

بسم الله الرّحمن
الرّحيم
المقدمة
عاش الإمام
السيوطي في مصر في الفترة ما بين منتصف القرن التاسع الهجري وأوائل القرن العاشر
الهجري (٨٤٩ ه ـ ٩١١ ه م ـ ١٥٠٥ م) أي في أواخر العصر الذي اصطلح المؤرخون على
تسميته بـ «عصر المماليك».
هو الإمام جلال
الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر الكمال بن ناصر الدين محمد بن سابق الدين
أبي بكر بن فخر الدين عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي
الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي
الشافعي .
تحلّى الجلال
السيوطي بكريم الأخلاق ، وجميل الصفات ، وعظيم الشمائل ، فقد كان عالما ، عاملا
بما وهبه الله من أنواع العلوم والفنون ، توّج ذلك كله تقوى الله تعالى ، والخوف
منه ، وحبّ سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والعمل على تطبيقها ، وكراهية
البدع والبعد عن أصحابها ، وقد اتّصف بإعراضه عمن آذاه ومسامحته لهم.
ومن صفاته
التمسك بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وعدم الخوف من لوم لائم ولا قهر
سلطان.
ومن فتاواه
الجريئة فتواه بهدم منزل معدّ للفساد وغيرها من الفتاوى.
ومن صفاته عدم
التردد إلى السلاطين ، وسلوكه في ذلك طريق السلف الصالح ، وقال مرة : «مالي
وللسلطان ، إن كان للسلطان عندي حاجة فليأت إلى منزلي».
وقد عرضت عليه
المناصب الرفيعة فتركها ولم يلتفت إليها ، وذكر تلميذه الشاذلي أنه كان إذا احتاج
إلى شيء من النفقة باع من كتبه وأكل من ثمنها.
__________________
ومن صفاته كثرة
التأني في الأمور ، وحسن الاعتقاد في الفقراء ، وأهل الصلاح ، والزهد والتعبد وكل
من ينسب إلى شيء من خصال الخير.
حياته العلمية :
كانت أسرته من
أهل العلم والصلاح ، ولها اعتقاد بالأولياء ، ولكن السيوطي نشأ يتيما فقد توفّي
والده ولم يتمّ السادسة من عمره. وقد شبّ السيوطي على حفظ القرآن وكان قد ختمه وله
دون ثماني سنين ، وحفظ بعد ذلك (عمدة الأحكام) في الحديث وهو لعبد الغني المقدسي ،
و (منهاج الطالبين) للنووي ، و (الألفية في النحو) لابن مالك.
واستمر السيوطي
مواظبا على طلب العلم لا يعرف الكلل أو الملل ، فلازم العلماء ملازمة تامة يشغل
وقته كله متنقّلا من حلقة شيخ إلى مجلس عالم.
واستمر السيوطي
مواظبا على طلب العلم مما جعل أساتذته يجيزونه بالإفتاء والتدريس وهو في سن مبكرة
، وبتنوع مناهله ، وكثرة شيوخه كان نبوغ السيوطي ، فهو قد أخذ الفقه ، والنحو عن
جماعة من الشيوخ ، وأخذ الفرائض عن العلّامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين
الشارمساحي. وقد بدأ التأليف في سنة (٨٦٦ ه) وكان أول شيء ألّفه (شرح الاستعاذة
والبسملة).
ولزم في الحديث
والعربية تقي الدين الشّمنّي أربع سنين وكتب له تقريظا على شرح «ألفية ابن مالك» وعلى
«جمع الجوامع» في العربية.
وقد شهد له
بالتقدم والنبوغ أكثر من مرة.
وقد أخذ جملة
من العلوم والفنون ، منها التفسير والأصول والعربية والمعاني عن العلامة محي الدين
الكافيجي إلى غير ذلك من الدروس التي حضرها على كبار العلماء في ذلك العصر.
يقول : «قد
رزقت ، ولله الحمد» ، التبحّر في سبعة علوم : «التفسير ، والحديث ، والفقه ،
والنحو ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، على طريقة العرب والبلغاء لا على طريق
المتأخرين من العجم وأهل الفلسفة ، بحيث أن الذي وصلت إليه في هذه العلوم سوى
الفقه لم يصل إليه ، ولا وقف عليه أحد من أشياخي فضلا عمّن دونهم ، وأما
الفقه فلا أقول ذلك فيه بل شيخي فيه أوسع نظرا ، وأطول باعا ، ودون هذه
السبعة في المعرفة أصول الفقه والجدل والتصريف ، ودونها الفرائض والإنشاء والترسّل»
.
وقد أدلى
السيوطي بدلوه في علم البديع والمحسّنات ، وسابق أهل الفصاحة والبيان فكتب
المقامات الأدبية ، والطبية وغيرها ، وهي كثيرة إذ بلغت بعد التحقيق / مقامة ، وقد سيطرت الروح العلمية على كثير من مقاماته فهي
مملوءة بالنصوص المنقولة والفوائد العلمية ، وكثيرا ما صوّر في هذه المقامات حالة
عصره وما عاناه من خصومه وحسّاده وذلك بأسلوب سهل ، وعبارة واضحة بعيدا عن الغموض
والتعقيد.
وله إلى جانب
ذلك «شعر كثير أكثره متوسّط وجيّده كثير ، وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام
الشرعية» .
وله ديوان شعر
اسمه : «حديقة الأريب وطريقة الأديب».
وقد نظم
السيوطي في الأغراض الشعرية المختلفة فله في المديح والرثاء والمديح النبوي
والإخوانيات والأحداث العامة ، غير أن له باع طويل في نظم العلوم والفنون ،
والفوائد العلمية والأحكام الشرعية.
بعد أن أخذ
السيوطي العلم على علماء بلده ، شرع في الرحلة في طلب العلم كعادة العلماء ، وكانت
أولى رحلاته إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، وقد جمع فوائد هذه الرحلة وما وقع فيها
وما ألّفه أو طالعه أو نظمه وما أخذه عن شيوخ الرواية في تأليف سمّاه (النحلة
الركية في الرحلة المكية) ، وفي طريقه إلى مكة اختتم مختصره على ألفية العراقي في
المصطلح. وعند وصوله إلى مكة ألّف كرّاسا سمّاه (النفحة المسكية والتحفة المكية).
ولما رجع إلى
مصر ابتدأ رحلة أخرى إلى دمياط والإسكندرية والفيوم والمحلّة استمرت نحوا من ثلاثة
أشهر ، وقد جمع فوائد هذه الرحلة في مؤلّف سمّاه (الاغتباط في الرحلة إلى
الإسكندرية ودمياط).
__________________
مؤلّفاته :
يعدّ السيوطي
في أغزر كتّاب العربية قاطبة ، وأصبح مضرب المثل في كثرة التصنيف وبالعقلية
الموسوعية المميزة. وقد بلغت مؤلّفاته نحوا من (٥٣٨) كتابا ذكرها في فهرس لمؤلّفاته سنة (٩٠٤ ه).
وقد قام
الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال بجمع مؤلفات السيوطي في كتابه (مكتبة الجلال السيوطي)
وكذلك نشر الدكتور عبد الإله نبهان فهرسا لمؤلّفات السيوطي وغيرهم.
أهم كتبه :
حسن المحاضرة ـ
المزهر ـ تاريخ الخلفاء ـ الأشباه والنظائر الفقهية ـ الأشباه والنظائر النحوية ـ التحدّث
بنعمة الله ـ المقامات ـ الردّ على من أخلد إلى الأرض دعواه ـ الإتقان في علوم
القرآن ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور ـ وترجمان القرآن ـ أسرار التنزيل ـ الإكليل
في استنباط التنزيل ـ تناسق الدرر في تناسب الآيات والسور. وغيرها كثير.
كتاب الأشباه والنظائر النحوية :
والكتاب الذي
بين أيدينا من أجلّ كتبه وأكثرها استيعابا للنحو ، وهو ثمرة من ثمرات التفاعل
الحاصل بين العلوم الدينية والعلوم العربية.
ويعدّ هذا
الكتاب من مبتكرات السيوطي التي لم يسبق إلى مثله ، وقد بنى كتابه على سبعة فنون ،
جعل لكل فنّ عنوانا خاصا وخطبة لأن كلا منها يصلح أن يكون مؤلفا مستقلا.
وقد طبع هذا
الكتاب عدّة طبعات بحيدر آباد سنة (١٣١٧ ه) وطبعة ثانية بها سنة (١٣٦١ ه) ، ثم
صدر في القاهرة بتحقيق طه عبد الرؤوف سعيد سنة (١٣٩٥ ه) عن مكتبة الكليات
الأزهرية ، ثم أصدره مجمع اللغة العربية بدمشق بتقديم الدكتور شاكر الفحام وتحقيق
أجزائه لمحقّقين مختلفين : ١ ـ تح عبد الإله
__________________
نبهان (١٩٨٥). ٢ ـ تح غازي طليمات (١٩٨٦) ، ٣ ـ تح إبراهيم العبد الله (١٩٨٦)
، ٤ ـ تح أحمد مختار الشريف (١٩٨٧).
أما عملنا في
هذا الكتاب وباعتمادنا النسخ المطبوعة مسبقا واعترافنا بفضلها فقد أضفنا في تخريج
الشواهد النحوية التي اعتمدها السيوطي ، وأرجعناها إلى مصادرها النحوية ، وقمنا
بكتابة الشطر الثاني من الشعر ووضعناه في [ ] ، بالإضافة إلى تخريج الآيات
القرآنية والحديث النبوي الشريف من مصادرهما وكذلك الأعلام المهمّ تخريجها ..
والله وليّ التوفيق.
غريد الشيخ
٢٠/٦/٢٠٠٠
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
وصلّى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم
مقدّمة المؤلف :
سبحان الله
المنزّه عن الأشباه والنّظائر ، والحمد لله المتفضّل بغفران الكبائر والصغائر ،
ولا إله إلا الله وحده لا شريك له العالم بما في الضمائر ، والله أكبر من أن يضاف
إليه سمة حدث أو يحاط بإشارة مشير أو عبارة عابر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله في
جميع الموارد والمصادر. والصلاة والسّلام على رسوله محمد المنسوب إليه جموع
الفضائل والمفاخر ، المذكور في كتب الله تعالى بأشرف الأسماء والألقاب والنعوت
والمآثر ، وعلى آله الطيّبين الأماثل وصحبه النجوم الزواهر.
العربية
أول فنون المؤلف : أما بعد ، فإنّ الفنون العربية على اختلاف أنواعها هي أول فنوني ، ومبتدأ
الأخبار التي كان في أحاديثها سمري وشجوني ، طالما أسهرت في تتبع شواردها عيوني ،
وأعملت فيها بدني إعمال المجدّ ما بين قلبي وبصري ويدي وظنوني.
ولم أزل من زمن
الطلب أعتني بكتبها قديما وحديثا ، وأسعى في تحصيل ما دثر منها سعيا حثيثا ، إلى
أن وقفت منها على الجمّ الغفير ، وأحطت بغالب الموجود مطالعة وتأمّلا بحيث لم
يفتني منها سوى النّزر اليسير ، وألّفت فيها الكتب المطوّلة والمختصرة ، وعلّقت
التعاليق ما بين أصول وتذكرة ، واعتنيت بأخبار أهلها وتراجمهم وإحياء ما دثر من
معالمهم وما رووه أو رأوه ، وما تفرّد به الواحد منهم من المذاهب والأقوال ضعّفه
الناس أو قوّوه ، وما وقع لهم مع نظرائهم وفي مجالس خلفائهم وأمرائهم ، من مناظرات
ومحاورات ، ومجالسات ومذاكرات ، ومدارسات ومسايرات ، وفتاو ومراسلات ، ومعاياة
ومطارحات ، وقواعد ومناظيم ، وضوابط وتقاسيم ، وفوائد وفرائد ، وغرائب وشوارد ،
حتى اجتمع عندي من ذلك جمل ، ودوّنتها رزما لا أبالغ وأقول : وقر جمل.
وكان مما سوّدت
من ذلك كتاب ظريف ، لم أسبق إلى مثله ، وديوان منيف لم
ينسج ناسج على شكله ، ضمّنته القواعد النحوية ذوات الأشباه والنظائر ،
وخرّجت عليها الفروع السّائرة سير المثل السائر ، وأودعته من الضوابط والاستثناءات
جملا عديدة ، ونظمت في سلكه من النوادر الغريبة والألغاز كل فريدة ، ولم يكن انتهى
المقصود منه لاحتياجه إلى إلحاق ، ولا سوّد بتسطير جميع ما أرصد له من بياض
الأوراق ، فحبسته بضع عشرة سنة وحرم منه الكاتبون والمطالعون ، ثم قدّر الله أنّي
أصبت بفقده ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فاستخرت الله تعالى في إعادة تأليفه
ثانيا والعود ـ إن شاء الله تعالى ـ أحمد ، وعزمت على تجديده طالبا من الله سبحانه
المعونة ؛ فهو أجل من في المهمات يقصد.
سبب
تأليف الكتاب : واعلم أن السبب الحامل لي على تأليف ذلك الكتاب الأول أني قصدت أن أسلك
بالعربية سبيل الفقه فيما صنفه المتأخّرون فيه وألّفوه من كتب الأشباه والنظائر.
وقد ذكر الإمام
بدر الدين الزركشي في أول قواعده : أن الفقه أنواع :
أحدها
: معرفة أحكام
الحوادث نصا واستنباطا ، وعليه صنّف الأصحاب تعاليقهم المبسوطة على مختصر المزني .
الثاني
: معرفة الجمع
والفرق ، ومن أحسن ما صنّف فيه كتاب الشيخ أبي محمد الجوينيّ .
الثالث
: بناء المسائل
بعضها على بعض لاجتماعها في مأخذ واحد ، وأحسن
__________________
شيء فيه كتاب «السلسلة» للجوينيّ ، وقد اختصره الشيخ شمس الدين بن القمّاح وقد يقوى التسلسل في بناء الشيء على الشيء ، ولهذا قال
الرافعي مثله ، وهذه سلسلة طولها الشيخ.
الرابع
: المطارحات وهي
مسائل عويصة يقصد بها تنقيح الأذهان.
الخامس
: المغالطات.
السادس
: الممتحنات.
السابع
: الألغاز.
الثامن
: الحيل ، وقد
صنّف فيه أبو بكر الصّيرفيّ ، وابن سراقة ، وأبو حاتم القزويني وغيرهم.
التاسع
: معرفة الأفراد
وهو معرفة ما لكلّ من الأصحاب من الأوجه الغريبة وهذا يعرف من كتب الطبقات.
العاشر
: معرفة الضوابط
التي تجمع جموعا ، والقواعد التي ترد أكثرها إليها
__________________
أصولا وفروعا ، وهذا أنفعها وأعمّها وأكملها وأتمّها ، وبه يرتقي الفقيه
إلى الاستعداد لمراتب الاجتهاد ، وهو أصول الفقه على الحقيقة ، انتهى.
وهذه الأقسام
أكثرها اجتمعت في كتاب (الأشباه والنظائر) للقاضي تاج الدين السّبكي ، ولم تجتمع في كتاب سواه ، وأما (قواعد الزركشي) فليس
فيه إلّا القواعد مرتبة على حروف المعجم. وكتاب (الأشباه والنظائر) للإمام صدر
الدين ابن الوكيل دونهما بكثير ، وقد قصد السبكي بكتابه تحرير كتاب ابن
الوكيل بإشارة والده له في ذلك كما ذكره في خطبته.
وأول من فتح
هذا الباب سلطان العلماء شيخ الإسلام عزّ الدين بن عبد السّلام في (قواعده الكبرى) و (الصغرى) ، وألف الإمام جمال
الدين الأسنويّ كتابا في الأشباه والنظائر لكنه مات عنه مسوّدة وهو
صغير جدا نحو خمس كراريس مرتّب على الأبواب ، وله كتابان في قسمين من هذا النوع
وهما : (التمهيد) في تخريج الفروع الفقهية على القواعد الأصولية ، و (الكوكب الدري)
في تخريج الفروع الفقهية على القواعد النحوية ، وهذان القسمان مما تضمّنه كتاب
القاضي تاج الدين
__________________
السّبكي. وألّف الإمام سراج الدين بن الملقّن كتاب (الأشباه والنظائر) مرتّبا على الأبواب وهو فوق
كتاب الأسنوي ودون ما قبله.
وألّفت (كتاب
الأشباه والنظائر) مرتّبا على أسلوب آخر يعرف من مراجعته ، وهذا الكتاب الذي شرعنا
في تجديده في العربية يشبه كتاب القاضي تاج الدين الذي في الفقه فإنه جامع لأكثر
الأقسام ، وصدره يشبه كتاب الزركشي من حيث أن قواعده مرتبة على حروف المعجم.
وقد قال الكمال
أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري في كتابه (نزهة الألباء في طبقات الأدباء)
: «علوم الأدب ثمانية : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والعروض ، والقوافي ، وصنعة
الشعر ، وأخبار العرب ، وأنسابهم». قال : «وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين
وضعناهما ، علم الجدل في النحو ، وعلم أصول النحو ، فيعرف به القياس ، وتركيبه ،
وأقسامه ، من قياس العلّة وقياس الشبه وقياس الطرد ، إلى غير ذلك على حد أصول
الفقه ، فإن بينهما من المناسبة ما لا خفاء به ، لأن النحو معقول من منقول ، كما
أن الفقه معقول من منقول» .
وقال الزركشيّ
في أول قواعده : «كان بعض المشايخ يقول : العلوم ثلاثة ، علم نضج وما احترق وهو
علم النحو والأصول ، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير ، وعلم نضج
واحترق وهو علم الفقه والحديث». انتهى.
ما
اشتمل عليه الكتاب : وهذا الكتاب بحمد الله مشتمل على سبعة فنون :
الأول
: فنّ القواعد
والأصول التي تردّ إليها الجزئيات والفروع وهو مرتّب على حروف المعجم ، وهو معظم
الكتاب ومهمّه ، وقد اعتنيت فيه بالاستقصاء والتتبّع والتّحقيق ، وأشبعت القول فيه
، وأوردت في ضمن كل قاعدة ما لأئمّة العربية فيها من مقال وتحرير وتنكيت وتهذيب ،
واعتراض ، وانتقاد وجواب وإيراد ، وطرّزتها بما عدوّه من المشكلات من إعراب الآيات
القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والأبيات الشعرية ،
__________________
وتراكيب العلماء في تصانيفهم المرويّة ، وحشوتها بالفوائد ، ونظمت في سلكها
فرائد القلائد.
الثاني
: فنّ الضّوابط
والاستثناءات والتقسيمات ، وهو مرتّب على الأبواب لاختصاص كلّ ضابط ببابه ، وهذا
هو أحد الفروق بين الضابط والقاعدة ، لأن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتّى ،
والضابط يجمع فروع باب واحد. وقد تختصّ القاعدة بالباب وذلك إذا كانت أمرا كليا
منطبقا على جزئياته ، وهو الذي يعبّرون عنه بقولهم : قاعدة الباب كذا ، وهذا أيضا
يذكر في هذا الفنّ لا في الفنّ الأول ، وقد يدخل في الفن الأول قليل من هذا الفن ،
وكذا من الفنون بعده لاقتضاء الحال ذلك.
الثالث
: فنّ بناء
المسائل بعضها على بعض ، وقد ألّفت فيه قديما تأليفا لطيفا مسمّى بـ (السلسلة) كما
سمّى الجوينيّ تأليفه في الفقه بذلك ، وألّف الزركشيّ كتابا في الأصول كذلك وسمّاه
(سلاسل الذهب).
الرابع
: فنّ الجمع
والفرق.
الخامس
: فنّ الألغاز
والأحاجي والمطارحات والممتحنات ، وجمعتها كلها في فنّ ، لأنها متقاربة ، كما أشار
إليه الأسنويّ في أول ألغازه.
السادس
: فنّ المناظرات
والمجالسات والمذاكرات والمراجعات والمحاورات والفتاوى والواقعات والمراسلات
والمكاتبات.
السابع
: فن الأفراد
والغرائب.
وقد أفردت كلّ
فنّ بخطبة وتسمية ؛ ليكون كلّ فن من السبعة تأليفا مفردا ، ومجموع السبعة هو كتاب (الأشباه
والنظائر) فدونكه مؤلّفا تشدّ إليه الرّحال ، وتتنافس في تحصيله فحول الرجال ،
وإلى الله سبحانه الضراعة أن ييسّر لي فيه نيّة صحيحة ، وأن يمنّ فيه بالتوفيق
للإخلاص ، ولا يضيع ما بذلته فيه من تعب الجسد والقريحة ، فهو الذي لا يخيب راجيه
، ولا يردّ داعيه.
أول
من كتب في النحو : قال أبو القاسم الزجاجي في (أماليه) : «حدّثنا أبو جعفر محمد بن رستم
الطبري ، قال : حدّثنا أبو حاتم السجستاني ، حدّثني يعقوب ابن إسحاق الحضرمي ،
حدّثنا سعيد بن سالم الباهليّ ، حدّثنا أبي عن جدّي عن أبي الأسود الدؤلي قال :
دخلت على عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فرأيته مطرقا متفكّرا ، فقلت : فيم
تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أصنع كتابا في
أصول العربية ، فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا وبقيت فينا هذه اللغة ، ثم أتيته بعد
ثلاث فألقى إليّ صحيفة فيها :
ـ بسم الله الرحمن
الرحيم ـ الكلام كلّه
اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمّى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى ،
والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.
ثم قال لي :
تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود : أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر
، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا
مضمر.
قال أبو الأسود
: فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها إنّ وأنّ
وليت ولعلّ وكأنّ ، ولم أذكر «لكنّ» فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها ،
فقال : بل هي منها فزدها فيها» .
قال ابن عساكر
في (تاريخه) : «كان أبو إسحاق إبراهيم بن عقيل النحويّ المعروف بابن المكبريّ يذكر
أن عنده تعليقة أبي الأسود الدؤليّ التي ألقاها عليه الإمام عليّ بن أبي طالب ـ رضي
الله عنه ـ وكان كثيرا ما يعد بها أصحاب الحديث إلى أن دفعها إلى الفقيه أبي
العباس أحمد بن منصور المالكي وكتبها عنه وسمعها منه في سنة ستّ وستين وأربعمائة ،
وإذا به قد ركّب عليها إسنادا لا حقيقة له ، وصورته : قال أبو إسحاق ، إبراهيم بن
عقيل : حدّثني أبو طالب عبيد الله بن أحمد ابن نصر بن يعقوب بالبصرة ، حدّثني يحيى
بن أبي بكير الكرماني ، حدّثني إسرائيل ، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن
أبيه. قال : وحدّثني محمد بن عبيد الله بن الحسن بن عياش ، عن عمّه عن عبيد الله
بن أبي رافع ، أن أبا الأسود الدّؤليّ دخل على عليّ رضي الله عنه ، وذكر التعليقة
، فلما وقفت على ذلك بيّنت لأبي العباس أحمد بن منصور أن يحيى بن أبي بكير
الكرماني مات سنة ثمان ومائتين ، فجعل إبراهيم بن عقيل هذا بين نفسه وبين يحيى بن
أبي بكير رجلا واحدا ، وهذه التي سمّاها (التعليقة) هي في أول أمالي الزجاجي نحو
من عشرة أسطر فجعلها إبراهيم قريبا من عشرة أوراق» . انتهى.
__________________
فن القواعد والأصول العامة
المصاعد العليّة في
القواعد النحوية
وهو الفن الأول
من كتاب الأشباه والنظائر ولا يحتاج إلى إفراده بخطبة اكتفاء بخطبة الكتاب لقرب
العهد بها وهو مسمّى (بالمصاعد العليّة في القواعد النحوية).
حرف الهمزة
الإتباع
هو أنواع ،
فمنه :
ـ إتباع حركة
آخر الكلمة المعربة لحركة أول الكلمة بعدها كقراءة من قرأ الحمدِ لله : بكسر الدال
إتباعا لكسرة اللام.
ـ وإتباع حركة
أول الكلمة لحركة آخر الكلمة قبلها كقراءة من قرأ الحمدُ لله : بضمّ اللّام إتباعا
لحركة الدال.
ـ وإتباع حركة
الحرف الذي قبل آخر الاسم المعرب لحركة الإعراب في الآخر وذلك في (امرئ) ، و (ابنم)
، فإنّ الراء والنون يتبعان الهمزة والميم في حركتهما نحو (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) [النساء : ١٧٦] ، (ما كانَ أَبُوكِ
امْرَأَ سَوْءٍ) [مريم : ٢٨] ، (لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ) [النور : ١١] وكذا ابنم ، ولا ثالث لهما في إتباع العين اللّام.
ـ وإتباع حركة
الفاء اللّام وذلك في مرئ وفم خاصة ؛ فإنّ الميم والفاء يتبعان حركة الهمزة والميم
في بعض اللغات فيقال : هذا مرء وفم ، ورأيت مرءا وفما ، ونظرت إلى مرء وفم ، ولا
ثالث لهما.
ـ وإتباع حركة
اللّام للفاء في المضاعف من المضارع المجزوم ، والأمر إذا لم يفكّ الإدغام فيهما
في بعض اللغات ، فيقال : عضّ ، ولم يعضّ بالفتح ؛ وفرّ ولم يفرّ بالكسر ، وردّ ولم
يردّ بالضّمّ.
ـ وإتباع حركة
العين للفاء في الجمع بالألف والتاء حيث وجد شرطه ، كتمرة وتمرات بالفتح ، وسدرة
وسدرات بالكسر ، وغرفة وغرفات بالضم.
ـ وإتباع حركة
اللّام للفاء في البناء على الضم في (منذ) ، فإنّ الذال ضمّت إتباعا لحركة الميم
ولم يعتدّ بالنون حاجزا ، قال ابن يعيش : ونظيرها في ذلك بناء
__________________
(بله) على الفتح إتباعا لفتحة الباء ، ولم يعتد باللام حاجزا لسكونها ،
وقولهم : [الطويل]
١ ـ [ألا ربّ مولود وليس له أب
|
|
وذي ولد] لم
يلده أبوان
|
فتح الدال
إتباعا لفتحة الياء عند سكون اللام.
ـ وإتباع حركة
الفاء للعين في لغة من قال في لدن : لد ، قال ابن يعيش : «من قال : لد ، بضمّ
الفاء والعين فإنه أتبع الضمّ الضّمّ بعد حذف اللّام» .
ـ وإتباع حركة
الميم لحركة الخاء والتاء والغين في قولهم : منخر ومنتن ومغيرة. وقال ابن يعيش : «منهم
من يقول : منتن بضمّ التاء إتباعا لضمة الميم ، ومنهم من يقول : منتن بكسر الميم
إتباعا لكسرة التاء إذ النون لخفائها وكونها غنّة في الخيشوم حاجز غير حصين» . وقالوا : كلّ فعل على فعل ـ بكسر العين ـ وعينه حرف
حلق يجوز فيه كسر الفاء إتباعا لكسر العين نحو : نعم وبئس.
ـ ومنه : إتباع
حركة فاء كلمة لحركة فاء أخرى لكونها قرنت معها ، وسكون عين كلمة لسكون عين أخرى ،
أو حركتها لحركتها كذلك. قال ابن دريد في (الجمهرة) : «تقول : ما سمعت له جرسا ،
إذا أفردت ، فإذا قلت : ما سمعت له حسّا ولا جرسا ، كسرت الجيم على الإتباع» .
وقال الفارابي
في (ديوان الأدب) : «يقال : ـ رجس نجس ـ فإذا أفردوا قالوا نجس» .
ـ ومنه : إتباع
الكلمة في التنوين لكلمة أخرى منوّنة صحبتها كقوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] ، (إِنَّا أَعْتَدْنا
لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً
__________________
وَسَعِيراً) [الإنسان : ٤] في قراءة من نوّن الجميع ، وحديث ـ «أنفق بلالا ولا تخش من
ذي العرش إقلالا» .
ـ ومنه : إتباع
كلمة لأخرى في فكّ ما استحقّ الإدغام كحديث ـ «أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب تنبحها
كلاب الحوأب» ـ فكّ الأدبب وقياسه الأدبّ إتباعا للحوأب.
ـ ومنه : إتباع
كلمة في إبدال الواو فيها همزة لهمزة أخرى كحديث : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» والأصل موزورات لأنه من الوزر.
وقال أبو علي
الفارسي في (التذكرة) : لا يصحّ أن يكون القلب فيه من أجل الإتباع لأن الأول ينبغي
أن يجيء على القياس ، والإتباع يقع في الثاني ، وإنما مأزورات على يأجل ، قال :
والغدايا والعشايا ، لا دلالة فيه ، لأن غدايا في جمع غدوة مثل حرّة وحرائر وكنّة
وكنائن.
ـ ومنه : إتباع
كلمة في إبدال واوها ياء لياء في أخرى كحديث : «لا دريت ولا تليت» والأصل تلوت لأنه من التلاوة.
ـ ومنه : إتباع
ضمير المذكّر لضمير المؤنّث كحديث : «اللهم ربّ السّماوات السّبع وما أظللن وربّ
الأرضين وما أقللن وربّ الشّياطين وما أضللن» . والأصل
__________________
أضلّوا بضمير الذّكور ، لأن الشياطين من مذكّر من يعقل ، وإن أنّث إتباعا
لأظللن وأقللن.
وكذا قوله في
حديث المواقيت : «.. هنّ لهن» أصله لهم أي لأهل ذي الحليفة وما ذكر معها ، وإنما قيل : لهن إتباعا لقوله : هن.
ـ ومنه : إتباع
اليزيد للوليد في إدخال اللّام عليه وهو علم في قول الشاعر : [الطويل]
٢ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
|
|
[شديدا بأعباء الخلافة كاهله]
|
قال ابن جرير :
«حسن دخول اللّام في اليزيد لإتباع الوليد» . وقال ابن يعيش في (شرح المفصل) : لمّا كثر إجراء (ابن) صفة على ما قبله من الأعلام إذا
كان مضافا إلى علم أو ما يجري مجرى الأعلام من الكنى والألقاب ، فلما كان ابن لا
ينفكّ من أن يكون مضافا إلى أبّ وأمّ وكثر استعماله ، استجازوا فيه من التخفيف ما
لم يستجيزوه مع غيره ، فحذفوا ألف الوصل من ابن لأنه لا ينوى فصله مما قبله ، إذ
كانت الصفة والموصوف عندهم مضارعة للصلة والموصول من وجوه ، وحذفوا تنوين الموصوف
أيضا ، كأنهم جعلوا الاسمين اسما واحدا لكثرة الاستعمال ، وأتبعوا حركة الاسم
الأول حركة الاسم الثاني ، ولذلك شبّهه سيبويه بامرئ وابنم في كون حركة الراء تابعة لحركة الهمزة ،
وحركة النون في (ابنم) تابعة لحركة الميم ، فإذا قلت : هذا زيد بن عمرو وهند ابنة
عاصم ، فهذا مبتدأ وزيد الخبر وما بعده نعته ، وضمّة زيد ضمّة إتباع لا ضمّة إعراب
، لأنك عقدت الصفة والموصوف وجعلتهما اسما واحدا
__________________
وصارت المعاملة مع الصفة والموصوف كالصدر له ، ولذلك لا يجوز السكوت على
الأول ، وكذلك النصب ، تقول : رأيت زيد بن عمرو ، فتفتح الدال إتباعا لفتحة النون
، وتقول في الجرّ : مررت بزيد بن عمرو ، فتكسر الدال إتباعا لكسرة النون من ابن.
وقد ذهب بعضهم إلى أن التنوين إنما سقط لالتقاء الساكنين : سكونه وسكون الباء بعده
وهو فاسد ، إنما هو لكثرة استعمال ابن.
تنبيه
قال ابن جنّي
في (المحتسب) في قراءة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١] ، بالإتباع : «هذا اللّفظ كثر في كلامهم وشاع استعماله ، وهم
لما كثر في استعمالهم أشدّ تغييرا كما جاء عنهم كذلك : لم يك ، ولم أدر ، ولم أبل
، وأيش تقول ، وجايجي ، وسا يسو بحذف همزتيهما ، فلما اطّرد هذا ونحوه لكثرة
استعماله أتبعوا أحد الصوتين الآخر وشبهوهما بالجزء الواحد فصارت (الحمد لله) كعنق
وطنب ، و (الحمد لله) كإبل وإطل ، إلّا أن (الحمد لله) بضمّ الحرفين أسهل من (الحمد
لله) بكسرهما من موضعين : أحدهما : أنه إذا كان إتباعا فأقيس الإتباع أن يكون
الثاني تابعا للأول ، وذلك أنه جار مجرى السبب والمسبب. وينبغي أن يكون السبب أسبق
رتبة من المسبّب ، فتكون ضمّة اللّام تابعة لضمة الدال ، كما تقول : مدّ وشدّ وشمّ
وفرّ ، فتتبع الثاني الأول فهذا أقيس من إتباعك الأول للثاني في نحو : أقتل ،
اخرج. والآخر أن ضمّة الدال في (الحمد لله) إعراب وكسرة اللام في (لله) بناء ،
وحركة الإعراب أقوى من حركة البناء ، والأولى أن يغلب الأقوى على الأضعف لا عكسه ،
ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء قوله : [الطويل]
٣ ـ وقال : اضرب السّاقين إمّك هابل
كسر الميم
لكسرة الهمزة ، انتهى».
وفي (الكشاف) قرأ أبو جعفر (لِلْمَلائِكَةِ
اسْجُدُوا) [البقرة : ٣٤] بضمّ التاء للإتباع ولا يجوز استهلاك الحركة الإعرابية بحركة
الإتباع إلّا في لغة ضعيفة كقولهم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ١].
__________________
فائدة
قال ابن إياز
في (شرح الفصول) : «اعلم أنّ العرب قد أكثرت من الإتباع حتى قد صار ذلك
كأنه أصل يقاس عليه ، وإذا كانت قد زالت حركة الدال مع قوّتها للإتباع وذلك ما
حكاه الفراء من (الحمد لله) بكسر الدّال إتباعا لكسرة اللام ،
وقلبوا أيضا الياء إلى الواو مع أن القياس عكس ذلك ، فقالوا : أنا أخوّك يريدون
أنا أخيّك ، حكاه سيبويه ، كان الإتباع في نحو مدّ وشدّ أجوز وأحسن ، إذ ليس فيهما
نقل خفيف إلى ثقيل ، وأمّا السّاكن الحاجز فلا يعتد به لضعفه ، انتهى».
فائدة
عدّ من الإتباع
حركة الحكاية. قال أبو حيان في (شرح التسهيل) : اختلف الناس في الحركات اللّاحقة
اللّائي في الحكاية ، فقيل : هي حركات إعراب نشأت عن عوامله ، وقيل ليست للإعراب ،
وإنما هي إتباع للفظ المتكلّم على الحكاية.
وقال أبو الحسن
بن عبد الرحمن بن عذرة الخضراوي في كتابه المسمّى بـ (الإعراب عن أسرار الحركات في
لسان الأعراب) : حركة المحكيّ في حال حكاية الرفع ، منهم من يقول : إنّها للإعراب
لأنه لا ضرورة في تكلّف تقدير رفعه مع وجود أخرى ، وإنما قيل به في حالة النصب
والجرّ للضرورة ، ومنهم من يقول : إنّها لا للبناء ولا للإعراب حملا لحالة الرفع
على حالة النصب والجرّ. قال : وهذا أشبه بمذاهب النحاة وأقيس بمذاهب البصريين ،
ألا تراهم ردّوا على الكوفيين في اعتقادهم الرفع في خبر (إنّ) وأخواتها وفي اسم (كان)
وأخواتها على ما كان عليه قبل دخول العامل ، انتهى.
الاتّساع
عقد له ابن
السّرّاج بابا في (الأصول) فقال : «اعلم أن الاتّساع ضرب من الحذف ، إلّا أن الفرق
بينهما أنك لا تقيم المتوسّع فيه مقام المحذوف وتعربه بإعرابه ، وفي الحذف تحذف
العامل فيه وتدع ما عمل فيه على حاله في الإعراب ،
__________________
والاتّساع العامل فيه بحاله ، وإنما تقيم فيه المضاف إليه مقام المضاف ، أو
الظرف مقام الاسم ، فالأول : نحو : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، والمعنى : أهل القرية (وَلكِنَّ الْبِرَّ
مَنْ آمَنَ) [البقرة : ١٧٧] ، والثاني : نحو : صيد عليه يومان ، والمعنى : صيد عليه
الوحش في يومين. ولد له ستّون عاما ، والمعنى : ولد له الولد لستين ، (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، نهاره صائم وليله قائم : [الرجز]
٤ ـ يا سارق اللّيلة أهل الدّار
والمعنى : مكر
في اللّيل ، صائم في النهار ، سارق في اللّيلة ، قال : وهذا الاتّساع في كلامهم
أكثر من أن يحاط به.
قال : وتقول :
سرت فرسخين يومين ، إن شئت جعلت نصبهما على الظرفية وإن شئت جعلت نصبهما على أنهما
مفعولان على السّعة ، وعلى ذلك قولك : سير به يومان ، فتقيم (يومين) مقام الفاعل ،
وقال في موضع آخر : إن بابيّ المفعول له ، والمفعول معه نصبا على الاتّساع إذ كان
من حقّهما أن لا يفارقهما حرف الجرّ ، ولكنه حذف فيهما ولم يجريا مجرى الظروف في
التصرّف ، وفي الإعراب ، وفي إقامتهما مقام الفاعل ، فدلّ ترك العرب لذلك أنهما
بابان وضعا في غير موضعهما وأنّ ذلك اتّساع منهم فيهما ، لأن المفعولات كلّها
تقدّم وتؤخّر وتقام مقام الفاعل وتقع مبتدأ وخبرا» وهذا كلّه كلام ابن السّراج.
وأنا أشبع
القول في هذا الباب لقلّة من عقد له بابا من النحاة فأقول : قال أبو حيان في (شرح
التسهيل) : الاتّساع يكون في المصدر المتصرّف فينصب مفعولا به على التوسّع والمجاز
، ولو لم يصحّ ذلك لما جاز أن يبنى لفعل ما لم يسمّ فاعله ، حين قلت : ضرب ضرب
شديد ؛ لأن بناءه لفعل ما لم يسمّ فاعله فرع عن التوسّع فيه بنصبه نصب المفعول به
، وتقول : الكرم أكرمته زيدا ، وأنا ضارب الضّرب زيدا.
قال في (البسيط)
: وهذا الاتّساع إن كان لفظيا جاز اجتماعه مع المفعول الأصليّ إن كان له مفعول ،
وإن كان معنويا بأن يوضع بدل المفعول به فلا يجتمع معه لأنه كالعوض منه حال التوسع
نحو قولك : ضرب الضّرب ، على معنى ضرب الذي وقع به الضّرب ضربا شديدا ، فوضعت بدله
مصدره ، وقيل : يجوز الجمع بينهما على
__________________
أن يكون المفعول منصوبا نصب التشبيه بالمفعول به ، وإذا كان الاتّساع معنى
فلا يجمع بين المتوسّع فيه والمطلق.
وفي (البسيط) أيضا
: المصادر يتوسّع فيها فتكون مفعولا ، كما يتّسع في الظروف فتكون إذا جرت أخبارا
بمنزلة الأسماء الجامدة ، ولا تجري صفة بهذا الاعتبار ، وإذا كان بمعنى فاعل جاز
أن يكون صفة ـ قال : وإذا توسّع بها وكانت عامّة على أصلها لم تثنّ ولم تجمع رعيا
للمصادر ، أو خاصة نحو : ضرب زيد وسير البريد ، فربما جازت التثنية والجمع بينهما
ـ انتهى.
وأما الاتّساع في الظرف ، ففيه مسائل :
ـ
الأولى : أنه يجوز
التوسّع في ظرف الزمان والمكان بشرط كونه متصرفا ، فلا يجوز التوسّع فيما لزم
الظرفية لأن عدم التصرف مناف للتوسّع ؛ إذ يلزم من التوسّع فيه كونه يسند إليه ،
ويضاف إليه ، وذلك ممنوع في عادم التصرف ، وسواء في المتصرف المشتقّ نحو المشتى
والمصيف ، وغيره كاليوم ، والمصدر المنتصب على الظرف كمقدم الحاج وخفوق النجم ،
ومنه (لَقَدْ تَقَطَّعَ
بَيْنَكُمْ) [الأنعام : ٩٤] ، ولا يمنع التوسّع إضافة الظرف إلى المظروف المقطوع عن
الإضافة المعوض مما أضيف إليه التنوين نحو : سير عليه حينئذ.
ـ
الثانية : إذا توسّع في
الظرف جعل مفعولا به مجازا ، ويسوغ حينئذ إضماره غير مقرون بفي نحو : اليوم سرته ،
وكان الأصل عند إرادة الظرفية سرت فيه ، لأن الظرف على تقدير (في) ، والإضمار يوجب
الرجوع إلى الأصل.
وقال الخضراوي
: الضمائر من الزمان والمكان لم تقع في شيء من كلام العرب خبرا للمبتدأ منصوبة كما
يقع الظرف ، ولم يسمع نحو : يوم الخميس سفري إيّاه ، إلا أن يقرن (بفي) فدلّ هذا
على أن الضمائر لا تنتصب ظروفا ، لأنّ كل ما ينتصب ظرفا يجوز وقوعه خبرا إذا كان
مما يصحّ عمل الاستقرار فيه ، قال : ولم أر أحدا نبّه على هذا التنبيه.
ـ
الثالثة : يضاف إلى
الظرف ـ المتوسّع فيه ـ المصدر على طريق الفاعلية نحو (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، وعلى طريق المفعولية نحو (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ
أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] والوصف كذلك نحو :
يا سارق اللّيلة أهل الدار
__________________
ويا مسروق
الليلة أهل الدار ، ذكرهما سيبويه .
قال الفارسي :
وإذا أضيف إلى الظرف لم يكن إلّا اسما ، وخرج بالإضافة عن أن يكون ظرفا ، لأن (في)
مقدّرة في الظرف وتقديرها يمنع الإضافة إليه ، كما لا يجوز أن يحال بين المضاف
والمضاف إليه بحرف جرّ في نحو : غلام لزيد.
وقال الخضراوي
: هذا غير ظاهر ، لأن المضاف يقدّر باللام ، وبمن ، ومع ذلك لم يمنع من الإضافة ،
قال : وقولهم الظرف على تقدير (في) إنما هو تقدير معنى ، وليس المراد أنها مضمرة
ولا مضمنة ؛ ولذا لم تقتض البناء.
وقال ابن عصفور
: ما قاله الفارسيّ ضعيف عندي ، لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجرّ
ملفوظا به وجد في باب (لا) والنداء ، فإذا جاز ظاهرا فمقدّرا أولى. قال : نعم ،
العلّة الصحيحة أن يقال : إنّ الظرف إذا دخل عليه الخافض خرج عن الظرفية ؛ ألا ترى
أن (وسطا) إذا دخل عليها الخافض صارت اسما بدليل التزامهم فتح سينها ، ووسط
المفتوحة السين لا تكون إلا اسما ، والسبب في خروج الظروف بالخفض عن الظرفية إلى
الاسمية ما ذكره الأخفش في كتابه (الكبير) من أنهم جعلوا الظرف بمنزلة الحرف الذي
ليس باسم ولا فعل لشبهه به من حيث كان أكثر الظروف قد أخرج منها الإعراب ، وأكثرها
أيضا لا تثنّى ولا تجمع ولا توصف ، قال : فلما كانت كذلك كرهوا أن يدخلوا فيها ما
يدخلون في الأسماء.
ـ
الرابعة : قد يسند إلى
المتوسّع فيه فاعلا نحو : في يوم عاصف ، (يَوْماً عَبُوساً
قَمْطَرِيراً) [الإنسان : ١٠] ونائبا عن الفاعل نحو : ولد له ستّون عاما ؛ وصيد عليه
اللّيل والنهار ، ويرفع خبرا نحو : الضرب اليوم. قال بعضهم : ويؤكّد ويستثنى منه
ويبدل وإن لم يجز ذلك في الظرف ، لأنه زيادة في الكلام غير معتمد عليها بخلاف
المفعول ، وتوقّف في إجازته صاحب (البسيط).
ـ
الخامسة : ظاهر كلام ابن
مالك جواز التوسّع في كلّ ظرف متصرّف .
وقال في (البسيط)
: ليس التوسّع مطردا في كلّ ظروف الأمكنة كما في الزمان ، بل التوسع في الأمكنة
سماع نحو : نحا نحوك ، وقصد قصدك ، وأقبل قبلك ، ولا يجوز في (خلف) وأخواتها ، لا
تقول : ضربت خلفك ، فتجعله مضروبا ، وكذا لا
__________________
يتوسّع فيها بجعلها فاعلا كما في الزمان ، وإنما كان ذلك لأن ظروف الزمان
أشدّ تمكّنا من ظروف المكان.
ـ
السادسة : لا يتوسّع في
الظرف ، إذا كان عامله حرفا ، أو اسما جامدا بإجماعهم ، لأن التوسّع فيه تشبيه
بالمفعول به ، والحرف والجامد لا يعملان في المفعول به .
وهل يتوسّع فيه
مع كان وأخواتها؟ قال أبو حيان : يبنى على الخلاف في كان ، أتعمل في الظرف أم لا؟ فإن
قلنا لا تعمل فيه فلا توسع ، وإن قلنا تعمل فيه فالذي يقتضيه النظر أنه لا يجوز
الاتّساع معها لأنه يكثر المجاز فيها ، لأنها إنما رفعت المبتدأ ونصبت الخبر
تشبيها بالفعل المتعدّي إلى واحد فعملنا بالتشبيه وهو مجاز ، فإذا نصبت الظرف
اتّساعا كان مجازا أيضا فيكثر المجاز فيمنع منه. ونظير ذلك قولهم : دخلت في الأمر
، لا يجوز حذف (في) لأن هذا الدخول مجاز ، ووصول دخل إلى الظرف بغير وساطة (في)
مجاز فلم يجمع عليها مجازان ؛ والذي نصّ عليه ابن عصفور جواز الاتّساع معها كسائر
الأفعال.
ويجوز الاتّساع
مع الفعل اللازم ومع المتعدّي إلى واحد بلا خلاف. وهل يجوز مع المتعدّي إلى اثنين
أو ثلاثة خلاف؟ ذهب الجمهور إلى الجواز ، وصحّح ابن عصفور المنع ، لأنه لم يسمع
معهما كما سمع مع الأولين ، قالوا : يوم الجمعة صمته ، وقال : [الطويل]
٥
ـ ويوما شهدناه سليما وعامرا
|
|
[قليل سوى الطّعن النّهال نوافله]
|
لأنه ليس له
أصل يشبه به ، لأنه لا يوجد ما يتعدّى إلى ثلاثة بحقّ الأصل ، وباب أعلم وأرى فرع
من علم ورأى ، والحمل إنما يكون على الأصول لا على الفروع.
وصحّح ابن مالك
الجواز مع المتعدّي إلى اثنين ، والمنع مع المتعدي إلى ثلاثة ، لأنه ليس
لنا ما يشبه به ، إذ ليس لنا فعل يتعدّى إلى أربعة.
وأجاب الجمهور
بأن الاتّساع ليس معتمده التشبيه بدليل جريانه مع اللازم.
__________________
ـ
السابعة : إذا توسّع في
واحد لم يتوسّع فيه نفسه مرة أخرى ؛ مثال ذلك : أن يتوسع فتضيف إليه ثم تنصبه نفسه
نصب المفعول به توسعا ، وهل يجوز أن يتوسّع في الفعل أكثر من واحد بأن يتوسع معه
في الظرف ثم يتوسع في المصدر؟ إن قلنا : يتوسع في اللفظ لم يبعد ، أو في المعنى
فيبعد ؛ لأنه لا يوضع شيئان بدل شيء واحد. وذهب بعضهم إلى أنه لا يتوسّع في شيء من
الأفعال إلا إذا حذف المفعول الصريح إن كان التوسع في المعنى ، وإن كان توسعا في
اللفظ جاز مطلقا نحو :
يا سارق الليلة أهل الدار
وسببه أن
التوسع في المعنى يجعل المتوسع فيه واقعا به المعنى ، ولا يكون معنى واحد في محلين
من غير عطف ولا ما يجري مجراه.
اجتماع الأمثال مكروه
ولذلك يفرّ منه
إلى القلب أو الحذف أو الفصل.
فمن
الأول : قالوا في
دهدهت الحجر : دهديت ، قلبوا الهاء الأخيرة ياء كراهة اجتماع الأمثال ، وكذلك
قولهم في : حاحا زيد ، حيحي زيد ، قلبوا الألف ياء لذلك ، وقال الخليل : أصل مهما
الشرطية ، ماما ، قلبوا الألف الأولى هاء لاستقباح التكرير .
وقالوا في
النسب إلى نحو شج وعم : شجويّ وعمويّ ، بقلب الياء واوا كراهة لذلك. وكذا قالوا في
نحو حيّ : حيوي ، وفي نحو : تحية تحويّ لذلك ، وهنيهة أصلها : هنية فأبدلت الهاء
من الياء كراهة لاجتماع الأمثال . والحيوان من مضاعف الياء وأصله : حييان ، قلبت الياء
الثانية واوا وإن كان الواو أثقل منها كراهة اجتماع الأمثال ، وكذا دينار وديباج
وقيراط وديماس وديوان أصلها : دنّار ودبّاج ودوّان ، قلب أحد حرفي التضعيف ياء
لذلك. ولبّى أصله لبب ، قلبت الباء الثانية التي هي اللّام ياء هربا من التضعيف
فصار لبّى ، ثم أبدلت الياء ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار لبّى. ونحو حمراء
وصفراء تقلب منه الهمزة في التثنية واوا.
قال الشلوبين :
وسببه اجتماع الأمثال ، فإن هناك ألفين وبينهما همزة والهمزة
__________________
قريبة من الألف ، قال : وكان قلبها واوا أولى من قلبها ياء ، لأن الياء
قريبة من الألف والواو ليست في القرب إليها مثلها ، والجمع بين الأمثال مكروه
عندهم ، فكان قلب الهمزة واوا أذهب في أن لا يجمع بين الأمثال من قلبها ياء.
ومن
الثاني : حذف أحد مثلي
ظللت ومسست وأحسست فقالوا : ظلت ومست وأحست ، وحذف إحدى اليائين من سيّد وميّت وهيّن وليّن ، وقيل
: وهو مقيس على الأصحّ ، وقال ابن مالك : يحفظ ولا يقاس. وقال الفارسي : يقاس في
ذوات الواو دون ذوات الياء ، وحذف الياء المشدّدة من الاسم المنسوب إليه عند إلحاق
ياء النسب كراهة اجتماع الأمثال ككرسيّ وشافعيّ وبختيّ ومرميّ ، إلّا في نحو كساء
إذ صغّر ثم نسب إليه فإنه يقال فيه : كسيّيّ بياءين مشدّدتين وستأتي علّته ، وحذف
الياء الأخيرة في تصغير نحو غطاء وكساء ورداء وإداوة وغاوية ومعاوية وأحوى ؛ لأنه
يقع في ذلك بعد ياء التصغير ياءان فيثقل اجتماع الياءات.
وبيانه : أن
ياء التصغير تقع ثالثة فتنقلب ألف المدّ ياء ، وتعود الهمزة إلى أصلها من الياء أو
الواو ، وتنقلب ياء لانكسار ما قبلها ، فاجتمع ثلاث ياءات : ياء التصغير وياء بدل
ألف المدّ وياء بدل لام الكلمة ، ولفظة غطيي فتحذف الأخيرة لأنها طرف والطرف محل
التغيير ، ولأن زيادة الثقل حصلت بها ، ثم تدغم ياء التصغير في المنقلبة عن ألف
المدّ ويقال : غطيّ ، وفي إداوة تقع ياء التصغير بعد الدال فتنقلب الألف
ياء وتحذف الياء الأخيرة ، ويقال : (أديّة) ويقال في غاوية ومعاوية : غويّة ومعيّة ، وفي أحوى (أحيّ)
، ذكره في البسيط ، ومن ذلك قولهم ، لتضربن يا قوم ولتضربنّ يا هند ، فإن
أصله لتضربوننّ ولتضربيننّ ، فحذفت نون الرفع لاجتماع الأمثال ، كما حذفت مع نون
الوقاية في نحو (أَتُحاجُّونِّي) [الأنعام : ٨٠] كراهة اجتماعها مع نون الوقاية.
قال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : والتزم الحذف هنا ولم يلتزم في (أَتُحاجُّونِّي) لأن اجتماعها مع النون الشديدة أثقل من اجتماعها مع نون
الوقاية ، لأن النون الشديدة حرفان ونون الوقاية حرف ، وحكم النون الخفيفة حكم
النون الثقيلة في التزام حذف علامة الإعراب معها لأنها في معناها ومخففّة منها ،
انتهى.
ومن ذلك قال
أبو البقاء في (التبيين) : تصغير ذا ، ذيّا ، وأصله ثلاث ياءات :
__________________
عين الكلمة ، وياء التصغير ، ولام الكلمة ، فحذفوا إحداها لثقل الجمع بين
ثلاث ياءات ، والمحذوفة الأولى ، لأن الثانية للتصغير فلا تحذف ، والثالثة تقع
بعدها الألف والألف لا تقع إلا بعد المتحركة ، والألف فيها بدل عن المحذوف ،
والتصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.
ومن ذلك قولهم
في الجمع أخون وأبون ، ولم يردّ المحذوف كما هو القياس فيقال : أخوون وأبوون ، قال
الشلوبين : لأنه كان يؤدّي إلى اجتماع ضمّات أو كسرات ، فلما أدى إلى ذلك لم يرد
وأجري الجمع على حكم المفرد ، ولما كان هذا المانع مفقودا في التثنية ردّ فقيل :
أخوان وأبوان. ومن ذلك قال ابن هشام في تذكرته : الأصل في يا بنيّ : يا بنييّ بثلاث ياءات الأولى ياء التصغير والثانية
لام الكلمة والثالثة ياء الإضافة ، فأدغمت ياء التصغير فيما بعدها لأن ما أول
المثلين فيه مسكن فلا بد من إدغامه ، وبقيت الثانية غير مدغم فيها ؛ لأن المشدّد
لا يدغم لأنه واجب السكون فحذفت الثالثة.
ومنهم من بالغ
في التخفيف فحذف الياء الثانية المتحرّكة المدغم فيها وقال يا بني بالسكون كما
حذفوها في سيّد وميّت لما قالوا سيد وميت . ومن ذلك قال ابن النحاس في التعليقة : إنما لم تدخل
اللام في خبر (إنّ) إذا كان منفيا ؛ لأن غالب حروف النفي أولها لام (لا) و (لم) و
(لما) و (لن) فيستثقل اجتماع اللامين ، وطرد الحكم يأتي في باقي حروف النفي.
ومن
الثالث : وجوب إظهار (أن)
بعد لام كي إذا دخلت على (لا) نحو «لئلا يعلم» حذرا من توالي مثلين لو قيل للا
يعلم ، ووجوب إبقاء الياء والواو في النسب إلى نحو شديدة وضرورة ، فيقال شديديّ
وضروريّ ، إذ لو حذفت كما هو قاعدة فعيلة وفعولة وقيل : شديدّ وضرريّ لاجتمع
مثلان.
ومن كراهة
اجتماع الأمثال : حكايتهم المنسوب بـ (من) دون (أي) ، خلافا للأخفش ، لما يؤدّي
إليه من اجتماع أربع ياءات فيقال لمن قال : رأيت المكي المكي المني ، وأجاز الأخفش
الأيي.
ومن ذلك قال
الشّلوبين (في شرح الجزولية) : إنما قدّرت الضمة في جاء القاضي ، وزيد يرمي ويغزو
، والكسرة في مررت بالقاضي لثقلهما في أنفسهما وانضاف
__________________
إلى ثقلهما اجتماع الأمثال ، وهم يستثقلون اجتماع الأمثال ، قال : والأمثال
التي اجتمعت هنا هي الحركة التي في الياء والواو والحركة التي قبلهما ، والياء
والواو مضارعتان للحركات لأنهما من جنسها ألا ترى أنهما ينشآن عن إشباع الحركات ،
فلما اجتمعت الأمثال خفّفوا بأن أسقطوا الحركة المستثقلة.
قال : ويدلّ
على صحة هذه العلّة أنهم إذا سكّنوا ما قبل الواو والياء في نحو : غزو وظبي لم
يستثقلوا الضمّة لأنه قد قلّت الأمثال هناك لكون ما قبل الواو والياء ساكنا لا
متحركا فاحتملوا ما بقي من الثقل لقلته. ومن ذلك قال ابن عصفور : لم تدخل النون
الخفيفة على الفعل الذي اتصل به ضمير جمع المؤنث لأنه يؤدّي إلى اجتماع المثلين
وهو ثقيل فرفضوه لذلك ، ولم يمكنهم الفصل بينهما بالألف ؛ فيقولون هل تضربنان لأن
الألف إذا كان بعدها ساكن غير مشدّد حذفت ، فيلزم أن يقال هل تضربنن فتعود إلى مثل
ما فررت منه ، فلذلك عدلوا عن إلحاق الخفيفة وألحقوا الشديدة ، وفصلوا بينها وبين
نون الضمير بالألف كراهية اجتماع الأمثال فقالوا هل تضربنانّ.
قال ابن فلاح
في (المغني) : فإن قيل قد وجد اجتماع الأمثال في نحو زيديّ من غير استثقال ، قلنا
: ياء النسب بمنزلة كلمة مستقلة.
وقال ابن
الدهان في (الغرة) : إذا كنا قد استثقلنا الأمثال في الحروف الصحاح حتى حذفنا
الحركة وأدغمنا ، ومنه ما حذفنا أحد الحرفين ، ومنه ما قلبنا أحد الحروف. فمثال
الأولى : مدّ وأصله : مدد. ومثال الثاني : ظلت وأصله ظللت. ومثال الثالث : [الرجز]
٦ ـ تقضّي البازي [إذا البازي كسر]
وأصله (تقضّض)
، فالأولى أن نستثقلها في الحروف المعتلّة ، فإن اعترض (بزيديّ) واجتماع الأمثال
ياءات وكسرات ـ فالجواب : إنّ ياء النسب في تقدير الطّرح كتاء التأنيث.
ومن كراهة
اجتماع المثلين فتح : من الرجل (الم اللهُ) [آل عمران : ١] لتوالي الكسرتين ولهذا لم يفتحوا عن الرجل.
__________________
وفي (شرح
المفصل) للسّخاوي : لا يجوز : «إنّ أنّ زيدا منطلق يعجبني» عند سيبويه ، وذكر أن العرب اجتنبت ذلك كراهة اجتماع اللفظين
المشتبهين ، وأجاز ذلك الكوفيون ، فإن فصلت بشيء جاز ذلك باتفاق نحو : «إنه عندنا
أنّ زيدا في الدار».
ومن ذلك قال
السيرافي : إن قيل : لم وجب ضمّ الأول في المصغّر؟ قيل : لما لم يكن بدّ من تغيير
المصغّر ليمتاز عن المكبر بعلامة تلزم الدلالة على التصغير كان الضمّ أولى ، لأنهم
قد جعلوا الفتح في الجمع من نحو ضوارب فلم يبق إلا الكسر أو الضم ، فاختاروا الضم
لأن الياء علامة التصغير ، وإن وقع بعدها حرف ليس حرف الإعراب وجب تحريكه بالكسر ،
فلو كسروا الأول لاجتمعت كسرتان مع الياء ، فعدلوا إلى الضمة فرارا من اجتماع
الأمثال.
إجراء اللازم مجرى غير اللازم
وإجراء غير اللازم مجرى اللازم
عقد لذلك ابن
جني بابا في الخصائص وقال : من الأول قوله : [الرجز]
٧ ـ الحمد لله العليّ الأجلل
وقوله : [الرجز]
٨ ـ تشكو الوجى من أظلل وأظلل
وقوله : [الرجز]
__________________
٩ ـ وإن رأيت الحجج الرّواددا
|
|
قواصرا
بالعمر أو مواددا
|
ونحو ذلك مما
ظهر تضعيفه ، فهذه عندنا على إجراء اللازم مجرى غير اللازم ، من المنفصل نحو : جعل
لك ، وضرب بكر ، كما شبّه غير اللازم من ذلك باللازم فأدغم نحو : ضربكر ، وجعلكّ ،
فهذا مشبّه في اللفظ : بشدّ ومدّ واستعدّ ونحوه مما لزم فلم يفارق. ومن ذلك ما
حكوه من قول بعضهم : عوى الكلب عوية ، وهذا عندي ـ وإن كان لازما ـ فإنه أجري مجرى
بنائك من باب طويت فعلة ، وهو قولك : طوية ، كقولك : امرأة جوية ولوية ، من الجوى
واللّوى ، فإن خففّت حركة العين فأسكنتها قلت طوية وجوية ولوية فصححت العين ولم
تعلّها بالقلب والإدغام ؛ لأن الحركة فيها منويّة. وعلى ذلك قالوا في فعلان من
قويت قويان ، فإن أسكنوا صححوا العين أيضا ، ولم يردّوا اللّام أيضا ، وإن زالت
الكسرة من قبلها لأنها مرادة في العين فلذلك قالوا : عوى الكلب عوية ، تشبيها بباب
: امرأة جوية ولوية وقويان.
فإن قلت :
فهلّا قالوا أيضا على قياس هذا : طويت الثوب طوية وشويت اللحم شوية؟
فالجواب : أنه
لو فعل ذلك لكان قياسه قياس ما ذكرنا وأنه ليست لـ (عوى) فيه مزية على طوى وشوى ،
كما لم يكن لجاشم وقاثم مزية يجب لها العدل بهما إلى جشم وقثم على مالك وحاتم ، إذ
لم يقولوا ملك ولا حتم ، وعلى أن ترك الاستكثار مما فيه إعلال أو استثقال هو
القياس. ومن ذلك قراءة ابن مسعود (فَقُولا لَهُ قَوْلاً
لَيِّناً) [طه : ٤٤] وذلك أنه أجرى حركة اللام هنا وإن كانت لازمة مجراها إذا كانت
غير لازمة في نحو قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَ) [آل عمران : ٢٦] ، و (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] وقول الشاعر : [الطويل]
١٠ ـ زيارتنا نعمان لا تنسينّها
|
|
تق الله فينا
والكتاب الذي نتلو
|
ويروي خف الله
، ويروى لا تنسينها اتّق الله ، ونحوه ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر : [الطويل]
١١ ـ وأطلس يهديه إلى الزّاد أنفه
|
|
أطاف بنا
واللّيل داجي العساكر
|
__________________
فقلت لعمرو
صاحبي إذ رأيته
|
|
ونحن على خوص
دقاق عواسر
|
أي عوى الذئب
فسر أنت ، فلم يحفل بحركة الراء فيردّ العين التي كانت حذفت لالتقاء الساكنين ،
فكذلك شبه ابن مسعود حركة اللام من قوله تعالى : (فَقُولا ،) وإن كانت لازمة بالحركة في التقاء الساكنين في (قُلِ اللهُمَ) [آل عمران : ٢٦] ، و (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] ، وحركة الإطلاق الجارية مجرى حركة التقائهما في سر ، ومثله
قوله الضبيّ : [المنسرح]
١٢ ـ في فتية كلّما تجمّعت ال
|
|
بيداء لم
يهلعوا ولم يخموا
|
يريد ولم
يخيموا فلم يحفل بضمّة الميم وأجراها مجرى غير اللازم مما ذكرناه وغيره ، فلم يردد
العين المحذوفة من (لم يخم) ، وإن شئت قلت في هذين : إنه اكتفى بالحركة من الحرف
كما اكتفى الآخر بها منه في قوله : [الرجز]
١٣ ـ كفّاك كفّ ما تليق درهما
|
|
جودا وأخرى
تعط بالسّيف الدّما
|
وقول الآخر :
١٤ ـ بالذي تردان
أي تريدان.
ومن الثاني :
وهو إجراء غير اللازم مجرى اللازم قول بعضهم في الأحمر إذا خففت همزته : لحمر ،
حكاها أبو عثمان ، ومن قال : الحمر ، قال : حركة اللام غير لازمة إنّما هي لتخفيف
الهمزة ، والتحقيق لها جائز فيها ، ونحو ذلك قول الآخر : [الطويل]
١٥ ـ وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة
|
|
فبح لان منها
بالّذي أنت بائح
|
فأسكن الحاء
التي كانت محركة لالتقاء الساكنين في : بح الآن لما تحركت لتخفيف اللام ، وعليه
قراءة من قرأ : (قالُوا الْآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] فأثبت واو قالوا لما تحركت لام (لان) ، والقراءة القويّة (قالوا
الان) بإقرار الواو على حذفها لأن الحركة عارضة للتخفيف. وعلى القول الأول قول
الآخر : [الرجز]
__________________
١٦ ـ حدبد بى حدبد بى منكم لان
|
|
إن بني فزارة
بن ذبيان
|
قد طرقت
ناقتهم بإنسان
|
|
مشيئا سبحان
ربي الرحمن
|
أسكن ضم ميم (منكم)
لما تحركت لام (لان) وقد كانت مضمومة عند التحقيق في قوله : (منكم الان) ، فاعتد
حركة اللام بالتخفيف وإن لم تكن لازمة.
وينبغي أن تكون
قراءة أبي عمرو (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ
عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠] على هذه اللغة وهي قولك مبتدئا (لوّلى) ، لأن الحركة على هذا
في اللام أثبت منها على قول من قال الحمروان ، كان حملها على هذا أيضا جائزا ؛ لأن
الإدغام وإن كان بابه أن يكون في المتحرّك فقد أدغم أيضا في الساكن ، فحرك في شدّ
ومدّ وفرّ يا رجل وعضّ ونحو ذلك ، ومثله ما أنشده أبو زيد : [الوافر]
١٧ ـ ألا يا هند هند بني عمير
|
|
أرثّ لان
وصلك أم جديد؟؟
|
أدغم تنوين رث
في لام (لان).
ومما يجري على
سمته قول الله عز وجل : (لكِنَّا هُوَ اللهُ
رَبِّي) [الكهف : ٣٨] ، وأصله لكن أنا ، فخفّف الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على نون
(لكن) فصارت لكننا ، فأجري غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين
المتحركين فأسكن الأول وأدغم في الثاني فصار (لكنا) كما ترى ، وقياس قراءة من قرأ (قالُوا الْآنَ) [البقرة : ٧١] ، فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين ، لأن
حركة الثانية غير لازمة فتقول : لكننا بالإظهار ، كما تقول في تخفيف جوأبة وجيأل ،
جوبة ، وجيل ، فيصحّ حرفا اللّين هنا ، ولا يقلبان لما كانت حركتهما
غير لازمة.
ومن ذلك قولهم
في تخفيف رؤيا ونؤى : رويا ونوى فيصحّ الواو هنا وإن سكنت قبل الياء أن التقدير
فيها الهمزة كما صحّت في ضو ونو تخفيف ضوء ونوء ، لتقديرك الهمز وإرادتك إياه ،
وكذلك أيضا صحّ نحو : شي وفي ، تخفيف شيء وفيء كذلك.
وسألت أبا عليّ
فقلت : من أجرى غير اللازم مجرى اللازم ، فقال : (لكنّا)
__________________
كيف قياس قوله إذا خفّف نحو جوأبة وجيأل أتقلب؟ فتقول : جابة وجال ، أم
تقيم على الصحيح فتقول : جوبة وجيل ، قال : القلب هنا لا سبيل إليه وأومأ إلى أنه
أغلظ من الإدغام فلا يقدم عليه.
فإن قيل : فقد
قلبت العرب الحرف للتخفيف وذلك قول بعضهم : ريّا وريّة في تخفيف رؤيا ورؤية.
قيل : الفرق
أنّك لمّا صرت إلى لفظ (رويا وروية) ثم قلبت الواو إلى الياء فصار إلى (ريّا وريّة)
، إنما قلبت حرفا إلى آخر كأنه هو ، ألا ترى إلى قوة شبه الواو بالياء وبعدها عن
الألف ، فكأنك لما قلبت مقيم على الحرف نفسه ولم تقلبه ، لأن الواو كأنها هي الياء
نفسها وليست كذلك الألف لبعدها عنهما بالأحكام الكثيرة التي قد أحطنا بها علما.
قال : وما يجري من كلّ واحد من الفريقين مجرى صاحبه كثير وفيما مضى كفاية ، انتهى.
وفي تذكرة
الشيخ جمال الدين بن هشام : قال ابن هشام الخضراوي : أجرت العرب حركات الإعراب
للزومها على البدل مجرى الحركة اللازمة لكون حروفها لا تعرى من حركة ؛ فلذلك قالوا
: عصا ورحى ، كما قالوا : قال وباع. وكذلك قالوا : يخشى ويرضى ، كما قالوا في الماضي : رمى وغزا ، انتهى.
إجراء المتّصل مجرى المنفصل
وإجراء المنفصل مجرى المتّصل
عقد ابن جني في الخصائص بابا لذلك قال :
فمن الأولى
قولهم : اقتتل القوم واشتتموا ، فهذا بيانه بيان : (شئت تلك) ، و (جعل لك) ، إلا
أنه أحسن من قوله :
الحمد لله العلي الأجلل
وبابه ، لأن
ذلك إنما يظهر مثله ضرورة ، وإظهار نحو اقتتل واشتتم مستحسن وعن غير ضرورة.
وكذلك باب قوله
: هم يضربونني ، وهما يضربانني أجرى ، وإن كان متصلا ، مجرى : يضربان نعم ،
ويشتمان نافعا. ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا
__________________
يلزم أن تكون بعدها نون ، ألا ترى أنك تقول : يضربان زيدا ويكرمونك. ولا
تلزم هي أيضا نحو : لم يضرباني ، ومن أدغم نحو هذا ، واحتجّ بأن المثلين في كلمة
واحدة فقال يضرباني : و (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) [البقرة : ١٣٩] فإنه يدغم أيضا نحو اقتتل فتقول : قتّل ، ومنهم من يقول :
قتّل ، ومنهم من يقول : قتّل ، ومنهم من يقول : اقتّل فيثبت همزة الوصل مع حركة
الفاء لما كانت الحركة عارضة للثقل أو لالتقاء الساكنين.
ومن الثاني :
قولهم (ها الله) أجري مجرى دابّة وشابّة ، وكذلك قراءة من قرأ فلا تّناجوا [المجادلة
: ٩] و (حَتَّى إِذَا
ادَّارَكُوا فِيها) [الأعراف : ٣٨] ومنه عندي قول الراجز :
١٨ ـ في أيّ يوميّ من الموت أفر
|
|
أيوم لم يقدر
ام يوم قدر
|
كذا أنشده أبو
زيد (يقدر) بفتح الراء ، وقال : أراد النون الخفيفة فحذفها ، وحذف نون التوكيد
وغيرها من علاماته جار عندنا مجرى إدغام الملحق في أنه نقض الغرض ، إذ كان التوكيد
من مظانّ الإسهاب والإطناب ، والحذف من مظانّ الاختصار والإيجاز ، لكن القول فيه
عندي أنه أراد : أيوم لم يقدر أم يوم قدر ، ثم خفّف همزة أم فحذفها ، وألقى حركتها
على راء يقدر ، فصار تقديره : أيوم لم يقدرم ، ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره :
أيوم لم يقدر أم ، فحرّك الألف لالتقاء الساكنين ، وانقلبت همزة فصار تقديره : (يقدر
أم) ، واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء. ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة
والكمأة إذا خفّفت الهمزة : المراة والكماة.
وكنت ذاكرت
الشيخ أبا علي بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال : هذا إنما يجوز في المنفصل ، قلت له
فأنت أبدا تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتصل فلم يردّ شيئا.
ومن ذاك إجراء
المنفصل مجرى المتّصل قوله : [السريع]
١٩ ـ [رحب وفي رجليك ما فيهما]
|
|
وقد بدا هنك
من المئزر
|
__________________
فشبه هنك بعضد
فأسكنه كما يسكن نحو ذلك ، ومنه : [السريع]
٢٠ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب
|
|
[إثما من الله ولا واغل]
|
كأنه شبه (ربغ)
بعضد ، وكذلك ما أنشده أبو زيد : [السريع]
٢١ ـ قالت سليمى اشتر لنا دقيقا
هو مشبه بقولهم
في علم : علم ، لأن نزل بوزن علم ، وكذلك ما أنشده أيضا من قوله : [السريع]
٢٢ ـ واحذر ولا تكتر كريّا أعرجا
لأن (ترك) بوزن
علم ، قلت : وقد خرج على ذلك قراءة (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) [البقرة : ٢٤٦] بسكون الراء ، ثم قال ابن جني : وهذا الباب نحو من الذي
قبله فيه ما يحسن ويقاس وفيه ما لا يحسن ولا يقاس ، ولكلّ وجه.
إجراء الأصلي مجرى الزائد
وإجراء الزائد مجرى الأصلي
قال أبو حيان : فمن
الأول : قولهم في
النسب إلى تحية : تحويّ ، بحذف الياء الأولى وقلب الثانية واوا. أما القلب ففرارا
من اجتماع الياءات ، وأما الحذف فإن تحية أجرتها العرب مجرى رمية ، ووزن رمية
فعيلة كصحيفة ، فكما إذا نسبت إلى صحيفة تقول : صحفي ، كذلك إذا نسبت إلى رميّة
تقول : رمويّ ، لأنك تحذف ياء المدّة وهي المدغمة في لام الكلمة كما حذفتها في
صحيفة.
وأما تحية
فالياء الأولى فيها ليست للمدّة ، إنما هي عين الكلمة والثانية لام
__________________
الكلمة وأصله تحيية ، ثم أدغم وأجري الأصلي مجرى الزائد لشبههما لفظا لا
أصلا ، فقالوا : تحويّ. قال : ومثل تحيّة تئية وهي التمكث ، قال : ولا أحفظ لهما
ثالثا ، انتهى.
ومنه أيضا ما
أجازه أبو علي من قولهم في تثنية ما همزته أصلية نحو : قرّاء ووضّاء : قراوان
بالقلب واوا تشبيها لها بالزائدة ، وغيره يقرها من غير قلب لأنها أصلية فيقول :
قراءان.
ومن
الثاني : قولهم في
تثنية ما همزته منقلبة عن حرف إلحاق نحو : علباء وحرباء : علباءان ، بالإقرار
تشبيها لها بالمنقلبة عن الأصل ، وقول بعض الكوفيين في تثنية نحو حمراءان بإقرار
الهمزة من غير تغيير ، لأنه لما قلبت ألف التأنيث همزة التحقت بالأصلية فلم تغير
كالأصلية.
الاختصار
هو جلّ مقصود
العرب وعليه مبنى أكثر كلامهم ، ومن ثم وضعوا باب الضمائر لأنها أخصر من الظواهر
خصوصا ضمير الغيبة ، فإنه يقوم مقام أسماء كثيرة فإنه في قوله تعالى : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً) [الأحزاب : ٣٥] ، قام مقام عشرين ظاهرا ، ولذا لا يعدل إلى المنفصل مع
إمكان المتصل ، وباب الحصر بإلا وإنما وغيرهما لأن الجملة فيه تنوب مناب جملتين ،
وباب العطف لأن حروفه وضعت للإغناء عن إعادة العامل ، وباب التثنية والجمع لأنهما
أغنيا عن العطف ، وباب النائب عن الفاعل لأنه دلّ على الفاعل بإعطائه حكمه ـ وعلى
المفعول بوضعه. وباب التنازع ، وباب (علمت أنك قائم) لأنه محلّ لاسم واحد سدّ مسدّ
المفعولين ، وباب طرح المفعول اختصارا على جعل المتعدّي كاللازم ، وباب النداء لأن
الحرف فيه نائب مناب أدعو وأنادي ، وأدوات الاستفهام والشرط ، فإن : كم مالك؟ يغني
عن قولك : أهو عشرون أم ثلاثون؟ وهكذا إلى ما لا يتناهى والألفاظ الملازمة للعموم
كأحد وأكثروا الحذف تارة بحرف من الكلمة كـ : لم يك ، ولم أبل ، وتارة للكلمة
بأسرها ، وتارة للجملة كلها ، وتارة لأكثر من ذلك ، ولهذا تجد الحذف كثيرا عند
الاستطالة ، وحذفت ألف التأنيث إذا كانت رابعة عند النسب لطول الكلمة.
وقال ابن يعيش (في
شرح المفصل) : الكناية التعبير عن المراد بلفظ غير
__________________
الموضوع له لضرب من الإيجاز والاستحسان. وقال ابن السراج (في الأصول) : من
الأفعال ضرب مستعارة للاختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات
زيد ، ومرض بكر ، وسقط الحائط. وقال ابن يعيش : المضمرات وضعت نائبة عن غيرها من الأسماء الظاهرة لضرب من الإيجاز
والاختصار كما تجيء حروف المعاني نائبة عن غيرها من الأفعال فلذلك قلّت حروفها كما
قلّت حروف المعاني.
وقال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) قولهم : لله درك من رجل ، (من) فيه للتبعيض
عند بعضهم والتقدير : لقد عظمت من الرجال ، فوضع المفرد موضع الجمع والنكرة موضع
المعرفة للعلم وطلبا للاختصار ، قال ونظير هذا قولك : كلّ رجل يفعل هذا ، الأصل كل
الرجال يفعل هذا ، فاستخفّوا فوضعوا المفرد موضع الجمع والنكرة موضع المعرفة لفهم
المعنى وطلبا للاختصار.
وقال أبو
البقاء في (اللّباب) وتلميذه الأندلسي في (شرح المفصل) : إنما دخلت (إنّ) على
الكلام للتوكيد عوضا من تكرير الجملة وفي ذلك اختصار تامّ مع حصول الغرض من
التوكيد ، فإن دخلت اللام في خبرها كان آكد ، وصارت إن واللام عوضا من ذكر الجملة
ثلاث مرات ، وهكذا (أنّ) المفتوحة إذ لو لا إرادة التوكيد لقلت ـ مكان قولك :
بلغني أن زيدا منطلق ، بلغني انطلاق زيد ، انتهى.
ومن الاختصار
تركيب (إمّا) العاطفة على قول سيبويه من (إن) الشرطية و (ما) النافية ؛ لأنها تغني عن إظهار
الجمل الشرطية حذرا من الإطالة ، ذكره في (البسيط).
وتركيب (أمّا)
المفتوحة من (أن) المصدرية و (ما) المزيدة عوضا من كان في نحو : أما أنت منطلقا
انطلقت ، وجعل (أما) الشرطية عوضا من حرف الشرط وفاعله في نحو
: أمّا زيد فقائم.
وقال ابن إياز
في (شرح الفصول) : إنما ضمنوا بعض الأسماء معاني الحروف طلبا للاختصار ، ألا ترى
أنك لو لم تأت (بمن) وأردت الشرط على الأناسي لم تقدر أن تفي بالمعنى الذي تفي به (من)
، لأنك إذا قلت : من يقم أقم معه ، استغرقت ذوي العلم ، ولو جئت (بإن) لاحتجت أن
تذكر الأسماء : إن يقم زيد وعمرو وبكر ، وتزيد على ذلك ولا تستغرق الجنس ، وكذلك
في الاستفهام ، انتهى.
__________________
ومما وضع
للاختصار العدد ، فإن عشرة ومائة وألفا قائم مقام درهم ودرهم ودرهم إلى أن تأتي
بجملة ما عندك مكررا هكذا ، ومن ثم قالوا : ثلاث مائة درهم ، ولم يقولوا : ثلاث
مئات ، كما هو القياس في تمييز الثلاثة إلى العشرة أن يكون جمعا كثلاثة دراهم ؛
لأنهم أرادوا الاختصار تخفيفا لاستطالة الكلام باجتماع ثلاثة أشياء : العدد الأول
والثاني والمعدود ، فخفّفوا بالتوحيد مع أمن اللّبس ، هكذا علّله الزمخشري في (الأحاجي)
، وأورد عليه السخاوي في شرحه أنهم قالوا : ثلاثة آلاف درهم ، فلم يخفّفوا
بالتوحيد مع اجتماع ثلاثة أشياء ، قال : والصواب في التوحيد أن المائة لما كانت
مؤنثة استغني فيها بلفظ الإفراد عن الجمع لثقل التأنيث بخلاف الألف ، وقيل : إنما
جمعوا في الألف دون المائة لأن الألف آخره مراتب العدد فحملوا الآخر على الأول كما
قالوا : ثلاثة رجال. ومما بني على الاختصار منع الاستثناء من العدد ، لأن قولك :
عندي تسعون ، أخصر من مائة إلا عشرة.
وقال الشيخ
جمال الدين بن هشام في تذكرته : باب التصغير معدول به عن الوصف ، وقال : إنهم
استغنوا بياء وتغيير كلمة عن وصف المسمّى بالصغر بعد ذكر اسمه ، ألا ترى أن ما لا
يوصف لا يجوز تصغيره ، فدلّ ذلك على أن التصغير معدول به عن الوصف.
وقال الأندلسي
: الغرض من التصغير وصف الشيء بالصغر على جهة الاختصار.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصل) وصاحب (البسيط) : إنما أتي بالأعلام للاختصار وترك
التطويل بتعداد الصفات ، ألا ترى أنه لو لا العلم لاحتجت إذا أردت الإخبار عن واحد
من الرجال بعينه أن تعدّد صفاته حتى يعرفه المخاطب ، فأغنى العلم عن ذلك أجمع.
قال صاحب (البسيط)
: ولهذا المعنى قال النحاة : العلم عبارة عن مجموع صفات.
قال صاحب (البسيط)
: فائدة وضع أسماء الأفعال الاختصار والمبالغة ، أما الاختصار فإنها بلفظ واحد مع
المذكر والمؤنث والمثنى والمجموع نحو : صه يا زيد ، وصه يا هند ، وصه يا زيدان ،
وصه يا زيدون ، وصه يا هندات ؛ ولو جئت بمسمّى هذه اللفظة لقلت : اسكت واسكتي
واسكتا واسكتوا واسكتن ، وأما المبالغة فتعلم من لفظها فإن (هيهات) أبلغ في
الدلالة على البعد من (بعد) وكذلك باقيها ، ولو لا إرادة الاختصار والمبالغة لكانت
الأفعال التي هي مسماها تغني عن وضعها.
__________________
وقال الشيخ
بهاء الدين بن النحاس في التعليقة على المقرّب : كان الأصل أن يوضع لكل مؤنث لفظ
غير لفظ المذكر كما قالوا : عير وأتان وجدي وعناق وجمل ورجل وحصان وحجر إلى غير
ذلك ، لكنهم خافوا أن يكثر عليهم الألفاظ ويطول عليهم الأمر ، فاختصروا ذلك بأن
أتوا بعلامة فرّقوا بها بين المذكر والمؤنث ، تارة في الصفة كضارب وضاربة ، وتارة
في الاسم كامرئ وامرأة ومرء ومرأة في الحقيقي ، وبلد وبلدة في غير الحقيقي ، ثم
إنهم تجاوزوا ذلك إلى أن جمعوا في الفرق بين اللفظ والعلامة للتوكيد وحرصا على البيان
، فقالوا : كبش ونعجة وحمل وناقة وبلد ومدينة.
وقال ابن
القوّاس في (شرح ألفية ابن معطي) : التصغير وصف في المعنى وفائدته الاختصار ، فإذا قلت :
رجل ، احتمل التكبير والتصغير ، فإن أردت تخصيصه قلت : رجل صغير ، فإن أردته مع
الاختصار قلت : رجيل ، ولذلك لا يصغّر الفعل.
وقال ابن
النحاس : فإن قيل فما فائدة العدل؟ فالجواب : إن عمر أخصر من عامر.
وقال الشلوبين
في (شرح الجزولية) : الفاعل إذا كان مخاطبا في أمره وجهان : أحدهما : أن يبنى فعل الفاعل بناء مخصوصا بالأمر وهو بناء أفعل
وهو بمعناه نحو : قم واقعد.
والثاني
: أن يدخل لام
الطلب على فعله المضارع فيقال : لتقم ولتقعد والأجود الأول لأنه أخصر ، فاستغنوا
بالأخصر عن غيره ، كما استغنوا بالضمير المتّصل عن الضمير المنفصل في قولك : قمت
ولم يقولوا : قام أنا وقمت ولم يقولوا : قام أنت ، إلا أنه قد جاء المستغنى عنه في
الأمر ولم يجئ في الضمائر في حال السعة. وقال في (البسيط) : لما كان الفعل يدلّ
على المصدر بلفظه ، وعلى الزمان بصيغته ، وعلى المكان بمعناه ، اشتقّ منه اسم
للمصدر ولمكان الفعل ولزمانه طلبا للاختصار والإيجاز ، لأنهم لو لم يشتقوا منه
أسماءها للزم الإتيان بالفعل وبلفظ الزمان والمكان ، وفيه ذهب بعضهم إلى أن باب
مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرّر طلبا للمبالغة والاختصار.
__________________
وقال أيضا :
إنما عدل عن طلب التعيين بأي إلى الهمزة وأم طلبا للاختصار لأن قولك : أزيد عندك
أم عمرو؟ أخصر من قولك ، أيّ الرجلين عندك زيد أم عمرو؟
وقال ابن يعيش : فصّل سيبويه بين ألقاب حركات الإعراب وألقاب حركات البناء فسمّى
الأولى : رفعا ونصبا وجرا وجزما ، والثانية : ضما وفتحا وكسرا ووقفا ، للفرق
والإغناء عن أن يقال : ضمّة حدثت بعامل ونحوه ، فكان في التسمية فائدة الإيجاز
والاختصار.
اختصار المختصر لا يجوز
لأنه إجحاف به
، ومن ثم لم يجز حذف الحرف قياسا. قال ابن جني في (المحتسب) : أخبرنا أبو علي قال : قال أبو بكر : حذف الحرف ليس
بقياس لأن الحروف إنما دخلت الكلام لضرب من الاختصار ، فلو ذهبت تحذفها لكنت
مختصرا لها هي أيضا واختصار المختصر إجحاف به ، ومن ثم أيضا لم يجز حذف المصدر
والحال إذا كانا بدلا من اللفظ بفعلهما ، ولا الحال النائبة عن الخبر ، ولا اسم
الفعل دون معموله لأنه اختصار للفعل.
وفي (شرح
التسهيل) لأبي حيان : لا يجوز حذف (لا) من (لا سيما) ، لأن حذف الحرف خارج عن
القياس فلا ينبغي أن يقال لشيء منه إلا حيث سمع ، وسبب ذلك أنهم يقولون : حروف
المعاني إنما وضعت بدلا من الأفعال طلبا للاختصار ، ولذلك أصل وضعها أن تكون على
حرف أو حرفين ، وما وضع مؤدّيا معنى الفعل واختصر في حروف وضعه لا يناسبه الحذف
لها.
وقال ابن هشام
في (حواشي التسهيل) : لا يجوز حذف جواب (إما) لأن شرطها حذف ، فلو حذف الجواب أيضا
لكان إجحافا بها.
وقال صاحب (البسيط)
: القياس يقتضي عدم حذف حروف المعاني وعدم زيادتها لأن وضعها للدلالة على المعاني
؛ فإذا حذفت أخلّ حذفها بالمعنى الذي وضعت له ، وإذا حكم بزيادتها نافى ذلك وضعها
للدلالة على المعنى ، ولأنهم جاؤوا بالحروف اختصارا عن الجمل التي تدلّ معانيها
عليها ، وما وضع للاختصار لا يسوغ
__________________
حذفه ولا الحكم بزيادته ، فلهذا مذهب البصريين : المصير إلى التأويل ما
أمكن صيانة عن الحكم بالزيادة أو الحذف.
وقال ابن جني
في (الخصائص) : تفسير قول أبي بكر أنها دخلت الكلام لضرب من الاختصار
: أنك إذا قلت ما قام زيد ، فقد أغنت (ما) عن (أنفي) وهي جملة فعل وفاعل ، وإذا
قلت : قام القوم إلّا زيدا فقد نابت (إلا) عن (أستثني) ، وإذا قلت : قام زيد وعمرو
فقد نابت (الواو) عن (أعطف) ، وكذا (ليت) نابت عن (أتمنى) ، و (هل) عن (أستفهم) ،
والباء في قولك : ليس زيد بقائم ، نابت عن (حقّا) ، و (البتة) و (غير ذي شكّ) ،
وفي قولك : أمسكت بالحبل ، نابت عن المباشرة وملاصقة يدي له ، (ومن) في قولك :
أكلت من الطعام ، نابت عن البعض أي : أكلت في بعض الطعام ، وكذا بقية ما لم نسمّه
، فإذا كانت هذه الحروف نوائب عما هو أكثر منها من الجمل وغيرها لم يجز من بعد ذلك
أن تنتهك ويجحف بها.
قال : ولأجل ما
ذكرناه من إرادة الاختصار فيها لم يجز أن تعمل في شيء من الفضلات : الظرف والحال
والتمييز والاستثناء وغير ذلك ، وعلّته أنهم قد أنابوها عن الكلام الطويل لضرب من
الاختصار ، فلو أعملوها لنقضوا ما أجمعوه وتراجعوا عما التزموه.
وقال ابن يعيش : حذف الحرف يأباه القياس لأن الحروف إنما جيء بها
اختصارا ونائبة عن الأفعال ، فـ (ما) النافية نائبة عن أنفي ، وهمزة الاستفهام
نائبة عن أستفهم ، وحروف العطف عن أعطف ، وحروف النداء نائبة عن أنادي ، فإذا أخذت
تحذفها كان اختصارا لمختصر وهو إجحاف. إلا أنه ورد حذف حرف النداء كثيرا لقوة
الدلالة على المحذوف فصارت القرائن الدالّة على المحذوف كالتلفّظ به. وقال أيضا :
ليس الأصل في الحروف الحذف إلا أن يكون مضاعفا فيخفّف نحو : إنّ ولكن وربّ.
إذا اجتمع
مثلان وحذف أحدهما فالمحذوف الأول أو الثاني؟ فيه فروع :
أحدها
: إذا اجتمع نون
الوقاية ونون الرفع جاز حذف إحداهما تخفيفا نحو : (أَتُحاجُّونِّي) [الأنعام : ٨٠] ، و (تَأْمُرُونِّي) [الزمر : ٦٤] ، وهل المحذوف نون الرفع أو نون الوقاية؟ خلاف. ذهب سيبويه إلى الأول ، ورجّحه ابن مالك ؛ لأن نون الرفع قد تحذف
بلا سبب.
__________________
كقوله : [الرجز]
٢٣ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي
|
|
[شعرك بالعنبر والمسك الذكي]
|
ولم يعهد ذلك
في نون الوقاية ، وحذف ما عهد حذفه أولى ، ولأنها نائبة عن الضمة ، وقد عهد حذفها
تخفيفا في نحو : (إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُكُمْ) [البقرة : ٦٧] ، (وَما يُشْعِرُكُمْ) [الأنعام : ٦] ، في قراءة من سكّن ، ولأنها جزء كلمة ونون الوقاية كلمة ،
وحذف الجزء أسهل.
وذهب المبرد
والسيرافي والفارسي وابن جني وأكثر المتأخرين منهم : صاحب (البسيط) ، وابن هشام
إلى الثاني ، لأنها لا تدلّ على إعراب فكانت أولى بالحذف ، لأنها دخلت لغير عامل ،
ونون الرفع دخلت لعامل ، فلو كانت المحذوفة لزم وجود مؤثر بلا أثر مع إمكانه ،
ولأن الثقل نشأ من الثانية فهي أحق بالحذف.
الثاني
: إذا اجتمع نون
الوقاية ونون إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ ، جاز حذف أحدهما ، وفي المحذوفة قولان : أحدهما نون الوقاية وعليه
الجمهور ، وقيل نون (أنّ) لأن نون الوقاية دخلت للفرق بين أنني وأني ، وما دخل
للفرق لا يحذف ، ثم اختلف ، هل المحذوفة الأولى المدغمة لأنها ساكنة والساكن يسرع
إلى الحذف؟ أو الثانية المدغم فيها لأنها طرف؟ على قولين ، صحح أبو البقاء في (اللّباب)
أولهما.
الثالث
: إذا اجتمع نون
الضمير ونون الحروف الأربعة المذكورة جاز حذف أحدهما نحو ، أنّا ولكنّا ، وهل
المحذوفة الأولى المدغمة أو الثانية المدغم فيها؟ القولان السابقان ، ولم يجز هنا
القول بأن المحذوف نون الضمير لأنها اسم فلا تحذف. ثم رأيت ابن الصائغ قال في (تذكرته)
: في كلا أبي علي في الأغفال ما يدلّ على أن المحذوف نون ضمير النصب في قولنا :
كأنا ، وتاء تفعل في قولنا : هل تكلّم ، قال ذلك على لسان أبي العباس نقلا عن أبي
بكر تقوية لمن يذهب في أن المحذوف من (لاه) اللّام الأصلية لا لام الإضافة كما ذهب
إليه سيبويه ، وقال : لأنّ ما يحذف من المكرّرات إنما يحذف
للاستثقال وإنما يقع الاستثقال فيما يتكرّر لا في المبدوء به الأول. ثم قال عقب
ذلك : والذي رجّحه أبو علي أن المحذوف من
__________________
أنّنا وكأنّنا إنما هو النون الوسطى دون نون الضمير ، قال : لأنه عهد حذفها
دون حذف نون الضمير.
الرابع
: إذا اجتمع نون
الوقاية ونون الإناث.
نحو : [الوافر]
٢٤ ـ [تراه كالثّغام يعلّ مسكا]
|
|
يسوء
الفاليات إذا فليني
|
والأصل فلينني
، فحذف إحدى النونين ، واختلف في المحذوفة فقال المبرد : هي نون الوقاية لأن
الأولى ضمير فاعل لا يليق بها الحذف ، ورجّحه ابن جنّي والخضراوي وأبو حيان وابن
هشام. وفي (البسيط) أنه مجمع عليه. وقال سيبويه : هي نون الإناث. واختاره ابن مالك
قياسا على (تأمروني) ، وردّه أبو حيان لأنه قياس على مختلف فيه.
الخامس
: المضارع
المبدوء بالتاء إذا كان ثانيه تاء نحو : تتعلم وتتكلم ، يجوز الاقتصار فيه على
إحدى التاءين ، وهل المحذوف الأولى أو الثانية؟ قولان أصحهما الثاني وعليه
البصريون ، لأنّ الأولى دالّة على معنى وهي المضارعة ، ورجّحه ابن مالك في (شرح
الكافية) بأن الاستثقال في اجتماع المثلين ، إنما يحصل عند النطق
بثانيهما فكان هو الأحقّ بالحذف. قال : وقد يفعل ذلك بما صدر فيه نونان كقراءة
بعضهم (وَنُزِّلَ
الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥] قال : وفي هذه القراءة دليل على أن المحذوف من التاءين هي
الثانية لأن المحذوف من النونين في القراءة المذكورة إنما هي الثانية ، ورجّحه
الزنجاني في (شرح الهادي) : بأن الثانية هي التي تعلّ فتسكن وتدغم في (تذكرون) ،
فلما لحقها الإعلال دون الأولى لحقها الحذف دون الأولى ، إذ الحذف مثل الإعلال.
السادس
: الفعل المضاعف
على وزن فعل نحو : ظلّ ومسّ وأحسّ إذا أسند إلى الضمير المتحرّك نحو ظللت ومسست
وأحسست ، جاز حذف أحد حرفي التضعيف
__________________
فيقال : ظلت ومست وأحست ، وهل المحذوف الأول وهو العين أو الثاني وهو اللام؟
قولان أصحهما الأول ، وبه جزم في (التسهيل) ، وقال أبو علي في (الأغفال) : قد حذف الأول من الحروف المتكررة كما حذف من الثاني
وذلك قولهم : ظلت ومست ونحو ذلك.
فإن قيل : ما
الدليل على أن المحذوف الأول؟ قيل : قول من قال : ظلت ومست ، فألقى حركة العين
المحذوفة على الفاء ، كما ألقاها عليها في خفت وهبت وظلت ، ولو كان المحذوف اللام
دون العين لتحرك ما قبل الضمير ، وكذلك قلب الأول من المتكرّرة نحو : (دينار) كما
قلب الثاني نحو : تظنّيت وتقضّيت : وخفّفت الهمزة الأولى كما خفّفت الثانية نحو (جاءَ أَشْراطُها) [محمد : ١٨].
السابع
: لا سيما إذا
خفّفت ياؤها كقوله : [البسيط]
٢٥ ـ فـ بالعقود وبالأيمان لا سيما
|
|
عقد وفاء به
من أعظم القرب
|
فهل المحذوف
الياء الأولى وهي العين أو الثانية وهي اللام؟ اختار ابن جنّي الثانية وأبو حيان
الأولى.
قال ابن إياز
في (شرح الفصول) : واعلم أنه قد جاء تخفيف (سي) من لا سيما ، إلا أنهم لم ينصّوا
على المحذوف منها هل هو عينها أو لامها ، والذي يقتضيه القياس أن يكون المحذوف
اللام لأن الحذف منها هل هو عينها أو لامها ، والذي يقتضيه القياس أن يكون المحذوف
اللام لأن الحذف إعلال ، والإعلال في اللام شائع كثير بخلافه في العين ، وبعضهم
يزعم أنهم حذفوا الياء الأولى لأمرين ، أحدهما : سكونها والثانية متحرّكة والمتحرك
أقوى من الساكن ، فكانت الأولى أولى بالحذف لضعفها ، والثاني : أنها زائدة والأولى
منقلبة عن واو أصلية ، والزائد أولى من الأصلي بالحذف ، ولما حذفت الياء الأخيرة
لم تردّ الياء إلى أصلها لإرادة المحذوف. انتهى ، وفي الكلام الأخير نظر.
الثامن
: باب الأمثلة
الخمسة إذا أكد بالنون الشديدة نحو : والله لتضربنّ ، فإنه يجتمع فيه ثلاثة نونات
: نون الرفع والنون المشدّدة فتحذف واحدة وهي نون الرفع كما جزموا به ولم يحكوا
فيه خلافا.
__________________
التاسع
: ذو بمعنى صاحب
، أصله عند الخليل ذوو ، بوزن فعل ، وعند ابن كيسان ذوو بالفتح فحذف إحدى الواوين ، قال
أبو حيان : وفي المحذوف قولان أحدهما : الثانية وهي اللام وعليه أهل الأندلس وهو
الظاهر ، والثاني : الأولى وهي العين وعليه أهل قرطبة.
العاشر
: قال الشمس بن
الصائغ في قوله : [المديد]
٢٦ ـ أيّها السّائل عنهم وعني
|
|
لست من قيس
ولا قيس مني
|
الذي ذكروه أن
المحذوف من (منّي) و (عنّي) نون الوقاية ، ويحتمل أن تكون باقية ونون من وعن هي
المحذوفة ، إلا أن يقال : إن الحروف بعيدة عن الحذف منها.
الحادي
عشر : ذا المشار بها
عند البصريين ثلاثية الوضع ، وألفها منقلبة عن ياء عند الأكثرين وعن واو عند آخرين
، ولامها عن ياء باتفاق ، وجزموا بأن المحذوف اللام ولم يحكوا فيه خلافا ، ثم رأيت
الخلاف فيه محكيّا في (البسيط) : قال أكثر النحاة على أن المحذوف لامه ، لأنها طرف
فهي أحقّ بالحذف قياسا على الإعلال. ولأن حذف اللام أكثر من حذف العين فتعليق
الحكم بالأعمّ أولى. ومنهم من قال : المحذوف عينه والموجود لامه ؛ لأن العين ساكنة
والساكن أضعف من المتحرّك فهو أحقّ بالحذف ، ولأنه لو كان المحذوف لامه لعدمت علّة
قلب الياء ألفا ، لأن العين تكون ساكنة فلا توجد فيها علّة القلب ، وأما اللام
فمتحركة ، فإذا حذفت العين وجدت علّة الإعلال وهو تحرّك حرف العلّة وانفتاح ما
قبله.
الثاني
عشر : قال بدر الدين
بن مالك في قوله تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ
مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ) [الواقعة : ٨٨ ـ ٨٩] : إنّ أصل الفاء داخلة على (إن كان) وأخّرت للزوم
الفصل بين أمّا والفاء ، فالتقى فاء إن فاء أما ، وفاء جواب (إن) ، فحذفت الثانية
حملا على أكثر الحذفين نظائر.
الثالث
عشر : إذا صغّرت
كساء قلت كسيي ، وقد اجتمع فيه ثلاث ياءات : ياء
__________________
التصغير والياء المنقلبة عن الألف ، والياء التي هي لام الكلمة فتحذف أحدها
، وهل المحذوف الياء الأخيرة التي هي لام الكلمة أو الياء المنقلبة عن الألف؟
قولان : نصّ سيبويه على الأول ، كذا نقله أبو حيان بعد أن جزم بالثاني.
الرابع
عشر : إذا نسبت إلى
نحو طيّب وسيّد وميّت حذفت إحدى الياءين فقلت طيبي وسيدي تخفيفا ، وقد جزموا بأن
المحذوف الثانية لا الأولى ، كذا جزم به ابن مالك وأبو حيان في كتبهما ، وعلّله أبو حيان بأن موجب الحذف
توالي الحركات واجتماع الياءات فكان حذف المتحرّكة أولى ، وقال الزمخشري في (الفائق)
: هين ولين مخفّفان من هيّن وليّن . والمحذوف من ياءيهما الأولى ، وقيل الثانية.
الخامس
عشر : يجوز حذف إحدى
الياءين من أيّ ، قال الشاعر : [الطويل]
٢٧ ـ تنظّرت نسرا والسّماكين أيهما
|
|
[عليّ من الغيث استهلّت مواطره]
|
وقد جزم ابن
جنّي في ذا بأن المحذوف الثانية ، وهي اللام لقلة حذف العين ، قال ولهذا بقيت
الأخرى ساكنة كما كانت .
السادس
عشر : إذا اجتمعت
همزة الاستفهام مع همزة قطع نحو (أَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّماءِ) [الملك : ١٦] ، فإنها ترسم بألف واحدة وتحذف الأخرى كذا في خطّ المصحف ،
واختلف في المحذوفة فقيل : الأولى وعليه الكسائي ، لأن الأصلية أولى بالثبوت ،
وقيل : الثانية وعليه الفراء وثعلب وابن كيسان لأن بها حصل الاستثقال ولأنها تسهل
والمسهل أولى بالحذف ، ولأن الأولى حرف معنى فهي الأولى بالثبوت.
السابع
عشر : إذا وقف على
المقصور المنوّن نحو : رأيت عصا ، وقف عليه بالألف ، قال ابن الخباز : وكان في
التقدير ألفان ، لام الكلمة والألف التي هي بدل من التنوين ، كما في : رأيت زيدا
في الوقف ، قال : وحذفت إحدى الألفين لأنه لا يمكن اجتماع ألفين ، قال : والمحذوفة
هي الأولى عند سيبويه والباقية التي هي بدل من
__________________
التنوين ، قال : وكانت الأولى أولى بالحذف لأن الطارئ يزيل حكم الثابت ، قال
: فإن كان المقصور غير منوّن نحو : رأيت العصا فالألف هي لام الكلمة اتفاقا. وفي (شرح
الإيضاح) لأبي الحسين بن أبي الربيع : اختلف النحويون في هذه الألف الموجودة في
الوقف في الأحوال الثلاثة : في الرفع والنصب والجرّ ، فرجعت الألف الأصلية لزوال
ما أزالها. وذهب المازني إلى أنها بدل من التنوين لأن قبل التنوين فتحة في اللفظ
فصار (عصا) في الأحوال الثلاثة بمنزلة زيد في قولك رأيت زيدا. وذهب أبو علي
الفارسي إلى أنها في الرفع والخفض بدل عن الألف الأصلية لزوال التنوين ، وفي النصب
بدل من التنوين.
الثامن
عشر : تحيّة وتئيّة
إذا نسبت إليهما قلت : تحويّ وتأويّ بحذف إحدى الياءين وقلب الأخرى واوا ، والياء
المحذوفة هي الأولى التي هي عين الكلمة ، والباقية المنقلبة هي الثانية وهي لام
الكلمة ، جزم به أبو حيان.
