
الجملة الفعلية
هى الجملة التى
يتصدّرها فعل تام يسند إلى فاعله أو ما ينوب عنه. وكلّ فعل فى الكلام يكون جملة
فعلية بالضرورة ، فإذا قلت : (يصدق المؤمن) فهذه جملة فعلية ، الفعل فيها (يصدق) ،
وفاعله (المؤمن) ، وإن قلت : (محمد الذى قابلنا أمس رأيناه اليوم) ، فإن الفعل (قابل)
دليل جملة فعلية ، ولا بدّ له من فاعل أو ما ينوب عنه ، وفاعله ضمير مستتر تقديره
: هو ، والفعل (رأى) فاعله ضمير المتكلمين (نا).
وأذكر بأن
الاعتداد فى تحديد نوع الجملة بركنيها الأساسين ، وما قد تبتدئ به منهما ، أما ما
يسبقها من حروف فلا اعتداد بها ، فالفعل المسبوق بقد ، أو حتى ،
__________________
أو حرف نفى ، أو حرف تنفيس ، أو ردع وزجر ، أو ابتداء ، أو تحضيض وحث أو
غير ذلك مما لا يعدّ أساسا فى تنويع الجملة يمثل جملة فعلية.
ومما يكون جملة
فعلية وقد تصدر بحرف ما يأتى : (كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٣ ، ٤] كلّ منهما جملة فعلية مع سبقهما بالحرفين (كلا) (وسوف) ،
إلى جانب (ثم) في الثانية.
(هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١].
هذه جملة
استفهامية فعلية. حيث تصدرت بحرف الاستفهام (هل) ، ولا اعتداد به فى تنويع الجملة
لفظيا ، ثم تلى بالفعل (أتى) فأصبحت فعلية ، فاعلها (حين).
والجملة
الفعلية جملة حدثية في المقام الأول ، بحيث يمكن القول بأن الركن المبتدأ به فى
الجملة الفعلية ـ وهو الفعل هو محور الحديث ومركزه ، فهو المعلوم لدى كلّ من
المتحدث والمستمع ، وهو الخيط الذي يربط بينهما ليقوم عليه الإخبار ، ويخبر عنه
بالركن الثانى ، وهو الفاعل أو نائب الفاعل. فإذا تحولت الجملة الفعلية إلى اسمية
أصبح الاسم محور الحديث ومركزه ، وهو المعلوم لدى طرفى الحديث ، فهى التى تصبح
محور الإخبار ، ويتضح هذا المفهوم من المثال : غرق ... ويسكت المتحدث ، فيسأل
المستمع : من غرق؟ ومنه يفهم أن الغرق مخبر عنه ، وهو المعلوم ، وما يجاب به عن
السؤال هو المخبر به ، وهو المجهول ، وهذا هو طبيعة
__________________
الجملة الفعلية : فعل معلوم ، وفاعل أو نائبه مجهول ، مع أن الفعل المعلوم
مسند ، والفاعل المجهول مسند إليه.
وما سبق من
مفهوم يكون على النقيض من القول : صديقى ... ويسكت المتحدث ، فيكون التساؤل عن
الحدثية التى تصبح المفاد من الإخبار ، ويكون الاسم هو المخبر عنه ، وما يجاب به
هو المخبر به ، وقد يكون حدثا ، كالقول : غرق.
ومنه يتبين أن
هناك فرقا احتماليا أو فرضيا فى المعنى بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية يتمثل
في إرادة الإخبار ، ولو كانتا تحملان لفظين متماثلين كما سبق من : غرق صديقى ، أو
: صديقى غرق.
للجملة الفعلية
ركنان أساسان ، الفعل وفاعله ، أو ما ينوب عنه ، ويطرأ عليهما تغيرات لغوية فى
التركيب ، كما يتعرضان لقضايا لغوية متنوعة ، وقد يحتاجان إلى ما يتممهما. وأرى أن
نعرض لكل ركن على حدة ، مع ذكر القضايا اللغوية المشتركة.
الفعل
يعرف سيبويه
الفعل فى قوله : «أمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ، ولما يكون
ولم يقع ، وما هو كائن لم ينقطع» وتناقل النحاة بعد ذلك هذه المعانى ليجمعوا بين الحدثية
والزمن فى تعريف حدّ الفعل ، حيث إن الفعل إنما هو ما يدلّ على معنى فى نفسه مقترن
بزمن ، وإنما ينحصر الفعل من حيث ما دلّ على معنى فى نفسه فى الأحداث فقط ، وهى
المصادر دون غيرها من أقسام الاسم ؛ لذلك فإن الفعل إنما هو لفظ أو كلمة تدلّ على
حدث فى زمن. فإذا قلت : (سمع) فإن هذه الكلمة تدل على سمع من زمن مضى. والأمر ذاته
يمكن أن تفهمه من قولك : علم ، استفتح ، تعلّم ، يفهم ، يشرب ، انتبه ، افتح ...
إلخ. حيث تدل
هذه الكلمات على : علم فى زمن مضى ، واستفتاح ، وتعلّم فى زمن مضى ، وفهم وشرب فى
زمن حالى ، وانتباه وفتح فى زمن مستقبلى.
__________________
وإذا استمعت
إلى لفظ الفعل أشعرك ذلك بحدوث حركة ما ، سواء أكان تحركا حاليا ، أم تحركا سابقا
، أم تحركا لاحقا.
ويختص
الفعل دون الاسم والحرف بقبول :
ـ قد ، فتقول :
قد أقدم إليك.
ـ السين وسوف ،
تقول : سوف أتقدم في دراستى ، سأؤدّى واجبى.
ـ حروف نصب
الفعل ، فتقول : لن أخرج اليوم.
ـ أدوات الجزم
، فتقول : لم أسع فى شرّ.
ـ تاء التأنيث
الساكنة ملحقة به ، فتقول : فاطمة أقبلت في كبرياء.
ـ نونى التوكيد
، تقول : لأحترمنّ غيرى. لأؤدينّ واجبى.
ـ ضمائر الرفع
البارزة المتصلة ، تقول : استمعت إليه ، هدنا إلى الله ، افهمى ما يشرح ، أتقولان
الحقّ؟ ...
وأساس الفعل
التصرف ، أى : صوغ الماضى والمضارع والأمر من المادة اللغوية الواحدة ، نحو : فهم
، يفهم ، افهم ، استمع ، يستمع ، استمع ، تولّى ، يتولّى ، تولّ ، أقدم ، يقدم ،
أقدم ...
لكنّ هناك بعض
الأفعال التى لا تتصرف تدرس من خلال دراسة الأبواب النحوية ، لكنه يمكن أن نثبت ما
أوجزه ابن مالك فى قوله : (منعت التصرف أفعال ، منها المثبتة فى نواسخ الابتداء ، وباب الاستثناء ، والتعجب وما يليه ، ومنها : قلّ النافية ، وتبارك ، وسقط في يده ، وهدّك
من رجل ، وعمرتك
__________________
الله ، وكذب فى الإغراء ، وينبغى ، ويهيط ، وأهلمّ ، وأهاء وأهاء بمعنى آخذ وأعطى ، وهلمّ
التميمية ، وهأ وهاء بمعنى خذ ، وعم صباحا ، وتعلّم بمعنى اعلم ، وفى زجر الخيل
أقدم واقدم وهب وأرحب وهجد ، وليست أصواتا ولا أسماء أفعال لرفعها الضمائر ،
واستغنى غالبا بـ (ترك) عن : وذر وودع ، وبالترك عن الوذر والودع) .
الفاعل
الفاعل ما أسند
إليه فعل تام مقّدم مفرغ ، أو ما ضمّن معنى الفعل على جهة وقوعه منه ، أو قيامه
به.
والإسناد يعنى
النسب إليه على سبيل الإحداث ، سواء أكان واقعا منه أم قائما به.
فالفاعل مصدر
الحدث ، ولو كان فاعلا معنويا.
فإذا قلت : (جاء
الرجل) ؛ فإن المجىء مسند إلى الرجل على أنه واقع منه ، فهو فاعل المجىء ، ولو قلت
: (علم الرجل) ؛ فإن العلم مسند إلى الرجل على أنه قائم به ، فهو فاعل معنوى له ،
حيث العلم قائم بالرجل. ومثل الفاعل المعنوى القائم بالفعل أن تقول : أو رقت
الشجرة ، مات المريض ، ازدهرت السوق ، سقط الحائط ، رخص السعر ، سكن البرد ، اشتد
الحرّ ، أقبل الشتاء ، ذهب الصيف ...
__________________
والفعل التام
نحو (شرب ، فهم ، يسمع ، يلهو ، يؤمن ...) دون الناقص نحو (كان وأخواته) هو
المقصود في هذا الباب ، حيث التمام فى الفعل يتضمن إحداث حدث والقيام بعمل أو وقوع
عمل أو حدث. ويجب أن يكون الفعل مقدما على الفاعل حتى يفرق بتلك الرتبة بين الجملة
الفعلية والجملة الاسمية ؛ لأن ما تبتدأ به الجملة هو المصنف للجملة ؛ لأنه يكون
مبتدأ الحديث ، كما يكون العلاقة المعنوية الرابطة بين طرفى الحديث.
كما يكون الفعل
مفرغا للفاعل دون انشغال عنه بالضمير ، كأن تقول : قاموا الرجال ، حيث يجوز أن
يكون التقدير : الرجال قاموا. فتكون جملة اسمية.
أمّا ما يتضمن معنى الفعل فإنه يمكن أن ينحصر فى :
ـ الصفات
المشتقة ، من : اسم الفاعل وصيغ المبالغة والصفة المشبهة ، واسم التفضيل ، فهذه
الصفات المشتقة تعمل عمل الفعل فى رفعها فاعلا ، كما أنها تكون فى حاجة إليه
دائما.
ففى قوله تعالى
: (وَمِنَ الْجِبالِ
جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) [فاطر : ٢٧] ، (مختلف) اسم فاعل نعت لجدد ، (ألوان) فاعل لمختلف مرفوع ،
وعلامة رفعه الضمة.
ومنه أن تقول :
محمد مرتفعة درجاته ، لقد كانت ليلة حالكا سوادها. إنه لثوب ناصع بياضه. الفتى
شديدة قوته ، كريم خلقه. إنه أحسن خلقا ، أى : أحسن هو ، وإنه لحسن وجهه ، وطاهر
ثوبه ، ونقية نفسه.
ومنه قوله
تعالى : (وَما هُوَ
بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ). [البقرة : ٩٦].
__________________
المصدر المؤول (أن
يعمر) فى محل رفع فاعل ، والعامل فيه اسم الفاعل (مزحزح).
ومنه : أعجبت
بصديق ظريف أخوه ، وصادقت رجلا طاهرا ثوبه ، فيكون كلّ من (أخو وثوب) فاعلا مرفوعا
، والعامل الصفتان المشبهتان باسم الفاعل (ظريف وطاهر).
وتقول : هذا
شرّاب اللبن أبوه ، وهذه منحار الدجاج أخوها. كلّ من (أبو ، وأخو) فاعل مرفوع ،
وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة ، والعامل فيهما صيغتا المبالغة (شرّاب
ومنحار).
وقولهم : ما
رأيت رجلا أحسن فى عينه الكحل منه فى عين زيد. حيث (الكحل) مرفوع لأنه فاعل ،
والعامل فيه اسم التفضيل (أحسن). ومنه قول الشاعر :
ما رأيت امرأ
أحبّ إليه ال
|
|
بذل منه إليك
يا ابن سنان
|
(البذل) فاعل مرفوع ، والعامل فيه
اسم التفضيل (أحب).
وقوله صلّى
الله عليه وسلّم : «ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم منه فى عشر ذى الحجة» (الصوم)
فاعل اسم التفضيل (أحب).
ـ المصدر : نحو
: قراءة الدرس ، حيث التقدير : اقرإ الدرس ، فناب المصدر مناب الفعل ، وفى المصدر
فاعل مستتر تقديره : أنت. و (الدرس) مفعول به للمصدر منصوب.
__________________
وقد يضاف
المصدر إلى فاعله ، فتقول : سرّنى فهم محمد الموضوع. حيث (فهم) فاعل (سر) ، وهو
مصدر مضاف إلى فاعله (محمد) ، والتقدير : سرنى أن فهم محمد الدرس ، و (الدرس)
مفعول به منصوب.
ومنه قوله
تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] (من) اسم موصول مبنى في محل رفع فاعل ـ فى أحد أوجهه
الإعرابية ـ والعامل فيه المصدر (حج) ، والتقدير : ولله على الناس أن يحج من
استطاع منهم سبيلا البيت. ويرد هذا الرأى كثير من النحاة ، حيث أضيف المصدر فيه
إلى مفعوله ولكنه يجب أن يضاف إلى فاعله إذا اجتمع المصدر والفاعل والمفعول.
ومنه : عرفت
برّ زيد ولده . (ولد) فاعل للمصدر (بر). أعجبت بشرح الدرس فاهمه.
ويلحق بالمصدر
اسم المصدر ، كأن تقول : قدّرت عطاءك الفقير صدقة. (الفقير) مفعول به منصوب ،
وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل فيه اسم المصدر (عطاء).
ـ اسم الفعل ،
نحو : صه ، بمعنى (اسكت) ، فيكون (صه) اسم فعل أمر مبنيا ، وفاعله ضمير مستتر
تقديره : أنت.
وتقول : نزال ،
أى : انزل. فنزال اسم فعل أمر مبنى على الكسر ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
وتقول : عليك محمودا ، فيكون (عليك) اسم فعل أمر مبنيا ، وفاعله ضمير مستتر تقديره
: أنت. ومثله : إليك هذا الكتاب ، أى : خذ هذا ...
ومنه قول جرير
:
فهيهات هيهات
العقيق ومن به
|
|
وهيهات خلّ
بالعقيق نواصله
|
__________________
كل من (العقيق
وخل) فاعل مرفوع ، والعامل فيهما اسم الفعل (هيهات) بمعنى (بعد).
وقول لقيط بن
زرارة :
شتّان هذا
والعناق والنّوم
|
|
والمشرب
البارد فى ظلّ الدّوم
|
(هذا) اسم إشارة مبنى في محل رفع ،
فاعل ، والعامل فيه اسم الفعل (شتان) بمعنى (افترق).
ومنه قوله
تعالى : (عَلَيْكُمْ
أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ١٠٥] ، بنصب (أنفس) ؛ لأنها مفعول به لاسم الفعل (عليكم).
ـ شبه الجملة ،
تدرس فيما بعد فى (إلباس الفاعل بالمبتدإ). ومثلها أن تقول : أعجبت برجل عندك أخوه
، ورأيت رجلا فى المنزل أبوه. هذا كتاب فى النحو موضوعه ، أمسكت بكوب فوق المنضدة
موضعه.
حيث يكون فى
شبه الجملة معنى الفعل الذى يقتضى الفاعلية.
__________________
ـ المنسوب ،
هذا رجل مصرىّ موطنه. وناديت رجالا عربية جنسيتهم ، كلّ من (موطن وجنسية) فاعل
للاسم المنسوب (مصرى ، وعربية).
إذن فالفاعل فى
اللغة هو : من أوجد الفعل.
وفى الاصطلاح :
ما أسند إليه الفعل التام ، أو ما فى تأويله ، أى : ما يعمل عمل الفعل مما ذكرناه فى الصفحات
السابقة ، وذلك من الصفات المشتقة والمصادر وأسماء الأفعال .. ويكون الفعل مقدما
عليه.
وإسناد الفعل
إلى الفاعل إسناد مطلق ، أى : يشمل كلّ تراكيب الإثبات والنفى والتعليق والإنشاء ،
فيتضمن ذلك الأمثلة :
ـ فى الإثبات
والنفى : قوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي
لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) [المسد : ١ ، ٢].
ـ وفى التعليق
: إن اتحدت كلمة العرب عزّت نفوسهم.
ـ وفى الإنشاء
: هل غلى ماء القدر؟ وهل غلا ثمن الكتاب؟
فإذا أريد حذف
الفاعل لغرض معنوى أو لفظى ؛ فإن مفعولا به ؛ أو المصدر غير المؤكد ، أو شبه
الجملة التامة ينوب عن الفاعل ، ويأخذ أحكامه ، وتتغير بنية الفعل ـ حينئذ ـ ويسمى
الفعل مبنيا للمفعول ، أو للمجهول ، ويسمى ما أسند إليه نائبا عن الفاعل.
قد يحذف الفاعل
أو نائب الفاعل المضاف ، ويقام المضاف إليه مقامه ، ويأخذ حكمه ، ويكون فاعلا أو
نائب فاعل لفظا ، أما المعنى فإنه يكون مجازا ، حيث تقول : فتحت الحجرة ، والأصل :
فتح باب الحجرة.
ويقال : رعف
فلان ، والأصل : رعف أنفه ، غلت القدر ، والأصل : غلى ماء القدر.
وللفاعل ونائب
الفاعل أحكام متحدة بينهما ، نذكرها فى الصفحات الآتية.
__________________
قضايا خاصة بالفاعل ونائبه
هذه قضايا تخصّ
الفاعل ونائب الفاعل فى الجملة أو التركيب ، وهى مجموع أحكامهما ، وتتضمن : الرتبة
، والاسمية ، وصورهما البنيوية ، وجواز جر الفاعل ، والحكم الإعرابىّ لهما ،
والمطابقة النوعية للفعل ، وإلزام الفعل الدلالة على الإسناد إلى المفرد ، والفاعل
ونائبه عمدة ، ولكل فعل فاعل واحد.
أ ـ الرتبة :
يذهب البصريون
إلى وجوب تأخر الفاعل أو نائبه عن الفعل ، ولكن الكوفيين يجيزون تقديمهما عليه ،
والبصريون يتأولون ذلك على الابتداء ، ويستدل الكوفيون بقول الزباء :
ما للجمال
مشيها وئيدا
|
|
أجندلا يحملن
أم حديدا
|
حيث يجعلون (مشى)
فاعل (وئيدا) ، وقد سبقه ، لكن البصريين يتأولون ذلك على أن مشيها مبتدأ ، والخبر
محذوف تقديره : ثبت أو ظهر ، أما (وئيدا) فهو منصوب على الحالية.
__________________
ويعلل لوجوب
سبق الفعل الفاعل أو نائبه دائما بأن الفاعل موجود قبل وجود الفعل ، فيجب أن يكون
قبله ، إلا أنه لمّا كان الفعل عاملا فى الفاعل أو نائبه وجب سبقه له ؛ لأن العامل
يسبق المعمول .
كما أن الفاعل
كالجزء من الفعل ؛ لأن الفعل يفتقر إليه في معناه وفى استعماله ، وهو كالعجز منه ؛
لذا لا يجوز تقديمه عليه ؛ لأن العجز لا يجوز تقدمه على الصدر .
وعلينا أن
نستحضر فكرة المعلوم والمجهول فى ركنى الجملة ، حيث يبتدأ بما هو معلوم ليخبر عنه
بما هو مجهول ؛ ولهذا فإن الجملة قد قسمت إلى فعلية واسمية ، فإن علم المتحدث أن
المستمع يعلم اسما ما فإنه يبتدئ به لتكون الجملة اسمية ، وإن كان يعلم حدثية فإنه
يبتدئ بها ثم يتلوها بفاعلها أو ما ينوب عنه فتكون الجملة فعلية ؛ ولهذا فإن الفعل
يجب أن يسبق الفاعل أو نائبه حتى تكون الجملة فعلية ، أى أن الفعل هو المعلوم لدى
طرفى الحديث ، ومن هنا يمكن أن ندرك الفرق المعنوىّ فى الإخبار بقولنا : أصيب
الصديق ، والصديق أصيب ، حيث يمكن تغيير الجزء الثانى من الجملة بأى معنى آخر صالح
مع الجزء الأول ، لكن هذا التغيير غير ممكن فى الجزء الأول على افتراض حتمية
معلوميته لدى الطرفين المتخاطبين.
فالفعل أولا ،
ثم يليه الفاعل لذلك ؛ والفعل بمثابة المبتدإ فى الجملة الاسمية ، والفاعل بمثابة
الخبر ، وعلى الرغم من أنه المسند إليه معنى الفعل ، ولكن لا بد من هذا التقدير
الافتراضى ؛ ليتضح الفرق بين الاسمية والفعلية.
يذكر المبرد :
فقولك : يقوم زيد؟ يقوم فى موضع المبتدإ ، وكذلك : زيد يقوم ، يقوم فى موضع الخبر .
ب ـ الاسمية :
يجب أن يكون
الفاعل أو نائبه اسما ؛ لأنه مسند إليه ، حيث يسند إليه الحدث الذى يتمثل فى الفعل
، والإسناد لا يكون إلا لاسم ـ كما هو فى المبتدإ ـ ولو كان
__________________
في الجملة ما ظاهره أنه فاعل غير اسم فإنه يؤول ويقدر الفاعل اسما ، ويتضح
ذلك فى القسم التالى ، كما أن اسمية الفاعل تتحقق من خلال الأبنية المذكورة فيه فى
الفكرة المذكورة بعد.
ج ـ صورهما البنيوية :
ذكرنا أن
الفاعل أو نائب الفاعل يجب أن يكون اسما ، وهما يردان فى الجملة فى صورتهما
الاسمية على المبانى الآتية :
١ ـ الاسم الصريح الظاهر :
نحو : اجتهد
الطالب ، حيث (الطالب) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
ومنه : ولاحت
لنا سحابة ، تفوقت الفتيات ، كلّ من (سحابة والفتيات) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه
الضمة.
ينحدر المجرى
فى قناة جانبية. (المجرى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
وفى قولك :
كوفئ المجتهد ، لا تباع ضمائر الأحرار ، كلّ من (المجتهد ، وضمائر) نائب فاعل
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
٢ ـ اسم الإشارة :
أقبل هذا
إلينا. (هذا) اسم إشارة مبنى فى محلّ رفع ، فاعل.
وتقول : عوقب
هؤلاء المهملون ، فيكون (هؤلاء) اسم إشارة مبنيا فى محل رفع ، نائب فاعل.
ومنه : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً
واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) [ص : ١٥].
(وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي
قُلُوبِكُمْ) [الفتح : ١٢].
٣ ـ الاسم الموصول :
اجتهد الذى
لمناه. (الذى) اسم موصول مبنى في محل رفع ، فاعل.
وتقول : طولب
من عليه الدّين. (من) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل.
ومما جاء اسما
موصولا دالا على الجنس فاعلا فاعل (نعم وبئس) فى قولك : نعم ما استمعت إليه محاضرة
اليوم. حيث (ما) اسم موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل (نعم).
ومنه : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) [البقرة : ٢٥٨]. الذى اسم موصول مبنى في محل رفع ، نائب فاعل : (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) [البقرة : ٢٨٢]. (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي
اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ) [البقرة : ٢٨٣].
(قَدْ نَعْلَمُ
إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) [الأنعام : ٣٣]. (وَلَوْ شاءَ اللهُ
مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) [البقرة : ٢٥٣](الْيَوْمَ يَئِسَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) [المائدة : ٣]. (لَقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة : ٧٣].
٤ ـ الضمير :
احترمنا
الملتزمين. ضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل رفع ، فاعل الحظ بناء الفعل الماضى (احترم)
على السكون.
__________________
وتقول :
الفتيات عوملن باحترام ، (نون النسوة) ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل. تلحظ
بناء الفعل الماضى على السكون.
فإذا قلت :
محمد يجتهد فى دروسه ، فإن فاعل (يجتهد) ضمير مستتر تقديره (هو).
وتقول : محمد
خوصم فى حق. (خوصم) فعل ماض مبنى على الفتح مبنى للمجهول ، ونائب الفاعل ضمير
مستتر تقديره : (هو).
فاطمة تهيّأت
للمناقشة ، والتقدير : تهيأت هى ، الرجل المقصود بالخبر علمه ، والتقدير : علم هو
إياه.
ويكون الفاعل
ضميرا ظاهرا بعد حرف الاستثناء ـ على الوجه الأرجح ـ ، وذلك فى قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا
يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩].
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا
يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧].
ضمير الغائب
الظاهر المنفصل (هو) فى محل رفع ، فاعل ـ على الأرجح.
وقد يكون
الفاعل ضميرا واجب الاستتار ، وذلك إذا كان :
ـ فاعلا لفعل
أمر مخاطب به الواحد ، نحو : افهم ، اسمع ، الزم ... حيث الفاعل ضمير مستتر تقديره
: (أنت).
ـ فاعل (نعم
وبئس) مميزا بنكرة ، نحو : نعم طالبا محمد ، حيث (نعم) فعل ماض مبنى على الفتح ،
وفاعله ضمير مستتر تقديره : (هو) ، و (طالبا) تمييز منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ـ فاعلا للفعل
المضارع المسند إلى المتكلم ، أو المتكلمين ، نحو : أعبد الله وحده ، ألزم أداء
الواجب ، أصلى على الرسول ، وتقول : نعبد الله وحده ، نلزم أداء ، نصلّى .. حيث
الفاعل ضمير مستتر ، تقديره : (نحن).
ـ فاعلا
للمضارع المسند إلى المخاطب ، نحو : أنت تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر. حيث
الفاعل ضمير مستتر ، تقديره : (أنت).
ـ فاعل اسم فعل
يدل على الأمر ، نحو : صه ، مه ... نزال ، دراك ..
حيث الفاعل
ضمير مستتر ، تقديره : (أنت).
ـ فاعل اسم فعل
يدل على المضارع ، نحو : أفّ ، أوّه ، وى ... حيث الفاعل ضمير مستتر ، تقديره : (أنا).
ـ فاعل المصدر
الواقع موقع الفعل بدلا من لفظه ، نحو : قياما لا قعودا ، انتباها .. حيث الفاعل
ضمير مستتر ، تقديره : (أنت).
٥ ـ الأسماء الستة :
نحو : أقبل ذو
الأخلاق الحميدة. (ذو) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.
وتقول : أعولج
فوك؟ (فو) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.
ومنه : (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ
أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) [يوسف : ٦٨].
(إِذْ قالَ لَهُمْ
أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء : ١٠٦]. (أخو) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو.
(وَما يُلَقَّاها
إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت : ٣٥]. (ذو) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الواو. وهو مضاف ، و (حظ)
مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.
__________________
(لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق : ٧].
٦ ـ المصدر المؤول :
نحو : ينبغى أن
تسعى فى الخير. المصدر المؤول (أن تسعى) في محل رفع ، فاعل ، والتقدير : ينبغى
سعيك .. يفاد أن الحكيم من تتوازن شخصيته. المصدر المؤول (أن الحكيم من) فى محل
رفع ، نائب فاعل ، والتقدير : يفاد كون الحكيم ...
ومنه أن تقول :
وقد تقدم أننا نقدر الملتزمين. يجب عليك أن تقدم العون لغيرك. يحكى أنّ الصبر
جميل. (أن الصبر جميل) مصدر مؤول فى محل رفع ، نائب فاعل.
ومنه قولك :
يجب علينا أن نتضامن جميعا ، والتقدير : يجب علينا تضامننا ، فيكون المصدر المؤول (أن
نتضامن) فى محل رفع ، فاعل.
ومنه قوله
تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [الحديد : ١٦]. (أَوَلَمْ يَكْفِ
بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت : ٥٣].
__________________
(وَيَدْرَؤُا عَنْهَا
الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) [النور : ٨]. (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١]. (أنه استمع نفر) مصدر مؤول فى محل رفع ، نائب فاعل.
ومن المصدر
المؤول الفاعل أن تقول : يسرنى لو زرتنى ، أى : يسرنى زيارتك لى.
يعجب المدرس ما
اهتمّ طالبه ، أى : يعجبه اهتمام ... على أن (ما) مصدرية.
٧ ـ الاسم المحكىّ بالنقل :
قد يكون الفاعل
اسما محكيا بالنقل من الحرفية أو الفعلية ، كقولك : تنصب (إنّ) المبتدأ ، وترفعه (كان).
كلّ من (إن) و (كان) فاعل مبنى فى محلّ رفع ، حيث (إن) و (كان) خرجتا من صفة
الحرفية والفعلية إلى صفة الاسمية ، فالتقدير : تنصب الكلمة (إن) ... ، وترفعه
الكلمة (كان) ، والكلمة إنما هى اسم ، أو ينصب لفظ (إن) ، ويرفعه لفظ (كان).
والحال كذلك
فيما إذا قلت : تجرّ (فى) الأسماء ، ولا تدخل على الأفعال.
حيث (فى) فاعل
مبنى فى محل رفع ، وفاعل (تدخل) ضمير مستتر تقديره : (هى) ، يعود على (فى).
٨ ـ الفاعل المقدر :
يكون تقدير
الفعل من خلال السياق فى أحد تركيبين :
أولهما : أنه
قد ترد جملة بعد فعل سابق عليها ، ويفهم من العلاقة المعنوية بينهما أنها الفاعل ،
لكن بنية الفاعل لا تكون جملة ، حينئذ يقدر فاعل بطريقة ما ، مثال ذلك : جاء فى
الحديث الشريف : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه
__________________
بعضا» ، فالذى جاء ما هو مذكور من نصّ الحديث ، فيكون الفاعل
، لكنه جملة ، ولا يجوز أن يكون الفاعل أو نائبه جملة ، كما يرى جمهور النحاة ، لكن بعض النحاة يجيز ذلك ، ويستشهدون له بوروده فى
قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف : ٣٥] ، حيث فاعل (بدا) يكمن فى جملة (ليسجننه) ، لكن النحاة يؤولون
الفاعل على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول :
أن يكون الفاعل مصدرا مقدرا دلّ عليه الفعل العامل المذكور ، وهو (بدا) ، ويكون
التقدير : بدا لهم بداء ، ويمثّل لذلك بقول الشاعر :
لعلّك
والموعود حقّ لقاؤه
|
|
بدا لك فى
تلك القلوص بداء
|
حيث ظهر فاعل (بدا)
وهو (بداء). ويميل الكثيرون إلى هذا الوجه.
الوجه الثانى :
أن يكون الفاعل ما دلّ عليه المعنى فى الجملة المذكورة التى قامت مقامه ، وهى (ليسجننه) أى : السجن.
الوجه الثالث :
أن يكون الفاعل محذوفا ، وإن لم يكن موجودا فى اللفظ ما يقوم مقامه ، ويقدر من
خلال السياق ، فيكون : ثم بدا لهم رأى.
__________________
ومن ذلك قوله
تعالى : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) [إبراهيم : ٤٥] ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ
لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة : ١١].
حيث ظاهر القول
أن الجملة الاستفهامية (كيف فعلنا) هى الفاعل ، والجملة الفعلية المنهية (لا
تفسدوا) هى النائب عن الفاعل. ولكنهما يؤولان على التأويلات السابقة.
ويجيز بعض
النحاة ذلك مع أفعال القلوب إذا علّقت ، نحو قولك : ظهر لى أقام محمود أم علىّ؟
ظاهر القول أن
جملة (أقام محمود أم على) هى الفاعل ، وعلى الأوجه السابقة يكون تقدير الفاعل
واحدا من : ظهور ، أو : قيام ، أو : رأى ، أو أمر.
والآخر : أن
يذكر فعل لا فاعل له مسبوق بجملة فعلية مكتملة الركنين ، ومصدر الفعل الأول يصح فى
معناه فاعلا للفعل الثانى الذى يحتاج إلى فاعل ، يبدو ذلك فى قول الشاعر :
إذا اكتحلت
عينى بعينك مسّها
|
|
بخير وجلّى
غمرة من فؤاديا
|
__________________
أى : مسّها
الاكتحال ، ففاعل (مس) ضمير مستتر تقديره (هو) ، يعود على مصدر (اكتحل).
٩ ـ تركيب خاص بالفاعل (فعل+ ما+ فعل):
يوجد فى اللغة
تراكيب فعلية تتكون من فعل يتلوه (ما) متلوة بفعل ، نحو : قلمّا تزورنى ، كثر ما
أعطيتك كتابى ، طالما ألومك لهذا الفعل ، ويعتقد أن هذه الأفعال لا فاعل لها على
احتساب أن (ما) قد كفّتها ، فلم تطلب فاعلا ، لكن الأمر غير ذلك ، فكلّ فعل لا بدّ
له من فاعل ، وتؤول هذه التراكيب على النحو الآتى :
أ ـ أن يقدر (ما)
حرفا مصدريّا ، فيكون مع ما بعده مصدرا مؤولا فى محل رفع ، فاعل ، ويكون التقدير :
قل زيارتك ، كثر عطائى ، طال لومى لك. وهذا هو الرأى الأرجح.
ـ أن تقدر (ما)
زمانية بمعنى (وقت) ، فتكون الفاعل ، والتقدير : قلّ وقت زيارتك لى فيه ، كثر وقت
عطائى فيه ، كثر وقت لومى فيه ، فيقدر عائد محذوف.
ـ أن تقدر (ما)
هى الفاعل ، ويكون ما بعدها صلتها.
ـ أن تقدر (ما)
زائدة ، وما بعدها من اسم يكون فاعلا ، على أن يقدر ضمير مستتر فى الفعل الثانى ،
فيكون التقدير : قللت تزور أنت لى ، ... إلخ.
وهذه الأفعال
لا يقع بعدها إلا الجملة الفعلية ، ما دامت قد ألحقت بـ (ما) ، فتقول : قلّما
أخطأت فى إجابة ، كثر ما أجبت ما تطلب. فإذا وقع بعدها اسم مع وجود (ما) فإنه يكون
ضرورة أو شاذا ، كما جاء فى قول المرار الفقعسى :
صددت فأطولت
الصدود وقلّما
|
|
وصال على طول
الصدود يدوم
|
فإذا خلت هذه
الأفعال من (ما) فإن الاسم يذكر بعدها ، فتقول : قلّ رجل يقول ذلك ، ويكون الاسم
المذكور (رجل) فاعلا ، وهذا دليل على أننا يجب أن نجعل فاعلا لهذه الأفعال بتقدير
أو بآخر.
__________________
١٠ ـ صور أخرى
للنائب عن الفاعل : كما ذكرنا ـ قد يكون النائب عن الفاعل واحدا مما سبق ،
وإلى جانب ذلك قد يكون :
ـ الجار
والمجرور : بشرط أن يكونا تامين ، أى : أن يفيدا معنى مع الفعل ، نحو : قد فطن له
، نظر فى الأمر ، حيث الفعلان (فطن ، نظر) مبنيان للمجهول ، وكلّ من شبه الجملة (له
، فى الأمر) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
أما ابن
درستويه والسهيلى وغيرهما ممن ذهب إلى رأيهما فيرون أن النائب عن الفاعل ـ حينئذ ـ
يكون المصدر المفهوم من الفعل المستتر فيه ، لا المجرور بالحرف المعدى .
ـ المصدر
المختصّ بصفة أو إضافة أو بأداة التعريف ، نحو : ضرب ضرب شديد ، فهم فهم الواعى ،
شرح الشّرح.
كلّ من : (ضرب
، وفهم ، والشرح) نائب فاعل مرفوع ، وصحّ ذلك ؛ لأنه مصدر مختص.
ـ ظرفا الزمان
والمكان المتصرفين المختصين ، ويكون التصرف من طريق عدم التزام الظرف بالظرفية
المطلقة ، ويكون الاختصاص من طريق إفادة معنى ، نحو : سير يوم الجمعة ، صيم رمضان
، جلس أمامك.
كلّ من : (يوم
، ورمضان ، وأمام) نائب فاعل مرفوع ، وصحّ ذلك لأنها ظروف مختصة متصرفة.
د ـ جواز جر الفاعل :
قد يرد الفاعل
فى الجملة مجرورا لفظا مرفوعا محلا على النحو الآتى :
ـ بـ (من) :
كما في قوله تعالى : (وَما مَسَّنا مِنْ
لُغُوبٍ) [ق : ٣٨]. حيث (من) حرف جر زائد للتوكيد ، أو : للاستغراق مبنى لا محلّ له
من الإعراب.
__________________
(لغوب) فاعل
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر
الزائد.
ونحو قولك : ما
جاءنى من أحد. (من) حرف جر زائد للتوكيد والاستغراق مبنى لا محل له من الإعراب. (أحد)
فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف
الجر الزائد.
ومنه : ما أجاب
عن السؤال من أحد ، لم يقبل علينا من رجل. لم يزرنا منذ أسبوع من ضيف.
ـ بالباء :
يسبق الفاعل بالباء الزائدة بعد الفعل (كفى) بمعنى (حسب) بخاصة ، وفى صيغة التعجب (أفعل
به) ، ذلك نحو : (وَكَفى بِاللهِ
وَلِيًّا) [النساء : ٤٥] ، (وَكَفى بِاللهِ
حَسِيباً) [النساء : ٦] ، الباء في الموضعين حرف جر زائد للتوكيد ، مبنى لا محلّ له
من الإعراب ، ولفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع
من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
وتقول : أعظم
بفضل الله ، (الباء) حرف جر زائد للتوكيد مبنى لا محلّ له من الإعراب. (فضل) فاعل
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر
الزائد.
ومنه صيغة
التعجب بـ (حب) ، فتقول : حبّ بالملتزم. فيكون الباء حرف جر زائدا ، أما (الملتزم)
فهو فاعل (حب) مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
ـ بالإضافة :
يجر فاعل المصدر حال إضافته إليه ، والمصدر يعمل عمل الفعل ، ذلك كما هو فى قوله
تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ
اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، حيث (دفع) مصدر يعمل عمل الفعل ، وهو مبتدأ مرفوع ،
وعلامة رفعه الضمة ، ولفظ الجلالة (الله) مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة ،
وهو فاعل مرفوع محلا ، فالتقدير دفع الله ...
ه ـ الحكم الإعرابى لهما :
كلّ من الفاعل
ونائب الفاعل مرفوع دائما ، أو فى محلّ رفع ، وعلامات رفعهما كما هو مذكور فى
الأسماء (المبتدإ والخبر مثلا).
يجعل النحاة
الرفع أصله أن يكون للفاعل ، وجميع ما يرفع من الأسماء راجع إليه بوجه ما. فما
يرفع من العمد إنما يرفع بالحمل على الفاعل .
ويختلف النحاة
فيما بينهم فى عامل رفع الفاعل ـ حيث إنه الأصل ـ وذلك على النحو الآتى :
أولا : ارتفع
الفاعل بالعامل المسند إليه من فعل أو ما ضمن معنى الفعل ، حيث يرفع حقيقة لفظا
ومعنى إن خلا من الأحرف الزائدة التى تسبقه (من والباء) ، نحو : حضر المجتهد : (مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) [فاطر : ٢٧] ، ويرفع الفاعل حكما أو تقديرا إن سبق بأحد الحرفين الزائدين ،
نحو : ما جاء من أحد : (كَفى بِاللهِ
شَهِيداً) [الرعد : ٤٣] ، فكل من (أحد ، ولفظ الجلالة : الله) فاعل مرفوع ، وعلامة
رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد ، أو جر
بالإضافة إلى العامل ، كما فى قوله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ
اللهِ النَّاسَ ..) [الحج : ٤٠] ، وعلى هذا سيبويه وجمهور النحاة.
ثانيا : يرفع
بالإسناد ، فيكون عامل رفعه معنويا ، وعلى هذا هشام وخلف الأحمر .
ثالثا : يرفع
الفاعل لشبهه بالمبتدإ ، ذلك أن المبتدأ يخبر عنه بالخبر ، والفاعل يخبر عنه
بفعله. وهذا رأى من يذهب إلى أن المبتدأ أصل فى الرفع.
رابعا : ذهب
آخرون إلى أنه يرفع بكونه فاعلا ، أى : أدّى معنى الفاعلية ، أو لإحداثه الفعل ،
أى : بمعنى الفاعلية ، ويرد عليه بأنه قد ارتفع ، وإن لم يكن فاعلا في المعنى ،
نحو : مات زيد ، وأقام زيد؟ ، وما قام زيد .
خامسا : وقال
آخرون : ارتفع بالفعل والإسناد معا ، إذ لو تجرد الفعل عن الإسناد لم يرتفع .
__________________
سادسا : ذهب
آخرون ـ وعلى رأسهم الخليل وسيبويه ـ إلى أن الفاعل ارتفع بتفرغ الفعل له.
و ـ المطابقة النوعية فى الفعل :
حيث تتطابق
بنية الفعل مع فاعله أو نائبه من حيث النوع (التذكير والتأنيث) ، فيضاف إليه ما
يدلّ على إسناده إلى مؤنث ، وستدرس القضية بالتفصيل فيما بعد.
ز ـ إلزام الفعل الدلالة على الإسناد إلى مفرد :
فى الجملة
الفعلية يسبق الفعل الفاعل بالضرورة ، ويجب أن تتضمن بنيته ما يدل على إسناده إلى
المفرد ، سواء أكان الفاعل أو نائبه مفردا ، أم مثنى ، أم مجموعا. وتدرس القضية
فيما بعد.
ح ـ الفاعل أو نائبه عمدة :
فلا بدّ من
وجود أحدهما فى الجملة ، أى : لا يجوز حذف أحدهما بدون رافعه ، وتدرس هذه القضية
بالتفصيل فيما بعد.
ط ـ كلّ فعل متعدّ أو غير متعدّ لا يكون له إلا فاعل واحد :
والعلة فى ذلك
أن الفعل حديث وخبر ، فلابدّ له من محدّث عنه ، يسند ذلك الحديث إليه ، وينسب إليه
؛ وإلا عدمت فائدته ، فإذا ذكرت بعده اسما ، وأسندت ذلك الفعل إليه اشتغل به ،
وصار حديثا عنه» . لكن بعض الأفعال التى تكون على مثال (تفاعل) تتطلب أن
يكون فاعلها مثنى ، أو أكثر ، تبعا لإرادة المتحدث ، وواقع السياق ، فتقول : تشارك
الاثنان ، تخاصم الشركاء ، تقاتل الجيشان. ذلك لأن فيه معنى التشارك.
فإذا كان
الفاعل مفردا ـ أى : دالا على الواحد ـ فإنه يلزمه أن يعطف عليه ، فتقول : تشارك
محمود وأحمد ، تخاصم سمير وعلى وراجح.
__________________
فلا بدّ من العطف فى مثل هذا التركيب ، وتكون الواو بالضرورة ، وكلّ منهما
، أو منهم ، فاعل ، والمشتركون يدلون على فاعل واحد. وقد ذكر الحريرى «ولا تقول :
اجتمع زيد مع عمرو» .
المفعول به
دأب النحاة على
دراسة المفعول به فى أبواب دراسة الفضلات ، وهى لا تؤثر فى ركنى الجملة ، لكننى
أوثر دراسته متمما دراسة الجملة الفعلية ، وكأننى أود أن أجعله أساسا فى بناء
الجملة الفعلية ؛ لأننى لحظت ما يأتى :
أ ـ بعض
الأفعال لا يتم معناها إلا من خلال ذكر مفعولين أو أكثر ، وهى التى درست سابقا ،
فإذا قلت : زعمت ، أو : وجدت ، أو غير ذلك فإن هذا الكلام لا يفيد معنى يحسن
السكوت عليه ، مع أنه يكوّن جملة تامة الركنين من فعل وفاعل.
ب ـ لا تستغنى
الجملة فى وجه من أوجه تراكيبها عن المفعول به ، وذلك إذا بنى الفعل للمجهول ، حيث
يوضع المفعول به ـ في المقام الأول ـ نائبا عن الفاعل ، ويتّخذ أحكامه ـ كما
ذكرنا.
ج ـ يمكن إضافة
مصدر الفعل إلى مفعوله ، كما يضاف إلى فاعله ، فليس بينهما فرق فى هذا الجانب ،
حيث يمكن القول : قراءة الدرس ، قراءة محمد ، خروج على ، خروج من المنزل.
د ـ الأحداث
يلزمها دائما طرفان ، مؤثر ومتأثر ؛ لأن الحدث إذا صدر من المؤثر ـ وهو الفاعل ـ فإنه
لا يكون حدثا حقيقيا إلا بالاعتداد بالمتأثر ، فكتابة محمد التى حدثت أو تحدث أو
ستحدث لا بدّ أن تكون حادثة على شىء ما ، سواء أكان درسا أم موضوعا أم كلاما أم
صفحة أم خطابا أم غير ذلك ، وإلا فإنه لا تكون كتابة ، وإذا لم يوجد شىء من هذه
المتأثرات فإنها تعدّ فى الحسبان دائما.
فالفعل فى
معناه يلزمه المفعول به ، وإنما هو في معناه وبنيته يلزمه الفاعل.
__________________
لذا فإنه يحرص
على الجمع بين المؤثر والمتأثر بالحدث ، حيث تتم الحدثية بذكر الاثنين معا ، ويتم
ذلك بدراسة المفعول به ، وما يتعلق به من قضايا نحوية أخرى من خلال دراسة الجملة
الفعلية.
حدّه :
يطلق مصطلح
المفعول به على ما وقع عليه الحدث على أن يكون فاعله معلوما ، سواء أكان ظاهرا أم
مقدرا ومستترا ، فلا تتغير صورة الفعل مع المفعول به ، أو : هو ما أوقع به الفاعل
فعله.
والمفعول به
يكون محلّ الفعل أو الحدث خاصة ؛ لأنه الجهة التى تتلقى الحدث ، فتكون محلّه ،
فإذا قلت : (ضربت المهمل) ؛ فإن (المهمل) هو المتلقّى للضرب ، فهو المحلّ أو الجسم
الذى يقع عليه.
يدخل فى هذا
الحد ما وقع فى معنى النفى والاستفهام ونحوهما ، كقولك : ما فهم الحاضرون الدرس ،
أفهم الحاضرون الدرس؟ ، حيث (الدرس) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو فى
الأول وقع عليه عدم الفهم ، وفى الثانى وقع عليه معنى المستفهم عنه ، وهو الفهم.
صور المفعول به :
يأتى المفعول
به فى اللغة على إحدى الصور أو البنى الآتية :
أ ـ قد يكون
اسما ظاهرا ، نحو : (وَهُوَ الَّذِي
يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] ، (الرياح) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو
اسم ظاهر.
__________________
وقوله : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) [الأعراف : ٤٦]. (كلا) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ب ـ قد يكون
ضميرا بارزا منفصلا أو متصلا ، نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٤] ، (إياك) فى الموضعين ضمير منفصل مبنى فى محل نصب ، مفعول به
مقدم.
ومنه : المتّقى
ربّه يخشاه ، (هاء الغائب) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به.
ليتكم تركتمونى
أختاره فأشكركم. ياء المتكلم ، وهاء الغائب و (كم) المخاطبين فى (أشكركم) ضمائر
متصلة فى محل نصب ، مفعول به.
تنبيهات :
أ ـ (إياه ،
إياك ، إياى) وما يتفرّع من هذه الضمائر المنفصلة (اثنا عشر ضميرا) تكون فى محلّ
نصب ، مفعول به مقدم دائما. ما لم تكن مؤكّدة.
ب ـ (الهاء
والكاف والياء) وما يتفرع من هذه الضمائر المتصلة (اثنا عشر ضميرا) حال اتصالها
بالأفعال تكون فى محل نصب ، مفعول به دائما. عدا ضمير المتكلمين (نا) فإنه إذا
اتصل بالفعل الماضى المبنى على الفتح فإنه يكون مفعولا به ، وإذا كان مبنيا على
السكون فإنه يكون فى محل رفع فاعل.
ولتلحظ ما يأتى
من أمثلة :
ـ أقدرك لأنك
تحترمنى ، وتحب عملك ، وتتقنه.
ـ أودّ أن
أفهمكما ما أقوله.
__________________
ـ كافئوهم على
ما بذلوه ؛ كى يحترموكم .
ـ زميلاتنا
نحترمهن ونقدرهن فهنّ أخواتنا .
ج ـ قد يكون
جملة : ذلك إذا كان الحدث قولا ، نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] ، الجملة الاسمية (هو الله أحد) فى محل نصب مقول القول.
ومنه قولك :
قلت : عليك أن تطيع أوامر الله ، الجملة الاسمية (عليك أن تطيع ...) فى محل نصب
مقول القول.
أقول : إن
الانتماء إلى الوطن أصالة إنسانية. الجملة الاسمية المنسوخة (إن الانتماء أصالة)
فى محل نصب مقول القول.
تنبيه :
ذكرنا أن مقول
القول يكون جملة دائما ، كما ذكر فى الأمثلة السابقة ، وقد يكون مفردا فيه معنى
الجملة ، نحو : قالوا ذلك لحاجتهم إلى التبرير. قلت كلمة
__________________
أو كلاما أو حديثا أو خطبة. فكل ما قلناه أنه يجب الإخلاص في العمل ، حيث إن
كلّ مفعول به ذكر فى الأمثلة السابقة يؤدى معنى جملة .
يلاحظ أنه قد
تتحول الجملة الاسمية بركنيها إلى مفعولين فيما إذا دخلت عليها حدثية تنصب مفعولين
أو ثلاثة ـ وحينئذ ـ إذا كان أحد الركنين جملة فإنه يكون مفعولا به ، فى محل نصب.
وقد تتحول الجملة الاسمية المنسوخة إلى مفعول به مع أفعال القلوب ـ كما هو مدروس
سابقا.
قد يحذف القول
، ويظل المقول فى محل نصب بالقول المحذوف من ذلك قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ
مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ ..)
[الرعد ٢٣ ، ٢٤]
، والتقدير : يقولون : سلام عليكم ، فتكون الجملة الاسمية فى محل نصب ، مقول القول
المحذوف ، والقول المحذوف فى محل نصب ، حال من واو الجماعة فى (يدخلون).
ومن ذلك : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ
وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) [أل عمران : ١٠٦] ، أى : فيقال لهم : أكفرتم ...
(وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى
اللهِ) [الزمر : ٣]. أى : يقولون : ما نعبدهم إلا ...
(وَظَلَّلْنا
عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ
طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ ...) [البقرة ٥٧]. أى : وقلنا لهم : كلوا من ...
ناصب المفعول به :
المفعول به
منصوب دائما ، أو فى محلّ نصب ، لكن النحاة يختلفون فيما بينهم فى ناصبه على النحو
الآتى :
__________________
أ ـ ذهب بعضهم
إلى أن الناصب معنوىّ ، وهو معنى المفعولية.
ب ـ ذهب الأخفش
إلى أنه معنوىّ كذلك ، ولكنه يكون الفاعلية.
ج ـ ذهب هشام
الضرير إلى أنّ المفعول به انتصب بالفاعل ، ويردون عليه بأن تقدمه عليه ينفى ذلك.
د ـ ذهب الفراء
إلى أنه منصوب بالفعل والفاعل معا ، ويردون عليه بجواز توسطه بينهما ، والمعمول لا
يتوسط العامل.
ه ـ ذهب سيبويه
وجمهور النحاة إلى أنه منصوب بالفعل ، أو ما جرى مجراه من الأسماء العاملة ،
ويدللون على ذلك بأنه يكون على حسب عامله حال التقديم والتأخير من التصرف وعدم
التصرف ، فإن كان العامل الفعل متصرفا جاز التقديم ، نحو : فهم محمد الدرس ، وإن
كان جامدا لم يجز فى المفعول به التقديم ، كقولك : ما أجمل الربيع! ، حيث فعل
التعجب (أجمل) جامد ، فلا يجوز تقدم المفعول به (الربيع) عليه.
ومن النحاة من
يفسر ما ذهب إليه الخليل وسيبويه بأنه انتصب باشتغال الفعل عنه بالفاعل قبل وصوله
إليه . ويدللون على ذلك بأنه عند ما لم يشغل بالفاعل ارتفع المفعول به بالفعل ،
ويقصدون بذلك النائب عن الفاعل.
__________________
الضبط الإعرابى فى الفعل
اختصاص الفعل
بزمن معين يجعله يلزم ضبطا واحدا فيكون مبنيا ، وإعرابه يدلّ على عدم اختصاصه
الزمنى ؛ لذا فإننا نجد أن الفعل الماضى مبنىّ دائما ؛ لأنه مختصّ بالزمن الماضى ، كما نجد أن فعل الأمر مبنىّ دائما ؛ لأنه يختص بالزمن
المستقبل ، أما الفعل المضارع فإنه يكون معربا ؛ لأنه غير مختصّ
بزمن ، فقد يكون للماضى أو الحال أو الاستقبال . ذلك سوى حالتين يبنى فيهما المضارع لدواع صوتية
ودلالية.
وفكرة الضبط
الإعرابىّ للفعل فى الجملة العربية ترتبط بأقسامه من جهة الزمن ، حيث ينقسم إلى :
ماض ، ومضارع ، وأمر ، ولكلّ حكمه النطقى ، ذلك على التفصيل الآتى :
أ ـ الفعل الماضى
الفعل الماضى
مبنىّ دائما ، حيث لا يتأثر بما يسبقه من أدوات ، ويجعل جمهور النحاة بناء الفعل
الماضى على الفتح دائما ، سواء أكان ظاهرا ؛ إذا نطق آخره بالفتح ، أم كان مقدرا ؛
إذا نطق آخره بغير الفتح ، ولكننا سنطبق هنا قاعدة البناء التى تذهب إلى أن المبنى
من الكلمات يبنى على ما ينطق به آخره ، فالفعل الماضى تختلف علامات بنائه لدواع
صوتية ، ذلك على النحو الآتى :
__________________
بناؤه على السكون :
يبنى الفعل
الماضى على السكون إذا أسند إلى ضمير رفع بارز متحرك ، حيث
الماضى المجرد يبنى من ثلاثة متحركات (فتح ، حسب ، شرح ، فهم ، أكل ...) ، فعندما
يسند إلى متحرك تتوالى أربعة متحركات ، تثقل فى النطق ، فيتخلص من ذلك ببناء
الماضى على السكون ، وضمائر الرفع البارزة هى :
ـ تاء الفاعل :
سواء أكانت للمتكلم (مضمومة) ، أم للمخاطب (مفتوحة) ، أم للمخاطبة (مكسورة) ،
فتقول : فهمت (بضم التاء وفتحها وكسرها).
وتقول : أديت
ما علىّ من واجب ، وأتممت ما طلب منى من عمل ، وأخلصت فيه ، وأتقنته ، فنلت ما
أوليتنى به من احترام ، وسررت مما كافأتنى به ولقد التزمت بالأخلاق الحسنة ،
فاكتسبت تقدير الآخرين
ـ (نا) ضمير
المتكلمين دالا على الفاعلين دون المفعولين : سواء أدلّ على مثنى أم مجموع ، وهو
نون مفتوحة فتحة طويلة ، (ذات فتحة وألف مد) ، نحو : قال محمد وعلىّ : فهمنا ، (فهم)
فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل رفع ، فاعل ، والجملة
الفعلية فى محل نصب مقول القول.
وتقول : كتب
الثلاثة كلمة : وافقنا ، (وافق) فعل ماض مبنى على السكون ، وضمير المتكلمين (نا)
مبنى فى محلّ رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محلّ جر ؛ لأنها مضاف إليه.
لقد انتبهنا
إلى ما يقال ، فاستوعبناه كاملا ، وتأهبنا فى ثقة للرد على كل سؤال ، واستطعنا
تحقيق ما أردنا مما جئنا إليه ، وجعلناه هدفنا.
ـ نون النسوة :
وهى النون الدالة على الفاعلات الغائبات ، وتكون مفتوحة ، ومثالها : المنتبهات
فهمن ، (فهم) فعل ماض مبنى على السكون ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محلّ رفع ،
فاعل.
__________________
ومنه :
الطالبات انتبهن إلى الشر «، ففهمن المضمون ، واستطعن أن يجبن على كل سؤال. فنلن
احترام غيرهن ، واستحققن التصفيق.
بناؤه على الضم :
يبنى الفعل
الماضى على الضم إذا أسند إلى واو الجماعة ، وهى الضمير الدالّ على الغائبين ،
وتكون واو مدّ فيلزم ما قبلها أن يكون مضموما حتى تنطق واو المدّ نطقا سليما.
ومثاله : لقد أقبلوا إليك. (أقبل) فعل ماض مبنى على الضمّ ، وواو الجماعة ضمير
مبنى فى محلّ رفع ، فاعل.
ومنه : هم
استمعوا إليك ، وفهموا ما قلته ؛ لذلك فإنهم قد استطاعوا الإجابة عما سألته ،
فنالوا تقديرك ، كما أثبتوا أنهم قدّروا المسئولية ، والتزموا بما عليهم من واجب.
بناؤه على الفتح :
يبنى الفعل
الماضى على الفتح إذا لم يسند إلى ضمير من الضمائر السابقة ، أى إذا أسند إلى :
ـ اسم ظاهر ،
نحو : لقد ذكر محمد ذلك ، وردّدته أخته. كلّ من (ذكر وردّد) فعل ماض مبنى على
الفتح ، وكلّ من (محمد وأخت) فاعل مرفوع. فإذا كان منقوصا ، أى : آخره حرف علة ،
فإن حرف العلة ينطق ألفا ، نحو : سعى ، مضى ، طفا ، سما ، هدى ، علا ، وتكون علامة
بنائه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر. أنوه إلى أن أصل حرف العلة فى اللغة
يكون واوا أو ياء لا غير ، لكنهما قد ينطقان ألفا لنواح صوتية.
ـ ألف الاثنين
، وهو الضمير الدالّ على الغائبين أو الغائبتين ، ويكون ألف مد ، ومثاله :
الطالبان فهما ما أقول. (فهم) فعل ماض مبنى على الفتح ، وألف الاثنين ضمير مبنى فى
محل رفع ، فاعل. والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر المبتدإ.
ومنه قوله
تعالى : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ
عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) [طه : ١٢١].
(قالَتا أَتَيْنا
طائِعِينَ) [فصلت : ١١].
ـ ضمير مستتر :
نحو : لقد مكث ليله أرقا ، حيث (مكث) فعل ماض مبنى على الفتح ، وفاعله ضمير مستتر
تقديره : هو.
وتقول : قضى
ليلة عندنا ، فيكون (قضى) فعلا ماضيا مبنيا على الفتح المقدر ، منع من ظهوره
التعذر.
وتقول : خياله
عاودنى بعد تفكير ألمّ بى. المرأة إذا جاوزت الحياء تعرضت للحطّ من شأنها.
ب ـ الفعل المضارع
نعرف أن الفعل
المضارع لا يختصّ بزمن ، إذ يجوز أن يعبر به عن الزمن الماضى
باستخدام قرائن خاصة ، كما يعبر به عن المستقبل باستخدام قرائن ، وهو للزمن الحالى
إن تجرد من هذه القرائن. لذا فإن له ثلاث أحوال إعرابية تختلف بين الرفع والنصب
والجزم ، كما أن له حالين من أحوال البناء.
١ ـ رفع الفعل المضارع
يرفع الفعل
المضارع إذا تجرد من حروف النصب وحروف الجزم التى تكون سابقة عليه.
__________________
علامات الرفع :
يرفع الفعل
المضارع وتكون علامة رفعه واحدة من :
ـ الضمة
الظاهرة : للمضارع الصحيح الآخر ، نحو قولك : أفهم ما تقول. كلّ من (أفهم ، وتقول)
فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
ومنه : أستمع
ما تشرحه ، أقدر ما تنصح به ، أستلهم منه كلّ ما يستشعره ويحسّه.
ـ الضمة
المقدرة : للفعل المضارع المعتل الآخر ، وتقدر الضمة لتعذر توالى حركتين : الحركة
الطويلة التى ينتهى بها الفعل ، والحركة الدالة على الرفع ، ذلك نحو قولك : يسعى
المؤمن فى الخير ، نسمّى عليّا بالملتزم ، تطفو الخشبة فوق الماء.
كلّ من (يسعى ،
ونسمى ، وتطفو) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة. منع من ظهور الأولى
التعذر ، ومنع من ظهور الثانية والثالثة الثقل.
ومنه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ
الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨](وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى : ٢٥](إِنْ هِيَ إِلَّا
فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [الأعراف : ١٥٥].
__________________
ـ ثبوت النون :
للمضارع المسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، وهو ما يسمى
بالأفعال الخمسة ، نحو : أنتما تهتديان إلى الله ، هما يهتديان. أنتم تحفظون حدود
الله : هم يحفظون. أنت تتجمّلين بالأخلاق الكريمة.
تلحظ ثبوت
النون فى الأفعال : (تهتديان ، يهتديان ، تحفظون ، يحفظون ، تتجملين) لأنها مرفوعة
، وكلّ من ألف الاثنين وألف الاثنين وواو الجماعة وواو الجماعة وياء المخاطبة ضمير
مبنى فى محل رفع ، فاعل.
٢ ـ نصب الفعل المضارع
ينصب الفعل
المضارع إذا سبق بحرف من حروف نصبه ، وهى : أن ، لن ، كى ، إذن ، لام التعليل ،
لام الجحود ، لام العاقبة ، حتى ، فاء السببية ، وواو المعية ، أو بمعنى إلى ، أن
، أو الواو والفاء وثم وأو حروفا عاطفة على مصدر.
علامات النصب :
ينصب الفعل
المضارع بواحد من :
ـ الفتحة
الظاهرة : إذا كان صحيح الآخر أو معتلّ الآخر بالواو أو الياء. نحو : لن أقدم على
شرّ. عليك أن توالى مراقبتك لأولادك ، وأن ترجو لهم الهداية. كلّ من (أقدم ، توالى
، ترجو) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
ـ الفتحة
المقدرة : للمضارع المعتل الآخر بالألف ، ولا تظهر الفتحة على آخره للتعذر ، نحو :
أتحرك لأسعى فى الصلح بينهم. (أسعى) فعل مضارع منصوب بعد لام التعليل ، وعلامة
نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.
__________________
ـ حذف النون :
للمضارع المسند إلى ألف الاثنين ، أو واو الجماعة ، أو ياء المخاطبة ، أى :
الأفعال الخمسة ، وتكون هذه الضمائر دائما فاعلا أو نائب فاعل ، أى : فى محل رفع.
نحو : عليكما أن تنتبها ، أما أنتم فعليكم أن تنصتوا جيدا ، ويا فتاة عليك أن
تكتبى ما يقال. كلّ من (تنتبها ، وتنصتوا ، وتكتبى) فعل مضارع منصوب ، وعلامة نصبه
حذف النون ، أمّا ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة فهى ضمائر مبنية فى محلّ
رفع.
تنويه :
أنوه فى بدء
نصب الفعل المضارع إلى أنّ زمنه يكون للمستقبل بالنسبة لزمن الحدث المرتبط به
السابق عليه ، ونستطيع أن نقول : إن أدوات نصب المضارع تفيد استقبال الزمن.
إذا قلت : خلعت
الملابس كى أسبح ، فإن السباحة تحدث ـ لا محالة ـ بعد خلع الملابس ، ويكون ذلك
واضحا فى الأمثلة المذكورة فى نصب الفعل المضارع.
حروف نصب الفعل المضارع :
يجعل جمهور
النحاة الحروف الناصبة للفعل المضارع على النحو الآتى :
أ ـ حروف تنصب
بذاتها ، وهى : أن ، لن ، إذن ـ غالبا.
ب ـ حرف ينصب
المضارع بنفسه مرة ، وبإضمار (أن) وجوبا أخرى ، وهو : كى.
ج ـ حروف ينصب
بعدها المضارع بأن مضمرة وجوبا ، وهى : لام الجحود ، حتى ، أو العاطفة بمعنى إلى ،
فاء السببية ، واو المعية.
د ـ حروف ينصب
بعدها المضارع بأن مضمرة جوازا ، وهى : لام التعليل ، لام العاقبة ، اللام الزائدة
، حروف العطف : الواو ، الفاء ، أو ، ثمّ عاطفة على مصدر صريح.
والواقع اللغوى
يفرض نصب المضارع دائما بعد هذه الحروف ، ويتخذ كلّ حرف منها معنى معينا أو خاصا
مع المعانى التى ينصب فيها المضارع ، وإذا أوّل أحد هذه
الأحرف إلى معنى مخالف انتفى نصب المضارع بعده ؛ لذا يمكن القول بأن هذه
الأحرف ناصبة للمضارع بعدها بذاتها دون إضمار (أن) ، وسواء أكان هذا أم ذاك فإننا نحكى عنها ناصبة للمضارع
قولا حقيقيا أو مجازيا.
وهاك تفصيلا
لهذه الأحرف مذكورة طبقا للأقسام الأربعة السابقة.
أولا : حروف تنصب الفعل المضارع بذاتها :
أن :
حرف مصدرىّ ،
أى : يكوّن مع الفعل الذى يليه مصدرا مؤولا ، له موقعه الإعرابى من الرفع والنصب
والجر ، وإذا وقع بعده الفعل المضارع فإنه ينصبه. ومن أمثلته فى نصب المضارع :
الجملة
|
المضارع المنصوب
|
علامة النصب
|
١ ـ (وَأَنْ تَصُومُوا
خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة :
١٨٤] ٢
|
تصوموا
|
حذف النون
|
٢ ـ يعجبنى أن تحرصا على حقوقكما
|
تحرصا
|
حذف النون
|
٣ ـ (أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [الحديد : ١٦]
|
تخشع
|
الفتحة
الظاهرة
|
٤ ـ أفى العقد أن تأخذى هذا لك؟
|
تأخذى
|
حذف النون
|
٥ ـ يراد أن ترسى دعائم الإنسانية
|
ترسى
|
الفتحة
المقدرة
|
٦ ـ كان عليك أن تؤدى واجبك
|
تؤدى
|
الفتحة
الظاهرة
|
٧ ـ استطعت أن أحقق ما أريد
|
أحقق
|
الفتحة
الظاهرة
|
٨ ـ (فَأَرَدْتُ أَنْ
أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩]
|
أعيب
|
الفتحة
الظاهرة
|
٩ ـ (إِنَّ لَكَ أَلَّا
تَجُوعَ فِيها) [طه : ١١٨]
|
تجوع
|
الفتحة
الظاهرة
|
١٠ ـ لأن تضىء شمعة خير من أن تلعن الظلام
|
تضىء
|
الفتحة
الظاهرة
|
من حولك.
|
تلعن
|
الفتحة
الظاهرة
|
١١ ـ الوصول إلى الهدف بأن تخطط سليما.
|
تخطط
|
الفتحة الظاهرة
|
__________________
وتكوّن (أن) مع
المضارع الذى يليها مصدرا مؤولا له موقعه الإعرابى ، وهو فى الجمل السابقة كما
يأتى :
المصدر المؤول
|
الصريح منه
|
موقعه الإعرابى
|
محله الإعرابى
|
١ ـ أن تصوموا
|
صومكم
|
مبتدأ
|
الرفع
|
٢ ـ أن تحرصا
|
حرصكما
|
فاعل
|
الرفع
|
٣ ـ أن تخشع قلوبهم
|
خشوع قلوبهم
|
فاعل
|
الرفع
|
٤ ـ أن تأخذى
|
أخذك
|
مبتدأ مؤخر
|
الرفع
|
٥ ـ أن ترسى دعائم
|
إرساء دعائم
|
نائب فاعل
|
الرفع
|
٦ ـ أن تؤدى
|
أداؤك
|
اسم كان مؤخر
|
الرفع
|
٧ ـ أن أحقق
|
تحقيق
|
مفعول به
|
النصب
|
٨ ـ أن أعيب
|
عيبها
|
مفعول به
|
النصب
|
٩ ـ ألا تجوع
|
عدم جوعك
|
اسم إن مؤخر
|
النصب
|
١٠ ـ أن تضىء
|
إضاءتك مبتدأ
|
الرفع
|
الرفع
|
أن تلعن
|
لعنك
|
مجرور بمن
|
الجر
|
١١ ـ أن تخطط
|
تخطيطك
|
مجرور بالباء
|
الجر
|
وفى قوله تعالى
: (وَالَّذِي أَطْمَعُ
أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء : ٨٢] الفعل المضارع (يغفر) منصوب بعد (أن) ، وعلامة نصبه الفتحة
الظاهرة ، أما المصدر المؤول فإن الأصل فيه : أطمع فى أن يغفر لى ، فيكون فيه
تقديران :
أولهما : أن
يراعى حذف حرف الجر ، فيكون فى محل نصب على نزع الخافض ، أو على التوسع.
والآخر : أن
يراعى وجود حرف الجر ، فيكون فى محلّ جر.
ملحوظة :
يطّرد حذف حرف
الجر قبل المصدر المؤول من (أنّ) المشددة مع معموليها ، (أن) مع الفعل ، وذلك
لطولهما بالصلة ، بشرط أمن اللبس ، وللنحاة فى إعراب
المصدر المؤول ـ حينئذ ـ المذهبان السابقان ، وهما النصب على نزع الخافض ،
والجرّ على تقدير وجود حرف الجر.
من ذلك قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة : ٢٦] ، وفيه (يستحيى) فعل مضارع يتعدى مرة بنفسه ، وأخرى بحرف
الجرّ ، فمع احتساب تعديه بحرف جرّ غير مذكور يكون إعراب المصدر المؤول (أن يضرب)
على وجهين : النصب على نزع الخافض ، والجر على تقدير وجود حرف الجر.
أما قوله تعالى
: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ
مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [البقرة : ١١٤] ففيه المصدر المؤول (أن يذكر) من أوجه موقعه الإعرابى أنه
مسبوق بحرف جر أسقط ، فيكون فيه الوجهان السابقان : النصب أو الجر.
ومنه :
ـ (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَ) [البقرة : ٢٣٧] الفعل المضارع (تمسوا) منصوب بعد (أن) ، وعلامة نصبه حذف
النون ، والمصدر المؤول فى محل جر بالإضافة إلى قبل. والتأويل : من قبل مسكم
إياهن.
ـ (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ
مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [النساء : ٩٢] (أن يقتل) مصدر مؤول فى محل رفع ، اسم (كان) مؤخر.
ـ (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ
الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧] ، التقدير : أعوذ من أن أكون ، فيكون المصدر المؤول فيه
الوجهان المذكوران بين النصب والجر.
ـ (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة : ٦٧].
ـ (وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما
نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) [المؤمنون : ٩٥].
__________________
ـ (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ
وَلَدٍ سُبْحانَهُ) [مريم : ٣٥].
ـ (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ
مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦].
ـ (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ
الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) [الحشر : ٣].
ـ (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ
يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٤٠].
__________________
تتمة :
تأتى (أن) فى
الجملة العربية فى ثلاثة معان أخرى ، هى : المفسرة ، والزائدة ، والمخففة من
الثقيلة.
(أن) المفسرة :
تأتى (أن)
مفسرة للمفعول السابق عليها فى وجود الشروط الآتية :
ـ أن تسبق
بجملة فيها معنى القول دون حروفه.
ـ أن يتأخر
عنها جملة.
ـ ألا تقترن
بحرف جارّ.
من ذلك قوله
تعالى : (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى
أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) [طه : ٣٨ ، ٣٩]. والتقدير : أى : اقذفيه ، وتلحظ أن الوحى فيه معنى القول ،
وقد ذكر (أن) وبعدها جملة ، وسبقت بجملة ، ولم تقرن بحرف جر. وقد فسرت المفعول به (ما).
وقد تكون مفسرة
لمفعول مقدر ، كما فى قوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا
إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) [المؤمنون : ٢٧].
(وَأَوْحَيْنا إِلى
مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) [الأعراف : ١١٧].
(وَأَوْحَيْنا إِلى
أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧].
ويجوز فى
المواضع السابقة أن تكون (أن) مصدرية ، ويكون المصدر المؤول فى محل نصب ، مفعولا
به للوحى.
(أن) الزائدة :
هى التى خروجها
من الكلام كدخولها فيه ، وتفصل بين متلازمين ، كأن تفصل بين :
__________________
ـ (لمّا)
والفعل ، مثل قوله تعالى : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ
الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) [يوسف : ٩٦] ، أى : فلما جاء البشير.
(فَلَمَّا أَنْ أَرادَ
أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) [القصص : ١٩].
(وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ
رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) [العنكبوت : ٣٣].
ـ (الكاف)
ومجرورها ، ومنه قول الشاعر :
ويوما
توافينا بوجه مقسّم
|
|
كأن ظبية
تعطو إلى وارق السّلم
|
والتقدير :
كظبية.
ـ فعل القسم
قبل (لو) ، كما هو فى قول الشاعر :
فأقسم أن لو
التقينا وأنتم
|
|
لكان لكم يوم
من الشمس مظلم
|
__________________
والأصل : فأقسم
لو التقينا.
(أن) المخففة من الثقيلة :
ذكرت فى موضعها
من الأحرف الناسخة.
(لن):
حرف نصب للفعل
المضارع ، وينفى وقوعه فى المستقبل ، سواء أكان قريبا أم استمراريا ، يفهم ذلك من
خلال قول سيبويه : «وإذا قيل : سوف يفعل فإن نفيه لن يفعل» ومثال ذلك :
الجملة
|
المضارع المنصوب
|
علامة النصب
|
لن أهمل أداء الواجب
|
أهمل
|
الفتحة
الظاهرة
|
لن أرجو غير الله
|
أرجو
|
الفتحة
الظاهرة
|
لن أقتدى بغير المؤمن
|
أقتدى
|
الفتحة
الظاهرة
|
لن أخشى فى الحق لومة لائم
|
أخشى
|
الفتحة
المقدرة
|
لن يرضيا إلا بقول الحق
|
يرضيا
|
حذف النون
|
لن يسمعوا إلا ما يرضيهم
|
يسمعوا
|
حذف النون
|
لن تحترمى إلا لأخلاقك
|
تحترمى
|
حذف النون
|
__________________
أصل (لن)
البنيوى : اختلف النحاة فى أصلها البنيوى ، حيث :
ـ يرى الخليل
أنها مركبة من (لا أن) ، ولكنها خففت بالحذف ، أى : حذف الألف والهمزة.
ـ أما الفراء
فيرى أن نونها مبدلة من ألف (لا).
ـ لكنها عند
سيبويه حرف برأسه.
وميلنا إلى
التبسيط اللغوى يجعلنا نختار الرأى الأخير.
وأمثلة (لن) :
ـ (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى
تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢].
ـ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا
بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) [النساء : ١٢٩].
ـ (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى
يَخْرُجُوا مِنْها) [المائدة : ٢٢].
ـ (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى
يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) [يوسف : ٨٠].
__________________
ـ (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ
عَلَيْكُمْ) [المزمل : ٢٠]
ـ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أن لن (نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣].
ـ (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ
يَضُرُّوكَ شَيْئاً) [المائدة : ٤٢].
إذن :
حرف للجواب
والجزاء ، تأتى فى اللغة بين الإعمال والإهمال ، ولكى تنصب الفعل المضارع يجب :
ـ أن تكون فى
صدر الكلام جوابا عن سابق.
ـ ألا يعتمد ما
بعدها على ما قبلها ، كأن يكون معتمدا فى إعرابه عليه.
ـ ألا يفصل
بينها وبين الفعل المضارع.
ـ أن يكون زمن
المضارع فى المستقبل.
__________________
نحو قولك : هل
تأتينى «إذن أكرمك ، وتكون (إذن) حرف جواب وجزاء مبنيا ، لا محل له من الإعراب. (أكرم)
فعل مضارع منصوب بعد (إذن) ، وعلامة نصبه الفتحة.
ويقول القائل :
أنا أكافئك ، فيردّ عليه : إذن أشكرك. تكون (إذن) فى صدر الكلام جوابا عن الإخبار
السابق ، لا يعتمد ما بعدها على ما قبلها متصلة بالفعل ، وزمنه للمستقبل ، حيث زمن
الشكر بعد زمن الحديث أو بعد زمن المكافأة. فيكون (أشكر) فعلا مضارعا منصوبا ،
وعلامة نصبه الفتحة.
وتعمل (إذن)
النصب فى المضارع إذا كان الفاصل بينهما جملة اعتراضية ، دخولها فى الكلام كخروجها
منه ، أى : لا تكون أساسا فى الأداء الدلالى لجملة (إذن) ، كأن يكون الفاصل
الاعتراضىّ واحدا من :
ـ القسم ، كما
هو فى قول الشاعر :
إذن ـ والله
ـ نرميهم بحرب
|
|
تشيب الطفل
من قبل المشيب
|
حيث حيث (نرمى)
فعل مضارع منصوب بعد (إذن) ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد فصل بينهما بالجملة القسمية
(والله).
ـ الدعاء ،
كقولك : إذن ـ حياك الله ـ أجيب دعوتك ، وذلك إجابة لمن قال لك : سأدعوك.
__________________
ـ النداء ،
كقولك : إذن ـ أيها الطالب ـ تعرف واجباتك. ردّا على من قلت له : هل حصلت على
حقوقك؟
إهمالها :
تهمل (إذن) إذا
وقعت حشوا ، كأن تكون فى جواب القسم ، نحو قول الشاعر :
لئن عاد لى
عبد العزيز بمثلها
|
|
وأمكننى منها
إذن لا أقيلها
|
وفيه جملة (إذن
لا أقيلها) جواب القسم ، وقد تصدرت بحرف الجواب (إذن) فأهمل ، ورفع الفعل المضارع (أقيل).
ـ فى جواب
الشرط ، كقولك : إن تأتنى إذن ألقاك أهلا وسهلا. جملة جواب الشرط (إذن ألقاك)
صدّرت بحرف الجواب والجزاء (إذن) فأهمل ، ورفع المضارع (ألقى).
ووجه احتساب (إذن)
حشوا فى جواب القسم وجواب الشرط ؛ لأنها فيهما لا تعطى جديدا فى المعنى ، حيث إنها
جواب وجزاء ، وهما جواب وجزاء.
__________________
ـ كما تهمل (إذن)
إن فصلت بين متلازمين ، أى : إذا اعتمد ما بعدها على ما قبلها ، كأن تفصل بين
المبتدإ والخبر فى قولك : أنا ـ إذن ـ آتيك. حيث (أنا) ضمير مبنى فى محل رفع ،
مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (آتيك) ، فصل بينهما بالحرف (إذن) فأهمل ، ورفع
المضارع بعده. أما قول الراجز :
إنى إذن أهلك أو أطيرا
فضرورة ، حيث
نصب المضارع (أهلك) بعد (إذن) ، وهو حرف حشو ، حيث فصل بين المتلازمين : اسم إن (ضمير
المتكلم) وخبرها (الجملة الفعلية أهلك).
ومن النحاة من
يخرج هذا الموضع على أن خبر (إن) محذوف ، والتقدير : إنى لا أستطيع ذلك ، فتكون (إذن)
فى صدر جملة استئنافية.
ـ وتهمل إذا
فصل بينها وبين المضارع بغير ما سبق من الجمل الاعتراضية. كأن تقول : : إذن محمد
وعلى يتصافحان ، وقد فصل بين الحرف (إذن) والمضارع (يتصافحان) بالمبتدإ (محمد)
والمعطوف عليه (على) ، وتلحظ أن الجملة الفعلية ذات الفعل المضارع فى محلّ رفع ،
خبر المبتدإ الفاصل.
ثانيا : حرف ينصب بنفسه مرة وأخرى بأن مضمرة وجوبا :
كى :
حرف يفيد
التعليل ، كما قد يكون مصدريا ، وأنبّه فى دراسة (كى) إلى ثلاثة أمور :
أولها : ترتبط (كى)
بلام التعليل وبأن المصدرية ؛ لأن التركيب الذى يوجد به (كى) يجب أن يجمع بين
التعليل والمصدرية ، وقد تقع بعد لام التعليل أو قبلها ، أو قبل (أن) ، أو تخلو
منهما.
ثانيها : ما
ينصب الفعل المضارع فى التركيب الذى يوجد به (كى) هو ما يسبقه مباشرة من (كى) ، أو
(أن) الظاهرة أو المقدرة.
__________________
ثالثها : لا
يدخل حرف الجرّ على مثله ، والذى يسبق يكون حرف جر ، وما بعده هو الناصب للمضارع ،
و (كى) واللام يكون أحدهما حرف جر ، ولا تكون اللام مصدرية ، لكن (كى) قد تكون
تعليلية جارة ، وقد تكون مصدرية.
رابعها : لابد
من إفادة تركيب (كى) معنى التعليل ، سواء أكان باستخدام لام التعليل ظاهرة أو
مقدرة ، أم كان بواسطة (كى) ذاتها.
لذلك يمكن
القول أن (كى) تأتى فى معنيين نحويين ودلاليين :
أولهما : (كى) المصدرية :
تتعين مصدرية (كى)
إذا سبقت بلام التعليل ، فتكون (كى) حينئذ فى تقدير (أن) ؛ لأن اللام تكون حرف جر
، والجارّ لا يدخل على مثيله ، و (كى) المصدرية تنصب المضارع بذاتها ، ومثالها :
ذاكرت لكى أتفوق. حيث (اللام) حرف تعليل وجر مبنى ، لا محل له من الإعراب. و (كى)
حرف مصدرى ينصب الفعل المضارع مبنى ، لا محل له من الإعراب. (أتفوق) فعل مضارع
منصوب بعد (كى) ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنا ، والمصدر
المؤول فى محل جر باللام ، وشبه الجملة متعلقة بالمذاكرة.
ومنه قوله
تعالى : (وَمِنْكُمْ مَنْ
يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً) [النحل : ٧٠].
__________________
(فَأَثابَكُمْ غَمًّا
بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) [آل عمران : ١٥٣]. (لِكَيْلا تَأْسَوْا
عَلى ما فاتَكُمْ) [الحديد : ٢٣]. (كى) حرف مصدرى مبنى لا محل له من الإعراب ، (تأسوا) فعل
مضارع منصوب بعد (كى) ، وعلامة نصبه حذف النون وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع
، فاعل ، والمصدر المؤول من (كى) والفعل فى محل جر باللام التعليلية.
ملحوظة : إذا
جعلت (كى) فى مثل هذا التركيب تعليلية فإنها تكون مؤكدة للام التعليل التى تسبقها
، ويكون الفعل المضارع منصوبا بـ (أن) المصدرية المقدرة.
والآخر : (كى) التعليلية :
إذا احتسبت (كى)
تعليلية فإنها تكون حرف جرّ لمصدر مؤول يحتسب بعدها ، يتكون من (أن) المصدرية
والفعل المضارع المنصوب الذى يليها.
وتتعين تعليلية
(كى) إن تأخرت عنها اللام أو (أن) ، نحو قول عبد الله بن قيس الرقيات :
كى لتقضينى
رقية ما
|
|
وعدتنى غير
مختلس
|
وفيه سبقت (كى)
لام التعليل ، فتكون (كى) حرف جر للتعليل ، أما اللام فهى مؤكدة ل (كى) ، و (تقضى)
فعل مضارع منصوب بأن المصدرية المضمرة.
__________________
أما قول جميل :
فقالت أكلّ
الناس أصبحت مانحا
|
|
لسانك كيما
أن تغرّ وتخدعا
|
ففيه ذكرت (أن)
المصدرية بعد (كى) ، ولم تذكر اللام قبلها ، فتحتسب (كى) تعليلية جارة ، وما بعدها
يكون مصدرا مؤولا فى محل جرّ بها.
وإن تجردت (كى)
من اللام و (أن) كقولك : (ذاكرت كى أنجح) فإن لك فيها أمرين :
ـ إما أن تجعل
التقدير (لكى) ، فتقدر اللام محذوفة سابقة (كى) ، فتكون (كى) حرفا مصدريّا ناصبا
للمضارع.
ـ وإما أن تجعل
التقدير : (كى أن أنجح) ، فتكون (كى) حرف جر للتعليل بمنزلة اللام ، ويكون المضارع
منصوبا بـ (أن) المضمرة بعدها ، والمصدر المؤول يكون فى محل جر بـ (كى) ، ومن ذلك
قوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ
دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) [الحشر : ٧].
(فَرَدَدْناهُ إِلى
أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) [القصص : ١٣].
__________________
أما قول الشاعر
:
أردت لكى ما
أن تطير بقربتى
|
|
فتتركها شنّا
ببيداء بلقع
|
ففيه وقعت (كى)
بين اللام و (أن) ، فإن جعلت (كى) تعليلية فهى مؤكدة للام قبلها ، وتكون (أن)
ناصبة ، وإن جعلتها مصدرية فهى مؤكدة ل (أن) بعدها ، أو العكس ، والمختار الأول.
