اللغتين العبرية والسريانية. ومدة الدراسة للحصول على شهادة الدراسة العالية أربع
سنوات ، وللحصول على شهادة العالمية مع الاجازة سنتان. ومدة الدراسة للحصول على
شهادة العالمية من درجة أستاذ لا تقل عن ست سنوات ، ولا تزيد على ثماني سنوات.
وهذه صور من
شهادات الأزهر الحديث :
١ ـ بسم الله
الرحمن الرحيم ـ براءة بمنح شهادة العالمية ، من فؤاد ملك مصر بعناية الله تعالى ،
الى حضرة الشيخ نافع محمد نافع الخفاجي الشافعي من تلبانة مركز المنصورة مديرية
الدقهلية ـ رفع إلينا صاحب العزة وزير الأوقاف ما أقره مجلس الأزهر الأعلى في ١٤
ربيع الثاني ١٣٥١ ه ١٦ أغسطس ١٩٣٢ ، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية الذي
اجرى بالجامع الأزهر في سنة ١٣٥٠ ه لذلك أمرنا بإصدار براءتنا هذه من ديواننا
بمنحكم شهادة العالمية ، مع حقوقها التي تخولها لكم القوانين والأوامر
المتبعة نفع الله الناس بعلمكم ، ووفقكم لما فيه الخير ـ تحريرا في ٢٣ محرم سنة
١٣٥٢ ه من هجرة خاتم المرسلين.
٢ ـ بسم الله
الرحمن الرحيم ـ المملكة المصرية ـ الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية
الاسلامية ـ الشهادة العالية بكلية اللغة العربية ـ استحق هذه الشهادة الأستاذ
محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم عبد المنعم خفاجي بن عبد المنعم
خفاجي المولود سنة ١٩١٥ في تلبانة مركز المنصورة مديرية الدقهلية ، بعد أن نجح في
امتحانها المنعقد سنة ١٣٥٩ ه ـ ١٩٤٠ م ـ والله أسأل أن يوفقه لخدمة العلم والدين
ـ شيخ الجامع الأزهر ـ محمد مصطفى المراغي ـ القاهرة في صف ١٣٦٠ ه ـ ١٩٤١ م.
٣ ـ بسم الله
الرحمن الرحيم ـ براءة بمنح شهادة العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب ـ من
ملك مصر بعناية الله تعالى ، إلى حضرة الأستاذ محمد عبد المنعم عبد المنعم خفاجي
الحنفي ، من تلبانة بمركز المنصورة بمديرية الدقهلية ، رفع الينا حضرة صاحب
الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ما أقره المجلس الأعلى للأزهر في ٢٤
ربيع الأول ١٣٦٦ ه ـ ١٥ فبراير ١٩٤٧ ، من نجاحكم في امتحان شهادة العالمية من
درجة أستاذ في البلاغة والأدب الذي اجرى في سنة ١٣٦٥ ه لذلك أمرنا بإصدار براءتنا
هذه من ديواننا بمنحكم هذه الشهادة مع حقوقها التي تخولكم إياها القوانين والأوامر
المتبعة ، نفع الله الناس بعلمكم ووفقكم لما فيه الخير.
إصلاحات جديدة في
الأزهر
١ ـ مما جد على
الأزهر من إصلاحات : إنشاء قسم للوعظ ، يتبعه الوعاظ من العلماء في جميع القطر
المصري ، ويصدر قسم الوعظ مجلة اسمها «نور الإسلام» ، وعند ما بدأ قسم الوعظ سنة
١٩٢٨ كان عدد الوعاظ فيه نحو أربعة ، وهم الآن نحو ٢٥٠ واعظا من العلماء.
٢ ـ وكذلك
إنشاء مراقبة البحوث والثقافة الاسلامية في يوليو ١٩٤٥ ، وإنشاء وحدة طبية كاملة
للأزهر عام ١٩٤٧.
٣ ـ وكذلك
إنشاء كثير من المعاهد الدينية الابتدائية والثانوية في عواصم المديريات وبعض
المدن الكبرى ، ويبلغ عددها الآن نحو ٢٥ معهدا ، ومن أقدمها : معهد الاسكندرية
ومعهد طنطا ، وأسيوط ، والزقازيق ودمياط ودسوق ، ثم أنشىء معهد شبين الكوم
والمنصورة وقنا وسوهاج والمنيا ومنوف ، وفي عهد الثورة انشىء معهد في دمنهور وآخر
في بنها .. الى غير ذلك من المعاهد الدينية العديدة التي هي فروع صغيرة للجامعة
الأزهرية الكبرى.
٤ ـ وكذلك
إنشاء مجلة الأزهر ، فقد رأت مشيخة الأزهر بعد أن استقر فيه النظام الجديد الذي
وضع له ، ان تجعل لهذه الجامعة الدينية العالمية مجلة تحمل رسالتها الى جميع
البلاد الاسلامية ، لتكون صلة علمية بينها وبين جميع الشعوب التي تدين بالدين
الحنيف في مشارق الأرض ومغاربها ، ولتحمل الى القائمين بتعليم الدين فيها ما تثمره
قرائح حفظته مما يزيد في مادته ثروة جديدة ، أو ما يتأدون إليه نظام مفيد. فظهرت
هذه المجلة باسم «نور الإسلام» في أول محرم من سنة ١٣٤٩ ه ـ ١٩٣٠. وكان ذلك في
عهد المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، ويؤثر عنه انه بذل في إقامة صرح هذه
المجلة مجهودا محمودا. ولما تولى المشيخة المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغى نظر
إلى هذه المجلة نظرة تشجيع ورأى ان يغير اسمها إلى «مجلة الأزهر» بدل مجلة نور
الإسلام. وقد سر الناس بظهور المجلة ، واتسع انتشارها حتى بلغ ما يطبع منها حدا لم
تبلغه مجلة إسلامية قبلها في البلاد العربية .. كان مما يكتبه فيها أعلام الأزهر
بحوث في التفسير والحديث ، وبحوث تحض على إحياء السنة وإماتة البدعة ، والدعوة إلى
الفضائل. ثم اتسع ميدان الكتاب فيها ، فأخذت تفند ما تسرب إلى بعض المقلدين من
الشبهات والشكوك ، محمولة بين ثنايا المعارف المدرسية الحديثة وما تنشره المجلات
العلمية من المباحث في الطبيعيات ،
وما تلم به أحيانا من المعضلات في مختلف الفلسفات. فكانت مجلة الأزهر في تلك
المواقف حائلا قويا بين تلك الموجات العنيفة والدين ، على أسلوب علمي بحت ،
وبأسلحة من الطراز الذي يهاجم به الدين في أخص ما يدعو اليه.
وطار صيت مجلة
الأزهر في الآفاق الاسلامية ، بما كان يقتطفه منها كتاب تلك الأقطار ، وما يترجمه
عنها المشتغلون منهم بالصحافة ، فكان أثرها بعيدا في حماية العقائد ، وتقويم
المذاهب ، وطمس معالم البدع ، وتجلية الدين الحق في صورته الصحيحة.
ولما تولى
مشيخة الأزهر المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرازق رغب في ان تكون مجلة الأزهر مستكملة
لنظم المجلات الجامعية ، فوضع لها قانونا ، وحدد المواضيع التي تطرقها ، ووضع لها
نظاما ، وشجع على السير بها قدما بكل ما استطاع من وسيلة.
وكان من أجل ما
قامت به هذه المجلة من خدمات ، تلك الصلة الكريمة التي أوجدتها بين المسلمين في
البلاد كافة وبين الأزهر ، فإن لهذه الصلة أثرا أدبيا يظهر فعله في الأخلاق
والآداب ، إن لم يكن عاجلا ، فعلى مدى الأيام والسنين ، وكان لا بد من إيجاد هذه
الصلة في هذا العهد.
وقد تولى إدارة
المجلة علماء ممتازون ، منهم الأستاذ الكاتب العالم محمد فريد وجدي المتوفى في ٦
فبراير ١٩٥٤ .. وفي عهد مشيخة الشيخ عبد المجيد سليم الثانية عهد بإدارة المجلة إلى
الأستاذ احمد حسن الزيات.
ثم تولى
إدارتها بعده الأستاذ الكبير الشيخ محمد عرفة عضو جماعة كبار العلماء ، ثم الشيخ
محمد عبد اللطيف السبكي عضو الجماعة كذلك.
ومنذ المحرم
١٣٧٤ ه بدأت المجلة تصدر مرتين في الشهر بدلا من مرة واحدة.
المكفوفون في الأزهر :
امتاز الأزهر
عن جميع المعاهد العلمية والجامعات الكبرى بمزيد الاهتمام وعظيم الرعاية والعناية
بالطلبة المكفوفين ، فهو يحتضنهم ويمددهم بالاعانات الرتبية في كل شهر ، ويكفل لهم
الاستقرار في حياتهم المدرسية ، وهم في منهاج تعليمهم كالمبصرين سواء بسواء ، ما
عدا المواد التي لا بد فيها من الإبصار ، كالعلوم الرياضية والتجارب العلمية في
الطبيعة والكيمياء ، وتصدر لهم براءات ملكية من ولي الأمر عند انتهاء دراساتهم
كالمبصرين ، ويضمن لهم مستقبلهم ، إذ يمتهنون بعض المهن العلمية في الدولة : كالتدريس
والامامة والخطابة والوعظ والارشاد.
ولقد تخرج في
الأزهر كثير منهم ، كان لهم القدح المعلى في الثقافة العامة والتربية والتعليم ،
واشتهر منهم كثير في الأزهر ، والميادين العلمية قديما ، كالشيخ القويسني وقد وصل
بشهرته ومكانته إلى مشيخة الاسلام في الأزهر سنة ١٢٥٠ ه ، وحديثا : كالشيخ حسين
زين المرصفي ، والشيخ علي الصالحي ، والشيخ محمد ماضي الرخاوي ، والشيخ إبراهيم
الحديدي ، والشيخ يوسف الدجوى ، والشيخ سالم البولاقي ، والشيخ عبد المطلوب برعي ،
والشاعر الفحل الشيخ احمد الزين ، وكان له في دار الكتب الملكية آثار محمودة في
البحوث الأدبية والعلمية.
ومن بين هؤلاء
من لم يتم دراسته في الأزهر ولكنه نجح في الحياة ، وطار صيته في الآفاق كل مطار ،
كالدكتور طه حسين .. وقد سافر في بعثة دراسية الى فرنسا الأستاذ فتحي عبد المنعم
وهو من مدرسي الأزهر المكفوفين.
لجنة الفتوى بالأزهر
كانت ترد إلى
مشيخة الأزهر من الأقطار الشقيقة وغيرها استفتاءات كثيرة في مسائل دينية متنوعة ،
يطلب أصحابها الافتاء فيها على مذهب معين ، او من غير تقيد بمذهب من المذاهب ..
ولما كانت تلك
الاستفتاءات وما يصدر فيها من فتاوى على جانب عظيم من الأهمية ، لما لها من
وثيق الصلة بأحوال الناس الشخصية والاجتماعية وغيرها ، ثم هي وسيلة من وسائل نشر
أحكام الشريعة الاسلامية الغراء على وجه صحيح بين جمهور المسلمين. ونظرا إلى ما
يتطلبه هذا العمل العلمي الديني الجليل من جهد وما يستنفده من وقت في البحث والدرس
، فقد رأى المغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق ان تضطلع بهذا
العمل لجنة خاصة من جهابذة العلماء ، فأصدرا قرارا بتكوينها في ١٢ من جمادى الأولى
سنة ١٣٥٤ ه ١١ من اغسطس سنة ١٩٣٥ ـ من رئيس وأحد عشر عضوا ، منهم ثلاثة من علماء
الحنفية ، وثلاثة من المالكية ، وثلاثة من الشافعية ، واثنان من الحنابلة. ومنذ
تألفت اللجنة وهي دائبة على أداء واجبها بعقد اجتماعات تتوافر فيها على بحث ما يرد
إليها من استفتاءات بحثا وافيا مستفيضا ، ثم تجيب عليها مبينة حكم الشرع فيها ،
إما وفق أحكام مذهب معين إن طلب السائل ذلك ، وإما بغير تقيد بمذهب فتكون الاجابة
على وفق ما تقتضي به القواعد العامة المأخوذة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإجماع المسلمين او القياس الصحيح الموافق لقواعد الدين العامة
والملائم لصالح المسلمين.
وليس ادل على
عظيم اثرها وجليل نفعها من أنها تصدر نحو ٣٥٠ فتوى سنويا وقد تعاقب على رياستها من
أول تكوينها الى الآن ، حضرات أصحاب الفضيلة : المغفور له الشيخ حسين والي
والمغفور له الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام والمغفور له الشيخ محمد مصطفى المراغى
والمغفور له الشيخ محمد مأمون الشناوي والشيخ عبد الرحمن حسن والشيخ عبد المجيد
سليم والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد العناني.
مجلس الأزهر الأعلى :
وللأزهر مجلس
أعلى أنشىء بمقتضى القانون رقم ١٩١١ ، ويؤلف من شيخ الأزهر ، ووكيله ، ومفتي
الديار المصرية ، ومشايخ الكليات ، ووكلاء
وزارات المالية والعدل والمعارف والأوقاف ، واثنين من هيئة كبار العلماء ،
واثنين من كبار رجال التعليم ويعينان لمدة سنتين.
العلماء والطلاب :
لا يوجد في
السجلات ذكر لعدد علماء الأزهر إلا من سنة (١٢٨٧ ه ـ ١٨٧٥ م) بيد انه يوجد إحصاء
عام قبل ذلك بلغ ٢٥٢ عالما ، وذلك قبل صدور قانون نظام الامتحانات في عهد الشيخ
المهدي العباسي اي في سنة ١٢٨٧ ه ، ونفذ في سنة ١٢٨٨. وكان عدد الشيوخ المدرسين
بالأزهر في هذا العام ٣٦١ شيخا.
ونذكر هنا أن
العلماء الذين يزاولون التدريس في الأزهر ـ كلياته ومعاهده ـ يبلغ عددهم الآن نحو
١٢٣٥ مدرسا ، وكذلك الوعاظ يبلغ عددهم الآن نحو عشرين ومائتي واعظ. وذلك خلاف باقي
الموظفين في غير التدريس والوعظ بالأزهر ومعاهده.
إحصاء عام للطلبة بالأزهر :
في سنة ٣٧٨ ه
بلغ عددهم ٣٥ طالبا وفي سنة ٨١٨ بلغ عددهم ٧٥٠ طالبا وفي سنة ١٢٦٣ بلغ عددهم ٧٤٠٣
طلاب وفي سنة ١٢٧٢ بلغ عددهم ٥٩٤٠ طالبا وفي سنة ١٢٨٢ بلغ عددهم ٢٨١٧ طالبا وفي سنة ١٢٩٢ بلغ عددهم ١١٠٩٥ طالبا وكان عدد العلماء
في هذا العام ٣٢٥ عالما .. وفي سنة ١٢٩٣ بلغ عددهم ١٠٧٨٠ طالبا وفي سنة ١٣١٩ بلغ عددهم ٨٢٥٩ طالبا وفي سنة ١٩٠٢ م بلغ
عدد الطلبة ١٠٤٠٣ طلاب وفي سنة ١٩٠٦ بلغ عددهم ٩٠٦٩ طالبا وفي سنة ١٩١٦ بلغ عددهم ١٥٣٣٥ طالبا وفي سنة ١٩٢٠ بلغ
عددهم ١٣٢٨٠ طالبا وفي سنة ١٩٢٦
__________________
بلغ عددهم ١١٧٩٧ طالبا وفي سنة ١٩٢٩ بلغ عددهم ١٠٦٨٠ طالبا وفي سنة ١٩٣٣ بلغ
عددهم ٨٩٤٥ طالبا وفي سنة ١٩٣٨ بلغ عددهم ١٣١٦٣ طالبا وفي سنة ١٩٤١ بلغ عددهم
١٤١١٦ طالبا وفي سنة ١٩٤٧ بلغ عددهم ١٧٥١٤ طالبا.
ميزانية الأزهر :
وكانت ميزانية
الأزهر عام ١٨٩٢ م مبلغ ٤٣٧٨ جنيها حيث كانت مرتبات العلماء ضئيلة في ذلك العهد.
فكان مرتب العالم ذي الدرجة الأولى مائة وخمسين قرشا ، وذي الدرجة الثانية مائة
قرش ، وذي الدرجة الثالثة خمسة وسبعين قرشا. وكانت المرتبات محدودة العدد. فكان
المدرس الجديد لا يمنح مرتبا الا إذا توفي احد المستحقين من قبل ، ويكتفي
بالجراية. وفي ذلك العهد لم يكن فيه إحالة على المعاش. فالعالم يتقاضى مرتبه إلى
الوفاة. وبقي الحال كذلك إلى سنة ١٩٠٩ م. ففي ذلك التاريخ طلب العلماء من أولياء
الأمور النظر في حالة الأزهر بما يلائم حال العصر من وضع الدرجات ورفع المرتبات ،
حتى تتسع لكل العلماء المدرسين ، مع طلب إصلاحات اخرى ، ولما رأى أولياء الأمر أن
حالة الأزهريين اشتدت ، وانقلبت الحالة الى ثورة جامحة استغلتها بعض الأحزاب
السياسية ، قرروا إجابة طلبهم أولا في وضع الدرجات ، وان المدرس يتقاضى ثلاثة
جنيهات شهريا. ـ وقد كان مرتب الشيخ محمود أبي العيون المدرس في الأزهر بعد تخرجه
عام ١٩٠٨ خمسة عشر رغيفا ، وظل يتناول هذا الأجر إلى يونيه سنة ١٩٠٩ م ، فرتب له
ثلاثة جنيهات كزملائه.
ومن ذلك الوقت
بدأ الأزهر يسير في طريق النظم المالية في الدولة.
وفي سنة ١٩١٢
بلغت ميزانية الأزهر ٥٩٩٢٤ جنيها ـ وفي سنة ١٩٢٠ بلغت ٢٠٦٨٨١ جنيها. وبلغت ميزانية
الجامع الأزهر والمعاهد الدينية العلمية في سنة ١٩٢٨ المالية ٠٠٠ ، ٣٠٥ جنيه منها
٨٣٧ و ١٩٤ مخصصة للجامع الأزهر ، ويبلغ عدد الأساتذة المدرسين بالجامع الأزهر في
العام
نفسه ٢٥٣ أستاذا ، وعدد الطلبة بالقسم الأولى ١٣٦٦ طالبا ، وبالقسم الثانوي
٥٨٨ طالبا ، وبالقسم العالي ١٢٣٨ طالبا ، وبالقسم المؤقت ٥٧٣ طالبا ، وفي فرقة
التخصص ١٦٠ طالبا ، وبلغ عدد المدرسين في معهد الاسكندرية ٩٢ مدرسا وعدد الطلبة
٧١٦ طالبا ، وفي معهد طنطا ١٠٧ مدرسين و ٢٠٩٢ طالبا وفي معهد أسيوط ٥٥ مدرسا و ٦٧٤
طالبا ، وفي معهد دسوق ٢٦ مدرسا و ٣٦٠ طالبا ، وفي معهد دمياط ٢٥ مدرسا و ٣٠٦ طلاب
، وفي معهد الزقازيق ١١١ مدرسا و ١١١٤ طالبا.
وفي سنة ١٩٢٩
بلغت ميزانية الأزهر ١٢١٠٣٣ جنيها ، وفي سنة ١٩٤٢ بلغت ٤٠٠٢٠٠ جنيه ، وفي سنة ١٩٤٨
صارت ٩٠٠٧٥٢. وتبلغ اليوم نحو المليون والثلث من الجنيهات.
الأزهر في صحائف
الذكرى
ـ ١ ـ
في عام ١٨٩٩
أرادت حكومة مصطفى فهمي باشا استجابة لأمر الإنجليز أن تضعف القضاء الشرعي. فوضعت
مشروعا لتعديل اللائحة الشرعية وضم اثنين من أعضاء الاستئناف الأهلي الى المحكمة
الشرعية العليا ، ولم تبال الحكومة المصرية باحتجاج الحكومة العثمانية على المشروع
فعرضته على مجلس الشورى ، وكان من أعضائه الشيخ حسونة النواوي الذي جمعت له مشيخة
الأزهر وفتوى الديار المصرية ، فثار على المشروع وانسحب من المجلس وتبعه القاضي
التركي ، فخذل المجلس الحكومة وفشل المشروع.
ـ ٢ ـ
شيئان لهما في
نفوس السائحين المكان الأرفع. وهما أول ما يفكرون في زيارتهما .. الأهرام والأزهر.
وللسائحين ـ والأمر
يكيون بالأخص ـ فكرة عجيبة عن الأزهر الشريف يكتنفها الخيال بأوسع معانيه ، فهم
يتصورون فيه بقية من بقايا العصر
الاسلامي الزاهر ، ويذكرون به قصص ألف ليلة وليلة وقصور بغداد والقاهرة
وقرطبة.
ويروى أن
اللورد كرومر المعتمد البريطاني أراد أن يتعارف بشيخ الجامع الأزهر فقيل له إنه
معتكف في حجرته بالجامع لا يخرج منها ولا يغادر باب الأزهر لزيارة احد مهما كان
مركزه عظيما ، وذهب اللورد لزيارة الأسد في عرينه .. أو الناسك في صومعته ، وكان
اللورد حينذاك في إبان بطشه وقوته يهابه الكل ويسارعون لتلبية أمره وقد ظن انه
سيجد من شيخ الاسلام تابعا ونصيرا.
ودخل الأزهر
وسار بين أعمدته وعلى بلاطه فامتلأ رهبة وروعة وراعه الصمت السائد ، والطلبة الذين
يتحركون في صمت وخشوع كأنهم الأشباح السارية ، واستقبله وفد من المشايخ في عمائم
كبيرة وأكمام واسعة طويلة بطيىء الحركة يسيرون في تؤدة ووقار ولا يحنون رءوسهم الا
ساعة الركوع والسجود.
وسار بينهم
يخترق الحجرات والابهاء وهو يتجرد في كل خطوة من ثياب جبروته وكبريائه ، حتى إذا
وصل الى باب صغير أدى به اليه السير كان العميد البريطاني العظيم قد أصبح فردا
يشعر بالضعف والخشوع.
وفتح الباب
وتنحى الموجودن ودخل اللورد ومعه أحد ياوران السراي ، فرأى نفسه في حجرة مجردة من
الأثاث والفراش عارية الأرض مكشوفة البلاط ، ساكنة يكتنفها شيء من الظلام إلا من
شعاع ينفذ من نافذة نصف مغلقة ، وفي واجهة تلك الحجرة دكة عالية عليها قطعة من
بساط وقد تربع فوقها شيخ الاسلام والمسلمين في ثياب بسيطة وفي يده سبحة يعد
خرزاتها ويتمتم بالتسبيح عليها ، وهو مطرق برأسه مستغرق في نجواه.
وأدار اللورد
نظره حوله فلم يجد مقعدا ، وتقدم خطوتين فلم يرفع الشيخ رأسه ولم يبادره بالتحية
ولبث يتمتم نجواه وهو في سكون وجمود.
ووقف اللورد في
وسط الحجرة أمام الشيخ فترة طويلة خانته فيها اعصابه وارتبكت حواسه وشعر بأنه
يتضاءل ويتضاءل امام ذلك الشيخ النحيف الجسد السابح في ذكره حتى لم يعد يشعر
بنفسه.
وبعد ان مرت
فترة طويلة رفع الشيخ رأسه دون ان يتحرك من مكانه ونظر الى اللورد نظرة هادئة
عميقة وقال بصوت لطيف : «أهلا وسهلا»!.
ثم مد إليه يده
كما يمدها الملك إلى أحد رعاياه ، وتقدم اللورد فتناول هذه اليد ولثمها بشفتيه.
واسترد الشيخ
يده ثم قال له : «في أمان الله ... في امان الله ..»
وخرج اللورد
يتعثر ، وقد أدرك ان في مصر من هو أعظم منه شأنا وأقوى شخصية.
ولكن المسجد
الأزهر الآن تبدل كثيرا عما كان عليه منذ نيف وأربعين سنة فدخلته جحافل المدنية ،
ولم يعد ذلك المعهد الرهيب الذي يتصوره الأجانب مكتنفا بالأسرار تصدر منه الأوامر
الخفية إلى المسلمين قاطبة فيخضعون لاشارته كما كان الفاتيكان في عهد ازدهار
البابوية .. بل أصبح السائحون يزورونه الآن وعم يعرفون انهم قادمون على جامعة
دينية كبرى أخذت من العلوم الحديثة والمدنية العصرية بكثير من أسبابها.
ـ ٣ ـ
في ديسمبر ١٩٤٦
أرادت حكومة النقراشي باشا ان تنفذ رغبة ملكية بتعيين الاستاذ الأكبر الشيخ مصطفى
عبد الرازق شيخا للأزهر ، وكان الأستاذ الأكبر حينئذ بعيدا عن الأزهر ، حيث كان
وزيرا للأوقاف ، وكان من قبل ذلك أستاذ الفلسفة في كلية الآداب .. وكان وكيل
الأزهر في ذلك الحين هو الشيخ محمد مأمون الشناوي ، فاستشير في الأمر ، فأشار بأن
هذا التعيين يخالف نص قانون الأزهر الذي يشترط في شيخ الأزهر ان يكون من بين جماعة
كبار العلماء ، فقيل له : إن للأستاذ الأكبر كتبا عديدة وسيقدم كتابا
منها لعضوية الجماعة ، فأخبرهم الشيخ مأمون الشناوي بأن قانون الجماعة يمنع
منحها للأستاذ الأكبر لأنه ليس من أساتذة كليات الأزهر الشريف الذين يباح لهم
التقديم لعضوية الجماعة بشروط خاصة ، فأشير على الشيخ الشناوي بأن يجمع الجماعة
لتعديل قانونها ، فرد عليهم بأن رئيس الجماعة هو الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد
سليم ، فدعى الشيخان لمقابلة النقراشي ، ويبدو ان الشناوي قابل النقراشي أولا حيث
ذكر له ان هذا التعيين يجب ان يتم ، لأنه قد طلبه أغا خان من السراي ، وكان
المفهوم في أوساط الشعب ان الخاصة الملكية استولت من وزارة الاوقاف على أطيان ضخمة
من بينها تفتيش الوادي وتفتيش شاوة لادارتها بدلا من وزارة الأوقاف ، وان الملك
يرغب في مكافأة وزير الأوقاف بتعيينه شيخا للأزهر ، على الرغم من اعتذار الأستاذ
الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه عن قبول هذا المنصب.
وخرج الشيخان
من مكتب النقراشي ، حيث جمعا الجماعة ، فرفضت ان توافق على تعديل قانونها ، وكان
في مقدمة الرافضين الأستاذ الاكبر الشيخ ابراهيم حمروش وكان شيخا لكلية الشريعة
آنذاك .. وإثر ذلك طلب من المشايخ الثلاثة الاستقالة فاستقال الشيخ الشناوي وكيل
الأزهر والشيخ ابراهيم حمروش شيخ كلية الشريعة والشيخ عبد المجيد سليم المفتي من
وظائفهم ، وعين مدير الأزهر الشيخ عبد الرحمن حسن وكيلا للأزهر ، ونفذ الرغبة
الملكية بتعديل القانون الذي أثار تعديله ثورة في الشعب وفي أوساط العلماء والطلاب
، ونشر كبار الشيوخ المستقيلون بيانا على الأمة المصرية الكريمة والعالم الاسلامي
عن انتهاك الحكومة القائمة لقانون الأزهر ، وذكروا فيه تهديد رئيس ديوان الملك
للمفتي الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم إذ دعاه إلى مكتبه وقال له : «إن في وقفتك
هذه ضد رغبة الملك خطرا عليك» ، فأجاب على الفور : أيحال بيني وبين الذهاب إلى بيت
الله؟ فقال رئيس الديوان : لا. فرد عليه الشيخ على الفور : إذن لا خطر.
وكان الأستاذ
الأكبر الشيخ مصطفى عبد الرازق طيب الله ثراه من أشد
الشخصيات مكانة وحبا في قلوب الأزهريين ، وطالما اعتذر عن قبول منصب
المشيخة في هذه الأزمة ، إلا ان الملك كان يحب ان يتصرف في الأزهر وفق هواه ،
وكانت وقفة الشيوخ المشرفة ضد الملك ذات مغزى بعيد في الشعب والعالم الاسلامي.
ـ ٤ ـ
نداء من علماء الأزهر
إلى أبناء العروبة والاسلام
صدر في المحرم ١٣٦٧ ه
ديسمبر ١٩٤٧ م
بسم الله
الرحمن الرحيم : يا معشر العرب والمسلمين! قضي الأمر! وتألبت عوامل البغي والطغيان
على فلسطين ، وفيها المسجد الأقصى أول القبلتين. وثالث الحرمين ، ومنتهى إسراء
خاتم النبيين ، صلوات الله وسلامه عليه ، قضي الأمر ، وتبين لكم ان الباطل ما زال
في غلوائه سادرا ، وأن الهوى ما فتىء على العقول مسيطرا ، وأن الميثاق الذي زعموه
سبيلا للعدل والانصاف ما هو إلا تنظيم للظلم والاجحاف ، قضي الأمر! ولم يبق بعد
اليوم صبر على تلكم الهضيمة التي يريدون ان يرهقونا بها في بلادنا ، وأن يجثموا
بها على صدورنا ، وأن يمزقوا بها أوصال شعوب وحد الله بينها في الدين واللغة
والشعور ، إن قرار هيئة الأمم المتحدة ، قرار هيئة لا تملكه ، وهو يعد قرارا باطلا
جائرا ليس له نصيب من الحق والعدالة ، ففلسطين ملك العرب والمسلمين بذلوا فيها
النفوس الغالية ، والدماء الزكية ، وستبقى إن شاء الله ـ رغم تحالف المبطلين ـ ملك
العرب والمسلمين. وليس لأحد كائنا من كان ان ينازعهم فيها أو يشطرها او يمزقها.
وإذا كان البغاة العتاة قد قصدوا بالسوء من قبل هذه الأماكن المقدسة. فوجدوا من
أبناء العروبة والاسلام قساورة ضراغم ذادوا عن الحمى ، وردوا البغى على أعقابه
مقلم الأظفار محطم الأسنة. فإن في السويداء اليوم رجالا ، وفي الشرى آسادا ، وإن
التاريخ لعائد بهم سيرته الأولى.
يا أبناء
العروبة والاسلام! لقد اعذرتم من قبل ، وناضلتم عن حقكم بالحجة والبرهان ما شاء
الله أن تناضلوا ، حتى تبين للناس وجه الحق سافرا. ولكن دسائس الصهيونية وفتنتها
وأموالها قد استطاعت ان تجلب على هذا الحق المقدس بخيلها ورجلها ، فعميت عنه
العيون ، وصمت الآذان ، والتوت الأعناق ، فاذا بكم تقفون في هيئة الأمم وحدكم ،
ومدعو نصرة العدالة يتسللون عنكم لواذا ، بين مستهين بكم وممالىء لأعدائكم ،
ومتستر بالصمت متصنع للحياد. فاذا كنتم قد استنفدتم بذلك جهاد الحجة والبيان ، فإن
وراء هذا الجهاد لإنقاذ الحق وحمايته جهادا سبيله مشروعة وكلمته مسموعة ، تدفعون
به عن كيانكم ، ومستقبل أبنائكم وأحفادكم ، فذودوا عن الحمى ، وادفعوا الذئاب عن
العرين ، وجاهدوا في الله حق جهاده! (فَلْيُقاتِلْ فِي
سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ
يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً
عَظِيماً). («الَّذِينَ آمَنُوا
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ
ضَعِيفاً».)
يا أبناء العرب
والاسلام! خذوا حذركم ، فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ، وإياكم أن يكتب التاريخ ان
العرب الاباة الاماجد قد خروا أمام الظلم ساجدين ، أو قبلوا الذل صاغرين.
إن الخطب جلل ،
وإن هذا ليوم الفصل ، وما هو بالهزل. فليبذل كل ، عربي وكل مسلم في أقصى الأرض
وأدناها من ذات نفسه وماله ، ما يرد عن الحمى كيد الكائدين ، وعدوان المعتدين ،
سدوا عليهم السبل ، واقعدوا لهم كل مرصد ، وقاطعوهم في تجاراتهم ومعاملاتهم ،
وأعدوا فيما بينكم كتائب للجهاد ، وقوموا بفرض الله عليكم ، واعلموا أن الجهاد
الآن قد أصبح فرض عين على كل قادر بنفسه أو ماله ، وأن من يتخلف عن هذا الواجب فقد
باء بغضب من الله وإثم عظيم. «إن الله اشترى المؤمنين انفسهم وأموالهم بأن لهم
الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون
وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن ، ومن أوفي بعهده من الله؟ فاستبشروا
ببيعكم الذي بايعتم به ، وذلك هو الفوز العظيم».
فاذا كنتم
بايمانكم قد بعتم الله أنفسكم وأموالكم فها هو ذا وقت البذل وللتسليم ، فأوفوا
بعهد الله يوف بعهدكم. وليشهد العالم غضبتكم للكرامة ، وذودكم عن الحق. ولتكن
غضبتكم على أعداء الحق وأعدائكم ، لا على المحتمين بكم ، ممن لهم حق المواطن عليكم
والاحتماء بكم ، واحذروا ان تعتدوا على أحد منهم ، إن الله لا يحب المعتدين ..
ولتتجاوب بعد الاصداء في كل مشرق ومغرب بالكلمة المحببة إلى المؤمنين : الجهاد!
الجهاد! الجهاد! والله معكم لن يتركم أعمالكم.
ـ ٥ ـ
أقيم حفل
لتأبين المرحوم «عاطف بركات» بمدرسة المعلمين العليا في الخميس الثالث عشر من صفر
١٣٤٣ ه ، الموافق الحادي عشر من شهر سبتمبر سنة ١٩٢٤ ، وأرسل شوقي قصيدة لتلقى في
الحفل ، وكان مما قاله فيها :
وحارب دونها
صرعى قديم
|
|
كأن بهم على
الزمان انقطاعا
|
إذا لمح
الجديد لهم تولوا
|
|
كذى رمد على
الضوء امتناعا
|
وكان في الحفل
جمهرة من شيوخ الأزهر. منهم شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية إذ ذاك ،
فعدوا ذلك جرحا لكرامتهم ، وكتب المرحوم الشيخ محمود الغمراوي مقالا بعنوان «امير
الشعراء ورجال الأزهر للحقيقة والتاريخ» نشرته جريدة الأخبار بتاريخ ١٧ من صفر سنة
١٣٤٣ ه الموافق ٦ من سبتمبر سنة ١٩٢٤ م.
__________________
وقال شوقي يرد
على ما كتب حول الموضوع : وما أنا من ينسى أن معظم أساتذة مدرسة القضاء نفسها في
العلوم الشرعية بوجه خاص كانوا من شيوخ الأزهر ورجاله ، وليس من المعقول أن يكون
هؤلاء الأفاضل حربا عليها وهم في النهوض بها شركاء. إن للأزهر عندي حرمة لا أحب ان
يتشكك فيها الأستاذ ، وأعتقد أن الأزهر قد سد فراغا كبيرا كان التعليم في مصر
والبلاد الشرقية جميعا لا يرجى له بدون الأزهر من سداد. وسأظل فخورا بأن من
أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف وكبار علمائه.
وقد أراد شوقي
ان يؤكد حبه للأزهر ، وينفي عنه مظنة النيل من أبنائه فالتمس فكرة إصلاح الأزهر ،
ونظم قصيدته :
قم في فم
الدنيا وحي الأزهرا
|
|
وانثر على
سمع الزمان الجوهرا
|
واجعل مكان
الدر إن فصلته
|
|
في مدحه خرز
السماء النيرا
|
واذكره بعد
المسجدين معظما
|
|
لمساجد الله
الثلاثة مكبرا
|
واخشع مليا
واقض حق أئمة
|
|
طلعوا به
زهرا وماجوا أبحرا
|
كانوا اجل من
الملوك جلالة
|
|
وأعز سلطانا
وأفخم مظهرا
|
زمن المخاوف
كان فيه جنابهم
|
|
حرم الآمان
وكان حصنهم الذرا
|
من كل بحر في
الشريعة زاخرا
|
|
ويريكه الخلق
العظيم غضنفرا
|
ومنها :
لا تحذ حذو
عصابة مفتونة
|
|
يجدون كل
قديم شيء منكرا
|
ولو استطاعوا
في المجامع أنكروا
|
|
من مات من
آبائهم أو عمرا
|
من كل ماض في
القديم وهدمه
|
|
وإذا تقدم
للبناية قصرا
|
وأتى الحضارة
بالصناعة رثة
|
|
والعلم نزرا
والبيان مثرثرا
|
يا معهدا
أفنى القرون جداره
|
|
وطوى الليالي
ركنه والأعصرا
|
ومشى على يبس
المشارق نوره
|
|
وأضاء أبيض
لجها والأحمرا
|
وأتى الزمان
عليه يحمي سنة
|
|
ويذود عن نسك
ويمنع مشعرا
|
في الفاطميين
انتمى ينبوعه
|
|
عذب الأصول
كجدهم متفجرا
|
عين من
الفرقان فاض نميرها
|
|
وحيا من
الفصحى جرى وتحدرا
|
ما ضرني ان
ليس أفقك مطلعي
|
|
وعلى كواكبه
تعلمت السرى
|
لا والذي وكل
البيان إليك لم
|
|
أك دون غايات
البيان مقصرا
|
لما جرى
الإصلاح قمت مهنئا
|
|
باسم الحنيفة
بالمزيد مبشرا
|
نبأ سرى فكسا
المنارة حبرة
|
|
وزها المصلى
واستخف المنبرا
|
وسما بأروقة
الهدى فأحلها
|
|
فرع الثريا
وهي في أصل الثرى
|
ومشى إلى
الحلقات فانفرجت له
|
|
حلقا كهالات
السماء منورا
|
حتى ظننا
الشافعي ومالكا
|
|
وأبا حنيفة
وابن حنبل حضرا
|
إن الذي جعل
العتيق مثابة
|
|
جعل الكناني
المبارك كوثرا
|
العلم فيه
مناهلا ومجانيا
|
|
يأتي له
النزاع يبغون القرى
|
يا فتية
المعمور سار حديثكم
|
|
ندا بأفواه
الركاب وعنبرا
|
المعهد
القدسي كان نديه
|
|
قطبا لدائرة
البلاد ومحورا
|
ولدت قضيتها
على محرابه
|
|
وحبت به طفلا
وشبت معصرا
|
وتقدمت تزجي
الصفوف كأنها
|
|
(جاندرك) في يدها اللواء مظفرا
|
هزوا القرى
من كهفها ورقيمها
|
|
أنتم لعمر
الله أعصاب القرى
|
الغافل الأمي
ينطق عنكمو
|
|
كالببغاء
مرددا ومكررا
|
يمسي ويصبح
في أوامر دينه
|
|
وأمور دنياه
بكم مستبصرا
|
لو قلتمو
اختر للنيابة جاهلا
|
|
أو للخطابة
باقلا لتخيرا
|
ذكر الرجال
له فأله عصبة
|
|
منهم ، وفسق
آخرين ، وكفرا
|
آباؤكم قرأوا
عليه ورتلوا
|
|
بالأمس تاريخ
الرجال مزورا
|
صور عن هيكل الأزهر
القديم
أبواب الجامع الأزهر : للجامع الأزهر تسعة أبواب :
الأول : باب المزينين
وهو الباب
الكبير تجاه رأس شارع الصنادقية له بابان كل باب بمصراعين وهو من زيادات الأمير
عبد الرحمن كتخدا ومنقوش على وجهته من الخارج أبيات مموهة بالذهب تشتمل على تاريخ
بنائه وهي :
إن للعلم
أزهرا يتسامى
|
|
كسماء ما
طاولتها سماء
|
حيث وافاه ذا
البناء ولو لا
|
|
منة الله ما
تسامى البناء
|
رب إن الهدى
هداك وآيا
|
|
تك نور تهدي
به من تشاء
|
مذ تناهى
أرخت باب علوم
|
|
وفخار به
يجاب الدعاء
|
والباب الأصلي
في هذه الجهة هو الباب المواجه للداخل مما يلي صحن الجامع وبينهما كان يجلس
المزينون لحلق رءوس الطلاب فعرف الباب بذلك ، وكان منقوشا على هذا الباب الأصلي في
الحجر : بسم الله الرحمن الرحيم : أمر بإنشاء هذا الباب والمئذنة الشريف مولانا
السلطان الأشرف قاتيباي بتاريخ شهر رجب الفرد ثلاثة منه سنة ٨٨٨ ه ، وفوق ذلك :
لا إله إلا الله محمد رسول الله نصر من الله وفتح قريب وفوقها إنما الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ، وفوق ذلك كتابة كوفية دقيقة الحروف يتعسر
قراءتها وقد أزيلت هذه الكتابة بالتجديدات القريبة.
الثاني : الباب العباسي وهذا الباب في صف الباب الأول وهو باب شامخ ذو فخامة
وشأن ، أحدثته الأوقاف عند تأسيس الرواق العباسي منقوش على واجهته من الخارج في
الحجر بالحروف المموهة بالذهب من أعلاه : كان الإنشاء والفراغ في عهد إدارة فيضي
باشا لعموم الأوقاف بمباشرة صابر بك باشمهندس عموم الأوقاف ، وتحت ذلك بيتان فيهما
تاريخ الإنشاء.
ومنقوش تحت ذلك
آية (إِنَّما يَعْمُرُ
مَساجِدَ اللهِ) من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ومن داخل هذا الباب
فناء يصل لباب يصل لصحن الأزهر وعلى يمين الداخل باب زاوية الرواق العباسي المعدة
للتدريس.
الثالث : باب المغاربة وهو تجاه درب الأتراك ويتوصل منه إلى صحن الجامع بعد
المرور بين رواق المغاربة ورواق السنارية والأتراك.
الرابع : باب الشوام يقابله الوكالة التي أنشأها السلطان قايتباى ويسلك منه
إلى المقصورة القديمة.
الخامس : باب الصعايدة هو بعد باب الشوام تجاه حارة الباطلية وله بابان ، كل
باب ذو مصراعين وهو من إنشاء المرحوم الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه بين
المرور بعد رواق الصعايدة ومدفن الكتخدا الى باب واحد يوصل الى المقصورة الجديدة
التي هي من إنشاء الكتخدا.
السادس : باب الحرمين وهو يسلك من رواق الحرمين وهو مغلوق أبدا وهو من إنشاء
الكتخدا.
السابع : باب الشوربة وهو تجاه رقعة القمح بجوار منزل السيد عمر مكرم نقيب
الأشراف بالديار المصرية سابقا وهو من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا ويتوصل منه
إلى المقصورة الجديدة بساحة طويلة تنتهي إلى مدفن في زاوية المسجد يقال له مدفن
الست نفيسة البكرية بنت الشيخ محمد بن عبد الله جلال الدين البكري الصديقي وهو
صاحب المسجد القريب من باب الشوربة أمام عطفة الشيخ الأمير وسمي باب الشوربة لقربه
من مطبخ الشوربة الذي كان يطبخ فيه الأرز في رمضان ويفرق على فقراء الأزهر.
الثامن : باب
الجوهرية هو باب صغير تجاه زاوية العميان يسلك منه إلى المقصورة الجديدة بعد
المرور في المدرسة الجوهرية ويسلك الخارج منه إلى زقاق ضيق يوصل إلى شارع الشنواني
أمام مسجد العدوى وهو من إنشاء جوهر القنقبائى.
التاسع : باب
الميضأة ينفذ في الزقاق الخارج إلى باب المزينين مجعول لدخول الحفاة.
مقاصير الأزهر :
للأزهر
مقصورتان جديدة وقديمة : فالجديدة من إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وهي المعروفة
عند أهل الأزهر بالإيوان العالي.
والقديمة أصل
الجامع الأزهر من إنشاء القائد جوهر وتحتوي على ست وسبعين اسطوانة وتمتد من باب
الشوام إلى رواق الشراقوة وكان فيها المنبر فنقله الكتخدا لما بنى المقصورة
الجديدة ولها ثلاثة أبواب إلى صحن الأزهر ويتخللها شبابيك من الخشب المخروط.
محاريب الأزهر :
في المقصورة
الجديدة محرابان : محراب كبير يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس وهو مالكي المذهب ،
وعليه قبة مرتفعة قائمة على ستة أعمدة ، والمحراب الآخر عن شمال المنبر وهو محراب
صغير مزركش يعرف بقبلة الشيخ الدردير ، وفي المقصورة القديمة الآن محراب واحد ،
وهو المحراب الأصلي القديم ويعرف بالقبلة القديمة ، يصلي فيه الإمام الصلوات الخمس
وهو شافعي المذهب ، وعلى هذا المحراب أيضا قبة عظيمة مرتفعة وعلى يمينه صندوق
موضوع على رف يقال إن به آثارا قديمة ، وأن لذلك سرا عجيبا في عمارته ، وكان في
المقصورة القديمة قبلة بقرب باب الشوام
وكانت تعرف في الزمن الأخير بقبلة الشيخ البيجوري شيخ الإسلام بسبب صلاته
عندها كثيرا ، وكان بقرب رواق الشراقوة قبلة صغيرة من خشب تعرف بقبلة الخطيب
الشربيني ، وكان عليها كتابة بالخط تدل على أن عملها كان سنة ٦٢٧ ...
وفي صحن الجامع
كان أربعة محاريب صغار بظاهر المقصورة محراب يلي رواق معمر وكان مكتوبا عليه : جدد
هذا المحراب السعيد على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الخواجة مصطفى ابن الخواجة
محمود بن جلبي غفر الله له وللمسلمين ويكتنف باب المقصورة الوسط محرابان من الحجر
مكتوب بأعلى أحدهما بالكوفي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وكان عند الباب
الثالث محراب مكتوب عليه أمر بتجديد هذا المحراب السعيد سيدنا ومولانا الإمام
الأعظم والملك الأكرم السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي ، وكان عند رواق
الأتراك محراب صغير مصنوع بالقيشاني وقد أزيلت ، وكان أمامه «دكة» صغيرة غير
مستعملة للتبليغ وذلك غير المحاريب التي في المدارس الملحقة بالجامع وموجود
بالمقصورتين «دكتان» تستعملان يوم الجمعة للتبليغ.
صحن الأزهر ومناراته ومزاوله :
أما صحن الأزهر
هو متسع مفروش بالحجر النحت ، وتحت هذا الفرش أربعة صهاريج متسعة للماء الحلو ،
ولها أفواه من الرخام ناتئة في الصحن نحو متر يجلس فيه الطلاب أيام الشتاء
للمطالعة والرياضة ويبيتون فيه في ليالي الصيف ، وفي دائرة بوائك مسقفة يجلس في
بعضها الأطفال ومعلمو القرآن الشريف.
وأما مناراته
فكان به ست منارات يؤذن عليها في الأوقات الخمس وفي الأسحار وتوقد في ليالي رمضان
والمواسم ، منها منارة خارج باب المزينين عن يمين الداخل تشرف على الشارع وهي من
إنشاء الأمير عبد الرحمن كتخدا وكان يتوصل إليها من باب الميضأة الصغيرة الذي عن
يمين
الداخل قبل الطيبرسية وقد أزيلت مع الميضأة وبني مكانهما الرواق العباسي
وإدارة الأزهر القديمة ... ومنها ثلاث منارات من داخل باب المزينين مشرفة على صحن
الجامع : إحداها منارة الأقبغاوية عن يسار الداخل الى الصحن وهي أول مئذنة عملت
بديار مصر من الحجر بعد المنصورية وكانت المنارات قبل ذلك تبنى بالآجر وقد أنشأها
الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد مع مدرسة الأقبغاوية ، واثنتان عن يمين الداخل
فالتي في جانب الباب مما يلي الداخل أنشأها السلطان الأشرف قايتباى والتي تليها من
انشاء السلطان الغوري وهي أعلى مناراته وأعظمها ويتوصل لهما من باب صغير في صحن
الجامع يصعد منه إلى سطحه فيه لكل منهما باب ، والخامسة بباب الصعايدة يتوصل إليها
من رواق الصعايدة ، والسادسة بباب الشوربة وبابها من الداخل وهما من إنشاء الأمير
عبد الرحمن كتخدا والغالب في مؤذني الأزهر قديما أن يكونوا مكفوفين محافظة على
عورات أهل المساكن المجاورة للأزهر ولكل منارة خلوة لإقامة مؤذنيها لانتظار الآذان
بها ولا يؤذنون إلا بتنبيه الميقاتي المجعول لخصوص ذلك ، والغالب أن آذان الأزهر
ينبني عليه آذان أكثر منارات القاهرة.
وأما مزاوله :
فكان فيه قديما سبع مزاول أربع في صحنه لمعرفة وقت الظهر على يمين الداخل من باب
المزينين وثلاث جهة رواق معمر لمعرفة وقت العصر ولم يوجد الآن غير مزولة واحدة
بصحن الأزهر على يمين الداخل من باب المزيني وأخرى محفوظة بالسطح غير مستعملة ،
وهما من عمل الوزير أحمد باشا كور المتولي على مصر سنة ١١٦١ نقشهما على لوحين من
رخام ، وعمل لهما تاريخا منقوشا على كل لوح منهما وهو هذا :
مزولة متقنة
|
|
نظيرها لا
يوجد
|
راسمها
حاسبها
|
|
هذا الوزير
الأمجد
|
تاريخها
أتقنها
|
|
وزير مصر
أحمد
|
أروقة الأزهر :
أما أروقة
الأزهر فعددها ٢٩ رواقا ، والأروقة هي :
الرواق العباسي : بني هذا الرواق المشيد وتم بناؤه في عهد الأريكة
العباسية ، وفي مشيخة الشيخ حسونة النواوي للأزهر ، واحتفل بافتتاحه في ٢٤ شوال
سنة ١٣١٥ هجرية فجاء هذا الرواق على أبدع طراز مصري في هندامه ونقشه وأوضاع
شبابيكه وأبوابه وأنفقت الأوقاف عليه ستة آلاف وثمانين جنيها وهو في الحدود
الغربية للجامع مطل على الشارع ، ويشتمل هذا الرواق على ثلاثة أدوار :
الأول :
المسامت سطحه لسطح الجامع ، وهو فسيح يشتمل على محل لمجلس إدارة الأزهر الشريف
وباب المشيخة ، ومنه محال للمكتبة وزاوية كبيرة بمحراب جميل الصنع دقيق التركيب
والنقش للصلاة والتدريس والحفلات الرسمية الكبيرة للجامع ، وفيه جملة منافع أخرى.
الثاني : مقسم
بأجمل نمط صحي يشتمل على قاعة للميقاتية بجوار السلم وقاعة أخرى لجندي الأزهر ،
ورواق متعدد القاعات لطلاب اليمن ، ومحل لحكيم وصيدلي الأزهر ، وأول حكيم للأزهر
كان هو الدكتور عباس حلمي ، ورواق لبعض الطلاب وآخر لطلاب الطيبرسية وأمثاله
للبحاروة والاسكندرانية ومحل للدفترخانة الأزهرية.
الثالث : يشتمل
على محلات لمفتي الديار المصرية وأمين الافتاء وكتبة الإفتاء ، وعلى رواق بأربعة
غرف لطلبة الأكراد ، وآخر لطلبة الأقبغاوية ، وآخر للدكارنة ، وآخر للهنود وآخر
للبغداديين. فقد جمع أهالي كثير من الأروقة ، والرواق العباسي افتتح في ٢٤ شوال
١٣١٥ ه.
رواق الطيبرسية : في الخطط المقريزية هذه المدرسة من المدارس الملحقة
بالجامع الأزهر وهي غربية مما يلي الجهة البحرية أنشأها الأمير علاء الدين طيبرس
وجعلها مسجدا لله تعالى زيادة في الجامع الأزهر
وقرر بها درسا للفقهاء الشافعية وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء ترده الدواب
وتأنق في رخامها وتذهيب سقوفها حتى جاءت في أبدع زي وأبهج ترتيب وانتهت عمارتها
سنة ٧٠٩ وكان لها بسط تفرش يوم الجمعة ، وكان لها إمام ، وكان فيها خزانة كتب وخزن
كثيرة ، وجددها الأمير عبد الرحمن كتخدا ، وقد ذهبت أوقافها ورممت في عهد الخديوي
عباس الثاني وجعلت كتيخانة الأزهر في سنة ١٣١٤ ونقلت طلبتها للرواق العباسي ،
وطيبرس كان قائدا للجيوش المصرية ، ومات سنة ٧١٩ ه.
رواق الأقبغاوية : في خطط المقريزي هذه المدرسة بجوار الأزهر على يسرة
الداخل إليه من بابه الكبير الغربي ـ باب المزينين ـ تجاه المدرسة الطيبرسية كان
موضعها دار الأمير الكبير ايدمر الحلى نائب السلطنة في أيام الملك الظاهر وميضأة
للجامع الأزهر أنشأها الأمير أقبغا وجعل بجوارها قبلة ومنارة وكانت مدرسة مظلمة
ليس عليها من بهجة المساجد ومن أنس بيوت العبادات شيء البتة ، وذلك أن أقبغا عبد
الواحد أقرض ورقة ايدمر الحلى مالا ، وأمهل حتى تصرفوا فيه ثم ألجأهم في الطلب إلى
أن أعطوه دراهم فهدمها وبنى موضعها هذه المدرسة ، وأضاف أمثال ذلك من الظلم فبناها
بأنواع من الغضب وأخذ قطعة من سور الجامع حتى ساوى بها المدرسة الطيبرسية وحشر
لعملها الصناع من البنائين والنجارين وجميع أنواع الفعلة بأن يعمل كل منهم فيها
يوما في كل أسبوع بغير أجرة وجعل عليهم مملوكا من مماليكه لم ير الناس اظلم منه
ولا أعتى منه ، ولا أقسى قلبا منه ، فلقي العمال منه مشقات لا توصف وحمل إليها سائر
ما يحتاج من خشب وحجر ورخام ودهان ، من غير ان يدفع ثمنا البتة ، وتم بناؤها سنة
٧٤٠ هجرية ، ورتب لها الخدمة فكان لها إمام ومؤذن وفراشون وقومة ومباشرون ، وكان
لها ثلاثة أبواب أحدها يصل للصحن من رواق الفيمة ، والثاني لزقاق الميضأة ،
والثالث لباب المزينين ، وموجود لها الآن بابان أحدهما يفتح على القبة ، وللقبة
باب آخر من باب المزينين ، وهو مستعمل ، والثاني وهو مغلوق ، وهي الآن محل كتبخانة
الأزهر ، ونقلت طلبتها للرواق العباسي.
رواق الأكراد : كان عن يمين الداخل من باب المزينين بجوار رواق
اليمنية وبأعلاه مساكن فأزيل ونقلت طلبته إلى الرواق العباسي.
رواق الهنود : كان عن يمين الداخل من الباب المذكور بينه وبين باب
الطيبرسية به مسكن أرضي وأربعة مساكن علوية وقد أزيل ونقلت طلبته إلى الرواق
العباسي.
رواق البغداديين : هو كان بأعلى رواق الهنود كان يشتمل على مسكنين ومطبخ
وبيت خلاء وأزيل ونقلت طلبته للرواق العباسي.
رواق البرتية : كان في زاوية الرحبة المسقوفة خارج باب الأتراك بين
راق الأتراك ورواق اليمنية ، وهو محل أرضي صغير كان جزءا من رواق الأتراك ، وقد
هدم والعمارة جارية فيه الآن.
رواق اليمنية : كان بجوار رواق البرنية له باب على الرحبة المسقوفة
خارج باب الأتراك وقد أزيل وسكنت طلبته الرواق العباسي.
رواق الجبرت : هو داخل رواق البريتة وهو أوسع منه وقد هدم وأجريت فيه
العمارة من زمن بعيد.
رواق الأتراك : أنشأه السلطان قايتباي ، وجدده الامير كتخدا وأنشأ فيه
زيادات ، وكان يحتوي على ستة عشر عمودا من الرخام واثني عشر مسكنا علويا وله خزانة
كتب عظيمة جامعة وكان له مطبخ وبئر ، وأوقافه يستحقها كل طالب من بلاد الترك ، ولو
كان عتيقا ، وكان له بابان باب مسامت لباب رواق المغاربة وباب على صحن الجامع ،
وفي سنة ١٣١٩ أخذت الأوقاف في نقضه مع ما ساواه من الأروقة لغاية باب الصعايدة ،
وكان في عزمها تجديد هذه الأروقة ببناء شامخ مثل الرواق العباسي.
رواق السنارية : كان على يسار الداخل من باب المغاربة قبل رواق الأتراك
، وكان يحتوي على مساكن علوية ونقض في ضمن العمارة السابقة سنة ١٣١٩.
رواق المغاربة : هو كان على يمين الداخل من باب المغاربة ، وكان له
بابان باب في الصحن في طرقة باب المغاربة ، وكان يشتمل على خمس بوائل قائمة على
أعمدة من رخام ، وكان فيه مساكن علوية وله كتبخانة كبيرة ، وكان له مطبخ وبئر
وحنفية ويستحق أوقافه كل مجاور مغربي ، وكان له كاتب مثل رواق الأتراك.
رواق السليمانية : كان بين باب الشوام ورواق الجاوة ، وكان به خمسة مساكن
وخزانة كتب كبيرة.
رواق الجاوة : هو كان بين رواق السليمانية ورواق الشوام ، وبه خزانة
كتب ونقض بناؤه.
رواق الشوام : وهو عن يمين الداخل من باب رواق الشوام وهو من إنشاء
السلطان قايتباي وزاد فيه الامير عثمان كتخدا ثم الأمير عبد الرحمن كتخدا حتى صار
أكبر من رواق الصعايدة وكان بأعلاه نحو الثلاثين حجرة لمجاوري الشوام وقد أوقف
عليه كل من الأميرين المذكورين اوقافا جارية على أهله إلى الآن وبه خزانة كتب
كبيرة وكان فيه بئر وحنفية.
رواق الدكارنة : هو فوق الأوان عن شمالي الداخل من باب الصعايدة وهو
أرضي وفوقه بعض من رواق الشوام.
رواق الصعايدة : وهو من أشهر أروقة الأزهر وهو على يمين الداخل من باب
الصعايدة وهو يحتوي على إيوان متسع بوسطه عمود من الرخام وبداخله خزانة فيها كتب
كثيرة ولها قيم يغير منها لمن يطلب من اهل العلم وله مطبخ ، وكان تحت الرواق صهريج
كبير يشرب منه عموم أهل الأزهر وهذا الرواق بجميع جهاته من إنشاء الأمير عبد
الرحمن كتخدا مع عماراته بالأزهر وله شيخ مخصوص وقد استقرت مشيخة هذا الرواق عدة
أجيال في المشايخ العدوية ، وله أوقاف كثيرة.
رواق الحرمين : هو عن يمين الذاهب الى المنبر السالك من باب الصعايدة
وهو يحتوي على قاعة سفلية وثلاث حجر علوية ويسكنه اهل مكة المشرفة والمدينة
المنورة والطائف وغيرهما من بلاد الحجاز وهو من إنشاء المرحوم عبد الرحمن كتخدا.
رواق البرابرة : هو مجرد خزن ودواليب عن شمال الداخل من باب الشوربة.
رواق دكارنة سليح : هو مجرد مخزن ودواليب بجوار رواق الشراقوه ونقلت طلبته
الى الرواق العباسي.
رواق الشراقوه : في النهاية البحرية من المقصورة القديمة ، وهو من
إنشاء إبراهيم بك الوالي بسبب شيخ الاسلام الشيخ الشرقاوي شيخ الأزهر ويشكنه
مجاورو الشراقوة ، وقد استعان الشيخ بامرأة عمياء فقيهة تحضر عنده في درسه إلى
الست عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير فكلمت زوجها إبراهيم بك المعروف بالوالي
بأن يبني له مكانا خاصا بطائفته فأجابه إلى ذلك وبنى الرواق المذكور ، وكان
المجاورون الشراقوه يسكنون بمدرسة الطيبرسية ورواق معمر فتشاجروا مع أهل الطيبرسية
ومنعهم شيخها من الدخول فكان ذلك سببا في بنائه.
رواق الجوهرية : هو مدرسة من المدارس الملحقة بالأزهر وهي تجاه زاوية
العميان وهي صغيرة ليس بها عمد وتشتمل على إيوانين متقابلين وبينهما ممر مفروش
بالرخام وبها قبلة صغيرة وعلى دائرها منقوش في الحجر ، بسم الله الرحمن الرحيم :
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه الآية ، وبأعلاها خلوتان وبها خزن جميلة
التركيب ، وكان يدرس بها بعض العلماء ، وقد أنشأها جوهر القنقبائي ، وكان بداخله
مدفنه ، وبنيت في القرن التاسع.
رواق زاوية العميان : هو خارج الجوهرية في الجانب الثاني من الحارة بينهما
ممر من الحجر يمشي عليه المتوضئون من ميضتيها وهي من إنشاء المرحوم الأمير عثمان
كتخدا وهذه الزاوية تحتوي على أربعة أعمدة من الرخام ، ولها قبلة وميضأة ، وفوقها
ثلاث حجر للعميان ولا يسكنها غيرهم ، ولهم شيخ منهم ومرتباتهم تصرف عليهم.
رواق الحنابلة : وهو بجوار زاوية العميان أنشأه المرحوم عثمان كتخدا
منشىء زاوية العميان وهو يحتوي على ثلاثة مساكن علوية جددها الأمير راتب باشا
وأجزى على أهل هذا الرواق مرتبات عظيمة.
رواق معمر : هذا الرواق عن يمين الداخل لدورة المياه ، للأزهر وهو
رواق مشهور لكثرة من ينتمي إليه بسبب أنه لا يخص جهة بخلاف غيره.
رواق الفشنية : كان بين رواق الحنفية وبين دورة المياه ، وقد أزيل ولم
يبق به سوى خزن ودواليب لمنافع المجاورين.
رواق الحنفية: هذا الرواق بين رواق الفشنية والشنوانية وكان بابه إلى
الصحن يدخل منه في سرادب ضيق طويل وذلك السرداب أصله من رواق الفشنية أخذ منه بعوض
، وقد أزيل ذلك السرداب كما أزيل غيره من الأروقة المجاورة له فإنه لم يوجد بها
سوى خزن لأمتعة المجاورين .. أنشأ هذا الرواق الأمير راتب باشا الكبير سنة ١٢٧٩
وكان موضعه بيوتا مملوكة لأربابها فاشتراها المرحوم عباس الأول وهدمها وأسسها
ليبنيها رواقا لأهل بلد الشيخ البيجوري شيخ الأزهر في ذاك الوقت ، ثم مات ولم يتمه
فمكث زمنا طويلا ثم أكمله راتب باشا المذكور من ماله وجعله رواقا للحنفية وهو متسع
وفيه أربعة أعمدة من الرخام وبه دواليب كثيرة لمنافع مجاوريه وبأعلاه ثلاث عشرة
حجرة للمتقدمين من مجاوريه ، وبه خزانة كتب جامعة لها قيم يغير منها لعموم
المجاورين ، وكان له باب ينفذ إلى الميضأة وجعل فيه حنفية للوضوء وأوقف راتب باشا
على أهله أوقافا عظيمة وجعل النظر عليه لمفتي الديار المصرية من الحنفية ، ولما
تولى افتاء الديار المصرية الشيخ محمد عبده سنة ١٣١٧ زاد في مرتبات أهله وشكل لجنة
لامتحان من ينتقل من درجة لأخرى وأجرى الامتحان على العموم ، وبذلك تقدم من تأخر
وتأخر من تقدم وحرم من حرم.
رواق الشنوانية : هو بالزاوية الشرقية من الصحن بجوار رواق الفيمة ، وهو
الآن مجرد خزن ودواليب فيها أمتعة المجاورين.
رواق الفيمة : هو في الزاوية الشرقية المذكورة بجوار رواق البحارة
ولم يبق به سوى خزن لأمتعة المجاورين ونقلت طلبته من قبل بالرواق العباسي.
رواق البحاروه : هو مخصوص بمجاوري أهل البحيرة لا يشاركهم فيه غيرهم
وله شيخ ونقيب ومرتبات ولم يبق به الآن غير خزن لامتعة المجاورين ونقلت طلبته
للرواق العباسي.
حارات الأزهر :
عددها ثلاث
عشرة حارة : حارة البيجيرمية ، حارة العفيفي ، حارة الزراقنة ، حارة البشابشة ،
حارة السليمانية ، حارة الجيزاوية ، حارة الدكة والمنبر ، حارة الممشى ، حارة
النفاروة ، حارة الزهار ، حارة الواطية ، حارة الشنوانية ، حارة المناصرة ، ولكل
حارة شيخ ونقيب.
الباب السادس
صورة عن النشاط
العلمي في الأزهر
الأزهر والحركة
الفكريّة المعاصرة
يتولى الزعامة
الفكرية في مصر اليوم أفراد قلائل من كبار مفكرينا ، الذين جمعوا بين الثقافتين
العربية والغربية ، وهم في فهمهم للثقافة الغربية مدينون للدراسات الغربية التي
تلقوها في جامعات الغرب أو في أمهات الثقافات الأوربية المعاصرة ، أما فهمهم
للثقافتين العربية والإسلامية فهم مدينون أولا لآراء محمد عبده في الإصلاح الديني
والتوجيه الفكري.
لقد كانت آراء
محمد عبده الاصلاحية التقدمية هي المعين الذي استقى منه كبار مفكرينا من أمثال عبد
العزيز فهمي ولطفي السيد وطه حسين وسواهم ، وإليه يرجع الفضل في تحررنا الفكري ،
ويقظتنا الروحية وفي النهضة التي وصلنا إليها.
وممن تأثر بآراء
محمد عبده الشيخ طنطاوي جوهري ، وكان من أعلام الأزهريين في العصر الحديث ، وله
كثير من البحوث والمؤلفات العميقة ، ومن أهمها : : تفسيره للقرآن الكريم ، ومن أهم
مؤلفاته الأخرى : جمال العالم ـ جواهر العلوم ـ ميزان الجواهر ـ النظام والإسلام ـ
نظام العالم والأمم ـ التاج المرصع ـ الزهرة في نظام العالم والأمم ـ نهضة الأمة
وحياتها ـ الفرائد الجوهرية في الطرف النحوية ـ الحكمة والحكماء ـ جوهر التقوى ـ الرسالة
القازانية ـ مذكرات أدبيات اللغة العربية ـ أين الإنسان ـ صدى
صوت المصريين في أوربا ـ رسالة تعدد الزوجات ـ رسالة الموسيقى ـ سوانح
الجوهري ـ ملخص كتاب فلنون ـ جواهر الإنشاء ـ نظم ملخص كتاب أدب الدنيا والدين ـ رسالة
الهلال ـ أصل العالم ـ ملخص كتاب حي ابن يقظان ـ الأرواح ـ جوهرة السفر.
وكذلك تأثر به
الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر الأسبق ، والشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ
المراغي ، والشيخ محمد الأحمدي الظواهري ، والشيخ عبد المجيد سليم ، والشيخ
ابراهيم حمروش ، وغيرهم من أعلام الفكر وقادة الحركة الإسلامية في مصر والشرق
العربي.
ويقول حافظ في
رثاء الإمام محمد عبده ، مصورا عظم النكبة فيه ، ومتحدثا عن مكانة الأستاذ الإمام
، وعن أثره الفكري في حياة الجيل المعاصر :
سلام على
الإسلام بعد محمد
|
|
سلام على
أيامه النضرات
|
على الدين
والدنيا ، على العلم والحجا
|
|
على البر
والتقوى ، على الحسنات
|
لقد كنت أخشى
عادي الموت قبله
|
|
فأصبحت أخشى
أن تطول حياتي
|
فوالهفي ـ والقبر
بيني وبينه
ـ
|
|
على نظرة من
تلكم النظرات؟
|
وقفت عليه
حاسر الرأس خاشعا
|
|
كأني حيال
القبر في عرفات
|
لقد جهلوا
قدر الإمام فأودعوا
|
|
تجاليده في
موحش بفلاة
|
ولو ضرحوا
بالمسجدين لأنزلوا
|
|
بخير بقاع
الأرض خير رفات
|
تباركت! هذا
الدين دين محمد
|
|
أيترك في
الدنيا بغير حماة؟
|
تباركت! هذا
عالم الشرق قد قضى
|
|
ولانت قناة
الدين للغمزات
|
زرعت لنا
زرعا فأخرج شطأه
|
|
وبنت ولما
نجتن الثمرات
|
مددنا إلى
الأعلام بعدك راحنا
|
|
فردت إلى
أعطافنا صفرات
|
وجالت بنا
تبغى سواك عيوننا
|
|
فعدن وآثرن العمى
شرقات
|
وآذوك في ذات
الاله وأنكروا
|
|
مكانك حتى
سودوا الصفحات
|
رأيت الأذى
في جانب الله لذة
|
|
ورحت ولم
تهمم له بشكات
|
لقد كنت فيهم
كوكبا في غياهب
|
|
ومعرفة في
أنفس نكرات
|
أبنت لنا
التنزيل حكما وحكمة
|
|
وفرقت بين
النور والظلمات
|
ووفقت بين
الدين والعلم والحجا
|
|
فأطلعت نورا
من ثلاث جهات
|
وفقت «لها
نوتو» و «رينان» وقفة
|
|
أمدك فيها
الروح بالنفحات
|
وخفت مقام
الله في كل موقف
|
|
فخافك أهل
الشك والنزغات
|
ووليت شطر
البيت وجهك خاليا
|
|
تناجي إله
البيت في الخلوات
|
وكم ليلة عاندت
في جوفها الكرى
|
|
ونبهت فيها
صادق العزمات!
|
وأرصدت
للباغي على دين أحمد
|
|
شباة يراع
ساحر النفثات
|
إذا مس خذ
الطرس فاض جبينه
|
|
بأسطار نور
باهر اللمعات
|
فيا سنة مرت
باعواد نعشه ،
|
|
لأنت علينا
أشأم السنوات
|
حطمت لنا
سيفا وعطلت منبرا
|
|
وأذويت روضا
ناضر الزهرات
|
وأطفات
نبراسا وأشعلت أنفسا
|
|
على جمرات
الحزن منطويات
|
مشى نعشه
يختال عجبا بربه
|
|
ويخطر بين
اللمس والقبلات
|
تكاد الدموع
الجاريات تقله
|
|
وتدفعه
الأنفاس مستعرات
|
بكى الشرق
فارتجت له الأرض رجة
|
|
وضاقت عيون
الكون بالعبرات
|
ففي الهند
محزون وفي الصين جازع
|
|
وفي «مصر»
باك دائم الحسرات
|
وفي الشام
مفجوع وفي الفبرس نادب
|
|
وفي تونس ما
شئت من زفرات
|
بكى عالم
الإسلام عالم عصره
|
|
سراج الدياجي
هادم الشبهات
|
فلا تنصبوا
للناس تمثال «عبده»
|
|
وإن كان ذكرى
حكمة وثبات
|
فإني لأخشى
أن يضلوا فيومئوا
|
|
إلى نور هذا
الوجه بالسجدات
|
فياويح
للشوري إذا جد جدها
|
|
وطاشت بها
الآراء مشتجرات!
|
ويا ويح
للفتيا إذا قيل : من لها؟
|
|
ويا ويح
للخيرات والصدقات
|
فيا منزلا في
«عين شمس» أظلني
|
|
وأرغم حسادي
برغم عداتي
|
عليك سلام
الله ، مالك موحشا
|
|
عبوس المغاني
، مقفر العرصات؟
|
لقد كنت
مقصود الجوانب آهلا
|
|
تطوف بك
الآمال مبتهلات
|
مثابة أرزاق
، ومهبط حكمة
|
|
ومطلع أنوار
، وكنز عظات
|
ويعد كذلك
الأستاذ الإمام من فحول الكتاب الذين حرروا الكتابة العربية في النهضة الحديثة من
قيودها القديمة ، وأخذوا يرجعون بأساليبها إلى أرقى عصورها وأزهر أيامها. ولقد كان
الشيخ محمد عبده من أفاضل رجال الدين ، وقادة المفكرين ـ وكان أجمل وأروع قدوة
المصلحين .. كما كان من أشهر رجال مصر العاملين في نهضتها الحاضرة. ولد سنة ١٨٤٥ م
بمحلة نصر ، إحدى قرى مركز شبراخيت بمديرية البحيرة. وحفظ القرآن ، وتعلم مبادىء
القراءة والكتابة بها ثم أرسله والده إلى معهد طنطا ، فصادف عناء في فهم العلوم
لعقم طريقة التعليم وقتئذ ، وكاد ينكص على عقبيه ، ويعود إلى قريته ، ويشتعل
بالفلاحة كأبيه وبقية أسرته. ولكن عناية الله قيضت له من يسر له سبيل الفهم ، وحبب
إليه طلب لعلم ، فعاد إلى مناهل العلم نهما ، وغادر معهد طنطا إلى الأزهر. وأخذ
يتزود من علومه بقدر استطاعته ، حتى نبه اسمه ، وعرف بالذكاء والفطنة بين إخوانه.
ولما قدم إلى
مصر فيلسوف الشرق ، جمال الدين الأفغاني ، انتظم الشيخ محمد عبده في سلك
تلاميذه ، واقتبس من علمه وفلسفته ، ولازمه ملازمة ظله ، ونال إجازة العالمية ،
واختير مدرسا للأدب العربي والتاريخ بدار العلوم وأستاذا للغة العربية بمدرسة
الألسن ، ثم اشتغل بالتحرير في الوقائع المصرية. وشبت الثورة العرابية ، فكان من
أبطالها ، ونفى من القطر المصري بعد انتهائها ، فذهب إلى سورية ثم انتقل إلى
باريس. وأنشأ مع أستاذه جمال الدين صحيفة العروة الوثقي. ثم عفى عنه سنة ١٨٨٨ م
فعاد إلى مصر ، وعين قاضيا في المحاكم الأهلية ، ثم كان مفتيا للديار المصرية.
وبقى في منصبه مسموع الكلمة ، واسع الجاه ، شديد البأس ، عظيم السلطان ـ إلى أن
وافته منيته سنة ١٩٠٥ م فاهتز العالم الإسلامي لوفاته ، وفقد فيه الرائد المصلح ،
والشجاع الأبي ، والمناضل المكافح ، والمشعل الذي أضاء دياجي الظلمات ، والسيف
الذي روع الاستعمار.
بعوث الأزهر العلمية
اتصل الأزهر
بأوربا التي كان يجتويها وينظر إلى علومها نظرة المعجب لا المصدق والمتفرج لا
المتأثر ، والمشاهد الذي تدركه الغيبوبة في أثناء شهوده من الدهشة والغرابة ، ففي
سنة ١٨٢٦ شهدت باريس وشهد الباريسيون الأزهريين في صفوف بعثات محمد علي ، وفي سنة
١٨٢٨ شهد السربون حفلا عاما من علماء فرنسا وعظمائها يستمعون إلى الأزهريين في
امتحانهم ، ويعجبون باجابتهم ويصفقون لهم تنويها بهذا الاعجاب وأثبت الأزهريون عند
هذا الامتحان للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث أن الإسلام دين علم ، وأنه لين هين
لا يستعصى على نزعات الفكر ، إنما يستعصى على نزعات الشيطان تزجي اليه باسم العلم
وباسم الدين .. نعم ، كان المرحوم رفاعة الطهطاوي إمام بعثات القرن التاسع عشر ،
وكانت وظيفته أن يصلي بالمسلمين من أفرادها ، وأن يذكرهم إذا نسوا. وأن يتخولهم
بالموعظة ليوقظ فيهم إلى جانب حاسة عرفان العلم ، إحساس وجدان
الفضيلة ، وما لبث رفاعة الأزهري أن كان إمام البعثات في العلم ، ومبرزهم
في العمل ، وسابقهم في الفضل ، ولم تمض سنتان على عمله الذي اختطه لنفسه حتى كتب
وترجم ونقل من الشمال إلى اليمين ، ما كان قد نقل من اليمين إلى الشمال ، فكان
فيما كتب ونقل موفقا كل التوفيق ومسددا كل السداد.
رجع رفاعة إلى
مصر فاكب وتلاميذه «تلاميذ مدرسة الألسن» على الترجمة والتأليف في السياسة
والاجتماع والادب والجغرافيا والتاريخ حتى كان أول من بني قنطرة فوق الهوة التي
كانت تفصل الأزهر ، بل الشرق كله ، عن أوربا. ورفاعة في كل أولئك لم ينس منبته ولا
نشأته ولا أزهريته ، فإذا كتب في تاريخ فرنسا ، كتب إلى جانبه في تاريخ العرب وفي
تاريخ مصر ، وكأنه يقول «لكم تاريخكم ولنا تاريخنا ، ولكم تراثكم ولنا تراثنا ،
وإذا أخذنا فلكي نزيد شخصيتنا لا لنقلل منها» وإذا كتب في جغرافية «ملطبورن» نوره
بذكر ياقوت الحموي وأبان عن معجمه ، وإذا تحدث عن المرأة قال : إن الإسلام لم
يظلمها وإنما ظلمها أهلوها وإن تعاليم الإسلام لم تعد عليها وإنما عدت عليها
اعتبارات وضعية من العادات والتقاليد. وضرب رفاعة بهذا الاتجاه الجديد المثل
الأعلى لمن يريد أن يوفق بين ماضيه وحاضره ، واتخذ لمقياس التقدم وحدة الزمن
الثلاثة التي تبتدىء بالماضي ، وتتطلع إلى المستقبل ، وتتخذ من الحاضر وصلة ما
بينهما.
ومنذ أكثر من
قرن أكب المستشرقون على دراسة الإسلام وعلوم الإسلام فبحثوا وأفادوا ، وما يفيد
الأزهر أن يقف أمام المتطرف من هذه البحوث موقف الصاخب مكتفيا بما ينقل إليه عنهم
إن بالحق وإن بالباطل ، بل يجب عليه أن يتصل بهم ، وأن ينازلهم في ميدانهم ، وأن
يقارعهم بأسلحتهم حجة بحجة ودليلا بدليل .. وسيسمع الأزهر عن هؤلاء المستشرقين
دروس المل والنحل ، الغريب منها عن الإسلام ، والمشتق منها من تعاليمه وآياته ،
والمناسب منها مع عقلية العرب المسلمين ، وما أجبروا عليه إجبارا بلا مسوغ ولا
تقدير. سيسمع الأزهر عن قرب وباتصال مباشر كيف تسربت
الفلسفة إلى المسلمين ، وكيف أساغوا ما أساغوا منها ، ورفضوا منها ما رفضوا
، وسيسمع عن تطور القراءات القرآنية وعلاقتها باللغة العربية وبلهجات العرب ،
وسيدهش أبناء الأزهر إذ يرون أن كل هذه العلوم مبوبة مفصلة ، سهلة لا تستعصى على
قارىء ولا تحتجب وراء أساليب تقرأ لتفهم هي لا مدلولاتها.
وقد رأى الأزهر
مسايرة النهضة العلمية الحديثة في البلاد فأرسل البعوث من علمائه الأكفاء إلى البلاد
الأوربية للتخصص في الفلسفة والتربية وعلم النفس والتاريخ وما إلى ذلك من علوم
الحياة ليمكن الانتفاع بهم بعد عودتهم في كلياته الجامعية بدل الاساتذة المندوبين
إليها من المعاهد الأخرى.
