

الفصل الثالث : في
الجماعة
وفيه مطلبان :
(الأوّل) الشرائط ، وهي ثمانية : الأوّل : العدد ، وأقلّه اثنان أحدهما الإمام في كلّ ما يجمع فيه
______________________________________________________
بسم الله الرحمن
الرحيم
(الفصل الثالث : في الجماعة ، وفيه
مطلبان)
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الأوّل
: العدد ، وأقلّه اثنان أحدهما الإمام) إجماعاً كما في «التذكرة وكشف الالتباس » وبلا خلاف كما في «المنتهى والرياض والمفاتيح » وعليه فقهاء الأمصار كما في «المدارك » ولا تشترط الزيادة على اثنين إجماعاً كما في «نهاية
الإحكام » وما ذكره ابن بابويه من أنّ الواحد جماعة محمول على شدّة الاستحباب كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذكره جماعة .
وأقلّه اثنان ،
ولو كان المأموم صبيّاً كما في «نهاية الإحكام والتذكرة والذكرى والغرية والفوائد الملية والروض ومجمع البرهان والكفاية والذخيرة ». وفي «إرشاد الجعفرية » إن قلنا إنّ فعله يتصف بالصحّة. وفي «مجمع البرهان والذخيرة » تحصل الجماعة به وإن قلنا بعدم كون عبادته شرعية لصدق
الأخبار ، والتخصيص خلاف الأصل مع ظهور خبر الجهني في ذلك. ويؤيّده قوله في «الروض» به مع قوله بأنّها
ليست شرعية وأنّه ليؤيّد لما نقوله من أنّها شرعية كما تقدّم الكلام فيه .
وما ورد من أنّ
«الأقلّ رجل وامرأة» فقد نظر فيه إلى اتصاف الامرأة بالنقص عن الرجل وإلى
عدم الترغيب في جماعة النساء ، إذ المرأتان بهذا
__________________
إلّا الجمعة والعيدين فيشترط خمسة سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو بالتفريق
أو ذكوراً وخناثى أو إناثاً وخنثى ، ولا يجوز أن يكونوا خناثى أجمع.
الثاني
: اتّصاف الإمام
بالبلوغ والعقل وطهارة المولد والإيمان والعدالة والذكورة
______________________________________________________
الاعتبار أقلّ من الرجل والمرأة كما في «البيان ».
فلو نوى الواحد
الإمامة والائتمام لم تصحّ نيّته ، وفي بطلان الصلاة إشكال من بطلان النيّة لبطلان
ما نواه وتعذّره ومن بطلان الوصف فيقع لاغياً ويبقى الباقي على حكمه كما في «نهاية
الإحكام ». وفي «حواشي الشهيد» نقلاً عن الشيخ أنّه إن كان
المؤتّم واحداً نوى الائتمام والاقتداء ، وإن كان اثنين مع الإمام جاز أن ينوي
المأموم الجماعة بخلاف الواحد .
قوله : (إلّا الجمعة والعيدين) تقدّم الكلام في ذلك .
قوله قدّس الله
روحه : (سواء
كانوا ذكوراً أو إناثاً أو بالتفريق أو ذكوراً وخناثى أو إناثاً وخناثى ، ولا يجوز
أن يكونوا خناثى أجمع) وفي «التذكرة» أو إناثاً وخنثى ، وقال : ولا يجوز أن يكونوا إناثاً
وخناثى مشكلاً أمرهم ولا خناثى منفردات ولا يخفى عليك الفرق بين الكلامين ، وستعرف الحال في
ذلك.
[في شرائط الإمام]
قوله قدّس الله
روحه : (الثاني
: اتصاف الإمام بالبلوغ والعقل
__________________
وطهارة
المولد والإيمان والعدالة والذكورة إن كان المأموم ذكراً أو خنثى) قد تقدّم في بحث الجمعة في صفات الإمام نقل كلام الأصحاب في المقام وإنّ في ذلك لغنيةً وبلاغاً
إلّا أنّا أردنا استيفاء كلامهم في الباب فنقول : في «الجُمل والعقود والوسيلة » الاقتصار على ثلاثة أشياء : الإيمان والعدالة وأن يكون
أقرأ القوم. وفي «المراسم» الاقتصار على الأخيرين . وقال في «الوسيلة» بعد ذلك : وينبغي أن ينتفي عنه إحدى
عشرة خصلة : (الكفر والنصب وخلاف الحقّ في أصل الدين والفسق وخبث الولادة وعقوق
الوالدين وقطيعة الرحم والغلف والرقّ والخنوثة والانوثة ، وجاز للثلاثة الأخيرة أن
تؤمّ بأمثالها إذا كانت أهلاً لذلك ، انتهى. وقد تقدّم الكلام في الخمسة الاول مستوفىً فلا نعيده.
وأمّا الذكورة
فقد تقدّم فيها جملة وافية وبقي أحكام اخر وهو أنّه لا تصحّ إمامة المرأة ولا
الخنثى للرجل ولا الخنثى ، وقد تقدّم نقل الإجماعات على ذلك في الجمعة . وخالف في «الوسيلة» فجوّز إمامة الخنثى لمثلها ، وقد سمعت عبارتها. وقد صرّح المفيد في كتاب «أحكام
النساء » والشيخ والجمّ الغفير بأنّه يجوز للمرأة أن تؤمّ النساء. وفي «المختلف والبيان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومجمع البرهان والروض والمفاتيح والرياض » أنّه المشهور. وفي «المدارك» أنّه مذهب المعظم . وفي «الخلاف والغنية والتذكرة وإرشاد الجعفرية » الإجماع على ذلك. وفي «الرياض» أنّ الإجماع ظاهر
المعتبر والمنتهى . ولعلّه حيث نسب ما دلّ على الخلاف فيهما إلى الندرة بل
في «المنتهى» أنّه لم يعمل بهما أحد من علمائنا . وظاهر «الغنية» أو صريحها الإجماع على ذلك . وفي «الرياض» أيضاً أنّ عليه عامّة من تأخّر . وستسمع الإجماعات في مسألة سنّة موقف النساء إذا كان
إمامهنّ امرأة.
ونقل في «السرائر»
عن علم الهدى أنّه قال : إنّه لا يجوز لها أن تؤمّ النساء في الفرائض ويجوز في
النوافل . ونقل ذلك في «المختلف » عن أبي عليّ ، وفي «المفاتيح» عن الجعفي ، ومال إليه صاحب «المدارك ». وفي «المختلف» أنّه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا بأس به لصحّة الأخبار الدالّة عليه وضعف الخبرين الدالّين على الخلاف مع
احتمالهما للتفصيل وهو جواز إمامة المرأة في النفل دون الفرض ، أمّا أوّلاً فللجمع
بين الأخبار ، وأمّا ثانياً فللروايات الدالّة على التفصيل والمطلق يحمل على
المقيّد مع التنافي إجماعاً ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يؤمكم أقرأكم» إنّما يدلّ على صورة النزاع لو ثبت دخول النساء في
الخطاب ، فإنّ خطاب المذكّر لا يدخل فيه المؤنّث. نعم إذا عرف دخول المؤنث جاز أن
يندرجن مع المذكّرين في خطاب التذكير ، فإذاً ما لم يثبتوا دخول المرأة في هذا
الخطاب لا يمكنهم الاستدلال به وذلك دور ظاهر ، انتهى.
وهو خيرة
الاستاذ دام ظلّه في «المصابيح » واستظهر ذلك من ثقة الإسلام والصدوق لاقتصارهما على
ذكر صحيحة سليمان بن خالد كما في «الكافي » وعلى ذكر صحيحتي هشام وزرارة كما في «الفقيه » وقال بعد الاستدلال بالصحاح وبالاصول والقواعد الّتي
ذكرت في عدم إمامة الصبي لأن كانت جارية هنا : إنّ الصلاة أعمّ شيء بلوى والدواعي
على الجماعة متوفّرة ، فلو جاز ذلك لشاع وذاع مع أنّه لم يعهد من النساء أصلاً في
عصرٍ ولا مصر لا نادراً ولا أندر مع أنّه ربّما كان النساء أحوج إلى الجماعة من
الرجال ، ولم يعهد صدورها من الصدّيقة الطاهرة سيّدة النساء عليها وعلى أبيها
وبعلها وبنيها أفضل الصلاة والسلام ولا من أحد من بناتها من بنات الأئمّة صلوات
الله عليهم ولا من أزواجها ، ولو صحّت لقضت العادة بصدورها عن سيّدة النساء وأنّ
ذلك أستر لهنّ من الخروج إلى جماعة الرجال لما فيها من منافيات الحياء والستر ،
ومع ذلك اشتهر وشاع أنّهنّ كنّ يصلّين جماعةً مع الرجال والغالب في الأحكام
المشتركة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
اتحاد حالهنّ مع الرجال أو تفاوت يسير أو تفاوت كثير لا عدمه بالمرّة ،
فالصحاح الواضحة الدلالة المعتضدة بالامور المذكورة لا تعارض بالأخبار الضعيفة.
وممّا ذكر ظهر فساد الاستدلال للمشهور بصحيح عليّ بن جعفر «أنّه سأل أخاه موسى عليهالسلام عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟ قال
: قدر ما تسمع» للاتفاق على إمامتها في الجملة ، مع أنّ هذا الإطلاق في
كلام الراوي ذكر لبيان حكم آخر فتدبّر ، انتهى.
قلت : في الخبر
النبوي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر امّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها وجعل لها مؤذّناً . وفي الخبر المروي في «قرب الإسناد» زيادة قوله : «وسألته
عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال : لا إلّا أن تكون
امرأة تؤمّ النساء» . وفي هذه ظهور في العموم للفريضة مضافاً إلى ما في
أخبار المشهور من ترك الاستفصال المفيد للعموم مع كون الفريضة أظهر الأفراد فتدخل
ولو كانت دلالتها من باب الإطلاق ، والضعف والقصور مجبوران بالشهرة فضلاً عن
الإجماعات. وأمّا الصحاح فقد اجيب عنها بالندرة في «المعتبر والمنتهى » بل صرّح في الأخير بعدم القائل منّا بها ، على أنّها
غير مكافئة لتلك ، لمكان اعتضادها بما عرفت مع ظهورها في جواز الجماعة في النافلة
مطلقاً ، ولا قائل به منّا ، والتقييد بنافلة تجوز فيها صرف للمطلق إلى أندر
أفراده ، على أنّها موافقة لمذهب جماعة من العامّة كما حكاه في «المنتهى » فتحمل على التقية ، مع أنّ المنع مطلقاً كما ربّما
ينسب إلى علم الهدى والجعفي مذهب أكثرهم وإن اختلفوا فيه
__________________
وانتفاء الإقعاد إن كان المأموم سليماً ،
______________________________________________________
كراهيةً وتحريماً فكانت أخبار المشهور أولى لمخالفتها لهم وشهرتها عندنا ،
فيطرح ما خالفها وإن كان صحيحاً أو نحملها على التقيّة أو عدم تأكّد الاستحباب كما
في «الذكرى » ولا يصحّ حملها على الكراهية لثبوت الاستحباب عندنا
كما في «المنتهى » وظاهره كصريح «الخلاف » دعوى الإجماع على ثبوته ، ويحتمل أن يراد من النافلة
والمكتوبة الجماعة لا الصلاة كما فهمه بعضهم ولا بأس به وإن بعُد جمعاً بين الأدلّة ، فليتأمّل
جيّداً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وانتفاء
الإقعاد إن كان المأموم سليماً) قد صرّح بذلك فى «السرائر » وغيرها . وفى «إرشاد الجعفرية» الإجماع عليه . وفى «المبسوط» ما يستفاد منه هذا الحكم كقوله : ولا
يؤمّ المقيّد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحّاء ، ونحوه ما فى «جُمل العلم والمقنع وفي «الخلاف والتذكرة وكشف الالتباس والمفاتيح » وظاهر «المعتبر
__________________
والامّية إن كان المأموم قارئاً ،
______________________________________________________
والمنتهى » الإجماع على أنّه لا يؤمّ القاعد القائم ، وفى بعضها
التصريح بعدم الجواز «كالخلاف». وفي «التذكرة» فلو صلّوا خلف القاعد قياماً بطلت
صلاتهم عندنا . وفيها وفي «نهاية الإحكام » يجوز للعاجز عن القيام أن يؤمّ مثله إجماعاً. وفي «التذكرة»
ولا يشترط كونه إماماً راتباً ولا ممّن يرجى زوال عجزه إجماعاً . وسيأتي نقل عبارات الأصحاب بتمامها فى ذلك عند أواخر
الباب عند قوله «وصحيح بأبرص مطلقاً أو أجذم» فإنّا نستوفي هناك الكلام ونسبغه.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والامّية
إن كان المأموم قارئاً) صرّح بذلك في «المبسوط والخلاف والسرائر » وغيرها . وفي «الذكرى» لو أمّ الامّي القارئ ولم تصحّ إجماعاً . وفي «المعتبر» لا يجوز أن يؤمّ القارئ بالامّي عند
علمائنا . وفي «التذكرة والغرية وإرشاد الجعفرية » الإجماع
__________________
وفي اشتراط الحرّية قولان ، وللمرأة والخنثى أن تؤمّا المرأة خاصّة.
ولا تجوز إمامة
الصغير وإن كان مميّزاً على رأي إلّا في النفل ، ولا إمامة المجنون ، وتكره لمن
يعتوره حال الإفاقة ، ولا إمامة ولد الزنا ويجوز ولد الشبهة ،
______________________________________________________
عليه في الجهرية والإخفاتية. وفي «المبسوط» الامّي من لا يحسن قراءة الحمد . وفي غيره : ولا السورة وقال جماعة من المتأخّرين : إنّه الّذي لا يحسن قراءة الحمد والسورة أو أبعاضهما
ولو حرفاً أو تشديداً أو صفةً. وفي «الرياض» أنّ المراد به ذلك من غير خلاف .
وصرّح جماعة
منهم الشيخ في «المبسوط » والمصنّف في «التذكرة » وغيرها أنّه لو صلّى القارئ خلف الامّي بطلت صلاة المأموم
خاصّة ، وقيّده المصنّف بكون القارئ غير صالح للإمامة وإلّا وجب على الامّي
الاقتداء به فبدونه تبطل صلاته ، ونقل عن أبي حنيفة بطلان صلاتهما معاً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وفي
اشتراط الحرّية قولان) تقدّم الكلام فيه في بحث الجمعة بما لا مزيد عليه ، فليراجع.
__________________
ولا إمامة المخالف وإن كان المأموم مثله ، سواء استند في مذهبه إلى شبهة أو
تقليد ، ولا إمامة الفاسق ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا) تجوز (إمامة المخالف وإن كان المأموم مثله) قد حكى الإجماع على عدم جواز إمامة المخالف في «الخلاف
والمعتبر ومجمع البرهان » ونفى عنه الخلاف في «الغنية ». وفي «المنتهى والذكرى وكشف الالتباس والغرية» وغيرها الإجماع على اشتراط الإيمان في الإمام. وفي «النجيبية
والذخيرة » نفى الخلاف. وفي «حواشي الشهيد» أنّه يظهر من كلام
المصنّف هنا وجوب إعادته لو استبصر ، والخبر المشهور يدفعه ، أمّا مع بقاء الوقت
فالإعادة أولى .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
إمامة الفاسق) إجماعاً كما في «الانتصار والخلاف والغنية ونهاية الإحكام والتذكرة وكشف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الالتباس والغرية والروض والنجيبية». وفي «الذخيرة» نفي الخلاف . وفي كلام ابن الجنيد ما يدلّ على الخلاف. وحكى المصنّف أنّ علم الهدى حكى عن
أبي عبد الله البصري أنّه موافق لنا ، ويحتجّ على ذلك بإجماع أهل البيت عليهمالسلام وكان يقول إجماعهم حجّة .
وقد صرّح
بالحكم في «المقنع وجُمل العلم والنهاية والمبسوط والمراسم » وغيرها . وفي «البيان وجامع المقاصد » أنّه لا تجوز إمامته أعمّ من أن تكون بمثله أو بغيره.
وفي «حواشي
الشهيد» عن ضياء الدين : أنّه لا يجب على الإمام الفاسق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إعلام المأموم الجاهل بحاله .
وعن أبي علي و «مصباح» السيّد أنّه لو ائتمّ بمن ظاهره العدالة فبان فاسقاً أعاد. وعن
الصدوق : أنّه لو بان كافراً أعاد فيما خافت فيه دون ما أجهر . وفي «المختلف وكشف الالتباس » أنّ المشهور عدم الإعادة. وفي «الخلاف» الإجماع على
ذلك . قلت : وهو خيرة جميع مَن تعرّض له كما ستسمع. وفي «الذكرى» أنّه لو بان
حدث الإمام بعد الصلاة فالمشهور عدم الإعادة ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك عند تعرّض المصنّف له في
آخر الباب.
واشترط في «المقنع
والنهاية والوسيلة ونهاية الاحكام والنفلية والفوائد الملية » أن يكون مختوناً. قال في «المقنع» لأنّه ضيّع من السنّة
أعظمها . وفي «الفوائد المليّة» ختانه مع إمكانه شرط ولذلك غاير
شرط العدالة فإنّ ترك الختان إنّما يوجب الفسق مع الاختيار ، وقال : يعتبر في
الذكر والخنثى . وفي «الإشارة» تكره إمامة الأغلف . ويأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في آخر البحث.
__________________
ولا إمامة من يلحن في قراءته بالمتقن ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
إمامة من يلحن في قراءته بالمتقن) هذا هو المشهور كما في «الكفاية والمفاتيح » ومذهب الأكثر كما في «الرياض » وبه صرّح في «الشرائع والمختلف والتحرير والإرشاد والذكرى والدروس والهلالية وتعليق الشرائع وتعليق الإرشاد والمسالك والروض ومجمع البرهان والذخيرة » وغيرها . وفي «نهاية الإحكام» أنّه أقرب . وفي «المعتبر والنافع والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام
__________________
ولا من يبدّل حرفاً بمتقن ولا من يعجز عن حرف ،
______________________________________________________
واللمعة والغرية والروضة » وغيرها أنّه لا يؤمّ مؤوف اللسان بالصحيح. وجوّز في «المبسوط»
إمامة الملحن للمتقن أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، لأنّ صلاته
صحيحة . وفي «السرائر» إذا لم يغيّر اللحن المعنى . وقد سمعت ما في «نهاية الإحكام». وفي «الوسيلة» تكره
إمامة مَن لا يقدر على إصلاح لسانه ومَن عجز عن أداء حرف أو يبدّل حرفاً من حرف أو
ارتجّ عليه في أوّل كلامه أولم يأت بالحرف على الصحّة . وفي «الكفاية» المسألة محلّ إشكال .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
من يبدّل حرفاً بمتقن) هذا هو المشهور كما في «غاية المرام والذخيرة والكفاية » وهو خيرة المحقّق والشهيدين والمحقّق الثاني وشيخه وتلامذته والمولى الأردبيلي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصاحب «المدارك » وغيرهم . وستسمع جملة من كلامهم ، وقد سمعت ما في «الوسيلة».
وقد اختلفت
كلمتهم في التمتام والفأفاء والألثغ والأليغ والأرثّ في الموضوع والحكم. ففي «المبسوط»
تكره الصلاة خلف التمتام ومَن لا يحسن أن يؤدّي الحروف وكذلك الفأفاء ، فالتمتام
هو الذّي لا يؤدّي التاء والفأفاء هو الذي لا يؤدّي الفاء ، وكذلك لا يؤتمّ بأرثّ ولا ألثغ ولا أليغ ، فالأرتّ هو الذي يلحقه في أوّل
كلامه ريح فيتعذّر عليه فإذا تكلّم انطلق لسانه ، والألثغ هو الذي يبدّل حرفاً
مكان حرف ، والأليغ هو الذي لا يأتي بالحروف على البيان والصحّة ، وإذا أمّ أعجمي
لا يفصح بالقراءة أو عربي بهذه الصفة كرهت إمامته ، انتهى.
وفي «المعتبر»
أمّا التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز ، لأنّه يكرّر الحرف ولا يسقطه . ومثله في التفسير والحكم ما في «نهاية الإحكام والتذكرة والمنتهى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتحرير والذكرى والهلالية والمسالك والميسية» لكن في جملة منها حكم بكراهية امامتهما لمكان
هذه الزيادة ، وهو خيرة «الروض ». وفي «البيان» أنّ الأولى المنع . وفي «المختلف والتحرير والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والمسالك » أنّه لو فسّر التمتام بمن لا يحسن أن يؤدّي التاء كانت
إمامته ممتنعة. وقال جماعة منهم : وكذا الفأفاء. واستحسن هذا الحكم في «الذخيرة ».
وفي «الشرائع » لا تجوز إمامة من يبدّل الحرف كالتمتام وشبهه ومقتضى
العبارة أنّ التمتام يبدّل الحرف بغيره. وفي «المعتبر » أنّ الأرثّ كالتمتام. وفي «المنتهى» بعد أن نقل ما في
المبسوط في معنى الأرثّ قال : هذا التفسير حكاه الأزهري عن المبرّد وقال آخرون :
الأرثّ هو الذّي يدغم حرفاً في حرف ولا يبيّن الحروف ، وقال في الصحاح : الرثّة
بالضمّ العجم في الكلام ، فعلى التفسير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأوّل تجوز إمامته . وقال في «التذكرة» : الأرتّ هو الذّي يبدّل حرفاً بحرف
، والألثغ هو الّذي يعدل بحرفٍ إلى حرف ، وقال الفرّاء : اللثغة بطرف اللسان هو
الذي يجعل الراء على طرف اللسان ويجعل الصاد ثاءً والأرثّ هو الّذي يجعل اللام
تاءً وقال الأزهري : الأليغ هو الّذي لا يبيّن الحروف ، وفي «المنتهى» الألثغ هو الذّي يجعل الراء غيناً أو
لاماً والسين تاءً والأليغ هو الذّي لا يبيّن الحروف على الصحّة وهؤلاء لا يجوز
إمامتهم بالمتقن .
وهو خيرة «التذكرة
والتحرير ونهاية الإحكام والذكرى والهلالية والغرية والروض والمدارك ». وفي «الرياض» نفي الخلاف عنه . وفي «حواشي الشهيد» الألثغ هو الذّي يجعل الراء لاماً
، والفأفاء هو الّذي يردّد في الفاء ، والتمتمة أن يردّد في «التاء» واللجلجة أن
يكون فيه عيٌّ وإدخال بعض كلامه في بعض ، والخنخنة أن يتكلّم بالخاء من لدن أنفه ، انتهى. وفي «القاموس» التمتمة ردّ الكلام إلى التاء
والميم وأن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى .
وفي «نهاية
الأحكام والتذكرة والذكرى والروضة » أنّه لو كان به
__________________
ويجوز أن يؤمّا مثلهما ،
______________________________________________________
لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدّله بغيره جازت إمامته للقارئ ،
واحتمله في «المنتهى » واستشكله في «المدارك» لأنّ مَن لا يخلّص الحرف لا
يكون آتياً بالقراءة على وجهها . ويدفع بأنّ مرادهم أنّه لا يبلغ به ذلك إلى إخراج
الحرف عن حقيقته وإن نقص عن كماله. وفي ظاهر «الذكرى» لو كان في لسانه لكنة من
آثار العجمة لم يجز الائتمام به . وفي «البيان والهلالية» لو كان في لسانه لكنة في بعض الحروف بحيث
يأتي به غير فصيح فالأقرب جواز إمامته للمفصح. وفي «الهلالية» لو كان يبدّل حرفاً
ليس في سورة تعيّنت قراءتها.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويجوز
أن يؤمّا مثلهما) كما نصّ عليه جمهور الأصحاب من غير نقل خلاف ، بل في «المنتهى » قصر نقل الخلاف عن أحمد غير أنّ بعضهم قيّده بما إذا عجز عن التعلّم أوضاق الوقت وجماعة قيّدوه بما إذا لم يختلف موضع اللحن أو اتفقا على قدر
منه ونقص المأموم عنه ، والحاصل أنّهم اشترطوا اتفاقهم قدراً ونوعاً.
__________________
ولا إمامة الأخرس بالصحيح.
______________________________________________________
وهل يجب على
اللاحن أو المبدّل الائتمام مع العجز عن الإصلاح؟ قال بعضهم : فيه وجهان .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
إمامة الأخرس بالصحيح) لا أجد في ذلك خلافاً. وفي «المعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والموجز الحاوي وكشف الالتباس » وغيرها أنّه يجوز أن يؤمّ مثله بل في «المعتبر والمنتهى » أنّه يجوز أن يؤمّ بالامّي ، لأنّ التكبير لا يتحمّله
الإمام وهما في القراءة سواء ، وفي «الذكرى» في الجواز نظر . وفي «الذخيرة» فيه وجهان . وفي «نهاية الإحكام والمدارك » الحكم بالمنع ، لأصالة عدم سقوط القراءة مع إخلال
الإمام بها.
__________________
الثالث
: عدم تقدّم المأموم
في الموقف على الإمام ، فلو تقدّمه المأموم بطلت صلاته.
______________________________________________________
[في اشتراط عدم تقدّم المأموم على الإمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الثالث
: عدم تقدّم المأموم في الموقف على الإمام ، فلو تقدّمه المأموم بطلت صلاته) قد نقل الاجماع على هذه الشرط في «التذكرة ونهاية الإحكام » في آخر كلامه و «المنتهى والذكرى والغرية وإرشاد الجعفرية والمدارك والمفاتيح » وظاهر «المعتبر والكفاية » وفي الأوّل والرابع والخامس الإجماع على أنّه لو
تقدّمه بطلت سواء كان عند التحريمة أو في أثناء الصلاة ، وهو قضية إطلاق الإجماعات
الاخر. ومن العجيب أنّ الشيخ في «الخلاف » لم يدّع الإجماع.
وفي «الذكرى»
في فرعٍ ذكره : لو تقدّم المأموم في أثناء الصلاء متعمّداً على الإمام فالظاهر
أنّه يصير منفرداً ويحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه ، فإن عاد أعاد
نيّة الاقتداء ، ولو تقدّم غلطاً أو سهواً ثمّ عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة
، ولو جدّد نيّة الاقتداء هنا كان حسناً ، انتهى فتأمّل في كلاميه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وظاهر الكتاب و
«المبسوط والخلاف والوسيلة والشرائع والنافع والمعتبر والمنتهى والتحرير والإرشاد » وصريح «التذكرة ونهاية الإحكام والدروس والذكرى والبيان والنفلية والهلالية والجعفرية والغرية والروض والروضة وإرشاد الجعفرية والفوائد الملية والنجيبية» وغيرها جواز المساواة بينهما ، بل في «التذكرة» الإجماع عليه.
وفي «الروض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمسالك والكفاية والذخيرة ومجمع البرهان » أنّه المشهور. وفي «المدارك والمفاتيح » أنّه مذهب الأكثر. وفي «الرياض» لا خلاف فيه إلّا من
الحلّي وفي «الذخيرة» لعلّه أقرب . وفي «السرائر» لا بدّ من تقديم الإمام عليه بقليل ولذلك نسبه جماعة إلى صريحه وآخرون إلى ظاهره ، وقد يظهر ذلك من «جُمل العلم والعمل ». وفي «المفاتيح» أنّه أقوى . وفي «الهلالية والرياض » أنّه أحوط ، ونصّ جماعة على أنّه أفضل.
ولعلّ ابن
إدريس استند إلى فعله وفعلهم صلوات الله عليه وآله وما في خبر محمّد من قوله عليهالسلام «فإن كانوا أكثر قاموا خلفه » وما في كثير من عبارات
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
القدماء والأخبار من الصلاة خلفه وما ورد في تقديم الأقرأ ومن قولهم عليهمالسلام : «يقدّمون من يصلّي بهم ويقدّم هو من يصلّي بهم ».
ويجاب عن ذلك
بأنّ مثل ذلك كناية عن الصلاة جماعة من دون ملاحظة التقدّم في المكان ، على أنّ
أكثر ما ذكر ظاهر في الاستحباب.
ودليل المشهور
بعد الأصل والإجماع وعموم الأوامر وصدق الجماعة ما روي عن أمير المؤمنين عليه
الصلاة والسلام وما دلّ على وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام ، وما دلّ على حكم الاختلاف بين الشخصين الذّى يقول كلّ
واحد منهما كنت إماماً وليتأمّل في هذا إلى غير ذلك.
والمعتبر
التساوي بالاعقاب كما في «التذكرة والبيان والدروس والنفلية والهلالية والجعفرية وجامع المقاصد وشرحيها » وغيرها .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قال في «التذكرة» لو تقدّم عقب المأموم بطل عندنا ، وفي «المدارك» لو تساوى العقبان لم يضرّ تقدّم
الأصابع ولو تقدّم عقبه على عقبه لم ينفعه تأخّر أصابعه ورأسه ، قاله الأصحاب ، انتهى.
واستقرب في «نهاية
الإحكام» بعد أن حكم بما في التذكرة اعتبار الأصابع والعقب معاً . وهو خيرة «تعليق النافع والروض والمسالك » واحتمل في «الغرية» وغيرها .
وصرّح في «نهاية
الإحكام » بأنّه لا يقدح في التساوي تقدّم رأس المأموم في حالتي
الركوع والسجود ومقاديم الركبتين والأعجاز في حال التشهّد. وفي «الروض» يمكن دخول
الركوع في الموقف فيعتبر فيه الأقدام ، وينبغي مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود
ومقاديم الركبتين والأعجاز في حال التشهّد . وفي «الروضة» أنّ المعتبر فيه العقب قائماً والمقعد
وهو الألية جالساً والجنب نائماً .
وفي «الذخيرة والرياض » المعتبر في التقدّم والتساوي هو العرف. قلت : فمن
تقدّم بالعقب قليلاً أو الرأس أو غيرهما من الأعضاء لا يقال عرفاً أنّه تقدّم ما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لم يتقدّم تقدّماً بيّناً. والظاهر أنّه لا يكفي التقدّم بالموقف في الجملة
كما هو ظاهر المتن وغيره حتّى أنّه لو كان متقدّماً بالموقف والقدم وكان رأسه أو
صدره متأخّراً عن المأموم فإنّه لا يقال إنّه متقدّم بل يمكن القول بالعكس ، فلا
بدّمن التأخّر عنه التأخّر البيّن. واعتبار ذلك في المرأة فقط محلّ تأمّل ، لعدم
ظهور القائل بالفرق. وقد استوفينا كلام الأصحاب على التمام في مبحث المكان عند الكلام على مَن صلّى وفي جانبه امرأة كما أشار إلى
ذلك في «مجمع البرهان ».
وفي «الدروس والجعفرية وشرحيها وتعليق النافع والمسالك » أنّه لا يضرّ تقدّم المأموم على الإمام بمسجده إلّا في
المستديرين حول الكعبة.
هذا وفي «المنتهى»
لو وقف المأموم الواحد عن الخلف أو الشمال والمتعدّد عنه وعن اليمين جاز إجماعاً . وفي «المبسوط والسرائر » وغيرهما إن وقف المأموم الواحد عن يساره لم تبطل والترك أفضل.
وفي «الرياض» لا خلاف فيه إلّا من ابن الجنيد . ويأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجوّز الشهيدان
والمحقّق الثاني وتلميذاه وشيخه ابن هلال وأبو علي على ما نقل عنه استدارة المأمومين في المسجد الحرام حول الكعبة الشريفة
بشرط أن لا يكون المأموم أقرب إلى الكعبة من الإمام. وبه قطع في «الذكرى» وادّعى
الإجماع عليه . وقد سمعت ما في «الدروس والجعفرية وشرحيها وتعليق
النافع والمسالك». وقال في «المنتهى» : إنّما تصحّ صلاة من خلف الإمام خاصّة سواء
كان بعد المأمومين في الجهة الاخرى عن الكعبة أكثر من بعد الإمام أو لا . وفي «نهاية الإحكام والمدارك والذخيرة » أنّ المسألة محلّ إشكال.
وفي الكتاب
فيما يأتي لو صلّيا داخل الكعبة أو خارجها مشاهدين لها ، فالأقرب اتّحاد الجهة.
وفي «جامع المقاصد» القول إنّه يجوز مع مخالفة الجهة إذا حصلت استدارة بشرط أن
يكون الإمام أقرب إلى البيت ، وهذا مستقيم بالنسبة إلى الخارج ، أمّا بالنسبة إلى
داخله فمشكل ، إذ لا يتصوّر هناك قربيّة ولا بعديّة ، فتأمّل ، انتهى . وفي «نهاية الإحكام» لو وقف الإمام في الكعبة والمأموم
خارجاً ففي جواز المخالفة في الاستقبال إشكال ، ولو انعكس جاز ، لكن لو توجّه إلى
الجهة الّتي توجّه إليها الإمام فإشكال.
__________________
ويستحبّ أن يقف
عن يمين الإمام إن كان رجلاً ، وخلفه إن كانوا جماعة أو امرأة ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويستحبّ
أن يقف عن يمين الإمام إن كان رجلاً وخلفه إن كانوا جماعة أو امرأة) أمّا استحباب وقوفه عن يمين الإمام إذا كان رجلاً فهو
المشهور كما في «المختلف ومجمع البرهان والذخيرة والكفاية والمفاتيح » ومذهب أكثر أهل العلم كما في «المنتهى » وعلمائنا كما في «التذكرة» » وعليه إجماعنا وجميع الفقهاء إلّا النخعي وسعيداً كما
في «الخلاف » هو قول العلماء كما في «المعتبر » وعليه الإجماع كما في «الرياض » وقد سمعت ما في «السرائر» كما سمعت ما في «المنتهى»
فيما مرَّ آنفاً ، وفيه أيضاً : لو وقف عن يساره فعل مكروهاً إجماعاً . وفي «المختلف» عن أبي علي : أنّه لا تجوز صلاة المأموم
لو خالف . ولعلّه أراد لو وقف خلفه أو يساره. وقد يلوح من «الجُمل
والعقود وجُمل العلم والعمل »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجوب الوقوف عن اليمين. وفي «مجمع البرهان» في شرح عبارة الارشاد وهي
كعبارة الكتاب أظنّ أنّ المراد باليمين هنا أعمّ من كونه محاذياً أو متأخّراً عن
الإمام ، بل الظاهر الأخير للخروج عن الخلاف وظهور صدق التقدّم في الجملة ، بل
اعتبار ذلك في المرأة لا بدّ منه فيمكن حمل كلامه عل إطلاقه في مطلق المأموم
الصحيح ائتمامه مع أنّ مذهبه كراهيّة المحاذاة المختلف فيها ، انتهى. وستسمع الكلام في ذلك.
وأمّا الوقوف
خلفه إن كانوا جماعة فهو مذهب علمائنا كما في «المنتهى والتذكرة » وعليه الإجماع كما في «إرشاد الجعفرية والرياض ».
والمراد
بالجماعة ما فوق الواحد كما صرّح به جماعة . وفي «التذكرة» إذا كان المأموم رجلين وقفا خلفه عندنا
وعند أكثر العلماء . وفي «الخلاف» أنّه إذا وقف اثنان عن يمين الإمام
ويساره فالسنّة أن يتأخّرا حتّى يحصلا خلفه ، واستدلّ على ذلك بإجماع الفرقة . وفي «نهاية الإحكام» المأموم إن كان واحداً ذكراً وقف
عن يمين الإمام استحباباً ، ثمّ قال : لو جاء مأموم آخر وقف على يساره وأحرم ثمّ
أمكن تقدّم الإمام وتأخّر المأمومين لسعة المكان من الجانبين تقدّم أو تأخرا ،
والأولى تقدّم الإمام ، لأنّه يبصر قدّامه فيعرف كيف يتقدّم ، ويحتمل أولوية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تأخّرهما لقول جابر ، ثمّ ساق الحديث وهو قال جابر : صلّيت مع النبيّ صلىاللهعليهوآله فقمت عن يمينه ثمّ جاء آخر فقام عن يساره فدفعنا جميعاً
حتّى أقامنا من خلفه .
وفي «النهاية والسرائر والمنتهى والذكرى والبيان والدروس والنفلية والروض والفوائد الملية » وغيرها أنّهم إذا كانوا جماعة وقف الإمام في الوسط.
وأمّا استحباب
التأخّر إذا كان المأموم امرأة فهو المشهور كما في «المفاتيح » وهو صريح «الشرائع والنافع وتعليقه والدروس والهلالية والجعفرية والغرية والمدارك والذخيرة والمفاتيح والرياض » وظاهر «المبسوط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجُمل العلم والوسيلة والمعتبر والبيان » الوجوب. وقد يفوح ذلك من «الجُمل والعقود ونهاية الإحكام ». وفي «التذكرة والذكرى والبيان وإرشاد الجعفرية والروض » يجب تأخّرها إن قلنا بتحريم المحاذاة وإلّا استحبّ.
وقال الاستاذ
في «المصابيح» لا شكّ أنّ جمعاً من الأصحاب قائلون بالوجوب وهو الظاهر من الأخبار
المعتبرة الكثيرة غاية الكثرة. وساق جملة من الأخبار ، وقال : ولا تعارضها ما مرَّ
في مبحث المكان ممّا ظهر منه جواز مساواتهما في مقام الصلاة ، لأنّ بعضه صريح في
عدم الحاجة وبعضه ظاهر ، فظهوره في الشمول محلّ تأمّل ، وعلى فرض الظهور فكونه
بحيث يعارض ما ذكرناه ويقاومه محلّ تأمّل ، والعبادة توقيفية وجعل الصحّة والفساد
في المقام متفرّعاً على ما مرَّ في مبحث المكان ودائر معه كما ظهر من غير واحد
ظاهر الفساد ، انتهى كلامه دام ظلّه.
ولهم كلام في
مسألة اجتماع الرجال والنساء ، ففى «المبسوط» وموقف النساء خلف الرجال ، فإن كانت
الصفوف كثيرة وقفن صفّاً مفرداً ، فإن وقفن كذلك ودخل جماعة من الرجال تأخّرن
قليلاً حتّى يقف الرجال قدّامهن . وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«النهاية» فعليها أن تتأخّر عن ذلك الصفّ ، وظاهره الوجوب هنا كما هو ظاهر جماعة كأبي علي وعلم الهدى وابن حمزة وابن إدريس والمصنّف في «المختلف ». وفي «الهلالية» أنّ الوجوب أحوط. وفي «المعتبر» يصف
الرجال خلف الإمام ثمّ الصبيان ثمّ النساء ، ولو جاء رجال يؤخّرن وجوباً إذا لم
يكن موقف أمامهنّ وهو اتّفاق .
والوجوب في هذه
المسألة صريح «الشرائع والنافع والتحرير والمنتهى » ووجوب التأخّر بمعنى توقّف صحّة صلاة الرجال على
تأخّرهنّ لا الوجوب بالمعنى المعروف لبعده على إطلاقه.
ويظهر من
المصنّف في «نهاية الإحكام والتذكرة » وجماعة ممّن تأخّر منهم الشهيد في «البيان » أنّ هذه المسألة مبنيّة على مسألة المحاذاة في المكان
وأنّ الإجماع مركّب.
وفيه : ما عرفت
من اختيار المحقّق والمصنّف الوجوب هنا ودعوى الإجماع عليه من المحقّق مع
اختيارهما ثمّة الكراهية. ولهذا اعترض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الاستاذ دام ظلّه على من بنى هذه على تلك فقال : إنّ البناء على تلك محلّ
تأمّل ، لأنّ هيئة الجماعة وظيفة شرعية والظاهر من الأخبار تعيّن تأخير النساء فيها فتأمّل. ولعلّ وجه التأمّل هو
قوّة احتمال تحقّق الإجماع المركّب في نظيره واحتمال تغيّر رأي الفاضلين كما هو الظاهر من «المنتهى» حيث صرّح في مسألة المحاذاة
بكراهتها هنا أيضاً ، فإنّه بعد أن نقل بعض الأخبار الدالّة على فساد صلاة المرأة بمحاذاتها في صلاة العصر
لإمامها قال ما لفظه : ووجه هذه الرواية أنّ المرأة منهيّة عن هذا الموقف فيخصّ
الفساد بها ، لكن لمّا بيّنّا أنّ ذلك مكروه حملنا الرواية على الاستحباب ، ومع
ذلك فقد استدلّ للوجوب في المسألة بالرواية العامّية وهي «أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ
الله تعالى » مع أنّه أجاب عنها هناك بأنّها ليست من طرقنا ، وكلامه
صريح في تغيّر رأيه لا أنّه قائل بالفصل ، هذا كلّه مع الإغضاء عن إجماع «المعتبر»
في المقام ، وقد يؤيّد الإجماع المركّب إجماع «الغنية والتحرير » وظاهر «التذكرة» على أنّه لا فرق في مسألة المحاذاة
بين أن تكون مصلّية بصلاته أو منفردة ، فتأمّل. وفي كلام المحقّق هناك ما يعمّ صورتي
الانفراد والجماعة والمسألة في غاية الإشكال ومن أراد الوقوف على أطرافها
على التمام فيلحظ ما كتبناه في تلك المسألة .
__________________
وفي الصفّ إن كان الإمام امرأة لمثلها قياماً ،
______________________________________________________
هذا ، وقد سمعت
ما في «مجمع البرهان» وفيه أيضاً وفي «الذخيرة والمفاتيح» أنّه يستحبّ للمرأة مع التأخّر أن تقف على
يمين الإمام ، وفي الأخير للصحيحين . وفي «مصابيح الظلام» لم نجد إلّا صحيحة الفضل . وفي «المعتصم» أنّ الصحيح الآخر صحيح هشام ، وهو وهمٌ ، لأنّ آخره كلام الصدوق ، ولذا لم يذكره في
«الوافي ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وفي
الصفّ إن كان الإمام امرأة لمثلها قياماً) إجماعاً من القائلين بجواز إمامتها كما في «المعتبر والمنتهى » ولا نعلم فيه خلافاً كما في «التذكرة » وبلا خلاف منهم كما في «الرياض » وبه صرّح في «المبسوط والجُمل والعقود والوسيلة والشرائع والتحرير
__________________
أو عارياً لمثله ، ويصلّون إيماءً جلوساً إمامُهم في الوسط بارزاً بركبتيه
، وتقف الخنثى خلف الرجل
______________________________________________________
والإرشاد ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والنفلية والجعفرية وشرحيها والهلالية والروض والفوائد الملية والكفاية والذخيرة والمفاتيح » وغيرها . وفي «المبسوط والتحرير والمعتبر » فإن كثر النساء وقفن صفوفاً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (أو
عارياً لمثله ، ويصلّون إيماءً جلوساً إمامُهم في الوسط بارزاً بركبتيه) قد تقدّم في بحث لباس المصلّي الكلام في المسألة مستوفىً فلا نعيده.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وتقف
الخنثى خلف الرجل
__________________
والمرأة
خلف الخنثى استحباباً على رأي) هذا الرأي رأي علم الهدى فيما نقل عنه وابن إدريس وخيرة «نهاية الإحكام والذكرى والنفلية والدروس والموجز الحاوي والجعفرية والغرية والفوائد الملية والمدارك » وغيرها .
وفي «الشرائع والتحرير والبيان » وكذا «التذكرة وكنز الفوائد والإيضاح وإرشاد الجعفرية » أنّ ذلك على سبيل الوجوب على القول بتحريم المحاذاة
وإلّا على الندب. ونقل في «الإيضاح» عن الشيخين وابن حمزة أنّهم قالوا : إنّ ذلك
على سبيل الوجوب . والموجود في «المبسوط» إذا اجتمعت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
امرأة وخنثى وقف الخنثى خلف الإمام والمرأة خلف الخنثى . وابن حمزة منع من محاذاة المرأة للرجل وجوّز محاذاة
الخنثى لكلّ منهما . وفي «المبسوط » أيضاً و «الوسيلة والمنتهى والبيان والنفلية والفوائد الملية » إذا اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى وقف الرجال وراء
الإمام ثمّ الصبيان ثمّ الخناثى ثمّ النساء. ونقله في «التذكرة » عن الشيخ ساكتاً عليه. وفي «المنتهى» أنّ الترتيب
الأوّل ندب والبواقي واجبة على قول . وفي «البيان والنفلية والفوائد الملية » التصريح بأنّ الكلّ على الاستحباب. وفي «السرائر والتحرير » يقدّم الرجال ثمّ الخصيان ثمّ الخناثى ثمّ الصبيان ثمّ
النساء. وهو المنقول عن أبي علي . واستقربه في «المختلف » واستحسنه في «الذكرى» فالخلاف في تقديم الصبيان على
الخناثى فالشيخ نظر إلى تحقّق الذكوريّة في الصبيان وأبو علي نظر إلى تحقّق الوجوب
في الخناثي دون الصبيان .
__________________
ويكره لغير المرأة وخائف الزحام الانفراد بصفّ.
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويكره
لغير المرأة وخائف الزحام الانفراد بصفّ) كما في «التذكرة والذكرى والموجز الحاوي والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية والمسالك والميسية والذخيرة ». وفي «الغنية والتذكرة » الإجماع على أنّه لو انفرد صحّت صلاته وفي «المدارك»
الإجماع على كراهية الانفراد . وظاهره الإجماع على عدمها لخائف الزحام إذا امتلئت
الصفوف. وفي «المنتهى» لو وقف وحده صحّت صلاته لكنّ الأولى له الدخول في الصفّ
إجماعاً . وفي «النهاية والإرشاد » يكره وقوف المأموم وحده مع سعة الصفوف. وفي «الذخيرة»
أنّه المشهور ، ونقل بعضهم الإجماع عليه ، نقله المصنّف وغيره . وفي «المبسوط والوسيلة والمعتبر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والشرائع ونهاية الإحكام والتحرير والدروس والنفلية والهلالية» أنّه يكره الإنفراد إلّا لعذر. وفي «المفاتيح
والمصابيح » يستحبّ أن لا يقوم وحده.
وفي «الذكرى»
لا كراهة في وقوف المرأة وحدها إذا لم يكن نساء ، وقال فيها : قال ابن الجنيد : إن
أمكنه الدخول في الصفّ من غير أذيّة غيره لم يجز قيامه وحده ، وقال إنّه قال أيضاً
: إن دخل رجل إلى المسجد فلم ير في الصفوف موضعاً يقف فيه أجزأه أن يقوم وحده
محاذياً مقامه ولو كان بائناً للإمام ، وإن خالف ذلك الموضع لم تجز صلاته إذا ترك
ما على المنفرد أن يأتي به ، انتهى.
وفي «نهاية
الإحكام والذكرى » لو وجد فرجة فله السعي إليها ولا كراهية هنا في اختراق
الصفوف ، لأنّهم قصّروا حيث تركوا فرجة. ونحو ذلك قال في «المقنع » وفيهما أيضاً : أنّه لو لم يجد فوقف وحده لم يستحبّ له جذب رجل
ليصلّي معه. ويظهر من «الدروس» التأمّل فيه حيث قال على قول .
__________________
ولو تقدّمت سفينة المأموم فإن استصحب نيّة الائتمام بطلت.
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
تقدّمت سفينة المأموم فإن استصحب نيّة الائتمام بطلت) كما في «التذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والمسالك ». وقال في «الخلاف». لا تبطل لعدم الدليل . قال في «الذكرى» : الظاهر أنّه يريد به إذا انفرد أو
استدرك التأخّر . وفي الخمسة الاول أنّه لو عدل إلى الانفراد صحّت
صلاته. وقال في «الذكرى» : لو تقدّم في أثناء الصلاة متعمّداً فالظاهر أنّه يصير
منفرداً لإخلاله بالشرط ، ويحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه ، فإن عاد
أعاد نيّة الاقتداء ، ولو تقدّم غلطاً أو سهواً ثمّ عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء
القدوة ، ولو جدّد نيّة الاقتداء كان حسناً ، انتهى.
وهذا كلّه
مبنيّ على جواز الاجتماع في السفن ، وقد صرّح به في «المبسوط والوسيلة والشرائع والمنتهى والتحرير » وغيرها ، قالوا : يجوز الاجتماع في السفن المشدود بعضها إلى
بعض وفي غير المشدودة ما لم يحلّ
__________________
ولو صلّيا داخل الكعبة أو خارجها مشاهدين لها فالأقرب اتّحاد الجهة.
الرابع
: الاجتماع في
الموقف ، فلو تباعد بما يكثر في العادة لم يصحّ إلّا مع اتّصال الصفوف ،
______________________________________________________
بينها حائل.
وفي «البيان» التقييد بعدم البُعد سواء تواصلت أم لا ، وفي «المبسوط والمنتهى والذكرى » لا فرق بين أن يكون الإمام على الشطّ والمأموم في
السفينة أو بالعكس.
قلت : لا بدّ
من تقييد ذلك كلّه بما إذا كان هناك وثوق تامّ بعدم تحقّق التباعد المضرّ ولا
الحيلولة ولا تأخّر الإمام عن المأمومين ، فتأمّل جيّداً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
صلّيا داخل الكعبة .. إلى آخره) قد تقدّم الكلام في ذلك في صدر هذا الشرط الّذي نحن فيه.
[في الاجتماع في الموقف]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الرابع
: الاجتماع في الموقف ، فلو تباعد بما يكثر في العادة لم يصحّ إلّا مع اتّصال
الصفوف) كما في «الشرائع
والنافع والمنتهى والتحرير والإرشاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والدروس والنفلية والمهذّب البارع والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية والجعفريّة والغرية وإرشاد الجعفرية والروض والفوائد الملية » وغيرها . وصرّح جمهور هؤلاء باعتبار ذلك بين الصفوف.
وفي «المدارك والذخيرة والمصابيح » وظاهر «التذكرة » الإجماع على أنّه يشترط في الجماعة عدم التباعد بين
الإمام والمأموم إلّا مع اتصال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الصفوف. وفي «البيان والدروس والهلالية وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والميسية والروض والمسالك » إلّا أن يؤدّي أي اتصال الصفوف إلى التأخّر المخرج عن
الاقتداء. وفي «إرشاد الجعفرية» لا يضرّ البُعد المفرط مع اتصال الصفوف إذا كان
بين كلّ صفّين القرب العرفي إجماعاً ، انتهى فتأمّل.
والمرجع في
القرب والبُعد إلى العادة والعرف كما هو خيرة جميع هذه الكتب المذكورة «والمبسوط»
وغيره كما ستسمع ما عدا الذخيرة والمفاتيح والمدارك والمصابيح. وقد سمعت ما في «إرشاد
الجعفرية» من ظهور دعوى الإجماع على ذلك. وهو ظاهر «التذكرة» حيث قال عندنا . وفي «الرياض» كاد يكون إجماعاً . وفي «المختلف والتنقيح » أنّه المشهور. وفي «مجمع البرهان والمدارك والذخيرة والكفاية والمفاتيح والمصابيح » أنّه مذهب الأكثر. قلت : فيجوز
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عندهم ما دون المعتاد وإن كان أكثر ممّا يتخطّى.
والمراد
بالعادة عادة المتشرّعة فيكون الدليل وفاقهم أو ما يثبت به الحقيقة الشرعية عندهم
، ولا معنى لجعل المدار على عادة الناس ، لأنّ الجماعة توقيفية. وفي «مجمع البرهان»
أحالوه إلى العرف وقيل : إنّه العرف الذي تقتضيه العادة وفعلهم عليهمالسلام .
وفي «الغنية»
لا يجوز أن يكون بين الإمام والمأمومين ولا بين الصفّين ما لا يتخطّى من مسافة أو
بناءٍ أو نهر ، ثمّ ادّعى الإجماع على ذلك . وما اختاره هو ظاهر «الإشارة والمدارك والذخيرة » وخيرة «المفاتيح والمصابيح » وقرّبه صاحب المعالم وتلميذه في «الاثنا عشرية وشرحها» وهو المنقول عن التقي . ونقله في «المصابيح » عن الكليني والصدوق ، وفي النسبة إليهما تأمّل. ونقل
المحقّق والمصنّف عن السيّد في «المصباح» أنّه قال : ينبغي أن يكون بين
كلّ صفّين قدر مسقط الإنسان أو مربض عنز إذا سجد ، فإن تجاوز ذلك القدر الّذي لا
يتخطّى لم يجز.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويعارض ذلك
كلّه ما في «الخلاف» من الإجماع على جواز البعد بنحو الطريق ، والغالب في ذلك كونه بما لا يتخطّى ، على أنّ ما
ذهبوا إليه قريب من العرف.
ونسب جماعة إلى «الخلاف» التحديد بما يمنع من مشاهدته والاقتداء
بأفعاله ، والموجود فيه : كون الماء بين الإمام والمأموم ليس بحائل إذا لم يكن
بينهما ساتر من حائط وشبهه . وقال بعد ذلك في مسألة اخرى : إذا قلنا أنّ الماء ليس
بحائل فلا حدّ في ذلك إذا انتهي إليه يمنع من الإئتمام به إلّا ما يمنع من مشاهدته
والاقتداء بأفعاله ، وقال الشافعي : يجوز ذلك ثلاثمائة ذراع ، فإن زاد على ذلك لا
يجوز ، دليلنا أنّ تحديد ذلك يحتاج إلى شرع وليس فيه ما يدلّ عليه . وهذا يشعر بجواز الزيادة على ثلاثمائة. ولا يراد به مع
اتصال الصفوف ، إذ لا صفوف في الماء إلّا في مثل السفن ، ويمكن أن يريد بالتحديد
المنفي نفس الثلاثمائة فيكون انتفاء الزائد بطريق أولى ، فتأمّل جيّداً.
وقال جماعة : يظهر من المبسوط جواز البعد بثلاثمائة ذراع والموجود
في «المبسوط» وحدّ البُعد ما جرت العادة في تسميته بُعداً ، وحدّ قوم ذلك
بثلاثمائة ذراع ، قالوا : إن وقف وبينه وبين الإمام ثلاثمائة ذراع ثمّ وقف آخر
بينه وبين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع ثمّ على هذا الحساب والتقدير بالغاً ما بلغوا
صحّت صلاتهم ، قالوا : وكذلك إذا اتصلت الصفوف في المسجد ثمّ اتصلت بالأسواق
والدروب بعد أن يشاهد بعضهم بعضاً ويرى الأوّلون الإمام صحّت صلاة الكلّ. وهذا
قريب على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مذهبنا أيضاً ، انتهى. قال في «المختلف» : مراده بالقوم هنا بعض
الجمهور ولا قول لعلمائنا في ذلك . قلت : قوله في المبسوط «وهذا قريب على مذهبنا» يحتمل
قريباً أن يكون راجعاً إلى الفرض الأخير خاصّة فلا يكون راجعاً إلى التقدير
بثلاثمائة ذراع وهو الأنسب بقوله : وحدّ البُعد ما جرت العادة بتسميته بُعداً ،
ويمكن أن يكون إشارة إلى جميع ما تقدّم فيكون رضَا بالثلاثمائة ، فتأمّل.
وفي «السرائر»
ينبغى أن يكون بين كلّ صفّين قدر مسقط الإنسان أو مربض عنز إذا سجد فإن تجاوز ذلك
إلى القدر الذّى لا يتخطّى كان مكروهاً شديد الكراهية حتّى أنّه قد ورد بلفظ لا
يجوز . وفي «النهاية والمبسوط » أيضاً و «المراسم والوسيلة والبيان والهلالية» وغيرها ينبغى أن يكون قدر مربض عنز.
وقال الاستاذ
دام ظلّه في «المصابيح» : إنّ الأقوى ما اختاره أبو الصلاح وغيره من عدم جواز البُعد
بمالا يتخطّى ، لأنّ الجماعة توقيفية والثابت من الشرع هذا وأمّا أزيد فلم يثبت ،
ووجوب القراءة لا يسقط إلّا فيما ثبت سقوطها فيه ، والقدر الثابت من فعل الرسول صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام هو ما ذكرناه لا أزيد. ويدلّ عليه صحيحة زرارة المرويّة في الكافي والفقيه والتهذيب وقال في
الفقيه مقدّماً على الصحيحة : وروى زرارة عن الباقر عليهالسلام أنّه قال : «ينبغي للصفوف أن تكون
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تامّة متواصلة بعضها إلى بعض ولا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى يكون قدر
ذلك مسقط جسد إنسان إذا سجد» ثمّ ذكر الصحيحة ثمّ قال : قال زرارة : «أيّما امرأة
صلّت خلف إمام بينها وبينه ما لا يتخطّى .. الحديث» ثمّ قال : وفي رواية عبد الله
بن سنان عن الصادق عليهالسلام : «أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض غنم وأكثر ما
يكون مربض فرس » قال جدّي والفاضل مولانا مراد في شرحيهما على الفقيه :
المراد بالقبلة الصفّ الذي قبلك أو الإمام. ويدلّ عليه أيضا ما ورد من الأمر باللحوق بالصفّ في أثناء الصلاة أو غيره ،
وأجاب في المختلف عن الاستدلال بالصحيحة باحتمال كون المراد بما لا يتخطّى الحائل
لا المسافة عملاً بأصالة الصحّة ، وفيه ما فيه ، وفي المعتبر بأنّ اشتراط ذلك
مستبعد فيحمل على الأفضل ، انتهى.
ونحن نقول :
الصحيح إنّ الصحيح محمول على الفضيلة جمعاً والتفاتاً إلى ما في ذيله من قوله عليهالسلام : و «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض
لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى» وهو ظاهر في الاستحباب وأظهر من ظهور «لا صلاة»
في الفساد خصوصاً مع إدراج تواصل الصفوف وتماميّتها معه في حيّز لا ينبغي فإنّه
بالنسبة إليه للاستحباب قطعاً فكذا بالنسبة إلى مصحوبه المفسّر له ظاهراً. وقريب
منه رواية «دعائم الإسلام» وينبغي للصفوف أن تكون متواصلة ويكون بين كلّ صفّين قدر
مسقط جسد الإنسان إذا سجد ». والظاهر أنّ جملة «وتكون» معطوفة على جملة «تكون»
الاولى للقريب وشهادة الصحيحة ويمكن جعلها قرينة على كون العطف في هذه الرواية
تفسيريّاً ، هذا مع أنّ فيهما إجمالاً من حيث عدم تعيينهما مبدأ ما لا يتخطّى أهو
من المسجد أم الموقف ، فكما يحتمل الثاني يحتمل الأوّل أيضاً ، وعليه فلا مخالفة
للمشهور بل الاحتمال الثاني بعيد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جدّاً ، لأنّ المتبادر من لفظ الصفّ مجموع القطر الذّي يشغله جسد المصلّي
في السجود وغيره لا خصوص موضع قيامهم فضلاً عن أن يكون المتبادر خصوص الجزء الأوّل
من أعقاب أقدامهم فإنّ إرادة ذلك من الصفّ في غاية البُعد ، مع أنّ حمل ما يتخطّى
على خصوص مسقط جسد الإنسان وما لا يتخطّى على خصوص أزيد من ذلك من دون قرينة فيه
ما فيه ، ومع القرينة يتوقّف على علاقة معتبرة متحقّقة بينهما ولم نجدها ، فإنّ ما
يتخطّىِ على سبيل المتعارف في المشي أقلّ من مقدار مسقط الجسد المتعارف ، وإن اريد
ما يمكن تخطّيه فهو أزيد ، فحمل كلام التقي وعلم الهدى على ما ذكر فيه ما فيه ،
وكذا الصحيحة ، وإن أخذت الفاصلة بين مجموع القطر في السجود فظاهره أنّ مراد التقي
وغيره حرمة ما لا يتخطّى بينهما وكذلك الصحيحة.
قال الاستاذ :
فقول المحقّق أنّ اشتراط ذلك مستبعد هو الحقّ لأنّه عبارة عن عدم فاصلة بين
الصفّين والصفوف من دون مدخليّة ما لا يتخطّى أو حدّ آخر ولا اشتراط عدم ازدياد
فاصلة ، لأنّ ماهيّة الجماعة لا تتحقّق إلّا بما ذكر فكيف يجعل شرطاً ويحدّ الشرط
بعدم كونه القدر الّذي لا يتخطّى من الفاصلة مع كونه التواصل من دون تفاصل؟! ولو
كان واجباً ومعتبراً في صحّة الصلاة لاشتهر غاية الاشتهار ووقع التعرّض له بل
المبالغة في المراعاة في الأخبار واشتهرت الفتوى به ، لما عرف من الفرق بين نفس
ماهيّة الشيء والشرط الخارج خصوصاً مع تحديده وتعيينه بخصوص ما لا يتخطّى وجعل
الأقلّ منه فاصلة غير مضرّة ، انتهى كلامه دام ظلّه ، وقد عرفت حال ما في «المبسوط
والخلاف».
وهنا فروع يجب التنبية عليها.
الأوّل
: لو خرجت
الصفوف المتخلّلة بين الإمام والمأموم عن الاقتداء إمّا لانتهاء صلاتهم وإمّا
لعدولهم عن الجماعة وقد حصل البُعد المانع من الاقتداء ففي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«البيان والروض والمسالك والفوائد الملية » أنّها تنفسخ القدوة ولا تعود بانتقاله إلى محلّ
الصحّة. وفي «الدروس» أنّهم ينتقلون إلى حدّ القرب ، ولو كان الانتقال قبل انتهاء
صلاة المتخلّل كان أولى ما لم يؤدّ إلى كثرة العمل فينفردوا . ونحوه ما في «الموجز الحاوي والبيان وإرشاد الجعفرية والروض والمسالك » أيضاً. وفي «كشف الالتباس» أنّ الانفراد أحوط ، وفي «الرياض» أنّ تجديد القدوة مع الانتقال إذا لم
يفعل كثيراً ثمّ الصلاة مرّة ثانية أحوط . وفي «مصابيح» لا يضرّ شيء من ذلك ما دامت الصفوف
باقية ، لأنّ العبرة بالصفّ لا بكونهم مصلّين ، نعم إذا قاموا وذهبوا وأمكن
المأموم التقدّم من دون فعل كثير تقدّم ألبتّة ، انتهى. قلت : وأولى بعدم الضرر ما إذا انتهت صلاة
الصفوف المتخلّلة ولم يسلّموا حتّى انتهت صلاة الإمام وسلّموا معه كما سيأتي إن
شاء الله تعالى. وفي «المدارك» أنّ الأصحّ أنّه شرط في الابتداء لا في الاستدامة واستحسنه صاحب «الذخيرة » والّذي ببالي أنّه خيرة الشهيد في
__________________
وإن كانا في جامع ، ويستحبّ أن يكون بين الصفوف مربض عنز ، ويجوز في السفن
المتعدّدة مع التباعد اليسير.
______________________________________________________
«قواعده » للأصل مع اختصاص ما دلّ على الاشتراط بحكم التبادر
بالابتداء ، فتأملّ.
الثاني
: قال في «الفوائد
الملية والروض » لو كانت صلاة الواسطة باطلة لم تصحّ صلاة البعيد. قلت
: أمّا في أهل الصفّ الأوّل فظاهر ، وأمّا في غيره فيأتي بيان الحال فيه إن شاء
الله تعالى.
الثالث
: لو تحرّم
البعيد قبل القريب صحّ الاقتداء وإن كان البُعد مفرطاً كما في «البيان » لأنّه يكفي صدق المأمومية بالقوّة. ونحوه ما في «المفاتيح
». وفي «الروض » وظاهر «الفوائد الملية » التأمّل فيه ، وقال : إنّ في الفرق بينه وبين الفرع
الأوّل نظراً. وفي «المسالك والمدارك » ينبغي أن لا يحرم البعيد قبل القريب. وفي «المصابيح » لم نجد لذلك منشأً لا من النصوص ولا من الإجماع ولا من
الشهرة ولا من فتوى فقيه ، وأطال في الردّ على ما في المسالك والمدارك وأكثر من
إقامة الأدلّة على جواز ذلك ، فمن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إليه.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وإن
كانا في جامع) كما في
__________________
الخامس
: عدم الحيلولة
بما يمنع المشاهدة إلّا المرأة ، ولو تعدّدت الصفوف صحّت ، ولو صلّى الإمام في
محرابٍ داخل صحّت صلاة مَن يشاهده من الصفّ الأوّل خاصّة وصلاة الصفوف الباقية
أجمع لأنّهم يشاهدون مَن يشاهده ولو كان الحائل مخرّماً صحّ ، وكذا القصير المانع
حالة الجلوس والحيلولة بالنهر وشبهه.
______________________________________________________
«التذكرة ونهاية الإحكام » خلافاً للشافعي فجوّز التباعد في المسجد وإن كان متسعاً بأزيد من ثلثمائة
ذراع ، لأنّه بني للجماعة الواحدة. وقد تقدّم الكلام في ما ذكره المصنّف من استحباب كون ما بين الصفوف مربض
عنز وفيما ذكره من الجواز في السفن المتعدّدة.
[في عدم الحائل المانع عن المشاهدة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الخامس
: عدم الحيلولة بما يمنع المشاهدة إلّا المرأة) كما في «النهاية والوسيلة والمراسم والشرائع والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والتحرير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذكرى والدروس والبيان والنفلية والموجز الحاوي والهلالية وكشف الالتباس والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية والميسية والفوائد الملية والمسالك والروض والروضة ومجمع البرهان والاثنا عشرية والنجيبية» وغيرها . وفي «مجمع البرهان والذخيرة والمفاتيح » أنّه المشهور. وظاهر «كشف الحقّ والتذكرة والغرية» الإجماع عليه ، قال في «الغرية» : لا تجوز
الحيلولة بين الإمام والمأموم الذكر أو الخنثى ، وكذا بين المرأتين بما يمنع
المشاهدة ، وكذا بين الصفوف ، سواء كان من جدران المسجد أو لا ، وسواء كان في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المسجد أو لا عند علمائنا. وفي «الخلاف والمنتهى وإرشاد الجعفرية والمدارك والمصابيح » الإجماع على عدم جواز الحيلولة بما يمنع المشاهدة ،
قال في «المنتهى» : لا تجوز صلاة مَن بينه وبين الإمام حائط وشبهه يمنع مشاهدته أو
مشاهدة المأمومين إجماعاً . وفي «المعتبر» أنّه قول علمائنا . وفي «الذكرى» وكذا بين الصفوف عند علمائنا . وفي «مجمع البرهان والذخيرة » الظاهر أنّه إجماعي.
هذا وخالف في «السرائر»
في المرأة فقال : ولا تكون جماعة وبين المصلّي وبين الإمام حائل من حائط أو غيره
إلى أن قال : وقد وردت رخصة للنساء أن يصلّين إذا كان بينهنّ وبين الإمام حائط ،
والأوّل أظهر وأصحّ ، انتهى. وفي «الرياض» لا تمنع الحيلولة في المرأة إذا
كان الإمام رجلاً ، وعرفت انتقال الإمام بلا خلاف يظهر إلّا من الحلّي . وفي «المدارك » وغيرها أنّه أحوط. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والميسية والروض والمسالك والفوائد الملية ومجمع البرهان » أنّ ذلك فيما إذا صلّت المرأة خلف الرجل بخلاف ما لو
أمّت مثلها فإنّ المشاهدة معتبرة. وقال جماعة كثيرون : إنّ ذلك إذا علمت أحوال الإمام في انتقالاته
وحركاته.
وفي «الميسية»
أنّ الخنثى كالرجل إذا كان مأموماً وكالمرأة إذا كان إماماً ، وقد سمعت ما في «الغرية».
وقد نصّ في «كشف
الالتباس والجعفرية وشرحيها والفوائد الملية والروض والمسالك ومجمع البرهان » وغيرها أنّ الظلمة غير قادحة.
وفي «المنتهى»
أنّ الأكثر على عدم المنع من حيلولة النهر . وفي «الذخيرة»
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّه المشهور . وخالف فيه التقي على ما نقل وأبو المكارم وأبو المجد وادّعى الثاني الإجماع. وقد تقدّم ما له نفع تامّ في ذلك. وفي «المدارك» بعد نقل الخلاف
عن الأوّلين قال : إن خصّا ذلك بما لا يمكن تخطّيه كان جيّداً . وفي «الذخيرة» كان له وجه مع تأمّل فيه .
واحترز المصنّف
بقوله : يمنع المشاهدة كما وضع ذلك في عبارات الأكثر عمّا لا يمنعها كالشبابيك
الّتي تمنع الاستطراق دون المشاهدة ، فإنّ المشهور كما في «الذخيرة والكفاية والرياض » عدم المنع. وهو خيرة «السرائر » وما تأخّر عنها «كالمعتبر » وجملة من كتب المصنّف «والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي والهلالية وكشف الالتباس
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والجعفرية وإرشادها والغريّة وفوائد الشرائع والروض والمسالك والفوائد الملية » وغيرها . واستحسنه في «الذكرى » وهو ظاهر «نهاية الأحكام » وفي «الكفاية» فيه تردّد .
وخالف الشيخ في
«الخلاف» فمنع منه مدّعياً عليه ظاهراً الإجماع ، واستدلّ عليه بالصحيح وقال : إنّه صريح في ذلك . قالوا : وهو غريب لعدم وضوح وجه الدلالة فيه . قلت : كلام الشيخ جيّد جدّاً فإنّه عليهالسلام لمّا منع عمّا لا يتخطّى بين الصفّين وإنّه إن كان فليس
لهم بصلاة قال : «فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة» فجعل جزاء الشرط
هو عين الحكم الّذي رتّبه على ما لا يتخطّى ، فالتفريع والترتيب في غاية الظهور في
دخول الحائل في عموم ما لا يتخطّى إن لم يكن هو هو بعينه ، والظاهر أنّ ما لا
يتخطّى عامّ فيشمل بُعد المسافة والسترة كما هو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مقتضى كلمة «ما» فتأمّل. ونقل ذلك في «المعتبر» عن المصباح .
وقال في «الذكرى»
: يظهر من المبسوط والتقي عدم الجواز مع حيلولة الشبّاك مع اعترافه بجواز الحيلولة
بالمقصورة المخرمة ، ولا فرق بينهما . وفي «الذخيرة» عن المبسوط أنّه موافق للمشهور ، والموجود فيه ما نصّه : الحائط وما يجري مجراه ممّا
يمنع مشاهدة الصفوف يمنع من صحّة الصلاة والاقتداء بالإمام ، وكذلك الشبابيك
والمقاصير تمنع من الاقتداء بإمام الصلاة إلّا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة
الصفوف ، انتهى. وقال الفاضلان والشهيدان والكركي وتلميذاه وغيرهم : إنّه لا بأس بالحائل القصير الّذي لا يمنع المشاهدة.
وقال هؤلاء جميعاً والمقداد وأبو العباس وابن هلال والميسي والخراساني وغيرهم : إنّه لو كان مانعاً في بعض الأحوال كحال السجود
فالأقرب أنّه ليس بمانع. وفي «المصابيح» الأحوط الاجتناب بل الصحّة لا تخلوعن
إشكال ، لأنّ لفظ «السترة والجدار» مطلق .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «المنتهى»
: ولو لم يشاهد الإمام وشاهد بعض المأمومين صحّت صلاته وإلّا بطلت صلاة الصفّ
الثاني وما بعده لا نعرف فيه خلافاً ، انتهى.
فرع
: قال في «الذخيرة»
ذكر جماعة من الأصحاب أنّه لو وقف المأموم خارج المسجد بحذاء الباب وهو مفتوح بحيث
يشاهد الإمام أو بعض المأمومين صحّت صلاته وصلاة مَن على يمينه وشماله وورائه
لأنّهم يرون من يرى الإمام ، ولو وقف بين يدي هذا الصفّ صفّ آخر عن يمين الباب أو
عن يساره بحيث لا يشاهدون مَن في المسجد بطلت صلاته. والحكم الثاني صحيح ، وأمّا
الحكم الأوّل فقد ذكره غير واحد من الأصحاب كالشيخ ومَن تبعه وهو متّجه إن ثبت
الإجماع ، على أنّ مشاهدة بعض المأمومين تكفي مطلقاً وإلّا كان في الحكم المذكور
إشكال نظراً إلى قوله عليهالسلام : «إلّا من كان بحيال الباب» فإنّ ظاهره قصر الصحّة على
مَن كان بحيال الباب ، وجعل بعضهم هذا الحصر إضافياً بالنسبة إلى الصفّ الذّي
يتقدّمه عن يمين الباب ويساره ، وفيه عدول عن الظاهر ، انتهى. ونحوه قال في «الكفاية» لكنّه قال فيها : لم
أجد مَن حكم بخلافه . وفي «الذخيرة» قد نسبه إلى الشيخ ومَن تبعه ، انتهى.
قلت : هذا
البعض الّذي جعل الحصر إضافياً هو صاحب «المدارك » وهو ممّن قد وافق الشيخ في «المبسوط » في الحكم المذكور ، وكذلك المصنّف في «التذكرة ونهاية الإحكام والمنتهى » على تأمّل لنا في نسبة ذلك إليه ، لأنّه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قال في آخر كلامه : قال الشيخ في المبسوط. وقد يفهم ذلك من «التحرير » في المقام ، وفيه عبارة اخرى تأتي الإشارة إليها.
وهذا الحكم
خيرة «فوائد الشرائع والجعفرية والميسية والغرية وإرشاد الجعفرية والمسالك والمدارك » صرّحوا بذلك في مسألة المحراب الداخل حيث قالوا : يمكن
تصوير المحراب الداخل بأن يكون داخلاً في المسجد كثيراً بحيث إذا وقف الإمام فيه
لا يراه مَن على جانبيه ، ويمكن تصويره بأن يكون داخلاً في المسجد بحيث يكون له
جداران في المسجد ، وهذا ألصق بالمقام فإنّه حينئذ يكون من المأمومين مَن هو على
يمين الإمام وشماله ولا يكون في مقابله أحد ، فيتحقّق عدم مشاهدتهم الإمام ولا مَن
يشاهده بخلاف الداخل في الحائط فإنّ الصفّ غالباً يكون متصلاً ، فالّذين في
الجانبين يشاهدون مَن يشاهد الإمام وهو في مقابلته ولو بوسائط بأطراف أعينهم ،
انتهى كلام جماعة منهم ، والآخرون قالوا مثل ذلك من دون تفاوت أصلاً.
وفي «الرياض»
أنّ هذا القول المذكور في المنتهى أشهر بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلّا من بعض مَن
تأخّر ، وأشار بذلك إلى صاحب «الذخيرة » ثمّ قال : لكن عدم الاكتفاء بمثل هذه المشاهدة أحوط مع
احتمال ظهوره من الصحيح ، انتهى.
قلت : ويؤيّد
القول المشهور تصريحهم بأنّه لو صلّى بين الأساطين فإن اتصلت الصفوف به وشاهد
الإمام أو بعض المأمومين صحّت ، صرّح بذلك الجمّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الغفير من القدماء والمتأخّرين ، وله مؤيّدات اخر ، لكّن الاستاذ دام ظلّه في «المصابيح
» قال : إنّ هذا الحكم المذكور في المنتهى إنمّا هو خيرة المنتهى والمدارك
وشاع بسببهما في الأمصار عدم مراعاة الصحيحة الموافقة للفتاوى حيث صرّحوا بأنّ
الصحيح صلاة مَن يقابل الباب خاصّة ، واستند في ذلك إلى عبارة الكتاب و «الشرائع
والتحرير» وعبارة الكتاب الّتي استند إليها قوله : ولو صلّى الإمام في محراب
داخل صحّت صلاة مَن يشاهده من الصفّ الأوّل خاصّة وصلاة الصفوف الباقية أجمع ،
لأنّهم يشاهدون مَن يشاهده. ونحوها عبارة «الشرائع والتحرير » من دون ذكر خاصّة. ونحوها عبارة «الدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس » بل هذه العباره الّتي استند إليها موجودة في «التذكرة ونهاية الإحكام » عند ذكر الحكم المذكور في «المنتهى » والجمع بينهما بما ذكره المتأخّرون في تصوير المحراب
الداخل ، فلا يصحّ الاستناد في ذلك إلى هذه العبارات بل مثل هذه العبارة موجود في «الجعفرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وشرحيها » وغيرها مع تصريحهم بما سمعت.
وقد يستند له
بما في «البيان» من قوله : لا تصحّ صلاة مَن على جانبي باب المسجد . والتأويل قريب جدّاً ، وقد يستنهض له بما في «النهاية » وغيرها من قوله : ومن صلّى وراء المقاصير لا تكون صلاته صلاة
جماعة ، والجمع ممكن ، وكذلك الحال في الصحيحة .
وقال دام ظلّه : إنّ الظاهر من الفتاوى والصحيحة أنّ العبرة بعدم
الساتر بين الصفّ ومَن تقدّمه سواء كان واحداً أو متعدّداً ، فلو كان في الصفّ
واحد صحّت الجماعة كما هو الشأن بالنسبة إلى الإمام ، لأنّه واحد في الصفّ الأوّل
، ولم يظهر لي منشأ اعتبار مشاهدة مَن يشاهد الإمام ولو بإدارة الوجه وتحويله عن
القبلة ورفع اليد عن الاستقبال الواجب في الصلاة واعتبار خصوص القدر المذكور فضلاً
عمّا فرّع في «المنتهى والمدارك» عليه مع أنّ الذمّة مشغولة بيقين والجماعة عبادة
توقيفية ، وأطال أدام الله تعالى حراسته في الاحتجاج على ذلك والتعجّب من القول به
واشتهاره في الأمصار.
وقد يقال عليه : إنّه يلزمه مثل ذلك في الصفّ الأوّل المستطيل
كثيراً ، فإنّ مَن هو في طرف هذا الصفّ لا يشاهد من يشاهد الإمام إلّا بإدارة
الوجه ، فتأمّل جيّداً ، ولا أرى في المسألة إشكالاً.
__________________
السادس
: عدم علوّ
الإمام على موضع المأموم بما يعتدّ به ، فتبطل صلاة المأموم لو كان أخفض ، ويجوز
أن يقف الإمام في أعلى المنحدرة ووقوف المأموم أعلى بالمعتدّ.
______________________________________________________
[في عدم علوّ الامام على موضع المأموم]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (السادس
عدم علوّ الإمام على موضع المأموم بما يعتدّ به ، فتبطل صلاة المأموم لو كان أخفض) عند علمائنا كما في «التذكرة » وعملاً برواية عمّار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، إذ ليس لها في الفتوى مخالف
كما في «المهذّب البارع » وكذا «المقتصر » وهو الأشهر بين الطائفة ، بل لا خلاف فيما أجده إلّا
من الخلاف مدّعياً عليه أخبار الفرقة وإجماع الطائفة لكنّه شاذّ وإجماعه موهون إن
أراد بالكراهية المعنى المعروف ، وإن أراد بها الحرمة كما صرّح به الفاضل في
المختلف وربّما يشهد له سياق عبارة الخلاف فلا خلاف له في المسألة ، كذا قال في «الرياض
» وهو المشهور كما في «المختلف وغاية المرام والنجيبية ومجمع البرهان والذخيرة والكفاية والمفاتيح » والأشهر كما في «الميسية».
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو خيرة «النهاية
والمبسوط والمراسم والوسيلة والسرائر والمعتبر والمنتهى والتحرير والإرشاد والمختلف والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والدروس والنفلية والبيان واللمعة والموجز الحاوي والمقتصر والمهذّب البارع وكشف الالتباس والهلالية والجعفرية وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإرشاد الجعفرية والغرية والميسية والفوائد الملية والروض والروضة والمسالك » وغيرها .
وعبّر في «الخلاف»
بلا ينبغي ، وقد فهم منه جماعة الكراهيّة منهم المحقّق . وظاهر «النافع والذخيرة ومجمع البرهان » التردّد كما هو صريح «الشرائع » ومال إلى الكراهيّة صاحب «المدارك» حيث قال : هو متجّه
. وفي «المفاتيح» لا يخلو عن قوّة ، وكذا صاحب المعالم وتلميذه في «الإثنا عشرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وشرحها » يلوح منهما الميل إليه ، ولم يرجّح شيء في «التنقيح والكفاية ».
وفي «الذخيرة»
أنّ المحقّق في المعتبر متردّد ، والموجود فيه موافقة المشهور . وفي «مجمع البرهان» أنّ ظاهر المنتهى التردّد وكأنّه لم يلحظ تمام كلامه واستدلاله.
وفي «المختلف والذكرى والبيان » عن أبي علي أنّه قال : لا يكون الإمام أعلى في مقامه
بحيث لا يرى المأموم فعله إلّا أن يكون المأمومون أضرّاء ، فإنّ فرض البصراء
الاقتداء بالنظر وفرض الأضرّاء الاقتداء بالسماع إذا صحّ لهم التوجّه ، انتهى.
وفي «التذكرة وإرشاد الجعفرية » لو كان العلوّ يسيراً جاز إجماعاً. قلت : وبالجواز في
ذلك صرّح في «النهاية والسرائر » وغيرهما .
وقال في «التذكرة»
: وهل يتقدّر اليسير بشبر أو بما لا يتخطّى؟ الأقرب الثاني .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قلت : وبالثاني قدّره في «الدروس والموجز الحاوي والجعفرية » وقرّبه في «البيان والغرية والميسية والفوائد الملية ». وفي «الروض والمسالك » أنّه قريب من العرف. ومال إليه في «حاشية الإرشاد ». وفي «فوائد الشرائع وإرشاد الجعفرية » في حسن زرارة ما يشهد به ، وكذا قال الشهيد الثاني أيضاً. وتأمّل في ذلك في «مجمع البرهان » ونقل جماعة عن بعض القول بتقديره بشبر ، وضعّفه الشهيد وغيره . وفي «الرياض» لم يستند الأكثر في بيان البُعد إلى
الرواية وإنمّا عوّلوا فيه على العرف . قلت : ممّن صرّح بالتعويل على العرف ابن إدريس والشهيد في «الذكرى » والميسي في «حاشيته» والشهيد الثاني في «الفوائد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الملية والمسالك » وقد قرّب فيهما ما سمعت آنفاً ، وفي الرواية أنّ العرف هو المشهور. واقتصر جماعة على ذكر القدر
المعتدّ به «كاللمعة » والكتاب. وقال في «الذكرى» : رواية عمّار تدلّ
بمفهومها على أنّ الزائد على شبر ممنوع ، وأمّا الشبر فيبنى على دخول الغاية في
المغيّا وعدمه .
وعلى القول
بالمنع كما هو المشهور فهل يختصّ البطلان بصلاة المأمومين أم يعمّ صلاة الإمام؟
قال في «الذخيرة» : الّذي ذكره الأصحاب الأوّل ، وذهب بعض العامّة إلى الثاني .
قلت : وبالأوّل
صرّح في «التذكرة والمنتهى والتحرير والذكرى » وغيرها ، وتأمّل فيه في «مجمع البرهان ». وفي «التذكرة والمدارك » لو صلّى الإمام على سطح والمأموم على آخر وبينهما طريق
صحّ مع عدم التباعد وعلوّ سطح الإمام.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا خلاف في
أنّه يجوز وقوف الإمام في أعلى المنحدرة كما في «الرياض » وعليه نصّ جماعة من القدماء ، وقيّده المحقّق الثاني والشهيد الثاني بما إذا لم يحصل البُعد المفرط. وفي «البيان والهلالية والجعفرية والغرية» إذا كان في أعلى المنحدرة يغتفر العلوّ من الجانبين.
وفي «المهذّب وإرشاد الجعفرية » يغتفر وإن كان علوّه بالمعتدّ به ، انتهى.
وأمّا إذا كان
المأموم أعلى بالمعتدّ فجائز إجماعاً كما في «الخلاف والتنقيح والمفاتيح » وظاهر «المنتهى والمدارك والذخيرة والرياض » حيث نسب إلى علمائنا في الثلاثة الاول ، ونفى عنه
الخلاف في الأخير. وفي «التذكرة والغرية» الإجماع على صحّة صلاة المأموم وإن كان على
شاهق.
__________________
السابع
: نيّة الاقتداء
، فلو تابع بغير نيّة بطلت صلاته ، ولا يشترط نيّة الإمام للإمامة وإن أمّ النساء
،
______________________________________________________
وفي «كشف الالتباس » نسبة الصحّة إلى علمائنا وإن كان على سطح. وقيّده في «السرائر»
بأن لا ينتهي إلى حدّ لا يمكنه الاقتداء به. ولم يقيّد في «النهاية والمبسوط والوسيلة » وغيرها بشيء ، لكن بعضهم قال : يجوز علوّه بالمعتدّ ، وبعض
أطلق ، والمآل واحد. وفي «البيان والجعفرية وحاشية الإرشاد وفوائد الشرائع وإرشاد الجعفرية والغرية والروض والروضة » ما لم يؤدّ إلى العلوّ المفرط. وفي «النجيبية» دعوى
الإجماع على ذلك ، وظاهر «المسالك» الصحّة وإن كان البُعد مفرطاً .
[في نيّة الاقتداء]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (السابع
: نيّة الاقتداء ، فلو تابع بغير
__________________
______________________________________________________
نيّة
بطلت صلاته ، ولا يشترط نيّة الإمام للإمامة وإن أمّ النساء) أمّا كون نيّة الاقتداء شرطاً فهو قول كلّ مَن يحفظ
عنه العلم كما في «المنتهى » وعليه الإجماع كما في «نهاية الإحكام والتذكرة والذكرى والغرّية وإرشاد الجعفرية والروض » وظاهر «الذخيرة ».
وأمّا عدم
اشتراط نيّة الإمام للإمامة وإن أمّ النساء فقد نصّ عليه في «المبسوط والخلاف » وغيرهما . وهو قضية إطلاق جملة من العبارات. وقد تشعر عبارة «المعتبر
والمنتهى » بدعوى الإجماع حيث قصرا الخلاف فيهما على أبي حنيفة.
وفي «مجمع البرهان» كأنّه إجماع . وفي «الرياض» لا أجد فيه خلافاً . وفي «التذكرة» لو صلّى بنيّة الانفراد مع علمه بأنّ
مَن خلفه يأتمّ به صحّ عند علمائنا ، انتهى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «الذكرى والدروس والجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والمسالك » أنّ نيّتها شرط في استحقاق ثواب الجماعة في المندوبة.
وفي «الروضة والفوائد الملية » أنّها تستحبّ في المندوبة. وفي «مجمع البرهان» أنّ
اشتراطها في استحقاق الثواب غير واضح ، لأنّه تكفي نيّة الصلاة عن بعض التوابع مثل
سائر نوافل الصلاة مع أنّها أفعال لا بدّ منها ، وليس في الإمامة شيء زائد على
حال الانفراد حتّى ينوي ذلك الشيء إلّا بعض الخصائص مثل رفع الصوت ببعض الأذكار ،
فالظاهر أنّه إذا نوى ولم يقصد الانفراد ولا الجماعة يحصل له الثواب لو حصلت
الجماعة بل ولو لم يشعر بها ، انتهى.
وفي «الروضة»
لو حضر المأموم في أثناء صلاته نواها بقلبه متقرّبا . وفي «الذكرى والمسالك » وغيرهما أنّه لو لم يعلم حتّى انتهت صلاته يحتمل أنّه يثاب ثواب
الجماعة نظراً إلى كرمه وإحسانه ، لأنّه لم يقع منه إهمال. قلت : وقد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يشعر به ما ورد من تزايد ثوابها بتزايد المأمومين ولو مع عدم اطلاع
الإمام ولا أحدهم ، بل قد يقال : إنّه يحصل له ذلك من جهة استحقاقه للإمامة واستيهاله
لها بأن يكون ترتّب الثواب من ثمرات هذا الاستيهال.
وفي «الذكرى»
أنّ الظاهر وجوب نيّة الإمامة في الجماعة الواجبة وبه جزم في «الدروس والبيان والجعفرية وشرحيها وحاشية الإرشاد والمصابيح والرياض » وظاهر «التذكرة والروضة » التوقّف كما هو صريح «نهاية الإحكام » حيث قال فيه : إشكال. وحكم في «المدارك» بعدم الوجوب
في الجماعة الواجبة ، قال : لأنّ المعتبر فيها تحقّق القدوة في نفس الأمر . واستحسنه صاحب «الذخيرة » تارةً واستجوده اخرى ، وقد تبعا بذلك المولى المقدّس الأردبيلي. وقد
قال : إنّ ذلك يظهر من إطلاق عبارة المنتهى في
__________________
ويشترط تعيين الإمام ،
______________________________________________________
المقام . وقد تقدّم الكلام في ذلك في بحث الجمعة .
وقد صرّح
المصنّف والشهيدان وغيرهم بأنّ المأموم لو نوى نيّة الجماعة مطلقاً لم تكف ،
لأنّه ليس فيها نيّة اقتداء.
وفي «الدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس » أنّ نيّة القدوة بعد نيّة الإمام لا معها فيقطعها
بتسليمه ويستأنف. وفي «إرشاد الجعفرية» يجب تأخيرها إجماعاً .
وفي «المصابيح»
لا يجب على الإمام قصد الإمامة بل لو قصد عدم الإمامة واقتدى المأمومون به من غير
رضاه أصلاً صحّت صلاته وصلاة المأمومين بعد اعتقادهم عدالته وعدم تضرّره به .
[في اشتراط تعيين الإمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويشترط
تعيين الإمام) بلا خلاف كما في «الذخيرة » بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه
لشرائط
__________________
فلو نوى الائتمام بإثنين أو بأحدهما لا بعينه أو بالمأموم أو بمن ظهر أنّه
غير الإمام لم يصحّ ،
______________________________________________________
الإمامة كما في «التذكرة ونهاية الإحكام وكشف الالتباس والروض ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة والكفاية والمصابيح والرياض » وفي الأخير أنّه لا خلاف فيه. وفي «الروضة» بالاسم أو
الصفة أو القصد الذهني .
قوله قدّس سره
: (فلو
نوى الائتمام باثنين أو بأحدهما لا بعينه أو بالمأموم أو بمن ظهر أنّه غير الإمام
لم يصحّ) أمّا البطلان
لو نوى الائتمام باثنين فقد نصّ عليه في «المبسوط » وغيره . وفي «مجمع البرهان» كأنّه إجماع . وصرّح جماعة بالبطلان ولو توافقا فعلاً لعدم دليل على الصحّة من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فتوى أو رواية ، لاختصاص موردهما بغيرها ، وكذا لو نوى الائتمام بأحدهما لا
بعينه ، نصّ عليه في «المبسوط » وغيره وفي «المجمع» كأنّه إجماع .
وأمّا لو نوى
الائتمام بالمأموم فقد نقل الإجماع على عدم الصحّة في «التذكرة والذكرى ». وفي «التذكرة» أيضاً أنّه لا فرق بين أن يكون عالماً
بأنّه مأموم أو جاهلاً .
وأمّا إذا نوى
الائتمام بمن ظهر أنّه غير الإمام ، ففي «نهاية الإحكام والتذكرة والذكرى وإرشاد الجعفرية والروض والروضة » أنّه لو نوى الاقتداء بزيد فبان أنّه عمرو بطلت وإن
كان أهلاً للإمامة. وفي «الذكرى والفوائد الملية والمدارك » أنّه لو نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد فبان أنّه
عمرو ففي صحّة القدوة ترجيحاً للإشارة وعدمها ترجيحاً للاسم وجهان. وفي «الرياض»
أحوطهما العدم . وفي «كشف الالتباس» الحكم بالبطلان . وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الروض» أنّه متّجه . وفي «الذخيرة والكفاية » الأقرب الصحّة.
وفي «المصابيح»
أنّه لو نوى الاقتداء بهذا الحاضر على أنه زيد أو سمّاه فبان أنّه عمرو ، فلو لم
يكن عمرو عنده عادلاً ففي صحّة صلاته إشكال ، لظهور عدم الاقتداء بعادل ، ولما ورد
من صحّة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثمّ ظهر فساده ، وكيف كان فلا محيص
عن الإعادة في الوقت والاحتياط في القضاء. هذا إذا انكشف الحال بعد الصلاة ، وأمّا
لو وقع في الأثناء ، فإن كان بعد التكبيرة قبل أن يصدر منه مضرّ مثل ترك القراءة
إلى أن ركع أو السكوت أو غير ذلك فإنّه يتعيّن عليه العدول إلى الانفراد لعدم صدور
ما يضرّ المنفرد ، ومجرّد قصد الاقتداء حال التكبير مع عدم صدور ما يضرّه لا يضرّ
، وإن أعاد بعد الإتمام كان أحوط لكن لا اهتمام بهذا الاحتياط.
وأمّا لو انكشف
بعد صدور ما يضرّ بالمنفرد فحينئذٍ لا يتأتّى العدول إلى الانفراد ، لكونه خلاف
الأصل والقاعدة ولم تثبت صحّته. وأمّا إذا كانا عادلين عنده فالظاهر صحّة صلاته
لوقوع التعيين بالإشارة وعدم ثبوت ضرر فيما اعتقده خطأً وكما صحّت صلاته في الصورة
الّتي تردّد بين كون إمامه زيداً العادل عنده أو عمراً كذلك وعيّن بإشارته بكونه
هذا الحاضر سواء كان زيداً أو عمراً صحّت أيضاً بإشارته بكونه هذا الحاضر وإن كان
اعتقد من بينهما أنّه زيد فظهر كونه عمراً ، لأنّ المناط المصحّح هو تعيينه
بإشارته ، وقد مرَّ في بحث الوضوء والصلاة أنّ دليل وجوب التعيين في النيّة هو
تحقّق الامتثال العرفي ، وظهر ممّا مرَّ كفاية هذا القدر من التعيين وعدم ضرر خطأ
الاعتقاد في أمثال ما ذكر.
قال في المدارك
: لو نوى الاقتداء بزيد فبان أنّه عمرو ففي ترجيح الإشارة على الاسم فتصحّ أو
بالعكس فتبطل نظر ، نقول : على التقدير الثاني أي إذا كان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الترجيح للاسم إنّما يكون الحكم بالبطلان في صورة عدم حضور عمرو بحيث يمكن
الاقتداء به كما هو ظاهر عبارته ، إذ مقتضاها أنّ عمراً لو كان حاضراً وقابلاً
لاقتدائه به تعيّن اقتداؤه به وكونه إمامه وصحّة صلاته حينئذٍ على التقدير الثاني
لكنّه مشكل ، لأنّهم لو بنوا على كفاية أحد التعيينين تعيّنت صحّة صلاته فكيف
قالوا : أو بالعكس فتبطل؟ إذ أحد التعيينين حصل وهو كاف في الصحّة ، ولو بنوا على
لزوم التعيين في التعيينين لم تصحّ الصلاة على التقديرين إذ الترجيح لا بدّ أن
يكون من مرجّح ، فإن كان لكّل واحدٍ منهما مرجّح اقتضى استشكالهم وتوقّفهم كما هو
مقتضى كلامهم لزم منه الحكم ببطلان صلاته ، والبناء على أنّ التعيين الاسمي يكون
مصحّحاً في صورة التعيين بالإشارة لا غير لا يلائم جعل التعيين في مقابل التعيين
بالإشارة وقسماً له. والحاصل : إنّ جعل التعيين بالإشارة لا بدّ منه ولا محيص عنه
في صحّة الاقتداء لتوقّف الصحّة على تعيين الإمام والتعيين بالإشارة وقع صواباً
وحقّاً والتعيين بالاسم خطأً وباطلاً فكيف يعارض الخطأ الصواب ويقاوم الباطل الحقّ؟
وقد عرفت أنّ البطلان في صورة خاصّة ، وعرفت أنّه لو وقع الكشف في الأثناء قبل
عروض ما يضرّ المنفرد لا وجه للحكم بالبطلان البتة بل الراجح العدول ، وكذا لو وقع
الكشف بعد الفراغ عن الصلاة خصوصاً بعد خروج الوقت فإنّ احتمال الصحّة حينئذٍ أقوى
ممّا مضى كما لا يخفى. ويؤيّد ما ذكرناه ويؤكّده ما في الأخبار وفتاوى الأخيار من
استنابة الإمام الآخر إذا عرض للإمام الموت أو مانع عن الائتمام به خصوصاً إذا حصل
مثل ذلك مع كثرة المأمومين ، مع أنّ الصلاة خلف من انكشف أنّه يهودي صحيحة فكيف
إذا انكشف كونه عادلاً مع بقاء التعيين بالإشارة إلى عادل على حاله؟ فتأمّل جدّاً
، انتهى كلامه دام ظلّه.
__________________
ولو نوى كلّ من الاثنين الإمامة لصاحبه صحّت صلاتهما ، ولو نويا الائتمام
أو شكّا فيما أضمراه بطلتا ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
نوى كلّ من الاثنين الإمامة لصاحبه صحّت صلاتهما) إجماعاً كما في «المنتهى » والرواية التّي دلّت على ذلك عليها عمل الأصحاب كافّة كما في «الرياض
» وعليها عملهم وهي مشتهرة بينهم كما في «المسالك والذخيرة والروض» كما
سيأتي.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
نويا الائتمام أو شكّا فيما أضمراه بطلتا) أمّا البطلان في الأوّل فعليه الإجماع كما في «التذكرة
ونهاية الإحكام » وعمل الأصحاب كما في «الروض والمسالك والذخيرة » وزاد في «الروض» عدم العلم بالمخالف. وفي «مجمع
البرهان» العمدة ظاهر النصّ وكلام الأصحاب وعدم ظهور الخلاف وإلّا ففي البطلان
تأمّل . وفي «فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد » في قبول قول كلٍّ منهما في حقّ الآخر بعد الصلاة تردّد
، فإنّ الإمام لو أخبر بحدثه أو عدم تستّره أو عدم قراءته لم يقدح ذلك في صلاة
المأموم إذا كان قد دخل على وجهٍ شرعي. فإن قيل لمّا تحقّقت الإمامة والائتمام هنا
حكم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالصحّة فلا يقدح إخباره بشيء من ذلك ، قلنا : إذا كان تحقّق الإمامة
والائتمام شرطاً لم تصحّ الصلاة إذا أخبر كلّ منهما بالإمامة ، انتهى. وأجاب في «الروض»
بأنّ الإشكال في مقابلة النصّ غير مسموع خصوصاً مع عمل الأصحاب بذلك وعدم العلم
بالمخالف ، ويمكن مع ذلك أن يكون شرط جواز الائتمام ظنّ صلاحية الإمام لها ، ولهذا
لا يشترط أن يتحقّق المأموم كون الإمام متطهّراً ولا متّصفاً بغيرها من الصفات الخفية
بعد الحكم بالعدالة ظاهراً ، وحينئذٍ إن تحقّقت الإمامة» والائتمام لم يقبل قوله
في حقّه كما في الحدث ونحوه ، وإن حكم بها ظاهراً ثمّ ظهر خلافه قبل قول الإمام ،
لعدم تيقّن انعقاد الجماعة ، والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة. وهذا هو مقتضى
النصّ في الموضعين ، انتهى. وفي «الذخيرة» أنّ للتأمّل في المسألة طريقاً وفي «المدارك» بعد أن نقل جواب جدّه بأنّ ذلك غير مسموع
في مقابلة النص قال : هو جيّد لو صحّ السند لكنّه ضعيف ، ثمّ قال : ويمكن أن يقال
.. وساق جواب جدّه الثاني مع تغيير في العبارة. ولا يخفى أنّ وقوع هذا الاختلاف
على هذا الوجه نادر جدّاً فإنّه لا يكاد يتحقّق إلّا في حال التقية أو الائتمام
بثالث .
هذا وما في «المنتهى»
من قوله رواه الشيخ عن عمّار» يشبه أن يكون سهواً من قلمه الشريف ، لأنّ الرواية
إنمّا هي عن السكوني ولم نجد أحداً أشار إلى أنّ هناك رواية عن عمّار.
وأمّا البطلان
في الثاني أعني فيما إذا شكّا فيما أضمراه فهو خيرة «المبسوط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمعتبر والشرائع والمنتهى والتحرير والموجز الحاوي » وغيره لكن سياق كلام «المنتهى» يقضي بأنّ الشكّ كان في
الأثناء. وقال في «التذكرة ونهاية الإحكام » : إن كان بعد الفراغ من الصلاة احتمل أن يعيد ، لأنّه
لم يحصل الاحتياط في أفعال الصلاة بيقين ، والصحّة لأنّه شكّ بعد الفراغ ، أمّا لو
شكّا في الأثناء أيّهما الإمام بطلت صلاتهما لأنّه لا يمكنهما المضي في الصلاة وأن
يقتدي أحدهما بالآخر ، انتهى. وقال مثل ذلك صاحب «كشف الالتباس ». وفي «البيان » الحكم بالبطلان إن كان في الأثناء ولم يتعرّض لما بعد
الفراغ.
وقال في «الذكرى»
بعد نقل حاصل كلام التذكرة ونهاية الإحكام : يمكن أن يقال إذا كان الشكّ في
الأثناء وهو في محلّ القراءة ولم يمض ما فيه إخلال بالصحّة فنوى (فينوي خ ل)
الانفراد صحّت صلاته ، لأنّه إن كان نوى الإمامة فهي نيّة الانفراد ، وإن كان قد
نوى الائتمام فالعدول عنه جائز ، وإن كان بعد مضي محلّ القراءة فإن علم أنّه قرأ
بنيّة الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم نيّة الندب انفرد أيضاً لحصول الواجب عليه ،
وإن علم ترك القراءة أو القراءة بنيّة الندب أمكن البطلان للإخلال بالواجب ،
وينسحب البحث إلى الشكّ بعد التسليم ، ويحتمل قوياً البناء على ما قام إليه ، فإن
لم يعلم ما قام إليه فهو منفرد ، انتهى. ونحو ذلك ما في
__________________
ولو صلّى منفرداً ثمّ نوى الائتمام لم يجز ،
______________________________________________________
«الروض والمسالك » حيث حكم فيهما بعدم الالتفات بعد الفراغ وفصّل فيما
إذا كان في الأثناء بعين ما في الذكرى.
وقال في «المدارك»
: إنّ ما في الذكرى مشكل ، لجواز أن يكون كلّ منهما قد نوى الائتمام بصاحبه فتبطل
الصلاتان ويمنع العدول ، ثمّ إنّه في «المدارك» نقل عن المحقّق الثاني أنّه قوّى
عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ ، وقال : لا بأس به إذا كان كلّ منهما قد دخل
في الصلاة دخولاً مشروعاً . والموجود في «فوائد الشرائع» أنّ الشكّ في الأثناء
مبطل ، وأمّا بعد الفراغ فالذّي يقتضيه النظر عدم الإبطال إلّا أنّ قبول قول كلّ
منهما في حقّ الآخر بعد الصلاة يقتضي تأثير الشكّ حينئذٍ حيث إنّ شرط الصحّة لم
يتحقّق حصوله .
[في عدم جواز نيّة المنفرد الائتمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
صلّى منفرداً ثمّ نوى الائتمام لم يجز) كما في «المنتهى والتحرير » وما يأتي من الكتاب و «الإيضاح والموجز الحاوي وجامع المقاصد والمدارك والذخيرة والكفاية » وإليه مال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
صاحب «الهلالية». وقال في «الخلاف» : الثالثة أن ينقل صلاة انفراد إلى صلاة
جماعة فعندنا أنّه يجوز ذلك ، وللشافعي فيه قولان : أحدهما لا يجوز وبه قال أبو
حنيفة ، ثمّ قال : دليلنا إجماع الفرقة . وفي «التذكرة» أنّه ليس بعيداً من الصواب . وظاهر «نهاية الإحكام والذكرى » القول به أو الميل إليه ، قالا : فإن احتجّ بأنّ النقل
قد ورد بأنّ المنفرد يقطع صلاته مع إمام الأصل أو مطلقاً أو ينقل إلى النفل ، فلو
ساغ العدول لم يكن ذلك ، فجوابه بأنّ قطع الصلاة ليحصل كمال الفريضة حينئذٍ ، ولا
فرق بين أن يدخل في الركعة الاولى مع صلاتهما أو غيرها ويراعي نظم صلاته.
وظاهر الشهيد
التوقّف في «الدروس والبيان» قال في «الدروس» : ولو زادت صلاة المأموم فله
الاقتداء في التتمّة بآخر من المؤتمّين ، وفي جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان
مبنيان على جواز تجديد نيّة الائتمام للمنفرد ، وجوّزها الشيخ . وقال في «البيان» : ولو اقتدى في فريضة ينقص عددها عن
عدد صلاته أتمّها بعد تسليم الإمام منفرداً أو مقتدياً بمن صاحبه في الاقتداء ،
وفي جوازه بغيره منفرداً أو إماماً وجهان مبنيّان على جواز تجديد نيّة الائتمام
للمنفرد .
وقال في «كشف
الالتباس» : إنّ ظاهر الشهيد أنّ نقل الجماعة إلى المنفرد مبنيّ على جواز نقل
المنفرد إلى الجماعة ، قال الشهيد : ولو زادت صلاة المأموم .. وساق عبارة الدروس
الّتي قد سمعتها ثمّ قال : فكلام الشهيد يقتضي عدم الفرق بينهما فكلّ موضع يجوز
نقل الجماعة إلى المنفرد يجوز نقل المنفرد إلى الجماعة ،
__________________
لو نوى المأموم الانفراد جاز
______________________________________________________
انتهى كلامه ،
ولم أفهم مرامه وكأنّه سهو أو خالٍ عن التحصيل.
هذا وفي «التذكرة»
لو كان يصلّي مع جماعة فحضرت طائفة اخرى يصلّون جماعة فأخرج نفسه من متابعة إمامه
ووصل صلاته بصلاة الإمام الآخر فالوجه الجواز ، انتهى. وهو مشكل جدّاً ، ويأتي تمام الكلام عند قوله
: ولو أحرم مأموماً.
[في جواز نيّة المأموم الانفراد]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
نوى المأموم الانفراد جاز) جواز المفارقة اختياراً لغير عذر مع نيّة الانفراد هو
المشهور كما في «الروض والمسالك ومجمع البرهان والحدائق والذخيرة والكفاية » ومذهب الأكثر كما في «الاثنا عشرية والنجيبية» والمعروف من كلام الأصحاب كما في «المدارك والحدائق » أيضاً ، ولا خلاف فيه إلّا من المبسوط كما في «الرياض » وقد نقل عليه الإجماع في «نهاية الإحكام وإرشاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجعفرية » وظاهر «التذكرة والمنتهى » بل كاد يكون صريح «المنتهى» وقد يقال : إنّه ظاهر «الخلاف
» أو صريحه.
وقال في «المبسوط»
: مَن فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته وإن فارقه لعذر وتمّم صحّت صلاته . قالوا : وهذا ظاهر في عدم جواز نيّة الانفراد. قلت : هو غير
صريح في المخالفة ولا ظاهر ظهوراً معتدّاً به ، لاحتمال اختصاصه بما إذا لم ينوها.
وكذا الحال في المنقول من كلام السيّد في «الناصرية» حيث قال : وإن تعمّد سبقه إلى
التسليم بطلت صلاته . وفي «المدارك وإثنا عشرية » صاحب المعالم و «الذخيرة والكفاية والحدائق » أنّ المسألة لا تخلو عن إشكال وأنّ الاحتياط في قول
الشيخ. وفي «المصابيح » ترجيح عدم الجواز وقال : إنّ ذلك مستفاد من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأخبار والقواعد الكثيرة ، وقد أطال في الاستدلال على ذلك ثمّ أخذ يحاول
أن يجعله مذهباً للصدوق لعدم ذكره ذلك في الفقيه ، وقال : إنّه ظاهر الدروس لعدم
ذكره له وكلامه جميعه في محلّ التأمّل. وهذا كلّه في الجماعة الغير الواجبة.
وأمّا الواجبة
فلا يجوز الانفراد فيها قطعاً كما في «المدارك » ولا خلاف في عدم جواز ذلك فيها كما في «الحدائق » وعلى عدم الجواز فيها اختياراً نصّ المحقّق الثاني والشهيد الثاني وجماعة .
وأمّا جواز
المفارقة مع العذر في المندوبة فلا نزاع فيه كما في «المدارك والذخيرة والحدائق ».
وقضية كلام
جماعة كالمصنّف فيما يأتي والمحقّق في «الشرائع » أنّه تجوز المفارقة مع عدم نيّة الانفراد لعذر مع بقاء
القدوة ، وإلّا فلو زالت القدوة تحقّق الانفراد ، ويتحقّق ذلك في المسبوق بحيث
يكون تشهّده في غير محلّ تشهّد الإمام فإنّه يفارقه ويتشهّد ويلحقه كما نصّ على
ذلك في «فوائد الشرائع والمسالك ». وفي «التحرير» تجوز المفارقة من دون نيّة لعذر ، وقيّده
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بعضهم بنيّة الانفراد ، والجمع ممكن.
واعلم أنّه إذا
حصلت المفارقة حيث ينوي الانفراد اختياراً قبل القراءة قرأ لنفسه ، وإن كانت بعد
تمامها ركع لنفسه كما نصّ على ذلك الجمّ الغفير ، وإن كانت في أثنائها فخيرة «نهاية الإحكام والتذكرة وتعليق الإرشاد والغرية والمسالك » أنّه يعيد السورة الّتي فارق فيها مع الاحتمال في جملة
منها للاجتزاء بالقراءة من موضع القطع ، وهذا الاحتمال هو خيرة «إرشاد الجعفرية والروض والمدارك » واستوجه في «الذكرى» الاستئناف مطلقاً ، لأنّه في محلّ
القراءة وقد نوى الانفراد . وكأنّه أحوط ، وعلى القول بإعادة السورة الّتي فارق
فيها لو كان الإمام قد تجاوز نصف السورة وأراد المأموم القراءة من أوّل السورة لم
يجز له العدول عنها ، وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد مطلقاً في غير
الجمعتين ، وعلى القول الآخر له قراءة أيّ سورة شاء.
وفي «المسالك والروض » أنّ المفارقة جائزة في جميع أحوال الصلاة ولا يشترط
الدخول معه في ركن ، فلو أدركه في أثناء القراءة وفارق قبل الركوع صحّ.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصرّح جماعة كثيرون بأنّ له أنّ يسلّم قبل الإمام وينصرف اختياراً ، وفي «المدارك»
أن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب حتّى من القائلين بوجوب التسليم . وفي «الحدائق» الإجماع على جواز التسليم قبله حتّى من
القائلين بوجوب التسليم ، وفي «الذخيرة» أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب . وفي «النهاية» يجوز له ذلك عند الضرورة . وفي «المعتبر والنافع والمنتهى ورسالة صاحب المعالم » يجوز ذلك مع العذر.
وهل يفتقر مع
العذر إلى نيّة الانفراد ففي «المعتبر والذكرى والبيان والجعفرية والغرية» ظهور الافتقار إلى النيّة. وفي «الذكرى والبيان » أيضاً أنّه يأثم لو لم ينو. وفي «المنتهى » يصحّ له ذلك مع العذر أو نيّة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الانفراد ، فقد ردّد بين الأمرين كالمحقّق في «النافع ». وفي «فوائد الشرائع» الأخبار مطلقة . وفي «المسالك والروض ومجمع البرهان والذخيرة والرياض » أنّه لا يجب عليه نيّة الانفراد وإن كان لغير عذر. قلت
: وهو ظاهر جماعة . وفي «الذخيرة» أنّه ظاهر الأصحاب ، لذكرهم له بعد
المسألة السابقة من غير تقييد .
وفي «الروض»
يدلّ على عدم الافتقار إلى النيّة إطلاق الجماعة جواز التسليم قبله من غير تعرّض
للنيّة وكذا الرواية ، بل لو افتقر إلى النيّة لم يكن لذكره فائدة ، لدخوله في
المسألة السابقة ، وقد اصطلح الأصحاب على ذكره مع ذكرهم لجواز المفارقة مطلقاً ،
ووردت به الأخبار ولا فائدة فيه إلّا ذلك ، بل هذا يؤيّد عدم وجوب المتابعة في
الأقوال. وقال أيضاً قبل ذلك : إن قلنا بوجوب المتابعة في الأقوال لمساواته لغيره
من الأفعال فالافتقار إلى النيّة واجبة ، وأمّا مَن لم يوجب المتابعة فيها فالظاهر
أنّه لا يفتقر إلى النيّة لانقطاع القدوة الواجبة بالقيام من السجود .
__________________
ولو أحرم مأموماً ثمّ صار إماماً أو نقل إلى الائتمام بآخر صحّ في موضعٍ
واحد وهو الاستخلاف ، ولو تعدّد المسبوق أو ائتمّ المقيمون بالمسافر جاز لهم
الائتمام بأحدهم بعد تسليم الإمام.
______________________________________________________
[في الاستخلاف]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
أحرم مأموماً ثمّ صار إماماً أو نقل إلى الائتمام بآخر صحّ في موضعٍ واحد وهو
الاستخلاف) كما في «التحرير
». وفي «نهاية الإحكام» يصير المأموم إماماً في موضع الاستخلاف أو إذا نوى
المفارقة ثمّ ائتمّ به غيره وكذا لو نقل نيته إلى الائتمام بآخر . وفي «الذكرى والغرية» يجوز أن يصير المأموم إماماً وأن ينقل المؤتمّ
من إمام إلى آخر ، وكلاهما في الاستخلاف ، سواءٌ كان بعذر الإمام أو لانقطاع صلاته
وبقاء صلاة المسبوقين ، فيقتدي بعض ببعض. وفي «البيان والدروس والموجز الحاوي والجعفرية وشرحيها وكشف الالتباس » يجوز اقتداء بعضهم ببعض عند انقطاع صلاة الإمام. وفي
الأخير : أنّه لا يجوز الائتمام بإمام آخر غير إمامه ولا
بمنفرد ، ومن هنا يعلم الحال في قوله : فلو تعدّد المسبوق .. إلى آخره. وفي
__________________
الثامن
: توافق نظم
الصلاتين ، فلا يقتدى في اليومية بالجنازة والكسوف والعيد ،
______________________________________________________
«الدروس والهلالية والجعفرية وإرشاد الجعفرية » أنّه يجوز النقل من الائتمام بأحد إلى الائتمام بآخر
عند عروض مانع من الاقتداء بالأوّل ، وفي الأخير : أنّه يمكن إذا كان الآخر أفضل.
وفي «الذخيرة » عدم الجواز من دون استخلاف. وفي «المدارك» أنّ الجواز
من دونه مشكل . وقد سمعت تجويزه فيما مضى من عبارة «التذكرة ». وفي «الذكرى» يمكن المنع ويمكن الفرق بين العدول إلى
الأفضل وغيره ، نعم لو استخلف إمامه رجلاً نقل إليه .
[في اشتراط توافق نظم الصلاتين في الأفعال]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (توافق
نظم الصلاتين ، فلا يقتدى في اليوميّة بالجنازة والكسوف والعيد) اشتراط توافق نظم الصلاتين من بديهيّات المذهب كما في «المصابيح
». وفي «الرياض» الإجماع عليه . وفي
__________________
ولا يشترط توافقهما في النوع ولا العدد ،
______________________________________________________
«مجمع البرهان» الظاهر عدم النزاع فيه .
وأمّا عدم جواز
الاقتداء في اليومية بهذه الثلاثة فقد طفحت به عبارات الأصحاب بل لا أجد فيه مخالفاً إلّا ما احتمله في «النجيبية»
حيث قال : احتمال الجواز فيه غير بعيد إذا كان الإمام في الركوع العاشر أو قبله
خصوصاً إذا قرأ الحمد والسورة. وفي «البيان» لا يجوز العكس أيضاً ولا بكلّ واحدة
من هذه مع الاخرى .
وفي «البيان والجعفرية وشرحيها » وكذا «كشف الالتباس » أنّه يجوز الائتمام في ركعتي الطواف باليومية وبالعكس.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
يشترط توافقهما في النوع ولا) في (العدد) وقال جماعة : ولا في الصنف كالحاضر بالمسافر وبالعكس ، وزاد جماعة عدم اشتراط التوافق ، وهذان يستفادان ممّا ذكر. وعن
__________________
فللمفترض الاقتداء بالمتنفّل
______________________________________________________
الصدوق أنّه اشترط اتحاد الكمّية مع أنّه صرّح في «الفقيه»
بجواز اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس كما يأتى.
قوله قدسسره : (فللمفترض
الاقتداء بالمتنفّل) عندنا كما في «المعتبر » وعند علمائنا كما في «التذكرة » وبالإجماع كما في «الخلاف والمنتهى ». وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » لا مطلقاً بل في صورة النصّ وهو ما إذا قدّم فرضه ،
وقد ذكر في «الذكرى » عن التذكرة خلاف ما فيها ولعلّه سهومن قلم الناسخ.
وقال في «المبسوط» يجوز للمتنفّل أن يأتمّ بالمفترض وبالعكس والمفترض بالمفترض مع
اختلاف فرضيهما ومع اتفاقهما . وفي «السرائر» يجوز اقتداء المؤدّي بالقاضي وبالعكس
والمفترض بالمتنفّل والعكس ومن يصلّي الظهر بمن يصلّي العصر وبالعكس . وفي «الإشارة» يصحّ الائتمام مع اختلاف الفرضين . وفي «الوسيلة» لا تصحّ الجماعة إلّا في الصلاة
المفروضة أو فيما كان
__________________
وبالعكس ، والمتنفّل بمثله في مواضع ،
______________________________________________________
في الأصل فريضة إلّا في صلاة الاستسقاء خاصّة .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وبالعكس) اقتداء المتنفّل بالمفترض لا نعلم فيه خلافاً بين أهل
العلم كما في «المنتهى » وعليه الإجماع في «الخلاف » وظاهر «التذكرة ». وفي «نهاية الإحكام» يجوز اقتداء المتنفّل بالمفترض
مطلقاً .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والمتنفّل
بمثله في مواضع) كما في «الشرائع والمنتهى والبيان والهلالية» وغيرها . وفي «المسالك والمدارك » أنّه في عبارة «الشرائع» قيد للجمع. وفي «الميسية
وحاشية الإرشاد » أنّ الأقوى اختصاصه بأماكن خاصّة في الصور الثلاث ،
فموضع اقتداء المتنفّل بالمفترض ما لو كان الإمام مبتدئاً والمأموم معيداً وبالعكس
، في العكس ، والمتنفّل بمثله في صلاة العيد المندوبة والاستسقاء. وفي «التذكرة
__________________
ولمن يصلّي العصر أو المغرب أو الصبح الاقتداء بمن يصلّي الظهر وبالعكس ،
______________________________________________________
ونهاية الإحكام والموجز الحاوي » يصحّ اقتداء المتنفّل بمثله في الاستسقاء والعيد
المندوبة خاصّة. وزاد صاحب «غاية المرام وإرشاد الجعفرية » الغدير على الخلاف. وقال في «إرشاد الجعفرية» : وأمّا
غير هذه المواضع فممنوع إجماعاً . وزاد في «مجمع البرهان » صلاة الصبيان جماعة والمعادة إذا صلّى كلّ من الإمام
والمأموم منفرداً من غير نزاع وجماعة مع تأمّل فيه. ونحوه ما في «الذخيرة ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولمن
يصلّي العصر أو المغرب أو الصبح الاقتداء بمن يصلّي الظهر وبالعكس) عند علمائنا كما في «التذكرة ». وفي «الذخيرة» هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب بل قال
في «المنتهى» : إنّه قول علمائنا أجمع ، انتهى. قلت : الموجود في «المنتهى» ليس تساوي الفرضين
شرطاً ، فلو صلّى ظهراً مع من يصلّي العصر صحّ ذهب إليه علماؤنا أجمع وقال في «المعتبر» بعد ذكر عين ما ذكره في المنتهى :
إنّه قول علمائنا . وفي «المجمع » في جميع ما نحن فيه لا نزاع إلّا من الصدوق. وفي «الرياض»
__________________
ثمّ يتخيّر مع نقص عدد صلاته بين التسليم والانتظار. ولو قام الإمام إلى
الخامسة سهواً لم يكن للمسبوق الائتمام فيها.
______________________________________________________
لا أجد في ذلك خلافاً ، إلّا من والد الصدوق فمنع من ائتمام المتمّم
بالمقصّر وبالعكس ، ومن الصدوق فمنع من ائتمام مصلّي العصر بمصلّي الظهر خاصّة
إلّا أن يتوهّمها العصر ثم يعلم أنّها كانت الظهر فتجزي ، وهما نادران ، انتهى. وفي «المفاتيح» أنّ قولَي الصدوقين شاذّان . وقد نقلت الشهرة على ما نحن فيه في «غاية المرام والمدارك والمفاتيح والمصابيح ». وفي «الذكرى والبيان » لا أعلم مأخذ قول الصدوق ، فإن قيل به ففي انسحابه إلى
المغرب والعشاء نظر. وقد تعرّض الاستاذ قدّس الله تعالى سرّه لحال الانسحاب في «المصابيح
» وبعد ذلك كلّه قال صاحب المعالم في «اثنا عشريّته » وتلميذه في شرحها أنّ الاولى موافقة الصدوق في المنع من ائتمام مصلّي
العصر بمصلّي الظهر وإن كان الأشهر خلافه.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ثمّ
يتخيّر مع نقص عدد صلاته بين التسليم والانتظار) كما في «التذكرة ونهاية الإحكام ». وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الذكرى والبيان والموجز الحاوي والهلالية والجعفرية وشرحيها وكشف الالتباس والروض » أنّ انتظار الإمام حتّى يسلّم أفضل. وفي «الذكرى والروض » أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون مسافراً فيأتمّ بحاضر
أو يصلّي الصبح أو المغرب مع الإمام المصلّي الظهر أو العشاء. وقال في «الذكرى» :
لو اقتدى في المغرب بالظهر فإذا قام الإمام إلى الرابعة لم يتابعه ، بل يجلس
للتشهّد والتسليم ، والأقرب استحباب انتظاره كما قلناه في الصبح وصلاة المسافر. لا
يقال : إنّه أحدث تشهّداً مانعاً من الاقتداء بخلاف مصلّي الصبح مع الظهر فإنّه
تشهّد مع الإمام ، لأنّا نقول : لا نسلّم أنّ ذلك مانع وما هو إلّا كتأخّر المأموم
عن الإمام في تشهّده إذا كان مسبوقاً ، وقد ذكر ذلك كلّه في «روض الجنان» وكلامه
صريح في وجود المخالف الّذي كاد يفهم من عبارة «الذكرى». وفي «مجمع البرهان والذخيرة والحدائق » أنّ وجه الأفضلية في هذه المواضع غير واضح.
وجوّز في «المنتهى»
فيما إذا استنيب المسبوق أن تنتظره الجماعة إلى أن
__________________
ويستحبّ للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماماً أو مأموماً.
______________________________________________________
يفرغ ليسلّم بهم . وفي «المفاتيح» أنّه غير بعيد . وقال في «البيان» بعد قوله : ولو زادت صلاة الإمام
تخيّر المأموم بين التسليم والانتظار وهو أفضل ما نصّه : وفي إلحاق مثل هذا السفري
بالحضري في الكراهة نظر أقربه انتفاء الكراهة ، انتهى. ومعناه أنّ هذا الانتظار ، من السفري لتسليم
الحضري هل هو كأصل صلاته في الكراهة؟ نظر من صدق ائتمام المسافر بالحاضر في هذا
الانتظار ومن استحبابه للمسبوق ومفارقة المأموم للإمام اختياراً مكروه ، فحينئذٍ
الأقرب انتفاء الكراهة.