__________________
ومثله قول أبى
ثروان :
أردت لكى ما
أن ترى لى عثرة
|
|
ومن ذا الذى
يعطى الكمال فيكمل
|
ويمكن إيجاز
الصور التى تأتى عليها (كى) فى الجملة العربية على النحو الآتى :
كى+ اللام ـ كى
تعليلية جارة.
كى+ أن ـ كى
تعليلية جارة.
اللام+ كى ـ كى
مصدرية ناصبة.
اللام+ كى+ أن
ـ كى إما تعليلية وإما مصدرية.
كى ـ إما
تعليلية وإما مصدرية.
ملحوظة : قد
يذكر بعد (كى) (ما) فتكون ـ على الأرجح ـ حرفا زائدا لا محل له من الإعراب.
ثالثا : حروف ينصب المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبا :
(اللام):
يجعل النحاة
اللام التى ينصب المضارع بعدها أربعة أقسام ، الفرق بينها معنوىّ ، وهى : لام التعليل
، ولام العاقبة ، واللام الزائدة ، ولام الجحود ، ويجعلون الثلاثة الأولى تنصب
المضارع بأن مضمرة بعدها جوازا ، والرابعة تضمر بعدها أن وجوبا ، وأرى أن تذكر
اللام بأنواعها الأربعة فى موضع واحد كى تكتمل الفائدة من دراستها.
__________________
لام التعليل :
تأتى فى تركيب
يكون ما قبلها سببا لما بعدها ، نحو قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، اللام للتعليل حيث ما قبلها ـ وهو إنزال الكتاب ـ سبب لما
بعدها ، وهو التبيين ، وهو حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (تبين) فعل مضارع منصوب
بعد لام التعليل ، أو (أن) المضمرة وجوبا بعد لام التعليل.
ومن ذلك :
ـ (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ
لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [ص : ٢٩].
ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].
__________________
ـ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً
مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) [البقرة : ١٨٨].
ـ (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا
فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) [الروم : ٣٩].
ـ (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ
عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) [القصص : ١٣].
ـ (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ
لِيَقْتُلُوكَ) [القصص : ٢٠].
__________________
ـ (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ
لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) [غافر : ٥].
(إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران : ١٧٨].
(وَلا تُمْسِكُوهُنَّ
ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة : ٢٣١].
(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ
أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣].
ويجب أن تظهر (أن)
بعد لام التعليل إذا فصل بينها وبين الفعل بـ (لا) نافية زائدة ، نحو قوله تعالى :
(لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) [البقرة : ١٥٠] ، (يكون) فعل مضارع منصوب بعد (أن) ، وعلامة نصبه الفتحة ،
وتلحظ سبق (لام التعليل) (أن) ، والفصل بينها وبين الفعل بـ (لا) النافية.
أما الفصل بـ (لا)
الزائدة وظهور (أن) فهو فى قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ
أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الحديد : ٢٩] أى : ليعلم. (يعلم) فعل مضارع منصوب بعد (أن) ، وتلحظ (لا)
بينهما ، وهى زائدة.
__________________
لام الجحود :
ما بعدها مجحود
فى المعنى بالنسبة لما قبلها ، وخصائص تركيبها أن تكون مسبوقة بكون ماض منفى ، أى
: تسبق بفعل ماض مشتقّ من الكينونة مقرون بنفى ، نحو قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [آل عمران : ١٧٩] ، حيث اللام للجحود ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، (يذر)
فعل مضارع منصوب بعد لام الجحود ، أو (أن) المضمرة بعدها ، وعلامة نصبه الفتحة ،
وتلحظ سبق اللام بكون منفى (ما كان) ، ومعنى ما بعدها منكور أو مجحود.
وفى خبر (كان)
قبل لام الجحود رأيان :
أولهما : وهو
الأكثر شيوعا ، وهو قول البصريين ، أنه محذوف ، واللام مقوية لتعديته وذلك لضعفه ،
وتقديره : مريدا ، فيكون الكلام : ما كان الله مريدا لأن يذر المؤمنين.
والآخر : وهو
رأى الكوفيين ، أن اللام زائدة لتأكيد النفى ، وأن الفعل بعدها هو خبر (كان) ،
واللام عندهم هى الناصبة للفعل بنفسها لا بإضمار (أن) ، فيكون الكلام عندهم : ما
كان الله يذر المؤمنين.
__________________
من ذلك قوله
تعالى : (وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال : ٣٣].
وقد يكون الكون
المنفىّ ماضيا معنويا ، كما هو فى قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ
لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء : ١٣٧]. (وَما كانَ اللهُ
لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٤].
لام العاقبة :
تسمى لام
الصيرورة ، ولام المآل ، حيث ترد فى تركيب يكون ما بعدها غير متراتب أو متناسق
معنويا مع ما قبلها ، ومثلها قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ، حيث تجد أن آل فرعون التقطوا موسى ـ عليه السّلام ـ ليكون
قرة عين ينفعهم أو يتخذونه ولدا ، فإذا هو عدوّ لهم وسبب لأحزانهم ، فسميت اللام
لهذا المعنى لام العاقبة ، والفعل الذى يليها (يكون) منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومن ذلك أن
تقول : أكرمتك لتهيننى ، استمعت إليه فى تركيز ليتهمنى بالشرود ، جريت خلف الجانى
لأتهم.
اللام الزائدة :
تكون بعد الفعل
المتعدى ، ولو أخرجتها من الكلام لكان صحيحا ، لذلك سمّوها بالزائدة ، ومثلها قوله
تعالى : (يُرِيدُ اللهُ
لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦]. ويصح (أن يبين لكم) بدون اللام ؛ لذا كانت زائدة ، والفعل
المضارع منصوب بعدها.
وفى هذا
التركيب مذاهب للنحاة ، أهمها :
__________________
ـ أن يكون
التقدير : يريد الله هذا لأجل التبيين لكم ، وبذلك تكون اللام وما بعدها متعلقة
بالفعل المذكور. ومفعوله محذوف دل عليه السياق.
ـ أن يكون
التقدير : إرادة الله للتبيين ، فيقدر الفعل المذكور أو لا مصدرا مبتدأ خبره الجار
والمجرور (ليبين).
ـ أن تكون
اللام ناصبة للفعل الذى يليها بدون إضمار (أن) ، وهى مع ما بعدها مفعول ما سبقها.
ـ أن تكون
اللام زائدة للتوكيد ، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة ، ويكون المصدر المؤول مفعول
الإرادة. والتقدير : يريد الله أن يبين لكم. وإلى هذا الرأى يذهب جمهور النحاة.
ومن ذلك قوله
تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ
اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) [الأحزاب : ٣٣].
(يُرِيدُونَ
لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [الصف : ٨]. (ليطفئوا) اللام : حرف زائد مؤكد ، لا محل له من الإعراب.
يطفئوا : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، وعلامة نصبه حذف النون ، وواو
الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. والمصدر المؤول فى محل نصب ، مفعول به
للإرادة.
وقد تذكر (أن)
بعد اللام الزائدة كما فى قوله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ
أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١٢].
__________________
ملحوظة :
يلحظ أن
الأنواع الأربعة للّام يلمس فيها معنى التعليل ، والمعنى واضح فى الأولى (لام
التعليل) ، وفى النوع الثانى (لام الجحود) ، فإن عدم الكونية يكون معلّلا بما بعد
اللام من معنى غير مرضى عنه. وفى النوع الثالث يبدو التعليل وإن كان تعليلا غير
متوقّع ، فهذا النوع يشترك فى وضوح مع الأول فى معنى التعليل ، لكن الفرق بينهما
أن التعليل الأول متوافق ، فالعلة والمعلول متوافقان ، لكنهما غير متوافقين فى
النوع الثالث ، ويتضح التعليل فى النوع الرابع من العلاقة بين ما بعد اللام وما
قبلها.
ويجب أن أنوه
إلى أن الكون المنفى يستوجب جحودا معنويا بعده ؛ لأن الكونية ثابتة ، أما التناقض
بين المعنيين وعدم التناسق المعنوى فيستوجبان كون اللام للعاقبة والجزاء ، وليس
التناقض مقصودا لذاته ، فالمعنى الثانى ليس متوقّعا ، وليس متناسقا مع سابقه ، كما
أن الحدثية تكون لسبب يتضح فى معنى ما يسمى باللام الزائدة.
فما يفرق بين
الأنواع الأربعة للام خيوط معنوية رفيعة ، يمكن أن تضاف إلى معنى التعليل ، وينوه
إلى أن زمن ما بعد اللام بأنواعها الأربعة زمن مستقبلى بالنسبة لزمن الفعل السابق
عليها.
حتى :
ترد (حتى) التى
ينصب الفعل المضارع بعدها على ثلاثة معان ، هى : الغاية ، والتعليل ، وبمعنى : إلى
أن ، وكلّ معنى من الثلاثة يحدده السياق الذى هو العلاقة المعنوية بين ما قبلها
وما بعدها.
__________________
وفكرة نصب (حتى)
للفعل المضارع كسائر الأدوات الناصبة له ، وهى استقبالية زمن المضارع بعدها ، فإذا
كان ما بعد (حتى) مستقبلىّ الزمن بالنسبة لما قبلها نصبت ما بعدها ، وهى ـ حينئذ ـ
غائية أو تعليلية أو بمعنى (إلى أن) ، ذلك نحو قولك : يعيد الشاعر النظر فى شعره
حتى تكون أبيات القصيدة كلّها مستوية ، وواضح فى ما بعد حتى معنى التعليل ، كما
يلمس فيه معنى الغائية ، ويجوز أن يكون بمعنى (إلى أن).
فنصب الفعل
المضارع بعد (حتى) يكون على أحد وجهين من المعنى :
أولهما : أن
يكون ما بعد (حتى) غاية لما قبلها ، فتكون (حتى) غاية بمعنى (إلى) ، فإذا قلت :
تودّدت حتى أكلم محمودا. فإنك قد جعلت تكليمك محمودا غاية لتوددك ، والمعنى :
توددت إلى أن أكلم محمودا ، فتنصب (أكلم).
والآخر : أن
يكون ما بعد (حتى) تعليلا لما قبلها ، فتكون (حتى) بمنزلة (كى) ، والتقدير : توددت
كى أكلم ، فينصب ما بعد (حتى).
وتلحظ أن الفعل
المضارع مستقبلىّ الزمن فى المعنيين.
ومثل ذلك قوله
تعالى : (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ
عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه : ٩١]. ويمكن توجيه المعنى إلى الأوجه الثلاثة.
__________________
ومنه : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى
يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) [البقرة : ٢١٧].
وقولك :
لأسيرنّ حتى تطلع الشمس ، اذهب حتى تكلم سميرا ، أطع الله حتى يرحمك ، كلّمته حتى
يعطينى.
فإذا لم يكن ما
بعدها مستقبلىّ الزمن بالنسبة لما قبلها ، وكان زمنه للحال ، فإن المضارع بعدها
يرفع ، ومنه قولهم : شربت الإبل حتى يجىء البعير يجرّ بطنه : أى : ويجىء البعير
يجر بطنه الآن. وقولهم : مرض زيد حتى لا يرجونه ، أى : وهم لا يرجونه ، وتلمس فى (حتى) فى المثالين
معنى الحالية أو الاستئناف ، وليس فيها معنى الغائية ، أو التعليل ، أو إلى أن.
__________________
فرفع الفعل المضارع بعد (حتى) يكون على أحد وجهين :
أولهما : أن
تكون (حتى) عاطفة ، حيث تريد اتصال ما بعدها بما قبلها فى حديث ليس مستقبلىّ الزمن
، وإنما هو حديث محكىّ ، فإذا قلت : توددت حتى أكلم محمودا ، فالمعنى يكون : توددت
فكلمت محمودا ، أى : كان منى تودد فتكليم متصل. فترفع المضارع لذلك ، فما بعد (حتى)
يعدّ ابتداء واستئنافا ؛ لأن العطف بمثابة استقلال ما بعده فى جملة تامة.
والآخر : أن
تكون (حتى) حالية ، أى : تفيد الزمن الحالىّ ، أى : وقع حدث لإحداث حدث واقع الآن
، فإذا قلت : توددت حتى أكلم محمودا بالرفع ، و (حتى) حالية ، يكون التقدير :
توددت وأنا الآن فى حال تكليم لمحمود. فترفع الفعل المضارع.
والفارق
المعنوى بين قولنا : سرت حتى أدخل القاعة ، (بنصب المضارع) ؛ وقولنا : سرت حتى
أدخل القاعة ، (برفع المضارع) ؛ هو تقدير زمن الدخول بالنسبة إلى السير ، فإذا قلت
ذلك قبل دخولك القاعة فأنت تجعل الدخول تعليلا أو غاية للسير ، حسب إرادة المتحدث
، ويكون مستقبل الزمن فتنصب المضارع ، وإذا قلت ذلك أثناء دخولك القاعة فإنك لم
تجعله غاية ولا تعليلا ، ولا يكون المضارع مستقبل الزمن ، وإنما هو فى الحال ، أى
: حال الحديث ، فلذلك ترفع.
وقد يكون رفع
المضارع بعد (حتى) على أنك جعلتها حرف عطف مفيدا لاتصال الحدث والحديث ، فإذا قلت
: (سرت حتى أدخل القاعة) فإنه يجوز أن يكون المعنى : سرت فأدخل القاعة ، أى : كان
منى سير فدخول متصل.
وفى قوله تعالى
: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢١٤] قرئ الفعل المضارع (يقول) بالنصب والرفع : أما النصب فعلى
زمن الاستقبال ، وتكون (حتى) بمعنى (إلى أن) ، فهى غائية.
وينصب كذلك على
أن (حتى) بمعنى (كى) فهى للعلة ، وهذا ضعيف.
وأما الرفع
فعلى حكاية الحال ، فكأن المعنى : زلزلوا فقالوا ، و (حتى) ـ حينئذ ـ تكون عاطفة
مفيدة اتصال الحديث والحدث.
وأنت ترى مما
سبق أن المعنى المراد مع زمن الفعل المضارع المذكور بعد (حتى) بالنسبة لزمن الفعل
الذى يسبقه أو زمن الحديث هو الفيصل بين نصب الفعل المضارع بعد (حتى) ورفعه.
ونوجز تراكيب (حتى)
مع الفعل المضارع معنويا ولفظيا فيما يلى :
أ ـ (حتى)
غائية أو بمعنى إلى أن ، أو تعليلية ، يليها بالضرورة فعل مضارع مستقبلى الزمن
منصوب.
معنى التركيب :
يفيد إحداث ما قبل (حتى) لإحداث ما بعدها ، فيكون ما بعدها غاية أو تعليلا لما
قبلها.
ب ـ (حتى)
حالية يليها بالضرورة فعل مضارع حالى الزمن مرفوع.
معنى التركيب :
يفيد الإخبار بما بعد (حتى) فى الزمن الحالى من الحديث.
يصح أن توضع (الواو)
موضع (حتى) ، ويوضع بعد المضارع (الآن).
ج ـ (حتى)
عاطفة+ فعل مضارع يكون مرفوعا.
معنى التركيب :
يفيد اتصال الأحداث والحديث. فما بعد حتى يعد استئنافا وابتداء ، ويكون فى الحديث
المحكى. يصح أن توضع (الفاء) موضع (حتى).
ولتلحظ ما يأتى
:
حتى+ فعل مضارع
زمنه المستقبل ـ نصب المضارع.
حتى+ مضارع
زمنه الحال ـ يرفع المضارع.
معنى (حتى) فى
التركيب الأول : الغاية أو إلى أن أو التعليل.
ومعناها فى
التركيب الثانى : الحالية بمعنى الواو والآن ، أو العطف بمعنى الفاء.
من أمثلة (حتى)
قبل المضارع : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) [البقرة : ١٨٧].
__________________
(حتى) تفيد
الغاية أو بمعنى (إلى أن).
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [المعارج : ٤٢].
(وَما يُعَلِّمانِ
مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ) [البقرة : ١٠٢].
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ
لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما
بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال : ٥٣].
(فَلَنْ أَبْرَحَ
الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) [يوسف : ٨٠].
__________________
(وَلا تَنْكِحُوا
الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١).
(وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ
حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٦].
فاء السببية :
ينصب الفعل
المضارع المذكور بعد فاء تسمى بفاء السببية فى وجود شرطين ، وهما :
أ ـ أن تكون فى
معنى التعليل.
ب ـ أن تكون
مسبوقة بنفى صريح ، أو طلب بالفعل.
وعندئذ يلحظ أن
زمن ما بعدها مستقبل بالنسبة لزمن ما قبلها.
ويكون مدلول ما
بعدها مسبّبا عمّا قبلها ، فيكون بمثابة الجواب عنه. فالعلاقة بين ما قبلها وما
بعدها سببية جوابية وجزائية.
__________________
ومثالها مسبوقة
بالنفى قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ
فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٦].
حيث الفاء
سببية ، إذ المعنى : لا يكون قضاء عليهم فلا يكون موت لهم ، انتفى السبب فانتفى
المسبّب عنه. ويكون المضارع (يموتوا) منصوبا ، وعلامة نصبه حذف النون بعد فاء
السببية التى أضمر بعدها (أن) المصدرية عند جمهور النحاة.
وتلحظ أن زمن
المسبب يكون مستقبلا بالنسبة لسببه ؛ لأن السبب يحدث أو لا فينتج عنه المسبب.
ومنه قولك : ما
تحترم غيرك فيقدروك ، لا يفتح الشباك فيتجدد الهواء.
وقولهم : ما يأتينى زيد فأعطيه ، يحتمل وجهين من المعنى :
أولهما : أن
يكون الإتيان سبب العطاء ، والآخر : أن يكون العطاء حالا للإتيان ، أما المعنى
الأول فإنه من القاعدة الحالية حيث لا يكون إتيان فلا يكون عطاء ، فانتفاء السبب
يحدث عنه انتفاء المسبب عنه ، فتكون الفاء سببية ، وينصب المضارع بعدها ؛ لأن
المسببية تستوجب للمسبب عنها استقبالا فى الزمن ، وأما المعنى الثانى فإن المضارع
يرفع معه ؛ لأن الحالية تستوجب اقترانية الزمن وحاليته ، وبالتالى لا ينصب معها ،
وإنما يرفع.
مثال فاء
السببية بعد الطلب بأنواعه المختلفة ما يأتى :
ـ بعد الأمر :
قول أبى النجم العجلى :
يا ناق سيرى
عنقا فسيحا
|
|
إلى سليمان
فنستريحا
|
__________________
(نستريح) فعل
مضارع منصوب بعد فاء السببية بأن المضمرة ، وعلامة نصبه الفتحة.
ويشترط فى
الأمر أن يكون فى صيغة الطلب بلفظ فعل الأمر ، فلا يكون بلفظ اسم الفعل ، وأجاز
الكسائىّ النصب مطلقا بعد ما يدلّ على الأمر ، وأجاز غيره النصب بعد اسم الفعل إذا
كان من لفظ الفعل كالقول : دراكنا فتشاركنا ، سراع فتلحق بالقطار.
ـ بعد التمنى :
قوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ
مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) [النساء : ٧٣] ، وفيه الفاء حرف تعليلى مبنى ، لا محلّ له من الإعراب. (أفوز)
فعل مضارع منصوب بعد (أن) المقدرة بعد فاء السببية ، وعلامة نصبه الفتحة ، وفاعله
ضمير مستتر تقديره : أنا.
ومن التمنى قول
أمية بن أبى الصلت :
ألا رسول لنا
منها فيخبرنا
|
|
ما بعد
غايتنا من رأس مجرانا
|
__________________
حيث (ألا) همزة
استفهام ، و (لا) النافية للجنس ، ومعنى هذا التركيب يخرج إلى التمنى ؛ لذا فقد
جاز مجىء فاء السببية بعده ، ونصب المضارع (يخبر) بعدها.
ـ ومثالها بعد
النهى قوله تعالى : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ
فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [طه : ٨١] ، (يحل) فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية ، وعلامة نصبه الفتحة.
وإذا انتقض
النفى بـ (إلا) قبل الفاء فإن المضارع لا ينصب ، كأن تقول : لا تكافئ إلا المجدّ
فيستثار الآخرون. برفع الفعل المضارع (يستثار) ؛ لأن النهى انتقض بإلا قبل الفاء.
ـ وبعد الدعاء
: قولك : اللهم وفقنى إلى الخير فأعمله ، حيث (أعمل) فعل مضارع منصوب بعد فاء
السببية بـ (أن) المضمرة ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومنه قول
الشاعر :
ربّ وفّقنى
فلا أعدل عن
|
|
سنن الساعين
فى خير سنن
|
وفيه (أعدل)
فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية بـ (أن) المضمرة ، وهى مسبوقة بالدعاء (رب وفقنى).
__________________
ويشترط فى
الدعاء أن يكون بلفظ الفعل ، فإذا قيل : (سقيا لك فيرويك الله) ؛ لم يجز نصب الفعل
(يروى) المذكور بعد فاء السببية إلا عند الكسائى.
ـ بعد
الاستفهام : قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) [البقرة : ٢٤٥] ، حيث (يضاعف) فعل مضارع منصوب بعد فاء السببية بـ (أن)
المضمرة وجوبا ، وعلامة نصبه الفتحة ، وتلحظ وجوده بعد استفهام.
ومنه قوله
تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ
شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : ٥٣].
ـ ومثل فاء
السببية بعد العرض قولهم : ألا تقع الماء فتسبح ، بنصب (تسبح) بأن المضمرة بعد فاء
السببية المذكورة بعد عرض ، ومنه قول الشاعر :
يا ابن
الكرام ألا تدنو فتبصر ما
|
|
قد حدّثوك
فما راء كمن سمعا
|
__________________
بنصب الفعل
المضارع (تبصر) المذكور بعد فاء السببية.
ـ بعد الترجى :
ألحق الرجاء بالتمنى ، ومنه قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى
(٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) [عبس : ٣ ، ٤] ، حيث قراءة عاصم بنصب المضارع (تنفع) لأنه جواب للرجاء ،
فيكون منصوبا بـ (أن) المضمرة بعد فاء السببية.
وقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦)
أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) [غافر : ٣٦ ، ٣٧].
بعد التحضيض : قولك : هلّا تبت إلى الله فيغفر لك ، بنصب المضارع (يغفر)
المذكور بعد فاء السببية المسبوقة بالتحضيض (هلّا).
وقوله تعالى : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ
قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) [المنافقون : ١٠].
ملحوظات (تنبيهات
معنوية ونحوية) :
١ ـ نصب
المضارع بعد الفاء باحتسابها سببية تبعا للمعنى ، والفعل يكون مستقبلىّ الزمن
بالنسبة لما قبله ، أو بالنسبة لزمن الحديث.
٢ ـ يجوز عدّ
الفعل المضارع المذكور بعد الفاء معطوفا على ما سبقه ، فيرفع أو يجزم تبعا للفعل
السابق له إذا وجد.
كما يجوز عدّ
المضارع بعد فاء السببية مرفوعا مطلقا على سبيل القطع والاستئناف ، ذلك على النحو
الآتى :
أولا : إن تقدم
الفاء جملة فعلية منفية ؛ وكان فعلها مرفوعا ، فإن الفعل الذى
__________________
يلى الفاء يجوز فيه الرفع والنصب. مثال ذلك : ما تأتينا فتحدثنا. (تحدث :
بالرفع والنصب).
الرفع على
وجهين :
أ ـ أن يكون ما
بعد الفاء من فعل معطوفا على الفعل الذى يسبقها ، فيكون معناه النفى مثله ، ويكون
التقدير : ما تأتينا فما تحدثنا. (برفع تحدث).
ب ـ أن يكون ما
بعد الفاء مقطوعا عما قبله فكأنه ابتداء ، ويكون التقدير : فأنت تحدثنا.
أما النصب فإنه
يكون على إضمار (أن) ، ويكون فيه معنيان :
أ ـ أن يكون قد
قصد نفى الأول فانتفى لأجله الثانى ، فكأن المعنى : ما تأتينا فكيف تحدثنا؟
فكلاهما مقترن بالآخر نفيا وإيجابا.
ب ـ أن يكون
قصد إيجاب الأول ونفى الثانى ، فكأنه قال : ما تأتينا محدثا ، بل غير محدث ، أى :
أنك تأتينا غير محدّث لنا.
ثانيا : إن
تقدم الفاء جملة فعلية منفية فعلها منصوب ، فإنه يجوز فيما بعد الفاء الرفع والنصب
، مثال ذلك : لن تأتينا فتحدثنا. (تحدث بالرفع والنصب).
والرفع على
القطع ، والتقدير : فأنت تحدثنا.
أما النصب فعلى
ثلاثة أوجه :
أ ـ العطف ،
فيكون الفعلان مشتركين فى معنى النّفى ، فيكون التقدير : لن تأتينا فلن تحدثنا.
ب ـ النصب
بإضمار (أن) مع قصد نفى الأول فانتفى لأجله الثانى ، ويكون التقدير : لن تأتينا
فكيف تحدثنا؟
ج ـ النصب
بإضمار (أن) مع قصد إيجاب الأول ونفى الثانى ، فيكون التقدير : لن تأتينا محدثا بل
غير محدث ، أى : بل أتيت غير محدث.
ثالثا : إن
تقدم فاء السببية جملة فعلية منفية ، وفعلها مجزوم ، جاز فى الفعل الذى يلى الفاء
الرفع والنصب والجزم. مثال ذلك : لم تأتنا فتحدثنا.
الرفع على
القطع ، والتقدير : فأنت تحدثنا.
والجزم على
العطف ، والتقدير : فلم تحدثنا.
والنصب على
إضمار (أن) فيكون فيه الوجهان السابقان ، ويكون التقدير : لم تأتنا فكيف تحدثنا؟
والتقدير الآخر : لم تأتنا محدثا بل غير محدث.
رابعا : إن
تقدم الفاء جملة اسمية فإنه يجوز فيما بعد الفاء أن ينصب على الوجهين السابقين ،
وأن يرفع على القطع ، مثال ذلك : سمير غير محترم فأحادثه.
التقدير فى
حالى النصب : سمير غير محترم فكيف أحادثه؟
والتقدير الآخر
: سمير غير محترم محادثا ، بل غير محادث ، أى : بل هو محترم غير محادث.
أما التقدير فى
حال العطف : فأنا أحادثه.
خامسا : إن
تقدم الفاء جملة استفهامية فعلية جاز فى الفعل الذى يليها الرفع والنصب. مثال ذلك
: هل تأتينا فتحدثنا؟
أما الرفع فإنه
على سبيل العطف ، فيكون الثانى مسئولا عنه كالأول ، فيكون التقدير : هل تأتينا؟
فهل تحدثنا؟
ويوجه الرفع
كذلك على سبيل القطع ، ويكون التقدير : هل تأتينا فأنت تحدثنا.
أما النصب فعلى
سبيل السبب ، الأول سبب للثانى ، ويكون التقدير : هل تأتينا فيكون بسببه حديث.
سادسا : إن
تقدم الفاء جملة استفهامية اسمية جاز فى الفعل الذى يليها الرفع والنصب ، مثال ذلك
: أمحمد ضيفك؟ فنكرمه.
أما الرفع فعلى
القطع ، والتقدير : فنحن نكرمه ، وأمّا النصب فعلى السببية.
سابعا : إن
تقدم الفاء جملة تمنّ أو ترجّ فيها فعل جاز فيما بعد الفاء الرفع والنصب ، نحو :
ليتنى أجد مالا فأنفقه.
ويكون الرفع
على سبيل العطف ، والتقدير : فأنفقه ، أو على سبيل الاستئناف ، ويكون التقدير :
فأنا أنفقه. أما النصب فيكون على معنى السببية. فالتمنى سبب للإنفاق.
ففى قوله تعالى
: (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا
هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ
السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) [غافر : ٣٦ ، ٣٧]. الفعل المضارع (أطلع) فيه قراءتان :
أولاهما :
النصب ، وفيه أوجه :
أ ـ بعد فاء
السببية المذكورة بعد الأمر (ابن لى).
ب ـ بعد فاء
السببية المذكورة بعد الرجاء (لعلى أبلغ).
ج ـ على التوهم
بالعطف على خبر (لعل) ، حيث يتوهم نصب المضارع بـ (أن) المضمرة ؛ لأنه يكثر مجىء
خبر (لعل) إذا كان مضارعا مقرونا بـ (أن).
والأخرى :
الرفع بالعطف على (أبلغ) ، فيكون داخلا فى معنى الترجى.
ثامنا : إن
تقدم فاء السببية جملة تمنّ ليس فيها فعل جاز فيما بعد الفاء الرفع على القطع ،
والنصب على السببية ، نحو : ليت لى مالا فأنفقه. برفع (أنفق) على القطع ، ويكون
التقدير : فأنا أنفقه ، وبالنصب على تقدير : فيكون المال سببا للإنفاق.
تاسعا : إن
تقدم الفاء جملة نهى ، أو جملة أمر بلام الأمر ، جاز فيما بعد الفاء من فعل الرفع
والنصب والجزم ، مثال ذلك : لاتهن غيرك فيهينك ، لتحترم غيرك فيحترمك. برفع (يهين
ويحترم) على الاستئناف ، والتقدير : فهو يهينك ، وهو يحترمك. وبنصبهما على
السببية. وجزمهما بالعطف على المجزوم قبلهما.
عاشرا : إن
تقدم الفاء جملة أمر بغير لام الأمر جاز فى الفعل المذكور بعدها الرفع على القطع ،
والنصب على السببية ، فتقول : انتبه فتفهم الدرس ، برفع
(تفهم) على تقدير : فأنت تفهم ، وبنصبه على السببية بتقدير : فيكون
الانتباه سببا للفهم.
حادى عشر : إن
تقدم الفاء دعاء فى صيغة الأمر فحكم ما بعدها حكمه إذا تقدمها أمر كما فى الفقرة
السابقة.
ثانى عشر : إن
تقدمها جملة عرض أو تحضيض أو دعاء على غير صيغة الأمر جاز فى الفعل بعدها الرفع
على العطف أو القطع ، والنصب على السببية ، مثال ذلك : ألا تأتينا فتحدثنا؟ غفر
الله لك فيدخلك الجنة. برفع (تحدث ويدخل) على العطف والقطع ، وبنصبهما على أنها
فاء السببية.
واو المعية :
إذا جاء الفعل
المضارع بعد الواو التى تفيد معنى المصاحبة أو المعية فإنه ينصب إذا سبقت الواو
بنفى أو طلب مثل فاء السببية.
وقد ورد نصب
الفعل المضارع بعد واو المعية المسبوقة بما يأتى :
ـ النفى : فى
قوله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ
اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، فى قراءة العامة بفتح (يعلم) بعد الواو على أن الواو
للمصاحبة والمعية ، والمضارع بعدها منصوب بأن المضمرة .
ـ الأمر : فى
قول الشاعر :
فقلت ادعى
وأدعو إنّ أندى
|
|
لصوت أن
ينادى داعيان
|
__________________
حيث نصب الفعل المضارع (أدعو) بعد واو المعية بـ (أن) المضمرة ، وقد سبق
هذا التركيب بأمر (ادعى) ، والتقدير : ليكن منا أن تدعى وأدعو ...
ـ النهى : فى
قول الشاعر :
لا تنه عن
خلق وتأتى مثله
|
|
عار عليك إذا
فعلت عظيم
|
(تأتى) مضارع منصوب بعد واو المعية
بـ (أن) المضمرة ، وقد سبقت الواو بنهى : (لا تنه)
__________________
ومن التراكيب
النحوية المشهورة المتداولة قولهم : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . حيث يضبط الفعل (تشرب) طبقا للمعنى المفهوم من العلاقة
بين الجملتين ، فيجوز أن يجزم ، وأن ينصب ، وأن يرفع ، ذلك على النحو الآتى :
ـ إن أردت نهيا
عن الفعل الثانى (تشرب) عطفت على المنهىّ عنه الأول (تأكل) ، فإنك تجزم الثانى كما
جزمت الأول ، وتحرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين.
ـ إن أردت عدم
الجمع بين الفعلين حدثيا فإنك تنصب الثانى ، حيث تصير الواو للمصاحبة أو المعية ،
وعندئذ تفعل أحدهما ، وتمتنع عن الآخر.
ـ إن أردت
النهى فى الفعل الأول وحده ، وأبحت عمل الفعل الثانى للمستمع فإنك ترفع الثانى على
سبيل القطع والاستئناف ، وعندئذ توجب النهى عن الأول ، وتجيز فعل الثانى.
ـ التمنى : فى
قوله تعالى : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ
وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنعام : ٢٧]. حيث (نكذب) مضارع منصوب بعد واو المعية بـ (أن) المضمرة ،
وقد سبقت الواو بالتمنى (يا ليتنا) ، كما عطف عليه (نكون) بالنصب .
ـ الاستفهام :
فى قول الحطيئة :
ألم أك جاركم
ويكون بي
|
|
نى وبينكم
المودّة والإخاء
|
__________________
(يكون) فعل
مضارع منصوب بعد واو المصاحبة بـ (أن) المضمرة ، وقد سبقت الواو بالاستفهام (الهمزة).
ويقاس على ذلك
ما تبقى من ألوان الطلب.
أو :
ينصب الفعل
المضارع بعد (أو) إذا كانت بمعنى (إلى أن) ، أو (إلا أن) ، وبذلك تكون مسبوقة
بجملة حدثية.
مثل ذلك قولك :
تحمّل الأعباء أو تحقق الغرض ، حيث التقدير : إلى أن تحقق ، فيكون الفعل المضارع (تحقق)
منصوبا بعد (أو) بإضمار (أن) ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومنه :
لألزمنّك أو تقضينّى حقى ، أى : إلى أن ، ومنه قول الشاعر :
لأستسهلنّ
الصعب أو أدرك المنى
|
|
فما انقادت
الآمال إلا لصابر
|
__________________
والتقدير : إلى
أن أدرك.
أما القول :
يعاقب المذنب أو تظهر براءته ، فإن التقدير فيه : إلا أن تظهر ، فيكون الفعل
المضارع (تظهر) منصوبا بعد (أو).
ومنه قول زياد
الأعجم :
وكنت إذا
غمزت قناة قوم
|
|
كسرت كعوبها
أو تستقيما
|
والتقدير : (إلا
أن تستقيم) ، فنصب الفعل المضارع بعد (أو) بأن المضمرة وجوبا.
رابعا : حروف ينصب المضارع بعدها بـ (أن) مضمرة جوازا :
قد ذكرنا منها
سابقا : لام التعليل ولام العاقبة واللام الزائدة ، ونذكر سائرها ، وهو حروف
العطف.
__________________
ينصب الفعل
المضارع بعد أربعة من حروف العطف ، وهى : الواو ، والفاء ، وثم ، وأو ، بشرط أن
يكون العطف بها على مصدر صريح .
وهذه الحروف
الأربعة تعطف ما بعدها من مصدر مؤول مكون من (أن) المضمرة والفعل المضارع المنصوب
على المصدر الصريح المشترط ذكره قبلها ؛ لذا فإن الفعل المضارع المذكور بعدها يكون
منصوبا ؛ حتى يكون مصدرا مؤولا يعطف على الصريح المذكور. فتكون صورة التركيب
البنيوية مع هذه الأحرف على النحو الآتى : مصدر صريح ... حرف العطف (و ـ ف ـ ثم ـ أو)
مصدر مؤول (أن مضمرة+ فعل مضارع منصوب مباشر لحرف العطف).
ومثالها ما
يأتى :
ـ الواو :
ينصب الفعل
المضارع بعد الواو إذا عطفته على مصدر صريح ، كما هو فى قول ميسون بنت بحدل زوج
معاوية بن أبى سفيان :
للبس عباءة
وتقرّ عينى
|
|
أحبّ إلىّ من
لبس الشّفوف
|
__________________
(تقر) فعل
مضارع منصوب بعد واو العطف بإضمار (أن) جوازا ، والعطف على مصدر صريح وهو (لبس).
ـ الفاء :
ينصب الفعل
المضارع بعد الفاء العاطفة بـ (أن) مضمرة جوازا إذا عطفته على مصدر صريح ، كما هو
فى قول الشاعر :
لو لا توقّع
معترّ فأرضيه
|
|
ما كنت أوثر
إترابا على ترب
|
(أرضى) فعل مضارع منصوب بعد الفاء
العاطفة بـ (أن) المضمرة جوازا ، والمصدر المؤول معطوف على المصدر الصريح (توقع).
ـ ثم :
ينصب الفعل
المضارع بـ (أن) المضمرة جوازا بعد (ثم) العاطفة على مصدر صريح ، من ذلك قول
الشاعر :
إنى وقتلى
سليكا ثم أعقله
|
|
كالثور يضرب
لمّا عافت البقر
|
__________________
(أعقل) فعل
مضارع منصوب بـ (أن) المضمرة جوازا بعد (ثم) العاطفة على المصدر الصريح (قتل).
ـ أو :
ينصب الفعل
المضارع بـ (أن) مضمرة جوازا بعد (أو) العاطفة على مصدر صريح ، كما هو فى قوله
تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ
رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ) [الشورى : ٥١]. حيث الفعل المضارع (يرسل) منصوب بأن المضمرة جوازا بعد (أو)
العاطفة على المصدر الصريح (وحيا) .
٣ ـ جزم الفعل المضارع
الجزم خاصّ
بالفعل ، وهو فى الفعل نظير الجرّ فى الاسم ، ولا يظهر أثر الجزم صوتيا إلا فى
الفعل المضارع إعرابا ، وفى فعل الأمر بناء ، ودراستنا هذه فى جزم الفعل المضارع ،
وهو يجزم إذا وقع بعد أدوات خاصة تجمع بين الحرفية والاسمية ،
__________________
كما أنها تتنوع إلى : ما يجزم فعلا مضارعا واحدا ، تتمثل فى حروف أربعة ،
هى : لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا الناهية ، وما يجزم فعلين مضارعين إن وجدا فى
التركيب ، وهو أدوات الشرط الجازمة ، وهى أسماء وحروف تبيّن فى موضعها ، كما أنه
يجوز أن يجزم المضارع فى جواب الطلب.
علامات الجزم :
يضبط الفعل
المضارع أثناء جزمه كما يأتى :
ـ السكون فى
آخر الفعل الصحيح الآخر ، نحو : لم يذهب ، لا تلعب ...
وهو ما يمكن أن
يطلق عليه حذف الحركة القصيرة من آخر الصحيح الآخر.
ـ حذف حرف
العلة من آخر المعتلّ الآخر ، نحو : لم تجر ، لاتله ، لتسع ....
وهو ما يمكن أن
نجعله تحويل الحركة الطويلة فى آخر المعتلّ الآخر إلى حركتها القصيرة ، كل من : (يجر
، تله ، تسع) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة.
ـ حذف النون ،
من الأفعال الخمسة ، نحو : لم يلهوا ، لا تنصرفوا ، لتفهمى ....
كلّ من : (يلهوا
، تنصرفوا ، تفهمى) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وكل من : ألف
الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
جوازم الفعل الواحد :
ذكرنا أن ما
يجزم فعلا مضارعا واحدا أربعة أحرف ، هى :
لام الطلب :
تسمى لام الأمر
، وهى حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب ، يفيد معنى الطلب مع الإثبات ، يكون للمخاطب غالبا ، ولغيره من الغائب والمتكلم
كذلك.
__________________
ومنه قوله
تعالى : (لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق : ٧] ، حيث اللام للأمر ، حرف مبنى لا محل له من الإعراب ، (ينفق)
فعل مضارع مجزوم بعد اللام ، وعلامة جزمه السكون. وفاعله (ذو) مرفوع ، وعلامة رفعه
الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.
وتنطق فى بداية
الحديث مكسورة كما هو فى المثال السابق ، وتكون ساكنة أثناء وصل الكلام ، كما فى قوله تعالى : (وَلْنَحْمِلْ
خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢].
ولتلحظ نطقها
مكسورة فى بداية الكلام أو النطق فى القول : لتفتحوا كتبكم ، حيث تنطق لام الأمر
مكسورة ، وهى حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب.
(تفتحوا) فعل
مضارع مجزوم بعد لام الأمر ، وعلامة جزمه حذف النون ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى
محلّ رفع ، فاعل.
ولتلحظها ساكنة
صامتة أثناء الوصل فى الحديث الشريف : «قوموا فلأصل معكم». حيث تنطق لام الأمر بعد
الفاء ساكنة صامتة ، وهى حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب. (أصلّ) فعل مضارع مجزوم
، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، والفاعل ضمير مستتر تقديره : أنا.
ومنه قوله
تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧].
وقد تستعار لام
الأمر للدعاء ، أى : تكون للطلب ، فما الدعاء إلا طلب فى استشفاق واستعطاف ، كقولك
: ليهده الله ، حيث لام الطلب المكسورة حرف مبنى لا محل له من الإعراب. (يهده) فعل
مضارع مجزوم بعد لام الطلب ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ، وضمير الغائب مبنى فى
محلّ نصب ، مفعول به. ولفظ الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
ومن الدعاء
قوله تعالى : (لِيَقْضِ عَلَيْنا
رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧].
والطلب إن كان
من الأدنى للأعلى سمّى دعاء ، وإن كان من الأعلى إلى الأدنى كان أمرا.
__________________
ومثال لام
الأمر والطلب : (فَلْيَأْتِكُمْ
بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ) [الكهف : ١٩].
(فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً) [الكهف : ١١٠].
(وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) [الطلاق : ٧].
(ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج : ٢٩].
ومنه قولك :
لتحرصى على الالتزام التام. لتفهما ما أقول. لتغلق الشباك الخلفى.
(لا) الناهية :
(لا) الطلبية
بالنفى ، أى : النهى ، ولذلك فإنها تسمى (لا) الناهية ، ففيها معنى الأمر فى نفى ،
حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب ، يجزم الفعل المضارع ، يكون للمخاطب بخاصة.
ومثلها قوله
تعالى : (لا تَحْزَنْ إِنَّ
اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] ، حيث (لا) الناهية حرف مبنى ، لا محلّ له من الإعراب. (تحزن)
فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
وقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، (تلقوا) فعل مضارع مجزوم بعد (لا) الناهية ، وعلامة جزمه
حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة ، وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
__________________
ومنه قولك : لا
تشركا بالله. لا تهملى أداء واجبك. وقولهم : لا تراعى يا ظئر. لا تغفلوا عن
الالتزام التام.
وقد تستعار
للدعاء الدالّ على طلب منفى ، ومنه قوله تعالى : (رَبَّنا لا
تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) [البقرة : ٢٨٦] ، فالجملة (لا تؤاخذنا) دعاء فى طلب منفى ، وهو عدم مؤاخذة
الله ـ تعالى ـ لنا ، فتكون (لا) ناهية حرفا مبنيا لا محلّ له من الإعراب ، أما (تؤاخذ)
فهو فعل مضارع مجزوم بعد لا الناهية ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر
تقديره : أنت.
ومن استعمالها
فى الدعاء قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا
تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا
وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) [البقرة : ٢٨٦].
__________________
ويندر أن تسبق (لا)
الناهية الفعل المسند إلى المتكلم ، وقد وردت فى قول النابغة :
لا أعرفن
ربربا حورا مدامعها
|
|
كأنّ أبكارها
نعاج دوار
|
حيث (لا) حرف
نهى مبنى لا محلّ له من الإعراب. (أعرفن) فعل مضارع مبنى على الفتح فى محل جزم بـ (لا)
الناهية ، والنون للتوكيد حرف مبنى لا محل له من الإعراب. والفاعل ضمير مستتر
تقديره : أنا.
وقد يحذف
مجزومها ويوقف عليها إذا دلّ عليه دليل ، كأن تقول : اشرح لنا الدرس بالتفصيل وإلا
فلا ، أى : وإن لم تشرحه بالتفصيل فلا تشرحه.
ومن أمثلة (لا) الناهية :
(وَلا تَتَّبِعُوا
أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ) [المائدة : ٧٧].
(وَلا تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٠٨].
__________________
(وَلا تَعْثَوْا فِي
الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) [البقرة : ٦٠].
(وَلا تَهِنُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) [آل عمران : ١٣٩].
(وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢].
(لا يَغُرَّنَّكَ
تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) [آل عمران : ١٩٦].
(وَاعْبُدُوا اللهَ
وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً). [النساء : ٣٦].
(فَلا تَخْشَوُا
النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) [المائدة : ٤٤].
(وَلا تُصَلِّ عَلى
أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) [التوبة : ٨٤].
(وَلا تَرْكَنُوا
إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) [هود : ١١٣].
__________________
(وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل : ١٢٧].
(فَلا تُمارِ فِيهِمْ
إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) [الكهف : ٢٢].
(وَلا تَبْغِ
الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٧٧].
(وَلا تَجَسَّسُوا
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات : ١٢].
لم :
حرف نفى وجزم
وقلب ، وهو خاص بالفعل المضارع ، يدخل عليه فينفى معناه ، ويجزمه ، ويجعل زمنه فى
الماضى ، وهذا المضىّ فى الزمن يكون مقيدا بزمن حدث آخر ظاهر
أو مقدر. ولذلك فإن المضارع بعده يكون ماضيا معنويا.
وهو يجعل
الماضى مستمرا فى قوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٣ ، ٤]. كلّ من : (يلد) ، و (يولد) ، و (يكن) ، فعل مضارع مجزوم
، وعلامة جزمه السكون ؛ لأن كلا منها وقع بعد (لم) ، وهو حرف نفى وجزم وقلب مبنى
لا محل له من الإعراب ، وتلحظ أن النفى بـ (لم) مستمرّ من الماضى إلى الحاضر إلى
المستقبل إلى ما لا نهاية.
ويجوز أن ينقطع
زمن المنفىّ به عن الزمن الحالى ، ففى قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) [الإنسان : ١] ، الإنسان موجود ومذكور منذ أن خلق ، فزمن النفى بها فى
الماضى وهو منقطع عن الزمن
__________________
الحالى ، و (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له من الإعراب. (يكن) فعل
مضارع ناقص ناسخ مجزوم ، وعلامة جزمه السكون ، واسمه ضمير مستتر تقديره (هو).
يجوز أن يسبق
الحرف الجازم (لم) بأدوات عاملة أو غير عاملة ، ويظلّ أثره الجازم فى الفعل
المضارع ، من نحو :
ـ همزة
الاستفهام ، كما فى قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ) [الانشراح : ١] ، حيث الهمزة حرف استفهام مبنى ، لا محل له من الإعراب. (لم)
حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (نشرح) فعل مضارع مجزوم بعد لم ،
وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن.
ـ أداة الشرط ،
كما فى قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) [المائدة : ٦٧] ، (إن) حرف شرط جازم مبنى على السكون ، لا محل له من
الإعراب. (لم) حرف نفى وجزم وقلب مبنى ، لا محل له من الإعراب. (تفعل) فعل الشرط
مضارع مجزوم بعد لم ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
وقد سمعت غير
عاملة فى قول الشاعر :
لو لا فوارس
من ذهل وأسرتهم
|
|
يوم
الصّليفاء لم يوفون بالجار
|
__________________
حيث (يوفون)
مضارع مسبوق بالحرف الجازم (لم) ، ولم يجزم. وهذا لا يقاس عليه.
لمّا :
حرف نفى وجزم
وقلب خاصّ بالفعل المضارع ، يدخل عليه فينفى معناه ، ويجزمه ، ويقلب زمنه إلى
الماضى ، إلا أن النفى به يتصل بالزمن الحالى ، أى : زمن الحديث ، ومثاله قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ
وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] ، وفيه (لما) حرف نفى وجزم وقلب مبنى لا محل له من
الإعراب ، دخل على الفعل المضارع (يعلم) ،
__________________
فجزمه ، وعلامة جزمه السكون ، وحرّك بالكسر لالتقاء الساكنين ، وجعل زمنه
للماضى المتصل بالحال ، كما نفى معناه.
ومنه قوله
تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ
ما أَمَرَهُ) [عبس : ٢٣] الحظ جزم الفعل المضارع (يقض) ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة (الياء).
ويفرق (لمّا)
عن (لم) بما يأتى :
١ ـ زمن النفى
بـ (لم) مطلق للماضى ، وقد يكون منقطعا ، وقد يكون مستمرا.
أما النفى بـ (لمّا)
فإنه يكون للماضى المتصل بالحال.
٢ ـ لا يسبق (لمّا)
أداة شرط بخلاف (لم).
٣ ـ لا يحذف
مجزوم (لم) إلا لضرورة ، ولكن (لمّا) قد يحذف المجزوم بها فى فصيح الكلام إذا دلّ
عليه دليل ، ومنه قول الشاعر :
فجئت قبورهم
بدءا ولمّا
|
|
فناديت
القبور فلم تجبنه
|
أى : ولما أكن
بدءا ، أى : مبتدئا.
وتقول : استمعت
إلى الدرس ولمّا ، وتقف على الحرف (لمّا) حاذفا مجزومه ، والتقدير : ولمّا أفهمه
بعد.
٤ ـ يجوز توقع
مجزوم (لمّا) بخلاف (لم) ، ففى قوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] دليل على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد.
ف (لم) نفى
للقول : فعل ، (لما) نفى للقول (قد فعل).
ومنه قوله
تعالى : (بَلْ لَمَّا
يَذُوقُوا عَذابِ) [ص : ٨].
(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) [الجمعة : ٣].
__________________
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١٤].
وقول النابغة :
على حين
عاتبت المشيب على الصّبا
|
|
فقلت ألمّا
أصح والشّيب وازع
|
ملحوظة :
(لمّا) غير الجازمة :
قد تأتى (لمّا)
بمعنى (حين) فيلزمها فعلان ماضيان ، نحو قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا
هُوداً) [هود : ٥٨].
وقد تأتى بمعنى
(إلا) فتدخل على الفعل الماضى مرتبطة بسابق عليها ، نحو قولك : عزمت عليك لمّا
فعلت ذلك ، أى : إلا فعلت.
جوازم الفعلين المضارعين :
أدوات الشرط
الجازمة من أسماء وحروف تتطلب فعلين ، فإذا كانا مضارعين فإنهما يجزمان ، وإذا كان
أحدهما مضارعا فإنه يجزم ـ غالبا ـ شريطة أن تبتدئ
__________________
جملة الشرط وجملة الجواب بهما ابتداء حقيقيا ومعنويا ، أو تبتدئ إحداهما
بالفعل المضارع.
وأدوات الشرط
الجازمة هى : إن وإذ ما ، وهما حرفان للتعليق ، من (للعاقل) ، ما ، ومهما (لغير
العاقل) متى ، وأيّان وحين (للزمان) ، أين وأنّى وحيثما (للمكان) ، أىّ (للعاقل
وغير العاقل والزمان والمكان).
ومثال ذلك : (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ
يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) [المائدة : ١٠١].
(تسألوا) فعل
الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ،
فاعل. (تبد) فعل جملة جواب الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة مبنى
للمجهول. ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره : هو.
(أَيْنَ ما تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) [البقرة : ١٤٨].
(تكونوا) فعل
الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون. وفعل جملة الشرط (يأت) مجزوم ، وعلامة
جزمه حذف حرف العلة.
(وَما تُنْفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) [البقرة : ٢٧٢].
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ
يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) [الممتحنة : ٢].
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ
وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً) [النساء : ١٤].
__________________
أيّان ما تزورانا تلقيا كرما. (تزورانا) فعل الشرط مضارع مجزوم ، وعلامة
جزمه حذف النون. وألف الاثنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير المتكلمين مبنى
فى محل نصب ، مفعول به. وفعل جواب الشرط (تلقيا) مجزوم ، وعلامة جزمه حذف النون.
وألف الاثنين فاعل.
أنّى تسيروا
تستمتعوا بالمناظر الخلّابة.
أىّ سائل يسأله
يجبه.
أىّ كتاب
تستعره تصنه ، وتستفد منه.
أىّ وقت تجتزه
تسأل عنه أمام الخالق.
أىّ مكان
تعمّره يكن شاهدا لك.
جزم المضارع فى جواب الطلب :
إذا احتسب
الفعل المضارع جوابا للطلب السابق عليه فإنه يجزم ، ويكون جزمه إما على أنه جواب
الطلب ، فهو جواب وجزاء ، وإما على أنه جواب لشرط محذوف يقدر من الطلب ، وتدرس
الفكرة فى التركيب الشرطى.
ومثال ذلك : الزم
الصدق تنج. (تنج) فعل مضارع مجزوم ، وعلامة جزمه حذف حرف العلة ؛ لأنه جواب الطلب
، أو جواب لشرط محذوف تقديره : إن تلزم الصدق تنج ، وفاعله ضمير مستتر تقديره :
أنت.
لعلنا نعبد
الله حقّ العبادة نفز فى الدنيا والآخرة . (نفز) فعل مضارع مجزوم فى جواب الطلب بالرجاء ، أو
جواب شرط محذوف ، وعلامة جزمه السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : نحن.
__________________
استقم تنل
احترام غيرك. (استقم) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
أما (تنل) فهو مضارع مجزوم فى جواب الأمر ، أو جواب شرط محذوف ، وعلامة جزمه
السكون.
لا تهمل حقوق
غيرك يحترموك. (يحترموك) فعل مضارع مجزوم فى جواب النهى ، أو جواب شرط محذوف ،
وعلامة جزمه حذف النون. وواو الجماعة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وضمير المخاطب
مبنى فى محل نصب ، مفعول به.
هل من سائل
أعطه؟ وهل من مستفهم أجبه؟
٤ ـ بناء الفعل المضارع
يبنى الفعل
المضارع إمّا على السكون ، وإمّا على الفتح ، وذلك على النحو الآتى :
بناء الفعل المضارع على السكون :
يبنى المضارع
على السكون إذا أسند إلى نون النسوة ، وتكون نون الإناث ضميرا مبنيا فى محل رفع ،
فاعل ، مثال ذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي لَمْ
يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤]. (يحضن) يحيض فعل مضارع مبنى على السكون فى محل جزم بعد لم ،
ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (يضعن) يضع فعل مضارع مبنى على السكون ،
فى محلّ نصب بعد (أن) ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محلّ رفع ، فاعل.
ومنه : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ
اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) [البقرة : ٢٨]. (يتربصن) يتربص : فعل مضارع مبنى على السكون فى محل رفع ،
ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. (يكتمن) يكتم : فعل مضارع مبنى على
السكون فى محل نصب بعد أن ، ونون النسوة ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
ومنه : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ
السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤].
وتقول : عليكن
أن تؤدّين واجبكن ، وتخلصن فى أدائه ، وتتقنّ ما هو مطلوب منكن ، ولا تحجمن عن
جانب منه ، واللّاتى يفعلن ذلك ينلن احترام غيرهن ، وينتزعن تقدير رؤسائهن .
بناء الفعل المضارع على الفتح :
يبنى الفعل
المضارع على الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد المباشرة ، أى : اللاصقة به دون فاصل
ظاهر أو محذوف ، نحو قوله تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ) [الحج : ٤٠] ، (ينصر) فعل مضارع مبنى على الفتح فى محل رفع ، والنون
للتوكيد ، حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب. ومنه : (وَلا تَحْسَبَنَّ
اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم : ٤٢] ، (تحسب) فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد
المباشرة فى محل جزم بعد (لا) الناهية.
__________________
ومنه : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥].
(وَتَاللهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧].
(وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) [آل عمران : ١٧٨].
(يحسبن) يحسب :
فعل مضارع مبنى على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة ،
__________________
فى محل جزم بلا الناهية ، والنون الثقيلة للتوكيد حرف مبنى. و (الذين) اسم
موصول مبنى فى محل رفع ، فاعل.
(وَلا تَقُولَنَّ
لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤].
(هَلْ يُذْهِبَنَّ
كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) [الحج : ١٥].
فإذا لم تكن
نون التوكيد مباشرة للفعل المضارع فإنه لا يبنى ، كما فى قوله تعالى : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ
لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) [التغابن : ٧] ، أى : لتبعثوننّ ولتنبؤوننّ ، فتحذف نون الرفع لتوالى ثلاثة
نونات ، فيصير الفعلان إلى : لتبعثونّ ولتنبؤونّ ، فيلتقى ساكنان ، أولهما واو
الجماعة ، والآخر نون التوكيد الأولى ، وهى ساكنة ، فتحذف واو الجماعة لدلالة
الضمة السابقة عليها ، فينتهى الفعلان إلى ما انتهيا إليه. ويكون إعراب (تبعثن)
كما يأتى : (تبعثون) فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالى
الأمثال ، وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء ساكنين ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
والنون الثقيلة
للتوكيد حرف مبنى لا محلّ له من الإعراب.
ومنه : (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) [الإسراء : ٤].
(لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ
وَلَتَنْصُرُنَّهُ) [آل عمران : ٨١].
(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً
كَثِيراً) [آل عمران : ١٨٦]
(لَيُصْبِحُنَّ
نادِمِينَ) [المؤمنون : ٤٠].
__________________
الأفعال (تفسدنّ
، تعلنّ ، تسمعنّ ، تؤمننّ ، تنصرنّ ، يصبحنّ) أفعال مضارعة مرفوعة ، وعلامة رفعها
ثبوت النون المحذوفة لتوالى الأمثال (النونات الثلاثة : نون الرفع ، ونونى التوكيد
الثقيلة) ، وفاعل كل منها واو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين (واو الجماعة
الساكنة ، ونون التوكيد الأولى ، وهى ساكنة كذلك) ، وقد دل على واو الجماعة الضمة
التى تسبقها.
أما قوله تعالى
: (وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢] ففيه الفعل المضارع (تموتن) مجزوم بعد لا الناهية ،
وعلامة جزمه حذف النون ، والنون للتوكيد ، وفاعله واو الجماعة المحذوفة لالتقاء
الساكنين. (واو الجماعة وهى ساكنة ، ونون التوكيد الأولى ، وهى ساكنة).
٥ ـ فعل الأمر
فعل الأمر مبنى دائما حيث يلزم زمنه اتجاها زمنيا واحدا هو
المستقبل ، وبناؤه يكون على ما يجزم به الفعل المضارع ، ذلك على النحو الآتى :
بناؤه على حذف النون :
إذا أسند فعل
الأمر إلى ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة ؛ وهى الضمائر التى تجعل
الفعل المضارع من الأفعال الخمسة ؛ فإنه يبنى على حذف النون ، نحو قوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) [النساء : ١٧١] ، (انتهوا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة ضمير
مبنى فى محل رفع ، فاعل.
__________________
ومنه أن تقول :
انتبهوا إلى دروسكم ، اعملا لخير وطنكما ، أقبلى على بيت الزوجية بالوفاء. كل من (انتبهوا
، واعملا ، وأقبلى) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وكل من (واو الجماعة وألف
الاثنين وياء المخاطبة) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ) [الحج : ٧٧].
كل من (اركعوا
، واسجدوا ، واعبدوا ، وافعلوا) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وواو الجماعة فى كل
منها ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
(يا مَرْيَمُ اقْنُتِي
لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣].
كل من (اقنتى ،
واسجدى ، واركعى) فعل أمر مبنى على حذف النون ، وياء المخاطبة فى كل منها ضمير
مبنى فى محل رفع ، فاعل.
(اذْهَبا إِلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) [طه : ٤٣ ، ٤٤]. الفعلان (اذهبا ، قولا) فعلا أمر مبنيان على حذف النون
، وألف الاثنين فيهما ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل.
(يا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) [يوسف : ٨٧].
__________________
بناؤه على حذف حرف العلة :
إذا كان فعل
الأمر ناقصا ـ أى : معتلّ الآخر بالألف أو الواو أو الياء الممدودتين ـ فإنه يبنى
على حذف حرف العلة ، وبه تنتهى الحركة الطويلة ـ أى : حرف المد ـ إلى حركتها
القصيرة ، مثال ذلك : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٥] ، (اهد) فعل أمر مبنى على حذف حرف العلة ، وفاعله ضمير مستتر
تقديره (أنت) ، وضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل نصب ، مفعول به.
ومنه قوله
تعالى : (ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْياً) [البقرة : ٢٦٠].
(يا بُنَيَّ أَقِمِ
الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [لقمان : ١٧].
بناؤه على السكون :
يبنى الفعل
الأمرىّ على السكون إذا كان غير ما سبق ، أى : إن لم يكن مسندا إلى ألف الاثنين أو
واو الجماعة أو ياء المخاطبة ، وإن لم يكن معتلّ الآخر ـ ، أى : إن كان صحيح الآخر
مسندا إلى الواحد أو مأمورا به المخاطب.
من ذلك قوله
تعالى : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصافات : ١٠٢] ، (افعل) فعل أمر مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر
تقديره (أنت).
__________________
ومنه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) [آل عمران : ٤١].
وقولك : اصنع
خيرا ، وقل صدقا ، وانصر حقّا.
فإذا تلا الفعل
ـ حينئذ ـ ساكن فإن سكون الفعل يتحرك بالكسر ـ على الأرجح ـ نظرا لتوالى ساكنين أو
التقائهما ، من ذلك : افتح النافذة. (افتح) فعل أمر مبنى على السكون ، وحرّك
بالكسر لالتقاء الساكنين ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
ومنه قولك :
شذّب الشجرة. افتح الكتاب. أغلق الباب.
العمل النحوى للفعل
كلّ فعل له
محدث ، ويجوز أن يكون له محدث عليه ، ومحدث فيه زمانا أو مكانا ، ومحدث من أجله ،
ومحدث معه ، وحدث. والمحدث ـ كما ذكرنا ـ مرفوع دائما ، أو فى محلّ رفع ، أما
المحدثات فكلّها منصوبات إن لم تسبق بحرف جرّ ظاهر أو مقدر غير منزوع أو مسقط.
كلّ الأفعال
يجوز أن تركب فى الجملة مع أحد ما سبق ؛ سواء أكان ذلك التركيب أو الارتباط بلا
واسطة ، أم بواسطة حرف الجر.
ولم يعرض
النحاة أقساما للفعل أثناء ارتباطها بما سبق إلا فيما إذا كان مسندا إلى الفاعل أو
المفعول ، وما إذا كان متعدّيا إلى المفعول به (المحدث عليه) بواسطة ، أم بدون
واسطة.
والفعل من حيث
الجانب الأخير (التعدى إلى المفعول به) ينقسم إلى قسمين عند النحاة : لازم ومتعد ،
لكننى أرى ـ بوجه عام ـ أن كلّ فعل لا بدّ له من محدث عليه ، أى : مفعول به ،
والأفعال تنقسم إلى قسمين من حيث ارتباطها بمفعولها ، يحدد كلّ قسم علاقة الفعل
بمفعوله ، فإذا كانت هذه العلاقة يمكن أن تتعدد فإن الفعل يلزمه حرف جر يصل به إلى
مفعوله ؛ ليحدد الجهة المقصودة من جهاته المتعددة ، وإذا كانت هذه العلاقة واحدة ـ
أى : غير متعددة ـ فإن الفعل يصل إلى مفعوله بلا واسطة ، ولذلك فإن الفعل ينقسم من
حيث علاقته المعنوية بفعله إلى قسمين ، جعلهما النحاة اللازم والمتعدى.
والضابط للزوم
والتعدى هو عدم نصب الفعل لمفعول به ، أو نصبه له.
وأقصد بالعمل
النحوى أثر الفعل إعرابيا فيما يليه من أسماء ، فنجد أن الفاعل مرفوع دائما ،
وموجود مع الفعل دائما ، أو يوجد ما ينوب عنه ، والفعل والفاعل ـ أو ما ينوب عنه ـ
متلازمان دائما ، حتى تكون الجملة فعلية ؛ لذا لا يعد الفاعل جهة من حيث تقسيم
الفعل ، ولكن أثر النصب أو الجزم يمكن أن يكون جهة تقسيم للفعل ، حيث تختلف
الأفعال فى هذا الأثر.
الفعل اللازم
يسمّى الفعل
القاصر ، أو غير المتعدى ، أو اللازم ، حيث يقصر إلى فاعله عن مفعوله ، أو لا
يتعدى إلى مفعول به ، أو يلزم فاعله دون مفعوله ، مثال ذلك : نزل ، خرج ، قدم ،
وقع ... إلخ.
وهى الأفعال
التى لا تنصب مفعولا به ، وإن كان يظنّ أنها الأفعال التى لا مفعول لها ؛ فإننى
أرى أن هذا ظنّ غير صحيح ؛ لأنه ـ كما ذكرنا ـ كلّ فعل له فاعل ومفعول به حتى
تتحقق الحدثية ، ولكن بعض الأفعال يصل إلى مفعولاتها بلا واسطة فتنصبها ، وبعضها
الآخر يصل إلى مفعوله بواسطة فلا ينصب ، وهذا النوع الأخير هو ما يسميه النحاة
بالأفعال اللازمة.
ومهما كان
المفهوم من لزوم الفعل فإن كلّ الأفعال تتعدى إلى اسم الحدث (المصدر) ، كما تتعدى
إلى الزمان والمكان اللذين يقع فيهما ، كما تتعدى إلى سائر المنصوبات حسب المقصود
البنيوى والمعنوى من الجملة.
فتقول : نزل
محمد والسلم مسرعا نزولا مساء وسط الصالة أملا فى لقاء صديقه. تجد أن الفعل (نزل)
فعل لازم لا ينصب مفعولا به ، لكنه نصب فى الجملة السابقة المفعول معه (السلم) ،
والحال (مسرعا) ، والمفعول المطلق (نزولا) ، وظرف الزمان (مساء) ، وظرف المكان (وسط)
، والمفعول لأجله (أملا).
وتجعله متعديا
إلى مفعوله بواسطة حرف الجر تبعا للجهة المعنوية المرادة منه ، فتقول : نزل العامل
إلى أسفل ، نزل من أعلى ، نزل عن مكانه .... إلخ.
يلاحظ على
الأفعال اللازمة فى اللغة العربية ما يأتى :
أولا : من حيث الجانب اللفظى :
أ ـ الأوزان التى لا تكون إلا أفعالا لازمة هى :
ـ فعل : بضمّ
العين فى الماضى والمضارع ، ولك أن تصوغ من كل فعل فى اللغة على هذا المثال ؛
ليدلّ على معنى اللزوم والثبات ، مثل ذلك : حسن خطّه ، جمل خلقه ، نبلت مبادئه ،
ظرف طبعه ، حلا طعمه.
كما أن هذا
الوزن إنما وضع للغرائز والطبائع ، نحو : شرف ، كرم ، جبن ...
ـ انفعل : لا
يأتى هذا الوزن إلا لمعنى المطاوعة ، ولا يكون إلا لازما ، وتعنى المطاوعة مطاوعة
فاعل هذا الفعل لفاعل فعله المتعدى إلى واحد ، ففاعل هذه الجملة لا يحدث منه الفعل
مباشرة ، ولكن بتأثير فاعل آخر غير ظاهر فى بنية الجملة ، فهذه الصيغة التى تكون
للمطاوعة تكون لفاعل هو مفعول به أصلا ، والفاعل مهمل ، واستجاب المفعول به لتأثير
الفاعل ، فحولت إليه الفاعلية ، ويكون الفعل لازما ، مثال ذلك : أغلق محمد الباب ،
فانغلق الباب ، كسر الولد الزجاج ، فانكسر الزجاج ، كلّ من (الباب والزجاج) مفعول
به فى الجملة مع الفعل المتعدى (أغلق ، كسر) ، ولما طاوع فاعل الثانى فاعل الأول
لزمت صيغة الفعل المطاوعة فكانا (انغلق ، وانكسر).
ومن ذلك : دفعت
الكرة ، فاندفعت الكرة. فتحت النافذة ، فانفتحت النافذة.
وكذلك : انصرف
المشاكس ، انساق الإمّعة ، انهال التراب ، انفلق الحجر ، انشقت البرتقالة ، انطفأت
الشمعة ، انكشفت حيلته ، انفردت بالعمل ، لا ننتفع بالمنافق ، انحطم الهشيم ،
انقاد الإبل.
ـ افعلّ : لا
يأتى هذا الوزن إلا لازما ، ويؤتى به فى اللغة لأداء دلالة واحدة غالبا ، وهى قوة
اللون أو قوة العيب ، ومثاله : احمرّ وجهه خجلا ، ابيضّ الثوب ، اعورّت عينه ،
اسودّت الورقة.
وقد يخرج عن
هذه المعانى كما فى قوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) [الكهف : ٧٧] ، (انقض) يجعل على وزن (انفعل) ، فيكون من انقضاض الطائر ، أو
من القضّة ، وهى الحصى الصغار ، ويكون المعنى ، أن يتفتت كالحصى. ويجعل على وزن (افعلّ)
كاحمرّ فيكون من النقض ، وهو الهدم.
ـ افعال : لازم
دائما نحو : احمارّ وجهه ، (إذا زادت حمرته) ، اصفارّ ، اخضارّ ... ويكون فى
الألوان ، وقد جاء فى غير الألوان قليلا ، فقد قالوا : اقطارّ النبت ، أى : يبس وأخذ يجف ، ويمكن أن يرجع إلى اللون ، حيث
اصفرار لون النبات إذا يبس وجف.
__________________
ـ افعنلل : نحو
: اقعنسس الجمل (إذا أبى أن يقاد) ، احرنبى الديك ، (إذا أنفش ريشه للقتال) ، وهو
لازم دائما ، احرنجم (اجتمع).
ـ تفعلل : لازم
دائما ، مثل : تجورب ، تجلبب ، تدحرج ...
ومنه : تدحرجت
الكرة ، تجورب محمد ، أى : لبس الجورب ، تجلبب الرجل ، أى : لبس الجلباب.
ـ افعنلى : نحو
: اسلنقى. (أى : انبطح على قفاه).
ـ افعللّ : لا
يأتى إلا لازما ، نحو : اقشعرّ بدنه ، لم تطمئنّ نفسه ، اشمأزّت أساريره. واطمأنت
نفسه.
ـ افعلّل : نحو
: اكوهّد الفرخ (إذا ارتعد) ، وهو لازم دائما.
ـ افعوعل : لا
يكون إلا لازما ، اعشوشب المكان. (إذا كثر به العشب) ، ومنه : اخضوضر ، اخشوشن ،
احدودب ...
ـ افعولل : نحو
: اعتوجج البعير ، إذا أسرع.
ـ افونعل : نحو
: احونصل الطائر ، إذا ثنى عنقه وأخرج حوصلته.
ـ افعيّل : نحو
: اهبيّخ الرجل ، إذا كان فى مشيته تبختر وتهاد.
الأوزان
الثلاثة (افعولل وافونعل وافعيّل) فى أمثلتها المذكورة تكون لازمة ، ويذكر ابن
عصفور : (لم يذكرها أحد إلا صاحب العين ، فلا يلتفت إليها) .
ب ـ الأفعال التى قد تكون لازمة فى بعض دلالتها هى :
ـ فعل ، وفعل :
(بفتح العين وكسرها) اللذان وصفهما على مثال (فعيل) ، من ذلك : سمن الأكول فهو
سمين ، ذلّ المجرم فهو ذليل.
ومنه : مرض ،
سقم ، حزن ، أشر ، بطر ، شهب ، سود ، سلم ، سعد ، فرح.
وقد يأتى الوزن
(فعل) متعديا ، نحو : رحمه الله ، علم محمد الخبر ، حذف كثيرا منه.
__________________
وكذلك (فعل) قد
يتعدى ، نحو : طرد الأستاذ الطالب المهمل ، ضربه.
ـ تفعّل : يكون
هذا الوزن مطاوعا لوزن (فعّل) مضعف العين ، نحو : تحوّل الجار ، تشبّه بأفعالنا ،
تمرّد على عادته السيئة ، تحرّك القطار ، تقدّم على غيره.
تلحظ أن كلّ
الأفعال السابقة مطاوعة لأفعالها التى على مثال (فعّل).
قد يأتى هذا
الوزن متعديا إذا لم يكن مطاوعا ، نحو : تعقّبه ، تصفّح الكتاب ، تفهّم أقواله ...
ـ تفاعل : قد
تأتى هذه الصيغة لمطاوعة صيغتى : فاعل وفعل ، فتكون لازمة ، مثال ذلك : باعدته
فتباعد ، خاصمته فتخاصم ، عاديته فتعادى ، حاورته فتحاور ، لازمته فتلازم.
وكذلك : نهيته
فتناهى ، سموته فتسامى ، ومنه : تهادى ، تناوم ، تظاهر ، تقارب ، تهاون ، تمازح ،
تعاهد.
وقد تأتى
متعدية ، نحو : تغافل الرأى السديد ، تذاكروا العلم ، تجاذبا الثوب ، تعاطينا
الدواء.
ـ افتعل : قد
تأتى هذه الصيغة مطاوعة للثلاثى منها (فعل) ، نحو : رفع الشئ فارتفع الشىء ، عدل
البستانى الغصن فاعتدل الغصن ، جمع محمد الأصدقاء ، فاجتمع الأصدقاء ، منعته من
عمل السوء فامتنع عن عمله ، كواه فاكتوى ، رماه فارتمى ، هداه فاهتدى ، لواه
فالتوى.
وقد تأتى بمعنى
المبالغة فتكون لازمة ، نحو : اشتدّ جزعه ، امتدّ ، اقتدر ، ارتدّ ، اكتمل ،
انتظم.
وقد ترد متعدية
، نحو : اكتسب الطباع النبيلة ، اقتسموا الربح ، اشتهى علىّ هذا الطعام ، احتذى
محمود المنهج السليم ، اغتنم الكيّس الفرصة ، ابتدره بالسؤال ، احتسبه.
ـ أفعل : يأتى
نادرا لازما ، نحو : أنسل الريش ، أعرض الشىء (أى : ظهر) ، أكبّ الرجل على وجهه ،
أقشع السحاب. أنفض الزاد.
ـ استفعل :
يكون لازما إذا جاء فيه معنى التحول ، أو الصيرورة حقيقة ، نحو : استحجر الطين ،
استحصن المهر ، استأسد الرجل ، استأذب الكلب.
ثانيا : من حيث الجانب الدلالى :
يمكن أن يلاحظ
أن الفعل اللازم يأتى فى اللغة لأداء العلاقات المعنوية الآتية :
أ ـ أن يدلّ
على حدوث من ذات مصحوب بحركة حسية أو معنوية ، ولكن تلحظ أنه لا يكون حدوثا قدر ما
هو إحداث من عامل غير مذكور ، مثال ذلك : هبّت الريح ، غلى الماء ، خرج الصديق ،
قامت سوق العلم ، ينبت الشحم ، ظهرت النابتة.
تلحظ فى
العلاقات المعنوية السابقة بين الفعل اللازم وفاعله معنى الإحداث.
ب ـ أن يكون
كذلك ، لكن الفاعل اسم معنى ، كما إذا قيل : كسد الجهل ، وقع الوصف ، جاء التغيير
، استبدّ به الظلم ، أخذ به الجدّ والالتزام.
ج ـ أن يدلّ
على عرض ، وهو ما ليس بحركة جسم من وصف غير ثابت ، نحو : غاب الصديق عنى ، مرض
المهمل ، بطر الجشع ، ضحك المتفرج ، طابت نفسه ، غلى المغيظ.
نتيجة :
عند ما نمعن
الفكر فى الأفعال اللازمة نجد أنها تتعلق بالجارّ والمجرور ، أو يتعلق حرف الجرّ
بها على حدّ قول النحاة. وبتمحيص العلاقة المعنوية بين هذه الأفعال ومجروراتها نجد
أن بعضها تقع عليه الفاعلية ، وبعضها الآخر لا تقع عليه ، وإنما تكون لعلاقات
معنوية أخرى ؛ لذا فإن هذا النوع الأول الذى تقع الفاعلية على مجروره تكون أفعاله
مشتركة بين اللزوم والتعدى ، فهى تشارك اللازم فى مبناها ، وتشارك المتعدى فى
معناها ، وهى تصل إلى مفعولها بواسطة حرف الجر الذى يؤدى المعنى المقصود ، حيث
تكون العلاقة بين الفعل المتعدى بحرف الجر ومفعولاتها علاقة متعددة الجوانب
المعنوية ، فيلجأ المتحدث إلى اختيار حرف الجر الذى يؤدى المعنى المراد ، أو
العلاقة المعنوية المرادة.
هذا إلى جانب
تلك الصيغ التى ذكرناها خاصة باللزوم ، وقد ذكرنا أن الفاعل فيها أصله المفعولية
لكنه لمعنى المطاوعة أصبح فاعلا.
ويمكن إدراك
ذلك من خلال الأمثلة الآتية : المجرور مفعول به فى معناه : غضب عليه ، لم يخرج منه
، دلّ ذلك على إيمانه ، وقف على الحقيقة ، مال إليه ، انصرف عنه ، مضى به. الغضب
وعدم الخروج والإغارة والدلالة والوقوف والميل والانصراف كلّها معان واقعة على
المجرورات التى تليها ، واختيار حرف الجر وتنوعه من فعل إلى آخر يكون لتحديد
العلاقة بين الفعل وما تعدّى إليه ، فالغضب يكون عليه ومنه ، وعدم الخروج يكون
إليه ومنه ، والدلالة تكون عليه وإليه ، والوقوف يكون عليه ومنه وبه ، والميل يكون
إليه وعنه ، والانصراف يكون عنه وإليه ، والمضى يكون به وإليه. ولذلك نجعل شبه
الجملة متعلقة بالفعل.
وقد يتعدى
الفعل إلى مفعولين بواسطة ، نحو : أمر الحاكم للناس بانتشار العدل بينهم ،
فالأمرية وقعت على الناس وعلى انتشار العدل ، وتلحظ أن كلّ مفعول مسبوق بحرف جرّ
معين لاختلاف العلاقة بين كلّ مفعول والفعل ، فيكون كلّ شبه جملة متعلقة بالفعل.
ومثله : أمر له
بجائزة ، حكم عليه بالغرامة ، أعطى من ماله للفقراء ، أعاد لك بالخير ، استغفرت لك
من الله ، خرج من القاعة إلى المدرج ، رووا عليه من أشعار أبى تمام ، سوف أبعث
إليك بالكتاب ، احتجّ عليه بحججه القارعة ، شهدنا له بالتفوق. تحدّث إليه بالنصائح
المفيدة. وكلّ شبه جملة متعلقة بالفعل الذى يسبقها.
ثالثا : لزوم الفعل المتعدى :
أنوّه هنا إلى
أن النحاة قد ذكروا طرائق للزوم الفعل المتعدى ، وقصره عن نصبه مفعولا به ، وهى :
أ ـ التضمين
المعنوى : هو أن يتضمن فعل متعدّ معنى فعل لازم فيقصر قصوره ، وجعلوا من ذلك قوله
تعالى : (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)
[النور : ٦٣] ، حيث تضمن الفعل المتعدى (يخالف) معنى الفعل اللازم (يخرج ،
أو صدّ ، أو أعرض) ، ويكون الكلام : يخرجون عن أمره.
ومنه قوله
تعالى : (قُلْ عَسى أَنْ
يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [النمل : ٧٢] ، الفعل (ردف) يتعدى بنفسه ، ولكنه تعدى هنا باللام لتضمنه
معنى (دنا وقرب).
وقد يتعدى
بواسطة (من) ، ويجعلون منه قول الشاعر :
فلمّا ردفنا
عمير وصحبه
|
|
تولّوا سراعا
والمنية تعتق
|
الكلام : ردفنا
من عمير ، أى : دنونا من عمير.
ويجوز أن يكون
منه قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] ، حيث إنه من أوجه هذا الموضع أن الفعل (تلقوا) قد ضمّن
معنى الفعل اللازم (تفضوا) ، أى : تطرحوا. وهو يتعدى بالباء ، فقولك : أفضيت بجنبى
على الأرض ، أى : طرحت جنبى على الأرض.
ب ـ تحويل
الفعل المتعدى إلى باب (فعل) بضمّ العين فى الماضى والمضارع مقصودا به التعجب
والمبالغة : أو الثبوت واللزوم ، مثال ذلك : ضرب ، أى : ما أضربه ، ربح التاجر ،
أى : ما أربحه ، وكسب ، أى : دائم الكسب.
ج ـ صيرورة
الفعل المتعدى مطاوعا ، نحو : أنهيته فانتهى ، كسرته فانكسر ، حرّكت اللعبة
فتحرّكت اللعبة ، خاصمته فتخاصم ، سابقته فتسابق.
د ـ ضعف العامل
بتأخيره ، وجعلوا منه قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ
لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] ، حيث (تعبر) فعل يتعدى إلى المفعول بدون واسطة ، لكنه لمّا
تقدم المعمول (الرؤيا) ضعف العامل لتقدم المعمول عليه ، فقوّى العامل بحرف الجرّ (اللام).
وقيل : تضمن
الفعل (تعبرون) معنى ما يتعدى باللام ، والتقدير : (تنتدرون لعبارة الرّؤيا).
ومنه قوله
تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤] حيث سبق حرف الجرّ (اللام) المفعول به المقدم (ربهم)
لتقوية العامل (يرهبون) لتأخره.
__________________
ه ـ الضرورة :
من ذلك قول حسان بن ثابت :
تبلت فؤادك
فى المنام خريدة
|
|
تسقى الضجيع
ببارد بسّام
|
أى : تسقى
الضجيع باردا بساما. فالفعل (سقى) يتعدى بلا واسطة ، ولكنه تعدى بحرف الجر (الباء)
هنا ضرورة. ومنه قول الشاعر :
فلمّا أن
تواقفنا قليلا
|
|
أنخنا
للكلاكل فارتمينا
|
والأصل : أنخنا
الكلاكل ، فتعدّى الفعل (أناخ) بحرف الجر (اللام) للضرورة.
و ـ أن يكون
العامل فرعا ، وحينئذ يجوز أن تسبق مفعوله باللام المقوّية ، فتجرّه ، نحو قوله ـ تعالى
: (إِنَّ رَبَّكَ
فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود ١٠٧].
وزيدت اللام فى
المفعول به بسببى العامل الفرعى والتقدم مجتمعين فى قوله تعالى : (لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) [المؤمنون ٥]. (وَهُمْ لَها
سابِقُونَ) [المؤمنون ٦١] ، أى وهم سابقونها.
__________________
الفعل المتعدى
يسمى الفعل
المجاوز ، أى : ما يجاوز رفع الفاعل إلى نصب المفعول به بنفسه ، أى : دون واسطة
حرف جر ، ويسمى كذلك واقعا ومتعديا ، فالتعدى يعنى المجاوزة ، وهو فى هذا الباب
يعنى مجاوزة الفعل فاعله إلى مفعول به ، وله علامتان :
أولاهما : أن
تصل به هاء تعود على غير مصدره ، فتقول : الدرس كتبته ، الموضوع فهمته ، الخطّ
حسّنته ، (الهاء) فى الأمثلة السابقة ضمير مبنى فى محل نصب مفعول به ، وهو يعود
على الاسم المبتدإ به الجملة ، وليس عائدا على مصدر الفعل.
أما فى الفعل
اللازم فإنك لا تستطيع أن تجعل مثل هذا الضمير يعود على اسم سابق إلا بواسطة حرف
الجر ، فتقول : المنزل خرجت منه ، الصديق قدمت إليه ، محاضرة اليوم أغيب عنها.
تلحظ أن الضمير العائد على الاسم السابق على الفعل لا يصل إليه الفعل إلا بواسطة
حرف الجر.
ويجوز أن يصل
الفعل اللازم إلى ضمير مصدره كأن تقول : نزلته ، أى : نزلت النزول ، فالضمير يعود
على مصدر الفعل.
والأخرى : أن
يصاغ من الفعل المتعدى اسم مفعول تام غير مقترن بحرف جر أو ظرف ، أى : يصل إلى
نائب الفاعل بدون واسطة ، فتقول : علىّ محمود خلقه.
(خلق) نائب
فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والعامل فيه اسم المفعول (محمود) ، وتلحظ رفعه
لنائب الفاعل بدون وساطة.