التاسع
عشر : باب رميّة
ينسب إليه رمويّ كذلك ، والمحذوف الياء الأولى وهي الياء المدغمة في لام الكلمة
جزم به أيضا. وكذلك باب (مرميّ) إذا قيل فيه (مرموي) ، المحذوف منه الياء الأولى
وهي الزائدة المنقلبة عن واو مفعول ، والباقية المنقلبة هي لام الكلمة جزموا به.
العشرون
: قال صاحب (الترشيح)
: إذا صغّرت أسود وعقابا وقضيبا وحمارا قلت أسيّد وعقيّب وقضيّب وحميّر ،
بياء مشدّدة مكسورة ، فإذا نسبت إلى هذه حذفت الياء المتحركة التي آخر الاسم فقلت
أسيدي وقضيبي بياء ساكنة.
الحادي
والعشرون : قال أبو حيان : إذا صغّرت مبيطر ومسيطر ومهيمن ، أسماء فاعل من بيطر وسيطر
وهيمن ، تحذف الياء الأولى لأنها أولى بالحذف وتثبت ياء التصغير.
الثاني
والعشرون : إذا اجتمعت همزتان متفقتان في كلمتين نحو (جاءَ أَجَلُهُمْ) [الأعراف : ٣٤] ، و (الْبَغْضاءَ إِلى) [المائدة : ١٤] ، أولياء أولئك ، جاز حذف إحداهما تخفيفا ، ثم منهم من يقول
: المحذوف الأولى لأنها وقعت آخر الكلمة
__________________
محل التغيير ، ومنهم من يقول : المحذوف الثانية لأن الاستثقال إنما جاء
عندها. حكاه السيد ركن الدين في (شرح الشافية).
الثالث
والعشرون : باب الإفعال والاستفعال مما اعتلّت عينه كإقامة واستقامة أصلهما قوام
واستقوام ، نقلت حركة الواو فيهما وهي العين إلى الفاء فانقلبت ألفا لتجانس الفتحة
، فالتقى ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين ثم عوض منها تاء التأنيث.
واختلف
النحويون أيتهما المحذوفة ، فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوف ألف إفعال واستفعال لأنها الزائدة ولقربها من الطرف ، ولأن
الاستثقال بها حصل ، وإليه ذهب ابن مالك . وذهب الأخفش والفراء إلى أن المحذوف عين الكلمة.
الرابع
والعشرون : باب مفعول المعتلّ العين نحو مبيع ومصون ، أصلهما مبيوع ومصوون ، ففعل بهما
ما فعل بإقامة واستقامة من نقل حركة الياء والواو إلى الساكن قبلهما ، فالتقى
ساكنان : الأول عين الكلمة ، والثاني واو مفعول الزائدة ، فوجب حذف أحدهما ،
واختلف في أيّهما حذف ، فذهب الخليل وسيبويه إلى أن المحذوف واو مفعول لزيادتها
ولقربها من الطرف . وذهب الأخفش إلى أنّ المحذوف عين الكلمة لأن واو مفعول
لمعنى ، ولأن الساكنين إذا التقيا في كلمة حذف الأول .
الخامس
والعشرون : (يَسْتَحْيِي) [البقرة : ٢٦] بياءين في لغة الحجاز ، وأما تميم فتقول : (يستحي) بياء
واحدة ، قال في (التسهيل) : فيحذفون إحدى الياءين ، قال أبو حيان : إما التي هي
لام الكلمة ، وإما التي هي عين الكلمة ، أما حذف لام الكلمة فلأن الأطراف محلّ
التغيير ، فلما حذفت بقيت يستحي كحاله مجزوما ، فنقل حركة الياء إلى الحاء التي هي
فاء الكلمة وسكنت الياء ، أما حذف عين الكلمة فقيل : نقل حركة الياء التي هي عين
إلى الحاء فالتقى ساكنان : الياء التي هي عين
__________________
الكلمة ، والياء التي هي لام ، فحذف الأولى لالتقاء الساكنين. فعلى التقدير
الأول يكون وزن الكلمة : يستفع ، وعلى الثاني يكون وزنها : يستفل.
السادس
والعشرون : باب صحارى وعذارى فيه لغات : التشديد وهو الأصل ، والتخفيف هروبا من ثقل
الجمع مع ثقل التشديد ، ثم الأولى بالحذف الياء التي هي بدل من ألف المدّ ، لأنه
قد عهد حذفها ، ولأن الكلمة خماسية ، والمبدلة من ألف التأنيث بمنزلة الأصلي فهي
أحقّ بالثبوت ، وما قبلها أحقّ بالحذف. قاله في (البسيط).
السابع
والعشرون : قراءة ابن محيصن سواء عليهم أنذرتهم [البقرة : ٦] بحذف إحدى الهمزتين. قال
ابن جنّي في (المحتسب) : المحذوف الأولى وهي همزة الاستفهام ، قال : فإن
قيل : فلعلّ المحذوف الثانية ، قيل : قد ثبت جواز حذف همزة الاستفهام ، وأما حذف
همزة أفعل في الماضي فبعيد.
الثامن
والعشرون : باب جاء وشاء اسم فاعل من جاء وشاء أصله جائي وشائي لأن لام الفعل همزة ،
فمذهب الخليل أن الهمزة الأولى هي لام الفعل قدّمت إلى موضع العين
كما قدّمت في شاك وهار ، ومذهب سيبويه هي عين الفعل ، استثقل اجتماع الهمزتين فقلبت الأخيرة
ياء على حركة ما قبلها وهي لام الفعل عنده ثم فعل به ما فعل بقاض ، فوزنه على هذا
فاعل. وعلى قول الخليل : فالع لأنه مقلوب ، وآل هذا إلى أن في المحذوف قولين : قول
سيبويه اللام ، وقول الخليل العين.
التاسع
والعشرون : نحو : [الرجز]
٢٨ ـ يا زيد زيد اليعملات [الذّبّل
|
|
تطاول اللّيل
عليك فانزل]
|
و : [المنسرح]
__________________
٢٩ ـ [يا من رأى عارضا أسرّ به]
|
|
بين ذراعي
وجبهة الأسد
|
وفي المحذوف
خلاف ، قال المبرد : الأول ، وقال سيبويه : الثاني ، ورجّحه ابن هشام.
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : قولهم قطع الله يد ورجل من قالها ، أجمعوا على أن هنا مضافا إليه
محذوفا من أحدهما ، واختلفوا من أيّهما حذف ، فمذهب سيبويه حذف من الثاني وهو أسهل
لأنه ليس فيه وضع ظاهر موضع مضمر ، وليس فيه أكثر من الفصل بين المضاف والمضاف
إليه بغير الظرف ، وحسّن ذلك وشجعه كون الدليل يكون مقدّما على المدلول عليه ،
ومذهب المبرّد أن الحذف من الأول وأن (رجل) مضاف إلى (من) المذكورة و (يد) مضافة
إلى (من قالها) أخرى محذوفة ، ويلزمه أن يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر ، إذ
الأصل : يد من قالها ورجله ، وحسّن ذلك عنده كون الأوّل معدوما في اللّفظ ، فلم
يستنكره لذلك ، انتهى.
الثلاثون
: نحو : زيد وعمرو
قائم ، ومذهب سيبويه أن الحذف فيه من الأول ، مع أن مذهبه في نحو :
زيد زيد اليعملات
أن الحذف من
الثاني ، قال ابن الحاجب : إنما اعترض بالمضاف الثاني بين
المتضايفين ليبقى المضاف إليه المذكور في اللفظ عوضا مما ذهب ، وأما هنا فلو كان (قائم)
خبرا عن الأول لوقع في موضعه ، إذ لا ضرورة تدعو إلى تأخيره ، إذا كان الخبر بحذف
بلا عوض نحو : زيد قائم وعمرو ، من غير قبح في ذلك ، انتهى.
وقيل أيضا :
كلّ من المبتدأين عامل في الخبر ، فالأولى إعمال الثاني لقربه ، قال ابن هشام : ويلزم من هذا التعليل أن يقال بذلك في مسألة الإضافة
، قال : والخلاف إنما هو عند التردّد ، وإلا فلا تردد في أن الحذف من الأول في
قوله : [المنسرح]
__________________
٣٠ ـ نحن بما عندنا وأنت بما
|
|
عندك راض
والرّأي مختلف
|
ومن الثاني
قوله : [الطويل]
٣١ ـ [فمن يك أمسى بالمدينة رحله]
|
|
فإنّي
وقيّارا بها لغريب
|
الحادي
والثلاثون : ذات أصلها (ذويه) ، تحركت الواو والياء فقلب كل منهما ألفا فالتقى ألفان
فحذف أحدهما.
قال ابن هشام
في (تذكرته) : وينبغي أن ينظر هل المحذوف فيها الألف الأولى أو الثانية؟ فقياس قول
سيبويه والخليل في إقامة واستقامة أن يكون المحذوف الأولى ؛ وقياس قولهما في مثل (مصون)
أن يكون المحذوف الثانية.
الثاني
والثلاثون : قولهم : (لاه أبوك) ، في (لله أبوك) . قال الشّلوبين في تعليقه على كتاب سيبويه : مذهبنا أن
المحذوف حرف الجرّ واللام التي للتعريف ، وزعم المبرد أن المحذوف اللام المعرّفة
ولام الله الأصلية ، والمبقاة لام الجرّ فتحت ردّا إلى أصلها ، كما تفتح مع المضمر
، قال : وهذا أولى لأن في مذهبكم حذف الجارّ ، وإبقاء عمله وهو مع ذلك حرف معنى ،
وأما أنا فلم أحذف حرف المعنى بل حذفت ما لا معنى له.
قال الشلوبين :
وهذا المذهب قد وافق في حذف اللام المعرفة ، وبقي الترجيح بين حرف الجرّ وحرف
الأصل ، فزعمنا أن المحذوف حرف الجرّ ، وزعم أن المحذوف اللام الأصلية ورجح مذهبه
بأن حرف الجرّ لمعنى وفيه إبقاء عمله.
__________________
وينبغي أن
يترجّح مذهبنا لأنه قد ثبت حرف الجرّ محذوفا وعمله مبقى في نحو (خير عافاك الله)
وفي مذهبه ادّعاء فتح اللام ، ونحن نبقي الكلام على ظاهره ، وأيضا فإن الذين
يفتحون اللام الجارة قوم بأعيانهم ، لا يفعل ذلك غيرهم. وجميع العرب يقولون : (لاه
أبوك) بالفتح فدلّ على أنها ليست الجارة ، إذ لو كانت الجارة لما فتحها إلا من
لغته أن يقول : المال لزيد ولعمرو فهذا يؤيّد ما ذهبنا إليه ، انتهى.
الثالث
والثلاثون : (الآن) أصله : أوان ، ثم قيل : حذفت الألف بعد الواو وقلبت الواو ألفا
، وقيل : بل حذفت الواو وبقيت الألف بعدها فوقعت بعد الهمزة.
حكاهما في (البسيط).
فصل من نظائر ذلك وهو عكس القاعدة
قال
أبو حيان : اختلف النحويون في أي الحرفين من المضاعف هو الزائد ، فذهب الخليل إلى أن
الزائد هو الأول فاللام الأولى من (سلّم) هي الزائدة ، وكذلك الزاي الأولى من (فلّز)
، وذهب يونس فيما ذكره الفارسي عنه إلى أن الثاني هو الزائد.
حجّة
الخليل : أن المثل
الأول قد وقع موقعا يكثر فيه أمهات الزوائد وهي الياء والواو والألف ، ألا ترى
أنها تقع زائدة ساكنة ثانية نحو : حوقل وصيقل وكاهل ، وثالثة نحو : كتاب وعجوز
وقضيب ؛ فإذا جعلنا الأولى من سلم وفلز زائدة كانت واقعة موقع هذه الحروف ، وكذلك
في قردد وما أشبه مما تحرك فيه المضاعفان ، الأول هو الزائد عند الخليل.
وحجة
يونس : أن المثل
الثاني يقع موقعا يكثر فيه أمهات الزوائد ، ألا ترى أن الواو والياء تزادان
متحركتين نحو : جهور وعثير ، ورابعين نحو : كنهور وعفرية ، فإذا كان الثاني من
سلّم وفلز زائدا كان واقعا موقع هذين الحرفين.
قال
أبو حيان : ولا حجّة فيما استدلّ به الخليل ويونس لأنه ليس فيه أكثر من التأنيس
وبالإتيان بالنظير ، وأما سيبويه فقد حكم بأن الثاني هو الزائد ، ثم قال بعد ذلك :
وكلا الوجهين صواب ومذهب ، فهذا يدلّ على احتمال الوجهين.
واختلف في
الصحيح ، فذهب الفارسي إلى أن الصحيح مذهب سيبويه ، واستدلّ على ذلك بوجود اسحنكك
واقعنسس وشبههما في كلامهم ، قال : وذلك أن النون في افعنلل من الرباعي لم توجد
قطّ إلا بين أصلين نحو : احرنجم ، فينبغي أن
__________________
يكون ما ألحق به من الثلاثي بين أصلين لئلا يخالف الملحق به ، ولا يمكن ذلك
إلا بجعل الأول هو الأصل والثاني هو الزائد ، وإذا ثبت ذلك في هذا حملت سائر
المضاعفات عليه. وذهب ابن عصفور إلى أن الصحيح مذهب الخليل بدليلين :
أحدهما
: قول العرب في
تصغير (صمحمح) صميح ، فحذفوا الحاء الأولى ، فثبت أنها الزائدة ، لأنه لا يجوز حذف
الأصلي وإبقاء الزائد.
والثاني
: أن العين إذا
تضعّفت وفصل بينهما حرف ، فذلك الحرف لا يكون إلّا زائدا نحو : (عثوثل وعقنقل) ،
ألا ترى أن الواو والنون الفاصلتين بين العينين زائدتان ، فإذا ثبت ذلك تبيّن أن
الزائد من الحاءين في (صمحمح) هي الأولى لأنها فاصلة بين العينين ، فلا ينبغي أن
تكون أصلا ، لئلا يكون في ذلك كسر لما استقرّ في كلامهم من أنه لا يجوز الفصل بين
العينين إلا بحرف زائد ، وإذا ثبت أن الزائد من المثلين في هذين الموضعين هو الأول
حملت سائر المواضع عليهما.
وذهب ابن خروف
والشّلوبين إلى التسوية بين مذهب الخليل ومذهب سيبويه.
وذهب ابن مالك
إلى تفصيل ، فحكم بزيادة الثاني والثالث في صمحمح ونحوه ، والثالث والرابع في
مرمريس ، وأن الثاني في نحو : اقعنسس والأول في نحو : (علّم) أولى بالزيادة. قال
أبو حيان : وهذا التفصيل الذي ذكره ليس مذهبا لأحد ، وإنما هو إحداث قول ثالث جريا
على عادته.
وفي (البسيط) :
اختلف في (مغدودن) هل الزائد فيه الدال الأولى أو الثانية؟ فعلى الأول يقال في
تصغيره مغيدن بحذف الواو مع الدال ، لأن الواو وقعت ثالثة ، وعلى الثاني مغيدين بقلبها
ياء لأنها رابعة فلا تحذف.
[تنبيه]
باب اقعنسس :
قال ابن مالك : ثاني المثلين فيه أولى بالزيادة لوقوعه موقع ألف (احرنبى)
، قال أبو حيان : جهة الأولوية ، أنه لمّا ألحق احرنبى باحرنجم ، واحرنبى من باب
الثلاثة لم يأتوا بالزائد الذي للإلحاق إلا أخيرا وهي الألف ، وكذلك ما جيء به
للإلحاق في هذا النوع هو مقابل لهذه الألف ، والمقابل لها في (اقعنسس) إنما هي
السين الثانية ، فلذلك حكم عليها بأنها الزائدة ليجري باب الثلاثي في
__________________
الإلحاق بالرباعي مجرى واحدا ، ألا ترى أنهما مشتقّان من الحرب والقعس ،
فلذلك كان الأولى أن تكون السين الثانية هي الزائدة.]
ومن ذلك أيضا
قال أبو حيان : سألني شيخنا بهاء الدين بن النحاس عن قولهم هاذانّ بالتشديد : ما
النون المزيدة؟
قلت له :
الأولى ، فقال : قال الفارسي في (التذكرة) : هي الثانية لئلا يفصل بين ألف التثنية
ونونها ولا يفصل بينهما ، قلت له : يكثر العمل في ذلك لأنّا نكون زدنا نونا متحركة
ثم أسكنّا الأولى وأدغمنا أو زدناها ساكنة ، ثم أسكنا الأولى وأدغمنا فتحركت لأجل
الإدغام بالكسر على أصل التقاء الساكنين ، وعلى ما ذكرته نكون زدنا نونا ساكنة وأدغمنا
فقط فهذا أولى عندي لقلّة العمل ، ثم ظهر لي تقويته أيضا بأنّ الألف والنون ليستا
متلازمتين فيكره الفصل بينهما ، ألا ترى إلى انفكاكها منها بالحذف والإضافة وتقصير
الصلة ، انتهى.
وقال الشلوبين
: قال بعض النحويين : إنّ النون الثانية بدل من اللام المحذوفة من ذا ومن
ذلك قول زهير : [الطويل]
٣٢ ـ أراني إذا ما بتّ بتّ على هوى
|
|
فثمّ إذا
أصبحت أصبحت غاديا
|
وقول الآخر : [الكامل]
٣٣ ـ فرأيت ما فيه فثمّ رزئته
|
|
[فلبثت بعدك غير راض معمري]
|
قال السخاوي في
(شرح المفصل) : أحد الحرفين فيهما زائد (الفاء) أو (ثم) ، قال : وزيادة الفاء قد
وقعت كثيرا ولم تقع زيادة (ثم) إلا نادرا فالقضاء بزيادة الفاء أولى.
وقال صاحب (البسيط)
: زاد الفاء مع (ثم) ، وقيل : (ثم) هي الزائدة دون الفاء لحرمة التصدّر.
__________________
فصل ما يناظر ما نحن فيه
ويناظر ما نحن
فيه مسألة ، قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة) : أجمع النّحاة على أن
ما فيه تاء التأنيث يكون في الوصل تاء وفي الوقف هاء على اللغة الفصحى ، واختلفوا
أيّهما بدل من الأخرى ، فذهب البصريون إلى أن التاء هي الأصل وأن الهاء بدل عنها ،
وذهب الكوفيون إلى عكس ذلك.
واستدلّ
البصريون بأن بعض العرب يقول التاء في الوصل والوقف كقوله : [الرجز]
٣٤ ـ الله نجاك بكفي مسلمت
ولا كذلك الهاء
، فعلمنا أن التاء هي الأصل ، وأن الهاء بدل عنها ، وبأن لنا موضعا قد ثبتت فيه
التاء للتأنيث بالإجماع وهو في الفصل نحو : قامت وقعدت ، وليس لنا موضع قد ثبتت
الهاء فيه ، فالمصير إلى أن التاء هي الأصل ، أولى لما يؤدّي قولهم إليه من تكثير
الأصول.
واستدلّوا أيضا
بأن التأنيث في الوصل الذي ليس بمحلّ التغيير ، والهاء إنما جاءت في الوقف الذي هو
محلّ التغيير ، فالمصير إلى أن ما جاء في محل التغيير هو البدل أولى من المصير إلى
أن البدل ما ليس في محل التغيير.
إذا
اجتمع النكرة والمعرفة غلبت المعرفة : تقول : هذا زيد ورجل منطلقين ، فتنصب منطلقين على الحال
تغليبا للمعرفة ؛ ولا يجوز الرفع. ذكره الأندلسي في (شرح المفصل).
إذا
اجتمع المذكّر والمؤنّث : غلّب المذكّر وبذلك استدلّ على أنه الأصل والمؤنّث فرع
عليه ، وهذا التغليب يكون في التثنية وفي الجمع وفي عود الضمير وفي الوصف وفي
العدد.
إذا
اجتمع طالبان روعي الأول : فيه فروع :
ـ منها : إذا
اجتمع القسم والشّرط جعل الجواب للأول منهما ، إذا لم يتقدّمهما شيء.
ـ ومنها : أن
العرب راعت المتقدّم في قولهم : عندي ثلاثة ذكور من البطّ
__________________
وعندي ثلاثة من البطّ ذكور ، فأتوا بالتاء مع ثلاثة لما تقدّم لفظ ذكور ،
وحذفوها لما تقدّم لفظ البطّ.
ـ ومنها : قال
الكوفيون : إذا تنازع عاملان فالأولى إعمال الأول جريا على هذه القاعدة ، إذا أمكن
أن يكون حرف موجود في الكلمة أصليا فيها أو غير أصليّ ، فكونه أصليا أو منقلبا عنه
أولى ، ذكر هذه القاعدة الشلوبين في (شرح الجزولية) ، وبنى عليها أن الواو والألف
والياء في الأسماء الستة لا مات للكلمة لا زائدة للإشباع.
إذا
اجتمع الواو والياء : غلبت الياء نحو طويت طيّا والأصل طويا. ذكره ابن الدهان في (الغرة).
إذا
اجتمع ضميران متكلم ومخاطب : غلب المتكلّم نحو : قمنا ، وإذا اجتمع مخاطب وغائب غلب
المخاطب نحو : قمتما.
إذا
تمّ الفعل بفاعله : أشبها حينئذ الحرف فلذلك لم يستحقّا الإعراب ذكره ابن جنّي في (الخاطريات).
قال : وجه شبه الفعل وفاعله بالحرف أنهما جزما الفعل عند أبي الحسن في نحو قولنا :
إن تقم أقم ، وأيضا فإن الفعل بفاعله قد ألغيا كما يلغى الحرف ، وذلك نحو : زيد
ظننت قائم.
إذا
دار الأمر بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى : ومن ثم رجّح أبو حيّان وغيره قول البصريين : إن اللام ،
في نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) [القصص : ٨] هي لام السبب على جهة المجاز ، لا لام أخرى تسمّى لام الصيرورة
، أو لام العاقبة ، لأنه إذا تعارض المجاز ووضع الحرف لمعنى متجرّد ، كان المجاز
أولى ؛ لأن الوضع يؤول فيه الحرف إلى الاشتراك ، والمجاز ليس كذلك.
وقال ابن فلاح
في (المغني) اختلف هل المضارع مشترك بين الحال والاستقبال أو حقيقة في الحال مجاز
في الاستقبال؟ قال : والثاني أرجح ، لأنه إذا تعارض الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى
على المختار.
وقال ابن
القواس في (شرح الدرة) : الكلمة تطلق مجازا على الجمل المركّبة.
فإن قيل : هلّا
كان إطلاقها عليها حقيقة فتكون مشتركة؟
أجيب : بأنه
إذا أمكن الحمل على المجاز كان أولى إذا دار الأمر بين الترادف والحذف لا لعلّة ؛
فادّعاء الترادف أولى ؛ لأن باب الترادف أكثر من باب الحذف لا لعلّة ، مثاله قولهم
: سبط وسبطر ودمث ودمثر وهندي وهندكي ، فهذه ألفاظ بمعنى واحد وتعارض أمران :
أحدهما : أن يكونا أصلين ويصير هذا من الترادف ، والآخر أن
تقول : حذفت الراء من سبط ودمث شذوذا ، إذ لا يمكن أن يدعي أن الراء زائدة
لأنها ليست من حروف الزيادة ، فكان ادّعاء الأصالة في كلّ من الكلمتين أولى من
ادّعاء أن أصلهما واحد وأنه حذفت لام الكلمة شذوذا وأنهما لفظ واحد.
إذا دار
الاختلال بين أن يكون في اللفظ أو في المعنى كان في اللفظ أولى : لأن المعنى أعظم
حرمة إذ اللفظ خدم المعنى ، وإنما أتي باللفظ من أجله. ذكره ابن الصائغ في (تذكرته)
وبنى عليه ترجيح زيادة (كان) في قوله : [الوافر]
٣٥ ـ [فكيف إذا رأيت ديار قوم]
|
|
وجيران لنا ـ
كانوا ـ كرام
|
على القول
بأنّها تامّة ، لأن المعنى حينئذ : وجدوا فيما مضى ، وذلك معلوم ، فتصير الجملة
حينئذ حشوا لا معنى لها.
إذا
نقل الفعل إلى الاسم لزمته أحكام الأسماء : ذكر هذه القاعدة ابن يعيش في (شرح المفصل) ومن ثم قطعت همزة (إصمت) اسما للفلاة وأصله فعل أمر.
إذا
وقع (ابن) بين علمين فله خصائص : أحدها : أنه يحذف التنوين من الأول ، لأن العلمين مع (ابن) كشيء
واحد نحو : جاء زيد بن عمرو ، قال ابن يعيش : وسواء في ذلك الاسم والكنية واللقب
كقوله : [البسيط]
٣٦ ـ ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها
|
|
حتّى أتيت
أبا عمرو بن عمّار
|
قال : فحذف
التنوين من أبي عمرو بمنزلة حذفه من جعفر بن عمار.
الثاني
: يجوز حكاية
العلم الموصوف به كقولك لمن قال : رأيت زيد بن
__________________
عمرو ، ومن زيد بن عمرو؟ لأنهما صارا بمنزلة واحدة ، ولا يجوز حكاية العلم
الموصوف بغيره ، بل ولا المتبع لشيء من التوابع أصلا.
الثالث : إذا نودي نحو : (يا زيد بن عمرو) ، كانت الصفة منصوبة
على كل حال وجاز في المنادى وجهان ، أحدهما : الضم على الأصل ، والثاني : الإتباع
، فتفتح الدال من زيد إتباعا لفتحة النون. قال ابن يعيش : وهو غريب ، لأنّ حقّ
الصفة أن تتبع الموصوف في الإعراب ، وهنا قد تبع الموصوف الصفة ، والعلّة في ذلك
أنّهما جعلا لكثرة الاستعمال كالاسم الواجد ، ولذلك لا يحسن الوقوف على الاسم
الأول ويبتدأ بالثاني فيقال : ابن فلان.
الرابع : يحذف ألف ابن في الخطّ لكثرة الاستعمال ولأنه لا ينوي
فصله مما قبله.
أسبق الأفعال
قال الزجاجي في
كتاب (إيضاح علل النحو) : اعلم أن أسبق الأفعال في التقدّم الفعل المستقبل ؛
لأنّ الشيء لم يكن ثم كان ، والعدم سابق ، ثم يصير في الحال ، ثم يصير ماضيا فيخبر
عنه بالماضي ، فأسبق الأفعال في الرتبة المستقبل ، ثم فعل الحال ، ثم فعل الماضي.
فإن قيل : هلّا
كان لفعل الحال لفظ ينفرد به عن المستقبل لا يشركه فيه غيره ليعرف بلفظه أنه للحال
كما كان للماضي لفظ يعرف به أنه ماض؟.
فالجواب :
قالوا : لما ضارع الفعل المستقبل الأسماء بوقوعه موقعها وبسائر الوجوه المضارعة
المشهورة قوي فأعرب ، وجعل بلفظ واحد يقع بمعنيين حملا له على شبه الأسماء ، كما
أن من الأسماء ما يقع بلفظ لمعان كثيرة كالعين ونحوها ، كذلك جعل الفعل المستقبل
بلفظ واحد يقع لمعنيين ليكون ملحقا بالأسماء حين ضارعها ، والماضي لم يضارع
الأسماء فيكون له قوّتها فبقي على حاله.
الاستغناء
هو باب واسع
فكثيرا ما استغنت العرب عن لفظ بلفظ ، من ذلك استغناؤهم عن
__________________
تثنية سواء بتثنية (سي) فقالوا : سيّان ولم يقولوا سواءان ، وتثنية ضبع
الذي هو اسم لمؤنّث عن تثنية ضبعان الذي هو اسم لمذكر فقالوا : ضبعان ولم يقولوا :
ضبعانان.
قال أبو حيان :
العرب تستغني ببعض الألفاظ عن بعض ، ألا ترى استغناءهم بترك وتارك عن ، وذر ،
وواذر ، وبقولهم رجل آلي عن أعجز وامرأة عجزاء عن ألياء في أشهر اللغات.
وقد عقد ابن
جنّي في (الخصائص) بابا في الاستغناء بالشيء عن الشيء ، قال فيه : قال سيبويه : اعلم أن العرب قد تستغني بالشيء عن الشيء حتى يصير
المستغنى عنه مسقطا من كلامهم البتّة ، فمن ذلك استغناؤهم بترك عن (وذر) و (ودع) ،
وبلمحة عن ملمحة وعليها كسرت ملامح ، وبشبه عن مشبه ، وعليه جاء مشابه ، وبليلة عن
ليلاة ، وعليها جاءت ليالي ، على أن ابن الأعرابي قد أنشد : [الرجز]
٣٧ ـ في كلّ يوم ما وكل ليلاه
وهذا شاذّ لم
يسمع إلا من هذه الجهة ، وكذلك استغنوا بأنيق عن أن يأتوا به والعين في موضعها ،
فألزموه القلب أو الإبدال فلم يقولوا : (أنوق) إلا في شيء شاذّ حكاه الفراء ،
وكذلك استغنوا (بقسيّ) عن قووس ، فلم يأت إلا مقلوبا ، ومن ذلك استغناؤهم بجمع
القلّة عن جمع الكثرة نحو قولهم : (أرجل) فلم يأتوا فيه بجمع الكثرة.
وكذلك (آذان)
جمع أذن لم يأتوا فيه بجمع الكثرة ، وكذلك (شسوع) لم يأتوا فيه بجمع القلّة ،
وكذلك (أيام) لم يستعملوا فيه جمع الكثرة ، كذلك استغناؤهم بقولهم : ما أجود جوابه
، عمن هو أفعل منه في الجواب ، واستغناؤهم باشتدّ وافتقر عن قولهم : فقر وشدّ ،
وعليه جاء فقير ، ومن ذلك استغناؤهم عن الأصل مجرّدا عن الزيادة بما استعمل منه
حاملا للزيادة ، وهو صدر صالح من اللغة كقولهم : (حوشب) لم يستعمل منه (حشب) عارية
من الواو الزائدة ، ومثله (كوكب) لم يستعمل منه (ككب) ، ومنه قولهم (دودري) لأنا
لا نعرف دردر ، ومثله كثير في ذوات الأربعة وهو في الخمسة أكثر منه في الأربعة ،
فمن الأربعة : فلنقس ، وصرنفح ، وسميدع ، وعميثل ، وسرومط ، وجحجبا ، وقسقبّ ،
وقسحبّ ، وهرشف ، ومن ذوات
__________________
الخمسة : جعفليق ، وحنبريت ، ودردبيس ، وعضرفوط ، وقرطبوس ، وقرعبلانة ،
وفنجليس.
ومن ذلك
استغناؤهم بواحد عن اثن ، وباثنين عن واحدين ، وبستة عن ثلاثتين ، وبعشرة عن
خمستين ، وبعشرين عن عشرتين ، وما جرى هذا المجرى ، وأجاز أبو الحسن : أظننت زيدا
عمرا عاقلا ، ونحو ذلك ، وامتنع منه أبو عثمان ، وقال : استغنت العرب عن ذلك
بقولهم : جعلته يظنّه عاقلا ، انتهى كلام ابن جنّي.
وقال الزمخشري
في (الأحاجي) : سرادق وحمّام وإيوان في الأسماء وسبحل وسبطر في
الصفات ، لم يجمعوها إلا بالألف والتاء ، وهي مذكرات وإنما قصر جمعها على ذلك
استغناء به عن التكسير ، كما استغنوا بأشياء عن أشياء.
ومن ذلك
استغناؤهم بإليه عن حتّاه ، وبمثله عن كه ، وقال سيبويه : وقد يجمعون الشيء بالتاء ولا يجاوزون به استغناء ،
وذكر سيات وشيات ، ومن عكس ذلك استغناؤهم بشفاه وشياه عن الجمع
بالألف والتاء.
وقال الشلوبين
: استغنوا عن تثنية أجمع وأبصع وأبتع في باب التوكيد بكليهما ، كما استغنوا عن جمع
امرئ بقولهم قوم.
وقال أيضا :
كأنّ العرب استغنت عن الجزم بكيف بالجزم بغيره مما هو في معناه ، على عادتهم من
أنهم قد يستغنون بالشيء عما هو في معناه ، وكان هذا هنا ليكون ذلك كالتنبيه على أن
الجزم عندهم بالأسماء ليس أصلا ، كما فعلوا في الاستغناء بتصغير المفرد وجمعه
بالألف والتاء في اللاتي فقالوا : اللّتيا ، واستغنوا بذلك عن اللّويتيا في تصغير اللّاتي لعدم تمكن التصغير في الأسماء
المبهمة.
وقال أبو حيان
: واستغنوا بتصغير عشيّ عن تصغير قصر بمعناه ، وبقولهم في جمع صبيّ وغلام : صبية وغلمة عن أصبية
وأغلمة ، وبقولهم في صغير وصبيح وسمين : صغار وصباح وسمان عن صغراء وصبحاء وسمناء
، وبقولهم في نحو وليّ وغنيّ : أولياء وأغنياء عن فعلاء ، وبقولهم : حكّام وحفّاظ
جمع حاكم وحافظ عن جمع حكيم وحفيظ.
قال أبو حيان :
هذا عندي من باب الاستغناء خلافا لقول ابن مالك في (التسهيل)
__________________
إنهما جمع حكم وحفيظ على وجه الندور ، قال : وكذا قولهم بررة عندي أنه من
باب الاستغناء عن جمع برّ بجمع بارّ إذ قد سمع بارّ وبررة وليس جمعا لبرّ ندورا
خلافا لما قيل في (التسهيل) ، وباب الاستغناء في الجموع أكثر من أن يحصى.
وقال ابن يعيش : العلم الخاص لا يجوز إضافته ولا إدخال لام التعريف
فيه لاستغنائه بتعريف العلمية عن تعريف آخر. وفي (البسيط) باب أفعل فعلاء ، وفعلان
فعلى لا تلحقه تاء التأنيث استغناء بفعلاء أو فعلى عن التأنيث بها.
وقال : قد يكون
الجمع لمفرد في التقدير غير مستعمل في اللفظ فيستغنى بجمع المقدر عن جمع الملفوظ
به ، كما استغني بمصدر بعض الأفعال عن مصدر بعضها نحو : أنا أدعه تركا ، وبمطاوع
بعض الأفعال عن مطاوع بعض نحو : أنخته فبرك ، ولم يقولوا : فناخ. فما جاء من الجمع
لمفرد مقدّر : باطل وأباطيل وقياس مفرده : إبطال أو إبطيل ، وعروض وأعاريض وقياس
مفرده : إعريض ، وحديث وأحاديث وقطيع وأقاطيع.
الاسم أصل للفعل والحرف
قال الشلوبين :
ولذلك جعل فيه التنوين دونهما ليدلّ على أنه أصل وأنهما فرعان ، قال : وإنما قلنا
إن الاسم أصل والفعل والحرف فرعان ، لأن الكلام المفيد لا يخلو من الاسم أصلا
ويوجد كلام مفيد كثير لا يكون فيه فعل ولا حرف ، فدلّ ذلك على أصالة الاسم في
الكلام وفرعية الفعل والحرف فيه. وأيضا فإن الاسم يخبر به ويخبر عنه ، والفعل لا
يكون إلّا مخبرا به ، والحرف لا يخبر به ولا يخبر عنه ، فلما كان الاسم من الثلاثة
هو الذي يخبر به ويخبر عنه دون الفعل والحرف ، دلّ ذلك على أنه أصل في الكلام
دونهما ، انتهى.
وقال الزجاجي
في كتاب (إيضاح علل النحو) :
باب القول في الاسم والحرف
أيهما أسبق في المرتبة والتقديم
قال البصريون
والكوفيون : الأسماء قبل الأفعال ، والحروف تابعة للأسماء ،
__________________
وذلك أنّ الأفعال أحداث الأسماء ، يعنون بالأسماء أصحاب الأسماء ، والاسم
قبل الفعل ، لأن الفعل منه ، والفاعل سابق لفعله. وأما الحروف فإنما تدخل على
الأسماء والأفعال لمعان تحدث فيها ، وإعراب تؤثره ، وقد دللنا على أن الأسماء
سابقة للإعراب والإعراب داخل عليها ، والحروف عوامل في الأسماء ، والأفعال مؤثرة
فيها المعاني والإعراب قد وجب أن يكون بعدها.
سؤال يلزم القائلين
بهذه المقالة :
يقال لهم : قد
أجمعتم على أن العامل قبل المعمول فيه كما أن الفاعل قبل فعله ، وكما أن المحدث
سابق لحدثه. وأنتم مقرّون أن الحروف عوامل في الأسماء والأفعال ، فقد وجب أن تكون
الحروف قبلها جميعا سابقة لها ، وهذا لازم على أوضاعكم ومعانيكم.
الجواب ، أن
يقال : هذه مغالطة ليس تشبه هذا الحديث المحدث ولا العلّة ولا المعلول ، وذلك أنّا
نقول : إن الفاعل في جسم فعلا ما ، من حركة وغيرها سابق لفعله ذلك فيه لا للجسم ،
فنقول : إنّ الضارب سابق لضربه الذي أوقعه بالمضروب ولا يجب من ذلك أن يكون
المضروب أكبر سنّا من الضارب ، ونقول أيضا : إن النجّار سابق للباب الذي نجّره ،
ولا يجب من ذلك أن يكون سابقا للخشب الذي نجر منه الباب ، وكذلك مثال هذه الحروف
العوامل في الأسماء والأفعال وإن لم تكن أجساما ، فنقول : الحروف سابقة لعملها في
هذه الأسماء والأفعال الذي هو الرفع والنصب والخفض والجزم ، ولا يجب من ذلك أن
تكون سابقة للأسماء والأفعال نفسها ، وهذا شيء بيّن واضح ، انتهى.
الاسم أخفّ من الصفة
وذلك أن الصفة
ثقلت بالاشتقاق وبالحاجة إلى الموصوف وتتحمل الضمير ، وفرع على ذلك فروع
منها : أن
الجمع بالألف والتاء تسكّن فيه العين في الصفة كصعبة وصعبات وجذلة وجذلات وعيشة
رغد وعيشات رغدات ، وطريق نهج أي واضح وطرق نهجات ، وتحرّك في الاسم كجفنة وجفنات
وهند وهندات وسدرة وسدرات وغرفة وغرفات قال : [الطويل]
٣٨ ـ لنا الجفنات الغرّ يلمعن في
الضّحى
|
|
[وأسيافنا يقطرن من نجدة دما]
|
__________________
وشذّ تحريك
الصفة في قولهم : شاة لجبة ، لجبات أي : قليلات الألبان. وقال أبو علي : من العرب
من يحرّك (لجبة) في الإفراد فجاء الجمع على لغته وتسكين الاسم ضرورة في قوله : [الطويل]
٣٩ ـ أبت ذكر عوّدن أحشاء قلبه
|
|
خفوقا ورقصات
الهوى في المفاصل
|
قال في (البسيط)
: وإنما فعل ذلك فرقا بين الاسم والصفة ، وخصّ الاسم بالحركة لخفّته وثقل الصفة.
قال : وبيان
ثقل الصفة من أوجه :
أحدها
: أنها تناسب
الفعل في الاشتقاق.
الثاني
: أنها تناسبه
في تحمل الضمير.
الثالث
: أنها تناسبه
في العمل.
الرابع
: أنها تفتقر
إلى موصوف تتبعه ، فلما ثقلت من هذه الجهات أشبهت ثقل المركّب ، فكان زيادة الحركة
للفرق على الخفيف أولى من زيادتها على الثقيل.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : الفرق بين الاسم والصفة من حيث اللفظ أن الاسم غير
الصفة ما كان جنسا غير مأخوذ من فعل نحو : رجل وفرس وعلم وجهل. والصفة : ما كان
مأخوذا من الفعل نحو : اسم الفاعل واسم المفعول كضارب ومضروب وما أشبههما من
الصفات الفعلية ، وأحمر وأصفر وما أشبههما من صفات الحلية ، ومصريّ ومغربيّ
ونحوهما من صفات النسبة.
قال : والفرق
بينهما من حيث المعنى أن الصفة تدلّ على ذات وصفة نحو : (أسود) مثلا ، فهذه الكلمة
تدلّ على شيئين ، أحدهما : الذات والآخر السواد ، إلا أن دلالتها على الذات دلالة
اسمية ودلالتها على السواد من جهة أنه مشتقّ من لفظه فهو خارج ، وغير الصفة لا
يدلّ إلا على شيء واحد وهو ذات المسمّى.
__________________
الاشتقاق
بسطت الكلام
عليه فيما يتعلق باللغة في (المزهر) ونذكر هنا فوائد متعلقة بالنحو :
الفعل والمصدر أيهما أصل :
الأولى
: مذهب البصريين
، أن الفعل مشتقّ من المصدر ، وقال الكوفيون : المصدر مشتقّ من الفعل ، وقال أبو البقاء في (التبيين)
: ولما كان الخلاف واقعا في اشتقاق أحدهما من الآخر لزم في ذلك بيان شيئين :
أحدهما : حد
الاشتقاق. والثاني : أن المشتقّ فرع على المشتقّ منه. فأما الحدّ ، فأقرب عبارة
فيه ما ذكره الرماني وهو قوله : الاشتقاق : اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه
الأصل ، فقد تضمّن هذا الحدّ معنى الاشتقاق ولزم منه التعرّض للفرع والأصل.
أما الفرع
والأصل فهما في هذه الصناعة غيرهما في صناعة الأقيسة الفقهية ، فالأصل هاهنا يراد
به الحروف الموضوعة على المعنى وضعا أوليا ، والفرع لفظ يوجد فيه تلك الحروف مع
نوع تغيير ينضمّ إليه معنى زائد على الأصل ، والمثال في ذلك : (الضرب) مثلا ، فإنه
اسم موضوع على الحركة المعلومة المسمّاة (ضربا) ، ولا يدلّ لفظ الضرب على أكثر من
ذلك ، فأما ضرب ، ويضرب وضارب ، ومضروب ، ففيها حروف الأصل وهي : الضاد والراء
والباء ، وزيادات لفظية لزم من مجموعها الدلالة على معنى الضرب ومعنى آخر.
وقال الزملكاني
في (شرح المفصّل) : مأخذ الخلاف بين البصريين والكوفيين في أن المصدر مشتقّ من
الفعل أو عكسه ، الخلاف في حدّ الاشتقاق ، فقال قوم : هو عبارة عن الإتيان بألفاظ
يجمعها أصل واحد مع زيادة أحدهما على الآخر في المعنى ، نحو قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) [الروم : ٤٣].
وقوله عليه
الصلاة والسّلام : «ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها» ، وأما قوله تعالى : (وَجَنَى
الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) [الرحمن : ٥٤] ، فشبه المشتقّ ، وليس به لأن الجنى ليس في معنى الاجتنان.
__________________
وقال بعضهم :
الاشتقاق أن تجد بين اللّفظين مشاركة في المعنى والحروف الأصول مع تغيير ما. أما
المشاركة في المعنى فلأنهم لا يجعلون الوجد والموجود من باب الاشتقاق ، وأما المشاركة
في الحروف الأصول فلأنهم لا يقولون : إن الكاذب والمائن من أصل واحد. وأما التغيير
من وجه فلا بدّ منه وإلّا لكان هو إياه.
ثم إن التغيير
قد يكون بزيادة ، وقد يكون بنقصان ، وقد يكون بتغيير حركة. ولا بدّ من زيادة
أحدهما على الآخر في المعنى وإلا لزم أن تكون المصادر التي هي من أصل واحد بعضها
مشتقّ من بعض نحو : كلّ بصري كلولا وكلّة ، وحسبت الحساب حسبا وحسبانا ، وقدرت
الشيء ـ من التقدير ـ قدرا وقدرانا ، وقدرت على الشيء بمعنى قويت عليه قدرة
وقدرانا وتقدرة ومقدرة ، فهذا ونحوه متّحد الأصل ، مع أنه لا ينبغي أن يقال :
أحدهما مشتقّ من الآخر ، على أن ذلك بحث لفظي آئل إلى مجرّد اصطلاح.
وأما المشتقّ
فهو ما وافق غيره في حروفه الأصول ومعناه الأصلي وزاد معنى من غير جنس معناه.
قال : وإنما
قلت من غير جنس معناه لتخرج التثنية والجمع ، ويدخل المصغّر والمنسوب ، فنسبة
المشتقّ إلى المشتقّ منه نسبة الأخصّ إلى الأعمّ ، نحو إنسان وحيوان. قال : وهذا
إن سلّمه الكوفيون لزم أن يكون الفعل مشتقا من المصدر لموافقته للمصدر في معناه
وزيادته عليه بالدلالة على الزمان المخصوص.
الثانية
: قال أبو
البقاء في (التبيين) : الدليل على أن الفعل مشتقّ من المصدر طرق :
منها : وجود
حدّ الاشتقاق في الفعل ، وذلك أن الفعل يدلّ على حدث وزمان مخصوص فكان مشتقا وفرعا
على المصدر كلفظ ضارب ومضروب ، وتحقيق هذه الطريقة أن الاشتقاق يراد لتكثير
المعاني ، وهذا المعنى لا يتحقق إلا في الفزع الذي هو الفعل ، وذلك أن المصدر له
معنى واحد وهو دلالته على الحدث فقط ولا يدل على الزمان بلفظه ، والفعل يدلّ على
الحدث والزمان المخصوص ، فهو بمنزلة اللفظ المركب ، فإنه يدلّ على أكثر مما يدلّ
عليه المفرد ، ولا تركيب إلا بعد الإفراد ، كما أنه لا دلالة على الحدث والزمان
المخصوص إلا بعد الدلالة على الحدث وحده ، وقد
__________________
مثل ذلك بالنّقرة من الفضة ، فإنها كالمادة المجرّدة عن الصورة ، فالفضة
من حيث هي فضة لا صورة لها ، فإذا صيغ منها جام أو مرآة أو قارورة ، كانت تلك
الصورة مادة مخصوصة فهي فرع على المادة المجرّدة ، كذلك الفعل هو دليل الحدث وغيره
، والمصدر دليل الحدث وحده ، فبهذا يتحقّق كون الفعل فرعا لهذا الأصل.
طريقة أخرى :
وهي أن نقول : الفعل يشتمل لفظه على حروف زائدة على حروف المصدر ، تدلّ تلك
الزيادة على معان زائدة على معنى المصدر ، فكان مشتقا من المصدر كضارب ومضروب
ونحوهما ، ومعلوم أن ما لا زيادة فيه أصل لما فيه الزيادة.
طريقة أخرى :
وهي أن المصدر لو كان مشتقا من الفعل لأدهى ذلك إلى نقض المعاني الأولى ، وذلك
يخلّ بالأصول.
بيانه
: أن لفظ الفعل
يشتمل على حروف زائدة ومعان زائدة وهي دلالة على الزمان المخصوص ، وعلى الفاعل
الواحد والجماعة والمؤنّث والحاضر والغائب والمصدر ، يذهب ذلك كلّه إلا الدلالة
على الحدث ، وهذا نقض للأوضاع الأول ، والاشتقاق ينبغي أن يفيد تشييد الأصول
وتوسعة المعاني ، وهذا عكس اشتقاق المصدر من الفعل.
قال : واحتجّ
الآخرون بوجهين : أحدهما
: أن المصدر
يعتلّ باعتلال الفعل والاعتلال حكم تسبقه علّته ، فإذا كان الاعتلال في الفعل أولا
وجب أن يكون أصلا ، ومثال ذلك قولك صام صياما وقام قياما ، قالوا : وفي قام أصل
اعتلت في الفعل فاعتلت في القيام ، وأنت لا تقول : اعتلّ قام لاعتلال القيام.
والثاني
: أن الفعل يعمل
في المصدر كقولك : ضربته ضربا ، فضربا منصوب بضربت ، والعامل مؤثر في المعمول ،
والمؤثّر أقوى من المؤثّر فيه ، والقوة تجعل القويّ أصلا لغيره.
قال : والجواب
عن الأول أنه غير دالّ على قولهم ، وذلك أن الاعتلال شيء يوجبه التصريف وثقل الحروف
، وباب ذلك الأفعال ؛ صيغها تختلف لاختلاف معانيها ، فقام أصله قوم فأبدلت الواو
ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فإذا ذكرت المصدر من ذلك كانت العلّة الموجبة
للتغيير قائمة في المصدر وهو الثقل.
__________________
وأما الوجه
الثاني : فهو في غاية السقوط ، وبيانه من ثلاثة أوجه ، أحدها : أن العامل والمعمول من قبيل الألفاظ ، والاشتقاق من
قبيل المعاني ، ولا يدلّ أحدهما على الآخر اشتقاقا. والثاني : أن المصادر قد تعمل
عمل الفعل ، كقولك : يعجبني ضرب زيد عمرا ، ولا يدلّ ذلك على أنه أصل. الثالث : أن الحروف تعمل في الأسماء والأفعال ، ولا يدلّ ذلك على
أنها مشتقة أصلا ، فضلا عن أن تكون مشتقّة من الأسماء والأفعال ، انتهى.
الثالثة
: قال السهيليّ : فائدة اشتقاق الفعل من المصدر أن المصدر اسم كسائر
الأسماء يخبر عنه كما يخبر عنها كقولك : أعجبني خروج زيد ، فإذا ذكر المصدر وأخبر
عنه كان الاسم الذي هو فاعل مجرورا بالإضافة والمضاف إليه تابع للمضاف ، فإذا
أرادوا أن يخبروا عن الاسم الفاعل للمصدر لم يكن الإخبار عنه وهو مخفوض تابع في
اللفظ لغيره ، وحقّ المخبر عنه أن يكون مرفوعا مبدوءا به فلم يبق إلا أن يدخلوا
عليه حرفا يدلّ على أنه مخبر عنه ، كما تدلّ الحروف على معان في الأسماء ، وهذا لو
فعلوه لكان الحرف حاجزا بينه وبين الحدث في اللفظ ، والحدث يستحيل انفصاله عن
فاعله كما يستحيل انفصال الحركة عن محلّها ، فوجب أن يكون اللفظ غير منفصل لأنه
تابع للمعنى ، فلم يبق إلا أن يشتقّ من لفظ الحدث لفظ يكون كالحرف في النيابة عنه
دالا على معنى في غيره ، ويكون متصلا اتّصال المضاف بالمضاف إليه ، وهو الفعل
المشتقّ من لفظ الحدث ، فإنه يدلّ على الحدث بالتضمن ويدلّ على الاسم مخبرا عنه لا
مضافا إليه ، إذ يستحيل إضافة لفظ الفعل إلى الاسم ، كاستحالة إضافة الحرف ، لأن
المضاف هو الشيء بعينه ، والفعل ليس هو الشيء بعينه ولا يدلّ على معنى في نفسه ،
وإنما يدلّ على معنى في الفاعل وهو كونه مخبرا عنه.
فإن قلت : كيف
لا يدلّ على معنى في نفسه وهو يدلّ على الحدث؟
قلنا : إنما
يدلّ على الحدث بالتضمّن والدالّ عليه بالمطابقة هو الضرب والقتل ، لا ضرب وقتل ،
ومن ثم وجب أن لا يضاف ولا يعرف بشيء من آلات التعريف ، إذ التعريف يتعلّق بالشيء
بعينه لا بلفظ يدلّ على معنى في غيره ، ومن ثم وجب أن لا يثنّى ولا يجمع كالحرف ،
وأن يبنى كالحرف ، وأن يكون عاملا في الاسم كالحرف. وإنما أعرب المضارع لأنه تضمن
معنى الاسم ، كما أن الاسم إذا
__________________
تضمّن معنى الحرف بني ، ولما قدمناه من دلالة الفعل على معنى في الاسم وهو
كون الاسم مخبرا عنه وجب أن يخلو عن ذلك الاسم مضمرا أو مظهرا بخلاف الحدث ، فإنك
تذكره ولا تذكر الفاعل مضمرا ولا مظهرا ، والفعل لا بدّ من ذكر الفاعل بعده كما لا
بدّ بعد الحرف من الاسم ، فإذا ثبت المعنى في اشتقاق الفعل من المصدر وهو كونه
دالا على معنى في الاسم فلا يحتاج في الأفعال الثلاثة إلا إلى صيغة واحدة ، وتلك
الصيغة هي لفظ الماضي ، لأنه أخفّ وأشبه بلفظ الحدث ، إلا أن تقوم الدلالة على
اختلاف أحوال الحدث فتختلف صيغة الفعل ، ألا ترى كيف لم تختلف صيغته بعد (ما)
الظرفية نحو : لا أفعله ما لاح برق وما طار طائر ، لأنهم يريدون الحدث مخبرا عنه
على الإطلاق من غير تعرّض لزمن ، ولا حال من أحوال الحدث ، فاقتصروا على صيغة
واحدة وهي أخفّ أبنية الفعل ، وكذلك فعلوا بعد التسوية نحو : سواء عليّ أقمت أم
قعدت ، لأنه أريد التسوية بين القيام والقعود من غير تقييد بوقت ولا حال ، فلذلك
لم يحتج إلا إلى صيغة واحدة وهي صيغة الماضي ، فالحدث إذا على ثلاثة أضرب :
ـ ضرب يحتاج
إلى الإخبار عن فاعله وإلى اختلاف أحوال الحدث ، فيشتقّ منه الفعل دلالة على كون
الفاعل مخبرا عنه ، وتختلف أبنيته دلالة على اختلاف أحوال الحدث.
ـ وضرب يحتاج
إلى الإخبار عن فاعله على الإطلاق من غير تقييد بوقت ولا حال ، فيشتقّ منه الفعل ،
ولا تختلف أبنيته.
ـ وضرب لا
يحتاج إلى الإخبار عن فاعله ، لكن يحتاج إلى ذكره خاصة على الإطلاق مضافا إلى ما
بعده نحو : (سبحان الله) فإنه ينبئ عن العظمة والتنزيه ، فوقع القصد إلى ذكره
مجرّدا من التقييدات بالزمان أو بالأحوال ، ولذلك وجب نصبه ، كما يجب نصب كلّ
مقصود إليه بالذّكر ، نحو : إياك وويله وويحه ، وهما مصدران لم يشتقّ منهما فعل ،
حيث لم يحتج إلى الإخبار عن فاعلهما ولا إلى تخصيصهما بزمن ونصبهما كنصبه لأنه
مقصود إليه.
ومما انتصب
لأنه مقصود إليه بالذكر : (زيدا ضربته) في قول شيخنا أبي الحسين وغيره من النحويين ، وكذلك : زيدا ضربت ـ بلا ضمير ـ لا
يجعله معمولا مقدّما ، لأن المعمول لا يتقدّم على عامله ، وهو مذهب قويّ ، ولكن لا
يبعد
__________________
عندي قول النحويين إنه مفعول مقدّم ، وإن كان المعمول لا يتقدم على العامل
، والفعل كالحرف ، لأنه عامل في الاسم ، وذلك على معنى فيه ، فلا ينبغي للاسم أن
يتقدّم على الفعل كما لا يتقدّم على الحرف ، ولكن الفعل في قولك : (ضربت زيدا) قد
أخذ معموله وهو الفاعل فمعتمده عليه ومن أجله صيغ.
وأما المفعول
فلم يبالوا به ، إذ ليس اعتماد الفعل عليه كاعتماده على الفاعل ، ألا ترى أنه يحذف
والفاعل لا يحذف فليس تقديمه على الفعل العامل فيه بأبعد من حذفه ـ وأما زيدا
ضربته فينتصب بالقصد إليه كما قال الشيخ ـ انتهى كلام السهيلي.
قال ابن القيم
في (بدائع الفوائد) : وهذا الفصل من أعجب كلامه ولا أعرف أحدا من النحويين
سبقه إليه.
الرابعة
: قال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : قد يكون الاسمان مشتقين من شيء والمعنى فيهما واحد
وبناؤهما مختلف فيختصّ أحد البناءين شيئا دون شيء للفرق ، ألا ترى أنهم قالوا :
عدل ، لما يعادل من المتاع ، وعديل لما يعادل من الأناسي ، والأصل واحد وهو (ع د ل)
، والمعنى واحد ، ولكنهم خصّوا كل بناء بمعنى لا يشاركه فيه الآخر للفرق ، ومثله :
بناء حصين وامرأة حصان ، والأصل واحد والمعنى واحد وهو الحرز ، فالبناء يحرز من
يكون فيه ويلجأ إليه ، والمرأة تحرز فرجها ، وكذلك النجوم اختصّت بهذه الأبنية
التي هي الدّبران والسّماك والعيّوق ، فلا يطلق عليها الدّابر والعائق والسّامك
وإن كانت بمعناها للفرق.
الخامسة
: قال ابن يعيش : الفرق بين العدل وبين الاشتقاق الذي ليس بعدل أن
الاشتقاق يكون لمعنى آخر أخذ من الأول كضارب من الضرب فهذا ليس بعدل ولا من
الأسباب المانعة من الصرف ، لأنه اشتقّ من الأصل لمعنى الفاعل وهو غير معنى الأصل
الذي هو الضرب ، والعدل هو أن تريد لفظا ثم تعدل عنه إلى لفظ آخر فيكون المسموع
لفظا والمراد غيره ، ولا يكون العدل في المعنى ، إنما يكون في اللفظ ، فلذلك كان
سببا في منع الصرف لأنه فرع عن المعدول عنه. انتهى.
وقال الرماني :
العدل ضرب من الاشتقاق ، إلا أنه مضمن بتقدير وضعه موضع
__________________
المشتق منه ، ولذلك ثقل المعدول لأنه مضمن ، ولم يثقل المشتقّ لعدم وقوعه
موضع المشتقّ منه ، حكاه في (البسيط).
السادسة
: قال في (البسيط)
: اختلف في وزن الأسماء الأعجمية ، فذهب قوم إلى أنها لا توزن لتوقف الوزن على
معرفة الأصلي والزائد ، وإنما يعرف ذلك بالاشتقاق ولا يتحقّق لها اشتقاق فلا يتحقق
لها وزن كالحروف. وذهب قوم إلى أنها توزن ولا يخفى بعده لتوقّف الوزن على معرفة
الأصلي والزائد ولا يتحقق ذلك في الأعجمية.
السابعة
: اختلف هل يقدح
الاشتقاق في كون العلم مرتجلا؟ فقيل : لا ، لأن غطفان من الغطف وهو سعة العيش ، وعمران
وحمدان لهما أفعال ، وإنما الذي يقدح فيه أن يكون موضوعا لمسمّى ثم ينقل إلى غيره
، قال صاحب (البسيط) : والتحقيق أن الاشتقاق يقدح في الارتجال لأنه حال الاشتقاق
لا بدّ وأن يكون اشتقاقه لمعنى ، فإذا سمّي به كان منقولا من ذلك اللفظ المشتق
لذلك المعنى فلا يكون مرتجلا.
الثامنة
: قال ابن جنيّ
في (الخاطريات) : لاته يليته حقّه ـ أي انتقصه إيّاه ـ يجوز أن يكون من قولهم :
ليت لي كذا ، وذلك أن المتمنّي للشيء معترف بنقصه عنه وحاجته إليه ، فإن قلت كيف
يجوز الاشتقاق من الحروف؟ قيل : وما في ذلك من الإنكار؟! قد قالوا : أنعم له بكذا
، أي قال له : نعم ، وسوّفت الرجل ، إذا قلت له : سوف أفعل ، وسألتك حاجة فلو ليت
لي ، أي : قلت لي : لو لا ، ولا ليت لي ، أي : قلت لي : لالا ، وقالوا : صهصيت
بالرجل أي قلت له : صه صه ، ودعدعت الغنم ، أي : قلت لها : داع داع ، وها هيت وحا
حيت وعا عيت ، فاشتقّوا من الأصوات كما ترى ، وهي في حكم الحروف ، فكذلك يكون لاته
أي : انتقصه من قولهم ليست إذا تمنيت وذلك دليل النقص.
فإن قيل : فكان
يجب على هذا أن يكون في قولهم : لاته يليته معنى التمني ، كما أن في لا ليت معنى
الرد ، وفي لو ليت معنى التعذّر ، وفي أنعمت معنى الإجابة ، قيل : قد يكون في
المشتقّ اقتصار على بعض ما في المشتق منه ، ألا تراهم سمّوا الخرقة التي تشير بها
النائحة (المئلاة) وذلك لأنها لا تألو أن تشير بها (فمئلاة) على هذا مفعلة من (ألوت)
وحده لفظا ، وإن كان المراد بها أنها لا تألو أن تشير بها ، وسمّوا الحرم : (النالة)
وذلك أنه لا ينال من حلّه ، فهذه فعلة من نال وهو بعض لا ينال ، وجاز الاشتقاق من
الحروف لأنها ضارعت أصول كلامهم الأول إذ كانت جامدة غير مشتقّة ، كما أن الأوائل
كذلك.
الأصل مطابقة المعنى للفظ
ومن ثم قال
الكوفيون : إن معنى (أفعل به) في التعجب أمر كلفظه ، وأما البصريون فقالوا : إن معناه التعجّب لا الأمر ،
وأجابوا عن القاعدة بأن هذا الأصل قد ترك في مواضع عديدة فليكن متروكا هنا. قال
ابن النحاس في (التعليقة) : وللكوفيين أن يقولوا : لم يترك هذا الأصل في موضع إلا
لحامل ، فما الذي حملهم على تركه هنا ، ويجاب بأن الحامل موجود وهو أن اللفظ إذا
احتيج في فهم معناه إلى إعمال فكر كان أبلغ وآكد مما إذا لم يكن كذلك ، لأن النفس
حينئذ تحتاج في فهم المعنى إلى فكر وتعب فتكون به أكثر كلفا وضنّة مما إذا لم تتعب
في تحصيله ، وباب التعجّب موضع المبالغة ، فكان في مخالفة المعنى للفظ من المبالغة
ما لا يحصل باتفاقها فخالفنا لذلك ، وقد ورد الخبر بلفظ الأمر في قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] وجاء عكس ذلك ، انتهى.
ومن المواضع
الخارجة عن ذلك ورود لفظ الاستفهام بمعنى التسوية في : سواء عليّ أقمت أم قعدت ،
ولفظ النداء بمعنى الاختصاص في «اللهم اغفر لنا أيّتها العصابة» .
الأصل أن يكون الأمر كلّه باللّام من حيث كان معنى من المعاني
والمعاني إنما
الموضوع لها الحروف فجاء الأمر ما عدا المخاطب لازم اللام على الأصل ، واستغنى في
فعل المخاطب عنها فحذفت هي وحروف المضارعة لدلالة الخطاب على المعنى المراد ، وقد
يؤتى بها على الأصل كقوله تعالى : فلتفرحوا [يونس : ٥٨] فيمن قرأها بالتاء الفوقية
، وفي الحديث : «لتأخذوا مصافّكم» . وإتيانه بغير لام هو الكثير ذكر ذلك ابن النحاس في (التعليقة).
الأصل في الأفعال التصرّف
ومن التصرّف
تقديم المنصوب بها على المرفوع واتصال الضمائر المختلفة بها ذكره أبو البقاء في (التبيين)
قال : وقد استثنى منها نعم وبئس وعسى وفعل التعجب فإن تقديم المنصوب فيها غير
جائز.
__________________
إصلاح اللفظ
عقد له ابن
جنّي بابا في (الخصائص) قال : اعلم أنه لما كانت الألفاظ للمعاني أزمّة وعليها
أدلّة وإليها موصلة وعلى المراد بها محصّلة ، عنيت بها وأوليتها صدرا صابحا من
تثقيفها وإصلاحها. فمن ذلك قولهم : (أما زيد فمنطلق) ألا ترى أن تحرير هذا القول
إذا صرّحت بلفظ الشرط فيه صرت إلى أنك كأنك قلت : مهما يكن من شيء فزيد منطلق ،
فتجد الفاء في جواب الشرط في صدر الجزأين مقدمة عليها وأنت في قولك : أما زيد
فمنطلق ، إنما تجد الفاء واسطة بين الجزأين ، ولا تقول : أمّا زيد منطلق ، كما
تقول فيما هو بمعناه : مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، وإنما فعل ذلك لإصلاح اللفظ ،
وووجه إصلاحه أن هذه الفاء وإن كان جوابا ولم تكن عاطفة ، فإنما هي على لفظ
العاطفة وبصورتها فلو قالوا : أمّا فزيد منطلق ، كما يقولون مهما يكن من شيء فزيد
منطلق لوقعت الفاء الجارية مجرى فاء العطف بعدها اسم وليس قبلها اسم وإنما قبلها في
اللفظ حرف وهو (أما) ، فتنكبوا ذلك لما ذكرنا ووسطوها بين الجزأين ليكون قبلها اسم
وبعدها آخر فتأتي على صورة العاطفة فقالوا : أما زيد فمنطلق ، كما تأتي عاطفة بين
الاسمين في نحو : قام زيد فعمرو ، ومثله امتناعهم أن يقولوا : انتظرتك وطلوع الشمس
أي : مع طلوع الشمس فينصبوه على أنه مفعول معه ، كما ينصبون نحو (قمت وزيدا) أي :
مع زيد.
قال أبو الحسن
: وإنما ذلك لأن الواو التي بمعنى (مع) لا تستعمل إلا في الوضع الذي لو استعملت
فيه عاطفة لجاز ، ولو قلت : انتظرتك وطلوع الشمس ، أي : وانتظرتك طلوع الشّمس لم
يجز ، أفلا ترى إلى إجرائهم الواو غير العاطفة في هذا مجرى العاطفة ، فكذلك أيضا
تجري الفاء غير العاطفة في نحو : أما زيد فمنطلق مجرى العاطفة ، فلا يؤتى بعدها
بما لا شبيه له في جواز العطف عليه قبلها ، ذلك قولهم في جمع تمرة وبسرة ونحو ذلك
تمرات وبسرات ، وكرهوا إقرار التاء تناكرا لاجتماع علامتي تأنيث في لفظ اسم واحد ،
فحذفت وهي في النية مرادة البتة ، لا لشيء إلا لإصلاح اللفظ لأنها في المعنى مقدرة
منويّة ، ألا ترى أنك إذا قلت تمرات لم يعترض شك في أن الواحدة منها تمرة وهذا
واضح ، فالعناية إذا في الحذف إنما هي بإصلاح اللفظ إذ المعنى ناطق بالتاء مقتض
لها حاكم بموضعها.
ومن ذلك قولهم
: إنّ زيدا لقائم ، فهذه لام الابتداء ، وموضعها أول الجملة
__________________
وصدرها لا آخرها وعجزها ، فتقديرها أول : لأن زيدا منطلق ، فلما كره تلاقي
حرفين لمعنى واحد وهو التوكيد أخرت اللام إلى الخبر ، فصار : إن زيدا لمنطلق.
وإنما أخّرت
اللام ولم تؤخر (إنّ) لأوجه :
منها : أن
اللام لو تقدّمت وتأخرت (إنّ) لم يجز أن تنصب اسمها الذي من عادتها نصبه.
ومنها : أنه لو
تأخّرت ونصب لأدّى إلى عمل إن فيما قبلها و (إنّ) لا تعمل إلا فيما بعدها.
ومن : إصلاح
اللفظ : قولهم : كأنّ زيدا عمرو ، وأصل الكلام زيد كعمرو ، ثم أرادوا توكيد الخبر
فزادوا فيه (إنّ) فقالوا : إنّ زيدا كعمرو ، ثم إنهم بالغوا في توكيد الشبه
فقدّموا حرفه إلى أول الكلام عناية به وإعلاما أن عقد الكلام عليه ، فلما تقدّمت
الكاف وهي جارة لم يجز أن تباشر (إنّ) لأنها تقطع عنها ما قبلها من العوامل ، فوجب
لذلك فتحها فقالوا كأن زيدا عمرو.
ومن ذلك قولهم
: لك مال ، وعليك دين ، فالمال والدين هنا مبتدآن وما قبلهما خبر عنهما إلا أنك لو
رمت تقديمهما إلى المكان المقدر لهما لم يجز لقبح الابتداء بالنكرة في الواجب ،
فلما جفا ذلك في اللفظ أخّروا المبتدأ وقدّموا الخبر فكان ذلك سهلا عليهم ومصلحا
ما فسد عندهم ، وإنما كان تأخيره مستحسنا من قبل أنه لما تأخر وقع موقع الخبر ،
ومن شرط الخبر أن يكون نكرة ، فلذلك صلح به اللفظ ، وإن كنا قد أحطنا علما بأنه في
المعنى مبتدأ ، فأما من رفع الاسم في نحو هذا بالظرف فقد كفي مؤونة هذا الاعتذار ،
لأنه ليس مبتدأ عنده ، ومن ذلك امتناعهم من الإلحاق بالألف إلا أن تقع آخرا نحو :
أرطى ومعزى وحبنطى وسرندى ، وذلك أنها إذا وقعت طرفا وقعت موقع حرف متحرّك ، فدل
ذلك على قوتها عندهم ، وإذا وقعت حشوا وقعت موقع الساكن فضعفت ، لذلك فلم تقو ،
فيعلم بذلك إلحاقها بما هي على سمت متحركة ، ألا ترى أنك لو ألحقت بها ثانية فقلت
حاتم ملحق بجعفر ، لكانت مقابلة لعينه وهي ساكنة ، فاحتاطوا للّفظ بأن قابلوا
بالألف فيه الحرف المتحرّك ليكون أقوى لها وأدلّ على شدة تمكّنها وليعلم ثبوتها
أيضا وكون ما هي فيه على وزن أصل من الأصول له أنها للإلحاق به ، وليست كذلك ألف
قبعثرى وضبغطرى ؛ لأنها وإن كانت طرفا ومنوّنة فإن المثال الذي هي فيه لا مصعد
للأصول إليه فيلحق هذا به ، لأنه لا أصل لنا سداسيا فإنما ألف قبعثرى قسم من الألفات
الزوائد في أواخر الكلم ثالث لا للتأنيث ولا للإلحاق.
ومن ذلك : أنهم
لما أجمعوا الزيادة في آخر بنات الخمسة كما زادوا في آخر بنات الأربعة خصّوا
بالزيادة فيه الألف استخفافا لها ورغبة فيها هناك دون أختيها الياء والواو ، وذلك
أن بنات الخمسة لطولها لا ينتهى إلى آخرها إلا وقد ملّت ، فلما تحملوا الزيادة في
آخرها طلبوا أخفّ الثلاثة وهي الألف فخصّوها بها وجعلوا الواو والياء حشوا في نحو
: عضرفوط وجعفليق ، لأنهم لو جاؤوا بهما طرفا وسداسيين مع ثقلهما لظهرت الكلفة في
تجشمهما ، وكدت في احتمال النطق بهما كل ذلك لإصلاح اللفظ. ومن ذلك باب الإدغام في
المتقارب نحو : ودّ في وتد ، ومن الناس من يقول : ميقول في : من يقول ، ومنه جميع
باب التقريب نحو : اصطبر وازدان ، وجميع باب المضارعة نحو مصدر وبابه.
ومن ذلك
تسكينهم لام الفعل إذا اتصل بها علم الضمير المرفوع نحو : ضربت وضربن وضربنا ،
وذلك أنهم أجروا الفاعل هنا مجرى جزء من الفعل فكره اجتماع الحركات التي لا توجد
في الواحد فأسكنوا ما قبل الضمير (اللام) إصلاحا للفظ.
ومن ذلك : أنهم
أرادوا أن يصفوا المعرفة بالجملة كما وصفوا بها النكرة ولم يجز أن يجروها عليها
لكونها نكرة ، فأصلحوا اللفظ بإدخال (الذي) ليباشر بلفظ حرف التعريف المعرفة ،
فقالوا : مررت بزيد الذي قام أخوه ، وطريق إصلاح اللفظ كثير واسع.
وذكر ابن يعيش في قولهم : سواء عليّ أقمت أم قعدت ، أن سواء
مبتدأ ، والفعلان بعده كالخبر لأن بهما تمام الكلام وحصول الفائدة ، قال : فكأنهم
أرادوا إصلاح اللفظ وتوفيته حقه.
وقال ابن يعيش : اعلم أن قولهم : أقائم الزيدان ، إنما أفاد
نظرا إلى المعنى ، إذ المعنى : أيقوم الزيدان ، فتمّ الكلام لأنه فعل وفاعل ،
وقائم هنا اسم من جهة اللفظ ، وفعل من جهة المعنى ، فلما كان الكلام تاما من جهة
المعنى أرادوا إصلاح اللفظ فقالوا : أقائم مبتدأ والزيدان يرتفع به وقد سّد مسدّ
الخبر ، من حيث أن الكلام تمّ به ولم يكن ثم خبر محذوف.
قال : وأما
قولهم : (ضربي زيدا قائما) فهو كلام تامّ باعتبار المعنى ، إلا أنه لا بدّ من
النظر للفظ وإصلاحه ، لكون المبتدأ فيه بلا خبر ، وذلك أن (ضربي) مبتدأ
__________________
وهو مصدر مضاف للفاعل ، (وزيدا) مفعول به (وقائما) حال وقد سدّ مسدّ خبر
المبتدأ ، ولا يصحّ الذي هو الضرب ليس القائم ، ولا يصحّ أن يكون حالا من زيد ،
لأنه لو كان حالا منه لكان العامل فيه المصدر الذي هو ضربي ، لأن العامل في الحال
هو العامل في ذي الحال ، ولو كان المصدر عاملا فيه لكان من جملته ، وإذا كان من
جملته لم يصح أن يسدّ مسدّ الخبر ، وإذا كان كذلك كان العامل فيه فعلا مقدّرا فيه
ضمير فاعل يعود إلى زيد ، والخبر ظرف زمان مقدر مضاف إلى ذلك الفعل والفاعل ،
والتقدير : ضربي زيدا إذا كان قائما ، فإذا هي الخبر.
وقال ابن يعيش أيضا : إذا قلت ما أتاني إلّا زيدا إلّا عمرو
فلا بدّ من رفع أحدهما ونصب الآخر ولا يجوز رفعهما جميعا ولا نصبهما جميعا وذلك
نظرا إلى إصلاح اللفظ وتوفيته ما يستحقّه ، وذلك أن المستثنى منه محذوف ، والتقدير
: ما أتاني أحد إلّا زيدا إلا عمرا ، لكن لما حذف المستثنى منه بقي الفعل مفرغا
بلا فاعل ، ولا يجوز إخلاء الفعل من فاعل في اللفظ فرفع أحدهما وتعيّن نصب الآخر.
وقال ابن عصفور
: زيدت الباء في فاعل (أفعل به) في التعجب ولزمت حتى صار لفظ الفاعل كلفظ المجرور
في نحو قولك : (امرر بزيد) إصلاحا للفظ من جهة أن أفعل في هذا الباب لفظه كلفظ
الأمر بغير لام ، والأمر بغير لام لا يقع بعده الاسم الظاهر إلا منصوبا نحو : اضرب
زيدا ، أو مجرورا نحو : امرر بزيد ، فزادوا الباء والتزموا زيادتها حتى تكون في
اللفظ بمنزلة امرر بزيد ، ذكره في شرح (المقرّب).
قال ابن هشام
في (تذكرته) : هذا باب ما فعلوه بمجرد إصلاح اللفظ في مسائل.
أحدها
: قولهم : (لهنك
قائم) لأنهم لو قالوا : لأنك ، لكان رجوعا إلى ما فرّوا منه ، لكنهم لما أرادوا
الرجوع إلى الأصل أبدلوا الهمزة هاء لإصلاح اللفظ ، هذا قول المحققين.
وقال أبو عبيد
فيما حكى عنه صاحب الصحاح : إنّ الأصل (لله إنك) فحذفت إحدى اللامين وألف الله
وهمزة إنك.
الثانية
: زيادة الباء
في فاعل (أحسن) ونحوه ، لئلا يكون نظير فاعل فعل أمر بغير اللام.
__________________
الثالثة
: تأخير الفاء
في : أمّا زيد فمنطلق ، مع أن حقّها أن تكون في أول الجواب ، إلا أنهم كرهوا صورة
معطوف بلا معطوف عليه.
الرابعة
: اتصال الضمير
المؤكد للجار والمجرور بكان الزائدة في قوله : [الوافر]
وجيران لنا كانوا كرام
على تقرير ابن
جنّي.
الخامسة
: تقديم المعمول
في (زيدا فاضرب) على ما قيل من أن الفاء عاطفة جملة على جملة وأن الأصل : تنبّه
فاضرب زيدا.
السادسة
: زيادة اللام
في (لا أبا لك) على الصحيح لئلا تدخل لا على معرفة.
السابعة
: تأكيد الضمير
المرفوع المستتر إذا عطف عليه نحو : (اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ) [البقرة : ٣٥].
الثامنة
: تأكيد المجرور
في (مررت بك أنت وزيد) على ما حكاه ابن إياز في (شرح الفصول).
التاسعة
: إدخالهم الفصل
في نحو : زيد هو العالم.
العاشرة
: الفصل بين أن
والفعل في نحو : (عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ) [المزمل : ٢٠] لئلا يليها الفعل في اللفظ.
وقال أبو حيان
قال بعض أصحابنا : الذي ظهر بعد البحث أن الأصل في (زيدا فاضرب) (تنبه فاضرب زيدا)
ثم حذف تنبه فصار فاضرب زيدا ، فلما وقعت الفاء صدرا قدّموا الاسم إصلاحا للفظ.
الأصول المرفوضة
منها جملة
الاستقرار الذي يتعلّق به الظرف الواقع خبرا.
قال ابن يعيش : حذف الخبر الذي هو استقرّ أو مستقرّ وأقيم
الظرف مقامه وصار الظرف هو الخبر والمعاملة معه ، ونقل الضمير الذي كان في
الاستقرار إلى الظرف وصار مرتفعا بالظرف كما كان مرتفعا بالاستقرار ثم حذف
الاستقرار وصار أصلا مرفوضا لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه بالظرف.
ومنها : خبر
المبتدأ الواقع بعد لو لا نحو لو لا زيد لخرج عمرو ، تقديره لو لا زيد حاضر.
__________________
قال ابن يعيش : ارتبطت الجملتان وصارتا كالجملة الواحدة ،
وحذف خبر المبتدأ من الجملة الأولى لكثرة الاستعمال حتى رفض ظهوره ولم يجز
استعماله.
ومنها : قولهم
: (افعل هذا إما لا) قال ابن يعيش : ومعناه أن رجلا أمر بأشياء يفعلها فتوقف في
فعلها ، فقيل له : افعل هذا إن كنت لا تفعل الجميع ، وزادوا على إن (ما) وحذف
الفعل وما يتصل به وكثر حتى صار الأصل مهجورا.
ومنها : قال ابن يعيش : بنو تميم لا يجيزون ظهور خبر لا البتة
ويقولون : هو من الأصول المرفوضة.
وقال الأستاذ
أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الإخبار عن (سبحان الله) يصح كما
يصحّ الإخبار عن البراءة من السوء ، لكن العرب رفضت ذلك ، كما أن مذاكير جمع لمفرد
لم ينطق به ، وكذلك (لييليه) تصغير لشيء لم ينطق به ، وأصيلان تصغير لشيء لم ينطق
به ، وإن كان أصله أن ينطق به ، وكذلك (سبحان الله) إذا نظرت إلى معناه وجدت
الإخبار عنه صحيحا ، لكن العرب رفضت ذلك ، وكذلك لكاع ولكع وجميع الأسماء التي لا
تستعمل إلا في النداء إذا رجعت إلى معانيها وجدت الإخبار ممكنا فيها ، بدليل
الإخبار عما هي في معناه ، لكن العرب رفضت ذلك.
وقال أيضا : في
قولك زيدا اضربه ، ضعف فيه الرفع على الابتداء ، والمختار النصب وفيه إشكال من جهة
الإسناد لأن حقيقة المسند والمسند إليه ما لا يستقلّ الكلام بأحدهما دون صاحبه ،
واضرب ونحوه يستقل به الكلام وحده ، ولا تقدر هنا أن تقدّر مفردا تكون هذه الجملة
في موضعه ، كما قدرت في زيد ضربته.
فإن قلت : فكيف
جاء هذا مرفوعا وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟
قلت : جاء على
تقدير شيء رفض ولم ينطق به واستغني عنه بهذا الذي وضع مكانه ، وهذا وإن كان فيه
بعد إذا أنت تدبّرته وجدت له نظائر ، ألا ترى أن (قام) أجمع النحويون على أن أصله (قوم)
وهذا ما سمع قطّ فيه ولا في نظيره ، فكذلك زيدا ضربه ، كان اضربه وضع موضع مفرد
مسند إلى زيد على معنى الأمر ولم ينطق به قط ، ويكون كقام ، وقال أيضا : مصدر عسى
لا يستعمل وإن كان الأصل ، لأنه أصل مرفوض.
__________________
الإضافة تردّ الأشياء إلى أصولها
ولذلك أعربت (أيّ)
مع وجود شبه الحرف فيها للزومها الإضافة فردّتها إلى الإعراب الذي هو الأصل في
الأسماء ، وإذا أضيف ما لا ينصرف ردّ إلى أصله من الجرّ.
الإضمار أسهل من التضمين
لأن التضمين
زيادة بتغيير الوضع والإضمار زيادة بغير تغيير قاله بدر الدين بن مالك في (تكملة
شرح التسهيل) ، واستدلّ به على أن الجزم في نحو : (قُلْ لِعِبادِي
يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٥٣] بإضمار (إن) لا بتضمين لفظ الطلب معنى الشرط.
الإضمار أحسن من الاشتراك
ولذلك كان قول
البصريين أن النصب بعد حتى بأن مضمرة أرجح من قول الكوفيين أنه بحتى نفسها وأنها
حرف نصب مع الفعل وحرف جرّ مع الاسم .
قال ابن إياز :
فإن قيل يلزم على مذهب البصريين إضمار الناصب والإضمار خلاف الأصل ، قلنا :
الإضمار مجاز والمجاز أولى من الاشتراك.
الإضمار خلاف الأصل
ولذلك ردّ على
قول من قال : إن الاسم بعد لو لا مرتفع بفعل لازم الإضمار ، فإنه لا دليل على ذلك
مع أن الإضمار خلاف الأصل ، وعلى من قال في قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] إن يوم ليس منصوبا بـ (مصروف) بل بفعل دلّ الكلام عليه ، تقديره
: يلازمهم يوم يأتيهم أو يهجم عليهم ، لأنه لا حاجة إليه مع أن الإضمار خلاف
القياس.
الإعراب
فيه مباحث :
المبحث الأول : في حقيقته
قال ابن فلاح (في
المغني) : اختلف في حقيقة الإعراب ، فذهب قوم إلى أن الإعراب معنى وهو عبارة عن
الاختلاف واحتجوا بوجهين :
__________________
أحدهما
: إضافة الحركات
إلى الإعراب ، والشيء لا يضاف إلى نفسه.
والثاني
: أن الحركات قد
تكون في المبني فلا تكون إعرابا ، وهذه الحركة عندهم بمنزلة قولهم ، مطية حرب ، أي
: صالحة للحرب ، وكذلك هذه الحركات صالحة للاختلاف في آخر الكلمة.
وذهب قوم إلى
أن الإعراب عبارة عن الحركات وهو الحق لوجهين :
أحدهما
: أن الاختلاف
أمر لا يعقل إلا بعد التعدّد ، فلو جعل الاختلاف إعرابا لكانت الكلمة في أول
أحوالها مبنية لعدم الاختلاف ،
الثاني
: أنه يقال :
أنواع الإعراب رفع ونصب وجرّ وجزم ، ونوع الجنس مستلزم الجنس ، والجواب عن الإضافة
أنها من باب إضافة الأعمّ إلى الأخصّ للبيان كقولنا : (كلّ الدراهم) ، وعن الوجه
الثاني : أنه لا يدلّ وجود الحركات في المبني على أنها حركات الإعراب ، لأن الحركة
إن حدثت بعامل فهي للإعراب وإلا فهي للبناء ، ولذلك خصّصها البصريون بألقاب غير
ألقاب الإعراب ،
وقال غيره : في
الإعراب مذهبان :
أحدهما
: أنه لفظي وهو
اختيار ابن مالك ونسبه إلى المحققين. وحدّه في (التسهيل) بقوله : ما جيء به لبيان
مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف.
والثاني
: أنه معنوي ،
والحركات إنما هي دلائل عليه ، هو ظاهر قول سيبويه ، واختيار الأعلم وكثير من المتأخرين ـ وحدّوه بقولهم : تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها
لفظا أو تقديرا ، وجعله ابن إياز قول أكثر أهل العربية. قال : ويدلّ عليه وجوه :
منها : أنه
يقال : حركات الإعراب ، فلو كانت الحركة الإعراب لامتنعت الإضافة إذ الشيء لا يضاف
إلى نفسه.
ومنها : أن
الحركة والحرف يكونان في المبنيّ فلو كانت الحركة بعض الإعراب لم يكونا فيه.
__________________
ومنها : أنه قد
تزول الحركة في الوقف مع الحكم بالإعراب.
ومنها : أن
السكون قد يكون إعرابا.
ومنها :
تفسيرهم بالتغيير والاختلاف ، ولكل واحد منهما معنى.
ثم قال :
ولقائل أن يقول لا دلالة في جميع ذلك.
أما
الأول فجوابه : أن الحركة لما كانت تنقسم إلى حركة إعراب وحركة بناء قيل : حركة الإعراب ،
وصحة الإضافة للتخصيص ، فالحركة عامة والإعراب خاص ، ولا شبهة في مغايرة العام
للخاص ، فمسوغ الإضافة المغايرة ، وهي هنا موجودة.
وأما
الثاني فجوابه : أنّا لم نقل إن مطلق الحركة يكون إعرابا ، بل الحادث بالعامل هو الإعراب
ولا يوجد في المبنيّ شيء من ذلك.
وأما
الثالث فجوابه : أن الوقف عارض لا اعتبار به وإنما الاعتبار بحال الوصل وأصولهم تقتضي ذلك.
وأما
الرابع فجوابه : أن الإعراب هو الحركة أو حذفها ، ولهذا قال ابن الحاجب : إنه ما اختلف
أواخر المعرب به ، والاختلاف تارة يحصل بالحركة وتارة بحذفها ، وإذا لم يكن مرادهم
أن الحركة وحدها الإعراب فكيف يردّ عليهم النقض بالسكون؟!
وأما
الخامس فجوابه : أن الإعراب إنما يفسره بالتغيير أو الاختلاف من كان مذهبه أنه معنوي ؛ ومن
خالف ذلك فسّره بغير ذلك ، وتفسير الخصم للشيء على مقتضى مذهبه لا يكون حجة على
مخالفه.
وقال ابن مالك
في (شرح التسهيل) : الإعراب عند المحققين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة
مبيّنا للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامهما ، وذلك
المجعول قد يتغير لتغير مدلوله وهو الأكثر كالضمة والفتحة والكسرة في نحو (ضرب زيد
غلام عمرو) وقد يلزم للزوم مدلوله كرفع ، لا نولك أن تفعل ، ولعمرك ، وكنصب سبحان
الله ورويدك ، وكجرّ الكلاع وعريط من ذي الكلاع وأم عريط.
وبهذا الإعراب
اللازم يعلم فساد قول من جعل الإعراب تغييرا.
وقد اعتذر عن
ذلك بوجهين :
أحدهما
: أن ما لا يلزم
وجها واحدا من وجوه الإعراب فهو صالح للتغيير فيصدق عليه متغير ، وعلى الوجه الذي
لازمه تغيير.
والثاني
: أن الإعراب
تجدد في حال التركيب فهو تغيير باعتبار كونه منتقلا إليه من السكون الذي كان قبل
التركيب.
والجواب
عن الأول : أن الصالح لمعنى لم يوجد بعد لا ينسب إليه ذلك المعنى حقيقة حتى يصير
قائما به ، ألا ترى أن (رجلا) صالح للبناء إذا ركب مع (لا) و (خمسة عشر) صالح
للإعراب إذا فكّ تركيبه ، ومع ذلك لا ينسب إليهما إلا ما هو حاصل في الحال من
إعراب (رجل) وبناء (خمسة عشر) ، فكذا لا ينسب تغيير إلى ما لا تغيير له في الحال
له.
والجواب
عن الثاني : أن المبني على حركة مسبوق بأصالة السكون فهو متغير أيضا وحاله تغيير ، فلا
يصلح أن يحد بالتغيير الإعراب لكونه غير مانع من مشاركة البناء ، ولا يخلص من هذا
القدح قولهم : لتغير العامل ، فإن زيادة ذلك توجب زيادة فساد لأن ذلك يستلزم كون
الحال المنتقل عنها حاصلة لعامل تغير ثم خلفه عامل آخر حال التركيب وذلك باطل
بيقين ، إذ لا عامل قبل التركيب ، وإذا لم يصحّ أن يعبّر عن الإعراب بالتغيير ،
صحّ التعبير عنه بالمجعول آخرا من حركة وغيرها على الوجه المذكور.
وقال بعضهم :
لو كانت الحركات وما يجري مجراها إعرابا لم تضف إلى الإعراب ، لأن الشيء لا يضاف
إلى نفسه ، وهذا قول صادر عمّن لا تأمل له ، لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع
توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع ، وأكثر ذلك فيما يقدر أولها
بعضا أو نوعا ، والثاني : كلا أو جنسا ، وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح ،
فلم يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا ، انتهى.
المبحث الثاني : في وجه نقله من اللغة إلى اصطلاح النحويين
قال ابن فلاح
في (المغني) : فيه خمسة أوجه :
أحدهما
: أنه منقول من
الإعراب الذي هو البيان ، ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «والثّيّب يعرب عنها
لسانها» . أي : يبيّن ، والمعنى على هذا أن الإعراب يبيّن معنى
الكلمة كما يبين الإنسان عمّا في نفسه.
الثاني
: أنه مشتق من
قولهم : عربت معدة الفصيل إذا فسدت ، وأعربتها أي :
__________________
أصلحتها والهمزة للسلب كما تقول : أشكيت الرجل إذا أزلت شكايته ، والمعنى
على هذا أن الإعراب أزال عن الكلام التباس معانيه.
الثالث
: أنه مشتقّ من
ذلك والهمزة للتعدية لا للسلب ، والمعنى على هذا الكلام كان فاسدا لالتباس المعاني
، فلما أعرب فسد بالتغيير الذي لحقه ، وظاهر التغيير فساد وإن كان صلاحا في
المعنى.
الرابع
: أنه منقول من
التحبّب ، ومنه : امرأة عروب ، إذا كانت متحببة إلى زوجها ، والمعنى على هذا أن
المتكلم بالإعراب يتحبّب إلى السامع.
الخامس
: أنه منقول من
أعرب الرجل إذا تكلم بالعربية ، لأن المتكلم بغير الإعراب غير متكلّم بالعربية لأن
اللغة الفاسدة ليست من العربية ، انتهى.
والمعنى على
هذا أن المتكلم بالإعراب موافق للغة العربية.
المبحث الثالث : في الإعراب والكلام أيهما أسبق
قال الزجاجي في
(إيضاح علل النحو) : فإن قال قائل : أخبروني عن الإعراب والكلام أيهما
أسبق؟
قيل له : إن
للأشياء مراتب في التقديم والتأخير ، إما بالتفاضل أو بالاستحقاق أو بالطبع أو على
حسب ما يوجبه المعقول ، فنقول : إن الكلام سبيله أن يكون سابقا للإعراب ، لأنا قد
نرى الكلام في حال غير معرب ولا يختلّ معناه ، ونرى الإعراب يدخل عليه ويخرج
ومعناه في ذاته غير معدوم ، مثل ذلك أن الاسم نحو : زيد ومحمد وجعفر وما أشبه ذلك
، معربا كان أو غير معرب لا يزول عنه معنى الاسمية ، وكذلك الفعل المضارع نحو :
يقوم ويذهب ويركب معربا كان أو غير معرب لا يسقط عنه معنى الفعلية ، وإنما يدخل
الإعراب لمعان تعتور هذه الأشياء ، ومع هذا فقد رأينا الشيء من الكلام الذي ليس
بمعرب قريبا من معربه كثرة ؛ وذلك أن الأفعال الماضية مبنية على الفتح ، وفعل
الأمر للواحد إذا كان بغير اللام مبني على الوقف نحو : (يا زيد اذهب واركب) وحروف
المعاني مبنية كلّها ، وكثير من الأسماء بعد هذا مبني ولم تسقط دلالتها على
الاسمية ولا معانيها عما وضعت له ، فعلمنا بذلك أن الإعراب عرض داخل في الكلام
لمعنى يوجده ويدلّ عليه ، فالكلام إذا سابق في الرتبة والإعراب تابع من توابعه.
__________________
فإن قال :
فأخبرني عن الكلام المنطوق به الذي نعرفه الآن بيننا ، أتقولون : إن العرب كانت
نطقت به زمانا غير معرب ثم أدخلت عليه الإعراب أم هكذا نطقت به في أول تبلبل
ألسنتها به؟
قيل له : هكذا
نطقت به في أول وهلة ولم تنطق به زمانا غير معرب ثم أعربته.
فإن قال : من
أين حكمتم على سبق بعضه بعضا ، وجعلتم الإعراب الذي لا يعقل أكثر المعاني إلا به
ثانيا ، وقد علمتم أنها تكلمت به هكذا جملة.
قيل له : قد
عرّفناك أن الأشياء تستحقّ المرتبة والتقديم والتأخير على ضروب فنحكم لكل واحد
منها بما يستحقه ، وإن كانت لم توجد إلا مجتمعة ، ألا ترى أنا نقول : إن العرض
داخل في الأسود ، عرض الأسود والجسم أقدم من العرض بالطبع والاستحقاق ، وإن العرض
قد يجوز أن يتوهم زائلا عن الجسم والجسم باق ، فنقول : إن الجسم الأسود قبل السواد
ونحن لم نر الجسم خاليا من السواد الذي هو فيه ولا رأينا السواد قطّ عاريا عن
الجسم بل يجوز رؤيته لأن المرئيات إنما هي الأجسام الملونة ولا تدرك الألوان خالية
من الأجسام ، ولا الأجسام غير ملونة ، ولم نرد بالأسود هاهنا جسما أسود بحضرتنا بل
ما شوهد كذلك من الأجسام ، وكذا القول في الأبيض والأحمر وما أشبه ذلك ، ومنها : أنّا
نعلم أن الذّكر في المرتبة مقدم على الأنثى ، ونحن لم نشاهد العالم خاليا من
أحدهما ، ثم حدث بعده الآخر إلا ما وقفنا عليه بالخبر الصادق من سبق خلق الذكر
الأنثى في خلق آدم وحواء ، وأما في غيرهما فكذلك إن علم بخبر صادق وإلا جاز تقدم
كل واحد منها صاحبه ، فكذلك في الكلام والإعراب نقول : إن الإعراب في الاستحقاق
داخل على الكلام لما يوجبه مرتبة كل واحد منهما في المعقول ، وإن كان لم يوجدا
مفترقين ؛ ونظير ذلك أنّا نقول : إن الأسماء قبل الأفعال ، لأن الأفعال أحداث
الأسماء ولم توجد الأسماء زمانا ينطق بها ثم نطق بالأفعال بعدها ، بل نطق بهما معا
، ولكلّ حقه ومرتبته ، وقد أجاز بعض الناس أن تكون العرب نطقت أولا بالكلام غير
معرب ثم رأت اشتباه المعاني فأعربته ، ثم نقل معربا فتكلّم به.
المبحث الرابع : في أن الإعراب لم دخل في الكلام؟
قال الزجاجي في
الكتاب المذكور ، فإن قال قائل : قد ذكرت أن الإعراب داخل عقب الكلام
فما الذي دعا إليه واحتيج إليه من أجله؟
__________________
فالجواب أن
يقال : إن الأسماء لما كانت تعتورها المعاني وتكون فاعلة ومفعولة ومضافة ومضافا
إليها ، ولم يكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني ، بل كانت مشتركة ، جعلت
حركات الإعراب فيها تنبئ عن هذه المعاني فقالوا : ضرب زيد عمرا ، فدلّوا برفع زيد
على أن الفعل له وبنصب عمرو على أن الفعل واقع به وقالوا : (ضرب زيد) فدلّوا
بتغيير أول الفعل ورفع زيد على أن الفعل ما لم يسمّ فاعله ، وأن المفعول قد ناب
منابه ، وقالوا : (هذا غلام زيد) ، فدلّوا بخفض (زيد) على إضافة الغلام إليه ،
وكذلك سائر المعاني جعلوا هذه الحركات دلائل عليها ليتّسعوا في كلامهم ويقدموا
الفاعل إذا أرادوا ذلك أو المفعول عند الحاجة إلى تقديمه ، وتكون الحركات دالة على
المعاني ، هذا قول جميع النحويين إلا أبا علي قطربا فإنه عاب عليهم هذا الاعتلال
وقال : لم يعرب الكلام للدلالة على المعاني والفرق بين بعضها وبعض ، قد نجد في
كلامهم أسماء متفقة في الإعراب مختلفة المعاني ، وأسماء مختلفة الإعراب متفقة
المعاني.
فمما اتّفق
إعرابه واختلف معناه قولك : إن زيدا أخوك ، ولعلّ زيدا أخوك ، وكأن زيدا أخوك ،
اتّفق إعرابه واختلف معناه.
ومما اختلف
إعرابه واتفق معناه ، قولك : ما زيد قائما وما زيد بقائم ، ثم اختلف إعرابه واتفق
معناه ، ومثله : ما رأيته منذ يومين ومنذ يومان ، ولا مال عندك ولا مال عندك ، وما
في الدار أحد إلّا زيد ، وما في الدار أحد إلا زيدا. ومثله : إن القوم كلهم ذاهبون
، وإن القوم كلّهم ذاهبون ، ومثله : (إِنَّ الْأَمْرَ
كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤] و (إن الأمر كلّه لله) قرئ بالوجهين جميعا ، ومثله : ليس زيد بجبان ولا بخيلا ولا
بخيل ، ومثل هذا كثير جدا مما اتفق إعرابه واختلف معناه ، ومما اختلف إعرابه واتفق
معناه. قال : فلو كان الإعراب إنما دخل الكلام للفرق بين المعاني لوجب أن يكون
لكلّ معنى إعراب يدلّ عليه لا يزول إلا بزواله.
قال قطرب :
وإنما أعربت العرب كلامها ، لأن الاسم في حال الوقف يلزمه السكون للوقف ، فلو
جعلوا وصله بالسكون أيضا ، لكان يلزمه الإسكان في الوقف والوصل ، فكانوا يبطئون
عند الإدراج ، فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلنا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل
الكلام ، ألا تراهم بنوا كلامهم على متحرّك وساكن ولم يجمعوا بين ساكنين في حشو
الكلمة ولا في حشو بيت ولا بين أربعة أحرف متحركة ويستعجلون وتذهب الصلة من كلامهم
، فجعلوا الحركة عقيب الإسكان.
__________________
قيل له : فهلّا
لزموا حركة واحدة لأنها مجزئة لهم إذ كان الغرض إنما هو حركة تعقب سكونا؟
فقال : لو
فعلوا ذلك لضيّقوا على أنفسهم فأرادوا الاتّساع في الحركات ولم يحظروا على المتكلم
الكلام إلا بحركة واحدة ، هذا مذهب قطرب واحتجاجه.
وقال المخالفون
له ردّا عليه : لو كان كما ذكر لجاز جرّ الفاعل مرة ورفعه أخرى ونصبه ، وجاز نصب
المضاف إليه لأن القصد في هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل بها الكلام ، فأي
حركة أتى بها المتكلم أجزأته ، فهو مخير في ذلك ، وفي هذا إفساد للكلام وخروج عن
أوضاع العرب وحكمة نظم في كلامهم.
واحتجّوا لما
ذكره قطرب من اتفاق الإعراب واختلاف المعاني واختلاف الإعراب واتفاق المعاني في
الأسماء التي تقدّم ذكرها بأن قالوا : إنما كان أصل دخول الإعراب في الأسماء التي
تذكر بعد الأفعال لأنه يذكر بعدها اسمان أحدهما : فاعل والآخر مفعول ، ومعناهما
مختلف فوجب الفرق بينهما ثم جعل سائر الكلام على ذلك ، وأما الحروف التي ذكرها
فمحمولة على الأفعال.
المبحث الخامس : في أن الإعراب أحركة أم حرف؟
قال الزجاجي : باب القول في الإعراب أحركة أم حرف : قد قلنا
إن الإعراب دالّ على المعاني ، وإنه حركة داخلة على الكلام بعد كمال بنائه ، فهو
عندنا حركة نحو الضمة في قولك : هذا جعفر ، والفتحة في قولك : رأيت جعفرا ،
والكسرة في قولك : مررت بجعفر ، هذا أصله ، ومن المجمع عليه أن الإعراب يدخل على
آخر حرف في الاسم المتمكن والفعل المضارع ، وذلك الحرف هو حرف الإعراب فلو كان
الإعراب حرفا ما دخل على حرف ، هذا مذهب البصريين.
وعند الكوفيين
: أن الإعراب يكون حركة وحرفا ، فإذا كان حرفا قام بنفسه ، وإذا كان حركة لم يوجد
إلّا في حرف ، ثم قد يكون الإعراب سكونا وحذفا وذلك الجزم في الأفعال المضارعة
وحرفا ، وهذا مما قد ذكرت لك أن الشيء قد يكون له أصل ثم يتسع.
فإن قال قائل :
فأين يكون الإعراب سكونا وحذفا وحرفا؟
قيل له : يكون
سكونا في الأفعال المضارعة السالمة اللامات نحو : لم يضرب ،
__________________
ولم يذهب ، وحذفا في هذه الأفعال إذا كانت معتلّة اللامات نحو : لم يقض ولم
يغز ولم يخش ، ولكلّ شيء من هذا علّة.
فإن قال قائل :
فهل يكون الإعراب حرفا عند سيبويه في شيء من الكلام؟
قلنا : هذا
الذي ذكرنا الأصل وعليه أكثر مدار كلام العرب ، وقد ذكرنا أن الشيء يكون له أصل
يلزمه ونحو يطرد فيه ، ثم يعرض لبعضه علّة تخرجه عن جمهور بابا ، فلا يكون ذلك
ناقضا للباب ، وذلك موجود في سائر العلوم حتى في علوم الديانات كما يقال بالإطلاق
: (الصلاة واجبة على البالغين) ، (من سرق من حرز قطع) ، فقد تجد القطع ساقطا عن
بعضهم. ولهذا نظائر كثيرة ، فكذلك حكم الإعراب. وحقيقة ما ذكرنا من أنه عرض في بعض
الكلام ضرورة دعت إلى جعل الإعراب حرفا وذلك في تثنية الأفعال المضارعة وجمعها
وفعل المؤنث المخاطب في المستقبل وذلك في خمسة أمثلة من الفعل وهي يفعلان ويفعلون
وتفعلون وتفعلين يا هذه ، وعلامة الرفع في هذه الأفعال الخمسة إثبات النون ،
وحذفها علامة الجزم والنصب.
فإن قال قائل :
ما الذي أوجب تصيير الإعراب في هذه الأفعال جرفا وهي النون؟
قيل له ما قال
سيبويه : وهو أنه قال : الإعراب يدخل على آخر حرف حذف في الكلمة وذلك الحرف يسمّى
حرف الإعراب ، وآخر حرف في هذه الأفعال النون ، فلو جعلت النون حرف الإعراب لوجب
ضمّها في حال الرفع وفتحها في حال النصب ، وكان يلزم من ذلك أن تسكن في حال الجزم
، ولو أسكنت وجب سقوط الألف التي قبلها والواو والياء لالتقاء الساكنين ، وكان
يذهب ضمير الاثنين والجمع والمؤنث في حال تأخير الأفعال بعد الأسماء ، ويسقط علم
ذلك في تقديم الأفعال على الأسماء في لغة من يثني ويجمع الفعل مقدما فكان تغيير
الفعل كأنه للواحد ويبطل المعنى ، فلما صارت علم الرفع وجب حذفها في الجزم ، لأن
الجازم قد يحذف ما يثبت في الرفع ، فإن كان في حال الرفع حرف ساكن حذفه الجازم نحو
: لم يغز ولم يخش ، فجعلت النون محذوفة في الجزم لسكونها كما حذفت الياء والواو
والألف لسكونها ، وجعل النصب مضموما إلى الجزم ، فحذفت النون فيه أيضا فقيل : لم
يفعلا ولن يفعلا ولم يفعلوا ولن يفعلوا ، كما ضمّ النصب في تثنية الأسماء وجمعها
إلى الجرّ ، لأن الجزم في الأفعال نظير الجرّ في الأسماء.