[في استحباب إعادة المنفرد صلاته مع الجماعة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويستحبّ
للمنفرد إعادة صلاته مع الجماعة إماماً أو مأموماً) أي سواء كان معهم إماماً أو مأموماً ، وقد نقل على ذلك
الإجماع في «المنتهى والمدارك والذخيرة والمفاتيح والرياض » ونفى الخلاف عنه (فيه خ ل) في «مجمع البرهان والنجيبية والحدائق ».
وإناطة الحكم
بالمنفرد في الكتاب «كالمبسوط والنهاية والوسيلة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والشرائع ونهاية الإحكام والتحرير والإرشاد والهلالية» وغيرها تعطي أنّ من صلّى في جماعة ثمّ وجد جماعة اخرى لا
تستحبّ له الإعادة. وفي «الحدائق» أنّه الأشهر . قلت : هو خيرة «المدارك » وكذا «مجمع البرهان ». وفي «الذخيرة والكفاية » أنّ العدم (أنه خ ل) أحوط. وتردّد المصنّففي «المنتهى
والتذكرة » وهو ظاهر «الرياض ». وحكم في «السرائر والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس وفوائد الشرائع والميسية والروض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمسالك » باستحباب الإعادة للجامع أيضاً إماماً كان أو مؤتمّاً.
وقد لا يكون
هناك خلاف ، لأنّ هنا مسألتين ، إحداهما : أنّ هناك اناساً قد صلّوا الظهر مثلاً
جماعة ثمّ أرادوا أن يعيدوها جماعةً من دون مبتدئ بالصلاة وهؤلاء لا تستحبّ لهم
الإعادة كذلك من غير خلاف على الظاهر ، وعلى ذلك ينزّل ما ظهر من «المبسوط» وما
بعده ولا سيّما عبارة «الوسيلة» وكذلك ينزّل عليه تردّد المتردّدين ، فلتلحظ
عباراتهم وليتأمّل فيها.
الثانية : أن
يكون زيد قد صلّى جماعة ثمّ حضر واحد وأراد الصلاة فإنّه يستحبّ له أن يصلّي معه
جماعة إماماً كان أو مأموماً تحصيلاً لفضيلة الجماعة في الحاضرة ، كما نصّ على ذلك
بعين هذه العبارة في «التذكرة ». ونحوه ما في «الروض» حيث قال : لو كان أحدهما منفرداً
فلا إشكال . وقرّبه في «مجمع البرهان » وقد أوضحه في «البيان» فقال : يستحبّ للمنفرد إعادة
صلاته إذا وجد من يصلّي معه إماماً كان أو مأموماً ، والأقرب استحباب ذلك لمن صلّى
جماعة واسترسال الاستحباب ، نعم لو صلّى جماعة لم يستحبّ له إعادتها إذا لم يأت
مبتدئاً بالصلاة ، فلو أتى مبتدئاً استحبّ لإمامهم أو لبعضهم أن يؤمّه أو يأتمّ به
واستحبّ للباقين المتابعة ، انتهى ما في البيان. وإلى ذلك اشير في «نهاية الإحكام
والهلالية» حيث قيل فيهما : ويستحبّ للمنفرد إعادة صلاته إماماً كان أو
مأموماً ، وهل يجوز فيهما؟ الأقرب ذلك في صورة واحدة وهي ما إذا صلّى إمام متنفّل
بصلاته بقوم مفترضين وجاء من صلّى فرضه فدخل معهم متنفّلاً ، انتهى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما فيهما. واستشكل في «نهاية الإحكام» فيما إذا خلت الصلاة عن مفترض . وكلامهم في اقتداء المتنفّل بالمفترض وغيره له نفع
تامّ في المقام.
قلت : وممّا
ذكر يعلم الحال فيما لو صلّى اثنان فرادى ثمّ أرادا إعادة الصلاة جماعةً فإنّ
الأقرب منع استحباب ذلك لهما إذا لم يكن معهما مفترض كما في «الذخيرة والكفاية والحدائق ». وفي «الذكرى والمدارك والرياض » فيه وجهان.
هذا وهل يسترسل
الاستحباب؟ قال في «التذكرة» : هل يستحبّ التكرار ثلاثاً فما زاد إشكال؟ أقربه
المنع . ونحوه ما في «المدارك ». وفي «الذكرى والبيان والميسية والروض والمسالك » أنّه جائز لعموم الأدلّة ، بل في «الميسية» وإن لم تكن
الجماعة الاخرى أكمل. وفي «مجمع البرهان» وأمّا من صلّى جماعة فهل يجوز له الإعادة
مع جماعة اخرى مأموماً أو إماماً بقوم ما صلّوا أصلاً أو صلّوا منفردين بغير تقيّة؟
فيه نظر والظاهر عدم الفهم من الأخبار. نعم يمكن الجواز مطلقاً مع حصول شبهة ونقص
فيها بوجه وإن لم يكن ذلك موجباً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
للإعادة للاحتياط ومشروعية الإعادة (العبادة خ ل) حينئذ.
فروع
الأوّل
: إذا أعاد
المنفرد صلاته وقصد التعرّض للوجه نوى الندب كما في «المبسوط . والسرائر . والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والبيان وكشف الالتباس ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة والكفاية ». وفي «الذكرى وحواشي الشهيد والدروس والموجز الحاوي وفوائد الشرائع والروض والمسالك » أنّه يجوز إيقاعها على وجه الوجوب استناداً إلى رواية
هشام بن سالم ، وقد
__________________
(المطلب الثاني) في
الأحكام :
الجماعة
مستحبّة في الفرائض خصوصاً اليومية ،
______________________________________________________
أورد الاستاذ قدسسره في «حاشية المدارك » روايتين عن عوالي اللآلي صريحتين في الندب. وفي «حواشي الشهيد» أنّ الفائدة تظهر
فيما لو تبيّن أنّ صلاته الاولى باطلة فإنّها تجزيه لو نوى الوجوب .
الثاني
: قال المحقّق
الثاني : ينبغي القول باشتراط نيّة الإمامة لو كان المعيد إماماً ، لانتفاء سبب
المشروعيّة لو لا ذلك .
الثالث
: قال بعض : إنّ
هذا من المواضع التّي قيل فيها إنّ المستحبّ أفضل من الواجب .
وقد تمّ
المجلّد السابع من مفتاح الكرامة ويجيء في المجلّد الثامن المطلب الثاني * في
الأحكام ، والحمد لله وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
(هذه صورة خط
الشارح قدّس الله سرّه الشريف)
(المطلب الثانى : في الأحكام)
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الجماعة
مستحبّة في الفرائض
__________________
__________________
______________________________________________________
خصوصاً
اليومية) كما في «الشرائع
والإرشاد والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها والروضة والكفاية والمفاتيح ». وفي «المنتهى » قال علماؤنا : الجماعة مستحبّة في الفرائض ويزيدها
تأكيداً في الخمس. وفي «الذكرى » محلّها الخمس المفروضة وباقي الفرائض حتّى المنذورة
عندنا والأداء بالقضاء وبالعكس عندنا. وفي «المبسوط » الجماعة فيما عدا الجمعة سنّة في جميع الصلوات الخمس.
وظاهره القصر على الخمس وكاد يكون صريح .. ، وقد يظهر ذلك من «الكافي وجامع الشرائع » بل ومن «المهذّب » وستسمع ما في «التذكرة» وغيرها.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأوضح من ذلك ما في «الغنية » حيث قال : الاجتماع في اليوم والليلة عدا الجمعة سنّة
مؤكّدة بالإجماع. وفي «النهاية والتحرير » وغيرهما الجماعة مستحبّة في الفرائض كلّها. وفي «الروض » أدخل المنذورة في الفرائض. وفي «المدارك والذخيرة » أنّه يندرج في الفرائض اليوميّة المؤدّاة والمقضيّة
حتّى المنذورة وصلاة الاحتياط وركعتا الطواف لكن في استفادة ذلك من الأخبار نظر.
وقال الاستاذ . أفاض الله تعالى عليه شآبيب رحمته : الأحوط الإتيان
بركعتي الطواف وركعتي الاحتياط من غير جماعة. وفي «الرياض » في التعميم إلى ما عدا الأداء والقضاء محلّ نظر سيّما
صلاتي الاحتياط والطواف. قلت : وقد شاع في أهل عصرنا فعل الصلاة المتحمّلة عن
الغير جماعةً وهو مشكل جدّاً.
هذا وفي «الخلاف
» الإجماع على استحبابها في اليوميّة. وفي «التذكرة » الجماعة مشروعة في الصلوات اليوميّة بغير خلاف بين
العلماء كافّة وليست فرض عين إلّا في موضعين ولا فرض كفاية بإجماع علمائنا. وكذا
قال في «الخلاف والغرية». وفي «الوسيلة » الجماعة لا تصحّ إلّا في الصلوات المفروضات أو في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما كان في الأصل فريضة إلّا في الاستسقاء. وفي «البيان » أنّه المشهور. وفي «التذكرة » محلّ الجماعة الفرائض دون النفل إلّا في الاستسقاء
والعيدين مع اختلال الشرائط عند علمائنا. وفي («المنتهى » الإجماع ظ) على عدم جوازها في غير هذين من النوافل
وكذلك «التذكرة وكنز العرفان ». وفي «الذخيرة والكفاية » أنّ المشهور أنّها لا تصحّ في النوافل إلّا ما استثني
، وقيل بالجواز ، والمسألة محلّ تردّد ، انتهى. وفي «المدارك » بعد أن نقل إجماع المنتهى قال : يظهر من الشرائع أنّ
في المسألة قولاً بجواز الاقتداء بالنافلة ، ونقل كلام الذكرى في اقتداء المفترض
بالمتنفّل .. إلى آخره ، وقال : إنّ هذا الكلام يؤذن بأنّ المنع ليس إجماعيّاً ،
انتهى فليتأمّل.
وعن التقي استحبابها في الغدير ، ونقل عن «التذكرة» عنه أنّه نسبه إلى الرواية. وقال بعضهم : هو ظاهر كلامه في «الكافي». وفي «الذكرى » أنّه ظاهر المفيد ، قال : ولم نقف على مأخذه. وفي «إيضاح»
الشيخ إبراهيم القطيفي
__________________
ولا تجب في غير الجمعة والعيدين ولا تجوز في النوافل إلّا الاستسقاء
والعيدين المندوبين.
وتحصل بإدراك
الإمام راكعاً ، ويدرك تلك الركعة ، فإن كانت آخر الصلاة بنى عليها بعد تسليم
الإمام وأتمّها ويجعل ما يدركه معه أوّل صلاته ، ولو أدركه بعد رفعه فاتته تلك
الركعة وانتظره حتّى يقوم إلى ما بعدها فيدخل معه ، ولو أدركه رافعاً من الأخيرة
تابعه في السجود ، فإذا سلّم استأنف بتكبيرة الافتتاح على رأي ،
______________________________________________________
على النافع أنّ عمل الشيعة على ذلك. وهو خيرة «اللمعة وفوائد الشرائع » والمجلسي وتلميذه أبي الحسن . وقد عرفت الحال في المعادة خلف الإمام.
[لو أدرك الإمام راكعاً أو رافعاً]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وتحصل
بإدراك الإمام راكعاً ويدرك تلك الركعة إلى قوله فيدخل معه) قد تقدّم الكلام فيه بما لا مزيد عليه في الشرط الخامس من شرائط الجمعة
فليطلب هناك.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
أدركه رافعاً من الأخيرة تابعه
__________________
______________________________________________________
في
السجود فإذا سلّم استأنف بتكبيرة الافتتاح على رأي) لا فرق بين الأخيرة وغيرها كما نصّ على ذلك في «الذكرى
والروض ومجمع البرهان » وكذا «المبسوط والتذكرة ونهاية الإحكام » وغيرها حيث فرضت المسألة فيها فيما إذا أدركه بعد رفع رأسه من
الركوع من دون فرق بين الأخيرة وغيرها. ولا خلاف في فوات الركعة وعدم احتسابها كما
في «المدارك » وغيرها . ولا خلاف في استحباب التكبير والدخول معه ومتابعة
الإمام في السجدتين إلّا من الفاضل في «المختلف» فتوقّف كما في «الرياض والحدائق ». وفي «نهاية المرام والكفاية » أنّه المشهور ، وفي «المدارك والذخيرة » أنّه مذهب الأكثر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وما في الكتاب
من استئناف تكبيرة الافتتاح هو مذهب الأكثر كما في «المدارك والذخيرة والكفاية » وهو خيرة «الشرائع والنافع والتذكرة والتحرير والإرشاد ونهاية الإحكام والمنتهى والإيضاح والدروس واللمعة والنفلية والبيان والمهذّب البارع والمقتصر والتنقيح والهلالية والجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع والفوائد الملية والمسالك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والروض والروضة ».
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » لو أدركه بعد رفعه من الركوع استحبّ له أن يكبّر للهوي
إلى السجود ويسجد معه فإذا قام الإمام إلى اللاحقة قام ونوى وكبّر للافتتاح وإن
شاء أن يتربّص حتّى يقوم الإمام ويستفتح معه جاز. وقد توهّم هذه العبارة أن ليس
هناك تكبير للافتتاح وإنمّا هو تكبير الهوي للسجود وليس كذلك ، لأنّه قال بعد ذلك
فيهما : أنّه لا يعتدّ بالسجدتين ، لأنّ زيادتهما زيادة ركن فتبطل الصلاة بها.
وقال في «التذكرة » بعد ذلك في فرعٍ آخر : إذا لحقه بعد الركوع قبل السجود
فقد قلنا إنّه يكبّر للافتتاح ثمّ يكبّر للهوي إلى السجود ، وهو أحد وجهي الشافعي.
فهذا تصريح منه بأنّ هناك تكبيرين ، والغرض الفرق بين هذه الصورة وبين ما إذا
أدركه في التشهّد فإنّه في الأخيرة يكبّر للافتتاح خاصّة ولا يكبّر للهوي إلى
السجود كما نصّ عليه في الكتابين ، قال : لأنّ الجلوس عن القيام لم يشرّع في
الصلاة فلا تكبير.
وفي «البيان » بعد أن ذكر إدراكه له بعد رفع رأسه من الركوع وبعد رفع
رأسه من السجدة وفي التشهّد قال : وهل الأفضل لمن أدركه في هذه الأحوال متابعته
فيها أو التربّص حتّى يتمّ القدوة؟ الأقرب الأوّل. وقد سمعت ما في «التذكرة ونهاية
الإحكام» فليتأمّل. وفي «المبسوط » وإن وقف حتّى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «المسالك والروض والروضة والفوائد الملية » أنّه يتخيّر بين السجود مع الإمام واستئناف الصلاة وهو
الأفضل وبين الجلوس من غير سجود ثمّ يقوم من غير استئناف بعد فراغ الإمام أو مع
الإمام لو كان في غير الركعة الرابعة وبين انتظاره واقفاً حتّى يسلّم أو يقوم ،
ولا استئناف في الموضعين ، وكذا القول لو أدرك معه سجدة واحدة ، وكذا يتخيّر لو أدركه
بعد رفعه من السجود ولا يستأنف هنا مطلقاً ، هذا كلامه في الكتب الأربعة وقد جعل
لذلك ضابطاً فقال : والضابط إنّه يدخل معه في سائر الأحوال فإن زاد معه ركناً
استأنف وإلّا فلا.
وفي «الرياض » أنّ الشهيد الثاني قصد بذلك الجمع بين الأخبار
كالموثّق عن «رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال :
يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم. والخبر : إذا وجدت الإمام ساجداً فاثبت مكانك حتّى يرفع رأسه
وإن كان قاعداً قعدت وإن كان قائماً قمت» قال : وهذه الأخبار غير مكافئة لأدلّة
المشهور من وجوهٍ عديدة أعظمها اعتضاد تلك مع صحّة بعضها بالشهرة العظيمة ، بل
بالإجماع ، لعدم القائل بهذه فيما أجد إلّا شيخنا الشهيد الثاني فإنّه عمل بها
جامعاً بين الأخبار السابقة يعني أدلّة المشهور وبينها بالتخيير مفضّلاً للعمل بها
على هذه ، وهو حَسن بعد التكافؤ وهو مفقود لرجحان تلك بما عرفته ، مع أنّ الظاهر
من هذه حرمة المتابعة ولا يقول بها ، والتنزيل على ما ذكره فرع الحجّية وهي في
المقام مفقودة. وقريب منه في الضعف ما عن التذكرة من عدم إدراك فضيلة الجماعة إلا
بإدراك السجدة الأخيرة ، انتهى ويأتي بيان الحال.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد عرفت أنّ
المشهور استحباب التكبير والدخول مع الإمام والمتابعة واستئناف التكبير. وقد يظهر
من «المختلف » التوقّف في الحكم الأوّل فيكون متوقّفاً في الحكم من
أصله. وفي «المدارك والذخيرة » أنّ توقّفه في محلّه. واختلفوا في وجه التوقّف ففي «المختلف
» أنّه للنهي الوارد في صحيحة محمّد ، وردّه في «المدارك » بأنّه محمول على الكراهيّة جمعاً بين الأدلّة ، وقال :
بل الوجه فيه عدم ثبوت التعبّد بذلك. ووافقه في وجه التوقّف صاحب «الذخيرة ».
ونحن نقول :
إنّ الخبر الذّي أشار إليه في «المختلف» مخالف للإجماع المنقول في «الخلاف » وغيره ، والمعلوم إذ الفقهاء مطبقون بعد المفيد والشيخ في «النهاية » والقاضي على خلافه ، سلّمنا ولكنّا نحمل قوله عليهالسلام : «ولا تدخل معهم في تلك الركعة» على أنّ المراد به
الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة كما يرشد إلى
ذلك صحيح محمّد الآخر حيث اتي فيه بدل النهي عن الدخول ب «لا تعتدّ
بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» مع تصريحٍ ثالث له أيضاً بإدراك فضيلة الجماعة بإدراك الإمام وهو في
السجدة الأخيرة ، وهو نافع فيما نحن فيه بالأولوية وفي مورده بالصراحة ، مضافاً
إلى ما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في خبرٍ آخر من قوله : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه
فاسجد معه ولا تعتدّ بها» وضعف السند وقصور الدلالة إن كان منجبران بالشهرة
القريبة من الإجماع ، بل الإجماع واقع وليس له دافع وبفهم الأصحاب ، لأنّ الظاهر
من قوله عليهالسلام «فأدركته» أنّك كبّرت معه ودخلت في الصلاة ، كما فهموا ذلك من ذلك في غيره
من الأخبار. ولا معنى لما في «الذخيرة » من حمل هذه اللفظة على معنى الوصول في تلك الحال وإن
لم يكبّر ويدخل معه ، لأنه معنى متهافت لا يقبله الذوق السليم ولا الفهم المستقيم
، كما ينبئ عن ذلك ما رواه في «الفقيه » عن عبد الله بن المغيرة قال كان منصور بن حازم يقول :
إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثمّ اجلس فإذا قمت فكبّر. وهو ظاهر
الدلالة على القول المشهور ، والرواية وإن كانت غير مسندة إلى إمام إلّا أنّ
الظاهر من حال القائل المذكور وهو الثقة الجليل أنّه لا يقول إلّا بثبت وسماع من الإمام
، ويؤيّده إيراد الصدوق لها في كتابه. ويحمل الجلوس فيها على الجلوس للسجدتين أو
إحداهما لا للتشهّد أو الاستراحة ، إذ لا قائل بذلك أصلاً فتأمّل. فقد اتّضح الحال
واندفع التوقّف والإشكال عن «المختلف» وصاحب «المدارك» وصاحب «الذخيرة».
ثمّ إنّ ما في «المدارك»
من حمل النهي على الكراهية ففيه أن ليس فيه منافاة لما ذكره في «المختلف» من القدح
في استحباب الدخول.
وأمّا الحكم
الثاني وهو استئناف التكبير فقد نسب الخلاف فيه إلى الشيخ وبعضهم عزاه إليه في المبسوط فقالوا : إنّه قال : لا يجب
الاستئناف ، لأنّ زيادة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الركن مغتفرة في متابعة وكأنّ المولى الاردبيلي مال إليه كما أنّه في «الذكرى » لم يرجّح. وعبارة «المبسوط » كرواية المعلّى قال : «ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح
الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتدّ بهما» إلّا أن تقول : إنّ الحديث محتمل لعدم
الاعتداد بالصلاة فيوافق المشهور وعدم الاعتداد بالركعة وإن اختلفا في الظهور ،
ولا كذلك عبارة «المبسوط» فإنّها صريحة في عدم الاعتداد بالسجدتين ، ومن هنا فهموا
الخلاف. قلت : ومع ذلك فليس صريحاً فيه فلا أقلّ من أن ينسب إلى ظاهره على أنّه
ليس بذلك الظهور ، وهذا الشهيد في «الذكرى » قال : إنّ عبارة المبسوط كالرواية. واحتمال أن يكون في
نسخته «ولا يعتدّ بها» يدفعه أنّ الموجود في نسختين صحيحتين «ولا يعتدّ بهما» على
أنّه قال في مبحث الجمعة في خصوص المسألة : سجد متابعاً له ولا يعتدّ به. وقال
في «النهاية » : ولا يعتدّ بتلك السجدة ، فليتأمّل.
وقد نسب في «الرياض
» إلى ابن إدريس موافقة الشيخ ، والموجود في «السرائر » ومن أدركه ساجداً جاز أن يكبّر تكبيرة الافتتاح ويسجد
معه غير أنّه لا يعتدّ بتلك الركعة والسجدة. وكلامه كما تري ليس صريحاً في الخلاف
، وقد يشهد على ذلك قوله بعد ذلك : ومن لحق في تشهّده وقد بقيت عليه منه بقيّة
فدخل في صلاته وجلس معه لحق فضيلة الجماعة ثمّ لينهض فيصلّي لنفسه ، فإن كان لمّا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كبّر نوى الصلاة وتكبيرة الإحرام بتكبيرته أجزأه أن يقوم بها ولا يستأنف
تكبيرة الافتتاح وإن لم ينو ذلك كبّر وافتتح صلاته ، انتهى فليتأمّل. ونحو ذلك قال
في «المبسوط » والغرض أنّ خلافهما ليس بمكانة من الظهور ، فليلحظ
ذلك.
وكيف كان
فاغتفار هذه الزيادة لا بدّ له من دليل إمّا نصّ أو إجماع ، والثاني مفقود ، وليس
من الأوّل سوى بيان إدراك فضيلة الجماعة وهو لا يستلزم اغتفار هذه الزيادة ، ولا
نخرج بمثل السكوت في مقام الحاجة عن عموم ما دلّ على فساد العبادة بمثل هذه
الزيادة مع احتمال كون السكوت لمكان قوله «لا تعتدّ بها» إذ احتمال عود الضمير إلى
الصلاة قائم لا يكاد ينكر وإن ادّعى أنّ عوده إلى الركعة أظهر ، فقد ادّعى في «إرشاد
الجعفرية » أنّ عوده إلى الصلاة أظهر وأقرب إلى الفهم ، فتأمّل
جيّداً.
وليعلم أنّ أبا
العباس في «المهذّب والمقتصر » والصيمري في «غاية المرام » فهما من عبارة «النافع » موافقة الشيخ وهو خلاف الواقع وخلاف ما فهموه منه ،
نعم هناك مخالفة يأتي بيانها .
واعلم أنه قال
في «الروضة » وليس لمن لم يدرك الركعة قطع الصلاة بغير المتابعة
اختياراً. ومعناه أنّه لا يجوز لمن لم يدرك الركوع قطع الصلاة اختياراً بسبب غير
متابعة الإمام في شيء يلزم على المأموم المذكور زيادة كما ذكر ، فمن لم يدرك
الركوع أو لم يسجد مع الإمام أصلاً لا يجوز له القطع اختياراً واستئناف النيّة.
وأمّا إذا تابع الإمام في شيء من أفعاله ممّا يوجب زيادة الركن فإنّه يجوز له
__________________
ولو أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبّر ناوياً وجلس معه ثمّ يقوم بعد
سلام الإمام فيتمّ من غير استئناف تكبيرة ،
______________________________________________________
قطع الصلاة (بل ظ) قد يجب كما إذا سجد السجدتين معاً أو واحدة على الخلاف ،
فجواز قطع الصلاة منحصر في المتابعة المخصوصة وبدونها لا يجوز. وبعدم جواز القطع
صرّح في «الروض » أيضاً قال : ولو كبّر رجاءً لإدراكه راكعاً فسبقه كما
كان لو أدركه بعد الركوع فليسجد معه وليستأنف وليس له قطع الصلاة قبل ذلك.
وفي «المنتهى » لو أدركه ساجداً كبّر للافتتاح وجوباً وكبّر اخرى
للسجود مستحبّاً ، وقيل : لا يستحبّ التكبير للسجود هنا ، لأنّه لا يعتدّ بهذا
السجود ، انتهى. ومن هنا يعلم حال ما في «المدارك والذخيرة » من أنّه على قول الشيخ يكون التكبير المأتيّ به تكبيرة
الإحرام ووجب إيقاع النية قبله ، وعلى المشهور يكون التكبير المأتيّ به أوّلاً
مستحبّاً ، انتهى فليتأمّل جيّداً.
[لو أدرك الإمام بعد السجدة الأخيرة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبّر ناوياً وجلس معه ثمّ يقوم بعد سلام الإمام
فيتمّ من غير استئناف تكبير) كما في ظاهر «النهاية » وصريح «المبسوط والسرائر والشرائع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمعتبر والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والمنتهى والإرشاد والإيضاح والدروس والبيان واللمعة والنفلية والذكرى والتنقيح والمهذّب البارع والمقتصر والهلالية والجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع وتعليق النافع والروض والروضة والمسالك والفوائد الملية ومجمع البرهان » وغيرها .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «المهذّب البارع » الإجماع عليه. وفي «الذكرى والروض » القطع به.
وصرّح جماعة بعدم الفرق في ذلك بين الركعة الأخيرة وغيرها. وفي «المعتبر
والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والجعفرية وشرحيها » وغيرها أنّه إن شاء تشهّد معه وإن شاء سكت. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » أنّه لا يكبّر للهوي.
وعبارة «النافع»
في المقام من المتشابهات ، وذلك لأنّه قال : إذا أدركه بعد انقضاء الركوع كبّر
وسجد معه فإذا سلّم الإمام استقبل هو ، وكذا لو أدركه بعد انقضاء السجود ، انتهى. ويمكن تنزيلها على ما إذا أدركه في السجود لا
بعده أو يكون التشبيه في مجرّد استحباب الدخول لا مع الاستئناف وإن أوهمته العبارة
، وعلى ذينك فلا مخالفة وإن فهمها منها الشارحون والمحشّون .
هذا وظاهر «السرائر»
أنّه يدرك فضيلة الجماعة وإن لم يتحرّم بالصلاة وأنّه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يكون ذلك بإدراك بعض التشهّد ، وقد سمعت عبارتها ، وعن ابن بابويه أنّه يدرك فضيلة الجماعة بإدراكه في السجدة الأخيرة أو
في التشهّد.
وليعلم أنّه قد
استشكل في المسألة صاحب «المدارك والذخيرة والحدائق» أمّا صاحب «المدارك» فقال :
إنّهم استدلّوا برواية عمّار وهي ضعيفة السند ، وقال : ينبغي القول بعدم جواز الدخول
مع الإمام بعد رفعه من السجدة الأخيرة ، لأنّه عليهالسلام في صحيحة محمّد بن مسلم جعل غاية ما يدرك الجماعة إدراك الإمام في السجدة
الأخيرة ، وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود ، والظاهر
أنّ الاقتصار على الجلوس أولى . وأمّا صاحبا «الذخيرة والحدائق » فاستشكلا لتعارض الأخبار ، وقد أومى إلى ذلك في «الذكرى
» فقال بعد أن حكم بما حكم به الأصحاب وقطع بالاجتزاء بالتكبير : وممّن روى
الاجتزاء بذلك عمّار ولكن روى أيضاً عن الصادق عليهالسلام في رجل أدرك الإمام جالساً بعد الركعتين قال : يفتتح
الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتّى يقوم. والجمع بينهما بجواز الأمرين وإن كان الأفضل
الجلوس مع الإمام حتّى يسلّم. وروى ابن بابويه أنّ منصور بن حازم .. ثمّ ساق خبر
منصور المتقدّم آنفاً. وقال : فيه إيماء إلى عدم الاجتزاء بالتكبير
إلّا أن يجعله تكبير القيام وهو نادر ، انتهى.
ونحن نقول أمّا
ما في المدارك من الطعن بضعف السند ففيه أنّها منجبرة بالشهرة ، بل بالإجماع المنقول
والمعلوم ، وإنّا نفرّق بين إدراك الجماعة وإدراك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
شيء من الجماعة ، ورواية عمّار محمولة على الثاني ومنجبرة بفهم الأصحاب ،
والاقتصار على الجلوس بعيد بل الظاهر الإتيان بالسجود بل التشهّد أيضاً ومتابعة
الإمام ، لأنّه الظاهر من إدراك الصلاة مع الإمام إذ قضيّة الدخول مع الإمام حيث
كان وكيف كان هو المتابعة في جميع ما يأتي به في ذلك المكان إلى أن يستثنى شيء من
ذلك بخصوصه ، على أنّ أولويّة الاقتصار على الجلوس إن كانت من جهة عدم التصريح
بالسجود والتشهّد ففيه أنّ الجلوس أيضاً كذلك ، فإن قال : إنّ مقتضى الظاهر من
الإدراك الإتيان بما فعله الإمام قلنا يلزم الإتيان بالكلّ ، فتأمّل جيّداً. وقد
روى الصدوق في «الفقيه » في القوي : «ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من السجدة
الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة» وقد فهم جماعة أنّ هذه من تتمّة الخبر لا من الصدوق ، ونحو ذلك إطلاق
رواية عبد الرحمن البصري ، وفي ذلك مع رواية عمّار بلاغ في العدول عن مفهوم
الصحيحة مع إمكان التأويل بما سمعت.
وأمّا اختلاف
الأخبار فغير ضارّ ، لأنّ العمل على ما اعتضد بالعمل والاشتهار وهو إحدى روايتي
عمّار ، وأمّا روايته الاخرى فيمكن تنزيلها على نفي الوجوب وقد سمعت ما ذكره الشهيدان ، أو نقول كما قال في «المنتهى» من
أنّها غير دالّة على المنع في صورة النزاع ، إذ هي إنمّا تتناول الصلاة الثلاثية
أو الرباعية ، والفرق أنّ فيهما يمكن تحصيل فضيلة الجماعة من دون زيادة العقود
بخلاف صورة النزاع وقد عرفت الحال في صحيح محمّد وخبر منصور.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا عدم
الاستئناف فلعدم الزيادة المبطلة ، إذ ليس هناك إلّا التشهّد وهو بركة كما في
المعتبر ، على أنّ الإجماع منعقد على عدم الاستئناف ، هذا إن
حصل فيه المتابعة وإلّا فليس إلّا القعود خاصّة وهو غير مبطل كما يفصح عنه الأمر
في المسبوق حيث لم يكن له محلّ للتشهّد ويغتفر الفعل الكثير لتحصيل فضيلة الجماعة.
وأمّا إذا
أدركه وقد سجد سجدة واحدة ففي «الذخيرة » أنّه لم يفرّق الأصحاب بينه وبين ما لو أدرك الإمام في
السجدة. وفي «البيان والروض » فيه وجهان. وفي «الروضة » أحوطهما الاستئناف. وفي «الذكرى والدروس والهلالية والجعفرية وفوائد الشرائع والفوائد الملية » وغيرها أنّ الوجه الاستئناف وهو ظاهر «التنقيح ». وفي «الذخيرة » وكذا «المجمع » أنّ عدم الاستئناف أولى.
قلت : لا فرق
بين السجدة والسجدتين إلّا من حيث كون الزائد ثمّة ركناً وهنا ليس كذلك وهو غير
صالح للفرق بعد اشتراكهما في تعمّد الزائد فإنّه مبطل مطلقاً
__________________
وفي إدراك فضيلة الجماعة في هذين نظر.
______________________________________________________
على ما تقتضيه القاعدة العقلية والنقلية ولا يرد مثل ذلك في التشهّد لما
مرَّ .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وفي
إدراك فضيلة الجماعة في هذين نظر). وفي «نهاية الإحكام » فيه إشكال. وفي «التذكرة والإيضاح » الأقرب أنّه لا يحصل فضيلة الجماعة. وفي «مجمع البرهان
» أنّ إدراك فضيلة الجماعة في الجملة وصدقها كأنّه لا خلاف فيه. وإدراك
فضيلة الجماعة بإدراكه له في التشهّد خيرة الصدوق إن كانت تلك الزيادة منه لا من الخبر و «السرائر والمنتهى والبيان واللمعة والدروس والذكرى والتنقيح والمهذّب البارع والمقتصر وغاية المرام والجعفرية
__________________
ولو وجده راكعاً وخاف الفوات كبّر وركع ومشى في ركوعه إلى الصفّ أو سجد
موضعه ، فإذا قام الإمام إلى الثانية التحق.
ولو أحسّ بداخل
طوّل استحباباً ، ولا يفرّق بين داخل وداخل.
______________________________________________________
وشرحيها والروض والروضة والمدارك » وغيرها . وهو ظاهر كلّ من جوّز له الدخول في الموضعين للأمر بها
وليس إلّا لإدراكها. وقال الشهيدان : وأمّا كونها كفضيلة من أدركها من أوّلها أو قبل ذلك
فغير معلوم. وقيّده في «الذكرى » بما إذا كان التأخير لا عن عمد.
[لو وجد الإمام راكعاً وخاف الفوات]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
وجده راكعاً وخاف الفوات كبّر وركع ومشى في ركوعه إلى الصفّ أو سجد موضعه فإذا قام
الإمام إلى الثانية التحق)
أمّا أنّه
يكبّر ويركع ويمشي في ركوعه إلى الصفّ فقد حكى عليه الإجماع في «الخلاف والمنتهى » وظاهر «التذكرة » حيث قال فيها : عندنا. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الذكرى » رواه الأصحاب. قلت : ولم أجد فيه مخالفاً أصلاً.
وأمّا أنّه له
أن يسجد موضعه فإذا قام إلى الثانية التحق فقد صرّح به في «المبسوط والنهاية والبيان والدروس والنفلية والموجز الحاوي وإرشاد الجعفرية والفوائد الملية والمدارك ». وفي «المنتهى » لو أتمّ الركعة ثمّ لحق بإلامام في الثانية لم يكن به
بأس عند علمائنا ، انتهى. وفي «المبسوط » جعل سجوده موضعه ثمّ التحاقه به أفضل. وظاهر «التحرير » وغيره . التوقّف في ذلك. هذا إذا لم يقف بجنبه مأموم آخر ،
وأمّا إذا وقف فلا يستحبّ له الانتقال كما صرّح به في «البيان » وهو ظاهر «المبسوط والخلاف والتحرير والتذكرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونهاية الإحكام ».
وفي «الروض والمسالك » تقييد المشي بغير حالة الذكر ، وقد تبع في ذلك «الدروس
والميسية». وفي «المجمع » ينبغي ذلك ، وفيه وفي «الذخيرة » أنّ ظاهر النصّ يقتضي الجواز مطلقاً. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » وغيرها حيث قالوا : ينتظر مجيء مَن يقف معه فإن لم يجئ يمشي
ولو كان بعيداً من الصفّ ، فإن كان يصحّ أن يأتمّ وهو في مكانه وقف وحده لئلّا
يفعل فعلاً كثيراً ، فإن مشى احتمل الجواز ، لأنّه من أفعال الصلاة والمنع لكثرته
، وإن كان لا يصحّ أن يأتمّ فيه لبعده لا يعتدّ بذلك الركوع ، ولو كان حائل لم يجز
أن يشرع.
وفي «الذكرى وحواشي الكتاب والتنقيح والهلالية وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وتعليق النافع والجعفرية وشرحيها والميسية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والروض والمسالك » وغيرها أنّه يشترط أن لا يكثر المشي. وفي بعضها التقييد بحيث يخرج عن اسم المصلّي ، وقدّره في «حاشية
الهلالية» بما زاد عن خطوتين. وفيها جميعها أيضاً : أنّه يشترط أن يكون الموضع
الذي يركع فيه ممّا يصحّ الاقتداء فيه ، فلو تباعد أو سفل بالمعتدّ بطل. وفي «المدارك
» أنّه يفعل ذلك إن لم يكن مانع شرعي.
وفي «الروض ومجمع البرهان والذخيرة » أنّه لا بدّ أن لا ينحرف عن القبلة إذا كان الانتقال
إلى دبر القبلة بل يرجع القهقرى. وفي «حواشي الشهيد » أنّه نقل فخر الإسلام عن أبيه.
وفي «الدروس والنفلية والفوائد الملية والروض والمجمع والذخيرة » أنّه ينبغي أن يجرّ رجليه لما قاله في الفقيه : وروي
أنّه يمشي في الصلاة يجرّ رجليه ولا يتخطّى. ونسبه في «الذكرى » إلى الرواية مقتصراً على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك. وفي «الغرية وفوائد الشرائع وتعليق النافع» أنّه يجب عليه أن يجرّ رجليه. وهو ظاهر «الموجز
الحاوي وجامع المقاصد والمسالك » بل هو صريحها حيث عدّوه من الشروط.
وفي «المنتهى » لو فعل ذلك من غير ضرورة ولا عذر ولا خوف فوات فالظاهر
الجواز خلافاً لبعض العامّة ، لأنّ للمأموم أن يصلّي منفرداً وأن يتقدّم بين يديه.
قلت : وأن يتأخّر كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب ونطق به جملة من الأخبار ، وما نهي فيه عن التأخّر محمول على الكراهية عند عدم
الحاجة إليه. وقد نقل ذلك عن المنتهى جماعة راضين به.
وفي «نهاية
الإحكام والتذكرة والذكرى » لو أنّه سجد في غير الصفّ ثمّ قام ليلتحق فركع الإمام
ثانياً ركع مكانه ومشى في ركوعه أيضاً.
واعلم أنّ
الأخبار وكلام الأصحاب قد صرّح فيهما بالدخول ، وقال جماعة من المتأخّرين في بيان ذلك : إنّ الدخول يتحقّق بوقوعها
في مسجدٍ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونحوه ، قالوا : ولو كان في فلاة أمكن تحقّق الدخول بوصوله إلى موضع يمكنه
فيه الائتمام بأن لا يكون بعيداً عادةً. وفي «مجمع البرهان » هو الكون في مكانٍ بعد أن لم يكن فيه ، وذلك كثير في
القرآن كقوله جلّ اسمه : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ
الْمُقَدَّسَةَ) .
وليعلم أنّ
الأصحاب بنوا هذه المسألة على مسألة اخرى وهي حكمهم بكراهية الوقوف للداخل في صفٍّ
وحده إذا كان في الصفوف فرجة ، واستثنوا هذه المسألة من ذلك الحكم محافظةً على
إدراك الركعة فجوّز له من دون كراهية أن يقف وحده إذا كان في موضع يصحّ فيه
الائتمام ، وبه نطقت كلماتهم وطفحت عباراتهم ، والناظر في كتب الاستدلال يقطع بذلك
من دون شكّ ولا شائبة إشكال ، فقول استاذنا صاحب «الرياض » موافقة لصاحب «الحدائق » : إنّ تقييد جماعة الحكم بما إذا لم يكن هناك مانع
شرعي من بعده عن الإمام بما لا يجوز التباعد عنه فيه نظر ، كيف ولو كان البعيد بما
لا يجوز له التباعد اختياراً مانعاً شرعياً لما كان الحكم اتفاقياً بل كان اللازم
اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوّز التباعد بما لا يتخطّى مع أنّه لم ينقل الخلاف
عنه ، لا وجه له * لأنّه يظهر منه أنّه لم يصب محز فرض المسألة في كلامهم.
وقال أيضا :
إنّ جماعة قيّدوا المشي بغير حالة الذكر ، وفيه نظر لكنّه أرجح ، لأنّ في خلافه
تركاً للواجب لإدراك أمر مستحبّ وهو غير معقول لكنّه بترك القراءة ونحوها لأجل
إدراكه منقوض.
قلت : لم أفهم
هذا النقض ، لأنّه إن أراد النقض بهذا الداخل ونحوه حيث يترك
__________________
(*) خبر قول (بخطه
قدسسره).
__________________
ولا يقرأ خلف المرضي إلّا في الجهرية مع عدم سماع الهمهمة والحمد في
الإخفاتية ، ويقرأ وجوباً مع غيره ولو سرّاً في الجهرية.
______________________________________________________
القراءة ويأتمّ فلا وجه له أصلاً ، وإن أراد أنّ المسبوق يترك القراءة حيث
يخشى فوات الركوع ففيه أنّه ليس لأمرٍ مستحبّ وإنمّا هو لواجبٍ وهو المتابعة ، وإن
أراد أنّ هذا الداخل قد يكون دخوله في الثانية ، فإذا لم يلحق بالصفّ في ركوعه ولا
بعد انتصابه فإنّه يسجد ويلحقه في الثالثة ويترك القراءة مع وجوبها عليه للالتحاق
بالصفّ وهو مستحبّ ، ففيه أنّ الذّي لا يجوّز ذكر الركوع حال المشي لا يجوز القراءة
كذلك بل يقول إنّه يمشي عند الفواصل أو يسكت ويمشي ثمّ يقرأ ، فليتأمّل جيّداً.
[حكم القراءة خلف الإمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
يقرأ خلف المرضي إلّا في الجهرية مع عدم سماع الهمهمة والحمد في الإخفاتية) قد اختلفت أقوال الأصحاب في المسألة اختلافاً شديداً
حتى من الفقيه الواحد ، وقد قال في «روض الجنان » : لم أقف في الفقه على خلاف في مسألة يبلغ هذا القدر
من الأقوال.
قلت : وقد
اختلف النقل عنهم على نحو اختلافهم ، ونِعم ما صنع الشهيد في «الذكرى » حيث نقل عبارات الأصحاب برمّتها كالمصنّف في «المختلف » واقتفاه في ذلك جماعة من المتأخّرين كصاحب «الذخيرة » وغيره ونحن ننقل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أوّلاً ما فهمناه من كلماتهم ثمّ نردفه بذكر عين عبارتهم ، إذ لكلٍّ طالب.
فنقول : أسقط
الحسن بن أبي عقيل على ما نقل عنه في «كشف الرموز » وسلّار وابن إدريس القراءة في الجهرية والإخفاتية في الأوليين والأخيرتين
سمع الهمهمة أم لم يسمع ، وهو ظاهر «التبصره » لكن ابن إدريس جعل القراءة محرّمة ، كذا نسبوا إليه ، وكان الأولى أن ينسب إلى ظاهره ، وسلّار جعل
تركها مستحبّاً ، ولم يبيّن لنا الآبي تمام كلام العماني. قال في «الروض » وباقي الأصحاب على إباحة القراءة. وفي «الخلاف » الظاهر في الروايات أنّه لا يقرأ المأموم خلف الإمام
أصلاً سواء جهر أولم يجهر لا فاتحة الكتاب ولا غيرها بإجماع الفرقة وأخبارهم. وفي «المنتهى
» يسقط وجوب القراءة عن المأموم وهو مذهب أهل البيت عليهمالسلام. وفي «المعتبر » عليه اتفاق العلماء. وفي «التذكرة » لو لم يقرأ مطلقاً صحّت صلاته عند علمائنا. وفي «النجيبية»
لا خلاف في سقوط وجوب القراءة عن المأموم في السرّية.
قلت : وتنقيح
البحث في المسألة أن يقال : إذا كانت القراءة جهرية وسمع في اولييها ولو همهمة سقطت
فيما سمع إجماعاً كما في «التذكرة وغاية المراد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتنقيح والروض والروضة والنجيبية» وظاهر «الغرية». وفي «التذكرة » أيضاً لا تستحبّ إجماعاً. وفي «الرياض » لا خلاف في أصل المرجوحية على الظاهر المصرّح به في
كلام جماعة كالتنقيح والروضة والروض ويشمله دعوى الفاضلين الإجماع على السقوط كنفي
الحلّي الخلاف في السرائر عن ضمان الإمام القراءة ، انتهى.
وهل هذا السقوط
على سبيل الوجوب بحيث تحرم القراءة أم لا؟ قولان ، أحدهما : أنّه التحريم (أنها
تحرم خ ل) وقد نسبه المحقّق والمصنّف وأبو العباس وغيرهم إلى الشيخين. وفي «المنتهى » الاقتصار على نسبته إلى الشيخ من دون اختيار شيء
وكأنّهم لحظوا أوّل كلام الشيخ في النهاية والمبسوط ، وستسمع كلامهما فيهما
بتمامه. ونسبه جماعة إلى ابن حمزة وآخرون إلى ظاهر السيّد . وهو ظاهر «المقنع والغنية » وخيرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«المختلف والتحرير والتبصرة » على الظاهر منهما و «مجمع البرهان والمدارك والكفاية والذخيرة » وكأنّه قال به في «كشف الرموز ». وفي «الوسيلة » يجب الإنصات إذا سمع. وقد سمعت ما في «السرائر» وستسمع كلام التقي والقاضي وأبي المجد
الحلبي.
الثاني : أنّه
على سبيل الكراهيّة وهو المشهور كما في «الدروس وغاية المراد » وظاهر «الروضة » والأشهر كما في «الجعفرية والغرية» وظاهر «التنقيح والنجيبية» الإجماع على استحباب الإنصات ممّن عدا ابن
حمزة وهو خيرة المحقّق في كتبه والمصنّف في «التلخيص » وظاهر «الإرشاد »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والشهيد في «الذكرى والبيان واللمعة والنفلية » والمقداد وأبي العباس والصيمري و «الهلالية والقطيفية * والميسية والفوائد الملية » وكذا «الجعفرية والغرية» وغيرها . ونقله الشهيد في «حواشيه » عن فخر الإسلام ، وقد سمعت ما في «المراسم» واحتمل ذلك في «التذكرة » احتمالاً ، وظاهر «المنتهى ونهاية الإحكام » التوقّف «كالرياض » والموجود في «المبسوط والنهاية والواسطة» لابن حمزة «والجامع» لابن سعيد على ما نقل في
«الذكرى » عنهما
__________________
(*) القطيفية
للشيخ إبراهيم القطيفي وهو معاصر للمحقّق الثاني وبينهما مباحثات ومناظرات (من
خطّه).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّه إن سمع
الهمهمة أجزأه وإن قرأ كان جائزاً من دون ذكر كراهية ، ويمكن الفرق في كلامهم بين
سماعه القراءة فتحرم وسماعه الهمهمة فيتخيّر ، وهناك وجهٌ آخر في تأويل عبارة «المبسوط
والنهاية» وستسمع كلامه وكلام غيره من القدماء ممّا أطلق فيه جواز القراءة ولو مع
سماع الهمهمة ، وكان كلام الشيخ غير ملتئم الأطراف على الظاهر فيحتاج إلى تدبّر
فيه ، وصاحب «التخليص» فهم الفرق بين عبارتي النهاية والمبسوط.
وأمّا اذا كانت
القراءة جهرية ولم يسمع فيها أصلاً جازت القراءة بالمعنى الأعمّ. وفي «الرياض » أطبق الكلّ على الجواز ، انتهى. والوجوب ظاهر «النهاية
والمبسوط والتهذيب والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والواسطة» على ما نقل من عبارتها الشهيد وظاهر «الغنية والإشارة والنافع » ونقلوه عن ظاهر السيّد والتقي ، وقال السيّد : إنّه أشهر
الروايات ، وقد يلوح من «كشف الرموز » اختياره. وفي «الشرائع والتلخيص » وغيرهما تكره إلّا في الجهرية مع عدم السماع. وفي «الشرائع»
زيادة : ولو همهمة. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الرياض » أنّ ظاهر القاضي وغيره أنّه على الإباحة من دون
استحباب بل في الأخبار لورودها في مقام توهّم الحضر ، انتهى فتأمّل. وقد سمعت قول
سلّار وابن إدريس وما نقلنا عن «التبصرة ».
هذا والمشهور
كما في «الروض والروضة » أنّ القراءة إذ ذاك على الاستحباب. وفي «الدروس والغرية» أنّه الأشهر. وهو خيرة «المعتبر والشرائع» على الظاهر منها كما قيل و «المختلف والمنتهى والتحرير والتذكرة ونهاية الإحكام والإرشاد والتلخيص» على الظاهر منهما كما قيل و «الذكرى والبيان واللمعة والنفلية والموجز الحاوي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وكشف الالتباس وجامع المقاصد والجعفرية والغرّية وفوائد الشرائع وتعليق النافع والقطيفية والروض والروضة والفوائد الملية ومجمع البرهان والمدارك والمفاتيح والكفاية والذخيرة والرياض » وغيرها . وقد نسبه في «المهذّب والمقتصر » إلى السيد وابن إدريس والشيخ في النهاية ، وهو غريب ،
وقد نقلوه عن القاضي.
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » يستحبّ للأصمّ أن يقرأ مع نفسه لأنّه لا يسمع.
وعلى هذين
القولين فهل القراءة للحمد والسورة كما هو ظاهر جماعة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصريح «جامع المقاصد » أو للحمد خاصّة؟ كما هو صريح «النهاية والمبسوط والموجز الحاوي وكشف الالتباس والميسية وتعليق النافع» ويظهر من «كشف الالتباس » نسبته إلى المحقّق والمصنّف في أكثر كتبه والشهيد بل
ذلك صريحه ، وهو غريب. وقد فسّر في «الروضة » إطلاق «اللمعة» بقراءة الحمد خاصّة. وقد سمعت ما في «السرائر».
وأمّا أخيرتا
الجهرية ففيهما أقوال أيضاً :
الأوّل : وجوب
القراءة مخيّراً بينها وبين التسبيح كما لو كان منفرداً ، وهو خيرة «الغنية » وظاهر «الإشارة » والمنقول عن السيّد والتقي. وفي «الذكرى » بعد أن نقله عن التقي وأبي المكارم قال : كأنّهما أخذاه
من قول المرتضى. وهو خيرة «الرياض » وقد نقله بعض عن «المختلف» وهو يوافق إحدى نسختيه ، إذ في إحداهما :
أنّ الأقرب التخيير بين الحمد والتسبيح في الأخيرتين والإخفاتية وفي الاخرى : في
الأخيرتين من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإخفاتية ، وعلى كلّ حال فهذا القول لا ينافي الإجماعات الآنفة
في صدر المسألة كما قد يتوهّم ، لأنّ أصحاب هذا القول لم يعيّنوا القراءة.
الثاني :
استحباب قراءة الحمد وحدها وهو المنقول في «التنقيح » عن المفيد ، وقد نقلوه عن الشيخ في «المبسوط والنهاية» وابن سعيد ، وقد يشعر
أوّل كلامه في «المبسوط والنهاية » بوجوب التسبيح وحمد الله سبحانه وتعالى فليلحظ. وهو
خيرة «الروض» كما ستسمع.
الثالث :
كراهية القراءة ، وفي ظاهر «الغرية» أنّه أشهر. وقد يظهر ذلك من «الموجز الحاوي والفوائد الملية » وستأتيك عبارات في الإخفاتية ربّما يستفاد منها كراهية
القراءة هنا. وفي «الروض » وفي القراءة في أخيرتي الجهرية لإطلاق الأمر أو
إلحاقهما بالإخفاتية قولان أجودهما الأوّل.
الرابع :
التحريم ، ففى «التبصرة ومجمع البرهان » تحرم القراءة خلف المرضي مطلقاً إلّا أن تكون صلاة
يجهر فيها بالقراءة ولا يسمع ولو همهمة ، وهو ظاهر «الفقه المنسوب إلى مولانا
الرضا عليهالسلام » وسيأتيك ما في «التحرير» وغيره في الإخفاتية.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الخامس :
استحباب التسبيح بالأربع كما في «النفلية » وظاهر «الفوائد الملية ».
السادس :
استحباب القراءة وقد فهمه جماعة من ظاهر «الإرشاد».
السابع :
التخيير بين الحمد والتسبيح استحباباً وقد فهمه جماعة من ظاهر «المختلف» وقد نقلوه عن السيّد والقاضي و «الواسطة» ونقله في «التنقيح » عن أبي الصلاح. وهو خيرة «القطيفية والروضة والذخيرة ». وفي «النجيبية» ما دلّ على القراءة يحمل على التقية
والباقي على التخيير. هذا وفي «التنقيح » أنّ ما اختاره الشيخان في الكلّ أحوط.
هذا وإن كانت
إخفاتية ففيها أقوال أيضاً :
الأوّل :
استحباب القراءة فيها وهو خيرة «الواسطة» على ما نقل من عبارتها ، ونسبه في «المهذّب » إلى الشيخ والتقي والكتاب ، وقيل : إنّه ظاهر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الإرشاد واللمعة» وستسمع عبارة «الروضة».
الثاني :
استحباب الحمد وحدها ، قال في «الروض » : إنّه خيرة القواعد والشيخ وجماعة. قلت : آخر كلامه
في «المبسوط والنهاية» كالصريح في ذلك وكأنّ أوّله مخالف لذلك ، وستسمع الجمع بين
كلاميه. ونقل ذلك عن القاضي. واقتصر في «التذكرة » على نقله عن الشيخ. وفي «جامع المقاصد » وغيرها : لا يقرأ الحمد على الأصحّ لعدم الدليل. قلت : استدلّ
له المصنّف في «نهاية الإحكام » وغيرها بقول الصادق عليهالسلام : «وإن لم تسمع فاقرأ» قال : وهي تعطي استحباب القراءة
في الإخفاتية.
الثالث : سقوط
القراءة في الاوليين والأخيرتين وجوباً وتعيين التسبيح وهو ظاهر «المقنع ».
الرابع :
سقوطها في الاوليين وجوباً وهو ظاهر (خيرة خ ل) «الغنية والإشارة والتحرير » وظاهر «التبصرة » وهو المنقول عن السيّد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتقي . وقال في «المنتهى » : إنّ قول السيّد أولى من قول الشيخ. ونحوه ما في «المعتبر
» حيث قال : على الأولى. واختار في «الذكرى » جميع ما اختاره في المعتبر في هذه المقامات. وأمّا
الأخيرتان عند هؤلاء فعن السيّد أنّ الأولى أن يقرأ فيهما أو يسبّح. وفي «المنتهى » أنّه أولى. وفي «المعتبر » في الأخيرتين روايتان. وفي «الغنية والإشارة » على الظاهر منها و «مجمع البرهان » أنّه كالمنفرد مخيّر بين التسبيح والحمد ، وهو المنقول
عن التقي. وقد سمعت إحدى نسختي «المختلف» فتدبّر.
الخامس :
استحباب التسبيح أربعاً فيها أي في الإخفاتية كما في ظاهر «النفلية والفوائد الملية ».
السادس :
استحباب التسبيح وحمده سبحانه أو قراءة الحمد مطلقاً نقله في «الروض » عن ابن سعيد.
السابع :
كراهية القراءة في أوائل الإخفاتية ، وقد عدّ قولاً ، وقد يستفاد ذلك من بعض
العبارات كما ستسمع.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الثامن :
كراهية القراءة في الإخفاتية كما في «النافع والمعتبر والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية والفوائد الملية » على ما يظهر منها. وقد سمعت ما نقلناه سابقاً عنها فلا تغفل. وقال في «الروضة » : وأمّا السرّية فالمشهور كراهية القراءة فيها ، وهو
خيرة المصنّف يعني الشهيد في جميع كتبه ، ولكنّه هنا يعني في اللمعة اختار عدم
الكراهية ، والأجود المشهور ، انتهى ما في الروضة. وفي «النافع . والمعتبر . والدروس والغرية» أنّه الأشهر. وفي «الروضة » أيضاً : ومن الأصحاب من أسقط القراءة وجوباً أو
استحباباً مطلقاً يعني في الجهرية والإخفاتية وهو أحوط. ونحوه ما في «الفوائد
الملية ».
التاسع :
سقوطها في الاوليين والأخيرتين وجوباً ، وهو خيرة «السرائر والتحرير والمدارك والمفاتيح والذخيرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والكفاية » وهو ظاهر «التبصرة » ونسبه في «المهذّب » إلى السيّد رضي الله تعالى عنهم جميعاً.
وأمّا عبارات
الأصحاب بألفاظهم ففي «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام » وقد علمت غير مرّة أنّ النسبة لم تثبت عندنا ، وأنّا
استظهرنا أنّه لعلي ابن الحسين بن بابويه ما نقله فيه عن : العالم : إذا صلّيت خلف
إمام تقتدي به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلّا أن تكون صلاة يجهر
فيها فلم تسمع فاقرأ».
وفي «المختلف والذكرى » وغيرهما أنّه قال في المقنع : اعلم أنّ على القوم في الركعتين
الاوليين أن يستمعوا إلى قراءة الإمام ، فإن كان في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
سبّحوا ، وعليهم في الركعتين الاخراوين أن يسبّحوا. والموجود في النسخة التّي
عندنا : وإذا كنت إماماً فعليك أن تقرأ في الركعتين الاوليين وعلى الّذين خلفك أن
يسبّحوا يقولون : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وإذا كنت
في الركعتين الأخيرتين فعليك أن تسبّح مثل تسبيح القوم في الركعتين الاوليين ، ثمّ
ذكر ما نقلوه عنه وقال : هذا أحبّ إليَّ .
وقال في «المبسوط
» : وإذا صلّى خلف مَن يقتدي به لا يجوز أن يقرأ خلفه سواء كانت الصلاة
ممّا يجهر فيها بالقراءة أو لا يجهر فيها ، بل يسمع وينصت إذا سمع القراءة ، فإن
كانت ممّا لا يجهر فيها سبّح مع نفسه وحمد الله تعالى ، وإن كانت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يجهر فيها وخفي عليه القراءة قرأ لنفسه ، وإن سمع مثل الهمهمة أجزاه ، وإن
قرأ في هذه الحال كان أيضاً جائزاً ، ويستحبّ أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه
بالقراءة ، وإن لم يقرأ كانت صلاته صحيحة ، لأنّ قراءة الإمام مجزية عنه ، انتهى.
ولا ريب أنّ كلامه في ظاهره متناقض ويمكن الجمع بحمل قوله أوّلاً وإن كانت ممّا لا
يجهر فيها على ما إذا كانت الصلاة إخفاتية كالظهر والعصر كما هو الظاهر ، ويحمل
قوله ثانياً فيما لا يجهر فيه على أخيرتي الجهرية ، فليتأمّل.
وقال في «النهاية
» : إذا تقدّم مَن هو بشرائط الإمامة فلا تقرأنّ خلفه سواء كانت ممّا يجهر
فيها بالقراءة أو لا يجهر بل تسبّح مع نفسك وتحمد الله تعالى ، وإن كانت الصلاة
ممّا يجهر فيها بالقراءة فانصت للقراءة ، فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت أنت
لنفسك ، وإن سمعت مثل الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك أن لا تقرأ وأنت مخيّر في
القراءة ، ويستحبّ أن يقرأ الحمد وحدها فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة ، وإن لم
تقرأها فليس عليك شيء ، انتهى. وكلامه ككلامه في المبسوط.
ونقل عن علم الهدى أنّه قال : لا يقرأ المأموم خلف الموثوق
به في الاوليين في جميع الصلوات من ذوات الجهر والإخفات إلّا أن تكون صلاة جهر لم
يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ كلّ واحد لنفسه ، وهذه أشهر الروايات ، وروي
أنّه لا يقرأ فيما جهر فيه الإمام ويلزمه القراءة فيما يخافت فيه الإمام ، وروي
أنّه بالخيار فيما خافت فيه ، فأمّا الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبّح
فيهما ، انتهى.
وروى في «الفقية»
عن زرارة ومحمّد عن أبى جعفر عليهالسلام قال : كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : مَن قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بُعث على غير
الفطرة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وروى عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام : إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه سمعت
قراءته أو لم تسمع إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ. قال :
وفي رواية عبيد بن زرارة : أنّه من سمع الهمهمة فلا يقرأ. وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الاولتين وأنصت
لقراءته ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين. وروى بكر بن محمد عن الصادق عليهالسلام : إنّي لأكره للمؤمن لكم أن يصلّي خلف الإمام لا يجهر
فيها فيقوم كأنّه حمار ، قلت : ما يصنع؟ قال : يسبّح.
وقال في «المراسم
» في القسم المندوب : وأن لا يقرأ المأموم خلف الإمام ، وروي أنّ ترك
القراءة في صلاة الجهر خلف الإمام واجب والأثبت الأوّل.
وقال القاضي
فيما نقل عنه : ومتى أمّ من يصحّ تقدّمه بغيره في صلاة جهر وقرأ
فلا يقرأ المأموم بل يستمع قراءته ، وإن كان لا يسمع قراءته كان مخيّراً بين
القراءة وتركها ، وإن كان صلاة إخفات استحبّ للمأموم أن يقرأ فاتحة الكتاب وحدها ،
ويجوز أن يسبّح الله ويحمده.
وقال أبو
الصلاح فيما نقل عنه : ولا تقرأ خلفه في الاوليين من كلّ صلاة ولا في
الغداة إلّا أن يكون بحيث لا يسمع قراءته ولا صوته فيما يجهر فيه فيقرأ ، وهو في
الأخيرتين من الرباعيات وثالثة المغرب بالخيار بين قراءة الحمد والتسبيح والقراءة
أفضل.
وقال ابن حمزة
في «الواسطة» على ما نقل عنه : فالواجب أربعة أشياء :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
متابعة الإمام في أفعال الصلاة ، والإنصات لقراءته ، ونيّة الاقتداء ،
والوقوف خلفه أو عن أحد جانبيه ، وإذا اقتدى بالإمام لم يقرأ في الاولتين ، فإن
جهر الإمام وسمع أنصت ، وإن خفي عليه قرأ ، وإن سمع مثل الهمهمة فهو مخيّر ، فإن
خافت الإمام سبّح في نفسه ، وفي الأخيرتين إن قرأ كان أفضل ، وإن لم يقرأ جاز ،
وإن سبّح كان أفضل من السكوت. وقال في «الوسيلة » : الواجب أربعة أشياء ، وعدّ منها الإنصات لقراءته إذا
سمع.
وقال في «الغنية
» : ولا يقرأ في الاوليين من كلّ صلاة ولا في الغداة إلّا أن يكون في صلاة
جهر وهو لا يسمع قراءة الإمام ، فأمّا الأخيرتان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم
المنفرد.
وقال علاء
الدين أبو الحسن عليّ بن أبي الفضل الحلبي في «إشارة السبق » وتسقط عنه القراءة في الاوليين لا فيما عداهما ، فإن
كانت صلاة جهر وهو بحيث لا يسمع قراءة الإمام قرأ فيهما.
وقال في «السرائر
» اختلفت الرواية في القراءة خلف الإمام الموثوق به ، فروي أنّه لا قراءة على المأموم في جميع الركعات والصلوات
سواء كانت جهرية أو إخفاتية ، وهي أظهر الروايات الّتي تقتضيها اصول المذهب ، لأنّ
الإمام ضامن القراءة بلا خلاف من أصحابنا. ومنهم من قال : يضمن القراءة والركوع
والسجود لقوله عليهالسلام : «الأئمة ضمناء ». وروي أنّه لا قراءة على المأموم في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الركعتين الاوليين في جميع الصلوات الّتي يخافت فيها بالقراءة أو يجهر فيها
إلّا أن تكون صلاة جهر لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه. وروي أنّه ينصت فيما جهر الإمام فيه بالقراءة ولا يقرأ هو
شيئاً وتلزمه القراءة فيما خافت ، وروي أنّه بالخيار فيما خافت فيه الإمام. وأمّا الركعتان
الأخيرتان فقد روي أنّه لا قراءة على المأموم فيهما ولا تسبيح. وروي أنّه يقرأ فيهما أو يسبّح ، والأوّل أظهر لما قدّمناه.
وقال في «المعتبر
» : تكره القراءة خلف الإمام في الإخفاتية على الأشهر وفي الجهرية لو سمع
ولو همهمة ، ولو لم يسمع قرأ. وقال : وتسقط القراءة عن المأموم وعليه اتفاق
العلماء. وقال الشيخان : لا يجوز أن يقرأ المأموم في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام
ولو همهمة. ولعلّه استناد إلى رواية يونس عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من رضيت قراءته فلا تقرأ خلفه» وفي رواية الحلبي
عنه عليهالسلام : «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه سمعت
قراءته أو لم تسمع إلّا أن تكون صلاة يجهر فيها ولم تسمع قراءته. والأولى أن يكون
النهي على الكراهة لرواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنمّا امر بالجهر لينصت من خلفه ، فإن سمعت فأنصت
وإن لم تسمع فاقرأ. والتعليل بالإنصات يؤذن بالاستحباب ، ثمّ قال : إذا لم يسمع في
الجهرية ولا همهمة فالقراءة أفضل ، وبه روايات منها رواية عبد الله بن المغيرة عن قتيبة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا كنت خلف من ترتضى به في صلاة يجهر فيها فلم
تسمع قراءته فاقرأ وإن كنت تسمع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الهمهمة فلا تقرأ ويدلّ على أنّ ذلك على الفضل لا على الوجوب رواية علي بن
يقطين عن أبى الحسن عليهالسلام في الرجل يصلّي خلف من يقتدى به فلا يسمع القراءة ، قال
: لا بأس إن صَمت وإن قرأ.
ثمّ قال : أطلق
الشيخ رحمهالله تعالى استحباب قراءة الحمد في الإخفاتية للمأموم
والأولى ترك القراءة في الاوليين ، وفي الأخيرتين روايتان إحداهما رواية ابن سنان عن «أبي عبد الله عليهالسلام : إذا كان مأموناً على القراءة فلا تقرأ خلفه في
الأخيرتين. والاخرى رواية أبي خديجة عنه قال : إذا كنت في الأخيرتين فقل للّذين خلفك يقرأون
فاتحة الكتاب . وقال ابن عمّه نجيب الدين بن سعيد رحمهالله تعالى على ما نقل : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها ، فإن لم
يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز أن يقرأ ، وإن كان في صلاة إخفات سبّح مع نفسه وحمد
الله وندب إلى قراءة الحمد فيما لا يجهر به.
وقال في «المختلف»
: والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم القراءة فيها مع السماع
لقراءة الإمام والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين والإخفاتية ، كذا نقل
عنه في «الذكرى » وهو معنى ما نقله عنه في «الروض » وفي نسخة اخرى : من الإخفاتية.
وقال في «الشرائع
» : ويكره أن يقرأ المأموم خلف الإمام إلّا إذا كانت الصلاة جهرية ثمّ لا
يسمع ولا همهمة ، وقيل : يحرم ، وقيل : يستحبّ أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ،
والأوّل أشبه. وقال في «النافع » تكره القراءة في الإخفاتية على الأشهر ، وكذا تكره في
الصلوات الجهرية لو سمع القراءة ولو همهمة.
وقال في «كشف
الرموز بعد أن روى عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ سمعت
قراءته أو لم تسمع إلّا أن يكون صلاة تجهر فيها ولم تسمع فاقرأ ما نصّه : وهو
اختيار الشيخ في المبسوط والنهاية وعلم الهدى وأبي الصلاح ، ثمّ نقل قول ابن أبي
عقيل والمتأخّر وسلّار ، ثمّ قال : والأصحّ في الروايات والأظهر في الأقوال هو
الأوّل.
وقال في «التذكرة
» لا يجب على المأموم القراءة سواء كانت الصلاة جهرية أو إخفاتية وسواء سمع
قراءة الإمام أم لا ، ولا يستحبّ في الجهرية مع السماع عند علمائنا أجمع ، ثمّ نقل
عن الشيخين أنّه لا تجوز القراءة في الجهرية مع السماع ولو همهمة ، ثمّ قال :
يحتمل الكراهية ، وقال : لو لم يسمع القراءة في الجهرية ولا همهمة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فالأفضل القراءة ، ثمّ قال : ولو كانت سرّاً قال الشيخ : تستحبّ قراءة
الحمد خاصّة. وقال في «نهاية الإحكام » مثل ما قاله في التذكرة في جميع ما ذكر ما عدا دعوى
الإجماع وما عدا النقل الأخير عن الشيخ فإنّه لم يدّع فيها الإجماع ولا نقل عن
الشيخ قراءة الحمد خاصّة.
وقال في «المنتهى
» : يسقط وجوب القراءة عن المأموم وهو مذهب أهل البيت ، ثمّ قال : قال
الشيخان : لا تجوز القراءة خلف مَن يقتدى به في الجهرية إذا سمع قراءة الإمام ،
ثمّ قال : لو لم يسمع في الجهرية ولا همهمتها استحبّ له القراءة ، ثمّ قال : وقال
الشيخ في التهذيب : تجب عليه القراءة ، لأنّ الأمر يدلّ على الوجوب ، ثمّ قال :
وفيه نظر ، لأنّه كذلك ما لم يعارضه غيره وقد عارضه هنا ، ثمّ ساق خبر ابن يقطين ،
ثم قال : قال في المبسوط : لو سمع مثل الهمهمة جاز له أن يقرأ ، ولعلّه استناد إلى
ما رواه في الحسن عن الحلبي عن أبى عبد الله عليهالسلام ثمّ ساق الرواية ، ثمّ قال : قال الشيخ : يستحبّ أن
يقرأ الحمد وحدها في الإخفاتية وأطلق القول بذلك ، ثم قال : وقال السيّد : لا يقرأ
في الاوليين ويقرأ أو يسبّح في الأخيرتين ، والأولى ما قاله السيّد لما رواه الشيخ
في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام وساق الرواية وأردفها برواية أبي خديجة.
وقال في «التلخيص
» : يكره قراءة المأموم على رأي إلّا في الجهرية مع عدم السماع. وقال في «تخليصه»
: نهى الشيخ في النهاية عن القراءة خلف مَن يقتدى به مطلقاً إلّا في الجهرية مع
السماع كالهمهمة ، قال : فإنّه جائز وإن لم يسمع ولو مثل الهمهمة قرأ لنفسه.
وبمثله قال في المبسوط لكنّه صرّح بعدم جواز القراءة حالة النهي المذكور ، انتهى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «الإرشاد
» : تكره القراءة خلف المرضي إلّا إذا لم يسمع ولا همهمة فيستحبّ له
القراءة على رأي. وقال في «التبصرة » : ولا يقرأ المأموم مع المرضي ولا يتقدّمه في الأفعال.
وقال في «التحرير » : إذا كان الإمام ممّن يقتدى به لم يجز للمأموم
القراءة خلفه في الجهرية والإخفاتية ، وتستحبّ في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة
أن يقرأ ، هذا أجود ما حصلناه من الأحاديث في هذا الباب ، وقد سمعت كلامه في «المختلف».
وقال في «الذكرى
» : وأحسن الأقوال ما ذكره في المعتبر. وقال في «الدروس » : ويتحمّل الإمام القراءة في الجهرية والسرّية ، وفي
التحريم أو الكراهية أو الاستحباب للمأموم أقوال أشهرها الكراهية في السرّية
والجهرية المسموعة ولو همهمة ، والاستحباب فيها لو لم يسمع.
وقال في «البيان
» والأقرب كراهية القراءة خلف الإمام في الإخفاتية وفي الجهرية إذا سمعها
ولو همهمة ، ولو لم يسمع استحبّ ، ولو سبّح حيث لا يسمع القراءة جاز. وقال فيه بعد
أوراق : يستحبّ التسبيح لمن لم يقرأ خلف الإمام ، وكذا لمن فرغ من القراءة قبله ،
ويكره له السكوت إلّا في الجهرية إذا سمعها فالإنصات أفضل.
وقال في «اللمعة
» : وتكره القراءة خلفه في الجهرية لا في السرّية ، ولو لم يسمع ولو همهمة
في الجهرية قرأ مستحبّاً. وعدَّ في «النفلية » فيما ينبغي ترك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
القراءة في الجهرية المسموعة ولو همهمة والقراءة لغير السامع ولمدرك
الأخيرتين والتسبيح في الإخفاتية.
وقال في «التنقيح
» بعد أن نقل الأقوال وقال : إذا سمع ولو همهمة أسقطها الكلّ فبعضٌ أوجب
الإنصات كابن حمزة والباقون سنّوه إلى أن قال : ولا شكّ أنّ ما ذكره الشيخان في
الكلّ أحوط.
وقال في «الموجز
» : ويتحمّل القراءة خاصّة ، وكره للمأمومين في السرّية والجهرية المسموعة
ولو همهمة ، ولو لم يسمع قرأ الحمد ندباً.
وقال في «الهلالية»
: يكره أن يقرأ خلف المرضي في الجهرية المسموعة ولو همهمة. وقيل : بالمنع في
الإخفاتية والجهرية إلّا إذا لم يسمع في الجهرية ولو همهمة فيستحبّ.
وقال في «الجعفرية
» : ويتحمّل الإمام القراءة في الجهرية والسرّية فيكره للمأموم القراءة
فيهما على الأشهر ، ولو لم يسمع في الجهرية ولا همهمة استحبّ أن يقرأ. وقد سمعت كلام «الروض والروضة والنفلية».
ولنقتصر على
كلام هؤلاء فإنّهم أساطين الأصحاب ، ولو أردنا أن نستوعب جميع علمائنا لبعدت
الشقّة وطال المدى.
ونحن نقول :
هذه المسألة من جهة تكثّر الأقوال حصل فيها الإشكال لكنّك إن لحظت أخبار الباب
وجريت بها على القواعد الاصولية كانت كسائر المسائل ، وذلك لأنّ القراءة لغير
المسبوق خلف الإمام المرضي في الإخفاتية أشدّ فروع المسألة إشكالاً عندهم وعند
التحقيق لا إشكال فيه ، لأنّه قد استفاضت الأخبار
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الصحاح وغيرها من المعتبرة وغيرها بالنهي عنها ، ووردت أخبار اخر معتبرة
وفيها الصحيح ظاهرة في الجواز.
منها : الصحيح الذّي فيه : «يقرأ الرجل في الاولى والعصر خلف الإمام
وهو لا يعلم أنّه يقرأ ، فقال : لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الإمام» وهو ظاهر في
الكراهة ، لشيوع استعماله فيها ، مع قوّة احتمال وروده هنا لدفع توهّم وجوب
القراءة كما هو مذهب جماعة من العامّة فلا يفيد على هذا سوى إباحة الترك. وقوله «وهو
لا يعلم أنّه يقرأ» كنايةً عن عدم سماع قراءته فكأنّه قال وهو لا يسمع أنّه يقرأ ،
وليس المراد به الشكّ في قراءة الإمام ، لأنّ فيه طعناً عليه لإخلاله بالواجب ،
ولذا قال جماعة بعدم الكراهية هنا.
والصحيح الآخر الّذي فيه «سئل أبو الحسن عليهالسلام» عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما
بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال : إن قرأت فلا بأس وإن سكتّ فلا بأس» إذ الظاهر أنّ
الصمت كناية عن الإخفات كما فهمه جماعة وإرادة ترك القراءة من الصمت لا تدفع الاستدلال به كما
يأتي.
ومنها : ما
رواه الشيخ عن إبراهيم المرافقي وأبي أحمد عمرو بن الربيع النظر عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام : إذا كنت خلف إمام تتولّاه وتثق به فإنّه يجزيك قراءته
، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه ، فإذا جهر فانصت . وهذا صريح الدلالة في جواز القراءة ، وضعف السند كقصور
دلالة البعض إن كان فمنجبر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالشهرة المستفيض نقلها على الكراهية حتّى من المحقّق في كتابيه ، وناهيك به ناقلاً ، فيجمع بين الأخبار بحمل النهي في
الصحاح المستفيضة على الكراهية لمكان هذه الأخبار المعتبرة المعتضدة بالشهرة
المستفيضة كما سمعت. ولا ريب أنّ تأويل تلك إلى هذه أقرب من العكس.
وقوله في
الصحيح : «من قرأ خلف إمام يأتمّ به بعث على غير الفطرة» فيمكن
حمله على ما عدا الإخفاتية أو على ما إذا قرأ بقصد الوجوب كما عليه جماعة من العامّة ، فيكون المقصود به ردّهم أو على الكراهية
وإن بعد ، وقد وقع مثله في الأخبار كما في رواية فرق الشعر ممّا رتّب عليه العذاب الاخروي من الفرق بمنشار من نار
وأمثاله.
وقد روى ابن
سنان في الصحيح عن أبى عبد الله عليهالسلام قال : إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
حتّى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الاوليين ، وقال :
يجزيك التسبيح في الأخيرتين ، قلت : أيّ شيء تقول أنت؟ قال : أقرأ فاتحة الكتاب.
وهذا الخبر ظاهر في رجحان القراءة للمأموم في الركعتين الأخيرتين حيث خصّ النهي عن
القراءة بالاوليين وقال : يجزيك التسبيح في الأخيرتين فإنّه يدلّ على إجزاء
القراءة أو رجحانها ، فقد دلّ على بعض المدّعى دلالة ظاهرة ، وما ذكر فيه من احتمال كونه لرفع توهّم أنّ التسبيح كيف يكون
مجزياً ، لأنّ الصلاة لا تتمّ إلّا بالقراءة ، فدفعه عليهالسلام بالتنصيص على الإجزاء ، وليس الغرض متعلّقاً بإجزاء
غيره أو رجحانه ومن احتمال حمل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التسبيح على تسبيح الإمام ، ومن أنّ التخصيص بالاوليين خرج مخرج الغالب ،
فعدول عن الظاهر ، واشتماله على ما ذكر فيه أخيراً ، لأنّ الائتمام بالنسبة إليه عليهالسلام لا يكون إلّا خلف غير المرضي ، فلا يقدح في حجّيته
كاحتمال أن يكون ابن سنان محمّداً لا عبد الله ، مع أنّه صرّح بعبد الله في
المنتهى وغيره ، وإن حملنا قوله «أيّ شيء تقول أنت» على معنى أيّ شيء
تفتي وتحكم به ليصير قوله عليهالسلام «اقرأ» فعل أمر فلا إشكال أصلاً. وحينئذٍ يمكن أن نقول لمكان هذا الصحيح
باختصاص الكراهية باوليي الإخفاتية والتخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح في
الأخيرتين كما هو خيرة السيّد وموافقيه . ومن لا يحتفل بالشهرة ولا يقول إنهّا تقيم أوَدَ سند
الخبر وتعضد دلالته قال بالتحريم لظواهر النواهي ولا ضير عليه بناءً على أصله ،
لكنّه خلاف الحقّ.
فقد اتّضح
الحال واندفع الإشكال ، والقول بعدم الكراهية ضعيف جدّاً لما سمعت ، على أنّه
يكتفي في ثبوتها بفتوى فقيه واحد فضلاً عن الشهرة وغيرها ، وأضعف منه القول
بالاستحباب في الاوليين والأخيرتين.
وأمّا القراءة
إذا كانت الصلاة جهرية وسمع قراءة الإمام في الاوليين فالآية والأخبار المستفيضة
الّتي تزيد عن أوّل العقود تدلّان على التحريم وأكثرها صحيح ولا معارض لها إلّا ما
استدلّ به على الكراهية في «المعتبر » من قول الصادق في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج : «وأمّا
الصلاة الّتي يجهر فيها فإنمّا أمر بالجهر فيها لينصت من خلفه .. الحديث» قال :
فإنّ التعليل بالإنصات يؤذن بالاستحباب. ولعلّه استفاده من قرينة المقابلة. وأنت
خبير بأنّ هذا الإيذان لا يكاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يطنّ في الأذهان ، على أنّا قد نقول : إنّ علل الشرع ليست من قبل العلل
الحقيقية وإنمّا هي معرّفات ، والتعليل إنمّا وقع بياناً للحكمة وإلّا فالعلّة
الحقيقية إنّما هي من الشارع ، وهل يعدل بهذا عن تلك الأخبار العالية المنار
الظاهرة ظهوراً تامّاً في الدلالة على المختار.
وأمّا موثّقة
سماعة «قال : سألته
عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول ، قال : إذا سمع صوته فهو
يجزيه ، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه» فقد تشعر بالمعارضة ، لأنّ في التعبير
بالإجزاء إشعاراً أو ظهوراً في عدم المنع عن القراءة أصلاً أو عدم كونه للحرمة ،
وأنت خبير بأنّه لا يقوى على ضعفه وإضماره وقصور دلالته على مقاومة تلك الصحاح
الصراح المستفيضة.
فإن قلت : هلا
جبرته بالشهرة المنقولة في «الدروس » وغيره وبما يظهر من دعوى الإجماع في «التنقيح » وغيره ؟
قلت : هذه
الشهرة لم نتحقّقها فضلاً عن الإجماع ، لأنّ الصدوق والمفيد والسيّد والشيخ وأبا
المكارم وابن حمزة والقاضي والتقي وأبا المجد الحلبي وابن إدريس وظاهر الآبي على
خلافها كما سمعت ممّا حكيناه أو نقلنا حكايته ، وإنمّا نشأ ذلك من المحقّق وكثير
ممّن تأخّر عنه ، سلّمنا وأقصاه أن يكون صحيحاً وأنّى لنا بوضوح دلالته وجبر
الشهرة لقصور الدلالة في محلّ التأمّل لكن قد نستنهض ذلك مؤيّداً ، سلّمنا أنّه
صحيح واضح الدلالة وأنّ التنقيح في دعوى الإجماع صريح وأنّه لم يحصل لنا ريب فيه ،
على أنّ شيئاً من ذلك لم يكن ، لكنّا نقول أين يقعان من تلك الأخبار المستفيضة؟!
فتأمّل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأضعف من ذلك
الاستدلال بالصحيح عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها
بالقراءة فلا يسمع القراءة ، قال : لا بأس إن صمت وإن قرأ. فإنّه ليس من المدّعى
لوروده في صورة عدم سماع القراءة وقد أطبقوا إلّا من شذّ على الجواز هنا.
وأضعف منه
الاستدلال بالإجماع المحكيّ على عدم وجوب الإنصات للقراءة مطلقاً كما هو ظاهر
الآية ، بل هو كذلك للاستحباب ، فتعليل الأمر بالإنصات في النصوص بالأمر به
قرينة عليه.
وفيه : أنّ
الصحيحة صريحة باختصاص الآية بالفريضة ، ولا إجماع على عدم الوجوب فيها ، والإجماع
على الاستحباب في غيرها لا ينافي الوجوب فيها.
وأمّا إلحاق
استماع الهمهمة بالاستماع التامّ فلعموم الآية وصدق السماع وللتصريح به في عدّة
أخبار ، منها الحسن الّذي هو كالصحيح فإنّ فيه : «وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ» وما رواه «الفقية
» عن عبيد بن زرارة : «أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ» والموثّق الّذي فيه : «فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول» فيقيّد
بذلك إطلاقات الأخبار الاخر لوجوب حمل المطلق على المقيّد ، على أنّ محلّ القيد
أظهر أفراد المطلق ، مضافاً إلى عموم الصحيح الّذي فيه : «من قرأ خلف إمام يأتمّ به بعث على غير
الفطرة» إلى غير ذلك من العمومات الاخر مع فتوى الأعظم.
وأمّا
الأخيرتان من الجهرية فقد يشعر الإنصات والسماع باختصاص
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التحريم فيما يجبر فيه من الركعات الاول التي يجهر فيها ، مضافاً إلى الأصل
وعموم ما دلّ على وجوب وظيفتهما ، واختصاص ما دلّ على سقوط القراءة بحكم التبادر
بالمتعيّنة منها لا مطلقاً ، وليست متعيّنة إلّا في الاوليين ، وأمّا الأخيرتان
فإنّ وظيفتهما القراءة المخيّر بينها وبين التسبيح مع أفضليّته كما تقدّم في محلّه ، على أنّ القائل بسقوط القراءة فيهما على
سبيل الوجوب كاد يكون نادراً ، فليتأمّل جيّداً. لكن عموم ظواهر الأخبار وصدق
الجهرية على الأخيرتين أيضاً والتنصيص في صحيحة زرارة على النهي عن القراءة في أخيرتي الجهرية معلّلاً بأنهما
تبع للُاوليين اللتين يجب فيهما الإنصات وتعليله النهي عن القراءة بالإنصات
المأمور به في الآية يفيد التعميم مع عدم بُعد السماع والإنصات فيهما أيضاً ، إذ
لا منافاة بين السماع والإنصات وبين وجوب الإخفات لما مرّ في بحث الجهر والإخفات.
وعلى هذا فلا
يمكن أن يقال : إنّه يمكن الاستدلال بفحوى الصحاح المستفيضة الدالّة على جواز
القراءة بل استحبابها في اوليي الجهريّة مع عدم سماع الهمهمة ، فالجواز في
أخيرتيها أولى ، وحيث ثبت جواز القراءة فيهما أو استحبابها ثبت جواز التسبيح أيضاً
، لعدم القائل بالفرق من هذه الجهة ، مضافاً إلى أخبار ناطقة به ، فليتأمّل. ولو
كان هناك قائل بسقوط التسبيح فيهما لأمكن أن يستدلّ له بما أشرنا إليه.
وأمّا
الإخفاتية فإذا جازت القراءة في اولييها فلأن تجوز في أخيرتيها بطريق أولى لكن مع
الكراهية ، على أنّه قد يقال بعدم الكراهة هنا لمكان رواية ابن سنان . ويقيّد إطلاق التبعية إن لم نخصّها بالجهرية بأصل جواز
القراءة وعدمه من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
دون ملاحظة نحو وصف الكراهية ، فتأمّل.
وأمّا استحباب
القراءة في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة فقد طفحت به عبارات الأصحاب واستفاضت به
الأخبار ، وهي ظاهرة في الوجوب إلّا أنّها حُملت عليه جمعاً بينها وبين غيرها ممّا
خيّر فيه ، على أنّه قد يقال : إنّها واردة في مقام توهّم الحظر ، فتأمّل.
هذا وليعلم أنّ
المقدّس الأردبيلي قال : يمكن إجراء التفصيل في الإخفاتية بأن يقال : إذا سمع تحرم
القراءة وإلّا تكره ، إذ لا منافاة بين السماع والإنصات وبين الإخفات ، قال :
ويؤيّده جريان التفصيل في الأخيرتين من الجهرية ، فتحمل الجهرية على ما وقع فيه
السماع وإن كانت إخفاتية ، وكذا عدمها على ما لا يسمع وإن كانت جهرية ، لأنّه قد
يقال : إنّ تخصيص التفصيل بالذكر بالجهرية ، لعدم السماع والجهر في الإخفاتية
غالباً وإن كان حكم السماع والجهر في الإخفاتية تجري أيضاً. ويؤيّده صحيحة زرارة حيث أطلق الفريضة ولم يخصّصها بالجهرية * فتخصص الإنصات
بالأوّلين لأجل عدم تعيين القراءة في الأخيرتين فإنّه قد يسبّح فيهما فإنّ الأولى
للإمام والمأموم ذلك لكن يأباه ظاهر بعض الأخبار مثل صحيحتي الحلبي. وعبد الرحمن ، فالقول بالتسوية في مطلق الصلاة والفرق بالسماع وعدمه
لا يخلو عن قرب. قلت : هذا إن أتمّ احتاج إلى القائل فإنّا لا نجد به قائلاً
أصلاً. وقال أيضاً : إنّي أجد أنّ اختيار ترك القراءة في الإخفاتية أولى ، بل في
الجهرية مطلقاً ، إذ بعض الأدلّة تدلّ على وجوب الترك مطلقاً والبعض مع السماع في
الجهرية مع وجود الصحيح الدالّ على التخيير مع عدم السماع ، فالأحوط في الجملة في
العمل هو ترك القراءة ، ولا يبعد استحباب
__________________
(*) كذا وجدنا
والمراد حاصل (كذا بخطه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
اختيار التسبيح خصوصاً في الإخفاتية وخصوصاً مع عدم السماع لما في حسنة
زرارة «فانصت وسبّح
في نفسك» ولصحيحة ابن سنان وصحيحة محمّد بن بكر الأزدي «إنّي أكره .. الحديث» وظاهره أنّ التسبيح مخصوص بالإخفاتية ، وظاهر حسنة
زرارة أنّه في الجهرية ، فيمكن التعميم أو تخصيص الاولى بذلك وحمل رواية زرارة على
الإخفاتية ، وهو أولى لوجود ما ندب على ترك القراءة والإنصات المحض في الجهرية.
وأنّه يمكن الجمع بحمل أخبار ترك القراءة في الإخفاتية على الكراهية لقوله عليهالسلام في صحيح سليمان «لا ينبغي» الظاهر فيها وصرف الآية إلى الجهرية لظاهر صحيحة زرارة في
الفقيه وكذا بعض الأخبار كما هو الظاهر ، فيمكن القول بسقوط
القراءة في الإخفاتية وباستحباب التسبيح خصوصاً مع عدم السماع ، فحينئذٍ ما أجد
عليه غباراً من الأخبار بوجه ، انتهى كلامه أعلى الله سبحانه مقامه.
وأما قوله «ويقرأ
وجوباً مع غيره ولو سرّاً في الجهرية» فقد اشتمل على حكمين ، الأوّل : أنّه يقرأ
وجوباً وهو خيرة «المقنع والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والهداية والنهاية والمبسوط » وما تأخّر عنها . وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«السرائر والمنتهى » أنّه لا خلاف فيه. بل في «الهداية والمقنع واللمعة والروضة » أنّه يؤذن ويقيم لنفسه.
وأمّا الثاني :
وهو أنّه لا يجب عليه الجهر بالقراءة في الجهرية بل يقرأ سرّاً. ففي «المدارك » القطع به. وفي «المنتهى » لا نعرف فيه خلافاً. وبه صرّح في «النهاية والمبسوط والسرائر » وغيرها . وفي «المبسوط» أجزاه مثل حديث النفس. وبذلك صرّح في «البيان
والدروس والموجز الحاوي والجعفريّة وشرحيها والهلالية والمفاتيح » وغيرها . وفي «السرائر » لا بد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
له من إسماع اذنيه وما ورد أنّه مثل حديث النفس فعلى طريق المبالغة
والاستيعاب لأنّه لا يسمّى قارئاً. وفي «المفاتيح » الأحوط الجمع بين القراءة والإنصات مهما أمكن.
وتجزي الفاتحة
وحدها مع تعذّر السورة إجماعاً كما في «المدارك » وبلا خلاف كما في «الذخيرة » وقد نصّ عليه في «المبسوط والنهاية والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والدروس والبيان والروضة والكفاية والمفاتيح ».
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقضية قوله في «المبسوط
والنهاية » أنّه لا يجوز ترك القراءة على حال وأنّه لا يجوز أقلّ
من الفاتحة ، أنّه إذا لم يدرك القراءة معهم لم يجز له الاعتداد بتلك الصلاة كما
إذا أدركهم في الركوع ، وهو خلاف ما نصّ عليه في «التهذيب » وخلاف ما في «الهداية والمقنع والبيان » فإنّهم قالوا بأنّه يعتدّ بتلك الصلاة بعد أن يكون قد
أدرك الركوع وعبارتا «المقنع والهداية» قوله : وإن لم تلحق القراءة وخشيت أن يركع
الإمام فقل ما حذفه من الأذان والإقامة واركع.
وقضية كلاميه
في «المبسوط والنهاية» أيضاً أنّه لو ركع الإمام قبل فراغ المأموم من الفاتحة وجبت
إعادة الصلاة. وهو خيرة «التذكرة ونهاية الإحكام ». وقال في «التهذيب » : إنّه تسقط الفاتحة ، وهو خيرة «الجعفرية وشرحيها والروضة ». وفي «المدارك والذخيرة والكفاية » فيه إشكال ، قالا :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولا ريب أنّ الإعادة مع عدم التمكّن من قراءة الفاتحة طريق الاحتياط. وفي «الدروس
والبيان والذكرى والموجز الحاوي والجعفرية وشرحيها » أنّه يجب عليه إتمامها في الركوع. قال في «الدروس » : إن أمكن ذلك وإلّا سقطت ، ونحوه ما في «الذكرى ». وفيها أيضاً وفي «الموجز والجعفرية وشرحيها » أنّه لو اضطرّ إلى القيام قبل تشهّده قام وتشهّد
قائماً ، وبذلك صرّح عليّ بن بابويه فيما نقل من عبارته.
وقال الشيخ :
لو كان الإمام ممّن لا يقتدى به وقد سبقه المأموم لم يجز له قطع الفريضة ، بل يدخل
معه في صلاته ويتمّ هو في نفسه فإذا فرغ سلّم وتابعه نفلاً ، فإن وافق حال تشهّده
حال قيام الإمام فليقتصر في تشهّده على الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلىاللهعليهوآلهوسلم إيماءً ويقوم مع الإمام . وصرّح جماعة في المسألة بأنّه لا يعيد وإن بقي الوقت ، وهو المستفاد
من كلام الآخرين . وفي «الذكرى»
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّه لا عبرة بالتقدّم والتأخّر هنا يعني في القراءة والركوع والسجود . فلو رفع رأسه قبله من الركوع لم تبطل صلاته ولا يجوز
له العود ، لأنّه يكون زيادة في الصلاة كما نصّ على ذلك كلّه في «المنتهى » وقد تقدّم الكلام فيما إذا قرأ هذا الإمام عزيمةً في محلّه.
تتمّة
مهمّة : قد طفحت
عبارات الأصحاب ونطقت الأخبار بالحثّ والتأكيد على الصلاة معهم وأنّ فيها الثواب
الجزيل ، وذلك يعطي إمّا استحبابها أو وجوبها ، إمّا بأن يصلّي معهم صلاة منفرد
يؤذّن ويقيم ويقرأ لنفسه كما مرَّ أو أنّه يصلّي في منزله ، ثمّ يخرج إلى الصلاة
معهم إماماً كان أو مأموماً وأنّ هذه الصلاة الثانية تحسب له نافلة كما دلّ على
ذلك جملة من الأخبار ، ولعلّ هذا أفضل وأكمل.
وهل يشترط في
القسم الأوّل عدم المندوحة؟ صرّح الشهيدان في «الروض والبيان » بعدم الاشتراط وقرّب في «المدارك » الاشتراط ، وإطلاق النصّ والفتوى والحثّ على مخالطتهم
وعيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وعلى أنّهم إن استطاعوا أن يكونوا الأئمة والمؤذّنين
فليفعلوا ، لأنّ في ذلك دفع الضرر وتأليف القلوب وعدم الطعن على المذهب وأهله قد
يعطيان ما قاله الشهيدان. وللمحقّق الثاني تفصيل تقدّم ذكره في مبحث الوضوء فليلحظ ، فإنّا قد نقلنا في ذلك
المقام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
شطراً صالحاً نافعاً فيما نحن فيه.
وينبغي التعرّض
لبيان حكم المسبوق لأنّك بعد أن أحطت خبراً بحال قراءة المأموم ناسب أن نذكر حكم
قراءة المسبوق. وفي «المدارك والذخيرة والكفاية والحدائق » أنّ أكثر الأصحاب لم يتعرّضوا لقراءة المأموم اذا أدرك
الإمام في الركعتين الأخيرتين. قلت : والأمر كما ذكروا ولعلّهم أحالوه على ما
ذكروه في المأموم ، وقد اقتصر جماعة ممّن تعرّض لحكم قراءته كأبي المكارم وأبي المجد والمحقّق والمصنّف في بعض كتبه وغيرهم على قولهم : كلّما يدركه المأموم فهو أوّل صلاته. وحكى
عليه الإجماع في «الغنية والمعتبر والمنتهى والتذكرة والروض والغرية والمفاتيح » وظاهر «نهاية الإحكام ». ونقل بعضهم الخلاف في ذلك عن أبي علي. ولعلّه يوافق أبي حنيفة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في قلب الصلاة وهو جعل ما يدركه آخر صلاته.
والحاصل أنّ
ظاهر من تعرّض للحكم الاتفاق على رجحان القراءة له إذا أدركه في الأخيرتين لكن
عبارات جملة من المتقدّمين وجماعة من المتأخّرين كأنّها مجملة بالنسبة إلى الوجوب
والندب لكن الظاهر منها قبل التأمّل هو الوجوب وبعده عند الإنصاف هو الندب كما
ستسمع في البيان الّذي نذكره إن شاء الله تعالى ، فبعضهم صرّح بأنّه يقرأ وبعضهم عبّر بلفظ الرواية وربّما أردفه بذكر الصحيحتين.
وممّن صرّح
بالوجوب علم الهدى فيما نقل عنه والشيخ في «التهذيب » وهو ظاهر «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والنهاية والمبسوط والغنية » بل ادّعى بعضهم أنّه خيرة الكليني والصدوق ، ونقل ذلك في «المنتهى » وغيره عن بعض أصحابنا. وهو ظاهر المنقول عن أبي الصلاح. وفي «السرائر والمنتهى والتذكرة والمختلف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونهاية الإحكام والنفلية والفوائد الملية ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة والكفاية » أنّ قراءته مستحبّه. وفي «المفاتيح » فيه قولان ؛ وقد يظهر من المولى الأردبيلي والخراساني الميل إلى الوجوب بعد حكمهما بالاستحباب.
وأمّا المنقول من كلام المرتضى فهو قوله : لو فاتته ركعتان من الظهر
أو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة في نفسه فإذا سلّم
الإمام قام فصلّى الركعتين مسبّحاً فيهما. ونحوه المنقول من كلام أبي الصلاح. وكلام السيّد ككلام المقدّس
الأردبيلي صريح في وجوب الإخفات ، كما هو ظاهر المنقول عن التقي وأنّه أحوط ولو في
الجهرية إلّا مع عدم المتابعة كما إذا فرغ الإمام من الصلاة وقام المأموم إلى
الركعة الّتي يجب عليه فيها الجهر بالقراءة.
وليعلم أنّ من
قال بوجوب قراءة السورتين فإنّما قال به في حال التمكّن منهما وإلّا فالحمد خاصّة
مع إمكانها كما صرّح بذلك في «النهاية والمبسوط والفقه الرضوي والرياض ». وأمّا مع عدم التمكّن منها فإشكال ، لأنّه يدور الأمر
حينئذٍ بين أن يأتي بها ثمّ يلحق الإمام في السجود أو يتركها ويتابعه في الركوع ،
ولعلّ الثاني أجود والأحوط أن يعيد الصلاة ، والأولى أن لا يدخل إلّا عند تكبير
الركوع أو حيث يعلم أنّه يتمكّن منها.
وظاهر جماعة كثيرين * وصريح بعض كصاحب «المدارك » والمولى الخراساني وغيرهما أنّ الإمام إذا جلس للتشهّد وليس محلّ تشهّد للمسبوق أن
__________________
(*) حيث يقولون
جلس مع الإمام للتشهّد (منه قدسسره)
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يتجافى ندباً. وفي «الذكرى » عن الصدوق أنّه أوجبه ، وقوّاه صاحب «الرياض ». وفي «الغنية » كما حكي عن التقي وابن حمزة الطوسي أنّه يجلس مستوفزاً ونحوه ما
في «السرائر » جلس متجافياً غير متمكّن. والمولى الأردبيلي فهم من الرواية أنّه على سبيل الجواز ثمّ احتمل
الاستحباب.
وفي «المنتهى والذكرى والبيان ومجمع البرهان والذخيرة والرياض » أنّه يأتي بالتشهّد استحباباً ، لأنّه بركة ، كما في
المعتبرين . ومنع منه جماعة منهم الشيخ في «النهاية » حيث قال : ولا يتشهّد ، وأبو المكارم في «الغنية » ونقل ذلك عن أبي الصلاح وأبي جعفر ابن حمزة. وفي «المبسوط » أنّه لا يعتدّ به ويحمد الله سبحانه ويسبّحه ، وأثبت
في «النهاية» أيضاً بدله التسبيح لكن كلامه فيها صريح بالنهي عن التشهّد كما عرفت.
وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«التحرير » قعد وسبّح من غير تشهّد.
وفي «البيان ومجمع البرهان والذخيرة والرياض » أنّه إذا قنت الإمام ينبغي له أن يقنت معه. وفي صحيح عبد الرحمن على الصحيح في أبان ومحمّد بن الوليد : أنّه
يقنت معه ويجزيه عن القنوت لنفسه ولعلّه أولى إذا لزم منه التخلّف ، وقد يفهم
تحريمه ممّا ذكر في وجوب المتابعة من عدم فعل جلسة الاستراحة.
والمشهور كما
في «الروض ومجمع البرهان والذخيرة والكفاية » أنّه مخيّر في أخيرتيه بين الحمد والتسبيح. وهو خيرة «النهاية
والمبسوط والسرائر والشرائع » والمصنّف والشهيد والمحقّق الثاني وتلميذيه وغيرهم .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونصّ جماعة من هؤلاء على ذلك وإن كان الإمام قد سبّح. وفي «المدارك
» بعد قوله في الشرائع : إذا أدركه في الرابعة دخل معه ، فإذا سلّم الإمام
قام فصلّى ما بقي عليه ويقرأ في الثانية بالحمد وسورة وفي الاثنتين الأخيرتين
بالحمد وإن شاء سبّح ما نصّه : لا خلاف في التخيير بين القراءة والتسبيح في هذه
الصورة ، انتهى. وفي «المنتهي » الّذى عليه علماؤنا أن يقرأ في الركعتين اللتين فاتتاه
بامّ الكتاب خاصّة أو يسبّح لأنّهما آخر صلاته ، ونقل جماعة عن بعض القول بتعيين القراءة لئلّا تخلو الصلاة من
فاتحة الكتاب ، ونقل بعض عن بعض وجوب الفاتحة ولو في ركعة.
وفي «السرائر » لا يقوم إلّا بعد التسليم أي تسليم الإمام. وفي «الروض
والذخيرة » أنّه أولى ، وفي الأوّل : لو فارقه بعد التشهّد جاز ،
وهل يتوقّف على نيّة الانفراد؟ الأجود ذلك ، وفي الثاني : * تجوز المفارقة بعده
قبل التسليم على القول باستحبابه ، وأمّا على القول بوجوبه فلا يبعد ذلك أيضاً بل
تجوز المفارقة بعد رفع الرأس من السجدة أيضاً قبل التشهّد بناءً على القول بعدم
وجوب المتابعة في
__________________
(*) أعني
الذخيرة (بخطه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأقوال ، وعلى تقدير الجواز فالأقرب عدم وجوب نيّة الانفراد فيه. ومثله
قال في «الكفاية » : وقد تبع * في ذلك كلّه مولانا المقدّس الأردبيلي.
واستدلّ في «مجمع البرهان » على جواز المفارقة قبل التسليم على القول بوجوبه
بالأصل وكون الجماعة مندوبة ولا تجب المندوبة بالشروع عندهم إلّا الحجّ بالإجماع.
بيان : قد عرفت
رجحان القراءة للمسبوق إذا أدركه في الأخيرتين ولكن الإشكال في أنّ ذلك على سبيل
الندب أو الوجوب؟
حجّة القائل
بالندب عموم ما دلّ على سقوطها خلف المرضي كما في «المنتهى » وضعف النصوص الواردة في المقام عن إثبات الوجوب ،
لاشتمالها على نهي اريد به الكراهة قطعاً كالنهي عن القراءة في الأخيرتين ، وعلى
أوامر اريد بها الاستحباب كالأمر بالتجافي وعدم التمكّن من القعود ، فمع اشتمالها
على ذلك يضعف الاستدلال بما وقع فيها من الأوامر على الوجوب أو النواهي على
التحريم ، مع أنّ مقتضى بعضها كون القراءة في النفس وهو لا يدلّ صريحاً على وجوب
التلفّظ بها ، فتلك قرينة اخرى على الندب ، هذا ما في «المدارك والذخيرة ».
قلت : وقد
اشتملت صحيحة زرارة على حذف التحميد وإقامة الدعاء بدله وهو غير المشهور ، ومثله
عند هؤلاء ممّا يوهن الاعتماد على الخبر. وأيضا ترك فيها في رواية «الفقيه » ذكر السورة وهو خلاف المشهور بل خلاف الإجماع المحكيّ
__________________
(*) أي
الخراساني (حاشية).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
من جماعة في
محلّه. وممّا يدلّ على الندب بإطلاقه ما ورد في الصحيح فيما إذا استنيب المسبوق : «أنّه إن لم يدر ما صلّى
قبله الإمام ذكره من خلفه» وقد عمل به الأصحاب ، وهذا لا يتّجه إلّا على القول
بالندب إلّا أن يحمل على النسيان. ومن أقوى القرائن في المقام أنّه يلزم على القول
بالوجوب أنّه لا يصحّ لمن يريد الدخول في الصلاة ولا سيّما في الإخفاتيّة أن يدخل
إلّا بعد معرفة الركعة الّتي قد تلبّس بها الإمام هل هى من الاوليين فلا تجوز له
القراءة أم من الأخيرتين فتجب؟ وقد استمرّت طريقة الشيعة في الأعصار والأمصار على
خلاف ذلك وعمومات الأخبار ، ولا سيّما أخبار الباب الّتي هي أدلّة الوجوب وأخبار التقدّم إلى الصفّ والتأخّر عنه ، وأخبار الحثّ على الدخول في صلاة الجماعة قاضية أيضاً بخلاف ذلك ،
ولو كان كما يقولون لنبّه على هذا الفرع فقيه واحد من الأصحاب مع أنّه ممّا تشتدّ
الحاجة إليه. ويلزم أيضا أنّه لو علم أنّه في الثالثة أو الرابعة لا يجوز له
الدخول إلّا بعد أن يعلم أنّه يتمكّن من قراءة الحمد تماماً قبل ركوع الإمام ،
فليتأمّل.
ومن هنا يعلم
أنّ ما عدا الحلّي ممّن تأخّر عنه إنّما فهموا من كلام الشيخ ومَن وافقه الندب لا
غير. وأمّا الحلّي فإنّه قال في «السرائر » : وقال بعض أصحابنا يجب عليه قراءة السورتين معاً ،
ومنهم من قال : قراءة الحمد وحدها. ولعلّه عنى بالأوّل الشيخ وبالثاني السيّد.
وأقوى شاهد على ما قدّمناه أنّ المصنّف في «المختلف » لم ينسب الخلاف إلّا لعلم الهدى وقال : إنّ أصحابنا
وإن ذكروا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
القراءة لكنّهم لم يذكروا الوجوب ، فليتأمّل جيّداً ، على أنّ كلام السيّد
إنمّا تضمّن وجوب قراءة الفاتحة كما حكى عنه في «المختلف» وغيره ، وهو لا يقول به ، وقد ادّعى في «الانتصار » إجماع الإمامية على وجوب السورة فليحمل الوجوب في
كلامه هنا على تأكّد الاستحباب ، ولا نعلم أحداً قال بوجوب السورة في غير محلّ
الفرض وقال هنا بوجوب الفاتحة فقط مع التمكّن من السورة كما هو قضية إطلاق كلامه
إلّا ما نقله في «السرائر » عن بعض أصحابنا وكأنّه عنى به السيّد. وممّا يشهد على
ذلك ترك أكثر الأصحاب التعرّض لحكم قراءته كما اعترف بذلك جماعة كما سمعت ويشهد لهم التتبّع والوجدان فلو لا أنّهم أحالوا ذلك
على ما ذكروه في بيان الحال في قراءة المأموم لما صحّ منهم إغفاله وترك بالكلّية
مع شدّة الحاجة إليه.
احتجّ القائلون
بالوجوب بظاهر الأوامر الواردة في الأخبار المذكورة ، مضافاً إلى عموم ما دلّ على وجوبها ، ومنعوا
العموم الّذي ادّعاه القائلون بالندب ، قالوا : بل هو إطلاق غير منصرف بحكم
التبادر إلى محلّ النزاع ، ولو سلّم فهو مخصوص بأوامر الباب وهو أولى من حملها على
الندب ، لأنّ التخصيص مقدّم على المجاز.
والقرينة
الاولى على تقدير تسليمها فهي معارضة بمثلها ممّا هو للوجوب قطعاً وبعد تعارضهما
يبقى الأمر الظاهر في الوجوب سليماً عن الصارف فتأمّل ، على أنّا نقول : ليس هناك
نهي وإنمّا هو نفي ، سلّمنا أنّه غير ظاهر في كونه نفياً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلا نسلّم كونه ظاهراً في كونه نهياً ، لأنّ الصورة تحتملهما من دون تفاوت
ولا قرينة على كونه نهياً ، فلم يكن في الرواية ما يمنع بقاء الأمر على حقيقته
أعني الوجوب ، والأصل بقاؤه حتّى يثبت المانع ، فكان هذا الأصل قاضياً بكونه نفياً
على تقدير التساوي ، على أنّه لو كان نهياً لكان مجازاً والأصل عدمه ، فهذا مرجّح
آخر لكونه نفياً ، سلّمنا ولكن مثل ذلك لا يمنع الاستدلال وإلّا لتفاقم الأمر وعظم
الخطب وسرى الوهن في أكثر أخبارنا.
وأمّا القرينة
الثانية فممنوعة ، إذ القراءة في النفس كناية عن الإخفات بها كما شاع التعبير بها
عنه في الأخبار ، ولو سلّم فكيف تجعل القراءة في النفس التي ليست قراءة حقيقة
قرينة على استحبابها ، بل إبقاؤها على حقيقتها خلاف الإجماع ، على أنّ في رواية
زرارة ما يمنع من الحمل على الاستحباب مع قطع النظر عن كون الاستحباب معنىً
مجازياً للأمر وأنّه لا بدّ له من قرينة صارفة ، لأنّ قوله عليهالسلام : «قرأ في كلّ ركعة إلى آخره ..» تفسير وبيان لقوله عليهالسلام «جعل أوّل ما يدركه أوّل صلاته» كما تشهد به صحيحة عبد الرحمن ، ولا شكّ في أنّه واجب وأنّه لا يجوز قلب الصلاة ، ولو
سلّم ذلك بالنسبة إلى صحيحة زرارة فلا نسلّمه بالنسبة إلى صحيحة عبد الرحمن ، لأن
الأمر فيها بالقراءة وقع في سؤال على حدة غير السؤال المشتمل على التجافي ،
وكثيراً ما يشتمل الخبر على سؤالات عن أحكام متباينة ، على أنّه يلزم انسحاب الحكم
إلى قوله : «فليلبث قليلاً» الّذي هو عبارة عن التشهّد في المقام ، فيحمل بمقتضى
ما ذكر على الاستحباب مع أنّ الخبر هو مستند القوم في المقام على وجوب التشهّد على
المسبوق. ثمّ إنّ الأمر بالقراءة وقع معلّلاً منهياً عن خلافه وهو ممّا يؤكّد
الوجوب ، على أنّا قد لا نسلّم أنّ الأمر بالتجافي محمول على الاستحباب ، وقد علمت
أنّ الوجوب مذهب الصدوق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وظاهر جماعة من القدماء استناداً إلى هذه الرواية أو إلى ما رواه في كتاب «معاني
الأخبار » عن الصادق عليهالسلام : «إذا جلس الإمام في موضع يجب أن تقوم فتجاف» أو
إليهما ، هذا كلّه مضافاً إلى الأخبار الاخر المستفيضة كمال الاستفاضة وفيها الصحيح والقويّ المعتبر
، ومنها «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه أفضل الصلاة والسلام » ، فإنّه عندنا يؤخذ مؤيّداً ويخرج شاهداً.
هذا غاية ما
يمكن أن يستدلّ به للقولين ممّا ذكروه وما لم يذكروه ، ولا ريب أنّ الوجوب أظهر من
الأخبار كما أنّ الندب أوفق بالاعتبار وأسدّ عند اولى الأنظار والاحتياط طريق
النجاة.
وليعلم أنّ
مولانا المقدّس الأردبيلي وكذا الفاضل الخراساني قالا بعد أن أسبغا الكلام في المقام : أنّه قد يوجد
خمسة تشهّدات في الرباعية وأربعة في الثلاثية وثلاثة في الثنائية ومنع عليهما ذلك
المحدّث البحراني وقال : إنّ ذلك لسهو من القلم أو القائل ونحن نقول :
إنّ ذلك لممكن وأنّه لواضح في الثلاثية كما إذا أتى والإمام في التشهّد الأوّل
فدخل معه فيه ، فلمّا قام الإمام للثالثة قام معه وتشهّد معه التشهّد الأخير فلمّا
سلّم قام إلى ثانيته وتشهّد بعدها ثمّ إلى ثالثته فتشهّد وسلّم ، فهناك أربعة
تشهّدات. ويتصوّر في الرباعية بأن يدركه في التشهّد الأخير منها فيكبّر وينوي
ويدخل معه فلمّا انقضى تشهّد الإمام قام فائتمّ بمسبوق بركعة فتشهّد معه في ثانيته
وهي للمأموم اولى ، ولا ريب أنّ ثالثته ثانية للمأموم فلا بدّ أن يتشهّد بعدها ولا
ريب أنّ إمامه يتشهّد في رابعته فيتشهد هو معه ، فإذا
__________________
وتجب المتابعة ،
______________________________________________________
سلّم قام إلى رابعته وتشهّد بعدها وسلّم ، فهذه خمسة تشهّدات. ومنه يعلم
الحال في الثنائية ، على أنّه يمكن أن يصير فيها ذلك من دون ائتمام بآخر كما إذا
صلّاها مع من يصلّي المغرب ، لكن المولى الأردبيلي قال : إنّه يتصوّر أكثر من
الخمسة والثلاثة والأربعة ولا أراه يتمّ إلّا في ترامي العدول أو الائتمام أو في
احتساب تشهّد الإمام والمأموم تشهّدين إذا لم يكن من محالّ تشهّد المأموم ، وأنّ
هذا لبعيد جدّاً ، ثمّ إنّي وجدت الشيخ في «المبسوط » قد ذكر عين ما ذكرناه في المغرب في بحث التشهّد.
[في وجوب المتابعة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وتجب
المتابعة) في الأفعال
باتفاق العلماء كما في «المعتبر والمنتهى والقطيفية والنجيبية» وبالإجماع كما في «الذكرى والروضة والمدارك والمفاتيح » ولا خلاف فيه كما في «الروض والذخيرة والحدائق » وكذا «مجمع البرهان » وليس في أخبارنا ما يدلّ على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك صريحاً ، ويدلّ على ذلك أنّ علماءنا لم يذكروا في الكتب الاستدلالية
سوى الرواية العامّية.
وأمّا الأقوال
ما عدا التكبيرة ففيها أقوال. وأمّا التكبيرة ففي «الروض والرياض والحدائق » الإجماع على وجوب المتابعة فيها. وفي «الذخيرة والكفاية » نفي الخلاف عن ذلك. وأمّا ما عداها فالأكثرون على عدم
وجوب المتابعة فيها كما في «المفاتيح والرياض والحدائق » ولعلّهم فهموه من اقتصار القدماء على ذكر وجوب
المتابعة في الأفعال ، وإلّا فقد قال الفاضل الشيخ ابراهيم البحراني المعاصر للمحقّق الثاني في شرحه على المختصر النافع لم
أقف فيه على نصٍّ ولا فتوىً من القدماء ، مع أنّ عموم الخبر يدلّ عليه ، ويمكن
تنزيل كلام الأصحاب حملاً للأفعال على جميع ما يفعل في الصلاة لا على ما يقابل
الأذكار كما صنع الشهيد ، انتهى. ونحوه قال النجيب العاملي.
والمصرّح بالندب
هو الشهيد الثاني وسبطه ومولانا الأردبيلي والخراساني وغيرهم ممّن تأخّر ، وهو موافق للاعتبار.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والوجوب خيرة «الدروس
والبيان وكشف الالتباس والجعفرية وإرشاد الجعفرية والميسية» وظاهر «الشرائع والنافع والتحرير والكتاب» وغيرها ممّا اقتصر فيه على ذكر المتابعة من
دون ذكر الأفعال «كاللمعة والنفلية والموجز الحاوي والهلالية والغرية» وغيرها ، بل في «المنتهى » إجماع أهل العلم على وجوب المتابعة ، ولم يقيّدها
بالأفعّال ، فتأمّل.
نعم ظاهر «النهاية
والمبسوط » حيث اقتصر فيهما على ذكر عدم السبق إلى الرفع من
الركوع والسجود من دون تعرّض لذكر المتابعة عدم الوجوب كظاهر «الوسيلة والسرائر والتذكرة ونهاية الإحكام » حيث اقتصر فيها على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذكر المتابعة في الأفعال إلّا أن تقول : إنّ من أطلق وجوب المتابعة من غير
تقييد بأقوال أو أفعال قد فرّع على ذلك عدم السبق في الركوع والسجود والرفع منهما
فكان ذلك ممّا يشير إلى أنّ مراده الأفعال خاصّة ، فليتأمّل جيّداً.
وقد يستفاد من «المبسوط
» وغيره وهو كثير حيث قيل فيها : إنّه لو فرغ قبل الإمام من
القراءة سبّح أو أبقى آية ليركع عنها ، أنّه لا تجب المتابعة في الأقوال فليتأمّل
، وذلك إنّما يكون في غير ما يجهر به فليتأمّل جيّداً.
واستحسن وجوب
المتابعة في الأقوال في «إيضاح النافع». وفي «المفاتيح والنجيبية» أنّه أحوط.
واشتراط
المتابعة في الأفعال لا بمعنى أنّها تبطل مطلقاً كما ستعلم ، وفسّرت في المشهور
كما في «الرياض » وهنا كما في «المدارك » بأن لا يتقدّمه فتجوز المقارنة. قلت : قد فسّرت بذلك
في «نهاية الإحكام والبيان وكشف الالتباس والروضة » وغيرها . وهذا التفسير يخالف ظاهر الخبر النبوي الّذي هو الأصل في الباب لتضمّنه الفاء المفيدة للتعقيب
لكن عليه شواهد من المعتبر كالخبر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الوارد في مصلّيين «قال كلّ منهما : كنتُ إماماً» والمروي عن «قرب الإسناد » عن الرجل يصلّي أله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال : لا
يكبّر إلّا مع الإمام ، فإن كبّر قبله أعاد. لكن الخبر يجب تأويله أو حمله على
التقية أو طرحه للإجماع المعلوم على ترك المقارنة فيها أي التكبيرة. وفسّرت أي
المتابعة في «إرشاد الجعفرية » بأن يكون متأخّراً عنه. وفي «الروض » بأن لا يتقدّمه بالشروع فيها ولا الفراغ منها.
وقد نصّ على
جواز المقارنة المصنّف في «المنتهى » والشهيدان وغيرهم . وفي «المفاتيح » الإجماع عليه. وقال الصدوق والشهيد الثاني في «الروضة» بانتفاء الفضيلة مع المساوقة. وفي «الميسية
والروض والفوائد الملية والذخيرة » وغيرها نقصها بها لا انتفائها بالكلّية حيث قالوا : إنّ
التأخّر أفضل. وصريح «المفاتيح » وظاهر الباقين ثبوتها تامّة. وقد نقل في «الذكرى » وغيرها القول بجواز المقارنة في التكبيرة وهو قول الشيخ في
__________________
فلو رفع أو ركع أو سجد قبله عامداً استمرّ إلى أن يلحقه الإمام ، والناسي
يعود.
ويستحبّ أن
يسبّح لو أكمل القراءة قبل الإمام إلى أن يركع وإبقاء آية يقرأها حينئذ ،
______________________________________________________
«المبسوط » في أوائل كتاب الصلاة ، وحكاه في «المنتهى » عن أبي حنيفة. وقال في «نهاية الإحكام والتذكرة » فيه إشكال.
وليعلم أنّ من
قال بوجوب المتابعة في الأقوال يقيّده بالسماع وهو غير بعيد ، وعدم وجوب الجهر في
الأذكار على الإمام لا يقضي بعدم الوجوب ، إذ لهم أن يقولوا إذا علم عدم قوله يجب
أن لا يقول أو يجب التأخير ما دام لم يظنّ قوله ، وقد قيّد جماعة جواز التقدّم بالسلام بالعذر أو بقصد الانفراد ، وقال
جماعة : إنّ المسبوق لا يقوم إلّا بعد تسليم الإمام ، ومن المعلوم أنّ تلك
متابعة في الأقوال فتأمّل ، وقد يؤيّد عدم الوجوب بالمشقّة لغلبة الغفلة وعدم
تحصيل الظنّ غالباً فقد يؤول إلى ترك المتابعة ، وإلّا فقضية الأصل ومراعاة
الاحتياط الوجوب ، فليتأمّل.
[في تقديم المأموم على الإمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (فلو
رفع أو ركع أو سجد قبله عامداً استمرّ إلى أن يلحقه الإمام والناسي يعود) قال في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«المبسوط » في نسختين صحيحتين ما نصّه : وينبغي أن لا يرفع رأسه
من الركوع قبل الإمام ، فإن رفع ناسياً عاد إليه ليكون رفعه مع رفع الإمام وكذلك
القول في السجود ، وإن فعل ذلك متعمّداً لم يجزله العود إليه أصلاً بل يقف حتّى
يلحقه الإمام. ومثله قال في «النهاية » غير أنّه ترك قوله «ينبغي» وقال : ولا يرفع. ونحوهما
ما في «السرائر » من دون تفاوت أصلاً بل عبارة السرائر شاملة للسبق في
نفس الركوع والسجود وآخرها صريح في ذلك كما ستسمعها.
والشهيد في «الذكرى
والبيان والدروس » نقل عن المبسوط قوله فيه : مَن فارق الإمام لغير عذر
بطلت صلاته ، فجعله في الذكرى في هذه المسألة أي الّتي نحن فيها مخالفاً
للمتأخّرين ، وتبعه على ذلك جماعة كثيرون ممّن تأخّر عن الشهيد وقالوا : ظاهر المبسوط
البطلان ، وكأنّهم عوّلوا على الشهيد ولم يلحظوا المبسوط أو لحظوه ولم يعطوا النظر
حقّه كالشهيد ، وإلّا فهو كما سمعت موافق للمتأخّرين كابن إدريس. وقد نقلوا * أيضاً عن الصدوق القول بالبطلان ولم أجد
__________________
(*) أى بعض
المتأخرين (كذا بخطّه قدسسره)
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لذلك ذكراً في «الهداية والمقنع والفقيه» ولعلّهم فهموه ممّا نقلوه عنه من
أنّ من المأمومين مَن لا صلاة له .. إلى آخر كلامه ، وفيه نظر ظاهر.
وتنقيح البحث
في المسألة أن يقال : تقديم المأموم إمّا أن يكون في رفع الرأس من الركوع أو
السجود أو في نفس الركوع أو السجود ، وذلك إمّا أن يكون عمداً أو سهواً ، فإن
تقدّم عليه في رفع الرأس من الركوع أو السجود عمداً فالمشهور أنّه يستمرّ كما في «الاثنا
عشرية والنجيبية والذخيرة والكفاية والحدائق والمفاتيح ». وفي «الذكرى » نسبته إلى المتأخّرين كما هو الظاهر من آخر كلامه مع
كون المسائل الأربع من وادٍ واحد كما ستسمع. وفي «المدارك » أنّه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه خلافاً ، وظاهر «التذكرة
ونهاية الإحكام » نسبته إلى علمائنا كما أفصح بذلك آخر كلامه. وفي «إيضاح
النافع» للشيخ إبراهيم القطيفي «والنجيبية» أنّه مستقرّ نظر المتأخّرين ، وهو خيرة
«النهاية والمبسوط والسرائر والشرائع والنافع والمنتهى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتحرير » وكتب الشهيدين وكتب المحقّق الثاني وتلميذيه و «الهلالية وإيضاح النافع والميسية» وغيرها ما عدا ما ستعرفه.