ولكن اسم
المفعول المصاغ من الفعل اللازم لا يصل إلى نائب الفاعل إلا بواسطة حرف الجر ،
فتقول : الصديق منزول إليه ، حيث (منزول) اسم مفعول من الفعل اللازم (نزل) ، ولم
يصل إلى نائب فاعله إلا بواسطة حرف الجر (إلى).
__________________
وتقول : القاعة
مخروج منها ، الخير مسعىّ إليه ، الخير منساق إليه.
يلاحظ أن
التعدى والمجاوزة والوقوع ضوابط معنوية حيث تستنتج هذه الضوابط من خلال السياق
المعنوى. وحقيقة الفعل المتعدى أنه يصل إلى مفعول به أو أكثر وقع عليه فعل الفاعل
: إما بواسطة ، وإما بغير واسطة ، وإما بالجمع بينهما ، ويمكن تقسيم الفعل المتعدى
إلى مفعوله على النحو الآتى ، مستتبعين آراء النحاة التى نجمعها فيما يأتى :
أ ـ قد نذكر
هنا تلك الأفعال التى تتعدى إلى مفعولاتها بواسطة حروف الجر ، وقد أثبتنا بعضها فى
الأفعال اللازمة. ومنها قولك : مررت بمحمود ، نظرت إلى بشر ، رغبت فى محمد ، رغبت
عن سمير ، انصرفت إلى أحمد ، انصرفت عن منصور ، تعدى الفعل إلى مفعوله ، دخلت فى
الدار.
ب ـ الفعل المتعدى إلى واحد :
طبقا للفكرة
السابقة من التعدى من حيث جواز تعدى الفعل بواسطة حرف الجر يمكن تقسيم هذا النوع
إلى أربعة أقسام :
أولها : ما
يتعدى لمفعول به بنفسه دائما دون واسطة ، وضابطه أن تكون هذه الأفعال دالة على
حاسة من الحواس ، نحو : رأيت الصورة ، شممت رائحته ، ذقت طعمه ، لمست نعومته ، سمعت صوته.
كلّ من : (رأى
، شمّ ، ذاق ، لمس ، سمع) فعل يدلّ على حاسة ؛ لذا كان متعديا بنفسه.
ثانيها : ما
يتعدى لواحد تارة بنفسه ، وأخرى بحرف الجر ، ومن ذلك :
ـ كشفت عن
قناعها ، كشفت قناعها.
ـ رفعت عن ذيل
مرطها ، رفعت ذيل مرطها.
ـ مدّ الله فى
عمرك ، مدت الفتاة حبلها.
__________________
ـ فرّقوا
بينهما ، فرّقوهما.
ومن ذلك
الأفعال : شكر ، نصح ، قصد ، زجرت ، فضل ، رجع ..
فتقول : شكرته
، شكرت له ، نصحته ، نصحت له .. إلخ. فضلته ، وفضلت عليه ، ورجعته إليه ... إلخ
ومنه : مسحت
برأسى ، ومسحت رأسى ، وخشنت بصدره ، وخشنت صدره ، وكلته ، وكلت له ، وزنته ، وزنت
له. ومنه قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ
أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين : ٣].
جئتك وجئت إليك
، دخلت الدار ودخلت فى الدار ، قرأت السورة وقرأت بالسورة.
ثالثها : ما
يتعدى لواحد بنفسه تارة ، ولا يتعدى أخرى لا بنفسه ولا بالجار ، أى : يكون متعديا
مرة ، ومطاوعا أخرى ، ومنه : فغرفاه. (متعديا) ، فغرفوه. (لازما) ، بمعنى (انفتح)
، ورجع زيد ورجعته ، شحافوه وشحافاه (انفتح) ، وربما كانت هذه لغات.
رابعها : ما
يتعدى لإسقاط الخافض أو نزعه ، نحو قولهم : دخل الدار ، ذهب الشام ، ومنه : (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصافات : ١٠٢].
ومن هذا النوع
من الأفعال ما يكون متعديا أو لازما من خلال حركة العين بين الفتح والكسر.
ومن ذلك : شترت
عينه (بكسر التاء) ، فيكون لازما ، وشترها الله (بفتح التاء) ، فيكون متعدى.
وكذلك : حزن (بكسر
الزاى يحزن ، وهو لازم ، وحزنه (بفتح الزاى) ، مثل : أحزنه وحزّنه ، بتضعيف الزاى.
__________________
ونجعل من هذا
القسم أمثال الفعل (وقف) ، حيث يكون لازما ، كما قد يكون متعديا ، فتقول : وقف
الأستاذ ، ولكنك تقول : وقفت دابّتى وقوفا ووقفا ، ومنه قوله تعالى : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤].
وقف الدار
والحديقة ، حبسهما فى سبيل الله.
ومنه : زاد ،
خسأ ، غاض ...
تقول : زدت
الماء ، وزاد الماء ، خسأته وخسأ ، غاض الماء وغاض الله الماء.
ج ـ الفعل
المتعدى لمفعولين. وستفصل دراسته فيما بعد.
د ـ الفعل
المتعدى لثلاثة ، وسيفصل فيما بعد.
كيفية تعدى الفعل اللازم
أنوه إلى أن
الفعل اللازم يمكن أن يتعدى باستخدام إحدى الوحدات الصرفية المخصصة لذلك من سوابق
وحشايا وحذف ، أو باستخدام جانب معنوى ، وذلك على النحو الآتى :
ـ الهمزة ، نحو
: أجلسته ، أنزلته ، أخرجته ، أعظمته ، أكرمته.
ومن الأفعال ما
هو مزيد بالهمزة لكنه يستخدم دلاليّا لازما ، نحو : أعرض ، أسرع ، أبطأ. أكبّ ...
إلخ.
ومنه قوله
تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ
ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) [طه ١٢٤].
وقد يكون الفعل
المزيد بالهمزة مترددا بين اللزوم والتعدى مثل الفعل (أفاض) ، فتقول : أفاض الحجيج
من عرفات ، وأفاض القوم فى الحديث ، وتقول : أفاض الله الخير ، وأفاض دمعه ...
ـ تضعيف عين
الفعل ، نحو : عظّمته ، نزّلته ، كرّمته ، قدّمته.
ـ ألف المفاعلة
، نحو : جالسته ، خاصمته ، نازلته.
ـ الهمزة
والسين والتاء ، نحو : استخرجته ، استبعدت الظنّ ، استوجب محمد التكريم.
يلاحظ أن
الحدثية فى الأفعال السابقة مشتركة بين طرفين ؛ لذا تعدّى الفعل ، أما إذا كانت
الحدثية مقصورة على واحد فإن الهمزة والسين والتاء لا تعدى الفعل ، بل يظلّ لازما
، نحو : استراح المتعب ، استفاق الغائب ، استقام العود.
ـ حذف حرف الجر
على التوسع ، فينصب ما بعده بعد أن كان مجرورا ، ويكون نصبه على السعة ، أو
الاتساع ، أو حذف حرف الجر ، أو نزع الخافض ، ومنه قول جرير :
تمرّون
الديار ولم تعوجوا
|
|
كلامكم علىّ
إذن حرام
|
والأصل : تمرون
بالديار ، ويطرد حذف حرف الجر مع (أنّ ، وأن) المصدريتين بشرط أمن اللبس ، ومنه
قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] ، أى : شهد الله بأنه ، فلما حذف حرف الجر تعدى الفعل (شهد)
على السعة أو نزع الخافض ، فأصبح المصدر المؤول (أنه لا إله إلا هو) فى محل نصب ،
ويجوز أن تقدر وجود حرف الجر فتجعل المصدر فى محل جر.
ومنه قوله
تعالى :(بَلْ عَجِبُوا أَنْ
جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) [ق : ٢] ، أى : عجبوا من أن جاءهم ...
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهارُ) [البقرة : ٢٥] ، أى بشر بأن ...
__________________
(إِنَّ اللهَ لا
يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً) [البقرة : ٢٦] ، أى : لا يستحيى من أن يضرب ... الفعل (استحيى) يتعدى بنفسه
تارة ، وأخرى بحرف الجر. (إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨] ، أى : بأن تؤدوا ..
(وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧]. أى : فى أن تنكحوهن.
وينوه إلى أن
حذف حرف الجر وذكره يجعلان الفعل متعديا ، إلا أنه يتعدى بنفسه تارة ، وبواسطة
تارة أخرى. ومن ذلك : رحبتكم الطاعة ، طلع بشر اليمن ، بضم العين فيهما ، أى :
وسعتكم الطاعة ، بلغ اليمن.
كما ينوه إلى
أنه إن لم يتعين حرف الجر فإنه لا يحذف ، فلا يقال : رغبت محمدا ؛ لأنه لا يدرى إن
كان : رغبت فى ... ، أو : رغبت عن ....
ـ التضمين
النحوى ، من وسائل تعدية الفعل اللازم تضمينه أو إكسابه معنى فعل متعد ، فيتعدى
تعديته ، ويجعلون منه قوله تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا
عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ) [البقرة : ٢٣٥]. حيث تضمن الفعل اللازم (تعزموا) ـ وهو
__________________
لا يتعدى إلا بواسطة حرف الجر (على) ـ معنى الفعل المتعدى (تنووا أو تعقدوا)
، فاكتسب التعدية بنفسه.
ومنه قول على ـ
عليه السّلام : «إن بشرا قد طلع اليمن» أى : بلغ اليمن ، فضمن اللازم (طلع) معنى
المتعدى (بلغ).
ومنه : أمرتك
الخير ، أى : كلفتك.
ـ حرف الجر :
ذكرنا سابقا أن الفعل يتعدى إلى مفعوله بواسطة حرف الجر المناسب معنويا ، نحو :
خرجت به ، مال إليه ، انصرف عنه ، تمّت النعمة له.
الأفعال التى تتعدى لمفعولين
تتنوع الأفعال
التى تتعدى إلى مفعولين بتنوع الأثر النحوى أو اللفظى ، والأداء الدلالى لها فى
المفعولين ، فقد يكون بواسطة أو بدون واسطة أو بالجمع بينهما ، وإلى جانب ما
ذكرناه ـ سابقا ـ من تعدى بعض الأفعال إلى اثنين بواسطة أحرف الجر نذكر الأقسام
الأخرى للأفعال التى تتعدى إلى مفعولين فيما يأتى :
ـ أفعال تتعدى إلى مفعولين : إلى أحدهما بنفسها ، وإلى الآخر بواسطة :
نحو : شبّه
الابن الوفىّ أباه بالملائكة. سمّى الرجل ابنه بمحمد. أوقع المدير بهم أشدّ
الجزاء. أتبع القارئ كلّ صفحة بما يليها.
تلحظ أن
الأفعال السابقة قد تعدت إلى مفعولين ، وقد تعدت إلى أحدهما بنفسها سواء أكان
الأول أم الثانى ، وهو على الترتيب : أبا ، ابن ، أشد ، كل ، وتعدّت إلى الآخر
بواسطة ، وهو ـ مع حرف الجرّ السابق عليه على الترتيب : بالملائكة ، بمحمد ، بهم ،
بما.
ومن ذلك أن
تقول : أتمّ الله نعمته عليك ، أذكّرك بالواجبات التى عليك ، خصّك الخالق ـ تعالى
ـ بالفضائل ، عقدنا الزعامة له ، أتاه بكل ما يشاء ، دفعت هذا الأمر إليك. اسغفرت
الله من ذنبى ، اخترت من الرجال محمودا.
ـ أفعال تتعدى لمفعولين مرة بنفسها ، وأخرى لأحدهما بواسطة :
نحو : منعتك
فعل الشرّ ، منعتك من فعل الشر ، منعت الشرّ منك.
تجد أن الفعل (منع)
قد تعدى إلى المفعولين (كاف المخاطب ، وفعل) بنفسه فى الجملة الأولى ، ولكنه تعدى
إلى أحد المفعولين بنفسه ، ويكون ذلك على
التوسع ، أو
السعة أو نزع الخافض ، وإلى الآخر بواسطة فى الجملتين الثانية والثالثة.
ومن ذلك
الأفعال : أمر ، سأل ، سقى ، اختار ، استغفر ، كنّى ، سمّى ، دعا (بمعنى سمّى) ،
صدق ، زوّج ، وزن . وكذلك : نبّأ ، خبّر ، أخبر ، حدّث ، غير مضمنة معنى (أعلم).
فتقول : سقيت
الحيوان الماء ، سقيت الحيوان بالماء ، سقيت الماء للحيوان. كنّيت محمدا الكريم ،
كنيت محمدا بالكريم ، كنيت الكريم لمحمد ، زوّجت فاطمة عليا ، زوجت فاطمة لعلى ،
زوجت عليا لفاطمة.
وقد جمعا فى
قول الشاعر :
أمرتك الخير
فافعل ما أمرت به
|
|
فقد تركتك ذا
مال وذا نشب
|
__________________
حيث تعدى الفعل
(أمر) إلى مفعولين بنفسه مرة (أمرتك فعل) ، وأخرى إلى أحدهما بواسطة حرف الجر (أمرت
به).
وتقول : أنبأتك
الخبر ، أو : بالخبر ، حدّثتك بالصدق ، أو : الصدق. استغفرت الله من الذنوب ،
استغفرت الله ذنوبى.
ـ أفعال تتعدى لمفعولين مرة ، ولا تتعدى أخرى :
هذه الأفعال
تتعدى فى معنى ، وتلزم فى معنى آخر ، نحو : نقص المال ، نقصت المال جنيهين.
(نقص) فى
الجملة الأولى فعل لازم ، وفاعله (المال) ، أما هو فى الجملة الثانية ففعل متعد
إلى اثنين ، أولهما (المال) ، والثانى (جنيهين).
ومنه قوله
تعالى : (ثُمَّ لَمْ
يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) [التوبة : ٤] ، حيث (ينقص) تعدّى إلى مفعولين : (كاف المخاطبين وشيئا) ،
وبعضهم يرى أن (شيئا) نائب عن المفعول المطلق ، والتقدير : نقصا ما ، أو : شيئا من
النقصان .
ـ أفعال تتعدى إلى مفعولين صرفيّا (بنيويا):
الأفعال التى
تتعدى إلى مفعول واحد بلا واسطة تتعدى إلى مفعولين بواسطة الهمزة . والفعل المنقول بالهمزة متعدّ دائما ، فإذا كان متعديا
قبلها إلى واحد ، فإنه ينقل بها إلى التعدى إلى اثنين.
فتقول : أفهمت
محمدا الدرس. (محمدا) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (الدرس) مفعول به
ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومنه : أعلمت
عليّا الخبر ، بمعنى (أعرفته). أسمعنا المدرس الشرح. أكسبته التجارة مالا وفيرا.
ألحقت المسافر القطار.
ومثل التعدى
الصرفى بالهمزة التعدى بالهمزة والسين والتاء ، فتقول : استنطقت محمدا الخبر ، وقد
كان : نطق محمد الخبر ، متعديا إلى مفعول واحد ، فلما أردت
__________________
للفعل معنى الطلب ضممت إليه الهمزة والسين والتاء. فنقلته إلى التعدّى إلى
اثنين.
ومنه : استكتبت
عليّا الإيصال. استغفرت الله الذنوب جميعها. استعملت الرجل خفيرا. ومثلهما فى
التعدى الصرفى أو البنيوى التعدى بالتضعيف ، فتقول : ملّكت صديقى أمرا مهما ، وقد
كان : ملك صديقى أمرا. حيث تعدى الفعل (ملك) إلى مفعولين بعد تضعيف عينه ؛ لأن
تضعيف العين من وسائل نقل الفعل فى التعدّى.
ومنه : ذكّرته
الحلّ ، عرّفته الصواب.
ـ ما يتعدى لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر :
تسمى أفعال
القلوب ، حيث تقوم معانيها بالقلب ، وأنوه إلى أن أفعال القلوب ثلاثة أقسام :
أ ـ فمنها ما
لا يتعدى إلا بواسطة الحرف ، نحو : فكّر ، وتفكّر ، حيث تقول : فكّرت فى الأمر ،
وتفكّرت فى السؤال.
ب ـ ومنها ما
يتعدى إلى واحد ، نحو : عرف وفهم ، وتبين وتحقق ، فتقول : عرفت حلّ المسألة ،
وفهمت الشرح ، تبينت الخبر.
ج ـ ومنها ما
يتعدى لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر :
هذه المجموعة
من الأفعال تحتاج إلى مفعولين كانا يكونان جملة اسمية قبل دخولها عليهما ، فينصب
المبتدأ ليكون مفعولا به أول ، وينصب الخبر ليكون مفعولا ثانيا ، ولا يصحّ
الاقتصار على أحد المفعولين ، أو حذف أحدهما ، كما أن المفعول الثانى الذى كان
خبرا يجوز أن تكون بنيته بنية الخبر ، من : مفرد وجملة وشبه جملة ، وتنقسم هذه
الأفعال إلى ثلاث مجموعات ـ على الوجه الأرجح ـ بحسب ما تؤديه من علاقة دلالية بين
المفعول الأول والمفعول الثانى ، تتباين فى جانب الظن أو اليقين ، وهى :
المجموعة
الأولى : ما يفيد الظنّ أو الرّجحان : تدلّ أفعال هذه المجموعة على ظنّ فى الخبر (المفعول
به الثانى) ، أى : إن علاقة الخبر بالمبتدإ علاقة ظنية ، والمعنى الذى يصلح لأفعال
هذه المجموعة هو معنى الرجحان ، أى : رجحان حدوث معنى الخبر فى المبتدإ أوله ،
ومعنى الرجحان يجنبنا معنى الزعم أو الكذب أو الافتراء الذى يمكن أن يفهم من هذا
التركيب.
ويحلو لبعض النحاة
أن يجعلوا أفعال هذه المجموعة قسمين ، أولهما : ما يدل على الظنّ ، وأفعاله : (زعم
وجعل وحجا ، وهب وعدّ) ، ويلحق بها (توهم).
والآخر : ما
يدل على الظنّ واليقين ، وأفعاله : (حسب ، وظنّ ، وخال ، وعلم ، وتعلم) ، لكننا
نذكر هذه الأفعال فى مجموعة واحدة تفيد الرجحان ، حيث يغلب حدوث معنى الخبر فى
المبتدإ فى تراكيب جميع أفعالها ـ على الوجه الأرجح :
ظنّ :
ومن أمثلته :
قوله تعالى : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ
يا مُوسى مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] ، ضمير المخاطب (الكاف) فى محلّ نصب ، مفعول به أول ، (مسحورا)
مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
وكذلك : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) [هود : ٢٧] ، (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ
يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) [الإسراء : ١٠٢]. (إِنِّي لَأَظُنُّهُ
كاذِباً) [غافر : ٣٧].
أما قوله تعالى
: (وَظَنَّ أَهْلُها
أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) [يونس : ٢٤] ، فإن المصدر المؤول فيه (أنهم قادرون) سدّ مسدّ مفعولى (ظن).
ومن النحاة من يرى أنه سادّ مسدّ المفعول الأول ، أما المفعول الثانى فإنه يكون
محذوفا دالا على الثبوت ، ولكن لا حاجة إلى هذا التقدير.
__________________
ومثله قوله
تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦]. (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ
تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) [الكهف : ٣٥]. (إِنِّي ظَنَنْتُ
أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠]. (وَظَنُّوا أَنَّهُ
واقِعٌ بِهِمْ) [الأعراف : ١٧١].
وفى قوله تعالى
: (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ
مِنَ الْكاذِبِينَ) [الأعراف : ٦٦] شبه الجملة (من الكاذبين) فى محلّ نصب ، مفعول به ثان ، أو
متعلقة بالمفعول به الثانى المحذوف.
وقد يرد بمعنى (اتهم)
فيتعدى لواحد ، فيقال : ظننت محمدا ، أى : اتهمته ، ومنه قراءة من قرأ : (وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) [التكوير : ٢٤] ؛ أى : بمتهم.
فإذا قلت :
ظننت اللصّ منطلقا ، بمعنى (اتهمت) فإن منطلقا تكون حالا منصوبة.
ومن معنى
الرجحان فى (ظن) قول الشاعر :
ظننتك إن
شبّت لظى الحرب صاليا
|
|
فعردت فيمن
كان عنها معرّدا
|
__________________
كاف المخاطب
ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول ، و (صاليا) مفعول به ثان منصوب.
زعم :
اختلفوا فى
معنى الزعم بين الاعتقاد ـ وهو المعنى السائد ـ وكونه يكثر فى الباطل ، وبين
العلمية والكذب ، كما يذكر أن الزعم بمعنى الظن أكثر ما يقع على (أنّ) الثقيلة و (أن)
المخففة المصدريتين ، فيكون المصدر المؤول سادا مسدّ مفعولى (زعم) ، ومن ذلك : قوله
تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) [النساء : ٦٠]. المصدر المؤول (أنهم آمنوا) سد مسدّ مفعولى (زعم) فى محل
نصب.
(وَما نَرى مَعَكُمْ
شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) [الأنعام : ٩٤].
(زَعَمَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَ) [التغابن : ٧]. أى : أنهم
__________________
لن يبعثوا : (بَلْ زَعَمْتُمْ
أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً) [الكهف : ٤٨]. (إِنْ زَعَمْتُمْ
أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) [الجمعة : ٦].
ومنه أن تقول :
أزعم أنك تفهم القضية ، يزعمون أنّ لكلّ زمان تدبيرا ، يزعم أنه أجاب عن هذا
السؤال.
وقول كثير عزة
:
وقد زعمت أنى
تغيرت بعدها
|
|
ومن ذا الذى
يا عزّ لا يتغير
|
__________________
وقد دخل (زعم)
على مبتدإ وخبر دون (أن) فى قول أبى أمية الحنفى :
زعمتنى شيخا
ولست بشيخ
|
|
إنما الشيخ
من يدبّ دبيبا
|
ضمير المتكلم (الياء)
مبنى في محل نصب مفعول به أول ، (شيخا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
جعل :
من أمثلته :
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا
الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] ، (الملائكة) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (إناثا)
مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومنه : جعلوا
الكلام عيارا على كلّ نظر ، جعل الحظّ فيه دنية.
ومنه قوله
تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ
شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ) [الأنعام : ١٠٠].
ويتضح من
الأمثلة السابقة معنى الظنّ أو الاعتقاد فى (جعل) ، وقد ترد بمعنى : صيّر أو تحوّل
ـ كما يذكر فى المجموعة الرابعة.
__________________
إن ورد الفعل (جعل)
بمعنى : أوجد أو أوجب أو ألقى فإنه يتعدى إلى واحد ، لكنه لا بدّ من وجود شبه جملة
ـ حينئذ ـ وكأنه تعدى إلى المفعول الثانى بواسطة حرف الجر ، ومن ذلك : جعلوا له
الأمور. (الأمور) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (له) اللام : حرف جرّ
مبنى لا محل له من الإعراب. وضمير الغائب مبنى فى محل جر ، وشبه الجملة متعلقة
بالجعل ، وما التعلق إلا مفعولية فى أغلب معانيها.
ومنه قوله
تعالى : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ
لِي آيَةً) [آل عمران : ٤١]. (قالَ اجْعَلْنِي عَلى
خَزائِنِ الْأَرْضِ) [يوسف : ٥٥].
حجا :
من أمثلته قول
تميم بن مقبل :
قد كنت أحجو
أبا عمرو أخا ثقة
|
|
حتى ألّمت
بنا يوما ملمّات
|
(أبا) مفعول به أول منصوب ، وعلامة
نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة ، (أخا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه
الألف.
__________________
وقد يرد بمعنى (قصد)
، فيتعدى إلى واحد ، فتقول : حجوت بيت الله ، أى : قصدته.
(هب)
بمعنى (اعتقد).
فعل أمر جامد غير متصرف ، حيث لا يصاغ منه الماضى ولا المضارع ، ومن أمثلته قول
عبد الله بن همّام السلولى :
فقلت أجرنى
أبا خالد
|
|
وإلّا فهبنى
امرا هالكا
|
ضمير المتكلم (الياء)
مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (امرا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
عدّ
ورد فى قول
النعمان بن بشير :
فلا تعدد
المولى شريكك فى الغنى
|
|
ولكنما
المولى شريكك فى العدم
|
__________________
(المولى) مفعول
به أول للفعل المضارع (تعدد) ، و (شريك) مفعول به ثان.
ومنه قول أبى
دؤاد الإيادى :
لا أعدّ
الإقتار عدما ولكن
|
|
فقد من قد
فقدته الإعدام
|
ويلحق بهذه
المجموعة (توهم) ، فيقال : توهمت أنك وفىّ. توهمت أنّ السؤال سهل الإجابة ، توهمت
القطّ نمرا ، توهمت الإجابة ميسورة.
علم :
مثاله : قوله
تعالى : (وَاعْلَمْ أَنَّ
اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٦٠]. المصدر المؤول (أن الله عزيز) سدّ مسدّ مفعولى (اعلم) فى
محل نصب.
(فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) [الممتحنة : ١٠] ، ضمير الغائبات (هن) مبنى فى
__________________
محل نصب ، مفعول به أول ، (مؤمنات) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه
الكسرة.
وقوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ). [التوبة : ١٠٤].
(اعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٩٨].
فإن جاء بمعنى
المعرفة تعدّى إلى واحد ، نحو قوله تعالى : (عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ
مَشْرَبَهُمْ) [البقرة : ٦٠] ، أى : عرف كل أناس ، (حَتَّى تَعْلَمُوا ما
تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣]. (وَآخَرِينَ مِنْ
دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال : ٦٠].
وقد يأتى (علم)
لازما بمعنى شقّ الشفة ، تقول : علمت شفته ، وهو معلوم الشفة.
حسب
مثاله : قوله
تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ
وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) [الإنسان : ١٩]. ضمير الغائبين (هم) مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول. (لؤلؤا)
مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ
كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً)
__________________
[النور : ٣٩] ، (وَتَحْسَبُهُمْ
أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) [الكهف : ١٨]. (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) [آل عمران : ١٦٩].
أما قوله تعالى
: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) [الكهف : ٩]. فإن المصدر المؤول (أن أصحاب كانوا عجبا) سدّ مسدّ مفعولى
(حسب).
ومثله قوله
تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥]. (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ
أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ) [الفرقان : ٤٤].
(أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ) أن لن (نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣].
__________________
ومنه أن تقول :
أحسب ما رووه شيئا مصنوعا ، حسبتك مجتهدا فى دروسك.
قوله تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ
هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون : ٤] ، فيه (كل) مفعول به أول ليحسب منصوب ، أما المفعول به
الثانى فإنك تلمسه فى وجهين :
أولهما : شبه
جملة (عليهم) هى المفعول به الثانى ، فتكون الجملة الاسمية (هم العدو) استئنافية.
والآخر :
الجملة الاسمية (هم العدو) فى محل نصب المفعول به الثانى ، وتكون شبه الجملة (عليهم)
متعلقة بصيحة.
ومما جاء فيه (حسب)
قول زفر بن الحارث الكلابى :
وكنّا حسبنا
كلّ بيضاء شحمة
|
|
عشية لاقينا
جذام وحميرا
|
خال :
مثله قول
الشاعر :
إخالك إن لم
تغضض الطرف ذا هوى
|
|
يسومك ما لا
يستطاع من الوجد
|
__________________
كاف المخاطب
ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول ، (ذا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه
الألف ؛ لأنه من الأسماء الستة.
ومنه أن تقول :
خلت أنك فعلت ذلك ، فيكون المصدر المؤول (أنك فعلت) سادا مسدّ مفعولى (خال).
ومثله : إخال
أنك تفهم هذا الموضوع ، خال علىّ أنّ هذا الدرس سهل.
تعلّم :
بمعنى (اعلم) ،
فعل أمر جامد ، منه قول زياد بن سيّار :
تعلّم شفاء
النفس قهر عدوّها
|
|
فبالغ بلطف
فى التحيّل والمكر
|
__________________
(تعلم) فعل أمر
جامد مبنى على السكون ، وفاعله ضمير مستتر تقديره : أنت.
(شفاء) مفعول
به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (قهر) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة.
المجموعة الثانية : ما دلّ على اليقين :
تفيد أفعال هذه
المجموعة دلالة اليقين ؛ أى : قوة حكم إثبات الخبر للمبتدإ ، وأفعالها :
وجد :
يكون بمعنى
العلمية اليقينية ، ومصدره (وجدان) عند الأخفش ، و (وجد) عند السيرافى ، ومثاله
قوله تعالى : (إِنَّا وَجَدْناهُ
صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ٤٤] ، ضمير الغائب (الهاء) مبنى فى محلّ نصب ، مفعول به أول ، و (صابرا)
مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وقوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] ، (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا
نَصارى) [المائدة : ٨٢].
(تجد) الفعل
المضارع الأول مفعولاه (أشد واليهود). أما الفعل الثانى (تجد) فمفعولاه (أقرب
والذين قالوا).
__________________
فإن كان بمعنى (أصاب
وأدرك وصادف) تعدّى إلى واحد ، كما فى قوله تعالى : (كُلَّما دَخَلَ
عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [آل عمران : ٣٧]. أى : أصاب أو صادف عندها رزقا ، فيكون (رزقا) مفعولا به
منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة.
ومنه قوله
تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلْ
فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧].
(فَوَجَدَ فِيها
رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) [القصص : ١٥].
وقد يكون (وجد)
بكسر (الجيم) بمعنى (حزن أو حقد أو استغنى) ، فلا يتعدى إلا بواسطة ، فتقول : وجد
عليه ، أى : حزن عليه ، أو : حقد ..
رأى :
من النحاة من
يرى أنه يستعمل فى الظنّ كما يستعمل فى اليقين إذا كان معناه قلبيا ، ومثله قوله
تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ
بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٧ ، ٨] ، (هاء) الغائب فى الموضعين ضمير مبنى فى محل نصب ،
مفعول به أول ، أما كلّ من (بعيدا وقريبا) فهو مفعول به ثان منصوب.
ومنه قول خداش
بن زهير :
رأيت الله
أكبر كلّ شئ
|
|
محاولة
وأكثرهم جنودا
|
__________________
أما قوله تعالى
: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) [إبراهيم : ١٩]. ففيه المصدر المؤول (أن الله خلق) قد سدّ مسدّ مفعولى (ترى)
؛ لأنه فعل قلبى.
ومنه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ
يَهِيمُونَ) [الشعراء : ٢٢٥].
فالرؤية
القلبية تنصب مفعولين ، أما إذا كانت بصرية فإنها تتعدى إلى مفعول واحد ، وهى
بمعنى (نظر) ، كأن تقول : متى رأيت زللا قوّمته ، ومتى رأيت صوابا شجعت عليه.
ومنه قوله
تعالى : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) [آل عمران : ١٤٣] ، (وَأَنْزَلَ جُنُوداً
لَمْ تَرَوْها) [التوبة : ٢٦].
أما قوله تعالى
: (فَأَراهُ الْآيَةَ
الْكُبْرى) [النازعات : ٢٠] ، (هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد : ١٢] ، (لِيُرِيَهُما
سَوْآتِهِما) [الأعراف : ٢٧] ، فإن الفعل فى المواضع السابقة بصرى يتعدى إلى واحد ، لكنه
تعدى إلى اثنين بواسطة الهمزة ، وهو واضح فى الآية الأولى ، أما هو فى الآيتين الأخريين
(يرى) مضموم حرف المضارعة ماضيه (أرى) الذى أصله : رأى ، فتعدى بالهمزة أرأى ،
لينتهى إلى (أرى) بعد التغيرات الصرفية اللازمة.
وقد يرد بمعنى (ذهب)
من المذهب أو الذهاب فيتعدى إلى واحد ، نحو : رأى أبو حنيفة حلّ كذا ، ورأى
الشافعىّ حرمته.
وألحق بـ (رأى)
العلمية (رأى) الحلمية ، كما فى قول عمرو بن أحمد الباهلى :
أراهم رفقتى
حتى إذا ما
|
|
تجافى الليل
وانخزل انخزالا
|
__________________
إذا أنا
كالذى يجرى لورد
|
|
إلى آل فلم
يدرك بلالا
|
حيث (أرى) هنا
حلمية ، وقد نصبت مفعولين ، أولهما ضمير الغائبين (هم) ، والآخر (رفقة).
ومنه قوله
تعالى : (رَأَيْتُهُمْ لِي
ساجِدِينَ) [يوسف : ٤]. (يا بُنَيَّ إِنِّي
أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات : ١٠٢]. المصدر المؤول (أنى أذبحك) فى محل نصب ساد مسد مفعولى (أرى)
الحلمية.
ألفى :
مثاله : قوله
تعالى : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا
آباءَهُمْ ضالِّينَ) [الصافات : ٦٩] ، (آباء)
__________________
مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (ضالين) مفعول به ثان منصوب ،
وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم.
أما قوله تعالى
: (بَلْ نَتَّبِعُ ما
أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [البقرة : ١٧٠] ففى (ألفى) وجهان : إما أن يكون بمعنى (أصاب ، أو وجد ، أو
أدرك) فيكون متعديا إلى مفعول به واحد ، وهو (آباء).
وإما أن يكون
فعلا قلبيا فيكون متعديا إلى مفعولين ، أولهما (آباء) ، والآخر شبه جملة (عليه).
ومثل ذلك قوله
تعالى : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها
لَدَى الْبابِ) [يوسف : ٢٥].
ومما جاء فيه (ألفى)
قول أبى حفص الشطرنجى :
قد جرّبوه
فألفوه المغيث إذا
|
|
ما الروع عمّ
فلا يلوى على أحد
|
درى :
مثاله قول
الشاعر :
دريت الوفىّ
العهد يا عرو فاغتبط
|
|
فإن اغتباطا
بالوفاء حميد
|
__________________
(تاء المتكلم)
فى محل رفع ، نائب فاعل ، وقد كان مفعولا به أول ، (الوفى) مفعول به ثان منصوب ،
وعلامة نصبه الفتحة.
قد ترد (خال
وظنّ وحسب) لليقين ، من ذلك قول النمر بن تولب العكلى :
دعانى
الغوانى عمّهن وخلتنى
|
|
لى اسم فلا
أدعى به وهو أول
|
__________________
وقول لبيد بن
ربيعة العامرى :
حسبت التّقى
والجود خير تجارة
|
|
رباحا إذا ما
المرء أصبح ثاقلا
|
وقوله تعالى : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) [الكهف : ٥٣].
المجموعة الثالثة : ما يفيد التحويل :
هذه المجموعة
من الأفعال القلبية تفيد التحويل أو التصيير ، وأفعالها :
جعل :
بمعنى (صيّر) ،
ومثاله : قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) [البقرة : ٢٢] (الأرض) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. (فراشا)
مفعول به ثان منصوب.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي
تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) [الأحزاب : ٤] ، (الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) [الزخرف : ١٠] ،
__________________
(وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً
لِلنَّاسِ) [البقرة : ٢٥٩] ، (وَاجْعَلْنا
لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان : ٧٤].
صير :
ومثاله : صيّره
الله عربيا بعد أن كان أعجميا ، صيرت الطين حجرا. صيّر الصانع الماء ثلجا.
ويلحق النحاة
بهذه الأفعال : ردّ ، أصار ، تيقن ، شعر ، تبين ، أصاب ، اعتقد ، تمنى ، وهب ، ترك
، اتخذ ، تخذ.
وهم يختلفون
فيما بينهم فى تعدى الأفعال الثلاثة الأخيرة ، ويجعلون منصوبها الثانى حالا ، ومن
أمثلتها : (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ
مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة : ١٠٩] ، ضمير المخاطبين (كم) مبنى فى محل نصب ، مفعول به أول ، (كفارا)
مفعول به ثان منصوب ، ومنهم من يرى أن (كفارا) حال من ضمير المخاطبين ، والرأى
الأول أرجح.
ومنه قول
الكميت :
رمى الحدثان
نسوة آل حرب
|
|
بمقدار سمدن
له سمودا
|
__________________
فردّ شعورهن
السود بيضا
|
|
وردّ وجوههن
البيض سودا
|
كلّ من (شعور
ووجوه) مفعول به أول ، و (بيضا وسودا) مفعول به ثان.
وقوله تعالى : (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ
يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) [يوسف : ٢١].
(وَتَرَكْنا
بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) [الكهف : ٩٩]. (بعض) مفعول به أول منصوب ، والجملة الفعلية (يموج) فى محل
نصب مفعول به ثان.
(وَاتَّخَذَ اللهُ
إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) [النساء : ١٢٥]. فإن جعل الفعل (اتخذ) متعديا لاثنين فإن (إبراهيم) يكون
مفعولا أول ، و (خليلا) يكون مفعولا ثانيا. وإن جعلته متعديا لواحد كان (خليلا)
حالا.
وقوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ
بَعْدِهِ) [البقرة : ٥١] ، وفيه (العجل) مفعول به أول منصوب ، أما المفعول به الثانى
فهو محذوف ، والتقدير : اتخذتم العجل إلها.
__________________
واتخذ وتخذ
بمعنى واحد ، وتركيب واحد ، وقد يتعديان إلى اثنين ، وقد يتعديان إلى واحد.
وقول رؤبة :
ولعبت طير
بهم أبابيل
|
|
فصيّروا مثل
كعصف مأكول
|
واو الجماعة فى
(صيروا) نائب فاعل ، وهو المفعول به الأول. و (مثل) مفعول به ثان منصوب.
وقولك : وهبنى
الله فداءك ، ياء المتكلم مفعول به أول ، و (فداء) مفعول به ثان منصوب ، وقول
فرعان بن الأعرف :
وربّيته حتى
إذا ما تركته
|
|
أخا القوم
واستغنى عن المسح شاربه
|
__________________
هاء الغائب فى (تركته)
مفعول به أول ، و (أخا) مفعول به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء
الستة.
أفعال تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر :
تتعدى أفعال
هذه المجموعة إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، وتدور فى معنيين : (المنح
أو الإعطاء ، والكساء أو الإلباس) ، ويجوز الاقتصار على أحد المفعولين ، وهى : منح
، أعطى ، أكسب ، أورد ، أرفد ، ألبس ، كسا ...
ومثالها قولك :
منحنا الأول جائزة. (الأول) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (جائزة)
مفعول به ثان منصوب.
ألبست الأم
فتاتها ثوبا جديدا. (فتاة) مفعول به أول منصوب. (ثوبا) مفعول به ثان منصوب ،
وعلامة نصب كل منهما الفتحة.
ومنه أن تقول :
نعطى الفقراء صدقات ، كسوت المحتاجين ألبسة ، أكسبنا التاجر المتعامل معنا أموالا
كثيرة.
ويجعل سيبويه
أفعال هذا الباب لا تلتزم بوجود المفعولين ، حيث يذكر : «هذا باب الفاعل الذى
يتعداه فعله إلى مفعولين ، فإن شئت اقتصرت على المفعول الأول ، وإن شئت تعدّى إلى
الثانى كما تعدى إلى الأول ، وذلك قولك : أعطى عبد الله زيدا درهما» .
ملحوظتان :
الأولى : المفعول الأول فاعل فى المعنى :
تلحظ أن مفعولى
هذا الباب أحدهما فاعل فى المعنى ، وهو الآخذ ، أو الممنوح ، أو المعطى إليه ، أو
اللابس ، أو المكسوّ ، والآخر مفعول به فى المعنى ، وهو
__________________
المأخوذ أو الممنوح به ، أو المعطى ، أو الملبوس ، أو المكسوّ به. فإذا قلت
: أعطيت الصديق كتاب النحو ، فكل من (الصديق وكتاب) مفعول به منصوب ، لكنه فى المعنى
يكون الصديق معطى إليه ، فهو آخذ ، فهو فاعل ، و (كتاب) يكون معطى ، فهو مأخوذ ،
فهو مفعول به فى كلّ حال.
ومثل ذلك فى
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١]. فكاف المخاطب آخذ ، والكوثر مأخوذ. وكذلك : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون : ١٤].
الثانية : من أفعال هذه المجموعة :
يمكن أن نلحق
بأفعال هذه المجموعة تلك الأفعال التى تتعدى إلى الثانى مرة بحرف الجر ، وأخرى
بدون حرف الجر ، وأحيانا يجعلونه حينئذ منصوبا على نزع الخافض ، أو على السعة
والاتساع.
من ذلك : سقى ،
سمى ، روى ، كنّى ....
ومثله قوله
تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ
شَراباً طَهُوراً) [الإنسان : ٢١]. (أَمَّا أَحَدُكُما
فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً) [يوسف : ٤١]. (وَسُقُوا ماءً
حَمِيماً) [محمد : ١٥].
وكأن تقول :
سميته محمدا ، وسميته بمحمد ، كنّيته أبا على ، وكنيته بأبى على ، رويت الزرع ماء
، رويت الزرع بالماء.
أفعال تتعدى إلى ثلاثة
الأفعال التى
تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل فى اللغة العربية سبعة ، مأخوذة من العلم والإنباء ، وهى :
أعلم ، أرى ، أنبأ ، نبّأ ، أخبر ، خبّر ، حدّث.
وحقيقة هذه
الأفعال أنها حدث يشترك فيه اثنان :
ـ الحدث هو
الإعلام أو الإنباء والإخبار ، تلحظ أنها أفعال تتعدى إلى اثنين ، ثم تعدت إلى
الثالث بالهمزة ، أو التضعيف.
ـ الفاعل قائم
بالحدث إعلاما أو إنباء ، وهو الذى يكون مرفوعا.
ـ المفعول به
الأول متلق للحدث ، فهو مشترك فى الفاعلية ، وإن كان منصوبا.
ـ معنى الإعلام
أو الإنباء ينحصر فى المفعولين الثانى والثالث ، وقد كانا يكونان جملة اسمية قبل
دخول الفعل القلبى عليهما.
مثال هذه
الأفعال مع تحليلها الصرفى والدلالى : أعلمت عليا محمدا مجتهدا. الإعلام قد حدث
بواسطتى (تاء المتكلم) ، وتلقاه على ، فالإعلام مشترك بينى فاعلا وبين على مفعولا
أول ، لكن عملية الإنباء تقع على ركنى الجملة الاسمية (محمد مجتهد). (أعلم) فعل
ماض مبنى على السكون ، وهو فاعل قلبى ، أصله : (علم) القلبى تعدى بالهمزة.
(تاء الفاعل)
ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل. وهو محدث الإعلام. (عليا) مفعول به أول منصوب ،
وعلامة نصبه الفتحة. وهو متلقى الإعلام.
(محمدا) مفعول
به ثان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
(مجتهدا) مفعول
به ثالث منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
تلحظ أن
المفعولين الثانى والثالث هما مادة الإعلام ، فهما يكونان جملة اسمية (محمد مجتهد)
مدلولها هو المعلم به.
فإذا كانت (أعلم)
منقولة من المتعدى لواحد تعدت إلى اثنين ، كقولك : أعلمتك الخبر. أعلم على محمدا
الموعد ، وهى بمعنى (أعرف) ومثل ذلك سائر الأفعال على النحو الآتى : أريتك الصديق
موجودا.
(أرى) فعل قلبى
بمعنى (أعلم) متعدى (علم) القلبى بالهمزة ، وهو فعل ماض مبنى على السكون. (تاء
المتكلم) فاعله ، و (كاف المخاطب) مفعول به أول ، و (الصديق) مفعول به ثان ، و (موجودا)
مفعول به ثالث. وتلحظ أن المفعولين الثانى والثالث أصلهما جملة اسمية (الصديق
موجود).
مضارع (أرى) هو
(يرى) بضم الياء وكسر الراء ، بمعنى (يعلم) بضم الياء وكسر اللام.
ومنه قوله تعالى
: (كَذلِكَ يُرِيهِمُ
اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ١٦٧] ، حيث (يرى) مضارع (أرى) المتعدى بالهمزة من (رأى) الفعل
القلبى. فيكون ضمير الغائبين مفعولا به أول ، و (أعمال) تكون مفعولا به ثانيا ، و
(حسرات) تكون مفعولا به ثالثا .
ومنه قوله
تعالى : (قُلْ أَرُونِيَ
الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) [سبأ : ٢٧]. أى : ألحقتموهم به. (ضمير المتكلم) مفعول به أول. (الذين)
مفعول به ثان. (شركاء) مفعول به ثالث. وذلك على أن (أرى) فعل قلبى تعدى بالهمزة ،
وليس بصريا.
(أَرُونِي ما ذا
خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٠ ، الأحقاف : ٤]. على أن (أرى) علمية ، فالياء مفعول أول ، وجملة
(ما ذا خلقوا) سدت مسد المفعولين الثانى والثالث فى محل نصب.
أما قوله تعالى
: (إِذْ يُرِيكَهُمُ
اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً) [الأنفال : ٤٣] ، فإن فيه (رأى) حلمية ، فإذا عدّت كالعلمية فإن (كاف
المخاطب) يكون مفعولا أول ، وضمير المخاطب يكون مفعولا ثانيا ، و (قليلا) يكون
مفعولا ثالثا ، وإن عدّت (رأى) كالبصرية فإنها تتعدى إلى اثنين لأنها فعل معدى
بالهمزة ، ويكون (قليلا) حالا.
إذا كانت (رأى)
منقولة من المتعدى إلى واحد فإنها تتعدى إلى اثنين ، فيقال : أريتك الكتاب. (كاف
المخاطب) مفعول به أول. (الكتاب) مفعول به ثان منصوب.
ومنه ـ أى
المتعدى إلى اثنين ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد : ١٢](فَأَراهُ الْآيَةَ
الْكُبْرى) [النازعات : ٢٠] ، (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ
فَتَعْرِفُونَها) [النمل : ٩٣].
__________________
أنبأت عليا
محمدا جالسا عندى. ومنه قول الأعشى :
وأنبئت قيسا
ولم أبله
|
|
كما زعموا
خير أهل اليمن
|
(تاء المتكلم) ضمير مبنى فى محل
رفع ، نائب فاعل ، وقد كان مفعولا به أول.
(قيسا) مفعول
به ثان منصوب. (خير) مفعول به ثالث منصوب.
قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الحجر : ٤٩] ، (عباد) مفعول أول. المصدر المؤول (أنى أنا الغفور) سد مسد
المفعولين الثانى والثالث فى محل نصب.
وقولك : أخبرت
الامتحان سهلا. تاء المتكلم نائب فاعل ، وهو المفعول الأول.
(الامتحان)
مفعول به ثان ، (سهلا) مفعول به ثالث. ومنه قول العوام بن عقبة :
وخبّرت سوداء
الغميم مريضة
|
|
فأقبلت من
أهلى بمصر أعودها
|
__________________
(تاء المتكلم)
ضمير مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل ، وقد كان مفعولا به أول. (سوداء) مفعول به ثان
منصوب. (مريضة) مفعول به ثالث منصوب.
وقولك : حدّثتك
المقعد نظيفا.
وقول النابغة
الذبيانى :
نبّئت زرعة
والسفاهة كاسمها
|
|
يهدى إلىّ
غرائب الأشعار
|
الفعل الماضى (نبّأ)
تعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، الأول (تاء الفاعل) وقد تحول إلى نائب فاعل ، والثانى (زرعة)
، والثالث هو الجملة الفعلية (يهدى).
__________________
وقول الحارث بن
حلزة اليشكرى :
أو منعتم ما
تسألون فمن حد
|
|
دثتموه له
علينا العلاء
|
(حدث) تعدى إلى ثلاثة ، الأول ضمير
المخاطبين (ثم) وهو نائب فاعل ، والثانى (هاء الغائب) ، والثالث هو الجملة الاسمية
(له علينا العلاء)
أحكام أفعال القلوب
لأفعال القلوب
فى التركيب ثلاث أحوال :
أولاها : أن تكون عاملة :
هذا هو الأصل
فيها ـ كما تقدم ـ حيث تدخل على الجملة الاسمية فتنصب كلا من المبتدإ والخبر
مفعولين لها ، وذلك إذا تقدم الفعل مفعوليه ، حيث يجب نصبه لهما.
ثانيتها : أن تكون ملغاة :
يجوز أن يبطل
عمل هذه الأفعال فى اللفظ والمحلّ ، مع ترجيح فى إحداها على التفصيل الآتى :
__________________
أ ـ إذا توسط
الفعل بين الاسمين المفعولين يتساوى الإلغاء والإعمال ، نحو : الطالب ـ ظننت ـ مجتهدا
، برفع الطالب ومجتهد ونصبهما ، الرفع بإلغاء الفعل فيكونان مبتدأ وخبرا. والنصب
بإعمال الفعل فيكونان مفعولين.
ب ـ إذا تأخر
الفعل عن الاسمين المعمولين فإن الإلغاء يرجح ، نحو : الفتاة فاضلة خلت. برفع
الفتاة وفاضلة على الابتداء والخبر ، حيث يرجح إلغاء الفعل ؛ لتأخره عنهما ، ويجوز
بوجه مرجوح أن ينصبا على إعماله.
ج ـ إذا تقدم
الفعل على الاسمين وكان مسبوقا باستفهام فإن الإعمال يرجح ، بل يوجبه جمهور النحاة
، نحو قولك : متى ألفيت صديقك وفيا؟ بنصب صديق ووفى ـ على الأرجح ، ووجوبا عند
الجمهور ـ على أنهما مفعولين ، ويجوز عند الكوفيين أن يلغى الفعل متى سبق باستفهام
، فيرفعان على الابتداء والخبر.
فى حال رفع
الاسمين بعد الفعل القلبى المسبوق باستفهام فإن البصريين يقدرون ضمير شأن محذوفا
أو لام الابتداء التى تعلق الفعل ، نحو : متى ظننت محمد قائم؟ والتقدير : متى طننت
هو محمد قائم؟ أو : متى ظننت محمد؟ أو : ...
لمحمد قائم؟
ملحوظتان :
أ ـ لا يدخل
الإلغاء أفعال التحويل ولا أفعال القلوب الجامدة (هب وتعلّم).
ب ـ مذهب
البصريين وجوب الإعمال إذا تقدم الفعل على مفعوليه ، لكن الكوفيين والأخفش يجيزون
الإلغاء فى مثل هذا التركيب مستدلّين بقول الشاعر :
أرجو وآمل أن
تدنو مودّتها
|
|
وما إخال
لدينا منك تنويل
|
__________________
حيث رفع (تنويل)
، والبصريون يجعلون هذا من قبيل الإلغاء ؛ لأن الفعل ليس فى أول الكلام ، بدليل
تقدم حرف النفى (ما) عليه ، ومنهم من يجعل الفعل معلقا بتقدير لام الابتداء بين
الفعل ومعموليه.
ثالثتها : أن تكون معلّقة :
تعليق الفعل
القلبى يعنى أن يبطل عمله لفظا ، لكنه يعمل محلا ، ذلك لمجىء ما له صدر الكلام
بعده ، فافترض أن ما بعده كلام مستقلّ نحويا ، فيكون له ضبطه الإعرابى على سبيل
الاستقلال ، لكنه لا يستطاع إغفال أثر الفعل القلبى ، فيجعل النحاة عمله محلا ، أى
: ما بعد الفعل القلبى المعلق يعرب حسب موقعه ، كما لو كان كلاما مستقلا ، ثم يجعل
فى محلّ نصب مفعولى الفعل المعلق. ويكون ذلك مع ما يأتى :
أ ـ لام الابتداء :
كما فى قوله
تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا
لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ١٠٢]. (لمن) اللام : لام الابتداء حرف مبنى ، لا محل له
__________________
من الإعراب. من : اسم موصول مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الاسمية
(له خلاق) ، والجملة الاسمية (من اشتراه ما له من خلاق) فى محل نصب مفعولى (علم).
ومنه أن تقول :
خلت للصديق وفىّ. (الصديق) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، (وفى) خبر المبتدإ
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة. والجملة الاسمية فى محل نصب مفعولى (خال).
ومنه : علمت
لمحمد حاضر ، ظننت للمسرحية ملغاة.
ب ـ لام القسم :
كما جاء فى قول
لبيد :
ولقد علمت
لتأتينّ منيّتى
|
|
إن المنايا
لا تطيش سهامها
|
__________________
اللام فى (لتأتينّ)
لام القسم ، فعلق الفعل القلبى (علم) عن العمل ، فتكون الجملة الفعلية (لتأتين
منيتى) فى محل نصب مفعولى (علم).
ومنه أن تقول :
رأيت ليكوننّ محمد وفيا. خلت لتزورنّ عمّك مساء
ج ـ (ما) النافية :
كما جاء فى
قوله تعالى : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما
هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) [الأنبياء : ٦٥] ، حيث (ما) حرف نفى مبنى لا محل له من الإعراب. (هؤلاء)
اسم إشارة مبنى فى محل رفع ، مبتدأ ، خبره الجملة الفعلية (ينطقون) ، والجملة
الاسمية (ما هؤلاء ينطقون) فى محل نصب مفعولى (علم).
د ـ (لا) و (إن) النافيتان فى جواب قسم :
إذا كان معمولا
الفعل القلبى متضمنين (لا) أو (إن) النافيتين الواقعتين فى جواب قسم فإن الفعل
يعلّق ، سواء أكان القسم ملفوظا به أم مقدرا : مثال القسم الملفوظ به : علمت والله
لا هو مهمل ولا كسول. (لا) حرف نفى مبنى ، لا محل له من الإعراب ، (هو) ضمير مبنى
فى محل رفع ، مبتدأ ، (مهمل) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، والجملة
الاسمية فى محل نصب مفعولى (علم). ذلك لأن حرف النفى (لا) وقع فى جواب القسم (والله)
المتصدر معمولى (علم).
ومثال القسم
مقدرا : خلت إن علىّ فاهم. والتقدير : خلت والله إن على فاهم ، حرف النفى (إن)
واقع فى جواب قسم مقدر تصدر معمولى (خال) فيعلق الفعل ، وتكون الجملة الاسمية (على
فاهم) في محل نصب مفعولى (خال).
__________________
ه ـ الاستفهام :
فى أى صورة من
صور موقعه فى تركيب الجملة التى تقع بعد الفعل القلبى ، فقد يكون الاستفهام :
ـ معترضا بين
الفعل ومنصوبيه ، كما فى قوله تعالى : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ
أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) [الأنبياء : ١٠٩] ، معمولا الفعل القلبى (أدرى) هما (قريب ما توعدون) ،
تصدرا بحرف الاستفهام (الهمزة) ، فيعلق الفعل ، ويكون (قريب) مبتدأ أو خبرا مقدما
، و (ما) الاسم الموصول يكون فاعلا سدّ مسدّ الخبر أو المبتدإ المؤخر ، والجملة
الاسمية فى محل نصب مفعولى (أدرى).
ـ وقد يكون اسم
الاستفهام أحد المعمولين ، كما فى قوله تعالى : (وَلَتَعْلَمُنَّ
أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) [طه : ٧١] ، حيث (أى) اسم استفهام مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة مضاف ،
خبره (أشد) ، والجملة الاسمية فى محل نصب مفعولى (تعلم) ؛ لأن الفعل معلق عن
العمل.
ومثله أن تقول
: علمت من القادم؟ خلت أىّ البابين أوسع
ـ وقد يكون
الاستفهام مضافا إلى أحد المعمولين ، كأن تقول : علمت فتاة من هذه؟ (فتاة) مبتدأ
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة مضاف ، واسم الاستفهام (من) مضاف إليه مبنى على السكون
فى محل جر. واسم الإشارة (هذه) مبنى فى محل رفع ، خبر المبتدإ ، والجملة الاسمية
فى محل نصب مفعولى (علم) ، وهو فعل قلبى معلق لتضمن معموله استفهاما. ومنه : ظننت
كتاب من هذا؟
ـ وقد يكون اسم
الاستفهام فضلة فى معمول الفعل القلبى ، كما فى قوله تعالى : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧]. حيث معمول (يعلم) الجملة الفعلية (أى منقلب ينقلبون) ،
وقد تضمنت اسم استفهام (أى) ، وهو منصوب على المصدرية.
و ـ لعل :
يقول ابن هشام
: «ذكره أبو على فى التذكرة» ، فيكون منه قوله تعالى :
__________________
(وَإِنْ أَدْرِي
لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [الأنبياء : ١١١]. حيث يظهر أن مفعولى (أدرى) جملة الترجى (لعلّه فتنة) ،
فتكون فى محلّ نصب. والكوفيون يجرون الترجى مجرى الاستفهام فى تعليق الفعل القلبى
، وإن لم يذكر ذلك سائر النحاة ، لكنه ظاهر فى هذه الآية.
والتعليق ظاهر
كذلك فى قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) [عبس : ٣].
حيث جملة
الترجى (لعله يزكى) فى محل نصب ، مفعول به ثان ليدرى.
ومنهم من يقف
على : يدريك ، ويجعل جملة الترجى استئنافا.
ومثله فى قوله
تعالى : (وَما يُدْرِيكَ
لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ).
ز ـ (إنّ) المشددة المكسورة الهمزة ، إذا وقعت اللام فى جملتها :
نحو قولك :
علمت إنّ محمدا لوفىّ ، حيث جملة (إن) ومعموليها فى محلّ نصب مفعولى (علم) ، مع
ملاحظة دخول لام التوكيد أو الابتداء على خبرها ، ويختلف هنا بين كون المعلق (إن)
، أو (اللام) .
ومنه : علمت إن
فى هذا الكتاب لفائدة ، حيث دخلت لام التوكيد أو الابتداء على اسم (إن) المؤخر (فائدة).
ح ـ (لو) الشرطية :
تذكر من
المعلقات للفعل القلبى ، حيث ذكرت فى قول حاتم الطائى :
وقد علم
الأقوام لو أنّ حاتما
|
|
أراد ثراء
المال كان له وفر
|
__________________
وفيه التركيب
الشرطى باستخدام حرف الشرط (لو) فى محلّ نصب مفعولى (علم).
ط ـ (كم) الخبرية :
تذكر (كم)
الخبرية من معلقات الفعل القلبى ذهابا بها مذهب الاستفهامية ، ومثلها قوله تعالى :
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ
أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) [يس : ٣١] ، حيث (كم) خبرية ، والمعنى : كثيرا من القرون أهلكنا ، فتكون
الجملة الفعلية (كم أهلكنا) فى محلّ نصب مفعولي (يرى) ، وتكون (كم) الخبرية معلقة
، فإذا عدّت استفهامية فإن الاستفهام معلّق.
ملحوظات
أ ـ تابع المفعولات حال التعليق :
إذا علّق الفعل
القلبى فإن تابع معموله يعرب طبقا للإعراب اللفظى له ، إن
__________________
رفعا ، وإن نصبا ، فتقول : إخال للباب مفتوح والنافذة ، حيث علق الفعل (إخال)
بواسطة لام الابتداء فى (الباب) ، فتكون النافذة مرفوعة ؛ لأنها معطوفة على (الباب).
ويجوز أن ينصب
التابع على المحلّ ، ومن ذلك قول كثير عزة :
وما كنت أدرى
قبل عزة ما البكا؟
|
|
ولا موجعات
القلب حتى تولّت
|
حيث نصب (موجعات)
، وعلامة نصبه الكسرة ؛ لأنها معطوفة على موضع (ما البكا؟) ، وهو النصب على
المفعولية للفعل القلبى (أدرى) المعلق بـ (ما) النافية.
ب ـ التعليق عن المفعولين الثانى والثالث :
يرى جمهور
النحاة أنه يسرى على المفعولين الثانى والثالث ما يسرى على الأفعال القلبية من
الإلغاء والتعليق والحذف ؛ لأنهما اللذان كانا جملة اسمية ، وكما هو مفصل سابقا ،
كما لا يجوز أن يحذف المفعول الثالث ، وتكون بنيته بنية الخبر.
فمن الإلغاء
قولهم : البركة أعلمنا الله مع الأكابر. حيث توسط الفعل القلبى فجاز الإلغاء.
__________________
ومن التعليق
قوله تعالى : (يُنَبِّئُكُمْ إِذا
مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [سبأ : ٧] ، جملة (إنكم لفى خلق) فى محل نصب ، سدت مسد المفعولين الثانى
والثالث لنبّأ ، وهو معلق لوجود لام الابتداء فى (لفى). ولذلك كسرت همزة (إن).
وضمير المخاطبين (كم) فى محل نصب ، مفعول به أول.
ومثله قول
الشاعر :
حذار فقد
نبّئت إنك للّذى
|
|
ستجزى بما
تسعى فتسعد أو تشقى
|
علق الفعل
القلبى (نبأ) عن المفعولين الثانى والثالث (إنك للذى ستجزى) لوجود لام الابتداء
بهما ، فكسرت همزة (أن) ، ولو لم يعلق لفتحت الهمزة.
ومن النحاة من
لا يجيز التعليق عن المفعولين الثانى والثالث ؛ متعللين بأنه لما عمل الفعل فى
الأول أنس بالعمل فضعف التعليق ، فتقول : أعلمت زيدا عمرا شاخصا ، ولا يجوز : أعلمت
زيدا لعمرو شاخص.
__________________
ج ـ وجوب ذكر المفعولين معا :
إذا تعدّت
أفعال القلوب إلى أحد المفعولين تعدّت إلى الثانى بالضرورة ، ذلك أنها داخلة على
المبتدإ والخبر ، وكلّ منهما مستوجب لوجود الآخر وجودا لا استثناء فيه ، فلا يجوز
استغناء أحد المفعولين عن الآخر ، وليس لك أن تقتصر على أحدهما.
وليس ذلك فى
أفعال الإعطاء والكساء ؛ لأنها لا تدخل على مبتدإ وخبر ، ذلك لأنه فى أفعال القلوب
إنما يقع الظنّ والشكّ فى الثانى مسندا إلى الأول ؛ لذا لزم وجود الاثنين معا ،
فأولهما مسند إليه معنى الثانى.
د ـ قد يكون ضمير الرفع وضمير النصب من جنس واحد :
تقول : أنا
مجتهد ، فتكون جملة اسمية ، يجوز أن يدخل عليها فعل قلبىّ مسند إلى ضمير المتكلم ،
فتقول : خلتنى مجتهدا ، فيكون الفاعل والمفعول به ضميرى متكلم واحد.
لكن هذا غير
جائز فى أفعال الإعطاء والكساء ، لكنك يمكن أن تقول : أعطيت نفسى جنيها ، وألبست
نفسى ثوبا جديدا.
ه ـ حذف مفعولى الفعل القلبى :
يجوز حذف
مفعولى أفعال القلوب قياسا على غيرها لدليل ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [البقرة : ٧٨] ، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ
السَّوْءِ) [الفتح : ١٢].
(أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٢٢].
ومنه قول
الكميت :
بأىّ كتاب أم
بأية سنّة
|
|
ترى حبّهم
عارا علىّ وتحسب
|
أى : وتحسب
حبهم عارا علىّ ، فحذف مفعولى (تحسب) لدلالة ما سبق عليه.
__________________
و ـ حذف الفعل القلبى وفاعله :
قد يحذف الفعل
القلبىّ وفاعله لدليل عليهما ، كأن يكون ذلك فى إجابة عن سؤال تضمّنهما ، يسأل :
ما ظننت؟ فيجاب : محمدا حاضرا ، أى : ظننت محمدا حاضرا ، فيحذف الفعل وفاعله
اختصارا لذكرهما فى السؤال.
إجراء القول مجرى الظن
مقول القول ـ أى
: منصوبه أو مفعوله ـ يجب أن يكون جملة أو ما فيه معنى الجملة ، ويعرب جزءا الجملة
مقول القول على سبيل الحكاية ، أى : على أنها مستقلة ، ثم تكون الجملة فى محل نصب
، مقول القول.
وإعراب الجملة
الفعلية التى تقع مقولا للقول على سبيل الحكاية مطلق ، أى : أن الجملة الفعلية
مقول القول تكون فى محل نصب ، أما الجملة الاسمية فقد اختلف العرب فى استخدامها
نحويا بعد القول على النحو الآتى :
بنو سليم :
يجيزون إجراء
القول مجرى الظنّ فى الجملة الاسمية مطلقا ، وعلى ذلك يروى قول امرئ القيس :
إذا ما جرى
شأوين وابتلّ عطفه
|
|
تقول هزيز
الريح مرّت بأثأب
|
__________________
بنصب (هزيز)
على أنه المفعول الأول للقول ، فتكون الجملة الفعلية (مرت) فى محل نصب المفعول به
الثانى.
ومنه كذلك قول
الحطيئة :
إذا قلت أنّى
آيب أهل بلدة
|
|
وضعت بها عنه
الولية بالهجر
|
ووجه الاستشهاد
به هنا فتح همزة (أن) ، مما يدل على إعمال القول إعمال الظن ، فأصبحت (أن) مع
معموليها فى موضع نصب ؛ لذا فتحت ، ويكون المصدر المؤول سد مسدّ مفعولى القول.
ولو لم تكن
كذلك لكسرت همزة (أن) بعد القول ، كما فى قوله تعالى : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠].
__________________
غير بنى سليم
من العرب : غير بنى سليم من العرب يوجب الحكاية بعد القول مطلقا ، ولا يجيزون
إجراء القول مجرى الظن فى الجملة الاسمية إلا بتوافر أربعة شروط ، هى :
ـ أن يكون فعل
القول مضارعا.
ـ أن يسند إلى
تاء المخاطب.
وأجاز السيرافى
الماضى المسند إلى تاء المخاطب ، ومنهم من سوّى الأمر بالماضى .
ـ أن يسبق
الفعل باستفهام.
ـ أن يكون
الاستفهام متصلا بالفعل.
فى إيجاز :
يكون فعل القول مضارعا مسندا إلى تاء المخاطب مسبوقا باستفهام متصل به ، نحو قولك
: أتقول محمدا قادما؟ بنصب كل من (محمد وقادم) ليكونا مفعولى القول إجراء له مجرى
الظن.
ومنه قول هدبة
:
متى تقول القلص
الرواسما
|
|
يدنين أمّ
قاسم وقاسما
|
__________________
بنصب كل من (القلص
والرواسم) ، ويكونان مفعولا أول ونعتا ، أما الجملة الفعلية (يدنين) فهى فى محل
نصب ، مفعول به ثان.
وقول عمر بن
أبى ربيعة المخزومى :
أمّا الرحيل
فدون بعد غد
|
|
فمتى تقول
الدار تجمعنا
|
(الدار) مفعول أول لتقول ، وهو فعل
عامل عمل الظنّ فى نصب مفعولين ، والجملة الفعلية (تجمعنا) فى محل نصب ، مفعول به
ثان.
ملحوظة :
يجوز أن يفصل
بين الاستفهام وفعل القول المجرى إجراء الظن ومقوله الجملة الاسمية بواحد من :
أ ـ الظرف :
كما فى قول الشاعر :
أبعد بعد
تقول الدار جامعة
|
|
شملى بهم أم
تقول البعد محتوما
|
__________________
بنصب كلّ من (الدار
وجامعة) على أنهما مفعولا القول ؛ لأنه أجرى مجرى الظن ، وقد فصل بين المضارع
القولى وهمزة الاستفهام بالظرف (بعد).
وكذلك بنصب كلّ
من (البعد) و (محتوما) ، حيث إنهما مفعولا القول فى الشطر الثانى ، وقد أجرى مجرى
الظن.
ب ـ المجرور :
كأن تقول : أفى القاعة تقول الطلاب جالسين. أجرى القول مجرى الظن مع الفصل بين
همزة الاستفهام والفعل بشبه الجملة من الجار والمجرور (فى القاعة) ، فيكون (الطلاب)
مفعولا به أول للقول و (جالسين) يكون مفعولا به ثانيا.
ج ـ المفعول :
كما هو فى قول الكميت الأسدى :
أجهّالا تقول
بنى لؤىّ
|
|
لعمر أبيك أم
متجاهلينا ؟
|
__________________
أجرى الفعل
المضارع (تقول) مجرى الظنّ ، وفصل بينه وبين همزة الاستفهام بالمفعول به الثانى (جهالا)
، و (بنى) مفعول به أول منصوب ، وعلامة نصبه الياء.
واشترط السهيلى
ألا يتعدى المضارع ـ حينئذ ـ باللام .
__________________
القضايا التركيبية الخاصة بالجملة الفعلية
يدرس فى هذا
القسم القضايا الخاصة بالعلاقات الكلية التركيبية بين عناصر الجملة الفعلية ، نحو
: المطابقة النوعية ، والمطابقة العددية ، والرتبة ، والحذف ، وقضية الإلباس بين
الجملة الاسمية والفعلية من خلال الإلباس بين المبتدإ والخبر ، ذلك على التفصيل
الآتى :
المطابقة النوعية
يقصد بهذه
القضية مدى توافق الفعل مع الفاعل أو نائب الفاعل فى جانب التذكير والتأنيث. فإذا
أسند الفعل إلى فاعل أو نائب فاعل مؤنث فإن الفعل يضاف إلى بنيته ما يفيد ذلك على
النحو الآتى :
أ ـ الفعل
الماضى : يلحق بالفعل الماضى تاء ساكنة تدل على إسناده إلى مؤنث ، نحو : قالت
فاطمة ، الفتاة وصلت.
تحرك هذه التاء
بالكسرة إذا تليت فى النطق بساكن ، حيث يتوالى ساكنان فيحرك أحدهما ، ويكون التاء
، نحو : استمعت المنتبهة ، زينب قالت الحقّ ، وذلك بتحريك التاء فى الموضعين.
ومنه قوله
تعالى : (إِذْ قالَتِ
امْرَأَتُ عِمْرانَ) [آل عمران : ٣٥]. بتحريك التاء فى (قالت) للنطق بساكن بعدها.
وقوله تعالى : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها) [مريم : ٢٧].
ب ـ الفعل
المضارع : إذا أسند الفعل المضارع إلى مؤنث فإنه يبتدأ بتاء تنطق على النحو الآتى
:
١ ـ تكون التاء
مضمومة فيما إذا كان المضارع مزيدا بحرف ، نحو : تقدّم الفتاة الشاى ، سعاد تخرج كتابها
، تعانق الأمّ طفلها.
٢ ـ تكون التاء
مفتوحة فيما عدا ذلك ، نحو : تحمل حنان حقيبتها ، تتأهب المدرسة للشرح ، تتأنّى
هند فى الكتابة ، تحمرّ خجلا ، تمضى نحو المقعد حيث تستقر فى مكانها.
وقد فصّل
النحاة القول فى ذلك ، ووضعوا ضوابط تحدد حالات وجوب وجواز وامتناع ، وبينها
راجح ومرجوح ، وأكتفى بذكر الأحوال الثلاث الأولى.
فالحالتان
الأخيرتان تتضمنهما حالة الجواز.
وجوب التأنيث :
يجب أن تلحق
بالفعل تاء التأنيث أو تسبقه فى المواضع الآتية :
أ ـ أن يكون ما
أسند إليه الفعل ضميرا مستترا يعود على مؤنث حقيقى التأنيث أو مجازىّ التأنيث ،
فيقال : البنت فهمت ، الشمس طلعت ، الطالبة تجيب ، الشجرة تثمر ، فاعل الأفعال
السابقة ضمير مستتر تقديره (هى) ، عائد على مؤنث حقيقى فى الأول والثالث ، ومجازى
فى الثانى والرابع ؛ لذا وجب إلحاق تاء التأنيث بالفعل الماضى فى كلّ مثال.
وتقول :
المجدتان كوفئتا ، السبورتان نظفتا ، فتلحق التاء بالفعل حيث أسند إلى ألف الاثنين
، وهو عائد على مؤنث حقيقى فى الجملة الأولى ، وعلى مؤنث مجازى فى الجملة الثانية.
وقد تركت التاء
فى موضع وجوب ذكرها فى الشعر فى قول زياد الأعجم مولى عبد القيس :
إن السماحة
والمروءة ضمّنا
|
|
قبرا بمرو
على الطريق الواضح
|
__________________
حيث أسند الفعل
(ضمن) إلى ألف الاثنين ، وهو عائد على مؤنث مجازى (السماحة والمروءة) ، فكان عليه
أن يقول : ضمّنتا ، وقول عامر بن جوين الطائى :
فلا مزنة
ودقت ودقها
|
|
ولا أرض أبقل
إبقالها
|
والصواب :
أبقلت. وحذف التاء للوزن الشعرى.
وقول الأعشى
ميمون بن قيس :
فإمّا ترينى
ولى لمة
|
|
فإن الحوادث
أودى بها
|
__________________
والصواب : أودت
، والحذف ضرورة لاستقامة القافية ، حيث إنها مؤسسة ، وإثبات التاء لا يغير الوزن ؛
لكنه يعيب القافية المؤسسة ، حيث يلحق بها سناد الردف.
ب ـ أن يكون ما
أسند إليه الفعل اسما ظاهرا حقيقىّ التأنيث متصلا بالفعل ، سواء أكان دالا على
المفرد ، أم على المثنى ، أم على الجمع المؤنث السالم ، مثال ذلك قوله تعالى : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) [آل عمران : ٣٥] ، وقولك : كوفئت المجتهدتان ، استمعت الفتيات.
ج ـ أن يكون ما
أسند إليه الفعل ضميرا يعود على جمع تكسير للمذكر غير العاقل ، نحو : الكتب قرئت ،
أو قرئن. الجدر هدمت ، أو هدمن. الأقلام بريت ، أو برين.
جواز التأنيث :
يجوز أن تلحق
تاء التأنيث بالفعل أو تسبقه فى المواضع الآتية :
أ ـ إذا أسند
الفعل إلى اسم ظاهر مجازىّ التأنيث متصل به ، وهذا فى مقابل قولنا : حقيقى التأنيث
فى مواضع الوجوب ، وذلك نحو قوله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ
عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً) [الأنفال : ٣٥] ، (فَانْظُرْ كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) [النمل : ٥١] ، (وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ) [القيامة : ٩] ، تلحظ عدم اتصال تاء التأنيث بالفعل فى الأمثلة السابقة ؛
لأن ما أسند إليه الفعل مؤنث مجازىّ ؛ ولأنه قد اتصل به فإنه يجوز إثبات تاء
التأنيث.
أما قوله تعالى
: (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ
الْأَرْضُ زُخْرُفَها) [يونس : ٢٤] ، وقوله تعالى : (لَنَفِدَ الْبَحْرُ
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) [الكهف : ١٠٩] ، فإن الفعل فيهما قد ثبتت به تاء التأنيث ، وما أسند إليه
مؤنث مجازى متصل به ، ويجوز ألا تثبت التاء.
ب ـ إذا أسند
الفعل إلى اسم ظاهر حقيقى التأنيث منفصل عن الفعل بغير (إلا) ، فتقول : حضرنا ـ اليوم
ـ فاطمة ، وحضرتنا ـ اليوم ـ فاطمة.
ومما جاء خاليا
من التاء قول الشاعر :
إنّ امرأ
غرّه منكن واحدة
|
|
بعدى وبعدك
فى الدنيا لمغرور
|
حيث قال : (غرّه
منكن واحدة) ، فلم يثبت التاء بالفعل وهو مسند إلى مؤنث حقيقى (واحدة) منفصل عنه
بغير إلا (منكن). ويجوز إثبات التاء.
ج ـ إذا أسند الفعل
إلى جمع تكسير ، سواء أكان مؤنثا أم مذكرا ، فتقول : جاءت الفواطم ، وجاء ، وحضر
الأولاد ، وحضرت.
ومنه قوله
تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ
فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) [فاطر : ٤] ، تلحظ إثبات تاء التأنيث بالفعل فى (كذبت وترجع) ، ونائب
الفاعل لهما جمع تكسير لمذكر.
__________________
د ـ إذا أسند
الفعل إلى اسم الجمع أو اسم الجنس الجمعى ، ومنه قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ) [يوسف : ٣٠] وتقول : أورق الشجر ، وأو رقت. ويكون التأنيث فى مثل هذه على
معنى الجماعة ، وعدم التأنيث على معنى الجمع ، وكل من اسم الجمع واسم الجنس مؤنث
غير حقيقى. ومن اسم الجنس فاعل (نعم وبئس) ، فتقول : نعم المرأة هند ، ونعمت
المرأة هند. بئس الطالبة غير الملتزمة. وبئست الطالبة غير الملتزمة. ويكون التأنيث
على مقتضى اللفظ المسند إليه ، وهو مؤنث ، ويكون التذكير على معنى الجنس ؛ لأن
المراد بالطالبة الجنس ، وليس واحدة بعينها ، أما التعيين فإنه يتحدد فى المخصوص
بالمدح أو الذم.
ه ـ إذا أسند
الفعل إلى ضمير يعود على جمع تكسير لمذكر عاقل ، فتقول : الرجال قاموا ، أو قامت.
والطلاب فهموا ، أو فهمت.
امتناع التأنيث :
يمتنع أن تثبت
تاء التأنيث بالفعل إذا أسند إلى مؤنث وفصل بينهما بـ (إلا) عند كثير من النحاة ،
فإذا قلت : ما حضرنا ـ اليوم ـ إلا طالبتان ؛ فإن التقدير : ما حضر أحد اليوم إلا
طالبتان ، فيكون الفاعل الحقيقى محذوفا مذكرا ، ويجعل بعض النحاة مثل هذا التأنيث
تأنيثا مرجوحا ، ولا يجعلونه ممتنعا ، وقد ذكرت تاء التأنيث فى مثل هذا الموضع فى
قول الشاعر :
ما برئت من
ريبة وذمّ
|
|
فى حربنا إلا
بنات العمّ
|
__________________
حيث الفعل (برئ)
ألحقت به تاء التأنيث ، وقد فصل بينه وبين فاعله (بنات) بالحرف (إلا) ، ويكون ذلك
ضرورة عند جمهور النحاة.
ويستدل على
جوازه فى غير ما هو شعر بقراءة بعضهم : (إِنْ كانَتْ إِلَّا
صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٢٩ ، ٥٣] ، برفع (صيحة) ، وإسناد الفعل (كان) إليها تاما ملحقا به تاء
التأنيث.
كما قرأ جماعة
من السلف : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى
إِلَّا مَساكِنُهُمْ) [الأحقاف : ٢٥] ، بإثبات تاء التأنيث فى الفعل المبنى للمجهول (ترى) ، مع
الفصل بينه وبين نائب فاعله (مساكن) بالحرف (إلا) .
ومنه قول ذى
الرمة غيلان بن عقبة :
طوى النّحز
والأجراز ما فى غروضها
|
|
وما بقيت إلا
الضلوع الجراشع
|
__________________
وقوله :
كأنها جمل
وهم وما بقيت
|
|
إلا النحيزة
والألواح والعصب
|
وكثرة الشواهد
تجعل هذا التركيب جائزا ، ولكن التأنيث فيه مرجوح.
__________________
المطابقة العددية
إذا أسند الفعل
إلى اسم ظاهر مفرد أو مثنى أو مجموع فإنه يلزم الدلالة على الإفراد ، حيث لا تلحقه
علامة تثنية أو جمع ، فيقال : حضر الطالب ، حضر الطالبان ، حضر الطلاب ، فهمت
الفتاة ، فهمت الفتاتان ، فهمت الفتيات. تلحظ خلوّ الفعل مما يدلّ على تثنية أو
جمع.
ومن العرب (طيئ
وأزد شنوءة) من يلحق بالفعل علامة دالة على التثنية أو الجمع إذا سبق الفاعل أو
نائب الفاعل حتى يتوافق مع مرفوعه ، وهم فى ذلك يشبهونه بحاله حال إلحاق علامة
التأنيث به ، ومن ذلك قول عبد الله بن قيس الرقيات :
تولّى قتال
المارقين بنفسه
|
|
وقد أسلماه
مبعد وحميم
|
الفاعل (مبعد
وحميم) وهو مثنى ، وقد سبقه الفعل (أسلم) ملحقا به ما يدل على التثنية ، وهو ألف
الاثنين (أسلماه).
ويؤول ذلك على
عدة أوجه :
ـ أن يكون ألف
الاثنين حرفا دالا على التثنية لا محلّ له من الإعراب ، وما بعده هو الفاعل (مبعد
وحميم).
__________________
ـ أن يكون ألف
الاثنين ضميرا مبنيا فى محلّ رفع ، فاعل ، والجملة الفعلية فى محل رفع ، خبر مقدم
، أما الاسم الظاهر (مبعد وحميم) فمبتدأ مؤخر مرفوع.
ـ أن يكون ما
سبق ، ويكون الاسم الظاهر (مبعد وحميم) بدلا من الضمير الفاعل.
ـ أن يكون ما
سبق ، ويكون الاسم الظاهر خبرا لمبتدإ محذوف ، أو مبتدأ خبره محذوف.
ـ أن يكون
الألف حرفا مؤذنا أن الفعل لاثنين ، وليس بضمير ، كما تؤذن التاء الملحقة بالفعل
أنه مسند لمؤنث.
ـ وقد ينصب
الاسم الظاهر بعد الجملة الفعلية من الفعل والضمير ، ويكون نصبه على أنه مفعول به
لفعل محذوف ملائم للمعنى ، نحو : أعنى ، أو غير ذلك.
والميل إلى
الوجه الأول.
ومما ذكر من
ذلك قول أمية :
يلوموننى فى
اشتراء النخي
|
|
ل أهلى
فكلّهمو ألوم
|
الفعل المضارع (يلوم)
ألحقت به (واو الجماعة) ، واكتمل بنيويا بوجود النون الدالة على الرفع مع ذكر
الفاعل الاسم الظاهر (أهل).
__________________
وقول أبى فراس
:
نتج الربيع
محاسنا
|
|
ألقحنها غرّ
السحائب
|
الفاعل (غر)
اسم ظاهر مذكور بعد الفعل (ألقح) ، ومع ذلك فقد ألحق بالفعل (نون النسوة).
وقول الشاعر :
رأين الغوانى
الشيب لاح بعارضى
|
|
فأعرضن عنى
بالخدود النواضر
|
(الغوانى) فاعل مرفوع ، وعلامة
رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها الثقل.
وقد ألحق بفعله
(رأى) نون النسوة.
ويروى فى هذه
الفكرة قول الشاعر :
نسيا حاتم
وأوس لدن فا
|
|
ضت عطاياك يا
ابن عبد العزيز
|
__________________
الشاهد فى (نسيا
حاتم وأوس) ، حيث ألحق ألف الاثنين بالفعل (نسى).
وفاعله ظاهر (حاتم
وأوس).
وقوله :
نصروك قومى
فاعتززت بنصرهم
|
|
ولو أنّهم
خذلوك كنت ذليلا
|
الشاهد فى (نصروك
قومى) ، حيث ألحق بالفعل واو الجماعة ، وفاعله ظاهر (قومى).
__________________
ومنهم من يجعل
منه الحديث الشريف : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» ، فعلى هذه الرواية تكون (ملائكة) فاعلا اسما ظاهرا ،
وقد ألحق بفعله (يتعاقب) واو الجماعة ، وحمل على هذا قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا) [الأنبياء : ٣] ، وقوله تعالى : (ثُمَّ عَمُوا
وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) [المائدة : ٧١].
لكن هذا
التركيب فى الآيتين يمكن أن يخرج على الأوجه الآتية :
أ ـ أن تكون
الواو علامة جمع الفاعل. فيكون الاسم الظاهر (الذين ، وكثير) فاعلا.
ب ـ أن الواو
فاعل ، والاسم بدل منه.
ج ـ أن الواو
فاعل ، والاسم خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هم الذين ظلموا ، العمى والصم كثير
منهم.
د ـ الجملة
الفعلية (أسروا ، وعموا) فى محل رفع ، خبر مقدم ، والاسم (الذين ، وكثير) مبتدأ
مؤخر.
__________________
الرتبة بين الفاعل والمفعول به
النمط المثالىّ
لبناء الجملة الفعلية أن يذكر الفعل أولا ، ثم الفاعل ، ثم المفعول به ، وقد تختلف
الرتبة بين هذه الأجزاء ، أو ذوات هذه الأسماء ، لكن هناك ضوابط لهذا الخلاف ، كما
أن هناك مواضع وجوب ترتيب معين بين الفاعل والمفعول به ، يفسر فيما يأتى :
وجوب تقديم الفاعل على المفعول به :
يجب أن يتقدم
الفاعل على المفعول به فى المواضع الآتية :
أ ـ إذا خيف
اللبس بين الفاعل والمفعول به ، ولا قرينة تميز أحدهما من الآخر ، حيث لا يؤدى المعنى إلى التمييز بين الاثنين ، كما لا
يؤدى الجانب اللفظى إليه ، حيث يتعذر إظهار العلامة
الإعرابية ، أو
يثقل ، أو أن يكون الاسم مبنيا ، حينئذ يتعين أن يكون المذكور أولا هو الفاعل ،
وأن يكون المذكور ثانيا هو المفعول به ، ويبدو ذلك فى :
ـ الاسمين
المقصورين ، نحو : فهم مصطفى عيسى ، (مصطفى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة
المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، (عيسى) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة
المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.