فإن قال قائل :
فإن النون في : يفعلان وتفعلان وسائر هذه الأفعال متحركة ، وقد
حكمت عليها بالسكون وزعمت أن الجازم إنما دخل على حرف ساكن حذفه ، فلم حذفت
النون وهي متحركة ، ولم زعمت أنها ساكنة؟
والجواب في ذلك
أن يقال له : إن النون في هذه الأفعال مضارعة للسكون كما ذكرنا لأنها ليست بحرف
إعراب ، فلما أسكنت وقبلها ساكن حركت لالتقاء الساكنين ، وليست الحركة فيها بلازمة
استحقاقا ، فحكمها حكم الساكن ، فلذلك حذفها الجازم.
فإن قال قائل :
فهلّا جعلت الحروف التي قبل هذه النون حروف الإعراب؟
فالجواب في ذلك
: أن الألف التي قبل هذه النون في يفعلان وتفعلان ، والواو في يفعلون وتفعلون ،
والياء في تفعلين ، ليست من بناء الفعل ولا تمامه ، إنما هي ضمير الفاعلين علامة
كما ذكرنا ، ولم يجز أن تكون حروف الإعراب كذلك.
فإن قال قائل :
ولم جاز أن يجيء إعراب الفعل للمستقبل بعد الفاعل في قولك : الزّيدان يقومان ،
والزّيدون يقومون ، وما أشبه ذلك جاءت علامة رفع الفعل بعد الفاعل وهي ثبات النون
، وهو بعد الفاعل يجوز أن يكون إعراب شيء موجودا في غيره ويكون ذلك الشيء معربا؟
قيل له : إن
الفعل لما كان لا يخلو من الفاعل ولا يستغنى عنه ضرورة ثم اتّصل به مضمرا صار كبعض
حروفه ، وصارت الجملة كلمة واحدة ، فجاز لذلك وقوع الإعراب بعد ضمير الفاعل لما
صارت الجملة كلمة واحدة ، والدليل على ذلك إسكان لام الفعل في قولك : فعلت ، أسكنت
اللام لئلا يتوالى في كلمة واحدة أربع متحرّكات.
المبحث السادس : في الإعراب لم وقع في آخر الاسم دون أوله وأوسطه
قال الزجاجي : باب القول في الإعراب لم وقع في آخر الاسم
دون أوله وأوسطه؟
قال بعض
النحويين : الإعراب يدخل في الاسم لمعنى فوجب أن يلفظ به بكماله ثم يؤتى بالإعراب
في آخره.
وقال أبو بكر
بن الخياط : ليس هذا القول بمرضيّ ، لأنّا قد رأينا الأسماء
__________________
يدخلها حروف المعاني أولا ووسطا ، فما دخلها أولا كقولك : الرجل والغلام ،
وما دخلها وسطا ياء التصغير في قولك : فريخ وفليسن.
ولو كان الأمر
على ما ذهب إليه قائل هذا القول لوجب أن لا يدخل على اسم حرف معنى إلا بعد كمال
بنائه. قال : والقول عندي فيه هو الذي عليه جملة النحويين أن الاسم يبنى على أبنية
مختلفة منها : «فعل وفعل وفعل وفعل» وما أشبه ذلك من الأبنية ، فلو جعل الإعراب
وسطا ، لم يدر السامع أحركة إعراب أم حركة بناء ، فجعل الإعراب في آخر الاسم ، لأن
الوقف يدرك فيسكن فيعلم أنه إعراب ، فإذا كان وسطا لم يمكن ذلك فيه.
وقال أبو إسحاق
الزجاج : كان أبو العباس المبرد يقول : لم يجعل الإعراب أولا لأن الأول تلزمه
الحركة ضرورة للابتداء لأنه لا يبتدأ إلا بمتحرك ولا يوقف إلا على ساكن ، فلما
كانت الحركة تلزمه لم تدخل عليه حركة الإعراب ، لأن حركتين لا تجتمعان في حرف واحد
، فلما فات وقوعه أولا لم يمكن أن تجعل وسطا ، لأن أوساط الأسماء مختلفة لأنها
تكون ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية وسباعية وأوساطها مختلفة ، فلما فات ذلك جعل
آخرا بعد كمال الاسم ببنائه وحركاته.
وقال آخرون :
الإعراب إنما دخل في الكلام دليلا على المعاني ، فوجب أن يكون تابعا للأسماء ،
لأنه قد قام الدليل على أنه ثان بعدها ، وهذا القول قريب من الأول ، وكل من هذه
الأقوال مقنع في معناه.
إعطاء الأعيان حكم المصادر وإعطاء المصادر حكم الأعيان
قال ابن الشجري
في أماليه : من مذاهب العرب للمبالغة إعطاء الأعيان حكم المصادر
وإعطاء المصادر حكم الأعيان.
فمن ذلك قولهم
: أخطب ما يكون الأمير قائما ، (فأخطب) إنما هو للأمير ، وقد أضافوه إلى (ما)
المصدرية ، ولفظة أفعل التي وضعوها للمفاضلة مهما أضيفت إليه صارت بعضه ، ولما
أضافوا (أخطب) إلى (ما) وهي موصولة بـ (يكون) صار (أخطب) كونا ، فالتقدير : أخطب
كون الأمير ، فهذا وصف للمصدر بما يوصف به العين ، والمعنى راجع إلى الأمير ،
فلذلك سدّت الحال مسدّ خبر هذا المبتدأ ، إذ الحال لا تسدّ مسدّ خبر المبتدأ إلا
إذا كان المبتدأ اسم حدث كقولك : ضربي زيدا جالسا ، ولا تسدّ مسدّ خبر المبتدأ إذا
كان اسم عين.
__________________
ومن إعطاء
العين حكم المصادر حتى وصفوه بالمصدر أو جرى خبرا عنه قوله تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) [يوسف : ١٨] أي : مكذوب به ، وقوله : (إِنْ أَصْبَحَ
ماؤُكُمْ غَوْراً) [الملك : ٣٠] أي : غائرا ، وقوله : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : ٢٦٠] أي : ساعيات ، فسعيا مصدر وقع موقع الحال كقولهم ، قتلته
صبرا ، أي : مصبورا ، والمعنى : محبوسا.
ومن ذلك قوله
تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ
غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦] أي : ابنك عمل في أحد الأقوال وهو أوجهها ، جعله العمل اتساعا
لكثرة وقوع العمل غير الصالح منه كقولهم : ما أنت إلّا نوم ، وما زيد إلّا أكل
وشرب ، وإنما أنت دخول وخروج ، ومنه قول الخنساء : [البسيط]
٤٠ ـ [ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت]
|
|
فإنّما هي
إقبال وإدبار
|
فهذا كلّه من
تنزيل الأعيان منزلة المصادر.
فأما تنزيل
المصادر منزلة الأعيان فكقولهم : موت مائت ، وشيب شائب ، وشعر شاعر ، انتهى.
الأفعال نكرات
لأنها موضوعه
للخبر ، وحقيقة الخبر أن يكون نكرة لأنه الجزء المستفاد ، ولو كان الفعل معرفة لم
يكن فيه للمخاطب فائدة ؛ لأن حدّ الكلام أن تبتدئ بالاسم الذي يعرفه المخاطب كما
تعرفه أنت ثم تأتي بالخبر الذي لا يعلمه ليستفيده ، ذكر ذلك ابن يعيش في (شرح
المفصّل) .
ومن فروعه : أن
الإضافة إلى الأفعال لا تصحّ ، قال ابن يعيش : لأن الإضافة ينبغي بها تعريف المضاف وإخراجه
من إبهام إلى تخصيص على حسب خصوص المضاف إليه في نفسه ، والأفعال لا تكون إلا
نكرات ، ولا يكون شيء منها أخصّ من شيء فامتنعت الإضافة إليها لعدم جدواها ، إلا
أنهم قد أضافوا أسماء الزمان إلى
__________________
الأفعال تنزيلا للفعل منزلة المصدر ، واختصّ الزمان بذلك من بين سائر
الأسماء لملابسة بين الفعل وبينه ، وذلك لأن الزمان حركة الفلك والفعل حركة الفاعل
، ولاقتران الزمان بالحدث.
وقال أبو
القاسم الزجاجي في كتاب (إيضاح علل النحو) : أجمع النحويون كلهم من البصريين والكوفيين على أن
الأفعال نكرات ، قالوا : والدليل على ذلك أنها لا تنفكّ من الفاعلين ، والفعل
والفاعل جملة تقع بها الفائدة ، والجمل كلها نكرات ، لأنها لو كانت معارف لم تقع
بها فائدة ، فلما كانت الجمل مستفادة علم أنها نكرات فلذلك لم تضمر ، وكذلك
الأفعال لما كانت مع الفاعلين جملا كانت نكرات ولم يجز إضمارها.
فإن قيل : فإذا
كانت الأفعال نكرات فهلا عرّفت كما تعرف النكرات؟
فالجواب عند
الفريقين : أن تعريف الأفعال محال ، لأنها لا تضاف كما أنها لا يضاف إليها ولا
يدخلها الألف واللام لأنها جملة ، ودخول الألف واللام على الجمل محال.
فإن قيل : لم
لا يجوز إضافتها وإن لم يضف إليها؟
قلنا : لأنّ
الفعل لا ينفك من فاعل مظهر أو مضمر ، والفعل والفاعل جملة بمنزلة المبتدأ وخبره ،
فكما لا يجوز إضافة الجمل كذلك لم يجز إضافة الفعل ، انتهى.
الأفعال كلها مذكّرة
نصّ على ذلك
الزجاجي في (الجمل) قال الشلوبين في تعليله : لأن التأنيث الحقيقي والمجازي
وعلامات التأنيث وأحكامه معدومة فيها ، قال : ومنهم من قال : إن فيها مذكّرة
ومؤنّثة بحسب مصادرها ، فإذا كان الفعل يدلّ على مصدر مذكر قيل فيه مذكّر بتذكير
مصدره ، وإذا كان الفعل يدلّ على مصدر مؤنث قيل فيه مؤنث بتأنيث مصدره.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : الدليل على أن الأفعال كلها مذكرة أنها إذا أخبر بها عن الأسماء
فإنما المقصود الإخبار بما تضمنه من الحدث وهو المصدر ، والمصدر مذكر ، فدلّ ذلك
على أنها مذكرة ، إذ اللفظ على حسب ما يراد
__________________
به من تذكير أو تأنيث ، ألا ترى أن لفظ (هند) لما أريد به المؤنّث كان هو
مؤنثا ، ولفظ (زيد) لما أريد به المذكّر كان هو مذكرا.
اقتضاء الموضع لفظا : وهو معك إلا أنه ليس بصاحبك
ترجم على ذلك
ابن جنّي في (الخصائص) وأورد فيه فروعا : منها قولهم : لا رجل عندك ، فإن (لا) هذه ناصبة
لاسمها وهو مفتوح ، إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التي تتقاضاها (لا) بل هي
فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذي عمل عمل (لا) في المضاف. قال : وأصنع من
ذلك قولك : لا خمسة عشر لك. فهذه الفتحة التي في راء (عشر) فتحة بناء التركيب في
هذين الاسمين ، وهي واقعة موقع فتحة البناء في قولك : لا رجل عندك ، وفتحة لام رجل
واقعة موقع فتحة الإعراب في قولك : لا غلام رجل عندك ؛ ويدل على أن فتحة خمسة عشر
هي فتحة تركيب الاسمين لا التي تحدثها (لا) ، لأن خمسة عشر لا يغيّرها العامل الأقوى
، أعني الفعل في نحو : جاءك خمسة عشر ، والجارّ في مررت بخمسة عشر ، فإذا كان
العامل الأقوى لا يؤثر فيها فالعامل الأضعف الذي هو (لا) أولى.
ومنها قولهم :
مررت بغلامي ، فالميم تستحق جرّة الإعراب بالباء والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف
الجرّ ، بل هي التي تصحب ياء المتكلم في الصحيح ، ويدلّ لذلك ثباتها في الرفع
والنصب ، نحو : هذا غلامي ورأيت غلامي ، وهذا يؤذن أنها ليست كسرة الإعراب وإن
كانت بلفظها.
ومنها قولك :
يسعني حيث يسعك ، فالضمّة في حيث ضمة بناء واقعة موقع ضمة رفع الفاعل ، فاللفظ
واحد والتقدير مختلف.
ومنها قولك :
جئتك الآن ، فالفتحة فتحة بناء (الآن) ، وهي واقعة موقع فتحة نصب الظرف.
ومنها قولك :
كنت عندك في أمس ، فالكسرة كسرة بناء وهي واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضية الجرّ.
ومنها قوله : [الطويل]
٤١ ـ وإنّي وقفت اليوم والأمس قبله
|
|
ببابك حتّى
كادت الشّمس تغرب
|
__________________
روى قوله (والأمس)
بالنصب على الإعراب لأنه لما عرّفه باللام الظاهرة زال عنه تضمّنها فأعرب ،
وبالكسر على البناء المعهود فيه ، واللام فيه زائدة ، فإنما يعرف الأمس بلام أخرى
مرادة غير هذه مقدرة ، وهذه الظاهرة ملغاة زائدة للتوكيد.
قال : ومثله
مما يعرف بلام مرادة ، وفيه لام أخرى غيرها زائدة ، قولك (الآن) فهو معرّف بلام
مقدرة ، وهذه الظاهرة فيه زائدة كما ذكره أبو علي.
الإلغاء
فيه فوائد :
الأولى
: قال في (الإيضاح)
: حقيقته ترك المعنى مع التسليط نحو : زيد قائم ظننت.
قال : وأما قول
النحويين في نحو : إنّ زيدا إذن يكرمك ، أن (إذن) ألغيت عنه العمل ففيه تجوّز حيث
سمّوه : الإلغاء ، لأن (يكرمك) في المثال خبر ، وما دخلت عليه (إذن) محذوف كجواب (إن)
في نحو : زيد إن قمت يقوم ، لأن ما يطلب جوابا لا بدله منه لفظا أو تقديرا ، فكيف
يصحّ أن يقال ألغي عنه وهو لم يدخل عليه ولا توجه حكمه عليه ، لكن النحويين تجوزوا
في ذلك فسموه إلغاء من حيث دخل على فعل قد يعمل فيه في موضع مّا على وجه مّا فلم
يعمل فيه. قال : ويدلّ على هذا أنك إذا قلت : أنا أكرمك إذن ، كيف يصحّ تسليط إذن
على ما قبلها ، وإنما حذف جوابها لدلالة ما تقدم عليه ، انتهى.
الثانية
: قال أبو حيان
: لا ينكر الإلغاء معاني الألفاظ كما يتأوّل في الشيء ما لا يكون في أصله.
وأما إلغاء
العمل فلا يكون إلّا فيما لا يكون أصله العمل وهو سماع في الأفعال فأجري في الحروف
إذا لم يلغ منها إلا ما كفّ.
الثالثة
: نظير باب (ظنّ
وأرى) في الإلغاء عند التأخّر وفي التوسط دونه (إذن) فإنها تلغى إذا تأخّرت فلا
تنصب بحال ، نحو : أكرمك إذن ، وتلغى في التوسط في أكثر صورها ، وذلك إذا توسطت
بين الشرط وجزائه نحو : إن تزرني إذن أكرمك ، أو بين القسم وجوابه نحو : إذن والله
لأكرمنّك ، أو بعد عاطف على ما له محلّ من الإعراب نحو : إن تزرني أزرك ، وإذن
أحسن إليك ، فإن كان العطف على ما لا محلّ له بأن تقدره في المثال على جملة الشرط
جاز حينئذ الإلغاء رعيا لحرف العطف والإعمال ؛ لأن المعنى على استئناف ما بعد حرف
العطف لكنه قليل ، والأكثر في
لسان العرب إلغاؤها ، وكذا إذا توسّطت بين مبتدأ وخبر نحو : زيد إذن يكرمك
، جاز الإلغاء والإعمال ؛ بقلّة عند الكوفيين ، واختاره ابن مالك. ومذهب البصريين
أنه يتحتم الإلغاء كما يتحتم في الصور السابقة.
ونظير آخر
رأيته في (الخاطريات) لابن جني ، قال : إذا كانت العين حرف علّة وليت همزة حفظت نفسها في
موضعها نحو : قائم وقويئم ، وكذا إن تقدّمت نحو : آدر وأدؤر ، فإن تأخرت لم تحفظ
نفسها نحو : شائك وشاك ، ولائت ولات ، وذلك أنها لما تأخرت ضعفت فلم تقو على حفظ
نفسها.
الرابعة
: قال ابن يعيش : الإلغاء ثلاثة أقسام : إلغاء في اللفظ
والمعنى وإلغاء في اللفظ دون المعنى والعكس ، فالأول : مثل (لا) في (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) [الحديد : ٢٩]. والثاني : نحو (كان) في (ما كان أحسن زيد). والثالث : حروف
الجرّ الزوائد نحو : (كَفى بِاللهِ
شَهِيداً) [النساء : ٧٩].
الأمثال لا تغيّر
من ذلك قولهم
في مثل : (شرّ أهرّ ذا ناب) فابتدأوا بالنكرة وجرى مثلا فاحتمل ، والأمثال تحتمل
ولا تغير ، ومثله قولهم في المثل : (شيء ما جاء بك) يقوله الرجل لرجل جاءه ومجيئه
غير معهود في ذلك الوقت.
ومن ذلك قولهم
في المثل : (في أكفانه لفّ الميت) (وفي بيته يؤتى الحكم) بتقديم الخبر ، وفيه ضمير يعود على المبتدأ المتأخر.
ومن ذلك قولهم
: (أصبح ليل) و (أطرق كرا) بحذف حرف النداء من النكرة لأنها أمثال معروفة فجرت
مجرى العلم في حذف حرف النداء منها. قال المبرد : الأمثال يستجاز فيها ما لا
يستجاز في غيره لكثرة الاستعمال لها.
__________________
ومن ذلك قولهم
: (هذا ولا زعماتك) أي : هذا هو الحقّ ولا أتوهّم زعماتك ، قال ابن يعيش : ولا
يجوز ظهور هذا العامل الذي قبله أتوهم لأنه جرى أتوهم مثلا ، والأمثال لا تغير
وظهور عامله ضرب من التغيير.
ومثله : قولهم (كليهما
وتمرا) أي : أعطني ، (وامرؤا ونفسه) أي : دعه ، (وأهلك واللّيل)
أي : بادرهم ، و (كلّ شيء ولا شتيمة حرّ) أي : إيت كلّ شيء ولا ترتكب
شتيمة حرّ .
قال ابن يعيش :
ولم تظهر الأفعال في هذه الأشياء كلّها لأنها أمثال.
وقال ابن
السراج في (الأصول) : نعم وبئس وحبّذا جعلت كالأمثال لا ينبغي أن نستجيز
فيها إلا ما أجازوه.
وقال الزجاجي (في
الإيضاح) : وأمّا القول في إضافة ذي إلى الفعل في قولهم (اذهب
بذي تسلم) فإن هذه اللفظة جرت في كلامهم كالمثل.
قال الأصمعي :
تقول العرب (اذهب بذي تسلم) والمعنى : اذهب والله يسلمك دعاء له بالسلامة ، واذهبا
بذي تسلمان. والمعنى : اذهبا والله يسلمكما ، واذهبوا بذي تسلمون ، والمعنى والله
يسلمكم. وإذا كانت هذه الكلمة جارية مجرى المثل فإن الأمثال تحتمل ما لا يحتمل
غيرها وتزال كثيرا عن القياس ، كذلك مجراها في كلامهم ، واحتمل ذلك فيها لقلة
دورها في الكلام.
الإيجاب
الإيجاب أصل
لغيره من النفي والنهي والاستفهام وغيرها تقول مثلا : قام زيد ، ثم تقول في النفي
: ما قام زيد ، وفي الاستفهام : أقام زيد؟ وفي النهي : لا تقم ، وفي الأمر : قم ،
فترى الإيجاب يتركّب من مسند ومسند إليه ، وغيره يحتاج إلى دلالة في التركيب على
ذلك الغير ، وكلما كان فرعا احتاج إلى ما يدلّ به عليه كما احتاج التعريف إلى
علامة من (أل) ونحوها ، لأنه فرع التنكير ، والتأنيث إلى علامة من تاء أو ألف لأنه
فرع التذكير ، ذكره أبو حنّان في (شرح التسهيل).
__________________
حرف الباء
باب الشرط مبناه على الإبهام
وباب الإضافة مبناه على التوضيح
ولهذا لما أريد
دخول (إذ ، وحيث) في باب الشرط لزمتهما (ما) لأنهما لازمان للإضافة ، والإضافة
توضحهما فلا يصلحان للشرط حينئذ ، فاشترطنا (ما) لتكفّهما عن الإضافة فيبهمان
فيصلح دخولهما في الشرط حينئذ ، ذكره ابن النحاس في (التعليقة).
البدل
قال الشيخ بهاء
الدين بن النحاس في (التعليقة) : الفرق بين البدل والعوض أن العوض لا يحلّ محلّ
المعوض منه ، والبدل إنما يكون محلّ المبدل منه. وقال أبو حيان في تذكرته : البدل
لغة العوض ويفترقان في الاصطلاح ، والبدل أحد التوابع يجتمع مع المبدل منه ؛ وبدل
الحرف من غيره لا يجتمعان أصلا ، ولا يكون إلا في موضع المبدل منه ، والعوض لا
يكون في موضعه ، وربما اجتمعا ضرورة وربما استعملوا العوض مرادفا للبدل في
الاصطلاح ، انتهى.
وقال ابن فلاح
في (المغني) في قول الشاعر : [الطويل]
٤٢ ـ هما نفثا في فيّ من فمويهما
|
|
[على النّابح العاوي أشدّ رجام]
|
فيه وجهان :
أحدهما : أنه جمع بين العوض والمعوّض لضرورة الشعر ، والثاني : أن الميم بدل من
الواو وليست بعوض ، والبدل يجتمع مع المبدل منه بدليل : مررت بأخيك زيد ؛ والعوض
لا يجتمع مع المعوّض ، فالبدل أعمّ من العوض. قال : وهذا ضعيف ، لأن الكلام في
إبدال الحرف من الحرف كألف قام وياء ميزان ولا يجمع بين البدل والمبدل منه في ذلك.
وقال في موضع آخر : قد يوجد في البدل فائدة لا توجد
__________________
في المبدل منه ، بدليل أن التاء في بنت وأخت بدل من لام الكلمة وتدلّ على
التأنيث.
وقال ابن يعيش : البدل على ضربين : بدل هو إقامة حرف مقام
حرف غيره نحو : تاء تخمة وتكأة ؛ وبدل هو قلب الحرف بنفسه إلى لفظ غيره على معنى
إحالته إليه ، وهذا إنما يكون في حروف العلة التي هي الواو والياء والألف ، وفي
الهمزة أيضا لمقارنتها إياها وكثرة تغيرها وذلك نحو : قام ، أصله قوم ، فالألف واو
في الأصل وموسر أصله الياء ، ورأس وآدم أصل الألف الهمزة ، وإنما ليّنت همزتها
فاستحالت ألفا ، فكلّ قلب بدل وليس كل بدل قلبا.
وقال ابن جني
في (الخصائص) ، باب في فرق بين العوض والبدل : جماع ما في هذا أنّ
البدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوض منه ، وإنما يقع البدل في موضع المبدل
منه والعوض لا يلزم فيه ذلك. ألا تراك تقول في الألف من (قام) إنها بدل من الواو
التي هي عين الفعل ، ولا تقول فيها إنها عوض منها. وكذلك يقال في واو (جون) وياء (بير)
أنها بدل للتخفيف من همزة جؤن وبئر ، ولا تقول إنها عوض منها ، وتقول في لام (غازي)
و (داعي) إنها بدل من الواو ولا تقول إنها عوض منها ، وتقول في العوض : إن التاء
في عدة وزنة عوض من فاء الفعل ، ولا تقول إنها بدل منها.
فإن قلت ذلك
فإن أقلّه وهو تجوّز في العبارة! وتقول في ميم (اللهم) إنها عوض من (ياء) في أوله
ولا تقول بدل ، وتقول في تاء (زنادقة) إنها عوض من ياء (زناديق) ولا تقول بدل منها
، وفي ياء (أينق) إنها عوض من واو (أنوق) فيمن جعلها أيفل ، ومن جعلها عينا مقدمة
مغيرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو ، فالبدل أعمّ تصرّفا من العوض ، فكل عوض بدل
وليس كل بدل عوضا ، والعوض مأخوذ من لفظ عوض وهو الدهر ، وذلك أن الدهر إنما هو
مرور اللّيالي والأيام وتصرّم أجزائهما ، فكلما مضى جزء منه خلفه جزء آخر يكون
عوضا منه ، فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأول ، فلهذا كان العوض أشدّ
مخالفة للمعوض منه من البدل ، انتهى.
__________________
حرف التاء
التأليف
قال الإمام تقي
الدين منصور بن فلاح في (المغني) : التأليف حقيقة في الأجسام مجاز في الحروف. وقال
الإمام بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة) : الفرق بين التأليف والتركيب أنه لا
بدّ في التأليف من نسبة تحصل فائدة تامة مع التركيب ، فالمركب أعمّ من المؤلف. وقال
ابن القواس في (شرح ألفية ابن معطي) : التأليف أخصّ من التركيب من الألفة وهي
الملائمة أصله في الأجسام ، وأطلق على الألفاظ المتتالية تشبيها بها.
التابع لا يتقدّم على المتبوع
ومن فروعه :
إذا قلت : ما قام إلّا زيد إلا عمرو ، إن رفعت الأول على الفاعلية جاز فيما بعده
الرفع على البدل بدل البدء ، أو النصب على الاستثناء فتقول : ما قام إلّا زيد إلا
عمر ، وإن شئت إلا عمرا ، وإن أقمت الأخير نصبت المتقدّم على الاستثناء لأن التابع
لا يتقدّم على المتبوع.
التثنية تردّ الأشياء إلى أصولها
قال أبو الحسن
الأبدي في (شرح الجزولية) : يعترض على الجزولي في إطلاقه بناء أسماء الزمان
المضافة إلى الجمل : بأنه كان ينبغي أن يقول : بشرط أن لا تكون مثنى لأن التثنية
تردّ الأشياء إلى أصولها من الإعراب ، ولذلك لم يبن اثنا عشر ، وأما قولهم : يا
زيدان فإنما جاز لأنه يشابه الإعراب ، ألا ترى أنه يتبع على لفظه كالمعرب ، انتهى.
ومن ذلك قول من
قال : إنّ المثنى من أسماء الإشارة والموصولات معرب لأن التثنية ردّتها إلى أصولها
من الإعراب.
وممّا ترده
التثنية إلى الأصل قولهم : أبوان وأخوان وحموان وفموان وفميان ويديان ودميان
وذواتا في تثنية ذات ، وقلب ألف المقصور إلى الياء أو الواو والتي هي الأصل نحو
فتيان وقفوان ، وقلب الهمزة المبدلة من واو ، واوا.
التحريف
عقد له ابن
جنّي في (الخصائص) فصلا قال : وقد جاء في ثلاثة أضرب : الاسم والفعل
والحرف ، فالاسم يأتي تحريفه على ضربين : مقيس ومسموع.
الأول
: ما غيّره النسب
قياسا كقولك في نمر : نمريّ ، وفي قاضي : قاضوي ، وفي حنيفة : حنفيّ ، وفي عدي :
عدويّ ونحو ذلك ، وكذلك التحقير وجمع التكسير نحو رجيل ورجال.
والمسموع كثير
: كقولهم في خراسان : خرسيّ ، وفي دستوا : دستوانيّ ، وفي الأفق أفقي ، وتحريف
الفعل كقولهم في ظللت ظلت ، وفي أحسست أحست. وحكى ابن الأعرابي في ظننت : ظنت ،
وهذا كلّه لا يقاس ، لا يقال في شممت : شمت ، ولا في أقصصت : أقصت.
ومن تحريف
الفعل ما جاء مقلوبا كقولهم في اضمحلّ امضحل ، وفي اكفهرّ اكرهف ، وفي اطيبت أيطبت
، وكذا قولهم (لم أبله) ، وتحريف الحرف قولهم : لا بل ولا بن ، وقام زيد فمّ
عمرو أي : ثم عمرو ، وهو إن كان بدلا فإنه ضرب من التحريف ، وقالوا في سوف : (سو) و
(سف) حرّفوا الواو تارة والفاء أخرى ، وخفّفوا : ربّ وإنّ وأنّ ، وحذفوا (ما) من (إمّا) في قوله : [المتقارب]
٤٣ ـ سقته الرّواعد من صيّف
|
|
وإن من خريف
فلن يعدما
|
مذهب سيبويه
أنه أراد «وإمّا من خريف».
التركيب
التركيب فيه
مباحث :
الأول
: أنه خلاف
الأصل لأنه بعد الإفراد ، ثم ردّ على من زعم أن (ألا) و (أما) للاستفتاح مركبتان
من همزة الاستفهام و (لا) و (ما) النافية ، وعلى من زعم تركيب (لن) و (لو لا) و (إذن)
و (منذ) و (مهما) و (إما).
__________________
قال ابن يعيش : وإنما قلنا إن المفرد أصل لأنه الأول
والمركّب ثان ، فإذا استقلّ المعنى في الاسم المفرد ثم وقع موقع الجملة فالاسم
المفرد هو الأصل والجملة فرع عليه.
قال : ونظير
ذلك في الشريعة شهادة المرأتين فرع على شهادة الرجل.
الثاني
: قال ابن يعيش وصاحب (البسيط) : المركّب من الأعلام هو الذي
يدلّ بعد النقل على حقيقة واحدة وقبل النقل كان يدلّ على أكثر من ذلك وكان يدلّ
بعض لفظه على بعض معناه ، وهو على ثلاثة أضرب :
الجملي
: نحو : تأبّط
شرّا ، وشاب قرناها ، وبرق نحره. والإضافي : نحو : ذي النون ، وعبد الله ، وامرئ
القيس. والمزجيّ : وهو اسمان ركب أحدهما مع الآخر حتى صارا كالاسم الواحد ، نحو :
حضرموت وبعلبك ؛ ومعد يكرب ، وشبّه بما فيه هاء التأنيث ولذلك لا ينصرف ، ومن هذا
النوع سيبويه ، ونفطويه ، وعمرويه ، إلا أنه مركّب من اسم وصوت أعجمي فانحطّ عن
درجة إسماعيل وإبراهيم فبني على الكسر لذلك.
وقال السّخاوي
في (شرح المفصل) : أكثر ما يطلق النحاة المركب على بعلبك وبابه.
الثالث
: قال ابن يعيش
: التركيب من الأسباب المانعة من الصرف من حيث كان التركيب فرعا على الواحد وثانيا
له ، لأن البسيط قبل المركب وهو على وجهين :
أحدهما : أن
يكون من اسمين ويكون لكلّ واحد من الاسمين معنى ، فيكون حكمهما حكم المعطوف أحدهما
على الآخر ، فهذا يستحقّ البناء لتضمّنه معنى حرف العطف ، وذلك نحو : خمسة عشر
وبابه ، ألا ترى أن مدلول كلّ واحد من الخمسة والعشرة مراد ، كما لو عطفت أحدهما
على الآخر فقلت : خمسة وعشرة ، فلما حذفت حرف العطف وتضمن الاسمان معناه بنيا.
وأما القسم
الثاني وهو الداخل في باب ما لا ينصرف : فهو أن يكون الاسمان لشيء واحد ولا يدلّ
كل واحد منهما على معنى ، ويكون موقع الثاني من الأول موقع هاء التأنيث ، وما كان
من هذا النوع فإنه يجري مجرى ما فيه هاء التأنيث من أنه لا
__________________
ينصرف في المعرفة نحو حضرموت ، والاسم الثاني من المصدر بمنزلة تاء التأنيث
مما دخلت عليه ، ألا ترى أنك تفتح آخر الأول منهما كما تفتح ما قبل تاء التأنيث.
الرابع
: قال ابن يعيش : أمر المركّب في الترخيم كأمر تاء التأنيث ،
فتقول في (بخت نصر) : اسم رجل ـ : يا بخت ، وفي (حضرموت) : يا حضر ، وفي (سيبويه)
: يا سيب ، كما تقول في (مرجانة) ـ اسم امرأة : يا مرجان ، فلا تزيد على حذف التاء
، وفي المسمّى بخمسة عشر يا خمسة ، جعلوا الاسم الآخر بمنزلة الهاء في نحو : تمرة
إذ كان حكم الاسم الآخر كحكم الهاء في كثير من كلامهم. من ذلك التصغير فإنه إذا
كان جعل الاسمان اسما واحدا ولحقه التصغير فإنه إنما يصغر الصدر منهما ثم يؤتى
بالاسم الثاني بعد تصغيره كما يصغر ما قبل الهاء فتقول : حضيرموت وبعيلبكّ
وعميرويه كما تقول تميرة.
ومن ذلك النسب
فإنك تقول في النسب إلى حضرموت حضريّ ، كما تقول في النسب إلى البصرة بصريّ ، وإلى
مكة مكيّ ، فيقع النسب إلى الصدر لا غير كما يكون كذلك فيما فيه الهاء. وممّا
يؤيّد عندك ما ذكرناه أن هاء التأنيث لا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة ولا بنات
الأربعة بالخمسة ، كما أن الاسم الثاني لا يلحق الاسم الأول بشيء ، من الأبنية.
وأيضا فإن
الاسم الثاني إذا دخل على الأول وركب معه لم تغير بنيته كما أن التاء كذلك إذا
دخلت على الاسم المؤنّث لم تغير بناؤه كتمر وتمرة وقائم وقائمة فلما كان بينهما من
التقارب ما ذكرناه حذفوا الآخر من المركب في الترخيم كما يحذفون فيه تاء التأنيث.
الخامس
: قال ابن يعيش : ركبت (لا) مع اسمها وصارا شيئا واحدا كخمسة
عشر ، فإن قيل : أيكون الحرف مع الاسم اسما واحدا؟ فقيل : هذا موجود في كلامهم ،
ألا ترى أنك تقول : قد علمت أن زيدا منطلق ، فـ (أنّ) حرف وهو وما عمل فيه اسم
واحد ، والمعنى : علمت انطلاق زيد ، وكذلك (أن) الخفيفة مع الفعل المضارع إذا قلت
: أريد أن تقوم ، والمعنى : أريد قيامك ، فكذلك (لا) ، والاسم المذكور بعدها
بمنزلة اسم واحد. ونظيره قولك : يا ابن آدم ، فالاسم الثاني في موضع خفض بالإضافة
، وجعلا اسما واحدا ، كذلك (لا رجل في الدار) فرجل في موضع
__________________
نصب منون وجعل مع (لا) اسما واحدا ، ولذلك حذف منه التنوين وبني. قال : وتركيب
الاسم أكثر من تركيب الحرف مع الاسم نحو خمسة عشر وبابه ، وهو جاري بيت بيت ونحوه.
قال : وأمّا جعل ثلاثة أشياء بمنزلة شيء واحد فهو إجحاف ، ولذلك لم يحكم ببناء (لا
سيما) ، ولم يجز تركيب الصفة مع اسم (لا) لأنه ليس من العدل جعل ثلاثة أشياء شيئا
واحدا.
السادس
: قال أبو حيان
: قد يحدث بالتركيب معنى وحكم لم يكن قبله ، ألا ترى أن (هل) حرف استفهام تدخل على
الجملة الاسمية والفعلية ، فإذا ركبت مع (لا) فقيل : هلّا صار المعنى على التحضيض
، ولم تدخل (إلّا) على الفعل ظاهرا أو مضمرا. وكذلك (لو) كانت لما كان سيقع لوقوع
غيره ، ولا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا فإذا ركّبت مع (لا) صارت حرف امتناع
لوجود واختصّت بالجملة الاسمية.
وقال الزمخشري : (ألا) مركّبة من همزة الاستفهام و (لا)
النافية وبعد التركيب صارت كلمة تنبيه تدخل على ما لا تدخل عليه كلمة (لا). وقال
الشيخ أكمل الدين في (حاشية الكشاف) : قد تركب حروف المعاني فيستفاد منها معنى غير
ما كان أولا ، كـ : هلّا وألا ولو لا ولو ما وإلا كذلك.
وقال ابن يعيش : كأي مركبة أصلها (أي) زيد عليها كاف التشبيه
وجعلا كلمة واحدة وحصل من مجموعهما معنى ثالث لم يكن لكل واحد منهما في حال
الإفراد. قال : ولذلك نظائر من العربية.
وقال السخاوي
في (تنوير الدياجي) : فإن قيل : ليس في (كأي) معنى التشبيه ولا الاستفهام.
قيل : لما ركبت
أزيل عن الكاف معنى التشبيه وعن أي معناها.
فإن قيل : فكيف
قلبت وهي كلمتان؟.
قيل : صيرت
كلمة واحدة فقلبت قلب الكلمة الواحدة ، كما قالوا : رعملي ، في لعمري ، قال : ولما
دخل هذه الكلمة هذا التغيير صار التنوين بمنزلة النون التي في أصل الكلمة وصارت
بمنزلة لام فاعل ، فعلى هذا ترسم بالنون ويوقف عليها بالنون وهي قراءة الجماعة غير
أبي عمرو .
__________________
قال : ومثل ذلك
تنزيلهم النون من (لدن) منزلة التنوين في ضارب ، فلهذا نصبوا غدوة ، فكما شبهت النون بالتنوين كذلك شبه التنوين هنا
بالنون ، انتهى.
وقال الشلوبين
في (شرح الجزولية) : ذهب الخليل إلى أن (لن) مركبة من (لا أن) ، وحدث مع التركيب
معنى لم يكن قبله ، قال : وللخليل أن يقول ردا على من قال الأصل عدم التركيب
مأخذنا ، تقليل الأصول ما أمكن لا تكثيرها ، لذلك لم تقل في : ضرب ويضرب ونضرب
واضرب وتضرب وأضرب وضارب ومضروب وضروب ، إنها أصول كلها ، بل جعلنا واحدا أصلا
والباقي فروع عليه.
وقال أيضا : (إذ
ما) مركّبة من (إذ) التي هي ظرف لما مضى من الزمان و (ما) ، وأحدث التركيب
فيها أن نقلها إلى الحرفية وإلى أن صارت تعطي الزمان المستقبل ، وذهبت دلالتها على
الزمان الذي كانت تدلّ عليه.
وقال أيضا :
قيل : إن (مهما) أصلها (مه) التي بمعنى : اكفف ، ضمّت إليها (ما) فتركبا
فصارا واحدة ، وحدث فيها بالتركيب معنى لم يكن وهو معنى الشرط ، ولهذا نظائر
كثيرة. فإذا ذكرت نظائر هذا القول كان أولى من قول الخليل : إن أصلها (ما) الشرطية
ضمت إليها (ما) الزائدة.
وفي (شرح
المفصّل) للأندلسي : اتّفق البصريون والكوفيون على تركيب (هلمّ) ، وإنما اختلفوا
فيما ركّبت منه ، والذي حمل النحويين على القول بالتركيب وإن كان يجوز أن تكون
كلمة برأسها أنهم رأوا بني تميم يصرفونها تصرف الأفعال فتكون فعلا ، ولا تكون فعلا
إلا إذا قيل إنها مركبة ، والتركيب عندهم مألوف ، ألا ترى أن قولك : إمّا تفعل
أفعل ، مركّبة بدليل قول الشاعر : [المتقارب]
وإن من خريف فلن يعدما
قال سيبويه : هي إما العاطفة حذفت منها (ما) وبقيت (إن) ، فتفكيكها
يدل على تركيبها ، إلا أن لقائل أن يقول : لو كانت مركبة لوجب أن تتصرف في لغة أهل
الحجاز ولم يكن لكونه اسم فعل معنى ، إذ لا يجوز أن يكون الفعل اسم فعل.
__________________
ولغة بني تميم على هذا تكون القوية ، وإن حكم بأنه اسم ينبغي أن تضعف اللغة
التميمية ، فكان الأولى أن تجعل في لغة أهل الحجاز اسم فعل وفي لغة بني تميم فعلا
، إلا أن لقائل أن يقول : المركب قد يكون لكل واحد من مفرديه معنى عند التفصيل ،
وبالتركيب يحدث له معنى آخر وحكم آخر ، فلا بد أن تكون (هلمّ) في الأصل على ما ذكر
من التركيب ثم جعلا جميعا اسم فعل فجعلت له أحكام الأسماء والأفعال ، وبقي حكم
اتصال الضمائر على لغة بني تميم على أصله.
قال في الحواشي
: تركب أسماء من الكلمات كما تركب من الحروف فتكثر فوائدها عند التركيب ، انتهى.
السابع
: قال ابن يعيش : التركيب على ضربين تركيب من جهة اللفظ فقط
وتركيب من جهة اللفظ والمعنى.
فالأول : نحو :
أحد عشر وبابه ، وحيص بيص ، ولقيته كفة كفة ، فهذا يجب فيه بناء الاسمين معا ، لأن
الاسم الثاني قد تضمّن معنى الحرف وهو الواو العاطفة إذ الأصل أحد وعشرة ، فحذفت
الواو من اللفظ ، والمعنى على إرادتها.
والثاني : نحو
: حضرموت ، ومعد يكرب ، وقالى قلا ، وسائر الأعلام المركبة فهذا أصله الواو أيضا
حذفت من اللفظ ولم ترد من جهة المعنى ، بل مزج الاسمان وصارا اسما واحدا بإزاء
حقيقة ولم ينفرد الاسم الثاني بشيء من معناه فكان كالمفرد غير المركب فبني الأول
لأنه كالصدر من عجز الكلمة ، وجزء الكلمة لا يعرب ، وأعرب الثاني لأنه لم يتضمّن
معنى الحرف إذ لم يكن المعنى على إرادته.
الثامن
: قال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : التركيب لا يكون في الأفعال ولا في
المصادر ولا في الأسماء الجارية على الأفعال.
قال : ومن ثم
كان قول من ذهب إلى أن (حبّذا) فعل ماض وما بعده فاعل به غلطا ، وأما قول العرب :
لا تحبذه ، فإنما معناه لا تقل له حبّذا كما تقول بسمل أو لا تبسمل. قال : ولذا
إذا ركبت (إنّ) مع (ما) لا تعمل لأنها زال عنها شبه الفعل بالتركيب والفعل لا
يتركب.
وقال غيره : لم
يثبت تركيب فعل واسم في غير حبّذا.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : التركيب في الأسماء أكثر من التركيب
__________________
في الأفعال ، بل لا يحفظ التركيب في الأفعال إلا في هلمّ في لغة إلحاقها
الضمائر .
التاسع
: قال ابن
الخباز : إنما لم يبنوا اثني عشر لأنه لا نظير له إذ ليس لهم مركّب صدره مثنى.
العاشر
: من تذكرة
الشيخ تاج الدين بن مكتوم من كتاب (المستوفي) في النحو لقاضي القضاة كمال الدين
أبي سعد علي بن مسعود بن محمود بن الحكم الفرخان قولهم : (نفطويه وسيبويه) ، الأول
من جزأي المركّب هو الأصل في التسمية وكان قبل التركيب معربا ، والثاني حكاية صوت
حقّه أن يكون مبنيا وإن أفرد ، وهاهنا أصل لا يسعك إهماله ، وهو أن تعلم أن نحو
هذا من الأعلام ، إنما ورد عليه البناء بسبب الاستعمال العجمي ، وذلك أن العجم
كأنهم وجدوا لفظي (نفط) و (سيب) أصلين دعوا بهما ، إلا أن لهم في لغتهم أن يضيفوا
إلى مثل هذه الأسماء في النداء وغيره واوا ساكنة قبلها ضمة نحو : (نفطو وسيبو) ،
وقد سمعت العرب به ولم يجدوا مثل هذا في كلامهم ، فحولوا هذا الصوت (ويه) إذ هو
مما يعرفونه ، وقد يخرج به الاسم عن أن يكون آخره واوا قبلها ضمة ، ثم بنوا
الاسمين اسما واحدا.
الحادي
عشر : قال ابن أبي
الربيع : تركيب العامل مع المعمول خارج عن القياس فيجب أن يقتصر على موضعه ولا
يدعى في غير ما سمع فيه ، والوارد فيه باب (لا رجل) فقط.
الثاني
عشر : قال في (المستوفي)
: ومن الحروف ما هو مركب نحو (لو لا) ، ذهب أصحابنا إلى أن الاسم بعده لا يرتفع إلا
بالابتداء ، وقالوا : إن الحكم قد تغير بالتركيب لأن (لو) لا يليها إلا الفعل ،
ولو لا هذه في نحو : لو لا الغيث لهلكت الماشية ، لا يليها إلا الاسم ، فهذا وجه
له من الفظاعة ما ترى.
وأنت إذا
استأنفت النظر ونفضت يدك من طاعة العصبية وأيقنت أن الحقّ لا يعرف بالرجال ، يوشك
أن يلوح لك فيه وجه آخر ، وذلك أن تكون (لا) بعد (لو) دلّت على الفعل المنفي بها
فحذف تحريا للإيجاز ولزم الحذف للزوم الدلالة ولكثرة الاستعمال ، والتقدير : لو لم
يحصل الغيث لهلكت الماشية ، فعلى هذا يرفع الاسم بعد لو لا هذه ارتفاعا عن فعل
مقدر كما في قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] فيكون حكم لو باقيا على ما كان عليه قبل ، ودالا على امتناع
الشيء
__________________
لامتناع غيره ، إذ المعنى : لو انقطع الغيث لهلكت الماشية ، وقولنا : لم
يحصل قريب المعنى من قولنا انقطع وانتفى ، ومما يقرب هذا الحذف حذفهم الفعل بعد (لو
لا) التي للتحضيض في نحو قوله : [الطويل]
٤٤ ـ [تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم
|
|
بني ضوطرى]
لو لا كميّ المقنّعا
|
أليس قد أجمعوا
على أن التقدير : لو لا تعدون ، فكذلك ثمّ ، انتهى.
التصغير يردّ الأشياء إلى أصولها
ولذلك تظهر
التاء في المؤنّث الخالي منها إذا صغّر كقولك في قدر : قديرة وفي قوس قويسة وفي
هند هنيدة.
التضمين
قال الزمخشري :
من شأنهم أنه يضمّنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه ويستعملونه استعماله مع
إرادة معنى المتضمّن. قال : والغرض في التضمين إعطاء مجموع معنيين وذلك أقوى من
إعطاء معنى ، ألا ترى كيف رجع معنى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ
عَنْهُمْ) [الكهف : ٢٨] إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم. (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى
أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] أي : ولا تضمّوها إليها آكلين ، انتهى.
قال الشيخ سعد
الدين التفتازاني في حاشية (الكشاف) : فإن قيل : الفعل المذكور إن كان مستعملا في
معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر ، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة
على معناه الحقيقي ، وإن كان فيهما جميعا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قلنا : هو في
معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية ، فمعنى :
يقلب كفيه على كذا ، نادما على كذا ، ولا بدّ من اعتبار
__________________
الحال وإلا لكان مجازا محضا لا تضمينا ، وكذا قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣] تقديره : معترفين بالغيب ، انتهى.
وقال ابن يعيش : الظرف منتصب على تقدير (في) وليس متضمنا
معناها حتى يجب بناؤه لذلك كما وجب بناء نحو : (من) (وكم) في الاستفهام وإنما (في)
محذوفة من اللفظ لضرب من التخفيف فهي في حكم المنطوق به ، ألا ترى أنه يجوز ظهور (في)
معه نحو : قمت اليوم وقمت في اليوم ، ولا يجوز ظهور الهمزة مع (من) و (كم) في
الاستفهام فلا يقال : أمن ولا أكم ، وذلك من قبل أنّ (من) و (كم) لمّا تضمّنا معنى
الهمزة ، صارا كالمشتملين عليها. فظهور الهمزة حينئذ كالتكرار ، وليس كذلك الظرف ،
فإن الظرفية مفهومة من تقدير (في) ولذلك يصحّ ظهورها ، فاعرف الفرق بين المتضمّن
للحرف وغير المتضمن مما ذكرته ، انتهى.
وقال ابن إياز
: معنى تضمّن الاسم معنى الحرف معه أن يؤدي ما يؤديه الحرف من المعنى ويصاغ عليه
صياغة لا يظهر ذلك الحرف معه ، قال ابن النحاس في (التعليقة) : الفرق بين المتضمن
معنى الحرف وغير المتضمن ، أن المتضمن معنى الحرف لا يجوز إظهار الحرف معه في ذلك
المكان ، وغير المتضمن يجوز إظهار الحرف معه في ذلك المكان ، كما إذا قلنا في
الظرف إنه يراد فيه معنى (في) فإنّا لا نريد به أن الظرف متضمّن معنى (في) ، كيف
ولو كان كذلك لبني؟ وإنما نعني به أن قوة الكلام قوة كلام آخر فيه في ظاهره ،
وكذلك يجوز إظهار (في) مع الظرف ، فتقول في : خرجت يوم الجمعة ، خرجت في يوم
الجمعة ، ولا تقول في أين وكيف مثلا : هل أين ولا هل كيف ولا أكيف.
وقال ابن جنّي
في (الخصائص) : اعلم أن الفعل إذا كان بمعنى فعل آخر وكان أحدهما
يتعدّى بحرف والآخر بآخر ، فإن العرب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صاحبه ،
إيذانا بأن هذا الفعل في معنى ذلك الآخر ، فلذلك جيء معه بالحرف المعتاد مع ما هو
في معناه ، وذلك كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة : ١٨٧] وأنت لا تقول : رفثت إلى المرأة ، وإنما تقول : رفثت بها أو
معها ، لكنه لما كان الرفث هنا في معنى الإفضاء ، وكنت تعدّي أفضيت بإلى كقولك :
أفضيت إلى المرأة ، جئت بإلى مع الرفث إيذانا وإشعارا أنه بمعناه ، كما
__________________
صحّحوا عور وحول لما كان في معنى اعورّ واحولّ ، وكما جاؤوا بالمصدر فأجروه
على غير فعله لما كان في معناه نحو قوله : [الوافر]
٤٥ ـ [بما لم تشكروا المعروف عندي]
|
|
وإن شئتم
تعاودنا عوادا
|
لما كان
التعاود أن يعاود بعضهم بعضا ، وعليه جاء قوله : [الوافر]
٤٦ ـ [وخير الأمر ما استقبلت منه]
|
|
وليس بأن
تتبعه اتّباعا
|
ومنه قول الله
تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] وأصنع من هذا قول الهذلي : [الكامل]
٤٧ ـ ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب
|
|
منه وحرف
السّاق طيّ المحمل
|
فهذا على فعل
ليس من لفظ هذا الفعل الظاهر ، ألا ترى أن معناه : طوى طيّ المحمل ، فحمل المصدر
على فعل دلّ أوّل الكلام عليه ؛ وكذلك قوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى
اللهِ) [آل عمران : ٥٢] أي : مع الله ، وأنت لا تقول : سرت إلى زيد أي : معه ، أي
: لما كان معناه من ينضاف في نصرتي إلى الله جاز لذلك أن تأتي هنا بإلى ، وكذلك
قوله تعالى : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ
تَزَكَّى) [النازعات : ١٨] وأنت إنما تقول : هل لك في كذا ، لكنه لما كان هذا دعاء
منه صلّى الله عليه وآله وسلّم له صار تقديره أدعوك وأرشدك إلى أن تزكّى ، وعليه
قول الفرزدق : [الرجز]
٤٨ ـ [كيف تراني قالبا مجنّي]
|
|
قد قتل الله
زيادا عنيّ
|
لما كان معناه
صرفه عدّاه (بعن). ووجدت في اللغة من هذا الفن شيئا كثيرا لا يكاد يحاط به ، ولعلّه
لو جمع أكثره لا جميعه لجاء كتابا ضخما ، وقد عرفت طريقه فإذا مرّ بك شيء منه
فتقبله وأنس به ، فإنه فصل من العربية لطيف حسن ، انتهى.
__________________
وقال ابن هشام
في (تذكرته) : زعم قوم من المتأخرين منهم خطاب المارديني أنه يجوز تضمين الفعل
المتعدّي لواحد معنى صيّر ، ويكون من باب ظنّ ، فأجاز حفرت وسط الدار بئرا ، أي :
صيّرت ، قال : وليس (بئرا) تمييزا إذ لا يصلح (من) ، وكذا أجاز : بنيت الدار مسجدا
، وقطعت الثوب قميصا ، وقطعت الجلد نعلا ، وصبغت الثوب أبيض. وجعل من ذلك قول أبي
الطيب : [الكامل]
٤٩ ـ فمضت وقد صبغ الحياء بياضها
|
|
لوني كما صبغ
اللّجين العسجد
|
لأن المعنى :
صيّر الحياء بياضها لوني ، أي : مثل لوني ، قال : والحقّ أن التضمين لا ينقاس.
وقال ابن هشام في (المغني) : قد يشربون لفظا معنى لفظ فيعطونه حكمه ويسمّى ذلك
تضمينا ، وفائدته : أن تؤدّي كلمة مؤدّى كلمتين ، ثم ذكر لذلك عدة أمثلة منها قوله
: (وَما يَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) [آل عمران : ١١٥] ضمّن معنى تحرموه ، فعدّى إلى اثنين لا إلى واحد (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] ضمّن معنى تنووه فعدّي بنفسه لا (بعلى). (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ
الْأَعْلى) [الصافات : ٨] ضمّن معنى يصغون فعدّى (بإلى) ، وأصله أن يتعدّى بنفسه ، «سمع
الله لمن حمده» ضمّن معنى استجاب فعدّى باللام. (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ
الْمُصْلِحِ) [البقرة : ٢٢٠] ضمّن معنى يميز فجيء بـ (من) ، وذكر ابن هشام في موضع آخر
من (المغني) أن التضمين لا ينقاس ، وكذا ذكر أبو حيان.
قاعدة : الفرق بين التضمين والتقدير
قال ابن الحاجب
في أماليه : الفرق بين التضمين وبين التقدير في قولنا : بني (أين) لتضمّنه معنى
حرف الاستفهام ، وضربته تأديبا : منصوب بتقدير (اللام) ، وغلام زيد : مجرور بتقدير
(اللام) ، وخرجت يوم الجمعة : منصوب بتقدير (في) ، أن التضمّن يراد به أنه في
المعنى المتضمّن على وجه لا يصحّ إظهاره معه ، والتقدير أن يكون على وجه يصحّ
إظهاره معه سواء اتّفق الإعراب أم اختلف ، فإنه قد يختلف في مثل قولك : ضربته يوم
الجمعة ، وضربته في يوم الجمعة ، وقد لا يختلف في مثل قولك : والله لأفعلنّ والله
أفعلن ، والفرق بينهما أنه إذا لم يختلف الإعراب كان مرادا
__________________
وجوده ، وكان حكمه حكم الموجود ، وإذا اختلف الإعراب كان المقدّر غير مراد
وجوده فيصل الفعل إلى متعلّقه بنفسه ، انتهى.
وقال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : الأسماء المتضمنة للحرف على ثلاثة أضرب : ضرب لا يجوز إظهار
الحرف معه نحو (من) و (كم) فيبنى لا محالة.
وضرب يكون
الحرف المتضمّن مرادا كالمنطوق به لكن عدل عن النطق به إلى النطق بدونه فكأنه
ملفوظ به ، ولو كان ملفوظا به لما بني الاسم ، فكذلك إذا عدل عن النطق به. وضرب
وهو الإضافة والظرف ، إن شئت أظهرت الحرف وإن شئت لم تظهر ، فلما جاز إظهاره لم
يبن ، وهذا ضابط في كلّ ما ينوب عن الحرف من الأسماء ما يبنى منها وما لا يبنى
فافهمه ، انتهى.
قاعدة : كل ما تضمن ما ليس له في الأصل منع شيئا مما له في الأصل
ليكون ذلك
المنع دليلا على ما تضمّنه : مثاله نعم وبئس إنما منعا التصرف لأن لفظهما ماض
ومعناهما إنشاء المدح والذمّ في الحال ، فلما تضمنا ما ليس لهما في الأصل وهو
الدلالة على الحال منعا التصرف لذلك ، قال : وكذلك فعل التعجب تضمن ما ليس له في
الأصل وهو زيادة الوصف والدلالة على بقاء الوصف إلى الحال ، فمنع التصرف لذلك.
قاعدة : المتضمن معنى شيء لا يلزم أن يجري مجراه في كل شيء
ومن ثم جاز
دخول الفاء في خبر المبتدأ المتضمن معنى الشرط ، نحو : الذي يأتيني فله درهم ،
وكلّ رجل يأتيني فله درهم ، وامتنع في الاختيار جزمه عند البصريين ، ولم يجيزوا :
الذي يأتيني أحسن إليه ، أو : كلّ من يأتيني أحسن إليه بالجزم إلا في الضرورة.
وأجاز الكوفيون جزمه في الكلام تشبيها بجواب الشرط ووافقهم ابن مالك. قال أبو حيان
: لم يسمع من كلام العرب الجزم في ذلك إلا في الشعر.
قاعدة : رأي النحاة في بناء أمس
قال ابن
القوّاس في شرح (الدرّة) : (أمس) مبني لتضمّنه معنى لام التعريف فإنه معرفة بدليل
أمس الدابر ، وليس بعلم ولا مبهم ولا مضاف ولا مضمر ولا بلام ظاهرة فتعين تقديرها
، والفرق بين المعدول والمتضمن أن المعدول يجوز إظهار اللام معه والمتضمّن لا.
قولنا : الأمس اللام دخلت بعد تنكيره وإعرابه كما يعرب إذا أضيف أو صغّر أو ثنّي
أو جمع ، وقيل : زائدة كالتي في النسر ، انتهى.
وفي (البسيط) :
في علة بناء (أمس) أقوال : قول الجمهور أنه بني لتضمنه لام التعريف لوجهين :
أحدهما
: أنه معرفة في
المعنى لدلالته على وقت مخصوص وليس هو أحد المعارف فدلّ ذلك على تضمنه لام التعريف.
والثاني
: أنه يوصف بما
فيه اللام كقولهم : لقيته أمس الأحدث ، وأمس الدابر ، ولو لا أنه معرفة بتقدير
اللام لما وصف بالمعرفة لأنه ليس أحد المعارف ، وهذا مما وقعت معرفته قبل نكرته ،
والفرق بين العدل والتضمين أن المعدول عن اللام يجوز إظهارها معه فلذلك أعرب ،
والمتضمن لها لا يجوز إظهارها معه كأسماء الاستفهام والشرط المتضمنة لمعنى الحرف
فلذلك بني في التضمن ، انتهى.
وقال ابن
الدهان في (الغرة) : الفرق بين العدل والتضمين أن العدل هو أن تريد لفظا فتعدل عنه
إلى غيره كعمر من عامر وسحر من السّحر ، والتضمين أن تحمل اللفظ معنى غير الذي
يستحقه بغير آلة ظاهرة.
التعادل
فيه فروع :
منها : قال
الشّلوبين : لما كان الاسم أخفّ من الفعل تصرّف بحركات الإعراب فيه وزيادة التنوين
، فإن الخفيف يزاد فيه ليثقل ويعادل الثقيل ويتصرف فيه بوجه لا يتصرف به فيما يثقل
عليهم ، فلما كان وضع الأسماء عندهم على أنها خفاف تصرّف فيها بزيادة حركات
الإعراب والتنوين ، ولما كان الجزم حذفا والحذف تخفيفا والتخفيف لا يليق بالخفيف
إنما يليق بالثقيل ، فلذلك جزمت الأفعال ولم تجزم الأسماء.
ومنها : قال
ابن النحاس في (التعليقة) : إنما رفع الفاعل ونصب المفعول لقلة الفاعل لكونه لا
يكون إلا لفظا واحدا وكثرة المفعول لكونه متعدّدا ، والرفع أثقل من النصب فأعطى
الثقيل للواحد والنصب للمتعدد ليتعادلا.
ومنها : قال
ابن فلاح في (المغني) : إنما كسرت نون التثنية وفتحت نون الجمع لأن التثنية أخفّ
من الجمع والكسرة أثقل من الفتحة ، فخصّ الأخفّ بالأثقل والأثقل بالأخفّ للتعادل.
قال : وإنما
فتح ما قبل ياء التثنية وكسر ما قبل ياء الجمع لأن نون التثنية
مكسورة ونون الجمع مفتوحة ، ففتح ما قبل ياء التثنية وكسر ما قبل ياء الجمع
طلبا للتعادل لتقع الياء بين مكسور ومفتوح وبين مفتوح ومكسور ، ولأن التثنية أكثر
فخصّت بالفتح لكثرتها وخصّ الجمع بالكسر لقلته طلبا لتعادل الكثرة مع الخفيف
والقلّة مع الثقيل.
ومنها : قال
بعضهم : إن التاء إنما لحقت عدد المذكر وسقطت من عدد المؤنث لأن المؤنث ثقيل
فناسبه حذفها للتخفيف والمذكر خفيف فناسبه دخولها ليعتدلا ، حكاه في (البسيط).
ومنها : قال
السخاوي : باب فعيلة يحذف منه الياء والتاء في النسب نحو حنيفة وحنفي ، وباب فعيل
لا يحذف منه الياء نحو تميم وتميميّ ، لأن المؤنث ثقيل فناسب الحذف منه تخفيفا
بخلاف المذكر.
ومنها : قال
ابن فلاح في (المغني) : إنما خصّ الضم بمضارع الرباعي والفتح بمضارع الثلاثي لأن
الرباعي أقل والضم أثقل فجعل الأثقل للأقلّ والأخفّ للأكثر طلبا للتعادل.
ومنها : قالوا
: إنما زيد في التصغير الياء دون غيرها من الحروف لأن الدليل كان يقتضي أن يكون
المزيد أحد حروف المد لخفتها وكثرة زيادتها في الكلم ، فنكبوا عن الواو لثقلها ،
وعن الألف لأن التكسير قد استبدّ بها في نحو : مساجد ودراهم ، فتعينت الياء ، وخصّ
الجمع بالألف لأنها أخفّ من الياء والجمع أثقل من المصغر تعادلا.
ومنها. قيل :
إنما اختصت تاء التأنيث الساكنة بالفعل والمتحركة بالاسم لثقل الفعل وخفة الاسم ،
والسكون أخفّ من الحركة فأعطي الأخفّ للأثقل والأثقل للأخفّ تعادلا بينهما.
تعارض الأصل والغالب
فيه فروع :
الأول
: اختلف في (رحمن)
هل يصرف لأنه ليس له فعلى ، أو لا لأنه ليس له فعلانة على قولين :
أحدهما
: نعم ؛ لأن
الأصل في الأسماء الصرف ، ولم يتحقق شرط المنع وهو وجود فعلى.
والثاني
: لا ، قال في (البسيط)
وعليه الأكثرون : لأن الغالب في باب فعلان عدم الصرف فالحمل عليه أولى من الحمل
على الأقل.
الثاني : قال في (البسيط)
: لو سمّي بفعل مما لم يثبت. كيفية استعماله ففيه ثلاثة أقوال :
أحدها
: الأولى منع
صرفه ، حملا له على الأكثر.
والثاني
: صرفه نظرا إلى
الأصل لأن تقدير العدل على خلاف القياس.
والثالث
: إن كان مشتقا
منن فعل منه من الصرف حملا على الأكثر وإلا صرف ، وهو فحوى كلام سيبويه .
التعويض
وترجم عليه ابن
جني في (الخصائص) : (باب زيادة حرف عوضا من آخر محذوف) وقال : اعلم أن الحرف الذي يحذف فيجاء بآخر زائدا عوضا منه
على ضربين. أحدهما : أصلي ، والآخر ، زائد ، فالأول ، على ثلاثة أضرب فاء وعين
ولام ، فأمّا ما حذفت فاؤه وجيء بزائد عوضا منها فباب فعله في المصدر نحو عدة وزنة
وشية وجهة ، والأصل وعدة ووزنة ووشية ووجهة ، حذفت الفاء لما ذكر في تصريف ذلك
وجعلت التاء بدلا من الفاء ، ويدلّ على أن أصله ذلك قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) [البقرة : ١٤٨] ، وأنشد أبو زيد : [الوافر]
٥٠ ـ ألم تر أنّني ولكلّ شيء
|
|
إذا لم توت
وجهته تعادي
|
أطعت الآمريّ
بصرم ليلى
|
|
ولم أسمع بها
قول الأعادي
|
وقد حذفت الفاء
في أناس وجعلت ألف فعال بدلا منها فقيل : ناس ووزنها (عال) ، كما أن وزن عدة (علة)
، وحذفت الفاء وجعلت تاء افتعل عوضا منها ، وذلك قولهم : تقى يتقي والأصل : اتقى
يتقي فحذفت الفاء فصار تقى ، ووزنه : تعل ويتقي يتعل. قال أوس : [الطويل]
٥١ ـ تقاك بكعب واحد وتلذّه
|
|
يداك إذا ما
هزّ بالكفّ يعسل
|
__________________
وقال : [الوافر]
٥٢ ـ جلاها الصّيقلون فأخلصوها
|
|
خفافا كلّها
يتقي بأثر
|
وأنشد أبو
الحسن : [الطويل]
تق الله فينا والكتاب الذي نتلو
ومنه قولهم
أيضا : تجه يتجه ، والأصل : اتجه يتجه ، ووزن (تجه) تعل ، كتقى سواء أنشد أبو زيد
: [الوافر]
٥٣ ـ قصرت له القبيلة إذ تجهنا
|
|
ومما ضاقت
بشدّته ذراعي
|
فأما ما رواه
أبو زيد من قولهم : تجه يتجه فهذا من لفظ آخر وفاؤه تاء ، وأما قولهم : اتخذت ،
فليست تاؤه بدلا من شيء بل هي فاء أصلية بمنزلة اتبعت من تبع ، يدلّ على ذلك ما
أنشده الأصمعي من قوله : [الطويل]
٥٤ ـ وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها
|
|
نسيفا كأفحوص
القطاة المطرّق
|
وعليه قوله
تعالى : (لَوْ شِئْتَ
لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧]. وذهب أبو إسحاق إلى أن اتخذت كاتقيت واتزنت ، وأن الهمزة
أجريت في ذلك مجرى الواو وهذا ضعيف ، إنما جاء منه شيء شاذّ ، وأنشد ابن الأعرابي
: [البسيط]
٥٥ ـ في دارة تقسم الأزواد بينهم
|
|
كأنّما أهله
منها الّذي اتّهلا
|
وروى لنا أبو
علي عن أبي الحسن علي بن سليمان : متّمن وأنشد :
٥٦ ـ بيض أتمّن
والذي يقطع على
أبي إسحاق قول الله تعالى : (لَاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً) فكما أن تجه ليس من لفظ الوجه ، كذلك ليس تخذ من لفظ
الأخذ ، وعذر من قال : اتّمن واتّهل من الأهل أن لفظ هذا إذا لم يدغم يصير إلى
صورة ما أصله حرف لين ،
__________________
وكذلك قولهم في افتعل من الأكل : ايتكل ومن الإزرة : ايتزر فأشبه حينئذ
ايتعد ، في لغة من لم يبدل الفاء تاء فقال : اتهل واتمن ، لقول غيره ايتهل وايتمن
، وأجود اللغتين إقرار الهمزة ، قال الأعشى : [البسيط]
٥٧ ـ [أبلغ يزيد بني شيبان مألكة]
|
|
أبا ثبيت أما
تنفكّ تأتكل
|
وكذلك ايتزر
يأتزر ، فأما اتكلت عليه فمن الواو على الباب كقولهم الوكالة والوكيل ، وقد حذفت
الفاء همزة وجعلت ألف فعال بدلا منها وذلك قولهم : [البسيط]
٥٨ ـ لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب
|
|
[عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني]
|
في أحد قولي
سيبويه ، وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها فأينق في أحد قولي سيبويه ، وذلك أن أصلها (أنوق) ، فأحد قوليه فيها إن الواو هي
عين حذفت وعوضت منها ياء فصارت أينق ، ومثالها على هذا القول أيفل ، والآخر أن
العين قدمت على الفاء وأبدلت ياء فصارت أينق ومثالها على هذا أعفل ، وقد حذفت
العين حرف علّة وجعلت ألف فاعل عوضا منها ، وذلك في رجل خاف ورجل مال وهاع لاع ،
فيجوز أن يكون هذا فعلا كفرق فهو فرق وبطر فهو بطر ، ويجوز أن يكون فاعلا حذفت
عينه وصارت ألفه عوضا منها كقوله : [الرجز]
٥٩ ـ لاث به الأشاء والعبريّ
ومما حذفت عينه
وصار الزائد عوضا منها قولهم سيد وميت وهين ولين ، قال الشاعر : [البسيط]
٦٠ ـ هينون لينون أيسار ذوو يسر
|
|
سوّاس مكرمة
أبناء أيسار
|
__________________
فأصلها فيعل ،
سيد وميت وهين ولين ، حذفت عينها وجعلت ياء فيعل عوضا منها ، وكذلك باب قيدودة
وصيرورة وكينونة ، وأصلها فيعلولة حذفت عينها وصارت ياء فيعلولة عوضا منها.
فإن قلت : فهلّا
كانت لام فيعلولة الزائدة عوضا منها؟
قيل : قد صحّ
في فيعل ـ من نحو سيد وبابه ، أن الياء الزائدة عوض من العين ، وكذلك الألف
الزائدة في خاف و (هاع لاع) عوض من العين. وجوّز سيبويه أيضا ذلك في أينق ، فكذلك
أيضا ينبغي أن يحمل فيعلولة على ذلك ، وأيضا فإن الياء أشبه بالواو من الحرف
الصحيح في باب قيدودة وكينونة ، وأيضا فقد جعلت ياء التفعيل عوضا من عين الفعال
وذلك قولهم قطعته تقطيعا وكسرته تكسيرا ، ألا ترى أن الأصل قطاع وكسّار بدلالة قول
الله تعالى : (وَكَذَّبُوا
بِآياتِنا كِذَّاباً) [النبأ : ٢٨].
وحكى الفراء
قال : سألني أعرابي فقال : أحلّاق أحب إليك أن قصار؟ فكما أن الياء زائدة في
التفعيل عوض من العين فكذلك ينبغي أن تكون الياء في قيدودة عوضا من العين لا
الدال.
فإن قلت : فإن
اللام أشبه بالعين من الزائد فهلّا كانت لام القيدودة عوض من عينها؟
قيل : إن الحرف
الأصلي القوي إذا حذف لحق بالمعتلّ الضعيف ، فساغ لذلك أن ينوب عنه الزائد الضعيف.
وأيضا ، فقد
رأيت كيف كانت ياء التفعيل الزائدة عوضا من عينه ، وكذلك ألف فاعل كيف كانت عوضا
من عينه في خاف ، و (هاع لاع) ونحوه ، وأيضا فإن عين قيدودة وبابها وإن كان أصلا
فإنها على الأحوال كلها حرف علة ما دامت موجودة ملفوظا بها ، فكيف بها إذا حذفت
فإنها حينئذ توغل في الاعتلال والضعف ولو لم يعلم تمكن هذه الحروف في الضعف إلا
بتسميتهم إياها حروف العلّة لكان كافيا ، وذلك أنها في أقوى أحوالها ضعيفة ، ألا
ترى أن هذين الحرفين إذا قويا بالحركة فإنك مع ذلك مؤنس منهما ضعفا ، وذلك أن
تحملهما للحركة أشقّ منه في غيرهما ولم يكونا كذلك ، إلا أن مبنى أمرهما على خلاف
القوة يؤكد ذلك عندك أن أذهب الثلاث في الضعف والاعتلال الألف ، ولما كانت كذلك لم
يمكن تحريكها البتة ، فهذا أقوى دليل على أن الحركة إنما تحملها وتسوغ فيه من
الحروف الأقوى لا الأضعف ، وكذلك ما تجد أخفّ الحركات الثلاث وهي الفتحة مستثقلة
فيها حتى تجنح لذلك وتستروح إلى إسكانها نحو قوله : [البسيط]
٦١ ـ يا دار هند عفت إلّا أثافيها
|
|
[بين الطّويّ فصارات فواديها]
|
وقوله : [الرجز]
٦٢ ـ كأنّ أيديهن بالقاع القرق
ونحو ذلك.
وقوله : [الوافر]
٦٣ ـ وأن يعرين إن كسي الجواري
|
|
فتنبو العين
عن كرم عجاف
|
نعم ، وإذا كان
الحرف لا يتحامل بنفسه حتى يدعو إلى اخترامه وحذفه كان بأن يضعف عن تحمل الحركة
الزائدة عليه فيه أحرى وأحجى ، وذلك نحو قول الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) [الفجر : ٤] ، و (ذلِكَ ما كُنَّا
نَبْغِ) [الكهف : ٦٤] ، و (الْكَبِيرُ
الْمُتَعالِ) [الرعد : ٩]. وقوله : [السريع]
٦٤ ـ [سيفي وما كنّا بنجد وما]
|
|
قرقر قمر
الواد بالشّاهق
|
وقول الأسود بن
يعفر : [الطويل]
٦٥ ـ فألحقت أخراهم طريق ألا هم
|
|
[كما قيل نجم قد خوى متتابع]
|
يريد أولاهم و (يَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] ، و (سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] كتبت في المصحف بلا واو للوقف عليها كذلك ، وقد حذفت الألف في
نحو ذلك قال رؤبة : [الرجز]
٦٦ ـ وصّاني العجاج فيما وصّني
__________________
يريد فيما
وصاني ، وذهب أبو عثمان في قوله تعالى : (يا أَبَتِ) [يوسف : ١٠٠] ، أنه أراد أبتاه وحذف الألف ، ومن أبيات الكتاب قول لبيد : [الرمل]
٦٧ ـ [وقبيل من لكيز ناهد]
|
|
رهط مرجوم
ورهط ابن المعلّ
|
يريد المعلّى.
وحكى أبو عبيد وأبو الحسن وقطرب وغيرهم : رأيت فرخ ونحو ذلك. فإذا كانت هذه الحروف
تتساقط وتهي عن حفظ أنفسها وتحمل خواصها وعواني ذواتها ، فكيف بها إذا جشمت احتمال
الحركات النيّفات على مقصور صورتها ، نعم : وقد أعرب بهذه الحروف أنفسها كما يعرب
بالحركات التي هي أبعاضها وذلك في باب : أبوك وأخوك والزيدان والزيدون والزيدين ،
وأجريت هذه الحروف مجرى الحركات في (زيد) ، (وزيدا) ، (وزيد) ومعلوم أن الحركات لا
تتحمل لضعفها الحركات ، فأقرب أحكام هذه الحروف إن لم تمتنع من احتمالها الحركات
إذ احتملتها جفت عنها وتكاءدتها ، ويؤكد عندك ضعف هذه الأحرف الثلاثة أنك إذا وجدت
أقواهن وهما الواو والياء مفتوحا ما قبلهما فإنهما كأنهما تابعان لما هو منهما ،
ألا ترى إلى نحو ما جاء عنهم من نحو نوبة ونوب وجوبة وجوب ودولة ودول ، فمجيء فعلة
على فعل يريك أنها كأنها إنما جاءت عندهم من فعلة ، وكأن دولة دولة وجوبة جوبة
ونوبة نوبة ، وإنما ذلك لأن الواو مما سبيله أن يأتي للضمة تابعا. وكذلك ما جاء من
فعلة مما عينه ياء على فعل نحو : ضيعة وضيع ، وخيمة وخيم ، وعيبة وعيب ، كأنه إنما
جاء على أن واحدته فعلة نحو : ضيعة وخيمة وعيبة ، أفلا تراهما مفتوحا ما قبلهما
مجريين مجراهما مكسورا ومضموما ما قبلهما ، فهل هذا إلا لأن الصيغة مقتضية لسياغ
الاعتلال فيهما.
فإن قلت : ما
أنكرت أن لا يكون ما جاء من نحو : فعلة على فعل نحو : نوب وجوب ودول ، لما ذكرته
من تصوّر الضمة في الفاء ، ولا يكون ما جاء من فعلة على فعل نحو : ضيع وخيم وعيب
لما ذكرته من تصور الكسرة في الفاء ، بل لأن ذلك ضرب من التكسير ركبوه فيما عينه
معتلّة كما ركبوه فيما عينه صحيحة نحو : لأمة
__________________
ولؤم ، وعرصة وعرص ، وقرية وقرى وبروة وبرى فيما ذكره أبو علي ، ونزوة ونزى
فيما ذكره أبو العباس ، وحلقة وحلق ، وفلكة وفلك. قيل : كيف تصرفت الحال فلا
اعتراض شكّ في أن الياء والواو أين وقعتا وكيف تصرفّتا معتدتان حرفي علة ، ومن
أحكام الاعتلال أن يتبعا ما هو منهما هذا ، ثم إنا رأيناهم قد كسروا فعلة مما هما
عيناه على فعل وفعل نحو : جوب ونوب وضيع وخيم ، فجاء تكسيرهما تكسير ما واحدة
مضموم الفاء ومكسورها ، فنحن الآن بين أمرين : إما أن نرتاح لذلك ونعلّله ، وإما
أن نتهالك فيه ونتقبّله غفل الحال ساذجا وفيه ضمير يعود على المتأخر ، وذلك ساذجا
جاء من الاعتلال.
فأن يقال : إن
ذلك لما ذكرناه من اقتضاء الصورة فيهما أن يكونا في الحكم تابعين لما قبلهما أولى
من أن ننقض الباب فيه ، ونعطي اليد عنوة به من غير نظر له ولا اشتمال من الصنعة
إليه ، ألا ترى إلى قوله : وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها ،
فإذا لم يخل مع الضرورة من وجه من القياس محاول ، فهم بذلك مع الفسحة وفي حال السعة
، أولى بأن يحاولوه ، وأحجى بأن يناهدوه ، فيتعللوا به ولا يهملوه ، فإذا ثبت ذلك
في باب ما عينه ياء أو واو جعلته الأصل في ذلك ، وجعلت ما عينه صحيحة فرعا له
ومحمولا عليه نحو : حلق وفلك وعرص ولؤم وقرى وبرى ، كما أنهم لمّا أعربوا بالواو
والياء والألف في الزيدون والزيدين والزيدان تجاوزوا بذلك إلى أن أعربوا بما ليس
من حروف اللين وهو النون في تقومان وتقعدين وتذهبون ، فهذا جنس من تدريج اللغة.
وأما ما حذفت
لامه وصار الزائد عوضا منها فكثير ـ منه : باب سنة ومئة وفئة ورئة وعضة وضعة ،
فهذا ونحوه مما حذفت لامه وعوض منها تاء التأنيث ، ألا تراها كيف تعاقب اللام في
نحو : برة وبرى وثبة وثبى.
وحكى أبو الحسن
عنهم : رأيت (مئيا) بوزن معيا ، فلما حذفوا قالوا : (مئة). فأما بنت وأخت فالتاء
عندنا بدل من لامي الفعل وليست عوضا.
وأما ما حذف
لالتقاء الساكنين من هذا النحو ، فليس الساكن الثاني عندنا بدلا ولا عوضا لأنه ليس
لازما وذلك نحو هذه عصا ورحى وكلمة معلّى ، فليس التنوين في الوصل ولا الألف التي
هي بدل منه في الوقف : نحو رأيت عصا ورحى عند الجماعة ، وهذه عصا ومررت بعصا عند
أبي عثمان والفراء بدلا من لام الفعل ولا عوضا ، ألا تراه غير لازم إذا كان
التنوين يزيله الوقف ، والألف التي هي بدل منه يزيلها الوصل ، وليست كذلك : تاء
مئة وعضة وسنة ولغة وشفة لأنها ثابتة في الوصل ومبدلة هاء في الوقف.
فأما الحذف فلا
حذف ، وكذلك ما لحقه علم الجمع نحو القاضون والقاضين والأعلون والأعلين ، فعلم
الجمع ليس عوضا ولا بدلا لأنه ليس لازما. فأما قولهم : هذان وهاتان واللّذان
واللّتان والّذون والّذين ، فلو قال قائل : إن علم التثنية والجمع فيها عوض من
الألف والياء من حيث كانت هذه أسماء صيغت للتثنية والجمع لا على حدّ : رجلان
وفرسان وقائمون وقاعدون ، ولكن على قولك : هما وهم وهن لكان مذهبا ، ألا ترى أن
هذين من هذا ليس على رجلين من رجل ، ولو كان كذلك لوجب أن تنكره البتة كما تنكر
الأعلام نحو : زيدان وزيدين وزيدون وزيدين ، والأمر في هذه الأسماء بخلاف ذلك ،
ألا تراها تجري مثناة ومجموعة أوصافا على المعارف كما تجري عليها مفردة ، وذلك
قولك مررت بالزيدين هذين ، وجاءني أخواك اللذان في الدار ، وكذلك قد توصف هي أيضا
بالمعارف نحو قولك : جاءني ذانك الغلامان ، ورأيت اللّذين في الدار الظّريفين ،
وكذلك أيضا تجدها في التثنية والجمع تعمل من نصب الحال ما كانت تعمله مفردة وذلك
نحو قولك ، هذان قائمين الزيدان ، وهؤلاء. منطلقين إخوتك.
وقريب من هذان
واللذان ، قولهم : هيهات ، مصروفة وغير مصروفة وذلك أنها جمع هيهاة ، وهياة عندنا
رباعية مكررة فاؤها ولامها الأولى هاء ، وعينها ولامها الثانية ياء ، فهي لذلك من
باب صيصية وعكسها باب يليل ويهياه ، قال ذو الرمة : [الطويل]
٦٨ ـ تلوّم يهياه بياه وقد مضى
|
|
من اللّيل
جوز واسبطرّت كواكبه
|
وقال كثيّر : [الطويل]
٦٩ ـ وكيف ينال الحاجبيّة آلف
|
|
بيليل ممساه
وقد جاوزت رقدا
|
فهيهاه من
مضاعف الياء بمنزلة المرمرة والقرقرة ، وكان قياسها إذا جمعت أن تقلب اللام ياء
فيقال : هو هيات كشوشيات وضوضيات ، إلا أنهم حذفوا اللام لأنها في آخر اسم غير
متمكّن ليخالف آخرها آخر الأسماء المتمكنة نحو : رحيان وموليان ، فعلى هذه قد يمكن
أن يقال : إن الألف والتاء في هيهات عوض من لام الفعل في هيهيات ، لأن هذا ينبغي
أن يكون اسما صيغ للجمع بمنزلة الذين وهؤلاء.
فإن قيل : وكيف
ذاك وقد يجوز تنكيره في قولهم : هيهات هيهات ، وهؤلاء والذين لا يمكن تنكيره ، فقد
صار إذا هيهات بمنزلة قصاع وجفان؟
__________________
قيل : ليس
التنكير في هذا الاسم المبني على حده في غيره من المعرب ، ألا ترى أنه لو كان
هيهات من هيهيات بمنزلة أرطيات من أرطاة وسعليات من سعلاة لما كانت إلا نكرة ، كما
أن سعليان وأرطيات لا يكونان إلا نكرتين.
فإن قيل : ولم
لا تكون سعليات معرفة إذا جعلتها علما لرجل أو امرأة سميتها بسعليات وأرطيات ،
وكذلك أنت في هيهات إذا عرّفتها فقد جعلتها علما على معنى البعد ، كما أن (غاق) في
من لم ينوّن قد جعل علما لمعنى الفراق ومن نوّن فقال : غاق غاق وهيهاة وهيهاة
هيهات هيهات ، فكأنه قال : بعدا بعدا ، فجعل التنوين علما لهذا المعنى ، كما جعل
حذفه علما لذلك؟
قيل : أما على
التحصيل فلا يصحّ هناك حقيقة معنى العلمية ، وكيف يصح ذلك ، وإنما هذه أسماء سمّي
بها الفعل في الخبر نحو : شتان وسرعان وأفّ أوّتاه ، وإذا كانت أسماء للأفعال ،
والأفعال أقعد شيء في التنكير وأبعده عن التعريف ، علمت أنه تعليق لفظ متأوّل فيه
التعريف على معنى لا يضامه إلا التنكير ، فلهذا قلنا : إن تعريف باب هيهات لا
يعتدّ تعريفا ، وكذلك (غاق) وإن لم يكن اسم فعل فإنه على سمته ، ألا تراه صوتا
بمنزلة حاء وعاء وهاء ، وتعرف الأصوات من جنس تعرف الأسماء المسماة بها.
فإن قيل : ألا
تعلم أن معك من الأسماء ما يكون فائدة معرفته كفائدة نكرته البتّة ، وذلك قولهم :
غدوة هي في معنى غداة ، إلا أن غدوة معرفة وغداة نكرة ، وكذلك أسد وأسامة وثعلب
وثعالة وذئب وذؤالة ، وأبو جعدة وأبو معطة ، فقد تجد هذا التعريف المساوي لمعنى
التنكير فاشيا في غير ما ذكرته ، ثم لم يمنع ذلك أسامة وثعالة وأبا جعدة وأبا معطة
ونحو ذلك أن يعد في الأعلام ، وإن لم يخصّ الواحد من جنسه ، فلذلك لم لا يكون
هيهات كما ذكرنا؟
قيل : هذه
الأعلام وإن كانت معنياتها نكرات فقد يمكن في كل واحد منها أن يكون معرفة صحيحة ،
كقولك : فرقت ذلك الأسد الذي فرقته ، وتباركت بالثعلب الذي تباركت به ، وخسأت
الذئب الذي خسأته ، فأما الفعل فمما لا يمكن تعريفه على وجه ، فلذلك لم يعتد
التعريف الواقع عليه لفظا سمة خاصة ولا تعريفا.
وأيضا ، فإن
هذه الأصوات عندنا في حكم الحروف ، فالفعل إذا أقرب إليها ومعترض بين الأسماء
وبينها ، ألا ترى أن البناء الذي سرى في باب : صه ومه وحيهلا ورويد وإيه وأيها
وهلمّ ونحو ذلك من باب : نزال ودراك ونظار ومناع ، إنما أتاها من
قبل تضمّن هذه الأشياء معنى لام الأمر ، لأن أصل : (صه) اسم له وهو اسكت ،
والأصل لتسكت كقراءة النبي عليه السّلام : (فَبِذلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨].
وكذلك (مه) هو
اسم اكفف ، والأصل لتكفف ، وكذلك (نزال) هو اسم انزل وأصله لتنزل ، فلما كان معنى
اللام عابرا في هذا النسق وساريا في إيجابه ومقصور في جميع جهاته دخله البناء من
حيث تضمن هذا المعنى ، كما دخل أين وكيف لتضمنها معنى حرف الاستفهام ، و (أمس)
لتضمنه معنى حرف التعريف ومن لتضمنه معنى حرف الشرط وسوى ذلك ، فأما (أفّ) و (هيهات)
وبابهما مما هو اسم للفعل في الخبر فمحمول في ذلك على أفعال الأمر ، وكان الموضوع
في ذلك إنما هو (لصه) و (مه) و (رويد) ونحو ذلك. ثم حمل عليه باب (أف) و (شتان) و
(وشكان) من حيث كان اسما سمّي به الفعل ، وإذا جاز لأحمد وهو اسم علم أن يشبه بـ (أركب)
وهو فعل نكرة كان أن يشبه اسم سمّي به الفعل في الخبر باسم سمّي به الفعل في الأمر
أولى ، ألا ترى أن كل واحد منهما اسم ، وأن المسمّى به أيضا فعل ، ومع هذا فقد تجد
لفظ الأمر في معنى الخبر نحو قول الله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] ، وقوله : (قُلْ مَنْ كانَ فِي
الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) [مريم : ٧٥] أي : فليمدن ، ووقع أيضا لفظ الخبر في معنى الأمر نحو قوله
تعالى : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ
بِوَلَدِها) [البقرة : ٢٢٣] ، وقولهم : (هذا الهلال) ، معناه انظر إليه ، ونظائره كثيرة
، فلما كان (أفّ) كـ (صه) في كونه اسما للفعل كما أن صه كذا ولم يكن بينهما إلا أن
هذا اسم لفعل مأمور به وهذا اسم لفعل مخبر به ، وكان كل واحد من لفظ الخبر والأمر
قد يقع موقع صاحبه ، صار كأن كل واحد منهما هو صاحبه ، فكان لا خلاف هناك في لفظ
ولا معنى ، وما كان على بعض هذه القربى والشبكة ألحق بحكم ما حمل عليه ، فكيف بما
ثبتت فيه ووفت عليه واطمأنت به ـ فاعرف ذلك.
ومما حذفت لامه
وجعل الزائد عوضا منها : فرزدق وفريزيد وسفرجل وسفيريج ، وهو باب واسع ، فهذا طرف
من القول على ما زيد من الحروف عوضا من حرف أصلي محذوف.
وأما الحرف
الزائد عوضا من حرف زائد فكثير ، منه التاء في فرزانة وزنادقة وجحاجحة ألحقت عوضا
من ياء المد في فرازين وزناديق وجحاجيح.
ومن ذلك ما
لحقته ياء المدّ عوضا من حرف زائد حذف منه نحو قولهم في تكسير مدحرج وتحقيره
دحيريج ودحاريج فالياء عوضا من ميمه ، وكذلك جحافيل
وجحيفيل ، الياء عوضا من نونه ، وكذلك مغاسيل ومعيسيل ، الياء عوضا من يائه
، وكذلك زعافير ، الياء عوضا من ألفه ونونه ، وكذلك الهاء في تفعلة في المصادر
عوضا من ياء تفعيل أو ألف فعّال ، وذلك نحو : سليته تسلية وربيته تربية ، الهاء
بدل من ياء تفعيل في تسلّى وتربّى ، أو ألف سلاء ورباء ، أنشد أبو زيد : [الرجز]
٧٠ ـ باتت تنزّي دلوها تنزيّا
|
|
كما تنزّي
شهلة صبيّا
|
ومن ذلك تاء
الفعلة في الرباعي نحو الهملجة والسرهفة كأنها عوض من ألف
فعلال نحو الهملاج والسّرهاف ، قال العجاج : [الرجز]
٧١ ـ سرهفته ما شئت من سرهاف
وكذلك ما لحق
بالرباعي من نحو الحوقلة ، والبيطرة ، والجهورة ، والسلقاة ، كأنها عوض من ألف
حيقال وبيطار وجهوار وسلقاء ، ومن ذلك قول التغلبي : [الوافر]
٧٢ ـ [تهدّدنا وأوعدنا رويدا]
|
|
متى كنّا
لأمّك مقتوينا
|
والواحد مقتوى
، وهو منسوب إلى مقتي ، وهو مفعل من القتو وهو الخدمة قال : [المنسرح]
٧٣ ـ إنّي امرؤ من بني خزيمة لا
|
|
أحسن قتو
الملوك والحفدا
|
فكان قياسه إذا
جمع أن يقال : مقتويون ومقتويين ، كما أنه إذا جمع بصري وكوفي قيل : بصريون
وكوفيون ونحو ذلك ، إلا أنه جعل علم الجمع معاقبا لياء الإضافة فصحّت اللام لنيّة
الإضافة ، كما يصحّ معها ، ولو لا ذلك لوجب حذفها لالتقاء الساكنين ، وأن يقال :
مقتون ومقتين ، كما يقال : هم الأعلون وهم المصطفون ، فقد ترى إلى تعويض علم الجمع
من يأتي الإضافة والجمع زائدا. وقال سيبويه في ميم
__________________
فاعلته مفاعلة : إنها عوض من ألف فاعلته. ومنع ذلك المبرد فقال : ألف فاعلته موجودة في المفاعلة فكيف يعوض من حرف هو
موجود غير معدوم.
قال ابن جنّي :
وقد ذكرنا ما في هذا ووجه سقوطه عن سيبويه في موضع غير هذا يعني في كتاب (التعاقب)
وفيه أن أبا علي رد قول المبرّد في الجزء الستين من (التذكرة) وحاصله أن تلك الألف
ذهبت وهذه غيرها وهي زيادة لحقت المصدر كما تلحق المصادر ، وأضاف زيادتها بين ألف
الإفعال وياء التفعيل ، قال : لكن الألف في المفاعل بغير هاء هي ألف فاعلته لا
محالة ، وذلك نحو قاتلته مقاتلا وضاربته مضاربا ، قال الشاعر : [الطويل]
٧٤ ـ أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا
|
|
وأنجو إذا
غمّ الجبان من الكرب
|
فأما أقمت
إقامة وأردت إرادة ونحو ذلك ، فإن الهاء فيها على مذهب الخليل وسيبويه عوض من ألف إفعال الزائدة ، وهي في قول أبي الحسن عوض
من عين إفعال على مذهبهما في باب مفعول من نحو : مبيع ومقول ، والخلاف في ذلك قد
عرف وأحيط بحال المذهبين فيه فتركناه لذلك. ومن ذلك الألف في يمان وتهام وشآم ، هي
عوض من أحد ياءي الإضافة في يمنيّ وتهاميّ وشآميّ ، وكذلك ألف ثمان ، قلت لأبي علي
: لم زعمتها للنسب؟ فقال : لأنها ليست بجمع مكسّر فتكون كصحار ، قلت له : نعم ولو
لم تكن للنسب للزمتها الهاء البتة نحو : عباقية وكراهية وسباهية ، فقال : نعم هو
كذلك. ومن ذلك ياء التفعيل بدل من ألف الفعال ، كما أن التاء في أوله عوض من إحدى
عينيه ، وقد وقع هذا التعارض في الحروف المنفصلة عن الكلم غير المصوغة فيها
الممزوجة بأنفس صيغها ، وذلك نحو قول الراجز على مذهب الخليل : [الرجز]
٧٥ ـ إنّ الكريم ـ وأبيك ـ يعتمل
|
|
إن لم يجد
يوما على من يتّكل
|
__________________
أي : من يتّكل
عليه ، فحذف عليه هذه ، وزاد (على) متقدّمه ، ألا ترى أنه : يعتمل إن لم يجد من
يتّكل عليه ، ويدع ذكر قول غيره هنا ، وكذلك قول الآخر : [الطويل]
٧٦ ـ أولى فأولى بامرئ القيس بعد ما
|
|
خصفن بآثار
المطيّ الحوافرا
|
أي : خصفن
بالحوافر آثار المطيّ يعني آثار أخفافه ، فحذف الياء من الحوافر وزاد أخرى عوضا
منها في آثار المطيّ ، هذا على قول من لم يعتقد القلب وهو أمثل ، فما وجدت مندوحة
عن القلب لم يرتكبه ، وقياس هذا الحذف والتعويض قولك : بأيّهم تضرب امرره ، أي : أيّهم
تضرب امرر به ، وهو كثير ، انتهى. ما أورده ابن جني في هذا الباب ، وبقي تتمات
نوردها مزيدة عليه.
منها : قال ابن
خالويه : من العرب من إذا حذف عوّض ، من ذلك تشديد الميم في الفم في بعض اللغات
عوضا من لامه المحذوفة فإن أصله : فمي أو فمو ، أنشد الأصمعي : [الرجز]
٧٧ ـ يا ليتها قد خرجت من فمّه
وتشديد أب وأخ
عوضا من لاميهما ، فإن أصلهما أبو وأخو. قال في الجمهرة : ذكر ابن الكلبي أن بعض العرب يقولون : أخّ وأخّة ،
وقال ابن مالك في (شرح التسهيل) : ذكر الأزهريّ أن تشديد خاء أخّ وباء أبّ لغة ، قال وكذا تشديد نون
هنّ ، قال سحيم : [الطويل]
__________________
٧٨ ـ ألا ليت شعري! هل أبيتنّ ليلة
|
|
وهنّي جاذ
بين لهزمتي هن
|
وتشديد ميم (دم)
عوضا من لامه المحذوفة ، فإن أصله دمي قال : [الرجز]
٧٩ ـ [حيث التقت بكر وفهم كلّها]
|
|
والدمّ يجري
بينهم كالجدول
|
وقال : [البسيط]
٨٠ ـ أهان دمّك فرغا بعد عزّته
|
|
يا عمرو بغيك
إصرارا على الحسد
|
فقد شقيت
شقاء لا انقضاء له
|
|
وسعد مرديك
موفور على الأبد
|
وذهب جماعة إلى
أن تشديد النون في (هذانّ) عوض من ألف ذا المحذوفة ، وقوم إلى أن النون في المثنّى
والجمع عوض من حركة المفرد ، وآخرون إلى أنها عوض من تنوينه ، وآخرون إلى أنها عوض
منهما معا ، ومن هذا الباب تعويض هاء التأنيث من ألف التأنيث.
الخامسة : تقول
في جمع حبنطى وعفرنى حبائط وعفارن ، فإذا عوّضت من الألف فإن شئت تعوض الياء تقول
: حبانيط وعفارين ، وإن شئت تعوض الهاء فتقول حبانطة وعفارنة.
قال أبو حيان :
لكن باب تعويض الياء واسع جدا ، لأنه يجوز دخولها في كل ما حذف منه شيء غير باب
لغيزي ، وأما تعويض الهاء فمقصور على ما ذكر ، وأكثر ما يكون تعويض الهاء من ياء
النسب المحذوفة كأشعثي وأشاعثة وأزرقي وأزارقة ومهلبي ومهالبة.
ومن تعويض
الهاء عن ألف التأنيث قولهم في تصغير لغيزى : لغيغيزة وفي تصغير حبارى : حبيرة.
ومن هذا الباب
تعويض التنوين من المضاف إليه في أي وإذ ، ومن حرف العلّة المحذوف في نحو : جوار
وغواش وعم وقاض وداع.
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : واختلف في تنوين كلّ وبعض ، فقيل عوض عن المضاف إليه كإذ.
__________________
قال الزمخشري :
والأولى أن يقال : ليس بعوض عن المحذوف وإنما هو التنوين الذي كان يستحقه الاسم
قبل الإضافة ، والإضافة كانت مانعة من إدخال التنوين عليه فلما زال المانع وهو
الإضافة رجع إلى ما كان عليه من دخول التنوين عليه ، انتهى.
قاعدة : آراء بعض العلماء في التعويض
قال أبو حيان :
قد يكون التعويض مكان المعوّض ، كما قالوا : يا أبت ، فالتاء عوض من ياء المتكلم ،
وقد يكون العوض في الآخر من محذوف كان في الأول كعدة وزنة وعكسه كاسم واست ، لما
حذفوا من آخره لام الكلمة عوّضوا في أوله همزة الوصل.
وقد يكون
التعويض من حرف ليس أولا ولا آخرا فيعوض منه حرف آخر ، نحو : زنادقة في زناديق.
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : عرفنا من طريقة العرب أنهم إذا حذفوا من الأول عوّضوا
أخيرا مثل عدة وزنة ، وإذا حذفوا من الآخر عوّضوا في الأول مثل ابن ، وقد عوّضوا
في الاسم همزة الوصل في أوله مكان المحذوف من آخره.
قال : والعوض
مخالف للبدل ، فبدل الشيء يكون في موضعه والعوض يكون في غير موضع المعوّض عنه.
قال : فإن قيل
التعويض في موضع لا يوثق بأن المعوّض عنه في غيره ، لأن القصد منه تكميل الكلمة ،
فأين كملت حصل غرض التعويض ، ألا ترى أن همزة الوصل في : اضرب وبابه ، عوض من حركة
أول الكلمة ، وقد وقعت في موضع الحركة.
فالجواب : إن
التعويض على ما ذكرنا يغلب على الظن أن موضعه مخالف لموضع المعوّض منه لما ذكرنا
من الوجهين ، قولهم : الغرض تكميل الكلمة ليس كذلك ، وإنما الغرض العدول عن أصل
إلى ما هو أخفّ منه ، والخفة تحصل بمخالفة الموضع ، فأما تعويضه في موضع محذوف لا
يحصل منه خفة ، لأن الحرف قد يثقل بموضعه فإذا أزيل عنه حصل التخفيف.
وفي (شرح
التسهيل) لأبي حيان : اختلف في باب قضاة ورماة ، فالذي عليه
__________________
الجمهور أن وزنه فعلة وأنه من الأوزان التي انفرد بها المعتلّ الذي هو على
وزن فاعل لمذكر عاقل.
وقال بعضهم :
وزنه فعلة ككامل وكملة ، وإن هذه الضمة للفرق بين المعتلّ الآخر والصحيح.
وقال الفراء :
وزنه فعّل بتضعيف العين كنازل ونزّل ، والهاء فيه ـ أعني في غزاة ورماة ـ عوض مما
ذهب من التضعيف ، كالهاء في إقامة واستقامة عوض مما حذف.
قال أبو حيان :
وقد نظم هذا الخلاف أحمد بن منصور اليشكريّ في أرجوزته في النحو ، وهي أرجوزة
قديمة عدّتها ثلاثة آلاف بيت إلا تسعين بيتا. احتوت على نظم سهل وعلم جمّ فقال :
والوزن في
الغزاة والرّماة
|
|
في الأصل عند
حملة الرّواة
|
فعلة ليس لها
نظير
|
|
في سالم من
شأنه الظّهور
|
وآخرون فيفه
قالوا : فعله
|
|
كما تقول في
الصحيح الحمله
|
فخصّ في ذلك
حرف الفاء
|
|
بالضّمّ في
ذي الواو أو ذي الياء
|
وخالف الفراء
ما أنبات
|
|
وحجّهم
بقولهم : سراة
|
وعنده وزن
غزاة فعّل
|
|
كما تقول
نازل ونزّل
|
فالهاء من
ساقطها معتاضه
|
|
وإنما تعرف
بالرياضه
|
كالأصل في
إقامة إقوام
|
|
بالاعتياض
اطّرد الكلام
|
وبعضها جاء
على التّأصيل
|
|
غزّى وعفّى
ليس بالمجهول
|
الفرق
بين البدل والعوض : وقال الزمخشري في (الأحاجي) : معنى العوض أن يقع في الكلمة انتقاص فيتدارك بزيادة
شيء ليس في أخواتها كما انتقص التثنية والجمع السالم بقطع الحركة والتنوين عنهما
فتدارك ذلك بزيادة النون ، والفرق بين العوض والبدل أن البدل يقع حيث يقع المبدل
منه ، والعوض لا يراعى فيه ذلك ، ألا ترى أن العوض في اللهم في آخر الاسم والمعوّض
منه في أوله.
وقد ألّف ابن
جني (كتاب التعاقب) في أقسام البدل والمبدل منه والعوض والمعوض منه ، وقال في أوله
: اعلم أن كلّ واحد من ضربي التعاقب وهما البدل والعوض قد يقع في الاستعمال موضع
صاحبه ، وربما امتاز أحدهما بالموضع دون
__________________
وسيلة ، إلا أن البدل أعمّ استعمالا من العوض ، وذلك أنا نقول : إنّ ألف (قام)
بدل من الواو في (قوم) ، ولا نقول إنها عوض منها. ونقول : إن الميم في آخر (اللهم)
بدل من (ياء) في أوله ، كما نقول : إنها عوض منها ، وإن ياء (أينق) بدل من عينها ،
كما نقول : إنها عوض منها ، أو لا ترى إلى سعة البدل ، وضيق العوض ، وكذلك جميع ما
استقريته تجد البدل فيه شائعا والعوض ضيقا ، فكل عوض بدل وليس كلّ بدل عوضا.
كذا وضع هذين
اللفظين أهل هذا العلم فاستعملوه في عباراتهم وأجروا عليه عاداتهم ، وهذا الذي
رأوه في هذا هو القياس ، وذلك أن تصرّف (ع وض) في كلام العرب أين وقعت إنما هو لأن
يأتي مستقبل ثان خالفا لمنقض ، ومن ذلك تسميتهم الدهر (عوض) لأنه موضوع على أن
ينقضي الجزء منه ويخلفه جزء آخر من بعده ، ومعلوم أن ما يمضي من الدّهر فان لا
يعاد ومعاد لا يرتجع ، ومما ورد في فوت المعوض منه قوله : [الرمل]
٨١ ـ عاضها الله غلاما بعد ما
|
|
شابت الأصداغ
والضّرس نقد
|
أي : عوّضها
الله الولد مما أخذه منها من سواد الشعر وصحة الفم ، فهذه حال تصرف (ع وض). وليس
كذلك تصرف (ب د ل) لأن البدل من الشيء قد يكون والشيئان جميعا موجودان ، ألا ترى
إلى قول النحويين في : مررت بأخيك زيد ، أن زيدا بدل من أخيك ، وإن كانا جميعا
موجودين ، فأما من قال : إن زيدا مترجم عن الأخ ، فإنه لا يأبى أيضا أن يقول : بدل
منه ، وإنما آثر لفظ الترجمة هنا وإن كان يعتقد صحّة لفظ البدل فيه كألفاظ يختارها
أحد الفريقين ويجيز مع ذلك ما أجاز الفريق الآخر كالجرّ والخفض والصفة والنعت
والظرف والمحلّ والتمييز والتفسير وغير ذلك.