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية» أنّه لو سبق إلى رفع من ركوع أو سجود فإن
كان بعد فعله ما يجب من الذكر استمرّ وإن كان لم يفرغ إمامه منه ، وإن كان قبله
بطلت وإن كان قد فرغ إمامه. وفي جملةٍ منها : أنّ القيام عن تشهّد كذلك أي
بالتفصيل المتقدّم من فعل ما يجب عليه وعدمه. ونسب جماعة من هؤلاء البطلان إلى
ظاهر المبسوط كما عرفت ، وقد سمعت الموجود فيه في نسختين.
وفي «المفاتيح » لو رفع رأسه عن الركوع أو السجود أو أهوى إليهما قبل
الإمام أعاد وفاقاً للمقنعة ، انتهى. وفيها : أنّ من صلّى مع إمام يأتمّ به فرفع
رأسه قبل الإمام فليعد إلى الركوع حتّى يرفع رأسه معه ، وكذلك إذا رفع رأسه من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السجود ليكون ارتفاعه عنه مع الإمام ، كذا نقلوه عنها وليس فيما عندنا من نسخ «المقنعة» لذلك عين ولا
أثر ، ولعلّهم توهّموا ذلك ممّا أصّله الشيخ في «التهذيب » فظنّوا أنّ «كذلك» من كلام المفيد ، وليس ذلك قطعاً
وإنمّا هو كلام الشيخ ، وما دروا أنّ الشيخ أوّلاً قصد شرح المقنعة ثمّ رأى أنّه
أهمل فيها كثيراً من المباحث المهمّة فأصّل لنفسه ثمّ عدل عن ذلك كلّه وأنّ ذلك
لواضح ، وأوّل من توهّم ذلك صاحب «المدارك » واقتفاه الخراساني والكاشاني وفرّق في «الكفاية » بين الرفع من الركوع والسجود فقرّب العود في السجود ،
وقال : القول بالتخيير غير بعيد. ونحوه قال في «الذخيرة » مع تأمّل له في ذلك فتأمّل. ولم يرجّح في «المدارك » شيئاً.
وأمّا مَن
تقدّم عليه في رفع الرأس منهما سهواً كأن نسي أنّه مأموم ففي جميع الكتب المذكورة
في مسألة العمد أنّه يعيد (يعود خ ل) والمشهور أنّ ذلك على سبيل الوجوب كما في «المدارك
والذخيرة والكفاية والحدائق والمفاتيح *»
__________________
(*) إنّما اخّر
المفاتيح لأنّه قال الأكثر (كذا بخطّه قدسسره)
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وظاهر «الاثنا عشرية والنجيبية». وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » أنّه يعيد استحباباً. ومال إليه في «المدارك » على تقدير صحّة رواية غياث . وفي «الذخيرة والكفاية » أنّ العود أحوط.
هذا ولو رام
الناسي العود فرأى (فوجد خ ل) الإمام قد فارق فالأقرب سقوط العود كما في «البيان وكشف الالتباس ».
ولو ترك الناسي
الرجوع على القول بالوجوب ففي بطلان صلاته قولان كما في «حواشي الشهيد » وغيرها . وفي «المدارك » أنّ الأظهر بطلان الصلاة. وفي «الذخيرة والكفاية » الظاهر وجوب الإعادة في الوقت ، وفي القضاء نظر.
وفي «الدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والجعفرية وشرحيها وفوائد الشرائع وتعليق النافع والفوائد الملية » أنّه لو لم يعد فهو عامد. وهو قضية ما في «الهلالية
والميسية والروضة » أنّه لو لم يعد لم تبطل صلاته ويأثم. وقال بعضهم : بأنّ معنى كونه كالعامد أنّه تبطل صلاته لو كان قبل
تمام القراءة. وهو معنى ما في «الغرية» أنّ الناسي إن ركع قبل أن يفرغ الإمام من
القراءة وترك الرجوع بطلت.
وفي «الهلالية»
أيضا أنّه إن لم يتعمّد ترك الرجوع تدارك وإلّا استمرّ ، وقضيته أنّه لو عاد بعد
تعمّده ترك الرجوع بطلت.
وفي «الدروس » وما بعده من جميع الكتب الّتي ذكرت ما عدا الموجز وشرحه والفوائد الملية أنّ
الظانّ كالناسي.
وأمّا إذا
تقدّم عليه في نفس الركوع أو السجود عمداً فالمشهور كما في «الإثنا عشرية والحدائق والمفاتيح » أنّه يستمرّ. وفي «الذكرى وإرشاد الجعفرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذخيرة والكفاية » أنّه قال المتأخّرون لا تبطل الصلاة ولا الاقتداء. وفي
«إيضاح النافع والنجيبية» أنّه استقرّ عليه نظر المتأخّرين. قلت : والاقتصار على
نسبته إلى المتأخرين بناء على ما زعموه من أنّ الشيخ وابن إدريس لم يتعرّضوا لذلك
، وقد سمعت عبارة «المبسوط والنهاية» في الرفع ، ولا قائل بالفرق
قبل المولى الأردبيلي ، وعرفت أنّ عبارة «السرائر» صريحة فيما نحن فيه.
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » أطلق أصحابنا الاستقرار مع العمد ، والوجه التفصيل وهو
أنّ المأموم إن سبق إلى الركوع بعد فراغ الإمام من القراءة استمرّ وإن كان قبل
فراغه ولم يقرأ المأموم أو قرأ ومنعناه منها أو قلنا إنّ الندب لا يجزي عن الواجب
بطلت صلاته ، وإلّا فلا. وقد وافقه على هذا الشهيد في «الذكرى والبيان والدروس وحواشيه على الكتاب » وأبو العبّاس في «الموجز » والصيمري في كشفه والمحقّق الثاني وشيخه ابن هلال وتلميذاه «شارحا الجعفرية »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وغيرهم . وأطلق الباقون كالحلّيّين في «السرائر والشرائع والمنتهى والتحرير » والشهيدين في «اللمعة والروضة » وغيرهم . واستشكل في أصل الحكم من استشكل في حكم الرفع قبله
عمداً.
وإن تقدّم عليه
في نفس الركوع والسجود سهواً فالمشهور أنّه يعود كما في «الاثنا عشرية والنجيبية والحدائق والمفاتيح » حيث نسبه في الأخير إلى الأكثر والمشهور بين
المتأخّرين كما في «الكفاية والذخيرة » وقد استوجه في «المنتهى » أوّلاً أنّه يستمرّ ثمّ قوّى العود.
ويجيء فيه
جميع ما جاء في الناسي في الرفع من الركوع والسجود ، لأنّ المسائل الأربع من سنخ
واحد والحكم على نمط واحد كما يظهر ذلك من الأصحاب ، حيث إنّ بعضهم اقتصر على ذكر حكم سبقه له في الرفع عمداً أو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
سهواً وترك ذكر حكم سبقه له في نفس الركوع أو السجود ، وبعضهم اقتصر على الأخير وبعضهم ذكر الأمرين معاً ولم يفهم أحد منهم المخالفة بل ولا
تأمّل في ذلك متأمّل أصلاً ، فراجع وتأمّل ، وبعضهم عبّر بعبارة تشملها كصاحب «السرائر» فإنّه قال : ولا
يجوز للمأموم أن يبتدئ بشيء من أفعال الصلاة قبل إمامه ، فإن سبقه على سهو عاد
إلى حالته حتّى يكون به مقتدياً ، فإن فعل ذلك عامداً فلا يجوز له العود ، فإن عاد
بطلت صلاته ، لأنّه يكون قد زاد ركوعاً.
والحاصل : أنّه
لا ريب في أنّ المسائل الأربع عندهم من وادٍ واحد ، ويدلّك على ذلك أنّ التفصيل
الّذي ذكروه في السبق إلى الركوع أو السجود ليس في الأخبار وإنّما مورد الأخبار في
الرفع وهو غير الهوي لكن الأصحاب لم يفرّقوا بينهما.
وعساك تقول :
إنّ صحيح ابن الحجّاج وموثّق ابن فضّال قد وردا في السبق إلى الركوع والتأخّر عنه.
قلنا : ليس ذلك
ممّا نحن فيه ولم نجد أحداً فرّق أو تأمّل قبل المولى الأردبيلي ومن تابعه إلّا المصنّف في «المنتهى » فإنّه فرّق أوّلاً بين الناسي في السبق وما طال به
المدى حتّى رجع كما سمعت.
وقد قال في «فوائد
الشرائع » فيمن سبق إلى الركوع ناسياً أنّه يجب عليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
العود ، فإن لم يعد ولمّا يفرغ الإمام من القراءة فالمتّجه بطلان صلاته
لتعمّده الإخلال ببعض القراءة حيث إنّه قادر على تداركه.
بيان : قد علمت
أنّ الصدوق والشيخ وابن إدريس غير مخالفين للمتأخّرين في هذه الأحكام
الأربعة وإنّا لم نجد أحداً تأمّل في ذلك قبل المولى الأردبيلي ، وتبعه تلميذه
صاحب «المدارك » والمولى الخراساني والمحدّث الكاشاني والفاضل البحراني ومولانا الاستاذ أفاض الله عليه شآبيب رحمته وسبطه استاذنا صاحب «الرياض
» أدام الله سبحانه حراسته فإنّهم تأمّلوا في ذلك وتكثّرت احتمالاتهم
وتشعّبت أقوالهم واختلفت آراؤهم ، فمنهم من لم يستقرّ له رأي ومَن استقرّ نظره على
شيء لم يوافقه الآخر عليه. ومَن لحظ ما ذكرنا علم أنّ الإجماع محصّل معلوم ومنقول
في ظاهر «التذكرة ونهاية الإحكام والمدارك والذكرى وإيضاح النافع وإرشاد الجعفرية والنجيبية ومجمع البرهان والذخيرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والكفاية » وغيرها والّذي حدا الاستاذين على التأمّل ظنّهم أن لا موافق من
المتقدّمين وأنّ الشيخ والصدوق مخالفان ولم يطّلعا على ما في «التذكرة ونهاية
الإحكام» وغيرهما ممّا ظاهره دعوى الإجماع ، ولو عثرا على ذلك لوقفا مع الأصحاب من
غير تأمّلٍ وارتياب.
فروع
الأوّل
: قال في «مجمع
البرهان » : على تقدير القول بوجوب العود إلى الركوع مثلاً وأنّ
المحسوب جزءاً هو الثاني يجب بعده واجب الركوع مثل الذكر وإن كان قد فعل أوّلاً ،
فلو ترك فهو مثل الترك أوّلاً ، فحينئذٍ لو فعله أوّلاً يمكن البطلان لو كان
عامداً عالماً وإن لم يكن باطلاً بنفس الركوع ، لأنّ الذكر حينئذٍ كلام أجنبي
فيكون مبطلاً ، فتأمّل.
الثاني
: قال في «المنتهى
» : لو سها الإمام فقعد في موضع قيام أو بالعكس لم يتابعه المأموم ، لأنّ
المتابعة إنمّا تجب في أفعال الصلاة وما فعله الإمام ليس من أفعالها ، هذا إذا كان
المتروك واجباً ، أمّا لو كان مستحبّاً كما لو نهض قائماً من السجدة الثانية قبل
أن يجلس فالأقرب وجوب المتابعة ، لأنّها واجبة فلا يشتغل عنها بسنّة ، انتهى. قلت
: قضية ذلك أنّ المسبوق لا يجوز له الاشتغال بالقنوت عن المتابعة في الركوع إلى
غير ذلك من زيادة الأذكار في الركوع والسجود وكذا الجلوس في التشهّد لمندوباته
ونحو ذلك ، وهو محلّ تأمّل.
الثالث
: لو تخلّف بركن
أو أكثر لم تنقطع القدوة عندنا كما في «الذكرى »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واستشكل في «التذكرة ». وفي «إرشاد الجعفرية » لو كان لعذر فلا خلاف في الصحّة. قلت : ظاهر «الذكرى»
عدم الفرق بين كونه لعذر أو لغيره عمداً أو سهواً ، بل هو صريح الذكرى في أوّل
كلامه. وفي «المنتهى والموجز الحاوي » إذا تخلّف بركنٍ كامل لم تبطل. وفي «كشف الالتباس » إذا كان لغير عذر بطلت ، قلت : ظاهر الأخبار يقضي بما
في «كشف الالتباس» وقد تقدّم لنا في بحث الجمعة ما له نفع تامّ في المقام.
الرابع
: في «النفلية والفوائد الملية » أنّ المتأخّر سهواً يخفّف صلاته ويلحق بالإمام ولو بعد
التسليم والفضيلة والقدوة باقيان على رواية خالد بن سدير . وفيهما أيضاً : أنّ الناسي يعود ما لم يكثر سبقة
كالسبق بركعة فينوي الانفراد مع قوّة الانتظار.
الخامس : قال
في «الموجز الحاوي » : إذا تأخّر في التشهّد فقام وقد ركع انتصب مطمئنّاً
ثمّ ركع ولو كان قد سجد انفرد.
__________________
وتقدّم الفضلاء في الصفّ الأوّل ، والقيام إلى الصلاة عند «قد قامت الصلاة»
______________________________________________________
[فيما حكم باستحبابه في الجماعة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويقدّم
الفضلاء في الصفّ الأوّل) باتفاق العلماء كما حكى نقله في «الذخيرة » وبالإجماع كما في «الغنية والرياض » وأن يكون في الصفّ الثاني من دونهم ، وهكذا كما في «الغنية
والتذكرة والروض والرياض » وغيرها . وفي «الروض والمدارك والذخيرة » أنّه يكره تمكين غير أهله منه ويكره لهم التأخّر.
والمراد بأهل الفضل من له مزية وكمال من علم أو عمل أو عقل كما صرّح به جماعة ، وصرّح جماعة بأن يكون يمين الصفّ لأفاضلهم.
قوله : (والقيام إلى الصلاة
عند قد قامت الصلاة) إجماعاً ذكره في
__________________
وإسماع الإمام مَن خلفه الشهادتين ،
______________________________________________________
«الخلاف » في فصل كيفية الصلاة ، وقال فيه في المقام : وقت
القيام إلى الصلاة عند فراغ المؤذّن من كمال الأذان ونقل عن أبي حنيفة أنّه قال :
يجوز إذا قال المؤذّن حيّ على الصلاة ، ثمّ ادّعى الإجماع على ما ادّعاه ، وقد
يظهر منه أنّ الخلاف بينه وبين أبي حنيفة في الجواز والمشروعية لا الاستحباب وهو
غير ما نحن فيه ، فتأمّل. وقال في «المبسوط » مثل ما قال أخيراً في «الخلاف» من دون تفاوت أصلاً ،
وقد عنى به الإقامة قطعاً بقرينة قوله في «المبسوط» بعد ذلك : وكذا وقت الإحرام ،
والمشهور أنّه عند قد قامت الصلاة كما في «الذكرى والمدارك والحدائق » وعليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض » ونقل عن بعض أصحابنا في «المختلف والذكرى » أنّه عند حيّ على الصلاة وقد عرفت أنّه قول أبي حنيفة.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وإسماع
الإمام مَن خلفه الشهادتين) كما صرّح به جماعة كثيرون ، وزاد في «التذكرة » ذكر الركوع والسجود واستفاد آخرون من رواية أبي بصير أنّه يستحبّ له إسماع جميع
__________________
وقطع النافلة لو أحرم الإمام في الأثناء إن خاف الفوات ، وإلّا أتمّ ركعتين
،
______________________________________________________
الأذكار ما لم يبلغ العلو المفرط وأنّه يكره للمأموم أن يسمع شيئاً من ذلك
، وبه صرّح جماعة كثيرون.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وقطع
النافلة لو أحرم الإمام في الأثناء إن خاف الفوات وإلّا أتمّ ركعتين) وفاقاً «للمبسوط والخلاف والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام وكشف الالتباس والهلالية وإرشاد الجعفرية والمدارك والذخيرة » وغيرها لكن عبارة «الخلاف» هكذا : إذا ابتدأ الإنسان بصلاة
نافلة ثمّ أحرم الإمام بالفرض فإن علم أنّه لا يفوت الفرض تمّم نافلته ، وإن علم
أنّه تفوته الجماعة قطعها ، انتهى فتأمّل. وفي «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والنهاية والسرائر والفوائد الملية » أنّه يقطعها إذا اقيمت الصلاة من دون قيد خوف فوت ،
وهو المنقول عن عليّ بن الحسين بن بابويه والقاضي ، واستحسنه في «المسالك
». وفي «الدروس والبيان واللمعة والنفلية والموجز الحاوي وإيضاح النافع» أنّه يقطعها إذا أحرم الإمام من دون
تقييد بخوف فوت.
وفي «الإرشاد والروض » أنّه يقطعها إذا دخل الإمام في الصلاة من دون قيد
أيضاً. وفي «فوائد الشرائع » أنّ ظاهر الرواية يقتضي أنّ ذلك إذا دخل الإمام موضع
الصلاة ، فالحظ ما بين العبارات من التفاوت ، وينبغي أن يعرف أنّ ما يخاف فوته ما
هو؟ وما المراد بالدخول وبإقامة الصلاة؟ وما مراد مَن عبّر بالجواز كالشيخ في «النهاية
» وغيره ؟
ففي «إيضاح
النافع والمدارك » أنّ المراد فوات ركعة. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الذخيرة » لا فرق بين فوات كلّ الصلاة وفوات الركعة. وعن المحقّق
الثاني أنّ المراد في عبارة الكتاب فوت القراءة. وفي «المسالك » يحتمل أن يراد من عبارة الشرائع فوات الائتمام بأجمعه
، فلو أدرك آخر الصلاة لم يستحبّ القطع وأن يريد فوات الركعة قال : ولا يحتمل أن
يريد فوات القدوة بمجموع الصلاة بحيث يقطع نيته عقيب تحريم الإمام ، لأنّه فرض
الخوف بعد تحريم الإمام والحال أنّه لم يكمل النافلة ، فلا بدّ مع الإكمال من فوات
جزء من الصلاة ، والذي عبّر به جماعة ودلّت عليه الرواية قطع النافلة متى اقيمت
الصلاة وإن لم يدخل في الصلاة ، ولا استبعاد في كون التأهّب للواجب والوقوف له وانتظار
تكبيرة الإحرام ليكبّر معه بغير فصل أفضل من النافلة ، انتهى. ونحوه ما في «فوائد
الشرائع » وقد فهم منهما معنى إقامة الصلاة.
وأمّا معنى
دخول الإمام في الصلاة فهو الاشتغال بشيء من واجبات الصلاة كما قاله جماعة كما في
«الذخيرة » وقال : وعن جماعة أنّ الحكم يتعلّق بالمأموم متى اقيمت
الصلاة فيكون المراد حينئذٍ الاشتغال بشيء من المقدمات ، انتهى. وفي «مجمع
البرهان» أنّ المراد بالدخول الدخول في الصلاة بتكبيرة الإحرام ، إذ مجرّد الدخول
إلى مكان الصلاة لا يوجب ذلك ، ويبعد فهم معنى آخر مثل الدخول في مندوباته مثل قد
قامت الصلاة .
وأمّا التعبير
بالجواز فالظاهر إرادة الاستحباب منه إذ لم يقل أحد بوجوب القطع ، وإرادة الإباحة
محتمل لوروده مورد توهّم الحرمة فلا يستلزم الندب لكن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الظاهر الاستحباب ، قال في «الرياض » : لعلّ الاستحباب متفق عليه بين الجماعة وإن عبّر جملة
منهم بالجواز المطلق ، لأنّ الظاهر إرادتهم الاستحباب لا الإباحة. وقال في «مجمع
البرهان» : لا دلالة على استحباب قطع النافلة فكأنّه استخرج من استحباب نقل
الفريضة إليها والقطع فإنّه يدلّ على قطعها بالطريق الأولى وهو صحيح ، ولكن ما
عندنا دليل عليه أيضاً كما ترى ، والاستدلال في مثل هذه المسائل بمجرّد أنّ إدراك
الجماعة أفضل فيترك النافلة ليدخل في الأفضل مشكل مع ظاهر قوله : «(وَلا تُبْطِلُوا) » وأنّه يستلزم جواز القطع في كلّ ما هو أفضل مثل الدعاء
وقضاء الحاجة فلا تصلّى النافلة حينئذٍ ، فتأمّل. نعم يمكن كراهة الدخول فيها بعد
قد قامت الصلاة للخبر بالقيام عند ذلك. ولو خاف فوت الجماعة بالمرّة لا يبعد
استحباب قطع النافلة لإدراك فضيلة الجماعة كما يشعر به سوق الخبرين ، وأمّا مع خوف
البعض فالظنّ يغلب على العدم ، لأنّ الجمع مهما أمكن أولى ، انتهى .
قلت : يدلّ على
استحباب قطعها بعد الإجماع المعلوم ، إذ قد عرفت اتفاق الكلمة على استحباب القطع
في الجملة ، والأولويّة التي ذكرها مع قيام الدليل على الحكم في الأصل كما ستسمع و
«الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام » فإنّه يؤخذ مؤيّداً صحيحة عمر بن يزيد الدالّة على السؤال عمّا يروى أنّه لا ينبغي أن تتطوّع
وقت فريضة ، ما حدّ هذا الوقت؟ قال : إذا أخذ المقيم في الإقامة .. الحديث. فإنّه
يمكن الاستدلال به هنا بتقريب أنّه أعمّ من أن يبتدئ بالتطوّع بعد أخذ المقيم في
الإقامة أو يحصل الأخذ في الإقامة بعد دخوله في النافلة ، فالمراد
__________________
ونقل نيّة الفريضة إليها وإكمالها ركعتين والدخول في الجماعة ،
______________________________________________________
النهي عن التطوّع في هذا الوقت ابتداءً واستدامةً ، فتأمّل. وفي الإجماع
وحده مقنع وبلاغ.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ونقل
نيّة الفريضة إليها وإكمالها ركعتين والدخول في الجماعة) عند علمائنا كما في «التذكرة » والحكم مقطوع به في كلام الأصحاب كما في «المدارك والذخيرة » ولا خلاف فيه صريحاً كما في «الرياض ومجمع البرهان » وهو المشهور كما في «البيان وإيضاح النافع» وبذلك كلّه صرّح في «الفقه المنسوب إلى
مولانا الرضا عليهالسلام والنهاية والوسيلة » وغيرها ما عدا ما سنذكره. وهو المنقول عن عليّ بن الحسين
والقاضي .
وقال في «السرائر
» : فإن لم يكن الإمام الّذي يصلّى خلفه رئيس الكلّ وكان ممّن يقتدى به
فليتمّم صلاته الّتي دخل بها ركعتين يخفّفهما ويحسبهما من التطوّع على ما روي في بعض الأخبار. وقد فهم من كلامه هذا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جماعة أنّه مؤذن بالخلاف ، فليتأمّل. وقال في «المبسوط » : وإن كانت فريضة كمّل ركعتين وجعلها نافلة وسلّم ،
فإن لم يمكنه قطعها. قال في «الذكرى» : كلامه هذا يشعر بجواز قطع الفريضة مع غير
إمام الأصل إذا خاف الفوت ، وهو عندي قوي استدراكاً لفضل الجماعة الّذي هو أعظم من
فضل الإفراد ، ولأنّ العدول إلى النفل قطع لها أيضاً أو مستلزم لجوازه . وقد استحسن ذلك صاحب «المدارك » وصاحب «الذخيرة والحدائق ». وفي «المبسوط » عبارة اخرى ذكرها في أوائل كتاب الصلاة وهي : إذا كان
قد صلّى شيئاً من الصلاة وأراد أن يدخل في صلاة الإمام قطعها واستأنف معه الصلاة.
وفي «البيان » أنّ الأقرب أنّ الفريضة كالنافلة ، ثم قال : والمشهور
نقلها إلى النافلة وإتمامها ركعتين. وقال في «الدروس » : ولو كان في فريضة وأمكن نقلها إلى النفل فعل ، وإن
خاف الفوت قطعها. ونسب ذلك في «اللمعة » إلى القيل. وما في الدروس خيرة «الموجز الحاوي والجعفرية ». وفي «النفلية » وافق المشهور.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «الفوائد
الملية » إذا خاف فوت جزء من الصلاة قطعها بعد النقل. وقوّى ذلك
في «الروضة » حيث قال : وقيل : لو خاف فوت الجماعة في مجموع الصلاة
قطعها وإن أدرك بعضها وهو قويّ. وفي «المسالك » الظاهر أنّ قطع هذه النافلة بعد العدول إليها من
الفريضة لخائف فوت الائتمام من أوّل الصلاة أفضل من إتمامها ركعتين ، لأنّ الفريضة
تقطع لاستدراك ما هو دون ذلك ، والفريضة بعد العدول تصير نافلة وهى تقطع أيضاً
لإدراك أوّل الجماعة ، وتحمل الرواية بإتمام الركعتين على مَن لم يخف الفوت جمعاً
بينها وبين ما دلّ على قطع النافلة. ونحوه قال في «الروض ».
وفي «فوائد
الشرائع » إن دلّت القرائن على اتساع الزمان بحيث يكمّلها عند
تحريم الإمام لم يقطعها ولم ينقلها إلى النفل ، والرواية بالنقل مطلقة وكلام
الأصحاب مختلف.
وفي «مجمع
البرهان» لو أمكن إتمام الفريضة ثمّ إدراك الفضيلة خصوصاً قبل الركوع فلا يبعد
الإتمام فريضةً والاستئناف إعادةً ، وكذا لا يقطع النافلة الابتدائية والمنقول
إليها بمجرّد فوت البعض بل يكمّل الركعتين ثمّ يصلّي الفريضة ولو بإدراك أدنى
مراتبها كما هو الظاهر من إتمامها ركعتين من الرواية ، ويحتمل لإدراكها من أوّلها ، انتهى فتأمّل.
وظاهر الأصحاب
كما في «الذخيرة » أنّه يعتبر أن ينوي أوّلاً النقل إلى النافلة ثمّ
يتمّم الركعتين حتّى قيل إنمّا وجب العدول حذراً من إبطال العمل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الواجب. قلت : بل هو صريح جماعة كثيرين.
ونفى البُعد في
«مجمع البرهان » عن الاكتفاء بالقصد بعد الانصراف لما ورد في الأخبار
من جعل العصر الاولى بعد الفراغ معلّلاً بأنّها أربع مكان أربع ، انتهى فتأمّل.
هذا ، ولو كان
قد تجاوز الركعتين فهناك ثلاثة احتمالات : الاستمرار ، والعدول إلى النفل ، وهدم
الركعة والتسليم وقطعها. والأوّل خيرة «التذكرة ونهاية الإحكام ومجمع البرهان » وكأنّه مال إليه في «الروض ». وفي «المدارك » أنّه لا بأس به ، وفي «الحدائق » أنّه أحوط. وفي «الرياض » أقوى. وفي «الروضة » أنّ في الاحتمال الأخير قوّة.
وينقدح هنا
سؤال وهو أنّه قد مرَّ أنّ جماعة كثيرين صرّحوا بأنّ مدرك السجدة الأخيرة بل
جزء من الصلاة مطلقاً محصّل لفضيلة الجماعة أجمع فهنا أولى إذا أدرك أزيد من ذلك ،
ويجاب بأنّ ثواب الجماعة مختلف اختلافاً كثيراً باختلاف الأئمة وكثير من أحوالها ،
فالقدر المشترك هو أقلّ ما قدّر الله
__________________
والقطع للفريضة مع إمام الأصل ،
______________________________________________________
عزوجل لمصلّي الجماعة ، ومن زاد في أوصافها وكمالاتها يزيد
ثوابه بواسطة ذلك فليكن هنا كذلك.
فرع : قال في «الروض
» : إنّه متى عدل إلى النافلة جاز له القطع وإن يخف فوات أوّل الصلاة ،
وناقشه في ذلك المولى الأردبيلي حتّى أنّه جوّز له الرجوع إلى الفريضة ما لم يكن فعل
شيئاً بقصد الندب.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والقطع
للفريضة مع إمام الأصل) قال في «البيان ». هذا ممّا لا خلاف فيه. وقد نسبه جماعة إلى الشيخ وجماعة ، ولم أجده ذكر ذلك في المبسوط والنهاية والخلاف والتهذيب والجُمل
، ولعلّه
__________________
واستنابة من شهد الإقامة لو فعل ،
______________________________________________________
ذكره في أثناء كتاب الصلاة ممّا زاغ عنه النظر. وفي «الروض » أنّه المشهور. وقد نصّ عليه في «السرائر » وغيرها ما عدا «المعتبر والمنتهى » فإنّه تردّد في الأوّل واستقرب إتمامها ركعتين في
الثاني. ونقل ذلك عن «المختلف» ولم أجده فيه ، ولمّا كانت المسألة قليلة الجدوى كان الاشتغال
بغيرها أولى.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (واستنابة
مَن شهد الإقامة) كما
__________________
وملازمة الإمام موضعه حتّى يتمّ المسبوق.
______________________________________________________
صرّح به أكثر الأصحاب لقول الصادق عليهالسلام : «لا ينبغي أن يقدّم إلّا من شهد الإقامة» ولا فرق
عندهم بين أن تكون صلاة الإمام باطلة من أصلها أو من حينها. وروي في الصورة الاولى أنّ الاستنابة للمأموم ، ووجّهوه بأنّ الإمام حينئذ لا حقّ له في الصلاة حيث لم يدخل
فيها بخلاف الآخر.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وملازمة
الإمام موضعه حتّى يتمّ المسبوق) كما صرّح به جماعة للصحاح ، وهو من الوكيدات كما في «المفاتيح » ولا يجب للموثّق ، وأوجب المرتضى عليه أن لا ينتقل من الصلاة إلّا بعد أن يتمّم المقيم
صلاته ، ولم أجد مَن وافقه. وفي «المفاتيح » أنّه يستحبّ أن لا يصلّي في مقامه ركعتين حتّى ينحرف
عن مقامه ذلك للصحيح .
__________________
ويُكره تمكين
الصبيان من الصفّ الأوّل والتنفّل بعد الإقامة ، وأن يأتمّ حاضر بمسافر في رباعية
،
______________________________________________________
[فيما حكم بكراهته في الجماعة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويُكره
تمكين الصبيان) نصّ عليه الأصحاب ، ونصّ جماعة أنه يكره تقديم غير اولي الفضل وأنّه يكره له التأخّر.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والتنفّل
بعد الإقامة) كما هو المشهور كما في «الذخيرة » وعليه عامّة من تأخّر كما في «الرياض » وفي «النهاية » لا يجوز. وعدّه في «الوسيلة » في القسم المحظور ، وحمل كلامهما في «الذكرى » على ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدّي إلى
فواتها. قلت : وأنّه على هذا ممّا لا ريب فيه ، وليعلم أنّ الأصل في ذلك خبر عمر
بن يزيد ، وظاهره أنّ الوقت المذكور لكراهة النافلة هو شروع
المقيم في الإقامة ، فليلحظ.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وأن
يأتمّ حاضر بمسافر) إجماعاً كما في «الخلاف » وظاهر «الغنية » أو صريحها. وفي «المدارك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذخيرة » أنّ ظاهر المصنّف في المعتبر والعلّامة في جملة من
كتبه أنّه موضع اتفاق ، وعلّله في «الذخيرة» بأنّه أسند الخلاف إلى العامّة ،
فتأمّل. وهو المعروف من مذهب الأصحاب كما في «المدارك » والمشهور كما في «الروض والذخيرة ». وفي «الرياض » لا مخالف إلّا الصدوق وأنّ عليه إطباق المتأخّرين. وهو
خيرة السيّد والمفيد . والتقي والقاضي على ما نقل «والسرائر » وغيرها ، وستسمع كلامهم برمّته. وعن عليّ بن بابويه و «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا » أنّه لا يجوز إمامة المتمّم للمقصّر ولا بالعكس.
وأمّا ائتمام
المسافر بالحاضر ففي «الخلاف » وظاهر «الغنية » الإجماع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على أنّه يكره أيضاً. وفي «الرياض » أنّ عليه إطباق المتأخّرين. وفي «التخليص» أنّه
المشهور. وهو المنقول عن المفيد والسيّد والقاضي والتقي وخيرة «السرائر والإشارة والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والبيان والدروس واللمعة وجامع المقاصد والموجز الحاوي والروض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والروضة ومجمع البرهان والمفاتيح » وظاهر «المدارك » وعن «المقنع » أنّه لا يجوز ولم أجده فيما حضرني من نسخته. وظاهر «المراسم
» أن لا كراهة كما يفهم ذلك من ملاحظة أوّل كلامه وآخره ، وكاد يكون ذلك
صريح «التحرير » ومال إليه أو قال به في «المختلف » ولم يذكر هذا الفرع في «المبسوط والنهاية والجُمل
والعقود والوسيلة والواسطة» على ما نقل عنها وكذا القاضي فيما نقل ، وإنمّا ذكروا
كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر ، وقد يعطي ذلك أنّهم لا يكرهونه. وفي «الذكرى » أنّ الشيخ في أكثر كتبه مال إلى ذلك.
وهل كراهة
ائتمام الحاضر بالمسافر وعكسه تختصّ بصورة الاختلاف أو تشمل تساوي الفرضين كما في
الثنائية والثلاثية؟ خيرة «المعتبر والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والتحرير وتخليص التلخيص» أنّ الكراهة إنّما هي في صورة الاختلاف
، وهو ظاهر الكتاب و «السرائر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والبيان والهلالية» وغيرها ممّا قيّد بالرباعية ، وأطلق جماعة كثيرون. وفي «الروضة » تعميم الكراهة للصورتين وكذا «الرياض » واحتمله في «الروض » وتمام الكلام يأتي في المسألة الآتية بعد هذه المسألة.
فروع
: في «المنتهى » وغيره يستحبّ للإمام الحاضر أن يومئ برأسه للتسليم ليسلّم
المأموم. وقال في «المنتهى » أيضاً : هل يجوز للإمام المسافر أن يصلّي فريضة اخرى
وينوي المأموم الائتمام به؟ الّذي يلوح من الخلاف الجواز. وقال في «المدارك» : متى
اقتدى الحاضر بالمسافر وجب على الحاضر إتمام صلاته بعد تسليم الإمام منفرداً أو
مقتدياً بمن صاحبه في الاقتداء كما في صورة الاستخلاف مع عروض المبطل ، وربما ظهر
من كلام العلّامة في التحرير التوقّف في جواز الاقتداء على هذا الوجه حيث قال :
ولو سبق الإمام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال ، وكيف كان
فالظاهر مساواته لحالة الاستخلاف انتهى ما في المدارك. وقد يفرّق بين المفروض في التحرير وما
فرضه في المدارك بأنّ ما في التحرير غير منصوص بخلاف ما في المدارك فإنّ النصّ
متناول له ، فليتأمّل.
__________________
وصحيح بأبرص
مطلقاً ، أو أجذم ، أو محدود تائب ، أو مفلوج ، أو أغلف ، ومَن يكرهه المأموم ،
والمهاجر بالأعرابي ، والمتطهّر بالمتيمّم ، وأن يُستناب المسبوق فيومئ بالتسليم
ويتمّ لو حصل.
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وصحيح
بأبرص مطلقاً ، أو أجذم ، أو محدود تائب ، أو مفلوج ، أو أغلف ، ومَن يكرهه
المأموم ، والمهاجر بالأعرابي والمتطهّر بالمتيمّم ، وأن يستناب المسبوق فيومئ
بالتسليم ويتمّ) صلاته (لو
حصل) أمّا كراهية
ائتمام الصحيح بالأبرص والأجذم والمفلوج فقد تقدّم الكلام فيها في مبحث الجمعة ، وأنّ في «الانتصار»
الإجماع على ذلك ، ونحن ننقل عبارات القدماء في المقام لعموم نفعها واشتمالها على
أحكام اخر واقتداءً بالمصنّف في «المختلف » والشهيد في «الذكرى » فإنّهم نقلوا جملة من عبارات القدماء برمّتها ، ونحن
نذكر ما ذكراه ونزيد ما تركاه فنقول والتكلان على التوفيق الإلهي.
قال في «المقنع
» : ولا يجوز أن يؤمّ ولد الزنا ولا بأس أن يؤمّ صاحب التيمّم المتوضّئين
ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ولا يؤمّ الأعرابي المهاجر. وقال أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام : «الأغلف لا يؤمّ القوم وإن كان أقرأهم ، لأنّه ضيّع من
السنّة أعظمها ولا تقبل له شهادة .. الحديث» وروي في «الخصال » بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : * «لا ينبغي أن يؤمّوا الناس ولد الزنا
والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف».
__________________
(*) النسخة
المنقول عنها الخبر غير نقية من الغلط (كذا بخطّه قدسسره)
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «الفقيه»
: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «إمام القوم وافدهم فقدّموا أفضلكم» وقال : «إن سرّكم
أن تزكّوا صلاتكم فقدّموا خياركم» وقال : «من صلّى بقومٍ وفيهم مَن هو أعلم منه لم
يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة» وقال أبو ذر : «إنّ إمامك شفيعك إلى الله فلا
تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً» وروى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر أنّه قال : «خمسة
لا يؤمّون الناس ولا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة : الأبرص والمجذوم والأعرابي
حتّى يهاجر وولد الزنا والمحدود» وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : «لا يصلّين أحدكم خلف الأجذم والأبرص والمجنون
والمحدود وولد الزنا والأعرابي لا يؤمّ المهاجر» وقال : «لا يؤمّ صاحب القيد
المطلقين ولا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء ».
وقال المفيد في
«المقنعة » في إمام الجمعة والشرائط الّتي تجب فيمن يجب الاجتماع
معه : أن يكون حرّاً بالغاً طاهراً في ولادته مجنّباً من الأمراض الجذام والبرص خاصّة.
وقال علم الهدى
: لا يؤمّ الأجذم والأبرص والمحدود ولا صاحب الفالج الأصحّاء ولا المتيمّم
المتوضّئين. وقال في «الانتصار » ممّا انفردت به الإمامية كراهية إمامة الأبرص والمجذوم
والمفلوج ، والحجّة فيه إجماع الطائفة ، ثمّ قال ، ويمكن أن يكون الوجه في منعه
نفار النفوس عمّن هذه حاله ، ولأنّ المفلوج ومَن أشبهه من ذوي العاهات ربّما لم
يتمكّنوا من أركان الصلاة.
وقال الشيخ في «الخلاف
» : سبعة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد
الزنا والأعرابي بالمهاجرين والمقيّد بالمطلقين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصاحب الفالج بالأصحّاء ، ثمّ قال : قد ذكرنا الخلاف في ولد الزنا والمجنون
والباقون لم أجد من الفقهاء كراهية ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة. وقال في «الجُمل والعقود» : ولا يؤمّ الناس عشرة : ولد الزنا والمحدود
والمفلوج بالأصحّاء والمقيّد بالمطلقين والقاعد بالقائمين والمجذوم بالأصحّاء
والأبرص بمن ليس كذلك والأعرابي بالمهاجرين والمتيمّم بالمتوضّئين والمسافر
بالحاضرين.
وقال في «التهذيب
» : ينبغي أن يكون مبرّأً من سائر العاهات. قال في «المنتهى » بعد نقل ذلك عنه : فعلى هذا تكره إمامة الأصمّ.
ذوقال في «المبسوط»
: يكره أن يؤمّ المتيمّم المتوضّئين ، وكذا يكره أن يؤمّ المسافر الحاضرين والحاضر
المسافرين ، ولا يجوز أن يؤمّ ولد الزنا ولا الأعرابي المهاجرين ولا العبيد
الأحرار ، ويجوز أن يؤمّ لمولاه إذا صلح للإمامة ، ويجوز أن يؤمّ الأعمى البصير
إذا كان من ورائه من يسدّده ، ولا يؤمّ المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود مَن ليس
كذلك ، وتجوز إمامته لمن كان مثله ، ولا يؤمّ المقيّد المطلقين ولا صاحب الفالج
الأصحّاء ، ولا تصلّ خلف الناصب ولا خلف مَن يتولّى أمير المؤمنين عليهالسلام إذا لم يتبرّأ من عدوّه ، ولا يؤمّ العاقّ أبويه ولا
قاطع الرحم ولا السفيه ولا الأغلف ، انتهى. ومثله قال في «النهاية» بتفاوت ما وهو قوله :
ولا تصلّ خلف الفاسق وإن كان موافقاً لك في اعتقادك ولا تصلّ خلف من خالفك في
الإمامة من الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفية وغيرهم من فرق الشيعة ، ولا
تصلّ خلف عاقّ أبويه ولا قاطع رحم ولا سفيه ولا تجوز الصلاة خلف الأغلف ، انتهى
مكان التفاوت من النهاية .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «المراسم
» : والمكروه صلاة المتوضّي خلف المتيمّم ، والحاضر خلف المسافر ، والمحظور
الصلاة خلف الفسقة والكفرة وصلاة الرجل خلف المرأة والصلاة خلف ولد الزنا.
وقال في «الوسيلة
» : تكرِه إمامة ثلاثة عشر نفساً إلّا بأمثالهم : المتيمّم والمسافر
والمقيّد والقاعد ومَن لم يقدر على إصلاح لسانه ومَن عجر عن أداء الحروف أو أبدل
حرفاً من حرف أو ارتجّ عليه في أوّل كلامه أو لم يأت بالحروف على الصحّة والبيان
والمحدود والمفلوج والمجذوم والأبرص. وهذا عين ما ذكره في «الذكرى » عن الواسطة لكنّه قال : إنّه قال خمسة عشر ، ولعلّ ذلك
سهو من قلم الناسخ وإلّا فالموجود ثلاثه عشر.
وقال السيّد
عزّ الدين في «الغنية » : ولا تصحّ الإمامة بالأبرص والمجذوم والمحدود والزمن
والخصي والمرأة إلّا لمن كان مثلهم بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط ، ويكره
الائتمام بالأعمى والعبد ومَن يلزمه التقصير ومَن يلزمه الائتمام * والمتيمّم إلّا
لمن كان مثلهم.
وقال الشيخ
الفقيه الأجلّ الأوحد القدوة علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل بن الحسن بن
أبي المجد الحلبي في «إشارة السبق إلى معرفة الحقّ » : ولا يؤمّ الأبرص والمجذوم والمحدود والخصي والزمن
والصبي إلّا بمن هو مثلهم ، وكراهة الائتمام بالعبد والأعمى والأغلف والمقصّر
والمقيم والمسافر ** لمن ليس كمثلهم لا لمن هو كذلك.
__________________
(*) كذا وجد (بخطّه
قدسسره)
(**) كذا وجد (كذا
بخطّه قدسسره)
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال الإمام
أبو عبد الله محمّد بن إدريس العجلي في «السرائر » : لا تجوز الصلاة خلف الفسّاق وإن كانوا معتقدين للحقّ
ولا خلف أصحاب البدع والمعتقدين خلاف الحقّ ، ولا يؤمّ بالناس الأغلف وولد الزنا ،
وتكره إمامة الأجذم والأبرص وصاحب الفالج للأصحّاء فيما عدا الجمعة والعيدين ،
وأمّا فيهما فإنّ ذلك لا يجوز. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ أصحاب هذه الأمراض لا
يجوز أن يؤمّوا الأصحّاء على طريق الحظر ، والأظهر ما قلناه. ولا يجوز إمامة
المحدود الّذي لم يتب ويكره أن يؤمّ الأعرابي المهاجرين ، ولا تجوز إمامة المقعد
بالزمانة ولا المقيّد بالمطلقين ولا الجالس بالقيّام ، وتكره إمامة المتيمّم
بالمتوضّئين ، وبعض أصحابنا يذهب إلى أنّه لا يجوز ، ويكره للمسافر أن يؤمّ
بالمقيمين والمقيم أن يؤمّ بالمسافرين في الصلاة الّتي يختلف فرضهما فيها ، انتهى
ما في السرائر.
وقال في «المعتبر
» على ما حكي عنه : يكره ائتمام الحاضر بالمسافر وبالعكس في الرباعية
وإمامة المحدود بعد توبته ، قال : وأمّا الأعرابي فإن كان ممّن لم يعرف محاسن
الإسلام ولا وصفها لم يؤمّ ، وكذا إذا كان ممّن يجب عليه المهاجرة ولمّا يهاجر
وإلّا جاز مع اتصافه بالشرائط ، قال : ولا بأس بإمامة الأعمى إذا كان له من يسدّده
لقوله عليهالسلام «يؤمّكم أقرأكم» ولأنّ العمى ليس نقصاً فقد عمي بعض الأنبياء عليهمالسلام ، ثمّ قال : ويكره أن يؤمّ المتيمّم متطهّراً ، والأقرب
جواز ائتمام المرأة الطاهر بالمستحاضة والصحيح بالسلس ، والوجه كراهيّة إمامة
الأجذم والأبرص ، وقال في الأغلف : الوجه أنّ المنع مشروط بالفسوق وهو التفريط في
الاختتان مع التمكّن لا مع العجز ، وبالجملة ليست الغلفة مانعة باعتبارها ما لم
ينضمّ إليها فسوق بالإهمال ، ونطالب المانعين بالعلّة.
وقال في «الشرائع
» : يكره أن يأتمّ حاضر بمسافر وأن يستناب المسبوق وأن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يؤمّ الأجذم والأبرص والمحدود بعد توبته والأغلف ، وإمامة مَن يكره المأموم
وأن يؤمّ الأعرابي بالمهاجرين والمتيمّم بالمتطهّرين. ومثله قال في «النافع ».
وعن علي بن
بابويه أنّه قال : لا تجوز إمامة المتمّم للمقصّر ولا بالعكس.
وعن أبي علي أنّه قال : ولا أرى إمامة الأعرابي للمهاجر لقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)
والإمام
المجذوم وذوي العاهات الّتي لا يؤمن معها ترك استيفاء وظائف الصلاة ، وكذا المقعد
للأصحّاء ولا المتيمّم للمتوضّئين إلّا أن يكون خليفة الإمام أو سلطاناً له.
وعن الحسن بن
أبي عقيل أنّه قال : ولا يؤمّ المفضول الفاضل ولا الأعرابي
بالمهاجر ولا الجاهل العالم ولا صلاة خلف المحدود.
وعن التقي أنّه
قال : لا تنعقد الجماعة إلّا بإمام عدل طاهر الولادة سليم من الجنون والجذام
والبرص إلى أن قال : وقد يتكامل صفات الإمامة لجماعة وتنعقد على وجه دون وجه وتكره
على وجه دون وجه ، وهو المقيّد بالمطلق ، كذا في «المختلف ». فالأوّل المقيّد بالمطلق والزمِن بالصحيح والخصي
بالسليم والأغلف بالمتطهّر والمحدود بالبريء والمرأة بالرجال ، ويجوز أن يؤمّ كلّ
واحدٍ منهم بأهل طبقته. والثاني الأعمى بالبصير والمقصّر بالمتمّم والمتمّم بالمقصّر
والمتيمّم بالمتوضّئ والعبد بالحرّ ، ولا كراهة في إمامة كلّ منهم لأهل طبقته.
وعن القاضي في «المهذّب
» أنّه قال : وأمّا من يؤمّ بمثله ولا يؤمّ بغيره من الأصحّاء فهو الأبرص
والمجذوم والمفلوج والزمِن ، ولا يؤم الأعرابي المهاجرين ولا يؤمّ المتيمّم المتوضّئين
ولا يؤمّ المسافر الحاضرين ، قال في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الذكرى » : وقد ذكر أنّها مكروهة.
وقال إنّه قال
: ولا يؤمّ المحدود والأعمى إذا لم يسدّده من خلفه ، فإن سدّده كانت إمامته جائزة.
وعن الجعفي أنّه قال : يؤمّ الأعمى والعبد والمتيمّمون المتوضّئين
، ولا يصلّى خلف الأجذم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا والأعرابي.
وعن الشيخ نجيب
الدين في «الجامع» أنّه قال : تكره إمامة الأجذم والأبرص والمفلوج والمقيّد
والأعرابي إلّا بأمثالهم ، وتجوز إمامة المحدود بعد توبته ، ويكره اقتداء المتطهّر
بالمتيمّم ، ويؤمّ الأعمى بالبصير إذا سدّد. وبمثله هذا تمام كلام القدماء رضي
الله تعالى عنهم أجمعين.
وأمّا
المتأخّرون رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ففي «المدارك » أنّ أكثر المتأخّرين حكموا بكراهية ائتمام الصحيح
بالأبرص والأجذم. وفي «الرياض » نسبته إلى عامّة المتأخّرين إلّا النادر. قلت : لم
يحكم بشيء في «التذكرة » فكأنّه متردّد. وفي «نهاية الإحكام » لا يؤمّان الصحيح على الأقوى لنفور النفس عنهما فلا
يحصل الانقياد إلى طاعتهما ، وظاهره المنع كالمدارك. وفي «النفلية والفوائد الملية » تكره إمامتهما خصوصاً إذا كانا * في الوجه لما روي من النهي عن إمامة
__________________
(*) أي البرص
والجذام.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مَن في وجهه أثر. وفي «الدروس » تجوز إمامة المتيمّم والمسافر والأعرابي والأجذم
والأبرص والمفلوج والأغلف غير المتمكّن من الختان والمحدود التائب بمن يقابلهم ،
والأقرب كراهية ائتمام المسافر بالحاضر ، انتهى فتأمّل جيّداً. وهناك قولان
مفصّلان بين إمامتهما بمثلهما فالجواز وبغيره فالمنع ، والآخر بين إمامتهما في
الجمعة فالثاني وغيرها فالأوّل فتأمّل. هذا وفي «الرياض » أنه لا خلاف في أصل المرجوحية.
وأمّا المحدود
التائب فقد نصّ على كراهية إمامته المصنّف في جملة من كتبه والشهيدان وغيرهم . وفي «المدارك » أنّه مذهب الأكثر. وفي «الرياض » أنّه المشهور ، وقد تأمّل في ذلك في «المدارك ». وفي «مجمع البرهان » أنّ ظاهر الخبر اختصاص الكراهة بالإمامية دون
المأمومية ، ولا يبعد كون المأمومية كذلك.
وأمّا المفلوج
فقد نصّ على الكراهة فيه الشهيدان وغيرهما في «النفلية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وشرحها والبيان». وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » أنّه لا يجوز أن يؤمّ الأصحّاء.
وأمّا الأغلف
ففي «الرياض » أنّ على كراهية إمامته عامّة من تأخّر. قلت :
قد قيّد في «المنتهى
والمختلف والتحرير والبيان وجامع المقاصد والروض » وغيرها بغير المتمكّن من الختان. وقال في «التذكرة» : قال
أصحابنا : الأغلف لا يصحّ أن يكون إماماً وأطلقوا القول في ذلك لما رواه زيد وساق الخبر ، ثمّ قال : والوجه التفصيل وهو أنّه إن كان
متمكّناً من الاختتان وأهمل فهو فاسق لا يصلح للإمام ، وإلّا فليس بفاسق ، وصحّ
إماماً ، والرواية تدلّ على هذا التفصيل ، والظاهر أنّ مراد الأصحاب التفصيل أيضاً
، انتهى ولم ينصّ على الكراهة. وفي «المدارك » الحكم لكراهة إمامته مشكل على الإطلاق ، وأطلق الأكثر
المنع وهو مشكل أيضاً. وقال : المنع من إمامة الأغلف لا يقتضي بطلان صلاته إلّا أن
نقول : إنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ وجزم الشارح بالبطلان. قلت :
جزم بذلك في «المسالك وروض الجنان ».
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «نهاية
الإحكام » لو اتّفق البلوغ في أوّل الوقت ففي جواز الابتداء
بالصلاة قبله أي الختان إشكال ، ولو جهل الحكم فالأقرب جواز الصلاة خلفه ، لأنّه
قد يخفى على الآحاد.
وفي «حواشي
الشهيد » أنّه يشترط في الأغلف أن لا تكون قلفته تواري النجاسة
وهو قادر على الختان فتكون صلاته باطلة بحمله النجاسة وهو قادر على إزالتها ، وإن
كان غير قادر على إزالتها صحّت صلاته للضرورة دون صلاة مَن وراءه ، وإن كانت قلفته
لا تواري النجاسة فهو فاسق لا تصحّ الصلاة خلفه مع قدرته على الختان ، ولو لم يكن
قادراً ولم تكن قلفته تواري النجاسة صحّت إمامته على كراهية ، انتهى.
وقد يقال : إنّ قلفته طاهرة لمكان اتّصالها وعدم نجاسة الباطن بل
يكفينا أنّ عدم الطهارة غير معلوم ، فليتأمّل.
وأمّا كراهية
إمامة مَن يكرهه المأموم فهو خيرة «نهاية الإحكام والتحرير والإرشاد والموجز الحاوي » وغيرها . وفي «الرياض » أنّه المشهور. وفي «المنتهى » أنّه لا يكره إمامة من يكرهه المأمومون أو أكثرهم إذا
كان بشرائط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإمامة. وقال في «التذكرة ». إنّه إذا كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته
والإثم على من كرهه وإلّا كرهت. واستحسن ذلك صاحب «المدارك » وقال في «الروض والمسالك » بعد نقل ذلك عن التذكرة : يمكن حمله على ما إذا كرهوا
أن يكون إماماً بأن يريدوا الائتمام بغيره فإنّه يكره له أيضاً وخيرة المأمومين
مقدّمة ، انتهى.
وأمّا كراهية
ائتمام المهاجر بالأعرابي فقد يظهر من «المنتهى » دعوى الإجماع على ذلك. وفي «الرياض » أنّ المتأخّرين قاطبة قائلون بذلك. وفي «الكفاية » أنّه الأشهر. ولا تنس ما حكي عن الجعفي من ترك التقييد بالأعرابي ، وقد ذكر في «التذكرة
ونهاية الإحكام والمنتهى » أنّه إن كان قد عرف أحكام الصلاة وما يكفيه اعتماده في
التكليف وتديّن به ولم يكن ممّن يلزمه المهاجرة وجوباً جازت إمامته مطلقاً لوجود
الشرائط ، قال في «نهاية الإحكام » وإلّا فلا ، ولا يجوز أن يكون إماماً ؛ لمثله على
إشكال أقربه الجواز مع عدم وجوب القضاء
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لصلاته والمنع لا معه ، انتهى ما في النهاية.
وقال جماعة : المراد بالأعرابي ساكن البادية ، قلت : كأنّهم أخذوا
فيه كون لسانه عربيّاً ، فتأمّل. وقال في «المسالك » : ثمّ قد يراد بهم مَن لا يعرف محاسن الإسلام من سكّان
البوادي ، وقد يطلق على مَن يلزمه المهاجرة منهم ولم يهاجر وإن كان عارفاً
بالأحكام وعلى مطلق المنسوب إليهم ، ومن اختلاف الإرادة حصل اختلاف عبارات الأصحاب
في حكمه. وقال في «الروض والمسالك » أيضاً : ولا ريب أنّ المراد به العدل وهو يستلزم
المعرفة بمحاسن الإسلام وتفاصيل أحكامه المشترطة في الإمام ، وحينئذٍ لا مانع منه
، ووجه الكراهة حينئذٍ مع النصّ نقصه عن مكارم الأخلاق ومحاسن الشِيَم ، وأمّا مَن
حرّم فمراده مع ظاهر النهي مَن لا يعرف محاسن الإسلام وتفاصيل أحكامه أو مَن عرف
منهم ذلك وترك المهاجرة مع وجوبها عليه ، انتهى. وقال بعضهم : إنّ المراد بالمهاجر في زماننا من يسكن الأمصار بحيث
يكون أقرب إلى تحصيل شرائط الإمامة والأعرابي بخلافه ، فافهم فكأنّه استخراج معنى
مناسب للأصل.
وأمّا كراهية
إمامة المتطهّر بالمتيمّم ففي «المنتهى » لا نعرف فيه خلافاً إلّا من محمّد بن الحسن الشيباني.
وفي «التذكرة » فإن فعل صحّ بلا خلاف إلّا منه. وفي «نهاية الإحكام » صحّ إجماعاً. وفي «الرياض » أنّ على الكراهية عامّة مَن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تأخّر ، وقد نقلت عليه الشهرة في مواضع. وفي «البيان » نسبة المنع إلى الكثير.
والمراد
بالمتطهّر المتطهّر بالماء وإلّا فالمتيمّم متطهّر ، وقد عبّر جماعة بالمتوضّئين تبعاً للنصّ فيخرج عنه المغستل إلّا أن
يدخل في النصّ وكلامهم بالأولوية أو يقال : إنّ الوضوء داخل في الغسل ولهذا جوّز
بعضهم تجديده بعده ، فتأمّل ولعلّهم عمدوا إلى ذلك ، لأنّ المتيمّم متطهّر ،
فليتأمّل.
وأمّا كراهية
استنابة المسبوق فقد نصّ على ذلك جماعة . وفي «المدارك » أنّه يكره ذلك للإمام والمأموم ، وقالوا : إنّ عليه
بعد أن يتمّ بهم صلاتهم أن يجلس حتّى إذا فرغوا من التشهّد أومأ بيده إليهم يميناً
وشمالاً أن يسلّموا ثمّ يستكمل هو ما فاته. وقال جماعة : فإن لم يدر ما صلّى الإمام قبله ذكره من خلفه. وفي
رواية : «أنّه يقدّم رجلاً ليسلّم بهم» وقد حملها في «المنتهى » على الاستحباب ، وجعله الشيخ أحوط ، وقيل : بالتخيير ، وفيهما تأمّل. وقد تقدّم الكلام في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أطراف المسألة في مبحث الجمعة فلا نعيده. ولو أنّ صاحب «الحدائق » اطّلع على ذلك لما استغرب ما في «المنتهى » في المقام من جواز استنابة مَن جاء بعد حدث الإمام.
وفي «النفلية والفوائد الملية » أنّه ينبغي أن لا يكون الإمام أسيراً للنصّ على ذلك أو
مكشوف غير العورة من أجزاء البدن الّتي يستحبّ له سترها وخصوصاً الرأس ، أو حائكاً
ولو كان عالماً ، أو حجاماً ولو كان زاهداً ، أو دبّاغاً ولو كان عابداً ، روى ذلك
جعفر بن أحمد القمّي أو آدراً أو مدافع الأخبثين ، أو جاهلاً بغير الواجب بمن هو
أعلم منه إلّا بمساويهم. قال في «النفلية ». وروي : ولا ابناً بأبيه.
وقال في «البيان»
: لو أذّن الأكمل للكامل في الإمامة جاز ، والظاهر الكراهية للآذن والمأذون له ،
أمّا لو كان الترجيح لا لكماله كالأمير والراتب وذي المنزل فإنّ الكراهية تزول .
وجوّز جماعة للطاهر أن تأتمّ بالمستحاضة والصحيح بصاحب السلس.
وكره جماعة إمامة السفيه. وفي «التذكرة » إن كان فاسقاً لا تصحّ إمامته وإلّا ففي إمامته إشكال.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «المنتهى والتحرير والتذكرة » لا تجوز إمامة أقطع الرجلين بالسليم. وفي «التحرير والتذكرة » تصحّ إمامة مقطوع أحد الرجلين. وفي «المنتهى » لا أعرف لأصحابنا نصّاً في مقطوع اليدين والأقرب جواز
إمامته. وجوّزها أيضاً في «التذكرة ».
وقال جماعة
منهم المصنّف في «نهاية الإحكام والتحرير والتذكرة » والشهيد في «البيان والدروس » وأبو العبّاس والصيمري : إنّ المخالف في الفروع الخلافية يجوز الاقتداء به إذا
كان الخلاف ليس من أفعال الصلاة ، قالوا ما عدا المصنّف : أو كان فيها ولا يقتضي
إبطالها عند المأموم كما لو اعتقد الإمام وجوب القنوت والمأموم ندبه ، وقالوا
جميعاً : لو فعل ما يقتضي إبطالها عند المأموم كالتأمين وعدم وجوب السورة وأخلّ
بها لم يصحّ له الاقتداء به لكنّه جزم به في «التحرير» في أوّل كلامه ثمّ قال :
على إشكال. وجوّز في «البيان » الاقتداء إذا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أتى بالسورة وإن لم يعتقد وجوبها. ومنع من ذلك المصنّف في «التذكرة » وأبو العبّاس والصيمري ، لأنّ إيقاعها على وجه الندب لا يجزي عن الوجوب ،
وقالوا جميعاً أيضاً : وكذلك لا يجوز أن يقتدي مَن يعتقد تحريم القران ولبس
السنجاب بمن يعتقد جوازهما إذا فعلهما في الصلاة ، وكذلك الحال فيما إذا اختلفا في
القبلة باجتهادهما.
وهل يجوز
الاقتداء بمن علم نجاسة ثوبه وبدنه؟ تردّد فيه في «الدروس والبيان » والمحقّق الثاني في «الجعفرية » ثمّ قال : الأوجه المنع. وقال صاحب «الغرية» : إنّ عليه
الفتوى ، وجوّز ذلك في «نهاية الإحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس » مع جهل الإمام بها لا مع نسيانه. وقال الشيخ سليمان
البحراني : لا يخلو الجواز من قوّة.
وقال المصنّف فيما يأتي من الكتاب : لو جهلت الأمة عتقها فصلّت بغير
خمار جاز للعالمة الائتمام بها ، وفي انسحابه على العالم بنجاسة ثوب الإمام نظر
أقربه ذلك إن لم نوجب الإعادة مع تجدّد العلم في الوقت. وقال في «الإيضاح » :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إنّ هناك ضابطاً وهو أنّه كلّما اشتملت صلاة الإمام على رخصة في ترك واجب
أو فعل محرّم لسبب اقتضاها وخلا المأموم من ذلك السبب لم يجز الائتمام من رأس ،
لأنّ الائتمام هيئة اجتماعية تقتضي أن تكون الصلاة مشتركة بين الإمام والمأموم
وأنّ صلاة الإمام هي الأصل وهذا متّفق عليه ، انتهى. وفي «البيان » أنّ الفرق بين المسألتين ليس مذهبنا. وقال في «إرشاد
الجعفرية » : إذا قلنا بعدم وجوب الإعادة على الجاهل بها مطلقاً
كما هو مذهب السيّد وغيره فلا منع ، وقوّاه بعض المتأخّرين ، انتهى.
قلت : إذا قلنا
بأنّ الحكم بالطهارة والنجاسة والحلّ والحرمة ليس منوطاً بالواقع فالظاهر شرعاً ما
لا يعلم المكلّف بملاقاة النجاسة له وإن لاقته واقعاً ويقابله النجس وهو ما علم
المكلّف بملاقاة النجاسة له لا ما لاقته النجاسة وإن لم يعلم بها كانت صلاته صحيحة
، وإن كان وصف النجاسة والطهارة كما يدّعيه جماعة كثيرون إنمّا هو باعتبار الواقع ونفس الأمر وإنّ تلبّس المصلّي
بالنجاسة جاهلاً موجب لبطلان صلاته واقعاً ، فكيف يصحّ لأحدهما عليهماالسلام أن يقول لمحمّد ابن مسلم حيث سأله عن الرجل يرى في ثوب
أخيه دماً وهو يصلّي : «لا يؤذنه حتّى ينصرف». ومثله قول الصادق عليهالسلام في رواية ابن بكير المرويّة في «قرب الإسناد» : «لا
يعلمه قلت : فإن أعلمه؟ قال : يعيد ». ومثله قوله عليهالسلام في صحيح عبد الله بن سنان : «ما عليك لو سكتّ» حيث أخبره باللمعة ، فإذا كان
الأمر كما
__________________
وصاحب المسجد والمنزل والإمارة
______________________________________________________
قالوه كيف يحسن من الإمام عليهالسلام المنع من الإيذان؟ وهل هو إلّا تقرير على الصلاة
الباطلة ومعاونة على الباطل على الظاهر؟ فليتأمّل جيّداً مضافاً إلى ما تعمّ به
البلوى من عدم الجزم بصحّة أكثر العبادات لشيوع تطرّق النجاسات عن النساء والأطفال
ومن لا يحترز عن النجاسة وسريان ذلك في عامّة الناس كما اعترف بذلك في «المقاصد
العلية » في فصل نواقض الطهارة ، والمستفاد من هذه الأخبار
كراهية الإخبار فضلاً عن وجوبه لكن المصنّف في «أجوبة السيّد مهنا بن سنان » أوجب الإعلام مستنداً إلى كونه من باب الأمر بالمعروف.
وفيه : أنّ أدلّته لا تشمله لعدم توجّه الخطاب إلى الجاهل والذاهل والناسي كما
ذكروه فلا معروف ولا منكر فليتأمّل. نعم إذا استلزم ذلك فساداً وجب إعلامه كتلويث
القرآن والمساجد ونحو ذلك.
[في مَن أولى بالإمامة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وصاحب
المسجد والمنزل والإمارة) هؤلاء الثلاثة أولى من غيرهم ما عدا الإمام الأعظم وإن
كان ذلك الغير أفضل كما نصّ على ذلك الجمّ الغفير من المتأخّرين . وعن «المعتبر » أنّ على ذلك اتّفاق العلماء. وفي «المنتهى والحدائق » نفي الخلاف عن ذلك. وفي «الذكرى» أنّه ظاهر الأصحاب ،
قال : وصرّح جماعة منهم الفاضل فقال : لا نعلم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فيه خلافاً ، انتهى.
وأمّا الإمام
الأعظم فأولى من جميع الناس بلا خلاف كما في «الرياض » وقد نصّ على ذلك الأصحاب من غير ارتياب بل هو ضروري المذهب. وقال «الشهيدان » وجماعة : فإن منعه مانع فاستناب فنائبه أولى من الغير لأنّه لا
يستنيب إلّا الراجح أو المساوي ، فإن استناب الراجح ففيه مرجّحان ، وإن استناب
المساوي ففيه مرجّح واحد.
وقد نصّ على
تقدّم صاحب المسجد الصدوق في «المقنع والأمالي» والشيخ والديلمي والطوسي وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس ومَن تأخّر عنهم ، بل ظاهر «المراسم أنّه يجب تقديمه. وفي «التذكرة » أنّه أولى من غيره
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
غيره ولو كان أفضل منه بلا خلاف. وكذا في «الرياض ». وفي «المفاتيح » لا يقدّم عليه أحد بلا خلاف. وظاهر «الغنية » أو صريحها الإجماع عليه ، مضافاً إلى ما سمعت آنفاً.
وقد تأمّل في ذلك صاحب «الكفاية والذخيرة » فيهما لمكان ما علّلوه به كما هو ظاهر المولى
الأردبيلي .
ويدلّ عليه بعد
الإجماعات خبرا «الدعائم» عن رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يؤمّكم أكثركم نوراً والنور القرآن ، وكلّ أهل مسجد
أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلّا أن يكون أمير حضر فإنّه أحقّ بالإمامة من أهل المسجد . وعن جعفر بن محمّد عليهمالسلام قال : يؤمّ القوم أقدمهم هجرة إلى أن قال : «وصاحب
المسجد أحقّ بمسجده» . وفي «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام» : وصاحب المسجد أولى بمسجده . وفي موضعٍ آخر منه : «أحقّ بمسجده » والمراد بصاحب المسجد الإمام الراتب كما صرّح به الجمع
الكثير.
ولا تتوقّف
أولوية الراتب على حضوره ، بل ينتظر ويراجع ليحضر أو يستنيب كما في «التذكرة والذكرى » إلى أن يتضيّق وقت الفضيلة فيسقط اعتباره كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في «نهاية الإحكام والبيان والروض والروضة والفوائد الملية ». وفي «الذكرى والروض » لو بعد منزله وخافوا فوت وقت الفضيلة قدّموا من
يختارونه ، ولو حضر بعد صلاتهم استحبّ إعادتها معه.
وحكم في «المنتهى
» بعدم انتظاره ، ونسب الانتظار والمراجعة إلى الشافعي ، واستند في ذلك إلى
روايتي معاوية بن شريح والحنّاط ، والخبران غير خاليين من الإشكال ، لأنّ الإمام إذا لم
يكن حاضراً فلمن يقيم هذا المقيم ، وفي رواية ابن شريح «قلت : وإن كان الإمام هو
المؤذّن؟ قال : وإن كان ، فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم» وكيف يستقيم هذا وهو الّذي
أذّن وأقام؟ وعند قوله «قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم»
فأين ذهب بعد ذلك حتّى ينتظر أو لا ينتظر؟ فالفرض بعيدٌ جدّاً.
وهل يثبت هذا
الحكم في أخويه؟ احتمل ثبوته لهما في «الروض » للمساواة في العلّة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا صاحب
المنزل ففي «نهاية الإحكام » أنّه يقدّم على غيره وإن كان الغير أقرأ وأفقه إلّا
الإمام الأعظم إجماعاً. وفي «المفاتيح » لا يقدّم عليه أحد بلا خلاف. وفي «مجمع البرهان » لعلّه لا خلاف فيه. وقد سمعت آنفاً ما في المعتبر وغيره. وخالف أبو المجد في «الإشارة
» فجعله بعد الأفقه.
والمراد به
ساكن المنزل وإن لم يكن مالكاً له كما نصّ عليه جماعة ، وهو قضية كلام الباقين فقد قالوا : لا فرق في صاحب المنزل بين المالك للعين
والمنفعة وغيره كالمستعير. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام والموجز الحاوي والمسالك والروض والروضة » أنّ المالك يقدّم على المستعير. وفي «مجمع البرهان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذخيرة والرياض » تقوية تقديم المستعير. واتفق هؤلاء جميعاً على أنّ
مالك المنفعة مقدّم على مالك العين. وفي «التذكرة ومجمع البرهان » أنّه لو كان المستحقّ ممن لا تصحّ الصلاة خلفه فقدّم
غيره كان أولى. وفي «نهاية الإحكام » فيه إشكال. وفيها أيضاً : لو اجتمع مالكا الدار لم
يتقدّم غيرهما ويتقدّم أحدهما بإذن الآخر أو القرعة. وفيها وفي «المنتهى والتذكرة والتحرير » أنّ العبد في منزله الّذي دفعه إليه أولى من غير
سيّده. وفي «الروض » القطع به.
وأمّا صاحب
الإمارة من قبل الإمام العادل فقد نصّ الجمّ الغفير على أولويّته على غيره ، وقد سمعت ما في المعتبر وغيره. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام واللمعة والروضة » أنّ صاحب الإمارة في إمارته أولى من صاحبيه وغيرهما
لأنّه أولى من صاحب البيت مع أنّه مالك له فمن إمام المسجد أولى. قال
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في «التذكرة » : ولا ينتقض بالولي حيث يقدّم على الوالي في الجنازة ،
لأنّ الصلاة على الميّت تستحقّ بالقرابة والسلطان لا يشارك في ذلك ، وهنا تستحقّ
بضرب من الولاية على الدار والمسجد والسلطان أقوى ولايةً وأعمّ ، ولأنّ الصلاة على
الميّت يقصد بها الدعاء والشفقة والحنو وهو مختصّ بالقرابة. قلت : وقوله صلىاللهعليهوآله : «كلّ أهل مسجد أحقّ بالصلاة في مسجدهم إلّا أن يكون أميراً
حضر » يؤيّد ما ذكروه من رجحان صاحب الإمارة على صاحب المسجد إلّا أن يحمل
الأمير فيه على الأصلي. وفي «الروض والفوائد الملية » أنّ صاحب المنزل والإمام الراتب أولى من صاحب الإمارة.
ومال إليه استاذنا صاحب «الرياض » لإطلاق النصّ والفتوى مع عدم شمول أولوية ذي الإمارة
لمحلّ الفرض ، فليتأمّل جيّداً.
وفي «الذكرى والجعفرية وإرشادها والغرية والفوائد الملية والروضة والروض » أنّ أولوية هذه الثلاثة سياسية أدبية لا فضيلة ذاتية ،
فلو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أذنوا لغيرهم جاز وانتفت الكراهية. وفي «المبسوط والسرائر » التصريح بالجواز. وفي «نهاية الإحكام والمنتهى » جاز وكان الغير أولى. وفي الأخير : أنّا لا نعرف فيه
خلافاً. وفي «المدارك والذخيرة » بعد الاقتصار على نسبة ذلك إلى الشهيدين : أنّه اجتهاد
في مقابلة النصّ. وفي «الكفاية » فيه إشكال. قلت : لا دلالة في النصّ على أزيد من أنّه
أحقّ بالصلاة والتقدّم من غيره ، فلو أراد غيره التقدّم عليه كان على خلاف ما ورد
به النصّ لا أنّ ذلك بالنسبة إلى نائبه ، فلا اجتهاد في مقابلة النصّ ، فتأمّل.
وهل الأفضل
لهؤلاء الثلاثة الإذن للأكمل أو مباشرة الإمامة؟ قال في «الذكرى » : لم أقف فيه على نصّ وظاهر الرواية (الأدلّة خ ل)
يدلّ على أنّ الأفضل لهم المباشرة ، وعلى هذا فلو أذنوا فالأفضل للمأذون له ردّ
الإذن ليستقرّ الحقّ على أصله. ونحوه ما في «المدارك والذخيرة » وظاهر «المسالك والفوائد والكفاية » التردّد حيث قال : فيه وجهان. وفي «الروض » لو قيل
__________________
والهاشمي مع الشرائط ،
______________________________________________________
باستحباب الإذن للأفضل كان أولى ، انتهى.
وقد يقال : إنّ الأدلّة إنّما دلّت على الأفضل لمن عداهم أن لا
يتقدّمهم مراعاةً لحقّهم وتوقيراً لهم ، وذلك لا ينافي أفضلية إذنهم لمن كان أفقه
وأفضل وأتقى عملاً بالأخبار الدالّة على أولوية صاحب هذه الصفات ، فإرجاع أمر
الإمامة لهم فيه توقيرٌ لهم ومراعاةٌ لحقّهم وامتثال لما دلّ عليه الخبر المشار
إليه ، والأفضل لهم أن يأذنوا لمن هو أفضل منهم عملاً بالآيات والأخبار الاخر ،
فتأمّل.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والهاشمي
مع الشرائط) أي أولى من غيره كما في «المبسوط والنهاية والشرائع والنافع والمنتهى والمختلف والتبصرة والإرشاد والتحرير » وهو المشهور بين الأصحاب كما في المختلف » وبين المتأخّرين كما في «الروض والمسالك ».
والظاهر أنّهم
أرادوا أنّه مقدّم على غير الأمير وصاحب المنزل والمسجد كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قيّد بذلك في «الذكرى » عبارة المبسوط وفي «المسالك والمدارك » عبارة الشرائع. وهو الّذي فهمه صاحب «الذكرى » من القاضي وقال : إنّه موافق للشيخ.
والأكثر لم
يذكروا الهاشمي كما في «البيان ». وفي «الروض » أنّ أكثر المتقدّمين لم يذكروه. وفي «الذخيرة » لم يذكره كثير. وقال في «الذكرى» : ونحن لم نره يعني
تقدّم الهاشمي مذكوراً في الأخبار إلّا ما روي مرسلاً أو مسنداً بطريق غير معلوم
من قول النبي صلىاللهعليهوآله : «قدّموا قريشاً ولا تقدموها » وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدّعى ، نعم هو
مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدلّ عليه. نعم فيه إكرام
لرسول الله صلىاللهعليهوآله إذ تقديمه لأجله نوع إكرام وإكرام رسول الله صلىاللهعليهوآله وتبجيله ممّا لا خفاء بأولويّته ، انتهى. وقد اقتصر جماعة على نقل هذه العبارة. وفي «المنتهى » استند إلى أنّه أفضل من غيره وتقديم المفضول قبيح.
ونحوه ما في «المختلف ». وفي «الكفاية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومجمع البرهان » لا أعلم حجّة عليه إلّا أن يكون إجماعاً كما في
الأخير.
ولم يرجّح
شيئاً في «البيان ». وفي «الغنية والدروس والموجز الحاوي والهلالية والجعفرية وشرحيها والميسية والمسالك » جعل الهاشمي بعد الأفقه. وفي «الغنية » الإجماع عليه. وفي «الوسيلة والنفلية والفوائد الملية » جعل الأشرف بعد الأفقه ولم يذكر فيها الهاشمي. وعن
التقي أنّه جعل القرشي بعد الأفقه. وفي «النهاية » لم يذكر الشرف وإنمّا ذكر الهاشمي. وكذا علم الهدى وعليّ بن بابويه وابنا سعيد في «الجامع والمعتبر » وأبو عليّ فيما نقل أنّهم لم يذكروا الشرف. وليس في «المقنع
والمراسم والإشارة
__________________
ومَن يقدّمه المأمومون مع التشاحّ
______________________________________________________
والسرائر واللمعة والمفاتيح» ذكر للهاشمي ولا للشرف. وفي «الروضة » لم يذكر في اللمعة لعدم دليل صالح لترجيحه.
هذا والشيخ في «المبسوط
» بعد أن ذكر ما نقلناه عنه جعل في موضع آخر الأشرف بعد الأفقه ، والظاهر
أنّه الأشرف نسباً فليتأمّل. والمصنّف في «التذكرة ونهاية الإحكام » قدّم الأورع والأتقى على الأشرف نسباً ، وقد جعله
فيهما بعد الجميع.
وفي «الذكرى»
إذا حكمنا بترجيح الهاشمي لنسبه ففي ترجيح المطّلبي على غيره نظر ممّا روي من قوله
صلىاللهعليهوآله : نحن لم نفترق في جاهلية ولا في الإسلام . نعم الهاشمي أولى منه قطعاً ، وحينئذٍ في ترجيح أفخاذ
بني هاشم بسبب شرف الآباء كالطالبي والعبّاسي والحارثي واللهبي ثمّ العلوي والحسني
والحسيني ثمّ الصادقي والموسوي والرضوي والهادوي احتمال بيّن ، لأنّ الترجيح دائر
مع شرف النسب فيوجد حيث يوجد. ثمّ قال : هل يرجّح العربي على العجمي؟ والقرشي على
باقي العرب؟ احتمال أيضاً ، وكذا ينسحب الاحتمال في الترجيح بسبب الآباء الراجحين
بعلمٍ أو بتقوى أو صلاح ، ومَن عبّر من الأصحاب بالأشرف يدخل في كلامه جميع هذا
ولا بأس به ، ومن ثمّ يرجّح أولاد المهاجرين على غيرهم لشرف آبائهم ، انتهى. ونحو ذلك قال في «الفوائد الملية ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وَمَن
يقدّمه المأمومون مع
__________________
التشاحّ) كما في «الشرائع والنافع والتحرير ونهاية الإحكام والدروس والبيان والنفلية والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها والفوائد الملية والروض ». وفي الأخير : وإن كان مفضولاً. وهو قضية إطلاق
الباقين. وفي «الذكرى والبيان والهلالية وكشف الالتباس والغرّية وإرشاد الجعفرية والروض والمدارك » تفصيل وهو أنّ المأمومين إمّا أن يكرهوا إمامة واحد
بأسرهم وإمّا أن يختاروا إمامة واحد بأسرهم أو يختلفوا في الاجتهاد ، فإن كرهه
جميعهم لم يؤمّ بهم ، وإن اختار الجميع واحداً فهو أولى ، وإن اختلفوا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
طلب الترجيح بالقراءة والفقه وغيرهما. وفي «الكفاية » نسبة هذا التفصيل إلى الأصحاب وستعرف الحال.
وقال في «الذكرى
» بعد هذا التفصيل : إنّهم إن اختلفوا فقد أطلق الأصحاب أنّه يطلب الترجيح
، وفيه تصريح بأنّه ليس لهم أن يقتسموا الأئمّة لما فيه من الاختلاف المثير
للأحنّ. وفي «الروض والمدارك وإرشاد الجعفرية » هو كذلك ونسبة ذلك إلى إطلاق الأصحاب. وفي «البيان وكشف الالتباس » لم يصلّ كلّ مختار خلف مختاره ، بل يتّفقون على واحد.
وفي «الذخيرة » ذكر ذلك غير واحد من الأصحاب. وفي «الهلالية» بعد أن
نسب طلب الترجيح مع الاختلاف إلى الأصحاب ما عدا المصنّف في التذكرة قال : وتحته
دقيقة ، وفسّرها في الحاشية بأنّ مختار الأقلّ ربما كان أرضى عند الله عزوجل فيلزم أن تكون صلاة الأقلّ مكروهة ، فلهذا يطرح عند
الاختلاف مختار الجميع ويرجع إلى اختيار الشارع. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام وكشف الالتباس » أنّهم إن اختلفوا يقدّم اختيار الأكثر ، فإن تساووا
طلب الترجيح. واعتذر لهما صاحب
__________________
والأقرأ لو اختلفوا ،
______________________________________________________
«إرشاد الجعفرية » بأنّه لعلّه لأنّ خلاف الأقلّ بمنزلة العدم.
هذا واستند
القائلون بترجيح مَن يقدّمه المأمومون وإن كان مفضولاً بأنّ في
ذلك اجتماع القلوب وحصول الإقبال المطلوب ، ومن عدا هؤلاء وقد عرفتهم لم يذكروا
ذلك ، ولعلّه لإطلاق النصّ بالرجوع إلى المرجّحات الآتية من غير ذكر لذلك فيه ولا
إشارة إليه ، مع قصور التعليل عن إفادة التقييد ، وأنه لا يخلو من إشكال كما نبّه
عليه في «الذخيرة » وغيرها . ومنه يظهر وجه النظر في ترجيح أكثر المأمومين مع
اختلافهم ، مع أنّه ذكر في «التذكرة » بأنّه إن كرهه المأمومون وكان ذا دين لم تكره إمامته
والإثم على مَن كرهه ، بل ليس في كلام القدماء كما ستعرف ذكر لاختلاف الأئمة ولا
لاختلاف المأمومين.
والمراد
بالتشاحّ في الكتاب وما وافقه التشاحّ بين الأئمة كأن يريد كلّ تقديم الآخر أو
يتقدّم بنفسه على وجهٍ لا ينافي العدالة. وفسّره الشيخ إبراهيم القطيفي في «شرحه
على النافع» بما إذا كان للإمام وقف أو وصيّة تكفيه عن طلب الدنيا بالتجارة ونحوها
فإنّ ذلك مطلوب ، وكما إذا أراد محض الإخلاص في القربة بكونه إماماً لكونه أكثر
ثواباً ، بل التشاحّ عند التأمّل قد يحقّق الإخلاص من التقي إذ تركه مع كونه أرجح
لا يكون إلّا لعلّة ، انتهى.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والأقرأ
لو اختلفوا) تقديم الأقرأ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على الأفقه وغيره خيرة عليّ بن بابويه وأبي عليّ والمفيد والسيّد والقاضي والتقي و «الواسطة » على ما نقل عنهم و «المقنع والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والأمالي » على ما ظهر لي منه و «المبسوط والنهاية والجُمل والعقود والمراسم والوسيلة والغنية والإشارة والسرائر والشرائع والنافع والمعتبر » على ما نقل عنه و «التذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتحرير والإرشاد والتلخيص والتبصرة والمختلف والذكرى والبيان والدروس والنفلية واللمعة والهلالية والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية والميسية والروض والروضة والمسالك والفوائد والملية »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وغيرها . وهو ظاهر جملة من الشارحين والمحشين حيث لم يناقشوا أصحاب المتون في
ذلك وفي «الغنية » الإجماع عليه ، وقد تظهر دعوى الإجماع من «المنتهى » حيث قال : فإن تساووا في الفقه فأقدمهم هجرة ذهب إليه
علماؤنا ، فإنّه يمكن سحب ذلك إلى ما نحن فيه. وصاحب «الرياض » ادعى الإجماع فيما نحن فيه ونقله عن ظاهر المنتهى فيما
نحن أيضاً. وفي «الروض والحدائق » أنّه المشهور ، وفي «كشف الالتباس ومجمع البرهان » أنّه الأشهر ، وفي «المنتهى والغريّة والكفاية والذخيرة » أنّه مذهب الأكثر ، فكانت المسألة إجماعية ، مضافاً
إلى خبر أبي عبيدة الّذي رواه ثقة الإسلام وخبر «دعائم الإسلام والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام » فإنّه يؤخذ مؤيّداً ولا حاجة بنا إلى حملها على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التقية كما ظنّه بعض المتأخّرين أو أنّ ذلك كان مختصّاً بزمن الرسول صلىاللهعليهوآله كما ظنّه الاستاذ قدسسره الشريف.
والمخالف إنمّا
هو مَن لا نعرفه من علمائنا وإنّما حكاه عنه المصنّف في «التذكرة ونهاية الإحكام » ويكفيك أنّ الشهيد لم يعرفه حيث قال : ونقل عن بعض الأصحاب. وما نسبه بعض
المتأخّرين إلى «المختلف» من المخالفة فغير صحيح ألبتة ، وإنّما
عرف الخلاف من بعض متأخّري المتأخّرين كصاحب «الذخيرة والمفاتيح » والحرّ العاملي والمحدّث
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
البحراني فقالوا بتقديم الأفقه عليه. وقال في «المدارك » لا يخلو عن قوّة لضعف الخبر ، وهو منه مبنيّ على أصله
من أنّ الضعف لا يجبر بالشهرة. ومال إليه في «مجمع البرهان ». وما في «الذخيرة » من نسبته إلى غير واحد من المتأخرين فلعلّه أراد غير
المصنّفين ، وكذا ما فيها من نسبة القوم بالتخيير إلى جماعة ، ولعلّه أراد الشيخ
في «المبسوط» فإنّ له فيه عبارة يظهر منها القول بالتخيير. ولعلّه عناه المصنّف في
«التذكرة ونهاية الإحكام» ببعض أصحابنا ، والعبارة هذه وهي قوله : لو كان أحدهما
يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنّه أفقه والآخر كامل القراءة غير كامل الفقه لكن معه من
الفقه ما يعرف معه أحكام الصلاة جاز تقديم أيّهما كان انتهى. فإنّ كلامه هذا يرجع إلى أنّه إذا اجتمع الأقرأ
والأفقه تخيّر.
وقال في «التذكرة
» : لو اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أقرأ والآخر أفقه قدّم الأقرأ على الأوّل
يعني القول بتقديم الأقرأ والأفقه على الثاني لتميّزه بما لا يستغنى عنه في
الصلاة. وهذا تصريح بمخالفة المبسوط.
فينبغي الرجوع
إلى كلام «المبسوط » برمّته ، قال : شرائط إمام الصلاة خمسة : القراءة
والفقه والشرف والهجرة والسنّ ، فالقراءة والفقه مقدّمان والقراءة مقدّمة على
الفقه إذا تساويا في الفقه ، ونعني بالقراءة القدر الذّي يحتاج إليه في الصلاة ،
فإن تساويا في القراءة قدّم الأفقه ، فإن كان أحدهما فقيهاً لا يقرأ والآخر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قارئاً لا يفقه فالقارئ أولى ، لأنّ القراءة شرط في صحّة الصلاة والفقه ليس
بشرط ، ثمّ ذكر ما نقلناه عنه أوّلاً. والمراد بقوله : لا يفقه ، نفي الفقه في غير
الصلاة ، إذ معرفة شرائط الصلاة وأفعالها لا تصحّ بدونه ، فليلحظ كلامه ويجمع بين
أطرافه إن أمكن الجمع وإن بُعد ، فإنّ كلامه الّذي نقلناه أخيراً ظاهره أنّ الأقرأ
أولى والّذي نقلناه أوّلاً ما عرفته والوسط صريح في أنّهما إن تساويا في الفقه
فالأقرأ مقدّم ، ولقد وجدت الشهيد في «الذكرى» قد تنبّه لذلك ونقل ما نقلناه عنه أوّلاً ،
ثمّ قال : وتبعه ابن حمزة في الواسطة مع قولهما بتقديم الأقرأ على الأفقه ولكنّهما
أرادا ترجيح الأقرأ على الفقيه مع تساويهما في الفقه ، صرّح بذلك في المبسوط ،
فلتلحظ عبارة الذكرى.
وقد يقال : إنّ
كلام الصدوق قد يعطي أنّ الأفقه مقدّم على الجميع كصاحب المسجد حيث ذكره بعده ،
قال : أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرأهم للقرآن ، فإن كانوا فيه سواء فأقدمهم
هجرةً ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأسنّهم ، فإن كانوا فيه سواء فأصبحهم وجهاً ،
وصاحب المسجد أولى بمسجده ، ومن صلّى بقومٍ وفيهم مَن هو أعلم منه لم يزل أمرهم في
سفال إلى يوم القيامة ، انتهى .
قلت : ليس بتلك
المكانة من الدلالة ، ويحتمل قويّاً أن يكون سقط من قلم الناسخ ذكر «الأفقه» بعد
الأقرأ ، لأنّ هذه العبارة عبارة «الفقه الرضوي » وعبارة أبيه نقلها عنه في «الفقيه » وعبارته هو في «المقنع » وقد ذكر في الجميع الأفقه بعد الأقرأ فراجع ، وليس
نظره فيما ذكره في «الأمالي » إلى ما روي عن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الصادق عليهالسلام ، لأنّه ذكر فيه الأفقه بعد الأسنّ ولم يذكر الأصبح ،
فليتأمّل.
هذا وظاهر كلام
«المبسوط » الوجوب ، وبه صرّح في «المراسم » وهو الّذي فهمه في «المختلف » منهما ونقل عن العماني .
وليعلم أنّ
القدماء حكموا بتقديم الأقرأ من غير تعرّض لاختلاف المأمومين
كالخبر ، وأوّل من تعرّض له المحقّق فيما أذكره الآن فليتأمّل جيّداً وليحاول الجمع وأنّه
لممكن.
وفي «الذكرى » لو تساويا في القراءة والفقه في الصلاة وزاد أحدهما
تفقّهه في غير الصلاة فالظاهر أنّه لا يترجّح به. وفيها وفي «التذكرة » أنّه لو كان أحدهما أعرف بأحكام الصلاة والآخر أعرف
بما سواها فالأوّل أولى. وفي «المنتهى » لو كان أحدهما أفقه والآخر أكثر قرآناً واستويا في
قراءة الواجب قدّم الأفقه ، ولو اجتمع فقيهان قارئان وأحدهما أكثر فقهاً والآخر
أكثر قراءة قدّم الأقرأ.
والمراد
بالأقرأ الأجود قراءةً كما في «التذكرة ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وكشف الالتباس والمدارك » وغيرها . وفي «التحرير والهلالية» الأبلغ في الترتيل ومعرفة المخارج والإعراب
فيما يحتاج إليه في الصلاة. وزاد في «البيان » وجوه التجويد ، وهو مراد من زاد الأعرف بالاصول
والقواعد المقرّرة بين القرّاء. وفي «الروض والروضة والفوائد الملية » الأجود أداءً وإتقاناً للقراءة ومعرفة أحكامها
ومحاسنها. وقريب منه ما في «فوائد الشرائع والميسية والمسالك » فإنّه لم يذكر فيهما معرفة الأحكام والمحاسن بل في
الأوّل بدل «ذلك» وما يتبع ذلك. وقيل : المراد الأكثر قرآناً. ونسبه في «البيان » إلى الرواية ، ولعلّه أراد ما روي من أنّ الأعمى يؤمّ
القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءةً . ثمّ إنّه على تقدير هذا المعنى فهل المراد أكثرهم
قراءةً للقرآن أو أكثرهم حفظاً للقرآن؟ وللأوّل مؤيّد من طرقنا وللثاني من طريق العامّة . وفي «الذكرى » فإن تساووا في الأداء فأكثرهم قرآناً ، وقد سمعت ما في
«المنتهى»
__________________
فالأفقه ، فالأقدم هجرةً ، فالأسنّ ، فالأصبح ، أولى من غيرهم.
______________________________________________________
وقال بعضهم : لو تساووا في جودة القراءة قدّم أكثرهم حفظاً للقرآن
، ونقله عن غير واحد في «الذخيرة » وقال فيها : يجوز أن يكون المراد الأجود بحسب طلاقة
اللسان وحسن الصوت وجودة النطق لكن هذا الوجه غير مذكور في كلامهم. وقال أيضاً :
ويفسّر أيضاً بالأعرف بمرجّحات القراءة لفظاً ومعنىً ، وكثير من هذه الوجوه
متقارب.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (فالأفقه
، فالأقدم هجرةً ، فالأسنّ ، فالأصبح ، أولى من غيرهم) هذا الترتيب هو المشهور كما في «الروض » وبه صرّح في «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام ورسالة عليّ ابن بابويه» كما نقل عنه في «الفقيه والمقنع والنهاية والجُمل والعقود والمراسم والشرائع والنافع والإرشاد والتبصرة والمختلف واللمعة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والروض والروضة والمسالك » على الظاهر منه ومن «الميسية والقطيفية والهلالية»
وغيرها .
هذا بالنسبة
إلى هذا الترتيب جميعه ، وأمّا حال كلّ واحد منه بالنسبة إلى سابقه ولا حقه فكون
الأفقه بعد الأقرأ هو مذهب الأكثر كما في «المنتهى والتذكرة » والمشهور كما في «الذخيرة » وهو خيرة «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام » وجميع ما بعده ممّا ذكر آنفا والمفيد والسيّد والتقي و «الواسطة» فيما نقل عنهم و «المبسوط والوسيلة والغنية والإشارة والمنتهى ونهاية الإحكام والتحرير والتذكرة والذكرى والدروس والبيان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والنفلية والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها والفوائد الملية » وغيرها وجعل في «الأمالي » الأقدم هجرةً بعد الأقرأ وبعده الأسنّ وبعده الأصبح
وجهاً. وفي «البيان » عن بعض الأصحاب أنّه ذهب إلى تقديم الأقدم هجرةً
فالأسنّ فالأفقه. وعن السيّد أنّه قدّم الأسنّ بعد الأقرأ ثمّ بعده الأفقه ، وكذا
نقل عن أبي عليّ ولم يذكرا الهجرة. وفي «السرائر » الأقرأ ثمّ الأكبر سنّاً في الإسلام ثمّ الأعلم
بالسنّة ثمّ الأقدم هجرةً ، فإن تساووا فيه فقد روي أصبحهم وجهاً. وعن القاضي أنّه لم يذكر الأفقه في المراتب كلّها بل جعل الأقرأ
ثمّ الأكبر سنّاً ثمّ الأصبح وجهاً. وفي «المفاتيح » الأعلم ثمّ الأقرأ ثمّ الأقدم هجرة ثمّ الأكبر سنّاً.
هذا والمراد
بالأفقه الأفقه في أحكام الصلاة فإن تساووا فيها ففي «المسالك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والميسية والروض والروضة والرياض » أنّه يقدّم الأفقه في غيرها. وفي «فوائد الشرائع » ظاهرهم أنّ العلم بجميع الفقه من المرجّحات. وأسقط في «الذكرى
» اعتبار الزائد لخروجه عن كمال الصلاة ، وفيه : أنّ المرجّح لا ينحصر فيها
بل كثير منها كمال في نفسه وهذا منها مع شمول النصّ له بإطلاقه. وفي «الذخيرة » أنّ ما في الروض أولى.
وأمّا كون
الأقدم هجرةً بعد الأفقه ففي «المنتهى » أنّه مذهب علمائنا. وفي «الذكرى » أنّه مشهور. وفي «الذخيرة » أنّه كذلك لكن بين المتأخّرين ، وبه صرّح في الكتب
السابقة ما عدا ما سمعته وما عدا «المبسوط والوسيلة والتحرير » فقد جعل فيها بعد الأفقه الأشرف ، وما عدا التقي فإنّه جعل القرشي بعد الأفقه ، وما عدا «الغنية » ففيها الأقرأ ثمّ الأفقه ثمّ الهاشمي ثمّ الأكبر سنّاً
ودعوى الإجماع على ذلك ، ولم يذكر الهجرة ، وما عدا «الإشارة » فإنّه ذكر فيها بعد الأفقه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ربّ المكان ، فإن تساووا فيه فالقرعة ، وما عدا «الدروس والنفلية والموجز الحاوي والجعفرية والغرية والفوائد الملية » فإنّه جعل فيها بعد الأفقه الهاشمي ثمّ وافقوا في
الترتيب المذكور في الكتاب ، وقد سمعت ما نقلنا حكايته عن أبي عليّ وعلم الهدى
والقاضي وغيرهم وما في «السرائر» وما في «الأمالي».
والمراد به
الأقدم هجرةً من دار الحرب إلى دار الإسلام كما في «المنتهى » وغيره وهو المفهوم من النصّ كما في «المدارك والذخيرة » وغيرهما ، وعن الشيخ يحيى بن سعيد أنّه في زماننا السبق إلى العلم ، واختاره الشيخ
إبراهيم القطيفي في «شرحه على النافع». وقيل : إلى سكنى الأمصار ، وهو خيرة المحقّق الكركي نقله عنه تلميذه واحتمله في «الذكرى ». وفي «الغرية» أنّه وجد بخطّ الشهيد عن الصادق عليهالسلام : «إنّ فضل أهل المدن على القرى كفضل أهل السماء على
الأرض ». وفي «التذكرة» المراد سبق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإسلام أو أولاد مَن تقدّمت هجرته على غيره . قلت : روى الصدوق عن مولانا الصادق عليهالسلام في كتاب «معاني الأخبار » مرسلاً أنّه قال : «مَن ولد في الإسلام فهو عربي ،
ومَن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ، ومَن سبي وعتق فهو مولى» وهذا فيه إشعار
بالمعنى الأوّل الّذي ذكره في «التذكرة». وفي «المسالك » هذا الحكم باقٍ إلى الآن إذ لم تنقطع الهجرة بعد الفتح
عندنا. وفي «الحدائق » أنّ الأظهر أنّه لا يمكن الترجيح بهذه المرتبة فيما
عدا زمانه صلىاللهعليهوآله بل يجب إطراحها من البين.
وأمّا كون
الأسنّ بعد الأقدم هجرةً فعليه أكثر العلماء كما في «التذكرة » وهو خيرة «الأمالي والمبسوط والوسيلة والمنتهى ونهاية الإحكام والتذكرة والتحرير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذكرى والدروس واللمعة والنفلية والموجز الحاوي والجعفرية والميسية وشرحي الجعفرية والفوائد الملية والمفاتيح والمدارك والذخيرة » وغيرها مضافاً إلى الكتب الّذي ذكر فيها الترتيب المذكور في
الكتاب وقد عرفتها وقد سمعت عبارات المخالفين.
والمراد الأسنّ
في الإسلام لا مطلقاً كما «المبسوط والسرائر والتحرير والذكرى والنفلية والدروس والموجز الحاوي والجعفرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفوائد الشرائع والميسية والغرية وإرشاد الجعفرية والفوائد الملية » فابن خمسين في الإسلام أسنّ عن ابن سبعين وله فيه
أربعون. ولم يرجّح في «نهاية الإحكام ». وفي «المدارك » هو حسن إلّا أنّ النصّ لا يدلّ عليه.
وأمّا الأصبح
وجهاً فقد ذكره الأكثر كما في «الروض » وهو خيرة الصدوقين كما عرفت والشيخين والقاضي كما نقل و «المراسم والوسيلة والشرائع والنافع والإرشاد والمختلف ونهاية الإحكام والتبصرة والتحرير والدروس واللمعة والنفلية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والموجز الحاوي والهلالية والفوائد الملية » مضافاً إلى الكتب الّتي ذكر فيها الترتيب المذكور
جميعه. ولم يجعله أبو عليّ ولا التقي ولا أبو المكارم ولا أبو المجد الحلبي ولا
الكاشاني مرتبةً من المراتب. وتأمّل فيه جماعة كالمصنّف في «التذكرة والمنتهى » فإنّ ظاهره التوقّف فيهما حيث اقتصر على نسبته إلى
الشيخين في الأوّل وإلى الشيخ في الثاني. وفي «المصباح» للسيّد على ما نقل و «السرائر » أنّه قد روي «أنّهم إذا تساووا فأصبحهم وجهاً».
وقال في «المعتبر
» : لا أرى لهذا أثراً في الأولوية ولا وجهاً في الشرف. وفي «القطيفية»
كلام المعتبر حقّ إن فسّر بحسن الصورة ، وإن فسّر بالأحسن ذكراً بين الناس فلا بأس
به ، ونحوه «الروضة ومجمع البرهان » لما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام في عهد الأشتر من «أنّه يستدلّ على الصالحين بما يجري
الله تعالى لهم على ألسنة عباده». وفي «مجمع البرهان » أنّ هذا لا ينافي الخمول. وفي «النهاية » الأحسن وجهاً. وفي «الموجز الحاوي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والنفلية والفوائد الملية » الأصبح وجهاً أو ذكراً. وفي «فوائد الشرائع » المشهور أنّه الأصبح وجهاً ذكره عامّة الأصحاب وبعض
المتأخّرين جعله الأصبح وجهاً أو ذكراً مجازاً وكأنّه رأى مدخليّة المعنى المجازي
أشدّ في الترجيح فجعله مكافئاً للحقيقي أو أرجح.
قلت : وقال
الصدوق في كتاب «العلل » بعد نقل خبر أبي عبيدة المتضّمن لما إذا كانوا في
السنّ سواء : فليؤمّهم أعلمهم ، وفي حديث آخر : «إذا كانوا في السنّ سواء فأصبحهم
وجهاً» فبعد نقل هؤلاء الأعاظم أعني الصدوق والسيّد والحلّي لذلك وفتوى أكثر
القدماء به لا وجه لردّه. وهذه المراسيل لا تقصر عن مراسيل الكتب الأربعة ،
وخلّوها عنها لا يقدح فيها فإنّها لم توضع على الاستقصاء التامّ وإلّا لتكاذبت
فيما انفردت به ، والحجّة فيما أوردوه في أيّ موضعٍ ذكروه ، ويشهد لذلك حديث
إبراهيم أبي إسحاق الليثي الوارد في طينة المؤمن وطينة الناصب المروي في «العلل » حيث قال عليهالسلام بعذ ذكر الطينتين : «ثمّ عمد إلى بقية ذلك الطين فمزجه
بطينتكم ، ولو ترك طينتهم على حالها لم تمزج بطينتكم ما عملوا أبداً عملاً صالحاً
ولا أدّوا أمانةً إلى أحد ولا شهدوا الشهادتين ولا صاموا ولا صلّوا ولا زكّوا ولا
حجّوا ولا شبهوكم بالصور أيضاً ، يا إبراهيم ليس شيءٌ أعظم على المؤمن من أن يرى
صورة حسنة في عدوٍّ من أعداء الله عزوجل ، والمؤمن لا يعلم أنّ تلك الصور من طين المؤمن ومزاجه».
ويشير إلى ذلك ما ورد من : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله طلب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
من الله سبحانه أن ينزل عليه جبرائيل متى أرسله في صورة دحية الكلبي ، وكان
من أجمل الناس صورةً.
ثمّ اعلم أنّ
التقديم في هذه المراتب تقديم فضل واستحباب لا اشتراط وإيجاب ، فلو قدّم المفضول
على الفاضل جاز لا نعلم فيه خلافاً كما في «المنتهى والتذكرة وإرشاد الجعفرية » وبذلك صرّح غير واحد . ونقل نفي الخلاف في ذلك عن «التذكرة» جماعة ساكتين عليه.
وفي «الدروس والنفلية والهلالية والموجز الحاوي والجعفرية وشرحيها والفوائد الملية » جعل القرعة بعد الأصبح وجهاً ، وزاد بعضهم في المرجّحات بعد ذلك الأتقى والأورع ثمّ القرعة ،
واحتمل الشهيد تقديم الأورع على المراتب بعد القراءة والفقه ، ونفى
عنه البُعد في «الذخيرة ». وفي «التذكرة»
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإن استووا في ذلك كلّه قدّم أشرفهم نسباً وأعلاهم قدراً ، فإن استووا في
هذه الخصال قدّم أتقاهم وأورعهم ، لأنّه أشرف في الدين وأفضل وأقرب إلى الإجابة ،
ثمّ قوّى تقديم هذا على الأشرف ، ثمّ قال : فإن استووا في ذلك كلّه فالأقرب القرعة
، لأنّهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة فالإمام أولى . وقال في «الذكرى » : لو علّله بالأخبار العامّة في القرعة لكان حسناً.
قلت : قد أشار إلى ذلك في «نهاية الإحكام ».
والمراد بالورع
العفّة وحسن السيرة وهو مرتبة وراء العدالة تبعث على ترك المكروهات والتجنّب عن
الشبهات والرخص ، وكذا ذكر في «الذكرى » ثمّ قال : فلو تساويا في القراءة والفقه وزاد أحدهما
في الورع الّذي هو العفة وحسن السيرة ففي تقديمه عندي نظر ، لعدم ذكر الأخبار
والأصحاب له ومن اعتبار العدالة في الإمام تستتبع روادفها ، إذ الإمامة سفارة بين
الله تعالى وبين الخلق وأولاهم بها أكرمهم على الله تعالى ، وكلّما كان الورع أتمّ
كان تحقّق العدالة أشدّ ، فحينئذٍ يقدّم هذا على المراتب السابقة ، انتهى. وقيل : إنّ التقوى هو التجنّب عن الشبهات لئلّا يقع في
المحرّمات ، والورع هو التجنّب عن المباحات لئلّا يقع في الشبهات.
وقال المقدّس
الأردبيلي : ليس مَن ترك كثيراً من الامور الّتي هي عمدة في
التقرّب مثل تحصيل العلوم والعبادات الشاقّة الكثيرة وقضاء حوائج المؤمنين مع أنّه
يجتنب الشبهات ويتورّع عن المباحات يكون أتقى وأكرم على الله تعالى بل الأمر
بالعكس ، لأنّ الظاهر أنّ الأكرمية باعتبار الاتصاف بالأوصاف المقرّبة ،
__________________
ويستنيبُ الإمام مع الضرورة وغيرها ، فلو مات أو اغمي عليه استناب
المأمومون ، ولو علموا الفسق أو الكفر أو الحدث بعد الصلاة فلا إعادة ، وفي
الأثناء ينفردون.
ولا يجوز
المفارقة لغير عذر أو مع نيّة الانفراد ، وله أن يسلّم قبل الإمام وينصرف
اختياراً.
______________________________________________________
فمن اتّصف بالأكثر والأعلى فهو الأكرم عند الله تعالى ، ففي التعريفين
تأمّل وتزلزل ، فحينئذٍ ينبغي تقديم مَن فيه الوصف المذكور وإنّي أظنّ أنّه مقدّم
في جميع المراتب وعدم ذكره لظهوره إلى آخر ما قال رضي الله تعالى عنه. ووافقه على
ذلك صاحب «الذخيرة ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ويستنيبُ
الإمام مع الضرورة .. إلى آخره).
قد تقدّم
الكلام فيه في مبحث الجمعة وغيره كما تقدّم الكلام في قوله : ولا يجوز المفارقة
لغير عذر .. إلى آخره .
[لو علم المأموم فسق الإمام أو حدثه]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
علموا الفسق أو الكفر أو الحدث بعد الصلاة فلا إعادة وفي الأثناء ينفردون) أمّا عدم الإعادة لو علموا بذلك بعد الصلاة فهو الأشهر
كما في «الهلالية والمدارك والحدائق » وعليه عامّة أصحابنا ما عدا السيّد والإسكافي كما في «الرياض
» والمشهور كما في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الروض والذخيرة » ومذهب الأكثر كما في «المفاتيح » وكذا «التذكرة » في خصوص الكفر ، والمشهور كما في «المختلف » في الكفر والفسق ، وكما في «الذكرى » في خصوص الحدث. وفي «الخلاف » الإجماع على عدم الإعادة إذا علم كفره بعد الصلاة ،
وكذا لو تبيّن كونه على غير القبلة أو إخلاله بالنيّة عند الأكثر كما في «المفاتيح
». وفي «الرياض » الصحاح مستفيضة في جميع ما ذكر عدا الفسق فإنّه ملحق
بالكفر إجماعاً وبالطريق الأولى. وقال أيضاً : إجماع الخلاف حجّة فيما إذا تبيّن الكفر
ويستدلّ على عدم الإعادة في البواقي يعني الأربعة الباقية بالفحوى.
قلت : ظاهر
الأكثر أنّ المسائل الخمس من سنخ واحد ، وقد اضطرب النقل عن السيّد ، قال في «الدروس»
ولا تصحّ إمامة فاقد شرائط صحّة الصلاة إذا علم المأموم ، فلو ظهر المانع من
الاقتداء بعد الصلاة فلا إعادة وإن كان الوقت باقياً خلافاً للمرتضى ، ولو كان في
الأثناء انفرد ولا يستأنف خلافاً له ، انتهى. وظاهره أنّ السيّد مخالف في الجميع. وهو ظاهر «المفاتيح
» أيضاً ، وظاهر «المدارك والذخيرة »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّ علم الهدى وأبا عليّ مخالفان في كلّ من المسائل الثلاث المذكورة في
الكتاب ، وظاهر «المختلف » أنّ خلاف السيّد إنمّا هو في مسألتي الكفر والفسق ،
وظاهر «التذكرة ونهاية الإحكام » أنّ الخلاف إنمّا هو في مسألة الكفر ، وصريح «المنتهى»
أنّ السيّد موافق في مسألة الجنب والمحدث ، قال : لو صلّى خلف جنب أو محدث عالماً
أعاد بغير خلاف ، ولو كان جاهلاً لم يعد ، قال السيّد المرتضى : يلزم الإمام
الإعادة دون المأموم ، قال : وقد روي «أنّ المأمومين إن علموا في الوقت لزمهم
الإعادة ». ولو صلّى بهم بعض الصلاة ثمّ علموا حدثه أتمّ القوم
في رواية جميل ، وفي رواية حمّاد عن الحلبي «يستقبلون صلاتهم» انتهى ما في المنتهى .
هذا ونقل في «الروضة
» أنّ القائل بالإعادة قائل بها في الوقت ، وهو كاد يكون ظاهر «الدروس » والأكثر لم يقيّدوا بالوقت.
وفي «الرياض»
أنّ أبا عليّ أوجب الإعادة مطلقاً في أوّليها يعني الفسق والكفر ومقيّداً لها
بالوقت في أخيرها يعني الحدث ، ووافقه المرتضى في الجميع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
غير إنّه لم يقيّد الأخير بالوقت ، انتهى ، ولم أدر من أين ظفر بهذا التفصيل لأبي عليّ
ولم ينسب إليه في «المختلف » إلّا وجوب الإعادة في مسألتي الكفر والفسق ، ونقل في «الذكرى
» عبارة له ثمّ قال : وإذا أمّ الكافر قوماً فعلموا بذلك كان عليهم
الإعادة. وأمّا مذهب السيّد المرتضى فلم يعرف إلّا من ابن إدريس والمنتهى وقد سمعت
ما في «المنتهى» وتأتيك عبارة «السرائر» وقد حكى قوله في «المختلف والذكرى » نقلاً عن ابن إدريس فتأمّل ، على أنّه لم يتعرّض في
المختلف لمسألة المحدث. وفي «الذكرى» بعد نقل حكاية ذلك عن المرتضى قال : ومن هذا
الباب لو تبيّن حدث الإمام بعد الصلاة فالمشهور عدم الإعادة ، وقال المرتضى :
يعيدون ، انتهى.
والموجود في «السرائر»
من صلّى بقوم وهو على غير وضوء من غير علم منهم بحاله فأعلمهم بذلك لزمه الإعادة
ولم تلزم القوم ، وقد روي أنّه إن أعلمهم في الوقت لزمتهم أيضاً الإعادة وإنمّا
سقطت عنهم الإعادة بخروج الوقت ، فإن نقضت طهارة الإمام بعد أن صلّى بعض الصلاة
أدخل مَن يقوم مقامه وعاد هو الصلاة وتمّم القوم صلاتهم ، ومَن صلّى بقوم ركعتين
ثمّ أخبرهم أنّه لم يكن على طهارة أتمّ القوم الصلاة ولم يعيدوها ، هكذا روى جميل
بن درّاج عن زرارة وهو الصحيح ، وفي رواية حمّاد عن الحلبي «أنّهم
يستقبلون صلاتهم». ومَن صلّى بقوم إلى غير القبلة ثمّ أعلمهم بذلك كانت عليه
الإعادة دونهم ، وقال بعض أصحابنا : إنّ الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت.
هذا هو الصحيح وبه أقول وافتي ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والأوّل مذهب السيّد المرتضى والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر رحمهالله ، وهو الّذي يقتضيه اصول مذهبنا. وإذا أمّ الكافر قوماً
ثمّ علموا بذلك من حال كان القول فيه كالقول فيمن علموا أنّه على غير طهارة ،
انتهى كلامه في السرائر الّتي عندي ، ولعلّ فيها سقطاً فإنّي لم أجد ما نقله
عنه في المختلف والذكرى عن السيّد ، ويأتي كلام «المبسوط والنهاية».
وفي «الحدائق»
نقل ما في الذكرى من رواية حمّاد عن الحلبي أنّه يستقبلون صلاتهم قال : لم أقف على
هذه الرواية فيما حضرني من كتب الأخبار ولا سيّما ما جمع الكتب الأربعة وغيرها من
الوسائل والبحار ، انتهى. وقد علمت أنّه موجود في «السرائر» ومنقول في «المنتهى»
عن علم الهدى.
وفي «الفقيه»
بعد أن روى ما في كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر ابن أبي عمير من أنّ الصادق
عليهالسلام قال في رجل صلّى بقومٍ من حين خرجوا من خراسان ..
الحديث ، قال : وقد سمعت جماعة من مشايخنا يقولون : إنّه ليس عليهم إعادة ممّا جهر
فيه وعليهم إعادة ما صلّى بهم ممّا لم يجهر فيه ، والحديث المفسّر يحمل على المجمل
، انتهى. وقد أفتى بما رواه عن زياد وابن أبي عمير في «المقنع ». وفي «الحدائق » أنّ ما رواه الصدوق عن بعض مشايخه فلم يصل إلينا ما
يدلّ على ما ذكروه من التفصيل والظاهر أنّه لم يصل إليه أيضاً وإلّا لأفتى بما
قالوه ولم يكتف بمجرّد نقل ذلك عنهم. قلت : ولما أفتى بخلافه في «المقنع» كما سمعت
، على أنّه لا وجه له من جهة الاعتبار ، إذ لا فائدة في قراءة الكافر والفاسق
والمحدث الّذين صلاتهم باطلة ، وإنّما تقوم قراءتهم مقام قراءة المأموم إذا صحّت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
صلاتهم ، فلو منع عدم صحّة صلاتهم صحّة صلاة المأموم لمنع مطلقاً وإلّا فلا
، ومن هنا يعلم حال احتمال المصنّف في «نهاية الإحكام » من الفرق بين الكفر الخفي وغيره.
وأمّا أنّهم
ينفردون لو ظهر ذلك في الأثناء فهو خيرة «المبسوط» حيث قال في الجنب والمحدث : ولا
يلزم المأمومين استئناف الصلاة بل صلاتهم تامّة ، وخيرة «السرائر» وقد سمعت عبارتها ، ومثلها عبارة «الذكرى
» من دون تفاوت ، وخيرة «الشرائع والتذكرة ونهاية الإحكام والتحرير والإرشاد والدروس والبيان واللمعة والموجز الحاوي والهلالية والروض والروضة ومجمع البرهان » وغيرها . وقال جماعة منهم : وأمّا القول بوجوب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الإعادة فقيل : إنّه يستأنف ، وقيل : ويحتمل الاستئناف على القولين إن قلنا بتحريم
المفارقة في أثناء الصلاة ، وهو ضعيف جدّاً. وقد تقدّم بيان حالهم حينئذٍ في
القراءة وغيرها.
وليعلم أنّ
كلامهم وكذا الأخبار في هذا المقام كالصريح في الاكتفاء بالظنّ في العدالة وأنّها
حسن الظاهر إلّا أن تقول إنّ هذا مبنيّ على أنّه قد اجتهد في معرفة عدالته قبل
الصلاة وحصّلها على الوجه المعتبر وهي المعاشرة الباطنة أو شهادة عدلين أو الشياع
ونحو ذلك ثمّ تبيّن الخلاف ، أمّا إذا قصّر فإنّ صلاته باطلة. وقال في «مجمع
البرهان» : اعلم أنّ أحكام الله عزوجل مبنيّة على الظنّ خصوصاً بالنسبة إلى حقوق الله تعالى
لتعذّر العلم أو تعسّره ، فلو ظنّ عدالة إمامه على الوجه المعتبر وكذا طهارته ولو
بمجرّد أنّه يصلّي والظاهر من حال المؤمن العدل أنّه لا يصلّي إلّا مع الطهارة
والأصل عدم النسيان ، والظاهر أنّه لا خلاف في ذلك كلّه ، صلّى * خلفه ، فلو ظهر له
خلاف ذلك فلا إعادة للأمر ولأنّه لم يترك ركناً ولا واجباً ، انتهى.
هذا وفي «التذكرة
ونهاية الإحكام » أنّ الكافر يعزّر.
وأمّا إذا ظهر
أنّه صلّى إلى غير القبلة ففي «المبسوط» من صلّى بقومٍ إلى غير القبلة متعمّداً
كانت عليه إعادة الصلاة ، ولم يكن عليهم ذلك إذا لم يكونوا عالمين ، فإن علموا ذلك
كان عليهم أيضاً الإعادة ، ومتى لم يعلم الإمام والمأموم ذلك
__________________
(*) جواب لو (كذا
بخطه قدسسره)
__________________
فروع
الأوّل
: لو اقتدى بخنثى
أعاد وإن ظهر بعد ذلك أنّه رجل.
______________________________________________________
أعادوا إن بقي الوقت ، فإن فات الوقت وكانوا صلّوا مستدبري القبلة أعادوا
أيضاً ، فإن كانت يميناً وشمالاً لم يكن عليهم شيء . وقال عين ذلك في «النهاية» إلى أن قال : ومتى لم يكن
الإمام ولا المأمومون عالمين بذلك كان حكمهم ما قدّمنا في باب القبلة . واختار في باب القبلة ما في «المبسوط» هنا وفي باب القبلة . وقد سمعت ما في «السرائر» وما نقله عن السيّد والشيخ. وقال في «المختلف
» الأقرب إن كان الوقت باقياً أعادوا أجمع إلّا مع الانحراف اليسير ، وإن
كان قد خرج أعادوا مع الاستدبار. وفي «التلخيص» لو صلّى بهم إلى غير القبلة ثمّ
أعلمهم أعاد الجميع ما لم يخرج الوقت على رأي . وقد أسبغنا الكلام في المسألة في باب القبلة والتروك بما لا مزيد عليه فليرجع إلى ذلك مَن أراد
الوقوف عليه.
[لو اقتدى بخنثى]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (فروع
: لو اقتدى بخنثى أعاد وإن ظهر بعد ذلك أنّه رجل) كما في «التذكرة ونهاية الإحكام والذكرى
__________________
الثاني
: الأقرب عدم جواز
تجدّد الائتمام للمنفرد ، ومنع إمامة الأخسّ في حالات القيام للأعلى كالمضطجع
للقاعد ، ومنع إمامة العاجز عن ركن للقادر عليه.
______________________________________________________
والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد » وهذا إذا علم في حال الاقتداء بأنّها خنثى ، أمّا إذا
كان قد اجتهد فظنّ أنّه رجل فلا إعادة كما صرّح به في أكثر هذه . وفي «نهاية الإحكام » قال : يحتمل ضعيفاً الصحّة يعني في الفرض الأوّل. قلت
: وهو المنقول عن الشافعي في أحد قوليه.
هذا ولو علم في
الأثناء انفرد. وفي «المنتهى» لو صلّى خلف من يشكّ في كونه خنثى فالوجه الصحّة ،
لأنّ الظاهر السلامة من كونه خنثى خصوصاً لمن يؤمّ الرجال ، فتأمّل.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الأقرب
عدم جواز الائتمام للمنفرد) قد تقدّم الكلام فيه بما لا مزيد عليه عند شرح قوله :
ولو صلّى منفرداً ثمّ نوى الائتمام .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ومنع
إمامة الأخسّ في حالات القيام للأعلى كالمضطجع للقاعد ومنع إمامة العاجز عن ركن
للقادر عليه)
__________________
الثالث
: لو كانا
امّيّين لكن أحدهما يعرف سبع آيات دون الآخر جاز ائتمام الجاهل بالعارف دون العكس
،
______________________________________________________
كما في «التذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والبيان » ونسب الخلاف في «التذكرة » في الموضعين للشافعي. وجوّز في «الخلاف » ائتمام القاعد بالمومئ واللابس بالعاري. وردّه في «نهاية
الإحكام والذكرى » وغيرها وقد تقدّمت الإشارة إليه فيما سلف. وفي «نهاية الإحكام والبيان » لو قدر كلّ منهما على ركن معجوز للآخر لم يأتمّ أحدهما
بالآخر.
[حكم ائتمام أحد الامّيّين بالآخر]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (لو
كانا أمّيّين لكن أحدهما يعرف سبع آيات دون الآخر جاز ائتمام الجاهل بالعارف دون
العكس) كما في «المنتهى
والتحرير » وفي الأخير : ان في الأخير أعني العكس إشكالاً ، وقيّد
فيه السبع آيات بكونها من غير الفاتحة.
__________________
والأقرب وجوب الائتمام على الامّي بالعارف وعدم الاكفتاء بالائتمام مع
إمكان التعلّم.
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والأقرب
وجوب الائتمام على الامّي بالعارف وعدم الاكتفاء بالائتمام مع إمكان التعلّم) كما في «التحرير والتذكرة والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد ».
وفي «حواشي
الشهيد على الكتاب» أنّ العبارة ذات وجهين ، الأوّل : أنّه لا يصلّي في الوقت
مؤتمّاً بل يجب التعلّم إلى آخر الوقت ثمّ يجب الائتمام إمّا لأنّ أصحاب الأعذار
يؤخّرون كما هو مذهب المرتضى ومَن تبعه وإمّا لأنّ تعلّم القراءة واجب مضيّق
الثاني : أنّه لا يستمرّ على الائتمام في دوام الصلاة بمعنى أنّه يستغني به عن
التعلّم وإن جاز في هذه الصلاة وفي كلّ صلاة يحضر وقتها أن يأتمّ ، ووجب بمعنى أنّ
الائتمام وإن وجب فإنّ التعلّم أيضاً واجب ، فلا يكون فيه دلالة على وجوب التأخير
إلى آخر الوقت. ووجهه أنّ الواجب القراءة المعهودة عن ظهر القلب فلا تسقط بهذا
العارض ، ولأنّه لا وثوق بوجود الإمام في كلّ وقت ويحتمل الاكتفاء ، أمّا على
التفسير الأوّل فلأنّه مخاطب بالصلاة في أوّل الوقت وهي ممكنة هنا تامّة لسقوط
القراءة حينئذٍ فلا يجب التأخير ، وأمّا على تفسير الثاني فلأنّ القراءة على
المأتمّ غير واجبة. فلا يجب تعلّمها وضعفهما ظاهر ، انتهى.
__________________
الرابع
: لو جهلت الأمة
عتقها فصلّت بغير خمار جاز للعالمة به الائتمام بها ، وفي انسحابه على العالم
بنجاسة ثوب الإمام نظر أقربه ذلك إن لم نوجب الإعادة مع تجدّد العلم في الوقت.
الخامس
: الصلاة لا توجب
الحكم بالإسلام.