بقى أن نتحدث
عن الاربعة الأزهريين الذين وصلوا باريس عام ١٩٣٦ والذين أحدثوا ضجة في أنحاء الحي
اللاتيني فالمصريون كانوا يتوافدون على فندقهم جماعات يحيون في أشخاصهم عهدا جديدا
، ويمجدون في طلعتهم بلادهم الشرقية التي لم تمنعها شرقيتها أن تتطلع إلى الغرب في
المفيد النافع من أساليبه مع احتفاظها بطابعها الشرقي ، ومدير البعثة كان يشغل
بدراستهم وبترتيب مسكنهم ومأكلهم وكل ما يمس حياتهم في هذه البلاد ، وما ذلك
بالشيء اليسير لعلماء الأزهر المعروفين بالتمسك بمبادئهم. أما الأستاذ ماسنيون فقد
عنى بهم عناية خاصة فقدمهم إلى إخوانه من العلماء الفرنسيين الذين يعملون معهم ،
وكان جميلا منه بعد أن عرف أن من بينهم واحدا بزوجه وأطفاله الثلاثة أن يعمل على
إسكانه بالقرب من حديقة «لكسمبرج» لتكون متعة ومراحا لهؤلاء الأطفال. ولعل من
الطريف أن نعرف أن الدكتور تاج أحد أعضاء هذه البعثة ، وخريج السوربون قد صار شيخا
للأزهر. وقد كان من أعضاء بعثة عام ١٩٣٦ هذه في مشيخة الشيخ المراغي .. وقد أرسلت
طائفة أخرى في عهد الشيخ مأمون الشناوي عام ١٩٤٩ ، وآخر مبعوث للأزهر هو الشيخ
محمد فتحي عبد المنعم وقد سافر إلى فرنسا في شهر يوليو عام ١٩٥٢.
ومن الذين
أوفدوا من الأزهريين إلى أوربا المرحوم الشيخ عبد العزيز المراغي ، والشيخ محمد
عبد الله دراز ، والشيخ محمد الفحام ، والدكتور ماضي ، والدكتور البهي ، والدكتور
عبد الحليم محمود ، والاستاذ علي حسن عبد القادر وسواهم.
وكتب الدكتور
طه عام ١٩٣٥ يبدي رأيه في بعثات الأزهر العلمية إلى أوربا ، فقال :
«إذا أراد
الأزهر أن يرسل بعوثا إلى أوربا فليرسل بعوثه أول الأمر إلى الجامعة المصرية
ليتثقفوا فيها بالثقافة الحديثة ثم ليختر من بين البعوث من تظهر كفايته ، وينبه
شأنه ، وتنهض الحجة على حسن استعداده. وإذا كان عند الأزهر اثنان أو ثلاثة أو
أربعة قد امتازوا بكفاية نادرة واستعداد باهر فلا بأس بإرسالهم منذ الآن على أن
ترسم لهم برامج ومناهج تلائم حاجات الأزهر الماسة وضروراته الملحة.
الواجب كل
الواجب أن تتوازن الثقافات الاوربية حتى تستطيع الثقافة العربية الاسلامية أن
تسيغها جميعا وأن تحتفظ بشخصيتها. إنا نضن بالأزهر كل الضن أن يلقي بنفسه في أحضان
الثقافة اللاتينية أو السكسونية ونلح أشد الالحاح في أن يظل عربيا وعربيا خالصا
يأخذ من الثقافات الاوربية المختلفة بمقادير متناسبة ، لا يطغى بعضها على بعض.
فاذا لم يكن للأزهر بد من أن يتعجل إرسال البعوث إلى أوربا غير حافل بما يقدم إليه
من نصح بالمهل والاناة ، فليعد للنظر في توزيع بعوثه على الاقطار الاوربية وليحذر
كله أن يلتهم بلد من البلاد الاوربية بعوثه كلها ، أو أكثرها. ولينظر إلى الجامعة
فقد يحسن الاقتداء بالجامعة في بعض الأشياء ، إنها لا ترسل بعوثها إلى بلد بعينه ،
وإنما ترسلهم إلى البلاد الراقية في أوروبا ، فمنهم من يذهب إلى انجلترا ومنهم من
يذهب إلى فرنسا ومنهم من يذهب إلى ألمانيا ، ومنهم من يذهب إلى إيطاليا. والأصل في
هذا التوزيع ما قدمته من أن الجامعة حريصة كل الحرص على أن تأخذ بأطراف مختلفة من
الثقافات
المختلفة لأنها ترى أن هذا أحفظ للشخصية المصرية الخالصة وأجدر أن يفتح
للمصريين أبوابا متمايزة من العلم ، وأجدر بعد هذا كله أن يعصم العقل المصري من
الاحتكار الثقافي».
وقد درج الأزهر
كذلك منذ أمد بعيد على إرسال بعوث من علمائه البارزين لتثقيف الأمم الإسلامية
والدعوة إلى الإسلام في البلاد التي تدين بالوثنية. فأرسل إلى الصين بعثة وإلى
الحبشة وجنوب إفريقيا والهند واليابان بعثات ، وقد كان لهؤلاء جميعا أثر حميد في
نشر مبادىء الإسلام ، وتبليغ تلك الأقطار رسالة الأزهر.
ولقد ظهرت آثار
تلك النهضة الدينية ظهورا واضحا ، مما بعث الأقطار الإسلامية بعثا جديدا ، ورغبها
في طلب بعثات من علماء الأزهر للتعليم في معاهدها ، فلبى الأزهر طلب تلك البلاد
بسخاء وكرم ، وأرسل البعثات تلو البعثات إلى العراق والمملكة العربية السعودية
وسوريا ولبنان وإمارة الكويت والسودان وأسمرة والبحرين وليبيا.
على الرغم من
مشكلة إعداد طالب الأزهر ليكون مبعوثا ناجحا ، فإن الكثيرين نجحوا في رسالتهم ،
وكان اللقاء مع نموذجين لهؤلاء المبعوثين الناجحين .. أولهما : الدكتور رءوف شلبي
المتخصص في الدعوة الإسلامية والذي اتم ٤ سنوات في اندونيسيا وهو حاليا مدير
المركز الإسلامي في ماليزيا منذ ٣ سنوات .. يقول : ان أهم المشاكل التي واجهته هي
الدعاية الغربية والصهيونية هناك. ولذلك فهو يرى ضرورة الربط بين مبعوثي الأزهر
والسفارات المصرية بالخارج وأجهزة الإعلام الموجهة بالاضافة إلى إراحة المبعوث
ماديا حتى لا تمتد يده إلى مصادر غريبة تمده بالمال لاغراض معينة. ويضيف بأن من
عيوب اعداد مبعوث الأزهر القصور اللغوي الواضح لدرجة أنه تعلم اللغة المالاوية
بمجهوده الشخصي لا عن طريق الجامعة ، ورغم ذلك فقد أقنع آلاف البوذيين باعتناق
الإسلام خلال ٣ سنوات.
ونموذج آخر
للمبعوث الناجح. صاحبه علي علي الشربيني
المتخصص في التفسير والحديث والذي سافر إلى «جامبيا» عام ١٩٧٢ ، وهو مدير
المدرسة الإسلامية التي تضم (٤٠٠) تلميذ ، ورشح ليكون مديرا للمدرسة الجديدة التي
سوف تنشئها الجمعية الإسلامية في (بانجول) في العام القادم. ويتحدث عن المشاكل
قائلا : لا يوجد في جامبيا برنامج تعليمي منظم ولا يوجد كتاب واحد مؤلف باللغة
العربية ، حتى انه قام بكتابة الدروس بخط اليد لاساتذة مدرسية! ، وهو يرى ان جامعة
الأزهر مسئولة عن اعداد برنامج الدراسة والكتب العربية.
وكذلك وقد من
الأقطار الإسلامية طلبة يتعلمون في الأزهر ، وهو يقوم بكل ما تتطلبه إقامتهم من
راحة ، ورفاهة عيش ، ويكل إلى بعض الأساتذة المربين تعليمهم أولا اللغة العربية ،
ثم يعدهم لمراحل التعليم المختلفة. وقد بلغ عددهم عام ١٩٥٠ زهاء الألف طالب.
منهج الدراسة بالأزهر
منذ إنشائه
أول كتاب درس
بالجامع الأزهر هو كتاب الاقتصار الذي وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد القيرواني
قاضي المعز لدين الله في فقه آل البيت ، وكان يتولى دراسته بالأزهر ولده أبو الحسن
علي بن النعمان كما أسلفنا ، ودرسه بعده بنو النعمان الذين تعاقبوا في قضاء مصر
حتى نهاية القرن الرابع. وكان يدرس بجانب الاقتصار كتب أخرى في فقه الشيعة للنعمان
القيرواني أيضا ، وهي : كتاب دعائم الإسلام ، وكتاب اختلاف الأصول ، وكتاب الأخبار
، وكتاب اختلاف الفقهاء.
وقرىء بالأزهر
كتاب ألفه الوزير يعقوب بن كلس ، وكان يجلس لقراءته وتدريسه بنفسه ، وأفتى الناس
بما فيه. وموضوعه الفقه الشيعي على مذهب الاسماعيلية مما سمعه الوزير ابن كلس من
المعز لدين الله ، والعزيز بالله ، ولهذا اشتهر بالرسالة الوزيرية.
وكان التدريس
بالأزهر يجري على مذهب الشيعة يومئذ ، وكان في أول الأمر من المحظور أن يدرس غير
ذلك ، ولهذا قبض على رجل وجد
عنده كتاب الموطأ للإمام مالك ، فحبس وجلد في سنة ٣٨١ ه في عهد العزيز
بالله. وفي أواخر الدولة الفاطمية كادت تكون الدراسة في الأزهر حرة ، ولكن لم يعرف
بالضبط أسماء الكتب التي كانت تدرس في ذلك العصر.
وممن تولى
التدريس بالأزهر ، في العصر الفاطمي ، الأساتذة بنو النعمان قضاة مصر ، فكان
القاضي أبو الحسن علي بن النعمان أول من درس بالأزهر ، وتوفي سنة ٣٧٤ ه ، ودرس
بالأزهر أخوه القاضي محمد بن النعمان وتوفي سنة ٣٨٩ ه ، ثم ولده الحسن بن النعمان
قاضي الحاكم بامر الله ، والمؤرخ الحسن بن زولاق المتوفى سنة ٣٧٨ ه والمسبحي
المتوفى سنة ٤٢٠ ه وكان من أعلام التفكير والأدب والفلك والتاريخ ، وأبو عبد الله
القضاعي ، وهو محمد بن سلامة بن جعفر المتوفى سنة ٤٥٤ ه والحوفي النحوي ، وهو أبو
الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد المتوفى سنة ٤٣٠ ه وأبو العباس أحمد بن هاشم المصري
المتوفى سنة ٤٥٤ ه ، وابن بابشاذ النحوي ، وهو أبو الحسن طاهر بن أحمد المصري
المعروف بابن بابشاذ المتوفى سنة ٤٦٩ ه وأبو عبد الله محمد بن بركات النحوي تلميذ
القضاعي المتوفى سنة ٥٣٠ ه.
ولا شك أنه قد
اشتهر من أولئك الأئمة من صنف الكتب الكبيرة ، والمراجع العظيمة في العلوم الدينية
والعربية ، التي كانت تدرس في الأزهر ، كالعلامة أبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي
إمام العربية والنحو وصاحب كتاب إعراب القرآن ، وابن بابشاذ النحوي صاحب كتاب
المقدمة وشرح الجمل ، وابن القطاع اللغوي صاحب كتاب الأفعال ، وأبي محمد عبد الله
بن بري المصري إمام اللغة في عصره ، وغيرهم ممن انتهت اليهم الرياسة في هذا العصر
، واعتبرت مصنفاتهم متونا ومراجع.
وفي أواخر
القرن السادس أي بعد ذهاب الدولة الفاطمية ، وقيام الدولة الأيوبية نرى الأزهر
جامعة حرة تدرس فيها العلوم العقلية أو العلوم
المدنية إلى جانب العلوم الدينية بصورة منتظمة. فمثلا نرى بين أساتذة
الأزهر في هذه الفترة العلامة عبد اللطيف البغدادي يدرس الطب والفلسفة والمنطق مدى
حين .
بيد أنه لا ريب
أن صفة الأزهر الدينية كانت وما زالت تغلب على كل صفة أخرى ، وأن علوم الدين كانت
وما زالت خلال العصور تحتل المقام الأول.
وهذه خاصة لم
ينفرد بها الأزهر في العصور الوسطى. ذلك أن الحركة العقلية كانت خلال هذه العصور
ترتبط في جميع الأمم بالدين أشد ارتباط ، وكانت الأديرة مراكز الدراسة في أوروبا
والأحبار هم قادة الفكر. بيد أنه لما تقدمت الحركة الفكرية ، وتسربت النظريات
الفلسفية إلى تعاليم الكنيسة ، أخذت سيطرة الدين على حركة التعليم تضعف شيئا
فشيئا.
ولم تلبث
الجامعة الأوروبية أن نشأت منذ القرن الثاني عشر ثم أخذت تقوى ويشتد ساعدها وتسير
نحو استقلالها ، واضطرت الكنيسة أن تناصر هذا الاستقلال ، طالما كان بعيدا عن
الاصطدام بتعاليمها وتقاليدها ، وذلك خوفا من أن يقع التعليم تحت سيطرة أمير أو
حاكم مطلق يوجهه نحو خصومتها. ولم يأت ختام العصور الوسطى حتى كانت الجامعة
الأوروبية قد حققت استقلالها العلمي ، وأخذت تسير نحو النور والحقيقة ، بعيدة عن
المؤثرات الدينية والسياسية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.
وقد كان
التعليم الجامعي يميل منذ البداية نحو التخصص ، وكانت الدراسة تجرى تقريبا على نفس
الأساليب التي كانت تتبع في الأزهر وباقي المعاهد الإسلامية من الاستيعاب والتخصص
، مثال ذلك جامعة بولونيا التي اشتهرت في القرن الثاني عشر بتوفر أساتذتها وطلبتها
على دراسة القانون الروماني ووضع حواشيه الشهيرة.
__________________
وقد وفد إلى
مصر عقب انتهاء الدولة الفاطمية أبو القاسم الرعيني الشاطبي الضرير ، المقرىء
الشهير المتوفى سنة ٥٩٠ ه وهو صاحب حرز الأمانى ووجه التهاني الذي ما زال إلى
اليوم من أهم متون التجويد والقراءات.
ويظهر من عناية
الخلفاء الفاطميين بالعلوم الرياضية والفلكية والطبية والجغرافية أن تلك العلوم لا
بد أن تكون قد درست في الأزهر في زمانهم ، كما كانت تدرس في دار الحكمة التي أسسها
الحاكم بأمر الله سنة ٣٩٥ ه (١٠٠٥ م).
وقد كان الأزهر
في زمن الفاطميين موئل الثقافة الدينية ، وكان له الأثر الواضح في تنمية الحياة
العقلية والفكرية وتخريج علماء الدين واللغة ، ولكنه لم يكن له أثر في توجيه
الحياة السياسية في ذلك العصر ، مثل ما ظهر له ظهورا جليا في الدولة المصرية بعد
ذلك.
ولما انقرضت
دولة الفاطميين سنة ٥٦٧ ه واستولى صلاح الدين بن يوسف الايوبي على ملك مصر ، أنشأ
بالقاهرة مدرسة للفقهاء الشافعية ، وأخرى للفقهاء الماليكية ، ونحي قضاة مصر
الشيعة كلهم ، وابتنى خلفاؤه من بعده المدارس المتنوعة والتي خصصت كل مدرسة منها
بتدريس علوم خاصة ، وتحولت الحركة والنشاط العلمي في الأزهر إلى تلك المدارس ، وإن
لم تنقطع الدراسة فيه ، كما أسلفنا.
وفي زمن الظاهر
بيبرس البندقداري من ملوك الجراكسة سنة ٦٦٥ ه أعاد للأزهر حياته العلمية
والدينية. وأول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ،
ثم أدخلت اليه المذاهب الأخرى تباعا.
واتجهت العناية
الكبرى حينئذ لا تقان تدريس العلوم الدينية بوجه خاص ، وتسابقت همم الفحول في
إتقان آلاتها ، من نحو وصرف وبلاغة ، فنبغ بمصر أئمة أعلام يفتخر بهم اليوم العالم
الإسلامي أجمع ، كالإمام عز
الدين بن عبد السلام ، والإمام السبكي وأبنائه ، والشهاب القرافي ، وابن
هشام ، والسراج البلقيني ، وجلال الدين السيوطي ، وغيرهم من المصريين ، وإبراهيم
بن عيسى الاندلسي ، وعز الدين عمر بن عبد الله عمر القدسي ، والإمام الاصبهاني ،
والإمام الزيلعي ، وابن الحاج محمد العبدري الفاسي ، وأبي حيان محمد بن يوسف
الغرناطي ، وتاج الدين التبريزي ، والحافظ العراقي ، والحافظ بن حجر العسقلاني ،
وعلاء الدين الحموي ، والرضى الشاطبي ، ومحمد بن محمد البغدادي ، وشيخ الإسلام
زكريا الانصاري ، وقاسم بن محمد التونسي ، وغيرهم من الذين رحلوا من أقاصي الأرض
لمصر لتعلم العلم بالأزهر.
وكانت العلوم
العقلية من رياضية وغيرها تدرس أيضا ، ولسكن المشتغلين بها كانوا نززا من الطلبة.
وفي أواخر
القرن التاسع الهجري أصاب الأزهر ما أصاب المعاهد الأخرى من الذبول والركود ،
وفقدت مصر استقلالها سنة ٩٢٢ ه ـ (سنة ١٥١٧ م) فتقلص ظل النشاط والازدهار العلمي
، وانصرف كثير عن العلوم العقلية والفلسفية والرياضية والجغرافية ، وأخذ القول
بحرمتها يتسرب شيئا فشيئا حتى تركت هذه العلوم من الأزهر ، وبقيت مهجورة ينظر
اليها نظرة السخط ، حتى صدرت فتوى من شيخ الأزهر الشيخ الإنبابي والشيخ محمد البنا
مفتي مصر بجواز تعلمها ، وعدم حرمة تدريسها.
ولا يفوتنا أن
ننبه إلى أنه كان من العلماء في عهد ركود الأزهر وجموده من يعرف كثيرا من العلوم
العقلية والطبية وغيرها زيادة على العلوم الدينية والعربية ، وهؤلاء لا يحصون ، نذكر
منهم على سبيل المثال : الشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري شيخ الأزهر المتوفى سنة
١١٩٢ ه فقد جاء في سند إجازته ما ملخصه : أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية وله
تآليف في كثير منها ، وهي : الحساب ، والميقات ، والجبر ، والمنحرفات ، وأسباب
الأمراض وعلاماتها ، وعلم الأسطرلاب والزيج ، والهندسة ، والهيئة ، وعلم
الأرتماطيقي ، وعلم المزاول ، وعلم الأعمال الرصدية ، وعلم المواليد
الثلاثة ، وهي
الحيوان والنبات والمعادن ، وعلم استنباط المياه ، وعلاج البواسير ، وعلم التشريح
، وعلاج لسع العقرب ، وتاريخ العرب والعجم.
ومما لا ريب
فيه أن العلوم الدينية والعربية كان لها الشأن الأول من العلوم نسبيا ، وما عداها
من العلوم كالحكمة الفلسفية والتصوف لم يكن يدرس في الأزهر ولا بين جماهيره ، ولكن
كان له دراسة خاصة في المنازل ، أو الأروقة التابعة للأزهر.
ويحسن أن نثبت
هنا وثيقة رسمية لمشيخة الأزهر وضعتها بناء على طلب الحكومة لتبعث بها إلى لجنة
معرض باريس ، وذلك في عهد الخديوي إسماعيل سنة ١٢٨٢ ه (١٨٦٤ م).
وقد جاء في هذه
الوثيقة أن المواد التي كانت تدرس بالأزهر في تلك العهد هي : الفقه ، الأصول ،
التفسير ، الحديث ، التوحيد ، النحو ، الصرف ، المعاني والبيان والبديع ، متن
اللغة ، العروض والقافية ، الحكمة الفلسفية ، والتصوف ، المنطق ، الحساب ، الجبر
والمقابلة ، الفلك والهيئة.
وزادت المشيخة
على ذلك أنه يقرأ في الأزهر ، فضلا عن هذه المواد المتداولة ، بعض مواد أخرى
كالهندسة والتاريخ والموسيقى وغيرها لمن لهم اقتدار على دراستها ، بيد أنه لا
يشتغل بدراستها سوى القليل.
الدراسة في الأزهر
قبل النظام
منذ أصبح
الأزهر مدرسة جامعة ، كان يسير على نظام سهل يكاد يكون فطريا ، أساسه التقوى ،
وقوامه احترام الدين وأهله. وكان شيخ الجامع الأزهر المرجع الأعلى لمن كان فيه من
أصغر طالب إلى أكبر عالم ، كلمته هي العليا ، وإشارته حكم لا يتخطاه واحد منهم ،
يوزع الأحباس والهبات ، ويجيز العلماء والمدرسين ، وكان إذا أشكل عليه أمر استشار
فيه أكابر العلماء.
كان الطالب
يدخل الأزهر مختارا بلا قيد ولا شرط ، ويختلف إلى من
أراد من العلماء لتلقي العلم عنه ، ويبقى فيه ما شاء أن يقيم ، فاذا آنس من
نفسه علما كافيا ، وملكة يتمكن بها من إفادة غيره ، استأذن أساتذته ، وجلس للتدريس
حيث يجد مكانا خاليا ، وعرض نفسه على الطلبة ، فكانوا إذا لم يجدوا فيه الكفاية
للإفادة انفضوا من حوله ، وإذا وجدوه على علم وثقوا به ، واستمروا على تلقي العلم
عنه ، وحينئذ يجيزه شيخ الأزهر إجازة.
ولما كان أساس
التعليم فيه دينيا ابتداء على الطريقة التي كان السلف يدرسون عليها الدين ، وعلومه
، فكانت الدروس تعقد به حلقات ، يتصدر كل حلقة أستاذها ، وقد يجلس على كرسي ليتمكن
من إسماع طلبته الكثيرين.
وكان عماد
الدراسة إذ ذاك النقاش والحوار بين الطلبة وأساتذتهم بما يثقف العقل وينمي ملكة
الفهم ، وظلوا على ذلك مدة طويلة إلى أن أقتضى الحال وضع قوانين خاصة للأزهر
وطلبته وعلمائه وإدارته والدراسة فيه.
قوانين الأزهر
أول قانون وضع
للأزهر في عهد إسماعيل والى مصر الأسبق سنة ١٢٨٨ ه سنة ١٨٧٢ م ، وكان شيخ الأزهر
وقتئذ الشيخ محمد المهدي العباسي.
وقد نظم هذا
القانون طريقة نيل شهادة العالمية ، وبين مواد امتحانها ، وقسم الناجحين فيها إلى
ثلاث درجات : (أولى ، وثانية ، وثالثة) ، على أن تصدر بذلك براءة ملكية بتوقيع ولي
الامر ، والمواد التي بينها ذلك القانون والتي يدرسها الطلبة ويمتحنون فيها هي :
الأصول ، الفقه ، التوحيد ، الحديث ، التفسير ، النحو ، الصرف ، المعاني ، البيان
، والبديع ، المنطق.
ولكن مما يؤسف
له أن هذا القانون لم يستطع أن ينهض بالأزهر النهضة المرغوبة ، ولم يتجاوز بمواد
الامتحان لنيل شهادة العالمية «الاحد
عشر علما » ، مما يدل على جمود الحركة العلمية ، وفتور النشاط
فيه.
وحدث بعد ذلك
أن عين المرحوم الشيخ حسونة النواوي شيخا للأزهر. وكان الشيخ محمد عبده رحمه الله
عضده وساعده ، فتعاونا على إنهاض الأزهر من كبوته ، وفي ذلك الحين وضع القانون
الصادر بتاريخ ٢٠ المحرم سنة ١٣١٤ ه ـ ١٨٩٦ م.
وقد لحظ واضعو
هذا القانون من وجوه الاصلاح مارأوه كفيلا بإنهاض الأزهر ، فأدخلوا فيه مواد جديدة
هي : الاخلاق ، مصطلح الحديث ، الحساب ، الجبر ، العروض والقافية ، وجعل التاريخ
الإسلامي ، والإنشاء ، ومتن اللغة ، ومبادىء الهندسة ، وتقويم البلدان وغيرها من
مواد يفضل محصلها على غيره ، ويقدم عليه ، وفك التقيد بكتب دون أخرى ، وحرم قراءة
الحواشي في السنوات الأربع الاولى ، وحرم التقارير التي على الحواشي ، وبذلك نهض
الأزهر نهضة مباركة ، لو ظلت على حالها ولم تناهضها الاحداث لكان لها في تاريخ
الأزهر شأن يذكر ، ولكنها كانت كلسان الشمعة أضاء حينا ثم انطفأ. فقد انفرط عقد
النظام ، وانهارت النهضة العلمية بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس إدارة الأزهر
ووفاته سنة ١٩٠٥ م.
وما زالت
تتوالى على الأزهر القوانين والأنظمة واللوائح حتى سنة ١٣٢٩ ه (١٩١١ م) ولم تكن
في تلك القوانين واللوائح ما يمس جوهر المواد الدراسية ، وإنما يتناول تنظيم بعض
الحالات الداخلية في الأزهر ، كحضور الطلاب ، وصرف المرتبات ، ومنح كساوي
التشريفات من ولي الأمر ، وتعيين بعض المدرسين لدراسة الحساب والجبر والهندسة
والجغرافيا والخط وغير ذلك.
__________________
قانون رقم ١٠ سنة ١٩١١ م :
يعتبر القانون
رقم ١٠ سنة ١٩١١ م من أهم قوانين الأزهر في ذلك العهد ، حيث تناول الدراسة ،
وجعلها مراحل ، وجعل لكل مرحلة نظاما وعلوما ، وزاد في مواد الدراسة ، وحدد اختصاص
شيخ الجامع الأزهر ، وأنشأ هيئة تشرف على الأزهر تحت رئاسة شيخه تسمى مجلس الأزهر
الأعلى ، وأوجد هيئة كبار العلماء وجعل لها نظاما خاصا ، وأن يكون لكل مذهب من
المذاهب الأربعة التي تدرس في الأزهر شيخ ، ولكل معهد من المعاهد مجلس إدارة ،
وجعل للموظفين نظاما في التعيين والترقية والتأديب والاجازات ، وللطلاب شروطا في
القبول ، وحدودا للعقوبات والمسامحات ونظم الامتحانات والشهادات .
ونستطيع أن
نبين بإيجاز الظروف والأحوال التي مرت فيها هذه القوانين ، والثمرات التي جناها
الأزهر منها. والمآخذ التي أخذت عليها ، إلى أن وضع قانون سنة ١٩٣٠ م المعدل
بقانون سنة ١٩٣٦ م.
أشرنا فيما سبق
أن قانون سنة ١٢٨٨ قد وضع حدا للفوضى والارتباك الذي تورط فيه الأزهر في ذلك
الحين. ولكنه لم يستطع أن ينهض به إلى الغاية التي يرنو إليها محبو الإصلاح ، ولم
ينقله من جموده الذي استولى عليه ، فبقى التعليم فيه كما كان مقصورا على العلوم
الدينية والعربية وقليل من الهيئة والميقات والحساب للحاجة إليها في مواقيت الصلات
والمواريث. ولم يتأثر الأزهر ولا مناهج الدراسة فيه بالنهضة العلمية التي بعثها
محمد
__________________
على الكبير في مصر ، على حين أن الباشا قد وجد في أبناء الأزهر المادة
الأساسية التي أقام بها دعائم نهضته.
ورغم اقتصار
الأزهر على هذه المواد فإن الطلبة كانوا يقضون في تحصيلها مددا طويلة أقلها خمس
عشرة سنة ، ولا حد لأكثرها.
ومع أنها كانت
تدرس في كتب سقيمة من المختصرات التي لا تفهم إلا بشروح وحواش وتقارير ، فإن
الطلبة كانوا يقدرون على الاستقلال بدراسة الكتب ويقدرون على فهمها ، وكانت تنمو
فيهم ملكات البحث والجدل. ولكن إذا وازنا بين الفائدة التي يجنيها الأزهر من
التعليم التحاوري اللفظي والمزايا التي يفقدها من عدم عنايته بالعلوم الكونية التي
لا بد منها في تطبيق الأحكام الشرعية على وجهها الصحيح ، لو وازنا بين ذلك أدركنا
عدم قيام الأزهر بالثقافات التي تتطلبها حاجات العصر.
كل هذا كان
يبعث أهل الغيرة من رجال الأمة ورجال الحكومة على تلمس وجوه الاصلاح ، ولم يكن من
الميسور أن يكون إصلاح الأزهر سهلا لاعتبارات تقليدية تاريخية. ولا من الجائز أن
يسلك في إصلاحه ما يسلك في تنظيم المدارس المدنية. بل كان يجب أن يتناوله الاصلاح
برفق ، وأن يكون بإضافة القدر الضروري من المعارف ، وإصلاح طريقة التعليم ،
وباختيار الكتب ، وبتوجيه هذه القوى الجبارة إلى جوهر العلم ، وأسرار الدين ،
وأسرار العربية.
وهذا الذي
أشرنا إليه هو الذي لاحظه واضعو قانون سنة ١٨٩٦ فضمنوه من وجوه الإصلاح مارأوه
كفيلا بإنهاض الأزهر ، وكان من حسن الحظ أن الذي قام على تنفيذ هذا القانون مجلس
إدارة يضم طائفة من العلماء خلصت نيتهم وتوافرت لديهم وسائل التنفيذ ، وهم المشايخ
: حسونة النواوي ، محمد عبده ، سليم البشري ، عبد الكريم سلمان ، سليمان العبد ،
أسبغ الله عليهم واسع رحمته ورضوانه .. وقد أضاف هذا القانون مواد جديدة هي :
الأخلاق ، مصطلح الحديث ، الحساب ، الجبر ، العروض والقافية.
وجعل التاريخ الإسلامي والإنشاء ومتن اللغة ومبادىء الهندسة وتقويم البلدان
، وغيرها من مواد يفضل محصلها على غيره ويقدم عليه ، وفك التقيد بكتب دون أخرى ،
وحرم قراءة الحواشي في السنوات الأربع الأولى. وجعل من اختصاص مجلس الإدارة أن
يعدل في مواد التعليم طبقا لما يراه من المصلحة.
سار الأزهر على
هذا النظام عشر سنوات سيرا متئدا متزنا ، لم تطغ فيه المواد الجديدة على المواد
القديمة ، لأنها أخذت بمقدار يناسب حال الأزهر ، ونشطت دراسة العلوم الدينية
والعربية بما كان يعطي للطلاب من المكافآت السنوية ، وبما كان ينشر بينهم من أفكار
المرحوم الشيخ محمد عبده في دروسه ومجتمعاته. وقد انفرط عقد النظام بخروج الشيخ
محمد عبده من مجلس الإدارة ثم وفاته سنة ١٩٠٥ رضي الله عنه ، كما قدمنا.
جدت بعد ذلك
أحداث وفتن ، وعولت الحكومة على إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي ، فصدر بها قانون في
سنة ١٩٠٧ ، وشعر الأزهريون بأن الحكومة أصبحت في غنى عنهم ، لأن لها مدرسة لتخريج
معلمي العربية في مدارسها ومعاهدها ، هي دار العلوم ، ومدرسة لتخريج القضاة.
وخاف القائمون
على الأزهر من تقلص ظله ، ومن عدم إقبال الناس عليه ، حيث لم يبق بعد ذلك للعلماء
إلا وظائف الإمامة والخطابة في المساجد ، ففكروا وفكر الناس معهم في إعادة تنظيم
الأزهر على مثال مدرسة القضاء ، ومدرسة دار العلوم ، بل على مثال يوجد للدراسة
مواد أكثر ومناهج أطول. وانتهى الأمر بهم إلى وضع القانون رقم ١٠ لسنة ١٩١١ وكثر
الاقبال على الأزهر ، ووجدت معاهد أخرى في عواصم المديريات ، وبعض المحافظات ، جرت
على نهجه ، وسارت عليها نظمه ، حتى صار عدد الطلاب في سنة ١٩١٧ م أكثر من عشرين
ألفا.
وهذا القانون
لم يخل من الفائدة ، لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادىء الطبيعة
والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد
الأخرى ، وغير عقليتهم ، ووسع أفقهم ، وإدخال المطالعة والمحفوظات والإنشاء
أوجد من أهل الأزهر عددا كبيرا من الكتاب والشعراء ، ومكن لهم من القدرة على
الخطابة والوعظ.
وهذه الفائدة
التي أفادها القانون رقم ١٠ لسنة ١٩١١ تعد ضئيلة بجانب الضرر الذي نجم عنه ، فقد
اضطر الطلاب ليفوزوا بالنجاح في الامتحان التحريري إلى أن يعتمدوا على الحفظ
والاستظهار ، واستهانت المعاهد بالامتحان الشفوي.
وقد شعر
المهيمنون على التعليم في الأزهر منذ وضع ذلك القانون بأن الأزهر أخذ يفقد أهم
خصائصه ومميزات تعليمه ، ولم تخل تقارير المفتشين في سنة من السنوات من الشكوى من
اعتماد الطلبة على الاستظهار ، ومن ضعف ملكاتهم العلمية. وقد توالت على هذا
القانون تعديلات آخرها التعديل الذي أدخل عليه بالقانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ وهو أظهر
تعديل طرأ عليه ، ففي هذا القانون قسم التعليم العالي إلى ثلاث كليات : واحدة لعلم
أصول الدين ، وثانية لعلوم الشريعة ، وثالثة لعلوم اللغة العربية ، وأوجد تخصصا
سمى تخصص المادة ، وآخر سمي تخصص المهنة.
وقد كان الغرض
من هذا تفرغ كل طائفة من التلاميذ في التعليم العالي والتخصص لطائفة من المواد
الكثيرة التي كانت تدرس مجتمعة حتى يتيسر إتقان الدرس والفهم ، وإتقان التحصيل.
ومع هذا ظلت الشكوى قائمة ، وظهر أن الداء الذي يجب أن يحسم ويستأصل هو ضعف الطلبة
في القسم الثانوي بسبب كثرة المواد ، وبسبب طول المناهج في بعض المواد التي لا
يحتاج الطالب في الأزهر إلى طول المناهج فيها. فهذه الكثرة وهذا الطول لم يدعا
وقتا لفهم الدروس وتمثيلها ، ولم يدعا وقتا لطول التفكير والبحث والجدل ، وتنمية
ملكات العلوم والاستنباط
__________________
القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ :
صدر هذا
القانون في عهد المغفور له الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الجامع الأزهر (١٩٢٩ ـ
١٩٣٥) وقد أنشئت بمقتضاه الكليات الثلاث القائمة الآن بالأزهر ، وهي كليات اللغة
العربية ، وأصول الدين ، والشريعة. وقد نص فيه على جواز إنشاء كليات أخرى.
ويعد هذا
القانون بحق أول خطوة رسمية في تمكين الجامع الأزهر من مسايرة التقدم العلمي
والاجتماعي في العصر الحاضر ، وفي تزويد طلابه بما يجب أن يحيط به رجل الدين
الحديث من العلوم ومن الاتجاهات.
وقد افتتحت هذه
الكليات في الأماكن التي أعدت لها مؤقتا لحين الانتهاء من الابنية الفخمة التي
خصصت لها. فتم ذلك في يومين مشهودين في حياة الأزهر ، هما يوما ١٧ و ١٨ مارس سنة
١٩٣٣.
وقد جعل هذا
القانون التعليم في الأزهر أربع مراحل : ١ ـ ابتدائي ومدته أربع سنوات ، ويدرس فيه
من المواد ما يلي : الفقه ، الأخلاق الدينية ، التجويد ، استذكار القرآن الكريم ،
التوحيد ، السيرة النبوية ، المطالعة والمحظوظات ، الانشاء ، النحو ، الصرف ،
الاملاء ، الخط ، التاريخ ، الجغرافيا ، الحساب ، الهندسة العملية ، مبادىء العلوم
، تدبير الصحة ، الرسم.
٢ ـ ثانوي
ومدته خمس سنوات ، وتمنح منه شهادة الثانوية قسم أول ، و «شهادة الثانوية قسم ثان»
ويدرس فيه من المواد ما يلي :
الفقه ،
التفسير ، الحديث ، التوحيد ، استذكار القرآن الكريم ، النحو ،
__________________
الصرف ، البلاغة (البيان والبديع والمعاني) ، العروض والقافية ، المطالعة
والمحفوظات ، الانشاء ، أدب اللغة ، الرياضة (الحساب والهندسة والجبر) ، العلوم (الطبيعة
والكيمياء والتاريخ الطبيعي) ، المنطق ، التاريخ ، الجغرافيا ، الأخلاق ، التربية
الوطنية.
٣ ـ عال ومدته
أربع سنوات ، وينقسم إلى ثلاث كليات :
١ ـ كلية اللغة
العربية ، ويدرس فيها من المواد ما يلي :
النحو ، الوضع
، الصرف ، المنطق ، علوم البلاغة ، الآداب العربية وتاريخها ، تاريخ العرب قبل
الإسلام وتاريخ الأمم الإسلامية ، التفسير ، الحديث ، الأصول ، الإنشاء ، فقه
اللغة.
ب ـ كلية
الشريعة. ويدرس فيها من المواد ما يلي :
التفسير ،
الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه ، تاريخ التشريع الإسلامي ، الفقه مع
مقارنة المذاهب في المسائل الكلية وحكمة التشريع ، أدب اللغة العربية ، علوم
البلاغة. المنطق.
ج ـ كلية أصول
الدين. ويدرس فيها من المواد ما يلي :
التوحيد مع إيراد
الحجج ودفع الشبه خصوصا الذائع في العصر منها : المنطق والمناظرة ، الفلسفة مع
الرد على ما يكون منافيا للدين منها ، الأخلاق ، التفسير ، الحديث ، آداب اللغة
العربية وتاريخها ، تاريخ الإسلام ، علم النفس ، علوم البلاغة.
٤ ـ التخصص وهو
على نوعين : تخصص في المهنة ، وتخصص في المادة ، والغرض من التخصص في المهنة ، هو
إعداد علماء يقومون بمهنة الوعظ والارشاد أو الوظائف القضائية بالمحاكم الشرعية ،
والافتاء والمحاماة ، أو التدريس في المعاهد الدينية ومدارس الحكومة.
والغرض من
التخصص في المادة : إعداد علماء متفوقين في العلوم الأساسية لكل كلية من الكليات
الثلاث.
ويعين حاملو
شهادة هذا القسم في وظائف التدريس بالكليات ، وبأقسام التخصص وهناك علاوة على ذلك
أقسام غير نظامية يسمح فيها بدخول الطلبة الذين لم تتوافر فيهم شروط القبول
بالأقسام النظامية ، وكذلك أفراد الجمهور للتوسع في دراسة اللغة العربية والعلوم
الدينية.
قانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ :
ورأى الشيخ
محمد مصطفى المراغي عقب توليته شيخا للأزهر سنة ١٩٣٥ م أن يضع مشروع قانون لإصلاح
الأزهر يفي بالأغراض التي تحقق آمال المسلمين فيه ، وترجع به إلى عصوره الزاهرة من
البحث العلمي السليم والتفكير الحر ، ودراسه الفنون التي تتفق مع طابعه القديم.
وتطابق مقتضيات العصر وتلبي مطالبه ، وقد وضع ذلك المشروع ، وتقدم به لولى الأمر
فصدر به مرسوم بقانون تحت رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ ، وقد وضع بجانبه مذكرة إيضاحية بين
فيها الأغراض التي قصد إليها في مشروعه. ونحن نثبت هنا بعض ما جاء في المذكرة في
هذا الصدد :
«إننا إذ نحاول
إصلاح الأزهر نريد أن نوجد طالبا يفهم مسائل العلوم فهما صحيحا ، ويفهم أغراضها
وصلتها بأدلتها ، وصلتها بعضها ببعض ، ويستطيع التطبيق على الجزئيات ، ويستطيع
الاستنباط والتدليل ، ويستطيع فهم الكتب القديمة التي ألفت في العصور المختلفة في
جميع الفنون الإسلامية.
«وإني على بغضى
لأكثر الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة ، أكره من الطلاب أن يعجزوا عن فهمها.
لأن فيها خيرا كثيرا ، ودقائق لا يصح الجهل بها. لذلك أحب أن يستطيع الطلاب فهمها
، ويقدروا على حلها.
«نعم إني لا
أحب أن تدرس العلوم على هذه الكتب ، بل أحب أن توجد كتب في جميع الفنون الحديثة
على أسلوب عربي صحيح مناسب لأذواق الأجيال الحاضرة تهذب فيه المسائل على أحسن ما
وصل إليه
التحقيق العلمي ، وأن تحيا الكتب القديمة الجيدة في الأسلوب والوضع. فهذا
الميراث العظيم يجب أن يؤخذ كله سلسلة متصلة الحلقات.
«هذا الذي
نحاوله بالتجديد يجب على ما أرى أن يضعه الناس أمامهم ، وأن يجدوا للوصول إليه ،
وهو غاية يقل في جانبها كل جهد ، ويرخص في سبيلها كل ما يبذل للوصول إليها. ولقد
كان أسلافنا أشد الناس عناية بالعلم ، فلم يمض الزمن القليل حتى أخذوا علم اليونان
وأدب الفرس وحكمة الهند ، واستعانوا بذلك كله في تفسير القرآن ، وفي وضع علم
الكلام على الأسس التي نراها في مثل المواقف والمقاصد ، واستعانوا به في تنظيم
مسائل العلوم جميعها ، فلم يخل علم من أثر الفلسفة والمنطق. ولقد كانت لهم محاولات
جديرة بالاعجاب في التوفيق بين الدين ونظريات الفلسفة. وقد أخذ العلم يسير في هذا
العصر سيرة جديدة ، وتغيرت نظريات الفلسفة وحدثت نظريات أخرى ، وكان من شأن ذلك
كله أن توجه على الأديان جملة ، وعلى الإسلام خاصة ، حملات ، وصار من الواجب الحتم
على علماء المسلمين أن يحيطوا علما بكل ما يوجه إلى الأديان عامة ، وإلى الإسلام
خاصة من مطاعن ، وأن يردوا تلك المطاعن التي توجه إلى الإسلام ، ويذودوا عن
عقيدتهم بأدلة ناصعة ، وأسلوب مقنع ممتع ، ليجنبوا المتعلمين تعليما مدنيا الشبه
الزائفة ، وليضموا إلى الإسلام أفرادا وشعوبا من الأمم التي تتطلع إلى الإسلام ،
وتبتغي الوقوف على خصائصه ومزاياه. وهذا لا يتم لهم على ما ينبغي إلا بالاتصال
بغيرهم اتصالا علميا وبتعرف اللغات الحية التي يكثر فيها الإنتاج العلمي ، والتي
يتناول بها العلماء مسائل الإسلام ومسائل اللغة العربية. لذلك وجب أن يكون لأهل
الأزهر نصيب من هذه اللغات. وهناك فائدة أخرى لتعليم اللغات ، وهي أنها تساعد على
معرفة طريقة وضع الكتب ، وعلى معرفة الاسلوب الحديث في التأليف والتفكير ، وطريقة
عرض المسائل على أنظار المتعلمين.
«ولا ندعى أن
إصلاح القانون ، وتنفيذ هذا المشروع ، يحقق
الأغراض التي نرمي إليها ، ويوجد الطالب الأزهري الذي نبتغيه ، بل إن الذي
يحقق هذه الأغراض الرغبة الصادقة في التعليم ، والعزيمة القوية على احتمال الجهد
والصبر لقطع مراحل التعليم في هدوء وطمأنينة ، والإيمان بأن العلم عزيز يقتنى ،
وحلية للنفس ، ومتعة للعقل ، وجمال لمن يتصف به ، والحرص على الإفادة والتعليم ،
والإيمان بأن ذلك فرض للعلم واجب لله ولرسوله وللمؤمنين ، والشعور بلذة الإنفاق
منه يزيد في الثروة ، ويشبع نهم النفس التواقة إلى الغنى ، وأن هذه الثروة خير مما
هو مخزون في خزائن الأغنياء. وعند النظر في مواد التعليم لإصلاح القانون رقم ٤٩
لسنة ١٩٣٠ والقانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٣٣ رئى إدماجهما معا ، كما رئى أيضا أن يشمل
الإصلاح الأبواب الأخرى من هذين القانونين ، فتم ذلك ، وتألف منهما هذا المشروع».
الدراسة في الأزهر الحديث
جعل قانون ١٩٣٦
التعليم في الأزهر أربع مراحل :
١ ـ ابتدائي
ومدته أربع سنوات ، ويدرس فيه من المواد ما يلي :
علوم دينية :
الفقه ، التوحيد ، السيرة النبوية ، وسيرة كبار الصحابة ، تجويد القرآن الكريم.
علوم اللغة
العربية : الإنشاء ، النحو ، الصرف ، الاملاء ، المطالعة ، المحفوظات.
علوم أخرى :
التاريخ ، الجغرافيا ، الرياضة ، تدبير الصحة ، الرسم ، الخط.
٢ ـ ثانوي
ومدته خمس سنوات ، ويمنح منه شهادة واحدة هي شهادة اتمام الدراسة الثانوية ، ويدرس
فيه من المواد ما يلي :
__________________
علوم دينية :
الفقه ، التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ، التوحيد.
علوم اللغة
العربية : النحو ، الصرف ، البلاغة : البيان والمعاني والبديع ، والإنشاء ، أدب
اللغة ، العروض والقافية ، المطالعة ، والمحفوظات.
علوم أخرى :
المنطق وأدب البحث ، الطبيعة ، الكيمياء ، علم الحياة ، الجغرافيا.
٣ ـ الكليات
وهي ثلاث :
كلية الشريعة
وتتبعها الأقسام الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية ومدتها أربع سنوات. والمواد التي تدرس للحصول عليها :
التفسير :
الحديث متنا ورجالا ومصطلحا ، أصول الفقه مع حكمة للتشريع ومقارنة المذاهب في
المسائل الكلية ، تاريخ التشريع الإسلامي ، المنطق ، الفلسفة ، لغة أجنبية (الانجليزية
أو الفرنسية) وتدرس بصفة اختيارية.
ب ـ شهادة
العالمية مع إجازة القضاء. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة
العالية : قوانين ولوائح المحاكم الشرعية والأوقاف والمجالس الحسبية ، التوثيقات
الشرعية ، إجراءات وتمرينات قضائية ، ودراسة القضايا ذات المبادىء ، السياسة
الشرعية ، القانون الدولي الخاص ، تاريخ القضاء والقضاة في الإسلام ، النظام
الدستوري للدولة ، محاضرات في مبادىء الاقتصاد ، محاضرات طبية ، محاضرات فلكية ،
لغة أجنبية اختيارية ، وهي التي درست في الكلية.
ج ـ شهادة
العالمية من درجة أستاذ في الفقه والأصول. والمواد التي
يتخصص فيها للحصول عليها بعد النجاح في الشهادة العالية : الأصول الفقه مع
حكمة التشريع ومقارنة المذاهب ، وتاريخ التشريع الإسلامي.
كلية أصول
الدين ، وتتبعها الأقسام الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية في أصول الدين. والعلوم التي تدرس للحصول عليها هي :
التوحيد ،
التفسير ، الحديث متنا ومصطلحا ورجالا ، المنطق وأدب البحث ، الأخلاق ، الفلسفة ،
الأصول ، التاريخ الإسلامي ، علم النفس ، لغة أجنبية (الانجليزية أو الفرنسية).
ب ـ شهادة
العالمية مع الإجازة في الدعوة والإرشاد. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد
النجاح في الشهادة العالية هي :
القرآن الكريم
وعلومه ، الحديث الشريف وعلومه ، الدعوة إلى سبيل الله ووسائلها ، الخطابة
والمناظرة ، الملل والنحل والمذاهب الفقهية وتواريخها ، البدع والعادات ، اللغة
الأجنبية التي درست في الكلية ، لغة شرقية.
ج ـ شهادة
العالمية مع درجة أستاذ في التوحيد والفلسفة. والمواد التي تدرس للحصول عليها بعد
النجاح في الشهادة العالية وهي : التوحيد ، المنطق ، الفلسفة ، الأخلاق.
د ـ شهادة
العالمية مع درجة أستاذ في علوم القرآن الكريم والحديث الشريف.
ه ـ شهادة
العالمية ، مع درجة أستاذ في التاريخ الإسلامي.
كلية اللغة
العربية ، وتتبعها الأقسام الآتية :
أـ شهادة
الدراسة العالية في اللغة العربية.
ب ـ شهادة
العالمية مع لإجازة في التدريس.
ج ـ شهادة
العالمية من درجة أستاذ في النحو.
د ـ شهادة
العالمية من درجة أستاذ في البلاغة والأدب.
قانون الأزهر الجديد لعام ١٩٦١
وافق مجلس
الأمة على القانون الجديد لتنظيم الأزهر وتطويره مع الاحتفاظ له بطابعه وبخصائصه
وصفته ، عالج القانون مشكلات الأزهر في صميمها.
المذكرة الإيضاحية :
لقد قام الأزهر
بدور عظيم في تاريخ العلم ، وفي تاريخ الإسلام ، وفي تاريخ العروبة. وفي تاريخ
الكفاح القومي على توالي العصور ووقف قلعة شامخة في وجه كل المحاولات التي قصد
منها استعبادنا والسيطرة علينا وتحطيم كياننا القومي والروحي.
وكانت التقاليد
العلمية في الأزهر أساسا للنظام الجامعي والتقاليد الجامعية في كل بلاد الدنيا ،
فهو أقدم جامعة في العالم وإن لم يكن اسمه بين أسماء جامعاتنا.
ومن علم الأزهر
شع نور الإسلام في بلاد كثيرة من إفريقيا ومن آسيا وزاد عدد المسلمين عشرات
الملايين. وكانت بعوث الأمم المختلفة إلى الأزهر سببا لتوثيق علاقاتنا ببلاد كثيرة
وشعوب متعددة منذ أقدم العصور إلى اليوم ، وقد اكتسب اسم الأزهر بذلك قدسية ،
واكتسب المنتسبون إليه احتراما ، وصار رأيه الرأي في كل ما يتعلق بالعقيدة
والشريعة ، وصار هو الجامعة الإسلامية الكبرى في الشرق والغرب ، لا يطلب أحد علوم
الإسلام إلا عن طريق الأزهر ، ولا تتجه قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها إلى
معهد يفد إليه أولادهم للتزود من أسباب المعرفة غير الأزهر.
على أن التزام
الأزهر الوقوف قرونا طويلة في وجه كل محاولات العدوان قد ألزمه نوعا من المحافظة
لعلها كانت بعض خصائص الموقف
الدفاعي الذي التزمه خلال تلك القرون ، فلما نشطت الحياة حواليه وزالت
الأسباب التي كانت تضطره إلى المحافظة والتزمت لم يجد الوسيلة الملائمة التي تعينه
على الحركة المتجددة التي تلائم بينه وبين عصره مع احتفاظه بخصائصه وقيامه بواجبه
لحياطة الدين والمحافظة على تراث الإسلام ، من ذلك أن خريجيه لم يزالوا حتى اليوم
ـ فيما يريدون لأنفسهم أو فيما يصفهم غيرهم ـ رجال دين ، لا يكادون يتصلون بعلوم
الدنيا اتصال النفع والانتفاع ، والإسلام في حقيقته الأصيلة لا يفرق بين علم الدين
وعلم الدنيا ، لأنه دين اجتماعي ينظم سلوك الناس في الحياة ليحيوا حياتهم في حب
الله عاملين مؤثرين في المجتمع في ظل طاعة الله ، ولأن الإسلام يفرض على كل مسلم
أن يأخذ بنصيبه من الدين والدنيا ، فكل مسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا في وقت
معا ، والله في يقين المسلم أقرب إليه من حبل الوريد ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه
، فليس في حاجة إلى شفيع أو وسيط يقربه إليه.
على أن العالم
الإسلامي اليوم قد انفسح مداه واتسع نطاقه وأطل على آفاق فكر جديدة ووضعته الظروف
السياسية التي تمر به وضع الاختبار في مجالات شتى. وأكثره قد خرج منذ قريب من تحت
النير الاستعماري وفي نفوس أهله آمال ضخمة لاستكمال أسباب تحرره ونهضته والارتفاع
بمستوى معيشته.
وكانت الثقافات
الاستعمارية تحاول طوال السنين التي يسيطر فيها الاستعمار على العالم الإسلامي أن
تلون أفكار أهله وعقائدهم وأن تضع في نفوسهم موازين جديدة وقيما جديدة يمكن أن
تباعد بينهم وبين الإسلام. فلو لا طبيعة المقاومة في نفوس المسلمين لسحقتهم
المحاولات المتوالية خلال تلك السنين وأخرجتهم عن دينهم ، ولعلها قد بلغت من ذلك
مبلغا ما حين أوقعت في أذهان كثير منهم أن الإسلام عبادة وقربى إلى الله وفناء في
الله ، وأن العمل للحياة شيء آخر يختلف عن الدين أو يتعارض مع الدين. وربما أوقعت
في أذهان بعضهم كذلك أن المذاهب الاجتماعية المستحدثة
تضمن للبشر سعادة ورفاهية لا يكفل مثلها الإسلام ، وربما لا يكفلها غير
الإسلام من الأديان السماوية.
وفي كثير من
البلاد التي تخلصت حديثا من ربقة الاستعمار رغبة في التخطيط والعمل والإنتاج في
مجالات الصناعة والتجارة والتعدين والتعليم والصحة وغيرها من أسباب النهوض ، وهي
حين تلتمس الخبراء في كل نوع من أنواع هذا النشاط لا تكاد تجد إلا أجانب عن بيئتها
ودينها من المواطنين أو من غير المواطنين ، وحين تلتمس من المواطنين خبراء يملكون
مع الخبرة معارف دينية صحيحة وعقيدة واعية لا تكاد تعرف أين توفدهم ليتعلموا
ويستفيدوا الخبرة والمعرفة والعقيدة. وهي عناصر ثلاثة ضرورية لتستكمل هذه البلاد
نهضتها وتمضي في وجهها على الطريق السوي وإذ كان الأزهر وحده هو المعهد أو الجامعة
التي يحرص المسلمون وراء الحدود على ان يقنع فيه أبناؤهم لهذه المسئوليات فقد كان
من الطبيعي أن يكون نظام الأزهر وعلى الأزهر بحيث تعد هؤلاء الخبراء مستكملين لكل
العناصر التي تهيئهم لحمل أعباء النهضة في بلادهم.
أو لكن الأزهر
إذ يعد علماء في الدين وفي لغة القرآن لم يتهيأ بعد لتأهيل العالم الديني المتخصص
في عمل من أعمال الخبرة والإنتاج التي تحتاج إليها نهضة المسلمين في كل البلاد.
وحين تنبهت بعض البلاد الإسلامية إلى هذه الحقيقة المؤسفة فحولت بعثاتها كلها أو
بعضها إلى الجامعات المدنية في الجمهورية العربية المتحدة أو في غيرها من البلاد ،
عاد إليها مبعوثوها بعد إتمام دراستهم وهم يملكون الخبرة ولا يكادون يعرفون الدين
، في حين يعود المبعوثون منهم إلى الأزهر وقد حصلوا من علوم الدين وعلوم القرآن
حظا كبيرا ، ولكنهم لا يحسنون عملا ولا يطيقون إنتاجا ولا يقدرون على المشاركة في
لون من ألوان النهضة التي أشرنا إليها آنفا. وبهؤلاء وأولئك تعقدت الحياة
الاجتماعية في كثير من بلاد العالم الإسلامي وتعثرت النهضة في تلك البلاد.
ومن حسن الحظ
أن يجمع كل أهل الغيرة في كل البلاد الإسلامية على رأي واحد في هذه المشكلة هو أن
يعرف عالم الدين علوما أخرى يعيش بها ويشارك بها في النهضة ليرتفع مقام الدين عن
أن يكون حرفة أو أن يكون سببا للتعطل والضياع في المجتمع ، وسبيل ذلك أن تتطور
معاهد الدراسات الإسلامية العالية بحيث تواجه احتياجات النهضة فلا تقتصر على
الدراسات الدينية بل يجب أن تجمع إليها علوما أخرى تتحقق بها لكل خريج الخبرة والمعرفة
وسلامة العقيدة ليعود هؤلاء الخريجون إلى مراكز القيادة في كل مجال من مجالات
النشاط في العالم الإسلامي المتحرر.
هذه الحقائق
المسلم بها لا تكاد تجد لها صورة صحيحة في خريجي الأزهر لعصرنا ، ومن ثم كان نوع
من الانعزال بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه. ونشأت مشكلة تعطل كبيرة بين
هؤلاء الخريجين زادتهم انعزالا عن المجتمع. وأعقبت هذه المشكلة آثارا كبيرة في
نفوس الأزهريين وفي نفوس الشعب جميعا ، كما كان لها أثرها في قوة العقيدة في نفوس
هؤلاء وأولئك ، أما في نفوس الأزهريين فذلك أن خريج الأزهر حين يتعطل يمكن أن يقع
في وهمه أحد أمرين : إما أن عالم الدين مآله التعطل والهوان ، فيصيبه وهن العقيدة
قبل أن يصيب غيره ، وإما أن الدولة لا تعترف به والشعب يحاربه ، فيعتزل الدولة
والمجتمع.
وأما في نفوس
الشعب فإن الناس لا يكادون يعرفون الدين إلا من صورة عالم الدين ، فإذا كان عالم
الدين على ما وصفنا فما أسرع أن يرين الشك على بعض القلوب وتفسد بعض العقائد.
من ذلك أو من
بعضه يكون وهن العقيدة وتكون بعض صور الانقسام في المجتمع ، ويكون تعقد نفوس كثيرة
، ويكون سوء ظن بعض المواطنين ببعض ، وسوء رأي بعض المواطنين في بعض.
ويمكن أن نلحظ
مثل هذا الشعور في بلاد أخرى وراء حدود وطننا ، إذ كان مآل كثيرين من المبعوثين من
تلك البلاد إلى الأزهر بعد أن عادوا
إلى بلادهم مثل مصير خريجي الأزهر في بلادنا ، فانتقلت هذه الآثار إلى
مجتمعهم وكاد مجتمعهم يفقد ثقته بالأزهر ، ويوشك هذا الشعور إن عم أن يقطع كثيرا
من الأواصر بيننا وبين تلك البلاد.
من أجل ذلك
جميعه كان لا بد من تجديد الأزهر وتطويره والاعتراف بمكانته وأثره مع الاحتفاظ له
بطابعه وخصائصه وصفته التي استحق بها أن يبقى مسيطرا على تاريخنا وعلى العلاقات
الوثيقة بيننا وبين إخوان لنا في شرق الأرض وغربها أكثر من ألف سنة.
وقد تكررت
محاولات لمثل هذا الغرض منذ أكثر من نصف قرن ، ولكنها جميعا لم تنفذ إلى صميم
المشكلة ولم تحاول علاجها جذريا ، فكانت قشورا من الإصلاح لعل بعضها كان أسوأ
أثرا.
ولعلاج المشكلة
من صميمها كان لا بد من تقرير مبادىء لتكون أساسا لكل محاولة إصلاح.
وعلى أساس
المبادىء التي انتهينا إلى تقريرها كان مشروع الإصلاح الذي يتضمنه هذا القانون.
وهذه المبادىء هي :
أولا : أن يبقى
الأزهر أو أن يدعم ، ليظل أكبر جامعة إسلامية وأقدم جامعة في الشرق والغرب.
ثانيا : أن يظل
كما كان منذ أكثر من ألف سنة حصنا للدين والعروبة ، يرتقي به الإسلام ويتجدد
ويتجلى في جوهره الأصيل ويتسع نطاق العلم به في كل مستوى وفي كل بيئة ويذاد عنه كل
ما يشوبه وكل ما يرمي به.
ثالثا : أن
يخرج علماء قد حصلوا كل ما يمكن تحصيله من علوم الدين وتهيئوا بكل ما يمكن من
أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج في كل مجال من مجالات العمل والإنتاج فلا تكون
كل حرفتهم أو كل بضاعتهم هي الدين.
رابعا : أن
تتحطم الحواجز والسدود بينه وبين الجامعات ومعاهد
التعليم الأخرى وتزول الفوارق بين خريجيه وسائر الخريجين في كل مستوى ،
وتتكافأ فرصهم جميعا في مجالات العلم ومجالات العمل.
خامسا : أن
يتحقق قدر مشترك من المعرفة والخبرة بين المتعلمين في جامعة الأزهر والمعاهد
الأزهرية وبين سائر المتعلمين في الجامعات والمدارس الأخرى ـ مع الحرص على
الدراسات الدينية والعربية التي يمتاز بها الأزهر منذ كان ـ لتتحقق لخريجي الأزهر
الحديث وحدة فكرية ونفسية بين أبناء الوطن ، ويتحقق بهم للوطن وللعالم الإسلامي
نوع من الخريجين مؤهل للقيادة في كل مجال من المجالات الروحية والعلمية.
سادسا : أن
توحد الشهادات الدراسية والجامعية في كل الجامعات ومعاهد التعليم في الجمهورية
العربية المتحدة.
على أساس هذه
المبادىء أعد مشروع القانون المرافق لتنظيم الأزهر فاحتفظ له بكيانه وصفته وخصائصه
العلمية ، وجعلت الهيئات التي يتكون منها خمسا هي :
١ ـ المجلس
الأعلى للأزهر.
٢ ـ مجمع
البحوث الإسلامية.
٣ ـ إدارة
الثقافة والبعوث الإسلامية.
٤ ـ جامعة
الأزهر.
٥ ـ المعاهد
الأزهرية.
أما المجلس
الأعلى للأزهر ، فهو الهيئة التي تحمل مسئوليات التوجيه في كل شئون الأزهر وتخطط
لأنواع النشاط في هيئاته المختلفة ، وتتابع تنفيذ سياسة البحث وسياسة التعليم في
أجهزته المختلفة ، ويرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ، ويشترك في عضويتها
إلى جانب الكبار من العلماء ـ متخصصون وذوو خبرة في التعليم وفي الإدارة.
وأما مجمع
البحوث الإسلامية فوضع نظامه بحيث يكون هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية ، يقوم
بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث ، ويعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها
من الفضول والشوائب وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم بها لكل
مستوى وفي كل بيئة وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتصل
بالعقيدة ، وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجعل من
مهمة هذا الجمع كذلك أن يتتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث
الأجانب ودراساتهم ، للانتفاع بما فيها من رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد.
كما يقوم المجمع على رسم نظام بعوث الأزهر إلى العالم الإسلامي ومن العالم
الإسلامي ، كما يعاون في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتى التخصص والعالمية
في جامعة الأزهر والإشراف عليها والمشاركة في امتحاناتها ، وجعلت شروط العضوية في
هذا المجمع تضم أصلح العناصر لأداء مهمته.
وأما إدارة
الثقافة والبعوث الإسلامية فهي الجهاز الذي يهيء لمجمع البحوث الإسلامية كل أسباب
البحث والدراسة في الموضوعات التي تتصل باختصاصته ، كما تقوم بالإعداد والتحضير
لهذه البحوث والدراسات وتحمل المسئولية الكاملة للمتابعة والتنفيذ ، وتضع نتائج
هذه البحوث والدراسات موضع الانتفاع العام ، سواء في المجالات الثقافية العامة أو
في فروع الدراسات الأزهرية.
وتقوم هذه
الإدارة كذلك على إعداد مشروعات البعوث من الأزهر وإليه ، وتحمل مسئولية التنفيذ
بالنسبة لهذه البعوث وتقوم نتائجها.
وأما جامعة
الأزهر فقد وضع مشروعها على أساس أن تختص بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر
، وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتب عليه ، كما نهتم ببعث التراث العلمي
والفكري والروحي للشعوب الإسلامية والعربية ، وتعمل على تزويد العالم الإسلامي
والوطن العربي
بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى التفقه في العقيدة والشريعة ولغة
القرآن ، كفاية علمية وعملية ومهنية تؤهلهم للمشاركة في كل أنواع النشاط والإنتاج
والريادة والقدوة الطبية والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما
تعني بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية والإسلامية
والعربية والأجنبية. وقد نص القانون في المادة ٣٤ على الكليات التي تشملها جامعة
الأزهر وهي :
كليات الدراسات
الإسلامية ، وكلية الدراسات العربية ، وكلية المعاملات والإدارة. وكلية الهندسة
والصناعات ، وكلية الزراعة ، وكلية الطب ، مع النص على جواز إنشاء كليات أخرى كلما
دعت الحاجة ، وطبيعي أن هذه الكليات كلها أو بعضها لا يمكن أن تكون صورة مكررة
للكليات القائمة الآن في الأزهر أو في الجامعات الأخرى ، إذ لا بد أن تتحقق لها مع
صفتها العامة صفة تلائم الصفة الخاصة بجامعة الأزهر ، بحيث يكون فيها إلى جانب
الدراسات الفنية الخاصة ، دراسات إسلامية ودينية تتحقق بها للطالب ثقافة دينية
عميقة وواعية إلى جانب الثقافة المهنية التي يحصلها نظراؤه في الكليات المماثلة في
الجامعات الأخرى ، وبحيث تتاح لخريجيها بعد الحصول على درجة الإجازة العالية (الليسانس
أو البكالوريوس) من أية كلية من كلياتها دراسة عليا في مادة التخصص أو في مادة من
مواد الدراسات الإسلامية والعربية العالية للحصول بها على درجة التخصص أو العالمية
(الماجستير أو الدكتوراه) في مادة الدراسة ، وليس مثل هذا النظام مستحدثا في تاريخ
الأزهر والجامعات الإسلامية ، فإن أعظم علماء الطب والكيمياء والرياضة في الماضي
كانوا علماء في الدين ، منهم أبن سينا والفارابي وابن الهيثم وجابر بن حيان وآخرون
...
ولا بد أن يكون
لكل كلية من هذه الكليات أقسام مختلفة تختص بها أو تشترك فيها مع غيرها من الكليات
لتنويع الدراسات وتنويع الخريجين إلى أكثر مما يدل عليه عدد هذه الكليات.
وإذ كانت جامعة
الأزهر هي جامعة المسلمين من كل بلد منذ كانت ، فقد نصت المادة الثامنة والثلاثون
على أن تتساوى فرص القبول في كلياتها والأقسام الملحقة بها للطلاب المسلمين من كل
بلد.
ورعاية للصفة
الخاصة لجامعة الأزهر ، رؤى أن تستقل عن الجامعات الأخرى في الجمهورية العربية
المتحدة ، بتبعيتها لرياسة الجمهورية ، مع الحرص على التنسيق بينها وبين الجامعات
الأخوى بقدر ما تقتضيه الصفة الخاصة بالأزهر وأغراض الدراسة فيه.
وحرص القانون
على أن يكون أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ممثلين في مجلس الجامعة بالقدر الذي يتيح
لهم أن يوجهوا الدراسات الإسلامية في الكليات المختلفة ، فتقرر أن يكون منهم في
مجلس الجامعة ثلاثة من أعضاء هذا المجمع ، مع احتمال زيادة عددهم ببعض الأعضاء
الذين يمثلون هيئات أخرى من الأزهر أو من خارجه.
وإذ كان
المأمول أن تكون بعض أنواع الدراسة في كليات جامعة الأزهر على هذا الأساس نموذجا
لنوع من الدراسات يلائم رغبات كثير من المواطنين ، لتتحقق بها لأبنائهم معارف
وثقافات دينية وقومية وكان من المتوقع لذلك أن يقبل بعض خريجي المدارس الثانوية
على هذه الكليات ، فقد حرص مشروع القانون على مواجهة هذا الاحتمال باشتراط أداء
الطلاب الذين لم تتهيأ لهم فرصة الدراسة في المعاهد الأزهرية امتحان معادلة يؤهلهم
لمتابعة الدراسة في هذه الكليات مع زملائهم من خريجي المعاهد الأزهرية.
وأما المعاهد
الأزهرية ، فإنه لكي يعد لكليات الجامعة الأزهرية على اختلافها طلاب على حظ من
الثقافة الإسلامية والعربية لا يقل عن حظهم منها في الوقت الحاضر ، إلى جانب
المعارف والخبرات التي تتيح لهم الاستمرار في الدراسات الجامعية على الوجه الذي
وصفناه ، وضع نظام المعاهد الثانوية والابتدائية للأزهر ، بحيث يتهيأ فيها الطلاب
إلى جانب
دراساتهم الدينية والعربية للحصول على الشهادات الإعدادية والثانوية
بأنواعها المختلفة ، لتتكافأ فرصهم مع فرص غيرهم من التلاميذ في مدارس الدولة
فيحصل تلميذ القسم الإبتدائي على الإعدادية العامة ، أو الإعدادية الفنية ، إلى
جانب ما درس من علوم الدين واللغة ، ويحصل تلميذ القسم الثانوي على الثانوية
العامة بأحد قسميها الأدبي أو العلمي ، أو على الثانوية الفنية بأنواعها من زراعية
أو صناعية أو تجارية أو غير ذلك ، إلى جانب ما درس كذلك من علوم الدين أو اللغة ،
وبهذا يتاح لكل تلميذ في هذه الأقسام أن يوجه حياته الوجهة التي يريد والتي تلائم
ميوله واستعداده ، فإن شاء خرج إلى الحياة ليعمل ويكسب بعد كل مرحلة ، وإن شاء
استمر في الدراسة مرحلة أخرى أو مرحلتين ليخرج بعدها مؤهلا للعمل والكسب ، وإن شاء
تحول إلى المدارس الأخرى يتم فيها دراسته وفق ميوله ورغباته ، وتجد كليات جامعة
الأزهر في النهاية طلابا يجمعون بين علوم الدين وعلوم الدنيا ، ولهم كل الأهلية
لمتابعة الدراسة الجامعية في كليات جامعة الأزهر أو في غيرها من الكليات ومعاهد
الدراسة العالية.
وقد حرص
القانون في هذه الناحية على أن يكون التعاون كاملا بين وزارة التربية والتعليم
والإدارة المختصة بالإشراف على هذه الأقسام وإدارتها ليتحقق بهذا التعاون نوع من
الثقة يدعم قيمة الشهادات التي يحصل عليها الطلاب من هذه الأقسام.
وقد واجه مشروع
القانون مرحلة الانتقال بين وضع الأزهر وكلياته والأقسام الملحقة به في الوقت
الحاضر. ووضعها المنتظر بعد التطبيق الكامل لهذا القانون فنص على إنشاء دراسات
إضافية في الأقسام الثانوية والابتدائية منذ الموسم الدراسي المقبل لتهيئة تلاميذ
هذه الأقسام الحاليين للحصول على شهادات معادلة تتيح لهم الانتفاع بمزايا هذا
القانون في أسرع وقت ممكن. كما حرص على الملاءمة بين وضع الطلاب الحاليين في
الكليات الأزهرية وبين مقتضيات تطبيق القانون.
كما نص مشروع
القانون على أن يحتفظ للعلماء الموظفين الآن والمدرسين في أقسام الأزهر وأعضاء هيئات
التدريس في الكليات الأزهرية الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء ، ولطلاب الأزهر
الحاليين ، بكل الحقوق المالية المقررة لهم فلا تتأثر هذه الحقوق بشيء نتيجة
لتطبيق هذا القانون. سواء في المرتبات أو في المعاشات ومدة الخدمة. أو غير ذلك.
لتكون النظم المستحدثة في هذا الشأن بغير أثر رجعي.
ولكيلا يتضمن
القانون تفصيلات يضخم بها رؤى أن يقتصر على الخطوط الرئيسية للتنظيم ، على أن
تتضمن اللائحة التنفيذية التي يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية كل التفصيلات التي
توضح الصورة وتيسر التنفيذ.
وإذ كانت
تفصيلات المشروع قد أحيل أكثرها على تلك اللائحة التنفيذية ، فقد نص المشروع على
ألا يتأخر صدور هذه اللائحة عن تاريخ معين ، ليتهيأ الأخذ في أسباب التنفيذ الكامل
للمشروع قبل ابتداء الموسم الدراسي المقبل.
والمشروع معروض
رجاء الموافقة على إصداره :
باسم الأمة
رئيس الجمهورية
:
قرر مجلس الأمة
القانون الآتي نصه وقد أصدرناه :
مادة ١ ـ تستبدل
النصوص المرافقة بأحكام القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ بإعادة تنظيم الجامع الأزهر
والقوانين المعدلة له ويبطل كل ما يخلفه من القوانين.
مادة ٢ ـ الأزهر
هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التي تقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته
وتجليته ونشره ، وتحمل أمانة الرسالة
الإسلامية إلى كل الشعوب ، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره في تقدم
البشر ورقي الحضارة وكفالة الأمن والطمأنينة وراحة النفس لكل الناس في الدنيا
والآخرة ، كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي والفكري للأمة العربية ،
وإظهار أثر العرب في تطور الإنسانية وتقدمها ، وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم
والفنون وخدمة المجتمع والأهداف القومية والإنسانية والقيم الروحية ، وتزويد
العالم الإسلامي والوطن العربي بالمختصين وأصحاب الرأي فيما يتصل بالشريعة
الإسلامية والثقافة الدينية والعربية ولغة القرآن ، وتخريج علماء عاملين مثقفين في
الدين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح ، كفاية علمية وعملية
ومهنية ، لتأكيد الصلة بين الدين والحياة والربط بين العقيدة والسلوك ، وتأهيل
عالم الدين للمشاركة في كل أسباب النشاط والإنتاج والريادة والقدوة الطبية ، وعالم
الدنيا للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، كما تهتم
بتوثيق الروابط الثقافية والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية
والعربية والأجنبية ومقره القاهرة ، ويتبع رياسة الجمهورية.
مادة ٣ ـ يعين
بقرار من رئيس الجمهورية وزير لشئون الأزهر.
مادة ٤ ـ شيخ
الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين
بالقرآن وعلوم الإسلام ، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية
في الأزهر وهيئاته ويرأس المجلس الأعلى للأزهر.
مادة ٥ ـ يختار
شيخ الأزهر من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات المشروطة
في أعضاء هذه الهيئة. ويعين بقرار من رئيس الجمهورية فإن لم يكن قبل هذا التعيين
عضوا في تلك الهيئة صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.
مادة ٦ ـ يكون
للأزهر شخصية معنوية عربية الجنس ويكون له الأهلية الكاملة للمقاضاة وقبول
التبرعات التي ترد إليه عن طريق الوقف والوصايا والهبات بشرط ألا تتعارض مع الغرض
الذي يقوم عليه الأزهر.
وشيخ الأزهر هو
الذي يمثل الأزهر ويكون له حق مقاضاة نظار الأوقاف التي للمدرسين أو الموظفين أو
الطلاب نصيب فيها ، وذلك دون إخلال بما لوزارة الأوقاف من الحقوق والاختصاصات
المقررة في اللوائح والقوانين.
مادة ٧ ـ يكون
للأزهر وكيل يختار من بين هيئة مجمع البحوث الإسلامية أو ممن تتوافر فيهم الصفات
المشروطة لأعضاء هذه الهيئة. ويعين بقرار من رئيس الجمهورية ، فإن لم يكن قبل هذا
التعيين عضوا في هيئة المجمع صار بمقتضى هذا التعيين عضوا فيها.
ويعاون الوكيل
شيخ الأزهر ويقوم مقامه حين غيابه.
هيئات الأزهر :
مادة ٨ ـ يشمل
الأزهر الهيئات الآتية :
١ ـ المجلس
الأعلى للأزهر.
٢ ـ مجمع
البحوث الإسلامية.
٣ ـ إدارة الثقافة
والبعوث الإسلامية.
٤ ـ جامعة
الأزهر.
٥ ـ المعاهد
الأزهرية.
المجلس الأعلى للأزهر
مادة ٩ ـ يكون
للأزهر مجلس يسمى المجلس الأعلى للأزهر ، ويتكون على الوجه الآتي :
شيخ الأزهر وله
رياسة المجلس.
وكيل الأزهر.
مدير جامعة
الأزهر.
عمداء الكليات
بجامعة الأزهر.
أربعة من أعضاء
مجمع البحوث الإسلامية يختارهم المجمع ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية بناء
على ترشيح شيخ الأزهر لمدة سنتين.
أحد وكلاء
الوزارات أو الوكلاء المساعدين من كل من وزارات الأوقاف والتربية والتعليم والعدل
والخزانة ، يصدر بتعيين كل منهم قرار من الوزير الذي يمثل وزارته في المجلس.
مدير الثقافة
والبعوث الإسلامية.
مدير المعاهد
الأزهرية.
ثلاثة أعضاء
على الأكثر من ذوي الخبرة في شئون التعليم الجامعي والشئون العامة المتعلقة به ،
يكون أحدهم على الأقل من أعضاء المجلس الأعلى للجامعات في الجمهورية العربية المتحدة
، ويعينون بقرار من الوزير المختص بعد أخذ رأي المجلس ، وبناء على ترشيح شيخ
الأزهر وذلك لمدة سنتين.
مادة ١٠ ـ يختص
المجلس الأعلى للأزهر بالنظر في الأمور الآتية :
١ ـ التخطيط
ورسم السياسة العامة لكل ما يحقق الأغراض التي يقوم عليها الأزهر ويعمل لها في خدمة
الفكرة الإسلامية الشاملة.
٢ ـ رسم
السياسة التعليمية التي تسير عليها جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية والأقسام
التعليمية في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية واقتراح المواد والمقررات
التي تدرس لتحقيق أغراض الأزهر.
٣ ـ النظر في
مشروع ميزانية هيئات الأزهر وإعداد الحساب الختامي.
٤ ـ اقتراح
إنشاء الكليات والمعاهد الأزهرية والأقسام التعليمية.
٥ ـ قبول
الأوقاف والوصايا والهبات مع مراعاة أحكام المادة (٦) من هذا القانون.
٦ ـ النظر في
كل مشروع قانون أو قرار جمهوري يتعلق بأي شأن من شئون الأزهر.
٧ ـ النظر في
منح العالمية الفخرية لجامعة الأزهر أو إحدى كلياتها بناء على اقتراح الكلية أو
الجامعة.
٨ ـ تشكيل
للجان الفنية الدائمة أو المؤقتة من بين أعضائه أو من غيرهم من المتخصصين لبحث
الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.
٩ ـ تدبير
أموال الأزهر واستثمارها وإدارتها.
١٠ ـ النظر فيما
يعهد إليه هذا القانون أو غيره من القوانين والقرارات واللوائح وفيما يعرضه عليه
شيخ الأزهر ، وفي كل ما يرى المجلس فائدة في بحثه من المسائل التي تدخل في
اختصاصه.
مادة ١١ ـ لا
تنفذ قرارات المجلس الأعلى للأزهر فيما يحتاج إلى قرار من الوزير المختص إلا بعد صدور
هذا القرار ـ فإذا لم يصدر منه قرار في شأنها خلال الستين يوما التالية لتاريخ
وصولها مستوفاة إلى مكتبه تكون نافذة.