ومما ينبغي أن
تعرف فرقا بين البدل والعوض أن من حكم البدل أن يكون في موضع المبدل منه ، والعوض
ليس بابه أن يكون في موضع المعاض منه ، ألا ترى أن ياء (ميزان) بدل من الواو التي
هي فاؤها وهي مع ذلك واقعة موقعها ، وكذلك واو (موسر) بدل من الياء التي هي فاؤها
وهي في مكانها ، ودال (ودّ) الأولى بدل من تاء (وتد) وهي في مكانها ، والألف في : (رأيت
زيدا) بدل من تنوينه وهي في مكانه ، وليس أحد يقول إن ياء (ميزان) عوض من واوه ،
ولا ألف (قام) عوض من واوه ، ولا ألف (رأيت زيدا) عوض من تنوينه في الوصل ، وسبب
ذلك ما قدمناه من أن (ع و ض)
__________________
إنما هي لعدم الأول وتعويض الثاني منه ، وليس كذلك الألف في قام وباع لأنهما
فيها كأنهما الواو والياء ، ومتى نطقت بواحد من هذه الأحرف الثلاثة فكأنك نطقت
بالآخر ، وكذلك الألف التي هي بدل من التنوين ومن نون التوكيد في (اضربا) جارية
عندهم مجرى ما هي بدل منه حتى أنهم إذا نطقوا بالألف فكأنهم قد نطقوا بالنون ،
فالألف إذا كأنها هي النون.
وعلى هذا ساق
سيبويه حروف البدل الأحد عشر ، لأن كل واحد منها وقع موقع
المبدل منه لا متقدما عليه ولا متراخيا عنه ولم يسمّ شيئا من ذلك عوضا ، وليس كذلك
هاء (زنادقة) لأنها عوض من ياء (زناديق) ، قيل لها عوض لأنها لم تقع موقع ما هي
عوض منه ، وكذلك هاء التفعلة نحو : التقدمة والتجربة ، وتاء التفعيل عوض من عين
فعّال فتاء (تكذيب) عوض من إحدى عيني (كذّاب) ، لأنها ليست في موضعها ، ولكن ياء
التفعيل بدل من ألف فعال لأنها في موضعها ، ولأن الياء أيضا قريبة الشبه بالألف ،
كأنها هي والبدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوّض منه ، انتهى.
قاعدة : لا يجتمع العوض والمعوّض منه
العوض والمعوّض
منه لا يجتمعان ومن ثم ردّ أبو حيان قول شيخيه ابن عصفور والأبذي ، أنه لا يجوز
حذف فعل الشرط في الكلام أو حذفه وحذف الجواب معا إلا بشرط تعويض (لا) من المحذوف
نحو : اضرب زيدا أساء وإلا فلا ، فقال : ليس بشيء بل (لا) نائبة وليست عوضا من
الفعل لأنه يجوز الجمع بينهما تقول : اضرب زيدا إن أساء وإن لا يسيء فلا تضربه ،
ولو كان تعويضا لما جاز الجمع بينهما ، وردّ أيضا قول أبي موسى الجزولي أن (ما)
اللّاحقة لأي الشرطية عوض من المضاف إليه المحذوف الذي تطلبه من جهة المعنى ، فقال
: لو كانت عوضا لم تجتمع مع الإضافة في قوله تعالى : (أَيَّمَا
الْأَجَلَيْنِ) [القصص : ٢٨] لأنه لا يجتمع العوض والمعوض منه ، بل الصواب أنها زائدة
لمجرد التوكيد ولذلك لم تلزم ، ولو كانت عوضا للزمت.
وللقاعد عدّة
فروع :
أحدها
: قولهم (اللهمّ)
، الميم فيه عوض من حرف النداء ، ولذا لا يجمع بينهما.
__________________
الثاني
: قولهم في
النداء : (يا أبت) و (يا أمّت) التاء فيهما عوض من ياء الإضافة ، ولذا لا يجمع
بينهما.
الثالث
: قولهم : (يماني
وشآمي وتهامي) ، الألف فيه عوض من إحدى ياءي النسب ، ولذا لا يجمع بينهما.
الرابع
: قولهم : (عدة
وزنة) ونحو ذلك ، الهاء فيه عوض من الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة ، والأصل (وعد
ووزن) ، ولذلك لا يجتمعان.
الخامس
: قولهم : (زنادقة)
الهاء فيه عوض من الياء في (زناديق) ، ولذلك لا يجتمعان ، ومثله (دجاجلة وجبابرة)
وما أشبه ذلك.
السادس
: قال أبو حيان
: يختصّ كاف ضمير الخطاب في المؤنث بلحوق شين عند بعض العرب وسين عند بعضهم في الوقف ، وذلك عوض من الهاء ، فلذلك
لا يجتمعان.
السابع
: قال أبو حيان
: قد نابت الألف عن هاء السكت في الوقف في بعض المواضع وذلك في (حيهل) ، وأنا
قالوا : (حيهلة) و (حيّهل) و (حيهلا) ، والهاء الأصل والألف كأنها عوض عنها وأما
أنا فسمع فيه (أنه) بالهاء ووقف عليه أيضا بالألف فقالوا : أنا ، وليست الألف من
الضمير خلافا للكوفيين ، إذ لو كانت منه لقلت في الوقف عليه (أناه) كما قلت في
الوقف على هذا : هذاه.
الثامن
: باب جوار
وغواش يقال فيه في حالة النصب : رأيت جواري ، بمنع الصرف بلا خلاف لخفّة الفتحة
على الياء ، وفي حالة الرفع والجرّ تحذف ياؤه ويلحقه التنوين ، والأصحّ أنه عوض من
الياء ، ولذا لا يجتمعان.
قال في (البسيط)
: وهذه المسألة مما يعايا بها ويقال : أيّ اسم إذا تمّ لفظه نقص حكمه ، وإذا نقص
لفظه تمّ حكمه ، ونقصان لفظه بحذف يائه وإتمام حكمه بلحوق التنوين به.
التاسع
: قال الكوفيون
: (لو لا) في قولك : لو لا زيد لأكرمتك ، أصلها (لو) والفعل ، والتقدير : لو لم
يمنعني زيد من إكرامك لأكرمتك ، إلا أنهم حذفوا الفعل تخفيفا وزادوا (لا) عوضا
فصار بمنزلة حرف واحد ، وصار هذا لمنزلة قولك : أما أنت منطلقا ، فحذفوا الفعل
وزادوا (ما) عوضا من الفعل.
__________________
قالوا : والذي
يدلّ على أنها عوض أنهم لا يجمعون بينها وبين الفعل ، لئلا يجمع بين العوض
والمعوّض منه.
العاشر
: قال أبو حيان
في (شرح التسهيل) : لا يجوز أن يجمع بين (إذا) الفجائية و (الفاء الرابطة) للجواب
نحو : إن تقم فإذا زيد قائم ، لأنها عوض منها ، فلا يجتمعان.
الحادي
عشر : قال في (البسيط)
: تصحب اللام اسم الإشارة ، فيقال : ذلك وهي عوض من حرف التنبيه للدلالة على تحقّق
المشار إليه ، ولذلك لا يجوز الجمع بينهما فيقال : هذا لك ، لئلا يجمع بين العوض
والمعوّض منه ، بخلاف الكاف فإنه يجوز الجمع بينهما لعدم العوض.
الثاني
عشر : قال الزمخشري
في (الأحاجي) : نحو قولهم : سنون وقلون وأرضون وحرون ـ جمع حرة ـ جعلوا
الجمع بالواو والنون عوضا من المحذوف فيها من لام أو حرف تأنيث.
وقال في (البسيط)
: (سنة) حذف لامها وجعل جمعها بالواو والنون عوضا من عود لامها ، فيقال (سنون) ،
فإذا جمعت على سنوات ، عادت اللام لأنه قياس جمعها وليس عوضا ، وأما (قلة) فتجمع
على قلون وقلات ، ولا تعود لامها في الجمعين لأن علامتها كالعوض من لامها بخلاف
جمعها على قلى ، وكذا (هنة) تجمع على هنوات ، ولا تعود اللام لأن الألف والتاء
صارا كالعوض ، وكذا (فئة وفئات ، وشية وشيات ، ورئة ورئون ، ورئات ، ومئة ومئون
ومئات) ، ونحو ذلك.
وقال ابن فلاح (في
المغني) : سمعت ألفاظا مجموعة جمع التصحيح جبرا لها لما دخلها من الوهن بحذف لام
أو تاء تأنيث أو إدغام قالوا : سنة وسنون ، وقلة وقلون ، وبرة وبرون ، وثبة وثبون
، وكرة وكرون ، ورئة ورئون ، ومئة ومئون ، وأرض وأرضون ، وحرة وحرون ، وهذا يتوقّف
على السماع لا مجال للقياس فيه. وقد غيروا بنية بعضه إشعارا بعدم أصالته في هذا
الجمع فكسروا أول (سنين) ، وكسروا وضمّوا أول (ثبين وكرين). وقيل : إن جمعها ليس
عوضا عن تاء التأنيث بل لأنها عندهم جارية مجرى من يعقل ، وقد كثر التعويض من
محذوف اللام لقوة طلب الكلمة للامها الذي هو من سنخها ، ولم يوجد التعويض في محذوف
التاء إلا في (أرض) ليكون الزائد في قوة الأصلي في المراعاة والطلب ، انتهى.
__________________
الثالث
عشر : الأسماء الستة حذفت لاماتها في حال إفرادها وجعل إعرابها
بالحروف كالعوض من لاماتها ، ذكره ابن يعيش في (شرح المفصّل) .
الرابع
عشر : قال ابن يعيش : الناصب للمنادى فعل مضمر تقديره : أنادي
زيدا أو أدعو ، ونحو ذلك ، ولا يجوز إظهار ذلك ولا التلفظ به لأن (يا) نابت عنه.
الخامس
عشر : قال ابن يعيش قال الخليل : اللام في المستغاث بدل من الزيادة اللاحقة في الندبة
آخر الاسم من نحو : يا زيداه ، ولذلك يتعاقبان ، فلا تدخل اللام مع ألف الندبة
ومجراهما واحد ، لأنك لا تدعو واحدا منهما ليستجيب في الحال كما في النداء.
السادس
عشر : قال ابن يعيش : هاء التنبيه في : يا أيّها الرجل ، زيدت
لازمة عوضا مما حذف منها ، والذي حذف منها الإضافة في قولك : أي الرجلين ، والصلة
التي في نظيرها وهي (من) ألا ترى أنك إذا ناديت (من) ، قلت : يا من أبوه قائم ،
ويا من في الدار.
السابع
عشر : قال ابن يعيش : الناس أصله أناس حذفوا الهمزة وصارت الألف
واللام في الناس عوضا منها ، ولذلك لا يجتمعان ، فأما قوله : [مجزوء الكامل]
٨٢ ـ إنّ المنايا يطّلعن
|
|
على الأناس
الآمنينا
|
فمردود لا يعرف
قائله.
الثامن
عشر : قال ابن يعيش : لا يجوز إظهار الفعل في التحذير إذا كرّر
الاسم نحو الأسد الأسد ، لأن أحد الاسمين كالعوض من الفعل فلم يجمع بينهما.
__________________
التاسع
عشر : قال ابن يعيش : قولهم : عذيرك من فلان ، مصدر بمعنى العذر ،
ورد منصوبا بفعل مقدّر كأنه قال : هات عذيرك أو احضره ، وضع موضع الفعل فصار
كالعوض من اللفظ به ، فلذلك لا يجوز إظهار الفعل لأنه أقيم مقام الفعل.
العشرون
: قال ابن يعيش : الخفض في المضاف إليه بالحرف المقدر الذي هو
(اللام) أو (من) ، وحسن حذفه لنيابة المضاف عنه وصيرورته عوضا عنه في اللفظ وليس
بمنزلته في العمل. قال : ونظير ذلك (واو ربّ) ، الخفض في الحقيقة ليس بها بل بربّ
المقدرة ، لأن الواو حرف عطف وحرف العطف لا يخفض ، وإنما هي نائبة في اللفظ عن (ربّ).
الحادي
والعشرون : قال ابن يعيش : إذا قلت : رأيت القوم أجمعين ، كان في تقدير
: رأيت القوم جميعهم ، وكان يجب أن تقول : جاء القوم كلّهم أجمعهم أكتعهم أبصعهم ،
فحذفوا المضاف إليه وعوّضوا من ذلك الجمع بالواو والنون ، فصارت الكلمة بذلك يراد
بها المضاف والمضاف إليه ، ولهذا لم يجرين على نكرة ، وصار ذلك كجمعهم أرضا على
أرضين عوضا من تاء التأنيث.
فإن قيل : تاء
التأنيث تتنزل من الاسم منزلة جزء منه ولذلك كانت حروف الإعراب منه ، فقالوا :
قائمة وقاعدة ، عوّضوا منها كما عوّضوا مما حذف من نفس الكلمة ، نحو : مائة ومئين
، وقلة وقلين ، وثبة وثبين ، والمضاف إليه كلمة قائمة بنفسها وحرف الإعراب ما
قبلها.
فالجواب : أن
المضاف إليه أيضا يتنزّل من المضاف منزلة ما هو من نفس الاسم ، ولذلك لا يفصل
بينهما ، وإذا صغرت نحو : عبد الله وامرئ القيس ، إنما يصغّر الاسم المضاف دون
المضاف إليه ، كما تفعل ذلك في علم التأنيث نحو : طليحة وحميراء ، يصغّر المصدر
ويبقى علم التأنيث بحاله ، فلما تنزّل المضاف إليه من المضاف منزلة الجزء من
الكلمة جاز أن يعوّض منه إذا حذف وأريد معناه.
الثاني
والعشرون : قال ابن هشام في (المغني) : لا يجوز حذف خبر كان لأنه عوض أو كالعوض من مصدرها ،
ومن ثم لا يجتمعان.
__________________
وقال ابن القوّاس
في (شرح الدرّة) : (كان) من حيث إنها فعل لها مصدر في الأصل إلا أنه لا يستعمل مع
خبرها ، لأن الخبر عوض منه ، ولا يجمع بين العوض والمعوض منه.
الثالث
والعشرون : قال السّخاوي في (تنوير الدّياجي في تفسير الأحاجي) : (ما) في قولك : أمّا
أنت أنت منطلقا انطلقت ، عوض من كان ، إذ الأصل : لأن كنت منطلقا ، ولهذا لا يجوز
إظهار الفعل معها عند سيبويه ، وإن جعلت ما توكيدا لم يمتنع إظهار الفعل وهو قول
المبرد.
الرابع
والعشرون : (أمّا) في قولهم : أمّا زيد فمنطلق ، جعلت عوضا عن مهما يكن من
شيء ، ولهذا لا يذكر الفعل بعدها ، ذكره السخاوي.
الخامس
والعشرون : (ما) في قولهم
: افعل هذا إمّا لا ، عوض من جملة ، إذ الأصل : إن كنت لا تفعل غيره ، حذفت الجملة
وصارت (ما) عوضا منها ، فلا يجمع بينهما ، ذكره السخاوي.
السادس
والعشرون : قد وسوف والسين وحرف النفي جعلت عوضا مما سقط من أن المفتوحة المخففة إذا
دخلت على الفعل ، فإذا عاد الساقط زال العوض ، ذكره الزمخشري في (الأحاجي) .
السابع
والعشرون : قولهم : زرني أزرك ، حقيقته ، زرني فإنّك إن تزرني أزرك ، فحذفت جملة
الشرط وجعل الأمر عوضا منها ، ذكره ابن جنّي في (كتاب التعاقب).
قال : ومثل ذلك
أيضا الفعل المجزوم في جواب النهي والاستفهام والتمني والدعاء والعوض وجميع ذلك
الجمل الظاهرة ، فيه أعواض من الجمل المحذوفة المقدّرة ، وتقدير الشرط نحو : لا
تشتمه يكن خيرا لك ، أين بيتك أزره ، أي : إن أعرفه أزره ، ليت لي مالا أتصدّق به
، اللهم ارزقني بعيرا أحجّ عليه ، ألا تنزل عندنا تصب خيرا ، فكلّ ذلك محذوفة منه
جملة الشرط معوّضا منها الجمل المذكورة.
الثامن
والعشرون : قولهم : أنت ظالم إن فعلت ، تقديره : إن فعلت ظلمت ، حذف جواب الشرط ،
وجعلت الجملة المتقدّمة فيه عوضا من المحذوف ، ولا يجوز جعل الجملة المذكورة هي
الجواب لأن جواب الشرط لا يتقدم ، ذكره ابن جنّي.
__________________
التاسع
والعشرون : (ما) في حيثما
وإذ ما جيء بها عوضا من إضافتهما إلى الجملة ، ذكره ابن جنّي.
الثلاثون
: الجملة التي
هي جواب القسم جعلت عوضا من خبر المبتدأ في نحو : لعمرك لأفعلنّ ، وايمن الله
لأفعلن ، فوجب حذفه ولم يجز ذكره ، ذكره ابن جنّي .
الحادي
والثلاثون : جواب (لو لا) في قولك : لو لا زيد لقمت ، جعل عوضا من خبر المبتدأ أو
معاقبا له فوجب حذفه ، ذكره ابن جنّي.
الثاني
والثلاثون : قولك : ليت شعري هل قام زيد؟ فهل قام زيد : جملة منصوبة المحلّ (بشعري)
لأنه مصدر شعرت ، وشعرت فعل متعدّ فمصدره متعدّ مثله ، وهذه الجملة نابت عن خبر (ليت)
وصارت عوضا منه فلا تظهر في هذا الموضع اكتفاء بها ، ذكره ابن جنّي.
الثالث
والثلاثون : (يد) و (غد)
أصلهما يدي وغدو ، بسكون العين ، حذفت اللام وعوض منها حركة العين ، ذكره ابن
جنّي.
الرابع
والثلاثون : قال ابن هشام في (المغني) : لكون الباء والهمزة متعاقبتين لم يجز : أقمت
بزيد ، وكذا قال الحريري في (درّة الغواص) : الجمع بينهما ممتنع ، كما لا يجمع بين حرفي
الاستفهام.
الخامس
والثلاثون ، والسادس والثلاثون : قال ابن جنّي في (سرّ الصناعة) : أما قولهم : (لا ها
الله) فإن (ها) صارت عندهم عوضا من الواو ، ألا تراها لا تجتمع معها ، كما صارت
همزة الاستفهام في (آلله إنك لقائم) عوضا من الواو. وقال الشلوبين في (شرح
الجزولية) : أمّا (آلله) بالمدّ فعلى أن همزة الاستفهام صارت عوضا من حرف القسم ،
ودليل كونها عوضا أنه لا يجمع بينها وبين حرف القسم لا تقول أو الله لأفعلنّ.
السابع
والثلاثون : قال الأندلسي في (شرح المفصل) : يقال : إن (واو) القسم عوض من الفعل بخلاف
الباء ، فإنها ليست عوضا منه ، ومن ثم جاز : أقسمت بالله ، ولم يجز : أقسمت والله.
الثامن
والثلاثون : قال ابن إياز : لا يجوز إظهار (أن) الناصبة بعد (حتى) ، لأن
__________________
حتى جعلت عوضا منها فلا يجوز إظهارها ، لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوّض
منه.
التاسع
والثلاثون : قال ابن عصفور في (شرح الجمل) : المنصوب على إضمار فعل تارة يجعل عوضا من
الفعل المحذوف وتارة لا ، فإن لم يجعل عوضا منه جاز إضماره وإظهاره كقولك لمن
تأهّب للحج : مكة ، أي : تريد ، ولمن سدّد سهما : القرطاس ، أي : أصبت ، وإن شئت
أظهرته. وإن جعل عوضا منه لم يجز إظهاره لئلا يجمع بين العوض والمعوّض منه ، إلا
أن جعل الاسم المنصوب عوضا من الفعل المحذوف لا يطرد ، وإنما جاء ذلك في مواضع
تحفظ ولا يقاس عليها.
فمن ذلك قولهم
: مرحبا ، وأهلا ، وسهلا ، وسعة ، ورحبا ، فإنما جعلت العرب هذه الأسماء عوضا من
الأفعال لكثرة الاستعمال.
ومن ذلك :
هنيئا مريئا ، وكرامة ومسرّة ، ونعمة عيش ، وسقيا ورعيا ، وسحقا وبعدا ، وتعسا
ونكسا ، وبهرا ، وما أشبه ذلك من المصادر التي استعملت في الدعاء للإنسان أو عليه
، أو هي حاكية لذلك ، كلها منصوبة بإضمار فعل لا يظهر ، لأنها صارت عوضا من الفعل
الناصب لها ، انتهى.
الأربعون
: قال ابن
الدهان في (الغرّة) : قال قوم : إنما امتنع دخول الجرّ في الفعل لأن الجزم في
الفعل عوض من الجرّ في الاسم ، فيستحيل الجمع بين العوض والمعوّض منه.
الحادي
والأربعون : قال ابن الصائغ في (تذكرته) : نقلت من مجموع بخطّ علي ابن عبد الصمد بن
محمد بن الرّماح قال : الفرق بين حسن وجهه ، وعبد بطنه ، وواحد أمه ، حيث يبعد
الأول لأن فيه جمعا بين العوض والمعوّض منه. إذ إثبات الهاء في وجهه يقتضي أن يكون
الوجه فاعلا بالصفة دون الثاني ، لأنه لا يصحّ رفع البطن بعبد ، والأم بواحد ، ثم
ينقل كما في حسن ، نحو : حسن أبوه ثم حسن الأب.
الثاني
والأربعون : قال ابن القوّاس في (شرح الدرة) : قد عوّضوا عن الواو في القسم ثلاثة أحرف
هاء التنبيه وألف الاستفهام وقطع همزة الوصل فجرّوا بها لنيابتها عنها ، بدليل
امتناع الجمع بين هذه الأحرف وبينها.
تنبيه : الجمع بين العوضين
قال السخاوي في
(تنوير الدياجي) : أبدلوا من ياء الإضافة تاء في نحو : يا أبت ويا أمت ، وأبدلوا
منها ألفا فقالوا : يا أبا ، ويا أما ، فلها بدلان التاء والألف ثم جمعوا
بينهما فقالوا : يا أبتا ، ويا أمتا ، ولم يعدّوا ذلك جمعا بين العوض
والمعوّض عنه لأنه جمع بين العوضين. وكذا ذكر ابن النحاس في (التعليقة) وقال : لا
يكره الجمع بين العوضين كما يكره الجمع بين العوض والمعوّض منه.
تنبيه : عدم الجمع بين الإبدال من الحرف والتعويض
قال ابن جني في
(كتاب التعاقب) : لا يجمع بين أن يبدل من الحرف ويعوّض منه ، هذا لم يأت في شيء من
كلامهم.
تنبيه : لا بدّ في التعويض من فائدة
قال أبو حيان :
قال بعض أصحابنا : في قول النحاة إن التاء في فرازنة) عوض من الياء نظر ، إذ يمكن
أن تكون للجمع كما استقرّت في غير هذا الموضع ، وأمكن أنهم لم يجمعوا بينها وبين
التاء ، لأن الاسم يطول بهما وهما غير واجبين في الكلمة ، وعند ما رأى النحاة أنها
تعاقبها ، اعتقدوا فيها أنها للمعاوضة حتى نسبوا ذلك للعرب وجعلوا أنهم وضعوها على
معنى المعاوضة ، والمعاوضة ليس معنى تعتبره العرب بحيث تجعل الهاء له بالقصد ، بل
هذه عبارة تكون من النحويّ عند رؤية التعاقب في كلامهم ، وإن كان سيبويه قد جرى
على مثل هذه الطريقة في الأعواض ، إلا أنه لا يقدح فيه معنى ، بل إنما ينبغي أن
ينسب إلى العرب المعاوضة إذا كان للتعويض فائدة ، وأي فائدة في إسقاط حرف وزيادة
آخر! ، انتهى.
قلت : هذا
السؤال قد تعرّض له ابن جنّي وأجاب عنه فقال في (كتاب التعاقب) : فإن قلت فلعلّ
الهاء في (زنادقة) و (جحاجحة) لتأنيث الجمع كهاء (ملائكة) و (صياقلة) فلا تكون
عوضا ، قلنا : لم تأت الهاء لتأنيث الجمع في مثال (مفاعيل) ، إنما جاءت في مثال (مفاعلة)
نحو : ملائكة ، انتهى.
قاعدة : العوض لا يحذف التغليب
ما كان عوضا لا
يحذف ، فلا تحذف (ما) في : أمّا أنت منطلقا انطلقت ، ولا كلمة (لا) من قولهم :
افعل هذا إمّا لا ، ولا (التاء) من عدة وإقامة واستقامة. فأما قوله تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) [الأنبياء : ٧٣] و [النور : ٣٧] فمما يجب الوقوف عنده ، ومن هنا قال ابن
مالك : إن العرب لم تقدر أحرف النداء عوضا من أدعو أو أنادي لإجازتهم حذفها. وقال
الأبذيّ في (شرح الجزولية) : إن قال قائل : لم جاز دخول (يا) على هذا ولا تدخل على
الألف واللام؟
فالجواب ما قال
المازنيّ : إن أصل هذا أن تشير به إلى واحد حاضر ، فلما دعوته نزعت منه الإشارة
التي كانت فيه وألزمته إشارة النداء فصارت (يا) عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك
لا يقال : هذا أقبل ، لأن (يا) قد صارت عوضا من الإشارة.
التغليب
قال ابن هشام
في (المغني) : القاعدة الرابعة أنهم يغلبون على الشيء ما لغيره
لتناسب بينهما أو اختلاط ، فلهذا قالوا : الأبوين في (الأب والأم) وفي الأب
والخالة ، والمشرقين والمغربين والخافقين في المشرق والمغرب ، وإنما الخافق المغرب
سمّي خافقا مجازا ، وإما هو مخفوق فيه ، والقمرين في الشمس والقمر ، والعمرين في
أبي بكر وعمر ، والعجاجين في رؤبة والعجاج ، والمروتين في الصّفا والمروة ، ولأجل
الاختلاط أطلقت (من) على ما لا يعقل في نحو : (فَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] الآية. واسم المخاطبين على الغائبين في نحو قوله تعالى : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة : ٢١] ، لأن (لعلّ) متعلقة بخلقكم لا باعبدوا ، والمذكّرين على
المؤنث حتى عدت منهم في : (وَكانَتْ مِنَ
الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] والملائكة على إبليس حتى استثني منهم في : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [البقرة : ٣٤].
ومن التغليب : (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراب : ٨٨] ، فإن شعيبا عليه السلام لم يكن في ملّتهم قطّ بخلاف الذين
آمنوا معه ، وقوله : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) [الشورى : ١١] فإن الخطاب فيه شامل للعقلاء والأنعام ، فغلب المخاطبون
والعقلاء على الغائبين والأنعام. قالوا : ويغلب المؤنث على المذكر في مسألتين :
إحداهما
: (ضبعان) في تثنية ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر ، إذ لم
يقولوا ضبعانات.
والثانية
: (التاريخ) ، فإنهم أرّخوا بالليالي دون الأيام ، ذكر ذلك
الزجاجي وجماعة.
قال ابن هشام :
وهو سهو ، فإن حقيقة التغليب أن يجتمع شيئان فيجري حكم أحدهما على الآخر ولا يجتمع
اللّيل والنهار ولا هنا تعبير عن شيئين بلفظ أحدهما ، وإنما أرخت العرب بالليالي
لسبقها إذ كانت أشهرهم قمرية ، والقمر إنما يطلع ليلا.
__________________
وقال ابن فلاح
في (مغنيه) : العرب تغلب الأقرب على الأبعد بدليل تغليب المتكلّم على المخاطب ،
وهما على الغائب في الأسماء ، نحو : أنا وأنت قمنا ، وأنت وزيد قمتما. واستدلّ
بذلك على أن المضارع حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال ، لأن الحال أقرب والعرب
تغلب الأقرب على الأبعد.
التغيير يأنس بالتغيير
فمن ذلك قال
أبو حيان : باب النسب بني على ثلاث تغييرات :
لفظي
: وهو كسر ما
قبل الياء وانتقال الإعراب إليها.
ومعنوي
: وهو صيرورته
اسما لما لم يكن له ، ألا ترى أن (عليّا) مثلا يطلق على رجل اسمه عليّ ، فإذا نسب
إليه صار يطلق على رجل ينسب إلى عليّ.
وحكمي
: وهو رفعه لما
بعده على الفاعلية المشتقة نحو : مررت برجل قرشيّ أبوه ، كأنك قلت : منتسب إلى
قريش أبوه ، ويطّرد ذلك فيه ، وإن لم يكن مشتقا وإن لم يرفع الظاهر رفع الضمير
مستكنا فيه كما يرفعه اسم الفاعل المشتق ، فهذه ثلاث تغييرات ، ولما كان فيه هذه
التغييرات كثر فيه التغيير والخروج عن القياس إذ التغيير يأنس بالتغيير.
وقال غيره :
النسب يغير الاسم تغييرات ، منها أنه ينقله من التعريف إلى التنكير ، تقول في تميم
: تميميّ ، والإضافة في غير هذا الباب حكمها في الأكثر أن تعرف.
ومنها : أنه
ينقله من الجمود إلى الاشتقاق وإلا لما جاز وصف المؤنث به ولحاقه التاء ، ولما عمل
الرفع فيما بعده من ظاهر أو ضمير.
ومن ذلك قال ابن يعيش : إنما اختصّت الأعلام بالحكاية دون سائر
المعارف لكثرة دورها وسعة استعمالها في باب الإخبارات والعلامات ونحوها ، ولأن
الحكاية ضرب من التغيير إذ كان في عدول عن مقتضى عمل العامل ، والأعلام مخصوصة
بالتغيير ، ألا ترى أنهم قالوا : حيوة ومحبب ومكوزة ، وشاع فيها الترخيم دون غيرها
من الأسماء ؛ لأنها في أصلها مغيّرة بنقلها إلى العلمية ، والتغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال
السخاوي في (تنوير الدياجي) : دخلت تاء التأنيث في أم وأب
__________________
في حال النداء عوضا من ياء الإضافة نحو : يا أمّت ويا أبت ، والأصل : يا
أمّي ويا أبي ، والدليل على أنها تاء التأنيث قولهم في الوقف : يا أبه ويا أمه ،
وإنما اختصّ ذلك بالنداء لأنه من باب التغيير.
ومن ذلك قال ابن يعيش : يجوز ترخيم ما فيه تاء التأنيث وإن لم يكن
علما نحو : يأثب ويا عض ، في ثبة وعضة ، لأنها تبدل هاء في الوقف أبدا لا مطردا ،
فساغ حذفها ؛ لأن التغيير اللازم لها من نقلها من التاء إلى الهاء يسهل تغييرها
بالحذف ، لأن التغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال
ابن النحاس في (التعليقة) : لا يرخّم المتعجّب منه لأنا لا نرخّم إلا ما أحدث فيه
النداء البناء ، وليس بمندوب ، لأنه لما تطرق إليه التغيير بالبناء جاز أن يتطرق
إليه تغيير آخر بالترخيم ، لأ التغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال
ابن فلاح في (المغني) : إنما اتبعت حركة المنادى لحركة الصفة إذا كانت (ابنا) بين
علمين لكثرة تغيير الأعلام بالنقل ، والتغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال
السخاوي : باب فعيلة إذا نسب إليه يحذف منه التاء ثم الياء ، فيقال في حنيفة :
حنفيّ ، لأن ياء النسبة لما تسلطت على حذف التاء تسلطت على حذف الزائد الآخر ،
والتغيير يأنس بالتغيير ، بخلاف باب (فعيل) فلا تحذف منه الياء نحو : تميم وتميميّ
، لفقد العلّة المذكورة ، وكذا قال ابن النحاس : لما تطرق إليه التغيير بحذف تاء
التأنيث جاز أن يتطرّق إليه تغيير آخر لأن التغيير يأنس بالتغيير.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : إنما اختصّ العلم بالترخيم لوجهين :
أحدهما
: أن الأعلام
منقولة في الأغلب عن وضعها الأول إلى وضع ثان ، والنقل تغيير والترخيم تغيير ،
والتغيير يأنس بالتغيير ، كما قلنا في حذف الياء في النسب إلى حنيفة تبعا لحذف
التاء دون حذفها من حنيف.
والثاني
: أن النداء
أثّر فيها التغيير بالبناء ، والتغيير يأنس بالتغيير.
ومن ذلك قال
ابن عصفور في (شرح الجمل) : والذي خرج عن نظائره (أيّ) من الموصولات ، وذلك أن كلّ
موصول إذا وصل بالمبتدأ والخبر ولم يكن في الصلة طول وكان المبتدأ مضمرا لم يجز
حذف المبتدأ وإبقاء الخبر إلا في ضرورة شعر ، ويجوز حذف المبتدأ في (أيّ) ، في
فصيح الكلام ، نحو : يعجبني أيّهم هو قائم ، وإن
__________________
شئت قلت : أيّهم قائم ، فلما غيّروها بالخروج عن نظائرها غيّروها أيضا
بالبناء ، لأن التغيير يأنس بالتغيير.
التقاصّ
منه حمل الجرّ
على النصب في باب ما لا ينصرف ، كما حمل النصب على الجرّ في باب جمع المؤنث السالم
وفي التثنية والجمع المذكر السالم طلبا للمقاصّة ، ذكره في (البسيط).
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : أبدلت الهمزة من الهاء في ماء وشاء والأصل : موه وشوه
، وفي أيهات والأصل : هيهات ، وكان ذلك لضرب من التقاصّ لكثرة إبدال الهاء من
الهمزة ، قالوا : هن فعلت ، والمراد (إن) ، وهبرت الثوب في أبرته.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : قلبت الهمزة في نحو : صحراء وعشراء ونفساء واوا في الجمع بالألف
والتاء ، فيقال : صحراوات وعشراوات ونفساوات ، لأن الواو قد تبدل همزة فأبدلت
الهمزة واوا طلبا للتقاصّ.
تقارض اللفظين
هو قريب من
الباب الذي قبله ، وقد ذكر ابن هشام هذه القاعدة في (المغني) فقال : القاعدة الحادية عشرة من ملح كلامهم تقارض اللفظين
ولذلك أمثلة :
أحدها
: إعطاء (غير)
حكم (إلا) في الاستثناء بها ، وإعطاء (إلّا) حكم (غير) في الوصف بها.
الثاني
: إعطاء (أن)
المصدرية حكم (ما) المصدرية في الإهمال كقوله : [البسيط]
٨٣ ـ أن تقرآن على أسماء ويحكما
|
|
منّي السّلام
وأن لا يشعرا أحدا
|
__________________
وإعمال (ما)
حملا على (أن) نحو : (وكما تكونوا يولّى عليكم) ذكره ابن الحاجب.
الثالث
: إعطاء (إن)
الشرطية حكم (لو) في الإهمال نحو : «فإن لا تراه فإنه يراك» ، وإعطاء (لو) حكم (إن) في الجزم نحو : [الرمل]
٨٤ ـ لو يشأ طار بها ذو ميعة
|
|
[لاحق الآطال نهد ذو خصل]
|
ذكره ابن
الشجري.
الرابع
: إعطاء (إذا)
حكم (متى) في الجزم بها كقوله : [الكامل]
٨٥ ـ [واستغن ما أغناك ربّك بالغنى]
|
|
وإذا تصبك
خصاصة فتجمّل
|
وإهمال (متى)
حملا على (إذا) كقول عائشة رضي الله عنها : «وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس» .
الخامس
: إعطاء (لم)
حكم (لن) في عمل النصب قرئ (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الانشراح : ١] وفي إعطاء (لن) حكم (لم) في الجزم كقوله : [المنسرح]
٨٦ ـ لن يخب الآن من رجائك من
|
|
حرّك من دون
بابك الحلقه
|
__________________
السادس
: إعطاء (ما)
النافية حكم (ليس) في الإعمال ، وإعطاء (ليس) حكم (ما) في الإهمال عند انتقاض
النفي بإلا كقولهم : ليس الطّيب إلا المسك .
السابع
: إعطاء (عسى)
حكم (لعلّ) في العمل كقوله : [الرجز]
٨٧ ـ يا أبتا علّك أو عساك
وإعطاء لعل حكم
عسى في اقتران خبرها بأن.
الثامن
: إعطاء الفاعل
إعراب المفعول وعكسه كقولهم : خرق الثوب المسمار ، وقوله : [البسيط]
٨٨ ـ [مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت]
|
|
بخران أو
بلغت سوآتهم هجر
|
التاسع
: إعطاء (الحسن
الوجه) حكم (الضارب الرجل) في النصب ، وإعطاء (الضارب الرجل) حكم (الحسن الوجه) في
الجرّ.
العاشر
: إعطاء (أفعل)
في التعجب حكم (أفعل) التفضيل في جواز التصغير ، وإعطاء أفعل التفضيل حكم أفعل في
التعجب في أنه لا يرفع الظاهر.
قال : ولو ذكرت
أحرف الجرّ ودخول بعضها على بعض في معناه لجاء من ذلك أمثلة كثيرة.
وذكر محمد بن
مسعود بن الزكي في كتابه (البديع) أن (الذي) (وأن) المصدرية يتقارضان فتقع الذي
مصدرية كقوله : [الطويل]
__________________
٨٩ ـ أتقرح أكباد المحبّين كالّذي
|
|
أرى كبدي من
حبّ ميّة تقرح
|
وتقع (أن)
بمعنى (الذي) كقولهم : زيد أعقل من أن يكذب ، أي : من الذي يكذب.
قال ابن هشام :
فأما وقوع (الذي) مصدرية فقال به يونس والفراء والفارسي وارتضاه ابن خروف وابن
مالك ، وجعلوا منه : (ذلِكَ الَّذِي
يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) [الشورى : ٢٣] ، (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي
خاضُوا) [التوبة : ٦٩] وأما عكسه فلم أعرف قائلا به ، والذي جرى عليه إشكال هذا
الكلام بأن ظاهرة تفضيل زيد في العقل على الكذب وهذا لا معنى له ، ونظائر هذا
التركيب مشهورة الاستعمال وقلّ من يتنبه لإشكالها.
قال : وظهر لي
توجيهان :
أحدهما
: أن يكون في
الكلام تأويل على تأويل فيؤوّل (أن) والفعل بالمصدر فيؤوّل إلى المعنى الذي أراده
ولكن بوجه يقبله العلماء ، ألا ترى أنه قيل في قوله تعالى : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ
يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] أن التقدير : ما كان افتراء ، ومعنى هذا : ما كان مفترى.
الثاني
: أن (أعقل) ضمن
معنى (أبعد) ، فمعنى المثال : زيد أبعد من الكذب لفضله من غيره (فمن) المذكورة
ليست الجارّة للمفضول بل متعلّقة بأفعل لما تضمّنه من معنى البعد لا لما فيه من
المعنى الوصفيّ ، والمفضل عليه متروك أبدا مع أفعل هذا لقصد التعميم ، وفي (شرح
الدرة) لابن القوّاس : شبهت (ليس) بلا فحملت عليها في العطف كما حملت (لا) عليها
في العمل ، قال بعضهم في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١] ، خرّج المازني الآية على أنّ (إنّ) وإن كانت مشدّدة فهي
النافية بمعنى (ما) ثقلت كما أنّ (إنّ) المشددة لا تخفّف وهذا من التقارض.
فائدة : تقارض إلّا وغير
قال الزمخشري (في
المفصّل) : واعلم أن إلّا وغير يتقارضان ما لكل واحد منهما.
__________________
قال ابن يعيش : معنى التقارض أن كل واحد منهما يستعير من
الآخر حكما هو أخصّ به ، فأصل غير أن يكون وصفا والاستثناء فيه عارض معار من إلا.
التقدير
فيه مباحث :
الأول
: قال ابن هشام : القياس أن يقدّر الشيء في مكانه الأصلي ،
لئلا يخالف الأصل من وجهي الحذف ووضع الشيء في غير محله ، فيجب أن يقدّر المفسر في
نحو : زيدا رأيته ، مقدما عليه.
وجوّز
البيانيون تقديره مؤخّرا عنه ، وقالوا : إنه يفيد الاختصاص حينئذ ، وليس كما
توهموا ، وإنما يرتكب ذلك عند تعذر الأصل أو عند اقتضاء أمر معنوي لذلك. فالأول
نحو : أيّهم رأيته ، إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] فيمن نصب ، إذ لا يلي أما فعل ، وكنا قدمنا في نحو : في الدار
زيد ، أن متعلّق الظرف يقدّر مؤخرا عن زيد لأنه في الحقيقة الخبر ، وأصل الخبر أن
يتأخر عن المبتدأ ، ثم ظهر لنا أنه يحتمل تقديره مقدما لمعارضة أصل آخر وهو أنه
عامل في الظرف ، وأصل العامل أن يتقدم على المعمول ، اللهم إلا أن يقدر المتعلق
فعلا فيجب التأخير ، لأن الخبر الفعلي لا يتقدم على المبتدأ في مثل هذا ، وإذا قلت
: إن خلفك زيدا ، وجب تأخير المتعلق فعلا كان أو اسما ، لأن مرفوع (إن) لا يسبق
منصوبها ، وإذا قلت : كان خلفك زيد ، جاز الوجهان ، ولو قدرته فعلا لأن خبره كان
يتقدّم مع كونه فعلا على الصحيح ، إذ لا تلتبس الجملة الاسمية بالفعلية.
والثاني : نحو
متعلّق البسملة الشريفة ، فإن الزمخشري قدّره مؤخرا عنها ، لأن قريشا كانت تقول : باسم اللّات
والعزّى نفعل كذا ، فيؤخرون أفعالهم عن ذكر ما اتخذوه معبودا تفخيما لشأنه
بالتقديم فوجب على الموحّد أن يعتقد ذلك في اسم الله تعالى فإنه الحقيقي بذلك.
الثاني
: ينبغي تقليل
المقدّر ما أمكن لنقل مخالفة الأصل ، ولذلك كان تقدير الأخفش : ضربي زيدا قائما ،
ضربه قائما ، أولى من تقدير باقي البصريين : حاصل إذ
__________________
كان ، أو إذ كان قائما ، لأنه قدّر اثنين وقدّروا خمسة ، ولأن التقدير من
اللفظ أولى ، وكان تقديره في : أنت مني فرسخان ، بعدك مني فرسخان ، أولى من تقدير
الفارسي : أنت مني ذو مسافة فرسخين ، لأنه قدر مضافا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء
آخر يتعلق به الظرف ، والفارسي قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير ثالث ، وضعف قول
بعضهم في (وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] إن التقدير : حبّ عبادة العجل ، والأولى تقدير الحبّ فقط ،
وضعّف قول الفارسي ومن وافقه في (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) [الطلاق : ٤] الآية ، أن الأصل ـ واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ـ والأولى
أن يكون الأصل واللائي لم يحضن كذلك ، تقليلا للمحذوف.
الثالث
: إذا استدعى
الكلام تقدير أسماء متضايفة أو موصوف وصفة مضافة ، أو جار ومجرور ومضمر عائد على
ما يحتاج إلى الربط ، فلا يقدر أن ذلك حذف دفعة واحدة بل على التدريج ، فالأولى
نحو : (كَالَّذِي يُغْشى
عَلَيْهِ) [الأحزاب : ١٩] أي كدوران عين الذي والثاني. نحو : [الطويل]
٩٠ ـ إذا قامتا تضوّع المسك منهما
|
|
نسيم الصّبا [جاءت
بريّا القرنفل]
|
أي : تضوّعا
مثل تضوّع نسيم الصبا. والثالث : كقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً
لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي : لا تجزي فيه ، ثم حذف في فصار لا تجزئه ، ثم حذف الضمير
منصوبا لا مخفوضا قاله الأخفش.
الرابع
: ينبغي أن
يقدّر المقدّر من لفظ المذكور مهما أمكن ، فيقدر في : ضربي زيدا قائما ، ضربه
قائما ، فإنه من لفظ المبتدأ دون (إذ كان) أو (إذا كان) ، ويقدر : اضرب ، دون :
أهن في : زيدا اضربه ، فإن منع من تقدير المذكور مانع معنوي أو صناعي قدر ما لا
مانع له ، فالأول ، نحو : زيدا اضرب أخاه ، يقدّر فيه أهن دون اضرب. فإن قلت :
زيدا أهن أخاه ، قدّرت أهن ، والثاني نحو : زيدا امرر به ، يقدّر فيه جاوز دون
امرر ، لأنه لا يتعدّى بنفسه ، نعم إن كان العامل مما يتعدّى تارة بنفسه وتارة
بحرف الجرّ نحو : (نصح) في قولك : زيدا نصحت له ، جاز أن نقدر نصحت زيدا ، بل هو
أولى من تقدير غير الملفوظ به.
__________________
ومما لا يقدر
فيه مثل المذكور لمانع صناعي قوله : [الرجز]
٩١ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا
|
|
[إني رأيت الناس يحمدونكا]
|
إذا قدّر دلوي
منصوبا فالمقدّر خذ ، لا دونك وقوله : [الطويل]
٩٢ ـ [أكرّ وأحمى للحقيقة منهم]
|
|
وأضرب منّا
بالسيوف القوانسا
|
الناصب فيه
للقوانس فعل محذوف لا اسم تفضيل محذوف ، لأنا فررنا بالتقدير من إعمال اسم التفضيل
المذكور في المفعول ، فكيف يعمل فيه المقدّر؟ وقولك : هذا معطي زيدا أمسى درهما ،
التقدير : أعطاه ، ولا يقدّر اسم فاعل ، لأنك إنما فررت بالتقدير من إعمال اسم
الفاعل الماضي المجرد من (أل).
الخامس
: قد يكون اللفظ
على تقدير وذلك المقدر على تقدير آخر نحو (وَما كانَ هذَا
الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) [يونس : ٣٧] فأن يفترى مؤوّل بالافتراء ، والافتراء مؤوّل بمفترى (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجادلة : ٣] ، قيل : ما قالوا بمعنى القول والقول بتأويل المقول ، وقال
أبو البقاء في : (حَتَّى تُنْفِقُوا
مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢] يجوز عند أبي علي كون (ما) مصدرية والمصدر في تأويل اسم
المفعول.
السادس
: قال أبو
البقاء في (التبيين) : ليس كل مقدّر عليه دليل من اللفظ بدليل المقصور ، فإن
الإعراب فيه مقدّر وليس له لفظ يدلّ عليه ، وكذلك الأسماء الستة عند سيبويه ،
الإعراب مقدّر في حروف المدّ منها ، وإن لم يكن في اللفظ ما يدلّ عليه.
التقديم والتأخير
قال ابن السراج
في (الأصول) : الأشياء التي لا يجوز تقديمها ثلاثة عشر : (١) الصلة
على الموصول. (٢) والمضمر على الظاهر في اللفظ والمعنى إلا ما جاء
__________________
منه على شريطة التفسير. (٣) والصفة وما اتّصل بها على الموصوف ، وجميع
توابع الأسماء. (٤) والمضاف إليه وما اتصل به على المضاف. (٥) وما عمل فيه حرف أو
اتصل به لا يقدّم على الحرف ، وما شبه من هذه الحروف بالفعل فنصب ورفع فلا يقدم
مرفوعها على منصوبها. (٦) والفاعل لا يقدم على الفعل. (٧) والأفعال التي لا تتصرف
لا يقدم عليها ما بعدها. (٨) والصفات المشبهة بأسماء الفاعلين والصفات التي لا
تشبه أسماء الفاعلين لا يقدم عليها ما عملت فيه. (٩) والحروف التي لها صدر الكلام
لا يقدم ما بعدها على ما قبلها. (١٠) وما عمل فيه معنى الفعل فلا يقدم المنصوب
عليه. (١١) ولا يقدم التمييز وما بعد إلا. (١٢) وحروف الاستثناء لا تعمل فيما
قبلها. (١٣) ولا يقدم مرفوعه على منصوبه ، ولا يفرق بين العامل والمعمول فيه بشيء
لم يعمل فيه العامل إلا الاعتراضات.
وأما ما يجوز
تقديمه : فكل شيء عمل فيه فعل يتصرف وكان خبر المبتدأ سوى ما استثنينا ، انتهى
كلام ابن السراج.
تقوية الأضعف وإضعاف الأقوى
قال ابن جني في
(الخاطريات) : العرب تضعف الأقوى وتقوّي الأضعف تصرفا وتلعبا.
فمن تقوية
الأضعف الوصف بالاسم نحو : مررت بقاع عرفج كلّه ، وبصحيفة طين خاتمها ، وهو كثير.
وذلك أن معنى الوصف في الاسم حكم زائد على شرط الاسمية ، ألا ترى كل وصف اسما أو
واقعا موقع الاسم ، وليس كل اسم وصفا ، فالوصفية معنى زائد على الاسمية.
ومن تقوية
الأسماء إعمالها عمل الفعل ، وذلك أن العمل معنى قوي زائد على شرط الاسمية.
ومن إضعاف
الأقوى : منع فعل التعجب التصرف أو تقديم مفعوله عليه ، وكذلك نعم وبئس وعسى ،
ومنه : والد ، وصاحب ، وعبد ، أصلها الوصف ثم منعته ، وكذلك (لله درّك) أصله
المصدر ثم منع المصدرية ، وكذلك ما لا ينصرف أصله الانصراف ، ومبني الأسماء أصله
الإعراب ، والموجود من هذين الضربين كثير إلا أن هذا وجه حديثهما ، انتهى.
تكثير الحروف يدلّ على تكثير المعنى
عقد له ابن
جنّي بابا في (الخصائص) وترجم عليه ، باب في قوة اللفظ لقوة المعنى.
قال : هذا فصل
من العربية حسن. منه قولهم : خشن ، واخشوشن ، فمعنى خشن دون معنى اخشوشن لما فيه
من تكرير العين وزيادة الواو ، وكذا قولهم : أعشب المكان ، فإذا أرادوا كثرة العشب
فيه قالوا : اعشوشب ، ومثله : حلا واحلولى ، وخلق واخلولق ، وغدن واغدودن ، ومنه
باب فعل وافتعل نحو : قدر واقتدر ، فاقتدر أقوى معنى من قدر ، كذا قال أبو العباس
، وهو محض القياس وقال تعالى : (أَخْذَ عَزِيزٍ
مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] فمقتدر هنا أوثق من قادر ، حيث كان الوضع لتفخيم الأمر وشدة
الأخذ ، وعليه قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] لأن كسب الحسنة بالإضافة إلى كسب السيئة أمر يسير ، ومثله
قول الشاعر : [الكامل]
٩٣ ـ إنا اقتسمنا خطّتينا بيننا
|
|
فحملت برّة
واحتملت فجار
|
عبّر عن البرّ
بالحمل وعن الفجرة بالاحتمال ، ومن ذلك قولهم : رجل جميل ووضيء ، فإذا أرادوا
المبالغة قالوا : جمّال ووضّاء ، وكذلك حسن وحسان ، ومنه باب تضعيف العين نحو قطع
، وقطّع ، وكسر وكسّر ، وقام الفرس وقوّمت الخيل ، ومات البعير وموّتت الإبل ،
ومنه باب (فعال) في النسب كالبزّاز والعطّار والقصّاب ، إنما هو لكثرة تعاطي هذه
الأشياء ، وكذلك النسّاف لهذا الطائر ، كأنه قيل له ذلك لكثرة نسفه بجناحه ،
والخضاريّ للطائر أيضا ، كأنه قيل له ذلك لقوة خضرته ، والحوّاري لقوة حوره وهو
بياضه ، والخطّاف لكثرة اختطافه ، والسكّين لكثرة تسكين الذبائح.
قال : ونحو ذلك
من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله ، وذلك
__________________
(فعال) في معنى (فعيل) نحو : طوال فهو أبلغ من معنى طويل ، وعراض أبلغ معنى
من عريض ، وكذا خفاف من خفيف ، وقلال من قليل ، وسراع من سريع ، ففعال وإن كانت
أخت فعيل في باب الصفة فإن فعيلا أخصّ بالباب من فعال لأنه أشدّ انقيادا منه ،
تقول : جميل ولا تقول جمال ، وبطيء ، ولا تقول بطاء ، وشديد ، ولا تقول شداد ، وكم
غريض ، ولا تقول غراض ، فلما كانت (فعيل) هي الباب المطرد وأريدت المبالغة عدلت
إلى (فعال) فضارعت (فعال) بذلك (فعّالا) ، والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد
منهما عن أصله ، أما (فعّال) فبالزيادة وأما (فعال) الخفيف فبالانحراف عن (فعيل).
وبعد : فإذا
كانت الألفاظ أدلة على المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة به زيادة المعنى له ،
وكذلك إن انحرف به عن سمته وهديه كان ذلك دليلا على حادث متجدّد له.
قال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : (ذا) إشارة للقريب فإذا أرادوا الإشارة إلى متنحّ
متباعد زادوا كاف الخطاب فقالوا : ذاك ، فإن زاد بعد المشار إليه أتوا باللام مع
الكاف فقالوا ذلك ، واستفيد باجتماعهما زيادة في التباعد ، لأن قوة اللفظ مشعرة
بقوة المعنى.
تنبيه : ما خرج عن قاعدة تكثير المبنى يدلّ على تكثير المعنى
خرج عن هذه
القاعدة باب التصغير فإنه زادت فيه الحروف وقلّ المعنى ولهذا قال العلم السخاوي : [الوافر]
وأسماء إذا
ما صغّروها
|
|
تزيد حروفها
شططا وتعلو
|
وعادتهم إذا
زادوا حروفا
|
|
يزيد لأجلها
المعنى ويعلو
|
يشير إلى (مغيربان)
تصغير مغرب ، و (إنيسيان) تصغير إنسان ، وعشيان تصغير عشاء ، وعشيشية تصغير عشية.
تلاقي اللغة
عقد له ابن
جنّي بابا في (الخصائص) قال : هذا موضع لم أسمع لأحد فيه شيئا إلا لأبي علي ،
وذلك أنه كان يقول في باب أجمع وجمعاء وما يتبع ذلك من
__________________
أكتع وكتعاء وبقيته : إن هذا اتفاق وتوارد وقع في اللغة على غير ما كان في
وزنه منها. قال : لأن باب أفعل وفعلاء إنما هو للصفات وجميعها يجيء على هذا الوضع
نكرات ، نحو : أحمر وحمراء وأصفر وصفراء وأخرق وخرقاء ، فأما أجمع وجمعاء فاسمان
معرفتان وليسا بصفتين ، وإنما ذلك اتفاق وقع بين هذه الكلم المؤكد بها. قال :
ومثله ليلة طلقة وليال طوالق ، قال : وليس طوالق تكسير طلقة لأن فعلة لا يكسر على
فواعل ، وإنما طوالق جمع طالقة وقعت موقع جمع طلقة ، وهذا الذي قاله وجه صحيح ،
وأبين منه عندي وأوضح قولهم في العلم ، سلمان وسلمى ، فليس سلمان إذا من سلمى
كسكران من سكرى لأن باب سكران وسكرى الصفة ، وليس سلمان ولا سلمى بصفتين ولا
نكرتين ، وإنما سلمان من سلمى كقحطان من ليلى ، غير أنهما لما كانا من لفظ واحد تلاقيا
في عرض اللغة من غير قصد لجمعهما ، وكذلك أيهم للجمل الهائج ويهماء للفلاة ، ليسا
كأدهم ودهماء ، لأنهما لو كانا كذلك لوجب أن يأتي فيهما يهم كدهم ، ولم يسمع ،
فعلم بذلك أن هذا تلاق من اللغة ، وأن أيهم لا مؤنث له ، ويهماء لا مذكر لها.
ومن التلاقي
قولهم في العلم : أسلم وسلمى ، ومثله شتّان وشتى ، كل ذلك توارد وتلاق وقع في
أثناء هذه اللغة من غير قصد له ولا مراسلة بين بعضه وبعض.
التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد
أشار ابن جنّي
إلى دعوى الاتفاق على هذه القاعدة ، وترجم عليها : باب احتمال اللفظ الثقيل لضرورة
التمثيل.
قال : وذلك كقولهم : وزن حبنطى : فعنلى ، فيظهرون النون
الساكنة قبل اللام ، وهذا شيء ليس موجودا في شيء من كلامهم ، ألا ترى أن سيبويه
قال : ليس في الكلام مثل قنر وعنل. ويقولون في تمثيل عرند : فعنل ، وجحنفل
فعنلل ، وعرنقصان : فعنللان ، وهو كالأول ولا بدّ في هذا ونحوه من الإظهار ، ولا
يجوز إدغام النون في اللام في هذه الأماكن لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض وبطل المراد
المعتمد ، ألا ترى أنك لو أدغمت وقلت وزن عرند فعلّ لم يكن فرق بينه وبين قمد
وعتلّ وصمل ، ولو قلت : وزن جحنفل : فعلل لالتبس بباب سفرجل وفرزدق وبباب عدبّس
وهملّع ، ولو قلت في حبنطى : فعلّى لالتبس بباب صلخدى وجلعبى.
__________________
وقال : وبهذا
يعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ، ألا ترى لو قيل لك : ابن من (دخل) مثل (جحنفل)
لم تجزه ، لأنك كنت تصير إلى دخنلل ، فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود
، فدلّ أنك في التمثيل لست ببان ولا جاعل ما تمثّله من جملة كلام العرب ، كما
تجعله منها إذا بنيته غير ممثل ، ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من
الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول : وزن جحنفل من دخل دخنلل ، كما قلت في
التمثيل : وزن جحنفل من الفعل فعنلل ، فاعرف ذلك فرقا بين الموضعين.
حرف الثاء
الثقل والخفّة
يعرفان من طريق
المعنى لا من طريق اللفظ ، ذكر هذه القاعدة أبو البقاء في (التبيين) قال : فالخفيف من الكلمات ما قلّت مدلولاته ولوازمه ،
والثقيل ما كثر ذلك فيه ، فخفّة الاسم أنه يدلّ على مسمّى واحد ولا يلزمه غيره في
تحقق معناه ، كلفظة (رجل) فإن معناها ومسماها الذّكر من بني آدم ، و (الفرس) هو
الحيوان الصهّال ، ولا يقترن بذلك زمان ولا غيره ، ومعنى ثقل الفعل أن مدلولاته
ولوازمه كثيرة ، فمدلولاته : الحدث والزمان ، ولوازمه : الفاعل والمفعول والتصرّف
وغير ذلك.
ثبوت الحدث في اسم الفاعل أقلّ من ثبوته في الفعل
ذكره ابن
الصائغ في (تذكرته) قال : فعثا زيد وهو مفسد ، متقاربان ، بخلاف عثا وقد أفسد ،
ولهذا جعل الزمخشري مفسدين من قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠] حالا مؤكّدة.
__________________
حرف الجيم
الجمل نكرات
قال ابن يعيش : ألا ترى أنها تجري أوصافا على النكرات ، قال
: ولو لا أن الجمل نكرات لم يكن للمخاطب فيها فائدة ، لأن ما يعرف لا يستفاد ،
فلما كانت تجري أوصافا على النكرات لتنكيرها ، أرادوا أن يكون في المعارف مثل ذلك
، فلم يكن أن يقال : مررت بزيد قام أبوه وأنت تريد النعت لزيد ، لأنه قد ثبت أن
الجمل نكرات ، والنكرة لا تكون وصفا للمعرفة ، ولم يمكن إدخال لام المعرفة على
الجملة لأن هذه اللام من خواص الأسماء ، والجملة لا تخصص بالأسماء ، بل تكون جملة
اسمية وفعلية فجاؤوا حينئذ بالذي متوصلين بها إلى وصف المعارف بالجمل ، فجعلوا
الجملة التي كانت صفة للنكرة صلة للذي هو الصفة في اللفظ والغرض الجملة ، كما
جاؤوا بأي متوصلين بها إلى نداء ما فيه الألف واللام ، فقالوا : يا أيها الرجل ،
والمقصود نداء الرجل و «أيّ» صلة ، وكما جاؤوا (بذي) التي بمعنى صاحب متوصّلين بها
إلى وصف الأسماء بالأجناس ، إلا أن لفظ الذي قبل دخول الألف واللام لم يكن على لفظ
أوصاف المعارف ، فزادوا في أولها الألف واللام ليحصل لهم بذلك لفظ المعرفة الذي
قصدوه فيتطابق اللفظ والمعنى.
وقال الشيخ
جمال الدين بن هشام في تذكرته : بنى ابن عصفور ، على أن إضافة (أفعل) لا تفيد
تعريفا : أنه لا بدّ من حذف في قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عمران : ٩٦] والتقدير : لهو الذي ببكّة ، فالخبر جملة اسمية لا مفرد
معرفة ، والجمل نكرات كما قاله الزجاج في : (إِنْ هذانِ
لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] إن التقدير : لهما ساحران.
وقال صاحب (البسيط)
: إنما اختصّت النكرة بالوصف بالجملة لوجهين :
أحدهما : أنها
تطابقها في التنكير بدليل وضعها على التنكير الذي لا يقبل التعريف.
__________________
والثاني
: أن فائدة
الجمل في أحكامها وهي نكرات ، ولو فرض تعريف الحكم في بعض الصور لكان نكرة في
المعنى لاستحالة الحكم بالمعلوم على المعلوم ، وإنما يحكم على المعلوم بما يجهله
السامع فيحصل بذلك فائدة ، وإذا كان الحكم نكرة وهو مقصود الجملة كان مطابقا
لموصوفه في التنكير.
الجوار
عقد له ابن
جنّي بابا في (الخصائص) ولخّصه ابن هشام في (المغني) بزيادة ونقص فقال : (القاعدة الثانية) : إن الشيء يعطى حكم الشيء إذا
جاوره كقول بعضهم : (هذا جحر ضبّ خرب) بالجرّ وقوله : [الطويل]
٩٤ ـ [كان ثبيرا في عرانين وبله]
|
|
كبير أناس في
بجاد مزمّل
|
قال ابن هشام :
وقيل في (وَأَرْجُلَكُمْ) [المائدة : ٦] بالخفض إنه عطف على أيديكم لا على رؤوسكم ، إذ الأرجل مغسولة
لا ممسوحة ، ولكنه خفض لمجاورة رؤوسكم. والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في
النعت قليلا ، وفي التوكيد نادرا كقوله : [البسيط]
٩٥ ـ يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم
|
|
[أن ليس وصل إذا انحلّت عرا الذّنب]
|
ولا يكون في
النسق ؛ لأن العاطف يمنع التجاور. قال : ومن ذلك قولهم : هنأني ومرأني ، والأصل
أمرأني ، وقولهم : هو رجس نجس ، بكسر النون وسكون الجيم والأصل نجس بفتح النون
وكسر الجيم.
قال ابن هشام : كذا قالوا ، وإنما يتمّ هذا أن لو كانوا لا
يقولون هنا نجس بفتحة فكسرة ، وحينئذ فيكون محلّ الاستشهاد إنما هو الالتزام
للتناسب ، وأما إذا لم
__________________
يلتزم فهذا جائز بدون تقدّم رجس ، إذ يقال : فعل بكسرة فسكون في كل فعل
بفتحة فكسرة نحو : كتف ولبن ونبق. وقالوا : أخذه ما قدم وما حدث ، بضمّ دال حدث ، وقرأ
بعضهم : (سَلاسِلَ وَأَغْلالاً) [الإنسان : ٤] بصرف سلاسل ، وفي الحديث : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» والأصل موزورات بالواو ، لأنه من الوزر ، وقرأ أبو حيوة
(يُوقِنُونَ) [البقرة : ٤] بالهمزة ، وقال جرير : [الوافر]
٩٦ ـ لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى
|
|
[وجعدة إذ أضاءهما الوقود]
|
بهمزة المؤقدان
ومؤسى على إعطاء الواو المجاورة للضمة حكم الواو المضمومة فهمزة ، كما قيل في :
وجوه أجوه وفي : وقتت أقتت ، ومن ذلك قولهم في : صوّم صيم وفي جوّع جيع ، حملا على
قولهم في عصوّ عصيّ لأن العين لما جاورت اللام حملت على حكمها في القلب.
وكان أبو علي
ينشد في مثل ذلك : [الرجز]
٩٧ ـ قد يؤخذ الجار بجرم الجار
قال ابن جني : وعليه أيضا أجازوا النقل لحركة الإعراب إلى
ما قبلها في الوقف نحو : هذا بكر ومررت ببكر ، ألا تراها لما جاورت اللام بكونها
في العين صارت لذلك كأنها في اللام لم تفارقها ، وكذلك أيضا قولهم : شابة ودابة
صار فضل الاعتماد بالمدّ في الألف كأنه تحريك الحرف الأول المدغم حتى كأنه لذلك لم
يجمع بين ساكنين ، فهذا نحو من الحكم على جوار الحركة للحرف.
قال : ومن
الجوار استقباح الخليل العقق من الحمق المخترق ، وذلك أن هذه الحركات قبل الرويّ
المقيّد لما جاورته وكان الرويّ في أكثر الأمر وغالب العرف مطلقا لا مقيدا صارت
الحركة قبله كأنها فيه ، وكاد يلحق ذلك بقبح الإقواء ، وقال ابن جنّي في قوله : [الرجز]
__________________
في أيّ يوميّ
من الموت أفر
|
|
أيوم لم يقدر
ام يوم قدر؟!
|
الأصل (يقدر)
بالسكون ، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة وقد أجرت العرب الساكن
المجاور للمتحرّك مجرى المتحرك والمتحرك مجرى الساكن إعطاء للجار حكم مجاوره ،
أبدلوا الهمزة المتحركة ألفا ، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة معنى ، ولزم
حينئذ فتح ما قبلها إذ لا تقع الألف إلا بعد فتحة ، قال : وعلى ذلك قولهم المرأة
والكمأة بالألف ، وعليه خرج أبو علي قوله : [الطويل]
٩٨ ـ [وتضحك مني شيخة عبشمية]
|
|
كأن لم ترى
قبلي أسيرا يمانيا
|
أصله ترءا
بهمزة بعدها ألف.
قال سراقة : [الوافر]
٩٩ ـ أري عينيّ ما لم تر أياه
|
|
[كلانا عالم بالتّرّهات]
|
ثم حذفت الألف
للجازم ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا.
وقال ابن يعيش : اختار البصريون في باب التنازع إعمال الثاني
لأنه أقرب إلى المعمول ، فروعي فيه جانب القرب وحرمة المجاورة.
قال : ومما
يدلّ على رعايتهم جانب القرب والمجاورة أنهم قالوا : جحر ضبّ خرب ، وماء شنّ بارد
، فأتبعوا الأوصاف إعراب ما قبلها ، وإن لم يكن المعنى عليه ، ألا ترى أن الضبّ لا
يوصف بالخراب ، والشنّ لا يوصف بالبرودة ، وإنما هما من وصف الجحر والماء.
قال : ومن
الدليل على مراعاة القرب والمجاورة قولهم : خشّنت بصدره وصدر زيد ، فأجازوا في
المعطوف وجهين أجودهما الخفض ، فاختاروا الخفض هنا حملا
__________________
على الباء وإن كانت زائدة في حكم الساقط ، للقرب والمجاورة ، فكان إعمال
الثاني في ما نحن بصدده أولى للقرب والمجاورة والمعنى فيهما واحد.
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : المجاورة توجب كثيرا من أحكام الأول للثاني والثاني للأول ،
ألا ترى إلى قولهم : الشّمس طلعت ، وأنه لا يجوز فيه حذف التاء لما جاور الضمير
الفعل ، وكذلك : قامت هند ، لا يجوز فيه حذف التاء ، فلو فصلت بينهما جاز حذفها ،
وما كان ذاك إلا لأجل المجاورة.
وقال في موضع
آخر : قد أجرت العرب كثيرا من أحكام المجاور على المجاور له حتى في أشياء يخالف
فيها الثاني الأول في المعنى ، كقولهم : جحر ضبّ خرب ، وكقولهم : إني لآتيه
بالغدايا والعشايا. والغداة لا تجمع على غدايا ، ولكن جاز من أجل العشايا وهو
كثير.
وقال في موضع
آخر : ذهب الكوفيون إلى أن جواب الشرط جزم لمجاورته المجزوم وللمجاورة أثر ، ألا
ترى أن (كلا) لما جاورت المنصوب والمجرور حملت على ما قبلها ولا سبب إلا الجوار ،
وما حمل على ما قبله بسبب الجوار كثير جدا ثم قال : وكلّ موضع حمل فيه على الجوار
فهو خلاف الأصل إجماعا للحاجة.
حرف الحاء
الحركة
فيها فوائد : الفائدة الأول : حدوث
الحركة مع الحرف :
اختلف الناس في
الحركة هل تحدث بعد الحرف أو معه أو قبله ، على ثلاثة مذاهب :
قال ابن جنّي : والأول هو مذهب سيبويه ، قال الفارسي : وسبب
هذا الخلاف لطف الأمر وغموض الحال.
قال : ويشهد
للقول بأنها تحدث بعده وفساد القول بأنها قبله وجودنا إياها فاصلة بين المثلين ،
مانعة من إدغام الأول في الآخر ، نحو : الملل والضّفف المشش ، كما تفصل الألف
بعدها بينهما نحو الملال والضّفاف والمشاش ، فلو كانت الحركة في الرتبة قبل الحرف
لما حجزت عن الإدغام ، ونحو من ذلك قولهم : ميزان وميعاد ، فقلب الواو ياء يدلّ
على أن الكسرة لم تحدث قبل الميم ، لأنها لو كانت حادثة قبلها لم تل الواو ، وإنما
تقلب ياء للكسرة التي تجاورها من قبلها ، فإذا كان بينها وبينها حرف حاجز لم تقلب
لأنها لم تلها ، وأيضا لو كانت الحركة قبل حرفها لبطل الإدغام في الكلام لأن حركة
الثاني كانت تكون قبله حاجزة بين المثلين.
وقال : ويفسد
كونها حادثة مع الحرف أنا لو أمرنا مذكرا من الطي ثم أتبعناه أمرا آخر له من الوجل
من غير حرف عطف لقلنا : (اطوايجل) والأصل فيه (اطووجل) ، فقلبت الواو التي هي فاء
الفعل من الوجل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، فلو لا أن كسرة واو (اطو) في
الرتبة بعدها لما قلبت واو (وجل) ، وذلك أن الكسرة إنما تقلب الواو لمخالفتها
إياها في جنس الصوت فتجتذبها إلى ما هي بعضه ومن جنسه وهي الياء ، وكما أن هناك
كسرة في الواو فهناك أيضا الواو وهي وفق الواو الثانية لفظا وحسّا ، وليست الكسرة
على قول المخالف أدنى إلى الواو الثانية من الواو الأولى ، لأنه يروم أن يثبتهما
جميعا في زمان واحد ، ومعلوم أن الحرف أوفى صوتا وأقوى جرسا من الحركة ، فإذا لم
يقل لك أنها أقوى من الكسرة التي فيها فلا أقل من أن تكون في
__________________
القوة والصوت مثلها ، وإذا كان كذلك لزم أن لا تنقلب الواو الثانية للكسرة
قبلها ، لأنها بإزاء الكسرة المخالفة للواو الأولى الموافقة للفظ الثانية ، فإذا
تأدى الأمر بالمعادلة إلى هنا توفت الواو والكسرة أحكامهما فكان لا كسرة قبلها ولا
واو ، وإذا كان كذلك لم تجد أمرا تقلب له الواو الثانية ياء ، فكان يجب على هذا أن
تخرج الواو الثانية من (اطووجل) صحيحة غير معلة لتوفي ما قبلها من الواو والكسرة
أحكامهما وتكافيهما فيما ذكرنا ، فدلّ قلب الواو الثانية ياء حتى صارت (اطوايجل) ،
على أن الكسرة أدنى إليها من الواو قبلها ، وإذا كانت أدنى إليها كانت بعد الواو
المحركة بها لا محالة.
قال الفارسي :
ويقوّي قول من قال : إنها تحدث مع الحرف أن النون ، الساكنة مخرجها مع حروف الفم من
الأنف ، والمتحركة مخرجها من الفم ، فلو كانت حركة الحرف تحدث من بعده لوجب أن
تكون النون المتحركة أيضا من الأنف ، وذلك أن الحركة إنما تحدث بعدها ، فكان ينبغي
أن لا تغني عنها شيئا لسبقها هي لحركتها.
قال ابن جني :
كذا قال الفارسي ، قال : ورأيته معنيا بهذا الدليل ، وهو عندي ساقط عن سيبويه وغير
لازم له ، لأنه لا ينكر أن يؤثر الشيء فيما قبله من قبل وجوده ، لأنه قد علم أن
سيرد فيما بعده ، وذلك كثير. فمنه أن النون الساكنة إذا وقعت بعدها الباء قلبت
النون ميما في اللفظ وذلك نحو : عمير وشمباء في عنبر وشنباء ، فكما لا يشكّ في أن
الباء في ذلك بعد النون وقد قلبت النون قبلها ، فكذلك لا ينكر أن تكون حركة النون
الحادثة بعدها تزيلها عن الأنف ، بل إذا كانت الباء أبعد عن النون قبلها من حركة
النون فيها وقد أثرت على بعدها ما أثرته ، كانت حركة النون التي هي أقرب إليها
وأشد التباسا بها أولى بأن تجتذبها وتنقلها من الأنف إلى الفم ، ومما غير متقدما
لتوقع ما يرد من بعده ضمهم همزة الوصل لتوقع الضمة بعدها نحو : أدخل ، أستصغر ،
استخرج.
قال ابن جني :
ومما يقوّي عندي قول من قال : إن الحركة تحدث قبل الحرف ، إجماع النحويين على
قولهم إن الواو في نحو : يعد ويزن إنما حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة ، يعنون في :
يوعد ويوزن لو خرج على أصله. فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الحركة عندهم قبل
حرفها المتحرك بها ، ألا ترى أنه لو كانت الحركة بعد الحرف كانت الواو في يوعد بين
فتحة وعين ، وفي : يوزن بين فتحة وزاء ، فقولهم : بين ياء وكسرة يدلّ على أن الواو
في نحو : يوعد عندهم بين الياء التي هي أدنى إليها من فتحها وكسرة العين التي هي
أدنى إليها من العين بعدها. قال : وهذا وإن كان من الوضوح على ما تراه فإنه لا
يلزم من موضعين.
أحدهما
: أنه لا يجب أن
يكون دلالة على اعتقاد القوم في هذا ما نسبه السائل إلى أنهم مريدوه ومعتقدوه ،
ألا ترى أن من يقول : إنّ الحركة تحدث بعد الحرف ومن يقول إنها معه ، قد أطلقوا
جميعا ـ هذا القول الذي هو قولهم ـ أن الواو حذفت من يعد ونحوه لوقوعها بين ياء
وكسرة ، فلو كانوا يريدون ما عزوته إليهم وحملته عليهم لكانوا متناقضين ، وهذا أمر
لا يظن بهم.
والآخر : أن
أكثر ما في هذا أن يكون القوم أرادوه ، وهذا لا يصلح دليلا على وضع الخلاف ، لأن
هذا موضع إنما يتحاكم فيه إلى النفس والحسّ ، ولا يرجع فيه إلى إجماع لأن إجماع
النحويين في هذا ونحوه لا يكون حجة ، لأن كلامهم إنما يرجع فيه إلى التأمل والطبع
، لا إلى التبعية والشرع ، وهذا كله يشهد بصحة مذهب سيبويه في أن الحركة حادثة بعد
حرفها المتحرك بها.
قال : وقد كنا
قلنا فيه قديما قولا آخر مستقيما ، وهو أن الحركة قد ثبت أنها بعض حرف ؛ فالفتحة
بعض الألف والكسرة بعض الياء والضمة بعض الواو ، فكما أن الحرف لا يجامع حرفا آخر
في وقت واحد فينشآن معا في وقت واحد ، فكذا بعض الحرف لا يجوز أن ينشأ مع حرف آخر
في وقت واحد ، لأن حكم البعض في هذا جار مجرى حكم الكل ، ولا يجوز أن تتصور أن
حرفا من الحروف حدث بعضه مضافا لحرف وبقيته من بعده في غير ذلك الحرف لا في زمان
واحد ولا في زمانين ؛ فهذا يفسد قول من قال : إن الحركة تحدث مع حرفها المتحرك بها
وقبله أيضا ، ألا ترى أن الحرف الناشئ عن الحركة لو ظهر لم يظهر إلا بعد الحرف
المتحرك بتلك الحركة وإلا فلو كانت قبله لكانت الألف في نحو : ضارب ليست تابعة
للفتحة لاعتراض الضاد بينهما ، والحس يمنعك ويحظر عليك أن تنسب إليه قبوله اعتراف
معترف بين الفتحة والألف التابعة لها في نحو : ضارب وقائم ، وكذلك القول في الكسرة
والياء والضمة والواو إذا تبعتاهما ، وهذا تناه في البيان والبروز إلى حكم العيان
، انتهى.
وقد جزم أكثر
النحاة بالقول الذي صار إليه سيبويه ، فقال ابن الخباز في (شرح الدرة) ، بعد أن
تكلّم على إعراب الاسم المنصرف : وهاهنا ترتيب ، وهو أن حرف الإعراب قبل الحركة ،
والتنوين بعد الحركة لكن خالفه أبو البقاء العكبري فقال في (اللباب) : الحركة مع
الحرف لا قبله ولا بعده ، وقال قوم منهم ابن جنّي : هي بعده ، والدليل على الأول
من وجهين :
أحدهما
: أن الحرف يوصف
بالحركة فكانت معه كالمدّ والجهر والشدة ونحو ذلك ، وإنما كانت كذلك لأن صفة الشيء
كالعرض والصفة العرضية لا تتقدم الموصوف ولا تتأخر عنه إذ في ذلك قيامها بنفسها.
والثاني
: أن الحركة لو
لم تكن مع الحرف لم تقلب الألف إذا حركتها همزة ، ولم تخرج النون من طرف اللسان
إذا حركتها ، بل كنت تخرجها من الخيشوم ، وفي العدول عن ذلك دليل على أن الحركة
معها.
واحتجّ من قال
هي بعد الحرف من وجهين :
أحدهما
: أنك لما تدغم
الحرف المتحرك فيما بعده نحو : طلل ، دلّ على أن بينهما حاجزا وليس إلا الحركة.
والثاني
: أنك إذا أشبعت
الحركة نشأ منها حرف ، والحرف لا ينشأ منه حرف آخر فكذلك ما قاربه.
والجواب عن
الأول : أن الإدغام امتنع لتحصّن الأول لتحركه لا لحاجز بينهما ، كما يتحصن بحركته
عن القلب نحو عوض.
وعن الثاني من
وجهين :
أحدهما
: أن حدوث الحرف
عن الحركة كان لأنها تجانس الحرف الحادث فهي شرط لحدوثه وليست بعضا له ؛ ولهذا إذا
حذفت الحرف بقيت الحركة بحالها ، ولو كان الحادث تماما للحركة لم تبق الحركة ، ومن
سمّى الحركة بعض حرف أو حرفا صغيرا فقد تجوّز ، ولهذا لا يصحّ النطق بالحركة
وحدها.
والثاني
: لو قدّرنا أن
الحركة بعض الحرف الحادث لم يمتنع أن تقارن الحرف الأول ، كما أنه ينطق بالحرف
المشدد حرفا واحدا وإن كانا حرفين في التحقيق ، إلا أن الأول لما ضعف عن الثاني
أمكن أن يصاحبه ، والحركة أضعف من الحرف الساكن فلم يمتنع أن يصاحب الحرف الحرف
انتهى.
الفائدة الثانية : الحرف غير مجتمع من الحركات
قال أبو البقاء
: ويتعلق بهذا الاختلاف مسألة أخرى وهي أن الحرف غير مجتمع من الحركات عند
المحققين لوجهين :
أحدهما : أن
الحرف له مخرج مخصوص والحركة لا تختص بمخرج ولا معنى ، لقول من قال : إنه مجتمع من
حركتين ، لأن الحركة إذا أشبعت نشأ الحرف المجانس لها لوجهين :
أحدهما
: ما سبق من أن
الحركة ليست بعض الحرف.
والثاني
: أنك إذا أشبعت
الحركة نشأ منها حرف تام وتبقى الحركة قبله بكمالها ، فلو كان الحرف كحركتين لم
تبق الحركة قبل الحرف ، انتهى. وكأنه يشير بذلك إلى مخالفة ابن جنّي أيضا فإنه عقد
لذلك بابا في (الخصائص) قال فيه : الحركة حرف صغير ألا ترى أن من متقدمي القوم
من كان يسمّي الضمة الواو الصغيرة والكسرة الياء الصغيرة والفتحة الألف الصغيرة ،
ويؤكد ذلك عندك أنك متى أشبعت ومطلت الحركة أنشأت بعدها حرفا من جنسها كما قال
الشاعر : [البسيط]
١٠٠ ـ [تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة]
|
|
نفي
الدّراهيم تنقاد الصّياريف
|
وقوله : [البسيط]
١٠١ ـ وإنّني حيثما يسري الهوى بصري
|
|
من حيث ما
سلكوا أدنو فأنظور
|
يريد فأنظر ،
وقول ابن هرمة يرثي ابنه : [الوافر]
١٠٢ ـ فأنت من الغوائل حين ترمى
|
|
ومن ذمّ
الرّجال بمنتزاح
|
يريد بمنتزح ،
وهو مفتعل من النزوح ، ولكون الحركات أبعاض الحروف
__________________
أجريت الحروف مجراها في الإعراب بها في الأبواب المعروفة من الأسماء الستة
والتثنية والجمع على حدّها ، والأفعال الخمسة ، وتضارعت الحروف والحركات في الحذف
للتخفيف فحذفت الحركة في قوله : [الرجز]
١٠٣ ـ ومن يتّق فإن الله معه
|
|
[ورزق مؤتاب وغادي]
|
وقوله : [السريع]
١٠٤ ـ [رحت وفي رجليك ما فيهما]
|
|
وقد بدا هنك
من المئزر
|
وقوله : [السريع]
فاليوم أشرب
غير مستحقب
|
|
[إثما من الله ولا واغل]
|
وحذف الحرف في
قوله : [الطويل]
فألحقت
أخراهم طريق ألاهم
|
|
[كما قيل نحم قد خوى متتابع]
|
يريد أولاهم ،
وقوله : [الرجز]
وصّاني العجاج فيما وصّني
يريد فيما
وصاني.
قال : ومن مضارعة الحرف للحركة أن الأحرف الثلاثة الألف والياء
والواو إذا أشبعن ومطلن أدّين إلى حرف آخر غيرهن إلا أنه شبيه بهن وهو الهمزة ،
فإنك إذا مطلت الألف أدّتك إلى الهمزة فقلت : آء ، وكذلك الياء في قولك : إيء ،
والواو في قولك : أوء ، فهذا كالحركة أدّتك إلى صورة أخرى غير صورتها وهي الألف
والياء والواو في (منتزاح) و (الصياريف) و (أنظور) ، وهذا غريب في موضعه.
ومن ذلك أن تاء
التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا نحو : حمزة
__________________
وطلحة وقائمة ، ولا يكون ساكنا ، فإن كانت الألف وحدها من بين سائر الحروف
جازت نحو : قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة ، ألا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف
حتى كأنها هي هي.
وقال : وهذا
أحد ما يدلّ على أن أضعف الأحرف الثلاثة الألف دون أختيها ، لأنها قد خصّت هنا
بمساواة الحركة دونهما ، ومن ذلك أنهم قد بيّنوا الحرف بالهاء كما بيّنوا الحركة
بها ، وذلك نحو قولهم : وازيداه واغلامها واغلامهوه واغلامهيه وانقطاع ظهرهيه ،
فهذا نحو قولهم : أعطيتكه ، ومررت بكه ، واغزه ولا تدعه ، والهاء في الجميع لبيان
الحركة لا ضمير.
ومن ذلك أن
أقعد الثلاثة في المدّ لا يسوغ تحريكه وهو الألف ، فجرت لذلك مجرى الحركة ، ألا
ترى أن الحركة لا يمكن تحريكها فهذا وجه أيضا من المضارعة فيها.
وأما شبه
الحركة بالحرف ففي نحو تسميتك امرأة بهند وجمل فلك فيها مذهبان الصرف وتركه ، فإن
تحرك الأوسط ثقل الاسم فيتعين منع الصرف نحو (قدم) اسم امرأة ، فجرت الحركة مجرى
الحرف في منع الصرف كسعاد ونحوه.
ومن ذلك أنك
إذا أضفت ـ أي نسبت ـ الرباعي المقصور أجزت إقرار ألفه وقلبها ألفا فتقول في : حبلى حبليّ وإن شئت حبلوي ، وفي الخماسي
تحذف ألفه البتة كحباري ومصطفيّ في حبارى ومصطفى ، وكذلك إن تحرك الثاني من
الرباعي تحذف ألفه البتة كقولك في جمزى جمزيّ ، وفي بشكى بشكيّ فأوجبت الحركة
الحذف ، كما أوجبه الحرف الزائد على الأربعة.
ومن مشابهة
الحركة للحرف أنك تفصل بها ولا تصل إلى الإدغام معها ، كما تفصل بالحرف ولا تصل
إليه معه ، وذلك نحو : وتد ويطد فحجزت الحركة بين متقاربين ، كما يحجز الحرف
بينهما نحو شمليل حبربر .
ومنها : أنهم
قد أجروا الحرف المتحرك مجرى الحرف المشدّد ، وذلك أنه إذا وقع رويّا في الشعر
المقيّد سكّن ، كما أن الحرف المشدّد إذا وقع رويا فيه خفف ، والمتحرك كقوله : [الرجز]
__________________
١٠٥ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق
فأسكن القاف
وهي مجرورة ، والمشدّد كقوله : [الرمل]
١٠٦ ـ أصحوت اليوم أم شاقتك هر
|
|
[ومن الحبّ جنون مستعر]
|
فحذف إحدى
الراءين كما حذف الحركة من قاف المخترق.
قال : وهذا إن
شئت قلبته فقلت : إن الحرف أجري فيه مجرى الحركة ، وجعلت الموضع في الحذف للحركة
ثم لحق بها الحرف.
قال : وهو عندي
أقيس.
ومن ذلك
استكراههم اختلاف التوجيه أن يجتمع مع الحركة غيرها من أختيها ، نحو الجمع بين
المخترق وبين العقق والحمق. فكراهيتهم هذا نحو من امتناعهم من الجمع بين الألف مع
الياء أو الواو ردفين.
قال : ومن ذلك
عندي أن حرفي العلة الياء والواو قد صحّا في بعض المواضع للحركة بعدهما كما يصحّان
لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما ، وذلك نحو : القود والحوكة والخونة والغيب والصّيد
وحول وروع و (إِنَّ بُيُوتَنا
عَوْرَةٌ) [الأحزاب : ١٣] فيمن قرأ كذلك فجرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة
بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما ، نحو القواد والحواكة والخوانة
والغياب والصياد وحويل ورويع ، وإن بيوتنا عويرة. وكذلك ما صحّ من نحو قولهم : هيؤ
الرجل من الهيأة هو جار مجرى صحة هيؤ لو قيل ، فاعرف ذلك فإنه لطيف غريب.
الفائدة الثالثة : كمية الحركات
قال ابن جنّي في باب كمية الحركات : أما ما في أيدي الناس
في ظاهر الأمر فثلاث ، وهي الضمة والكسرة والفتحة ، ومحصولها على الحقيقة ست ،
وذلك أن بين
__________________
كل حركتين حركة ، فالتي بين الفتحة والكسرة هي الفتحة قبل الألف الممالة
نحو فتحة عين (عالم وكاتب) ، كما أن الألف التي بعدها بين الألف والياء ، والتي بين
الفتحة والضمة هي التي قبل ألف التفخيم نحو فتحة لام (الصلوة والزكوة) ، وكذلك (قام
وعاد) ، والتي بين الكسرة والضمة ككسرة قاف (قيل) وسين (سير) ، فهذه الكسرة
المشمّة ضما ، ومثلها الضمة المشمّة كسرة كنحو قاف (النقير) وضمة عين (مذعور) وباء
(ابن بور) ، فهذه ضمة أشربت كسرة ، كما أنها في قيل وسير كسرة أشربت ضما ، فهما
لذلك كالصوت الواحد ، لكن ليس في كلامهم ضمة مشربة فتحة ، ولا كسرة مشربة فتحة.
ويدلّ على أن
هذه الحركات معتدّات ، اعتداد سيبويه بألف الإمالة وألف التفخيم حرفين غير الألف
المفتوح ما قبلها.
وقال صاحب (البسيط)
: جملة الحركات المتنوّعة أربع عشرة حركة : ثلاث للإعراب ، وثلاث للبناء ، وثلاث
متوسطة بين حركتين.
أحدهما
: بين الضمة
والفتحة ، وهي الحركة التي قبل الألف المفخمة في قراءة ورش نحو : الصلوة والزكوة
والحيوة.
والثانية
: بين الكسرة
والضمة ، وهي حركة الإشمام في نحو : قيل وغيض على قراءة الكسائي.
والثالثة
: بين الفتحة
والكسرة ، وهي الحركة قبل الألف الممالة نحو : رمى.
والعاشرة :
حركة إعراب تشبه حركة البناء ، وهي فتحة ما لا ينصرف في حال الجرّ على مذهب من
جعلها حركة إعراب.
والحادية عشرة
: حركة بناء تشبه حركة الإعراب ، وهي ضمة المنادى وفتحة المبني مع (لا) على مذهب
من جعلها حركة بناء.
الثانية عشرة :
حركة الإتباع.
الثالثة عشرة :
حركة التقاء الساكنين.
الرابعة عشرة :
حركة ما قبل ياء المتكلم على مذهب من جعله معربا ، فإنه جيء بها لتصحّ الياء ،
وليست حركة إعراب ولا حركة بناء.
قال : وإنما
لقبت الحركة بهذا اللقب لأنها تطلق الحروف بعد سكونها ، فكل حركة تطلق الحرف نحو
أصلها من حروف اللين ، فأشبهت بذلك انطلاق المتحرّك بعد سكونه ، وقال المهلبي في (نظم
الفوائد)
عددنا جملة
الحركات ستّا
|
|
وستّا بعدها
ثم اثنتين
|
فإعراب ثلاث
أو بناء
|
|
ثلاث أو ثلاث
بين بين
|
ومشبهتان
والإتباع حاد
|
|
وأخرى
لالتقاء السّاكنين
|
وواحدة
مذبذبة تردّت
|
|
لدى أخواتها
في حيرتين
|
وقال بعضهم :
الحركات سبع : حركة إعراب ، وحركة بناء ، وحركة حكاية ، وحركة إتباع ، وحركة نقل ،
وحركة تخلص من سكونين ، وحركة المضاف إلى ياء المتكلم.
الفائدة الرابعة : الحركة الإعرابية أقوى من البنائية
قال الشريف
الجرجاني في حاشية الكشاف : الحركة الإعرابية مع كونها طارئة أقوى من البنائية
الدائمة ، لأن الإعرابية علم لمعان معتورة يتميز بعضها عن بعض ، فالإخلال بها يفضي
إلى التباس المعاني وفوات ما هو الغرض الأصلي من وضع الألفاظ وهيئاتها ، أعني
الإبانة عما في الضمير.
الفائدة الخامسة : أسماء حركات الإعراب وحركات البناء
يقال في حركات
الإعراب ، رفع ونصب وجرّ ـ أو خفض ـ وجزم. وفي حركات البناء ضمّ وفتح وكسر ووقف.
قال بعض شرّاح
الجمل : والسبب في ذلك أن الإعراب جعلت ألقابه مشتقة من ألقاب عوامله ، فالرفع
مشتق من رافع ، والنصب من ناصب ، والجرّ أو الخفض من جار وخافض ، والجزم من جازم.
قال : وهذا
الاشتقاق من باب ما اشتقّ فيه المصدر من الاسم نحو العمومة والخؤولة لأنهما مشتقان
من العم والخال ، فلما صار الرفع والنصب والجر والجزم لقبا للإعراب ، ولم يكن
للبناء عامل يحدثه يشتق له منه ألقاب ، جعلت ألقابه الضم والفتح والكسر والوقف.
وقال أبو
البقاء العكبريّ في (اللباب) : إنما خصّوا الإعراب بذلك لأن الرفع ضمة مخصوصة ،
والنصب فتحة مخصوصة ، وكذلك الجرّ والجزم ، وحركة البناء حركة مطلقة ، والواحد
المخصوص من الجنس لا يسمى باسم الجنس كالواحد من الآدميين ، إذا أردت تعريفه غلبت
عليه علما ، كزيد وعمرو ، ولا تسمّيه رجلا لاشتراك الجنس في ذلك ، فضمة الإعراب
كالشخص المخصوص وضمة البناء كالواحد المطلق.
وقال الشيخ
بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة على المقرب) : اختلف النحاة هل يطلق أحدهما على
الآخر فيقال مثلا للمعرب : مضموم وللمبنيّ : مرفوع أم لا ، على ثلاثة مذاهب :
فمنهم من قال : لا يجوز إطلاق واحد منهما على الآخر ، لأن المراد الفرق وذلك يعدمه
، ومنهم من قال : يجوز مجازا ، والمجاز لا بدّ له من قرينة وتلك القرينة تبيّنه ،
ومنهم من قال : يجوز إطلاق أسماء البناء على الإعراب ولا ينعكس.
الفائدة السادسة : حركات الإعراب والبناء أيهما أصل
قال أبو البقاء
العكبري في (اللباب) : اختلفوا في حركات الإعراب هل هي أصل لحركات البناء أم بالعكس
، أم كل واحد منهما أصل في موضعه؟ فذهب قوم إلى الأول ، وعلّته أن حركات البناء ،
وما ثبت بعلة أصل لغيره ، وذهب قوم إلى الثاني وعلته : أن حركات البناء لازمة
وحركات الإعراب منتقلة واللازم أصل للمتزلزل ، إذ كان أقوى منه ، وهذا ضعيف لأن
تنقل حركات الإعراب لمعنى ولزوم حركات البناء لغير معنى. وذهب قوم إلى الثالث ،
لأن العرب تكلمت بالإعراب والبناء في أول وضع الكلام ، وكل منهما له علة غير علة
الآخر ، ولا معنى لبناء أحدهما على الآخر.
وعبّر في (التبيين)
عن هذا الخلاف بقوله : اختلفوا في حركات الإعراب هل هي سابقة على حركات
البناء أو بالعكس ، أو هما متطابقان من غير ترتيب ، قال : والأقوى هو الأول.
الفائدة السابعة : أثقل الحركات الضمة ثم الكسرة ثم الفتحة
قال رجل للخليل
: لا أجد بين الحركات فرقا ، فقال له الخليل : ما أقلّ من يميّز أفعاله ، أخبرني
بأخفّ الأفعال عليك ، فقال : لا أدري ، قال : أخفّ الأفعال عليك السمع لأنك لا
تحتاج فيه إلى استعمال جارحة إنما تسمعه من الصوت وأنت تتكلف في إخراج الضمة إلى
تحريك الشفتين مع إخراج الصوت ، وفي تحريك الفتحة إلى تحريك وسط الفم مع إخراج
الصوت ، فما عمل فيه عضوان أثقل مما عمل فيه عضو واحد. هكذا نقله الزجاجي في (كتاب
الإيضاح) في أسرار النحو.
وقال ابن جنّي
: أرى الدليل على خفّة الفتحة أنهم يفرّون إليها من الضمة كما يفرّون من السكون.
__________________
إذا علمت ذلك
فتتفرع عليه فروع :
الفرع
الأول : اختصاص الرفع بما اختصّ به والنصب والكسر بما اختص به ،
وذلك أن المرفوعات قليلة بالنسبة إلى المنصوبات إذ هي الفاعل والمبتدأ والخبر ،
وما ألحق بها من نائب الفاعل ، واسم كان ، وخبر إن ، بخلاف المنصوبات فإنها أكثر
من عشرة ، فجعل الأثقل للأقل لقلة دورانه ، والأخف للأكثر ليسهل ويعتدل الكلام
بتخفيف ما يكثر وتثقيل ما يقل.
وأيضا فالمرفوع
لا يتعدد منه سوى الخبر على خلاف ، والفرع الواحد من المنصوبات يتعدد ، كالمفعول
به والظرف والحال والمستثنى ، قال الزجاجي : الفعل ليس له إلا مرفوع واحد وينصب
عشرة أشياء ، ولما كانت المجرورات أكثر من المرفوعات وأقل من المنصوبات أعطيت
الحركة الوسطى في الثقل والخفة.
الفرع
الثاني : اختصاص الضم
بما بني عليه والفتح والكسر بما بني عليه لما ذكر أيضا ، فإن المبني على الفتح
أكثر من المبني على الكسر ، ومنه ما كان بجوار ياء ، نحو : أين وكيف ، فزاد بعدا
عن الكسرة طلبا للخفة ، إذ هو مع الياء أثقل منه وحده ، والمبني على الضم أقل من
المبني على الكسر ، إذ لم يبن عليه إلا حيث والظروف الستة وغير وأي في بعض أحوالها
والمنادى وبعض الضمائر.
الثالث
: اختصاص نون
التثنية بالكسر ونون الجمع بالفتح لثقل الجمع ، فأعطى الأخفّ ، وأعطيت التثنية
لخفتها الكسر ليتعادلا.
الرابع
: قلة وجود الضم
في جنس الفعل فلم يوجد فيه إلا إعرابا في بعض الأحوال وذلك لأنه أثقل من الأسماء ،
فنحي في الغالب عن الضم لئلا يكثر الثقل.
الخامس
: امتناع الجرّ
والكسر في الأفعال جملة فرارا من الثقل أيضا. وفي (البسيط) : لا خلاف أن الفتح
أخفّ عندهم من الكسر ، والألف أخفّ من الياء ، وفيه الفتحة أقرب إلى الكسرة من
الضمة ، ولذا حمل الجرّ على النصب في ما لا ينصرف ، والنصب على الجر في جمع المؤنث
السالم حملا على القرب.
وقال السّخاوي
في (شرح المفصل) : قال الخليل : أول الحركات الضمة لأنها من الشفة ، وأول ما يقع
في الكلام الفاعل ، فكان حق الكلام إذا حمل على المشاكلة أن يقسم أول الحركات لأول
الأشياء.
وقال ابن
الدهان في (الغرّة) : الضمة والكسرة مستثقلتان مباينتان للسكون ، والفتحة قريبة من
السكون بدلالة أن العرب تفرّ إلى الفتحة كما تفرّ إلى السكون من
الضمة والكسرة ، وذلك أنهم يقولون في غرفة : غرفات وفي كسرة : كسرات
بالإتباع ، ثم إنهم يستثقلون ذلك فيقولون : كسرات وغرفات بالسكون ، وبعضهم يقول : غرفات
وكسرات بالفتح ، فيعرف أن بين الفتحة والسكون مناسبة ، ولا يقولون ذلك في ضربة
وإنما يقولون : ضربات بالفتح لا غير ، وأيضا فإن العرب تخفّف الكسرة في فخذ والضمة
في عضد ، ولا تخفف الفتحة في : جمل ، فأما القدر والقدر فلغتان ، وكذلك الدّرك
والدّرك.
ومما يدل على
مناسبة الفتحة السكون أن الواحد إذا اعتلّت عينه بالسكون اعتلّ في الجمع بالقلب
إلى الياء على شرائط ، تقول : ثوب وثياب وسوط وسياط ، ولم يقولوا أثواب. كما قالوا
طوال ، لأن الواو في طويل متحركة ، وقالوا في جواد : جياد ، فقلبوا في الجمع لأنها
في الواحد مفتوحة والفتح يقارب السكون ، انتهى.
الفائدة الثامنة : مطل الحركات ومطل الحروف
قال ابن جنّي : باب في مطل الحركات ومطل الحروف :
أما الأول
فينشأ عن الحركة حرف من جنسها فينشأ بعد الفتحة ألف وبعد الكسرة ياء وبعد الضمة
واو ، وقد تقدّمت أمثلته في الفائدة الثانية ، قال : ومن مطل الفتحة قول عنترة : [الكامل]
١٠٧ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة
|
|
[زيّافة مثل الفنيق المكدم]
|
وقال أبو علي :
أراد ينبع فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا.
وقال الأصمعي :
يقال : انباع الشجاع ينباع انبياعا ، إذا انخرط من بين الصفين ماضيا وأنشد فيه : [السريع]
١٠٨ ـ يطرق حلما وأناة معا
|
|
ثمّت ينباع
انبياع الشّجاع
|
__________________
فهذا انفعل
ينفعل انفعالا ، والألف فيه عين وينبغي أن تكون عينه واوا لأنها أقرب معنى من
الياء هنا ، نعم ، قد يمكن عندي أن تكون هذه لغة تولدت ، وذلك أنه لما سمع ينباع
أشبه في اللفظ ينفعل فجاؤوا منها بماض ومصدر ، كما ذهب أبو بكر إليه فيما حكاه أبو
زيد من قولهم : ضفن الرجل يضفن ، إذا جاء ضيفا مع الضيف ، وذلك أنه لما سمعهم
يقولون : (ضيفن) وكانت فيعل في الكلام أكثر من (فعلن) توهمه فيعلا فاشتقّ الفعل منه
بعد أن سبق إلى وهمه هذا فيه ، فقال : ضفن يضفن ، فلو سئلت عن مثال ضفن يضفن على
هذا القول لقلت : فلن يفلن ، لأن العين قد حذفت ، قال : ومن مطل الفتحة عندنا قول
الهذلي : [الكامل]
١٠٩ ـ بينا تعنّقه الكماة وروغه
|
|
يوما أتيح له
جريء سلفع
|
أي بين أوقات
تعنقه فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا. وحدثنا أبو علي أن أحمد ابن يحيى حكى (خذه من
حيث وليسنا). قال : وهو إشباع (ليس) ، وحكى الفراء عنهم : أكلت لحما شاة ، أراد
لحم شاة ، فمطل الفتحة فأنشأ عنها ألفا. ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من
الصياريف والمطافيل والجلاعيد ، والأصل جلاعد جمع جلعد وهو الشديد ، فأما ياء
مطاليق ومطيليق فعوض من النون المحذوفة وليست مطلا. ومن مطل الضمة قوله : [الرجز]
١١٠ ـ ممكورة جمّ العظام عطبول
|
|
كأنّ في
أنيابها القرنفول
|
وأما الثاني
فالحروف الممطولة هي الحروف الثلاثة المصوتة : الألف والياء والواو ، وهي من حيث
وقعت فيها امتداد ولين ، إلا أن الأماكن التي يطول فيها صوتا ويتمكن مدتها ثلاثة ،
وهي أن تقع بعدها وهي سواكن توابع لما هن منهن وهو الحركات من جنسهن الهمزة والحرف
المشدد أو أن يوقف عليها عند التذكر. فالهمزة نحو : كساء ورداء وخطيئة ورزيئة
ومقروءة ومخبوءة ، وإنما تمكن المدّ فيهن
__________________
مع الهمزة لأن الهمزة حرف نأى منشؤه وتراخى مخرجه ، فإذا أنت نطقت بهذه
الأحرف المصوّتة قبله ثم تماديت بهن نحوه طلن ، وشعن في الصوت فوفّين له وزدن
لبنائه ولمكانه ، وليس كذلك إذا وقع بعدهن غيرها وغير المشدد ، ألا تراك إذا قلت :
كتاب وحساب وسعيد وعمود وضروب وركوب لم تجدهن لدنات ناعمات ، ولا وافيات مستطيلات
، كما تجدهنّ كذلك إذا تلاهن الهمز أو الحرف المشدد.