______________________________________________________
وفي «الذكرى»
قال في المبسوط : لو صلّى امّي بقاري بطلت صلاة القاري وحده وصحّت صلاة الامّي ،
ولو صلّى بقاري وامّي بطلت صلاة القاري وحده ، واستدرك الفاضل بأنّه ينبغي التقييد
بكون القاري غير صالح للإمامة ، إذ لو كان صالحاً لوجب على الامّي الاقتداء به ،
فإذا أخلّ بطلت صلاته وصلاة مَن خلفه. وهذا بناءً على وجوب الاقتداء ، لأنّه يسقط
وجوب القراءة لقيام قراءة الإمام مقامها. وينبغي تقييده بأمرين ، أحدهما : سعة
الوقت ، فلو كان ضيّقاً لم يمكن فيه التعلّم فصلاته بالنسبة إليه صحيحة فهي كسائر
الصلوات الّتي لا يجب فيها الاقتداء مع إمكان الوجوب كما قاله رحمهالله تعالى للعدول إلى البدل عند تعذّر المبدل. الثاني : علم
الامّي بالحكم ، فلو جهله فالظاهر أنّه معذور ، لأنّ ذلك من دقائق الفقه الّذي لا
يكاد يدركه إلّا مَن مارسه ، ثمّ مع سعة الوقت وإمكان التعلّم ينبغي بطلان صلاة
الامّي على كلّ حال ، لإخلاله بالواجب من التعلّم واشتغاله بمنافيه. ويتفرّع على
ذلك لو كان يعجز عن حرف أو إعراب فهل يجب عليه الائتمام؟ فيه الكلام بعينه ، إذ
حكم الأبعاض حكم الجملة .
قوله قدسسره : (لو
جهلت الأمة عتقها .. إلى آخره) قد تقدّم الكلام في المسألتين عند شرح قوله وصحيح بأبرص مطلقاً
أو أجذم أو محدود تائب فليرجع إليه.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الصلاة
لا توجب الحكم بالإسلام)
__________________
كما في «المبسوط والخلاف والمنتهى والتحرير ونهاية الإحكام والتذكرة والروض » وغيرها وفي «التذكرة » سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وسواء صلّى
جماعة وفرادى ، وسواء صلّى في المسجد أو لا. ووافقنا على ذلك الشافعي وخالفنا
الباقون ، فذهب إلى كلّ شقّ فريق. وفي «الخلاف والمنتهى ونهاية الإحكام » لو سمعت منه الشهادتان حكم بإسلامه ، وفي الأخير :
وكذا الأذان. وفي «روض الجنان » في الحكم بذلك بسماع الشهادتين وجهان *.
__________________
__________________
الفصل الخامس : في صلاة السفر
وفيه مطالب :
(الأوّل) محلّ القصر
:
وهو من الفرائض
الرباعية اليومية خاصّة ونوافل النهار والوتيرة مع الأداء في السفر ، فلا قصر في
فوائت الحضر ويثبت في فوائت السفر ، ولو سافر في أثناء الوقت أتمّ على رأي ،
______________________________________________________
(الفصل الخامس : في صلاة السفر)
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
سافر في أثناء الوقت أتمّ على رأي) هذا هو المشهور بين المتأخّرين كما في «الروض » وهو المنقول عن الحسن وخيرة «المقنع والمنتهى والمختلف والتحرير والتذكرة ونهاية الإحكام والإرشاد والإيضاح والدروس والبيان واللمعة والموجز
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمقتصر والجعفرية وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وتعليق النافع وإرشاد الجعفرية والميسية والغرية والروضة والمسالك ».
والقول بوجوب
التقصير اعتباراً بحال الأداء هو المنقول عن عليّ ابن الحسين الصدوق في «الرسالة» والسيّد في «المصباح
» والمفيد وخيرة «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والمبسوط » في موضع منه و «السرائر والشرائع والنافع والتبصرة ومجمع البرهان والمدارك والروضة » في باب الصوم و «رسالة صاحب المعالم والنجيبية والمفاتيح
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والرياض والمصابيح وحاشية المدارك ». وفي «الحدائق » أنّه أقوى. ونسبه في «كشف الرموز والمنتهى » إلى التهذيب ، وستسمع ما فيه. وفي «النافع وحاشية المدارك والرياض » أنّه أشهر ، وفي «المعتبر » أنّ روايته أشهر وأظهر. وفي «الكفاية » أنّه مذهب الأكثر. وقال في «السرائر» أوّلاً أنّه
الأظهر بين محصّلي أصحابنا ، وقال أيضاً : إنّ ما ذكره في النهاية لا يجوز القول
به ولا العمل عليه ، لأنّه مخالف لُاصول المذهب ، ثمّ قال : وما ذهبنا إليه هو
الموافق للأدلّة واصول المهذب وعليه الإجماع. وهو مذهب السيّد المرتضى في مصباحه
والشيخ المفيد وغيره من أصحابنا وشيخنا أبي جعفر في تهذيب الأحكام في باب أحكام
فوائت الصلاة ، انتهى ما في السرائر .
وعبارة «المبسوط»
الّتي أشرنا إليها هي قوله : لو كان قريباً من البلد فصلّى بعد غيبوبة الأذان عنه
بنيّة القصر فرعف بعد أداء ركعة فانصرف إلى بنيان البلد ليغسله فدخل البنيان أو
شاهده بطلت صلاته لكثرة الفعل ، فإن صلّى في موضعه الآن تمّم فإن لم يصلّ وخرج إلى
السفر والوقت باقٍ قصّر فإن فاتت قضاها تماماً لأنّه فرّط في الصلاة في وطنه ، انتهى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وظاهر «الذكرى والتنقيح وكشف الالتباس والتخليص والهلالية والروض والذخيرة » التوقّف. وفي «الفقيه والنهاية وكتابي الأخبار » وموضع من «المبسوط والكامل» على ما نقل أنّه إن وسع الوقت التمام وجب وإلّا صلّى قصراً ، لكنّه
في «الفقيه» روى خبر إسماعيل بن جابر ثمّ روى خبر محمّد ، ثمّ قال :
يعني إن كان لا يخاف فوت الوقت أتمّ وإن خاف خروج الوقت قصّر ، وتصديق ذلك في كتاب
الحكم بن مسكين «قال أبو عبد الله عليهالسلام في الرجل يقدم من سفره في وقت صلاة فقال : إن كان لا
يخاف خروج الوقت فليتمّ وإن كان يخاف فليقصّر» وهذا موافق لحديث ابن جابر ، انتهى.
فيحتمل أن يكون مراده أنّ الّذي يقدم من سفره متى لم يخف خروج وقت الصلاة يؤخّر
حتّى يدخل وطنه فيتمّ ولا يصلّي في الطريق قصراً ، إلّا أن يخاف خروج وقت فحينئذٍ
يصلّي في الطريق قصراً كما يظهر من قوله : وهذا موافق لحديث إسماعيل بن جابر ، إذ
لو لم يكن مراده ما ذكرنا لم يكن لما ذكره وجه ولم يكن لرواية إسماعيل على رواية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
محمّد مزيّة ، فتأمّل.
وفي «الخلاف » أنّه يتخيّر ، وقد احتمله في «كتابي الأخبار» ووافقه صاحب «المنتقى » واحتمل في «الذخيرة» أنّه إذا خرج بعد دخول وقت
الفضيلة يتمّ وإن كان بعد دخول وقت الإجزاء يقصّر ، ثمّ قال : لكنّي لا أعرف أحداً
ذكر هذا التفصيل .
ومحلّ الخلاف
في المسألة مقصور على ما إذا مضى وقت الصلاة كاملة الشرائط كما هو مفروض عبارات
جماعة ، وبذلك صرّح الشهيدان في «الذكرى والدروس والبيان والمسالك » والمحقّق الثاني . وفي «الروض» هو شرط لازم اتفاقاً. وفي «الذكرى » وإذا لم يسع ذلك تتعيّن بحال الأداء قطعاً. ويعتبر
الوقت من حين دخوله إلى أن يصل المسافر إلى محلّ الخفاء كما نصّ على ذلك جماعة .
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » لو سافر وقد بقي من الوقت أقلّ من ركعة قضاها تماماً
إجماعاً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا والمختار
وجوب التقصير اعتباراً بحال الأداء والحجّة عليه بعد الإجماع المنقول وعمومات
الكتاب والسنّة صحيح إسماعيل بن جابر الّذي قال فيه للصادق عليهالسلام : يدخل عليَّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا اصلّي حتّى
أدخل أهلي؟ قال : صلّ وأتمّ الصلاة. قلت : فدخل عليَّ وقت الصلاة وأنا في أهلي
اريد السفر فلا اصلّي حتّى أخرج؟ فقال : صلّ وقصّر ، فإن لم تفعل فقد خالفت والله
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم . وقريب منه آخر مؤيّداً بما سمعته عن «المعتبر والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام» . مضافاً إلى الأخبار الدالّة على تعيين موضع القصر بأنّك إذا تجاوزت محلّ
سماع الأذان فقصِّر ، مع قطع النظر عن التأكيد من قوله «فصلّ وقصّر» ومن قوله «فإن
لم تفعل» والحلف وأنّ الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هكذا فعل ، مع وضوح الدلالة ، ومن البعيد غاية البُعد
صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من دون مضي مقدار
الصلاة بالشرائط ، إذ الخروج إلى محلّ الترخّص بعد دخول الوقت وهو في المنزل كما
هو نصّ المورد يستلزم مضي وقت الصلاتين غالباً ولا أقلّ من إحداهما قطعاً ، مع
أنّه عليهالسلام لم يستفصل ، على أنّ قوله «فلا اصلّي حتّى أخرج»
كالصريح في تمكّنه من الصلاة قبل الخروج ، مضافاً إلى أنّ تأكيد الحكم بالقسم على
هذا التقدير يلغو عن الفائدة الظاهرة وهي رفع ما يتوهّم من وجوب التمام أو جوازه ،
إذ ليس هو محلّ توهّم لأحد على ذلك التقدير.
وأمّا صحيح
محمّد بن مسلم الّذي هو دليل القول بالتمام حيث إنّه سأل الصادق عليهالسلام عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في
الطريق ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فقال : يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً . فمع ضعفه عن مقاومة ما ذكرناه من وجوه متعددة ، ووجود
حريز في السند وفيه شيء يقال في مقام التعارض وموافقته للعامّة كما نصّ عليه
جماعة من المتأخّرين أنّه قابل للتأويل بأن يكون المراد الإتيان بالركعتين في
السفر قبل الدخول وبالأربع قبل الخروج والوصول إلى محلّ الترخّص ، ولا ريب أنّ هذا
أقرب من حمل خبر إسماعيل على ذلك المحمل البعيد كما اعترف بذلك جماعة . وكأنّ بالإتيان بصيغة المضارع إعانة على هذا المعنى ،
على أنّ محمّداً الراوي لروايتكم روى عن أحدهما عليهماالسلام اخرى بضدّها.
وممّا ذكر يظهر
الجواب عن رواية النبّال والوشّاء ، مضافاً إلى ما دلّ على اعتبار وقت الأداء في العكس
كما ستسمع ، والمصنّف في «المختلف» اعترف بأنّ ما دلّ على اعتبار وقت الأداء في
الثانية يشمل الاولى من دون تفاوت إلّا أنّه استدلّ على الإتمام في الاولى بأدلّة
عشرة وقال : إنّ هذه الأدلّة منعت عن اعتباره في الاولى ونحن نذكر أدلّته العشرة
على التمام ونبيّن ما يتوجّه عليه من النقض والإيراد بحيث يتضح الحال ولا يبقى في
المسألة إشكال ، لأنّ القول بالإتمام أقوى الأقوال بعد المختار.
قال في «المختلف»
: لنا وجوه :
الأوّل : قوله
تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ)
أوجب عليه الصلاة عند
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الدلوك فإمّا أن يكون مخاطباً عند الدلوك بعدد معيّن أو لا ، الثاني باطل ،
والأوّل إمّا أن يكون مخاطباً بأربع أو باثنتين ، والثاني باطل لأنّه حاضر في
البلد فلا يقصّر صلاته فتعيّن الأوّل وهو الأربع ، فلا تسقط بالعذر المتجدّد
كالحيض والموت.
والجواب : أنه
مخاطب بعدد معيّن وهو الأربع ، ولمّا سافر انتقل فرضه ، وقياسه على الحائض والميّت
قياس مع الفارق ، إذ بالحيض والموت وأمثالهما تفوت الصلاة فيجب القضاء لعموم قولهم
عليهمالسلام : «من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته» ولو لا هذا العموم لم يجب القضاء إلّا بنصّ خاصّ ،
لأنّه فرض جديد ، والمسافر لم تفت صلاته بل انتقل فرضه إلى فرض المسافر إلّا أن
يدلّ دليل على عدم الانتقال بل قد ثبت الانتقال من الأدلّة الخاصّة.
الدليل الثاني
: صحيح محمّد ورواية النبّال وخبر الوشّاء.
وجوابه ما مرَّ
من أنّها لا تعارض ما دلّ على كون العبرة بوقت الأداء.
الدليل الثالث
: الاحتياط ، لأنّ القصر غير مبرئ بخلاف التمام لاشتماله على القصر وزيادة.
والجواب : إنّ
كون القصر غير مبرئ للذمّة أوّل الكلام بل ثبت عندنا أنّه المبرئ خاصّة ، وأمّا
كون الإتمام شاملاً له وللزيادة فهو كما ترى ، إذ بعد احتمال كون الذمّة مشغولة
بالقصر كيف ينفع الإتمام ، وما استُندت إليه من العلّة عليل ، إذ القصر هيئة غير
هيئة التمام والهيئة جزء الصلاة قطعاً ، على أنّ هذا الاحتياط يتمشّى في الصورة
الثانية ، فيصير الإتمام فيها من جهة الاحتياط المذكور ، فتكون العبرة فيها أيضاً بوقت
الوجوب مع أنّه صرّح فيها بأنّ العبرة فيها بوقت الأداء ، فتأمّل.
الدليل الرابع
: الاستصحاب.
والجواب : أنّه
دليل ناطق بأنّ الاعتبار بوقت الوجوب في الصورتين ، فإن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
غلب على الأدلّة الدالّة على أنّ العبرة بوقت الأداء تعيّن القول به في
المسألتين وإلّا تعيّن القول باعتبار وقت الأداء فيهما ، وأمّا التفصيل فلا (فلم خ
ل) يدلّ عليه دليل ، على أنّا قد نقول : إنّ الموضوع قد تغيّر لأنّه كان حاضراً
فصار مسافراً وهما غيران.
الدليل الخامس
: إنّ القول بالقصر والقول بالقضاء على الحائض إذا فرّطت في الأداء ممّا لا
يجتمعان والثاني ثابت بالإجماع فينتفي الأوّل. وجه التنافي أنّ العذر المتجدّد
إمّا أن يسقط الفعل بعد إمكانه ومضي وقت فعله أو لا ، وعلى كلّ واحد من التقديرين
يثبت التنافي. أمّا على التقدير الأوّل فلسقوط الفعل عن الحائض حينئذٍ عملاً
بالمقتضى وهو البراءة وكون العذر مسقطاً ، وأمّا التقدير الثاني فلعدم سقوط
الركعتين الزائدتين على صلاة السفر وهو المطلوب.
وجوابه يعلم من
جواب الدليل الأوّل.
الدليل السادس
: لو وجب القصر لوجب قصر القضاء. لو أخلّ بهذه الفريضة والتالي باطل فالمقدّم مثله
، بيان الشرطية أنّ القضاء تابع للأداء ، فإذا كان الأداء قصراً فالقضاء كذلك ،
وأمّا بطلان التالي فلأنّ ابن إدريس المخالف والشيخ معاً سلّما وجوب الإتمام في
القضاء.
والجواب : أنّ
الخلاف في كون القضاء تابعاً لوقت الوجوب أو لوقت الأداء إنّما جاء من جهة اخرى ،
فمن قال بأنّ الاعتبار في القضاء بحال وقت الوجوب استند إلى رواية زرارة عن الباقر
عليهالسلام عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخّر الصلاة حتّى
قدم فنسي حين قدم أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها ، قال : يصلّيها ركعتين صلاة المسافر
، لأنّ الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصلّيها عند ذلك . فمن اعتمد على هذه الرواية فلا نقض عليه ، لأنّ
الأحاديث يخصّص بعضها بعضاً إذا حصل التقاوم ، ومن لم يعتمد عليها أصلاً لعدم
مقاومتها فهو في سعة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وممّن قال
بمضمونها وهو أنّها تقضى بحسب حاله عند دخول أوّل وقتها ابن إدريس ، ونقله عن الشيخ في التهذيب وعن المفيد وابن بابويه في
رسالته والسيّد في مصباحه ثمّ ادّعى عليه الإجماع. قلت : وهو خيرة «المبسوط » حيث قال : يقضي من خرج من وطنه وفاتته في سفره تماماً
ولو صلّاها أداءً كانت قصراً. ومن لم يعتمد على الرواية ولم يعوّل على هذا الإجماع
يقول بأنّ الاعتبار بوقت الأداء وأنّ القضاء تابع له.
وفي «المصابيح » نسبته إلى المشهور. وفي «الذخيرة » مَن قال بالتقصير بالأداء يلزمه ذلك في القضاء. وفي «نهاية
الإحكام» أنّ مَن اختار وجوب الإتمام في الموضعين قضاهما تماماً ، ومَن اعتبر حال
الوجوب أوجب الإتمام في الاولى والقصر في الثانية ومن اعتبر في القضاء حال الفوات
عكس . وممّن اعتبر حال الفوات في القضاء المحقّق وتلميذه الآبي والمولى الأردبيلي . وقد حكاه في «كشف الرموز » عن صاحب البشرى وعن بعض المتقدّمين ، وتوقّف جماعة من متأخّري المتأخّرين.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأجاب في «المعتبر»
عن الرواية باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعاً فتقضى على وقت
إمكان الأداء ، فتأمّل. والإنصاف أنّ هذه الرواية ظاهرة في كون
الاعتبار في الأداء أيضاً بوقت الوجوب بملاحظة العلّة المذكورة لكنّها لا تقوى على
مقاومة أدلّة المختار.
وممّا ذكر ظهر
مذهب آخر وهو كون العبرة بوقت الأداء في الأداء دون القضاء ، وكيف كان فالدليل
السادس مبنيّ على مقدّمة غير مسلّمة ولا مبيّنة ، إذ غاية ذلك أنّه جدل بالنسبة
إلى ابن إدريس ومَن وافقه ، فليتأمّل ، على أنّه يلزمه القول بكون العبرة بوقت
الوجوب في الصورة الثانية فيطالب بوجه التفرقة.
الدليل السابع
: إنّ القول بالقصر مع بقاء الوقت ومضي الوقت المساوي للفعل في الحضر مع القول
بوجوب الصوم مع الخروج بعد الزوال إذا لم يبيّت النيّة ممّا لا يجتمعان. والثاني
ثابت فينتفي الأوّل. ووجّه التنافي بأنّ القصر إنّما هو للسفر وهو المقتضي ومضي
بعض الوقت لا يصلح للمانعية على هذا التقدير وهذا المقتضي ثابت في فعل الصوم.
والجواب : أنّه
قياس مع الفارق لمكان الدليل ، على أنّ معظم هذا اليوم وغالبه كان المكلّف فيه
حاضراً والحاضر يجب عليه الصوم والغلبة مرجّحة ، على أنّه يرد عليه مثل ذلك في
الصورة الثانية ، إذ ربّما كان المكلّف مفطراً فيها مع أنّه يجب عليه إتمام الصلاة
، لأنّ المصنّف ممّن يقول أنّ العبرة فيها بحال الأداء إذا قدم بعد الزوال ولم
يصلّ إلّا في المنزل ومع ذلك يقول بوجوب الإفطار وعدم وجوب صوم ذلك اليوم ،
والجواب الجواب.
وممّا ذكر يعلم
الحال في الدليل الثامن والتاسع ، وهما أنّ الإفطار لازم للقصر وأنّ من صلّى في
السفينة قبل مفارقة المنزل يجب عليه الإتمام ، لأنّ الصلاة على ما افتتحت عليه ،
فوجب الإتمام مطلقاً لعدم القائل بالفرق.
__________________
وكذا لو حضر من
السفر في الأثناء ،
______________________________________________________
والدليل العاشر
: لو وجب القصر لوجب إمّا لثبوت المقتضي للقصر أو لانتفاء المقتضي للتمام ،
والقسمان باطلان. أمّا بطلان الأوّل فلأنّه لو ثبت لزم تقدّم الحكم على العلّة
والتالي باطل فكذا المقدّم ، وأمّا بطلان الثاني فلوجهين ، الأوّل : إنّه لا يلزم
من عدم دليل الثبوت تحقّق الضدّ ، الثاني : إنّ المقتضي للإتمام موجود وهو الحضر
حالة الوجوب فلا يمكن القول بنفيه وإلّا لزم اجتماع النقيضين .
والجواب أنّ
السفر مقتضٍ لخصوص هيئة القصر لا لنفس وجوب الصلاة المتقدّم فهو متقدّم على معلوله
كما أنّ الحضر مقتضٍ لخصوص هيئة التمام في الصورة الثانية عنده أيضاً لا لنفس وجوب
الصلاة المتقدّم.
[حكم مَن حضر من السفر في أثناء الوقت]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وكذا
لو حضر من السفر في أثناء الوقت أتمّ على رأي) هذا خيرة المفيد وعليّ بن الحسين على ما نقل عنهما و «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام والسرائر والشرائع والنافع وكشف الرموز والتحرير والتذكرة ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمنتهى والإرشاد والتبصرة والإيضاح والدروس والبيان والموجز الحاوي وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وتعليق النافع والجعفرية والغرية والميسية وإرشاد الجعفرية والروضة والروض والمسالك والمدارك ورسالة صاحب المعالم والنجيبية والكفاية والمفاتيح والمصابيح والرياض والحدائق » وهو المشهور بين المتأخّرين كما في «الروض والرياض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذخيرة والحدائق » ومذهب الأكثر كما في «الكفاية ». وقال في «السرائر» في مقام الردّ على الشيخ في
النهاية فيما ذهب إليه في المسألة السابقة ما نصّه : وأيضاً يلزم عليه أن يقصّر
الإنسان في منزله إذا دخل من سفره على ما قاله رحمهالله تعالى ، وهذا ممّا لا يذهب إليه أحد ولم يقل به فقيه
ولا مصنّف ذكره في كتابه لا منّا ولا من مخالفينا انتهى فتأمّل.
والتفصيل فيما
نحن فيه بالسعة والضيق خيرة «النهاية » وأحد محتملي «كتابي الأخبار » ونقل عن أبي عليّ والشيخ القول بالتخيير ، وهو الاحتمال
الآخر في «كتابي الأخبار » وقد يلوح من «التنقيح وكشف الالتباس والتلخيص » التوقّف. وحكى في «الذكرى والروض » القول بالتقصير ، وقد تظهر هذه الحكاية من «نهاية
الإحكام والمنتهى » واعترف
__________________
والقضاء تابع ، ولا قصر في غير العدد.
______________________________________________________
جماعة بعدم معرفة قائله ، وقد نسبه في «الذكرى» إلى الصدوق في
الرسالة والمفيد وابن إدريس قال : لأنّهم يعتبرون حال الأداء ، انتهى ، فليتأمّل فيه جيّداً ، وقد سمعت كلام ابن
إدريس.
ويكفي هنا
إدراك قدر الشرائط وركعة كما ذكره الشهيدان والمحقّق الثاني وغيرهم .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والقضاء
تابع) كما في «التذكرة
ونهاية الإحكام والدروس والمسالك » وغيرها وقد تقدّم الكلام فيه في مطاوي المسألة الاولى .
__________________
وهو واجب إلّا في مسجد مكّة والمدينة وجامع الكوفة والحائر ، فإنّ الإتمام
فيها أفضل ،
______________________________________________________
[في مواضع التخيير بين القصر والإتمام]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وهو
واجب إلّا في مسجد مكّة والمدينة وجامع الكوفة والحائر فإنّ الإتمام فيها أفضل) التخيير مع الأفضلية هو المشهور كما في «المختلف وكشف الالتباس ومجمع البرهان ورسالة صاحب المعالم والمصابيح والحدائق » ومذهب الأكثر كما في «التذكرة وتخليص التلخيص والغرية والمدارك والذخيرة » ومذهب الثلاثة وأتباعهم كما في «المعتبر والمنتهى » ومذهب الأصحاب وتفرّدوا به كما في «الكركية والدرّة» وتفرّد الأصحاب كما في «الذكرى والروض » ومذهب الإمامية إلّا الصدوق كما في «الوسائل » ولا خلاف فيه إلّا من الصدوق كما في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الرياض » وعليه الإجماع كما في «الخلاف والسرائر » وفي موضع آخر من «السرائر» أنّه الأظهر بين الطائفة
وعليه عملهم وفتواهم. وفي «فهرست الوسائل » أنّ فيه أربعة وثلاثين حديثاً.
قلت : لا بدّ
من القول بالتخيّر في هذه المواضع ، إذ لا يمكن الإعراض عن تلك الأخبار الكثيرة
المشهورة في المذهب المعمول بها عند الأصحاب المعتضدة بالإجماعات فضلاً عن الشهرات
وإلّا لم يبق اعتماد على خبر أصلاً ، إذ ما من خبرٍ إلّا ويمكن فيه التأويل إلّا
ما شذّ.
وما اختاره
المصنّف في الكتاب من قصر الحكم على المساجد الثلاثة والحائر هو خيرة «السرائر والتذكرة ونهاية الإحكام والمختلف والذكرى والدروس والبيان واللمعة والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية والكركية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفوائد الشرائع والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية وجامع المقاصد والميسية والمسالك والروض والروضة والمقاصد العليّة والنجيبية». وفي «تخليص التلخيص» أنّ الأكثر على
اختصاصه بنفس المساجد.
وفي «الذكرى»
بعد ذلك : أنّ ظاهر الشيخ الإتمام في البلدان الثلاثة وهو الظاهر في الروايات وما
ذكر فيه المسجد فلشرفه لا لتخصيصه ، انتهى. وقد عبّر بالحرمين في مكّة والمدينة في «التلخيص
والإرشاد والتبصرة والمنتقى ». وفي «الروض » أنّ المراد بهما مكّة والمدينة لا مطلق الحرم. وعبّر
بمكّة ومسجد المدينة في «جُمل العلم والعمل » فعمّم في الأوّل وقصّره على المسجد في المدينة. وعن
أبي عليّ التعبير بالمسجد الحرام. وعبّر بمكّة والمدينة في «الخلاف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والنهاية والمبسوط والشرائع والنافع والمعتبر والمنتهى والتحرير ورسالة صاحب المعالم » وهو خيرة «مجمع البرهان والمدارك والدرّة والكفاية والذخيرة والوسائل والحدائق ». وفي «المدارك والكفاية » أنّه مذهب الأكثر. وفي «الذخيرة والحدائق » أنّه المشهور. وفي «الرياض » أنّه أشهر. وهو الظاهر من الشيخ في «كتابي الأخبار » واستظهر بعضهم من كلام الشيخ في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التهذيب أنّه الحرم فيهما وأنكر بعضهم القائل المصرّح بذلك.
واختلف كلام
علمائنا في الكوفة ، وقد سمعت ما في الكتاب وما وافقه من اختصاص الحكم بالمسجد.
وفي «المعتبر والمنتهى » تنزيل الخبر المتضمّن لحرم أمير المؤمنين عليهالسلام على مسجد الكوفة أخذاً بالمتيقّن.
وقد عبّر
بالمسجد في «جُمل العلم والنهاية والمبسوط » في أوّل كلامه فيهما و «الخلاف والسرائر والنافع والشرائع والتلخيص والإرشاد والتبصرة وجامع المقاصد ورسالة صاحب المعالم والكفاية والرياض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمفاتيح » وقد نقلت الشهرة على ذلك في مواضع منها «المختلف » فإنّه نقلها فيه في موضعين ، وفي جملة من الإجماعات
السالفة حكايتها على المساجد الثلاثة. وفي «مجمع البرهان » عموم الإتمام في الكوفة.
وفي «الحدائق » نقل جمعٌ عن الشيخ أنّه قال : إذا ثبت في الحرمين من
غير اختصاص بالمسجد يكون الحكم كذلك في الكوفة لعدم القائل بالفصل. قلت : هذا
الّذي نقلوه عنه صرّح به في «التهذيب » في كتاب الحجّ.
وظاهر «المبسوط
والنهاية » في آخر كلامه الميل إلى تعدية الحكم إلى النجف الأشرف
حيث قال فيهما. وقد رويت رواية اخرى وهو أن يتمّ الصلاة في حرم الله سبحانه وحرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحرم أمير المؤمنين عليهالسلام وفي حرم الحسين عليهالسلام ، قال : فعلى هذه الرواية جاز التمام خارج المسجد
بالكوفة وبالنجف الأشرف ، وعلى الرواية الاخرى لم يجز إلّا في المسجد. وقال مولانا المجلسي بعد نقل كلام المبسوط : كأنّه نظر إلى أن حرم أمير
المؤمنين عليهالسلام ما صار محترماً بسببه واحترام الغري به أكثر من غيره
ولا يخلو من وجه ويومئ إليه بعض الأخبار ، ثمّ قال : والأحوط في غير المسجد القصر.
ونقل جماعة
منهم صاحب «المدارك » عن المحقّق أنّه في كتاب له في السفر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتّى الحائر ، وبعضهم ذكر أنّ الشهيد حكاه عنه في الدروس ، وكلّ ذلك لم يكن
وإنّما حكى في «الذكرى وحواشيه على القواعد » عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أنّه في كتاب له في السفر
حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتّى الحائر المقدّس لورود الحديث بحرم الحسين عليهالسلام ، قال : وقدّر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ ، والكلّ حرم
وإن تفاوتت في الفضيلة ، انتهى. وقد سمعت ما في «الذكرى » من استظهاره من الروايات ما هو ظاهر الشيخ من الإتمام
في البلدان الثلاثة فلا تغفل ، وتأمّل.
ولم يتعرّض
لمسجد الكوفة والحائر الشريف في المنتقى ، ولعلّه لعدم صحّة أخبارهما عنده
فليتأمّل فيه. وفي «مجمع البرهان» لمّا ثبت التخيير في الحرمين لزم ذلك في مسجد
الكوفة وحرم الحسين عليه أفضل التحيّة والسلام أيضاً لعدم القول بالفصل ، انتهى. وقد سمعت ما في «التهذيب » مضافاً إلى ما مرَّ في صدر المسألة . وحكى الشهيد في «حواشيه على الكتاب» عن الشيخ نجيب
الدين عن شيخه ابن نما قال : إنّه سافر مع شيخه جدّنا ابن إدريس لزيارة مولانا
أمير المؤمنين عليهالسلام فلمّا انتهوا إلى الشريعة زالت الشمس ، قال شيخنا :
نصلّي هنا أربع ركعات الظهرين ولا نلوم أنفسنا إذا صرنا إلى الكوفة ولم نصلّ
نوافلها * فإنّا
(كذا بخطّه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نجد بذلك غضاضة ، انتهى.
وعلى تقدير
اختصاص الحكم بالمسجد فهل يختصّ بالمسجد الموجود الآن أو المسجد القديم؟ ففي خبر
المفضّل بن عمر الّذي رواه العيّاشي في تفسيره قال : كنت مع أبي عبد الله عليهالسلام أيّام قدومه على أبي العبّاس ، فلمّا انتهينا إلى باب
الكناسة نظر عن يساره ثمّ قال لي : يا مفضّل هاهنا صلب عمّي زيد رحمهالله تعالى ، ثمّ مضى حتّى أتى طاق الرواسي وهو آخر السراجين
فنزل وقال لي : انزل فإنّ هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأوّل الّذي خطّه آدم وأنا
أكره أن أدخله راكباً. فقلت له : فمن غيّره عن خطّته؟ فقال : أمّا أوّل ذلك
فالطوفان في زمن نوح ، ثمّ غيّره بعد أصحاب كسرى والنعمان بن منذر ثمّ غيّره زياد
بن أبي سفيان. فقلت : جعلت فداك وكانت الكوفة في زمن نوح؟ فقال : نعم يا مفضّل ..
الحديث .
وروي في «الكافي»
عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه كان يقوم على باب المسجد ثمّ يرمي بسهمة فيقع في
موضع التمارين فيقول : ذلك من المسجد ، وكان يقول : قد نقص من أساس المسجد مثل ما
نقص في تربيعه .
وروى في «البحار»
عن كتاب المزار الكبير حديثاً عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال في آخره : «ولقد نقص منه اثنا عشر ألف ذراع» وروى في آخر أنّه نقص من ذرعه من الاسّ الأوّل اثنا عشر
ألف ذراع وأنّ البركة منه على اثني عشر ميلاً من أيّ الجوانب جئته .
وفي «الكافي»
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : إنّ القائم جعلنا الله فداه إذا قام ردّ البيت إلى
أساسه ومسجد الكوفة إلى أساسه ، وقال أبو بصير : موضع التمارين .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويؤيّد اختصاص الحكم بالمسجد الموجود الآن جعل البيوت في زمانه عليهالسلام بجنب المسجد الآن والأسواق ونحوها ، فإنّها كلّها واقعة
في تلك الحدود المستلزمة ألبتة لوقوع البول والنكاح والتغوّط وإزالة النجاسات ونحو
ذلك ممّا يجب اجتنابه في المساجد.
وأمّا الحائر
المقدّس على مشرّفه أفضل التحية والسلام فالمشهور بين أصحابنا اختصاص الحكم بالحائر ، وهو المذكور في عبارات الأصحاب
جميعها ، وقد سمعت ما نقل عن الشيخ نجيب الدين ابن سعيد ، وصاحب «البحار» بعد أن
نقل ذلك عنه نفى عنه البعد ، ثمّ نقل شطراً من الأخبار الواردة في تقدير حرمه عليهالسلام ثمّ قال : الأحوط إيقاع الصلاة في الحائر وإذا أوقعها
في غيره فالمختار القصر .
وأمّا تحديد الحائر
الشريف ففي «السرائر» أنّه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد
عليه ، لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة ، لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمأن
الّذي يحار فيه الماء ، قد ذكر ذلك المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين عليهالسلام لمّا ذكر مَن قُتل معه من أهله فقال : الحائر محيط بهم
إلّا العبّاس رحمهالله تعالى : فإنّه قتل على المسناة فتحقّق ما قلناه
والاحتياط يقتضي ما بيّنّاه ، لأنّه مُجمع عليه وما عداه غير مجمع عليه ، انتهى ما في السرائر. وما نقله عن المفيد في إرشاده فهو كما نقل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وذكر الشهيد والمصنّف في «المنتهى » والمحقّق الثاني وتلميذه بعد نقل كلام السرائر أنّ في هذا الموضع حار الماء لمّا
أمر المتوكل لعنه الله تعالى بإطلاقه على قبر الحسين ليعفيه. وقال في «المنتهى».
الحائر ما دار عليه حائط المشهد الشريف . وفي «نهاية الإحكام» ما دار عليه سور المشهد ، وفي «التذكرة وفوائد الشرائع وكشف الالتباس وتعليق النافع والغرية» أنّه ما دار سور المشهد والمسجد
عليه دون ما دار عليه سور البلد ، فذكروا عين ما في السرائر. وفي «الدروس والموجز الحاوي والكركية والميسية والمسالك والروضة والروض » أنّه ما دار عليه سور الحضرة الشريفة. وفي «مجمع
البرهان» ليس بمعلوم إطلاق حرم الحسين عليهالسلام على غير الحائر وهو ما دار عليه سور المشهد والحضرة . وفي «الدرّة» ما دار عليه السور ، ولعلّ مراده سور
الحضرة الشريفة. وفي «جُمل العلم» عبّر بالمشهد كما ستسمع.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «البحار»
بعد ما نقل ما في السرائر أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ الحائر مجموع الصحن المقدّس
وبعضهم إلى أنّه القبّة السامية وبعضهم إلى أنّه الروضة المقدّسة وما أحاط بها من
العمارات القديمة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها ، ثمّ قال : والأظهر عندي
أنّه مجموع الصحن القديم لا ما تجدّد في الدولة الصفوية. والّذي ظهر لي من القرائن
وسمعته من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنّه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة ولا من
اليمين ولا من الشمال بل إنّما زيد من خلاف جهة القبلة ، وكلّما انخفض من الصحن
وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم وما ارتفع منه فهو خارج عنه ، ولعلّهم
إنّما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد ، والتعليل المنقول عن ابن إدريس رحمهالله تعالى ينطبق على هذا ، وفي شموله حجرات الصحن من الجهات
الثلاث إشكال ، انتهى ما في البحار.
وفي «الحدائق»
أنّه أخبره من يثق به من علماء ذلك البلدان هذا المسجد الجامع الموجود الآن في ظهر
القبّة السامية لم يكن قبل وإنّما حدث فيما يقرب من مائتي سنة ، ولمّا أحدثوه
أخرجوا جدار الصحن من تلك الجهة لتتّسع مثل باقي جهاته ، ثمّ قال : إنّ ما اختاره
شيخنا المجلسي من تحديد الحائر الشريف وأنّه عبارة عن الصحن لا خصوص القبّة
السامية أو ما هي وما اتصل بها من العمارات يدلّ عليه بعض أخبار الزيارات كما في
رواية صفوان الطويلة ونحوها من الأخبار الدالّة على سعة ما بين دخول
الحائر والوصول إلى القبر الشريف بحيث يزيد على الروضة والعمارات المتصلة بها .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا وخالف
الصدوق في «الفقيه والخصال » في أصل المسألة فذهب إلى المساواة بين هذه الأماكن
وبين غيرها من البلدان إلّا أنّه قال : إنّ الأفضل له نيّة المُقام والصلاة تماماً
، ونقل ذلك في «التخليص» عن ابن البرّاج ولم ينقله عنه غيره. وقوّاه الاستاذ قدسسره في «المصابيح وحاشية المدارك ». وفي خبر عليّ بن مهزيار نسبة القصر إلى فقهاء أصحابنا. وفي «كامل الزيارات»
لابن قولويه عن أبيه عن سعد أنّه سأل أيّوب بن نوح عن تقصير الصلاة في المواضع
الأربعة ، فقال : أنا اقصّر وكان صفوان يقصّر وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصّرون
وهذا إن سلّم أنّه لا ينافي التخيير فإنّه ينافي الأفضلية.
وقال علم الهدى
في «جُمل العلم والعمل» : لا يقصّر في مكّة ومسجد النبيّ صلىاللهعليهوآله ومسجد الكوفة ومشاهد الأئمّة القائمين مقامه عليهمالسلام . وقال في «المختلف» : هذه العبارة تعطي منع التقصير ،
وكذا عبارة ابن الجنيد فإنّه قال : والمسجد الحرام لا تقصير فيه على أحد ، لأنّ
الله تعالى جعله سواء العاكف فيه والبادي .
فقد تحصّل أنّ
القصر أحوط والإتمام أفضل ، وهذا هو الّذي كان يعتمده الاستاذ الشريف وإن أراد الجمع بين الاحتياط والأفضلية فليصلّ تماماً
أوّلاً ويصلّ بعد ذلك قصراً.
__________________
فإن فاتت احتمل
وجوب قصر القضاء مطلقاً ، وفي غيرها ، والتخيير مطلقاً ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (فإن
فاتت احتمل وجوب قصر القضاء مطلقاً ، وفي غيرها ، والتخيير مطلقاً) يريد أنّه إذا فاتته الصلاة في هذه المواضع فهناك
احتمالات في قضائها : الأوّل : إنّه يجب قصر القضاء مطلقاً أي سواء صلّاها فيها أو
في غيرها. الثاني : وجوب القصر إن صلّاها في غيرها والتخيير إن صلّاها فيها.
الثالث : التخيير مطلقاً أي سواء صلّاها في الأربعة أو في غيرها. وهذه الاحتمالات
الثلاثة ذكرها في «التذكرة ». وفي «نهاية الإحكام » اقتصر على الأوّلين ، الاحتمال الثاني خيرة «الإيضاح والموجز الحاوي وكشف الالتباس » والثالث خيرة «البيان ومجمع البرهان والذخيرة والبحار ». وفي «جامع المقاصد » أنّه ليس بالبعيد.
قال في «البيان
» سواء فاتت عمداً أو سهواً وسواء كان صلّاها تماماً فيها ثمّ تبيّن الخلل
أم لا.
__________________
ولو بقي للغروب مقدار أربع احتمل تحتّم القصر فيهما وفي الظهر ويضعّف قضاؤه.
______________________________________________________
وفي «مجمع
البرهان » أنّه لا يتخيّر في القضاء فيها إذا فاتت في غيرها.
وفي «البيان»
إذا نذر التمام لزم ولو نذر القصر احتمل لزومه ليخرج من الخلاف .
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
بقي للغروب مقدار أربع احتمل تحتّم القصر فيهما وفي الظهر ويضعّف قضاؤه) احتمل ثلاث احتمالات : الأوّل : وهو تحتّم القصر في
الظهر والعصر فهو خيرة «الإيضاح والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد والذخيرة والمدارك » وأمّا الاحتمال الثاني وهو أنّه يتحتّم التقصير في
الظهر والتخيير في العصر ففي «جامع المقاصد » أنّه الأقوى بعد الاحتمال الأوّل ، وأمّا الاحتمال
الثالث وهو أن يتمّ العصر في الوقت فتفوته الظهر فيقضيها بعد ذلك فقد ضعّفه
المصنّف وولده في «الإيضاح » والمحقّق الثاني .
__________________
ولو شكّ بين
الاثنتين والأربع لم يجب الاحتياط
______________________________________________________
[في الشكّ في الركعات في مواضع التخيير]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
شكّ بين الاثنتين والأربع لم يجب الاحتياط) لأنّه يبني على الأربع ويسلّم ، فإن كان البناء صحيحاً
فليس عليه شيء ، وإن لم يصحّ بل كانت اثنتين فليس عليه شيء ، غاية ما في الباب
تكون قصراً وهو مخيّر بين القصر والإتمام. وهذا بناءً على عدم اشتراط التعيين في
النيّة في هذه المواضع ، وقد تقدّم نقل كلام علمائنا في ذلك في بحث النيّة ، وقد خالفه الشهيد في «البيان» فقال : يتبع ما نواه
فتبطل بالشكّ في المنوية قصراً ويحتاط في الاخرى ، وكذلك لو شكّ بين الاثنتين
والثلاث وكذلك باقي الأقسام ، انتهى. وفي «حواشيه على الكتاب» قال : الأولى اعتبار
النيّة ولزوم الاحتياط . وقد وافق المصنّف في عدم وجوب الاحتياط أبو العبّاس والصيمري . ووافقه على عدم وجوب نيّة الإتمام والقصر وأنّه لا
يتعيّن أحدهما بالنيّة جماعة منهم المحقّق ، واستظهره صاحب «مجمع البرهان » أوّلاً ثمّ قال : الأحوط التعيين والبقاء ، ثمّ قال في
فرع آخر : لو نوى القصر ثمّ تمّمها نسياناً أو عمداً مع النقل تصحّ الصلاة
وبالعكس. وقد اضطرب كلام الشهيد في «البيان » في هذه الفروع ، فتارةً حكم بالتعيين ، وتارةً
بالتخيير ، وتارة استشكل ، وقد استوفينا
__________________
بخلاف ما لو شكّ بين الاثنتين والثلاث.
ويستحبّ جبر
كلّ مقصورة بقول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» ثلاثين
مرّة عقيبها.
______________________________________________________
الكلام في ذلك
في بحث النيّة بما لا مزيد عليه فلا بدّ من مراجعته.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (بخلاف
ما لو شكّ بين الاثنتين والثلاث) فإنّه يحتاط وجوباً كما في «جامع المقاصد ». وفي «الموجز الحاوي وكشف الالتباس » أنّه لو شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع يحتاط بركعة
خاصّة لاحتمال كونها ثلاث فيحتاط بركعة وتصحّ في الاثنتين والأربع من دون احتياط.
فروع الأوّل : قد استظهر كلّ من تأخّر عن الشهيد عدم جواز الصوم ،
صرّح بذلك كلّ مَن تعرّض له ، وقال بعضهم : لا فرق بين أن يكون جالساً في هذه الأمكنة في جميع
أوقات الصوم وعدمه.
الثاني
: صرّح بعضهم باستحباب نيّة الإقامة فيها ليتمّ.
الثالث
: صرّح الشهيد وأبو العبّاس والصيمري والأردبيلي
__________________
ولو ائتمّ
مسافر بحاضر لم يتمّ معه.
ولو سافر بعد
الزوال قبل التنفّل استحبّ قضاؤه ولو سفراً.
(المطلب الثاني)
الشرائط :
وهي خمسة :
الأوّل
: قصد المسافة ،
وهي ثمانية فراسخ ، كلّ فرسخ اثنا عشر ألف ذراع ، كلّ ذراع أربعة وعشرون إصبعاً.
فلو قصد الأقلّ
لم يجز القصر ،
______________________________________________________
والمجلسي والكاشاني باستحباب فعل النافلة الساقطة فيها ، قال في «الذكرى » ونقله محمّد بن نما عن شيخه ابن إدريس ، قلت : قد سمعت
ما ذكره في «حواشيه على الكتاب » وقال في «الذكرى» : ولا فرق في الجواز بين اختيار
القصر والإتمام .
الرابع
: نقل في «المنتهى»
عن والده أنّه منع من استحباب التمام لمن عليه صلاة ، وضعّفه المقدّس الأردبيلي وصاحب «المدارك والذخيرة ».
[في اشتراط قصد
المسافة]
(المطلب الثاني) في (الشرائط
وهي خمسة الأوّل قصد المسافة وهي ثمانية فراسخ إلى آخره). نبدأ أوّلاً في بيان مبدأ المسافة ومنتهاها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالنسبة إلى ذي البلد وغيره والقاطن الساكن فيه وغيره كالغريب النائي
الناوي عشراً. ففي «الذكرى والبيان وحواشي الكتاب والمهذّب البارع وغاية المرام والجعفرية وإرشادها والغرية والروض والروضة والمقاصد العلية والجواهر المضيئة» بعد ذكر المسافة وتقديرها أنّ مبدأ
التقدير من آخر خِطّة البلد المعتدل وآخر محلّته في المتسع ، وصرّح جماعة منهم بأنّ المرجع في ذلك إلى العرف ، ونسب ذلك في «الذخيرة
» إلى غير واحد من الأصحاب ، وقال فيها وفي «الكفاية» لا يبعد أن يكون مبدأ
التقدير مبدأ سيره بقصد السفر . وفي «مجمع البرهان» مبدأ التقدير من آخر خِطّة البلد
ويحتمل المحلّة إذا كان البلد كبيراً وإلّا فآخره أو محلّ الترخّص ، انتهى فليتأمّل في آخر كلامه.
وفي «الرياض»
ذكر جماعة أنّ مبدأ التقدير من آخر خِطّة البلد في المعتدل وآخر محلّته في المتسع
ولا ريب في الأوّل ، لكونه المتبادر من إطلاق النصّ والفتوى ، ولعلّ الوجه في
الثاني عدم تبادره من الإطلاق فيرجع إلى المتبادر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
منه . قلت : ما ظنّه الوجه هو الوجه كما يرجع في إطلاق الوجه
مثلاً في غير مستوي الخلقة إلى مستويها لكونه المتبادر دونه ، وله نظائر أيضاً في
الشريعة ، لكن ينبغي تقييد المحلّة بما إذا وافقت آخر البلد المعتدل تقديراً ،
وهذا يستفاد من مطاوي كلامهم. ويشهد لذلك كلّه ما أطبق عليه المتأخّرون من قولهم :
إنّ الاعتبار في خفاء الأذان وتواري الجدران بآخر البلد إن كان غير مفرط الاتساع ،
فإن أفرط في ذلك كالكوفة فالاعتبار بآخر محلّته وجدرانها.
وظاهر «مجمع
البرهان والذخيرة والكفاية والرياض» أنّ ذلك إجماع من الكلّ حيث قالوا ما نصّه :
قالوا المراد جدران آخر البلد الصغير أو القرية وإلّا فالمحلّة ، والحقّ أنّ المصرّح بذلك أوّلاً إنّما هو الشهيد وتبعه من تأخّر عنه. نعم في «التذكرة ونهاية الإحكام» في بحث خفاء الجدران لو جمع سور قرى
متفاصلة لم يشترط في المسافر من إحداها مجاوزة ذلك السور بل خفاء جدران قريته . وفيهما أيضاً وفي «المنتهى» أن القرايا المتصلة بالبنيان في حكم
القرية الواحدة فلا يقصّر حتّى يتجاوز بناء الاخرى . وفي «المنتهى » أيضاً و «التحرير » أنّ المحالّ المتعدّدة كالقرايا المتعدّدة إن اتصلت
فكالواحدة وإلّا فكالمتعددة. والجمع إن كان هناك تنافٍ ممكن فليتأمّل ، وقد صرّح
بهذه الفروع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جماعة ممّن صرّح بأنّ مبدأ المسافة آخر البلد في المعتدل وآخر
محلّته في المتسع.
واحتمل في «مجمع
البرهان والذخيرة» كون الاعتبار في المتسع جدّاً في الخفاء
ببيته أو نهاية البلد وفي الأوّل : أنّ ظاهر الدليل خفاء جميع بيوت البلد
وأذانه ويحتمل جدران البيت والمحلّة ، والتفصيل هو المشهور ، والاحتياط اعتبار
خفاء الكلّ إلّا مع البعد المفرط عن محلّته فتعتبر المحلّة انتهى.
هذا وفي «التذكرة
ونهاية الإحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس » عند تقدير المسافة أنّها تعتبر من حدّ الجدران دون
البساتين والمزارع ، وزاد في الأوّل : ودون غيبوبة الجدران وخفاء الأذان وإن شرطا
في جواز القصر ، انتهى. وهذا من هؤلاء غير صريح في المخالفة ، إذ لعلّ
الغرض بيان عدم اعتبار البساتين والمزارع ولم يتعرّضوا للتفصيل المذكور لندرة ذلك
الاتساع المفرط فجروا على الغالب ، ولا يخفى ما ذكرناه عن «مجمع البرهان» آنفاً
لما صرّح به في «التذكرة» من عدم اعتبار محلّ الترخصّ في مبدأ المسافة وأنّه شرط
في جواز القصر. هذا حال الساكن في البلد أو القرية.
وأمّا الساكن
لا في بلد ولا في بنيان فقال المحقّق الثاني : مبدأ المسافة من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
منتهى عمارة البلد إن لم يكن كبيراً وإلّا فمن منتهى المحلّة أي الحارة
الّتي هو فيها ومنتهاها المقصد ، فلو كان في موضع وحده كساكن البرّ أو موضع لم يكن
في البلد أو لا عمارة له أصلاً فهو بمنزلة ما إذا كان منزله في نهاية عمارة البلد
، وكذا لو كان مطلبه في موضع لم يكن فيه بلد فإنّ منتهاها منتهى مقصده ، هذا
بالنسبة إلى من يخرج من بلده. أمّا بالنسبة إلى الغريب المقيم الّذي يخرج من بلد
إلى آخر فكذلك مبدأ المسافة ومنتهاها ظاهراً ، انتهى. والعبارة غير نقية عن الغلط
والمقصود واضح.
وذكر في «التذكرة
ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها » وغيرها في مبحث الخفاء والتواري أنّ من سكن وادياً اشترط خفاء
الأذان ، وزيد في بعضها تواري الجدران ، وهذا لا ينافي ما نقلناه عن المحقّق
الثاني لأنّ لكلّ حكماً ومقاماً. وسيأتي في الامور الّتي سننبه عليها عن قريب أنّ
خفاء الأذان وتواري الجدران يصدق بهما السفر والضرب عرفاً وأنّ الشرع كاشف وأنّه
ظاهر جماعة ، وعلى هذا فمن نوى الإقامة في بلد متسع جدّاً فلا بدّ
له من اعتبار المحلّة المساوية للبلد المعتدل في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الابتداء والخروج ، وأمّا اختلافهم في خروجه وتردّده الموجب لقطع نيّة
إقامته فقد بنوه على أنّ الخفاء والتواري حكم شرعي لا مدخلية له في العرف أو
أنّهما كاشفان عن العرف كما سنستوفي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى ونبيّن أنّ
المستفاد من كلام المحقّق والعلّامة وغيرهما هو الثاني ولنشر إلى ذلك إشارة
إجمالية فنقول : إنّ في المسألة ثلاثة أقوال :
أحدها : وهو
الّذي صرّح به الشهيدان في «البيان ونتائج الأفكار » والظاهر أنّه المشهور جواز التردّد في حدود البلد
وأطرافها ما لم يصل إلى محلّ الترخّص. قلت : المراد البلد المعتدل وإلّا فهما ممّن
صرّح باعتبار المحلّة في المتّسع.
الثاني :
الرجوع في ذلك إلى العرف ، وهو خيرة المولى الأردبيلي وصاحب «المدارك » والمجلسي .
والثالث :
البقاء على التمام ما لم يقصد المسافة وإن تردّد حيث شاء كما وجدته منقولاً عن فخر
المحقّقين في «حاشية البيان ونتائج الأفكار» وأمّا ما يعزى إلى المولى الفتوني من أنّ مَن أقام في بلد أو قرية فلا
يجوز له الخروج من سورها المحيط بها أو عن حدود بنيانها ودورها فساقط عن درجة
الاعتبار ، وتمام الكلام في محلّه.
وأمّا تحديد
المسافة ففي «الانتصار» ممّا انفردت به الإمامية تحديد السفر الّذي يجب فيه
التقصير في الصلاة ببريدين والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أميال ، فكان المسافة أربعة وعشرين ميلاً ، ثمّ صرّح بعد ذلك بالإجماع . وفي «الخلاف» الإجماع على أنّ حدّ السفر الّذي يكون
فيه التقصير مرحلة وهي ثمانية فراسخ . وفي «السرائر» حدّ السفر الّذي يجب معه التقصير بريدان
والبريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع ، ثمّ قال : لا
خلاف عندهم في حدّ المسافة الّتي يجب القصر على من قصدها وقد أجمعوا على تقصير
صلاة القاصد لها . وفي «المعتبر والمدارك والذخيرة والرياض » وظاهر «المنتهى والتذكرة وكشف الالتباس ومجمع البرهان والدرّة والكفاية » الإجماع على أنّه إنّما يجب التقصير في مسيرة يوم
بريدين أربعة وعشرين ميلاً.
وفي «المدارك»
اتفق العلماء كافّة على أنّ الفرسخ ثلاثة أميال . وفي «المعتبر والتذكرة والغرية والنجيبية والمفاتيح والكفاية » الإجماع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عليه. وفي «المنتهى» لا خلاف فيه وفي «التنقيح وإرشاد الجعفرية » حدّه أهل اللغة والشرع. وفي «الروض» أنّ ابن طاووس
صنّف كتاباً مفرداً على تقدير الفراسخ وحاصله لا يوافق المشهور .
وأمّا الميل فقد
قطع الأصحاب بأنّ قدره أربعة آلاف ذراع كما في «المدارك والكفاية ». وقال في «المفاتيح » قالوه ، وفي «التنقيح وإرشاد الجعفرية» أنّ عليه العرف . وفي «الشرائع والنافع والمنتهى والمهذّب البارع والمقاصد العلية والجواهر المضيئة» أنه المشهور. وفي «الإشارة» أنّ
الميل ثلاثة آلاف ذراع .
وربّما فهم من «الشرائع
والنافع» ونحوهما التردّد في كونه أربعة آلاف ذراع حيث نسب إلى الشهرة. وقال في «الرياض»
: المراد بالشهرة هنا الشهرة العرفية والعادية لا الشهرة في الفتوى حتّى يفهم من ذلك
التردّد في المسألة ، وحينئذٍ فتقديمه على اللغة ذكراً يقتضي ترجيحه عليها كما
صرّح به في التنقيح ، قال :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمصنّف ذكر التقديرين معاً وقدّم العرفي على اللغوي لتقدّمه عليه عند
التعارض كما تقرّر في الاصول ، ثمّ إنّه في «الرياض» نقل عن بعض مشايخه أنّه إنّما
نسب إلى الشهرة تنبيهاً على مأخذ الحكم بناءً على أنّ الرجوع إليها في موضوعات
الأحكام وألفاظها من المسلّمات ، ثمّ قال : وحيث انتفى الخلاف في هذا التقدير وجب
الرجوع إليه وإن ورد في النصوص ما يخالفه لضعف سندهما ومهجوريتهما ، انتهى كلامه دام ظلّه.
وفي «الحدائق»
أنّ المشهور في كلامهم أنّ الميل أربعة آلاف ذراع من غير خلاف يعرف ، قالوا : وفي
كلام أهل اللغة دلالة عليه ، انتهى.
وفي «المصباح
المنير» لأحمد بن محمّد الفيومي الميل بالكسر في كلام العرب مقدار مدّ البصر من
الأرض ، قاله الأزهري ، والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع وعند
المحدّثين أربعة آلاف ذراع ، والخلاف لفظي فإنّهم اتفقوا على أنّ مقداره ستّ
وتسعون ألف إصبع والإصبع سبع شعيرات بطن كلّ واحدة إلى ظهر الاخرى ، ولكن القدماء
يقولون الذراع اثنتان وثلاثون إصبعاً والمحدّثون يقولون أربع وعشرون إصبعاً ، فإذا
قسّم الميل على رأي القدماء كلّ ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصّل ثلاثة آلاف ذراع
وإن قسّم على رأي المحدثين أربعاً وعشرين كان المتحصّل أربعة آلاف ذراع والفرسخ
عند الكلّ ثلاثة أميال ، انتهى.
قال بعض
الأعلام : ومن هذا الكلام يمكن أن يستنبط وجه جمع بين التقدير
المشهور بالأربعة آلاف وما رواه الكليني من ثلاثة آلاف وخمسمائة بأن يكون
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الاختلاف مبنيّاً على اختلاف الأذرع ، قال : ويكون السهو قد تطرّق إلى
رواية الفقيه.
هذا وفي «المنتهى
وغاية المرام وفوائد الشرائع والمقاصد العلية والرياض » أنّ المشهور أنّ الذراع أربعة وعشرون إصبعاً. قلت :
وبه صرّح جماعة كثيرون. وفي «التنقيح » أنّ عليه العرف وهو مقدّم على اللغة. والمشهور أيضاً
كما في الأخيرين تقدير الإصبع بسبع شعيرات متلاصقات بالسطح الأكبر ،
وقيل : بوضع كلّ واحدة على بطن الاخرى ، وقيل : متلاصقات عرضاً ، وقيل : بستّ . ولعلّ الاختلاف بسبب اختلافها.
وقدّر جماعة
الميل أيضاً بمدّ البصر من الأرض ، وفي «المعتبر والتذكرة والذكرى والمقتصر والغرية» نسبته إلى أهل اللغة . ونحوه ما في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«المهذّب البارع والجواهر» من أنّه وضعي . وضبط مدّ البصر في «المهذّب وفوائد الشرائع وتعليق النافع والغرية والمسالك وغاية المرام والميسية والمدارك وغيرها بأنّه ما يتميّز به الفارس من الراجل في الأرض المستوية
للمبصر المتوسط.
وينبغي التنبيه
لُامور :
الأوّل
: هل يشترط في
الفراسخ الثمانية أن تكون ذهابية في غير الأربعة الملفّقة على القول بأنّها ثمانية
أم لا؟ فيقصّر في رجوعه فيما إذا ذهب فرسخين مثلاً ورجع ثمانية ، وهل يشترط أن
تكون امتدادية أم لا؟ فلو تجاوز محلّ الترخّص ناوياً أن يسافر مستديراً حول بلده
لحاجة عرضت له بحيث لا يصل في استدارته إلى محلّ الترخّص قصّر.
قلت : أمّا
الحكم الأوّل فليس له عنوان في كلام الأصحاب لكنّهم صرّحوا به في مواضع منها مسألة
البلد ذي الطريقين فإنّهم قالوا لو رجع قاصد الأقرب بالأبعد قصّر في رجوعه لا غير
، صرّح بذلك في «نهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتذكرة والذكرى والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية والمدارك والذخيرة والحدائق » ومنها مسألة الهائم وطالب الآبق ومستقبل المسافر
والعبد مع السيّد والزوجة مع الزوج والولد مع الوالد فإنّهم قالوا : كلّ هؤلاء يقصّرون في العود إذا بلغ السفر
مسافة. وفي «المعتبر والتذكرة» أنّه فتوى العلماء . وفي «المنتهى» عليه عامّة أهل العلم ، ونقل جماعة الإجماع عليه ، وآخرون نفوا الخلاف فيه ، فالحكم ممّا لا ريب فيه.
وفي «مصابيح
الظلام » للُاستاذ قدّس الله سبحانه سرّه عبارة توهم خلاف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك ، قال : أمّا السفر فلا شكّ أنّه لغةً وعرفاً أن يطوي المسافر بعنوان
امتداد ذهابي يذهب ويغيب عن الوطن ، فلا بدّ من قيدين ، أحدهما : الإبعاد عن الوطن
، فلو كان المسافر يمشي ويدور في البلد أو يدور حوله لا يكون مسافراً. والثاني :
أن يكون الامتداد الذهابي بعنوان طي مسافة معتدّ بها ، فلو كان يبعد عن الوطن
قليلاً ويرجع لا يسمّى مسافراً ، انتهى. ولكنّه قال في موضع آخر منه بعد خمس ورقات
: إنّه لو نقص من المسافة شيء قليل لا تتحقّق مسافة القصر إلّا أن يكون الإياب
فقط قدر ثمانية أو ما زاد فيكون الإياب فقط سفر القصر ، فكلامه الأوّل ليس على ما
يتوهّم منه قطعاً. وأمّا الحكم الثاني فظاهر كلامه السابق قدسسره في الكتاب المذكور اعتبار الامتداد.
وفي «كشف
الالتباس » أنّ الشرط كون المقصود ثمانية فراسخ سواء كان الطريق
مستقيماً أو مستديراً ، لأنّ الاستقامة والاستدارة لا مدخل لهما في تحديد المسافة
لإطلاق الفتاوى والروايات التحديد بالذرع أو مسير اليوم من دون ذكر استقامة
واستدارة ، فلو اعتبر أحدهما لوجب ذكره وإلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ،
ثمّ إنّه بنى على ذلك وجوب التقصير في زيارة مساجد البحرين ، ثمّ استنهض على ذلك
قول المصنّف في «النهاية والتذكرة» لو أراد السفر إلى بلد ثمّ إلى
آخر بعده قصّر إن بلغ المجموع مسافة.
قلت : قد صرّح
بذلك الشهيد الثاني في «نتائج الأفكار » وظاهره أنّه لا كلام فيه. وفي كلام الأصحاب ما هو أصرح
ممّا استنهضه مولانا الصيمري. وذلك أنّ الشيخ في «المبسوط » وجميع من تأخّر ممّن تعرّض لمسألة البلد ذي الطريقين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قالوا : لو سلك الأبعد قصّر وإن كان ميلاً للرخصة ونقل جماعة عليه الإجماع ونسبوا المخالفة إلى القاضي حيث قال : إنّه لا يقصّر لأنّه كاللاهي ، ونسبوه إلى
الشذوذ. ومن المعلوم أنّ ذلك لا يخلو عن الاستدارة ولا سيّما إذا كان الأقلّ نصف
فرسخ والآخر مسافة فإنّه يكون هناك استدارة فاحشة ، على أنّه لا قائل بالفصل بين
أفراد الاستدارة ، وأطلق جماعة وصرّح آخرون كما يأتي في مسألة من نوى الإقامة في
بلد ثمّ خرج إلى مقصد في جهة بلده دون المسافة وفوق محلّ الترخّص ناوياً الرجوع
إلى محلّ إقامته غير ناوٍ إقامة العشر أنّه يقصّر في عوده ومحلّ إقامته إلى أن يصل
إلى بلده.
ولم يخالف في
ذلك إلّا الشهيد الثاني مع أنّ هذه المسافة متعاكسة فضلاً عن أن تكون مستديرة ،
ولا فرق في ذلك بين بلد الإقامة والبلد ، ولا أظنّ أحداً من الأصحاب حتّى القاضي
يوجب التمام على مَن أراد الخروج إلى بلد دون مسافة على طريق مستدير مع الخفاء
والتواري لعدوّ أو ماء كثير بحيث يبلغ مسافة أو أزيد ، وفي قوله عليهالسلام في صحيح ابن يقطين «وإن كان يدور في عمله» ما قد يستشهد به على ما نحن فيه ، فليتأمّل.
وأقصى ما
يتخيّل لاحتمال اشتراط الامتداد أنّ المستدير فوق محلّ الترخّص لا يصدق عليه أنّه
مسافر وضارب في الأرض ، وفيه أنّه خلاف كلامهم. قال في «المعتبر» السفر شرط القصر
فلا يتحقّق في بلده ولا مع حيطان بلده ، فلا بدّ من تباعد يصدق على بالغه السفر
وليس هو إلّا خفاء الأذان والتواري . وفي «المنتهى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتذكرة ونهاية الإحكام وكشف الالتباس والدرّة» أنّ النأي والتباعد الّذي يصدق معه اسم الضرب
والسفر لا حدّ له إلّا خفاء الأذان وتواري الجدران. وفي «إرشاد الجعفرية» الضرب
المبيح للقصر محفوف بأمرين التواري والخفاء .
وفي «مجمع
البرهان» يصدق الضرب في الأرض والسفر والخروج من بيته بخفاء أحدهما فيدخل تحت
أدلّة القصر . وفي «مصابيح الظلام » القصر لا يجب إلّا على المسافر وهو في مقابلة الحاضر ،
والمعتبر حضور بيته ومنزله على ما نبّه عليه قوله عليهالسلام «الأعراب يتمّون لأنّ بيوتهم معهم» والتواري هو الغيبة والغائب في مقابلة الحاضر ولذا
اعتبر الشارع ذلك ، انتهى. وقد صرّحوا أنّ الّذي أهله معه وسفينته منزله لا يقصّر لأنّه لم
يفارق أهله ووطنه. وقالوا : إنّ الهائم وطالب الآبق إذا تجدّد له قصد المسافة لا
يشترط في تقصيره الخفاء والتواري.
فقد ظهر من
كلام هؤلاء وكذا من كلام الشهيدين وغيرهما ممّن منع على المقيم عشراً أن يتجاوز محلّ الترخّص أنّ
خفاء الأذان وتواري الجدران حكمان شرعيان كاشفان عن العرف ، لكن الاستاذ قدسسره قال في «مصابيح الظلام»
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في بيان جواز الخروج إلى فوق محلّ الترخّص في ناوي العشر أنّهما حكمان
شرعيّان لا مدخلية للعرف فيهما ، واعتباره في الدخول والخروج لا يستلزم اعتباره
حال قصد الإقامة ، مع أنّك سمعت كلامه السابق ، وقد لا يكون مخالفاً
فيما نحن فيه ، لأنّ الظاهر أنّ ضمير «اعتباره» عائد إلى العرف ، فيكون المعنى أنّ
العرف حاكم بالنأي والبُعد بالنسبة إلى الخروج إلى فوق محلّ الترخّص في البدل
المعتدل وليس بحاكم به في المتسع لناوي الإقامة المتردّد إلى ذلك الحدّ ، على أنّه
قدسسره قد اعتبر المحلّة في المتسع كما سيأتي نقله عنه ، فإذا
صدق الضرب والسفر والنأي والبُعد والغربة بالخفاء والتواري فلا فرق بين أن يسافر
مستديراً أو مستقيماً ، ثمّ ما ظنّك فيما إذا سافر أربعة فراسخ واستدار بعدها بحيث
بلغ الثمانية فما زاد من دون قصد رجوع ليومه.
وممّا ذكر يعلم
الحال فيما إذا خرج من بلده قاصداً ستّة فراسخ والرجوع ليومه على طريق آخر ناوياً
للإقامة على رأس أربعة الرجوع بحيث يكون بينه وبين البلد فرسخان فإنّه يقصّر ،
لأنّه قصد مسافة مستديرة ولا ضمّ هنا لاختلاف الطريق ، وإن أبيت إلّا الضمّ كما لو
آب كذلك على نفس ذلك الطريق قلنا يقصّر أيضاً ، لأنّ هذا الضمّ هو الّذي انعقد
الإجماع على استثنائه ، لأنّ المدار إنّما هو على قطع الأربعة ذهاباً ومثلها
إياباً سواء كانت وحدها أو مع غيرها ، رجع إلى المنزل أو بات دونه أو نوى الإقامة
كذلك ، وذلك قضية كلام الأصحاب كما سيأتي بيانه بلطف الله سبحانه وحسن توفيقه.
الأمر
الثاني : المستفاد من
الأخبار وصريح كلام الأصحاب أنّ المسافة تعلم بأمرين : أحدهما مسير يوم ، وثانيهما
الأذرع ، وقد سمعت فيما مضى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إجماعاتهم. وقال الاستاذ الشريف دام ظلّه العالي في رسالته : وفي معنى
الثمانية مسير اليوم المعتدل بالسير المعتدل كما نصّ عليه الأكثر ودلّ عليه النصّ انتهى. وسيأتي عن جماعة أنّه لا نصّ صريح على الأوّل
فتأمّل.
وفي «الحدائق»
أنّ المراد باليوم يوم الصوم عند الأصحاب . قلت : المصرّح بذلك قليل جدّاً فيما أجد وإنّما ذكر
ذلك الصيمري والمولى الأردبيلي وصاحب «المدارك » وتأمّل فيه صاحب «الذخيرة ».
وقد اعتبر في «الذكرى»
اعتدال الأرض والسير . وفي «الميسية وشرح الألفية » للكركي و «الروض والمقاصد العلية والنجيبية والرياض » اعتدال الوقت والسير والمكان. وفي «المدارك» هو جيّد
بالنسبة إلى الوقت والسير ، أمّا المكان فيحتمل قوياً عدم اعتبار ذلك فيه لإطلاق
النصّ وإن اختلفت كميّة المسافة في السهولة والحزونة . واحتمل في «الذخيرة» عدم اعتبار الوقت . وفي «الحدائق» أنّ ما ذكره في المدارك في المكان جارٍ
في الوقت ، لأنّ النصوص
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مطلقة شاملة بإطلاقها لجميع الأوقات قصير النهار وطويله ممّا تختلف به
الكمّية أيضاً ، فلا وجه لتسليمه ذلك في الوقت ومناقشته في المكان. وبالجملة فإنّ
غاية ما يستفاد من النصوص اعتدال السير وما عداه فلا ، فإن حمل إطلاق النصوص على
الحدّ الأوسط بين طرفي الزيادة والنقيصة ففي الجميع ، وإلّا فلا معنى لتسليمه ذلك
في فرد ومناقشته في الآخر ، وإلى ما ذكرنا يشير كلام جدّه في «الروض» حيث قال :
ولمّا كان ذلك يختلف باختلاف الأرض والأزمنة والمسير حمل على الوسط في الكميّة انتهى. وفي «الدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس وغاية المرام والهلالية والجعفرية وشرحيها » الاقتصار على ذكر اعتدال الوقت والسير.
الثالث
: قالوا : لا
إشكال فيما لو اعتبر التقدير فوافق السير ، إنّما الإشكال لو اختلفا ، والظاهر من «الذكرى
» تقديم التقدير ، وكذا «الموجز الحاوي وكشف الالتباس ». وفي «المدارك والذخيرة » أنّ الظاهر التخيير.
وفي «المصابيح»
إن تمكّن من أحدهما تعيّن وإن تمكّن منهما تخيّر ثمّ رجّح عند التمكّن تعيّن
اعتبار الثمانية ، ثمّ قال : ولو اتفق أنّه اعتبرهما فإن اتفقا كما هو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأظهر والظاهر من بعض فلا إشكال ، وإن اختلفا فاحتمالان أقواهما اعتبار
الثمانية ، انتهى.
واحتمل في «الروض»
تقديم المسير ، قال : لأنّ دلالة النصّ عليه أقوى ، إذ ليس لاعتبارها بالأذرع على
الوجه المذكور نصّ صريح ، بل ربّما اختلفت فيه الأخبار وكلام الأصحاب ، وقد صنّف
السيّد السعيد جمال الدين أحمد بن طاووس كتاباً مفرداً في تقدير الفراسخ وحاصله لا
يوافق المشهور ، ولأنّ الأصل الّذي اعتمد عليه المصنّف وجماعة في تقدير الفراسخ
يرجع إلى اليوم ، لأنّه استدلّ عليه في «التذكرة» بأنّ المسافة تعتبر بمسير اليوم
للإبل السير العامّ وهو يناسب ذلك ، انتهى. وفي «مجمع البرهان» أنّ التفاضل بين الثمانية
وبياض اليوم غير ظاهر إلّا أنّ اليوم أقرب إلى فهم الأكثر وأسهل بخلاف الفراسخ ،
والظاهر أنّ أحدهما كافٍ وإن لم يصل إلى الآخر على تقدير التفاضل ، ويكون حينئذٍ
الحدّ حقيقة هو الأقلّ .
وفي «المصابيح»
في موضع آخر منه أنّ المسافة المعتبرة هي ثمانية فراسخ أو بياض يوم بالإجماع
والأخبار ومسافتهما واحدة كما يظهر من بعض القدماء على ما هو ببالي انتهى. وفي موضع آخر من «الذخيرة» أنّ العمل بالسير
أولى بناءً على وجوده صريحاً في الأخبار وعدم تفسير الفراسخ في خبر معتمد .
الرابع
: قالوا : ليس
الوصول إلى ثمانية مشروطاً بأن يكون بيوم أو أكثر ، ففي «التذكرة» لو قطعها بأيّام
قصّر . وفي «الهلالية» أنّ مع علم المسافة لا اعتبار بقدر الزمان مطلقاً.
__________________
ولو قصد مضيّ
أربعة والرجوع ليومه وجب القصر ، ولو قصد التردّد ثلاثاً في ثلاثة فراسخ لم يجز
القصر.
ولو سلك أبعد
الطريقين وهو مسافة قصّر وإن قصر الآخرُ ، وإن كان مَيلاً إلى الترخّص. ويقصّر في
البلد والرجوع وإن كان بالأقرب ، ولو سلك الأقصر أتمّ وإن قصد الرجوع بالأبعد إلّا
في الرجوع.
ولو انتفى
القصد فلا قصر ، فالهائم لا يترخّص وكذا طالب الآبق وشبهه ، وقاصد الأقلّ إذا قصد
مساويه وهكذا ولو زاد المجموع على المسافة إلّا في الرجوع ، ولو قصد ثانياً مسافة
ترخّص حينئذٍ لا قبله.
______________________________________________________
وقال في «الذكرى»
لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر كالسنة فالأقرب عدم القصر لزوال
التسمية ، ووافقه على ذلك جماعة لكن بعضهم قدّره بالشهرين. وقال في «الذكرى» : ومن هذا
الباب لو قارب المسافر بلده فتعمّد ترك الدخول إليه للترخّص ولبث في قرى متقاربة
مدّة مديدة يخرج بها عن اسم المسافر ، ولم أقف في هذين الموضعين على كلام للأصحاب
وظاهر النظر يقتضي عدم الترخّص ، انتهى. وناقشه صاحب «المدارك » في عدم الترخّص في الصورة الثانية وصاحب «الحدائق » ناقش صاحب المدارك في ذلك.
الخامس
: البحر كالبرّ
وإن قطع المسافة في ساعة واحدة ، لا نعرف فيه خلافاً ، قاله في «المنتهى ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
قصد مضيّ أربعة والرجوع ليومه وجب القصر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجب
القصر) وهل يجب لو
أراد الرجوع فيما دون العشرة؟ أقوال. وهذا هو الفرع الشهير بالإشكال.
[نقل رسالة كاملة عن بحر العلوم في
المقام]
وقد صنّف الاُستاذ الشريف أدام الله
سبحانه حراسته في ذلك رسالة سمّاها
«مبلغ النظر في حكم قاصد الأربعة
من مسائل السفر»
قد بلغ فيها أبعد الغايات نثر فيها من
الفرائد ما رصّع به تيجان الفوائد فكانت بالنسبة إلى كتب القوم آية من الآيات ،
وقد أنبأت عن بحر علم موّاج لا ينتهي ولكلّ بحر ساحل وسراج فضل وهّاج أضاءت به
علوم الأواخر والأوائل ، وها أنا إذ أتلوها عليك وأهدي نور حدائق تلك التحقيقات
إليك ، فسرّح الطرف في رياضها وأورد قلبك الصادي من حياضها.
قال دام ظلّه
العالي بعد الخطبة : أجمع عامّة الفقهاء عدا من شذّ من فقهاء العامّة على أنّ
الترخّص في السفر بالقصر والإفطار مشروط بمسافة محدودة يحصل منها النائي عن الوطن
وما في حكمه ممّا يجب فيه الإتمام والصيام ، فلا رخصة في القليل كالميل والميلين
وإن بلغ بكثرة التردّد مبلغ السفر.
واكتفى داود بمسمّى السفر والضرب في الأرض وسوّى بين القليل
والكثيرفي ثبوت التقصير ، واختلف سائر الجمهور في تحديد المسافة ، فذهب أبو حنيفة وأصحابه
والثوري والنخعي وابن حي وسعيد بن جبير وسويد بن غفلة وابن مسعود إلى أنّه (أنَّها
ـ خ ل) أربعة وعشرون فرسخاً هي اثنان وسبعون ميلا مسيرة ثلاثة أيّام بسير الإبل ومشي الأقدام لما رووه * من «أنّ المقيم يوماً وليلة
__________________
(*) كذا وجد
__________________
والمسافر ثلاثة أيّام
بلياليها» * وهو مع بطلانه خلاف المطلوب ، والمنقول عن أكثرهم دخول الليالي كما في الخبر. والمراد ما يشمل الحلّ
والارتحال لا اتصال السير ليلا ونهاراً وإلاّ لضوعفت المسافة بالفراسخ والأميال.
ولأبي حنيفة قول آخر أنّه يومان وأكثر اليوم الثالث حكاه السمرقندي في «تحفته».
وقال الشافعي
ومالك وأحمد وإسحاق والليث بن سعد وأبو ثور مسير يومين ستّة عشر فرسخاً هي ثمانية
وأربعون ميلا ، وهي إحدى الروايتين عن ابن عبّاس وابن عمر لما روي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «يا أهل مكّة لا
تقصّروا في أدنى من أربعة برد من مكّة إلى عسفان» رفعه ابن خزيمة وصحّحه ،
والمعروف عندهم أنّه أثر موقوف على الصحابيين المذكورين لا خبر مرفوع ، وللشافعي قول ثان هو ستّة وأربعون ميلا ، وثالث وهو ما تجاوز
الأربعين ، ورابع وهو مسيرة يوم وليلة ، وبه اجتزى مالك عند عدم ضبط الأميال لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة ليس معها
محرم».
وقال الأوزاعي
: إنّه مسيرة يوم تامّ وحكاه عن عامّة العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن أنس والرواية الأُخرى عن ابن عبّاس وابن عمر ، وبه قال
__________________
* ـ إنّ هنا
سقطاً (كذا بخطّ الشارح (قدس سره)).
__________________
الزهري إلاّ أنّه حدّ
مسير اليوم التامّ بثلاثين ميلا واحتجّ بما روي عنهما أنّهما كانا يقصّران في ثلاثين ميلا عشرة فراسخ.
وفي «شرح
الجُمل » للقاضي ابن البرّاج عن الأوزاعي عن أنس أنّه كان يقصّر
فيما بينه وبين خمسة فراسخ ، وهذه هي الرواية الأُخرى عنه.
وفي «شرح
السنّة » للحسين بن مسعود عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد التقصير
بمثل عرفة عن مكّة ، وفي معناه التحديد بالروحة كما ذهب إليه بعضهم .
وحكي عن دحية الكلبي القول بفرسخ ، وإليه يرجع قول داود.
ورووا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه خرج إلى النخيلة فصلّى بهم الظهر
ركعتين ثمّ رجع من يومه وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه خرج ثلاثة
أميال أو ثلاثة فراسخ وصلّى ركعتين. هذه جملة أقوال القوم ورواياتهم.
وأمّا أصحابنا
رضوان الله عليهم فقد أطبقوا على إيجاب القصر في بريدين ثمانية فراسخ هي أربعة
وعشرون ميلا. وحكى إجماعهم على ذلك الشيخ والقاضي والسيّدان والحلّيون الثلاثة في «الانتصار
والخلاف وشرح الجُمل والغنية والسرائر
__________________
والمعتبر والتذكرة » وظاهر «المنتهى » وقد تواتر النقل به عن أهل البيت عليهم
السلام.
وفي معنى
الثمانية مسير اليوم المعتدل بالسير المعتدل كسير الأثقال والإبل القطار كما نصّ
عليه الأكثر ودلّت عليه النصوص وما ورد بخلاف ذلك من التحديد بما دون الأربعة كالفرسخ أو بما فوق الثمانية كالبرد واليوم والليلة واليومين فمؤوّل أو متروك بالشذوذ أو محمول على التقية لموافقته
لأقوال العامّة.
وللعلاّمة (قدس
سره) في «التحرير » قول بالقصر للمتردّد ثلاثاً في ثلاثة فراسخ إذا لم
يبلغ في رجوعه الأوّل سماع الأذان أو مشاهدة الجدران أخذاً من التلفيق الوارد في
الأربعة ، وهو شاذّ ضعيف منقوض بما دون الثلاثة كالفرسخ والميل فما دونه ، ومع ذلك
فهو خلاف ما نصّ عليه في «القواعد والمنتهى والتذكرة » من وجوب الإتمام في الفرض المذكور. وبه صرّح جماعة من
الأصحاب منهم المحقّقان الحلّي والكركي والشهيدان
__________________
وأبو العبّاس
والصيمري
وهو قضية فتوى الباقين .
وفي «التعليقات الكركية
على الشرائع»
نفي الخلاف في ذلك ظاهراً. وفي «التذكرة » وإنّما يجب التقصير في ثمانية فراسخ ، فلو قصد الأقلّ
لم يجز التقصير إجماعاً إلاّ في رواية لنا أنّه يثبت في أربعة فراسخ . وكأنّه أراد الإجماع على نفي التقصير فيما دون
الثمانيةمن غير رجوع بقرينة إسناد الأربعة إلى الرواية ، مع تصريحه فيها بالقصر
إذا رجع ، فلا ينافي ما صار إليه في «التحرير».
وأمّا الأربعة
المقصودة بالبحث في هذا المقام وهي معترك الأفهام ومحطّ أنظار علمائنا الأعلام ففي
وجوب القصر فيها مطلقاً تعييناً أو تخييراً أو لمريد الرجوع مطلقاً على التعيين مع
تعيين الإتمام لغيره أو التخيير بينه وبين القصر أو لمريد الرجوع ليومه على
التخيير فيتعيّن الإتمام لغيره أو التعيين فيتمّ غيره أو يتخيّر أو المنع من القصر
مطلقاً خلاف ، منشأه اختلاف الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم آناء
الليل وأطراف النهار.
وهذا كلامه في
الرسالة وقد أمرنا يوم كتب ذلك أن نكتب أقوال الأصحاب مفصّلة فتتبّعت أقوال
الأصحاب في ذلك وعرضتها عليه دام ظلّه في ورقة صغيرة ، فنحن نفرغ ذلك الآن في هذا
المقام خوفاً من الضياع وإذا انتهى نعود إلى كلامه الشريف في الرسالة من دون زيادة
ونقصان وإذا كتب دام ظلّه في آخر الرسالة الأقوال على التفصيل نقابل بين النقلين
ونكتب ما كان من زيادة ونقصان وبالله التوفيق.
__________________
قلت : أمّا
وجوب القصر في الأربعة مطلقاً تعييناً فقد نسبه جماعة من متأخّري المتأخّرين إلى الكليني لأن كان قد اقتصر
على أخبار الأربعة ، ونسبه في «الحدائق » إلى بعض المتأخّرين.
وأمّا وجوبه
فيها تخييراً مطلقاً فقد نسب إلى الكليني ، وهو الظاهر من «التهذيب » بل كاد يكون صريحاً فيه ، وخيرة «المدارك والمنتقى ». وفي «الروض » أنّه أوجه. ونقل في «المدارك » عن جدّه القول به.
وأمّا وجوبه
على مريد الرجوع ليومه تخييراً فقد نقل في «الذكرى والروض والرياض » وغيرها أنّه خيرة الشيخ في «التهذيب» ونقله في «الذكرى » عن المبسوط والصدوق في كتابه الكبير. وعبارة «المبسوط»
صريحة في المشهور كما يأتي ، وقد عرفت حال ما في «التهذيب» ويأتي ما في «الفقيه»
__________________
إن أراده بالكتاب الكبير. وقد قوّى هذا القول في «الذكرى » ونسبه في «الروض والروضة » إلى الشهيد فيها ، ونقله في «الحدائق » عن المفيد والصدوقين.
وأمّا وجوبه
على مريد الرجوع ليومه على التعيين فهو مذهب الأكثر كما في «المعتبر
والمنتهى والتنقيح والروضة والدرّة وتعليق النافع ومجمع البرهان » والمشهور كما في «الحدائق » وبين المتأخرين كما في «الروض والمصابيح » والأشهر كما في «الرياض » وهو خيرة «الهداية والأمالي والفقيه والمقنع
__________________
وجُمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط » في كتاب الصلاة فيهما و «المراسم والوسيلة والسرائر وإشارة السبق والشرائع والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتبصرة ونهاية الإحكام والتحرير والإرشاد والمختلف والقواعد والدروس والبيان والتنقيح والهلالية والمقتصر والمهذّب والموجز
__________________
وغاية المرام والكركية في شرح الألفيّة وتعليق الإرشاد وفوائد الشرائع وجامع المقاصد والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية وتعليق النافع والميسية والمسالك والمقاصد العلية والجواهر المضيئة والدرّة السنية والمصابيح والرياض » ومال إليه أو قال به في «مجمع البرهان » وقوّاه في «المدارك » ونقله جماعة عن المفيد والسيّد ، ونقل عن ظاهر القاضي. وفي «المصابيح » أنّه مذهب الشيخ في «كتابي الأخبار» ومذهب الكليني ، واستنهض على ذلك شواهد
__________________
من الاعتبار. وهو الموجود في «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام)
».
هذا وفي «الذكرى»
وكذا إذا أراد الرجوع لليلته أو يومه وليلته مع اتصال السير . ووافقه على ذلك المحقّق الثاني في خمسة من كتبه وتلميذاه والشهيد الثاني والصيمري والمقداد ، ونسبه إلى المشهور في «الروضة » وإلى الأكثر في «التنقيح ». وفي «الرياض » لا خلاف فيه عند من تأخّر. وفي «تعليق الشرائع » يشكل إذا كان أوّل سيره ليلا ، وقال في غيره وتبعه صاحب «الغرية» وغيره لليلته أو يومه إذا كان ابتداء السير أوّل الليل. وفي «البيان
والهلالية» الاقتصار على ليلته. وفي «المسالك» لو كان الخروج في بعض
النهار وأراد إنهاءَه
__________________
في اليوم الثاني بحيث يجتمع من الجميع يوم وليلة فظاهر الأصحاب عدم الترخّص ، انتهى.
وأمّا إذا لم
يرد الرجوع ليومه فالأصحاب مطبقون إلاّ من شذّ على عدم وجوب التقصير لكنّهم اختلفوا ، فالشيخان وسلاّر
وأتباعهم على أنّه يتخيّر كما في «كشف الرموز ». وفي «الرياض » أنّه المشهور بين المتقدّمين ، وظاهر «الأمالي » أنّه من دين الإمامية ، ونسبه في «المنتهى » إلى التهذيب. وفي «الذكرى » إلى المفيد وابن بابويه. قلت : هو خيرة «الفقه المنسوب
إلى مولانا الرضا (عليه السلام) والأمالي والفقيه والهداية والنهاية والمبسوط » في كتاب الصلاة فيهما ، قالوا جميعاً : إن شاء أتمّ
وإن شاء قصّر.
وقد يظهر من
هذه العبارة قصر الصلاة خاصّة لكنّ الأكثر كما في «المنتهى والدرّة» على التخيير في الصلاة والصوم. وتمام الكلام في ذلك مذكور في
المطلب الثالث في الأحكام فإنّا قد أسبغناه واستوفيناه. وقال في «الوسيلة» : إذا
أراد
__________________
الرجوع ليومه قصّر ، وإن أراد من غده كان مخيّراً بين القصر والإتمام في
الصلاة دون الصوم ، وإن لم يرد الرجوع أتمّ ، انتهى فليلحظ ذلك. وفي «المراسم» إن كان يرجع من غده
فهو مخيّر بين القصر والإتمام .
هذا والمشهور
بين المتأخّرين أنّه يتمّ وهو المنقول عن السيّد – ولم أجده فيما حضرني من كتبه ـ وعن ظاهر القاضي . ونسبه في «الذكرى » إلى الأكثرين. وفي «الميسية» أنّه أشهر. وفي «الرياض » أنّه المشهور بين المتأخّرين وهو خيرة «السرائر وكشف الرموز والنافع والمنتهى والتذكرة والمختلف والبيان والمهذّب البارع والمقتصر والموجز الحاوي وغاية المرام والتنقيح والدرّة والغرية والجواهر المضيئة» وظاهر «الشرائع
__________________
والمعتبر والدروس » التوقّف ، وقد يقال : إنّه ظاهر «النافع».
وفي «السرائر»
الإجماع على جواز التمام وحصول البراءة به بلا خلاف . وفي «المختلف » وغيره أنّ الإتمام أحوط ، ولا يتمّ الاحتياط إلاّ بالإجماع على
جواز التمام ، لأنّه الأخذ بالأوثق ولا يكون إلاّ حيث لا يكون خلاف. وأظهر من ذلك
ما في «نتائج الأفكار» للشهيد الثاني حيث قال في أثناء كلام له : لزم كون قاصد نصف
مسافة مع نيّة العود على غير الطريق الأوّل يخرج مقصّراً مع عدم العود ليومه وهو
باطل إجماعاً . وفي «مجمع البرهان» العلم بعدم القول بالوجوب الحتمي ، فأين يقع قول العماني ، وهو لشذوذه وعدم الاحتفال به لم ينقل الجمّ الغفير من
الأساطين خلافه ، هذا كلّه مضافاً إلى ما في «الأمالي » من ظهور دعوى الإجماع. ولم يعلم موافقة صاحب «البشرى»
للعماني ، والّذي نقل عنه أنّ غير مريد الرجوع يقصّر ، على أنّه قد يظهر من
كلام الناقل عنه أنّه كالمتوقّف في التخيير أو متوقّف ، والموافق له صاحب «الماحوزية
والوسائل والحدائق
__________________
والمفاتيح» على أنّ صاحب «الحدائق» احتمل أن يكون قوله قولا آخر ، وظاهر «المفاتيح والماحوزية» المخالفة للمنقول من
عبارته ، على أنّ أقصى ذلك النقل عنه وعن البشرى وليس النقل كالعيان. وفي «الذخيرة
والكفاية » الميل إليه ، على أنّه مخالف فيما مال إليه «للمفاتيح
والحدائق».
وأمّا المنع مطلقاً
فلم أجد مصرّحاً به ، ومن الغريب أنّ صاحب «الماحوزية» نسبه إلى الأكثر.
هذا تمام ما
كتبناه ذلك اليوم ولم نعاوده بالنظرة مرّة اُخرى.
ولنرجع إلى «الرسالة»
فقد قال أدام الله تعالى حراسته بعد قوله اختلاف الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات
الله عليهم ما نصّه : وهي أقسام :
أوّلها :
النصوص المستفيضة الدالّة على تحديد مسافة القصر بثمانية فراسخ وما في
معناها من الأميال والبريدين ومسير اليوم ، نحو ما رواه الصدوق طاب ثراه في الصحيح
عن زرارة ومحمّد بن مسلم وصحّته بطريقه إلى الأوّل ـ عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال : سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذي خشب ـ وهي مسيرة يوم من المدينة
، يكون إليها بريدان ، أربعة وعشرون ميلا ـ فقصّر وأفطر فصار سنّة .
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في كم يقصّر الرجل؟
قال : في بياض يوم أو بريدين ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى
ذي خشب فقصّر. فقلت : وكم ذي خشب؟ فقال : بريدان . قوله «وكم ذي خشب» هكذا فيما وجدناه وهو على الحكاية ،
و «خشب» كجنب واد بالمدينة ، قاله في
__________________
«القاموس ». وفي «النهاية » أنّه بضمّتين واد على مسيرة ليلة من المدينة له ذكر في
الحديث والمغازي ، قال : ويقال له ذي خشب. وفي «الطراز» نحو ذلك.
وفي الصحيح عن
أبي ولاّد الخزّاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن التقصير قال : في
بريدين أو بياض يوم .
وفي الصحيح عن
عليّ بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الرجل يخرج في سفره
وهو مسيرة يوم ، قال : يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله . وفي الحديث وجوه أوجهها أنّ مسير اليوم يوجب التقصير وإن
قطعه المسافر في أكثر من يوم ، ومعنى «يدور في عمله» يسعى في مشاغله ، وقيل :
المراد الحركة الدورية حول البلد ، والملفّقة من الذهاب والإياب أو السير في عرض
المسافة أو خصوص الاشتغال بالضياع والأعمال ، وفي الجميع بُعد.
وفي الموثّق عن
عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن التقصير في الصلاة
فقلت له : إنّ لي ضيعة قريبة من الكوفة وهي بمنزلة القادسية من الكوفة ، فربّما
عرضت لي الحاجة انتفع بها أو يضرّني القعود عنها في رمضان فأكره الخروج إليها
لأنّي لا أدري أصوم أو أفطر ، فقال : فاخرج وأتمّ الصلاة وصم فإنّي قد رأيت
__________________
القادسية. فقلت : فكم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال : جرت السنّة ببياض
يوم. فقلت : إنّ بياض اليوم مختلف ، فيسير الرجل خمسة عشر فرسخاً في يوم ويسير
الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم. فقال : إنّه ليس إلى ذلك ينظر أما رأيت سير
هذه الأثقال بين مكّة والمدينة ، ثمّ أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية
فراسخ .
والقادسية في
العراق موضعان : أحدهما قرية كبيرة في نواحي دجيل قرب سامرا ، والأُخرى ضيعة قريبة
من الكوفة آخر أرض العرب وأوّل حدّ العراق من جهة الجنوب وبها كانت الواقعة
المشهورة بين المسلمين والفرس. قيل : إنّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) مرّ بها
فوجد فيها عجوزاً فغسلت رأسه فقال : قدّست من أرض ، ودعا أن تكون محلّة للحجاج
فصارت منزلا وسمّيت القادسية ، ولها آثار باقية إلى الآن ، وبينها وبين أرض الغري
نحو من أربعة فراسخ ، فيكون بينها وبين الكوفة خمسة فراسخ خمسة عشر ميلا كما نصّ
عليه في «المغرب» وهي المرادة في الحديث وهو صريح في أنّها دون الثمانية من الكوفة.
وفي «الطراز والمصباح المنير
وتقويم البلدان»
بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً وهو غريب .
وفي الموثّق عن
سماعة قال : سألته عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم وذلك
بريدان وهما ثمانية فراسخ. قال : قال : ومن سافر فقصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن يكون
رجلا مشيّعاً لسلطان جائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى
أهله لا يقصّر ولا يفطر .
وفي الموثّق عن
عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل
__________________
يخرج في حاجة فيسير في خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثمّ
يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اُخرى أو ستّة لا يجوز ذلك ثمّ ينزل في ذلك الموضع ،
قال : لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة .
وعن عبد الله
بن يحيى الكاهلي في الحسن به قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في
التقصير في الصلاة : بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا ، ثمّ قال : إنّ أبي (عليه
السلام) كان يقول : إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء والدابّة الناجية
وإنّما وضع على سير القطار . والسفواء بالسين المهملة بعدها الفاء السريعة وكذا الناجية
، وربّما خصّت بالناقة ، وليس بين القولين كمال التناسب وكأنّه سقط من البين حديث
مسير اليوم.
وما رواه الصدوق
في «الفقيه والعيون والعلل » في الحسن عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام)
قال : وإنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ، لأنّ ثمانية
فراسخ مسير يوم للعامّة والقوافل والأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم ، ولو لم
يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ، وذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا
اليوم فهو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان
نظيره مثله لا فرق بينهما.
وفي «العيون»
في الحسن عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون : والتقصير في
ثمانية فراسخ وما زاد ، وإذا قصّرت أفطرت .
__________________
وفي «الخصال»
عن سليمان بن مهران عن الأعمش عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : التقصير في
ثمانية فراسخ وهو بريدان ، وإذا قصّرت أفطرت ، ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته
، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجلّ .
وروى الكشّي في
«كتاب الرجال» عن محمّد بن مسلم قال : قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) : التقصير
يجب في بريدين ... الحديث .
ومقتضى هذه
النصوص انتفاء التقصير في الأربعة مطلقاً لمريد الرجوع وغيره ، فإنّ الثمانية فيها
هي الثمانية الواقعة في الذهاب ، وصحيحة زرارة صريحة في ذلك ، وكذا صحيحة أبي بصير
وموثّقة عمّار ، ويقرب منها سائر الأخبار ، فإنّ المتبادر منها خصوص الثمانية
الذهابية ، ومع ظهوره بالوجدان والعرض على الأذهان قد يعلّل بأنّ المعقول من تحديد
المسافة بها وقوعها بين البلد والمقصد فلا تكون إلاّ ذهابية ، وأنّ المعروف من
السفر هو الإبعاد عن الوطن ، ونحوه فتكون الفراسخ المأخوذة في تحديده موضوعة على
التباعد لا التقارب ، وأنّ حقيقة العدد يقتضي تغاير المعدودات بالذات دون الاعتبار
، والتغاير مع التلفيق اعتباري محض إذا كان العود على طريق الذهاب كما هو الغالب
ومطلقاً بناءاً على أنّ الفراسخ الواقعة في عرض المسافة المنتهية إلى البلد متّحدة
عرفاً ، والمراد بالذهاب مطلق الحركة الامتدادية ، سواء كانت من البلد أو غيره ولا
يختص الذهاب بالمسافرة من البلد كما لا يختصّ الإياب بالعود إليه ، فإنّ الذهاب والإياب
أمران إضافيان يختلفان باختلاف ما أُضيف إليه ويصدق كلّ منهما بالقياس إلى البلد
والمقصد ، ومنه يظهر عموم التحديد الواقع في هذه النصوص وغيرها للمسافة المبتدأة
من البلد وغيره مع وجود القاطع من دون استعانة بالإجماع على عدم الفرق.
__________________
وثانيها :
الروايات الواردة بتحديد المسافة بالأربعة والبريد وما في معناهما ، نحو ما رواه
الشيخ في الصحيح الواضح وثقة الإسلام الكليني في الصحيح على الأصحّ عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ.
وما رواه
الشيخان في الصحيح على الأصحّ عن أبي أيّوب الخزّاز قال : قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام) : أدنى ما يقصّر فيه المسافر؟ فقال : بريد.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
التقصير ، فقال : في أربعة فراسخ . وفي الطريق محمّد بن النعمان وهو محمّد بن عليّ بن
النعمان الأحول مؤمن الطاق فإنّه يضاف إلى أبيه وإلى جدّه كما يظهر من «رجال الشيخ»
وغيره ، فيكون الحديث صحيحاً كما وصفناه. وفي «المنتقى » أنّه صحيح على المشهور ولعلّه باعتبار إسماعيل بن
الفضل راوي الحديث فإنّ الأصل في توثيقه الشيخ ، وتبعه العلاّمة في ذلك ، وكلام النجاشي
في الحسين بن
محمّد بن الفضل ليس صريحاً في توثيقه ، وقد حكى الكشّي
توثيقه عن عليّ
بن الحسين بن فضّال لكنّه فطحيّ المذهب فلم تثبت تزكيته بشهادة عدلين ، وأمّا باقي
السند فمن رجال الصحيح عند الكلّ.
__________________
وفي الصحيح عن
أبي أُسامة زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : يقصّر الرجل
في مسيرة اثني عشر ميلا .
وعن عبد الله
بن بكير في الموثّق قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القادسية أخرج إليها
أتمّ أم أُقصّر؟ قال : وكم هي؟ قلت : هي الّتي رأيت ، قال : قصّر . وعن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) :
في كم التقصير؟ فقال : في بريد .
وما رواه
الكليني عن محمّد بن يحيى الخزّاز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال : بينا نحن جلوس وأبي عند وال لبني أُميّة على المدينة إذ جاء أبي فجلس فقال :
كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير ، فقال قائل منهم : ثلاث ، وقال قائل منهم :
يوماً وليلة ، وقال قائل منهم : روحة ، فسألني فقلت : إنّ رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم) لمّا نزل عليه جبرائيل بالتقصير قال له النبيّ (صلى الله عليه
وآله وسلم) : في كم ذاك؟ فقال : في بريد. قال : وأيّ شئ البريد؟ قال : ما بين ظلّ
عير إلى فيء وعير ، ثمّ عبرنا زماناً ثمّ رأى بنو أُميّة يعملون أعلاماً على
الطريق وأنّهم ذكروا ما تكلّم به أبو جعفر (عليه السلام) ، فذرعوا ما بين ظلّ عير
إلى فيء وعير ثمّ جزّأوه إلى اثني عشر ميلا فكان ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كلّ ميل
فوضعوا الأعلام ، فلمّا ظهر بنو هاشم غيّروا أمر بني أُميّة غيرةً لأنّ الحديث
هاشمي فوضعوا إلى جنب كلّ علم علماً .
وروى ذلك
الصدوق في «الفقيه» باختصار وفي آخره «ثمّ جزّأوه على اثني عشر ميلا فكان كلّ ميل
ألفاً وخمسمائة ذراع وهو أربعة فراسخ . وفيه إسقاط وتصحيف وإسقاط للقطع بزيادة الميل على هذا
المقدار ، وأمّا التحديد بثلاثة آلاف
__________________
وخمسمائة فقد قال به جماعة ، وصحّحه ابن عبد البرّ ، وذكر غيره أنّه المطابق لتحديد ما بين مكّة ومنى والمزدلفة وعرفة
وما بين مكّة والتنعيم والمدينة وقبا.
والمعروف بين
الفقهاء والمحدّثين وأهل اللغة أنّ الميل أربعة آلاف ذراع وقيل : ثلاثة آلاف ذراع. وهو قول قدماء أهل الهيئة. قال في «المصباح
المنير» والخلاف بينهما لفظي فإنّهم اتفقوا على أنّ مقداره ستّ وتسعون ألف إصبع والإصبع
ستّ شعيرات بطن كلّ واحدة إلى ظهر الأُخرى ولكن القدماء يقولون : إنّ الذراع اثنان
وثلاثون إصبعاً والمحدّثون أربعة وعشرون إصبعاً ، فإذا قسّم الذراع على رأي
القدماء كان كلّ ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصّل ثلاثة آلاف ذراع ، وإذا قسّم على
رأي المحدّثين أربعاً وعشرين إصبعاً كان أربعة آلاف ذراع . هذا كلامه وبمثله يمكن رفع الخلاف بينهما وبين التحديد
بثلاثة آلاف وخمسمائة ، فيكون المرجع في الجميع إلى شئ واحد هو ستّ وتسعون ألف
إصبع.
وعير كطير
ووعير كزبير جبلان بالمدينة واقعان في جهتي المشرق والمغرب وعير ـ ويقال عاير ـ هو
الشرقي منهما ، والغربي وعير ، ولذا قال (عليه السلام) : «ما بين ظلّ عير إلى فيء
وعير» فإنّ الفيء هو الظلّ الحادث من فاء إذا رجع. وفي مرسلة ابن
__________________
أبي عمير «فإذا طلعت الشمس وقع ظلّ عير إلى ظلّ وعير» والمراد بما بين الظلّين ما
بين الجبلين. وإنّما عبّر بالظلّ للتنبيه على أنّ الحدّ هو ما بين الطرفين الداخلين
اللّذين هما مبدأ الظلّ فهو تأكيد لمقتضى البينيّة الظاهرة في ذلك. وأمّا منتهى
الظلّ فهو غير منضبط بل غير متناه في بعض الأوقات ، فلا يصحّ التحديد به.
وظاهر هذه
الروايات ثبوت التقصير في الأربعة مطلقاً لمريد الرجوع وغيره فهي مع النصوص
المتقدّمة على طرفي نقيض ، وغلبة رجوع المسافر لا تقتضي إناطة
الحكم به حتّى يكون التحديد بالأربعة تحديداً بالثمانية الملفّقة ، ولولا ما يأتي من
أخبار الرجوع لما فهمت الثمانية من الأربعة قطعاً كما لا تفهم الستّة عشر من
الثمانية.
وروى الشيخ في
الصحيح عن عمران بن محمّد قال : قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك
إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ، ربّما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة
أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام فأتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال : قصّر في الطريق
وأتمّ في الضيعة . وهذا صريح في الاكتفاء بخمسة فراسخ مع انقطاع السفر
بالضيعة.
ويعارضه
بالخصوص ما رواه في الموثّق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن بي عبد الله (عليه
السلام) في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا له آخر أو ضيعة له اُخرى ، قال : إن
كان بينه وبين منزله أو ضيعته الّتي يؤمّ بريدان قصّر وإن كان دون ذلك أتمّ .
وثالثها :
الأخبار الدالّة على وجوب التقصير لمريد الأربعة أو البريد بشرط الرجوع مطلقاً
سواء كان الرجوع ليومه أو بعد ذلك ، مثل ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة قال :
سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التقصير ، قال : بريد ذاهب وبريد
__________________
جائي ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أتى ذباباً قصّر
وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ .
وقد يناقش في
صحّة الحديث بأنّ الصدوق ذكر في مشيخة الفقيه أنّ كلّ ما رواه عن محمّد بن حمران
أو جميل بن درّاج فقد رواه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمّد
بن أبي عمير عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج ، وهذا إنّما يقتضي صحّة طريقه إليهما مجتمعين لا
منفردين ، وقد أفرد لمحمّد بن حمران بخصوصه سنداً ، فيكون طريقه إلى جميل وحده مجهولا.
وفيه أنّ
الظاهر كون السند المذكور طريقاً إلى كلّ منهما اجتمعا أو افترقا ، فيكون للجميع
دون المجموع ولذا اتفق الكلّ على عدّ طريقه إلى جميل صحيحاً. ومحمّد بن حمران
المقرون بجميل هو محمّد بن حمران النهدي كما يدلّ عليه التصريح في بعض المواضع. ولعلّ
الّذي أفرد له السند هو غير النهدي فلا يلزم التكرار ولا اعتبار الاجتماع. وفي
قوله (عليه السلام) : «بريد ذاهب وبريد جائي» مجاز في الإسناد أو الكلمة أو الحذف
، و «جائي» بإثبات الياء فيما وجدناه من النسخ ومقتضى الرسم حذفها ، وكأنّه (عليه
السلام) وقف عليها بإشباع الكسرة فجعلت الياء علامة لذلك.
و «ذباب»
بالذال المعجمة المضمومة ـ على اسم الحيوان المعروف – جبل بالمدينة كما في «القاموس
والطراز والمجمع » وغيرها . وهو بالكسر والإهمال موضع بالحجاز قاله في «القاموس » وعليه ضبط الحديث في
__________________
«المنتقى » وهو بعيد.
والحديث دليل
اشتراط الرجوع وعدم اشتراط الرجوع ليومه.
والتقريب في
الأوّل من وجهين :
أحدهما : قوله (عليه
السلام) «بريد ذاهب وبريد جائي» في جواب السؤال عن التقصير ، والمراد الاستفهام عن
مسافة القصر ، فإنّ الظاهر منه تحديد المسافة بمجموع البريدين من باب تحديد
المركّب بأجزائه كما يقال : السكنجبين خلّ وعسل والبيت سقف وجدران والكرّ ألف
ومائتا رطل والوضوء غسلتان ومسحتان إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة الشائعة في
اللغة والعرف والشرع ، وليس المراد أنّ المسافة كلّ من بريدي الذهاب والإياب على
أن يكون تحديداً للماهية بأقسامها كما في قولهم : الكلمة اسم وفعل وحرف والطهارة
وضوء وغسل وتيمّم إذا قصد بهما الرسم دون التقسيم ، فإنّه مع كونه قليلا محتاجاً
إلى التأويل إنّما يحسن في التعريف بالأنواع المعروفة المتميّزة كما في المثالين
المذكورين ، وأفراد المسافة باعتبار الذهاب والإياب ليست كذلك فإنّها غير معروفة
ولا متميّزة بنفسها وإنّما هي أفراد اعتبارية ، فالترديد يغني عنها لانسحابه في
جميع أفراده وليس للتعرّض لها بالخصوص فائدة يعتدّ بها ، فتعيّن أن يراد بالكلام
معناه الظاهر المتبادر وهو التلفيق الملزوم لاشتراط الرجوع.
وثانيهما :
قوله (عليه السلام) «وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»
فإنّ هذا التعليل قاض بأنّ المسافة الموجبة للقصر هي البريدان ثمانية فراسخ وأنّ
التقصير في الأربعة إنّما وجب لصيرورتها بالرجوع ثمانية أو في قوتها في إيجاب
القصر ، فالعلّة مناط الحكم على ما هو الأصل في العلل وليست بمجرّد التقريب كتعليل
القصر بالمشقّة كما قد يتوهّم حتّى يجوز تخلّف الحكم عنها بأن يثبت القصر في
الأربعة وإن لم يقصد الرجوع ، لأنّ الأربعة لو كانت مسافة بنفسها
__________________
لا باعتبار الرجوع لكان التحديد بالثمانية ساقطاً (ظ) من أصله ، فلا يصحّ
التعليل بها لا تحقيقاً ولا تقريباً ، فإنّ التقريب لا يكون إلاّ بأمر ثابت.
وأمّا الثاني
فالوجه فيه إطلاق المجيء والرجوع المتناول للقسمين مع شيوع الرجوع لغير اليوم فلا
يختصّ باليوم ، وأنّ الرجوع الواقع في التعليل لو قيّد بخصوص اليوم لكان المعنى
لأنّه لو رجع ليومه كان سفره بريدين ثمانية فراسخ ، ومفاده أنّه لو رجع لغيره لم
يكن كذلك ، وهو فاسد فإنّ الثمانية حاصلة على التقديرين ، فيمتنع تخصيصها بالأوّل.
وأيضاً فالظاهر من قوله (عليه السلام) «وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
إذا أتى ذباباً قصّر» أنّ ذلك كان يقع منه ويتكرّر ، ومن المستبعد أن يكون رجوعه
منه ليوم الذهاب دائماً بحيث لم يتفق له غير ذلك أصلا ، مضافاً إلى بعد الرجوع
لليوم من أصله خصوصاً من مثله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد اتضح بما قرّرناه دلالة
الحديث على المطلبين معاً ، بل كاد يكون نصّاً فيهما صريحاً.
وما رواه الشيخ
في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : أدنى ما
يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ فقال : بريد ذاهباً وبريد جائياً . والتقريب فيه من تبادر التلفيق وإطلاق المجيء كما ظهر
ممّا سبق.
وإنّما كان ذلك
أدنى ما يقصّر فيه الصلاة لأنّ حدّ التقصير بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ،
والثاني أقلّ الحدّين ، لأنّ التلفيق لا يخرج البريد عن كونه بريداً ، ولأنّ حدّ
القصر وهو ما يتحقّق فيه ذلك ثمانية فراسخ ، والثمانية الملفّقة داخلة في مطلق
الثمانية فيكون من جملة الأقلّ ، وإنّما اقتصر عليها لأنّ ثبوت التقصير فيها يستلزم
ثبوته في الثمانية الامتدادية بخلاف العكس.
واحتجّ الشيخ وجماعة بهذا الحديث على اشتراط الرجوع ليومه وهو غير
__________________
ظاهر إلاّ أن يدّعى تبادر الإسراع في الرجوع من أُسلوب الكلام فيتمّ بضميمة
الإجماع ، وتوجّه المنع إليه ظاهر.
وما رواه
الصدوق في «العيون والعلل » في الحسن عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام)
قال : فإن قال : فلم وجبت الجمعة على مَن يكون على فرسخين لا أكثر من ذلك؟ قيل :
لأنّ ما يقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً وبريد جائياً والبريد
أربعة فراسخ ، فوجبت الجمعة على مَن هو على نصف البريد الّذي يجب فيه التقصير ،
وذلك لأنّه يجيء فرسخين ويذهب فرسخين وهو نصف طريق المسافر. وهذا نصّ صريح في
اشتراط الرجوع وإرادة التلفيق ، فإنّ المعادل لبريدي الذهاب هو مجموع بريدي الذهاب
والإياب لا كلّ منهما ، إذ لو حصلت المسافة بأحدهما لم يكن للزائد تأثير في وجوب
التقصير وهو خلاف ما دلّ عليه النصّ. وأمّا دلالته على عدم اشتراط الرجوع ليومه
فلإطلاق المجيء وغلبة الرجوع لغير اليوم ، واقتران المسافة الملفّقة في الحديث
بالمسافة الامتدادية الّتي لا يشترط قطعها في يوم واحد إجماعاً ، ولدلالة ظاهر
التعليل فإنّ الأربعة الملفّقة الّتي جعلت نصف طريق المسافر لا يجب قطعها في يوم
فكذا الثمانية الملفّقة الّتي هي مسافة القصر ، لأنّ إطلاق المعلول يستلزم إطلاق
علّته وإلاّ لكان تعليلا بالأخصّ.
وما رواه الشيخ
عن سليمان بن حفص المروزي في الحسن به قال : قال الفقيه (عليه السلام) : التقصير
في الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً ، والبريد ستّة أميال وهو فرسخان ،
فالتقصير في أربعة فراسخ ، فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة
فراسخ ثمّ بلغ فرسخين وبنيّته الرجوع أو فرسخين
__________________
آخرين قصّر ، وإن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام
، وإن كان قصّر ثمّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة . والفراسخ والأميال في هذا الحديث محمولة على
الخراسانية بقرينة الراوي وامتناع الحمل على المعروف منهما ، فالفرسخان أربعة
فراسخ والأربعة ثمانية وكذا الأميال على التضعيف. والوجه فيه نحو ما مرّ في حسنة
الفضل.
وقوله (عليه
السلام) «أو فرسخين آخرين» منصوب بفعل محذوف مسبوك بأن بمعنى المصدر أو مجرور
بمضاف مقدّر على خلاف القياس ، والمحذوف فعلا أو اسماً معطوف على الرجوع. والمعنى
: ونيّة الرجوع أو ذهاب فرسخين على أن يكون عدولا من الذهاب إلى الإياب أو من
الذهاب المقصود أوّلا إلى ذهاب آخر أو عدولا من العزم على المضي إلى التردّد بينه
وبين الرجوع ، ولا يلائمه التنكير في فرسخين الظاهر في مغايرتهما للفرسخين المقصودين
في ضمن الأربعة المتقدّمة ، وقد يحمل على المتردّد بين الرجوع وقطع فرسخين آخرين
في جهة الذهاب فتدفع الحزازة المذكورة ، وعلى التقادير فالحكم بالتقصير لتحقّق
المسافة الّتي هي بريدان أو بريد ذاهباً وبريد جائياً كما دلّ عليه تفريع قوله «فإذا
خرج الرجل من منزله» على ما سبق من التحديد ، وبذلك تتأكّد الدلالة في الحديث على
كلا المطلبين كما هو ظاهر.
وأمّا ما
تضمّنه الحديث من الأمر بإعادة الصلاة إذا رجع عمّا نوى فهو محمول على الندب جمعاً
بين الأخبار كما هو المشهور.
وفي المرسل عن
صفوان قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على
رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان وهي أربعة فراسخ من بغداد ، أيفطر إذا
أراد الرجوع أو يقصّر؟ قال : لا يقصّر ولا يفطر ، لأنّه خرج من منزله وليس يريد
السفر ثمانية فراسخ ، وإنّما خرج يريد أن يلحق
__________________
صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الّذي بلغه ، ولو أنّه خرج
من منزله يريد النهروان ذاهباً وجائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً والإفطار
، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصّر ولم يفطر يومه
ذلك . وهذا الخبر كسابقيه صريح في عدم حصول المسافة بالأربعة وحدها ، فإنّه (عليه
السلام) منع من القصر والإفطار في الرجوع مع بلوغه أربعة فراسخ بالفرض ، وقد علّله
بانتفاء القصد إلى السفر الّذي هو ثمانية فراسخ ، وهذا يقضي أن يكون أمره بهما إذا
قصد الأربعة ذاهباً وجائياً لدخولها حينئذ في الثمانية أو مساواتها لها في الحكم ،
فلا يشترط وقوعها في يوم واحد كما لا يشترط ذلك في الثمانية ، وبهذا الاعتبار
يقوّى دلالة إطلاق المجيء على عدم اشتراط الرجوع ليومه بل كان يلحق بالنصّ.
وما دلّ عليه
الحديث من اشتراط تبييت النيّة في جواز الإفطار هو أحد الأقوال في المسألة لكنّه
خلاف المختار ، والأظهر التفصيل بالخروج قبل الزوال وبعد الزوال ، ولا يمنع ذلك من
الاستدلال به على المدّعى لانفكاك الحكمين في الخبر وعدم توقّف أحدهما على الآخر
كما يظهر بالتدبّر.
وما رواه الحسن
بن عليّ بن شعبة في «تحف العقول» عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون قال
: والتقصير في أربعة فراسخ بريد ذاهباً وبريد جائياً اثني عشر ميلا وإذا قصّرت
أفطرت . والوجه فيه معلوم ممّا تقدّم ، ولا ينافيه الحكم بالتقصير في أربعة فراسخ
ولا تعقيبه بكونه اثني عشر ميلا فإنّ الرجوع لا يخرج الأربعة عن حقيقتها كما عرفت
بل هي أربعة قد صارت ثمانية بنوع من الاعتبار.
وما رواه صاحب «دعائم
الإسلام» وهو القاضي نعمان المصري من أصحابنا
__________________
الإمامية في كتابه المذكور عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام) قال
: يقصّر الصلاة في بريدين ذاهباً وراجعاً . قال القاضي : يعني إذا كان خارجاً إلى سفر مسيرة بريد وهو
يريد الرجوع قصّر وإن كان يريد الإقامة لم يقصّر حتّى تكون المسافة بريدين.
وما رواه
البرقي في «المحاسن » والصدوق في «العلل » بإسناده عنه عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن قوم خرجوا إلى سفر ، فلما انتهوا إلى الموضع الّذي يجب فيه التقصير
قصّروا من الصلاة فلمّا صاروا على فرسخين أو ثلاثة فراسخ أو أربعة فراسخ تخلّف
عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلاّ به ، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم وهم لا
يستقيم لهم السفر إلاّ بمجيئه إليهم وأقاموا على ذلك أيّاماً لا يدرون هل يمضون في
سفرهم أو ينصرفون ، هل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال :
إن كان بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أو انصرفوا ، وإن
كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فليقصّروا.
ثمّ قال : هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت : لا. قال : لأنّ التقصير في بريدين ، ولا
يكون التقصير في أقلّ من ذلك ، فلمّا كانوا ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا كانوا
قد ساروا سفر التقصير ، وإن كانوا قد ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلاّ إتمام
الصلاة. قلت : أليس قد بلغوا الموضع الّذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الّذي خرجوا
منه؟ قال : بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشكّوا في مسيرهم وأنّ السير
سيجد بهم من السفر فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا.
وروى ذلك
الكليني في «الكافي » بإسناده إلى البرقي إلى قوله «فإذا مضوا فليقصّروا»
وأسقط تمام الحديث ، وهو موضع الدلالة على اشتراط الرجوع ، حيث
__________________
صرّح فيه بأنّ التقصير إنّما هو في البريدين وأنّه لا يكون في أقلّ من ذلك
، فإذا ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا وجب عليهم القصر لحصول المسافة لهم بالتلفيق
، والحديث نصّ صريح في اشتراط الرجوع وعدم وقوعه في يوم الذهاب. أمّا الثاني فظاهر
، لأنّ السائل قد أخذ في سؤاله أنّهم أقاموا ينتظرون الرجل الّذي لا يستقيم سفرهم
إلاّ به أيّاماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون ، وقد أجاب (عليه السلام)
بأنّهم إن كانوا قد بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أو
انصرفوا ، ولو كان الرجوع لليوم شرطاً لأمرهم بالإتمامللقطع بانتفاء الشرط في ذلك
الفرض. وأمّا الأوّل فلأنّ تتمّة الحديث الموجودة في «المحاسن والعلل» دلّت على
أنّ التقصير إنّما يكون في بريدين لا في أقلّ من ذلك ، فإنّ القصر إنّما وجب عليهم
إذا ساروا بريداً وأرادوا أن ينصرفوا لحصول الثمانية الّتي هي شرط فيه ، وما ذلك
هنا إلاّ بالتلفيق بين الذهاب والرجوع فكان الرجوع شرطاً.
وبيان ذلك :
أنّهم إذا قطعوا أربعة فراسخ ثمّ تردّدوا في المضي والانصراف كانوا على يقين من
حصول المسافة وهي الثمانية ، فإنّهم إذا مضوا فقد حصلت لهم بالذهاب وإذا انصرفوا
فمجموع الذهاب والإياب فهي حاصلة لهم على كلّ حال بخلاف ما إذا ساروا أقلّ من
أربعة فإنّها إنّما تتحقّق على تقدير المضي وهو غير معلوم ، فلا يحصل لهم العلم
بالشرط. وإنّما اكتفى (عليه السلام) بتعليل القصر إذا ساروا أربعةً وأرادوا
الانصراف لأنّ هذا هو المحتاج إلى البيان لخفائه ، وأمّا القصر على تقدير المضي
فهو معلوم من وجوبه في ثمانية الذهاب ، فالحديث بتتمّته المذكورة صريح الدلالة في
اشتراط الرجوع ، وأمّا بدونها فهو محتمل له ، ولكون الأربعة مسافة بنفسها كما ذهب
إليه الكليني (رحمه الله) ومن ثمّ اقتصر في «الكافي» على صدر الحديث وهو القدر
الّذي لا ينافي مذهبه ، وقد توجّه دلالة الصدر بمعونة الأدلّة الدالّة على اشتراط
الثمانية فإنّ الجمع بينها يقتضي اعتبار التلفيق في الأربعة كما هو المطلوب.
وكيف كان ،
فالتلفيق معتبر في هذا الحكم ولا ينافيه انتفاء العزم على الرجوع
من أوّل الأمر ، لأنّ شرط الترخّص هو العزم على مطلق المسافة والاستمرار
على ذلك العزم وهما حاصلان هنا على تقديري الذهاب والرجوع في ضمن الثمانية الذهابية
أو الملفّقة ، ولا يقدح العدول من إحداهما إلى الأُخرى كما لا يقدح العدول من
مسافة ذهابية إلى الأُخرى مثلها.