مادة ١٢ ـ يكون
للمجلس الأعلى للأزهر أمين عام ، يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية.
مادة ١٣ ـ يحدد
الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون
مرتبات شيخ الأزهر ووكيله وأمين المجلس الأعلى للأزهر ومكافآت أعضائه.
مادة ١٤ ـ يكون
للمجلس جهاز يتابع تنفيذ مقرراته ويرأسه الأمين العام للمجلس.
مجمع البحوث الإسلامية وإدارة الثقافة
مادة ١٥ ـ مجمع
البحوث الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية وتقوم بالدراسة في كل ما يتصل
بهذه البحوث وتعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار
التعصب السياسي والمذاهبي ، وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص ، وتوسيع نطاق العلم
بها لكل مستوى وفي كل بيئة ، وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية
تتعلق بالعقيدة وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وتعاون جامعة
الأزهر في توجيه الدراسات الإسلامية العليا لدرجتي التخصص والعالمية والإشراف
عليها والمشاركة في امتحاناتها.
وتحدد اللائحة
التنفيذية لهذا القانون واجبات مجمع البحوث الإسلامية بالتفصيل الذي يساعد على
تحقيق الغرض من إنشائه.
مادة ١٦ ـ يتألف
مجمع البحوث الإسلامية من خمسين عضوا من كبار علماء الإسلام ، يمثلون جميع المذاهب
الإسلامية ، ويكون من بينهم عدد لا يزيد على العشرين من غير مواطني الجمهورية
العربية المتحدة.
مادة ١٧ ـ يشترط
في عضو المجمع :
١ ـ ألا تقل
سنه عن أربعين سنة.
٢ ـ أن يكون
معروفا بالورع والتقوى في ماضيه وحاضره.
٣ ـ أن يكون
حائزا لأحد المؤهلات العلمية العليا من الأزهر. أو إحدى الكليات أو المعاهد العليا
التي تهتم بالدراسات الإسلامية.
٤ ـ أن يكون له
إنتاج علمي بارز في الدراسات الإسلامية ، أو اشتغل بالتدريس لمادة من مواد
الدراسات الإسلامية في كلية أو معهد من معاهد التعليم العالي لمدة أدناها ٥ سنوات
أو شغل إحدى الوظائف الإسلامية في القضاء أو الإفتاء أو التشريع لمدة أدناها خمس
سنوات.
ويعتبر الأعضاء
الحاليون في جماعة كبار العلماء ـ في حكم هذا القانون ـ مستوفين لهذا الشرط.
مادة ١٨ ـ يعين
بقرار من رئيس الجمهورية أعضاء مجمع البحوث الإسلامية في أول تشكيل له ـ بناء على
عرض الوزير المختص باقتراح من شيخ الأزهر.
ويكون شيخ
الأزهر رئيسا لهذا المجمع.
مادة ١٩ ـ يكون
نصف أعضاء المجمع على الأقل متفرغين لعضويته ، وتبين اللائحة التنفيذية واجبات
العضو المتفرغ والعضو غير المتفرغ.
مادة ٢٠ ـ هيئات
المجمع هي :
(أ) مجلس
المجمع : ويتألف من الرئيس ، والأعضاء المتفرغين ، والأعضاء غير المتفرغين من
مواطني الجمهورية العربية المتحدة ، والأمين العام للمجمع.
(ب) مؤتمر
المجمع ويتألف من كل أعضاء المجمع.
(ج) الأمانة
العامة للمجمع.
مادة ٢١ ـ يجتمع
مجلس المجمع مرة في كل شهر على الأقل ـ ولا يكون اجتماعه صحيحا إلا بحضور أكثرية
أعضائه.
مادة ٢٢ ـ يجتمع
مؤتمر المجمع اجتماعا عاديا مرة في كل سنة. وتستمر دورة اجتماعه أربعة أسابيع
للنظر في جدول أعمال السنة ويجوز أن يدعى المؤتمر إلى اجتماع غير عادي إذا اقتضت
الظروف ذلك بموافقة الوزير المختص وبناء على اقتراح شيخ الأزهر ويكون اجتماع
المؤتمر صحيحا في الحالتين بحضور أكثرية أعضائه ، بشرط أن يكون من بينهم ربع
الأعضاء غير المواطنين على الأقل.
مادة ٢٣ ـ يكون
للمجمع أمانة عامة دائمة يرأسها أمين عام ويشغل هذا المنصب مدير الثقافة والبعوث
الإسلامية بشرط أن تتحقق فيه شروط العضوية المنصوص عليها في المادة ١٧ من هذا
القانون ، ويصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية. بناء على عرض الوزير المختص
وبموافقة شيخ الأزهر ويكون الأمين العام للمجمع بمقتضى قرار التعيين عضوا في
المجمع ما دام شاغلا لهذه الوظيفة.
مادة ٢٤ ـ تتألف
الأمانة العامة للمجمع من الأمين العام ، وأمين مساعد أو أكثر ، وعدد من الموظفين
اللازمين لتصريف الشئون الفنية والإدارية للمجمع ومباشرة تنفيذ قراراته طبقا لما
تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مادة ٢٥ ـ تختص
إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية
من البعوث والدعاة واستقبال طلاب المنح وغيرهم من ذوي العلاقة ، في نطاق أغراض
الأزهر ، وعليها إلى ذلك تنفيذ مقررات المجمع ونشر بحوثه ودراساته وتجميع ما يلزمه
من البيانات لهذه الدراسات.
وتبين اللائحة
التنفيذية لهذا القانون تفصيل ذلك ووسائل تنفيذه.
مادة ٢٦ ـ يختار
مؤتمر المجمع بالأغلبية المطلقة بناء على ترشيح اثنين من الأعضاء ، أعضاء مراسلين
من مواطني الجمهورية العربية المتحدة أو من غيرهم ، ممن يرى الاستعانة بهم في
تحقيق أغراضه ويصدر باعتماد عضويتهم قرار من الوزير المختص.
مادة ٢٧ ـ يجوز
منح لقب عضو فخري لأعضاء المجمع السابقين ، أو لمن يؤدي للإسلام خدمات علمية ذات
أثر ، ويصدر بمنح هذا اللقب قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص
باقنراح من مؤتمر المجمع.
مادة ٢٨ ـ يؤلف
المجمع من أعضائه لجانا لتحقيق أغراضه المنصوص عليها في هذا القانون وفي اللائحة
التنفيذية.
مادة ٢٩ ـ يجوز
دعوة الأعضاء المراسلين والأعضاء الفخريين إلى جلسات المجمع بموافقة الوزير المختص
بناء على قرار مجلس المجمع.
مادة ٣٠ ـ تسقط
عضوية المجمع في إحدى الحالات الآتية :
(أ) إذا صدر ضد
العضو حكم ماس بالشرف والأمانة.
(ب) إذا وقع من
العضو ما لا يلائم صفة العضوية ، كالطعن في الإسلام ، أو إنكار ما علم منه
بالضرورة ، أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم ، ويكون سقوط العضوية في هذه
الحالة بقرار مسبب يصدره المجمع بأغلبية الثلثين من أعضائه ويعتمده الوزير المختص.
(ج) إذا عجز
العضو عن مباشرة أعماله لمرض أو لظروف أخرى ، ويكون سقوط العضوية في هذه الحالة
بقرار جمهوري بعد موافقة المجمع.
(د) إذا تقرر
قبول استقالته ، أو اعتبره المجمع مستقيلا بتخلفه عن حضور جلسات المجمع ، وفقا لما
تفصله اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مادة ٣١ ـ إذا
خلا مكان عضو من أعضاء المجمع لأي سبب من الأسباب السابقة أو غيرها ، انتخب المجمع
العضو الذي يخلفه من بين المرشحين للعضوية ويتم الترشيح بتزكية اثنين من الأعضاء ،
ولا تكون جلسة الانتخاب صحيحة إلا إذا حضرها الثلثان على الأقل من أعضاء المجمع ،
ويكون انتخاب المرشح صحيحا إذا حصل على أكثرية أصوات الحاضرين بشرط ألا يقل عددهم
عن نصف العدد الكلي لأعضاء المجمع ويكون التصويت سريا ، ويصدر باعتماد العضوية
قرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص.
مادة ٣٢ ـ يحدد
الجدول الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون مكافآت المتفرغين وغير المتفرغين
من أعضاء المجمع ، كما يحدد مكافآت أعضاء اللجان من غير أعضاء المجمع الذين قد
يستعان بهم لخبرتهم.
جامعة الأزهر
مادة ٣٣ ـ تختص
جامعة الأزهر بكل ما يتعلق بالتعليم العالي في الأزهر وبالبحوث التي تتصل بهذا
التعليم أو تترتب عليه وتقوم على حفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره.
وتؤدي رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته وأثره في تقدم البشر وكفالة
السعادة لهم في الدنيا وفي الآخرة كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمي
والفكري والروحي للأمة العربية. وتعمل على تزويد العالم الإسلامي والوطن العربي
بالعلماء العاملين الذين يجمعون إلى الإيمان بالله والثقة بالنفس وقوة الروح
والتفقه في العقيدة والشريعة ولغة القرآن ، كفاية علمية وعملية ومهنية لتأكيد
الصلة بين الدين والحياة ، والربط بين العقيدة والسلوك ، وتأهيل عالم الدين
للمشاركة في كل أنواع النشاط ، والإنتاج والريادة والقدوة الطيبة ، وعالم الدنيا
للمشاركة في الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، في داخل الجمهورية
العربية المتحدة
وخارجها من أبناء الجمهورية وغيرهم كما تعنى بتوثيق الروابط الثقافية
والعلمية مع الجامعات والهيئات العلمية الإسلامية والعربية والأجنبية.
مادة ٣٤ ـ تتكون
جامعة الأزهر من الكليات الآتية :
١ ـ كليات
للدراسات الإسلامية تحدد عددها اللائحة التنفيذية.
٢ ـ كلية
الدراسات العربية.
٣ ـ كلية
المعاملات والإدارة.
٤ ـ كلية
الهندسة والصناعات.
٥ ـ كلية
الزراعة.
٦ ـ كلية الطب.
ويجوز إنشاء
كليات أخرى أو معاهد عالية بقرار من رئيس الجمهورية.
وتتكون كل كلية
من عدد من الأقسام العملية يتولى كل قسم منها تدريس المواد التي تدخل في إختصاصه
ويقوم على بحوثها في الكلية أو في غيرها من كليات الجامعة ومعاهدها وتعين هذه
الأقسام بقرار من الوزير المختص.
ولا يجوز أن
تتكرر الأقسام المتماثلة في كليات الجامعة.
وتحدد اللائحة
التنفيذية لهذا القانون الأقسام التي تتبع كل كلية من هذه الكليات وأنواع الدراسات
بها والدرجات العلمية التي تمنحها الجامعة من هذه الكليات.
مادة ٣٥ ـ يجوز
أن تنشأ بقرار من الوزير المختص معاهد تابعة للكليات إذا كانت الدراسة فيها تتصل
بأكثر من قسم من الأقسام ، وتسرى على هذه المعاهد الأحكام الخاصة بأقسام الكلية.
مادة ٣٦ ـ يجوز
أن تلحق بكليات الجامعة أو بعضها مدارس تعليمية لمواد أو دراسات تتصل بأغراض
الأزهر ، مثل مدرسة تجويد القرآن الكريم وتعليم القراءات ، أو أقسام الإرشاد
العامة المنشأة لمراجعة حاجات الذين يريدون التزويد من المعارف الدينية والعربية
وغيرها من فئات الشعب. ولا تنطبق على هذه المدارس والأقسام شروط الدراسة الجامعية
، وتحدد اللائحة التنفيذية نظام العمل بها.
مادة ٣٧ ـ اللغة
العربية هي لغة التعليم في جامعة الأزهر ، ما لم يقرر مجلس الجامعة في أحوال خاصة
استعمال لغة أخرى.
مادة ٣٨ ـ تتساوى
فرص القبول للتعليم بالمجان في كليات الجامعة ومعاهدها المختلفة للطلاب المسلمين
من كل جنس وكل بلد ، في حدود الإمكانيات والميزانية والأعداد المقرر قبولها ، وفقا
لما تقضي به اللائحة التنفيذية.
وتنظم الدراسات
الخاصة لطلاب البعوث من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة ، ليتأهلوا لمتابعة
الدراسة في الكليات والمعاهد مع نظرائهم من الطلاب العرب.
مادة ٣٩ ـ يتولى
إدارة جامعة الأزهر : ـ
١ ـ مدير جامعة
الأزهر.
٢ ـ مجلس
الجامعة.
مادة ٤٠ ـ يتولى
إدارة كل كلية : ـ
١ ـ عميد
الكلية.
٢ ـ مجلس
الكلية.
مادة ٤١ ـ يكون
تعيين مدير الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية ، بناء على ترشيح الوزير المختص
واقتراح شيخ الأزهر ويشترط فيه أن يكون
قد شغل أحد كراسي الأستاذية بجامعة الأزهر أو إحدى الجامعات في الجمهورية
العربية المتحدة.
مادة ٤٢ ـ يتولى
مدير الجامعة إدارة شئون الجامعة العلمية والإدارية والمالية. وهو الذي يمثلها
أمام الهيئات الأخرى ، وهو مسئول عن تنفيذ القوانين واللوائح في الجامعة وقرارات
مجلس الجامعة في حدود هذه القوانين واللوائح وله في حالة الإخلال بالنظام أن يقف
الدراسة كلها أو بعضها. على أن يعرض قرار الوقف على مجلس الجامعة خلال ثلاثة أيام.
مادة ٤٣ ـ يقدم
مدير الجامعة إلى شيخ الأزهر في نهاية كل سنة جامعية تقريرا عن شئون التعليم
والبحوث العلمية وسائر نواحي النشاط الأخرى بالجامعة.
مادة ٤٤ ـ يكون
لجامعة الأزهر وكيل يعاون المدير في إدارة شئونها العلمية والإدارية والمالية ،
ويقوم مقامه عند غيابه. ويكون تعيين وكيل الجامعة بقرار من رئيس الجمهورية بناء
على عرض الوزير المختص واقتراح مدير الجامعة وموافقة شيخ الأزهر. ويشترط فيه أن
يكون قد شغل أحد كراسي الأستاذية بجامعة الأزهر أو بإحدى الجامعات في الجمهورية
العربية المتحدة.
مادة ٤٥ ـ يكون
للجامعة أمين يعين بقرار من رئيس الجمهورية بناء على عرض الوزير المختص بعد
استطلاع رأي مدير الجامعة.
مادة ٤٦ ـ يدير
الأمين العام للجامعة الأعمال المالية والإدارية بالجامعة تحت إشراف مدير الجامعة
ووكيلها ، ويكون مسئولا عن تنفيذ القوانين واللوائح في حدود اختصاصه.
مادة ٤٧ ـ يتكون
مجلس جامعة الأزهر على الوجه الآتي :
مدير الجامعة :
وله رياسة المجلس.
وكيل الجامعة.
عمداء الكليات.
ممثل لوزارة
التربية والتعليم يختاره الوزير من بين كبار موظفيها.
ثلاثة أعضاء
على الأكثر من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية يرشحهم المجمع ويصدر بتعينهم قرار
من الوزير المختص ، وذلك لمدة سنتين.
ثلاثة أعضاء
على الأكثر من ذوى الخبرة في شئون التعليم الجامعي والشؤون العامة المتعلقة به ،
يعينون بقرار من الوزير المختص وذلك لمدة سنتين.
مادة ٤٨ ـ يختص
مجلس جامعة الأزهر بالنظر في الأمور الآتية :
١ ـ وضع خطط
الدراسة.
٢ ـ وضع النظام
العام للدروس والمحاضرات والبحوث والأشغال العلمية وتوزيع الدروس والمحاضرات
بالكليات.
٣ ـ تعيين مدة
الدراسة ومدة الامتحان ومدة العطلة.
٤ ـ شروط قبول
الطلاب في الجامعة ونظام تأديبهم.
٥ ـ المكافات
والإعانات المالية على اختلاف أنواعها.
٦ ـ إدارة حركة
الامتحانات وتشمل مدة اشتغال الممتحنين ولجان الامتحان ومقدار مكافآتهم وكيفية
تعيينهم وواجباتهم.
٧ ـ منح
الدرجات العلمية والشهادات.
٨ ـ تنظيم
الشئون الاجتماعية للطلاب.
٩ ـ وضع
اللوائح الخاصة بالمتاحف والمكتبات ومساكن الطلاب وغيرها من المنشآت الجامعية.
١٠ ـ تتبع
النشاط العلمي للكليات والمعاهد والتنسيق بين الدراسات والبحوث القائمة بها.
١١ ـ تنظيم
البحث العلمي وتوفير الإمكانيات اللازمة له.
١٢ ـ إنشاء
كراسي الأستاذية.
١٣ ـ تعيين
أعضاء هيئات التدريس بالجامعة ونقلهم وإيفادهم للمهمات العلمية.
١٤ ـ ندب أعضاء
هيئة التدريس وإعارتهم.
١٥ ـ إعداد
مشروعات الميزانية والحساب الختامي.
١٦ ـ إقامة
أبنية الجامعة وترميمها.
١٧ ـ منح
العالمية الفخرية للجامعة أو إحدى كلياتها بناء على اقتراح مجلسها وبموافقة المجلس
الأعلى للأزهر ، ويصدر بذلك قرار من رئيس الجمهورية.
١٨ ـ إبداء
الرأي فيما يتعلق بجميع مسائل التعليم في درجاته المختلفة.
١٩ ـ الترخيص
لمدير الجامعة في إجراء التصرفات القانونية.
٢٠ ـ وقف
الدراسة بالكليات ومعاهد الجامعة.
٢١ ـ الموضوعات
التي يحيلها عليه الوزير المختص أو شيخ الأزهر.
٢٢ ـ الموضوعات
الأخرى التي تتصل باختصاص الجامعة وفقا لهذا القانون.
يؤلف مجلس الجامعة بين أعضائه ومن غيره من أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين
لجانا فنية دائمة أو مؤقتة لبحث الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.
مادة ٤٩ ـ لمجلس
الجامعة أن يلغي القرارات الصادرة من مجالس الكليات أو المعاهد التابعة للجامعة
إذا كانت مخالفة للقوانين واللوائح أو القرارات التنظيمية التي تعمل بها الجامعة.
مادة ٥٠ ـ لا
تنفذ قرارات مجلس الجامعة فيما يحتاج تنفيذه في هذا القانون أو في اللائحة
التنفيذية الى تصديق من شيخ الأزهر أو من الوزير المختص إلا بعد صدور قرار
التصديق. فإذا لم يصدر قرار في شأنها خلال الستين يوما التالية لتاريخ وصولها
مستوفاة إلى مكتبه تكون نافذة.
مادة ٥١ ـ يعين
الوزير المختص عميد الكلية من بين أساتذة الكلية بناء على ترشيح مدير الجامعة
وموافقة شيخ الأزهر ، ويكون العميد مسئولا عن تنفيذ القوانين واللوائح الجامعية ،
وكذلك عن تنفيذ قرارات مجلس الكلية ومجلس الجامعة ، في حدود هذه القوانين واللوائح
، ويقدم العميد إلى مدير الجامعة في كل سنة جامعية تقريرا عن شئون التعليم والبحوث
العلمية وسائر نواحي النشاط بالكلية.
مادة ٥٢ ـ يكون
لكل كلية وكيل يعاون العميد في أعماله ويقوم مقامه عند غيابه ، ويكون تعيينه من
بين أساتذة الكلية بترشيح من العميد وقرار من مجلس الجامعة.
مادة ٥٣ ـ يكون
تعيين كل من العميد والوكيل لمدة سنتين.
مادة ٥٤ ـ يؤلف
مجلس الكلية من :
عميد الكلية.
رؤساء الأقسام
بالكلية.
أحد الأساتذة
من كل قسم.
وللوزير المختص
بناء على اقتراح الجامعة ان يضم إلى مجلس الكلية عضوا أو عضوين من الخارج ممن لهم
دراية خاصة في المواد التي تدرس في الكلية ، ويكون التعيين لمدة سنتين.
وتكون رياسة
المجلس لعميد الكلية وعند غيابه للوكيل.
ويشترك رؤساء
الأقسام التي تقوم بأعباء التدريس بكلية غير الكلية التابعة لها في مجلس هذه
الكلية عند النظر في المسائل الداخلة في اختصاص أقسامها.
مادة ٥٥ ـ يختص
مجلس الكلية بالنظر في الأمور الآتية :
١ ـ وضع
القواعد المتعلقة بمواظبة الطلاب ونظام الدروس والمحاضرات والأعمال الجامعية
الأخرى.
٢ ـ وضع مناهج
الدراسة وبرامجها والتنسيق بينها في الأقسام المختلفة وتوزيع الدروس والمحاضرات
على أعضاء هيئة التدريس.
٣ ـ تنظيم
البحوث العلمية وتنسيقها بين أقسام الكلية.
٤ ـ وضع نظام
الامتحان وتوزيع أعماله على هيئة الممتحنين.
٥ ـ تقديم
اقتراحاته إلى مجلس الجامعة بخطط الدراسة ومواعيد الامتحان وشروط منح الدرجات
العلمية الدبلومات والشهادات.
٦ ـ رعاية
الشئون الاجتماعية والرياضية للطلاب.
٧ ـ تقديم ما
يراه من الاقتراحات إلى مجلس الجامعة في شأن التعليم والنظام في الكلية.
٨ ـ الأمور
الأخرى التي يختص بها وفقا للقانون.
ويؤلف المجلس
من بين أعضائه وغيرهم من أعضاء هيئة التدريس والمتخصصين لجانا فنية دائمة أو مؤقتة
لدراسة الموضوعات التي تدخل في اختصاصه.
مادة ٥٦ ـ أعضاء
هيئة التدريس في الجامعة هم :
(١) الأساتذة.
(ب) الأساتذة
المساعدون.
(ج) المدرسون.
وتحدد اللائحة
التنفيذية لهذا القانون شروط تعيينهم ونقلهم وندبهم وإعارتهم وإجازاتهم العلمية
والإجازات الاعتيادية والمرضية وغير ذلك من شئون الوظيفة ، كما تحدد اللائحة
واجباتهم والنظم التأديبية الخاصة بهم وجدول مرتباتهم.
مادة ٥٧ ـ يجوز
أن يعين في هيئة التدريس مسلمون من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة ممن
تؤهلهم كفايتهم لذلك لمدة معينة ويكون التعيين بقرار من الوزير المختص بناء على
طلب الجامعة.
مادة ٥٨ ـ يجوز
الاستعانة بأساتذة مسلمين من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة بصفة زائرين
لمدة معينة ويكون ذلك بقرار من مدير الجامعة بناء على طلب الكلية المختصة.
مادة ٥٩ ـ يجوز
أن يعين مدرسو لغات وموظفون فنيون مسلمون من غير مواطني الجمهورية العربية المتحدة
لمدة معينة ويكون تعيينهم بقرار من مدير الجامعة بناء على طلب الكلية المختصة.
مادة ٦٠ ـ يجوز
أن يعين في الكلية معيدون يقومون بالدراسات والبحوث العلمية وبما يعهد إليهم القسم
المختص من التمرينات والدروس العملية وسواها من الأعمال تحت إشراف أعضاء هيئة
التدريس وبالأعمال الأخرى التي يكلفهم بها العميد وتحدد اللائحة التنفيذية شروط
تعيينهم.
مادة ٦١ ـ مرتبات
مدير الجامعة ووكيلها وأعضاء هيئة التدريس
والمعيدين وقواعد تطبيقها ومكافآت الأساتذة غير المتفرغين يحددها الجدول
الملحق باللائحة التنفيذية لهذا القانون.
مادة ٦٢ ـ مع
مراعاة أحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية : ـ
(أ) يطبق مجلس
الجامعة دون الرجوع إلى وزارة الخزانة أو ديوان الموظفين اللوائح الخاصة بأعضاء
هيئة التدريس ، وتكون قراراته في ذلك نهائية ونافذة.
(ب) يطبق مدير
الجامعة دون الرجوع الى وزارة الخزانة أو ديوان الموظفين القواعد المالية العامة
المعمول بها في حق جميع الموظفين والمستخدمين في الدولة على المعيدين وعلى سائر
الموظفين بالجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس ، إلا أنه في الحالات التي توجب
القوانين إصدار قرار من رئيس الجمهورية يتعين إرسال القرارات إلى الوزير المختص
لاتخاذ اللازم في شأنها.
مادة ٦٣ ـ للجامعة
في حالة الضرورة التجاوز عن شرط الحصول على شهادة الدراسة الثانوية العامة أو ما
يعادلها عند التعيين في وظائف مدرسي اللغات إذا كانت لدى المرشح إجازات علمية أخرى
تعتبر كافية بالنسبة إلى الوظيفة التي سيعين فيها.
مادة ٦٤ ـ لمدير
الجامعة إعفاء الموظفين من شروط اللياقة الطبية كلها أو بعضها بعد أخذ رأي اللجنة
الطبية العامة «القومسيون الطبي العام».
مادة ٦٥ ـ تكون
الإجازات الاعتيادية السنوية لموظفي الجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس في أثناء
العطلة الصيفية فيما عدا المعاهد التي تكون طبيعة العمل فيها مختلفة فتحدد
الإجازات في هذه الحالة بقرار من
مدير الجامعة بعد أخذ رأي عميد الكلية المختص.
ويجوز منح
الموظف إجازة اعتيادية بمرتب كامل لتأدية فريضة الحج وذلك مرة واحدة خلال مدة
خدمته.
مادة ٦٦ ـ فيما
عدا أعضاء هيئة التدريس في كليات الجامعة ، ومع مراعاة أحكام هذا القانون يطبق على
الموظفين في الأزهر بجميع هيئاته القانون رقم ٢١٠ لسنة ١٩٥١ بشأن نظام موظفي
الدولة في الإقليم المصري والقوانين المعدة له.
وذلك فيما يختص
بتعيينهم وتأديبهم وإنهاء خدمتهم وإجازاتهم وترقياتهم وغير ذلك من شئونهم الوظيفية
، ويكون للأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر وللأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية
وللأمين العام للجامعة ، ولمدير الثقافة والبعوث الإسلامية ولمدير المعاهد
الأزهرية سلطة مدير المصلحة بالنسبة للموظفين التابعين لكل منهم ولوكيل الجامعة
سلطة وكيل الوزارة بالنسبة للموظفين التابعين له ولمدير الجامعة سلطة الوزير فيما
يختص بموظفي الجامعة طبقا لما تحدده اللائحة التنفيذية.
مادة ٦٧ ـ إذا
نسب إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة ما يوجب التحقيق معه طلب مدير الجامعة
إلى أحد أعضاء هيئة التدريس بإحدى الكليات او طلب إلى النيابة الإدارية مباشرة
التحقيق ويقدم عن التحقيق تقرير إلى مدير الجامعة ، وإلى الوزير المختص إذا طلبه ـ
ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إن رأى محلا لذلك.
مادة ٦٨ ـ لمدير
الجامعة أن يوقف أي عضو من أعضاء هيئة
التدريس عن عمله احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك. ولا يجوز أن
تزيد مدة الوقف على ثلاثة أشهر إلا بقرار من المحكمة التأديبية ويترتب على وقف عضو
هيئة التدريس عن عمله وقف صرف مرتبه ابتداء من اليوم الذي أوقف فيه ، ما لم يقرر
مجلس التأديب صرف المرتب كله أو بعضه بصفة مؤقتة إلى أن يقرر عند الفصل في الدعوة
التأديبية ما يتبع في شأن المرتب عن مدة الوقف سواء بحرمان عضو هيئة التدريس منه
أو بصرفه إليه كله أو بعضه.
مادة ٦٩ ـ يعلن
مدير الجامعة عضو هيئة التدريس المحال إلى مجلس التأديب ببيان التهم الموجهة إليه
وبصورة من تقرير التحقيق وذلك بكتاب موصي عليه مصحوب بعلم وصول قبل الجلسة المعنية
للمحاكمة بعشرين يوما على الأقل.
مادة ٧٠ ـ لعضو
هيئة التدريس المحال إلى مجلس التأديب الإطلاع على التحقيقات التي أجريت وذلك في
الأيام التي يعينها له مدير الجامعة.
مادة ٧١ ـ تكون
محاكمة أعضاء هيئة التدريس بجميع درجاتهم أمام مجلس تأديب يشكل من : ـ
وكيل الجامعة
رئيسا.
مستشار من مجلس
الدولة.
أستاذ من إحدى
كليات الجامعة يعينه مجلس الجامعة سنويا.
ويحل أقدم
العمداء محل وكيل الجامعة عند غيابه.
وتسرى بالنسبة
للمحاكمة أحكام القانون رقم ١١٧ لسنة ١٩٥٨ على أن تراعي بالنسبة للتحقيق والإحالة
إلى مجلس التأديب أحكام المادة ٧٦ من ذلك القانون.
مادة ٧٢ ـ العقوبات
التأديبية التي يجوز توقيعها على أعضاء هيئة التدريس هي :
١ ـ الإنذار
٢ ـ توجيه
اللوم
٣ ـ توجيه
اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة.
٤ ـ العزل من
الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة.
٥ ـ العزل مع
الحرمان من كل أو بعض المعاش أو المكافأة وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها في
هذا الشأن.
وكل فعل يزرى
بشرف عضو هيئة التدريس أو لا يلائم صفته كعالم مسلم أو يتعارض مع حقائق الإسلام.
أو يمس دينه ونزاهته يكون جزاؤه العزل.
مادة ٧٣ ـ تقضى
الدعوى التأديبية باستقالة عضو هيئة التدريس وقبول مجلس الجامعة لها وموافقة
الوزير المختص وذلك فيما عدا الحالات التي نصت عليها القوانين واللوائح الخاصة
بالمخالفات المالية ولا تأثير للدعوى التأديبية في الدعوى الجنائية والدعوى
المدنية الناشئتين عن الواقعة ذاتها.
مادة ٧٤ ـ لمدير
الجامعة أن يوجه تنبيها إلى أعضاء هيئة التدريس الذين يخلون بواجباتهم أو يتصرفون
تصرفا لا يلائم صفتهم كعلماء مسلمين ، ويكون التنبيه شفهيا أو كتابيا وله توقيع
عقوبتى الإنذار وتوجيه اللوم المنصوص عليهما في المادة ٧٢ ، أو يطلب نقلهم إلى
وظائف أخرى خارج نطاق الأزهر وذلك كله بعد سماع أقوال عضو هيئة التدريس وتحقيق
دفاعه. ويكون قراره في ذلك مسببا ونهائيا وعلى عميد كل كلية أن يبلغ مدير الجامعة
كل ما يقع من أعضاء هيئة التدريس في كليته من إخلال بواجباتهم أو بمقتضيات
وظيفتهم.
مادة ٧٥ ـ تمنح
جامعة الأزهر الدرجات العلمية الآتية وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية :
أولا : درجة
الإجازة العالية للكليات ، وتعادل الليسانس أو البكالوريوس في الجامعات الأخرى
بالجمهورية العربية المتحدة.
ثانيا : درجة
التخصص في دراسة من الدراسات المقررة في إحدى الكليات وتعادل درجة الماجستير.
ثالثا : درجة
العالمية في أي الدراسات الإسلامية أو العربية من إحدى كليات الدراسات الإسلامية
والدراسات العربية للحاصلين على الإجازة العالية منهما أو من غيرها من الكليات :
وتعادل درجة الدكتوراه.
رابعا : درجة
العالمية أو الدكتوراه في أي الدراسات العليا من أي الكليات الأخرى.
مادة ٧٦ ـ تبين
اللائحة التنفيذية تفصيل الدرجات العلمية والإجازات التي تمنحها جامعة الأزهر
والشروط اللازمة للحصول على كل منها ، ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية التعديل في
الدرجات العلمية بالإضافة أو بالحذف ويكون ذلك بناء على عرض الوزير المختص وبعد
أخذ رأي مجلس الجامعة وموافقة المجلس الأعلى للأزهر فيما يخصه.
مادة ٧٧ ـ تبين
اللائحة التنفيذية مناهج الدراسة والمقررات التي تدرس لنيل الدرجات العلمية
والإجازات والشهادات التي تمنحها جامعة الأزهر كما تبين كيفية توزيعها على سنى
الدراسة وفصولها الدراسية.
ولمجلس الجامعة
بناء على طلب الكلية أو المعهد وموافقة المجلس الأعلى للأزهر فيما يخصه أن يعدل في
هذه المناهج والمقررات بالإضافة أو بالحذف إذا اقتضت مصلحة التعليم ذلك.
مادة ٧٨ ـ تنظم
اللائحة التنفيذية الامتحانات ، ولا تمنح الدرجات
العلمية أو الإجازات العالية أو الشهادات إلا من نجح في جميع الامتحانات
المقررة لكل منها.
مادة ٧٩ ـ يشترط
لنجاح الطالب في الإمتحانات أن ترضى لجنة الإمتحانات عن فهمه وتحصيله في كل مقررات
الدراسة ، وذلك وفقا لأحكام اللائحة التنفيذية.
مادة ٨٠ ـ لمجلس
الجامعة بناء على طلب مجلس الكلية أو المعهد أن يعفى طالب الإجازة العالية من
المقررات الدراسية كلها أو بعضها عدا مقررات السنة النهائية ، إذا ثبت أنه حضر
مقررات دراسية تعادلها في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.
وللمجلس أن
يعفيه كذلك من امتحانات النقل كلها أو بعضها إذا ثبت أنه أدى بنجاح امتحانات
تعادلها في كلية أو معهد عال معترف بهما من الجامعة.
وللمجلس أن
يعفى طالب الدراسات العليا من بعض المقررات الدراسية ومن امتحاناتها إذا ثبت أنه
حضر مقررات مماثلة في كلية جامعية أو معهد عال معترف بهما أو أدى بنجاح الإمتحانات
المقررة.
مادة ٨١ ـ يشترط
في قيد الطالب للتحضير لدرجة التخصص أو لدرجة العالمية أن يحصل على إذن من مجلس
الكلية في متابعة الدراسات والبحوث الخاصة بالدرجة.
مادة ٨٢ ـ يشترط
في رسالة العالمية : «الدكتوراه» أن تكون عملا ذا قيمة علمية يشهد للطالب بكفايته
الشخصية في بحوثه ودراساته ويأتي للعلم بفائدة محققة.
ويشترك مجمع
البحوث الإسلامية في الموضوعات التي تتصل بإختصاصه.
مادة ٨٣ ـ تلحق
بالأزهر المعاهد الأزهرية المذكورة في اللائحة التنفيذية ، ويجوز أن تنشأ معاهد
أخرى بقرار من الوزير المختص بعد موافقة المجلس الأعلى للأزهر.
وتسمى الأقسام
الإبتدائية منها المعاهد الاعدادية للأزهر وتسمى الأقسام الثانوية المعاهد
الإعدادية للأزهر.
مادة ٨٤ ـ تقوم
مدارس تحفيظ القرآن مقام مدارس الأولى بالنسبة للطلاب المتقدمين إلى المعاهد
الإعدادية للأزهر.
وتحدد اللائحة
التنفيذية نظام القبول وشروطه بالنسبة للمتقدمين من تلاميذ هذه المدارس ومن غيرها.
مادة ٨٥ ـ الغرض
من المعاهد الأزهرية الملحقة بالأزهر تزويد تلاميذها بالقدر الكافي من الثقافة
الإسلامية ، وإلى جانبها المعارف والخبرات التي يتزود بها نظراؤهم في المدارس
الأخرى المماثلة ليخرجوا إلى الحياة مزودين بوسائلها وإعدادهم الإعداد الكامل
للدخول في كليات جامعة الأزهر ولتتهيأ لهم جميعا فرص متكافئة في مجال العمل
والإنتاج ، كما تتهيأ لهم الفرص المتكافأة للدخول في كليات الجامعات الأخرى في
الجمهورية العربية المتحدة وسائر الكليات ومعاهد التعليم العالي.
مادة ٨٦ ـ مدة
الدراسة في المعاهد الإعدادية للأزهر أربع سنوات ، يعد فيها التلميذ إلى جانب ما
يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الإعدادية العامة أو الفنية.
مادة ٨٧ ـ مدة
الدارسة في المعاهد الثانوية في الأزهر خمس سنوات يعد فيها التلميذ إلى جانب ما
يحصل من علوم الدين واللغة للحصول على الشهادة الثانوية العامة بأحد قسميها العلمي
والأدبي ، أو
للحصول على الشهادة الثانوية الفنية بأحد أنواعها الصناعى والتجارى
والزراعى وغيرها.
ويجوز أن تعدل
مدة الدراسة في الأقسام الثانوية الفنية بالزيادة أو بالنقص بقرار من رئيس
الجمهورية.
مادة ٨٨ ـ للحاصلين
على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر حق الدخول في المعاهد الثانوية
للأزهر ولهم إلى جانب ذلك فرص متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى المدارس الأخرى التي
تجعل الشهادة الإعدادية شرطا للقبول.
وتحدد وزارة
التربية والتعليم مدى التجاوز عن شرط السن بالنسبة لهؤلاء التلاميذ على أن يوضح
ذلك في اللائحة التنفيذية كما يجوز للحاصلين على الشهادة الإعدادية من المدارس الإعدادية
العامة أن يطلبوا الالتحاق بالمعاهد الثانوية بالأزهر بعد النجاح في امتحان يحقق
التعادل بينهم وبين الحاصلين على الشهادة الإعدادية من المعاهد الإعدادية للأزهر.
مادة ٨٩ ـ للحاصلين
على الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر حق الدخول في إحدى كليات جامعة
الأزهر ومعاهدها وفق قواعد القبول التي يقررها مجلس الجامعة ، ولهم إلى ذلك فرص
متكافئة مع نظرائهم للتقدم إلى الكليات المختلفة في الجامعات الأخرى ، وإلى سائر
الكليات ومعاهد التعليم العالي وفقا للقواعد المقررة لذلك. كما يجوز للحاصلين على
الشهادة العامة من المدارس الثانوية العامة أن يطلبوا الالتحاق بإحدى كليات جامعة
الأزهر ومعاهدها بعد النجاح في امتحان يحقق التعادل بينهم وبين الحاصلين على
الشهادة الثانوية من المعاهد الثانوية للأزهر.
مادة ٩٠ ـ مع
مراعاة أحكام المواد ٨٥ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ٨٨ ، ٨٩ من
هذا القانون تحدد اللائحة التنفيذية المواد التي تدرس في كل من المعاهد
الإعدادية والثانوية للأزهر بناء على اقتراح لجنة من الأزهر ووزارة التربية
والتعليم. كما تحدد اللائحة التنفيذية شروط القبول والنظام العام للدراسة
والإمتحانات في هذه المعاهد.
مادة ٩١ ـ يكون
للمعاهد للأزهرية إدارة عامة مهمتها الإشراف والإدارة وعلى وزارة التربية والتعليم
تقديم المعونة اللازمة في هذا الشأن مع الاستعانة بالأجهزة المختصة بوزارة التربية
والتعليم. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون مهمة هذه الإدارة ونظام العمل بها
واختصاصات مديرها وموظفيها ووسائل التعاون بينها وبين وزارة التربية والتعليم.
مادة ٩٢ ـ تشكل
لجنة من الأزهر ووزارة التربية والتعليم لوضع المناهج وتخطيط المواد الدراسية في
المعاهد الأزهرية وفقا لأحكام هذا القانون وتحدد اللائحة التنفيذية نظام العمل في
هذه اللجنة.
مادة ٩٣ ـ تجري
الإدارة العامة للمعاهد الأزهرية بالإشتراك مع وزارة التربية والتعليم امتحانات
الشهادات الإعدادية والثانوية بأنواعها المختلفة في المعاهد الأزهرية.
مادة ٩٤ ـ إلى
أن يتم تنفيذ هذا القانون ويتعادل خريجو الأقسام الإبتدائية والثانوية بالمعاهد
الأزهرية مع نظرائهم من خريجي المدارس الإعدادية والثانوية تنظم دراسات إضافية
للتلاميذ المقيدين في هذه الأقسام حين صدور هذا القانون لتأهيلهم لدخول امتحانات
معادلة للشهادة الإعدادية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الإبتدائية للمعاهد الأزهرية
وللشهادة الثانوية العامة أو الفنية بالنسبة لتلاميذ الأقسام الثانوية لهذه
المعاهد.
وعلى وزارة
التربية والتعليم أن تعاون في تنظيم هذه الدراسات وأن تعد العدة لعمل امتحانات
المعادلة المشار إليها في ختام العام الدراسي ١٩٦١ / ١٩٦٢.
ومع ذلك فإن من حق كل حاصل على إحدى الشهادتين الإبتدائية أو الثانوية من
هذه الأقسام دخول إمتحانات المعادلة المشار إليها وفقا للنظام الذي تحدده اللائحة
التنفيذية وينتهي العمل بهذا النظام بانتهاء العام الدراسي ١٩٦٥ / ١٩٦٦.
مادة ٩٥ ـ يستمر
قبول التلاميذ الحاصلين على الشهادة الإبتدائية من الأقسام الإبتدائية في المعاهد
الأزهرية هذا العام في الأقسام الثانوية بهذه المعاهد وفقا للنظام الذي تحدده
اللائحة التنفيذية وتعدل مناهج الدراسة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ ، وللتلاميذ
المعيدين بالسنة الأولى بالأقسام الثانوية على الوجه الذي يحقق التعادل في آخر
المرحلة.
مادة ٩٦ ـ ابتداء
من العام الدراسي ١٩٦٢ / ١٩٦٣ وإلى ابتداء العام الدراسي ١٩٦٦ / ١٩٦٧ يكون
للتلاميذ الحاصلين على معادلة الشهادة الإعدادية أو معادلة الشهادة الثانوية
المشار إليهما في المادتين السابقتين كل الحقوق المقررة للحاصلين على الشهادة
الإعدادية أو الشهادة الثانوية سواء في القبول بالمدارس والكليات الجامعية ومعاهد
التعليم العالي ، أو في غير ذلك من الحقوق المقررة باللوائح والقوانين والقرارات ،
مع التجاوز عن شرط السن إلى سنتين بالنسبة للحاصلين على معادلة الإعدادية وإلى
ثلاث سنوات بالنسبة للحاصلين على معادلة الثانوية أو طبقا لما تحدد اللائحة
التنفيذية.
مادة ٩٧ ـ الطلاب
المقيدون في كليات الأزهر الحالية ، والذين ينتظر قيدهم في أول الموسم الدراسي
١٩٦١ / ١٩٦٢ ، تحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون النظام الذي يتبع الملائمة بين
وضعهم وبين مقتضيات تطبيق هذا القانون.
ومع ذلك فإنه
يجوز أن تزاد سنة الدراسة بالنسبة للطلاب المقيدين حاليا في كليات الأزهر سنة أو
سنتين بصفة مؤقتة لتحقيق هذه الملاءمة.
كما يجوز
للحاصلين على الشهادة العالية من كليات الأزهر الحالية أن
ينتظموا في دراسات عليا في جامعة الأزهر الجديدة للحصول على درجة التخصص أو
العالمية ، والذين يحصلون منهم على إحدى هاتين الدرجتين او كلتيهما مثل الحقوق
المخولة للحاصلين عليهما أو على الماجستير أو الدكتوراه من جامعات الجمهورية
العربية المتحدة.
مادة ٩٨ ـ يحتفظ
للعلماء الموظفين الآن وللمدرسين في أقسام الأزهر المختلفة وفي المعاهد الأزهرية
وأعضاء هيئات التدريس في كليات الأزهر الحالية وأعضاء جماعة كبار العلماء ، كما
يحتفظ بأصحاب الحقوق من أولاد العلماء وللطلاب في الكليات والمعاهد الأزهرية
والأقسام العامة بكل الحقوق المالية المقررة لهم قبل صدور هذا القانون سواء في
المرتبات أو في المعاشات أو في الأوقاف أو في مدة الخدمة بالنسبة للموظفين ، أو
غير ذلك. على أن تتضمن اللائحة التنفيذية لهذا القانون تحديد كل ما يتعلق بهذه
الحقوق بالنسبة للذين يعينون في الوظائف أو يلتحقون بأقسام الدراسة المختلفة
مستقبلا.
مادة ٩٩ ـ تحدد
اللائحة التنفيذية لهذا القانون المسائل الآتية وغيرها مما وردت الإشارة إليه في
هذا القانون :
١ ـ اختصاصات
شيخ الأزهر ، ووكيل الأزهر ، ومدير جامعة الأزهر ، ووكيل جامعة الأزهر ، وعمداء
الكليات ، والأمين العام للمجلس الأعلى للأزهر ، والأمين العام للجامعة ، ومدير
الثقافة والبعوث الإسلامية ، ومدير المعاهد الأزهرية ، والمجالس المختلفة ، وذلك
في الحدود المبينة في هذا القانون.
٢ ـ جدول
المرتبات والمكافآت لشيخ الأزهر ووكيل الأزهر وأعضاء المجلس الأعلى للأزهر وأعضاء
مجمع البحوث الإسلامية.
٣ ـ كيفية
إدارة أموال جامعة الأزهر.
٤ ـ شروط قبول
الطلاب في الجامعة.
٥ ـ نظام تأديب
الطلاب.
٦ ـ كل ما
يتعلق بالمنح والمكافآت والإعانة الخاصة بالطلاب.
٧ ـ مناهج
الدراسة.
٨ ـ مدة
الدراسة ومدة الإمتحان ومدة العطلة.
٩ ـ الدرجات
العلمية والشهادات التي تمنحها الجامعة وشروط كل منها.
١٠ ـ القواعد
العامة للإمتحان.
١١ ـ مدة
اشتغال الممتحنين ولجان الإمتحان ومقدار مكافآتهم وكيفية تعيينهم وواجباتهم.
١٢ ـ الانتداب
للتدريس.
١٣ ـ تحديد
المكافآت المالية والمنح لأعضاء هيئة التدريس والمعيدين.
١٤ ـ نظام
تعيين أعضاء هيئة التدريس والمعيدين وجدول المرتبات والمكافآت في الجامعة.
١٥ ـ قواعد
الشئون الاجتماعية والرياضية للطلاب.
١٦ ـ القواعد
العامة للتنظيم الدراسي والإداري في المعاهد الأزهرية الملحقة وذلك في الحدود
المبينة في هذا القانون.
مادة ١٠٠ ـ تصدر
اللائحة التنفيذية لهذا القانون في مدى أربعة أشهر من تاريخ صدوره ، ويعمل بها من
تاريخ صدورها. وللوزير المختص إصدار ما يراه من قرارات تنظيمية أو تكميلية مؤقتة
تتعلق بشئون الأزهر وهيئاته بما لا يتعارض مع نصوص هذا القانون وذلك خلال الفترة
التي تعد فيها اللائحة التنفيذية لحين صدورها.
التعليم في الأزهر
يسير الأزهر
على التوسع في التعليمين الثانوي والعالي وإتاحة الفرص لكل قادر على متابعة الدراسة من إكمال
معارفه والتزود بحظ من الثقافة العالية يستطيع به أن يكون مواطنا نافعا يخدم دينه
ويعلي من شأن وطنه. ويعتقد الأزهر أن الكفاية ليس لها حدود ولا موطن معين ، ولذلك
فسياسته التعليمية منذ قديم تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بأوسع معانيه. فهو لا يضع
حدودا أو عوائق مالية تحول بين الطالب مهما تكن قدرته المالية وبين متابعة الدراسة
حتى نهايتها ، إذ الدراسة فيه مجانية تتكفل الدولة بكل تكاليفها المالية. وفضلا عن
ذلك فإن الأزهر على خلاف الجامعات كلها ينفرد بتقرير مكافآت مالية للطلاب تعينهم
نوعا ما على طلب العلم وتحمل نفقات المعيشة. وهو يتبع سياسة منظمة في التوسع في
التعليمين الثانوي والعالي بحيث يكفل في كل وقت ألا يرد طالبا راغبا في العلم عن
المعاهد الثانوية أو الكليات. وتبدأ سياسة الأزهر منذ المرحلة الأولى ، فهو يضع
شروطا للقبول بالسنة الأولى الإبتدائية من شأنها أن ترد غير القادرين على الدراسة
، أو الذين لا تتوافر فيهم الأهلية لمتابعة الدراسة الدينية ، فهو يشترط في المادة
٩٩ من قانونه الأساسي ما يأتي : يشترط لقبول الطالب في السنة الأولى من القسم
الإبتدائي :
أولا ـ ألا تقل
سنة عن اثنتي عشرة سنة ، ولا يزيد على ست عشرة.
ثانيا ـ أن
يكون حافظا للقرآن الكريم كله ويؤدي امتحانا يثبت ذلك.
ثالثا ـ أن
يؤدي بنجاح امتحانا في المطالعة والإملاء والخط والحساب.
__________________
رابعا ـ أن
ينجح في الكشف الطبي طبقا للشروط التي توضع لذلك.
وقد دل تحري
الدقة في تطبيق هذه الشروط على المتقدمين إلى المعاهد الابتدائية أن نسبة كبيرة قد
تصل إلى ٥٠% من عدد المتقدمين لم يستطيعوا أن يحرزوا النصاب المقرر للنجاح في
امتحان القبول ، وبذلك أمكن منذ اللحظة الأولى أن يوجهوا إلى دراسة تتفق مع ميولهم
، وبذلك ضمن إلى حد كبير أن أكثرية الذين اجتازوا هذا الامتحان التمهيدي الديهم
استعداد للدراسة الدينية ، وأنهم لديهم من الكفاية ما يؤهلهم لمتابعة الدراسة في
المرحلتين : الثانوية والعالية. وفضلا عن اشتراط هذا الامتحان التمهيدي فقد جرى
قانون الأزهر حتى السنة الحالية على التشدد في إمتحان طلاب السنتين الأولى
والثانية الابتدائيتين وعدم منحهم فرصا للدخول في الدور الثاني ، لينصرف الطلبة
إلى الدراسة ، وليبقى في التعليم من يؤهله استعداده وحرصه على الدراسة حتى المرحلة
الثانوية ، وليتمكن هؤلاء الطلاب منذ بدء الدراسة من تخير طريق آخر وعدم إضاعة
وقتهم وجهدهم دون جدوى. وثمة قيد آخر اختص به التعليم الإبتدائي هو عدم السماح
للطالب من الإعادة في فرقة واحدة أو في سنى الدراسة الأربع أكثر من مرتين. كل هذه
القيود النافعة كانت عنصرا فعالا في تصفية الطلاب غير المؤهلين للدراسة ، وإبقاء
من لهم قدرة وكفاية على مواصلة الدرس. وبتتبع نتائج القبول وإحصائيات المتقدمين
تعرف الأزهر حاجياته في التعليم الثانوي من فصول ومعاهد. وبمراجعة البيان بعدد
الطلاب الذين قبلوا في السنوات من سنة ١٩٣٦ حتى سنة ١٩٤٩ ، يتبين مقدار الزيادة في
طلاب الأقسام الإبتدائية واطرادها في السنوات الأخيرة ، مما حمل الأزهر على التوسع
في الفصول الثانوية ، وافتتاح معاهد جديدة لتخفيف الضغط عن المعاهد القديمة.
وقد أنشأ
الأزهر في خلال هذه السنوات معهد شبين ، الكوم ومعهدا بقنا (ثانوي ، ابتدائي) ،
ومعهدا بسوهاج ، ومعهدا بالمنصورة ، ومعهد المنيا
ومعهد سمنود ومن ذلك يتبين أن الأزهر سار في سياسة التوسع على خطة مرسومة
أساسها الإحصائيات وسد حاجات الطلاب المقبولين في المعاهد الدينية وتزايدهم سنة
بعد سنة.
وحين كانت
الظروف المالية لا تسمح بإنشاء معاهد جديدة أو فصول ثانوية جديدة ، كان الأزهر
يضطر إلى فرض قيد على قبول الطلاب ، فيحدد عدد من يقبلون في السنة الأولى
الإبتدائية في جميع المعاهد. وقد كان لهذه السياسة ضرر على الطلاب أنفسهم ، فقد
كانوا على رغم استعدادهم ورغم صرفهم سنين في حفظ القرآن الكريم يصرفون في سنة
متأخرة عن الدراسة التي أهلوا أنفسهم لها واستعدوا للسير فيها. وهذا بدوره يثبط
روح الأمل ، ويقعد بزهرة الطلاب قد تكون فيهم كفاية ناضجة عن مواصلة التعليم ،
وتبقيهم في بلادهم على مضض منهم ، فيصرفون جهودهم إلى أشياء أخرى قد يكون فيها ضرر
على المجتمع. والأزهر حين اضطر إلى هذا التحديد كان يركن إليه لصالح الدراسة
ومراعاة القواعد ، من عدم جمع أكثر من أربعين طالبا في فصل واحد ، وكان الغرض منه
أولا مراعاة إمكانيات المعاهد ، وعدم توافر الفصول اللازمة لهؤلاء الطلاب ، وعدم
وجود المدرسين اللازمين لتعليمهم.
وثمة عامل آخر
كان يراعيه الأزهر في هذا التحديد هو ملاحظة حاجة البلاد إلى المتخرجين في سنوات
كانت الأزمة الاقتصادية فيها مستفحلة ، وكان مستقبل الخريجين فيها مظلما لا يبشر
تقدم. وفي الحق لقد عانى الأزهر من سياسة التوسع في تخريج العلماء والمدرسين
معاناة شديدة ، فقد جاء وقت كان المتخرجون فيه أكثر من حاجة البلاد ، مما اضطر معه
الأزهر في سبيل التخفيف عنهم إلى النزول بمرتباتهم إلى مستوى ضئيل ، ومع ذلك كانوا
يقبلون على هذه الوظائف إقبالا شديدا ، فكان العالم المتخصص يمنح مقابل قيامه
بالتدريس جدولا كاملا في المعاهد مرتبا شهريا ضئيلا لا يذكر ، وقد دفع هذا ولاة
الأمور إلى الأخذ بسياسة التحديد في قبول
الطلاب بالسنة الأولى الإبتدائية حتى يمكن أن تتعادل حاجة البلاد وحاجة
الأزهر إلى المدرسين مع عدد المتخرجين في الأقسام النهائية. ويمكن القول بعد هذا
أن العامل الاقتصادي لعب دورا هاما في سياسة التحديد ، وإنه حين ـ انتعشت الأحوال
الاقتصادية في البلاد وسمحت ميزانية الدولة بالتوسع في التعليم العام ، وأخذت
بمبدأ تكافؤ الفرص وإتاحة التعليم الإبتدائي المجاني لكل من يرغب فيه ، اتسعت آفاق
الآمال للمتخرجين ، واشتدت الحاجة إلى المعلمين يسدون حاجة هذه المدارس ـ خفت وطأة
التحديد وبدأت المعاهد تقبل جميع الناجحين من المتقدمين إليها ، حتى تضاعف هذا
العدد من ١٠٠٠ في سنة ١٩٤٠ إلى ٢٠٠٠ في سنة ١٩٥٠.
جماعة كبار العلماء
ـ ١ ـ
أنشئت هذه
الجماعة بمقتضى قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام ١٩١١ ، وقد ظلت قائمة حتى اليوم.
وأعضاؤها يظلون في مناصبهم العلمية حتى الوفاة ، ولما جاء الشيخ عبد الرحمن تاج
شيخا لمشيخة الأزهر هذا العام وأصدر قانونه بإحالة علماء الأزهر إلى المعاش في سن
الخامسة والستين بدلا من سن السبعين نص في القانون على أن هذا القيد يسرى على
أعضاء جماعة كبار العلماء أيضا ، وبذلك أصبح الأعضاء لا يتمتعون بهذه الميزة
الكبرى التي كانت لهم من قبل ، وقد خرج من الجماعة لذلك شيوخ الأزهر الكبار الذين
بلغوا هذه السن أو تجاوزوها.
وقد كتبت في
مناسبات عديدة عدة مقالات عن الجماعة ، أرى تسجيلها في هذا المقام.
ـ ٢ ـ
أنشئت هذه
الجماعة في الأزهر لتنهض بأعباء الإصلاح الديني المنشود ، ولتحمل عبء المجهود
العلمي في مصر والشرق ، بخدمة التراث الإسلامي ، ورعاية الثقافة الدينية ،
وامدادها بالمؤلفات والبحوث.
وقد حدد قانون
سنة ١٩٣٦ المقاعد العلمية للجماعة بثلاثين كرسيا ، وشرط لاختيار أعضائها شروطا
كثيرة ، أهمها أن يكون العضو الذي يرشح لها من العلماء الذين أسهموا في الثقافة
الدينية بنصيب في الأزهر أو في خارجه وأن يقدم رسالة علمية في أية ناحية من نواحي
البحث تظهر فيها صبغة الجدة والابتكار.
إن رسالة
الجماعة عظيمة خطيرة ، فعليها أن تعني بالتراث الإسلامي لعلمائنا الأمجاد ، وأن
تقوم بإخراجه للناس سائغا جميلا ملائما لعقولهم ومناهجهم الحديثة في البحث
والتفكير ، وعليها ألا تقف عنده وتحافظ عليه فقط ، ولكن عليها أن تبني على أسسه ،
وأن تسير على امتداده ، وأن تتابع الحركة العلمية في مصر وسواها من الأقطار ، وأن
توجهها وتؤثر فيها ، وتسير بها إلى غاياتها المثلى المنشودة.
تلك رسالة
الجماعة ، أما حاضرها على ضوء رسالتها فهو حاضر ينبغي أن يتغير لتستطيع الجماعة أن
تخدم التراث الإسلامي ، كما يجب أن يكون صوتها قويا مسموعا في حياتنا الفكرية
الصاخبة.
لقد كثر نقد
الباحثين والمفكرين للجماعة ، وكثر تساؤلهم عن انتاجها وعما أدته من الواجبات
الخطيرة التي وضعت في عنقها وقامت لأجلها ، وسرى هذا التيار من خارج الأزهر إلى
داخله ، فلفت الرأي العام الأزهري أذهان المفكرين من رجال الأزهر إلى ذلك. وإن
يعين الجماعة على أداء رسالتها ألا تحرم أولى الكفايات ، وأن تفتح أبوابها لهم حتى
تجنى الأمة والأزهر ثمار هذه الجماعة ، ويشعر الرأي العام بفائدتها وأثرها في
الحياة ، وحتى تسير الجماعة إلى غاياتها السامية ، وتخطو إلى مستقبلها المجيد ،
وتؤدي للعالم والدين ما ينتظر منها أن تؤديه من خدمات .
وأخيرا حققت
الآمال العظيمة التي طمح إليها دعاة الإصلاح في مصر
__________________
والشرق الإسلامي ، وتوج هذا الجهاد الحافل بالفوز والتوفيق ، فأنصت الأزهر
لهذه الدعوة الصارخة ، وآمن بها ، وأخذ يضيف إلى تاريخه التليد صفحات طريفة مجيدة.
فمنذ أسابيع قرأنا أن عضوا بارزا من جماعة كبار العلماء قدم إلى الجماعة اقتراحا
جديدا تشيع فيه الرغبة الصادقة في توجيه الثقافة في هذه الجامعة العظيمة وجهة
جديدة صالحة تجمع بين أمرين عظيمين :
الأول : بعث
روح الانتاج العلمي ، والاضطلاع بأعبائه في شتى فروع الثقافة الدينية.
الثاني :
العناية بشئون المجتمع ، وبحث مشكلاته الخلقية والاجتماعية والاقتصادية ، وبيان
موقف الدين الإسلامي حيالها.
ثم علمنا أن
هذا الإقتراح يشق طريقه نحو التنفيذ ، فأيقنا أن الأزهر مصمم على السير إلى أبعد
غايات الإصلاح ، مؤمن بتوفيق الله ورعايته. ولا يخالجنا شك في أن الجماعة ـ وقد
ضمت عناصر جديدة ممتازة ـ ستظفر بتحقيق هذه الآمال ، وستكتب في تاريخ الأزهر
الحديث أروع الصفحات. وليس هذا على الجماعة بكثير ، فقد عنى بها المراغي عناية
كريمة فآثر بعضويتها أولى الكفايات من العلماء الحريصين على مسايرة الحياة إلى
أسمى غاياتها ، وتوجيه الحياة الاجتماعية بنور الدين وهدايته. إن المجتمع في حاجة
إلى الأزهر ، والأزهر في حاجة إلى المجتمع ، ولا ريب في أن اتجاه علمائنا نحو
المجتمع وبحث شئونه ومشاكله ستجعل الناس على بينة من دينهم ، وتهديهم إلى سبل
الخير والفضيلة والرشاد.
لقد مضى زمن
الجدل العقيم في العقائد ، والبحث النظري في القشور دون اللباب ، وسئمنا الكلام في
المياه التي يجوز بها التطهير والتي لا يجوز ، وفي إثبات كرامة الأولياء ونفيها ،
وفي طبقات السماء أمن فضة هي أم من ذهب ، إلى غير ذلك. وها نحن أولاء نشاهد إشراق
عهد جديد يشارك فيه علماؤنا الناس ، وينزلون من عزلتهم التقليدية إلى حيث يسير
الناس وتتحرك الحياة ، ويضعون شئون المجتمع ومشاكله نصب أعينهم ، ويقفون
منه موقف الناصح الأمين.
لعمري لقد ملأ
الإيمان قلوب الناس ، بل وعقولهم يوم كان الدين روحا وعقيدة وخلقا وعملا. ولم
يمتحن المسلمون بأعظم من الجدل في العقيدة والخلاف في الدين ، حتى انحل ما كان
معقودا من ألفتهم ، وخمد ما كان متأججا من روحهم. ولقد ظهر الغزالى في عصر مفعم
بالفتن والاضطرابات والجدل والخلاف ، فدعا الناس إلى دين الله بلغة العاطفة والقلب
حين رأى الدعوة إليه عن طريق الخصومة والجدل داعية فتنة وثائرة ضلال ، ولكن
الغزالى يئس من المجتمع لأنه كان يود أن يرأه مجتمع ملائكة أبرار لا مجتمع شياطين
أشرار ، فزهد في الحياة ، وعزف عن المجتمع ، واعتزل الناس ، إيثارا لسلامة الدين
والنفس وبعدا عن شرور المجتمع وسيئاته ، وقلده في مذهبه الاجتماعي أصحابه ومريدوه
، فظلت تلك الروح نزعة لعلمائنا حتى العصر الحديث.
ولقد كانت أسمى
غاية للأستاذ الامام محمد عبده من إصلاح الأزهر أن يحمله على الاندماج في المجتمع
، والتغلغل في أعماقه ، والسمو به ـ عن طريق الارشاد والتهذيب الديني الصحيح ـ إلى
أبعد ما يستطاع من غايات ، وكان يريد من وراء ذلك أن يذكي في الأمة الإسلامية روح
القوة والفضيلة ، وأن يدفع بها إلى الحياة الكريمة العزيزة ، لتستطيع أن تذود عن
حريتها ، وتحافظ على تراثها المسلوب ، وحتى يتسنى لها ـ إذا تابعت السير في هذا
المضمار ـ أن تستعيد ما كان لها من مجد باذخ وجلال قديم ، فتسير في قافلة الحياة
البشرية داعية خير وهدى وسلام. ولقد أبى الأزهر حينئذ أن يستجيب لدعوة الأستاذ.
الإمام وآثر أن يعيش في ظلام الجمود والحيرة ، عزوفا عن الجديد الذي كان يؤمن بأنه
بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ...
وبعد ربع قرن
من وفاة الأستاذ الإمام تكشفت غيوم الحيرة ، وخضدت
شوكة الجمود وحماته ، وألقيت مقادة الأزهر في يد تلميذ من تلامذة الإمام ،
فأخذت دعوته طريقها إلى قلوب الأزهريين وعقولهم ، وسرت في الأزهر روح جديدة ،
وأيقن رجالاته بضرورة الإصلاح ، وأن اتجهوا في ذلك وجهات مختلفة متباينة ...
فليعد علماؤنا
إلى المجتمع حاملين في ظلمات الحياة الاجتماعية نور الدين وهدايته ، ناشرين في
ضلال الحياة الإنسانية دعوة الله ورسالته ، هادين الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم
... .
إن هيئة كبار
العلماء أكبر هيئة دينية في العالم الإسلامي ، وأعضاؤها الموقرون من أفذاذ العلماء
في الأزهر الشريف ، وإنى لأقترح على أولى الأمر في الأزهر تحويل عضوية الهيئة إلى
كراسي دائمة ، تطلق عليها أسماء الخالدين من شيوخ الأزهر وسواهم من أعلام العلماء
: فنجد من بينها كرسى الظواهري ، والمراغي ، ومصطفى عبد الرازق ، والشناوي. وكرسي
محمد عبده ، وجمال الدين الأفغاني ... ففي ذلك تخليد لذكرى أئمتنا وكبار شيوخنا ،
وفيه تمجيد لأعمالهم العظيمة في خدمة الأزهر ، وما حملوا من أعباء الجهاد في سبيل
الإصلاح الديني.
الدراسات العليا في الأزهر الجامعي
ـ ١ ـ
نعني بالدراسات
العليا تلك الدراسات الخاصة التي تنظمها الجامعات للنابغين من أبنائها الذين وقفوا
حياتهم على الدرس والبحث.
وهذه الدراسات
بمعناها العلمي دعامة من دعامات الحضارات الإنسانية التي تقوم على أساس وطيد من
المعرفة والثقافة ، وهي أعظم ما تعني به الجامعات الكبيرة في الدول العريقة ،
وعليها يتوقف التطور البشري.
__________________
ولقد عرفتها
الجامعات العلمية الأولى في الشرق في أحقاب التاريخ القديم ، وفي شتى أطوار الحياة
الإسلامية العظيمة ، ففي البصرة والكوفة ، وفي دمشق وبغداد وفي قرطبة والقاهرة
وسواها من العواصم الإسلامية ازدهرت الدراسات العليا التي كان يقوم بها قادة الفكر
الإسلامي ، ثم شاء الله أن تذوي هذه الحضارة الزاهرة ، وتطفأ مصابيح ذلك النور
المشرق ، وأن يستكين المسلمون لأحداث الزمن ونكبات التاريخ ، فحمل العلماء في هذا
الاضطراب العاصف مشعل الثقافة الإسلامية ، ولكن الأحداث كانت أقوى من جهودهم ،
فتلاشى كثير من تلك الدراسات في شتى الجامعات ، ولم يبق منها إلا شعاع خافت ضئيل.
وخضع الأزهر في
حياته العلمية الطويلة لهذه التطورات حتى كان العصر الحديث ، وقيض الله لمصر
والشرق رجلا من أنبه رجال الفكر فيه هو السيد جمال الدين الأفغاني ، فنفخ في حياته
روح الشباب والقوة والتفكير ، وكان من أبر أبنائه الإمام محمد عبده الذي جاهد في
سبيل الأزهر والعلم والدين جهاد الأبطال ، وكانت أول دعوة للأستاذ الإمام رفع
مستوى الدراسة في الأزهر ، حتى يستطيع أن يساير النهضة الفكرية في الشرق والغرب
أولا ، وأن تؤدي رسالته العظيمة ثانيا ، وأنشئت على أساس أفكاره أقسام الدراسات
العليا في الأزهر ـ التخصصات ـ بعد وفاته بكثير ، وكان من أهم هذه الأقسام تخصصات
العالمية من درجة أستاذ التي أنشئت عام ١٩٣٠ والتي حملت عبء الثقافة الدينية
والعربية والعقلية في الأزهر وكلياته من ذلك العهد إلى الآن ، وقام خريجوها ببحوث
جديدة في شتى فروع الثقافة تجلت في رسائلهم المختلفة التي تقدموا بها لنيل
العالمية من درجة أستاذ ، وكانت الغاية من إنشاء هذه الأقسام هي : ـ
أولا ـ افساح
مجال البحث الحر أمام الأساتذة والكفايات الممتازة من طلبة الأزهر.
ثانيا ـ خلق
جيل جديد من الخريجين يحملون في مستقبل حياتهم مشعل الثقافة في مصر والعالم
الإسلامي.
وقد بعثت رغبات
جامحة لا نعرف أسبابها على أن ينظر كثير من المسئولين في الأزهر إلى هذه الأقسام
نظرة لا تليق بمكانتها وجهودها في الأزهر ورسالتها التي تحملها ، حتى لقد مضى
عليها خمس سنوات لم يقبل فيها أحد من أوائل الشهادات العالية بالأزهر.
ونحن ننادي
بفتح هذه الأقسام من جديد ، على أسس أكثر نظاما ، وأدق تجديدا من النظم الأولى
التي كان يسير الأزهر عليها ، فجهود خريجه ورسائلهم وبحوثهم العلمية وآثارهم
الثقافية في حياة الأزهر الآن هي سجل ناطق بمدى نجاحهم ونجاح هذه الأقسام الدراسية
العليا في غايتها الثقافية والعلمية.
وأهم هذه الأسس
التي نراها صالحة لتوجيه هذه الدراسات والطلبة المثابرين عليها هي :
أولا ـ العناية
التامة بطلبة هذه الأقسام عناية أدبية ومادية تحول بينهم وبين كل ما يعوقهم عن
التفرغ للبحث والدرس.
ثانيا ـ الاختيار
الصالح لأساتذة هذه الأقسام ، فحيث يوجد الأستاذ الكفء يوجد النشاط العلمي والحياة
العقلية الخصبة ، ويخلق الطالب النابغة ، وذلك هو ما ننشده لهذه الأقسام ، ولقد
كانت محاضرات الأستاذ الشيخ محمد عرفه في هذه الأقسام ومدى أثرها وتوجيهها العقلي
دليلا على ما يمكن للأستاذ أن يفعله وأن يأتي به من معجزات حينما يختار لمهمته
فيحسن اختياره ، ويكلف بالعبء الذي يستطيع أن ينهض به.
ثالثا ـ تحديد
مناهج الدراسة والكتب ومواعيد المحاضرات والامتحانات تحديدا واضحا لا لبس فيه ولا
غموض.
رابعا ـ جعل
العلوم الإضافية في هذه الأقسام قاصرة على السنتين الأوليتين فيها ، على أن يعقد
امتحان بعد العامين للطالب الذي يلتحق بها يمتحن فيه في جميع المواد الإضافية
ليفرغ بعد هذا الإمتحان إلى المواد الأساسية التي يعد نفسه من أجلها.
خامسا ـ دراسة
إحدى اللغات الأجنبية الأوروبية في هذه الأقسام.
سادسا ـ وضع
الخريجين من هذه الأقسام بعد تخرجهم منها في وظائف التدريس في الكليات مباشرة بدون
أي تأخير ، واختيار أعضاء البعثات التي تسافر إلى الخارج من بينهم. فبذلك يكون
الأزهر قد عمل على خلق جيل جديد من شبابه يقدر على حمل أعباء رسالته والنهوض بها.
ـ ٢ ـ
ولقد كان محمد
عبده رحمه الله أبرز قائد لحركة البعث والإصلاح الديني في مصر والشرق الإسلامي ، بعد
أستاذه جمال الدين الأفغاني. وكان من البدهي أن يتجه هذا المصلح الديني الخالد
الذكر إلى إصلاح الأزهر نفسه لأنه نواة الفكرة الإسلامية ، ومغذى الروح الديني.
ولم تظهر آثار جهاد الشيخ عبده وجهوده في إصلاح الأزهر إلا بعد وفاته ، وعلى أيدي
تلاميذه الذين تحمسوا لآراء أستاذهم في الإصلاح ، وتعهدوها بالعناية والتنفيذ.
كانت الدراسة
في الأزهر في عهد محمد عبده تسير على النظام القديم البدائي : حلقات للتعليم ،
وطلبة يختارون أستاذهم الذي يتتلمذون عليه ويناقشونه فيما صعب من مشكلات العلم
والثقافة ، وكتب ألفت في العصور الوسطى وغلبت عليها آثار الثقافة العقلية التي
كانت سائدة في هذه العصور. وفي ١٨٧٢ م وضع قانون لإصلاح الأزهر ، نظم طريقة نيل
العالمية ، وحدد مواد الامتحان فيها ، وبتعضيد الشيخ محمد عبده ، وعلى يدي صديقه
المرحوم الشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر حينذاك ، صدر قانون عام ١٨٩٦ ، الذي نظم
الدراسة في الأزهر ، وأدخل العلوم الحديثة في مناهجه ، أما النظام الإداري للأزهر
ومعاهده فقد صدر به قانون عام ١٩١١ ، بعد وفاة الإمام محمد عبده بسنوات. وأخذ
الأزهر يسير على هذا النمط من الدراسة ، دون أن يوجد فيه أثر للدراسات العليا ،
حتى صدر قانون ١٩٢٣ ، الذي أوجد نوعا من هذه الدراسات قامت على أسسه أقسام التخصص
القديم ، التي كانت تمنح درجات علمية تعادل درجة الماجستير في جامعتي القاهرة
والاسكندرية ، ثم أخذ الأزهر يعمل على مسايرة النظم
الجامعية التي تسير عليها شتى الجامعات في الشرق والغرب ، ففكر المراغي في
عهد مشيخته الأولى في إنشاء أقسام أكبر للدراسات العليا في الأزهر ، والمراغي أنبه
تلاميذ محمد عبده ، وأكثرهم دعاية لآراء أستاذه ، وتحقيقا للكثير منها ... وقد
ظهرت آثار هذا الاتجاه في قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام ١٩٣٠ في عهد المرحوم
الشيخ الأحمدي الظواهري ، وقد نظم هذا القانون الأزهر الجامعي ، فقسمه إلى كليات
ومعاهد ، وأنشأ أقسام الدراسات العليا بشتى فروعها ، وعدل عام ١٩٣٦ وما والاه
تعديلا أملته الضرورة والتجرية والرغبة في خلق الروح الجامعي في الأزهر. وسمى هذا
القانون أقسام الدراسات العليا : أقسام تخصص المادة ، ومنها ينال المتخرج شهادة
العالمية من درجة أستاذ ، وهي أرفع شهادات الأزهر العلمية ، وتعادل الدكتوراه
الممتازة ، وتدرس بها علوم الشريعة وأصول الدين والقرآن والحديث والبلاغة والأدب
واللغة والفلسفة والتاريخ ، ومدة الدراسة بها لا تقل عن ست سنوات بعد انتهاء دراسة
الكلية ، وكان طلبتها يختارون من بين أوائل المتخرجين. واختير للتدريس بهذه
الأقسام أئمة العلماء والمفكرين في الأزهر ومصر ، وقد حققوا نهضة فكرية وعلمية
جديرة بالإشارة في تاريخ الأزهر الحديث ، كما كانت امتحانات أقسام هذه الدراسات ،
ومناقشات رسائل الخريجين مواسم خالدة للعلم والأدب في الأزهر ، وكان يشرف عليها
أفذاذ العلماء والأدباء والمفكرين ، ومن بينهم المراغي ولطفي السيد ومأمون الشناوي
واللبان وحمروش وعبد المجيد سليم وعرفة وشلتوت والجارم وسواهم. ، ورسائل الخريجين
من أقسام العالمية من درجة أستاذ فيها جهد كبير وألوان جديدة من البحث والتحليل ،
وهي أوضح أثر لنهضة الأزهر العلمية الحديثة ، وقد طبع بعض قليل منها. كما حمل
خريجوه بجدارة مناصب التدريس في كلياته ومعاهده ، ولكثير منهم نشاط علمي خصب ،
وانتاج حافل في الأدب والشريعة والفلسفة والتاريخ والعقائد. ومن سوء الحظ ألا يهضم
الأزهر الجامعي نظام الدراسات العليا ، وأن يحاربها من وراء ستار ، وأن يعطل
الدراسة بأقسامها من عام ١٩٤١ حتى الآن. وكان
اعتزاز الأزهر بهذه الدراسات ضئيلا محدودا ، تجلي في طبع رسالتين أو ثلاث
من رسائل خريجيها ، وفي عرض بعضها في المعرض الزراعي عام ١٩٤٩ ولا يزال جل هذه
الرسائل مخطوطا في مكتبات الكليات الأزهرية ، وعددها يقارب المائتين.
فمن مبلغ
الأزهر بأن نظامه الجامعي وازدهاره العلمي لن يكون لهما كيان إلا إذا عادت من جديد
هذه الدراسات العليا فيه ، تؤدي رسالتها العظيمة في خدمة الدين والثقافة ، وتجديد
مناهج البحث العلمي الحر ، والكشف عن آثار التراث الإسلامي المجيد ، والنهضة
بالثقافة الأزهرية ، حتى تبلغ المنزلة الرفيعة ، التي بلغتها الثقافات الحديثة ،
في جامعات الشرق والغرب.
ويتحدث
الخريجون من قسم الأستاذية في مذكرة رفعوها إلى المسئولين في أكتوبر عام ١٩٥٢ ، عن
حاضرهم وآمالهم فيقولون :
أنشىء قسم
الأستاذية في الأزهر بمقتضى القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٣٠ المعدل بالقانون رقم ٢٩ لسنة
١٩٣٦ حينما أريد للأزهر أن يكون جامعة وأن تنشأ به كليات للتعليم العالي ، وأن
يقضي على عوامل الانحلال التي عصفت به وذهبت بكل ما كان له من مجد وجلال. ولم يكن
بالأزهر عند صدور القانون أساتذة يحملون مؤهلات ممتازة تخول حامليها التدريس في
كلياته ، فأنشىء فيه هذا القسم لتخريج أساتذة ممتازين يعهد إليهم بهذه المهمة ،
وأطلق عليه إسم تخصص المادة ... ويختار طلابه من أوائل الشهادات العالية من
الكليات ويقضي فيه الطالب ست سنوات على الأقل ، ثم يقدم في نهايته رسالة قيمة
تناقش مناقشة علنية ويمنح الناجح فيها شهادة تسمى العالمية من درجة أستاذ وهي
تعادل «دكتوراه ممتازة حرف أ». ومن هؤلاء وحدهم تتكون هيئات التدريس بالكليات
تطبيقا للمواد ٤١ ، ٤٢ ، ١١٩ من القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٣٦ ، كما جعل الحصول على
هذه الشهادة شرطا لعضوية جماعة كبار العلماء ، ومن بين هؤلاء يختار شيخ الأزهر
وكبار الموظفين الإداريين فيه ..
ولكن الذي حدث من المسئولين في الأزهر حيال أقسام الأستاذية هو :
١ ـ أغلقوا قسم
الأستاذية إغلاقا نهائيا منذ أكثر من أربع عشرة سنة ، واحتجوا لذلك بأنهم سيعيدون
النظر في نظامه.
٢ ـ سلكوا
الحاصلين على هذه الشهادة مع حملة أدنى شهادات الأزهر في سلك واحد وحكموا الأقدمية
المطلقة بينهم في الترقيات ومنح الألقاب العلمية.
وإنا لنقترح
مساواة خريجي الأستاذية بنظرائهم في الجامعات من كل النواحي العلمية والأدبية
والمادية ، وفتح أقسام الدراسات العليا في كليات الأزهر فورا وقبول المتقدمين
إليها من الطلاب. وزيادة عدد الأساتذة ذوي الكراسي في كليات الأزهر بما يناسب
الزيادة في عدد الطلاب والمدرسين والمواد الدراسية فقد حدد عدد هذه الكراسي في عام
١٩٣٦ ، ولم يكن بالكليات من المدرسين والطلاب أكثر من خمس العدد الحالي.