وأما سبب نعمهن
ووفائهن وتماديهن إذا وقع المشدّد بعدهن فلأنهن كما ترى سواكن ، وأول المثلين مع
التشديد ساكن ، فيجفو عليهم أن يلتقي الساكنان حشوا في كلامهم ، فحينئذ ما ينهضون
الألف بقوة الاعتماد عليها فيجعلون طولها ووفاء الصوت بها عوضا مما كان يجب
لالتقاء الساكنين ، من تحريكها إذ لم يجدوا عليه تطرقا ولا بالاستراحة إليه معلقا
وذلك نحو : شابّة ودابّة ، وهذا قضيب بكر ، وقد تموّد الثوب ، وقد قوص بما كان
عليه ، وإذا كان كذلك فكلما رسخ الحرف في المدّ كان حينئذ محقوقا بتمامه وتمادي
الصوت به ، وذلك الألف ثم الياء ثم الواو ، فشابه إذا أوفي صوتا وأنعم جرسا من
أختيها ، وقضيب بكر أنعم وأتم من قوص به وتمود الثوب ، لبعد الواو من أعرق الثلاث
في المد وهي الألف وقرب الياء إليها ، نعم : وربما لم يكتف من تقوى لغته ويتعالى
تمكينه وجهارته مما تجشمه من مدّ الألف في هذا الموضع دون أن يطغى به طبعه وينحط
به اعتماده ووطؤه إلى أن يبدل من هذه الألف همزة فيحملها الحركة التي كان كلفا بها
ومصانعا بطول المدّ عنها فيقول شابة ودابة ، قال كثير : [الطويل]
١١١ ـ [...]
|
|
إذا ما
العوالي بالعبيط احمأرّت
|
وقال : [الطويل]
١١٢ ـ وللأرض أمّا سودها فتجلّلت
|
|
بياضا وأمّا
بيضها فاسوأدّت
|
وهذا الهمز
الذي تراه أمر يخصّ الألف دون أختيها ، وعلة اختصاصه بها أن همزها في بعض الأحوال
إنما هو لكثرة ورودها هاهنا ساكنة بعدها الحرف المدغم ، فتحاملوا وحملوا أنفسهم
على قلمها همزة تطرفا إلى الحركة ، إذ لم يجدوا إلى
__________________
تحريكها سبيلا لا في هذا الموضع ولا في غيره ، وليست كذلك أختاها ، لأنهما
وإن سكنتا في نحو : (قضيبكر) و (قوصّ به) ، فإنهما قد يتحركان كثيرا في غير هذا
الموضع ، فصار تحركهما في غير هذا الموضع عوضا من سكونهما فيه ، فاعرف ذلك فرقا.
وقد أجروا
الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعين لما هو منهما ، وذلك نحو
قولهم هذا (جيبكر) أي (جيب بكر) ، وثوبكر) أي (ثوب بكر) ، وذلك أن الفتحة وإن كانت
مخالفة الجنس للياء والواو ، فإن فيها سرا له ، ومن أجله جاز أن تمتد الياء والواو
بعدها في نحو ما رأينا ، وذلك أن أصل المد وأقواه وأعلاه وأنعمه وأنداه إنما هو
للألف ، وإنما الياء والواو في ذلك محمولان عليها وملحقان في الحكم بها ، والفتحة
بعض الألف ، فكأنها إذا قدمت قبلهما في نحو : بيت وسوط إنما قدمت الألف إذ كانت
الفتحة بعضها ، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا في موضع قد سبقتهما إليه الفتحة التي
هي ألف صغيرة فكان ذلك سببا للأنس بالمد ولا سيما وهما بعد الفتحة ، لكونهما أختي
الألف وقويتي الشبه بها ، فصار شيخ وثوب نحوا من : شاخ وثاب ، فلذلك ساغ وقوع
المدغم بعدهما ـ فاعرف ذلك.
وأما مدّها عند
التذكر فنحو قولك : أخواك ضربا إذا كنت متذكرا المفعول به أي : ضربا زيدا ونحوه ،
وكذلك مطل الواو إذا تذكرت في نحو : ضربوا ، إذا كنت تتذكّر المفعول أو الظرف أو
نحو ذلك ، أي ضربوا زيدا وضربوا يوم الجمعة أو ضربوا قياما فتتذكر الحال ، وكذلك
الياء في نحو : اضربي ، أي اضربي زيدا ونحوه ، وإنما مطلت ومدّت هذه الأحرف في
الوقف عند التذكر لأنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكنة المد وأنت متذكر ولم
يكن في لفظك دليل على أنك متذكر شيئا ولا وهمت أن كلامك قد تمّ ولم يبق بعده مطلوب
متوقع لك ، فلما وقفت ومطلت علم أنك متطاول إلى كلام تال للأول منوط به معقود ما
قبله على تضمنه وخلطه بجملته ، ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللّين الثلاثة إذا
وقف عليهن ضعفن وتضاءلن ولم يعب مدهن ، وإذا وقعن بعد الحرفين تمكن واعترض الصدى
معهن.
ولذلك قال أبو
الحسن : إن الألف إذا وقعت بعد الحرفين كان لها صدى ، ويدلّ على ذلك أن العرب لما
أرادت مطلهن للندبة وإطالة الصوت بهن في الوقف وعلمت أن السكوت عليهن ينتقصهن ولا
يفي بهن اتبعتهن الياء في الوقف توفية لهن وتطاولا إلى إطالتهن وذلك قولهم :
وازيداه. ولا بد من الهاء في الوقف ، فإن وصلت أسقطها وقام التابع في إطالة الصوت
مقامها نحو : وازيداه واعمراه ، وكذلك أختاها
نحو : وانقطاع ظهرهيه ، واغلامكيه ، واغلامهوه ، واغلامهموه ، وتقول في
الوصل : واغلامهمو لقد كان كريما ، وانقطاع ظهرهي من هذا الأمر.
والمعنى الجامع
بين التذكر والندبة قوة الحاجة إلى إطالة الصوت في الموضعين ، فلما كان هذه حال
هذه الأحرف ، كنت عند التذكر كالناطق بالحرف المستذكر ، صار كأنه الملفوظ به فتمت
هذه الأحرف ، وإن وقعن أطرافا يتممن إذا وقعن حشوا لا أواخر ـ فاعرف ذلك.
وكذلك الحركات
عند التذكر يمطلن حتى يفين حروفا ، فإذا صرنها جرين مجرى الحروف المبتدأة توامّ ،
فيمطلن أيضا حينئذ كما تمطل الحروف ، وذلك قولهم عند التذكر مع الفتحة في قمت :
قمتا ، أي قمت يوم الجمعة ، ومع الكسرة : أنتي ، أي أنت عاقلة ، ومع الضمة : قمتو
، أي : قمت إلى زيد ، فإن كان الحرف الموقوف عليه عند التذكر ساكنا صحيحا كسر ،
لأنه لا يجري الصوت في الساكن ، فإذا حرّك انبعث الصوت في الحركة ، ثم انتهى إلى
الحرف ، ثم أشبعت ذلك الحرف ومطلته ، كقولك في (قد) وأنت تريد قد قام : قدي ، وفي
من : مني ، وفي هل : هلا ، وفي نعم : نعمى ، وفي لام التعريف من الغلام مثلا إلى ،
وإنما حرك بالكسرة دون أختيها لأنه ساكن احتيج إلى حركة فجرى مجرى التقاء الساكنين
، نحو : قم الليل ، وعليه أطلق المجزوم والموقوف في القوافي المطلقة إلى الكسر
كقوله : [الطويل]
١١٣ ـ [أغرّك مني أن حبّك قاتلي]
|
|
وأنّك مهما
تأمري القلب يفعل
|
وقوله : [الكامل]
١١٤ ـ [أزف الرحيل غير أنّ ركابنا]
|
|
لمّا تزل
برحالنا وكأن قد
|
__________________
ونحو مما نحن
عليه حكاية الكتاب : هذا سيفني يريد سيف ، من أمره كذا فلما أراد الوصل أثبت التنوين ،
ولما كان ساكنا صحيحا لم يجز الصوت به كسر ، ثم أشبع فأنشأ عنها ياء فقال : سيفني
، وإن كان الموقوف عليه عند التذكر ساكنا معتلا غير تابع لما قبله وهو الياء
والواو الساكنتان بعد الفتح ، نحو : أي وكي ولو وأو كسر ، نحو : قمت كي ، أي كي
تقوم ، ومن كان من لغته أن يفتح أو يضم لالتقاء الساكنين نحو : (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] فقياس قوله أن يفتح ويضم عند التذكر ، ونحو : قما وبعا وسرا.
وعن قطرب أن من
العرب من يقول : شم يا رجل ، فإن تذكرت على هذه اللغة مطلت الضمة واوا فقلت شمّوا.
ومن العرب من
يقرأ : (اشْتَرَوُا
الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦] بالضم ، ومنهم من يكسر ، ومنهم من يفتح ، فإن مطلت مستذكرا
قلت على من ضمّ : اشترووا وعلى من كسر : اشتروي ، وعلى من فتح : اشتروا. وروينا عن
محمد بن محمد عن أحمد بن موسى عن محمد بن الجهم عن يحيى بن زياد قول الشاعر : [الكامل]
١١٥ ـ فهم بطانتهم وهم وزراؤهم
|
|
وهم القضاة
ومنهم الحكام
|
فإن وقفت على (هم)
من قوله : وهم القضاة ، قلت : وهمي ، وكذا الوقف على منهم الحكام : منهمي ، وإن
وقفت على (هم) من قوله : وزراؤهم ، قلت : وهمو لأنك كأنك رأيته فعل الشاعر ، وإن
شئت عكست حملا للثاني على الأول ، وللأول على الثاني ، لأنك إذا فعلت ذلك لم تعد
أن حملت على نظيره.
وكلما جاز شيء
من ذلك عند وقفة التذكر ، جاز في القافية البتة على ما تقدم وعليه تقول : عجبت منا
، أي : من القوم على من فتح النون ، ومن كسرها فقال : من القوم ، قال : مني.
التاسعة : إنابة الحركة والحرف
في إنابة
الحركة عن الحرف والحرف عن الحركة ، قال ابن جنّي : الأولى أن تحذف الحرف وتقرّ
الحركة قبله نائبة عنه ودليلا عليه كقوله : [الرجز]
كفّاك كف ما
تليق درهما
|
|
جودا وأخرى
تعط بالسّيف الدّما
|
__________________
يريد : تعطي ،
وقوله : [الكامل]
١١٦ ـ وأخو الغوان متى يشأ يصير منه
|
|
[ويكنّ أعداء بعيد وداد]
|
وقوله : [الوافر]
١١٧ ـ [فطرت بمنصلي في يعملات]
|
|
دوامي الأيد
يخبطن السّريحا
|
ومنه قوله
تعالى : (يا عِبادِ
فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦] وهو كثير في الكسرة ، وقد جاء في الضمة منه قوله : [الرجز]
١١٨ ـ إنّ الفقير بيننا قاض حكم
|
|
إن يرد الماء
إذا غاب النجم
|
يريد النجوم ،
فحذف الواو وأناب عنها الضمة وقوله : [الرجز]
١١٩ ـ حتى إذا بلّت حلاقيم الحلق
يريد الحلوق.
وقال الأخطل : [البسيط]
١٢٠ ـ كلمع أيدي مثاكيل مسلّبة
|
|
يندبن ضرس
بنات الدّهر والخطب
|
يريد الخطوب ،
ومنه قوله تعالى : (وَيَمْحُ اللهُ
الْباطِلَ) [الشورى : ٢٤] و (يَوْمَ يَدْعُ
الدَّاعِ) [القمر : ٦] و (سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] كتب ذلك بغير واو دليلا في الخطّ على الوقف عليه بغير واو في
اللفظ ، وله نظائر ، وهذا في المفتوح قليل لخفة الألف ، قال : [الرجز]
١٢١ ـ مثل النّقا لبّده ضرب الطلل
__________________
يريد الطلال ،
ونحو منه قوله : [الوافر]
١٢٢ ـ ألا لا بارك الله في سهيل
|
|
إذا ما الله
بارك في الرّجال
|
فحذف الألف من
لفظة الله ومنه قوله : [الرجز]
١٢٣ ـ أو ألفا مكّة من ورق الحمي
لأنه أراد
الحمام ، فحذف الألف فالتقت الميمان ، فغير على ما ترى. وقال أبو عثمان في قوله
تعالى : (يا أَبَتِ) [يوسف : ٤] أراد يا أبتا ، فحذف الألف ، وقال الشاعر : [الوافر]
١٢٤ ـ فلست بمدرك ما فات منّي
|
|
بلهف ولا
بليت ولا لو اني
|
يريد : بلهفا
والثاني منهما
: وهو إنابة الحرف عن الحركة في بعض الآحاد وهي الأسماء الستة وجميع التثنية ،
وكثير من الجمع ، فإن الألف والواو والياء فيها نائبة عن الحركات في الإعراب ،
وكذا النون في الأفعال الخمسة نائبة عن الضمة ، وليس من هذا الباب إشباع الحركات
على الحركات في نحو مستراح والصياريف وأنظور ؛ لأن الحركة في نحو هذا لم تحذف ،
ويثبت الحرف عنها بل هي موجودة لا مزيد فيها ولا منتقص منها.
العاشرة : هجوم الحركات
في هجوم
الحركات على الحركات ، قال ابن جنّي : هو على ضربين ، أحدهما : مقيس والآخر : قليل
غير مقيس.
فالأول قسمان ،
أحدهما : أن تتفق فيه الحركات والآخران مختلفان ، فيكون الحكم للطارئ منهما على ما
مضى ، فالمتفقان نحوهم يغزون ويدعون ، أصله يغزوون ، فأسكنت الواو الأولى التي هي
اللام ؛ وحذفت لسكونها وسكون واو الضمير
__________________
والجمع بعدها ، ونقلت تلك الضمة المحذوفة عن اللام إلى الزاي التي هي العين
فحذفت لها الضمة الأصلية في الزاي لطروء الثانية عليها ، ولا بدّ من هذا التقدير
في هجوم الثانية الحادثة على الأولى الراتبة اعتبارا في ذلك بحكم المختلفين ، ألا
تراك تقول في العين المكسورة بنقل الضمة إليها مكان كسرتها نحو يرمون ويقضون ،
نقلت ضمة ياء (يرميون) إلى ميمها فابتزت الضمة الميم لكسرتها ، أو حلّت محلها
فصارت (يرمون) ، فكما لا نشكّ في أن ضمة ميم يرمون غير كسرتها في يرميون لفظا ،
فكذلك نحكم على أن ضمة زاي (يغزون) غير ضمتها في يغزوون) تقديرا وحكما. ونحو من
ذلك قولهم في جمع : (مئة ، مئون) ، فكسرة ميم مئون غير كسرتها في مئة اعتبارا بحال
المختلفين في سنة وسنون وبرة وبرون ، ومثله ترخيم : برثن ومنصور فيمن قال : يا حار
، إذا قلت : يا منص ويا برث ، فالضمة فيهما غير الضمة فيمن قال : يا برث ويا منص
على يا حار اعتبارا بالمختلفين ، فكما لا يشكّ في أن ضمة يا حار ، غير كسرة يا حار
سماعا ولفظا ، فكذلك الضمة على يا حار في يا برث ويا منص غير الضمة فيهما على يا
حار تقديرا وحكما.
وكذلك كسرة صاد
(صنو) وقاف (قنو) غير كسرتهما في صنوان وقنوان.
وكذلك كسرة ضاد
تقضين في الجمع غير كسرتها للقدرة فيها في أصل حالها وهو تقضين في المفرد عى حد ما
تقدم في يغزون ويدعون.
وأما
المختلفتان فأمرهما واضح نحو : يرمون ويقضون ، والأصل يرميون ويقضيون فأسكنت الياء
استثقالا للضمة عليها ونقلت إلى ما قبلها فابتزته كسرته لطروئها عليها ، فصارت
يرمون ويقضون.
وكذلك : أنت (تغزين)
أصله (تغزوين) ، نقلت الكسرة من الواو إلى الزاي فابتزتها ضمتها فصار تغزين ، إلا
أن منهم من يشمّ الضمة إرادة للضمة المقدرة ، ومنهم من يخلص الكسرة فلا يشم ،
ويدلّك على مراعاتهم لتلك الكسرة والضمة المبتزة عن هذين الموضعين أنهم إذا أمروا
ضموا همزة الوصل وكسروها إرادة لهما ، نحو : اقضوا ارموا ونحو : اغزي ادعي ،
فكسرهم مع ضمة الثالث وضمهم مع كسرته يدل على قوة مراعاتهم للأصل المغيّر ، وأنه
عندهم مراعى معتدّ مقدّر
ومن المتفقة
حركتاه ، ما كانت فيه الفتحتان نحو اسم المفعول من نحو : اشتدّ واحمرّ وهو مشتدّ
ومحمرّ ، وأصله مشتدد ومحمرر ، فأسكنت الدال والراء الأوليان وأدغمتا في المثل ولم
تنقل الحركة إلى ما قبلها فتغلبه على حركته التي فيه ، كما نقلت في يغزون ويرمون ،
يدلّ على ذلك قولهم في اسم الفاعل أيضا كذلك مشتدّ
ومحمرّ ألا ترى أن أصله هنا مشتدد ومحمرر ، فلو نقلت هنا لوجب أن تقول مشتد
ومحمر ، فلما لم تقل ذلك وصح في المختلفين اللذين الثقل فيهما موجود لفظا امتنعت
من الحكم به فيما تحصل الصيغة فيه تقديرا ووهما.
وسبب ترك النقل
في المفتوح انفراد الفتح عن الضم والكسر في هذا النحو لزوال الضرورة فيه ومعه ،
ألا ترى إلى صحة الواو والياء جميعا بعد الفتحة ، وتعذر صحة الياء الساكنة بعد
الكسرة ، وذلك أنك لو حذفت الضمة في يرميون ولم تنقلها إلى الميم لصار التقدير إلى
يرمون ؛ ثم وجب قلب الواو ياء وأن تقول : هم يرمين ، فيصير إلى لفظ جماعة المؤنث.
وكذلك لو لم
تنقل كسرة الواو في تغزوين إلى الزاي لصار التقدير إلى تغزين ، ثم يجب قلب الياء
واوا لانضمام الزاي قبلها فتقول للمرأة : أنت تغزون فيلتبس بجماعة المذكر ؛ فهذا
حكم المضموم مع المكسور ، وليس كذلك المفتوح ؛ ألا ترى الواو والياء صحيحتين بعد
الفتحة نحو هؤلاء يخشون ويسعون ، وأنت ترضين وتخشين ، فلما لم تغير الفتحة هنا في
المختلفين اللذين تغييرهما واجب لم تغير الفتحتان اللتان إنما هما في التغيير
محمولتان على الضمة مع الكسرة.
فإن قيل : قد
يقع اللبس أيضا حيث رمت الفرق لأنك تقول للرجال : أنتم تغزون ؛ وللنساء : أنتن
تغزون ، وتقول للمرأة : أنت ترمين ، ولجمع النساء : أنتن ترمين.
قيل : إنما
احتمل هذا النحو في هذه الأماكن ضرورة ، ولو لا ذلك لما احتمل.
وكذلك : أنت (ترمين)
، أصله ترميين فالحركتان أيضا متفقتان ، فإذا أسكنت المضموم الأول ونقلت إليه ضمة
الثاني وأسكنت المكسور الأول ونقلت إليه كسرة الثاني بقي اللفظ بحاله كأن لم تنقله
ولم تغير شيئا منه فوقع اللبس ، فاحتمل لما يصحب الكلام من أوله وآخره كأشياء
كثيرة يقع اللبس في لفظها فيعتمد في بيانها على ما يقارنها كالتحقير والتكسير وغير
ذلك ؛ فلما وجدت إلى رفع اللّبس بحيث وجدته طريقا سلكتها ، ولما لم تجد إليه طريقا
في موضع آخر احتملته ودللت بما يقارنه عليه.
الضرب الثاني :
مما هجمت فيه الحركة على الحركة من غير قياس كقوله ، وقال : [الرجز]
اضرب السّاقين إمّك هابل
أصله (أمك)
فكسر الهمزة لانكسار ما قبلها على حدّ من قرأ : (فَلِأُمِّهِ
__________________
الثُّلُثُ) [النساء : ١١] فصار إمك ثم أتبع الكسر الكسر فهجمت كسرة الإتباع على ضمة
الإعراب فابتزتها موضعها ، فهذا شاذّ لا يقاس عليه ، ألا تراك لا تقول : قدرك
واسعة ، ولا عدلك ثقيلة ، ولا بنتك عاقلة. ونحو من ذلك في الشذوذ قراءة الكسائي :
بما أنزليّك [البقرة : ٤] وقياسه في تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين ، فتقول
بما أنزل «إليك» لكنه حذف الهمزة حذفا وألقى كسرتها على لام أنزل وقد كانت مفتوحة
، فغلبت الكسرة الفتحة على الموضع ، فصار تقديره بما أنزلليك فالتقت اللامان
متحركتين فأسكنت الأولى وأدغمت في الثانية ، كقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨].
ونحو منه ما
حكاه لنا أبو علي عن أبي عبيدة أنه سمع : (دعه في حرامه) وذلك أنه نقل ضمة الهمزة
بعد أن حذفها على الراء وهي مكسورة ، فنفى الكسرة وأعقب منها ضمة.
ومنه ما حكاه
أحمد بن يحيى في خبر له مع ابن الأعرابي بحضرة سعيد بن مسلم ، عن امرأة قالت لبنات
لها وقد خلون إلى أعرابي كان يألفهن : (أفي السو تنتنه) قال أحمد بن يحيى فقال لي
ابن الأعرابي : تعال إلى هنا اسمع ما تقول ، قلت : وما في هذا أرادت استفهام إنكار
: أفي السوأة أنتنه؟ فألقت فتحة أنتن عى كسرة الهاء ، فصارت تخفيف السوأة أفي
السوء تنتنه ، فهذا نحو مما نحو بسبيله ، وجميعه غير مقيس ، لأنه ليس على حد
التخفيف القياسي ، لأن طريق قياسه أن تقول في حر أمه فتقر كسرة الراء عليها وتجعل
همزة أمه بين بين ، أي بين الهمزة والواو ولأنها مضمومة ، كقوله تعالى : (يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأنعام : ٥] فيمن خفّف ، أو في حريمه فيبدلها ياء البتة على يستهزيون ،
وهو رأي أبي الحسن ، فأما في حرمه فليس على قياس البتة وكذلك قياس تخفيف قولها :
أفي السوأة أنتنه ، أن تقول : أفي السوء تنتنه فتخلص همزة أنتنه ياء البتة
لانفتاحها وانكسار ما قبلها ، كقولك في تخفيف مئر : مير ، انتهى ما ذكره ابن جنّي.
ومن فروع هذا
الباب كسرة شرب إذا بني للمفعول ، وكسرة زبرج إذا صغّر هل تبقى؟
ظاهر كلامهم
نعم ، قال أبو حيان : ولو قيل إنها زالت وجاءت كسرة أخرى لكان وجها ، كما قالوا في
(من زيد) في الحكاية على أحد القولين وفي (منص) إذا رخّمت منصورا على لغة من لا
ينتظر ، فإنهم زعموا أنها ضمة بناء غير الضمة في منصور التي هي من حركات الكلمة
الأصلية. قال : وإذا صغّرت فعلا على فعيل فضمة فعيل غير ضمة فعل ، وقيل : هي هي.
الحادية عشرة : قولهم حرف متحرك
قال ابن القيم
في (بدائع الفوائد) : قال السهيلي : قولهم حرف متحرك وتحركت الواو ونحو ذلك
تساهل منهم ، فإن الحركة عبارة عن انتقال الجسم من حيّز إلى حيّز ، والحرف جزء من
الصوت ، ومحال أن تقوم الحركة بالحرف لأنه عرض ، والحركة لا تقوم بالعرض ، وإنما
المتحرك في الحقيقة هو العضو من الشفتين أو اللسان أو الحنك الذي يخرج منه الحرف ،
فالضمة عبارة عن تحريك الشفتين بالضم عند النطق فيحدث من ذلك صوت خفيّ مقارب للحرف
إن امتدّ كان واوا وإن قصر كان ضمة ، والفتحة عبارة عن فتح الشفتين عند النطق بالحرف
وحدوث الصوت الخفي الذي يسمى فتحة ، وكذا القول في الكسرة.
والسكون عبارة
عن خلوّ العضو من الحركات عند النطق بالحرف ، ولا يحدث بعد الحرف صوت ، فينجزم عند
ذلك أي : ينقط ، فلذلك سمّي جزءا اعتبارا بانجزام الصوت وهو انقطاعه ، وسكونا
اعتبارا ما لعضو الساكن ، فقولهم فتح وضم وكسر هو من صفة العضو ، وإذا سميت ذلك
رفعا ونصبا وجرّا وجزما فهي من صفة الصوت ، لأنه يرتفع عند ضم الشفتين وينتصب عند
فتحهما وينخفض عند كسرهما وينجزم عند سكونهما ، وعبّروا بهذه عن حركات الإعراب
لأنها لا تكون إلا بسبب وهو العامل ، كما أن هذه إنما لا تكون بسبب وهو حركة العضو
وعن أحوال البناء تلك ، لأنه لا يكون بسبب أعني بعامل ، كما أن هذه الصفات يكون
وجودها بغير آلة.
قال ابن القيم
: وعندي أن هذا ليس باستدراك على النحاة ، فإن الحرف وإن كان عرضا فقد يوصف
بالحركة تبعا لحركة محله ، فإن الأعراض وإن لم تتحرك بأنفسها فهي تتحرك بحركة
محالها فاندفع الإشكال جملة.
الثانية عشرة : الحركات هل هي مأخوذة من حروف المدّ
قال أبو حيان
في (شرح التسهيل) : اختلف النحاة في الحركات الثلاث ، أهي مأخوذة من حروف المدّ
واللّين أم لا؟ فذهب الأكثرون إلى أن الفتحة من الألف والضمة من الواو والكسرة من
الياء اعتمادا على أن الحروف قبل الحركات ، والثاني مأخوذ من الأول.
وذهب بعض
النحويين إلى أن هذه الحروف مأخوذة من الحركات الثلاث : الألف من الفتحة والواو من
الضمة والياء من الكسرة ، اعتمادا على أن الحركات قبل
__________________
الحروف ، وبدليل أن هذه الحروف تحدث عند هذه الحركات إذا أشبعت ، وأن العرب
قد استغنت في بعض كلامها بهذه الحركات عن هذه الحروف اكتفاء بالأصل على فرعه.
وذهب بعض
النحويين إلى أنه ليست هذه الحروف مأخوذة من الحركات ، ولا الحركات مأخوذة من الحروف
، اعتمادا على أن أحدهما لم يسبق الآخر ، وصححه بعضهم ، انتهى.
الثالثة عشرة : تمكن النطق بالحرف أقوى من تمكنه بالحركة
قال في (البسيط)
: تمكن النطق بالحرف أقوى من تمكنه بالحركة.
الرابعة عشرة : تقدير الحرف ساكنا
الأصل في تقدير
الحرف أن يقدر ساكنا ، لأن الحركة أمر زائد فلا يقدم عليه إلا بدليل ، ومن ثم كان
مذهب سيبويه في (شاة) أن الأصل فيها (شوهة) بسكون الواو كصفحة ، لا شوهة بالفتح ،
وفي (دم) أن وزنه فعل بالسكون لا فعل بالتحريك.
الخامسة عشرة : قيام الحركة مقام الحرف
الحركة قد تقوم
مقام الحرف وذلك في الثلاثي المؤنث بغيرها ، نحو : (سقر) ، فإنه يمنع الصرف كما لو
كان فوق ثلاثة إقامة للحركة مقام حرف رابع ، بدليل تحتّم حذف ألف جمزيّ في النسب ؛
كتحتّم ألف (مصطفى) لا كتخيير ألف (حبلى) المشاركة لها في عدد الحروف.
قال في (البسيط)
: فإن قيل : لو جرت الحركة مجرى الحرف الرابع لم تلحقه تاء التأنيث في التصغير
كالرباعي ، ولا شك في لحوقها نحو (سقيرة).
قلت : نحن لا
ندّعي أن الحركة تجري مجرى الحرف الرابع في كل حكم بل في موضع يثقل اللفظ بها ،
وذلك في المكبّر بخلاف المصغّر.
السادسة عشرة : الحركة المنقولة في الوقف
قال أبو البقاء
في (التبيين) : اعلم أنهم لا يريدون بالحركة المنقولة في الوقف في نحو : هذا بكر
ومررت ببكر ؛ أن حركة الإعراب صارت في الكاف إذ الإعراب لا يكون قبل الطرف وإنما
يريدون أنها مثلها.
السابعة عشرة : تسمية المتقدمين للحركات
قال ابن يعيش :
كان المتقدّمون يسمون الفتحة الألف الصغيرة والضمة الواو الصغيرة والكسرة الياء
الصغيرة ، لأن الحركات والحروف أصوات ، وإنما رأى النحويون صوتا أعظم من صوت فسموا
العظيم حرفا والضعيف حركة ؛ وإن كانا في
الحقيقة شيئا واحدا ، ولذلك دخلت الإمالة على الحركة كما دخلت الألف إذ
الغرض إنما هو تجانس الصوت وتقريب بعضها من بعض.
فائدة : السؤال عن مبادئ اللغات يؤدّي إلى التسلسل
قال بعض شرّاح
الجمل : السؤال عن مبادئ اللغات يؤدي إلى التسلسل ، فلهذا لا ينبغي أن يسأل لأي
شيء انفردت الأسماء بالجر وانفردت الأفعال بالجزم ، وإنما ينبغي أن يسأل عما كان
يجب فامتنع ، وهو خفض الأفعال المضارعة بالإضافة ، لأن الفعل مرفوع ، وإن أضيف
إليه كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩] وجزم الأسماء التي لا تنصرف وذلك أنها لما أشبهت الفعل
المضارع وحكم لها بحكمه فلم تنون ولم تخفض كالفعل ، كان يجب أن يحمل فيها الخفض
على جزم الفعل الذي أشبهته بدل حمله على النصب ، ويكون الاسم الذي لا ينصرف ساكنا
في حال الخفض ويكون فيه ترك العلامة علامة.
والجواب على
ذلك : ما ذكره الزجاجي أنه لم تخفض الأفعال المضارعة لأن الخفض لو كان فيها إنما
كان يكون بالإضافة ، لأنه ليس من عوامل الخفض ما يدخل على الفعل إلا الإضافة إما
للملك أو للاستحقاق ، والأفعال لا تملك شيئا ولا تستحقه فلا يكون فيها إضافة ،
وإذا لم يكن فيها إضافة لم يكن فيها خفض ، فإن أضيف إلى الفعل فإنما يضاف إليه في
اللفظ ولمصدره في المعنى ، ولذلك لا تؤثر الإضافة فيه ، ولم تجزم الأسماء التي لا
تنصرف لأنها قد ذهب منها التنوين ، فلو ذهبت الحركة لأدى ذلك إلى ذهاب شيئين من
جهة واحدة ، وذلك إخلال بالكلمة لتوالي الحذف على آخرها.
حكاية الحال من القواعد الشهيرة
قال ابن هشام
في (المغني) : القاعدة السادسة ، أنهم يعبرون عن الماضي والآتي كما
يعبرون عن الشيء الحاضر قصدا لإحضاره في الذهن حتى كأنه مشاهد حالة الإخبار نحو : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ) [النمل : ١٢٤] لأن لام الابتداء للحال ونحو : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ
وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) [القصص : ١٥] إذ ليس المراد تقريب الرجلين من الرسول عليه الصلاة والسّلام
، كما تقول : هذا كتابك فخذه ، وإنما الإشارة كانت إليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت
ومثله : (وَاللهُ
__________________
الَّذِي
أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ
فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) [فاطر : ٩] ألا ترى أنه تعالى قصد بقوله فتثير سحابا إحضار تلك الصورة
البديعة الدالة على القدرة الباهرة من إثارة السحاب تبدو أولا قطعا ثم تتضام
متقلبة بين أطوار حتى تصير ركاما ، ومنه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] أي : فكان ، (وَمَنْ يُشْرِكْ
بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي
بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) [الحج : ٣١] ، (وَنُرِيدُ أَنْ
نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) [القصص : ٥] إلى قوله : و (نُرِيَ فِرْعَوْنَ
وَهامانَ) [القصص : ٦] ومنه عند الجمهور : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ
ذِراعَيْهِ) [الكهف : ١٨] ، أي : يبسط ذراعيه ، بدليل (وَنُقَلِّبُهُمْ ،) ولم يقل وقلبناهم ، وبهذا التقرير يندفع قول الكسائي
وهشام أن اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي يعمل ، ومثله : (وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٧٢] إلا أن هذا على حكاية حال كانت مستقبلة وقت التدارئ ، وفي
الآية الأولى حكيت الحال الماضية.
ومثلها قوله : [الرجز]
١٢٥ ـ جارية في رمضان الماضي
|
|
تقطع الحديث
بالإيماض
|
ولو لا حكاية
الحال في قول حسان : [الكامل]
١٢٦ ـ يغشون حتى لا تهرّ كلابهم
|
|
[لا يسألون عن السّواد المقبل]
|
لم يصح الرفع ،
لأنه لا يرفع إلا وهو للحال ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤].
الحمل على ما له نظير أولى من الحمل على ما ليس له نظير
وفيه فروع :
منها : (مروان)
، يحتمل أن يكون وزنه فعلان أو مفعالا أو فعوالا ، والأول له نظير فيحمل عليه ،
والآخران مثالان لم يجيئا ، ذكره ابن جنّي .
ومنها : (فم)
أصلها (فوه) بزنة (فوز) حذفت الهاء لشبهها بحرف العلة لخفائها وقربها في المخرج من
الألف ، فحذفت كحذف حرف العلة ، فبقيت الواو
__________________
التي هي عين حرف الإعراب ، وكان القياس قلبها ألفا لتحرّكها بحركات الإعراب
وانفتاح ما قبلها ، ثم يدخل التنوين على حد دخوله في نحو : عصا ورحى ، فتحذف الألف
لالتقاء الساكنين فيبقى المعرب على حرف واحد ، وذلك معدوم النظير ، فلما كان
القياس يؤدي إلى ما ذكر ، أبدلوا من الواو ميما ، لأن الميم حرف جلد يتحمل الحركات
من غير استثقال وهما من الشفتين فهما متقاربان ، ذكره ابن يعيش .
ومنها : ألف (كلا)
وليست زائدة لئلا يبقى الاسم الظاهر على حرفين وليس ذلك في كلامهم أصلا ، ذكره ابن
يعيش أيضا.
ومنها : مذهب
سيبويه أن التاء في (كلتا) بدل من لام الكلمة ، كما أبدلت منها في (بنت وأخت) ،
وألفها للتأنيث ، ووزنها فعلى (كذكرى) ، وذهب الجرمي إلى أن التاء للتأنيث والألف
لام الكلمة كما في (كلا) والوجه الأول ، لأنه ليس في الأسماء فعتل ، ولم يعهد أن
تاء التأنيث تكون حشوا في كلمة ، ذكره ابن يعيش .
ومنها : قال
ابن الأنباري في (الإنصاف) : ذهب البصريون إلى أن الأسماء الستة معربة من مكان
واحد ، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب ، وذهب الكوفيون إلى أنها معربة من
مكانين ، قال : والذي يدلّ على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه ، أن ما
ذهبنا إليه له نظير في كلام العرب ؛ فإن كل معرب في كلامهم ليس له إلا إعراب واحد
وما ذهبوا إليه لا نظير له في كلامهم ، فإنه ليس في كلامهم ، معرب له إعرابان ،
والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير.
ومنها : قال
ابن الأنباري : ذهب البصريون إلى أن الألف والواو والياء في التثنية
والجمع حروف إعراب ، وذهب الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب ، وقد أفسده بعض
النحويين بأن هذا يؤدي إلى أن يكون الإعراب بغير حركة ولا حرف ، وهذا لا نظير له
في كلامهم.
ومنها : قال
ابن فلاح في (المغني) : صفة اسم (لا) المبني يجوز فتحه نحو : لا رجل ظريف في الدار
، وهي فتحة بناء ؛ لأن الموصوف والصفة جعلا كالشيء الواحد بمنزلة خمسة عشر ، ثم
دخلت (لا) عليهما بعد التركيب ، ولا يجوز أن
__________________
تكون دخلت عليهما وهما معربان فبنيا معها ؛ لأنه يؤدي إلى جعل ثلاثة أشياء
كشيء واحد ولا نظير له.
ومنها : قال
ابن فلاح : ذهب البصريون إلى أن (اللهمّ) أصله (يا ألله) حذفت يا وعوض منها الميم
المشددة في آخره.
وقال الكوفيون : ليست الميم بعوض بل أصله (يا ألله أمّ) أي
أقصد ، فحذفت الهمزة من فعل الأمر واتصلت الميم المشددة باسم الله فامتزجا وصارا
كلمة واحدة ، ولا يستنكر تركيب فعل الأمر مع غيره بدليل (هلمّ) ، فإنها مركبة عند
البصريين من حرف التنبيه ولمّ ، وعندنا من (هل) و (أمّ) ، قالوا : فما صرنا إليه
له نظير وما صرتم إليه دعوى بلا دليل.
وقال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : قال الكوفيون : ضمير الفصل إعرابه بإعراب ما قبله ، لأنه توكيد
لما قبله ، وردّه البصريون بأن المكنّى لا يكون تأكيدا للمظهر في شيء من كلامهم ،
والمصير إلى ما لا نظير له في كلامهم غير جائز.
وقال ابن جنّي
في الخصائص : إذا دلّ الدليل لا يجب إيجاد النظير وذلك على مذهب
الكتاب ، فإنه حكي مما جاء على فعل (إبلا) وحدها ، ولم يمنع الحكم بها عنده إن لم
يكن لها نظير ، لأن إيجاد النظير بعد قيام الدليل إنما هو للأنس به لا للحاجة إليه
، فأما إن لم يقم دليل فإنك محتاج إلى النظير ، ألا ترى إلى عزويت لما لم يقم
الدليل على أن واوه وتاءه أصلان ، احتجت إلى التعليل بالنظير ، فمنعت أن يكون
مفويلا لما لم تجد له نظيرا وحملته على (فعليت) لوجود النظير وهو عفريت ونفريت.
وكذلك قال أبو
عثمان في الردّ على من ادعى أن السين وسوف يرفعان الأفعال المضارعة : لم نر عاملا
في الفعل تدخل عليه اللام ، وقد قال الله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥] فجعل عدم النظير ردا على من أنكر قوله ، فأما إن لم يقم الدليل
ولم يوجد النظير ، فإنك تحكم مع عدم النظير ، وذلك قولك في الهمزة والنون من أندلس
أنهما زائدتان ، وأن وزن الكلمة بهما (أنفعل) ؛ وإن كان هذا مثالا لا نظير له ،
وذلك أن النون لا محالة زائدة لأنه ليس في ذوات الخمسة شيء على فعلل ، فتكون النون
فيه أصلا لوقوعها موقع العين ، وإذا ثبت أن النون زائدة فقد
__________________
يرد في ذلك ثلاثة أحرف أصول ؛ وهي الدال واللام والسين وفي أول الكلمة همزة
، ومتى وقع ذلك حكمت يكون الهمزة زائدة من أوائلها إلا في الأسماء الجارية على
أفعالها نحو : مدحرج وبابه. وقد وجب إذا أن الهمزة والنون زائدتان ، وأن الكلمة
بهما على انفعل ؛ وإن كان هذا مثالا لا نظير له ، فإن ضام الدليل النظير فلا مذهب
بك عن ذلك وهذا كنون عنتر فالدليل يقضي بكونها أصلا ، لأنها مقابلة لعين جعفر ؛
والمثال أيضا معك وهو فعلل.
وقال ابن يعيش : ذهب المبرد إلى أن نحو : لا مسلمين لك ، ولا مسلمين
لك معربان وليسا بمبنيين مع لا ، قال : لأن الأسماء المثناة والمجموعة بالواو
والنون لا تكون مع ما قبلها اسما واحدا فلم يوجد ذلك.
وقال ابن يعيش
: وهذا إشارة إلى عدم النظير ، قال : وإذا قال الدليل فلا عبرة بعدم النظير ، أما
إذا وجد فلا شك أنه يكون مؤنسا ، وأما أن يتوقف ثبوت الحكم على وجوده فلا.
وقال الشلوبين
: قول من قال : إن الحروف في الأسماء الستة دلائل إعراب وليست بإعراب ولا حروف
إعراب ؛ يؤدي إلى أن يكون الاسم المعرب على حرف واحد في قولك ذو مال ، وهذه الحروف
زوائد عليه للدلالة على الإعراب ؛ وذلك خروج عن النظائر ، فلا ينبغي أن يقال به.
قاعدة : تسمية الرجل بما لا نظير له في الكلام
قال ابن يعيش : يجوز أن يسمّى الرجل بما لا نظير له في كلام
ولهذا لم يذكر سيبويه (دئل) في أبنية الأسماء لأنه اسم لقبيلة أبي الأسود ،
والمعارف غير معوّل عليها في الأبنية.
حمل الشيء على نظيره
قال ابن الأثير في النهاية : الحدّاث جماعة يتحدّثون ؛ وهو
جمع على غير قياس حملا على نظيره ، وهو سامر وسمّار ، فإن السمّار : المتحدثون.
__________________
الحمل على أحسن القبيحين
عقد له ابن
جنّي بابا في الخصائص قال : وذلك أن تحضرك الحال ضرورتين لا بدّ من ارتكاب
إحداهما ، فينبغي حينئذ أن تحمل الأمر على أقربهما وأقلهما فحشا ؛ وذلك كواو (ورنتل)
أنت فيها بين ضرورتين :
إحداهما
: أن تدعى كونها
أصلا في ذوات الأربعة غير مكررة ، والواو لا توجد في ذوات الأربعة إلا مع التكرير
، نحو : الوصوصة والوحوحة وضوضيت وقوقيت.
والأخرى
: أن تجعلها
زائدة أولا والواو لا تزاد أولا ، فإذا كان كذلك كان أن تجعلها أصلا أولى من أن
تجعلها زائدة ، وذلك أن الواو قد تكون أصلا في ذوات الأربعة على وجه من الوجوه ،
أعني حال التضعيف ؛ فأما أن تزاد أولا ، فإن هذا أمر لم يوجد على حال ، فإذا كان
كذلك رفضته ولم تحمل الكلمة عليه ، ومثل ذلك فيها : قائما رجل ، لما كنت بين أن
ترفع قائما فتقدم الصفة على الموصوف وهذا لا يكون ؛ وبين أن تنصب الحال من النكرة
وهذا على قلته جائز ، حملت المسألة على الحال فنصبت ، كذلك : ما قام إلا زيدا أحد
، عدلت إلى النصب لأنك إذا رفعت لم تجد قبله ما تبدله منه ، وإن نصبت دخلت تحت
تقديم المستثنى على ما استثني منه ، وهذا وإن كان ليس في قوة تأخيره عنه فقد جاء
على كل حال ، فاعرف ذلك أصلا في العربية تحمل عليه غيره ، انتهى.
وقال ابن إياز
ـ في نحو : فيها قائما رجل : أبو الفتح يسمّي هذا الحمل : أحسن القبيحين : لأن
الحال من النكرة قبيح ، وتقديم الصفة على الموصوف أقبح ، فحمل على أحسنهما.
وقال ابن يعيش : إنما امتنع العطف على عاملين عند الخليل
وسيبويه لأن حرف العطف خلف عن العامل ونائب عنه ، وما قام مقام غيره فهو أضعف منه
في سائر أبواب العربية ، فلا يجوز أن يتسلّط على عمل الإعراب بما لا يتسلط ما أقيم
مقامه ، فإذا أقيم مقام الفعل لم يجز أن يتسلط على عمل الجرّ ، فلذا لم يخرجوا
قولهم في المثل (ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة) على العطف على عاملين كما هو رأي الكوفيين ، حيث جعلوا
جرّ بيضاء بالعطف على سوداء والعامل فيها
__________________
كلّ ، ونصب شحمة عطفا على خبر ما ، ومثله عندهم : ما زيد بقائم ولا قاعد
عمرو ، ويخفضون قاعدا بالعطف على قائم المخفوض بالباء ، ويرفعون عمرو بالعطف على
اسم (ما) بل يخرجونه على حذف المضاف وإبقاء عمله.
فإن قيل : حذف المضاف وإبقاء عمله على خلاف الأصل وهو ضعيف
والعطف على عاملين ضعيف أيضا ، فلم كان حمله على الجار أولى من حمله على العطف على
عاملين؟!
قيل : لأن حذف
الجار قد جاء في كلامهم وله وجه من القياس ، فأما مجيئه فنحو : [الرجز]
١٢٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس
أي : وربّ بلدة
، وقولهم في القسم : (الله لأفعلن) وقول رؤبة لما قيل له كيف أصبحت (خير عافاك
الله) أي : بخير.
وقد حمل
أصحابنا قراءة حمزة (وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] على حذف الجار ، وأن التقدير فيه : وبالأرحام ، والأمر فيه
ليس ببعيد ذلك البعد ، فقد ثبت بهذا جواز حذف الجار في الاستعمال ، وإن كان قليلا
؛ ولم يثبت في الاستعمال العطف على عاملين ، فكان حمله على ما له نظير أولى ، وهو
من قبيل أحسن القبيحين.
وأما من جهة
القياس فلأن الفعل لما كان يكثر فيه الحذف وشاركه الحرف الجار في كونه عاملا جاز
فيه ما جاز في الفعل على سبيل الندرة.
حمل الشيء على الشيء
من غير الوجه الذي أعطى الأول ذلك الحكم
عقد له ابن جنّي
بابا في (الخصائص) ، قال : اعلم أن هذا باب طريقه الشبه
__________________
اللفظي ، وذلك كقولنا في النسب إلى ما فيه همزة التأنيث بالواو وذلك نحو : حمراويّ
وصفراويّ وعشراويّ ، وإنما قلبت الهمزة فيه ولم تقرّر بحالها لئلا تقع علامة
التأنيث حشوا فمضى هذا على هذا لا يختلف. ثم إنهم قالوا في النسب إلى علباء : علباويّ
وإلى حرباء : حرباوي ، وأبدلوا هذه الهمزة وإن لم تكن للتأنيث لكنها لما شابهت
همزة حمراء وبابها بالزيادة حملوا عليها همزة علباء ، ونحن نعلم أن همزة حمراء لم
تقلب في حمراء لكونها زائدة فتشبه بها همزة علباء من حيث كانت زائدة مثلها. لكن
لما اتفقتا في الزيادة حملت همزة علباء على همزة حمراء ؛ ثم إنهم تجاوزوا هذا إلى
أن قالوا في كساء وقضاء : كساويّ وقضاويّ ، فأبدلوا الهمزة واوا حملا لها على همزة
علباء من حيث كانت همزة قضاء وكساء مبدلة من حرف ليس للتأنيث ، فهذه علة غير
الأولى ، ألا تراك لم تبدل همزة علباء واوا في علباوي لأنها ليس للتأنيث فتحمل
عليها همزة كساء وقضاء من حيث كانتا لغير التأنيث ، ثم إنهم قالوا من بعد في قرّاء
: قرّاويّ ، فشبّهوا همزة قرّاء بهمزة كساء من حيث كانت أصلا غير زائدة ، كما أن
همزة كساء غير زائدة ، وأنت لم تكن أبدلت همزة كساء في كساويّ ، من حيث كانت غير
زائدة ، لكن هذه أشباه لفظية يحمل أحدها على ما قبله تشبثا به وتصورا له.
وإليه وإلى
نحوه أومأ سيبويه بقوله : وليس شيء مما يضّطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها.
وعلى ذلك قالوا : (صحراوات) فأبدلوا الهمزة واوا لئلا يجمعوا بين علمي تأنيث ، ثم
حملوا التثنية عليه من حيث كان هذا الجمع على طريق التثنية ، ثم قالوا : (علباوان)
حملا بالزيادة على حمراوان ، ثم قالوا : (كساوان) تشبيها له بعلباوان ، ثم قالوا :
(قراوان) حملا له على كساوان على ما تقدم.
وسبب هذه
الحمول والإضافات والإلحاقات كثرة هذه اللغة وسعتها وغلبة حاجة أهلها إلى التصرف
بها والتركح في إثباتها لما يلابسونه ويكثرون استعماله من الكلام
المنثور والشعر الموزون والخطب والسجوع ، ولقوة إحساسهم في كل شيء وتخيلهم ما لا
يكاد يشعر به من لم يألف مذاهبهم. وعلى هذا ما منع الصرف من الأسماء للشبه اللفظي
نحو : أحمر وأصفر وأصرم وأحمد ، وتألب وتنضب علمين ، لما في ذلك من شبه لفظ الفعل
، فحذفوا التنوين من الاسم لمشابهته ما لا حصة له في التنوين وهو الفعل ، قال :
والشبه اللفظي كثير وفي هذا كفاية ، انتهى.
__________________
الحمل على الأكثر أولى من الحمل على الأقل
ومن ثم قال
الأكثرون : إن (رحمن) غير منصرف ، وإن لم يكن له (فعلى) ، لأن ما لا ينصرف من (فعلان)
أكثر ، فالحمل عليه أولى ، قاله صاحب (البسيط).
وقال ابن يعيش : ذهب بعضهم إلى أن ألف (كلا) منقلبة عن ياء
وذلك لأنه رآها قد أميلت.
قال سيبويه : لو سمّيت بـ (كلا) وثنّيت لقلبت الألف ياء ،
لأنه قد سمع فيها الإمالة ، والأمثل أن تكون منقلبة عن واو لأنها قد أبدلت تاء في (كلتا)
، وإبدال التاء من الواو أضعاف إبدالها من الياء ، والعمل إنما هو على الأكثر ،
وإنما أميلت لكثرة الكاف.
وقال السخاوي (في
تنوير الدياجي) : سأل سيبويه الخليل عن (رمان) فقال : لا أصرفه في المعرفة وأحمله
على الأكثر إذا لم يكن له معنى يعرف به .
قال السخاوي :
أي إذا كان لا يعمل من أي شيء اشتقاقه حمل على الأكثر ، والأكثر زيادة الألف
والنون.
وقال ابن يعيش : القياس يقتضي زيادة النون في (حسان) وأن لا
ينصرف حملا على الأكثر.
وقال الشلوبين
: المحذوف من (ذو) ياء أو واو لأن الغالب على الاسم الثنائي المحذوف منه لامه أن
تكون اللام المحذوفة منه ياء أو واوا ، والأغلب فيها الواو ، وقلّ أن يكون المحذوف
غيرهما كالحاء من (حر) فينبغي أن يحكم على (ذو) بأن المحذوف منه ياء أو واو لا
غيرهما ، لأنهما أكثر من غيرهما وإن كان يمكن أن يكون المحذوف منه هاء.
وقال أيضا : قد
تكون الصفة مجتمعة فيها شروط الجمع بالواو والنون ولا تجمع بهما إذا كانت محمولة
على غيرهما مما لا يجمع بالواو والنون ، وذلك نحو : (ندمان) ، كان قياسه أن يقال
في جمعه : (ندمانون) ، لأن مؤنثه (ندمانة) ، ولكن سيبويه قال : إنهم لا يقولون ذلك وإن كان قد أجازه هو بعد ذلك ،
وتوجيه شذوذه
__________________
أن المطرد في باب فعلان أن لا يقال فيه فعلانة ، فحمل في ذلك على الأكثر ،
ولكن مثل هذا يقل في الصفات التي اجتمعت فيها هذه الشروط حتى لا أذكر منه إلا هذا.
وقال أيضا :
الألف المجهولة الأصل من الثلاثي إذا لم تمل تقلب في التثنية واوا وإذا أميلت تقلب
ياء لأنه لا يمال من هذا النون إلا ما كانت ألفه منقلبة عن ياء ، ولا يميلون ذوات
الواو إلا شاذا ، والأكثر مما يمال من هذا النوع أن تكون ألفه منقلبة عن ياء ،
فحمل هذا المجهول عليه ، وما لم يمله المحيلون من هذا النوع فألفه منقلبة عن واو ،
فحمل هذا المجهول عليه ، قال : فإن جهل أمر الإمالة أعني وجودها وعدمها في هذا
النوع ، حمل على ما ألفه منقلبة عن الياء ، لأن الأكثر زعموا فيما لامه ألف أن
يكون انقلابها عن الياء لا عن الواو لأن الياء أغلب على اللام من الواو ، ويقوّي
ذلك أن ذوات الواو ترجع في الأربعة إلى الياء ، نحو : (ملهيان) و (مدعيان) ، ولا
ترجع الياء إلى الواو ، نحو : (مرميان) ، انتهى.
وقال ابن عصفور
: قول سيبويه : إن المرفوع بعد لو لا مبتدأ محذوف الخبر أولى من قول الكسائي : إنه
فاعل بإضمار فعل ، لأن إضمار الخبر أكثر من إضمار الفعل ، والحمل على الأكثر أولى .
وقال ابن إياز
: ذهب الكسائي إلى أن (حتى) حرف تنصب المضارع دائما وإذا وقع بعدها الاسم مجرورا
كان بتقدير (إلى) وقول البصريين : إنها حرف يجرّ الاسم دائما ، وإذا نصب المضارع
بعدها كان بتقدير أن أرجح ، لأنه إذا ترددت الكلمة بين أن تكون من عوامل الأسماء
أو من عوامل الأفعال فجعلها من عوامل الأسماء أولى ، وذلك لأن عوامل الأسماء هي
الأصول وعوامل الأفعال فروع ، وأيضا فعوامل الأسماء هي الأكثر ومن أصولهم الحمل
على الأكثر.
وقال ابن
النحاس في باب الاشتغال : إذا كان العطف على جملة فعلية فالمختار الحمل على إضمار
فعل ، لأنك حينئذ تكون قد عطفت جملة فعلية على جملة فعلية فتنفق الجمل ، وإذا رفعت
تكون قد عطفت جملة اسمية على جملة فعلية فتختلف الجمل ، وتوافق الجمل أولى من
اختلافها.
فإن قيل :
توافق الجمل يعارضه أنك إذا نصبت تحتاج إلى تقدير وإذا رفعت لم تحتج إلى تقدير
شيء.
__________________
فالجواب : أنه
إذا دار الأمر بين الاختلاف والتقدير كان التقدير أولى لكثرة التقدير في كلام
العرب وقلة الاختلاف ، والحمل على الكثير أولى.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : لام (ذي) بمعنى صاحب ياء على الأصح ، حملا على الأكثر فيما عينه
واو.
وقال ابن يعيش : الهاء من (هذه) بدل الياء من (هذي) ، وإنما
كسرت ووصلت بالياء لأنها في اسم غير متمكن مبهم فشبهت بها ، الإضمار الذي قبله
كسرة نحو به وبغلامه.
وقال سيبويه : ولا أعلم أحدا يضمّها ، لأنها شبهوها بهاء
الضمير وليست للضمير فحملوها على أكثر الكلام ، وأكثر الكلام كسر الهاء إذا كان
قبلها كسرة ، ووصلوا بالياء كما وصلوا في به وبغلامه ، ومن العرب من يسكنها في
الوصل ويجري على أصل القياس يقول : هذه هند.
وقال أيضا :
الياء الثانية في (قوقيت) و (ضوضيت) أصل لأنها الأولى كررت ، وأصلها (قوقوت) و (ضوضوت)
، وإنما قلبوا الثانية ياء لوقوعها رابعة على حدّ : أغزيت وادعيت.
فإن قيل :
فهلّا كانت زائدة عى حدّ زيادتها في : سعليت وجعييت؟
قيل : لو قيل
ذلك لصارت من باب : سلس وقلق وهو قليل ، وباب : زلزلت وقلقلت أكثر والعمل إنما هو
على الأكثر ، وقال : الميم من (منبج) ـ اسم لبلد ـ زائدة والنون أصل ، لأن زيادة
الميم أولا أكثر من زيادة النون أولا ، والعمل إنما هو على الأكثر.
وقال المالقي
في (رصف المباني) : (ألّا) المفتوحة المشددة حرف تحضيض وتبدل همزتها هاء
، فيقال : هلّا ، ولا تنعكس القضية فتقول إن الهمزة بدل من الهاء ، لأن بدل الهاء
من الهمزة أكثر من بدل الهمزة من الهاء ، لأنها لم تبدل إلا في (ماء) و (أمواء)
والأصل : ماه وأمواه ، وفي (أهل) قالوا : آل والأصل أأل ، فسهلوا الهمزة. والهاء
قد أبدلت من الهمزة في (إيّاك) فقالوا : هياك ، وفي (أرحت) الماشية قالوا : هرحت ،
وفي (أرقت) الماء قالوا : هرقت ، وفي أشياء غير هذه ، فالحمل على الأكثر أولى.
__________________
وقال أبو حيان
في شرح (التسهيل) : (إلّا) إما أن تقترن بما بعدها قرينة تدلّ على أنه داخل في حكم
ما قبلها أو خارج عنه ، إن اقترن بذلك قرينة كان على حسبها ، وإن لم تقترن به
قرينة فالذي عليه أكثر المحققين أنه لا يدخل في حكم ما قبلها وهو الصحيح ، لأن
الأكثر في كلامهم إذا اقترنت قرينة أن لا يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها ، فإذا
عرّي عن القرينة وجب الحمل على الأكثر.
الحمل على المعنى
قال في الخصائص
: اعلم أن هذا النوع غور من العربية بعيد ومذهب نازح فصيح ، وقد ورد به
القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما ، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث ، وتصور معنى
الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد ، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول
، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا ، وغير ذلك.
فمن تذكير
المؤنث قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَى
الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٨]. أي هذا الشخص (فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة : ٢٧٥] لأن الموعظة والوعظ واحد ، (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ
قَرِيبٌ) [الأعراف : ٥٦] أراد بالرحمة هنا المطر.
ومن تأنيث
المذكّر قراءة من قرأ تلتقطه بعض السيارة [يوسف : ١٠] وقولهم : ذهبت بعض أصابعه ،
أنّث ذلك ، لما كانت بعض السيارة سيارة في المعنى وبعض الأصابع إصبعا ، وقولهم :
ما جاءت حاجتك ، لما كانت (ما) هي الحاجة في المعنى ، وأنشدوا : [الطويل]
١٢٨ ـ أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت
|
|
به الخوف
والأعداء من كلّ جانب
|
ذهب بالخوف إلى
المخافة ، وقال : [البسيط]
١٢٩ ـ يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته
|
|
سائل بني أسد
ما هذه الصّوت
|
أنث على معنى
الاستغاثة ، وحكى الأصمعي عن أبي عمرو أنه سمع رجلا من
__________________
أهل اليمن يقول : (فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها) فقلت له أتقول جاءته
كتابي؟ فقال : نعم أليس بصحيفة ، قلت : فما اللّغوب قال : الأحمق ، وقال : [الكامل]
١٣٠ ـ لو كان في قلبي كقدر قلامة
|
|
حبّا لغيرك
قد أتاها أرسلي
|
كسر رسولا ،
وهو مذكّر على أرسل ، وهو من تكسير المؤنّث كأتان وأتن وعناق وأعنق ، لما كان
الرسول هنا إنما يراد به المرأة ، لأنها في غالب الأمر مما تستخدم في هذا الباب ،
وكذلك ما جاء عنهم من : جناح وأجنح قالوا ذهب بالتأنيث إلى الريشة ، وقال (١) : [الطويل]
١٣١ ـ فكان مجنّي دون من كنت أتّقي
|
|
ثلاث شخوص :
كاعبان ومعصر
|
أنّث الشخص
لأنه أراد به المرأة ، وقال : [الطويل]
١٣٢ ـ وإنّ كلابا هذه عشر أبطن
|
|
وأنت بريء من
قبائلها العشر
|
وذهب بالبطن
إلى القبيلة وأبان ذلك بقوله من قبائلها ، وأما قوله : [الطويل]
١٣٣ ـ [وتشرق القول الذي قد أذعته]
|
|
كما شرقت صدر
القناة من الدّم
|
فإن شئت قلت
أنث لأنه أراد القناة ، وإن شئت قلت إن صدر القناة قناة ، وقال : [الكامل]
١٣٤ ـ لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت
|
|
سور المدينة
والجبال الخشّع
|
__________________
وقال : [الرجز]
١٣٥ ـ طول اللّيالي أسرعت في نقضي
وقال تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ
وَرَسُولِهِ) [الأحزاب : ١٣] لأنه أراد امرأة.
ومن باب الواحد
والجماعة قولهم : (هو أحسن الصبيان وأجمله) ، أفرد الضمير لأن هذا موضع يكثر فيه
الواحد كقولك : (هو أحسن فتى في الناس) ، وقال ذو الرمّة : [الوافر]
١٣٦ ـ وميّة أحسن الثّقلين وجها
|
|
وسالفة
وأحسنه قذالا
|
فأفرد الضمير
مع قدرته على جمعه ، وقال تعالى : (وَمِنَ الشَّياطِينِ
مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) [الأنبياء : ٨٢] فحمل على المعنى ، وقال تعالى : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [البقرة : ١١٢] فأفرد على لفظ (من) ثم جمع من بعد ، والحمل على المعنى واسع
في هذه اللغة جدا ، منه قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) [البقرة : ٢٥٨] ، ثم قال : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ
عَلى قَرْيَةٍ) [البقرة : ٢٥٩] قيل فيه : إنه محمول على المعنى ، حتى كأنه قال : أرأيت
كالذي حاج إبراهيم ، وكالذي مرّ على قرية ، فجاء بالتالي على أن الأول قد سبق كذلك
، ومن ذلك قول امرئ القيس : [الطويل]
١٣٧ ـ ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني
|
|
كبرت وأن لا
تحسن السرّ أمثالي
|
بنصب يحسن ،
والظاهر أنه يرفع لأنه معطوف على أنّ الثقيلة ، إلا أنه نصب
__________________
لأن هذا موضع قد كان يجوز أن تكون فيه الخفيفة ، حتى كأنه قال ألا زعمت
بسباسة أن يكبر فلان ، ومنه قوله : [مجزوء الكامل]
١٣٨ ـ يا ليت زوجك قد غدا
|
|
متقلّدا سيفا
ورمحا
|
أي : وحاملا
رمحا ، فهذا محمول على معنى الأول لا لفظه ، وكذا قوله : [السريع]
١٣٩ ـ علفتها تبنا وماء باردا
|
|
[حتّى شتت همّالة عيناها]
|
أي : وسقيتها
ماء باردا ، وقوله : [الطويل]
١٤٠ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه
|
|
وعينه إن
مولاه ثاب له وفر
|
أي ويفقأ عينه.
ومنه باب واسع لطيف ظريف
وهو اتصال
الفعل بحرف ليس مما يتعدّى به ، لأنه في معنى فعل يتعدى به كقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ
الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) [البقرة : ١٨٧] لما كان في معنى الإفضاء عدّاه بإلى ، ومثله قول الفرزدق : [السريع]
[كيف تراني قالبا مجنّي]
|
|
قد قتل الله
زيادا عنّي
|
لأنه في معنى
صرفه وقول الأعشى : [السريع]
١٤١ ـ [أقول لمّا جاءني فخره]
|
|
سبحان من
علقمة الفاخر
|
__________________
علق حرف الجر
بسبحان وهو علم لما كان معناه براءة منه.
وقال ابن يعيش : فإن قيل : قررتم أن العامل في الحال هو
العامل في صاحبها ، والحال في : هذا زيد قائما ، من زيد ، العامل فيه الابتداء من
حيث هو خبر والابتداء لا يعمل نصبا.
فالجواب : أن
هذا كلام محمول على معناه دون لفظه ، والتقدير أشير إليه أو أنبه له فهو مفعول من
جهة المعنى وصل إليه الفعل ، قال : وقولهم : نشدتك الله إلا فعلت ، كلام محمول على
المعنى كأنه قال : ما أنشدك إلّا فعلك ، أي : ما أسألك إلا فعلك. ومثل ذلك : شرّ
أهرّ ذا ناب . وإذا ساغ أن يحمل : شرّ أهرّ ذا ناب ، على معنى النفي
كان معنى النفي في : نشدتك الله إلا فعلت ، أظهر لقوة الدلالة على النفي لدخول إلا
لدلالتها عليه ، ومثله من الحمل على المعنى قوله : [الطويل]
١٤٢ ـ [أنا الذائد الحامي الذمار]
وإنما
|
|
يدافع عن
أحسابهم أنا أو مثلي
|
والمراد : ما
يدافع ، ولذلك فصل الضمير حيث كان المعنى : ما يدافع إلا أنا.
وقال أبو حيان
في إعرابه : كلام العرب منه ما طابق اللفظ المعنى نحو : قام زيد ،
وزيد قام ، وهو أكثر كلام العرب وهو وجه الكلام ومنه ما غلب فيه حكم اللفظ على
المعنى نحو علمت أقام زيد أم قعد لا يجوز تقديم الجملة على علمت ، وإن كان ما بعد
علمت ليس استفهاما بل الهمزة فيه للتسوية ، ومنه ما غلب فيه المعنى على اللفظ ،
وذلك نحو : [الطويل]
١٤٣ ـ على حين عاتبت المشيب على
الصّبا
|
|
[فقلت ألمّا أصح والشّيب وازع]
|
__________________
إذ قياس الفعل
أن لا يضاف إليه ، لكن لوحظ المعنى وهو المصدر فصحت الإضافة.
وقال الزمخشري
في (الأحاجي) قولهم : نشدتك بالله لما فعلت ، كلام محرّف عن وجهه
معدول عن طريقته مذهوب مذهب ما أغربوا به على السامعين من أمثالهم ونوادر ألغازهم
وأحاجيهم وملحهم وأعاجيب كلامهم وسائر ما يدلون به على اقتدارهم وتصريفهم أعنة
فصاحتهم كيف شاؤوا ، وبيان عدله أن الإثبات فيه قائم مقام النفي والفعل قائم مقام
الاسم وأصله ما أطلب منك إلا فعلك.
وقال الشيخ علم
الدين السخاوي في (تنوير الدياجي) : هذا الكلام مما عدل من كلامهم عن طريقته إلى
طريقة أخرى تصرفا في الفصاحة وتفننا في العبارة ، وليس من قبيل الألغاز.
وقال أبو علي :
هو كقوله : شرّ أهرّ ذا ناب ، يعني في أن اللفظ على معنى والمراد معنى آخر ، لأن
المعنى : ما أهرّ ذا ناب إلّا شر.
قال : وقول
الزمخشري : أقيم الفعل فيه مقام الاسم يعني إلّا فعلت أقيم مقام إلا فعلك ، قال
ومثل هذا من الذي هو بمعنى ما هو متروك إظهاره ، قوله : [البسيط]
١٤٤ ـ أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر
|
|
فإنّ قومي لم
تأكلهم الضّبع
|
قال سيبويه : المعنى : لأن كنت منطلقا انطقت لانطلاقك ، أي
: لأن كنت في نفر وجماعة من أسرتك فإن قومي كذلك وهم كثير لم تأكلهم السنة ، ولا
يجوز عند سيبويه إظهار (كنت) مع المفتوحة ولا حذفه مع المكسورة. وقال الزمخشري :
__________________
من المحمول على المعنى قولهم : حسبك ينم الناس ، ولذا جزم به كما يجزم
بالأمر ، لأنه بمعنى : اكفف ، وقولهم : اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه ، لأنه
بمعنى : ليتقّ الله امرؤ وليفعل خيرا.
وقال أبو علي
الفارسي في (التذكرة) : إذا كانوا قد حملوا الكلام في النفي على المعنى دون اللفظ
حيث لو حمل على اللفظ لم يؤدّ إلى اختلال معنى ولا فساد فيه ، وذلك نحو قولهم :
شرّ أهرّ ذا ناب ، وشيء جاء بك ، وقوله : [الطويل]
[أنا الذائد الحامي الذمار] وإنما
|
|
يدافع عن
أحسابهم أنا أو مثلي
|
وقولهم : قلّ
أحد لا يقول ذاك ، وقولهم : نشدتك الله إلا فعلت ، وكل هذا محمول على المعنى ولو
حمل على اللفظ لا يؤدي إلى فساد والتباس ، فإن الحمل على المعنى حيث يؤدي إلى
الالتباس يكون واجبا ، فمن ثم نفى سيبويه قوله : مررت بزيد وعمرو ، إذا مرّ بهما
مرورين ، ما مررت بزيد ولا بعمرو ، فنفى على المعنى دون اللفظ ، وكذلك قوله : ضربت
زيدا أو عمرا ما ضربت واحدا منهما ، لأنه لو قال : ما ضربت زيدا أو عمرا أمكن أن
يظنّ أن المعنى ما ضربتهما ، ولما كان قوله : ما مررت بزيد وعمرو ، لو نفى على
اللفظ لا يمكن أن يكون نفى مرورا واحدا فنفاه بتكرير الفعل ليتخلص من هذا المعنى ،
كذلك جمع قوله : ما مررت بزيد أو عمرو : ما مررت بواحد منهما ليتخلص من المعنى
الذي ذكرنا.
قاعدة : البدء بالحمل على اللفظ
إذا اجتمع
الحمل على اللفظ والحمل على المعنى بدئ بالحمل على اللفظ ، وعلل ذلك بأن اللفظ هو
المشاهد المنظور إليه ، وأما المعنى فخفيّ راجع إلى مراد المتكلم ، فكانت مراعاة
اللفظ والبداءة بها أولى ، وبأن اللفظ متقدم على المعنى ، لأنك أول ما تسمع اللفظ
فتفهم معناه عقبه ، فاعتبر الأسبق ، وبأنه لو عكس لحصل تراجع ، لأنك أوضحت المراد
أولا ثم رجعت إلى غير المراد ، لأن المعوّل على المعنى فحصل الإبهام بعد التبيين.
وقال ابن جنّي
في (الخصائص) : اعلم أن العرب إذا حملت على المعنى لم تكد تراجع
اللفظ ، لأنه إذا انصرف عن اللفظ إلى غيره ضعفت معاودته إياه ، لأنه
__________________
انتكاث وتراجع ، فجرت ذلك مجرى إدغام الملحق وتوكيد ما حذف ، على أنه قد
جاء منه شيء قال : [الطويل]
١٤٥ ـ [رأت جبلا فوق الجبال إذا التقت]
|
|
رؤوس كبيريهن
ينتطحان
|
وقال ابن
الحاجب : إذا حمل على اللفظ جاز الحمل بعده على المعنى ، وإذا حمل على المعنى ضعف
الحمل بعده على اللفظ لأن المعنى أقوى فلا يتعدى الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ ،
ويضعف بعد اعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف.
واعترض عليه
صاحب (البسيط) : بأن الاستقراء دلّ على أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى
وكثرة موارده دليل على قوته ، فلا يستقيم أن يكون قليل الموارد أقوى من كثير
الموارد.
قال : وأما ضعف
العود إلى اللفظ بعد اعتبار المعنى فقد ورد به التنزيل ، كما ورد اعتبار المعنى
بعد اعتبار اللفظ ، قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها
أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) [الطلاق : ١١] فحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى ، وما ورد به التنزيل
ليس بضعيف ، فثبت أنه يجوز الحمل على كل واحد منهما بعد الآخر من غير ضعف.
وقال الإمام
أبو الحسن الأبذي في (شرح الجزولية) : العرب تكره الانصراف عن الشيء ثم الرجوع
إليه بعد ذلك في معانيهم ، فكذلك يكرهونه في ألفاظهم وأنشد : [الطويل]
١٤٦ ـ إذا انصرفت نفسي عن الشّيء لم
تكد
|
|
إليه بوجه
آخر الدّهر ترجع
|
ولذلك يكرهون
الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى في لفظ مفرد ومعنى مجموع كمن وأخواتها ،
ولذلك يكرهون الرجوع إلى الإتباع بعد القطع في النعوت ، قال الشلوبين في (شرح
الجزولية) : إذا قلت ما أظنّ أحدا يقول ذلك إلا زيدا ، فالنصب أجود ، على أنه بدل
من أحد وأما الرفع على أنه بدل من الضمير فحمل على المعنى مع وجود الحمل على اللفظ
كإتباع الأثر مع وجود العين.
__________________
حمل الشيء على نقيضه
فيه فروع :
حرف التعريف
اللام وحدها : منها : قال في (البسيط) : ذهب سيبويه إلى أن حرف التعريف اللام
وحدها لأن دليل التنكير حرف واحد وهو التنوين ، فكذلك دليل نقيضه وهو التعريف حرف
واحد قياسا لأحد النقيضين على الآخر ولذلك كانت ساكنة كالتنوين.
وقال في (المجمل)
: لم يجمع من الصفات التي مذكرها أفعل على فعال إلّا عجفاء وأعجف وعجاف.
قال في (البسيط)
: والذي حسن جمعها في قوله تعالى : (سَبْعٌ عِجافٌ) [يوسف : ٤٣] ، حملها على سمان ، لأنهم قد يحملون النقيض على النقيض كما
يحملون النظير على النظير ، وقال ابن جنّي في (الخصائص) : كان أبو علي يستحسن قول الكسائي في قوله : [الوافر]
١٤٧ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير
|
|
[لعمر الله أعجبني رضاها]
|
أنه لما كان :
رضيت ضدّ سخطت عدّى رضيت بعلى حملا للشيء على نقيضه كما يحمل على نظيره ، وقد سلك
سيبويه هذه الطريق في المصادر كثيرا فقال : قالوا كذا كما قالوا كذا ، وأحدهما ضد
الآخر ، وقال ابن إياز في (شرح الفصول) : ربما جعلوا النقيض مشاكلا للنقيض لأن كل
واحد منهما ينافي الآخر ، ولأن الذهن يتنبه لهما معا بذكر أحدهما.
قال : وقد ذهب
أبو سعيد السيرافي إلى أن لام الأمر إنما جزمت لأن الأمر للمخاطب موقوف الآخر نحو
: اذهب ، فجعل لفظ المعرب كلفت المبني لأنه مثله في المعنى وحملت عليها لا في
النهي من حيث كانت ضدا لها ، وقال ابن عصفور
__________________
في (شرح الجمل) : (كم) إن كانت اسم استفهام كان بناؤها لتضمّنها معنى حرف
الاستفهام ، وإن كانت خبرية كان بناؤها حملا على (ربّ) وذلك أنها ذاك للمباهاة
والافتخار ، كما أن (ربّ) كذلك وهي أيضا للتكثير فهي نقيضة ربّ ؛ لأن (ربّ)
للتقليل ، والنقيض يجري مجرى ما يناقضه كما أن النظير يجري مجرى ما يجانسه.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إنما كسرت النون في المثنى لسكونها وسكون الألف قبلها
والكسرة نقيض السكون ، فأرادوا أن يأتوا بالشيء الذي هو نقيضه ، لأن الشيء يحمل
على نقيضه كما يحمل على نظيره ، وقال السهيلي في «الروض الأنف» : يحملون الصفة على ضدّها ، قالوا : عدوّة بالهاء حملا
على صديقة.
وقال الشيخ شمس
الدين بن الصائغ في (تذكرته) : قيل لم بني (عوض) على الضم مع أنه غير مضاف إلى
الجملة؟ قال : ويمكن أن يكون بني حملا على نقيضه وهو (قطّ) كما قيل في (كم). وقال
ابن النحاس في (التعليقة) : لا يثنّى (بعض) ولا يجمع حملا على (كل) لأنه نقيض وحكم
النقيض أن يجري على نقيضه.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : ألحقت العرب (عدمت وفقدت) بأفعال القلوب ، فقالوا : عدمتني ، حملا
على وجدت ، فيكون من باب حمل الشيء على ضده.
وقال الجاربردي
في (شرح الشافية) : بطنان فعلان لا فعلال لأنه نقيض ظهران لأن ظهرانا اسم لظاهر
الريش وبطنانا لباطنه ، وظهران فعلان بالاتفاق فبطنان كذلك حملا للنقيض على
النقيض.
وقال ابن هشام
في (تذكرته) : هذا باب ما حملوا فيه الشيء على نقيضه وذلك في مسائل :
الأولى
: (لا) النافية ، حملوها على (إنّ) في العمل في نحو : لا
طالعا جبلا حسن.
الثانية
: (رضي) عدّوها بعلى حملا على (سخط) ، قاله الكسائي.
الثالثة
: (فضل) عدّوه بعن حملا على نقص ، ودليله قوله : [البسيط]
لاه ابن عمك
لا أفضلت في حسب
|
|
عني ولا أنت
دياني فتخزوني
|
__________________
قال ابن هشام :
وهذا مما خطر لي.
الرابعة
: نسي علقوها
حملا على علم ، قال : [الطويل]
١٤٨ ـ ومن أنتم إنّا نسينا من انتم
|
|
وريحكم من
أيّ ريح الأعاصر
|
الخامسة
: (خلاصة) حملوها على ضدّها من باب (فعالة) لأنه وزن نقيض
المرمي والمنفي ، قال : وهذا لما خطر لي عرضته على الشيخ فاعترضه بأن الدال هنا
على خلاف باب زبالة وفضالة ، لا نسلم أنه الوزن بل الحروف ، قال : وهو محلّ نظر.
السادسة
: (جيعان وعطشان) حملوهما على : شبعان وريان وملآن لأن باب
فعلان للامتلاء.
السابعة
: (دخل) حملوها على (خرج) فجاؤوا بمصدرها كمصدره فقالوا : دخولا
كخروجا هذا إن قلنا أن دخل متعدية ، وإن قلنا أنها قاصرة فلا حمل.
الثامنة
: (شكر) عدّوها بالباء حملا على (كفر) ، فقالوا : شكرته
وله وبه ، قاله ابن خالويه في الطارقيات.
التاسعة
: قالوا : (بطل)
بطالة ، حملا على ضده من باب الصنائع كنجر نجارة.
العاشرة
: قالوا : (مات)
موتانا ، حملا على حيي حيوانا ، لأن باب فعلان للتقلب والتحرك.
الحادية
عشرة : (كم) الخبرية حملوها على (ربّ) في لزوم الصدرية لأنها
نقيضتها.
الثانية
عشرة : معمول (ما)
بعد (لم) و (لما) قدم عليهما حملا على نقيضه وهو الإيجاب قاله الشلوبين ، واعترضه
ابن عصفور بأنه يلزمه تقديم المعمول في : ما ضرب زيدا ، لأنه أيضا نقيضه الإيجاب ،
وليس بشيء لأنه لا يلزم اعتبار النقيض.
الثالثة
عشرة : قالوا : كثر
ما تقولنّ ذلك ، حملا على : قلّما تقولن ذلك ، وإنما قالوا : قلما تقولن ذلك ،
لأنّ قلما تكون للنفي ، انتهى.
وقال في موضع
آخر من (تذكرته) : كما يحملون النظير على النظير غالبا كذا يحملون النقيض على
النقيض قليلا ، مثل (لا) النافية للجنس حملوها على (إنّ) ، و (كم) للتكثير أجروها
مجرى (ربّ) التي للتقليل فصدروها وخصوها بالنكرات ،
__________________
وقالوا : امرأة عدوّة فألحقوا فيها تاء التأنيث ، وحكم فعول إذا كانت صفة
للمؤنث وكان في معنى فاعل أن لا تدخله تاء التأنيث ، وقالوا : امرأة صبور وناقة
رغوت ، لأنهم أجروا عدوّة مجرى صديقة وهي ضدها ، فكما أدخلوا التاء في صديقة
أدخلوها في عدوة ، وقالوا : الغدايا والعشايا فجمع غدوة وغداة على فعالى ، وحكمه
أن يقال فيه : غداة وغدوات وغدوة وغدوات ، لأنهم حملوها على العشايا وهي في
مقابلتها ، لأن الغداة أول النهار ، كما أن العشية آخره.
حمل الأصول على الفروع
لا يضاف ضارب
إلى فاعله : قال ابن جنّي : قال أبو عثمان : لا يضاف ضارب إلى فاعله
لأنك لا تضيفه إليه مضمرا فكذلك لا تضيفه إليه مظهرا ، قال : وجازت إضافة المضمر إلى
الفاعل لما جازت إضافته إليه مظهرا.
قال ابن جنّي :
كأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا المضمر فقدمه وحمل عليه المظهر من قبل أن المضمر
أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر ، وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة وهو
التنوين من المظهر ، ولذلك لا يجتمعان في نحو : ضاربانك وقاتلونه. من حيث كان
المضمر بلفظه وقوة اتصاله مشابها للتنوين بلفظه وقوة اتصاله ، وليس كذلك المظهر
لقوته وقوة صورته ألا تراك تثبت معه التنوين فتنصبه نحو ضاربان زيدا ، فلما كان
المضمر مما يقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر ـ وإن كان هو الأصل ـ عليه.
استواء النصب
والجرّ في المظهر : ومن ذلك قولهم : إنما استوى النصب والجرّ في المظهر في نحو :
رأيت الزيدين لاستوائهما في المضمر نحو : رأيتك ومررت بك ، وإنما كان هذا الموضع
للمضمر حتى حمل عليه حكم المظهر من حيث كان المضمر عاريا من الإعراب ، وإذا عرّي
منه جاز أن يأتي منصوبه بلفظ مجروره ، وليس كذلك المظهر لأن باب الإظهار أن يكون
مرسوما بالإعراب ، فلذلك حملوا الظاهر على المضمر في التثنية ، وإن كان المظهر هو
الأصل ، إذا تأملت ذلك علمت أنك في الحقيقة إنما حملت فرعا على أصل لا أصلا على
فرع ، ألا ترى أن المضمر أصل في عدم الإعراب فحملت المظهر عليه لأنه فرع في البناء
، كما حملت المظهر على المضمر في باب الإضافة من حيث كان المضمر هو الأصل في
مشابهته للتنوين ،
__________________
والمظهر فرع عليه في ذلك ، لأنه إنما هو متأصل في الإعراب لا في البناء ،
فإذا بدهتك هذه المواضع فتعاظمتك فلا تجتمع لها ولا تعط باليد مع أول ورودها وتأنّ
لها ولاطف بالصنعة ما يورده الخصم منها مناظرا كان أو خاطرا ، انتهى.
تشبيه الأصل
بالفرع : وقال في باب غلبة الفروع على الأصول : قد شبه النحاة الأصل بالفرع في المعنى الذي أفاده ذلك
الأصل ، ألا ترى أن سيبويه أجاز في قولك : هذا الحسن الوجه ، أن يكون الجرّ في
الوجه من موضعين ، أحدهما : الإضافة ، والآخر : تشبيهه بالضارب الرجل ، الذي إنما
جاز فيه الجرّ تشبيها له بالحسن الوجه ، وذلك أن العرب إذا شبهت شيئا بشيء مكنت
ذلك الشبه لهما وعمرت به وجه الحال بينهما ، ألا تراهم لما شبهوا الفعل المضارع
بالاسم فأعربوه ، تمموا ذلك المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه ،
وكذلك شبهوا الوقف في نحو قولهم : عليه السّلام والرحمت ، وشبهوا الوصل بالوقف في
نحو قولهم : ثلثهربعة ، وفي قولهم : سب سبا ، وكل كلا ، وأجروا غير اللازم مجرى
اللازم في قولهم : (لحمروري) وهو الله ، وهي التي فعلت وقوله : [البسيط]
١٤٩ ـ [فقمت للطيف مرتاعا وأرّقني]
|
|
فقلت أهي سرت
أم عادني حلم
|
وقوله :
ومن يتّق فإن
الله معه
|
|
[ورزق مؤتاب وغادي]
|
أجرى (تق ف) مجرى
(علم) حتى صار (تقف) كعلم ، وأجروا اللازم مجرى غير اللازم في قوله تعالى : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ
يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٤٠] ، فأجرى النصب مجرى الرفع الذي لا تلزم فيه الحركة ومجرى
الجزم الذي لا يلزم فيه الحرف أصلا وهو كثير ، وحمل النصب على الجر في التثنية
والجمع ، وحمل الجر على النصب فيما لا ينصرف ، وشبهت الياء بالألف في قوله : [الرجز]
كأن أيديهن بالقاع القرق
__________________
وحملت الألف
على الياء في قوله : [الرجز]
١٥٠ ـ إذا العجوز غضبت فطلّق
|
|
ولا ترضّاها
ولا تملّق
|
وضع الضمير
المنفصل موضع المتصل والعكس : ووضع الضمير المنفصل موضع المتصل في قوله : [البسيط]
١٥١ ـ [بالوارث الباعث الأموات] قد
ضمنت
|
|
إيّاهم الأرض
[في دهر الدهارير]
|
والمتصل موضع
المنفصل في قوله : [البسيط]
١٥٢ ـ [وما علينا إذا ما كنت جارتنا]
|
|
ألا يجاورنا
إلّاك ديّار
|
وقلبت الواو
ياء استحسانا لا عن قوة علة في نحو : غديا وعشيان وأبيض لياح ، وقلبت الياء واوا
استحسانا لا عن قوة علة في : التقوى والبقوى والرعوى والفتوى وقولهم : عوى الكلب
عوية وعوّة ، وأتبعوا الثاني الأول في نحو : شدّ وفرّ وعضّ ومنذ ، وأتبعوا الأول
والثاني نحو : أقتل أدخل أخرج ، فلما رأى سيبويه العرب إذا شبّهت شيئا بشيء فحملته
على حكمه ، عادت أيضا فحملت الآخر على حكم صاحبه تثبيتا لهما وتعميما لمعنى الشبه
بينهما حكم أيضا لجرّ الوجه من قولنا : هذا الحسن الوجه ، أن يكون محمولا على جرّ
الرجل في قولهم : هذا الضارب الرجل ، كما أجازوا أيضا النصب في قولهم : هذا الحسن الوجه
حملا له منهم على هذا الضارب الرجل ، ونظيره أيضا قولهم : يا أميمة ، ألا تراهم
لما حذفوا الهاء فقالوا : يا أميم
__________________
ثم أعادوا الهاء أقروا الفتحة بحالها اعتبارا للفتحة في الميم ، وإن كان
الحذف فرعا ، وكذلك قولهم اجتمعت أهل اليمامة ، أصله اجتمع أهل اليمامة ، ثم حذف
المضاف فأنث الفعل فصار اجتمعت اليمامة ، ثم أعيد المحذوف فأقرّ التأنيث الذي هو
الفرع بحاله ، فقيل اجتمعت أهل اليمامة الإعراب في الآحاد بالحركات وفي غيرها
بالحروف : قال : ومن غلبة الفروع للأصول إعرابهم في الآحاد بالحركات وفي التثنية
والجمع بالحروف ، فأما ما جاء في الواحد من ذلك نحو : (أخوك وأباك وهنيك) فإن أبا
بكر ذهب فيه إلى أن العرب قدمت منه هذا القدر توطئة لما أجمعوا من الإعراب في
الجمع والتثنية بالحروف وهذا أيضا نحو آخر من حمل الأصل على الفرع ، ألا تراهم
أعربوا بعض الآحاد بالحروف حملا له على ذلك في التثنية والجمع.
فأما قولهم :
أنت تفعلين ، فإنهم إنما أعربوا بالحروف ، وإن كان في رتبة الآحاد والأول من حيث
كان قد صار بالتأنيث إلى حكم الفرعية ، ومعلوم أن الحرف أقوى من الحركة فقد ترى
إلى علم إعراب الواحد أضعف لفظا من إعراب ما فوقه ، فصار لذلك الأقوى كأنه الأصل
والأضعف كأنه الفرع ، ومن ذلك حذفهم الأصل لشبهه عندهم بالفرع ، ألا تراهم لما
حذفوا الحركات ونحن نعلم أنها زوائد في نحو : لم يذهب ، تجاوزوا ذلك إلى أن حذفوا
للجزم أيضا الحروف الأصول ، فقالوا : لم يخش ، ولم يرم ، ولم يغز.
ومن ذلك أيضا
أنهم حذفوا ألف معزى ومدعى في النسب فأجازوا معزيّ ومدعيّ فحملوا الألف هنا وهي
لام على الألف الزائد في نحو : حبلى وسكرى.
حذف ياء تحية :
ومن ذلك حذفهم ياء (تحية) وإن كانت أصلا ، حملا لها على ياء (شقية) وإن كانت زائدة
، فقالوا تحويّ كما قالوا شقويّ ، وحذفوا النون الأصلية في قوله : [الطويل]
١٥٣ ـ [فلست بآتيه ولا أستطيعه]
|
|
ولاك اسقني
إن كان ماؤك ذا فضل
|
__________________
وقوله : [الطويل]
١٥٤ ـ كأنها ملآن لم يتغيّرا
|
|
[وقد مرّ بالدّارين من بعدنا عصر]
|
وقوله : [المنسرح]
١٥٥ ـ [أبلغ أبا دختنوس مألكة]
|
|
غير الّذي قد
يقال ملكذب
|
كما حذفوا
الزائد في قوله : [الرجز]
١٥٦ ـ وحاتم الطائيّ وهاب المئى
وقوله : [المتقارب]
١٥٧ ـ [فألفيته غير مستعتب]
|
|
ولا ذاكر
الله إلا قليلا
|
حمل التثنية
على الجمع : ومن ذلك حملهم التثنية وهي أقرب إلى الواحد على الجمع وهي أنأى عنه
ألا تراهم قلبوا همزة التأنيث فيها واوا فقالوا : حمراوان كما قلبوها فيه واوا
فقالوا : حمراوات.
ومن ذلك حملهم
الاسم وهو الأصل على الفعل وهو الفرع في باب ما لا ينصرف ، نعم ، وتجاوزوا بالاسم
رتبة الفعل إلى أن شبهوه بما وراءه وهو الحرف فبنوه ، وعلى ذلك ذهب بعضهم في ترك
تصرف (ليس) إلى أنها ألحقت بـ (ما) فيه كما ألحقت (ما) بها في العمل ، وكذلك قال
أيضا في (عسى) : إنها منعت التصرف لحملهم إياها على لعل ، فهذا ونحوه يدلك على قوة
تداخل هذه اللغة وتلاحمها واتصال أجزائها وتلاحقها وتناسب أوضاعها.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إنما عمل المصدر لأنه أصل للفعل وفيه حروف الفعل فأشبه
فعمل.
__________________
حرف الخاء
خلع الأدلة
هكذا ترجم على
هذا الأصل ابن جنّي في (الخصائص) وقال : من ذلك ما حكاه يونس من قول العرب : ضرب من منا ، أي
: إنسان إنسانا ، ورجل رجلا ، ألا تراه كيف جرد (من) من الاستفهام ، ولذلك أعربها.
ونحوه قولهم في الخبر : مررت برجل أيّ رجل ، فجرد أيّا من الاستفهام أيضا ، وعليه
بيت الكتاب [البسيط]
١٥٨ ـ [حتى كأنّ لم يكن إلّا تذكّره]
|
|
والدّهر
أيّتما حال دهاهير
|
أي : والدهر في
كل وقت وعلى كل حال دهارير ، أي متلوّن ومتقلّب بأهله ، وأنشدنا أبو علي : [الطويل]
١٥٩ ـ ألا هيّما مما لقيت ، وهيّما
|
|
وويحا لما لم
ألق منهنّ ويحما
|
وأسماء ما
أسماء ليلة أدلجت
|
|
إليّ وأصحابي
بأيّ وأينما
|
قال : فجرد (أي) من الاستفهام ، ومنعها الصرف ، لما فيها من
التعريف والتأنيث ، وذلك أنه وضعها علما على الجهة التي حلتها ، فأما قوله :
وأينما فكذلك أيضا ، غير أن لك في أينما وجهين :
أحدهما
: أن تكون
الفتحة هي التي في موضع جرّ ما لا ينصرف ، لأنه جعله علما للبقعة أيضا ، فاجتمع
فيه التعريف والتأنيث ، وجعل (ما) زائدة بعدها للتأكيد.
__________________
والآخر
: أن تكون فتحة
النون من أينما فتحة التركيب ، وتضم أين إلى ما ، فيبنى الأول على الفتح كما في
حضرموت ، وبيت بيت ، وحينئذ يقدر في الألف فتحة ما لا ينصرف في موضع الجر ويدل على
أنه قد يضم (ما) هذه إلى ما قبلها ما أنشدناه أبو علي عن أبي عثمان : [الرجز]
١٦٠ ـ أثور ما أصيدكم أم ثورين
|
|
أم تيكم
الجمّاء ذات القرنين
|
فقوله : أثور
ما ، فتحة الراء منه فتحة تركيب ثور مع ما بعده كفتحة راء حضرموت ، ولو كانت فتحة
إعراب لوجب التنوين لا محالة لأنه مصروف ، وبنيت ما مع الاسم مبقاة على حرفيتها
كما بنيت لا مع النكرة في نحو لا رجل ، والكلام في ويحما هو الكلام في أثور ما.
وأخبرنا أبو
علي أن أبا عثمان ذهب في قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ
مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] إلى أنه جعل (مثل) و (ما) اسما واحدا فبنى الأول على الفتح
، وهما جميعا عنده في موضع رفع صفة لحق.
ومما خلعت عنه
دلالة الاستفهام قول الشاعر ـ أنشدناه أبو علي ـ : [البسيط]
١٦١ ـ أنّى جزوا عامرا سوأى بفعلهم
|
|
أم كيف يجزونني
السّوأى من الحسن
|
أم كيف ينفع
ما تعطي العلوق به
|
|
ريمان أنف
إذا ما ضنّ باللّبن
|
ف (أم) في أصل
الوضع للاستفهام ، كما أن كيف كذلك ، ومحال اجتماع حرفين لمعنى واحد ، فلا بد أن يكون أحدهما قد خلعت عنه دلالة
الاستفهام. وينبغي أن يكون ذلك الحرف (أم) دون (كيف) حتى كأنه قال :
بل كيف ينفع ،
فجعلها بمنزلة (بل) للترك والتحول ، ولا يجوز أن تكون (كيف) هي المخلوعة عنها
دلالة الاستفهام لأنها لو خلعت عنها لوجب إعرابها لأنها إنما بنيت لتضمنها معنى
حرف الاستفهام ، فإذا زال ذلك عنها وجب إعرابها كما أعرب (من) في قولهم : (ضرب من
منا) لمّا خلعت عنها دلالة الاستفهام.
ومن ذلك كاف
الخطاب للمذكر والمؤنث نحو : رأيتك ، هي تفيد شيئين :
__________________
الاسمية والخطاب ثم قد تخلع عنها دلالة الاسم في قولهم : ذلك وأولئك وهاك ،
وابصرك زيدا ، وأنت تريد ابصر زيدا ، وليسك أخاك في معنى ليس أخاك ، وقولهم : أرأيتك
زيدا ما صنع.
وحكى أبو زيد :
بلاك والله وكلاك ، أي : بلى وكلّا ، فالكاف في جميع ذلك حرف خطاب مخلوعة عنه
دلالة الاسمية ، ولا موضع لها من الإعراب ، ونظير ذلك التاء من (أنت) فإنها خلعت
عنها دلالة الاسمية وتخلصت حرفا للخطاب ، والاسم (أن) وحده.
قال : ولم
يستنكر الناس خطاب الملوك بالكاف في قول الإنسان مثلا للملك : ضربت ذلك الرجل ،
لهذا المعنى وهو عروّها من معنى الاسمية.
قال : فإن قيل
: فكان ينبغي أن لا يستنكر خطابه بأنت لما ذكر.
قيل : التاء
وإن كانت حرف خطاب لا اسما ، فإن معها نفسها الاسم وهو (أن) من أنت ، فالاسم على
كل حال حاضر وليس كذلك قولنا : (ذلك) لأنه ليس للمخاطب بالكاف هنا اسم غير الكاف ،
كما كان له مع التاء اسم للمخاطب نفسه وهو (أن) ، والمقصود إعظام الملوك بأن لا
تبتذل أسماؤها فاعرف الفرق بين الموضعين.
ومن ذلك الواو
في نحو (أكلوني البراغيث) وقاموا إخوتك ، والألف قاما أخواك والنون في : [الطويل]
١٦٢ ـ [ولكن ديافيّ أبوه وأمه
|
|
بحوران]
يعصرن السليط أقاربه
|
كلها مخلوعة من
معنى الاسمية مقتصر فيها على دلالة الجمع والتثنية والتأنيث.
ومن ذلك قولنا
: ألا قد كان كذا ، وقول الله سبحانه : (أَلا إِنَّهُمْ
يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) [هود : ٥] فألا هذه فيها شيئان التنبيه وافتتاح الكلام ، فإذا جاء معها (يا)
خلصت افتتاحا لا غير ، وصار التنبيه الذي كان فيها لـ (يا) دونها وذلك نحو قوله
تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا
لِلَّهِ) [النمل : ٢٥] ، وقول الشاعر : [الطويل]
__________________
١٦٣ ـ ألا يا سنا برق على قلل الحمى
|
|
لهنّك من برق
عليّ كريم
|
ومن ذلك واو
العطف فيها معنيان : العطف ومعنى الجمع ، فإذا وضعت موضع (مع) خلصت للاجتماع وخلعت
عنها دلالة العطف نحو قولهم : استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة .
ومن ذلك فاء
العطف فيها معنيان : العطف والإتباع ، فإذا استعملت في جواب الشرط خلعت عنها دلالة
العطف وخلصت للإتباع نحو : إن تقم فأنا أقوم.
ومن ذلك همزة
الخطاب في : هاء يا رجل ، وهاء يا امرأة كقولك : هاك وهاك ، فإذا ألحقتها الكاف
جردتها من الخطاب لأنه يصير بعدها في الكاف ، وتفتح هي أبدا وهو قولك : هاءك وهاءك
وهاءكما وهاءكم.
ومن ذلك (يا)
في النداء تكون تنبيها ونداء في نحو يا زيد ويا عبد الله وقد تجرد من النداء
للتنبيه البتة نحو قول الله تعالى : ألا يا اسجدوا [النمل : ٣٥] كأنه قال : ألا ها
اسجدوا.
وقول أبي
العباس أنه أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا ، مردود عندنا ، وكذلك قول العجاج : [الرجز]
١٦٤ ـ يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي
إنما هو كقولك
: ها اسلمي ، وكذلك قولهم : هلمّ ، في التنبيه على الأمر ، هذا خلاصة ما ذكره ابن
جنّي في هذا الأصل وقال شيخه أبو علي في التذكرة.
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : أصل كان وأخواتها أن تكون دالّة على الحدث ثم خلعت
دلالتها عليه ، وبقيت دلالتها على الزمان.
__________________
حرف الراء
الرابط
يحتاج إليه في
أحد عشر موضعا :
الأول
: جملة الخبر ،
ورابطها عشرة أشياء تأتي في الفن الثاني الضوابط في المبتدأ.
الثاني
: جملة الصفة ،
ولا يربطها إلا الضمير.
الثالث
: جملة الصلة
ولا يربطها غالبا إلا الضمير.
الرابع
: جملة الحال
ورابطها إما الواو أو الضمير أو كلاهما.
الخامس
: المفسرة لعامل
الاسم المشتغل عنه نحو زيدا ضربته ، أو ضربت أخاه.
السادس
والسابع : بدل البعض ،
وبدل الاشتمال ، ولا يربطهما إلا الضمير نحو : (عَمُوا وَصَمُّوا
كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : ٧١] ، (عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧] ، وإنما لم يحتج بدل الكل إلى رابط لأنه نفس المبدل منه في
المعنى ، كما أن الجملة التي هي نفس المبتدأ لا تحتاج إلى رابط لذلك.
الثامن
: معمول الصفة
المشبهة ولا يربطه أيضا إلا الضمير.
التاسع
: جواب اسم
الشرط المرفوع بالابتداء ولا يربطه أيضا إلا الضمير نحو (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ
فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) [المائدة : ١١٥].
العاشر
: العاملان في
باب التنازع لا بدّ من ارتباطهما إما بعاطف كما في قام وقعدا أخواك ، أو عمل
أولهما في ثانيهما نحو : (وَأَنَّهُ كانَ
يَقُولُ سَفِيهُنا) [الجن : ٤] ، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا
كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) [الجن : ٧].
الحادي
عشر : ألفاظ التوكيد
الأول ، وإنما يربطها الضمير الملفوظ به نحو : جاء زيد نفسه ، والزيدان كلاهما ،
والقوم كلهم وسائر ما تقدم يجوز أن يكون الضمير فيه مقدّرا.
فائدة : الرابط في مثال مررت برجل حسن الوجه
إذا قلت : مررت
برجل حسن الوجه ، ففي الرابط ثلاثة أقوال :
أحدهما
: قول الكوفيين
إن (أل) نائبة على الإضافة أي : وجهه فربطت كما ربطت الإضافة.
الثاني
: قول البصريين
: إنه محذوف ، أي الوجه منه.
الثالث
: قول الفارسي
وتبعه ابن الخباز : إنه ضمير في الصفة ، والوجه بدل منه ، ذكره ابن هشام في
تذكرته.
قاعدة : أصل الحذف للرابط
قال الشلوبين
في (شرح الجزولية) : أصل الحذف للرابط ، إنما هو للصلة لا للصفة.
الرجوع إلى الأصل أيسر من الانتقال عنه
قال أبو الحسين
بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : إذا أسند الفعل المضارع إلى نون الإناث بني
لشبهه حينئذ بالماضي وقد كان أصل المضارع أن يكون مبنيا ، وإنما أعرب لشبهه بالاسم
من وجهين. العموم والاختصاص فأن يرجع إلى أصله لشبهه بما هو من جنسه أقيس وأولى ،
لأن الرجوع إلى الأصل أيسر من الانتقال عنه ، وتشبيه الشيء بجنسه أقرب من تشبيهه
بغير جنسه.
قال : وكذلك
إذا اتصلت به نون التوكيد أشبه فعل الأمر من وجهين :
أنه لحق هذا ما
لحق هذا ، وأن المعنى الذي لحقت له الأمر هو المعنى الذي لحقت له المضارع ، فبنته
العرب لما ذكرناه وهو أن الرجوع إلى الأصل وهو البناء في الأفعال أيسر من الانتقال
عن الأصل ، وتشبيه الشيء بجنسه أولى من تشبيهه بغير جنسه.
قلت : ونظير
ذلك أن الاسم منع الصرف إذا أشبه الفعل من وجهين ، ثم يرجع إلى الأصل إذا دخله أل
أو الإضافة التي هي من خصائص الأسماء.
رب شيء يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة
قال أبو علي
الفارسي في (البغداديات) في قوله : [الكامل]
١٦٥ ـ لا تجزعي إن منفسا أهلكته
|
|
[وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي]
|
إن الفعل
المحذوف والفعل المذكور مجزومان في التقدير ، وإن الجزم الثاني ليس على البدلية ،
إذ لم يثبت حذف المبدل منه بل على تكرير (إن) ، أي إن
__________________
أهلكت منفسا إن أهلكته ، وساغ إضمار (إن) وإن لم يجز إضمار لام الأمر إلا
ضرورة ، لاتساعهم فيها بدليل إيلائهم إياها الاسم ، لأن تقدمها مقو للدلالة عليها
، ولهذا أجاز سيبويه : بمن تمرر أمرر ، ومنع من تصرف انزل حتى يقول : عليه.
وقال فيمن قال
: مررت برجل صالح إلا صالح فطالح ـ بالخفض ـ إنه أسهل من إضمار (ربّ) بعد الواو ،
وربّ شيء يكون ضعيفا ثم يحسن للضرورة كما في : ضرب غلامه زيدا ، فإنه ضعيف جدا ،
وحسن في : ضربوني وضربت قومك ، واستغني بجواب الأولى عن جواب الثانية كما استغني
في نحو : أزيدا ظننته قائما ، بثاني مفعولي ظننت المذكورة عن ثاني مفعولي المقدرة.