ومنه : طالبت
الكبرى الصغرى بما لها عليها. أكرمت سلمى سعدى. استضافت ليلى رضوى. أخبرت الحبلى
السكرى.
ـ الاسمين
الموصولين : نحو : حيّى الذى أتانا الذى عندنا. (الذى أتانا) اسم موصول مبنى فى
محل رفع ، فاعل ، (الذى عندنا) اسم موصول مبنى فى محل نصب ، مفعول به. وتعين ذلك
لأن الاسمين مبنيان ، فلا تظهر عليهما العلامة الإعرابية.
__________________
ومنه أن تقول :
شارك الذين وقفوا الذين جلسوا. ذكّر من استمع من تحدّث.
ـ اسمى الإشارة
: نحو : قدّر هذا هذا ، (هذا) اسم الإشارة الأول مبنى فى محل رفع ، فاعل. (هذا)
الثانى مبنى فى محل نصب ، مفعول به. ومنه : سمع هؤلاء هؤلاء ، احترمت هؤلاء
الفتيات أولئك الزميلات.
ـ الاسمين
المضافين إلى ضمير المتكلم ، نحو : قد عرف صديقى أخى. (صديق) فاعل مرفوع ، وعلامة
رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم.
(أخ) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها الكسرة
المناسبة لضمير المتكلم ، ووجب هذا التقدير من الإعراب لعدم ظهور العلامة
الإعرابية المميزة. ومنه : قابل أبى أخى. ناقش أستاذى عمّى. قدّر زميلى صاحبى.
إن كان فى أىّ
من الفعل أو المفعول قرينة لفظية أو معنوية تميز أحدهما من الآخر جاز التقديم
والتأخير ، من تلك القرائن :
ـ ظهور العلامة
الإعرابية فيهما أو فى أحدهما ، نحو : أكرم علىّ محمودا.
فاتح سمير
مصطفى فى الموضوع. أخرج موسى أخاه من المنزل. ناقش أبى الصديقين. أفهم أخوه
زملائى.
ـ ظهور العلامة
الإعرابية فى التابع ، نحو : أكرم موسى الطويل مصطفى القصير. (الطويل) صفة لموسى
مرفوعة مما يدل على أنه الفاعل. و (القصير) نعت لمصطفى منصوب بما يدل على أنه
المفعول به.
نازل مرتضى
القوىّ موسى. (القوى) نعت لمرتضى مرفوع ، فيدل على أن منعوته الفاعل.
أفهم عيسى
مصطفى أخاه. (أخا) بدل من مصطفى منصوب ، وعلامة نصبه الألف ؛ لأنه من الأسماء
الستة ، ويدل ذلك على أن المبدل منه منصوب ، فيكون المفعول به.
__________________
عالج الفتى
والطبيب مصطفى. (الطبيب) معطوف على (الفتى) مرفوع ، فيدل على أن المعطوف عليه
الفاعل.
قاتل موسى
الفتى وأخاه ، خاصم شتا نفسه مصطفى. (نفس) توكيد لشتا مرفوع ، فيدل على أنه
الفاعل.
ـ وجود علامة
التأنيث فى الفعل أو خلوه منها ، فإذا كان أحدهما (الفاعل والمفعول به) مؤنثا ،
وكان الفعل به علامة التأنيث ، كان التأنيث للفاعل ، نحو : شاهدت الكبرى الفتى. (الكبرى)
فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر ، وتقول : شاهدت
الفتى الكبرى. أسمعت مصطفى الصغرى.
وإذا خلا الفعل
من علامة التأنيث كان المذكر هو الفاعل ، نحو : شاهد الفتى الكبرى ، شاهد الكبرى
الفتى ، (الفتى) فى الموضعين فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من
ظهورها التعذر.
ومنه : ضربت
سلمى موسى ، وضرب موسى سلمى. وضربت موسى سلمى.
وضرب سلمى
موسى.
ـ القرينة
المعنوية ، نحو قولك : أكل مصطفى الكمثرى ، يجب أن يكون (مصطفى) فاعلا مرفوعا ،
وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
ومنه : أكل
الحلوى عيسى. أسرّت النجوى ليلى. صنعت الحلوى الحبلى.
ـ كيفية نطق
الفعل مع الضمير المتصل الصالح للفاعلية والمفعولية ، وهو ضمير المتكلمين (نا) ،
حيث يكون الفعل الماضى مبنيا على السكون إذا وقع ضمير المتكلمين فاعلا ، نحو :
أكرمنا الفتى ، بسكون الميم ، فيكون الضمير (نا) مبنيا فى محل رفع ، فاعل ، ويكون (الفتى)
مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة ، منع من ظهورها التعذر.
ويكون الفعل
الماضى مبنيا على الفتح إذا اتصل به ضمير المتكلمين ، وكان فى موقع المفعولية ،
فتقول : أكرمنا الفتى بفتح الميم ، فيكون الضمير مبنيا فى محل
نصب مفعولا به ، ويكون (الفتى) فاعلا مرفوعا ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ،
منع من ظهورها التعذر.
أما الفعل
المضارع فإنه لا يسند إلى ضمير المتكلمين ، فإذا اتصل به فإنه يكون فى موقع
المفعولية ، نحو : يفهمنا موسى الدرس. ضمير المتكلمين (نا) مبنى فى محل نصب ،
مفعول به أول. (موسى) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
ب ـ أن يحصر المفعول به بـ (إنما)
، حيث يتأخر
المحصور عن المحصور عليه ، نحو : إنما قدر الأستاذ المجتهد. (الأستاذ) فاعل مرفوع
، ويجب أن يتقدم لإرادة حصر المفعول به (المجتهد).
واختلف النحاة
فى المحصور بـ (إلا) ، فيوجب الجزولى وجماعة من المتأخرين تأخير المفعول به إذا
حصر بـ (إلا) ، أما البصريون والكسائى والفراء وابن الأنبارى فقد أجازوا تقديمه فى
هذه الحالة .
ومنه : ما فهم
الطالب إلا الدرس الأول ، إنما علمت الخبرين : الأول والثانى. لم يشذب البستانى
إلا ثلاث شجرات.
ج ـ أن يكون الفاعل ضميرا متصلا
، حينئذ يلزمه
الاعتماد فى نطقه على كلمة أخرى فلا يكون إلا الفعل ، ويسبق الفاعل المفعول به
وجوبا فى هذه الحالة ، سواء أكان المفعول به اسما ظاهرا ، نحو : أعددت كلّ شىء ،
فهمنا ما تقول ، لقد استعدن ثقتهن. أم كان المفعول به ضميرا ، نحو : الدرس فهمته ،
الفتيات احترمتهنّ ، المتحدثون ناقشناهم.
كلّ من : (تاء
الفاعل ، ونا المتكلمين ، ونون النسوة) ضمير مبنى فى محل رفع ، فاعل ، أما (هاء
الغائب والغائبات والغائبين) فهو ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به.
وتقول كذلك :
أكرمته ، حدّثيهم بما تريدينه ، احصروها فى مواضعها ، عاتبتك لفعلك.
__________________
كلّ من (تاء
المتكلم ، وياء المخاطبة ، وياء المخاطبة ، وواو الجماعة ، وتاء المتكلم) ضمير
مبنى فى محل رفع ، فاعل ، أما (هاء الغائب ، وهم ضمير الغائبين ، وهاء الغائب ،
وها ضمير الغائبة ، وكاف المخاطب) فكلّ منها ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به.
وتلحظ تقدم الفاعل ما دام ضميرا.
ومنه : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) [الإسراء : ١٠٥]. (فَنَجَّيْناهُ
وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) [الشعراء : ١٧٠]. (وَما أَرْسَلْناكَ
إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الفرقان : ٥٦]. (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ
يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) [الفرقان : ٤١].
وجوب تقديم المفعول به على الفاعل :
يجب أن يتقدم
المفعول به على فاعله ، فيتوسط بينه وبين الفعل ، فى المواضع الآتية :
أ ـ أن يحصر
الفاعل ، والمحصور يجب أن يتأخر ، فيلزم تقدم المفعول به على الفاعل حينئذ ، ذلك
فى قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى
اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] ، لفظ الجلالة (الله) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، (العلماء)
فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، أريد حصر الفاعل ، فتأخر عن المفعول به.
ومنه أن تقول :
إنما يتقن العمل المؤمن ، إنما يعرف إجابة هذا السؤال المجدّ.
ومنه : ما فهم
هذه القضية النحوية إلا المنتبهون ، ما أعلمنا بهذا الخبر إلا محمد.
ولا يوجب
الكسائى ذلك مع (إلا) .
ومنه : ما أفهم
محمدا إلا أنا ، ما قدر الأول إلا هو ، ما احترم هذا الرجل إلا أنت .
__________________
وقد ذكر تقدم المفعول به لحصر الفاعل فى :
(وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧]. (تأويل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. ولفظ
الجلالة (الله) فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
(فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩]. (مكر) مفعول به مقدم منصوب ، و (القوم) فاعل مؤخر مرفوع.
ب ـ أن يتضمن
الفاعل ضميرا يعود على المفعول به ، عندئذ يتقدم المفعول به حتى لا يعود الضمير
على متأخر فى اللفظ والرتبة ، والتقدم هنا واجب عند الأخفش وابن جنى وابن الطوال
وابن مالك ، ولا يوجبه كثير من النحاة ، ومنه قولك : ذاكر الدرس قارئه ، فهم
المعلم طلبته ، حيث كلّ من (الدرس والمعلم) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ،
وقد تقدم لأن الفاعل (قارئ وطلبة) يتضمن ضميرا (هاء) الغائب فى الموضعين) ، يعود
على المفعول به.
ومنه قوله
تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) [البقرة : ١٢٤].
(إبراهيم)
مفعول به منصوب ، و (رب) فاعل مرفوع.
ومنه : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها) [الأنعام : ١٥٨] ، وقولك : عاب الزوجة مطلقها ، حلّ المسألة قائلها.
__________________
وكذلك إذا اتصل
الضمير بالفاعل والضمير يعود على ما أضيف إلى المفعول ، كقولك : احترم أبا محمد
صديقه ، ضمير الغائب المضاف إلى الفاعل (صديق) يعود على محمد ، ومحمد مضاف إلى
المفعول به (أبا) ، فيتأخر الفاعل لذلك.
ومنه : أكرم
أخا محمد زميله ، استقبل أبا علىّ زوجه ، قدّر صديق محمود أخوه.
ج ـ أن يكون
المفعول به ضميرا متصلا مع كون الفاعل اسما ظاهرا ، فيتقدم المفعول به كى ينطق
معتمدا على الفعل ؛ لئلّا يراد به الإضافة إذا اعتمد على الفاعل فى النطق ، نحو
قولك : أسعدك الله ، لم يعجبكم هذا العمل ، بلغنى الخبر ، كلّ من (كاف المخاطب
وكاف المخاطبين وياء المتكلم) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به ، أما لفظ الجلالة (الله)
واسم الإشارة (هذا) و (الخبر) فكلّ منها فاعل ، وهى أسماء ظاهرة ؛ لذا تقدمت
المفعولات الضمائر لتعتمد فى نطقها على الفعل.
ومنه. (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا
غُرُوراً) [النساء : ١٢٠]. (فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦]. (دعاء) فاعل مؤخر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة المقدرة ، منع من
ظهورها اشتغال المحل بالكسرة المناسبة لضمير المتكلم. وضمير الغائبين (هم) مبنى فى
محل نصب ، مفعول به.
ومنه. (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) [الروم : ٩]. (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ
الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣].
__________________
(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١]. (فَأَذاقَهَا اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) [النحل : ١١٢]. (فَأَخَذَهُمُ اللهُ
بِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١١].
(بَلْ لَعَنَهُمُ
اللهُ بِكُفْرِهِمْ) [البقرة : ٨٨]. (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما
قالُوا) [المائدة : ٨٥].
د ـ أن يكون
العامل مصدرا مقدرا بأن والفعل ، أو بأنّ ومعموليها مضافا إلى المفعول به ، حينئذ
يجب تأخر الفاعل ، فتقول. يعجبنى إكرام الضيف محمود ، أى : أن يكرم محمود الضيف ،
فيكون (الضيف) مضافا إلى (إكرام) مجرورا ، وعلامة جره الكسرة ، وهو فى محل نصب ،
مفعول به ، (محمود) فاعل المصدر مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
ومنه أن تقول :
يسوءنى ضرب القوم بعضهم بعضا.
أعجبنى تقدير
الأوائل أستاذهم ، أى. أن يقدر الأستاذ الأوائل.
ه ـ أن يكون
العامل صفة مشتقة مضافة إلى المفعول به ، حينئذ يجب أن يتأخر فاعلها ، فتقول. هذا
مكرم سمير أبوه ، أى : مكرم أبوه سميرا. حيث (مكرم) اسم فاعل مضاف إلى المفعول به (سمير).
و (أبو) فاعل مكرم مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه من الأسماء الستة.
وتقول : هذا
شرّاب اللبن حالبه ، هو كاتب الدرس فاهمه.
و ـ يبدو أنه
إذا كان الفاعل نكرة مع كون المفعول به معرفة فإن المفعول به يرجّح تقديمه ، نحو.
لم يظهر الشكّ فى خبره إنسان ، لم يهمل الدرس طالب ، ويظهر فى المثلين معنى العموم
والشمول ، وهو ما يفيد الحصر ، وإذا عدّ ذلك فإنها تكون حالة وجوب لتقديم المفعول
به على الفاعل .
الرتبة بين الفعل والمفعول به :
ذكر النحاة
مواضع لوجوب رتبة معينة بين المفعول به والفاعل ، تنحصر فى اتجاهين ، أولهما :
وجوب تأخير المفعول به عن الفعل ، والآخر : وجوب تقديمه
__________________
عليه ، وخلاف هذه المواضع تكون حالة جواز تقديم أو تأخير ، ذلك على التفصيل
الآتى :
وجوب تأخر المفعول به عن الفعل :
ذكر النحاة
مواضع يجب أن يتأخر فيها المفعول به عن الفعل ، تنحصر فيما يأتى.
أ ـ أن يكون
المفعول به ضميرا متصلا فى حالة أن يكون الفاعل اسما ظاهرا ، حيث يعتمد ـ حينئذ ـ فى
نطقه على كلمة أخرى ، ولا بدّ أن تكون الفعل حتى لا يتحول إلى مضاف إليه حال
اعتماده على اسم. ذلك نحو : أفهمنى المدرس ، ضمير المتكلم (الياء) مبنى فى محل نصب
، مفعول به ، تلحظ أنه مذكور بعد فعله (أفهم).
ب ـ أن يكون المفعول
به مصدرا مؤولا ، كقولك. قدرت أنك تساعدنى ، المصدر المؤول (أنك تساعدنى) فى محل
نصب ، مفعول به ، ويجب أن يتأخر عن الفعل.
ومنه قولك :
استطاع محمد أن يصل إلى ما يريد ، لقد فهم أنّك لن تستطيع أن توفّى المطلوب.
وقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا
أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) [البقرة : ٢٣٣]. (يَحْسَبُ أَنَّ
مالَهُ أَخْلَدَهُ) [الهمزة : ٣].
__________________
ج ـ أن يكون
المفعول به محصورا ، والمحصور يجب أن يتأخر ، نحو. إنما كتب علىّ الدرس ، ما كتب
علىّ إلا الدرس ، (الدرس) فى الموضعين مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجب
تأخره لأنه محصور.
ومنه أن تقول :
ما يحترم الناس إلا الملتزم. إنما طلب علىّ شرح القضية الأخيرة. هل يحبّ رئيس
العمل إلا المتقنين أعمالهم؟
د ـ أن يكون
الفعل جامدا ، أى. غير متصرف لا تتأتى منه أبنيته الثلاثة (الماضى والمضارع والأمر)
، والأفعال الجامدة فى هذا الباب فعل التعجب فى صيغة (ما أفعله) وعسى ؛ لأنهما
اللذان يصلان إلى المفعول به ، فيتعديان إليه. نحو. ما أفضل التعاون على الخير! (التعاون)
مفعول به منصوب ، ويجب أن يتأخر عن فعل التعجب الجامد (أفضل).
ومنه قولك. ما
أحسن الصدق! ما أجدر الالتزام بالخلق الحسن!
والمتصرف من
الأسماء العاملة عمل الفعل هى : اسم الفاعل ، وصيغ المبالغة ، واسم المفعول ،
والمصدر الواقع موقع الفعل.
ه ـ أن يدخل
على الفعل لام الابتداء ، حيث لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، فلا يقدم المفعول ـ حينئذ
ـ على الفعل ، نحو : لأكافئ المجتهد ، لأحضر الكتاب.
و ـ أن يكون
الفعل صلة لحرف مصدرىّ عامل ، كقولك ، يعجبنى أن تقول الصدق ، (الصدق) مفعول به
منصوب ، وفعله العامل (تقول) وهو صلة للحرف المصدرى العامل (أن) ؛ لذا وجب تأخر
المفعول به عن الفعل.
ومنه قولك :
يسرّنى أن تقرضنى كتابك ، يغضبنى أن تهمل واجبك.
يجب عليك أن
تتقن عملك. عليك أن تنال ما تصبو إليه شرعا.
فإن كان الحرف
المصدرىّ حرفا غير عامل جاز تقديم المفعول به على العامل ، نحو. أنكرت ما تهمل
واجبك ، وددت لو حزت الإعجاب ، حيث يجوز تقديم المفعول به ، ويذكر بعد الحرف
المصدرى.
ز ـ أن يكون
العامل اسما عاملا موصولا بالألف واللام ، كقولك. هذا الكاتب خطابا ، (خطابا)
مفعول به منصوب لاسم الفاعل (الكاتب) ، وهو موصول بالألف واللام ، فوجب تأخير
المفعول به.
ومنه : هو
القائل خطبة. محمد المستبين أمرا. هذا الطفل هو الشرّاب لبنا ، والحائز حبا.
ح ـ أن يكون
العامل اسما عاملا مجرورا بحرف جرّ غير زائد ، نحو : سررت من مجيب سؤالا. (سؤالا)
مفعول به منصوب لاسم الفاعل (مجيب) ، ووجب تأخره ؛ لأن اسم الفاعل مجرور بحرف الجر
غير الزائد (من).
ومنه أن تقول :
استمعت إلى ملق خطبة. أعجبت بمحرز هدفا. أطالب بإتقانكم العمل ، وبإحسانكم القول.
ط ـ ألا يكون
الفعل جوابا للقسم ، نحو : والله لألزمنّ أداء الواجب. حيث الفعل ألزم واقع فى صدر
جملة جواب القسم ، فلا يجوز تقدم مفعوله عليه.
ومنه أن تقول :
والله لأفهمنّ هذا الدرس ، لأحترمنّ الكبير ، ولأقدرنّ الصغير.
وجوب تقدم المفعول به على الفعل :
يذكر النحاة
مواضع يجب فيها تقديم المفعول به على الفعل ، وهى .
أ ـ أن يكون
المفعول به ضميرا منفصلا ، ويكون ذلك مع الضمير المنفصل (إياك) وما يتفرع منه (اثنى
عشر ضميرا) ، كما فى قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥]. (إياك) ضمير مبنى فى محل نصب ، مفعول به مقدم. إذ لو تأخر
الضمير المفعول به للزم اتصاله بالفعل ، فيكون. نعبدك ونستع ينك.
ومنه قولك :
إياه عنى ، إياهم احترم ، إياى استقبل ، إياكن استضاف.
تنبيه :
الضمير المنفصل
المنصوب إن كان اتصاله غير واجب لو تأخر عن عامله فإن تقديمه عليه غير واجب ،
ويكون ذلك فى المفعولين اللذين ليس أصلهما المبتدأ
__________________
والخبر ، كقولك : الكتاب إيّاه أعطيتك ، يجوز القول. الكتاب أعطيتكه ،
والكتاب أعطيتك إيّاه.
ب ـ أن يكون
المفعول به من الأس ماء التى لها حقّ الصدارة فى الجملة ، وحقّ الصدارة فى الجملة
يكون لأداء دلالات معى نة ، هى :
ـ الاستفهام ،
نحو : من تصدّق؟ (من) اسم استفهام مبنى على السكون فى محل نصب ، مفعول به.
ومنه : كم قرشا
أنفقت؟ ما تفعل الآن؟ من كافأت اليوم؟
ـ الشرط : نحو.
ما تفعلوا يعلمه الله. (ما) اسم شرط جازم مبنى على السكون فى محل نصب ، مفعول به.
ومنه. من تصادق
يكن محترما ، مهما تقل يكن بليغا. وقوله تعالى. (أَيًّا ما تَدْعُوا
فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) [الإسراء : ١١٠].
ـ الكثرة
باستخدام (كم) الخبرية ، نحو : كم أموال أنفقت اليوم. (كم) خبرية مبنية على السكون
فى محل نصب ، مفعول به.
ومنه : كم قلم
اشتريت. كم أشجار زرعت حول الدار.
ـ ما قد يضاف
إلى ما سبق ، وهو فى موقع المفعولية فإنه يجب أن يتقدم ، نحو : ابن من قابلت فى
المطار؟ (ابن) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة مضاف ، و (من) اسم استفهام
مبنى على السكون فى محل جر ، مضاف إليه.
__________________
ومنه : غلام من
تكرم أكرمه. (غلام) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وهو مضاف ، و (من) اسم
شرط جازم مبنى على السكون فى محل جر ، مضاف إليه.
ج ـ أن يكون
المفعول به فاصلا بين (أما) وفاء الجزاء. يجب أن تذكر فاء الجزاء أو الجواب بعد (أمّا)
التى فيها معنى الجزاء أو الشرط ، كما يجب أن يفصل بينهما بفاصل ، قد يكون هذا
الفاصل المفعول به ، حينئذ يجب أن يسبق الفعل ، كما فى قوله تعالى. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ٩ ، ١٠]. كلّ من (اليتيم والسائل) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة ، وهو الفاصل بين (أما) وفاء الجزاء أو الجواب.
ومنه أن تقول :
أما محمدا فقدّر الجميع لاجتهاده ، أما كتاب النحو فقد قرأت ، أما قضية الرتبة فقد
فهمت.
ملحوظة :
إذا تقدم
المفعول به على عامله جاز إدخال اللام عليه ، فتقول : للمجتهد كافأت ، لسعيد أكرمت
، والأصل : كافأت المجتهد ، كافأت سعيدا.
ويعلل لوجود
اللام فى مثل هذا التركيب بأنه تقوية للعامل ، حيث إنه لما تقدم المعمول ضعف
العامل فقوى باللام ، كما يقوى العامل الفرعى (ما يعمل عمل الفعل) باللام ،
كما فى قوله تعالى. (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧ ، البروج : ١٦].
ومن ذلك قوله
تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ
لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣].
جواز تقدم المفعول به على الفعل.
يجوز أن يتقدم
المفعول به على فعله فيما عدا المواضع السابقة من مواضع وجوب التأخر أو التقدم ،
فتقول :
__________________
فهمت الدرس ،
الدرس فهمت. الضيوف أكرمت ، أكرمت الضيوف.
كلّ من (الدرس
والضيوف) مفعول به منصوب ، جاءا مرة متقدمين ، و
أخرى متأخرين.
ويكون ذلك إن
دخل على الفعل همزة الاستفهام ، أو أداة التحضيض ، أو لام جواب القسم ، أو لام
التوكيد ، أو (إن) الشرطية ، إذا كان الفعل ماضيا لفظا أو معنى ، أو ما النافية ،
ذلك نحو : أشيئا فهمت؟ أموضوعا قرأت؟
هلّا درسا
ذاكرت ، ألا حجرة نظفت.
والله لنافذة
أفتح ، والله لمجتهدا أكافئ.
إنّ محمدا
لعليا مستقبل ، إنّ محمودا لدرسا شارح.
إن واجبا أدّيت
أقدرك ، إن درسا لم تفهم أشرحه لك.
ما حقّا أهملنا
، ما فقيرا تركنا بيننا.
الرتبة فى المفعولات :
إذا اجتمع عدة
مفعولات لفعل واحد فإن أحدها تكون له أصالة التقديم بكونه :
١ ـ متلقّى
الإنباء أو الإعلام : وذلك مع الأفعال التى تتعدى إلى ثلاثة ، نحو : أعلمت محمدا
الحجرة مغلقة ، (محمد) متلقى الإعلام ، فله حق التقديم على المفعولين الآخرين. ولا
يجوز تأخره ، فتقدمه واجب.
ومنه : أخبر
المرسل الموجودين الحفل قد ابتدأ. أنبأت الأستاذ الطلبة كلّهم حاضرين.
٢ ـ مبتدأ فى
الأصل ، وهذا مع الأفعال التى تتعدى إلى اثنين ، أصلهما المبتدأ والخبر ، حيث حقّ
المبتدإ أن يتقدم على الخبر فى الأصل ، من ذلك قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ
رُقُودٌ) [الكهف : ١٨]. ضمير الغائبين (هم) يكون مفعولا أول ، وله حقّ التقديم ؛
لأنه المبتدأ ، إذ أصل المفعولين جملة اسمية. (هم أيقاظ).
ومثله : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) [الإسراء : ١٠١] ، وقولك. إخال الأمر يسيرا. حسبت محمدا موجودا.
٣ ـ فاعلا فى
المعنى ، ويكون ذلك مع الأفعال التى تتعدى إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر
، نحو قوله تعالى : (فَكَسَوْنَا
الْعِظامَ لَحْماً) [المؤمنون. ١٤] ، (العظام) مكسوّ فهو الآخذ ، أى. الفاعل فى المعنى ؛ لذا
استحق أصالة التقديم.
ولتلحظ ذلك فى
: (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١] ، منحنا الأوائل جوائز ، ألبسنا الفائزين أوشحة.
٤ ـ يجمع
النحاة على تقديم المفعول المسرح أو غير المقيد بحرف جر على المفعول غير المسرح أو
المقيد بحرف جر ، وإن كانوا يجيزون ذلك ، فقد لحظت ما يأتى :
أ ـ إذا كان
المفعول به المسرح ضميرا فإن تقديمه على المجرور ضرورة ؛ ذلك لأن الضمير يجب أن
يعتمد فى نطقه على كلمة أخرى وهى الفعل ؛ لذا وجب التقدم ، أما المجرور فهو معتمد
على حرف الجر فى النطق ، نحو : نبّهك صديقك إلى عيب قد أغفلته. أتوه بما أرادوه ،
أعلمتك بما لا تعلم.
ب ـ إذا كان
المفعول به المسرح معرفة غير الضمير وكان المجرور معرفة فأيّهما قدمت أو أخرت
فجائز ، ذلك لعدم الالتباس ، وعدم حاجة المفعول المسرح إلى اعتماد فى النطق. ذلك
نحو. أتم نعمته عليك ، أتم عليك نعمته ، استعمل منهم الولاة والحكام ، ويجوز.
استعمل الولاة والحكام منهم.
ج ـ إذا كان
المفعول به المسرح نكرة أو اسما موصولا فإن المجرور يرجح تقديمه عليه ، ذلك حتى لا
يحدث التباس بين كون شبه الجملة متعلقة بالفعل ، أى : أنها فى موقع المفعول به ،
وكونها صفة للنكرة ، أو من مكونات جملة الصلة.
ذلك نحو :
كتبنا لك أحاديث كثيرة. تذكّرت فيه ما تمنّته ، جعلوا فى سيرته العطرة ندوات ،
بلغت لك ما لم يبلغه أب بارّ ولا أمّ رءوم.
__________________
وجوب تقديم المفعول به الأول :
يكون تقديم
المفعول به الأول (المبتدإ فى الأصل أو الفاعل فى المعنى) واجبا فى المواضع الآتية
:
أ ـ كما ذكرنا
سابقا ، إذا كان المفعول به الأول من ثلاثة مفاعيل هو متلقى الإنباء أو الإخبار.
ب ـ إذا كان
المفعولان علمين وخيف اللبس بينهما ، فلم يعرف أيهما الفاعل فى المعنى أو المبتدأ
فى الأصل ، كقولك : أعطيت عليا محمودا ، ظننت سعيدا عليّا. حيث يجوز فى كلّ من
المفعولين فى الأول أن يكون فاعلا ، وفى الثانى يجوز أن يكون كلّ منهما مبتدأ ؛
لذا وجب أن يعدّ المذكور أولا مفعولا به أول.
ويكون ذلك مع
الاسمين الموصولين ، والمقصورين ، واسمى الإشارة ، والمضافين إلى ضمير المتكلم ،
نحو : أعطيت الذى أقبل إلينا الذى كان عندنا. منحت هذا ذاك. أعطيت مصطفى عيسى.
ظننت صديقى أخى.
ج ـ إذا أريد
حصر المفعول الثانى ؛ لأن المحصور يكون ثانيا ؛ لذا يجب أن يتقدم المفعول الأول ،
نحو : ما منحت الفقير إلا جنيها. إنما ظننت الأمر يسيرا.
د ـ أن يكون
المفعول الأول ضميرا متصلا ، سواء أكان الثانى اسما ظاهرا أم كان ضميرا ، حينئذ
يلزم اعتماد الضمير في النطق على كلمة ما ، وهى الفعل ، نحو : لقد أعطوك جائزة ،
كما أنهم منحوه شهادة تقدير.
ومنه محمد
ظننته فاهما المسألة. لقد خلته حاضرا ، القضية حسبتها يسيرة ، فلم أعطها حقّها من
التفكير.
فإن كان
المفعولان ضميرين متصلين فإنهما يجب أن يعتمدا فى النطق على غيرهما من الفعل ،
عندئذ يجب أن يتقدم المفعول الأول الذى هو فاعل فى المعنى ، أو مبتدأ فى الأصل.
نحو قولك :
الجائزة منحتكها. الصدقة أعطاكها الغنىّ.
__________________
وجوب تقديم المفعول به الثانى
يجب تقديم
المفعول به الثانى على الأول فى المواضع الآتية :
أ ـ عن طريق
الحصر ، وهو أن يحصر ما هو فاعل فى المعنى ، حينئذ يتأخر المحصور وهو الفاعل فى
المعنى ، فيتقدم المفعول به فى المعنى عليه ، وهو الثانى لتحقيق معنى الحصر ، نحو
: ما منحت الجائزة إلا المتفوق ، (الجائزة) مفعول به ثان منصوب ، و (المتفوق)
مفعول به أول منصوب ، ويجب تأخره لأنه المحصور.
أو أن يحصر ما
هو مبتدأ فى الأصل ، فيجب تأخره ، وتقدم ما هو خبر لتحقيق معنى الحصر ، نحو قولك :
ما ظننت مجتهدا إلا محمدا. (مجتهدا) مفعول به ثان مقدم منصوب ، (محمدا) مفعول به
أول مؤخر منصوب.
ومنه : إنما
حسبت مفتوحا الباب الأول. هل علمت كريما إلا محمودا؟
ب ـ أن يكون
المفعول الأول ظاهرا ويكون الثانى ضميرا متصلا ، فيحتاج إلى ما يعتمد عليه نطقا ،
وليكن الفعل ؛ حتى لا يكون مضافا فيلزم تقديمه على المفعول به الأول الذى له أصالة
التقديم ، كقولك : الدرس أفهمته عليّا. الثوب كسوته الفقير ، الجنيهان أعطيتهما
البائع. ضمير الغائب فى الأمثلة الثلاثة فى محل نصب ، مفعول به ثان ، وكلّ من :
على والفقير والبائع مفعول به أول مؤخر.
ج ـ أن يشتمل
المفعول به الأول على ضمير يعود على المفعول به الثانى ، فيلزم تأخير المفعول به
الأول المشتمل على الضمير ؛ حتى لا يعود الضمير على اسم متأخر فى اللفظ والرتبة ،
كقولك : منحت الكتاب موجده ، أعطيت القلم باريه ، سلّمت الدار مشتريها ، كلّ من : (الكتاب
، والقلم ، والدار) مفعول به ثان منصوب ، و (موجد ، بارى ، مشترى) مفعول به أول
منصوب ، وقد أخر المفعول به الأول لتضمنه ضميرا يعود على المفعول به الثانى.
ومنه : ألبست
الأمّ الثوب صاحبته ، أعطيت الأموال طالبها. لقد منحوا الجائزة مستحقّها.
__________________
قضية الحذف فى الجملة الفعلية
يحدث الحذف فى
الجملة الفعلية إما فى العامل ، وهو الفعل ، وإما فى الفاعل ، وإما فى الجملة
الفعلية بركنيها ، كما قد يكون الحذف فى المفعول به ، ويكون الحذف جائزا فى مواضع
أو واجبا في مواضع ، أخرى ، وقد يكون ممتنعا فى تراكيب معينة ، ذلك على التفصيل
الآتى.
حذف الفعل
يجوز أن يحذف
الفعل إن دل عليه كلام سابق ، كأن يكون : اختصارا فى إجابة عن سؤال ما ، كقولك :
محمد ، جوابا لمن سأل : من أجاب؟ ، فيكون التقدير : أجاب محمد ، ويكون (محمد)
فاعلا لفعل محذوف دل عليه السؤال ، وقد يكون التقدير : محمد أجاب ، فيكون (محمد)
خبرا لمبتدإ محذوف.
والوجه الأول
أكثر ملاءمة لصحة الجملة.
ومنه قوله
تعالى : (وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧]. أى : خلقهم الله ، ومنه قول أبى ذؤيب الهذلى :
ألا هل أتى
أمّ الحويرث مرسل
|
|
نعم خالد إن
لم تعقه العوائق
|
__________________
والتقدير :
أتاها خالد.
ـ مقدرا ، قد
يكون الفعل مقدرا ، كما فى قول الشاعر :
ليبك يزيد
ضارع لخصومة
|
|
ومختبط مما
تطيح الطوائح
|
حيث التقدير :
يبكيه ضارع ، وذلك إجابة عن سؤال مقدر : من يبكيه؟
ـ إجابة عن
منفى ، قد يحذف الفعل فى إجابة عن منفى ، كما هو فى قول الشاعر :
تجلّدت حتى
قيل لم يعر قلبه
|
|
من الوجد شىء
قلت بل أعظم الوجد
|
__________________
والتقدير : بل
عراه أعظم الوجد ، وهذا إجابة عن النفى السابق : لم يعر قلبه.
ـ محذوفا بعد
أدوات الشرط ، على حدّ قول النحاة : يقدر فعل محذوف فى حال ذكر الاسم بعد أداة الشرط ،
ففى قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] يكون التقدير : إذا انشقت السماء انشقت.
كما يقدر ذلك
بعد حرف الاستفهام (هل) ، فإذا قلت : هل محمد ذاكر؟ فإن التقدير يكون : هل ذاكر
محمد ذاكر؟
كما يحذف الفعل
جوازا مع كلّ المنصوبات إذا دلّ عليه دليل لفظى أو مقامى حالى ، حيث يقال لمن قدم
من الحج : حجّا مبرورا ، أو : راشدا ، والتقدير : حججت ، أو : أديت ، وعدت أو
رجعت.
ويقال لمن
يجتهد وينتبه : أملا فى التفوق ، والتقدير : أجتهد وأنتبه أملا. إلى غير ذلك من
المواقف السياقية.
ومنه قولك لمن
سدد سهما : القرطاس ، أى : تصيب القرطاس ، أو : الهدف ، أى : تصيبه.
وقولك لمن
يتصرف كالبخلاء : أكلّ هذا بخلا؟ أى : أتفعل كلّ هذا؟
وقول العرب :
اللهم ضبعا وذئبا ، دعاء على غنم ، أى : اجمع فيها ضبعا وذئبا.
ومنه قوله
تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً) [الطلاق : ١٠ ، ١١] ، أى : أرسل رسولا.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
وَالْإِيمانَ) [الحشر : ٩] ، أى : وأبرّوا الإيمان ، أو : اعتقدوا الإيمان.
__________________
وقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) [يونس : ٧١] ، أى : وادعوا شركاءكم ، أو جمّعوا ، أو اجمعوا (بهمزة الوصل)
، فيقال : (أجمع) فى المعانى ، و (جمع) فى الأعيان.
ومنه قول
الشاعر :
علفتها تبنا
وماء باردا
|
|
حتى شتت
همّالة عيناها
|
أى : وسقيتها
ماء.
وقول الآخر :
يا ليت بعلك
قد غدا
|
|
متقلّدا سيفا
ورمحا
|
أى : ومتقلدا
رمحا.
__________________
وقول الآخر :
إذا ما
الغانيات برزن يوما
|
|
وزجّجن
الحواجب والعيونا
|
أى : وكحّلن
العيون.
وجوب حذف الفعل
يذهب جمهور
النحاة إلى أن بعض الأدوات تطلب الفعل ، أى : لا يذكر بعدها إلا فعل ، فإذا ورد
بعدها اسم فإنهم يقدرون فعلا محذوفا ، وهم يعللون لذلك بأن هذه الأدوات يلزمها
الفعل ، فلما ظهر الفعل بعد الفاعل التزموا حذف الفعل ، وجعلوا المذكور بعد الاسم
مفسرا له ، وهذه الأدوات :
ـ أدوات الشرط
، لا يدخل منها في هذا الباب إلا (إن ، ولو ، وإذا) ، حيث ذكر الاسم بعد هذه
الأدوات الثلاث دون غيرها.
ومن ذلك قوله
تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] ، حيث يجعلون أحدا فاعلا مرفوعا لفعل محذوف يفسره المذكور ،
والتقدير : وإن استجارك أحد ... فلا يجمع بين المحذوف والمفسر .
__________________
ومنه قوله
تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ
خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) [النساء : ١٢٨]. (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ
لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ
لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا
تَرَكَ) [النساء : ١٧٦].
ومنه قوله
تعالى : (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، حيث يرون أن السماء فاعل لفعل محذوف تقديره : انشقت ،
يفسره الفعل المذكور .
وفى القول : لو
أنك جئتنى لأكرمتك ، تقديره : لو ثبت أنك جئتنى ، فيجعلون المصدر المؤول فى محل
رفع ، فاعل لفعل محذوف ، وهذا عند كثير من النحاة.
ولنا رأى فى
هذه القضية يذكر فى دراسة التركيب الشرطى ـ إن شاء الله.
ـ أدوات التحضيض
، نحو : هلا محمد زارنى ، تقديره : هلا زارنى محمد زارنى ، فيكون محمد فاعلا لفعل
محذوف يفسره المذكور.
ومنه أن تقول :
ألا صديق يعيننى ، أما المدرس يشرح له الدرس.
ـ همزة
الاستفهام ، نحو : أمحمد خرج؟ يذكرون أنه من الأحسن أن يقدر بعد همزة الاستفهام
فعل محذوف يفسره الفعل المذكور ، والتقدير : أخرج محمد خرج؟ فيكون محمد فاعلا لفعل
محذوف. ويجوز أن يعرب محمد على أنه مبتدأ مرفوع.
__________________
ـ (ما) و (لا)
النافيتان ، نحو : ما علىّ خرج ، ولا محمد جاء. من الأحسن ـ على رأى كثير من
النحاة ـ أن يكون كلّ من (على ومحمد) فاعلا مرفوعا لفعل محذوف يفسره المذكور.
ويجوز أن يعرب على الابتداء ، والجملة التى تليه تكون فى محلّ رفع ، خبر.
تنبيه :
يجوز أن يكون
من هذا الباب الفعل الذى في معنى الأمر أو النهى أو الدعاء وقد تقدمه اسم ، فيجوز
أن يكون هذا الاسم فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور ، نحو : سمير ليكتب ، علىّ لا
يقم ، والتّقدير : ليكتب سمير ، لا يقم عليّ ، فيكون كلّ من (سمير وعلى) فاعلا
لفعل محذوف يفسره المذكور. ويجوز أن يكون الاسم المرفوع مبتدأ عند من يجيز أن يكون
الخبر طلبيا.
تنويه :
يجب أن ينوّه
إلى أن هناك تراكيب أخرى ثابتة البنية يحذف فيها الفعل وجوبا ، تدرس فى الصفحات
التالية ؛ لأن حذف الفعل فيها يكون مقرونا بحذف الفاعل ، وهذه التراكيب : الاختصاص
، والإغراء ، والتحذير ، والنداء ، والاشتغال ، وقطع النعت عن منعوته ، والأمثال ،
والمصادر الواقعة بدلا من أفعالها ، مع تفاوت بين النحاة فى كون حذف بعضها وجوبا
أم جوازا.
ملحوظتان :
أ
ـ حذف الفاعل وحده :
يرى بعض النحاة
ـ وعلى رأسهم الكسائى ـ أنه يجوز حذف الفاعل دون الفعل ، ولكن هذا غير جائز ؛ لأنه
لا يجوز حذف أحد الركنين الأساسين دون وجود دليل عليه ، كما أن الفعل لا يجوز أن
يكون بدون فاعل مذكور ، فالفاعل لا يحذف إلا مع الفعل ، وما يستدلون به مردود عليه
على النحو الآتى :
ـ قوله تعالى :
(كَبُرَ مَقْتاً
عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٣٥] ، فاعل (كبر) ضمير مستتر تقديره : (هو) يعود على سابق (من هو
مسرف ، أو : جدال الذين آمنوا).
__________________
ـ قوله تعالى :
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ
مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) [يوسف : ٣٥] ، فاعل (بدا) إمّا (بداء) وإما (السجن) ، وإما (الرأى أو القول)
، وليس محذوفا.
ـ قوله تعالى :
(وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) [إبراهيم : ٤٥] فاعل (تبين) هو (العلم) ، والتقدير : تبين لكم العلم ..
ـ قول الشاعر :
فإن كان لا
يرضيك حتى تردّنى
|
|
إلى قطرى لا
إخالك راضيا
|
فاعل (يرضى)
ضمير يعود على اسم كان المقدر من واقع الحال ، والتقدير : فإن كان ما تشاهد منى لا
يرضيك.
وهذا كلّه من
قبيل إضمار الفاعل لدليل مقامى أو حالى.
ـ ما ذكرناه فى
بدء الجملة الفعلية من ذكر (ما) بعد الفعل ، فى مثل : قلّما ، كثر ما ، طالما ،
وما أولناه من تقدير فاعل من خلال التركيب بوجه ، أو بآخر.
ب ـ جواز تقدير الفاعل من لفظ فعله :
يجوز ألا يلفظ
بالفاعل ؛ لأن لفظه مقدر من فعله على صورة اسم الفاعل.
__________________
من ذلك قوله
تعالى فى قراءة هشام : (وَلا تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) [آل عمران : ١٦٩] بالياء فى (يحسب) ، فيكون تقدير الفاعل : حاسب ، ويكون
الكلام : ولا يحسبن حاسب.
وقوله ـ عليه
الصلاة والسّلام : «ولا تناجشوا ، ولا يزيدنّ على بيع أخيه ، ولا يخطبنّ على خطبته»
، والتقدير : ولا يزيدن زائد ، ولا يخطبن خاطب ...
وقوله ـ عليه
الصلاة والسّلام : «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها
وهو مؤمن» . أى : ولا يشرب الخمر شارب ....
الاقتصار على المفعول به :
قد تحذف الجملة
الفعلية بركنيها ـ فعلها وفاعلها ـ جوازا ، ويقتصر منها على المفعول به ، وذلك
للاختصار والإيجاز ، من ذلك :
ـ إذا دل
عليهما دليل سابق ، ومنه : قوله تعالى : (قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] ، أى : أنزل خيرا ، فيكون (خيرا) مفعولا به منصوبا لفعل محذوف
، وتلحظ حذف الفعل والفاعل معا ؛ لأنهما مذكوران فى قول سابق من قوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ).
__________________
قوله تعالى : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [البقرة : ١٣٥] ، أى : اتّبعوا ملّة ، فيكون (ملة) مفعولا به منصوبا ،
وعلامة نصبه الفتحة ، وقد حذف الفعل والفاعل.
ولمن ذكر رؤيا
قيل له : خيرا ، أى : ذكرت خيرا ، أو : رأيت.
ـ ويجوز حذف
الفعل والفاعل معا إذا ناب عنهما حرف الجواب ، كقولك : نعم. إجابة عن السؤال ؛ هل
فهمت؟ ، والتقدير : نعم فهمت.
فالجملة
الفعلية مذكورة فى السؤال ؛ لذا جاز حذفها من الجواب ، ونعلم أن السؤال سابق على
الجواب.
ولتلحظ حذف
الفعل والفاعل معا فى الأمثلة الآتية لدليل عليهما :
ـ مكة ، لمن
تأهب للحج ، أى : تريد مكة.
ـ الهلال ،
لمرتقب الهلال ، أى : أرى الهلال.
ـ زيدا ، لمن
قال : سأطعم ، أى أطعم.
ـ بلى زيدا ،
لمن سأل : هل لا رأيت أحدا؟ أى : رأيت.
ـ بلى زيدا ،
لمن قال : ما ضربت أحدا. والتقدير : بلى ضربت زيدا.
ـ بلى من أساء.
لمن قال : لا تضرب أحدا ، أى : بلى أضرب من أساء.
ـ لا ، بل
خالدا ، لمن قال : ضرب زيد عمرا ، أى : ضرب خالدا.
ـ لا ، بل زيدا
، لمن قال : اضرب عمرا ، أى : لا بل أضرب زيدا.
ـ من أنت؟
محمودا؟ أى : تذكر محمودا ، وقد يرفع.
ذكرنا أنه يجب
حذف الفعل والفاعل معا فى كلّ من :
أ ـ الاسم
المشتغل عنه بضميره ، نحو : الصديق أكرمه ، حال نصب (الصديق) يقدر فعل محذوف من
الفعل المذكور ـ على رأى جمهور النحاة ـ فيكون (الصديق) المنصوب مفعولا به لفعل
محذوف تقديره : (أكرم) ؛ ذلك لأن الفعل المذكور قد
__________________
شغل عنه بضميره المذكور. وتلحظ أن الفعل والفاعل محذوفان معا. ويجوز فى (الصديق)
الرفع على الابتداء.
ومنه قولك :
الكتاب قرأته ، بنصب (الكتاب) على أنه مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور. وتلحظ
أن الفعل والفاعل محذوفان معا.
ومنه قولك :
الدرس ذاكره ، محمدا قابلته ، القصة قرأتها. الفكرة نشرحها.
ب ـ النداء ،
نحو : يا طالب العلم احرص على الشغف به. (طالب) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة
لفعل محذوف ، تقديره : (أدعو) ، ناب منابه حرف النداء.
وتقول : يا
محمد احترم غيرك. (محمد) منادى مبنى على الضم فى محلّ نصب لفعل محذوف ، تقديره : (أدعو).
وتقول : يا
بائع اللّبن اخش الله ، (بائع) منادى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة لفعل محذوف ، ناب
منابه حرف النداء.
ج ـ الاختصاص :
نحو قولك : نحن ـ المسلمين ـ نؤمن بالله وحده ربا ، وبمحمد رسولا ، (المسلمين)
مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه جمع مذكر سالم ، لفعل محذوف تقديره : (أخص).
ومنه قولك :
كنا ـ المصريين ـ لنا تاريخ عريق ، أنا ـ الطالب ـ يجب ألا أقضى وقتى إلا فى تحصيل
العلوم والمعرفة. نحن ـ المواطنين ـ نلتزم بحقوق الوطن والمجتمع.
كلّ من (المصريين
، الطالب ، المواطنين) مفعول به لفعل محذوف تقديره (أخص) ، أو منصوب على الاختصاص.
وتقول : نحن ـ الطلبة
ـ نبنى أنفسنا على الالتزام ، (الطلبة) مفعول به لفعل محذوف تقديره : (أخص) ، تلحظ
حذف كلّ من الفعل والفاعل.
د ـ الإغراء :
على أن يعطف أو يكرر ، نحو : الصبر الصبر ، والتقدير الزم الصبر الصبر ، (الصبر)
مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، لفعل محذوف تقديره (الزم) ، و (الصبر)
الثانية توكيد للأولى منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
وتقول : الصدق
والإخلاص ، التقدير : الزم الصدق والزم الإخلاص ، (الصدق) مفعول به منصوب ، وعلامة
نصبه الفتحة ، لفعل محذوف تقديره (الزم) ، (الإخلاص) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة ، لفعل محذوف تقديره (الزم) ، والجملة معطوفة على سابقتها.
وتقول : حقوق
الجار ، حقوق الجار ، (حقوق) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، لفعل محذوف
تقديره : الزم ، تلحظ حذف كلّ من الفعل والفاعل.
ومنه قولك :
العمل والإتقان ، الالتزام الالتزام ، الإنصات والاستيعاب.
ه ـ التحذير :
على أن يعطف أو يكرر ، أى : فيما لا يجب فيه ذكر الفعل ، نحو : الخمول الخمول ،
التقدير : احذر الخمول الخمول ، (الخمول) مفعول به لفعل محذوف تقديره (احذر) ،
والثانية توكيد للأولى منصوب. وتقول : إياك ، والكذب ، والتقدير : احذر نفسك ،
واحذر الكذب ، (إياك) مفعول به لفعل محذوف تقديره (احذر) ، الكذب مفعول به لفعل
محذوف تقديره (احذر) ، والجملة الثانية معطوفة على الأولى.
وتقول :
الثعبان الثعبان ، (الثعبان) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، لفعل محذوف
تقديره : احذر ، تلحظ حذف الفعل والفاعل معا.
ومنه : ملابسك
والنار ، الإهمال الإهمال ، الأسد الأسد ، إياك والنفاق.
و ـ النعوت
المقطوعة إلى النصب : إذا علم المنعوت بدون النعت جاز فى النعت أن يقطع عن المنعوت
؛ ليمثل جملة اسمية فيرفع ، أو جملة فعلية فينصب ، نحو قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
(٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [الفاتحة : ٢ ، ٣]. كلّ من (رب ، الرحمن ، الرحيم) نعت للفظ الجلالة (الله)
مجرور ، وعلامة جره الكسرة ؛ ولأن المنعوت معلوم بدون النعت فإنه يجوز أن يقطع عنه
، ويكون
التقدير : أعنى ربّ ، أو أعظم رب ، وكذلك : أعظم الرحمن ، أعظم الرحيم ،
فيكون كلّ من (رب والرحمن والرحيم) منصوبا على أنه مفعول به لفعل محذوف ، كما يجوز
التقدير : هو ربّ ، هو الرحمن ، هو الرحيم ، فيكون كلّ منها مرفوعا على الخبرية
لمبتدإ محذوف.
ومنه : أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم.
وتقول : أحترم
محمدا التاجر ، (بنصب التاجر) ، أى : أعنى التاجر ، على سبيل معلومية (محمد) بدون
الصفة (التاجر) ، فيكون (التاجر) مفعولا به منصوبا لفعل محذوف ، وقد حذف الفعل مع
فاعله.
ز ـ ما هو
سماعىّ من الأمثال ، وسمع بالنصب ، وخرّج المنصوب على المفعولية ، إذ الأمثال وما
جرى مجراها لا يتغير بناؤها أو نطقها لتداولها وشهرتها بين الناس على ما توورثت
عليه ، ولا يفهم معناها فى التمثيل به إلا على ذلك ، ومنها :
ـ كليهما وتمرا
، أى أعطنى كليهما وزدنى تمرا ، فيكون كلّ من (كليهما وتمرا) مفعولا به منصوبا
محذوف الفعل والفاعل ، وقد يرفعان.
ـ كلّ شىء ولا
شتيمة حر ، أى : إيت كل ... ولا ترتكب شتيمة ... وقد يرفعان.
ـ امرأ ونفسه ،
أى : دع امرأ.
ـ الكلاب على
البقر ، أى : أرسل الكلاب.
ـ أحشفا وسوء
كيلة ، أى : أتبيع حشفا ..
ـ هذا ولا
زعماتك. أى : ولا أتوهم زعماتك.
ـ إن تأتنى
فأهل الليل وأهل النهار ، أى : فتجد أهل ...
ـ مرحبا وأهلا
وسهلا ، أى : أصبت مرحبا ، وأتيت أهلا ، وطبت سهلا.
__________________
ـ عذيرك ، أى :
أحضر ...
ـ ديار الأحباب
، أى : أذكر ديار ...
ـ الطريق يافتى
، أى : خلّ الطريق ...
ـ القرطاس ، أى
: أصبت ..
وما قد يوجد
متناثرا فى كتب الأمثال.
ح ـ المصادر فى
أحوال ما : وذلك إذا وقعت بدلا من فعلها فى مواضع تذكر فى المفعول المطلق ، ومنه :
ويح ، انتباها لا انصرافا عنا ، حمدا وشكرا ، له صوت صوت بلبل. أما علما فهو عالم.
حيث يقدر فعل محذوف من كلّ مصدر أو من معناه. كما يقدر معه فاعله.
حذف المفعول به :
جواز الحذف :
الأصل فى
المفعول به أن يذكر لأنه متلقى الحدث ، وهو جهة وقوعه عليه ، لكنه قد يحذف جوازا
لغرض لفظى أو غرض معنوى ، أو لدلالة عليه ، أو للتضمين أو فى باب التنازع ، ذلك على التفصيل
الآتى :
أ ـ الغرض
اللفظى ، يحقق الغرض اللفظى من حذف المفعول به : تناسب الفواصل ، كما فى قوله
تعالى : (وَالضُّحى (١)
وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ١ ، ٢ ، ٣]. أى : وما قلاك.
الإيجاز : كما
فى قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) [البقرة : ٢٤] ، أى : تفعلوه ، وقوله : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ
الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام : ٢٢] ، حيث حذف المفعولان للفعل (تزعم) ، والتقدير : تزعمونهم
شركاء.
__________________
ومنه قول
الكميت فى مدح آل البيت :
بأىّ كتاب أم
بأيّة سنّة
|
|
رى حبّهم
عارا علىّ وتحسب
|
التقدير :
وتحسب حبّهم عارا علىّ.
ب ـ الغرض
المعنوى : يحقق الغرض المعنوىّ من حذف المفعول واحد من المعانى الآتية :
ـ الاحتقار :
كما هو فى قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ
لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] ، أى : لأغلبنّ الكفار ، فحذف المفعول به للتهوين من
شأنهم.
ـ الاستهجان ،
كما هو فى قول عائشة : «ما رأى منى ولا رأيت منه» أى : العورة.
ـ الإيذان
بالتعميم ، نحو القول : إذا ظهر الفساد هبّ المصلحون فزجروا عنه ، أى : فزجروا
الناس عموما.
ومنه قوله
تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) [البقرة : ١٨٧] ، (وَأَصْلِحْ لِي فِي
ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف : ١٥]. (وَاللهُ يُحْيِي
وَيُمِيتُ) [آل عمران : ١٥٦].
ومنه أن تقول :
هو يعطى ويمنع ، ويحيى ويميت ، هو يسمع ويبصر ...
ـ التهويل ،
كأن يقال : فقد قال الناس فيهم ، وفى الاستعاذة منهم ، أى : قالوا قولا كثيرا.
__________________
ج ـ الدلالة
عليه ، يجوز أن يحذف المفعول به للدلالة عليه ، سواء أكانت دلالة معنوية ، أم
دلالة حالية يدلّ عليها مقتضى الحال أو السياق ، من ذلك قوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٦]. أى : فمن لم يجد الهدى ، أو : ما يشترى به الهدى ، وقد ذكر
فى قوله تعالى السابق لهذا : (فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).
ومثله قوله
تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) [المجادلة : ٤] ، أى : فمن لم يجد رقبة ، وهو مذكور فى الآية السابقة.
(فَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٤] ، أى : فمن لم يستطع الصيام : (وَلَوْ شِئْنا
لَرَفَعْناهُ بِها) [الأعراف : ١٧٦].
وفى القول :
ليس ذلك لمن مدحت ، ولا هذه صفة من وصفت ، أى : مدحته ، ووصفته.
(إِنْ أُوتِيتُمْ هذا
فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) [المائدة : ٤١].
__________________
ويكثر حذف
مفعول الإرادة والمشيئة ، ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ
لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل : ٩] ، أى : لو شاء هدايتكم ، وقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ
وَيَقْدِرُ) [الرعد : ٢٦] ، أى : لمن يشاء بسطه له. (وَلكِنَّ اللهَ
يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) [البقرة : ٢٥٣] ، أى : ما يريد فعله. (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ
ما يُرِيدُ) [المائدة : ١] أى : ما يريد الحكم به.
د ـ التنازع ،
يحذف المفعول به فى باب التنازع إذا كان المتنازع فيه مفعولا به لأحد المتنازعين ،
وقد جاز حذفه ، أو وجب ، كقولك : فهمت وفهمنى الصديق ، أى : فهمت الصديق وفهمنى.
ومنه : سألت
وسألنى المناقش ، أفهمت وأفهمنى الزميل
ه ـ التضمين ،
قد يحذف المفعول به لتضمن الفعل المتعدى معنى الفعل اللازم ، فلا يكون مفعول به ،
من ذلك قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) [النور : ٦٣] .. أى : يخرجون عن ...
امتناع حذف المفعول به
يمتنع حذف
المفعول به إذا كان هو المقصود من المعنى ، أو كان الممثل الوحيد للجملة الفعلية ،
ويكون ذلك فى المواضع الآتية :
أ ـ المفعول
المسئول عنه ، نحو : جنيها واحدا. جوابا للسؤال : كم جنيها أنفقت؟.
فيكون (جنيها)
مفعولا به منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة ، ويجب ذكره لأنه المسئول عنه ، وهو سبب
السؤال.
ومنه قوله
تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ قالُوا) [النحل : ٣٠] (خيرا) مفعول به منصوب.
__________________
ب ـ المفعول به
المحصور ، نحو : ما فهم محمد إلا قضية واحدة. (قضية) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة ، ويجب ذكره ؛ لأنه المحصور ، فهو المقصود معنويّا.
ومنه : إنما
أكرم المسئولون المجدّ. ما عاقب المدير إلا المهملين.
ج ـ المفعول
المتعجب منه ، نحو : ما ألذّ دراسة النحو! (دراسة) مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة ، وما دام هو المتعجب منه فإنه يجب ذكره.
ومنه : ما أحلى
أن يصدق المرء ، وما أفحش الكذّاب.
د ـ المفعولان
اللذان تحتاجهما الجملة الفعلية ، ويكون ذلك مع الأفعال التى تنصب مفعولين ؛ ذلك
لأنهما هما المقصودان من إنشاء الجملة ، من ذلك قولك : منحت الصديق الوفاء ، رأيت
التفكر شيمة العقلاء.
ه ـ المفعول به
المتنازع فيه : لا يحذف الاسم المتنازع فيه ، ويجب أن يذكر ؛ لأنه ينبئ عن الاسم
المطلوب للفعل المتنازع الآخر ، وهو دليل عليه ، فإذا كان مفعولا به فإنه يكون من
مواضع وجوب ذكر المفعول به ، ووجوب عدم حذفه ، مثال ذلك أن تقول : احترمنى واحترمت
الصديق ، بإعمال الثانى ، فيكون (الصديق) مفعولا به للاحترام الثانى ، ويمتنع
حذفه.
ومنه أن تقول :
ساعدنى وساعدت الجار ، فهمنى وأفهمت عليا ، قدرنى وقدرت الجليس.
و ـ المفعول
الذى حذف عامله فيما ذكر ـ سابقا ـ ذلك لأن المفعول به يكون المتبقى من الجملة
الفعلية ، فيكون الدالّ الوحيد عليها ، فلا يجب حذفه ، ويكون ذلك فى التراكيب
الآتية :
ـ الاختصاص ،
نحو : أنا ـ المسلم ـ أكره الفساد ، (المسلم) مفعول به منصوب على الاختصاص بفعل
محذوف ، تقديره : (أخص).
ـ التحذير ،
نحو : الحفرة الحفرة ، (الحفرة) مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره : (احذر).
ـ الإغراء ،
نحو : الصلاة الصلاة ، (الصلاة) مفعول به لفعل محذوف تقديره (الزم).
ـ النعت
المقطوع إلى النصب ، كقولك : أشفقت على جارى المسكين ، بنصب (المسكين) على أنها
مفعول به لفعل محذوف تقديره : أعنى ...
ـ ما ذكر فى
مثل ، كقولهم : الكلاب على البقر ، أى : دع الكلاب ، فيكون (الكلاب) مفعولا به
لفعل محذوف ، تقديره : دع.
إلباس النحاة الفاعل بالمبتدإ
يجعل جمهور
النحاة شبه الجملة متعلقة بفعل أو ما يشبه الفعل ، فإذا لم يكن الفعل موجودا فإنه
يقدّر فعل أو شبهه من الكون أو الاستقرار ، فإذا ابتدئت الجملة الاسمية بشبه
الجملة فإنها تتعلق بفعل أو شبهه ، عندئذ يلتبس بين كون الجملة اسمية أو فعلية ،
ويحدث إلباس الفاعل بالمبتدإ عند النحاة.
وتقوى جهة
الفاعلية عند كثير من النحاة باعتماد شبه الجملة على ما قبلها من :
ـ الاعتماد على
المبتدإ ، كقولك : هذا الرجل فى الداخل أبناؤه. محمد فى الدرج كتابه.
ـ الاعتماد على
ما كان مبتدأ ، كالمفعول الأول لظن ، نحو : ظننت هذا الرجل فى الداخل أبناؤه ، خلت
محمدا فى الدرج كتابه.
وكذلك المفعول
الثانى من مفعولات (أعلم وأرى) ، نحو قولك : أعلمت عليا محمدا فى الدرج كتابه ،
خبّرت صاحب الدار هذا الرجل فى الداخل أبناؤه.
ـ الاعتماد على
الموصوف ، نحو : رأيت رجلا معه ابنه ، أعجبت بشجرة عليها ورقها الكثيف ، مررت برجل
أمامه كلبه.
ـ الاعتماد على
الموصول ، وذلك بأن تكون شبه الجملة فى صدر الصلة ، نحو : جاء الذى عندنا أبوه ،
وحضر من في المنزل أخوه.
ـ الاعتماد على
صاحب الحال ، كقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ
السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [البقرة : ١٩] ، على أن (فيه ظلمات) فى محل نصب ، حال من (صيب) ؛ لأنه نكرة
موصوفة ، فجاز أن تكون صاحبا للحال ، أو حالا من المستتر فى (من السماء) ، فتكون
شبه الجملة قد اعتمدت على صاحب الحال ، فجازت الفاعلية فى (ظلمات).
__________________
ويجوز أن تجعل
ذلك من قبيل الاعتماد على الموصوف. ومثله قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢]. على أن (فيه هدى) فى محل نصب ، حال من اسم الإشارة ، أو من
الكتاب.
ويجوز أن
تجعلها من قبيل الاعتماد على المبتدإ.
ـ الاعتماد على
نفى ، كقولك : ما فى الدار محمود ، وما أمامك المدرس. ومنه قوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) [الصافات : ٤٧].
ـ الاعتماد على
استفهام ، نحو قولك : أفى الداخل صديقك؟. أعندك أخى؟
ومنه قوله
تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ
فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠].
ـ يرجحون
الفاعلية على الابتدائية فيما إذا وقع المرفوع بين همزة استفهام وفعل ، أو بين حرف
نفى وفعل ، نحو : (أَأَنْتُمْ
تَخْلُقُونَهُ). [الواقعة : ٥٩] ، (وَلا هُمْ
يَذَّكَّرُونَ) [التوبة : ١٢٦].
ويجيز النحاة
الابتدائية ـ حينئذ ـ لكنهم يمنعون الفاعلية فى مثل القول : فى درجه الكتاب ، أو :
فى داره زيد ، إجماعا ، كما يمنعون الفاعلية فى مثل القول : فى الدرج الكتاب.
خلافا للأخفش تعللا بأن هذا من مواضع جواز تقديم الخبر على المبتدإ.
__________________
البناء للمجهول فى الجملة الفعلية
إذا حذف الفاعل
حذفا مرادا فى بنية الجملة بحيث يكون مجهولا أو شبيها بالمجهول لأداء معنى معين
فإنه يقام مقامه ما ينوب عنه ؛ متخذا جميع أحكامه ، حيث لا يصحّ خلوّ الجملة
الفعلية من ركنها الثانى المرفوع. ويسمى (النائب عن الفاعل). فالنائب عن الفاعل هو
المفعول المقام مقام الفاعل ، وهو كلّ مفعول حذف فاعله وأقيم مقامه .
يتخذ نائب
الفاعل جميع أحكام الفاعل التى ذكرت من قبل من : سبقه للفاعل ، والاسمية ، والصور
التى يأتى عليها إلى جانب صور أخرى للنائب عن الفاعل من نحو : جواز كونه شبه جملة.
والرفع ، والمطابقة النوعية والعددية.
الفعل الذى يبنى للمفعول :
يجب أن يكون
الفعل الذى يبنى للمجهول أو لما لم يسمّ فاعله متعديا سواء أكان بواسطة أم بدون
واسطة ، فتقول : خرج من البيت ، وأصيب الهدف.
ويصير الفعل
المتعدى إلى واحد إذا بنيته للمجهول غير متعدّ ، والمتعدى إلى اثنين متعديا إلى
واحد ، والمتعدى إلى ثلاثة يصير متعديا إلى اثنين ، فتقول : أغلقت النافذة ، ظن
الباب مفتوحا. أعلم علىّ الضيف قادما.
ولا يصح بناء (كان)
وأخواتها للمجهول عند البصريين ؛ لأنها تعمل فى المبتدإ والخبر ، ولا بد لكلّ منهما من
الآخر ، فلو بنى للمجهول لحذف المرفوع وهو المبتدأ ، وهذا لا يجوز.
أما الأفعال
الجامدة فإن هناك اتفاقا على أنها لا تبنى للمجهول ، نحو : نعم ، بئس ، هب ، تعلّم
، حبّذا ، ليس ، عسى ، وفعل التعجب.
أغراض حذف الفاعل :
يحذف الفاعل من
الجملة لغرض لفظى أو معنوى ، من الأغراض اللفظية التي يحذف لها الفاعل :
__________________
ـ السجع فى
النثر : نحو : من طابت سريرته ، حمدت سيرته.
ـ النظم فى
الشعر : منه قول الأعشى فى هبيرة :
علّقتها عرضا
وعلّقت رجلا
|
|
غيرى وعلّق
أخرى غيرها الرجل
|
حيث بنى الفعل (علق)
فى المواضع الثلاثة للمفعول ، وحذف الفاعل لتصحيح النظم. وقول لبيد بن ربيعة :
وما المال
والأهلون إلا ودائع
|
|
ولا بدّ يوما
أن تردّ الودائع
|
__________________
ـ الإيجاز :
كما فى قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ
بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ) [الحج : ٦٠].
ـ الاختصار :
أى : إرادة المتحدث اختصار الكلام ، كقوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ
فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦]. ضمير المخاطبين (تم) مبنى فى محل رفع ، نائب فاعل.
أما الأغراض
المعنوية التى يحذف لها الفاعل فهى :
ـ ألا يتعلق
بذكر الفاعل غرض : نحو قوله تعالى : (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا
فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) [المجادلة : ١١] ، حيث الأمر عام.
ومنه قوله
تعالى : (وَإِذا حُيِّيتُمْ
بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) [النساء : ٨٦].
فالأمر عام لا
يحتاج إلى ذكر فاعل معين.
ومنه قول الملقى
فى الماء وهو لا يعرف السباحة : ألقيت فى الماء.
ـ علم المخاطب
بالفاعل ، نحو : خلقت من طين ، فالخالق معلوم دون ذكر.
ومنه قوله
تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) [البقرة : ٨٥]. حيث المردّودون إلى العذاب معروفون ، وهم الكافرون. ومنه
قولك : أنزل المطر ، سيّر السحاب. وقوله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ
ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨].
__________________
ـ جهل المخاطب
بالفاعل : نحو قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا
مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) [يوسف : ٦٥] ، حيث لا يعلم من الذى ردّ البضاعة إليهم.
ومنه أن تقول :
أجيب عن السؤال الأول. وقتل فلان. سرق المتاع.
ـ الخوف من
الفاعل : نحو : سأحاسب على كلّ صغيرة وكبيرة. حيث الخوف من الله تعالى.
ـ الخوف على
الفاعل : كأن تقول : كسر الزجاج ، حيث لا تريد أن يعرف فاعل الكسر خوفا عليه من
العقاب.
ـ التعظيم :
كقولك : ضرب اللصّ ، إذا كان الذى ضربه عظيما. ومنه : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠]. والمراد : قتل الله الخراصين.
ـ الاحتقار :
كقولك : سبّ الرئيس ، فالذى يسبّه حقير. قتل عمر بن الخطاب ، وقتل علىّ بن أبى
طالب ، فقاتلهما يحتقر.
عند حذف الفاعل
لأى غرض من الأغراض السابقة فإن الفعل تتغير بنيته.
ويهيأ للإسناد
إلى نائب عن الفاعل.
ما يجوز أن يكون نائبا عن الفاعل :
يجوز أن يقام
مقام الفاعل إذا كان مجهولا ما له علاقة معنوية من المفعولات بالفعل ، وتنحصر فيما
يأتى :
ـ المفعول به :
وهو فى المقام الأول فى نيابته عن الفاعل إذا كان مذكورا فى الجملة ، كقولك : فهم
الدرس ، استخرج المعدن ، تعلّمت المهنة ، شذّبت الشجرة ، شوهدت المسرحية.
كلّ من (الدرس
، المعدن ، المهنة ، الشجرة ، المسرحية) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة.
وكلّ مفعول به صالح أن يكون نائبا عن الفاعل.
ـ المصدر :
يجوز أن يقام المصدر مقام الفاعل إذا كان متصرفا مختصا لغير التوكيد ، أى : إذا
كان يصح استعماله غير مصدر مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ،
ويكون مختصا بالصفة أو الإضافة أو أداة التعريف ، فيكون لغير التوكيد حتى
يعطى فائدة ، وهو المصدر المبين للنوع ولعدد مرات الفعل.
فتقول : قيم
قيام معتدل ، صيم صيام الخاشع ، استعيد استعادة الواثق ، فهم الفهم ، سير السير.
كلّ من (قيام ،
صيام ، استعادة ، الفهم ، السير) نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
وتقول : سير
سيران : سير مصلح ، وسير سريع. أصيب ثلاث إصابات : سير به سير طويل ، سعى سعى
مبرور ، وسعى سعى الأتقياء ، وسعى السعى المحمود.
ولا يجوز إقامة
المصدر غير المتصرف مقام الفاعل ، نحو : سبحان ، معاذ ، عمرك الله.
ـ ظرفا الزمان
والمكان : يجوز أن يقام مقام الفاعل ظرفا الزمان والمكان بشرط أن يكونا متصرفين
مختصين.
والمقصود بتصرفهما
أن يخرجا عن الظرفية والتزام النصب ، ومما يلتزم النصب على الظرفية فلا يصح أن
يكون نائبا عن الفاعل : (سحر ، سحير ، ضحى ، عشاء ، عشية ، عتمة ، بكرة ، ذات مرة
، مساء ، صباح ، عتمة) إذا أريد بها وقت معين من يوم وليلة بعينها ، حيث تلتزم
النصب ـ حينئذ ـ على الظرفية ، وكذلك (دونك ، ووسط ـ بإسكان السين ـ وثمّ ، وعند)
حيث التزموا فيها النصب على الظرفية.
والمقصود
بالاختصاص أن يؤديا معنى مع ما سبقهما ، وذلك بالاختصاص بالصفة أو الإضافة أو
المعنى.
ومن ذلك : وقف
أمامك. سوفر يوم الخميس. كلّ من (أمام ، يوم) نائب فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه
الضمة.
وتقول : سير
وقت طيب ، جلس مكان حسن. سير به ميلان ، ومشى به يومان.
ـ الجار
والمجرور : اختلف فى إقامة الجارّ والمجرور مقام الفاعل ، لكن الأرجح والأكثر
شيوعا جواز إقامتهما نائبا عن الفاعل ، بشرط أن يكونا تامين ، أى : يجب أن يفيدا
معنى ، فتقول : مرّ بمحمود ، ورجع إلى الحق ، نظر فى الأمر. فيكون كلّ من (بمحمود
، إلى الحق ، فى الأمر) شبه جملة مبنية فى محلّ رفع ، نائب عن الفاعل.
وتقول : رضى عن
المحسن ، وتوجّه إليه.
ولا يقال : (فتح
منك) ؛ لأنه لا يفيد معنى ، فليس تاما.
ويختلف فى
نيابة المنصوب على نزع الخافض مع وجود المنصوب ، كما فى قولك : اختير الرجال زيدا
، ولكن الجمهور يمنع ذلك ويوجب نيابة المنصوب ، فيقال : اختير زيد الرجال.
واختلاف النحاة
قائم فى إقامة غير ما سبق مقام الفاعل ، والأكثر شيوعا المنع ، وذلك فى :
ـ المصدر
المقدر.
ـ المصدر المؤكّد.
ـ المفعول
الثانى لأفعال القلوب.
ـ الجملة
المعلقة لأفعال القلوب السادة مسد المفعولين.
ـ المفعول
الثالث لأعلم وما جرى مجراه ، وكذلك المفعول الثانى لهذه الأفعال.
أما ما عدا ذلك
من المنصوبات المشبهة بالمفعولات ـ كالحال والتمييز ـ فإنه لا يصح أن يقام مقام
الفاعل ؛ ذلك لأن الحال لا تكون إلا نكرة ، والفاعل قد يضمر ، والمضمر معرفة ،
فلذلك لا يجوز أن تكون الحال نائبا عن الفاعل.
أما التمييز
فإنه مرتبط معنويّا باسم فقط دون الفعل ؛ لذلك فإنه لا يصح أن يقام مقام الفاعل
الذى يرتبط بالفعل معنويا.
ولا يقام مقام
الفاعل ـ على الأرجح ـ المفعول لأجله ؛ لأن أصله أن يستعمل باللام ، ثم حذفت ، فلو
أقيم مقام الفاعل لبطلت دلالتها .
وكذلك المفعول
معه ؛ لأنه مسبوق بالواو التى أصلها العطف ، ولا بد من وجودها سابقة عليه ، فهى
فاصلة بينه وبين الفاعل فصلا دائما ، والفاعل كالجزء من الفعل ، والمفعول معه بدون
الواو لا يعطى معناه .
التغيرات الحادثة فى بنية الفعل المبنى للمجهول
عند إسناد
الفعل إلى المفعول فإن مبنى الفعل يحدث به تغييرات ؛ ليختلف عن صيغته الطبيعية
التى تكون حال بنائه للفاعل أو للمعلوم ، وذلك ليدلّ ببنائه المتغير على إسناده
إلى ما لم يسمّ فاعله ، وهو النائب عن الفاعل ، وتكون التغيرات الحادثة فى الفعل
على النحو الآتى :
أولا : الفعل الماضى :
حال بناء الفعل
الماضى للمجهول يتبع ما يأتى من أحكام :
ـ الفاء : تضمّ
، لكنها : تسكن إذا جاءت فى الفعل بعد همزة الوصل أو همزة القطع الزائدتين ، وكان
الفعل غير مضعف إلا فى مثال (انفعل) ، حيث تكون فاؤه مضمومة حال بنائه للمجهول.
تكسر إذا كان
الفعل أجوف ، والفاء غير مباشرة لهمزة الوصل أو همزة القطع الزائدتين ؛ ذلك لأن
حرف العلة فى الفعل الأجوف ينقلب إلى ياء مدّ بدلا من الكسرة ، والياء يناسبها
الكسرة قبلها ، والفاء هى التى تسبق حرف العلة فتحمل الكسرة.
__________________
إذا كان الفعل
الماضى مضعفا فإن الكوفيين يجيزون كسر الفاء ، كما أنه يجوز فيها الإشمام.
ولكن الفاء
تكسر فى الفعل الماضى المضعّف المبنى للمجهول إذا كان زائدا بالهمزة.
عين الكلمة :
تكسر مطلقا ، إلا فى الفعل الأجوف ، فإنها تقلب إلى ياء مدّ ، مع ملاحظة أن فيها
لغتى الإشمام والقلب إلى واو.
إذا كان الفعل
مضعفا ثلاثيا فإن المثلين يدغمان حيث يسكّن أولهما ، وهو عين الكلمة.
أحرف الزيادة :
تضمّ أحرف الزيادة.
إذا كان الفعل
مضعفا ، فإن المضعفين يدغمان فيسكن أولهما.
إن كان حرف
الزيادة ألفا ، كما فى (فاعل وتفاعل) فإنه ينقلب إلى واو ليناسب الضمة.
إذا توالى حرفا
زيادة فإن الثانى منهما يسكن ، مع المحافظة على قاعدة المضعف.
إذا توالى
ساكنان فإن حرف الزيادة يحذف لالتقاء الساكنين.
مثال الماضى الثلاثى غير المضعف أو الأجوف :
كتب الدرس ،
فهم الموضوع ، سمعت الفكرة ، شرب اللبن ، ملئ الكوب ، روى الزرع ، طويت الصفحة ،
وجد الكتاب.
تلحظ أن
الأفعال الماضية السابقة مبنية للمجهول ، وقد ضمت فاؤها ، وكسرت عينها ـ أى : ما
قبل آخرها ـ وتلحظ أن نائب الفاعل مرفوع فى كل جملة.
مثال سكون
الفاء فى الماضى الثلاثى غير المضعف المبنى للمجهول بعد همزتى الوصل والقطع
الزائدتين : أكرم الضيف ، استخرج البترول ، افتتح الحفل ، التمس الحقّ. اهتدى
إليه.
لكن الفاء تكون
مضمومة فى مثال (انفعل) ، حيث يقال : انطلق إلى السباق ، انعطف إليه.
تلحظ كسر العين
(وهو ما قبل الآخر) فى الأفعال السابقة ، ورفع نائب الفاعل فى كل جملة.
مثال كسر الفاء فى الماضى الثلاثى المضعف إذا كان زائدا بالهمزة :
أعدّت المائدة
، استعدّ له. أمدّ بالحبل ، استردّ المفقود. أقلّ الماء ، استقلّت الطائرة. أعفّ
عن الزلل. استمدّ منه العون.
فإذا كان على
مثال (افتعل) أسكنت الفاء ، حتى لا تقع بين مضمومين ، فتقول : اهتزّ ، اعتدّ ،
امتدّ ، ارتدّ ، امتنّ. افتنّ. اجترّ.
وإذا كان على
مثال (انفعل) فإن الفاء تكون مضمومة ، مثال ذلك : انسلّ ؛ انضمّ ، انجرّ.
ومثال كسر الفاء فى الماضى الأجوف إذا لم تكن بعد همزتى القطع والوصل
الزائدتين
، وذلك لقلب
حرف العلة الأجوف إلى ياء : قيل الصدق ، بيع المنزل ، أعيد الحقّ ، استعيد المفقود
، اختير المستحقّ جائزة ، انقيد إلى الهداية ، استميل إليه ، أميل العمود. أريد
العدل.
وبعضهم يبقى
الضمّ ، فتقلب الألف واوا بدلا من الياء ، كما أن بعضهم يقرأ بإشمام الضم ، ومنه
قول رؤبة :
ليت وهل ينفع
شيئا ليت
|
|
ليت شبابا
بوع فاشتريت
|
__________________
حيث قلب ألف
الماضى الأجوف (باع) إلى واو للمحافظة على ضمة الفاء ، فأصبح (بوع). ومنه قول رؤبة
:
حوكت على
نيرين إذ تحاك
|
|
تختبط الشوك
ولا تشاك
|
يقلب ألف (حاك)
إلى واو لمناسبة ضمة الحاء.
وقد روى
البيتان بإخلاص الكسر ، وبه مع إشمام الضم ، وبالضم الخالص.
ويرى بعضهم منع
لغة الضمّ الخالص فى صيغتى (انفعل ، افتعل) ، هذا إذا أمن اللبس ، فإن لم يؤمن
اللبس فإنه يجب :
أ ـ أن تكسر
الفاء فى الأجوف الواوى ، الذى مضارعه على مثال (يفعل) بضمّ العين ؛ حتى لا يلتبس
بالإسناد إلى الفاعل ، فيقال : سمت ، بكسر السين ، أى :
__________________
سامنى المشترى ، من السوم ؛ لأنك لو ضممت السين لالتبس المبنىّ للمجهول
بالمبنى للمعلوم ؛ لأن إسناد الفعل (سام) إلى تاء الفاعل ينطق (سمت) بضم السين ،
فتحدث المخالفة فى نطقها حين بنائه للمجهول للتمييز بين حالتيه.
وتقول : عدت ،
أى : أعادنى غيرى ، من العود.
ب ـ أن تضمّ
الفاء فى الأجوف اليائى والأجوف الواوى الذى مضارعه على مثال (يفعل) بكسر العين
وفتحها ، وذلك كى لا يلتبس بالإسناد إلى الفاعل ، فيقال : بعت (من البيع) ، بضمّ
الباء ، أى : باعنى سيدى. لأننا لو كسرنا الباء لالتبس بالمسند إلى الفاعل.
وتقول : خفت ،
أى : أخافنى غيرى ؛ لأن المضارع (يخاف) ، أى : (يخوف) ، ولو كسرت الخاء لالتبس
بالمسند إلى الفاعل.
وتقول : خلت
غائبا ، أى : خالنى غيرى غائبا. فيكون تاء المتكلم نائب فاعل ، وهو المفعول به
الأول.
مثال المضعّف الثلاثى :
هدّ الحائط ،
مدّ الحبل ، شدّت الملاءة ، هزّت الحبوب ، ردّ الدّين ، شمّت الرائحة ، عدّ محمود
من الناجحين ، صكّت النقود الجديدة.
تلحظ أن الفاء
فى كلّ الأفعال مضمومة ، لكن العين قد سكّنت لاجتماع المثلين فأدغما.
وضمّ فاء
الماضى الثلاثى المضعف واجب عند الجمهور ، لكن الكوفيين يجيزون كسرها ، ومنه قراءة
قوله تعالى : (هذِهِ بِضاعَتُنا
رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥] بكسر راء (ردت) .
كما ذكر فيها
الإشمام فقد ذكر ابن مالك :
وما لباع قد يرى لنحو حب
__________________
أى : أن (حب)
وهو ماض ثلاثى مضعف يجوز فيه ما فى (باع) من الإشمام.
وأنبه إلى ما
ذكرناه من أن الفاء تكسر فى المضعف الثلاثى إذا كان زائدا بالهمزة كما فى : أمدّ ،
واستمدّ. ما لم يكن على مثال (افتعل) فإن الفاء تسكن. وإذا كان على مثال (انفعل)
فإن فاءه تضم.
مثال الثلاثى المزيد المبنى للمجهول فتضم منه الأحرف الزائدة ما لم تكن
متوالية :
أفهم الدرس ،
اعتدى عليه ، اعتلّ الفعل. اجتمع معه ، أجهل الغرض. أشطر الرغيف. افتتح المعرض.
اجتزئ الموضوع.
ومثال المضعف منه فيسكن أولهما :
كرّم المجتهد.
تقوّى به ، تعلّم منه ، اعلوّط برقبة البعير ، اهتزّ الحبل. تقدّم به.
تمرّن عليه.
تولّى اليتيم ، ربّى الزرع. تخلّص منه.
ومثال قلب الألف الزائدة واوا :
حورب المعتدى.
تهودى إليه. تبوعد بينهما. قوبل بالإحسان. عومل معاملة حسنة. تشوور معه.
ومثال تسكين الثانى من أحرف الزيادة إذا توالى اثنان منهما :
استخرجت
المعادن ، انصرف عنه. انفتح على الحضارات الأخرى. استعيد الحقّ.