وما ذهب إليه
بعضهم من اشتراط العزم على مسافة مشخّصة بناءاً على أنّ ذلك هو المعهود من أرباب
القصود مردود بأنّ الثابت بالنصوص وكلام الأصحاب هو اشتراط العزم على المسافة الكلّية لا الشخصية ،
والتردّد بين الطرق والعدول من طريق إلى طريق أمر معهود كثير الوقوع من أرباب
القصود ، ومتى تحقّقت المسافة بالثمانية الملفّقة كما هو رأي المعظم جاز التردّد بين مسافتين ملفّقتين والعدول من إحداهما
إلى الأُخرى ومن الملفّقة إلى الذهابية وبالعكس كما دلّ عليه النصّ والحكم جار فيه
على قواعد الأصحاب. وقد صرّح الشيخ في «النهاية » على هذا الفرع ، ودلّ حديث المروزي المتقدّم على أنّ المتردد أو ناوي الرجوع يقصّر إذا رجع وقد ذهب
في سيره بريداً ، وروى الشيخ في الصحيح عن أبي ولاّد ما يدلّ على ذلك في ناوي الرجوع ، ومعلوم أنّ الحكم في
ناوي الرجوع ومنتظر الرفقة من باب واحد.
__________________
وأمّا ما قاله
الأكثر من أنّ منتظر الرفقة إنّما يقصّر إذا قطع تمام المسافة ثمانية فراسخ
فالظاهر أنّه مبنيّ على ما ذهبوا إليه من اشتراط الرجوع في يوم الذهاب ، لعدم حصول
هذا الشرط مع فرض الانتظار في الغالب ، ولو فرض الانتظار وقتاً يتحقّق معه ذلك أو
فرض العزم على الرجوع من غير انتظار وجب القصر لوجوب المقتضي وانتفاء المانع على
هذا التقدير.
فالحديث لا
يخالف المشهور إلاّ في عدم اعتبار الرجوع ليومه وسائر الأحكام المستفادة منه
موافقة لمذهب الأصحاب وقواعدهم المقرّرة في هذا الباب ، لكن يجب ارتكاب التقييد في
موضعين منه ، أحدهما : قوله «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على
تقصيرهم أقاموا أو انصرفوا» فإنّه محمول على ما إذا لم يتحقّق منهم العزم على عشرة
أيّام ولا التردّد في المحلّ ثلاثين يوماً ، فإنّه إذا حصل أحدهما انقطع السفر به
فوجب الإتمام في المحلّ وفي العود لعدم بلوغه وحده حدّ المسافة. وثانيهما : قوله (عليه
السلام) في الصورة الثانية «فإذا مضوا فليقصّروا» فإنّه يُحمل على ما إذا كان
الباقي مسافة وإلاّ لوجب الإتمام لانقطاع حكم السفر بالتردّد ، فيحتاج عود القصر
إلى مسافة متجدّدة ، لأنّ الباقي لا يضمّ إلى الماضي مع وجود القاطع.
وقد ظهر بما
ذكرناه في بيان هذه الأخبار دلالة الجميع نصّاً أو ظاهراً على اختلافها في مراتب
الظهور على اشتراط الرجوع لمريد الأربعة وعدم اشتراط وقوعه في يوم الذهاب ، ومقتضى
ذلك وجوب التقصير فيها لمن أراد الرجوع مطلقاً سواء وقع الرجوع ليومه أم لا. وهذا
إمّا لأنّ الثمانية الملفّقة داخلة في مطلق الثمانية الّتي جعلت حدّ التقصير كما
هو الظاهر من صحيحة زرارة ومرسلة صفوان ورواية إسحاق بن عمّار أو لأنّها في حكمها في إيجاب القصر وإن لم
__________________
تكن داخلة فيها بناءاً على أنّ المراد بها خصوص الذهابية كما سبق بيانه في مدلول
القسم الأوّل ، وهذا هو المتّجه.
ويدلّ عليه
مضافاً إلى ما تقدّم أنّه لو أُريد بالثمانية ما يشمل الثمانية الملفّقة فإمّا أن
يراد ما يعمّ جميع أقسام التلفيق وهو باطل ، أو خصوص التلفيق من بريدي الذهاب والرجوع
دون غيره من الصوَر وهو تكلّف شديد ، فإنّ إطلاق الثمانية على الأعمّ من الذهابية
وخصوص هذا القسم من الملفّقة في غاية البُعد من إطلاق اللفظ ، فالوجه حملها على
الذهابية كما هو الظاهر ، وإن وجب القصر في هذا النوع لمقتضى الأدلّة الدالّة على
مساواته لها في الحكم. ويشهد له أيضاً ظاهر قول الرضا (عليه السلام) في حسنة الفضل
بن شاذان «لأنّ ما يقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً وبريد جائياً»
وقول الفقيه العسكري (عليه السلام) في حسنة المروزي
«التقصير في
الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً وجائياً».
وعلى هذا
فالموجب للقصر أحد الأمرين : من بريدي الذهاب وبريد الذهاب مع الإياب على سبيل منع
الخلوّ.
وليس المراد
بالبريد والبريدين خصوص الأربعة والثمانية من دون زيادة بل مطلق العددين بلا
اشتراط الزيادة ولا عدمها ، لأنّ التحديد للأقلّ وهو ينفي الناقص لا الزائد. فالثمانية
الملفّقة هي مطلق الثمانية الحاصلة من تلفيق أربعة الذهاب وما فوقها مع أربعة
الرجوع كذلك كما أنّ الثمانية الذهابية هي مطلق الثمانية المتحقّقة في الثمانية
وما فوقها من الأعداد بالغ ما بلغ. فالسببان مجتمعان في قاصد الثمانية فصاعداً مع
العود ويفترقان في مريد الثمانية كذلك بدون العود وفي مريد الأربعة ممّا فوقها ما
لم يبلغ الثمانية مع العود.
ولو خصّ العود
في هذه الأخبار بالعود في يوم الذهاب لاختصّ التلفيق بما أمكن فيه العود ليومه فلا
يعمّ ما فوق الثمانية ولا بعض المراتب النازلة عنها
__________________
كالسبعة ونحوها إلاّ إذا أُريد باليوم ما يشمل اليوم والليلة فيتناول
التلفيق الّذي يسعه مجموعهما ويخرج منه ما عدا ذلك. وهذا أيضاً من جملة الشواهد
على عدم اشتراط الرجوع في اليوم ، فإنّ ظاهر التحديد كما عرفت حصول المسافة
بالأربعة وما فوقها مطلقاً مع قصد العود ولا يستقيم ذلك مع الشرط المذكور. ولو
أُريد بالأربعة ما لا يبلغ الثمانية لحصول الاستغناء بها من التلفيق لم يتمش
الاشتراط في بعض الأعداد المتوسطة خصوصاً ما قارب الثمانية ، فإنّ الرجوع لليوم
فيه بعيد الوقوع بل منتف بالعادة على أكثر تفاسير القوم.
والمراد بالعود
المشترط في الأربعة هو العزم على العود من دون إرادة القاطع كالإقامة والمرور
بالوطن. أمّا اشتراط العزم فيدلّ عليه مضافاً إلى رواية صفوان المتقدّمة إجماع
الفقهاء على اشتراط العزم في ثبوت الترخّص في السفر ، وأنّ المسافة شرط فيه
بالإجماع والنصوص ، وليس الشرط قطعها بالفعل وإلاّ لتأخّر التقصير عنه وهو باطل
بالضرورة ، فيتعيّن أن يكون الشرط هو العزم. وأمّا اشتراط انتفاء إرادة القاطع
فلانقطاع السفر به في الأثناء فلا يضمّ الباقي إلى الماضي. وهو أيضاً موضع وفاق
بين الأصحاب ، ولا يختصّ بصورة التلفيق بل يعمّ مطلق السفر. ويشهد له هنا أنّ هذه
الأخبار قد دلّت على اشتراط الرجوع ، والمراد به إمّا مطلق الرجوع أو خصوص الرجوع
قبل القاطع ، والأوّل أمر ثابت معلوم التحقّق من فرض كونه مسافراً خارجاً عن وطنه
، فإنّ مثله لا ينفكّ عن العود ، فلا فائدة في اشتراطه ، فوجب أن يكون المراد به
الثاني وهو المطلوب.
ورابعها :
الأحاديث الدالّة على وجوب القصر في الأربعة لمن لا يريد الرجوع ليومه كأهل مكّة
إذا ذهبوا إلى عرفات ، نحو ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الصحيح على الأصح عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إنّ أهل مكّة إذا خرجوا حجّاجاً
قصّروا وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتمّوا . والمعنى أنّ أهل
__________________
مكّة إذا قصدوا زيارة البيت ورجعوا إليها لإتمام المناسك أتمّوا الصلاة ،
سواء زاروا البيت أم لم يزوروا ، وسواء دخلوا منازلهم الّتي هي دورهم ومساكنهم أم
لم يدخلوا ، وليس المراد توقّف الإتمام على حصول الزيارة ودخول المسكن ، للإجماع
على انقطاع السفر بدخول المنزل وعدم توقّفه على زيارة البيت ، ولأنّ الإتمام في المسجد
جائز للمسافر على الأظهر الأشهر فكيف بالحاضر ، ولأنّ الظاهر رجوع حكم التمام
للمسافر بالوصول إلى حدّ الترخّص فضلا عن البلد. ولعلّ المراد بالمنزل هنا ما يشمل
البلد وحدوده القريبة منه توسّعاً ، لكثرة استعماله في المعنى الأعمّ عرفاً. وقصد
الزيارة وإن لم يكن شرطاً في الإتمام كنفس الزيارة إلاّ أنّه توطئة لقوله «ورجعوا
إلى منازلهم» والمراد التنصيص على وجوب الإتمام عليهم إذا رجعوا بهذا القصد وإن
وجب في غيره أيضاً ، وفي الحديث الآتي ما يشعر بذلك.
وما رواه الشيخ
في الصحيح الواضح والكليني في الصحيح على الأصحّ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال : إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا
وإذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا» وتوجيه الحديث معلوم ممّا سبق.
وما رواه الشيخ
والصدوق في الصحيح والكليني مرسلا عن معاوية بن عمّار قال قلت. لأبي عبد الله (عليه
السلام) : إنّ أهل مكّة يتمّون الصلاة بعرفات؟ قال : ويلهم ـ أو ويحهم ـ أيّ سفر
أشدّ منه لا تتمّ. وروي «لا يتمّوا» والصيغة والمعنى على الثاني نهي أهل مكّة عن
الإتمام بعرفات وعلى الأوّل نهي غيرهم عن مثله أو عنه إذا انقطع سفرهم بالإقامة أو
نحوها ، أمّا بدونه فالتقصير ثابت باستمرار السفر من
__________________
دون تأثير لهذا المسير ، وصيغة الإفراد تحتمل مع ذلك النهي والنفي والبناء
للمعلوم وللمجهول لكن ذلك على تقدير الغيبة.
والترديد في
قوله : «ويلهم أو ويحهم» من الراوي ، واختلف في معناهما ، فقال الجوهري وابن الأثير وصاحب «القاموس » وغيرهم «ويل» كلمة عذاب و «ويح» كلمة رحمة ، وعليه ورد الاستعمال الكثير الشائع ،
وربّما استعمل كلّ منهما بمعنى الآخر. وقيل : هما بمعنى واحد فيكونان للذمّ والدعاء بالعذاب. وعن سيبويه
: «ويح» زجر لمن أشرف على الهلكة و «ويل» لمن وقع فيها ، وقد يجيء «ويح»
للمدح والتعجّب ومنه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) : ويح ابن عبّاس كأنّه ينظر
إلى الغيب من وراء ستر خفي. ومن الترحّم قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في
عمّار : ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية. وروي «ويس ابن سمية» وهو بمعنى «ويح»
كما أنّ «ويباً» بمعنى «ويل». والأصل في الجميع «وي» أُلحق بها اللام والحاء
والسين والياء .
و «ويح» هنا
تحتمل الوجوه عدا المدح ، وعلى الاحتمالات فمقتضاها المنع من الإتمام والردع عنه.
وقد يظنّ أنّها إذا كانت للترحّم دلّت على الرخصة وهو وهمٌ فاسد ، فإنّ المقصود
التلهّف والتحسّر على ما فاتهم من الحقّ والترحّم فيه من رحمة العالم للجاهل
ومعناه التخطئة لا التصويب.
وقوله (عليه
السلام) «أيّ سفر أشدّ منه» إمّا أن يراد به أنّه من أشدّ الأسفار لاشتماله على
التكاليف والمشاقّ فيدلّ على اعتبار الرجوع ، أو أنّه سفر كسائر الأسفار فإنّ
__________________
السفر البريد إمّا مطلقاً أو مع الرجوع ، والبرد متساوية في الشدة من جهة
المسافة ، وما من بريد أشدّ من بريد وهذا الوجه.
وما رواه الشيخ
في الصحيح أو الموثّق بالحسن بن عليّ بن فضال والأصحّ الأوّل عن معاوية بن عمّار
قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : في كم أُقصّر الصلاة؟ قال : في بريد ،
ألا ترى أنّ أهل مكّة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير . وفي الحديث دلالة واضحة على أنّ عرفة على بريد من مكّة
لا أقلّ ولا أكثر ، فإنّها لو كانت أقلّ لم يجز فيها التقصير ولو كانت أكثر لاحتمل
استناد القصر إلى الزائد فلا يصحّ الاستشهاد والاستدلال به على التقصير في بريد.
ويدلّ على ظهور الحكم بالتقصير للذاهب إلى عرفات في ذلك العصر ، والظاهر أنّه
لاستشهاد الحكم به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يشعر به الحديث الآتي.
وما رواه الشيخ
عن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : في كم التقصير؟ قال :
في بريد ، ويحهم كأنّهم لم يحجّوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصّروا . وهذا كسابقه في الدلالة على أنّ عرفة على بريد من مكّة
أربعة فراسخ دون زيادة ولا نقصان. وقوله (عليه السلام) «ويحهم» أي ويح أهل مكّة أو
ويح المتمّين بعرفات كأنّهم أي كان * أو بقيّة الصحابة منهم لم يحجّوا مع رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فقصّروا في عرفات تأسّياً به (صلى الله عليه وآله) حيث
قصّر.
وفيه إشكال
فإنّه (عليه السلام) كان مسافراً حين خرج من المدينة واستمرّ سفره حتّى ذهب إلى
عرفات ، فكان قصره مستنداً إلى سفره الطويل الّذي هو أضعاف المسافة لا إلى إنشائه
السفر إليها من مكّة. فلا يتمّ الاستشهاد بفعله على أهل مكّة الخارجين من أوطانهم
إلاّ إذا ثبت انقطاع سفره بالعزم على الإقامة في مكّة قبل مسيره إلى عرفات أو
ببقاء ملكه السابق الّذي استوطنه وهو فيها.
__________________
* ـ كذا وجد ،
ولعلّ أصل العبارة أي كأنّ أهل مكّة فلتراجع (مصحّحه).
__________________
وينافي الأوّل
أنّه قد ثبت بالأخبار ونصّ أهل السِير والآثار أنّ خروجه من المدينة لحجّة الوداع
كان يوم السابع والعشرين من ذي القعدة ، فإنّ هذا يقتضي أن يكون دخوله إلى مكّة في
أثناء العشر من ذي الحجّة ولا يتمّ معه الإقامة ، وفي صحيحة معاوية بن عمّار أنّه خرج في أربع بقين من ذي القعدة وانتهى إلى مكّة في
سلخ أربع من ذي الحجّة ، فيكون مكثه في مكّة ثلاثة أيّام قبل التروية.
وينافي الثاني
ما روي «أنّ عقيلا عمد إلى دور بني هاشم في مكّة فباعها بعد أن هاجر النبيّ (صلى
الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة». وفي «السيرة الحلبية » وغيرها «أنّ أُسامة ابن زيد قال للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح :
أتنزل غداً في دارك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال : وهل ترك لنا
عقيل من دار» وظاهره أنّه قد أجاز ما صنعه عقيل تكرّماً. ويستفاد منه صحّة بيع
الفضولي إذا تعقّبه الإجازة ولو كان غصباً.
وقد ظهر من ذلك
أنّ سفره (عليه السلام) لم ينقطع بشئ من القواطع ، فلا يكون قصره لوجوب التقصير
على ناوي الإقامة ومَن في حكمه إذا خرج إلى ما دون المسافة كما ذهب إليه جماعة من الأصحاب ، فلا يدلّ على كون عرفة على حدّ التقصير.
__________________
والوجه في
الحديث حمله على حجّتهم مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حال إقامته بمكّة قبل
الهجرة دون حجّة الوداع ، فقد جاء في عدّة أخبار أنّه حجّ بها قبل أن يهاجر عشر حجج أو عشرين حجّة وأنّه
حجّ من المدينة حجّة واحدة هي حجّة الوداع ، وفي بعضها : «ولم يحجّ حجّة الوداع إلاّ وقد حجّ قبلها» أو يحمل
على أنّه (عليه السلام) أمر أهل مكّة في حجّة الوداع بالتقصير ، فكان وجوب التقصير
عليهم لأجل أمره لا للتأسّي.
ومعنى قوله (عليه
السلام) «كأنّهم لم يحجّوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقصّروا» أنّهم لم
يحجّوا معه فقصّروا امتثالا لأمره إيّاهم لا اتّباعاً لما فعله من القصر. وفي كلا
الوجهين بُعدٌ لكن لا مندوحة عنهما في رفع الإشكال.
وما رواه
المفيد في «المقنعة» في باب زيادات فقه الحجّ في جملة أخبار رواها واعتمدها في
الباب قال : قال (عليه السلام) : ويلٌ لهؤلاء القوم الّذين يتمّون الصلاة بعرفات
أما يخافون الله؟ فقيل له : فهو سفر؟ فقال : وأيّ سفر أشدّ منه .
فهذه الأحاديث
كما ترى دلّت على وجوب التقصير على أهل مكّة إذا ذهبوا إلى عرفات بطرق متعدّدة
ووجوه معتمدة من الأمر بالتقصير والنهي عن الإتمام والتوبيخ عليه والدعاء عليهم
بالويل وتخطئتهم بالفعل وقوله (عليه السلام) «أما يخافون الله ، وكأنّهم لم يحجّوا
مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأيّ سفر أشدّ منه» وقد اجتمع في جملة
منها وجهان ممّا ذكر وأكثر ، وفي البعض بلاغ في تأدية المطلب وتوفية المقصد ، وهي
مع ذلك صحيحة الإسناد ومعتضدة بقرينة الاعتماد.
ومعلوم أنّ
المسافة ما بين مكّة وعرفة لا تبلغ ثمانية فراسخ كما تشهد به المشاهدة والعيان
فضلا عن المساحة والامتحان ولا ينقص عن الأربعة ، لأنّ
__________________
النصوص دلّت على التقصير في هذا المسير ، ولو كان دون البريد لما جاز القصر
فيه بالإجماع ، بل الظاهر أنّ المسافة بينهما بريد أربعة فراسخ من دون زيادة ولا نقصان
كما تقتضيه روايتا عمّار المتقدّمتان .
وينصّ عليه ما
في «القاموس » أنّ عرفات موقف الحاج على اثني عشر ميلا من مكّة. وصرّح
الأزرقي في «تاريخ مكّة » بتحديد المسافة بالاثني عشر وعيّن مواضع الأميال وبيّن
أعلامها لكنّه جعلها من المسجد الحرام إلى موقف الإمام بعرفات ، وقال : إنّ ما
بينهما بريد سواء لا يزيد ولا ينقص. وهذا يعطي أنّ المسافة بين بلدة مكّة المشرّفة
وموقف الحاج دون البريد ، ولا التفات إلى ذلك بعد ما سمعت من النصوص ولا إلى ما
يقال : إنّ ما بين موقف الحجيج من عرفة إلى مكّة نحو من تسعة أميال كما حكاه
الفيّومي في «المصباح المنير ». نعم ما بين عرفة من جهة بئر المجاز وهي أبعد حدودها
عن الموقف في المعروف ما يقرب من تلك المسافة. ولعلّ المراد بالموقف في كلام هذا
القائل ما يصحّ فيه الوقوف لا الموقف المعروف ، فيرتفع الخلاف. والحكم بالقصر في
الروايات قاض بإرادة الموقف المعهود وأنّه من مكّة على رأس البريد ، فلا إشكال.
وإيجاب القصر
في هذه الروايات على أهل مكّة في خروجهم إلى عرفات يدلّ على وجوب التقصير في بريد
لمريد الرجوع لا ليومه ، لأنّ المراد بخروجهم إليها خروجهم حجّاجاً كما وقع
التصريح في بعضها ، ودلّ عليه شاهد الحال في سائرها.
والخروج بهذا
القصد لا يتأتّى معه الرجوع لليوم إذا كان على الوجه المعهود
__________________
من خروج الحاجّ يوم التروية ، سواء رجعوا يوم العيد أو من غده أو أخّروا الرجوع
إلى النفر الأوّل أو الثاني إذا كانوا قارنين أو مفردين الحجّ فرضاً أو نفلا ، فإنّ
رجوعهم يكون على الأوّل لليلتين أو ثلاث ليال ونحو من يومين أو ثلاثة وعلى الثاني
لأربع ليال أو خمس ونحوهنّ من الأيّام.
وكذا لو اتفق
لبعضهم تأخير الخروج إلى يوم عرفة على خلاف المعهود وترك المبيت بمنى لعدم وجوبه
مع قصد الرجوع بعد العيد ، فإنّ أقلّ العود معه ليلتان ونحو من يومين. أمّا إذا
أخّر الخروج إلى يوم عرفة وعجّل بالرجوع يوم العيد وهو أدنى الفروض المتصوّرة ،
فإن أُريد باليوم بياض النهار أو مقدار اليوم أو الليلة امتنع الرجوع لليوم ، وكذا
لو أُريد به مجموع اليوم والليلة وقيل بوجوب استيعاب الوقوف بعرفة من الزوال إلى
الغروب ، إذ لا بدّ حينئذ من المباكرة إلى عرفات صبيحة يوم عرفة لإدراك الزوال في
الموقف ، وهذا مع ليلة النحر والمقدار
المشغول من
يومه بالعود إلى منى وأعمالها والعود إلى مكّة يزيد على اليوم والليلة ، ولو
فسّرنا اليوم بالمجموع ولم نوجب الاستيعاب كان الرجوع لليوم في حيّز الإمكان إلاّ
أنّ ذلك لم يكد يحصل لأحد إلاّ بعسر وكبد. ولو أُريد بالرجوع ليومه الأخذ في
الرجوع قبل انقضائه إذا * أمكن ذلك ما لم يقصد باليوم بياض النهار وسهل الأمر على
بعض الوجوه لكنّهم لا يقولون به بل يوجبون الانتهاء إلى المحلّ الّذي خرج منه قبل
الانقضاء.
وهذه الفروض مع
عدم استحبابها على جميع الوجوه الآتية في معنى الرجوع لليوم نادرة الوقوع مخالفة
للمعهود من طريقة الحاج ، فلا تحمل عليها هذه الأخبار. ومن المعلوم أنّ النكير
الواقع فيها على أهل مكّة في إتمامهم الصلاة بعرفات إنّما وقع على الجمّ الغفير
والسواد الأعظم دون النادر الّذي يشكّ في وجوده بل في إمكانه ولا أقلّ من دخول مَن
لم يرد الرجوع ليومه في هذه الأخبار
__________________
* ـ الظاهر أنّ
في العبارة خللا فلتراجع (مصحّحه).
وتناولها له من
باب العموم حيث إنّه الفرد الغالب للمسير المذكور فلا يختصّ الحكم بغيره.
وإنّما أفردنا
هذه الأحاديث عن أخبار القسم الثالث الدالّة على اشتراط الرجوع وعن روايات القسم
الثاني الظاهرة في عدم اشتراطه لأنّ ما تضمّنته هذه الأحاديث من وجوب التقصير على
أهل مكّة في خروجهم إلى عرفة وهو القدر المشترك بينها غير ظاهر في شئ من الأمرين
المذكورين بل هو محتمل لهما ، فإنّ الحكم بالتقصير عليهم يمكن استناده إلى الرجوع
المتحقّق لهم في هذا السفر وإلى مجرّد حصول البريد وإن تحقّق الرجوع ، فإنّ حصول
الشئ غير اشتراطه ، ومن الجائز أن يكون وجوب القصر فيه لكونه فرداً من أفراد
المسافة الموجبة للقصر لا لما اتفق معه من خصوصية الرجوع ، ولذا أورد الكليني (رحمه
الله) جملة من هذه الأخبار في «الكافي » مع ذهابه إلى الأربعة المطلقة وتجريد كتابه من أخبار
الرجوع بالمرّة ، وما ذلك إلاّ لأنّها لا تنافي مذهبه ، بل لا يبعد استفادة
الاكتفاء بالبريد – كما ذهب إليه ـ من صحيحة معاوية بن عمّار الثالثة ورواية إسحاق بن عمّار اللتين رواهما الشيخ حيث أطلق فيها البريد في جواب
السؤال عن مسافة القصر وإن جعل التقصير على أهل مكّة شاهداً عليه ، وكذا من سائر الأخبار
لخلوّها عن الإشعار بمدخلية الرجوع حتّى قوله (عليه السلام) «وأيّ سفر أشدّ منه» إذ لا يتعيّن أن يكون ذلك لأجل الرجوع المشتمل على
التكاليف والمشاقّ ، فهذه الأحاديث أقرب إلى مدلول القسم الثاني لكنها لا تبلغ حدّ
الظهور فيه بحيث يصلح الاستناد إليها في إثباته ، فكان إفرادها عنه وعن غيره هو
الأولى.
ويتعلّق بهذا
النوع من الأخبار روايتان :
الأُولى : ما
رواه الشيخ في «التهذيب» في باب زيادات فقه الحجّ عن حمّاد
__________________
ابن حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من قدم مكّة قبل
التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة ، فإذا خرج إلى
منى وجب عليه التقصير ، فإذا زار البيت أتمّ الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا رجع
إلى منى حتى ينفر . وحمّاد هذا هو حمّاد بن عيسى الجهني بقرينة روايته عن
حريز ، ولم يذكر الشيخ الطريق إليه في الكتاب ، وله إليه في «الفهرست » طرق لا تخلو عن ضعف أو جهالة ، فالحديث ضعيف إلاّ أن
يكون مأخوذاً من كتاب حمّاد ويكون الكتاب متواتر النسبة إليه فلا يتوقّف على
الإسناد ، وما دلّ عليه من وجوب إتمام الصلاة على مَن قدم قبل التروية بعشرة أيّام
ظاهر لحصول الإقامة القاطعة للسفر ، وفي بعض النسخ من قدم بعد الرؤية بعشرة وهو
كذلك ، لأنّه بفواته الحجّ يقيم في مكّة حولا ليقضي ما فاته من الحجّ.
والظاهر من
قوله (عليه السلام) «وهو بمنزلة أهل مكّة» أنّ المقيم بمكّة بمنزلة أهلها في جميع
الأحكام لا في خصوص الإتمام حال الإقامة ، فيدلّ على إتمام المسافر إذا خرج في
محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة مطلقاً كما ذهب إليه بعض المتأخّرين
استناداً إلى
هذا ومثله ، ومن قوله «فإذا خرج ... إلى آخر الحديث» أنّه تفريع على عموم المنزلة
المذكورة ، فتكون الأحكام الثلاثة المفصّلة فيه مترتّبة على ذلك وناشئة منه.
والترتيب في
الحكم الأوّل ـ وهو وجوب القصر على المقيم إذا خرج إلى منى في خروجه الأوّل ـ واضح
، فإنّ المراد به خروجه إليها بقصد الحجّ والمضي إلى
__________________
عرفات ، وإذا وجب القصر بذلك على أهل مكّة لكونه سفراً وجب على المقيم أيضاً
بل كان المقيم بهذا أولى. وأمّا الحكمان الآخران ـ وهما وجوب الإتمام عليه إذا زار
البيت ووجوبه إذا رجع إلى منى ـ ففيهما إشكال ، لأنّ حكم المقيم قد انتقض بسفره
إلى عرفات كما اقتضاه وجوب القصر عليه في الفرع الأوّل ، فلا يتعيّن عليه الإتمام
بمكّة ، ولا يجوز له ذلك إذا رجع إلى منى بخلاف أهل مكّة المتوطّنين بها ، لأنّ
سفرهم قد انقطع بالوصول إلى مكّة الّتي هي وطنهم ، فكان الإتمام واجباً عليهم فيها
وفي منى لعدم بلوغها مسافة القصر ، لأنّها على فرسخ من مكّة. ومع اختلاف أهل مكّة
والمقيم بها في وجود القاطع وعدمه فلا تصحّ التسوية بينهما في الحكم ولا ينزّل
أحدهما منزلة الآخر.
والحديث من
المشكلات ، وجملة ما قيل أو يقال فيه وجوه ليس شئ منها بشئ :
الأوّل : إنّ
وجه الإتمام في حقّ المقيم بمكّة ومنى أنّ مكّة من مواضع التخيير وكذا منى ،
لأنّها من الحرم والتخيير يعمّ الحرم كلّه ولا يختصّ بالمسجد ولا بالبلد على ما
ذهب إليه جماعة من الأصحاب ودلّت عليه جملة من الأخبار . والحديث وإن دلّ في ظاهره على وجوب الإتمام بها عيناً
إلاّ أنّه محمول على التخيير وأفضلية التمام جمعاً بينه وبين ما دلّ على وجوب
القصر.
وفيه : أنّ
الكلام في الحكم المترتّب على المنزلة الثانية للمقيم باعتبار الإقامة وهو الوجوب
العيني لا التخييري ، والتخيير بين القصر والإتمام في هذه المواطن ثبت للمسافر
مطلقاً أقام فيها أم لم يقم ، فلا تكون الإقامة مؤثّرة فيه ، على أنّ الإتمام بمنى
لو كان لثبوته في مطلق الحرم لثبت قبل النفر وبعده وفي منى ذاهباً وراجعاً وفي
غيرها من مواضع الحرم كالمشعر وغيره ، والمستفاد من النصّ
__________________
اختصاصه بمنى حال الرجوع كما يدلّ عليه مفهوم قوله (عليه السلام) «حتّى
ينفر» وإطلاق قوله «فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير».
الثاني :
الإتمام بمكّة ومنى لاختصاصهما بالتخيير من بين مواضع الحرم. ويدلّ عليه ما رواه
الشيخ في الصحيح عن عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام)
أنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين ، فمنها أن
يأمر بتتميم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يأمر بتقصير الصلاة ما لم ينو مقام
عشرة أيّام ، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا من عامنا هذا فإنّ
فقهاء أصحابنا أشاروا عليَّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيّام ، فصرت إلى
التقصير ، وقد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك؟ فكتب إليَّ بخطّه : قد علمت يرحمك الله
فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتكثر
فيهما الصلاة. فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً : إنّي كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا؟
فقال : نعم. فقلت : وأيّ شئ تعني بالحرمين؟ فقال : مكّة والمدينة ومنى ، إذا
توجّهت من منى فقصّر الصلاة ، فإذا انصرفت من عرفات إلى منى وزرت البيت ورجعت إلى
منى فأتمّ الصلاة تلك الأيّام الثلاثة ، وقال بإصبعه ثلاثاً . وهذا الحديث مع صحّته صريح في أنّ المسافر يتمّ الصلاة
بمنى كما يتمّها بمكّة ، وظاهره اختصاص الإتمام بهما من بين مواضع الحرم كما قلنا.
ومنى في قوله (عليه
السلام) بمكّة والمدينة ومنى» بالنون للمكان المعروف لا بالتاء للزمان كما يوجد في
بعض النسخ وإلاّ لتوالي الشرطان ولم يلائم صدر الحديث آخره ، وعلى الأوّل فالدلالة
في الحديث من وجهين بخلاف الثاني فإنّها من وجه واحد وهو قوله «إذا توجّهت من منى
... إلى آخر الحديث».
ويتوجّه عليه
أنّ الكليني (رحمه الله) روى هذا الحديث إلى قوله «مكّة والمدينة»
__________________
ولم يذكر «منى» ولا الكلام الّذي بعدها ، وهو المناسب في تفسير الحرمين.
وأمّا منى فإن قصد دخولها في الحكم لدخولها في الحرمين عمّ الحكم جميع مواضع الحرم
ولم يناسب تفسيره ببعضها بل رجع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل ، وإن أُريد تفسير
الحرم بمكّة ومنى خاصّة فهو شئ غريب غير معهود في الأخبار ولا في غيرها ، فإنّه
إمّا مطلق الحرم المعروف فيدخل فيه غير هذين الموضعين ، أو خصوص البلد أو المسجد
فتخرج عنه منى ، وإن بني الكلام على دخولها في الحكم وخروجها عن الحرم بهذا
التفسير على أن يكون «ومنى» مثلهما أو نحو ذلك ، فهو مع ما فيه من التكلّف يقتضي
ثبوت التخيير في خمسة مواضع ، والمعروف نصّاً وفتوى ثبوته في أربعة ، ومع ذلك
فالإتمام في مكّة ومنى لأجل خصوصية المكان غير الإتمام اللازم من الإقامة وتنزيل
المقيم بمنزلة أهل مكّة كما دلّ عليه الحديث فلا يتمّ التقريب.
الثالث : أن يكون
الحكم بإتمام المقيم بمكّة ومنى لخصوصية الإقامة الواقعة بمكّة لا لاقتضاء مطلق
الإقامة له ، ويشهد لذلك ما رواه الشيخ عن محمّد بن إبراهيم الحضيني قال : استأمرت
أبا جعفر (عليه السلام) في الإتمام والتقصير ، قال : إذا دخلت الحرمين فانو عشرة
أيّام وأتمّ الصلاة. فقلت : إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ،
قال : انو مقام عشرة أيّام وأتمّ الصلاة.
قال الشيخ :
المعتمد عندي هو أنّه من حصل بالحرمين ينبغي له أن يعزم على مقام عشرة أيّام ويتمّ
الصلاة فيهما وإن كان يعلم أنّه لا يقيم أو يكون في عزمه الخروج
من الغد ، ويكون هذا ممّا يختصّ به هذان الموضعان ويتميّزان به من سائر البلاد ،
لأنّ سائر المواضع متى عزم الإنسان فيها على المقام عشرة أيّام وجب عليه الإتمام ،
ومتى كان دون ذلك وجب عليه التقصير .
والوجه في
الحديث وفي كلام الشيخ حملهما على أنّ من خصائص الحرمين
__________________
أنّ الإقامة فيهما لا يشترط فيها التوالي ، بل يصحّ وإن كانت أيّاماً
متفرّقة بخلاف سائر البلدان ، وبهذا يندفع التشنيع على الشيخ في كلامه المنقول
ويرتفع الاستبعاد عن النصّ ، فإنّ العزم على الإقامة ينافي العلم بعدم حصولها لا
العلمبحصولها متفرّقة غير متوالية ، ومتى جازت الإقامة في مكّة مع عدم توالي
العشرة كانت الإقامة مؤثّرة في الإتمام لمن عاد إليها وإن تخلّل السفر بينها وبين
العود ، وجاز تأثيرها في الإتمام بمنى فإنّه من أفراد خروج المقيم من محلّ إقامته
إلى ما دون المسافة ، فكان كخروجه قبل تخلّل السفر ، ويبنى الحكم في ذلك على أنّ
الخروج إلى ما دون المسافة لا يقطع الإقامة مطلقاً أو يجعل هذا أيضاً من خصائص
المحلّ.
ويردّ عليه أنّ
اختصاص الحرمين بما ذكر غير معروف ولا ثابت. ومقتضى النصوص وفتاوى الأصحاب اشتراط
التوالي في الإقامة مطلقاً سواء في ذلك الحرمان وغيرهما ، ورواية الحضيني مع
شذوذها وعدم وضوح سندها ظاهرة في صحّة الإقامة بهما وإن علم عدم حصول العشرة
متوالية أو غير متوالية ، فحملها على عدم اشتراط التوالي وبناء هذا الوجه عليه
وهنٌ على وهن.
الرابع : الحمل
على إرادة إقامة مستأنفة بعد الرجوع كما هو الغالب من بقاء الحاجّ بمكّة بعد الحجّ
عشرة أيّام أو أكثر ، ولا ينافيه الخروج إلى منى ، لأنّ الخروج إليها دون المسافة
لا يهدم الإقامة. وعلى هذا يجب على المقيم أن يتمّ الصلاة بمكّة بعد رجوعه من
عرفات ومنى أيضاً بعد العود ، وهو بناءٌ على أساس منهدم ، فإنّ الصحيح عدم صحّة
الإقامة المصاحبة لنيّة الخروج إلى ما دون المسافة لمنافاتها التوالي المعتبر في
الإقامة ، ومع ذلك فالإشكال في الحديث باق لم يندفع فإنّ المقيم إنّما نزّل فيه
منزلة المتوطّن بالإقامة المفروضة فيه وهي الإقامة المتقدّمة على خروجه إلى عرفات
، ولا يرتفع هذا الإشكال بفرض إقامة اُخرى بعد الرجوع ، لعدم ترتّب التنزيل عليها
في النصّ ، فاعتبارها على ما فيه من التكلّف ضائع لا أثر له.
الخامس : بناء
الحديث على أنّ الرجوع ليومه شرط يعيّن القصر في البريد ، وأنّ البريد مع فقد شرطه
المذكور ليس سفراً فلا تنتقض الإقامة به كما لا تنتقض بما دونه ، لاشتراكهما في
كونهما خروجاً إلى ما دون المسافة الّتي يتعيّن فيها القصر وإن اختلفا في جواز
القصر وعدمه ، فيتعيّن على المقيم إتمام الصلاة بمكّة بعد الرجوع إليها من عرفات
وكذا في منى بعد العود إليها من مكّة.
وفيه : منع
توقّف السفر على تحتّم القصر ، فقد يتحقّق مع جواز الإتمام كما في مواضع التخيير
مع وجوبه كما في كثير السفر والعاصي بسفره ، وأنّ الظاهر انتقاض الإقامة بالخروج
إلى ما دون المسافة إمّا مطلقاً أو حال الرجوع فلا يجوز الإتمام بمكّة ومنى للمقيم
بعد العود من عرفات إلاّ لكونهما من مواطن التخيير ، ولو كان حكم الإقامة باقياً
في الخروج إلى ما دون المسافة لوجب الإتمام قبل السفر في منى وظاهر الحديث اختصاصه
بما قبل السفر.
السادس : إرجاع
الضمائر في قوله «خرج وزار ورجع» إلى أهل مكّة دون المقيم ، والأحكام الثلاثة
ثابتة لهم بلا إشكال وهو تكلّف شديد وتعسّف بعيد ، فإنّ المقصود بيان حكم المقيم
كما يدلّ عليه صدر الحديث وتوحيد الضمائر وقوله «حتّى ينفر» مع أنّ عموم المنزلة
الّذي هو منشأ الإشكال يقتضي ثبوت هذه الأحكام وغيرها للمقيم حيث جعل بمنزلتهم ،
فإرجاع الضمائر إليهم على ما فيه لا يجدي نفعاً في دفع المحذور.
والوجه الحاسم
لمادّة الإشكال صرف المنزلة عن ظاهرها الّذي هو العموم وحملها على أنّ المراد بيان
كون المقيم بمكّة بمنزلة أهلها في وجوب الإتمام بها ما لم يخرج تأكيداً لما أفاد
صدر الحديث ، ويكون قوله (عليه السلام) «فإذا خرج ... إلى آخره» تفصيلا لأحكام
المقيم إذا خرج من مكّة وعاد إليها من دون قصد التفريع على ما تقدّم من المنزلة.
وعلى هذا ، فلا
دلالة في الحديث على بقاء حكم الإقامة للخارج إلى ما دون
المسافة كما قيل لابتنائه على عموم المنزلة ولا على أنّ خروج المقيم إلى
عرفات موجب للقصر ، لاحتمال أن يكون الوجه في تقصيره انتقاض حكم الإقامة بالخروج
إلى ما دون المسافة كما ذهب إليه الشيخ ومَن وافقه فإنّهم فرضوا المسألة في خروج المقيم بمكّة إلى عرفات
وصرّحوا بوجوب القصر عليه ذهاباً وإياباً وفي المقصد وفرّقوا في ذلك بين المقيم
والمتوطّن ، لكن ما ذهبوا إليه من إطلاق القصر في حقّ المقيم خلاف التحقيق فإنّ
الأظهر وجوبه في الرجوع خاصّة دون الذهاب والمقصد ، وبه قال الشهيدان وأكثر المتأخّرين ، وعليه يتوجّه دلالة الحديث على أنّ الخروج إلى عرفات
سفر موجب للقصر حيث لم يفرّقا فيه بين حالتي الرجوع وغيره ، ولو كان الوجه فيه
خروجه إلى ما دون المسافة لوجب التفصيل.
وقد تبيّن من
هذا وما قبله أنّ الحديث دليل على أنّ الخروج من مكّة إلى عرفات سفر يجب به القصر
على المتوطّن والمقيم سواء أُريد بالمنزلة فيه العموم أو الخصوص. وهذا هو محلّ
الحاجة إلى الحديث هنا.
وأمّا ما
تضمّنه من إتمام المقيم إذا رجع من عرفة إلى مكّة فالوجه فيه على تخصيص المنزلة
أنّ مكّة من مواضع التخيير والأفضل فيها هو الإتمام ، فيكون الأمر به محمولا على
الاستحباب أو الوجوب التخييري. ولا يتوجّه عليه ما سبق من الإيراد فإنّه مبنيّ على
عموم المنزلة والمفروض حينئذ خلافه.
__________________
وأمّا الإتمام
بمنى إذا عاد فهو محمول على التقيّة ، لأنّه المعروف من فعل خلفائهم وأُمرائهم.
ويدلّ عليه ما رواه الكليني (رحمه الله) في الصحيح على الأصحّ عن زرارة عن أبي عبد
الله (عليه السلام) قال : حجّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) فأقام بمنى ثلاثاً
يصلّي ركعتين ، ثمّ صنع ذلك أبو بكر بمكّة ثمّ صنع ذلك عمر ثمّ صنع ذلك عثمان ستّ
سنين ثمّ أكملها عثمان أربعاً فصلّى الظهر أربعاً ثمّ تمارض ليشدّ بذلك بدعته عنه
، فقال للمؤذّن اذهب إلى عليّ فقل له فليصلّ بالناس العصر ، فأتى المؤذّن عليّاً (عليه
السلام) فقال : إنّ أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلّي بالناس العصر ، فقال :
إذاً لا أُصلّي إلاّ ركعتين كما صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فذهب
المؤذّن فأخبر عثمان بما قال عليّ (عليه السلام) ، فقال : اذهب إليه وقل له : إنّك
لست من هذا في شئ اذهب فصلّ كما تؤمر ، فقال عليّ (عليه السلام) : لا والله لا
أفعل ، فخرج عثمان فصلّى بهم أربعاً ، فلمّا كان من خلافة معاوية واجتمع الناس
عليه وقُتل أمير المؤمنين (عليه السلام) حجّ معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين
الظهر ثمّ سلّم ، فنظرت بنو أُميّة بعضهم إلى بعض وثقيف ومَن كان من شيعة عثمان
ثمّ قالوا : قد قضى على صاحبكم وخالف وأشمت به عدوّه ، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا
: أتدري ما صنعت ما زدت على أن قضيت على صاحبنا وأشمتّ به عدوّه ورغبت عن صنيعه
وسنّته ، فقال : ويلكم أما علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلّى في هذا
المكان ركعتين وأبو بكر وعمر وصلّى صاحبكم ستّ سنين كذلك فتأمروني أن أدع سنّة
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما صنع أبو بكر وعمر وعثمان قبل أن يحدث؟
فقالوا : لا والله ما نرضى عنك إلاّ بذلك ، فقال : فأقيلوا فإنّي مشفّعكم وراجع
إلى سنّة صاحبكم ، فصلّى العصر أربعاً ، فلم تزل الخلفاء والأُمراء على ذلك إلى
اليوم . فهذا الحديث ينادي بأنّ الإتمام بمنى حيث ورد في رواياتنا قد خرج مخرج
التقيّة.
وفيه : مع ذلك
دلالة على اختصاص التخيير بمكّة وعدم رجحان الإتمام في
__________________
منى وغيرها من مواضع الحرم ، وإلاّ لفعله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
وأمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يثبت به طعن على عثمان ومَن تابعه على ذلك ، بل
الظاهر من الحديث أنّ منى كغيرها في أنّ المتعيّن فيها القصر وأنّ الطعن على عثمان
وغيره لمخالفة الواجب في هذا المحلّ.
وقد أورد
الجمهور في صحاحهم طعن الصحابة على عثمان في إتمام الصلاة به والمستفاد منها ذلك
أيضاً ، فروى البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود عن ابن مسعود أنّه قيل له : صلّى عثمان بمنى أربع ركعات
، فقال : صلّيت مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ركعتين ومع أبي بكر وعمر
ركعتين ثمّ تفرّقت بكم الطرق ، فياليت حظّي من أربع ركعات ركعتان متقبّلتان.
وروى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر وعثمان صدراً من خلافته ثمّ إنّه بعد صلّى أربعاً
، فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعاً وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين.
وروى ابن حنبل وأبو يعلى عن عبد الرحمن بن ذياب أنّ عثمان صلّى بمنى أربعاً
فأنكره الناس ، فقال : أيّها الناس إنّي تأهّلت بمكّة منذ قدمت وإنّي سمعت رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من تأهّل في بلد فليصلّ صلاة المقيم ، فهذا
ما اعتذر
__________________
به لنفسه ، واعتذر عنه أصحابه تارةً بأنّه اتّخذ الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها فصلّى
بمنى أربعاً وأُخرى بأنّه صلّى أربعاً ، لأنّه أجمع على الإقامة بعد الحجّ ، وقال
بعضهم : إنّه إنّما أتمّ بها من أجل أنّ الأعراب كثروا فصلّى أربعاً يعلمهم أنّ الصلاة
أربعاً. فانظر إلى هذه المعاذير وما فيها من التدافع والتلاعب ، وهب أنّها سوّغت
له الإتمام لوجوب سببه فما الباعث على حمل الناس على ذلك؟ وما الحامل لهم على
متابعته مع اختصاص أكثر هذه الأعذار به.
وما تضمّنته
هذه الأخبار من الإنكار والاعتذار لا يمنع من حمل الأمر بالإتمام على التقيّة ،
فإنّ التقيّة كما تكون من فتوى أرباب المذاهب المعروفة في زمن الصدور فكذا قد يكون
من عمل ذوي الشوكة وإن علموا خلافه ، بل هؤلاء أولى بأن يخشوا ويتّقوا ، والتقيّة
من أصحاب المذاهب راجعة إلى التقيّة منهم حيث إنّهم يتديّنون بها ويرجعون إليها ،
فإذا كان عملهم على خلافها كان ذلك هو موضع التقيّة دون غيره ، ويظهر ذلك ما ورد
في طهارة الخمر ومتعة الحجّ ونحوهما ممّا خالف فيه المذهب العمل فلا تغفل.
الرواية
الثانية : ما رواه الشيخ (رحمه الله) في باب الصلاة في السفينة من أبواب زيادات «التهذيب»
في الصحيح عن أبي ولاّد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي كنت خرجت من
الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في
الماء فسرت يومي ذلك أُقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة فلم أدر
أُصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام؟ وكيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال : إن كنت سرت في
يومك الّذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير ، لأنّك كنت
مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك ، قال : وإن كنت لم تسر في يومك الّذي خرجت فيه
بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة
__________________
صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك ، لأنّك
لم تبلغ الموضع الّذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت ، فوجب عليك قضاء ما قصّرت وعليك
إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك .
وفي الرواية
دلالة على فورية القضاء ووجوب قضاء المسافر ما صلاّه قصراً إذا رجع عن نيّة السفر
وإن خرج الوقت واعتبار المنزل في الرجوع دون حدّ الترخّص ، والكلّ خلاف المختار ،
ويمكن توجيهها بالحمل على الندب وارتكاب التوسّع في المنزل كما مرّ نظيره في أحاديث
هذا النوع.
وظاهرها عدم
اشتراط الرجوع ليومه في البريد ، لأنّ الرجوع في قول السائل «ثمّ بدا لي في الليل
الرجوع إلى الكوفة» لا تقييد فيه باليوم بناءاً على ما هو الظاهر من تعلّق الظرف
وهو قوله «في الليل» بالفعل المتقدّم عليه وهو «بدا» دون الرجوع المتأخّر عنه ،
فإنّه يقتضي تحقّق العدول عن الإرادة الأُولى في الليل وحصول الإرادة الثانية فيه
، فأمّا الرجوع فيحتمل وقوعه فيه وفي غيره ، وقد ترك الاستفصال عن ذلك في الجواب ،
فيدلّ على وجوب القصر وإن أخّر الرجوع فلا يكون ليومه شرطاً وإن فسّر اليوم بمجموع
اليوم والليلة. ولو أُريد به بياض النهار أو مقدار اليوم والليلة دلّ الحديث على
ذلك ، وإن علّق الظرف بالرجوع ، فالحديث من جملة أحاديث هذا النوع وإن لم يكن
بمثابة أخبار عرفات في وضوح الدلالة على عدم اشتراط الرجوع ليومه ، فإنّ إرادة
الرجوع في الليل تقرب الرجوع ليلا مع احتمال تعلّق الظرف بالرجوع المقتضي لذلك ،
فلا ينافي اشتراط الرجوع ليومه إذا كان المراد به مجموع اليوم والليلة ، بل قد
يستفاد ذلك من الحديث بتدقيق النظر ، فإنّه (عليه السلام) قد اشترط في التقصير حال
الرجوع أن يكون قد سار في يومه الّذي قد خرج فيه بريداً وأوجب الإتمام إذا كان
مسيره في يومه ذلك دون البريد ، واشتراط وقوع الذهاب في اليوم يستلزم اشتراط
الرجوع فيه ، لأنّ اعتبار اليوم
__________________
في الذهاب وحده دون الإياب خلاف الإجماع ، ولولا قول السائل «فسرت يومي ذلك
أُقصّر الصلاة» لكان هذا وجهاً حسناً في اشتراط الرجوع ليومه ، وأمّا مع وجوده
فالظاهر أنّ التقييد باليوم في الجواب تبع لفرض وقوع السير الذهابي فيه في كلام
السائل ، والغرض أنّ سيره في ذلك اليوم المفروض في السؤال إن كان بريداً وجب القصر
وإلاّ وجب الإتمام ، فينبغي اعتبار المفهوم فيه ، ويبقى التقريب الأوّل دليلا على
عدم الاشتراط سالماً عن معارضة الاعتبار المذكور.
وأمّا أصل
الرجوع فقد ادّعى صاحب «الوافي» أنّ الحديث صريح في اعتباره ، ولا أعرف له وجهاً ، فإنّه لا إشعار له بذلك فضلا عن
أن يكون نصّاً فيه ، بل أقصى ما دلّ عليه تحقّق الرجوع وأمّا أنّه شرط في القصر
فلا ، واشتراط البريد في الذهاب لا دلالة له على اعتبار التلفيق ، لاحتمال أن يكون
الغرض منه حصول المسافة بالبريد وحده ، بل هذا هو الظاهر من الحديث ، ويدلّ عليه
قوله (عليه السلام) في التعليل «لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك» فإنّ
المتبادر تحقّق السفر ببريد الذهاب لا حصوله بمجموع البريدين.
وقوله «إلى أن
تصير» غاية لشئ مقدّر ، والمعنى إنّك كنت مسافراً بالبريد الّذي وقع منك في ذهابك
فتبقى على ذلك إلى أن تصير إلى منزلك. وأيضاً فقد علّل قضاء الصلاة إذا كان سيره
دون البريد بأنّه لم يبلغ الموضع الّذي يجب فيه التقصير ، وليس المراد به حدّ
الترخّص ، فإنّه لا يبلغ البريد قطعاً بل المراد عدم بلوغه مسافة القصر الّتي هي
بريد أربعة فراسخ ، وقد يحمل ذلك على أنّ المقصود عدم بلوغ الموضع الّذي يجوز فيه
القصر على تقديري الذهاب والرجوع وهو البريد ، فإنّ ما دون البريد إنّما يجوز معه
القصر على تقدير الذهاب خاصّة دون الرجوع ، وبعده ظاهر ، فالحديث بنفسه ظاهر في
الاكتفاء بالبريد وحده ، بل هو من أظهر الروايات الدالّة على ذلك لكنّه قابل
للتأويل (فالتأويل ـ ظ) فيه كغيره لازم لقوّة
__________________
المعارض ، وبعد التأويل فالظاهر منه مطلق الرجوع دون الرجوع ليومه كما
بيّناه.
وخامسها : ما
يدلّ على وجوب الإتمام في البريد ولو تخييراً للراجع لغير يومه أو يشعر بذلك ، وهي
عدّة أخبار :
الأوّل : ما
رواه الشيخ في كتاب الصوم من «التهذيب» عن عليّ بن الحسن بن فضال عن أحمد بن الحسن
عن أبيه عن عليّ بن الحسن بن رباط عن العلاء عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه
السلام) قال : سألته عن التقصير ، قال : في بريد. قال قلت : بريد؟ قال : إنّه إذا
ذهب بريداً ورجع بريداً شغل يومه» وعليّ بن الحسن فطحي ثقة وكذا أخوه وأبوه على قول ، وفي فطحيتهما كلام ، والطريق إلى عليّ بن الحسن أحمد
بن عبدون عن عليّ بن محمّد بن الزبير وحديثهما يعدّ صحيحاً أو حسناً ، فالحديث
موثّق.
واحتجّ الشيخ
به في ظاهر كلامه على اشتراط الرجوع ليومه ، وتبعه على ذلك غير واحد من الأصحاب ، ويظهر منهم أنّ ذلك هو عمدتهم في الباب ، وربّما ادّعى
بعضهم أنّه نصّ فيه . ووجه الدلالة أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) «شغل
يومه» تحقّق شغل اليوم بالفعل ولا يكون إلاّ بالرجوع ليومه فيكون شرطاً وهو
المدّعى.
ويتوجّه عليه (أوّلا)
أنّ الغرض من هذا الكلام رفع استبعاد السائل من الحكم بالتقصير في البريد وإزالة
تعجّبه من ذلك بأنّ البريد باعتبار الرجوع يرجع إلى مسير اليوم الموجب للقصر بما
عهده السائل وغيره من الروايات الواردة
__________________
عنهم (عليهم السلام) بتحديد المسافة به ، والمراد به ما يشغل اليوم لا
الشاغل له بالفعل.
وبيان ذلك :
أنّ قوله (عليه السلام) «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً شغل يومه» إشارة إلى صغرى ،
والكبرى مطوية مقرّرة في الشرع ، وصورة القياس المنتظم منهما أنّ السير الحاصل
بالبريد مع العود سير شاغل لليوم ، وكلّ سير شاغل لليوم يقصّر فيه الصلاة ،
فالمسير المذكور كذلك ، وليس المراد بالشاغل في الكبرى خصوص الشاغل بالفعل ، لأنّ
التقصير ليس منوطاً به شرعاً بل بما يشغل اليوم مطلقاً وإن قطع في عدّة أيّام كما
نصّ عليه الأصحاب ودلّت عليه النصوص . وإذا كان المراد بالشاغل في الكبرى مطلق الشاغل كان
ذلك هو المراد في الصغرى ، ضرورة وجوب اتحاد الوسط في المقدّمتين. فيسقط بذلك ما
بني عليه الاستدلال من إرادة الشاغل بالفعل ، ويكون كلامه (عليه السلام) في هذا
الحديث نظير قوله في صحيحة زرارة المتقدّمة في القسم الثالث «وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا
رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» والمقصود فيهما مجرّد اشتراط الرجوع في البريد وأنّه
بالعود يعود إلى الحدود المعروفة المقرّرة في تحديد المسافة من البريدين. والثمانية
ومسير اليوم ممّا لا يعتبر فيه شغل اليوم بالفعل ووجوب القصر بالشاغل مطلقاً وإن
استلزم وجوبه بالشاغل بالفعل إلاّ أنّ الشاغل بالفعل من حيث هو كذلك لا حكم له في
الشرع ولا تأثير له في القصر وإنّما وجب معه التقصير لوجود حدّه الّذي هو مطلق
الشاغل من دون أن يكون للفعلية دخل في العلّية ، فوجب صرف التعليل إليه لا إلى
الشاغل بالفعل.
والجواب عن ذلك
: أنّه لمّا كان الظاهر من قوله (عليه السلام) «شغل يومه» تحقّق
__________________
الشغل بالفعل لا مجرّد الإمكان كان الشاغل في الصغرى المستفادة منه هو الشاغل
بالفعل ، فوجب أن يكون ذلك هو المراد بالشاغل في الكبرى المطوية ، لأنّ المقدّمة
المطوية في القياس إنّما يقدّر على وفق المذكورة فيه ، فإنّ المذكور أصل في
المقدّر وطريق إليه والمقدّر تابع له ومأخوذ منه ، وتقدير المقدّمة المطوية هنا
على وفق المذكورة ممكن فلا يعدل عنه إلى غيره.
قولكم : وجوب
التقصير منوط بما يشغل اليوم مطلقاً لا بما يشغله بالفعل ، قلنا : هذا مسلّم في
المسافة الامتدادية دون الملفّقة فإنّ الأصحاب قد اكتفوا بمطلق الشاغل في السير
الممتدّ ، وأمّا الملفّق فقد اختلفوا فيه أشدّ الاختلاف والأكثرون اشترطوا فيه
الرجوع لليوم ، وهو ملزوم شغل اليوم بالفعل ، فيكون هذا هو مناط القصر
عندهم في هذا القسم ، وأمّا ما يشغل اليوم مطلقاً فهو على قولهم حدٌّ للمسافة
الامتدادية خاصّة لا لمطلق المسافة ، ولا يلزم من الاكتفاء به في الامتداد أن
يكتفى به في التلفيق ، لجواز اختلافهما في الحكم وبطلان استبعاد الفرق إذا اقتضته
الأدلّة الشرعية وإمكان التفرقة بينهما مضافاً إلى النصّ ، لظهور تحقّق السفر في
الثمانية الامتدادية بنفسها ، فلا يحتاج إلى اشتراط أمر زائد ، بخلاف الملفّقة
فإنّ المسافة فيها حقيقة هي البريد ، فالمعتبر معه شغل اليوم بالفعل ليتّصل المسير
ويتبيّن السفر ويظهر فيه المشقّة الّتي هي علّة للقصر جبراً لما فيه من الوهن.
وأمّا الأخبار
فأقربها إلى التحديد بالشاغل أحاديث بياض اليوم ومسير اليوم ، وهي مع عدم صراحتها في العموم مخصوصة المورد بالسير
الامتدادي كما علم ممّا سبق في بيان مدلول القسم الأوّل من أخبار المسألة ، فلا
تنافي اشتراط شغل اليوم بالفعل في السير الملفّق.
__________________
وأمّا ما دلّ
من الأخبار على عدم اشتراط الرجوع لليوم ـ وفيه صحيحة زرارة المشار إليها في الإيراد ـ فذلك
لاستلزامه عدم اعتبار الشغل بالفعل معارض لما دلّ على اعتباره كهذا الحديث ، ونحن
لا ندفع وجود المعارض له وإنّما ندّعي ظهوره في المعنى المذكور ، وللكلام في
المعارض وعلاج التعارض محلّ آخر.
والحاصل : أنّ
غرض المعترض إمّا نفي ظهور الحديث فيما قلناه أو وجوب صرفه عن الظاهر لمكان
المعارض ، فالأوّل باطل ، إذ لا ريب في أنّ الظاهر من قوله «شغل يومه» أنّه شغله
بالفعل. وأمّا الثاني ـ فمع خروجه عن طريق البحث حيث إنّ المقصود أصل الظهور لا
البناء على الظاهر ـ إنّما يتمّ بعد استقصاء الأدلّة من الطرفين وترجيح ما دلّ على
النفي ولم يتحقّق شئ من ذلك.
ولعلّك تقول :
إنّ الغرض هو الأوّل ، لأنّ الظاهر إرادة استبعاد السائل بالأمر الثابت المتقرّر
بغير هذا الحديث وليس إلاّ أخبار مسير اليوم وبياض اليوم وهي ظاهرة في العموم
بمقتضى العرف وفهم الأصحاب واقتران الأمرين المذكورين في الروايات بنحو الثمانية
والبريدين ممّا لا يراد قطعه في يوم واحد ، فيكون شغل اليوم هنا أعمّ من شغله
بالفعل بمقتضى الحوالة المقتضية للتوافق والتبعية في المعنى ، ولا ينافي ذلك
اختصاص مورد تلك الأخبار بالسير الممتدّ ، لأنّ الاستبعاد يرتفع بالمشاكلة
والتنظير ولا يتوقّف على الفردية والدخول ، والمراد أنّه لا استبعاد في التقصير
بالبريد لأنّه يشغل اليوم بالعود فيكون كمسير اليوم الواقع في الذهاب وإن لم يكن
منه.
وفيه : أنّ رفع
الاستبعاد المقصود في الحديث لا يجب أن يكون بالأمر المتقرّر في غيره ، بل يكفي
فيه حصول شغل اليوم المقتضي تضعيف المسافة وظهور المشقّة الّتي هي علّة القصر في
السفر ، هذا معلوم من دون إحالة على التحديد
__________________
ببياض اليوم ونحوه ممّا ورد في تلك الأخبار. ودعوى ظهور الحديث في الحوالة على
ذلك في حيّز المنع ، فإنّ الاستبعاد إذا ارتفع بنفس الحديث فأيّ حاجة إلى الاستعانة
بالغير في رفعه مع تسليم اختلاف المورد ، والبناء على التنظير لا يقتضي التوافق من
كلّ وجه حتّى يكون الاكتفاء بمطلق الشاغل هناك دليلا على الاكتفاء به هنا ، ومن
الجائز أن يكون المراد أنّه إذا ثبت وجوب القصر في السير الممتدّ بالقدر الّذي
يشغل اليوم وإن قطع في أيّام فلا استبعاد في وجوبه به في المطلق إذا قطع في يوم
واحد فإنّ هذا أبلغ في رفع الاستبعاد مع رعاية النظير وعدم الخروج عن الظاهر.
والوجه بقاء
شغل اليوم على ظاهره من الشغل بالفعل ليكون أصلا مستقلاّ في التلفيق وإن كان
المدار في غيره على الأعمّ ، فإن أمكن معه مراعاة التنظير كما صوّرنا وإلاّ منعنا
اعتباره في رفع الاستبعاد ، وقد يوهن اعتباره دخول المقصود في المعنى المراد ب «اليوم»
هنا ، فإنّ المراد به على تقدير الفعلية ما يسع الذهاب إليه والعود فيه والمكث فيه
مقداراً يفي بالغرض الّذي سافر لأجله وهو قدر معتدّ به من الزمان في الغالب وإن
اختلف طولا وقصراً بحسب اختلاف الأعراض والمطالب بخلاف اليوم المعتبر في المسافة
الامتدادية فإنّ المقصود خارج عنه قطعاً ، وقد دلّت الأخبار على أنّ الاعتبار فيه
بسير الجمال والإبل القطار ، واستفاد الأصحاب منها اعتدال المسير واعتدال النهار لينطبق على التحديد بالبريدين والفراسخ والأميال أو
يقاربها ، فلو كان اليوم في السير الملفّق موكولا إلى ذلك لا نطبق على أصل المسير
وما يتفق معه من نحو الصلاة والأكل والشرب وغيرها من الأُمور المشتركة بينه وبين
المسير الامتدادي وخرج عنه زمان اللبث في المقصود مع القطع بدخوله على هذا التقدير
، فأحد الأمرين لازم إمّا أن يراد باليوم فيه ما يعمّ
__________________
الليل أو (يترك ـ ظ) الاعتدال المأخوذ هناك ، وعلى التقديرين فالاختلاف حاصل
بين الموضعين فلا يكون أحدهما تابعاً للآخر ، بل يكون كلّ منهما أصلا برأسه
ومستقلاّ في محلّه ، فإن اكتفي في التنظير بمجرّد اشتراكهما في التحديد باليوم في
الجملة وإن اختلف اليومان في الزمان أو بقدر المسير فلا حاجة في اعتباره وإلاّ
فهذا وحده لا يكفي في صرف الحديث عن ظاهره من اعتبار الفعلية.
لا يقال :
تعليل القصر يشغل اليوم بالفعل يقتضي أن يكون ذلك هو مناط القصر على الإطلاق
لدلالته بالمفهوم على أنّ ما ليس شاغلا له بالفعل * وأنتم لا تقولون به ، فتعيّن
أن يكون المراد صلاحيته لشغل اليوم حتّى يطّرد في الجميع ، لأنّ فهم ذلك في الحديث
يتوقّف على المفهوم ، وقد يمنع العموم فيه بناءاً على أنّ مفهوم الموجبة الكلّية
سالبة جزئيّة لا كلّية ، فيكون مقتضى المفهوم سلب العموم لا عموم السلب فلا يتوجّه
ما ذكر من المحذور ، ولو سلّم فالواجب تخصيصه بما دلّ على الاكتفاء بالشاغل مطلقاً
تحكيماً للمنطوق على المفهوم وللقاطع على الظاهر ، فيختصّ المفهوم بالسير الملفّق
ولا إشكال.
(الثاني) أنّ
الرجوع المأخوذ شرطاً في قوله (عليه السلام) «ورجع بريداً» مطلق غير مقيّد باليوم
، فيكون شغل اليوم المترتّب عليه في الجزاء هو مطلق الشاغل سواء كان بالفعل أو
بالقوّة ، والمعنى أنّه إذا ذهب بريداً ورجع ليومه أو بعده بريداً فقد شغل يومه أي
وجد منه ما يشغل اليوم وما من شأنه ذلك وإن لم يتحقّق الشغل بالفعل ، فإنّ شغل
اليوم بالفعل مع تأخّر الرجوع عنه مستحيل قطعاً ، وتأويل الشرط بما يطابق الجزاء
ليس أولى من العكس فإنّ كلاّ منهما موافقة للظاهر من وجه ومخالفة من وجه آخر ، فلا
يصلح التمسّك به ما لم يعلم رجحان الأوّل ، وهو ممنوع.
وجوابه : أنّ
الرجوع الواقع في الشرط وإن كان مطلقاً إلاّ أنّه يجب تقييده بما
__________________
* ـ هنا نقص
ولعلّ الناقص قوله «لا يوجب القصر» أو نحو ذلك (مصحّحه).
كان ليومه بقرينة الجزاء الدالّ على شغله بالفعل ، وحمله على وجود ما يشغل
اليوم ليطابق إطلاق الشرط وإن كان ممكناً إلاّ أنّ الترجيح للأوّل لقوّة الدلالة
في جانب الجزاء ، فيكون تحكيمه على الشرط أولى من العكس ، ولأنّ تقييد المطلق كثير
شائع فهو كالتخصيص خيرٌ من المجاز ، بل هو في معنى التخصيص المقدّم عليه بالإجماع
، وربّما ترجّح عليه بعدم وضع المطلق للعموم فيكون تقييده أهون من تخصيص العامّ ،
مع ما في هذا الإطلاق من الكلام ، فقد سمعت استدلال الشيخ
وغيره بمثل ذلك على اشتراط الرجوع لليوم مع خلوّه عن مثل هذه
القرينة الموجبة للتقييد فكيف مع وجودها ، والعمدة تبادر الفعلية من هذه الشرطية
من دون تردّد فيكون الحمل عليها متعيّناً ، لأنّ المعنى المتبادر من اللفظ هو
الحجّة وإن استلزم تأويلا في بعض أجزائه. ومن هذا يعلم رجحان البناء على فعلية
الشغل وإن استلزم ارتكاب التقييد في المنطوق والمفهوم معاً على تقدير عموم المفهوم
كما تقدّم لتبادر الفعلية المقتضي للحمل عليها وإن تعدّد به التقييد.
(الثالث) أنّ
أقصى ما دلّت عليه الرواية بعد تقييد الرجوع بما كان في اليوم هو وجوب التقصير في
البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه كان شاغلا له ، وهذا لا يدلّ على
تحقّق الرجوع في اليوم ولا على فعلية الشغل له ، لأنّ صدق الشرطيّة لا يتوقّف على
وجود الشرط والجزاء بل على وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط ، ومقتضى ذلك تحقّق
شغل اليوم على تقدير تحقّق الرجوع ، وأين هذا من القطع بتحقّقه في الواقع.
والجواب : أنّ
الشرطية من حيث هي شرطيّة وإن كانت كذلك إلاّ أنّها تختلف باختلاف أدوات الشرط
ووجود القرائن والأدلّة المقتضية لتعيين الوجود أو العدم وانتفائها ، فقد صرّح
علماء البيان وغيرهم بأنّ «إذا» للجزم بالوقوع و «لو»
__________________
للجزم بعدمه و «إن» للشكّ بينهما ، ويشهد لذلك سبق المعاني المذكورة عند الإطلاق
وكثرة استعمالها كذلك خصوصاً في كلام البلغاء وقولهم «إذا» للجزم بالوقوع يريدون
به أنّها لفرض الأمر الواقع لا أنّ معناها هو الجزم بالوقوع فإنّها موضوعة للشرط
وهو بمعنى الفرض والتقدير المنافيين للقطع والجزم ، وكذا قولهم «لو» للجزم بعدم
الوقوع فإنّ المراد أنّها لفرض الأمر المجزوم بعدمه ، فالشرط في الجميع بمعنى واحد
هو الفرض ، والاختلاف في المشروط والمعتبر في «إذا» أن يكون المشروط بها متحقّق
الوقوع بمعنى أنّ ذلك هو الأصل فيها وإن جاز التخلّف لمانع ، فينبغي أن يكون
استعمالها هنا في كلام الإمام (عليه السلام) جارياً على مقتضى الأصل الشائع في
عبارات البلغاء لانتفاء الدليل الصارف ، فيكون الرجوع المشروط بها متحقّقاً ، ولذا
جيء معها بلفظ الماضي لكونه أدلّ على الوقوع من غيره بحسب الوضع.
ويؤكّد ذلك
ويحقّقه أنّ الرجوع في قوله (عليه السلام) «إذا ذهب بريداً ورجع بريداً» قد عطف
على الذهاب المتحقّق قطعاً فيكون تابعاً له في التحقّق كما أنّه تابع له في الاشتراط
واستعمالها في المعنى الأعمّ أو في المعنيين إن صحّ خروج عن الأصل والظاهر من غير
دليل.
ويدلّ على
تحقّق الرجوع أنّ هذا الكلام قد سيق لرفع استبعاد السائل حيث استقلّ البريد
واستبعد حصول المسافة به ، والاستبعاد إنّما يرتفع إذا تحقّق الرجوع وتضاعفت به
المسافة وكان الواقع منه بريدين شاغلين لليوم ، وأمّا مجرّد فرض الرجوع من دون تحقّق
فلا يرتفع به الاستبعاد ولا يتمّ به المراد ، فإنّ الاستبعاد إنّما هو للقلّة
والقليل إنّما يصير كثيراً بانضمام غيره لا بفرض انضمامه.
وأيضاً فقوله (عليه
السلام) «شغل يومه» ينادي بأنّ شغل اليوم حدّ لمسافة القصر وأصل يرجع إليه في
الباب ، ولو كان البريد الواحد كافياً لسقط اعتبار شغل اليوم بالمرّة وكان التعليل
به تعليلا بما لا أصل له في الشرع ولا تأثير له في القصر ، فيكون كما لو علّل
القصر في الثمانية بصيرورتها ستّة عشر بالعود أو القصر بمسير
اليوم بشغله ليومين إذا ، رجع ونحو ذلك من الأُمور الباطلة الّتي لا حقيقة
لها أصلا. ولا يتفاوت الحال في ذلك بين أن تكون العلّة تحقيقية أو تقريبية ، فإنّ
التقريب إنّما يكون بالأمر المتقرّر الثابت كالتحقيق.
ومنه يعلم أنّ
ما في «المدارك والذخيرة » وغيرهما ـ من أنّ التعليل في الحديث إنّما وقع على سبيل التقريب
على الإفهام كما يشعر به إطلاق البريد في أوّل الكلام ـ ليس بجيد ، لأنّ الشئ
الّذي لا حقيقة له يمتنع التعليل به ، سواء قصد به التحقيق أو التقريب ، والعلل
التقريبية كالتحقيقية في وجوب تحقّق العلّة في الجملة ، وإنّما تفاوتها في جواز
التخلّف كما في تعليل غسل الجمعة بالنظافة والقصر في السفر بالمشقّة ونحو ذلك ،
والأصل في العلل أن تكون مناطاً للحكم وجوداً وعدماً ، ومن ثمّ كان منصوص العلّة
حجّة ، فلا يصار إلى التقريب إلاّ لضرورة ولا ضرورة هنا ، إذ لا مانع من إناطة
القصر بشغل اليوم كما قال به معظم الأصحاب .
ويمكن أن يقال :
إنّ صدر الحديث قويّ الدلالة على الاكتفاء بالبريد ، فإنّه قد دلّ بالإطلاق الواضح
على أنّ البريد هو مسافة القصر رجع أو لم يرجع ، ولو لم يستبعد السائل ذلك لقطع
الإمام (عليه السلام) الكلام على ذلك ، فكان كسائر الروايات الواردة في تحديد
المسافة بالبريد ، لكن لمّا جاء الاستبعاد منه تصدّى (عليه السلام) لرفعه بما ذكر
من التعليل ، وهو غير مناف لإرادة الإطلاق من الكلام الأوّل ، لاحتمال أن يكون شغل
اليوم فيه كناية عن المشقّة الحاصلة معه في الغالب ، فيصير التعليل به
__________________
تعليلا بالمشقّة الّتي بها علّل القصر في الأخبار ودلّ عليه ظاهر الاعتبار
، فلا يكون تعليلا بما لا حقيقة له ولا تعليلا بما لا يرفع الاستبعاد ، وإنّما
يلزم ذلك لو علّل القصر في البريد بنفس شغل اليوم كما مرّ تقريره. أمّا إذا أُريد
اللازم فلا ، إذ حاصل التعليل حينئذ وجوب القصر في البريد ، لأنّ الغالب فيه
الرجوع ، والغالب مع الرجوع حصول المشقّة الّتي هي علّة القصر ، فعلّة القصر فيه
هي العلّة المتقرّرة في غيره ، وهي علّة تقريبية يجوز تخلّف المعلول عنها ، ولا
يمنع ذلك من صحّة التعليل بها.
ولعلّ هذا مراد
من حمل التعليل هنا على التقريب وإن لم يكشف عن حقيقة المراد فيندفع عنه ما تقدّم
من الإيراد ، فإنّ التعليل بهذا التقريب صحيح لا غبار عليه ، وبه يرتفع استبعاد
السائل ، وتظهر النكتة في استعمال «إذا» وصيغة الماضي وعطف الرجوع على الذهاب
المتحقّق ، فإنّ الرجوع أمرٌ متوقّع غالب الحصول للمسافر خصوصاً في سير البريد
ونحوه.
وقد صرّح بعض
المحقّقين بأنّ المراد بالجزم في «إذا» ما يعمّ الظنّ فيهون الخطب
فيها ، مضافاً إلى ما هو معلوم من كثرة استعمال كلّ من أدوات الشرط في معنى غيره
بحيث لم يبق معه الوثوق بتعيين ما قالوه.
وأنت خبير بأنّ
ذلك كلّه لا يدفع ظهور الحديث فيما قلناه ، فإنّ ظاهره التعليل بنفس شغل اليوم لا
بما يتفق معه من المشقّة ، والكناية على خلاف الأصل ، وكذا حمل العلّة على التقريب
، فإنّ الأصل فيها كما عرفت أن تكون مناطاً للحكم ، وظاهر الأدوات وماضوية الفعل
والعطف على المتحقّق هو تحقّق الرجوع ولا يستقيم إدارته في المعنى الكنائي لحصول
التحقّق الظاهر وظاهر الأكثر وصريح جملة لحوق الظنّ بالشكّ فيستعمل فيه «إن» دون «إذا»
ويدلّ عليه أنّ «إن» أكثر أدوات الشرط دوراناً في الكلام ، فلو خصّت بالشكّ بمعنى
تساوي الطرفين من دون ترجيح أصلا لكان تخصيص للكثير السائر بالقليل النادر.
__________________
وبالجملة :
فالدلالة على تحقّق الرجوع حاصلة من جهات متعددة متأكّدة ، ومجرّد إطلاق البريد لا
يقوّي على معارضتها فضلا عن أن ترجّح عليها ، وليس هذا الإطلاق على ما ظنّ به من
القوّة فإنّ الرجوع هو الكثير الغالب ، فيحسن ترك التقييد به اعتماداً على الظهور
، ولعلّ سكوته (عليه السلام) على البريد أوّلا لذلك لا لإرادة العموم فلا ينافي
التعليل الظاهر في الخصوص ، هذا مع قطع النظر عن الأدلّة الكثيرة الدالّة على
اشتراط الرجوع ، وأمّا معها فلا ينبغي الشكّ في تقييد هذا الإطلاق ، وإذا ثبت
اشتراط الرجوع في البريد وتحقّقه كان المتحقّق هو الرجوع لليوم ، لما عرفت من
تقييد الرجوع الواقع شرطاً بمقتضى الجزاء الظاهر في شغل اليوم بالفعل ، ومعلوم أنّ
تحقّق المقيّد يستلزم تحقّق القيد ، والمعترض قد سلّم هنا تقييد الرجوع بالواقع في
اليوم ، وإنّما منع دلالة الحديث على تحقّق الرجوع لصدق الشرطية بدونه ، فبعد ثبوت
تحقّقه لا مجال له في خصوص القيد.
وجملة القول في
الحديث : أنّه يحتمل وجوهاً ثلاثة مختلفة في القوّة والضعف :
أحدها :
الاكتفاء بالبريد أخذاً بإطلاقه في صدر الكلام وحملا للتعليل على التقريب إلى
الأفهام بجعل شغل اليوم كناية عن المشقّة الّتي هي علّة تقريبية للقصر ، وهذا أضعف
الوجوه.
وثانيها :
اشتراط الرجوع مطلقاً وإن لم يكن ليومه تقييداً لإطلاق البريد بالتعليل الظاهر في
اشتراط الرجوع وحملا لشغل اليوم فيه على مطلق الشغل دون الشغل بالفعل لما تقدّم من
الوجوه ومنها بقاء المفهوم على العموم ، وهو أقرب من سابقه.
وثالثها :
اشتراط الرجوع لليوم تقييداً لإطلاق البريد بظاهر التعليل ولإطلاق الرجوع فيه بما
دلّ منه على شغل اليوم بالفعل مع تقييد إطلاق المفهوم بالسير الملفّق ، فهذا الوجه
يتقوّم بالتقييد من ثلاثة وجوه ، وهو أقرب الوجوه الثلاثة وأنسبها بقواعدهم في حمل
المطلق على المقيّد وترجيح التقييد على المجاز ونحوه عند التعارض ، مع ما في تلك
الإطلاقات من الضعف كما نبّهنا عليه. وقد ظهر لك
من ذلك دلالة الحديث على اشتراط الرجوع ليومه وأنّ الدلالة فيه دون النصّ
كما ادّعاه بعضهم وفوق الإشعار كما ظنّه آخرون وأنّ القصد في ذلك هو الأمثل.
الثاني من
أخبار هذا القسم : ما رواه الشيخ في «كتابي الأخبار» عن زرعة عن سماعة في الموثّق
بهما ، قال : سألته عن المسافر في كم يوم يقصّر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم وذلك
بريدان وهما ثمانية فراسخ ، ومن سافر قصّر الصلاة وأفطر إلاّ أن يكون رجلا مشيّعاً
لسلطان جائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر
ولا يفطر .
والكلام في هذا
الحديث يقع في السند والمتن والدلالة.
أمّا السند
فموثّق كما أشرنا إليه ، فإنّ الشيخ رواه في «الاستبصار» عن شيخه الحسين بن عبيد
الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى عن أبيه عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن أحمد بن
محمّد عن الحسين عن الحسن عن زرعة عن سماعة.
ورواه في صلاة «التهذيب»
عن محمّد بن عليّ بن محبوب بالإسناد إلى سماعة وقد ذكر فيه أنّ طريقه إلى ابن
محبوب الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى عن أبيه عنه فيتّحد بسند
الاستبصار ، وهو إلى زرعة من الصحيح وإن كان فيه الحسين بن عبيد الله وأحمد بن
محمد بن يحيى فإنّ الظاهر توثيقهما كما بيّناه في محلّه ، ولأنّهما من مشايخ
الإجازة فلا تأثير لذكرهما في السند ، فإنّ الحديث مأخوذ من الكتاب المعلوم النسبة
إلى صاحبه فلا يفتقر إلى الوسط.
وقد روى الشيخ
هذا الحديث في كتاب الصوم من «التهذيب » عن الحسين ابن سعيد بالإسناد الّذي سمعته عن سماعة ،
وله إلى الحسين طرق متعدّدة كلّها من
__________________
الصحيح وإن اشتملت على مَن لم يصرّح بتوثيقه في كتب الرجال المعروفة كابن أبي
جيد وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد لما تقدّم من الوجهين ، مع أنّ أدنى مراتب
هؤلاء المشايخ هو الحسن بل أعلى مراتبه فلا ينافي وجودهم في السند كونه موثّقاً
فإنّ الحسن أعلى من الموثّق والسند يتبع الأدنى ، وزرعة وسماعة واقفيان ثقتان بنصّ
علماء الرجال .
وقد يناقش في وقف الثاني وتوثيق الأوّل للخبرين الواردين فيهما وهما ضعيفان ، فالحديث موثّق والموثّق
حجّة. والمقصود الاحتجاج به للمشهور فلا يبالي بالسند لانجباره بالشهرة لو ضعف.
ومنه يعلم عدم
القدح بالإضمار مع أنّ الظاهر سقوط القدح به مطلقاً فإنّ منشأه التقية أو معهودية
المضمر وظهوره عند الرواة أو تردّده بين إمامين أو أكثر وعدم تعيينه حال الرواية
أو تفريق الأخبار وتقطيعها على الأبواب والمسائل ، وهو عمدة الأسباب فيه كما يشهد
به التتبّع. وأمّا احتمال كون الرواية عن غير الحجّة فهو بعيد جدّاً من أصحاب الأئمّة
الذين علم من مذهبهم عدم الاعتماد في الأحكام على غير الحجج خصوصاً الأجلاّء
والمشاهير منهم ولا سيّما من كثر في رواياته ذلك مثل سماعة فقد يقطع بعدم إرادته
غير الحجّة.
وأمّا المتن
فقد وقع فيه اختلاف في موضع الحاجة وغيره ، والمنقول هنا مطابق لنسخ «الاستبصار»
ويوجد في بعضها بدل قوله «مشيّعاً» «متبعاً» . وفي «التهذيب» في كتابي الصوم والصلاة «إلاّ أن يكون رجلا مشيّعاً» من دون قوله
__________________
«لسلطان جائر». وفي الصوم منه «ومَن سافر فقصّر الصلاة أفطر» فجعل الإفطار تابعاً
للقصر. وفيه مكان قوله «يبيت». «لا يبيت» بزيادة «لا» ، وفي بعض النسخ «لا يلبث»
باللام موضع «لا يبيت» واختار في «الوافي» النسخة المتقدّمة فأوردها في الأصل
واستصوبها في البيان بعد الإشارة إلى اختلاف النسخ . وقال صاحب «الوسائل » في حواشي كتابه : وفي كتاب الصوم «لا يبيت» وليس بصحيح.
ونفي الصحّة غير جيّد فإنّ له وجه صحّة كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
وقوله (عليه
السلام) «يبيت من البيتوتة» يقال : بات يفعل كذا يبيت ويبات بيتاً وبياتاً ومبيتاً
ومباتاً وبيتوتة إذا فعله ليلا ، نصّ عليه أئمّة اللغة . وبات في اختصاصها بالليل كظلّ في الاختصاص بالنهار ،
قال في «القاموس» : وليس من النوم ومَن أدركه الليل فقد بات . وفي «النهاية والغريبين» وكلّ مَن أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم
، وعن الليث : من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ ، ألا ترى أنّك تقول : بات يرعى
النجوم أي ينظر إليها وكيف ينام من يراقب النجوم ، وعن الفرّاء : بات الليل إذا سهر الليل كلّه في طاعة
أو معصية . وكان السهر مستفاد من خصوص هذا التركيب لا من خصوص
المادّة فإنّ السهر خارج عنه كالنوم ، وعليه استعمال البيتوتة ليالي منّي فإنّه لا
يجب فيها السهر ، وكذا البيتوتة في القسم على الأزواج. وفي «المجمع» في قوله (عليه
السلام) : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر»
__________________
أي لا ينامنّ .
و «مسيرة» في
قوله «مسيرة يوم» بالتاء وهي متكرّرة في الحديث ومنه قوله (عليه السلام) : «نصرت
بالرعب مسيرة شهر» قال في «النهاية» : أي المسافة الّتي يسار فيها من
الأرض أو هو مصدر بمعنى السير كالمعيشة بمعنى العيش . وفي «القاموس» السير الذهاب كالمسير والتسيار والمسيرة
والسيرورة . ولم تثبت غير المصدر.
وأمّا الدلالة
فالمقصود دلالة الحديث على اشتراط الرجوع لليوم ، لكنّا نشير إلى سائر الأحكام
المستفادة منه تتميماً للفائدة مع تعلّقه بالمطلوب.
فمنها : تحديد
مسافة القصر بحدودها الثلاثة المفسّر بعضها ببعض وهي مسير اليوم والبريدان وثمانية
فراسخ ، والمستفاد من تفسير كلّ بما بعده أنّ الأصل فيها هو الأخير فيؤخذ به عند
التعارض بينه وبين المسير كما يظهر من الشهيد في «الذكرى ». ويؤيّده أنّ التحديد بالفراسخ أقرب إلى التحقيق فيكون
أولى بالاعتبار ، وعكس ذلك الشهيد الثاني فقدّم المسير وادّعى أنّه أضبط . وظاهر الأكثر الاكتفاء بالأقلّ للتخيير بينهما في الأخبار ، والأولى حملها على صورة الجهل
بالاختلاف فلا تنافي الترجيح مع العلم أخذاً بظاهر النصّ المطابق للاعتبار.
والمتبادر من
تحديد المسافة بتلك الحدود وقوعها في السير الممتدّ دون الملفّق ، لكن استثناء
الخارج إلى القرية يقتضي اعتبار المسافة الملفّقة على أظهر
__________________
الوجهين الآتيين فيه إن شاء الله تعالى ، فإمّا أن يحمل الاستثناء على
الانقطاع لخروج الملفّقة عن الامتدادية أو يراد بمسيرة اليوم في صدر الحديث ما
يتناول القسمين رعايةً للاتصال ، وعلى التقديرين فالحديث خارج عن القسم الأوّل
ولذا تركنا إيراده فيه.
ومنها : وجوب
القصر والإفطار في كلّ سفر يبلغ مسيرة يوم عدا ما استثني من الصوَر الثلاث.
ويتضمّن ذلك الإشارة إلى أكثر الشرائط كالمسافة والقصد وإباحة السفر وكونه مسير
حقّ وعدم انقطاعه بقاطع على أن تكون المذكورات أمثلة السفر المعصية والمسير الباطل
ووجود القاطع. ويبقى اشتراط عدم الكثرة والخروج عن حدّ الترخّص واستثناء المواطن
الأربعة فتعرف بالأدلّة المنفصلة.
وظاهر استثناء
الصوَر الثلاث من غير تقييد عدم الترخّص في شئ منها على كلّ حال ، ويجب تقييد
التشييع بما إذا كان لغير تقية أو نحوها من المقاصد الصحيحة إن عدّ ذلك تشييعاً
على الحقيقة ، والخروج إلى الصيد بما كان لهواً لا لحاجة إليه في قوته أو قوت
عياله أو للتجارة على الأصحّ ، والخروج إلى القرية بما إذا استوطنها وسكن فيها
القدر المعتبر على الأظهر من عدم الاكتفاء بمطلق الملك في قطع السفر. وما في «التهذيب»
في استثناء المشيّع بلا تقييد بالسلطان الجائر فلعلّ الوجه فيه انتفاء قصد المسافة
، وتقرّب ذلك في التصيّد ، فيراعى في استثنائها عدم وجود هذا الشرط دون الإباحة
ونحوها.
ومنها : وهو
المقصود ، اشتراط الرجوع لليوم. والتقريب فيه من قوله (عليه السلام) «أو إلى قرية
له مسيرة يوم يبيت إلى أهله» على أظهر الوجهين فيه من كونه مفروضاً في السير الملفّق
حتّى يكون مسيرة اليوم موزّعة على مجموع الذهاب والعود دون الذهاب وحده ، وهو
الوجه الآخر ، ويوهمه ظاهر توصيف القرية بكونها مسيرة يوم ، وكذا استثناء الخروج
إليها من الحكم المتقدّم الظاهر في المسافة
__________________
الامتدادية واقترانه باستثناء المشيّع للسلطان الجائر وطالب الصيد ، فإنّ
التشييع إنّما يكون في الذهاب وكذا التصيّد في الغالب.
وإنّما كان
الأوّل أظهر لأنّ المتبادر من قوله (عليه السلام) «ثمّ يبيت إلى أهله» أنّه يبيت
إلى أهله في وطنه الّذي سافر منه لا في قريته الّتي سافر إليها ، إذ لا إشعار في الكلام
بوجود أهل له في القرية ولا هي مظنّة وجود الأهل وإن كانت مُلكاً له بخلاف بلده
الّذي هو وطنٌ له فإنّ وجود الأهل له فيه كالمعلوم بالعادة فتكون في قوّة التصريح
به في العبارة.
وقد يطلق الأهل
ويراد الوطن لاتخاذ الأهل به غالباً ، وهو كثير في المحاورات ، فلا يتوقّف صدقه
على وجود الأهل بالفعل ، بخلاف الملك والقرية فإنّه استعمال الأهل فيها إنّما يكون
مع القرينة الدالّة على ذلك وهي مفقودة هنا ، فالمراد ببيتوته إلى أهله في بلده ،
وهي قرينة واضحة على أنّ المسافة بينه وبين القرية دون مسير يوم ، إذ لو كانت
مسيرة يوم لشغلها في الذهاب فلم يتأتّ له الرجوع إلى البلد بحيث يبيت فيه إلى أهله
بعد قضاء وطره من القرية خصوصاً إذا أُريد ببيتوته إلى أهله كلّ الليل كما هو ظاهر
اللفظ.
وأيضاً لو كان
المراد ببلوغ المسافة بينهما مسير اليوم لزم اختصاص الحكم بنفي القصر والإفطار
بنفس القرية فلا يتناول الطريق إليها ، لبلوغها حدّ المسافة الموجبة للقصر والفطر
من دون قاطع في أيّهما ، ولا ريب أنّ الظاهر تناول الحكم للطريق كما يدلّ عليه
استثناء هذا السفر من السفر الّذي يجب فيه الأمران ، ويشهد له قصد الطريق فيما قصد
من التشييع والخروج إلى الصيد بل الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) «لا يقصّر ولا
يفطر» متوجّه إلى الجميع ، فيكون الحكم في الكلّ على نهج واحد وإلاّ لزم التفكيك
الركيك.
وبالجملة :
فالرواية مسلّطة على فهم دخول الطريق في المستثنيات كلّها ولا
ينافي ذلك إلاّ إذا قصد التلفيق في الأخير لانقطاع المسافة حينئذ بالوصول
إلى القرية الواقعة في الأثناء بخلاف ما إذا كان مسير اليوم بتمامه واقعاً في
الذهاب فإنّه سفر مستجمع لشرائط القصر والإفطار ، فلا ينتفي الترخّص معه إلاّ في
نفس القرية ، واختصاص الحكم بها مع ما فيه لا يلائم حكم الصوم لمصادفته البيتوتة الّتي
لا تكون إلاّ بالليل إلاّ أن يراد بها مطلق اللبث مجازاً وقصد إرادة المكث بعدها
نهاراً ، وبعدهما ظاهر.
ويشهد لما
قلناه أيضاً إعادة مسير اليوم هنا فإنّها تشعر بالمغايرة للمعنى المراد بها في صدر
الحديث ، إذ لو كان المراد بها معنىً واحداً وهو المسير الواقع في الذهاب لاكتفي
بالاستثناء الدالّ على ذلك واستغني عن إعادتها في هذا الموضع كما استغني عنها في
مسألتي المشيّع وصاحب الصيد ، فالإعادة للمغايرة وهي من وجهين اعتبار التلفيق هنا
دون الأوّل وكون هذه المسافة مسيرة يوم لا أكثر حتّى يتيسّر معها البيتوتة إلى
الأهل.
وبذلك يظهر أنّ
وصف القرية بأنّها مسيرة يوم لا شهادة له بإرادة السير الامتدادي وكذا استثناء
الخروج إليها من السفر المذكور أوّلا واقترانه بالمشيّع والخارج إلى الصيد إذا كان
المراد ذلك لم يكن في إعادة مسيرة اليوم في هذا الاستثناء بخصوصه فائدة أصلا.
ولأجل ظهور
التلفيق من هذا الكلام قدّمه صاحب «الوسائل » والعلاّمة المجلسي في «شرح التهذيب » عند ذكرهما الاحتمالين فيه ، واقتصر عليه صاحب «الوافي»
في بيان معنى الحديث مشيراً إلى الاحتمال ، فقال : كان المراد بكون القرية مسيرة
يوم كون مجموع ذهابه إليها وعوده منها إلى أهله ثمانية فراسخ وإنّما لا يقصّر ولا
يفطر لأنّه انقطع سفره في أثناء المسافة ببلوغه إلى
__________________
قريته . وأنت بما قرّرناه لا تستريب في أنّ ذلك هو المعنى
الظاهر في هذا الكلام بل الوجه المتعيّن فيه.
وإذا تحقّقت
ذلك تبيّن لك دلالة الحديث على اشتراط الرجوع لليوم فإنّه لم يكتف في صيرورة هذا
المسير سفراً بمجرّد الرجوع بل اعتبر فيه البيتوتة إلى الأهل فهي في معنى الرجوع
لليوم فيكون شرطاً في التلفيق وهو المطلوب.
وتحقيق ذلك أنّ
قوله (عليه السلام) «يبيت إلى أهله» إمّا حال من ضمير الفاعل في خرج على اعتبار
الإرادة أو إرادة التمكّن ، والمعنى خرج من أهله إلى قريته وهو يريد المبيت إلى
أهله أو وهو متمكّن من البيتوتة إليهم ، وذلك لأنّ الحال يجب أن يكون مقارناً
لعامله في الآن والبيتوتة إلى أهله بالرجوع ليست مقارنة للخروج ، فالمراد إمّا
إرادتها المقارنة كما في قولك : خرج من بيته يشتري اللحم أو يتعلّم العلم أي يريد
ذلك ، أو التمكّن من البيتوتة بالعود ليومه فإنّه مقارن للخروج وإن تأخّر المبيت ،
ويحتمل البناء على التوسّع في المقارنة المعتبرة في الحال وتنزيل المقارب بمنزلة
المقارن فإنّ المبيت إلى الأهل لقربه من الخروج جاز أن يعدّ مقارناً له عرفاً ،
فيصحّ أن يقع حالا من دون اعتبار أحد الأمرين أو صفة للقرية أو اليوم بتقدير
العائد المصحّح للتوصيف بالجملة ، والمراد أنّه خرج إلى قرية يبيت إلى أهله في
رجوعه منها أو إلى قرية مسيرة يوم يبيت فيه إلى أهله على الاحتمالات الثلاث في
البيتوتة من إرادة الحقيقة والتمكّن والإرادة مع أولويّة الأوّل هنا لعدم وجوب
المقارنة في الصفة بخلاف الحال أو استئناف بياني كأنّه قيل : أين يبات إذا خرج من
أهله؟ فقيل : يبيت إلى أهله ، وهو قيد في المعنى وإن كان منقطعاً في اللفظ.
وعلى كلّ حال ،
فقد أخذت البيتوتة إلى أهله في هذا السفر واعتبرت فيه فيكون شرطاً في تحقّقه ،
وليس ذلك بمجرّد مفهوم الوصف بل به وبوقوعه في مقام
__________________
التحديد وذكر الشرائط وحصر المستثنيات مع عدم تعقّل فائدة لهذا القيد سوى اعتباره
في الحكم ، والبيتوتة إلى الأهل تستلزم الرجوع للنوم ، فإنّ المراد بها البيتوتة
في الليلة المتصلة بيوم الخروج ، وهذه البيتوتة لا تتحقّق إلاّ بالرجوع ليومه ،
سواء أُريد بها البيتوتة في جميع الليل ـ كما هو الظاهر والمطابق بظاهر قول أهل
اللغة : مَن أدركه الليل فقد بات ، فينطبق على ظاهر الأكثر في المعنى المراد باليوم
ـ أم لا ، بل اكتفى فيها ببعض الليل كما يشهد له صدق البيتوتة في العرف ،ويؤيّده
الروايات المتضمّنة لحصول المبيت بمنى ليالي التشريق إذا بات بها أكثر الليل أو بعضاً منه ، فيصحّ على القول
بأنّ اليوم هو مجموع اليوم والليلة.
ولا فرق في ذلك
أيضاً بين أن يراد بالبيتوتة حقيقة البيتوتة أو إرادتها أو التمكّن منها ، فإنّ
الاستلزام ثابت على الجميع. أمّا على الأوّلين فظاهر ، لأنّ شرط القصر عندهم كلا
الأمرين ، فاشتراط أحدهما يستلزم اشتراط الآخر لعدم القول بالفصل. وأمّا الثالث
فلأنّ التمكّن من حيث هو تمكّن ليس بمراد قطعاً فإنّ القائل باشتراط الرجوع ليومه
لا يكتفي به والنافي لاشتراطه لا يشترط ، فلو كان المراد به ذلك كان مضمون الرواية
مخالفاً للإجماع ، فهو على تقدير الحمل عليه لم يقصد لنفسه بل لكونه كناية عن أحد
الأمرين الأولين فيرجع التمكّن إلى ذلك ويكون المدار عليه دون غيره. وإذا كان
البيتوتة إلى الأهل مستلزمة للرجوع لليوم كان اشتراطها في سفر الخارج إلى قريته
مستلزماً لاشتراطه فيه ، فإنّ اشتراط الملزوم يستلزم اشتراط اللازم ، ومعلوم أنّ
الرجوع لليوم ليس شرطاً لنفي الترخّص في هذا السفر فإنّه مع عدم صلاحيته لذلك خلاف
المستفاد من الحديث من استناد عدم الترخّص إلى الخروج إلى القرية القاطعة للسفر ،
فوجب أن يكون شرطاً في تحقّق هذا السفر بمعنى اشتراطه في كونه سفراً موجباً للقصر
والإفطار لولا
__________________
الخروج إلى القرية فيكون اعتباره فيه كاعتبار أصل المسافة الّتي هي مسيرة
يوم.
وحاصله : أنّ
هذا الخروج لولا القرية سفر مستجمع لشرائط القصر والإفطار لوجود المسافة الّتي هي
هنا مسيرة يوم ذاهباً وراجعاً وتحقّق الرجوع لليوم الّذي هو شرط في السير الملفّق
، إلاّ أنّه لمّا كان مشتملا على قصد القرية القاطعة للسفر في أثناء المسافة وجب
الإتمام والصيام ، وكان الكلام بمثابة أن يقال : إنّ استثناء هذا السفر لمكان
القرية لا لانتفاء المسافة أو فقد شرطها الّذي هو الرجوع لليوم ، فيكون الرجوع
لليوم شرطاً كالمسافة ، وهو المطلوب.
وقد يظهر بما
قرّرنا انطباق الحديث على مذهب المشهور ودلالته عليه من دون قصور وإن غفل عنه
شرّاح الحديث والناظرون في المسألة مع شدّة تطلّبهم لمستند هذا الحكم ، ولا غرو في
ذلك ففي المثل السائر : كم ترك الأوّل للآخر.
فإن قيل : دلالة
الحديث تتوقّف على اختصاص البيتوتة بالليل وهو غير معلوم ، فقد صرّح الفيّومي في «المصباح
المنير » بأنّها تأتي لمطلق الصيرورة ، قال : يقال بات في موضع
كذا أي صار به في ليل كان أو نهار ، وجعل منه قوله (عليه السلام) «لأنّه لا يدري
أين باتت يده» أي صارت. وقال الصاحب بن عبّاد في «المحيط » البيتوتة دخولك في البيت وبت أفعل كذا أي بالليل
ويستعمل في النهار أيضاً ، كأنّ مراده استعمالها في النهار لكونه فرداً من مطلق
الصيرورة لا لخصوص كونه نهاراً فيرجع إلى ما في المصباح. وحينئذ فجاز أن يكون قوله
(عليه السلام) في الحديث «يبيت إلى أهله» بمعنى يصير ، ويكون مدلوله اشتراط الرجوع
مطلقاً لا خصوص الرجوع لليوم ، ويؤيّده قوله «إلى أهله» فإنّ الصيرورة تستعمل مع «إلى»
فكذا البيتوتة إذا كانت بمعناها.
__________________
قلنا : قد
تبيّن ممّا سبق أنّ البيتوتة مخصوصة بالليل وكتب اللغة «كالصحاح
والقاموس والنهاية والأساس والغريبين والمغرب» وغيرها مشحونة بما يدلّ على
الاختصاص نصّاً أو ظاهراً ، والعرف العامّ مطابق لذلك فإنّ الناس لا يستعملون
البيتوتة إلاّ في الليل ، وعليه جرى استعمال الصيغة وتصاريفها في الكتاب والسنّة
وكلام العرب ، فمن ذلك قوله تعالى : (والّذين يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً) وقوله : (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً) وقوله تعالى : (فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون) وقوله تعالى : (أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً
وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحىً وهم يلعبون) أي ليلا وقوله تعالى (إذ يبيّتون ما لا يرضى من القول) وقوله تعالى : (بيّت طائفة منهم غير الّذي تقول والله
يكتب ما يبيّتون) . قالوا : كلّ ما فكّر فيه ودبّر بليل فقد بيّت وفي الحديث «هذا أمر بُيّت بليل» أي دبّر فيه ، وفيه «لا
صيام لمن لم يُبيّت الصيام من الليل» أي ينويه فيه ، وفيه «كان (عليه السلام) لا يُبيّت مالا
ولا يقيله» أي لا يمسكه إلى الليل ولا إلى القائلة بل يقسّمه في
وقته ، وفي حديث
__________________
آخر «ما يُبيّت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عدوّاً» وفي آخر «إذا بيّتم فقولوا حم لا يُنصرون» وتبييت العدوّ هو أن يقصد بالليل فيؤخذ بغتة ، وعليه
قوله (عليه السلام) «لا يأمن البيات من عمل السيئات» ومن كلامهم «ماله بيت ليلة وبيتة ليلة» بكسر الباء أي
قوت ليلة ، وبتّ عنده في مبيت صدق وبيتوتة طيّبة وأباتك الله
إباتة حسنة وبيّتك الله في عافية .
وفي «الغريبين»
وسمّى البيت بيتاً لأنّه يبات فيه. وفي «الأساس » من المجاز قول بدوي لآخر : هل لك بيت؟ أي امرأة ، وبات
فلان إذا تزوّج وبنى فلان عليه بيتاً إذا أعرس ، وتزوّجت فلانة على بيت أي على فرش
يكفي البيت. ولم يذكر فيه البيتوتة بمعنى الصيرورة لا في الحقيقة ولا في المجاز
وكذا استعمالها في النهار ، مع أنّ هذا الكتاب مؤسّس على ذكر المجاز والفرق بينه
وبين الحقيقة.
وبالجملة ،
فاستعمال البيتوتة في غير الليل ليس بثابت ، وقوله (عليه السلام) : «أين باتت يده»
ليس نصّاً فيه ، ولو ثبت فالاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، ولا دلالة
للعامّ على الخاصّ فيحمل على المجاز لرجحانه على الاشتراك وشيوع استعمالها في
الليل واشتهارها ، وقد نصّ في «المصباح » على أنّ الاختصاص بالليل هو الأشهر ، وقول الصاحب
تستعمل في النهار أيضاً يشعر بذلك ، فيتوقّف إرادته على القرينة ، وهي منتفية هنا
مع القطع لعدم إرادة خصوص النهار ، وإلاّ لكان الشرط في التقصير الرجوع لغير اليوم
، وهو خلاف الإجماع ، لو ثبت
__________________
الاشتراك فالمشترك عند الإطلاق يحمل على أظهر معانيه وأشهرها وإن اشترك الكلّ
في الوضع ، وقوله (عليه السلام) «إلى أهله» لا يصرفه عن المعنى المعروف فإنّه صيرورة مخصوصة
مع احتمال التضمين وحمل «إلى» على معنى «مع» كما في قوله تعالى «من أنصاري إلى الله» هذا كلّه على نسخة يبيت بالإثبات.
وأمّا نسخة
النفي فالمراد بها عدم البيتوتة إلى أهله في قريته لا في بلده جمعاً
بين النسختين
ورفعاً للتناقض بين الحكمين ونسخة النفي نسخة معتبرة قد اتفق عليها جميع نسخ «التهذيب
» في كتاب الصوم ، فلا ينبغي عدم الالتفات إليها ولا الحكم بعدم صحّتها مع
إمكان توجيهها وحملها على معنى صحيح مطابق لنسخ الإثبات ، فإنّ عدم البيتوتة في
القرية في معنى البيتوتة في البلد كما أنّ البيتوتة في البلد في معنى عدم البيتوتة
في القرية ، فيتوافق النفي والإثبات في المعنى المراد ويرتفع التناقض بينهما
باختلاف المتعلّق. وإرادة القرية من الأهل وإن بعد كما مرّ إلاّ أنّه لا بدّ منه
هنا في تصحيح الكلام فيتعيّن الحمل عليه.
وقد يحمل هذه
النسخة على إرادة عدم المبيت إلى أهله في بلده ليثبت له البيتوتة في القرية فلا
يكون راجعاً ليومه ويكون الحكم بعدم الترخّص لفقد الشرط الّذي هو الرجوع لليوم
فيوافق الإثبات في اشتراط ذلك ، ويضعّفه انتفاء الفائدة في ذكر القرية على هذا
القدر ، إذ لا يتفاوت الحال حينئذ بين أن يكون السفر إلى قرية أو غيرها من المنازل
فيلغو اعتبارها في هذا السفر إلاّ أن يكون الغرض منه عدم انقطاع السفر بمجرّد
الملك وهو بعيد جدّاً ، والحديث كالصريح في استناد الحكم بنفي القصر والإفطار إلى
قصد القربة دون غيره ، فالوجه ما تقدّم.
وأمّا احتمال
السير الامتدادي فهو على هذه النسخة وإن كان أقرب منه على الأُولى لسقوط الوجه
الأوّل من وجوه التلفيق على هذا التقدير ، إلاّ أنّ الوجوه
__________________
الباقية كافية لدفعه
مضافاً إلى لزوم اختلاف النسختين في حاصل المعنى بل تناقضهما في ذلك كما يظهر بالتأمّل ، فالوجه إرادة
التلفيق من الحديث على النسختين ، ومنه يعلم دلالته على اشتراط الرجوع لليوم على
التقديرين.
الثالث من هذه
الأخبار : ما روي «أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) خرج من الكوفة إلى النخيلة
فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه» قال في «البحار » عند نقل أقوال العامّة في تحديد المسافة : قال الحسين
بن مسعود في شرح السنّة : ذهب قوم إلى إباحة القصر في السفر القصير ، روي عن عليّ (عليه
السلام) أنّه خرج إلى النخيلة فصلّى بهم الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه. وقال عمر
بن دينار. قال لي جابر بن زيد : اقصر بعرفة ، ثمّ قال : وأمّا عامّة الفقهاء فلا
يجوّزون القصر في السفر القصير وذكر اختلافهم في تحديد الطويل ، وحكى عن جملة
الأقوال فيه التحديد باليوم التامّ كما ذهب إليه الأوزاعي ونقله عن عامّة الفقهاء.
و «النخيلة» هي
معسكر الكوفة ولها ذكر كثير في المغازي والسِيَر ، وقد عسكر بها أمير المؤمنين (عليه
السلام) في خروجه إلى الشام في حرب صفين وقال في خطبته : أغدوا إلى معسكركم
بالنخيلة . ثمّ خرج إليها وأقام بها حتى وافته الجنود من الأطراف
ولم يرجع منها حتّى أتاه ابن عباس بعساكر البصرة ثم أقام بها بعد رجوعه من حرب
النهروان وأمر الناس أن ينزلوا. بها ويوطّنوا أنفسهم على الجهاد ويقلّوا من زيارة
أبنائهم ونسائهم حتّى يسيروا ثانياً إلى الشام ، فأقام
__________________
الناس معه بالنخيلة أيّاماً ثمّ أخذوا يتسلّلون ويدخلون الكوفة وتركوا
المعسكر خالياً ، فلا مَن دخل الكوفة رجع ولا مَن أقام معه صبر ، فلمّا رأى ذلك
نزل وما معه من الناس إلاّ رجال من وجوههم وجعل يستنفر الناس على جهاد أهل الشام حتّى
بطلت الحرب في تلك السنة ، ثمّ عسكر بها الحسن (عليه السلام) في توجّهه إلى حرب معاوية
بعد وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : إنّ معسكري بالنخيلة فوافوني هناك ، والله
إنّكم لا تفون لي بعهد . وروي : أنّه أخذ طريق النخيلة فعسكر بها عشرة أيّام فلم
يحضروه إلاّ أربعة آلاف ، فانصرف إلى الكوفة يستنفر الناس للجهاد ، وقد تكرّر منه
ومن أبيه (عليهما السلام) النزول بالنخيلة واللبث فيها لتهيئة الخروج إلى حرب الشام
وجمع العساكر لحرب معاوية.
وفي «القاموس » والنخيلة كجهينة موضع بالعراق مقتل عليّ (عليه السلام)
مع الخوارج ومقتضى ذلك وقوع القتال له فيها مع الخوارج ، وهو غير معروف ، والّذي يظهر
من الأخبارِ والسيَر أنّه لم يقع فيها له (عليه السلام) حرب معهم وأنّه إنّما
تخلّف عنه بعضهم فيها بعد الرجوع من حرب صفين وأنّ حرب الخوارج إنّما كانت بالنهروان
، والقصّة معروفة ، لكن في «الخصال » في باب السبعة في حديثه (عليه السلام) مع رأس اليهود ما
ينصّ على قتاله (عليه السلام) مع الخوارج في ثلاثة مواطن : النخيلة وحروراً
والنهروان ، وهو غريب.
والمعروف
بالنخيلة الآن قرية في جزيرة بابل على شاطئ الفرات فوق الحلّة السيفية إلى المشرق
بنحو من فرسخ مقابلة للكوفة من ناحية الشمال وبينها وبين المسجد نحو من سبعة فراسخ
وليست على طريق اليسار من الكوفة إلى الشام ولا يناسبها أخبار النخيلة الآتية ،
وكأنّها قد تجدّدت بعد الكوفة وسمّيت بالنخيلة لانتقال أهلها إليها أو لغير ذلك من
الأسباب.
__________________
والتقريب في
هذا الخبر يتوقّف على بيان أُمور : بلوغ النخيلة قدر البريد ، وعدم بعدها
بالبريدين فما زاد ، وأنّ رجوعه (عليه السلام) ليومه هو علّة التقصير.
أمّا الأوّل :
فيُعلم من نفس الحديث من دون استعانة بأمر آخر للتصريح فيه بأنّه (عليه السلام)
قصّر الصلاة في خروجه إلى النخيلة فلا تكون دون البريد ، إذ لا قصر فيما دونه
بالإجماع لا عيناً ولا تخييراً. وظاهر الخبر أنّ غاية سفره (عليه السلام) هي
النخيلة لا موضع آخر ، وقول الراوي أنّه (عليه السلام) خرج إلى النخيلة ثمّ رجع من
يومه كالصريح في ذلك ، وحمله على وقوعها في الطريق إلى محلٍّ آخر قد عدل عنه في
الأثناء في غاية البُعد.
وأمّا الثاني :
فيدلّ عليه ما عرفت أنّ النخيلة هي معسكر الكوفة ، ومن البعيد في العادة بعد معسكر
البلد عنه بالبريدين مسيرة يوم فصاعداً وإن كان مصراً عظيماً كالكوفة ، وأمّا
البُعد بالبريد فليس في مثله بذلك البُعد ، وقد تضمّن الحديث رجوعه (عليه السلام)
من يومه ، ولو كانت المسافة بينها وبين الكوفة مسيرة يوم لم يتأتّ الرجوع لليوم
عادةً ، ولو تأتّى فلا فائدة في ذكره ، لأنّ مسيرة اليوم سفر موجب للقصر سواء حصل
الرجوع أم لا. وأيضاً فإنّ الحسين بن مسعود ناقل الحديث قد روى ذلك في سياق السفر
القصرَ وقَرَنه بما رواه عن جابر بن زيد من التقصير بعرفة وذكر مسير اليوم في
السفر الطويل ، وهو أقلّ ما حكاه عن الفقهاء في تحديد طويل السفر ، ويلزمه عدم
بلوغ النخيلة حدّ مسير اليوم.
وممّا يدلّ على
ذلك ما روي : أنّ معاوية لمّا شنّ الغارات على الأطراف بعث سفيان
الغامدي فأغار على هيت والأنبار فنهب الأموال وقتل الرجال ، وكان فيمن قُتل صاحب
المسلحة من قِبَل عليّ (عليه السلام) على الأنبار وهو أشرس بن حسان وقيل حسان ابن
البكريّ ، فقدم علج من الأنبار على عليّ (عليه السلام) فأخبره الخبر ، فصعد المنبر
وخطب بالناس وقال : إنّ أخاكم البكريّ قد أُصيب بالأنبار وهو مغير فاختار
__________________
ما عند الله فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفاً فانكلوهم عن
العراق ، ثمّ سكت رجاء أن يجيبوه أو يتكلّم منهم متكلّم بخير ، فلمّا رأى صمتهم على
ما في أنفسهم خرج بنفسه ماشياً حتّى أتى النخيلة ، فأدركه الناس فقالوا : نحن نكفيكهم
، فقال (عليه السلام) : والله ما تكفوني أنفسكم فكيف تكفوني غيركم. وفي رواية اُخرى
: خرج يمشي راجلا حتّى أتى النخيلة والناس يمشون معه حتّى أحاط به قوم من
أشرافهم فلم يزالوا به حتّى صرفوه إلى منزله وهو واجم كئيب.
فهذه الرواية
قاضية بأنّ النخيلة لم يبلع البُعد بها عن الكوفة بمقدار بريدين مسيرة يوم ، وكيف
يترك الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) وإمام المسلمين يمشي إليها راجلا ولا
يردّونه من الطريق وهي بهذه المثابة من البُعد.
وأظنُّ أنّ
النخيلة هي هذا الموضع المعروف اليوم بالكِفل أو فوقه بقليل للخارج من الكوفة
فإنّه محلّ واقع في طريق المسافر منها إلى الشام ، والطريق منها يمرّ على الطفّ
وبه آثار قديمة باقية إلى الآن ، والمسافة بينه وبين الكوفة للخارج من أطراف
المساجد وأوساط البلد يوشك أن يكون بريداً.
ويشهد لذلك ما
رواه نصر بن مزاحم في كتاب «صفين » بإسناده عن الأصبغ ابن نباتة قال : مرّت جنازة على
عليّ (عليه السلام) وهو بالنخيلة ، فقال : ما يقول الناس في هذا القبر؟ ـ وفي
النخيلة قبر عظيم يدفن اليهود موتاهم حوله ـ فقال الحسن بن عليّ (عليهما السلام) :
يقولون هذا قبر هود النبيّ (عليه السلام) لمّا أن عصاه قومه جاء فمات هاهنا. فقال
: كذبوا لأنا أعلم به منهم ، هذا قبر يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بكر يعقوب
، ثمّ قال : هاهنا أحد من مهرة * قال : فأُتي بشيخٍ كبير فقال : أين منزلك؟
__________________
* ـ مهرة بن
حيدان ـ بالفتح ـ : حيُّ ، والإبل المهرية منه. (القاموس المحيط : ج ٢ ص ١٣٧ مادّة
«مهر»).
__________________
قال : على شاطئ
البحر. قال : أين من الجبل الأحمر؟ قال : قريباً منه ، قال : فما يقول قومك فيه؟
قال : يقولون قبر ساحر. قال : كذبوا ذلك قبر هود وهذا قبر يهوذا ابن يعقوب. ومعلوم
أنّ القبر الّذي يعظّمه اليهود في أطراف الكوفة وتدفن موتاها حوله قديماً وحديثاً
ليس إلاّ هذا القبر الّذي يعرف بالكِفل. وقد دلّ الحديث على أنّه قبر يهوذا ،
فيحتمل أن يكون يهوذا هو ذو الكِفل أو أنّه اشتبه على الناس فسمّوه به أو عنوا
بالكِفل غير ذي الكِفل.
وفي «القاموس » في مادّة «شاش» وشوشة موضع بأرض بابل بقربها قبر ذي
الكِفل (عليه السلام).
واختلف العلماء
في ذي الكِفل المذكور في القرآن فقيل : إنّه زكريا لقوله تعالى (وكفّلها زكريا) ، وقيل : إنّه يوشع بن نون وصيّ موسى (عليه السلام) ، وقيل : بشر ابن أيّوب البصائر * ، وقيل : حزقيل ، وقيل : إلياس ، وقيل : اليسع بن خطوب صاحب إلياس غير اليسع المذكور في
الكتاب ، وقيل : كان نبياً بعد سليمان بن داود (عليهما السلام) واسمه
عدويا بن ادارين كان يقضي بين الناس كما يقضي داود (عليه السلام) وهو مروي ، وروي له مع الشيطان قصّة مشهورة في الحلم وكظم الغيظ.
__________________
* ـ كذا وجد
فليراجع.
__________________
وقيل : بل كان عبداً صالحاً ولم يكن نبياً تكفّل لنبيٍّ صوم
النهار وقيام الليل وأن لا يغضب وأن يعمل بالحقّ فوفّى فشكر الله له ذلك.
وفي «العيون والعلل » وغيرهما في حديث الشامي الّذي سأل أمير المؤمنين (عليه السلام)
عن ستّة من الأنبياء لهم أسمان ، فقال : يوشع بن نون وهو ذو الكِفل ، ويعقوب وهو
إسرائيل ، والخضر وهو تاليا ، ويونس وهو ذو النون ، وعيسى وهو المسيح ، ومحمّد (صلى
الله عليه وآله) وهو أحمد صلوات الله عليهم. قيل : والمشهور بين المؤرّخين أنّ ذا الكفل هو وصي اليسع.
وبالجملة :
فالأمر فيه غير متحقّق لاختلاف الأقوال والأخبار فيه ، ولا يبعد أن يكون يهوذا ابن
يعقوب لقوله تعالى حكايةً عن يعقوب (عليه السلام) (لن أرسله معكم حتّى تؤتون
موثقاً من الله لتأتنّني به إلاّ أن يحاط بكم) فضمنه يهوذا ووفّى بكفالته لمّا كان من أمر بنيامين ما
كان وتخلّف عن إخوته وبقى عند أخيه وهو كبيرهم القائل (فلن أبرح الأرض حتّى يأذن
لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) فهذا يقضي بحسن الكفالة واستحقاق هذه
التسمية ، وحديث النخيلة مع اشتهار القبر الّذي فيها بالكِفل يعطي ذلك ، ويؤيّده
أنّ هذا القبر موضوع على القبلة. ولو كان ليوشع أو غيره ممّن بعد موسى (عليه
السلام) لكان إلى بيت المقدس ، هذا حديث وقع في البين ، والحديث ذو شجون.
وعلى كلّ حال ،
فلا ريب في أنّ النخيلة لم يكن بينها وبين الكوفة بريدان مسيرة يوم حتّى يكون قصره
(عليه السلام) لوجود المسافة ثمانية فراسخ. وهذا هو الأمر
__________________
الثاني من الأُمور الّتي بنينا عليه التقريب في الحديث.
وأمّا الثالث :
وهو أنّ علّة القصر هو الرجوع لليوم فيستفاد ذلك من ذكر الراوي رجوعه (عليه السلام)
ليومه عقيب حكاية القصر عنه ، إذ ليس الغرض منه مجرّد بيان الأمر الواقع وهو القصر
في النخيلة والرجوع لليوم من دون أن يكون للثاني دخل في الأوّل ولا ارتباط به في
الحكم ولا الموضوع ، فإنّ حكاية القصر وتعقيبه بالرجوع لليوم يفيد أنّ الرجوع
المذكور تعلّق بالقصر وأنّ ذلك لم يقع بمحض الاتفاق وإلاّ لكان من قبيل أن يقال
قصّر في النخيلة ثمّ شرب ماءاً أو أكل خبزاً أو اشترى ثوباً أو دخل بيتاً ونحو ذلك
ممّا لا دخل له في المقام ، وهو كلام مختلّ النظام.
والرجوع لليوم
ليس ممّا يقصد بيانه لذاته حتّى يراد دلالته على الفائدة المترتبة عليه بل إنّما
يراد لأجل تعلّقه بأمر آخر وليس في الحديث سوى القصر ، فوجب أن يكون متعلّقاً به
وليس تعلّقه المقصود بالإفادة دلالته على أنّ النخيلة هي غاية السفر لا طريق إلى
سفر آخر ولا دلالته على قصر السفر ليتبين به أنّ قصره (عليه السلام) قد كان في
السفر القصير دون الطويل ، فإنّ قوله خرج إلى النخيلة دلّ على كونها هي الغاية
المقصودة في هذا السفر ، وقد كانت النخيلة يومئذ مشهورة معروفة بين الناس معلومة
القرب من الكوفة ، فلا يحتمل أن يكون الخروج إليها من السفر الطويل ، والحمل على
التأكيد ممكن لكن التأسيس خير منه ، فالبناء عليه أولى ، وليس إلاّ بإرادة أنّ
الرجوع لليوم هو علّة القصر والسبب فيه.
والمعنى أنّه
قصّر لرجوعه في يومه لا لنفس الذهاب إليها من دون اعتبار الرجوع ، ولا للرجوع
مطلقاً سواء كان لليوم أم لا ، بل لخصوص هذا الرجوع وهو الرجوع لليوم كما هو
المطلوب.
وأيضاً قوله (عليه
السلام) «ثمّ رجع من يومه» قد تضمّن أصل الرجوع ووقوعه في اليوم. والفائدة في
الأوّل بيان أنّه رجع منها ولم يقم حتّى ينقطع سفره بالإقامة هناك ، فيكون ذكره
للدلالة على الاشتراط ويتبعه القيد في ذلك فيكون شرطاً كالمقيّد ، وجعله وصلة إلى
القيد غير مقصود بالبيان خلاف الأصل من وجوب
رعاية الفائدة في جميع أجزاء الكلام مع الإمكان.