ربّ شيء يصحّ تبعا ولا يصحّ استقلالا
قال ابن هشام
في (المغني) : (أما) حرف شرط بدليل لزوم الفاء بعدها نحو : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
فَيَقُولُونَ) [البقرة : ٢٦] الآية ، ولو كانت الفاء عاطفة لم تدخل على الخبر ، إذ لا
يعطف الخبر على مبتدئه ، ولو كانت زائدة لصحّ الاستغناء عنها ، ولما لم يصحّ ذلك
وقد امتنع كونها للعطف تعيّن أنها فاء الجزاء فإن قلت : فقد استغنى عنها في قوله :
[الطويل]
١٦٦ ـ فأمّا القتال لا قتال لديكم
|
|
[ولكنّ سيرا في عراض المواكب]
|
قلت : هو ضرورة
، فإن قلت : فقد حذفت في التنزيل في قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ
اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ) [آل عمران : ١٠٦] قلت : الأصل فيقال لهم : أكفرتم ، فحذف القول استغناء عنه
بالمقول فتبعته الفاء في الحذف وربّ شيء يصح تبعا ولا يصحّ استقلالا ، كالحاج عن
غيره ، يصلي عنه ركعتي الطواف ، ولو صلى أحد عن غيره ابتداء لم يصح.
ربما كان في
الشيء لغتان فاتفقوا على إحداهما في موضع كقولهم : لعمر الله ، وأنت تقول : العمرو
العمر ، ذكره الفارسي في (التذكرة).
__________________
حرف الزاي
الزيادة
فيها فوائد :
الأولى
: قال ابن دريد
في أول (الجمهرة) : لا يستغني الناظر في اللغة عن معرفة الزوائد ، لأنها
كثيرة الدخول في الأبنية ، قل ما يمتنع منها الرباعي والخماسي والملحق بالسداسي ،
فإذا عرف مواقع الزوائد في الأبنية كان ذلك حريّا ألا يشذّ عليه النظر فيها.
الثانية
: قال ابن دريد
: الزوائد عند بعض النحويين عشرة أحرف ، وقال بعضهم : تسعة ، يجمع هذه الأحرف
كلمتان وهو قوله : اليوم تنساه وهذا عمله أبو عثمان المازني .
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : يحكى أن أبا العباس سأل أبا عثمان عن حروف الزيادة
فأنشده : [المتقارب]
١٦٧ ـ هويت السّمان فشيّبنني
|
|
وما كنت قدما
هويت السّمانا
|
فقال له :
الجواب؟ فقال : قد أجبتك مرتين ، يعني : هويت السمان قال ابن يعيش : وزيادة الحرف مما يشترك فيه الاسم والفعل ، وأما
الحروف فلا يكون فيها زيادة لأن الزيادة ضرب من التصرف ، ولا يكون ذلك في الحروف.
قال : ومعنى
الزيادة إلحاق الكلمة من الحروف ما ليس منها ، إما لإفادة معنى كألف ضارب ، وواو
مضروب ، وإما لضرب من التوسع في اللغة نحو ألف حمار ، وواو عمود ، وياء سعيد.
__________________
قال : وإذا ثبتت زيادة حرف في كلمة في لغة ثبتت زيادتها في
لغة أخرى نحو : جؤذر ، حكى فيه الجوهري الفتح والضم ، فالهمزة زائدة ، لأنها زائدة
في لغة من ضم ، إذ ليس في الأصول مثل جعفر بفتح الفاء وضم الجيم.
وإذا ثبتت
زيادتها في هذه اللغة كانت زائدة في اللغة الأخرى لأنها لا تكون زائدة في لغة ،
أصلا في لغة أخرى ، هذا محال.
وكذلك : (تتفل) بفتح الفاء وضمها ـ فمن فتح كانت زائدة لا
محالة لعدم النظير ، ومن ضم كانت أيضا زائدة لأنها لا تكون أصلا في لغة زائدة في
لغة أخرى ، انتهى.
الثالثة
: في زيادة حروف
المعاني ، قال الزمخشري في المفصل : حروف الصلة إن وأن وما ولا ومن والباء.
قال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : الزيادة والإلغاء من عبارات البصريين والصلة والحشو
من عبارات الكوفيين ، ونعني بالزائد أن يكون دخوله كخروجه من غير إحداث معنى ،
وجملة الحروف التي تزاد هي هذه الستة.
قال : وقد أنكر
بعضهم وقوع هذه الأحرف زوائد لغير معنى ، لأنه إذ ذاك يكون كالعبث ، وليس يخلو
إنكارهم لذلك من أنهم لم يجدوه في هذه اللغة ، أو لما ذكروه من المعنى ، فإن كان
الأول فقد جاء منه في التنزيل والشعر ما لا يحصى ، وإن كان الثاني فليس كما ظنوه لأن
قولنا : زائد ، ليس المراد أنه دخل لغير معنى البتة : بل زيد لضرب من التأكيد ،
والتأكيد معنى صحيح.
وقال السخاوي :
من النحاة من قال في هذه الحروف إذا جاءت صلة لأنها قد وصل بها ما قبلها من
الكلام. ومنهم من يقول : زائدة ، ومنهم من يقول : لغو ومنهم من يقول : توكيد ،
وأبى بعضهم إلا هذا ، ولم يجز فيها أن يقال : صلة ولا لغو ، لئلا يظن أنها دخلت لا
لمعنى البتة.
وقال ابن
الحاجب في (شرح المفصل) : حروف الزيادة سميت حروف الصلة لأنها يتوصل بها إلى زنة
أو إعراب لم يكن عند حذفها.
وقال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : أكثر ما تقع الصلة في ألفاظ الكوفيين ، ومعناه أنه حرف يصل به
كلامه ، وليس بركن في الجملة ولا في استقلال المعنى.
__________________
وقال : والغرض من زيادة الحروف عند سيبويه التأكيد ، قال عند ذكره (فَبِما نَقْضِهِمْ) [النساء : ١٥٥] فهي لغو في أنها لم تحدث إذ جاءت شيئا لم يكن قبل أن تجيء
من العمل ، وهو توكيد للكلام.
قال السيرافي :
بين سيبويه عن معنى اللغو في الحرف الذي يسمونه لغوا ، وبيّن أنه للتأكيد لئلا يظن
إنسان أنه دخل الحرف لغير معنى البتة لأن التوكيد معنى صحيح ومذهب غيره أنها زيدت
طلبا للفصاحة ، إذ ربما لم يتمكن دون الزيادة للنظم والسجع وغيرهما من الأمور
اللفظية ، فإذا زيد شيء من هذه الزوائد تأتى له وصلح.
ومذهب الفرّاء
أن هذه الحروف معتبر فيها معانيها التي وضعت لها وإنما كررت تأكيدا ، فهي عنده من
التأكيد اللفظي ، وعند سيبويه تأكيد للمعنى ، ويبطل مذهب الفرّاء بأن لا يطّرد في
كل الحروف ، ألا ترى أن من في قولك : ما جاءني من أحد ، ليست حرف نفي وقد أكدت
النفي وجعلته عاما.
فإن قلت :
العرب تحذف من نفس الكلمة طلبا للاختصار فلا تزيد شيئا لا يدل على معنى وهل هذا
إلا تناقض في فعل الحكيم؟.
قلت : إنما
يكون ما ذكرت لو كان زائدا لا لمعنى أصلا ورأسا ، أما إذا كان فيه ما ذكرنا من
الوجهين : وهي التوصل إلى الفصاحة والتمكن ، وتوكيد المعنى وتقريره في النفس فكيف
يقال إنها تزاد لا لمعنى؟.
فإن قلت : فكان
ينبغي أن تزاد أنّ المشدّدة في هذا الباب. قلت : حروف الصلة تتبين زيادتها
بالإضافة إلى ما لها من المعنى بالإضافة إلى أصل الكلام بخلاف أن وإن فإنه لم
يتبيّن زيادتهما بالإضافة إلى ما لهما من المعنى. انتهى.
وقال اللّبلي :
معنى كون هذه الحروف زوائد أنك لو حذفتها لم يتغير الكلام عن معناه الأصلي ، وإنما
قلنا : لم يتغير عن معناه الأصلي لأن زيادة هذه الحروف تفيد معنى وهو التوكيد ،
ولم تكن الزيادة عند سيبويه لغير معنى البتة. لأن التوكيد معنى صحيح ، لأن تكثير
اللفظ يفيد تقوية المعنى.
وقيل : إنما
زيدت طلبا للفصاحة ، إذ ربما يتعذر النظم بدون الزيادة وكذلك السجع ، فأفادت
الزيادة التوسعة في اللفظ مع ما ذكرنا من التوكيد وتقوية المعنى.
__________________
وقال الرضي : فائدة الحرف الزائد في كلام العرب إما معنويد وإما
لفظية ، فالمعنوية تأكيد المعنى كما في (من) الاستغراقية ، والباء في خبر ليس و (ما).
فإن قيل : فيجب
أن لا تكون زائدة إذا أفادت فائدة معنوية.
قيل : إنما
سميت زائدة لأنها لا يتغير بها أصل المعنى ، بل لا يزيد بسببها إلا تأكيد المعنى
الثابت وتقويته ، فكأنها لم تفد شيئا لما لم تغاير فائدتها العارضة الفائدة
الحاصلة قبلها.
ويلزمهم أن
يعدوا على هذا (إنّ) و (لام) الابتداء و (ألفاظ التأكيد) أسماء كانت أولا زوائد
ولم يقولوا به ، وبعض الزوائد يعمل كالباء ومن الزائدتين لا يعمل نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩].
وأما الفائدة
اللفظية فهي تزيين اللفظ وكونه بزيادتها أفصح أو كون الكلمة أو الكلام بسببها
مهيئا لاستقامة وزن الشعر أو حسن السجع أو غير ذلك من الفوائد اللفظية ، ولا يجوز
خلوّها من الفوائد اللفظية والمعنوية معا ، وإلا لعدت عبثا ، ولا يجوز ذلك في كلام
الفصحاء ولا سيما كلام الباري تعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسّلام.
وقد يجتمع
الفائدتان في حرف ، وقد تنفرد إحداهما عن الأخرى ، وإنما سميت أيضا حروف الصلة
لأنه يتوصل بها إلى زيادة الفصاحة أو إلى إقامة وزن أو سجع أو غير ذلك.
الرابعة
: قال ابن عصفور
في شرح (المقرّب) : زيادة الحروف خارجة عن القياس فلا ينبغي أن يقال بها إلا أن
يرد بذلك سماع أو قياس مطرد ، كما فعل بالبناء في خبر (ما) و (ليس) ومن ثم لم يقل
بزيادة الفاء في خبر المبتدأ لأنه لم يجئ منه إلا ما حكي من كلامهم : أخوك فوجد بل
أخوك فجهد وقول الشاعر : [الطويل]
١٦٨ ـ يموت أناس أو يشيب فتاهم
|
|
ويحدث ناس
والصّغير فيكبر
|
الخامسة
: قال ابن إياز
: من الزوائد ما يلزم ، وذلك نحو الفاء في : خرجت فإذا زيد ، ذهب أبو عثمان إلى
أنها زائدة مع لزومها ، واختاره ابن جنّي في (سرّ
__________________
الصناعة) . وكذلك قولهم : أفعلة آثر أما ، أي أول شيء ، فما زائدة
لا يجوز حذفها وكذلك الألف واللام في الآن زائدة في القول المشهور مع لزومها ،
وكذلك الألف واللام في الذي والتي ، وما في مهما ، وأن في خبر عسى ، قال بعضهم :
إنها زائدة ، وهي لازمة وحينئذ لا تتقدر بالمصدر ويزول إشكال كيف يقع الخبر مصدرا
عن الجثة في قولك : عسى زيد أن يقوم ، حتى احتاج أبو علي إلى تأويله في (القصريات)
بحذف المضاف أي : عسى زيد ذا القيام ، انتهى.
السادسة
: قال ابن يعيش : إنما جاز أن تكون حروف النفي صلة للتأكيد ، لأنه
بمنزلة نفي النقيض في نحو قولك : ما جاءني إلا زيد ، فهو إثبات قد نفي فيه النقيض
وحقق المجيء لزيد ، وكذلك قول العجاج : [الرجز]
١٦٩ ـ في بئر لا حور سرى وما شعر
المراد : في
بئر حور و (لا) مزيدة. وقالوا : ما جاءني زيد ولا عمرو ، فالواو هي التي جمعت بين
الثاني والأول في نفي المجيء ، و (لا) حققت النفي وأكدته ، ألا ترى أنك لو أسقطت (لا)
فقلت : ما جاءني زيد وعمرو لم يختلف المعنى.
وذهب الرماني في (شرح الأصول) : إلى أنك إذا قلت ما جاءني زيد وعمرو
، احتمل أن تكون إنما نفيت أن يكونا اجتمعا في المجيء فهذا يفرق بين المحققة
والصلة ، فالمحققة تفتقر إلى تقدم والصلة لا تفتقر إلى ذلك ، فمثال الأول قوله
تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ
لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) [النساء : ١٣٧] ، فلا هنا المحققة ، وقال : (وَلا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت : ٣٤] ، والمعنى ولا تستوي الحسنة والسيئة ، لأن تستوي من الأفعال
التي لا تكتفي بفاعل واحد كقولنا : اصطلح واختصم ، وفي الجملة لا تزاد إلا في موضع
لا لبس فيه ، انتهى.
السابعة
: قال ابن
السراج : لا زائد في كلام العرب ، لأن كل ما يحكم بزيادته
__________________
يفيد التأكيد ، ونقل عنه ابن يعيش أنه قال : حق الملغى عندي أن لا يكون عاملا ولا معمولا فيه حتى
يلغى من الجميع ، ويكون دخوله كخروجه لا يحدث معنى غير التوكيد ، واستغرب زيادة
حروف الجر لأنها عاملة. وقال : دخلت لمعان غير التأكيد.
فائدة : القول في (عجبت من لا شيء)
قولهم : عجبت
من لا شيء ، قال الطيبي في حاشية (الكشاف) : يجوز فيه الفتح وهو ظاهر ، والجر ،
وفيه وجهان :
أحدهما
: أن تكون (لا)
زائدة لفظا لا معنى ، أي لا تكون عاملة في اللفظ وتكون مرادة من جهة المعنى فتكون
صورتها صورة الزائدة ومعنى النفي فيه كقول النابغة : [البسيط]
١٧٠ ـ [بعد ابن عاتكة الثاوي على أبوي]
|
|
أمسى ببلدة
لا عمّ ولا خال
|
وقول الشماخ : [الوافر]
١٧١ ـ إذا ما أدلجت وضعت يداها
|
|
لها إدلاج
ليلة لا هجوع
|
لا هجوع صفة
ليلة ، أي : لليلة النوم فيها مفقود لأن الهجوع النوم.
والثاني
: أن تكون (لا)
مع الاسم المكرر في موضع جر بمنزلة خمسة عشر وقد بني الاسم بلا.
__________________
حرف السين
سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه
عقد لذلك ابن
جنّي بابا في (الخصائص) : فمن ذلك الإدغام يقوّي المعتلّ وهو بعينه يضعف الصحيح
، ومنه أن الحركة نفسها تقوي الحرف وهي بنفسها تضعفه.
سبك الاسم من الفعل بغير حرف سابك / فيه نظائر
منها : إضافة
الزمان إلى الفعل وهو في الحقيقة إلى المصدر نحو : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ) [المائدة : ١١٩].
ومنها : وقوع
الفعل في باب التسوية والمراد به المصدر نحو : سواء علي أقمت أم قعدت.
ومنها : وقوع
المضارع بعد الفاء والواو في الأجوبة الثمانية نحو : ما تأتينا فتحدثنا ، أي : ما
يكون منك إتيان فحديث ، فالفعل الذي قبل الفاء في تأول المصدر ولهذا صحّ النصب على
إضمار (أن) ليكون من عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم ، ومن ثم امتنع الفصل والنصب في
نحو : ما زيد يكرم فيكرمه أخانا ، يريد ما زيد يكرم أخانا فيكرمه لأنه كما تقرر
معطوف على مصدر متوهم من قولك يكرم ، فكما لم يجز أن يفصل بين المصدر ومعموله
فكذلك لا يجوز أن يفصل بين يكرم ومعموله لأن يكرم في تقدير المصدر.
__________________
حرف الشين
الشذوذ
ويقابله
الاطراد ، قال ابن جنّي في (الخصائص) : أصل مواضع (طرد) في كلامهم التتابع والاستمرار.
منه : طرد
الطريدة إذا اتبعتها واستمرّت بين يديك.
ومنه : مطاردة
الفرسان ، واطراد الجدول إذا تتابع ماؤه بالريح وأما مواضع (ش ذ ذ) فالتفرق
والتفرد ، وهذا أصل هذين الأصلين في اللغة ، ثم قيل ذلك في الكلام والأصوات على
سمته وطريقته في غيرهما فجعل أهل علم العرب ما استمر من الكلام في الإعراب وغيره
من مواضع الصناعة مطردا ، وجعلوا ما فارق ما عليه بقية بابه ، وانفرد عن ذلك إلى
غيره شاذا.
قال : والكلام
في الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب :
١ ـ مطرد في
القياس والاستعمال جميعا ، وهذا هو الغاية المطلوبة ، وذلك نحو : قام زيد ، وضربت
عمرا ، ومررت بسعيد.
٢ ـ ومطرد في القياس
شاذّ في الاستعمال وذلك نحو : الماضي من يذر ويدع وكذلك قولهم : مكان مبقل ، وهذا
هو القياس ، والأكثر في السماع باقل والأول مسموع أيضا ، ومما يقوى في القياس
ويضعف في الاستعمال مفعول (عسى) اسما صريحا نحو ، عسى زيد قائما أو قياما ، هذا هو
القياس غير أن السماع ورد بحظره ، والاقتصار على ترك استعمال الاسم هنا ، وذلك
قولهم : عسى زيد أن يقوم ، وقد جاء عنهم شيء من الأول في قوله : [السريع]
١٧٢ ـ [أكثرن في العذل ملحا دائما]
|
|
لا تعذلن
إنّي عسيت صائما
|
__________________
وقولهم : (عسى
الغوير أبؤسا) .
٣ ـ والثالث :
المطرد في الاستعمال الشاذ في القياس نحو قولهم : استحوذ ، وأخوص الرمث ، واستصوبت الأمر ، واستنوق الجمل واستفيل الجمل ،
واستتيست الشاة وأغيلت المرأة ، وقول زهير : [الطويل]
١٧٣ ـ هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
|
|
[وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا]
|
٤ ـ والرابع : الشاذّ في القياس
والاستعمال جميعا كتتميم مفعول مما عينه واو أو ياء نحو : ثوب مصوون ، ومسك مدووف
، وفرس مقوود ورجل معوود من مرضه ، وهذا لا يسوغ القياس ولا رد غيره إليه.
واعلم أن الشيء
إذا اطّرد في الاستعمال وشذّ عن القياس فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه
، ولكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه غيره ، ألا ترى أنك إذا سمعت استحوذ واستصوب
أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيرهما ، فلا تقول في
استقام : استقوم ، ولا في استباع : استبيع ، ولا في أعاد : أعود ، فإن الشيء شاذا
في السماع مطردا في القياس تحاميت ما تحامت العرب منه وجريت في نظيره على الواجب في
أمثاله.
من ذلك امتناعك
من (وذر) و (ودع) لأنهم لم يقولوهما ، ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو : وزن
ووعد لو لم تسعهما ، فأما قول أبي الأسود : [الرمل]
١٧٤ ـ ليت شعري عن خليلي ما الّذي
|
|
غاله في
الحبّ حتّى ودّعه
|
__________________
فشاذّ ، فأما
قولهم : ودع الشيء يدع إذا سكن فإنه مسموع متبع.
ومن ذلك
استعمال (أن) بعد كاد نحو : كاد زيد أن يقوم. وهو قليل شاذ في الاستعمال ، وإن لم
يكن قبيحا ولا مأبيا في القياس.
ومن ذلك قول
العرب : أقائم أخواك أم قاعدان ، هكذا كلامهم ، قال أبو عثمان : والقياس يوجب أن
تقول : أقائم أخواك أم قاعدهما؟ إلا أن العرب لا تقوله إلا قاعدان فتصل الضمير ،
والقياس يوجب فصله ليعادل الجملة الأولى.
قال : ومما ورد شاذا عن القياس مطردا في الاستعمال قولهم :
الحوكة ، والخولة ، فهذا من الشذوذ عن القياس على ما ترى ، وهو في الاستعمال منقاد
غير متأبّ ، ولا تقول على هذا في جمع قائم : قومة ، ولا في صائم : صومة ، وقد
قالوا في القياس : خانه ، ولا تكاد تجد شيئا من تصحيح هذا في الياء لم يأت عنهم في
نحو بائع ، وسائر. بيعة ولا سيرة ، وإنما شذ ما شذ من هذا مما عينه واو لا ياء نحو
: الخونة والحوكة والخول والدول ، وعلته عندي قرب الألف من الياء وبعدها عن الواو
، فإذا صححت نحو الحوكة كان أسهل من تصحيح نحو البيعة ، وذلك أن الألف لما قربت من
الياء أسرع انقلاب الياء إليها وكان ذلك أسوغ من انقلاب الواو إليها لبعد الواو
عنها.
وفي (شرح
المفصّل) لابن يعيش : من الشاذ في القياس والاستعمال دخول أل على المضارع
في قوله : [الطويل]
١٧٥ ـ ويستخرج اليربوع من نافقائه
|
|
ومن حجره
بالشّيخة اليتقصّع
|
قال : والذي
شجعه على ذلك أنه رأى الألف واللام بمعنى الذي في الصفات فاستعملها في الفعل على
ذلك المعنى ، وقوله : [الوافر]
١٧٦ ـ من اجلك يا الّتي تيّمت قلبي
|
|
وأنت بخيلة
بالودّ عنّي
|
__________________
شاذّ قياسا
واستعمالا ، أما القياس فلما فيه من نداء ما فيه الألف واللام ، وأما الاستعمال
فلأنه لم يأت منه إلا حرف أو حرفان.
وقولهم : يا صاح ، وأطرق كرا ، خيمّ صاحب ، وكروان ، شاذ قياسا
واستعمالا ، أما القياس فلأن الترخيم بابه الأعلام ، وأما الاستعمال فلقلّة
المستعملين له.
قال : وقولهم
من ابنك؟ شاذ في القياس دون الاستعمال. وقولهم : من الرجل بالكسر شاذ في الاستعمال
صحيح في القياس وهي خبيثة لقلة المستعملين.
قال : وحكى بعضهم أن من العرب يعتقد في أمس التنكير ويعربه
ويصرفه ويجربه مجرى الأسماء المتمكنة فيقول : ذهب أمس بما فيه على التنكير ، وهو
غريب في الاستعمال دون القياس.
فائدة : المراد بالشاذ
قال الجابردي
في (شرح الشافية) : اعلم أن المراد بالشاذ في استعمالهم ما يكون بخلاف القياس من
غير النظر إلى قلة وجوده وكثرته كالقود ، والنادر ما قلّ وجوده وإن لم يكن بخلاف
القياس كخز عال والضعيف ما يكون في ثبوته كلام ، كقرطاس بالضم.
الشيء إذا أشبه الشيء أعطي حكما من أحكامه على حسب قوة الشبه
ذكره ابن يعيش في (شرح المفصّل) قال : وليس كل شبه بين شيئين يوجب
لأحدهما حكما هو في الأصل للآخر ، ولكنّ الشبه إذا قوي أوجب الحكم ، وإذا ضعف لم
يوجب ، فكلما كان الشبه أخصّ كان أقوى ، وكلما كان أعمّ كان أضعف ، فالشبه الأعم
كشبه الفعل الاسم من جهة أنه يدل على معنى ، فهذا لا يوجب له حكما لأنه عامّ في كل
اسم وفعل ، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع السببين فيه ، لأن هذا يخص
نوعا من الأسماء دون سائرها ، فهو خاص مقرب للاسم من الفعل.
ومن فروع ذلك
الحال لما أشبهت الظرف عمل فيها حروف المعاني كليت وكأن. ومنها ألف الإلحاق : لما
أشبهت ألف التأنيث من حيث إنها زائدة وإنها لا تدخل عليها تاء التأنيث كانت من
أسباب منع الصرف.
__________________
ومنها : سراويل
لما أشبه صيغة منتهى الجموع منع الصرف.
ومنها : الشبيه
بالمضاف ينصب في النداء كالمضاف نحو : يا ضاربا زيدا ويا مضروبا غلامه. قال ابن
يعيش : ووجه الشبه بينهما من ثلاثة أوجه :
أحدها
: أن الأول عامل
في الثاني ، كما كان المضاف عاملا في المضاف إليه فإن قيل : المضاف عامل في المضاف
إليه الجر ، وهذا عامل نصبا أو رفعا فقد اختلفا.
قيل : الشي إذا
أشبه الشيء من جهة فلا بدّ أن يفارقه من جهات أخر ، ولو لا تلك المفارقة لكان إياه
، فلم تكن المفارقة قادحة في الشبه.
الوجه
الثاني : في أن الاسم
الأول يختص بالثاني كما أن المضاف يختص بالمضاف إليه ، ألا ترى أن قولنا : يا
ضاربا رجلا أخص من قولنا : يا ضاربا.
الثالث
: أن الاسم
الثاني من تمام الأول كما أن المضاف إليه من تمام المضاف.
وقال السخاوي
في شرح المفصل : إذا أشبه الشيء الشيء في أمرين فما زاد أعطي حكمه ما لم يفسد
المعنى ، ولهذا عملت (ما) عمل ليس لما أشبهتها في النفي مطلقا وفي نفي الحال خاصة.
وقال ابن هشام
في (المغني) : قد يعطى الشيء حكم ما أشبه في معناه ، أو لفظه أو
فيهما ، فأما الأول فله صور كثيرة :
إحداها
: دخول الباء في
خبر (أن) في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ
بِقادِرٍ) [الأحقاف : ٣٣] ، لأنه في معنى : (أوليس الله بقادر) وفي (كَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] لما دخله من معنى اكتف بالله شهيدا ، وفي قوله : [البسيط]
١٧٧ ـ [هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة
|
|
سود المحاجر]
لا يقرأن بالسّور
|
لأنه عار من
معنى التقرب.
__________________
الثانية
: جواز حذف خبر
المبتدأ في نحو : إن زيدا قائم وعمرو ، اكتفاء بخبر إنّ ، لما كان إنّ زيدا قائم
في معنى زيد قائم ، ولهذا لم يجز : ليت زيدا قائم وعمرو.
الثالثة
: جواز : أنا
زيدا غير ضارب ، لما كان في معنى أنا زيدا لا أضرب ، ولو لا ذلك لم يجز ، إذ لا
يتقدم المضاف إليه على المضاف فكذا لا يتقدم معموله ، لا تقول : أنا زيدا أول ضارب
، أو مثل ضارب.
الرابعة
: جواز (غير
قائم الزيدان) لما كان في معنى : ما قائم الزيدان ، ولو لا ذلك لم يجز لأن المبتدأ
إما أن يكون ذا خبر ، أو ذا مرفوع يغني عن الخبر.
الخامسة
: إعطاؤهم (ضارب
زيد الآن أو غدا) حكم (ضارب زيدا) في التنكير لأنه في معناه ، فلهذا وصفوا به
النكرة ونصبوه على الحال وخفضوه برب وأدخلوا عليه أل ، ولا يجوز شيء من ذلك إذا
أريد المضي لأنه حينئذ ليس في معنى الناصب.
السادسة
: وقوع
الاستثناء المفرغ في الإيجاب نحو : (وَإِنَّها
لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة : ٤٥] ، (وَيَأْبَى اللهُ
إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] ، لما كان المعنى : وإنها لا تسهل إلا على الخاشعين ، ولا
يريد الله إلا أن يتم نوره.
السابعة
: العطف بـ (ولا)
بعد الإيجاب في نحو قوله : [الطويل]
١٧٨ ـ [فما سوّدتني عامر عن وراثة]
|
|
أبى الله أن
أسمو بأمّ ولا أب
|
لما كان معناه
: قال الله لي : لا تسم بأم ولا أب.
الثامنة
: زيادة (لا) في
قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا
تَسْجُدَ) [الأعراف : ١٢] ، قال ابن السيّد : المانع من الشيء آمر لممنوع أن لا يفعل
، فكأنه قيل : ما الذي قال لك لا تسجد.
التاسعة
: تعدّى (رضي)
بعلى في قوله : [الوافر]
إذا رضيت
عليّ بنو قشير
|
|
[لعمر الله أعجبني رضاها]
|
__________________
لما كان رضي
عنه بمعنى أقبل عليه بوجه ودّه ، وقال الكسائي : إنما جاز هذا حملا على نقيضه وهو
سخط.
العاشرة
: رفع المستثنى
على إبداله من الموجب في قراءة بعضهم : فشربوا منه إلا قليل منهم [البقرة : ٢٤٩] ،
لما كان معناه : فلم يكونوا منه ، بدليل : فمن شرب منه فليس مني.
الحادية
عشرة : تذكير الإشارة
في قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ) [القصص : ٣٢] ، مع أن المشار إليه اليد والعصا ، وهما مؤنثان ، ولكن
المبتدأ عين الخبر في المعنى ، والبرهان مذكر.
ومثله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا
أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] فيمن نصب الفتنة وأنت الفعل.
الثانية
عشرة قولهم : علمت
زيد من هو ، برفع زيد جوازا لأنه نفس (من) في المعنى.
الثالثة
عشرة قولهم : إن
أحدا لا يقول ذلك ، فأوقع أحد في الإثبات ، لأنه نفس الضمير المستتر في يقول ،
والضمير في سياق النفي فكان أحد كذلك.
والثاني : وهو
ما أعطي حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه. له صور كثيرة.
إحداها
: زيادة (إن)
بعد (ما) المصدرية الظرفية وبعد ما التي بمعنى الذي ، لأنهما بلفظ ما النافية
كقوله : [الطويل]
١٧٩ ـ ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته
|
|
[على السّنّ خيرا لا يزال يزيد]
|
وقوله : [الوافر]
١٨٠ ـ يرجّي المرء ما إن لا يراه
|
|
[وتعرض دون أبعده الخطوب]
|
__________________
فهذان محمولان
على نحو قوله : [الكامل]
١٨١ ـ ما إن رأيت ولا سمعت بمثله
|
|
[كاليوم هانئ أينق جرب]
|
الثانية
: دخول لام
الابتداء على (ما) النافية حملا لها في اللفظ على (ما) الموصولة الواقعة مبتدأ
كقوله : [الوافر]
١٨٢ ـ لما أغفلت شكرك فاصطنعني
|
|
[فكيف ومن عطائك جلّ مالي]
|
فهذا محمول في
اللفظ على نحو قولك : لما تصنعه حسن.
الثالثة
: توكيد المضارع
بالنون بعد لا النافية ، حملا لها في اللفظ على لا الناهية نحو : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].
الرابعة
: حذف الفاعل في
نحو : (أَسْمِعْ بِهِمْ
وَأَبْصِرْ) [مريم : ٣٨] لما كان (أحسن بزيد) مشبها في اللفظ لقولك : امرر بزيد.
الخامسة
: دخول لام
الابتداء بعد (إنّ) التي بمعنى نعم ، لشبهها في اللفظ بإنّ المؤكدة ، قاله بعضهم
في قراءة : (إِنْ هذانِ
لَساحِرانِ) [طه : ٦٣].
السادسة
: قولهم : «اللهمّ
اغفر لنا أيّتها العصابة» بضم أية ورفع صفتها كما يقال : يا أيتها العصابة ، وكان
حقّه النصب كقولهم : نحن العرب أقرى الناس للضيف ، ولكنه لما كان في اللفظ بمنزلة
المستعمل في النداء أعطي حكمه وإن انتفى موجب البناء.
السابعة
: بناء باب حذام
تشبيها له بنزال.
الثامنة
: بناء حاشا في (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) [يوسف : ٣١] لشبهها في اللفظ بحاشا الحرفية.
التاسعة
: قول بعض
الصحابة : قصرنا الصلاة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكثر
ما كنا قطّ وآمنه. فأوقع (قط) بعد (ما) المصدرية كما تقع بعد ما النافية.
__________________
العاشرة
: إعطاء الحرف
حكم مقاربه في المخرج حتى أدغم فيه نحو : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١] ، و (لَكَ قُصُوراً) [الفرقان : ١٠] وحتى اجتمعا رويين كقوله : [السريع]
١٨٣ ـ بنيّ إنّ البرّ شيء هيّن
|
|
المنطق
اللّين والطعيم
|
والثالث : وهو
ما أعطي حكم الشيء لمشابهته له لفظا ومعنى ، نحو اسم التفضيل وأفعل في التعجب ،
فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبهه بأفعل في التعجب وزنا وأصلا وإفادة
للمبالغة وأجازوا تصغير أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل فيما ذكرنا.
وقال الأبذي في
(شرح الجزولية) : حذفت (أن) مع عسى تشبيها بـ (كاد) وزعم ابن السيد أن الأحسن أن يقال
: شبهت عسى بلعل لأن كلا منهما رجاء ، وكما حملوا لعل على عسى فأدخلوا في خبرها أن
نحو : [الطويل]
١٨٤ ـ لعلّك يوما أن تلمّ ملمّة
|
|
[عليك من اللّائي يدعنك أجدعا]
|
وقال ابن
الصائغ : هذا الذي قاله ممكن ، وتشبيه الفعل أولى من تشبيهه بالحرف.
الشيئان إذا تضادّا تضاد الحكم الصادر عنهما
ذكر هذه
القاعدة ابن الدهان في الغرّة. قال : ولهذا نظائر في المعقولات وسائر المعلومات
مشاهدا ومقيسا ، ألا ترى أن الإعراب لما كان ضد البناء ، وكان الإعراب أصله الحركة
والتنقل ، كان البناء أصله الثبوت والسكون ، وكذلك الابتداء لما كان أصله الحركة
ضرورة كان الوقف أصله السكون.
الشروط المتضادة في الأبواب المختلفة
قال ابن هشام : العرب يشترطون في باب شيئا ، ويشترطون في باب آخر
نقيض ذلك الشيء على ما اقتضته حكمة لغتهم ، وصحيح أقيستهم فإذا لم يتأمل المعرب
اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
من ذلك :
اشتراطهم الجمود لعطف البيان ، والاشتقاق للنعت ، والتعريف
__________________
لعطف البيان ونعت المعرفة ، والتنكير للحال والتمييز ، وأفعل من ، ونعت
النكرة وتعريف العلمية بخصوصه لمنع الصرف ، وتعريف اللام الجنسية لنعت الإشارة وأي
في النداء ، وفاعل (نعم وبئس) ، والإبهام في ظروف المكان ، والاختصاص في المبتدأ
وصاحب الحال ، والإضمار في مجرور لو لا ووحد ولبّى وسعدى وحناني ، وفي مرفوع (كاد)
وأخواتها إلا عسى تقول : كاد زيد يموت ولا يجوز يموت أبوه. ومرفوع اسم التفضيل في
غير مسألة الكحل ، والإظهار في تأكيد الاسم المظهر والنعت والمنعوت وعطف البيان
والمبين ، والإفراد في الفاعل ونائبه ، والجملة في خبر أن المفتوحة إذا خففت وخبر
القول المحكي نحو قولي : (لا إله إلا الله) وخبر ضمير الشأن ، والجملة الفعلية في
الشروط غير لو لا وفي جواب لو لا والجملتين بعد لما ، والجمل التالية لا حرف
التحضيض ، وجملة أخبار أفعال المقاربة ، وخبر أن المفتوحة بعد لو عند الزمخشري
ومتابعيه نحو : (وَلَوْ أَنَّهُمْ
آمَنُوا) [البقرة : ١٠٣] والاسمية بعد إذا الفجائية وليتما على الصحيح فيهما ،
والأخبار في الصلة والصفة والحال والخبر وجواب القسم غير الاستعطافي والإنشاء في
جواب القسم الاستعطافي ، والوصف في مجرور رب إذا كان ظاهرا وأي في النداء ،
والجمّاء في قولهم : جاؤوا الجمّاء الغفير وما وطئ به من خبر أوصفة أو حال ، وعدم الوصف في فاعل
نعم وبئس والأسماء المتوغلة في شبه الحرف إلا (من) و (ما) النكرتين والضمير ،
والتقديم في الاستفهام والشرط وكم الخبرية والتأخير في الفاعل ونائبه ومفعول
التعجب والمفعول الذي هو أي الموصولة ، والمفعول الذي هو (أن) وصلتها والمبتدأ
الذي هو أن وصلتها ، والحذف في أحد معمولي لات ، وعدم الحذف في الفاعل ونائبه
والجار الباقي عمله ، والرابط في المواضع الأحد عشر السابقة وعدم الرابط في الجملة
المضاف إليها نحو : يوم قام زيد والإضافة في بناء أي الموصولة ، والقطع عنها في
بناء قبل وبعد وغير.
__________________
حرف الصاد
صدر الكلام
صدر الكلام.
قال الرضي : كل ما يغير معنى الكلام ويؤثر في مضمونه وإن كان حرفا
فمرتبته الصدر. كحروف النفي والتنبيه والاستفهام والتحضيض وإن وأخواتها وغير ذلك ،
وأما الأفعال كأفعال القلوب والأفعال الناقصة فإنها وإن أثرّت في مضمون الجملة لم
تلزم التصدر إجراء لها مجرى سائر الأفعال.
وقال في (البسيط)
: الأسماء المتضمنة للمعاني تقتضي الصدر وإن لم تكن معارف ، ولهذا تقدم الإشارة
على العلم في قولك : هذا زيد ، وإن كان العلم أعرف لتضمنه معنى الإشارة.
ضابط : ما يعمل في الاستفهام
قال ابن يعيش :
لا يعمل في الاستفهام ما قبله من العوامل اللفظية إلا حروف الجر ، وذلك لئلا يخرج
عن حكم الصدر ، وإنما عمل فيه حروف الجرّ دون غيرها لتنزلها مما دخلت عليه منزلة
الجزء من الاسم.
وفي أمالي ابن
الحاجب : سئل : العرب تجعل صدر الكلام كل شيء دل على قسم من أقسام الكلام
كالاستفهام والنفي والتحضيض وإن وأخواتها سوى أن ، فقولهم : زيدا ضربت ، وضربت
زيدا ، يقال عليه : أنه إذا قيل : (زيدا) ألبس على السامع أن يكون المذكور بعده
ضربت أو أكرمت أو نحوه وإذا قيل : ضربت ، ألبس على السامع أن يكون زيدا وأن يكون
عمرا ونحوه فأجاب بأمور :
أحدها
: أن هذا لا
يمكن أن يكون إلا كذا ، لأنه لا بدّ من تقديم مفرد على مفرد ، فمهما قدمت أحد
المفردين فلا بد من احتماله ، كما يقدر تجويزه في الآخر.
الثاني
: أن هذا إلباس
في آحاد المفردات وذاك إلباس في أصول أقسام الكلام فكان أهم.
__________________
الثالث
: أن تلك
الألفاظ وضعت للدلالة عليه وكان تقديمها مرشدا إلى ما وضع له ، بخلاف هذه فإنه ليس
لها ألفاظ غير لفظها ، ولو كان لها ألفاظ غير لفظها لأدّى إلى التسلسل وهو محال.
مسألة : القول في دخول اللام على خبر إن
قال ابن هشام
في (تذكرته) : زعم بدر الدين بن مالك أن اللام لا تدخل على خبر إن إذا تقدم معموله
عليه فلا تقول : إن زيدا طعامك لآكل ، وكأنه رأى أنّ اللام لا يتقدم معمول ما
بعدها عليها لأن لها الصدر والحكم فاسد ، والتعليل كذلك على تقدير أن يكون رآه.
أما فساد الحكم فلأن السماع جاء بخلافه قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً
مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) [الروم : ٨] وقال الشاعر : [الطويل]
١٨٥ ـ [أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم]
|
|
فإنّي إلى
قوم سواكم لأميل
|
وأما فساد
التعليل فلأن هذه اللام مقدمة من تأخير ، فهي إنما تحمي ما هو في حيزها الأصلي أن
يتقدم عليها ، لا ما هو في حيزها الآن ، وإلا لم يصح : أن زيدا قائم ، ولا إن في
الدار لزيدا ، ألا ترى أن العامل في خبر (إن) هو (إن) عند البصريين والعامل في
اسمها هي بإجماع النحاة ، فلو كانت اللام تمنع العمل لمنعت (إن).
__________________
حرف الضاد
الضرورة
قال أبو حيان :
لم يفهم ابن مالك معنى قول النحويين في ضرورة الشعر فقال في غير موضع : ليس هذا
البيت بضرورة لأن قائله متمكن من أن يقول كذا ، ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هو
الإلجاء إلى الشيء فقال : إنهم لا يلجأون إلى ذلك إذ يمكن أن يقولوا كذا ، فعلى
زعمه لا توجد ضرورة أصلا ، لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها ونظم تركيب آخر غير
ذلك التركيب وإنّما يعنون بالضرورة : أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة
به ، ولا يقع في كلامهم النثري ، وإنما يستعملون ذلك في الشعر خاصة دون الكلام ولا
يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق بهذا اللفظ ، وإنما يعنون ما
ذكرناه وإلا كان لا توجد ضرورة لأنه ما من لفظ إلا ويمكن الشاعر أن يغيره ، انتهى.
وقال ابن جنّي
في (الخصائص) : سألت أبا علي هل يجوز لنا في الشعر من الضرورة ما جاز
للعرب أو لا؟.
فقال : كما جاز
لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم ، فكذا يجوز لنا أن نقيس شعرنا على شعرهم ، فما
أجازته الضرورة لهم أجازته لنا ، وما حظرته عليهم حظرته علينا ، وإذا كان كذلك فما
كان من أحسن ضروراتهم ، فليكن من أحسن ضروراتنا ، وما كان من أقبحها عندهم فليكن
من أقبحها عندنا ، وما بين ذلك بين ذلك.
فائدة : استعمال الأصل المهجور
قال الأندلسي :
يجوز للشاعر استعمال الأصل المهجور كما استعمله من قال : [الرجز]
١٨٦ ـ كأن بين فكّها والفكّ
|
|
...
|
__________________
فائدة : علة الضرائر
قال الشلوبين :
علّة الضرائر التشبيه لشيء بشيء أو الرد إلى الأصل.
قاعدة : ما جاز للضرورة يتقدر بقدرها
ما جاز للضرورة
يتقدّر بقدرها ، ومن فروعه : إذا دعت الضرورة إلى منع صرف المنصرف
المجرور فإنه يقتصر فيه على حذف التنوين وتبقى الكسرة عند الفارسي ، لأن الضرورة
دعت إلى حذف التنوين ، فلا يتجاوز محل الضرورة بإبطال عمل العامل ، والكوفي يرى
فتحه في محل الجر قياسا على ما لا ينصرف لئلا يلتبس بالمبنيات على الكسرة ذكره في (البسيط).
ومنها : لا
يجوز الفصل بين أما والفاء بأكثر من اسم واحد لأن الفاء لا يتقدم عليها ما بعدها ،
وإنما جاز التقديم للضرورة وهي مندفعة باسم واحد فلم يتجاوز قدر الضرورة ، ذكره
السيرافي والرضي .
قاعدة : ما لا يؤدّي إلى الضرورة أولى مما يؤدي إليها
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : قول الشاعر : [البسيط]
لاه ابن عمّك
اختلف الناس
فيه ، هل المحذوف لام الجر دون الأصلية واللام التي هي موجودة مفتوحة أو المحذوف
اللام الأصلية ، والباقية هي لام الجر؟.
والأظهر أن
الباقية هي لام الجر ، لأن القول بحذفها مع بقاء عملها يؤدي إلى أن يكون البيت
ضرورة ، والقول بحذف الأصلية لا يؤدي إلى ضرورة ، وما لا يؤدي إلى الضرورة أولى
مما يؤدي إليها.
الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها
هذه القاعدة
متفق عليها وفيها فروع :
منها : قال ابن
جنّي : الباء أصل حروف القسم ، والواو بدل منها ، ولهذا لا تجرّ
__________________
إلا الظاهر ، فإذا أدخلت على المضمر ردّت إلى الأصل وهي الباء فيقال : بك
لأفعلنّ لأن الضمائر تردّ الأشياء إلى أصولها.
ومنها : إذا
أريد وصل مثل : لم يك و (لد) بالضمير عادت النون المحذوفة فيقال : لم يكنه ، ومن
لدنه ، لأن الضمير يردّ الأشياء إلى أصولها.
ومنها : قال
الأندلسي : إنما التزم دخول تاء التأنيث في الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي
دون المسند إلى ظاهره لأن الأصل إلحاق العلامة ، والضمير يرده الشيء إلى أصله ،
فوجب أن لا تحذف العلامة لأن ذلك خلاف مقتضاه.
ومنها : إذا
اتصل بالماضي ضمير بني على السكون نحو : ضربت وضربنا ، وعلّله ابن الدّهان بأن
أصله البناء وأصل البناء السكون ، والضمير يرد أكثر الأشياء إلى أصولها.
قال ابن إياز :
وهذا أحسن من التعليل بكراهة توالي أربع متحركات لأنه يطّرد في استخرجت وأشباهه.
ومنها قال :
ابن إياز : زعم بعضهم أن (لو لا) صريحة في التعليل كقولك : لو لا إحسانك لما
شكرتك.
قال ابن بري في
(أماليه) : ولهذا جروا بها المضمر تنبيها على هذا المعنى لأن المضمر يعيد الشيء
إلى أصله.
ومنها : قال
ابن فلاح في المغني : فإن قيل لم اختلف كلا وكلتا مع المضمر عند البصريين وليس
اختلافه للتثنية لأن الإعراب مقدر عندهم مطلقا؟
قلنا : لشبهه
بـ : لدى وعلى وإلى ، فإنها مع المظهر بالألف ومع المضمر بالياء فرقا بين المتمكن
نحو ألف (عصا) ، وألف غير المتمكن نحو : لدى ، ووجه المشابهة بينهما ملازمة الإضافة
فيهما ، ولم تقلب في الرفع لأن المشبه به ليس له حالة رفع ، وخصّ التغيير مع
المضمر دون المظهر لأن المضمر يردّ الشيء إلى أصله.
ومنها : قال
الأندلسي في (شرح المفصّل) : نحو قوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها) [هود : ٢٨] ردّ فيه الواو الساقطة في الوصل ، إذ كان الضمير يرد الشيء إلى
أصله كما تفتح لام الجر في قولك : لك مال ، حتى أنهم فتحوا لام الاستغاثة لوقوع
المنادى موقع المضمر.
ومنها : قال
الأندلسي : قيل : إنما لم تدخل الكاف على مضمر لترددها بين
الاسم والحرف ، وذلك اشتراك فيهما ، والاشتراك فرع ، والضمير يرد الأشياء
إلى أصولها ولا أصل لها ، ولهذه العلة امتنع دخول (حتى) أيضا على المضمر.
ومنها : قال
ابن فلاح في (المغني) : بني المضارع مع ضمير جمع المؤنث على السكون منبهة على أن
أصل الأفعال البناء على السكون ، لأن الضمير يرد الشيء إلى أصله.
ومنها : قال
ابن يعيش : فائدة الاتّساع في الظرف تظهر إذا كنيت عنه فإن كان
ظرفا لم يكن بد من ظهور (في) مع مضمره نحو : اليوم قمت فيه ، لأن الإضمار يرد
الأشياء إلى أصولها ، وإن اعتقدت أنه مفعول به على السعة لم تظهر (في) معه لأنها
لم تكن منوية مع الظاهر ، فتقول : اليوم قمته ، قال الشاعر : [الطويل]
ويوم شهدناه
لم يظهر (في)
حين أضمره ، لأنه جعله مفعولا به مجازا. ولو جعله ظرفا على أصله لقال : شهدنا فيه.
تنبيه : إضافة أل إلى الضمير
قال السهيلي : قول عبد المطلب : [مجزوء الكامل]
١٨٧ ـ وانصر على آل الصّليب
|
|
وعابديه
اليوم آلك
|
فيه ردّ على
ابن النحاس والزبيدي ومن قال بقولهما ، حيث منعا إضافة آل إلى الضمير لأنه يرد
الشيء إلى أصله ، وأصله أهل وما وجدنا قط مضمرا يرد معتلّا إلى أصله إلا أعطيتكموه
، وليس من هذا الباب في ورد ولا صدر.
تنبيه : لا يدخل على المقسم به غير الباء إذا كان مضمرا
قال السخاوي في
(سفر السعادة) : لا يدخل على المقسم به غير الباء إذا كان مضمرا لأنها
الأصل ، وقال أبو الفتح : لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها في كثير من المواضع
، تقول : أعطيتكم درهما ثم تقول : الدرهم أعطيتكموه. وما
__________________
حكاه يونس من قولهم : أعطيتكمه شاذ. وقال أبو بكر محمد بن عبد الملك النحوي
: إنما يرد الإضمار الأشياء إلى أصولها لأسباب توجب الرد لا لأجل الإضمار ، فلا
يقاس عليه ما لا سبب فيه مع أن الشيء إذا جاء على أصله ولم يمنعه مانع فلا سؤال
فيه ولا يحتاج إلى تعليل ، إلا أن يخالف الاستعمال فقوله : أعطيتكم درهما ، أصله :
أعطيتكمو فأسكنوا الميم تخفيفا وكرهوا الإسكان مع الهاء لخفائها وقربها من الساكن
ولذلك كان : عليه مال ، أحسن من قولك : عليهي مال ، وكذلك : اليوم سرت فيه ، لأن
الإضمار يبطل كونه ظرفا فاحتاجوا فيه إلى (في) كسائر الأسماء التي ليست ظروفا.
قال السخاوي : قوله : «إنما يرد الإضمار الأشياء إلى أصولها لأسباب
توجب الرد لا لأجل الإضمار» كلام متناقض يقتضي أن الإضمار يرد ولا يرد. وقوله : مع
أن الشيء إذا جاء على أصله ولم يمنعه مانع فلا سؤال فيه ، فأقول : بلى فيه سؤال
لأن قولنا : بك لأفعلن ، قد جاء على أصله وفيه من السؤال لم لم يجز أن يقول : وك
ولا تك ، فاختصاص الباء بهذا لا بد له من سبب ولا سبب إلا أن الباء الأصل ، ولهذا
تقول : أقسم بالله ، ولا تقول : أقسم والله ، ولا أقسم تالله ، انتهى.
تنبيه : المضمر لا يرد كل شيء إلى أصله
قال ابن عصفور
في شرح (المقرب) : خرج قول الفرزدق : [البسيط]
١٨٨ ـ [فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم
|
|
إذ هم قريش]
وإذا ما مثلهم بشر
|
على أن (مثلهم)
مرفوع إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى مبني كقوله تعالى : (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣] فإن قيل : كيف يسوغ ذلك والمبني الذي أضفت إليه مضمر
والمضمر يرد الأشياء إلى أصولها فكيف يكون سببا في إخراج (مثل) عن أصلها من
الإعراب إلى البناء؟
__________________
فالجواب : أنّ
المضمر لا يلزم ردّه الأشياء إلى أصولها في جميع المواضع ألا ترى أن التاء بدل من
الواو في تكأة لأنه من توكأ ، ثم إذا أضافوها إلى مضمر قالوا : هذه تكأتك ولم
يردوها إلى أصلها.
تنبيه : القول في بناء أي في (أيهم أشد)
قال الأبذي في (شرح
الجزوليّة) : بنيت (أيّ) في نحو قوله تعالى : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم : ٦٩] عند سيبويه لخروجها عن نظائرها ، وكان حقها أن تعرب لتمكنها
بالإضافة ، ولا سيما وهي مضافة إلى مضمر ، والمضمرات ترد الأشياء إلى أصولها ولذلك
تقول : زيد ضربتم أخاه ثم تقول : وضربتموه ، ولا تقول : وضربتمه.
مسألة : القول في عساي وأخواتها
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : أجمع النحاة على أنك إذا قلت : عساي وعساك وعساه ، ولولاي ولولاك
ولولاه ، أن هنا شيئا قد تجوز فيه باستعماله على غير أصله ، واختلف فيما وقع
المجاز فقال سيبويه : إن (عسى) خرجت عن عمل (كان) وعملت عمل (لعلّ) لشبهها
بلعلّ في الطمع ، فالضمير منصوب على أنه اسمها ، ولو لا قد صارت حرف جر والضمير
معها مجرور ، وقال الأخفش : إن عسى على بابها من عملها عمل كان ، ولو لا على بابها
من أنها غير عاملة ، واستعرنا في عسى ضمير المنصوب للمرفوع ، فالضمير عنده في (عسى)
في موضع رفع (لا) في موضع نصب ، والضمير في (لو لا) أيضا وإن كان صورة ضمير الجر
مستعار للرفع ، فهو عنده أيضا في لو لا في موضع رفع على الابتداء لا في موضع جرّ.
وقال ابن
النحاس : والوجه ما ذكره سيبويه لأن التجوز في الفعل أو الحرف أحسن من التجوز في
الضمير ، لأن المضمرات تردّ الأشياء إلى أصولها فلا أقل من أن لا تخرج هي عن أصلها
وموضعها.
الضمير أطلب بالإضافة من الظاهر
بدليل جواز
الإضافة والنصب في ضارب زيدا في الحال والاستقبال والاقتصار على الإضافة في نحو
ضاربك وضاربه على مذهب سيبويه أنه مضاف ليس إلا ، ذكره الشلوبين في (شرح الجزولية).
__________________
حرف الطاء
الطارئ يزيل حكم الثابت
عقد له ابن
جنّي بابا في (الخصائص) وفيه فروع :
منها : لام
التعريف والإضافة إذا دخلت على المنون حذف لها تنوينه.
ومنها : ياء
النسبة إذا دخلت على ما فيه تاء التأنيث حذفت لها التاء ، وإذا دخلت على ما فيه
ياء مثلها نحو : كرسي وبختي ، حذفت لأجلها.
ومنها : علامة
الجمع بالألف والتاء ، إذا دخلت على ما فيه التاء حذفت لأجلها نحو : تمرة وتمرات ،
ولو سميت رجلا أو امرأة بهندات لقلت في الجمع أيضا هندات بحذف الألف والتاء
الأوليين لا الأخريين.
ومن ذلك نقض
الأوضاع إذا طرأ عليها طارئ ، كلفظ الاستفهام إذا طرأ عليه معنى التعجب استحال
خبرا ، كقولك : مررت برجل أي رجل ، أو أيما رجل ، فأنت الآن مخبر بتناهي الرجل في
الفضل ولست مستفهما ، وإنما كان كذلك لأن أصل الاستفهام الخبر والتعجب ضرب من
الخبر ، فكأن التعجّب لما طرأ على الاستفهام إنما أعاده إلى أصله من الخبرية.
ومن ذلك أيضا
لفظ الواجب إذا لحقته همزة التقرير صار نفيا ، وإذا لحقه لفظ النفي عاد إيجابا نحو
: (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) [يونس : ٥٩] أي لم يأذن (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) [الأعراف : ١٧٢] أي : أنا كذلك. ومن ذلك أن تصف العلم ، فإذا أنت فعلت ذلك
فقد أخرجته به عن حقيقة ما وضع له فأدخلته معنى لو لا الصفة لم تدخله إياه ، وذلك
أن وضع العلم أن يكون مستغنيا بلفظه عن عدة من الصفات ، فإذا أنت وصفته فقد سلبته
الصفة له ما كان في أصل وضعه مرادا فيه من الاستغناء بلفظه عن كثير من صفاته ،
انتهى.
وقال ابن يعيش : فإن قيل : هل التعريف الذي في (يا زيد) في النداء
__________________
تعريف العلمية بقي على حاله بعد النداء كما كان قبل النداء أم تعريف حدث
فيه غير تعريف العلمية.
فالجواب : أن
المعارف كلها إذا نوديت تنكرت ثم تكون معارف بالنداء ، هذا قول المبرد ، وهو
الصواب كإضافة الأعلام وخالفه ابن السراج.
وقال الشلوبين
: إذا جمع المؤنث الحقيقي جمع تكسير ، جاز ترك التاء من فعله نحو : قام الهنود ،
لأنه ذهب منه لفظ المفرد فكان الحكم للطارئ.
وقال ابن
الدهان في الغرة : المقصور المنصرف يلحقه التنوين وهو ساكن ، والألف ساكنة ،
فيستحيل الجمع بينهما ويجحف الأمر بحذفهما ، ولم نر ساكنين التقيا حذفا معا ، ولا
يجوز تحريك التنوين لأنه تحريك للساكن إذا كان بعده لا له إذا كان قبله ، ولا
تحريك الألف لأنها تغير عن صورتها فيقع اللبس بين المقصور وغيره من المهموز ولا
يجوز حذف التنوين لأنه لمعنى فإذا زال زال المعنى ، وأيضا فإن الطارئ يزيل حكم
الثابت لأنه لو علم أنه إذا جيء به حذف لم يجأ به فلم يبق إلا حذف الألف.
طرد الباب
قال أبو البقاء
في (التبيين) : إذا ثبت الحكم لعلّة اطّرد حكمها في الموضع الذي امتنع فيه وجود
العلة ، ألا ترى أنك ترفع الفاعل وتنصب المفعول في موضع يقطع بالفرق بينهما من
طريق المعنى كما لو قلت : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) [إبراهيم : ٢٤] فإنك ترفع الفاعل وتنصب المفعول ، مع أن الفاعل والمفعول
معقول قطعا.
قال : ونظيره
من المشروع أن الرّمل في الطواف شرع في الابتداء لإظهار الجلد ثم زالت العلّة ،
وبقي الحكم.
ومثل ذلك
العدّة عن النكاح شرعت لبراءة الرّحم ، ثم ثبتت في مواضع ليس فيها شغل الرحم ، قال
: وسبب ذلك أن النفوس تأنس بثبوت الحكم فلا ينبغي أن يزول ذلك الأنس.
قال : ونظيره
في التصريف أن الواو في مضارع وعد ، ووزن حذفت منه لوقوعها بين ياء وكسرة نحو يعد
ثم حذفت مع بقية حروف المضارعة مع عدم العلة ليكون الباب على سنن واحد وله نظائر
أخر ، انتهى.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : الإعراب أصل في الأسماء لأنه يفتقر إليه
للتفرقة بين المعاني نحو : ما أحسن زيدا ، بنصب زيد إن أردت التعجب من حسنه
، وبرفعه إن أردت نفي الإحسان عنه ، وبرفع أحسن وخفض زيد إن أردت الاستفهام عن
الأحسن ألا ترى أن هذه المعاني لو لا الإعراب لالتبست.
فإن قيل : إن
الإعراب قد يوجد في الأسماء غير مفتقر إليه نحو : شرب محمد الماء ، وركب الفرس
عمرو ، وأشباه ذلك ، ألا ترى أن الفاعل هاهنا لا يلتبس بالمفعول إذا أزيل الإعراب؟
فالجواب أن الإعراب لما افتقر إليه في بعض الأسماء حمل سائرها على ذلك ، كما أن
العرب لما حذفت الواو من (يعد) لوقوعها بين ياء وكسرة ، حذفت من أعد ونعد وتعد
حملا على ذلك.
وقال أبو
البقاء في التبيين : إذا جرى اسم الفاعل والصفة المشبهة على غير ذلك من هما له ،
وجب إبراز الضمير فيهما مطلقا عند البصريين لأن ترك إبرازه يفضي إلى اللبس في بعض
المواضع نحو : زيد عمرو ضاربه هو ، واللبس يزول بإبراز الضمير فيجب أن يبرز نفيا
للبس. ثم يطرد الباب فيما لا يلبس نحو : زيد هند ضاربته هي ، كما فعلوا ذلك في
كثير من المواضع نحو : نعد وتعد وأعد ، فإنهم حذفوا منها الواو كما حذفوها من يعد
، وكذلك يكرم ونكرم وتكرم ، محمولة على أكرم.
وقال ابن
القواس في (شرح ألفية ابن معط) : قدر الكسر في المنقوص لاجتماع الأمثال إذ الياء
بكسرتين والضم حمل على الكسر للمناسبة فيهما بدليل اجتماع أصليهما ردفين دون الألف
، ولأن الضمة أثقل من الكسرة بدليل قلب الواو ياء إذا اجتمعتا مطلقا ، وظهر النصب
لخفة الفتحة ، ولم تعد الواو في : رأيت غازيا وداعيا فيقال : غازوا وداعوا ، لثبوت
القلب رفعا وجرا تغليبا للحالتين وطردا للباب.
وقال عبد
القاهر : هذا أقيس من حمل أعد ونعد وتعد لأن الحمل المؤدي لإعلال اللام أولى من
المؤدي لإعلال الفاء ، لأن اللام محل التغيير ، ولأن المنقوص حمل فيه حالة على
حالتين ، وباب يعد حمل فيه ثلاثة أشياء على شيء واحد.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : من أجاز تقديم خبر ليس عليها ، ودليله أن ليس فعل ناقص مثل
أخواتها ، فإذا جوزنا في كان وأخواتها يجوز في ليس أيضا طردا للباب.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : الأصل في نرى ويرى وترى : نرأى
__________________
ويرأى وترأى لأن الماضي منه رأى ، وإنما حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال
تخفيفا لأنه إذا قيل : أرأى ، اجتمع همزتان بينهما ساكن ، والساكن حاجز غير حصين ،
فكأنهما قد توالتا فحذفت الثانية على حد حذفها في أكرم ، ثم اتبع سائر الباب وفتحت
الراء لمجاوزة الألف التي هي لام الكلمة ، وغلب كثرة الاستعمال هنا الأصل حتى هجر
ورفض.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : قلبت الهمزة في (صحراء) واوا في الجمع نحو صحراوات كراهة الجمع بين
علامتي تأنيث ، وقلبت في التثنية طردا للباب على سنن واحد.
وقال ابن عصفور
في (شرح المقرب) : لما ألحقوا نون الوقاية لتقي الفعل من الكسر حملوا على ذلك :
يضربانني ويضربونني ، كما حملوا تعد وأخواته غير ذي الياء ، وأكرم وأخواته غير ذي
الهمزة على يعد وأكرم.
وقال بعضهم :
إنما بنيت المضمرات لشبهها بالحرف وضعا في كثير منها ، ثم حمل ما ليس كذلك طردا
للباب على سنن واحد ، وبهذا بدأ ابن مالك في شرح التسهيل.
وعبارة ابن
إياز : لأن وضع المضمر بالأصالة وضع الحرف الواحد ألا تراه على حرف واحد في ضربت
وضربك ، ثم حمل على ذلك في البناء ما هو على أكثر نحو : نحن وإياك ، لأن الجميع من
باب واحد.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : إنما سكنوا آخر الفعل عند اتصال تاء الفاعل به ، نحو ضربت فرارا من
اجتماع أربع حركات (لوازم ، ثم طرد الباب في ما لم يجتمع فيه أربع حركات نحو دحرجت
، تعميما للحكم ، لأن الأفعال شرع واحد بدليل تعميم الحكم في حذف الواو من أعد
ونحوه والهمزة من نكرم ونحوه وإن انتفت علة الحذف.
وقال ابن
القواس : ذهب الأكثرون إلى أن متعلق الظرف والمجرور إذا كان خبرا يقدر بفعل لأنه
إذا وقع صلة أو صفة يقدر بالفعل اتفاقا فيجب أن يقدر في محل الخلاف طردا للباب.
وقال ابن إياز
: المضاف لا يكون إلا اسما ، لأن الغرض الأهم بالإضافة تعريف المضاف والفعل لا
يتعرف.
فإن قيل : هلا
أضيف الفعل للتخصيص إذ قد يصح ذلك فيه ، ألا ترى أن سوف والسين يخصصانه بالحال؟
فالجواب : أنه
لما امتنع منه الغرض الأهم وهو التعريف امتنع الآخر طردا للباب وهذا من قواعدهم.
وقال الأندلسي
في شرح المفصل : الموجب لبناء أسماء الإشارة تضمنها معنى الحرف وذلك أن الإشارة
معنى كالاستفهام وغيره ، فحقه أن يوضع له حرف ، فلما أدى هذا الاسم هذا المعنى
نيابة عن الحرف في ذلك ناسب الحرف فبني ، ويدل على أنه تضمن هذا المعنى أنهم لم
يضعوا للإشارة حرفا ، وكان هذا الاسم المسموع مبنيا يفيد معنى الحرف ، فوجب اعتقاد
تضمينهم إياه هذا المعنى طردا لأصولهم وإقامة سبب لبنائه.
قال ابن جنّي :
بني أولاء لأنه تضمن حرف الإشارة ، لأن الإشارة معنى لم يستعملوا لها حرفا فتضمنها
هذا الاسم فبني.
وقال ابن إياز
: وأما اسم الإشارة فبني لتضمنه معنى حرف الإشارة إذ الإشارة معنى ، والموضوع
لإفادة المعاني الحروف ، فلما أفادت هذه الأسماء الإشارة علم أنها كان القياس
يقتضي أن يكون لها حرف فلمّا تضمنت معناه بنيت ، وهذا قول السيرافي.
قال الأصفهاني
: فلو قيل : إن ذلك إنما يتصور في أولاء دون هؤلاء لظهور الحرف وهو (ها) لأمكن أن
يقال فيه : إن الحرف الذي هو (ها) غير ذلك الذي تضمن معناه وإن هذا زائد ، كما أن
الألف واللام في (الأمس) عند من بناه زائدة ، وإن الاسم بني لتضمنه معنى ألف ولام
أخرى.
حرف الظاء
الظرف والمجرور
فيها مباحث :
الأول
: لا بدّ من
تعلقهما بالفعل ، أو ما يشبهه ، أو ما أوّل بما يشبهه أو ما يشير إلى معناه ، فإن
لم يكن شيء من هذه الأربعة موجودا قدر.
مثال الأول
والثاني : (أَنْعَمْتَ
عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧ ـ ٨].
والثالث : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ
وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] لأنه مؤول بمعبود.
والرابع : نحو
: (فلان حاتم في قومه) ، تعلق بما في حاتم من معنى الجود.
ومثال المتعلق
بالمحذوف : (وَإِلى ثَمُودَ
أَخاهُمْ صالِحاً) [الأعراف : ٧٣] بتقدير وأرسلنا ولم يتقدّم ذكر الإرسال ، ولكنّ ذكر النبي
والمرسل إليهم يدل على ذلك ، وهل يتعلقان بالفعل الناقص؟ فيه خلاف.
والثاني
: يستثنى من قولنا : لا بد لحرف الجر من متعلق ستة أمور :
أحدها
: الحرف الزائد
كالباء ومن في (وَكَفى بِاللهِ
شَهِيداً) [النساء : ١٦٦] (هَلْ مِنْ خالِقٍ
غَيْرُ اللهِ) [فاطر : ٣] وذلك لأن معنى التعلق الارتباط المعنوي ، والأصل أن أفعالا قصرت
عن الوصول إلى الأسماء فأعينت على ذلك بحروف الجر ، والزائد إنما دخل في الكلام
تقوية وتوكيدا ولم يدخل للربط.
الثاني والثالث
: (لعلّ) ، و (لو لا) ، عند من جرّ بهما.
الرابع : (ربّ) ، في قول الرماني وابن طاهر.
الخامس
: كاف التشبيه
عند الأخفش وابن عصفور.
__________________
السادس
: حرف الاستثناء
وهو : (خلا ، وعدا ، وحاشا) إذا خفضن فإنهن لتنحية الفعل عما دخلن عليه ، كما أن (إلا)
كذلك ، وذلك عكس معنى التعدية الذي هو إيصال معنى الفعل إلى الاسم.
الثالث
: يجب تعلقهما بمحذوف في ثمانية مواضع :
١ ـ أن يقعا
صفة نحو : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ) [البقرة : ١٩].
٢ ـ أو حالا
نحو : (فَخَرَجَ عَلى
قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) [القصص : ٧٩].
٣ ـ أو صلة نحو
: (وَلَهُ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [الأنبياء : ١٩].
٤ ـ أو خبرا :
نحو : زيد عندك أو في الدار.
٥ ـ أو مثلا :
نحو قولهم للمعرّس : (بالرفاء والبنين) بإضمار أعرست.
٦ ـ أو يرفعا
الاسم الظاهر نحو : (أَفِي اللهِ شَكٌ) [إبراهيم : ١٠] أعندك زيد.
٧ ـ أو يكون
المتعلق محذوفا على شريطة التفسير نحو : أيوم الجمعة صمت.
٨ ـ الثامن :
القسم بغير الباء نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى) [الليل : ١] ، (وَتَاللهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧].
الرابع
: هل المتعلق الواجب الحذف فعل أو وصف؟ لا خلاف في تعيين
الفعل في بابي القسم والصلة ، لأن القسم والصلة لا يكونان إلا جملتين. واختلف في
الخبر والصفة والحال فمن قدر الفعل ـ وهم الأكثرون ـ فلأنه الأصل في العمل ، ومن
قدر الوصف فلأن الأصل في الثلاثة الإفراد ، وأما في الاشتغال فيقدر بحسب المفسر ،
فيقدر الفعل في نحو : أيوم الجمعة يعتكف فيه ، الوصف في : أيوم الجمعة أنت معتكف
فيه.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إذا وقع الظرف والمجرور خبرين فلا بدّ لهما من عامل واختلف
النحاة في تقدير العامل ما هو؟ فذهب بعضهم إلى أن العامل المقدر فعل تقديره استقرّ
أو كان أو وجد أو ثبت.
قالوا : لأن
بنا حاجة إلى تقدير عامل ، وتقدير ما هو أصل في العمل ـ وهو الفعل ـ أولى من تقدير
ما ليس بأصل.
__________________
قالوا : ولأن
لنا موضعا يجب فيه تقدير الظرف والمجرور بالفعل ، وهو ما إذا وقع الظرف أو المجرور
صلة لأن الصلة لا تكون مفردا ، فإذا وجب هنا تقديره بالفعل فإن لم يكن في الخبر
واجبا فلا أقل من رجحانه.
وذهب بعضهم إلى
أن العامل المقدر هنا اسم لا فعل تقديره كائن أو مستقر أو موجود أو ثابت.
قالوا : لأن
بنا حاجة إلى جعل الظرف أو المجرور خبرا ، والأصل في الخبر المفرد ، فيقدر العامل
الذي وقع الظرف موقعه مفردا على ما هو الأصل في الخبر.
قالوا : ولأن
لنا موضعا يتعين فيه تقدير الظرف والمجرور بالمفرد ، وهو ما إذا وقع الظرف أو
المجرور بين أما وفائها نحو : أما عندك فزيد ، وأما في الدار فزيد ، فهنا يجب
تقديره بالمفرد ، لأن : (أما وفاءها) لا يفصل بينهما بجملة ، وإذا وجب تقديره هنا
بالمفرد فلا أقل من الرجحان فيما إذا وقع خبرا وهو رأي ابن عصفور ، ويترجح هذا بأن
تقديره بالفعل لزم في حال كونه غير خبر ، وتقديره بالمفرد لزم في حال كونه خبرا
فكان تقديره بالمفرد أولى.
وقال : واعلم
أنه على كل تقدير سواء قلنا : العامل فيه فعل أو اسم ، أنا نعتقد أنا حذفنا ذلك
العامل لما اعتزمنا أن نجعل الخبر في اللفظ نفس الظرف والمجرور لا الاستقرار ،
ولذلك التزمنا حذف العامل بعد نقل الضمير الذي كان في العامل إلى الظرف أو المجرور
واستتاره فيه ويبقى الضمير مرتفعا بالظرف أو بالجار والمجرور كما كان مرتفعا بذلك
العامل لنيابة الظرف أو المجرور عن ذلك العامل ، ولا يجوز إظهار ذلك العامل حينئذ
، قال أبو علي : إظهار عامل الظرف شريعة منسوخة.
الخامس
: في كيفية
تقديره ، أما في القسم فتقديره أقسم ، وأما في الاشتغال فتقديره كالمنطوق به ،
وأما في المثل فيقدر بحسب المعنى وأما في البواقي فيقدر كونا مطلقا وهو كائن أو
مستقر أو مضارعهما إن أريد الحال أو الاستقبال.
قال ابن هشام : ويقدر كان أو استقر أو وصفهما إن أريد المضي ، هذا هو
الصواب وقد أغفلوه مع قولهم في نحو : ضربي زيدا قائما ، إنّ التقدير : إذ كان ، إن
أريد المضيّ و (إذا كان) إن أريد المستقبل ولا فرق ، وإذا جهل المعنى قدر الوصف
فإنه صالح في الأزمنة كلها ، وإن كانت حقيقته الحال ، ولا يجوز تقدير الكون الخاص
كقائم وجالس إلا لدليل ويكون الحذف حينئذ جائزا لا واجبا.
__________________
قال ابن هشام : وتوهّم جماعة امتناع حذف الكون الخاص ، ويبطله أنا
متفقون على جواز حذف الخبر عند وجود الدليل وعدم وجود معمول فكيف يكون وجود
المعمول مانعا من الحذف مع أنه إما أن يكون هو الدليل أو مقويا للدليل ، واشتراط
النحويين الكون المطلق إنما هو لوجوب الحذف لا لجوازه.
ومما خرّج على
ذلك قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَ) [الطلاق : ١] أي : مستقبلات (وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] الآية ، أي : تقتل وتفقأ وتصلم وتقلع ، أو مقتولة ، ومفقوءة
ومصلومة ومقلوعة.
قال : ويلزم من
قدّر المتعلق فعلا أن يقدره مؤخرا في جميع المسائل لأن الخبر إذا كان فعلا لا
يتقدم على المبتدأ.
قال : ومن هنا
لا نحتاج إلى ما ذكره ابن مالك وجماعة أنه يتعين تقديره وصفا بعد (أما) نحو : أما
في الدار فزيد ، وإذا الفجائية نحو : (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ) [يونس : ٢١] لأن (إذا) الفجائية لا يليها الفعل ، و (أما) لا يليها فعل إلا
مقرونا بحرف لشرط نحو : (فَأَمَّا إِنْ كانَ
مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الواقعة : ٨٨] قال : وهذا على ما بيناه غير وارد لأن الفعل يقدر مؤخرا.
تنبيه : تقدير عامل الظرف والمجرور إذا قدما على اسم إن
قال : ابن
النحاس في (التعليقة) : اختلف النحاة في تقدير عامل الظرف والمجرور إذا قدّما على
اسم إن ، فقال قوم : يقدر الاستقرار بعد اسم إن لئلا نكون قد فصلنا بين إن واسمها
بغير الظرف والمجرور. وقال قوم : لا ، بل نقدره قبل الظرف والمجرور ولا نعتدّ بهذا
فصلا لكونها لازم الإضمار ولا يجوز إظهاره.
السادس
: في الفرق بين
الظرف المستقر والظرف اللغو : قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في حاشية (الكشاف)
وفي (شرح المفصّل) للأندلسي : قال الخوارزمي : في الظرف المستقر ـ بفتح القاف ـ كذا
سماها في (المفصّل) وفي (الكشاف) ، والمراد به الموضع ولفظ ابن السراج : إذا كان الظرف غير محل سماه الكوفيون الصفة الناقصة
وجعله البصريون لغوا ، ويريدون بالمستقر ما كان خبرا محتاجا إليه ، وسمّي مستقرّا
لأنه يتعلق بالاستقرار والاستقرار فيه ، فهو مستقر فيه ، ثم حذف
__________________
(فيه) اختصارا ، وباللغو ما كان فضلة ، وسمي لغوا لأنه لو حذف لكان الكلام
مستغنيا عنه لا حاجة به إليه ، انتهى.
السابع
: أنهم يتسعون في الظرف والمجرور ما لا يتّسعون في غيرهما
، فلذلك فصلوا بهما الفعل الناقص من معموله نحو : كان في الدار ـ أو عندك ـ زيد
جالسا ، وفعل التعجب من المتعجب منه نحو : ما أحسن ـ في الهيجاء ـ لقاء زيد ، وما
أثبت عند الحرب زيدا وبين الحرف الناسخ ومنسوخه نحو : [الطويل]
١٨٩ ـ فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها
|
|
أخاك مصاب
القلب جم بلابله
|
وبين الاستفهام
والقول الجاري مجرى الظن كقوله : [البسيط]
١٩٠ ـ أبعد بعد تقول الدّار جامعة
|
|
[شملي بهم أم تقول البعد محتوما]
|
وبين المضاف
وحرف الجرّ ومجرورهما نحو : [السريع]
١٩١ ـ [لمّا رأت ساتيدما استعبرت]
|
|
لله درّ
اليوم من لامها
|
واشتريته ـ بو
الله ـ درهم ، وهذا غلام ـ والله ـ زيد. وبين إذن ولن ومنصوبها نحو : [الوافر]
١٩٢ ـ إذن والله نرميهم بحرب
|
|
[يشيب الطّفل من قبل المشيب]
|
وقوله : [الكامل]
١٩٣ ـ لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا
|
|
أدع القتال
وأشهد الهيجاء
|
__________________
وقدموهما خبرين
على الاسم في باب إن نحو : (إِنَّ لَدَيْنا
أَنْكالاً) [المزمل : ١٢] ، (إِنَّ فِي ذلِكَ
لَعِبْرَةً) [آل عمران : ١٣] ومعمولين للخبر في باب (ما) نحو : [الطويل]
١٩٤ ـ [وقالوا تعرّفها المنازل من منى]
|
|
وما كلّ من
وافى منى أنا عارف
|
وما في الدار
زيد جالسا ، وصلة أل نحو : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ
الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠].
وعلى الفعل
المنفي بما نحو : [الرجز]
١٩٥ ـ ونحن عن فضلك ما استغنينا
وعلى (إن)
معمولا لخبرها نحو : أما بعد فإني أفعل كذا. وعلى العامل المعنوي في قولهم : أكل
يوم لك ثوب.
وقال الخفاف في
(شرح الإيضاح) : الظرف والمجرور اتّسع فيهما ، ووجه ذلك أن جميع الأفعال وما كان
على معانيها يدل على الزمان والمكان دلالة قائمة وإن لم يذكرا ، فإذا ذكرا فعلى
التأكيد ، وما كان بهذه الصفة فهو كالمستغنى عنه أو في حكمه ، فكأنك إذا فصلت بظرف
أو مجرور لم تفصل بشيء.
فائدة : رأي التميميين في التلفظ بخبر لا
قال الجزولي :
بنو تميم لا تلفظ بخبر (لا) إلا أن يكون ظرفا.
قال الشلوبين :
هذا استثناء طريف لا أعلمه عن أحد ولا نقله أحد ولا أدري من أين نقله وإن كان له
وجه من اتساعهم في الظروف ما لم يتسع به في غيرها ، ولكنه غير منقول وهذا ليس موضع
القياس لأنه اتساع والاتساع إنما هو منقول.
الثامن
: في تذكرة ابن
الصائغ قال : نقلت من مجموع بخطّ ابن الرمّاح : وينبغي أن يكون الظرف الذي يلزم به
الرفع لما بعده ما كان صفة أو صلة كمررت برجل ، أو
__________________
بالذي معه صقر ، لما بين الصفة والصلة من المناسبة ، لا يكونان إلا بالفعل
أو المشتقّ منه ، فأما الخبر والحال ، كزيد في الدار أبوه ، ومررت بزيد في الدار
أبوه ، فإنه يجوز في الأدب الابتداء والفاعلية ، كونه فاعلا لأنه يرفع الضمير كاسم
الفاعل بل أقوى عند أبي علي ، وكونه مبتدأ ، لأن اسم الفاعل نفسه يصح فيه ذلك ،
كزيد قائم أبوه ، على أنّ أبا عليّ جعل الجميع شيئا واحدا ولم يفرق بين الصفة
والخبر والحال ، لأنه يجعل الظرف إذا اعتمد مقدرا بالفعل دون الاسم ، وكذا ينبغي
أن يكون قياسه ، وأما ابن جنّي فلا يرى ذلك إلا في الصفة والصلة ، وهو الظاهر من
كلام سيبويه.
حرف العين
العامل
فيه مباحث :
الأول
: العمل أصل في
الأفعال فرع في الأسماء والحروف ، فما وجد من الأسماء والحروف عاملا فينبغي أن
يسأل عن الموجب لعمله ، كذا في شرح الجمل.
وقال صاحب (البسيط)
: أصل العمل للفعل ثم لما قويت مشابهته له وهو اسم الفاعل واسم المفعول ، ثم لما
شبّه بهما من طريق التثنية والجمع والتذكير والتأنيث وهي الصفة المشبهة. وأما افعل
التفضيل : فإنه إذا صحبته من ، امتنعت منه هذه الأحكام فيبعد لذلك عن شبه الفعل ،
فلذلك لم يعمل في الظاهر.
وقال ابن
السراج في (الأصول) : إنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل ، وصار الفعل
سببا له وشاركه في المعنى وإن افترقا في الزمان ، كما أعربوا الفعل لما ضارع الاسم
، فكما أعربوا هذا أعملوا ذاك والمصدر أعمل كما أعمل اسم الفاعل إذا كان الفعل
مشتقا منه.
ثم قال : واعلم أن الاسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف ، بل
هو المعرّض للعوامل من الأفعال والحروف ، قال : والأصل عندنا أن الأسماء لا تعمل
في الأسماء إلا ما ضارع الفعل منها ، ولو لا معنى الحرف ما جر الثاني إذا أضيف
إليه الأول.
وقال الجرجاني
: الأصل في الأسماء أن لا تكون عاملة ، وباعتمادها لا يذهب عنها بوصف الاسمية ،
فإن قيل : إذا كان الاعتماد لا يوجب لها صفة زائدة فلم عملت؟ أو لم اشتراط
الاعتماد؟. قيل : الاسم الصريح الذي هو يصحّ أن يحدث عنه بوجه من الوجوه ، والصفة
إذا اعتمدت لم يصح أن يخبر عنها بل هي بمنزلة خبر ، لأن الاسم الصريح ليس فيه إلا
تمييز ذات عن ذات ، وإذا عرفت ذلك تبين أن الاسم يكتسب بهذا الاعتماد تحقيقا في
شبه الفعل ، إذ هو واقع في موضع هو خاص
__________________
بالفعل ، والاستفهام والنفي أيضا من حيث أنهما يطلبان الفعل وهما أخص به ،
حتى بلغ من قوة طلبه للفعل أن قدروا قبل الاسم فعلا يعمل في الاسم كقوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤] والنفي أخو الاستفهام.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : الأفعال أصل في العمل من حيث كان كل فعل يقتضي العمل أقله
في الفاعل وللحروف المختصة أصالة في العمل من حيث كانت ، إنما تعمل لاختصاصها
بالقبيل الذي تعمل فيه ، وإنما كان الاختصاص موجبا للعمل ليظهر أثر الاختصاص كما
أن الفعل لما اختص بالاسم كان عاملا فيه ، فعرفنا أن الاختصاص موجب للعمل وأنه
موجود في الحرف المختص فكان الحرف المختصّ عاملا بأصالته في العمل لذلك ، ولا كذلك
الاسم لأنه لا يعمل منه شيء إلا بشبه الفعل أو الحرف وهو المضاف إذا قلنا إنه هو
العامل ومعنى الأصالة أن يعمل بنفسه لا بسبب غيره ، انتهى.
الثاني
: عوامل الاسماء
لا تعمل في الأفعال وإلا لبطل الاختصاص الموجب للعمل ، ومن ثم كان الأصح في (كي)
أنها حرف مشترك ، تارة يكون حرف جرّ بمعنى اللام ، وتارة يكون حرفا موصولا ينصب
المضارع ، لا أنها حرف واحد يجر وينصب ، وكان الأصح في (حتى) أنها حرف جر فقط وأن
نصب المضارع بعدها إنما هو بأن مضمرة لا بها لما ذكر.
الثالث
: العامل
المعنوي قيل به في مواضع :
أحدها
: الابتداء عامل
في المبتدأ على الصحيح واختلف في تفسيره فقيل هو التعري من العوامل اللفظية ، وقيل
: هو التعري وإسناد الفعل إليه.
قال ابن يعيش : والقول على ذلك أن التعرّي لا يصلح أن يكون
سببا ولا جزءا من السبب ، وذلك أن العوامل توجب عملا ، إذ لا بدّ للموجب والموجب
من اختصاص يوجب ذلك ، ونسبة العدم إلى الأشياء كلها نسبة واحدة.
فإن قيل :
العوامل في هذه الصناعة ليست مؤثرة تأثيرا حسيا كالإحراق للنار ، والبرد للماء ،
وإنما هي أمارات ودلالات ، والأمارة قد تكون بعدم الشيء كما تكون بوجوده.
قيل : هذا فاسد
لأنه ليس الغرض من قولهم : إن التعرّي عامل أنه معرف للعامل إذ لو زعم أنه معرف لكان
اعترافا بأن العامل غير التعري. وكان أبو إسحاق يجعل
__________________
العامل في المبتدأ ما في نفس المتكلم يعني من الإخبار عنه ، قال لأن الاسم
لما كان لا بد له من حديث يحدث به عنه ، صار هذا المعنى هو الرافع للمبتدأ.
قال ابن يعيش : والصحيح أن الابتداء اهتمامك بالاسم وجعلك
إياه أولا لثان يكون خبرا عنه ، والأولية معنى قائم به يكسبه قوّة إذ كان غيره
متعلقا به ، وكانت رتبته مقدمة على غيره ، وقيل : إنه عامل في الخبر أيضا.
ثم قال ابن
يعيش : والذي أراه أن العامل في الخبر : هو الابتداء وحده كما كان عاملا في
المبتدأ إلا أن عمله في المبتدأ بلا واسطة ، وعمله في الخبر بواسطة المبتدأ ،
فالابتداء يعمل في الخبر عند وجود المبتدأ ، وإن لم يكن للمبتدأ أثر في العمل ،
إلا أنه كالشرط في عمله كما لو وضعت ماء في قدر ووضعتها على النار فإن النار تسخن
الماء ، فالتسخين حصل بالنار عند وجود القدر لا بها فكذلك هاهنا.
الثاني
: عامل الرفع في
الفعل المضارع معنوي على الصحيح ، بل ادعى بدر الدين بن مالك في تكملة شرح التسهيل
: أنه لا خلاف فيه وليس كذلك ، بل الخلاف فيه موجود فقد ذهب الكسائي إلى أن عامله
لفظي وهو حروف المضارعة ، وعلى أنه معنوي اختلف فيه فقيل : هو تجرده من الناصب
والجازم وعليه الفراء.
وقيل : هو
تعريه من العوامل اللفظية مطلقا وعليه جماعة من البصريين منهم الأخفش.
وقال الأعلم :
ارتفع بالإهمال ، قال أبو حيان : وهو قريب من الأول.
وقال جمهور
البصريين : هو وقوعه موقع الاسم كقولك : زيد يقوم ، كونه وقع موقع قائم هو الذي
أوجب له الرفع.
وقال ثعلب :
ارتفع بنفس المضارعة.
وقال بعضهم :
ارتفع بالسبب الذي أوجب له الإعراب لأن الرفع نوع من الإعراب.
قال أبو حيان :
فهذه سبعة مذاهب في الرافع للفعل المضارع ، واحد منها لفظي وثلاثة معنوية ثبوتية
وهي الأخيرة ، وثلاثة عدمية وهي التي قبلها.
قال : وليس
لهذا الخلاف فائدة ولا ينشأ عنه حكم نطقي.
الثالث
: الخلاف ، جعله
الفراء وبعض الكوفيين عاملا للنصب في الفعل المضارع بعد (أو) ، وبعد (الفاء) ،
وبعد (الواو) ، في الأجوبة الثمانية ، يريدون بذلك مخالفة الثاني للأول من حيث لم
يكن شريكا له في المعنى ولا معطوفا عليه ، فهو عندهم
__________________
نظير : لو تركت والأسد لأكلك ، نصبت لما لم ترد عطف الأسد على الضمير ، إذ
لا يتصور أن يكون التقدير لو تركت وترك الأسد ، لأن الأسد لا يقدر عليه فيترك
وكذلك عندهم : زيد أمامك وخلفك ، إنما انتصب بالخلاف لأن الظرف خلاف المبتدأ ،
ولذلك لم يرفع كما يرفع قائم من قولك : زيد قائم ، وقد يرفعون أيضا على المخالفة
كقوله : [الطويل]
١٩٦ ـ على الحكم المأتيّ يوما إذا قضى
|
|
قضيّته أن لا
يجور ويقصد
|
قال الفراء :
هو مرفوع على المخالفة.
قال ابن يعيش : معنى الخلاف عندهم عدم المماثلة.
قال ابن يعيش : ذهب الكوفيون إلى أن المفعول معه منصوب على
الخلاف ، وذلك أنا إذا قلنا : (استوى الماء والخشبة) لا يحسن تكرير الفعل فيقال :
استوى الماء واستوت الخشبة ، لأن الخشبة لم تكن معوجة فتستوي ، فلما خالفه ولم
يشاركه في الفعل نصب على الخلاف ، قالوا : وهذه قاعدتنا في الظرف نحو : زيد عندك. الرابع : عامل قالوا : وهذه قاعدتها في الظرف نحو : زيد عندك.
الرابع
: عامل الفاعل : ذهب قوم من الكوفيين إلى أن الفاعل ارتفع بإحداثه
الفعل ، وذهب خلف الأحمر إلى أن العامل في الفاعل معنى الفاعلية ، كذا نقله عنه
ابن عمرون وابن النحاس في التعليقة ، وذهب هشام إلى أنه يرتفع بالإسناد.
قال ابن فلاح :
وردّ ذلك بأن العامل اللفظي مجمع عليه ، والمعنوي مختلف فيه. والمصير إلى المجمع
عليه أولى من المصير إلى المختلف فيه.
الخامس
: عامل المفعول
، ذهب خلف الأحمر إلى أن العامل في المفعول معنى المفعولية نقله ابن فلاح في المغني.
السادس
: عامل الصفة
والتأكيد وعطف البيان ، ذهب الأخفش إلى أنه معنوي ، وهو كونها تابعة بمنزلة عامل المبتدأ ،
أو الفعل المضارع ، ذكره في (البسيط).
__________________
فائدة : العوامل اللفظية
قال ابن الحاجب
في (أماليه) : العوامل اللفظية مطلقة على كان وأخواتها ، وعلى ظننت وأخواتها ، وإن
وأخواتها وما الحجازية. وحروف الجر ، وإن كانت لفظية أيضا إلا أنها لما كانت تقتضي
شيئا واحدا لم تعدّ مع تيك بخلاف ما ذكر أولا.
المبحث
الرابع : كلّ حرف اختصّ
بشيء ولم ينزل منزلة الجزء منه فإنه يعمل ، ذكره الجزولي في حواشيه ونقله ابن
الخباز في (شرح الدرة الألفية) ، قال : وقوله : ولم ينزل ... إلى آخره ، يحترز به
من قد ، والسين ، وسوف ، ولام التعريف ، فإنهن مختصات ولم يعملن لأنهن كالجزء مما
يلينه ، وسبقه إلى ذلك ابن السراج في (الأصول) : وفي بعض شروح الجمل مثله ، وزاد : إن الدليل على ذلك
في (سوف) دخول اللام عليها في قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ) [الضحى : ٥] فلو لا أنها بمنزلة حرف من حروف الفعل لما جاز الفصل بها بين
اللام والفعل ، قال : فإن وأخواتها وحروف الجر إنما عملت في الأسماء لانفرادها بها
، والنواصب والجوازم ، إنما عملت في الأفعال لانفرادها بها ، وكان القياس في (ما)
النافية أن لا تعمل إلا أنها لما كان لها شبهان : شبه عام وشبه خاص عملت ، فشبهها
العام شبهها بالحروف غير المختصة في كونها تلي الأسماء والأفعال. وشبهها الخاص
شبهها بليس وذلك أنها للنفي كما أن ليس كذلك ، وداخلة على المبتدأ والخبر كما أن
ليس كذلك ، وتخلص الفعل المحتمل للحال كما أن ليس كذلك ، فمن راعى الشبه العام لم
يعملها ، وهم بنو تميم ، ومن راعى الشبه الخاص أعملها وهم الحجازيون.
وقال النيلي :
الحق أن يقال : الحرف يعمل فيما يختص به ولم يكن مخصصا له ، كلام التعريف وقد
والسين وسوف ، لأن المخصص للشيء كالوصف له ، والوصف لا يعمل في الموصوف وهذا أولى
من قولهم : ولم ينزل منزلة الجزء منه لأن (أن) المصدرية تعمل في الفعل المضارع وهي
بمنزلة الجزء منه لأنها موصولة.
وفي شرح
التسهيل لأبي حيان : إنما أعملت (إذن) وإن كانت غير مختصة بالمضارع لشبهها بأن ،
كما أعمل أهل الحجاز (ما) إعمال ليس ، وإن كانت غير مختصة بالأسماء لشبهها بها ،
ووجه الشبه أن كل واحد منهما حرف آخره نون ساكنة قد دخل على مستقبل ، وبعض العرب
ألغى (إذن) مراعاة لعدم الاختصاص ألغى بنو تميم (ما) فلم يعملوها لعدم الاختصاص.
__________________
وفيه : قال بعض
أصحابنا : إنما لم تعمل أدوات التحضيض لأنها بجواز تقديم الاسم فيها على الفعل
صارت كأنها غير مختصة بالفعل.
وفيه : أن (لو
لا) و (لو ما) ، لم تعملا وإن كان لا يليهما إلا الاسم ، لأنهما ليستا مختصتين
بالأسماء ، إذ لو كانتا مختصتين بالاسم لكانتا عاملتين فيه ، وكان يكون عملهما
الجر إعطاء للمختص بالاسم المختصّ في الإعراب وهو الجر على ما تقرر في العوامل ،
أو يكونان كإن وأخواتها من الحروف المختصة بالأسماء ، وإنما هما حرفان يدخلان على
الجمل ، لكن تلك تكون اسمية ، وقد لاحظ معنى الاختصاص من ذهب إلى أن تاليهما مرفوع
بهما ، وهو مذهب الفراء وابن كيسان ، وعزاه أبو البركات ابن الأنباري إلى الكوفيين
وقال : إنه الصحيح ، وعزاه صاحب (الإيضاح) إلى جماعة من البغداديين.
وقال أبو الحسن
الأبذي : الصواب مذهب البصريين أنه مرفوع بالابتداء لأن كل حرف اختص باسم مفرد
فإنه يعمل فيه الجرّ إن استحقّ العمل فلو كانت لو لا عاملة لجرت.
قال أيضا :
والصواب أن الحروف لا تعمل بما فيها من معنى الفعل ، إذ لو كانت كذلك لعملت الهمزة
التي للاستفهام لأنها بمعنى أستفهم ، وما النافية لأنها بمعنى أنفي ولا بالنيابة
مناب الفعل ، نعم تزاد كالعوض ولا ينسب إليها العمل.
قال ابن يعيش : لم تعمل حروف العطف جرا ولا غيره لأنها لا
اختصاص لها بالأسماء ، والحروف التي تباشر الأسماء والأفعال لا يجوز أن تكون عاملة
إذ العامل لا يكون إلا مختصا بما يعمل فيه.
قال : وكذلك (إلا) في الاستثناء لا تعمل لأنها تباشر
الأسماء والأفعال والحروف ، تقول : ما جاءني زيد قط إلا يقرأ ، ولا رأيت بكرا إلا
في المسجد ، والعامل لا يكون إلا مختصا.
قال : واعلم أن (لا) من الحروف الداخلة على الأسماء
والأفعال فحكمها أن لا تعمل في واحد منهما ، غير أنها أعملت في النكرات خاصة لعلّة
عارضة وهي
__________________
مضارعتها (إن) كما أعملت (ما) في لغة أهل الحجاز لمضارعتها ليس والأصل أن
لا تعمل.
وقال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : اعلم أن الحروف إذا كان لها اختصاص
بالاسم أو بالفعل فالقياس أن تعمل فيما تختص به ، فإن لم يكن لها اختصاص فالقياس
أن لا تعمل ، فمتى وجدت مختصا لا يعمل أو غير مختص يعمل فسبيلك أن تسأل عن العلة
في ذلك فإن لم تجد فيكون ذلك خارجا عن القياس.
وقال : وإذا
صحت هذه القاعدة فأقول : إن (ما) النافية ليس لها اختصاص فيجب ألا تعمل ، ولذلك لم
يعملها بنو تميم فهي عندهم على القياس ، فلا سؤال في كونها لم تعمل ، لأن الشيء
إذا جاء على قياسه وقانونه لا يسأل عنه ، وأما أهل الحجاز فأعملوها لشبهها بليس من
وجوه ، وذكر الأوجه السابقة.
وقال أبو حيان
في (شرح التسهيل) : أصل عمل الحرف المختص بنوع من المعرب أن يكون مختصا بنوع من
الإعراب الذي اختص به ذلك المعرب ، ولذلك لما كان الجزم نوعا من الإعراب مختصا
بالمضارع ، والحرف الجازم مختص به أعطي المختصّ للمختصّ ، وكذا القول في حروف الجر
، انتهى.
وقال ابن عصفور
في (شرح المقرب) : لم يجئ من الحروف المختصة باسم واحد ما يعمل فيه غير خفض إلا (ألا)
التي للتمني ، فإن الاسم المبني معها في موضع نصب بها في مذهب سيبويه ، وذلك نحو
قولك : ألا مال ، وسبب ذلك أنها تضمنت معنى ما ينصب وهو تمنيت.
ضابط : ليس في كلامهم حرف يرفع ولا ينصب
قال ابن إياز :
ليس في كلامهم حرف يرفع ولا ينصب ، ولهذا بطل قول من قال : إن لو لا هي الرافع
للاسم.
وقال الشلوبين
: قول من قال : إن أصل عمل الحروف الجر خطأ ، وإنما القول الصحيح أن أصل الحرف أن
لا يعمل رفعا ولا نصبا لأن الرفع والنصب إنما هما من عمل الأفعال من حيث كان كل
مرفوع فاعلا أو مشبها به ، وكل منصوب مفعولا أو مشبها به ، فإذا عملهما الحرف
فإنما يعملهما لشبه الفعل ولا يعمل عملا ليس له بحق الشبه إلا عمل الجر إذا كان
مضيفا للفعل أو لما هو في معناه إلى الاسم.
الخامس
: وقال السهيلي : أصل الحروف أن تكون عاملة لأنها ليست لها
__________________
معان في أنفسها وإنما معانيها في غيرها ، وأما الذي معناه في نفسه وهو
الاسم فأصله أن لا يعمل في غيره ، وإنما وجب أن يعمل الحرف في كل ما دلّ على معنى
فيه لأنه اقتضاه معنى فيقتضيه عملا لأن الألفاظ تابعة للمعاني ، فكما تشبث الحرف
بما دخل عليه معنى وجب أن يتشبث به لفظا وذلك هو العمل ، فأصل للحرف أن يكون عاملا
، فنذكر الحروف التي لم تعمل وسبب سلبها العمل :
فمنها : (هل)
فإنها تدخل على جملة قد عمل بعضها في بعض وسبق إليها الابتداء أو الفاعلية ، فدخلت
لمعنى في الجملة لا لمعنى في اسم مفرد فاكتفي بالعامل السابق قبل هذا الحرف وهو
الابتداء ونحوه.
وكذلك (الهمزة)
فإنها حرف دخل لمعنى في الجملة ، ولا يمكن الوقوف عليه ولا يتوهم انقطاع الجملة
عنه ، لأنه حرف مفرد لا يوقف عليه ، ولو توهم ذلك فيه لعمل في الجملة ليؤكدوا
بظهور أثره فيها تعلقه بها ودخوله عليها واقتضاءه لها ، كما فعلوا في (إن)
وأخواتها حيث كانت كلمات من ثلاثة أحرف فصاعدا ، يجوز الوقوف عليها : كأنه وليته
ولعلّه ، فأعملوها في الجملة إظهارا لارتباطها وشدة تعلقها بالحديث الواقع بعدها.
وربما أرادوا توكيد تعلق الحرف بالجملة إذا كان مؤلفا من حرفين نحو : (هل) فربما
توهم الوقف عليه ، أو خيف ذهول السامع عنه ، فأدخل في الجملة حرف زائد ينبه السامع
عليه ، وقام ذلك الحرف مقام العمل نحو : هل زيد بذاهب ، وما زيد بقائم ، فإذا سمع
المخاطب الباء وهي لا تدخل في الثبوت تأكد عنده ذكر النفي والاستفهام وأن الجملة
غير منفصلة عنه. ولذلك أعمل أهل الحجاز (ما) النافية لشبهها بالجملة.
ومن العرب من
اكتفى في ذلك التعلق وتأكيده بإدخال الباء في الخبر ، ورآها نائبة في التأثير عن
العمل الذي هو النصب. وإنما اختلفوا في (ما) ولم يختلفوا في هل لمشاركة (ما) لليس
في النفي ، فحين أرادوا أن يكون لها أثر في الجملة يؤكد تشبهها بها جعلوا ذلك
الأثر كأثر ليس وهو النصب ، والنصب في باب ليس أقوى لأنها كلمة كليت ولعل وكأن ،
والوهم إلى انفصال الجملة عنها أسرع منه إلى توهم انفصال الجملة عن ما وهل ، فلم
يكن بدّ من إعمال ليس وإبطال معنى الابتداء السابق ، وكذلك إذا قلت : ما زيد إلا
قائم فلم يعملها أحد منهم لأنه لا يتوهم انقطاع زيد عن (ما) لأن (ألا) لا تكون
إيجابا إلا بعد نفي ، فلم يتوهم انفصال الجملة عن (ما) ولذلك لم يعملوها عند تقدم
الخبر نحو : ما قائم زيد ، إذ ليس من رتبة النكرة أن تكون مبتدأ بها مخبرا عنها
إلا مع الاعتماد على ما قبلها ، فلم يتوهم المخاطب
انقطاع الجملة عما قبلها لهذا السبب فلم يحتج إلى إعمالها وإظهارها وبقي
الحديث كما كان قبل دخولها مستغنيا عن تأثيرها فيه.
وأما حرف (لا)
فإن كان عاطفا فحكمه حكم حروف العطف ، ولا شيء منها عامل فإن لم تكن عاطفة نحو لا زيد
قائم ولا عمرو ، فلا حاجة إلى إعمالها في الجملة لأنه لا يتوهم انفصال الجملة
بقوله : ولا عمرو ، لأن الواو مع (لا) الثانية تشعر بالأولى لا محالة ، وتربط
الكلام بها فلم يحتج إلى إعمالها وبقيت الجملة عاملا فيها الابتداء كما كانت قبل
دخول (لا) إلا أنهم في النكرات قد أدخلوها على المبتدأ والخبر تشبيها بليس ، لأن
النكرة أبعد في باب الابتداء من المعرفة ، والمعرفة أشد استبدادا بأول الكلام.
وأما التي للتبرئة فللنحويين فيها اختلاف أهي عاملة أم لا؟ ، فإن كانت عاملة فكما
أعملوا (إن) حرصا على إظهار تشبثها بالحديث ، وإن لم تكن عاملة فلا كلام. ،
وأما حرف
النداء فعامل في المنادى عند بعضهم والذي يظهر خلافه ولو كان عاملا لما جاز حذفه
وإبقاء عمله.
فإن قلت : فلم
عملت النواصب والجوازم في المضارع والفعل بعدها جملة ، ثم إن المضارع قبل دخولها
كان مرفوعا بعامل معنوي ، فهلا منع هذا العامل هذه الحروف من العمل كما منع
الابتداء الحروف الداخلة على الجملة من العمل إلا أن يخشى انقطاع الجملة كما خيف
في إن وأخواتها؟.
فالجواب من
وجهين :
أحدهما : أن
الابتداء أقوى من عامل المضارع وإن كان كل منهما معنويا ، لأن عامل المضارع هو
وقوعه موقع الاسم المخبر عنه فهو تابع له فلم يقو قوته ، فلم يمنع شيئا من الحروف
اللفظية عن العمل.
والثاني : أن
هذه الحروف لم تدخل لمعنى في الجملة ، إنما دخلت لمعنى في الفعل خاصة ، فوجب عملها
فيه ، كما وجب عمل حروف الجر في الأسماء من حيث دلت على معنى فيها لا في الجملة.
وأما (إلا) في
الاستثناء فقد زعم بعضهم أنها عاملة ، والصحيح أنها موصلة الفعل إلى العمل في
الاسم بعدها كتوصيل واو المفعول معه الفعل إلى العمل فيما بعدها ، فاستغنوا
بإيصالها العامل عن إعمالها عملا آخر ، وكأنها هي العاملة ومثلها في ذلك حروف
العطف.
ويقاس على ما
تقدّم (لام التوكيد) وتركهم إعمالها في الجملة ، مع أنها لا تدخل لمعنى في الجملة
فقط بل لتربط ما قبلها من القسم بما بعدها.