ملحوظتان :
أ ـ الماضى
المبدوء بهمزة زائدة :
إن كان الفعل
مبدوءا بهمزة وصل (أو زائدة) فإنها تضم مطلقا ، ويضم معها تاء الافتعال فى (افتعل
، واستفعل) ، نحو : افتتح ، التمس. اعتدى عليه. استعدى. استكتب. استنفر.
ب ـ الماضى المبدوء بتاء زائدة :
إن كان الماضى
مبدوءا بتاء زائدة ضمّت التاء مع فاء الكلمة ، أى : ضمّ الأول والثانى ، نحو :
تعلّم ، تقوتل ، تووصل معه ، تقدّم إليه. تزكّى عليه. تمنّى النجاح. تمودى فى
الخروج على الجماعة.
ج ـ المضارع :
يراعى فى الفعل المضارع ما يأتى : يضم الأول مطلقا.
يفتح ما قبل
الآخر.
ـ إذا كان
المضارع أجوف فإن حرف العلة ينقلب إلى ألف ، فتفتح فاء الكلمة التى تسبقه للنطق به
، إلا إذا كان على مثال (يفاعل ويتفاعل) فإن حرف العلة يقلب إلى أصله ويحمل
الفتحة.
كما أنه إذا
كان مضعفا فإنه يقلب إلى أصله ويدغم المثلان.
المثلان يدغمان
فيسكن أولهما.
مثال المضارع :
يعلم الخبر ، يستفهم عن الصواب. يقدّم المشروب إلى الضيف ، يعادى الشرّير. يهتدى
به. يكرم الضيف. يقدّر المحترم. يشاهد العرض. يحاكى الأستاذ. يحكى أنه ملتزم. يوصف
المنظر.
مثال الأجوف :
يقال الصدق. تباع السيارة. يعاد إليه. يستمال إليه. يصام رمضان. يحاك الثوب.
ومثال الأجوف
على وزن (يفاعل ويتفاعل) : يقاوم المعتدى ، يساوم البائع ، يعاود المريض ، يتمايل
إليه ، يتساوى معه ، يتقاول عليه.
وتقول : يقوّم
المعوجّ ، يعوّد على الصحيح ، يتقوّل عليه.
وتقول فى
المضعف : يهدّ الحائط ، يعدّ الحفل. يستعدّ له. يستمدّ منه العون.
يهتزّ الوتر.
تعتلّ العين.
ـ إذا كان
العامل فى الفاعل اسم فاعل أو غيره من الصفات المشتقة فإنه عند بنائه للمجهول يحول
إلى اسم مفعول ، فتقول فى : أفاهم محمد درسه؟ أمفهوم
الدرس؟ (درس) فى المثال الأول مفعول به لاسم الفاعل (فاهم) ، وهو فى المثال
الثانى نائب فاعل لاسم المفعول (مفهوم). الحظ تغير صيغة اسم الفاعل إلى صيغة اسم
المفعول عند البناء للمجهول.
وتقول : أمعلوم
الخبر؟ ما مصدّق الكاذب. أمستمال إليه؟ ما مكتوب هذا المثل.
احتساب النائب عن الفاعل :
لقد فهم النحاة
ظاهرة النائب عن الفاعل فى الجملة العربية فهما صحيحا ، حيث بنوا دراستها على أساس
العلاقة بين الحدثية المتضمنة فى لفظ الفعل وما أسندت إليه ، وتفهم هذه العلاقة من
جانبين :
أولهما : جانب
الإسناد ، فالفعل محتاج بالضرورة إلى ما يسند إليه ؛ حتى تكون الجملة الفعلية
مفهومة لدى المتلقى.
والآخر : جانب
السياق المعنوى ، وهو مجمل المعنى المراد من الجملة ، حيث يتكون من العلاقات
المعنوية بين ألفاظ الجملة الواحدة ، على أساس هذه العلاقات يحدد الضبط الإعرابى
لكلّ كلمة فى الجملة.
على أساس هذه
العلاقة حدد النحاة الاسم المرفوع فى الجملة فى حال جهل الفاعل بالنائب عن الفاعل
، أو بالمفعول الذى لم يسمّ فاعله ، واتخذ أحكام الفاعل بكل جوانبها ـ كما ذكرنا
سابقا.
وكما لا يكون
الفاعل إلا واحدا فى الجملة لا يكون نائب الفاعل إلا واحدا ، فإن كان فى الجملة
أكثر من مفعول أقمت أحدها مقام الفاعل ليتخذ أحكامه ، ونصبت الباقى ، لكنّ لذلك
أحكاما قائمة على الجوانب المعنوية فى الجملة نابعة من موقعية مفرداتها. وذلك على
التفصيل الآتى :
أولا : إن كان
الفعل من باب (أعطى) ، أى : الأفعال التى تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر
أقمت الأول أو الثانى مقام الفاعل ، وذلك إن أمن
الالتباس ، نحو
: كسى علىّ ثوبا ، كسى ثوب عليّا. حيث الفعل (كسا) ينصب مفعولين ليس أصلهما
المبتدأ والخبر ، فترفع أيّا من المفعولين (على ، وثوب) ليكون نائبا عن الفاعل ،
وتنصب الآخر مفعولا به ثانيا.
ومنه أن تقول :
منح الأول جائزة. ألبست الطفلة حلة ، أعطى الفقير جنيهين.
والالتباس بين
المفعولين مأمون ؛ لأن أحدهما فاعل فى المعنى بالضرورة ، فكلّ من المانح والكاسى
فاعل ، أما الممنوح والمكسو فكل منهما مفعول به ، ويفهم ذلك من السياق اللغوى أو
العلاقات المعنوية بين الكلمات فى الجملة ، وهى العلاقة المعنوية الثلاثية بين
الإعطاء أو الإلباس وما فى معناهما والمعطى أو الملبس أو المعطى أو الملبس.
لكنه إن لم
يؤمن اللبس فإن الفاعل فى المعنى هو الذى يقوم مقام الفاعل المجهول لا غير ، ففى
نحو قولك : أعطينا خليلا عليا ، كلّ من (خليل وعلى) يصلح أن يكون فاعلا فى المعنى
، أى : معطى له ، أى : آخذا ، ولأمن هذا الالتباس يكون المتقدم هو الفاعل فى
المعنى ، أى المعطى له الآخذ ، وهو (خليل) ، ويكون ذلك من خلال الرتبة لفظا فيكون
النائب عن الفاعل ، فتقول بالضرورة : أعطى خليل عليا.
ثانيا : إن كان
الفعل من باب (ظنّ) ؛ أى : الأفعال التى تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ؛
فإنك تقيم الأول ؛ وهو المبتدأ فى الأصل ، وتمنع إقامة الثانى ، وهو الخبر فى
الأصل ، ذلك لأن المبتدأ حقّه الذكر أولا ؛ لذا فإنه يتخذ مقام الفاعل فى حال حذفه
، فيقال : ظنّ محمود مجتهدا ، (محمود) المبتدأ ، خبره (مجتهد) ؛ لأن أصل الجملة
الاسمية (محمود مجتهد) ، فلما دخل عليها الفعل القلبى (ظن) مبنيا للمجهول أقمت
المبتدأ (محمود) مقام الفاعل ليكون نائبا عنه ، ويرفع.
وتقول : أعلم
علىّ أنك حاضر. حسب محمود الأول. زعم الأستاذ موجودا.
ثالثا : إذا
اجتمعت عدة مفعولات (اسم وغيره) أقيم الاسم ـ على الوجه الأصح ـ فيقال : ذوكر
الدرس مذاكرة صباحا فى حجرة المكتب ، حيث (الدرس) مرفوع على أنه نائب عن الفاعل.
وأجاز الكوفيون
إقامة غير الاسم مقام الفاعل ، ومنه قراءة أبى جعفر : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا
يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤] ، ببناء الفعل (يجزى) للمجهول.
ونصب (قوما) ،
وحينئذ يكون مفعولا به ، ويحتاج الفعل إلى نائب عن الفاعل يخرّج على وجهين عند
جمهور النحاة ، حيث لا يرتضون إقامة غير الاسم مقام الفاعل فى وجود
الاسم ، وهما :
ـ إما أن يقدر
من سياق الكلام ، فيكون تقديره : الخير ، ويكون الكلام : ليجزى الخير قوما.
ـ وإما أن يقدر
مصدرا من الفعل المذكور ، ويكون الكلام : ليجزى الجزاء قوما.
وهذا لا يتفق
مع كثير من النحاة.
ومثل ذلك قراءة
قوله تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ
يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] ، ببناء الفعل (يخرج) للمجهول ، ونصب (كتابا) ، فيحتاج
الفعل ـ حينئذ ـ إلى نائب فاعل غير (كتاب) ، ولا يوجد غير شبهى الجملة ، فتقام شبه
جملة عند بعض النحاة ، لكن الجمهور يرون تقدير نائب فاعل مضمر يعود على طائر ،
ويكون الكلام : يخرج له طائره كتابا ، أى : مكتوبا على أنها حال . وقد يكون نائب الفاعل المصدر من (خرج).
ومنه قول رؤبة
:
لم يعن
بالعلياء إلا سيدا
|
|
ولا شفى ذا
الغىّ إلا ذو هدى
|
__________________
حيث نصب الاسم (سيدا)
مع بناء الفعل (يعن) للمجهول ، ولا يوجد إلا شبه الجملة (بالعلياء).
ويجعل البصريون
القراءة شاذة ، والبيت ضرورة.
ـ إن لم يوجد
اسم أقيم المصدر على الأصح ، وإن لم يوجد أقمت أيّا مقام الفاعل ، فتقول : سير سير
سريع صباحا فى الملعب ، فيكون المصدر (سير) نائبا عن الفاعل ، فى وجود شبهى
الجملة.
ولكنك تقول :
سير صباح فى الملعب ، وسير فى الملعب صباحا ، فتجعل أيّا من شبهى الجملة نائبا عن
الفاعل فى حال عدم وجود الاسم والمصدر.
ومن النحاة من
يجيز إقامة المجرور مقام الفاعل مع وجود المصدر والظرف ، فيقال : سير بزيد فرسخا .
وبين النحاة
خلاف فيما سبق ، لكن المذكور هو الأرجح.
__________________
المفعولات
انتهينا من
دراسة الجملة بقسميها الأساسين ـ اسمية وفعلية ـ سواء أكانت مجردة أم كانت مسبوقة
بما يدلّ على العلاقة بين ركنيها ، من نحو : التوكيد ، والتشبيه ، والتمنى ، أو
الرجاء ، والزمن الوجودى ، والنفى ، والصيرورة ، والمقارنة ، والرجاء ، والشروع.
كما نقوم
بدراسة الجملة الاستخبارية الممثلة فى الاستفهام فيما بعد.
نشرع فى القسم
التالى من هذا المؤلف فى دراسة ما هو فضلة فى الجملة بقسميها السابقين ، ويقصد
بالفضلة ما كان زائدا عن الركنين الأساسين ، ولا يعنى بالزيادة الاستغناء عنها ،
فلكلّ فضلة فى الجملة أداء دلالىّ ، ربما يكون ضرورة ، وهو ضرورة لدى المتحدث ؛
لأنه المنشئ للجملة ، ويقصد بها مجموعا دلاليا معينا ، لا يكون إلا من خلال ما
نسميه فضلة.
وعلينا أن نلحظ
أن الجملة العربية فى بعض مبانيها قد تحتاج بالضرورة إلى ذكر فضلة معينة أو أخرى
لأداء معنى ، ولا يكون دلالة الجملة إلا بذكر هذه الفضلة.
فلا تستطيع أن
تلفظ بجملة تامة الركنين ؛ أحدهما فعل من أفعال القلوب ؛ إلا وقد ذكرت مفعوليه
متكاملين.
ويوجد فى اللغة
بعض التراكيب التى تستوجب ذكر الحال ، أو تجعل شبه الجملة أو المفعول به أو غير
ذلك واجب التلفظ به.
والفعل المتعدى
يحتاج إلى مفعول به أو أكثر ، وهو ما يلاقى هذا الحدث الناتج من لفظ الفعل ، سواء
أكان هذا المفعول به ملفوظا به ، أم مقدرا ذهنيا ، أم مقدرا سياقيا.
والفضلات
المقصودة هنا هى المفعولات الخمسة : المفعول به ، المفعول المطلق ، والمفعول لأجله
، والمفعول معه ، والمفعول فيه بنوعيه الزمانى والمكانى.
ونلحظ أن
المفعول به قد درس متداخلا مع ركنى الجملة الفعلية ، حيث يرتبط المفعول به بالركن
الأول منها ربطا أكيدا ، وهو الفعل ، أو ما يشبه الفعل.
كما يدرس فى
هذا القسم : الحال والتمييز والاستثناء ، وكلّها فضلات تختص بالجملة الفعلية ، أو
ما فيه معنى الجملة الفعلية ، سواء أكان جملة مستقلة ، أم كان متعلقا بجملة ،
وأعنى بذلك الأسماء العاملة عمل الفعل.
والفضلة فى
الجملة العربية إذا كانت فضلة لفظية فإنها تكون ذات ضرورة معنوية ، إما من جهة
المتحدث أو منشئ الكلام ، وإما من جهة نظام التركيب المتلفظ به.
وأنوه إلى أنه
يدرس ـ كذلك ـ فى هذا القسم القضية النحوية التى تتعلّق بهذه المعانى ، وهى قضية
التنازع.
كما تدرس
القضية التى ترتبط بالجملتين الاسمية والفعلية معا ، وهى قضية الاشتغال ، حيث تكون
الجملة التى فيها اشتغال مترددة بينهما.
المفعول المطلق
مثاله :
ذاكرت الدرس
مذاكرة جيدة.
فهمت الفكرة
فهم المدققين.
أخرجت الكتاب
إخراجا.
استمعت إليه
استماعا واعيا.
أظن الظنّ أن
هذا هو الصواب.
ركعت ركعتين ،
وسجدت سجدات.
قوى به قوة ،
وانتصر به انتصارا ، فنزعه منه نزعا قويا ، وجذبه إليه جذبا شديدا.
المصطلح :
يسمى المفعول
المطلق ، أو المفعول بغير صلة ، أو المصدر ، أو الحدث ، وهو مفعول لأنه المفعول
الحقيقى الذى أوجده الفاعل ، فإذا ذكر فعل وفاعل ، مثل : فهم محمد ، فإننا نفهم من
ذلك أن محمدا قد أحدث أثرا بقيامه بعمل ما ، وهذا الأثر هو (الفهم) ، فالفهم مفعول
بواسطة محمد بالقيام بعمله.
فهو نسبة بين
الفاعل وحدث قام به بحيث صار فاعلا لقيامه به.
__________________
وهو مطلق لأن
معنى المفعولية تنطبق عليه دون قيد ، أى : بدون واسطة كسائر المفعولات ، من :
المفعول به ، والمفعول له أو لأجله ، والمفعول معه والمفعول فيه. فكل مفعول مما
سبق ذكره يقيد بواسطة حرف الجر : الباء ، واللام ، و (مع) ، و (فى). وهو مصدر
لصدور الأفعال عنه واشتقاقها منه.
وهو الحدث لأنه
الأثر الناتج عن القيام بفعل ما ، أو الحدثان السائر نتيجة إحداث فعل ما. فالمفعول
المطلق هو الحدث مطلقا.
وأنوه إلى أن
كلّ فعل فى اللغة يتضمن حدثا مقرونا بزمن ما ، سواء أكان فعلا لازما ، أم فعلا
متعديا. لهذا فإن لكلّ فعل مفعولا مطلقا دون قيد أو شرط. ومن هنا يسمى المفعول
بغير صلة. أى : بغير حرف جر.
والمفعول
المطلق حينئذ : هو المصدر الصريح المنصوب الذى يؤتى به لتحقيق :
ـ تأكيد فعل
المصدر ، فيفيد ما أفاده الفعل من الحدث من غير زيادة.
ـ أو بيان نوع
الفعل أو العامل ، فيفيد معنى زيادة على معنى التوكيد.
ـ أو بيان عدده
، أى : عدد مرات الفعل أو العامل.
والمصدر هو اسم
الحدث الناتج من الفعل ، ويوافقه باللفظ أو بالمعنى.
وسمى المصدر
مصدرا لأن فعله صدر منه ، وكذلك سائر المشتقات التى تتفرع عنه.
وعلى ذلك فإن
مثال الأول (المؤكد للفعل) : فهمت فهما ، وخرجت خروجا ، واستعلمت استعلاما ،
وتسامحت تسامحا ، وقدّم تقديما ، وولّى تولية ، وتعدّى تعدّيا ، وأكرم إكراما ،
وأعلى إعلاء ، واسترخى استرخاء ، وقال قولا ، وباع بيعا ، ورمى رميا ، وطفا طفوا ،
وهدّ هدا ، ودحرج دحرجة ، وزلزل زلزالا وزلزلة ..
أما مثال
الثانى (المبين لنوع الفعل) فإنه يقع فى ثلاث هيئات :
ـ أن يكون
موصوفا : نحو : أفهم فهما متقنا ، وخرج خروجا سريعا ، وقال قولا صادقا ، وأعمل
عملا جادا ..
ـ أن يكون
مقرونا بأداة التعريف التى تفيد العهد : نحو : فهمت الفهم ، وتعلم التعلم ،
واسترضى الاسترضاء ، وأهدى الإهداء.
ـ أن يكون
مضافا : نحو : أفهم فهم المتقنين ، أعمل عمل الجادّين ، أتقن إتقان المؤمنين ،
أجيب إجابة الواثق.
ويقال : إن كلا
من الثانى والثالث موصوف. والتقدير فى القول : فهمت الفهم ، أى : فهمت الفهم
الكامل ، ويصرح بالصفة مع تعريف المفعول المطلق فى قوله تعالى : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر : ٨٥] أما التقدير فى القول : فهمت فهم المتقنين ، أى : فهمت فهما
مثل فهم المتقنين.
أما مثال
الثالث فهو : رميت رمية ، ورميتين ، ورميات ، سجدت سجدة ، وسجدتين ، وسجدات.
ويحترز بالنصب
من المصدر المرفوع الذى قد يقع خبرا فى نحو : فهمك فهم دقيق. حيث : (فهم) الأولى
مبتدأ ، والثانية خبر.
ومن المصدر
الذى لا يكون مفعولا مطلقا قولك : كتابه كتاب جديد ، وعلمه علم واسع ، وكانت
إجابته إجابة سليمة ، وأصبحت معرفته به معرفة واسعة ، وإن إكرامه إكرام حاتمى.
ويخرج بذلك :
اغتسل غسلا ، وتطهر طهرا ، وتوضأ وضوءا ، وأعطى عطاء ؛ لأنها مصادر لم تجر على
أفعالها فى جميع حروفها ، فهى أسماء مصادر لا مصادر.
ويحترز بالصريح
مما يكون من المصادر الصناعية والمصادر الميمية ، نحو : الوطنية ، والحرية ، ومقتل
بمعنى القتل. ومنطلق بمعنى الانطلاق.
أصلية كل من المصدر والفعل :
اختلف النحاة
فى كون أىّ من الفعل والمصدر أصلا :
ـ فيذهب
البصريون إلى أن المصدر أصل ، والفعل والوصف مشتقان منه.
ـ أما الكوفيون
فإنهم يذهبون إلى أن الفعل أصل ، والمصدر مشتق منه.
ـ ويذهب آخرون
إلى أن المصدر أصل ، ثم يشتق الفعل من المصدر ، ثم يشتق الوصف من الفعل.
ـ ويرى ابن
طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل بنفسه ، وليس أحدهما مشتقا من الآخر.
العامل فى المفعول المطلق :
ينتصب المفعول
المطلق بثلاثة عوامل :
أ ـ الفعل :
يجب أن يكون
متصرفا ، تاما ، عاملا ، أى : لا يكون ملغى عن العمل. كما لا يكون فعل التعجب.
ويمثل لنصب
المفعول المطلق بعامل الفعل بالأمثلة المذكورة سابقا.
فالفعل الجامد
، نحو : نعم ، بئس ، ليس ، حب ، عسى ، هب ، تعلّم .. لا ينصب مصدرا ، ولذلك فإن
كثيرا من النحاة يذهبون إلى أن هذه الأفعال الجامدة تفقد المصدرية أو الحدثية.
كما لا ينصب
الفعل الناقص مصدرا ، نحو : كان وأخواتها ، وأفعال المقاربة والرجاء والشروع.
كما لا ينصب
الفعل الملغى عن العمل مصدرا ، نحو : ظن وأخواتها حال تأخرها عن معموليها.
كما لا ينصب
فعل التعجب المصدر ، نحو : ما أحسن ، وأعظم به.
ومن أمثلة نصب
الفعل المتصرف التامّ العامل للمصدر ما يأتى : وضعت الكتاب فى هذا المكان وضعا ،
ورتبته ترتيبا ، واطمأننت على وجوده اطمئنانا وثيقا.
(وَتَظُنُّونَ بِاللهِ
الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠]. (قُلْتُمْ ما نَدْرِي
مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) [الجاثية : ٣٢].
ومنه : (نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
تَنْزِيلاً) [الإنسان : ٢٣]. (يُفَجِّرُونَها
تَفْجِيراً) [الإنسان : ٦] ، (وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان : ١٤]. (قَدَّرُوها
تَقْدِيراً) [الإنسان : ١٦]. (وَإِذا شِئْنا
بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) [الإنسان : ٢٨].
تلحظ أن صيغة
المصدر تتلاءم مع صيغة الفعل ـ ثلاثيا أو رباعيا أو خماسيا أو سداسيا ـ حيث كان :
وضع وضعا ـ رتّب ترتيبا ـ اطمأنّ اطمئنانا ـ ظن ظنونا ـ نزّل تنزيلا ـ فجّر تفجيرا
ـ ذلّل تذليلا ـ قدّر تقديرا ـ بدّل تبديلا.
وتقول : أكرم
إكراما ـ أسدى إسداء ـ أنهى إنهاء ـ تعلّم تعلّما ـ تزكّى تزكّيا ـ أعجب إعجابا ـ آمن
إيمانا ـ أطلق إطلاقا ـ ألغى إلغاء ـ تفانى تفانيا ـ أعاد إعادة ـ استخرج استخراجا
ـ استعدى استعداء ـ استمال استمالة ـ انبرى انبراء ـ انصرف انصرافا ...
وتقول : تعدّى
تعدّيا ، وعدّى تعدية ، وعادى معاداة ، قوّى تقوية ، وتقوّى تقوّيا ـ ولّى تولية ،
والى موالاة ، تولّى تولّيا ، توالى تواليا ...
قاتل قتالا
ومقاتلة ، وقاوم مقاومة ، وناهض مناهضة ...
وتقول : جال جولانا
ـ صهل صهيلا ـ عوى عواء ـ نأى نأيا ـ قال قولا ـ باع بيعا ـ مال ميلا ـ سعد سعدا ـ
فاز فوزا ـ صبر صبرا ـ سقى سقيا ـ ذهب ذهابا ـ علا علوا ـ وقف وقوفا ـ صاغ صوغا
وصياغة ...
ب ـ المصدر :
يعمل المصدر
النصب فى المفعول المطلق مطلقا ، سواء أكان ذلك لفظا ومعنى ، نحو : أعجبت باحترامك
الآخرين احتراما شديدا. حيث (احترام) الأول مصدر مماثل فى اللفظ والمعنى لاحترام
الثانى المنصوب به.
ومنه قوله
تعالى : (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ
تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً) [الإسراء : ٦٣]. (جزاء) مفعول مطلق منصوب ، والعامل فيه المصدر السابق عليه
(جزاؤكم).
أم أكان المصدر
مماثلا للمفعول المطلق فى المعنى دون اللفظ ، نحو : لاحظت قيامك وقوفا. (وقوفا)
مصدر منصوب ، والعامل فيه مرادفه (قيام). ومنه : أعجبنى إيمانك تصديقا. نعم ما
تتصف به تيسيرك الأمور تسهيلا.
ح ـ الصفات المشتقة :
تنصب الصفة
المشتقة المصدر فيما إذا كانت متصرفة ، أى : غير جامدة ، فينصب اسم الفاعل ، واسم
المفعول ، وصيغ المبالغة. ذلك نحو :
ـ أنا فاهم
الدرس فهما. (فهما) مصدر منصوب باسم الفاعل (فاهم) ، وهو من لفظه.
ـ ومنه : (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ
نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) [المرسلات ٢ ـ ٤].
ـ وكذلك : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢)
وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) [النازعات ٢ ـ ٤].
ـ هو مكافأ
اليوم مكافأة. العامل فى المصدر (مكافأة) اسم المفعول الذى من لفظه (مكافأ).
ـ إنه مأخوذ
اليوم أخذا ، وهى مستورة سترا ، النوافذ مفتّحة تفتيحا.
ـ لقد كانت
حذرة حذرا شديدا. (حذرا) مفعول مطلق منصوب بعامله المشتق من لفظه صيغة المبالغة (حذرة).
ومثله : إنه
شرّاب اللبن شربا. وهو مهذار هذرا ، ومعطير عطرا.
ومنه قوله
تعالى : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [الصافات : ١].
وقد اختلف فى
نصب الصفة المشبهة للمفعول المطلق ، فمنع ذلك قوم ، وذهب آخرون إلى جواز النصب
بها. ويستشهدون لذلك بقول النابغة الذبيانى :
وأرانى طربا
فى إثرهم
|
|
طرب الواله
أو كالمختبل
|
حيث نصب
المفعول المطلق (طرب الواله) بالصفة المشبهة (طرب). ولكن بعضهم يرى أن الصفة
المشبهة دليل على العامل فى (طرب) وليست هى العامل.
أما اسم
التفضيل فإنهم لا يجعلونه ناصبا للمفعول المطلق ، ويؤولون قول الشاعر :
أما الملوك
فأنت اليوم ألأمهم
|
|
لؤما وأبيضهم
سربال طباخ
|
حيث نصب
المفعول المطلق (لؤما) ، ولم يسبق إلا باسم التفضيل (ألأم) ، فيجعلون ناصب المفعول
المطلق محذوفا ، والتقدير : ألأمهم تلؤم لؤما.
عددية المفعول المطلق :
يعامل المفعول
المطلق عدديا ، أى : من حيث دلالته على الإفراد والتثنية والجمع ، كما يلى :
أولا : المصدر المؤكد لعامله :
يكون مفردا مطلقا
، ولا يجوز تثنيته أو جمعه. فكما يقال : هو بمثابة تكرار الفعل. والفعل لا يثنى
ولا يجمع. كقولك : نظّم تنظيما ، وتعلّم تعلّما ، واستولى استيلاء ، وتولّى توليّا
، وولّى تولية.
ثانيا : المبين للعدد :
لا خلاف بين
النحاة فى تثنيته وجمعه ، ذلك حتى يظهر العدد الحدثى ، فيتضح منه تكرار الفعل
مرتين ، أو أكثر ، فيقال : أصاب الهدف إصابتين ، أو إصابات.
ثالثا : المبين للنوع :
يجوز تثنية
المفعول المطلق المبين للنوع ، كما يجوز جمعه إذا اختلفت أنواعه.
فيقال : سرت
سيرى المصلح والمتقى الشبهات. فهمت فهمى المنتبه والمدقّق.
أتصرف تصرفات
المؤمن والمخلص والمحبّ لوطنه. (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ
الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠].
حيث كلّ من
المفعول المطلق (سيرى ، وفهمى) مثنى ، وهو منصوب ، وعلامة نصبه الياء ، وحذفت
النون من أجل الإضافة.
أما كلّ من
المفعول المطلق (تصرفات والظنون) فهو جمع منصوب ، علامة نصب الأول الكسرة ،
والثانى الفتحة.
ومن النحاة من
لا يجيز تثنية المفعول المطلق المبين للنوع ، أو جمعه.
ما ينوب عن المفعول المطلق :
ينوب عن
المفعول المطلق فى النصب على المصدرية ما يأتى :
أولا : ما ينوب عن المؤكد والمبين للنوع :
١ ـ المرادف :
ينوب عن
المفعول المطلق المؤكد والمبين للنوع مرادفه فى المعنى ، ذلك نحو : قمت وقوفا ، أو
وقوفا طويلا. والترادف بين (قام) و (وقوفا).
قعدت جلوسا ،
أو : جلوس القرفصاء. الترادف بين (قعد وجلوس).
أفرح الجذل ،
أو : جذل المحبين. الترادف بين (أفرح والجذل).
شقها نصفين ، أى
: شقين. الترادف بين (شق ونصفين).
شنئته بغضا.
الترادف بين (شنأ والبغض).
ولذلك فكلّ من (وقوفا
، وجلوسا ، والجذل ، ونصفين ، وبغضا) نائب عن المفعول المطلق منصوب.
٢ ـ اسم المصدر غير العلم :
كما ينوب عنهما
اسم المصدر غير العلم ، واسم المصدر هو المصدر الذى لا تجرى حروفه على حروف عامله.
نحو : تطهر
طهورا ، أو طهورا مسبغا ، أما المصدر من تطهر فهو (تطهرا) : فيكون (طهورا) نائبا
عن المفعول المطلق منصوبا ، وتوضأ وضوءا ، أو : وضوء المدققين. والمصدر من توضأ
توضّؤا. فـ (وضوءا) نائب عن المفعول المطلق منصوب. ومنه كذلك : اغتسل غسلا ، وأعطى
عطاء ، واستعلى علوا ، واكتوى كيا ، ومنه : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ
عَذاباً) [المائدة : ١١٥].
والمقصود بغير
العلم الاحتراز من المصادر الأعلام ، من نحو : سبحان علم للتسبيح. ومحمدة علم
للحمد ، ومبرّة علم للبر ، فلا يصحّ نيابتها عن المفعول المطلق.
ومنه : تبرّأ
براءة ، تولّى تولية ، ولّى ولاية ، استمع سمعا ...
٣ ـ ما يلاقى فى الاشتقاق :
يتضمن ما كان
اسم عين ، كما هو فى قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ
مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] إذ (نباتا) اسم عين للنبات ، ومنهم من يرى أن (نباتا) مصدر جار
على غير الفعل. إذ مصدر (أنبت) (إنباتا).
كما يضم ما كان
مصدرا لفعل آخر ، نحو قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨]. إذ مصدر (تبتّل) هو (تبتّلا) ، أما (تبتيلا) فهو مصدر (بتّل)
بتضعيف العين.
ويجوز أن يكون
منه قولك : إنه يتعلم تعليما ، وسلّم تسلّما ، وافتدى فدية.
ومنه قوله :
وقد تطوّيت انطواء الحضب ...
حيث مصدر تطوّى
تطوّيا ، أما انطواء ففعله انطوى.
يبدو أن الفرق
بين هذا القسم وما سبقه هو الفرق بين ما ظل على مصدريته من المصادر فى القسم
السابق ، وما انتقل إلى اسمية على شىء خارجا عن الحدثية فى هذا القسم.
ثانيا : ما ينوب عن المبين للنوع وحده :
١ ـ صفته :
ينوب عن
المفعول المطلق المبين للنوع صفته ، حيث يحذف المفعول المطلق ، وتبقى صفته حاملة
علامته الإعرابية. ذلك نحو : سرت سريعا ، أى :سيرا سريعا ، وسرت أحسن السير ، أى :
سيرا أحسن السير. مشيت طويلا ، أى : مشيا طويلا.
ويكون كلّ من (سريعا
، وأحسن ، وطويلا) نائبا عن المفعول المطلق. حيث حذف المصدر ، وبقيت صفته النائبة
عنه.
وكما يذكر :
ضربته ضرب الأمير اللصّ ، أى : ضربا مثل ضرب الأمير ..
فيكون (ضرب)
ليس المفعول المطلق بذاته ، وإنما النائب عن المفعول المطلق.
٢ ـ اسم الإشارة :
كما ينوب عن
المفعول المطلق اسم الإشارة المشار به إليه ، ذلك نحو : فهمت هذا الفهم. سرت ذلك
السير.
فكلّ من اسمى
الإشارة (هذا ، وذلك) مبنىّ فى محلّ نصب ، نائب عن المفعول المطلق.
يبدو أنه إذا
ناب اسم الإشارة مناب المصدر فإنه يجب وصفه به ، إلا أنه من أمثلة سيبويه : ظننت
ذاك ، أى ذاك الظنّ.
٣ ـ ضمير المصدر :
ينوب عن
المفعول المطلق الضمير الذى يعود على المصدر. نحو : أفهمته عليا ، أى : أفهمت
الإفهام عليا. ومنه قوله تعالى : (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ
عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) [المائدة : ١١٥]. أى : لا أعذب هذا التعذيب أحدا. فالضمير هنا عائد إلى
مصدر الفعل (أعذب) ، وهو (تعذيب) ، فهو لا يعود إلى العذاب السابق ، حيث لا يكون
مصدرا للفعل (عذّب) المضعف العين.
ومنه : عبد
الله أظنه جالسا. (بنصب عبد) ، فعبد مفعول أول لأظن ، و (جالسا) مفعول ثان ، أما
الضمير فى أظنه فهو راجع إلى المصدر (الظن) ، فيكون الضمير مبنيا فى محل نصب ؛
لأنه نائب عن المفعول المطلق ومن شواهدهم لذلك :
من كلّ ما
نال الفتى
|
|
قد نلته إلا
التّحيّة
|
أى : قد نلت
النيل ، فعاد الضمير إلى المصدر ، فناب منابه فى محلّ نصب.
وكذلك قول
الشاعر :
هذا سراقة
للقرآن يدرسه
|
|
والمرء عند
الرّشا إن يلقها ذيب
|
أى : يدرس
الدرس ، فالضمير عائد إلى مصدر الفعل السابق عليه ، فناب عن المفعول المطلق في محل
نصب.
٤ ـ عدد المصدر :
كما ينوب عن
المصدر عدده ، فينصب نائبا عن المفعول المطلق. ذلك نحو : رميته عشرين رمية ،
والأصل : رميته رميا عشرين رمية ، فحذف المصدر (رميا) ، وأنيب عنه عدده (عشرين).
ومنه القول :
ضربته عشر ضربات ، وأصبنا الهدف خمس إصابات ، وكذلك قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] ، حيث يعرب (ثمانين) نائبا عن المفعول المطلق منصوبا ، وعلامة
نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم.
ومنه قوله
تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ
لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] ، حيث (سبعين) منصوبة على النيابة عن المفعول المطلق ؛ لأنها
عدد لمرات الفعل. وقد تكون منصوبة على الظرفية.
__________________
وقوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ
أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ) [النور : ٥٨] ، حيث (ثلاث) منصوبة لأنها نائبة عن المفعول المطلق ،
والتقدير : ثلاثة استئذانات.
وقد تكون
منصوبة على الظرفية. ومنه قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ
مَرَّتَيْنِ) [التوبة : ١٠١] ، حيث يوجّه نصب مرتين على النيابة عن المصدر ، أو على
الظرفية.
٥ ـ وقت المصدر :
قد ينوب عن
المصدر الوقت الذى حدث فيه ، فيحذف المصدر ، ويقوم الوقت مقامه ، وينتصب انتصابه
نائبا عنه. ومنه قول الأعشى ، فى مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم :
ألم تغتمض
عيناك ليلة أرمدا
|
|
وبتّ كما بات
السّليم مسهّدا
|
أى : ألم تغتمض
عيناك اغتماض ليلة أرمد ، فحذف المصدر (اغتماض) ، وأقيم وقته المضاف إليه (ليلة)
مقامه ، فنصب نائبا عنه.
٦ ـ آلة المصدر :
ينوب عن
المفعول المطلق الآلة التى حدث بها فعله. ذلك نحو : ضربته سوطا.
والأصل : ضربته
ضربا بسوط. فحذف المصدر (ضربا) ، ونزع الخافض ليتوسع فى الكلام ؛ ولتقام الآلة
مقام المصدر ، وتأخذ إعرابه ، وما له من إفراد وتثنية وجمع. فتقول : ضربته سوطين
وأسواطا ، أى : ضربتين بسوط ، وضربات بسوط.
وقيل : الأصل :
ضربته ضرب سوط.
ومنه : ضربته
عصا. فـ (عصا) نائب عن المفعول المطلق. وهذا منصوب مطرد في كل آلة معهودة.
٧ ـ ما الاستفهامية :
ينوب عن
المفعول المطلق (ما) الاستفهامية إذا لم يستفهم بها عن جثة ، بل كان المستفهم بها
عنه هو المصدر النوعى للفعل ، كأن تقول : ما ذاكرت اليوم؟ وأنت لا
تسأل عن شىء ذاكرته ، أو : وقعت عليه المذاكرة ، وإنما تسأل عن نوع
المذاكرة ، فتأخذ (ما) الاستفهامية معنى المصدر. ويكون التقدير : أىّ مذاكرة ذاكرت
اليوم؟
وكأن تسأل : ما
ينقلب الفتانون؟ والتقدير : أى منقلب ......؟ وتكون الإجابة : ينقلب الفتانون
منقلب سوء ، أو : انقلاب سوء. وكل من : منقلب ، وانقلاب منصوب على المصدرية ،
وكذلك (ما) الاستفهامية التى يستفهم بها عنهما تكون نائبة عن المصدر فى محلّ نصب.
٨ ـ ما الشرطية :
كما ينوب عن
المصدر (ما) الشرطية التى تؤول فى المعنى إلى ما آلت إليه (ما) الاستفهامية
السابقة. أى : يقصد بها المصدر النوعى للفعل.
ذلك كأن تقول :
ما تفعل من خير يعلمه الله.
وليس التقدير :
أى شىء ، أو : أى خبر ، وإنما التقدير : أى فعل ... ، والأصل : تفعل فعلا وتكون (ما)
فى محل نصب على النيابة عن المصدر.
ومثله أن تقول
: ما أردت فافعل. والأصل : أى إرادة .. ما شئت فاجلس.
والأصل : أى
مشيئة. فتكون (ما) فى الموضعين مبنية فى محل نصب ، نائبا عن المفعول المطلق.
٩ ـ نوع المصدر :
قد ينوب عن
المصدر نوعه ، حيث يحذف ، ويقام نوعه مقامه ، منتصبا انتصابه.
ذلك نحو : رجع
القهقرى ، فالقهقرى نائب عن المفعول المطلق منصوب بالفتحة المقدرة ، منع من ظهورها
التعذر. والأصل : رجع الرجوع القهقرى ، فالقهقرى نوع من الرجوع ، وهو المصدر.
ومنه : قعد
القرفصاء ، والأصل : قعد القعدة القرفصاء. فتكون القرفصاء منصوبة على النيابة عن
المصدر.
وكذلك : خبط
عشواء ، أى : خبط خبط عشواء.
والفرق بين هذا
وما ذكر من الصفة هو أن الصفة جارية على موصوف محذوف ، أما هذا فهو نوع من أنواع
المصدر. فعندما تقول : سرت سريعا ، فالسرعة صفة للسير المحذوف ، أمّا إذا قلت :
قعد القرفصاء ، فإن القرفصاء نوع من أنواع القعود.
١٠ ـ هيئة المصدر :
ينوب عن المصدر
هيئته ، والمقصود بها : الهيئة التى يتم بها الفعل أثناء إحداثه ، كأن تقول : يموت
الكافر ميتة سوء ، فميتة على وزن (فعلة) اسم هيئة ، وهو منصوب على المصدرية ؛ لأنه
هيئة الكافر أثناء حدوث الفعل له ، أو : أنه هيئة الفعل أثناء إحداث الفاعل (الكافر)
له.
١١ ـ ما يحدد المصدر عن طريق الإضافة :
ينوب عن
المفعول المطلق ما يحدده مما يضاف إليه من كلمات دالة على هذا المعنى (معنى
التحديد) فى اللغة العربية ، ذلك نحو : كل ـ بعض ـ أشد ـ منتهى ـ غاية ـ دقة ـ معظم
ـ جزيل ـ يسير ـ شديد ... إلخ ، كأن تقول : فهمت بعض الفهم ، أو : كلّه ، حيث (بعض
وكل) منصوبان على أنهما نائبان عن المفعول المطلق.
ومثله : أنا
ممتنّ شديد الامتنان. أحترمه غاية الاحترام. أشكرك جزيل الشكر ... أتضربنا على
الكلام فى الصلاة؟ نعم : أشدّ الضرب.
كلّ من (شديد ـ
غاية ـ جزيل ـ أشد) منصوب على أنه نائب عن المفعول المطلق.
الذكر والحذف فى عامل المفعول المطلق :
لعامل المفعول
المطلق ثلاث حالات من حيث ذكره وحذفه. فإنه قد يمتنع حذفه ، وقد يجوز ، وقد يجب.
أولا : امتناع الحذف :
يجب ذكر عامل
المفعول المطلق إذا كان مؤكدا للفعل ، ولا يجوز حذفه مطلقا ـ حينئذ ـ ذلك لأنه
إنما يؤتى بالمفعول المطلق هنا لتأكيد الفعل وتقويته ، والحذف يتنافى مع هذا
الغرض.
ثانيا : جواز الحذف :
يجوز حذف عامل
المفعول المطلق فى الأحوال الآتية :
١ ـ يجوز حذف
عامل المفعول المطلق إذا كان مبيّنا لنوع الفعل ، أو مبيّنا لعدد مراته ، وكان
هناك قرينة لفظية. كأن يقال : أىّ فهم فهمت؟ فتقول : فهم المتقنين. وتكون (فهم) مفعولا
مطلقا لفعل محذوف لدلالة ما سبق عليه.
كما تقول :
إصابتين ، لمن يقول : أأصبت الهدف؟ والقرينة المعنوية هنا هى القرينة المقالية ،
وتكون (إصابتين) نائبا عن المفعول المطلق منصوبا.
٢ ـ كما يجوز
حذف عامل المفعول المطلق المبين للنوع والمبين للعدد إذا كان هناك قرينة معنوية ،
ذلك نحو : قدوما مباركا ، حجا مبرورا ، سعيا مشكورا. أى : قدمت قدوما ، وحججت حجا
، وسعيت سعيا. ويكون كلّ من (قدوما ، وحجا ، وسعيا) مفعولا مطلقا لفعل محذوف ،
وتكون القرينة المعنوية هنا هى قرينة الحال والمقام.
ومما سبق يمكن
أن يقال : أما فهمت؟ فتقول : بلى : فهما متقنا.
أما جلست؟ بلى
: جلوسا طويلا.
وجاز الحذف هنا
لأن المفعول المطلق المبين للنوع ، والمبين لعدد مرات الفعل إنما يؤتى به لزيادة
معنى على معنى التوكيد.
٣ ـ كما يجوز
حذف عامل المفعول المطلق إذا كان خبرا عن اسم عين ، وهو غير مكرر ولا محصور. ذلك
نحو : أنت فهما ، وأنت تفهم فهما. (فهما) فى الموضعين منصوب على المصدرية ، الأول
منهما لفعل محذوف.
هو سيرا ، أو :
هو يسير سيرا ، (سيرا) مفعول مطلق منصوب ، الأول فعله محذوف.
ثالثا : وجوب حذف العامل :
يجب أن يحذف
عامل المفعول المطلق إذا وقع بدلا من فعله فى التركيب ، ويكون ذلك في المواضع
اللفظية والمعنوية الآتية :
١ ـ المصادر التى تقع بدلا من أفعالها المهملة :
حيث لم ترث
اللغة لها فعلا ، نحو : ويله ، وويح ، وبله ، ورويد ، وسبحان.
وهى مضافة إلى
مفعولها ، ويقدر لها عامل من معناها ، فيقال : ويل الظالم ، بنصب (ويل) على أنه
مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : أحزن الله الظالم ويله ، أو : أهلك.
ويقال : ويح
المستغفرين ، بنصب (ويح) ، والتقدير : رحم الله المستغفرين ويحهم.
وقيل : إن معنى
(ويح) هو معنى (ويل) ، أى : أحزن ، أو : أهلك ، وقيل : هى كلمة ترحم ، وقيل : هى
كلمة عذاب ، فيقدر لها : عذب ، وقيل : لها فعل من لفظها.
ويقال : بله
الأكفّ ، بنصب (بله) على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : اترك ذكر الأكفّ
بله ، ومنه قول الشاعر :
تذر الجماجم
ضاحيا هاماتها
|
|
بله الأكّف
كأنها لم تخلق
|
وكذلك : رويد
محمدا ، أى : أمهل محمدا رويده.
وسبحان الله ،
أى : أنزّه الله سبحانه.
٢ ـ المصادر التى تقع بدلا من فعلها ، وهى للطلب :
يجب حذف عامل
المصدر الذى يقع بدلا من فعله فى معنى الطلب ، وقياس ذلك أن معناها يتضح إذا وضع
فعلها الأمرىّ موضعها ، فإذا قلت : استعدادا ، فالمعنى : استعدّ (بفعل الأمر) ،
وتقول : رحمة له ، أى : ارحمه (بالدعاء بالأمر) ، كما تقول : سرعة لا تباطؤا ، أى
أسرع ، ولا تبطئ.
وكلّ من (استعدادا
، ورحمة ، وسرعة ، وتباطؤا) مفعول مطلق منصوب لفعل من لفظه واجب الحذف.
ولكن اختلف بين
وجوب تكرار المصدر ـ كما ذكر ابن عصفور ـ حتى يقع المصدر الطلبى مقام فعله ، وبين
إطلاق القول بالحذف مطلقا دون ذكر التكرار ، كما ذكر ابن مالك.
حيث يجب
التكرار عند نحاة ، فتقول : صبرا صبرا ، أى : اصبر صبرا ، ويكون الأول بمثابة
الفعل العامل.
ولكن الحذف دون
التكرير واجب مطلقا عند جمهور النحاة ، فتقول : صبرا.
ويكون (صبرا)
مفعولا مطلقا منصوبا لفعل محذوف وجوبا.
ويقع المصدر
مناب فعله المحذوف فى معان :
ـ الأمر :
نحو : نشاطا ،
أو : نشاطا نشاطا ، والتقدير : انشط نشاطا. حيث (نشاطا) منصوب على المصدرية ـ لفعل
محذوف وجوبا.
ومنه قول قطرى
بن الفجاءة :
فصبرا فى
مجال الموت صبرا
|
|
فما نيل
الخلود بمستطاع
|
يلحظ تكرار
المصدر (صبرا) ، حيث يوجب ذلك ابن الضائع ، وابن عصفور ، حيث يكون تكرار المصدر
قائما مقام العامل ـ كما ذكرنا سابقا.
ومنه قول أعشى
همدان يهجو لصوصا :
يمرّون
بالدّهنا خفافا عيابهم
|
|
ويرجعن من
دارين بجر الحقائب
|
على حين ألهى
الناس جلّ أمورهم
|
|
فندلا زريق
المال ندل الثعالب
|
الندل : خطف
الشىء بسرعة ، وزريق : علم رجل ، أو قبيلة.
حيث (ندلا)
منصوب على المصدرية لفعل محذوف ، والتقدير : اندل يا زريق المال ندل الثعالب ، فهو
مصدر ناب مناب فعله فى معنى الأمر ، و (زريق) منادى مبنى على الضمّ فى محلّ نصب ، (المال)
مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل فيه المصدر (ندلا) ، (ندل) منصوب
على المصدرية ، والعامل المصدر الأول. (الثعالب) مضاف إلى ندل مجرور ، وعلامة جره
الكسرة.
ومنه قوله
تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ، أى ، فاضربوا ضرب ، فـ (ضرب) منصوب على المصدرية بفعل محذوف
من لفظه.
فهو مصدر ناب
مناب فعله فى معنى الأمر.
ـ النهى :
انتباها لا
التفاتا ، أى : انتبه .. لا تلتفت.
نشاطا لا خمولا
، أى : انشط .. لا تخمل.
قياما لا
قعودا. أى : قم .. لا تقعد.
كلّ من (انتباها
، التفاتا ، نشاطا ، خمولا ، قياما ، قعودا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ؛
لأنها مصادر نابت مناب فعلها فى معنى الأمر والنهى.
ـ الدعاء
بنوعيه :
نحو : سقيا لك
، أى : سقاك الله سقيا.
رحمة له ، أى :
رحمه الله رحمة.
كيا له ، أى :
كواه الله كيا.
جدعا : أى :
جدع الله طرف الأنف أو الشفة أو الأذن أو غير ذلك.
كلّ من (سقيا ،
رحمة ، كيا ، جدعا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ؛ لأنها مصادر نابت مناب فعلها
فى معنى الدعاء.
ومنه : رعيا ،
وخيبا ـ وعقرا (عقره عقرا) ـ وبعدا (بعد بعدا) ، وسحقا (بضم السين ، سحق (بضم
الحاء ـ سحقا) ، تعسا (تعس تعسا ، أى : لا انتعش من عثرته) ، نكسا (بضم النون عود
المرض) ، وبؤسا (بئس بؤسا ، اشتدت حاجته).
وخيبة ، وجوعا
وبوعا (بوع إتباع لجوع ، وقيل : معناه العطش ، فهو يدعو عليه بالجوع والعطش) ،
وتبا (خسر خسارة).
وكلّها مصادر
منصوبة ، وعاملها محذوف وجوبا ؛ لأنها نابت مناب أفعالها فى معنى الدعاء.
٣ ـ الاستفهام التوبيخى :
وهو استفهام
بالهمزة يخرج إلى معنى التوبيخ ، أو الإنكار ، ومثاله : أتوانيا وقد جدّ غيرك؟ أى
: أتتوانى توانيا؟ فيكون المصدر (توانيا) منصوبا لأنه مفعول مطلق ، مصدر ناب مناب
فعله فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار.
ومنه قول جرير
يهجو العباس بن يزيد الكندى :
أعبدا حلّ فى
شعبى غريبا؟
|
|
ألؤما لا أبا
لك واغترابا؟
|
والهمزة الأولى
للنداء ، فعبدا منادى منصوب ، والهمزة الثانية للتوبيخ ، و (لؤما) مفعول مطلق
منصوب بفعل محذوف ، والتقدير : أتلؤم لؤما. وكذلك :
__________________
(اغترابا) منصوب على المصدرية لفعل محذوف ، وهما مصدران نابا مناب فعليهما
؛ لأنهما فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار. (ولا أبا لك) جملة اعتراضية دعائية
، لا محل لها من الإعراب.
وقد يكون
التوبيخ صادرا من المتكلم لنفسه ، كما قد يكون صادرا لمخاطب ، وقد يكون صادرا
لغائب تجعله في حكم المخاطب.
فقد تقول لنفسك
: أنوما وقد استيقظ الآخرون؟ أصمتا وقد تفوّه غيرك؟
كما تقول
لمخاطبك : ـ أتكاسلا وقد همّوا؟ ـ أغفلة وقد انتبهوا؟
كما تقول لرجل
غائب بلغك أنّه يلهو : ألهوا فى هذا الزمان والله محاسبك على وقتك؟
وتقول لشيخ
غائب بلغك أنه يعبث : أعبثا وقد علاك المشيب؟
وتكون المصادر (نوما
، صمتا ، تكاسلا ، غفلة ، لهوا ، عبثا) فى محلّ نصب على المصدرية ؛ لأنها نابت
مناب أفعالها فى معنى الاستفهام التوبيخى ، أو الإنكار.
٤ ـ المصادر السماعية المقرونة بموقف :
يجب حذف عامل
المصادر السماعية التى تذكر عند موقف معين ، وهو فى معنى الخبر ، وهذا الموقف
قرينة لعاملها ، ومع كثرة الاستعمال جرت مجرى الأمثال فى التعبير اللغوى ، ذلك نحو
:
ـ حمدا وشكرا.
وتقديره : أحمد الله حمدا ، وأشكره شكرا.
ـ سمعا وطاعة.
وتقديره : أسمع سمعا وأطيعك طاعة.
ـ ومنه : صبرا
لا جزعا. أى : أصبر صبرا لا أجزع جزعا.
ـ ومنه عند
ظهور أمر يعجب : عجبا ، أى : أعجب عجبا.
ومنه كذلك :
ـ أفعله أنا
وكرامة ومسرّة. أى : وأكرمك كرامة ، وأسرك مسرة.
ـ لا أفعله ولا
كيدا ولا هما. أى : «لا أكاد كيدا ، ولا أهمّ هما».
كلّ من المصادر
: (حمدا ، شكرا ، سمعا ، طاعة ، صبرا ، جزعا ، عجبا ، كرامة ، مسرة ، كيدا ، هما)
منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظ المصدر ، وهو محذوف ؛ لأنها مصادر مقرونة
بموقف ملائم للمعنى.
٥ ـ المصادر التى تكون تفصيلا لعاقبة مضمون ما قبله :
وضابطه أن يكون
المصدر عاقبة لحدث قبله ، وهو تفصيل لنتائج لهذا الحدث ، وما قبله قد يكون خبرا ،
وقد يكون طلبا. ذلك نحو قول الشاعر :
لأجهدنّ فإما
درء واقعة
|
|
تخشى وإما
بلوغ السؤدد والأمل
|
ف (درء ، وبلوغ)
مصدران واقعان بعد حرف التفصيل (إما) ، وهما عاقبة مضمون الجهد السابق عليهما ،
والتقدير : إما أن أدرأ ... وإما أن أبلغ.
ومنه قوله
تعالى : (حَتَّى إِذا
أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤].
أى : فإما
تمنون منا ، وإما تفدون فداء ، أو : إما أن تمنوا منا ، وإما أن تفدوا فداء.
٦ ـ المصدر النائب عن فعله ، وهو خبر عن اسم عين :
ويشترط فيه أن
يكون المصدر مكررا ، أو محصورا ، أو معطوفا عليه ، أو أن يكون المخبر عنه مقرونا
بهمزة الاستفهام.
كما يجب أن
يكون المصدر مستمرا للحال لا منقطعا ولا مستقبلا ، ذلك نحو : مثال المكرر : أنت
أدبا أدبا ، والتقدير : أنت تؤدب أدبا.
كرر المصدر (أدبا)
، وعامل أولهما خبر عن اسم عين (أنت) ، وهو مكرر مستمرّ للحال. فـ (أدبا) الأول
منصوب على المصدرية لفعل محذوف من لفظه ، والثانى توكيد للأول منصوب.
ومثال المحصور
: ما هو إلا فهما ، أى : إلا يفهم فهما ، الحصر بالنفى والاستثناء.
إنما أنت فهم
العقلاء ، أى : تفهم فهم ، الحصر باستخدام (إنما).
ويكون كلّ من (فهما
، وفهم) منصوبا على المصدرية بفعل محذوف وجوبا ؛ لأنها من المصادر التى نابت مناب فعلها
، وهى أخبار عن اسم عين ، وهى محصورة.
ومثال المعطوف
: أنت انتباها ويقظة ، أى أنت تنتبه انتباها ، وتتيقظ يقظة.
إنه حمدا وشكرا
، أى : يحمد حمدا ، ويشكر شكرا.
المصادر (انتباها
، يقظة ، حمدا ، شكرا) منصوبة ؛ لأنها مفعولات مطلقة لأفعال محذوفة وجوبا ، حيث إنها
مصادر نابت مناب أفعالها ، وهى أخبار عن اسم عين ، ومعطوفه عليها.
ومثال المسبوق
بهمزة الاستفهام : أأنت سمعا؟ أى : أأنت تسمع سمعا؟ أهو طاعة؟ أى : يطيع طاعة؟
(سمعا وطاعة)
مصدران منصوبان على المفعولية المطلقة لعامل محذوف وجوبا ؛ لأنهما من المصادر التى
نابت مناب فعلها ، وهى خبر عن اسم عين ، ومسبوقة بهمزة الاستفهام.
ومن أمثلة ما
سبق : أنت سيرا سيرا. ما أنت إلا سيرا. إنما أنت سيرا. ما أنت إلا فهما. ما أنت
إلا سير البريد. إنما أنت سير البريد. أأنت فهما؟ أأنت سيرا؟ ما أنت إلا قول
الحكماء.
فإن فقد شرط
مما سبق فإنه لا يجب إضمار العامل ، بل يظهر ، وذلك أن يكون المصدر غير مكرر ، أو
غير محصور ، أو غير معطوف ، أو غير مستفهم عنه ، فتقول : أنت تعدل عدلا ، فجملة (تعدل)
فى محلّ رفع ، خبر المبتدإ (أنت) ، أما (عدلا) فهو مصدر منصوب للفعل المحذوف.
وتقول : أنت
عدل. حيث (عدل) خبر المبتدإ (أنت) مرفوع.
وعند بعض
النحاة يجوز حذف العامل مع عدم تكرار المصدر ، فتقول : أنت عدلا. ويكون (عدلا)
لديهم منصوبا على المصدرية.
إن كان العامل
خبرا عن اسم معنى تعين رفع المصدر على الخبرية ، ذلك نحو.
ـ ما خلقك إلا
استقامة ، وتكون (استقامة) مرفوعة على الخبرية للمبتدإ (خلق) ؛ لأنه اسم معنى.
إنما عدلك عدل
الحكماء (عدل) الأولى مبتدأ ، أما (عدل) الثانية فهى خبر له ؛ لأنه اسم معنى.
ومثله : إنما
حكمك عدل. ويكون (عدل) خبرا للمبتدإ (حكم) مرفوعا.
٧ ـ المصدر المؤكد لجملة سابقة عليه :
يجب أن يحذف
عامل المصدر المؤكد لجملة سابقة عليه ، وتكون العلاقة المعنوية التوكيدية بين
المصدر المؤكد والجملة السابقة عليه محتملة أحد معنيين :
أولهما : أن
يكون معناها داخلا فى معنى المصدر المؤكد ، بأن يقع بعد جملة هى نصّ فى معناه ،
ولذلك فإنهم يجعلونه مؤكدا لنفسه ، ذلك نحو ؛ له علىّ ألف عرفا ، أى : اعترافا ،
وتلحظ أن الجملة السابقة على المصدر (له علىّ ألف) نصّ فى الاعتراف ؛ لأنها لا
تحتمل غيره ، فهى لا تحتمل معنى سوى ما وضعت له ، فكأن المصدر بمنزلة إعادة ما
قبله ، فهو مؤكد لنفسه.
ومنه : له عندى
أفضال إقرارا ، أى : أقر .. إقرارا.
والآخر : أن
يكون المصدر مؤكدا لغيره ، وهو المؤكد للجملة السابقة عليه ، وهى تحتمل معناه
ومعنى غيره ، وذلك بأن تكون الجملة السابقة محتملة أكثر من معنى ، فيذكر المصدر
ليؤكد ظاهر معناها ، ذلك نحو : أنت ابنى حقّا. أى : أحقه حقا. والجملة السابقة على
المصدر (أنت ابنى) تحتمل المعنى الحقيقىّ والمعنى المجازى ، ولكن المصدر يأتى
لينصّ على المعنى الحقيقى ، فقولنا : (حقا) ينفى المجاز ، ويثبت الحقيقة.
ومنه : لا أفعل
المنكر ألبتة ، أى : أبتّه ألبتة. حيث إن الجملة السابقة للمصدر تحتمل استمرار
النفى وانقطاعه. فلما ذكر المصدر أفاد ذكره استمرار النفى.
٨ ـ المصدر الذى يقع بعد جملة مشتملة عليه لفظا :
ولا بد من
توافر خمسة شروط فى هذا التركيب :
أولها : أن
يكون المصدر مقصودا به التشبيه.
ثانيها : أن
يكون مشعرا بالحدوث ، أى : ليس شيئا ثابتا فى طبيعة ما وضع له ، أو : أن يكون فعلا
علاجيا ، أى : يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء.
ثالثها : أن
يكون قبله جملة تشتمل المصدر ، أى : على اسم بمعناه.
رابعها : أن
تشتمل الجملة السابقة عليه على فاعل المصدر ، أو صاحبه.
خامسها : أن
يكون ما تضمنته الجملة غير صالح للعمل في المصدر ومثاله في كتب النحاة : لزيد صوت
صوت حمار. برفع (صوت) الأولى ، ونصب (صوت) الثانية : أو مررت فإذا له صوت صوت
حمار. وله بكاء بكاء ذات داهية. برفع (بكاء) الأولى ، ونصب (بكاء) الثانية.
فالمصدر الثانى فيما سبق فعل واقع بعد جملة ، وهى : (لزيد صوت ، له صوت ، له بكاء).
وتلك الجملة
تتضمن اسما بمعناه ، وهو المصدر الأول : (صوت ، صوت ، بكاء).
كما أنها تتضمن
صاحب المصدر ، وهو : (زيد ، والهاء ، والهاء).
كما أن المصدر
الثانى علاجى ، أى : يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء فيه معنى التشبيه.
ولا يصلح
للمصدر الأول العمل فى المصدر الثانى ، ذلك مع الحرف المصدر ، أو بدونه ؛ لأن
المعنى لا يتحمل ذلك ، حيث إنه يتطلب أنك مررت به فى حال تصويت ، أو فى حال بكاء.
ولما كان كذلك
تعيّن أن ينصب الثانى على المصدرية بفعل محذوف وجوبا ؛ لأن الأول تضمن معناه.
ومنه قولك :
لدىّ قول قول الناصحين. بنصب (قول) الثانية على المصدرية.
صدرت منه إجابة
إجابة المتقنين. (إجابة) الثانية منصوبة على المصدرية.
لى سعى سعى
المخلصين. بنصب كلمة (سعى) الثانية على المصدرية.
ومنه قول أبى
كبير الهذلى :
ما إن يمسّ
الأرض إلا منكب
|
|
منه وحرف
الساق طىّ المحمل
|
(طىّ) منصوب على المصدرية لفعل
محذوف تقديره : يطوى ، فهو مسبوق بجملة (ما إن يمس الأرض منه إلا منكب) ، وهى
بمنزلة (له طى) فى المعنى ، فمعناها : مدمج الخلق لا يمس الأرض منه إلا منكبه
لخماصة بطنه ، وذلك كطىّ المحمل ، فهى مشتملة على المصدر وصاحبه ضمنا ، والمصدر
الثانى (طى) فيه إشعار بالتشبيه ، وليس في الجملة الأولى ما يصلح للعمل فى المصدر.
ملحوظتان :
أولاهما : يجوز
أن ترفع المصدر الثانى على أنه بدل من الأول ، أو خبر لمبتدإ محذوف ، فعندما تقول
: عندى قول قول الناصحين. تكون شبه الجملة (عندى) فى محل رفع ، خبر مقدم ، و (قول)
الأول مبتدأ مؤخر مرفوع ، أما (قول) الثانية فيجوز أن ينصب على المصدرية بفعل
محذوف ، ويجوز أن يرفع على البدلية من (قول) الأولى ، أو على الخبرية لمبتدإ محذوف
، تقديره : هو.
وإذا كان نكرة
فإنه يجوز فيه الإتباع على الصفة كذلك ، لكن الصفة تمتنع حال ما إذا كان معرفة.
__________________
فإذا قلت :
لدىّ قول قول حكيم ، فإن المصدر الثانى (قول) نكرة ، فيجوز فيه أربعة أوجه :
ـ النصب من وجه
على المصدرية لفعل محذوف.
ـ الرفع من
ثلاثة أوجه : على الخبرية لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هو قول حكيم. أو على البدلية
من المبتدإ المؤخر (قول). أو على النعت للمبتدإ المؤخر قول.
ويرى نحاة ـ على
رأسهم الخليل ـ أنه يجوز أن تعرب المعرفة صفة على تقدير محذوف ، وهو : مثل ، ويكون
التقدير في المثال الأول : عندى قول مثل قول الناصحين.
ثانيهما : إذا
فقد شرط من الشروط المذكورة سابقا ، فإن الثانى يجب رفعه على البدلية :
أ ـ كأن لم يكن
مصدرا ، نحو : له رجل رجل فيل ، حيث (رجل) ليست مصدرا. فيجوز فيها أوجه الرفع دون
النصب.
ب ـ أو لم يكن
مشعرا بالحدوث ، نحو : له ذكاء ذكاء الحكماء.
فالذكاء مصدر
معنوى ، لا يحتاج إلى تحريك عضو من الأعضاء ، فهو غير محدث ، أى : أن صاحبه لم
يفعل شيئا ، فلا يجوز فيه إلا الرفع.
ج ـ أو لم يقصد
به تشبيه ، نحو : عنده علم علم وفير ، وله صوت صوت حسن. حيث لا تلمس فى المثالين ،
تشبيها فلا يجوز في الثانى إلا الرفع.
د ـ أو كانت
الجملة التى تسبق المصدر لا تشتمل على فاعله ، نحو : بالأدب إعجاب إعجاب المحبين ،
وبالنحو شغف شغف الولهين. على الدار نوح نوح الحمام.
ففاعل الإعجاب
الأول غير فاعل الإعجاب الثانى ، وكذلك فاعل الشغف الأول ، وفاعل النوح الأول غير
فاعل الثانى من كلّ منهما ؛ لذا جاز فى الثانى منهما وجه الرفع دون النصب ، حيث
فاعل الأول عام غير محدّد.
ه ـ أو كان ما قبله لا يكون جملة ، نحو :
إجابته إجابة
فاهم. وسؤاله سؤال مدقق. وصوته صوت حمار. وبكاؤه بكاء الثكلى.
المصدر الثانى
: (إجابة ـ سؤال ـ صوت ـ بكاء) خبر المصدر الأول ، وهو مبتدأ ، فليس قبل المصدر
الثانى جملة تامة الركنين.
و ـ أو كانت
الجملة السابقة تشتمل على ما يصلح للعمل فى المصدر المشعر بالحدوث ، نحو : هو يشرب
شرب الصادى. إنه يأكل أكل الجشع. هى تفهم فهم المتقن. إنها تنتبه انتباه المدقّق.
الأفعال (يشرب
ـ يأكل ـ تفهم ـ تنتبه) هى العاملة فى كلّ من المصادر (شرب ـ أكل ـ فهم ـ انتباه).
وكذلك إذا قلت
: هو شارب شرب الصادى. إنه آكل أكل الجشع. هى فاهمة فهم المتقن. هى منتبهة انتباه
المدقّق.
من المصادر :
لابد من
التنويه إلى بعض المصادر التى تتناثر فى الجملة العربية ، فتأتى منصوبة ، منها :
ـ فضلا : ذلك
فى القول : فلان لا يملك درهما فضلا عن دينار. أى : يفضل فضلا .. فيكون (فضلا)
منصوبا على المصدرية لفعل محذوف.
ـ خلافا : فى
القول : ويجوز كذا خلافا لفلان. (كذا) فاعل مبنى فى محل رفع.
(خلافا) منصوب
على المصدرية لفعل محذوف من لفظه. أى : يخلف خلافا.
ـ اتفاقا : فى
القول : يجوز هذا الاتجاه اتفاقا. أى : يتفق عليه اتفاقا.
ـ إجماعا : فى
القول : وقد كان هذا القول جائزا إجماعا. (جائزا) خبر (كان) منصوب ، و (إجماعا)
مفعول مطلق لفعل محذوف ، تقديره : يجمعون.
أيضا : فى مثل
: قال أيضا. وهو مصدر (آض) ، فعل بمعنى : عاد ورجع ، فيكون بذلك تاما. أو يكون
بمعنى (صار) ، فيكون ناقصا عاملا عمل (كان).
وجاء على هذا
المعنى قول العجّاج :
ربّيته حتى إذا تمعددا
وآض نهدا
كالحصان أجردا
|
|
كان جزائى
بالعصا أن أجلدا
|
ف (أيضا) منصوب
على المصدرية لفعل محذوف من لفظه.
ـ أما (جرا) فى
القول : هلمّ جرا فمنصوب على المصدرية على احتساب أن (هلمّ) فيه معنى (جر) ، وكأنه
يقال : جروا جرا ، فيكون نائبا عن المفعول المطلق.
وقد يكون
منصوبا على أنه مصدر وضع موضع الحال ، أو على التمييز.
ومنها كذلك : خصوصا
ـ عموما ـ مثلا ـ مهلا ـ وفاقا ـ عنادا ـ مكابرة ـ جدا.
وهى فى الأمثلة
:
ـ أهتم بأفرع
اللغة العربية خصوصا النحو. (خصوصا) منصوبة على المصدرية بفعل محذوف ، والتقدير :
أخص خصوصا ، (النحو) مفعول به منصوب.
ـ لقد كافأتهم
عموما ، أى : أعمّ عموما ، فيكون منصوبا على المصدرية لفعل محذوف من لفظه ، ويجوز
أن يكون مصدرا واقعا موقع الحال.
ومنه : وعموما
أفعل ذلك إرضاء للخالق تعالى.
ـ المبتدأ
مرفوع ، مثلا ، الطالب مجتهد. التقدير : أمثل مثلا ، فيكون (مثلا) منصوبا على المصدرية
، ويجوز أن تجعل التقدير : أضرب مثلا ، فيكون مفعولا به منصوبا.
__________________
ـ مهلا ؛
فالأمر لا يوجب التسرع. والتقدير : أمهل مهلا ، فيكون منصوبا على المصدرية ، فهو
مصدر ناب مناب فعله فى الأمر.
ـ فعلت ذاك
وفاقا لرؤيته. أى : أوافق وفاقا ، فيكون (وفاقا) منصوبا على المصدرية ، ويجوز أن
يكون التقدير : موافقا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.
ـ أأنت عنادا؟.
أى : تعاند عنادا ، فيكون منصوبا على المصدرية ؛ لأنه مصدر نائب عن فعله ، وهو خبر
عن اسم عين مسبوق بهمزة الاستفهام.
ومنه : أفعل
ذلك عنادا ، والتقدير : أعاند عنادا ، فيكون منصوبا على المصدرية ، أو يكون
التقدير : معاندا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.
ـ لقد تصرف هذا
السلوك مكابرة. التقدير : يكابر مكابرة ، فيكون منصوبا على المصدرية ، أو يكون :
مكابرا ، فيكون مصدرا واقعا موقع الحال.
ـ لقد فهمت ذلك
جدا. أى : أجد جدا ، فيكون (جدا) منصوبا على المصدرية لفعل محذوف. فكلّها منصوبة
بأفعال محذوفة ، ويجوز تأويل نصب بعضها على الحالية.
ـ قوله تعالى :
(فَرِحَ
الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ٨١]. فى (خلاف) ثلاثة أوجه إعرابية :
إما التقدير :
تخلفوا خلاف رسول الله ، فيكون نائبا عن المفعول المطلق ؛ لأن تخلفوا فى معنى (مقعد).
وإما التقدير :
فرحوا لأجل مخالفتهم فيكون مفعولا لأجله.
وإما أن يكون
التقدير : بعد رسول الله ، فينصب على الظرفية.
ومن المصادر ما
ذكر فى قوله تعالى : (فَلْيَضْحَكُوا
قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة : ٨٢]. فى (قليلا) ، (كثيرا) وجهان :
أولهما : أن
يكون التقدير : ضحكا قليلا ، وبكاء كثيرا فحذف المصدران وأقيمت صفتاهما مقامهما ،
فنصبتا على النيابة عن المفعول المطلق.
والآخر : أن
يكون التقدير : زمانا قليلا ، وزمانا كثيرا ، فيكونان منصوبين على الظرفية.
أما (جزاء) فإنه
منصوب على أنه مفعول لأجله ، أو على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف من لفظه ، والتقدير
: يجزون جزاء.
المصادر المثناة :
سمع من المصادر
ما جاء بصيغة المثنى ، وهو منصوب وعلامة نصبه الياء لتثنيته.
من هذه المصادر
المثنّاة :
ـ لبّيك ، أى :
إجابة بعد إجابة. وسعديك ، (إسعادا بعد إسعاد) وحنانيك (تحنانا بعد تحنان) ،
ودواليك (تداولا بعد تداول) ، وهذاذيك ، (قطعا للأمر بعد قطع) ، وحذاريك (حذرا بعد
حذر) ، وحجازيك (حجزا بعد حجز ، أى : لا تقطع ذلك وليكن بعضه موصولا).
ولا تكون هذه
المصادر المثناة إلا مضافة دائما ، فالكاف فيها فى محلّ جرّ بالإضافة ، عند جمهور
النحاة ، حيث كاف المخاطب ضمير ، لكن له معنى فى التركيب غير الإضافة ، فنحن نعلم
أن المصدر قد يضاف إلى فاعله ، وقد يضاف إلى مفعوله ، ونجد أن ضمير المخاطب. وهو (الكاف)
فى :
ـ لبيك وسعديك
مفعول به ؛ لأن التقدير فيهما : ألبيك وأسعدك ، والتلبية والإسعاد يقعان على
المخاطب.
ـ هذاذيك
وحذاريك ، الكاف فيهما فاعل ؛ لأن التقدير : اقطع واحذر ، فالمخاطب فاعل القطع
والحذر.
ـ والكاف فاعل
كذلك فى دواليك ، وحجازيك ؛ لأن التقدير فيهما : تداول واحجز ، فالمخاطب فاعل
التداول والحجز.
ـ أما الكاف فى
(حنانيك) فإنه يقع حسب تقدير المصدر بين الإنشاء والخبر : فإذا كان تقديره أمرا ،
أى : حنّ ، فإن الكاف تكون فاعلا.
وإذا كان
تقديره خبرا ، أى : أحنّ إليك ، أو عليك ، فهو مفعول به.
ويرى بعضهم أن
الكاف فى هذه المصادر المثناة حرف خطاب ، ولا موضع لها من الإعراب ، كما هى فى (ذلك).
والتثنية في
هذه المصادر يراد بها التكثير عند العرب ، وكأن المتحدث يريد أن يقول للسامع كلما
انقضى هذا المعنى فليكن مرة بعد مرة.
وإذا ثنّيت هذه
المصادر لزم النصب ، أما إذا أفردتها جاز الرفع والنصب ، ومنه قول منذر بن درهم
الكلبى :
فقالت حنان
ما أتى بك ها هنا
|
|
أذو نسب أم
أنت بالحىّ عارف
|
(حنان) يرفع على أنه خبر لمبتدإ
محذوف ، والتقدير : أمرى حنان ، أو حنانى حنان ، ويرفع كذلك على أنه مبتدأ ، خبره
محذوف ، والتقدير : حنان منى. كما أنه ينصب على المصدرية ، فهو مصدر نائب مناب
فعله.
مصادر غير متصرفة :
قد يكون المصدر
غير متصرف ، لا يدخله الألف واللام ، ومن هذه المصادر :
سبحان الله ـ معاذ
الله ـ عمرك الله إلّا فعلت كذا ـ وقعدك الله إلا فعلت كذا ، وهما. بمنزلة (نشدك
الله) ، ومنه قولهم : سبحان الله وريحانه (استرزاقه).
فهذه أعلام على
المصدرية ، وهى منصوبة دائما ، لا تخرج عن النصب إلى غيره ، وفعلها محذوف دائما ،
لا يجوز ذكره.
المصدر واسم العين :
يذكر بعضهم أنه
قد ينوب عن المصدر اسم العين ، ويجعلون من ذلك : تربا ، وجندلا ، فاهالفيك ، أأعور
وذا ناب ، فيجعلون أسماء الأعيان السابقة نائبة
__________________
مناب المصدر ، ولكنه من الأفضل والأكثر صحة أن تكون هذه مفعولات لأفعال
محذوفة.
الصفة والمصدر :
قد ينوب عن
المصدر الذى يجب إضمار عامله صفات ، نحو : عائذا بك ، هنيئا لك ، أقائما وقد قعد الناس؟
أقاعدا وقد سار الركب؟ وقائما ـ قد علم الله ـ وقد قعد الناس.
حيث يوجه بعض
النحاة الصفات المشتقة (عائذا ، هنيئا ، قائما ، قاعدا ، قائما) على أنها صفات
نائبة مناب المصدر ، وذلك فى قالب أن المصدر ينوب مناب الصفة.
لكنه من الأفضل
والأكثر صحة أن تنصب هذه الصفات على الحالية.
__________________
المفعول معه
أى : الاسم
المفعول معه الفعل ، أو : المفعول بمصاحبته الفعل.
وهو اسم فضلة
مسبوق بواو المصاحبة على غير معنى التبعية ، يأتى بعد جملة فيها ما يدل على
الحدثية ، سواء أكان من طريق الفعل ، أم من طريق ما فيه معنى الفعل وحروفه ، ويكون
هذا الاسم مصاحبا للفاعل فى الزمن دون الحدث أو الفاعلية. ذلك نحو : أذاكر
والمصباح. المصباح تال لواو بمعنى المصاحبة ، ومسبوق بجملة فعلية ، وهو مشترك مع
الفاعل الضمير المستتر فى (أذاكر) فى الزمن ، لكنه لا يشاركه الفاعلية أو إعمال
الحدث ، وهو المذاكرة ، فالمصباح مصاحب لى أثناء مذاكرتى دون أدائها ، فيكون
مفعولا معه.
ومنه : سرت
والشاطئ. جلست والقصة. وقفت والصديق.
ومنه كذلك ما
فيه معنى الفعل وحروفه من الصفات المشتقة ، كما فى القول : أنا سائر والنيل ، فـ (سائر)
اسم فاعل يعمل عمل الفعل.
وكذلك القول :
المرأة متروكة وزوجها. حيث إن (متروكة) اسم مفعول يعمل عمل الفعل ، فيكون عاملا
للمفعول معه (زوج) ، فينصب بعده.
ومنه إعمال
المصدر فيما إذا قيل : عرفت استواء الماء والخشبة ، حيث نصبت (الخشبة) بعد واو
المصاحبة على أنها مفعول معه ، والعامل هو المصدر الذى يسبق الماء (استواء).
__________________
أما قول الشاعر
:
إذا كانت
الهيجاء وانشقّت العصا
|
|
فحسبك
والضحاك سيف مهنّد
|
فقد جاء فى
الضحاك ثلاث روايات : الرفع ، والنصب ، والجر .
ورواية النصب
على أنه مفعول معه ، والواو للمصاحبة لغير التبعية. أما العامل فيه فهو (حسب) ،
وهو اسم يشبه الفعل بمعنى (كاف) ، وعليه فإن الواو لا تكون عاطفة.
ومن المفعول
معه ما يذكر بعد ما فيه معنى الفعل دون حروفه ، ونصبه قليل ، لكن رفعه كثير ،
فيجوز لك أن تقول : ما لك ومحمدا ، بنصب (محمدا) على أنه مفعول معه ، والعامل فيه
الجار والمجرور ، ففيهما معنى الفعل ، حيث يتعلقان بفعل محذوف ـ على حد قول جمهور
النحاة.
أو : أن العامل
فيه فعل مضمر يقدر بالقول : ما تصنع ومحمدا.
ومنه ما يستشهد
به النحاة من قول مسكين الدارمى :
فمالك
والتلدد حول نجد
|
|
وقد غصّت
تهامة بالرجال
|
حيث نصب (التلدد)
على أنه مفعول معه بعد واو المصاحبة ، والعامل فيه شبه الجملة ، وفيها معنى الفعل
، أو : فعل مقدر ، والتقدير : ما تصنع والتلدد.
__________________
ومنه كذلك
القول : حسبك وزيدا درهم. أى : كفاك وزيدا درهم ، أى : مع زيد.
ومنه قول أسامة
بن الحارث الهذلى :
ما أنت
والسير فى متلف
|
|
يبرح بالذّكر
الضّابط
|
حيث نصب (السير)
بعد واو المصاحبة على أنه مفعول معه ، والعامل فيه الفعل المقدر المضمر فيه ،
والتقدير : (ما تكون والسير .. أو : ما تصنع والسير ...).
ومثله ما ذكره
سيبويه من قول الراعى :
أزمان قومى
والجماعة كالذى
|
|
لزم الرّحالة
أن تميل مميلا
|
حيث نصب (الجماعة)
بعد واو المصاحبة على أنه مفعول لأجله ، والفعل العامل فيه مقدر ، والتقدير :
أزمان كان قومى والجماعة.
ومنه قول أسيد
بن إياس الهذلى :
فقدنى
وإيّاهم فإن ألق بعضهم
|
|
يكونوا
كتعجيل السّنام المسرهد
|
__________________
حيث جاء ضمير
المخاطبين ضمير نصب بعد واو المصاحبة ، فهو فى محلّ نصب على أنه مفعول معه ،
والعامل فيه (قد) حيث إن (قد) تأتى اسما على وجهين :
أولهما : أنه
اسم فعل مضارع ، بمعنى (يكفى).
والآخر : أنه
اسم بمعنى (حسب).
والوجه الثانى
هو المقصود هنا ، حيث تكون (قد) بمعنى حسب ، فهى عاملة فى المنصوب بعدها ، وهو تال
لواو المعية ، حيث إن (حسب) بمعنى (كاف) ، ويكون ضمير المتكلم فى محلّ جر بالإضافة
إليه.
أما لو أننا
حسبناها اسم فعل مضارع بمعنى يكفى ، فتكون ياء المتكلم مفعولا به ، وحينئذ يصح
العطف عليها ، وتكون الواو عاطفة ، وما بعدها منصوب بالعطف على الضمير المنصوب.
ومنه على حد
جواز بعض النحاة ـ على رأسهم الفارسى ـ ما ذكر بعد جملة تتضمن اسم إشارة ، كما ورد
فى قول الشاعر :
لا تحبسنّك
أثوابى فقد جمعت
|
|
هذا ردائى
مطويا وسربالا
|
حيث نصب (سربالا)
على المفعول معه ، ويجعل أبو على الفارسى العامل فيه اسم الإشارة أو (مطويا) ، لكن
غيره من النحاة يجعل العامل (مطويا) لا غيره ، وهو اسم مفعول يعمل عمل الفعل.
__________________
ويحترز بكون
الواو التى يأتى بعدها المفعول معه للمصاحبة على غير وجه التبعية ، من مثل القول :
تخاصم زيد وعمرو ، والقول : مزجت عسلا وماء. فالواو فيهما للمصاحبة ، ولكن ما
بعدها لا يكون مفعولا له ، حيث إن الفعل الأول فيه معنى المفاعلة التى تفيد
المشاركة فتتطلب اثنين ، فيكونان أصلا فى أداء معنى المفاعلة ، ولا يصح الاستغناء
عن أحدهما ، إذن لا نستطيع أن نعدّ الثانى فضلة ، بل كلّ منهما عمدة ، وكل منهما
اشترك فى إحداث الفعل وأدائه ، فلا يعد الثانى مفعولا معه ، بل هو تابع ، ومثله :
اشترك على وسمير.
أما الفعل
الثانى فإن دلالته تدل على وجود اثنين بالضرورة ؛ لأن المزج لا يكون إلا بين شيئين
فأكثر ، إذن ، المزج وقع على كل منهما ، ودخل فى معنى المفعولية ، وبالتالى فإن
الثانى تابع للأول فى الدلالة والإعراب ، مع كون الواو للمصاحبة ، ولا يعد مفعولا
معه ، وإنما هو مفعول به بالضرورة.
كما يلحظ أن
الواو فى هذا الباب ـ وهى تعنى المصاحبة ـ تختلف عن الواو التى تكون بمعنى (مع) فى
باب العطف ، إذ إن الواو فى العطف تفيد الاشتراك فى الفعل ، أو إحداث الفعل ، دون
الملابسة أو المصاحبة.
فإن قلت : جاء
على وأحمد. فإن أحمد مثل على فى إحداث المجئ ، وكل منهما فاعل للحدث قائم بذاته ،
مع ملاحظة عدم الملابسة بينهما أثناء إحداث كل منهما للفعل ، وعدم المصاحبة من
أحدهما للآخر ، فكل منهما فاعل برأسه وبذاته.
أما الواو فى
المفعول معه فلا تفيد هذا المعنى ، وهو معنى الاشتراك فى الفعل ، بل إنها لا بد
ألا تفيد معنى الاشتراك والإحداث ، ولكن تفيد المصاحبة ، مصاحبة ما بعدها ـ وهو
غير محدث للفعل ولا مشترك فى إحداثه ـ لما قبلها وهو محدث الفعل ، أو هو فاعله ،
وذلك أثناء حدوث الفعل.
يذكر ابن
الخشاب : «وكذلك الغرض فى قولك : قمت وزيدا بالنصب ؛ غير الغرض فى قولك : قمت وزيد
بالرفع ؛ لأن النصب المراد به الاصطحاب ، والرفع المراد به وقوع الفعل من كل واحد
من الاسمين مطلقا ، مصطحبين كانا أو غير مصطحبين» .