الصلات العلمية بين الأزهر والجامعة
منذ أعوام
قلائل قرأت في بعض الصحف ، سؤالا لشاب أزهري كتب يقول : «أنا طالب أزهري حاصل على
شهادة إتمام الدراسة الثانوية من معهد القاهرة وأجيد الفرنسية والانجليزية إجادة
تامة ، فهل يجوز لي الالتحاق بكلية الآداب؟» ونشر مع السؤال رأي سيادة عميد كلية
الآداب ونصه : «لا يمكن قبول الطالب بكلية الآداب ، وفقا للوائح التي لا تزال
متبعة إلى الآن» ، وأمر هذه اللوائح عجيب حقا ، فهي التي تسيطر على التفكير الحر
في مصر. وكيف يمكن إقناع الطالب المسكين الذي يريد إكمال دراسته بقسم اللغة بكلية
الآداب بأن رد العميد عادل ومعقول؟ ولم فات الدكتور طه حسين أمر هذه اللوائح حين
كان عميدا لكلية الآداب ، فأمر بقبول عدد كبير من طلاب الأزهر بكليته ، ونظم لمن
لا يعرف منهم لغة أجنبية دراسات خاصة ، فكانوا أكثر خريجها نشاطا وانتاجا؟. ولا
تزال هذه اللوائح أيضا تحول بين أساتذة الأزهر وحرية التقديم لشهادات الجامعة ،
والانتظام في
دراساتها ، فإلى متى تظل هذه اللوائح والقيود والأفكار القديمة تتحكم في
مصير الثقافة في مصر في القرن العشرين؟.
حياة الأزهر الثقافية
ـ ١ ـ
لقد ابتدأت
الدولة الفاطمية حياتها السياسية بالقيروان سنة ٢٩٦ ه على يدى مؤسسها الأول عبيد
الله بن محمد ـ وأخذت توسع نطاقها السياسي ومجالها الدولي بالتدريج ، وفي عهد
الخليفة الرابع المعز لدين الله دخل الفاطميون مصر بعد منتصف القرن الرابع الهجري
بقليل .. فقضوا على نفوذ الخلافة العباسية فيها ، وعلى مذاهبها السياسية
والاجتماعية والعقلية من جميع أرجائها ، وبسطت الدولة الجديدة سيادتها على البلاد
بالقوة وأخذت تصبغ جميع نواحي النشاط في الدولة بصبغة تلائم عقيدتها الشيعية الاسماعيلية
، سواء في أداء الشعائر أم في سياسة الدولة وأمور الاجتماع ونواحي التفكير.
وكان لا بد
للدولة الجديدة أن تقوم بدعاية واسعة النطاق تكرس لها كل ما تستطيع من قوة وجهد في
سبيل تغيير الاتجاه الفكري في مصر كلها ، حتى يؤمن العقل المصري بعقيدتها الشيعية
، ويتحمس لها ويدعو إليها ، ويكون بين الدولة والشعب تفاهم عقلي بعد هذا الوثام
السياسي الذي وجهته القوة وأملاه السيف.
ومن ذا الذي
يقوم بهذه الدعاية ، وبدأ في جد لتغيير مناحي التفكير في مصر ، ولجذب الشعور
الوطني نحو الدولة؟ إنهم العلماء الشيعيون الاسماعيليون ورجال السياسة والتفكير
فيهم .. وإذا فلتقم جامعة علمية منظمة ، ولتشرف هذه الجامعة بأساتذتها وشيوخها على
مناحي الثقافة والتفكير في الدولة ، داعية إلى العقيدة الشيعية بأصولها وتشريعها
الفقهي وكافة آرائها السياسية والاجتماعية والعقلية ، حريصة على نشر هذه المبادىء
في مصر وسائر أنحاء الشرق الإسلامي.
وشيد الأزهر
وتم تشييده في عامين وافتتح فعلا للصلاة في ٧ رمضان عام ٣٦١ ه وقام رجال الدولة
بإلقاء المحاضرات العامة فيه بين حين وحين إلى أن تولى العزيز بن المعز لدين الله
العرش (من عام ٣٦٥ إلى ٣٨٦ ه) فاتجه بعنايته إلى الأزهر وجعله معهدا علميا منظما
، شمله برعايته الكاملة ، واختار للدراسة فيه أساطين الفقه الشرعي من شتى أنحاء
العالم الإسلامي وأحاطهم بشتى أسباب الرعاية والتقدير وكان من بين هؤلاء وزير
العزيز بالله يعقوب بن كلس .
وقام الأزهر
بما طلبته منه الدولة ، وما هيأته له ، فأخذ ينشر العقيدة الاسماعيلية ويدرس
مبادئها السياسية وتشريعاتها الفقهية ، وأصولها المذهبية واتجاهاتها الفكرية فضلا
عن عنايته بالكثير من الدراسات العقلية واللغوية والأدبية ـ وصار أعظم بيئة علمية
وأحفلها في الشرق الإسلامي بهذه الدراسات ، التي خرج فيها جيلا جديدا من العلماء
الذين أصبحوا يد الدولة ودعاتها وقوام الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية
والأدبية فيها ، كانت الدولة الفاطمية تشمل بنفوذها السياسي حوض البحر الأبيض
الأفريقي كله من مراكش إلى الشام ، فضلا عن الحجاز ويهفو إليها جميع الاسماعيليين
في العراق وإيران والهند بقلوبهم ، ويتجهون إليها بشعورهم وكان الأزهر هو المثابة
العظيمة للعلم والتفكير والثقافة في هذه الأقطار كلها ، وهو الذي يحمل مشعل النور
والهداية إلى سائر هذه الأمصار ، ووفدت إليه أفواج الشباب من شتى هذه الأرجاء ،
ترتوي من معينه ـ وتقتبس من نوره وتهتدي بهديه ، وتضافرت هذه العوامل الأجنبية
والسياسية والفكرية كافة على تكوين شخصية مستقلة لهذه الجامعة الجديدة ، ظهر أثرها
الفذ في الثقافة الإسلامية في مصر وجاراتها الشقيقة على عهد الدولة الفاطمية.
ومن العبث أن
نوازن بين الأزهر حينئذ وبين المدرسة النظامية التي كان يدرس فيها أقطاب العلماء
ببغداد كالغزالي وسواه ، لأن مواد هذه
__________________
الموازنة مفقودة ، فالتاريخ الذي حفظ لنا تراث المدرسة النظامية في شخصيات
كبار أساتذتها قد ضن علينا بتراث الأزهر وإنتاجه العلمي في هذه الحقبة ، لأنه
إنتاج شيعي تعصب عليه وناوأه أعداء الشيعة.
ولقد شاء القدر
العتيد أن تطوي الدولة الفاطمية وآثارها من الوجود بعد قرنين حافلين ـ حيث ثل
السلطان صلاح الدين الأيوبي عرشها ومحى آثارها وثقافتها ، وقبض بيده على أمور مصر
وسياستها عام ٥٦٧ ه ، وكان فيما حاربه وقضى عليه المذهب الشيعي الفاطمي ، وأحل
محله المذهب السني الذي تؤيده خلافة بني العباس وتنكر الزمن للأزهر فعطلت دروسه ،
وتفرقت شيوخه ، ومنعت منه الخطبة ، وحل الكثير من أوقافه ، وشارك الدولة الراحلة
آلام التطور السياسي الجديد وبعد عهد الانقلاب السياسي وعودة الاطمئنان العقلي ،
عادت إلى حلقاته الدراسات الفقهية ، لا سيما الفقه الشافعي ولكن بشكل متقطع غير
مستقر ، واستمر الأمر على ذلك قرنا من الزمن.
ولكن الأحداث
السياسية العظيمة في الشرق الإسلامي أعادت إلى الأزهر ماضيه العلمي المجيد .. ففتح
التتار المغول لبغداد وشتى عواصم البلاد الإسلامية وعصفهم بالتراث الإسلامي
الثقافي بإحراق دور الكتب ، وتبديد نفائس الأسفار فيها حرقا وتمزيقا ورميا بها في
ماء دجلة والفرات ، وتفريق العلماء ورجال الثقافة الإسلامية وتعطيل الدراسات
الثقافية : دينية وعقلية ولغوية في شتى مدارس الشرق الإسلامي وجامعاته ، ثم انتقال
الخلافة العباسية من بغداد إلى القاهرة في عهد المماليك وعلى يد السلطان الظاهر
بيبرس سنة ٦٥٩ ه ، ثم أهمية مصر السياسية والاقتصادية وصبغتها العربية ، ووقوعها
في قلب العالم الإسلامي وثقافتها العقلية القديمة ـ كل هذه الأسباب أدت إلى إعادة
النشاط العلمي في الأزهر فشجع بيبرس التعليم فيه وأعاد إليه الخطبة عام ٦٥٩ ه ،
ووقف على أساتذته وطلابه الأوقاف الكثيرة والأموال الطائلة.
ومنذ ذلك الحين
ذاع صيت الأزهر واستعاد مكانته العلمية وأمه الطلاب من كل صوب وحدب ، من أواسط
أفريقية إلى جنوب روسيا ، ومن
مراكش إلى أقاصي الهند ، وجد الأزهر وعلماؤه في إحياء الثقافة الإسلامية
التي رماها التتار بأقسى النكبات في فتحهم الوحشى لبلاد الخلافة العباسية ، فكان
للأزهر جهوده العظيمة الحافلة في هذا المضمار ، مما وطد من مكانته ، ودعم من كيانه
، وأقر له منزلته العلمية العظيمة وشخصيته الجامعية الضخمة. وزاد من مكانة الأزهر
قوة واستقرارا انقراض الحضارة الإسلامية من الأندلس عام ٨٩٧ ه وانتهاء جامعاتها
العلمية الكبيرة وتبديد مسيحيى أسبانيا للتراث العربي فيها ، فألقيت مقاليد
الثقافة الإسلامية في الشرق كافة في يد الأزهر ، فحمل الأمانة ، وبذل في سبيل أداء
رسالته كل ما يستطيع من جهد وقوة ، وأخذ الأزهر يسير في دراساته الدينية ، وفي
انتاجه الثقافي على المنهج العلمي المألوف في عصره ، فكانت كتب الدراسة فيه
والمؤلفات العلمية التي يؤلفها علماؤه ، شروحا لأصول الكتب العلمية الدائمة في
عصره ، وحواشي على هذه الشروح وتقارير على هذه الحواشي؟ ـ وهذه الشروح والتقارير
والحواشي تتجه إلى خدمة أمرين عظيمين : أولا : الشرح التحليلي التفصيلي لأساليب
هذا الأصل العلمي المشروح ، والمبالغة البعيدة في توجيه الفهم فيه وجهة خاصة ،
يتحرى فيها الدقة والعمق والإحاطة بألوان الثقافة المنوعة ، عند ما تستوجب هذه
الإحاطة دراسة الأسلوب والفاظه. وثانيا : إثارة المشكلات العلمية العميقة التي
تتصل بأصل الفكرة المبحوثة أو التي تضيء جوانب البحث فيها ، أو التي تعتبر لازمة
للتوسع في دراستها ، وبجانب هذه الدراسة العلمية ، وهذا الانتاج الثقافي الخاص ،
توجد موسوعات علمية ألفت في شتى نواحي الثقافة الإسلامية لتعويض ما فقده التراث
الإسلامي من نفائس المؤلفات وكانت الطريقة العلمية ملائمة لعقول العلماء إذ ذاك
ومتمشية مع أساليب المنهج العلمي المألوف في عصرهم ، فقد كان الشرق كله يقرها
ويسير عليها في ميادين الثقافة والتعليم والتفكير ، وما زالت محل اعجاب الباحثين
من المستشرقين والمفكرين ، ومن العبث أن نزوي بها أو نحط من شأنها ، أو نرميها
بالخطأ والخمول.
ومن أساتذة
الأزهر في ذلك العهد عز الدين بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء وتلميذه
القشيري وهو الذي لقبه بهذا اللقب ، وعز الدين هذا كما كان مثلا في الشجاعة وهو
أصدق مرآة نرى فيها أخلاق العلماء ، يقول ابن السبكى في طبقاته : «إنه وقف في وجه
القائم بأمر مصر وقتئذ لما أراد أن يفرض ضريبة على التجار قائلا : «إذا أحضرت ما
عندك وعند حريمك من الحلى وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلى الحرام وضربته سكة
ونقدا وفرقته ولم يقم بالكفاية فلك أن تطلب القرض ، وأما قبل ذلك فلا». ويقول عنه
أيضا إنه لما توفى عز الدين بن عبد السلام سنة ٦٦٠ ه ومرت جنازته تحت القلعة ،
وشاهد الظاهر بيبرس كثرة الخلق الذين معها قال لبعض خواصه : «اليوم استقر أمري في
الملك لأن هذا الشيخ لو كان أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره». وكان
عز الدين هذا خطيبا لجامع عمرو ، ولهذه المناسبة أقول : إن المقريزي المؤرخ العظيم
كان هو الآخر خطيبا لجامع الحاكم.
ومن علماء مصر
الأفاضل الذين أثروا في الأزهر وتأثروا به العالم البارع الطويل الباع في أصول
الفقه وفروعه وفي العربية وغيرها ، الفقيه المالكي ابن الحاجب وكان أبوه حاجبا عند
الأمير عز الدين موسك الصلاحي ، وقد صنف في الأصول : المختصر والمنتهي ، وفي فقه
المالكية المختصر وله في النحو الكافية ، والوافية ، وفي التصريف الشافية ، وشرح
الكل ، وله شرح المفصل ، والأمالي النحوية وقصيدة في العروض. ومن أساتذته في
القراءات الشاطبي وتوفى بالأسكندرية سنة ٦٤٦ ه ، ونذكر أنه مدفون بجوار أبي
العباس المرسي ، ومنهم إمام النحو واللغة ابن هشام الذي قال عنه ابن خلدون «ما
زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحي من
سيبويه» ، ومن أكابر أساتذة العلم المنتجين الذين عرفتهم مصر : الثبت الثقة ،
الصدوق النبيل ، الحافظ للحديث ، الحجة فيه ، أستاذ الحديث في المؤيد ، البدر
العينى صاحب عمدة القارىء شرح صحيح البحارى ، ويقولون : إنه داوم على إقراء الحديث
فيه وحده ما يقرب من أربعين سنة عدا ما له من الدروس في بقية مدارس القاهرة
، وتناوب وظيفة حسبة القاهرة هو والمقريزي مدة ، وقد ولاه الملك المؤيد «نظر
الأحباس» ـ وزارة الأوقاف ـ وكان معاصرا للحافظ ابن حجر صاحب كتاب فتح الباري شرح
صحيح البخاري «وكان ابن حجر هذا أصغر من العينى باثنتي عشرة سنة ، ويروي المقريزي
أنه كان بينهما من المنافسة ما يكون بين المتعاصرين ، فلما فوض إلى العينى تدريس
الحديث بالمؤيدية صادف أن مالت مئذنة الجامع المؤيدي على البرج الشمالي وكادت تسقط
فهدمت وبنيت من جديد ، فقال الحافظ بن حجر في ذلك :
لجامع مولانا
المؤيد رونق
|
|
منارته
بالحسن تزهو وبالزين
|
نقول وقد
مالت عليهم : تمهلوا
|
|
فليس على
حسنى أضر من العين
|
فتحدث الناس
أنه قصد التورية بالعينى ، ويروي المقريزي أن العيني رد عليه بهذين البيتين وهما
من نظمه ، وغيره يقول إنهما لبدر الدين العنتابي :
منارة كعروس
الحسن إذ جليت
|
|
وهدمها بقضاء
الله والقدر
|
قالوا أصيبت
بعين قلت ذا غلط
|
|
ما آفة الهدم
إلا خسة الحجر
|
وللعينى مؤلفات
كثيرة أجلها عمدة القاري الذي تقدم ذكره ، ويقولون : إنه ابتدأ فيه سنة ٨٢١ وأتمه
سنة ٨٤٧ ه بعد فراغ ابن حجر من شرحه فتح الباري بخمس سنوات ، وله أيضا «نخب
الأفكار في تنقيح مباني الأخبار ، في شرح معاني الآثار» في مجلدين ، ومنها «البناية
في شرح الهداية» للإمام المرغيناني في عشرة مجلدات ، ومنها «الدرر الزاهرة في شرح
البحار الزاخرة» لشيخه الرهاوي في المذاهب الأربعة في مجلدين ، ومنها
عقد الجمان في تاريخ الزمان» في خمسة وعشرين مجلدا ، وعد مؤلفاته أمر يطول
، فليرجع إليها في مقدمة كتابه عمدة القارىء.
ومن رجالات مصر
وأعيان العلماء جلال الدين السيوطي مؤلف حسن المحاضرة وسواه من نفائس المؤلفات.
وجاء العصر
العثماني بفتح السلطان سليم مصر سنة ٩٢٢. وبقضائه على دولة المماليك فيها فاستمرت
للأزهر أهميته البالغة في الدراسات الدينية. ولكن روحه أصابها الوهن. وقوته نال
منها الضعف واعتورتها عوامل الخمول والجمود ، ولذلك أسبابه البعيدة والقريبة ..
فقد ضعفت ملكات التفكير في الشرق كافة وصارت الدولة الحاكمة بعيدة عن الروح
العربية الصحيحة ، بعنصرها ودمها التركي المتطرف وكثرت الفتن السياسية والأحداث
الإجتماعية في مصر والشرق ولم تجد دولة العلم والثقافة من الدولة رعاية ولا عطفا ،
اللهم إلا نوعا ضئيلا من التشجيع لا يجدي ولا يبعث على المجد والرجاء. كل ذلك أورث
الأزهر صبغة من التقليد العلمي وأضاع منه روح التجديد والاجتهاد فأصبحت غاية رجاله
نقل ما ورثوه عن السلف في أمانة واخلاص دونه العناية بالبحث والتمحيص والموازنة
والتحقيق وعكف شيوخه على دراسة الكتب التقريرية التي ألفت في العصور المتأخرة دون
الرجوع إلى الأصول الأولى التي ألفت قديما والتي قلت فيها روح البحث والجدة
والابتكار.
وكانوا يقدسون
كل ما يتصل بالقديم من خلق وعادات ودين ، وكانت الدراسة قاصرة على العلوم الدينية
وما يتصل بها من العلوم اللغوية وقليلا من الفلسفة ، وقلت فيه الدراسات العقلية
والفلسفية في كتبها الواسعة التي كان يحرمها عصره ، وتحاربها الهيئات العلمية
والجماعات الدينية حين ذاك ، وفضلا عن ذلك فقد ناوأ الأزهر المذاهب المتطرفة لأنها
كانت مشربة بفلسفة خاصة ، ولم يكن فيه مكان للشعراني الصوفي م سنة ٩٧٣ ولا لأمثاله
، وكانت كل جهود الأزهر في هذا العصر العثماني هي المحافظة على التراث القديم ،
والذود عنه والقيام بشرحه والتعليق عليه دون زيادة به أو
تغيير في أصوله أو تجديد في بحوثه ، وليس في ذلك من ذنب ، فالأحوال
السياسية والاجتماعية التي عاش فيها المسلمون آنذاك ، كانت باعثة على الضعف العقلي
الذي تجلى أثره في بيئة الأزهر العلمية.
كان الأزهر منذ
نشأته يدرس العلوم العقلية والرياضية والطب والموسيقى ، وفي العصر الأيوبي شاعت
فكرة تحريم علوم الفلسفة والرياضة على العالمين والمتعلمين ، وقد ساعد على ذلك
فتوى ابن الصلاح بتحريم المنطق ، حيث سادت موجة كراهية علم المنطق والفلسفة ،
ولذلك كره العلماء دراسة المنطق وتدريسه ، ومنهم السيوطي.
ولما تولى حكم
مصر سنة ١٦١١ ه أحمد كور باشا ، وكان ولعا بالعلوم العقلية ، قابل صدور العلماء ،
ومنهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر ، فتكلم معهم في الرياضيات ، فقالوا لا
نعرف هذه العلوم ، فضحك .. واستمر الحال كذلك إلى أن أصدر الشيخ محمد الانبابي
والشيخ محمد البنا فتوى بجواز تعلم هذه العلوم ، وذلك في أواخر عام ١٣٠٥ ه.
وكان الأزهر
مبعث المقاومة الوطنية للاحتلال الفرنسي فلقى من القائد وجيشه كثيرا من الأذى
والمقاومة ، وإن استعان ببعض رجاله المرنين في أعمال الإصلاح والإدارة ، فكان في
المجلس الوطني الذي ألفه نابليون بعض كبار شيوخه وأعلامه.
وكان الأزهر
يكره الاستعانة برجال الغرب وعلمائه ، فقاوم محمد علي ، واستولت الحكومة على
أملاكه وأوقافه ولكن بقى له على كل حال نفوذه الديني والأدبي بين الشعب.
فعلماء الأزهر
وشبابه هم الذين اختارهم الوالي للدراسة في مدارسه الخصوصية الكثيرة التي أنشأها
من طب وهندسة وزراعة وصناعة وقانون ولغات إلخ.
وأعضاء بعوثه
العلمية التي أوفدها إلى أوروبا من بدء عام ١٨٢٦ كان جلها من أبناء الأزهر
الناضجين.
وعاد أعضاء هذه
البعثات من أوروبا فكانوا في مصر جيلا جديدا له ميزته الخاصة في الثقافة والتفكير
والترجمة والإنتاج.
وسار الأزهر
على منهجه العلمي القويم بعيدا عن الدراسات العقلية والأدبية وعن العلوم الحديثة ،
اللهم إلا دراسة الكتب الأولية في المنطق ودراسة بعض كتب الأدب وآثاره كالمقامات
والمعلقات التي ابتدئت قراءتها فيه نحو عام ١٨٢٨.
ـ ٢ ـ
وفي الحديث
انتشر النفوذ الأجنبي ، والثقافة الغربية في مصر ، ووفدت على ربوعها رسل الثقافة
الأوروبية ورجال البعثات العلمية الذين أوفدهم إسماعيل إلى باريس وروما وجامعات
انجلترا ، وأخذت هذه العوامل الجديدة تعمل عملها في تكوين العقلية المصرية تكوينا
يتلاءم مع النهضة الفكرية والاجتماعية التي كانت تسود أوروبا ، وأبعد رجال الأزهر
عن كثير من ميادين النشاط الاجتماعي في الدولة ، ومع هذه العوامل الهدامة في صرح
الأزهر فقد كان إسماعيل يحلم بتكوين دولة عربية خاضعة لنفوذه ، مؤتمرة بأمره ،
فدفعته آماله السياسية إلى العناية بأمر الأزهر وإصلاحه حتى يساير روح النهضة
الحديثة في مصر ، وفي عام سنة ١٨٧١ صدر قانون بإصلاح الأزهر لرفع مستوى أساتذته
وطلابه والثقافة فيه ، وذلك في عهد شيخه الشيخ محمد العباسي المهدي الحنفي الذي
كان يتبرك به الخديوي ويصطفيه. ونص هذا القانون على إجراء امتحان نهائي للمتخرجين
في الأزهر ، وعين المواد التي يجب أداء الامتحان فيها (وهي إحدى عشرة مادة) ..
وقدرت مرتبات عالية للأساتذة ومكافآت مالية للطلاب. ولكن الأزهر عادى الإصلاح ،
وحمل الشيخ عليش لواء المعارضة ، فوقفت روح الإصلاح فيه.
واضطرب جو مصر
السياسي بالثورة العربية وأحداثها ، كما زلزل كيانها المالي في تصفية ديونها
العامة ، وكان الاحتلال الأجنبي عام ١٨٨٢ ، فوقفت حركات التجديد في سائر مرافق
البلاد ، وأخذ دنلوب وأعوانه يغيرون اتجاه
الثقافة في المدارس المصرية ، حريصين على تغيير العقلية المصرية المعارضة
لمبادىء انجلترا السياسية ، سواء بنشر الثقافة الانجليزية في مصر ومدراسها
الحكومية أم بإرسال بعوث إلى انجلترا ، أم بإنشاء مدارس انجليزية لنشر الثقافة
الغربية أم بإلقاء زمام الثقافة في مصر في أيدي الأساتذة والمستشارين الانجليز.
وأخذت المدارس
المصرية تتأثر بالآراء الغربية على كل حال ، ما عدا الأزهر فإنه بقى على تقاليده
الصريحة وآثر الذود والدفاع عنها ، ونجم عن ذلك أن اتسعت مسافة الخلاف بين الأزهر
ورجال المدرسة الحديثة ، ووجدت في مصر ثقافتان مختلفتان متعارضتان : تقوم إحداهما
على التراث الشرقي القديم والتخصص له وتتمثل في بيئة الأزهر ، وتقوم الأخرى على
العلم والتفكير الغربي الحديث وتتمثل في مدارس الحكومة على شتى درجاتها ، وفي
المدارس الأجنبية على اختلاف الثقافات التي تدعو إليها ، من فرنسية وانجليزية
وأمريكية وإيطالية .. وهكذا استقلت الحياة السياسية في الدولة عن الأزهر ، وترك
الأزهر على حاله ، يتصرف فيه رجاله كما يريدون ، بعيدين عن توجيه السياسة المباشرة
لشئون الثقافة والتعليم فيه ، وفكر الغيورون على مستقبل العلم والدين من أبنائه
مليا في أمره ، ورأوا حاجته الماسة إلى الإصلاح ، فطالبوا بإصلاح مناهجه ونظمه ،
ولكن هذه الدعوات قوبلت في داخل الأزهر بعصبية متطرفة في الانكار ، بيد أن رغبات
الإصلاح كانت قوية جبارة ، وكانت النهضة الحديثة تدفع الأزهر إلى التجديد العلمي ،
وكان أبرز شخصية دعت إلى هذا الإصلاح هي شخصية الإمام محمد عبده تلميذ جمال الدين
الأفغاني ، وكان الشيخ محمد عبده يرى أن بقاء الأزهر على حاله محال ، فإمّا أن
يعمر وإما أن يخرب وابتدأ يعمل على تغيير مناهج الدراسة والثقافة فيه : بدراسته
كتابى عبد القاهر الأسرار والدلائل ، وبقراءته البصائر النصيرية ، وقد علق الشيخ
محمد عبده على نهج البلاغة ومقامات البديع ، وهو مدين في أسلوبه لمقدمة ابن خلدون
، واهتم الشيخ بالإصلاح.
فاستصدر مرسوما
بكساوي التشريف ، واهتم بمساكن الطلاب
ومكافآتهم المالية وحدد مدة الإجازات السنوية وأدخل في مناهج الدراسة بعض
العلوم الحديثة ، وعنى بمكتبة الأزهر ومكتبات المعاهد التابعة له. وفي عام ١٩١١
صدر قانون رقم ١٠ الذي انتقل بالأزهر إلى مرحلة أخرى من النظام فزيدت مواد الدراسة
وجدد اختصاص شيخ الأزهر ، وأنشىء للأزهر مجلس يسمى الأزهر الأعلى ، ووضع نظام هيئة
كبار العلماء وجعل لكل معهد مجلس إدارة ولكل مذهب شيخ.
وهكذا أثرت
دعوات الإصلاح وأخذت تخطو بالأزهر خطوة فخطوة في سبيل التجديد والنظام والثقافة ،
وكان من أثرها صدور قانون رقم ٣٣ عام ١٩٢٣ خاصا بانشاء قسم للتخصص .. ثم صدر عام
١٩٣٠ مرسوم بقانون رقم ٤٩ خاصا بإعادة تنظيم الأزهر وفروعه فقسم الأزهر إلى كليات
، وأنشئت معاهد فروعا له في كثير من الأقاليم. وأنشئت أقسام الإجازات وأقسام
الدراسات العليا وتخصصات الأستاذية ، وعدل هذا المرسوم بمرسوم جديد عام ١٩٣٦.
وهكذا خطا الأزهر خطوات جديدة واسعة في سبيل إصلاحه المنشود ، وصار الأزهر يخرج
شبانا ناضجى العقلية والثقافة.
وأصبحت مناهج
الدراسة والتعليم في الأزهر تنصرف تدريجيا عن القشور إلى اللباب وعن العناية
بالبحوث اللفظية إلى الاهتمام بالفكرة وفهمها ومناقشتها.
ولكن رغم ذلك
كله يجب أن نسائل أنفسنا من جديد. هل فرغنا حقا من خطوات الإصلاح ، وهل أثمرت هذه
الإصلاحات ثمراتها المنشودة؟ وللجواب عن ذلك نقرر الحقائق الآتية :
١ ـ ما يزال
المنهج العلمي السائد في الأزهر : كلياته ومعاهده ، هو المنهج القديم المحافظ. ولا
تزال الكتب القديمة هي أهم المقررات العلمية للطلبة.
٢ ـ لا يزال
انتاج الأزهر العلمي ضئيلا قليلا لا تكاد تحس به أو تلمس آثاره.
٣ ـ ما تزال
رغبات الإصلاح في الأزهر حائرة لا يستقر لها قرار ، ولا ندري كيف تسير مرافق
الدولة بسرعة مدهشة ، ويبقى الأزهر وحده متخلفا عن القافلة لا يشعر بأثر الحياة
فيه أحد.
٤ ـ ما تزال
مكانة الأزهر الاجتماعية في الدولة ضئيلة وشخصيته في المجتمع غير واضحة.
ـ ٣ ـ
وقد بسطنا
تاريخ الأزهر الثقافي والعيوب التي لا تزال محيطة به ، والآن نبسط رأينا في بعض
مناهج الإصلاح ، راجين أن يتفضل الغيورون على الأزهر بإصلاحه وتمكينه من أداء
رسالته.
إننا نريد أن يكون
للأزهر شخصية علمية واضحة ، وأن يكون فيه بيئة قوية مهذبة أساسها الخلق الديني
والنمو الروحي ، الذي يجب أن يشيع في نفس كل رجل من رجال الدين.
ونرى أنه يجب
علينا أن نعني بالأمور الآتية :
أولا ـ مدة
التعليم في الأزهر.
وفي رأيى أن
يكون التعليم في الأزهر على المراحل الآتية :
١ ـ مرحلة
التعليم العام ومدتها ست سنوات ، وتدرس فيها إحدى اللغات الأجنبية ، وتكون مناهجها
قريبة جدا من مناهج التعليم في وزارة المعارف ويجب إقصاء الكتب القديمة والحواشي
عن هذه المرحلة إقصاء تاما ، ويباح لمن ينال هذه المرحلة الالتحاق بجميع المدارس
المتوسطة ، الزراعية والصناعية والتجارة والصيارف ومدارس الجيش ومدرسة أخرى تنشأ
لتكوين المعلم تكوينا قويا ملائما للآمال المنشودة الملقاة على عاتق رجال التعليم.
٢ ـ مرحلة
التعليم الخاص : ومدتها ثلاث سنوات ، ويعني فيها بدراسة العلوم الدينية والعلوم
الحديثة ، وإكمال دراسة لغة من اللغات الأجنبية ، ويباح لخريجي هذا القسم الالتحاق
بجميع المدارس العالية وبالجامعات المصرية.
٣ ـ مرحلة
التعليم العالي ومدة الدراسة فيها خمس سنوات ، ويمنح منها الطالب العالمية ويباح
له الالتحاق بجميع وظائف الدولة وبالوظائف الدينية وسواها في الأزهر وفروعه وفي
خارجه.
٤ ـ مرحلة
الدراسات العليا ومدتها أربع سنوات ، ويخرج منها أساتذة الكليات وأعضاء البعثات
التي تسافر إلى الخارج.
ثانيا ـ يجب
تغيير الزي الأزهري بالزى المدني في المراحل الثلاث الدراسية ، أما مرحلة الدراسات
الدينية فيجب الاحتفاظ فيها بالزي الأزهري خاصة.
ثالثا ـ خلق
صلات ثقافية بين كلية اللغة وكليات الآداب وبين كليات الشريعة وكلية الحقوق.
رابعا ـ تنظيم
الأزهر وفروعه ومعاهده وهيئاته العلمية تنظيما حديثا قائما على أساس الافادة من
التجارب الحديثة في التربية والثقافة والتنظيم.
خامسا ـ وضع
الفقه الإسلامي على نظام المجموعات الفقهية الحديثة كما هو متبع في الفقه المدني
والكتابة فيه.
سادسا ـ برسم
برنامج واضح لإصلاح الأزهر محدد الزمن والغاية والأهداف.
سابعا ـ يجب أن
يؤلف رجال الأزهر مؤلفات حديثة في فروع الثقافة التي تدرس فيه ليستطيع أن يفيد
منها الناس كافة.
ثامنا ـ يجب أن
يكون مستوى القضاء الشرعي والأهلي واحدا ، كما يجب إتمام مدينة الأزهر. وإنشاء
كراسي الأساتذة وجعل كادر الأزهر على نظام الكادر الجامعي.
دراسة النحو في الأزهر
كان يدرس في
الأزهر من كتب النحو شرح الشيخ حسن الكفراوي
على متن الاجرومية ثم حاشية أبي النجا على شرح الشيخ خالد ثم حاشية العطار
على الأزهرية ثم حاشية السجاعي على شرح القطر ثم شرح الشذور وحواشيه ثم حاشية
السجاعي أو الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك ثم حاشية الصبان على شرح
الأشموني على الالفية ثم المغنى وشروحه وحواشيه وذلك في نحو ست سنوات وهذا كله بعد
حفظ الطلاب متن الاجرومية ومنظومة الألفية وغيرهما وكيفية الدراسة أن يعين المدارس
لطلبته جزءا من أول الكتاب المراد قراءته يطالعه كل واحد منهم على انفراده أو
بالاشتراك مع غيره ثم يجيئون في اليوم التالي ويجلسون بين يدى شيخهم بهيئة حلقة
ويسمعون منه توضيح ما عينه لهم ويناقشونه فيه هذا يسأل وهذا يعترض على المصنف
وثالث يجيب عنه وهكذا وكل منهم يجتهد في اظهار علمه في مناقشاته وربما طالع لهذا
الغرض حواشي غير المقرر قراءتها ولا يزال الطلبة في أخذ ورد وتصويب وتخطئة إلى أن
ينتهي الدرس في نحو ساعتين وربما لا يتم الجزء المعين فيعين لهم جزءا آخر ويحصل
فيه ما حصل في سابقه وهكذا إلى أن يفرغ الكتاب وهذه الطريقة تربي فيهم ملكة الجدل
والبحث.
دراسة النحو في المدارس
نتقدم أولا
بذكر نبذة من تاريخ المدارس في مصر فنقول :
قبل استيلاء
محمد علي باشا رأس الأسرة الفخيمة الخديوية على مصر كانت المعارف فيها مقصورة على
معرفة القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم بالكتاتيب التي أنشأها سلاطين المماليك
وأمراؤهم وعلى التخرج من علوم الأزهر السابقة فكانت هذه الكتاتيب بمنزلة مدارس
ابتدائية والأزهر بمنزلة مدارس ثانوية وعليا فلما استقام الأمر للباشا بهذه الديار
أنشأ عدة مدارس ذات شأن كبير منها مدرسة للطب بأبي زعبل ومدرسة للهندسة ببولاق
ومدرسة للألسن ومدرسة للزراعة ببلد نبروه ومدرسة للصناعات وثلاث مدارس للفنون
الحربية ثم اقتفى أثره في ذلك من خلفه من أمراء هذه
الأسرة الخديوية وكذا حكوماتهم وأشراف الأمة فزادوا في المدارس وشيدوا في
أركانها وفرضوا لها النفقات إلى أن وصلت الى ما هي عليه في وقتنا الحاضر من التقدم
والنظام يدير شئونها ديوان عال يرأسه وزير كبير من وزراء الحكومة وله وكيل من كبار
الأمراء.
من تاريخ الأزهر المعاصر
تولى الشيخ عبد
المجيد سليم المشيخة في ٢٦ ذي الحجة ١٣٦٩ ه ـ ٦ أكتوبر ١٩٥٠ ، وأقيل منها في ٢ ذى
الحجة سنة ١٣٧٠ ه ـ ٤ سبتمبر ١٩٥١ ، وتولى مكانه في اليوم نفسه الشيخ إبراهيم
حمروش.
وفي ١٤ جمادى
الأولى ١٣٧١ ه ـ ١٠ فبراير ١٩٥٢ أقيل الشيخ حمروش وعين مكانه الشيخ المجيد سليم.
وقد استقال
الشيخ سليم في ٢٧ ذي الحجة ١٣٧١ ه ـ ١٧ سبتمبر ١٩٥٢ م وعين مكانه الشيخ محمد
الخضر الحسين ، وظل فيها إلى أن استقال في يوم ٨ يناير ١٩٥٤ وتولى مكانه الشيخ عبد
الرحمن تاج شيخ الأزهر الحالي.
المعمرون من علماء الأزهر
في عام ١٩٥٢
أحتفل بالعيد المئوي للشيخ عبد المعطي الشرشيمي من كبار علماء الأزهر الشريف ،
متعه الله بالصحة والعمر المديد.
ومن علماء
الأزهر المعمرين ممن عرفناهم الشيخ محمد عبد الله العربي وقد ولد عام ٢٤٠ ه فهو
اليوم يبلغ أربعة وثلاثين ومائة عام من عمره المديد ، وقد تخرج في الأزهر عام ١٢٧٤
ه ، واشتغل مدرسا في الأزهر ، وترك التدريس عام ١٣١٥ ه ، وكان من شيوخه الشيخ
الباجوري والشيخ عليش ، وحدثنا أن جمال الدين الأفغاني حدثه أنه ـ أي الأفغاني ـ من
مواليد عام ١٢٣٥ ه.
مكتبة الأزهر
كان من تمام
التيسير على طلبة العلم أن يكون لكل رواق مكتبة خاصة به ، تبتدىء بعدد قليل من
الكتب يقفها أهل الخير ثم يتكاثر ، وعلى هذا كان لكثير من الأروقة مكتبات خاصة لا
تخضع لأنظمة المكتبات التي عرفت أخيرا ، بل كان الانتفاع بها متروكا لمن ينشده من
أهل الرواق أو غيرهم ، وليس في التاريخ نص صريح على أنه كان للأزهر مكتبة عامة قبل
هذه المكتبة ، كما أنه يتعذر تحديد الوقت الذي نشأت فيه مكتبات الأروقة ، وكل ما
يمكن أن يقال عنها : إنها قديمة أو قديمة جدا.
وقد لبثت
مكتبات الأروقة على النحو الذي ذكرناه من عدم الضبط وإهمال الرقابة إلى عهد عبده ،
فقد كان فيما تناوله تفكيره في الإصلاح إنشاء مكتبة أزهرية عامة تجمع شتات هذه
الكتب المتفرقة في مكتبات الأروقة ، وتحفظ ما بقى من ذلك التراث العلمي الذي خلفه
علماء الجامع الأزهر في العصور المتعاقبة من العبث والضياع. فقد ذكر بعض الباحثين
أن كثيرا من نفائس الكتب التي كانت مودعة بمكتبات الأروقة تسرب إلى أيدي علماء
أوروبا بواسطة سماسرة الكتب واستغلال الجهل والضعف الخلقي في نفوس القائمين على
هذه المكتبات ، «فحين رئي تنظيم الجامع الأزهر وتوحيد مكتبته ظهر وهن الضمائر وضعف
النفوس وإهمال الواجب نحو الكتب التي لعبت بها أيدي الضياع ، فتسرب بعضها وأهمل
البعض الآخر للحشرات والأتربة فتلفت أوراقها وبليت ومزقت وخرمت وقطعت جلودها ،
وأصبح لا يوجد منها كتاب سليم مستقيم إلا ما ندر ، ويظهر للباحث أن كتب الأزهر قبل
سنة ١٨٩٧ كانت تتسرب لمتصيديها المتربصين لها منتهزين فرصة وجودها في عهدة أشخاص
ملأ الجهل صدورهم وتبرأت الأمانة من قلوبهم بداعي الحاجة أو الاغراء ، فأساءوا
للتعليم وخانوه جهلا أو عمدا أو تقصيرا من أولى الشأن ، فبدد هؤلاء الاشخاص أثمن
ما ترك السلف ثروة
__________________
للخلف من هذه الكتب القيمة ، وتصرفوا فيها تصرف الملاك فباعوها مع نفاستها
بالثمن البخس» ولا أدل على مقدار ما فقدت مكتبات الأزهر في الماضي من المثال الآتي
: «حوالي سنة ١٢٧٠ ه ـ ١٨٥٣ م أمر ديوان عموم الأوقاف بجرد كتب مكتبات المساجد
والتكايا وأروقة الأزهر وحاراته وقيدت جميعها في سجلين جامعين ، خصص أولهما
لمكتبات الجامع الأزهر ، وثانيهما لمكتبات المساجد والتكايا ، وقد بلغ مجموع
المجلدات الموجودة في ذلك الوقت في مكتبات أروقة الأزهر وحاراته ١٨٥٦٤ مجلدا :
فإذا رجعنا الآن إلى هذا السجل التاريخي فلا نجد من أثمن الكتب وأنفسها إلا
أسماءها ، وكأن هذين السجلين أنشأ ليكونا في الواقع مرشدا لأيدي الأغتيال التي
عمدت إلى أنفس ما في المكتبات من المؤلفات الأصيلة القيمة فانتهبتها انتهابا. «وأغرب
من هذا أن نفس السجلين تسربا أيضا إلى أيد أجنبية خارج الأزهر ولم يعودا اليه إلا
بالشراء سنة ١٩١١ م ودفع لهما ثمن قدره ١٥٠ قرشا ، وأعيد قيدهما بالمكتبة».
ويقول الأستاذ
عبد الكريم سلمان : «كان في الأزهر خزائن كتب وضعت في بعض الأروقة والحارات وبعضها
في المساجد القريبة كجامع الفاكهاني وجامع العينى ونيط حفظها جميعها بأشخاص يقال
لهم «المغيرون» فتصرفوا فيها تصرفا سيئا للغاية صح معه اطلاق اسم «المغيرين» عليهم
، لأنهم غيروا وضعها وشتتوا جمعها ، ومزقوا جلودها وأوراقها ، وتركوا ما لا عناية
لهم به منها في التراب يأكله العث ويبليه التراب ، وهذا غير ما تصرفوا فيه تصرف
الملاك وطار بأيدي باعة الكتب ، يباع على نفاسته بالثمن البخس ، ولم يبال المتصرف
الأول والباغة بما كتب على ظهور تلك الكتب من العبارات التي تفيد وقفها على طلبة
العلم والعلماء ، وبالجملة فلم يكن ليعرف للكتب قيمة ، ولا لينتفع بها لعدم إمكان
الانتفاع». ولقد كان تعرض كتب الأروقة والحارات للضياع والتسرب إلى أيدي المترصدين
لها ممن يعرف مقدارها ، هو الذي أوحى إلى الإمام بفكرة إنشاء المكتبة ، وقد تقدم
بها إلى مجلس إدارة الأزهر وكان ذا نفوذ فيه فنالت القبول من أعضائه ،
وبخاصة من الشيخ حسونة النواوي ، والشيخ عبد الكريم سلمان الذي كان عضدا
قويا للأستاذ الإمام في حركات إصلاح الأزهر ، ووافق عليها المجلس واختار المكان
المناسب ، وكتب لديوان الأوقاف الذي كان يتولى الاشراف على شئون الأزهر لاعداده
للمهمة التي أختير لها ، فنفذت الفكرة فعلا من أول سنة ١٨٩٧ م الموافق شعبان سنة
١٣١٤ ، وقد لاقى صاحب الفكرة عناء عظيما في إقناع أهل الأروقة بفائدتها ، ورغم ما
بذله من المحاولات في هذا السبيل فقد امتنع أهل بعض الأروقة عن ضم مكتباتها إلى
المكتبة العامة كرواق الأتراك ورواق المغاربة ، وقد ضمت مكتبة الصعايدة إلى
المكتبة العامة سنة ١٩٣٦ ، ولاقي المباشرون للتنفيذ صعوبات جمة في ترميم الكتب
وإصلاحها وترتيبها للحالة السيئة التي كانت عليها في خزائن الأروقة كما أسلفنا ..
ويصور الشيخ عبد الكريم سلمان هذه الصعوبات كلها ، فيقول :
«حملت تلك
الكتب من خزائنها إلى المكان الجديد ، فكان يأتي بها أولئك المغيرون محشوة في
الزكائب والمقاطف ، ثم يفرغونها تلالا وأكواما عليها خيوط العناكب وبينها الأتربة
، ويتخللها الجلود البالية ، وليس بينها من كتاب سليم مستقيم الوضع إلا ما لا يكاد
يذكر ، وبجانبها أولئك الموظفون المكلفون بجمعها وترتيبها وأعضاء المجلس والأمين
يراقبون عملهم ويرشدونهم إلى الطريق الأقوم ، فعملوا وأكدوا وأستخلصوا من بين هذه
الدشوت والأوراق المتفرقة كتبا معتبرة في كل الفنون ، وكان معهم مندوب من ديوان
الأوقاف وموظف آخر نيط به تقويم كل كتاب وجد أو جمع بالثمن اللائق به ، وقيدت في
دفاتر بأعداد متسلسلة ، واستلمها الأمين بأثمانها المقدر لها ، ثم اشتغلوا بعد ذلك
في توحيد الفنون ، وقرروا لكل فن موضعا مخصوصا من المكان ، وقد استغرق عملهم هذا
أزمانا طوالا كانت كلها أتعابا ومشاقا ، وإني لأعرف كتبا كثيرة مما نجده الآن
كاملا كان الكتاب الواحد منها بعضه في خزانة فلان ، وبعضه الآخر في خزانة فلان ،
وباقيه في خزانة فلان. ولم تجمع أجزاؤه بعضها على بعض إلا بطريق المصادفة
الحسنة ، وأعرف كذلك أن بعض الكتب النفيسة النادرة الوجود وجد في دشت كان
في خزائن الجامع العينى ولم يعبأ به أحد ممن تولوا تغييرها للطلاب ، ولم يعن بفرز
الدشت لتوحيد تلك النفائس ، إلا بعد أن كان قد صدر أمر أحد مشايخ الجامع بإحراقه
وتدارك الأمر من يعرف قيمة العلم ولا يبالي بالتعب في المحافظة عليه ، وقد رأيت
بعينى كثيرا من المصاحف الشريفة وهي بين الأتربة مع أنها من أجود المصاحف خطا
وورقا وفيها من الفوائد وعلوم التجويد ما لا يوجد في سواها ، وغير ذلك كثير نكتفي
بما ذكرناه ، فما الغرض إلا بيان حالها قبل جمعها ، وفي هذا القدر ما يكفي».
ولم يكتف
الأستاذ الإمام في تكوين المكتبة بما جمع من مكتبات الأروقة ، بل دعا العظماء
والعلماء إلى المشاركة في فضل تكوينها ، واستعان في ذلك بنفوذه عندهم ومكانته
لديهم ، فاستجاب لدعوته بعض هؤلاء ، ووهبها الشيخ حسونة مكتبته الخاصة ، ووهبها
ورثة سليمان باشا أباظة مكتبة والدهم ، وكان المرحوم سليمان أباظة من خاصة أصدقاء
الشيخ ، وكان أبناؤه يعدون الشيخ كوالدهم في العطف والرعاية ، وهذه المكتبة أنفس
المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية.
وتشغل المكتبة
الأزهرية الآن ثلاثة أمكنة : اثنان منها داخل الأزهر وهما : المدرسة الأقبغاوية
والمدرسة الطيبرسية ، والثالث خارج الأزهر ملاصق له وهو الطابق الثاني من بناء
أنشأته مشيخة الجامع الأزهر سنة ١٩٣٦ كملحق للإدارة العامة المجاورة للأزهر. ولقدم
المكانين الأولين وقيمتهما نلم بتاريخهما : أما المدرسة الأقبغاوية فهي على يسار
الداخل إلى الأزهر من بابه الغربي الكبير «باب المزينين» وقد أنشأها الأمير أقبغا
على نظم المدارس الإسلامية لهذا العهد ، والمدرسة الإسلامية لهذا العهد مسجد له
خصائص المساجد من منارة ومحراب وميضأة ونحو ذلك ، إلا أنه تقام فيه الحلقات
الدراسية فيقال له مدرسة ، وأنشأ بها مدفنا به قبة تعتبر من نوادر الفن الإسلامي
في العمارة إلا أنه لم يدفن به ودفن بالإسكندرية ، وانتهت عمارة المدرسة سنة ٧٤٠ ه.
ومن الطرائف التاريخية عن هذه المدرسة ما
يرويه المؤرخون من أنها «مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس
بيوت العبادات شيء البتة» ، ويعللون ذلك بأن منشئها اغتصب مكانها من مالكيها وسخر
العمال في عمارتها وحصل على مواد البناء ولوازم العمارة بطريق الغصب أو الخيانة
ووقف على هذه المدرسة أوقافا وشرط في كتاب وقفه ألا يلي النظر أحد من ورثته
وأقبغا هو
الأمير علاء الدين ، كان رقيقا للتاجر عبد الواحد ابن بدال اشتراه منه الناصر
قلاوون ، ورفعه حظه وذكاؤه إلى مراتب الموظفين ، وتقلب في مناصب الدولة المختلفة ،
إلى أن قتله الملك الصالح عماد الدين في الفتنة بينه وبين أخيه أحمد الناصر. أما
المدرسة الطيبرسية فهي على يمين الداخل إلى الأزهر من بابه الغربي المذكور ، وفد
أنشأها علاء الدين الطيبرس نقيب الجيوش المصرية ، وفرغ من عمارتها سنة ٧٠٩ ه وجعل
له بها مدفنا دفن به ، وقد عرف بالصلاح والتقوى ، فاتفق أنه لما فرغ من بناء هذه
المدرسة أحضروا له حساب مصروفها فاستدعى بطست فيه ماء وغسل أوراق الحساب بأسرها من
غير أن يقف على شيء عنها ، وقال : «شيء خرجنا عنه لله لا نحاسب عليه».
وقد شغلت
المكتبة أولا المدرسة الاقبغاوية ، لاتساعها واستقلالها بعض الاستقلال ، ولما ضاقت
بالكتب ضمت إليها المدرسة الطيبرسية. ويقول الشيخ عبد الكريم سلمان : «ولما جاءت
للمجلس فكرة جمع هذه الكتب في مكان واحد وإصلاح ما أفسدته منها هذه الأيدي وتسهيل
الانتفاع بها اختار المكان المعروف في الأزهر برواق (الابتغاوية) وكتب لديوان
الأوقاف سنة ١٣١٤ فأرسل من أخذ المقايسة لاصلاحه وإنشاء ما يلزم له من الخزائن
التي توضع فيها الكتب ، ثم عرض الأمر على ولي الأمر فأقره مستحسنا له ، وخرج هذا
العمل من القوة إلى الفعل وتهيأ المكان لما وجد له من وضع الكتب وحفظها فيه ومن
الانتفاع بها تحت ضوابط ونظامات ، وشرع عمالها في إنقاذ ما عهد إليهم من أول مايو
سنة ١٨٩٧ الموافق شعبان سنة ١٣١٤ ، ويقول : واشتريت كتبا كثيرة من كثير من التركات
حتى
ضاق بها المكان على سعته ، فاضطر المجلس إلى أخذ مكان آخر من الأزهر أصلحه
ديوان الأوقاف وعمل فيه ما عمل في الأول ، وامتلأت خزائنه أيضا بمعتبرات الكتب
ونفائسها مما يتجدد شراؤه كل عام.
وبالمدرسة
الاقبغاوية الآن المكتبة العامة بجميع فنونها ، وبقبتها الخارجية ، ودهليزها مكتب
الأمين وإدارة المكتبة ، وبالمدرسة الطيبرسية طائفة من كتب الفنون التي تدور حولها
الدراسات الأزهرية ، كالتفسير ، والحديث ، والفقه المالكي ، والحنفي ، والشافعي ،
والحنبلي ، والبلاغة ، والنحو ، والصرف .. وبالمبنى الجديد مكتبتا الشيخين المغفور
لهما الشيخ الامبابي والشيخ بخيت ، والأمكنة المشار إليها لم يلاحظ في إنشائها أن
تكون مكتبة ، لهذا فهي غير وافية بالغرض الذي تؤديه ، وتفقد كثيرا من الأمور التي
يجب توافرها في أبنية المكتبات ، ويكفي للتدليل على ذلك أن المكتبة تفقد أهم خواص
المكتبات ، وهي قاعة المطالعة ومكان الإدارة ، وليس لها مرافق خاصة بها ، وينقصها
الأحكام في الأبواب والنوافذ لمنع تسرب الأتربة والحشرات.
وكان عدد الكتب
التي ابتدأت بها المكتبة سنة ١٨٩٧ ـ ٧٧٠٣ كتب منها : ٦٦١٧ كتابا بطريق الاهداء ، و
١٠٨٦ بطريق الشراء وعدد فنونها ٢٧ فنا وهي : المصاحف. القراءات ، التفسير ، الحديث
، الأصول ، النحو ، الصرف ، البلاغة ، فقه أبي حنيفة. فقه مالك ، فقه الشافعي ،
فقه أحمد بن حنبل ، المجاميع ، التوحيد ، المنطق ، التاريخ ، التصوف ، الأدب
والمديح ، الآداب والمواعظ والفضائل ، الأحزاب والأوراد والأدعية ، الوضع وآداب
البحث والعروض ، الفلك والميقات ، مصطلح الحديث ، الفنون المنوعة ، الحساب
والهندسة ، اللغة ، الطب ، وقد بلغت فنون المكتبة سنة ١٩٤٣ ـ ٥٨ فنا وبلغ عدد
مجلداتها ٩٠٠٧٥ مجلدا.
وبالمكتبة
الأزهرية مكتبات خاصة حملت الغيرة الدينية أصحابها أو ورثتهم على إهدائها للمكتبة
الأزهرية ليكون نفعها وقفا على العلماء وطلبة العلم بالأزهر ابتغاء مغفرة الله
ورضوانه ، ويذكر لأصحابها هذا العمل بالثناء
مقرونا بالدعاء أن يحسن الله لهم الجزاء ويهبهم الثواب ، وهذه المكتبات وإن
كان بعضها مستقلا بخزائنه كشروط أصحابها إلا أنها مسجلة ومفهرسة ضمن المكتبة
العامة ، ويجري الانتفاع بهما معا دون تمييز ، وهذه هي أهم هذه المكتبات مرتبة حسب
أهميتها :
١ ـ مكتبة
سليمان أباظة باشا ، وقد أهداها ورثته إلى الأزهر سنة ١٨٩٨ م عملا بمشورة الإمام
محمد عبده كما أسلفنا ، وهي أنفس المكتبات الخاصة بالمكتبة الأزهرية ، يستأثر فنا
التاريخ والأدب بغالب كتبها ، وتمتاز بكثرة المخطوطات وبخاصة الفنين المذكورين ،
وعدد مجلداتها ١٤٨٤ مجلدا ، وبها جملة صالحة من مطبوعات أوربا.
٢ ـ مكتبة حليم
باشا ، وقد وزعت بين المكتبة الأزهرية ووزارة المعارف في أغسطس سنة ١٩١٢ ، وخص
المكتبة الأزهرية منها نحو ٢٨٥٧ مجلدا ، ويظهر من فنونها : القراءات والحديث
والتصوف والطب والفلك والتاريخ ، وبها كتب في بعض الفنون باللغات التركية
والفارسية ، وكثير من كتبها بخطوط جيدة موشاة بالذهب.
٣ ـ مكتبة
الشيخ عبد القادر الرافعي المفتي المتوفى سنة ١٣٢٣ ه وقد وقفت بخزائنها الخاصة
بها على الأزهر في مارس سنة ١٩٢٧ م ووضعت في حجرة خاصة بها ، وعدد مجلداتها ١٤٥٧
مجلدا ، وهي أغنى المكتبات الخاصة بفن الفقه الحنفي ، وبها مخطوطات في هذا الفن
يقال إنها من النوادر العالمية كشرح السندى على الدر المختار.
٤ ـ مكتبة
المغفور له الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية المتوفى سنة ١٩٣٥ م وقد
وقفها في حياته بخزائنها الجميلة ، ونفذ ورثته رغبته سنة ١٩٣٨ م ، وعدد مجلداتها
٣٣٦٥ مجلدا في فنون مختلفة يغلب فيها الفقه على مذهب أبي حنيفة.
٥ ـ مكتبة
المغفور له الشيخ الامبابي شيخ الجامع الأزهر المتوفى
سنة ١٣١٣ ه ، وقفها على طلبة العلم ، وجعل مقرها منزله بالظاهر ، وجعل لها
مغيرا بمرتب مما وقفه من ماله على جهات البر ، وقد خشيت عليها وزارة الأوقاف فأهدتها
إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٤١ م ، وعدد مجلداتها ١٤٥٢ مجلدا ، وبها مخطوطات نادرة
في الفقه الشافعي.
٦ ـ مكتبة يسيم
أغا ، كانت برواق الجبرت ، ورغب في نقلها إلى المكتبة الأزهرية بخزائنها ، فتمت
رغبته سنة ١٩٢٥ ، وبها نحو ألف مجلد في مختلف الفنون
٧ ـ مكتبة الشيخ
العروسي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٢٩٣ ه ، وقد أهداها ورثته إلى المكتبة
الأزهرية سنة ١٩٣٨ م ، وعدد مجلداتها ٨١٨ مجلدا. وكتبها كلها تقريبا بخطوط قديمة
وحديثة ، وبها نوادر في النحو والتاريخ.
٨ ـ مكتبة
الشيخ إبراهيم السقا وأخيه الشيخ عبد العظيم السقا ، أهديت إلى المكتبة الأزهرية
سنة ١٩٢٧ م وعدد مجلداتها ٥٩٠ مجلدا ، وبها نوادر من الكتب الخطية.
٩ ـ مكتبة
إبراهيم بك حفظي ، وقد أهديت إلى المكتبة الأزهرية سنة ١٩٢٢ م ، وعدد مجلداتها
الآن نحو ٣٩٢ مجلدا ، وهي في نمو مستمر وتجدد دائم ، فقد وقف عليها مهديها مبلغا
سنويا خصص نصفه لشراء كتب برسمها ونصفه للمغيرين بها.
١٠ ـ مكتبة
المغفور له الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٩٢٥ م ؛ وبها كتب
كثيرة في فنون مختلفة ، أهداها إلى المكتبة الأزهرية عقب إنشائها لتكون نواة
للمكتبة ، وليحرك بها همم أهل الخير إلى تعضيد مشروعها.
١١ ـ مكتبة
الشيخ الجوهري ، وقد أهديت إلى المكتبة سنة ١٩٢٨ م ، وعدد مجلداتها ٣٤١ مجلدا.
١٢ ـ مكتبة
المرحوم الشيخ محمد عبد اللطيف الفحام المتوفى سنة ١٩٤٣ ، أهداها ورثته إلى
المكتبة إثر وفاته ، وبها نحو ألف مجلد.
وبالمكتبة
الأزهرية مكتبات أخرى كمكتبة رضوان باشا ومختار باشا وثابت باشا ورشيد باشا وبعض
مكتبة مدرسة القضاء وبعض مكتبة زكي باشا ومكتبة رواق الصعايدة.
ومما تختص به
المكتبة الأزهرية كثرة المخطوطات بالنسبة إلى مجموع كتبها ، وقد بلغت المخطوطات
إلى سنة ١٩٤٣ م ٢٤٠٠٠ مجلد تقريبا.
رفاعة الطهطاوي الأزهري
رائد الفكر الحديث في مصر
هو أحد زعماء
نهضتنا العربية الحديثة الذي فتح أمامنا آفاقا واسعة للمعرفة .. وعلى يديه تكونت
نواة الطبقة المثقفة المصرية الصحيحة التي حملت لواء التجديد .. وهو ابن نابه من
سلالة أرض الكنانة تفخر الأمة به .. رفاعة رافع الطهطاوي أحد العباقرة الذين
سيخلدهم تاريخ مصر الحديثة.
رجل جاد به
الزمان حين شح الزمان بالرجال وجاد هو على الزمان حين شح الرجال بالأعمال استطاع
أن يجمع بين حضارة الغرب المتقدمة ومفاخر حضارة العرب القديمة ، ولذلك عنى باحياء
التراث القديم مثلما عنى بترجمة مآثر الغرب تحقيقا للنهضة الفكرية ودفعا لحركة
البعث الجديد .. وكما كان الطهطاوي مترجما مبدعا في اختيار موتنا وله ـ وليس مجرد
ناقل ـ كان أيضا موسوعيا في كتاباته المختلفة وليس مجرد رحالة ، كما كان عالما
مؤرخا يستند إلى الوقائع ويرجع إلى الكشوف الأثرية ، خاصة وأنه من رواد المؤرخين
المصريين الذين عرفوا تاريخ مصر القديم وأعنوا بأمجاد هذا التاريخ. عنى بالكشف عن
هذه الحقبة الحضارية الأصيلة في تاريخنا ، فأرخ أيضا للدعوة الإسلامية والفتح
العربي الإسلامي في كتابه الذي صدر بعد عام واحد من وفاته بعنوان ـ نهاية الإيجاز
في سيرة ساكن الحجاز ولعل من الجوانب المجهولة في حياة رفاعة هو اهتمامه بحقوق
المرأة ، وقد كتب
في ذلك كتابا شهيرا أسماه : ـ المرشد الأمين في تربية البنات والبنين ـ
تبدأ السيرة
العطرة للمصري الفذ رفاعة الطهطاوي في صعيد مصر ، حينما ولد في طنطا عام ١٨٠١ في
أسرة متواضعة الحال ، وجاء إلى القاهرة صغيرا ليتخرج في الجامع الأزهر وينتهز فرصة
تعيينه اماما لأول بعثة تعليمية أرسلتها مصر إلى فرنسا فيتعلم الفرنسية ويتقنها ،
وبعد عودته يعمل مترجما في المدارس الفنية التي أنشأها محمد علي قبل أن يعين مديرا
لمدرسة الترجمة وإلى تغير اسمها لمدرسة الألسن فيما بعد ، والمؤرخ لتاريخ الصحافة
العربية يضع رفاعة وأعماله الصحفية في الصدارة .. فالرجل وجد في الصحافة منبرا
شعبيا وسلطة كبيرة لها خطرها كما لمس حوادث الثورة الفرنسية عام ١٨٢٠ الأمر الذي
جعله يأخذ على عاتقه مهمة التجديد في الصحافة التي لم تكن وقتئذ سوى نشرات رسمية ،
وحينما صدرت جريدة ـ الوقائع الرسمية ـ ظل رفاعة مشرفا عليها لمدة ثماني سنوات في
الفترة من عام ١٨٤٢ حتى عام ١٨٥٠ بعد أن كلفه محمد علي بالإشراف على القسم الأدبي
فيها ، خاصة وأن جزءا كبيرا منها كان يحرر بالتركية ، وبعد الوقائع نولى رئاسة
تحرير مجلة ـ روضة المدارس ـ عام ١٨٧٠ .. وكانت لرفاعة الطهطاوي نظرات في السياسة
مثلما كانت له نظرات في التربية والاجتماع ، وآراؤه السياسية موزعة بين كتبه
العديدة : ـ تخليص الابريز ، والمرشد الأمين ، وأنوار الجليل ، ومناهج الألباب
المصرية وغيرها وكان فيها جميعا متأثرا بالعلوم السياسية الفرنسية وليس أدل على
ذلك من ترجمته للديوان الفرنسي .. ولم يعش الطهطاوي ليرى بنفسه ثمرات جهوده في
بناء الوعي السياسي في مصر فرحل عام ١٨٧٣ بعد أن سجل إسمه في مقدمة قادة نهضة مصر
الحديثة في القرن ١٩.
العيد الألفى للأزهر
احتفل الأزهر
بعيده الألفي عام ١٤٠٠٣ ه ـ ١٩٨٣ إحتفالا كبيرا شهده الرئيس حسني مبارك. وبدأ
الأزهر الشريف احتفالات مرور ألف سنة على انشائه. يشارك العالم الإسلامي في
الاحتفالات التي تأخرت ١٠ سنوات عن موعدها الأساسي. تقرر ان تحتفل الهيئات
الإسلامية والوزارات والمؤسسات الشعبية والحكومية في الاحتفالات التي تعم مصر
تقديرا لدور الأزهر.
كما تنظم وزارة
الأوقاف حلقات في المساجد حول هذه الذكرى وكذلك الجامعات في مصر والخارج. وعددا من
المنظمات العالمية في أوروبا وآسيا وأمريكا ستحتفل بذكرى مرور ألف سنة على الأزهر
الشريف. ينتظر أن تستمر الاحتفالات الرسمية أكثر من شهر وعلى مدى السنة الهجرية
الحالية بما يحفظ للذكرى جلالها.
وكان الأزهر
مثابة العلماء والطلاب من أنحاء العالم الاسلامي. كما كان معقل الوطنية وموكل
الأحرار .. لقد قاد الأزهر ثورتين كبيرتين تعدان من أسبق الثورات الدستورية
العالمية ومن أعلم معالم الحركة الوطنية .. الثورة الأولى كانت بقيادة الإمام أحمد
الدردير. والثانية بقيادة شيخ الأزهر الشيخ عبد الله الشرقاوي في اواخر القرن
الثامن عشر الميلادي ..
أما الثورة
الاولى فكانت في ربيع الأول من عام ١٢٠٠ هجرية ـ يناير عام ١٧٨٦. كان سببها ان
محافظ القاهرة آنذاك وهو احد المماليك واسمه حسين بك بشفت كان بعث بجنوده فنهبوا
دار رجل من الشعب اسمه أحمد سالم الجزار نائب طريقة الشيخ البيومي الصوفي
بالحسينية. فثارت ثائرة أهالي الحي وتوجهوا إلى الشيخ الدردير الذي أعلن أنه سيخرج
مع الجماهير من كل أنحاء القاهرة لينهب بيوت المماليك كما نهبوا بيوت الشعب ..
وأمر الشيخ بدق الطبول على المنارات إيذانا بالاستعداد.
وأصبحت القاهرة
على أبواب ثورة شعبية .. وأصبح المماليك يحيط بهم الرعب. وبلغ ذلك إبراهيم بك والي
مصر. فأرسل نائبه في الحكم. ومعه أحد الأمراء من المماليك إلى الإمام الدردير
يعتذر له عما حدث ويعده بأن أبدى الامراء عن الناس وبرد كل ما نهب إلى صاحبه وقبل
الشيخ الدردير ذلك وتم كل ما أراده .. وهكذا وضع هذا الإمام الجليل قاعدة دستورية
فحواها «وجوب احترام الحاكم لادارة المحكومين».
وأما الثورة
الثانية فقد حدثت بعد ذلك بتسع سنوات. في شهر ذي الحجة عام ١٢٠٩ هجرية ١٧٩٥
ميلادية. وكان بطلها هو الإمام الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر الشريف ..
وسببها أن الفلاحين في قرية من قرى بلبيس ذهبوا إلى الشيخ الشرقاوي في الجامع
الازهر وشكوا له من ظلم محمد بك الألفي ورجاله لهم ، ومن فرضهم على القرية اموالا
لا طاقة لها بها.
وتأثر الشيخ
الشرقاوي بما بلغه. وبلغ الشكوى الى كل من مراد بك وإبراهيم بك. ولكنهما لم يفعلا
شيئا. فعقد مؤتمرا وطنيا في الأزهر حضره العلماء والطلاب والشعب. حيث استقر الرأي
على مقاومة الأمراء بالقوة حتى يخضعوا لمطالب الشعب. وعندئذ أمر الامام الشرقاوي
باغلاق أبواب الجامع الأزهر. كما أعلن الشعب بإعلان الإضراب العام وإغلاق الأسواق
والمحلات.
وفي اليوم
التالي ركب الشيخ الشرقاوي ومعه العلماء وتبعتهم الجماهير. وسار الموكب إلى منزل
الشيخ السادات وهو من كبار العلماء وكان منزله قريبا من قصر إبراهيم بك. فأفزعه
مواكب الشعب الثائرة فبادر بإرسال رئيس ديوانه أيوب بك ليسأل العلماء عن مطالبهم
وحاول التنصل من إجابة مطلب الشعب .. ولكن العلماء أصروا على موقفهم وتقاطرت
الجماهير صوب الأزهر .. وبدأت ثورة وطنية عاصفة.
هال ابراهيم بك
ما بلغه .. وأرسل إلى العلماء يعتذر .. وفي اليوم التالي توجه والي مصر العثماني
إلى منزل إبراهيم بك واجتمع مع أمراء المماليك حيث أرسلوا إلى العلماء ليجتمعوا
بهم. فحضر الإمام الشرقاوي والسيد عمر مكرم والشيخ السادات والشيخ البكري والشيخ
الأمير .. وانتهى الاجتماع بالموافقة على مطالب الشعب التي قدموها وتتلخص في :
«عدم فرض أية
ضريبة إلا إذا أقرها مندوبو الشعب. وينزل الحكام على مقتضى أحكام المحاكم. ولا
تمتد يد أي سلطان الى أي فرد إلا بالحق» وتم تحرير وثيقة تتضمن هذه القرارات ..
ورجع العلماء يحيط بهم موكب من الأهالي وبهم يهتفون «حسب ما رسمه ساداتنا العلماء
بأن جميع المظالم والمكوس والحوادث لاغية من جميع الديار المصرية».
ويجمع أكثر
المؤرخين على أن هذه الوثيقة كانت بمثابة اعلان حقوق الانسان سبقت بها مصر غيرها
من الشعوب. وذلك قبل اعلان الثورة الفرنسية لميثاق حقوق الإنسان.
إحتفال الأزهر بعيده الألفي
ومن إحتفال
الأزهر بعيده الألفي وأعلن فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ
الأزهر في كلمته أن رسالة الأزهر ليست من الرسالات المحلية بل رسالته تجاوزت توصيل
المعرفة للفرد والجماعة إلى تنمية العلاقات بين الشعوب العربية والإسلامية
باعتبارها أمة واحدة تجمعها أخوة الإسلام.
وقال فضيلته :
لقد تبوأ الأزهر مكانته العالمية المتينة في دراسة علوم القرآن والسنة النبوية
وشتى العلوم الاسلامية ، والحفاظ على اللغة العربية والقيادة الرشيدة الى العمل
بأحكام الاسلام وتعاليمه ونظمه وقوانينه .. حتى أصبح له جامعة تضم ٣٥ كلية تخدم
الإسلام والمسلمين ، ونمت معاهده فبلغت أكثر من ألف ومائة معهد. وأنه في كنف مصر
يستقبل الأزهر أبناء المسلمين من كافة الشعوب والأقطار في أعداد متزايدة حتى بلغت
بضعة آلاف يواصلون الدراسة في كافة مراحلها بالمعاهد والكليات.
وأشار فضيلة
الدكتور محمد الطيب النجار رئيس جامعة الأزهر في كلمته الى الدور الديني والعلمي
والوطني الذي قام به الأزهر في مختلف العصور حتى أصبح منارا للدين الاسلامي وأن
رسالة الأزهر تنبثق من رسالات السماء. وأن دعوته تأتي من العبادات السليمة. وتنقية
الاسلام من بعض المفاهيم الخاطئة.
وقال فضيلته :
إذا ما أجتمع القول بالعمل لعلمائنا فيكونون بحق ورثة الانبياء .. وحتى يضطلع
الأزهر برسالته على أكمل وجه فلابد له من العناية التامة من المسئولين .. والمزيد
من العناية والرعاية والدعم المادي الكبير حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه استجابة
لمطالب المجتمع الإسلامي.
الأزهر والحكومة
وأشاد فضيلة
الدكتور محمد السعدي فرهود وكيل الأزهر والأمين العام للجنة العليا للاحتفال
بالعيد الألفي للأزهر بالجهود المبذولة لرفع شأن الأزهر والأزهريين والخطوات التي
بذلتها الحكومة حتى يشهد جيلنا هذا الحدث التاريخي في حياة الأمة الإسلامية. وضرب
الأمثلة لدعم هذا العمل.
وألقى فضيلة
الدكتور الحسيني هاشم الأمين العام لمجمع البحوث الاسلامية قال فيها : إن الأزهر
الشريف قد فتح أبوابه منذ القدم ، وتلاقت
في رحابه جميع الأجناس وألوان المسلمين ينهلون من علمه فأصبح الأزهر
المعمور بطلابه وعلمائه الذين يسعون في الارض لنشر الدين الحنيف.
كلمة الوفود
وألقى كلمة
الوفود لحضور احتفالات العيد الألفي للأزهر فخامة الرئيس مأمون عبد القيوم رئيس
جمهورية مالاديف. ووجه التهنئة باسم جميع الشعوب الإسلامية إلى الأزهر الشريف في
احتفاله بالعيد الألفي .. وأشاد بالعلاقات الطيبة التي تربط مصر بدول العالم
العربي والإسلامي بصفة عامة وبجمهورية مالاديف بصفة خاصة.
وقام الرئيس
حسنى مبارك أمس خلال المؤتمر لعلماء المسلمين الذي عقده مجمع البحوث الإسلامية
احتفالا بالعيد الألفي للأزهر بتوزيع الأوسمة على بعض علماء الأزهر. فقد سلم
الرئيس وشاح النيل إلى فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. وسلم الرئيس وسام
العلوم والفنون من الطبقة الأولى إلى أصحاب الفضيلة الشيوخ إبراهيم الدسوقي وأحمد
حسن الباقوري ومحمد متولي الشعراوي وزكريا البري ومحمد السعدي فرهود وحسنين محمد
مخلوف ومصطفى محمد الطير وعطيه محمد صقر وأحمد فتحي الزيات وعبد اللطيف خليف وأحمد
محمد عمر وعبد الرحمن الكردي والحسيني هاشم وعبد الحكيم حسن نعناع وحامد عبد
الحميد جامع.
منح الرئيس
حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الاولى الى كل اسم المرحوم أصحاب
الفضيلة الشيوخ حسون عبد الله النواوي وسليم أبو فرهاد البشري ومحمد أبو الفضل
الجيزاوي ومحمد مصطفى محمد المراغي ومحمد الأحمدي إبراهيم الظواهري ومصطفى حسن
أحمد عبد الرازق ومحمد مأمون سيد أحمد الشناوي وعبد المجيد سليم وابراهيم ابراهيم
حمروش ومحمد الخضر حسين ـ من أصل تونسي ـ وعبد الرحمن سيد علي حسن ومحمود شلتوت
وحسن مصطفى مأمون ومحمد محمد الفحام وعبد الحليم محمود علي.
ومنح الرئيس
حسنى مبارك نفس الوسام للدكتور عبد المنعم أحمد النمر واسم المرحوم الشيخ الدكتور
محمد البهي والدكتور محمد حسين الذهبي والدكتور بدوي عبد اللطيف عوض والدكتور عوض
الله حجازي وأسماء المرحومين الدكتور محمد حسن فايق والحسيني أحمد سلطان ودسوقي
محمد العربي وسيد علي المرصفي وعبد الرحمن حسن عبد المنعم وعبد الرحمن محمد قراعه
ومحمد أحمد عرفه ومحمد بخيت المسيري ومحمد الشافعي الظواهري ومحمد عبد اللطيف
الفحام ومحمد عبد الله دراز ومحمود اسماعيل الديناري ويوسف أحمد نصر الدجوى.
ومنح الرئيس
نفس الوسام للدكتور أحمد فهمي أبوسنة وأصحاب الفضيلة الشيوخ أحمد محمد هريدي وبدر
متولي ، عبد الباسط وعلي حسن عبد القادر وعبد العزيز هويدي وسليمان حزين وصالح
موسى شرف وعبد الحليم الجندي وعبد الله عبد الخالق المشد والدكتور محمد جمال الدين
الفندي ومحمد خاطر الشيخ ومحمد شمس الدين ابراهيم ومحمد عبد الله ماضي والدكتور
محمد مصطفى شلبي والدكتور محمد مهدي علام.
ومنح نفس
الوسام لأعضاء مجمع البحوث الإسلامية من البلاد الشقيقة وهم : الدكتور إسحق موسى
الحسيني ـ من فلسطين ـ والدكتور عبد الجليل حسن ـ من ماليزيا ـ والدكتور عبد الله
تمام ـ من المغرب ـ وعلى عبد الرحمن الأمين ـ من السودان ـ والدكتور محمد الحبيب
الشاذلي ـ من تونس ـ واللواء الركن محمود شيت خطاب ـ من العراق ـ والأستاذ وفيق
القطان ـ من لبنان.
ومنح الرئيس
حسني مبارك هذا الوسام الى أسماء المرحومين الشيوخ عيسى أحمد متولي ـ وهو من أصل
فلسطيني ـ ومحمد أبو زهرة ومحمد أحمد فرج السنهوري ومحمد علي السايس ومحمد نور
الحسن ـ وهو من أصل سوداني ـ والمهندس عبد السلام فهمي والشيخ ثابت أبو المعالي
معالي عثمان واسم المرحومين الشيخ محمد عبد اللطيف دراز ومحمود أبو
العيون ومنحه لكل من : الشيخ خلف السيد علي وعبد الجليل عبده شلبي واسم
المرحوم محمود حب الله خير الله ومنحه للشيخ عبد الحميد عبد الحكيم الغفاري وعبد
العزيز عبد الله عبيد وعبد الغنى عبد الله الراجحي ومحمد محمد أبو شهبة واسم
المرحوم محمد علي سالم أبو الروس.
ومنح الرئيس
نفس الوسام الى أصحاب الفضيلة الشيوخ سليمان حسن ربيع والشيخ عبد السلام أبو النجا
ومحمد عبد المنعم خفاجي ومحمد نايل حمد ويوسف أبو العلا الجاشع ويوسف البيومي
البسيوني واسم المرحومين الشيوخ إمام الخولي ويوسف أحمد عوض.
ومنح الرئيس
نفس الوسام إلى الشيوخ محمد قناوي عبد الله ومحمد كامل الفقى وإبراهيم على أبو
الخشب وعبد العظيم على الشناوي ومحمد رفعت فتح الله سليمان سيد أحمد دنيا وعبد
الغني عبد الخالق.
والى أسماء
المرحومين الشيوخ أحمد الشرباصي وعبد الحميد على قادوم وعبد المتعال الصعيدي ومحمد
فتح الله بدران ومحمد محمد الاودين ومحمد يوسف موسى ومنحه الى الشيخ زكي إبراهيم
سويلم واسم المرحوم الشيخ محمد حسن شبانة.
ومنحه إلى
الشيوخ محمد عبد التواب محمد مرسى عامر وأسماء المرحومين الشيوخ محمد محمد التميري
وعلي محمود.
المدارس العلميّة والأدبية فى الأزهر الشريف
خلال الف عام
ـ ١ ـ
جامعة الجامعات
، وحارس الإسلام ، والداعية الأمين إلى دين الله ، طيلة ألف عام أو تزيد.
وحدث عن مجد
الأزهر العلمي خلال تاريخه الطويل ولا حرج ، وعن مواكب العلم والعلماء فيه على
امتداد عشرة قرون كاملة ، وعن حلقات العلم في أروقته الشم ، وعن طلابه وعلمائه
الوافدين من قرى مصر ومن كل أنحاء البلاد الإسلامية ولا عجب .. فالحديث كله عطر
وشذى ، وكله حقيقة وتاريخ.