والحاصل : أنّ
قصره (عليه السلام) في هذا السفر قد كان يحتمل الوجوه فنبّه الراوي على أنّ الوجه
فيه هو الرجوع لليوم دون غيره ، ونفس الرجوع لليوم وإن لم يقض بالعلّية إلاّ أنّ
التعويل فيه على فهم الراوي ، ولا يمتنع أن يكون قد فهم ذلك من قرائن الأحوال أو
علم به من دلائل المقال فذكره لرفع الإجمال. وقد صرّح علماء الأُصول باعتبار فهم الراوي في بيان المجمل ، بل ذهب جماعة منهم إلى أنّه معتبر أيضاً في تأويل المأوّل وحكموا
بتأويل الظاهر إذا أوّله الراوي ، وهو قوي. وهذا الموضع من القسم الأوّل والظاهر
انتفاء الخلاف فيه.
لا يقال :
يحتمل أن يكون غرض الراوي إظهار الاحتمال لا رفع الإجمال ، فإنّ احتمال استناد
القصر إلى الرجوع لليوم لمّا كان متوقّفاً على بيان وقوعه ذكره ليحتمل ذلك لا
ليقطع به ، لأنّ مجرّد الاحتمال حاصل باحتمال الرجوع لليوم ، فلا يتوقّف على بيان
وقوعه ، والتعرّض للرجوع لليوم لقصد إفادة هذا الاحتمال بعيدٌ جدّاً ، فإنّ
المنساق من قوله «ثمّ رجع من يومه» بعد حكاية القصر هو استناد القصر إليه لا
احتمال الاستناد ، مضافاً إلى بُعد وقوع التنبيه على الاحتمالات وعدم معهودية مثله
من أحوال الرواة كما لا يخفى على المطّلع على أحوالهم ، واتّكالهم لى هذا الاحتمال
ليس بمحض تجويز العقل من دون أن يكون له أثر في الشرع وهو ظاهر. ولا يقول العامّة باشتراط الرجوع لليوم واختلافهم فإنّهم لا يعرفون القول
بالتلفيق فضلا عن اشتراط الرجوع لليوم بل القول بذلك من خواصّ الأصحاب ، فالوجه في
احتمال ذلك في فعله (عليه السلام) ليس إلاّ ثبوته عنه واطّلاع الراوي عليه وبه
يحصل المقصود. والبناء على تشكيك الراوي وتردّده ظاهر
__________________
الوهن مع أنّ احتمال استناد القصر إلى الرجوع لليوم يكشف عن وجود منشأ لذلك
معهود عند السلف معلوم في الصدر الأوّل وأنّ المتأخّرين قد أخذوا هذا الشرط عن
قدمائهم وتلقّوه يداً بيد. وقد علمت ممّا تقدّم في عنوان هذه الأخبار أنّا نكتفي
بالإشعار وهو أدنى مراتب هذا الخبر كما هو ظاهر لمن أمعن النظر.
فإن قيل : هذا خبر ضعيف مرسل مروي من طرق أهل الخلاف فلا يصحّ الاستناد
إليه في إثبات حكم شرعي ، ومع ذلك فهو غير متعلّق بالمطلب ، لأنّ النخيلة كما سبق
هي معسكر الكوفة فيبعد بُعدها عنه بالبريد ، وفيما مضى من مشيه (عليه السلام)
إليها راجلا دلالة على الاتصال أو القرب وأقصى البُعد المحتمل أن يكون على نحو
فرسخ من الكوفة ولا يجوز القصر في مثله إجماعاً ، فالروايةمتروكة خارجة عن موضع
البحث. وقد روى نصر بن مزاحم بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي الكنود قال : لمّا أراد
عليّ (عليه السلام) الشخوص من النخيلة إلى حرب الشام قام في الناس وخطبهم ـ إلى أن
قال : ـ فخرج (عليه السلام) حتّى إذا جاز حدّ الكوفة صلّى ركعتين ... الحديث ، وهو
يقتضي دخول النخيلة في حدود الكوفة فكيف يكون بينها وبين الكوفة بريد أربعة فراسخ.
قلنا : أمّا
الضعف والإرسال فلا يقدحان في الاستشهاد هنا ولا في الاستدلال ، وكذا ورود الحديث
من طرق أهل الخلاف فإنّ مضمونه مطابق لفتوى المشهور مخالف لمذاهب الجمهور فهو
منجبر بهما ، وأهل الخلاف لا يتهمون في رواياتهم لما يوافق مذهبنا ويخالف مذهبهم ،
وقد روي عنهم (عليهم السلام) جواز الأخذ والتمسّك بما يرويه
المخالفون عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهذا من ذاك ، مع أنّ الفقه من باب الظنون
ولاجتماع المؤيّدات والشواهد في ذلك أثر بيّن وتقوية ظاهرة ، وقد
__________________
يحصل من مجموع الأُمور المتعاضدة الّتي لا يبلغ كلّ منها حدّ الحجّيّة ما
لا يحصل من الحجج القوية. فهذا الخبر على تقدير عدم كونه حجّة بانفراده يصلح أن يكون
مؤيّداً لدليل أو عاضداً لشاهد ، فلا وجه لردّه بما ذكر.
وأمّا كون
النخيلة معسكر الكوفة فهو مسلّم وقد قدّمنا ما يدلّ عليه ، وليس فيه ما يقتضي
الاتصال بالبلد ولا عدم الفصل بنحو البريد. ودعوى اتصال معسكر البلد به أو قربه
منه ممنوعة خصوصاً في البلدان العظيمة والأمصار الكبيرة مثل الكوفة فإنّ الغالب في
معسكرها البُعد بالبريد ونحوه.
وأمّا خروج
أمير المؤمنين (عليه السلام) إليها ماشياً فالّذي يقتضيه الحال الّتي دعته إلى ذلك
من شدّة الغضب هو البُعد لا القرب ، فإنّه (عليه السلام) لم يفعل ذلك إلاّ لأمر
عظيم من مكايدة القوم ومشاقّتهم وتخاذلهم عنه وتثبّطهم عن جهاد العدوّ حتّى تحمّل
تلك المشقّة وارتكب قطع المسافة إلى النخيلة بنفسه راجلا ماشياً لكي يتنبّهوا من رقدتهم
ويرتدعوا عن غيّهم ويتّعظوا بزواجر الفعل ما لم يتّعظوا به من نصائح القول. ولو
كانت النخيلة متصلة بالكوفة أو قريبة منها لم يكن فيما فعله (عليه السلام) ما يتوقّعه
من التأثير. والبريد في مثل ذلك ليس بكثير ولا كذلك البريدان والفرق بينهما معلوم
بالعادات.
وأمّا ما
تضمّنته رواية نصر الثانية من أنّه (عليه السلام) خرج من النخيلة حتّى تجاوز حدّ
الكوفة ثمّ صلّى ركعتين فالمراد به التجاوز عن سمت الكوفة ومحاذاتها ، فلا ينافي
بعد النخيلة عنها بالبريد ولا بأكثر منه ، على أنّ الّذي ندعيه هو بعدها بالبريد للسائر
المسامت للبلد دون المقاطر وبالقياس إلى الخارج من المسجد وما يقرب منه لا الخارج
من أحد الطرفين المتقابلين فإنّه من جهة البصرة ـ وهي جهة الشرق ـ أكثر من البريد
، ومن جهة الشام ـ وهي الغرب ـ أقلّ ومقتضى ما تقدّم من كون النخيلة هي الكفل أو
ما فوقه بقليل بعدها عن الكوفة من الطرف الغربي بنحو من فرسخ ، فإنّ هذا الموضع
يقابل الكناسة وهي محلّة من الكوفة فيها صلب زيد ابن عليّ بن الحسين (عليهما
السلام) وموضعه باق إلى الآن ، وبينه وبين هذا المكان فراسخ أو
أزيد بيسير ، وكيف كان فاحتمال البريد في النخيلة قائم ولا منافي له وقد
دلّ الخبر على التقصير بها.
الرابع من
أخبار هذا النوع : ما رواه الصدوق في كتاب الصوم من «المقنع » بحذف الإسناد وقد قال في أوّله إنّ ما بيّنه فيه موجود
في الكتب الأُصوليّة مبيّن عن المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله ، قال : سئل أبو عبد
الله (عليه السلام) عن رجل أتى سوقاً يتسوّق وهي من منزله على أربع فراسخ ، فإن هو
أتاها على الدابّة أتاها في بعض اليوم ، وإن ركب السفن لم يأتها في يوم؟ قال :
يتمّ الراكب للّذي يرجع من يومه صوماً ويفطر صاحب السفن. كذا في «البحار والوسائل » نقلا من الكتاب المذكور ، وفيما وجدناه من نسخ المقنع
: «صومه» بالإضافة إلى الضمير بدل «صوماً» بالتنكير ، و «سبع فراسخ» مكان «أربع
فراسخ» والأربع أنسب بقول السائل «فإن هو أتاها على الدابّة أتاها في بعض يوم»
ولقوله (عليه السلام) «يتمّ الراكب الّذي رجع من يومه» والعدد بالتأنيث في جميع
النسخ وحقّه التذكير ، فإنّ الفرسخ مذكّر لا مؤنث ، ولعلّه هنا بمعنى الساعة
فإنّها من جملة معانيه كما في «القاموس » أو على التأويل بها لانطباقه عليها غالباً.
والحديث قد دلّ
على عدم الاكتفاء بالأربعة في تحقّق المسافة ، وظاهره عدم حصولها بانضمام الرجوع
وإن كان ليومه ، وهو خلاف الأقوال المعتبرة في المسألة ، بل مقتضى مفهوم قوله (عليه
السلام) «يتمّ الراكب الراجع من يومه» اختصاص الإتمام بالراجع ليومه ، فيكون شرط
القصر في الأربعة عدم الرجوع لليوم عكس المشهور ، وهو خلاف إجماع العلماء كافّة ،
إذ لم يقل أحد باشتراط عدم الرجوع لليوم في التقصير بالأربعة وإنّما الخلاف في
اشتراط الرجوع فيه ، ومع هذا
__________________
الحديث بظاهره مشكل وتقريب الاستدلال به يتوقّف على بيان الإشكال ورفعه على وجه ينطبق
على المدّعى. والإشكال فيه من وجوه :
أحدها : إنّ
قوله (عليه السلام) : «يتمّ الراكب الّذي يرجع ليومه صومه» يدلّ بمنطوقه على وجوب الصوم
على قاصد الأربعة الراجع لليوم ، وهذا إنّما يتمشّى على القول بتخيير مريد
الرجوع ليومه في الصلاة دون الصوم أو القول بسقوط اعتبار الأربعة ولو مع الرجوع
لليوم مع إلغاء مفهوم الحديث على الأخير ، وهما خلاف الأقوال المعتبرة في المسألة والقول بهما على تقدير ثبوته مرغوب
عنه.
وثانيها : إنّ
مفهوم هذا الكلام اختصاص الراجع لليوم بوجوب الصوم ، ومقتضاه وجوب الصوم على الراجع ليومه وعدم وجوب الصيام
والإتمام على الراجع في غيره وهو خلاف إجماع العلماء كافّة بل خلاف
المعلوم بالضرورة من عدم اشتراط القصر فيهما بانتفاء الرجوع لليوم عكس
المشهور من اشتراط الرجوع فيه.
وثالثها : إنّ
السائل قد سأل عن رجل خرج إلى سوق يتسوّق بها ، وظاهر الحال في المتسوّق عدم الرجوع لليوم ، سواء أخذ طرق
البحر أو البرّ وإن قصرت المسافة على الأوّل ، فقوله (عليه السلام) : «ويتمّ
الراكب الّذي رجع من يومه» لا ينطبق على السؤال والمنطبق عليه بيان حكم الراجع لغير اليوم ، وغاية
الأمر أن يكون السؤال عامّاً شاملا للراجع لليوم وغيره فيجب أن يكون الجواب
كذلك ، فالتعرّض للراجع لليوم في الجواب غير مناسب للسؤال.
ورابعها : إنّ
سؤال السائل غير مختصّ بالصوم فإنّه سائل عن هذا المسافر القاصد للسوق إذا أتاها على الدابّة أو ركب السفن وهو إمّا
سؤال عن الصلاة والصوم معاً أو عن الصلاة على ما هو الكثير الشائع في
سؤال الناس ، فينبغي أن يكون الجواب عنهما أو عنها لا عن الصوم وحده لعدم
مطابقته لظاهر السؤال ، فظهر أنّ الجواب غير ملائم للسؤال باعتبار الموضوع
والحكم معاً ، والبناء على دلالة المفهوم ـ مع فساده هنا كما عرفت ـ لا يرفع
الإشكال ، لأنّ الملائم للسؤال
في الموضعين هو العكس بجعل المفهوم منطوقاً والمنطوق مفهوماً ، فيبقى سؤال الخروج عن
الظاهر.
ولا مخلص من
هذه الإشكالات إلاّ بنقل الإثبات في قوله (عليه السلام) «يتمّ الراكب الّذي يرجع من
يومه» إلى النفي وتحويل الإيجاب فيه إلى معنى السلب إن لم يكن سقط حرف النفي
فيه من النسّاخ كما يعطيه ظاهر وضع الكلام. والنقل إلى النفي يمكن بوجهين :
أحدهما : تقدير
أداة النفي في نظم الكلام ، والمعنى : يتمّ الراكب الّذي لا يرجع من يومه ،
فحذفت «لا» فيه كما حذفت من قوله تعالى (تالله تفتأُ تذكر يوسف) وقول امرئ القيس :
فقلت يمين
الله أبرح قاعداً
|
|
ولو قطعوا
رأسي لديك وأوصالي
|
فإنّ المعنى :
تالله لا تفتأُ ، أي لا تزال تذكر يوسف ، ويمين الله لا أبرح قاعداً بحذف «لا» في
الموضعين كما صرّح به أئمّة العربية والتفسير قال البيضاوي : لأنّه لا يلتبس بالإثبات ، فإنّ القسم إذا لم يكن معه
علامة الإثبات كان على النفي. وفي «الكشّاف والمجمع » وغيرهما : أنّ الإثبات مع القسم لا ينفكّ عن اللام والنون فمع
انتفائهما يتعيّن النفي. والقرينة في الحديث وقوعه جواباً عن سؤال المتسوّق الّذي
لا يرجع من يومه فيكون على النفي لا على الإثبات وإلاّ لم يطابق الجواب السؤال.
ومن ثمّ جعلنا الحذف في قوله «يرجع» لا في «يتمّ» وإن تمّ به المعنى ، لأنّ المطابقة لا تحصل به ، مع أنّ حكم الراكب
على هذا التقدير هو القصر كصاحب السفينة فكان المناسب جمعهما فيه. وهذا الوجه
مبنيّ على جواز حذف
__________________
النفي في غير القسم ، وربّما لاح من كلمات القوم اختصاص الحذف بالقسم ، وهو غير معلوم وإن
اختصّ الشاهد به.
وثانيهما : حمل
الرجوع في قوله (عليه السلام) «يرجع في يومه» على التمكّن من الرجوع ، والمراد يتمّ الراكب الّذي يتمكّن من الرجوع
ليومه ولا يرجع فيه وذلك لأنّ هذا الكلام قد وقع جواباً عن الفرض المتقدّم في
كلام السائل. وكلا الأمرين مستفاد منه ، أمّا التمكّن من الرجوع لليوم فلقوله «فإن
هو أتاها على الدابّة أتاها في بعض اليوم» فإنّه إذا أتاها في بعض اليوم أمكنه
الرجوع في البعض الآخر بناءاً على أنّ المراد بالبعض ما لا يزيد على النصف كما هو
الظاهر. وأمّا عدم الرجوع لليوم فلأنّ المفروض فيه السؤال عن الخارج المتسوّق
والرجوع لليوم في مثلهغير مقصود في الغالب كما سبقت الإشارة إليه من أنّ هذا القيد
لا بدّ منه في توجيه الكلام وإن خلا عن القرينة الدالّة عليه فكيف مع وجودها.
وهذا الوجه
أولى من التزام سقوط حرف النفي من النسّاخ ، فإنّه إنّما يصار إليه عند
الضرورة الملجئة ولا ضرورة إليه هنا ، وكذا من التوجيه بحذف لا ، فإنّ حذفها في غير
القسم غير ثابت وإن لم يثبت خلافه أيضاً ، وأمّا حمل الرجوع على التمكّن منه
فهو مجاز ثابت لا ريب فيه ، وكذا التقييد بعدم الرجوع فإنّ باب التقييد كالتخصيص واسع
والمدار في الشرعيّات والمحاورات عليهما وقلّما خلا الكلام عن أحدهما ، والقرينة الدالّة على التجوّز والتقييد
تقدّم السؤال الدالّ عليهما كما عرفت وهو من أوضح القرائن.
وعلى كلّ تقدير
فمدلول الحديث هو أمر مَن لا يرجع من يومه في الأربعة بإتمام الصوم وإن تمكّن من الرجوع ليومه قصّر المسافة.
ويفهم منه مفارقة الصلاة للصوم في هذا الحكم ، إذ لو كان حكمهما واحداً لأطلق
الإتمام فيهما ولم يقيّد بالصيام ولم يكن في هذا التقييد فائدة مع عموم الحكم
وثبوته لهما جميعاً. ويؤكّد ذلك عموم السؤال وتناوله للصوم والصلاة معاً أو ظهوره في
الصلاة كما تقدّم فإنّه يقتضي وقوع الجواب على وجه يفيد السائل في حكم الصلاة
المسؤول عنها أو
الداخلة في السؤال وليس إلاّ من جهة هذا القيد ، فكان التقييد به معتبراً
مقصوداً به بيان حكم الصلاة. ويزيده بياناً أنّ قوله (عليه السلام) «ويقصر
صاحب السفن» كما في البحار والوسائل مطلق يعمّ الصوم والصلاة ، والإطلاق فيه
مراد لوجود المسافة الموجبة للقصر فيهما. وهذا الإطلاق مع تقييد الحكم في
راكب الدابّة بالصوم في قوّة التنصيص على إرادة التخصيص ، فيكون حكم الصلاة في
الراجع لغير اليوممخالفاً لحكم الصوم ، والمخالفة إمّا بتعيين القصر فيها أو
بالتخيير بينه وبين الإتمام ، والأوّل باطل قطعاً ، إذ لو تعيّن القصر في الصلاة لوجب
الإفطار إجماعاً ، وقد دلّ الحديث على وجوب الصوم ، فتعيّن الثاني وهو التخيير. ولا
سبيل إلى حمل الأمر بالصوم على الوجوب التخييري ، لأنّ ذلك ـ مع كونه
مخالفاً لظاهر الأمر الدالّ على الوجوب العيني خصوصاً مع الاقتران بمثله وهو الأمر
بالقصر في صاحب السفينة ـ يقتضي التخيير في الصوم دون الصلاة ، وهو خلاف
الإجماع ، والبناء على توافق الصوم والصلاة في التخيير خلاف ما عرفت من
دلالة الحديث (وتوافق الصوم والصلاة في الحكم
بالتخيير وقد عرفت دلالة الحديث على الاختلاف ـ خ ل) وكذا القول في حمله على الاستحباب ، إذ
لا قائل بالتخيير فيهما مع استحباب الصيام دون الإتمام.
فالحديث موافق
لما عليه كثير من الأصحاب من تخيير المسافة في الأربعة بين القصر والإتمام إذا لم يرجع ليومه مع الفرق بين
الصوم والصلاة باختصاص التخيير بالصلاة كما ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) وجماعة من أصحاب هذا القول ، وهو أحد الأقوال المعتبرة في المسألة ، فلا يكون منطوق
الرواية مخالفاً للأقوال المعتبرة فيها ولا مفهومها مخالفاً للإجماع ، إذ المفهوم
حينئذ هو وجوب القصر
__________________
لمريد الرجوع ليومه أو عدم وجوب الإتمام عليه وهو قول معظم الأصحاب ، والجواب منطبق على السؤال ومبتن عليه في كلٍّ من الموضوع
والحكم ، وغايته الاكتفاء في الصلاة بدلالة المفهوم وهذا لا يقتضي عدم
المطابقة. ولعلّ التنصيص على حكم الصوم لخفاء حكمه أو لعلمه (عليه السلام) بشدّة
احتياج السائل إليه فدلّ عليه بالمنطوق واكتفى في الصلاة بالمفهوم. ومثله كثير والأمر
فيه هيّن.
فاندفع الإشكال
في الحديث وظهر انطباقه على المدّعى بل تبيّن أنّه من أجمع روايات الباب وأوفاها بجميع أحكامها ومطالبها ،
والمستفاد منه ممّا يتعلّق بالمقام عدّة أحكام :
الأوّل : عدم
حصول المسافة المتعيّنة للقصر والإفطار بمجرّد الأربعة ، إذ لو كان كذلك لوجب
الحكم تعييناً على صاحب السفن وراكب الدابّة مطلقاً رجع ليومه أم لا أراد الرجوع أم لم يرد ، لوجود الأربعة في
الجميع ، ومقتضى الحديث خلاف ذلك.
الثاني : تعيين
الصوم على قاصد الأربعة إذا لم يرد الرجوع ليومه سواء أقام في المقصد أم رجع من دون إقامة لا ليومه كما يقتضيه
إطلاق الأمر بالصوم الظاهر في الوجوب العيني من غير تقييد.
الثالث : تخيير
غير قاصد الرجوع لليوم في الصلاة بين القصر والإتمام على تقديري الإقامة وعدمها لعموم المفهوم. وهذا أحد القولين
لأصحاب الخيار والقول الآخر اختصاص التخيير بما إذا لم يرد المقام عشرة
أيّام ، فيتعيّن عليه الإتمام في الطريق مع إرادته. وعلى هذا فلا بدّ من
اعتبار قيد آخر في الكلام أو حمل المفهوم على سلب العموم لا عموم السلب ، والمعنى عدم
تعيين الإتمام في الصلاة مطلقاً بل مع عدم إرادة المقام في المنزل.
__________________
الرابع : إنّ
الراجع ليومه مخالف لغيره في الحكم المذكور ، وذلك إمّا بتعيّن القصر في الصوم
والصلاة أو بالتخيير فيهما كذلك أو التعيين في الصلاة لا في الصوم دون العكس فإنّه
خلاف الإجماع المعلوم كتعيّن الإتمام فيهما أو في الصلاة دون الصوم مع ثبوت
الترخّص لغير الراجع ليومه ، والأوّل أولى بناءاً على عموم المفهوم وأنّ مفهوم
الأمر بالإتمام عرفاً هو الأمر بالقصر لا عدم الأمر بالتمام وظهور أنّ المراد من
رفع التخيير في الصلاة بين الإتمام والقصر هو تعيين القصر ولأنّ القصر قد ثبت في
الجميع بمفهوم المخالفة فيتعيّن بالأصل والعمومات الدالّة على تعيين القصر.
وفي الحديث
دلالة على حكم آخر وهو أنّه إذا كان للمقصد طريقان أقرب وأبعد كان لكلٍّ منهما
الحكم المختصّ به ولا يتعدّى الحكم من أحدهما إلى الآخر سواء سلك الأقرب أو الأبعد.
وقد نبّه على ذلك الأصحاب واستندوا فيه إلى العمومات ، وليس في المسألة ما يصرّح
بذلك غير هذا الحديث ، فإنّه دلّ على أنّ المسافر إلى السوق ذات الطريقين إن سلك
الأبعد وهو البحر البالغ مسيرة يوم وأكثر قصّر مطلقاً وإن سلك البرّ وهو أربعة
فراسخ لم يثبت له ذلك. وهذا يقتضي النفي فيما دون الأربعة ، فإنّ عدم تعدّي حكم
الأبعد إلى الأقرب مع كونه مسافة في الجملة يستلزم انتفاء التعدية إلى ما ليس
بمسافة أصلا بطريق أولى. وإطلاق الحديث يقتضي وجوب القصر عليه إذا سلك الأبعد ولو
قصد الترخّص كما هو المشهور ، وقيل بانتفاء القصر هنا وهو ضعيف.
فإن قلت :
الاستدلال بالرواية استدلال بالمؤوّل ولا يصحّ إلاّ إذا انحصر
__________________
التأويل فيما يفيد المدّعى ، والحصر هنا ممنوع ، فإنّ من الجائز حمل الأمر
بإتمام الصوم للراجع لليوم على التخيير مع إلغاء المفهومين المشعرين بمخالفة
الصلاة للصوم ومخالفة غير الراجع لليوم للراجع فيه ، لأنّ التخيير في الصوم يستلزم
التخيير في الصلاة إجماعاً وتخيّر الراجع ليومه يستلزم التخيير لغير الراجع فيه
إلاّ على قول نادر لا عبرة به ، فيكون الحكم بإتمام الصوم لمن يرجع من يومه
للتنبيه على حكم غيره من باب التسوية وحاصله التخيير لقاصد الأربعة مطلقاً ، وهو
أحد الأقوال المعتبرة ، فلا يكون الحديث خارجاً عنها ولا مخالفاً للإجماع ، ولا
يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال لدلالة الجواب على حكمي الصلاة والصوم للراجع ليومه
وغيره ويدخل فيه المسؤول عنه ولو بدلالة التنبيه وهي إن لم تكن أقوى من المفهوم
فإنّها تساويه.
قلت : يضعّف
هذا الوجه أوّلا ضعف القول بالتخيير مطلقاً في الصوم والصلاةللراجع لليوم وغيره
كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في موضعه ، فلا يصلح بناء الحديث عليه وثانياً
ما في هذا الوجه من التكلّف يصرف الأمر الظاهر في الوجوب العيني إلى التخييري مع
انتفاء القرينة الدالّة عليه ، بل مع وجود قرينة الخلاف والبناء على مساواة حكمي
الصوم والصلاة وحكمي الراجع لليوم وغيره مع دلالة المفهومين على المخالفة بين
الحكمين وثالثاً إنّ البناء على التسوية إنّما يصحّ لو كانت التسوية مستندة إلى
أمر بيّن معلوم في أزمنة الصدور كما قد يتفق في الجزئيّات الّتي تقع على سبيل
التمثيل ، والأمر هنا ليس من ذلك القبيل فإنّ العلم بمثله إنّما يحصل للفقهاء
العارفين بالأدلّة والخلاف والوفاق المتجدّدين بدقيق النظر بخلاف الرواة ، إذ لا
اطّلاع لهم على الأسباب الحادثة القاضيةبالتسوية ، فلا يتأتّى البناء عليها إلاّ
بجعل السبب اللاحق كاشفاً عن وجود أمر سابق يدلّ عليها في أوقات الحضور وشاهد
الحال بل ظاهر السؤال يأبى ذلك ، وبالجملة : فلا خفاء في ضعف هذا الوجه وبُعده
بخلاف ما تقدّم فإنّه مستفاد من نفس السؤالمن دون استعانة بالأُمور الخارجة
النظرية ، فيتعيّن الحمل عليه دون غيره.
فإن قيل : لعلّ
الوجه في الحديث ما ذكره الشيخان الفاضلان المحدّثان في «الوسائل والبحار » أنّ راكب الدابّة يمكنه الرجوع ليومه قبل الزوال لقصر المسافة
فيجب عليه الصوم بخلاف صاحب السفينة أو ما اختصّ به صاحب «الوسائل» من احتمال خروج
الراكب بعد الزوال فيجب عليه إتمام الصوم على المشهور من أنّ المسافر إنّما يجب
عليه الإفطار إذا خرج قبل الزوال لا بعده.
قلنا : أمّا
احتمال الخروج بعد الزوال فلا يختصّ براكب الدابّة بل هو قائم في صاحب السفينة
أيضاً لتمكّنه من ذلك كراكب الدابّة من غير فرق فلا وجه لتخصيصه به وبناء الفرق
عليه وأمّا الرجوع قبل الزوال فإن أُريد به رجوع الخارج من أوّل النهار فلا ريب في
بُعده ، لبلوغ المسافة ذهاباً وإياباً ثمانية فراسخ وهي وحدها شاغلة لليوم فكيف
يتأتّى له الرجوع قبل الزوال مع قضاء وطره من السوق الّتي صار إليها للتسوّق ، هذا
على نسخة الأربع كما في الكتابين ، وأمّا على نسخة السبع فالرجوع قبل الزوال كاد
يكون من الممتنع المحال ، وإن أُريد به رجوع الخارج من البلد ولو قبل اليوم فراكب
الدابّة وصاحب السفينة في ذلكسيّان ، لأنّ صاحب السفينة يمكنه الرجوع قبل الزوال
مع عدم تعيين زمانالخروج كراكب الدابّة.
نعم ، قد ينقدح
هنا احتمال ثالث وهو خروج الراكب بعد الزوال من اليومالأوّل ورجوعه قبل الزوال من
الثاني فلا يفطر في سفره ذلك بخلاف صاحب السفينة إذ لا بدّ له من تخلّل يوم تمام
بين يومي الخروج والدخول كما يشهد له قول السائل «وإن ركب السفن لم يأتها في يوم»
فيجب عليه الإفطار في ذلك اليوم المتوسط وإن سلم له الطرفان إذا خرج بعد الزوال
ودخل قبله.
وهذا الوجه وإن
كان أجود من سابقيه إلاّ أنّه يرد عليه مع ما تقدّمه خلوّ
__________________
الحديث عن اعتبار الخروج بعد الزوال والرجوع قبله ، إذ ليس فيه إلاّ أنّ
الّذييرجع من يومه يتمّ صومه ، والرجوع لليوم كما يكون قبل الزوال فكذا يكون بعده
، وأقصى ما هناك تمكّن الراكب ممّا ذكر وهو لا يستلزم الوقوع ولا وجوب اختيار ذلك
، فإنّ للمسافر أن يخرج متى شاء ويرجع متى شاء ولو في شهر رمضان ولا يجب عليه
الخروج بعد الزوال ولا الرجوع قبله لأجل الصوم. وأيضاً فمقتضى الفرق بين الصوم
والصلاة على هذا المعنى عدم وجوب إتمام الصلاة على الخارج بعد الزوال والراجع قبله
مطلقاً وإن أخّر الصلاة عن أوّل وقتها حتّى خرج من منزله أو رجع إليه ، فيكون
الاعتبار بحال الأداء في الخروج والوجوب في الدخول وهو خلاف الأقوال المعروفة في
المسألة من اعتبار حال الأداء مطلقاًوالوجوب كذلك أو الدخول دون الخروج ، وأمّا
العكس فلم نجد به قائلا بل هوخلاف الإجماع.
فالظاهر أنّ
المقصود في الحديث بيان حكم الراكب وصاحب السفينة منجهة المسافة وبيانها في
الموضعين من دون إشعار بأمر آخر كزمان الدخول والخروج يكون ذلك ملتفتاً إليه في
الحديث بل موكولا إلى الأدلّة الخارجة كما في سائر أخبار المسافة ، ويمكن أن يكون
بناء الأمر فيه على الغالب الكثير في السفرمن خروج المسافر أوّل النهار فيجب القصر
والإفطار على صاحب السفينة لوجود المسافة مع خروجه قبل الزوال بخلاف راكب الدابّة
، لانتفاء المسافة المعينة لهما في حقّه ، فلا يجب عليه الأمران وإن خرج قبل
الزوال.
وقد علم ممّا
ذكرنا أنّ الوجه في الحديث هو الّذي قلناه وبه يتمّ المطلوب.
الخامس من
أخبار هذا القسم : عبارة الفقه المنسوب إلى سيّدنا ومولانا أبيالحسن عليّ بن موسى
الرضا عليه وعلى آبائه السلام ، قال (عليه السلام) في باب صلاة المسافر : والمريض
ومَن سافر فالتقصير عليه واجب إذا كان سفره ثمانية فراسخ أو بريدين وهو أربع
وعشرون ميلا ، فإن كان سفرك بريداً واحداً وأردت أن ترجعمن يومك قصّرت ، لأنّه
ذهابك ومجيئك بريدين ، وإن عزمت على المقام وكان
مدّة سفرك بريداً واحداً ثمّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك أقمت فلا تقصّر ،
وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان مصرك ، ثمّ قال (عليه السلام)
بعد ذكر جملة من الأحكام : وإن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ ولم ترد الرجوع من
يومك فأنت بالخيار فإن شئت تمّمت وإن شئت قصّرت ، وإن كان سفرك دون أربع فراسخ
فالتمام عليك واجب ، هكذا في أصل الكتاب . وفي «البحار » نقلا عنه إلاّ أنّ فيه «لأنّه ذهابك ومجيئك بريدان»
برفع البريدين كما هو الظاهر ، وعليه فالضمير المنصوب للشأن والجملة خبر ، وهو على
الأوّل للسفر والخبر قوله :ذهابك ومجيئك ، ونصب البريدين على الحالية أو المفعولية
أو الخبرية ليكون المقدّرة ، وفي بعض نسخ الأصل بدل قوله «أقمت فلا تقصّر» «أتممت
فلا تقصّر» أمراً بالإتمام ونهياً عن التقصير تفريعاً على الأمر ، فيحتمل أن يكون «أقمت»
تصحيحاً من النسّاخ لأتممت وأن يكون أتممت تصحيحاً منهم لأقمت لخفاء المعنى فيه ،
ولعلّ المراد : كنت في حكم المقيم بالعزم على الإقامة وإن لم تقم ، والتفريع على
هذا أوجه ، ولا يبعد سقوط «فما» قبل «أقمت» والتقدير : إن عزمت على المقام ثمّ
تجدّد لك الرجوع فما أقمت فلا تقصّر ، فيكون قوله : فلا تقصّر ، هو الجواب ، وهذا
أمكن في المعنى وأبين ، والفاء في قوله : فإن كان سفرك بريداً ، للتفصيل لا
للتفريع ، لأنّ الأمر بالتقصير في البريد لا يتفرّع على ما تقدّمه من اشتراط
البريدين في القصر ، وأربع في الأميال والفراسخ بدون التاء في جميع النسخ ، ويمكن
توجيهه في الفراسخ بنحو ما مرّ في رواية «المقنع » وفي الأميال بعودها إلى الأذرع والأصابع وبأنّ الميل
كما قيل مسافة متراخية من الأرض بغير حدّ أو بقدر مدّ البصر.
__________________
والبريد أربع
فراسخ ، وفي حكمه ما زاد من الأعداد إلى أن يبلغ البريدين ، للإجماع على اتحاد حكم
الجميع ودلالة التحديد بالبريدين على ذلك ، ولا ينافيه قوله : بريداً واحداً ،
لأنّه للاحتراز عن المتعدّد ، ولا يحصل التعدّد إلاّ إذا كان بريدين أو أكثر ،
وعليه يحمل قوله : وإن كان أكثر من بريد ، فهو تأكيد لما قبله من وجوب القصر في
البريدين وتوطئة لما بعده من اشتراط خفاء الأذان.
وهذه العبارة
واضحة الدلالة على المطلب جامعة لأطراف المسألة وقد دلّت صريحاً على وجوب القصر في
الثمانية ووجوب الإتمام فيما دون الأربعة وهما موضع وفاق ، وعلى ثبوت التقصير
بالأربعة ولو بالتخيير لمن لم يعزم على المقام وأنّه لا يكتفي بها ولا بمطلق
الرجوع في تعيين القصر.
وظاهرها تعيين
القصر إذا قصد الرجوع ليومه والإتمام إذا عزم على مقام عشرة أيّام والتخيير بينهما
إذا لم يرد الرجوع ليومه ولم يعزم على المقام.
أمّا الأوّل
فلقوله (عليه السلام) «وإن كان سفرك بريداً واحداً أو أردت أن ترجع من يومك قصّرت»
فإنّه أمر بالتقصير في هذه الصورة ، وظاهره تعيين القصر ، ويؤيّده التعليل
بالبريدين ، فإنّ الأمر بثبوت حكم البريدين الامتدادين هنا لاتصال المسافة وحكمها
تعيين القصر فيتعيّن في هذا الفرض ، ويزيده تأكيداً قوله بعد ذلك «وإن سافرت إلى
موضع مقدار أربع فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت تمّمت وإن
شئت قصّرت» لدلالته بمفهوم الشرط وقرينة المقابلة على انتفاء الخيار إذا أراد
الرجوع ليومه ، وهو إمّا تعيين الإتمام أو تعيين القصر بالبريدين ، والأوّل باطل
قطعاً فتعيّن الثاني. وتحديد وجوب القصر بالبريدين وإن اقتضى لعموم المفهوم عدم
تعيين القصر فيما دونهما مطلقاً ، إلاّ أنّ هذه الصورة قد خرجت من العموم بما دلّ
من الكلام على تعيين القصر فيهما بالخصوص ، فكان الحدّ أحد الأمرين من البريدين
الامتدادين والبريد الواحد بشرط الرجوع لليوم.
وأمّا الثاني
فيستفاد من قوله (عليه السلام) «وإن عزمت على المقام وكان مدّة سفرك
بريداً واحداً ثمّ تجدّد لك فيه الرجوع من يومك أقمت فلا تقصّر» فإنّه
تضمّن النهي عن التقصير وهو حقيقة في التحريم ، وتحريم القصر مع تجدّد الرجوع
لليوم يستلزم تحريمه مع بقاء العزم على المقام أو إرادة الرجوع بعد اليوم قبل
العشرة ، والتقييد للتنصيص على الفرد الخفي لا للتخصيص ، فمقتضى الكلام وجوب الإتمام
على عازم المقام سواء بقي على عزمه أو رجع عنه أراد الرجوع ليومه أم لا ، فيجب
إخراجه من إطلاق الخيار لمن لم يرد الرجوع ليومه حملا للمطلق على المقيّد. والمراد
بالمقام عشرة أيّام لا ما قابل الرجوع لليوم وإلاّ لزم اختصاص الخيار (بالمتردّد ـ
ظ) ولم يقل به أحد ، على أنّ النفي في قوله «ولم ترد الرجوع في يومك» إمّا أن
يتوجّه إلى القيد أو إليه مع المقيّد ، وعلى التقديرين فقاصد الرجوع لغير اليوم
داخل في موضع الخيار مقصود من هذا الحكم في الجملة فيخرج عن هذا الكلام الدالّ على
تعيين الإتمام.
وأمّا الثالث
فيعلم من الحكم بالخيار لمن لم يرد الرجوع ليومه مع المنع من التقصير إذا عزم على
المقام كما مرّ فيدخل في الخيار للعازم على الرجوع بعد اليوم قبل العشرة والمردّد
بأقسامه وهي أربعة ، هذا ما يقتضيه ظاهر العبارة ويتبادر منها أوّل وهلة. وفيها
احتمال آخر وهو التخيير في الصوَر الثلاث مع رجحان القصر في الأُولى والإتمام في
الثانية والتسوية بينهما في الثلاث ، فإنّه (عليه السلام) أوجب القصر على المسافر
إذا كان سفره ثمانية فراسخ ، والمراد الثمانية الامتدادية ، لتبادرها من الإطلاق
ووجوب إرادتها هنا بقرينة مقابلتها بالثمانية الملفّقة ، ثمّ أوجب الإتمام في آخر
العبارة إذا كان السفر دون الأربعة ، وعموم المفهومين يقتضي عدم تعيين شئ من
الأمرين في الأربعة بصوَرها الثلاث ويلزمها التخيير في الكلّ ، فيحمل الأمر بالقصر
لمريد الرجوع ليومه على الندب والنهي عنه لمريد المقام على الكراهة والتخيير فيما
عداها على التسوية ، فيشعر بذلك العدول عن صريح الوجوب في الأوّلين إلى الأمر
والنهي والاكتفاء في الأخير بالتخيير من دون إشعار بالمفاضلة. وظهور قوله «فإن شئت
تمّمت وإن شئت قصّرت» في التسوية ،
ولا ينافي ذلك التعليل بالبريدين في الأوّل إذ ليس نصّاً في اتحاد الحكم بل
يحتمل إرادة قرب التلفيق في هذه الصورة في الامتداد وإن بُعد.
ولا ريب أنّ
الوجه في العبارة ما تقدّم لتقدّم المنطوق على المفهوم والخصوص على العموم
والتخصيص على المجاز ، لأنّ التخيير على خلاف الأصل ، فيقتصر على القدر المعلوم من
النصّ مع أنّ التفصيل بالتسوية والترجيح فيما ذكر لم يظهر به قائل من الأصحاب ،
ومقتضى كلام القائلين بالتخيير رجحان القصر وإن لم يرجع ليومه ، فإنّهم حملوا
أخبار عرفات على استحباب القصر وكراهة الإتمام وهو خلاف التفصيل المذكور.
وممّا ذكرنا
تبيّن دلالة العبارة على ما ذهب إليه أكثر القدماء من وجوب القصر على مريد الرجوع لليوم والتخيير لمن لم
يرد ذلك ، غير أنّه قد يشكل في قاصد المقام ، فإنّ ظاهر الكلام كما عرفت وجوب
الإتمام عليه وإطلاق كلامهم يقتضي التخيير وسياق القول في ذلك آت عند إيراد عبارات
الأصحاب في المسألة. وليس في هذه العبارة تصريح بحكم الصوم فإنّ القصر حقيقة في
الصلاة والباب معقود لها ، وقال (عليه السلام) بعد هذه العبارة بفاصلة عدّة أحكام
: ومتى وجب.
عليك التقصير
في الصلاة أو التمام لزمك في الصوم مثله. وفي كتاب الصوم : وكلّ مَن وجب عليه التقصير في السفر فعليه الإفطار ،
وكلّ مَن وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام متى ما أتمّ صام ومتى ما أفطر
قصّر ، ومقتضى ذلك تبعية الصوم للصلاة إذا تعيّن فيها القصر أو الإتمام لا إذا
تخيّر. ويستفاد ممّا ذكره (عليه السلام) في الموضعين إرادة الصلاة وحدها من
العبارة المتقدّمة وخروج الصوم عنها فيبقى حكمه في موضع الخيار مسكوتاً عنه ، وحمل
الوجوب واللزوم على ما يشمل التخيير بعيد ، ومع ذلك فاللازم منه ظاهراً هو التبعية
بالاختيار لا في التخيير
__________________
ومنتظر الرفقة إذا خفي عليه الجدران والأذان قصّر إلى شهر إن جزم بالسفر
دونها وإلّا اشترطت المسافة.
______________________________________________________
ولا قائل به ، فإنّ القائلين بالتخيير يجوّزون اختيار الصوم مع القصر
والإتمام مع الفطر. إلى هنا جفّ قلمه الشريف في هذه الرسالة.
[حكم منتظر الرفقة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ومنتظر الرفقة إذا خفي عليه الجدران والأذان قصّر إلى شهر إن جزم
بالسفر دونها وإلاّ اشترطت المسافة) في المسألة ستّ صوَر ذكرها الفاضل المقداد والمحقّق الثاني
والمولى
الأردبيلي والفاضل الخراساني وغيرهم ، وقد اقتصر في بعض العبارات كما ستسمع على بعضها ،
وهناك صوَر أُخر لم يذكرها الأكثر ، ولم يتعرّض لهذا الفرع الصدوق والمفيد والسيّد
وأبو يعلى والطوسي وأبو المجد وأبو المكارم فيما حضرني من كتبهم ولا في الفقه
الرضوي ولا الشيخ في الخلاف.
وبيان الصوَر
الستّ : أنّه لا يخلو إمّا أن ينتظرهم وهو دون محلّ الترخّص أو متعدّ عنه أو على
رأس المسافة فما زاد ، وعلى كلّ تقدير إمّا أن يكون جازماً على السفر دونهم أو لا
فهذه ستّة أقسام.
فإن كان دون
محلّ الترخّص فإنّه يتمّ مطلقاً سواء كان جازماً أو لا ، وكذا يتمّ لو كان
متعدّياً عن محلّ الترخّص دون المسافة غير جازم على السفر من دونهم ، فهذه ثلاثة
أحوال يتمّ فيها.
__________________
______________________________________________________
وأمّا الثلاثة
الباقية فإنّه يقصّر فيها ما لم ينو الإقامة عشراً أو يمض عليه ثلاثون يوماً. وفي «الرياض»
لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان ثمّ توقّع رفقة لم يجزم بالسفر من دونهم أتمّ وإن
جزم أو بلغ المسافة قصّر بلا خلاف ، انتهى. وفي «مجمع البرهان » أقسام هذه المسألة مع أدلّتها ظاهرة. وإن لوحظ الجزم
بسفر الرفقة أو الظنّ به زادت الأقسام.
وأمّا عبارات
الأصحاب في المقام فقال الشيخ في «النهاية» : إذا خرج قوم إلى السفر وساروا أربعة
فراسخ وقصّروا من الصلاة ثمّ أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السفر فعليهم التقصير إلى
أن يتيسّر لهم العزم على المقام فيرجعون إلى الإتمام ما لم يتجاوز ثلاثين يوماً ،
وإن كان مسيرهم أقلّ من أربعة فراسخ وجب عليهم الإتمام إلى أن يسيروا فإذا ساروا
رجعوا إلى التقصير ، انتهى. وفي «السرائر » أنّ ما ذكره في النهاية أخيراً غير واضح ولا مستقيم.
وفي «المعتبر » كأنّه يعني الشيخ عوّل على الرواية * ومنعه المصنّف وجملة ممّن
__________________
(*) قلت : أراد
بالرواية رواية إسحاق بن عمّار الّذي قال فيها عليهالسلام : إن كانوا قد بلغوا ، ولذلك ظنّ جماعة أنّ مذهبه في النهاية أنّ الأربعة باعتبار انضمام
الذهاب إلى الإياب مسافة شرعيه كالثمانية وإن لم يرد الرجوع ليومه (منه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تأخّر عنه والحاصل كأنّهم مطبقون على ردّه ، وصاحب «الحدائق » استجوده بناءً على ما اختاره في مسألة الأربعة
الملفّقة كما عرفت.
وقال في «المبسوط»
: من خرج من البلد إلى موضع بالقرب من مسافة فرسخ أو فرسخين بنيّة أن ينتظر الرفقة
هناك والمقام عشراً فصاعداً فإذا تكاملوا ساروا سفراً يجب عليهم التقصير ، ولا
يجوز أن يقصّر إلّا بعد المسير من الموضع الّذي يجتمعون فيه ، لأنّه ما نوى
بالخروج إلى هذا الموضع سفراً يجب فيه التقصير ، فإن لم ينو المقام عشرة أيّام
وإنّما يخرج بنيّة أنّه متى تكاملوا ساروا قصّر ما بينه وبين شهر ثمّ يتمّ انتهى. قال في «السرائر » بعد نقل هذه العبارة : إن أراد المسألة الثانية في
النهاية أنّه ما نوى بالخروج إلى دون الأربعة فراسخ سفراً يجب فيه التقصير وإنّما
خرج بنيّة أنّه متى تكاملوا ووجد الرفقة سافر فإنّه يجب عليه التمام فإنّه مستقيم
صحيح ، وإن أراد أنّه خرج إلى السفر بنيّة السفر فلمّا وصل إلى دون الأربعة توقّف
ينتظر الرفقة وما عزم على مقام عشرة أيّام ولا بدا له عن الرجوع فليس بصحيح ولا
مستقيم بل الواجب عليه عند هذه الحال التقصير. قلت : يشير إلى إرادة الأوّل قوله
في المسألة الاولى «فقصّر» فتدبّر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «المعتبر»
لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان وتوقّع رفقة قصّر ما بينه وبين شهر ما لم ينو
الإقامة أو العود ، ولو كان دون ذلك أتمّ ، لأنّ قصد المسافة شرط القصر إذا غاب
عنه جدران البلد أو خفي أذان أهله ، وإذا توقّع الرفقة فإن عزم العود إن لم يلحقوا
به لم يجز القصر وإن عزم السفر لو لم يلحقوا قصّر ، وإن عزم السفر ثمّ توقّع قصّر
ما بينه وبين شهر ، ولو كان ما قطعه من المسافة لم يتجاوز موضع الأذان أتمّ ، لأنّ
ذلك بحكم البلد وإلى هذا أومأ في المبسوط ، انتهى.
وذكر في «المنتهى»
ما في «المعتبر» ، وزاد قوله : ولو خرج من بلده إن وجد رفقة سار وإلّا رجع أتمّ ما
لم يسر ثمانية فراسخ . ومثله قال في «التحرير » وأنت خبير بما في كلامه فيهما من النظر فإنّ قضيّته
أنّه إنّما خرج من بلده معلّقاً سفره على وجود الرفقة وهذا غير قاصد للسفر وحكمه
الإتمام وإن قطع مسافات عديدة بهذه الكيفيّة. والظاهر أنّ مراده وإن قصرت العبارة
عنه أنّه خرج ناوياً للسفر وقاصداً للمسافة ولكن عرض له ما يوجب عدم استمرار القصد
من انتظار الرفقة ، فإن كان قبل بلوغ نهاية المسافة فالواجب الإتمام ، وإن كان بعد
حصول الثمانية فالواجب البقاء على التقصير كما أومأ إلى ذلك في «التذكرة ونهاية الإحكام » حيث قال فيهما : إلّا أن يكون قد قطع مسافة فيقصّر إلى
شهر. وقريب منهما في ذلك عبارة الكتاب .
وعلى ذلك تنزّل
عبارة الشرائع ونحوها وهي أبعد عن الوهم من عبارة المنتهى ، قال في «الشرائع» : لو
خرج ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم ، فإن كان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على حدّ مسافة قصّر في سفره وموضع موقفه ، وإن كان ما دونها أتم حتّى
يتيسّر له الرفقة ويسافر . وقوله «وإن كان ما دونها أتم» ليس على إطلاقه.
وقال في «البيان»
: لو توقّع رفقة علّق سفره عليهم أتمّ إلّا أن يكون بعد المسافة فيقصّر إلى ثلاثين
يوماً ، ولو كان التوقّع في محلّ رؤية الجدران أو سماع الأذان أتمّ وإن جزم بالسفر
دونها ، انتهى. وفي «الدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية» وغيرها أنّ منتظر الرفقة على حدّ مسافة مسافر وعلى حدّ البلد
مقيم وبينهما إن جزم بالسفر فمسافر وإن وقف عليها فمقيم لكنّه في «الهلالية» اعتبر
الظنّ كما في «الذكرى ».
وفي «النافع»
لو قصد مسافة فتجاوز سماع الأذان ثمّ توقّع رفقة قصّر .. إلى آخره . ويجب تقييده بما إذا لم يعلّق سفره عليهم ولم يبلغ رأس
المسافة.
وعبارة «التذكرة
ونهاية الإحكام » كعبارة الكتاب من دون تفاوت أصلاً ، ونحوها عبارة «الإرشاد
» قال فيه : منتظر الرفقة يقصّر مع الخفاء والجزم أو بلوغ المسافة وإلّا
أتمّ.
وقال في «الذكرى»
: منتظر الرفقة على حدّ المسافة مقصّر إلى ثلاثين يوماً ،
__________________
الثاني
: الضرب في الأرض
، فلا يكفي القصد من دونه ، ولا يشترط الانتهاء إلى المسافة بل ابتداؤه بحيث يخفى
عليه الجدران والأذان ، فلو أدرك أحدهما لم يجز القصر ،
______________________________________________________
وعلى أقلّ منها وهو جازم بالسفر من دونها مقصّر إذا كان في محلّ الترخّص ،
وإن علّق سفره عليها وعلم أو غلب على ظنّه وصولها فكالجازم بالسفر من دونها ، وإن
انتفى العلم وغلبة الظنّ أتمّ ، وكذا لو كان توقّعه في محلّ الترخّص كالّذي لم
يتجاوز رؤية الجدار وسماع الأذان . وقد وافق على ذلك كلّه الفاضل الميسي والمحقّق الكركي وتلميذاه في «إرشاد الجعفرية والغرية» واستحسنه في «الروض » فعلى هذا عبارة الكتاب ونحوها ليست على إطلاقها ، لأنّ
الجازم بسفر الرفقة يقصّر وإن لم يكن بلغ المسافة.
وظاهر «مجمع
البرهان » وغيره عدم اعتبار الظنّ ، وفي «الذخيرة» في إلحاقه بالعلم نظر
.
والكلام في
اعتبار الشهر أو الثلاثين يوماً وعدم اختصاص ذلك بالمصر واحتساب ما مضى إذا رجع عن
التردّد يأتي في محلّه.
[في اشتراط الضرب في الأرض]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الثاني
: الضرب في الأرض ، فلا يكفي القصد من دونه ولا يشترط الانتهاء إلى المسافة بل
ابتداؤه
__________________
______________________________________________________
بحيث
يخفى عليه الجدران والأذان) الحكمان الأوّلان إجماعيان وقد نقل عليهما مستفيضاً ،
وأمّا الثالث ففي «الذكرى» أنّ اعتباره هو المشهور بل كاد يكون إجماعاً . وفي «الرياض» لا خلاف فيه في الجملة إلّا من والد
الصدوق فلم يعتبر هذا الشرط بالكلّية بل اكتفى بنفس الخروج من البلد . وفي «الخلاف» الإجماع على أنّه إذا نوى السفر لا يجوز
له أن يقصّر حتّى يغيب عنه البنيان ويخفى عنه أذان مصره أو جدران بلده . وفي «المعتبر » وغيره أنّ قول عليّ بن بابويه شاذّ ، فلا خلاف في المسألة من
هذه الجهة.
وإنّما الخلاف
من جهة اخرى وهي التعبير عن هذا الشرط ، فجماعة على التعبير عنه بخفاء الأمرين
معاً ، وهو المشهور كما في «المهذّب البارع والمقتصر وغاية المرام والجواهر» وبين المتأخّرين كما في «المقاصد العلية والروض ومجمع البرهان والرياض » وعليه أكثر المتأخّرين كما في «المدارك والنجيبية» والأظهر بين المتأخّرين كما في «شرح الألفية»
للكركي ، وعليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المتأخّرون كما قاله صاحب المعالم في «حاشيته على رسالته » وأكثر علمائنا كما في «الدرّة» وأكثر أهل عصر الصيمري
كما ذكره في «غاية المرام ».
وهو المنقول عن
العماني ، ونسبه جماعة إلى «الخلاف» وقد سمعت عبارته فتأمّل فيها ، وخيرة «جُمل
العلم والعمل» حيث قال : وابتداء وجوبه عليه من حيث يغيب عنه أذان مصره ويتوارى
عنه أبيات مدينته و «المعتبر والإرشاد ونهاية الإحكام والتلخيص والمختلف والدروس والذكرى والبيان والألفية والتنقيح والموجز الحاوي والمقتصر والهلالية والجعفرية وفوائد الشرائع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وتعليق الناقع وإرشاد الجعفرية والغرية وتعليق الإرشاد والميسية والمسالك والمقاصد والروضة والروض والرياض والمصابيح » وغيرها وفي «الموجز الحاوي» الأقصى من الأذان ، ولم يتعرّض لهذا الفرع في الوسيلة.
وذهب آخرون إلى
اعتبار أحد الأمرين ، وعليه أكثر المتقدّمين كما في «الذكرى والروض والاثنى عشرية » لصاحب المعالم. وفي «شرح التهذيب» لمولانا المجلسي
أنّه المشهور . وفي «الرياض والحدائق » أنّه المشهور بين القدماء ، ومذهب الأكثر كما في «المدارك
والذخيرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والكفاية ». وفي «كشف الرموز» أنّه فتوى الشيخين وعلم الهدا
والحسن وسلّار والمتأخّر يعني ابن إدريس ، انتهى فتأمّل جيّداً.
وهو خيرة «المبسوط»
وستسمع عبارته و «النهاية والإشارة والشرائع والنافع والتذكرة والمنتهى والتحرير والتبصرة واللمعة والمفاتيح » وهو المنقول عن القاضي . وهو ظاهر «كشف الرموز ». وفي «مجمع البرهان» أنّه أظهر . ويظهر من «المختلف» في مسألة العود اختياره . وفي «المدارك» أنّه أولى . وفي «الذخيرة» أقرب .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا وفي «اللمعة
والبيان والمفاتيح والحدائق » التعبير بالتواري عن الجدران كما في الخبر و «المقنع » لا بتواري الجدران وخفائها عنه كما عليه جميع الأصحاب
، ويأتي بيان الوجه في ذلك.
وعبارة «المبسوط»
هذه : لا يجوز أن يقصّر حتّى يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران بلده ، ولا
يجوز أن يقصّر ما دام يبين بنيان البلد سواء كانت عامرة أو خراباً ، فإن اتصل
بالبلد بساتين فإذا حصل بحيث لا يسمع أذان المصر قصّر ، انتهى. والغرض من نقلها تأمّل بعضهم في مدلولها. وفي «الذكرى
والغرية» أنّ ظاهر المبسوط أنّ المعتبر الرؤية فإن حصل حائل فالأذان.
وفي «المقنع»
إذا توارى من البيوت . ولم يذكر الأذان ، ونقل عنه جماعة اعتبار خفاء الحيطان ، والموجود في النسخة الّتي عندي
ما عرفت. وفي «المراسم» الاقتصار على خفاء الأذان ، وهو الموجود في «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام» في موضعٍ منه .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمنقول عن المفيد والتقي. ونقل جماعة عن عليّ بن بابويه أنّه قال : إذا خرجت من منزلك فقصّر
إلى أن تعود إليه ، وهو الموجود في موضع آخر من «الفقه الرضوي » فيقيّد بما تقدّم عنه ، فيقوّى احتمال أن لا يكون عليّ
بن بابويه مخالفاً ، لأنّ الغالب أنّ عبارته عبارة الكتاب المذكور وفتواه منه إن
لم يكن من مصنّفاته ، لعدم ثبوت النسبة عند الاستاذ الشريف إلى مولانا الرضا عليهالسلام فليتأمّل.
وما نقل عن عليّ
بن بابويه نقل عن أبي عليّ ، وفي «الذكرى» أنّه ظاهر كلامه .
وقال في «السرائر»
من حيث يغيب عنه أذان البلد من المتوسّط أو يتوارى عنه جدران مدينته ، والاعتماد
عندي على الأذان المتوسّط دون الجدران ، انتهى.
وفي «الذكرى والروض وغاية المرام » وغيرها أنّ التمثيل بالأذان لأنّه أعلى الصوت غالباً فيقوم
مقامه الصوت العالي ، فليتأمّل وستعرف الحال ويأتي الكلام في جميع فروع المسألة
على التمام.
والسرّ في
تعبير الكلّ بتواري الجدران عنه لا تواريه عنها مع وروده في الصحيح هو أنّ المكلّف
لا يدرك تواري نفسه عن الجدران إلّا على سبيل الخرص
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتخمين فكيف يجعله الشارع معياراً. والتواري من باب التفاعل مأخوذ فيه
كونه من الطرفين كباب المفاعلة وإن كان أحدهما فاعلاً والآخر مفعولاً ، فالمراد من
الصحيح أنّه إذا توارى عن البيوت تكون البيوت متوارية عنه فيعتبر المكلّف تواريها
عنه.
وأيضاً لو كان
المراد تواريه عن البيوت لاحتاج إلى تقدير في الكلام كأن يقال عن ناظر في البيوت
أو مَن في البيوت والأصل عدم التقدير ، فمن عبّر كالصحيح جعل الطرف الآخر مَن في
البيوت لا نفس البيوت كما ستسمع كلامهم بخلاف الأصحاب فإنّهم جعلوه نفس البيوت كما
هو الظاهر من الحديث ، فلذا اعتبر تواريها مع أنّ المناسب على قول المخالف أن يقال
: أن يتوارى مَن في البيوت عنه ، لأنّه تعريف له في بلوغه حدّ الترخص لا تعريف
لأهل البيوت فإنّ معرفتهم كيف تنفعه إلّا أن تكون بتخمين ، على أنّه على تقدير
حصول المعرفة على سبيل التحقيق لا وجه للحوالة على التخمين ، ووجه تمكّنه من
المعرفة على سبيل التحقيق أنّه إذا نظر إلى أهل ا لبيوت ولم ير أحداً علم أنّه
توارى عنهم ، لأنّ الغالب تساوي الأشخاص والأنظار.
فالمعتبر هو
الخفاء عن نفس البيوت لا عن أهلها ، لأنّ القصر إنّما يجب على المسافر المقابل
للحاضر والمعتبر حضور بيته ومنزله كما ينبّه عليه قولهم عليهمالسلام «الأعراب يتمّون ، لأنّ بيوتهم معهم ، ومنازلهم معهم » فالمعتبر هو الغَيبة عن نفس البيوت لا عن أهلها ، إذ
ربّما كان أهلها معه في السفر وهو غير حاضر. فالتواري هو الغَيبة والغائب في
مقابلة الحاضر ، ولهذا اعتبر الشارع ذلك ، ولم يقل تتوارى عنه البيوت وتغيب عنه
وإن كان المآل واحد ، كذا أفاد الاستاذ قدسسره في «المصابيح».
ثمّ قال قدسسره : لو كان خفاء الصوت معتبراً لقال المعصوم عليهالسلام إذا لم يسمع صوت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أهل البلد يقصّر ، فالتعليق دليل على اعتبار صورة الصوت * وعدم كفاية الصوت
** فيكون هذا شاهداً آخر على إرادة المعنى الالتزامي من تواريه عن الجدران ، لما
عرفت من أنّه لا بدّ من اتحاد المسافة في الأمارتين ، إذ خفاء شبح الشخص عن أهل
البيوت لعلّه لا تناسب مسافته مسافة خفاء صورة الأذان لا مجرّد الصوت ، إذ كيف
تطمئنّ النفس بأنّه خفي عن أهل البيوت سيّما وأن يكون المراد منها بيوت منتهى
البلد وخصوصاً بعد عدم معلومية كون ناظر البيوت على سطوحها أو فوق جدرانها أو على
الأرض وعدم مضبوطية قدر الارتفاع والانخفاض وغير ذلك مع عدم مناسبة التخمين مع
التحقيق ، انتهى. فليتأمّل فيه جيّداً.
وقال قدسسره في «المصابيح» في الردّ على مَن قال بالاكتفاء بأحدهما
: هذا مستبعد فإنّا لا نرضى بقول المصوّبة فكيف نرضى بكون حكم الله تعالى تابعاً
لمحض اعتبار. نعم لو كان حكم الله هو التخيير بين القصر والإتمام فلا مانع منه
فتأمّل ، ومع ذلك هو خلاف ظاهر الحديثين ، إذ كيف يجب القصر إن اعتبر الأذان
والإتمام إن اعتبر خفاء الجدران أو بالعكس ، مع أنّ الظاهر من كلّ واحد من الخبرين
وجوب الإتمام إلى الحدّ المذكور والقصر بعده ، فإذا كان مسافة كلّ واحد منهما
واحدة وامتداداً واحداً فلا معنى لما ذكر من الاكتفاء في جواز التقصير فإنّ كلّ
واحد من الأمرين إمارة على أمرٍ واحدٍ معيّن متحد. فالأظهر أن يكون المتبادر شيئاً
واحداً مقدّراً مشخّصاً. نعم لمّا لم يكن المفهوم من كلّ واحد من الخبرين ذلك
الواحد المشخّص اعتبر ضمّهما معاً لتحصيل ذلك الشخص ، وإن كان المراد الوسط الّذي
ليس فيه إفراط ولا تفريط فإنّ الوسط أيضاً لا يفيد ذلك
__________________
(*) أي صوت
الأذان (بخطه قدسسره).
(**) أي مجرّد
صوت أهل البلد الحاصل من مكالماتهم وعاداتهم (بخطّه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المشخّص ما لم
يعتبر ضمّهما معاً. ولو فرض حصول المشخّص من كلّ منهما لا يحتاج إلى الضمّ ومعلوم
أنّ الأمر ليس كذلك بل الضمّ أضبط وأدلّ ، ومع ذلك لا يكاد يتشخّص إلّا أنّ
المكلّف عند شكّه في وصوله إلى حدّ الترخّص يتمّ استصحاباً حتّى يثبت خلافه ولا
يثبت خلافه بما ذكر من التخيير سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا. نعم يثبت خلافه
بخفائهما معاً بالإجماع والأخبار.
قلت : ما
استبعده الاستاذ قدّس الله تعالى روحه حتّى بنى عليه ما بنى منقوض بجعل الشارع
مسير اليوم وثمانية فراسخ مع اختلافهما على الظاهر حدّاً للمسافة وتقدير الكرّ
بالأشبار والوزن وغير ذلك ، فقد جعل العلامتين المتفاوتتين علامة على حكمٍ شرعي.
ثمّ قال قدسسره : فإن قلت : إنّ المعصوم جوّز لكلّ واحد من الراويين
الاكتفاء بما رواه ولو لم يكفه لمّا جوّز فالتقييد بعيد ، وكذا ما ذكرت. قلت :
أكثر أخبارنا متعارضة والبناء على التخصيص والتقييد وغيرهما من وجوه الحمل وما
ذكرت وارد على الجميع ، فما هو الجواب في غير المقام ممّا هو من المسلّمات فهو
الجواب في المقام ، وارتكاب البعيد للجمع ليس بأوّل قارورة كسرت مع أنّك أيضاً
ارتكبت البعيد والتقييد إلّا أن يكون مرادك ما ذكرناه من اتحاد المسافتين وأنّه
يعرفها كلّ واحد من الخفائين من دون تفاوت. وهذا هو الظاهر الموافق لمدلول
الصحيحين من عدم الحاجة إلى ضميمة أصلاً إلّا أن يكون بين الأمارتين تفاوت في
الواقع ويحصل العلم بذلك التفاوت. ولعلّه لذلك ارتكب التقييد مَن ارتكبه واعتبر
ضمّهما معاً لكن العلم بالتفاوت مشكل ، لعدم معلومية المراد من التواري على
التشخيص والتعيين بحيث لا يقبل الزيادة والنقيصة أصلاً ، وكذلك الكلام في طرف
الأذان. وإن قلت : إنّ المراد الأذان المتوسّط فإنّه متفاوت أيضاً وكذا كيفيّة
الخفاء ، وكذا موضع الأذان وانخفاضه وتحرّك الهواء وسكونه وتكلّم الناس وسكوتهم ،
ولذا يتفاوت في الليل والنهار. فأسباب التفاوت لا تنضبط على جهة التحقيق بل على
جهة التخمين مع أنّه غير معتبر بالنظر إلى الأصل والقاعدة
.................................................................................................
______________________________________________________
فلذا قلنا باعتبار ضمّهما. ولعلّ أمر المعصوم عليهالسلام كلّ واحد من الراويين بواحدة من الأمارتين لتمكّنه منها
خاصّة ولم يعلم اتحاد حال المتمكّن وغير المتمكّن في التكاليف بل الظاهر عدم
الاتحاد في موضع لم يثبت الاتحاد ، انتهى.
قلت : ثمّ إنّ
الجمع بالتخصيص أقوى وأرجح من الجمع بالتخيير حيثما تعارضا ، على أنّ في الجمع
بالتخيير تخصيصاً أيضاً في المفهوم ، وذاك أوفق بمقتضى الأصل واستصحاب التمام إلى
ثبوت الترخيص ، وليس بثابت بأحدهما بعد تساوي الجمعين وتكافؤهما ، فبطل ما في «الذخيرة
» وغيرها من ترجيح الجمع بالتخيير. هذا على تقدير ظهور التفاوت
بينهما وإلّا فالظاهر الاكتفاء بأحدهما. وقد يرجّح الجمع بالتخيير بصدق الضرب في
الأرض والسفر وبكونه أقرب إلى الجمع بين الأخبار الدالّة على اعتبارهما وبين الأخبار
الدالّة على أنّه لا بدّ من الدخول إلى المنزل والأهل وبينها وبين ما روي مرسلاً من الاكتفاء بالخروج من المنزل .
وقال في «المصابيح»
أيضاً : ويمكن أن يكون ما ورد من أنّ ابتداء القصر إذا توارى عن البيوت حكم ذلك
بحسب نفس الأمر وبيان اللمّ والحكمة في اعتبار حدّ الترخص هو أنّه متى لم يتوار عن
الوطن فهو في الوطن ، وإذا توارى عنه وخرج عنه فقد خرج عن حدّ الحضور ودخل في حدّ
الغَيبة ، وليس المراد أنّ المكلّف يعتبر هذا لابتداء قصره ، لأنّه لا يعرف أنّه
توارى عن البيوت ، فلا يكون هذا أمارة اخرى لحدّ الترخص بل الأمارة منحصرة في خفاء
الأذان كما قاله ابن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إدريس ، فإذا أراد المكلّف أن يعرف أنّه توارى عن البيوت اعتبره بعدم سماعه
الأذان المتوسط فهو المعرّف للتواري والتواري علّة ابتداء القصر وحدّ الترخص. ثمّ
قال : وكيف كان لا إشكال علينا بعد اعتبار خفاء الأذان والقول باتحاد مسافته مع
مسافة خفاء الجدران أو خفائه عن أهل الجدران كما هو الحقّ ، انتهى كلامه قدسسره فليتأمّل فيه.
وفي «الحدائق»
أنّ المراد من قوله عليهالسلام : «إذا توارى من البيوت» التواري عن أهل البيوت بتقديرٍ
مضاف ، هذا هو ظاهر الخبر ، وبه يقرب مقتضاه من خبر خفاء الأذان ، فإنّ تواري
المسافر عن أهل البلد وخفاء الأذان متقاربان ، ولا يضرّ التفاوت اليسير ، فإنّ
مدار هذه الامور في الشرع على التقريب. وأمّا ما ذكره الأصحاب فمع كونه خلاف
الظاهر لا يخفى ما فيه من التفاوت الفاحش بين العلامتين فإنّه بعد أن يخفى عليه
سماع الأذان لا يخفى عليه جدران البلد إلّا بعد مسافة زائدة كما هو ظاهر لمن تأمّل
، انتهى. وقد سبقه إلى ذلك مولانا المجلسي في «شرح التهذيب » وأشار إليه قبله مولانا التستري . وهو كلام قويّ متين لو لا ما يظهر من إطباق الأصحاب
على خلافه كما ستسمع كلامهم في الفروع من عدم اعتبار الأعلام والقباب وغير ذلك.
وفي «المدارك»
أنّ مقتضى الرواية التواري من البيوت ، والظاهر أنّ معناه وجود الحائل بينه وبينها
وإن كان قليلاً ولا يضرّ رؤيتها بعد ذلك لصدق التواري. ثمّ قال : ويحتمل قويّاً
الاكتفاء بالتواري في المنخفضة كيف كان لإطلاق النصّ . وفي نسخة اخرى من «المدارك» الظاهر أنّ معنى الرواية
استتاره عن البيوت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بحيث لا يرى لمن كان في البلد . والظاهر أنّ النسخة الثانية تضمّنت العدول عن الاولى
لكن قوله «ويحتمل قويّاً الاكتفاء .. إلى آخره» إنّما ينطبق على النسخة الاولى
الّتي عدل عنها ، ولعلّه غفل عن إصلاح ذلك.
وفي «الذخيرة»
أنّ الظاهر أنّه يتحقّق التواري بالحائل وأنّه لا تضرّ الرؤية بعد ذلك لصدق
التواري . فوافق صاحب المدارك في ذلك. وتأمّل فيه الاستاذ قدسسره فقال : فيه ما فيه . قلت : لأنّ المراد من التواري الضرب في الأرض والسير
فيها والبُعد عن الوطن كما دلّت عليه الآية الشريفة . وهي وإن كانت مجملة في قدر البُعد إلّا أنّ النصوص
الواردة في تحديد محلّ الترخّص قد أوضحت إجمالها ، وأنّ المراد الضرب إلى هذا
المقدار لا التواري كيف اتفق ولو مع وجود الحائل القريب ، على أنّه خلاف ما عليه
الأصحاب ، ففي «الذكرى والبيان والدروس وحواشي الشهيد والألفية والهلالية والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد وشرح الألفية » للكركي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
و «الجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية والمسالك والمقاصد العلية والروض والروضة والدرّة والجواهر» وغيرها أنّ البلد لو كانت في علوّ مفرط أو وهدة اعتبر الاستواء
تقديراً ، وفيما يأتي من الكتاب أنّ في المرتفعة إشكالاً. وفي «الإيضاح » أنّ الأقرب اعتبار الخفاء في المرتفعة حقيقة لقول
الصادق عليهالسلام .
هذا وفي أكثر
هذه الكتب و «التذكرة ونهاية الإحكام والتحرير وفوائد الشرائع وغاية المرام والذخيرة والمصابيح والحدائق »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وغيرها أنّه لا عبرة بأعلام البلد كالمنارة والقلاع والقباب ، وظاهر
«مجمع البرهان» نسبته إلى الأصحاب . وصرّح الشهيدان والمحقّق الكركي وصاحب «المدارك » بأنّه لا عبرة بسماع الأذان المفرط في العلوّ والأذان
المفرط في الانخفاض ، وظاهر «مجمع البرهان والذخيرة » نسبته إلى الأصحاب حيث قالا : قالوا لا عبرة .. إلى
آخره.
وفي «تعليقي
النافع والإرشاد وفوائد الشرائع وشرح الألفية » للكركي «وإرشاد الجعفرية والميسية والمقاصد والروض والروضة ومجمع البرهان » أنّ المعتبر في رؤية الجدار صوته لا شبحه ، ونحوه ما
في «غاية المرام» من أنّه عدم التميّز بين البيوت . وفي «فوائد الشرائع» يعتبر أن لا يكون الهواء قوياً
يمنع الإدراك . وفيها وفي «إرشاد الجعفرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والميسية والمقاصد والمسالك والروض » أنّ المعتبر سماع صوت الأذان وإن لم يميّز بين فصوله.
ونحوه ما في «الروضة» من أنّ المعتبر صورة الجدران والأذان لا الشبح والكلام . فقد أخذ في الأوّل الطرف الأعلى وفي الثاني الأدنى.
وفي «الرياض»
أنّ اعتبار صورة الأذان والجدران لا يخلو عن إشكال ، فإنّ المتبادر من النصّ
والفتوى خفاؤهما أصلاً لا خفاء صورتهما ، انتهى. ويأتي دفع هذا الإشكال بالنسبة إلى الجدران.
وفي «مجمع البرهان» المراد بحيث لا يسمع الأذان أصلاً . وفي «غاية المرام» أنّ المعتبر عدم التمييز بين فصوله . وقال الاستاذ قدسسره في «المصابيح» بعد نقل ذلك عن غاية المرام : المتبادر
هو عدم السماع على وجه يظهر أنّه أذان بل عدم السماع مطلقاً ، بل لو تردّد في أنّه
أذان لا يخلو عن إشكال والإتمام مستصحب : ولعلّه إنّما حكم بذلك لأنّ خفاء الجدران
رأساً غير معتبر ، إذ ربّما لا يخفى في المسافة أو أزيد منها فلذا حمله على ما ذكر
، وهو قياس عبارة بعبارة ، وهو غير معتبر عند الكلّ ، انتهى.
وفي «نهاية
الإحكام والتحرير والموجز وكشفه » لا عبرة بالبساتين والمزارع لأنّها لم تبن للسكنى. وفي
الأخيرين لو كان للبلد سور فلا بدّ من خفائه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فتأمّل. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » لا فرق بين البلد والقرية وأنّه لو جمع سور قرى
متفاصلة اعتبر خفاء جدار قريته. وفيهما وفي «المنتهى والتحرير » لو كان قريتان متصلتان في البناء اشترط مفارقة الاخرى
لأنّهما كالواحدة. وفيما عدا التحرير أنّه لو سكن وادياً وسار في عرضه أو طوله
اشترط خفاء الأذان. ونحوه ما في «التحرير والذكرى والموجز وكشفه والروض » من أنّه يعتبر في حلّة البدوي خفاء الأذان.
وفي «مجمع
البرهان» الظاهر أنّه يعتبر في بيوت الأعراب الأذان وعدم رؤية بيوتهم ، إذ لا جدار
في الدليل بل الأذان والبيوت ، ويحتمل اعتبار محلّة لهم. ثمّ قال : الظاهر أنّ
الأمر تقريبي ولهذا علّق على أمرين متفاوتين غالباً ، ويقبل التفاوت بالنسبة إلى
السماع والقرى والمصر ومحلّ الأذان والمؤذّن ، والشريعة السمحة السهلة تدلّ على
عدم الدقّة ووجود الحكم بمجرّد الصدق ، ولهذا قلنا بأحدهما ، فإنّه مبنيّ على عدم
النظر إلى هذا التفاوت ، وعدم بيانها في الشرع يفيد سهولة الأمر وقطع النظر عن
التفاوت في الجملة ، فإنّ التفاوت بينهما ليس بأكثر من التفاوت بين أفرادهما . وظاهر «المقاصد» أنّه يقدّر فيها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
خفاء الجدران .
وفي «نهاية
الإحكام والموجز وكشف الالتباس » لو كانت الخيام متفرّقة فلا بدّ من مجاوزتها ما دامت
تعدّ حلّة واحدة ، واعتبر فيها مجاوزة مرافقها كمطرح الرماد وملعب الصبيان. وفي «المختلف»
عن القاضي أنّه إن كان بادياً فحتى يجاوز الموضع الّذي يستقرّ منزله فيه وإن كان
مقيماً في وادٍ فحتى يجاوز عرضه وإن سافر فيه طولاً فحتى يغيب عن موضع منزله. وقال
في «المختلف» ولم يعتبر أصحابنا ذلك .
وفي «الذخيرة » أنّهم قالوا : تعتبر المحلّة في البلد المتسع. ومثله
قال في «الرياض » قلت : صرّح بذلك في «التحرير والذكرى والبيان والدروس والمهذّب والموجز والهلالية وفوائد الشرائع وتعليق الإرشاد والجعفرية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وشرحيها وشرح الألفية » للكركي «وغاية المرام وكشف الالتباس والميسية والروض والروضة والمقاصد والدرّة والجواهر والمصابيح » ودليله ما تقدّم ذكره في بيان مبدأ المسافة ، وقد تقدّم ما له كمال
النفع في المقام.
وقال في «الحدائق»
: إنّهم لم يأتوا بدليل يعتمد عليه ولم يصرّح أحد بالدليل وكأنّه أمرٌ مسلّم بينهم
، بل ربما دلّت ظواهر الأخبار على ردّه نظراً إلى إطلاقها وعمومها ، ويعضد ذلك
موثّقة غياث بن إبراهيم عن الصادق عن أبيه عليهماالسلام . ثمّ أطال في تجشّم ردّه إلى أن قال : على أنّ اللازم
ممّا ذكروه هنا أنّه لو عزم الإقامة في البلد المتسعة فالواجب مراعاة المحلّة
بناءً على ما صرّحوا به في حكم من أقام عشرة في بلد من أنّه لا يجوز له تجاوز محلّ
الترخّص وأنّه متى نوى ذلك في أصل نيّة الإقامة بطلت نيّته ، فعلى هذا لا يجوز له
الخروج إلى سائر المحاليل الخارجة عن هذا المقدار بالنسبة إلى محلّته ، وهو مع
كونه لم يصرّحوا به في تلك المسألة موجب للحرج في منع المسافر المقيم من التردّد
في البلد لقضاء حوائجه ومطالبه كما هو الغالب الّذي عليه كافّة الناس مع أنّه لم
يظهر له أثر ولا خبر في الأخبار مع عموم البلوى به ، مضافاً إلى أصالة براءة
الذمّة منه. وبالجملة فإنّ ما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
صرّحوا به هنا من هذا التفصيل لا يخلو من الإشكال ، انتهى كلامه قدسسره. وقد نقلنا كلام المولى الأردبيلي وغيره في المقام عند
ذكر مبدأ المسافة فليلحظ ونقلنا كلام الاستاذ قدّس الله تعالى سرّه عند
الكلام على الأمر الثاني من الامور الّتي نبّهنا عليها عند تحديد المسافة.
والجواب عمّا
في الحدائق بأحد أمرين ، الأوّل : أنّ الأمر مختلف عند العرف لأنّه تارةً يحكم
بأنّ ما قبل محلّ الترخّص فضلاً عنه ليس من جملة ما قصد فيه الإقامة قطعاً ،
وتارةً يحكم بأنَّ ما فوق محلّ الترخّص بكثير ممّا قصدت فيه الإقامة كما في
البلدان الكبيرة جدّاً ، وأيضاً لزيادة المكث وقلّته تفاوت عرفاً فربّما يقلّ غاية
القلّة في البعيد ولا يقدح وربّما يكثر في القريب ويقدح. الثاني : إنّا نلتزم ذلك
ولا حرج فيه ، لعدم تحتّم نيّة الإقامة عليه ولندرة وجود البلد الّتي بهذه المثابة
، لأنّ المفروض في كلامهم ما إذا أفرط البلد في الاتساع وقد مثّلوه بالكوفة ، وقد قال
في «المصابيح» : إنّ بيوتها في ذلك الزمان كانت ممتدة إلى مقدار أربعة فراسخ أو ما
قاربها . وتمام الكلام يأتي في محلّه.
وهل يشترط
تجاوز الحدّين في ناوي الإقامة أو يقصّر بمجرّد خروجه؟ قولان ذكرهما في «نفائح
الأفكار » واستوضح أوّلهما ووافقه سبطه . وهو خيرة «السرائر وكشف الالتباس والذخيرة » وظاهر «التذكرة
__________________
وهو نهاية السفر ،
______________________________________________________
والذكرى » وهو الّذي يستفاد من كلام الأكثر من مواضع ، بل هو صريح كلامهم في مسألة ناوي الإقامة في
بلد حيث ذكروا أنّه لا يضرّه التردّد في نواحيها ما لم يبلغ حدّ الترخّص ، فقد
ذكروا ذلك هناك متسالمين عليه ، والأخبار منطبقة الدلالة عليه فلا إشكال فيه.
ومن ذلك يفهم
الحال في الدخول من جهة النصّ والفتوى لكن الشهيد الثاني وسبطه استظهرا البقاء على القصر إلى الدخول ، وكذلك المولى
الخراساني . وردّ ذلك المولى الأردبيلي قال : وعدم كون حكمه حكم
البلد باعتبار أنّه لو رجع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة تماماً يرجع إلى القصر ليس
ممّا يضعّف ما نحن فيه ، لأنّ المماثلة إنّما حصلت بالنيّة ، فمعنى كون حكمه حكم
البلد ما دام متّصفاً بذلك الوصف وهو ظاهر . واحتمل في «التذكرة ونهاية الإحكام والهلالية» اعتبارهما وعدم اعتبارهما في الدخول والخروج
، ويأتي بلطف الله سبحانه تمام الكلام.
[في نهاية السفر في العود]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وهو
نهاية السفر) يحتمل عود الضمير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إلى الخفاء أو الإدراك ، وأيّاً ما كان فالمعنى والمآل واحد وهو أَنّ إدراك
أحدهما نهاية السفر في العود ، وإن كان عوده إلى الخفاء لا يخلو من خفاء كما ننبّه
عليه إن شاء الله تعالى.
والاكتفاء
بأحدهما حينئذٍ هو المشهور بل كاد يكون إجماعاً كما في «الذكرى » لمن أعطى النظر حقّه. وفي «الرياض» أنّه الأشهر وعليه
عامّة من تأخّر ، وفي «المنتهى والغرية» أنّه مذهب الأكثر. وفي «النافع» أنّه أشهر . وفي «المعتبر والمنتهى » أنّه مذهب الشيخ ومَن تابعه ، وفي الأوّل أيضاً و «التذكرة » أنّ روايته مشهورة. وفي «الروض وتخليص التلخيص ومجمع البرهان والمصابيح » أنّه المشهور. وهو مذهب أهل عصر الصيمري ذكر ذلك في «غاية
المرام ».
وقد ظنّ صاحب «المدارك
» وغيره أنّ المحقّق في الشرائع والمصنّف في التحرير مخالفان
حيث اقتصرا فيهما على ذكر سماع الأذان فقالا : حتّى يبلغ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
سماع الأذان. وقال في «المدارك» إنّه أظهر الأقوال . وأنكر الاستاذ قدسسره كونهما مخالفين . ووافقه على ذلك مولانا صاحب الرياض دام ظلّه ، قال في «الرياض»
فيعتبر خفاء الجدران هنا كالأذان بلا خلاف إلّا من بعض المتأخّرين ، فقصره هنا على
الأذان لاختصاص الصحيح به ، وهو ضعيف لعدم انحصار الدليل فيه ووجود غيره الشامل له
وللجدران. ومع ذلك فالظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل وإن كان ربّما يتوهّم من
الفاضلين في الشرائع والتحرير ولكنّه ضعيف ، انتهى.
بقي هناك دقيقة
وهو أنّه على المشهور بين المتقدّمين من كفاية أحدهما لوجوب القصر أنّه لا بدّ هنا
من رفعهما معاً على الظاهر ، لأنّه إذا كان أحدهما كافياً لوجوب القصر فلا يرتفع
ذلك إلّا برفع الموجب ولا يتحقّق إلّا برفعهما ، فكيف ينسب في «المعتبر والمنتهى»
الاكتفاء بأحدهما إلى الشيخ ومَن تابعه ولم أجد للمتقدّمين في ذلك تصريحاً سوى ما
يأتي. نعم على المشهور بين المتأخّرين يكفي لانتهاء القصر ووجوب التمام انتفاء أحد
الأمرين كما أطبقوا عليه إلّا مَن شذّ لكنّ المحقّق والمصنّف في «الشرائع والنافع والتذكرة والمنتهى والتحرير » اكتفيا في وجوب القصر بأحد الأمرين واكتفيا هنا أيضاً
بأحدهما فليتأمّل جيّداً.
وقد يقال : إنّ
ذلك منهم دليل على أنّهما متلازمان عندهم فيكون اشتراط أحدهما في الخروج قي قوّة
اشتراط خفائهما .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قيل : ليس
في المعتبر والمنتهى سوى أنّ الّذي اختاره الشيخ وأتباعه أنّه لا يزال مقصّراً إلى
أن يبلغ الموضع الّذي ابتدأ فيه بالقصر. وليس نصّاً في الاكتفاء بأحدهما.
قلت : هذا
مجازفة ، نعم ما في «الذكرى» بعد ذكره لكلام أبي عليّ من قوله : «واعتبار الأوّلين
هو المشهور بل كاد يكون إجماعاً » ليس نصّاً إلّا في أنّهما معتبران في الجملة. وفي «المبسوط»
عبارة تفيد ما نحن فيه وهي هذه : إذا كان قريباً من بلده بحيث يغيب عنه أذان مصره
فصلّى بنيّة التقصير ، فلمّا صلّى ركعة رعف فانصرف إلى أقرب بنيان البلد ليغسله
فدخل البنيان أو شاهدها بطلت صلاته ، لأنّ ذلك فعل كثير . وفي «السرائر» ساق هذه العبارة إلى قوله «بنيان البلد»
فقال بعده : بحيث يسمع الأذان من مصره ليغسله بطلت . وهذا منه على ما اختاره من اعتبار الأذان خاصّة.
والمخالفون
للمشهور علم الهدى وعليّ بن بابويه وأبو عليّ على ما نقل فحكموا بأنّه يقصّر حتّى يدخل منزله. وهو خيرة «المفاتيح
والحدائق » وإليه مال المولى الخراساني فقال في «الكفاية» إنّه
أحوط . وقال في «الذخيرة » : القول بالتخيير بعد الوصول إلى موضع يسمع فيه الأذان
بين القصر والإتمام أقرب ، وإلّا فالوقوف على ظواهر هذه الأخبار أولى يعني خبري
العيص وخبر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إسحاق . وقال في «المدارك» بعد ما نقلناه عنه آنفاً : ولو قيل
بالتخيير كان حسناً . وقد سبقهما إلى ذلك مولانا الأردبيلي ، قال : لو وجد
القائل بالجواز والاستحباب فهو حَسن وإلّا فمشكل ، فإنّ القول بغير المشهور مع عدم
القائل وخلاف ظواهر بعض الأخبار الصحيحة يحتاج إلى جرأة ، والقول بما قاله السيّد
وابن الجنيد وابن بابويه لا يخلو عن إشكال إن كان مرادهم الوجوب. نعم لو كان
مذهبهم غير الوجوب لكان القول به جيّداً ، انتهى.
وفي «الرياض»
لو لا الشهرة العظيمة المرجّحة لأدلّة المشهور لكان المصير إلى هذا القول في غاية
القوّة لاستفاضة نصوصه وصحّة أكثرها وظهور دلالة جملة منها بل صراحة كثير منها ،
لبُعد ما يقال في توجيهها جدّاً وهو أنّ المراد من البيت والمنزل ما بحكمهما وهو
ما دون الترخّص ، لأنّ سياقها يأبى هذا ظاهراً وإن أمكن بعيداً سيّما في الموثّق
المتضمّن لدخول البلد والحكم فيه مع ذلك بالقصر إلى دخول الأهل ، وحمله على أنّ
ذلك إنّما هو لسعة الكوفة ، فلعلّ البيوت الّتي دخلها لم تبلغ محلّ الترخّص
المعتبر في مثلها وهو آخر محلّته ، يدفعه عموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال ،
وتأويل جميع ذلك وإن أمكن إلّا أنّه بعيد جدّاً ، مع أنّ مثله جارٍ في أدلّة
المشهور بتقييد العمومات بهذه. وأمّا الصحيحة فالتشبيه فيها تشبيه في وجوب القصر
عند خفاء الأذان خاصّة لا عدمه عند ظهوره.
ثمّ قال :
وبالجملة لو لا الشهرة لكان المصير إلى هذا القول متعيّناً بلا شبهة بل معها أيضاً
لا تخلو المسألة عن شبهة ، والاحتياط يقتضي تأخير الصلاة إلى بلوغ الأهل أو الجمع
بين الإتمام والقصر ، وإن كان الاكتفاء بالتمام لعلّه أظهر ، لانجبار ما مرَّ من
قصور الدلالة بالشهرة العظيمة ، مع إمكان القدح في دلالة ما عدا الموثّق منها
بورودها جملةً مورد الغالب من أنّ المسافر إذا بلغ حدّ الترخّص يسارع إلى
__________________
ولو مُنع بعد خروجه قصّر مع خفائهما واستمرار النيّة ، ولو ردّته الريح
فأدرك أحدهما أتمّ.
______________________________________________________
أهله من غير
مكث للصلاة كما هو المشاهد غالباً من العادة ، فلا يطمئنّ بشمول إطلاق الحكم
بالقصر إلى دخول الأهل لمحلّ البحث. وأمّا الموثّق فهو وإن لم يجز فيه ذلك لكنّ
الجواب عنه بعد ذلك سهل لقصور السند وعدم المقاومة لأدلّة الأكثر بوجوه لا تخفى
على مَن تدبّر. هذا مع احتماله كغيره الحمل على التقية كما صرّح به في الوسائل ،
قال لموافقتها لمذهب العامّة ، انتهى.
وقد انتهض في «المصابيح
» لتأويله بالبيعد. ووجّه الخفاء في عود الضمير إلى الخفاء أنّ الخفاء أمرٌ
ممتدّ من حين يتجاوز سماع الأذان ورؤية الجدران إلى أن يعود ، بل كلّ ما تمادى في
السفر تأكّد تحقّق الخفاء ، وهذا المعنى لا يصلح لكونه مراداً لجعله نهاية القصر ،
لأنّ وقت التقصير طرفه فكيف يكون نهايته ، وإنّما النهاية آخر جزء منه ، وهو الجزء
الّذي دونه بلا فصل يتحقّق إدراك أحد الأمرين ، وهذا ليس مفهوم الخفاء ولا يصحّ
إطلاقه على الجزء خاصّة كما لا يخفى.
ويجاب بأنّ
المراد بالمرجع الّذي هو الخفاء أوّله بنوعٍ من الاستخدام أو أوّله على حذف مضاف.
[لو منع من السفر بعد الخروج]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
منع بعد خروجه قصّر مع خفائهما واستمرار النيّة) كما في «الشرائع والتذكرة ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتحرير والموجز الحاوي وكشف الالتباس والمسالك والمدارك ». وقال المصنّف والصيمري : ما لم يمض عليه ثلاثون يوماً. وعن المحقّق الثاني
أنّه قال : الظاهر أنّه يقصّر على هذا التقدير وإن مضى عليه ثلاثون يوماً ما لم
يقصد الإقامة . وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » إن تردّد أو غيّر النيّة أتمّ ، والحكم في الجميع
واضح.
وقد صرّح في
هذه الكتب جميعها و «المنتهى » أنّه لو ردّته الريح فأدرك أحدهما أتمّ ، لكن في بعضها
التصريح بإدراك الأذان. وقال جماعة منهم : وإن لم يدرك قصّر إلى ثلاثين إذا لم يتيسّر الذهاب ما
دام قصده باقياً. وعن المحقّق الثاني أنّه قال : وهل يقصّر إلى ثلاثين إذا لم
يتيسّر الذهاب ما دام قصده باقياً ؟
__________________
الثالث
: استمرار القصد
، فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيّام أتم وإن بقي العزم
______________________________________________________
وقال المصنّف وأبو العبّاس والصيمري وصاحب «المدارك » في معنى ردّ الريح : رجوعه لقضاء حاجة.
وفي «الموجز
الحاوي وكشف الالتباس والمسالك والمدارك » أنه لا يلحق في هذا الحكم موضع إقامة العشرة بل قال في
«المدارك» : يجب التقصير وإن عاد إليه ما لم يعدل وإذا عدل يجب الإتمام في
الموضعين .
[في قطع السفر بنيّة الإقامة عشرة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الثالث
: استمرار القصد ، فلو نوى الإقامة في الأثناء عشرة أيّام أتمّ وإن بقي العزم) اشتراط هذا الشرط هو المستفاد من «المقنع والمبسوط والوسيلة » وكذا «السرائر » وخيرة «الشرائع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والإرشاد والتحرير والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية والجعفرية وشرحيها والمقاصد والروض ومجمع البرهان والمدارك والاثني عشرية والنجيبية والمفاتيح والمصابيح والحدائق » وفي كثير منها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التصريح بما ذكره المصنّف من التفريع من أنّه لو نوى الإقامة عشرة أيّام في
أثناء المسافة أتمّ وإن بقي العزم. وفي «التذكرة والروض » الإجماع على أنّه إن نوى الإقامة في أثناء المسافة
عشرة أيّام وجب الإتمام. وهذا الإجماع ظاهر «المدارك والمصابيح » وقد يستفاد ذلك من إطلاق إجماعهم ، على أنّ المسافر لو
نوى الإقامة في غير بلده عشرة أتمّ.
وفي «الذخيرة»
اشترط الأصحاب استمرار القصد إلى انتهاء المسافة ، وحجّتهم عندي غير واضحة ، وعلى
ما ذكروه لو قصد المسافة ثمّ رجع عن عزمه أو تردّد قبل بلوغ المسافة أتمّ ، انتهى. قلت : وبهذين الفرعين صرّح الجمّ الغفير ،
ويأتي ما هو واضح الدلالة على ذلك.
واعلم أنّه قد
اضطرب كلامه في «الذخيرة» فقال في موضع منها ما سمعته ، وقال في موضع آخر منها عند
شرح قوله في الإرشاد «الثالث عدم قطع السفر بنيّة الإقامة عشرة أيّام فما زاد في
الأثناء» قال في شرحه : وقع ذلك قبل بلوغ المسافة أو بعده ، والعبارة تحتمل وجهين
، أحدهما : أن يكون المراد مَن سافر فقطع سفره بأن وصل إلى موضع قد نوى فيه
الإقامة عشر أتمّ في ذلك الموضع ، فيكون الشرط المذكور شرطاً لاستمرار التقصير لا
لأصل وجوب التقصير ، وهذا الحكم إجماعي بين الأصحاب. وثانيهما : وهو الظاهر من
العبارة بقرائن متعدّدة إنّ من شرط وجوب القصر أن ينوي مسافة لا يعزم على إقامة
العشر في أثنائها ، فلو نوى مثلاً قطع ثمانية فراسخ لكنّه يعزم على أن يقيم عشرة
في أثنائها لم يجب التقصير لا في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
موضع الإقامة ولا في طريقه. وقد صرّح الأصحاب كالمصنّف وغيره بهذا الحكم
ولا أعرف فيه خلافاً ، لكنّ إقامة حجّة واضحة عليه لا تخلو عن إشكال فإنّ النصوص
مختصّة بالحكم الأوّل ، انتهى. وذكر عين هذا الأخير بتمامه في «الكفاية ».
قلت : الوجه
الأوّل الّذي ذكره في توجّه العبارة ذو وجهين أحدهما : أن يكون المراد أنّ مَن
سافر وقصد مسافة فقطع سفره في أثنائها أو في رأسها بأن نوى الإقامة عشرة أتمّ ،
وهذا فهمه منها في «الروض » وأوّل كلامه في «الذخيرة» ظاهر فيه. وعلى هذا فيقع
التدافع بينه وبين ما نقلناه عنه آنفاً. الثاني : أن يكون المراد أنّ مَن سافر
قاصداً مسافة ناوياً الإقامة في رأسها ، فإنّه إذا وصل إليها أتمّ وانقطع سفره.
وقد يدرج في هذا الوجه ما إذا تجدّد له نيّة الإقامة بعد الوصول إليها فأمعن النظر
وأجدّ التأمّل.
والوجه الثاني
الّذي ذكره في توجيه العبارة قد ذكره قبله المولى الأردبيلي واقتفى هو أثره ، وقد اعترف هو بعدم الخلاف فيه. ومثله
صاحب «المدارك » بل لا أجد أحداً تأمّل فيه ، والحجّة عليه واضحة
ستسمعها.
والمسافة الّتي
يشترط استمرار قصدها هي ثمانية فراسخ أعمّ من أن تكون ذهاباً فقط أو أربعة ذهاباً
وأربعة إياباً ، ولا يشترط قصد الخصوص والتعيين وإن كان صحيحاً ، ولا يضرّ تبدّل
الأشخاص قصداً وفعلاً في الأثناء كمن كان قصده الثمانية ذهاباً فتبدّل الأربعة
ذهاباً وبالأربعة إياباً في أيّ وقت تبدّل من ابتداء
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأربعة الذهابية إلى انتهائها. وكذا لو كان الأمر بالعكس كما تقدّم بيان ذلك كلّه.
ومعنى استمرار
النيّة أن لا يرجع عن نيّته لا أنّه لا بدّ أن يكون ناوياً إلى آخر المسافة ، إذ
لا يضرّ النوم ولا عدم الخطور ، بل قال جماعة : لا يقدح عروض الجنون في الأثناء وكذا الإغماء ، وذلك
لأنّ القدر الّذي ثبت من الأخبار وكلام الأصحاب هو أن لا يرجع عن قصده.
واعلم أنّ
الصبي لو قصد مسافة فبلغ في أثنائها فالظاهر وجوب القصر عليه إن لم يكن الباقي
مسافة لعموم الأدلّة مع عدم وجود المانع وثبوت المخرج ويشهد له حكم جماعة بعدم قدح
عروض الجنون والسكر في أثناء المسافة ، فليتأمّل.
والعبد والولد
والزوجة والخادم والأسير تابعون يقصّرون إن علموا جزم المتبوع ، وعن جماعة أنّهم
يقصّرون وإن قصدوا الرجوع بعد زوال اليد عنهم ، بل عن «المنتهى» أنّ كلامه يفيد
الإشعار بكون ذلك اتفاقياً .
ويبقى الكلام
فيما إذا نوى المتبوع الإقامة عشراً ولم يعلموا حتّى ينووا أو جوّزوا زوال اليد
عنهم في أثناء عشرته ، وفيما إذا أقام متردّداً أو مرَّ على منزل قد استوطنه ستّة
أشهر وأعرض عنه أو مرَّ بهم على منزله وقد قصدوا جميعاً مفارقته إلى مسافة ، فلم
أجد للأصحاب فيه نصّاً بعد إسباغ التتبّع. والّذي يقتضيه قواعد الباب وظواهر كلمات
الأصحاب أنّهم إذا علموا جزم المتبوع بقصد المسافة وعلموا بعدم رفع اليد عنهم أنّه
لا ينقطع سفرهم إلّا بنيّة الإقامة عشراً جازمين بها. وقد نقول بالتبعية في العبد
على احتمال ضعيف جدّاً. وأمّا التبعية في المنزلين فلا ريب في عدمها ، لأنّ كلّ
مكلّف له حكم نفسه ، وقد حكم الشارع عليهم بأنّهم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مسافرون بنصٍّ أو إجماع فيستصحب. ثمّ إنّا لا نجد في ذلك نصّاً ، والإجماع
لم نتحقّقه ، لأنّ المعظم تركوا ذكر التبعية له في قصد المسافة وإنّما تعرّض له
جماعة.
وأمّا التبعية
في القواطع فلم نجد لأحد في ذلك نصّاً أصلاً. وممّا يقطع على ذلك وأنّ حكمهم غير
حكمه ذكر الولد معهم كما في «الذكرى ».
وممّا يدلّ على
اشتراط استمرار القصد إلى انتهاء المسافة صحيحة أبي ولّاد عن الصادق عليهالسلام قال : قلت : إنّي خرجت من الكوفة في سفينة .. الحديث ، فإنّ موردها الرجوع عن النيّة السابقة ، وتضمّنها
الأمر بقضاء الصلاة الواقعة قبل البدأ الواقع قبل سير البريد مع أنّ هذا القضاء
غير واجب فلا يكون هذا الأمر باقياً على حقيقته غير مضرّ ، لأنّ بعض الخبر إن كان
محمولاً على خلاف ظاهره لا يصير منشأً للوهن في الباقي كما حقّق في محلّه ورواية
سليمان بن حفص الّذي قال فيها : وإن رجع عمّا نوى عند ما بلغ فرسخين وأراد المقام
فعليه التمام . والضعف منجبر بالشهرة مع أنّ سليمان فاضل شيعي . وأمّا تضمّنها الأمر بإعادة الصلاة فغير مضرّ أيضاً
كما عرفت في الصحيحة ، وتضمّنها كون البريد ستّة أميال والبريد فرسخين فمحمول على
الفراسخ الخراسانية كما تقدّمت الإشارة إليه في صدر الفصل . وما في «الكافي والعلل » بسندهما عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع .. الحديث
، فهذه الأخبار واضحة الدلالة غاية الوضوح.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والحجّة على
الوجه الثاني الّذي ذكره صاحب «الذخيرة » في توجيه عبارة الإرشاد ، عدم تحقّق قصد المسافة ، مع
ما سمعت من نفي الخلاف فيه مع صحّة دعوى الإجماع عليه. وفي «المصابيح» أنّه
المعروف من مذهب الأصحاب .
والمراد
بالعشرة العشرة التامّة بلياليها كما صرّح به في «نهاية الإحكام والروضة » وغيرهما . وفي «التذكرة والروض » وغيرهما عشرة أيّام تامّات فتأمّل. وفي «الذكرى والبيان والكفاية والمصابيح » أنّ بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل. وفي «الحدائق» لا
خلاف ولا إشكال في أنّ بعض اليوملا يحسب بيوم كامل وإن كان النقصان يسيراً .
واستدلّ عليه
في «المصابيح » بالاستصحاب والعمومات ، ثمّ احتمل كفاية الناقص بمثل
نصف ساعة أو دقيقة ، لإطلاق لفظ عشرة أيّام عليه جزماً لكنّه استضعفه ، لأنّ
المعتبر هو التبادر لا ما يطلق عليه اللفظ وإن كان الإطلاق في غاية الكثرة كإطلاق
العامّ على الخاصّ وأمثاله.
ونقل في «الحدائق»
عن بعض مشايخه أنّه قال إنّ المرجع في ذلك إلى العرف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كما أنّه كذلك في سائر الامور الغير المحدودة في الشرع ، قال : ومن المعلوم
أنّ أهل العرف لا ينظرون إلى نقص بعض شيء من الليل والنهار كساعة أو ساعتين مثلاً
في احتسابه من التمام ، فلا يلزم القول بالتلفيق ولا إخراج يومي الدخول والخروج من
العداد كلّية. نعم لو فرض دخوله عند الزوال مثلاً وخروجه بعده بقليل فظاهر العرف
عدم عدّه تامّاً. ويؤيّد جميع ما ذكرناه قوله عليهالسلام : مَن قدم قبل يوم التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام
الصلاة ، لظهور أنّ الحاجّ يخرج من ذلك اليوم من الزوال ، انتهى فتأمّل جيّداً.
والظاهر أنّه
يجتزئ باليوم الملفّق ، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه زوال اليوم الحادي
عشر. والتلفيق كذلك خيرة «الذكرى والبيان والغرية والروض والمسالك والبحار والكفاية والذخيرة والمصابيح والرياض » وظاهر «المدارك » عدم الاجتزاء وتأتي عبارته فإنّها كادت تكون مشتبهة.
وهل يشترط عشرة
غير يومي الدخول والخروج فلا يكفي التلفيق؟ فالشهيدان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمجلسي وجماعة على عدم الاشتراط. وفي «الذخيرة والكفاية » فيه وجهان. وفي «المدارك» وفي الاجتزاء باليوم الملفّق
من يومي الدخول والخروج وجهان أظهرهما العدم ، لأنّ نصف اليوم لا يسمّى يوماً ،
فلا تتحقّق إقامة العشرة التامّة ، وقد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في
أيّام الاعتكاف وأيّام العدّة والحكم في الجميع واحد ، انتهى. قلت : وكذلك اعترفوا بعدم الاكتفاء به في أيّام الخيار واليوم والليلة في
الرضاع. وعبارة «المدارك» هذه أوّلها يعطي تخصيصه بيومي الدخول والخروج وآخرها
يعطي الإطلاق فليتأمّل.
وفي «المصابيح»
أنّ الأقرب في اليوم الملفّق منهما الاجتزاء به لأنّه من الأفراد المتبادرة عرفاً
، وعدم الاجتزاء في الاعتكاف والعدّة لو كان فمن مانع خارج من إجماع أو غيره ، انتهى.
واستشكل
المصنّف في «النهاية والتذكرة » احتسابهما من العدد من حيث إنّهما من نهاية السفر
وبدايته ، لاشتغاله في الأوّل بأسباب الإقامة وفي الأخير بالسفر ومن صدق الإقامة
في اليومين ثمّ احتمل التلفيق. وتوقّف صاحب «الحدائق »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لعدم النصّ. وفي «نهاية الإحكام» لو دخل ليلاً لم يحتسب بقية الليل .
وفي «المنتهى ونهاية الإحكام وكشف الالتباس والتذكرة والذكرى والغرية والروض والمدارك والرياض والمصابيح » أنّه لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلداً أو قريةً
أو بادية. وفي السبعة الأخيرة : أنّه لا فرق أيضاً بين العازم على السفر بعد
المقام وغيره. وفي «الرياض » صرّح بذلك كلّه جماعة من غير خلاف بينهم ، لإطلاق
النصّ والفتوى.
والمراد بقصد
الإقامة هو العزم عليها مع الوثوق بتحقّقها ، وربّما لا يكون للمكلّف قصد وإرادة
في الإقامة إلّا أنّه يعلم أنّه يقيم عشراً فيدخل أيضاً في قصد الإقامة الشرعي.
وقد حكم في «التذكرة ونهاية الإحكام والذكرى والبيان والروض والمصابيح والرياض » بأنّ مَن أوقفها على قضاء
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حاجة يتوقّف انقضائها على إقامة عشرة فإنّه يتمّ ، وإنّ مثله ما لو علّق
النيّة على لقاء رجل فلاقاه. وفي جملةٍ منها التقييد بما إذا لم يغيّر النيّة.
وبهذا الفرع الأخير صرّح أيضاً في «المبسوط والوسيلة ».
وفي «المصابيح»
أنّه إذا ظنّ أنّه يقيم عشراً من دون عزم على ذلك فلا قصد للإقامة . قلت : وكذا لا عزم على الإقامة فيما إذا قدم مكّة ليلة
السابع والعشرين من ذي القعدة مريداً للحجّ فإنّه لا بدّ وأن يخرج يوم الثامن من
ذي الحجّة لأنّه لا وثوق له بأنّ ذا القعدة يكون تامّاً فلا وثوق بالعشرة.
والتمسّك بالاستصحاب غير نافع لأنّ استصحاب الموضوع حجّة في النفي الأصلي لا في
إثبات الحكم الشرعي مطلقاً وهذا معنى ما يقولون ، إنّه حجّة في الرفع لا في
الإثبات حتّى أن حياة المفقود بالاستصحاب حجّة لبقاء ملكه لا لإثبات الملك له في
مال مورّثه ، فأقصى ما يثبت بالاستصحاب هنا أنّا نحكم عليه بأنّه غير ناقص ولا
يثبت به أنّه تامّ في الواقع ، وكذلك الحال في الاعتكاف لثلاثة بقين من شهر رمضان
فليلحظ فإنّه دقيق وليس الأصل في الشهر أن يكون تامّاً قطعاً كما هو معلوم عندهم.
وليعلم : أنّه
لو نوى العشر لا يحتسب الماضي بالنسبة إلى السفر الجديد كما صرّح به جماعة من دون تردّد. نعم لو تردّد المسافر في القصد فقد تردّد
جماعة في احتساب ما مضى من المسافة ، واستقرب في «البيان » الاحتساب. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الذكرى » لو نوى المقام في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها ثمّ
سافر فالظاهر أنّها سفرة ثانية.
وهل يشترط
التوالي في العشرة بمعنى أنّه لا يخرج من محلّ الإقامة إلى محلّ الترخّص مطلقاً أو
يشترط عدم صدق الإقامة عرفاً وإلّا فلا كما لو خرج إلى البساتين أو لا يشترط شيء
من ذلك حتّى لو خرج إلى ما دون المسافة مع رجوعه ليومه أو ليلته لم يؤثّر في نيّة
إقامته؟ أقوال لكنّها غير محرّرة في كلامهم ، لأنّه يظهر منهم تارةً اشتراط
التوالي في النيّة لا في الفعل وتارةً العكس.
الأوّل منها :
خيرة الشهيدين في «البيان والمقاصد العلية ونفائح الأفكار » واستجوده في «المدارك » وقد يظهر ذلك من «المنتهى» حيث قال : لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل منه
من قرية إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها لم يبطل حكم سفره ، انتهى.
وقد يقال : إنّ حكمه بعدم بطلان حكم سفره لأنّه لم ينو الإقامة
في بلدٍ بعينه. وفي «الحدائق» أنّه المشهور ، قال : المشهور في كلام الأصحاب
اشتراط التوالي بمعنى أن لا يخرج من ذلك المحلّ إلى محلّ الترخّص ، وأمّا الخروج
إلى ما دون ذلك فالظاهر أنّه لا خلاف ولا إشكال في جوازه. وما اشتهر في هذه
الأوقات المتأخّرة والأزمنة المتغيّرة مَن أنّ من أقام في بلد أو قرية مثلاً فلا
يجوز له الخروج من سورها المحيط أو عن حدود بنيانها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ودورها فهو ناشئ عن الغفلة وعدم التأمّل . قلت : هذا تعريض بمولانا الشيخ الفاضل الفتوني.
وقال في «نفائح
الأفكار» بعد أن صرّح باعتبار ذلك : وما يوجد في بعض القيود من أنّ الخروج إلى
خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو لليلته لا يؤثّر في نيّة الإقامة
وإن لم ينو إقامة عشرة مستأنفة ، لا حقيقة له ولم نقف عليه مسنداً إلى أحد من
المعتبرين الّذين تعتبر فتواهم ، فيجب الحكم بإطراحه حتّى لو كان ذلك في نيّته من
أوّل الإقامة بحيث صاحبت هذه النيّة نيّة إقامة العشرة لم يعتدّ بنيّة الإقامة
وكان باقياً على القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية ، فإنّ الخروج إلى ما
يوجب الخفاء يقطعها ونيّته في ابتدائها يبطلها ، انتهى كلامه.
قلت : يرشد إلى
هذا القول اتفاقهم على أنّ مَن أقام في بلد عشرة ثمّ خرج إلى محلّ الترخّص ورجع
إلى بلد الإقامة غير ناوِ الإقامة عشراً أنّه يرجع مقصّراً. وقد تقدّم الكلام في ذلك وكذلك ما تقدّم من أنّ محلّ الخفاء علامة على صدق السفر والضرب في
الأرض كما نقلناه عن جماعة.
وأمّا القول
الثاني وهو الإحالة إلى العرف فهو خيرة «مجمع البرهان والمدارك » في آخر كلامه و «البحار والذخيرة والكفاية والحدائق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والرياض » ونقله في الأخير عن جملة من محقّقي متأخّري المتأخّرين
، ولعلّه أراد مَن ذكرنا. قال في «مجمع البرهان» بعد أن نقل القول الأوّل عن
الشهيدين وأيّده بمؤيّدات ثلاثة : الظاهر من الأخبار هو الإطلاق من غير قيد ، ولو
كان مثل ذلك شرطاً لكان الأولى بيانه وإلّا لزم التأخير والإغراء بالجهل ، فيمكن
تنزيله على العرف بمعنى أنّه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد بأنّ
هذا موضعه ومحلّه ومكانه مثل أهله فلا يضرّه السير في الجملة في البساتين والتردّد
في البلد وحواليه ما لم يصل إلى موضع بعيد بحيث يقال. إنّه ليس من المقيمين في
البلد. وكذا لو تردّد كثيراً أو دائماً في المواضع البعيدة في الجملة. ولا يبعد
عدم ضرر الخروج إلى محلّ الترخّص أحياناً لغرضٍ من الأغراض مع كون المسكن والمنزل
في موضع معيّن ، لصدق إقامة العشرة عرفاً المذكورة في الروايات.
وأمّا المولى
المجلسي والمولى الخراساني فقد قالا : إنّ عدم التوالي في أكثر الأحيان يقدح في
صدق المعنى المذكور عرفاً ، ولا يقدح فيه أحياناً كما إذا خرج يوماً أو بعض يوم
إلى بعض البساتين وإن كان في الخفاء فينبغي الرجوع إلى الاحتياط. وقال المجلسي
أيضاً : إنّ المسألة مشكلة فلم يجزم واحد من أصحاب هذا القول به ، وقد علمت أنّ
صاحب «المدارك» استجود الأوّل أوّلاً وصاحب «الحدائق» جعل الثاني أقرب.
وأمّا قوله في «مجمع
البرهان» لو كان ذلك شرطاً لكان الأولى بيانه وإلّا لزم التأخير والإغراء بالجهل
ففيه أنّه بعد جعل محلّ الخفاء علامة على صدق السفر والضرب في الأرض وعدمه على
عدمه كما اعترف به هو في محلٍّ آخر وفهمه جماعة من أساطين الأصحاب لا تأخير ولا إغراء أو نقول كما قال
في «المصابيح»
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في بيان وجه القول الأوّل أنّ العادة في ناوي العشرة عدم الخروج إلى ذلك
المحلّ فصارت بمنزلة الشرط ، انتهى. ومن لحظ كلامهم في مسألة الخارج إلى ما دون
المسافة الناوي للعشرة وإجماعاتهم قطع بالقول الأوّل فضلاً عن كلامهم في ناوي
الإقامة في البلد المتسع جدّاً ، فليراجع ذلك كلّه فقد تقدّم نقله .
وأمّا القول
الثالث فهو شاذّ نادر كما ذكر ذلك في «نفائح الأفكار » وهو المعلوم من فضل التتبع ، وقد نسب إلى الإمام فخر الإسلام نجل العلّامة. وهو خيرة «الوافي
» والاستاذ قدسسره في «المصابيح » :
قال في «نفائح
الأفكار» وفي بعض الحواشي المنسوبة إلى الإمام فخر الدين ابن المطهّر قدسسره عدم قطع نيّة الخروج إلى القرى المتقاربة والمزارع
الخارجة عن الحدود لنيّة الإقامة ، بل يبقى على التمام سواء قارنت النيّة الاولى
أم تأخّرت ، وسواء نوى بعد الخروج إقامة عشرة مستأنفة أم لا ، انتهى. قلت : قد وجدت ذلك مكتوباً على هامش بيان عتيق صحيح محشّىً مضبوط قد كتب فيه في بعض المواضع في
خطّ المصنّف كذا وفي نسخة التوليني كذا ، وفي آخر هذه الحاشية المكتوبة على الهامش
من فوائد ابن المطهّر. وهو مع شذوذه ولا سيّما في حال المقارنة غير ثابت عنه ،
لعدم التعويل على مثل هذه النسبة.
وقال الاستاذ قدسسره : قد عرفت حال قصد الإقامة مع الكون في الوطن لعموم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المنزلة ، وحين ما يكون الإنسان في وطنه ولم يسافر لا عبرة بالخروج إلى حدّ
الترخّص وما فوقه قطعاً إلّا مع قصد المسافة المعتبرة في السفر والخروج إليه ، فلا
بدّ أن يكون ناوي الإقامة أيضاً كذلك ، مع أنّه ربّما لا يعدّ ما قبل حدّ الترخّص
من جملة ما قصد الإقامة فيه ، وربّما يعدّ الزائد عنه بكثير وهو الأكثر كما في
البلدان الكبيرة. ثمّ إنّه ذكر خبر زرارة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : من قدم مكّة قبل التروية بعشرة أيّام وجب
عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة ، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير ،
فإذا زار البيت أتمّ الصلاة وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتّى ينفر . ثمّ قال قدسسره : وأهل مكّة لو خرجوا إلى ما دون المسافة لم يكن عليهم
إلّا الإتمام ، فتأمّل جدّاً ، انتهى.
قلت : لم يعمل
الأصحاب بعموم المنزلة مطلقاً في مسألة ناوي العشر الخارج إلى ما دون المسافة
الراجع إلى محلّ إقامته غير ناو العشر.
وقال في «الوافي
» عند ذكر خبر زرارة المتقدّم : وإنّما لزمه الإتمام إذا رجع إلى منى لأنّه
كان من عزمه الإقامة بمكّة بعد الفراغ من الحجّ كما يكون في الأكثر. ومنى عن مكّة
أقلّ من بريد. ثمّ قال : وفيه نظر ، لأنّ سفره إلى عرفات هدم إقامته الاولى ،
وإقامته الثانية لم تحصل بعد إلّا أن يقال إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم
الإقامة ، وعليه الاعتماد. ثمّ قال : ويأتي ما يؤيّده في باب إتمام الصلاة في
الحرم الأربعة ، وذكر في ذلك الباب خبر عليّ بن مهزيار الّذي تضمّن أنّ مَن توجّه من منى إلى عرفات فعليه
التقصير ، وإذا رجع وزار البيت ورجع إلى منى فعليه الإتمام.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد يقال : ليس هناك أمارة على تقدير قصد الإقامة ثانياً.
وقد يجاب بأنّه ادّعى الأكثرية ومرجعها إلى العادة ، فتأمّل.
ويمكن أن يقال : إنّ سفر عرفات ليس ممّا يقصّر فيه على سبيل الوجوب
العيني فلا يهدم مثله قصد إقامة العشرة ، لأنّ ظاهره أنّ الإتمام بعد الرجوع
مترتّب على الإتمام السابق ومن جهة أنّه صار بمنزلة أهل مكّة ، ففيهما شهادة على
أنّ سفر عرفات سفر رخصة في القصر ، لعدم الرجوع ليومه الّذي هو شرط في الوجوب
تعييناً.
وقد يقال : إنّ الأصحاب أطلقوا الحكم بانقطاع الإقامة بالخروج
إلى مسافة من دون تقييد بالمسافة المحتّمة للقصر ، فلا يصحّ أن يقال إنّ غير
المحتّمة لا تهدم قصد إقامة العشرة. وعلى كلّ حال فالخبران شاذّان لا يصلحان
للاستدلال.
وفي خبر عليّ
بن مهزيار عن إبراهيم الحضيني : استأمرت أبا جعفر عليهالسلام في الإتمام والتقصير فقال : إذا دخلت الحرمين فانو عشرة
أيّام وأتمّ الصلاة. فقلت له : إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة
، قال : انو مقام عشرة أيّام وأتمم الصلاة وأنت خبير بأنّ هذا الخبر ظاهر في القول الثالث ، إذ لا
ريب أنّ القادم قبل التروية بيومين من نيّته الخروج إلى عرفة قبل العشرة ، ولا
يتمّ معه الحكم بالتمام إلّا على هذا القول من أنّ المعتبر عدم الخروج إلى مسافة
خاصّة ، وإلّا فعلى القولين الأوّلين لا تصدق الإقامة من حين النيّة قطعاً في
الأوّل وعرفاً في الثاني فكيف يتمّ مع ذلك الحكم بالتمام مع النيّة المذكورة ،
لكنّ الخبر شاذّ لا يصلح للتعويل عليه والاستناد إليه. وظاهره أيضاً يدلّ على
المذهب المشهور من عدم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كونه سفر القصر. وأمّا على ما اختاره معظم القدماء من كونه على سبيل الرخصة فلعدم ثبوت منافاة
مثله لقصد الإقامة. وقال الاستاذ قدسسره : إنّ بباله أنّ بعض مشايخه نقل له القول بعدم منافاة
مثل ذلك عن العلّامة .
وليعلم أنّه لو
نوى إقامة دون العشر قصّر ولو كان خمسة أيّام إجماعاً كما في «الخلاف والمدارك » في آخر كلامه و «المصابيح » كذلك ، وظاهر «المنتهى والبيان والذكرى » حيث قال في الأوّل : إنّ عليه عامّة أصحابنا ، وفي
الثاني : إنّ أبا عليّ تفرّد بما ذهب إليه ، وفي الثالث : اجتزى وحده بالخمسة. وفي
«المدارك » أيضاً أنّه مذهب المعظم. وفي «الذخيرة والكفاية » أنّه المشهور. وفي «الرياض » أنّه الأشهر. والإجماع ظاهر عبائر كثير. وفي «منتقى
الجمان » أنّه المعروف بين المتأخّرين.
وعن أبي عليّ أنّه قال : لو نوى عند دخوله البلد أو بعده مقام خمسة
أيّام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فصاعداً أتمّ ، ولم يتعرّض لذكر العشرة بوجه. وفي «المنتقى» لو لا قصور
الخبر من جهة السند عن مقاومة ما دلّ على اعتبار إقامة العشرة لما كان عن القول
بالتخيير في الخمسة معدل . وفي «الذخيرة » القول بالتخيير متّجه لو لا الشهرة.
وقد حمل الشيخ الخبر الدالّ على ذلك على الإقامة بأحد الحرمين أو على
استحباب الإتمام. وقال في «المختلف » الحمل الأوّل حسن والثاني ليس بجيّد. ووافقه في الأوّل
في «الدروس ». وفي «البيان » أنّهما ليسا شيئاً ، وفي «الذكرى » فيهما نظر ، لأنّ الحرمين عنده لا يشترط فيهما خمسة
ولا غيرها إن كان أقلّ من خمسة فلا إتمام وأمّا الاستحباب فالقصر عنده عزيمة فكيف
يصير رخصة هنا. واعترضه في «المنتقى» فقال : غير خافٍ أنّ مرجع الاستحباب في مثله
إلى التخيير مع رجحان الفرد المحكوم باستحبابه كما هو ثابت في مواضع ، فلا وجه
للمناقشة في خصوص هذا الموضع ، انتهى حاصله.
قلت : الظاهر
أنّ مراد الشهيد والمصنّف في المختلف أنّ الإجماع والأخبار الصحيحة المعمول بها
أوجبت عليه القصر ، فاستثناؤه يحتاج إلى دليل واضح وهذا الخبر لا يصلح لذلك ، لعدم
وضوحه كما أوضح ذلك الاستاذ قدسسره في «المصابيح » وأقام على ذلك الأدلّة من نفس الخبر حتّى جعله دليلاً
للمشهور ، ولعدم انحصار الحمل في ذلك بل يجوز أن يحمل على وجوه اخر من تقية أو
الحمل على خصوص
__________________
وكذا لو كان له
في الأثناء مِلكٌ قد استوطنه ستّة أشهر متوالية أو متفرّقة ، ولا يشترط استيطان
الملك بل البلد الذي هو فيه ، ولا كون المُلك صالحاً للسكنى ، بل لو كان له مزرعة
أتم ، ولو خرج المُلك عنه ساوى غيره.