قال : وهذا
الأصل محيط بجميع أصول إعمال الحروف وغيرها من العوامل وكاشف عن أسرار العمل
للأفعال وغيرها من الحروف في الأسماء ، ومنبهة على سر امتناع الأسماء أن تكون
عاملة في غيرها ، هذا لفظ السهيلي.
وقال الشلوبين
: الحروف لا تعمل بما فيها من معنى الأفعال خاصة ، لأنها لو عملت بذلك لعملت
الحروف كلها إذ ليس حرف معنى يخلو من معنى الفعل ، فلو عملت بما فيها من معنى
الفعل لعملت كلها ، وإنما يعمل منها ما توفرت فيه أشباه الفعل ، كتوفرها في أن
وأخواتها وما الحجازية ، ولهذا لم تعمل (يا) في النداء ، لأن تلك الأشباه ليست
موجودة فيها.
السادس
: قال السهيلي : الفعل لا يعمل في الحقيقة إلا فيما يدلّ عليه لفظه
كالمصدر والفاعل والمفعول به ، أو فيما كان تابعا لواحد من هذه نعتا أو توكيدا أو
بدلا ، لأن التابع هو الاسم الأول في المعنى فلم يعمل الفعل إلا فيما دلّ عليه
لفظه ، لأنك إذا قلت : ضرب ، اقتضى هذا اللفظ ضربا وضاربا ومضروبا ، وما عدا ذلك
إنما يصل إليه الفعل بواسطة حرف كالمفعول معه والظرف.
السابع
: إذا أمكن نسبة
العمل إلى الموجود لم يصر إلى مجاز الحذف ، ومن ثم ضعّف بعضهم قول من قال إن ناصب
المعطوف في قول الشاعر : [البسيط]
١٩٧ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا
|
|
أو عبد ربّ
أخا عون بن مخراق
|
فعل يدل على
اسم الفاعل ، وقال : بل الناصب له اسم الفاعل الموجود لأن التنوين فيه مراد ، وإذا
أمكن نسبة العمل إلى الموجود لم يصر إلى مجاز الحذف. ذكره في (البسيط).
وقال أيضا :
ذهب الكوفيون إلى أن أمثلة المبالغة لا تعمل لأن اسم الفاعل إنما عمل لجريانه على
الفعل في حركاته وسكناته ، وهذه غير جارية فوجب امتناع عملها
__________________
والمنصوب بعدها محمول على فعل يفسره الصفة ، قال صاحب البسيط : وهذا ضعيف
لأن النص مقدّم على القياس ، وتقدير ناصب غيرها على خلاف الأصل ، فلا يصار إليه ما
أمكن إحالة العمل على الموجود.
فائدة : المصدر المؤكد لا يعمل
قال ابن فلاح
في (المغني) : المصدر المؤكد لا يعمل لعدم تقديره (بأن) والفعل فإن كان مما التزم
حذف فعله كقولهم : سقيا زيدا ورعيا له ، ففيه وجهان :
أحدهما : أن
العامل هو الفعل الناصب للمصدر قياسا على غيره من المصادر التي لا تقدر بأن
والفعل.
والثاني : أن
المصدر هو العامل لنيابته عن الفعل وقيامه مقامه ، ونظير هذا : زيد في الدار واقفا
، هل العامل الظرف لنيابته عن الفعل أو نفس الفعل هو العامل والأكثر على أن العامل
الظرف ، انتهى.
الثامن
: إذا امتزج بعض
الكلمات بالكلمة حتى صار كبعض حروفها تخطاها العامل ، ولذلك تخطى لام التعريف ،
وها التنبيه ، في قولك : مررت بهذا (وما) المزيدة في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ) [آل عمران : ١٥٩] ، (عَمَّا قَلِيلٍ) [المؤمنون : ٤٠] و (لا) في نحو : جئت بلا زاد ، وغضبت من لا شيء ، و (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) [النساء : ١٦٥] ، و (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفال : ٧٣].
التاسع
: قال الكوفيون
: لا يمتنع أن يكون الشيء عاملا في شيء ، والآخر عاملا فيه ، وبنوا على ذلك أن
المبتدأ يرفع الخبر والخبر يرفع المبتدأ فهما يترافعان.
قالوا : وإنما
قلنا ذلك لأنا وجدنا المبتدأ لا بد له من خبر ، والخبر لا بد له من المبتدأ فلما
كان كل واحد منهما لا ينفك عن الآخر ، ويقتضي صاحبه عمل كل واحد منهما في صاحبه.
قالوا : وقد
جاء لذلك نظائر :
منها : قوله
تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا
فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠] فنصب أيا بتدعوا وجزم (تدعو) (بأيا) فكان كل واحد منهما
عاملا في الآخر ومثله : (أَيْنَما تَكُونُوا
يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] فأينما منصوب بتكونوا وتكونوا مجزوم بأينما ، وذلك كثير في
كلامهم.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : حكى ابن جنّي في كتاب له يسمى (الدمشقيات) غير الدمشقيات
المشهورة له بين الناس قولا عن الأخفش : إن فعل الشرط وفعل الجواب يتجازمان كما
قيل عن مذهب الكوفيين في المبتدأ والخبر.
وقال ابن
الدهان في (الغرة) : قول الكوفيين فاسد من وجهين :
أحدهما : أن
الخبر إذا كان عاملا فرتبته التقديم ، وإذا كان معمولا فرتبته التأخير والشيء
الواحد لا يكون مقدما ، ومؤخرا من كل وجه.
والثاني : أن
الاسم ليس من حقه العمل وإنما يعمل بشبه الفعل : الرفع والنصب ، وبشبه الحرف :
الجر والجزم ، وليس فيهما شبه وأما (أَيًّا ما تَدْعُوا) [الإسراء : ١١٠] فإن (تدعوا) عمل في (أي) بحكم الأصل ، و (أي) عمل في (تدعوا)
بحكم النيابة عن الحرف الشرطي ، ويلزمهم أيضا أن لا يعملوا (إنّ) و (كان) و (ظننت)
لأن العامل موجود فكيف يجمع بينهما؟.
العاشر
: فرق بين
العامل والمقتضى ، قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) : ليست الإضافة هي العاملة للجر ، وإنما هي المقتضية له
، والمعني بالمقتضى هنا أن القياس يقتضي هذا النوع من الإعراب ، لتقع المخالفة
بينه وبين إعراب الفاعل والمفعول فيتميز عنهما إذ الإعراب إنما وضع للفرق بين
المعاني ، والعامل هو حرف الجر أو تقديره ، فالإضافة معنى وحروف الجر لفظ وهي
الأداة المحصلة له كما كانت الفاعلية والمفعولية معنيين يستدعيان الرفع والنصب في
الفاعل والمفعول ، والفعل أداة محصلة لهما فالمقتضى غير العامل ، انتهى.
الحادي
عشر : قال ابن
النحاس في (التعليقة) : هنا نكتة لطيفة ، وهو أن الاسم العامل ومعموله يتنزل منزلة
المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه
مقامه كذلك يحذف العامل وينقى معموله ، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف
يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول ، كثر حذف المضاف وقل حذف
العامل.
الثاني
عشر : قال ابن يعيش
: قد يكون للحرف عمل في حال لا يكون له في حال أخرى وفيه نظائر :
الأول
: لو لا ، تعمل
الجر في المضمر ولا تعمله في المظهر.
الثاني
: لدن ، تنصب
غدوة ولا تنصب غيرها.
الثالث
: عسى ، تنصب
المضمر نحو عساك وعساي وعملها مع الظاهر الرفع.
الرابع
: لات ، تعمل
عمل ليس في الأحيان ومع غيرها لا يكون لها عمل ، هذا ما ذكره ابن يعيش.
__________________
وذكر أبو
الحسين بن أبي الربيع في شرح الإيضاح مثله ، وزاد في النظائر تاء القسم ، تختص
باسم الله ، وكاف التشبيه تختص بالظاهر وكذا واو القسم ومذ ومنذ.
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : من الحرف ما يعمل في موضع ولا يعمل في موضع آخر ، ألا ترى
أن واو القسم تجر في القسم ولا تجرّ في موضع آخر ، و (ما) النافية تعمل في موضع
ولا تعمل في موضع آخر ، وكذلك (حتى تجر في موضع ولا تجر في موضع آخر وذلك كثير ،
ولما ذكر سيبويه (لو لا) وأنها تجر المضمر دون غيره واستأنس لها بنظائر منها (لدن) و (لات)
قال : ولا ينبغي لك أن تكسر الباب وهو مطرد وأنت تجد له نظائر.
الثالث
عشر : لا يجوز
اجتماع عاملين على معمول واحد ، ولهذا رد قول من قال : إن الابتداء والمبتدأ معا
عاملان في الخبر ، وقول من قال : إن المتبوع وعامله معا عاملان في التابع ، وقول
من قال : إنّ (إن) وفعل الشرط معا عاملان في الجزاء ، وقول من قال : إن الفعل
والفاعل معا عاملان في المفعول ، حكاه أبو البقاء في التبيين عن بعض الكوفيين ،
وابن فلاح في المغني عن الفراء.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إذا جعلنا مجموع حلو حامض خبرا ، فالعائد ضمير من طريق
المعنى لأن المعنى : هذا مز ، ولا يكون ذلك العائد في أحدهما لأنه حينئذ يكون
مستقلا بالخبرية ، وليس المعنى عليه ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك
الضمير فيلزم اجتماع العاملين على معمول واحد وذلك لا يجوز.
الرابع
عشر : مرتبة العامل
أن يكون مقدما على المعمول ، قال ابن عصفور في شرح المقرب فإن قيل : يناقض ذلك
قولهم : إن العامل في أسماء الشرط وأسماء الاستفهام لا يجوز تقديمه عليها.
فالجواب : إن
أسماء الشرط تضمنت معنى (إن) وأسماء الاستفهام تضمنت معنى الهمزة فالأصل في : من
ضربت : أمن ضربت؟ ثم حذفت الهمزة في اللفظ وتضمن الاسم معناها وإذا كان الأصل كذلك
فتقديم العامل في أسماء الشرط والاستفهام عليها سائغ بالنظر إلى الأصل ، وإنما
امتنع تقديمه عليها في اللفظ لعارض وهو تضمن الاسم معنى الشرط والاستفهام.
الخامس
عشر : قال ابن إياز
: العامل اللفظي وإن ضعف تعلقه أولى من العامل
__________________
المعنوي بدليل اختيارهم : زيدا ضربت على : زيد ضربت ، وقولهم : إن زيدا ضرب
، ولا يجوز إلا في الضرورة.
السادس
عشر : قال الشلوبين
في (شرح الجزولية) : العوامل لا يليها إلا الجوامد لا الصفات ، إلا أن تكون خاصة
لجنس بها ، فيجوز حينئذ حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، فأجرى الاسم الذي بعد
اسم الإشارة مجراه دون اسم الإشارة ، فكما أنه ليس بمستحسن : مررت بالحسن ، ولا
مررت بالجميل ، لأنه لا يخص جنسا من جنس ، فكذلك ليس بمستحسن ، مررت بهذا الحسن ،
ولا بهذا الجميل ، ولكن المستحسن إنما هو : مررت بهذا الضاحك ، كما يستحسن : مررت
بالضاحك ، لأنه يخص جنسا من جنس فيعلم الموصوف هنا.
السابع
عشر : قال ابن عصفور
: العامل الضعيف لا يعمل فيما قبله ، ولهذا لا يتقدم أخبار (إنّ) وأخواتها عليها.
انتهى. ولا المجرور والمنصوب والمجزوم على الجار والناصب والجازم ولا الحال على
عامله الضعيف غير الفعل المتصرف وشبهه كاسم الإشارة ، وليت ولعل وكأن ، وكالظروف
المتضمنة معنى الاستقرار ، ولا التمييز على عامله الجامد إجماعا ، ولا معمول المصدر
وفعل التعجب واسم الفعل.
الثامن
عشر : قال أبو
البقاء في (التبيين) : العامل مع (المعمول كالعلة العقلية مع المعلول) ، والعلة لا
يفصل بينها وبين معلولها فيجب أن يكون العامل مع المعمول كذلك إلا في مواضع قد
استثنيت على خلاف هذا الأصل لدليل راجح.
التاسع
عشر : قال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الحروف لم يأت فيها تعليق ، وقد جاء
التعليق في الأفعال ، وقد جاء في الأسماء قليلا ، قالوا : مررت بخير وأفضل من زيد
، فمن مخفوضة في الثاني ، والأول معلق وأنشد سيبويه : [المنسرح]
[يا من رأى عارضا أسرّ به]
|
|
بين ذراعي
وجبهة الأسد
|
العشرون
: قال ابن هشام : العامل الضعيف لا يحذف ، ومن ثم لا يحذف الجار
والجازم والناصب للفعل إلا في مواضع قويت فيها الدلالة وكثر فيها استعمال تلك
العوامل ولا يجوز القياس عليها.
__________________
الحادي
والعشرون : قال ابن جنّي : يدل على ضعف عوامل الأفعال عن الأسماء أن جواب الشرط جزم
بإن وفعل الشرط كخبر المبتدأ بالمبتدأ والابتداء ، فجرت إن مجرى الابتداء.
العارض لا يعتد به
فيه فروع :
منها : أفعل
الوصف إذا طرأت عليه الاسمية فهو باق على منع صرفه ولا يعتد بالعارض كأدهم ، وأفعل
الاسم إذا طرأت عليه الوصفية فهو باق على الصرف ولا يعتد بعارض الوصفية كأربع في
قولك : مررت بنسوة أربع.
ومنها : قال
الشيخ عبد القاهر الجرجاني في شرح الإيضاح : العرب لا تنقض أصولها للبس يعرض.
ومنها : قولهم
: صيد ، وحول ، بتصحيح الياء والواو وإن تحركا وانفتح ما قبلهما مراعاة للأصل
وإهمال العارض.
ومنها : الأصل
في التقاء الساكنين أن يحرك الأول بالكسرة ، فإن كان بعده ضمة لازمة حرك بالضم
إتباعا ، ولا عبرة بالضمة العارضة كضمة الإعراب نحو : لم يضرب ابن زيد فإنك تكسر
الباء لا غير وإن كانت النون من ابن مضمومة لعروض ضمتها.
ومنها : قال
الشلوبين في (شرح الجزولية) : إذا اتصل بالمضارع نون النسوة فإنه يبنى عند
الجمهور. وقال قوم : هو باق على إعرابه ، وإنما منع من ظهور الإعراب فيه مانع كما
منع من ظهور الإعراب في الاسم المضاف إلى ياء المتكلم ، وهذا قول قد ذهب إليه
طائفة قليلة من المتقدمين حكاه ابن السراج واختاره أبو بكر بن طلحة وقال : إنه هو الحق ، وإن مذهب
أكثر المتقدمين في ذلك خطأ.
قال : وحجة
الجمهور أن هذه النون لما أوجبت ذهاب الإعراب من الفعل ، وكان أصل الفعل البناء ،
رجع إلى أصله إذ قد ذهب ذلك الأمر الطارئ عليه الذي هو الإعراب.
قال هؤلاء :
وهذا فرق بين المضارع الذي يتصل به النون ، وبين الاسم الذي
__________________
يتصل به ياء المتكلم ، إذ الاسم ليس أصله البناء إنما أصله الإعراب ، فإذا
كان أصله الإعراب فلا ينبغي أن ينتقل عن الأصل ما وجدنا السبيل إليه بوجه ، وقد
وجدنا السبيل بأن نقول : إن ذهاب الإعراب هنا عارض والعارض لا يعتدّ به.
ومنها : قال
أبو البقاء في (التبيين) : يجوز حذف الحرف الرابع من الاسم الرباعي في الترخيم
مطلقا ، ومنعه الكوفيون إذا كان قبل الطرف ساكن ، فإنه إذا حذف وحده كان الباقي
ساكنا ، وذلك حكم الحروف ولا نظير له في الأسماء المعربة.
وأجيب بأنه
عارض ، ألا ترى أن ترخيم حارث يصيره إلى بناء لا نظير له في الأصول وهو فاع ومع
ذلك جاز أن يبقى على هذا المثال لأن الترخيم عارض فلا اعتداد به في هذا المعنى.
ومنها : قال
أبو البقاء أيضا : إذا كان ما قبل آخر الاسم ساكنا مثل بكر ، جاز في الوقف أن تنقل
الضمة والكسرة إليه ، واختلفوا في المنصوب الذي فيه الألف واللام نحو : رأيت البكر
، فمذهب البصريين أنه لا تنقل فتحة الراء إلى الكاف بل يوقف عليها بغير نقل ،
ووجهه أن هذا الاسم له حالة في الوقف تثبت فيه الألف والفتحة قبلها نحو : رأيت
بكرا ، فلما كانت كذلك اطرد حكمها حتى صارت في حال التعريف مثل حالها في التنكير.
لأن حالها حال واحدة ، وهذا نظير امتناع الخرم في متفاعلن في الكامل لئلا يفضي إلى
حال يلزم فيه الابتداء بالساكن ، ويؤيد ذلك أن التنكير هو الأصل والتعريف عارض ،
فوجب ألا يعتد بالعارض ، وأن يستمر حكم التنكير.
ومنها : قال
بعضهم : كان ينبغي أن تثبت الياء في (جوار) في حال الجر كما تثبت في حال النصب ،
لأن حركته في الجر الفتح فينبغي أن لا تحذف.
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : فالجواب أن النظر إلى أصل الحركة لا إلى العارض بعد منع الصرف ،
لأنه لالتقائه مع تنوين الصرف نظر إلى ما يستحقه الاسم في الأصل.
ومنها : قال
ابن النحاس : قاعدة الإعراب أن يثبت وصلا ويحذف وقفا ، فإن قيل : فإن لنا في
الإعراب ما يثبت وقفا ويحذف وصلا وهو الفعل المضارع إذا اتصل به ضمير جمع المذكرين
أو المخاطبة المؤنثة وأكد ، فإنه يحذف منه الضمير ، ونون الرفع لنون التوكيد ،
فإذا وقف عليه حذفت نون التوكيد للوقف وأعيد الضمير ونون الإعراب اللذان حذفا لنون
التوكيد فهذا إعراب يثبت وقفا ويحذف وصلا.
قيل : الحذف
هنا إنما كان لعارض فأعيد عند زوال العارض.
ومنها : قال ابن يعيش : إذا لحقت تاء التأنيث الفعل المعتل اللام
حذفت اللام لالتقاء الساكنين نحو : رمت فإن لقيها ساكن بعدها حركت بالكسر لالتقاء
الساكنين نحو رمت المرأة ، ولا يرد الساكن المحذوف إذ الحركة عارضة وكذلك تقول :
المرأتان رمتا ، فلا ترد الساكن وإن انفتحت التاء لأنها حركة عارضة ، إذ ليس بلازم
أن يسند الفعل إلى اثنين ، فأصل التاء السكون وإنما حركت بسبب ألف التثنية ، وقد
قال بعضهم : رماتا ، فرد الألف الساقطة لتحرك التاء وأجرى الحركة العارضة مجرى اللازمة
من نحو : قولا وبيعا وخافا وذلك قليل رديء من قبيل الضرورة.
ومنها : قال
الشلوبين : النحويون إنما يعقدون أبدا قوانينهم على الأصول لا على العوارض ، ولذلك
حدّوا الإعراب بأنه تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها ، ومن
الأسماء المعربة ما لا تغيير فيه ولا اختلاف كالمصادر والظروف الملازمة للنصب ،
فإن الأصل فيها أن تغير ، لكن منع من ذلك قلة تمكنها ، فهي في حكم ما يتغير نظرا
إلى الأصل وإلغاء للعارض.
ومنها : قال
الشلوبين : قول من قال : إن الضمة في الخاء من : (جاءني أخوك) هي ضمة الرفع ،
وإنها منقولة عن حرف الإعراب ، وكذا الكسرة في : (مررت بأخيك) فاسد وذلك أن فيه
كون الإعراب فيما قبل الآخر في الرفع والخفض ، وهذا لا نظير له إلا في الوقف على
بعض اللغات فيما قبل آخره ساكن والوقف عارض والعارض لا يعتد به ، وهذا في الوصل
والوصل ليس عارضا بل هو الأصل.
ومنها : قال
الشلوبين : إنما لحق الفعل علامة التأنيث إذا كان فاعله مؤنثا ، ولم تلحقه علامة
التثنية والجمع إذا كان فاعله مثنى ومجموعا. لأن الأكثر لزوم التأنيث فاعتدّوا به
، وعدم لزوم التثنية والجمع فلم يعتدوا به لاعتدادهم باللازم وعدم اعتدادهم
بالعارض ، فإنه لا يعتد به في أكثر اللغة.
ومنها : قال ابن يعيش : قولهم : يضع ويدع ، إنّما حذفت الواو منهما
لأن الأصل : يوضع ويودع لأن (فعل) من هذا إنما يأتي مضارعه على يفعل بالكسر ،
وإنما فتح في يضع ويدع لمكان حرف الحلق ، فالفتحة إذن عارضة والعارض لا اعتداد به
لأنه كالمعدوم فحذفت الواو فيهما لأن الكسرة في حكم المنطوق به.
__________________
ومنها : قال
الشلوبين : ذهب بعضهم إلى أن الضمير في نحو : ربّ رجل وأخيه ، نكرة لأن العرب
أجرته مجراها فهو في معنى : ربّ رجل وربّ أخي رجل ، وسيبويه أبقاه على معرفته لأن
أصل وضع ضمير النكرة أن يكون معرفة لا نكرة ، فأجراه سيبويه على أصله ولم يبال
بهذا الذي طرأ عليه من جهة معنى الكلام لأنه أمر طارئ في هذا الموضع ، والنكرة في
كل موضع ليست كذلك فلذلك جعل سيبويه ضمير النكرة في هذا الموضع معرفة .
ومنها : قال
الشلوبين : أوجه اللغتين في باب (قاضي) أنه يقال فيه في الوقف في حالي الرفع والجر
: هذا قاض ومررت بقاض ، ويقال في الأخرى : هذا قاضي ومررت بقاضي ، ووجه هذه اللغة
أن حاذف الياء في الوصل إنما كان التنوين لالتقائها معه وقد سقط في الوقف فرجعت
الياء ووجه اللغة الأولى أن حذف التنوين في الوقف عارض ، والعارض لا يعتدّ به
فبقيت الياء محذوفة وسكن ما قبلها لأنه لا يوقف على متحرك ، وهذه اللغة أوجه
اللغتين لأنها مبنية على عدم الاعتداد بالعارض وهو الأكثر.
__________________
حرف الغين
الغالب واللازم يجريان في العربية مجرى واحدا
ذكر هذه
القاعدة الرماني ، وبنى عليها أن وزن الفعل الذي يغلب عليه يجري فيه منع الصرف
مجرى الوزن الذي يخص الفعل.
قال ابن النحاس
في (التعليقة) : لكن شرط جريان الغالب مجرى اللازم هنا الزيادة في أوله ، والمراد بالزيادة
أحد حروف المضارعة.
حرف الفاء
الفرع أحطّ رتبة من الأصل
ومن ثم لم يجز
إعمال اسم الفاعل عند البصريين من غير اعتماد ، قال في (البسيط) : لأنه فرع عن
الفعل في العمل ، والقاعدة حط الفروع عن رتب الأصول ، فاشترط اعتماده على أحد
الأمور الستة ليقوى بذلك على العمل.
وقال ابن يعيش : قال الكسائي في قوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] إنه نصب بعليكم على الإغراء ، كأنه قال : عليكم كتاب الله ،
فقدم المنصوب. قال : ومثله قول الشاعر : [الرجز]
١٩٨ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا
أي : دونك
دلوي.
قال : وما قاله
ضعيف لأن هذه الظروف ليست أفعالا ، وإنما هي نائبة عن الأفعال ، وفي معناها ، فهي
فروع في العمل على الأفعال ، والفروع أبدا منحطة عن درجات الأصول فإعمالها فيما
تقدم عليها تسوية بين الأصل والفرع وذلك لا يجوز.
وقال أيضا : إذا قلت : عندي راقود خلّا ، ورطل زيتا ، فلا
يحسن أن يجري وصفا على ما قبله لأنه اسم جامد غير مشتق ، ولا إضافته لأجل التنوين
فنصب على الفضلة تشبيها بالمفعول وتنزيلا للاسم الجامد منزلة اسم الفاعل ، من جهة
أنه إذا نون نصب فعمل النصب ، وانحط عن درجة اسم الفاعل فاختص عمله في المكرة دون
المعرفة ، كما انحط اسم الفاعل عندنا عن درجة الفعل ، حتى إذا أجري على غير من هو
له وجب إبراز ضميره نحو قولك : زيد هند ضاربها هو.
__________________
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : اسم الفاعل والصفة المشبهة إذا جريا على غير من هما له وجب
إبراز الضمير فيهما لأنهما فرعان على الفعل في العمل وتحمل الضمير ، وقد انضم إلى
ذلك جريانه على غير من هو له ، فقد انضم فرع إلى فرع ، والفرع يقصر عن الأصل ،
فيجب أن يبرز الضمير ليظهر أثر القصور ويمتاز الفرع عن الأصل.
وقال ابن يعيش : لا يجوز تقديم خبر إن وأخواتها ولا اسمها
عليها ، ولا تقديم الخبر فيها على الاسم ، لكونها فروعا عن الأفعال في العمل
فانحطت عن درجة الأفعال.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : إنما حمل نصب جمع المؤنث السالم على جره مع إمكان دخول النصب فيه
لئلا يكون الفرع أوسع مجالا من الأصل ، مع أن الحكمة تقتضي انحطاط الفروع عن رتب
الأصول ولأنه يشارك المذكر في التصحيح فشاركه في الإعراب ، والمذكر معرب بحرفين
فأعرب هذا بحركتين وخصّ بالحركة لانحطاطه عن رتبة الأصل.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إنما اختص الجر بالأسماء لأنه لو دخل الأفعال ـ وقد دخلها
الرفع والنصب والجزم ، وهي فرع في الإعراب على الأسماء ، لكان الفرع أكثر تصرفا في
الإعراب من الأصل ، والفروع أبدا تنحط عن الأصول في التصرف لا تزيد عليها فمنع
الجر من الأفعال لذلك.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : لما كان جعل (الواو) بمعنى (مع) في المفعول معه فرعا عن كونها
عاطفة ، لم يتصرفوا في الاسم الذي بعدها فلم يقدموه على العامل ، وإن كان متصرفا
ولا على الفاعل ، لا يقولون : والطيالسة جاء البرد ، ولا جاء والطيالسة البرد ،
لأن الفروع لا تحتمل من التصرف ما تحتمله الأصول.
وقال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : إنما لم تعمل (ما) عمل ليس مطلقا بل
بالشروط المعروفة ، وهي أن يكون الخبر مؤخرا وأن يكون منفيا ، وأن لا يقع بعد ما (أن)
فإن (أن) تكف ما عن العمل كما تكف ما إنّ عن العمل لأنها في الدرجة الثالثة في
العمل ، لأن ما مشبهة بليس ، وليس مشبهة بالفعل ، وكل ما هو في الدرجة الثالثة فلا
تجده يعمل أبدا إلا مختصا ليفرق بينهما ، ألا ترى أن تاء القسم اختصت باسم الله
وإن كانت بدلا من الواو ، والواو تخفض في القسم كل
__________________
ظاهر ، وإنما كان الاختصاص باسم الله في التاء لأنها مبدلة من الواو والواو
بدل من الباء في الدرجة الثالثة فلذلك اختصت.
وكذلك الصفة
المشبهة باسم الفاعل عملت تشبيها باسم الفاعل واسم الفاعل عمل لشبهه في الفعل ،
فالصفة في عملها في الدرجة الثالثة ، فكان عملها مختصا لأنها لا تعمل إلا ما كان
من سبب الأول ، ولهذا نظائر.
وقال ابن إياز
: لما كانت (لا) فرعا في العمل عن (إن) ومشبهة بها وجب أن تنحطّ عنها ، فلذلك
اشترط في إعمالها شروط : كتنكير معمولها وعدم فصلها.
وقال السخاوي
في (تنوير الدياجي) : انحط اسم الفاعل عن منزلة الفعل في أشياء لأنه فرع عنه في
العمل ، والفرع لا يساوى بالأصل ، فمما انحط فيه عن الفعل بروز ضميره إذا جرى على
غير من هو له ، نحو : هند زيد ضاربته هي ، ولو كان في مكان ضاربته ، تضربه ، لم
يبرز الضمير لقوة الفعل.
وقال أبو
البقاء : (لا) فرع على (إن) ، و (إن) فرع على كان ، والفروع تنقص عن الأصول ،
فلذلك لا تقوى على العمل في الخبر إذ كانت فرع فرع.
وقال ابن إياز
: لما كان الفعل فرعا على الاسم في الإعراب لم تكثر عوامله كثرة عوامل الاسم ، إذ
من عادتهم التصرف في الأصول دون الفروع.
وقال أيضا : (أن)
الناصبة للمضارع فرع (أنّ) المشددة ، لأن كلّا منهما حرف مصدري ولمّا كانت فرعا
عليها نصبت فقط ، و (أنّ) الثقيلة لأصالتها نصبت ورفعت.
وقال أيضا : (أن)
أصل نواصب المضارع ، ولن وإذن وكي ، فروع عنها ، ومحمولة عليها لكونها تخلص الفعل
للاستقبال مثلها ، ولهذا عملت ظاهرة ومقدرة ، وأخواتها لا تعمل إلا في حال الظهور
دون التقدير.
وقال ابن
القواس : قيل : إن تنوين (عرفات) مثل تنوين الصرف لفظا وصورة ، والجر فيها دخل
تبعا للتنوين ، ولو كانت لا تنصرف لامتنع دخول الجر عليها.
وأجيب : بأن
الجر دخلها تبعا لتنوين المقابلة ، وقيل : التنوين عوض عن الفتحة في حالة النصب ،
وأبطل بأنه لو عوض عنها لما حصل انحطاط الفرع عن رتبة الأصل.
وقال أيضا :
إنما امتنعت إضافة العدد إلى المميز لأنه فرع عن اسم الفاعل والصفة المشبهة في
العمل ، فلو تصرف فيه بالإضافة تصرفهما للزم مساواة الفرع الأصل وهو محال.
وقال ابن هشام
في (تذكرته) : نصّ العبدي على أن (إما) لا تستعمل في الإباحة لأنها دخيلة على (أو)
وفرع لها والفرع ينقص عن درجة الأصل.
وقال ابن هشام
: كأن العبديّ لما لم يسمعه لم يجز قياسه وهو متجه. انتهى.
تنبيه : قد يكثر الفرع ويقل الأصل
قال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : فإن قيل : (الواو) أكثر استعمالا في القسم من (الباء) ، فكيف
جعلتم القليل الاستعمال هو الأصل؟.
قيل : لا يبعد
أن يكثر الفرع ويقلّ الأصل لضرب من التأويل ، ألا ترى أن نعم الرجل أكثر من نعم
بالكسر.
الفروع هي المحتاجة إلى العلامات
والأصول لا تحتاج إلى علامة
قال الشيخ بهاء
الدين بن النحاس في (التعليقة) : وجدت ذلك بخط عالي بن عثمان بن جنّي عن أبيه قال
: بدليل أنك تقول في المذكر : قائم ، وإذا أردت التأنيث قلت : قائمة ، فجئت
بالعلامة عند المؤنث ولم تأت للمذكر بعلامة ، وتقول : رأيت رجلا ، فلا يحتاج إلى
العلامة ، وإن أردت التعريف أدخلت العلامة فقلت : رأيت الرجل فأدخلت العلامة في
الفرع الذي هو التعريف ، ولم تدخلها في التنكير ، وإذا أردت بالفعل المضارع
الاستقبال أدخلت عليه السين لتدل بها على استقباله ، وذلك يدل على أن أصله موضوع
للحال ، ولو كان الاستقبال فيه أصلا لما احتاج إلى علامة. انتهى.
وانظر إلى دين
الشيخ بهاء الدين وأمانته كيف وجد فائدة بخط ولد ابن جنّي نقلها عن أبيه ولم تسطر
في كتاب فنقلها عنه ، ولم يستجز ذكرها من غير عزو إليه ، لا كالسارق الذي أغار على
تصانيفي التي أقمت في تتبعها سنين وهي كتاب المعجزات الكبير وكتاب الخصائص الصغرى
، وغير ذلك فسرقها وضمّها وغيرها مما سرقه من كتب الخضيري والسخاوي في مجموع
وادّعاه لنفسه ، ولم يعز إلى كتبي وكتب الخضيري والسخاوي شيئا مما نقله عنها ،
وليس هذا من أداء الأمانة في العلم.
الفروع قد تكثر وتطرد
حتى تصير كالأصول وتشبه الأصول بها
ذكر ذلك ابن
جنّي في (الخصائص) وقال : من ذلك قول ذي الرمّة : [الطويل]
١٩٩ ـ ورمل كأوراك العذارى قطعته
|
|
[إذا ألبسته المظلمات الحنادس]
|
والعادة أن
تشبه أعجاز النساء بكثبان الأنقاء ، فلما كثر ذلك واطرد عكس الشاعر التشبيه فجعل
أوراك العذارى أصلا وشبه به الرمل. قال : ولذلك لما كثر تقديم المفعول على الفاعل
، صار وإن كان مؤخرا في اللفظ ، كأنه مقدم في الرتبة فجاز أن يعود الضمير من
الفاعل عليه ، وإن كان الفاعل مقدما والمفعول مؤخرا ، كما جاز أن يعود الضمير من
المفعول إذا كان مقدما على الفاعل وإن كان مؤخرا في قولنا : ضرب غلامه زيد.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : الدليل على أن الفرع هو الذي ينبغي أن تجعل فيه العلامة لا الأصل
، أنهم جعلوا علامة للتثنية والجمع ، ولم يجعلوا علامة للإفراد لما كانت التثنية
والجمع فرعين عن الإفراد وكذلك أيضا جعلوا علامة للتصغير ولم يجعلوا علامة للتكبير
، لأن التصغير فرع عن التكبير.
وكذلك أيضا
جعلوا الألف واللام علامة للتعريف ولم يجعلوا للتنكير علامة ، لأن التعريف فرع عن
التنكير. فإن كان التنكير فرعا عن التعريف جعلوا له علامة لم تكن في التعريف وهي
التنوين نحو قولك : سيبويه وسيبويه آخر ، وأشباه ذلك في اللسان كثير.
الفرق
عللوا به
أحكاما كثيرة ، منها : رفع الفاعل ، ونصب المفعول ، وضم تاء المتكلم ، وفتح تاء
المخاطب وكسر تاء المخاطبة ، وتنوين التمكن دخل للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف ،
وتنوين التنكير دخل للفرق بين النكرة والمعرفة من المبنيات.
__________________
ومنها : بناء
نحو (سيبويه) على الكسر ولم يعرب كبعلبك ، قال في (البسيط) : فرقا بين التركيب مع
الأعجمي والتركيب مع العربي.
ومنها : كنّوا
عن أعلام الأناسيّ بفلان وفلانة ، قال في البسيط : وإذا كنوا عن أعلام البهائم
أدخلوا عليها اللام فقالوا : الفلان والفلانة فرقا بين الكنايتين ، قال : وإنما
اختصت باللام لوجهين :
أحدهما : أنّها
أنقص عن درجة الأناسيّ في التعريف ، فخصّت باللّام ، إشعارا بنقصان درجتها عن درجة
الأصل.
والثاني : أن
أعلام البهائم أقلّ فكانت أقبل للزيادة لقلتها.
ومنها : قال في
البسيط : فتحت همزة الوصل في أداة التعريف لكثرة الاستعمال ، وفرقا بينها وبين
الداخلة على الاسم والفعل ، فإنها مع الاسم مكسورة ومع الفعل مكسورة ومضمومة.
ومنها : قال في
البسيط : التاء الداخلة على العدد لم تدخل التأنيث ما دخلت عليه لأنه مذكر بل دخلت
للفرق بين العددين.
ومنها : قال في
البسيط : لا يؤكد الضمير المنصوب بالمنفصل المنصوب فرقا بينه وبين البدل.
ومنها : قال في
البسيط : تحذف التاء من باب صبور وشكور فرقا بين (فعول) بمعنى (فاعل) وفعول بمعنى
مفعول نحو : حلوبة وركوبة بمعنى محلوبة ومركوبة ، ومن باب جريح وقتيل فرقا بين
مفعول وبين فعيل بمعنى فاعل كعليم وسميع.
ومنها قال في (البسيط)
: حذفت ألف (ذا) في التثنية هربا من التقاء الساكنين ، ولم تقلب كما قلبت ألف
المعرب فرقا بين تثنية المبني وتثنية المعرب وشددت النون في (ذانّ) عند بعضهم فرقا
فعيل بمعنى مفعول وبين فعيل بمعنى فاعل كعليم وسميع.
وقال : فعيل
بمعنى مفعول يكسّر على فعلى كجريح وجرحى وأسير وأسرى ، ولا يجمع جمع تصحيح فرقا
بينه وبين فعيل بمعنى فاعل ، وخصّ الثاني بجمع التصحيح لأنه أشرف من المفعول ،
وجمع التصحيح أدلّ على الشرف لكون صيغة المفرد فيه غير متغيرة. قال : ولما لم
يفرقوا في الذي بمعنى مفعول بين المذكور والمؤنث لم يفرقوا بينهما في الجمع ، ولما
فرقوا في الذي بمعنى فاعل نحو كريم وكريمة فرقوا بينهما في الجمع.
ومنها : تغيير
صيغة الفعل المبني للمفعول فرقا بينه وبين المبني للفاعل ، قال ابن السراج (في
الأصول) : وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها
ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية.
ومنها قال ابن يعيش : أرادوا الفرق بين البدل والتأكيد ، فإذا
قالوا : رأيتك إيّاك ، كان بدلا ، وإذا قالوا : رأيتك أنت ، كان تأكيدا فلذلك
استعمل ضمير المرفوع في تأكيد المنصوب والمجرور ، واشترك الجميع فيه كما اشتركن في
(نا) وجروا في ذلك على قياس اشتراكها كلها في لفظ واحد.
ومنها : قال
أبو الحسن علي بن محمد بن ثابت الخولاني المعروف بالحداد في كتاب (المفيد في معرفة
التحقيق والتجويد) : الهاء في هذه ليست من قبيل هاء الضمير ، بدليل امتناع جواز
الضم فيها ، وإنما هي هاء تأنيث مشبهة بهاء تذكير ، ومجراها في الصفة مجراها من
حيث كانت زائدة وعلامة لمؤنث ، كما أن تلك زائدة وعلامة لمذكر أيضا ، وإنما كسر ما
قبلها ، وهاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا لأنها بدل من ياء ، وإنما أبدلت
منها الهاء للتفرقة بين (ذي) التي بمعنى صاحب ، وبين ذي التي فيها معنى الإشارة.
ومنها : قال
الجزولي : قد يبنى المبني على حركة للفرق بين معنى أداة واحدة.
قال الشلوبين :
كالفتحة في أنا ، اسم المتكلم ، لأن الألف إنما هي للوقف فكان حق النون أن تكون
ساكنة لأن أصل البناء السكون ، إلا أنا فرقنا بين (أن) إذا كانت أداة للدلالة على
المتكلم ، وبين التي تصيّر الفعل في تأويل الاسم ففتحت النون من أداة المتكلم.
ومنها : قال
ابن عصفور في (شرح الجمل) وابن النحاس في (التعليقة) : أصل لام الجر أن تكون
مفتوحة لكونها مبنيّة على حرف واحد فنحرك بالفتح طلبا للتخفيف وإنما كسرت للفرق
بينها وبين لام الابتداء في نحو قولك : لموسى غلام ، ولموسى غلام ، ولذا بقيت مع
المضمر على فتحها ، لأنه لا لبس معه لكون الضمير مع لام الابتداء من ضمائر الرفع ،
والضمير مع لام الجر من ضمائر الجر ، ولفظ ضمائر الجر وضمائر الرفع مختلف فلا لبس
حينئذ. وكان ينبغي على هذا أن تكسر لام المستغاث في نحو : يا لزيد ، لدخولها على
الظاهر ، إلا أنهم فتحوها تفرقة بينها وبين
__________________
لام المستغاث من أجله ، وكانت أحق بالفتح من لام المستغاث من أجله ، لأن
المستغاث به منادى ، والمنادى واقع موقع المضمر ولام الجر تفتح مع المضمر ، ففتحت
مع ما وقع موقعه.
وقال ابن فلاح
في (مغنيه) : أفعل فعلى كالأفضل والفضلى ، يجمع هو ومؤنثه جمع التصحيح فرقا بينه
وبين أفعل فعلاء.
وقال الأندلسي
: إنما تبدل التاء في قائمة في الوقف هاء فرقا بين تأنيث الاسم وتأنيث الفعل.
خاتمة : التنوين نون صحيحة ساكنة
قال ابن السراج
في (الأصول) : التنوين نون صحيحة ساكنة ، وإنما خصها النحويون بهذا
اللقب وسموها تنوينا ، ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في
التثنية والجمع.
الفعل لا يثنّى
قال أبو جعفر
بن الزبير في (تعليقه على كتاب سيبويه) : وسبب ذلك أن الفعل مدلوله جنس وهو واقع
على القليل والكثير ألا ترى أنك في قولك : ضرب زيد عمرا ، ويمكن أن يكون ضرب مرة
واحدة ويمكن أن يكون ضرب مرات ، فهو إذن دليل على القليل والكثير ، والمثنى إنما
يكون مدلوله مفردا نحو : رجل ، ألا ترى أن لفظ رجل لا يدّل إلا على واحد ، وإذا
قلت : رجلان دلّت هذه الصيغة على اثنين فقط ، فلما كان الفعل لا يدلّ على شيء واحد
بعينه لم يكن لتثنيته فائدة ، وأيضا فإن العرب لم تثنّه.
فإن قيل : إنّ
الفعل مثنّى في قولك : يفعلان.
فالجواب : إن
ذلك باطل لأنه لو كان مثنى لجاز أن تقول : زيد قاما ، إذا وقع منه القيام مرتين ،
والعرب لم تقل ذلك فبطل أن يكون مثنى في ذلك الفعل.
الفعل أثقل من الاسم
وعلّله صاحب
البسيط بوجهين :
أحدهما
: أنه لكثرة
مقتضياته يصير بمنزلة المركب والاسم بمنزلة المفرد.
__________________
والثاني
: أن الاسم أكثر
من الفعل ، بدليل أن تركيب الاسم يكون مع الفعل ومن غير فعل ، والكثرة مظنة الخفة
كما في المعرفة والنكرة.
قال : وإذا
تقرر ثقله فهو مع ذلك فرع على الاسم من وجهين :
أحدهما
: أن الفعل
مشتقّ من المصدر على مذهب أهل البصرة. والمشتق فرع على المشتق منه لأنه يقف وجود
الفرع على وجود الأصل.
والثاني
: أن الفعل
يفتقر إلى الاسم في إفادة التركيب والاسم يستقل بالتركيب من غير توقف.
وقال ابن يعيش : الأفعال أثقل من الأسماء لوجهين :
أحدهما
: أن الاسم أكثر
من الفعل ، من حيث أن كل فعل لا بدّ له من فاعل اسم يكون معه ، وقد يستغني الاسم
عن الفعل ، وإذا ثبت أنه أكثر في الكلام كان أكثر استعمالا وإذا كثر استعماله خف
على الألسنة لكثرة تداوله ، ألا ترى أن العجمي إذا تعاطى كلام العرب ثقل على لسانه
لقلّة استعماله ، وكذلك العربي إذ تعاطى كلام العجم كان ثقيلا عليه لقلة استعماله
له.
والثاني
: أن الفعل
يقتضي فاعلا ومفعولا فصار كالمركّب منهما إذ لا يستغني عنهما والاسم لا يقتضي شيئا
من ذلك فهو مفرد والمفرد أخفّ من المركب.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : الاسم أخفّ من الفعل لوجوه :
منها : أنّ
الأسماء أكثر استعمالا من الأفعال ، والشيء إذا كثر استعماله على ألسنتهم خفّ ،
وإنّما قلنا : إنّه أكثر استعمالا لأمور :
منها : الأوزان
، وعدد الحروف ، أما في الأصول فلأن أصول الأسماء ثلاثية ورباعية وخماسية ، وليس
في الأفعال خماسية ، وأما بالزيادة فالاسم يبلغ بالزيادة سبعة وأكثر من ذلك على ما
ذكر ، والفعل لا يزاد على الستة ، فقد زاد عليه في الأصول والزيادة.
وأما الأبنية ،
فأبنية الأصول في الأسماء المجمع عليها تسعة عشر ، وأصول الأفعال أربعة.
وأما الأبنية
بالزيادة فالأسماء تزيد على ثلاثمائة ، والفعل لا يبلغ الثلاثين.
ومنها : أن
الاسم يفيد مع جنسه ، والفعل لا يفيد إلا بانضمام الاسم.
__________________
ومنها : أن
الفعل يفتقر إلى الفاعل فيثقل ولا كذلك الاسم.
فإن قلت : فإن
المبتدأ يحتاج إلى خبر فليكن كاحتياج الفعل إلى فاعله.
قلنا : تعلق
الفعل بفاعله أشد من تعلق المبتدأ بخبره ، لأن الفاعل يتنزل منزلة الجزء من الفعل
ولا كذلك الخبر من المبتدأ.
ومنها : أن
الفعل تلحقه زوائد نحو حروف المضارعة ، وتاء التأنيث ، ونوني التوكيد والضمائر
فثقل بذلك.
ومنها : أن
الأفعال مشتقة من المصادر والمشتق فرع على المشتق منه فهي إذن فرع على الأسماء
والفرع أثقل من الأصل ، انتهى.
فائدة : الأمور التي يعبرون بها عن الفعل
قال ابن هشام : إنهم يعبّرون بالفعل عن أمور.
أحدها
: وقوعه ، وهو
الأصل.
الثاني
: مشارفته ، نحو
: (وَإِذا طَلَّقْتُمُ
النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ) [البقرة : ٢٨١] أي : فشارفن انقضاء العدة ، (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ
لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ) [النساء : ٩] أي : لو شارفوا أن يتركوا.
الثالث
: إرادته ،
وأكثر ما يكون ذلك بعد أداة الشرط نحو : (فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) [النحل : ٩٨] ، (إِذا قُمْتُمْ إِلَى
الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦] ، (إِذا قَضى أَمْراً
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٤٧].
الرابع
: مقاربته ،
كقوله : [الطويل]
٢٠٠ ـ إلى ملك كاد الجبال لفقده
|
|
تزول ، وزال
الرّاسيات من الصّخر
|
أي : تزول
الراسيات.
الخامس
: القدرة عليه ،
نحو : (وَعْداً عَلَيْنا
إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤] أي : قادرين على الإعادة وأصل ذلك أن الفعل يتسبب عن
الإرادة والقدرة وهم يقيمون السبب مكان المسبّب وبالعكس.
__________________
حرف القاف
القلب
قال ابن هشام
في (المغني) : القاعدة العاشرة من فنون كلامهم القلب ، وأكثر وقوعه
في الشعر كقوله حسان ـ رضي الله عنه ـ : [الوافر]
٢٠١ ـ كأنّ سبيئة من بيت رأس
|
|
يكون مزاجها
عسل وماء
|
نصب المزاج
فجعل المعرفة الخبر ، والأصل رفعه ، ونصب العسل على أن المعرفة الاسم والنكرة
الخبر ، وقول رؤبة : [الرجز]
٢٠٢ ـ ومهمه مغبرّة أر جاؤه
|
|
كأنّ لون
أرضه سماؤه
|
أي : كأن لون
سمائه لغبرته لون أرضه ، فعكس التشبيه مبالغة وحذف المضاف ، وقول عروة بن الورد : [الوافر]
٢٠٣ ـ فديت بنفسه نفسي ومالي
|
|
[وما آلوك إلا ما أطيق]
|
وقول القطامي :
[الوافر]
٢٠٤ ـ [فلما أن جرى سمن عليها]
|
|
كما طيّنت
بالفدن السّياعا
|
__________________
الفدن : القصر
، والسياع : الطين ، ومنه في الكلام : أدخلت القلنسوة في رأسي وعرضت الناقة على
الحوض وعلى الماء ، قاله الجوهري وجماعة منهم الكسائي والزمخشري وجعل منه : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا
عَلَى النَّارِ) [الأحقاف : ٢٠].
وفي كتاب (التوسعة)
لابن السكيت : أن عرض الحوض على الناقة مقلوب ويقال : إذا طلعت
الجوزاء انتصب العود في الحرباء ، أي : انتصب الحرباء في العود.
وقال ثعلب في
قوله تعالى : (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ
ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) [الحاقة : ٢٢] ، إن المعنى اسلكوا فيه سلسلة ، وقيل : أن منه : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها
فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] ، (ثُمَّ دَنا
فَتَدَلَّى) [النجم : ٨] ، (اذْهَبْ بِكِتابِي
هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) [النمل : ٢٨].
وقال الجوهري
في : (فَكانَ قابَ
قَوْسَيْنِ) [النجم : ٩] إنّ أصله قابي قوس ، فقلب التثنية بالإفراد ، وهو حسن لأن
القاب ما بين مقبض القوس وسيته أي : طرفه ، وله طرفان فله قابان ، ونظيره قوله : [الطويل]
٢٠٥ ـ إذا أحسن ابن العمّ بعد إساءة
|
|
فلست لشرّي
فعله بحمول
|
أي : لشر فعليه
، وقيل في : (فَعُمِّيَتْ
عَلَيْكُمْ) [هود : ٢٨] إن المعنى : فعميتم عنها وفي : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا
أَقُولَ) [الأعراف : ١٠٥] إن المعنى حقيق عليّ بياء المتكلم ، كما قرأ نافع ، وفي : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) [القصص : ٧٦] ، إن المعنى لتنوء العصبة بها.
قد يزاد على الكلام التام فيعود ناقصا
قال ابن جنّي :
وذلك قولك : قام زيد ، كلام تام ، فإذا زدت عليه فقلت : إن قام زيد ، صار شرطا
واحتاج إلى جواب ، وكذلك قولك : زيد أخوك إن زدت عليه : أعلمت ، لم تكتف بالاسمين
، تقول : أعلمت زيدا بكرا أخاك ، وتقول : زيد منطلق ، فإذا زدت عليه (أنّ)
المفتوحة احتاج إلى عامل يعمل في أنّ وصلتها ، فتقول : بلغني أنّ زيدا منطلق ، قال
: وجماع هذا أن كل كلام مستقل زدت عليه شيئا غير معقود بغيره ولا مقتض لسواه
فالكلام باق بحاله نحو : زيد قائم ، وما زيد قائما ، وإن زدت شيئا مقتضيا لغيره
معقودا به عاد الكلام ناقصا.
__________________
وقال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : الجملة قد تكون ناقصة بزيادة كما تكون بنقصان ، فإن إذا دخلت
على الجملة صيّرتها جزء جملة أخرى وجعلتها في حكم المفرد ، فتحتاج في تمامها إلى
أمر آخر ، كما أنّ (أن) المصدرية إذا دخلت على جملة صيرتها في حكم المفرد وأخرجتها
عن كونها كلاما.
قد يكون للشيء إعراب إذا كان وحده
فإذا اتصل به شيء آخر تغير إعرابه
من ذلك : ما
أنت؟ وما شأنك؟ فإنهما مبتدأ وخبر إذا لم تأت بعدهما بنحو قولك : وزيدا ، فإن جئت
به فأنت مرفوع بفعل محذوف والأصل : ما تصنع أو ما تكون ، فلما حذف الفعل برز
الضمير وانفصل ، وارتفاعه بالفاعلية أو على أنه اسم لكان ، وشأنك بتقدير ما يكون
وما فيهما في موضع نصب خبرا لكان أو مفعولا لتصنع ، ومثل ذلك : كيف أنت وزيدا ،
إلا أنك إذا قدرت تصنع كان (كيف) حالا إذ لا يقع مفعولا به.
قرائن الأحوال قد تغني عن اللفظ
قال ابن يعيش : وذلك أن المراد من اللفظ الدلالة على المعنى ، فإذا
ظهر المعنى بقرينة حالية أو غيرها لم يحتج إلى اللفظ المطابق ، فإن أتي باللفظ
المطابق جاز وكان كالتأكيد وإن لم يؤت به فللاستغناء عنه.
وفروع القاعدة
كثيرة منها : حذف المبتدأ والخبر والفعل والفاعل والمفعول وكل عامل جاز حذفه ، وكل
أداة جاز حذفها.
__________________
حرف الكاف
كثرة الاستعمال اعتمدت في كثير من أبواب العربية
منها : حذف الخبر
بعد لو لا ، قال ابن يعيش في (شرح المفصّل) : حذف خبر المبتدأ من قولك : لو لا زيد خرج عمرو ،
لكثرة الاستعمال حتى رفض ظهوره ولم يجز استعماله.
وقال صاحب (البسيط)
: إنّما اختصت (غدوة) بالنصب بعد لدن دون (بكرة) وغيرها لكثرة استعمال غدوة معها
وكثرة الاستعمال لا يجوز معه ما لا يجوز مع غيره.
قال ابن جنّي : أصل (هلم) عند الخليل : ها للتنبيه ، ولمّ ، أي : (لمّ
بنا) ثم كثر استعمالها فحذفت الألف تخفيفا.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : قد توسعوا في الظروف بالتقديم والفصل وخصّوها بذلك
لكثرتها في الاستعمال.
ومما حذف لكثرة
الاستعمال ياء المتكلم عند الإضافة ، والتنوين من هذا : زيد بن عمرو. وقولهم : أيش
، ولم أبل ، ولا أدر ، ولم يك ، وحذف الاسم في (لا عليك) أي : لا بأس عليك ،
والتخفيف في (قد) و (قط) إذ أصلهما التثقيل لاشتقاقهما من قددت الشيء وقططته ،
وقولهم : الله لأفعلنّ ، بإضمار حرف الجر ، قال سيبويه : جاز حيث كثر في كلامهم فحذفوه تخفيفا كما حذفوا (ربّ)
قال : وحذفوا الواو كما حذفوا اللامين من قولهم لاه أبوك ، حذفوا لام الإضافة
واللام الأخرى ليخففوا الحرف على اللسان.
وقال بعضهم :
لهي أبوك ، فقلبت العين وجعل اللام ساكنة إذ صارت مكان العين ، كما كانت العين
ساكنة ، وتركوا آخر الاسم مفتوحا كما تركوا آخر (أين)
__________________
مفتوحا ، وإنما فعلوا ذلك به لكثرته في كلامهم فغيّروا إعرابه كما غيروه ،
ذكر ذلك ابن السراج في (الأصول) .
قال ابن يعيش :
الكلمة إذا كثر استعمالها جاز فيها من التخفيف ما لم يجز في غيرها.
وفي (تذكرة
الفارسي) : حكى أبو الحسن والفراء أنهم يقولون : أيش لك ، قال : والقول فيه عندنا
أنه : أيّ شيء ، فخفف الهمزة وألقى الحركة على الياء ، فتحركت الياء بالكسرة فكرهت
الكسرة فيها فأسكنت فلحقها التنوين فحذفت لالتقاء الساكنين ، كما أنه خفف هو يرم
إخوانه ، فحذفت الهمزة ، وطرح حركتها على الياء ، كره تحريكها بالكسرة فأسكنها
وحذفها لالتقائها مع الخاء من الإخوان ، فالتنوين في أيش مثل الخاء في إخوانه ،
قال : فإن قلت : الاسم يبقى على حرف واحد ، قيل : إذا كان كذلك شيء (فهو) في أيش ،
وحسن ذلك أن الإضافة لازمة فصار لزوم الإضافة مشبها له بما في نفس الكلمة حتى حذف
منها فقالوا : فيم ، وبم ، ولم ، فكذلك أيش.
وقال الزمخشري
في (المفصل) : في (الذي) ولاستطالتهم إياه بصلته مع كثرة الاستعمال
خففوه من غير وجه فقالوا : (اللذ) ، بحذف الياء ، ثم (اللّذ) بحذف الحركة ، ثم
حذفوه رأسا واجتزوا بلام التعريف الذي في أوله ، وكذا فعلوا في التي.
وقال ابن عصفور
في (شرح الجمل) : إنما بنيت (أين) على الفتح لكثرة الاستعمال ، إذ لو حركت بالكسر
على أصل التقاء الساكنين لانضاف ثقل الكسر إلى ثقل الياء التي قبل الآخر وهي مما
يكثر استعماله فكان يؤدي ذلك إلى كثرة استعمال الثقيل.
قال : ومما
يبيّن لك أنّ كثرة الاستعمال أوجب فتح (أين) أنهم قالوا : (جير) فحرّكوا بالكسر
على أصل التقاء الساكنين ، واحتملوا ثقل الكسرة والياء لما كانت قليلة الاستعمال
لأنها لا تستعمل إلا في القسم ، وهي مع ذلك من نادر القسم.
قال : وكذلك (ثم)
بنيت على الفتح إذ لو حركوها بالكسر على أصل التقاء الساكنين لانضاف ثقل الكسر إلى
ثقل التضعيف مع أنّها كثيرة الاستعمال فكان يلزم من ذلك كثرة استعمال الثقيل.
__________________
قال : وكذلك (إنّ)
وأخواتها بنيت على الفتح ولم تكسر على أصل التقاء الساكنين استثقالا للكسرة مع
التضعيف أو الياء في (ليت) مع أن هذه الحروف كثيرة الاستعمال فلو كسرت لأدّى ذلك
إلى كثرة استعمال الثقيل.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إنما لزم إضمار الفعل في باب التحذير لكثرته في كلامهم كما
ذكر سيبويه .
وقال الرماني :
لأن التحذير مما يخاف منه وقوع المخوف ، فهو موضع إعجال لا يحتمل تطويل الكلام ،
لئلا يقع المخوف بالمخاطب قبل تمام الكلام.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصّل) : اعلم أن اللفظ إذا كثر في ألسنتهم واستعمالهم آثروا
تخفيفه ، وعلى حسب تفاوت الكثرة يتفاوت التخفيف ، ولمّا كان القسم مما يكثر
استعماله ويتكرر دوره بالغوا في تخفيفه من غير جهة ، فمن ذلك حذف فعل القسم نحو :
بالله لأقومنّ ، أي : أحلف ، وربما حذفوا المقسم به واجتزوا بدلالة الفعل عليه نحو
: أقسم لأفعلن ، والمعنى أقسم بالله ، ومن ذلك حذف الخبر من الجملة الابتدائية نحو
: لعمرك ، وايمن الله ، وأمانة الله ، فهذه كلها مبتدآت محذوفة الأخبار ، ومن ذلك
إبدال التاء من الواو نحو : (تَاللهِ تَفْتَؤُا) [يوسف : ٨٥] ومن ذلك قولهم : لعمر الله ، فالعمر البقاء والحياة ، وفيه
لغات : عمر ـ بفتح العين وسكون الميم ، وبضمّ العين وسكون الميم ، وبضمّهما ، فإذا
جئت إلى القسم لم تستعمل منه إلا المفتوح العين لأنّها أخفّ اللّغات الثلاث ،
والقسم كثير فاختاروا له الأخف.
وقال أبو
البقاء في (التبيين) : لاسم الله تعالى خصائص منها دخول (يا) عليه مع وجود اللام
فيه ، ومنها : زيادة الميم في آخره نحو : (اللهم) ولا يجوز في غيره ، ومنها : دخول
تاء القسم عليه نحو : تالله ، ومنها : التفخيم ، ومنها : الإبدال كقوله : ها الله
، وآلله وذلك لكثرة الاستعمال.
وقال أيضا :
يجوز حذف حرف القسم في اسم الله من غير عوض ، ولا يجوز ذلك في غيره ووجهه أن الشيء
إذا كثر كان حذفه كذكره ، لأن كثرته تجريه مجرى المذكور ، ولذلك جاز التغيير
والحكاية في الأعلام دون غيرها ، وإنما سوغ ذلك الكثرة.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إذا التقى ساكنان والثاني لام التعريف اختير
__________________
فتح الأول نحو : من الناس ، طلبا للخفة فيما يكثر استعماله ، ويقل الكسر
لثقل توالي الكسرتين فيما يكثر استعماله.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : شرط الرخيم أن يكون المرخّم منادى ، وذلك لأنه حذف ، والنداء يكثر
استعماله ، ولذلك أوقعوه على الحيّ والميّت والجماد فناسب كثرة استعماله تخفيف
لفظه بالحذف ، كما حذفوا منه التنوين وياء المتكلم المضاف إليها.
قال : وشرطه أن
يكون علما وإنّما رخموا صاحبا فقالوا : يا صاح لأنه لما كثر استعماله من غير ذكر
موصوف صار بمنزلة العلم.
قال : واختص يا
بن أم ، ويا بن عم ، بحذف الياء لكثرة الاستعمال حتى أن العرب تلقى الغريب فتقول
له : يا بن أم ويا بن عم ، استعطافا وتقربا إليه وإن لم يكن بينهما نسب قال :
وإنما وجب إضمار الفعل العامل في المنادى وفي التحذير لأن الواضع تصور في الذهن
أنه لو نطق به لكثر استعماله فألزمه الإضمار طلبا للخفة ، لأن كثرة الاستعمال مظنة
التخفيف ، وأقام مقامه في النداء حرفا يدل عليه في محله.
وقال : المصدر
الذي يجب إضمار فعله إنما وجب إضماره لكثرة الاستعمال ومعنى كثرة الاستعمال أنه
تقرر في أذهانهم أنهم لو استعملوها لكثر استعمالها فخففوها بالحذف وجعلوا المصدر
عوضا منها.
وقال ابن
الدهان في (الغرة) : ذهب الأخفش إلى أن ما غير لكثرة استعماله إنّما تصورته العرب
قبل وضعه ، وعلمت أنه لا بدّ من استعماله فابتدؤوا بتغييره علما بأن لا بدّ من
كثرة استعماله الداعية إلى تغييره كما قال : [المتقارب]
٢٠٦ ـ رأى الأمر يفضي إلى آخر
|
|
فصيّر آخره
أوّلا
|
وقال السخاوي
في : (شرح المفصّل) : هم يغيرون الأكثر ويحذفون منه كما فعلوا في لم أبل ، وربّما
ألحقوا فيه كقولهم : أمهات ، وكقولهم : اللهم ويا أبت ويا أمت.
__________________
حرف اللام
اللّبس محذور
ومن ثم وضع له
ما يزيله إذا خيف واستغني عن لحاق نحوه إذا أمن.
فمن الأول :
الإعراب ، إنما وضع في الأسماء ليزيل اللبس الحاصل فيها باعتبار المعاني المختلفة
عليها ، ولذلك استغني عنه في الأفعال والحروف والمضمرات والإشارات والموصولات
لأنها دالة على معانيها بصيغها المختلفة فلم تحتج إليها ، ولما كان الفعل المضارع
قد تعتوره معان مختلفة كالاسم دخل فيه الإعراب ليزيل اللبس عند اعتوارها.
ومنه رفع
الفاعل ونصب المفعول فإن ذلك لخوف اللبس منهما لو استويا في الرفع أو في النصب.
ومن ذلك قال في
(البسيط) : يضاف اسم الفاعل المتعدّي إلى المفعول دون الفاعل ، لأن إضافته إلى
الفاعل والمفعول تفضي إلى اللّبس لعدم تعين المضاف إليه فالتزم إضافته إلى المفعول
ليحصل بذلك تعين المضاف إليه ، بخلاف الصفة المشبهة واسم الفاعل من اللازم فإنه لا
لبس في إضافته إلى فاعله لتعينه فجازت إضافته لذلك.
ومن ذلك قال في
(البسيط) : كان قياس اسم المفعول من الثلاثي نحو : ضرب وقتل على مفعل ، بأن يقال :
مضرب ومقتل ليكون جاريا على يضرب ويقتل ، إلا أنه عدل عنه إلى مفعول لئلا يلتبس
باسم المفعول من أفعل نحو : مكرم ومضرب ، من أكرم وأضرب ، وخصّ الثلاثي بالزيادة
لقلّة حروفه.
ومن ذلك قال في
(البسيط) : قياس التفضيل في أفعل أن يكون على الفاعل نحو : زيد فاضل وعمرو أفضل
منه ، لا على المفعول نحو : خالد مفضول وبكر أفضل منه ، لأنهم لو فضلوا على الفاعل
والمفعول لالتبس التفضيل على الفاعل بالتفضيل على المفعول فلمّا كان يفضي إلى
اللبس كان التفضيل على الفاعل أولى لأنّه كالجزء من الفعل ، والمفعول فضلة فكان
التفضيل على ما هو كالجزء أولى من التفضيل على الفضلة.
ومن ذلك قال في
(البسيط) : الجمهور على أن الصرف عبارة عن التنوين وحده ، وعلة منع الصرف إنما
أزالت التنوين خاصة ، وليس الجر من الصرف ، وإنما حذف مع التنوين كراهة أن يلتبس
بالإضافة إلى ياء المتكلم ، لأنه حكى حذف ياء المتكلم وإبقاء الكسرة في غير النداء
قال : [الكامل]
٢٠٧ ...
|
|
شرقت دموع
بهنّ فهي سجوم
|
وكراهة أن
يلتبس بالمبنيات على الكسر نحو (حذام).
ومن ذلك قال في
(البسيط) : فائدة العدل في الأعلام خفة اللفظ ، ورفع لبس الصفة لأن فاعلا أصل وضعه
الصفة ، فإذا عدل إلى (فعل) زال ذلك اللبس.
وقال : تكسير
الصفة ضعيف لأنها إذا كسرت التبس فيها صفة المذكر بصفة المؤنث في بعض الصور عند
حذف الموصوف نحو : قامت الصعاب تحتمل الرجال والنساء ، وإذا جمعت بالواو والنون أو
الألف والتاء انتفى اللبس.
ومن ذلك : يجوز
أن يقال في النداء يا أبت ويا أمت بحذف ياء الإضافة وتعويض التاء عنها.
قال ابن يعيش : ولا تدخل هذه التاء عوضا فيما له مؤنث من لفظه لو قلت
في يا خالي ويا عمي : يا خالة ويا عمة ، لم يجز ، لأنه كان يلتبس بالمؤنث ، فأما
دخول التاء على الأم فلا إشكال لأنها مؤنثة ، وأما دخولها على الأب فلمعنى
المبالغة من نحو راوية وعلامة. ومن ذلك قولهم : لله دره من فارس ، وحسبك به من ناصر.
قال ابن يعيش :
فإن قيل : كيف جاز دخول من هنا على النكرة المنصوبة مع بقائها على إفرادها ولا
يقال : هو أفره منك من عبد ، ولا عندي عشرون من درهم ، بل يردّ إلى الجمع عند ظهور
(من) ، نحو من العبيد ، ومن الدراهم ، فالجواب أن هذا الموضع ربما التبس فيه
التمييز بالحال فأتوا بمن لتخلصه للتمييز.
ومن ذلك قال
ابن يعيش : إنما أتي بالمضمرات كلها لضرب من الإيجاز واحتراسا من
الإلباس ، أما الإيجاز فظاهر لأنك تستغني بالحرف الواحد عن الاسم بكماله فيكون ذلك
الحرف كجزء من الاسم ، وأما الإلباس فلأن الأسماء الظاهرة
__________________
كثيرة الاشتراك ، فإذا قلت : زيد فعل زيد ، جاز أن يتوهم في زيد الثاني أنه
غير الأول ، وليس للأسماء الظاهرة أحوال تفترق بها إذا التبست ، وإنما يزيل
الالتباس منها في كثير من أحوالها الصفات ، والمضمرات لا لبس فيها ، فاستغنت عن
الصفات لأن الأحوال المقترنة بها وهي حضور المتكلم والمخاطب وتقدم ذكر الغائب تغني
عن الصفات.
ومن ذلك قال
ابن فلاح في (المغني) : إنما ضم حرف المضارعة في الرباعي دون غيره ، خيفة التباس
الرباعي بزيادة الهمزة (بالثلاثي) نحو : ضرب يضرب ، وأكرم يكرم ، لأن الهمزة في
الرباعي تزول مع حرف المضارعة فلو فتح حرف المضارعة لم يعلم أمضارع الثلاثي هو أم
مضارع الرباعي ، ثم حمل بقية أبنية الرباعي على ما فيه الهمزة ، وإنما خصّ الضم
بالرباعي لأن الثلاثي أصل ، والرباعي بزيادة الهمزة فرع ، فيجعل للأصل الحركة
الخفيفة وللفرع الحركة الثقيلة ، وما زاد على الثلاثي محمول على الثلاثي.
وخرج عن هذا
الأصل أهراق يهريق ، واسطاع يسطيع ، فإنّه ضمّ حرف المضارعة منهما مع أنهما أكثر
من أربعة وفي ذلك وجهان :
أحدهما
: أن الهاء
والسين زيدتا على غير قياس ، والمعنى على الفعل الرباعي فهما في حكم العدم.
والثاني
: أنهما جعلا عوضا
عن حركة عين الكلمة ، فإنها نقلت إلى فائها ، وإذا كانا عوضا عنها لم يعتد بهما
حرفين مستقلين ، فلذلك لم يتغير حكم الرباعي ، ولو كانا حرفين مستقلين لخرجا إلى
الخماسي وتغيرت صيغة الرباعي من الضم وقطع الهمزة ، وإنما حكمنا بكونهما بدلا عن
نقل حركة العين إلى الفاء ، وإن كان نقل حركة العين إلى الفاء لا يقتضي عوضا ،
لكون الرباعي لم تتغير صيغته بهما فصارا بمنزلة الحركتين لكونهما عرضا عن نقل
الحركتين لا عن الحركتين ، لأن الحركتين موجودتان فكيف يعوض عنهما مع وجودهما ،
انتهى.
ومن ذلك قال
الخفاف في شرح الإيضاح : تقول في التعجب : ما أحسننا ، وفي النفي : ما أحسنا ، وفي
الاستفهام : ما أحسننا ، لا تدغم في التعجب ، ولا في الاستفهام ، لئلا يلتبس
أحدهما بالآخر والنفي بهما.
ومن ذلك قال
ابن النحاس في (التعليقة) : لا يجوز أن يأتي المنصوب على الاختصاص من الأسماء
المبهمة نحو : إني هذا أفعل كذا لأن المنصوب إنما يذكر لبيان الضمير. فإذا أبهمت
فقد جئت بما هو أشكل من الضمير ، ولذلك لا يجوز أن يؤتى به نكرة فلا يقال : إنّا
قوما نفعل كذا ، لأن النكرة لا تزيل لبسا.
ومن ذلك قال
ابن فلاح في (المغني) : إنما امتنع حذف حرف النداء من اسم الإشارة عند البصريين
لئلا تلتبس الإشارة المقترنة بقصد النداء بالإشارة العارية عن قصد النداء ، لا
يقال : ينتقض هذا بالعلم ، فإنه تلتبس العلمية المقترنة بقصد النداء بالعلمية
العارية عن قصد النداء ، لأنا نقول : بناؤه على الضم في أعم الصور قرينة تدل على
النداء ، وهذه القرينة منتفية في اسم الإشارة.
قال : إنما
امتنع حذف حرف النداء من المستغاث به لئلا يلتبس لامه بلام الابتداء ، فإنها
مفتوحة مثلها ولا يكفي الإعراب فارقا لوجود اللبس في المقصور والمبني في حالة
الوقف.
ومن ذلك لم
يجمعوا حية على حي ، لئلا يلتبس بالحي الذي هو ضد الميت بخلاف سائر ما كان من هذا
النوع كبقرة ونعامة وحمامة وجرادة فإنهم أسقطوا في جمعه الهاء ، وكذا في مذكره قال
الكسائي : سمعت كل هذا النوع يطرح من ذكره الهاء إلا في حية ، فإنهم يقولون : حية
للمذكرة والمؤنث ، فيقولون : رأيت حية على حية ، فلا يطرحون الهاء من ذكره.
ومن ذلك إذا
التقى ساكنان وخيف من تحرك أحدهما بالكسر الإلباس حرك بالفتح نحو : أنت ، في خطاب
المذكر ، واضربن ، ولا تضربن في خطابه ، لأنه لو حرك بالكسر لالتبس بخطاب المؤنث.
ومن ذلك إذا
خيف من النسب إلى صدر المضاف لبس ، حذف الصدر ونسب إلى العجز ، فيقال في النسب إلى
عبد مناف وعبد أشهل ، منافي وأشهلي ، لأنهم لو قالوا : عبدي لالتبس بالنسبة إلى
عبد القيس ، فإنهم قالوا : في النسبة إليه عبدي ، فرقوا بين ما يكون الأول مضافا
إلى اسم يقصد قصده ويتعرف المضاف الأول به ، وهو مع ذلك اسم غالب أو طرأت عليه
العلمية ، وبين ما ليس كذلك ، فإن القيس ليس بشيء معروف معين يضاف إليه عبد. وقال
الأخفش في (الأوسط) في النسب إلى المركب المزجي : وإن خفت الالتباس قلت : رامي
هرمزي.
ومن الثاني :
عدم لحاق التاء في صفات المؤنث الخاصة بالإناث كحائض وطالق ، ومرضع ، وكاعب ،
وناهد ، وهي كثيرة جدا لأنها لاختصاصها بالمؤنث ، أمن اللبس فيها بالمذكر فلم يحتج
إلى فارق.
ومن ذلك قال
ابن النحاس في (التعليقة) : إنما لم يجز حكاية المضمر والمشار به وإن كانا من جملة
المعارف ، لأن كلا منهما لا يدخله لبس.
حرف الميم
ما حذف للتخفيف كان في حكم المنطوق به
ذكر هذه
القاعدة ابن يعيش في (شرح المفصّل) :
ومن فروعها
أنهم قالوا : ذلذل وجندل فاجتمع في الكلمة أربع متحركات متواليات لأن المراد ذلاذل
وجنادل ، لكنهم حذفوا الألف منهما تخفيفا ، وما حذف للتخفيف كان في حكم المنطوق
به.
ومن فروعها قال
ابن فلاح في (المغني) : أفصح اللغتين للعرب في حذف الترخيم أن يكون المحذوف مرادا
في حكم المنطوق به.
وقال ابن جنّي
في (الخصائص) : باب في أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم
الملفوظ به ، إلا أن يعترض هناك من صناعة اللفظ ما يمنع منه ، ومن ذلك أن ترى رجلا
قد سدد سهما نحو الغرض ثم أرسله فتسمع صوتا فتقول : القرطاس والله ، أي : أصاب
القرطاس ، فأصاب الآن في حكم الملفوظ به البتة ، وإن لم يوجد في اللفظ ، غير أن
دلالة الحال عليه نابت مناب اللفظ به ، وكذلك قولهم لرجل مهو بسيف في يده : زيدا ،
أي اضرب زيدا ، فصارت شهادة الحال بالفعل بدلا من اللفظ به ، وكذلك قولهم للقادم
من سفر : خير مقدم أي قدمت خير مقدم ، وقولك : قد مررت برجل إن زيدا وإن عمرا ، أي
: إن كان زيدا وإن كان عمرا ، وقولك للقادم من حجّه : مبرور مأجور أي : أنت مبرور
مأجور ، ومبرورا مأجورا ، أي : قدمت مبرورا مأجورا ، وكذلك قولهم : [الخفيف]
٢٠٨ ـ رسم دار وقفت في طلله
|
|
[كدت أقضي الغداة من جلله]
|
__________________
أي : رب رسم
دار ، وكان رؤبة إذا قيل له كيف أصبحت؟ فيقول : خير عافاك الله ، أي بخير ويحذف
الباء لدلالة الحال عليها لجري العادة والعرف بها.
وكذلك قولهم :
الذي ضربت زيد ، تريد الهاء وتحذفها لأن في الموضع دليلا عليها ، وعلى نحو من هذا
تتوجه عندنا قراءة حمزة : (وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ليست هذه القراءة عندنا من الإبعاد والضعف على ما رآه فيها
أبو العباس ، بل الأمر فيها أقرب وأخف وألطف ، وذلك أن لحمزة أن يقول لأبي العباس
: لم أحمل (الأرحام) على العطف على المجرور المضمر ، بل اعتقدت أن يكون فيه باء
ثانية حتى كأني قلت : وبالأرحام ، ثم حذفت الباء لتقدم ذكرها ، كما حذفت لتقدم
ذكرها أيضا في نحو قولك : بمن تمرر أمرر ، وعلى من تنزل أنزل ، وإذا جاز للفرزدق
أن يحذف حرف الجر لدلالة ما قبله عليه مع مخالفته في الحكم له في قوله : [الطويل]
٢٠٩ ـ وإنّي من قوم بهم يتّقى العدا
|
|
ورأب الثّأى
والجانب المتخوّف
|
أي : وبهم رأب
الثأى ، فحذف الباء في هذا الموضع لتقدمها في قوله : (بهم يتّقى العدا) وإن كانت
حالاهما مختلفتين ، ألا ترى أن الباء في قوله : بهم يتقى العدا ، منصوبة الموضع
لتعلقها بالفعل الظاهر الذي هو يتقى كقوله : بالسيف يضرب زيد ، والباء في قوله :
وبهم رأب الثأى مرفوعة الموضع عند قوم ، وعلى كل حال فهي متعلقة بمحذوف ورافعة
للرأب ـ ونظائر هذا كثيرة ـ كان حذف الباء في قوله : (والأرحام) لمشابهتها الباء
في (به) موضعا وحكما أجدر.
وقد أجازوا :
تبا له وويل ، على تقدير : وويل له ، فحذفوها وإن كانت اللام في : تبا له ، لا
ضمير فيها وهي متعلقة بنفس (تبا) ، مثلها في هلم لك ، وكانت اللام في (وويل) خبرا
، ومتعلقة بمحذوف وفيها ضمير.
فإن قلت : فإذا
كان المحذوف للدلالة عليه عندك بمنزلة الظاهر فهل تجيز توكيد الهاء المحذوفة في
نحو قولك : الذي ضربت زيد ، فتقول : الذي ضربت نفسه زيد ، كما تقول : الذي ضربته
نفسه زيد؟ قيل : هذا عندنا غير جائز وليس ذلك لأن المحذوف هنا ليس بمنزلة المثبت ،
بل لأمر آخر ، وهو أن الحذف هنا إنما الغرض فيه التخفيف لطول الاسم ، فلو ذهبت
تؤكده لنقضت الغرض ، وذلك أن التوكيد
__________________
والإسهاب ضد التخفيف والإيجاز ، فلما كان الأمر كذلك تدافع الحكمان فلم يجز
أن يجتمعا كما لا يجوز إدغام الملحق نحو : اقعنسس لما يلحق فيه من نقض الغرض.
ومن هذا الباب
قولهم : راكب الناقة طليحان ، أي : راكب الناقة والناقة ، فحذف المعطوف لتقدّم
ذكر الناقة الدال عليه ، ولما كان المحذوف لدليل بمنزلة الملفوظ به جاء الخبر
مثنى.
وقال ابن هشام
في (المغني) : أول من شرط للحذف أن لا يكون مؤكدا الأخفش ، فإنه منع في نحو : الذي
رأيت زيد ، أن يؤكد العائد المحذوف بقولك : نفسه ، لأن المؤكّد مريد للطول والحاذف
مريد للاختصار ، وتبعه الفارسي فرد في كتاب (الإغفال) قول الزجاج في : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) [طه : ٦٣] أن التقدير : إن هذان لهما ساحران ، فقال : الحذف والتوكيد
باللام متنافيان ، وتبع أبا علي أبو الفتح فقال في (الخصائص) : لا يجوز «الذي ضربت
نفسه زيد» كما لا يجوز إدغام نحو (اقعنسس) لما فيهما جميعا من نقض الغرض ، وتبعهم
ابن مالك فقال : لا يجوز حذف عامل المصدر المؤكد كضربت ضربا ، لأن المقصود تقوية
عامله ، وتقرير معناه والحذف مناف لذلك.
وهؤلاء كلهم
مخالفون للخليل وسيبويه ، فإن سيبويه سأل الخليل عن نحو : مررت بزيد ، وأتاني أخوه
أنفسهما ، كيف ينطق بالتوكيد؟ فأجابه : بأنه يرفع بتقدير : هما صاحباي أنفسهما ،
وينصب بتقدير : أعنيهما أنفسهما ووافقها على ذلك جماعة واستدلوا بقول العرب : [المنسرح]
٢١٠ ـ إنّ محلّا وإن مرتحلا
|
|
[وإن في السّفر إذ مضوا مهلا]
|
وإن مالا وإن
ولدا ، فحذفوا الخبر مع أنه مؤكد بإنّ ، وفيه نظر ، فإن المؤكد نسبة الخبر إلى
الاسم لا نفس الخبر.
__________________
وقال الصفار : إنما فرّ الأخفش من حذف العائد في نحو : «الذي رأيته
نفسه زيد» لأن المقتضى لحذفه الطول ، ولهذا لا يحذف في نحو : (الذي هو قائم زيد)
فإذا فروا من الطول فكيف يؤكدون؟ وأما حذف الشيء لدليل وتوكيده فلا تنافي بينهما ،
لأن المحذوف للدليل ، كالثابت ، ولبدر الدين بن مالك مع والده في المسألة بحث أجاد
فيه. انتهى ما أورده ابن هشام في المغني.
والبحث الذي
أشار إليه هو ما قال ابن المصنف في شرح الألفية : وقال ابن النحاس في (التعليقة) :
إذا كان للفعل مفعولات أقيم مقام الفاعل المفعول المصرح لفظا وتقديرا دون المصرح
لفظا فقط. وكذلك عمل الفرزدق في قوله : [الطويل]
٢١١ ـ ومنّا الذي اختير الرّجال سماحة
|
|
[وجودا إذا هبّ الرياح الزعازع]
|
فأقام المصرح
وهو الضمير المستتر في اختير ، ونصب غير المصرح وهو الرجال ، ولا تحفل بقول من قال
: يجوز إقامة أيهما شئت ، وذلك أن القاعدة أن المحذوف المنوي كالملفوظ به وهاهنا
حرف الجر المحذوف مراد ، فلو ظهر لم يجز إلا إقامة المصرح فكذلك إذا كان مرادا
انتهى.
وقال ابن فلاح
في (المغني) : أهل الحجاز يحذفون خبر (لا) كثيرا ، وإنما يحذف للعلم به وهو مراد
فهو في حكم المنطوق.
ما كان كالجزء من متعلقه لا يجوز تقدمه عليه
كما لا يتقدم بعض حروف الكلمة عليها
وفيه فروع :
الأول
: الصلة لا
تتقدم على الموصول ، ولا شيء منها لأنها بمنزلة الجزء من الموصول.
الثاني
: الفاعل لا
يتقدم على فعله ، لأنه كالجزء منه.
الثالث
: الصفة لا
تتقدم على الموصوف ، لأنها من حيث أنها مكملة له ومتممة ، أشبهت الجزء منه.
__________________
الرابع
: المضاف إليه
بمنزلة الجزء من المضاف ، فلا يتقدم عليه.
الخامس
: حرف الجر
بمنزلة الجزء من المجرور ، فلا يتقدم عليه المجرور.
وقال أبو
الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : خمسة أشياء هي بمنزلة شيء واحد : الجار
والمجرور كالشيء الواحد ، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد ، والفعل والفاعل
كالشيء الواحد ، والصفة والموصوف كالشيء الواحد ، والصلة والموصول كالشيء الواحد.
ما يجوز تعدّده وما لا يجوز
فيه فروع :
الأول
: خبر المبتدأ ،
وفيه خلاف منهم من أجازه مطلقا وبه جزم ابن مالك (١) ومنهم من منعه وأوجب العطف
نحو : زيد قائم ومنطلق ، إلا أن يريد اتصافه بذلك في حين واحد ، فيجوز نحو : هذا
حلو حامض ، أي : مز ، وهذا أعسر يسر أي اضبط ، قال أبو حيان : وهذا اختيار من
عاصرناه من الشيوخ.
الثاني
: الحال ، وفيه
خلاف قال في (الارتشاف) : ذهب الفارسي وجماعة إلى أنه لا يجوز تعدده ، ويجعلون نحو
قولك : جاء زيد مسرعا ضاحكا ، الحال الأول فقط ، وضاحكا صفة مسرعا أو حالا من
الضمير المستكمن ، وذهب ابن جنّي إلى جواز ذلك.
وقال ابن مالك
في (شرح التسهيل) : الحال شبيه بالخبر وشبيه بالنعت ، فكما جاز أن يكون للمبتدأ
الواحد والمنعوت الواحد خبران فصاعدا ، أو نعتان فصاعدا ، فكذلك يجوز أن يكون
للاسم الواحد حالان فصاعدا ، وزعم ابن عصفور أن فعلا واحدا لا ينصب أكثر من حال
قياسا على الظرف. وقال : كما لا يقال : قمت يوم الخميس يوم الجمعة ، كذلك لا يقال
: جاء زيد ضاحكا مسرعا ، واستثنى الحال المنصوب بأفعل التفضيل نحو : زيد راكبا
أحسن منه ماشيا. قال : فجاز هذا كالظرف نحو : زيد اليوم أفضل منه غدا ، وزيد خلفك
أسرع منه أمامك. وقال : وصح هذا في أفعل التفضيل لأنه قام مقام فعلين ، ألا أن
معنى قولك : زيد اليوم أفضل منه غدا : زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا.
الثالث
: المستثنى ،
والجمهور على أنه لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان ، وأجازه قوم نحو : ما أخذ
أحد إلا زيد درهما ، وما ضرب القوم إلا بعضهم بعضا.
الرابع
: الظرف ،
وتعدده ممتنع بلا خلاف ، فقد اتفّقوا على أنّ الفعل لا يعمل في ظرفين ، لا يقال
مثلا : قمت يوم الجمعة يوم السبت ، لأن وقوع قيام واحد في يوم الجمعة ويوم السبت
محال ، وكذا جلست أمامك خلفك ، لأن وقوع جلوس واحد في مكانين محال ولهذا قالوا في
قوله تعالى : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ
الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ) [الزخرف : ٣٩] لا يصح أن يكون (إذ) ظرفا لينفع لأنه لا يعمل في ظرفين.
الخامس
: النعت ويجوز
تعدده بلا خلاف.
السادس
: عطف البيان ،
ذكره الزمخشري في قوله تعالى : (مَلِكِ النَّاسِ
إِلهِ النَّاسِ) [الناس : ٢] أنهما عطفا بيان لربّ الناس.
وقال أبو حيان : لا أنقل عن النحاة شيئا في عطف البيان ، هل يجوز أن
يكرر المعطوف في علم واحد أم لا يجوز ذلك.
السابع
: البدل ، قال
أبو حيان في (البحر) : أما بدل البداء عند من أثبته فيكرر فيه الإبدال ،
وأما بدل الكلّ وبدل البعض وبدل الاشتمال فلا نص عن أحد من النحويين أعرفه في جواز
التكرار فيها أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدلّ على أن البدل لا يتكرر.
مراجعة الأصول
فيها مباحث :
المبحث الأول : فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع.
قال ابن جنّي : اعلم أن الأصول المنصرف عنها إلى الفروع على ضربين :
أحدهما : إذا
احتيج إليه جاز أن يراجع ، والآخر ما لا يمكن مراجعته لأن العرب انصرفت عنه فلم
تستعمله.
فالأول منه كالصرف الذي يفارق الاسم لمشابهته الفعل من وجهين ،
فمتى احتجت إلى صرفه جاز أن تراجعه فتصرفه ، ومنه إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو
قوله : [المنسرح]
__________________
٢١٢ ـ لا بارك الله في الغواني هل
|
|
يصبحن إلّا
لهنّ مطّلب
|
وبقية الباب ،
ومنه إظهار التضعيف كلححت عينه ، وضبب البلد وألل السقاء : [الرجز]
الحمد لله العليّ الأجلل
وبقية الباب ،
منه قوله : [الطويل]
٢١٣ ـ [له ما رأت عين البصير وفوقه]
|
|
سماء الإله
فوق سبع سمائيا
|
ومنه قوله : [الرجز]
٢١٤ ـ أهبى التراب فوقه إهبايا
وهو كثير.
الثاني
: وهو ما لا
يراجع من الأصول عند الضرورة ، وذلك كالثلاثي المعتل العين نحو : قام وباع وخاف
وهاب وطال ، فهذا لا يراجع أصله أبدا ، ألا ترى أنه لم يأت عنهم في نثر ولا نظم
شيء منه مصححا نحو : قوم ولا بيع ولا خوف ، وكذلك مضارعه نحو : يقوم ويبيع. فأما
ما حكاه بعض الكوفيين من قولهم : هيؤ الرجل من الهيئة ، فوجهه أنه خرج مخرج
المبالغة فلحق بباب قولهم : قضو الرجل ، إذا جاد قضاؤه ، ورمو إذا جاد رميه ، فكما
بني فعل مما لامه ياء ، كذلك خرج هذا على أصله في فعل مما عينه ياء ، وعلّتهما
جميعا أنّ هذا بناء لا يتصرف لمضارعته ـ لما فيه من المبالغة ـ لباب التعجب ، ونعم
وبئس ، فلما لم يتصرف احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفا للباب ، ألا تراهم
إنما تحاموا أن يبنوا فعل مما عينه ياء مخافة انتقالهم من الأثقل إلى ما هو أثقل
منه ، لأنه كان يلزمهم أن يقولوا : بعت أبوع ،
__________________
ويبوع وبوعا وبوعوا وبوعي ونحو ذلك من تصاريفه ، وكذلك لو جاء : فعل مما
لامه ياء متصرفا للزم أن يقولوا : رموت ويرموان وهن يرمون ونحو ذلك ، فيكثر قلب
الياء واوا وهي أثقل من الياء.
فأما قولهم :
رمو الرجل ، فإنه لا يتصرف فلا يفارق موضعه هذا كما يتصرف نعم وبئس فاحتمل ذلك فيه
لجموده عليه وأمنهم تعديه إلى غيره ، وكذلك احتمل هيؤ الرجل ، ولم يعل لأنه لا
يتصرف لمضارعته بالمبالغة فيه باب التعجب ونعم وبئس ، ولو صرف للزم إعلاله وأن
يقال : هاء يهوء ، فلما لم يتصرف لحق بصحة الأسماء ، فكما صح نحو : القود والحركة
والصيد والغيب كذلك صح هيؤ الرجل فاعرفه ، كما صح ما أطوله وأبيعه ونحو ذلك.
ومما لا يراجع
باب افتعل إذا كانت فاؤه صادا أو ضادا وطاء أو ظاء ، فإن تاءه تقلب طاء نحو اصطبر
واضطرب واطّرد واظطلم وكذلك إذا كانت دالا أو ذالا أو زايا ، فإن تاءه تبدل دالا
نحو ادّلج واذّكر وازدان ، ولا يجوز خروج هذه التاء على أصلها ولم يأت ذلك في نظم
ولا نثر.
فأما ما حكاه
خلف من قول بعضهم : التقطت النوى واشتقطته واضتقطته ، فقد يجوز أن تكون الضاد بدلا
من اللام في التقطته فيترك إبدال التاء طاء مع الضاد ليكون إيذانا بأنها بدل من
اللام أو الشين ، فتصح التاء من الضاد ، كما صحت مع ما الضاد بدل منه ونظير ذلك
قول الشاعر : [الرجز]
٢١٥ ـ يا ربّ أبّاز من العفر صدع
|
|
تقبض الذئب
إليه واجتمع
|
لمّا رأى أن
لا دعه ولا شبع
|
|
مال إلى
أرطاة حقف فالطجع
|
فأبدل لام
الطجع من الضاد ، وأقر الطاء بحالها مع اللام ليكون ذلك دليلا على أنها بدل من
الضاد ، وهذا كصحة عور لأنه في معنى ما يجب صحته وهو اعورّ.
ومن ذلك
امتناعهم من تصحيح الواو الساكنة بعد الكسرة ، ومن تصحيح الياء الساكنة بعد الضمة
، فأما قراءة أبي عمرو في ترك الهمزة : (يا صالِحُ ائْتِنا) [الأعراف : ٧٧] بتصحيح الياء بعد ضمة الحاء ، فلا يلزمه عليه أن يقول : يا
غلام اوجل ، والفرق بينهما أن صحة الياء في (صالِحُ ائْتِنا) بعد الضمة له نظير ، وهو قولهم : قيل وبيع ، فحمل
المنفصل على المتصل ، وليس في كلامهم واو ساكنة صحت بعد كسرة فيجوز قياسا عليها يا
غلام اوجل.
__________________
فإن قلت : فإن
الضمة في نحو قيل وبيع ، لم تصح لأنها إشمام ضم للمكسرة ، والكسرة في يا غلام اوجل
كسرة صريحة فهذا فرق.
قيل : الضمة في
حاء (يا صالح) ضمة بناء فأشبهت ضمة (قيل) من حيث كانت بناء وليس لقولك : (يا غلام
أوجل) شبيه فيحمل عليه ، لا كسره صريحة ولا كسرة مشوبة ، فأما تفاوق ما بين
الحركتين في كون إحداهما ضمة صريحة ، والأخرى ضمة غير صريحة ، فأمر تفتقر العرب ما
هو أعلى وأظهر منه ، وذلك أنهم قد اغتفروا اختلاف الحرفين مع اختلاف الحركتين في
نحو جمعهم في القافية بين سالم وعالم مع قادم وظالم ، فإذا تسامحوا بخلاف الحرفين
مع الحركتين ، كان تسامحهم بخلاف الحركتين وحدهما في (يا صالح ايتنا) ، وقيل وبيع
، أجدر بالجواز.
فإن قلت : فقد
صحت الواو الساكنة بعد الكسرة نحو : اجلوّاذ واخرواط.
قيل : الساكنة
هنا لما أدغمت في المتحركة فنبا اللسان عنهما جميعا نبوة واحدة ، جرتا لذلك مجرى
الواو المتحركة بعد الكسرة نحو طول وحول ، وعلى أن بعضهم قد قالوا : اجلوّاذا
فأعلّ مراعاة لأصل ما كان عليه الحرف ، ولم يبدل الواو بعدها لمكان الياء ، إذ
كانت هذه الياء غير لازمة فجرى ذلك في الصحة مجرى ديوان فيها. ومن قال : ثيره
وطيال ، فقياس قوله هنا أن يقول : اجلياذا ، فيقلبهما جميعا إذ كانا قد جريا مجرى
الواو الواحدة المتحركة.
فإن قيل :
فالحركات قبل الألفين في سالم وقادم ، كلتاهما وإنما شيت إحداهما بشيء من الكسرة ،
وليست كذلك الحركتان في حاء يا صالح وقاف قيل ، من حيث كانت الحركة في حاء يا صالح
ضمة البتة ، وحركة قاف (قيل) كسرة مشوبة بالضم ، فقد ترى الأصلين هنا مختلفين وهما
هناك أعني في سالم وقادم متفقان.
قيل : كيف
تصرفت الحال فالضمة في قيل مشوبة غير مخلصة ، كما أن الفتحة في سالم مشوبة غير
مخلصة ، نعم ولو تطعمت الحركة في قاف (قيل) لوجدت حصة الضم فيها أكثر من حصة الكسر
، وأدون أحوالها أن تكون في الذوق مثلها ، ثم من بعد ذلك ما قدمناه من اختلاف
الألفين في سالم وقادم لاختلاف الحركتين قبلهما الناشئة هما عنهما ، وليست الياء
في (قيل) كذلك بل هي ياء مخلّصة ، وإن كانت الحركة قبلها مشوبة غير مخلصة ، وسبب
ذلك أن الياء الساكنة سائغ غير مستحيل فيها أن تصح بعد الضمة المخلصة فضلا عن
الكسرة المشوبة بالضم ، ألا يتعذر عليك صحة الياء ، وأن أخلصت قبلها الضمة في نحو (ميسر)
في اسم الفاعل من أيسر لو تجشمت إخراجه على الصحة ، وكذلك لو تجشمت تصحيح واو
موزان
قبل القلب ، وإنما في ذلك تجشم الكلفة في إخراج الحرفين مصححين غير معلين ،
فأما الألف فحديث غير هذا ألا ترى أنه ليس في الطوق ، ولا من تحت القدرة صحة الألف
بعد الضمة ولا الكسرة ، بل إنما هي تابعة للفتحة قبلها ، فإن صحّت الفتحة قبلها
صحّت بعدها ، وإن شيبت الفتحة بالكسرة نحي بالألف نحو الياء نحو سالم وعالم ، وإن
شيبت بالضمة نحي بالألف نحو الواو في الصلوة والزكوة ، وهي ألف التفخيم فقد بان لك
بذلك الفرق بين الألف وبين الياء والواو فهذا طرف من القول على ما يراجع من الأصول
للضرورة مما يرفض فلا يراجع فاعرفه وتنبه لأمثاله فإنها كثيرة. انتهى.
المبحث الثاني : في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى
عقد له ابن
جنّي بابا بعد الباب الذي تقدّم قال : فمن الأول قولهم : صغت الخاتم ، وحكت الثوب ونحو ذلك
، وذلك أن فعلت هاهنا عديت فلو لا أن أصل هذا فعلت ـ بفتح العين ـ لما جاز أن تعمل
فعلت ، ومن ذلك قوله : [الطويل]
٢١٦ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة
|
|
ومختبط مما
تطيح الطّوائح
|
ألا ترى أن أول
البيت مبني على اطراح ذلك الفاعل ، وأن آخره قد عوود فيه الحديث عن الفاعل ، فإن
تقديره فيما بعد : ليبكه مختبط ، فدلّ قوله : (ليبك) على ما أراده من قوله : ليبكه
، ونحوه قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ
خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ
ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] مع قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : ١] ، وقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ.
عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٣ ـ ٤] وأمثاله كثيرة ، ونحو من البيت قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦] ، أي : يسبّح له فيها رجال. ومن الأصول المراعاة قولهم : مررت
برجل ضارب زيد وعمرا ،
__________________
وليس زيد بقائم ولا قاعدا ، و (إِنَّا مُنَجُّوكَ
وَأَهْلَكَ) [العنكبوت : ٣٣] وإذا جاز أن تراعى الفروع نحو قوله : [الطويل]
٢١٧ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى
|
|
ولا سابق
شيئا إذا كان جائيا
|
وقوله : [الطويل]
٢١٨ ـ مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
|
|
ولا ناعب إلا
ببين غرابها
|
كانت مراجعة
الأصول أولى وأجدر.
ومن ضد ذلك :
هذان ضارباك ، ألا ترى أنك لو اعتددت بالنون المحذوفة لكنت كأنك قد جمعت بين
الزيادتين المعتقبتين في آخر الاسم ، وعلى هذا القبيل أكثر الكلام : أن يعامل
الحاضر فيغلّب حكمه لحضوره على الغائب لمغيبه ، وهو شاهد لقوة إعمال الثاني من
الفعلين لقربة وغلبته على إعمال الأول لبعده.
ومن ذلك قوله : [الطويل]
[وقالوا تعرفها المنازل من منى]
|
|
وما كلّ من
وافى منى أنا عارف
|
في من نوّن أو
أطلق مع رفع كل ، ووجه ذلك أنه إذا رفع (كلا) فلا بدّ من تقديره الهاء ليعود على
المبتدأ من خبره ضمير وكل واحد من التنوين في عارف ومدة الإطلاق في عارفونا في
اجتماعه مع الهاء المرادة المقدرة ، ألا ترى أنك لو
__________________
جمعت بينهما فقلت عارفنه أو عارفوه لم يجز شيء من ذينك ، وإنما هذا لمعاملة
الحاضر وإطراح حكم الغائب فاعرفه وقسه فإنه باب واسع.
المبحث الثالث : في مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد
قال ابن جنّي :
هذا موضع بحث قلما وقع تفصيله وهو معنى يجب أن ينبه عليه ويحرر القول فيه.
من ذلك قولهم
في ضمة الذال من قولك : ما رأيته مذ اليوم إنهم يقولون : في ذلك إنهم لما حركوها
لالتقاء الساكنين لم يكسروها لكنهم ضموها. لأن أصلها الضم في : منذ كذا لعمري!!
لكنه الأصل الأقرب ، ألا ترى أن أول حال هذه الذال أن تكون ساكنة وأنها إنما ضمت
لالتقاء الساكنين إتباعا لضمه الميم ، فهذا على الحقيقة هو الأصل الأول ، فأما ضمّ
ذال منذ فإنما هو بعد سكونها الأول المقدر ، ويدلّ على أن حركتها إنما هي لالتقاء
الساكنين أنه لما زال التقاؤهما سكنت الذال في مذ وهذا واضح ، فضمة الذال إذن من
قولهم مذ اليوم إنما هو ردّ إلى الأصل الأقرب الذي هو منذ دون الأبعد المقدر الذي
هو سكون الذال في منذ قبل أن تحرك ، ولا يستنكر الاعتداد بما لم يخرج إلى اللفظ
لأن الدليل إذا قام على شيء كان في حكم الملفوظ به وإن لم يجر على ألسنتهم
استعماله ، ألا ترى إلى قول سيبويه في (سردد) أنه إنما ظهر تضعيفه لأنه ملحق بما
لم يجئ وقد علمنا أن الإلحاق إنما هو صناعة لفظية ، ومع هذا فلم يظهر ذاك الذي
قدره ملحقا هذا به ، فلو لا ما يقوم الدليل عليه مما لم يظهر إلى النطق بمنزلة الملفوظ
به لما ألحقوا سرددا بما لم يفوهوا به.
ومن ذلك قولهم
: بعت وقلت ، فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد ، لأن أصلهما فعل بفتح
العين بيع وقول ، ثم نقلا من فعل إلى فعل وفعل ، ثم قلبت الواو والياء في فعلت
ألفا فالتقى ساكنان العين المعتلة المقلوبة ألفا ولام الفعل ، فحذفت العين
لالتقائهما فصار التقدير قلت وبعت ، فهذه مراجعة أصل ، إلا أنه ذلك الأصل الأقرب
لا الأبعد ، ألا ترى أن أول أحوال هذه العين في صيغة المثال إنما هو فتحة العين
التي أبدلت منها الضمة والكسرة وهذا واضح.
ومن ذلك قولهم
في (مطايا) و (عطايا) : أنهما لما أصارتهما الصنعة إلى مطاء وعطاء أبدلوا الهمزة
على أصل ما في الواحد وهو الياء في مطية وعطية ، في الأصل مطيوة وعطيوة لأنهما من
مطوت وعطوت ، فأصل الياء فيهما الواو ولوحظ ما فيهما
من الياء دون الأصل الذي هو الواو رجوعا إلى الظاهر الأقرب إليك دون الأول
الأبعد عنك ، ففي هذا تقوية لإعمال الثاني من الفعلين لأنه الأقرب.
وليس كذلك صرف
ما لا ينصرف ولا إظهار التضعيف ، لأن هذا هو الأصل الأول على الحقيقة وليس وراءه
أصل هذا أدنى إليك منه كما كان فيما تقدم ، فاعرف الفرق بين ما هو مردود إلى أول
دون ما هو أسبق رتبة منه ، وبين ما يرد إلى أول ليست وراءه رتبة متقدمة له.
المبحث الرابع : في مراجعة أصل واستئناف فرع
قال ابن جنّي :
اعلم أن كل حرف غير منقلب احتجت إلى قلبه فإنك حينئذ ترتجل له فرعا ولست تراجع به
أصلا.
ومن ذلك
الألفات غير المنقلبة الواقعة أطرافا للإلحاق أو للتأنيث أو لغيرها من الصيغة لا
غير ، فالتي للإلحاق كألف (أرطى) فيمن قال : (مأروط) و (حنبطى) و (دلنظى) ، والتي
للتأنيث كألف سكرى وغضبى وجمادى ، والتي للصيغة لا غير كألف ضبغطرى وقبعثرى وزبعرى
، فمتى احتجت إلى تحريك واحدة من هذه الألفات للتثنية أو الجمع قلبتها ياء فقلت :
أرطيان وحبنطيان وكذا الباقي ، فهذه الياء فرع مرتجل وليست مراجعا بها أصل ، لأنه
ليس واحدة منها منقلبة أصلا لا عن ياء ولا غيرها ، بخلاف الألف المنقلبة كألف مغزى
ومدعى ، لأن هذه منقلبة عن ياء منقلبة عن واو في : غزوت ودعوت وأصلهما مغزو ومدعو
، فلما وقعت الواو رابعة هكذا قلبت ياء فصارت مغزي ومدعي ، ثم قلبت الياء ألفا
فصارت مغزى ومدعى ، فلما احتجت إلى تحريك هذه الألف راجعت بها الأصل الأقرب وهو
الياء فصارتا ياء في مغزيان ومدعيان.