الأزهر ، هذه
الكلمة الجميلة ، المقدسة ، الطاهرة ، ما أجملها ، وما أكرمها وما أروعها .. إنها
تاريخ أجيال ، وصمود أبطال ، ومواكب تاريخ ، وهي فلق الصباح ، ونور الشمس الباهر ،
وضوء البدر المسفر ، واليقين كل اليقين بعظمة الإسلام وجلاله وخلوده. يقول الشاعر
الكبير إبراهيم ناجي من رسالة أدبية له وجهها إلى الدكتور طه حسين (٩٢ من كتاب ناجي
الشاعر لصالح جودت) :
«أرجو بحق الله
عليك ألا تذكر الأزهر إلا بالخير ، أتعلم لم أحبة؟
أحبه لتلك الحلقات التي تجعل العالم وتلاميذه في صعيد واحد ، فلا يعلو
عليهم إلا بعلمه ؛ وعلى ذكر الأزهر لأجلسن في الحلقات ، وأتعلم الصبر على المكاره».
ويقول أمير
الشعراء. أحمد شوقي : (١٨٦٩ ـ ١٩٣٢) :
يا معهدا
أفنى القرون جداره
|
|
وطوى الليالي
ركنه والأعصرا
|
إن الذي جعل
العتيق مثابة
|
|
جعل الكناني
المبارك كوثرا
|
أمضى الأزهر
أحقابا طوالا في حراسة التراث ، إذ ظل بيت العلم والعلماء ، وموئل المفكرين
والرواد ، ومجدد الثقافة الإسلامية الخالدة ، والنور الوهاّج الذي يضىء ولا يحرق ،
والملاذ الذي تهوى إليه أفئدة المسلمين من كل صوب وحدب.
ومصر منذ القدم
وطن الجامعات ، جامعة عين شمس القديمة ، وجامعة منف ، وجامعة الإسكندرية الأولى ،
وفي الإسلام جامعة الفسطاط ، ثم جامعة الأزهر ، ودار الحكمة ؛ ثم جامعات مصر
الحديثة.
وحين تحتفل مصر
، ويحتفل معها العالم الإسلامي بالعيد الألفي للأزهر نذكر كيف أصبح الأزهر منذ
إنشائه قلعة الإسلام الثقافية وصرح اللغة العربية الحضاري ، ومعقل التراث الإسلامي
العربي بكل ذخائره وفنونه وعلومه على امتداد الأجيال ... ولقد شيده الفاطميون في
مطلع حكمهم لمصر ، بعد أن شيدوا مدينة القاهرة لتكون حاضرة دولتهم الكبيرة ،
وقصدوا أن يكون الأزهر المنارة الثقافية والحضارية لمملكتهم الواسعة ..
ـ ٢ ـ
ويحدثنا
التاريخ فيقول :
ـ وضع الحجر
الأساسي يوم السبت لست بقين من جمادي الأولى
عام ٢٥٩ ه ـ ٩٧٠ م في رواية ، أو يوم السبت الرابع من رمضان في العام نفسه
في رواية أخرى ؛ وكمل بناؤه لسبع خلون من رمضان عام (٣٦١ ه ـ ٢٢ يونيو ٩٧٢ م).
ـ أختار المعز
لدين الله عددا من كبار العلماء والفقهاء في عصره ليتولوا الوعظ والأرشاد في هذا
البيت الكريم ، وكان عددهم ثلاثين ، وأجزل لهم العطاء ، وبنى لهم منازل فخمة ،
ألحقت بالأزهر ، وصارت فيما بعد من أروقته.
ـ وفي صفر ٣٦٥
ه / ٩٧٦ م جلس في الأزهر قاضى القضاة أبو الحسن على بن النعمان بن محمد ، يملي
ويشرح مختصر أبيه في الفقه على مذهب آل البيت ؛ وعنوان هذا المختصر هو «الاقتصار»
، وكان جمعا كبيرا أثبت فيه أسماء الحاضرين من شهود هذا الجمع. وكان ذلك بمثابة
افتتاح رسمي لحلقات التدريس في الأزهر الشريف.
وكان وزير
المعز يعقوب بن كلس يجلس كل يوم جمعة في الأزهر ليدرس. مؤلّفه «الرسالة الوزيرية»
في فقه آل البيت في حلقة خاصة به.
كما كان يجتمع
فيه كل ثلاثاء بالفقهاء وجماعة المتكلمين وأهل الجدل ، وذلك منذ عام ٣٦٩ ه / ٩٨٠
م وكان يرع إلى مجلسه القضاة والفقهاء والأدباء وأكابر القصر ، ورجالات الدولة
والدعوة.
ـ وفي عام ٣٧٨
ه ـ ٩٨٨ م استأذن هذا الوزير الخليفة العزيز بالله في أن يعين بالأزهر جماعة من
الفقهاء للتدريس فيه ، وكان عددهم سبعة وثلاثين فقيها ، وقد رتب لهم العزيز أرزاقا
وجرايات شهرية ، وأنشأ لهم دار اللسكني بجوار الجامع ، وخلع عليهم في يوم الفطر
وكان عدد الطلبة خمسة وثلاثين طالبا ، كانوا كذلك موضع رعاية العزيز وتشجيعه .. وبذلك
صار الجامع جامعة ، وأصبح قبلة العلماء والطلاب ، وأخذت حلقاته تنال شهرة عالمية
.. وقامت المدارس الفكرية والعلمية والأدبية فيه.
ـ ٣ ـ
والمدرسة
الفقهية في الأزهر هي دعامة من أكبر دعاماته ، ففي العصر الفاطمي رأينا مدرسة فقه
آل البيت يتصدرها القضاة من بني النعمان ، وأحيانا داعي الدعاة ، والمؤيد الشيرازي
داعي الدعاة هو ممن كان يلقي محاضراته في الأزهر في عهد المستنصر الفاطمي (٤٢٧ ـ ٤٨٧
ه : ١٠٣٦ ـ ١٠٩٤) ، وكان المؤيد شاعرا كبيرا ، وأدبيا موهوبا ، وله ديوان شعر ،
ومن كتبه : المجالس المستنصرية نهج ـ الهداية ـ نهج العبادة ، وغيرها. وكان يناظر
أبا العلاء المعري في بعض محاضراته.
فتحت أبواب
الأزهر منذ إنشائه لكل مسلم ، وقصده الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها. يتلقون العلم
فيه ، وتجرى عليهم الأرزاق ، وتقيم كل جماعة منهم في مكان خاص بهم ، وهذا هو نظام
الأروقة الذي بدأ ببداية الحلقات العلمية في الأزهر. ومن كتب فقه آل البيت التي
كانت تدرس في الأزهر آنذاك : كتاب الاقتصار ـ الرسالة الوزيرية ـ دعائم الإسلام
وغيرها. وفي مقدمة الأساتذة المدرسين فيه.
ـ بنو النعمان
قضاة مصر ، ومنهم : أبو الحسن علي بن النعمان (ـ ٣٧٤ ه) أخوه أبو عبد الله محمد
بن النعمان (٣٨٩ ه) ـ ابنه الحسن ابن علي بن النعمان قاضي الحاكم بأمر الله. وقد
ظل فقه آل البيت يدرس حتى جاء الأيوبيون ، فمنعوا دراسة الفقه الاسماعيلي فيه.
ومن المرجح أن
فقيه مصر ومؤرخها الكبير ، الحسن بن زولاق (ـ ٣٨٧) كان من الذين تولوا التدريس فيه
، فقد كان صديق المعز لدين الله ومؤرخ سيرته ، ثم صديق ولده العزيز من بعده ، فمن
المعقول ان يكون من الذين اختيروا للتدريس فيه.
وفي العصر
الفاطمي كان الأزهر مركزا ، ومقرا لمجالس القضاء ، ومركز الاحتفال الرسمي بالمولد
النبوي الشريف ، وبيوم عاشوراء كذلك قبل إنشاء المشهد الحسيني عام ٥٤٩ ه.
ومن أعلام
الفكر في الأزهر في العصر الفاطمي : المسبحي الكاتب والمؤرخ المشهور (٣٦٦ ـ ٤٢٠ ه)
، وقد أخذ بقسط كبير من ثقافات عصره وعلومه.
ومن كتبه :
أخبار مصر ، وكتب أخرى مفقودة. وقد نشأ وتعلم في الأزهر وأفاد من علمائه.
ومنهم كذلك أبو
عبد الله القضاعي (٣٩٠ ـ ٤٥٤ ه) الذي كان من أقطاب العلماء ، وتولى منصب القضاء
وغيره من مهام الدولة في عهد المستنصر وأوفده الخليفة سفيرا إلى قيصرة القسطنطينية
عام ٤٤٧ ه / ١٠٥٥ م للمفاوضة في عقد صلح بينهما. وله كتاب مفقود في تاريخ مصر
بعنوان «المختار في ذكر الخطط والآثار». ومنهم الحافظ السلفي (٤٧٠ ـ ٥٧٦ ه).
وفي العصر
الأيوبي عطلت صلاة الجمعة في الأزهر نحو مائة عام ، ولكن حلقات الدراسة بقيت
مستمرة فيه ، وألغى درس الفقه الاسماعيلي ، ودرس فقه أهل السنة والمذاهب الفقهية
الأخرى. وقام في حلقاته في هذا العصر وما بعده الآلاف من كبار الفقهاء والمفتين ،
ونذكر منهم :
ـ شيخ الإسلام
الحافظ المنذري (٥٨١ ـ ٦٦٠ ه).
شيخ الإسلام عز
الدين عبد السلام (٥٧٧ ـ ٦٦٠ ه).
ـ قطب الدين
القسطلاني (٦١٤ ـ ٦٦٦ ه).
شيخ الإسلام
ابن دقيق العيد (٦٢٥ ـ ٧٠٢ ه).
ـ الإمام
الزيلعى ٧٤٣ ه.
ـ الإمام تقي
الدين بن السبكي (٦٨٣ ـ ٧٥٦ ه).
ـ الإمام
البلقيني (٧٢٤ ـ ٨٠٥ ه) مجدد المائة الثامنة.
ـ الإمام
السيوطي (٨٤٩ ـ ٩١١ ه) مجدد الإسلام في المائة التاسعة.
ـ الإمام
الكمال بن الهمام (ـ ٨٦١ ه).
الإمام شهاب
الدين ابن عبد الحق السنباطي (٩٢١ ه).
ـ وكان واعظا
بالأزهر الشريف.
ـ شيخ الإسلام
الرملي.
ـ شيخ الإسلام
الشيخ عبد الله الشبراوي (١٠٩١ ـ ١١٧١ ه).
ـ شيخ الإسلام
الفقيه المحدث المفتي أحمد الخالدي الأزهري الشهير بالجوهري (١٠٩٦ ـ ١١٨٢ ه).
ـ شيخ الإسلام
الشيخ الخرشي (ـ ١٠٠١ ه).
ـ الشيخ على
العدوي المالكي (١١١٢ ـ ١١٨٩ ه).
ـ الشيخ
الدردير (١١٢٧ ـ ١٢٠١ ه).
وظلت المدرسة
الفقهية ممثلة في الأزهر أتم تمثيل ، وبها نال مجدا باذخا وصيتا عاليا ، في جميع
المذاهب الإسلامية الفقهية ، فكان شيوخ الأزهر من كبار الفقهاء في العالم الإسلامي
، حيث وجدنا :
ـ الشيخ المهدي
العباس الحنفي مفتي الديار المصرية ، وصاحب الفتاوي المهدية (١٢٤٣ ـ ١٣١٥ ه).
ـ الشيخ حسونه
النواوي شيخ الأزهر الشريف (١٢٥٥ ـ ١٣٤٣ ه)
ـ الشيخ بخيت
المطيعي.
ـ الشيخ عبد
المجيد سليم.
ـ الشيخ حسنين
مخلوف.
ـ الشيخ محمد
حسنين مخلوف.
ـ الشيخ محمود
شلتوت. وغيرهم.
ولا ريب أن
المدرسة الفقهية في الأزهر خلال ألف عام قد رفعت راية الإسلام خفاقة عالية ،
وحافظت كل المحافظة على روح التشريع الإسلامي. فقها وأصولا وفتيا وقضاء.
ـ ٤ ـ
ومدرسة التفسير
والحديث والقراءات في الأزهر الشريف ذات صدى كبير في التراث الإسلامي ، وقبل إنشاء
الأزهر عاش في مصر نافع (١٢٠ ه) ، وورش شيخ القراء ، وحسبنا في القراءات الشاطبي (٥٣٨
ـ ٥٩٠ ه) ، والفخر البلببسي أستاذ القراءات وإمام الأزهر ؛ ومحمد بن سرافة
الشاطبي (٥٩٢ ـ ٦٦٣ ه) ، وقد تولى مشيخة دار الحديث الكاملية في القاهرة.
ومن المحدثين
من أعلام الأزهر كذلك : أبو العباس أحمد بن هاشم المصري ، كان من كبار المحدثين
والمقرئين حيث اشتهر بدرسه في القراءات بالأزهر الشريف ، وتوفي عام ٤٤٥ ه) ،
ومنهم. السخاوي المصري (٥٥٨ ـ ٦٤٣ ه) ، وهو صاحب تفسير مشهور ، والحافظ المنذري
شيخ الإسلام ، والحافظ السلفي ، وابن المنير وكان إماما في التفسير والنحو والأدب (٦٠٢
ـ ٦٨٣ ه) ، وقطب الدين القسطلاني (٦١٤ ـ ٦٦٦ ه) ، وشرف الدين الدمياطي المحدث (٦١٣
ـ ٧١٥ ه) ، وابن حجر (٧٧٣ ـ ٨٥٢ ه) وهو مؤلف «فتح الباري في شرح صحيح البخاري»
وقد تولى خطابة الأزهر حينا من الزمان ، وكذلك بدر الدين العيني (٧٦٢ ـ ٨٥٥ ه)
مؤلف «عمدة القارىء بشرح صحيح البخاري» ، وكذلك شيخ الأزهر الشيخ عبد الله
الشرقاوي (١١٥٠ ـ ١٢٢٧ ه).
ومن المفسرين
الأجلاء : الجلالان : السيوطي ، والمحلي ، والخطيب الشربيني .. ومن المفسرين في
عصرنا : شلتوت ومخلوف والشيخ عبد الجليل عيسى ، والخفاجي وسواهم.
وليتنا نجد في
جامعة الأزهر كلية للتفسير والحديث خاصة ليستعيد الأزهر مكانته في هذا الجانب
العلمي الجليل.
ـ ٥ ـ
وحدث عن مدرسة
التصوف في الأزهر الشريف ولا حرج ، وأمامنا : عبد الرحيم القنائي (٥٩٢ ه) ، وأبو
العباس المرسي (٦١٦ ـ ٦٨٦ ه) ، وابن الفارض (٤٧٦ ـ ٦٣٢ ه) ، وإبراهيم الدسوقي (٦٣٣
ـ ٦٧٦ ه) ، والبوصيري (٦٠٨ ـ ٦٣٩ ه) ، وابن عطاء الله السكندري (٦٣٨ ـ ٧٠٩ ه)
وابن دقيق العيد (٦٢٣ ـ ٧٠٢ ه) ، وشمس الدين الحنفي (٨٤٧ ه) ، والشعراني (٨٩٨ ـ ٩٧٣
ه) ، وعبد الله الشبراوي (١١٧١ م) ، والشيخ الحفني ١١٨١ ه ، والشيخ الدردير ..
وسواهم ..
ـ ٦ ـ
ومدرسة الأدب
والشعر والنقد في الأزهر مدرسة ممتدة على طول الأيام .. ونحن لا ننسى : ابن شيت من
أدباء القرن السادس ، وابن الفارض (ـ ٦٣٢ ه) ، وابن أبي الأصبع (ـ ٦٥٤) ، وابن
الساعاتي (ـ ٦٠٤ ه) ، والبهاء زهير ٥٨١ ـ ٦٥٦ ه) ، وابن مطروح (٥٩٢ ـ ٦٤٩ ه) ،
والقلقشندي صاحب صبح الأعشى (ـ ٨٢١ ه) والنويري ، صاحب نهاية الأرب (٧٣٢ ه)
والسيوطي (٩١١ ه) ، والعباس صاحب كتاب «معاهد التنصيص» ، وابن نباته المصري (٦٨٦
ـ ٧٦٨ ه) ، ومحمد جلال الدين الوطواط (ـ ٨١٨ ه) ، وابن الوردي ، وشمس الدين
النواحي ، والشهاب الخفاجي (٩٧٥ ـ ١٠٦٩) ، والمحبي (١٠٦١ ـ ١١١١ ه) ، وعبد الله
الشبراوي (١١٧١) وسواهم. وفي العصر الحديث نجد الشيخ حسن العطار والشيخ عبد الهادي
نجا الإبياري (١٨٢١ ـ ١٨٨٨ م) وحسين المرصفي وسيد بن على المرصفي وغيرهم.
ولما ظهر
الإمام محمد عبده بدأت النهضة الأدبية تشق طريقها بقوة داخل أروقة الأزهر ، وقد
ألف الإمام جمعية إحياء علوم العلوم العربية عام
١٩٠٠ م وكان فاتحة أعمال هذه الجمعية ـ طبع كتاب المخصص لابن سيده ، ثم نهج
البلاغة. كما طبع أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز وهما لعبد القاهر الجرجاني ، وقد
درسهما الإمام محمد عبده في الأزهر.
ولما ألقى
الإمام محمد عبده درسه الأول في كتاب «أسرار البلاغة» في الأزهر قال الشيخ محمد
المهدي : لقد اكتشفت معنى البيان هذه الليلة : ومن تلاميذ الإمام في حلقات العلم
والفكر : حافظ إبراهيم ، ومحمد رشيد رضا : وسعد زغلول ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ،
ومصطفى صادق الرافعي ، وعبد المحسن الكاظمي ، وأحمد لطفي السيد ، الذي كان يقول عن
الإمام : أستاذنا ، والشيخ مصطفى عبد الرازق ، ومحمد مصطفى المراغي ، والشيخ حسين
والي ، وعباس محمود العقاد الذي كان يقول عن الإمام محمد عبده : إنه أعظم رجل ظهر
في مصر منذ خمسة قرون. ومدرسة الامام هي التي قادت مواكب النهضة والتجديد والاصلاح
في مصر. على أن جل أدباء مصر منذ القرن الخامس حتى اليوم ، هم من أبناء الأزهر ،
وفي هذا المقام نذكر الشيخ محمد الخضر حسين ، والسيد حسن القاياتي ، وشاعر الأزهر
الشيخ محمد الأسمر (١٩٠٠ ـ ١٩٥٦) : ونذكر الشاعر محمود أبو الوفا ؛ وصالحا
الشرنوبي.
وأول رائد في
النقد في العصر الحديث هو الشيخ الأزهري حسين المرصفي (١٨٨٩ م) ، وأول رائد في
القصة القصيرة هو الأزهري مصطفى المنفلوطي ، وأول رائد في الصحافة المصرية هو
الصحفي الأزهري الشيخ على يوسف رحمه الله.
وفي الأزهر ألف
المقري كتابه الخالد «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب» نحو عام ١٠٢٠ ه ، وكذلك
في الأزهر ألف كتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان (٦٨١ ه).
ـ ٧ ـ
وفي البلاغة
والنقد ظهرت مدرسة كبيرة في الأزهر ، ومن أعلامها :
ابن أبي الأصبع
المصري (٥٨٥ ـ ٦٥٤ ه) ، وهو مؤلف كتاب بديع القرآن ، وتحرير التحبير.
وتلاه ابن
السبكي صاحب كتاب «عروس الأفراح» (٦٨٣ ـ ٧٥٦ ه) ، ثم السيوطي صاحب كتاب «عقود
الجمان في المعاني والبيان».
وألف البديعي (١٠٧٣
ه) كتابه «الصبح المنبى» عن حيثية المتنبي.
وتمتاز مدرسة
البلاغة في الأزهر بجمعها بين طريقتي المتكلمين والأدباء وبأنها ترجع إلى الذوق
أكثر من احتكامها إلى المنطق.
ـ ٨ ـ
وقامت في
الأزهر مدرسة لغوية ونحوية كبيرة ، بدأت بالحوفي النحوي الذي كان من أئمة اللغة في
عصره ، وألف كتبا كثيرة في النحو والأدب ، منها كتاب «إعراب القرآن» وتوفي عام ٤٣٠
ه ؛ وقد أخذ عن أبي بكر الأدفوي ، وكتابه «الموضح» في النحو استوفى فيه العلل
والأصول.
ثم ظهر ابن
بابشاذ النحوي المشهور ، وكان كاتبا في ديوان الانشاء في خلافة المستنصر الفاطمي ،
وتوفي عام ٤٦٩ ه ، وله شرح على كتاب الجمل للزجاجي ، وشرح على الأصول لابن
السراج.
وتلاه أبو عبد
الله بن محمد بن بركات النحوي ، وهو تلميذ القضاعي ، وكان من أئمة اللغة والنحو ،
وتوفي عام ٥٢٠ ه.
وتلاهم ابن بري
المصري المتوفى عام ٥٨٢ ه ، الذي رأس ديوان الرسائل ، كابن بابشاذ ، وله في النحو
واللغة مؤلفات كثيرة ، ثم ابن القطاع اللغوي صاحب كتاب الأفعال.
وفي العصر
الأيوبي وعصر المماليك والعصر العثماني في الأزهر طائفة من أعلام اللغويين والنحاة
، من أشهرهم :
ابن منظور (٣٦٢
ـ ٧١١ ه) الذي ألف معجمه «لسان العرب» في الأزهر.
وابن معطى (٦٢٨
ه) الذي تصدر لقراءة النحو والأدب في الأزهر ، وله شرح على الجمل للزجاجي.
وابن الحاجب ،
الذي نصدر في النحو ، وله كتاب الإيضاح وهو شرح على المفصل للزمخشري.
والمرادي
المصري (٧٤٩ ه) ، وله شرح كذلك على المفصل ، وشرح على كتاب التسهيل لابن مالك.
والفيروز أبادي
(ـ ٨١٧ ه) الذي وضع معجمه «القاموس المحيط» في الأزهر.
كما ظهر ابن
هشام النحوي المصري (٧٠٨ ـ ٧٦١ ه) صاحب الشذور ، والقطر ، وأوضح المسالك ، ومغنى
اللبيب ، والجامع الكبير ، والجامع الصغير ، وقواعد الإعراب ، وغيرها. وقال عنه
ابن خلدون في مقدمته : ما زلنا نسمع ونحن بالمغرب أنه قد ظهر بمصر عالم بالعربية
يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه.
وتلاه ابن عقيل
المصري (٧٦٩ ه) والدماميني الذي التف حوله الطلاب في الأزهر ، وله شرح على
التسهيل وشرح على المغنى.
ثم الشمنى (٨٧٢
ه) ، وخالد الأزهري ، والسيوطي (٩١١ ه) والأشموني (٩٢٩ ه) ، وابن قاسم (٩٩٤ ه)
، والشنوانى (١٠١٩ ه) وعبد القادر البغدادي (١٠٩٣) صاحب «خزانة الأدب» ، والشيخ
يس (١٠٦١ ه) والحفنى ١١٧٨ ه والصبان (١٢٠٦ ه) وغيرهم.
وفي الأزهر ألف
السيد مرتضى الزبيدي (١٢١٥ ه) معجمه اللغوي الكبير «تاج العروس».
ـ ٩ ـ
وفي الأزهر
ظهرت مدرسة تاريخية ضخمة بدأت بالحسن بن زولاق
المصري (ـ ٣٨٧ ه) الذي كان من أوائل الذيي تولوا التدريس في الأزهر.
ثم ظهر
المسبحّي (٣٦٦ ـ ٤٢٠ ه) الكاتب والمؤرخ الشهير ، وكتابه «أخبار مصر» الذي فقدناه
كان ثروة كبيرة ، وقد اعتمد عليه المؤرخون.
وظهر بعد
المسبحي الفضاعي المؤرخ والمحدث والفقيه وله كتب كثيرة منها «المختار في ذكر الخطط
والآثار».
وفي الأزهر في
العصر الأيوبي وفد على مصر عام ٥٨٩ ه ظهر عبد اللطيف البغدادي (٥٥٧ ـ ٦٢٩ ه)
المؤرخ والأديب والناقد والطبيب ، الذي ألقى رجاله في الأزهر ، وكان يلقي دروسه
فيه على الطلاب أعواما طوالا.
ثم وفد كذلك
على مصر ابن خلدون (٧٣٧ ـ ٨٠٨ ه) وذلك عام ٧٨٤ ه ، وألقى رجاله في الأزهر ،
وأكمل كتابه التاريخي «العبر وديوان المبتدأ والخبر» وهو ستة أجزاء ، وانتهى كذلك
في الأزهر من كتاب مقدمة هذا التاريخ المعروفة بالمقدمة ، وهي في علم الإجتماع ، وابن
خلدون هو رائد علم الإجتماع في العالم. ونشرت المقدمة في مصر عام ١٨٥٨ م ، وقد كان
الإمام محمد يدرسها لتلاميذه في الأزهر ، وفي مدرسة دار العلوم.
وفي عصر
المماليك ظهر أيضا من أعلام المؤرخين في الأزهر : السخاوي ، والمقريزي ، وابن إياس
، وتقي الدين الفاسي تلميذ ابن خلدون ، والسيوطي وسواهم.
ـ ١٠ ـ
ولم يقتصر
التعليم في الأزهر على المبصرين ، بل شمل المكفوفين كذلك ، وكان منهم طائفة من
كبار العلماء ، ومنهم في عصرنا الحديث الشيخ يوسف الدجوي (١٩٤٦ م).
وكذلك لم يقتصر
على الرجال ، بل شمل النساء ، ويحدثنا المقريزي عن فقيهة كانت تدرس في الأزهر
للنساء واسمها أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية (٧١٤ ه). ويحدث الجبرتي عن فقيهة
مكفوفة كانت تحضر دروس الشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر في المسجد الشريف (٤ /
١٧٢ الجبرتي).
ـ ١١ ـ
وقد شملت
ثقافات الأزهر العلوم الرياضية والهندسة والطب والفلسفة غيرها ، فقد كانت العلوم
الرياضية والفلكية والطبيعية والجغرافية تدرس في الأزهر الشريف منذ العصر الفاطمي.
ومن الفلاسفة
لأطباء الأزهريين أبو الحسن علي بن رضوان (ـ ٥٤٣ ه) وشرف الدين عبد الله بن علي (٥٩٢
ه) ، والرشيد بن الزبير ، وكان شيخا للأطباء في مصر وتوفي عام ٥٦٣ ه ، والقطب
المصري (ـ ٦١٨ ه).
وكان عبد
اللطيف البغدادي يدرس في الأزهر الطب لطلابه وجاء في إجازة الشيخ أحمد عبد المنعم
الدمنهوري (شيخ الأزهر من عام ١٧٦٨ ـ ١٧٧٦ م ، والذي توفي عام ١١٩٢ ه ـ ١٧٧٨ م
أنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية ، وله تآليف في كثير منها ، وهي :
الحساب ـ الميقات
ـ الجبر والمقابلة ـ المنحرفات ـ أسباب الأمراض وعلاماتها ـ علم الاسطرلاب ـ الزبج
ـ الهندسة ـ الهيئة ـ علم المزاول ـ علم الأعمال الرصدية ـ علم الحيوان والنبات
والمعادن علم استنباط المياه ـ علاج البواسير ـ علم التشريح ـ علاج لسع العقرب ـ التاريخ.
وكان الشيخ حسن
الجبرتي ، وهو والد الجبرتي المؤرخ ، ذا شهرة كبيرة في العلوم الرياضية ، وقد ذكر
ابنه المؤرخ أنه في عام ١١٥٩ ه ـ ١٧٤٦ م أتى إليه طلاب من الفرنجة وتلقوا عليه
علم الهندسة.
وقد تلقى الشيخ
حسن الجبرتي هذه العلوم الرياضية في الأزهر على
الشيخ محمد النجاحي ، ثم على الشيخ حسام الدين الهندي الذي كان قدم إلى
الأزهر للتعلم ، وكان بارعا في العلوم الرياضية والفلسفية ، فتلقاها عنه طلاب
الأزهر ، ومن بينهم الشيخ حسن الجبرتي الذي طارت شهرته بها ، وكان عنده كثير من
الآلات الفلكية والهندسية وآلات أكثر الصناعات والأسطرلابات وغيرها وآلات الرسم
والتقاسيم. وكان يجتمع به مهرة الصناع ليستفيدوا من علمه. وكان يعرف صناعة استخراج
المياه.
وفي سنة ١١٧٢ ه
/ ١٧٥٨ م وقع خلل في الموازين فصححها ... ولم ينقص ذلك من إلمامه بالعلوم الدينية
والعربية ، بل كان حجة في الفقه وغيره. وتوفي عام ١١٨٨ ه / ١٨٧٤ م.
ولقد نعى والي
مصر العثماني منذ عام ١١٦١ ه أحمد كور باشا إهمال مصر والأزهر للعلوم الرياضية
وذلك أمام الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر الشريف.
كما كان الشيخ
حسن العطار ينعي على الأزهر أيضا إهمال هذه العلوم وله مؤلفات في الطب والتشريح.
والوالي أحمد
كور باشا هو الذي روى عنه قوله :
إن مصر منبع
العلوم والفضائل كما هو مسموع عندنا فى الديار الرومية ـ العثمانية ـ (١ / ١٨٧
الجبرتي).
وفي وثيقة
رسمية لمشيخة الأزهر عام ١٢٨٢ ه / ١٨٦٤ م أن من العلوم التي كانت تدرس في الأزهر
آنذاك : التصوف والفلسفة والهندسة والموسيقى والمنطق والحساب والجبر والفلك
والهيئة.
وفي عام ١٣١٠ ه
/ ١٨٩٢ م كان من العلوم التي تدرس فيه : التصوف ـ.
وقد أصدر الشيخ
الإنبابي فتوى بجواز تعلم العلوم الرياضية وعلم الطب وغيرهما ...
ـ ١٢ ـ
وبعد فهذا هو
الأزهر ، وهذه صورة للمدارس العلمية التي كانت سائدة فيه طيلة عشرة قرون.
الأزهر العظيم
الذي وصفه المقريزي بأنه دار الإسلام ، وأن الزائر له يجد فيه من الأنس بالله
والارتياح له ونزوع النفس إليه ما لا يجده في غيره.
وحينما وفد ابن
خلدون من تونس إلى القاهرة للإقامة فيها هاله أمر القاهرة ومسجدها العظيم وجامعتها
الكبرى فقال مشدوها. انتقلت إلى القاهرة فرأيت محشر الأمم وإيوان الإسلام وكرسى
العلم وحاضرة الدنيا ـ (نفح الطيب للمقري ٣ / ١٣٣). وروى ابن خلدون عن قاضي
الجماعة بفاس : من لم ير القاهرة وأزهرها لم يعرف عزة الإسلام.
وحين وصف ابن
بطوطة مصر قال : إنها أم البلاد وإن قاهرتها قهرت الأمم.
وفي عصرنا كتب
أمير الشعراء أحمد شوقي في صحيفة الأخبار القديمة عدد اليوم السادس من سبتمبر ١٩٢٤
يقول : سأظل فخورا بأن من أساتذتي شيوخا من صميم الأزهر الشريف وكبار علمائه. ولقد
سد الأزهر فراغا كبيرا في التعليم في مصر والبلاد الشرقية جميعا.
وحين زار سعد
زغلول الأزهر عام ١٩٢١ بعد عودته من منفاه لاداء صلاة الجمعة فيه خطب في علمائه
وطلابه ، فقال فيما قال :
«جئت اليوم
لأودى في هذا المكان الشريف فريضة صلاة الجمعة ، وأقدم واجب الاحترام لمكان نشأت
فيه ، وكان له فضل كبير في النهضة الحاضرة ؛ وتلقنت فيه مبادىء الحرية والاستقلال
..» ـ ص ٦١ سعد زغلول العقاد ـ
وفي اليوم
الأول للاحتفال بالعيد الألفي للأزهر الشريف خطب الرئيس حسني مبارك في الأزهر ،
فقال :
كان الأزهر على
مر العصور القلعة الشامخة التي حفظت للقرآن لغته ، وللحديث مكانته ، وللدين
تعاليمه وللشريعة أحكامها ، وللفقه أصوله وضوابطه ، وللأمة الإسلامية تراثها
الحضاري الفريد ، وأصالتها الفكرية الراسخة في مواجهة الغزو الثقافي من الخارج.
وقال رئيس
جمهورية المالاديف : إن تاريخ الأزهر ليس هو تاريخ مصر وحدها ، بل هو تاريخ الأمة
الإسلامية جمعاء.
وصدقوا فيما
قالوا ويقولون عن الأزهر الشريف ، النغم الحلو في فم الزمان ، واللواء المرفوع في
مواكب التاريخ ، والسهم المسدد في صدور أعداء الإسلام.
علماء أزهريون من العصر المملوكي
العصر المملوكي
بشقيه التركي والجركسي كان زاخرا بعلماء متصوفة وقد شجع على ذلك كثير من السلاطين
والأمراء والمماليك ، فكانوا في حجج وقصرا على مؤسساتهم العلمية والدينية والصحية
وغيرها يشترطون لتولي وظائفها أن يكون الطلاب والمدرسون من الصوفية ، حتى ولو
كانوا يدرسون علوما أخرى كالفقه والحديث والتفسير وغيرها. بجانب عملهم بالتصوف.
ولم يكتف
السلاطين والأمراء بهذا ، بل إن غالبية كبيرة منهم كانوا من كبار الصوفية ، وفي
مقدمتهم السلطان قايتباى نفسه.
وقد انسحب ذلك
المعنى على الجامع الأزهر ، بل إن ذلك كان أصيلا فيه ، فمعالم علمائه نشئوا على
الزهد في الدنيا مع شظف العيش والبساطة في المأكل والملبس ومعظمهم أيضا تصدروا
الدروس بالأزهر بدون ما أجر طلبا لثواب الله ورضاه ..
وكان الأمراء
والمماليك كانوا يرتبون دروسا للتصوف بالجامع الأزهر ، وأوقفوا عليها الأوقاف
الوفيرة التي تضمن لها الدوام والاستمرار وكان منهم الأمير خشقدم الزمام الذي رتب
أربعين طالبا وشيخهم من المتصوفين بالجامع الأزهر ، وكذلك الأمير فيروز الناصري
وغيرهما من الأمراء.
والحقيقة أن
رجال الأزهر من المتصوفين قاموا بدور بارز ، بجلد وصبر منقطع النظير في الحفاظ على
التراث الموجود الآن بالأزهر وغيره من مكتبات مصر والهند وتركيا ، فإن السلطان
سليم قد نقل من تراث الأزهر وملأ به مكتبات استنبول وغيرها.
ولقد عكف
المتصوفون بالجامع الأزهر ليل نهار ، يكتبون وينسخون المخططات التي كادت تبل من
القدم ، وكذلك يبيضون بخطوط جميلة الأمالي التي أملاها عليهم شيوخهم في الحلقات
العلمية.
وفضل الصوفية
في الحفاظ على التراث الإسلامي ، والتمسك بعقيدتهم ومبادئهم ومثلهم ووقوفهم في وجه
التيارات المعادية للوطن في كل العصور ، وحبهم لطلابهم ومشايخهم وأزهرهم ومصرهم ،
بالاضافة الى حب الله ورسوله وصحابته وآله والتابعين .. لا ينكره إلا مكابر ..
١ ـ قنبر بن
عبد الله العجمي الشيزواري ثم القاهري الأزهري الشافعي المتوفى سنة ٨٠١ ه ـ ١٣٩٨
م مهر في العلوم العقلية ، تصدر بالأزهر مدة يدرس للطلبة بعد قدومه للديار المصرية
قبيل سنة ٧٩٠ ه.
٢ ـ محمد بن
ابراهيم الشمسي بن عبد الله الشافعي المولود سنة ٧٤٧ ه مات سنة ٨١١ ه ، قدم
القاهرة فقطنها وأقبل على الزهد والعبادة ، فكان لا يضع جنبه بالارض بل يصلي
بالليل ويتلو القرآن ، فان نعس أغفى اغفاءة ، ثم يعود فيواصل الصلاة والقراءة.
٣ ـ إبراهيم بن
عمر الادكاوي الأزهري المتوفى سنة ٨٣٤ ه.
ومن تلاميذ
الادكاوي وممن لبسوا منه خرقة التصوف العلامة العاصفي شيخ رواق الريافة بالأزهر ،
والشمس السكندري المولود سنة ٨١٨ ه مات سنة ٩٠٦ ه ، كما صحبه الابناسى والشهاب
اللامي المعروف بالصندلي مات سنة ٨٨٩ ه وغيرهم.
٤ ـ الشيخ
خليفة المغربي المعتقد نزيل جامع الأزهر الذي كان يزوره السلاطين بالجامع الأزهر.
٥ ـ الشيخ سعيد
المغربي المعتقد الصالح نزيل الجامع الأزهر جاور به عدة سنين. وله مريدون وللناس
في صلاحه اعتقاد كبير ، زاره وزميله السابق السلطان برسباي.
٦ ـ سليمان بن
شعيب البحيري : تصدر لتدريس الفقه المالكي بالأزهر وغيره.
٧ ـ محمد بن
موسى اللقاني ولد سنة ٧٧٢ ه ومات بمنزله بالقرب من الأزهر سنة ٨٤٠ ه ، ضبط
الاسماء وقرأ الجوق وكان ذا صوت حسن.
٨ ـ شمس الدين
أبو عبد الله الغمري ثم المحلي الشافعي قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر فأخذ
الفقه والفرائض والميقات وغيرها عن شيوخ الجامع ، وكان يتكسب بالعطر حرفة أبيه.
٩ ـ محمد بن
عبد الله الرشيدي المولود بالقاهرة سنة ٧٦٧ ه كان بيده درس اسماع بالأزهر وكان
خطيبا كأسلافه ينشىء الخطبة المناسبة لمقام الحال ، وبرع فيها حتى ان الناس كانوا
يأتون لسماعه من أماكن بعيدة.
١٠ ـ على بن
عمر بن القاهري الأزهري الشافعي المولود سنة ٨٢٥ ه وانتقل منها الى القاهرة سنة
٨٤١ ه فأقام ومات سنة ٨٩٠ بالجامع الأزهر.
وكان أحد من
يلبسون الصوف ، وتنزل في صوفية سعيد السعداء والبيبرسيه وغيرهما ، ثم آل أمره
بالذهاب الى الريف بنواحي المنصورة ، فأقام ببعض الجوامع وانتفع الناس بعلمه
وصلاحه.
١١ ـ محمد بن
موسى الشمس الفيومي ثم القاهري الأزهري الشافعي درس لبعض الطلبة ، وكان خيرا ذا
فضيلة.
١٢ ـ حسن بن
علي حسن البدر السفطي الأزهري الشافعي ممن تتلمذ على يد السخاوي.
١٣ ـ عبد
اللطيف بن عيسى بن الحصباي الأزهري الشافعي ، تكسب بالشهادة أولا ثم أصبح قاضيا
درس بالمدرسة الباسطية وغيرها.
١٤ ـ ومن أئمة
الصوفية : الشيخ الدردير رحمه الله.
بقى أن نذكر
بعض أمراء المماليك درسوا بالأزهر وتأثروا بعلمائه وحملوا علم التصوف ومنهم الامير
الصوفي صاحب المبرات المقصود بالشفاعات «اينال» كان حنفيا جركسيا من مماليك «نوروز
الحافظي» نائب الشام ، تجرد «اينال» هذا في أيام أستاذه ، وجال في بلاد الروم
وغيرها بعد اشتغاله ودراسته بالجامع الازهر ثم قدم القاهرة ، وافتدى به تلميذه
الصوفي الأمير «خجابردي» مات اينال سنة ٨٦٤ ه ودفن بزاوية خجابردي المذكور.
وهذا يؤكد ما
قلناه سابقا من أن أمراء المماليك ، تأثروا بالتصوف في هذا العصر الذي نؤرخ له ،
وكانت لهم بالأزهر وغيره خيرات ومبرات .
__________________
الإمام السيوطي
الإمام جلال
الدين السيوطي من أشهر علماء عصره (٨٤٩ ـ ٩١١ ه) الموافق (١٤٤٥ ـ ١٥٠٥ م) ؛ كان
نادرة عصره ، بقية السلف وعمدة الخلف كما يقول عنه معاصره «ابن اياس» في كتابه «بدائع
الزهور» بل كان جلال الدين والدنيا ومعدن التدريس والفتيا ، جمّل الله به ملة
الإسلام كما يقول الشهاب المنصوري الشاعر المعاصر له.
ولقد عاش
السيوطي في أواخر عصر المماليك الذين أمتد نفوذهم في كل مكان ، وقامت لمصر في
أيامهم دولة عظمى وامبراطورية كبرى كان لها الرأي الفاصل في كل القضايا العالمية
آنذاك ، وامتدت هيبتهم من الهند إلى شواطىء المحيط الأطلسي ، وشمل حكمهم ما بين
برقة وضفاف الفرات وما بين قبرص إلى مجاهل أفريقيا ، كما شمل اليمن والحجاز وسواحل
المحيط الهندي ، بل امتد إلى حدود الحبشة وجهات سواكن وجزائرها وحدث عن مجد
المماليك ومصر بعد هزيمة الجيش المصري للتتار في عين جالوت عام ٦٥٨ ه / ١٢٦٠ م ،
ثم بعد اجلائهم الكامل للصليبيين من سواحل الشام عام ٦٩١ ه / ١٢٩٠ م ، بل حدث عن
أثر نقل الخلافة العباسية إلى القاهرة عام ٦٥٩ ه / ١٢٦١ م ولا حرج حتى ليقول
السيوطي في كتابه «حسن المحاضرة» : «اعلم أن مصر حين صارت دار
الخلافة عظم أمرها وصارت محل سكني العلماء ومحط رحال الفضلاء» (٢ / ٦٥ حسن
المحاضرة).
وكانت دولة آل
عثمان بعد فتح القسطنطينية عام ٨٥٧ ه / ١٤٥٣ م تتطلع وهي في آسيا الصغرى إلى هذا
المجد الكبير وإلى مكانة مصر العالمية الكبرى بعين الحدث وتتربص بامبراطوريتها ريب
الأحداث.
وصارت حضارة
مصر آنذاك مضرب الأمثال ، فمفاتيح التجارة العالمية بين الشرق والغرب في يدي الشعب
المصري والأموال تتدفق عليه بلا حساب والرخاء والازدهار تبلغ القاهرة كل أحلامها
منهما .. وكان سلطان المماليك يلقب بسلطان البرين والبحرين أي البر المصري والبر
الشامي ، والبحر الأبيض والبحر الأحمر .. وكان لقب قلاوون «ملك البرين والبحرين
وصاحب القبلتين وخادم الحرمين الشريفين». وأحيانا كان يلقب بسلطان الشام واليمن
ملك البحرين خادم الحرمين الشريفين صاحب القبلتين ملك الديار المصرية والجهات
الحجازية والبلاد الشامية والأعمال الفراتية والديار البكرية .. بل لقد خطب
للسلطان برقوق باسمه في توريز من بلاد العجم وفي الموصل وماردين وسنجار وضربت
النقود باسمه في جميع هذه البقاع.
وكان عصر
السيوطي عصر ازدهار الثقافة الإسلامية والعربية ، وحدث عن جامعة مصر الكبرى
الأزهر. ويقول المقريزي فيه الزائر له يجد من الأنس بالله والارتياح ونزوع النفس
ما لا يجد في غيره .. ومع أن المماليك كانوا ينتمون إلى أصول غير عربية إلا أنهم
بإقامتهم في أرض العروبة اعتبروا أنفسهم عربا ، بل حماة للعرب حتى كان من ألقاب
سلاطينهم «سيد ملوك العرب» وعدوا أنفسهم مصريين بما اكتسبوا من الروح المصرية
لحياتهم الطويلة على ضفاف النيل قبل وبعد قيام دولتهم ، ومع أن لغتهم الأولى كانت
هي التركية المملوءة بألفاظ فارسية وعربية فإنهم كانوا يتعلمون
__________________
العربية ويتقنونها حتى صار كبارهم وأمراؤهم بل جمهرتهم يتكلمون العربية
الفصحى ويتخاطبون بها .. وكان السلطان الأشرف خليل يعقد المجالس الأدبية ويطارح
الأدباء والشعراء مع معرفته بصناعة الانشاء ، واشتهر كذلك السلطان «جقمق» و «خشقدم»
بفصاحة اللسان بالعربية الفصحى البليغة .. وكذلك جاني بك (٨٦٨ ه) وخاير بك (٨٨٧ ه)
وحبيب العلائي الإينالي (٨٩٣ ه) وكذلك السلطان قانصوه الغوري حيث كان يجيد
العربية ، شديد الولع بعلومها وآدابها وله فيها مشاركة كبيرة ، كما كان يتذوق
الشعر وإلى ما شهر عنه من غرامه بقراءة السير والتواريخ ، وله مجالس عرفت باسمه
عنوانها «مجالس الغوري» وهي مناظرات كانت تجري في مجلسه.
وفي القاهرة
كانت المدارس العلمية والخوانق (البيوت) الصوفية تنهض برسالة دينية وثقافية وعلمية
كبرى وتعمل من أجل نشر الثقافة الإسلامية وحمايتها ومن بينها : المدرسة الصالحية
والكاملية والظاهرية والمنصورية والناصرية والمؤيدية والخانقاه البيبرسية والمدرسة
الشيخونية التي درس فيها السيوطي على شيخه البلقيني ومنحه فيها إجازة علمية عام
٨٦٤ ه / ١٤٦٠ م ثم كان أستاذا فيها ذاتها كذلك عام ٨٧٢ ه / ١٤٦٧ م. وكان الأزهر
يشد أزر هذه المدارس ويغذيها بالأساتذة الأعلام ، فهو وجه مصر الروحي والفكري
والحضاري ، وهو أبرز معاهد العلم والدراسات الإسلامية والعربية في «دولة البرين
والبحرين» وإليه يفد طلاب العلم وشيوخه من مشارق الأرض ومغاربها للتعمق في دراسة
علوم الدين والعربية وفيه كانت تعقد مجالس الوعظ وحلقات التدريس ، وقد أكسب مصر
سمعة إسلامية عالمية ، حتى صارت حاملة مشاعل الثقافة الإسلامية بعد بغداد التي
صارت أطلالا دارسة ، فالأزهر هو الذي رفع المشاعل وأوقد المصابيح ، وأضاء الدنيا
وتصدر حلقاته العلمية الأئمة والأعلام من العلماء ، أولى المناهج العلمية وقد عرفت
طريقتهم باسم «الطريقة المصرية» .
__________________
وعاصر السيوطي
ثلاثة عشر من سلاطين المماليك الجراكسة ، كما عاصر السيوطي كذلك أئمة كبارا من
العلماء وبحسبك ابن حجر (٨٥٣ ه / ١٤٤٩ م) ، ولقد طلب والد السيوطي منه أن يدعو
لابنه بالبركة والتوفيق ، وكان السيوطي يرى في هذا العالم المصري العظيم مصدر
اشعاع روحي له ، وكذلك الإمام العيني (٨٥٥ / ١٤٥١ م) والقسطلاني (٩٢٣ ه / ١٥١٧ م)
والسخاوي (٩٠٢ ه / ١٤٩٧ م) والمقريزي وابن إياس وغيرهم من أعلام عصره.
ولقد صار
السيوطي واحدا من بينهم وعلما من كبار علمائهم ، واحتل مركز الصدارة في القاهرة في
عصره ، وصار في مقدمة الذين أثروا الثقافة الإسلامية العربية ورفعوا من شأنها
وأحلوها مكانا عاليا ومنزلة شاهقة تبوأتها من ذلك الحين حتى يومنا هذا ، فهو أحد
الذين قادوا مواكب الثقافة الإسلامية في عصره بشخصيته الإسلامية الجليلة
وبموسوعيته العلمية التي ليس لها نظير في تاريخ العقل العربي في عصر نهايات دولة
المماليك.
ولد جلال الدين
عبد الرحمن السيوطي في القاهرة أول رجب عام ٨٤٩ ه الثالث من أكتوبر عام ١٤٤٥ م في
منزل والده بالروضة. وهو من أسرة بغدادية الأصل استقر بها المقام في أسيوط قبل
ميلاد السيوطي بعدة قرون ، وذلك منذ عصر الدولة الأيوبية واشتهر منها العلماء
والعديد من الرجال ، وكان والده كمال الدين أبو بكر السيوطي (المولود بعد عام ٨٠٠
ه والمتوفى في صفر عام ٨٥٥ ه) من أجلة العلماء وقد نزح من أسيوط إلى القاهرة قبل
ميلاد ابنه بأربعة وعشرين عاما وانقطع لطلب العلم في الأزهر وغيره ثم للتعليم
والافادة وتدريس الفقه في الجامع الشيخوني وللخطابة في الجامع الطولوني ، وكان
بيته بجزيرة الروضة مقصد الطلاب والعلماء ، وكان الخليفة المستكفي بالله يجله
ويعظمه ، ولعل عطف الخلفاء العباسيين عليه مما يؤيد أصله البغدادي.
وتوفى والد
جلال الدين وهو طفل صغير في السادسة من عمره فكفل
الابن الصغير عبد الرحمن صديق لوالده وزميل له في المدرسة الشيخونية وهو
كمال الدين الهمام الحنفي (٨٦١ ه) الذي أخذ يتعهده ويرعى شئونه ، وكان ابن الهمام
محققا جدليا ولي مشيخة المدرسة الشيخونية وله كتب مشهورة في الفقه وفي الأصول منها
كتابه فتح القدير وشرح الهداية.
وظهرت على
الابن الصغير مخايل النبوغ والذكاء وقوة الحافظة حتى لقد حفظ القرآن الكريم وهو
دون الثمانية من عمره ، وحفظ فنون العلوم الإسلامية والعربية وهو دون الخامسة عشرة
، وأقبل عبد الرحمن على حضور دروس مشايخ عصره وتلقى العلم على أيدي علماء عصره منذ
مستهل عام ٨٦٤ ه وهو في الخامسة عشرة ، وكان من بين هؤلاء الأساتذة :
١ ـ شيخ
الإسلام البلقيني (٧٩١ ه / ٨٦٨ ه) إمام العلماء في المائة الثامنة وهو من
أساتذته في الفقه ، وهو الذي أجازه بالتدريس والافتاء وكان التصدير الذي ألقاه لما
باشر التدريس بجامع شيخون يحضره أستاذه البلقيني هو الكلام على أول سورة الفتح ،
كما كان الكلام على حديث ابن عباس ، «احفظ الله يحفظك» هو التصدير الذي ألقاه لما
ولى درس الحديث بالشيخونية ، ولما مات البلقيني لازم عبد الرحمن ولده عليا حتى
توفى أيضا بعد وفاة والده العظيم بقليل.
٢ ـ شهاب الدين
الشارماصي ، الذي أخذ عنه الفرائض.
٣ ـ شيخ
الإسلام شرف الدين المناوي (٧٩٨ ـ ٨٧١ ه) الذي تتلمذ عليه في الفقه ولما مات رثاه
السيوطي بشعر له.
٤ ـ محيي الدين
الكافيجي (٧٨٨ ـ ٨٧٩ ه) وقد تلقى على يديه التفسير والأصول والمعاني العربية
ولزمه أربع عشرة سنة.
٥ ـ تقي الدين
الشبلي الحنفي ؛ وكان أستاذه في علوم العربية.
٦ ـ سيف الدين
الحنفي : وهو أستاذه في البلاغة.
٧ ـ ابن الهمام
(٨٦١ ه).
٨ ـ تقي الدين
الشمني (٨٠١ ـ ٨٧١ ه) : وهو أستاذه في التفسير والحديث وفي العربية وقد لازمه
أربع سنين ولما مات الشمنى رثاه السيوطي بقصيدة طويلة من شعره.
وغير هؤلاء ،
وهم كثير وذكر السيوطي أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحو المائة والخمسين. وقد ترجم لهم
في معجم خاص ـ وواصل السيوطي مسيرته العلمية حتى تفقه في علوم عصره وألف أول كتبه
وهو في الخامسة عشرة وهو تفسير للاستعاذة والبسملة وذلك عام ٨٦٤ ه وهو دليل على
طموح علمي كبير وهذا النهم العلمي الذي لا يقف عند غاية هو أحد معالم شخصية عالمنا
الكبير حتى لقد أجيز بتدريس العربية وهو في الخامسة عشرة ، وروى عنه علماء عصره
الحديث وهو في الثانية والعشرين من عمره وذلك عام ٨٧١ ه وأجيز بتدريس الفقه
وبالفتيا وهو في السابعة والعشرين من سنى حياته المباركة وكان أول درس ألقاه في
الأزهر الشريف في تفسير سورة الفاتحة.
لقد أحب
السيوطي الكتاب منذ صغره ، وكان يرى في الإمامين البلقيني وابن حجر مثله الأعلى
فدعا الله وهو يشرب من ماء زمزم أن يجعله في الفقه مثل البلقيني وفي الحديث مثل
ابن حجر ، وكان والده قد ترك له مكتبة كبيرة زاخرة بالمخطوطات ، فكان يطالع فيها
فوق تردده على مكتبة المدرسة المحمودية الحافلة بمختلف المؤلفات في شتى الفنون
والعلوم ، وكانت من أنفس خزائن الكتب بالقاهرة وبها نحو أربعة آلاف مجلد ، وقد قام
ابن حجر بفهرستها ثم تلاه السيوطي فكتب فهارس لها جمعها في كتاب سماه «بذل المجهود
في خزانة محمود» وأخذ السيوطي يبحث عن خزائن الكتب المختلفة ويطالع فيها ، ثم أخذ
يطوف في أنحاء مصر يلقى العلماء ويحادثهم ويأخذ عنهم ويأخذون عنه ، وبعد أن كان
يتولى تدريس الفقه بالجامع الشيخوني خلفا لوالده صار يتولى منصب المشيخة في
المدرسة الشيخونية وهو المنصب الذي كان يشغله أبوه من قبل ، كما شغله أيضا أستاذه
الكحال بن الهمام (٨٦١ ه) وتصدى للافتاء
واملاء الحديث بالجامع الطولوني ودرس الحديث بالخانقاه الشيخونية وتولى
مشيخة الصوفية بمدفن برقوق الناصري ، ثم تولى مشيخة المدرسة البيبرسية وهي أكبر
خوانق (بيوت الصوفية) بالقاهرة وبيوتها الصوفية وأكثرها أوقافا في عصره ، ثم نحاه عنها السلطان محمد بن قايتباي وكان آنذاك في الأربعين من عمره فاعتزل الناس وزهد في
الدنيا وعكف على التأليف طيلة عشرين عاما في منزله بالروضة ورفض أن يستقبل أحدا من
زائريه ومريديه حتى لقد أغلق نوافذ منزله بالروضة المطلة على النيل وكتب في ذلك
رسالة سماها «تأخير الظلامة إلى يوم القيامة».
ولما تولى «طومان
باي» الحكم خاف السيوطي أن يضطهده فاختفى حتى توفي هذا السلطان ، ولحسن الحظ لم
يمكث هذا السلطان في الحكم إلا شهورا قلائل عاد السيوطي بعدها إلى منزله في الروضة
، وكان قد تولى حكم مصر السلطان قانصوه الغوري ، وقد عرض هذا السلطان عليه العودة
إلى المشيخة في المدرسة البيبرسية فاعتذر وآثر العزلة عن الناس.
حج السيوطي عام
٨٨٧ ه ١٤٨٢ م ، وجاور في مكة المكرمة عاما كاملا وطاف في أنحاء العالم الإسلامي دارسا ومدرسا وموجها ،
فرحل إلى الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب وبلاد التكرور ، وتصدر مجالس العلم
والعلماء في الأزهر وفي غير الأزهر من أمهات المدارس الإسلامية حتى غدا علم
الأعلام ورائدا عظيما من رواد الثقافة الإسلامية.
وبعد عمر غير
طويل وعن اثنين وستين عاما هجريا أو ستين عاما ميلاديا توفي الإمام جلال الدين
السيوطي في التاسع عشر من جمادي
__________________
الأولى عام ٩١١ ه التاسع عشر من أكتوبر سنة ١٥٠٥ ه ، وقال فيه تلميذه عبد
الباسط بن خليل الحنفي (٩٢٠ ه) :
مات جلال
الدين غيث الوري
|
|
مجتهد العصر
، أمام الوجود
|
كانت الثقافة
الإسلامية قد أصيبت بنكبات كبيرة في بغداد على أيدي التتار وفي الأندلس على أيدي
الأسبان المتعصبين ، وسلمت مصر بهزيمتها للتتار في عين جالوت فسلمت لها مجالس
العلم ومدارسه وجامعته الكبرى الأزهر وسلمت خزائن الكتب في القاهرة ، وبقيت حلقات
الثقافة وأنديتها لم يمسها سوء ، وظلت القاهرة ترسل أشعتها إلى كل مكان وتوالى
أداء رسالتها في خدمة الثقافة الإسلامية ، ووفد عليها العلماء والأدباء والشعراء
من كل مكان.
وقد شمر علماء
مصر عن ساعد الجد لتعويض ما بدد من التراث الإسلامي في بغداد والأندلس وصقلية
وغيرها ، فألفوا الكتب وصنفوا الموسوعات وكتبوا في كل العلوم والفنون ، وجمعوا ما
وصلهم من روايات ومأثورات من مختلف المصادر ، ورأوا أن هذه المهمة هي فريضة
إسلامية كبيرة ألقيت على كاهلهم فنهضوا بها وقاموا بأدائها خير قيام ، فرأينا
المؤلفات الضخمة من مثل : صبح الأعشى ونهاية الأرب والنجوم الزاهرة وفتح الباري
وبدائع الزهور والدر المنثور وغيرها من أمهات الكتب التي خلفها لنا أمثال :
القلقشندي والنويري وابن تغري بردى والمقريزي وابن حجر وابن اياس والسخاوي
والقسطلاني والعيني والدماميني والشمني وابن الكمال والسبكي وابن فضل الله العسمري
والدميري والأسنوي والمناوي والبلقيني والشعراني وغيرهم .. وكذلك فعل السيوطي بل
لقد فاقهم جميعا في عظمة التحصيل وغزارة التأليف وروعة التحقيق ، وظلت القاهرة
تتصد عواصم العالم الإسلامي حضاريا وثقافيا ، وظلت أنديتها العلمية والأدبية حافلة
بالعلم والعلماء والطلاب.
لقد عكف
السيوطي على الكتاب والكتابة والتأليف طيلة حياته فأثرى
المكتبة العربية بنفائس المؤلفات وبذخائر المصنفات مما شهد لها المحققون
وأقروا لصاحبها بطول الباع وسعة الاطلاع وبوفرة المحصول وموسوعية المعرفة وبغزارة
العلم والرواية وبالوقوف على مختلف مصادر البحث والإحاطة بكل ما تشتمل عليه خزائن
الكتب في القاهرة وغيرها .. وذهل الناس لما رأوا من باهر تحصيله ومن وقوفه على
دقائق العلوم وحقائق المعرفة وخفايا المخطوطات.
ويقول السيوطي
عن نفسه : «لقد رزقت التبحر في سبعة علوم هي التفسير والحديث والفقه والنحو
والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب البلغاء لا على طريقة العجم وأهل
الفلسفة ، والذي اعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والتفول
التي اطلعت عليها فيها لم يصل اليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي فضلا عمن هو دونهم»
وهو في كتابه حسن المحاضرة يذكر أن مؤلفاته آنذاك بلغت ثلاثمائة ، ويذكر ابن اياس
أنها في جملتها تبلغ ستمائة ، ويذكر بروكلمان أنها أكثر من أربعمائة وأحصى له المستشرق فلوكل ٥٦١ مؤلفا ، وقد تكون بعض كتبه
وريقات قليلات ، ككتابه «المتوكلي» مثلا ، وقد تكون أجزاء كثيرة مثل : الدر
المنثور والجامع الكبير وغيرهما وقد جمع السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوي» الذي
يقع في نحو ألف صفحة ثمانية وسبعين مؤلفا منفردا أغلبها من الفتاوي والبحوث
المنفردة وجمع في كتابه «النقابة» أربعة عشر علما ، هي : التفسير
والحديث وأصول الدين والمعاني والبيان والبديع والتشريع والخط والصرف والنحو
والفرائض وأصول الفقه والتصوف والطب .. وله شرح عليه.
وليس في العالم
من بلغ ما بلغه السيوطي في كثرة المؤلفات سوى رامون لول الأسباني وأحد كتاب العصور
الوسطى الذي بلغت مؤلفاته نحو
__________________
الخمسمائة ويقول الداودي تلميذ السيوطي (٩٤٥ ه) الشافعي المصري
العلامة المحدث في انبهار بعظمة شيخه : كان السيوطي في سرعة الكتابة آية كبرى من
آيات الله .. وهكذا كان جلال الدين السيوطي أرفع علماء عصره همة وأعظمهم نشاطا
وأكثرهم تأليفا وأغزرهم مادة.
وعلى ما سبق
نقول إن السيوطي كان أغزر علماء العربية قاطبة تصنيفا حتى لقد ضرب به المثل على
طول العصور في غزارة التأليف ، ومن أجل ذلك لقب بابن الكتاب وبصديق الكتب والكتاب
..
وكان التأليف
عند جلال الدين هواية وفنا تبحر فيه حتى لقد اتخذ منه سلاحا يدافع به عن نفسه ضد
مخالفيه في الرأي من منافسيه وخصومه والحاقدين عليه ، يقول : خالفني أهل عصري في
خمسين مسألة فألفت في كل مسألة مؤلفا بينت فيه وجه الحق .
واختصر السيوطي
الكثير من نفائس كتب التراث حتى لنجد من كتبه :
١ ـ مختصر
الأحكام للماوردي.
٢ ـ مختصر
الروضة في الفقه.
٣ ـ مختصر
التنبيه في الفقه.
٤ ـ مختصر
الأحياء للغزالي.
٥ ـ مختصر معجم
البلدان لياقوت الحموي.
٦ ـ مختصر
تهذيب الأسماء للنواوي.
٧ ـ مختصر
تاريخ ابن عساكر : سماه تحفة المذاكر في المنتقى من تاريخ ابن عساكر.
٨ ـ وله كتاب
سماه «ديوان الحيوان» وهو خلاصة لكتاب حياة الحيوان للدميري ، (ت ٨٠٨ ه).
__________________
وألف مئات
الكتب في شتى الفنون والعلوم ، فمنها في التفسير : الدر المنثور ـ لباب النقول في
أسباب النزول تكملة تفسير الجلالين الذي كتب نصفه الأخير الجلال المحلي (٧٩١ ه ـ ٨٦٤
ه) وكتب هو نصفه الأول ـ الاتقان ـ وغير ذلك وللسيوطي الباع الطويل في التفسير
بالمأثور ..
وتبلغ مؤلفاته
في الحديث أكثر من مائة وستين كتابا من أشهرها الجامع الكبير ـ والجامع الصغير ،
ويقول السيوطي عن نفسه : ليس على وجه الأرض من مشرقها إلى مغربها من هو أعلم
بالحديث والعربية مني .
وله في الفقه
عشرات المؤلفات ومنها : جمع الجوامع وكتاب الجامع في الفرائض ، وكتاب «أدب الفتيا».
وفي علوم
العربية : كان له القدح المعلي وله فضل السبق في ابتكار علم أصول اللغة والنحو
وكان يعد من كبار المصنفين في العربية. ويقول عن علم أصول اللغة : هو علم اخترعته
لم أسبق إليه ، لم يسبقني إليه ولا طرق سبيله طارق ، ومن أجل كتبه في هذا المجال :
شرح ألفية ابن مالك ، الفتح القريب على «مغني اللبيب» الاقتراح في أصول النحو ،
الأشباه والنظائر ، المزهر ..
وفي علوم
البلاغة : ألف الكثير من الكتب ومن بينها : عقود الجمان في المعاني والبيان ..
وفي الأدب له
عشرات الكتب : من بينها : ديوان خطب ـ ديوان شعر ـ المقامات ـ دور الكلم وغرر
الحكم ـ شرح بانت سعاد ـ فصل الشتاء .. إلخ.
وفي أدب
الرحلات نجد له الرحلة المكية ـ الرحلة الدمياطية ـ الرحلة الفيومية.
__________________
وفي التاريخ :
نجده في مقدمة مؤرخي عصره وله في هذا المضمار كتب كثيرة منها : تاريخ الخلفاء ـ حسن
المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ـ تاريخ السلطان الأشرف قايتباي ـ تاريخ أسيوط ـ تاريخ
الصحابة. وغير ذلك مما يدل على منهجه التاريخي الذي بلغ فيه وبه غاية التحقيق ،
وله كتاب في تاريخ جامع عمر وآخر في تاريخ جامع ابن طولون ..
وفي
التراجم : نجد له كتبا
كثيرة منها :
١ ـ طبقات
النحويين واللغويين : الكبرى وهي مفقودة والوسطى طبعت في باريس والصغرى هي التي
طبعت بعنوان «بغية الوعاة».
٢ ـ طبقات
الكتاب.
٣ ـ طبقات
شعراء العرب.
٤ ـ طبقات
المفسرين.
٥ ـ طبقات
الحفاظ.
٦ ـ طبقات
الأصوليين.
٧ ـ طبقات
الشافعية. وغير ذلك ...
لقد انتشرت
مؤلفات السيوطي في العالم الإسلامي كافة وأقبل عليها الطلاب والدارسون والعلماء
بشوق ولذة وأذن السيوطي في حياته لتلميذه الداودي بروايتها وقرئت في بلاد الشام
والحجاز واليمن والروم والعجم والحبشة والمغرب وبلاد التكرور وامتدت إلى البحر
المحيط .. وبالمثل سارت فتاواه وعلومه في سائر الأقطار مسير الشمس ، ورزق من
القبول من علماء عصره ما لم يرزقه أحد سواه ..
وقد كان
لمكانته العلمية والأدبية ولأسلوبه السهل الممتنع ولتحقيقاته الفريدة ولا حاطته
الواسعة بشتى المصادر ومختلف المذاهب والآراء ولشخصيته الحرة الشجاعة التي لا
تتملق حاكما ولا تتزلف لكبير ، كان لذلك كله أثره في عموم النفع بعلمه وكتبه إذ
كان الشعب يرى فيه صورة الأمين على الشريعة ، والشجاع في قول كلمة الحق والنزيه في
أحكامه وفتاواه ..
كان السيوطي
مخلصا للعلم وحده صادقا فيه مع نفسه بعيدا عن الملق والتزلف والرياء وحب الدنيا
والرياسة والجاه ، شديد المراقبة لله عز وجل ، وإن غضب عليه الحكام والسلاطين ،
وكم لاقى في سبيل جرأته وشجاعته ورأية الحر الكثير من العنف ..
أرسل إليه
السلطان الغوري غلاما وألف دينار ، فرد الدنانير وأخذ الغلام أعتقه ، وقال لرسول
السلطان : لا تعد تأتينا قط بهدية فإن الله أغنانا عن مثل ذلك.
وكان الأمراء
يزورونه ويعرضون عليه هداياهم وهباتهم فيردها وقد عرض عليه الغوري رياسة مشيخة مدرسته بأول الغورية
فرفض وقبل البقاء في عزلته ..
* ولم يكن
يكترث لغضب الأمراء والسلاطين ، وكان الحريص على إقامة الحدود وتطبيق الأحكام
الشرعية مهما كلفه ذلك من عنت ..
* رفض جلال
الدين الذهاب مع العلماء لتهنئة السلطان بالشفاء من مرض ألم به وألف في ذلك كتابه «رواية
الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين».
* ذهب ذات مرة
لمقابلة قايتباي في مظلمة لإنسان وعلى رأسه الطيلسان مما خالف فيه التقاليد
المرعية آنذاك ومما أخذ عليه عند السلطان فرد على ذلك بكتابه «الأحاديث الحسان في
فضل الطيلسان».
* وحين عزل
مشيخة البيبرسية كتب كتابا عنوانه «التنفيس في ترك الفتيا والتدريس».
وكان من أجل
تلاميذ جلال الدين : الداودي (٩٤٥ ه) والشامي المحدث الحافظ (٩٤٢ ه) وابن طولون
الدمشقي المحدث (٨٨٠ ـ ٩٥٣ ه) وسواهم ..
__________________
وكان السيوطي
كثيرا ما ينوه في كتبه. بنفسه وبمؤلفاته وبآرائه فيها حتى لنقرأ في آخر حاشيته على
المغنى : فقد أودعتها من الفوائد والفرائد والغرائب والزوائد ما لو رامه غيري لم
يكن له إلى ذلك سبيل.
وفي آخر كتابه «بغية
الوعاة» يقول عن الكتاب : الجامع من كل شريدة ووريدة العجب العجاب. وكذلك كان في
كل كتبه يقول في أنواع البديع : قررت فيها بضعة عشر نوعا من الأنواع البديعية ثم
وقع لي التأمل فيها بعد ذلك ففتح الله بزيادة على ذلك حتى جاوزت الأربعين ، ثم
قدحت الفكر إلى أن وصلت بحمد الله مائة وعشرين نوعا. وقد استخرج السيوطي هذه
الأنواع كلها من الآية الشريفة (اللهُ وَلِيُّ
الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) إلى آخر هذه الآية الكريمة .. ومن الأنواع التي ابتكرها
ما سماه بالتأسيس والتفريع وما سماه بالانسجام أو بالمنتخل أو بحسن الطلب إلى غير
ذلك ..
وقد دفعت
المنافسة إلى إعلان الخصومة بينه وبين السخاوي الذي اتهمه بعدم الأمانة العلمية
فيما يكتب ، فكتب السيوطي في الرد عليه كتابه المشهور «الكاوي في تاريخ السخاوي»
كما عرض باقي كتب له .. والسيوطي بخاصة من أكثر العلماء التزاما بالأمانة العلمية
حتى لنراه يذكر في مقدمات كتبه دائما المصادر التي رجع إليها وأخذ منها في حرص تام
على الأمانة العلمية في كل ما يكتبه ..
يذكر في كتابه
المزهر بابا جعل عنوانه «عزو العلم إلى قائله» ويقول فيه : لا
تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفا الا معزوا لقائله ..
ومما يذكره
السيوطي في مقدمات كتبه من المصادر نجده قد أطلع على كثير من المخطوطات التي لم
يطلع عليها الكثير من علماء عصره .. وبحق
__________________
لقد كان مفخرة من مفاخر العالم الإسلامي الثقافية وسيظل أثره وتراثه خالدين
على الأيام ..
والسيوطي كان
يرى في نفسه أنه المبعوث على راس القرن التاسع الهجري ليجدد للأمة الإسلامية دينها
، مصداقا للحديث الشريف «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة هذه الأمة من يجدد لها
دينها».
ويقول السيوطي
: ومن اللطائف أن المبعوثين على رأس أكثر القرون مصريون : عمر بن عبد العزيز في المائة الأولى والشافعي في الثانية ، وابن دقيق
العيد في السابعة والبلقيني في الثامنة وعسى أن يكون المبعوث على رأس المائة
التاسعة من أهل مصر وهو يعني بذلك نفسه ..
وكان السيوطي كثير
الاجتهاد في عصره ، وكان يرى أن الاجتهاد فرض كفاية مفروض على العلماء أو خاصتهم ،
وألف في ضرورة الاجتهاد كتابا سماه «من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر
فرض» وقد تحدث في هذا الكتاب عن الاجتهاد وضرورته في كل عصر لأنه فرض من فروض
الكفاية وواجب على أهل كل عصر أن يقوم طائفة في كل قطر منهم ، ويحتوي هذا الكتاب
على أربعة أبواب :
الأول : في
نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفاية.
الثاني : في
نصوص العلماء على أن الدهر لا يخلو من مجتهد ، وأنه لا يجوز عقلا خلو العصر منه.
الثالث : في
ذكر من حث على الأجتهاد وأمر به ، وذم التقليد ونهى عنه.
__________________
الرابع : في
فرائد الاجتهاد.
وهو في هذا
الكتاب يقف مع العصر ومع العقل وينأي عن التقليد والمقلدين ..
كملت عند
السيوطي أدوات الاجتهاد على ما اشترطه الأصوليون فكان عالما بآيات الأحكام وأحاديث
الأحكام وشروط القياس ومعرفة مواقع الاجماع ، غير أنه لم يجتهد بالفعل إلا اجتهاد
المذهب بالترجيح على مذهب الإمام الشافعي .
ويقول
السيوطي : «اجتمع عندي
ـ بحمد الله ـ الحديث والفقه والأصول وسائر الآلات من العربية ، فأنا أعرف كيف
أتكلم وكيف أستدل وكيف أرجح .
ويقول : وقد كملت عندي أدوات الاجتهاد ـ بحمد الله ـ ولو شئت
أن أكتب في كل مسألة تصنيفا بأقوالها وأدلتها العقلية والقياسية ومداركها ونقوضها
وأجوبتها والمقارنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك .
ويقول : وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد وبحمد الله تعالى
أقول ذلك تحدثا بنعمة الله عز وجل .
وبعقلية
المجتهد أثرى السيوطي العلم وأثرى التراث الإسلامي وأثرى الثقافة الإسلامية ..
* * *
* وهكذا نرى
شخصية الإمام السيوطي الجليلة في كل شيء شخصية
__________________
جعلت منه أعظم رواد الثقافة الإسلامية في القرن التاسع الهجري ، وهي شخصية
العالم العامل من أجل وطنه وعروبته ودينه ، شخصية المعتز بنفسه وكرامته ..
شخصية المجتهد
ما شاء له الاجتهاد .. المخلص للعلم اخلاصا شديدا .. الصادق كل الصدق .. الكاره
للنفاق والزلفى والرياء والملق للحكام .. المتعفف الزاهد في المال لا يقبل شيئا
منه وان أتاه من حاكم أو أمير أو غنى .. شخصية العالم المفكر والفقيه الأصيل
والأديب البليغ صاحب الأسلوب البارع الجميل والمضامين الإنسانية الرفيعة مما نجده
في رسائله وشعره وفي مقدمات كتبه وفي مقاماته وعلى الأخص مقامته اللؤلؤية التي ذكر
فيها أسباب تركه للتدريس ..
وهكذا تصدر
السيوطي مواكب العلماء في عصره حتى كان ظاهرة فكرية فريدة في تاريخنا العلمي
والثقافي الطويل.
كتبه المطبوعة
والمخطوطة في كل مكتبات العالم وفي مكتبة الأزهر الكثير من مؤلفاته المخطوطة ، وفي
مكتبة جامعة الرياض أكثر من سبعين مخطوطة له ، وقد صدر بها فهرست خاص .. الدراسات
عنه تنمو على مدى الأيام وكتبت عنه رسائل جامعية كثيرة ..
فليس بعجيب أن
يصبح السيوطي في عصره ، وبعد عصره رائدا للثقافة الإسلامية الخالدة ، وأن يكون في
عصره كالجاحظ في عصره كلاهما بعد عن حياة الوظائف والمناصب وكلاهما كان ممثلا
لشعبه ولعصره ولحياته نفسها ، وكلاهما تصدر زعامة الثقافة الإسلامية العربية في
أيامه ..
أضاف السيوطي
إلى سجل تراثنا الخالد من الثقافة الإسلامية حتى عصره اضافات كثيرة في كتبه مما
جعل العالم الإسلامي كله يتطلع إليه بكل حب وتقدير وإكبار ..
لقد أكسب
السيوطي العالم الإسلامي أولا ووطنه مصر ثانيا مجدا كبيرا خالدا على مرور الأيام
.. رحمه الله وأجزل مثوبته ..
شمس الدين الحنفي
جامع الحنفي
مسجد كبير معروف في القاهرة وشمس الدين شخصية جليلة من أعلام علماء الأزهر في القرن
التاسع الهجري ..
نشأ شمس الدين
يتيما من أمه وأبيه وربته خالته. وحفظ القرآن الكريم وكان ابن حجر رفيقه في الكتاب
ثم اعتزل الناس للعبادة والاطلاع سبع سنوات وخرج من عزلته وهو أعلى كعبا في علوم
الدين ، وتعلم في الأزهر الشريف وصار من أنبه طلابه وأكرم خريجيه.
وكان لا يترك
حاكما إلا نصحه وأخذ بحق المظلومين منه.
وكان السلطان
فجج بن برقوق (٨٠١ ـ ٨١٥ ه) من سلاطين المماليك بعد وقفه لزحف تيمور لنك الكبير
على الشام قد أخذ يظلم الرعية ويجور في حكمها فكان الإمام شمس الدين الحنفي يعارضه
ويندد به ويعنف في نصحه ويغلظ له القول وقال فرج للشيخ يوما بعد أن سمع منه ما
ألمه : المملكة لي أم لك فقال الشيخ : إنها ليست لي ولا لك إنها لله الواحد
القهار. وقام الشيخ متغيرا ثائرا فمرض فرج وعجز الأطباء عن علاجه فطلب السلطان
الشيخ ليدعو له بالشفاء. وأرسل خلفه الأمراء فوجده بنواحي المطرية خارج القاهرة
فطلبوا منه العودة معهم تنفيذا لأمر السلطان ، فأبى
فأخذوا يتلطفون بالشيخ حتى قام فصلى وأخذ يدعو للسلطان وقال لهم : قد برىء.
ويقول العيني
في تاريخه الكبير : «ما سمعنا أحدا من الشيوخ أعطى من العز والرفعة والكلمة
النافذة والشفاعة المقبولة عند الملوك والأمراء وأرباب الدولة والوزراء مثلما أعطى
الشيخ ، وحسبك إنه لم يقم من مجلسه لأحد من الملوك والأمراء قط ، ولا من القضاة
الأربع غيرهم».
وكان السلطان
بحق يكره شمس الدين ، ومع ذلك كان يقضي للشيخ كل حاجاته وشفاعاته في الناس ويقول
لحاشيته : كلما أقول لا أقبل لهذا الشيخ شفاعته لا أستطيع بل أقبل شفاعته وذهب
الملك «المؤيد» للشيخ ليزوره في زاويته فوجد الشيخ فوق سطح الزاوية فأخبروا الشيخ
بقدوم السلطان ، فقال لهم : قولوا له إن مما يرضيني عن السلطان أن يكف عن ظلم أحد.
وبعث الأمير
للشيخ بأموال فوزعها شمس الدين كلها على الفقراء ، وبلغ ذلك الأمير فجاء للشيخ
وقبل يده ، وكان «ططر» يذهب إلى شمس الدين ويخدمه في جملة أتباعه وخدمه ، فلما
تولى ططر الملك ظل يذهب للشيخ كعادته والشيخ يقول له : انك صرت سلطانا والزم
القلعة فقال له السلطان : لا أستطيع.
وكان «برسباي»
يوقر الشيخ ويجله ويقضي له جميع حاجاته وشفاعاته.
وهكذا عاش شمس
الدين العالم الأزهري معظما موقرا في قلوب الشعب والحكام حتى توفي إلى رحمة الله
عام ٨٤٧ ه.