__________________
ويحترز بكون
المفعول معه اسما ، من نحو : لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
حيث يتلو الواو
فعل (تشرب) ، وفى هذا المثل توجيه معنوى تابع للعلامة الإعرابية للفعل ، وهو بين
النصب والرفع والجزم .
وكذلك نحو :
سرت والشمس طالعة. حيث يتلو الواو جملة اسمية.
عامل النصب فى المفعول معه :
اختلف النحاة فى
ناصب المفعول معه على النحو الآتى :
ـ ذهب جمهور
النحاة إلى أن الناصب له ما تقدمه من فعل أو شبهه. وهذا رأى البصريين وجماعة من
الكوفيين. لكنهم اختلفوا فيما بينهم :فذهب جماعة منهم ـ على رأسهم سيبويه والفارسى
ـ إلى أن المفعول معه منصوب على أنه مفعول به فى المعنى ، ويقدرون القول : سرت
والنيل ، بالتقدير :سرت بالنيل.
أما الآخرون ـ وعلى
رأسهم الأخفش وجماعة من الكوفيين ـ فإنهم يذهبون إلى أن المفعول معه منصوب على الظرفية.
حيث حذفت (مع) ، وأقيمت الواو موضعها لاقتضائها التشريك ، ونقل إعراب (مع) إلى
الاسم الواقع بعد الواو ، ويشبهون هذه الحالة بحالة نقل إعراب المستثنى بعد (إلا)
إلى (غير) ، إذا وقعت استثناء .
__________________
ـ ذهب بعض
النحاة ـ وعلى رأسهم الجرجانى ـ إلى أن ناصبه الواو. ولكنهم يردون عليه بأن كلّ
حرف اختص بالاسم ؛ ولم يكن كالجزء منه ؛ لم يعمل إلا الجرّ فى الاسم.
ـ ذهب الزجاج
إلى أن الناصب للمفعول معه فعل محذوف بعد الواو ، والتقدير : ولا بست .. فيكون
مفعولا به.
ـ ينسب إلى
الكوفيين أنهم يذهبون إلى أنه منصوب على الخلاف ، أى : مخالفة ما بعد الواو لما قبلها ، فما بعد الواو
لا يصلح أن يجرى على ما قبله ، فلمخالفته له فى المعنى انتصب على الخلاف.
ويرد على ذلك
بأن الأول والثانى كل منهما مخالف للآخر ، فلو جاز نصب الثانى للمخالفة لجاز نصب
الأول كذلك ؛ لأنه مخالف هو الآخر. ولو أن المخالفة سبيل إلى النصب ؛ لجاز نصب (عمرو)
فى القول : ما قام زيد بل عمرو ، وذلك لمخالفته لما سبقه ، وهو غير جائز.
ـ يذكر ابن
عصفور أنه ينتصب عن تمام الكلام ، سواء تقدمه فعل أم لم يتقدمه .
ـ إذا وقع
المفعول معه بعد جملة استفهامية باستخدام الاسمين (ما ، كيف) ، نحو : ما أنت وعليا؟
كيف أنت والسفر؟ فإن النحاة يخرجونه على إضمار فعل مشتق من الكون تام أو ناقص ،
والتقدير : ما كنت وعليا؟ وكيف تكون ...؟
ويعرب : ما
وكيف ، مبنيين فى محل نصب خبرين لتكون فى الجملتين ، واسمها مضمر فيها.
وقد تقدر فى
الموضعين الملابسة منونة أو مضافة إلى ضميره. ويكون التقدير : ما أنت وملابسة
عليا. أو : وملابستك عليا.
ما كنت وملابسة
عليا ، أو : وملابستك عليا.
__________________
كيف أنت
وملابسة. أو : وملابستك.
كيف تكون
وملابسة. أو : وملابستك.
وقد تجعل العمل
ـ هنا ـ فعل الملابسة المفهوم من معنى الكلام ، والتقدير : ما أنت ولابست زيدا.
كيف أنت وتلابس زيدا.
ويجوز فى مثل
هذه المواضع أن يرفع ما بعد الواو عطفا على الضمير المنفصل ، ولا إشكال فى ذلك ،
بل هو الوجه.
وما يجب فيه
النصب فى مثل هذا الموضع قول مسكين الدارمى :
فما لك
والتلدد حول نجد
|
|
وقد غصّت
تهامة بالرجال
|
حيث يتعين
النصب فى (التلدد) لعدم جواز العطف على الضمير المتصل المجرور ، إلا بعد إعادة ما
اتصل به من جار.
ومنه قول أسامة
بن الحارث الهذلى :
فما أنا
والسير فى متلف
|
|
يبرح بالذكر
الضابط
|
والتقدير : فما
أكون والسير. ويجوز الرفع بعد الواو فى مثل هذا الموضع.
ملابسة النصب والعطف فى المفعول معه :
وضع النحاة
ضوابط معنوية لاختيار أى من أوجه النصب أو العطف مع الترجيح أو الوجوب أو الامتناع
فى المفعول معه على النحو الآتى :
أ ـ وجوب النصب :
يمتنع العطف
ويجب النصب فى المفعول معه المذكور بعد واو المصاحبة فى المواضع الآتية :
__________________
١ ـ التركيب النحوى : (صحة التركيب لفظيا):
حيث يترتب على
وجه عطف ما بعد الواو على ما قبلها تجاوز فى صحة التركيب نحويا ، أى : عدم ملاءمة
التركيب لفظيا مع صحة القواعد النحوية. ذلك فى نحو : كيف جئت وعليا. فالعطف على
الضمير المتصل المرفوع لا يصح إلا من خلال الفصل بضميره المنفصل الذى يتلاءم معه ،
وذلك بذكر الضمير المنفصل بعد المتصل المرفوع مباشرة.
فتقول فيما سبق
إذا أردت العطف : كيف جئت أنت وعلىّ ، فإذا لم تذكر ضمير الرفع المنفصل وجب نصب ما
بعد الواو على المعية.
كما أنك إذا
قلت : ما علاقتك وعليا؟
فمن الأصح أن
تنصب على المفعول معه فى هذا الموضع ، حيث إن العطف فى مثل هذا التركيب ، وهو
العطف بالاسم الظاهر على الضمير المجرور ، يكون بإعادة ما جرّ الضمير مع الاسم
الظاهر.
فإذا أردت
العطف فيما سبق قلت : ما علاقتك وعلاقة على؟ برفع (علاقة) فى الموضعين.
ومثل السابق أن
تقول : كيف حالك وصديقك؟ ما شأنك ومحمودا؟ مالك وسميرا؟ بنصب : (صديق ، محمود ،
سمير) على أنها مفعول معه ، حيث لم يتكرر الجارّ مع ما بعد الواو ، ويمتنع العطف
على الضمير المتصل المجرور دون إعادة الجار مع المعطوف ؛ ولذا يتعين النصب عند
جمهور النحاة.
فإذا أردت
العطف فيما سبق من أمثلة قلت : كيف حالك وحال صديقك؟ ، ما شأنك وشأن محمود؟ مالك
ولسمير؟ برفع (حال وشأن) المكررين ، وتكرار اللام الجارة فى المثال الثالث لجر (سمير).
ولذلك فإنهم
استضعفوا قراءة حمزة فى قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ
الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء : ١] ؛ بجرّ (الأرحام) عطفا على الضمير المجرور فى
__________________
(به) ، حيث لم يذكر الخافض ، ولم يتكرر مع الأرحام ، ولكن قوما يخرجونها
على إضمار حرف الجر (الباء) قبل (الأرحام) ، فكأنه أريد : وبالأرحام ، ثم حذف
الباء ، وهو يريدها.
وحملها آخرون
على القسم ، كأنه أقسم بالأرحام حيث كانوا يعظمونها ، ويكون التقدير : بالأرحام.
كل ذلك تبريرا
لإرادة العطف على الضمير المجرور دون إعادة الخافض (١).
٢ ـ صحة المعنى : (صحة التركيب معنويا):
حيث يترتب على
وجه عطف ما بعد الواو على ما قبلها عدم التآلف بين معنى الجملة السابقة والاسم
اللاحق ، ومعه لا يصح التركيب معنويا. فإذا قلت : سار محمد والنيل ؛ وأردت عطف (النيل)
على (محمد) فإن المعنى لا يصح ، حيث إن النيل لا يشارك محمدا فى السير ، ولذلك
فإنه يمتنع الرفع بالعطف ، ويتعين النصب على أنه مفعول معه ، حيث فعل محمد السير
فى وجود النيل.
وكذلك إذا قلت
: حضرت وشروق الشمس ، ورحت وغروبها. يتعين النصب فى كل من (شروق ، وغروب) على
أنهما مفعول معه ، حيث إن كلا منهما لا يشارك فى إحداث الفعل السابق عليهما ، وهو (حضر)
، ولكنه أحدث فى وجودها.
ومما يجب فيه
النصب على أنه مفعول معه ليصحّ المعنى قولك : ذاكرت والمصباح ، إذ المصباح لا
يشارك فى المذاكرة. وكذلك : جلست وضوء القمر.
سرت وطلوع
النهار. عدت وقدوم الليل.
ب ـ وجوب الرفع :
يمتنع النصب فى
الاسم الواقع بعد واو المصاحبة ، ويتعين فيه العطف فى المواضع الآتية :
١ ـ إذا لم تسبق الواو بجملة :
كأن تقول : كلّ
طالب وكتابه. فواو المصاحبة لزمت بين اسمين متلازمين ، أولهما مرفوع على
الابتدائية ، فتعين فى الثانى العطف عليه ، ولزم الرفع. أما الخبر فهو محذوف وجوبا
يقدر بـ (متلازمان ، متصاحبان ... إلخ).
ومنه أن تقول :
كلّ جندى
وسلاحه. كلّ عامل وأداة عمله. كلّ فلاح وفأسه. أنت ورأيك.
كلّ رجل
وضيعته. الرجال وأعضادها. النساء وأعجازها.
برفع الاسم
الأول فى الأمثلة السابقة على الابتدائية ، ورفع (سلاح ، أداة ، فأس ، رأى ، ضيعة
، أعضاد ، أعجاز) بالعطف على الاسم الأول ، أما الخبر فى المواضع السبعة فمحذوف
وجوبا ، يقدر بما قدر فى سابقها.
٢ ـ المشاركة الحدثية والزمنية :
إذا كان ما بعد
الواو مشتركا مع ما قبلها فى إحداث الحدث والزمن فإنه يجب فيهما العطف ، ويمتنع
النصب ، كأن يقال : تصالح على ومحمود. حيث إن التفاعل لا يكون إلا من أكثر من واحد
؛ ولهذا فإن الفاعل يجب أن يكون أكثر من واحد ، فمحمود لازم لإتمام الفاعلية ،
وعليه فإن الواو عاطفة للاشتراك ، إشراك ما بعدها فى حكم ما قبلها ، فوجب الإتباع
دون النصب.
ومن ذلك :
تقاتل أحمد وزميله. اشتركت سعاد وصديقتها.
تعادل الفريق
الأبيض والفريق الأحمر.
تعادل الفريقان
: الأبيض والأحمر ... إلخ.
٣ ـ إذا لم تفد الواو المعية :
إذا لم تعط
الواو معنى المعية أو المصاحبة ، فإن ما بعدها يمتنع فيه النصب ، ولكنه يأخذ موقعا
إعرابيا ملائما للسياق ، فإذا قيل : حضر على وأحمد قبله ؛ كانت الواو لغير المعية
، حيث المخالفة الزمنية تمتنع مع المعية.
وكذلك إذا قلت
: جاء محمد وسمير بعده. وصل المخرج والممثلون عقبه.
ج ـ ترجيح النصب :
يرجح النصب
ويجوز العطف فى المفعول معه إذا كان هناك ضعف من جهة المعنى ، فيما إذا عطف ما بعد
الواو على ما قبلها. كأن تقول : كن أنت وصديقك متحابين. فإنه فى هذا المثال يجوز
العطف ، ولا مانع لفظى ، حيث إن اسم (كان) ضمير مستتر تقديره (أنت) ، وذكر بعده
ضميره المنفصل (أنت) ، حينئذ يجوز تركيبا من حيث القواعد النحوية أن يعطف عليه.
لكننا إذا أمعنا
النظر فى المعنى فإننا نجد أن المعنى الكامن فى التركيب أمر ، ومن الأفضل أن يؤمر
المخاطب وحده دون الصديق ، إما للتأدب ، وإما من حيث توجيه الكلام والأمر.
ومثله قول
الشاعر :
فكونوا أنتم
وبنى أبيكم
|
|
مكان
الكليتين من الطحال
|
حيث ظهر ضمير
الفصل (أنتم) ، وهو تكرار لواو الجماعة الذى هو اسم (كان) ، إذن يجوز العطف بدون
تجاوز لفظى ، لكن لأن الكلام أمر فإنه من الأفضل أن يوجه الأمر للمخاطبين دون من
ذكروا بعد الواو للتأدب ، وتحويل الأمر إلى النصيحة.
وعليه فإن :
الواو :
للمصاحبة لا محل لها من الإعراب.
بنى : مفعول
معه منصوب ، وعلامة نصبه الياء ؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم. يلحظ أن نون (بنين)
حذفت من أجل الإضافة.
أبيكم : مضاف
إليه مجرور ، وعلامة جره الياء ؛ لأنه من الأسماء الستة.
وضمير
المخاطبين مبنى فى محل جر بالإضافة.
__________________
مكان : منصوب
على الظرفية. وشبه الجملة فى محل نصب خبر (كن) ، أو متعلق بخبر محذوف.
ومن النحاة من
يسوى بين العطف والنصب فى هذا المثال .
ويجعل النحاة
فى هذا الموضع المذكور بعد واو المصاحبة وقبلها ضمير رفع ، ويجعلون فى العطف ضعفا
من جهة اللفظ إذا أريد العطف ؛ حيث يعللون لهذا بما عللنا له به سابقا فى وجوب
النصب ، وهو أنه لا يعطف على الضمير المتصل المرفوع إلا بعد ذكر الضمير المنفصل
المرفوع. وذلك أن تقول : ذاكرت وصديقى.
حيث ذكر (صديق)
بعد الواو ، وقبلها ضمير رفع متصل وهو (التاء) ، وهنا يرجح النصب ، حيث لم يذكر
ضمير الرفع المنفصل بعد الضمير المتصل المرفوع ، بل إن منهم من يوجب النصب ، كما
ذكرنا سابقا فى أحوال الوجوب.
فإذا أردت
العطف دون اعتراض لفظى فإنك تقول : ذاكرت أنا وصديقى. ففى هذا المثل يعطف (صديق)
على ضمير الرفع المتصل (التاء). ووجب ذلك لوجود ضمير الرفع المنفصل (أنا).
ومنه قولهم :
لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها . والتقدير : لو تركت الناقة مع فصيلها. وعليه فإن ما
بعد واو المصاحبة يرجح نصبه على أنه مفعول معه ، إذ إننا لو أردنا الإتباع بالعطف
لتكلفنا فى التأويل على حد القول : «لو تركت الناقة ترأم فصيلها ، وتركت فصيلها
يرضعها. ونحو قول زهير :
إذا أعجبتك
الدهر حال من امرئ
|
|
فدعه وواكل
أمره واللّياليا
|
__________________
حيث نصب (الليالى)
بعد واو المصاحبة على أنه مفعول معه ، والمراد : اترك أمره مع الليالى.
د ـ ترجيح العطف :
يرجح العطف
فيما وقع بعد واو المصاحبة ؛ ويجوز النصب ؛ فيما إذا أمكن العطف بدون ضعف من حيث
التركيب البنيوى للكلام ، أو الناحية اللفظية ، أو من حيث الجانب المعنوى ، كأن
تقول : جاء محمد وصديقه. بعطف (صديق) على (محمد) ، حيث يرجح العطف لعدم وجود مانع
لفظى أو معنوى ، فالصديق يمكن أن يكون مشاركا لمحمد فى إحداث المجىء ، كما أنه يصح
العطف دون اعتراض لفظى أو نحوى.
ومنه أن تقول :
كافأت عليا ومحمدا. بنصب (محمد) على العطف على (على) ، حيث التشارك المعنوى فى
المفعولية ، وليس هناك اعتراض لفظى.
ومنه قوله
تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥] حيث صح عطف (زوج) على الضمير المستتر المرفوع فى (اسكن)
لذكر ضمير الرفع المنفصل (أنت) ، مع صحة التشارك المعنوى.
وكذلك قوله
تعالى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ
وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) [المائدة : ٢٤].
__________________
حيث يرجح رفع (رب)
بالعطف على الضمير المستتر المرفوع فى (اذهب). ومثله أن تقول : جئت أنا وعلىّ ،
حيث فصل بين ضمير الرفع المتصل وما بعد الواو ضمير الرفع المنفصل ، فرجح العطف.
ومنه كذلك : ما أنت ومحمد؟ يرجح عطف (محمد) على الضمير المرفوع المنفصل (أنت) ،
كما أن المجرور إذا كان ظاهرا رجح العطف. كأن تقول : ما لمحمد وعلى؟ وما شأن محمد
وعلى؟. إذ العطف هنا أفضل لإمكانه بلا ضعف.
ه ـ امتناع العطف والنصب على المعية :
يمتنع فيما
يذكر بعد واو المصاحبة العطف على ما سبقها ؛ كما يمتنع النصب ؛ إذا كان هناك مانع
معنوى ، حيث لا يجوز إشراك الثانى مع الأول معنويا ، فيحتاج ما بعد الواو إلى عامل
ضرورة لينصبه ، ذلك كما جاء فى قول الراعى النميرى :
إذا ما
الغانيات برزن يوما
|
|
وزجّجن
الحواجب والعيونا
|
لا يجوز إشراك
العيون مع الحواجب فى التزجيج ؛ لأنه مختص بالحواجب ، أما العيون فيخصها التكحيل ؛
لذلك فإنه يمتنع العطف. كما أنه يمتنع النصب على المعية أو على أنه مفعول معه ؛
لأن العيون لها مؤثر معنوى غير ما يكون عليه الحواجب ، لذلك فإنه يجب تقدير فعل
محذوف يكون عامل النصب فى العيون ، وملائما له معنويا ، وهو : كحل ، وتكون (العيون)
مفعولا به لفعل محذوف.
__________________
وقد يضمّن
الفعل المذكور معنى يلائم المفعولين المذكورين ، ويكون بمعنى التزيين ، والتقدير :
زيّن الحواجب والعيون.
ومنه قول
الشاعر :
يا ليت زوجك
قد غدا
|
|
متقلّدا سيفا
ورمحا
|
حيث يريد :
متقلدا سيفا ، وحاملا رمحا ، فلا يقال : تقلدت الرمح ، وعليه فإنه يجب تقدير محذوف
يتلاءم مع المنصوب بعد الواو ، وتكون الواو عاطفة جملة على جملة.
وقد يكون
المقدر حالا ، أى : وحاملا رمحا.
ومثله قول ذى
الرمة :
علفتها تبنا
وماء باردا
|
|
حتى شتت
همالة عيناها
|
حيث إن العلف
يكون بالتبن ، ولا ينسحب على الماء ، وإنما يتلاءم معه السقى أو الشراب .. إلخ ؛
لذلك فإننا نقدر فعلا مناسبا ناصبا للماء ، وهو : سقيتها أو أشربتها .. إلخ.
ويجوز أن نضمن
الفعل (علف) معنى يتلاءم مع المفعولين ، نحو : أنلتها ، أو : قدمت لها .. إلخ.
و ـ احتمال العطف والنصب على المعية :
يجوز فى بعض
المواضع ـ لفظيا ومعنويا ـ أن يعطف ما بعد واو المصاحبة على ما قبلها ، وأن ينصب
على أنه مفعول معه. يبدو ذلك فى قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا
أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) [يونس : ٧١].
بنصب (شركاء) ،
على أن تكون الواو عاطفة مفردا على مفرد ، ويكون نصب (شركاء) بالعطف على (أمر) من
وجهين :
__________________
أولها : بتقدير
حذف مضاف ، والتقدير : وأمر شركائكم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ،
وأعرب إعرابه.
والآخر : أنه
معطوف عليه بدون تقدير ، حيث يمكن القول : أجمعت شركائى.
وقد تكون الواو
عاطفة جملة على جملة ، وحينئذ ينصب (شركاء) على أنه مفعول به لفعل محذوف ، تقديره
: و (اجمعوا) ، بهمزة وصل.
وقد يكون النصب
على أن ما بعد الواو مفعول معه ، والتقدير : وأجمعوا أمركم مع شركائكم .
ويتضح ما سبق
فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ
تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ
إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا ...) [الحشر : ٩].
حيث ينصب (الإيمان)
على عطف مفرد على مفرد من ثلاثة أوجه ، هى : تضمين الفعل (تبوأ) معنى يلائم
المنصوبين ، حيث الإيمان لا يتبوأ. كأن يكون معنى (لزم) ، فيكون التقدير : لزموا
الدار والإيمان. أو أن يجمع بين الدار والإيمان على سبيل المجاز فى الإيمان. أو أن
يكون الأصل : دار الهجرة ودار الإيمان ، فحدث حذف ونقل بين المضاف والمضاف إليه
وأداة التعريف.
أو يكون العطف
من قبيل عطف جملة على جملة ، فيلزم تقدير محذوف ناصب للإيمان ، ويكون التقدير :
تبوأوا الدار ، واعتقدوا الإيمان ، أو : ألفوا ، أو : أحبوا.
وقد يكون نصب (الإيمان)
على أنه مفعول معه ، والتقدير : والذين تبوأوا الدار مع الإيمان .
__________________
فإذا قلت : ما
أنت وزيد؟ ؛ وأنت لم تذكر فعلا ، فإنك تعطف ـ إن شئت ـ فترفع زيدا ، وإن شئت فإنك
تنصب على أنه مفعول معه ، ويكون التقدير : ما تكون وزيدا؟ وكيف تكون وزيدا؟
وليس المراد
بالكلام الأخير مجرد الاستفهام عن الاسمين وكونهما ، بل المراد به الاستفهام عن
المعنى الجامع بينهما ، كما أن هذا الكلام يتضمن إنكارا .
المفعول معه بين القياس والسماع :
هل المفعول معه
ظاهرة قياسية أم سماعية؟
القضية ـ فى
إيجاز ـ تبدو فى رأيين عريضين :
أولهما : أن
الجمهور يذهبون إلى أن المفعول معه مقيس ، لا يقتصر فيه على ما هو مسموع.
والآخر : أن
آخرين من النحاة يذهبون إلى أنه يقتصر فى المفعول معه على المسموع منه ، ولا يعدى
إلى غيره على القياس.
والراجح إنما
هو الرأى الأول ، إذ إن كلّ حدث أو فعل إنما هو قابل لأن يحدث مع موجود معه أثناء
حدوثه ، دون أن يشترك فى الإحداث ، وهذا المفهوم يتلاءم مع الطبيعة البشرية ،
والطبيعة اللغوية.
رتبة المفعول معه :
أما من حيث
تقدم المفعول معه على الفعل فإنه ممتنع اتفاقا.
ولكن توسطه بين
الفعل ومعموله المصاحب له فقد أجازه ابن جنى قياسا على جواز تقدم المعطوف عليه على
المعطوف ، كما جاء فى قول الأحوص :
__________________
ألا يا نخلة
من ذات عرق
|
|
عليك ورحمة
الله السّلام
|
والأصل : عليك
السّلام ورحمة الله ، فأخر المعطوف وهو (السّلام) ، وقدّم المعطوف عليه ، وهو (رحمة).
ويرى أن المفعول معه أصله العطف.
ولكن غيره يمنع
ذلك احتجاجا بأن هذا التوسط فى المعطوف ضعيف نادر ، فيكون فى المفعول معه الذى هو
فرعه أضعف.
ومما يستشهد به
ابن جنى على تقدم المفعول معه على معمول الفعل قول يزيد بن الحكم :
جمعت وفحشا
غيبة ونميمة
|
|
ثلاث خصال
لست عنها بمرعوى
|
حيث يرى ابن
جنى أن الأصل : جمعت غيبة ونميمة مع فحش ، على أن الواو التى تسبق (فحشا) واو
المعية ، وهو منصوب على أنه مفعول معه ، تقدم على مصاحبه الذى هو (غيبة ونميمة).
فيذكر ابن جنى
: «ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل ، نحو قولك : والطيالسة جاء البرد ؛ من
حيث كانت صورة هذه الواو صورة العاطفة ، ألا تراك لا تستعملها إلا فى الموضع الذى
لو شئت لاستعملت العاطفة فيه ، نحو : جاء البرد والطيالسة ، فلما ساوقت حرف العطف
قبح : الطيالسة جاء البرد ، كما قبح : وزيد قام عمرو.
__________________
لكنه يجوز :
جاء والطيالسة البرد ، كما تقول : ضربت وزيدا عمرا ، قال : جمعت وفحشا غيبة ونميمة
...» .
لكن كثيرا من
النحاة يرفضون ذلك. وبعضهم يجعل تقديم المعطوف على المعطوف عليه ضرورة. كما أن
بعضهم يجيز هذه الضرورة فى تقديم المفعول معه على مصاحبه.
__________________
المفعول له
المفعول له
مصدر يذكر لبيان سبب حدوث فعله (أو عامله) ، نحو : أقف احتراما لك. فالاحترام علة
أو سبب لوقوع الفعل (أقف). فالمصدر سبب حدوث الفعل.
أصله أن يكون
باللام ؛ لأن اللام حرف العلة والتعليل والغرض ، فيقال : أقف لأحترمك.
ووجب أن يكون
مصدرا ؛ لأن العلة أو السببية إنما تكون بالحدث ، لا بالعين.
ويسمى المفعول
لأجله ، أو من أجله ، أو له ، أو المفعول السببى ، أو غرض الفاعل ، وكلها تعطى
معنى السببية والعلة.
والهاء تعود
على العامل أو الفعل ، أى : الفعل الحادث لأجله هذا المفعول ، أو المفعول للفعل ،
أو من أجل الفعل. والمفعول له غرض الفاعل.
ضابطه :
يشترط فى ما
يمكن أن يكون مفعولا لأجله فى مجال الإعراب أن يكون :
أ ـ مصدرا :
ذلك لأن الباعث
له إنما هو الأحداث لا الذوات ، وكما ذكرنا فإن المصدر سبب لحدوث الفعل. إذ
المصدرية تتلاءم مع معنى التعليل ، ذلك لأن الباعث له إنما هو الأحداث لا الذوات ،
فالمصدر سبب لحدوث الفعل.
__________________
ب ـ معناه قلبى :
أى : يكون من
أفعال النفس الباطنة ، كالرغبة والإرادة ، والمشاعر ..
إذ إن المعنى
القلبى يتلاءم مع العلة ، حيث تقدم الإرادة أو الرغبة الحاملة الشخص على عمل الفعل
، أما الأفعال الجارحة فلا تتلاءم مع هذا ، فلا يقال : اشتريت القلم كتابة للدرس ،
إلا إذا أضمرت الإرادة أو الرغبة.
وعليه ، فإن
المفعول له لا يكون إلا فعلا باطنا ، والفعل المسبب عنه فعل ظاهر .
ج ـ مفيدا للتعليل :
حيث تكون العلة
دافعة إلى إحداث الفعل ، سواء أكانت علة عارضة ، نحو : أنصت رغبة فى فهم الدرس. أم
كانت علة غير عارضة ، أى : ذات صفة ثابتة ، نحو : قعد عن الحرب جبنا ، حيث إن
الجبن صفة لازمة. والسببية حادثة وكامنة فى الذهن قبل المسبب عنها ، وهو الفعل. فالرغبة فى فهم الدرس والجبن علتان
كامنتان فى الذهن قبل إحداث الفعل ، فدفعتا إلى إحداثه.
د ـ مشتركا مع عامله فى الوقت :
فإن وقت حدوث
الفعل يجب أن يكون متحدا أو مشتركا مع وقت المصدر المفعول لأجله الفعل ، والاشتراك
يعنى أن يتحدا زمنا ، أو أن يشترك أحدهما فى جزء من زمن الآخر. ذلك نحو : أفتح
الباب تجديدا للهواء. زمن فتح الباب وزمن تجديد الهواء يتحدان ، حيث إن كلا منهما
يقترن بالآخر زمنا وحدثا.
جئتك محبة لك.
فإن زمن المجىء جزء من زمن المحبة ، حيث إنها تتخذ زمن الاستمرار. ومثله : قعد عن
الحرب جبنا. فإن الجبن صفة ملازمة ، وبهذا يكون زمن القعود عن الحرب جزءا من زمن
الصفة اللازمة (الجبن).
__________________
صددتك خوفا من
خطئك. فإن زمن الصدود آخر بالنسبة لزمن الخوف من الخطأ ، حيث إن زمن المصدر واقع
قبل زمن الفعل ، فأول زمن الفعل آخر زمن المصدر.
أقرأ أملا فى
التفوق. فإن أول زمن القراءة يتقدم على أول زمن التفوق ، فزمن المصدر آخر بالنسبة
لزمن الفعل ، أى أن أول زمن المصدر آخر زمن الفعل.
ويذكر أن سيبويه لم يشترط ذلك ، كما لم يشترطه أحد من
المتقدمين.
ه ـ مشتركا مع عامله فى الفاعلية :
يجب أن يكون
فاعل العامل وفاعل المصدر واحدا ، حيث إن الفعل والمصدر يجب أن يكونا صادرين من
فاعل واحد ، حتى يكونا مشتركين فى هذا الجانب ؛ لأن الفعل حادث من الفاعل لأجل
المفعول له الكامن فى نفس أو مشاعر هذا الفاعل ، ومن هنا كان الاتحاد بين الفعل
والمفعول فى الفاعلية واجبا.
فعندما تقول :
أصلّى رغبة فى إرضاء الله ؛ تلمس أن (رغبة) مصدر ، معناه قلبى ، حيث إن الرغبة
إرادة كامنة فى النفس ، تعليل للفعل وهو (أصلّى) ، فالصلاة من أجل الرغبة فى إرضاء
الله ، كما أن زمنه يشترك مع زمن الصلاة ، فالرغبة الكامنة فى النفس المستمرة زمنا
حدتنى إلى إحداث الصلاة ، ومنه نجد أن زمن الصلاة مشترك فى جزء من زمن الرغبة فى
إرضاء الله ـ تعالى ـ كما أن فاعل الصلاة ـ وهو ضمير مستتر تقديره : أنا ـ هو فاعل
الرغبة.
يلحظ أن
المفعول لأجله يصح أن يسأل عنه باستخدام حرف الاستفهام : لم؟
وأنت تعلم أنّ (لم)
تستخدم للاستفهام بها عن التعليل والسبب.
ـ يلحظ ـ كذلك
ـ ألا يكون المفعول لأجله مصدرا للفعل العامل ، أى : ألا يكون من لفظ الفعل ، حيث
إن المصدر هو الفعل ؛ لأن الفعل مصدر وزمن ، ولا يكون الشىء علة لنفسه.
__________________
حكمه الإعرابى :
كل ما فيه معنى
المفعول لأجله فإنه إما أن تجتمع فيه الشروط السابقة ، أو لا تجتمع فيه ، وعليه
فإننا نذكر حكم المفعول لأجله الإعرابى فى قسمين :
أولهما : حال اجتماع الشروط السابقة :
إذا اجتمعت
الشروط السابقة فى المفعول لأجله ـ وهى كونه مصدرا ، معناه قلبى ، معللا للفعل ،
مشتركا معه فى الزمان والفاعل ، ليس من لفظ الفعل ، ويصح الاستفهام عنه بحرف
التعليل ـ فإنه يقع فى ثلاثة مبان :
أ ـ أن يجرد من
أداة التعريف والإضافة : فيكثر فيه النصب ، كما يجوز أن يجرّ ، فيقال : أفهم النحو
تكوينا لشخصيتى ، ويجوز أن يقال : أفهم النحو لتكوين شخصيتى. ويعرب (تكوينا)
مفعولا لأجله منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة. أما (لتكوين) فإنها تعرب جارا ومجرورا
، وشبه الجملة متعلقة بالفهم.
انظر الأمثلة
المذكورة سابقا ، ومن ذلك :
ـ أستمع إلى
الدرس رغبة فى الفهم.
ـ أغلف الكتاب
صيانة له ، أو : محافظة عليه.
ـ أجمع القمامة
فى أكياس محافظة على البيئة.
ـ يمنع التدخين
فى الأماكن العامة منعا للتلوث.
ويجوز لك أن
تجرّ المصدر بحرف الجرّ فى كل ما سبق ، فتقول : لرغبتى فى الفهم ، .. لصيانته ، ..
للمحافظة على البيئة ، .. لمنع التلوث.
ب ـ أن يعرف
بالأداة (الألف واللام) : فيكثر فيه الجرّ بحرف التعليل (اللام) ، ويجوز أن يجرّ
بالباء ، أو : فى ، أو : من ، فيقال : أكافئه للإعجاب به. فتكون شبه الجملة (للإعجاب)
متعلقة بالمكافأة ، وشبه الجملة (به) متعلقة بالإعجاب.
وقفت له
للاحترام الواجب. شبه الجملة (للاحترام) متعلقة بالوقوف.
أغلف الكتاب
للمحافظة عليه. شبه الجملة (للمحافظة) متعلقة بالتغليف.
وقد ينصب
المفعول لأجله المعرف بالأداة ، كما هو فى قول الشاعر :
لا أقعد
الجبن عن الهيجاء
|
|
إن توالت زمر
الأعداء
|
فـ (الجبن)
مصدر معرف بالألف واللام ، وهو مفعول لأجله منصوب للفعل (أقعد) ، وهو مرفوع ،
وعلامة رفعه الضمة ، (لا) نافية لا محلّ لها من الإعراب.
ومما قرن
بالألف واللام ما ذكر فى قوله تعالى : (وَنَضَعُ
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧]. حيث (القسط) من أوجه نصبه أنه مفعول لأجله . والتقدير : لأجل القسط. ولهذا فإنهم يجعلون فى هذا
الوجه لنصب (القسط) معرفا بالألف واللام نظرا ، من حيث إن المفعول له إذا كان
معرفا بالأداة فإنه يقل تجرده من حرف العلة (اللام) .
ج ـ أن يكون
مضافا : إذا كان المصدر المفعول لأجله مضافا فإنه يستوى فيه حالتا النصب والجر.
منه قوله تعالى : (الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ
أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ..) [البقرة : ٢٦٥] (ابتغاء) مفعول لأجله منصوب ، وهو مضاف ، و (مرضاة) مضاف إلى المصدر مجرور.
(تثبيتا) معطوف على المفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
__________________
ومنه قوله
تعالى : (يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة : ١٩]. (حذر) مفعول لأجله منصوب ، وهو مضاف ، و (الموت) مضاف
إليه مجرور.
وكذلك قوله
تعالى : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي
يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ٢٦٤]. حيث إنه من أوجه نصب (رئاء) أن يكون مفعولا لأجله ، والتقدير : لأجل رئاء الناس. ورئاء مضاف ، و (الناس)
مضاف إليه مجرور.
ومنه قوله
تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) [الإسراء : ٣١]. حيث (خشية) منصوب على أنه مفعول لأجله ، اجتمعت فيه كل
الشروط ، وهو مضاف ، و (إملاق) مضاف إليه مجرور.
أما قوله تعالى
: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ
عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً
مَيْسُوراً) [الإسراء : ٢٨]. فإن فيه (ابتغاء) منصوب على أنه مفعول لأجله ، وقد
أضيف إليه (رحمة). أما عامله فهو (تعرض) ، وقد يكون (قل).
__________________
ومنه قول حاتم
الطائى :
وأغفر عوراء
الكريم ادّخاره
|
|
وأعرض عن شتم
اللئيم تكرّما
|
(ادخار) مفعول لأجله منصوب ، وهو
مضاف ، وضمير الغائب (الهاء) مبنى فى محلّ جر بالإضافة.
ومما أضيف ،
وجرّ قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْها لَما
يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤] فـ (خشية) المفعول لأجله جر بحرف الجر (من). وشبه
الجملة (من خشية) متعلقة بالهبوط.
ملحوظة :
يلحظ أنه عند
ما تتوافر الشروط مكتملة فى المفعول لأجله ، فى أى مبنى من مبانيه الثلاثة السابقة
؛ فإن النصب لا يتعين فى مبنى معين ، وإنما يجوز فى ترجيح أو عدم ترجيح ، ويجوز
الجرّ ـ حينئذ.
ثانيهما : إذا فقد شرط من الشروط السابقة وجب جره بحرف الجر.
كأن :
أ ـ يفقد
المصدرية : كما فى قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها
لِلْأَنامِ)
__________________
[الرحمن : ١٠]. فـ (الأنام) ليس اسم معنى مصدرا. وكأن يقال : جئتك
للولد.
ب ـ يفقد معنى
القلبية : نحو قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ ..) [الأنعام : ١٥١] فالإملاق ليس معنى قلبيا.
ج ـ يفقد التعليل
: نحو : قابلته فجأة . إذ إن الفجأة لا تعطى معنى التعليل لإحداث الفعل (قابل).
د ـ يفقد
الاتحاد فى الوقت : كما هو قول امرئ القيس :
فجئت وقد
نضّت لنوم ثيابه
|
|
لدى السّتر
إلا لبسة المتفضّل
|
فنضو الثياب
زمنه قبل زمن النوم المسبوق بلام التعليل ، فالمصدر (النوم) لا يشترك زمنه مع زمن
الفعل (نض).
ومنه أن تقول :
جئتك اليوم للاجتماع غدا.
ه ـ يفقد
الاتحاد فى الفاعلية : كأن تقول : زار محمود أخاه لرغبة أبيه فى ذلك . فاعل (زار) محمود ، أما فاعل المصدر (رغبة) فهو المضاف
إليه (أبى).
__________________
ومنه قول أبى
صخر الهذلى :
وإنى لتعرونى
لذاكراك هزّة
|
|
كما انتفض
العصفور بلّله القطر
|
فاعل (تعرو)
هزة ، أما فاعل المصدر (ذكرى) فهو كاف الخطاب المضاف إلى (ذكرى). وعليه فإن فاعل
الفعل (تعرو) يختلف عن فاعل المصدر المتعلق به بواسطة حرف التعليل اللام (ذكرى).
ومنه قوله
تعالى : (وَالْخَيْلَ
وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٨].
(لتركبوها)
مفعول لأجله ، وإنما وجب ذكر حرف التعليل ؛ لأنه فقد شرط الفاعلية ، إذ خالق الخيل
والبغال هو الله تعالى ، أما فاعل الركوب إنما هم المخاطبون.
أما (زينة) فمن
أوجه إعرابه أنه مفعول لأجله ، ووصل إليه الفعل بنفسه ، أى : ذكر منصوبا لاستيفاء
الشروط مكتملة ، فالخالق هو الله تعالى ، وهو الذى يزينكم فى أعين الناس بالخيول
وغيرها.
__________________
ويمكن أن يكون
منه قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ
الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨].
من أوجه
المعانى المحتملة ـ وهى يتوقف عليها الإعراب ـ ل (دلوك) أن تكون على تقدير : لأجل
دلوك الشمس ، وهى شبه جملة متعلقة بالقيام ، وفاعل القيام غير فاعل
الدلوك.
و ـ يكون من
لفظ فعله أو عامله : نحو : علمتك للتعليم. وإن نصبت فهو مفعول مطلق.
ز ـ ومنه ـ كذلك
ـ ألا يكون المصدر نوعا للفعل : نحو : جئتك عدوا. فـ (عدوا) إما حال بتأويله بمشتق
، والتقدير : عاديا ، وإما نائب عن المفعول المطلق على تقدير المفعول المطلق
المحذوف ، وعدوا صفته بتأويلها بمشتق ، ونابت منابه ، وإما نائب عن المفعول المطلق
؛ لأن العدو نوع وبيان هيئة للمجئ ، فهى بمثابة المرادف له.
العامل فى المفعول له :
للنحاة مذاهب
مختلفة فى عامل نصب المفعول لأجله :
ـ فمذهب جمهور
البصريين أنه منصوب بالفعل ؛ على تقدير لام العلة التى أسقطت.
ـ أما مذهب
الكوفيين فهو انتصابه انتصاب المصادر ، دون إسقاط حرف الجر
ـ وذهب الزجاج
إلى أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه.
ويذكر أنه قد
تقع الباء ومجرورها مفعولا له ، كقوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ
الَّذِينَ
__________________
هادُوا
حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠] أى : بسبب ظلم من الذين .....
وكذلك (من)
ومجرورها ، كقوله ـ سبحانه : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ
كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) [المائد : ٣٢]. أى : لأجل ذلك ، وفيها معنى السببية.
كما أنهم
يجعلون من ذلك قوله تعالى : (يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ) [البقرة : ١٩]. حيث تكون (من) بمعنى السببية ، فيجعلون (من الصواعق) فى
موضع نصب على المفعول له ، والتقدير : من خوف الصواعق .
وكذلك الكاف ،
ومنه ـ كما يذكر ابن الخشاب ـ مسألة الكتاب : كما أنه لا يعلم فغفر الله له ، أى
لأنه لا يعلم ، و (ما) زائدة بين الكاف ومجرورها .
ويذكر ابن هشام
معنى التعليل للكاف ، فأثبته قوم ، ونفاه الأكثرون ، وقيد بعضهم جوازه بأن تكون
الكاف مكفوفة ، كحكاية سيبويه السابقة .
ونظرة فى مجموع
ما سبق نجد أن المفعول لأجله مفعول مقيد بالتعليل ، سواء أكان التعليل باللام ، أم
بمن ، أم بغيرهما ، وهذا التقييد يفرض علينا أن ننظر فى أصل التركيب الذى يأتى فيه
المفعول لأجله ، ولا نجد مفرا من تقدير (لام) التعليل قبل المصدر المنصوب للتعليل
، أو غير اللام من جار.
يذكر سيبويه
ذلك فى عدة مواضع ، فيقول : «فعلت ذلك حذر الشر. أى : لحذر الشر» . كما يجعله فى موضع آخر موقوعا له ، فيذكر : (هذا باب
ما ينتصب من المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر ؛ فانتصب لأنه موقوع له ، ولأنه تفسير
لما قبله لم كان ، وليس بصفة لما قبله ، ولا منه.
__________________
ثم يذكر : «فهذا
كله ينتصب لأنه مفعول له ، كأنه قيل له : لم فعلت كذا وكذا؟ ، فقال : لكذا وكذا ،
ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله» .
إذن ، تقدير
سيبويه أن المفعول لأجله إنما نصب لحذف حرف الجر (اللام) ، ويؤكد ذلك فى كل موضع
يتطلب ذلك فى كتابه ، وفى كل تمثيل بهذا ، فعند ذكره لفتح همزة (أن) لحذف لام
التعليل قبلها يذكر ـ مقارنا إياها بالمصدر ـ قوله : «ولكنك حذفت اللام ـ ههنا ـ كما
تحذفها فى المصدر إذا قلت :
وأغفر عوراء
الكريم ادّخاره
|
|
وأعرض عن شتم
اللئيم تكرّما
|
أى : لادخاره : ويعلل ابن جنى لذلك بأنه لما حذف اللام نصبه بالفعل
الذى قبله .
أما الذين يرون
أنه ينتصب انتصاب المصادر فإنه يردّ بأن المصادر تنصب فى أى حال ، وليس بشروط خاصة
، وأهم هذه الشروط التى تفند هذا الرأى هو شرط التعليل ، وكأن النصب هنا معنوى
ولفظى ، فأما المبرر المعنوى فيظهر من إرادة مدلول التعليل ، وأما المبررات
اللفظية فإنما تتمثل فى سائر الشروط ، والمصادر لا تنصب إلا بتعليل لفظى ، يرجع
إلى أصول أفعالها.
أما من يرى
بأنه منصوب بفعل مضمر من لفظه فإنه يذهب به مذهب الحال ، أو أنه كيف تعرب الجملة
الفعلية التى يمثلها هذا الفعل؟ أتمثل الابتداء؟ إذن تفتقد مدلول الجملة وهو
التعليل ، ولو افترضنا أنها تعنى التعليل فلابد من عدة تقديرات ، تتمثل فى افتراض
وجود لام التعليل ، ثم تجر ما بعدها مع تقدير (أن) ، فمصدر مؤول .. إلى غير ذلك ،
ويذكر ابن الخشاب أن المفعول له «يقدر أبدا باللام ، ثم تحذف فيفضى الفعل إلى
مجرورها فينصبه. فالأصل فى قولك : قصدتك ابتغاء عرفك ، لابتغاء عرفك ، ثم حذفت
اللام ، فانتصب مجرورها» .
__________________
لذا ؛ فلا مفر
من افتراض سقوط لام التعليل الجارة ، واجتماع الشروط لا يسقطها بالضرورة ـ على
الوجه الأرجح ـ سواء احتاج المصدر إلى حرف التعريف ، أم إلى الإضافة ، فيمكن أن
نجعل هذا من قبيل تعاقب التنوين وأى منهما.
ويقوى ذلك أن
النحاة يوجبون الجر إذا فقد شرط مما سبق ، وهنا يوجب سبق اللام التعليلية ، أو ما
فى معناها ، وهو (من) السببية ، نحو : (مُتَصَدِّعاً مِنْ
خَشْيَةِ اللهِ) [لحشر : ٢١] ، و (الباء) نحو قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ
الَّذِينَ هادُوا) [النساء : ١٦٠] ، و (فى) نحو : دخلت امرأة النّار فى هرّة .
ويمكن لنا أن
نقول : إن المفعول لأجله من المنصوبات التى نصبت لنزع الخافض ، أو لسقوط حرف الجر.
ولا غرو أن
نقرأ لدى ابن أبى الربيع : «فحرف الجر هو الأصل فى المفعول من أجله» . كما يذكر فى موضع آخر أن حذف حرف الجر فى المفعول من
أجله قياسى . كما يختاره السلسيلى فيقول : «وهو الصحيح ، بدليل وصول
الفعل إلى ضميره باللام ، نحو : ابتغاء ثواب الله هو الذى تصدقت له ، إذ المضمرات
ترد الأشياء إلى أصولها» .
ويؤيد كل ما
سبق ما ذكره الصيمرى من قبل ، وبعد أن ذكر أن المفعول لأجله يفسر على وجود لام
قبله ، وذلك فى قوله : «وهذه اللام المقدرة يجوز ذكرها فى الكلام ، وحذفها ، كقولك
: جئتك لمخافتك ، ولطمع فيك ، وإن شئت حذفتها : ونصبت ما بعدها ، فقلت : جئتك
مخافة لك ، وطمعا فيك ..» .
__________________
وعلينا أن
ننتبه إلى أن «شرط نصب المفعول له أن تكون اللام مقدرة غير ملفوظة ؛ لأن اللام لو
كانت ملفوظة لكان مجرورا ، فلم يكن نصبه مع الجر ، ولو لم تكن مقدرة لم يفهم منه
العلية التى هى شرط المفعول له» .
حذف العامل :
يجوز حذف عامل
المفعول له لقرينة تدل عليه.
من ذلك قولك :
كلّ هذا أملا فى تفوق يحسد عليه. والتقدير : كلّ هذا أحدثه أملا فى .... فالأمل
مصدر قلبى معلل للفعل المقدر (أحدث) ، كما أنه يشترك معه فى الفاعلية ، وزمن الأمل
يشترك مع زمن الإحداث.
ومثله أن تجيب
بقولك : حسدا عليه ؛ ردا على سؤال السائل : لم فعل كلّ هذا؟
ملحوظات :
أولا : المفعول لأجله والاختصاص :
ألحظ أن
المفعول لأجله إذا كان نكرة فإنه لا يأتى إلا منسوبا إلى ما بعده ، ويكون ذلك
باستخدام حروف الجر ، ذلك نحو : أقدر جارى حبا له. أنصت إليه أملا فى استيعاب
الفكرة. أنظف الفراش محافظة عليه. أصادقه إعجابا به.
فأنت تلمس أن
المصادر المنصوبة على أنها مفعول لأجله : حبا ، أملا ، محافظة ، إعجابا ، قد وردت
نكرة ، ولكنها ركبت منسوبة إلى ما بعدها بواسطة حروف الجر : اللام ، فى ، على ،
الباء.
ومنه : جئتك
ابتغاء لخيرك. قصدتك طمعا فى معروفك. أعرضت عنه حزنا منه. صددته غضبا عليه. توجهت
إليه أملا فى عدله. أناصره ميلا إليه. لن أزوره إعراضا عنه.
__________________
وإن ذكر
المفعول لأجله فى التركيب الظاهرى الملفوظ به نكرة دون نسب إلى ما بعده بواسطة حرف
الجر ، فإن ذلك النسب يقدر ذهنيا ، ففى قول حاتم الطائى السابق :
وأغفر عوراء
الكريم ادخاره
|
|
وأعرض عن شتم
اللئيم تكرّما
|
حيث إن (تكرما)
يمكن أن يكون مفعولا لأجله منصوبا للفعل (أعرض) ، فهو مصدر معلل قلبى مشارك للفعل
فى الزمن والفاعلية ، وهو نكرة غير منسوب ، لكننا نلحظ أن النسب مقدر ذهنيا ،
والتقدير : تكرما منى.
والنسبة
باستخدام حرف الجر تخصيص وتقييد دلالى ، وإذا كان المفعول له مصدرا فهو معنى عام ؛
لأن المصدر اسم جنس ، واسم الجنس معنى عام ، ولذلك فإنه يحتاج إلى تقييد وتخصيص ؛
كى يتحدد معناه ، فيتلاءم مع المعنى المشترك معه المتمثل فى الفعل ، فيتخصص عن
معنى اسم الجنس العام.
لذلك كان النسب
باستخدام حروف الجر إن كان المفعول لأجله نكرة.
لذلك فإننى أرى
أن هذا يجب أن يراعى فى شروط وهيئات المفعول لأجله ، حيث يجب أن يكون مخصصا أو
معرفا ، إما بحروف الجر ومجروراتها ، أو بالإضافة ، أو بالألف واللام ، كما قد
تكون الإضافة ذهنية تقديرية.
ولنقرأ ما ذكره
السيوطى فى الأشباه والنظائر : «قال الجزولى : لا يكون المفعول له منجرا باللام
إلا مختصا ، نحو قمت لإعظامك ، ولا يجوز لإعظام لك.
قال الشلوبين :
وهذا غير صحيح ، بل هو جائز ؛ لأنه لا مانع يمنع منه ، قال الشلوبين : ولا أعرف له
سلفا فى هذا القول» .
والمثلان
المذكوران يختص فيهما المفعول لأجله ، مرة بالإضافة ، وأخرى بواسطة حرف الجر.
__________________
يتضح التخصيص
فى قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً
مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) [البقرة : ١٠٩] حيث (حسدا) مفعول لأجله منصوب ، وهو مختص بشبه الجملة (من عند) ، حيث تكون فى محل نصب
صفة ، أو متعلقة بمحذوف صفة (كائنا) . أو متعلقة بالحسد.
أما قوله تعالى
: (كُلُّ نَفْسٍ
ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا
تُرْجَعُونَ) [الأنبياء : ٣٥]. ففيه (فتنة) منصوبة ، ومن أرجح أوجه نصبها أن تكون مفعولا
لأجله ، وهو إن لم يظهر فيه التخصيص فإنه مقدر ، حيث التقدير : فتنة
__________________
لكم ، أو : فتنة منا لكم ؛ لأن الفتنة لا بد أن يكون لها جهتان : جهة
الصدور ، وهو الفاتن أو المبتلى (بكسر اللام) ، وجهة الوقوع عليه ، وهو المفتون أو
المبتلى (بفتح اللام).
ومثل ذلك فى
قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥]. حيث (عبثا) منصوب على أنه مفعول لأجله ، والتقدير : لأجل
العبث ، وهو إن كان غير مختص فى اللفظ ، إلا أنه مختص فى الذهن ، حيث إن العبث له
مصدره الفاعل ، والتقدير : عبثا منا ، كما أننا إذا جعلناه مصدرا واقعا موقع الحال
فإننا نقدره بـ (عابثين) ، حيث يكون اسم فاعل ، يدل على المصدر الحادث وفاعله .
ثانيا : حذف اللام منه :
أجاز بعض
النحاة ـ وعلى رأسهم ابن خروف ـ أن تحذف اللام من المفعول لأجله إذا كان فاعله
فاعل الفعل المعلل. ذلك نحو :قصدتك إحسانك لزيد ، وقصدتك إحسان زيد إليك . والأصل ، قصدتك لإحسانك .. ، ولإحسان زيد .. فلما كان
فاعل (إحسان) فى الجملتين غير فاعل (قصد) جاز عند هؤلاء النحاة حذف لام التعليل
قبل المصدر.
وعليه حمل
بعضهم قوله تعالى : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ
خَوْفاً وَطَمَعاً) [الرعد : ١٢].
حيث الإراءة من
الله ـ تعالى ـ والخوف والطمع من عبيده ، ويجعلون من ذلك قول امرئ القيس :
أرى أمّ عمرو
دمعها قد تحدّرا
|
|
بكاء على
عمرو وما كان أصبرا
|
وأصل الكلام :
تحدر دمع أم عمرو بكاء على عمرو ، ففاعل التحدر دمع ، وفاعل البكاء أم عمرو.
__________________
ثالثا : حذف المفعول لأجله :
يجوز حذف
المفعول له إذا كان مضافا ، لكنه يجب أن تبقى اللام. ذلك نحو : قمت لزيد ، أى :
قمت لإكرام زيد.
ويجعلون منه
قوله تعالى : (اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] أى : إكراما لآدم.
والعامل فيه ـ حينئذ
ـ هو الفعل المذكور ، خلافا للزّندى ـ شارح الجمل ـ ، حيث يرى أن العامل فيه فعل
مقدر من لفظه أو معناه. والأول هو الظاهر المشهور.
رابعا : تقديم المفعول له :
يجوز تقديم
المفعول لأجله على الفعل ما لم يمنع منه مانع. ذلك نحو : ابتغاء الخير جئتك.
خامسا : إعمال المفعول لأجله فى آخر :
قد يعمل
المفعول له فى آخر. ذلك كما فى قوله تعالى : (تَوَلَّوْا
وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢].
علل فيض الدمع
بالحزن ، وعلّل الحزن بعدم وجود النفقة ، فعدم وجود النفقة علة العلة . وعليه فإن المصدر (ألا يجدوا) مفعول لأجله للمفعول
لأجله (حزنا) ، وهو منصوب به ، أما (حزنا) فإنه مفعول لأجله ل (تفيض).
ومثل ذلك قوله
تعالى : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ
وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة : ٣٨]. حيث (جزاء) مفعول لأجله منصوب ، وفعله (اقطعوا) ، و (نكالا)
مفعول لأجله منصوب ، والعامل فيه (جزاء) ، فالجزاء علة القطع ، والنكال علة الجزاء
، فيكون النكال علة للعلة.
ويمكن أن نلمس
ذلك فى قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ
اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [البقرة : ٩٠] حيث
__________________
(بغيا) منصوبة لأنها مفعول لأجله ، والعامل فيه (أن يكفروا) ، وقد يكون (اشتروا).
أما المصدر
المؤول (أن ينزل) فإنه يكون فى محل نصب على أنه مفعول لأجله ، والعامل فيه المفعول لأجله
السابق (بغيا).
ويكون علة
الكفر أو علة الاشتراء السّيّئ بغيهم. ويكون علة بغيهم إنزال الله ـ تعالى ـ من
فضله على محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعليه فإن إنزال فضل الله تعالى علة العلة.
* من أمثلة المفعول لأجله :
ـ (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ
ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) [الإسراء : ٢٨].
__________________
ـ (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي
سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) [الممتحنة : ١]. كلّ (من جهادا وابتغاء) مفعول لأجله منصوب .
ـ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ
فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ) [المائدة : ٣٨] حيث كلّ من : (جزاء ونكالا) مفعول لأجله منصوب.
ـ (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢] ، (حزنا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
__________________
ـ (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ
إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١].
ـ (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ
مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) [الأنبياء : ٨٤]. (رحمة) مفعول لأجله منصوب. وكذلك (ذكرى).
ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] والتقدير : لأجل الرحمة ، حيث (رحمة) مفعول لأجله
منصوب.
ـ (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ
مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] (شكرا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
ـ (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ
صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) [الزخرف : ٥] ، (صفحا) مفعول لأجله منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة.
__________________
ـ (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف : ٥٦] ، (خوفا) ، و (طمعا) مفعولان له منصوبان ، وعلامة نصب كلّ
منهما الفتحة.
ـ قوله تعالى :
(فَلا يَكُنْ فِي
صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ٢]. من أوجه إعراب (ذكرى) أن تكون معطوفة عطف نسق على (لتنذر) ، وهى مفعول لأجله
، فتكون (ذكرى) مفعولا لأجله منصوبا ، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة.
__________________
المفعول فيه
هو ما دل على
زمان إحداث الفعل ومكانه متضمنا معنى (فى) ، أو : هو ما فعل فيه فعل من زمان ومكان
، ويسمى ظرفا عند البصريين ، فالظرف فى اللغة هو الوعاء ، ويسميه الفراء محلا ،
فهو محل حدوث الفعل ، وكان الكسائى وأصحابه يسمونه صفة ، أو حرف صفة .
ذلك نحو : جئتك
صباحا. جلست أمام الحاضرين. قفز القط فوق المنضدة.
أقابلك مغربا.
فكل من الكلمتين
(صباحا ومغربا) دلت على زمان وقوع الفعل ، متضمنة المعنى الظرفى للحرف (فى) ، أما
الكلمتان (أمام ، وفوق) ، فيدلان على مكان وقوع الفعلين السابقين لهما.
الحظ الظروف ـ زمانية
أو مكانية ـ فيما يأتى : ـ أستيقظ من نومى قبل شروق الشمس ، فأؤدى الصلاة عقب
اليقظة ، وأتناول الفطور بعدها ، ثم أذهب إلى الكلية ضحى ، وفى وقت الفراغ أتجول
بين الأشجار ، وأحرص على ذلك يوم الخميس مساء ، ويوم الجمعة أحيانا ، وأول نومى
أحاسب نفسى على عملى طول يومى ، وأندم إذا تذكرت ما يعيبنى.
القاعة التى
نجلس داخلها تنقسم إلى خمسة صفوف من المقاعد يمينها ، وخمسة شمالها ، وقد أعدّت
للمحاضرات منذ أسبوعين ، ولا تنقطع منها صباح مساء ، ومساحتها كبيرة ، فوقها
قاعتان ، وأسفلها مكتبة ، ويلقى فيها الليلة محاضرة عامة ، وهى تقع أمام الحديقة ،
حيث مقدم مبانى الكلية.
الحكم الإعرابى للظروف
الظروف ـ زمانية
أو مكانية ـ أصلها الجرّ بحرف الجر (فى) على الشيوع ، وقد يكون الحرف (على أو عن)
مع بعض الأفعال ، وكلها حروف ظرفية وعائية ، فتقول :
__________________
ـ قابلتك فى
الصباح ، وفى عصر يوم الخميس.
ـ جلسنا عن
يمين الأستاذ ، فى شمال القاعة فى قدام الطلبة.
وذلك بجر
الظروف : (الصباح ، عصر ـ يوم ـ يمين ـ شمال ـ قدام) ، وتلحظ جر (يوم) بالإضافة.
فإذا ذكر الظرف
بدون سبقه بحرف الجر فإنه يجب نصبه ، ولهذا كانت الظروف منصوبة ، فتقول : قابلتك
صباح يوم الخميس ، جلسنا يمين الأستاذ ، شمال القاعة ، قدام الطلبة ، وذلك بنصب
الظروف (صباح ـ يمين ـ شمال ـ قدام).
والجار ومجروره
يكونان متعلقين بالفعل الذى يسبقهما ، وكذلك الظرف المنصوب يتعلق بما قبله من فعل.
ـ فظروف الزمان
وظروف المكان حكمها النصب ، أو تكون فى محل نصب ، إن لم تسبق بحرف جر.
العامل فى الظرف :
العامل فى
الظروف ما يحدد الظرف دلالته الزمنية والمكانية ، سواء أكان هذا فعلا أم اسم فعل
أم وصفا مشتقا أم مصدرا.
مثال ذلك :
آتيك الليلة ، دراكنا الآن ، أنا زائرك حيثما تقطن ، نعم ؛ المقابلة مساء. حيث كل
من : (الليلة ، الآن ، حيث ، مساء) ظروف ، بعضها منصوب (الليلة ، مساء) ، وبعضها
مبنى إما على الفتح فى محل نصب (الآن) ، وإما على الضم فى محل نصب (حيث) ، والعامل
فيها على الترتيب : الفعل (آتى) ، واسم الفعل (دراك) ، واسم الفاعل (زائر) ، والمصدر
(مقابلة).
كما يعمل فى
الظرف ما فيه معنى الفعل ، كأن يقال : زيد فى الدار أمامك ، العامل فى ظرف المكان (أمام)
ما فى شبه الجملة من معنى الفعل ، ومن ذلك قول الشاعر :
أنا أبو
المنهال بعض الأحيان
|
|
ليس على حسبى
بضؤلان
|
__________________
حيث إن بعضا
منصوب على الظرفية ، والعامل فيه ما فى (أبى المنهال) من معنى الفعل ، حيث يأخذ
معنى الاسم المشتق ، وكأنه قال : أنا المشهور بعض الأحيان.
الحظ العامل فى
الظرف فى الأمثلة الآتية : (لَوْ خَرَجُوا
فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة : ٤٧].
خلال : جمع خلل
، وهو الفرجة بين الشيئين ، فهو ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، والعامل
فيه الفعل (أوضع).
ـ يتم اجتماع
اليوم عصرا ، أما اجتماعنا غدا فإنه يتم مساء.
ظرف الزمان (عصرا)
منصوب ، والعامل فيه الفعل المضارع (يتم) ، ومثله ظرف الزمان (مساء).
ـ اجتماعنا غدا
يكون فى القاعة التى أمام الحديقة.
العامل فى ظرف
الزمان المنصوب (غدا) هو المصدر المبتدأ (اجتماع) ، أما ظرف المكان (أمام) فالعامل
فيه ما يقدر من محذوف صلة الموصول. أو ما فى شبه الجملة من معنى الفعل ، جملة (يكون
فى القاعة) فى محل رفع ، خبر المبتدإ.
ـ نزال عندنا
هذه الليلة ، فأنت جليسنا اليوم.
(هذه) اسم إشارة
مبنى فى محلّ نصب على الظرفية ، والعامل فيه اسم الفعل (نزال) ؛ بمعنى : انزل ،
أما ظرف الزمان المنصوب (اليوم) فالعامل فيه صيغة المبالغة أو اسم الفاعل (جليس).
ـ إنك محترم
بين زملائك ، فأين تجلس تكن مهذبا.
__________________
ظرف المكان
المنصوب (بين) العامل فيه اسم المفعول (محترم) ، أما ظرف المكان المبنى (أين) وهو
شرطى جازم فالعامل فيه فعل شرطه (تجلس).
ـ هو أسد وقت
الحرب ، وحمل أثناء السلم.
العامل فى ظرف
الزمان المنصوب (وقت) هو ما فى الجامد (أسد) من معنى الفعل ، وهو الشجاعة ، أو
النضال.
والعامل فى ظرف
الزمان المنصوب (أثناء) هو ما فى (حمل) من معنى الفعل ، وهو العطف والرحمة أو
الوداعة.
ذكر العامل وحذفه :
للعامل
الإعرابى فى الظروف من حيث الذكر والحذف ثلاث حالات :
أولها : أن يكون مظهرا :
هذا هو الأصل
كما ذكر فى الأمثلة السابقة ، حيث ذكر عامل النصب فى الظرف.
ثانيتها : أن يحذف جوازا :
ذلك إذا دل
عليه دليل مقالى ، كأن يكون إجابة عن سؤال ، حينما يقال : متى سافرت؟ فيجاب عنه :
يوم الأربعاء ، أو يقال : أين تسكن؟ فيقال : شمال المدينة.
ومن أمثلة ذلك
: كم سرت؟ ميلين ، متى صمت؟ يوم الخميس. أين تقف؟
أمام جموع
الناس. كم مكثت؟ ثلاثة أشهر.
ثالثتها : أن يحذف وجوبا :
قد يقع الظرف
فى تركيب يجب حذف العامل فيه ؛ وذلك لأن الظرف شبه جملة ، فإذا لم يكن ما تتعلق به
مظهرا فى الجملة ، فإنها تتعلق بمقدر : استقر ، أو كان ، أو مستقر ، أو كائن ، على
رأى جمهور النحاة ، ويكون أىّ منها غير مظهر ، بل يجب حذفه وذلك فيما إذا وقع
الظرف فى المواقع الإعرابية الآتية :
أ ـ إذا وقع صفة :
حينئذ يجب أن
يكون الموصوف نكرة ، كأن يقال : رأيت طائرا فوق غصن.
(فوق) ظرف مكان
منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وشبه الجملة متعلقة بمحذوف فى محل نصب ، صفة لطائر. (غصن)
مضاف إليه مجرور ، وعلامة جره الكسرة.
ومثله أن تقول
: أعجبت بباقة ورد فوق المائدة ، لم أختر إلا كتابا فوق المكتب ، عجبت من مرور
مدرس بين طلابه الآن.
لكن يلاحظ أن
قولك : وضعت كتابا داخل الحقيبة ، فيه (داخل) ظرف متعلق بالوضع ، ولذلك فإن شبه
الجملة لا تكون صفة لكتاب ؛ ذلك لأن الوضع يكون بالداخل أوضح دلاليا من أن يكون
الكتاب بالداخل.
ب ـ إذا وقع حالا :
ويكون صاحب
الحال ـ حينئذ ـ معرفة ، فيقال : رأيت الطائر فوق الغصن.
(فوق) ظرف مكان
، وشبه الجملة متعلقة بمحذوف فى محل نصب ، حال.
ومنه قولك :
أعجبت بباقة الورد فوق المائدة. ولم أختر إلا الكتاب فوق المكتب. لم أدهش بالبساط
إلا وسط الحجرة.
يلحظ أن الفرق
بين كون شبه الجملة بعد المعرفة حالا ، وبين كونها بعد النكرة صفة هو أن المعرفة
محددة ، والحال تصفها أثناء علاقتها بالحدث ، فالرؤية تقع على الطائر حال وجوده
فوق الغصن.
أما النكرة فهى
مبهمة غير محددة ، فتحدد بالصفة التى تليها ، فالصفة خاصة بالموصوف ، والرؤية ـ حينئذ
ـ تقع على طائر موصوف بأنه موجود فوق الغصن.
ليس أثناء
الرؤية فقط ، ولكن هذه صفته.
ج ـ إذا وقع خبرا :
يكون الظرف فى
هذا التركيب متمما لمعنى المبتدإ ، أى : يكون معنى يراد به الإخبار ، أى : يكون
المعنى الذى يريد المتحدث نقله إلى المتلقى فى المبتدإ الذى بنى عليه ، فهو
المحكوم عليه بما فى الظرف من معنى.
فتقول :
العصفور فوق الشجرة. القط تحت المائدة. المقابلة عند باب المنزل.
المقابلة
صباحا. الصديق أمامك.
فكل من الظرف :
فوق ، وتحت ، وعند ، وأمام تبين مكان المبتدإ : (العصفور ، والقط ، والمقابلة ،
والصديق) ، ويراد بهذه الظروف إتمام للمعنى الذى يريده المتحدث ؛ لأنه لا يريد
الإخبار إلا بمكان كل مبتدإ. والفكرة واضحة فى الإخبار عن زمان المقابلة بالظرف (صباحا).
وكل من هذه
الظروف يمثل شبه جملة متعلقة بخبر محذوف ، أو تكون فى محل رفع ، شبه جملة.
يلحظ : أنه
يخبر بظرف الزمان وظرف المكان عن اسم المعنى أو الحدث ، أما اسم الذات فإنه لا
يخبر عنه إلا بظرف المكان ؛ ذلك لأن لكل اسم عين أو جثة أو ذات مكانا خاصا به ، فلا
يشترك جثتان فى مكان واحد ، ولكن كل أسماء الذوات أو الجثث تشترك فى زمان واحد ؛
لأن الزمن ليس خاصا بالجثث ، ولكنه يمكن أن يختصّ به اسم المعنى.
فيقال : إتمام
الصلح بين العائلتين يوم الجمعة أمام أهل القرية جميعهم.
حيث أخبر عن (إتمام)
وهو اسم معنى أو حدث بظرفى المكان : (بين ، أمام) ، وظرف الزمان (يوم).
ولكنك تقول :
محمد بين إخوته أمام منزلهم ، فيخبر عن (محمد) وهو اسم ذات بظرف المكان (بين).
وظرف المكان (أمام).
د ـ إذا وقع صلة :
فتقول : رأيت
العصفور الذى فوق الشجرة ، وأعجبت بالذى أمامك ، جاء من عنده .
__________________
الظروف : فوق ـ
وأمام ـ وعند ، منصوبة بمحذوف صلة الموصول : (الذى ـ الذى ـ من).
ه ـ أن يكون مشتغلا عنه :
إذا وقع الظرف
فى قضية اشتغال ، وهو مشتغل عنه بضميره احتسب عامله محذوفا ، كأن تقول : يوم
الاثنين صمت فيه ، شغل العامل (صام) بالضمير العائد على الظرف (يوم) ، فأصبح (يوم)
مشتغلا عنه ، فينصب بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور (صام). ويكون من ذلك : أمامك
أقف فيه ، عندك أدخل فيه.
و ـ أن يكون فى مثل :
كقولهم : حينئذ
الآن. حيث يضرب لمن ذكر أمرا قد تقادم حدوثه ، وتقديره : كان ذلك حينئذ وأسمع
الآن.
كل من : (حين
والآن) ظرف زمان ، الأول منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة ، وقد أضيف إلى (إذ) إضافة
بيان ، أو إضافة الأعم إلى الأخص ، ونصبه بمحذوف تقديره : واقعا ، أو : مستقرا ...
إلخ. أما الآخر (الآن) فهو مبنى على الفتح فى محلّ نصب بفعل محذوف تقديره : أسمع.
يلحظ : أن
الظروف المقطوعة عن الإضافة لفظا لا معنى لا تقع صفة ولا حالا ولا خبرا ولا صلة.
أما قوله تعالى
: (أَلَمْ تَعْلَمُوا
أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما
فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ..) [يوسف : ٨٠] فإن (ما) تحتمل الأوجه التالية : (حيث قبل مبنى على الضمّ ؛
لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى) :
ـ أن تكون
زائدة ، وتكون شبه الجملة (من قبل) متعلقة بفرطتم.
ـ أن تكون
مصدرية ، ويكون المصدر المؤول فى محل رفع ، مبتدإ ، خبره شبه الجملة المتقدمة (من
قبل) ، وهذا الوجه يستشكل عليه بأن الغايات لا تقع أخبارا ولا صلة ولا صفة ولا
حالا ، والغايات هى الظروف المبنية على الضمّ بعد قطعها
عن الإضافة لفظا لا معنى ، لكنه يرد على هذا بقوله تعالى : (فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) [الروم : ٤٢] ، حيث إن شبه الجملة (من قبل) صلة (الذين).
وقيل : إن
الصلة : (كانَ أَكْثَرُهُمْ
مُشْرِكِينَ) المذكورة بعد الظرف السابق : (مِنْ قَبْلُ)
، ويكون الظرف
لغوا.
الرتبة بين الظرف وعامله :
يجوز أن يتقدم
الظرف على عامله ما لم يكن هناك مانع ، فتقول : بينكم مشيت ، وأمامكم جلست ،
وصباحا زرتك ، وكما يستشهد به : أكلّ يوم لك ثوب تلبسه ، حيث جملة (تلبسه) فى محل رفع صفة لثوب ، وفعلها (تلبس)
هو العامل فيما هو منصوب على الظرفية (كل) ، وهو مقدم على عامله.
الظرف من حيث الإعراب والبناء :
تنقسم الظروف
إلى ظروف مبنية وأخرى معربة : أما الظروف المبنية فهى : إذ ، وإذا ، يبنيان على
السكون.
الآن : يبنى
على الفتح ، ففتحته فتحة بناء.
أمس : يبنى على
الكسر ، بشرط أن يدلّ على اليوم الذى قبل يومك ، وألا يعرف بالأداة ، وألا يجمع ،
أو يثنى ، وألا يكون مصغرا.
حيث : يبنى على
الضم ، ومنها : أين ، وأنّى ، ومتى ، وأيان ، ومذ ، ومنذ ، ولدى ، ولدن ، وقط ،
وعوض.
ولتتذكر أن
المبنىّ يكون مبنيا على ما ينطق به آخره.
بناء الظروف على الضم :
إذا قطعت
الظروف المبهمة عن الإضافة لفظا لا معنى ، فإنها تبنى على الضم.
نحو : قبل ،
وبعد ، وتحت ، وفوق ، وخلف ، ووراء ، وهى المعبرة عن الجهات
__________________
الست ، وزاد بعض النحاة على ذلك : أمام ، وأسفل ، ودون ، وأول ، ومن عل ،
ومن علو .
ومنه قوله
تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ
مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) [الروم : ٤].
فالظرفان : قبل
وبعد قطعا عن الإضافة لفظا لا معنى ، والتقدير : من قبل النصر ومن بعده ، أو من
قبل كل شىء ومن بعده ، ولذلك فإنهما يبنيان على الضم فى محل جرّ لسبقهما بحرف
الجر.
ومنه قول معن
بن أوس :
لعمرك ما
أدرى وإنى لأوجل
|
|
على أيّنا
تعدو المنية أول
|
وقول الشاعر :
إذا أنا لم
أو من عليك ولم يكن
|
|
لقاؤك إلا من
وراء وراء
|
__________________
وقول الآخر :
يا ربّ يوم
لى لا أظلّله
|
|
أرمض من تحت
وأضحى من عله
|
فكلّ من الظروف
: أول ، وراء ، وراء ، تحت ، عل ، مبنى على الضمّ لانقطاعه عن الإضافة لفظا ، مع
إرادة معنى الإضافة.
ويلحظ أن : (أول)
ظرف حيث يقدر بأول الزمن ، أو : أول الوقت.
ملحوظة :
إذا قطع الظرف
عن الإضافة لفظا ومعنى فإنه ينصب ، كأن تقول : أبتدئ بهذا الدرس أوّلا ، وتريد
بالظرف (أولا) متقدما ، دون تحديد جهة التقدم.
ومنه قول يزيد
بن الصعق :
فساغ لى
الشراب وكنت قبلا
|
|
أكاد أغصّ
بالماء الحميم
|
حيث نصب الظرف (قبلا)
نصبا منونا ؛ لأنه نوى قطعه عن الإضافة فى اللفظ والمعنى. ومن ذلك قول الشاعر :
ونحن قتلنا
الأسد أسد شنوءة
|
|
فما شربوا
بعدا على لذة خمرا
|
حيث نصب الظرف (بعدا)
، بما يدل على قطعه عن الإضافة لفظا ومعنى.
__________________
فالفرق بين
القول : أبدأ بهذا أولا (بالنصب والتنوين) والقول : أبدأ بهذا أول (بالبناء على
الضم) ، أن الأول لا يفهم منه التقدم على شئ بعينه ، ولكن هذا المعنى مفهوم من
المعنى الثانى ، فالتعبير فى الأول بالنصب يدلّ على التقدم مطلقا.
الظروف المركبة والبناء :
يبنى الظرفان
المركبان على فتح الجزأين ؛ فتقول : أزور والدى صباح مساء ، فصباح مساء ظرفان
مبنيان على فتح الجزأين ؛ لأنهما مركبان ، ويكون التقدير : صباحا ومساء ، أى : فى
كل صباح ومساء. وتقول كذلك : محمد يزورنا يوم يوم ، أى : يوما فيوما.
ومن ذلك قول
الشاعر :
ومن لا يصرف
الواشين عنه
|
|
صباح مساء
يبغوه خبالا
|
حيث (صباح مساء)
ظرفا زمان مبنيان على فتح الجزأين ؛ لأنهما مركبان ، ومنه قول الشاعر :
آت الرزق يوم
يوم فأجمل
|
|
طلبا وابغ
للقيامة زادا
|
حيث (يوم يوم)
ظرفا زمان مبنيان على فتح الجزأين.
وقول عبيد بن
الأبرص :
__________________
نحمى حقيقتنا
وبعض ال
|
|
قوم يسقط بين
بينا
|
(بين بين) ظرفا مكان مبنيان على
فتح الجزأين.
ظروف بين البناء والإعراب :
الظروف التى
تضاف إلى الجملة ، والتى تضاف إلى الكلمة (إذ) المنونة بالكسر المضافة إلى جملة
محذوفة ، يجوز أن تبنى على الفتح ، ويجوز أن تعرب ، ومن الأرجح أن تكتسب البناء
والإعراب مما ذكر بعدها ، إن معربا ، وإن مبنيا .
ذلك كما فى
قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة : ١١٩].
فكلمة (يوم)
خبر المبتدإ (هذا) ، وذكر بعدها كلمة (ينفع) فعل مضارع ، وهو معرب ، لذلك أعربت ،
فرفعت بالضم. وفيها قراءة بالبناء على الفتح فى قراءة نافع.
وفى قوله تعالى
: (وَمِنْ خِزْيِ
يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] حيث تقرأ (يوم) المضافة إلى (إذ) مجرورة بالكسرة للإضافة ،
وفيها قراءة بالفتح بالبناء عليه فى قراءة الكسائى ونافع.
ومن ذلك قول
النابغة الذبيانى :
__________________
على حين
عاتبت المشيب على الصّبا
|
|
وقلت ألمّا
أصح والشّيب وازع
|
حيث يروى بفتح (حين)
بالبناء ، وبكسرها بالإعراب ، ولكن البناء أرجح ، حيث ذكر فعل ماض مبنى بعده. وهو (عاتب).
ملحوظات :
أولا : معنى (فى) الظرفى :
يجب أن يكون
معنى (فى) معنى ظرفيا ، أى : يدل على وعاء حدوث الفعل زمانا أو مكانا ، ويكون ذلك
من خلال ذكر ما يدل على الزمان أو المكان بعد تقدير (فى) ، دون حاجة الفعل السابق
إلى معنى (فى) ليتوصل به إلى مفعول وقع عليه معناه ، فيكون فعلا متعديا بواسطة.
فإذا قلت :
أقابلك ظهرا أمام الكلية. فإن كلا من (ظهرا ، وأمام) يتضمن معنى (فى) الظرفى ،
وأحدهما دال على زمان ، والآخر دال على مكان ، ومعنى المقابلة لا يحتاج إلى معنى (فى)
للوصول إلى مفعول وقع عليه ، فالمقابلة تتعدى بلا واسطة.
لكنك إذا قلت :
لا أرتاب فيه ، فإن الريبة تقع على ضمير الغائب بواسطة الحرف (فى) ؛ لأن العلاقة
بين الريبة وما تقع عليه تكون علاقة تتضمن معنى الخلالية ، وتتحقق بالحرف (فى) ،
فلا يكون ظرفا لذلك ، ومنه قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ
تَنْكِحُوهُنَ) [النساء : ١٢٧]. فالرغبة تتضمن (فى) للوصول إلى المصدر المؤول (أن تنكحوهن)
والتقدير : فى النكاح.
__________________
ثانيا : جر الظرف ونصبه :
الفصل بين ما
يدل على الزمان أو المكان اسما وما يدل على أى منهما ظرفا ؛ هو ذكر حرف الجر وحذفه
، فإذا ذكر كان ما بعده مجرورا بحرف الجر ، وإذا لم يذكر الحرف نصب ما بعده على
الظرفية ، فتقول : زرت المريض فى يوم الجمعة ، فتجر (يوم) ، وزرت المريض يوم
الجمعة فتنصب (يوم).
وتقول : اليوم
يوم مبارك ، انقضت السنة ، فترفع (يوم ، السنة) ، كما تقول : مضيت اليوم إلى
المزرعة ، مضيت السنة إلى مكة ، فتنصب (اليوم والسنة) على الظرفية.
ثالثا : قد يكون الظرف مفعولا به :
قد يكون ما يدل
على الزمان أو المكان متعلقا بفعل سابق عليه غير متضمن معنى (فى) الظرفى ؛ ذلك
لأنه يكون مفعولا به ، حيث إن معنى الفعل يقع عليه لا فيه ، فلا يكون ظرفا ، ذلك
نحو قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) [البقرة : ٢٨١] ، فالمقصود باليوم يوم القيامة ، ولا يكون فيه تقوى ؛
لأن الأعمال التى نحاسب عليها قد انتهت بانتهاء الدنيا ، ولكن التقوى التى
يجب أن نتحراها
فى الدنيا تقع على يوم القيامة لا فيه ، فيكون (يوما) مفعولا به منصوبا.
ومثل ذلك قوله
تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) [النور : ٣٧] ، (اللهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] ، فالخوف واقع على اليوم ، كما أن علم الله واقع على
مكان جعل الرسالة. الذى يتمثل فى (حيث).
__________________
رابعا : حروف غير (فى) فى معنى الظرفية :
قد يتعدى الفعل
إلى الظرف بغير معنى الحرف (فى) ، ويكون على معنى الحروف (على) ، و (عن) ، و (من)
، كما إذا قلت : جلست على يمينه ، وجلست عن يمينه ، وجلست من بين يديه.
والأول يعنى
الاستعلاء على جهة اليمين ، والتمكين منها ، ويعنى الثانى : التجافى عن اليمين دون
التلاصق له ، أما الثالث : فإنه يعنى البعضية ، أى : جلست فى بعض هذه الجهة. وكلها
تعنى الظرفية ومعنى زائدا عليها.
خامسا : ما ينتصب انتصاب الظروف :
ينتصب انتصاب
الظروف ما يأتى :
أ ـ ما كان
عددا للظرف ، والظرف مميز له ، نحو : سافرت عشرين يوما ، سرت ثلاثين ميلا ، فكل من
: عشرين وثلاثين منصوب على الظرفية. حيث إنها دلت على عدد الظرف.
ب ـ ما كان
محدّدا للظرف ، وقد أضيف إليه ، كأن تقول : مشيت كلّ يوم ، سرت بعض الليل. مكثت
نصف شهر ، سرت جميع الميل. فكل من : كل ، وبعض ، ونصف ، وجميع منصوب على الظرفية ،
حيث إنها حملت مقدار الظرف ، سواء أكان مقدارا محددا أم مقدارا مبهما.
ومنه : رأيته
جميع النهار ، ولعبت معه نصف النهار ، وأول النهار ، وآخره ، وطرفه ، وكله ...
إلخ.
ج ـ ما كان صفة
للظرف المحذوف نحو : سرت طويلا ، والتقدير : سرت زمنا طويلا ، فتكون الصفة التى
نابت مناب الموصوف المحذوف منصوبة على الظرفية .
__________________
ومنه : جلست
قريبا ، أى : جلست مكانا قريبا منك ، ومنه كذلك قولك : قديما قالوا ذلك ، أى :
زمنا قديما ... وكذلك ، الحمد لله أولا وآخرا ، أى : زمنا أولا ، وزمنا آخرا.
ومنه أن تقول :
فأطرق المستمع مليا ثم قال ، حيث التقدير : أطرق وقتا مليا ، حيث (مليا) تعبر عن
قدر من الاستغراق الزمنى فى الإطراق.
ويتضح النصب
على الظرفية فيما إذا قلت : «مشيت قصيرا من الدهر شرقى الحديقة». والتقدير : زمنا
قصيرا .. مكانا شرقى الحديقة.
د ـ ما كان
مصدرا دالا على زمان أو مكان ، ويتحمل معنى (فى) الظرفية ، وبعض النحاة يرى أن مثل
هذه المصادر ظروف ، وبعضهم ـ وعلى رأسهم السيرافى ـ يرى أن كلا منها يكون مضافا
إلى ظرف محذوف ، نحو ، جئتك صلاة العصر ، أو : قدوم الحاج. حيث أضيف كلّ من
المصدرين : صلاة ، وقدوم ، إلى ظرف الزمان المحذوف (وقت) ، فأخذ المصدران المضافان
إعراب الظرف المحذوف .