ولو كان بين
الإبتداء والملك أو ما نوى الإقامة فيه مسافة قصّر في الطريق خاصّة ،
______________________________________________________
مكّة والمدينة كما احتمله الشيخ والمصنّف في «المختلف» والشهيد في «الدروس»
وغيرهم لمكان رواية محمّد بن مسلم الاخرى ، وقد أبان في «المصابيح» ذلك أكمل بيان ، قال :
لاتحاد الحكم والراوي والواقعة ، بل اتحاد متن الرواية أيضاً وهو قوله : إن حدّثته
نفسه. وقد احتمل العلّامة المجلسي حملها على التقية ، لظهور ذلك من كلام الشافعي ، فكيف
يخرج عن ذلك كلّه بما هذا سبيله ، فاندفع الاعتراض على الشهيد. وتمام الكلام في
فروع المسألة يأتي عند تعرّض المصنّف له إن شاء الله تعالى.
[في قطع السفر بالمرور على الملك أو الوطن]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وكذا
لو كان له في الأثناء مِلكٌ قد استوطنه ستّة أشهر متوالية أو متفرّقة .. إلى آخره) اختلف الأصحاب فيما ينقطع به السفر هل هو مجرّد الملك
أو خصوص المنزل؟ فالمشهور بين المتأخّرين كما في «الذخيرة والكفاية والمصابيح والحدائق » الاكتفاء بمجرّد الملك ولو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نخلة واحدة بشرط الاستيطان ستّة أشهر. وهو خيرة العلّامة والمحقّق ، ومن
تأخّر عنهما كما في «المدارك والمصابيح » أيضاً. وفي «التذكرة» لو كان له في أثناء المسافة ملك
قد استوطنه ستّة أشهر انقطع سفره بوصوله إليه ووجب عليه الإتمام عند علمائنا ،
سواء عزم على الإقامة فيه أو لا . وفي «الروض » التصريح بدعوى الإجماع على نحو هذه العبارة من دون
تفاوت في المعنى.
وممّا صرّح فيه
بالاكتفاء بالملك الّذي استوطنه ستّة أشهر «الشرائع ونهاية الإحكام والمنتهى » في آخر كلامه و «الإرشاد والمختلف والتبصرة والتحرير والذكرى والبيان » في آخر كلامه و «الدروس واللمعة» على ما فهمه منه في «الروضة والألفية» كما فهمه منها ثاني المحقّقين والشهيدين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
و «الموجز الحاوي وكشف الالتباس والتنقيح والهلالية وجامع المقاصد والجعفرية وتعليقي النافع والإرشاد وفوائد الشرائع والكركية * والغرية وإرشاد الجعفرية والمسالك والروضة والروض والمقاصد » وظاهر أكثرها وصريح بعضها الاكتفاء بستّة أشهر مرّة
واحدة. وفي «النجيبية والرياض والمصابيح والحدائق » أنّه المشهور ، وعليه الإجماع في «الروض » وظاهر «التذكرة » وقد يستفاد من «الذكرى » أنّ ذلك كان معروفاً بين
__________________
(*) أعني شرح
الألفيّة للكركي (كذا بخطّه قدسسره).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الصحابة كما يأتي من تقصيرهم لبيع أملاكهم. ويظهر من «المختلف » الاكتفاء بدون الستّة أشهر.
وذهب آخرون إلى
اشتراط المنزل. قال في «التنقيح » : اشترط التقي والشيخ وأتباعه استيطان المنزل ، وحكى
عن القاضي . قلت : وهو خيرة «الوسيلة والفقيه » على الظاهر منه و «السرائر والنافع واللمعة ومجمع البرهان والمدارك والاثني عشرية » للشيخ حسن و «النجيبية والمفاتيح والماحوزية والذخيرة والكفاية والمصابيح والرياض » لكن عباراتهم في ذلك مختلفة ، فقال الشيخ في «النهاية»
ومن خرج إلى ضيعة له وكان له موضع ينزله ويستوطنه وجب عليه التمام ، فإن لم يكن له
فيها مسكن فإنّه يجب عليه التقصير . وظاهره
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
اعتبار المنزل والاستيطان فيه وعدم اعتبار ستّة أشهر. وقريب منه ما نقل عن «الكامل» للقاضي فإنّه قال : مَن كانت له قرية له
فيها موضع يستوطنه وينزل به وخرج إليها وكانت عدّة فراسخ سفره على ما قدّمناه
فعليه التمام ، وإن لم يكن له فيها مسكن ينزل به ولا يستوطنه كان له التقصير ،
انتهى.
وهو خلاف ما
عليه الأصحاب ، إذ قد نسب جماعة إلى الأصحاب تقييد أخبار الملك والمنزل بالاستيطان ستّة
أشهر إلّا أن ينزّل كلامهما على ما سيأتي.
وقد يلوح من
كلام القاضي اعتبار كون المنزل في قريةٍ له إلّا أن يقال اللام للاختصاص فيجري ذلك
في المنزل ، فلا يكون ملكيته شرطاً عنده ، فليتأمّل. ونقل عنه أي القاضي أنّه قال أيضاً : من مرَّ في طريقه على
مال له أو ضيعة تملكها أو كان له في طريقه أهل أو مَن جرى مجراهم ونزل عليهم ولم
ينو المقام عندهم عشرة أيّام كان عليه التقصير ، انتهى فليلحظ.
وعن التقي أنّه قال : وإن دخل مصراً له فيه وطن فنزل فيه فعليه
التمام ولو صلاة واحدة ، فإن لم ينزله أو لم يكن له فيه وطن فعزم على الإقامة
عشراً أتمّ وإن لم يعزم على هذه المدّة قصّر ما بينه وبين شهر. ولعلّه أراد بالوطن
المسكن والمنزل وليس فيها دلالة على كون ذلك الموضع ملكاً له ولا على اعتبار
الأشهر. ونحوه عبارة «اللمعة » حيث قال : ومروره على منزله. وقد يظهر من التقي اعتبار
النزول في الوطن ، فتأمّل.
وقال في «المبسوط»
: إذا سافر ومرّ في طريقه بضيعة له أو على مال له أو كانت له أصهار أو زوجة فنزل
عليهم ولم ينو المقام عشرة أيّام قصّر ، وقد روي :
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أنّ عليه التمام وقد بيّنا الجمع بينهما وهو أنّ ما روي أنّه إن كان منزله
أو ضيعته ممّا قد استوطنه ستّة أشهر فصاعداً تمّم وإن لم يكن استوطن ذلك قصّر . ولم يظهر مخالفته للمشهور بين المتأخّرين.
وظاهر «الفقيه»
الافتاء بصحيحة ابن بزيع حيث خصّ الضياع بوجوب التقصير فيها والمنزل بوجوب التقصير
ما لم يحصل الاستيطان. وظاهره اعتبار الستّة في كلّ سنة فإنّه قال بعد أن ذكر خبر
إسماعيل بن الفضل الّذي دلّ على أنّه إذا نزل قراه وضيعته أتمّ : قال مصنّف هذا
الكتاب : يعني بذلك إذا أراد المقام في قراه عشرة أيّام ومتى لم يرد قصّر إلّا أن
يكون له بها منزل يكون فيه في السنة ستّة أشهر ، فإن كان كذلك أتمّ متى دخلها.
وتصديق ذلك ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع . وقد نقل الشيخ نجيب الدين العاملي عن بعض مشايخه أنّ
في آخر خبر البزنطي زيادة صورتها «كلّ سنة» وقال : إنّه لم يجدها فيما عندهم من
النسخ. قلت : ونحن لم نجدها ولا حكاها أحد.
وفي «مجمع
البرهان » أن يصل إلى موضع يكون له فيه منزل سكن في ذلك المنزل
ستّة أشهر واشترط بعد ذلك المِلك. وفي «المدارك » الظاهر دوام الاستيطان كما يعتبر دوام الملك. وقال
صاحب «المعالم» في «رسالته» أو بلد له فيها منزل يستوطنه بأن يقيم فيه ستّة أشهر ،
وظاهر البعض إقامتها في كلّ سنة وهو الّذي يلوح من النصّ ، انتهى.
وفي «المفاتيح » الوطن ما يكون له فيه منزل يقيم فيه ستّة أشهر فإذا
كان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كذلك أتمّ متى دخله. وفي «المصابيح والرياض » اشتراط فعليّة الاستيطان ودوامه في المنزل. وهو ظاهر «الماحوزية».
وفي «الذخيرة والكفاية » أنّ الوصول إلى بلد فيه منزل يستوطنه بحيث يصدق
الاستيطان عرفاً كافٍ في الإتمام. ونقله في «الحدائق » عن بعض مشايخه.
وفي «الوسيلة والسرائر والنافع والتهذيب والاستبصار » اعتبار المنزل الّذي استوطنه ستّة أشهر. ففي «الوسيلة»
أو مرَّ بضيعة له وكان له مسكن نزل به ستّة أشهر. ويلوح منه في الضيعة ما لاح من
القاضي ، وقد عرفته . وفي «السرائر» مَن خرج إلى ضيعةٍ وكان له منزل قد
استوطنه ستّة أشهر فلم يقيّد الضيعة بكونها له ، وفي «النافع» وله منزل قد استوطنه
ستّة أشهر.
وعن أبي عليّ أنّه أجرى منزل الزوجة والأب والابن والأخ مع كونه لا
يزعجونه مجرى منزله.
واستظهر في «المصابيح
» من الكليني أنّه يقول بالتمام في الضيعة من دون اشتراط استيطان.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعن القاضي أيضاً أنّ السفر لا ينقطع بالوصول إلى المنزل المستوطن
إلّا بنيّة المقام عشرة.
واحتمل في «الوافي
والمفاتيح » حمل ما دلّ على الإتمام في غير صورتي الإقامة
والاستيطان على التخيير. وحمل مولانا المجلسي في «ملاذ الأخيار » هذه الأخبار على التقية. ووافقه صاحب «المصابيح » وصاحب «الحدائق ».
ولم يذكر هذا
الفرع في المقنع والهداية والانتصار والخلاف والمراسم والغنية والإشارة ولم يتعرّض
له في بقيّة الشروح والحواشي.
وبعدم اشتراط
التوالي في الأشهر صرّح في «المنتهى ونهاية الإحكام والتحرير والتذكرة والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية والكركية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفوائد الشرائع وتعليق الإرشاد والغرية وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية ومجمع البرهان » وغيرها . وفي «حواشي الفقيه » نسبته إلى الأصحاب.
والمراد بالملك
العقار الكائن في محلّ الاستيطان أو ما في حكمه وهو ما كان بقرب الاستيطان بحيث لا
يبلغ محلّ الترخّص. وقد صرّح باعتبار محلّ الترخّص في «الدروس والموجز الحاوي والكركية وفوائد الشرائع والميسية والمسالك والروضة والروض والمقاصد ».
وأمّا التصريح
بعدم اشتراط استيطان الملك بل البلد الّذي هو فيه ففي جملة من كتب المصنّف وأكثر من تأخّر عنه وفي «الحدائق » نسبته إلى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأصحاب وقال : إنّه لا مستند له.
وأمّا عدم
اشتراط كون الملك صالحاً للسكنى بل تكفي النخلة الواحدة فقد صرّح به في «التذكرة ونهاية الإحكام والمختلف والذكرى والبيان والدروس والتنقيح والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وتعليق النافع والكركية والغرية وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية والروض والمسالك » وكذا «التحرير ». وفي «التنقيح » وكذا البئر ، وضابطه أن لا يكون منتقلاً عادة. وفي «فوائد
الشرائع والمقاصد والروض » أنّه لا يشترط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ملك مغرس الشجرة.
وفي «الروض » في الاكتفاء بملك بعض الشجرة وجه لصدق اسم الملك ،
ووجه العدم التنصيص على الواحدة في مقام المبالغة ، فلو اكتفى بأقلّ منها لم يحصل
الغرض. ويشكل بأنّ المبالغة على حسب المقام وجاز اختلافهما باختلافه ، وقد وقع
مثله في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «تصدّقوا ولو بصاع ولو بنصف صاع ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة» .
واشترط في «الذكرى
والبيان والموجز وكشف الالتباس والهلالية والغرية وتعليق النافع والروض » سبق الملك على الاستيطان ، واستقربه في «الدروس ».
وفي «نهاية
الإحكام والتذكرة والذكرى والميسية والمقاصد » أنّه يشترط ملك الرقبة فلا تكفي الإجارة ، وفي الأوّلين
لا تخرج بالغصب ، وفي الأوّل منهما : هل تعتبر مدّة الغصب من الستّة أشهر؟ إشكال.
وفي «البيان » لو استوطنه لحاجة كطلب علم أو متجر أو استيطاناً
محدوداً فلا حكم له.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وصرّح جماعة بأنّه يشترط في الستّة الصلاة فيها تماماً بنيّة
الإقامة ، لأنّه المفهوم من الإقامة ، فلا يكفي مطلق الإقامة ولا التمام بسبب كثرة
السفر أو شرف البقعة أو المعصية. نعم لا تضرّ مجامعتها له وإن تعدّدت الأسباب.
وأمّا أنّه إذا
خرج عن ملكه ساوى غيره فقد صرّح به المصنّف في جملةٍ من كتبه والشهيدان وأبو العبّاس والمحقّق الثاني وتلميذاه والفاضل الميسي وغيرهم . واستقربه في «التحرير والدروس » وصرّح المحقّق الثاني بأنّه لو عاد عاد. واستدلّ عليه في «الذكرى والغرية»
بأنّ الصحابة لمّا دخلوا مكّة زادها الله سبحانه شرفاً قصّروا لخروج أملاكهم. قلت
: فيه دلالة على المشهور بين المتأخّرين في أصل المسألة ، فليتأمّل.
وفي «المصابيح » وبعض نسخ «المدارك » أنّ الظاهر الاتفاق على اعتبار دوام الملك.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا تمام
الكلام فيما يتعلّق بكلام المصنّف ، وبقي فروع اخر يأتي ذكرها. وينبغي التعرّض
لبيان الحال في المسألة ، لأن كانت عامّة البلوى قويّة الإشكال.
فنقول : كلام
من اعتبر المنزل قد اختلف أشدّ اختلاف ، فلم يتفق ثلاثة منهم على قولٍ واحد أو
عبارةٍ واحدة ليس فيها اختلاف ، وقد سمعت كلامهم برمّته وقد أشرنا عند نقلها إلى مواضع من ذلك.
واللام في
كلامهم إن كانت للملك كانت أكثر عباراتهم دالّة على اشتراط الملك في المنزل
والضيعة فيما ذكر فيه الضيعة وأنّها له ، وإن قلنا إنّها للاختصاص حصلت المخالفة
بين متقدّميهم وجماعة من متأخّريهم ممّن صرّح باعتبار الملك.
وقد اختلف
الناس في فهم كلامهم ، فظاهر «المختلف والمدارك والذخيرة والحدائق » وصريح «المصابيح» أنّ الشيخ ومَن وافقه اعتبروا المنزل
الّذي يكون ملكاً له ، بل في «المصابيح» في أوّل كلامه الاتفاق على اعتبار الملك
واستيطانه وإن اختلفوا في اعتبار كونه منزلاً وفي اتصال ذلك الاستيطان ودوامه ، انتهى. وفهم منهم صاحب «الرياض» عدم اعتبار الملك في
المنزل فقال : لا خلاف في عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدّة المزبورة
كلّ سنة انتهى. وهو الّذي استقرّ عليه رأي الاستاذ في «المصابيح
» ومنع الإجماع والشهرة على اعتبار الملك.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي كلامهم
اختلاف آخر أشار إليه في «المختلف » وصرّح به في «الذكرى». قال في «الذكرى» : صرّح أبو
الصلاح باشتراط الوطن والنزول فيه ، فلو لم ينزل قصّر إلى شهر عنده ما لم ينو
المقام عشراً. واعتبر ابن البرّاج فيمن مرَّ على ضيعته النزول والمقام ، وأطلق
الشيخ في المبسوط وظاهره أنّ المرور كافٍ ، وتبعه المتأخّرون ، انتهى. وظاهر «الذكرى» أنّ الشيخ موافق في المبسوط
للمتأخّرين بل هو في الذكرى لمّا ذكر المسألة لم ينقل فيها خلافاً أصلاً ، وإنّما
ذكر ذلك بعد ذلك بأوراق في فروع ذكرها ، بل قد يلوح من «المختلف» أنّ الغرض
المقصود أوّلاً وبالذات في نقل الخلاف في المسألة إنّما هو في اشتراط النزول في
منزله الّذي في البلد وعدمه فليتأمّل جيّداً. ويرشد إلى ذلك دعوى الإجماع في «التذكرة
والروض » على المشهور بين المتأخّرين ، وذلك يدلّ على أنّهما لم
يفهما من المتقدّمين الخلاف ، وتنزيل عباراتهم على ذلك ممكن ، وعلى تقدير وقوع
الخلاف كما هو الظاهر فقد عرفت أنّ كلامهم مختلف أشدّ اختلاف حتّى من الفقيه
الواحد كالشيخ والقاضي ، فليتأمّل جيّداً.
والحاصل :
انّهم في المسألة على أنحاء ، فجماعة كالصدوق ومَن وافقه اشترطوا أن يكون له فيه منزل يكون
فيه السنة ستّة أشهر ، وحملوا أخبار الملك والضياع الدالّة على الإتمام فيها
بمجرّد الوصول إليها على ما إذا أراد المقام عشرة أيّام.
وفيه أوّلاً :
أنّ هذا الحمل لا يمكن في رواية البزنطي الّتي تضمّنت أنّه يقيم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في الضيعة اليوم واليومين والثلاثة ، ولا في صحيحة عمران بن محمّد الّتي تضمّنت أنّه يقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام
أو سبعة أيّام ، ولا تقبل التقييد بالمنزل الّذي اعتبره ، وهو أنّه يقيم فيه
المدّة المذكورة وخصوصاً موثّقة عمّار الدالّة على الاكتفاء بالنخلة ، فما ذكروه غير حاسم
لمادّة الإشكال.
وثانياً : أنّ
قضيّة اعتبار الستّة في كلّ سنة أن يكون ذلك على الدوام ، فالدوام وإن كان مأخوذاً
فيه لكن غير مأخوذ فيه وحدة الموضع ، فيتحقّق في موضعين ويكون قد صدق عليهما
أنّهما وطنان له عرفاً ، وأنت خبير بأنّ الدوام في موضعين مع كون المتوطّن شخصاً
واحداً يقتضي عدم قابلية أزيد من ستّة أشهر في موضع واحد ، فإذا كانت مواضعه أكثر
من اثنين أو كانت اثنين لكنّهما بعيدان بحيث لا يمكن الاستيطان في واحد منهما تمام
ستّة أشهر أو كان توطّنه على سبيل الدوام في واحد أزيد من ستّة أشهر وفي الآخر
أقلّ من ذلك لم يتجه ذلك. فعلى أيّ تقدير لا وجه لاعتبار خصوص الستّة في كلّ سنة ،
ولا مناص إلّا بأن يكون اعتبر الغلبة ويدعى أنّ الشارع في الغالب لم يعتبر غير
الغالب. وفيه أنّ الكلّ متعارف غالب وخصوصاً الفرض الثاني ، فلا جواب إلّا بأنّ
ذلك تعبّدنا به الشارع فلم يعتبر ما سواه كما تعبّدنا في المسافة بثمانية فراسخ
ولم يعتبر سواها وإن نقص ذراعاً ، أو يقال : إنّ فعلية الكون في الوطن غير معتبرة
وإلّا لم يتحقّق وطن ، فالمعتبر كونه معدّاً للتوطّن متى شاء ، فالمناط هو التهيئة
والقابلية ، فتأمّل جيّداً.
وثالثاً : أنّه
على ما اعتبروه لم يظهر لنا وجه اعتبار المنزل والاستيطان فيه ، فإنّه بعد تحقّق
صدق الوطن على الدوام لا حاجة لشيء منهما مع مخالفتهما للاعتبار على بعض الوجوه
إلّا أن يقال إنّما اعتبر ذلك لأن يكون القيام استيطاناً ، لأنّه إذا لم تكن
الإقامة في المنزل ودار السكنى لم يصدق الاستيطان ، فتأمّل جيّداً.
وجماعة منهم
اشترطوا فعلية الاستيطان في المنزل ودوامها ولم يعتبروا الستّة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أشهر كالشيخ في «النهاية » وموافقيه ، وفيه إعراض عن صحيحة ابن بزيع ، وإن كانوا يعتبرون ملك الضيعة كما هو أحد معاني اللام
كان فيه ما لا يخفى وإن كانوا يعتبرون ملك المنزل لمكان اللام أيضاً ورد عليهم ما
سيأتي إيراده على مَن اعتبره مع فعلية الاستيطان.
والظاهر أنّ
مرادهم من الدوام والاستمرار تحقّق الوطنية عرفاً ليصير كالوطن الّذي نشأ فيه
وليكون بلد إقامة له كما صرّح به متأخّروهم . وفيه : أنّه حينئذٍ لا معنى لاشتراط الاستيطان في نفس
المنزل كما يظهر من كلام بعضهم ، على أنّا قد نقول : إنّ الكلام في القواطع الّتي هي
خارج بلد الإقامة وهي العشرة ومضى ثلاثين يوماً متردّداً ووصول بلد له فيه ملك أو
منزل قد استوطنه على الخلاف المتقدّم ، وكلام الأصحاب وأخبار الباب متعلّقة بهذا
القاطع الثالث الّذي هو خارج بلد الإقامة وكلام «النهاية » كالصريح في ذلك حيث قال : ومَن خرج .. إلى آخره.
والحاصل أنّه
يستفاد من الأخبار وكلام الأصحاب أنّ هناك وطناً شرعياً بمنزلة الوطن العرفي كما
أنّ القاطعين الآخرين بمنزلة بلد الإقامة. وأمّا بلد الإقامة والوطن العرفي فلا
مدخل له في هذه الأخبار وكلام الأصحاب ، وله أخبار على حدة كخبر ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له فيها دار
ومنزل ، وإنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين ، قال
: يقيم في جانب المصر ويقصّر. ومثله خبر عليّ بن رئاب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأخبار أهل مكّة إذا خرجوا حجّاجاً ، وأخبار الترخّص ، وغير ذلك ، بل الإتمام في الوطن وبلد الإقامة ضروري ،
إلّا أن يقال : هذا في المنزل الواحد والكلام في المنزلين ، فلا بدّ أن يكونا
عرفيّين ، وأمّا الشرعي فلم يثبت. وما ذكرناه إن تمّ ورد على الصدوق أيضاً ،
فليتأمّل فيه جيّداً.
وجماعة منهم اعتبروا الستّة أشهر وملك المنزل. وفيه : انّا إن
قلنا اللام للاختصاص فلا دلالة في شيء من أخبار المنزل على اعتبار الملك إلّا ما
تشعر به صحيحة ابن بزيع حيث قال له «ما الاستيطان؟ فقال : أن يكون له منزل يقيم
فيه» من دون أن يقول أن يقيم ستّة أشهر. ولا دلالة في خبر عليّ بن يقطين على ذلك وإن تضمّن ذكر الدار لمكان وقوعه في السؤال
فليلحظ. وفيه أيضاً : أنّ اعتبار الستّة على الدوام ليكون وطناً عرفياً يقضي بعدم
الوجه في اعتبار الملك ، على أنّ هؤلاء صرّحوا بإلحاق الوطن العرفي الدائمي بالملك
، فاعتباره فيما نحن فيه لا وجه له.
وجماعة اعتبروا
المنزل والاستيطان فيه ستّة أشهر ولو مرّة واحدة كما هو خيرة «الوسيلة والسرائر والنافع » وغيرها ، ولم يظهر منه اعتبار الملك إلّا أن تقول اللام للملك
، وعلى تقدير كونها للاختصاص لا يكون هذا القول متّجهاً لأنّهم لم يشترطوا الفعلية
، فلا بدّ من اشتراط الملك إبقاءً لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأصلي الّذي لا خلاف فيه ، فأعدل أقوال أهل المنزل وأقواها اعتبار ملكه
والاستيطان في نفس المنزل المدّة المذكورة ، وعليه ينزّل ما في «الوسيلة والسرائر
والنافع» وغيرها وأخبارهم لا تأبى التنزيل عليه فليتأمّل. وكلام أبي الصلاح بجميع قيوده لا دليل عليه ولا موافق له فيه وإنّما
تفرّد هو به. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بأقوال من اشترط المنزل.
وأمّا مَن
اكتفى بمجرّد الملك الّذي استوطنه ستّة أشهر فقد استندوا في ذلك بعد الإجماع
المحكي في «الروض والتذكرة » إلى ما دلّ من الأخبار الكثيرة على الإتمام في الملك والضيعة من دون اعتبار استيطان ،
وإلى ما دلّ على الإتمام في الوطن والمستوطن من دون اعتبار ملك ، فجمعوا بينها
بأنّه لا بدّ من الملك والاستيطان. واستندوا في تحديده بالستّة أشهر إلى قوله في
تفسير الاستيطان «أن يكون له منزل يقيم فيه ستّة أشهر» واستندوا في الاكتفاء
بالنخلة إلى رواية عمّار ، وفي بقاء الملك إلى ملاحظة علاقة الوطنية لأنّهم اكتفوا
بالأشهر مرّة ولم يشترطوا الفعلية والدوام ، فعلى هذا فلا ريب في اعتبار بقاء
الملك ، لعدم دليل على كفاية مجرّد الاستيطان ستّة أشهر مرّة واحدة. والإجماع
والفتاوى مختصّان بصورة وجود الملك ودوامه فيخصّ الحكم بذلك.
ويرشد إلى ما
ذكرنا أنّهم ألحقوا بالملك اتخاذ البلد أو البلدين دار إقامة على الدوام ، معربين
عن عدم اشتراط الملك فيه وإن اختلفوا في اعتبار الستّة فيه.
فالوطن عندهم
شرعي وعرفي ، فالشرعي هو ما نحن فيه ، والعرفي أصليّ نشأ فيه وطاريء اتخذه وطناً.
فيعتبر في قطعه السفر فعلية الاستيطان ودوامه. وقد نوقشوا في ذلك كلّه ، فمنع
الإجماع وحمل جماعة أخبار الملك على التقية ، لعدم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
القائل بها على إطلاقها وأنّ ذلك مذهب مالك مع معارضتها بما دلّ على التقصير في الضيعة ما لم ينو المقام عشرة أيّام
إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه ، فإنّه صريح في أنّ العبرة بالاستيطان في
المنزل دون الملك وإلّا لعطفه على إقامة العشر ولم يخصّه بالمنزل ، وأنّ غايتها
إفادة الإتمام في الملك مطلقاً كما هو ظاهر إطلاقها أو بشرط الاستيطان ستّة أشهر
كما هو قضية الجمع بينها وبين غيرها وهو لا يستلزم اشتراط الملك حتّى لو انتفى
وحصل الاستيطان في المنزل غير الملك وجب القصر كما ذكروه ، بل وجوب الإتمام فيه لا
ينافيه ويجامعه.
وأورد على ما استندوا إليه في اعتبار الستّة أشهر أنّ
المتبادر من الرواية اعتبار إقامتها في كلّ سنة. وقال بعضهم : إنّ الاستيطان إنّما ورد في أخبار المنازل ، وليس
فيها ما يوهم انسحابه في الملك إلّا رواية ابن أبي خلف قال : سأل عليّ بن يقطين
أبا الحسن الأوّل عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمرّ بها ، قال : إن كان
ممّا سكنه أتمّ الصلاة فيه ، وإن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر . قال : ويمكن الجواب بصرف ذلك إلى الدار بخصوصها.
قلت : هذه
الصحيحة من أقوى أدلّة المشهور وكذلك صحيحة الحلبي الّذي قال فيها : «إنّما هو المنزل الّذي توطّنه» إن
ثبت مجيء توطّن بمعنى اتخذه وطناً ، وقلنا : إنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى المنازل
الخالية عن التوطّن ، إذ لا شكّ أنّ
__________________
ثمّ يعتبر ما بين الملك والمنتهى فإن قصر عن المسافة أتمّ ،
______________________________________________________
الوطن في الحال وطن وترك ذكره لظهوره ، إذ لا ريب في عدم اشتراط عدم كونه
الآن وطناً وأنّه لا بدّ أن يكون وطناً سابقاً ، فسقط ما أورد على الاستدلال به من عدم استقامة الحصر ، فتأمّل
جيّداً. وقال في «المصابيح » : إنّ الظاهر أنّ «توطّن» لم يجئ بمعنى اتّخذه وطناً ،
لكونه لازماً مطاوعاً. قلت : إذا لم يجئ منه الماضي كيف يجيء منه المضارع كذلك ،
وقد جاء نحو تولّاه وتبنّاه بمعنى اتخذه وليّاً وابناً.
وقد يقال : على اعتبار الوطن الشرعي بأنّ المتبادر هو الوطن
العرفي لا ما هو بمنزلته ، ولذا لم يذكر في الأخبار سوى لفظ الوطن والاستيطان من
دون إظهار كونه بمنزلة الوطن كما فعل في القاطعين الآخرين ، وفي صحيحة ابن بزيع قال عليهالسلام : «إلّا أن يكون له منزل يستوطنه» وسكت ، فلا شكّ أنّ
مراده العرفي ، وإلّا لزم الإغراء بالجهل ، ثمّ لمّا رأى ابن بزيع أنّ الوطن
العرفي لا يكاد يتحقّق في الضيعة لأنّه مأخوذ في معناه اللزوم والدوام ولا يتحقّق
ذلك في الضيعة سأل : ما الاستيطان؟ فأجاب عليهالسلام بأن يكون له منزل يقيم فيه دائماً ، فالدوام وإن كان
مأخوذاً فيه لكنّه غير مأخوذ فيه وحدة الموضع بل يصحّ فيما إذا كانا اثنين ،
والدوام فيهما يقتضي دوام ستّة أشهر ، ويرد عليه ما سمعته آنفاً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ثمّ
يعتبر ما بين الملك والمنتهى فإن قصر عن المسافة أتمّ) وكذا يتمّ إن بلغها ذاهباً وآيباً بتلك الطريق أو آخر
أبعد ، لأنّ الذهاب لا يضمّ إلى الإياب كما في «الروض والمقاصد والمسالك والميسية»
__________________
ولو تعدّدت المواطن قصّر بين كلّ موطنين بينهما مسافةٌ خاصّة.
______________________________________________________
وظاهر «التذكرة
». وفي «الذخيرة » أنّ فيه إشكالاً. وتمام الكلام يأتي في ذلك إن شاء
الله تعالى.
[اعتبار المسافة بين الموطنين في القصر]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
تعدّدت المواطن قصّر بين كلّ موطنين بينهما مسافة خاصّة) هذا ظاهر ، وبه صرّح في «الشرائع » وأكثر كتب المصنّف وجملة من كتب الشهيدين و «الموجز الحاوي والهلالية والميسية» وغيرها . وقد علمت أنّه لا مانع من تعدّد المواطن على المذهب
المشهور. وفي «الروض» أنّ المصنّف والشهيد وغيرهما قد صرّحوا باشتراط نيّة الدوام
مع عدم الملك ولا معدل عنه إلّا أنّ الدلالة غير واضحة ، انتهى. ويأتي في آخر الكلام في المسألة الآتية أنّ
الدلالة عليه في كمال الوضوح. وفي «مجمع البرهان » الظاهر جريان الحكم في المنازل المتعدّدة إذا وجدت
الشرائط
__________________
ولو اتخذ بلداً دار إقامته كان حكمه حكم الملك
______________________________________________________
وكانت الكلّ دار إقامة على سبيل التوزيع.
هذا وفي «البيان
» لا يدخل في حيّز الكثرة وإن زادت على منزلين على الظاهر إذا كان السفر
منوياً على الاتصال. قلت : لعلّه يريد أنّ الكثرة في السفر مشروطة باقتران الرجوع
وإنشاء سفر آخر قبل عشرة وإلّا لزم الإتمام في الوطن الثالث أو ما فوقه على اختلاف
الآراء. والحاصل : أنّ الكثرة غير حاصلة مع أنّها سفرات متعدّدة ، ويمكن الحكم
بالاتحاد عرفاً لمكان اتصالها حسّاً وإن انفصلت شرعاً بخلاف السفر بعد العود فإنّه
منفصل حسّاً وشرعاً.
[حكم البلد الّذي اتّخذه دار المقامة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
اتخذ بلداً دار إقامته كان حكمه حكم الملك) هذا خيرة العلّامة ومَن تأخّر عنه كما في «المدارك والذخيرة » ومذهب كثير كما في «الروض » وبه صرّح في «التذكرة ونهاية الإحكام والإرشاد والذكرى والبيان والدروس والموجز الحاوي وكشفه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والجعفرية وشرحيها والكركية وفوائد الشرائع وجامع المقاصد والميسية والروض والمسالك » ونفى عنه البأس في «المدارك والذخيرة ».
واستقرب في «الذكرى
» فيه اشتراط الستّة أشهر ، وهو خيرة «جامع المقاصد وفوائد الشرائع والكركية والجعفرية وتعليق النافع والغرية والروض والمسالك والروضة » ونفى عنه البعد في «المدارك والذخيرة ». وفي «الحدائق » أنّه المشهور. وظاهر «البيان » التوقّف كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يلوح ذلك من «إرشاد الجعفرية ». قال في «الذكرى » : ليتحقّق الاستيطان الشرعي مضافاً إلى العرفي. وقال
في «المدارك» هو غير بعيد ، لأنّ الاستيطان على هذا الوجه إذا كان معتبراً مع وجود
الملك فمع عدمه أولى ، انتهى ، ويأتي ما في كلاميهما.
وقال مولانا
المقدّس الأردبيلي : الظاهر عدم اشتراط الملك للإتمام في بلده الّذي نشأ فيه وهو
مستوطنه مدّة عمره. وظاهر الروايات والقواعد أنّه لو قطع استيطانه لا بدّ للبقاء
من الملك المذكور.
ثمّ قال : وهل
يشترط إقامة ستّة أشهر في بلد اتخذه دار إقامة للإتمام فيه أم لا؟ الظاهر ذلك. وهل
يلزم وجود ملك في أيّ بلد جعله وطنه دائماً أم لا؟ يحتمل كفاية الاستيطان ستّة
أشهر مع قصد السكون مدّة العمر سواء كان بلده أو غيره من دون اشتراط الملك ، لبُعد
عدم انقطاع سفر مَن كان في بلدٍ ثلاثين سنة مثلاً مع قصد البقاء مدّة العمر ولم
يكن له ملك به بدون نيّة الإقامة ، ولصدق المنزل للإنسان بالعارية والإجارة مثلاً
مع قصد الدوام فيدخل تحت الأخبار ، فتأمّل فإنّها ظاهرة في الملك فيقصّر مع عدم
الملك المذكور ، ويؤيّده الاستصحاب والروايات الدالّة على أنّ المسافر يقصّر ما
دام لم ينو إقامة العشرة وهي كثيرة صحيحة ويدلّ على التمام عدم السفر عرفاً وأنّ
التمام أصل وبعض الأخبار الواردة في الإتمام في أهله ، فتأمّل فإنّ الظاهر الفرق
بين بلده الّذي استوطنه دائماً وغيره خصوصاً إذا كان مقام آبائه وموطنهم ويكون المراد
بتلك الأخبار غير ذلك البلد على ما هو الظاهر ، فيمكن الفرق بين المولد والمستوطن
، فتأمّل ، انتهى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونحن نقول :
إنّ الموضع الّذي اتخذ دار إقامة على الدوام داخلٌ في الأخبار الدالّة على اعتبار التوطّن والاستيطان لا أنّه ملحق
بالملك ، وفي الأخبار الواردة في حدّ الترخّص الدالّة على اعتبار البيت
والبلد والأهل من دون إشارة إلى اعتبار الملك بوجه ، وفي الأخبار الواردة فيمن سافر بعد دخول الوقت وهو في منزله أو بيته
أو بلده ولم يصلّ حتّى خرج ، والواردة في الدخول كذلك ، والأخبار الواردة في علّة التقصير وأصرحها الأخبار الدالّة على انقطاع السفر بالوصول إلى بلد الاستيطان ،
ففي «موثّق» إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام عن الرجل يكون مسافراً ثمّ يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتمّ
الصلاة أم يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله؟ قال : بل يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله ». وروى الصدوق عن مولانا الصادق عليهالسلام أنّه قال : إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه . ونحوه موثّقة ابن بكير في «الرجل يكون بالبصرة وهو من
أهل الكوفة له فيها دار ومنزل فيمرّ بالكوفة وإنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا
بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين ، قال : يقيم في جانب المصر ويقصّر . وقد روى هذه الرواية في «قرب الإسناد » عن عليّ بن رئاب بتفاوت يسير. وصحيحة معاوية بن عمّار
عن الصادق عليهالسلام قال : إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم
أتمّوا . وغيره من أخبار أهل مكّة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فهذه الأخبار
دالّة على اعتبار ما نحن فيه ، ولا تعرّض في واحد منها لكونه ممّا اتخذها وطناً من
زمن آبائه وأجداده أو توطّنها أخيراً. نعم لا بدّ من صدق كونها بلده عرفاً كما
يشير إليه أخبار أهل مكّة ، ولا تعرّض فيها لاستيطان ستّة أشهر ولا عدمه ولا
دلالة فيها على اشتراط ملك ، والإضافة في قولهم عليهمالسلام «بيته ومنزله» أعمّ من التمليك والاختصاص.
فظهر لك حال ما
في «الذكرى» وغيرها وما في «مجمع البرهان» وإن كان مراد الشهيد ومَن وافقه أنّه
إذا اتخذ البلد دار إقامة على الدوام فحكمه حكم الوطن الشرعي حتّى في صورة الإعراض
ففيه أنّه لا ريب في فساده وأنّه لا يبقى لاشتراط الملكية وجه أصلاً كما يعطيه
تعليلهم الإلحاق بأنّ المسافر بالوصول إليها يخرج عن كونه مسافراً عرفاً.
ويرد على صاحب «المدارك»
زيادةً على ذلك أنّه اختار اعتبار ستّة أشهر في كلّ سنة ، فعلى هذا تكون هذه الدار
وطنه عرفاً مطلقاً سواء كان ذلك في نوبة توطّنه فيه أم لا ، فلا يكون هناك استيطان
شرعي مغاير للعرفي. نعم ذلك يتمّ على المشهور ، فعلى هذا لا وجه لاشتراط استيطان
ستّة أشهر في العرفي ، لأنّه دائر مدار فعلية الاستيطان ، ومعها لا شكّ في كونه
وطنه كلّما دخله وإن اتفق أنّه بدا له في استيطانه فيه قبل تمامية ستّة أشهر إذا
كان عزمه التوطّن فيه دائماً ، فإذا صدق أنّه في أهله ومنزله ووطنه عرفاً لا يجوز
له أن يقصّر.
ويرد على
مولانا الأردبيلي في ما مال إليه من اعتبار الملك أنّ المسافر لفظٌ يرجع فيه إلى
اللغة والعرف ، وليس هو في اللغة والعرف إلّا من هو ناء عن أهله خارج عن موضع
حضوره ولا دخل للملك في هذا المعنى أصلاً ، وكثير من الحاضرين الّذين ليسوا
بمسافرين ليسوا في أملاكهم ، وعلى ذلك المدار في الأمصار ، فكيف يمكن أن يقال :
إنّ مَن لم يكن له ملك قد استوطنه ستّة أشهر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يكون دائماً مسافراً بل لا يمكن أن يصير حاضراً لعدم ذلك الوطن. وأين هذا
ممّا ذكروه من أنّ الأصل هو الإتمام ولا قصر إلّا بعد كونه مسافراً مع شرائط
كثيرة. ثمّ إنّ هذا يكون كثير السفر ومَن كان السفر عمله يجب عليه الإتمام ومَن
لازم السفر ولم ينفك عنه يجب عليه القصر ، فليتأمّل جيّداً.
ثمّ إنّا قد
نقول : إنّ قواطع السفر الثلاثة إنّما هي إذا خرج من موضعه مسافراً سفراً يجب فيه
التقصير فإنّه يستصحب التقصير في سفره إلى أنّ ينقطع بأحد القواطع فيرجع إلى
التمام وبعد المفارقة يرجع إلى التقصير ، فتلك القواطع إنّما هي خارج البلد الّتي
هي دار إقامة وانقطاع السفر بالرجوع إلى بلده ومنزله الّذي خرج منه ليس له مدخل في
تلك القواطع بوجه ، وأخبار الباب وفتاوى الأصحاب المتعلّقة بالقاطع الثالث الّذي
هو الملك والمنزل صريحة فيما قلناه ، فإنّها تضمّنت أنّه يمرّ به في سفره وأنّه في
الطريق والسفر وأنّه سافر من أرضٍ إلى أرض ، وأمّا بلد الإقامة فلا مدخل له في هذه
الأخبار بوجه ، وإنّما يدلّ عليه الأخبار الدالّة على انقطاع السفر بالوصول إليه ،
وقد ذكرنا شرطاً منها آنفاً ، فليتأمّل في ذلك.
وليعلم أنّه
قال في «الروض» في بيان الستّة أشهر : إنّ الشهر حقيقة في العدّة الّتي بين
الهلالين ويطلق على ثلاثين يوماً عند تعذّر المعنى الأوّل ، وحينئذٍ فإن تحقّق
التوالي في الستّة أشهر أو بعضها بحيث تصدق العدّة الهلالية كفت وإن اتفق نقص
الشهر عن ثلاثين ، وإن تفرّقت على وجهٍ لا يحصل فيه ذلك اعتبر الشهر ثلاثين يوماً
ولو توالت وكان ابتداؤها في أثناء الشهر الهلالي ، ففي احتساب الجميع ثلاثين
ثلاثين أو إكمال الأوّل خاصّة بعد انقضاء الخمسة وجهان أجودهما الثاني ، وكذا
القول في غيره من الآجال ، انتهى.
وفيه أنّ
المصنّف في «التذكرة » في مسألة المتردّد ثلاثين قال : إنّ لفظ الشهر
__________________
الرابع
: عدم زيادة
السفر على الحضر كالمكاري والملّاح والتاجر والبدوي.
______________________________________________________
كالمجمل ولفظ الثلاثين كالمبيّن. ووافقه على ذلك صاحب «المدارك ». وفي «الذخيرة » أنّ الشهر حقيقة في المعنى المشترك بين المعنيين
فالمتجه أن يحمل على الثلاثين كما يحمل المطلق على المقيّد. وفي «المصابيح » أنّ كون المراد من الشهر خصوص الهلالي في المقام فاسد.
وتمام الكلام في محلّه إن شاء الله تعالى.
[في كثير السفر]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الرابع
: عدم زيادة السفر على الحضر كالمكاري والملّاح والتاجر والبدوي) اختلفت عباراتهم في تأدية هذا الشرط ، فالمفيد وأتباعه
كما في «المعتبر » عبّروا بنحو ما في الكتاب فقالوا : أن لا يكون سفره
زائداً على حضره ، ونسبه في «الذكرى » إلى المعظم. وفي «المسالك » إلى الأكثر. وفي «جامع المقاصد والمدارك والذخيرة » أنّه المشتهر على ألسنة الفقهاء. قلت : وبذلك عبّر في «الانتصار
والنهاية والمبسوط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والجُملين والمراسم والغنية والسرائر والإشارة والشرائع والنافع والتذكرة والإرشاد والتلخيص والتحرير ونهاية الإحكام والدروس وكشف الالتباس » وغيرها من كتب المتأخّرين.
ولم يرتضه في «المعتبر
» لأنّه يقتضي أنّ مَن أقام في بلده عشرة وسافر عشرين أنّه يتمّ ، قال :
والأولى أن يقال أن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام في سفره. قلت : بهذا عبّر في «المنتهى
والبيان ».
وقد اعتذر عنهم
في «المسالك » بأنّ هذه العبارة قد اشتهرت عرفاً في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجامع للشرائط بحيث لا يتبادر غيرها ، قال : أو نقول هذا عنوان للشرط
والمعتبر فيه ما يأتي تفصيله. وقال في «الروض » : تسمية هذا النوع كثير السفر وزائد في السفر حقيقة
شرعية بالشرائط المذكورة. ومنع فيه وفي «المسالك » أولوية ما في المعتبر ، قال : لأنّه يدخل فيه العاصي
والهائم وطالب الآبق. ويمكن دفعه عن المحقّق بأنّ مراده من يلزمه ذلك باتخاذ السفر
صنعة كما يشعر به آخر كلامه ، ثمّ أنّه لا حاجة به إلى تجشّم دعوى الحقيقة الشرعية
بل يكفيه الحقيقة العرفية عند المتشرّعة.
وفي «الوسيلة » أن يكون سفره في حكم حضره ، وقال جماعة منهم المولى
الأردبيلي أن لا يكون مكارياً ولا ممّن سمّي في الخبر بمن يجب
عليه الإتمام. وقال جماعة منهم المصنّف في بعض كتبه والشهيد وجملة من متأخّري المتأخّرين : أن لا يكون السفر عمله. وفي «الهداية
» المكاري والكري والبريد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والراعي لأنّه عملهم.
وقيل : أن لا يكون السفر عمله ومن كان منزله وبيته معه. قال
الاستاذ قدسسره في «المصابيح » هذا أولى ، لأنّه سالم من الإيراد ملحوظة فيه العلّة
وتلك العبارات مورد الاعتراضات وليست مورد النصّ ويمكن إرجاعها إلى هذه العبارة.
وفي «الذخيرة » لعلّ مرادهم يعني القدماء مَن كان عمله السفر. قلت :
لا ريب أنّ ذلك مرادهم ، إذ ليس المراد من قوله عليهالسلام «لأنّه عملهم» أنّه عملهم على الدوام بل المراد الغلبة والكثرة ، وفي رواية
عبد الله بن جعفر عن أبي الحسن عليهالسلام إشارة إلى ذلك فلتلحظ.
__________________
والضابط : أن
لا يقيم أحدهم في بلده عشرة أيّام ، فلو أقام عشرة في بلده مطلقاً أو في غيره مع
النيّة قصّر إذا سافر ، وإلّا فلا ،
______________________________________________________
وهذا الشرط لا خلاف فيه ومقطوع به في كلامهم كما في «المصابيح ». وفي «الانتصار والسرائر » وظاهر «الغنية والأمالي والمهذّب البارع » الإجماع عليه. وفي «الرياض » لا خلاف فيه إلّا من العماني ، بل على خلافه انعقد
الإجماع على الظاهر. وفي «الخلاف » الإجماع في البدوي والوالي. وعن ظاهر الحسن وجوب التقصير على كلّ مسافر. وقال في «مجمع البرهان » جعل هذا الشرط عدم كون السفر أكثر وعدم كونه كثير
السفر هو المشهور. وما أجد له مستنداً ، فلا ينبغي النظر إليه والبحث في تحقيقه
بأنّه يتحقّق في المرتبة الثانية أو الثالثة وغيرها من الأبحاث المتعلّقة به بل
المدار على الأخبار. قلت : يأتي تحقيق الحال.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والضابط
أن لا يقيم أحدهم في بلده عشرة أيّام ، فلو أقام في بلده عشرة أو في غيره مع
النيّة قصّر) التعبير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالضابط عن هذا الشرط وقع في جملة من العبارات «كالشرائع والنافع والإرشاد والتلخيص » وغيرها . وفي «المعتبر » صرّح بأنّه بمنزلة الشرط حيث قال : لكن الشيخ اشترط أن
لا يقيموا في بلدهم عشرة أيّام. وبالشرطية عبّر كثير من المتأخّرين . وعبارة الشيخ في «المبسوط والنهاية » الّتي أشار إليها في المعتبر هي قوله : وهؤلاء كلّهم
لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام ، فإن كان لهم في
بلدهم مقام عشرة أيّام كان عليهم التقصير.
واقتفاه في ذكر
الاقتصار على العشرة في بلدهم العجلي في «السرائر » والمحقّق في «الشرائع » والمصنّف في «التحرير والإرشاد والتلخيص » والشهيد في «الألفية » وصاحب «الدرّة» وصاحب المعالم في «الاثنا عشرية »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وتلميذه في شرحها على تأمّل لهما في ذلك حيث قال في «الاثنا عشرية» على
المشهور ، وقال تلميذه : إنّما قال ذلك لعدم الدليل ، وقد نُسب هذا الحكم إلى علم الهدى. وفي «المعتبر » نفي الخلاف في وجوب القصر على مَن كان سفره أكثر من
حضره مع الإقامة عشراً. وهذا يعمّ غير البلد.
وفي «المدارك » أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنّ إقامة العشرة قاطعة
لكثرة السفر موجبة للقصر. وقال أيضاً بعد ذكر عبارة الشرائع : هذا الشرط مقطوع به
في كلام الأصحاب. وفي «الكفاية والذخيرة » نسبته إلى الشيخ ومَن تبعه. وفي «الذخيرة » أيضاً نسبته إلى الشهرة تارةً وإلى الأصحاب اخرى.
وزيد في «النافع
والتبصرة » أنّ المقيم في غير بلده يقصّر ، من دون ذكر لاشتراط
النية في ذلك. وقال في «كشف الرموز » بعد ذكر عبارة النافع : هو مذهب الشيخ في كتبه وعليه
أتباعه والمتأخّر يعني ابن إدريس ، وقد سمعت ما نقلنا عن «المعتبر» فتدبّر ، لكنّ
الشهيد الثاني في «الروض » والعلّامة المجلسي ادّعيا الإجماع على اشتراط النيّة في إقامة العشرة في
غير بلده وأنّه لم يؤثّر وقوعها بنيّة متردّدة. والإجماع ظاهر «الذخيرة » حيث قال : والأصحاب لم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يقولوا به. وفي «المدارك » وكذا «الذخيرة » ألحق المصنّف في «النافع» والعلّامة ومَن تأخّر عنهما
بإقامة العشرة في بلده العشرة المنوية في غير بلده. وفي «الذكرى » قاله الأصحاب. وفي «المهذّب البارع والرياض » أنّه المشهور. واستحسن هذا الإلحاق في «الذخيرة والكفاية » بل في «النجيبية» لا بدّ من النيّة في العشرة الّتي في
بلده ، ولم أجد له موافقاً.
وفي «الدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد والميسية والمقاصد العلية والمسالك والروض والرياض والمصابيح والحدائق » إلحاق العشرة الحاصلة بعد التردّد ثلاثين ، لكنّ في «الدروس
والروض والمقاصد» التصريح بالاكتفاء بهذه العشرة وإن لم تكن منوية ، ولعلّه لعموم
المنزلة ، إذ بعد مضيّ الثلاثين يصير ذلك البلد بمنزلة الوطن ، وعبارة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الموجز » قابلة لذلك ، قال : لو أقام عشرة في غير بلده مع
النيّة أو بعد الثلاثين أو أقام في بلده خرج مقصّراً.
وفي «المهذّب
البارع والمقتصر » إلحاق التردّد ثلاثين بالعشرة المنوية. وقوّاه في «فوائد
الشرائع والمقاصد وتعليق النافع» بل في «المهذّب البارع » أنّه مشهور. وردّه في «المقاصد العلية » بأنّا لم نعرف قائله فضلاً عن الشهرة. وقال في «الروض » : إنّ الظاهر من كلامهم يعني الأصحاب عدم الاكتفاء
بالثلاثين.
وفي «المدارك والكفاية » أنّ المسألة من أصلها وهو كون العشرة قاطعة محلّ
إشكال. وفي «مجمع البرهان » الضابط في الخروج عن حكم التمام هو الخروج عن الاسم
بترك العمل إلّا نادراً من دون ملاحظة العشرة ، ثمّ إنّه بعد ذلك نفي البأس عن
المشهور. وظاهر «الحدائق » القطع بعدم القطع بها. وفي «المنتهى » نسب الحكم في المسألة إلى الشيخ وذكر ما استدلّ به وهو
الرواية ثمّ قال : وهي مع سلامتها تدلّ على المكاري خاصّة ، فيلوح منه التأمّل في
ذلك كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
سيأتي نقله عن «المعتبر».
وفي «المسالك » عند ذكر عبارة الشرائع أنّ هذا الضابط غير ضابط فإنّ
إقامة العشرة إن كانت في بلده لم تفتقر إلى نيّة وفي غيره تفتقر إليها ، فالإجمال
غير مفيد. وكذا إذا سافر ثانياً من غير إقامة العشرة يصدق عليه التعريف ، وفي
الاكتفاء به بحيث يتمّ في الثانية قولٌ ضعيف. قلت : ما ذكره أوّلاً غير وارد على
عبارة الكتاب وما ذكره ثانياً يبتني على أنّه ضابط لتحقّق كثرة السفر لا ضابط
لبقاء حكم كثرة السفر ، وحمله على الأوّل يحتاج إلى تقدير كثير دون الثاني. ويرشد
إلى حمله على الثاني في عبارة الكتاب قوله بعد ذلك : والمعتبر صدق الاسم .. إلى
آخره. ومنه يعلم حال عبارة «الإرشاد » وما قاله في بيانها في «الروض» على أنّه لم يستضعف ما
ضعّفه في المسالك. قال في «الروض» : استقرب في المختلف ثبوت الحكم بالمرّتين
مطلقاً فيخرج في الثالثة متمّاً وهو الظاهر من عبارته هنا وفي أكثر كتبه كما يرشد
إليه قوله : والضابط أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام. وحيث لا دلالة في النصّ على
عدد معيّن بل صدق الاسم توجّه الاكتفاء بسفرتين خصوصاً لمتخذه صنعة لكن توقّف
الإتمام على الخروج إلى الثالثة أوضح ، انتهى. وتمام الكلام يأتي إن شاء الله تعالى.
هذا وليعلم أنّ
الحقّ عدم الاكتفاء بثلاثين متردّداً لأصالة البقاء على حكم التمام حتّى يتحقّق
المزيل عنه ، وقد بيّنه الاستاذ قدّس الله تعالى روحه والعلّامة المجلسي وصاحبا «الروض والرياض ».
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قال في «الروض»
: توضيح ذلك أنّ السفر الموجب للتقصير ينقطع بمجرّد الوصول إلى البلد ونيّة إقامة
عشر في غير بلده وبمضيّ ثلاثين متردّداً فيها. ويعلم منها أنّ الثلاثين المتردّد
فيها في غير البلد يحكم نيّة الإقامة عشراً فيه ، وقد عرفت أنّ كثرة السفر إنّما
تنقطع بإقامة عشر في بلده أو في غيره مع النيّة وأنّه لا يكفي نيّة الإقامة بدون
الإقامة بل لا ينقطع حكم الكثرة إلّا بتمام العشرة ، وعرفت أنّ التردّد ثلاثين
يوماً في حكم نيّة إقامة العشرة لا في حكم إقامتها فيفتقر بعدها إلى إقامة عشرة
كما يفتقر إليها بعد نيّة الإقامة عشرة ، ووجه الاكتفاء بالثلاثين صدق اسم العشرة
وزيادة ، إذ ليس في الخبر التصريح بكونها منوية. وإنّما لم يكتف بالعشرة المتردّدة
لا غير للإجماع على عدم اعتبار الشارع لها ، بل إنّما علم منه اعتبار الثلاثين مع
التردّد فيختصّ الحكم بها ، ولأنّ مضيّ الثلاثين إذا كان شرطاً في قطع حكم السفر
وهو أضعف من حكم كثرة السفر فلأن يكون مجموع الثلاثين شرطاً في قطع الكثرة ولا
يكفي ما دونها أولى. وجوابه يعلم ممّا قرّرناه ، فإنّ مضيّ الثلاثين كذلك بحكم
نيّة الإقامة عشرة في غير البلد ، وهي غير كافية في قطع كثرة السفر إجماعاً ، فكذا
يجب ما هو بحكمها ، وإنّما اقتضى كونها بحكم النيّة الاكتفاء بعشرةٍ اخرى بعدها ،
وإلّا من المحتمل أن يقال : إنّ التردّد لا يقطع كثرة السفر وإن طال ، لعدم النصّ
وأصالة البقاء على حكم الكثرة ، بل هذا الاحتمال أوجه من احتمال الاكتفاء بالثلاثين
المتردّد فيها ، فإن إلغاء المناسبة بين حكم السفر وكثرة السفر يقتضي الاكتفاء
بمطلق العشرة إن عمل بمطلق الرواية ولم يقل به أحد ، أو توقّف حكم قطع الكثرة على
الإقامة عشرة منوية ولا يقطعها بدونه ، ورعاية المناسبة تقتضي اشتراط العشرة بعد
الثلاثين ، فالقول بالاكتفاء بالثلاثين المتردّد فيها غير متّجه. فإن قيل : لمّا
علمنا اعتبار الشارع للثلاثين المتردّد فيها وترتيب حكم قطع السفر عليها وإقامتها
مقام نيّة الإقامة اعتبرناها هنا مع صدق إقامة العشرة في الجملة بخلاف العشرة
المتردّد فيها فإنّ الشارع لم يعتبرها بحال. قلنا : إنّما اعتبرها الشارع في حكمٍ
يكفي في اعتباره نيّة إقامة العشرة كما عرفته ، والأمر في المتنازع ليس
.................................................................................................
______________________________________________________
كذلك فإنّ نيّة إقامة العشرة غير كافية إجماعاً فكذا ما هو بحكمها ، ولا
يلزم من اعتبار الشارع لها في حالة اعتبارها مطلقاً ، انتهى ما أردنا نقله من
الروض .
واعلم أنّ
المحقّق لمّا ذكر الضابط المذكور في «الشرائع والنافع » قال : وقيل هذا مختصّ بالمكاري ، فيدخل فيه الأجير
والملّاح والجمّال. وقال في «الشرائع » والأوّل أظهر. وقال في «التنقيح» : لم يسمع من الشيوخ
قائل هذا القول ، قال بعضهم : كأنّه نفسه . وقال في «المهذّب والمقتصر » : لم نظفر بقائله وقال في الأوّل : لعلّه سمعه من
معاصرٍ له في غير كتاب مصنَّف. وقال في «المقتصر » أيضاً : لم يفرّق الباقون بين المكاري وغيره. وفي «غاية
المرام » المشهور عدم الفرق وعليه الأصحاب. وفي «المسالك » عمل الأصحاب على القول الأوّل. وفي «الروض » أنّ المشهور التعميم إن لم يكن موضع وفاق فإنّ المحقّق
ذكر ذلك بطريق الاحتمال. وفي «المصابيح» أنّ ظاهر الأصحاب عدم الفرق ولعلّه لعدم
القول بالفصل . وفي «الرياض » اتفقت الفتاوى على عدم الفرق. وفي «المدارك» هذا القول
لم نظفر بقائله ، وربّما ظهر من عبارة المعتبر عدم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تحقّق الخلاف فإنّه قال بعد أن أورد رواية ابن سنان : وهذه الرواية تتضمّن المكاري فلقائل أن يقول يختصّ
هذا الحكم بهم دون غيرهم ممّن يلزمه الإتمام سفراً لكنّ الشيخ قيّد الباقين بهذه
الشرطية وهو قريب من الصواب ، وكأنّ وجه القرب أنّ الظاهر من النصوص تساوي من
يلزمهم الإتمام بمن اتخذ السفر عمله في الأحكام ، انتهى. وقد سمعت ما في «المنتهى » فإنّه نحو ما في «المعتبر».
وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » هل يعتبر هذا الحكم في غيرهم حتّى لو كان غير هؤلاء
تردّد في السفر يعتبر فيه ضابط الإقامة عشرة أو لا؟ إشكال من حيث المشاركة في
المعنى والاقتصار على مورد النصّ.
ويظهر من «كشف
الرموز» أنّ القائل به المحقّق وصاحب «البشرى» قال بعد قوله في النافع «وضابطه ..
إلى آخره» : هو مذهب الشيخ في كتبه وعليه أتباعه والمتأخّر. وفيه تردّد منشؤه عدم
الوقوف على دليل عقلي أو نقلي. نعم وردت رواية بأنّ المكاري لو أقام في البلد
الّذي يذهب إليه عشرة أو أكثر يقصّر الصوم والصلاة ، رواها يونس عن عبد الله بن
سنان ، فحمل شيخنا يعني المحقّق على المكاري الملّاح والأجير لتساويهم في
المعنى. وكذا صاحب البشرى دامت سيادته ، وأراه أنّه تخرّج من كلام المرتضى في
الانتصار : أنّ كلّ مَن سفره أكثر من حضره كالملّاح والجمّالين ومَن يجري مجراهم
لا تقصير عليهم ، انتهى ما أردنا نقله من الكتاب المذكور ، فليتأمّل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واعلم أنّ
جماعة من متأخّري المتأخّرين تأمّلوا في كون إقامة العشرة قاطعة لحكم المكاري ونحوه
، وظنّوا أنّ مستند الأصحاب في ذلك رواية عبد الله ابن سنان فطعنوا فيها من جهة
السند ومتروكية الظاهر ، وليس كما ظنّوا وإن كانت صالحة للاستناد كما ستسمع ،
وحجّتهم الظاهرة في ذلك ما رواه ثقة الإسلام عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه ومحمّد بن
إسماعيل عن الفضل عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن «أبي عبد الله عليهالسلام قال : المكاري والجمّال الّذي يختلف وليس له مقام يتمّ
الصلاة ويصوم شهر رمضان ». وقد روى ذلك الشيخ عن التيملي عن السندي ابن الربيع مقطوعاً. ولا ريب أنّ
المتبادر من لفظ «المقام» في المقام مقام عشرة أيّام إجماعاً كما في «الرياض » وكما هو بناء الفقهاء في كلّ موضع والمدار عليه في كلّ
مقام كما في «المصابيح » وهو المتبادر حيثما يطلق في النصّ والفتوى ، ولذا
انتهض الفقهاء إلى توجيه رواية حمزة بن عبد الله الجعفري قال : «لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت
الصلاة الحديث» مع إنّ الإقامة دون العشر حاصلة لكلّ كثير السفر ، لصدقها على
إقامة اليوم بل الساعة ، ولا يخلو من ذلك أحد. وقضية التقييد حينئذٍ عدم وجود كثير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السفر الّذي يلزمه الإتمام إلّا نادراً بل مطلقاً.
مضافاً إلى ما
رواه الشيخ عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن
يونس عن بعض رجاله عن الصادق عليهالسلام قال : سألته عن حدّ المكاري الّذي يصوم ويتمّ ، قال :
أيّما مكارٍ أقام في منزله أو في البلد الّذي يدخله أقلّ من عشرة أيّام وجب عليه
التمام والصيام وإن كان مقامه في منزله أو البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام
فعليه التقصير والإفطار . والضعف منجبر بالشهرة العظيمة حتّى من الّذين لا
يعملون إلّا بالقطعيات ، وقد سمعت أنّ الحكم مقطوع به عند الأصحاب ومعروف لديهم.
واشتراط إقامة
الأقلّ من العشرة في التمام ظاهر في انتفائه مع الإقامة عشراً ، ولا ينافيه مفهوم
الشرطية الاخرى لورودها على الغالب ، لندرة الإقامة عشراً بحيث لا يزيد عليها فلا
عبرة بمفهومها ، فلا يتطرّق القدح إليها من ذلك ، وفي مقام الإطلاق ربّما لا يلحظ
مثل ذلك كما في مسألة البعيد عن صلاة الجمعة بفرسخين ومسألة الأقلّ من الدرهم في
الدم ، مضافاً إلى ما فيه من المقابلة.
وقد ادعي
الاستاذ قدسسره وغيره أنّ هذه الرواية متحدة مع روايتي عبد الله بن سنان
الّتي إحداهما في «التهذيب» والاخرى في «الفقيه».
ففي «التهذيب » سعد عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرّار عن يونس
عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام
أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام
في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام وأكثر قصّر في سفره وأفطر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ورواية «الفقيه
» عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحِميري عَنْ أَيُّوب بن نوح عن ابن أبي
عمير عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام
أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ الصلاة بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، فإن كان
له مقام في البلد الّذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له
مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر.
قال الاستاذ قدسسره : لا يخفى على المنصف اتّحاد الروايات الثلاث وإنّما
وقع الاختلاف من الرواة من جهة النقل بالمعنى وبحسب ما اقتضاه مقام روايتهم. وقال
: إنّ كلمة الواو في قوله عليهالسلام «وينصرف» بمعنى أو. قلت : قد قال ذلك جماعة . ثمّ قال : بل كانت «أو» نقلت بالمعنى بلفظ الواو ،
لأنّ المقام ما كان يقتضي كفاية إحدى العشرتين. وقال : إنّ عبد الله بن سنان من
رجال يونس ومشايخه فالكلّ عن عبد الله بن سنان ، ولو لم تكن متّحدة كيف اقتصر في
كلّ رواية على ما ذكره فيها مع أنّه سمع الصورتين الاخريين مع مخالفتهما لها بل
الارتباط في الجملة داع إلى الذكر ، فكيف يجوّز العقل صدور هذا الأمر العجيب
الغريب بل القبيح الفضيح عن كلّ واحد واحد مع وثاقتهم وعدالتهم وجلالتهم حتّى
إسماعيل بن مرار ، لأنّا قد حقّقنا في محلّه عدم قدح فيه ، لأنّ القمّيين استثنوا
من روايات يونس ما رواه محمّد بن عيسى عنه مع أنّه ثقة على المشهور ، وإسماعيل بن
مرار وصالح بن السندي يرويان عن يونس وما استثنوا روايتهما عنه بل يروون روايتهما
ويعملون بهما ، وهذا ينادي بكونهما أوثق من ابن عيسى. قال : وقد وافَقنا على ذلك
جملة من المحقّقين ، ثمّ قال : إنّ اشتمال الرواية على ما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا يقول أحد به غير مضرّ ، مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ المراد من الأقلّ
ليس الأقلّ من خمسة بل من العشرة يعني الخمسة وما فوقها ممّا هو أقلّ من العشرة
بقرينة جعل ذلك في مقابلة العشرة وما فوقها ، وأمّا الخمسة فما دونها فليست مقابلة
للعشرة فما فوقها ، وذكر الأقلّ من العشرة بعد الخمسة لبيان أنّ الستّة والسبعة
والثمانية والتسعة حالها حال الخمسة ، على أنّه لا وجه لجعل الأقلّ أقلّ من خمسة ،
إذ من جملته ما لا يكون له استقرار فكيف يدخل في الاستقرار. وأيضاً لا حدّ له ولا
ضبط فكيف يناسب مقام تعيين الحكم الواجب. وأيضاً الأقلّ من الخمسة مخالف لإجماع
المسلمين ومجرّد الإجماع يكفي لحمل الحديث وبناء معناه فضلاً عن القرائن الاخر.
قلت : يمكن أن
يقال : إنّ المراد إثبات الحكم المذكور لمن أقام خمسة أحياناً وأقلّ منه أحياناً ،
أو يقال : إنّ ظاهر الإقامة يقتضي قدراً يعتدّ به فلا يكفي حينئذٍ فيه اليوم وبعضه
، فليتأمّل. وأمّا ما ذكروه من عدم الصراحة فيشعر بأنّ هناك ظهوراً ، ولعلّه من
جهة قرينة المقابلة ، والظهور كافٍ ، إذ في صدر الرواية اشترط للقصر نهاراً لا
ليلاً الاستقرار في منزله خمسة أيّام ، ومفهوم ذلك أنّه لو لا هذا لم يكن هذا
الحكم ، فإذا كان في منزله عشرة لم يكن الحكم المذكور قطعاً فإمّا الإتمام مطلقاً
أو القصر كذلك ، لا وجه للأوّل ، لأنّ القصر إذا كان ثابتاً في الخمس فالعشر أولى
، فتعيّن كونه القصر ، لعدم القول بالفصل ، لعدم قائل بأنّ الحكم أمرٌ آخر.
وممّا ذكر ظهر
أنّ كلمة «الواو» في رواية الصدوق بمعنى أو ، إذ لا وجه لجعل ذلك في مقابلة الخمس
في المنزل واشتراط ذلك في القصر نهاراً وأنّه كافٍ فيه ، فمفهومه أنّ استقرار
العشر ليس حكمه كذلك بل حكمه غير ذلك ، فلم يبق إلّا القصر مطلقاً ، مع أنّه لا
وجه للاقتصار في المفهوم على خصوص ما ذكر لو كان المراد انضمام كلّ واحدة من
العشرتين مع الاخرى بالنحو الّذي ذكر وهو أنّه يقيم في البلد الّذي يذهب إليه
عشراً ثمّ بعد انصرافه اى منزله يقيم عشراً فيه أو أكثر من دون تعرّض لذكرها له
قبل الخروج وعدم اعتباره أصلاً مع أنّه في صدد بيان
.................................................................................................
______________________________________________________
أحكام المكاري والتفصيل فيه فقد صار الحكم ممّا لا ريب فيه. والوارد في هذه
الروايات وإن كان إنّما هو المكاري والجمّال لكنّك قد عرفت أنّه يظهر من جماعة الإجماع على عدم الفرق ، على أنّ
الظاهر من النصّ اتحاد حكم كلّ من اتخذ السفر عمله ، لأنّ الوارد فيه أنّ منشأ
التمام عليه هو كون السفر عمله. وورد أيضاً أنّ المقام عشرة أيّام يوجب القصر على
المكاري. فظهر أنّ المراد من التعليل بكون السفر عمله أنّه لا يتحقّق منه المقام
عشرة ، وورد أنّ المقيم عشرة بمنزلة الحاضر في وطنه ، والحاضر في مقابل المسافر في
وجوب الإتمام ، فظهر أنّ الإتمام في الجميع مشروط بالشرط المذكور.
واعلم أنّ
الشيخ في «النهاية والمبسوط » قال : إن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيّام قصّروا
بالنهار وتمّموا الصلاة بالليل ، ووافقه على ذلك في «الوسيلة » والقاضي فيما نقل . وفي «غاية المراد » نسبته إلى الشيخ وأتباعه وأنّهم استندوا إلى خبر ابن
سنان ، وقال : إنّه متروك الظاهر. وفي «السرائر » نقل هذا القول عن الشيخ في النهاية وقال : لا يجوز
العمل به بلا خلاف ، لأنّ الإجماع على خلافه بلا خلاف.
وهل يشترط في
هذه العشرة أعني العشرة القاطعة لحكم التمام التوالي أم يكفي عدم تخلّل الخروج إلى
مسافة في الأثناء؟ ففي «الروض » أنّ أكثر الأصحاب على الإطلاق ، وفيه أيضاً : الإجماع
على عدم تخلّل المسافة ، وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الدروس والبيان والجعفرية وشرحيها والكركية وفوائد الشرائع وتعليق النافع والمسالك والروضة ومجمع البرهان » أنّه يكفي في العشرة كونها ملفّقة بشرط أن لا يتخلّلها
مسافة. واستحسنه في «المدارك ».
وظاهرهم عدم
الفرق بين عشرة بلده وغيرها ، وأظهرها عبارة «الدروس » حيث قال : لو تردّد في قرى دون المسافة فكلّ مكان يسمع
أذان بلده فيه فبحكمه وما لا فلا ، نعم لو كمل له عشرة متفرّقة في بلد قصّر. وبعين
هذه العبارة أتى صاحب «الموجز الحاوي » غير أنّه قال «في بلده» بإضافته إلى ضمير المقيم ،
ومعناه أنّه يخرج عن الكثرة بإقامة عشرة في بلده كما عرفت ، فلو تردّد فيما دون
المسافة فكلّ بلد يسمع فيه أذان بلده فهو في حكم بلده بمعنى أنّ إقامته فيه
كإقامته في بلده تحسب من جملة العشرة ، وإقامته في البلد الّذي لا يسمع فيه أذان
بلده لا يحسب من جملة العشرة الّتي في بلده. نعم لو أكمل عشرة متفرّقة منويّة في
بلد قصّر كما لو أقام فيه يومين أو ثلاثة مثلاً ثمّ خرج إلى مكان دون مسافة ثمّ
عاد إلى ذلك البلد أو إلى مكان يسمع فيه أذانه فأقام يومين أو ثلاثة ثمّ خرج وعاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كالأوّل فإنّه إذا أكمل إقامة عشرة على هذه الصفة انقطع حكم الكثرة وقصّر
مع الخروج بعد ذلك إلى مسافة ، ومنه يعلم حال عبارة الموجز فإنّها أوفق بما سيأتي
في حكم المقيم الخارج إلى ما دون المسافة.
وممّن وافق
الموجز على تقييد العشرة الملفّقة بكونه في بلده صاحب «كشف الالتباس وغاية المرام » وهو غريب منه لما سيأتي له في حكم المقيم الخارج إلى
ما دون المسافة وصاحب «الروض والمقاصد العلية » قال في الأخير : وأمّا العشرة المنوية في غير بلده فلا
يخرج فيها إلى موضع الخفاء. واحتمل ذلك صاحب «الذخيرة » وبنى في «الروض » العشرة المنويّة في غير بلده على الخلاف في الخروج إلى
ما دون المسافة ثمّ قال : وسيأتي أنّ مطلق الخروج مع نية الإقامة غير قاطع لحكم
الإقامة ، فيضعّف دليل عدم التلفيق ، لكنّي لم أقف على مفتٍ به ، نعم نقله بعضهم
عن المحقّق الشيخ عليّ.
قلت : الموجود
من كلام المحقّق المذكور أنّه يكفي في العشرة كونها ملفّقة وكذا يكفي كونها في غير
بلده ، نقله عنه في هامش «الميسية» وليست صريحة في ذلك. نعم صاحب «إرشاد الجعفرية » صرّح في شرح كلام المحقّق المذكور بكفاية التلفيق في
غير بلده. وفي «الهلالية» فلو أقام أحدهم عشرة كاملة في غير بلده بنيّة الإقامة أو
في بلده وإن كانت متفرّقة للتردّد في قرى دون المسافة أو أقامها في مكان يسمع فيه
أذان بلده أو بعد مضيّ ثلاثين يوماً في غير بلده قصّر.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهذه قد تعطي الفتوى بالتلفيق في غير بلده ، فليتأمّل فيها وفيما أراد في
الروض.
وكلّ من قال :
إنّ المقيم الخارج إلى ما دون المسافة يقصّر ذهاباً وإياباً كالشيخ والقاضي والعجلي
والمصنّف في أكثر كتبه كما سيأتي فإنّه يلزمه القول بعدم التلفيق في غير بلده ، فليتأمّل
جيّداً.
وبقي الكلام
فيما إذا وجب القصر على كثير السفر فهل يعود حكم التمام في الثانية إذا لم تتخلّل
الإقامة عشراً فيتمّ فيها أم يستمرّ إلى السفرة الثالثة فلا يتمّ في الثانية؟
قولان ، ذهب إلى الأوّل في «السرائر والمدارك والرياض » وقوّاه في «المهذّب البارع » واستحسنه في «الذخيرة » إن بقي الاسم. ونقله صاحب «كشف الرموز» عن المحقّق
مذاكرة والشهيد عن السيّد عميد الدين. قال اليوسفي الآبي ما نصّه كما في نسختين :
والّذي سمعنا شيخنا دام ظلّه مذاكرة أنّهم إذا ابتدأوا السفر قصّروا حتّى رجعوا
بلدهم مسافرين ولم يقيموا عشرة أيّام ، فإذا طلعوا طلعوا متمّين إلّا أن يقيموا في
بلد ، فإذا أقاموا دخلوا في حكم المقصّرين إلى أن يرجعوا إلى بلدهم أو بلدٍ من
البلدان غير بلدهم ولم يقيموا فدخلوا في المتمّين ، وعلى هذا يدور دائماً. وفيه
إشكال ، انتهى.
وقال الشهيد في
حواشي الكتاب : قال عميد الدين : إذا خرج المكاري أو الملّاح أو التاجر إلى مسافة
بعد مقامهم في بلدهم عشرة أيّام يخرجون مقصّرين ، فإذا عادوا إلى البلد ثمّ أنشأوا
سفراً آخر قبل المقام عشرة خرجوا متمّين. ولو أقام أحدهم في بلد سنة أو أقلّ أو
أكثر ثمّ خرج إلى مسافة خرج مقصّراً ، فإذا عاد إلى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بلده وخرج قبل
مقام عشرة خرج متمّاً ، وهكذا دائماً ، انتهى.
ولعلّهم استندوا
في ذلك إلى أنّ في ذلك اقتصاراً فيما خالف الأصل الدالّ على وجوب التمام على هؤلاء
على المتيقّن من النصّ والفتوى من لزوم القصر إذا أقاموا عشراً وليس إلّا السفرة
الاولى ، مضافاً إلى استصحاب بقاء وجوب التمام الثابت له في منزله أو ما هو في
حكمه الّذي هو منتهى سفرته الاولى إلى أن يثبت المزيل وليس ثابتاً. فتأمّل. وقال
في «الذكرى» : وربّما قيل إذا كان الاسم قد صدق عليهم فخرجوا بمقام عشرة ثمّ عادوا
إلى السفر اكتفى بالمرّتين ، وإن كانوا مبتدئين فلا بدّ من الثلاثة. وهو ضعيف ،
لأنّ الاسم قد زال فهو الآن كالمبتدئ ، لأنّه لو لم يزل وجب الإتمام في السفرة
الاولى عقيب العشرة ، انتهى.
وهو أي عدم
العود في الثانية وقصره على الثالثة خيرة «الدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس وفوائد الشرائع والكركية والميسية والمسالك والروض » استناداً إلى ما ذكرنا عن الذكرى. وفيه نظر ، لأنّا لا
نسلّم زوال الاسم بمجرّد الإقامة عشراً ، ولو تمّ ما ذكره لزم عدم تحقّق الإتمام
إلّا نادراً غاية الندرة ، ولهذا استبعد العلّامة المجلسي والسيّد صدر الدين تحقّق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المكاري الّذي لا يقيم عشرة فأمرا بالاحتياط ، وهذا أيضاً إفراط والأمر
واضح.
وينبغي التعرّض
لما يتحقّق به تعدّد السفرات. لا ريب في تحقّقه بوصوله في كلّ سفرة إلى بلده أو ما
في حكمه ، فإنّ ذلك انفصال حسّي وشرعي. وهل يتحقّق بالانفصال الشرعي خاصّة كما لو
تعدّدت مواطنه في السفرة المتصلة بحيث يكون بين كلّ موطنين منها والآخر مسافة أو
نوى الإقامة في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها؟ وجهان : من الانفصال الشرعي وعدم
صدق التعدّد العرفي ، هذا إذا كان في نيّته ابتداء تجاوز الوطنين وموضع الإقامتين.
وفصّل الشهيد
في «الذكرى» وتبعه الشيخ عليّ بن هلال والشيخ أبو طالب «شارح الجعفرية » ، ففرّقوا بين موضع الإقامة والوطن. قال في «الذكرى» :
لو نوى المقام في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها ثمّ سافر فالظاهر أنّها سفرة
ثانية سواء كان ذلك في صوب المقصد أو لا ، أمّا لو وصل إلى وطنه ، فإن كان لم يقصد
تجاوزه في سفره ثمّ عرض له سفر آخر إلى وطنه الآخر قبل العشرة فكالأوّل ، وحينئذٍ
لو تجدّدت له سفرات ثلاث على هذا أتمّ في الثالثة وإن كانت إلى صوب المقصد ، وإن
كان من عزمه اتصال السفر في أوّل خروجه ومرّ على أوطانه فالحكم بتعدّد السفر هنا
إذا لم يتخلّل مقام عشرة بعيد ، لأنّها سفرة واحدة متصلة حسّاً وإن انفصلت شرعاً.
ومن ثمّ لم يذكر الأصحاب الاحتمال في ذلك ، ويحتمل ضعيفاً احتسابها ، لانقطاع سفره
الشرعي بذلك وكون الآخر سفراً مستأنفاً ، ومن ثمّ اشترطت المسافة ، انتهى.
واستحسن ذلك في
«الروض» وقال : إنّ الفرق بين موضع الإقامة والوطن أنّ نيّة الإقامة تقطع السفر
حسّاً وشرعاً ، والخروج بعد ذلك سفرة جديدة بخلاف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الوطن فإنّه فاصل شرعاً لا حسّاً ، انتهى فتأمّل. وفي «المهذّب البارع » لو قصد موضعاً بعيداً وتمادى فيه وأقام في أثنائه
إقامات عدّت واحدة.
وقال في «الذكرى»
أيضاً : لو خرج من بلده إلى مسافة ثمّ نوى المقام بها عشراً ولمّا يتمّها ثمّ عاد
إلى بلده فهل يحتسب هذه ثانية؟ فيه الوجهان ، انتهى. والفرق واضح بين هذا الفرع والفرع الأوّل ، لأنّ
الإقامة كانت في ذلك في أثناء المسافة.
وهل يكفي في
فصل نية الإقامة مجرّد النيّة أم لا بدّ من الصلاة تماماً؟ وجهان ، أقواهما
الثاني.
واعلم أنّ
الشهيد الثاني قال في «الروض » : بقي هنا بحث وهو أنّ الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم
قد عدّوا في كثير السفر البدوي والتاجر وجملة ما تقدّم استناداً إلى الروايات ،
وفي دلالتها على ذلك نظر ، بل الظاهر منها في كثير من هذه الأفراد أنّ الموجب
لإتمامهم ليس هو كثرة السفر ، والأخبار إنّما دلّت على أنّ فرضهم التمام ، والأمر
كذلك لكن لا يتعيّن كونه لهذه العلّة. ونحوه قال المولى الأردبيلي . وقد نبّه على ذلك في «الذكرى» قال : وربّما لاح أنّ
تخلّف القصر فيمن عدّد في الروايات لتخلف قصد المسافة على الوجه المعتاد غالباً ،
لأنّهم بين مَن لا قصد له في بعض الأحيان كالبدوي والراعي ومَن له قصد لا يكون
مسافة غالباً كالأمير والتاجر ، ومَن له قصد إليها لكن لا على الوجه المعتاد كبعض
الامراء والتجّار ، ومن له قصد المسافة على وجه المقام كالملّاح الّذي أهله معه ، انتهى.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واعلم أنّ
جماعة كثيرين من المتأخّرين ومتأخّريهم حكموا بأنّ هؤلاء إذا سافروا إلى غير ما
يختلفون فيه أعني السفر الّذي هو صنعتهم وعملهم كسفر الحجّ والزيارة إذا كان
المقصود بالذات إنّما هو الحجّ والزيارة لا الصنعة والعمل أنّهم يقصّرون ، بل ادعى
ابن جمهور في «الغوالي» إجماع أصحابنا على ذلك ، حكاه عنه الاستاذ قدّس الله تعالى
روحه في «المصابيح » ولم يحضرني الآن ذلك الكتاب. واستدلّ عليه قدسسره بمفهوم قوله عليهالسلام «لأنّ السفر عملهم » قال : فقد دلّ بمفهومه أنّه إذا لم يكن عملهم لا
يتمّون ، والمفروض كونه غير سفر عملهم ، وبمفهوم قوله عليهالسلام : «لأنّ بيوتهم معهم » فإنّه يدلّ على أنّهم لو سافروا عن بيوتهم لا يتمّون ،
وبقوله عليهالسلام : «إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كلّ سفر إلّا
إلى مكّة » قال : المتبادر هو السفر الّذي يكون من جملة الأسفار
الّذي يلزمها ويخرج معها في كلّ منها ويعبّر عنه بما يختلفون فيه والمفروض أنّ
السفر إلى غير ما يختلفون فيه. قال : فعلى هذا لو خرج بقصد الحجّ لا غير وأنّه
لولاه لما سافر وأكرى دوابّه قصّر ، لأنّ ذلك أنفع له وأولى لا أنّه المقصود.
واعلم أنّه قد
ورد صحيحان صرّح فيهما بأنّ المكاري إذا جدّ به السير قصّر ، فأفتى
جماعة من متأخّري المتأخّرين كصاحب «المنتقى والمدارك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والذخيرة والمفاتيح والحدائق » بظاهرهما وقالوا : إنّ المتّجه الوقوف مع ظاهر اللفظ
وهو زيادة السير عن القدر المتعارف بحيث يشتمل على مشقّة شديدة فتخصّ بها الأخبار
الدالّة على أنّ فرضهم التمام. وفيه أنّ هذا الظاهر ما وقف أحد من الأصحاب معه ولا
عليه فظاهرهما شاذّ مأمورون بتركه كما أمرنا بترك الخبر الضعيف ، هذا الكليني والشيخ قد حملاهما على مَن يجعل المنزلين منزلاً ، ووافقهما
على ذلك جماعة ، وحملها الشهيد تارةً على ما إذا سافرا سفراً غير صنعتهما كسفر الحجّ ،
واستقربه في «المدارك » وفيه أنّ الحكم قريب لا التوجه ، واخرى على أنّ المراد
يتمّون ما داموا يتردّدون في أقلّ من مسافة أو مسافة غير مقصودة. وحملهما الشهيد
الثاني على ما إذا قصدا المسافة قبل تحقّق الكثرة ، والمصنّف
في «المختلف » على ما إذا أقاما عشرة أيّام في الوطن ، أو الموضع
الّذي يذهبان إليه ولعلّه أخذ «جدّ» من الجديد ، ففي «الصحاح » جدّ الشيء يجدّ بالكسر صار جديداً ، فالمراد إذا
انقطع السير السابق وتجدّد له سير لاحق وليس ذلك إلّا بحيلولة عشرة أيّام. وقال
الاستاذ قدّس الله تعالى روحه : لعلّه أخذه
__________________
والمعتبر صدق اسم المكاري ومشاركيه في الحكم.
______________________________________________________
من الجدّ بمعنى
الاجتهاد بأن يراد المشقّة الّتي هي فيه ، وذلك لأنّ علّة القصر المشقّة وإذا صار
عادة زالت أو قلّت ، ولذا كثير السفر الّذي هو عادته لا يشقّ عليه وإذا انعدمت
الكثرة تحقّقت المشقّة وانعدامها بإقامة عشرة أيّام.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والمعتبر
صدق اسم المكاري ومشاركيه في الحكم) سواء صدق بأوّل مرّة أو أزيد كما في «التذكرة ونهاية الإحكام » ونسب ذلك في «المهذّب » إلى المحقّق. واعتمده جماعة من متأخّري المتأخّرين وفي «الميسية والروضة والمقاصد العلية » أن يسافر ثلاث مرّات أو يصدق عليه اسم المكاري أو
إخوته.
وفي «كشف
الالتباس » أنّ المشهور أنّ صدق الاسم بثلاث متواليات. قلت : وهو
خيرة «الذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وجامع المقاصد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفوائد الشرائع والهلالية والجعفرية والغرية والكركية والدّرة». وفي «الروض » نقله عن العلّامة القطب ، وقال فيه : إنّه أوضح.
واعتبر في «السرائر
» في غير صاحب الصنعة ثلاث دفعات ، وقال : إنّ صاحب الصنعة من المكارين
والملّاحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر ، لأنّ صنعتهم تقوم مقام
تكرّر مَن لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره. هذا خلاصة كلامه. وقد سمعت ما نقله
اليوسفي عن شيخه. وقد شنّع في «كشف رموزه » على ابن إدريس في غير طائل.
واستقرب في «المختلف
» الإتمام في الثانية إذا لم يقيموا بعد الاولى عشراً. وفهم في «الروض » من عبارة الإرشاد ونحوها ممّا قيل فيه «انّ الضابط أن
لا يقيم عشرة» أنّه موافق للمختلف ، وأنت خبير بأنّ المصنّف هنا ذكر الضابط
المذكور وصرّح بما سمعت ، وقد أسمعناك احتمال كون ذلك ضابطاً لبقاء حكم الكثرة لا
لتحقّقها ، فلا تغفل وتدبّر.
وقال جماعة من
متأخّري المتأخّرين كالمولى الأردبيلي في موضع من كلامه وصاحب «الرياض » وصاحب «الحدائق » وكذا صاحب
__________________
الخامس
: إباحة السفر ،
فلا يقصّر العاصي به كتابع الجائر والمتصيّد لهواً ،
______________________________________________________
«الذخيرة » : إنّ المعتبر كون السفر عمله لا لخصوصية فيهم ، فلو
فرض كثرة السفر بحيث يصدق كونه عملاً لزم التمام وإن لم يصدق وصف أحد هؤلاء كما
أنّه لو صدق وصف أحدهم ولم تتحقّق الكثرة المذكورة لزم القصر.
قلت : لا بدّ
من اعتبار السفرات الثلاث مع صدق العنوان فلا إتمام فيما دونها ولو صدق ، لأنّ
المتبادر من المطلقات هو الأفراد الشائعة ، وليس منها مَن يكون السفر صنعة له
وعملاً حال السفرة الاولى أو الثانية مع ما ورد من قوله عليهالسلام «الّذي يختلف وليس له مقام» ويمكن أن يكون هذا هو مراد الشهيد ومَن وافقه
في اعتبار الثلاث. وممّا ذكر عُلم حال ما في «السرائر والمختلف».
وأمّا مَن جعل
المدار على صدق وصف أحدهم أو صدق كون السفر عمله ففيه مضافاً إلى ما عرفت أنّ
المستفاد من النصوص أنّ وجوب الإتمام على أحد هؤلاء إنّما هو من حيث كون السفر
عمله فلا وجه لجعله مقابلاً له ، فليتأمّل.
هذا وفي «الموجز
الحاوي » لو كان يكارى في أقلّ من مسافة ثمّ كارى إلى مسافة
أتمّ ، ولم يوافقه عليه إن اريد ظاهره أحد ، فليتأمّل.
[في إباحة السفر]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الخامس
: إباحة السفر ، فلا يترخّص العاصي به كتابع الجائرو المتصيّد لهواً) هذا الشرط مجمع عليه كما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في «المعتبر والمنتهى والتذكرة والدرّة» وظاهر «كشف الحقّ والذخيرة والكفاية ومجمع البرهان ». وفي «الغنية » لو كان سفره في معصية الله سبحانه أو اللعب والنزهة لا
يقصّر (لم يترخّص خ ل) بإجماع الطائفة. وفي «المنتهى والمهذّب البارع والمقتصر » وظاهر «التذكرة » الإجماع على أنّ اللاهي والمتنزّه بالصيد لا يقصّر.
وفي «الأمالي » أنّ من دين الإمامية أنّ صاحب الصيد إذا كان صيده
أشراً وبطراً يتمّ الصلاة ، وإن كان لقوت عياله يقصّر. وفي «الخلاف» الإجماع على
أنّ المسافر في معصية لا يجوز له أن يقصّر مثل أن يخرج لقطع طريق أو لسعاية بمسلم
أو معاهد أو قاصد لفجور أو آبق أو ناشز أو رجل هرب من غريمه مع القدرة على أداء
حقّه ، انتهى. وفي «المقنع والهداية » ولا يحلّ التمام إلّا لمن كان سفره معصيةً أو سفراً
إلى صيد ، يكون بطراً أو أشراً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «جُمل
العلم والنهاية والمراسم والوسيلة والإشارة » إذا كان المسافر في طاعة أو مباح قصّر. وقريب من عبارة
الخلاف عبارة «السرائر » وفي «الروضة والنجيبية» ألحق به تارك كلّ واجب به بحيث ينافيه. وفي «الموجز
الحاوي وكشف الالتباس » السفر إمّا حرام في نفسه أو لغايته ، وعدّا من الأوّل
تارك وقوف عرفة. وفي «الدروس والهلالية والجعفرية وشرحيها » عدّ السفر المنافي لفعل الجمعة وللوقوف بعرفة.
وفي «الكفاية والرياض » الظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى كلّ سفر حرام حتّى
السفر المستلزم لترك واجب كتحصيل العلم الواجب لا خصوص السفر الّتي غايته المعصية.
وفي «المصابيح والمدارك » أنّ إطلاق النصّ والفتوى يشمل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مَن كان غاية سفره معصية أو كان سفره معصية ، وأنّ صحيحة عمّار بن مروان تشمل مطلق العاصي بسفره ، وكذا العلل المنصوصة المنجبرة
بفتوى الأصحاب.
وفي «غاية
المرام » الضابط كلّ ما كان غايته حراماً. وفي «الروض » قد عدّ الأصحاب من العاصي بسفره مطلق الآبق والناشز
وتارك الجمعة بعد وجوبها ووقوف عرفة والفارّ من الزحف ومَن سلك طريقاً مخوفاً يغلب
معه ظنّ التلف على النفس أو ماله المجحف. وإدخال هذه الأفراد يقتضي المنع من ترخّص
كلّ تاركٍ للواجب بسفره ، لاشتراكهما في العلّة الموجبة لعدم الترخّص ، إذ الغاية
مباحة فإنّه المفروض وإنّما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذٍ بين
استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها وبين استلزامه ترك غيرها كتعلّم العلم
الواجب عيناً أو كفايةً ، بل الأمر في هذا الوجوب أقوى. وهذا يقتضي عدم تحقّق
الترخّص إلّا لأوحديّ الناس ، لكنّ الموجود من النصوص في ذلك لا يدلّ على إدخال
هذا القسم ولا على مطلق العاصي وإنّما دلّت على السفر الّتي غايته المعصية. ونحو
ذلك ما في «المقاصد العلية والدرّة السنية» قال في الأخير : لا شيء من الأسفار
يوجب القصر في هذه الأزمان حتّى سفر الحجّ إلّا أن لا يفوت طلب العلم أو أنّ الطلب
موقوف على ذلك السفر أو نحو ذلك ، انتهى.
وردّ المولى
الأردبيلي ما في الروض فقال : التخصيص ببعض المحرّمات على ما ذكره الشارح يعني في
الروض غير ظاهر الوجه ، إذ لا دليل على ذلك فإنّه إن كان العمل بالدليل العقلي فهو
عامّ وكذا الإجماع والشهرة والعبارات ، وإن كان بالأخبار فمع عدم الصحّة في أكثرها
فليس فيها أيضاً تخصيص بما ذكره ، لأنّه إن كان النظر إلى ما نصّ فيها فهو امور
خاصّة وإن كان إلى الظاهر مثل ما يستفاد من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التعليل والإشارة فهو عامّ ، فتأمّل.
ثمّ قال :
ويمكن الفرق بين ما مثّل به الأصحاب وقالوا بعدم الترخّص معه وبين ما ألزمهم به
الشارح بأنّ المراد بالمحرّم الّذي يوجب القصر هو المحرّم أصالةً بأن كان النهي من
الشارع ورد به صريحاً لا المستلزم له ، فإنّ المحرّم فيما ذكره ترك التعلّم لا
السفر ، ولا شكّ في وجود هذا المعنى في العبد والزوجة مع عدم الإذن ، ويمكن وجود
النهي في تارك عرفة والجمعة أيضاً وخفاؤه عنّا لا يدلّ على العدم ، وإن لم يكن
كذلك يمكن القول بجواز الترخّص ، أو يقال : إنّ الفرق بينهما وبين تارك التعلّم
أنّه هو تاركه وفاعل المحرّم سواء سافر أم لا ، وليس السبب هو السفر بل عزمه مع
عدم فعله ذلك وإن كان ذلك حاصلاً مع كونه في السفر أيضاً لا أنّه السبب ، ولو فرض
أن لا سبب له إلّا السفر الغير الضروري قلنا بعدم الترخّص ، وليس محذور الشارح هنا
بموجود وهو لزوم عدم التقصير إلّا لأوحديّ الناس ، ولو فرض جريان مثل ذلك في أمثلة
الأصحاب لأمكن القول بجواز الترخّص للتارك أيضاً ولهذا ظاهرهم جواز الترخّص لتارك
الحجّ مع أنّه تارك لعرفة وأعظم منها. ويؤيّد عدم صحّة التعميم عدم صحّة الأخبار
وصراحتها وعدم ظهور الإجماع على العموم الشامل لمثلها ، ولهذا ما ذكروه مع كثرة ذكرهم
الأمثلة ولو كانت منها لكان ينبغي الذكر لخفائها وعموم البلوى ويدلّ على وجوب
القصر على مَن ذكر الشارح عموم أدلّة القصر وظهور شمولها مع عدم ظهور دليل
الاستثناء.
قال أيضاً ما
حاصله : إنّ ما ذكره من اختصاص الرخصة بالأوحدي في محلّ المنع ، ووجه المنع بوجوه
: منها أنّ العلوم الّتي يجب تعلّمها على الجمهور قليلة تحصل لكثير من الناس ،
فإنّ معرفة دقائق العلوم والتفاريع الفقهية ليست بواجبة على جمهور العوامّ
والخواصّ ومعرفة القدر القليل ولو بالتقليد غير نادر ، وكثيراً ما تنتفي المضادّة
بين السفر والتعلّم ، مع أنّ ما ذكره يتوقّف على القول باستلزام الأمر بالشيء
النهي عن ضدّه الخاصّ كما هو التحقيق لكنّه رحمهالله لا يقول به ، مع أنّ استبعاد اختصاص التقصير بالأوحدي
ليس أبعد من اختصاص عدم الفسق بالأوحدي
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو لازم عليه لأنّهم في الحضر أيضاً يتركون التعلّم مع احتياج الناس إلى
العدول في أكثر الامور ، فلا ينبغي مثل هذا القول في هذه المسألة بل ينبغي مماشاة
العلماء المتقدّمين مع التفكّر والتأمّل والتأويل والتصرّف مهما أمكن مع الانطباق
على قوانين الشرع السهل السمح ، على أنّه قد يناقش في الواجب الكفائي لعدم ظهور
خلوّ الزمان عن المجتهد وإن كان متجزّياً وقد منع في الذكرى خلوّ الزمان عن
المجتهد ، وعلى تقدير العدم فالظاهر عدم الوجوب إلّا على مَن يتوقّع منه ذلك ،
انتهى .
وقد تقدّم في مبحث الجمعة ما لَه نفع في المقام ، وقد حكى الإجماع
جماعة على أنّ المتصيّد لهواً يتمّ. ونقل في «غاية المراد » وغيره عن المقنع أنّه قال فيه :
إنّه إذا كان
صيده بطراً أو أشراً فعليه التمام في الصلاة والإفطار في الصوم. قلت : هذه العبارة
موجودة في «المقنع » في كتاب الصوم والموجود في باب الصلاة منه كما في
نسختين أنّه إذا كان صيده أشراً أو بطراً فعليه الإتمام في الصلاة والصوم. وهذه
العبارة هي الموجودة في «الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام ».
__________________
دون المتصيّد للقوت والتجارة على رأي ،
______________________________________________________
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (دون
المتصيّد للقوت والتجارة على رأي) في «المنتهى والتذكرة وغاية المرام وكشف الالتباس والروض والدرّة والغرية والمصابيح والرياض » وظاهر «المهذّب البارع » الإجماع على أنّ الصايد لقوته وقوت عياله يقصّر. وفي «التنقيح
والذخيرة » نفي الخلاف فيه.
وأمّا المتصيّد
للتجارة فالمشهور كما في «الدروس والمسالك » في الصوم أنّه يتمّ صلاته دون صومه. وفي «الذكرى » أنّه مذهب الأكثر. وفي «غاية المراد والتنقيح » أنّ عليه الشيخين وأتباعهما. وفي «المدارك » الشيخ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأتباعه. وفي «الرياض » أنّه مذهب أكثر القدماء بل لم ينقل خلاف عن القدماء.
وفي «الحدائق » أنّه المشهور بين المتقدّمين. وفي «المبسوط » رواه أصحابنا. وفي «السرائر » رواه أصحابنا بأجمعهم ، وكلّ سفر أوجب التقصير في
الصوم وجب التقصير في الصلاة فيه إلّا هذه المسألة فحسب للإجماع ، وقد نقل هذا
الإجماع في موضع آخر منها. وفي «تخليص التلخيص» نقل حكاية الإجماع عليه. وفي «فوائد
الشرائع » أنّ به أخباراً. ونقله في «المختلف » عن عليّ بن الحسين بن بابويه والمفيد والقاضي. وفي «التخليص»
عن أبي عليّ. وفي «غاية المرام » للصيمري عن محمّد بن عليّ بن بابويه ، ولعلّه فهم ذلك
من «المهذّب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
البارع والمقتصر » حيث نسبه فيهما إلى الفقيه ، فتأمّل.
وهو ظاهر «المبسوط»
لأنّه لم يزد على قوله : روى أصحابنا أنّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم. ويظهر من
جماعة أنّه صريحه. وهو صريح صلاة «النهاية والوسيلة والفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام» لكن فيه في كتاب الصوم : وإن كان صيده للتجارة ممّا
يعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم ، انتهى فليتأمّل جيّداً. وفي «الإشارة » يتمّ في صيد لا تدعه الحاجة إليه ، انتهى فليتأمّل.
وقال في «المختلف » في مقام الردّ على هذا القول على أنّ الشيخ في النهاية
قال : كلّ سفر لا يجوز له فيه التقصير في الصلاة لم يجز له التقصير في الصوم. قلت
: وقد قال نحو ذلك في صوم «المبسوط ».
وقد طالبهم في «المعتبر
» بالدليل ، وكذا تلميذه اليوسفي . وقال في «الذكرى » : لم نقف لهم على دليل من كتابٍ ولا سنّة ، وظاهر
الكتاب يشهد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالمساواة. وفي «البيان» الأظهر الإتمام في الصلاة ولا نعلم مأخذه مع دعوى
المرتضى الإجماع على التسوية .
قلت : لعلّ
مأخذه من قوله في «المبسوط» رواه أصحابنا وقوله في «السرائر» بأجمعهم وما قالا ذلك
إلّا لأنّ هناك روايات ظاهرة أو صريحة في ذلك وكما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يصدّق الشيخ في نقله الخبر بمتنه وسنده يصدّق في نقله له بمعناه ويكون
مرسلاً. وأمّا ما استدلّ لهم به في «المختلف» فلعلّهم لا يرضون به.
وقد استدلّ لهم
الاستاذ قدسسره في «المصابيح » بالفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام : وفيه : أنّه على تقدير ثبوت النسبة فقد عرفت ما ذكر
فيه في باب الصوم ، فليتأمّل.
والمحقّق في «الشرائع
» متردّد ، وهو ظاهر «النافع وكشف الرموز والدروس » وكأنّه في «غاية المراد » متردّداً أيضاً.
والمشهور بين
المتأخّرين أنّه يقصّر في الصلاة والصوم كما في «الحدائق » وعليه عامّتهم كما في «الرياض ». وفي «مجمع البرهان » لا ينبغي النزاع في ذلك. وهو خيرة «التحرير والتذكرة والمنتهى والإرشاد ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمختلف والتلخيص والمقتصر والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والغرية والروض والمدارك ». وفي «الذخيرة والكفاية » أنّه أقرب. وفي «المعتبر » إن كان مباحاً قصّر فيهما.
وفي «الهداية » إذا كان يعود به على عياله قصّر الصلاة والصوم ،
فليتأمّل في هذه العبارة ، وإليه جنح في «الإيضاح والتنقيح وغاية المرام والهلالية» وقد يدّعى ظهور هذه الكتب في ذلك ، ونحوها «المهذّب البارع » وقد سمعت ما في «الذكرى والبيان».
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد نقله في «الإيضاح
» عن السيّد. وفي «المدارك والذخيرة » عنه وعن ابن أبي عقيل وسلّار. وقد عوّلوا في ذلك على «المختلف
» ولم يلحظوا تمام عبارته ، فإنّه قال : وأوجب السيّد وابن أبي عقيل وسلّار
التقصير على مَن كان سفره طاعةً أو مباحاً ولم يفصّلوا الصيد وغيره. وصريحه أو
ظاهره أنّهم لم يتعرّضوا لمسألة صيد التجارة بخصوصها. وظاهر «المدارك » وغيره أنّهم نصّوا على ذلك. وهذه العبارة الّتي نقلها عنهم
موجودة أيضاً في «النهاية والمبسوط والوسيلة والإشارة » وغيرها . وهذه لا تنفع فيما نحن فيه نفعاً يعتدّ به ، فليتأمّل.
وقال في «الذكرى
» عن الحسن والسيّد وسلّار أنّهم أطلقوا. نعم قال في «الانتصار » وكذا «الغنية » : لا خلاف في أنّ مسقط الصوم مقصّر للصلاة.
وقد ادّعى في «الروض
» الإجماع على عدم كون السفر للتجارة في غير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قصد الصيد مانعاً وأنّ الصيد للتجارة مثله. وفيه نظر ظاهر ، لأنّ المخالف
له لا يسلّم المماثلة.
وأقوى ما استندوا
إليه صحيح معاوية بن وهب الّذي قال فيه الصادق عليهالسلام : «إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت». وفيه : أنّا إذا
قلنا : إنّ «إذا» للإهمال فلا عموم ، وإن قلنا إنّها للعموم عرفاً كما هو ظاهر
قلنا : إنّه إنّما يشمل الأفراد المتعارفة وهذا ليس منها ، سلّمنا لكنّه مخصوص
بالأخبار المرسلة في «المبسوط والسرائر » المنجبرة بالشهرة القديمة المعلومة والمنقولة في «الدروس
والذكرى » وغيرهما وإجماع «السرائر» مضافاً إلى ما يفهم من الكتابين من
كون الروايات يومئذٍ مشهورة وأنّها كثيرة ، مضافاً إلى ما في «الفقه الرضوي » ورواية عمران على ما ذكره مولانا مراد من أنّ المراد بالفضول هو الّذي لا يتعلّق به غرض
يتقرّب به إلى الله تعالى ، سواء كان أمراً دنيوياً أو اخروياً ، وهي مستندهم في
القصر إذا كان للقوت فتقوّى بذلك. ويؤيّد ذلك بما ذكره لهم في «المختلف » وإجماع «الانتصار » كالخبر ، فكان قول المتقدّمين أقرب.
هذا وقد نقل
الإجماع على أنّ الصائد للتجارة يفطر الصوم في «المختلف
__________________
ولا يشترط انتفاء المعصية ،
______________________________________________________
والبيان وغاية المرام ومجمع البرهان وجامع المقاصد » وظاهر «غاية المراد والمصابيح » وغيرهما بل هو معلوم لا شبهة فيه ، ولأبي عليّ مذهب غريب كما في
«الذكرى » لا حاجة بنا إلى نقله.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولا
يشترط انتفاء المعصية في سفره) كما في «التذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والهلالية والغرية» وغيرها . وإنّما الشرط انتفاؤها بسفره كما في «الذكرى » فلو كان ولو
__________________
قصد المعصية بسفرة في الأثناء انقطع الترخّص ، ويعود لو عادت النيّة إن كان
الباقي مسافة ،
______________________________________________________
يشرب الخمر في طريقه أو يزني ترخّص كما في «التذكرة ونهاية الإحكام » والأمر في ذلك كلّه واضح لا خلاف فيه.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
قصد المعصية بسفرة في الأثناء انقطع الترخّص ، ويعود لو عادت النيّة إن كان الباقي
مسافة) أمّا انقطاع
ترخّصه فمقطوع به في كلامهم كما ستسمع. وفي «الذخيرة والكفاية » لا أعلم فيه خلافاً. واستظهر في «البيان » من الصدوق عدم انقطاع المسافة حيث قال : لو قصد مسافة
ثمّ مال إلى الصيد في أثنائها أتمّ في حال ميله وقصّر في عوده. وقد نقل ذلك في «المعتبر
» عن ابن بابويه وقال إنّه حسن. وقال في «الذكرى» بعد نقل ذلك كلّه عن
المعتبر : الظاهر أنّه أراد به إذا كان السفر معصية بناءً على أصله من عدم تأثير
صيد التجارة في ذلك. وتبعه ولده في كتابه الكبير ، انتهى. ويأتي في آخر المسألة ما لَه نفع.
وفي «المنتهى والتحرير والتذكرة ونهاية الإحكام والذكرى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والبيان وغاية المرام والروض والروضة والكفاية والمصابيح » أنّه لو سافر في معصية ثمّ رجع عن المعصية في أثناء
السفر اعتبرت المسافة فلو قصر الباقي أتمّ. وفي «الروضة والرياض » أنّه يعتبر كون الباقي مسافة ولو بالعود ، ولا يضمّ
باقي الذهاب إليه. وفي «الحدائق » أنّ ظاهرهم الاتفاق عليه.
هذا وفي «البيان»
أنّه إذا عاد العاصي بسفره إلى بلده متلبّساً بالمعصية أتمّ ، انتهى.
وأمّا أنّه
يعود لو عادت النيّة لو كان الباقي مسافة فقد وافقه عليه أبو العبّاس في «موجزه » والصيمري في «كشفه » وهو ظاهره في «غاية المرام ». وفي «التحرير» على إشكال ، وهل يحتسب من المسافة ما
تقدّم قطعه ممّا كان مباحاً؟ فيه إشكال ، انتهى. وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » ولو عاد إلى الطاعة عاد إلى الترخّص إن كان الباقي
مسافة ، وإن لم يكن لكن بلغ المجموع من السابق
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمتأخّر مسافة ففيه احتمالان. وقال في «المنتهى» فإن عاد قصّر. ويؤيّده
ما رواه الشيخ عن السياري عن بعض أهل العسكر قال : خرج عن أبي الحسن عليهالسلام : أنّ صاحب الصيد يقصّر ما دام على الجادّة ، فإذا عدل
عن الجادّة أتمّ ، وإذا رجع إليها قصّر . وليس المراد بالجادّة هنا جادّة الأرض لعدم الفائدة ،
لأنّ الصيد إن كان حلالاً استمرّ على القصر وإن خرج عن الجادّة وإن كان حراماً لم
يقصّر وإن كان عليها ولو حمل على ذلك فيحمل على عزم المعصية مع الخروج عن الجادّة
للقطع بأنّ الطريق ليس له مدخل في التمام والقصر ، انتهى ما في المنتهى . وظاهره كما هو ظاهر «النهاية » للشيخ و «المعتبر والروضة » وصريح «الذكرى » أنّه لا يعتبر كون الباقي المسافة. واستجوده في «المدارك
» واستحسنه في «الذخيرة » وقرّبه في «الكفاية ».
وقال في «الروض»
: ينبغي تقييد ما في الذكرى بما إذا بلغ ما مضى من سفر الطاعة وما بقي مسافة ،
أمّا لو لم يتمّ إلّا الجزء الذاهب في المعصية أشكل الفرق بينه وبين الراجع إلى
الطاعة بعد أن كان قد سافر إلى المعصية ابتداءً ، وقد وافق فيها على اشتراط كون
الباقي مسافة. وهذا هو الظاهر من التذكرة مع استشكاله الحكم فيها ، انتهى.
__________________
وسالك المخوف مع انتفاء التحرّز عاصٍ.
______________________________________________________
قلت : التحقيق أنّه يتمّ إذا لم يكن الباقي مسافةً كما هو خيرة الكتاب وإن
بلغ الماضي والباقي مسافة ، لأنّ المسافة (لأنّها خ ل) شرط قطعاً وقد قطعتم
بانقطاعها بالمعصية وبطلان السفر بها فلا جرم كان فرضه التمام ، وإلّا فلا وجه
لاعتبار الانقطاع بالمعصية وقد جعلتم مجرّد إتمام الصلاة في السفر قاطعاً إذا وقع
في أثنائه. قال في «الذكرى» : لو نوى المقام في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها
ثمّ سافر فالظاهر أنّها سفرة ثانية ، انتهى فتأمّل.
نعم تردّد
جماعة فيما لو تردّد المسافر في القصد في احتساب ما مضى من المسافة ، واستقرب في
«البيان » الاحتساب. وما استشهدوا به من الخبر عن بعض أهل العسكر
فمع ضعفه لا بدّ لهم من ترك ظاهره وتأويله بما إذا لم يرد التصيّد ابتداءً وإنّما
خرج مسافراً ثمّ بدا له التصيّد فعدل عن طريقه أو حمله على ما في المنتهى فتأمّل ،
ولعلّ ما ذكره في «الفقيه» ممّا مرَّ آنفاً أراد به معنى هذا الخبر لكنّه لم يذكره في الفقيه ،
فتدبّر.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (وسالك
المخوف مع انتفاء التحرّز عاصٍ) كما في «التذكرة » : وفي «الذكرى» إذا كان مخوفاً على النفس بحيث يغلب
معه ظنّ التلف ، ولو خاف على ماله المجحف فكذلك ، ولو كان غير مجحف فالظاهر أنّه
يترخّص لعدم وجوب حفظ مثل هذا القدر . ونحوه ما في
__________________
(المطلب الثالث) في
الأحكام :
الشرائط واحدة
في الصلاة والصوم ، وكذا الحكم مطلقاً على رأي.
______________________________________________________
«البيان والهلالية» إلّا أنّ فيهما : أنّه إذا كان يتوقّع في
سفره من المال أعظم ممّا يتلف منه من المال المجحف أو يكون التالف ممّا لا يضرّ به
قصّر ، ولو فجأه الخوف في الأثناء تحرّى الأصلح من العود والمضي ، فإن تساويا
تخيّر وقصّر ، انتهى.
(المطلب الثالث في الأحكام)
[في اتحاد الصلاة والصوم في الحكم والشرط]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (الشرائط
واحدة في الصلاة والصوم ، وكذا الحكم مطلقاً على رأي) أمّا أنّ الشرائط واحدة فقد حكى عليه الإجماع في «التذكرة
ونهاية الإحكام ». وفي «مجمع البرهان» أنّه من المعلومات . وفي صوم «الرياض» أنّه لا خلاف فيه إلّا ما اشير إليه
في كتاب الصلاة . وبه صرّح في «جُمل العلم والعمل والمبسوط » وغيرهما . وزاد جماعة في الصوم تبييت النيّة.
وأمّا وحدة
الحكم ومعناه أنّ كلّ موضع يجب فيه قصر الصلاة حتماً يجب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فيه الفطر في الصوم كذلك وبالعكس ، وكلّ موضع يتخيّر في الصلاة يتخيّر فيه
في الصوم ففي «المنتهى والتذكرة » أنّه مذهب الأكثر. وقال في موضع من «الخلاف» : إذا ثبت
أنّ الإتمام لا يجوز في الصلاة ثبت في الصوم ، لأنّ أحداً لا يفرّق بينهما . وقال في موضع آخر منه : كلّ من قال إنّ الفطر واجب قال
في الصلاة مثله ، فالفارق مخالف للإجماع . ولا خلاف كما في «الانتصار والغنية » بين الامّة كما في الأوّل أنّ كلّ سفر أسقط فرض الصيام
فإنّه موجب لقصر الصلاة.
وفي «السرائر»
لا خلاف عند الشيخ وعند جميع أصحابنا أنّ مَن وجب عليه إتمام الصوم ولزمه يجب عليه
إتمام الصلاة ويلزمه ، وكذلك من وجب عليه إتمام الصلاة ولزمه يجب عليه إتمام الصوم
ويلزمه طرداً وعكساً ، إلّا في مسألة واحدة استثناها أصحابنا وهو طالب الصيد
للتجارة . وقد سمعت إجماعه الآخر في المسألة المذكورة آنفاً . وقد سمعت ما في «المختلف» من أنّه يصدق كلّما وجب
القصر في الصلاة للسفر المقتضي له وجب القصر في الصوم ، وأن هذه إجماعية ، وما
قاله أيضاً من أنّه كلّما وجب القصر في الصلاة مع السفر المقتضي له في غير المواضع
الأربعة وجب القصر في الصوم .
وفي «المقنع»
كلّ مَن وجب عليه التقصير وجب عليه الإفطار وكلّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مَن وجب عليه التمام وجب عليه الصوم . ونحوه ما في «الخلاف والسرائر » في مواضع اخر و «الشرائع والإيضاح والذكرى وجامع
المقاصد والمسالك» وغيرها ، ففي «الشرائع والإيضاح » كلّ سفر يجب فيه قصر الصلاة يجب فيه قصر الصوم
وبالعكس. قال في «الشرائع» إلّا الصيد للتجارة على رأي.
وفي «الذكرى والمسالك » أنّه يستثنى من ذلك السفر في المواضع الأربعة. قال في «الذكرى»
: لم أقف على نصٍّ ولا فتوى في ذلك في الصوم ، والأصل بقاؤه. قلت : والأمر كما قال
إذ لم أجد قبله من نصٍّ على ذلك لكن في خبر عثمان : أنّه سأل أبا الحسن عليهالسلام عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين ، فقال : أتمّهما
ولو صلاة واحدة ، فليتدبّر وقال في «المسالك» : إنّ قصر الصوم في ذلك
متعيّن. وفي «المدارك» القطع به .
قلت : وينبغي
أن يستثنى أيضاً ما إذا خرج بعد الزوال فإنّه يجب عليه قصر الصلاة وإتمام الصوم
على المشهور.
وقال المحقّق
الثاني بعد أن ذكر ما ذكرناه عن الشرائع : وكلّ موضع يتخيّر فيه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في الصلاة فكذا في الصوم . وفي «اللمعة والروضة » كلّما قصرت الصلاة قصر الصوم ، وفرق بعض الأصحاب
بينهما في بعض الموارد ضعيف.
وقد نصّ على
وحدة الحكم في «نهاية الإحكام والتذكرة والتحرير والمختلف » وهو ظاهر «جُمل العلم والعمل والإرشاد والنافع ». وكلّ من قال : إنّ الشرائط واحدة ، بل قد يظهر ذلك من كلّ من لم
يتعرّض للشرائط والحكم في كتاب الصوم بل أطلق حكم المسافر وقد سمعت كلامهم في
الصائد للتجارة وهو صريح في الاتحاد. وفي «المنتهى والدرّة» في مسألة مَن قصد أربعة ولم يرد الرجوع ليومه
أنّ الأكثر على التخيير في الصلاة والصوم ، ونقله في «تخليص التلخيص» في المسألة
المذكورة عن المفيد. وفي «الرياض» أنّه ظاهر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأكثر ما عدا النهاية . قلت : وما عدا الوسيلة .
وينبغي التنبيه
على شيء وهو : أنّ من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه فلا ريب أنّه يتخيّر
بين الإتمام والقصر ، لكنّه إذا اختار الإتمام في الصلاة هل له أن يفطر وبالعكس أم
لا بل الصوم يتبع الصلاة فإن قصّرت أفطر وإن اتمّت صام؟ لم أجد فيه تصريحاً لكن
الظاهر التبعية ، لأنّ التخيير في الصلاة إنّما جاء من ضرورة الجمع بين الأخبار
ولم يرد في الصوم وإنّما جاء من مقدّمة وهو قولهم عليهمالسلام «إذا قصّرت أفطرت » فليلحظ ذلك.
وقال في «المبسوط»
: يجب الإتمام في الصلاة والصوم على عشرة من المسافرين ، أحدهم مَن نقص سفره عن
ثمانية فراسخ . ومثله قال في «الجُمل والعقود» قال فيه : ومَن يلزمه
الصوم في السفر عشرة مَن نقص سفره عن ثمانية فراسخ . قال في «السرائر» بعد نقل هاتين العبارتين : هذا منه
رجوع عمّا ذهب إليه في نهايته بلا خلاف . وقد عرفت أنّ في «النهاية والمبسوط والوسيلة» أنّ المكاري
وأصحابه إذا قاموا في بلدهم خمسة أيّام قصّروا بالنهار وتمّموا الصلاة بالليل ،
ونقل ذلك عن القاضي ، وقد عرفت أنّ الأصحاب أطبقوا على خلافهم وأنّ في «السرائر» أنّه
لا يجوز العمل بذلك بلا خلاف وأنّ الإجماع على خلافهم ، وقد عرفت الحال في طالب الصيد للتجارة فإنّه لم يتقادم عهده.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فكان الاتحاد
في الحكم مطلقاً هو الأقوى إلّا في طالب الصيد للتجارة والأماكن الأربعة والخارج
بعد الزوال ، للإجماعات وقول الصادق عليهالسلام في صحيح ابن وهب : «إذا قصّرت أفطرت .. الحديث» مع
اعتضاد ذلك بالشهرة المعلومة والمنقولة.
وأقصى ما يقال
فيمن قصد الأربعة ولم يرد الرجوع ليومه أنّ الّذي بعث على القول بالتخيير له إنّما
هو ضرورة الجمع بين الأخبار المختلفة وهي إنّما نطقت بالقصر والإتمام كفتوى
الأصحاب وذلك ظاهر في قصر الصلاة وإتمامها ، فيبقى وجوب الصوم على حاله ، مضافاً
إلى أنّ التخيير في الصوم بينه وبين عدمه يرجع بالآخرة إلى إباحته ، إذ يكون تركه
لا إلى بدل ، ولا كذلك الصلاة فإنّ الركعتين بدل عن الأربع ، على أنّه يلزم منه أن
تكون الإرادة شرطاً شرعياً ، والظاهر أنّ الشروط الشرعية من غير إرادة المكلّفين.
ويجاب بأنّه قد
اطلق في كثير من الأخبار لفظ «القصر والإتمام في الصوم» كما في خبر ابن جزك قال : «أيجب
عليَّ التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام» ، وفي خبر عثمان عن إتمام الصلاة والصيام في الحرمين ، وغيرهما ، وفي خبر محمّد عن أحدهما عليهماالسلام : «إذا شيّع الرجل أخاه فليقصّر. قلت : أيّهما أفضل
يصوم أو يشيّعه ويفطر؟» فتراه كيف فهم من قوله عليهالسلام «فليقصّر» أنّه يفطر؟ كيف لا وأخبار باب حدّ المسير الّذي يقصّر فيه على
كثرتها ليس فيها تعرّض لذكر الصوم والفطر أصلاً وإنّما تعرّض فيها لقصر الصلاة
وإتمامها إلّا في خبرين أحدهما غير صحيح والآخر مرسل لا يصلحان أن يكونا
مستنداً ، وكذلك أخبار الملك والمنزل ليس فيها تعرّض لإتمام الصوم إلّا في خبرين أحدهما
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ضعيف والآخر موثّق ، وكذلك باب متى يشرع المسافر في التقصير فإنّه ليس فيها تعرّض لذكر
الصوم أصلاً ، ففهم الأصحاب الاتحاد في الحكم من هذه الأخبار إمّا مبنيّ على
التلازم أو على أنّ القصر والإتمام يصدق عليهما حقيقة. وأمّا عبارات الفقهاء فقد
طفحت بذلك.
وأمّا استبعاد
وقوع التخيير في الصوم فله جوابان بالنقض والحلّ.