شهاب الدين السنباطي
كان لانتصار
مصر في موقعة عين جالوت ٦٥٨ ه ١٢٦٠ م وهزيمتها للتتار ، دوي كبير في أنحاء العالم
الإسلامي ، وامتدت امبراطورية مصر
امتدادا لم تصل إليه من قبل ولا من بعد .. ولكن مصر فوجئت بالغزو العثماني
لها .. فتوقفت حركة التاريخ وعادت مصر دولة تابعة لاستامبول وكان ذلك أعظم محنة
امتحن بها الشعب المصري على طول عصور التاريخ .. ولكن مقاومة الشعب المصري وعلماء
الأزهر للطغاة لم تسكت في يوم من الأيام .. وكان مظهر هذه المقاومة هو الشيخ
الأزهري الخالد شهاب الدين أحمد بن عبد الحق السنباطي ..
كان عالما
جليلا وإماما عظيما ومصريا كريما وكان واعظا في الجامع الأزهر ، ويذكر أمين سامي
عنه إنه كان شيخ الجامع الأزهر ـ تقويم النيل ٢ / ١٦ ـ وقال الشعراني عنه لم نر
أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله.
كان السنباطي
ملاذا للشعب المصري المغلوب على أمره ، وكان يهدد الوالي التركي باعلان الثورة
عليه كلما تحزبت الأمور واشتهر ظلم الأتراك للشعب وكان القضاة الأربعة الذين ولا
هم سليم على مصر عام ٩٢٣ ه لا يستطيعون مجابهة الوالي التركي بشيء فكان السنباطي
يحذر الحاكمين المستبدين من ثورة الشعب ويهدد الوالي إن لم يستمع له.
وكان السنباطي
يلقب بشيخ الإسلام وهو لقب كان يطلق قبل الفتح العثماني لمصر على قاضي القضاة
الشافعي وكان آخر من لقب به من علماء الأزهر قاضي القضاة شهاب الدين احمد بن عبد
العزيز (٩٤٩ ه ـ ١٥٤٢ م) فلما ألغى الأتراك نظام القضاء المصري وأقاموا في رياسة
القضاء قاضيا تركيا ، أصبح هذا اللقب يطلق على ما نرجح على شيوخ الأزهر وعلى الرغم
مما يذهب إليه كثير من المؤرخين من أن الشيخ الخرشي المالكي (١١٠١ ه) هو أول شيخ
للأزهر فإنني أرجح أن السنباطي كان هو أول شيخ عرفه التاريخ للأزهر الشريف وبذلك
يكون منصب شيخ الأزهر راجعا إلى أواسط القرن العاشر.
وفي شعبان عام
٩٥٠ ه / ١٥٤٣ م كان والي مصر وهو داود باشا
الذي تولى حكمها قبل ذلك بخمس سنوات وكان داود ظالما متكبرا متعسفا وكان
الشعب يئن من مظالم الأتراك ويتحمل كل ذلك بجلد وصبر ..
وكلم الشيخ
الإمام السنباطي داود باشا في مظلمة من هذه المظالم فلم يبال داود بنصيحة الشيخ
فصادف ان كان داود في موكبه في أواخر شهر شعبان من عام ٩٥٠ ه فانبرى له السنباطي
وجابهه بالقول ..
يا داود انك
عبد مملوك لا يجوز لك أن تتولى الأحكام وان أحكامك باطلة ما لم تحصل على عتقك.
داود لجنده
اقبضوا على هذا الشيخ.
ـ الجند
ينحازون الى جانب الشيخ.
داود يرفع سيفه
ويهم بقتل الشيخ.
ـ الجند : مهلا
اطرح الحسام انه شيخ الإسلام ، واننا سنقاتلك معه إذا اضطررنا إلى ذلك.
داود : يجن
وينحدر الى منزله ويرسل الى الخليفة العثماني يعلمه بما يحدث.
وبعد قليل جاء
إلى داود أمر عثماني بعتقه مع تكليفه بتبليغ الشكر للشيخ .. وذهب داود إلى الشيخ
ليبلغه رسالة الخليفة سليمان القانوني واسترضاه واعتذر اليه وقدم هدية الى الشيخ
فرفضها.
وأصبح الوالي
ذليلا حقيرا بجانب عظمة الشيخ وصموده وصلابته وكبريائه وصار الوالي لا يرد للشيخ
رأيا ولا يرفض له شفاعة ..
وهكذا عاش
السنباطي إماما جليلا وشيخا عظيما حتى توفي الى رحمة الله في آخر عام ٩٥٠ ه
ونسينا ذكره إلا من شارع صغير خلف الأوبرا سمي باسمه ومن مسجد متواضع فيه أطلق
عليه اسمه .. ولكن التاريخ
لا ينسى أول شيخ للأزهر وأول مظهر لمقاومة الشعب لبطش الأتراك وأول زعيم
للمقاومة الشعبية في أوائل الفتح العثماني لمصر .. رحمه الله ..
الشيخ أحمد الدردير
الشيخ الدردير
من أشهر علماء الأزهر الشريف قبيل الحملة الفرنسية على مصر ، كان شيخ علماء
المالكية في الأزهر. وكان مشهورا بالزهد والورع والتقوى. مشهودا له بالعلم الغزير
، والشجاعة الفائقة ، ومراقبة الله في السر والعلن.
قاد ثورة شعبية
لها شهرتها في تاريخ الوطن ففي يوم من أيام ربيع الأول عام ١٢٠٠ ه / يناير ١٧٨٦ م
نهب أحد أمراء المماليك واسمه حسين بك شفت هو وجنوده دارا لشخص اسمه أحمد سالم
الجزار وهو نائب رئيس الطريقة البيومية بالحسينية بالقاهرة ظلما وعدوانا فثارت
ثائرة الشعب وتشاوروا فيما بينهم فيما يجب أن يفعلوه ، واتفقت كلمتهم أخيرا على
الالتجاء إلى أقوى العلماء شخصية ، وأوسعهم نفوذا وهو الإمام الدردير ، فاجتمع
الشعب في اليوم التالي للحادث ، ويمموا وجوههم شطر الجامع الأزهر ، وقصدوا الشيخ
الدردير وهو في حلقته بين طلابه ومريديه وأخبروه بالحادثة فغضب الشيخ لاستهتار
الأمراء وتعسفهم.
ونادى الدردير
في الجماهير غير هائب ولا خائف قائلا لهم : أنا معكم ، وغدا نجمع الشعب من كل مكان
في الحارات والضواحي وبولاق ومصر القديمة ، وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون
بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم.
وأمر الشيخ بدق
الطبول على المنارات ، إيذانا بالاستعداد للقتال وترامت الأخبار إلى الأهالي
فأسرعوا نحو الأزهر للاشتراك مع الثائرين.
وبلغت أخبار
الجماهير الثائرة إلى الأمير إبراهيم بك وبلغه تصميم الشيخ الدردير على قيادة
الشعب ضد الأمراء ، وكان يعلم مقدار ما للشيخ
من مكانة ونفوذ بين الشعب فخشي أن يستفحل الأمر وتصبح هذه الثورة نهاية
لحكمهم ونفوذهم وسلطانهم ، فأرسل نائبه ومعه أحد الأمراء إلى الإمام الدردير
ليعتذر له عما حدث ووعد بأن يكف أيدي الأمراء عن الشعب كما قرر توبيخ حسين بك شفت
على صنيعه ، وطلب قائمة بجميع ما نهبه ليأمره برد تلك المنهوبات إلى صاحبها ووافق
الشيخ الدردير على ذلك.
وهكذا وضع هذا
الإمام الجليل قاعدة دستورية هامة ، وهي احترام الحاكمين لارادة المحكومين [٢ /
١٠٣ و ١٠٤ الجبرتي].
وعاش الإمام
الدردير أربعا وستين سنة (١١٣٧ ـ ١٢٠١ ه) وكان في نهاية حياته العلمية شيخا على
المالكية ، ومفتيا على المذهب المالكي ، وناظرا على وقف الصعايدة ، وشيخا على
طائفة هذا الرواق.
ويقول فيه
الجبرتي : كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويصدع بالحق ، ولا تأخذه في الله
لومة لائم وله في السعي على الخير يد بيضاء.
هذا هو الإمام
الدردير شيخ من شيوخ الأزهر حرص على أن يؤدي الأمانة ويحافظ على شرف مصر ، وشرف
الشعب وشرف الأزهر ، ومات راضيا مرضيا عنه من الله والملائكة والناس أجمعين.
الشيخ الصعيدي
الشيخ الصعيدي (١١١٠
ـ ١١٨٩ ه) من أشهر علماء الأزهر قبيل الحملة الفرنسية على مصر. كان أغلب وقته بين
تلاميذه ومريديه متوافرا على درس العلم منقطعا للارشاد والهداية لا يقصد إلى أمير
أو حاكم ما لم ير مظلمة يجب عليه أن يسعى لا بطالها.
ذهب في يوم إلى
الأمير علي بك وعلم الأمير من حاشيته بقدوم الشيخ ، فقام كعادته يستقبله من خارج
قصره ، ثم دخل الشيخ والأمير
وجلسا في صدر المكان ثم جاءت حاشية الأمير وشغلته عن الشيخ ، فبادره الشيخ
يقول له «غضبك ورضاك سواء ، بل غضبك خير من رضاك» وقام الشيخ ، وقام الأمير يحاول
إعادة الشيخ الى مكانه معتذرا إليه ، فرفض الشيخ.
ومرت الأيام ،
وركب الشيخ في ليلة من ليالي رمضان ، مع شيخه الشيخ حسن الجبرتي ، والد المؤرخ
الكبير ، وقال الشيخ حسن الجبرتي له اذهب بنا إلى علي بك نسلم عليه فقال الصعيدي :
يا شيخنا انا لا أدخل ، وقال الجبرتي : لا بد من دخولك معي ، فلم تسعه مخالفة شيخه
، ودخلا على الأمير ، وكان مصادفة عجيبة ان الأمير مات في تلك الليلة ، فاستبشر
أهله بالمغفرة له لزيارة الشيخين له.
وكان الشيخ
الصعيدي من بني عدي وتلقى العلم على كبار الشيوخ في الأزهر من مثل الديربي ،
والملوي ، وإبراهيم شعيب المالكي ، والحنفي ، وسواهم وتصدر حلقات العلم في الأزهر
الشريف شيخا جليلا وقورا مهيبا ، في أدب وتواضع واكباب على الدرس والبحث. فأفاد
وأجاد وصار له تلامذة ومريدون. وتخرج على يديه أجيال من العلماء من بينهم القلعي ،
والفرماوي ، والدردير ، والجناحي وغيرهم ، وكلهم ممن لهم مكانتهم العلمية في
الأزهر.
وكان الصعيدي
من الراسخين في العلم ، والمبرزين فيه. فقد عاش منقطعا له ، مستزيدا منه ، محصلا
لمسائله ، غيورا على الدين وأهله ومن فتاواه تحريم شرب الدخان ..
وكان الشيخ
يتردد على محمد بك أبي الذهب يعظه ويذكره بالله ويخوفه من بطشه ، وكان يمسك بيدي
ابي الذهب ويقول ما أحسنهما لوسلمتا من عذاب جهنم وأرجو ان يغفر الله لك ذنوبك ،
ويتجاوز عنك.
وكان مريدو
الشيخ وتلاميذه كثيرين ، وكانوا لا يملون دروس الشيخ ومجالس علمه ووعظه. ويقبل
عليه الطلاب والعامة وجماهير المتعلمين
والمستفيدين وكان بيته يعج بالزائرين والوافدين وأصحاب الحاجات والمظالم ،
والشيخ لا يمل ولا يكل مما يصنعه بالليل والنهار من مآثر وأعمال طيبات ..
ومات الشيخ
وخلف وراءه تراثا علميا خالدا على الأيام.
عمر مكرم
من أنبه أعلام
مصر والأزهر في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، وأسيرهم ذكرا .. قضى حياته في خدمة
وطنه. وخدمة شعبه ، وفي السعي الى تحريره والدفاع عن حريته ، وكان من زعماء
المقاومة الشعبية ضد الحملة الفرنسية ، وكما سعى لرفع الحيف عن الجماهير في بلاده.
لتحقيق آمالهم في الحياة.
كان ممن أعلن
المقاومة ضد طغيان ابراهيم ومراد من أمراء المماليك منذ عام ١٧٩٥ م ، وفي ثورة
شعبية ألزم الشعب ، وعلى رأسه العلماء ونقيب الأشراف. امراء المماليك بوثيقة
مكتوبة وموقعة منهم بالتزام العدل في معاملة الرعية ، وهذه الوثيقة يعدها المؤرخون
وثيقة حقوق الانسان الأولى وقد سبقت اعلان حقوق الانسان في فرنسا في أعقاب ثورة
عام ١٧٩٨ م ، وفي هذه الوثيقة الكبرى أعلن أمراء المماليك أنهم يتعهدون بالعدل ،
ويتوبون عن المظالم ، ويعدون بالقيام بالواجبات التي يفرضها عليهم القانون والعرف
، من صرف الأموال على مستحقيها ورفع الضرائب الاضافية.
وفي نضال الشعب
ضد الغزو الفرنسي لمصر عام ١٧٩٨ قاد مكرم العالم الأزهري الأسيوطي الجماهير ، إذ
هبط من القلعة الى ساحل بولاق يحمل علما يسميه العامة «البيرق النبوي» ، والناس من
حوله ، آلاف مؤلفة يحملون السلاح ، يشدون أزر جيش المماليك الذي كان يقاتل على
الضفة الأخرى للنيل.
ولما احتل
نابليون القاهرة خرج من مصر إلى العريش ثم عاد الى القاهرة واشترك في ثورة القاهرة
الأولى والثانية فنفاه الفرنسيون الى دمياط.
وبعد جلاء
الجيش الفرنسي ، كان محمد علي يلتف حول الوطنيين المصريين ويعدهم بالآمال المعسولة
فرشحه عمر مكرم حاكما على مصر ، وقاد مكرم الشعب في ثورته ضد الحاكم خورشيد باشا ،
وفي المناداة باسناد ولاية مصر الى محمد علي.
وقاد بعد ذلك
حملة مقاومة الغزو الانجليزي لبلادنا عن طريق رشيد وهزمت حملة فريزر هزيمة ساحقة ،
رفع بعدها مكرم رأسه للسماء بالحمد والدعاء والشكر.
وتولى محمد علي
حكم مصر حسب إرادة الشعب والعلماء وكان محمد علي لا يفتأ يلجأ الى مكرم لأنه يدرك
مدى زعامته الشعبية في نفوس العلماء والجماهير وقادة الرأي وجميع الطبقات ولما
اطمأن محمد علي الى نفسه وجيشه قلب للزعيم عمر مكرم ظهر المجن وامتنع عن مشاورته
وأقصاه عن جميع أمور الدولة وعن مسائل الدفاع عن الوطن.
وأخذ محمد علي
يغتصب أرض الأوقاف فاجتمع عمر مكرم بالعلماء ، محتجين على مسلك الوالي فكان رده
عليهم :
إنني على
استعداد لأن أرمي عنق كل من يستظل بلواء المعارضة في وجه سياستي.
وبادر مكرم
بجمع العلماء ، وفي الاجتماع أعلن أمامهم : إن محمد علي محتال وإذا تمكن فسيصعب
ازالته فلنعزله من الآن.
ونفى محمد علي
عمر مكرم من مصر ، فكان رد هذا الزعيم الشجاع : إن النفي غاية ما أتمناه غير أنني
أريد العيش في بلد لايدين بحكم محمد علي.
وفي الثالث عشر
من أغسطس عام ١٨٠٩ م احتشدت على ساحل
بولاق طوائف كبيرة من الشعب يودعون زعيمهم المنفي ، وهو يبحر في مركبه الى
دمياط ، وبكى الشعب بكاء مريرا ، وهو يودع الرجل الذي اوقف حياته في سبيل الدفاع
عن حقوقه ورد المظالم عنه. وهكذا اختفت الزعامة الشعبية من الميدان ، وأصبح محمد
علي يتحرك بهواه كما يريد دون مراعاة للشعب ولا لحقوقه ومواثيقه.
وقضى الشيخ
حياته بين العبادة والمطالعة وخاصة أهله. ولما مات بكاه الناس في كل مكان.
الشيخ الشرقاوي
شيخ الأزهر
الشيخ عبد الله الشرقاوي عاصر الحملة الفرنسية على مصر ، وقاد الشعب من أجل
مقاومتها حينا ، ومن أجل التخفيف من شدة وطأتها على الشعب حينا آخر ، وطار صيته في
كل مكان ، وكتب عنه الأوروبيون فصولا طوالا ، وذهب كل من كتب عنه مذهبا يتفق ومدى
فهمه للأحداث الجسام التي وقعت في هذه الفترة القصيرة الحافلة في تاريخ الوطن.
ولد بالطويلة
إحدى قرى بلبيس عام ١١٥٠ ه ـ ١٧٣٧ م ، وتعلم في الأزهر ، وتخرج منه ، وصارت له
حلقة علمية قيمة ، وكثر طلابه ، وعم علمه الآفاق.
ولما مات الشيخ
أحمد العروسي شيخ الأزهر عام ١٢٠٨ ه تولى الشرقاوي مشيخة الأزهر بعده ، وكان من
المرشحين معه لتولي هذا المنصب العلمي والديني الجليل الشيخ مصطفى العروسي ، فآلت
إليه ، وأسندت له ، وتولاها وهو موضع ثقة الجميع ، وكان شيخ علماء الشافعية
ومفتيهم في عصره ، وله مؤلفات دالة على سعة فضله في الفقه والحديث والعقائد. ومن
مؤلفاته :
مختصر الشمايل
مع شرحه وشرح على «الحكم» لابن عطاء الله ،
ومختصر على «مغني اللبيب» لابن هشام في النحو ، وطبقات فقهاء الشافعية
المتقدمين والمتأخرين ، وتاريخ مصر وهو الذي أنشأ رواق الشراقوة في الجامع الأزهر.
واشترك
الشرقاوي في قيادة الشعب في كل الأحداث السياسية والقومية .. في الحملة الفرنسية
كان الناطق أمام الغزاة باسم الشعب ، وأذاع نابليون نبأ رياسة الشرقاوي للمجلس
المخصوص الذي ألفه ، ودون موافقة من الشيخ ، ليسكت ثورة الشعب وغضبه ومقاومته ،
وقبل الحملة الفرنسية قاد ثورة شعبية ضد المماليك تعد من أشهر الثورات الشعبية في
مصر ففي شهر ذي الحجة عام ١٢٠٩ ه / ١٧٩٥ م ، وبعد توليه مشيخة الأزهر بعام جاء له
الفلاحون من إحدى قرى بلبيس وشكوا له من ظلم محمد بك الألفي وجنوده وأتباعه لهم ،
وفرضهم على القرية اموالا كثيرة لا طاقة للفلاحين بها ، وتأثر الشيخ بما سمع ،
وبلغ الشكوى الى كل من مراد بك وابراهيم بك ، ولكنهما لم يفعلا شيئا ، فعقد الشيخ
مؤتمرا شعبيا وطنيا في الأزهر ، حضره العلماء والطلاب ، حيث استقر الرأي على
مقاومة الأمراء المماليك بالقوة ، حتى يخضعوا لمطالب الشعب ، وعندئد امر الإمام
الشرقاوي باغلاق أبواب الجامع الأزهر وأعلن للشعب قرارا باضراب العام وباغلاق الأسواق
والمحلات.
وفي اليوم
التالي ركب الشرقاوي ومعه العلماء ، وتبعتهم الجماهير ، وسار الموكب الى منزل
الشيخ السادات وهو من كبار العلماء ، وكان منزله قريبا من قصر ابراهيم بك الذي
إفزعته مواكب الشعب الثائرة فبادر ـ إبراهيم بك ـ بارسال رئيس ديوانه ايوب بك ليسأل
العلماء عن مطالبهم ، وحاول المماطلة في تحقيق مطالب الشعب ، ولكن العلماء أصروا
على موقفهم. وتقاطرت الجماهير صوب الأزهر وبدأت ثورة وطنية عاصفة.
وهال إبراهيم
بك ما بلغه عن الأحداث. فأرسل إلى العلماء يعتذر إليهم ، وفي اليوم التالي توجه
إلى مصر العثماني الى منزل ابراهيم بك ،
واجتمع بأمراء المماليك حيث أرسلوا الى العلماء ليجتمعوا بهم. فحضر الإمام
الشرقاوي والسيد عمر مكرم ، والشيخ السادات. والشيخ البكري والشيخ الأمير. وانتهى
الاجتماع بالموافقة على مطالب الشعب التي قدموها.
وتم تحرير
وثيقة تتضمن هذه القرارات ، وقع عليها الحاكم العثماني وأمراء المماليك ، وكبار
العلماء ، ورجع العلماء يحيط بهم الشعب بمواكبه الزاخرة.
ويجمع أكثر
المؤرخين على أن هذه الوثيقة كانت بمثابة إعلان لحقوق الانسان ، سبقت بها مصر
غيرها من الشعوب ، وسبقت بها إعلان حقوق الإنسان الذي اعلنته الثورة الفرنسية في
باريس بسنوات. ومصر دائما هي قائدة المواكب ، ورائدة الحرية ، وحاملة مشاعل
الحضارة في كل مكان وزمان.
ومات الشيخ
الشرقاوي رحمه الله يوم الخميس الثاني من شهر شوال عام ١٢٢٧ ه / ١٨١٢ م.
الشيخ حسن العطار
ولد الشيخ حسن
العطار في أول الثلث الأخير من القرن الثامن عشر ١٧٦٦ أي قبل الحملة الفرنسية على
مصر باثنين وثلاثين عاما ، فهو يعطينا بمولده هذا صورة لمصر السياسية في القرن
الذي كان نهاية لحكم الولاة العثمانيين في مصر.
والحق أن مصر
في القرن الثامن عشر كانت تختم القرون الثلاثة من الحكم العثماني الذي ساقه القدر
إليها على يد السلطان سليم الأول الذي فتح مصر ١٥١٧ م وهي قرون شهدت البلاد فيها
من الظلام والجهل والضعف والتأخر في كل الميادين ما لا يمكن أن يصار الى أسوأ منه.
وكان بادية القرون الثلاثة كنهايتها : سوء حال وضعف آمال.
وكان والد
الشيخ حسن عطارا ـ ومن هنا جاءه اللقب ـ وكان لهذا الوالد مشاركة في بعض العلوم ،
فما رأى من ولده إقبالا على العلم ، ساعده على تحصيله ، فكان يتردد على الأزهر
ويحضر حلقات كبار مشايخه في ذلك العصر ، فلما جاء الفرنسيون الى مصر ١٧٩٨ هرب حسن
إلى الصعيد خوفا على نفسه من أذاهم ، ثم عاد الى القاهر بعد قليل فاتصل ببعض رجال
الحملة من العلماء فأفاد منهم وأطلع على كتبهم وآلاتهم وتجاربهم العلمية فكان ذلك
بدء اتجاهه الى تقدير العلوم الطبيعية والمناداة بضرورتها وقد اشتغل في الوقت نفسه
بتعليم اللغة العربية لبعض هؤلاء العلماء الفرنسيين ، كما اشتغل بالتدريب في
الأزهر.
وقد عرف الشيخ
حسن العطار بمؤلفاته الكثيرة ، كما عرف بأسلوبه الأدبي وعباراته الانشائية الأنيقة
التي كانت تجري على طريقة الزخرف والمحسنات ، وله أشعار رقيقة ، أما ميله الى
العلوم الطبيعية والرياضية والفلك والطب ، فيدل عليه كتبه ورسائله في كيفية عمل
الأسطرلاب ، والربعين المقنطر والمجيب ، والطب والتشريح ، وأشكال التأسيس في علم
الهندسة بالاضافة إلى اتقانه رسم المزاول الليلية والنهارية بيديه.
وقد امتاز حسن
العطار بقراءاته الواسعة العميقة للكتب العربية والمعربة في زمانه ، ولم يختص بعلم
معين ، او بفن بعينه من الفنون ، ولكنه كان حريصا على الإفادة من كل علم ، وكان
يطرز الكتب التي يقرؤها بهوامشه وتعليقاته ، ويقول في ذلك في تلميذه الشيخ رفاعة
الطهطاوي : كان له مشاركة في كثير من العلوم ، حتى في العلوم الجغرافية ، فقد وجدت
بخطه هوامش جليلة على كتاب تقديم البلدان لإسماعيل أبي الفداء سلطان حماة المشهود
أيضا بالملك المؤيد ، وللشيخ المذكور هوامش ايضا وجدتها بأكثر التواريخ وعلى طبقات
الأطباء وغيرها ، وكان يطلع دائما على الكتب المعربة من تاريخ وغيرها .. وكان له
ولوع شديد بسائر المعارف البشرية ..
ويعتبر رفاعة
الطهطاوي ـ رائد الفكر وإمام النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر ـ أنجب تلاميذ
حسن العطار ، فأحبه الشيخ لما أنسه فيه من الذكاء والانكباب على العلم ، وقربه
إليه ، وحفه برعايته ، وكان التلميذ رفاعة يتردد على شيخه كثيرا في بيته ويأخذ عنه
العلم والأدب والجغرافيا والتاريخ ، ولما كان العطار ميالا بطبعه الى العلوم
العصرية ، ولا يرى الانحصار في دائرة كتب الشرع فحسب ، فقد أودع هذا الميل في نفس
تلميذه رفاعة الطهطاوي ، مما أهله بعد ذلك ليكون إماما للبعثة العلمية في باريس ،
ومما فتح ذهنه إلى البحث وسلامة التفكير والاسهام في نقل العلوم عن الغربيين حتى
يفيد منها اهل وطنه ، وهنا يظهر فضل العطار على الطهطاوي فهو أول من وجهه إلى
الاغتراف من موارد العلم والأدب. وهو أول من دله على قيمة العلوم العلمية الطبيعية
وضرورتها بما لا يقل عن أهمية العلوم الشرعية.
والشيخ العطار
من القلائل الذين جمعوا بين التدريس في الأزهر ـ في اول عمره ـ ومشيخة الجامع
الأزهر في ختام حياته ، وكان حلقته بالأزهر تغص بالطلاب ، فكان العلماء يتركون
حلقات غيره ويتكاثرون على حلقته يستمعون. ولا شك أن تحرر الشيخ العطار الفكري
وبعده عن الجمود ، ودعوته الجديدة الى الأخذ بالعلوم الحديثة مع الاهتمام بالعلوم
القديمة ، قد جذب إليه الطلاب من كل فج ، ، وهداهم إلى مجلسه في أثناء تدريسه
بالأزهر ، ويستوي في ذلك مقامه بمصر أم بالخارج ، ففي مقامه بدمشق لفت إليه أنظار
طلبة العلم هناك (فتلقاه اهلها بما لاق ، وعقدوا على تفوقه وتفرده بالفضائل كلمة
الاتفاق).
الشيخ محمّد عياد الطنطاوي
لا يكاد أحد من
العرب ممن كان له علاقة بروسيا في القرن التاسع عشر يكون شخصية طريفة كشخصية أستاذ
جامعة بطرسبرج الشيخ الطنطاوي ، فالدور الذي لعبه الشيخ في تاريخ الاستعراب
الأوروبي ليس بيسير . كان الطنطاوي رجل الآداب العربية الحديثة العامل في
حفل الاستعراب الروسي ويبرز الطنطاوي في تاريخ هذا الاستعراب والآداب الجديدة
في صورة فريدة لا نظير لها حتى الآن . فشخصية هذا «المستشار» تبرز بروزا فريدا في تاريخ كرسي
اللغة العربية وآدابها في مدى قرن ونيف في جامعة بطرسبرج .
هكذا يقول
المستشرق الروسي كراتشكوفسكي عن الطنطاوي الذي كان شخصية فذة في تاريخ الاستشراق ،
والذي وضع أصولا ثابتة للدراسات الاستشراقية في الغرب وقد شغل أذهان المستشرقين
وكتاباتهم أمدا طويلا. ويعد استاذ الكثيرين منهم.
__________________
٢ ـ كتبت دور
الاستشراق عن الطنطاوي كتابات طويلة ، ونوهت بدوره الفعال في خدمة اللغة العربية ،
ووصفت أعماله العجيبة وصفا رائعا ، وسجلت دوائر المعارف العالمية الكثير من
المعلومات عنه.
وعكف
كراتشكوفسكي شيخ المستشرقين الروس عشر سنوات لكتابة دراسة عنه ، وأخيرا ألف
بالروسية كتابه الرائع «حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي ، الذي عهد المجلس الأعلى للفنون والآداب في الجمهورية
العربية المتحدة إلى السيدة كلثوم عودة. وهي عربية فلسطينية مقيمة في روسيا ،
بترجمته الى العربية ، وعهد إلى الأستاذين : عبد الحميد حسن ومحمد عبد الغني حسن
بمراجعة النص العربي وتحقيقه والتعليق عليه ، ثم قام بنشره عام ١٣٨٤ ه ـ ١٩٦٤
فجاء سفرا نفيسا في نحو ١٨٠ صفحة ؛ ولكنه يمثل جهادا عليا جليلا في الكشف عن حياة
الطنطاوي ومواهبه وآثاره وثقافته ، وفي تفصيل خدماته للاستشراق والمستشرقين في
القرن التاسع عشر.
لقد تناولت
الكتاب لقراءاته ، فاذا بي أمام بطولة علمية حقة ، قام بها كراتشكوفسكي ، من أجل
تسجيل حياة مواطن عربي ، مصري ، أزهري ؛ اعترافا بفضله على الثقافة الاستشراقية في
العصر الحديث ...
وكنت أقرأ
الكتاب وكأنني امام أحداث مصورة ؛ كل الألوان والظلال والسمات ، وكل خطوة خطاها
هذا العالم الأزهري الخالد ، منذ ميلاده حتى وفاته ، وكل حدث علمي أو فكري أسهم
فيه ؛ قد أبرزه كراتشكوفسكي بصورة زاهية أمينة ، معتمدا على كثير من المصادر
والمخطوطات وسجلات المستشرقين ومؤلفاتهم ؛ وعلى مجموعة الشيخ محمد عياد الطنطاوي
__________________
الخطية ، التي تبلغ نحو ١٥٠ مخطوطا عربيا ، مودعة في مكتبة جامعة بطرسبرج ،
والتي نرجو أن تقوم بعثات دار الكتب المصرية في الخارج بتصويرها كلها أو بعضها مما
له أهمية خاصة. وكان كراتشكوفسكي يكتب عن الطنطاوي مأخوذا بروعة أعماله ، وجهاده
العلمي ، ويسجل كل رأي فيه ، ويزن أعماله بميزان نقدي سليم منصف ، ويقول : لقد بدت
لي فجأة شخصية شيخنا واضحة مغيرة .
وكان عمل
المترجمة وعمل المراجعين موازيا لعمل المؤلف نفسه ؛ دقة تامة ، وأمانة علمية بارزة
، وتحر لجميع الحقائق ، ووقوف صوفى ، كأنه الاستغراق ، امام جميع النصوص .. مما
جعلني مذهولا حقا أمام هذا العمل العلمي الفريد ، الذي يجب ان ينال تقدير الدولة ،
وتقدير جامعاتها ، وبخاصة الأزهر ، وكما أود أن تكون أعمال الطنطاوي في ميدان
الاستشراق الحديث مادة للدراسة في جميع معاهدنا وجامعاتنا ، وأن يطلق أستاذنا أحمد
حسن الباقوري مدير جامعة الأزهر اسم الطنطاوي على احد مدرجات الجامعة ، تخليدا
لذكرى رجل نشأ بين صفوفه طالبا ، وعمل في حلقاته العلمية مدرسا ، وقدره العالم كله
عالما ومفكرا ومصدرا للحركة الاستشراقية في العالم كله ، وأكسب وطنه مصر مجدا
علميا باقيا على مر الزمان.
٣ ـ كان
الطنطاوي أعظم من ضحوا من العرب في خدمة الثقافة الإنسانية ، وخدمة البحث العلمي
الحر. ولقد ولد في قرية نجريد المصرية عام ١٢٢٥ ه : ١٨١٠ م ؛ وكان أبوه تاجرا
كثير التجول ، من محلة مرحوم بقرب طنطا ، وأمه من بلدة الصافية .
وذهب الى طنطا
في سن السادسة لحفظ القرآن الكريم. وبدأ في تلقي دروس العلم في سن العاشرة في
حلقات الجامع الأحمدي. ثم رحل
__________________
مع أبيه إلى القاهرة عام ١٢٣٨ ه : ١٨٢٣ م ، ودخل الأزهر ، وفيه تتلمذ علي
: محمد الكومي ، ومحمد أبي النجا ، ومصطفى القناوي ، وإبراهيم الباجوري شيخ الأزهر
(ت ١٨٦١ م) ، وحسن العطار (ت ١٨٣٥ م) ، وإبراهيم السقا (ت ١٨٨٠ م).
وكان من زملائه
في الدراسة : الشاعر الشيخ شهاب الدين (١٨٥٧ م) ، ورفاقه الطهطاوي (١٨٧٣ م) ،
ومحمد قطة العدوى (١٨٦٤ م) ، ومحمد الأشموني ، وإبراهيم الدسوقي (١٨٨٣ م) ، الذي
تتلمذ عليه كثير من المستشرقين.
وفي عام ١٨٢٧ م
توفي أبوه فترك الطنطاوي الدراسة في الأزهر ، تحت ضغط الظروف القاسية ، وعاد إلى
طنطا ، ومنحه أستاذه مصطفى القناوي شيخ المسجد الأحمدي إجازة في التدريس عام ١٨٢٨
م ، ثم عاد ودرس في الأزهر عام ١٨٣٠ م ، ثم عاد ودرس في الأزهر عام ١٨٣٠ م ، وكان
أول من قرأ المعلقات والمقامات في حلقاته العلمية وهو في العشرين من عمره. وظل في
الأزهر عشر سنين ، وله تعليقات على مقامات الحريري وشرح الزوزني على المعلقات.
ومن تلاميذ
الطنطاوي في الأزهر : يوسف الأسير السوري (١٨٨٩ م) ، وإبراهيم مرزوق (١٨٦٦ م) ،
وعبد الهادي نجا الأبياري.
واشتغل مع عمله
في الأزهر بالتدريس في المدرسة الانجليزية بالقاهرة (مدرسة الارسالية
البروتستانتية) عام ١٨٣٥ م. وفيها اتصل بكثير من الأوروبيين الوافدين على مصر ،
ومن بينهم جماعة من المستشرقين مثل فليمانس فريثل الفرنساوي (١٨٥٥) الذي ترجم
لامية العرب للشنفري الى الفرنسية بمساعدة أستاذه الطنطاوي ، والذي علم أستاذه
اللغة الفرنسية ؛ وكذلك بيرون وفيل وبرونر ، وأصبح الشيخ أثيرا عندهم ، واعتمدوا
عليه اعتمادا كليا في بحوثهم وتتلمذوا عليه تلمذة فعلية.
وكتب قرينل
يقول : «أنه مدين للطنطاوي الشيخ المصري الوحيد ،
الذي يدرس لغته بمحبة واهتمام ، ويدرس كتب الآداب العربية القديمة».
ومن تلاميذه :
موخين ، وقرين الروسيان وبسببهما سافر الطنطاوي الى روسيا عام ١٨٤٠.
غادر الطنطاوي
القاهرة في ٢٤ من المحرم ١٢٥٦ ه : فبراير ١٨٤٠ م الى الاسكندرية حيث نزل في ضيافة
قنصل روسيا فيها «مديم» وفي ٢٦ مارس ركب باخرة نمساوية الى استامبول ، ومنها إلى
أوديسا ؛ وفي يوم ٢٩ يونيو ١٨٤٠ وصل الى بطرسبرج.
وكانت روسيا
آنذاك تهتم باللغات الشرقية ، وأنشأت في بلادها دراسات لها. وفي نحو عام ١٨٣٦
أنشأت معهدا للغات الشرقية وألحقته بجامعة بطرسبرج (بتروغراد ثم ليننجراد او
لنينجراد فيما بعد) ، وخصصت كرسيا فيه ـ لتدريس اللغة العربية ، بجانب اللغات
الشرقية الأخرى كالفارسية والتركية ، والمغولية والصينية ، والفضل في ذلك راجع الى
م. بوشكين «وزير المعارف الروسية آنذاك» ، وأرادت روسيا شغل كرسي اللغة العربية ،
فكلفت قنصلها في القاهرة ، ليقوم بالاتفاق مع من يعرف فيه القدرة على القيام بهذه
المهمة ، فاتصل بالشيخ وحبب إليه السفر الى روسيا لهذه الغاية ، فتردد الشيخ ، إلا
أن أصدقاءه رغبوه في القبول ، وأضيف الى ذلك إلحاح القنصل وسخاء العرض ، فوافق على
السفر ليأخذ مكانه بين أساتذة اللغات الشرقية في بطرسبرج.
وقوبل الشيخ
هناك بالحفاوة ، وجعل له مرتب سخي ، واشتغل منذ ٢ يوليو ١٨٤٠ بالتدريس في معهد
اللغات الشرقية. وبالعمل في ديوان الخارجية في بطرسبرج.
كتب سانيليف ـ الذي
صار فيما بعد من أشهر علماء الآثار ، وأحد ، مؤسسي جمعية الآثار ـ يرحب بالطنطاوي
: وبعث بمقال له ـ مذيل بتوقيعه ، وبتاريخ ١٧ أغسطس ١٨٤٠ الى جريدة (فدومستي
بطرسبرج) ، ونشرت الجريدة المقال في عدد ١٨٩ بتاريخ ٢٢ / ٨ / ١٨٤٠ ، وجاء فيه :
(انت تسألني :
من هذا الرجل الجميل ، في لباس شرقي ، وعمامة بيضاء ، وله لحية سوداء كجناح الغراب
، وعينان تشعان باشعاع غريب ، وعلى وجهه سمة الذكاء ، وقد لفحت الشمس بشرته ،
وليست بالطبع شمس بلادنا الشمالية الباردة ، هو ضيف جديد من ضفة النيل ، الشيخ
الفاضل محمد عياد الطنطاوي. ان إسمه معروف لدى كل من يدرس اللغة العربية ، وكل
السياح الذين انتفعوا بخدماته والمدنين له بنجاح أبحاثهم يذكرونه بالشكر ، ويكنون
له المودة ، مذيعين شهرته في أوروبا. فمن هنا نرى ما كسبته كليات اللغات الشرقية
المحلية التي دعت الشيخ القاهري ليحتل كرسي اللغة العربية الشاغر. ويمكنك الآن أن
تتعلم اللغة العربية بدون ان تغادر بطرسبرج ، وفي الاسبوع الماضي ألقى الشيخ
الطنطاوي اول محاضرة له في قاعة الجامعة حضرها ما عدا تلاميذ المدرسة وبعض
المستشرقين غير المنتمين إليها).
خلف الطنطاوي
في قسم اللغات الشرقية سلفه (ديمانج) الذي توفي عام ١٨٣٩ م ؛ وقضى ما يقرب من سبع
سنوات مجاهدا في تدريس اللغة العربية ثم عين بعد ذلك عام ١٨٤٧ أستاذا لكرسي اللغة
العربية في جامعة بطرسبرج وعين المستشرق الروسي «نفروتسكي» مساعدا له. وظل أستاذا
لهذا الكرسي طيلة أربعة عشر عاما (١٨٤٧ ـ ١٨٦١ م) ، وعلى يديه تتلمذ كثير من
المستشرقين الروس والألمان والفنلنديين الذين كان من أشهرهم «فالين».
وفي سبتمبر عام
١٨٥٥ أصيب الشيخ بشلل في رجليه. وظل يغالب المرض والمرض يغالبه سنوات صعابا على
نفسه. وأقام في منزله رهين المرض.
كان يشرف على
العناية بالشيخ زوجته المصرية «ام حسن» التي ولدت له في ١٩ مايو ١٨٥٠ ولدا سماه «أحمد».
وتوفيت زوجه
المصرية عام ١٨٦٠ وابنه في سن العاشرة ، ولما لم
يكن الشيخ بمستطيع القيام على تربية ابنه طلب ادخاله في داخلية احدى
المدارس الوسطى ، ودخل أحمد جمناز لاريتا في ١٩ نوفمبر ١٨٦٠ على حساب الدولة ، ولم
يلبث الشيخ غير قليل حتى أحيل على التقاعد في ١٩ / ١ / ١٨٦١ ، ثم وافاه الأجل في
٢٤ ربيع الثاني ١٢٧٨ ه : ٢٩ اكتوبر ١٨٦١ م ، ودفن في قرية فولكوفا بجوار بطرسبرج
بجوار مقبرة زوجه المصرية الوفية ؛ وكان في هذه القرية مقابر المسلمين. وتسمى
المقابر التي دفن في وسطها مقبرة التتر. وعين نفروتسكي خلفا له في كرسي اللغة
العربية بالجامعة ، وصرفت الدولة معاش الشيخ الى ابنه أحمد ، واختير نفروتسكي وصيا
عليه ، وفي عام ١٨٧١ باع أحمد مجموعة والده الخطية الى مكتبة الجامعة. ثم تزوج
أحمد وخلف بنتا ولم يلبث كذلك الا قليلا وتوفي عام ١٨٨١ ، ودفن بجوار أمه ، وألحقت
ابنته بدار ايتام الاشراف باسم هيلانة ، وصارت مسيحية منذ ذلك التاريخ او اريد لها
ذلك ، اذ كانت طفلة صغيرة آنذاك ، ولا ندري من أخبراها بعد ذلك شيئا.
٤ ـ ترك الشيخ
آثارا كبيرة تبلغ الواحد والأربعين مؤلفا ، أحصاها كراتشكوفسكي ، وفي مقدمتها :
تاريخ حياته وكتابه المخطوط «تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا» ، وورد اسمه في
مرجع آخر غير كتاب كراتشكوفسكي هكذا «هدية النجباء في تحقيق اقليم روسيا» ، وقد ألفه الطنطاوي عام ١٨٥٠ م / ١٢٦٦ ه ، وأهداه إلى
السلطان عبد المجيد ، وكانت كتابته في دقيقة ، وملاحظاته فاحصة ، وإحساسه وروحه
عاليين ولم يكن الكتاب سردا تاريخيا أو جغرافيا ، بل كان وصفا دقيقا حيا بيئيا
لرحلته من القاهرة إلى بطرسبرج وزياراته لأقاليم روسيا ، وانفعالاته مع الإقليم
والشعب فيها خلال إقامته طيلة العشر سنوات التي قضاها هناك منذ هجرته عام ١٨٤٠ حتى
تاريخ تأليف الكتاب (١٨٥٠) ووصف رحلاته في روسيا وفي دول البلطيق وفنلندا من حولها
، ويتضمن الكتاب كذلك دراسة مفصلة لتاريخ روسيا
__________________
الحديث وصورا سريعة لطبوغرافية بطبرسبرج في ذلك الحين ؛ وهذا العمل مكتوب
بصورة لامعة ولا يزال محتفظا بقيمته العلمية إلى اليوم.
وللطنطاوي كتاب
عنوانه «النحو العربي» أو قواعد اللغة العربية» ، وهو أول كتاب كتبه كاتب عربي
باللغة العربية للتدريس في جامعات روسيا ومعاهدها العالية ، وهو موضع اهتمام
المستشرقين ، ونال شهرة كبيرة في كل دوائر الاستشراق الأوروبي. الى كتب أخرى ألفها
الشيخ ، وأحصاها كلها كراتشكوفسكي في كتابه القيم.
٥ ـ كان
الطنطاوي يجيد عدا العربية الفرنسية والروسية والفارسية والتركية واللغة التترية ،
ويقول كراتشكوفسكي : انه كان إلى جانب اللغة العربية له إلمام بست لغات أخرى ، وإن
هذا أفق كان بعيدا عن مواطنيه في ذلك الحين .
٦ ـ إن هذا
الكتاب القيم لتاريخ حي من تاريخ مصر وأزهرها في العصر الحديث فهو ينطق بعظمة
الفكر المصري في أول عصر النهضة ، ويصور الحياة الثقافية في مصر وحياة الأزهر
العلمية في القرن التاسع عشر تصويرا صادقا أمينا وهو من أجمل الكتب التي أخرجتها
المطبعة العربية ، والفضل في ذلك راجع إلى عمل المؤلف وعمل الترجمة وعمل المراجعين
الفاضلين الذي ينم عن جهد كبير بذلاه فيه.
والكتاب مقسم
إلى :
١ ـ توطئة أو
مقدمة تحدث فيها المؤلف عن مصادر حياة الطنطاوي وعن ظروف قيامه بهذه الدراسة.
٢ ـ ثم ثلاثة
فصول : الأول عن «الطنطاوي في مصر وسفره الى روسيا» ، والثاني عن «الطنطاوي في
روسيا» ، والثالث عن «مصنفات الطنطاوي».
__________________
٣ ـ ويلي ذلك
ملحقات بعضها بقلم الطنطاوي نفسه ، وبعضها نصوص أخرى للمؤلف وغيره.
٤ ـ ثم رسائل
من الطنطاوي إلى غولد المستشرق (١٨٩٧ م) والأستاذ في جامعة قازان.
٥ ـ ويلي ذلك
كله تعليقات وتحقيقات بقلم المراجعين كتباها شرحا أو تعليقا على بعض نقاط وردت في
الكتاب.
وفي صدر الكتاب
صورة للطنطاوي رسمها له مرتينوف عام ١٨٥٣ ، وصورة أخرى لقبره أخذها له بعض
المستشرقين عام ١٩٢٣ ؛ وتقديم بقلم المراجعين الفاضلين.
وبعد فقد مضى
على وفاة الطنطاوي أكثر من مائة عام ، ومع ذلك فجهوده في خدمة الاستشراق حديث
الجامعات في الغرب ، فمتى تذكر الجامعات العربية هذا الرجل الفذ ، ومتى ترد له بعض
ديونه وتعترف بقيمة ما أداه للفكر العالمي والعربي من خدمات جليلة باقية على مر
الأيام؟.
ويروي المرحوم
أحمد تيمور باشا في كتابه «أعلام الفكر الاسلامي في العصر الحديث» سيرة الشيخ
الطنطاوي فيقول إنه من مواليد طنطا ، سنة ١٨١٠ ، وقد تلقى تعليمه في الجامع
الأحمدي ، ثم انتقل الى الأزهر.
وكان يجيد
الشعر والنثر والنقد والنحو والفقه وعلم الكلام والحساب والجبر والتاريخ وله أكثر
من مائة مؤلف في كل هذه العلوم ، أكثرها لا يزال محفوظا بخط يده في مكتبة الكلية
البتروغرادية.
وقد قضى الشيخ
الطنطاوي في روسيا نحو ربع قرن ، الى أن مات ، وترك زوجه وولده هناك من بعده ،
وليدفنا إلى جواره.
وكانت بينه
وبين رفاعة الطهطاوي مراسلات أدبية ، يقول في إحداها :
«أنا مشغول
بكيفية معيشة الاوروبيين وألفاظهم وحسن ادارتهم ،
خصوصا ريفهم وبيوتهم المحدقة بالبساتين والأنهار ، الى غير ذلك مما شاهدته
قبل بباريز ، اذ بطرسبرج لا تنقص عنها ، بل تفضلها في أشياء ، كاتساع الطرق.
«أما من جهة
البرد ، فلم يضرني جدا ، وانما الزمني ربط منديل في العنق ، وليس فروة اذا خرجت.
اما في البيت ، فالمداخن المثبتة معدة للادفاء».
على أن إقامته
الطويلة في روسيا لم تؤثر في دينه ، وله في ذلك قصيدة نذكر منها :
انا بين قوم
لا أدين بدينهم
|
|
أبدا ، ولا
يتدينون بديني
|
ويحدثنا تيمور
باشا في هذا الكتاب ان الشيخ الطنطاوي كان تلميذا للشيخ حسن العطار ، وهو الآخر
علم من أعلام الفكر الإسلامي ، عاصر الحملة الفرنسية ، وأفاد بها من الناحية
العلمية ، واستحدث بما أفاده ثورة في الأزهر أثارت عليه أثرة كثير من أصحاب
العمائم.
وكان الشيخ حسن
العطار في طليعة الرواد فقد كان علم الأزهر في عصره مقصورا على الدين وحده.
وكان الشيخ
العطار قد عاشر علماء الحملة الفرنسية ، وقرأ ما ترجموا من كتب علمية الى التركية
والعربية ، في الهندسة والعلوم الطبيعية والفلك والصناعات الحربية ، ورأى كيف يحولون
العلم الى عمل ، فآمن بضرورة الدعوة إلى مثل هذا التحول ، ووضع بنفسه المؤلفات في
المنطق والفلك والطب والطبيعة والكيمياء والهندسة والعلوم الطبيعية والاجتماعية
والانسانية.
وتولى منصب شيخ
الأزهر ، وأمر بتدريس المواد الممنوعة كالجغرافيا والتاريخ.
وحتى تدريس
الأدب كان ممنوعا في الأزهر ، فحرض تلميذه الشيخ
الطنطاوي على تدريسه .. كما حرض تلميذه الآخر رفاعة الطهطاوي على تدريس
الحديث والسنة عن طريق المحاضرة ، وبلا نص ، مما لم تكن له سابقة في تاريخ الأزهر.
ويروي تيمور
باشا من ان علماء الأزهر غضبوا ايما غضبة عند تعيين الشيخ حسونة النواوى شيخا
للأزهر.
وكان لهذه
الغضبة أكثر من سبب ، ولكن أبرز هذه الأسباب ، انه جاء مؤيدا لتدريس الحساب
والهندسة والجبر وتقويم البلدان وما إليها في الأزهر ، بدعوى أنها علوم مستحدثة ،
بينما هي في الحق علوم قديمة ، اشتغل بها المسلمون الأوائل ، وألفوا فيها كثيرا ،
وكانت تدرس في الأزهر قبل نكسته.
ولكن خصوم
الشيخ حسونة زعموا أنها من علوم الفرنجة ، وأنها ما أدخلت إلى الأزهر إلا للقضاء
على العلوم الشرعية أو تقليل الرغبة فيها.
ائمة الأزهر في القديم والحديث
الشيخ محمّد بن عبد الله الخراشي
ولد ببلدة (أبو
خراش) من أعمال شبراخيت بمحافظة البحيرة سنة ١٠١٠ ه تلقى تعليمه على يد نخبة من
العلماء ودرس علوم الدين واللغة والمنطق وكانوا يهتمون في الأزهر بدراسة (علوم
التفسير والحديث والفقه واللغة والفلسفة والمنطق) واستوعب معارف عصره وتخرج على
يديه علماء كثيرون جاوزوا المائة من أعلام عصره ومن تلاميذه (الشيخ إبراهيم بن
موسى الفيومي) وقد تولى مشيخة الأزهر بعد ذلك وكان بمثابة معيد للشيخ الخراشي يلخص
ما قاله الشيخ ويوضح ما غمض (كما هو دور المعيد بالنسبة للأستاذ في الجامعة الآن).
وكان جم الحياء
متواضعا يذهب إلى السوق ويشتري حاجياته ويحملها بنفسه وتمسك بالسنة وكان لا يتخلف
عن صلاة الجماعة بالجامع الأزهر ووفد عليه الطلاب من كل قطر وذاعت شهرته ووصفه
الجبرتي بأنه (الامام العلامة والحبر الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين وارث علم سيد
المرسلين) وكانت النذور تأتيه من كل الجهات فلا يحتفظ بشيء بل يتركها لمعارفه
يتصرفون فيها وكانت له كرامات اشتهرت في عصره وظل في كفاحه العلمي حتى جاوز
التسعين ولحق بربه في ٢٧ من ذي الحجة سنة ١١٠١ ه.
مؤلفاته :
كان رحمه الله
واسع الثقافة وخاصة فيما يتعلق بعلوم التفسير والفقه على مذهب الإمام مالك ..
ويمكن إجمال مصنفاته فيما يلي :
١ ـ رسالة في
البسملة في نحو أربعين كراسا
٢ ـ الشرح
الكبير لمختصر خليل في ثمانية مجلدات.
٣ ـ منتهى
الرغبة في حل ألفاظ النخبة (وهو شرح لكتاب نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني).
٤ ـ الفرائد
السنية في حل الفاظ السنوسية
٥ ـ الانوار
القدسية في الفرائد الخراشية (وهو شرح للعقيدة السنوسية).
٦ ـ حاشية على
شرح الشيخ علي ايساغوجي في (المنطق) وهو كتاب شهير.
٧ ـ إجازة أجاز
بها تلميذه الشيخ علي الشبراملسي (ليستحق بها ما يشبه العالمية)
* * *
الشيخ إبراهيم بن محمد البرماوي
ينسب الى بلدة (برما)
من أعمال محافظة الغربية.
حفظ القرآن
ودرس في الأزهر على كبار الشيوخ وعكف على (دروس الشيخ أبي العباس شهاب الدين محمد
بن أحمد القليوبي) وكان من أعظم علماء عصره متعدد الثقافات وألف كثيرا من الشروح
والحواشي والرسائل ثم أذن له أن يقوم بالتدريس فأقبل الطلاب على علمه وكان من أنجب
تلاميذه (الشيخ إبراهيم الفيومي) الذي سبقت الإشارة إليه وترك
مؤلفات عدة تدل على غزارة علمه في (الحديث وفقه الشافعية والمواريث والتصوف).
١ ـ حاشية على
شرح القرافي لمنظومة ابن فرح الأشبيلي (كما شرحها كثيرون لأهميتها).
٢ ـ حاشية على
شرح ابن قاسم
٣ ـ رسالة في
أحكام القول في (الكلب والخنزير) على مذهب الشافعي.
٤ ـ حاشية على
شرح السبط على الرحبية في المواريث.
٥ ـ الميثاق
والعهد فيمن تكلم في المهد.
٦ ـ رسالة في
الدلائل الواضحات في إثبات الكرامات (في التصوف والتوحيد).
تولى مشيخة
الأزهر سنة ١١٠١ ه ولقى ربه سنة ١١٠٦ ه.
* * *
الشيخ محمد النشرتي
كان من أعلام
المالكية ولم يعثر له على ترجمة دقيقة.
ولكنه كان واسع
العلم وتتلمذ على يده نخبة من فقهاء عصره منهم (الديربي الشافعي الأزهري) صاحب
المؤلفات العديدة (عبد الحي بن الحسن بن زين العابدين) العالم الشهير (والمحدث
الأصولي الشهير بالجوهري) وكان بمثابة شيخ لعلماء المالكية.
ولد ببلدة (نشرت)
بمحافظة كفر الشيخ وحفظ القرآن ودرس في الأزهر ولما تولى مشيخة الأزهر سنة ١١٠٦ ه
ظل يواصل الدرس وشغله منصبه وطلابه عن التأليف ولقد سئل جمال الدين الأفغاني لماذا
لم تترك
مؤلفات قال : (لقد ألفت رجالا) وهو منطق الشيخ النشرتي وتوفي في الثامن
والعشرين من ذي الحجة سنة ١١٢٠ ه.
ورغم أنه مات
يوم الأحد فقد شيعت جنازته يوم الأثنين ليتمكن العلماء والأعيان وأمراء المماليك
من السير فيها مما يدل على مكانته.
وظل في مشيخة
الأزهر أربعة عشر عاما وهي مدة طويلة لمن يتولون هذا المنصب.
* * *
الشيخ عبد الباقي القليني
ولد في بلدة
قلين بمحافظة كفر الشيخ لم يعثر له على ترجمة وافية ولكن المؤكد انه كان ذا سمعة
علمية كبيرة وتتلمذ على يديه المشاهير وكان تلميذا للإمامين (البرماوي والنشرتي).
ووجه تلاميذه
إلى دراسة الكتب القديمة وعدم الاكتفاء بالشروح والملخصات وكان يشرح ما استغلق
فهمه عليهم ويملي الشروح مما يدل على رسوخ قدمه في علوم الدين وتولى مشيخة الأزهر
عام ١١٢٠ ه.
ولم يترك
مصنفات علمية فقد انشغل بالدروس لطلابه كسابقه (الشيخ النشرتي).
* * *
الشيخ محمد شنن
لم يعثر له على
ترجمة وافية وإنما الواضح أنه تميز عمن سبقه من شيوخ الأزهر بثرائه العريض وكان له
مماليك وعبيد وجوار ولكن ذلك لم يصرفه عن العلم واشتهر بغزارة علمه وفقهه وكان
علما من أعلام المذهب المالكي ، وكان ممن حث على تجديد الجامع الأزهر وأنفق كثيرا
من ماله في سبيل ذلك خوفا على طلابه بل ورفع مذكرة للسلطان أحمد الثالث
الذي أوفد بعثة عثمانية رسمية تحمل المال والخبراء لاجراء الاصلاحات.
وظل يواصل
البحث والدرس حتى لقى ربه سنة ١١٣٣ ه.
ولم يترك
مصنفات لأنه اكتفى بتدريس العلوم لطلابه (كسابقيه).
* * *
الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي
ولد سنة ١٠٦٢ ه
وعين شيخا للأزهر سنة ١١٣٣ ه وتوفي سنة ١١٣٧ ه.
درس في الأزهر
على يد الشيخ الخراشي (الرسالة) وهي من أهم كتاب في ذلك العصر في العقيدة
الاسلامية وشرحها (وكان كما قدمنا معيدا له) وتلقى على يد علماء عصره كل في تخصصه
فكان من كبار رجال الحديث في عصره وتبحر في علوم اللغة حيث ألف شرحا قيما للكتاب (المقدمة
العزية للجماعة الأزهرية في علم الصرف) من تأليف ابي الحسن الشاذلي المالكي وكان
ذا موهبة خاصة في التدريس فكان المئات يتوافدون عليه ويتلقون عنه وكان يلخص ما
قاله في نهاية الدرس ولا يغادر مجلسه حتى يطمئن على فهم تلاميذه له ومن ألمع طلابه
(حجة زمانه الشيخ محمد بن عيسى بن يوسف الدمياطي الشافعي) (والشيخ الفيومي المالكي)
(والشيخ الصعيدي العدوي المالكي) صاحب المصنفات العديدة.
* * *
الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي
ولد عام ١٠٩١ ه
بالقاهرة ونبغ من صغره فكان شاعرا مرموقا وكاتبا فريدا وعالما واسع الاطلاع متعمقا
في الفقه والحديث وعلم الكلام.
ورث عن أبيه
وجده حب العلم وكان فاتحة لعصر النهضة والتحرر
من الصنعة في الكتابة وتتلمذ على يد (الشيخ الخراشي) (والشيخ حسن البدري) (والشيخ
خليل اللقاني) (والشيخ محمد الزرقاني) (والشيخ أحمد النفراوي) وكانوا من الأعلام
ولما جلس للتدريس تتلمذ على يديه كبار العلماء من أمثال (علي بن شمس الدين الخضري)
(والشيخ الزمزمي المكي الشافعي) (والوالي عبد الله باشا الكوبريلي).
كانت للشبراوي
مكانة عند الحكام وبين العلماء وسجل أحداث عصره شعرا ونثرا وكانت له قصائد تغنى
بها أبناء عصره وتولى المشيخة سنة ١١٣٧ وكان من أعلام الشافعية ونظم قصائد لتيسير
العلوم على طلابه وترك مؤلفات عدة منها.
١ ـ مفاتح
الألطاف في مدائح الاشراف.
٢ ـ الاتحاف
بحب الاشراف.
٣ ـ الاستغاثة
الشبراوية.
٤ ـ درس الآداب
وفرحة الألباب (في تقويم الأخلاق ونصائح الحكام).
٥ ـ عنوان
البيان وبستان الأذهان (في الأدب والأخلاق).
٦ ـ نزهة
الأبصار في رقائق الأشعار.
٧ ـ شرح الصدر
في غزوة بدر.
٨ ـ نظم بحور
الشعر وأجزائها.
٩ ـ شرح
الرسالة العضدية (في علم الوضع).
١٠ ـ العقد
الفريد في استنباط العقائد من كلمة التوحيد.
١١ ـ منظومة في
علم النحو.
١٢ ـ عنوان
البيان ونسيان الأذهان (في البلاغة).
١٣ ـ سند
الشبراوي (ذكر فيه مشايخه ومروياته).
ومات سنة ١١٧١
ه.
* * *
الشيخ محمد بن سالم الحفني
ولد ببلدة (حفنا)
من أعمال بلبيس بمحافظة الشرقية في سنة ١١٠٠ ه.
وحفظ القرآن
ووفد إلى الأزهر الشريف وأخذ العلم عن أشهر علماء عصره واجتهد حتى أجازه أساتذته
للتدريس والافتاء ومن أهم شيوخه (الشيخ محمد البديري الدمياطي الشهير بابن الميت)
درس عليه (كتاب أحياء علوم الدين للإمام الغزالي) واستوعب كل كتب الحديث الشهيرة
وتوافد الطلاب من كل فج.
وكان من
الاشراف ينتسب إلى العترة النبوية الشريفة شديد الحياء نقي النفس وبرع في فن النثر
ونظم الشعر.
وذاق مرارة
الفقر ثم أقبلت عليه الدنيا فكثر ماله لكنه لم يتخل عن واجبه العلمي ومال للصوفية
فكان من أقطابها يتردد على (زاوية سيدي شاهين الخلوتي بسفح الجبل) يظل فيها
الليالي متعبدا متأملا فسمت به الصوفية.
ووجه طلابه الى
دراسة المصادر العلمية العميقة مثل (الأشموني في النحو والصرف) (وجمع الجوامع في
أصول الفقه للسبكي) (ومختصر السعد في البلاغة).
وكان ذا مهابة
يهابه الأمراء والحكام ولكنه كان متواضعا مع الفقراء سخي اليد وترددت بين الناس
كراماته فازداد مكانة في القلوب وتولى المشيخة سنة ١١٧١ وتسابق العلماء إلى
استجازته وكتبوا عنه وألف
(العلامة الشيخ حسن المكي) كتابا في مناقبه ونسبه وكذلك (الشيخ محمد
الدمنهوري المعروف بالهلباوي) ألف كتابا في مدائح الشيخ (وأفرد له الجبرتي صفحات
طويلة وامتدحه بما لم يمتدح أحدا).
ومن مؤلفاته :
ـ الثمرة
البهية في أسماء الصحابة البدرية (في التاريخ).
ـ حاشية على
شرح الأشموني (لألفية ابن مالك في النحو).
ـ أنفس نفائس
الدرر (حاشية على همزية البوصيري).
ـ حاشية على
شرح السمرقندي على الرسالة العضدية (في علم الوضع).
ـ رسالة في
النقلية في الفروع في أصول الفقه.
ـ حاشية على
شرح الفوائد الشنشورية للشنشوري (في المواريث).
ـ رسالة في
الأحاديث المتعلقة برؤية النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ رسالة في فضل
التسبيح والتحميد في الفضائل والآداب.
ـ رسالة على
شرح الحفيد على مختصر جده السعد التفتازاني (في البلاغة).
ـ شرح المسألة
الملفقة في تحليل المطلقة (ثلاثا).
ـ مجموعة من
الإجازات لكثير من تلاميذه إقرارا بقدرتهم على الدرس والفتوى.
ومات في ٢٧
ربيع الاول ١١٨١ ه.
* * *
الشيخ عبد الرؤوف بن محمد السجيني
ولد ببلدة (سجين)
بمحافظة الغربية عام ١١٥٤ ه ولقبه (أبو الجود).
حفظ القرآن
ولزم عمه (الشمس السجيني) وكان من العلماء كما كان والده ايضا رغم أنه كفيف من
كبار العلماء وأنه كان فقيها نحويا أصوليا شافعيا.
ولما مات عمه
خلفه في دراسة المنهج (وهو منهج الطلاب للانصاري) وكان من الكتب المقررة في مذهب
الشافعي.
وكان الشيخ
السجيني ذا مكانة بين الناس فقد حدث ان أحد التجار تشاجر مع خادم فضربه الخادم
فجمع التاجر أعوانه وطارده فلاذ الخادم بمنزل الشيخ السجيني فأطلق التاجر النار
فأصابت رصاصة أحد أقارب الشيخ وهرب التاجر فثارت الجماهير من أجل الشيخ وحاصرت
الحي الذي اعتصم به التاجر لو لا أن تدخل الوالي والأمراء والأعيان وأرضوا الشيخ
مما يدل على مكانة العلماء.
وتولى رواق
الشراقوة بالأزهر قبل أن يتولى المشيخة سنة ١١٨١ ه.
ولكن لم يطل
بها فقد مات سنة ١١٨٢ ه.
ولم يعثر له
على مؤلفات يبدو لأنه آثر التفرغ للدراسة والاهتمام بطلابه.
الشيخ أحمد بن عبد المنعم بن صيام الدمنهوري
ولد بمدينة (دمنهور)
سنة ١١٠١ ه وقدم الأزهر وهو صغير يتيم لم يكفله أحد فاشتغل بالعلم وجد في التحصيل
وأجازه علماء المذاهب الأربعة وكان ذا حافظة قوية وقدرة على التأليف وبرع في
الافتاء على (المذاهب الأربعة).
ولم يكتف
بدراسة علوم الدين فقد شغف بدراسة الطب والفلك والهندسة والمنطق رغم نفور الكثيرين
من هذه العلوم فسبق أوانه وكأنه تنبأ أن يدرس الأزهر يوما هذه المواد وجلس إلى (الشيخ
على الزعتري) وكان عالما بالحساب والهندسة ودرس آثار (ابن الهيثم) في الرياضيات
والبصريات وآثار (ابن سينا) في الطب والفلسفة.
ولم يترك كتابا
قديما إلا استوعبه وترك مصنفات في كل فن في عصر اشتهر بالتخلف ولما زار مكة حاجا
سنة ١١٧٧ ه استقبل أعظم الاستقبال وأقبل عليه العلماء إذ سبقته شهرته وأجله (علي
بك الكبير) وكان يجلس الى دروسه وتولى المشيخة سنة ١١٨٢ ه وكان مهيبا لدى أمراء
المماليك فلما نشبت الفتنة بين زعماء المماليك وأتباعهم من طائفتي (العلوية
والمحمدية) فر (حسن بك الجداوي) من زعماء العلوية أمام مطارديه فلجأ لبيت الشيخ
الدمنهوري فلم يجسر أحد على اقتحامه حتى أجاره (ابراهيم بك) وكان لا يعود من درسه
إلا في وقت متأخر من الليل ويحرص على صلاة الفجر وتحدى علماء عصره بما كان يطرح من
أسئلة معجزة ثم يقوم بالإجابة عنها مما جعل (علي بك الكبير) يتخذه استاذا ويستشيره
في كثير من أمور الدولة وتركزت هذه الاسئلة في خمسة.
١ ـ (في إبطال
الجزء الذي لا يتجزأ) وكان السائد أن المادة لا تتجزأ وكأنما سبق علماء الذرة في
ذلك واستدل بقول الله (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا
أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) والأصغر من الذرة هو نواتها (البروتون)
والكويكبات الدائرة حول النواة (الالكترونات).
٢ ـ سأل (ما
معنى قول ابن سينا ذات الله نفس الوجود المطلق) وهو سؤال عما يسميه الصوفية (بوحدة
الوجود) وعلماء الإسلام ينزهون الله عن (الحلول والاتحاد).
٣ ـ سأل ما
معنى قول أبي منصور الماتريدي (معرفة الله واجبة
بالعقل مع أن المجهول من كل وجه يستحيل طلبه) وشرح آراء المعتزلة وفلاسفة
اليونان.
٤ ـ ما معنى
قول البرجلي (إن من مات من المسلمين لسنا نتحقق موته على الاسلام) واستدل بحديث
رسول الله (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يعرفه حيث
يشاء) فالعبرة بالخواتيم.
٥ ـ هل الاستثناء
في الكلمة المشرفة (لا إله إلا الله) متصل أو منفصل وقد اختلف النحويون في إعراب (لا
إله إلا الله).
ومن مؤلفاته :
١ ـ كشف اللثام
عن مخدرات الافهام في البسملة والحمدلة.
٢ ـ حلية اللب
المصون في شرح الجوهر المكنون (في البلاغة).
٣ ـ اللطائف
الفورية في المنح الدمنهورية.
٤ ـ نهاية
التعريف بأقسام الحديث الضعيف.
٥ ـ درة
التوحيد (منظومة في علم التوحيد).
٦ ـ القول
المفيد في شرح درة التوحيد.
٧ ـ شرح
الأوفاق العددية (وهو بحث في استنباط آفاق المستقبل عن طريق الأعداد.
٨ ـ شفاء
الظمآن بسر (يس قلب القرآن).
٩ ـ عقد الفرائد
بما للمثلث من فوائد.
١٠ ـ منتهى
الارادات في تحقيق الاستعارات (في البلاغة).
١١ ـ سبيل
الرشاد الى نفع العباد في الأخلاق.
١٢ ـ الفتح
الرباني بمفردات ابن حنبل الشيباني (في فقه الحنابلة).
١٣ ـ رسالة عين
الحياة في استنباط المياه (في الجيولوجيا).
١٤ ـ القول الصريح
في علم التشريح (في الطب).
١٥ ـ منهج
السلوك في نصيحة الملوك (في السياسة والأخلاق).
١٦ ـ الدرة
اليتيمة في الصنعة الكريمة (في الكيمياء).
١٧ ـ طريق
الاهتداء بأحكام الأمانة والاقتداء (على مذهب أبي حنيفة).
١٨ ـ إحياء
الفؤاد بمعرفة خواص الأعداد (في الحساب).
١٩ ـ منع
الأثيم الحائر عن التمادي في فعل الكبائر (أخلاق دينية).
٢٠ ـ الأنوار
الساطعات على أشرف المربعات (في الهندسة).
٢١ ـ خلاصة
الكلام على وقف حمزة وهشام (في القرارات).
٢٢ ـ تحفة
الملوك في علم التوحيد والسلوك (منظومة طويلة).
٢٣ ـ حسن
الانابة في إحياء ليلة الاجابة (ليلة النصف من شعبان).
٢٤ ـ الزهر
الباسم في علم الطلاسم (رموز سحرية).
ومات في ١١ رجب
سنة ١١٩٢ ه.
* * *
الشيخ أحمد بن موسى العروسي
ولد بقرية (منية
عروس) من أعمال أشمون بمحافظة المنوفية سنة
١١٣٣ ه حفظ القرآن وأحب العلوم على اختلاف أنواعها فتفوق في العلوم
الدينية واللغوية كما تفوق في الرياضيات والفلك والمنطق ومال للصوفية فأخذ العهد
على يد (الشيخ البكري) ودرس كل علم على مشاهير عصره ولازم (الشيخ أحمد الصعيدي)
وكان بمثابة معيدا له يلخص دروسه ويوضح ما غمض منها (وهو عمل المعيد بالنسبة
للأستاذ الآن في الجامعة) وكان عالما محققا حقق كثيرا من كتب التراث وكان يكره
السطحية في العلم ويوصي تلاميذه بالتعمق وقراءة أمهات الكتب.
وأحبه الشيخ
البكري فزوجه إحدى بناته وتولى المشيخة سنة ١١٩٢ ه وكان ذا مكانة بين العلماء
ولهذا لما أراد (إبراهيم بك) أن يولي (الشيخ عبد الرحمن العريشي) مشيخة الأزهر ثار
العلماء واعتصموا بمسجد الأمام الشافعي والتف حولهم الناس وطالبوا ان يكون الشيخ
العروسي هو شيخ الأزهر فنزل على رغبتهم ولما عاد (الشيخ محمد المصيلحي الشافعي) من
الحجاز أغراه أعوانه أن يطلب المشيخة لنفسه فهو أحق بها وسايرهم واقتحم المدرسة
الصلاحية ودرس بها وكانت وقفا على شيخ الأزهر فثار عليه العلماء ولكن الشيخ
العروسي هدأ من ثورتهم وترك الشيخ المصيلحي يدرس بها احتراما لعلمه ومنعا للفتنة.
كان الشيخ
العروسي قوالا للحق لا يحب الجدال العقيم وكانت شفاعته مقبولة لدى الحكام وكان
الأمراء يستشيرونه ويستفتونه في مسائلهم ورفض أن تأتي جنود من خارج مصر لحفظ الأمن
وبين للوالي (إسماعيل بك) خطر ذلك فعمل بنصيحته وطالب بزيادة أرزاق الجند المصريين
فقاموا بواجبهم ولما طغى (أحمد أغا) الوالي على أهل الحسينية لجأ إليه الناس فقام
معهم وأقنع (إسماعيل بك) يعزله اتقاء للفتنة فعزله.
ولما اشتد
الغلاء وضج الناس بالشكوى ذهب الى (الوالي حسن باشا) واتفق معه على وضع (تسعيرة
للخبز واللحم والسمن) وخرج المحتسب ليعلن في الأسواق السياسة التموينية الجديدة
ويهدد من يخرج عليها فزالت الغمة.
ورغم صلاحه
وتقواه ومهابته فقد كان ينشد الشعر ليسهل به على الطلاب بعض العلوم ولما مات رثاه
كثير من الشعراء بروائع القصائد تخليدا لذكره. ومات سنة ١٢١٨ ه ـ
ومن آثاره العلمية :
ـ شرح نظم
التنوير في اسقاط التدبير للشيخ الملوي (في التصوف).
ـ حاشية على
الملوي على السمرقندية (في البلاغة).
* * *
الشيخ عبد الله الشرقاوي
ولد بقرية (الطويلة)
من ضواحي بلبيس بمحافظة الشرقية سنة ١١٥٠ ه.
حفظ القرآن
ورحل الى الأزهر حيث درس على مشاهير العلماء مثل (الشهاب الملوي) (الشهاب الصعيدي)
(الشيخ الجوهري) (والامام الدمنهوري) ومال بفطرته (للتصوف) واتصل بالصوفي الشهير (الشيخ
الكردي) فلازمه وأدبه.
وتقلبت به
الأيام بين مرارة الفقر وحلاوة اليسر وعاش مغمورا فترة طويلة ثم رفعته الأقدار إلى
مصاف العلماء الكبار.
وأشتهر بالزهد
والتقشف في مأكله وملبسه حتى بعد أن أقبلت عليه الدنيا وتولى مشيخة الأزهر بعد موت
الشيخ العروسي سنة ١٢١٨ ه وعرف بعمامته الكبيرة وفي حياته وقعت أحداث جسام إذ أتت
الحملة الفرنسية على مصر وما صحبها من آلام وتعرض لكثير من الدسائس والمؤامرات
ولكن الله نصره إذ حاول خصومه إحياء منصب (ناظر الأزهر) وكان يشبه (شيخ الأزهر)
وساندهم كبار الشخصيات (كالشيخ السادات)
(والقاضي العثماني) لكن الشيخ بحكمته تغلب على كل هذا ورغم ما عاناه
المصريون من المماليك فقد رأوا في الفرنسيين خطرا داهما يجب التصدي له وارتفع
الشيخ الشرقاوي إلى مرتبة الزعامة الشعبية فقاوم طغيان (محمد بك الألفي) وجمع
المشايخ وأغلق المسجد وأمر الناس بإغلاق الحوانيت وجاء اليه (ابراهيم بك) ليسأله
عن سر ذلك فقال (نريد العدل ورفع الظلم وإقامة الشرع وابطال المكوس) واضطر إبراهيم
بك إلى تحقيق مطالب الشيخ نيابة عن الأمة وصمم الشيخ أن تكون الاستجابة كتابة يوقع
عليها أمراء المماليك (وعرفت بالشرطة) ولما أنشأ نابليون (الديوان الوطني) ضم عشرة
من العلماء رأسهم (الشرقاوي) وأمر نابليون أن تؤدى للعلماء التحية العسكرية إجلالا
لهم وكان يستقبلهم عند الباب الخارجي لمقر قيادته (وخصص للعلماء الخيل) ككبار رجال
الدولة وشارك في الأعياد الدينية وأمر جنوده بإطلاق المدافع في هذه المناسبات لكن
الشيخ الشرقاوي أحس أنها مجرد مظاهر لتأليف العلماء ولم ير في نابليون إلا غازيا
معتديا لكنه رأى مهادنته حتى تنتظم صفوف الشعب على عكس (الشيخ السادات) وأعوانه
الذين رأوا مناوأته.
واستغل الشيخ
الشرقاوي علاقته الطيبة بالفرنسيين فكان يشفع للأهالي في رد المظالم ومنع جنود
الحملة من العبث والخروج على التقاليد الاسلامية وكان نابليون يلبي طلباته ، لكن
نابليون أحس بعداوة الشرقاوي للحملة فقبض عليه وسجنه في القلعة مع زعماء الجهاد
لكنه سرعان ما أخرجه لحاجته إليه وحاول التقرب إليه بكل السبل وتنبه الشيخ
الشرقاوي الى المدنية الحديثة والعلوم المتطورة التي جاءت بها الحملة الفرنسية
وقارنها بالتخلف الذي عليه مصر وكل الولايات الخاضعة للحكم العثماني وكان نابليون
دائما يقول لرجاله (إذا كسبتم ثقة العلماء وخاصة هذا الشيخ ـ يقصد الشيخ الشرقاوي
ـ فستكسبون الرأي العام في مصر كلها).
وعلم نابليون
أن الشيخ الشرقاوي يتلقى رسائل سرية من الخليفة
العثماني ولكنه لم يستطع إثبات ذلك ولا الوصول الى طريقة تسللها للبلاد
ولما قتل (سليمان الحلبي) القائد كليبر قبض على (الشيخ الشرقاوي والشيخ العريشي)
واتهما بأنهما المحرضان على ذلك ولكن خاف قادة الحملة من آثار ذلك فسرعان ما
أطلقوا سراحهما ويعتبر (الشيخ الشرقاوي) رجل السياسة الهادى الذي جنب شعبه كثيرا
من النكبات ولو تشدد لفقد هذا الخيط الرفيع.
وبعد رحيل
الحملة الفرنسية عانت البلاد من ظلم وطغيان الفرق الأجنبية والقوى المتعددة (العسكر
العثمانيون) (فرقة الانكشارية) (فرقة الارناءود) (فريق الدلاة وهو الاكراد) الذين
استجلبهم (خورشيد) لضرب الفرق الأخرى وأخذوا جميعا ينهبون ويستبيحون الحرمات فضج
الناس بالشكوى ولجأوا (للشيخ الشرقاوي) فقاد مجموعة العلماء وآلاف المواطنين وذهب
الى الوالي فكتب الى رؤساء الفرق للكف عن النهب والسلب لكنهم لم يسمعوا إليه فأعلن
العلماء وعلى رأسهم الشرقاوي (عزل خورشيد) وتولية (محمد علي) ورفض (خورشيد العزل)
لكن السلطان أقر ما فعله العلماء وعلل سبب الموافقة بقوله (حيث رضى العلماء
والرعية) فكانت هذه فاتحة للشعب ليقرر مصيره وليختار زعامته.
وبينما كان (محمد
علي) يطارد المماليك في الصعيد جاءت (حملة فريزر ١٨٠٧ م) واحتلت الاسكندرية وزحفت
الى رشيد فحمس (الشيخ الشرقاوي) ومجموعة العلماء الشعب للمقاومة فهزموها ورحلت بعد
أن تكبدت خسائر فادحة.
وأصبح كل من (الشيخ
الشرقاوي وعمر مكرم) بمثابة زعيمين للشعب واضطر (محمد علي) إلى مهادنة الشيخ
الشرقاوي حتى لقى ربه ثم فرق العلماء ونفى (عمر مكرم) إلى دمياط ولقى ربه في ٢
شوال سنة ١٢٢٧ ه.