يلحظ أن
المصدرين معينان للوقت ، وقد يكون المصدران معينين لمقدار وقت ، نحو انتظرتك شرح
الدرس ، أو : حلب ناقة ، أو : نحر جزور ، فكل من : شرح ، وحلب ، ونحر ، مصادر
مبنية لمقدار وقت الانتظار.
ومنه القول :
أتيتك خفوق النجم.
ومما ينوب فيه
من المصادر مناب ظرف المكان قولك : جلست قرب مجلسك ، أى : مكان قرب مجلسك ، فحذف
المضاف ، وهو مكان ، وأقيم مقامه المصدر : قرب ، ونصب نصبه.
ه ـ قد ينوب عن
الظرف أسماء الأعيان ، ومنه ما يتناقله النحاة من قولهم : لا أكلمه القارظين ، وتقديرهم : مدة القارظين ، فحذف (مدة) وأقيم مقامها :
غيبة ،
__________________
ثم حذف : غيبة ، وأقيم مقامها : القارظين ، وهو اسم عين ، انتصب انتصاب
الظرف المحذوف.
ومنه قولهم :
لا أفعل ذلك الشمس والقمر ، أى : مدة بقاء الشمس والقمر ، أو مدة طلوعهما. وقوله :
لا أكلمه الفرقدين ، أى : مدة بقاء الفرقدين ، أو طلوعهما.
و ـ قد ينوب عن
الظرف اسم الإشارة ، كأن تقول : صمت هذا اليوم ، أو هذا الشهر.
وعليه يمكن أن
تقول : مقابلتنا هذا المكان ، أو : هذا الشارع ، سرت هذا الميل ، لم أستفد منه
إفادتى تلك الليلة.
ز ـ كما ينوب
المصدر الميمى مناب ظرف المكان ، فقد سمع : هو منى معقد الإزار ، أى : قريبا ، وهو منى
منزلة الولد ، أى : دانى المزار ، ومقعد القابلة ، أى : بين يدى ، ومناط الثريا ،
أى : مرتفعا ، ومزجر الكلب ، أى : بعيدا ، ومن النحاة ـ وعلى رأسهم سيبويه ـ من
يرى أن هذا سماعى ، ويرى الكسائى أنه مقيس.
ح ـ ما قد يضاف
إليه الظرف ليفيد إبهامه : كأن تقول : ذهبت إليه ذات يوم ، زرته ذات ليلة. وقابلته
ذات مساء.
ط ـ ما كان
محددا لبداية الظرف ، وهو كلمة (أول) ، وهى غاية ، فهى تضاف إلى ما يدل على أوله ،
مثل : قبل وبعد ، فكل منهما غاية ، ولذلك فإنها تنصب نصبهما ، وتبنى على الضم
بناءهما.
فتقول : قابلتك
أولا ، حيث يمكن أن يكون المقصود : أول زمن المقابلات ، فتنصب على الظرفية. فإذا
كان المقصود : أول الأمر ، فإذا قصد بالأمر الزمن كان النصب كذلك ، أما إذا قصد به
الشأن والغرض والعمل فإنها تنصب على نزع الخافض.
__________________
وقد جاءت مبنية
على الضم مثل : قبل ، كما هو فى قول معن بن أوس :
لعمرك ما
أدرى وإنّى لأوجل
|
|
على أيّنا
تعدو المنية أول
|
بناء (أول) على
الضم ، حيث احتسابه ظرف زمان مقطوعا عن الإضافة لفظا لا معنى.
سادسا : النصب على التوسع :
فى القول : «دخلت
الدار» (الدار) منصوب على التوسع ، أى التوسع فى قاعدة المفعول به المنصوب ، وذلك
بنزع الخافض أو إسقاطه ، فتنصب ما كان يجب أن يكون مجرورا. وهناك من يرى أن الفعل
اللازم أجرى مجرى الفعل المتعدى.
ومثله : سكنت
البيت ، دخلت الشام ... إلخ. ويكون منه قول الشاعر :
تمرّون
الديار ولم تعوجوا
|
|
كلامكم علىّ
إذن حرام
|
سابعا : تراكيب دالة على الزمن :
من التراكيب
الدالة على زمن الحدث ذكر ما يدل على الزمن ، سواء أكان توسعا أم ظرفا ، ثم تحديده
عن طريق الإضافة ، سواء أكان ذلك من خلال إضافة الفرد إلى الدالة الزمنية ، أم
إضافة الجملة إليها. ذلك نحو :
__________________
التاريخ المجتمع عليه أن عليا قتل سنة أربعين فى شهر رمضان ، استشهد يوم
حنين ـ يوم صفين ـ يوم بئر معونة ...
ومنه : أيام
قتله ـ يوم وجوده ـ ليلة مرضه ـ ليالى سفره ـ صبيحة ولادته ـ عشية رحيله ...
ومنه كذلك : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ
وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣]
يوم أسلم عمر
جهر المسلمون بدينهم ـ يوم فتحت ـ ليلة ذهبت ـ ليالى سافرت ... إلخ.
ثامنا : الفعل بين الظرف وضميره :
ما يصل إليه
الفعل بنفسه من ظروف الزمان أو المكان ـ أى : بدون واسطة ـ فإنه يصل إلى الضمير
العائد على الظرف بالحرف.
فإذا قلت : سرت
يوم الجمعة ، فإنك تقول : يوم الجمعة سرت فيه ، لا : سرته.
كما تقول :
البيت دخلت فيه ، وأمامك جلست فيه.
تاسعا : الاتساع والظرفية بين الظرف وضميره :
الظرف مفعول
فيه ، أى : يتضمن الحرف الظرفىّ (فى) ، لكنه يمكن أن تتسع فى استعمال الظرف فتجعله
شبيها بالمفعول به ، ويكون منصوبا على الاتساع. فتقول : ضربت يوم الجمعة.
فإذا نصبت
الظرف على السعة أو الاتساع ، فإنك تصل الفعل إلى ضميره بدون واسطة ، فتقول : يوم الجمعة
ضربته ، والبيت دخلته ، وأمامك جلسته ، الذى ضربته يوم الجمعة ، والذى دخلته
البيت.
أما إذا جعلته
منصوبا على الظرفية ، فإنك تستعمل الحرف الظرفى (فى) ، فتقول : يوم الجمعة ضربت
فيه ، والبيت دخلت فيه ، وأمامك جلست فيه ، والذى ضربت فيه يوم الجمعة ، والذى دخلت
فيه البيت.
كما يجوز ـ فى
حال الاتساع ـ أن تجعله نائبا عن الفاعل مع وجود المفعول به.
ومما جاء
منصوبا على الاتساع قول الشاعر :
ويوما شهدناه
سليما وعامرا
|
|
قليلا سوى
الطعن النهال نوافله
|
حيث وصل الفعل (شهد)
إلى الضمير الغائب العائد على الظرف بدون الحرف ، والتقدير : شهدنا فيه.
من ذلك جوز بعض
النحاة الإضافة إلى الظرف إذا اتسع فى استعماله ، ويجعلون منه قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ
تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) [سبأ : ٣٣]. وأصلها : مكر فى الليل والنهار ، فلما اتسع فى استخدام الظرف
جازت الإضافة إليه. ومنه ما ذكر سيبويه ، يا سارق الليلة أهل الدار.
سمى الزمخشرى
أمثال هذه الظروف ظروفا مؤقتة ، وهى منصوبة على التوسع بإسقاط الخافض . حيث يقدر النحاة قبلها حرف جرّ محذوفا.
وقد وضع النحاة
للتوسع شروطا هى :
أ ـ أن يكون
الظرف متصرفا.
ب ـ ألا يكون
العامل حرفا ، ولا اسما جامدا ؛ لأنهما يعملان فى الظرف لا فى المفعول به ،
والتوسع فيه شبه بالمفعول به.
ج ـ ألا يكون
العامل فعلا متعديا إلى ثلاثة.
د ـ ألا يكون
العامل (كاد) وأخواتها.
ومذهب سيبويه
والمحققين أنه منصوب على الظرف ، أما الفارسى ومن وافقه فيذهبون إلى أنه منصوب على
المفعول به ، وذهب الأخفش وجماعة إلى أنه مفعول به على الأصل ، لا على الاتساع.
__________________
عاشرا : اسما الزمان والمكان :
أسماء الزمان
والمكان أسماء مشتقة على صيغ محددة منتظمة البنية للدلالة على الزمان والمكان ،
وهى تدل على الفعل ومكانه أو زمانه ، فهى من سبل الإيجاز والاختصار فى بناء الكلمة
العربية ، فلولاها لأتيت بالفعل ولفظ الزمان أو المكان.
وهى أسماء
متصرفة ؛ لكننى أردت ذكرها لدلالتها فى هذه الدراسة على الزمان والمكان.
ومثالها : ملبس
اللاعبين حجرة خاصة. الشرق مطلع الشمس ، والمغرب غروبها ، أذاكر فى حجرة المكتب ،
منزلنا الليلة فى المنصورة ، ومهبطنا فيها مساء ، مجرى النيل يجب أن نحافظ عليه ،
مستخرج البترول القرن العشرون ، والصحراء مستخرجه.
وكل من هذه
الأسماء له موقعه الإعرابى ، حيث : (ملبس) مبتدأ ، (مطلع) خبر ، (المغرب) مبتدأ ، (المكتب)
مضاف إليه. (منزل) مبتدأ ، (مهبط) مبتدأ ، (مجرى) مبتدأ ، (مستخرج) مبتدأ ، (مستخرج)
خبر.
حادى عشر : الظروف والأساليب :
إلى جانب أن
الظروف تستخدم فى الجملة العربية لأداء الدلالة الزمانية أو المكانية تستخدم لأداء
إحدى الدلالتين فى بعض الأساليب ، وهى :
أ ـ أسلوب الاستفهام :
حيث تستخدم
أسماء خاصة بالسؤال عن الزمان والمكان ، فنجد أن :
ـ (متى) تستخدم
للاستفهام عن الزمان ، فتقول : متى جئت؟ فتستفهم بذلك عن وقت المجىء ، فتجيب : يوم
الجمعة ، حيث تعين الوقت ، وتكون (متى) اسم استفهام مبنيا فى محلّ نصب على
الظرفية.
ـ (أيان)
للاستفهام عن الزمان ، كما فى قوله تعالى : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ، وفيه (أيان) اسم استفهام مبنى على الفتح فى محل نصب.
ـ (أين)
للاستفهام عن المكان ، ومثلها (أنّى) ، فتقول : أين منزلك؟ وأنّى قاعة محاضرة
النحو؟ وكل من : (أين وأنى) اسم استفهام مبنى فى محلّ نصب على الظرفية.
ـ أما (أى)
فإنها تصلح للاستفهام عن الزمان والمكان ، تبعا لما أضيفت إليه ، فتقول : أىّ مكان
نتقابل؟ وأى يوم نسافر؟ وتكون (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية.
هذا إلى جانب
دلالتها على العاقل وغير العاقل.
ـ (كم) تقتضى
الاستفهام عن عدد الظرف ، فإذا قلت : كم سرت؟ كان سؤالا عن عدد مدة السير ، فيجاب
بالقول : سرت عشرين يوما ، أى : استغرق السير هذه الأيام ، وتقول كذلك : سرت
ثلاثين مترا.
ب ـ أسلوب الشرط :
تكون بعض
الظروف رابطة بين جملتى أسلوب الشرط ربطا زمانيا أو مكانيا ، وهى ـ حينئذ ـ تكون
اسم شرط مبنيا فى محل نصب على الظرفية ، وهى :
ـ للتعليق
الزمنى : متى ، أيان ، إذا ، حيثما ، كلما.
للتعليق
المكانى : أينما ـ أنى ـ حيثما.
ـ أما (أى)
فإنها تكون بحسب ما تضاف إليه ـ إن زمانا أو مكانا ـ مثال ذلك : متى تخرج أخرج ،
أيان ما تذاكر أجالسك. إذا أكرمتنى فزرنى ، حيثما انتهينا من صلاة العصر عقدنا
القران. كلما تقابلنا تناقشنا فى هذا الموضوع. أينما تسر تجد الأرض الخضراء ، أنى
تنزل تكن مصدر خير. حيثما جلست جاورتك. أى وقت تزرنى أقابلك ، وأى مكان تقابلنى
أصافحك.
فى الأمثلة
السابقة : (متى وأيان ، وإذا ، وحيثما) أسماء شرط مبنية فى محلّ نصب على الظرفية
وهى دالة على الزمان ، أما (كل) فهو منصوب على الظرفية ، وعلامة نصبه الفتحة.
أما : (أين ،
وأنى ، وحيث) فهى أسماء شرط مبنية فى محل نصب على الظرفية ، وهى دالة على المكان ،
و (أى) منصوبة على الظرفية ، وعلامة نصبها الفتحة ، والأولى دالة على الزمان ،
والأخرى دالة على المكان.
أقسام الظرف من حيث المعنى
تنقسم الظروف
من حيث معناها إلى قسمين : ظروف الزمان ، وظروف المكان. لكننا نوجد قسما ثالثا
يتضمن ما يتردد بين الزمان والمكان.
القسم الأول : ظروف الزمان :
التعبير عن
الزمن فى اللغة يجب أن يشمل ثلاثة جوانب من حيث الجانب الدلالى :
الجانب الأول : التحديد الزمنى للحدث :
أى : تحديد زمن
وقوع الحدث ، وذلك يكون باستخدام صيغ ومبان مختلفة للأفعال ؛ للتعبير عن الماضى أو
الحال أو الاستقبال ، وباستخدام ضمائم وقرائن تضفى على السياق مراتب أخرى لكل جهة
من الجهات الزمانية السابقة.
ويشمل هذا الجانب
كذلك الألفاظ التى وضعت فى اللغة لأداء معان معينة تحدد الأزمنة المختلفة. كما
يتضمن ألفاظ بعض الأفعال الدالة على التحديد الزمنى لأحداث ما.
الجانب الثانى : العلاقة الزمنية :
يعنى هذا
الجانب بدراسة العلاقة الزمنية للحدث بغيره من أحداث سابقة عليه ، أو لاحقة به ،
وبذا يعبر عن ارتباط الأحداث بعضها ببعض ارتباطا زمنيا ، ويكون هذا باستخدام أدوات
معينة ؛ وضعت فى اللغة لتدل على هذه العلاقات الزمنية ، كالقبلية والبعدية
والبينية .. وغير ذلك مما يحدد زمن حدث ما بنسبته إلى أزمان أخرى.
الجانب الثالث : الاستغراق الزمنى للحدث :
كل حدث ، أو ما
يدل على حدث له مدة زمنية يستغرقها ، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه القياس الزمنى
للحدث.
أما وسائل
التعبير عن هذه الجوانب فيمكن أن نقسمها إلى ثلاثة أقسام من حيث الجانب اللفظى :
الأول : الفعل
والتراكيب الفعلية وأداء الدلالة الزمنية : سواء أكان ذلك تحديدا لزمن الحدث ، أم
بيانا لمدته الزمنية ، مع مراعاة دراسة الضمائم السابقة للفعل المؤثر فى الدلالة
الزمنية.
الثانى : الاسم
والتراكيب الاسمية الدالة على الزمن من جهتى تحديد زمن الحدث أو بيان مدته الزمنية
، وتتضمن هذه الظروف وما ناب منابها ، أو أدى دلالتها الزمنية ، مع ذكر كل اسم فيه
دلالة الزمن لعنصر من عناصر الجملة.
الثالث : قرائن
التتابع الزمنى : من حيث علاقة الحدث بغيره من الأحداث ويكون هذا باستخدام قرائن
أو أدوات معينة تختص بتحديد العلاقات الزمانية.
فى هذا القسم
نحاول أن نذكر الأسماء الظرفية الدالة على الزمن ، مع توضيح لكثير من جوانبها
التركيبية.
الآن :
اسم للزمان ،
يدل على الحاضر ، ويعنى بالحاضر الزمان الفاصل بين الماضى والمستقبل ، أو بمعنى
آخر : الزمان الذى يقع فيه كلام المتكلم الذى يفصل بين الماضى والمستقبل ، وزمانه
إما أن يكون قد حضر جميع وقته ، أو بعضه. وهو مبنى على الفتح ، واختلف فى علة
بنائه على النحو الآتى :
ـ من النحاة من
يرى أنه مبنى لتضمنه الألف واللام فى أول أحواله ، ولزومهما فيه ، وهو غير معهود ؛
لأن المعهود أن تكون الأسماء نكرة شائعة فى الجنس فى أول عهدها ، وعليه سيبويه
والمبرد.
ـ أما الفراء
فإنه يرى أن أصله (آن) ، فعل ماض ل (يئين) ، والماضى مبنى على الفتح ، فلما دخلت
عليه الألف واللام ترك على حاله.
كما اختلفوا فى
وجود الألف واللام فيه بين : لزومهما فيه فى أول بنائه.
كونهما
للتعريف.
كونهما
زائدتين.
ولكنه كما يذكر
ابن يعيش لما أريد به المعرفة ألبتة لزمت أداته ، وأما علة بنائه فلإبهامه ووقوعه
على كل زمن حاضر ، ففتحته فتحة بناء ، وليست فتحة نصب ، أما هو فمبنى ،
وليس بمنصوب ؛ فلأنه مصدّر بأداة التعريف ، ويختص بما هو عليه من تركيب كما يختص
بالحاضر من الزمان ، والمختص يبنى فى اللغة العربية.
ومثاله : (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة : ٧١] (الآن) ظرف زمان مبنى على الفتح فى محل نصب ، متعلق بالمجىء.
وكذلك (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩].
وقد جاء معربا
فى قول أبى صخر الهذلى :
كأنهما ملآن
لم يتغيّرا
|
|
وقد مرّ
للدارين من بعدنا عصر
|
ملآن هى : من
الآن.
__________________
ومن أمثلته : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ
الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء : ١٨].
(آلْآنَ وَقَدْ
كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [يونس : ٥١] ، وهو : أالآن ، همزة الاستفهام وهمزة الوصل من الآن ،
ولم تسقط همزة الوصل ، وإنما سهّلت فقلبت إلى حركة همزة الاستفهام ، فكانت حركة
طويلة للفتحة (ألف مد) ، وكذلك : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ
عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦].
إذ :
ظرف لما مضى من
الزمان ، مبنىّ على السكون فى محل نصب على الظرفية ، يلزم الإضافة إلى جملة اسمية
، أو فعلية لا شرطية ، وتكون الجملة فى محل جر بالإضافة إليه.
ومثالها : جئتك
إذ أنت ناجح ، وإذ أنت تنجح ، وإذ تنجح ، وإذ نجحت.
يجعلها سيبويه
بمعنى (مع) وكالحين.
__________________
وقد تجىء
للمستقبل ، كما هو فى قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
(٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) [غافر : ٧٠ ـ ٧١].
إن علمت الجملة
المضافة إليها حذفت ، وعوض عنها بتنوين مع كسر الذال لالتقاء الساكنين لا للجر كما
يرى الأخفش ، فتقول : حينئذ ، يومئذ ، ساعتئذ.
وتدرس فيما
بعد.
يجيز بعض
النحاة ـ الأخفش والزجاج وابن مالك ـ أنها قد تقع مفعولا به ، أو بدلا منه بدل
اشتمال ، ويخالفهم الجمهور فى ذلك.
ـ من وقوعها
ظرفا :
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ
فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [التوبة : ٤٠] والتقدير :
وقت أخرجه ،
فتكون (إذ) ظرف زمان مبنيا على السكون فى محلّ نصب متعلق بأخرج ، وجملة (أخرجه
الذين) فى محل جرّ بالإضافة.
ومثله : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ
تَدْعُونَ) [الشعراء : ٧٢](أَمْ كُنْتُمْ
شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ) [البقرة : ١٣٣].
ـ ومن وقوعها
مفعولا به :
(وَاذْكُرُوا إِذْ
أَنْتُمْ قَلِيلٌ) [الأنفال : ٢٦] ، والتقدير : واذكروا وقت أنتم قليل ، فيكون الذكر واقعا
على الوقت ، فيكون مفعولا به مبنيا على السكون فى محلّ نصب. والجملة الاسمية (أنتم
قليل) فى محلّ جرّ بالإضافة.
ومثله قوله
تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ
جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ) [الأعراف : ٧٤](وَاذْكُرُوا إِذْ
كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ) [الأعراف : ٨٦] حيث (إذ) تكون فى محل نصب على المفعولية ، وجملة : (كُنْتُمْ قَلِيلاً) فى محل جر بالإضافة.
__________________
ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] ، والتقدير : واذكر إذ ، أى ، اذكر وقت ، فيكون الذكر
المقدر واقعا على (إذ) ، وتكون (إذ) مفعولا به.
ومثله قوله
تعالى : (وَإِذْ قُلْنا
لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] ، (وَإِذْ أَسَرَّ
النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) [التحريم : ٣] ، (وَإِذْ قالَ مُوسى
لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) [الصف : ٥].
ـ ومن وقوعها
بدل اشتمال من المفعول به :
ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ
انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) [مريم : ١٦] ، حيث (مريم) مفعول به منصوب ، و (إذ) مبنى على السكون
فى محل نصب على البدلية من مريم بدل اشتمال ، ومثل ذلك : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى
رَبَّهُ) [ص : ٤١] ، (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ
إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) [الأحقاف : ٢١].
ومنه بتقدير
الفعل محذوفا قوله تعالى ، (وَلُوطاً إِذْ قالَ
لِقَوْمِهِ) [الأعراف : ٨٠] ، والتقدير : واذكر لوطا وقت قال. وكذلك : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) [الأنبياء : ٨٣] ، (وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغاضِباً) [الأنبياء : ٨٧] ، (وَنُوحاً إِذْ نادى
مِنْ قَبْلُ) [الأنبياء : ٧٦]. (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) [التوبة : ٢٥].
__________________
ومما وجه على
البدلية قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ
مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) [يس : ١٣] ، حيث يوجه (إذ) على أنه مبنى فى محل نصب بدل اشتمال من
(أصحاب).
وهذه المواضع
تؤول على أنها فى محلّ نصب على الظرفية ، والتقدير : واذكر مريم وقت .. ، وكذلك
سائر المواضع.
ملحوظة :
قد تكون (إذ)
للمفاجأة ، مثال ذلك أن تقول : بينا أنا قائم إذ الطالب جالس ، وبينا أفتح الباب
إذ صديقى واقف به.
ومنه قول
الشاعر :
استقدر الله
خيرا وارضينّ به
|
|
فبينما العمر
إذ دارت مياسير
|
حينئذ يختلف
النحاة فيما بينهم فى كونها ظرف مكان ، أو ظرف زمان ، أو زائدة ، أو حرفا.
لكن ما بعدها
يكون مبتدأ وخبرا. فإذا كان ما بعدها اسما بمفرده فإنه يكون مبتدأ حذف خبره ، كأن
تقول : فتحت الباب فإذ الصديق. (الصديق) مبتدأ مرفوع ، وخبره محذوف ، أو يكون خبرا
لمبتدإ محذوف.
وإذا كان ما
بعدها على مثال : فتحت الباب فإذ الصديق واقفا ؛ فإن الخبر محذوف ، ويكون (واقفا)
منصوبا على الحالية ، والتقدير : فإذ الصديق رأيته واقفا ، أو : ثبت ، أو : وجد ...
إلخ.
__________________
إذ (بكسر فكسر منون):
من التراكيب
التى تشيع أن تقول : زرتنى فأكرمتك حينئذ. ومثلها : وقتئذ ، ساعتئذ ، يومئذ ...
إلخ.
حيث تكون طبيعة
التركيب أن يذكر حدث ترتب عليه حدث فتتبع الأخير باسم زمان ملحق به (إذ) منونة
بالكسر ، وقد سمعت منونة بالفتح ، لكن الأول أشهر.
وقد عرفنا أن (إذ)
الساكنة تضاف إلى جملة اسمية أو فعلية ، فإن علمت الجملة المضافة إليها حذفت ،
وعوض عنها بكسر منون لالتقاء الساكنين ، لا للجر كما يرى الأخفش. فهى عند ما تنون
بالكسر فإنها لا يضاف إليها جملة ، بل هى التى تضاف إلى اسم زمان ، والنحاة يتخذون
من ذلك عدة نتائج ليست شائعة بينهم جملة ، بل تدل على اختلاف بينهم ، نوجزها فى :
ـ التنوين
بالكسر : يتخذ منه بعض النحاة دليلا على إضافتها إلى الجمل فلزم بناؤها ، فلما لم
تكن إضافة فى مثل هذا التركيب عوض عنها بالتنوين.
ـ الكسرة : إما
لالتقاء الساكنين ، وإما هى كسرة إعراب ، حيث حذفت الجملة التى هى سبب بنائها ،
فعاد إليها الإعراب.
ـ يعبر عن هذا
التركيب بأن اسم الزمان فيه صالح للاستغناء عنه ، حيث يمكن لك القول فى المثل السابق
، فأكرمتك إذ زرتنى ، أو : فأكرمتك حين زرتنى.
فيحذف أىّ من
الاسمين الدالين على الزمان : حين ، أو : إذ.
ـ بعض النحاة (ابن
مالك) يجعل الإضافة هنا من إضافة المؤكد للتأكيد.
ـ وبعضهم
يجعلها من قبيل إضافة العام للخاص ، كشجر أراك.
ـ أما بعضهم
الثالث (الرضى) فإنه يجعلها من باب البدل (بدل الكل) ، ويفصلون ذلك بأنهم لما
حذفوا الجمل لدلالة السياق عليها ، وأرادوا أن يعوضوا عنها التنوين ، ولما لم يحسن
ذلك احترازا من أن يظن أن التنوين بها يكون للتنكير ، لا للعوض أبدلوا من الظرف (حين)
وأمثاله ظرفا يصلح لذلك ، فكان (إذ) ، وحركوه بالكسر لالتقاء الساكنين.
ولنلحظ التركيب
: أثنيت عليك إذ اجتهدت. أضيفت الجملة (اجتهدت) إلى ظرف الزمان (إذ) المتعلق
بالثناء.
فإذا قدمنا
الجملة التى أضيفت إلى الظرف فإن التركيب يصبح : اجتهدت فأثنيت عليك ، حيث تحولت
العلاقة بين الجملتين من علاقة تعلق زمنى إلى علاقة عطف وتتابع.
فإذا أردت أن
تظهر العلاقة أو التعلق الزمنى مرة أخرى ؛ فإنه يكون على التركيب المذكور : اجتهدت
فأثنيت عليك حينئذ ، وكأن (حين) تعطى معنى التعلق الزمنى ، و (إذ) تعطى معنى العوض
عن الجملة المذكورة أولا (اجتهدت) ، ونونت بالكسر لتدلّ على هذا العوض. ومع ملاحظة
أن كلا من الظرفين يصلح للإضافة إلى الجملة المحذوفة ، حيث يمكن القول : فأثنيت
عليك حين اجتهدت. وإذ اجتهدت ، ومثل حين : وقت ، ساعة ... إلخ ، ولكن اختيرت (إذ)
حيث اختصاصها بنوع هذه الإضافة. ولنلحظ قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) [الروم : ١٤] فإننا نجد أن (يوم) فى (يومئذ) بدل من (يوم) فى (يوم تقوم) ،
فأبدل من الجملة المضاف إلى (يوم) الأولى (إذ) ، بما يدل على أن (إذ) تعطى معنى
العوض عن الجملة المحذوفة.
ومثل ذلك :
(وَيَوْمَ تَقُومُ
السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) [الجاثية : ٢٧]
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي
الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) [طه : ١٠٢].
(يَوْمَ يَرَوْنَ
الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٢٢].
(يَوْمَ لا تَمْلِكُ
نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩]
(يَوْمَ تَرْجُفُ
الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) [النازعات : ٦ ـ ٨].
وما جاء فيه
مثل هذا التركيب : (إِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ
الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ١ ، ٤] ، حيث (يوم) بدل من الظرف المبنى (إذا) على الوجه
الأرجح.
(وَانْشَقَّتِ
السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) [الحاقة : ١٦].
(إِنَّا كَذلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات : ٤٤ ، ٤٥].
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا
بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ
بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) [العاديات : ٩ ـ ١١].
وقد يضاف ظرف
الزمان الملحق به (إذ) فيجرّ بالكسرة حينئذ ، ومنه : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ
لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) [المعارج : ١١].
إذا :
(إذا) الظرفية
اسم لما يستقبل من الزمان ، وهى حينئذ تكون على وجهين :
أولهما : أن
يكون فيها معنى الشرط. فتستوجب الربط بين جملتين متعلقتين ببعضهما تعلقا زمنيا.
جمهور النحاة
يذهب إلى أنه لا يليها إلا فعل ، سواء أكان ظاهرا أم مقدرا ، ولكنه نقل عن سيبويه
من طريق السهيلى ، ونقل كذلك عن الأخفش وقال به ابن مالك أنه يجوز الابتداء بعدها
، وأرجح هذا الرأى ؛ لأن (إذا) الشرطية غير
__________________
جازمة ، فتكون غير مختصة بالفعل ، فتدخل بذلك على الاسم والفعل سواء ،
ويكون ما بعدها إما جملة اسمية ، وإما جملة فعلية.
أما (إذا) فإن
العامل فيها عند الجمهور إنما هو فعل جواب الشرط ، أو ما يدل عليه ، وهى مضافة إلى
ما يليها. إذن (إذا) واجبة الإضافة إلى الجملة. ومثالها قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ١ ـ ٣]. وقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١]. ومنه قول الفرزدق :
إذا باهلىّ
تحته حنظلية
|
|
له ولد منها
فذاك المذرع
|
ثانيهما : أن تكون
ظرفية دون تضمن معنى الشرط :
نحو قوله تعالى
: (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى) [الليل : ١] ، (وَالنَّجْمِ إِذا
هَوى) [النجم : ١]. يجعلون الماضى بعدها فى معنى المستقبل.
__________________
وقد استعملت (إذا)
ظرفا للتعبير عن الماضى ، ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ). [الكهف : ٩٣] ، (حَتَّى إِذا ساوى
بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي
أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦].
ملحوظتان :
أولاهما : يذكر
بعض النحاة أن (إذا) قد تخرج عن الظرفية فتكون :
أ ـ اسما
مجرورا : إذا سبقت بحتى ، كما فى قوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها ..) [الزمر : ٧١].
ب ـ مبتدأة :
كما فى قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ
الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١] فإذا مبتدأ خبره : (إذا رجت) مع نصب (خافضة رافعة). والتقدير
: وقت وقوع الأرض خافضة .. وقت رج الأرض.
ج ـ مفعولا به
: فى قوله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضى الله عنها : «إنى لأعلم إذا كنت عنى
راضية ، وإذا كنت علىّ غضبى».
د ـ خبرا : فى
القول : القيام إذا طلعت الشمس.
ه ـ بدلا : من
اسم ص ـ ريح فى الق ـ ول : أجيئك غدا إذا طلعت الشمس.
ويبدو أن هذه
المواضع وأمثالها تؤول وتكون فيها (إذا) فى محلّ نصب على الظرفية ، و (حتى) فى
الموضع الأول تكون ابتدائية.
والأخرى : (إذا) الفجائية :
قد تكون (إذا)
للمفاجأة ، مثال ذلك : أن تقول : فتحت الباب فإذا الصديق واقف ، أو فإذا الصديق ،
أو : فإذا الصديق واقفا.
ومثلها مثل (إذ)
فى الخلاف بين النحاة فى كونها ظرف زمان ، أو ظرف مكان ، أو حرفا ، والعامل فيها
معنى المفاجأة.
__________________
خصائص التركيب المتضمن (إذا) الفجائية :
يختص التركيب
الذى يتضمن (إذا) الفجائية فى كتب النحاة بما يأتى :
١ ـ أن يتضمن
فاء تسبق (إذا) الفجائية كما فى الأمثلة السابقة ، واختلف فى هذه الفاء بين كونها
زائدة لازمة ، أو عاطفة ، أو جوابية على حد دخولها فى جواب الشرط.
٢ ـ أن تقع فى
جواب الشرط نائبة مناب الفاء ، وذلك باجتماع الخصائص الآتية :
ـ أن يكون
الجواب جملة اسمية.
ـ أن تكون غير
طلبية ، احترازا من نحو : إن عصى زيد فويل له.
ـ ألا تكون
منفية.
ـ ألا تسبق بـ ـ
(إن).
ومثالها قوله
تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦].
وقوله تعالى : (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ
عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم : ٤٨].
__________________
٣ ـ أن تقع بعد
«بينا ، وبينما» : من ذلك قول حرقة بنت النعمان ، أو هند بنت النعمان :
فبينا نسوس
الناس والأمر أمرنا
|
|
إذا نحن فيهم
سوقة نتنصف
|
ومنه قول
الشاعر :
بينما المرء
فى فنون الأمانى
|
|
فإذا رائد
المنون موافى
|
٤ ـ أن تقع بعد لما : كما فى قوله
تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ
بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) [الزخرف : ٤٧].
* ومما جاء
متضمنا (إذا) الفجائية : قوله تعالى :
ـ (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً
فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [يس : ٢٩].
ـ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا
خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس : ٧٧].
ـ (فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه : ٢٠].
ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ
مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) [يس : ٣٧].
ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ
الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) [يس : ٥١].
__________________
ـ قول الشاعر :
وكنت أرى
زيدا كما قيل سيدا
|
|
إذا أنّه عبد
القفا والّلهازم
|
مد ومنذ :
(مذ ومنذ)
يختصان بالزمان الماضى ، أو الحاضر ، أو يبينان المدة الزمنية لحدث ما ، لا يدخلان
إلا على زمان ، واختصاصهما بالزمان كاختصاص (من) بالمكان ، كما أن (مذ ومنذ)
يكونان ابتداء غاية الأيام والأحيان ، تكون (من) لابتداء الغاية فى المكان ، ولذلك
فإن ابن يعيش يذكر أنه لا يدخل واحد منهما على الآخر ، «يعنى أن مذ لا تدخل على (من)
، و (من) لا تدخل عليها» .
بنيتهما :
يميل النحاة
إلى أن (مذ) مخففة من (منذ) ، بحذف عينها ، وهى النون.
ويستدلون على
ذلك بأنه لو سمّى بها وصغّرت لقيل : منيذ ، والتصغير يردّ الأشياء إلى أصولها.
كما يستدل على
ذلك برجوعهم إلى ضم الذال فى (مذ) عند التقاء الساكنين فى نحو : مذ اليوم ، فلو لا
أن أصل حركتها الضمّ لكسروا . وبعضهم يضم دون وجود ساكن .
ورأى بعضهم ـ ابن
ملكون ـ أنهما أصلان ، ورأى المالقى أن (مذ) حرف ، و (منذ) اسم ، فإذا كان (مذ)
اسما فأصلها (منذ) ؛ لأن الحرف لا يتصرف فيه ، ولكن يرد على ذلك بأنه يخفف نون (إن)
، و (كأن) ، و (لكن).
و (منذ) بسيطة
، ويذهب الفراء إلى أنها مركبة من (من) ، و (ذو) الطائية ، وهى اسم موصول ، ويرى
غيره من الكوفيين أنها مركبة من (من) و (إذ) ، ولكن الأرجح والمقبول أنها بسيطة.
__________________
ينطق (منذ) بضم
فسكون فضم ، وحرّك آخرها بالضم لوجود النون الساكنة قبلها ، أما (مذ) فإن سكون
الذال فيها قبل متحرك أعرف من ضمها ، وضمّ الذال قبل ساكن أعرف من كسرها ، والكسر
لغة لبعض بنى عبيد من غنىّ وبنو سليم يكسرون الميم فيهما .
وكلّ من (مذ ،
منذ) مبنى ، وأصل البناء السكون ـ كما يذكر جمهور النحاة ـ وقد حركت ذال (منذ)
لوجود النون الساكنة قبلها ـ كما ذكرنا ـ والنحاة يجعلونهما يترددان بين الاسمية
والحرفية ، فإذا كانا حرفين فإن هذا يكون أصلهما ؛ لأن الحروف كلّها مبنية ، وإذا
كانا اسمين فبناؤهما مبنى على أنهما فى معنى الحرف.
ويذكر ابن يعيش
أن الغالب على (منذ) الحرفية ، والغالب على (مذ) الاسمية ، ويستدل على ذلك بأن
الحروف لا يتصرف فيها ، حيث إنها اختصار وإيجاز لنيابتها عن الأفعال ؛ لتفيد
فائدتها ، فهمزة الاستفهام نائبة عن أستفهم ، وواو العطف نائبة عن عطفت ، فلو حذف
منها شىء لكان اختصارا للاختصار ، وهذا إجحاف ؛ لذلك لم يتصرف فى (منذ) ، وتصرف فى
(مذ) حيث حذف العين منها .
ولكن يرد ذلك
بما ذكرناه سابقا من تخفيف (إن) ، و (كأن) ، و (لكن).
سمات التراكيب التى يردان فيها :
ترد (مذ ومنذ)
فى تراكيب مختلفة البنية والدلالة ؛ يمكن أن نحصرها فيما يأتى ، ثم نحلل كل تركيب
نحويا ودلاليا فيما يلى ذلك.
أ ـ مذ (منذ) +
معرفة مرفوعة غير معدودة.
نحو : ما رأيته
مذ يوم الجمعة.
ب ـ مذ (منذ) +
نكرة مرفوعة معدودة ، أو معرفة محدودة.
نحو : ما رأيته
مذ يومان.
__________________
ومنه أن يليهما
معرفة محدودة ، نحو : لم أره منذ المحرم.
ج ـ مذ (منذ) +
جملة.
نحو : ما رأيته
مذ سافر ، أو مذ أنا صغير.
د ـ مذ (منذ) +
اسم مجرور.
نحو : ما رأيته
منذ الجمعة ، ... منذ الليلة ... منذ يومين.
ه ـ مذ (منذ) +
مصدر صريح معين الزمان ، أو مصدر مؤول.
نحو : ما رأيته
منذ قدوم الحاج ، ما رأيته منذ أن حصل على الشهادة الثانوية.
التركيب الأول : أن يلى (مذ ومنذ) اسم مرفوع معرفة غير معدود :
نحو : ما رأيته
مذ يوم الجمعة ـ وحينئذ ـ يدلان على أول المدة ، فالمعنى : أول أمد انقطاع الرؤية
يوم الجمعة ، أو : ابتداء ذلك يوم الجمعة ، وهذا التركيب لا يجوز فيه فيما بعدها
إلا التوقيت ، والإشارة إلى وقت بعينه .
فكأن دلالة هذا
التركيب جواب للسؤال : ما أول ذلك؟ أو : ما ابتداء ذلك؟
ويصح أن يسأل
عنه باسم الاستفهام : متى؟ ، ولهذا فإنه يجب أن يذكر بعدهما ما يدل على أوقات
معلومة ، نحو : يوم الأربعاء ، أو يوم الجلاء ، أو سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة وألف
، أو .. عام الفيل ... ، أو ... ويجب أن يفهم أن نهاية الأمد فى مثل هذا التركيب
إنما هو الزمن الذى أنت فيه ، ولو كان غير ذلك لكان الإخبار غير صحيح. فالانتهاء مسكوت
عنه ، وكأنك قلت : إلى الآن .
ويلزم فى هذا
التركيب تخصيص الوقت وتعيينه ، وإنه ليدلّ على زمن ماض دائما ، ولا تذكر ما أنت
فيه من زمن. لذا لا يكون عددا من الزمان ، أو مقدارا معلوما من الزمان ، وإنما
يكون فيه تخصيص لزمن معين مقصود مسمى.
وفى هذا
التركيب تكون (مذ ومنذ) اسمين.
__________________
التركيب الثانى
: أن يلى (مد ومنذ) اسم مرفوع نكرة معدودة ، أو معرفة محدودة فتكون بمثابة
المعدودة :
الأول نحو : ما
رأيته مذ يومان ، ... ومنذ ليلتان ، والثانى نحو : لم أره مذ المحرم ، ... مذ
الشتاء ، وأنت ترى أن شهر المحرم محدودة أيامه ، حيث تنحصر فى ثلاثين يوما ، وكذلك
فصل الشتاء يعدّ بثلاثة أشهر ، فكأنك قلت : لم أره مذ ثلاثون يوما ... ، ... مذ
ثلاثة أشهر.
يكون فيهما
معنى الأمد فى هذا التركيب ، أى : تنظم أول الوقت إلى آخره ، فالمعنى : أمد عدم
رؤيتى له يومان ، ... ليلتان ، ... ثلاثون يوما ، ... ثلاثة أشهر.
وكأن هذا
التركيب إجابة ل (كم) ، فتقدير السؤال لمثل هذا التركيب : كم مدة انقطاع الرؤية؟
أو : مذ كم يوما تره؟ ؛ لذا وجب أن يكون الجواب عددا ، أو : ما له مقدار من الزمان
معلوم ، ومحدود.
ومن هنا ؛ فإنه
يلزم صحة السؤال عنه باسم الاستفهام (كم).
ولا يلزم فى
هذا التركيب تخصيص الوقت وتعيينه كما هو فى التركيب السابق. وهو فى بيانه للأمد
يدل ـ بشكل ضمنى ـ على الزمن الذى أنت فيه ، فمعنى ما رأيته مذ يومان ، أن عدم
رؤيتك له منقطعة من يومين يسبقان
يومك الذى أنت
فيه ، فطول أو عدد زمن عدم الرؤية يومان ، ينتهيان بما أنت فيه ، ويبدآن بعدد
يومين سابقين لما أنت فيه من زمن.
لذا لزم فى هذا
التركيب المقدار المعلوم من الزمان ، أو العدد الذى يدل على هذا الزمان.
وفى هذا
التركيب يكون (مذ ومنذ) اسمين.
لا يصح فى هذا
التركيب أن تقول : ما رأيته مذ يوم ؛ لأن يوما لا يعد.
لكننى أرى أنه
يمكن أن يعدّ بالساعات.
__________________
الجوانب الإعرابية فى التركيبين الأول والثانى :
سمة هذين
التركيبين من حيث الجانب الإعرابى أن يلى (مذ ومنذ) اسم مرفوع معرفة غير معدودة ،
أو نكرة معدودة ، أو معرفة محدودة تدل على قدر معين من الزمان. حينئذ يعرب كلّ من (مذ
ومنذ) والاسم المرفوع بعدهما على الأوجه الآتية :
أ ـ أن يكونا
مبتدأين ، خبرهما ما بعدهما من مرفوع ، وهو ما ذهب إليه المبرد وابن السراج
والفارسى.
ويكون تقدير :
مذ يوم الأحد ، ومذ يومان : أول الأمد يوم الأحد ، والأمد يومان. أى : أول أمد
الفعل ... ، وأمد الفعل .. وأنت ترى أن كلا منهما فى التقدير مبتدأ ، خبره الاسم
المرفوع بعده. ويكون التركيب كلامين ، ثانيهما مستأنف ، حيث الأول جملة (ما رأيته)
، أو غير ذلك ، والثانى جملة (مذ). وهذا هو الرأى الأرجح.
وإن كان يردّ
بلزوم الابتداء بنكرة بلا مسوغ ، أو معرفة بلا تعريف معتاد.
ب ـ أن يكونا
خبرين مقدمين ، والاسم المرفوع بعدهما مبتدأ مؤخر. وهو ما ذهب إليه الأخفش والزجاج
والزجاجى وطائفة من البصريين.
وهذا الوجه
مبنى على أنهما ظرفان مبنيان ، فيكون كل منهما شبه جملة فى محل رفع ، خبر مقدم ،
ويكون التقدير فى ما رأيته مذ يومان : بينى وبينه يومان ، أى : بينى وبين لقائه
يومان ، أو : بينى وبين انقطاع رؤيته يومان ، وقد وصفوا هذا الرأى بأنه ضعيف أو : فيه تعسف . فالأول لذلك أظهر .
ويكون التركيب
كلامين مثل ما فسّر به الوجه الأول.
__________________
ج ـ أن يكونا
ظرفين مضافين إلى الجملة التى تليهما ، حيث يقدر فعل محذوف بعدهما يرفع الفاعل
المرفوع المذكور بعدهما فى النطق ، يقدر بـ : كان (تامة) ، أو : مضى.
فيكون التقدير
فى : مذ يوم الجمعة ، و... مذ يومان : مذ كان يوم .. ، مذ مضى يومان ، ويكون كلّ
من مذ و (منذ) فى محل نصب على الظرفية ، متعلقا بما قبله من فعل ، وهو مضاف ، و (يوم)
أو (يومان) يكون كل منهما فاعلا لفعل محذوف ، والجملة الفعلية فى محل جر بالإضافة.
وهذا ما ذهب
إليه المحققون من الكوفيين ، واختاره السهيلى ، وصححه ابن مالك ، ويعلل لذلك بقوله
: «وإنما اخترته لأن فيه إجراء (مذ) و (منذ) فى الاسمية على طريقة واحدة ، مع صحة
المعنى ، فهو أولى من اختلاف الاستعمال ، وفيه تخلص من ابتداء نكرة بلا مسوغ ؛ إن
ادّعى التنكير ، ومن تعريف غير معتاد ؛ إن ادّعى التعريف ، وفيه أيضا تخلص من جعل
جملتين فى حكم جملة واحدة من غير رابط لا ظاهر ولا مقدر» .
ويكون التركيب
كلاما واحدا على جملتين.
د ـ يذهب جماعة
من الكوفيين ـ وعلى رأسهم الفراء ـ إلى إعراب المرفوع بعدهما على أنهما مكونان من (من)
و (ذو) الطائية الموصولة ، فيجعلون (من) حرف جر ، و (ذو) موصولة ، أما المرفوع فهو
خبر لمبتدإ محذوف ، تقديره : هو ، وتكون الجملة الاسمية صلة (ذو). فحذفت الواو من (ذو)
، وحذف المبتدأ ، وضمت الميم إتباعا .
التركيب الثالث : أن يلى (مد ومنذ) جملة :
إذا تلاهما
جملة اسمية أو فعلية فهما اسمان بالضرورة ، ويكون فى هذا التركيب وجهان إعرابيان :
__________________
الأول : وهو
أظهرهما وأشهرهما : أن يكونا ظرفين مضافين إلى الجملة التى تليهما. أو : إلى مقدر
بكلمة (زمن) مضافة إلى الجملة.
يذكر سيبويه : «ومما
يضاف إلى الفعل ـ أيضا ـ قولك : ما رأيته مذ كان عندى ، ومذ جاءنى» .
والآخر : أن
يقدرا مبتدأين ، خبرهما كلمة (زمان) المضافة إلى الجملة المذكورة بعدهما ، وعند ما
يحذف المضاف يحل محلّه المضاف إليه ، ويعرب إعرابه.
ومن ذلك قول الفرزدق
:
ما زال مذ
عقدت يداه إزاره
|
|
فسما فأدرك
خمسة الأشبار
|
وفيه (مذ) مبنى
على السكون فى محل نصب على الظرفية ، وهو مضاف ، والجملة الفعلية التى تلته (عقدت
يداه) فى محل جر ، مضاف إليه. أو : إلى (زمان) المضافة إليها ، أو أن (مذ) فى محل
رفع على الابتدائية ، وخبره (زمان) المقدر مضافا إليه الجملة الفعلية.
ومنه قول أبى
ذؤيب الهذلى :
قالت أمامة
ما لجسمك شاحبا
|
|
منذ ابتذلت
ومثل ما لك ينفع
|
تلحظ أن الجملة
الفعلية (ابتذلت) ذكرت بعد (منذ) ، فتكون (منذ) ظرفا مبنيا فى محل نصب على الظرفية
، وهو مضاف ، والجملة الفعلية من الفاعل ونائب الفاعل فى محل جر مضاف إليه ، أو
إلى (زمان) المضافة إلى (منذ).
وإن احتسبت (منذ)
مبتدأ ، يكون خبرها (زمان) المقدر ، ويضاف إليه الجملة المذكورة.
وقد تلتهما
الجملة الاسمية ، كما هو فى قول الكميت بن معروف ، وقيل : لرجل من سلول :
__________________
وما زلت
محمولا على ضغينة
|
|
ومضطلع
الأضغان مذ أنا يافع
|
حيث وردت
الجملة الاسمية (أنا يافع) بعد (مذ) ، فتكون (مذ) ظرفا مضافا ، والجملة الاسمية فى
محل جر مضاف إليه ، أو إلى مقدر بـ (زمن) مضاف إليها. وإن احتسبت (مذ) مبتدأ ؛
يكون خبره المقدر (زمان) مضافا إليه الجملة الاسمية.
ومنه قول
الأعشى ميمون :
وما زلت أبغى
المال مذ أنا يافع
|
|
وليدا وكهلا
حين شبت وأمردا
|
(مذ) فى محل نصب على الظرفية ،
والجملة الاسمية (أنا يافع) فى محل جر بالإضافة ، أو إلى كلمة (زمان) المقدرة
مضافة إلى مذ. أو مبتدأ خبره (زمان) المضاف إليه الجملة الاسمية.
وهما حين ذكر
الجملة بعدهما ، ومن خلال الأوجه الإعرابية السابقة ، يدلان على ابتداء الغاية فى
الزمان المذكور دلالته فى الجملة بعدهما ، وعلينا أن نقدر أن الزمان مستمرّ أو
ممتد إلى الوقت الذى فيه الحديث ، وإنما المذكور من زمان إنما هو تحديد لابتدائه.
ففى القول : مذ
أنا يافع ، أى : من زمن أن كنت يافعا إلى وقتنا هذا ، أى : الوقت الذى ذكر فيه
البيت.
__________________
وفى البيت دليل
على هذا المدلول ، أى : الزمن الذى يمتد إلى زمن الحديث ، يتمثل فى قوله : (ما زلت)
حيث إن الفعل الناسخ (ما زال) يفيد الاستمرار.
التركيب الرابع : (مذ) منذ+ اسم مجرور :
ينقسم هذا
التركيب إلى ثلاثة أقسام ؛ تحدد بحسب بنية الاسم المجرور ، ودلالته من حيث التعيين
والزمن ؛ لأنه إما يكون معرفة أو نكرة ، وإما أن يكون دالا على زمان ماض أو حاضر
حالى ، وإما أن يكون الزمان محددا مشارا به إلى وقت معلوم معين ، أو وقت معدود.
ذلك على التفصيل الآتى :
أ ـ مذ (منذ) + اسم مجرور معرفة دال على زمان ماض ووقت معلوم :
نحو : ما رأيته
مذ يوم الجمعة. تلحظ أن ما بعد (مذ) اسم معرفة ، وهو (يوم) الذى أضيف إلى المعرف
بالألف واللام (الجمعة) ، وهو مجرور ، وعلامة جره الكسرة ، ودالّ على زمان مضى ،
حيث إن زمن يوم الجمعة لا بد أن يكون قبل زمن الحديث ، وكما أنه يدل على وقت معلوم
، أى الدلالة على وقت بعينه محدد.
ويقدر كلّ من (مذ
ومنذ) فى هذا التركيب بحرف الجر (من) الذى يدل على ابتداء الغاية فى الأمكنة ، أما
(مذ ومنذ) فيخصان الزمان.
ومنه قول زهير
بن أبى سلمى :
لمن الديار
بقنّة الحجر
|
|
أقوين مذ حجج
ومذ دهر
|
__________________
والتقدير : من
حجج ومن دهر
ومنه قول امرئ
القيس :
قفا نبك من
ذكرى حبيب وعرفان
|
|
وربع عفت
آثاره منذ أزمان
|
أى : من أزمان.
فكانت (منذ) لابتداء الغاية فى الزمان ، وجرّ ما بعدها.
ب ـ مذ (منذ) + اسم مجرور معرفة دال على زمان حاضر :
نحو : ما رأيته
منذ يومنا ، أو : مذ الليلة.
حيث تلا (منذ) و
(مذ) اسم معرفة (يومنا ، الليلة) ، وهو دال على زمن حاضر حالى ، فالزمن ينحصر فى
يومنا الذى نحن فيه ، والليلة التى نحن فيها ، وهو مجرور.
يقدر النحاة
كلا من (مذ ومنذ) فى هذا التركيب بحرف الجر الظرفى (فى).
فالتقدير فيما
سبق : فى يومنا ، فى هذه الليلة.
ج ـ مذ (منذ) + اسم مجرور نكرة دال على زمان معدود :
نحو : ما رأيته
مذ ثلاثة أيام ، .. منذ ليلتين.
حيث ذكر بعدهما
اسم مجرور نكرة (ثلاثة أيام ، ليلتين) دال على زمان معدود.
__________________
ويقدرهما
النحاة فى مثل هذا التركيب بـ (من وإلى) معا ، حيث يدلان ـ مذ ومنذ ـ على ابتداء
الغاية فى الزمان وانتهائها معا ، ففى المثالين السابقين ينحصر زمان عدم الرؤية فى
ثلاثة أيام ، أو ليلتين ، وهما يدلان على زمان معدود يدل على المعنى : من ابتداء
هذه المدة إلى انتهائها.
الجوانب الإعرابية فى هذا التركيب :
يذكر ابن مالك
: «وتتعيّن حرفيتهما ـ مذ ومنذ ـ إن وليهما مجرور» .
ويختلف النحاة فيما بينهم فى حكم الوجوب والصحة أو الرجحان فيما إذا
وليهما مجرور بين الحرفية والظرفية ، ولكن الجمهور يذهبون إلى حرفيتهما ـ حينئذ.
وذهب جماعة إلى أنهما اسم فى كل حال ، وهما دالّان على الظرفية ، فإذا جاء ما
بعدهما مخفوضا فإنه يكون على الإضافة ، وإن كانا مبنيين ، وذلك كقولك : من لدن
حكيم عليم ، حيث أضيف إلى (لدن).
والذين يذهبون
إلى حرفيتهما حين جرّ ما بعدهما ـ وهم الجمهور ـ يدللون على ذلك بما يأتى :
ـ (مذ ومنذ)
لابتداء الغاية فى الزمان ، فهما نظيرتا (من) فى المكان ، فإن كانت (من) حرفا ،
فكذلك ما هو فى معناه.
يذكر ابن معطى
فى ألفيته :
وإن جررت
فهما حرفان
|
|
حرفا ابتداء
غاية الزمان
|
هما كمن فى
غاية المكان ....
ـ إيصالهما
الفعل إلى (كم) و (متى) الاستفهاميتين ؛ كما يوصل الجارّ إليهما ، فكانا حرفين ،
نحو : مذ كم سرت؟ أو : مذ متى سرت؟ ولو أنهما كانا اسمين
__________________
لجاز : مذ كم سرت فيه؟ كما يجوز : يوم الجمعة سرت فيه. وامتناعهم من ذلك
دليل على أنهما حرفا جر .
والفرق بين كونهما اسمين أو حرفين فى هذا التركيب :
ـ إذا احتسبا
حرفين فإن ما بعدهما يجر بحرف الجر. أما إذا كانا اسمين فإن ما بعدهما يجر
بالإضافة.
ـ إذا كانا
حرفين كان الكلام جملة واحدة ، وأصبحت شبه الجملة متعلقة بما قبلها ، وإذا احتسبا
هنا ظرفا أصبحا شبه جملة ـ كذلك ـ متعلقة بما قبلها ، ويصبح الكلام بجملته يدخله
تصديق واحد ، أو تكذيب واحد.
لكن الأمر
يختلف حال ما إذا كانا اسمين وقد رفع ما بعدهما ، حيث يصبح الكلام جملتين ، يدخل
فى كل منهما التصديق والتكذيب ، دون التعلق بالأخرى.
ـ إذا كانا
حرفين دلّا على أن المعنى الكائن فيما دخلتا عليه ، لا فى أنفسهما.
أما إذا كانا
اسمين فإن المعنى الكائن فيهما باحتساب ما أضيفا إليه.
ملحوظة :
يذكر ابن مالك
أنه قد يجرّان المستفهم به عن الوقت ، نحو : مذ متى رأيته؟ ومذ كم فقدته؟
وهو ما يتخذونه
دليلا على حرفيتهما ـ كما ذكرنا سابقا ـ حيث يوصل بهما الفعل إلى اسمى الاستفهام (متى
وكم). ولا يجوز عود الضمير عليهما ـ حينئذ ـ حيث لا يجيزون : مذ متى رأيته فيه؟
كما يمكن أن تقول : يوم الجمعة رأيته فيه.
التركيب الخامس : منذ (مد) + مصدر صريح معين الزمان ، أو مصدر مؤول :
يذكر ابن مالك
: «ويجوز الأمران ـ الاسمية والحرفية ـ قبل أنّ وصلتها ... ويعامل المصدر المعين
زمانه بعد مذ ومنذ معاملة الزمان المعين فى الرفع والجر» .
__________________
ومنه يتبين لنا
أنه قد يذكر بعدهما مصدر صريح ، زمنه معين ، وليس مبهما ، ذلك نحو : ما رأيته منذ
قدوم زيد ، والتقدير : منذ زمن قدوم زيد ، فحذف المضاف (زمن) وأقيم المضاف إليه (قدوم)
مقامه ، واحترز بالمعين فى الزمان من مبهم الزمان ، نحو : قدوم ، بلا إضافة ، أو :
قدوم رجل.
وقد يذكر
بعدهما مصدر مؤول ، يذكره من ذكره من النحاة بأنه من (أنّ) المفتوحة الهمزة
المشددة النون دون غيره من المصادر المؤولة. ذلك نحو : ما رأيته منذ أنّ الله
خلقنى. ويقدر بالقول : منذ زمن أنّ الله خلقنى .
أو : منذ خلق
الله إياى .
ويكون الإعراب
على التقدير الأول ، وهو تقدير كلمة (زمن) ، أن المصدر المؤول فى محلّ جر مضاف
إليه. وعلى التقدير الثانى يكون المصدر المؤول فى محل رفع ، خبر المبتدإ (منذ) ،
أو فى محل جر ، مضاف إليه.
كما أنه مع فتح
همزة (أن) يجوز أن يحتسبا حرفين ، ويكون المصدر المؤول بعدهما مجرورا بالحرف.
وإن كسرت همزة (إنّ)
فاسميتهما متعينة ، ويكون ما بعدهما فى محل رفع.
وأرى أنه لا
يمنع من أن يذكر بعدهما مصدر مؤول من غير (أنّ) ومعموليها ، حيث يجوز القول : ما
زرته مذ أن سافر أخوه.
ملحوظات :
أولا : تقدير (مذ ومنذ) اسمين لا غير :
يذهب بعض
النحاة إلى أن (مذ ومنذ) اسمان ، ولا يكونان إلا اسمين على كل حال ، فإذا رفع ما
بعدهما كان فيه من التوجيهات الإعرابية السابقة حال الرفع ، وإذا خفض كان مجرورا
بالإضافة.
__________________
ثانيا : موضع اسميتهما بإجماع :
يجمع النحاة
على أنه يتعين اسمية (مذ ومنذ) إذا وليهما اسم مرفوع ، أو جملة فعلية فى الغالب ،
أو جملة اسمية.
يذكر ابن مالك
فى ألفيته :
ومذ ومنذ اسمان
حيث رفعا
|
|
أو أوليا
الفعل كجئت مذ دعا
|
ثالثا : المعطوف على الجملة المذكورة بعدهما :
يقدر جمهور
النحاة كلمة (زمن) قبل الجملة المذكورة بعد (منذ ومذ) ، وعليه فإن المعطوف على
الجملة يجوز فيه الرفع والنصب والجر ، ففى القول : ما رأيته مذ قام زيد ويوم الجمعة ، يجوز
فى (يوم) الرفع والجر على كلمة (زمان) المقدرة ، حيث إعرابها على أوجه الرفع
المذكورة ، أو الجر على الإضافة ، والنصب على معنى : مذ قام زيد ، أو على تقدير
فعل آخر ، وتقديره : وما رأيته.
رابعا : حاصل الأوجه الإعرابية فى تراكيب (مذ ومنذ):
ما يحتمل أن
يذكر بعد (مذ ومنذ) فى كلّ التراكيب التى يردان فيها من حيث الجانب الإعرابى أن
يكون اسما مرفوعا ، أو جملة ، أو اسما مجرورا ، أو مصدرا.
ونوجز الأوجه
الإعرابية فى كل احتمال سابق فيما يأتى :
أولا : إذا وليهما اسم مرفوع :
نحو : ما
قابلنا منذ يوم السبت.
ما قابلنا منذ
ذو الحجة.
ما قابلنا منذ
أربعة أيام.
ما قابلنا منذ
الربيع.
__________________
فى إعراب (منذ)
أو (مذ) والاسم المرفوع بعدهما الأوجه الإعرابية الآتية :
أ ـ أن يكونا
مبتدأين ، خبرهما الاسم المرفوع بعدهما. ويكونان ـ حينئذ ـ اسمين دالين على
الزمان.
ب ـ أنهما
خبران مقدمان ، والمرفوعان بعدهما هو المبتدأ المؤخر. ويكونان ـ حينئذ ـ ظرفين
مبنيين فى محل نصب ، وشبه الجملة خبر مقدم.
ج ـ أن المرفوع
بعدهما فاعل بفعل مقدر : (كان) تامة أو : مضى. ويكون (مذ أو منذ) ظرفين فى محل نصب
متعلقين بما قبلهما ، مضافين ، والجملة التى تليهما فى محل جر ، مضاف إليه.
د ـ أن يكون
الخبر بعدهما مبتدأ لخبر محذوف ، تقديره : هو ، والجملة الاسمية تكون صلة (ذو)
الطائية ، وهو المقطع الأخير من (منذ ومذ) ، وذلك على أنهما مكونان من : حرف الجر (من)
و (ذو) ، وهو اسم موصول عند الطائيين. وتكون شبه الجملة متعلقة بما قبلها.
ثانيا : إذا وليهما جملة :
نحو : ما
قابلنا منذ رجعنا من الحج.
ما قابلنا منذ
هو موظف.
فيهما وفى
الجملة التى تليهما وجهان إعرابيان :
أ ـ أن يكونا
ظرفين مضافين إلى الجملة التى تليهما ، أو إلى محذوف يقدر بكلمة (زمن).
ب ـ أن يكونا
مبتدأين ، خبرهما يقدر بكلمة (زمان) المضافة إلى الجملة التى تليهما. وعند ما يحذف
المضاف يحل المضاف إليه محله ، ويتخذ إعرابه.
ثالثا : إذا وليهما اسم مجرور :
نحو : ما
قابلنا منذ يوم الخميس.
ما قابلنا منذ
اليوم ، ليلتنا.
ما قابلنا منذ
يومين ، ليلتين.
فيهما وفى
المجرور بعدهما وجهان إعرابيان :
أ ـ أن يكونا
حرفى جر ، وما بعدهما مجرور بهما. وشبه الجملة متعلقة بما قبلهما. ويكونان بمعنى (من)
مع الزمان الماضى ، وبمعنى (فى) مع الزمان الحاضر ، وبمعنى (من) و (إلى) مع الزمان
المعدود.
ب ـ أنهما فى
محل نصب على الظرفية ، وما بعدهما من مجرور مضاف إليه.
رابعا : إذا وليهما مصدر مؤول أو صريح معين الزمان :
نحو : ما
قابلنا منذ قدوم الحجاج.
ما قابلنا منذ
أنّنا انتهينا من الدراسة.
فيهما وفى
المصدر بعدهما الأوجه الإعرابية الآتية :
أ ـ إذا احتسبا
اسمين فإنهما وما بعدهما يكون فيها الأوجه الإعرابية السابقة ؛ إذا وليهما مرفوع ،
أو مجرور.
وهى : مبتدأ
فخبر ، أو خبر مقدم فمبتدأ مؤخر.
أو : فاعل بفعل
مقدر ، والجملة مضافة إليهما ، أو : خبر لمبتدإ فى محل جر بالإضافة إليهما.
ب ـ إذا احتسبا
حرفين فإن ما بعدهما يكون مجرورا بهما.
ما الوقتية :
تسمى بما
الوقتية ، أو ما الظرفية ، ويجعلها ابن هشام زمانية ، ويجعل منها (كلّما) ، وتقدر
بمصدر نائب عن ظرف الزمان ، حيث يصح أن ينوب منابها (مدة) ، وهى تربط بين حدثين
ربطا زمنيا ، فهى من وسائل الاقتران الزمنى.
تليها جملة
فعلية دائما.
__________________
جمهور النحاة
يرى أنها حرف مصدرى ينوب عن لفظ : زمان أو مدة ، فإذا قلت : أقابلك ما طلعت الشمس
، أى : زمان طلوع الشمس ، لا أفارقك ما قام الليل والنهار ، أى : مدة دوام الليل
والنهار ، وعلى الرغم من هذه النيابة فإنهم يجعلونها حرفا ؛ لأنه لا يعود عليها
ضمير من صلتها.
أما بعض
الكوفيين والأخفش فإنهم يجعلونها اسما. وإذا جعلتها حرفا ظرفيا فلا محلّ لها من
الإعراب ، أما إذا جعلتها اسما ظرفيا فإنها تكون فى محلّ نصب ، ومع التقديرين فهى
تعطى مدلول الزمان.
ومن أمثلتها
قول الشاعر :
أجارتنا إن
الخطوب تنوب
|
|
وإنى مقيم ما
أقام عسيب
|
أى : مدة قيام
عسيب.
ويجعلون من ذلك
قوله تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ
الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) [هود : ٢٠] أى : مدة استطاعتهم السمع ، ومدة كونهم مبصرين ، فتكون فى محل نصب على الظرفية.
ويكون من (ما)
الوقتية التى تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان يقدر بـ (مدة) (ما) التى يجب أن تسبق (دام)
؛ كى يكون فعلا ناقصا ناسخا.
من ذلك قوله
تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما
دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٨] ، حيث التقدير : مدة دوام ... فـ (ما) ظرفية وقتية.
ومنه قوله
تعالى : (قالُوا يا مُوسى
إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها)
__________________
[المائدة : ٢٤] ، أى : مدة دوامهم فيها. وقوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) [مريم : ٣١] ، أى ، مدة دوامى حيا.
كلما :
يجعلها النحاة ملحقة بما السابقة : الوقتية أو الظرفية أو الزمانية ،
فتكتسب الدلالة على الظرفية الزمانية منها ، وهى باتفاق منصوبة على الظرفية ، وما
بعد (كل) من (ما وما يليها من جملة) تكون على وجهين :
أ ـ إما أن
تكون (ما) مصدرية حرفية ، فتكون الجملة التى تليها صلة لها ، والمصدر المؤول فى
محلّ جر بالإضافة ، ومثالها : (كُلَّما رُزِقُوا
مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) [البقرة : ٢٥] ، والتقدير : كل وقت رزق ..
ب ـ وإما أن
تكون اسما نكرة بمعنى (وقت) فلا تحتاج إلى تقدير وقت ، وتكون الجملة التى تليها فى
موضع جر صفة لها ، ويكون التقدير : كل وقت رزقوا فيه. حيث يقدر العائد على الموصوف
، ويبعد هذا الوجه بعض النحاة.
ومنه قول عمرو
بن الأطنابة :
وقولى كلّما
جشأت وجاشت
|
|
مكانك تحمدى
أو تستريحى
|
__________________
قط :
بفتح فطاء
مشددة ، قد تضم الطاء بدون تشديد ، وقد تضم القاف مع ضمّ الطاء بتضعيف أو بدونه ،
وقد تسكّن الطاء مع فتح القاف (قط) ، وهو لاستغراق الزمان الماضى المنفى ، فتقول :
ما فعلته قط ، أى ما فعلته فى الزمن الماضى ، أى : ما فعلته فيما انقطع من عمرى ،
فاشتقاقه من القط ، أى : القطع ، وهو ظرف زمان مبنىّ على الضم ـ على الأشهر ـ فى
محل نصب .
عوض :
بفتح فسكون فضم
، وقد تفتح الضاد ، وقد تكسر. لاستغراق الزمان المستقبلى المنفى ، فتقول : لا
أفعله عوض ، أى : لا أفعله فى الزمان المستقبل ، وهو ظرف زمان مبنى على الضم أو
الفتح أو الكسر فى محل نصب.
و (عوض) ظرف
زمان مبنى لأنه مقطوع عن الإضافة لفظا لا معنى ، كـ (قبل وبعد) ، وهو يعرب مع
المضاف إليه ، فيقال : عوض العائضين ، أى : دهر الداهرين.
مرة :
يذكر سيبويه : «وقد
تقول : سير عليه مرتين ، تجعله على الدهر ، أى ظرفا» ، نحو : ولقد رأيته مرة ، وقد تناول حاجة ، حيث (مرة)
تدل على الظرفية الزمانية ، أى : رأيته مرة من الزمن.
__________________
ومن ظروف الزمان كذلك :
* متى ، وأيان
، (للاستفهام والشرط) ، وأى (مضافة إلى ما يدل على الزمان.
* وكذلك : ضحى
، وضحوة ، وبكرة وبكير ، وسحير ، وصباح ، ومساء ، ونهار ، وليل ، وعتمة ، وعشية ،
وأمس ، وأصيل ، وبيات.
* وكذلك : (ذا
وذات) مضافين إلى زمان ، نحو : ذا صباح ، ذا مساء ، ذات ليلة ، ذا نهار ، ذا صبوح
، ذات مرة.
ومن ذلك قولك :
سرت به ذات مرة ، أو : ذات ليلة ، أو : ذا صباح ، أو : ذا مساء ، أو ذات ليلة .....
إلخ.
* ومنها كذلك :
(دائما) للدلالة على تكرار الزمان فى الإثبات ، و (أبدا) لتدلّ على تكرار الزمان
فى النفى.
* ومنها : حين
، وحينا ، وساعة ، وبرهة ، ولحظة ، وقبل ، وبعد ، وقبيل ، وبعيد ، وزمن ، وزمنا ،
...
من أمثلة ما
يدلّ على الظرفية للظروف السابقة الأمثلة الآتية :
(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ
يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢] ، أى : يسألون عن زمن يوم الدين.
ف (أيان) اسم
استفهام مبنى على الفتح ، فى محلّ نصب على الظرفية ، وشبه جملته فى محل رفع ، خبر
مقدم ، (يوم) مبتدأ مؤخر مرفوع ، والجملة فى محلّ نصب على نزع الخافض.
أما قوله تعالى
: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ
السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) [الأعراف : ١٨٧] ففيه الجملة الاسمية (أيان مرساها) المكونة من الخبر
المقدّم والمبتدإ المؤخر فى محلّ نصب على البدل من محلّ الساعة ؛ لأن التقدير :
يسألونك أيان مرسى الساعة ، فالبدل هنا منصوب على نزع الخافض.
أىّ وقت تزورنى
اليوم؟ وأىّ يوم تزرنى تلق رحبا وسعة ، (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية ،
متعلقة بما بعدها ، وهى فى الموضعين منصوبة على الظرفية ، متعلقة بما بعدها ، هى
فى الأول استفهامية ، وفى الثانى شرطية.
(وَيَقُولُونَ مَتى
هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨] (متى) اسم استفهام مبنى فى محل نصب على الظرفية ، وشبه جملته
فى محل رفع ، خبر مقدم ، والمبتدأ اسم الإشارة (هذا). والجملة الاسمية فى محلّ نصب
، مقول القول.
ومنه : متى ما
تأتنى تلق خيرا ، (متى) اسم شرط جازم مبنى فى محل نصب على الظرفية.
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ
الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ) [الأعراف : ٩٨] ، (ضحى) ظرف زمان منصوب مقدرا ، وهو متعلق بالإتيان.
(وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ
فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] ، بكرة وعشيا منصوبان على الظرفية ، وهما متعلقان بما فى شبه
الجملة من الفعل.
ومنه : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الأحزاب : ٤٢] ، بكرة وأصيلا ظرفا زمان منصوبان.
أصلّى دائما
سحيرا ، أو سحرا ، أو سحرة ، وكلها منصوبة على الظرفية.
ملحوظة : مثل :
سحر ، وبكرة ، وغدوة ، وضحوة ، وضحى ... إلخ ، إذا أريد بها وقت بعينه منع من
الصرف ، وإذا كان نكرة ، أى : لا يراد به وقت بعينه فإنه يصرف.
(فَالْمُغِيراتِ
صُبْحاً) [العاديات : ٣] ، (صبحا) ظرف زمان منصوب متعلق بالمغيرات.
__________________
(قالَ رَبِّ إِنِّي
دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح : ٥] ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) [يونس : ٥٠] كل من (ليلا ونهارا وبياتا) منصوب على الظرفية الزمانية ،
والتقدير : ليلا أو نهارا. وذلك لأن بياتا قد تكون مصدرا ، أو حالا ، ولكنها فى
هذا السياق تؤدى معنى الظرفية الزمانية.
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ
يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) [النازعات : ٤٦].
(خالِدِينَ فِيها
أَبَداً) [النساء : ٥٧] ، (لا تَقُمْ فِيهِ
أَبَداً) [التوبة : ١٠٨] ، (أبدا) ظرف زمان منصوب متعلق بالخلود وعدم القيام.
(أواظب على
الصلاة دائما). (دائما) منصوب على الظرفية.
(فَسُبْحانَ اللهِ
حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧]. أقابلك أحيانا ، فأتحدث معك حينا ، (حين) منصوب على الظرفية
الزمانية.
(فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ
ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [المائدة : ١٢] ، (وَما أَرْسَلْنا
قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) [الأنبياء : ٧] (بعد وقبل) منصوبان على الظرفية الزمانية. جملة (نوحى) فى
محل نصب ، نعت لرجال.
أرجو أن
تنتظرنى برهة قبيل حديثك ، فأنا مشغول هذه الساعة ، ولتنتبه لحظة بعيد تلقّى
السؤال ، كل من (برهة ، قبيل ، هذه الساعة ، لحظة ، بعيد) منصوب على الظرفية.
مكثت هناك زمنا
، وكان وقتا جميلا (زمنا) منصوب على الظرفية.
ما يستعمل استعمال الظرف الزمانى :
ريث :
معناها اللغوى
: البطء ، يستعمل بمعنى الزمان فيضاف إلى الفعل ، وقد تليه (ما) زائدة أو مصدرية ، فتقول : توقف ريث أخرج إليك. وتقول : أبطأ عنهم ريثما
يتطارحون الرأى.
__________________
يذكر فى لسان
العرب : «ويقال : ما قعد فلان عندنا إلا ريث أن حدثنا بحديث ثم مر ، أى : ما قعد
إلا قدر ذلك» ، كما يذكر : «وفى الحديث : فلم يلبث إلا ريثما قلت ،
أى : إلا قدر ذلك».
وأنت ترى أن (ريث)
فى كل الأمثلة السابقة دلت على الزمان المتعلق بالفعل الذى يسبقها والمحدد بما
يضاف إليها.
وسواء جعلتها
بنفسها الدالة على الزمان ، أم جعلتها مضافة إلى دال على الزمان محذوف ، تقديره :
وقت ، زمن ... إلخ ، فهى فى كل تقدير منصوبة على الظرفية.
فإن جعلت (ما)
زائدة فما بعدها فى محلّ جر بالإضافة إليها ، وإن جعلت (ما) مصدرية فإنها وما
بعدها مصدر مؤول فى محلّ جر بالإضافة إليها.
وما ذكره
اللغويون من أمثلة لريث فى هذا المعنى : ما فعل كذا إلا ريثما فعل كذا.
ما قعدت عنده
إلا ريث أعقد شسعى (سير النعل).
وقول أعشى
باهلة :
لا يصعب
الأمر إلا ريث يركبه
|
|
وكلّ أمر سوى
الفحشاء يأتمر
|
وقوله معقل بن
خويلد :
لا ترعوى
الدهر إلا ريث أنكرها
|
|
أنئو بذاك
عليها لا أحاشيها
|
وقول الراعى :
فقلت ما أنا
ممّن لا يواصلنى
|
|
وما ثوانى
إلا ريث أرتحل
|
__________________
القسم الثانى : ظروف المكان
من ظروف المكان
التى تدور فى الجملة العربية ما يأتى :
فوق :
عادمة التصرف ، لكن سيبويه ذكرها مخفوضة بحرف الجر (من) إجراء لها مجرى الأسماء
المتمكنة ، حيث تضاف وتستعمل غير ظرف.
تحت :
من الظروف
المتصرفة عند الخليل وسيبويه ، وقد ذكرها سيبويه مخفوضة عن الخليل (من تحت) إجراء
لها مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث تضاف وتستعمل غير ظرف. بينما يذكر الأخفش أنها لا
تتصرف ، كما ذكر ذلك ابن مالك .
ومثال ذلك : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) [النور : ٤٠] ، (لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى) [طه : ٦] ، (فوق ، وبين ، وتحت) ظروف مكان منصوبة.
ومنه : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ
فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [العنكبوت : ٥٥] ، تلحظ أن (فوق وتحت) مجروران بعد (من) وعلامة جرّهما
الكسرة.
أمام ، خلف :
متوسطا التصرف
، وذكرا عند الخليل متصرفين ، حيث جرا بحرف الجر إجراء لهما مجرى الأسماء المتمكنة
، حيث يضافان ويستعملان غير ظرف ، والكوفيون يلزمون إضافتهما إلى المعرفة .
ومن أمثلتهما :
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [البقرة : ٢٥٥] ، حيث كلّ من (بين وخلف) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه
الفتحة.
__________________
وتقول : وقفت
أمام الصّف. فيكون (أمام) منصوبا على الظرفية المكانية.
ويجران بحرف
الجر ، مثل : (لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] ، فيكون كلّ من (بين وخلف) اسما مجرورا بعد (من).
وقد يستعار ظرف
المكان (أمام) للزمان ، كما فى قوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ
الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) [القيامة : ٥] ، حيث «المراد شهواته ومعاصيه ليمضى فيها أبدا دائما ،
فأمامه منصوب على الظرف ، وأصله مكان ، فاستعير هنا للزمان» .
دون :
الدونية تقصير
عن الغاية ، ويكون ظرفا بحيث لا يكون بمعنى ردىء . وهو لا يرفع أبدا ، إلا إذا كان من الرداءة ، كأن نقول
: هو دونك ، إذا جعلت الأول الآخر ، ولم تجعله رجلا ، وقد يقولون : هو دون من
القوم ، وهو ثوب دون ، وهو من الجهات الست ، لكنه أشدّ إبهاما منها ؛ لأنه
يحتمل كلّ جهة منها. ذكره سيبويه عن الخليل متصرفا مجرورا بالخفض والتنوين (من دون)
، فأجراه مجرى الأسماء المتمكنة ، حيث يضاف ويستعمل غير ظرف ، كما ذكر الأخفش
والكوفيون تصرفه ، ولكن ابن مالك يذكر أنه نادر التصرف ، وفيه دراسة تفصيلية فى الإضافة.
ومنه قوله
تعالى : (إِنَّ اللهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨]. يغلب استعمالها مجرورة بحرف الجرّ (من).
حول :
فيها لغات ،
حوال ـ حول ـ حوالى ـ حولى ـ أحوال.
__________________
ومن أمثلتها : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ
حَوْلَها) [الأنعام : ٩٢] ، (حول) ظرف مكان منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة. وقد يجرّ بـ (من)
، كما فى : (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩].
* ومن ظروف المكان كذلك :
ـ أين ـ أنى (للاستفهام
والشرط).
ـ أى (مضافة
إلى ما يدل على المكان ، للاستفهام والشرط).
مثالها : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ
الْمَفَرُّ) [القيامة : ١٠] ، (أين) ظرف مكان مبنى على الفتح فى محلّ نصب ، وشبه الجملة
فى محلّ رفع ، خبر مقدم ، (المفر) مبتدأ مؤخر مرفوع ، والجملة الاسمية فى محلّ نصب
، مقول القول.
(أَيْنَ ما تَكُونُوا
يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) [البقرة : ١٤٨] ، (أينما) اسم شرط جازم مبنى على الفتح فى محلّ نصب على
الظرفية ، متعلق بما بعده. و (ما) حرف زائد توكيدى توسعى ، لا محل له من الإعراب.
أىّ مكان
نتقابل اليوم؟ أىّ مكان تلقنى أحييك. (أى) فى الموضعين منصوبة على الظرفية ، وهى
فى الأول استفهامية ، وفى الآخر شرطية.
* ومن ظروف
المكان ما يدل على جهة من الجهات الست من : يمنة ـ يسرة ـ أعلى ـ أسفل ـ يمين ـ شمال
ـ يسار ـ خلف ... وما فى معناها.
ومنها كذلك :
ـ تجاه (بضم
التاء وكسرها) ، وأصل التاء واو.
ـ حذاء ، من
حذا يحذو ، وهو القصد ، فلامه واو ، وقد تستعمل (حذة) فى معنى حذاء.
__________________
ـ تلقاء ، وهو
مما يتلقاه من الجهات ، من لقى فلامه ياء ، ومنه قوله تعالى :(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٢].
ـ إزاء بمعنى
قبالة وحذاء ، فتقول : جلست إزاءه ، أى قبالته ، أو حذاءه ، وتقول : آزاه ، إذا
حاذاه.
ـ مع ـ بين ـ مكان
ـ جهة ـ عند ناحية ـ وسط (متحركة السين) ـ وسواء.
ومن أمثلة ما
سبق :
ـ تلفّتّ يمنة
ثم تلفتّ يسرة لأتبيّن ما حوالىّ. (يمنة ، يسرة ، حوالىّ) ظروف مكان منصوبة ،
وعلامة نصبها الفتحة.
ـ بحثت عن
الكتاب أعلى المكتبة وأسفلها ، ويمينها وشمالها ، فلم أجده إلا يسار الحقيبة.
ـ سرت تجاهه ،
ووجهته ، وجهته ، ومشيت حذاءه وحذوه ، وقبالته ، وإزاءه.
ـ حركتها جهة
اليمين ، أو ناحيتها عند مثيلتها.
ـ لقد سارت وسط
الطريق. وحلّت به مكان الراحلة.
* ومن ظروف المكان ما يشبهها فى الإبهام وهو دالّ على المكان ،
نحو : قريبك ،
قريبا منك ، بعيدا ، بعيدا عنك ، جنبك ، بمعنى (المكان الذى هو بجانبك).
القسم الثالث : ما يتردد بين الزمان والمكان
تدور فى الجملة
العربية ظروف تستعمل للتعبير عن الزمان أو للتعبير عن المكان ، ويكون دلالتها تبعا
لما يفهم من السياق ، منها :
عند :
من الظروف
المبهمة التى تلزم الإضافة وتنصب على الظرفية ، يتخصص معناها عن
طريق ما تضاف إليه ، لا تتصرف ، تفيد الحضور والدنو ، تشترك بين
__________________
أداء الدلالة الزمانية والدلالة المكانية ، فعندما تقول : أكرمه عند حضوره
، فهى تفيد الدلالة الزمنية ، أما إذا قلت : أقابلك عند الكلية ، فهى دلالة
مكانية. فدلالتها على الحضور والدنو إما أن يكون زمانيا ، وإما أن يكون مكانيا.
ومثالها : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ
قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) [النمل : ٤٠]. (وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) [النجم : ١٣ ، ١٤] ، (عند) فى الموضعين ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
لدن :
من الظروف
المبنية ، تفيد أول غاية الزمان أو المكان ، تبعا لما أضيف إليه
، ولا يبنى عليه المبتدأ ، يسبق بحرف الجرّ (من) كثيرا ، وقلما تعدمه ، يعربه بنو
قيس ، وما يليها يكون مجرورا بالإضافة ، إما لفظا إن كان مفردا ، وإما تقديرا إن
كان جملة ، وتضاف إلى الضمير كثيرا.
فى (لدن) لغات
: لدن ، لدن ، (بفتح اللام ففتح الدال وكسرها) مع سكون النون ، لدن لدن (فتح اللام
وضمها مع سكون الدال وكسر النون).
ولدن (بضم فضم
فكسر) ، ولد ولد (بضم اللام وفتحها مع سكون الدال).
وإذا ذكر بعدها
(غدوة) فإنها تنصب معها على التمييز.
ومثلها (لدى)
فى استعمالها ومعناها.