أمّا
الأوّل فقد أجمع الأصحاب
ونطقت الأخبار بأنّ المسافر إذا علم أنّه يقدم إلى أهله قبل الزوال
فهو مخيّر بين الصوم والإفطار ، وأنّ قاضي شهر رمضان مخيّر قبل الزوال ، وذهب جماعة إلى أنّ الصحيح الّذي يخشى المرض بالصيام يباح له
الفطر. وتردّد آخرون إلى غير ذلك ممّا يظهر على المتتبّع كما في تخيير مَن
خرج بعد الزوال إذا كان بيّت النيّة بين الصوم والفطر عند الشيخ في «كتابي الأخبار
» وقال الشهيد بعد أن حكم بأنّ القادم قبل الزوال يتخيّر ما نصّه : كما
يتخيّر المسافر بين المقام وعدمه فيتبعه الصوم وعدمه. قلت : وكما تتخيّر
__________________
وإذا نوى المسافر الإقامة في بلدٍ عشرة أيّام أتمّ ، فإن رجع عن نيّته قصّر
ما لم يصلّ تماماً ولو فريضة ،
______________________________________________________
الحائض في الاستظهار بترك العبادة وفعلها فتجب وتحرم ، وكما يتخيّر المسافر
في تقدير المسافة بمسير اليوم أو الثمانية فراسخ مع ما بينهما من الاختلاف الشديد
على الظاهر ، وكما يتخيّر المسافر بين اعتبار تواري الجدران أو خفاء الأذان كما هو
مذهب جمٌّ غفير ، وكما يتخيّر المقلّد بين تقليد أحد المجتهدين في وجوب
شيء وعدمه ، وكما يتخيّر المجتهد في العمل ومقلّده إذا تعارض عليه الدليلان وإن
توقّف في الحكم.
وأمّا
الثاني وهو الحلّ
فنقول : إنّه مخيّر بين الصوم وقضائه ، نعم لو لم يكن له قضاء اتجه ما قالوا.
وممّا ذكر يعلم أنّ إرادة المكلّف تكون شرطاً عند قيام الدليل وذلك في مواضع
التخيير جميعها ، فتدبّر والله هو العالم.
[لو رجع ناوي الإقامة عن نيّته]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (إذا
نوى المسافر الإقامة في بلدٍ عشرة أيّام أتمّ ، فإن رجع عن نيّته قصّر ما لم يصلّ
تماماً ولو فريضة واحدة) الحكم الأوّل تقدّم الكلام فيه وفي أحكام العشرة.
وأمّا أنّه إذا
رجع قصّر ما لم يصلّ تماماً ولو فريضة واحدة فقد نصّ عليه في «النهاية والوسيلة والسرائر » واختاره جمهور المتأخّرين . وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«المدارك والمصابيح » الإجماع عليه. وفي «الذخيرة والرياض والحدائق » أنّه لا خلاف فيه.
قلت : أمّا
الحكم بعدم رجوعه إلى التقصير إذا صلّى مقصورة بنيّة الإقامة تماماً فما اختلف فيه
اثنان ، وخبر الجعفري مرفوض أو مؤوّل والتمام لا يتحقّق إلّا بالسلام المخرج
عن الصلاة والفراغ منه ، ولا يكفي ما ذهب إليه الشيخ وكذا المصنّف فيما يأتي.
وأمّا رجوعه
إلى التقصير ما لم يصلّ كذلك فهو الّذي صرّح به أكثر المتقدّمين والمتأخّرين
والإجماعات السابقة منطبقة عليه. وفي «البحار» نسبته تارةً إلى ظاهر الأصحاب واخرى
إلى المشهور . وفي «الرياض» إلى أنّه الأشهر . وفي «الحدائق» أنّه المعروف من مذهب الأصحاب لا نعلم
فيه خلافاً .
قلت : ظاهر
إطلاق «المبسوط» الخلاف حيث قال : لو دخل في سفره بلداً ونوى الإقامة عشرة إن لقي
فلاناً فلقيه أتمّ ثمّ بدا له في المقام عشراً وقال اخرج من وقتي أو قبل عشرة لم
يكن له التقصير ، لأنّه صار مقيماً بالنيّة ولا يصير مسافراً بمجرّد النيّة حتّى
يسافر .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «الروض»
: لو كان الرجوع عن الإقامة قبل الصلاة تماماً فإنّه يرجع إلى القصر وإن لم يخرج
ولا يفتقر إلى كون الباقي مسافة على الأقوى ، ويحتمل اشتراط المسافة بعد ذلك ،
لإطلاق النصّ والفتوى بأنّ نيّة الإقامة تقطع السفر ، فبطل حكم ما سبق كما لو وصل
إلى وطنه ، وبما اخترنا أفتى الشهيد في البيان ، انتهى. يعني بما جعله أقوى فإنّ الشهيد في «البيان » وغيره قد صرّحوا بذلك.
وفي «مجمع
البرهان » ما أجد فيه وجهاً للتردّد أصلاً ولم يبق إطلاق بعد
البيان في خبر أبي ولّاد .
وفي «الذخيرة»
يمكن المنازعة في دلالة الرواية على عدم اشتراط المسافة بأنّ الراوي كوفي ،
والظاهر من حاله أنّه يريد السفر إلى الكوفة فلا ينهض حجّة في صورة عدم كون الباقي
مسافة . ونحوه قال في «الروض ».
قلت : اشتراط
المسافة لا وجه له مع ندرته ، إذ فيه تقييد للنصّ من غير دليل ، وإطلاق النصّ
والفتوى بأنّ نيّة الإقامة تقطع السفر مسلّم مع بقائها واستصحابها وهو مورد النصّ
والفتوى ، وأمّا مع العدول فالدعوى لم تصادف محزّها ولا تحمل الأحكام على مثل خيال
أنّ السائل كوفي ، إذ لا دليل إلّا وهو قابل لمثل هذه الاحتمالات البعيدة.
وينقدح هنا
إشكال وهو : أنّه إذا عزم على إقامة العشرة في غير بلده ولم يصلّ تماماً ثمّ خرج
إلى ما دون المسافة عازماً على العود والإقامة فهل ينقطع سفره ويفتقر في القصر إلى
مسافة أم لا؟ وجهان : من إطلاق قوله عليهالسلام في صحيح زرارة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
من قَدم قبل التروية فهو بمنزلة أهل مكّة » فإنّه يشمل هذا الفرض ، مضافاً إلى الإتمام لا يكون
متوقفاً على حصول الفريضة بتمام وإلّا جاء الدور. نعم لو رجع عن عزم الإقامة ولم
يصلّ فريضة بتمام يرجع إلى حالته الاولى ، ومن أنّا لا نعلم تحقّق القاطع فبعد
خروجه لا يكون مفتقراً إلى قصد مسافة بشرائط القصر بل سفر الأوّل باقٍ لم ينقطع ،
فليتأمّل.
وهل يشترط كون
التمام بنيّة للإقامة أم يكفي مطلق التمام ولو سهواً؟ وجهان كما في «الروض » والأقرب الأوّل كما في «الذخيرة والحدائق ». وفي «المسالك والرياض » أنّ المحقّق احترز بقوله «بنيّة التمام» عمّا لو صلّى
ناسياً أو لشرف البقعة فإنّه لا يؤثّر. وبه حكم في «مجمع البرهان ». وفي «فوائد الشرائع» فيه وجهان كما سمعت عن «الروض». وفي «الغرية» أنّ الاولى تأثيره.
وفي «الذكرى» إذا صلّى لشرف البقعة ذاهلاً ففيه وجهان . وفي «مجمع البرهان» إذا صلّى ذاهلاً عن السبب تماماً
بعد النيّة فلا ينبغي التردّد في بقاء حكم التمام .
ولو سبقت نيّة
الإقامة في بلد عشرة أيّام على الوصول إليه ففي انقطاع سفره بما ينقطع بالوصول إلى
بلده وجهان كما في «التذكرة
__________________
ولو رجع في الأثناء ، فإن تجاوز فرض التقصير فكالناوي ، وإلّا فكالراجع ،
______________________________________________________
والمقاصد » والأظهر البقاء على القصر كما في «الروض » وغيره وقد تقدّم .
وأما الخروج عن
موضع الإقامة فإنّه معتبر فيه الوصول إلى محل الترخّص وقد تقدّم أيضاً الكلام فيه.
وأمّا النوافل
الغير المشروعة في السفر ففي «الذكرى والذخيرة ومجمع البرهان والمدارك » أنّها لا تؤثّر. وفي «نهاية الإحكام» أنّها ملحقة
بالفريضة . وفي «الهلالية والروض » الميل إليه أو القول به.
[لو رجع ناوي الإقامة عن نيّته في أثناء الصلاة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
رجع في الأثناء فإن تجاوز فرض التقصير فكالناوي وإلّا فكالراجع) كما في «التذكرة ونهاية الإحكام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتحرير والمختلف والدروس والبيان والتنقيح والموجز وكشف الالتباس والجعفرية وجامع المقاصد وفوائد الشرائع » وغيرها لكن في أكثرها إلّا ما قلّ أنّه يكتفي بذلك إذا كان
الرجوع بعد ركوع الثالثة وأمّا قبله فلا. ونفى عنه البعد في «مجمع البرهان » ، وفي «جامع المقاصد» يحتمل قوياً بالقيام إلى الثالثة
، وكأنّه قال به أو مال إليه في «الروض» وقال : إنّه موافق لظاهر كثير من
العبارات ، وفي بعضها اشتراط الركوع في الثالثة ، فما في «الذخيرة» من أنّهم اختلفوا بعد القيام إلى
الثالثة قبل الركوع فلم أجده مصرّحاً به. وظاهر «المنتهى » أو صريحه كصريح «المدارك والمصابيح والحدائق » أنّه لا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يكفي ولو كان بعد ركوع الثانية ويرجع إلى التقصير. وظاهر إطلاق «المبسوط»
الإتمام قال : لو نوى المقام عشراً ودخل في الصلاة ثمّ عنّ له الخروج لم يجز له
القصر إلى أن يخرج . وهو صريح المنقول عن أبي عليّ . وأصرح منه المنقول عن القاضي ، لأنّه قال : لو بدا له
في المقام وقد صلّى منها ركعة أو ركعتين وجب التمام ، وتردّد المحقّق في «الشرائع ».
قلت : حجّة
القائل بالإتمام فيما إذا تجاوز محلّ التقصير كأن دخل في الثالثة أو الرابعة أنّه
منهيّ عن إبطال العمل فيجب عليه الإتمام ، فإذا أتمّ دخل في مضمون الرواية .
وفيه : أنّ
العمل حين البداء يبطل من نفسه لا أنّه يبطله ، لأنّه إذا بدا له حينئذٍ صدق عليه
أنّه لم يصلّ بتمام ، فإذا زاد الصلاة عمّا كلّف به تصير باطلة إلّا أن يكون
مرادهم المنع عن البداء وفيه منع ظاهر ، مع أنّ الكلام على فرض ذلك ، فإن لم يدخل
في ركوع الثالثة يمكن أن يقال : إنّه يهدم القيام ويسلم مع الإشكال في صحّتها ،
لأنّ الزيادة أفعال واجبة صدرت عمداً لا سهواً ولا تشملها أدلّة عدم الضرر سهواً ،
وبعد تسليم ما ذكروه لا نسلّم كونه من الأفراد المتبادرة من الرواية ، فتأمّل
جيّداً.
وفي «الذكرى»
أنّ في القول بالتفصيل هنا والقول بأنّ الشروع في الصوم يلزم
__________________
ولو لم يصلّ حتّى خرج الوقت لعذرٍ مسقط صحّ رجوعه ، وإلّا فلا ، وفي الناسي
إشكال ،
______________________________________________________
بالإتمام نظراً لأنّه في كليهما لم يأت بمسمّى الصيام والصلاة من حيث إنّ
الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلاً ورأساً بخلاف الصلاة ، فإنّ الركعتين منعقدتان
سفراً وحضراً ، فلم تقع المخالفة إلّا في الركعتين الأخيرتين ، فإذا لم يأت بهما
فهو باقٍ على القدر المشترك بين السفر والحضر ، وأمّا الصوم فقد فعل منه ما لا
يتصوّر فعله في السفر فلا يجوز إبطاله بعد انعقاده ، انتهى. قلت : يأتي تمام الكلام في ذلك قريباً.
[فيما لم يصلّ ناوي الإقامة حتّى خرج الوقت]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
لم يصلّ حتّى خرج الوقت لعذرٍ مسقط صحّ رجوعه وإلّا فلا ، وفي الناسي إشكال) أمّا صحّة رجوعه للعذر المسقط فقد حكموا بها قولاً
واحداً كما في «الذخيرة » ولا إشكال فيه كما في «الروض ». وفي «كشف الالتباس» نسبته إلى الأصحاب .
ولا بدّ أن
يكون العذر مستوعباً للوقت ، فلو مضى منه مقدار الطهارة والأداء ولم يصلّ فكالناسي
كما هو الظاهر فإطلاقهم مقيّد ، فتأمّل.
وأمّا لو لم
يصلّ عمداً ففي «الموجز الحاوي والهلالية والمقاصد العلية » أنّه يتمّ وهو ظاهر إطلاق «التذكرة » وستسمع كلام جماعة في الناسي ، فيكون العامد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أولى كما في «الإيضاح ». وفي «المنتهى والغرية ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة والمصابيح » أنّه يرجع إلى التقصير ، وهو ظاهر «الروض ». وفي «نهاية الإحكام والذكرى والتنقيح والجعفرية والمسالك » فيه وجهان. وفي «التحرير» في المهمل إشكال أقربه
الاعتبار بخروج الوقت .
وأمّا الناسي
ففي «الذكرى والدروس والبيان والتنقيح والجعفرية والمسالك » وكذا «نهاية الإحكام » أنّ فيه وجهين. وفي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الإيضاح ومجمع البرهان والمدارك والذخيرة والمصابيح » وظاهر «الروض » أنّه يرجع إلى التقصير. وفي «التذكرة والموجز الحاوي والهلالية وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمقاصد العلية » أنّه يتمّ لاستقرار الفائت في الذمّة. قال في «جامع
المقاصد» : الأصحّ ذلك نظراً إلى ما تقتضيه اصول المذهب وإن خالف ظاهر الرواية
فإنّ العمل بذلك أولى . قلت : ظاهر الرواية أنّه تعلّق بفعلها تماماً ولعلّ
مراد المصنّف في «التذكرة» وغيره أنّ الصلاة فاتته حال خطابه بالتمام فذمّته
مشغولة به ، فإن صلّاها خارج الوقت بتمام قضاءً ثمّ بدا له يجب عليه الإتمام حتّى
يخرج وإن لم يصلّها بعدُ ثمّ بدا له يرجع إلى التقصير حتّى في هذه الفريضة الّتي
صارت قضاءً أو في غير هذه المقضية ، لأنّ ذمّته شغلت بها تماماً فيستصحب إلى أن
يثبت الخلاف ولم يثبت الخلاف إلّا في غيرها ، لكنّه بعيد جدّاً ، فتأمّل جيّداً.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال في «الإيضاح»
: قيد بالناسي ، لأنّ الجاهل بدخول الوقت إذا استمرّت عليه الغفلة ولم يعلم وجوب
الصلاة وخرج الوقت لم يجب عليه الإتمام قطعاً ، لاستحالة تكليف الغافل ووجوب
القضاء لوجود سبب الوجوب غير مؤثّر بالفعل. ويظهر من الناسي حكم العامد ، إذ وجوب
الإتمام في الناسي يقتضي أولوية وجوبه في العامد ، انتهى.
فرعان
الأوّل
: لو نوى
الإقامة ولم يصلّ تماماً ولم يبدُ له عن الإقامة فإنّه لا يجوز له القصر والإفطار
لعدم قصده البداء والرجوع عن الإقامة ، فلو قصّر حينئذٍ كان عليه القضاء في الوقت
وخارجه عمداً كان أو جهلاً أو نسياناً كما نصّ على ذلك في «المصابيح ».
الثاني
: قال في «الذكرى
والروض » : إنّه لو نوى الإقامة ثمّ صلّى بنيّة القصر ثمّ أتمّ
أربعاً ناسياً ثمّ تذكّر بعد الصلاة ونوى الخروج فإن كان في الوقت فكمن لم يصلّ
لوجوب إعادتها وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء وعدمه. وفي «مجمع البرهان» أنّ
الظاهر صحّة هذه الصلاة وعدم الإعادة مطلقاً وعدم ضرر تلك النيّة ، لعدم وقوع
الفعل كلّه على ذلك الوجه مع حصول قصدٍ ما للإتمام فليس بأنقص من صوَر العدول وجعل
العصر مكان الظهر ، والقياس على المقصّر لو صلّى تماماً ليس بسديد ، انتهى فتأمّل جيّداً.
__________________
والأقرب أنّ
الشروع في الصوم كالإتمام.
______________________________________________________
[هل حكم الصوم لناوي الإقامة كالصلاة؟]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والأقرب
أنّ الشروع في الصوم كالإتمام) كما في «التذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والموجز الحاوي وغاية المرام وإرشاد الجعفرية والمقاصد والمسالك » وفي الأخير : خصوصاً بعد الزوال. ونسبه في «غاية
المرام وكشف الالتباس » إلى فخر الإسلام. وفي «الإيضاح والذكرى والدروس والبيان والتنقيح وكشف الالتباس والجعفرية »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فيه وجهان. وفي «جامع المقاصد وفوائد الشرائع » ينبغي تخصيصه بما إذا زالت الشمس للزومه حينئذٍ وقبله
يكون كالقيام في الثالثة ، وقوّاه في «الذكرى » قال : قويّ. وكذا في «التنقيح والهلالية والمقاصد والغرية والروض» وستسمع كلام الروض. وفي «مجمع البرهان والمدارك والكفاية والذخيرة والحدائق والرياض » أنّه لا يثبت الحكم فيه لا بعد الزوال ولا قبله.
وكذا يظهر من «المدارك
». وقوّى في «الروض» إلحاق الصوم المندوب بالواجب إن منعناه في السفر. واحتجّ
فيه على ما اختاره من إلحاق الصوم الواجب بما إذا زالت الشمس قبل الرجوع عن تلك
النيّة بأنّه لو فرض أنّ هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إمّا أن يجب عليه
الإفطار أو إتمام الصوم ، لا سبيل إلى الأوّل ، للأخبار الصحيحة المتضمّنة لوجوب
المضيّ في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد ، فتعيّن الثاني ، وحينئذٍ
فلا يخلو إمّا أن يحكم بانقطاع نيّة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج
أو لا ، لا سبيل إلى الأوّل ، لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفراً بغير نيّة
الإقامة وهو غير جائز إجماعاً إلّا ما استثنى من الصوم المنذور على وجه ، وليس هذا
منه ، فيثبت الآخر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو عدم انقطاع نيّة الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال ، سواء سافر بالفعل
أم لم يسافر ، إذ لا مدخل للسفر في صحّة الصوم وتحقّق الإقامة بل حقّه أن يتحقّق
عدمها وقد عرفت عدم تأثيره فيها ، فإذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى
المسافة وهو المطلوب. ثمّ قال : يلزم من هذا الدليل انقطاع السفر بمجرّد الشروع في
الصوم وإن لم تزل الشمس. ثمّ أجاب بأنّ هذا الأثر لمّا كان قابلاً للبطلان
والإزالة من أصله بعروض السفر قبل الزوال الموجب لبطلان الصوم كان تأثير الجزء
السابق على الزوال مراعى باستمراره إلى أن تزول ، فإذا رجع عن نيّة الإقامة قبله
بطل ذلك الأثر وعاد إلى حكم السفر. ثمّ إنّه استدرك أن لا ملازمة بين بطلان الصوم
بنفس السفر وبطلانه بالرجوع عن نيّة الإقامة ، مضافاً إلى النهي عن إبطال العمل ،
ثمّ استوجه الاكتفاء في البقاء على التمام بالشروع في الصوم مطلقاً ، وقال : إنّه
ينساق الدليل إلى انقطاع السفر أيضاً بفوات وقت الصلاة المقصورة على وجه يستلزم
وجوب قضائها ، ثمّ استشعر بأنّ ذلك لو كان كافياً في عدم بطلان الإقامة لزم عدم
بطلانها بمجرّد النيّة ، لأنّه بمجرّد النيّة صار حكمه التمام ، ولو كان ذلك في
وقت فريضة مقصورة كان الواجب عليه في تلك الحال فعلها تماماً ثمّ فرق بما فرق ثمّ
قال : يمكن أن يكون الفارق بينهما الإجماع ، ثم قال : اللازم من ذلك فيما إذا رجع
عن نيّة الإقامة في أثناء الصلاة الاكتفاء بمجرّد الشروع في الثالثة من دون اشتراط
الركوع وهو موافق لظاهر كثير من عبارات الأصحاب ، انتهى ملخّصاً.
ونحن نقول :
إنّ الاكتفاء بالصوم مطلقاً أو بعد الزوال مذهبان للعامّة ولا نسلّم شمول ما دلّ على وجوب إتمام الصوم لما نحن
فيه ، لأنّ صحيح الحلبي صريح في الخارج من بيته وصحيح محمّد مخصوص بمن سافر ، وما نحن فيه ليس كذلك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لأنّه مسافر لغةً وعرفاً وشرعاً لاستجماعه شرائط القصر ، وقصد الإقامة
الّذي يجعله بمنزلة الحاضر هو الّذي لم يتحقّق معه رجوع أصلاً أو بعد أن يصلّي
فريضة بتمام ، وعلى تقدير تسليم صدق الأخبار عليه ووجوب الصوم عليه لا نسلّم بقاء
حكم الإقامة مطلقاً لجواز وجوب الحكم في إتمام هذا الصوم فقط لوقوعه في محلّ
الإقامة مع بقائها إلى الزوال ويكفي ذلك للصحّة ولا يحتاج إلى بقاء حكم الإقامة في
باقي النهار ، ولهذا لو سافر من منزله بعد الزوال لم يبق له حكم المنزل في باقي
الزمان مع وجوب الصوم ، على أنّ فرض السفر ثمّ قياسه عليه عدمه لا داعي له إذ
يكفيه أن يقول : يجب عليه إتمام الصوم لوجوب إتمامه إذا صام صحيحاً مطلقاً إلّا ما
استثنى.
ويمكن أن يقال : إذا وجب الصوم في هذا اليوم وجب الإتمام في الباقي.
وفيه : إنّا نمنع وجوب إتمام الصوم لعدم تمامية دليله ، سلّمنا لكنّا نمنع كلّية
الأصل وسند المنع قصر الصلاة مع وجوب إتمام الصوم للخارج بعد الزوال ، سلّمنا
العموم لكنّه مخصوص بالخبر الدالّ على وجوب القصر على مَن يرجع عن النيّة قبل
الصلاة تماماً ، وأنت بعد التأمّل تجد عدم جريان هذا الدليل فيما إذا حصل الرجوع
قبل الزوال ، إذ لا يمكن أن يقال : لا شكّ في صحّة هذا الصوم لو سافر حينئذٍ وهو
كان جزء الدليل ومجرّد الصحّة الآن لا تنفع ، لأنّ صحّة أمر في وقت مع ورود مبطل
عليه لا يستلزم بقاء حكم ما هو كان في زمان صحّته حين البطلان وأنه لو تمّ لزم
وجود حكم الإقامة على مَن شرع في الصوم الصحيح مطلقاً ، فإن قيل هناك : السفر مبطل
قلنا هنا : الرجوع قبل الصلاة مبطل. وممّا ذكر يعلم حال ما ذكره بعد ذلك.
فرع
لو نوى الإقامة
وصام ولم يصلّ عمداً لفقد طهور أو عصياناً أو صلّى قصراً
__________________
ولو أحرم بنيّة القصر ثمّ عنَّ له المقام أتمّ ،
______________________________________________________
نسياناً أو جهلاً لعدم المبالاة لا من جهة البداء كان صومه صحيحاً وإن صام
جميع العشرة أو الشهر ، فإذا بدا له في أثناء العشرة فعلى المختار صحّة صومه الّذي
وقع قبل البداء لأنّه كان مأموراً والأمر مع عدم القبول والصحّة محال إلّا أن تقول
: إنّه بعد ما بدا له قبل أن يصلّي فريضة بتمام بطل جميع ما كان صحيحاً بمعنى أنّ
هذا البداء صار كاشفاً عن بطلانه من أوّل الأمر ، وفيه نظر ، مضافاً إلى أنّه نادر
فكيف يتبادر من خبر أبي ولّاد ، فتأمّل جيّداً.
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
أحرم بنيّة القصر ثمّ عنّ له المقام أتمّ) إجماعاً كما في «التذكرة وإرشاد الجعفرية » وظاهر «الذخيرة » وبه صرّح في «الخلاف والمبسوط والسرائر » وغيرها . وفي «البيان» أنّه يتمّ ولو كان قبل التسليم أو في
أثنائه إن لم يكن خارجاً ، انتهى.
ولو رجع ناوي
الإقامة عن النيّة بعد هذه الصلاة ففي بقائه على التمام أو عوده إلى القصر وجهان
كما في «الذخيرة ». وفي «المدارك» أنّ المسألة محلّ تردّد وأنّ البقاء
على التمام لا يخلو من قوّة . قلت : قد قرّب ذلك في
__________________
ولو لم ينو المقام عشرة قصّر إلى ثلاثين يوماً ثمّ يتمّ ولو صلاة واحدة.
______________________________________________________
«الذكرى والروض » وهو ظاهر «البحار والحدائق ».
[في من لم ينو المقام عشراً]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
لم ينو المقام عشراً قصّر إلى ثلاثين يوماً ثمّ يتمّ ولو صلاة واحدة) نسبه في «المختلف» إلى الصدوق والسيّد والشيخين والحسن
بن عيسى وسلّار والتقي وابن حمزة وابن إدريس . قلت : وعليه سائر المتأخّرين . وعليه الإجماع في «الخلاف والمدارك » وظاهر «المنتهى والذخيرة والرياض » لكن الأكثر عبّروا بالشهر كما في «المقنع وجُمل العلم والمبسوط والخلاف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمراسم والوسيلة والسرائر والمنتهى والبيان » وغيرها . وفي «النهاية » وأكثر كتب المتأخّرين التعبير بثلاثين يوماً. واعتبر في «التذكرة» الثلاثين
ولم يعتبر الشهر الهلالي ، قال : لأنّ لفظ الشهر كالمجمل ولفظ الثلاثين كالمبيّن . ونفى عنه البأس في «المدارك ». وفي «الموجز الحاوي والروض والذخيرة » أنّه من حمل المطلق على المقيّد.
وتظهر الفائدة
بين العبارتين فيما إذا حصل التردّد في أوّله ونقص الشهر. والحاصل : أنّه لا خلاف
في أنّ العبرة في الشهر بالثلاثين مع حصول التردّد في غير أوّله ، وإنّما الخلاف
في اعتباره مع حصول التردّد في أوّل يوم منه ، والأظهر أنّ الاعتبار فيه أيضاً بالثلاثين
، لأنّ الشهر في الصحيحة مطلق أو مجمل فيجب حمله على الثلاثين في الحسنة ، والتقاوم حاصل لأنّها قد عمل بها الكلّ في خصوص
الثلاثين ، سلّمنا عدم التقاوم وأنّ العمل ليس مستنداً إليها لكنّ المطلق
__________________
ولو عزم العشرة
في غير بلده ثمّ خرج إلى ما دون المسافة عازماً على العود والإقامة أتمّ ذاهباً
وعائداً وفي البلد ، وإلّا قصّر.
______________________________________________________
يجب حمله على الشائع ، وهذه الصورة نادرة الوقوع بل ربّما كان المتبادر هنا
من جهة ندرة هذه الصورة من لفظ الشهر الثلاثين وإن قلنا : إنّ المتبادر من المطلق
هو القدر المشترك على أنّه على هذا الفرض يلزم تجويز البناء على كلّ واحد منهما في
جميع الصور فتأمّل. وتخصيص الشهر بالهلالي فيما إذا وقع التردّد في أوّله وتخصيص
العدد بما إذا وقع في غير أوّله كما في «مجمع البرهان » فيه ما لا يخفى. وقد تقدّم في المستوطن ستّة أشهر ما له نفع في المقام.
[حكم الناوي عشراً إذا خرج إلى ما دون المسافة]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
عزم العشرة في غير بلده ثمّ خرج إلى ما دون المسافة عازماً على العود والإقامة
أتمّ ذاهباً وعائداً وفي البلد ، وإلّا قصّر) أمّا المسألة الاولى فقد نصّ عليها الشيخ في «المبسوط » ومَن تأخّر عنه ممّن تعرّض له كما ستسمع. وقد حكى على
الإتمام في الحالات الثلاثة الإجماع في «الروض والمقاصد العلية » وعليه عامّة الأصحاب كما في «الغرية». وفي «كشف
الالتباس» أنّه لا شكّ ولا خلاف فيه . وفي «مجمع البرهان» أنّ دليله واضح لا إشكال فيه . ولا فرق بين أن ينوي العشرة الثانية في بلد الإقامة
وغيرها ممّا هو دون المسافة ولا بين تعليق إقامتها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على وصوله إلى محلّ يريد الإقامة فيه أو بعد تردّده إليه أو إلى غيره مرّةً
أو مراراً ، لاشتراك الجميع في المقتضي.
وأمّا المسألة
الثانية وهي ما إذا عزم العشرة وصلّى صلاة تماماً ثمّ خرج إلى ما دون المسافة
عازماً على العود إلى موضع الإقامة من دون إقامة جديدة ومن نيّته قطع مسافة فهي من
مهمّات المسائل وامّهات المعاضل قد اختلف فيها علماؤنا السابقون ومشايخنا المعاصرون
، ولقد تتبّعت كلام الأصحاب من قديم وحديث فوجدتهم في المسألة على قولين لا ثالث
لهما إلّا ما شذّ كما ستعرف ، فلو ادّعى مدّع وقوع الإجماع المركّب كانت دعواه في
محلّها. وهو صريح الشهيد الثاني في «نفائح الأفكار» قال في أثناء كلامٍ له ستسمعه
: إنّ أقوال الأصحاب منحصرة في هذا القسم في قولين : أحدهما القصر مطلقاً ،
والثاني القصر في العود مطلقاً ، فالتفصيل بالتمام في بعض الأقسام إحداث قول ثالث
رافع لما وقع عليه الإجماع المركب ، انتهى. وذلك ظاهر «كشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك والروض » حيث قيل فيها : إنّ في المسألة قولين ، فالقول
بالإتمام في الذهاب والإياب والمقصد ودار الإقامة كأنّه قول ثالث.
واعلم أنّ
عبارات الأصحاب منطبقة على هذا العنوان إمّا صراحةً أو ظهوراً ، وأوّل من تعرّض
لهذه المسألة الشيخ في «المبسوط» إذ لم أجده في كلام مَن تقدّمه بعد فضل التتبّع
وتوفّر الكتب ، وقد اعترف بذلك الصيمري في «كشف الالتباس »
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والشهيد الثاني في «نفائح الأفكار » وصاحب «الحدائق ».
قال في «المبسوط»
ما نصّه : إذا خرج حاجّاً إلى مكّة وبينه وبينها مسافة تقصّر فيها الصلاة ونوى أن
يقيم بها عشرة قصّر في الطريق فإذا وصل إليها أتم ، وإن خرج إلى عرفة يريد قضاء
نسكه لا يريد مقام عشرة أيّام إذا رجع إلى مكّة كان له القصر ، لأنّه نقض مقامه
بسفر بينه وبين بلده يقصّر في مثله ، وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيّام
بمكّة أتمّ بمنى وعرفة ومكّة حتّى يخرج من مكّة مسافراً فيقصّر ، هذا على قولنا
بجواز التقصير بمكّة ، فأمّا ما روي من الفضل في التمام فإنّه يتمّ على كلّ حال
غير أنّه يقصّر فيما عداها من عرفات ومنى وغير ذلك إلّا أن ينوي المقام عشراً
فيتمّ حينئذٍ على ما قدّمناه ، انتهى. ولا يذهب عليك أنّ إيجابه الإتمام على تقدير
قصد الإقامة في الرجوع يدفع ما عساه يقال : إنّ الخروج إلى عرفة لا يدخل في الخروج
إلى ما دون المسافة وإن خلا عن قصد الرجوع ليومه لأنّها أربعة فراسخ ، إذ لو كان
كذلك لما كان للتفرقة وجه.
وقال في «الذكرى»
بعد نقل كلام الشيخ في المبسوط : وقد تبعه عليه المتأخّرون وإن عمّم بعضهم العبارة
من غير تخصيص بمكّة زادها الله تعالى شرفاً ، وظاهرهم اعتبار عشرة جديدة في موضعه
الّذي نوى فيه الإقامة بعد خروجه إلى ما دون المسافة ، وظاهرهم أنّ نيّة إقامة ما
دون العشر في رجوعه كلا نيّة ، انتهى.
وفي «السرائر»
عين عبارة المبسوط قال : إذا خرج حاجّاً إلى قوله : حتّى يخرج مسافراً فيقصّر . ونحو ذلك ما حكي عن القاضي .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «المختلف»
أنّ التحقيق أن يقال : إنّه إذا نوى المقام بمكّة عشرة أيّام فإن خرج لعرفة لقضاء
المناسك فإمّا أن يقصد المقام بعد ذلك بمكّة عشرة أيّام أو لا ، فإن بقي قصده أتمّ
بمكّة ومنى وعرفة حتّى يخرج من مكّة مسافراً فيقصّر ، وإن قصد السفر عند خروجه من
مكّة إلى عرفة بعد عوده من عرفة إلى مكّة وغيّر نيّته عن المقام قصّر عند خروجه من
مكّة ، انتهى. ونحوه ما في «المنتهى والقواعد والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام»
من غير تخصيص بمكّة زادها الله تعالى شرفاً كالكتاب.
قال في «المنتهى»
: لو عزم على المقام في غير بلده عشرة ثمّ خرج إلى ما دون المسافة ، فإن عزم على
العود والإقامة أتمّ ذاهباً وعائداً وفي البلد وإن لم يعزم على العود أو عزم ولم
يعزم على الإقامة قصّر . وعبارة «التذكرة » كعبارة الكتاب وكذا «نهاية الإحكام» إلّا أنّ فيه :
وإن لم يعزم على الإقامة بعد العود ، فالأقوى التقصير . ونحوه في جميع ذلك ما في «التحرير» إلّا أنّه قال :
ولو عزم على العود دون الإقامة قصّر . فالحظ مفاهيمها ومتعلّقات مناطيقها فإنّك تجد بينها
فرقاً بيّناً كما ستعرف ذلك عند ذكر ما إذا خرج إلى ما دون المسافة غير عازم على
العود ، وقد تضمّنت بصريحها أو إطلاقها أنّه إذا عزم على العود دون الإقامة قصّر
ذاهباً وآيباً وفي المقصد والبلد ، واتفقت على التقييد بالخروج إلى ما دون المسافة
فلا تنس.
وهو أي التقصير
مطلقاً فيما إذا عزم على العود ولم يعزم على الإقامة عشرة خيرة «الغرية والدرّة
السنية». وفي «كشف الالتباس» أنه ظاهر
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«الشرائع » ولعلّه فهمه من مفهوم قوله : فإن عزم على العود
والإقامة أتمّ ذاهباً وعائداً وفي البلد . وعلى هذا يكون ظاهر «الإرشاد » وغيره ممّا عبّر فيه بنحو ذلك. وفي «الذخيرة والكفاية » أنّه أي التقصير في ذلك مقتضى النظر إن لم يقم إجماع
على خلافه ، ويفوح من «الرياض » الميل إليه ، وقد سمعت أنّه في «الذكرى» نسبه إلى
المتأخّرين ، وكذا في «الروض ونفائح الأفكار ».
وفي «البيان»
إذا عزم على المقام في بلد عشراً ثمّ خرج إلى ما دون المسافة عازماً على العود
وإقامة عشرة اخرى أتمّ في ذهابه وإيابه ومقامه ، وإن عزم على مجرّد العود قصّر ،
وإن عزم على إقامة دون العشرة فوجهان أقربهما التمام في ذهابه خاصّة ، انتهى. وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام على (في خ ل)
هذه العبارة ونحوها. وهو خيرة مولانا الأردبيلي كما هو الظاهر من تفصيله وستسمعه
إن شاء الله تعالى.
وفي «الحواشي » للشهيد على الكتاب نقلاً عن المصنّف أنّه إذا خرج من
الحلّة إلى زيارة الحسين عليهالسلام يوم النصف من رجب عازماً على الرجوع إلى الحلّة لزيارة
أمير المؤمنين عليهالسلام يوم السابع والعشرين منه أنّه يقصّر مطلقاً ويتمّ
احتياطاً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والتمام أرجح ، انتهى. وهذا هو المنقول عنه في أجوبة مسائل السيّد السعيد
مهنا ابن سنان المدني .
احتجّوا بأنّه
نقض المقام بالمفارقة فيعود إلى حكم السفر كما سمعته عن «المبسوط والسرائر» وفيه : أنّ النقض والعود ممنوعان
بل هما عين الدعوى على ما هو الظاهر ، مضافاً إلى أنّه ينافي ما أجمعوا عليه من
أنّ إقامة العشرة من قواطع السفر ، وقضية ذلك أن يستصحب إلى أن يثبت خلافه ولا
يثبت إلّا بإنشاء سفر جديد مستجمع لجميع شرائط القصر من قصد ثمانية فراسخ بالنحو
الّذي ذكروه ليس فيها ضمّ ذهاب إلى إياب. وقال في «المدارك» في الردّ عليهم : إنّ
ذلك مشكل ، إذ المفروض كون الخروج إلى ما دون المسافة والعود لا يضمّ إلى الذهاب
إجماعاً نقله الشارح وغيره ، انتهى.
قلت : قد نقل
ذلك جدّه في «نفائح الأفكار » وصاحب «الغرية» في ظاهرها وهو معلوم كما ستعلم ، ووجه
الإشكال أنّه لا بدّ في الضمّ من تحقّق أربعة فراسخ في الذهاب ، فلو نقص منها ذراع
فلا مسافة إلّا أن يكون الإياب فقط ثمانية أو ما زاد كأن يؤوب على طريق آخر ،
فالإياب حينئذٍ هو سفر القصر ولا مدخلية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
للذهاب أصلاً ، فلو سار أربعة فراسخ إلّا ميلاً وآب سبعة في يومه أو غير
يومه لم يقصّر من دون خلاف في ذلك كما بيّنا ذلك فيما تقدّم. وهذا من المواضع
الّتي يعلم منها أنّ الإجماع المذكور معلوم وستعرف المواضع الاخر ، فالشيخ
وموافقوه رضي الله تعالى عنهم جميعاً ملزمون بأحد أمرين إمّا عدم انقطاع السفر
بقصد العشرة والصلاة تماماً أو ضمّ الذهاب إلى الإياب في غير الأربعة فراسخ ،
وكلاهما خلاف الإجماع.
وربّما استدلّ
لهم بأنّ صلاة المسافر مقصورة إلّا فيما ثبت فيه الإتمام ، والمتبادر من الأخبار
أنّ ناوي الإقامة يتمّ في موضع إقامته خاصّة . وفيه : أنّه لا شكّ في بطلانه لأنّ الشيخ وأتباعه
صرّحوا بأنّه يتمّ في غير موضع إقامته حيث جوّزوا له الإتمام بعرفات إذا كان
ناوياً للعود والإقامة عشراً ، وما ذاك إلّا للنيّة الاولى لا الثانية ، وإلّا فلو
عري عن الاولى لم يتمّ إجماعاً ولا كذلك لو عري عن الثانية. والاستناد إليهما معاً
لا يجديه نفعاً وإن أرادوا التبادر لا بشرط فغير مضرّ.
فإن قلت : لا
نسلّم انعقاد الإجماع على عدم الضمّ ، وهذا الشيخ وموافقوه قد بنوا ذلك عليه كما
هو الظاهر من تعليلهم ، وهو الّذي فيه جماعة منه ، أو نقول : إنّ الضمّ الممنوع إنّما هو إذا كان
لأحدهما تأثير في تكميل الآخر باعتبار حصول المسافة منهما ، ولو لم يكن كذلك لزم
أن يكون المسافر الّذي يقطع المسافة البعيدة ويكرّر قطع بعض الأمكنة لأجل مصلحة
متمّاً حال ذهابه إلى هذا الشقص مع أنّه يصدق عليه حال الذهاب أنّه مسافر وليس من
المواضع الّتي يجب فيها الإتمام بالنصّ أو بتصريح الأصحاب فيجب عليه القصر لقوله
تعالى (إِذا ضَرَبْتُمْ)
وقولهم عليهمالسلام «الصلاة في السفر ركعتان » أو نقول : لا نسلّم أنّ مذهب الأصحاب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على اشتراط الخروج إلى مسافة ، لأنّ الشيخ وموافقيه قد حكموا فيما نحن فيه
بالقصر في الذهاب فليكن ذلك مبنياً على عدم الاشتراط لا على الضمّ وإن ادّعى ظهوره
وقد طفحت عبارات القوم بتعليق العود إلى القصر على الخروج من دون تقييد بذلك
كعبارة «التحرير » ومواضع من «نهاية الإحكام » وعبارة «الذكرى » وغيرها ، ولا حاجة بنا إلى نقلها فإنّ المراجع يظفر بها في
أوّل وهلة. وعلى كلّ حال (وجه خ ل) من هذه الثلاثة يتجه كلام الشيخ وموافقيه.
قلت : يرد على
الأوّل أنّه يلزم أن يكون المتردّد في ثلاث فراسخ ثلاث مرّات بحيث لا يبلغ حدود
البلد في حال عوده ممّن يلزمه القصر ، وهو قولٌ شاذّ ضعيف للمصنّف في «التحرير » وهو خلاف ما نصّ عليه في الكتاب و «المنتهى والتذكرة » من وجوب الإتمام في الفرض المذكور. وبه صرّح المحقّق والشهيد وأبو العبّاس والكركي والصيمري والشهيد الثاني وهو قضية فتوى الباقين .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «فوائد الشرائع » نفي الخلاف في ذلك ظاهراً. ويلزم أن يكون طالب الآبق
يلزمه القصر بعد عزم العود من المنزل الّذي يريد قطعه إذا بلغ مع عوده إلى بلده
ثمانية فراسخ ، وكلّ من تعرّض له حكم بأنّه لا يقصّر بل قد ادّعي الإجماع على ذلك ،
وقد نصّوا على مثل ذلك في العاصي بسفره كالصائد وغيره ، وقد قال الشيخ في «المبسوط
» ومن تأخّر عنه ممّن تعرّض : أنّه لو نوى في ابتداء السفر إقامة عشرة في أثنائه
اعتبر من موضع خروجه إلى موضع نوى فيه الإقامة ، فإن كان يبلغ المسافة قصّر في
خروجه وإلّا فلا ، ثمّ يعتبر ما بعد موضع الإقامة وغاية السفر فإن كان يبلغ
المسافة قصّر وإلّا فلا ، وهذا نافع في ردّ الوجه الثاني أيضاً. ويلزم أيضاً أن لا
يكون للتقييد بقصد العود ليومه أو ليلته فيمن قصد أربعة فراسخ معنىً أصلاً ، إذ لو
اعتبر تكميل الذهاب بالعود صدق عزم المسافة فيمن عزم الرجوع من غده ، فتأمّل.
ويلزم أيضاً أنّه لو ذهب ثلاثة فراسخ وآب سبعة ليومه أو خمسة كذلك يلزمه التقصير
مع أنّ أحداً لا يقول بذلك ، علمناه من مواضع من كلامهم منها تقييدهم ذلك بكون
الذهاب أربعة ، وظاهر «المصابيح» الإجماع على ذلك . وهو كما قال من غير شبهة ولا احتمال. ويقال لهم أيضاً
: أنّكم قد تسالمتم على أنّه إذا خرج إلى ما دون المسافة ناوياً العود والإقامة
عشراً أنّه يتمّ مطلقاً وحكمكم فيما نحن فيه بأنّه يقصّر يوجب عليكم أن تقولوا
فيمن خرج إلى نصف المسافة فما زاد وعاد لا ليومه ناوياً المقام عشراً أنّه يتعيّن
عليه التقصير ، لأنّه حينئذٍ يجتمع من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الذهاب والعود إلى موضع الإقامة مسافة أو أزيد وأنتم لا تقولون به ، لكن
حكمكم فيما نحن فيه بالقصر يستلزمه ، لأنّه مبنيّ على فرض ضمّ الذهاب إلى العود.
أفبعد هذا كلّه
يتأمّل في هذا الإجماع. ومن هنا يعلم ما في «الرياض والحدائق » من تضعيف هذا الإجماع بمصير الشيخ وأتباعه إلى خلافه ،
إذ قد عرفت أنّ الشيخ وأتباعه وغيرهم مطبقون عليه في ما أسمعناكه ومثل ذلك يقع
غفلة ، وإلّا لو كان كلّ ذاهب إلى مذهب غير صحيح ذاكراً لدليله لما وقع خطأً
أصلاً.
ويرد على الوجه
الثاني أنّهم قالوا في ذي المنازل أنّه يعتبر ما بين كلّ منزلين ويعتبر ما بين آخر
المنازل وغاية السفر ولا يضمّ إلى العود مع أنّ مفروضهم كون العود أزيد من المسافة
، ومثله ناوي المقام كما سمعت آنفاً ، وقد نقل الإجماع في «المنتهى والمعتبر والتذكرة ونفائح الأفكار » أنّ من لم يربط قصده بالمسافة كالهائم وطالب الآبق
ومستقبل الزائر والعبد والزوجة مع السيّد والزوج لا يقصّر في الذهاب وإن تمادى في
السفر. ومن أفراده ما إذا بلغ المسافة في ذهابه ثمّ عزم بعد ذلك على الوصول إلى ما
دون المسافة ثمّ العود ، فاللازم من كلامهم أنّه لا يقصّر إلّا في الرجوع ، وقد
قالوا في مسألة ذي الطريقين : إنّه لو رجع بالأبعد قصّر في رجوعه لا غير ، صرّح
بذلك في «نهاية الإحكام والتذكرة والذكرى والبيان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والموجز الحاوي وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية ونفائح الأفكار والمدارك والذخيرة والحدائق » ولم يضمّوا أحدهما إلى الآخر ، ويعرف من مطاوي كلامهم
في مسألة القاصد لأربعة فراسخ أنّه لو ذهب ثلاثة وآب ثمانية أو عشرة أنّه إنّما
يقصّر في عوده خاصّةً وظاهر «المصابيح » الإجماع عليه.
وقال في «نفائح
الأفكار» في ردّ هذا الوجه أعني الثاني وهو لصاحب «الغرية في شرح الجعفرية» إنّه
لو كان كما ذكره هذا الفاضل ما افتقر إلى اعتبار ما بين آخر المنازل ومَن خالفنا
في مسألتنا وافقنا على حكم مسألة ذي المنازل ونحوه.
ثمّ قال : ثمّ
نقول كون كلّ واحد من الذهاب والإياب له حكم برأسه مجمع عليه في الجملة ثابت
اعتباره في القصر وعدمه قطعاً ، فتخصيص الأمر المجمع ببعض موارده لا وجه له مع ما
قد حكيناه عنهم ممّا يقتضي المساواة بين الفرضين في مخالفة حكم الذهاب للعود.
وأمّا الاستدلال على ذلك بالآية والخبر فنقول : إنّ الحكم وإن كان معلّقاً على
مطلق الضرب لكنّه بقصد المسافة إلى غاية المقصد إجماعاً ولا أثر لضمّ الرجوع في
تحقّق المسافة فيما عدا المنصوص ، فالكلام في قوّة الاشتراط. ولمّا كان الإتمام
بعد نيّة الإقامة يقطع السفر السابق ويوجب عدم العود إلى القصر إلّا بقصد المسافة
وجب الحكم بذلك هنا وكانت الفتوى والدلالة متطابقين على ذلك في صورة النزاع ، فيجب
المصير إليهما فيه أيضاً ، لأنّه بعض أفراد المسألة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ثمّ قال : قوله
«إنّه مسافر وليس هذا من المواضع الّتي يجب فيها الإتمام بالنصّ والفتوى» في موضع
النظر ، بل يقال : هذا من المواضع الّتي يجب فيها الإتمام بالنصّ والفتوى ، لعدم
تحقّق موجب القصر الّذي هو قصد المسافة في الذهاب كما هو المعروف في كلّ سفر ،
فيجب الإتمام إن لم يتحقّق قصد المسافة ولو بالرجوع لزوال حكم السفر ، فيدخل في
عموم النصوص الكثيرة الدالّة على اشتراط قصد المسافة في الذهاب خاصة ، انتهى كلامه برمّته.
وأمّا الجواب
عن الوجه الثالث فقد أسمعناك أنّ الشيخ وغيره اشترطوا الخروج إلى مسافة كما في «المبسوط»
وغيره كما مرَّ ، وهذا الفاضل الصيمري يدّعي إجماع المسلمين على اشتراط
الخروج إلى مسافة وستسمع كلامه برمّته ، بل قضية قول الشيخ ومَن وافقه من
المتقدّمين اشتراط ذلك حيث قالوا : لأنّه نقض مقامه بسفرٍ بينه وبين بلده يقصّر في
مثله ، فتأمّل فيه تجد صحّة ما ندّعيه وإلّا ففيما سبق مغناة. وبه صرّح في «التذكرة
والتحرير ونهاية الإحكام والدروس والبيان والروض والمسالك ونفائح الأفكار » وغيرها صرّح بذلك في مواضع ، وستسمع جملة منها عند نقل الصيمري
لها. وظاهر «مجمع البرهان» الإجماع عليه ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على أنّه توجيه لا يرضى به الشيخ وأتباعه ، لأنّهم صرّحوا بخلافه ، وستسمع
الأدلّة من الأخبار والإجماع على وجوب الإتمام في الذهاب والمقصد ، فاشتراط الخروج
إلى مسافة ممّا لا ريب فيه أصلاً. نعم وقع للعلّامة والشهيد في بعض عباراتهم الّتي
أسمعناكها تعليق الحكم بالقصر على الخروج من غير تفصيل ، فيجب حمله على ما قيّدوه
به في مواضع متعدّدة ، والأمر واضح. وقد تقدّم في مبحث توالي العشرة ما له نفع
تامّ في المقام . فليس للشيخ وموافقيه مستند يعوّل عليه.
وقال مولانا
المقدّس الأردبيلي في «مجمع البرهان» : وإن لم يقصد مسافة بل أقلّ فمع نيّة
الإقامة هناك أيضاً فلا شكّ في وجوب الإتمام ، وأمّا مع عدمها فيكون قاصداً للرجوع
مع عدم الإقامة المستأنفة أو متردّداً أو ذاهلاً. فالظاهر وجوب الإتمام مطلقاً
إلّا أن يكون في نفسه السفر إلى بلدٍ يكون مسافة بعد العود وقبل الإقامة ويكون
بالخروج عن بلد الإقامة قاصداً ذلك البلد بحيث يقال إنّه مسافر إلى ذلك البلد إلّا
أن يكون له شغلاً في موضع فيقضي شغله ثمّ يرجع إلى بلد الإقامة ، فحينئذٍ يكون
مقصّراً بمجرّد الخروج إلى محلّ الترخّص مع نيّة العود. ثمّ قال : وبالجملة الحكم
تابع لقصده ، فإن صدق عليه عرفاً أنّه مسافر وتحقّقت شرائط القصر قصّر وإلّا أتمّ.
ثمّ قال : وليس هذا بخارج عن القوانين ولا عن إجماعهم الّذي نقل على وجوب القصر
حين العود لاحتمال كلامهم ذلك فإنّه مجمل غير مفصّل ، انتهى.
وفيه : أنّ فيه
الخروج عن القوانين أنّه لم يتحقّق فيه شرائط القصر كما اعترف به هو بعد ذلك حيث
قال : إنّهم قالوا لا بدّ للقصر بعد الإقامة من قصد مسافة اخرى ومن الخروج إلى
محلّ الترخّص بقصد تلك المسافة بحيث يكون هذا الخروج جزءاً من ذلك السفر ، ومعلوم
عدم تحقّق ذلك فيمن نحن فيه هذا كلامه ، فتأمّل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فيه فإنّه حجّة عليه ، وضمّ الذهاب إلى الإياب قد عرفت أنّه خلاف فتوى
الأصحاب فقد خرج عن القوانين ولم يأت بدليل مبيّن. وأمّا قوله : أوّلاً أنّ الظاهر
التمام ، فيأتي فيه تمام الكلام.
وقال الفاضل
الصيمري في «كشف الالتباس» : إنّ كثيراً من الناس جهلوا مراد المصنّفين بقولهم :
فإن عاد لا بنيّة الإقامة قصّر ، وضلّوا عن الطريق الواضح المستبين ، فزعموا أنّ مرادهم
أنّه إذا خرج بعد الإقامة عشراً إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة بنيّة العود إلى
موضع الإقامة لا يجوز له الإتمام إلّا مع نيّة الإقامة عشرة اخرى مستأنفة ، ولو
عاد بغير نيّة إقامة عشرة مستأنفة وعزمه الخروج ثانياً إلى فوق الخفاء ودون
المسافة لا يجوز له الإتمام ويجب عليه التقصير ، وهو جهل وضلالة بمراد المصنّفين ،
لأنّ مرادهم بذلك القول هو ما إذا كان قصده بعد الرجوع الخروج إلى مسافة ، ولو كان
قصده الخروج ولو كلّ يوم إلى ما دون المسافة لم يجز له التقصير بإجماع المسلمين ،
لما عرفت من أنّ نيّة الإقامة عشراً مع الصلاة تماماً ولو فريضة واحدة تقطع السفر
وتوجب الإتمام حتّى يقصد مسافة اخرى ، وقد صرّح به الأصحاب في مصنّفاتهم. قال
الشهيد في «دروسه» : لو خرج بعد عزم الإقامة وقد صلّى تماماً اشترط مسافة اخرى.
وقال في «بيانه» : ولو خرج بعدها اعتبرت المسافة. وقال العلّامة في «تذكرته
ونهايته» : ولو نوى مقام عشرة أيّام في بعض المسافة انقطع سفره ، فإن خرج إلى
نهاية السفر فإن كان بين موضع الإقامة ونهاية السفر مسافة قصّر وإلّا فلا. ثمّ قال
: فعلى هذا لو خرج كلّ يوم إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة فهو باقٍ على الإتمام
حتّى يخرج بقصد مسافة فإنّه يقصّر عند الخفاء ، ولو عاد بقصد الخروج قبل العشرة
إلى مسافة قصّر عند الشهيد والمصنّف وعند الخروج على مذهب العلّامة والمحقّق ، فقد
تحقّق الصواب وزال الارتياب ، انتهى كلامه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فليقض العجب
منه إذ هذا التفصيل لم يعرف لأحد قبله وهو قريب من قول الأردبيلي ، وأعظم شيء
نقله إجماع المسلمين على مذهب شاذّ نادر لم نعرف قائلاً به سواه كما ستعرف ، ولا
ريب أنّه لم ينعم النظر في كلام الأصحاب أو لم يطّلع إلّا على ما ظفر به ممّا يمكن
تنزيله على ما صرّحوا به ، فإنّ إطلاق عبارات المصنّف الّتي سمعتها في أوّل المسألة شاملة لما إذا خرج كلّ يوم وحاكمة
بإطلاقها بوجوب القصر عليه ، وستسمع كلام الشهيد عن قريب ، مضافاً إلى اضطراب
كلامه في آخره ، إلّا أن يقيّد قوله : ولو عاد بقصد الخروج .. إلى آخره ، بما إذا
لم يكن من قصده الخروج كلّ يوم حتّى يوافق قوله : فعلى هذا .. إلى آخره ، أو يحمل
قوله : فعلى هذا ، على ما إذا كان ذاهلاً عن قصد الإقامة فتأمّل جيّداً.
والحاصل : أنّ
هذا الكلام منه ساقط عن مطارح الأنظار منحطّ عن درجة الاعتبار ، فكأنّه لم يسمع
كلام الشيخ وموافقيه ، لأنّه من المعلوم أنّ مَن خرج إلى عرفات يرجع إلى مكّة ثمّ
إلى منى وهما دون المسافة ، وقد حكموا بأنّه يقصّر فيهما وفي مكّة إذا لم ينو عشرة
ثانية ولا تتبّع كلام الشهيد ولا تأمّل في معانيه. نعم لا عليه إن ذهب إلى ذلك القول
، أمّا دعوى إجماع المسلمين وجهل كثير من الناس بمراد المصنّفين من دون تتبّع ولا
نظر فمحلّ العجب ومظنّة الخطر ، وستسمع الكلام في عبارات القوم وإطلاقاتها
ومتعلّقاتها عند الفراغ من القول الثاني.
ومن العجيب
أيضاً ما وقع لبعض مَن تقدّم على الشهيد الثاني حيث قال لمّا وقف على كلام
الشيخ وموافقيه : إنّ هذا ينافي قولهم إنّ ناوي الإقامة عشراً إذا صلّى تماماً لا
يعود إلى القصر إلّا بالخروج إلى مسافة ، ثمّ أجاب عن التناقض بحمل كلامهم الّذي
نحن فيه على الخروج من موضع الإقامة قبل الصلاة تماماً ليتمّ القولان.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وهذا الحمل
فاسد ، لأنّ ظاهر الشيخ في «المبسوط» كما تقدّم آنفاً في مسألة من نوى الإقامة عشراً ثمّ رجع أنّه يصير
مقيماً بمجرّد النيّة ولا يتوقّف على الصلاة تماماً. وقد تقدّم الكلام فيه وفي
بيان الدور. ثمّ إنّ الخارج قبل الصلاة تماماً على المشهور لا يتوقّف رجوعه على
الخروج حتّى يجري فيه الخلاف ، فإنّ الرجوع عن نيّة الإقامة قبل الصلاة تماماً
يوجب العود إلى القصر وإن لم يخرج بل وإن بقي شهر ، وهذا تجهيل للأصحاب أيضاً في
فهم كلام الشيخ ونزاعهم معه.
ومن هنا يعلم
حال مؤاخذة الشهيد الثاني للشيخ ومَن وافقه من أنّ كلامهم مطلق ومشكل وكان الواجب
أن يقيّدوه بما إذا خرج بعد الصلاة تماماً ، فإنّه يجاب عن ذلك بوجوه :
الأوّل : أنّ
فرض المسألة في كلامهم فيمن أتى مكّة شرّفها الله تعالى حاجّاً ، ومن المعلوم أنّه
لا ينوي الإقامة فيها عشراً إلّا إذا علم إتمامها قبل زوال يوم التروية ، لأنّه لا
بدّ وأن يخرج فيه إلى عرفة.
الثاني : أنّه
يحتمل أن يكون ذلك من الشيخ بناءً على ما يظهر منه من عدم اشتراط الصلاة تماماً
كما عرفت.
الثالث : أن
يكون ترك ذلك لوضوحه وظهوره كما ترك ذكر كون العشرة تامّة بلياليها ونحو ذلك.
هذا تمام
الكلام فيما يتعلّق بالقول الأوّل وهو وجوب التقصير ذاهباً وآيباً وفي المقصد ودار
الإقامة.
وأمّا القول
الثاني وهو التقصير في العود فقط مع قصد المسافة غير ذاهل ولا متردّد فهو خيرة «الدروس»
كما ستعرف و «البيان والموجز الحاوي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والجعفرية والميسية وإرشاد الجعفرية » وهو خيرة الاستاذ الشريف أدام الله سبحانه حراسته ، واستجوده صاحب «المدارك
». وفي «الحدائق » الظاهر أنّه المشهور ، ونقله فيها عن الشيخ ولم أجده
له في كتاب ولا نقله عنه غيره ، ولعلّه سهو من الناسخ. وهو خيرة «نفائح الأفكار والروض والمسالك والمقاصد العلية » فيما إذا كان المحلّ الّذي خرج إليه مقابلاً لجهة بلده
كما يأتي نقله عنه إن شاء الله تعالى. ويظهر من «الذكرى والهلالية» التردّد «كالحدائق » لأنّه اقتصر في الأوّل على نقل كلام الشيخ ومَن وافقه
كما سمعت ، وفي الثاني على قوله : قال بعض علمائنا ، ثمّ ساق عبارة البيان. وأمّا
صاحب الحدائق فلعدم النصّ عنده.
وعبارة «الدروس»
الّتي أشرنا إليها هذه : وإن نوى العود ولم ينو عشراً فوجهان أقربهما القصر إلّا
في الذهاب . وقد قصد إدخال المقصد في الذهاب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حقيقةً أو مجازاً كما فهمه منه جماعة حيث نسبوا إليه الإتمام في الذهاب والمقصد والتقصير في
العود من دون قصر على البيان ولا نسبة خلاف إلى الدروس ، فلم يختلف كلامه في
المقصد كما ظنّ بعض . وما ذهب إليه هو المختار والمستفاد من الأخبار كما في «فوائد
الشرائع » وقواعد الأصحاب كما في «المدارك ».
فهنا دعويان :
الاولى : أنّه
يتمّ في المقصد والذهاب ، لنا على ذلك الإجماع المحكي في «الكفاية » عن بعضهم. وفي «الذخيرة» عن الشهيد الثاني ، ولم أجد ذلك في الروض والمقاصد والروضة ونفائح الأفكار
والمسالك. ولعلّه أراد الإجماع الّذي نقله في «نفائح الأفكار» على عدم الضمّ ، وقد علمت أنّه معلوم لا ريب فيه وإلّا فما كان
ليدّعيه على خصوص ما نحن فيه مع ما يراه من ذهاب من قِبل الشهيد إلى خلافه ، وقد
علمت أنّ مبنى القول بالقصر إمّا على الضمّ كما هو الظاهر أو عدم اشتراط الخروج
إلى مسافة أو على عدم كون العشرة قاطعة ، والجميع خلاف الإجماع كما أسمعناكه.
ويدلّ عليه من
جهة الاعتبار أنّ السفر لما انقطع حكمه بنيّة الإقامة مع الصلاة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تماماً أو ما في حكمها عند جمع كان الماضي كأنّه لم يكن ، فلا بدّ في العود من اجتماع
شرائطه الّتي من جملتها قصد المسافة.
ويدلّ عليه من
جهة الأخبار ما دلّ على أنّ ناوي الإقامة بمنزلة أهل البلد وأنّ دار الإقامة
بمنزلة الوطن ، وما ورد في غير واحد من الأخبار من الحكم بوجوب الإتمام بعد قصد الإقامة على الإطلاق ،
وكلّ خبر دلّ على اشتراط قصد المسافة يصلح للدلالة هنا ، وأكثرها صريح في اعتبار
الذهاب لا غير. ومن ثمّة يستثنون (يستثنى خ ل) منها الراجع ليومه كما في رواية
المروزي .
ومن المعلوم
أنّ المتبادر من الخروج في الأخبار الخروج إلى السفر المعتبر وإلّا لكان الخروج إلى ما دون
المسافة مع نيّة العود والإقامة عشراً موجباً للقصر مع أنّهم أجمعوا على الإتمام في هذه الصورة. ومثله ما لو عزم على
عدم العود لكنّه ذهب إلى ما دون مسافة اخرى وعزم الإقامة أو عزم على العود
والإقامة الثانية فيما دون المسافة في غير موضع الإقامة ، إلى غير ذلك من الشواهد
والمؤيّدات.
ومن هنا يعلم
أنّ المراد من الخروج في خبر أبي ولّاد إنّما هو المقابل للدخول لمكان المقابلة ، فلا بدّ أن
يكون مستجمعاً كالدخول لجميع شرائط السفر ، مضافاً إلى ما يمكن أن يقال : إنّ خروج
أبي ولّاد الكوفي إنّما يكون على الظاهر إلى العراق أو مكّة ، ولذا قال عليهالسلام : «حتّى تخرج» بالتاء المثناة من فوق ولم يقل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حتّى يخرج أو ما يؤدي مؤدّاه ، ومن المعلوم أن ليس المراد مطلق الخروج
وإلّا لانتقض في موارد لا يتمّ منعها.
وأمّا الدعوى
الثانية وهو أنّه يقصّر في العود ، فيدلّ عليها ما في «فوائد الشرائع وإرشاد الجعفرية » من أنّه لا خلاف في أنّه يقصّر في عوده. ونفي الخلاف
وإن لم يكن صريحاً في دعوى الإجماع لكنّه ممّا يستند إليه بمعونة القرائن الاخر
كما ستسمعها (ستسمع خ ل). وفي «مجمع البرهان» نقل حكايته وقد سمعت عبارته وقد سمعت ما في «نفائح الأفكار» من دعوى الإجماع المركّب ، وأنّه
ظاهر «كشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك والروض » بل هو محصّل معلوم ، لأنّك قد عرفت أنّ الشيخ والقاضي والعجلي والمحقّق على ما نقل عنه
والمصنّف ومَن وافقهم ممّن تأخّر قائلون به ، وأنّ الشهيد في «الذكرى والروض
ونفائح الأفكار» نسباه إلى المتأخّرين ، وهو ظاهر أو صريح في دعوى الإجماع من
المتأخّرين ، لأنّه جمع معرّف ولا أقلّ من أن يكون مشعراً به فيكون مؤيّداً أو
مشهوراً فيكون عاضداً. وقد عرفت القائلين بهذا القول أعني الإتمام في الذهاب
والمقصد والتقصير في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
العود وهم كثيرون وأنّه قد نسب إلى المشهور.
والحاصل : أنّ
كلّ من تعرّض لهذا الفرع قال به * فيه ** إلّا ما نقل عن المصنّف في جواب مسائل
المهنّا بن سنان ، على أنّه حكم فيها أوّلاً بالتقصير ثمّ احتاط بالإتمام وقال :
إنّه أرجح كما قد سمعته ، على أنّه مخالف لما في كتبه المتواترة ، وما كان مثل ذلك ليقدح في دعوى الإجماع ،
وما كان لذي مسكة أن يتوقّف فيما يراه بالعين لما يظنّ في الاذن ، وستعلم حال ما
نسب في بعض الحواشي إلى فخر المحقّقين وأنّ صاحب «كشف الالتباس» موافق في ما إذا قصد بعد
العود المسافة وكذا المولى الأردبيلي ، وقد سمعت كلامهما. وإن لم يكف هذا كلّه في مثل هذا الفرع سقط
الجمّ الغفير من الفروع الّتي أدلّتها دون ذلك بمراتب ، والفقيه الّذي لم يحصل له
من مثل هذه ظنٌّ بالحكم لم يتحقّق فيه الموضوع.
وليس ما لعلّه
يظهر من «الذكرى والهلالية» ، من التردّد بضائر ، بل لعلّ تردّده في «الذكرى»
إنّما هو بالنسبة إلى خصوص ما ذهب إليه الشيخ وموافقوه أو إلى خصوص ما فرضوا
المسألة فيه ، فكان الإجماع معلوماً فضلاً عن أن يكون منقولاً وأيّهما كان ففيه
بلاغ ومغناة في قطع الأصل والخروج عن تلك الشواهد
__________________
(*) أي
بالتقصير.
(**) أي في
العود.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الّتي استند إليها الاستاذ قدّس الله تعالى لطيفه ، ولو أنّه قدسسره ظفر بما ذكرناه لما عدا القول بما قلناه ، لأنّه قدسسره لم يكن عنده من الكتب ما ينظر إليه ، ويدلّك على ذلك
أنّه قال في القول الأوّل : ونسب إلى الشيخ وغيره ، فقد دلّ على أنّه لم يكن عنده
المبسوط ولا غيره ممّا وافقه ، على أنّه لا قائل بالأصل وتلك الشواهد على الإطلاق
، على أنّ الأصحاب قد وعوا ذلك ورأوه وأعرضوا عنه مراعاةً للقواعد وجرياً على ظاهر
الأخبار. ففي «المدارك » أنّ هذا القول معلوم من القواعد. وقال المحقّق الثاني : إنّ هذا القول يشهد له ظاهر الحديث.
قلت : لعلّه
أراد ما دلّ على أنّ ناوي الإقامة إذا قصد مسافة قصّر ، وهذا في حال عوده قاصد مسافة ، لأن كان قاصداً بلده
في الجملة إمّا الآن أو بعد مروره وتوقّفه في بلد إقامته أيّاماً دون العشرة ،
فالبلد الّذي كان فيه قد ساوى غيره بالنسبة إليه من حين بلوغه محلّ الترخّص.
وبهذا ينقطع
التمسّك بالأصل بمعنى الاستصحاب ، لأنّه تمسّك به مع تغيّر الموضوع ، لأنّه في
الرجوع قاصد مسافة ليس فيها ضمّ ذهاب إلى إياب بخلافه في الذهاب. وأمّا حاله في
دار الإقامة فواضح ، وإن أبيت إلّا اتحاد الموضوع في الذهاب والإياب قلنا قد قطعته
الأدلّة السالفة. والاستناد إلى الأصل وعموم المنزلة يقضي بالإتمام على مَن خرج من
دار المقام قاصداً للمسافة وقد تجاوز محلّ الترخّص ثمّ رجع لقضاء حاجة أو ردّته
الريح مع أنّهم صرّحوا بأنّه يقصّر في دار الإقامة ما لم يعدل وعلى
مدّعي الفرق إظهاره ، اللهمّ إلّا أن يلتزمه وما كان ليفعل ، فتأمّل.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وربّما يقال على ذلك التعليل : إنّه آتٍ في الذهاب أيضاً ، لزوال
حكم الإقامة ببلوغ محلّ الترخّص وتحقّق عزم المسافة على الوجه السابق. وقد أجاب عن
ذلك جماعة بما قدّمنا ذكره من أنّ للذهاب حكماً منفرداً من العود
فلا يكمل أحدهما بالآخر. والحاصل : أنّ هذا التعليل يعمل عمله (هذه العلّة تعمل
عملها خ ل) إلّا فيما قامت الأدلّة وسطعت البراهين على خلافه.
فإن قلت : حكم
الإقامة قد زال ببلوغ محلّ الترخّص سواء قلنا بعدم ضمّ الذهاب أو لم نقل.
قلت : تجاوز
محلّ الترخّص وحده لا يكفي من دون قصد مسافة وإلّا لوجب القصر على مَن تجاوز محلّ
الترخّص وبلغ ما دون المسافة ونوى فيه الإقامة مع أنّهم لا يقولون به قطعاً.
وقال الاستاذ
الشريف أدام الله حراسته في رسالته المسمّاة ب «مبلغ النظر» : إنّ خبر زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام المروي في التهذيب في باب زيادات فقه الحجّ تتوجّه
دلالته على هذا القول ، على أنّ الخروج إلى عرفات سبب موجب للقصر حيث لم يفرّق بين
حالتي الرجوع وغيره ، ولو كان الوجه فيه خروجه إلى ما دون المسافة لوجب التفصيل ،
وقد تقدّم نقل ذلك في «الرسالة» فإنّا نقلناها برمّتها *.
__________________
(*) وأمّا ما
رآه مولانا محمّد باقر المازندراني قدسسره في عالم الرؤيا من قول أمير المؤمنين عليهالسلام له حيث سأله عن هذه المسألة : قل للفتوني أن يتمّ أو
كيف يحكم بالقصر ، والترديد منّي ، فجوابه بعد تسليم كونه حجّة لاشتمالها على
معجزات إنّك قد تقدّم لديك أنّ المولى الفتوني كان يحكم بالتقصير على ناوي
الإقامة في بلد إذا خرج عن سورها ومرتفقها ، وقد سمعت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
واعلم أنّ الشهيد الثاني قد أتى في المقام بشيء لم يُعرف من غيره ، فإنّه
بعد أن نقل القول الثاني قال : إنّه مع جودته ورجحانه على القول الأوّل لا يصحّ
على إطلاقه ، فإنّ المحلّ الّذي نوى فيه الإقامة قد يكون على رأس المقصد وقد يكون
دونه ، وعلى التقديرين فالمقصد الّذي خرج إليه بعد نيّة الإقامة وهو دون المسافة
قد يكون على جهة بلده الّذي يريد الرجوع إليه في نفس طريقه وقد يكون مخالفاً له في
الجهة ، وما ذكروه من تحقّق الرجوع بمفارقة المقصد الّذي خرج إليه بعد الإقامة لا
يتمّ في جميع هذه الموارد ، فإنّ المقصد لو كان في بعض الطريق الّتي سلكها من بلده
بحيث يكون الخروج إليه بعد نيّة الإقامة بصورة الرجوع إلى البلد ورجوعه منه بصورة
الذهاب كيف يفرض كون الرجوع من محلّ هذا شأنه رجوعاً إلى بلد المسافر وهو على طرف
النقيض للرجوع. ومثله ما لو لم يكن المقصد الّذي خرج إليه على طريق بلده ولكنه
يقرب إليه بالخروج إلى المقصد ويبعد من بلده بالرجوع منه ، ففي هذه الموارد لا
يتمّ ما ذكروه ولا يتوجّه ما حكموا به من القصر بالأخذ في الرجوع إلى موضع الإقامة
، بل اللازم من المسألة الاولى الّتي صدّرنا بذكرها الرسالة بقاؤه على التمام في
هذه المواضع ذهاباً وإياباً وإقامةً في المقصد وعوداً إلى محلّ المقام وفي المقام
فيه وإن قصر عن العشرة حتّى يتحقّق قصد المسافة ولو بتوجّهه نحو بلده بالسفر ،
لعدم تحقّق قصد المسافة بدون ذلك ، ومثله القول فيما لو كان محلّ الإقامة في أثناء
المسافة أو في أثناء طريق المقصد الأوّل وإن كان بعد بلوغ المسافة وكان الخروج من
محلّ الإقامة إلى جهة تخالف جهة بلده بحيث تتحقّق صورة الرجوع بالعود منه إلى محلّ
الإقامة ، وإن كان ذلك مقابلاً لجهة بلده فإنّ المسافر ما دام عازماً على الزيادة
في السفر عن محلّ الإقامة والبعد عن البلد لا يتحقّق منه الرجوع ، وإن حصلت صورة
التوجّه إلى البلد فإنّ ذلك ليس رجوعاً لغةً ولا عرفاً إلى أن قال : وإنّما يتّجه
ما ذكروه في القول «الحدائق» عليه في ذلك ، فالأمر متوجّه إليه من الأمير عليهالسلام في ذلك والتنزيل قريب جدّاً ، وإن أبيت أبينا حجّية
مثله لعدم الدليل. (منه عفا الله عنه).
__________________
تشنيع صاحب «الحدائق» عليه في ذلك ، فالأمر متوجّه إليه من الأمير عليهالسلام في ذلك والتنزيل قريب جدّاً ، وإن أبيت أبينا حجّية
مثله لعدم الدليل. (منه عفا الله عنه)
.................................................................................................
______________________________________________________
الثاني ان لو كان محلّ الإقامة في غاية مقصده أو قريباً منها بحيث لا يخرج
عن وصفها ويكون خروجه بعد نيّة الإقامة منه إلى ما يخالف جهة بلده أو يبعد بالمسير
عنها وإن لم يكن على حدّ المقابلة ليتحقّق من العود من مقصده الثاني الّذي هو دون
المسافة العود إلى بلده في الجملة ، لانتهاء غرضه من السفر الموجب لقطع المسافة في
جانب البُعد ، انتهى ما في نفائح الأفكار. ونحوه ما في «الروض والمسالك والمقاصد ».
وقال في «مجمع
البرهان» معرضاً بما في الروض : ما وجدت لمحاذاة البلد الّذي يذهب إليه ثانياً وهو
مسافة لمحلّ خروجه وعدمها أثراً مع خلوّه عن القصد ومعه يكفي القصد ، انتهى.
ونحن نقول :
إنّ الرجوع إلى بلده إمّا أن يكون قد اشتمل على القصد والصورة معاً أو على القصد
فقط أو على الصورة كذلك.
أمّا الأوّل فظاهر.
وأمّا الثاني فإنّ أهل اللغة والعرف لو اطّلعوا على قصده
لحكموا بأنّه راجع كما إذا عرض له ما يصدّه عن الرجوع على خطّ مستقيم مثلاً من
عدوّ أو ماء أو نحو ذلك ، لكنّه إذا سار إلى جهة المشرق مثلاً فرسخاً أو فرسخين
يتأتّى له المسير إلى بلده الّتي هي في جهة المغرب ، فإذا سار كذلك لذلك حكم أهل
العرف بأنّه راجع إلى بلده من غير تجوّز ولا مسامحة ، وكذلك ما إذا رجع إلى بلده
من دار إقامته على الطريق البعيد الّذي هو مسافة لغرض بحيث لا يصل إلى بلده إلّا
بعد القرب إلى دار إقامة بعد انتهاء البُعد عنه ، فإنّ طريقه حينئذٍ يكون مستديراً
تارةً
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومتعاكساً اخرى ولا سيّما إذا كان الطريق القريب فرسخاً. وفيما نحن فيه
نقول : إنّ طريق رجوعه منحصر في هذه المعاكسة. وقد بيّنا في الشرط الأوّل أنّ المسافة لا يشترط أن تكون امتدادية
بل يصحّ أن تكون مستديرة ومتعاكسة ، وممّا يشهد لما نحن فيه ما إذا خرج وردّته
الريح أو دارت به الريح فيما هو فوق محلّ الترخّص ، وكذلك ما إذا تجاوزه ورجع
لقضاء حاجة.
وأمّا الثالث أعني حيث يكون هناك صورة رجوع من دون قصد أصلاً
فلا ريب في عدم صدق الرجوع فيه حينئذٍ ، ولهذا قلنا : إنّ ذهابه إلى المقصد الّذي
هو في بعض الطريق الّتي سلكها ليس برجوع إلى بلده ، وقلنا : إنّه ذهاب ، والأمر
أوضح من أن يحتاج إلى زيادة التطويل.
ثمّ قال في «الرسالة»
: فإن قلت : ما ذكرتم من التقييد والتفصيل لا يجوز العمل به لعدم القائل به من
الأصحاب بل أقوالهم في هذا القسم منحصرة في قولين : أحدهما القصر مطلقاً ، والثاني
القصر في العود ، فهذا التفصيل إحداث قول ثالث رافع لما وقع عليه الإجماع المركّب.
قلنا : لا نسلّم عدم القائل به بل القائل به أكثر الأصحاب ، لأنّهم قد أسلفوا
قاعدةً كلّية أنّ كلّ من نوى إقامة عشرة وصلّى تماماً ثمّ بدا له في الإقامة فإنّه
يبقى على التمام إلى أن يقصد مسافة جديدة ، وما ذكرناه هنا من أفراد هذه القاعدة
وإن كان ظاهرهم أنّها مسألة برأسها ، انتهى.
وأنت خبير بأنّ
فرقه في المقصد بين كونه في جهة بلده وعدمه خرق للإجماع المركّب ، بل قوله بالتمام
فيما إذا كان في جهة بلده خرق للإجماع البسيط ، لأنّ الناس متسالمون على أنّه
يقصّر في العود وعلى أنّه إذا قصد مسافة جديدة يقصّر ، وقد بيّنا أنّه قاصد مسافة
جديدة بالتقريب الّذي تقدّم آنفاً ، فليتأمّل جيّداً.
إذا عرفت هذا
فاعلم أنّه لا فرق في العزم على العود من دون عزم عشرة مستأنفة بين أن يرجع لإكمال
العشرة أو لا كأن يكون قد أكملها ولكنّه رجع لإقامة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما دونها كما هو صريح جماعة وقضية إطلاق آخرين ، وهو الموافق للقواعد والأدلّة والاعتبار. وأمّا إذا
كان غرضه مجرّد المرور من دون إقامة يوم أو أيّام فلم أجد أحداً صرّح بالفرق بينه
وبين ما إذا عزم على العود لإقامة دون العشرة إلّا الشهيد في «البيان» بل قد نصّ
بعضهم كالشهيد الثاني على عدم الفرق.
قال في «البيان»
، ولو عزم على مجرّد العود قصّر ، ولو عزم على الإقامة دون العشرة فوجهان ،
أقربهما الإتمام في ذهابه خاصّة ، فقد قطع بالأوّل واستقرب الثاني. ثمّ إنّ قضية إطلاقه
في الأوّل أنّه يقصّر حين الخروج (في الذهاب خ ل) وقد سمعت أنّه قال في «الدروس» : وإن نوى العود ولم ينو عشراً
فوجهان أقربهما القصر إلّا في الذهاب. وقضية إطلاقه هذا أنّه لا يقصّر إلّا في
العود سواء نوى مجرّد الرجوع أو مع إقامة دون العشرة بالتقريب المتقدّم من إدخال
المقصد في الذهاب. ونحو عبارة الدروس في عدم الفرق عبارة «المنتهى والكتاب والتذكرة ونهاية الإحكام والتحرير » وقد سمعتها وإن اختلف مختارهما في الذهاب. والغرض
أنّهما لم يفرّقا بين هذين العودين. ومثل عبارة الدروس في الحكم وعدم الفرق عبارة «الموجز
الحاوي» حيث قال : ولو عزم العود بلا إقامة قصّر . ومثل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ذلك عبارة «فوائد الشرائع وإرشاد الجعفرية » حيث قطعا فيهما بالحكم وزادا نفي الخلاف عنه.
وبقي الكلام
فيما لو عزم على العود وتردّد في إقامة العشرة أو كان ذاهلاً ، ففي «جامع المقاصد والجعفرية» أنّ فيه وجهين . وفي «المدارك والذخيرة والمصابيح» أنّ حكمه التمام . وفي «الغرية وإرشاد الجعفرية» الحكم بالقصر في العود . وفي «فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد» أنّه الأقوى . قلت : وهو قضية إطلاق العبارات السالفة كعبارة «الدروس
والبيان والموجز » وغيرها ، فتأمّل.
وفصّل الشهيد
الثاني فقال : إن كان العود مستلزماً للعود إلى بلده فالقصر في
الرجوع واضح ، وإن كان مخالفاً للرجوع إلى بلده فالمتجه البقاء على التمام إلى أن
يتحقّق قصد المسافة. وهذا بناءً على ما اعتمده وقد عرفت حاله.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد يقال :
إنّه لا وجه لذكر وجه التمام مطلقاً في المسألة بعد حكمهم في الجازم بعد العود
بعدم الإقامة بالقصر في العود ، لأنّ التردّد في مجرّد احتمال الإقامة لا يوجب
التمام من دون قصد إقامة العشرة ، فالوجه تعيّن القصر كما هو قضية إطلاق الأكثر ،
فليتأمّل.
ويجب التعرّض
لما إذا خرج إلى ما دون المسافة غير ناوٍ العود إلى دار الإقامة ، ففي «المنتهى والدروس والموجز الحاوي وفوائد الشرائع » الحكم بالتقصير. وهو ظاهر «التذكرة » والكتاب حيث قال فيهما : وإن لم يعزم قصّر ، ولا كذلك
، «والتحرير ونهاية الإحكام» فإنّ في الأوّل : ولو عزم على العود دون الإقامة قصّر
، وفي الثاني : وإن لم يعزم على الإقامة بعد العود فالأقوى التقصير . وكذلك بقية العبارات. وفي «نفائح الأفكار » نسبة الحكم بالتقصير فيما نحن فيه إلى حكم الأصحاب.
وفي «الرياض» أنّ ظاهر الأصحاب الاتفاق كما قيل على القصر ذهاباً وإياباً .
قلت : يجب
تقييد كلام المصرّح بما إذا قصد مسافة جديدة ، فيكون مرادهم أنّه إذا خرج إلى ما
دون المسافة قاصداً مسافة جديدة فإنّه يقصّر ولو أقام فيما دون المسافة أيّاماً
دون العشرة ، ولعلّهم تركوه للعلم به كما تركوا تقييد الخروج بكونه بعد الصلاة
تماماً. وقد تقدّم في ذلك إشكال فلا تنسه.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والحاصل : أنّه
بخروجه إمّا أن يريد الذهاب والتمادي في السفر بعد الموضع المفروض كونه دون
المسافة أو يريد الرجوع إلى دار إقامته بعده أو لا يحصل عنده أحد الأمرين بل يقصد
الخروج إليه مع تردّده فيما يفعله بعد ذلك أيقيم فيه أم ينشئ السفر بعد ذلك أو
يرجع ، فبيّنوا حكم الحالة الاولى بأنّه يقصّر ، واختلفوا في الثانية وتركوا
الثالثة لما علم من كلامهم في بيان أدلّتهم من أنّه يتمّ فيها.
وممّا ذكرنا
يعلم الحال فيما لو خرج لا بنيّة العود والإقامة عشراً ثمّ بعد ذلك عنّ له أن يقيم
في موضع الإقامة عشرة مستأنفة ، فإنّه يخرج مقصّراً لعدم المقتضي للتمام ، وهو عزم
الإقامة عند الشيخ وعزم العود عند الشهيد ، ثمّ يتمّ من وقت النيّة لحصول المقتضي له ، كما إذا
خرج المسافر إلى مسافة مقصودة ثمّ عنّ له في أثنائها إقامة العشرة في موضع لم يصل
إليه بعد ولكنّه دون المسافة فإنّه يتمّ في الطريق وموضع الإقامة ، ثمّ نعتبر
نهاية مقصده بعد ذلك. ولو فرض تجدّد نيّة العود لا غير رجع إلى التمام على مذهب
الشهيد إلى أن يأخذ في الرجوع فيقصّر.
ولو انعكس
الفرض بأن رجع عن نيّة الإقامة المستأنفة بعد الخروج إلى مقصده فإنّه يرجع إلى
التقصير لزوال المقتضي للتمام. وكذا لو رجع عن نيّة العود عند الشهيد. هذا تمام
الكلام فيما يتعلّق بالقول الثاني.
واعلم أنّ
الظاهر أنّ في حكم ناوي العشرة فيما نحن مَن مضى عليه ثلاثون يوماً.
وأمّا القول الثالث وهو الّذي أشرنا إليه في صدر المسألة وهو
أنّه يتمّ ذاهباً وآيباً وفي المقصد ودار الإقامة على كلّ حال فقد ذهب إليه جملة من مشايخنا المعاصرين أفاض الله سبحانه علينا بركاتهم ،
ولم أجد لهم على هذا الإطلاق موافقاً من المتقدّمين والمتأخّرين إلّا ما سمعته مهنّا بن سنان المدني ، وقد عرفت الحال فيه وأنّه ليس
موافقاً لهم على التحقيق ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لأنّه أفتى أوّلاً بالقصر ثمّ احتاط بالإتمام ورجّحه. وما قد يوجد في بعض
الحواشي على الهوامش ممّا نسب إلى الإمام فخر الإسلام نجل
المصنّف من أنّ نيّة الخروج إلى القرى المتقاربة والمزارع الخارجة عن الحدود لا
تقطع نيّة الإقامة بل يبقى على التمام ، سواء قارنت النيّة الاولى أم تأخّرت ،
وسواء نوى بعد الخروج إقامة عشرة مستأنفة أم لا ، انتهى. وكلامه هذا مع عدم صحّة
نسبته إليه قد بلغ من الشذوذ غايته ولا سيّما في المقارنة. وقد تقدّم في مبحث توالي العشرة طعن الشهيد الثاني في نسبة هذا الكلام
إليه والتشنيع على القائل به.
وعساك تتوهّم
أنّ الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وصاحب «كشف الالتباس» قائلون في بعض
تفاصيلهم بهذا القول حتّى أنّ صاحب «كشف الالتباس» ادّعى إجماع المسلمين على ذلك ،
لأنّك قد علمت أنّ أصحاب هذا القول يقولون : إنّه لو خرج إلى ما دون
المسافة في جهة مقابلة لجهة بلده ثمّ رجع إلى دار الإقامة عازماً على الخروج إلى
بلده بحيث يقال له إنّه مسافر من دونُ عزم إقامة عشرة مستأنف ولا عزم على الخروج
في كلّ يوم إلى ما دون المسافة أنّه يتمّ في الذهاب والإياب والمقصد ودار الإقامة
، ولم يوافقهم على ذلك أحد من هؤلاء الثلاثة ولا غيرهم إلّا من شذّ كما عرفت ذلك
بما لا مزيد عليه ، على أنّ مشايخنا دام ظلّهم لم يطّلعوا على ذلك كلّه ولو أنّهم
تتبّعوا لعلموا أنّ الأصحاب المتعرّضين لهذا الفرع مطبقون على التقصير في العود
ولا أقلّ من أن يظفروا بالإجماعات المنقولة والمحكيّ نقلها من مركّب وبسيط ،
وإنّما تمسّكوا ببعض ما ذكرناه في حجّة الشقّ الأوّل من المختار ، وأنت قد عرفت
الحال وأنّه لم يبق بعد اليوم في المسأله إشكال ، والله سبحانه هو العالم وأولياؤه
صلوات الله عليهم بحقيقة الحال.
__________________
ولو قصّر في
ابتداء السفر ثمّ رجع عنه لم يُعد.
ولا اعتبار
بأعلام البلدان ولا المزارع ولا البساتين وإن كان ساكن قرية.
ولو جمع سور
قرىً لم يشترط مجاوزة ذلك السور ، ولو كانت القرية في وهدة اعتبر بنسبة الظاهرة ،
وفي المرتفعة إشكال.
______________________________________________________
[لو قصّر في ابتداء السفر ثمّ رجع عنه]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
قصّر في ابتداء السفر ثمّ رجع عنه لم يُعد) وإن كان الوقت باقياً كما في «التذكرة ونهاية الإحكام والذكرى » وكذا لو تردّد عن عزمه في الذهاب والرجوع فالأصحّ أنّه
لا يعيد. وفي «الاستبصار » يعيد في الموضعين مع بقاء الوقت جمع بذلك بين خبر
زرارة وخبر المروزي.
ولو كان الرجوع
أو التردّد بعد بلوغ المسافة بقي على القصر إلى أن يقصد عشرة أو يمضي عليه ثلاثون
متردّداً كما مرَّ مكرّراً. قال في «الذكرى » : فلو تمادى في سفره متردّداً ومضى عليه ثلاثون يوماً
فهل يكون بمثابة مَن لم يتردّد وهو مقيم في المصر؟ فيه نظر من وجود حقيقة السفر
فلا يضرّ التردّد ومن اختلال القصد. وقال في «الروض» : وهل يحسب من الثلاثين ما
تردّد فيه إلى دون المسافة؟ فيه نظر ، وتوقّف فيه في «الذكرى ».
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
جمع سور قرى إلى قوله :
__________________
ولو رجع لأخذ شيء
نسيه قصّر في طريقه إن كان مسافة ، وإلّا فلا.
ولو أتمّ
المقصّر عامداً أعاد مطلقاً.
والجاهل بوجوب
التقصير معذورٌ لا يعيد مطلقاً ،
______________________________________________________
إشكال) قد تقدّم الكلام فيه في مبحث التواري بما لا مزيد عليه ، كما تقدّم الكلام في قوله : ولو رجع لأخذ شيء نسيه ، فلا تنس.
[لو أتمّ المقصّر الصلاة عامداً]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (ولو
أتمّ المقصّر عامداً أعاد مطلقاً) أي في الوقت وخارجه إجماعاً كما في «الانتصار والغنية والتذكرة والدروس والمصابيح » وظاهر «المنتهى والنجيبية والذخيرة » وقال بعضهم : سواء قعد قدر التشهّد أو لا. وسيأتي ما يوضح ذلك في
الناسي.
[في الجاهل بوجوب التقصير]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والجاهل
بوجوب التقصير معذورٌ لا يعيد مطلقاً) أي في الوقت وخارجه وهو المشهور كما في «الذكرى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإرشاد الجعفرية والروض والذخيرة » والأشهر كما في «الاثنا عشرية والكفاية والرياض والحدائق » ومذهب الأكثر كما في «المنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام والهلالية والغرية» والّذي يُشعر به كلام المفيد . ولم يتعرّض له علم الهدى في الجُمل والانتصار كصاحب
السرائر وستسمع كلام علم الهدى في جواب أخيه والرسّي. وهو خيرة «الفقه المنسوب إلى
مولانا الرضا عليهالسلام والنهاية والمبسوط والشرائع » وكتب المصنّف حتّى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«التبصرة والذكرى والدروس والبيان والموجز الحاوي وكشف الالتباس والجعفرية وشرحيها والروض والمسالك ومجمع البرهان والمدارك والاثنا عشرية والنجيبية والكفاية والذخيرة والمفاتيح والمصابيح والحدائق والرياض ».
وفي «الدروس والجعفرية » وشرحيها أنّ الحكم مطّرد في الصلاة والصوم.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وفي «الغنية والإشارة » أنّه يجب عليه الإعادة في الوقت ، وهو المنقول عن أبي عليّ وأبي الصلاح. واستشعره في «المختلف » من الرسّيّات. وفي «الغنية » الإجماع عليه. وعن ظاهر الحسن الإعادة مطلقاً. وفي «الذكرى» مع خروج الوقت
لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما يظهر من الحسن . وفي «الروض» أطلق بعض الأصحاب إعادة المتمّ مع وجوب
القصر عليه مطلقاً. ويؤيّده في الجاهل ما أورده السيّد الرضي رحمهالله تعالى على أخيه المرتضى على أنّ الإجماع واقع على أنّ
مَن صلّى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية ، وأجاب المرتضى بجواز تغيّر الحكم
الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور ، وحاصل الجواب يرجع إلى النصّ الدالّ
على عذره والقول به متعيّن ، انتهى.
قلت : هذا حكاه
الشهيد في «الذكرى » وقد اختلف كلام الأصحاب في توجيه جواب علم الهدى ، وقد
سمعت ما فهمه منه في «الروض» وقيل : إنّ مراده أنّ الأحكام الشرعية تختلف باختلاف
الأشخاص والأحوال ، فيجوز أن يكون حكم الجاهل بالقصر وجوب الإتمام عليه وإن كان
مقصّراً غير معذور بترك العلم. وحينئذٍ فهو آتٍ بالمأمور به فيكون مجزياً. وهذا
فهمه المولى الأردبيلي وتلميذه صاحب «المدارك » وقيل : إنّ مراده أنّه يختلف الحكم بالنسبة إلى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجاهل المطلق وإلى الجاهل العالم في الجملة كمن عرف أنّ للصلاة أحكاماً
وهذا احتمله في «مجمع البرهان » أيضاً.
وقال علم الهدى
في جواب الرسّي وقد سأله مثل سؤال أخيه ما نصّه : إنّ الجهل إن لم يعذر
صاحبه وهو مذموم جاز أن يتغيّر معه الحكم الشرعي ويكون حكم العالم بخلاف حكم
الجاهل. قال في «الحدائق» : فهذا بظاهره يرجع إلى الاحتمال الثاني أي إلى ما فهمه
صاحب «المجمع» وصاحب «المدارك» وقال : هذا منه قول بأنّ الحكم مع الجهل ليس كالحكم
مع العلم وفيه ردّ للإجماع المدّعى .
قلت : لعلّ
مراده أنّ عدم معذورية الجاهل هي الأصل والقاعدة الثابتة شرعاً لكنّه لا مانع من
أن يكون الشارع قد جعله معذوراً في خصوص المقام لثبوته من الشرع ، فإنّ العامّ
الشرعي ربّما يخصّص كما هو الحال في كثير من القواعد الشرعية ، ومنها هذه القاعدة
بالنسبة إلى الجهر والإخفات ، فيكون مسلّماً للإجماع مقرّاً لمدّعيه عليه ، فيكون
ما فهمه في «الروض» هو الصحيح الموافق للقواعد. ثمّ إنّ ما ذكره المصنّف في «المختلف»
من أنّ كلام السيّد في الرسّيّات يُشعر بالإعادة في الوقت من حيث إنّ سؤال السائل
تضمّن تخصيص سقوط فرض القضاء بخروج الوقت وهو يدلّ بمفهومه على الإعادة في الوقت
والسيّد لم ينكره فالظاهر أنّ مطمح نظر السيّد إنّما هو إلى الجواب عن أصل الإشكال
من غير نظر إلى الخصوصية المذكورة وصحّة ما ذكره السائل أو بطلانه من تلك الجهة ،
فليتأمّل.
وهل الحكم
يختصّ بجاهل وجوب التقصير من أصله أو ينسحب في الجاهل ببعض الأحكام كمن لا يعلم
انقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة وكالمصلّي في موضع يعتقد أنّه أحد الأربعة وليس
منها؟ قولان. وقد توقّف المصنّف في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«نهاية الإحكام » وهو ظاهر «المدارك » وكذا «الروض » وحكم في «مجمع البرهان » بالانسحاب مستنداً إلى الاشتراك في العذر المسوّغ لذلك
وهو الجهل. وفي «الذخيرة والمصابيح » ترجيح عدم الانسحاب. وفي «الروض » أنّ ظاهر النصّ والفتوى أنّ الحكم مختصّ بجاهل وجوب
التقصير. وفي «الحدائق » أنّه المشهور. وفي «الكفاية » أنّه أنسب بالقواعد.
قلت : ومقتضى
القاعدة عدم معذورية الجاهل للإجماع الّذي نقله الرضي والرسّي ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب من غير شكّ ولا ارتياب
إلّا فيما استثني للدليل ، فهذا عندهم غير معذور لدخوله في مطلق الجاهل الّذي
اتفقوا على عدم معذوريّته ، والتعليل الّذي استندوا إليه مع أنّه قياس محض جارٍ في
الجهل بالأحكام الشرعيّة مطلقاً من أحكام السفر وغير السفر صلاة كانت أو غيرها وهم
لا يقولون به.
هذا ولو صلّى
من فرضه التمام قصراً جاهلاً فالمشهور وجوب الإعادة كما في «الروض والحدائق » كما لو قصّر بعد نيّة الإقامة الموجبة للتمام جاهلاً ،
فإنّ ظاهر الأصحاب وجوب الإعادة. واختار صاحب «الجامع» الصحّة فيما نقل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عنه ، ونفى عنه البُعد في «مجمع البرهان » ورجّح في «الذخيرة والكفاية والحدائق » العمل على خبر منصور في خصوص مورده. وكأنّه مال إليه
في «الروض » وهذا صحيح منصور عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام بها عشرة فأتمّ
الصلاة ، وإن تركه رجل جاهلاً فليس عليه الإعادة . وهو وإن كان صحيحاً لكنّه لا يقاوم القاعدة اليقينية
فلا يخصّصها فيطرح ، على أنّه لم يعمل به غير الشيخ يحيى ابن سعيد ومَن وافقه من متأخّري المتأخّرين فيكون شاذّاً. ونقل عنه أيضاً أنّه ألحق بجاهل الحكم المذكور ناسي الإقامة فحكم
بأنّه لا إعادة عليه ، ومن وافقه من متأخّري المتأخّرين في ذاك خالفوه في هذا
وقالوا : إنّه خروجٌ عن مورد النصّ.
واحتمل في «الحدائق
» معذورية الجاهل في هذا المقام مطلقاً وفاقاً لبعض مشايخه استناداً إلى
خبر محمّد بن إسحاق الوارد في الامرأة الّتي صلّت المغرب
__________________
والناسي يعيد في الوقت خاصّة ،
______________________________________________________
ركعتين في سفرها حيث إنّ أبا الحسن عليهالسلام قال : «ليس عليها قضاء أو ليس عليها إعادة» وأيّد ذلك
بمؤيّدات ركيكة. وقال في «المصابيح » : قد حكم الأصحاب بشذوذ هذا الخبر ، قال : ووجه الشذوذ
مخالفته للأخبار المتواترة الدالّة على أنّ المغرب ثلاث ركعات ، مضافاً إلى فعل
النبيّ صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام وإجماع المسلمين بل هو ضروري. ومقتضى ذلك عدم إجزاء
الركعتين إلّا أن يثبت من الشرع ، وقد ثبت خلافه من الأخبار على أنّ المغرب لا قصر
فيها أصلاً ، مضافاً إلى الإجماع على ذلك ، انتهى كلامه قدّس الله سبحانه روحه
الشريفة (الشريف خ ل).
هذا وفي «المسالك
» أنّه لو كان جاهلاً بالمسافة فأتمّ ثمّ تبيّن كون القصد مسافة فلا إعادة
مطلقاً. ويقصّر بعد العلم وإن نقص عن المسافة. وفي «الجعفرية وشرحيها .» أنّه لو تجدّد له العلم بالمسافة والوقت باقٍ أعاد ،
أمّا لو خرج الوقت وقد صلّى تماماً فتجدّد العلم بالمسافة لم يكن عليه الإعادة وإن
فرط في الفحص.
[حكم المسافر إذا أتمّ صلاته ناسياً]
قوله قدّس الله
تعالى روحه : (والناسي
يعيد في الوقت خاصّة) في «الذكرى والبيان والكفاية والرياض » أنّه الأشهر. وفي الأخير أيضاً : أنّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عليه عامّة من تأخّر. وفي «الغرية وإرشاد الجعفرية والروض والمدارك والذخيرة والمصابيح والحدائق » أنّه المشهور. وفي «الخلاف والانتصار والغنية والسرائر » وظاهر «التذكرة » الإجماع عليه. وقال في «السرائر » بعد دعوى الإجماع : إنّ الأخبار به متواترة وعليه
العمل والفتوى من محصّلي فقهائنا. وقال في «كشف الرموز» : هذا مذهب الثلاثة والمتأخّر
مدّعياً عليه الإجماع ، وكذا الشيخ وعلم الهدى ، ولا أعلم فيه مخالفاً إلّا ابن
أبي عقيل .
قلت : وهو خيرة
«المبسوط » حيث قال : من نسي في السفر فصلّى صلاة مقيم لم تلزمه
الإعادة إلّا إذا كان الوقت باقياً فإنّه يعيد. هذه عبارته فيه وهي نصّة صريحة ،
فما أطبق عليه من تأخّر عن المختلف في نسبة الخلاف إلى المبسوط
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تعويلاً على المختلف غير صحيح ، وقد استند في «المختلف » في ذلك إلى عبارة ذكرها بعد هذه العبارة بسطرين
تقريباً ، وهي : من سها فصلّى أربعاً بطلت صلاته ، لأنّ من قال من أصحابنا بأنّ
كلّ سهو يلحق الإنسان في صلاة السفر يوجب الإعادة فظاهر ومَن لم يقل ذلك يقول هذا
زاد في صلاته فعليه الإعادة وهذه كما ترى منزّلة على الأوّل ، فتأمّل.
وهو خيرة «الفقه
المنسوب إلى مولانا الرضا عليهالسلام » على الظاهر منه و «النهاية والإشارة والشرائع والنافع وكشف الرموز » وكتب المصنّف ما عدا المنتهى والشهيدين وخيرة ابن هلال وأبي العبّاس والصيمري والكركي وتلميذيه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والمولى الأردبيلي وصاحب المعالم في «رسالته » وتلميذه في شرحها والكاشاني والخراساني . واستحسنه في «المدارك ». وقد يلوح من «المنتهى» التوقّف . ونقل عن عليّ بن بابويه أنّه يعيد مطلقاً. وفي «الدروس » هو قويّ على القول بوجوب التسليم.
وقال في «المقنع
» : إنّه يعيد إن ذكر في يومه وإن مضى اليوم فلا إعادة. وقد نسب ذلك في «النهاية
» بعد أن اختار المشهور إلى الرواية . وقالوا في بيان هذه العبارة : إن كان مراده بياض النهار فقد
وافق المشهور في الظهرين وأهمل أمر العشاء ، وإن كان مراده ذلك والليلة الماضية
كان مخالفاً للمشهور في العشاء ، وإن كان مراده ذلك والليلة المستقبلة يكون خالف
في الظهرين والعشاء أيضاً إلّا على القول ببقاء وقتها إلى الصبح. وأنت خبير بأنّ
عادة الصدوق في المقنع نقل متون الأخبار ، ففتواه عين رواية أبي بصير ، وإهمال ذكر
العشاء بناءً على عدم القول بالفصل كما اعترف به غير واحد .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال الشهيد في
«الذكرى » : ويتخرّج على القول بأنّ مَن زاد خامسة في الصلاة
وكان قد قعد مقدار التشهّد تسلم له الصلاة صحّة الصلاة هنا ، لأنّ التشهّد حائل
بين ذلك وبين الزيادة. واستحسنه في «روض الجنان » وقال : إنّه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول به هنا
، ولا يمكن التخلّص من ذلك إلّا بأحد امور : إمّا إلغاء ذلك الحكم كما ذهب إليه
أكثر الأصحاب ، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النصّ فلا
يتعدّى إلى الثلاثية والثنائية فلا تتحقّق المعارضة هنا ، أو اختصاصه بزيادة ركعة
لا غير كما ورد به النصّ هناك ولا يتعدّى إلى الزائد كما عدّاه بعض الأصحاب ، أو
القول بأنّ ذلك في غير المسافر جمعاً بين الأخبار ، لكن يبقى فيه سؤال الفرق مع
اتحاد المحلّ.
واجيب في «المدارك
والحدائق » بما هو حاصل ما في «مجمع البرهان » بأنّ النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهّد
كانت هذه المسألة جزئية مَن جزئيّات من زاد في صلاته ركعة فصاعداً بعد التشهّد
نسياناً وأنّ الأصحّ أنّ ذلك غير مبطل للصلاة مطلقاً على القول باستحباب التسليم ،
وإن حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقع الصلاة أو بعضها على وجه التمام اتجه القول
بالإعادة في الوقت دون خارجه. وفيه نظر ظاهر ، لأنّ قضية ذلك أن يحمل النصّ
والإجماع الواردان هنا بالإعادة على القسم الثاني لكنّهما مطلقان إلّا أن يقال :
إنّ هذا أظهر الأفراد ، فليتأمّل.
ثمّ اعلم أنّه
إذا ذكر في أثناء الصلاة وأمكنه العدول إلى القصر عدل وصحّت صلاته ، لأنّ زيادة
غير الركن سهواً لا تضرّ وإن دخل في الركوع استأنف ، وكذا الحال في صورة الجهل
فيما إذا دخل في الركوع فإنّه يستأنف وإن لم يدخل فيه
__________________
ولو قصّر المسافر اتّفاقاً أعاد قصراً.
______________________________________________________
فيحتمل أنّه يهدم القيام وتصحّ الصلاة ، لأنّه لو أتمّ الصلاة أربعاً كان
معذوراً فهنا أولى ، ويحتمل عدم معذوريته ، لأنّه زاد في صلاته قياماً عمداً
وجهلاً لأنّ الجاهل عامد غير معذور ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : (ولو
قصّر المسافر اتّفاقاً أعاد قصراً) كما في «الشرائع والتحرير والهلالية وغاية المرام » وغيرها . وفي «التذكرة ونهاية الإحكام » لو قصّر المسافر اتفاقاً من غير أن يعلم وجوبه أو جهل
المسافة فاتفق أن كان الفرض ذلك لم تجزه ، ولو ظنّ المسافة فأتمّ ثمّ علم القصور
فاحتمالان. وفي «المبسوط» إذا قصّر المسافر مع الجهل بجواز التقصير بطلت صلاته ،
لأنّه صلّى صلاةً يعتقد أنّها باطلة ، انتهى. وفي «حواشي الشهيد » ذكر للعبارتين التفسيرين المذكورين في «التذكرة» وقال
: إنّ الأوّل أنسب ، وهو الموافق لما في «المبسوط».
وقال في «الذكرى»
: في هذه العبارات تفسيرات ، أحدها : أن يكون غير عالم بوجوب القصر فإنّه صلّى
صلاةً يعتقد فسادها ، وهذا ذكره في «المبسوط». الثاني : أن يعلم وجوب القصر ولكن
جهل بلوغ المسافة فقصّر فاتفق بلوغ المسافة فإنّه يعيد ، لأنّه صلّى قصراً مع أنّ
فرضه التمام فيكون منهيّاً عنه ، فيعيد في الوقت
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قصراً ، أمّا إذا خرج الوقت فيحتمل قوياً القضاء تماماً ، لأنّه قد كان
فرضه التمام فليقضها كما فاتته ، ويحتمل القضاء قصراً ، لأنّه مسافر في الحقيقة
وإنّما منعه من القصر جهل المسافة وقد علمها. وهذا مطّرد فيما لو ترك الصلاة أو
نسيها ولم يكن عالماً بالمسافة ثمّ تبيّن المسافة بعد خروج الوقت فإنّ في قضائها
قصراً وتماماً الوجهين. التفسير الثالث : أن يعلم وجوب القصر وبلوغ المسافة ولكن
نوى الصلاة تماماً نسياناً ثمّ سلّم على ركعتين ناسياً ثمّ ذكر فإنّه يعيد
لمخالفته ما يجب عليه من ترك نيّة التمام وتكون الإعادة قصراً سواء كان الوقت
باقياً أم لا ، لأنّ فرضه القصر ظاهراً وباطناً ، ويحتمل قوياً هنا إجزاء الصلاة ،
لأنّ نيّة التمام لغوٌ والناسي غير مخاطب ، انتهى. وقد نقل ذلك كلّه في «المسالك والمدارك » ساكتين عليه.
* * *
وقد تمّ
المجلّد الثامن من كتاب مفتاح الكرامة على قواعد العلّامة أجزل الله سبحانه إكرامه
سنة خمس ومائتين وألف يوم الجمعة في النيف والعشرين من جمادى الاولى ، ويتلوه بلطف
الله سبحانه وفضله وإحسانه وعفوه في المجلّد التاسع كتاب الزكاة ، والحمد لله ربّ
العالمين والصلاة والسلام على أفضل المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين صلاةً
تامّةً باقيةً إلى يوم الدين ، والله حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير
، على يد مؤلّفه العبد الفقير محمّد الجواد بن محمّد بن محمّد الحسيني الحسني
العاملي ، عامله الله تعالى بلطفه وعفا عنه وعنهم بمنّه وكرمه ، وأتوسلّ إليه
سبحانه بمحمّد وآله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجعله خالصاً لوجهه وأن يحملني ويقهرني على إكماله.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله على
جماله وكماله ونشكره على عطائه ونواله ولا سيّما على ما وفّقنا للفكر والنظر في
العلوم الشرعية والمعارف الإلهية التي هي أعظم عطاياه وألذّ نواله. والصلاة
والسلام على محمّد خاتم المرسلين وعلى آله البررة الهداة المعصومين.
وبعد ، فإنّا
نبتهج كمال الابتهاج ونسرّ أشعف السرور بتوفيقه سبحانه وتعالى لنا ولإخواننا
المساعدين لنا في تحقيق وتبيين كتاب «مفتاح الكرامة» على إتمام كتاب الطهارة
والصلاة بإتمام هذا الجزء وهو الجزء العاشر حسب ما جزّأناه ، وبطبعه ووضعه أمامكم
القرّاء الأفاضل والفقهاء الأماثل ، ونحن لا ندّعي انا بذلنا جميع ما يمكن في
تحقيق هذا الكتاب الشريف فإنّه لم يكن بأيدينا جميع الأسباب الممكنة والوسائل
المقرّبة لذلك ، إلّا أنّا ندّعي بذل ما كان بوسعنا والتمسّك بالأسباب التي
بأيدينا في طريق تحقيقه وتبيينه ، ونرجو ممّن ينظر في هذه الصحائف الغرّ ويطالع
هذه الأبحاث القيّمة ورأى في التحقيق فيها ما ينبئ عن الخطأ أو الاشتباه فليحمله
على القصور لا التقصير فإنّا لم نقصّر في تحقيقها وتبيين مواضع قصوره أو موارد
مخالفة النقل لمنقوله ، ونرجو من الفقهاء والأفاضل إذا نظروا في مطالب هذا الكتاب
أن لا ينسونا من صالح الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
|
١٣ ربيع الأول ١٤٢٣
محمّد باقر الخالصي
|
فهرس الموضوعات
الفصل الثالث : في
الجماعة....................................................... ٥
المطلب الأوّل : في
شرائط الجماعة.................................................. ٥
الأول : في اعتبار
العدد........................................................... ٥
الثاني : في شرائط
إمام الجماعة..................................................... ٧
الثالث : عدم تقدّم
المأموم على الإمام............................................. ٢٥
حكم وقوف الرجل عن
يمين الإمام............................................... ٣٢
حكم وقوف المرأة خلف
الإمام................................................... ٣٤
حكم ما لو كان الإمام
امرأة والمأموم عارياً.......................................... ٣٨
حكم وقوف الخنثى
والمرأة في الصفّ.............................................. ٣٩
كراهة انفراد غير
المرأة وخائف الزحام بالصفّ...................................... ٤٢
فيما إذا تقدّمت سفينة
المأموم عن سفينة الإمام..................................... ٤٤
الرابع : اتّصال
المأمومين والإمام................................................... ٤٥
المعيار في صدق القرب
والاتصال................................................. ٤٧
فروع ثلاثة في الخلل
بين الإمام والمأموم............................................. ٥٢
الخامس : عدم الحائل
المانع عن المشاهدة........................................... ٥٥
السادس : عدم عُلوّ
الإمام عن المأموم............................................. ٦٦
السابع : نيّة المأموم
للاقتداء..................................................... ٧٣
في اشتراط تعيين
المأموم لإمامه.................................................... ٧٧
فيما إذا نوى كلٌّ من
الإمام والمأموم الإمامة أو الائتمام............................... ٨٢
فيما لو شكّ كلّ منهما
في نيّة الإمامة أو الاقتداء................................... ٨٣
حكم المنفرد إذا أراد
نيّة الإئتمام أو بالعكس....................................... ٨٥
حكم ما لو أحرم
مأموماً فصار إماماً.............................................. ٩٣
الثامن : اشتراط وحدة
الصلاة في النظم............................................ ٩٤
جواز اقتداء المفترض
بمن يصلّي احتياطاً وبالعكس................................... ٩٦
جواز اقتداء المؤدّي
بالقاضي وبالعكس............................................ ٩٨
تخيّر مَن نقصت صلاته عن
صلاة الإمام بين التسليم والانتظار....................... ٩٩
استحباب إعادة المنفرد
صلاته مع الجماعة........................................ ١٠١
حكم نيّة المعيد صلاته
مع الجماعة.............................................. ١٠٥
المطلب الثاني : في
الأحكام.................................................... ١٠٦
استحباب الجماعة في
الفرائض اليومية............................................ ١٠٦
حكم مَن أدرك الإمام
بعد ما رفع رأسه من الأخيرة................................ ١١٠
حكم مَن أدرك الإمام
بعد السجدة الأخيرة....................................... ١١٩
هل يدرك المأموم
بإدراك الإمام بما تقدّما فضيلة الجماعة؟........................... ١٢٥
حكم مَن وجد الإمام
راكعاً وخاف فوت الجماعة.................................. ١٢٦
حكم القراءة خلف
الإمام ونقل الأقوال فيها...................................... ١٣٢
تتمّة تحتوي على حكم
الصلاة مع العامّة......................................... ١٦٨
حكم المسبوق
بالأُوليين المقتدي بالأخيرتين....................................... ١٦٩
وجوب متابعة المأموم
للإمام في أفعال الصلاة...................................... ١٨١
حكم مَن تقدّم على
الإمام عامداً أو ناسياً........................................ ١٨٦
فروع كثيرة حول مسألة
تقدّم المأموم على الإمام................................... ١٩٧
فيما حكم باستحبابه في
الجماعة................................................ ١٩٩
استحباب تقديم الفضلاء
إلى الصفّ الأوّل....................................... ١٩٩
استحباب القيام إلى
الصلاة عند قول : قد قامت الصلاة.......................... ١٩٩
استحباب إسماع الإمام
مَن خلفه الشهادتين....................................... ٢٠٠
استحباب قطع النافلة
لو خاف فوت الجماعة..................................... ٢٠١
حكم إتمام الفريضة
نافلةً عند فوت الجماعة...................................... ٢٠٥
حكم قطع الفريضة عند
فوت الجماعة........................................... ٢٠٦
استحباب قطع الفريضة
مع حضور إمام الأصل للجماعة........................... ٢٠٩
استحباب تقديم شاهد
الإقامة في الاستنابة عن الإمام.............................. ٢١٠
استحباب توقّف الإمام
في موضعه ليلحق به المسبوق.............................. ٢١١
فيما حكم بكراهته في
الجماعة.................................................. ٢١٢
كراهة تمكين الصبيان
إلى الصفّ الأوّل.......................................... ٢١٢
حكم التنفّل بعد
الإقامة....................................................... ٢١٢
حكم اقتداء الحاضر
بالمسافر وبالعكس.......................................... ٢١٢
حكم اقتداء أصناف
بأصناف اُخرى............................................ ٢١٧
فيمن هو أولى بالإمامة
عند الشارح وغيره........................................ ٢٣٤
أولويّة صاحب المسجد
من غيره في الإمامة....................................... ٢٣٤
أولويّة صاحب المنزل
من غيره في الإمامة......................................... ٢٣٨
أولويّة صاحب الإمارة
من غيره في الإمامة........................................ ٢٣٩
أولويّة الإمام
الهاشمي عن غيره في الإمامة......................................... ٢٤٢
أولويّة مَن قدّمه المأمومون
عن غيره في الإمامة..................................... ٢٤٥
أولويّة الأقرأ على
غيره في الإمامة................................................ ٢٤٨
ما هو المراد من
الأقرأ؟......................................................... ٢٥٥
أولويّة الأفقه بعد
الأقرأ وعدمها................................................. ٢٥٧
أولويّة الأقدم هجرةً
بعد الأفقه وعدمها.......................................... ٢٦٠
أولويّة الأسنّ بعد
الأقدم هجرةً وعدمها.......................................... ٢٦٢
أولويّة الأصبح وجهاً
بعد الأسنّ وعدمها......................................... ٢٦٤
أولويّة القرعة أو
الأتقى والأورع بعد الأصبح وعدمها............................... ٢٦٧
كلام للأردبيلي في
تفسير الأتقى والأورع......................................... ٢٦٨
فيما لو علم المأموم
فقد شرط الإمامة بعد الصلاة................................. ٢٦٩
فيما لو علم المأموم
فقد شرط الإمامة في أثناء الصلاة.............................. ٢٧٤
فروع :...................................................................... ٢٧٦
الأوّل : فيما لو
اقتدى بخنثى................................................... ٢٧٦
الثاني : حكم الإمامة
الأخسّ للأعلى مرتبةً....................................... ٢٧٧
الثالث : حكم ائتمام
أحد الأُمّيّين بالآخر....................................... ٢٧٨
الرابع : في وجوب
ائتمام الأُمّي بالعارف وعدمه................................... ٢٧٩
حكم ما إذا تمكّن
الأُمّي من التعلّم والائتمام بالعارف.............................. ٢٧٩
حكم ائتمام المرأة
العالمة بالأمة المعتقة مع جهلها بعتقها............................. ٢٨٠
الخامس : هل الصلاة
ممّا يوجب الحكم بإسلام المصلّي؟............................ ٢٨٠
الفصل الرابع : في
صلاة الخوف ولكن سقط من قلمه الشريف شرحه................ ٢٨١
المطلب الأوّل : في
محلّ القصر.................................................. ٢٨٢
الفصل الخامس : في
صلاة المسافر.............................................. ٢٨٢
حكم ما لو سافر في
أثناء الوقت................................................ ٢٨٢
حكم مَن حضر من السفر
في أثناء الوقت....................................... ٢٩٣
حكم المقصّر في
الأماكن الأربعة................................................ ٢٩٧
على تقدير اختصاص
الحكم بالمسجد هل يختصّ بالقديم؟.......................... ٣٠٤
في اختصاص الحكم
بالحائر وعدمه.............................................. ٣٠٥
حكم قضاء الصلاة
الفائتة عن ساكني الأماكن الأربعة............................. ٣٠٩
فيما لو شكّ الساكن في
الأماكن الأربعة بين الاثنين والأربع........................ ٣١١
فروع ثلاثة في الساكن
في الأماكن الأربعة........................................ ٣١٢
المطلب الثاني :
الشرائط ، وهي خمسة........................................... ٣١٣
الأوّل : في اعتبار
قصد المسافة................................................. ٣١٣
في بيان مبدأ المسافة
شرعاً...................................................... ٣١٤
في بيان حدّ المسافة
المعتبرة...................................................... ٣١٨
في بيان حدّ الميل
المعتبر في المسافة............................................... ٣٢٠
في كفاية التلفيق في
المسافة المعتبرة وعدمه......................................... ٣٢٣
هل يكفي في تحقيق
المسافة مسير يوم؟........................................... ٣٢٨
فيما لو اختلف السير
والتقدير في المسافة......................................... ٣٣٠
تحقّق السفر بقطع
المسافة ولو في أيّام............................................ ٣٣١
فيما لو قصد التردّد
بين الثلاث................................................. ٣٣٢
رسالة
بحر العلوم في المسافة الشرعية
نقل بحر العلوم أقوال
العامّة في المسافة الشرعيّة.................................... ٣٣٣
نقل أقوال أصحابنا في
المسافة الشرعيّة........................................... ٣٣٥
الاستدلال على الأقوال
بالأخبار والتحقيق فيها................................... ٣٤٦
حكم مَن انتظر الرفقة
بعد خفاء الجدران أو الأذان................................ ٤٣٥
الثاني : لزوم الشروع
في المسافة في تحقّق السفر.................................... ٤٤٠
هل ابتداء جواز القصر
خفاء الجدران أو الأذان أو كليهما.......................... ٤٤١
في أن حدّ الترخّص في
الشروع هو حدّه في الرجوع................................ ٤٦٠
فيما لو منع عن السفر
بعد خفاء الجدران والأذان................................. ٤٦٥
الثالث : استمرار قصد
السفر.................................................. ٤٦٧
وجوب الاتمام لو نوى
الإقامة عشراً.............................................. ٤٦٧
حكم السفر بالمرور على
المِلك أو المستوطن ستّة أشهر............................. ٤٨٦
في اعتبار المسافة بين
الملك أو الوطن وبين المقصد ثانياً............................. ٥٠٥
اعتبار المسافة بين
الموطنين في القصر............................................ ٥٠٦
حكم البلد الّذي اتخذه
دار المقامة............................................... ٥٠٧
الرابع : أن لا يكون
كثير السفر................................................ ٥١٣
في تعريف كثير السفر......................................................... ٥١٧
في مصاديق كثير السفر........................................................ ٥٢٤
فيما يقطع به كثرة
السفر....................................................... ٥٢٥
كفاية صدق المكاري
والملاّح والجمّال............................................ ٥٣٩
الخامس : أن لا يكون
السفر لمعصية............................................ ٥٤١
حكم المتَصيّد للقوت.......................................................... ٥٤٧
حكم المتصيّد للتجارة.......................................................... ٥٤٧
عدم اشتراط انتفاء
المعصية في القصر............................................ ٥٥٥
فيما لو قصد سفرةً
للمعصية في أثناء سفره....................................... ٥٥٦
فيما لو سلك طريقاً
مخوفاً من غير تحرّز.......................................... ٥٥٩
المطلب الثالث : في
الأحكام................................................... ٥٦٠
في وحدة الشروط والحكم
بين الصلاة والصوم وعدمها.............................. ٥٦١
حكم رجوع ناوي الإقامة
عشراً عن نيّته.......................................... ٥٦٧
حكم مَن رجع عن نيّة
الإقامة قبل إتيان صلاة واحدة.............................. ٥٦٧
حكم مَن رجع عن نيّة
الإقامة في أثناء أول صلاة.................................. ٥٧١
فيما لم يصلّ ناوي
الإقامة حتى خرج الوقت...................................... ٥٧٤
هل حكم الصوم لناوي
الإقامة كالصلاة؟........................................ ٥٧٨
فيما لو أحرم بنيّة
القصر ثمّ نوى الإقامة.......................................... ٥٨٢
فيمن تردّد في الإقامة
إلى ثلاثين يوماً............................................ ٥٨٣
حكم الناوي عشراً إذا
خرج إلى ما دون المسافة................................... ٥٨٥
وجوب إعادة المسافر
الصلاة عامداً.............................................. ٦١٧
في معذوريّة الجاهل
بوجوب التقصير إذا أتم........................................ ٦١٧
حكم المسافر إذا أتمّ
صلاته ناسياً............................................... ٦٢٤
حكم المسافر إذا قصّر
من غير التفات بحكمه.................................... ٦٢٩
|