وكان ذا رأي
مسموع فلما حدث أن القاضي العثماني اعلن ان يوم
الأثنين متمم لشهر شعبان ثم جاءت جماعة للشيخ الشرقاوي وأكدوا له انهم رأوا
الهلال فأعلن الصيام وصامت الأمة.
وترك مؤلفات
عدة منها :
١ ـ التحفة
البهية في طبقات الشافعية.
٢ ـ العقائد
المشرقية في علم التوحيد
ـ حاشية
الشرقاوي على كتاب التحرير للشيخ أبي زكريا الانصاري.
ـ حاشية على
شرح الهدهدي على أم البراهن السمات بالصغرى لأبي عبد الله بن يوسف السنوسي.
ـ شرح جكم ابن
عطاء الله السكندري.
ـ ثبت الشرقاوي
(ذكر فيه شيوخه).
ـ مختصر
الشمائل وشرح المختصر.
ـ رسالة في (لا
إله إلا الله).
ـ رسالة في
مسألة أصولية (في جمع الجوامع).
ـ شرح رسالة
عبد الفتاح العادل (في العقائد).
ـ شرح مختصر في
العقائد والفقه والتصوف.
ـ شرح الحكم
والوصايا الكردية (في التصوف).
ـ شرح ورد
السحر للبكري.
ـ مختصر مغنى
اللبيب لابن هشام (في النحو والاعراب).
فتح الميدي شرح
مختصر الزبيدي (في الحديث).
ـ تحفة
الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين.
* * *
الشيخ محمد بن علي بن منصور الشنواني
ولد بقرية (شنوان)
بالغربية وتلقى تعليمه على أيدي أشهر علماء عصره في الحديث والفقه والتفسير واللغة
وعرف بالتواضع والسماحة وشدة الحياء وكان مولعا بالنظافة وخاصة المسجد فكان يخلع
ثيابه ويقوم بتنظيف المسجد حتى المراحيض (ويحث الناس على النظافة وأنها قاعدة من
قواعد الدين).
ولما مات الشيخ
الشرقاوي تطلعت إليه العيون لكنه عاف المنصب واختبأ ولكن الباشا جمع العلماء وطلب
منهم ان يختاروا واحدا بعيدا عن كل شبهة فوقع الاختيار عليه فأمر جنده بالبحث عنه
حتى وجده فأوكل إليه المشيخة لكنه حاول الاعتذار فأصر الوالي وأصر العلماء ولما
كانت داره صغيرة لا تستوعب مهام المنصب فقد نزل في دار أوسع وكان ذلك سنة ١٢٢٧ ه.
وكان عزوفا عن
زيارة الامراء وكبار الشخصيات ولكنه كان من قادة الشعب وشارك في مقاومة الحملة
الفرنسية وقد حاول الوالي أن يستولي على كل اراضي الدولة وان يتخذ العلماء مطية
حيث افهمهم أنه سيترك اراضيهم لهم يزرعونها بمعرفتهم ويستغلونها وتصدى له الامام
الشنواني وطالبه بالافراج عن الاوقاف المحبوسة للطلبة فوافقه ثم طالبه بالغاء أمر
الاستيلاء على بقية الأراضي فرفض.
ولم يترك مكانه
في الدرس بعد تولي المشيخة وكان متبحرا في علوم اللغة كما كان مولعا بعلم الكلام
والرياضيات. ومات سنة ١٢٣٣ ه.
ومن مؤلفاته :
١ ـ حاشية على
شرح الجوهري (جوهرة التوحيد).
٢ ـ الجواهر
السنية بمولد خير البرية.
٣ ـ حاشية
الشنواني على مختصر البخاري.
٤ ـ ثبت
الشنواني (إجازة أجاز بها تلميذه المبلط الشهير).
٥ ـ حاشية على السمرقندية
(في علوم البلاغة).
٦ ـ حاشية على (العضدية
في آداب البحث).
* * *
الشيخ محمد بن أحمد بن مرسى بن داود العروسي
ولد بالقاهرة
وكان أبوه شيخا للأزهر كما قدمنا وكان مزاحما للشيخ الشنواني لو لا أن (محمد علي)
فضل عليه (الشيخ الشنواني) لأنه ضاق بالمشايخ الشعبيين (كالشرقاوي وعمر مكرم)
واشتغل بالدرس فكان يقضي وقته من الصباح للمساء لا يقوم إلا للصلاة وهذا ما عوقه
عن التأليف الذي يحتاج الى وقت وتولى المشيخة سنة ١٢٣٣ ه وحدثت في عهده (فتنة حول
أكل ذبائح أهل الكتاب) ذلك أن (الشيخ إبراهيم المالكي الشهير بإبراهيم باشا) قرأ
في درس الفقه (إن ذبائح أهل الكتاب في حكم الميتة لا يجوز أكلها) وسمع (فقهاء
الثغر) بذلك فانكروه وناقشوه فقال اني اخذت ذلك عن الشيخ على الميلي المغربي وهو
عالم جليل ورع فأرسلوا اليه فبعث برسالة مفصلة ساق فيها الاسانيد على رأيه واستند
هو ايضا لرأي (الشيخ الطرطوشي) في المنع وعدم الحل وأمر الوالي بجمع العلماء
والنظر في هذه المسألة الخطيرة.
وتقدم الشيخ
العروسي وامتدح (الشيخ علي الميلي المغربي) ووصفه بأنه عالم جليل ولكنه حاد المزاج
وبعقله بعض الخلل (اعتذارا عن طعنه في العلماء المعاصرين) وطلب الاجتماع به لمناظرته
لكن (الشيخ علي) رفض فذهب إليه الجند فوجدوه قد اختفى وأصدر الأمير أمرا بنفي (الشيخ
ابراهيم المالكي) إلى بني غازي.
وظل الامام
موضع التكريم من الطلبة والعلماء والامراء.
ولم يترك
مصنفات لانشغاله بالتدريس ومهام المنصب. ومات سنة ١٢٤٥ ه.
الشيخ أحمد زين علي بن أحمد الدمهوجي
ولد بقرية (دمهوج)
بمحافظة المنوفية سنة ١١٧٠ ه ولى مشيخة الأزهر سنة ١٢٤٦ وظل بها ستة اشهر حتى لقى
ربه في نفس العام سنة ١٢٤٦.
ولم يعرف عن
حياته إلا القليل وذلك لشدة زهده وبعده عن مظاهر الدنيا وانقطاعه للدرس والعبادة
فكان يدرس من الصباح حتى المساء لا يخلو إلا في اوقات الصلاة فاذا ما عاد لبيته
لزم الصلاة متعبدا متهجدا ولما مات خرجت جماهير غفيرة لوداعه في مشهد مهيب.
* * *
الشيخ حسن بن محمد بن العطار
أصله مغربي
ولكنه ولد بالقاهرة سنة ١١٨٢ ه كان أبوه عطارا وأراد أن يعاونه ولده في حانوته
لكنه مال لطلب العلم فتركه ابوه وكان ذا حافظة قوية وشغف بالعلم وخاصة لما رأى
اترابه يروحون ويغدون للأزهر وفي زمن قصير أجازه أساتذته للتدريس والفتوى ولم يقنع
بالعلوم الدينية بل أقبل على العلوم العصرية ودرس الفلك والهندسة وكان حاد البصر
يقرأ أدق الخطوط في ضوء القمر أو الشموع الضعيفة ولا يترك الكتاب حتى يستوعبه وكان
كثير الاستعارة وبذلك استوعب علوم عصره وامتدحه (رفاعه الطهطاوي) واعتبره سابقا
لعصره.
وله هوامش على
كتب الطب غاية في الروعة واتقن الرصد للنجوم ودرس التشريح فكان (موسوعة علمية)
واتصل (بعلماء الحملة الفرنسية) واتقن الفرنسية ودرس علومهم الحديثة رغم انه فر
عند مجىء الحملة الى أسيوط وعانى من الفقر والاضطراب ومرض الطاعون الذي اجتاح
اسيوط
وكتب في ذلك
إلى (العلامة الجبرتي رسالة غاية في الأهمية ووصف الطاعون وأعراضه وآراءه في
مقاومته).
وعاد للقاهرة
بعد أن استقر الأمن وكان يرى في مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر مكسبا علميا وبركة
لأنها فتحت أعين العلماء على حقائق خفية وبهذا جمع الشيخ بين الثقافة العربية
والثقافة الغربية ورحل كثيرا الى الخارج وأجاد عدة لغات منها التركية والفرنسية
والالبانية وزار كثيرا من أوطان العرب وكان في كل بلد يلقي محاضراته ويقبل عليه
العلماء وكان شاعرا مجيدا وكاتبا عميقا ولهذا اسندت اليه (جريدة الوقائع المصرية)
فرأس تحريرها وأعلن آراءه ودعا الى ادخال العلوم الحديثة وجلاء التراث العربي ،
وحث على الرجوع الى أمهات الكتب وعدم الاكتفاء بالحواشي والمتون (ومنه تلقى رفاعة
الطهطاوي) الذي أسهم في نقل مصر من عصر التخلف الى عصر النهضة والاحتكاك بالثقافات
العالمية وكان شعار الشيخ العطار (ان بلادنا يجب ان تتغير احوالها وتتجدد بها
المعارف) وهو الذي وجه تلميذه (رفاعة الطهطاوي) لتسجيل كل ما تقع عليه عينه في
فرنسا وان يستجلب معه كل ما تقع عليه يده من ذخائر الكتب وهو الذي شجعه على
الترجمة (وتأسيس مدرسة الالسن)
وعالج علم
الجغرافيا معالجة جديدة واهتم بالخرائط واستفاد من خبرة علماء الحملة واكب على
عيون الكتب المهجورة وبسطها لطلابه وبدأ أول خطوة في (فن الفهرسة) بحيث يعود
الطلاب الى المراجع القديمة بسهولة.
وكان خلية
دائبة يدرس ويصنف المؤلفات ويشرح الكتب ودفع طلابه الى الخروج من التراكيب اللغوية
العقيمة وتحرير الكتابة من قيود الصنعة التي شاعت في عصور الانحطاط ورغم طغيان
محمد علي فقد كان يجله ويستشيره واطلق يده في النهضة العلمية ففتح الابواب للعلوم
الحديثة وأشرف على انشاء المدارس المتعددة (ثم ولاه مشيخة الأزهر) سنة ١٢٤٦ ه
وجدد في الشعر العربي وفتح الطريق أمام شعراء النهضة (كالبارودي وشوقي وحافظ)
وأراد الرحيل إلى مكة ولكن طلابه تعلقوا به وهددوا بترك الدراسة حتى رضخ لهم وبقي
في مصر.
ومن مصنفاته :
ـ حاشية العطار
على الجواهر المنتظمات في عقود المقولات.
ـ حاشية العطار
على التهذيب للامام الخبيصي (شرح على تهذيب المنطق والكلام).
ـ حاشية العطار
على شرح ايساغوجي في المنطق (وكان من أهم الكتب).
ـ حاشية العطار
على شرح العصام على الرسالة العضدية.
ـ حاشية العطار
على كتاب نيل السعادات في علم المقولات.
ـ حاشية العطار
على جمع الجوامع في أصول الفقه.
ـ رسالة في علم
الكلام.
ـ حاشية العطار
على شرح الكتاب المسمى (بموصل الطلاب الى قواعد الاعراب).
ـ حاشية علي
العطار على جمع الجوامع في أصول الفقه.
ـ حاشية في علم
الكلام.
ـ حاشية العطار
على شرح.
ـ حاشية على
شرح الاجرودية (في النحو).
ـ شرح
السمرقندية في علم البيان.
ـ منظومة
العطار في علم النحو.
ـ انشاء العطار
في المراسلات.
ـ ديوان العطار
(ويجمع مئات القصائد).
ـ مظهر التقديس
بذهاب دولة الفرنسيس.
ـ رسالة في
كيفية العمل (بالاسطرلاب) وهو علم الرصد.
ـ جمع وترتيب
وشرح ديوان ابن سهل الاندلسي.
ـ شرح كتاب
الكامل للمبرد.
ـ نبذة في علم
الجراحة.
ـ ولقى ربه سنة
١٢٥٠ ه.
* * *
الشيخ حسن بن درويش القويسني
ولد (بقويسنا)
ولم يعرف تاريخ مولده وان عرف تاريخ وفاته حيث مات سنة ١٢٥٤ ه وتميز عن سائر شيوخ
الأزهر بانه كان كفيف البصر واشتهر بلقب (البرهان القويسني الشافعي) وكان مهيبا
عند العلماء والأمراء ونافس الشيخ العطار في علمه وشعره ومال للتصوف وبلغ فيه
منزلة سامية وكان يعتبر حجة في فقه الشافعي وكان عزيز النفس عازفا عن الدنيا حاول (محمد
علي) كثيرا أن يتقرب اليه بالعطايا فكان يأبى وعابه أنه استغرق في الصوفية لدرجة
الشطحات فكان اذا ما استغرق لا يدري بما حوله ويظل فيما يشبه الغيبوبة حتى يفيق.
وتخرج على يديه
كبار العلماء (كالشيخ ابراهيم الباجوري) (والسيد مصطفى الذهبي) وكان من ألمع
تلاميذه (رفاعة الطهطاوي) وتولى المشيخة سنة ١٢٥٠ ه وحدثت جفوة بينه وبين (الشيخ
الامير) وبلغت الجفوة أسماع الحاكم فاستدعى الحاكم (الشيخ الامير) وسأله عن الشيخ
القويسني فقال (ليس بيننا إلا الخير) فأتى الى الشيخ القويسني فسمع منه نفس
الاجابة (اتباعا للحفاظ على عروة الاسلام).
ومن مؤلفاته :
١ ـ شرح السلم
المنورق لعبد الرحمن الاخضري.
٢ ـ سند
القويسني (جمع فيه أصح الأحاديث).
رسالة في
المواريث.
الشيخ احمد بن عبد الجواد السفطي
ولد (بسفط
العرفاء) من ضواحي مدينة (الفشن) بمحافظة بني سويف واشتهر (بالشيخ أحمد الصائم)
ولم يعرف تاريخ مولده.
وتلقى العلم
على نخبة من العلماء فتلقى على (الشيخ السنباوي الشهير بالامير) والشيخ الدمهوجي
وتولى مشيخة الأزهر سنة ١٢٥٤.
وكان شاعرا
موهوبا وسجل كثيرا من الاحداث في شعره واشتهر بالعفة والصلاح ولم يعثر على مؤلفاته
اللهم الا اجازتين (الاولى للشيخ أحمد الجرجاوي) (والثانية للشيخ حسنين الملط
الحنفي) ، لكن شهرته كفقيه طبقت الآفاق وكان دءوبا على دراسة أمهات الكتب بعيدا عن
زخرف الدنيا. وتوفي سنة ١٢٦٣ ه.
* * *
الشيخ ابراهيم بن محمد احمد الباجوري
ولد ببلدة (الباجور)
بالمنوفية سنة ١١٩٨ ه وقدم الأزهر سنة ١٢١٢.
واجتهد في
دراسته وتتلمذ على مشاهير عصره مثل (الشيخ الأمير) (والشيخ الشرقاوي) (والشيخ
القويسني) (والشيخ القلعاوي).
وكان يقضي
النهار وجزءا من الليل في طلب العلم او التدريس ثم يقضي وقتا من الليل في ترتيل
القرآن بصوت شجي يسعى لسماعه المئات.
تولى مشيخة
الأزهر سنة ١٢٦٣ ه وظل يدرس لطلابه مع مهام المشيخة وكان مهيبا يسعى (عباس الاول)
لزيارته والجلوس للاستماع الى دروسه فلا يقوم له عند حضوره أو انصرافه وكان يقبل
يده.
ثم مرض في عهد (سعيد
باشا) فقام أربعة من العلماء بشئون المشيخة حتى مات سنة ١٢٧٧ ه.
وقد تعرض في
حياته لعدة احداث منها :
ـ ثورة
المغاربة لامور تتعلق بالجراية واساءوا الادب معه ولما علم عباس الأول أرسل الجند
ونفاهم.
ـ وهرب كثير من
الشباب من التجنيد وسعوا الى دروسه وطاردهم الجند لكنهم لم يجرؤا على اقتحام مجلسه
ولما علم طرد هؤلاء الشباب وحثهم على الجندية وأنها خير من طلب العلم دفاعا عن
الوطن.
ـ وحدث أن وقع
نزاع بين فريق الشوام وفريق الصعايدة من طلبة العلم فأرسل الحاكم فرقة اعتدت على
الصعايدة بدون تحقيق وانتهكوا حرمة المسجد فلما عاد سعيد باشا من الحج أخبره الشيخ
فعزل الحاكم واعتذر لما وقع.
ومن مؤلفاته :
١ ـ مجموعة من
الاجازات لتلاميذه النجباء.
٢ ـ المسلسلات (تعرض
فيه لعلم الاحاديث وتبويبها).
٣ ـ حاشية على
متن الجوهرة سماها تحفة المريد على جوهر التوحيد.
٤ ـ حاشية على
متن السنوسية المسماة أم البراهين.
٥ ـ حاشية على
تحقيق المقام على كفاية العوام.
٦ ـ حاشية على
شرح السعد للعقائد النسفية (للإمام النسفي).
٧ ـ فنح القريب
المجيد على شرح بداية المريد.
٨ ـ منح الفتاح
على ضوء المصباح في النطاح (فقه شافعي).
٩ ـ تعليق على
الكشاف (في تفسير القرآن الكريم).
١٠ ـ الدرر
الحسان فيما يحصل به الاسلام والايمان.
* * *
الشيخ مصطفى بن محمد بن احمد بن موسى بن داود العروسي
ولد في سنة
١٢١٣ ه ولي مشيخة الأزهر سنة ١٢٨١ ه كما وليها من قبل أبوه وجده فنشأ في بيت علم
وأدب ومناخ أزهري اشتهر بحبه للنظام وترك التدريس وكان لا تأخذه في الحق لومة لائم
، قوي الشخصية وتتبع البدع المعاصرة التي جرت في البلاد وأعاد الناس الى الدين
الصحيح ومنع التسول وكان كثير من المتسولين يتخذون من ساحة الأزهر مجالا لحرفتهم.
ولم يسمح أن
يقوم أحد بالتدريس الا بعد اجتياز امتحان من لجنة كان يرأسها بنفسه وان يكون ملما
بكل علوم الدين واللغة مما أوغر صدور أدعياء التدريس فأوعزوا الى الحاكم فتعذر
عزله بدون مقدمات في سنة ١٢٨٧ ه. ويقال ان (إسماعيل باشا) كان وراء العزل فقد خشى
من شخصية الإمام الذي كان يندد بالظلم في خطبه ودروسه وخشى الخديوي أن يقود ثورة
ضده بعد أن ارتفع صوت الشعب بالشكوى عند ما عرض البلاد للإفلاس ومكن الأجانب من
السيطرة على تقاليد البلاد.
ومن مصنفانه :
١ ـ حاشية على
شرح الشيخ زكريا الأنصاري للرسالة القشيرية (في التصوف).
٢ ـ كشف الغمة
وتفنيد معاني أدعية سيد الأمة.
٣ ـ رسالة
الاكتساب سماها (القول الفصل في مذهب ذوي الفضل).
٤ ـ العقود
الفرائد في بيان معاني العقائد.
٥ ـ أحكام المفاكهات
في أنواع الفنون المتفرقات.
٦ ـ الأنوار
البهية في بيان أحقية المذهب الشافعي.
٧ ـ الفرائد
المستحسنة فيما يتعلق بالبسملة والحمد له.
٨ ـ الهداية
بالولاية.
* * *
الشيخ محمد المهدي العباس الحنفي
ولد
بالأسكندرية سنة ١٢٤٣ ه.
وكان جده
مسيحيا وأسلم على يد (الشيخ محمد الحفني) وهو صغير فضمه لاسرته وأقبل على حفظ
القرآن ودراسة الإسلام ورشحه (الشيخ الشرقاوي) لمشيخة الإسلام ، ولكن (محمد علي)
آثر بها (الشيخ الشنواني).
وانجب ابنه (محمد
الأمين) من خيرة العلماء الذي أنجب (الشيخ محمد المهدي) الذي كان ذكيا واعيا ،
فدرس على خيرة العلماء وأحبه (إبراهيم باشا) فأوكل إليه منصب (الافتاء) سنة ١٢٦٤ ه
وهو في نحو العشرين دليل تقديره ولكنها أثارت العلماء عليه لصغر سنه ثم تولى مشيخة
الأزهر سنة ١٢٨٧ ه.
واشتهر بالحزم
وحب العلم وعدم ممالاة الحكام ، وكانت فتاواه دليل ذلك وتصدي (العباس الأول) حينما
أراد أن يصادر كل أملاك أسرة محمد علي بحجة أنه جاء الى مصر ولم يكن يملك شيئا ،
ويجب ان ترد هذه الأموال للدولة (وهي كلمة حق أريد بها باطل) وطلب من الشيخ المهدي
ان يصدر فتوى بذلك فرفض فهدده بالعقاب الرادع ولكنه لم يلن وارتفع قدره عند الحاكم
وعند العلماء لموقفه هذا ويعتبر أول (حنفي) يتولى مشيخة الأزهر إذ كانت وقفا على (الشافعيين).
وكان أول شيخ
للأزهر يقوم بتنظيمات مالية وإدارية وأعاد للأزهر كل الأوقاف والمخصصات التي سلبت
منه وكان موفقا في انفاق الأموال على مستحقيها وصمم على ألا يقوم بالتدريس في الأزهر
إلا من تجيزه لجنة من العلماء فكان أول من سن (قانون تنظيم الامتحان) وجعل
الامتحان في أحد عشر علما من علوم الدين واللغة وهي الأساس الآن للدراسة في الأزهر
، وكان يحرص ان يشهد بنفسه الامتحان ويناقش الممتحن مما حفز الطلاب على استيعاب
هذه العلوم فتخرج جيل عالم. ولما قامت (الثورة العرابية) لم يتجاوب معها فطلب (عرابي)
من الخديوي عزله فأجابه لطلبه سنة ١٢٩٩ ه وتولى (الشيخ الأنبابي) مكانه.
وظل الشيخ
المهدي على الافتاء فطلب منه قادة الثورة فتوى بعزل الخديوي فرفض لأنه رأى ان الذي
يملك عزل الخديوي هو الخليفة العثماني فوضعه العرابيون تحت المراقبة ولما فشلت
الثورة العرابية اعاده الخديوي الى المشيخة بجانب الافتاء حتى سنة ١٣٠٤ ه عند ما
علم الخديوي ان الشيخ يستقبل في بيته بعض من يتكلمون في السياسة ويظهرون سخطهم على
الاحتلال البريطاني.
والتقى الشيخ
بالخديوي فقابله مقابلة جافة فطلب اعفاءه من المنصب فقال الخديوي : (ومن الافتاء
ايضا) فقبل ذلك. ويقال ان الخديوي حنق عليه لعدة فتاوي اضرت بمركز الخديوي وظل
ملازما بيته حتى مات سنة ١٣١٥ ه.
ومن مؤلفاته :
١ ـ الفتاوي
المهدية في الوقائع المصرية.
٢ ـ رسالة في
مسألة الحرام (على مذهب الحنفية).
* * *
الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن حسين الأنبابي
ولد بمدينة (انبابة)
المعروفة الآن (بامبابه) بمحافظة الجيزة سنة ١٢٤٠ ه وكان والده يعمل بالتجارة وله
وكالة بالغورية. لكن الولد مال للعلم فحفظ القرآن ودرس بالأزهر وتتلمذ على أيدي (الشيخ
الباجوري) ، الشيخ ابراهيم السقا) ، (الشيخ البولاقي) ولفت الانظار إلى علمه وسعة
مداركه فأجازه الأساتذة للتدريس الأزهر سنة ١٢٦٧ وكان رجلا خيرا جوادا سمح النفس
فانتخب أمينا للفتوى عن الشيخ العروسي ووكيلا عنه في إدارة الأزهر.
وكان اذا ما
درس كتابا وضع حاشيته وشروحا وتعليقات افادت طلابه.
وتخرج على يديه
علماء كبار (الشيخ حسونه النواوي) (والشيخ الببلاوي) ، (والامام ابو الفضل
الجيزاوي) ، (والشيخ الطويل) ، (والشيخ القاياتي).
ثم عين شيخا
للأزهر سنة ١٢٩٩ ه اثناء الثورة العرابية وكرمه السلطان العثماني ، ولكنه استقال
لما رأى من إقبال الخديوي توفيق على الشيخ المهدي (كما أشرنا) ثم صدر تعيينه ثانية
سنة ١٣٠٤ ه وظل إلى أن استقال سنة ١٣١٢ لاعتلال صحته ونال (النيشان المجيدي) (والنيشان
العثماني) من الدرجة الأولى وتوفي سنة ١٣١٣ ه.
وكان جريئا في
الحق ورغم طغيان (اللورد كرومر) فقد كان لا يقوم له وسأله (لماذا تقوم للخديوي ولا
تقوم لنا) قال : (لأنه ولي الامر وأنت أجنبي عنا) فزاد (كرومر) احتراما له وكتب
بهذه الاجابة لحكومته.
ومن مكارم
الشيخ الانبابي انه افتى بجواز دراسة العلوم الحديثة وكان الشيوخ يحرمونها.
من مصنفاته :
ـ مجموعة
إجازات لتلاميذه الذين تأهلوا للتدريس.
ـ تقرير
الانبابي على حاشية الصبان.
ـ رسالة في علم
الوضع.
ـ تقرير على
مختصر السعد وحواشيه.
ـ رسالة في
بيان الربا وأقسامه.
ـ فتاوي فقهية.
مجموعة تقارير
وحواشي على أهم المؤلفات القديمة.
* * *
الشيخ حسونة بن عبد الله النواوي
ولد بقرية (نواي)
من أعمال ملوى محافظة أسيوط سنة ١٢٥٥ ه وحفظ القرآن ووفد إلى الأزهر وحضر دروسه
على العلماء الكبار (كالشيخ الأنبابي) ، (والشيخ البحري) ، (والشيخ الأسيوطي) وعمل
استاذا بدار العلوم ومدرسة الحقوق ثم ألف كتابا هاما هو (سلم المسترشدين في أحكام
الفقه والدين) أوضح فيه المشكلات الفقهية وتقرر تدريسه بكل المدارس ولما مرض الشيخ
الانبابي انتدب للقيام بشئون الأزهر سنة ١٣١١ ه وعين في لجنة خماسية كان من
أعضائها (الشيخ محمد عبده) ، (والشيخ سليمان العبد) ، (والشيخ أبو الفضل الجيزاوي)
للبحث في إصلاح الأزهر سنة ١٣١٢ ه ثم عين شيخا للأزهر سنة ١٣١٣ ه ثم أخذ الافتاء
أيضا سنة ١٣١٥ وانتخب عضوا في المجلس العالي بالمحكمة الشرعية إلى أن عزل من مشيخة
الأزهر سنة ١٣١٧ ه وتولاها ابن عمه (الشيخ عبد الرحمن النواوي) لأنه عارض اصلاح
المحاكم الشرعية .. وعرض على مجلس شورى القوانين اقتراح بندب قاضيين مدنيين من
محكمة الاستئناف
الاهلية ليشاركا قضاة المحكمة الشرعية العليا في الحكم فوقف ضد هذا
الاقتراح وأشيع أن الحكومة تريد هدم الشريعة وحاول الخديوي أن يقنع الشيخ بقبول
هذا الاقتراح فرفض فتم عزله وبعد محاولة تعيين نحو ستة في منصب المشيخة لم يستقروا
في المنصب ، عاد الشيخ حسونة الى مشيخة الأزهر سنة ١٣٢٤ لكنه آثر ترك المنصب بعد
قليل لاختلال الاحوال واستقال سنة ١٣٢٧ ه حتى لقى ربه سنة ١٣٤٣ ه.
وفي عهده صدر
قانون شامل باصلاح الأزهر نظمت بمقتضاه ادارته واجهزته وفي عهده أيضا تم جمع (مكتبات
الأزهر والمساجد الاخرى) في مكتبة واحدة وساعده (الشيخ محمد عبده) في كل محاولات
الاصلاح.
ومن مصنفاته :
ـ غير كتاب (سلم
المسترشدين) الذي سبقت الاشارة إليه.
ـ قانون تنظيم
الأزهر.
* * *
الشيخ عبد الرحمن القطب النواوي
ابن عم الشيخ
حسونه ومن بلدة (نواي) ولد سنة ١٢٥٥ ه وتتلمذ على نفس الاساتذة وتخرج فشغل عدة
مناصب هامة قضائية منها :
ـ أمانة فتوى
مجلس الاحكام مساعدا للشيخ البقلي سنة ١٢٨٠ ه.
ـ قضاء مديرية
الجيزة سنة ١٢٩٠ ثم قضاء الغربية سنة ١٢٩٦.
ـ ثم نقل الى
المحكمة الشرعية بالقاهرة سنة ١٣٠٦ ثم الى الى قضاء الاسكندرية.
ـ ثم تولى الافتاء
بوزارة العدل سنة ٣١٣ ه.
ـ وأخيرا تولى
مشيخة الأزهر سنة ١٣١٧ ه.
وانشغل بمهام
هذه المناصب عن التأليف فلم يعثر له على مؤلفات.
* * *
الشيخ سليم بن أبي فراج البشري
ولد (بمحلة بشر)
من قرى (شبراخيت) بمحافظة البحيرة ١٢٤٨ ه.
وقدم القاهرة
للدراسة في الأزهر ونزل على خاله ، وكان يعمل بمسجد السيدة زينب فدرس القراءات
وعلوم الدين واللغة ودرس فقه الامام مالك وتتلمذ على يد (الشيخ الباجوري) و (الشيخ
عليش).
ولما مرض شيخه (الخنانى)
أوكل إليه أن يقوم مكانه بالتدريس لما أنس فيه من علم وأقبل الطلاب على دروسه ونبغ
في علوم كثيرة وكان يجد لكل مسألة حلا حتى قصده العلماء ثم عين شيخا لمسجد السيدة
زينب فقرأ على الناس أمهات.
ثم عين شيخا
للسادة المالكية وهو منصب كبير بالأزهر.
ووقع عليه
الاختيار ضمن من قاموا بالإصلاح في الأزهر ، ثم عين شيخا للأزهر سنة ١٣١٧ ه وكان
معتزا برأيه فقد حدث أن ولى (الشيخ أحمد المنصوري) شيخا لأحد أروقة الأزهر وتدخلت
الحكومة في هذا وأصر على رأيه فهدده بعزله فرحب بذلك وقدم استقالته.
ثم عين مرة
ثانية سنة ١٣٢٧ ه وظل الى أن مات سنة ١٣٣٥ ه.
وواصل قيادة
حركة الإصلاح وإلقاء الدروس والتصنيف العلمي.
وكان جريئا لما
قدم استقالته أول مرة لم يترك درس العلم ولم يحاول أحد أن يزحزحه من مكانه وفي
عهده طبق نظام امتحان الراغبين في التدريس بالأزهر ، وكان أول من طالب بزيادة
مقررات العلماء والطلاب ورخص لكل طالب أو عالم بالسفر بالسكة الحديدية بنصف الأجر
ولم
يقبض مرتبه بنفسه أبدا ، ولم يدر عنه شيئا وكان كثيرا ما يعطي لأصحاب
الحاجات وعرف بالحزم الإداري.
وترك مصنفات
عدة منها :
١ ـ حاشية تحفة
الطلاب على شرح رسالة الآداب.
٢ ـ حاشية على
رسالة الشيخ عليش في التوحيد.
٣ ـ المقامات
السنية في الرد على القادح في البعثة النبوية.
٤ ـ عقود الجمان
في عقائد اهل الايمان.
٥ ـ الاستئناس
في بيان الاعلام وأسماء الاجناس.
٦ ـ شرح نهج
البردة لشوقي.
* * *
الشيخ علي بن محمد الببلاوي
ولد بقرية (ببلا)
من أعمال ديروط بمحافظة أسيوط سنة ١٢٥١ ه وحفظ القرآن ثم وفد للأزهر ودرس فيه
واختار حلقات خيرة الأساتذة (كالشيخ الانباني) (والشيخ عليش) وكان صديقا حميما (للشيخ
حسونة النواوي) وباشر التدريس بالمسجد الحسيني والجامع الأزهر وأقبل عليه الطلاب.
وسافر للحجاز
سنة ١٢٨٠ ه والتقى بمجموعة من كبار العلماء وناقشهم ثم عين بدار الكتب حتى رأسها
سنة ١٢٩٩ في وزارة محمود سامي البارودي فنظم الفهارس ونهض بها نهضة عظيمة ولما
فشلت الثورة فصله الخديوي توفيق ولكنه ظل خطيبا للمسجد الحسيني ثم عين سنة ١٣١١
شيخا لمسجد الحسين لنسبه الشريف ثم اختير نقيبا للاشراف سنة ١٣١٢ ه ثم عين شيخا
للأزهر سنة ١٣٢٠ ه.
ورغم اكرام
الخديوي له الا انه لم يرض ان يقف ضد الشيخ محمد عبده ارضاء للخديوي ووافقه في كل
مساعيه الاصلاحية ولكن الخديوي اضطهده فقدم استقالته سنة ١٣٢٣ ه ومات في نفس
السنة ١٣٢٣ ه.
ومن مصنفاته :
١ ـ رسالة في
فضائل ليلة النصف من شعبان.
٢ ـ إجازة الى
الشيخ محمد بن حامد المراغي المالكي.
٣ ـ إعجاز القرآن
وهو مجموعة مقالات.
٤ ـ الأنوار
الحسينية في شرح الحديث المسلسل يوم عاشوراء.
* * *
الشيخ عبد الرحمن بن محمد
ابن أحمد الشربيني
حفظ القرآن
وتلقى المذهب الشافعي على أساتذته وأحب التعميق في المصادر القديمة وأجيز للتدريس
في الأزهر.
ولما انقسم
العلماء فريقين (فريق يريد الإصلاح) ، (وفريق يتمسك بالتقاليد الأزهرية) ويعارض
التجديد انضم (الشيخ عبد الرحمن) إلى الفريق الثاني مما لفت نظر الحكام إليه
وكانوا يتوجسون خيفة من الإصلاح ورأوا فيه رجلا صالحا عازفا عن الدنيا فعرضوا عليه
مشيخة الأزهر مرارا لكنه كان يعتذر وكان الخديوي يطمع أن تطلق يديه بعد توليه
الشيخ عبد الرحمن وكان يعمد إلى استئجار الأقلام لشن حملة ضد الإصلاح ودعاته مما
دفع الشيخ محمد عبده إلى الاستقالة من منصبه سنة ١٩٠٥ م وحاول الخديوي زحزحته عن (الافتاء)
أيضا وعارض (كرومر) ذلك لأنه يخشى من آثار اضطهاد الشيخ محمد عبده من ناحية ولا
يريد للخديو أن تطلق يديه من ناحية أخرى ولأن (كرومر) يريد جذب الطبقة المثقفة
إليه.
وأخيرا قبل
الشيخ الشربيني تولى منصب شيخ الأزهر سنة ١٣٢٣ ه وشن حملة شديدة على حركة الإصلاح
واضطهد كل من يتعاون فيها ولم يكن هدفه إلا الخوف من تهاون الطلبة في دراسة العلوم
الدينية.
وحدث أن (الشيخ
الظواهري) الذي تولى مشيخة الأزهر فيما بعد ألف كتابا أسماه (العلم والعلماء) ودعا
إلى اصلاح الأزهر فقام (الشيخ الشربيني) بحرقه وجمع كل نسخه وكان يعزل كل من يثبت
أن لديه نسخة منه مما جعل الخديوي يزداد تمسكا به واضطر (الشيخ محمد عبده) إلى
مهاجمته في جريدة المقطم وتفنيد آرائه لكن الشيخ الشربيني رفض أن يكون العوبة في
يد الخديوي واستقال من منصبه سنة ١٣٢٤ ه وأعيد الشيخ حسونة النواوي .. ومات الشيخ
الشربيني سنة ١٣٢٦ ه.
ومن مؤلفاته :
ـ تقرير على
حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع للسبكى في أصول الفقه.
ـ تقرير على
حاشية ابن قاسم.
ـ تقرير على
حاشية عبد الحكيم.
ـ فيض الفتاح
على شرح المفتاح في البلاغة.
* * *
الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي
ولد (برواق
الحضر) من أعمال مركز امبابة محافظة الجيزة سنة ١٢٦٤ ه وحفظ القرآن الكريم والتحق
بالأزهر ودرس القراءات وفقه الإمام مالك وتلقى علوم الدين واللغة على يد (الشيخ
عليش) ، (والشيخ العدوي) (والشيخ السقا) ، (والشيخ الأنبابي) وقام بالتدريس وتخرج
على يديه جيل من العلماء.
وفي سنة ١٣١٣
عين عضوا في ادارة الأزهر في مدة (مشيخة الشيخ البشري) ثم وكيلا للأزهر سنة ١٣٢٦ ه.
وعين شيخا لمعهد الإسكندرية ومكث ٨ سنوات وأخيرا عين شيخا للأزهر في سنة ١٣٣٥ ه
وأضيفت اليه مشيخة السادة المالكية سنة ١٣٣٦ ه.
وعاصر أحداث
١٩١٩ وكان علما بارزا واستطاع أن يقود السفينة في غمار هذه العواصف حتى لقى ربه
سنة ١٣٤٦ ه.
وقد خطا
بالأزهر خطوات نحو الاصلاح فقد أصدر قانون سنة ١٩٢٣ م.
بمقتضاه انقضت
مدة الدراسة في كل المراحل إلى ٤ سنوات وانشىء (قسم التخصص) وكان رحمه الله واسع
الاطلاع في العلوم الفقهية والفلسفية وتاريخ الإسلام.
ومن مصنفاته :
١ ـ إجازة
للشيخ محمد بن محمد المراغي المالكي الجرجاوي.
٢ ـ الطراز
الحديث في فن مصطلح الحديث.
٣ ـ تعليقات
على شرح العضد.
٤ ـ كتاب
تحقيقات شريفة.
* * *
الشيخ محمد بن مصطفى ابن محمد المراغي
ولد (بمراغة)
من أعمال جرجا سنة ١٨٨١ م وكان والده عالما جليلا واسع الثقافة وظهرت نجابته
فأرسله والده إلى الأزهر واتصل بالشيخ (محمد عبده) وتأثر بفكره وانتفع بمحاضراته
في (البلاغة) (والتوحيد) (والتفسير).
وشجعه الشيخ
محمد عبده على أن يعود للمصادر الأصيلة وألا يكتفي
بالقشور ونال العالمية سنة ١٣٣٢ ه رغم أنه كان مريضا أثناء الإمتحان.
ولما طلبت
حكومة السودان من الشيخ محمد عبده اختيار قضاة السودان رشح المراغي سنة ١٩٠٤ م
فتولى قضاء الخرطوم ولم تنقطع صلته بأستاذه الذي لم ينسه حتى الممات وأكرم أرملته
وهو شيخ للأزهر وفاء للإمام محمد عبده.
وفي سنة ١٩٠٧
اختلف وقاضي القضاة في وجهة نظر فقدم استقالته وعاد إلى مصر ثم عين في نفس العام
مفتشا للدروس الدينية بديوان عموم الأوقاف (وزارة الأوقاف) وواصل التدريس بالأزهر.
ثم صدر أمر من
الخديوي بتعيينه قاضيا لقضاة السودان سنة ١٩٠٨ ولما أرادت حكومة السودان تعديل
لائحة المحاكم الشرعية تمسك بأن من سلطته أن يختار للقضاة الآراء الفقهية التي
يحكمون بها وأبى السكرتير القضائي فاحتكما للحاكم فنصره على السكرتير القضائي.
ثم قامت ثورة
١٩١٩ وامتدت آثارها إلى السودان وحاول الانجليز قمعها في مصر بأساليب وحشية فأصدر
الإمام المراغي نشرة ثائرة عنوانها (اكتتاب لمنكوبي الثورة بمصر) ووصف المآسي التي
لحقت بمصر واستجاب السودانيون للنداء ولم يستطع الحاكم السوداني إيقاف هذه الثورة.
وكان معتزا
بكرامته وحدث أن مر (جورج الخامس) بالسودان وطلب من الموظفين أن يكونوا بانتظاره
على ألا يصعد إلى الباخرة إلا الحاكم العام وأصر المراغي أن يصعد إلى الباخرة قبل
الحاكم العام وإلا فلن يستقبله وتم له ما أراد.
وحدث أن
الخديوي عباس الثاني ذهب للصلاة في المسجد فرأى الإمام أعمى فغضب وسأل الشيخ
المراغي فقال (إن الإسلام لا يفرق ما بين البصير والأعمى) وكان الشيخ الأعمى هو (الشيخ
يوسف الدجوي) فاعتبرها الخديوي إهانة.
وتولى كرئيس
للتفتيش بوزارة العدل سنة ١٩١٩ ثم رئيسا لمحكمة مصر الكلية الشرعية سنة ١٩٢٠
فرئيسا للمحكمة الشرعية العليا سنة ١٩٢٣.
وأمر بإجراء
إصلاحات هامة حيث شكل لجنة لتنظيم الأحوال الشخصية ووجه اللجنة إلى عدم التقيد
بمذهب الإمام أبي حنيفة.
وأصدر عام ١٩٢٠
قانون الأحوال الشخصية وعدل (قانون الطلاق) ونادى بفتح باب الاجتهاد ودعا إلى (توحيد
المذاهب).
وحدث أنه كان
ينظر قضية كبيرة تتعلق بملايين الجنيهات ولوح له أصحابها بآلاف الجنيهات إن حكم
لصالحهم ورفض فألقوا عليه ماء نار فأصاب عنقه ووصف المجرم وقبض عليه ونال العقاب.
ومن المحن التي
تعرض لها أن (الملك فاروق) لما طلق زوجته (الملكة فريدة) أراد أن يحرم عليها
الزواج بعده. ورفض الإمام المراغي أن يصدر فتوى. بذلك. وذهب الملك إليه وكان يعالج
في مستشفى المواساة فقال كلمته المشهورة : (فأما الطلاق فلا أرضاه وأما التحريم
فلا أملكه) ولما غلظ عليه فاروق صاح الشيخ (إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل
الله) وفي سنة ١٩٢٨ م تولى مشيخة الأزهر وقام بأعمال جليلة.
ونادى بالعناية
بحفظ القرآن والاهتمام بدراسة علومه ودراسة السنة وحرص على منع التعصب لمذهب ،
ودعا إلى دراسة الأديان الأخرى والمقارنة بينها.
ـ وكان من
الداعين ألا تجر البلاد إلى الحرب بين الحلفاء والمحور (فإنها حرب لا ناقة لنا
فيها ولا جمل) ولما احتد عليه رئيس الوزراء خوفا من غضب انجلترا صاح به (أتهددني
وأنا شيخ الأزهر).
(إن شيخ الأزهر
أقوى بنفوذه من رئيس الوزراء) (ولو شئت لا رتقيت المنبر وأثرت عليك الجماهير حتى تجد
نفسك معزولا عن الشعب).
وكتبت عنه (التايمز
البريطانية) (أن هذا الرجل أخطر على بلادنا وحياتنا من ويلات الحرب).
وكان صديقا
لمحمد محمود باشا وقد سأله السفير البريطاني يوما (من سيفوز في الانتخابات) قال : (الوفد)
فعجب وقال : (إني أعلم أنك صديق لمحمد باشا محمود) فقال : (إن الصداقة لا تدفعني
للكذب والنفاق) ومات عام ١٩٤٥.
ومن مؤلفاته :
١ ـ الأولياء
والمحجورون (نال بها عضوية هيئة كبار العلماء).
٢ ـ تفسير جزء
تبارك (وتكملة لتفسير جزء عم للشيخ محمد عبده).
٣ ـ بحث في
وجوب ترجمة القرآن الكريم.
٤ ـ رسالة
الزمالة الإنسانية.
٥ ـ بحوث في
التشريع الإسلامي وأسانيد قانون الزواج.
٦ ـ مباحث
لغوية بلاغية.
٧ ـ الدروس
الدينية (مجموعة دروس وتفسير لآيات وسور قصار). ـ وكتب مقالات عدة في كثير من
الصحف والمجلات.
* * *
الشيخ محمد الأحمدي إبراهيم الظواهري
ولد بقرية (كفر
الظواهري) بمحافظة الشرقية سنة ١٨٨٧ م وكان أبوه من خيرة علماء الأزهر المتصوفين
وكان ذا بركات وذاعت شهرته كما كان زميلا (للشيخ محمد عبده).
ورغم صداقتهما
فقد كان الشيخ محمد عبده يؤمن بالعقل والفكر ولا يميل لما يجري عليه أهل التصوف
وكان يوصى بدراسة (كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي) الذي ينقى الدين.
وأعجب الابن
بالشيخ محمد عبده ولكنه لم يتخل عن تقاليد الأسرة الصوفية واحترام الأولياء وقرأ
كتاب (حكم ابن عطاء الله السكندري) وتأثر بهذه الحكم فزكت نفسه.
وكانت لجنة
الإمتحان لنيل العالمية على رأسها (الشيخ محمد عبده) فأعجب بعلمه وهنأه وأوصاه
بعدة وصايا ليظل على تفوقه.
ولما تم إنشاء
المعهد الأحمدي حشد له خيرة العلماء فاختير الشيخ الظواهري فلفت الأنظار واتسعت
حلقته وكان إلى جانب التدريس يباشر معهم الصوفية على نهج (الطريقة الشاذلية).
ولما ألف كتاب (العلم
والعلماء) ودعا فيه للإصلاح وجد معارضته من (الشيخ الشربيني) الذي أوصى بحرقه (كما
سبق وأن أشرنا).
ثم عين شيخا
للمعهد الأحمدي سنة ١٩١٤ م وأنشأ عدة جمعيات للنهوض بالدعوة والخطابة واللغة
والرحلات وأصدر مجلة (مجلة معهد طنطا) وألف لجنة لمراقبة سلوك الطلاب خارج المعهد
ولجنة للفت أنظار الزائرين إلى البعد عن البدع والتمسح بالضريح ، ونظم مكتبة
الجامع الأحمدي وحشد فيها عيون الكتب وكان صديقا (للسلطان حسين) فلما تولى الحكم
عينه عضوا بالمجلس الأعلى للأزهر.
ـ ثم شكلت لجان
للنظر في أمر الخلافة الإسلامية ودعى إلى مؤتمر بالقاهرة وارتابت الدول الإسلامية
وظنت أن مصر تريد أن تكون لها الخلافة وعقد المؤتمر سنة ١٩٢٦ ولكنه انفض دون أن
يؤدي لشىء.
ـ وفي سنة ١٩٢٥
م تجددت الدعوة للنهوض بالأزهر وكان له دور بارز.
ـ وفي سنة ١٩٢٦
رأس وفد مصر لزيارة السعودية وحضور المؤتمر الإسلامي الذي دعا إليه الملك عبد
العزيز ، واستطاع الشيخ الظواهري في هذا المؤتمر أن يوفق بين أعضاء الوفود فيما
يتعلق بحرية المذاهب وفي هذا
المؤتمر انتزع الشيخ الظواهري قرارا أعلن فيه (وحدة مصر والسودان) ولما علم
عبد الخالق ثروت بذلك قال (لم أكن أعلم أن الأزهر يخرج سفراء في السياسة).
وتولى مشيخة
الأزهر سنة ١٩٢٩ م وسار على منهجه الذي أوضحه في كتابه (العلم والعلماء) وكان
متأثرا بفلسفة الشيخ محمد عبده والإمام المراغي في السير نحو الإصلاح الديني وخطا
خطوة عظيمة في اصدار القانون سنة ١٩٣٠ م وبمقتضاه.
ـ انشاء كلية
الشريعة لتخريج علماء يتولون الافتاء والقضاء الشرعي.
ـ إنشاء كلية
لأصول الدين لتخريج مدرسي الدين في الأزهر والمعاهد الدينية وكلية اللغة العربية
لتخريج مدرسين للغة العربية.
ـ كما اهتم
بالدراسات العليا فأنشأ (تخصص الدعوة والإرشاد) (تخصص المادة للتدريس).
ـ وأصدر (مجلة
الأزهر) التي كانت تعرف قديما (بنور الإسلام) لتعبر عن الأزهر وتنشر الثقافة
الدينية (وهي الآن تصدر بالعربية والانجليزية).
ـ وكان رحمه
الله متواضعا .. لما ناداه العلماء (بالإمام الأكبر) قال (ما أنا إلا واحد من
المشايخ) وقرأ (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
ومن مؤلفاته :
١ ـ العلم
والعلماء (سبقت الإشارة إليه).
٢ ـ رسالة
الأخلاق الكبرى.
٣ ـ خواص
المعقولات في أول المنطق وسائر العقليات.
٥ ـ الوصايا
والآداب.
٦ ـ صفوة
الأساليب.
٧ ـ حكم
الحكماء.
٨ ـ براءة
الإسلام من أوهام العوام.
٩ ـ مقادير
الأخلاق.
* * *
الشيخ مصطفى بن أحمد ابن محمد بن عبد الرزاق
ولد سنة ١٨٨٥ م
(أبي جرج) تابعة لبني مزار بمحافظة المنيا من أسرة عريقة في الجاه والعلم والثراء
وكان جده صديقا (لسعيد باشا) وصحبه إلى (استانبول).
وأبوه كان
رفيقا للشيخ محمد عبده واشترك معه في انشاء (الجمعية الخيرية الإسلامية) وحفظ
القرآن وشغف بالعلم وأحب الصحافة من صغره فأنشأ مع أخواته وأقاربه صحيفة كان
يطبعها (بالبالوظة) وأنشأ جمعية (غرس الفضائل) سنة ١٩٠٠.
ثم نشرت له
الصحف العامة مقالات وبحوثا وقصائد وتأثر بفكر الشيخ محمد عبده.
ولما مات
الإمام اتفق مع تلاميذه على أن يواصلوا سياسته الإصلاحية وألفوا (الجمعية الأزهرية)
ورأسها ونال العالمية سنة ١٩٠٨ وأنتدب للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي واشترك في (جمعية
تضامن العلماء) التي تطالب بالاصلاح وغضب الخديوي وأوعز إلى مدرسي مدرسة القضاء أن
يستقيلوا منها فاستقال الشيخ مصطفى من المدرسة وظل بالجمعية وسافر إلى باريس سنة
١٩٠٩ وصحبه (أحمد لطفي السيد) حيث درس بالسربون تاريخ الفلسفة وترجم كتاب (العقيدة
الإسلامية) للشيخ محمد عبده إلى الفرنسية وعاد سنة ١٩١٤.
في عام سنة
١٩١٥ عين موظفا في مجلس الأزهر الأعلى وكان (السلطان حسين) معجبا بعلمه وأدبه وحسن
لغته وترجم لبنت السلطان العثماني كتابا بالفرنسية إلى العربية (طيف خيال ملكي).
في سنة ١٩١٦
عين سكرتيرا لمجلس الأزهر الأعلى واستطاع أن يتعرف على كبار العلماء وأصبح بيته
ندوة يومية يؤمها الأدباء والشعراء.
وفي سنة ١٩١٧
أنشأ رجل سويدي ما سمى (بجامعة الشعب) وألقى فيها الشيخ مصطفى عدة محاضرات ثم انضم
إلى حزب (الأحرار الدستوريين) ثم صدر قرار بتعيينه مفتشا بالمحاكم الشرعية سنة
١٩٢٠ م.
وفي سنة ١٩٢٧
نقل أستاذا مساعدا في الجامعة ولما خلا كرسي الفلسفة شغله عن جدارة وأعطى طلابه
علما متجددا متفتحا ثم أختير وزيرا للأوقاف سنة ١٩٣٨ م.
كما عين عضوا
بالمجمع اللغوي سنة ١٩٤٠ ونال رتبة الباشوية سنة ١٩٤١.
وشغل منصب وزير
الأوقاف (سبع مرات) وهو ما لم يحدث لأحد وكان أول أزهري يتولى هذا المنصب.
وصدر قانون خاص
له ليتولى مشيخة الأزهر سنة ١٩٤٥ ومات سنة ١٩٤٧.
ـ وكان الشيخ
مصطفى عبد الرازق أول من وضع مصنفا في العلوم الدينية على منهج علمي بتصنيفه (أصول
الفقه).
وكان متعدد
المواهب يكتب في الفقه الحديث والتفسير والفلسفة والاجتماع وكان شاعرا مبدعا
وصحفيا بارزا.
ومن مصنفاته :
١ ـ ترجمة
فرنسية لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده.
٢ ـ رسائل
موجزة بالفرنسية عن الأثرى الكبير بهجت بك.
٣ ـ رسائل
موجزة بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين.
٤ ـ التمهيد
لتاريخ الفلسفة.
٥ ـ فيلسوف
العرب والمعلم الشافي.
٦ ـ الدين
والوحي في الإسلام.
٧ ـ الإمام
الشافعي.
٨ ـ الإمام
الشيخ محمد عبده.
٩ ـ مذكرات
مسافر ومذكرات مقيم.
١٠ ـ بحث في
دراسة حياة البهاء زهير وشعره.
١١ ـ من آثار
مصطفى عبد الرازق (مجموعة مقالات وأحاديث).
١٢ ـ مؤلف كبير
في المنطق.
١٣ ـ مؤلف كبير
في التصوف.
١٤ ـ فصول في
الأدب.
١٥ ـ مذكراته
اليومية.
* * *
الشيخ محمد مأمون الشناوي
ولد في (الزرقا)
بمحافظة الدقهلية سنة ١٨٧٨ م وحفظ القرآن ثم رحل الى الأزهر وعاش مع أخيه (سيد
الشناوي) الذي سبقه للدراسة.
وضاق في بادىء
الأمر بالمتون والحواشي وأراد أن يعود لقريته ويعيش فلاحا ولكن والده خفف عنه حتى
عاد وانتظم وظهر نبوغه وأصبح موضع إعجاب شيوخه.
واتصل (بالإمام
الشيخ محمد عبده) وتأثر بفكره.
وقد ضايقه
العلماء عند امتحان العالمية لأنه اتهم بقرض الشعر وهي تهمة شنيعة في ذلك الوقت
ولكنه اجتازها بفضل توجيهات (الشيخ أبو الفضل الجيزاوي) سنة ١٩٠٦.
عين مدرسا
بمعهد الاسكندرية وفي عام ١٩١٧ تم اختياره قاضيا شرعيا.
واختير في سنة
١٩٣٠ م شيخا لكلية الشريعة وفي سنة ١٩٣٤ نال
عضوية كبار العلماء وفي سنة ١٩٤٤ عين وكيلا للأزهر وتولى منصب (رئاسة لجنة
الفتوى).
ثم تولى
المشيخة سنة ١٩٤٨ واستقبل من رجال الأزهر بفرحة غامرة لما يعلمونه من صلاحه وتقواه
وعلمه.
وبدأ نشاطا
واسعا ليخرج الأزهر من المحلية الى العالمية وعمل على تقوية الصلات مع العالم
الإسلامي وأوفد البعوث الإسلامية.
كما أرسل نوابغ
العلماء في بعثة إلى انجلترا لاجادة اللغة ثم كلفوا بنشر الدعوة في العالم
الإسلامي.
وحرص ألا تخلوا
عاصمة من معهد ديني. وسعى جاهدا حتى صدر (قانون تحريم البغاء) في مصر الذي كان سبة
ومات سنة ١٩٥٠ م.
كان رحمه الله
ذا موهبة فذة وشاعرية أصيلة وكانت فيه نزعة صوفية سامية وأسهم في الحركة الوطنية
١٩١٩ بقلمه ولسانه وكان ينتقل بين المساجد والكنائس ويكتب في الصحف.
وشغلته الأحداث
ومهام المناصب عن التأليف وإن كانت له مقالات متعددة جمعها تلميذه (الدكتور محمد
عبد المنعم خفاجي) في كتابه (الاسلام ومبادئه الخالدة).
* * *
الشيخ عبد المجيد سليم
ولد في قرية (ميت
شهالة) من أحياء مدينة (الشهداء) منوفية سنة ١٨٨٢ م.
وحفظ القرآن ثم
درس في الأزهر فنبغ في الفلسفة حتى لقب (بابن سينا).
وحضر دروس خيرة
العلماء وعلى رأسهم (الشيخ محمد عبده) الذي فقهه في البلاغة وحضر دروس (الشيخ حسن
الطويل) وعرف منه فنون
أساليب الجدل والقياس ودرس الفقه على فقيه عصره (الشيخ أبو خطوة).
نال شهادة
العالمية سنة ١٩٠٨ واشتغل بالتدريس بالمعاهد ثم بمدرسة القضاء الشرعي وعمق فكره
وآراء الأئمة واهتم بالتقريب بين المذاهب الاسلامية.
وعمل بالافتاء وترك
تراثا رائعا لفتاوى غاية في الجرأة والأصالة.
وتولى مشيخة
الأزهر سنة ١٩٥٠ م ولما ضغطت الحكومة ميزانية الأزهر ثار ثورة عارمة وقال عبارته
المشهورة (قصد هنا وإسراف هناك) وأعفي من المشيخة عام ١٩٥١ ثم عاد إليها عام ١٩٥٢
ثم استقال وحاول (الوزير فتحي رضوان) في وزارة الثورة ان يثنيه فرفض.
كان فقيها
دارسا لآراء الأئمة واسع الأطلاع ولما تألفت لجنة الإصلاح في قوانين الأحوال
الشخصية انتفعت بفكره وآرائه ولما أدلى (اللواء محمد نجيب) رئيس الجمهورية وقتئذ
بحديث صحفي يرضي أنصار المرأة اتصل به وحمله على تكذيب الحديث وعمل جاهدا على
النهوض بالأزهر ورسالته عالميا ووجه العلماء إلى وضع مؤلفات باللغات المختلفة لنشر
الاسلام ورد مزاعم المستشرقين ودعا إلى ترجمة القرآن إلى اللغات الحية.
وكتب عنه كبار
العلماء والأدباء والمفكرين يثنون على علمه وجرأته.
ولم يترك الشيخ
عبد المجيد سليم ثروة علمية إلا فتاواه ومقالاته ..
وانتقل الى ربه
في سنة ١٩٥٤ م.
* * *
الشيخ إبراهيم حمروش
ولد في قرية (الخوالد)
التابعة لمركز (إيتاي البارود) بحيرة سنة ١٨٨٠ م.
وكان أبوه رجلا
ورعا فحفظه القرآن وأرسله إلى الأزهر وأوصاه
بالمحافظة على الصلاة ، درس على أيدي كبار العلماء (الفقه على الشيخ أبو
خطوة) (والنحو على الشيخ الصالحي المالكي) ، وأخذ (أسرار البلاغة عن الشيخ محمد
عبده).
وأقبل على
دراسته الرياضية وتفوق فيها ونال العالمية سنة ١٩٠٦ م.
وكان (الشيخ
إبراهيم الشربيني) حريصا على إنشاء جيل قوي متعمق فكان يباغت اللجان وأعجب بهذا
الشاب وظل يحاوره حتى شهد له بالكفاية.
وعمل بمدرسة
القضاء الشرعي سنة ١٩٠٨ م ثم عين قاضيا فشيخا لمعهد أسيوط ثم مفتشا بالمعاهد
الدينية سنة ١٩٢٩ ونال عضوية كبار العلماء سنة ١٩٣٤ بعد أن عين شيخا لكلية اللغة
في سنة ١٩٣١ ثم عين شيخا لكلية الشريعة سنة ١٩٤٩.
وفي سنة ١٩٥١
عين شيخا للأزهر فدعا إلى الجهاد ومقاومة المحتل.
ولما حاصر
الانجليز الشرطة بالاسماعيلية حرض الطلاب واستشار الرأي العام العالمي لتحمل
تبعاته هذه في مواجهة هذه المآسي ولكن الملك أعفاه من منصبه سنة ١٩٥٢ قبل قيام
الثورة بقليل.
وقد عارض
فضيلته كتابة المصحف بالطريقة الاملائية مخافة تحريفه ومات سنة ١٩٦٠ م.
ومن مؤلفاته :
١ ـ عوامل نمو
اللغة (ونال به عضوية كبار العلماء).
٢ ـ فصول عديدة
ودراسات قيمة.
٣ ـ وله مقالات
وأبحاث عديدة نشرتها الصحف.
* * *
الشيخ محمد الخضر حسين
ولد بمدينة (نفطة)
بتونس سنة ١٢٩٣ ه وأسرته كريمة أصلها من
الجزائر وتنتمي إلى أسرة (الأدراسة) التي كونت دولة بالمغرب.
حفظ القرآن
والتحق بجامع الزيتونة سنة ١٨٨٩ م وهو يشبه (الجامع الأزهر) ونال شهادة العالمية
سنة ١٣١٧ ه وفي سنة ١٣٢٤ ه ولي قضاء بنزرت ومنطقتها والتدريس والخطابة بجامعها
وعاد إلى جامع الزيتونة حيث نظم كتبه واشترك في تأسيس (الجمعية الزيتونية).
وكان شاعرا
مجيدا نظم روائع القصائد وندد بالاستعمار الفرنسي.
ولما قامت
الحرب بين الطليان والعثمانيين رحل إلى الجزائر وألقى بها دروسه العظيمة.
ثم أكرهه
الاستعمار على أن يرحل إلى (مصر ودمشق ومكة) وفي مصر تعرف (بالشيخ رشيد رضا) ووصل
إلى دمشق فعين مدرسا للغة العربية في المدرسة السلطانية سنة ١٩١٢ ثم سافر إلى
الآستانة وأمضى فيها وقتا ولكنه هجرها ورحل.
ورحل إلى (برلين)
سنة ١٣٣٢ ه وأجاد الألمانية ثم عاد إلى الآستانة وضاق بها فرحل إلى دمشق فأعتقله
حاكمها سنة ١٣٣٤ ونال ألوان العذاب ورحل إلى ألمانيا فالتقى بزعماء الحركة
الإسلامية من أمثال (الدكتور عبد الحميد سعيد ، وعبد العزيز جاويش) وهكذا لا يستقر
به الحال في بلد حتى يرحل إلى آخر إلى ان استقر في مصر سنة ١٣٣٩ وألف رسالته
القيمة (الخيال في الشعر العربي) ثم تجنس بالجنسية المصرية ونال شهادة العالمية.
ثم أسس جمعية (تعاون
جاليات أفريقيا الشمالية) وكان دائب الحركة يحاضر ويسطر المقالات ويكتب البحوث.
وفي سنة ١٣٤٤ ه
ظهر كتاب (أصول الحكم) للشيخ علي عبد الرازق وأحدث ثورة وتصدى له (الشيخ الخضر)
ونقده نقدا شديدا وفند آراءه ثم تصدى لكتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) سنة ١٣٤٥
وقسا
عليه وأرجع آراءه إلى أساتذته المستشرقين ثم تولى رئاسة تحرير مجلة الأزهر
سنة ١٣٤٩ ه وعين أستاذا بكلية أصول الدين فأفاد طلابه وجمع مجموعة رسائل في كتاب
أسماه (رسائل الإصلاح).
واشترك في كثير
من لجان المجمع اللغوي وفي سنة ١٣٧٠ ه نال عضوية جماعة كبار العلماء برسالته (القياس
في اللغة العربية).
وتولى مشيخة
الأزهر سنة ١٣٧١ ه ولكنه استقال لعدة أسباب سنة ١٣٧٣ ه ولقى ربه سنة ١٣٧٧ ه سنة
١٩٥٨ م.
ومن مؤلفاته :
١ ـ رسائل
الإصلاح (في ثلاثة مجلدات) أبرز فيها مناهج الدعوة الإسلامية.
٢ ـ الخيال في
الشعر الغربي.
٣ ـ القياس في
اللغة العربية.
٤ ـ ديوان شعر (خواطر
الحياة).
٥ ـ نقض كتاب (الإسلام
وأصول الحكم).
٦ ـ نقض كتاب (في
الشعر الجاهلي).
٧ ـ آداب الحرب
في الإسلام.
٨ ـ أبحاث
ومقالات عديدة نشرتها مجلة الأزهر ولواء الإسلام والهداية الإسلامية.
٩ ـ تعليقات
على كتاب الموافقات للشاطبي.
* * *
الشيخ عبد الرحمن تاج
ولد بأسيوط سنة
١٨٩٦ م فحفظ القرآن وانتقلت أسرته إلى الإسكندرية فدخل المعهد الديني ونال شهادة
العالمية سنة ١٩٢٣.
التحق بقسم
التخصص للقضاء الشرعي ونال شهادة التخصص سنة
١٩٢٦ وعين مدرسا في معهد أسيوط الديني ثم نقل إلى معهد القاهرة وفي سنة
١٩٣٣ عين مدرسا بقسم تخصص القضاء.
وفي سنة ١٩٣٥
عين عضوا بلجنة الفتوى للمذهب الحنفي.
وفي سنة ١٩٣٦
وقع الاختيار عليه ليكون عضوا في بعثة الأزهر فرحل إلى السربون ورغم قيام الحرب
فقد واصل الدراسة في ظروف قاسية ونال الدكتوراه عن بحثه القيم (البابية والإسلام)
والبابية أساس البهائية.
وعاد من باريس
سنة ١٩٤٣ وعين مدرسا بكلية الشريعة ثم مفتشا للعلوم الدينية ثم عين شيخا للقسم
العام والبحوث الإسلامية بالأزهر.
ونال عضوية
كبار العلماء سنة ١٩٥١ ببحثه القيم (السياسة الشرعية).
ثم أختير
أستاذا للشريعة الإسلامية بكلية الحقوق وعضوا في لجنة الدستور ثم عين شيخا للأزهر
سنة ١٩٥٤.
ومن أهم أعماله
أنه قرر تدريس اللغات بالأزهر وعنى بالإصلاحات الإدارية وفي عهده سعى لبناء مدينة
البعوث الإسلامية لسكنى طلاب العالم الإسلامي بدل الأروقة وكان أول من أدخل
التربية العسكرية في الأزهر.
وعين عام ١٩٥٨
وزيرا في اتحاد الدول العربية.
وواصل الكتابة
في الصحف وأصدر عدة بحوث هامة في تفسير القرآن الكريم وطاف بكثير من بلاد العالم
الإسلامي.
وتوفي سنة ١٩٧٥
م.
ومن مصنفاته :
١ ـ البابية وعلاقتها
بالإسلام بالفرنسية.
٢ ـ السياسة
الشرعية (في الفقه الإسلامي).
٣ ـ الأحوال
الشخصية في الشريعة الإسلامية.
٤ ـ مذكرة في
الفقه المقارن.
٥ ـ تاريخ
التشريع الإسلامي.
٦ ـ مناسك الحج
وحكمها.
٧ ـ الاسراء
والمعراج.
٨ ـ حكم الربا
في الشريعة الإسلامية.
٩ ـ شركات
التأمين من وجهة النظر الإسلامية.
١٠ ـ بحوث في
اللغة العربية متعددة.
١١ ـ من
الدراسات اللغوية في بعض الآيات القرآنية.
١٢ ـ بحوث في
بعض الآيات القرآنية من الناحية العلمية.
* * *
الشيخ محمود شلتوت
ولد في (مدينة
منصور) من أعمال مركز أيتاي البارود بحيرة سنة ١٨٩٣ وحفظ القرآن ودخل معهد
الإسكندرية والتحق بالكليات الأزهرية ونال العالمية سنة ١٩١٨ م ثم عين مدرسا بمعهد
الإسكندرية سنة ١٩١٩ م وشارك في أعمال الثورة بقلمه ولسانه وجرأته ثم نقله الإمام
المراغي مدرسا بالقسم العالي لعلمه الغزير وناصر حركة الإصلاح في الأزهر وفصل من
منصبه فاشتغل بالمحاماة ثم عاد للأزهر سنة ١٩٣٥ م.
ثم اختير عضوا
في الوفد الذي حضر (مؤتمر لاهاي) للقانون الدولي المقارن سنة ١٩٣٧ وألقى بحثا قيما
تحت عنوان (المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية) ونال البحث استحسان
أعضاء المؤتمر فأقروا صلاحية الشريعة الإسلامية للتطور واعتبروها مصدرا من مصادر
التشريع الحديث وأنها أصيلة وليست مقتبسة من غيرها من الشرائع الوضعية ولا متأثرة
بها وقرر المؤتمر أيضا اعتبار (اللغة العربية) لغة رسمية من لغات المؤتمر وأن يدعى
في المؤتمر القادم أكبر عدد من علماء الشريعة الإسلامية.
وبهذا البحث
نال (عضوية جماعة كبار العلماء).
ونادى بتكوين
مكتب علمي للرد على مفتريات أعداء الإسلام وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات
وكانت مقدمة لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية.
وفي سنة ١٩٤٦
عين عضوا في مجمع اللغة العربية وانتدبته الجامعة لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة
دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق.
وفي سنة ١٩٥٠
عين مراقبا عاما لمراقبة البحوث الإسلامية فوثق الصلات بالعالم الإسلامي.
وفي سنة ١٩٥٧
اختير سكرتيرا عاما للمؤتمر الإسلامي ثم عين وكيلا للأزهر.
وفي سنة ١٩٥٨
صدر قرار بتعيينه شيخا للأزهر.
وقد سعى جاهدا
إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية.
ورحل إلى كثير
من بلاد العالم الإسلامي ولاقى كل إجلال.
وسعى جاهدا
للإصلاح بالأزهر وصدر القانون في سنة ١٩٦١.
ودخلت العلوم
الحديثة للأزهر وانشئت كليات متعددة وارتفعت مكانة شيخ الأزهر ووجد كل إجلال
وتقدير من القادة.
وترك الشيخ
مؤلفات عدة منها :
١ ـ فقه القرآن
والسنة.
٢ ـ مقارنة
المذاهب.
٣ ـ يسألونك (وهي
إجابات عن أسئلة في شتى الموضوعات).
٤ ـ منهج
القرآن في بناء المجتمع.
٥ ـ المسئولية
المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية.
٦ ـ القرآن
والقتال.
٧ ـ القرآن
والمرأة.
٨ ـ تنظيم
العلاقات الدولية في الإسلام.
٩ ـ الإسلام
والوجود الدولي للمسلمين.
١٠ ـ تنظيم
النسل.
١١ ـ رسالة
الأزهر.
١٢ ـ إلى
القرآن الكريم.
١٣ ـ الإسلام
عقيدة وشريعة.
١٤ ـ من
توجيهات الإسلام.
١٥ ـ الفتاوي.
١٦ ـ تفسير
القرآن الكريم (العشرة أجزاء الأولى).
وتوفى رحمه
الله سنة ١٣٨٣ ه.
* * *
الشيخ حسن مصطفى
ولد بالقاهرة
في سنة ١٨٩٤ وكان والده شيخا لمسجد الفتح بقصر عابدين الذي يصلي فيه الملك وحفظ
القرآن الكريم واتجه إلى المعهد الديني ثم مدرسة القضاء الشرعي وتخرج سنة ١٩١٨
وأتقن اللغة الفرنسية.
في سنة ١٩١٩
عين موظفا قضائيا بمحكمة الزقازيق الشرعية ثم انتقل لمحكمة القاهرة الشرعية سنة
١٩٢٠ ورقى بعد ذلك إلى قاض وتنقل بين عدة محاكم إلى أن ارتقى إلى منصب قاض عام سنة
١٩٣٩ ثم صدر مرسوم ملكي بتعيينه قاضيا لقضاة السودان سنة ١٩٤١.
وكانت له مواقف
وطنية أغضبت الانجليز ثم تمت ترقيته إلى عضو بالمحكمة الشرعية العليا سنة ١٩٤٧ ثم
عين مفتيا سنة ١٩٥٥ ثم عين شيخا للأزهر سنة ١٩٦٤.
وظل حريصا على
إلقاء دروسه على طلاب قسم التخصص بكلية الشريعة.
وكان عالما
فقيها وقاضيا نزيها.
وأشرف على
إصدار الموسوعة الفقهية الكبرى وكتب بعض موادها.
ومات سنة ١٩٧٣
م.
وقد وقف من
الإستعمار مواقف كريمة فناهضه في السودان وقاوم قيام دولة إسرائيل وشارك في مقاومة
الاحتلال وناشد (الملك السنوسي) ألا يسمح بأقامة قواعد استعمارية عسكرية على أرضه
لأنها خنجر مصوب لمصر ولما دبرت إسرائيل حرق المسجد الأقصى وجه الإمام نداء لكل
المسلمين يدعو فيه للجهاد.
وأصدر مجموعة
من الفتاوي القيمة نقى بها الإسلام من البدع والخرافات.
ومن مصنفاته :
١ ـ الفتاوي.
٢ ـ دراسات
وأبحاث فقهية متنوعة نشرها أو راجعها.
٣ ـ السيرة
العطرة.
٤ ـ الجهاد في
الإسلام.
٥ ـ تفسير
لقصار السور.
* * *
الشيخ محمد محمد الفحام
ولد (برمل
الإسكندرية) في سنة ١٨٩٤ وحفظ القرآن والتحق بمعهد الإسكندرية الديني وولع إلى
جانب العلوم الدينية بالعلوم الأخرى (علم المنطق وعلم الجغرافيا) ثم نال العالمية
في سنة ١٩٢٢ ومن العجيب أنه تفوق في الرياضيات لدرجة أنه اشتغل مدرسا للرياضيات
إلى جانب العلوم الدينية.
وفي سنة ١٩٣٥
نقل إلى كلية الشريعة لتدريس المنطق.
وفي سنة ١٩٣٦
رحل إلى فرنسا ومعه زوجته وأبناؤه في بعثة تعليمية ولكن الحرب شبت ولم يستطع
العودة وعانى ويلات الحرب ومطالب الدراسة ونال دبلوم مدرسة اللغات الشرقية الحية
في الأدب العربي سنة ١٩٤١.
ونال شهادة
الدكتوراه من السربون وكان موضوع الرسالة (إعداد معجم عربي فرنسي للمصطلحات
العربية في علمي النحو والصرف) ونال تقدير الأساتذة المستشرقين وعاد من فرنسا وعمل
مدرسا بكلية الشريعة ثم نقل إلى كلية اللغة العربية للأدب المقارن وللنحو والصرف.
واشترك سنة
١٩٤٧ في لجنة المؤتمر الثقافي العربي الأول المنعقد في بيت مرعي في لبنان أجاد
جميع اللهجات السورية واللبنانية ثم زار نيجيريا سنة ١٩٥١ وهي أكبر دولة إسلامية
وأمضى فيها خمسة أشهر وقابل علماءها ثم سنة ١٩٥٢ زار الباكستان ثم صدر تعيينه
عميدا لكلية اللغة العربية سنة ١٩٥٩ واشترك في وضع منهج تدريس اللغة العربية في
باكستان.
ثم سافر إلى
موريتانيا سنة ١٩٦٣ لدراسة أحوال المسلمين هناك.
وشارك في
المؤتمر الإسلامي التمهيدي في باندونج سنة ١٩٦٤.
وفي سنة ١٩٦٧
زار الجزائر وليبيا وإسبانيا وفي سنة ١٩٧١ زار إيران.
وقد نصب شيخا
للأزهر في سنة ١٩٦٩ م.
وفي سنة ١٩٧٢
عين عضوا في مجمع اللغة العربية ثم أعفى من منصب المشيخة لاعتلال صحته سنة ١٩٧٣.
ومن مؤلفاته :
١ ـ رسالة
الموجهات في المنطق (ألفها وهو طالب).
٢ ـ سيبويه
وآراؤه.
٣ ـ مقالات
عديدة في مجلة المعرفة.
٤ ـ المسلمون
واسترداد بيت المقدس.
٥ ـ محاضرات
ألقاها في معهد الدراسات العليا للشرطة.
* * *
الشيخ عبد الحليم محمود
ولد في مدينة (أبو
حمد) تابعة لبلبيس شرقية سنة ١٩١٠.
نشأ في أسرة
متدينة مشهورة بالكرم وحفظ القرآن الكريم والتحق بالأزهر ولما فتح معهد الزقازيق
التحق به كما التحق بمعهد المعلمين ونجح في المعهدين معا ثم رحل إلى القاهرة حيث
نال العالمية سنة ١٩٣٢ وكان رحمه الله عالما إسلاميا كبيرا فسيح الآفاق بعيد
الأغوار متصوفا زاهدا وجمع بين الثقافة العربية والثقافة الغربية حين رحل إلى
السربون وظل في فرنسا ملتزما بالآداب الإسلامية والتقاليد العربية وآثر أن يدرس
تاريخ الأديان واستعد للدكتوراه في التصوف الإسلامي واختار شخصية (الحارث بن أسد
المحاسبي) وكان بينهما تشابه في المسلك الصوفي وكلاهما يرى أن الكتاب والسنة هما
أساس المسلك الصوفي.
وفي أثناء
الدراسة قامت الحرب وآثر البقاء حتى نال الدكتوراه سنة ١٩٤٠ في ظروف صعبة بعد
انقطاعه عن الوطن وقررت الجامعة الفرنسية طبع الرسالة على نفقتها وهو شرف لم ينله
إلا القليل.
وحاول العودة
إلى مصر ولكن الطرق كانت مغلقة وما زال ينتقل من بلد إلى بلد حتى اضطر أن يلف حول
رأس الرجاء الصالح إلى أن وصل بعد عام.
بدأ مدرسا
بكلية اللغة ثم نقل أستاذا بكلية أصول الدين سنة ١٩٥١ فعميدا للكلية سنة ١٩٦٤ وقد
ألزم الطلبة بحفظ القرآن الكريم.
ووضع القواعد
لمجمع البحوث الإسلامية وظل حريصا على نشر الإسلام عالميا وإعداد الكفايات القادرة
على توصيل الدعوة الإسلامية وشكل عدة لجان هامة للنهوض بهذه الرسالة ومنها :
لجنة
بحوث القرآن الكريم :
لوضع تفسير
وسيط مبسط لمعاني القرآن.
لجنة
السنة النبوية : لوضع موسوعة مفهرسة للسنة النبوية.
لجنة المسجد الأقصى :
لجمع كل ما
يفيد القضية الفلسطينية.
لجنة
التعريف بالإسلام :
للرد على خطط
التبشير المعاصر.
لجنة
إحياء التراث الإسلامي :
لكشف النقاب عن
أمهات الكتب.
لجنة
البحوث الفقهية :
لمواجهة كل ما
استجد في هذا العصر.
لجنة
الحضارة والمجتمعات الإسلامية :
لحصر العالم
الإسلامي وبيان الاستفادة من مواقعه.
لجنة
العقيدة والفلسفة :
لدراسة
التحديات والانحرافات في العقيدة والفلسفة.
لجنة
دائرة المعارف الإسلامية :
لوضع دائرة على
نسق دائرة المعارف البريطانية وفي سنة ١٩٧٠ صدر قرار بتعيينه وكيلا للأزهر وقام
برحلات متعددة في الداخل والخارج وكان
يلقي كل الحفاوة والتكريم أينما حل والتقى بشخصيات عالمية كبيرة مثل (الرئيس
كارتر) (وفالدهايم سكرتير الأمم المتحدة).
وساعده في
لقاءاته هذه إجادته للفرنسية والانجليزية.