وقد يكون الحرف
منقلبا فتضطر إلى قلبه فلا ترده إلى أصله الذي كان منقلبا عنه ، وذلك كقولك في
حمراء : حمراوي وحمراوات ، فتقلب الهمزة واوا وإن كانت منقلبة عن ألف ، وكذلك إذا
نسبت إلى شقاوة فقلت : شقاوي فهذه الواو في شقاوي بدل من همزة مقدرة ، كأنك لما
حذفت الهاء فصارت الواو طرفا أبدلنها همزة فصارت في التقدير إلى شقاء فأبدلت
الهمزة واوا فصارت شقاوي ، فالواو إذن في شقاوي غير الواو في شقاوة ، ولهذا نظائر
في العربية كثيرة.
ومنها : قولهم
في الإضافة إلى عدوة عدوي ، وذلك أنك لما حذفت الهاء حذفت لها واو فعولة ، كما
حذفت لحذف تاء حنيفة ياءها فصارت في التقدير إلى
عدو فأبدلت من الضمة كسرة ومن الواو ياء فصار إلى عد. فجرت في ذلك مجرى عم
، فأبدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألفا فصارت إلى عدي كهدي ، فأبدلت من الألف
واوا لوقوع يائي الإضافة بعدها فصارت عدوي كهدوي ، فالواو في عدوي ليست بالواو في
عدوة إنما هي بدل من ألف بدل من ياء بدل من الواو الثانية في عدوة ـ فاعرفه.
وفي (البسيط)
قيل : إن تعريف ألفاظ التأكيد أجمع وأجمعون وجمعاء وجمع بالإضافة المقدرة كسائر
أخواتها ، والدليل على مراجعة الشاعر للأصل قال : [الرجز]
٢١٩ ـ إن الخليط باك أجمعه
فأجمعه تأكيد
للضمير في باك.
مراعاة الصورة
قال ابن هشام
في (تذكرته) : هذا باب ما فعلوه مراعاة للصورة.
ومن ذلك (الذين)
خصوه بالعاقل لأنه على صورة ما يختص بالعاقل وهو الزيدون والعمرون وإلا فمرده الذي
وهو غير مختص بالعاقل ، قاله ابن عصفور في (شرح المقرب).
ومن ذلك (ذو)
الموصولة أعربها بعضهم تشبيها بذي التي بمعنى صاحب لتعاقبهما في اللفظ ، وإن كانت
الموصولة فيها مقتضيا للبناء وهو الافتقار للتأصل.
معنى النفي مبني على معنى الإيجاب
ما لم يحدث أمر من خارج
ذكر هذه
القاعدة ابن النحاس في (التعليقة) ، وبنى عليها أن لما لنفي الماضي القريب من
الحال لأنها لنفي قد فعل ، وقد فعل إنما هو الماضي المقرب من الحال وأنه يجوز حذف
الفعل مع (لما) دون (لم) وذلك لأن لما نفي قد فعل ، وقد يجوز حذف الفعل معها كقوله
: [الكامل]
[أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا
|
|
لما تزل
برحالنا] وكأن قد
|
وتقديره وكأنه
قد زالت فجاز أيضا حذف الفعل مع (لما) حملا للنفي على الإثبات ، وأما (لم) فإنما
هي نفي فعل ، وفعل لا يجوز حذفها لأنه حينئذ يكون سكوتا وعدم كلام لا حذفا ، فلما
لم يحذف الفعل في إيجابه لم يحذف في نفيه.
__________________
حرف النون
النادر لا حكم له
قال الأندلسي
في (شرح المفصل) : يعنون أنه لا يفرد بحكم يصير به أصلا ، بل ينبغي أن يرد إلى أحد
الأصول المعلومة محافظة على تقريرها واحتراسا من نقضها ، قال : وما من علم إلّا
وقد شذّت منه جزئيات مشكلة فترد إلى القواعد الكلية والضوابط الجميلة.
نقض الغرض
قال ابن جنّي :
حذف خبر كان ضعيف في القياس وقلما يوجد في الاستعمال.
فإن قلت : خبر
كان يتجاذبه شيئان أحدهما : خبر المبتدأ ، لأنه أصله ، والثاني : المفعول به ،
لأنه منصوب بعد مرفوع ، وكل واحد من خبر المبتدأ والمفعول به يجوز حذفه.
قيل : إلا أنه
قد وجد فيه منع من ذلك وهو كونه عوضا من المصدر ، فلو حذفه لنقضت الغرض الذي جئت
به من أجله وكان نحوا من إدغام الملحق وحذف المؤكد.
قال ابن جنّي :
لا يجوز حذف المقسم عليه وتبقية القسم ، لأن الغرض إنما هو توكيد المقسم عليه
بالقسم ، فمحال أن يؤتى بالمؤكد ويحذف المؤكد لأنه نقض الغرض ، كما لا يجوز أن
يؤتى بأجمعين من غير تقدم المؤكد.
قال ابن يعيش :
حذف المضاف إليه أقل من حذف المضاف وأبعد قياسا ، لأن الغرض من المضاف إليه
التعريف أو التخصيص ، وإذا كان الغرض منه ذلك وحذف كان نقضا للغرض وتراجعا عن
المقصود.
قال : وكذلك
الموصوف والصفة القياس أن لا يحذف واحد منهما ، لأن حذف أحدهما نقض للغرض وتراجع
عما التزموه لأنهما كالشيء الواحد من حيث كان البيان والإيضاح إنما يحصل من
مجموعهما.
وقال الأندلسي
في (شرح المفصل) : الأصل في هاء السكت أن تكون ساكنة
لأنها إنما زيدت لأجل الوقف ، والوقف لا يكون إلا على ساكن ، ومنه سمي وقفا
؛ لأنه وقوف عن الحركة فتحريكه يناقض الغرض الذي جيء بها لأجله.
النهي والنفي من واد واحد
ذكره الشيخ تقي
الدين السبكي في (كتاب كل) قال : فإذا قلت لا تضرب كل رجل أو كل الرجال ، فالنهي
عن المجموع لا عن كل واحد ، إلا أن تكون قرينة تقتضي النهي عن كل فرد.
النون تشابه حروف المدّ واللّين
من ستة عشر وجها
الأول
: أن تكون علامة
للرفع في الأفعال الخمسة ، كما تكون الألف والواو علامة للرفع في الأسماء المثناة
والمجموعة.
الثاني
: أنها تكون
ضميرا للجمع المؤنث ، كما تكون الواو ضميرا للجمع المذكر.
الثالث
: أن الجازم قد
يحذفها في لم يك ، ما يحذف الواو والياء والألف.
الرابع
: أن الاسمين
إذا ركبا وهي في آخر الاسم الأول فإنها قد تسكن نحو دستنبويه ، وباذنجانة ، كما
تسكن الياء في معدي كرب.
الخامس
: أنها قد تحذف
لالتقاء الساكنين في قوله : [الطويل]
[فلست بآتيه ولا أستطيعه]
|
|
ولاك اسقني
إن كان ماؤك ذا فضل
|
كما تحذف الواو
والياء والألف لالتقاء الساكنين.
السادس
: أن النون قد
تحذف اعتباطا عينا ولاما في منذ ولدن في قوله (من لد شولا) كما تحذف الواو عينا
ولاما في ثبة في أحد القولين وفي أخ.
السابع
: أنها تحذف
للطول في قوله : [الكامل]
٢٢٠ ـ أبني كليب إن عمّيّ اللّذا
كما تحذف الياء
للطول في قولهم أشهباب يريدون اشهيبابا.
__________________
الثامن
: أن الألف تبدل
منها في الوقف نحو : رأيت زيدا واضربا.
التاسع
: أن فيها غنة
كما أن في الألف وأختيها مدا.
العاشر
: أنها تكون
علامة للجمع لا ضميرا ، كما تكون الألف والنون علامة في قوله : [الطويل]
يعصرن السليط أقاربه
وقوله : [المتقارب]
٢٢١ ـ يلومونني في اشتراء النخي
|
|
ل قومي فكلهم
ألومو
|
وقوله : (التقتا
حلقتا البطان).
الحادي
عشر : أنها من حروف
الزيادة كما أن حروف المد واللين من حروف الزيادة.
الثاني
عشر : أنها تدغم في
الواو والياء في قولك زيد وعمرو ، وزيد يضرب.
الثالث
عشر : مصاحبتها حروف
المد واللين وحركات الإعراب في قولك زيدان وزيدون وزيدين وزيد وحذفها بحذف حركات
الإعراب في الوقف في قولك زيد.
الرابع
عشر : تعاقبهما في
المحل الواحد نحو جرنفش وجرافش.
الخامس
عشر : حذفها في
المحل الواحد الذي تحذف فيه الألف فيجتمع بحذفها أربعة أحرف متحركات نحو عرنتن
وعرتن وعلابط وعلبط.
السادس
عشر : حذفها لكثرة
الكلام بها كما تحذف الياء كذلك ، وذلك نحو بلعنبر وبلحرث ، كما قالوا : لا أدر ،
ذكر ذلك ابن الدهان في (الغرة) قال : فلما كان بين هذه الحروف وبين النون هذه
المناسبة زيدت في المضارع.
__________________
حرف الواو
الواسطة
قيل بها في
أبواب ، الأول باب المعرب والمبني فقيل إن بينهما واسطة لا توصف بالإعراب ولا
بالبناء وذلك في أشياء.
أحدهما
: الأسماء قبل
التركيب ، ذهب قوم إلى أنها واسطة لا معربة لعدم موجب الإعراب ، ولا مبنية لعدم
مناسبة مبني الأصل ، واختاره ابن عصفور وأبو حيان ، واختار الزمخشري أنها معربة.
الثاني
: المنادى
المفرد نحو يا زيد ، ذهب قوم إلى أنه واسطة بين المعرب والمبني ، حكاه ابن يعيش في
(شرح المفصّل) والصحيح أنه مبني.
الثالث
: المضاف إلى
ياء المتكلم ، قال ابن يعيش : اختلفوا في كسرته فذهب قوم إلى أنها حركة بناء وليست
إعرابا لأنها لم تحدث بعامل ، ولذلك لا تختلف باختلاف العوامل ، إلا أنها وإن كانت
بناء فهي عارضة في الاسم لوقوع الياء بعدها ، وإذا كانت عارضة لم تصر الكلمة بها
مبنية ، ونظير ذلك حركة التقاء الساكنين نحو لم يقم الرجل ، فهذه الكسرة ليست
إعرابا ، لأن لم لا تعمل الكسر ، ومع ذلك فالكلمة باقية على إعرابها لكونها عارضة
تزول عند زوال الساكن فهي كالضمة في نحو لم يضربوا ، وكالفتحة في نحو لم يضربا في
كونها عارضة للواو والألف.
وقد ذهب قوم
إلى أن هذه الحركة لها حكم حكمين ، وليست إعرابا ولا بناء ، أما كونها غير إعراب
فلأن الاسم يكون مرفوعا أو منصوبا وهي فيه ، وأما كونها غير بناء فلأن الكلمة لم
يوجد فيها شيء من أسباب البناء.
وقال ابن جنّي
في (الخصائص) : باب في الحكم يقف بين الحكمين ؛ هذا فصل موجود في العربية لفظا وقد
أعطته مفادا عليه وقياسا ، وذلك نحو كسرة ما قبل ياء المتكلم في نحو صاحبي وغلامي
، فهذه الحركة لا إعراب ولا بناء ، أما كونها غير إعراب فلأن الاسم يكون مرفوعا أو
منصوبا وهي فيه ، وليس بين الكسرة وبين الرفع والنصب في هذا ونحوه نسبة ولا مقاربة
، وأما كونها غير بناء فلأن الكلمة معربة
متمكنة فليست الحركة في آخره ببناء ، ألا ترى أن غلامي في التمكن واستحقاق
الإعراب كغلامك وغلامهم وغلامنا.
فإن قلت : فما
هذه الكسرة في نحو غلامي؟
قلت : هي من
جنس الكسرة في الرفع والنصب ، أكره الحرف عليها فلزمت في الحالات ، وليست إعرابا
إلا أن لفظها كلفظ حركة الإعراب ، كما أن كسرة الصاد من صنو غير كسرة الصاد في
صنوان حكما وإن كانت إياها لفظا.
وقال أبو
البقاء في (اللباب) : ليس في الكلام كلمة لا معربة ولا مبنية عند المحققين ، لأن
حد المعرب ضد حد المبني ، وليس بين الضدين هنا واسطة ، وذهب قوم إلى أن المضاف إلى
ياء المتكلم غير مبني إذ لا علة فيه توجب البناء ، وغير معرب إذ لا يمكن ظهور
الإعراب فيه مع صحة حرف إعرابه ، وسموه خصيا ، والذي ذهبوا إليه فاسد لأنه معرب
عند قوم ومبني عند آخرين ، على أن تسميتهم إياه خصيا خطأ لأن الخصي ذكر حقيقة
وأحكام الذكور ثابتة له ، وكان الأشبه بما ذهبوا إليه أن يسموه خنثى مشكلا.
وقال الشيخ
بهاء الدين بن النحاس في (التعليقة) : اختلف في المضاف إلى ياء المتكلم فقيل :
مبني وكسرته كسرة بناء لأنه لا يحدثها عامل الجر ، وعلة بنائه شبهه بالحروف لخروجه
عن كل مضاف ، لأن كل مضاف لا يتغير آخره لأجل المضاف إليه وخروج الشيء عن نظائره
يلحقه بالحروف إذ لا نظير لها من الأسماء ، وقيل : معرب لعدم علة البناء ، ولأن
الإضافة إلى المبني لا توجب بناء المضاف ولا تجوزه إلا في الظروف وفيما أجري مجراه
كمثل وغير ، فوجب أن يكون معربا. وقيل : لا معرب ولا مبني لأن الإعراب غير موجود
والبناء لا علة له ، فوجب أن يحكم بعدمهما ، أو يكون للاسم منزلة بين منزلتين ،
ونحو ذلك : الرجل ، ونحوه مما فيه ألف ولام فإنه لا منصرف لأن الصرف التنوين ولا
تنوين ، ولا غير منصرف لأنه لا يشبه الفعل ، والجواب : أن هذا لا نظير له وما ذكره
في المنصرف وغيره فصحيح لأن الصرف التنوين ، وغير المنصرف أشبه الفعل ، فليسا
متقابلين بخلاف الإعراب والبناء ، لأن الاسم إما معرب وهو المتمكن ، وإما غير متمكن
وهو المبني ، فهما قسيما الإثبات والنفي ولا واسطة بينهما. انتهى.
الرابع
: قال ابن
الدهان في (الغرة) : الكلام على ضربين : معرب ومبني ، وعند الرماني وغيره : قسم
ثالث لا معرب ولا مبني وهو (سحر) المعدول ، لأنه لا يزول عن هذه الحال وما فيه شيء
يوجب البناء ، وادعى قوم ذلك في غلامي ، وهذا خطأ عند الأكثرين لأنه يؤدي هذا
القول إلى أن عصا كذلك.
الخامس
: قال أبو حيان
في (الارتشاف) : زعم قوم منهم الكسائي أن (أمس) ليس مبنيا ولا معربا بل هو محكي من
فعل الأمر من إلا مساء ، فإذا قلت : جئت أمس ، فمعناه : اليوم الذي كنت تقول فيه
أمس.
الباب الثاني
باب المنصرف وغير المنصرف
قيل : إن
بينهما واسطة لا توصف بالصرف ولا بعدمه. قال ابن جنّي في الباب المشار إليه : ومن ذلك ما كانت فيه اللام أو الإضافة نحو : الرجل
وغلامك ، وصاحب الرجل ، فهذه الأسماء كلها وما كان نحوها لا منصرفة ولا غير منصرفة
، وذلك أنها ليست بمنونة فتكون منصرفة ولا مما يجوز للتنوين حلوله للصرف ، فإذا لم
يوجد فيه كان عدمه منه أمارة لكونه غير منصرف كأحمد وعمر.
وكذلك التثنية
والجمع على حدّها ، ليس شيء من ذلك منصرفا ولا غير منصرف ، معرفة كان أو نكرة من
حيث كانت هذه الأسماء ليس مما ينوّن مثلها ، فإذا لم يوجد فيها التنوين كان ذهابه
عنها أمارة لترك صرفها.
وقال صاحب (البسيط)
: من قال : المنصرف ما ليس فيه علّتان من العلل التسع. وغير المنصرف ما فيه علتان
، وتأثيرهما منع الجر والتنوين لفظا أو تقديرا ، فقد حصر المنصرف وغير المنصرف
ودخل في القيد التثنية والجمع والأسماء الستة وما فيه اللام والمضاف في غير ما لا
ينصرف فيكون على هذا (رجلان) اسم امرأة غير منصرف لوجود العلتين ، وتثنية رجل
منصرفا لعدم العلتين. وأما من قال : المنصرف ما دخله الحركات الثلاث والتنوين ،
وغير المنصرف ما لم يدخله جر ولا تنوين ، فإن التثنية والجمع والمعرف باللام
والإضافة تخرج عن الحصر ، فلذلك ذكرها صاحب (الخصائص) مرتبة ثالثة لا منصرفة ولا
غير منصرفة.
وقال أبو علي :
ما دخله اللام أو الإضافة من باب ما لا ينصرف لا أقول فيه بصرف ولا بعدمه ، فلا
أقول : إنه منصرف ، لأن المانع من الصرف موجود فيه وهو شبه الفعل ، وليس اللام أو
الإضافة ، بسالبة إياه شبه الفعل. ولا أقول : إنه غير منصرف لأن امتناع التنوين
عنه ليس لكونه لا ينصرف ، وإنما هو لدخول الألف واللام عليه فإنها مانع من
التنوين.
__________________
وقال الكزولي :
وأما أقسام الأسماء من جهة العموم فعلى ثلاثة أضرب : منصرف ، وغير منصرف ، وما لا
يقال فيه منصرف ولا غير منصرف. وهو أربعة : المضاف ، وما عرف باللام ، والتثنية ،
والجمع ، لا يقال : منصرفة إذ ليس فيها تنوين ولا يقال فيها غير منصرف إذ ليس فيها
علة تمنع الصرف.
وقال ابن
الحاجب : ظاهر كلام النحويين أن القسمة إلى المنصرف وغيره حاصرة ، وتفسيرهم كل
واحد من القسمين ينفي الحصر.
الباب الثالث : باب العلم
منه منقول ،
ومنه مرتجل ، ومنه قسم ثالث لا منقول ولا مرتجل ، وهو الذي علميته بالغلبة. ذكره
أبو حيان.
وقال في البسيط
: العلم المعدول كعمر وزفر فيه ثلاثة أقوال :
أحدهما
: أنه مشتقّ من
المعدول عنه فعلى هذا يكون منقولا.
والثاني
: أنه مرتجل غير
مشتق ، لأن لفظ المعدول لم يستعمل في مسمّى ، ثم نقل منه ، وليس وزن المعدول
موافقا لوزن المعدول عنه حتى يكون منقولا.
والثالث
: أنه ليس
منقولا على الإطلاق ، ولا مرتجلا على الإطلاق ، بل هو مشابه للمنقول لموافقة حروفه
لحروف المعدول عنه ، ومشابه للمرتجل لاختصاصه بوزن لا يوافقه المعدول عنه فيه.
الباب الرابع : باب الظاهر والمضمر
قال الأندلسي
في (شرح المفصّل) : قال ابن درستويه (إيّا) متوسط بين الظاهر والمضمر كاسم الإشارة
، ولذلك ألبس أمره لكونه أخذ شبها من هذا وشبها من هذا.
وقال ابن يعيش
في (شرح المفصل) : وقال ابن درستويه : (إيّا) اسم لا ظاهر ولا مضمر ، بل
هو كنّي به عن المنصوب وجعلت الكاف والهاء والياء بيانا عن المقصود ، وليعلم
المخاطب من الغائب ، ولا موضع لها من الإعراب ، ويعزى هذا القول إلى أبي الحسن
الاخفش إلا أنه أشكل عليه أمر (إيا) فقال : هي مبهمة بين الظاهر والمضمر ،
والجمهور عى أنها اسم مضمر وذهب الزجاج إلى أنها اسم ظاهر يضاف إلى المضمرات.
__________________
وقال ابن يعيش
أيضا : قد جعل بعضهم اسم الإشارة من الأسماء الظاهرة وهو القياس إذ لا تفتقر
إلى تقدم ظاهر فتكون كناية عنه ولأنه غلب عليه أحكام الأسماء الظاهرة نحو وصفه ،
والوصف به ، وتثنيته ، وتحقيره ، وقد أشكل أمره على قوم فجعلوه قسما ثالثا بين
الأسماء الظاهرة والمضمرة ، لأن له شبها بالظاهرة وشبها بالمضمرة فمن حيث كانت
مبنية ولم يفارقها تعريف الإشارة كانت كالمضمرة ، ومن حيث صغّرت ووصفت ووصف بها
كانت كالظاهرة.
وقال الأندلسي
: بعض النحاة يقول : أنواع المعارف ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وبينهما ، وهو المبهم.
الباب الخامس : باب الوقف والوصل
قال ابن جنّي : ومن ذلك قوله : [الوافر]
٢٢٢ ـ له زجل كأنّه صوت حاد
|
|
[إذا طلب الوسيقة أو زمير]
|
فحذف الواو من (كأنه)
لا على حد الوقف ولا على حد الوصل أما الوقف فيقضي بالسكون : كأنه ، وأما الوصل فيقضي
بالمطل وتمكن الواو : كأنهو ، فقوله : كأنه منزلة بين الوصل والوقف ، وكذلك قوله :
[الرجز]
٢٢٣ ـ يا مرحباه بحمار ناجيه
|
|
إذا أتى
قرّبته للسّانيه
|
فثبات الهاء في
(مرحبا) ليس على حد الوقف ولا على حد الوصل ، أما الوقف فيؤذن بأنها ساكنة : يا
مرحباه ، وأما الوصل فيؤذن بحذفها أصلا : يا مرحبا بحمار ناجيه ، فثباتها في الوصل
متحركة منزلة بين المنزلتين ، وكذلك قوله : [الرجز]
٢٢٤ ـ ببازل وجناء أو عيهلّ
__________________
فإثبات الياء
مع التضعيف طريف ، وذلك أن التثقيل من أمارة الوقف ، والياء من أمارة الإطلاق فهو
منزلة بين المنزلتين.
الباب السادس : باب حروف الجر
قال ابن هشام
في (المغني) : التحقيق في اللام المقوية نحو : (مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) [البقرة : ٩١] ، (فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] ، (إِنْ كُنْتُمْ
لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، أنها ليست زائدة محضة لما تخيل في العامل من الضعف الذي نزله
منزلة القاصر ، ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها فلها منزلة بين المنزلتين.
فصل : مراتب المنادى والإشارة
قال ابن إياز :
جعل ابن معط للمنادى مرتبتين : البعد والقرب ، فيا وأيا وهيا للأول ، وأي والهمزة
للثاني ، وابن برهان جعل له ثلاث مراتب : بعدى وقربى ووسطى بينهما ، فللأولى : أيا
وهيا وللثانية الهمزة وللثالثة : أي. وجعل يا مستعملة في الجميع ، انتهى.
ونظير ذلك
الإشارة ، جعل له ابن عصفور ثلاث مراتب دنيا ووسطى وقصوى ، فللأولى ذو وتي ، وللثانية
: ذاك وتيك بالكاف دون اللام ، وللثالثة : ذلك وتلك ، بالكاف واللام وجعل له
مرتبتين فقط.
ورود الشيء مع نظيره مورده مع نقيضه
قال ابن جنّي : وذلك أضرب ، منها : اجتماع المذكر والمؤنث في الصفة
المؤنثة ، نحو : رجل علّامة ، وامرأة علّامة ، ورجل نسّابة ، وامرأة نسّابة ، ورجل
همزة لمزة ، وامرأة همزة لمزة ، ورجل صرورة ، وفروقة ، وامرأة صرورة ، وفروقة ،
ورجل هلباجة فقاقة ، وامرأة كذلك وهو كثير ، وذلك أن الهاء في نحو ذلك لم تلحق
لتأنيث الموصوف بما هي فيه وإنما لحقت لإعلام السامع أنّ هذا الموصوف بما هي فيه
قد بلغ الغاية والنهاية ، فجعل تأنيث الصفة أمارة لما أريد من تأنيث الغاية
والمبالغة ،
__________________
وسواء كان الموصوف بتلك الصفة مذكرا أم مؤنثا ، يدلّ على ذلك أن الهاء لو
كانت في نحو : امرأة فروقة ، إنما لحقت لأن المرأة مؤنثة لوجب أن تحذف في المذكر ،
فيقال : رجل فروق ، كما أن التاء في قائمة وظريفة لما لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع
تذكيره في نحو : رجل ظريف وقائم وكريم وهذا واضح.
ونحو من تأنيث
هذه الصفة ليعلم أنها بلغت المعنى الذي هو مؤنث أيضا تصحيحهم العين في نحو : حول ،
وصيد واعتونوا واجتوروا ،. إيذانا بأن ذلك في معنى ما لا بدّ من تصحيحه ، وهو
أحولّ ، وأصيدّ ، وتعاونوا وتجاوروا ، وكما كررت الألفاظ لتكرير المعاني نحو
والزلزلة والصلصلة والصرصرة وهو باب واسع.
ومنها : اجتماع
المؤنث والمذكر في الصفة المذكرة وذلك نحو رجل خصم ، وامرأة خصم ، ورجل عدل ،
وامرأة عدل ، ورجل ضيف ، وامرأة ضيف ، ورجل رضا ، وامرأة رضا ، وكذلك ما فوق
الواحد نحو رجلان رضا وعدل ، وقوم رضا ، وعدل ، وقال زهير : [الطويل]
٢٢٥ ـ متى يشتجر قوم يقل سرواتهم
|
|
هم بيننا فهم
رضا وهم عدل
|
وسبب اجتماعهما
هنا في هذه الصفة أن التذكير إنما أتاها من قبل المصدرية فإذا قيل : رجل عدل فكأنه
وصف بجميع الجنس مبالغة ، كما تقول : استولى على الفضل ، وحاز جميع الرياسة والنبل
، ولم يترك لأحد نصيبا في الكرم والجود ، ونحو ذلك. فوصف بالجنس أجمع تمكينا لهذا
الموضع ، وتوكيدا ، وقد ظهر عنهم ما يؤيد هذا المعنى ويشهد به وذلك نحو قوله : [الطويل]
٢٢٦ ـ ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل
|
|
وضنّت علينا
والضّنين من البخل
|
فهذا كقولك :
هو مجبول من الكرم ، ومطين من الخير ، وهي مخلوقة من البخل ، وهذا أوفق معنى من أن
تحمله على القلب وأنه يريد به والبخل من الضنين لأن فيه من الإعظام والمبالغة ما
ليس في القلب. ومنه قوله : [الطويل]
__________________
٢٢٧ ـ ...
|
|
وهنّ من
الإخلاف قبلك والمطل
|
وقوله : [الطويل]
:
٢٢٨ ـ [لخلّابة العينين كذّابة المنى]
|
|
وهنّ من
الإخلاف والولعان
|
وأقوى
التأويلين في قولها : [البسيط]
[ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت]
|
|
فإنّما هي
إقبال وإدبار
|
أن تكون من هذا
، أي : كأنها خلقت من الإقبال والإدبار ، لا على أن يكون من باب حذف المضاف أي :
ذات إقبال وذات إدبار ، ويكفيك من هذا كله قول الله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] ، وذلك لكثرة فعله إياه واعتياده له ، وهذا أقوى معنى من
أن يكون أراد : خلق العجل من الإنسان ، لأنه أمر قد اطرد واتسع فحمله على القلب
يبعد في الصنعة ، ويصغر في المعنى ، وكأن هذا الموضع لما خفي على بعضهم قال في
تأويله : إن العجل هنا الطين ، ولعمري إنه في اللغة كما ذكر ، غير أنه في هذا
الموضع لا يراد به إلا نفس العجلة والسرعة ، ولهذا قال عقبه : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا
تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧] ونظيره قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ
عَجُولاً) [الإسراء : ١١] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ
ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] لأن العجلة ضرب من الضعف لما تؤذن به من الضرورة والحاجة ،
فلما كان الغرض من قولهم : رجل عدل وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس جعل
الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكر.
فإن قلت : فإن
نفس لفظ المصدر قد جاء مؤنثا ، نحو : الزيارة ، والعيادة ، والضؤولة ، والجهومة ،
والمحمية ، والموجدة ، والطلاقة والسباطة ، وهو كثير جدا ، فإذا كان نفس المصدر قد
جاء مؤنثا فما هو في معناه ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه.
قيل : الأصل ـ لقوته
ـ أحمل لهذا المعنى من الفرع لضعفه ، وذلك أن الزيارة والعيادة ونحو ذلك مصادر غير
مشكوك فيها ، فلحاق التاء لها لا يخرجها عما ثبت في النفس من مصدريتها ، وليس كذلك
الصفة لأنها ليست في الحقيقة مصدرا ،
__________________
وإنما هي متأولة عليه ، ومردودة بالصنعة إليه ، فلو قيل : رجل عدل وامرأة
عدلة ـ وقد جرت صفة كما ترى ـ لم يؤمن أن يظن بها أنها صفة حقيقية كصعبة من صعب ،
وندبة من ندب ، وفخمة من فخم ، ورطبة من رطب ، فلم يكن فيها من قوة الدلالة على
المصدرية ما في نفس المصدر نحو : الجهومة ، والشّهومة ، والطّلاقة ، والخلافة ،
فالأصول لقوتها يتصرف فيها والفروع لضعفها يتوقف بها ويقتصر على بعض ما تسوغه
القوة لأصولها.
فإن قلت : فقد
قالوا : رجل عدل وامرأة عدلة ، وفرس طوعة القياد وقال أميّة : [البسيط]
٢٢٩ ـ والحيّة الحتفة الرقشاء أخرجها
|
|
من بيتها
آمنات الله والكلم
|
قيل : هذا إنما
خرج على صورة الصفة ، لأنهم لم يؤثروا أن يبعدوا كل البعد عن أصل الوصف الذي بابه
أن يقع للفرق فيه بين مذكره ومؤنثه ، فجرى هذا في حفظ الأصول والتلفت إليها
للمباقاة لها والتنبيه عليها مجرى إخراج بعض المعتل على أصله نحو استحوذ ومجرى
إعمال صغته وعدته ، وإن كان قد نقل إلى فعلت لما كان أصله فعلت ، وعلى ذلك أنث
بعضهم فقال : خصمة وضيفة ، وجمع فقال : [المنسرح]
٢٣٠ ـ يا عين هلّا بكيت أربد إذ
|
|
قمنا وقام
الخصوم في كبد
|
وعليه قول
الآخر : [الطويل]
٢٣١ ـ إذا نزل الأضياف كان عذوّرا
|
|
على الحيّ
حتّى تستقلّ مراجله
|
الأضياف هنا
بلفظ القلّة ومعناها أيضا ، وليس كقوله : [الطويل]
[لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى]
|
|
وأسيافنا
يقطرن من نجدة دما
|
في أن المراد
بها معنى الكثرة ، وذلك أمدح لأنه إذا قرى الأضياف وهم قليل
__________________
بمراجل الحي أجمع ، فما ظنك إذا نزل به الضيفان الكثيرون. فإن قيل : فلم
أنّث المصدر أصلا؟ وما الذي سوغ التأنيث فيه مع معنى العموم والجنس ، وكلاهما إلى
التذكير ، حتى احتجت إلى الاعتذار له بقولك إنه أصل ، وإن الأصول تحتمل ما لا
تحتمله الفروع؟.
قيل : علة جواز
تأنيث المصدر مع ما ذكرته من وجوب تذكيره أن المصادر أجناس للمعاني كما أن غيرها
أجناس للأعيان نحو : رجل ، وفرس ، ودار ، وبستان ، فكما أن أسماء الأجناس الأعيان
قد تأتي مؤنثة الألفاظ ، ولا حقيقة تأنيث في معناها ، نحو غرفة ومشرقة ، وعلية ،
ومروحة ، ومقرمة ، كذلك جاءت أيضا أجناس المعاني مؤنثا بعضها لفظا لا معنى. وذلك
نحو المحمدة والموجدة والرشاقة ونحوها ، نعم ، وإذا جاز تأنيث المصدر وهو على
مصدريته غير موصوف به لم يكن تأنيثه وجمعه وقد جرى وصفا وحل المحلّ الذي من عادته
أن يفرق فيه بين مذكره ومؤنثه ، وواحده وجماعته ، قييحا ولا مستكرها ، أعني ضيفة
وخصمة وأضيافا وخصوما ، وإن كان التذكير والإفراد أقوى في اللغة وأعلى في الصنعة ،
قال تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ
الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) [ص : ٢١] وإنما كان التذكير والإفراد أقوى من قبل أنك لما وصفت بالمصدر
أردت المبالغة بذلك ، وكان من تمام المعنى وكماله أن تؤكد ذلك بترك التأنيث والجمع
، كما يجب للمصدر في أول أحواله ، ألا ترى أنك إذا أنثت وجمعت سلكت به مسلك الصفة
الحقيقية التي لا معنى لمبالغة فيها ، نحو قائمة ، ومنطلقة ، وضاربات ، ومكرمات ،
فكان ذلك يكون نقضا للغرض ، أو كالنقض له ، فلذلك قلّ حتى وقع الاعتذار لما جاء
منه مؤنثا ، أو مجموعا.
ومما جاء من
المصادر مجموعا ومعملا أيضا قوله : [الطويل]
٢٣٢ ـ [وعدت وكان الخلف منك سجيّة]
|
|
مواعيد عرقوب
أخاه بيثرب
|
ومنه عندي
قولهم : «تركته بملاحس البقر أولادها» فالملاحس جمع ملحس ، ولا يخلو أن يكون مكانا ، أو مصدرا
، فلا يجوز أن يكون هنا مكانا لأنه قد
__________________
عمل في الأولاد فنصبها ، والمكان لا يعمل في المفعول به ، كما أن الزمان لا
يعمل فيه وإذا كان الأمر على ما ذكرنا كان المضاف هنا محذوفا مقدرا وكأنه قال :
تركته بمكان ملاحس البقر أولادها كما أن قوله : [الطويل]
٢٣٣ ـ وما هي إلا في إزار وعلقة
|
|
مغار ابن
همّام على حيّ خثعما
|
محذوف المضاف
أي : وقت إغارة ابن همام على حي خثعم ، ألا تراه قد عداه إلى (على) ، في قوله :
على حيّ خثعما ، فملاحس البقر إذن مصدر مجموع يعمل في المفعول به كما أن : [الطويل]
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
كذلك وهو غريب
، وكان أبو علي يورد : «مواعيد عرقوب أخاه» مورد الطريف المتعجب منه ، فأما قوله :
[البسيط]
٢٣٤ ـ كم جرّبوه فما زادت تجاربهم
|
|
أبا قدامة ،
إلا المجد والفنعا
|
فقد يجوز أن
يكون من هذا ، وقد يجوز أن يكون (أبا قدامة) منصوبا بزادت ، أي : فما زادت أبا
قدامة تجاربهم إياه إلا المجد ، والوجه أن تنصبه بتجاربهم لأنها العامل الأقرب ،
ولأنه لو أراد إعمال الأول لكان حريا أن يعمل الثاني أيضا ، فيقول : فما زادت
تجاربهم إياه أبا قدامة إلا كذا ، كما تقول : ضربت فأوجعته زيدا ، ويضعف ضربت
فأوجعت زيدا ، على إعمال الأول ، وذلك أنك إذا كنت تعمل الأول على بعده ، وجب
إعمال الثاني أيضا لقربه لأنه لا يكون الأبعد أقوى حالا من الأقرب.
فإن قلت :
اكتفي بمفعول العامل الأول من مفعول العامل الثاني ، قيل لك : وإذا كنت مكتفيا
مختصرا فاكتفاؤك بإعمال الثاني الأقرب أولى من اكتفائك بإعمال الأول الأبعد ، وليس
لك في هذا ما لك في الفاعل لأنك تقول : لا أضمر على غير
__________________
تقدم ذكر إلا مستكرها ، فتعمل الأول : فتقول : قام وقعدا أخواك فأما
المفعول فمنه بد ، فلا ينبغي أن يتباعد بالعمل إليه ، ويترك ما هو أقرب إلى
المعمول فيه منه.
ومن ذلك فرس
وساع الذكر والأنثى فيه سواء ، وفرس جواد ، وناقة ضامر ، وجمل ضامر ، وناقة بازل ،
وجمل بازل ، وهو لباب قومه ، وهي لباب قومها ، وهم لباب قومهم ، قال جرير : [الوافر]
٢٣٥ ـ تدرّي فوق متنيها قرونا
|
|
على بشر
وآنسة لباب
|
وقال ذو الرمّة
: [الطويل]
٢٣٦ ـ سبحلا أبا شرخين أحيا بناته
|
|
مقاليتها فهي
اللّباب الحبائس
|
فأما ناقة هجان
ونوق هجان ، ودر دلاص ، وأدرع دلاص فليس من هذا الباب بل (فعال) منه في الجمع
تكسير فعال في الواحد وهو من باب ما اتفق لفظه واختلف تقديره ، انتهى.
قلت : قد اشتمل
هذا الأصل على ثلاثة أبواب ، باب ما دخلت فيه التاء في صفة المذكر ، وباب ما خلت
فيه التاء في صفة المؤنث ، وباب ما استوى فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى
والجمع ، وها أنا أسوق جملا من نظائرها. ذكر نظائر الباب الأول.
ورود الوفاق مع وجوب الخلاف
قال ابن جنّي : هذا الباب ينفصل من الذي قبله بأن ذاك تبع فيه اللفظ
ما ليس وفقا له ، نحو : رجل نسابة وامرأة عدل ، وهذا الباب ليس بلفظ تبع لفظا ، بل
هو قائم برأسه ، وذلك قولهم : غاض الماء ، وغضته ، سووا فيه بين المتعدي وغير
المتعدي ، ومثله : جبرت يده ، وجبرتها ، وعمر المنزل وعمرته وسار الدابة وسرته ،
ودان الرجل ودنته ، من الدين في معنى أدنته وعليه جاء مديون في لغة بني تميم ـ وهلك
الشيء وهلكته ، قال العجاج : [الرجز]
__________________
٢٣٧ ـ ومهمه هالك من تعرّجا
فيه قولان :
أحدهما أن (هالكا) بمعنى مهلك ، أي : مهلك من تعرج فيه ، والآخر : ومهمه هالك
المتعرجين فيه كقوله : هذا رجل حسن الوجه ، فوضع (من) موضع الألف واللام ، ومثله :
هبط الشيء وهبطته قال : [الرجز]
٢٣٨ ـ ما راعني إلا جناح هابطا
|
|
على البيوت
قوطه العلابطا
|
أي : مهبطا
قوطه ، ويجوز أن يكون أراد : هابطا بقوطه ، فلما حذف حرف الجر نصب الفعل ضرورة ،
والأول أقوى.
فأما قوله
تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤] فأجود القولين فيه أن يكون معناه : وإنّ منها لما يهبط من
نظر إليه لخشية الله ، وذلك أن الإنسان إذا فكر في عظم هذه المخلوقات تضاءل وخشع
وهبطت نفسه لعظم ما شاهد ، فنسب الفعل إلى تلك الحجارة لما كان الخشوع والسقوط
مسببا عنها وحادثا لأجل النظر إليها كقوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] وأنشدوا قول الآخر : [الخفيف]
٢٣٩ ـ فاذكري موقفي إذا التقت الخي
|
|
ل وسارت إلى
الرّجال الرّجالا
|
أي : سارت
الخيل الرجال إلى الرجال ، وقد يجوز أن يكون أراد وسارت إلى الرجال بالرجال ، فحذف
حرف الجر فنصب ، والأول أقوى ، وقال زهير : [الطويل]
٢٤٠ ـ فلا تغضبا من سيرة أنت سرتها
|
|
فأوّل راضي
سنّة من يسيرها
|
ورجنت الدابة
بالمكان إذا أقامت فيه ، ورجنتها ، وعاب الشيء وعبته ،
__________________
وهجمت على القوم وهجمت غيري عليهم أيضا ، وعفا الشيء : كثر ، وعفوته كثّرته
، وفغر فاه وفقر فوه ، وشحا فاه وشحا فوه ، وعثمت يده ، وعثمتها أي : جبرتها على
غير استواء ، ومد النهر ومددته ، قال تعالى : (وَالْبَحْرُ
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) [لقمان : ٢٧] ، وقال الشاعر : [الرجز]
٢٤١ ـ [إلى فتى فاض أكفّ الفتيان]
|
|
ماء خليج
مدّه خليجان
|
وسرحت الماشية
، وسرحتها ، وزاد الشيء وزدته ، وذرا الشيء وذروته أطرته ، وخسف المكان ، وخسفه
الله ، ودلع لساني ودلعته ، وهاج القوم ، وهجتهم ، وطاخ الرجل وطخته ـ أي : لطخته
بالقبيح ـ في معنى أطخته ، ووفر الشيء ووفرته ، وقال الأصمعي : رفع البعير ورفعته
في السير المرفوع ـ : وقالوا : نفى الشيء ونفيته أي : أبعدته ، قال القطامي : [الطويل]
٢٤٢ ـ فأصبح جاراكم قتيلا ونافيا
|
|
[أصمّ فزادوا في مسامعه وقرا]
|
ونحوه : نكزت
البئر ونكزتها ، أي : أقللت ماءها ، ونزفت ونزفتها.
فهذا كله شاذ
عن القياس وإن كان مطردا في الاستعمال إلا أن له عندي وجها لأجله جاز ، وهو أن كل
فاعل غير القديم سبحانه فإنما الفعل منه شيء أعيره وأعطيه وأقدر عليه ، فهو وإن
كان فاعلا فإنه لما كان معانا مقدرا صار كأن فعله لغيره ، ألا ترى إلى قوله تعالى
: (وَما رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] وقد قال قوم ـ يعني أهل السنة فإن ابن جنّي كان معتزليا
كشيخه الفارسي ـ : إن الفعل لله وإن العبد مكتسب ، فلما كان قولهم : غاض الماء
وغضته ، أن غيره أغاضه ، وإن جرى لفظ الفعل له ، تجاوزت العرب ذلك إلى أن أظهرت
هناك فعلا ، بلفظ الأول متعديا ، لأنه قد كان فاعله في وقت فعله إياه إنما هو معان
عليه فخرج اللفظان لما ذكرناه خروجا واحدا فاعرفه ، انتهى.
ورود الشيء على خلاف العادة
قال ابن جنّي : المعتاد المألوف في اللغة أنه إذا كان فعل غير متعد
كان
__________________
أفعل متعديا ، لأن هذه الهمزة أكثر ما تجيء للتعدية ، وذلك نحو قام زيد ،
وأقمت زيدا ، وقعد بكر وأقعدت بكرا ، فإن كان فعل متعديا إلى مفعول واحد فنقلته
بالهمزة صار متعديا إلى اثنين ، نحو طعم زيد خبزا ، وأطعمته خبزا ، وعطا بكر درهما
، وأعطيته درهما.
فأما كسي زيد
ثوبا ، وكسوته ثوبا ، فإنه وإن لم ينقل بالهمزة فإنه نقل بالمثال ، ألا تراه نقل
من فعل إلى فعل ، وإنما جاز نقله بفعل لما كان فعل وأفعل كثيرا ما يعتقبان على
المعنى الواحد ، نحو : جد في الأمر ، وأجد ، وصددته عن كذا ، وأصددته ، وقصر عن
الشيء وأقصر ، وسحته الله وأسحته ، ونحو ذلك ، فلما ، كانت فعل وأفعل على ما ذكرنا
في الاعتقاب والتعاوض ، ونقل بأفعل ، نقل أيضا فعل بفعل نحو كسي زيد وكسوته ،
وشترت عينه وشترتها ، وغارت عينه وغرتها ونحو ذلك.
هذا هو الحديث
أن تنقل بالهمزة فيحدث النقل تعديا لم يكن قبله. غير أن ضربا من اللغة جاءت فيه
هذه القضية معكوسة ، فتجد فعل فيها متعديا وأفعل غير متعدّ ، وذلك قولهم : أجفل
الظليم ، وجفلته ، وأشنق البعير وشنقته ، وأنزفت البئر إذا ذهب ماؤها ، ونزفتها ،
وأقشع الغيم وقشعته الريح ، وأنسل ريش الطائر ، ونسلته ، وأمرت الناقة إذا در
لبنها ، ومريتها.
ونحو من ذلك
ألوت الناقة بذنبها ، ولوت ذنبها ، وصرّ الفرس أذنه وأصرّ بأذنه ، وكبّه الله على
وجهه ، وأكبّ هو ، وعلوت الوسادة وأعليت عليها ، فهذا نقض عادة الاستعمال لأن فعلت
فيه متعدّ وأفعلت غير متعد.
وعلّة ذلك عندي
أنه جعل تعدّى فعلت وجمود أفعلت كالعوض لفعلت من غلبة أفعلت لها على التعدي ، نحو
: جلس وأجلسته ، ونهض وأنهضته كما جعل قلب الياء واوا في التقوى والرعوى والثنوى
والفتوى عوضا للواو من كثرة دخول الياء عليها ، وكما جعل لزوم الضرب الأول من
المنسرح لمفتعلن وحظر مجيئه تاما أو مخبونا ، بل توبعت فيه الحركات الثلاث البتة
تعويضا للضرب من كثرة السواكن فيه نحو : مفعولن ومفعولان. ومستفعلان ونحو ذلك مما
التقى في آخره من الضروب ساكنان.
ونحو من ذلك ما
جاء عنهم من أفعلته فهو مفعول ، وذلك نحو أحببته فهو محبوب ، وأجنّه الله فهو
مجنون وأزكمه الله فهو مزكوم وأكزّه الله فهو مكزوز ، وأقرّه الله فهو مقرور ،
وآرضه الله فهو مأروض ، وأملاه الله فهو مملوء ، وأضأده فهو مضؤود
وأحمّه من الحمّى فهو محموم ، وأهمّه من الهمّ فهو مهموم ، وأزعقه فهو
مزعوق أي مذعور ، ومثله قوله : [الطويل]
٢٤٣ ـ إذا ما استحمت أرضه من سمائه
|
|
جرى وهو
مودوع وواعد مصدق
|
وهو من أودعته
، وينبغي أن يكون جاء على ودع.
وأما أحزنه
الله فهو محزون فقد حمل على هذا ، غير أنه قد قال أبو زيد : يقولون : الأمر يحزنني
، ولا يقولون : حزنني ، إلا أن مجيء المضارع يشهد للماضي ، فهذا أمثل مما مضى ،
وقد قالوا أيضا في محزن على القياس.
ومثله قولهم :
محب ، قال عنترة : [الكامل]
٢٤٤ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره
|
|
منّي بمنزلة
المحبّ المكرم
|
وقال الآخر : [الرجز]
٢٤٥ ـ ومن يناد آل يربوع يجب
|
|
يأتيك منهم
خير فتيان العرب
|
المنكب الأيمن والردف
المحب
وقال : [الرجز]
٢٤٦ ـ لأنكحنّ ببه
|
|
جارية خديّه
|
مكرمة محبّه
قالوا : وعلة
ما جاء من أفعلته فهو مفعول نحو : أجنه الله فهو مجنون ، وأسله فهو مسلول ، وبابه
ـ أنهم جاؤوا به على فعل نحو جنّ فهو مجنون ، وزكم فهو مزكوم ، وسل فهو مسلول
وكذلك بقيته.
فإن قيل : وما
بال هذا خالف فيه الفعل مسندا إلى الفاعل صورته مسندا إلى المفعول ، وعادة
الاستعمال خلاف هذا ، وهو أن يجيء الضربان معا في عدة واحدة نحو ضربته وضرب ،
وأكرمته وأكرم ، وكذلك مقاد هذا الباب.
__________________
قيل : إن العرب
لمّا قوي في أنفسها أمر المفعول حتى كاد يلحق عندها برتبة الفاعل ، وحتى قال
سيبويه فيهما : وإن كانا جميعا يهمانهم ويعنيانهم ، خصوا
المفعول إذا أسند الفعل إليه بضربين من الصنعة ، أحدهما : تغيير صيغة المثال مسندا
إلى المفعول ، عن صورته مسندا إلى الفاعل ، والعدة واحدة ، وذلك نحو : ضرب زيد ،
وضرب ، وقتل وأكرم وأكرم ودحرج ودحرج ، وقتل وقتل ، والآخر : أنهم لم يرضوا ولم
يقنعوا بهذا القدر من التغيير حتى تجاوزوه ، إلى أن غيروا عدة الحروف مع ضم أوله ،
كما غيروا في الأول الصورة والصيغة وحدها وذلك قولهم : أحببته ، وحب ، وأزكمه الله
وزكم ، وأضأده وضئد ، وأملأه وملئ.
قال أبو علي :
فهذا يدلك على تمكن المفعول عندهم وتقدم حاله في أنفسهم إذا أفردوه بأن صاغوا
الفعل له صيغة مخالفة لصيغته وهو للفاعل.
وهذا ضرب من
تدريج اللغة ، ألا ترى أنهم لما غيروا الصيغة والعدة واحدة في نحو ضرب وضرب ، وشرب
وشرب تدرجوا من ذلك إلى أن غيروا الصيغة مع نقصان العدة ، نحو أزكمه الله وزكم ،
وآرضه الله وأرض ، فهذا كقولهم في حنيفة حنفي ، لما حذفوا هاء حنيفة حذفوا أيضا
ياءها ، ولما لم يكن في حنيف تاء تحذف فتحذف لها الياء صحت الياء فقالوا فيه :
حنيفي ، وهذا الموضع هو الذي دعا ثعلبا في كتاب فصيحه أن أفرد له بابا فقال : هذا
فعل بضمّ الفاء نحو قولك : عنيت بحاجتك وبقية الباب ، إنما غرضه فيه إيراد الأفعال
المسندة إلى المفعول ولا تسند إلى الفاعل في اللغة الفصيحة ، ألا ترى أنهم يقولون
: نخي زيد من النخوة ، ولا يقال : نخاه كذا ، ويقولون : امتقع لونه ، ولا امتقعه
كذا ويقولون : انقطع بالرجل ولا يقولون انقطع به كذا ، فلهذا جاء بهذا الباب ، أي
ليريك أفعالا خصّت بالإسناد إلى المفعول دون الفاعل ، كما خصّت أفعال بالإسناد إلى
الفاعل دون المفعول نحو : قام زيد ، وقعد جعفر وذهب وانطلق ، ولو كان غرضه أن يريك
صور ما لم يسمّ فاعله مجملا غير مفصل على ما ذكرنا لأورد فيه نحو : ضرب وركب وأكرم
واستقصي وهذا يكاد يكون إلى ما لا نهاية له ، فاعرف هذا الغرض فإنه أشرف من حفظ
مائة ورقة لغة.
ونظير مجيء اسم
المفعول هنا على حذف الزيادة نحو : أحببته فهو محبوب ـ مجيء اسم الفاعل على حذفها
أيضا وذلك نحو قولهم : أورس الرمث فهو وارس وأيفع فهو يافع وأبقل فهو باقل. قال
تعالى : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ
لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢]
__________________
وقياسه ملاقح ، لأن الريح تلقح السحاب فتستدره ، وقد يجوز أن يكون على لقحت
هي ، فإذا فزكت ألقحت السحاب ، فيكون هذا مما اكتفي فيه بالسبب من المسبب ، وقد
جاء عنهم مبقل حكاها أبو زيد وقال دؤاد بن أبي دؤاد : [الطويل]
٢٤٧ ـ أعاشني بعدك واد مبقل
|
|
آكل من
حوذانه وأنسل
|
وقد جاء أيضا
حببته قال : [الطويل]
٢٤٨ ـ وو الله لو لا تمره ما حببته
|
|
ولا كان أدنى
من عبيد ومشرق
|
ونظير مجيء اسم
الفاعل والمفعول جميعا على حذف الزيادة مجيء المصدر أيضا على حذفها نحو قولهم :
جاء زيد وحده ، فأصل هذا أوحدته بمروري إيحادا ، ثم حذفت زيادتاه فجاء على الفعل
ومثله قولهم : عمرك الله لا فعلت ، أي : عمرتك الله تعميرا ، وقوله : [الطويل]
٢٤٩ ـ [وقد أغتدي والطّير في وكناتها
|
|
بمنجرد] قيد
الأوابد هيكل
|
أي : تقييد
الأوابد ، ثم حذف زائدتيه ، وإن شئت قلت : وصف بالجوهر لما فيه من معنى الفعل نحو
قوله : [الوافر]
٢٥٠ ـ فلو لا الله والمهر المفدّى
|
|
لرحت وأنت
غربال الإهاب
|
فوضع الغربال
موضع المخرق ، وقوله : [الرجز]
٢٥١ ـ ...
|
|
مئبرة
العرقوب إشفى المرفق
|
أي : حادّة
المرفق ، وهو كثير ، فأما قوله : [الوافر]
٢٥٢ ـ [أكفرا بعد ردّ الموت عني]
|
|
وبعد عطائك
المائة الرّتاعا
|
__________________
فليس على حذف
الزيادة ، ألا ترى أنّ في (عطاء) ألف فعال الزائدة ، ولو كان على حذف الزيادة لقال
: وبعد عطوك ، ليكون كوحده.
ولما كان الجمع
مضارعا للفعل بالفرعية فيهما ، جاءت فيه أيضا ألفاظ على حذف الزيادة التي كانت في
الواحد ، وذلك نحو قولهم : كروان وكروان ، وورشان وورشان ، فجاء هذا على حذف
زائدتيه حتى كأنه صار إلى فعل فجرى مجرى خرب وخربان ، وبرق وبرقان ، قال ذو الرمّة
: [الطويل]
٢٥٣ ـ من آل أبي موسى ترى النّاس حوله
|
|
كأنّهم
الكروان أبصرن بازيا
|
ومنه تكسيرهم
فعالا على أفعال ، حتى كأنه صار إلى فعل نحو : جواد وأجواد ، وعياء وأعياء ، وحياء
وأحياء. ومن ذلك قولهم : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ في قول سيبويه جاء ذلك على حذف التاء كقولهم : ذئب وأذؤب ، وقطع وأقطع
، وضرس وأضرس ، وذلك كثير جدا.
وما يجيء
مخالفا ومنتقضا أوسع من ذلك ، إلا أن لكل شيء منه عذرا وطريقا. وفصل للعرب طريف
وهو إجماعهم على مجيء عين مضارع (فعلته) إذا كان من فاعلني مضمومة ألبتة ، وذلك
نحو قولهم : ضاربني فضربته أضربه ، وعالمني فعلمته أعلمه ، وعاقلني من العقل فعقلته
أعقله ، وكارمني فكرمته أكرمه ، وفاخرني ففخرته أفخره ، وشاعرني فشعرته أشعره ،
وحكى الكسائي فاخرني ففخرته أفخره بفتح الخاء ، وحكاها أبو زيد أفخره بالضم على
الباب ، كل هذا إذا كنت أقوم بذلك الأمر منه.
ووجه استغرابنا
له أن خصّ مضارعه بالضم ، وذلك أنا قد دللنا على أن قياس باب مضارع فعل أن يأتي
بالكسر ، نحو ضرب يضرب وبابه ، وأرينا وجه دخول يفعل على يفعل فيه ، فكان الأحجى ،
به هنا إذا أريد الاقتصار به على أحد وجهيه أن يكون ذلك الوجه هو الذي كان القياس
مقتضيا له في مضارع فعل ، وهو يفعل بكسر العين ،
__________________
وذلك أن العرف والعادة إذا أريد الاقتصار على أحد الجائزين أن يكون ذلك
المقتصر عليه هو أقيسهما فيه ، ألا تراك تقول في تحقير أسود وجدول أسيّد وجديّل
بالقلب ، وتجيز من بعد الإظهار وأن تقول : أسيود ، وجديول ، فإذا صرت إلى باب مقام
وعجوز اقتصرت على الإعلال ألبتة فقلت : مقيّم وعجيّز ، فأوجبت أقوى القياسين لا أضعفهما
وكذلك نظائره.
فإن قلت : فقد
تقول : فيها رجل قائم ، وتجيز فيه النصب ، فتقول : فيها رجل قائما ، فإذا قدّمت
أوجبت أضعف الجائزين فكذلك أيضا يقتصر في هذه الأفعال نحو ، أكرمه وأشعره على أضعف
الجائزين وهو الضم.
قيل : هذا
إبعاد في التشبيه وذلك أنك لم توجب النصب في (قائم) من قولك : فيها رجل قائما ، و
(قائما) هذا متأخر عن رجل في مكانه في حال الرفع وإنما اقتصرت على النصب فيه لما
لم يجز فيه الرفع أو لم يقو ، فجعلت أضعف الجائزين واجبا ضرورة لا اختيارا. وليس
كذلك كرمته أكرمه لأنه لم ينقص شيء عن موضعه ولم يقدم ولم يؤخر ، فلو قيل : كرمته
، أكرمه لكان كشتمته أشتمه وهزمته أهزمه.
وكذلك القول في
نحو قولنا : ما جاءني إلا زيدا أحد في إيجاب نصبه ، وقد كان النصب لو تأخر أضعف
الجائزين فيه إذا قلت : ما جاءني أحد إلا زيدا ، الحال فيهما واحدة ، وذلك أنك لم
تجد مع تقديم المستثنى ما تبدله منه عدلت به ـ للضرورة ـ إلى النصب الذي كان جائزا
فيه متأخرا. هذا كنصب (فيها قائما رجل) البتة ، والجواب عنهما واحد.
وإذا كان الأمر
كذلك وجب البحث عن علة مجيء هذا الباب في الصحيح كله بالضم وعلته عندي أن هذا موضع
معناه الاعتلاء والغلبة ، فدخله لذلك معنى الطبيعة التي تغلب ولا تغلب وتلازم ولا
تفارق ، وتلك الأفعال بابها : فعل يفعل ، كفقه يفقه إذا أجاد الفقه ، وعلم يعلم
إذا أجاد العلم ، وروينا عن أحمد بن يحيى عن الكوفيين : ضربت اليد يده ، على وجه
المبالغة.
وكذلك نعتقد
نحن أيضا في الفعل المبني منه فعل التعجب أنه قد نقل عن فعل وفعل إلى فعل ، حتى
صارت صفة التمكن والتقدم ، ثم بني منه الفعل ، فقيل : ما أفعله نحو ما أشعره ،
إنما هو من شعر ، وقد حكاها أيضا أبو زيد ، وكذلك ما أقتله وأكفره : هو عندنا من
قتل وكفر تقديرا ، وإن لم يظهر إلى اللفظ استعمالا ، فلما كان قولهم كارمني فكرمته
أكرمه وبابه صائرا إلى معنى فعلت أفعل أتاه الضم من هناك فاعرفه.
فإن قلت : فهلا
لما دخله هذا المعنى تمموا فيه الشبه ، فقالوا : كرمته أكرمه ، وفخرته أفخره؟.
قيل : منع من
ذلك أن فعلت لا يتعدّى إلى المفعول به أبدا ، وبفعل قد يكون في المتعدي كما يكون
في غيره كسلبه يسلبه ، وجلبه يجلبه فلم يمنع من المضارع ما منع من الماضي ، فأخذوا
منها ما ساغ واجتنبوا ما لم يسغ.
فإن قلت : فقد
قالوا : قاضاني فقضيته أقضيه ، وساعاني فسعيته ، أسعيه؟. قيل : لم يكن من (يفعله)
هنا بد ، مخافة أن يأتي على يفعل فتقلب الياء واوا ، وهذا مرفوض في هذا النحو من
الكلام.
وكما لم يكن من
هذا بد هنا لم يجئ أيضا مضارع فعل منه مما فاؤه واو بالضم بل جاء بالكسر على الرسم
، وعادة العرب ، فقالوا : واعدني فوعدته أعده ، وواجلني فوجلته ، أجله ، وواضأني
فوضأته أضؤه ، فهذا كوضعته ـ في هذا الباب ـ أضعه.
ويدلك على أن
لهذا الباب أثرا في تغييره باب فعل في مضارعه قولهم : ساعاني فسعيته أسعيه ، ولم
يقولوا أسعاه على قولهم : سعى يسعى لما كان مكانا قد رتب وقرر وزوي عن نظيره في
غير هذا الموضع.
فإن قلت : فهلا
غيروا ما فاؤه واو ، كما غيروا ما لامه ياء فيما ذكرت فقالوا : واعدني فوعدته
أوعده لما دخله من المعنى المتجدد؟.
قيل : فعل مما
فاؤه واو لا يأتي مضارعه أبدا بالضم ، إنما هو بالكسر ، نحو : وجد يجد ، ووزن يزن
وبابه ، وما لامه ياء فقد يكون على يفعل كيرمي ويقضي ، وعلى يفعل كيرعى ويسعى ،
فأمر الفاء إذا كانت واوا في فعل أغلظ حكما من أمر اللام إذا كانت ياء فاعرف ذلك
فرقا.
الوصلة
من ذلك (ذو)
دخلت وصلة إلى وصف الأسماء بالأجناس ، ونظيرها (الذي) وأخواته ، دخلت وصلة إلى وصف
المعارف بالجمل ، و (أي) وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام ، واسم الإشارة وصلة
إلى نقل الاسم من تعريف العهد إلى تعريف الحضور والإشارة مثال ذلك أن يكون بحضرتك
شخصان فتريد الإخبار عن أحدهما ، ولا بد من تعريفه ، وليس بينك وبين المخاطب فيه
عهد فتدخل فيه الألف واللام ، فأتي باسم الإشارة وصلة إلى تعريفه ونقله من تعريف
العهد إلى تعريف الحضور ، فتقول : هذا الرجل فعل أو يفعل ، ذكر ذلك كله ابن يعيش
في (شرح المفصل)
قال : يجوز أن يتوصل بهذا إلى نداء ما فيه الألف واللام
فتقول : يا هذا الرجل ، كما تقول : يا أيها الرجل ، وقد يجوز أن لا تجعله وصلة
فتقول : يا هذا ، فإذا جعلته وصلة لزمته الصفة ، وإذا لم تجعله وصلة لم تلزمه
الصفة.
ومن ذلك قول
بعضهم ، إن (إيا) وصلة إلى اللفظ بالمضمر الذي هو الياء والكاف والهاء (وأنها) لما
أريد فصلها عن العامل إما بالتقديم أو بالتأخير ولم تكن مما تقوم بأنفسها لضعفها
وقلتها ، أدغمت بإيا وجعلت وصلة إلى اللفظ بها. فإيا عندهم اسم ظاهر يتوصل به إلى
المضمر ، كما أن (كلا) اسم ظاهر يتوصل به إلى المضمر في قولك : كلاهما ، قال ابن
يعيش : وهذا القول واه لأن (كلا) تضاف إلى الظاهر كما تضاف إلى المضمر ولو كانت
(كلا) وصلة إلى المضمر لم تضف إلى غيره.
وفي أمالي ابن
الحاجب : (أي) جيء بها متوصلا بها إلى نداء ما فيه الألف واللام ، لأنها مبهمة يصح
تفسيرها بكل ما فيه الألف واللام ، والغرض هنا أن يأتي ما فيه الألف واللام تفسيرا
لها ، فلما كانت كذلك صلحت لهذا المعنى ، والذي يدل على ذلك أن أسماء الإشارة لما
كانت بهذا الوصف وقعت هذا الموقع فقيل : يا هذا الرجل ويا هؤلاء الرجال.
وفي (شرح
المفصل) للأندلسي : اعلم أن (ذو) إنما استعمل في الكلام وصلة إلى الوصف بأسماء
الأجناس ، كما وضع (الذي) وصلة إلى وصف المعارف بالجمل ، فأرادوا أن يقولوا : زيد
المال فوجدوا هذا يقبح في اللفظ والمعنى ، أما اللفظ فلأنهم جعلوا ما ليس بمشتق
مشتقا ، لأن الصفة حقها أن تكون مشتقة ، وأما قبحه من حيث المعنى فلأنهم جعلوا ما
كان قويا ضعيفا ، لأن الأجناس هي القوية ، فلما جعلوها صفة صارت ضعيفة لأنها مقدمة
في الرتبة لجنسيتها ، فجعلوها متأخرة تابعة بعد أن كانت متبوعة ، فلما اجتمع فيها
هذا القبح اللفظي والمعنوي جاؤوا باسم يكون معناه فيما بعده فجعلوه صفة في اللفظ
وهم مريدون الصفة باسم الجنس الذي بعده لأنه قد زال القبح اللفظي ، وبقي الآخر لم
يمكنهم إزالته فلهذا لم يضف إلى مضمر لأن المضمر لا يوصف به البتة.
الوصل
مما تجري فيه
الأشياء على أصولها ، والوقف مما تغير فيه الأشياء عن أصولها.
__________________
ذكر هذه
القاعدة ابن جني في (سر الصناعة) قال : ألا تر أن من قال من العرب في الوقف : هذا بكر ،
ومررت ببكر ، فنقل ، فنقل الضمة والكسرة إلى الكاف في الوقف ، فإنه إذا وصل أجري
الأمر على حقيقته فقال : هذا بكر ومررت ببكر ، وكذلك من قال في الوقف : هذا خالد ،
فإنه إذا وصل خفف اللام ، قال : وبذلك استدل على أن التاء في نحو قائمة هي الأصل
والهاء في الوقف بدل منها.
وقال ابن القيم
في (البدائع) : الوصلات في كلامهم التي وصفوها للتوصل بها إلى غيرها
خمسة أقسام :
أحدها
: حروف الجر
وضعوها ليتوصلوا بالأفعال إلى المجرور بها ، ولولاها لما نفذ الفعل إليها ولا
باشرها.
الثاني
: حرف (ها) التي
للتنبيه ، وضعت ليتوصل بها إلى نداء ما فيه أل.
الثالث
: ذو ، وضعوه
وصلة إلى وصف النكرات بأسماء الأجناس غير المشتقة.
الرابع
: الذي ، وضعوه
وصلة إلى وصف المعارف بالجمل ولولاها لما جرت صفات عليها.
الخامس
: الضمير الذي
يربط الجمل الجارية على المفردات أحوالا وأخبارا وصفات وصلات ، فإن الضمير هو
الوصلة إلى ذلك.
وضع الشيء موضع الشيء أو إقامته مقامه لا يؤخذ بقياس
ذكر هذه
القاعدة ابن عصفور في (شرح الجمل) ، وبنى عليها أن الصحيح أن الإغراء وهو وضع
الظرف أو المجرور موضع فعل الأمر لا يجوز إلا فيما سمع عن العرب نحو : عليك ،
وعندك ، ودونك ، ومكانك ، ووراءك ، وأمامك ، وإليك ، ولدنك ، ورد قول من أجاز
الإغراء لسائر الظروف والمجرورات ، وبني عليها أيضا أن المصدر الموضوع موضع اسم
الفاعل أو اسم المفعول لا يطرد بل يقتصر على ما سمع منه.
وضع الحروف غالبا لتغيير المعنى لا اللفظ
ذكر هذه
القاعدة ابن عمرون ، وبنى عليها ترجيح قول من قال : إن (لم) دخلت على المضارع فقلبت
معناه إلى الماضي ، وتركت لفظه على ما كان عليه ، وضعف قول من قال : إنها دخلت على
الماضي فقلبت لفظه إلى المضارع وتركت المعنى على ما كان عليه.
__________________
حرف (لا)
لا يجتمع أداتان لمعنى واحد
ومن ثم لا يجمع
بين أل والإضافة لأنهما أداتا تعريف ، ولا بين أل وحروف النداء لذلك أيضا ، ولا
بين حرف من نواصب المضارع وبين حرف تنفيس لأن الجميع أدوات استقبال ، ولا بين كي
إذا كانت جارة واللام ، بخلاف ما إذا كانت ناصبة ، ولا بين كي إذا كانت ناصبة وأن
، فلا يقال : جئت كي أن أزورك ، خلافا للكوفيين ، ولا بين أداتي استثناء لا يقال :
قام القوم إلا خلا زيدا ، ولا إلا حاشا زيدا ، قاله ابن السراج في (الأصول) .
قال : إلا أن
يكون الثاني اسما نحو : إلا ما خلا زيدا ، وإلا ما عدا ، فإنه يجوز.
وفي بعض حواشي (الكشاف)
: لا يجمع بين أداتي تعدية فلا يقال : أذهبت بزيد ، بل إما الهمزة أو الباء ، ومن
ثم أيضا رد قول الأخفش في نحو : حمراء ، أن الألف والهمزة معا للتأنيث ، لأنه لا
يوجد في كلامهم ما أنث بحرفين ، وإذا دخلت الواو على لكن ، انتقل العطف إليها
وتجردت لكن للاستدراك ، كما أن حرف الاستفهام إذا دخل على ما يدل على الاستفهام
خلع دلالة الاستفهام كما في قوله : [البسيط]
٢٥٤ ـ [سائل فوارس يربوع بشدّتنا]
|
|
أهل رأونا
بسفح القاع ذي الأكم
|
فإنّ (هل)
بمعنى قد ، وكما في قوله : [البسيط]
٢٥٥ ـ أم كيف ينفع ما يعطي العلوق به
|
|
[رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن]
|
__________________
فإن أم خلعت من
دلالة الاستفهام وتجردت للعطف بمعنى بل ، ولا يجوز تجريد (كيف) دون (أم) لأن
تجريدها عن الاستفهام يزيل عنها علة البناء فيجب إعرابها ، ذكره في البسيط.
وقال ابن يعيش : الدليل على أن ألف أرطى للإلحاق لا للتأنيث ، أنه سمع
عنهم أرطاة بإلحاق تاء التأنيث ، ولو كانت للتأنيث لم يدخلها تأنيث آخر ، لأنه لا
يجمع بين علامتي تأنيث.
وقال يونس وابن
كيسان والزجاج والفارسي : إما ليست عاطفة لأنها تقترن بالواو ، وهي حرف عطف ،
ولا يجتمع حرفا عطف ، واختاره أبو البقاء وابن مالك والشلوبين وابن عصفور
والأندلسي والسخاوي والرضي.
وقال ابن
الحاجب في شرح المفصل : لم يعد الفارسي إما من حروف العطف لدخول العاطف عليها ،
وقد ثبت أنهم لا يجمعون بين حرفي عطف.
وقال ابن السراج
: ليس إما بحرف عطف ، لأن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض فإن وجدت شيئا
من ذلك في كلامهم فقد خرج أحدهما عن أن يكون حرف عطف نحو قولك : ما زيد ولا عمرو ،
فـ (لا) في هذه المسألة ليست عاطفة إنما هي نافية.
وقال الشلوبين
: إنما حذفت تاء التأنيث من نحو : (مسلمة) في الجمع بالألف والتاء نحو : مسلمات ،
لأنها لو لم تحذف لاجتمع في الاسم علامتا تأنيث ، وهم يكرهون ذلك.
وقال ابن هشام
في (تذكرته) : لا يجوز : كسرت لزيد رباعيتين علياتين وسفلاتين لأن فيهما الجمع بين
الألف والتاء واجتماع علامتي التأنيث لا يجوز ، انتهى.
وقد استشكل جمع
علامتي تأنيث في إحدى عشرة وثنتي عشرة ، قال في البسيط : وجواب الإشكال من ثلاثة
أوجه :
أحدها
: أنهما اسمان
في الأصل ، فانفرد كل واحد منهما بما يستحقه في الأصل ، وإنما الممتع اجتماع
علامتي تأنيث في كلمة واحدة.
__________________
الثاني
: أن ألف إحدى
للإلحاق كألف معزى ، إلا أن التركيب منع من تنوينها ، والتاء في ثنتين للإلحاق بـ (جذع)
وحمل اثنتان عليها لكونهما بمعنى واحد.
الثالث
: أن علامتي
التأنيث في (إحدى عشرة) مختلفتان لفظا ، وإنما الممتنع اتفاق لفظهما ، والتاء في
اثنتين بدل من لام الكلمة فلم تتمحص للتأنيث حتى يحصل بذلك الجمع بين علامتي
تأنيث.
ومن فروع
القاعدة أيضا تأخيرهم لام الابتداء إلى خبر (إن) وكان حقها أن تكون في أول الجملة
وصدرها ، لكنهم كرهوا توالي حرفين لمعنى واحد وهو التأكيد ، ذكره ابن جنّي ، وقال في موضع آخر : ليس في الكلام اجتماع حرفين لمعنى واحد ، لأن في ذلك
نقضا لما اعتزم عليه من الاختصار في استعمال الحروف إلا في التأكيد كقوله : [الوافر]
٢٥٦ ـ [طعامهم لئن أكلوا معدّ]
|
|
وما إن لا
تحاك لهم ثياب
|
فإن (ما) وحدها
للنفي ، و (وإن) و (لا) معا للتوكيد ، قال : ولا ينكر اجتماع حرفين للتأكيد لجملة
الكلام ، لأنهم أكدوا بأكثر من الحرف الواحد في قولهم : لتقومن فاللام والنون ،
جميعا للتأكيد وقوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ
مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مريم : ٢٦] فما والنون جميعا للتأكيد.
وقال ابن
الحاجب في (شرح المفصل) : قول الفراء في (إن) الواقعة بعد (ما) النافية : إنهما
حرفا نفي ترادفا كترادف حرفي التوكيد في قولك : إن زيدا لقائم ، ليس بالجيد لأنه
لم يعهد اجتماع حرفين لمعنى واحد ومثل إن زيدا لقائم قد فصل بينهما لذلك.
وقال ابن
القواس في (شرح الكافية) : لم يعهد اجتماع حرفين لمعنى واحد من غير فاصل ، ولذلك
جاز : إن زيدا لقائم ، وامتنع إن لزيدا قائم.
وقال ابن إياز
: إنما لم تعمل (لا) في المعرف بلام الجنس وإن كان في المعنى نكرة ، لأن لام الجنس
تقبل الاستغراق ، وكذلك لا ، فلو أعملوها في المعرف بها لجمعوا بين حرفين متفقين
في المعنى وذلك ممنوع عندهم.
__________________
وقال الشلوبين
: النحويون يقولون : إن حروف المعاني إنما هي مختصر الأفعال فهي نائبة مناب
الأفعال ، تعطي من المعنى ما تعطيه الأفعال ، إلا أن الأفعال اختصرت بالحروف فإن
الأفعال تقتضي أزمنة ، وأمكنة ، وأحداثا ، ومفعولين وفاعلين ، ومحالا لأفعالهم ،
وغير ذلك من معمولات الأفعال ، فاختصر ذلك كله بأن جعل في مواضعها ما لا يقتضي
شيئا من ذلك ، ولذلك كرهوا أن يجمعوا بين حرفين لمعنى واحد ، ولم يكرهوا ذلك في
الأسماء والأفعال لأن ذلك نقيض ما وضعت عليه من الاختصار ، قال : وبهذا يبطل قول
من قال : إن الأسماء الستة وامرأ وابنما معربة بشيئين من مكانين ، لأن العرب إذا
كانت لا تجمع بين حرفين لمعنى واحد ، لكونه نقيض موضوعها من الاختصار ، فلأن ذلك
في الحركة أحق وأولى لأن الحركة أخصر من الحرف.
وقال ابن
الدهان في الغرة : فإن قيل : فهلا جاز : إن لزيدا قائم ، بالجمع بينهما لأنهما
للتأكيد ، كما جمع بين تأكيدين في أجمع وأكتع؟ فالجواب أن الغرض في هذه الحروف
الدوال على المعاني إنما هو التخفيف والاختصار ، فلا وجه للجمع بين حرفين لمعنى إذ
فيه نقض الغرض ، وإذا تباعد عنه استجيز الجمع بينهما ، كما جمع بين حرف النداء
والإضافة ، ويمتنع الجمع بينه وبين لام التعريف.
لا يجتمع ألفان
قال ابن الخباز
: إذا وقفت على المقصور وقفت عليه بالألف التي هي بدل من التنوين فتقول : رأيت عصا
، فهذه الألف كالألف في رأيت زيدا ، وكان معك في التقدير ألفان بدل من واو ، وبدل
من التنوين فحذفت إحداهما لئلا يجتمع ألفان ، قال : وجاء رجل إلى أبي إسحاق الزجاج
فقال له : زعمتم أنه لا يمكن الجمع بين ألفين ، فقال : نعم ، فقال : أنا أجمع ،
فقال : (ما) ومد صوته ، فقال له الزجاج : حسبك ولو مددت صوتك من غدوة إلى العصر لم
تكن إلا ألفا واحدة ، قال : وكانت الأولى أولى بالحذف لأن الطارئ يزيل حكم الثابت.
ومن فروع هذه
القاعدة : إذا جمع المقصور بالألف والتاء قلبت ألفه ياء ، كقولك في حبلى : حبليات
، لأنه لا يجتمع ألفان وحذفها هنا غير ممكن.
لا يجتمع خطابان في كلام واحد
قال أبو علي في
التذكرة : الدليل على هذا الأصل قولهم : أرأيتك زيدا ما فعل؟ ، ألا ترى أن كاف
الخطاب لما لحقت الفعل خلع الخطاب من التاء؟ والدليل
على خلع الخطاب من التاء لدخول الكاف وما يتعلق به من تثنية وجمع وتأنيث
وتذكير ، أن التاء في جميع الأحوال على صورة واحدة ، فلا يجوز على هذا يا غلامك ،
لأن الغلام مخاطب والكاف خطاب آخر وهي غير الغلام ، فقد حصل في الكلام خطابان
فامتنع لذلك. ولو قال : يا ذاك ، كان ذا قد وقع موقع الخطاب ، فإذا وصل بالكاف لم
يكن حسنا وهو أشبه من الأول ، لأن ذا هو الكاف وليس الغلام الكاف ، قال : وقد عمل
أبو الحسن في (المسائل الكبير) أبوابا ومسائل ، وهذا أصل تلك المسائل عندي ، هذا
كله كلام أبي علي.
وفي (اللمع
الكاملية) لموفق الدين عبد اللطيف البغدادي : فإن قيل قولهم : (أرأيتك) كيف جمعوا
بين التاء والكاف وهما جميعا للخطاب وهم لا يجمعون بين حرفين لمعنى واحد؟ قيل : إن
التاء ضمير مجرد عن الخطاب ، والكاف خطاب مجرد عن الضمير ، فكل منهما خلع منه معنى
وبقي عليه معنى.
وقال الأبذي في
(شرح الجزولية) : لم يجمع بين حرف النداء وضمير الخطاب لأن أحدهما يغني عن الآخر.
لا تنقض مرتبة إلا لأمر حادث
قال ابن جنّي
في (الخصائص) : وجعل منه امتناع تقديم الفاعل في نحو : ضرب غلامه
زيدا ، والمبتدأ في نحو : عندك رجل ، ووجوب تقديم المفعول إذا كان اسم استفهام أو
شرط لما طرأ فيها.
لا يقع التابع في موضع لا يقع فيه المتبوع
ذكر هذه
القاعدة أبو البقاء في (التبيين) : وبنى عليها جواز تقديم خبر ليس عليها عند جمهور
البصريين لتقدم معمول الخبر في قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ
يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] وتقديم معمول الخبر كتقديم الخبر نفسه ، لأن المعمول تابع للعامل
، ولا يقع التابع في موضع المتبوع.
__________________
حرف الياء
يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل
ومثله قولهم :
يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع ، من فروع ذلك : ظهور أن مع المعطوف على
منصوب حتى كقوله : [البسيط]
٢٥٧ ـ حتّى يكون عزيزا في نفوسهم
|
|
أو أن يبين
جميعا وهو مختار
|
وإن كان لا
يجوز ظهورها بعد (حتى) لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمل الأوائل.
وقال في (البسيط)
: جوز الفراء إضافة اسم الفاعل المعرف بأل إذا كان للحال أو الاستقبال نحو : (الضارب
زيد الآن أو غدا) واحتج بالقياس على قول الشاعر : [الكامل]
٢٥٨ ـ الواهب المائة الهجان وعبدها
|
|
[عوذا تزجي بينها أطفالها]
|
والجواب : أنه
يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع بدليل قولهم : (ربّ شاة وسخلتها) و (ربّ)
لا تدخل على معرفة ، وإذا عطف غير العلم على العلم نحو : مررت بزيد وأخيك ، فنقل
ابن بابشاذ جواز حكايته لأن المتبوع تجوز حكايته فحكى التابع تبعا له.
ونقل ابن
الدهان منعها لأن التابع لا تجوز حكايته ولا يمكن حكاية أحدهما بدون الآخر فغلب
جانب المنع ، أما عكس ذلك نحو مررت بأخيك وزيد ، فلا تجوز
__________________
فيه الحكاية اتفاقا بل يجب الرفع فيقال : من أخوك وزيد؟ لأن المتبوع لا
تجوز حكايته فكذا التابع ، ذكره في البسيط.
وقال أيضا : قد
أجاز النحاة : كم رجلا ونساؤهم جاؤوك ، عطفا على معنى كم ، وأجازوا النصب عطفا على
التمييز ، وإن كان نكرة لأنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل للبعد عن كم ،
ومثله : كم شاة وسخلتها ، وكم ناقة وفصيلها.
وقال ابن هشام
في (المغني) : القاعدة الثامنة : كثيرا ما يغتفر في الثواني ما لا
يغتفر في الأوائل فمن ذلك : كل شاة وسخلتها بدرهم. [الطويل]
٢٥٩ ـ وأيّ فتى هيجاء أنت وجارها
|
|
[إذا ما رجال بالرّجال استقلّت]
|
وربّ رجل وأخيه
، وإن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت ولا يجوز كل سخلتها ، ولا رب أخيه ، ولا
أي جارها ، ولا إن يقم زيد قام عمرو إلا في الشعر ، ويقولون : مررت برجل قائم
أبواه لا قاعدين ، ويمتنع قائمين لا قاعد أبواه ، على إعمال الثاني وربط المعنى
بالأول.
وقال ابن
القوّاس في (شرح الدرة) بعد أن حكى قولهم في : [الوافر]
٢٦٠ ـ أنا ابن التارك البكريّ بشر
|
|
[عليه الطّير ترقبه وقوعا]
|
إن (بشرا) عطف
بيان (للبكري) ، ولا يجوز جعله بدلا لأن البدل في حكم تكرير العامل ، ولا يجوز (أنا
ابن التارك بشر) وفي امتناع البدل نظر لأنه يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع
، بدليل كل شاة وسخلتها ، وتبعه ابن هشام في حواشي التسهيل.
وقال في تذكرته
: إن قيل لأي شيء فتحت لام المستغاث؟ فالجواب فرقا بينها وبين لام المستغاث له.
فإن قيل : لأي
شيء كان المفتوح لام المستغاث وكان حقه التغير في الثانية
__________________
لأن عندها تتحقق الحاجة فهوى أجري على قياسهم ، كما أنهم لا يحذفون في نحو
سفرجل إلا ما ارتدعوا عنده؟ فالجواب أن الأول حالّ محل المضمر واللام تفتح إذا
دخلت عليه.
فإن قيل : فلأي
شيء كررت في المعطوف عليه؟ فالجواب : أنه يعطفه على ما حصل فيه الفرق اكتفى بذلك ،
وساعد عليه أن المعطوف يجوز فيه ما لا يجوز في المعطوف عليه ، تقول : يا زيد
والرجل وإن لم يجز : يا الرجل.
فإن قيل : فلأي
شيء يفتح في يا لزيد ، ويا لعمرو مع أنه معطوف؟ فالجواب : أنه نداء ثان مستقل
والمعطوف الجملة ، قال : فهذا تحرير لا تجد لأحد مثله إن شاء الله تعالى.
وقال الأبذي في
شرح الجزولية : إذا عطفت على المستغاث به كسرت اللام لأن الثواني يجوز فيها ما لا
يجوز في الأوائل.
وقال ابن هشام
في (تذكرته) : سئلت عن (لولاي) إذا عطف عليها اسم ظاهر فقلت : يجب الرفع نحو لولاي
وزيد لكان كذا وكذا ، كما تقول ما في الدار من رجل ولا امرأة وذلك لأن الاسم
المضمر بعد لو لا وإن كان في موضع الخفض بها إلا أنه أيضا في موضع رفع بالابتداء ،
ونظيره في ذلك الاسم المجرور بلعل على لغة عقيل إذا قيل : لعل زيد قائم ، ألا ترى
أن (قائم) خبر مرفوع وليس معمولا للعل ، لأنها هنا حرف جر كالباء واللام فلا تعمل
غير الجر ، وإن عطف على محله من الخفض ، فإن التزمت إعادة الخافض لم يتأت هنا لأنا
إذا قلنا : لولاك ولو لا زيد لزم جر لو لا للظاهر وهو ممتنع بإجماع ، وإن لم
تلتزمه فقد يمتنع العطف بما ذكرنا لأن العامل حينئذ هو لو لا الثانية ، وقد يصحح
بأن يدعي أنهم اغتفروا كثيرا في الثواني ما لم يغتفر في الأوائل.
وقال ابن إياز
في (شرح الفصول) : فإن قيل : هلا أضيف الفعل لفظا والتقدير إضافة مصدره؟ فالجواب :
أن ذلك اتساع وتجوز ، وهو قبيح في الأوائل والمبادي دون الأواخر والثواني.
وقال البيضاوي في تفسيره في قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ٣٢] قيل : أنت تأكيد للكاف ، كما في قولك مررت بك أنت ، وإن لم
يجز
__________________
مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولذلك جاز يا هذا
الرجل ، وإن لم يجز يا الرجل.
وقال ابن الصائغ
في (تذكرته) : أبو عمرو يختار النصب في (الغلام) من نحو : (يا زيد والغلام) وإن
كان عطف النسق يقدر معه العامل ، وحرف النداء لا يباشر اللام لأنه يجوز في الثواني
ما لا يجوز في الأوائل.
وقال ابن
النحاس في (التعليقة) : إنما جاز في الثواني ما لم يجز في الأوائل من قبل أنه إذا
كان ثانيا يكون ما قبله قد وفى الموضع ما يقتضيه ، فجاز التوسع في ثاني الأمر
بخلاف ما لو أتينا بالتوسع من أول الأمر فإنا حينئذ ، لا نعطي الموضع شيئا مما
يستحقه ، انتهى.
وإذا عطف على (غدوة)
المنصوب ما بعدها فقيل : لدن غدوة وعشية جاز عند الأخفش في المعطوف الجر على
الموضع والنصب على اللفظ.
وضعف ابن مالك
في شرح الكافية النصب وأوجبه أبو حيان ومنع الجر ، لأن غدوة عند من نصبه ليس في
موضع جر ، فليس من باب العطف على الموضع.
قال : ولا يلزم
من ذلك أن يكون (لدن) انتصب بعدها ظرف غير غدوة وهو غير محفوظ إلا فيها ، لأنه
يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل. انتهى.
بعون
الله وحسن توفيقه تم الجزء الأول من :
الأشباه
والنظائر النحوية
للإمام
السيوطي ـ ويليه ـ إن شاء الله ـ الجزء الثاني وأوله
الفن
الثاني في التدريب أعاننا الله على إتمامه.
فهرس الجزء الأول
المقدمة
|
٣
|
فصل : من
نظائر ذلك (وهو عكس القاعدة)
|
٥٣
|
خطبة الكتاب
|
٨
|
تنبيه : باب
اقعنسس
|
٥٤
|
العربية أول
فنون المؤلف
|
٨
|
فصل : ما
يناظر ما نحن فيه
|
٥٦
|
سبب تأليف
الكتاب
|
٩
|
أسبق الأفعال
|
٥٩
|
ما اشتمل
عليه الكتاب
|
١٢
|
الاستغناء
|
٥٩
|
أول من كتب
في النحو
|
١٣
|
الاسم أصل للفعل
والحرف
|
٦٢
|
فن القواعد
والأصول العامة
|
١٥
|
باب القول في
الاسم والحرف أيهما أسبق في المرتبة والتقديم
|
٦٢
|
الهمزة
|
١٦
|
الاسم أخف من
الصفة
|
٦٣
|
الرتباع
|
١٦
|
الاشتقاق
|
٦٥
|
تنبيه : رأي
ابن جنّي في قراءة الحمد لله بالإتباع
|
٢٠
|
الفعل
والمصدر أيهما أصل
|
٦٥
|
فائدة : رأي
ابن إياز في الإتباع
|
٢١
|
الأصل مطابقة
المعنى للفظ
|
٧٢
|
فائدة : عد
من الاتباع حركة الحكاية الاتساع
|
٢٢
|
الأصل أن
يكون الأمر كله باللام
|
٧٢
|
اجتماع
الأمثال مكروه
|
٢٧
|
الأصل في
الأفعال : التصرف
|
٧٢
|
إجراء اللازم
مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم
|
٣٢
|
إصلاح اللفظ
|
٧٣
|
إجراء المتصل
مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل
|
٣٤
|
الأصول
المرفوضة
|
٧٧
|
إجراء الأصلي
مجرى الزائد وإجراء الزائد مجرى الأصلي
|
٣٦
|
الإضافة ترد
الأشياء إلى أصولها
|
٧٩
|
الاختصار ء
|
٣٦
|
الإضمار أسهل
من التضمين
|
٧٩
|
اختصار
المختصر لا يجوز
|
٤١
|
الإضمار أحسن
من الاشتراك
|
٧٩
|
|
|
الإضمار خلاف
الأصل
|
٧٩
|
|
|
الإعراب
ومباحثه
|
٧٩
|
|
|
المبحث الأول
: في حقيقته
|
٧٩
|
المبحث
الثاني : في وجه نقله من اللغة إلى اصطلاح النحويين
|
٨٢
|
التركيب
|
٩٩
|
المبحث
الثالث : في الإعراب والكلام أيهما أسبق
|
٨٣
|
التصغير يرد
الأشياء إلى أصولها
|
١٠٦
|
المبحث
الرابع : في أن الإعراب لم دخل في الكلام؟
|
٨٤
|
التضمين
|
١٠٦
|
المبحث
الخامس : في أن الإعراب أحركة أم حرف؟
|
٨٦
|
قاعدة :
الفرق بين التضمين والتقدير
|
١٠٩
|
المبحث
السادس : في الإعراب لم وقع في آخر الاسم دون أوله وأوسطه.
|
٨٨
|
قاعدة : كل
ما تضمن ما ليس له في الأصل منع شيئا مما له في الأصل
|
١١٠
|
إعطاء
الأعيان حكم المصادر وإعطاء المصادر حكم الأعيان
|
٨٩
|
قاعدة :
المتضمن معنى شيء لا يلزم أن يجري مجراه في كل شيء
|
١١٠
|
الأفعال
نكرات
|
٩٠
|
قاعدة : رأي
النحاة في بناء أمس
|
١١٠
|
الأفعال كلها
مذكرة
|
٩١
|
التعادل
|
١١١
|
اقتضاء
الموضع لفظا وهو معك إلا أنه ليس بصاحبك
|
٩٢
|
تعارض الأصل
والغالب
|
١١٢
|
الإلغاء
|
٩٣
|
التعويض
|
١١٣
|
الأمثال لا
تغير
|
٩٤
|
قاعدة : آراء
بعض العلماء في التعويض
|
١٢٧
|
الإيجاب
|
٩٥
|
الفرق بين
البدل والعوض
|
١٢٨
|
الباء
|
٩٦
|
قاعدة : لا
يجتمع العوض والمعوض منه
|
١٣٠
|
باب الشرط
مبناه على الإبهام
|
٩٦
|
تنبيه :
الجمع بين العوضين
|
١٣٧
|
وباب الإضافة
مبناه على التوضيح
|
٩٦
|
تنبيه : عدم
الجمع بين الإبدال من الحرف والتعويض
|
١٣٨
|
البدل
|
٩٦
|
تنبيه : لا
بد في التعويض من فائدة
|
١٣٨
|
التاء
|
٩٨
|
قاعدة :
العوض لا يجذف التغلب
|
١٣٨
|
التأليف
|
٩٨
|
التغلب
|
١٣٩
|
التابع لا
يتقدم على المتبوع
|
٩٨
|
التغيير يأنس
بالتغيير
|
١٤٠
|
التثنية ترد
الأشياء إلى أصولها
|
٩٨
|
التقاص
|
١٤٢
|
التحريف
|
٩٩
|
تقارض
اللفظين
|
١٤٢
|
|
|
فائدة :
تقارض إلا وغير
|
١٤٥
|
|
|
التقدير
|
١٤٦
|
|
|
التقديم
والتأخير
|
١٤٨
|
تقوية الأضعف
وإضعاف الأقوى
|
١٤٩
|
الحروف
|
١٧٢
|
تكثير الحروف
يدل على تكثير المعنى
|
١٥٠
|
الفائدة
التاسعة : إنابة الحركة والحرف
|
١٧٧
|
تنبيه : ما
خرج عن قاعدة تكثير المبني يدل على تكثير المعنى
|
١٥١
|
الفائدة
العاشرة : هجوم الحركات
|
١٧٩
|
التمثيل
للصناعة ليس ببناء معتمد
|
١٥٢
|
الفائدة
الحادية عشرة : قولهم حرف متحرك
|
١٨٣
|
الثاء
|
١٥٤
|
الفائدة
الثانية عشرة : الحركات هل هي مأخوذة من حروف المد؟
|
١٨٣
|
الثقل والخفة
|
١٥٤
|
الفائدة
الثالثة عشرة : تمكن النطق بالحرف أقوى من تمكنه بالحركة
|
١٨٤
|
ثبوت الحدث
في اسم الفاعل أقل من ثبوته في الفعل
|
١٥٤
|
الفائدة
الرابعة عشرة : تقدير الحرف ساكنا
|
١٨٤
|
الجيم
|
١٥٥
|
الفائدة
الخامسة عشرة : قيام الحركة مقام الحرف
|
١٨٤
|
الجمل نكرات
|
١٥٥
|
الفائدة
السادسة عشرة : الحركة المنقولة في الوقف
|
١٨٤
|
الجوار
|
١٥٦
|
الفائدة
السابعة عشرة : تسمية المتقدمين للحركات
|
١٨٤
|
الحاء
|
١٦١
|
فائدة :
السؤال عن مبادئ اللغات يؤدي إلى التسلسل
|
١٨٥
|
الحركة فيها
فوائد
|
١٦١
|
حكاية الحال
من القواعد الشهيرة
|
١٨٥
|
الفائدة
الأولى : حدوث الحركة مع الحرف
|
١٦١
|
الحمل على ما
له نظير أولى من الحمل على ما ليس له نظير
|
١٨٦
|
الفائدة
الثانية : الحرف غير مجتمع من الحركات
|
١٦٣
|
قاعدة :
تسمية الرجل بما لا نظير له في الكلام
|
١٨٩
|
الفائدة
الثالثة : كمية الحركات
|
١٦٧
|
حمل الشيء
على نظيره
|
١٨٩
|
الفائدة
الرابعة : الحركة الإعرابية أقوى من البنائية
|
١٦٩
|
الحمل على
أحسن القبيحين
|
١٩٠
|
الفائدة
الخامسة : أسماء حركات الإعراب وحركات البناء
|
١٦٩
|
حمل الشيء
على الشيء من غير الوجه الذي أعطى الأول ذلك الحكم
|
١٩١
|
الفائدة
السادسة : حركات الإعراب والبناء أيهما أصل
|
١٧٠
|
|
|
الفائدة
السابعة : أثقل الحركات الضمة ثم الكسرة ثم الفتحة
|
١٧٠
|
|
|
الفائدة
الثامنة : مطل الحركات ومطل
|
|
|
|
الحمل على
الأكثر أولى من الحمل على الأقل
|
١٩٣
|
حرف الشين
|
٢٢٦
|
الحمل على
المعنى
|
١٩٦
|
الشذوذ
|
٢٢٦
|
ومنه باب
واسع لطيف ظريف
|
١٩٩
|
فائدة :
المراد بالشاذ
|
٢٢٩
|
قاعدة البدء
بالحمل على اللفظ
|
٢٠٢
|
الشيء إذا
أشبه الشيء أعطي حكما من أحكامه على حسب قوة الشبه
|
٢٢٩
|
حمل الشيء على
نقيضه
|
٢٠٤
|
الشيئان إذا
تضادا تضاد الحكم الصادر عنهما
|
٢٣٤
|
حمل الأصول
على الفروع
|
٢٠٧
|
الشروط
المتضادة في الأبواب المختلفة
|
٢٣٤
|
حرف الخاء
|
٢١٣
|
حرف الصاد
|
٢٣٦
|
خلع الأدلة
|
٢١٣
|
صدر الكلام
|
٢٣٦
|
حرف الراء
|
٢١٦
|
ضابط : ما
يعمل في الاستفهام
|
٢٣٦
|
الرابط
|
٢١٦
|
مسألة :
القول في دخول اللام على خبر إن
|
٢٣٧
|
فائدة :
الرابط في مثال مررت برجل حسن الوجه
|
٢١٦
|
حرف الضاد
|
٢٣٨
|
قاعدة : أصل
الحذف للرابط
|
٢١٧
|
الضرورة
|
٢٣٨
|
الرجوع إلى
الأصل أيسر من الانتقال عنه
|
٢١٧
|
فائدة :
استعمال الأصل المهجور
|
٢٣٨
|
رب شيء يكون
ضعيفا ثم يحسن للضرورة
|
٢١٧
|
قاعدة : علة
الضرائر
|
٢٣٩
|
رب شيء يصح
تبعا ولا يصح استقلالا
|
٢١٨
|
قاعدة : ما
جاز للضرورة يتقدر بقدرها
|
٢٣٩
|
حرف الزاي
|
٢١٩
|
فائدة ما لا
يؤدي إلى الضرورة أولى مما يؤدي إليها
|
٢٣٩
|
الزيادة
|
٢١٩
|
الضمائر ترد
الأشياء إلى أصولها
|
٢٣٩
|
فائدة :
القول في (عجبت من لا شيء)
|
٢٢٤
|
تنبيه :
إضافة أل إلى الضمير
|
٢٤١
|
حرف السين
|
٢٢٥
|
تنبيه : لا
يدخل على المقسم به غير الباء إذا كان مضمرا
|
٢٤١
|
سبب الحكم قد
يكون سببا لضده على وجه
|
٢٢٥
|
تنبيه :
المضمر لا يرد كل شيء إلى أصله
|
٢٤٢
|
سبك الاسم من
الفعل بغير حرف سابك فيه نظائر
|
٢٢٥
|
تنبيه :
القول في بناء أي في (أيهم
|
|
أشد)
|
٢٤٣
|
الفروع قد
تكثر وتطرد حتى تصير كالأصول وتشبه الأصول بها
|
٢٧٩
|
مسألة :
القول في عساي وأخواتها
|
٢٤٣
|
الفرق
|
٢٧٩
|
الضمير أطلب
|
٢٤٣
|
خاتمة :
التنوين نون صحيحة ساكنة
|
٢٨٢
|
بالإضافة من
الظاهر
|
٢٤٣
|
الفعل لا يثنى
|
٢٨٢
|
حرف الطاء
|
٢٤٤
|
الفعل أثقل
من الاسم
|
٢٨٢
|
الطارئ يزيل
حكم الثابت
|
٢٤٤
|
فائدة :
الأمور التي يعبرون بها عن الفعل
|
٢٨٤
|
طرد الباب
|
٢٤٥
|
حرف القاف
|
٢٨٥
|
حرف الظاء
|
٢٤٩
|
القلب
|
٢٨٥
|
الظرف
والمجرور
|
٢٤٩
|
قد يزاد على
الكلام التام فيعود ناقصا
|
٢٨٦
|
تنبيه : تقدير
عامل الظرف والجار والمجرور إذا قدما على اسم إن
|
٢٥٢
|
قد يكون
للشيء إعراب إذا كان وحده فإذا اتصل به شيء آخر تغير إعرابه
|
٢٨٧
|
فائدة : رأي
التميميين في التلفظ بخبر لا
|
٢٥٤
|
قرائن
الأحوال قد تغني عن اللفظ
|
٢٨٧
|
حرف العين
|
٢٥٦
|
حرف الكاف
|
٢٨٨
|
العامل
|
٢٥٦
|
كثرة
الاستعمال اعتمدت في كثير من أبواب العربية
|
٢٨٨
|
فائدة :
العوامل اللفظية
|
٢٦٠
|
حرف اللام
|
٢٩٢
|
ضابط : ليس
في كلامهم حرف يرفع ولا ينصب
|
٢٦٢
|
اللبس محذور
|
٢٩٢
|
فائدة :
المصدر المؤكد لا يعمل
|
٢٦٦
|
حرف الميم
|
٢٩٦
|
العارض لا
يعتد به
|
٢٧٠
|
ما حذف
للتخفيف كان في حكم المنطوق به
|
٢٩٦
|
حرف الغين
|
٢٧٤
|
ما كان
كالجزء من متعلقه لا يجوز تقدمه عليه كما لا يتقدم بعض حروف الكلمة عليها
|
٢٩٩
|
الغالب
واللازم يجريان في العربية مجرى واحدا
|
٢٧٤
|
ما يجوز
تعدده وما لا يجوز
|
٣٠٠
|
حرف الفاء
|
٢٧٥
|
مراجعة
الأصول ومباحثه
|
٣٠١
|
الفرع أحط
رتبة من الأصل
|
٢٧٥
|
|
|
تنبيه : قد
يكثر الفرع ويقل الأصل
|
٢٧٨
|
|
|
الفروع هي
المحتاجة إلى العلامات والأصول لا تحتاج إلى علامة
|
٢٧٨
|
|
|
المبحث الأول
: فيما يراجع من الأصول مما لا يراجع
|
٣٠١
|
باب حروف
الجر
|
٣١٨
|
المبحث
الثاني : في مراعاتهم الأصول تارة وإهمالهم إياها أخرى
|
٣٠٥
|
فصل : مراتب
المنادى والإشارة
|
٣١٨
|
المبحث
الثالث : مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد
|
٣٠٧
|
ورود الشيء
مع نظيره مورده مع نقيضه
|
٣١٨
|
المبحث
الرابع : مراجعة أصل واستئناف فرع
|
٣٠٨
|
ورود الوفاق
مع وجوب الخلاف
|
٣٢٤
|
مراعاة
الصورة
|
٣٠٩
|
ورود الشيء
على خلاف العادة
|
٣٢٦
|
معنى النفي
مبني على معنى الإيجاب ما لم يحدث أمر من خارج
|
٣٠٩
|
الوصلة
|
٣٣٣
|
حرف النون
|
٣١٠
|
الوصل
|
٣٣٤
|
النادر لا
حكم له
|
٣١٠
|
وضع الشيء
موضع الشيء أو إقامته مقامه لا يؤخذ بقياس
|
٣٣٥
|
نقض الغرض
|
٣١٠
|
وضع الحروف
غالبا لتغيير المعنى لا اللفظ
|
٣٣٥
|
النهي والنفي
من واد واحد
|
٣١١
|
حرف لا
|
٣٣٦
|
النون تشابه
حروف المد واللين من ستة عشر وجها
|
٣١١
|
لا يجتمع
أداتان لمعنى
|
٣٣٦
|
حرف الواو
|
٣١٣
|
لا يجتمع
ألفان
|
٣٣٩
|
الواسطة
|
٣١٣
|
لا يجتمع
خطابان في كلام واحد
|
٣٣٩
|
باب المنصرف
وغير المنصرف
|
٣١٥
|
لا تنقض
مرتبة إلا لأمر حادث
|
٣٤٠
|
باب العلم
|
٣١٦
|
لا يقع
التابع في موضع لا يقع فيه المتبوع
|
٣٤٠
|
باب الظاهر
والمضمر
|
٣١٦
|
حرف الياء
|
٣٤١
|
باب الوقف
والوصل
|
٣١٦
|
يغتفر في
الثواني ما لا يغتفر في الأوائل
|
٣٤١
|
|
|
الفهرس
|
٣٤٥
|
|