ثم تولى وزارة
الأوقاف وأخيرا مشيخة الأزهر سنة ١٩٧٣ وكأنما أعدته العناية الالهية ليكون عالما
دارسا باحثا ومؤلفا ومصنفا ومصلحا اجتماعيا كبيرا وحاول تحقيق أهدافه وتحرك في كل
اتجاه ينشىء المدارس والمعاهد الدينية ويقيم المساجد وينادي بالبذل وإقامة
المؤسسات الإسلامية بالجهود الذاتية تخفيفا عن الدولة.
ونادى بأن ترد
الأوقاف للأزهر حتى يستطيع أن ينهض برسالته.
ودعا إلى تطبيق
الشريعة الإسلامية وأن فيها النجاة من براثن الاستعمار والدواء من أمراض العصر ونادى
أيضا بالدفاع عن اللغة العربية والنهوض بها حتى لا يستعجم اللسان العربي وتنفصل
الأمة عن كتاب ربها الذي لا يفهم إلا بالعربية.
وسعى للصلح بين
الدول العربية المتنازعة ودعا إلى وحدة الصف وناشد حكام العالم العربي خاصة
والإسلامي عامة أن يرأبوا الصدع وأن ينبذوا الخلاف فيما بينهم لتعود للأمة
الإسلامية قوتها وتستطيع أن تواجه الأخطار المحدقة بها.
وهاجم الشيوعية
وحذر من شرورها وخطورة الالحاد الذي يهدم الأمم.
ولم تغب عنه
أحداث العصر فكان يصدر بيانا في كل مناسبة ويستخدم المنطق في ذلك وواجه الفتنة
الطائفية بحزم وأوضح أن الاسلام يحمي أهل الأديان الأخرى وأن الأقليات تتمتع
بحقوقها كاملة على سيادة الوطن.
وحرص أن تكون
لشيخ الأزهر هيبته فهو الإمام الأكبر وصاحب الرأي
في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله
الرسالة والتوجيه في كل ما يتضمن الدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته ويرأس
المجلس الأعلى للأزهر.
وكان جريئا
يكتب دون خوف على منصبه أو حرص على مكاسب أو محالاة في الحق وعرف بصراحته وصدقه
مما جعله موضع احترام الجميع وهاجم كل من يريد المساس بالشريعة أو أن يبدل الحلال
حراما أو يعبث بالمقدسات الدينية.
وقد حرص أيضا
على أن يكون أسوة حسنة ويعلن أن النبي ما نجح في دعوته إلا بالقدوة ولهذا كان
زاهدا عابدا متفانيا في خدمة الإسلام وعرض في مؤلفاته لمجموعة من الرجال الذين
اعتز بهم الإسلام وخلدهم التاريخ وخلف ثروة طائلة من التراث الديني.
ولحق بالرفيق
الأعلى في سنة ١٩٧٨.
ومن مؤلفاته :
١ ـ الحارث بن
أسد المحاسبي بالفرنسية.
٢ ـ وازن
الأرواح ـ مترجم عن الفرنسية.
٣ ـ الفلسفة
اليونانية ـ مترجم عن الفرنسية.
٤ ـ المشكلة
الأخلاقية والفلسفية ـ مترجم عن الفرنسية.
٥ ـ الأخلاق في
الفلسفة الحديثة ـ مترجم عن الفرنسية.
٦ ـ محمد رسول
الله ـ مترجم عن الفرنسية.
٧ ـ الفيلسوف
المسلم ـ دينية.
٨ ـ التصوف عند
ابن سينا.
٩ ـ أوربا
والإسلام.
١٠ ـ فلسفة ابن
طفيل ورسالته.
١١ ـ الرسول
صلى الله عليه وسلم.
١٢ ـ التوحيد
الخالص أو الإسلام والعقل.
١٣ ـ السنة في
تاريخها وفي مكانها.
١٤ ـ الإيمان.
١٥ ـ أسرار
العبادات في الإسلام.
١٦ ـ التصوف
الإسلامي.
١٧ ـ التفكير
الفلسفي في الإسلام.
١٨ ـ جهادنا
المقدس.
١٩ ـ القرآن
والنبي.
٢٠ ـ الإسلام
والإيمان.
٢١ ـ العبادة.
٢٢ ـ المدرسة
الشاذلية الحديثة.
٢٣ ـ الاسراء
والمعراج.
٢٤ ـ شهر رمضان
كيف يستقبله المسلمون.
٢٥ ـ وتناول في
كتب عدة مشاهير رجال الصوفية.
٢٦ ـ وحقق نحو
خمسين كتابا في التراث.
٢٧ ـ في رحاب
الكون.
٢٨ ـ القرآن في
شهر القرآن.
٢٩ ـ الإسلام
والشيوعية.
٣٠ ـ دلائل
النبوة ومعجزات الرسول.
* * *
الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار
ولد بمدينة (السالمية)
من أعمال مركز فوه التابع لكفر الشيخ سنة ١٩١٠ م.
حفظ القرآن
والتحق بمعهد دسوق الديني ثم التحق بمعهد طنطا والتحق بكلية أصول الدين ونال
العالمية سنة ١٩٣٩ ثم نال درجة الأستاذية
في (العقيدة والفلسفة) سنة ١٩٤٥ وتم تعيينه مدرسا في سنة ١٩٤٩ رحل في بعثة
إلى إنجلترا ودرس في جامعة كمبردج ثم استقر في جامعة أدنبرة.
ونال الدكتوراه
بتفوق في الفلسفة مع التركيز على (حجة الإسلام الغزالي) والفيلسوف الفرنسي (ديكارت)
وكلاهما اتخذ الشك وسيلة لليقين.
وعاد أستاذا في
سنة ١٩٥٥ بكلية أصول الدين ثم رشحته مواهبه ليكون مديرا للمركز الإسلامي بواشنطن
واستطاع أن يحظى بالاحترام من كل الطوائف وعاد سنة ١٩٥٩ إلى كلية أصول الدين ثم
رأس البعثة التعليمية بليبيا سنة ١٩٦٣.
ثم عين أمينا
عاما للمجلس الأعلى للأزهر مما أتاح له المشاركة والتوجيه وتحقيق الأهداف ثم عين
سنة ١٩٧٠ أمينا عاما لمجمع البحوث الإسلامية فحرص على أن يجدد الثقافة الإسلامية
وأن يجردها من الشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي.
ثم عين وكيلا
للأزهر سنة ١٩٧٤ وساعد الدكتور عبد الحليم محمود في كل ما يعن له.
ثم عين وزيرا
للأوقاف سنة ١٩٧٨ وشيخا للأزهر سنة ١٩٧٩.
ولما كان يجيد
الفرنسية والانجليزية فقد أطل على الثقافة الأوروبية وغذى علوم الإسلام وهو الذي
نظم الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية.
كان حييا شديد
التواضع مبتسما وهو إداري من الطراز الأول منظم الفكر.
وعرض على
المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية سنة ١٩٧٠ والذي يضم خيرة علماء المسلمين
بحثا فياضا حول (إثبات العقائد الإسلامية بين السنيين والعقليين).
وكما عنى
بالدراسة الفلسفية فقد عنى بالسلوك وألقى محاضرات قيمة في هذا.
ومن مؤلفاته :
١ ـ الوجود
والخلود في فلسفة ابن رشد.
٢ ـ العقيدة
والأخلاق في الفلسفة اليونانية.
٣ ـ الحقيقة
والمعرفة على نهج العقائد النسفية.
٤ ـ تأملات في
الفلسفة الحديثة والمعاصرة.
٥ ـ العالم بين
القدم والحدوث.
٦ ـ الإسلام
بين العقائد والإيمان.
٧ ـ الإسلام
والمسيحية.
٨ ـ رسالة (بالانجليزية)
عن الحرب والسلام في الإسلام.
٩ ـ رجلان في
التفكير الإسلامي.
هذا عدا ما نشر
من مقالات وبحوث في مجلات علمية.
* * *
الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
ولد ببلدة (بطرة)
مركز طلخا بمحافظة الدقهلية سنة ١٩١٧.
حفظ القرآن
الكريم والتحق بالمعهد الأحمدي بطنطا ودرس المذهب الحنفي.
والتحق بكلية
الشريعة ونال العالمية سنة ١٩٤٣.
ودخل تخصص
القضاء الشرعي ونال إجازته سنة ١٩٤٥.
وقد عين موظفا
بالمحاكم الشرعية فأمينا للفتوى بدار الإفتاء المصرية
بدرجة (موظف قضائي) ثم مستشارا بمحاكم الاستئناف فمفتشا أولا بوزارة العدل
ثم عين مفتيا للديار المصرية سنة ١٩٧٨ وعضوا بمجمع البحوث الإسلامية سنة ١٩٨٠.
وظل مفتيا حتى
اختير وزير دولة للأوقاف سنة ١٩٨٢ ثم شيخا للأزهر في نفس العام.
مكانته العلمية :
ـ أصدر أحكاما
قضائية استندت إلى البحوث في الشريعة.
ـ كما أصدر
مجموعة من الفتاوي الهامة في كل مجالات الشريعة.
بعض الزعماء من الأزهر
١ ـ الزعيم
أحمد عرابي تلقى تعليمه الأزهري ثم التحق بالجيش وقاد نورة كبرى ما زال صداها يرن
في أذن التاريخ وكانت مقدمة للثورات الكبرى في المنطقة.
٢ ـ الزعيم
الوطني سعد زغلول الذي درس في الأزهر وتأثر بفكر الامامين الجليلين (جمال الدين
لأفغاني والشيخ محمد عبده) وكان قائد ثورة ١٩١٩ وخطيبها المفوه ووصل إلى رئاسة
الوزراء وأسس (حزب الوفد).
٣ ـ السيد /
محمد صديق خان بن حسن البخاري القنوجي أمير بهوبال درس بالأزهر وكان منتسبا لرواق
البخارية ثم عاد إلى امارته فأصلح شئونها وأقام فيها المعاهد العلمية والمجالس
الثقافية وتزويج ملكة بهوبال وحكم المملكة واشتغل بالتأليف والدراسة وترك أكثر من
سبعين كتابا وتوفى عام ١٣٠٧ ه.
٤ ـ الأمير
محمد بن علي الادريسي مؤسس دولة الادارسة في (صبيا وعسير) باليمن تعلم بالأزهر ثم
عاد إلى اليمن واستولى على اقليم صبيا واستولى على الحديدة وتوفي عام ١٣١١ ه.
٥ ـ الشيخ محمد
بن عبد الله بن حسن الشهير بالملا الصومالي .. ولما عاد للصومال عمل على توحيد
القبائل الصومالية وفي سنة ١٨٩٧ نزلت البعثات التبشيرية إلى الصومال فقاد الكفاح
ضد الاستعمارين الانجليزي والايطالي ونال انتصارات عظيمة وظل يناضل حتى مات ١٩٢١ م
ولم يشغله الكفاح عن التأليف وأصدر عدة رسائل كان أشهرها (مباحث المنافقين) وسجل
فيها كيف (تعاون الانجليز والفرنسيون والايطاليون والقبائل المرتدة) ضده.
٦ ـ المجاهد
الكبير السيد عبد القيوم الرئيس الحالي لجمهورية جزر ملديف الواقعة جنوب غربي
جزيرة سيلان (سيري لانكا) بالمحيط الهندي.
٧ ـ الزعيم
الجزائري هواري بومدين الذي درس في الأزهر وقاد الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي حتى
تحررت بلاده وتولى رئاسة الجمهورية.
الأزهر الجامعة الإسلامية الكبرى
ـ ١ ـ
نستطيع أن نقول
: إن أقدم الجامعات الإسلامية هي الحلقات العلمية التي كانت تنعقد في مسجد رسول
الله صلى الله عليه وسلم في عهد صاحب الرسالة العظمى بعد هجرته إلى المدينة
المنورة صلى الله عليه وسلم ، وفي مختلف العصور الإسلامية حتى العصر الحديث.
وقد قامت
الحلقات العلمية في المسجد الحرام بعد فتح مكة في العام الثامن للهجرة النبوية ،
وتصدرها كبار الصحابة ثم التابعون من بعدهم ، ثم تابعوا التابعين ، واستمرت هذه الحلقات
تؤدي رسالتها في خدمة الثقافة الإسلامية ، والفكر الإسلامي ، وشباب المسلمين ، في
مختلف العصور حتى العصر الحديث ، وكانت هذه الحلقات العلمية تشكل ثاني جامعة
إسلامية كبرى.
ثم بعد أن بنيت
الفسطاط وبنى فيها جامع الفتح ، الذي سمى تاج الجوامع ، أو جامع عمرو بن العاص ،
لم يلبث أن قامت فيه حلقات علمية كبيرة ، كان منها مثلا حلقة عبد الله بن عمرو بن
العاص ، ثم حلقة الليث بن سعد ، وحلقة الإمام الشافعي ، وغيرهم ، فكانت هذه
الحلقات العلمية تشكل ثالث جامعة إسلامية كبيرة في بلاد الإسلام.
وقبل انشاء
الأزهر كان جامع عمرو هو المكان المختار لالقاء الدروس العلمية ، فقد كان مركزا
اتخذه الصحابة والتابعون لنشر الدين والعلم ولاقامة الحلقات العلمية فيه ، وأخذت
الحركة العلمية في هذا المسجد تنمو وتتسع حتى أمه الكثير من العلماء والاعلام
الذين تركوا ثروة جليلة من الكتب والتأليف ، كما كان لتلك الحلقات فضل اخراج عدد
كبير من الفقهاء والمحدثين حتى أوائل القرن الرابع الهجري ، وأشهر هؤلاء عبد الله
بن عمرو بن العاص وعبد الله بن وهب وسعيد بن الصلت ويحيى بن أزهر سعيد بن عبد
الرحمن.
وكانت الدراسة
في أول أمرها دراسة دينية فقهية قامت في الزوايا التي أنشئت على مر السنين بالجامع
العتيق. وأشهر تلك الزوايا ، زاوية الامام الشافعي التي كان الناس يهرعون إليها
لسماع شروح الامام ومحاضراته والتي تخرج فيها عدد من أعظم الفقهاء والعلماء في ذلك
العهد. ثم بنى محمد الدين أبو المحاسن الأزدي البهنسي الشافعي وزير الملك الأشرف
موسى بن العادل أيوب ، زاوية سميت الزاوية المحمدية ، ورتب في تدريسها قاضي القضاة
وجيه الدين عبد الوهاب البهنسي وأوقف عليها عدة أوقاف بمصر والقاهرة ، ثم الزاوية
الصاحبية التي أنشأها صاحب التاج محمد بن فخر الدين ، وجعل لها مدرسين احدهما
مالكي والآخر شافعي وجعل عليها وقفا بظاهر ، ثم حذا حذوه كثير من الأمراء وذوي
اليسار المهتمين بالعلم ، فما وافى عام ٧٤٩ ه حتى زادت حلقات جامع عمرو على
الأربعين حلقة.
وكانت هذه
الحلقات العامة والخاصة منها تؤدي رسالتها ، فالعامة منها ما كان يقام يوميا بجامع
عمرو ، والخاصة في يوم الجمعة الذي كانت حلقته تفوق حلقات بقية الأيام أهمية ، اذ
كان يوم الجمعة هذا يعد موسما علميا هاما ، يهرع الناس فيه لسماع أكبر عدد من
الفقهاء والشعراء والأدباء وهم يتناقشون ويتباحثون في الفقه واللغة ويتطارحون
الشعر ويروون الأخبار.
أما الحلقات
الخاصة فهي التي كانت تعقد في منازل أكابر العلماء والفقهاء حيث كانوا يجتمعون
بتلاميذهم وأصدقائهم يقرأون عليهم بعض شروح الفقه الاسلامي وبعض كتب العبادات
ويروون بعض الأشعار. وقد تألفت بعض تلك الحلقات ، اشتهر منها حلقة بيت عبد الله بن
الحكم الفقيه المالكي وولديه عبد الرحمن ومحمد وكانوا من أنبغ الفقهاء المحدثين
حتى أوائل القرن الثالث. وكانت حلقاتهم موضع التقاء أكابر العلماء والأدباء
المعاصرين الذين كانوا يفدون على مصر من مختلف الأقطار ، فما أن وفد الامام
الشافعي إلى مصر ، حتى وجد من تلك الأسرة كل عناية ورعاية وإكرام. فلما أقام حلقته
في جامع عمرو ، كانوا هم أول من شجعه وحضر درسه.
وظل التدريس في
جامع عمرو على هذا المنوال عامر الحلقات ، وموضعا لنشر العلم والتعليم مدة طويلة ،
واقتفى أثره كثير من الجوامع الشهيرة كجامع أحمد بن طولون ، فلم يأت القرن الرابع
حتى كان العلم في جامع عمرو قد وصل إلى مرحلة مثلى بفضل من كان يؤمه من أقطاب
الفقه واللغة ، وأشهرهم أبو القاسم بن قديد وتلميذه الكندي الذي ترك كتابا عظيما
في تاريخ ولاة مصر ومن تولى قضاءها ـ وأبو القاسم بن طباطبا الحسنى الشاعر.
فلما أن كان
عصر الأمير محمد بن طغج الأخشيدي ، أصبحت مجالس الدراسة والحلقات الأدبية الخاصة
من تقاليد الحياة الرفيعة ، وقد لقيت العلوم والآداب ، بفضل هذا الأمير وولده
أنوجور ووزيره كافور ، وكثير من أمراء الدولة كل حماية ورعاية. وكانت حلقة الشاعر
أبي الطيب المتنبي الذي وفد على مصر عام ٣٤٦ ه (٩٥٧ م) على أثر مفارقته لبلاط سيف
الدولة في حلب ، من أهم حلقات الشعر والأدب واللغة في ذلك العهد.
ثم قامت حلقات
للمسجد الأموي بدمشق ، وفي مساجد البصرة
والكوفة وبغداد وفي مسجد القيروان ، وفي مسجد القرويين ، وفي غيرها من المساجد الكبرى ، ولكن هذه الحلقات لم
يكتب لها الدوام والاستمرار ما عدا حلقات مسجد القرويين بفاس بالمغرب.
وكان انشاء
الأزهر عام ٣٦١ ه وقيام الحلقات العلمية فيه منذ انشائه حتى اليوم وطيلة ألف عام
معجزة الثقافة الاسلامية التليدة الخالدة ، لأن الأزهر اليوم هو أم الجامعات
الاسلامية ، وهو الذي يمدها بالتوجيه وبالأساتذة ، وبالخطط العلمية المدروسة.
وقامت بعد ذلك
الجامعة النظامية التي أسسها الوزير نظام الملك وزير السلطان السلجوقي الب أرسلان
وصديق الشاعر الصوفي الكبير عمر الخيام ، وذلك عام ٤٥٧ ه ، ثم الجامعة المستنصرية
في بغداد ، كما قامت جامعات إسلامية أخرى في نيسابور ودمشق وبيت المقدس
والاسكندرية والقاهرة وغيرها من عواصم العالم الاسلامي ، ولكنها اندثرت ولم يبق
منها شيء.
والأزهر على
أية حال هو الصورة المشرقة لكل الجامعات الاسلامية ، وهو الذي يلخص تاريخ الحضارة
الاسلامية كلها طيلة ألف عام ، فقد ازدهر بازدهارها وضعف بضعفها ، ولأنه لم يكن
جامعة اسلامية لمصر وحدها ، بل كان جامعة اسلامية للعالم الاسلامي كافة ، يؤمه
طلاب العلم من كل مكان في بلاد الاسلام ، وهو مفخرة المفاخر حظا ، لأنه روح
الحضارة الاسلامية ودرعها الواقي. وبحسبنا انه كان موئل العربية وملاذها الأمين.
ـ ٢ ـ
والفاطميون هم
الذين أنشأوا الأزهر في مصر ، اثر فتحهم لها مباشرة ،
__________________
حيث أمر قائد الفتح جوهر الصقلي عام ٣٥٩ ه بالبدء فورا في انشائه ، لا
ليكون مكانا للعبادة والصلاة فحسب ، ولكن ليكون منبرا دينيا للدولة الفاطمية لنشر
مذهبها وعقائدها مع ذلك أيضا.
وقد شرع في
بناء الأزهر في الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة ٣٥٩ ه ـ ٩٧٠ م وأقيمت الصلاة
فيه أول مرة في اليوم السابع أو التاسع من رمضان عام ٣٦١ ه ـ ٩٧٢ م ، واختير
لبنائه مكان في الجنوب الشرقي من القاهرة بالقرب من القصر الكبير بين حي الديلم
وحي الترك.
وسمي الأزهر
لأنه كان محاطا بقصور زاهرة ، ولأنه كان أكبر الجوامع على الاطلاق فخامة ورواء ،
وقد ذهب بعض المؤرخين الى القول بأنه سمي باسم فاطمة الزهراء التي ينتسب اليها
الفاطميون ، ويقال إنه كذلك تفاؤلا بما سيكون له من الشأن والمكانة بازدهار العلوم
فيه.
وما كاد جوهر
يضع أساس القاهرة اذن ، حتى كان بعد تسعة شهور بناء المسجد يتلقى الناس فيه عقائد
المذهب الفاطمي.
والأزهر أول
مسجد أنشىء بالقاهرة المعزية ، وعند ما أنشأه جوهر الصقلي ترك امامه رحبة واسعة
فكان الخلفاء حين يصلون بالناس بالجامع الأزهر ، تدخل العساكر كلها وتقف في هذه
الرحبة حتى يدخل الخليفة الى الجامع. وبقيت هذه الرحبة الى وقت الدولة الأيوبية ،
ثم شرع الناس بالعمارة فيها حتى لم يبق لها أثر. وكان الأزهر كسائر الجوامع
الاسلامية في العصر الذي بنى فيه يشتمل على محل مسقوف للصلاة يسمى مقصورة وآخر غير
مسقوف يسمى صحنا.
ويقول المقريزي
إن أول ما درس في الأزهر من العلوم ، هو الفقه الفاطمي على مذهب الشيعة ، ففي صفر
عام ٣٦٥ ه جلس قاضي مصر أبو الحسن علي بن النعمان بن محمد بن حتون بالجامع الأزهر
وأملي مختصر أبيه في الفقه عن أهل البيت (فقه الشيعة) ، ويعرف هذا المختصر
(بالاقتصار) وقد حضر هذا الدرس عدد عظيم من الناس. وأثبت أسماء الحاضرين ..
وذكر لنا
المقريزي وصفا حيا لصلاة الجمعة ، كما كان يقيمها الخلفاء الفاطميون في الجامع
الأزهر في شهر رمضان : فكان صاحب بيت المال يذهب مبكرا إلى الأزهر ليشرف بنفسه على
تنظيفه وتنظيمه واعداده لصلاة الجمعة للخليفة ، فيفرش الحرم بالسجادات اللطيفة
والحصر ، ثم تغلق أبواب المسجد ويجعل عليها الحجاب والبوابون. وكانت توضع في
المقصورة ثلاث طنافس دمقسية او سامانية بيضاء بعضها فوق بعض ، وتوضع فوق الجميع
الحصيرة التي يقال انها كانت لجعفر الصادق وأحضرت الى مصر سنة ٤٠٠ ه (١٠٠٩ م) في
عهد الحاكم بأمر الله ، وكان ينصب على جانبي المنبر ستران احمران رقيقان كتب على
الأيمن البسملة والفاتحة وسورة الجمعة وعلى الآخر البسملة والفاتحة وسورة
المنافقين ، ويقوم قاضي القضاة قبل قدوم الخليفة بتبخير القبة التي يقف تحتها
الخليفة وقت إلقاء الخطبة ، وكان يضعها أحد كتاب البلاد. وكان الخليفة في هذا
اليوم يرتدي ثوبا من الحرير الأبيض ، ويتعمم بعمامة من الحرير الأبيض الدقيق كذلك
، ويحمل في يده قضيب الملك ويحف به عدد كبير من الأشراف والعلماء والعسس وحرسه
الخاص.
وكان الخليفة
يركب بين قرع الطبول ورنين الصنوج وقراءة القرآن بنغمات شجية ، بعد ان يسلم لكل
واحد من مقدمي الركاب أكياس الذهب والفضة ، ويستمر الحال كذلك إلى أن يصل الخليفة
الى قاعة الخطابة ويظل في القاعة حتى ينتهي الأذان. حينئذ يخرج ويأخذ مكانه تحت
قبة المنبر ، فيقف الوزير على باب المنبر ووجهه للخليفة ، فاذا أومأ إليه صعد فقبل
يدي مولاه ورجليه وزر سترى الحرير عليه ، وبذلك يكون المنبر والقبة كالهودج ، ثم
ينزل الوزير وينتظر على باب المنبر ، فاذا لم يكن الوزير صاحب السيف ، فان قاضي
القضاة هو الذي يزر السترين. وكانت الخطبة التي يلقيها الخليفة قصيرة تشتمل على آية
من القرآن. ثم يذكر الخليفة
نفسه بعد الآية ، ثم قومه بعبارة موجزة فيقول : (رب اوزعني أن أشكر نعمتك
التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه ، وأدخلني برحمتك في عبادك
الصالحين) ويدعو بعد ذلك لوالده وجده ولمحمد صلى الله عليه وسلم ، ولعلي رضي الله
عنه. ثم يختم الخليفة الخطبة بالدعاء للوزير وبنصر الجيش وخذلان الكفار والمشركين
فاذا فرغ من خطبته قال) «اذكروا الله يذكركم» ثم يصعد الوزير فيحل السترين ، ثم
يأخذ الخليفة في الصلاة ، فيبلغ الوزير عنه ، ثم قاضي القضاة ، ثم المؤذنون ، فاذا
ما انتهت الصلاة ، يخلو الجامع من الناس ، ويخرج الخليفة يحيط به الوزير عن يمينه
وقاضي القضاة عن يساره ويعود بموكبه الى قصره.
وقد كانت
الخطابة في عصور الأزهر الأولى من مهام الخليفة فنجد المعز لدين الله يلقي الخطبة
بنفسه مكتسبا صفة الامامة ، متخليا بعض الشيء عن صفة الخلافة ، بل نجده في كثير من
الأحيان وأثناء قيامه بواجباته الدينية حريصا على امامته ، ضنينا من أن يؤديها
غيره ، بل نراه يحاول ان يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الذين
كانوا يقومون بأنفسهم بالقاء خطبة الجمعة في الجامع. ومما ساعده على ذلك ما كان
عليه المعز من صفات الخطباء ، فقد كان مفوها فصيحا ذا تأثير سريع قوي في سامعيه ،
وكثيرا ما ذهب بالناس الى حد البكاء بقوة وعظة وعظم بلاغته.
وحذا حذو المعز
كثير من الخلفاء الفاطميين ، فكانوا يلقون الخطبة بأنفسهم ، وعلى الرغم من حب
الحاكم بأمر الله للمواكب العظيمة ، كان ينيب عنه وزيره في صلاة الجمعة ، لأنه كان
يرتج عليه في الخطبة ، وكذلك كان في العصور المتأخرة ، ايام الخلفاء الضعاف ،
فأصبح للجامع الأزهر خطيب خاص به يلقي الخطبة بين يدي الخليفة في أيام الجمع
والموالد التي كانت تحتفل بها مصر في كل عام ، وهي المولد النبوي ومولد علي بن أبي
طالب ومولد زوجه فاطمة الزهراء ومولد ولديها الحسن والحسين ، ثم مولد الخليفة
القائم. ولم يقتصر خطيب الأزهر على ذلك ، بل كان يخطب في ليالي الوفود الأربعة
متقدما على خطباء المساجد الأخرى.
وكانت وظيفة
خطيب الجامع الأزهر تعد من الوظائف الدقيقة التي يحاول أن يرتفع اليها كثير ممن
يتولون مناصب الدولة الكبيرة ، وذكر ابن ميسر ان وظيفة الخطابة بالجامع الأزهر قد
أسندت عام ٥١٧ ه إلى داعي الدعاة أبي الفخر صالح.
وكان نظام
الحلقات الذي كان متبعا في تلك الحقبة من الزمن هو النظام الوحيد للدراسة الممتازة
، وكان أساس الحياة العلمية والفكرية في مصر. فلما أن تحول الجامع الأزهر الى
جامعة منذ انشائه ، اتخذت الدراسة فيه طابع الحلقات الموجودة في ذلك الوقت ، اذ لم
يكن قد استعيض عنه بنظام آخر. وبانتقال هذا النظام الى الأزهر انتقلت معه دراسة
العلوم بمختلف أنواعها ، فازدهرت فيه وترعرعت
ـ ٣ ـ
واستمر الأزهر
كذلك الى نهاية القرن السادس حينما ابتدأ ملوك مصر وسلاطينها في انشاء المدارس.
فأنشأ صلاح الدين الأيوبي عام ٥٦٦ ه المدرسة الناصرية بجوار جامع عمرو لتدريس
الفقه الشافعي ، كما أنشأ بجانبها المدرسة القمحية لتدريس الفقه المالكي ، وكان من
أشهر من درسوا فيها العالم المؤرخ ابن خلدون ، وحذا حذو صلاح الدين كثير من أمراء
البلاد وأعيانها ، فأنشأوا كثيرا من مدارس للتخصص ، بعضها شافعي والبعض الآخر حنفي
أو حنبلي ، أو لتدريس الفقه والحديث.
وتعد المدرسة
الصالحية التي أنشأها الملك الصالح نجم الدين أيوب عام ٦٤١ ه ، أول مدرسة درس
فيها الفقه على المذاهب الأربعة.
ولقد عانى
الأزهر منافسة شديدة من جراء وجود أمثال تلك المدارس التي كانت مكتظة بالطلاب ،
مستأثرة بأعظم وأحسن الأساتذة والعلماء ، متمتعة بعناية الأمراء وذوي اليسار
وثقتهم. فوهبوها المال والهدايا ، وأجروا
عليها الأوقاف والرباع. فكان التدريس بتلك المدارس من الأماني التي يصبو
إليها كل أستاذ وعالم. فكانت موضع منافستهم الدائمة.
وما وافت نهاية
القرن الثامن الهجري حتى كان الانتاج العلمي في أزهى عصوره ، وكثر عدد المدارس
ومعاهد العلم التي كانت تقوم برسالتها بأمانة واخلاص بجانب الأزهر الذي لم يكن
يستطيع مطاولتها في المرتبة ، فقد كان نصيبه من الأساتذة والعلماء لا يزال ضئيلا
وكانت المدارس قد استأثرت بهم. وخلا الأزهر في تلك الحقبة من أعاظم العلماء
المعاصرين أمثال سراج الدين البلقيني والمقريزي وجلال الدين السيوطي الذين كانوا
يقومون بالتدريس في تلك المدارس. على ان الأزهر في ذلك الزمن لم يفقد ماله من عظيم
الهيبة والمكانة ، بل كان لا يزال يحتفظ بمكانته العظيمة في النفوس ، لما كان
يلقاه فيه الطلاب من الراحة واتساع الحلقات.
ثم أخذت الحركة
الفكرية تضمحل شيئا فشيئا ، فما وافى القرن العاشر حتى كانت المدارس قد أغلقت
بذهاب دولة السلاطين حيث لم تجد من يرعاها بماله وهباته ، فقلت مواردها فهجرها
مدرسوها وطلابها.
ومما زاد الحال
سوءا ضياع استقلال مصر ووقوعها تحت الحكم العثماني فقد قضى سليم شاه على ما بقي من
مصر من حضارة وعلم وفن. وانتزع منها تحفها وآثارها وكتبها النفيسة ، وسلبها عمالها
وعلماءها فتلاشت طبقتهم وانحط العلم والتعليم.
ولم يكن نصيب
الأزهر من ذلك بأقل من غيره ، فدبت فيه عوارض الضعف وأهملت فيه دراسة كثير من
العلوم. وان كانت اللغة العربية قد وجدت فيه ملجأ ترتاح إليه وتستكن فيه ، الى ان
قيض الله لها الظهور والانتعاش بعد انقشاع الحكم العثماني عن مصر الذي رزحت تحت
عبئه أمدا طويلا.
كان لكل مذهب
من المذاهب الأربعة عمود معين من عمد الجامع لا يتعدى عليه أحد ولا نشب عراك شديد.
وكان شيخ المذهب هو المنوط
بالدفاع عن العمود ، فاذا تفاقم الخلاف رفع الأمر الى شيخ الجامع الذي كان
الفيصل في كل خلاف ، وكان من عادة شيخ المذهب أثناء القاء الدرس أن يجلس على الأرض
بجانب العمود مستقبلا القبلة ، ثم استعاض المشايخ عن ذلك بالجلوس على كراسي من خشب
أو جريد بعد أن كانت تلك الكراسي من أخص امتيازات كبار العلماء فيه.
وكان الطلبة
يجلسون حول أستاذهم على هيئة حلقة. ولكل طالب في الحلقة مكان لا يتعداه ، وكانت
طريقة التعليم اذ ذاك هي الطريقة الاملائية ، يبتدىء الشيخ الدرس بالبسملة والحمد
لله والصلاة على النبي ، ثم يأخذ في املاء الدرس على تلاميذه. وأثناء ذلك يقوم
الطلبة بسؤال أستاذهم فيما غمض عليهم. فقد كان عماد الدراسة اذ ذاك المناقشة
والحوار بين الطلبة وأستاذهم بما يثقف العقل وينمي ملكة الفهم ، فاذا انتهى الدرس
قبل الطلبة يد شيخهم.
ولم يكن
بالأزهر نظام امتحانات في عهده البدائي ، بل كانت الاجازة التي يعطيها الشيخ
لتلميذه ، ولها قيمة عظيمة في تلك الأزمان القديمة ، تدل على أن الطالب قد فهم نصا
معينا ، وتجعله أهلا للتدريس ، وكان الطالب يتلقى العلم زمنا طويلا ، فاذا أنس في
نفسه القدرة على التصدر للعلم ، أعلن ذلك بين زملائه وشيوخه. فتعقد في إيوان
الأزهر حلقة من العلماء النابهين ، يجلس الطالب في صدرها ويناقش نقاشا حادا في
المادة التي يدرسها وفي جميع المواد التي تجرها المناسبات ، فاذا أثبت الطالب
كفاءة ممتازة أعطى حق التدريس.
وكانت المواد
الأساسية التي تدرس إحدى عشرة مادة كلها من العلوم الدينية والعربية ، يزيد عليها
علم المنطق لمن يمتحن من طلاب العالمية ، ونورد هنا مثلا لتلك الإجازات التي كانت
تمنح لطلاب الأزهر. فقد جاء في سند إجازة الشيخ عبد المنعم الدمنهوري المتوفى عام
١١٩٢ ه ما ملخصه إنه تلقى في الأزهر العلوم الآتية : وله تأليف في كثير منها ،
وهي الحساب
والميقات والجبر والمقابلة والمنحرفات وأسباب الأمراض وعلامتها ، وعلم
الاسطرلاب والزيج والهندسة والهيئة وعلم الايماطيفي وعلم المزاول وعلم الأعمال
الرصيدية وعلم المواليد الثلاثة وهي الحيوان والنبات والمعادن ، وعلم «استنباط
المياه وعلاج البواسير وعلم التشريح وعلاج لسع العقرب ، وتاريخ العرب والعجم.
ومن مأثور ذلك
الزمن عن علماء الأزهر ، ان العلم مقصود لذاته وان طالبه يجب أن يتجرد عن ملاهي
الدنيا ، ولا يتطلع لحطامها ، وهو قول كان له قديما أحسن الأثر في نفوس الأزهريين
، الذين أحبوا العلم حبا جما ، وقنعوا بما ساق الله إليهم من الرزق ، وعاشوا عيشة
راضية يحدوها التقشف والزهد ، وكلهم موضع احترام الكبير والصغير.
وهذا التصور
يتمثل في تقديم العلوم ، ففي رأسها توجد العلوم النقلية مثل علم التوحيد والفقه
والحديث والتصوف ، ثم تأتي بعدها العلوم العقلية مثل علوم اللغة والعروض والبلاغة
والمنطق وعلم الهيئة ، ولم يدرس علم الهيئة إلا لأغراض عملية ، مثل علم التقاويم
وتحديد مواقيت الصلاة ، ومن العلوم العقلية أيضا الأدب والتاريخ والجغرافيا
والعلوم الطبيعية والرياضة ، ولكن أهملت دراستها منذ القرون الوسطى ، وإذا درست
فإنما تدرس في الأزهر حوالي عام ١٨٢٧ م قبل سفره إلى «سانت بطرسبرج» إنه لا يعرف
أحدا قبله ، قرأ في الأزهر ما قرأه هو من مقامات الحريري والمعلقات مع شرح الزوزني
، ولم تتأثر الجامعة الأزهرية بالعلوم المدنية التي جاءت إلى مصر من أوروبا في
القرن التاسع عشر وأثرت فيها تأثيرا قويا.
وأخذ القول
بحرمة بعض العلوم العقلية يتسرب شيئا فشيئا إلى الأزهر كما تسرب إلى غيره من
الجوامع الاسلامية الأخرى حتى انتهى الأمر باهمال تدريسها اهمالا تاما ، ويخبرنا
الجبرتي بذلك فيقول : انه تولى حكم مصر عام ١١٦١ ه أحمد باشا كور ، وكان ولعا
بالعلوم الرياضية «فلما استقر
بقلعة مصر ، قابل صدور العلماء ، ومنهم الشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الأزهر
فتكلم معهم في الرياضيات ، فقالوا له لا نعرف هذه العلوم ، فتعجب وسكت» وكان
الشبراوي يتردد على الباشا يوم الجمعة ، اذ كان خطيب جامع السراي فقال له الباشا «المسموع
عندنا بالديار التركية ان مصر منبع الفضائل والعلوم ، وكنا في غاية الشوق الى
المجيء اليها ، فلما جئتها وجدتها كما قيل «تسمع بالمعيدي خير من ان تراه» ، فقال
له الشيخ : يا مولاي ، هي كما سمعتم معدن العلوم والمعارف» ، فقال : «واين هي
وانتم اعظم علمائها وقد سألتكم عن بعض العلوم فلم تجيبوني ، وغاية تحصيلكم الفقه
والوسائل ، ونبذتم المقاصد» ، فقال الشيخ : «نحن لسنا أعظم علمائها ، وانما نحن
المتصدرون لقضاء حوائجهم ، وأغلب أهل الأزهر لا يشتغلون بالرياضيات ، الا بقدر
الحاجة لعلم المواريث».
واستمر الحال
كذلك من اهمال تدريس العلوم الرياضية والطبيعية والفلسفية ، فقد نهى أهل الأزهر عن
قراءتها ونسبوا الكفر لمن يطالعها ، وفعلوا ذلك مع جمال الدين الأفغاني عند حضوره
الى مصر عام ١٢٨٨ ه ، وكان قد رأى ما آلت اليه حالة تلك العلوم ، فأوقف جهوده على
نشرها ، مستعينا في ذلك بتلميذيه الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الله وافي الفيومي.
وقد تنبه لتلك
الحالة في الأزهر كثير من الأساتذة والعلماء وكثير من أمراء مصر ووزرائها ، فسعوا
الى إعادة تدريس تلك العلوم ولكنهم خشوا الطفرة ونتائجها ، فتحايلوا باستطلاع رأي
بعض كبار العلماء تمهيدا لذلك. فأوعزوا الى الشيخ محمد بيرم قاضي محكمة مصر حينذاك
بمقابلة المرحومين الشيخ محمد الأنبابي شيخ الإسلام والشيخ محمد البنا مفتي الديار
المصرية. واتفقوا على أن يفتى لهما الشيخ محمد الأنبابي في الأمثلة الآتية : «ما
قولكم رضي الله عنكم ، هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية مثل الهندسة والحساب
والهيئة والطبيعات وتركيب الأجزاء المعبر عنها بالكيمياء وغيرها من سائر المعارف ،
ولا سيما ما ينبني عليه زيادة القوة
في الأمة ، بما تجاري به الأمم ، المعاصرين لها في كل ما يشمله الأمر
بالاستعداد ، بل هي تجب بعض تلك العلوم على طائفة من الأمة بمعنى ان يكون واجبا
وجوبا كفائيا على نحو التفصيل الذي ذكره فيها الإمام حجة الاسلام الغزالي في احياء
العلوم ونقله علماء الحنفية وأقروه. وإذا كان الحكم فيها كذلك ، فهل يجوز قراءتها
مثلما تجوز قراءة العلوم الآلية من نحو وغيره الرائجة الآن بالجامع الأزهر وجامع
الزيتونة والقرويين وغيرها؟ افيدوا : الجواب ، لا زلتم مقصد لأولي الألباب».
فأجابه الشيخ
الأنبابي عام ١٣٠٥ ه بالفتوى الآتية :
يجوز تعلم
العلوم الرياضية مثل الحساب والهندسة والجغرافيا لأنه لا تعرض فيها لشيء من الأمور
الدينية ، بل يجب منها ما تتوقف عليه مصلحة دينية أو دنيوية وجوبا كفائيا ، كما
يجب علم الطب كذلك ، كما أفاد الغزالي في موضع من الأحياء. وان ما زاد على الواجب
من تلك العلوم مما يحصل به زيادة التمكن في القدر الواجب فتعلمه فضيلة ، ولا يدخل
في علم الهيئة الباحث عن أشكال الأفلاك والكواكب ومسيرها علم التنجيم المسمى بعلم
أحكام النجوم ، وهو الباحث عن الاستدلال بالتشكيلات الفلكية على الحوادث السفلية
فانه حرام ، كما قال الغزالي وعلل ذلك بما محصله انه يخشى من ممارسة نسبة التأثير
للكواكب والتعرض للاحياء بالمغيبات ، مع كون الناظر قد يخطىء لخفاء بعض الشروط أو
الأسباب عليها لدقتها.
وأما الطبيعيات
، وهي الباحثة عن صفات الأجسام وخواصها ، وكيفية استحالتها وتغييرها كما في
الأحياء في الباب الثاني من كتاب العلم. فان كان هذا البحث عن طريق أهل الشرع فلا
مانع منها كما أفاده العلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي في جزء الفتاوى الجامع
للمسائل المنتشرة ، بل لها حينئذ أهمية ثمرتها كالوقوف على خواص المعدن والنبات
المحصل للتمكن في علم الطب ، وكمعرفة علم الآلات النافعة في مصالح
العباد. وان كان على طريقة الفلاسفة فالاشتغال بها حرام ، لأنه يؤدي الى
الوقوع في العقائد المخالفة للشرع ، كما أفاده العلامة المذكور. نعم يظهر تجويزه
لكامل القريحة الممارس للكتاب والسنة للأمن عليه مما ذكر قياسا على المنطق المختلط
بالفلسفة على ما هو المعتمد فيه من أقوال ثلاثة. ثانيها الجواز مطلقا .. وثالثها
المنع مطلقا ..
وأما علم تركيب
الأجزاء المعبر عنها بالكيمياء فان كان المراد به مجرد البحث عن التركيب والتحليل
بدون تعرض لما يخشى منه على العقيدة الاسلامية ، فلا بأس به ، بل له أهميته حسب
ثمرته وإلا جرت فيه الأقوال الثلاثة المقدمة.
وأما العلم
المعروف بعلم جابر وسمي أيضا علم الصنعة وعلم الكاف وهو أيضا الذي ينصرف اليه علم
الكيمياء عند غالب الناس ، فقد أفاد العلامة ابن حجر في شرحه على المنهاج انه ان
قلنا بالمعتمد من جواز انقلاب الجسم عن حقيقته ، وكان العلم الموصل لذلك يقينا ،
جاز تعلمه والعمل به ، والا حرم ، ولفقد هذا الشرط لم يتحصل المشتغلون به فيما
رأينا إلا على ضياع الأموال وتشتت البال وتغيير الأحوال.
نعلم أن العلوم
الرياضية لا بأس من قراءتها كما تقرأ علوم الآلات ، وكذلك الطبيعيات وعلم تركيب
الأجزاء حيث كانت تقرأ على طريقة لا يفهم منها جهابذة الشرع بحال كيفية العلوم
العقلية مثل المنطق والكلام والجدل. بل يجب كفاية من هذه الثلاثة ما يحتاج إليه في
الحجاج عن العقائد الدينية.
وكتب العلامة
الشيخ محمد البنا مفتي الديار المصرية عام ١٢٠٥ الفتوى الرسمية الآتية رقم ١٧١ ما
أفاده حضرة الأستاذ شيخ الإسلام موافق لمذهبنا وما استظهره من أن الخلاف الجاري في
علم المنطق يجري في علم الطبيعة أيضا.
وهذه الردود
نفسها تشف عن عدم رضاء رؤساء الأزهر في ذلك العهد
عن هذه العلوم وعن عداوتهم لها ، والريبة فيها ، ولكن الجهر هكذا بوجوب
ادخالها الى الأزهر ، برهان ساطع على أن روحا جديدة قد ابتدأت تجتاح الأزهر في ذلك
الوقت وان كان دخول تلك العلوم لم يتم إلا في عصر عباس الثاني بن إسماعيل.
أما في تلك
الحقبة من الزمن فقد كانت أهمية كل علم من العلوم تقف لا باعتبار قيمته الموروثة ،
بل باعتبار شيوعه واقبال الطلاب عليه ، فإننا نرى ان اعلاها مرتبة وهو علم الفقه
لأهميته في الحياة العلمية ولكثرة الوظائف التي يؤهل لها.
كما عظم اقبال
الطلبة على علوم اللغة والبلاغة ودروس المبادىء التي كانت تخصص الناشئة من الأغراب
والأجانب ، وكان أهم العلوم دراسة هو علم الكلام أو التوحيد ويليه تفسير القرآن
والحديث الشريف.
وكان لمذاهب
اهل السنة دائما أثر كبير في الأزهر وبخاصة في ادارته ، فقد أخرج الشيعة منذ ايام
الفاطميين ، أما الحنابلة فلم يعين واحد منهم شيخا لقلة عددهم وضعف نفوذهم ، وكان
للمالكية الذين يعيشون غالبا في صعيد مصر وفي بلاد الدلتا مقام كبير محترم وان قل
منهم من تولى مشيخة الأزهر ، ولم يعلموا قط الاحتفاظ بالنفوذ الذي يخوله لهم كثرة
عددهم فظلت المنافسة محصورة دائما بين الشافعية أتباع المذهب السائد وأتباع المذهب
الحنفي الذي كان مذهب الباب العالي واتباعه التتر والقوقاز والترك والذين كانوا
ذوي نفوذ كبير عدة قرون. وهذا الخلاف استغله الحكام لبسط نفوذهم على البلاد ،
ولتحويل الأزهريين الذين كانوا يتقربون اليهم إلى المذهب الحنفي.
وقد قامت بين
رجال الدين والمتصوفة كثير من المشاحنات هددت مراكز رجال الدين في كثير من
الأحيان. وان كان المتصوفة قد تعرضوا لمهاجمات شديدة من رجال الدين عندما كان
المتصوفة يحاولون تجريح آراء رجال الدين أو تعطيل أصول بعض العقائد ، وكانت الغلبة
في النهاية لرجال
الدين ، وان تركوا الصوفية احرارا في الاشتغال بالتصوف ومناسكه عائشين عيشة
وادعة يلطفها الزهد.
ولم يكن
بالأزهر حتى آخر العقد الأول من القرن العشرين قانون بضبط أوقات الدروس وعدد الحصص
اليومية ولكن جرت العادة من زمن قديم أو تكون كما يلي :
بعد الفجر :
التفسير والحديث
بعد الشروق :
الفقه
بعد الظهر :
النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والأصول.
بعد العصر :
الحساب والتاريخ والجغرافيا وسائر العلوم الحديثة.
بعد الغروب :
المنطق وآداب البحث والهيئة.
ومدة الدرس
عادة ساعة أو ساعتان وأغلب الطلبة يتلقى كل منهم درسين صباحا ودرسين مساء ، وبعضهم
يتلقى اكثر من ذلك ، وبعضهم اقل حسب نشاط كل منهم وعدد العلوم التي يرغب في
تلقيها.
ـ ٤ ـ
انتهت الدولة
الفاطمية التي كانت تولي الأزهر كل عنايتها ، وجاء عهد الدولة الأيوبية ، وفي عهد
صلاح الدين الأيوبي اهمل الأزهر وقطع الكثير مما أوقفه عليه الحاكم بأمر الله ،
ويذكر لنا المقريزي ان صلاح الدين سيف بن أيوب قلد وظيفة القضاء للقاضي صدر الدين
بن عبد الملك بن درباس الشافعي فعمل بمقتضى مذهبه وهو امتناع اقامة الخطبتين في
بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعي ، فأبطل الخطبة والتدريس في الجامع الأزهر ،
وأقر الخطبة بالجامع الحاكمي ، بحجة انه أوسع. فأهمل الأزهر منذ ذلك التاريخ
وامتدت يد المغتصبين الى معظم أوقافه ، وأخذت جدرانه وأركانه في التداعي.
ثم أعيد الى
الجامع الدرس ، واول ما درس به من مذاهب أهل السنة مذهب الامام الشافعي رضي الله
عنه ، ثم ادخلت اليه المذاهب الأخرى تباعا ، وانقضى نحو قرن من الزمان قبل ان
يستعيد الجامع الأزهر عطف الولاة ووجوه البلاد عليه ، فلما تولى الملك الظاهر
بيبرس سلطنة مصر تحدث في مسألة اعادة الخطبة الى الجامع الأزهر. ولكن قاضي القضاة
ابن ثبت العز الشافعي امتنع عن اعادتها فعزله السلطان وولى مكانه قاضيا حنفيا
فأعيدت الخطبة عام ٦٦٥ ه (١٢٦٦ ـ ١٢٦٧ م) وزاد بيبرس في بناء الجامع ، وشجع العلم
والتعليم فيه ، كما حذا حذوه كثير من أمرائه ، أشهرهم الأمير عز الدين أيدمر الحلي
، الذي أقام احتفالا رسميا عظيما في الجامع الأزهر ، ابتهاجا بعودة الخطبة اليه ،
كما أقام احتفالا فاخرا في داره حضره رجال الدولة والأمراء والكبراء .. وكان هذا
الأمير يجاور الأزهر بسكناه ، فلمس ما وصل اليه حاله من التأخر والاضمحلال ، فعزم
على اصلاحه ، فانتزع له ما اغتصب مما أوقف عليه ، وتبرع له بمبلغ كبير من ماله
الخاص ، وجمع له من الأمراء الكثير من المال ، بجانب ما أطلق من يد السلطان ، وشرع
في عمارته ، فأعاد بناء الواهي من أركانه وجدرانه وسقوفه وبلطه وفرشه بالحصر وكساه
فعاد إلى عظمته الأولى كما استجد به مقصورة حسنة الصنع. وقد عاد اثر ذلك ومنذ ذلك
العهد الى الجامع الأزهر ما كان له من صيت قديم وأصبح معهدا علميا يؤمه الناس من
كل فج ولقي الأزهر من عناية الشعب الشيء الكثير ، وزاد في مجده ان غزوات المغول في
الشرق قضت على معاهد العلم فيه ، وان الإسلام أصابه في المغرب من التفكك العلمي المادي
الذي نقلته وأهملت الجانب الروحي فعليها وزرها.
ويأتي الخطر
هنا من ان القارىء العادي هذه الأيام وقد شغلته مقتضيات الحياة المعقدة المعاشة لا
يجد وقتا للتقصي والتتبع والقراءة الدقيقة المتخصصة ، ومن هنا تسود البلبلة وتضطرب
أفكار الناس وأحوالهم ، ومن هنا تخطىء اجتهادات الفقهاء الهدف ، ويبرز الخطر الذي
يسببه ما يلي :
* انفراد فقهاء
الشريعة وحدهم بالرأي دون الاستعانة بالمتخصصين في مختلف العلوم.
والانحلال ما
أدى الى دمار مدارسه الزاهرة ، وان المدارس التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي لتنافس
الأزهر بدأت في الاضمحلال.
وفي عام ٨٠٢ ه
(١٣٠٢ ـ ١٣٠٣ م) ضرب مصر زلزال عنيف فسقطت معظم جوامع مصر ومن ضمنها الجامع الأزهر
والجامع الحاكمي وجامع عمرو. فتسارع امراء الدولة الى تجديدها ، فكان الأزهر من
نصيب الأمير سيف الدين سلار (من رجال دولة المماليك البحرية) وكان ثريا ، فجدد
مبانيه وأعاد ما تهدم منها.
وفي عام ٨٠٩ ه
(١٣٠٩ ـ ١٣١٠ م) انتهى الأمير علاء الدين طيبرس الخازنداري (نقيب الجيوش) من انشاء
المدرسة الطيبرسية (دار الكتب الأزهرية الآن) وجعلها مسجدا ، وقرر بها درسا لفقهاء
الشافعية ، وتأنق في رخامها وتذهيب سقوفها ، على أشكال المحاريب ، وفرشها ببسط
منقوشة بشكل المحاريب كذلك ، وجعل في المدرسة خزانة كتب كبيرة.
وفي العهد
العثماني نال الأزهر ما ناله من الاهمال. فقد قضى السلطان سليم على معالم الحضارة
الشرقية عامة والمصرية خاصة ، فانتزع من مصر جميع نفائسها وكتبها ، وأرسلها إلى
القسطنطينية. على ان الأزهر نال بعض الاهتمام من الفاتح سليم ، وأظهر له بعض
الرعاية ، وأكثر من زيارته والصلاة فيه ، وأمر بتلاوة القرآن به. وتصدق على فقراء
المجاورين ، كما زاره السلطان عبد العزيز خان فيما بعد. وفي عام ١٠٠٤ ه (١٥٩٥ م)
جدد الشريف محمد باشا والي مصر في عهد السلطان العثماني محمد الثالث الأزهر ، ورتب
لطلبته الفقراء طعاما يجهز كل يوم ، فكان ذلك حافزا للطلبة على ان يؤموه من جميع
البلاد. شرقا وغربا ، وفي عام ١١١٥ ه (١٦٩٢ م) أوقف عليه محمد باي بن مراد حاكم
ولاية تونس أوقافا جليلة ، كما جدد الأمير إسماعيل بك القاسمي ابن الأمير ايواظ بك
القاسمي
المتوفي عام ١٣٣٦ ه (١٧٢٣ م) سقف الجامع وكان قد آل الى السقوط.
ماشت مصر في
أعقاب غزو العثمانيين لها في ظلام دامس زهاء الثلاثة قرون. ففي مدة الثمانية اشهر
التي قضاها الفاتح سليم في مصر ، سلب البلاد جميع نفائسها وآثارها وكتبها
ومؤلفاتها الخطية لأعلام فقهائها مثل ابن اياس والمقريزي والسخاوي والسيوطي ، كما
أرسل الى بلاده أمهر العمال والفنانين والكتاب في مصر.
ولم يكن الأزهر
أقل من غيره تأثرا بتلك الحركة فقل فيه العلماء النابهون ، وانعدم الانتاج الفكري
والأدبي ، وأهملت فيه دراسة العلوم الرياضية اهمالا تاما.
ولكنا لا
نستطيع أن ننسى أن الأزهر قد بذل مجهودا جبارا في الاحتفاظ بمكانته التليدة وهيبته
العظيمة حتى في نفوس الغزاة أنفسهم ، فنرى الفاتح سليم يؤدي له الزيارة مرارا ، بل
كان حكام مصر الأتراك يلجأون وقت الشدة الى علماء الأزهر وشيوخه يلتمسون منهم
العون والمساعدة عند شبوب الثورات أو قيام الفتن.
وقد وجدت اللغة
العربية لنفسها مأوى في الأزهر طيلة الحكم العثماني لمصر. ثم ابتدأت بمجرد انتهاء
ذلك الحكم في الظهور والنمو. فقد استمر الأزهر ملاذا لطلاب العلوم الاسلامية
واللغة العربية يؤمه هؤلاء الطلاب من جميع البلاد الاسلامية. واستطاع الأزهر منذ
أوائل القرن التاسع عشر ان يحيا حياة جديدة. وكانت مهمة الأزهر في الاحتفاظ باللغة
من الصعوبة بمكان. بل يعتبرها المؤرخون أعظم ما وفق الأزهر لاسدائه من خدمات لعلوم
الدين واللغة والفقه خلال القرون الثلاثة الأخيرة ، بل لعلها أعظم ما قام به
الأزهر منذ انشائه الى الآن.
وقضت حملة
نابليون عام ١٧٩٨ م على الحكم التركي في مصر ، وعلى الرغم من أنها لم تستمر في مصر
أكثر من عامين إلا انها تركت أثرا عميقا في جميع النواحي العقلية والعلمية. فقد
ضمت الحملة العلماء
والأطباء والمهندسين. خلفوا لنا بعد ان بارحوا الأرض المصرية كثيرا من
الأبحاث والدراسات كانت دعامة لمن أتى بعدهم من الباحثين فأنشأوا معامل كيميائية
ورسموا خرطا جغرافية وعملوا أبحاثا طبية لمس فيها علماء مصر ومفكروها مظاهر حضارة
جديدة لم يعرفوها من قبل. كما احضرت الحملة المطبعة ، وأنشأت الصحف والمدارس
والمكتبات العامة ، وعنيت بالفنون الجميلة والبحث عن الآثار القديمة ، فتيقظ في
الناس الشعور بحاجتهم الى التهذيب الخلقي والرقي الفكري والعلمي. ثم الى الانفصال
الذي شغلوا به في هذا العهد الحديث.
ـ ٥ ـ
فلما جاء محمد
علي وجه عنايته الى التعليم العملي وحمل الناس عليه حملا ، ولم يكن في مصر كلها في
ابتداء عهده معهد محترم إلا الأزهر حيث كانت تدرس العلوم اللغوية والدينية بذلك
الأسلوب العتيق ، والا تلك (الكتاتيب) المنبثة في القرى حيث تحفظ القرآن وتدرس
الكتابة والقراءة بالرهبة لا بالرغبة. فأنشأ محمد علي المدارس المختلفة ، وأرسل
البعوث العلمية إلى أوروبا.
ومن المدارس
التي أنشأها : الطب والهندسة والالسن والفنون والصنائع وكثيرا من المدارس
الابتدائية والتجهيزية فأضر ذلك بالأزهر ضررا بليغا ، فنافست تلك المدارس الأزهر
منافسة قوية ، وحولت عنه كثيرا من طالبي العلم.
وكان الأزهريون
يعتبرون من عاد من أعضاء البعثات الاوروبية متفرنجا ، وظلوا يسخرون من المصريين
الذي تعلموا في أوروبا.
وظل الحال على
هذا المنوال في عهد إبراهيم باشا وعباس الأول وسعيد باشا ، إلا أن حركة الاصلاح
كانت قد فترت وظهرت فكرة الجمود والاستبداد في الحياة العلمية والأدبية والفكرية ،
فقد كان عباس باشا لا يهتم كثيرا بشئون التعليم وان كان الأزهر قد حظي ببعض
زياراته ، الى ان حدث الانقلاب الكبير في عهد إسماعيل.
وربما كان
اسماعيل مدفوعا الى هذا الانقلاب بتلك النزعة القوية التي كانت تختلج في نفسه
والتي كانت ترمي الى اقامة دولة عربية مصبوغة بالصبغة الاوروبية مكان تلك الدولة
التي تتألف من رعية عربية وراع عثماني.
وكان لا بد
لتحقيق أغراضه ، من اصلاح الأزهر اصلاحا يتفق والآراء الجديدة ، فقام إسماعيل ،
بتأييد الشيخ محمد العباسي المهدي الحنفي ، شيخ الجامع الأزهر وكان فقهيا ذكيا
مستنيرا واسع الخبرة ، بإصدار قانون للأزهر بتاريخ ٢٢ من ذي القعدة ١٣٨٧ ه ـ ٣
فبراير ١٨٧٢ م ، ونص هذا القانون على ما يلي :
١ ـ ان يكون
نيل العالمية بالامتحان على يد لجنة من العلماء يختارهم شيخ الجامع.
٢ ـ وإن ينقسم
العلماء الى ثلاث درجات اولى وثانية وثالثة.
٣ ـ وإن يصدر
بذلك بيور ولدى عال.
٤ ـ وإن يمتاز
أرباب الدرجة الأولى بكسوة تشريف ينعم بها من لدن الجناب العالي.
٥ ـ وإن العلوم
التي يمتحن فيها الطلاب هي :
الفقه ـ الاصول
ـ التوحيد ـ الحديث ـ التفسير ـ النحو ـ الصرف ـ المعاني ـ البيان ـ البديع ـ المنطق.
وأراد الشيخ
العباسي المهدي بهذا القانون ان يبعد عن الأزهر العناصر التي لا تتميز بالكفاءة
والجدارة. وكان لا بد من تحسين حال الأساتذة بتقرير رواتب ثابتة لهم.
وتأثرت تلك
الاصلاحات بالافكار الاوروبية ، وعلى وجه أدق بالآراء الفرنسية التي تبدو في برامج
الدراسة وفي تقرير أداء الامتحان عند التخرج ، وكان هذا امرا جديدا بل حدثا
بالنسبة للأزهر. وقد ألفت لجنة من ستة
أعضاء وعينت المواد التي يجب أداء الامتحان فيها وتقرر للطلاب مكافآت
دراسية ، وأخذ التنافس والتشاحن على الأمور التافهة يقل بعد ان كان شائعا بين جميع
الطوائف الأزهرية.
والحق أن عصر
إسماعيل كان عصرا رائعا في تاريخ الأزهر. فقد تفتحت فيه ثمار النهضة الحديثة
وابتدأ الأزهر يفيق من سباته الطويل ويتطلع بدوره الى فهم الروح الجديدة وان كان
ببطء. وكان للسيد جمال الدين الافغاني أثر كبير في انماء هذه النهضة ، فقد كان
لحلقاته الشهيرة التي كان يشرح فيها كثيرا من علوم الكلام والفقه والفلسفة والمنطق
بأسلوبه العصري المبتكر أثر عظيم في نفوس من استمع إليه في ذلك الحين من طلاب
الأزهر وشويخه.
وكانت الشهادة
التي تعطي للعالم في نهاية دراسته تكتب في المعية السنية متوجة بختم الخديوي كما
يخلع عليه الخديوي (فراجية) وشريطا مقصبا يجعله في عمامته في مواضع تشريف ، ويكتب
للجهات باحترامه وتوقيره ، ولم يكن يسمح بالامتحان إلا لستة طلبة ، فإذا ازداد
العدد يرجح منهم من امتاز بالشهرة او بالوجاهة او كبر السن.
ولما جاء الأفغاني
إلى مصر ، تتلمذ على يده وعلى حلقته العلمية الخاصة الطالب الأزهري محمد عبده ،
وصادفت تعاليم الأفغاني في نفس الأزهري الصغير أرضا خصبة. فأخذ عنه كل مبادئه
وأغراضه. ثم أصبح وهو ما زال طالبا يقرأ دروسا في الأزهر على أسلوب أستاذه ،
موضوعها التوحيد والمنطق والحكمة والفلسفة. وكان يؤم تلك الدروس الجم الغفير من
العلماء والمجاورين ، فيرون كتبا جديدة وروحا جديدة وأسلوبا جديدا ، فيه بلاغة
وحرية فكر ، وهنا ظهر الاصطدام بين مذهبين ، مذهب الأزهر القديم الذي كان ينادي به
الشيخ عليش ، ومذهب محمد عبده وأستاذه ، يجهر به هذا الطالب موفقا قادرا يبهر به
الناس. كما ظهرت للشيخ الامام المقالات الصحفية في التصوف والتوحيد الممزوجين
بالحكمة والفلسفة والمنطق ،
لفتت اليه الأنظار فعضده الكثير من الطبقة النابهة وشجعوه على كتابة
المقالات الدينية والأدبية والاجتماعية كلها تدعو الى ادخال العلوم العصرية في
الأزهر. ولما بلغ الثامنة والعشرين تقدم لامتحان العالمية. فنالها عام ١٢٩٤ ه بعد
تلكؤ العلماء وتبرمهم به لعلمهم بنزعته التجديدية وتأثره بآراء جمال الدين
الأفغاني. وكلاهما ثائر في وجه الجمود ، داعية الى حرية الفكر.
وعمل الامام
محمد عبده جهده على اصلاح الأزهر وبمساعيه صدر القانون المعروف بقانون عام ١٨٩٥ م
ومن ذلك التاريخ دخل الأزهر في طور جديد.
ولا يمكننا ان
ننكر فضل الامام محمد عبده في اخراج هذا القانون الى حيز الوجود. ففي حكم الخديوي
توفيق بذل مجهودا كبيرا في اقناع الشيخ محمد الأنبابي شيخ الجامع في ذلك الحين بأن
يوسع منهاج الدراسة بالجامع وان يدخل بعض العلوم الحديثة على منهاج التعليم فيه.
ولكن شيوخ الأزهر عارضوه معارضة شديدة فحاول أن ينال تأييدا من الخديوي ولكنه لم
ينل منه عطفا كافيا.
فلما ولي الحكم
عباس باشا الثاني. حاول ان ينجح معه حيث فشل مع سلفه ، فرفع اليه تقريرا مسهبا عن
الأزهر وطرق اصلاحه فصادف ذلك التقرير رضاء عاليا من سمو الخديوي فأصدر القانون
السالف الذكر في ١٧ رجب عام ١٣١٢ ه (١٥ يناير سنة ١٨٩٥ م) فألف مجلسا لادارة
الأزهر من أكابر شيوخه الذين يمثلون المذاهب الأربعة ومثل الحكومة فيه الشيخ محمد
عبده نفسه وصديقه الشيخ عبد الكريم سليمان دون ان يكون لشيخ الجامع ولمجلس ادارته
رأي في انتخابهما.
وعلى الرغم من
أن الإمام كان مؤيدا في آرائه الإصلاحية من الخديوي وحكومته ، فقد أراد ألا يعمل
أي تغيير في الأزهر إلا برضاء شيوخه.
واستصدر الامام
قانون كساوى التشريف التي كان يلبسها العلماء في
مناسبات معينة تميزهم عن غيرهم ، فصارت تعطى لمستحقيها بمراعاة الاقدمية
وغيرها من المؤهلات وكان الرأي فيها من قبل لشيخ الجامع يعطي من يشاء ويمنع من
يشاء ، والأصل في هذه الكساوى ان أكابر العلماء وبعض مشايخ الحارات من أهل الحسب
والنسب كانوا يزورون محمد علي باشا الكبير في قصره في اول يوم من رمضان تبريكا
بحلول شهر الصوم ، فيخلع عليهم خلعا هي الكساوى المذكورة وبعد وفاته تنوسيت تلك
العادة الى زمن الخديوي إسماعيل فأحياها. ثم اهتم الامام محمد عبده بتنظيمها ،
فصدر امر الخديوي عباس الثاني ، بربط بدلها نقودا باسم طائفة اهل العلم بالجامع
الأزهر على الدوام.
وعني الامام
كذلك عناية كبيرة بشئون الأزهر الادارية فابتنى مكاتب قريبة من الجامع يقوم
بالخدمة بها عدد من الكتاب لمعاونة شيخ الجامع ، بعد ان كان الشيخ في الماضي يدير
الأزهر من منزله حيث كان المدرسون والمجاورون يجتمعون اليه تاركا امور الأزهر
العادية الهامة في يد كاتبه الخاص يبت فيها.
ولم تجذب
مبادىء الامام الأزهريين كما اجتذبت طبقة المتأثرين بالحضارة الاوروبية ، وكان
العدد الاكبر من مريديه وتلاميذه من أرباب المناصب العالية في القضاء وأساتذة
المدارس العليا أو رؤساء المصالح الحكومية. وكان بعض هؤلاء قد تعلم في الأزهر ،
ولكن أكثرهم كانوا ممن تلقوا شيئا من علوم الغرب وبعضهم ممن جلس الى جمال الدين
الأفغاني.
وانتقل الأزهر
بالقانون رقم ٦٠ لسنة ١٩١١ إلى مرحلة أخرى من النظام. فقد أوضح القانون واجب
الجامع الأزهر من حيث القيام على حفظ الشريعة الغراء وفهم علومها ونشرها على وجه
يفيد الأمة ويخرج علماء يوكل إليهم أمر التعليم الديني ويتولون الوظائف الشرعية في
مصالح الأمة ، وقد زيد في هذا القانون من اختصاصات شيخ الجامع الأزهر فهو زيادة
على كونه الإمام الأكبر لجميع رجال الدين والرئيس العام للتعليم فيه وفي معاهده
الملحقة به فهو المشرف الأعلى على السيرة الشخصية الملائمة لشرف العلم
وحملة القرآن الشريف من مصريين وغير مصريين. وهو المنفذ الفعلي العام لجميع
القوانين واللوائح والقرارات المختصة بالجامع الأزهر والمعاهد.
وجعل لكل مذهب
من المذاهب الأربعة شيخ بالجامع الأزهر وكذا لكل معهد من المعاهد الأخرى. وأجيز
تعيين وكيل للجامع والكليات عند مسيس الحاجة ، وجعل لكل قسم من أقسام الأزهر شيخ
ومراقبون وكتبه ، أما انشاء الوظائف فيكون من اختصاص مجلس الأزهر الاعلى.
وأنشىء للأزهر
مجلس تحت ادارة شيخه ورئاسته كما أنشئت مجالس ادارة ممائلة للمعاهد التابعة
للأزهر. وقد أنشىء مجلس الأزهر الأعلى من شيخ الجامع بصفته رئيسا ، ومن أعضاء
ثمانية هم : شيخ السادة الحنفية ، وشيخ السادة المالكية ، وشيخ السادة الشافعية ،
وشيخ السادة الحنابلة ، ومدير عموم الأوقاف المصرية ، وثلاثة ممن يكون لوجودهم
بالمجلس فائدة لترقية التعليم وحسن انتظام ادارته بشرط ان يكونوا حائزين للصفات
الملائمة لحالة الجامع الأزهر والمعاهد الأخرى ، ويكون تعيينهم بارادة سنية بناء
على قرار مجلس النظار. وفي غياب شيخ الجامع ينوب عنه في الرئاسة شيخ السادة
الحنفية.
وقد عدلت تلك
المادة في القانون رقم ٦ لعام ١٩١٦.
وطرأ على هذا
القانون كثير من التعديلات في عام ١٩٢٠ ، ١٩٢٣ ، ١٩٢٤ شملت مجلس ادارة الجامع
الأزهر وشروط العضوية فيه والعلوم التي تدرس في الجامع وتقسيم التعليم الى أولى
وثانوي وعال وقد أنشىء قسم التخصص في قانون عام ١٩٣٣ م.
وصار الأزهر
بعد الاحتلال الانجليزي لمصر مقصورا على وظائف الفتاوي والقضاء ، وحتى الأخير كاد
يسلب منه حين أنشئت مدرسة القضاء الشرعي.
ولا شك ان هذه
الفترة في تاريخ الأزهر الشريف الى وقت صدور قانون ١٩١١ كانت فترة تسامح ، اذ لم
يكن الأزهر في هذه الآونة قد استقر
إلى قرار فان كان الأزهر في هذه الفترة قد خرج فطاحل أمثال الشيخ الإمام
محمد عبده ، وسعد زغلول ، والشيخ القباني ، والشيخ علي يوسف ، ومصطفى الباجوري ،
والشيخ النواوي وغيرهم إلا أن القوانين التي كانت قد صدرت لمصلحة الأزهر لم تصل به
إلى حد الكمال.
ثم صدر في ٢٤
جمادى الآخر عام ١٣٤٩ ه (١٥ نوفمبر عام ١٩٣٠ م) مرسوم بقانون رقم ٤٩ باعادة تنظيم
الأزهر والمعاهد الدينية والكليات وبدىء العمل به في عام ١٩٣١ م.
بدأ القانون
بإصلاح مجلس الأزهر الأعلى الذي كان حجر عثرة في سبيل كل إصلاح يدق باب الأزهر
فأدخل كثير من المعاهد في عواصم الأقاليم وان كانت لم تصل الى مكانة الجامع الأزهر
أو معهد طنطا. وقد لاحظ الملك فؤاد ان كثيرا من الطلاب يفضلون الالتحاق بهذين
المعهدين. فحارب جلالته هذه النزعة ليخفف الضغط على الأزهر والمعهد الاحمدي ، فأنشأ
معهدي الزقازيق وأسيوط في أبنية رائعة فاخرة تسع كل منها ما يزيد على ألف طالب.
كما تكلف كل بناء منها ما يزيد على الأربعين ألفا من الجنيهات.
وكان من أهم
مميزات الجامعة الأزهرية انها انفردت بجمعها بين مراحل التعليم الثلاث ، الابتدائي
والثانوي والعالي ، في حين كانت المعاهد الدينية مقصورة على المرحلتين الابتدائية
والثانوية.
ثم صار الأزهر
جامعة عصرية تجمع كليات حديثة منظمة على احدث الطرق ، وهو وان لم يكن قد وصل بعد
إلى طريق الاستقرار والوضوح ، فقد نظمت الدراسة فيه وفي معاهده في مراحل عدة
وأنشئت معاهد جيدة وإجازت تخصص ، وأعدت للطلبة أبنية صحية جميلة للدرس والسكنى ،
بدل الأروقة ، وقد وضع تصميم لمشروع إنشاء مدينة جامعة أزهرية في حي الأزهر لانشاء
مساكن على نطاق واسع تسع جميع الطلبة كما عمل تصميم لإنشاء مكتبة عامة تجمع ما
تكدس من كتب قيمة ومؤلفات ومخطوطات ثمينة بدل تلك التي تضيق بما فيها من كتب
وتفتقر إلى قاعة مطالعة فسيحة.
ويجب ألا ننسى
ذكر ما أدخل على برامج التعليم من التغييرات والتعديلات والكثير من المواد العصرية
لصالحه كتاريخ التشريع والنظام الدستوري ومبادىء الاقتصاد ونظم التربية والاخلاق
وعلم النفس واللغات الأجنبية والشرقية. كما أرسل عدد عظيم من خريجي الجامعة
الأزهرية في بعثات الى باريس ولندن وبرلين. وقد عاد بعض هؤلاء الطلبة الى الأزهر
لينشروا فيه ما تلقوه في تلك المعاهد من علوم حديثة وأفكار جريئة.
ولما مات الشيخ
محمد مصطفى المراغى ، رحمه الله اختير الشيخ مصطفى عبد الرازق لما عرف عنه من سمعة
طيبة وكونه حائزا للشهادة العالمية الأزهرية وانه قام بالتدريس مدة ليست بالقصيرة
بجامعة فؤاد وله مؤلفات قيمة في الفلسفة والأدب والتاريخ. وقد طلب الشيخ مصطفى عند
تعيينه ان يعفي من حمل لقب الباشوية تواضعا وذلك لأنه لم يجر العرف في أن يحمل شيخ
الجامع الأزهري اي لقب من ألقاب التشريف سوى لقب شيخ.
وفي عام ١٩٦١
وضعت الثورة قانونا جديدا لتطوير الأزهر فأنشأت فيه كليات جديدة للطب والصيدلة
والهندسة والزراعة والعلوم وكلية للبنات ، وصار الأزهر جامعة كبرى تشمل كل علوم
الدين والدنيا ، وتغير وجه الأزهر القديم ، وصار الأزهر الحديث هو المائل بيننا
الآن.
هذا هو الأزهر
بيت العلم العتيق ، ومثابة الثقافة الاسلامية ، والذي حمل لواء المعرفة في مصر وفي
الشرق الاسلامي قرونا متصلة ، وحفظ التراث الاسلامي في الدين واللغة والعلوم ونشره
على الآفاق طيلة ألف سنة أو يزيد. وقد تخرج فيه أفواج من العلماء خلال عصور
التاريخ ممن انتشروا في بقاع الأرض وحملوا معهم مشاعل المعرفة والثقافة التي
تزودوا بها في الأزهر فأضاءوا الأرض علما ونورا ورشادا.
وما يزال
الأزهر حتى اليوم كعبة العلوم والآداب ومعقل آمال المسلمين في مشارق الأرض
ومغاربها.
الفهرس
الأزهر للشاعر عزيز
أباظة...................................................... ٧
الباب
الرابع : أعلام من الأزهر في العصر الحديث........................ ١١
ـ ٩٤
الإمام محمد عبده............................................................ ١٣
الشيخ محمد رشيد رضا....................................................... ٣٤
الشيخ محمد شاكر........................................................... ٤٢
مشايخ السادة المالكية........................................................ ٤٣
الشيخ البحراوي............................................................. ٤٥
الشيخ محمد نجيب
المطيعي.................................................... ٤٦
الشيخ حسين والي........................................................... ٤٨
الشيخ محمد الفحام.......................................................... ٥٠
الشيخ الدجوي.............................................................. ٥١
الشيخ الديناري.............................................................. ٥٨
الشيخ السرتي............................................................... ٥٩
الشيخ اللبان................................................................ ٦٠
الشيخ النجار............................................................... ٦١
الشيخ الجزيري............................................................... ٦٢
الشيخ أبو النجا............................................................. ٦٣
الشيخ أبو العيون............................................................ ٦٤
الشيخ قادوم................................................................ ٧٦
الشيخ عبد العزيز
المراغي...................................................... ٧٧
الشيخ فكري ياسين.......................................................... ٨١
الشيخ نافع الخفاجي......................................................... ٨٣
ازهريون في سجل
التاريخ...................................................... ٩٣
الباب
الخامس : صور من الأزهر القديم والحديث....................... ٩٥
ـ ١٥٦
اول درس للسيوطي.......................................................... ٩٧
الحفني شيخ الأزهر......................................................... ١٠٠
الاجازات العلمية في
الأزهر القديم............................................ ١٠٢
الاجازات العلمية في
الأزهر الحديث.......................................... ١٢٢
اصلاحات جديدة في
الأزهر................................................. ١٢٧
في صحائف الذكرى........................................................ ١٣٤
اروقة الأزهر............................................................... ١٤٧
الباب
السادس : صورة عن النشاط العلمي في الأزهر................... ١٥٧
ـ ٤٢٩
الأزهر والحركة
الفكرية المعاصرة............................................... ١٥٩
بعوث الأزهر.............................................................. ١٦٤
نهج الدراسة بالأزهر........................................................ ١٦٩
قوانين الأزهر.............................................................. ١٧٥
قانون الأزهر لعام
١٩٦١................................................... ١٨٨
التعليم في الأزهر........................................................... ٢٢٨
جماعة كبار العلماء......................................................... ٢٣٠
الدراسات العليا في
الأزهر................................................... ٢٣٥
حياة الأزهر الثقافية......................................................... ٢٤٢
مكتبة الأزهر.............................................................. ٢٥٧
رفاعة الطهطاوي........................................................... ٢٦٧
العيد الألفي للأزهر........................................................ ٢٦٩
المدارس العلمية في
الأزهر.................................................... ٢٧٦
ازهريون في العصر
المملوكي.................................................. ٢٩٢
الإمام السيوطي............................................................ ٢٩٦
شمس الدين الحنفي......................................................... ٣١٣
الشيخ السنباطي........................................................... ٣١٤
الشيخ الدردير............................................................. ٣١٧
الشيخ الصعيدي........................................................... ٣١٨
الشيخ عمر مكرم.......................................................... ٣٢٠
الشيخ الشرقاوي........................................................... ٣٢٢
الشيخ حسن العطار........................................................ ٣٢٤
الشيخ محمد عياد
الطنطاوي................................................. ٣٢٧
أئمة الأزهر في القديم
والحديث............................................... ٣٣٨
بعض الزعماء من الأزهر.................................................... ٤٠١
الأزهر الجامعة
الإسلامية الكبرى............................................. ٤٠٣
|