و (لدن ولدى)
يعنيان ما بحضرتك وهو معك لا غير ، بخلاف (عند) فهى تعنى ما بحوزتك سواء أكان
حاضرا أم غائبا عن حضرتك ، فيقال : المال عندك ، ولا يقال : لديك ، أو لدنك. وهما
مبنيان على السكون فى محل نصب ، أو فى محل جر إن سبقا بحرف جر. ومن أمثلتها : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦].
(كُلُّ حِزْبٍ بِما
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢].
__________________
(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ
فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥].
(وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً
يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠]. (رَبَّنا آتِنا مِنْ
لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) [الكهف : ١٠].
وقول الشاعر فى
نصب غدوة بعد لدن :
لدن غدوة حتى
ألان بخفّها
|
|
بقية منقوص
من الظلّ قالص
|
(عند ولدن ولدى) ظروف أكثر التصاقا
بالمكان عنها بالزمان.
حيث :
من الظروف
المبهمة غير المتمكنة ، تبنى على الضم تشبيها لها بقبل وبعد ، وقد تبنى على
الفتح تخفيفا ، وقد تبنى على الكسر على أصل التقاء الساكنين ، لكن الأكثر شهرة
بناؤها على الضم ، تعرب فى لغة فقعس ، وقد يبدلون من يائها واوا (حوث) ، تلزم
الإضافة إلى جملة ، تكون فعلية غالبا ، وإضافتها إلى الجملة الاسمية قليل ، أما
إضافتها إلى المفرد فنادر ، ومنه قول الشاعر :
أما ترى حيث
سهيل طالعا
|
|
نجما يضئ
كالشهاب لامعا
|
حيث أضيف (حيث)
إلى (سهيل) وهو نجم ، وهو مفرد.
تربط بين حدثين
إما ربطا زمانيا ، وإما ربطا مكانيا ، فتقول : أقابلك حيث تقابلنا من قبل ، وأستمع
إليك حيث تلقى المحاضرة. فالأول فيه دلالة على المكان ، وأما الآخر ففيه دلالة على
الزمان.
__________________
ومن أمثلتها : قوله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) [البقرة : ٣٥](نَتَبَوَّأُ مِنَ
الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) [الزمر : ٧٤].
(وَلا يَلْتَفِتْ
مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر : ٦٥].
وقد تسبق بحرف
الجر (من) ، وهى مبنية على الضمّ فى محلّ جر ، كما فى قوله تعالى : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [الزمر : ٢٥].
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق : ٣].
(حيث) اسم مبنى
على الضم فى محل جر ، وهو دال على الظرفية.
بينا ، بينما :
ذكر النحاة أن (بين) ظرف زمانى ، قيل : بل هى ظرف مكانى ، وقيل :
إنها بحسب ما تضاف إليه إن زمانا وإن مكانا ، وهى تدل على التخلل بين شيئين ، أو
أشياء أو ما فى تقدير ذلك. وعند ما تلحقها (ما) أو الألف فإنها تخلص للدلالة
الزمانية ، ويذكر بعضهم أنها بمعنى (إذ) ، وتلزم إضافتها إلى جملة اسمية أو فعلية
، ويختلف النحاة فيما بينهم فى كون الجملة مضافة إليها نفسها دون تقدير محذوف ؛
على حد رأى الجمهور ، وبين كونها مضافة إليها بتقدير محذوف ، يقدر بزمان ، على حد
ما رآه الفارسى وابن جنى ، وقد يضاف إلى مصدر.
ومثالهما :
فبينا نحن
جالسون إذ وقف وخرج.
بينما نأكل إذ
دخل علينا فشاركنا.
كما وردت على
المثال : بيناه ذاهب إذ رأى حواء. (البخلاء للجاحظ ١٣١).
* ولا يتضح
معنى (بين) إلا بإضافتها إلى اثنين فصاعدا ، أو ما يقوم مقامهما ؛ لأنها تحمل معنى
الخلالة بين الشيئين ووسطهما ، كما تقول : جلست
__________________
بين الأصدقاء ، والخلالة قد تكون فى المكان أو فى الزمان أو فى الصفات
والأحوال : ومن الأول قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ
بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) [الحديد : ١٣].
ومن الثانى
قوله تعالى : (وَعاداً وَثَمُودَ
وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨].
ومن الثالث
قوله تعالى : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا
فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨].
* إذا أضيفت
إلى مجموع لتوضيح خلالتهم فإنها لا تكرر ، فتقول : ساد العدل بين القوم ، ويقول تعالى
: (فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النساء : ٦٥] ، (فَاصْبِرُوا حَتَّى
يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا) [الأعراف : ٨٧] ، (وَإِنْ حَكَمْتَ
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [المائدة : ٤٢]. (إِنْ يُرِيدا
إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) [النساء : ٣٥].
* ولكنه يجب
تكرارها بالعطف بالواو إذا :
أ ـ أضيفت إلى
ضميرين مختلفين ، نحو :
(كَفى بِهِ شَهِيداً
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الأحقاف : ٨]. (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت : ٣٤]. (قُلْ يا أَهْلَ
الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤].
ب ـ إذا أضيفت
إلى شيئين أحدهما مضمر ، نحو :
(جَعَلْنا بَيْنَكَ
وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥].
(رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) [الأعراف : ٨٩]. (فَافْرُقْ بَيْنَنا
وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ٢٥]. (وَجَعَلْنا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً) [سبأ : ١٨].
لكن تمعّن فى :
(فَيَتَعَلَّمُونَ
مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) [البقرة : ١٠٢].
(وَيُرِيدُونَ أَنْ
يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠].
(وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال : ٢٤].
(اللهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى : ١٥].
* ومن استخدام
بينا قول الحرقة بنت النعمان :
فبينا نسوس
الناس والأمر أمرنا
|
|
إذا نحن فيهم
سوقة نتنصف
|
* أما (بينما) ففى قول حريث بن
جبلة العذرى :
استقدر الله
خيرا وارضينّ به
|
|
فبينما العسر
إذ دارت مياسير
|
مع :
من الظروف التى
لا تتصرف ، وتدل على مكان الاجتماع وزمانه ، كما أنها تكون
للصحبة اللائقة بالمذكور ، ومعنى الصحبة يعطى مدلول المشاركة ، وهى إذا كانت ظرفا
فهى تلزم الإضافة إلى الظاهر أو المضمر إما لفظا وإما رتبة ، ويكون لها ـ حينئذ ـ ثلاثة
معان :
أ ـ موضع
الاجتماع ، ولهذا يخبر بها عن الذوات.
ب ـ زمان
الاجتماع.
ج ـ مرادفه.
وإذا نونت
فإنها تكون منصوبة على الحالية ـ على الأرجح ـ فتقول : جئنا معا ، وذهبنا معا.
والفرق الدلالى
بين قولنا : جئنا معا ، وقولنا : جئنا جميعا ، هو أن الأول يعنى المجئ فى صحبة
واحدة ، أما الثانى فيعنى المجئ الحادث من الجميع دون اشتراك فى زمن الحدث ، أو
الصحبة.
__________________
ومن الأسماء
الظرفية التى يمكن أن تدور بين الزمان والمكان فى الجملة : قبل ـ وبعد ـ وقرب ـ وعند
ـ وقريبا ـ وأى (شرطية أو استفهامية) ـ ... إلخ.
مدى احتسابها ظرفا
أولا : ما دل على الزمان
كلّ الأسماء
الدالة على زمان وقوع الحدث صالحة للنصب على الظرفية ، سواء أكانت مبهمة ، أم
مختصة أم معدودة.
ظروف الزمان المبهمة :
هى الأسماء
الدالة على الزمان دون الدلالة على مدة معينة أو وقت معين ، وإنما هى دالة على
زمان مبهم. ومنها : حين ـ مدة ـ برهة ـ زمانا ـ وقتا ـ زمنا ـ ساعة (دون الساعة
المحددة بستين دقيقة) .... إلخ.
ومثال ذلك :
مكثت مدة فى المنزل ـ انتظرنى برهة ـ قضينا فى مكة زمنا ...
ومنه : ليلا ،
ونهارا .. ومثلهما إذا لم يدلّا على وقت بعينه ، كما فى قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ
وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) [الإنسان : ٢٦] حيث (ليلا) ظرف زمان منصوب ، وهو مبهم لأنه لا يدلّ على ليل
بعينه. ومنه أن تقول : ائتنى صباحا (أى : أىّ صباح) ، (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً) [الإنسان : ٢٥] أى : فى البكور والأصيل ، وليسا بمحددين من يوم بعينه ،
وإنما يعنى بهما كل بكور وكل أصيل.
ظروف الزمان المختصة غير المعدودة :
هى الأسماء
الدالة على الزمان وهى غير معدودة ، وتصلح جوابا ل (متى) ، مثل : أيام الأسبوع ،
فتقول : سافرت يوم الخميس ، حيث ظرف الزمان المنصوب (يوم) مختصّ بالإضافة.
ومنه أن تقول :
أقابلك عصر يوم الثلاثاء ، محاضرتنا عقب صلاة الظهر ، نلتقى قبيل المغرب.
يجعلون منها
شهور : رمضان ، وربيع الأول ، وربيع الآخر ، فى حال إضافتها إلى (شهر) بخاصة ، دون
غيرها من الشهور الأخرى ، على احتساب أن العرب لم يضيفوا غيرها إلى كلمة (شهر).
فإذا قلت : شهر
رمضان ، وشهر ربيع ؛ فهو ظرف مختصّ غير محدود.
وكذلك كل ما
يخصص بالإضافة إلى كلمة (يوم) أو بالتعريف بالأداة ، أو بالصفة ، فتقول : سافرنا
يوم عيد الجلاء ، أو اليوم ، أو يوما التقينا فيه.
وإذا قلت : متى
تزورنى؟ فتكون الإجابة : يوم الاثنين أو يوم نجاحك ، أو : اليوم ، أو : يوم نتفق
معا ، أو شهر رمضان ، أو يوما نتفق عليه.
وسميت هذه
ظروفا مختصة غير معدودة ، حيث إنها محددة لزمان العامل ، ثم يجوز أن يقع العامل فى
جميعه وفى بعضه ، ويعمل فيه الفعل الذى يطول ويتكرر ، ويقع دفعة واحدة ، فتقول :
مات محمد يوم الجمعة ، والجمعة ، وشهر رمضان.
وكما أنك إذا
قلت : صمت سنة كذا ، جاز أن يكون الصوم فى جميعها ، وفى بعضها.
نكتة دلالية نحوية
إذا قلت : «سافرت
الأحد» كان السفر مستوعبا اليوم كلّه. وإذا قلت : (سافرت يوم الأحد) ، كان السفر
فى بعض اليوم أو كلّه. ومن النحاة (الزجاج) من لا يرى فرقا دلاليا بين التركيبين.
ظروف الزمان المختصة المعدودة :
هى الأسماء
الدالة على الزمان وهى مخصوصة معدودة ، وتصلح جوابا ل (كم) ، مثل : يوم ، يومين ،
ثلاثة أيام ، أسبوع ، شهر ، سنة .... إلخ. فتقول : صمت يومين ، غبت أسبوعا ، قضينا
فى أوربا سنة ، ومنه : حولا ـ ساعة (ستين دقيقة).
يلحظ : أن هذا
النوع من الظروف يستوعب الحدث كلّه ، ولا يعمل فيه من الأفعال إلا ما يتضمن معناه
الإطالة والتكرار ، مثل : سافر ، كتب ، علم ... إلخ ، لا ما يقع من الأفعال دفعة
واحدة ، مثل : مات ، ولد ... إلخ ، فكل من الفعل وظرفه الزمانى يستوعب الآخر.
فإذا قلت : كم
سافرت؟ فيقال : شهرين ، كان السفر مستوعبا للشهرين لا أحدهما دون الآخر. ولا يجوز
القول : كم مات على؟ لأن الموت ليس فيه معنى الإطالة أو التكرير.
ثانيا : ما دل على المكان
تنقسم الأسماء الدالة على المكان إلى ثلاثة أقسام :
ظروف مختصة ،
وأخرى مبهمة ، وظروف مقدرة.
أسماء المكان المختصة :
أسماء المكان
المختصة هى الأسماء التى تطلق على ما كان له أقطار تحصره ، وأبعاد وحدود تحده ، من
نحو : دار ، وبيت ، ومنزل ، ومسجد ... إلخ ، وكل منها معلوم القدر والصورة. وهذه
الظروف المختصة لا تنصب على الظرفية ، فالفعل لا يصل إليها إلا بواسطة حرف الجر
مذكورا ، فتقول : جلست فى الدار ، ومكثت فى المنزل ، وصليت فى المسجد.
وما جاء من
الظروف المختصة منصوبا بلا واسطة حرف الجر فإنه شاذ ، والنحاة على خلاف فى سبب
النصب : فمنهم من يجعل (الدار) فى القول : دخلت الدار ، مفعولا به ، وقد تعدى
الفعل إليها بنفسه.
ومنهم من
يجعلها منصوبة على نزع الخافض ، وعلى هذا جمهور النحاة.
ومنهم من
يجعلها منصوبة على الظرفية.
ومن ذلك : دخلت
البيت ـ ذهبت اليمن ـ ذهبت الشام.
ومنه قول ساعدة
بن جؤية :
لدن يهز الكف
يعسل متنه
|
|
فيه كما عسل
الطريق الثعلب
|
أى : فى
الطريق.
أسماء المكان المبهمة :
هى الأسماء
الدالة على مكان ليس له أقطار تحده وتحصره ، ولا جهات تحيط به.
وهى أسماء
تفتقر إلى الإضافة ، كى يتضح معناها ، حيث يكون معناها فيما أضيفت إليه ، وهى
الجهات الست وما فى معناها ، وهى : أمام ، ووراء ، وبين ، وشمال ، وفوق ، وتحت ،
وكذلك : قدام ، وخلف ، ويسار ، وأعلى ، وأسفل ، وجنوب ، وشرق ، وغرب. ومنها كذلك :
ذات اليمين ، وذات الشمال ، ودون مكان ما ، وكذلك : عند ، ولدى ، وتجاه ، وحذاء ،
وبين ، ومكان ، ووسط (ساكنة السين) ... إلخ.
وكل ظرف مما هو
مذكور يتضح معناه من خلال ما أضيف إليه ، فهى أماكن عامة مبهمة ، لا تتحدد ولا
تتضح إلا من خلال ما أضيفت إليه ، حيث يكون معناها فيه ، فعندما تقول : جلست أمام
الخطيب ؛ فإن (أمام) تتحدد من خلال (الخطيب) ؛ لأن كلمة (أمام) تصلح لأشياء كثيرة
، حيث كلّ شئ له أمام ، فالاسم المبهم ينتقل من شئ إلى شئ آخر.
وسميت الجهات
الستّ ؛ لأن لكل ذات ستّ جهات ، مع التنوع فى إطلاق أكثر من كلمة على الجهة
الواحدة.
يذكر أن
الإبهام فى هذه الجهات الست يتأتى من جانبين :
أولهما : أن
كلا منها لا يلزم مسماه ، فأمامك خلف لغيرك ، وقد تكون يمينا أو شمالا لغيركما ،
فليس لكل منها حقيقة ثابتة خاصة بها.
__________________
والآخر : أن
كلّ اسم منها ليس له مدى محدود ، فخلفك ليس له نهاية محددة ، بل يمتد إلى نهاية
الدنيا.
لكن الأمر المتفق
عليه أن هذه الجهات الستّ إنما هى مبهمة ؛ لأنها تنتقل من اسم إلى آخر ، وهذا هو
مفهوم الإبهام والمبهمات.
مثل الجهات
الستّ وجميع أسمائها ما كان شبيها بها فى معناها متضمنا المدلول الظرفى ، حيث
يحتمل سبقه بالحرف الظرفى (فى) ، من نحو : ناحية ، جانب ، مكان ، نحو ، تجاه ،
وجهة ، بين ، عند ..
فتقول : توجهت
ناحية الشمال ، جلست جانب والدى ، وضعت المقعد مكانه ، ذهبت تجاه البلدة ، وضعته
مكان الآخر ، جئتك عند المدرسة ، مشيت بين الصفوف ، سرنا تجاه الشمال.
واختلفوا فى
نصب (خارج) على الظرفية ، حيث يجعلون الفعل لا يصل إليه إلا بواسطة الحرف حملا على
(داخل) ، وأجاز ثعلب نصبه على الظرفية.
فتقول : جلست
خارج الدار ، مستدلا بقوله تعالى : (عالِيَهُمْ ثِيابُ
سُندُسٍ) [الإنسان : ٢١] ، حيث (عالى) بمنزلة (خارج) ، وهو منصوب على الظرفية ، وقد
يكون نصبه على الحالية.
ومن النحاة من
يجعل «الصراط ، والطريق» وما فى معناهما ظروف مكان ، ويجعلون من ذلك قوله تعالى : (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ) [الأعراف : ١٦] على تقدير : فى صراطك.
ومن الظروف
المكانية (مع) ، فتقول : جلست مع صديقى ، فتكون (مع) منصوبة على الظرفية .
__________________
المصادر الدالة على المكان :
ترد المصادر
الدالة على المكان منصوبة على الظرفية ، وهى منصوبة بما أخذ منها من فعل أو مشتق ،
ويجعلونها من ظروف المكان المبهمة. وهى تأتى فى تركيبين :
أحدهما : ما
كان دالا على المكان مشتقا على صيغة اسم المكان ، وهو مشترك مع عامله فى المادة
اللغوية المعجمية ، فتقول : نزلت منزل أخى ، ورميت مرمى الزميل ، ودرج الطفل مدرج
أخيه ، وذهبت مذهب الحكماء ، وجريت مجرى العداء ، فكل من : منزل ، مرمى ، مدرج ،
ومذهب ، ومجرى أسماء مكان منصوبة ، حيث اشتركت مع عواملها الأفعال : نزل ، ورمى ،
ودرج ، وذهب ، وجرى فى المادة المعجمية.
ومن ذلك قوله
تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا
نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩].
والآخر : ما هو
مسموع نصبه وهو دالّ على المكان ، وهو ما ذكر فى الأقوال التى تناقلها النحاة : هو
منى مقعد القابلة ، ومزجر الكلب ، ومناط الثريا وهذه
__________________
الأقوال شاذة ، حيث كان أسماء المكان : مقعد ، ومزجر ، ومناط ، على غير
مادة عواملها ، إذ إنهم يجعلون عواملها محذوفة تقدر من مادة الاستقرار ، ولذلك
فإنها شاذة ، وهذه يجعلونها مختصة.
ظروف المكان المقدرة :
المقدر من ظروف
المكان هو أسماء المقادير المكانية ، نحو ميل ، كيلو متر ، متر ، فرسخ ، ذراع ...
إلخ. وقد اختلف النحاة فى توجيه نصبها : فذهب الأكثرون إلى إلحاقها بظروف المكان
المبهمة ، حيث إنها قريبة منها ، فإنها وإن كانت معينة المقدار فهى مبهمة المحل ،
فعندما أقول : سرت ميلا ، فإن الميل محدد القدر ، لكنه مبهم المكان ؛ لأنه يصلح
لأىّ مكان ، كما أن بداياته ونهاياته تتنوع ، وعندئذ يكون منتصبا.
وقد منع بعض
النحاة إلحاقه بالمبهم ، فيكون منتصبا على المفعولية ، فإذا قلت : سرت ميلا ، فهو
منصوب على المفعول به ، ويضمن (سرت) معنى (قطعت).
ونحاة يرون أن
هذه ظروف مكان معدودة ، حيث إنها معلومة المقدار ، مجهولة الصورة.
الظروف والإضافة والإبهام
للظروف علاقة
بمصطلحى الإضافة والإبهام بمفهوميهما فى النحو العربى ، من حيث النسبة فى الإضافة
، والتنقل من مسمى إلى آخر فى الإبهام ، مع استحضار لزوم الإضافة فيه.
وإذا استحضرنا
مدلول الظروف ووظيفتها المعنوية فى التركيب لأدركنا أنها تجمع بين مدلولى الإضافة
والإبهام ؛ لأن الظروف لا يبين معناها إلا من خلال ما تضاف إليه ، فهى ملازمة
للإضافة ، سواء أكانت إضافة لفظية ، أم كانت إضافة ذهنية معنوية.
ويذكر ابن يعيش
أن (أصل الظروف أن تكون مضافة) .
__________________
والتركيب
الإضافى من التراكيب التى تزيل إبهام المبهمات ، والظروف إنما هى بيان لمكان أو
زمان فى غير لفظها ؛ لذا حقها أن تكون مضافة.
لذا يمكن القول
أن ما يدلّ على الزمان أو المكان يكون لتوضيح زمان حدث ما أو مكانه ، لكنه يكون
جزءا من غيره ؛ لأن الحدث أو الذات لا يستغرق أحدهما الزمان كلّه ؛ أو المكان كله
، لذا فإن ما يدل على الزمان والمكان بهذين المعنيين يكون مبهما ملازما للإضافة.
فإذا قلت :
قابلته صباحا أمام منزله ، فإن هذين الظرفين : أحدهما يبين زمان المقابلة ، والآخر
يبين مكانها ، وكلّ منهما جزء من غيره ، فالصباح جزء من اليوم ، والأمامية جزء من
المنزل أو ما يتعلق به.
ويمكن أن نقسم
الظروف بنوعيها من حيث فكرة الإبهام إلى خمسة أقسام :
أولها :
ظروف ليس لها
هيئة ولا حدود ، ولا تبين إلا بما تضاف إليه ، مثل : حين ، وقت ، زمن ، قبل ، بعد
، وأسماء الجهات الست وما فى معناها ، وهذه تكون مبهمة. ومنها كذلك : الآن.
ثانيها :
ظروف تدل على
مقدار ،لكن هيئته وحدوده يمكن أن تتغير بالتزحزح أو التنقل المكافئ لمقداره ، نحو
: ميل ، ومتر .... وهذه مبهمة.
ثالثها :
ظروف تدل على
مقدر بحدود، لكنه يمكن أن ينتقل من مسمى وقت إلى مسمى وقت آخر مماثل له فى القيمة
والموقع الزمنى ، ويلحظ أن وقته ليس ثابتا فى هيئته وقدره ، نحو : عصرا ، وظهرا ،
وصباحا ، وغداة ، وعشية ، واليوم ، وأمس ، وغدا ... إلخ ، وهذه تكون مبهمة.
رابعها : ظروف
مشتقة مما يدل على زمان أو مكان على صيغتى
: مفعل أو مفعل
، بفتح العين وكسرها ، أو على صيغة اسم المفعول لغير الثلاثى ، نحو : مكان ، منزل
، وممشى ، وموعد ، ومستقبل ... إلخ ، وهذه تكون مبهمة إبهام المصادر.
خامسها : ـ ظروف محدودة متمكنة ،
تدل على وقت
معين أو مكان محدود ، لكل هيئته وحدوده ، نحو : البيت ـ الدار ـ المنزل ـ الخميس ـ
الجمعة ... إلخ ، وهذه ليست مبهمة. فى ظاهرها ، لكننا لو استحضرنا فكرة تنقّل
المبهم من مسمّى إلى آخر ، أو حاجته الملحة إلى مضاف إليه لفظى ، أو ذهنى ؛ فإنه
يمكن لنا أن ننسب هذه الظروف إلى الإبهام من جانب.
وكلّ الظروف
زمانية ومكانية ملازمة للإضافة ، لكن حاجتها إلى وجوب ذكر المضاف إليها تتباين
بتباين مدلول الظرف ، ذلك على النحو الآتى :
ـ ظروف ملازمة
للإضافة لفظا ، نحو : عند ـ لدى ـ لدن ـ حيث ـ إذ ـ إذا ـ بين ـ مذ ـ منذ ـ بينا ـ
بينما ـ مع ـ ريث ـ الجهات الست وما فى معناها ، أعلى ـ أسفل ـ تجاه ـ دون ـ حذاء
ـ تلقاء ـ إزاء.
ـ ظروف تكون
مضافة إلى ما يبين مقدارها أو حدودها ، من مثل : كل ـ بعض ـ نصف ـ ربع ـ ذا ـ ذات
...... ، ونلحق بهذا القسم ما يكون ظرفا مميزا لعدده ، نحو : عشرين يوما ـ ثلاثين
ميلا ـ ونلحق به ما يبين ماهيته من نحو : صلاة العصر ..
ـ ظروف يفهم
فيها الإضافة دائما ، لكنها تضاف لفظا إذا أريد تعريفها ، ولا تضاف لفظا إذا أريد
تنكيرها ، نحو : صباح ، اليوم ، مساء ومساء الخميس ، عشية وعشية الليلة ، وكذلك :
ضحى ، وضحوة ، ونهارا ، وليلة ...
ـ ظروف غير
مضافة فى لفظها ، لكن معناها فيه الإضافة ، نحو : قط (كل الزمان الماضى المنفى) ،
عوض (كل الزمن المستقبلى المنفى) ، وكذلك : أبدا ودائما.
ـ ظروف لا تضاف
لأنها وضعت لمدلول تركيبى خاص بها ، وهو الاستفهام أو الشرط ، وهى : أين ، وأنى ،
ومتى ، وأيان.
لكن (أيا)
استفهامية أو شرطية فإنها لا يبين مدلولها إلا من خلال إضافتها ، حيث تشترك بين
الدلالة على الظرفية بنوعيها ، والدلالة على العاقل ، وغير العاقل ؛ لذا لزم
إضافتها.
ـ ظروف لا تضاف
لأنه يراد بها التنكير والإيغال فيه ، من نحو : ساعة ـ برهة ـ زمنا ـ كيلو مترا ـ فرسخا
ـ مترا ـ مرة ـ يمنة ـ يسرة ...
وأنبه إلى أن
ما يدل على زمان الحدث أو مكانه وليس فى لفظه ما يدل على المكان أو الزمان فإن
النحاةّ يفترضون كلمة تدل على أحدهما محذوفة مضافة إلى ما هو ملفوظ به ، من نحو :
وقت ، مدة ، مكان ... ، وينتصب مما أضيف إليها بعد أن تحذف انتصابها. نحو : زرته
قدوم الحاج ، أى : وقت قدوم الحاج ...
الظروف الملازمة الإضافة إلى الجملة :
الظروف التى
تضاف إلى الجمل على أضرب :
أولها : ظروف واجبة الإضافة إلى الجملة بالوضع
، وهى : حيث ،
وإذ ، وإذا ، وتضاف إلى الجملة الفعلية والاسمية ، وفى إضافة (إذا) إلى الاسمية
خلاف. مع استحضار أنه سمع إضافة (حيث) إلى المفرد فى شاهد يردده النحاة ؛ (حيث
سهيل طالعا).
ثانيها : ظروف جائزة الإضافة إلى الجملة
: نحو ظروف
الزمان من مثل : يوم ، وعصر ، وساعة ... إلخ. ذلك نحو : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى
اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) [غافر : ١٦](يَوْمَ هُمْ عَلَى
النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣] ، (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ
ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [القلم : ٤٢]. (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : ٤٨].
الجملتان
الاسميتان (هم بارزون ، هم يفتنون) فى محلّ جرّ بالإضافة إليهما (يوم ، يوم) ،
والجملتان الفعليتان (يكشف ، تقوم) فى محلّ جرّ بالإضافة إليهما (يوم ، حين).
والمضاف منصوب على الظرفية.
ثالثها : ظروف تضاف إلى الجملة أو إلى المصادر المؤولة ،
وهى : ريث ،
فتقول : انتظرنى ريث أقرأ هذا الدرس ، أو : ريث أن أقرأ ... ، والجملة الفعلية (أقرأ)
والمصدر المؤول (أن أقرأ) فى محل جر بالإضافة إليهما الظرف الزمانى (ريث).
رابعها : ظروف تضاف إلى الجملة أو إلى الاسم
: وهى : بينا ،
وبينما ، ومذ ، ومنذ. ذلك نحو : بينا أذاكر قاطعنى أخى الأصغر ، حيث الجملة
الفعلية (أذاكر) فى محل جر بالإضافة إليهما الظرف (بين) ، وتقول : لم أتقابل معه
منذ يوم الخميس. (يوم) مضاف إلى الظرف الزمنى المبنى (منذ). ويجوز : مذ يومان ،
فيكون المضاف إلى ظرف الزمان المبنى (مذ) جملة اسمية أو فعلية ، حسب التقدير.
خامسها : ظروف تكون مع جملة تليها مصدرا مؤولا
، وهى : ما
الوقتية ، وتنسحب الفكرة على (كلما). نحو : أظل أزورك ما كان أبوك موجودا. أقابلك
عند المسجد ما غربت الشمس. أى : مدة وجود أبيك .. وزمن غروب الشمس.
الظروف والتصرف
الظروف ـ زمانية
ومكانية ـ نوعان من حيث التصرف وعدمه.
أولهما : الظروف المتصرفة :
وهى الظروف
التى يمكن أن تفارق موقع الظرفية ومعناها فى دلالتها على زمان عاملها أو مكانه إلى
موقع آخر ، كالفاعلية والمفعولية والابتدائية والخبرية وما أشبه أيا منها ،
والإضافة ، مثل اليوم.
مثال ذلك : أن
تقول : أعجبنى اليوم (فاعل مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).
سرنى هذا اليوم
، (بدل من هذا مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة).
انتظرت يوم
قدومك (مفعول به منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة).
اليوم هو اليوم
المنتظر ، (مبتدأ وخبر مرفوعان ، وعلامة رفعهما الضمة).
وتقول كذلك : عرفت
أن اليوم يوم الخميس. اسم أن منصوب ، وخبرها (يوم) مرفوع.
كان اليوم يوما
سعيدا. اسم كان مرفوع ، وخبرها (يوما) منصوب.
كما تقول :
أحببت كل اليوم. سرت نصف اليوم. (اليوم) فى الموضعين مضاف إليه (كل ونصف) مجرور.
وكلّ ما كان
على وزن الفعل من ظروف المكان فهو متصرف ، نحو : أعلى ، وأسفل ، وأدنى ... فيستعمل
غير ظرف ، ويقع فى مواضع الرفع والنصب والجر ، فتقول : أعلى السبورة ملىء بالصور
الجميلة ، وأدناها مطلىّ بالطلاء الجذاب ، كل من : أعلى ، وأدنى مبتدأ مرفوع ،
وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
ومنه قوله
تعالى : (وَلا تَهِنُوا وَلا
تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩]. (الأعلون) خبر المبتدإ مرفوع ، وعلامة رفعه الواو ؛ لأنه
جمع مذكر سالم.
ثانيهما : الظروف غير المتصرفة :
وهى الظروف
التى يلزم معناها الدلالة على الزمان والمكان فى غيرها ، أى لعاملها ، وهى نوعان :
أ ـ ظروف غير
متصرفة لا تفارق الظرفية : وهى : قط ، وعوض. (قط) لاستغراق الزمن الماضى المنفى. (عوض)
لاستغراق الزمن المستقبلى المنفى.
ب ـ ظروف غير
متصرفة لا تخرج عن الظرفية : هى ظروف تخرج عن الظرفية إلى حالة شبيهة بها إذا سبقت
بحرف الجر (من) بخاصة ، وهى ما تدل على الجهات الست.
قبل وبعد : من
أسماء الزمان ، وما عدا ما سبق.
عند ولدن : من
أسماء المكان.
وكذلك : فوق ـ تحت
ـ عند ـ سوى ـ مكان ـ مع ـ حول ـ دون ـ وسط (بإسكان السين). ثمّ ـ مع ـ هنا ـ نحو.
ويجعل بعض
النحاة : فوق وتحت وعند ولدن ولدى ومع ونحو وحول وهنا وصددك وبدل وسواك بمعنى
مكانك ظروفا غير متصرفة أو عادمة التصرف ، وما عدا ذلك من الظروف المذكورة فى هذا
القسم يجعلونها ظروفا متوسطة التصرف.
* وأجاز بعض
النحاة تصرف (فوق وتحت) ، فترفعهما فيما إذا قلت : رأسك فوقك ، ورجلاك تحتك. حيث
يكون كلّ من (فوق وتحت) خبر المبتدإ مرفوعا.
ملحوظات :
ـ (سحر) وهو
عبارة عن قطعة من زمان يوم محدد ظرف زمان غير منصرف غير متصرف ، حيث يكون ممنوعا
من الصرف للعلمية والتأنيث ، أو للعلمية والعدل عن لام العهد ، ويكون غير متصرف لا
يخرج عن الظرفية سماعا ، فتقول : تهجدت الليلة سحر ، بالمنع من الصرف وعدم التصرف
، والنصب بفتحة واحدة ؛ لأنه أريد به وقت محدد من يوم محدد.
فإن أريد بسحر
غير معين فإنه يتصرف وينصرف ، فتقول : لقد قضيت سحرا فى تلاوة القرآن. والمقصود
سحرا ما غير معيّن ولا معهود فيتصرف وينصرف ، ويكون منصوبا بالفتحة مع التنوين.
ـ أما (غدوة
وبكرة) إن كانا معيّنين فهما متصرفان ، حيث يقال : سير عليه يوم الجمعة غدوة ،
وغدوة بدل من نائب الفاعل (يوم) ، وهى غير منونة ؛ لأنها ممنوعة من الصرف للتأنيث
والعلمية.
فإن نكرا صرفا
، كما تذكر (غدوة) بعد (لدن).
قضايا خاصة :
أ ـ قولهم : (أحقا
أنّك ذاهب) :
الهمزة :
استفهامية لا محل لها من الإعراب.
حقا : بعضهم
يرى أنها منصوبة على الظرفية ، وهى متعلقة بخبر مقدم محذوف ، والتقدير : أفى حق
ذهابك ، فحذفت (فى) ، وانتصب (حقا) على الظرفية. وتكون خاصة بالإخبار عن المصادر
دون الجثث ، ولذلك جعلوها للزمان.
وعلى هذا
سيبويه والجمهور. وعليه فإن المصدر المؤول (أنك ذاهب) فى محل رفع ، مبتدأ مؤخر.
أما المبرد
وابن مالك فيذهبان إلى أن (حقا) مصدر ناب مناب فعله ، ويكون المصدر المؤول (أنك
ذاهب) فى محل رفع ، فاعل.
ويجعلون من مثل
هذا التركيب : غير شك أنك قائم. جهد رأيى أنك قائم. ظنا رأيى ... أو ظنّا منى ...
فى ظن منى ...
ب ـ فى القول :
الصوم يوم الخميس :
يجوز فى (يوم)
النصب على الظرفية ، والرفع على التوسع ، والكوفيون يمنعون النصب فيه.
ج ـ فى قول
عمرو بن كلثوم :
صددت الكأس
عنا أمّ عمرو
|
|
وكان الكأس
مجراها اليمينا
|
__________________
(مجراها اليمينا) تحتمل عدة أوجه إعرابية :
ـ قد يرفع (مجرى)
مقدرا على الابتدائية ، و (اليمين) منصوب على الظرفية ، وشبه الجملة فى محل رفع ،
خبر المبتدإ ، والجملة فى محلّ نصب ، خبر كان ، والتقدير : وكان الكأس جريها فى
اليمين.
ـ قد يرفع (مجرى)
على البدلية من الكأس ، فينصب (اليمين) على الاتساع ، ويكون التقدير : كان جرى
الكأس اليمين ، فتجعل المجرى اليمين على الاتساع.
أو تقدير الأصل
، كان مجرى الكأس مجرى اليمين ، ومجرى مصدر ميمى ، كأنه قال : وكان جرى الكأس جرى
اليمين ، فتنصب جرى أو مجرى الثانية ، وتحذف ويقام اليمين مقامها ، فينصب نصبها ،
فكأنه منصوب على المصدرية.
أو تنصب اليمين
على الظرفية بتقدير (فى) ، والتقدير : وكان مجرى الكأس اليمين ، أى : فى اليمين ،
وتكون شبه الجملة فى محل نصب ، خبر كان.
الاشتغال
يتغاير آراء
النحاة فى بعض الظواهر التركيبية ؛ مما يؤثر فى احتساب نوع الجملة بين الاسمية
والفعلية ، فيتغاير إعراب بعض أجزائها ، ويبدو ذلك واضحا فيما يسمى فى النحو بباب
الاشتغال.
ماهيته :
اشتغال فعل أو
ما يقوم مقام الفعل عن اسم متقدم عليه بضمير هذا الاسم ، أو بما نسب إلى ضميره أو
ملابسه ، ولو تفرغ الفعل للاسم أو لما نسب إلى ضميره لنصبه لفظا أو محلا .
وذلك نحو :
عليا أفهمته ، صديقى أكرمت أخاه ، هذه احترمتها ، محمودا مررت به.
تلحظ أن
الأفعال : (أفهم ، أكرم ، احترم ، مرّ) شغلت بالضمائر : (هاء الغائب ، هاء الغائب
، ها الغائبة ، هاء الغائب) ، وهذه الضمائر تعود إلى الأسماء السابقة على الأفعال
: (على ، صديق ، هذه ، محمود).
أما قولك :
أالدرس أنت فاهمه ، ففيه (الدرس) مشغول عنه بضميره فى (فاهمه) ، والعامل هو اسم
الفاعل (فاهم).
__________________
ومنه قول
الربيع بن ضبيع الفزارى :
والذئب أخشاه
إن مررت به
|
|
وحدى وأخشى
الرياح والمطرا
|
والتقدير :
وأخشى الذئب أخشاه.
فجملة الاشتغال
تتركب من اسم يليه جملة فعلية ، أو ما فيه معنى الفعل ، تتضمن ضميرا يعود على
الاسم المتقدم ، يكون فى محلّ نصب ، أو يكون ما تضمن الضمير فى الجملة الفعلية فى
محل نصب.
وآثرت دراسة
قضية الاشتغال فى هذا الموضع مشتركة بين الجملتين الاسمية والفعلية لما يأتى :
ـ كثير من
مسائل هذه القضية يرجع إلى باب المبتدإ والخبر على حدّ قول ابن عصفور.
ـ إعراب
المشغول عنه يشترك بين المبتدإ والمفعول به ، وكلّ منهما يخصّ جملة بعينها.
ـ جملة
الاشتغال اسمية فى مبناها ، ويمكن أن تكون فعلية فى معناها ، وبالتالى فى إعرابها.
شروط الاشتغال :
من تعريف
الاشتغال وإدراك مدى اشتراكه بين الجملة الاسمية والفعلية يتضح لنا أن فيه ثلاثة
أطراف لكلّ منها شروط ، وهى : المشغول عنه ، والعامل المشغول ،
__________________
والضمير الشاغل أو ما تضمنه ، ولكلّ من هذه الأطراف الثلاثة شروط ، ندرسها
فيما يلى :
أولها : المشغول عنه :
وهو الاسم
المتقدم على الفعل الذى شغل بضمير هذا الاسم ، ويشترط فيه :
١ ـ ألا يتعدد
فى اللفظ والمعنى ، بل يكون اسما واحدا كما سبق ذكره ، فلا يقال : محمدا كتابا
أعطيته ، حيث تعدد الاسم السابق (محمد ، وكتاب) فى اللفظ والمعنى. فـ (محمد) وإن
كان مفعولا به للإعطاء ، فهو فاعل فى المعنى ؛ لأنه آخذ ، أما (كتاب) فهو مفعول به
؛ لأنه مأخوذ.
ويجوز أن يتعدد
فى اللفظ دون المعنى ، نحو : صديقى وأخى أكرمتهما.
٢ ـ أن يتقدم
على الفعل العامل ، فإن تأخر عنه فهو بدل من الضمير إن نصبت ، ومبتدأ مؤخر إن
رفعت. فإذا قلت : أكرمته محمدا ، فإن (محمدا) المنصوب يكون بدلا من ضمير الغائب
المنصوب المفعول به. ويجوز أن ترفع محمدا على أنه مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم الجملة
الفعلية (أكرمته).
٣ ـ أن يقبل
الإضمار ، حيث يشغل العامل بضمير المشغول عنه ، إذ لا يصح الاشتغال عن غير المفعول
به ، أو ما فى حكمه ، فلا يصحّ الاشتغال عن الحال والتمييز والمصدر المؤكد
والمجرور بما لا يجرّ المضمر من نحو : حتى.
٤ ـ أن يعتمد
فى معناه على العامل ، أى : أن يرتبط معنويا بالفعل الذى يليه ، وإلا كان منفصلا
عنه معنويا ، وبالتالى ينفصل عنه نحويا ، وهو ما يعبر عنه بالافتقار إلى ما بعده ،
فإذا قلت : (فى القاعة طلبة فناقشهم) لما صحّ ؛ لأن ما قبل الفعل (ناقش) ـ وهو (طلبة)
ـ ليس معتمدا على الفعل ؛ لأنه مبتدأ مؤخر ، خبره المقدم شبه الجملة (فى القاعة).
٥ ـ أن يصلح
لأن يبتدأ به ، حيث يجوز ـ كما علمنا ـ أن يعرب على الابتدائية فى أغلب أحواله ،
أى : أن يكون معرفة ، أو نكرة مختصة.
__________________
ثانيها : العامل المشغول :
العامل المشغول
عن معموله المتقدم عليه هو الفعل أو ما يعمل عمله الذى نصب ما بعده من ضمير ، أو
ما نسب إلى الضمير ـ إن لفظا ، وإن محلا ـ ويشترط فيه ما يلى :
١ ـ أن يتصل
بالاسم المشغول عنه اتصالا مباشرا ، أى : بلا فاصل بينهما ، كقولك : الخبر تسمعه ،
حيث (الخبر) مشغول عنه ، والمشغول العامل (تسمع) ، ولا فاصل بينهما ، ولكنك إن قلت
: الخبر أنت تسمعه ، فإنه لا يكون قضية اشتغال لوجود الفاصل الضمير (أنت) بين
المشغول عنه والعامل المشغول.
ولكن العامل
المشغول إذا كان صفة عاملة فيما قبلها فإنه يكون الفصل بما تعتمد عليه الصفة ،
كقولك : الدرس أنا مذاكره غدا.
٢ ـ أن يكون
صالحا للعمل فيما قبله ، وإلا ارتفع ما قبله على الابتداء ، وذلك أن يكون فعلا
متصرفا ، أو اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، وألا يكون حرفا ، أو اسم فعل ، أو صفة
مشبّهة ، أو فعلا جامدا كفعل التعجب ، وهب ، وتعلّم ، ونعم ، وبئس ، وليس ، فهذه
لا تعمل فيما قبلها.
فتقول : محمد
إنه فاضل ، بالرفع ـ ضرورة ـ لأن الحرف (إنّ) لا يعمل فيما قبله.
وتقول : علىّ
دراكه ، بالرفع ؛ لأن اسم الفعل لا يعمل فيما قبله.
وتقول : كريم
ما أفضله ، بالرفع ؛ لأن أفعل التعجب لا يعمل فيما قبله.
ثالثها : المشغول به :
المشغول به هو
المنصوب بالعامل المشغول ، سواء أكان ضميرا يعود على الاسم المتقدم ، أم كان اسما
ظاهرا منسوبا إلى ضمير هذا الاسم ، ويشترط فيه : أن يعود على الاسم المتقدم ، أو
يتعلق به تعلقا سببيا من طريق العلاقة المعنوية واحتوائه ضميره ، فلا يكون أجنبيا
عنه ، وذلك كقولك : الصدق التزمته. والابن نظفت أسنانه. العلم سعيت إليه. المثل
احترمت من يتمسك بها.
شرط عام فى صحة الاشتغال :
يشترط فى صحة
الاشتغال ـ بوجه عام ـ أن يربط بين الاسم المتقدم والفعل المشغول برابط ، هذا
الرابط هو الضمير الذى يعود على الاسم المتقدم ، سواء أكان موقع هذا الضمير فى
جملة المشغول ، فقد يكون الضمير :
أ ـ متصلا
بالفعل ، نحو : محمد أجبته ، محمدا. سمير كافأته ، سميرا.
ب ـ منفصلا عنه
بحرف الجر الذى يجر ضميره ، نحو : الصديق مررت به ؛ علىّ سلمت عليه ، عليا.
ج ـ منفصلا عنه
باسم منسوب إلى ضميره ، نحو : على أكرمت أخاه ، عليا.
فاطمة استمعت
إلى حديثها.
د ـ منفصلا عنه
باسم أجنبى عن الاسم المتقدم ، لكن هذا الاسم الأجنبى متبوع بما يشتمل على ضمير
الاسم المتقدم ، ومن أمثلة ما يتبع به الأجنبىّ :
ـ النعت ، نحو
: علىّ قابلت صديقا يحترمه ، عليا. محمود سلمت على ضيف عنده.
ـ عطف النسق ،
نحو : محمود احترمت عليا وأخاه ، محمودا. علىّ سلمت على محمود وأخيه.
ـ عطف البيان ،
سمير أكرمت أحمد صديقه ، سميرا. محمود سلمت على محمد أخيه.
ـ جملة الصلة ،
نحو : فاطمة عاقبت الذى يهينها ، فاطمة. فاطمة عاقبت الذى يهين أخاها ، فاطمة.
ـ صلة الاسم
المعطوف على الشاغل ، أو صفته ، نحو : خالد أحببت سميرا والذى يحبه ، خالدا. على
أكرمت أحمد وصديقا يحترمه ، عليا. حيث يعود الضمير فى (يحبه ويحترمه) على المشغول
عنه (خالد ، وعلى).
والفكرة الأساس
فى قضية الاشتغال أن تشتمل جملة المشغول فى أى جزء من أجزائها ـ سواء أكان عمدة أم
فضلة ، أم متعلقا بأىّ منهما أم منسوبا إليهما ـ على
ضمير يعود على الاسم المتقدم على الفعل المشغول. والجملة التى يتوافر فيها
ذلك تكوّن قضية اشتغال ، بشرط أن يكون الضمير المشغول به أو الاسم الذى يتضمن هذا
الضمير فى أى متعلق به منصوبا ، أو يكون فى شبه جملة متعلقة.
الأسماء العاملة عمل الفعل وقضية الاشتغال :
لا تعمل
الأسماء العاملة عمل الفعل فى باب الاشتغال إلا إذا كان الاسم منها يجوز عمله فيما
قبله ، وعلى ذلك فإننا يمكن لنا أن نصنف هذه الأسماء فى قضية الاشتغال إلى
ثلاثة أقسام :
أولها : أسماء غير عاملة ، وهى :
ـ الصفة
المشبهة باسم الفاعل ، لا تعمل فى المشغول عنه ؛ لأنها لا تعمل فيما قبلها.
ـ المصادر
وأسماء الأفعال ، لا تعمل فى باب الاشتغال ؛ لأنها ليست بوصف.
ثانيها : أسماء تعمل بشرط الدلالة الزمنية والتنكير ، وهى :
ـ اسم الفاعل ،
وصيغ المبالغة ، حيث لا يعمل ما يدلّ على الماضى منهما ، فيشترط للإعمال فيما
قبلهما أن يكون : دالا على الحاضر أو المستقبل ، غير معرف بالأداة ، فتقول : عليا
أنا مكلّمه الآن أو غدا ، بنصب (على) على المفعولية ؛ لأن اسم الفاعل (مكلم) غير
معرف بالألف واللام ، ودالّ على الحاضر (الآن) ، أو المستقبل (غدا).
ومنه قولك :
الدواء أنا شرّابه بعد ساعة فأربع ساعات. بنصب (الدواء) على المفعولية.
ولكنك تقول :
الدرس أنا مذاكره أمس ، بالرفع فى (الدرس) على الابتدائية ؛ لدلالة زمن اسم الفاعل
(مذاكر) على الماضى (أمس).
__________________
ثالثها : أسماء تعمل بشرط التنكير :
وهو اسم
المفعول ، حيث يعمل فيما قبله مطلقا ، بشرط عدم تعريفه بالألف واللام ، حيث لا
يعمل المتصل بهما فيما قبله ، فتقول : الكتاب أنت معطاه (بالرفع والنصب).
التراكيب التى يأتى فيها الاسم المشغول عنه :
يأتى الاسم
الذى يمكن أن يكون مشغولا عنه فى ثلاثة تراكيب ، هى :
الأول : أن
يتقدم الاسم المشغول عنه عامل يطلبه نحويا ؛ كالحروف الناسخة أو الأفعال الناقصة ،
حينئذ يكون الاسم المشغول عنه مرتبطا بهذا العامل النحوىّ ، ويخضع له فى العمل ،
من ذلك : إن محمدا أكرمه. (محمدا اسم إن منصوب).
كان الضّيف
عليا الذى أحترمه. (عليا خبر كان منصوب).
كان الزميل
الذى زارنى بالأمس محمدا ، (الزميل اسم كان مرفوع).
الثانى : ألا
يتعلق الاسم المشغول عنه بعامل نحوىّ سابق عليه ، لكن الفعل المشغول المذكور بعده
عامل فى ضمير الاسم السابق ، أو فيما نسب إليه بإحدى الصور السابقة بالرفع ، حينئذ
يجب فى الاسم المشغول عنه الرفع على الابتدائية ، ذلك نحو : محمود أقبل إلينا. (محمود
مبتدأ مرفوع).
محمد أحسن به ،
أو بأخلاقه. حيث (الضمير المشغول به (الهاء) فى به ، والاسم الذى يتضمن ضمير
المشغول عنه (أخلاق) مرفوعان.
ومنه قوله
تعالى : (وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ
الْكِتابَ) [البقرة : ٤٤].
الثالث :
التركيب السابق ، إلا أن الفعل المشغول يكون عاملا فى الضمير أو ما تضمن الضمير فى
صورة من الصور السابقة بالنصب ، فتكون هذه ـ حينئذ ـ قضية
اشتغال من نوع هذه الدراسة ، ويعرب الاسم المتقدم على وجهين تبعا لتقدير
نوع الجملة ، ذلك على النحو الآتى :
أولا : الجملة اسمية :
لك أن تقدر
الجملة اسمية ، المبتدأ فيها هو الاسم المتقدم ، والخبر هو الجملة الفعلية التى
تليه ، وبذلك فإنه يرفع على الابتدائية ، وهذا أرجح عندى ، حيث إن تقدم الاسم يدلّ
على معلوميته ، ثم يخبر عنه بالجملة الفعلية التى تتضمن ضميرا يربطها بالمبتدإ ،
هذا إذا لم يتقدم الاسم ما يتطلب فعلا ، أى : ما يختص بالدخول على الجملة الفعلية.
ثانيا : الجملة فعلية :
لك أن تقدر
الجملة كلّها فعلية ، فينصب الاسم على المفعولية ، ويكون عامله محذوفا يقدر تبعا
للمعنى ـ على رأى جمهور النحاة ـ وهذا الرأى مرجوح عندى ؛ نظرا لحاجتنا إلى
التقدير والتأويل والبحث عن فعل ملائم للمعنى.
وتكون الجملة
الفعلية المذكورة مفسرة للجملة المحذوفة ، وبذلك فلا محلّ لها من الإعراب .
أما الكوفيون
فإنهم يرون أن المشغول عنه حال نصبه يكون منصوبا بالفعل المذكور ، وينقسمون فى ذلك
إلى قسمين :
أولهما : يرى
أنصاره أن الفعل نصب الاسم والضمير معا. ويرد على هؤلاء بأن العامل لا يعمل فى
ضمير اسم ومظهره.
والآخر : يرى
أصحابه أن المنصوب إنما هو الاسم ، أما الضمير فهو ملغى. ويرد على هؤلاء بأن
الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل .
__________________
ومنه قوله
تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور الآية الأولى] ، فى (سورة) قراءتان :
أولاهما :
قراءة الجمهور بالرفع ؛ على أنها خبر لمبتدإ محذوف ، والتقدير : هذه سورة. أو :
المتلوّ عليكم سورة.
والأخرى :
قراءة عيسى بن عمر وآخرين بالنصب ؛ على أنها مفعول به لفعل محذوف يفسره المذكور.
وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧]. حيث (ثمود) بالرفع على الابتدائية ، وفيها قراءة بالنصب على
تقدير (ثمود) مفعولا به مقدما لفعل محذوف يقدر من المذكور.
مفعولا به
مقدما لفعل محذوف يقدر من المذكور.
أما قوله تعالى
: (وَجَعَلْنا فِي
قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الحديد : ٢٧]. ففيه يوجّه نصب (رهبانية) على وجهين :
أولهما : أنها
معطوفة على (رأفة) ، وهى مفعول به لجعل الذى هو بمعنى خلق ، أو : صير ، أما جملة (ابتدعوها)
فهى فى محلّ نصب ، نعت لرهبانية.
والآخر : أن
تنصب على أنها قضية اشتغال ، فيكون نصبها بفعل مقدر من الفعل المذكور. إلا أن هذا
الوجه يجعلونه من إعراب المعتزلة ، حيث يجعلون الرأفة والرحمة منسوبا خلقهما إلى
الله تعالى ، أما الرهبانية فيجعلونها من فعل العبد ، وذلك لأنه لا يصح أن تكون
قضية اشتغال ؛ لأن رهبانية نكرة لا يجوز الابتداء بها ، والمشغول عنه يجب أن يصحّ
الابتداء به. ولكن غيرهم يجعلون العطف مسوغا للابتداء.
تقدير الفعل الناصب :
ذكرنا أن الاسم
المشغول عنه إذا كان منصوبا فإنه ينصب عند جمهور النحاة بفعل محذوف ، يقدر تبعا
للفعل المذكور المشغول بالضمير ، أو بالاسم الذى نسب إليه الضمير بطريقة من الطرق
السابقة.
وهذا الضمير
يقدر كما يلى :
أ ـ أن يكون من
لفظ الفعل المذكور إذا كان المعنى يصحّ به ، نحو : عليا أفهمته ، هذه احترمتها ،
الطفل أرضعته. والتقدير : أفهمت عليا أفهمته ، احترمت هذه ... ، أرضعت الطفل ....
ويكون كلّ من (على
، وهذه ، والطفل) مفعولا به منصوبا بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور.
ويجوز أن تقدر
فعلا ملائما للمعنى الكامن فى الفعل المذكور ، كأن تقدر : خصصت عليا أفهمته ...
إلخ.
ب ـ أن يكون
الفعل المشغول متعديا إلى ضمير الاسم بواسطة حرف الجر والاسم ظرف ، فيقدر الفعل من
لفظ الفعل المذكور ، نحو قولك : يوم الجمعة ألقاك فيه ، برفع (يوم) ، ولكنك إذا
نصبت فإنك تقدر فعلا من جنس المذكور فيكون : ألقاك يوم الجمعة ألقاك فيه.
ج ـ إذا كان
الفعل المشغول متعديا إلى ضمير الاسم المشغول عنه غير الظرف بواسطة حرف الجرّ
فإننا نختار فعلا متعديا مرادفا له ، نحو : محمودا مررت به ، التقدير : جاوزت
محمودا مررت به. عليا أحسنت إليه ، التقدير : أكرمت عليا أحسنت إليه. ومنه قوله
تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ
فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً). [الإنسان : ٣١] ، والتقدير : ويعذّب الظالمين أعدّ لهم
عذابا ، فاختير فعل متعدّ يلائم معنى الفعل اللازم مع حرف الجرّ المتعلق به.
__________________
ومنه قول جرير
:
أثعلبة
الفوارس أم رياحا
|
|
عدلت بهم
طهيّة والخشابا
|
حيث الناصب
لثعلبة فعل يقدر من معنى (عدلت) ، نحو : قاس ، مثّل ، ظلم ... إلخ.
د ـ أن يكون
الفعل المقدر متعديا صالحا للمعنى ، ولكنه ليس من لفظ الفعل المشغول المذكور ولا
معناه ، ويكون ذلك فى موضعين :
أولهما : أن
يكون الفعل المذكور المشغول متعديا إلى ما نسب إلى ضمير الاسم المتقدم بواسطة حرف
الجرّ . إذ لا يصح ـ معنويا ـ تقدير المرادف ؛ لكونه لا يقع على الاسم المشغول
عنه ؛ لأن الفعل المذكور يقع معنويا على الاسم المنسوب إلى الضمير لا الضمير ذاته
، وبالتالى لا يصح المرادف ، ذلك نحو قولك : محمدا رحبت بغلامه. التقدير : أكرمت
محمدا رحبت بغلامه ، إذ الترحيب واقع على غلام محمد لا محمد ، وبالتالى فإن
الترحيب لا يصح وقوعه معنويا على الاسم المتقدم ، فيقدر فعل يكون ملائما فى المعنى
للترحيب بغلام محمد ، وهو الإكرام مثلا ، أو التقدير ، فتقدر : قدّرت ، أو
الاحترام ، فتقدر : رحبت.
ومنه قولك :
عليا مررت بصديقه ، يكون التقدير : لابست عليا مررت بصديقه ، إذ المرور ليس بعلىّ
وإنما هو بصديق على.
والآخر : أن
يكون الفعل المذكور متعديا ناصبا للاسم المنسوب إلى ضمير المشغول عنه فى أى صورة
من صور النسب والارتباط المعنوى ، ولا يصلح بمعناه ولفظه أن يقع على الاسم المشغول
عنه حتى لا يتغير معنى الجملة ، ذلك نحو قولك : محمدا ضربت خصمه. التقدير : أكرمت
محمدا ضربت خصمه ، إذ
__________________
الضرب لم يقع على محمد ، وإنما على خصمه ، وهذا ضرب من ضروب إكرامه ، ولذلك
صلح الناصب (أكرمت) لفظا ومعنى.
ومثله قولك :
محمدا ضربت أخاه. التقدير : أهنت محمدا ضربت أخاه ، فالضرب لم يقع على محمد ،
وإنما على أخيه ، وهو نوع من أنواع إهانته ؛ لذا صلح الفعل (أهان).
ومنه قولك :
زيدا أكرمت أباه ، وعمرا ضربت غلامه ، والتقدير : أكرمت زيدا أكرمت أباه ، وأهنت
عمرا ضربت غلامه.
وإذا صحّ وقوع
الفعل المشغول لفظا ومعنى على الاسم المشغول قدّر ، نحو قولك : محمدا أكرمت أخاه.
التقدير : أكرمت محمدا أكرمت أخاه ، إذ إكرام أخى محمد ضرب من إكرامه ؛ لذا صلح :
فعل أكرم ، ويلحظ أنه يجوز أن تقدر فعلا آخر من غير لفظ المذكور ومعناه ، نحو :
قدرت ، احترمت ....
الأحوال النحوية للاسم المشغول عنه
يذكر النحويون حالات لإعراب الاسم المشغول عنه تتباين بين وجوب النصب
، وجوازه ، وامتناعه ، فى ثلاثة أقسام ، تفصل على النحو الآتى :
القسم الأول : ما يجب فيه النصب :
يذكر وجوب نصب
الاسم المشغول عنه إذا ذكر بعد ما يختص بالدخول على الفعل ، ويكون فى المواضع
الآتية :
أ ـ بعد أدوات الشرط :
يذكر أن
الاشتغال لا يقع بعدها إلا فى الضرورة الشعرية ، ويحدد سيبويه منها (إن) وحدها ، وذكر المبرد (من) و (إذا) ، وأما فى النثر فإن الاشتغال يقع بعد الأداتين ، بشرط
أن يلى (إن) فعل ماض ، أما (إذا) فمطلقا.
__________________
تقول : إن عليا
قابلته فأنا أرحب به . فيكون نصب (على) بفعل محذوف يفسره الفعل المذكور (قابل)
، والتقدير : إن قابلت عليا قابلته ...
كما تقول : إذا
محمودا حادثته فأنا أثق فى حديثه. فيكون (محمودا) منصوبا بفعل محذوف تقديره :
حادثت.
ولا يجوز ـ عند
جمهور النحاة ـ رفع الاسم المتقدم على أنه مبتدأ ؛ لأن هذه الأدوات (حروفا وأسماء)
لا يليها ـ عندهم ـ إلا فعل ، فإذا لم يكن مذكورا فإنه يقدر عامل طبقا للعلاقة
المعنوية بينه وبين الاسم المذكور بعد الأداة.
ويستشهد لذلك
بقول النمر بن تولب :
لا تجزعى إن
منفسا أهلكته
|
|
وإذا هلكت
فعند ذلك فاجزعى
|
__________________
حيث ينصب (منفس)
فى رواية ، فيقدر نصبها على المفعولية لفعل محذوف ، يفسره المذكور.
وقول ذى الرمة
:
إذا ابن أبى
موسى بلالا بلغته
|
|
فقام بفأس
بين وصليك جازر
|
بنصب (ابن ـ بلالا)
فى رواية ، فيكون (ابن) مفعولا به لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور. أما (بلالا)
فنصبه على البدلية أو عطف البيان.
لكنه يلاحظ على
البيتين السابقين ما يأتى :
ـ البيت الأول
: يروى فى كثير من المواضع برفع (منفس) ، ويخرجونه على أنه مسبوق بفعل محذوف
تقديره : إن هلك منفس ، ويذكر المبرد أنه يجوز الرفع بإضمار (هلك) مبنيا للمجهول .
ـ البيت الثانى
: يروى فى كتاب سيبويه برفع (ابن وبلال).
لنا رأى فى هذه
القضية مذكور بالتفصيل فى دراسة التركيب الشرطى ، عليه فإن ذكر الاسم بعد أدوات
الشرط لا يجوز إلا مع أدوات الشرط غير الجازمة ؛ لأنها غير مختصة بالفعل ؛ لأنها
لا تؤثر فيه إعرابا ، وعندئذ يخرج حكم ذكر الاسم المشغول عنه بعد أداة الشرط من
حالة وجوب النصب إلى حالة الجواز ، أو وجوب الرفع.
أما (إن) أداة
الشرط الجازمة التى ذكرها النحاة فى هذه القضية فهى أمّ الباب ، وتحتمل ما لا
يحتمله غيرها من سائر أدوات الشرط الجازمة.
ومما ذكر من
وقوع المرفوع بعد (إن) الشرطية قول الشاعر :
فإن أنت لم
ينفعك علمك فانتسب
|
|
لعلّك تهديك
القرون الأوائل
|
__________________
ويقدر بالقول :
إن لم تنتفع بعلمك ، فلما حذف الفعل ظهر الضمير المرفوع المنفصل (أنت).
ب ـ بعد أدوات العرض والتحضيض :
نحو : هلا
الصديق أكرمته ، ألا الدرس فهمته ، لولا الأمر عرضته علينا أولا.
كل من : الصديق
، والدرس ، والأمر مفعول به منصوب بفعل محذوف ، يفسره الفعل المذكور (أكرم ، فهم ،
عرض).
ج ـ بعد أدوات الاستفهام غير الهمزة :
نحو : هل كتابا
اشتريته؟ التقدير : هل اشتريت كتابا؟ .. متى صديقنا زرته؟ أى : متى زرت صديقنا؟ ..
أين القلم وجدته؟ كيف محمدا قابلته؟
كلّ من : كتاب
، وصديق ، والقلم ، ومحمد ، منصوب بفعل محذوف يقدر بعد أداة الاستفهام ، يفسره
الفعل المذكور بعد الاسم المنصوب.
أما الهمزة
فإنها تدخل على الاسم والفعل سواء ، وإن كان دخولها على الفعل أكثر.
د ـ فى ما إذا كان النصب يظهر المعنى :
وذلك كما فى
قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، حيث العامة على نصب (كل) على الاشتغال ، والنصب يوضح المعنى
، إذ يدلّ ذلك على عموم الخلق ، حيث يكون التقدير : إنا خلقنا كلّ شئ خلقناه بقدر
، فخلقنا تأكيد وتفسير للمحذوف المقدر. أما الرفع فإنه يدلّ على غير ذلك ، أى :
على غير عموم الخلق لله تعالى.
القسم الثانى : ما يجب فيه الرفع :
يرى بعض النحاة
أن هذا القسم من مواضع وجوب رفع الاسم فى جملة الاشتغال لا يجوز أن يدرس فى هذا
الباب ؛ لأن الاسم فيه يكون مرفوعا ضرورة ، والاشتغال لا يعنى إلا بما هو منصوب ،
سواء أكان واجبا ، أم راجحا ، أم
مرجوحا ، أم متساويا ، لكننى آثرت أن أذكر مواضع وجوب الرفع حتى تتضح وتتبين
من غيرها من مواضع الأحكام الأخرى ، ولأن الاسم الواجب رفعه فى هذا القسم بنية
جملته ـ معنويا ـ تجعل الاسم المتقدم غير منصوب فى أىّ حكم من أحكام النصب ، بحيث
إنه لو زالت هذه الموانع لاتخذ الاسم حكما من أحكام النصب.
ويمتنع نصب
الاسم المشغول عنه ، ويجب رفعه فى موضعين رئيسين :
أ ـ أن يذكر
الاسم المشغول عنه بعد أداة تختص بالدخول على الجملة الاسمية ، كـ (إذا) الفجائية
، نحو قولك : فتحت الباب فإذا الصديق أراه ، (الصديق) مرفوع على الابتدائية ، ولا
يجوز نصبه على الاشتغال ؛ لأنه واقع بعد (إذا) الفجائية.
و (ليتما) ،
وهى (ليت) المكفوفة بما ، حيث لا يليها إلا اسم ، فتقول : ليتما محمد كافأته ،
بالرفع ضرورة ، فـ (إذا وليتما) لا يليهما فعل ولا معمول فعل.
ب ـ أن يذكر
الاسم قبل أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، أى : يذكر الاسم المشغول عنه فى
المواضع الآتية :
١ ـ قبل أدوات الشرط :
يكون الاسم
المتقدم على أداة الشرط مبتدأ ، خبره التركيب الشرطىّ ، أو جملة الجواب على أن
الشرط اعتراض بين المبتدإ وخبره.
من ذلك قولك :
محمد إن قابلته فأعطه ماله. حيث (محمد) مبتدأ خبره التركيب الشرطى (إن قابلته
فأعطه) أو جملة (فأعطه). ولا تصح هذه قضية اشتغال ؛ لأن الاسم المتقدم ذكر قبل
أداة شرط ، وما بعدها لا يصلح للعمل فيما قبلها.
ومنه أن تقول :
ثمار الشجرة متى ما نضجت فاجنها ، أموالك ما تخرجه منها فى سبيل الله يوفّه إليك ،
طلبة الفرقة من يحصل على درجات متفوقة منهم ينل المكافأة.
__________________
كلّ من : (ثمر
، وأموال ، وطلبة) مرفوع على الابتدائية ؛ لوقوعه قبل أداة شرط ، وخبر كلّ منها
التركيب الشرطى.
وتقول : صديقك
إن تدعه يجبك ؛ المتعاونون إن كانوا على خير فقد أدّوا ما أمر الله به ، أخوك إن
ترد نصرته وهو ظالم فلتردّه إلى الحق ، الحديقة أينما تسر فى أرجائها تسعد.
٢ ـ قبل أدوات الاستفهام :
يكون الاسم
المتقدم على أداة الاستفهام مبتدأ ، خبره محذوف ـ على رأى جمهور النحاة ـ يقدر من
القول ، فإذا قلت : علىّ هل قابلته؟ ، فإن عليا يكون مرفوعا على الابتدائية ،
ويكون الخبر محذوفا تقديره : مقول له ، أو : يقال له ؛ لتكون الجملة الاستفهامية
فى محلّ نصب ، مقول القول المحذوف ؛ لأن الخبر ـ عند هؤلاء ـ لا يكون جملة
إنشائية.
ومنه أن تقول :
أخوك متى تزوره؟ ذو العلم أتحترمه؟ الوالدان أين أجدهما؟
٣ ـ قبل (كم) الخبرية :
لا يعمل ما بعد
(كم) الخبرية فيما قبلها ، فهى بمثابة قسيمتها الاستفهامية فى هذه السمة ؛ لذلك
فإن الاسم المشغول عنه إذا وقع قبل (كم) الخبرية فإنه يرفع على
__________________
الابتداء وجوبا ، ولا يجوز نصبه ، نحو : أموال كم أنفقتها. (أموال) مبتدأ
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، وخبره الجملة الاسمية (كم أنفقتها).
ومثل ذلك قولك
: أوقات كم ضيّعتها من عمرك.
٤ ـ قبل أدوات العرض والتحضيض :
إذا تقدم الاسم
المشغول عنه على أدوات العرض والتحضيص فإنه يرفع على الابتدائية ؛ لأن ما بعد هذه
الأدوات لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.
من ذلك قولك :
سمير ألا تصافحه. حيث (سمير) مبتدأ ، خبره محذوف يقدر من القول.
ومثله أن تقول
: علىّ أما ترضيه. محمود هلا تطيعه. وكذلك : لو لا ، ولو ما وهلا ، وهلّا ...
ومعنى تركيب
التحضيض والعرض فيه جواب للاسم المتقدم عليهما.
٥ ـ قبل الجملة المضافة :
نحو : الوال ـ دان
يوم تزورهم ـ ا يفرحان. الط ـ لاب وقت يفهمون يسعدون.
كلّ من الاسمين
المشغول عنهما (الوالدان ، الطلاب) يجب فيه الرفع ؛ لأن الفعل المشغول والضمير
الشاغل فى جملة مضافة ، حيث الجملتان الفعليتان (تزورهما ، ويفهمون) فى محلّ جرّ
بالإضافة إلى (يوم ، ووقت).
ومنه قولك :
العمال ساعة تقدرهم يخلصون ، الطلاب زمن تمتحنهم يلتزمون ، الزرع سنة ترعاه تحصل
على إنتاج وفير.
وأنت تلحظ أن
التركيب فيه معنى الجواب ، فكأنه شرط ، أو استفهام مسبوق بالاسم المشغول عنه.
٦ ـ قبل اللام الداخلة على جواب القسم :
إذا تقدم
المشغول عنه اللام الداخلة على جواب القسم فإنه يكون مرفوعا على الابتداء ، ولا
يجوز نصبه ، نحو : المجدّ والله لتكافئنّه ، حيث (المجد) مبتدأ
مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، ولا يجوز نصبه على الاشتغال ؛ لأن لام القسم
دخلت بينه وبين الفعل المشغ ـ ول ، وما بعدها لا يعم ـ ل فيما قبلها. والفكرة هنا
تتسق مع كل التراكيب التى فيها معنى الجواب والجزاء.
ومنه أن تقول :
علىّ وربّى لأزورنّه ، المريض بالله لتعودنّه ، جارى وعمرى لأحافظن عليه ، الصلوات
الخمس تالله لأؤدينّها فى أوقاتها.
٧ ـ قبل التعجب :
نحو : الصديق
ما أكرمه ، الكتاب ما أشدّه وفاء.
كلّ من : (الصديق
والكتاب) يجب رفعه على الابتدائية ، ولا يجوز نصبه لأنه مذكور قبل (أفعل) التفضيل.
ومنه : علىّ ما
أحسنه خطا ، ومحمود ما أجمله خلقا. وأحمد ما أشدّ إخلاصه فى العمل.
٨ ـ قبل الحروف الناسخة :
العامل يضعف
إذا وقع بعد الأحرف الناسخة ؛ لذلك فإن الاسم المشغول عنه إذا تقدم الحرف الناسخ
فإن الفعل المشغول المذكور بعده يجوز عمله فيه ؛ لذا وجب فيه الرفع على الابتداء ،
ذلك كقولك : الفتاة إنى احترمتها. (الفتاة) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ،
خبره الجملة الاسمية المنسوخة (إنى احترمتها).
ومثل ذلك أن
تقول : الصديق لعلنى أزوره اليوم ، المتوفّى لعل الله يرحمه.
القطار لعلّنى
أدركه فى موعده. أسئلة الامتحان لعلّى أحلها جميعها.
٩ ـ قبل لام الابتداء :
ما بعد لام
الابتداء من عامل لا يعمل فيما قبله ، ولذلك فإن الاسم إذا كان مشغولا عنه فإنه لا
ينصب إذا ذكر العامل المشغول بعد لام الابتداء ، نحو قولك : المجتهد لقد كافأناه ،
(المجتهد) مرفوع على الابتداء ، وخبره الجملة الفعلية التى تليه.
ومثله قولك :
القاعة لقد نظفناها ، والمقاعد لقد رتبناها ، والطلاب لقد جلسوا منتظمين.
١٠ ـ قبل الأسماء الموصولة :
الاسم الموصول
لا يعمل ما بعده فيما قبله ، فالاسم المشغول عنه إذا تقدم الاسم الموصول فإنه يرفع
على الابتدائية وجوبا ، نحو : محمد الذى أسلّمه الأمانة ، حيث (محمد) مبتدأ مرفوع
، وعلامة رفعه الضمة ، خبره الاسم الموصول (الذى).
ومنه أن تقول :
الصديق هو الذى أدعوه الليلة ، والكتاب أنا الذى أشتريه.
يجب الرفع فى
كلّ من : (الصديق والكتاب) ، حيث الضمير العائد على كلّ منهما فى جملة صلة ،
والاسم الموصول مذكور بعد الاسم المشغول عنه ، فوجب رفعه حيث لا يعمل ما بعد الاسم
الموصول فيما قبله.
ومنه الساعة
التى اشتراها غالية الثمن. المبادئ التى يلزمها سامية.
١١ ـ قبل الاسم الموصوف بالعامل المشغول :
العامل المشغول
إذا كان صفة فإنه لا يصح أن يعمل فى المشغول عنه ؛ لأنه تابع له ، فيجرى مجراه فى
الإعراب ، فلا يجوز أن يعمل التابع فى متبوعه ، فقولك : محمد رجل أحترمه ؛ فيه
الجملة الفعلية (أحترمه) فى محل رفع ، نعت لرجل ، وهو اسم مشغول عنه بضميره هاء
الغائب والمشغول الفعل (أحترم) ، فلا يجوز نصب (رجل) بالفعل المشغول حيث إنه يتصدر
جملة النعت.
ومن أمثلة
سيبويه فى ذلك القول : هذا رجل ضربته ، الناس.
رجلان : رجل
أكرمته ورجل أهنته. ومن ذلك قول جرير :
أبحت حمى
تهامة بعد نجد
|
|
وما شئ حميت
بمستباح
|
__________________
حيث رفع (شىء)
على الابتدائية ، وتكون جملة (حميت) فى محل رفع ، نعت (شىء) بتقدير الضمير الرابط
، أى : حميته : ولا يجوز النصب فى (شىء) كى لا ينتقض المعنى ، حيث النصب يدلّ على
عدم الحماية للشىء المستباح ، أى التقدير : وما حميت شيئا بمستباح ، لكن الشاعر
يريد أن الشىء الذى يحميه لا يستباح.
ومنه قولك :
الصديق رجل أنصحه بأمانة ، والسفيه إنسان أجتنبه وأقاطعه.
الإخلاص صفة لا
أفارقها.
١٢ ـ قبل ما النافية :
لا يعمل ما يقع
بعد (ما) النافية فيما قبلها ؛ لذلك فإن قولك : علىّ الصديق ما أشكوه أبدا ، فيه (على)
يرفع على الابتدائية ، لأنه وقع قبل (ما) النافية ، والعامل المشغول ذكر بعدها ،
ولا يجوز أن ينصب ما بعد (ما) النافية ما قبلها.
ومنه أن تقول :
محمد ما أهمل حقّه ، محمود ما أتركه وحده ، علىّ ما أعود منزله.
١٣ ـ قبل (لا) النافية الواقعة فى جواب القسم :
لا يعمل ما بعد
(لا) النافية فيما قبلها إذا وقعت فى جواب القسم ، نحو : محمد والله لا أعاتبه ،
حيث (محمد) مبتدأ مرفوع ، وعلامة رفعه الضمة ، خبره محذوف ـ عند جمهور النحاة ـ تقديره
من القول : يقال له ، أو : مقول له ؛ لأن القسم إنشاء.
__________________
ومنه قولك :
محمود والله لا أهمله ، وسمير وعمرى لا أرحل عنه ، وعلىّ بالله لا أصيبه.
١٤ ـ قبل أدوات الاستثناء :
نحو : ما محمد
إلا أحبه ، وما محمود إلا يكافئه المدير.
كلّ من (محمد ،
ومحمود) اسم مشغول عنه ، وهو واجب الرفع ؛ لأن العامل المشغول واقع بعد استثناء.
ومنه أن تقول :
ما سعيد إلا أحترمه ، وما علىّ إلا أجانبه ، وما السفيه إلا أجتنبه.
١٥ ـ قبل اسم الفعل :
نحو : أخوك
عليكه ، القطار دراكه ، السلم نزال عليه.
كل من (أخ
والقطار والسلم) واجب الرفع على الابتدائية ؛ لأن اسم الفعل المذكور بعد كلّ منها
لا يعمل فيما قبله نصبا.
ج ـ إذا ذكر
الاسم المشغول عنه قبل إنشاء ، وضميره مرفوع فيه ، فإنه يرفع : كصيغة التعجب (أفعل
به) ، فتقول : محمد أكرم به ، يجب أن يرفع.
(محمد) ؛ لأن
ضميره (الهاء) فى (به) فاعل مبنى فى محلّ رفع ، وحرف الجرّ الباء زائد.
ومنه قولك :
علىّ أحسن بخطّه ، أكرم أجمل بخلقه.
د ـ يرفع الاسم
المشغول عنه إذا ذكر قبل ما يصفه من جملة فعلية ؛ لأن النعت لا يعمل فى المنعوت ،
نحو قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ
فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢].
حيث لا اختلاف
فى رفع (كل) ، إذ إن نصبه يؤدى إلى فساد المعنى ، إذ يكون التقدير حال النصب :
فعلوا كلّ شئ فى الزّبر : وهو خلاف الواقع ، لكن الرفع يدلّ على أن كلّ شىء فعلوه
ثابت فى الزّبر. فجملة (فعلوه) فى محل جرّ ، نعت لشىء ، والنعت لا يعمل فى منعوته
، ورفع (كل) يكون على الابتدائية ، وخبره شبه الجملة (فى الزبر).
ملحوظة : بين
النحاة خلاف فى الاسم المشغول عنه الواقع قبل اسم الفعل أو المصدر الذى لا يصح أن
يحلّ محلّه الحرف المصدرى ، نحو القول : زيد عليكه ، زيدا ضربا إياه ، حيث :
ـ يرى جمهور
النحاة تعين الرفع فى الاسم المشغول عنه ؛ لكون العاملين غير صفة.
ـ يجيز الكسائى
النصب ؛ لجوازه تقديم معمول اسم الفعل ، كما يجيز المبرد والسيرافى النصب ؛
لجوازهما تقديم معمول المصدر الذى لا ينحلّ بحرف مصدرى .
ه ـ بعد واو الحال :
إذا ذكر الاسم
المشغول عنه بعد واو الحال ؛ أى : فى صدر جملة حالية ؛ فإنه يجب فيه الرفع. نحو :
أقبل محمد وعلىّ يرحب به ، ذاكرت الدرس وعلىّ أشرح له. حيث وقع الاسمان المشغول
عنهما (محمد ، وعلى) بعد واو الحال ، وقد تضمنت جملتا الحال العاملين المشغولين (يرحب
، أشرح) والضميرين الشاغلين (هاء الغائب) ، فوجب رفع الاسمين المشغول عنهما.
ومنه قولك :
دخلت الامتحان والمادة أستوعبها ، جلست أمام المكتب والكتاب أفتحه. قرأت الكتاب
وأنا أفهمه.
القسم الثالث : ما يجوز فيه النصب والرفع :
فيما عدا ما
سبق ممّا ذكرناه من مواضع وجوب النصب ومواضع وجوب الرفع قسم يجوز فيه النصبّ
والرفع.
وعند هذا القدر
من المواضع نكون قد انتهينا من ذكر أحكام الاسم المشغول عنه إعرابيا ، ولكننا لو
سايرنا النحاة فى دراستهم لهذه القضية ؛ فإننا نجد أنهم قد قسموا حكم الجواز إلى
ثلاثة أقسام تختلف فيما بينها بين الترجيح والاستواء ، وتفصيل ذلك كما يأتى :
__________________
أ ـ رجحان النصب :
يترجح نصب
الاسم المتقدم المشغول عنه فى المواضع الآتية :
١ ـ أن يقع بعد
الاسم فعل طلبىّ ؛ كالأمر والنهى والدعاء. ويرجح النحاة النصب مع الطلب ؛ لأن
الإخبار بالجملة الطلبية خلاف الأصل ، والطلب يكون بالفعل ، فكان حمل الكلام على الأصل
وهو الفعل أولى . لذلك فإنهم يرجحون النصب إذا ذكر طلب بعد الاسم
المشغول عنه.
ذلك نحو :
شريفا أكرمه ـ رفيقا
لا تهنه.
غادة أكرمها
الله ووفّقها ـ حاتما لترفق به.
كل من : شريف ،
ورفيق ، وغادة ، وحاتم مفعول به منصوب لفعل محذوف ، يفسره الفعل المذكور.
ويجوز أن يرفع
على الابتدائية ، ويكون الخبر محذوفا يقدر من القول.
لكن النصب أرجح
ـ عند النحاة ـ ولا فرق فى ذلك بين الدعاء بالأسلوب الإنشائى ، والدعاء بالأسلوب
الخبرى ، كقولك : أخاك ساعده يا الله ، أخاك ساعده الله.
ومنه قولك :
صديقك عد أباه ، وابنك لا تهمل رعايته ، جارنا أعان الله والده ، أستاذنا بارك
الله فى عمره.
هريرة ودّعها
وإن لام لائم
|
|
غداة غد أم
أنت للبين واجم
|
__________________
بنصب (هريرة) ،
وجملة (ودّعها) جملة أمرية.
وقول أبى
الأسود الدّؤلى :
أميران كانا
آخيانى كلاهما
|
|
فكلا جزاه
الله عنى بما فعل
|
بنصب (كل) ،
وجملة (جزاه الله) جملة دعائية.
كما يجرى مجرى
الأفعال الطلبية فى قضية الاشتغال من المصادر ، نحو : زيدا جدعا له ، وعمرا غفرانا
له ، والله حمدا له ، والمجرور هنا منصوب فى المعنى .
كلّ من : (زيد
، وعمرو ، ولفظ الجلالة الله) اسم مشغول عنه ، والشاغل مصدر (جدعا ، غفرانا ، حمدا)
، وهو واقع موقع الفعل الطلبى ؛ لذا فإنه يرجح فى الاسم المشغول عنه النصب.
__________________
ومنه القول :
أما زيدا فسقيا له.
فيجوز بذلك
الرأى الذى يذهب إلى أن المصدر الذى يقوم مقام فعله يعمل فيما قبله ، أما المصدر
الذى ينوب مناب (أن) المصدرية والفعل فهو المصدر الذى لا يعمل فيما قبله. فيجوز
لذلك القول : ضربا زيدا ، كما تقول : اضرب زيدا ، ويجوز : زيدا ضربا ، كما يجوز أن
تقول : زيدا اضرب .
فإذا قلت :
زيدا ضربا له ، كان قضية اشتغال.
ملحوظة :
إذا فصل بين
الاسم المشغول عنه والطلب فإن الاسم يجب فيه الرفع ، ومن ذلك قول الشاعر :
وقائلة خولان
فانكح فتاتهم
|
|
وأكرومة
الحيّين خلو كما هيا
|
حيث رفع (خولان)
؛ لأن الطلب الذى يليه ـ وهو الأمر (فانكح) ـ قد فصل عنه بالفاء المصدرة للطلب.
والتقدير : هذه خولان ، فتكون خولان مرفوعة على
__________________
الخبرية لمبتدإ محذوف. أو مبتدأ خبره الجملة التى تليه (فانكح فتاتهم) ،
وقد صدر بالفاء باعتبار معنى الشرط فى المبتدإ ، ولذا وجب رفع الاسم السابق ؛ لأن
جواب الشرط لا يعمل فيما قبله.
وفى قوله تعالى
: (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ). [النور : ٢] (الزانية والزانى) مرفوعان ، واتفق الرواة
السبعة على الرفع ، وحينئذ يكونان مبتدأ فى خبره وجهان :
أولهما : أن
يكون محذوفا تقديره : فيما يتلى عليكم فى الفرائض .
والآخر : أن
يكون الخبر جملة (فاجلدوا) ، والفاء زائدة ، ويكون الخبر إخبارا بتقدير القول ، أى
: مقول لهما ، أو فيهما ، أو : يقال .. ، أو بحمله على المعنى الخبرى ، كأنه يقول
: الزانية والزانى كلّ واحد منهما مستحقّ للجلد .
وقد ذكرت قراءة
بالنصب ، ولا إشكال فى هذه القراءة من حيث ترجيح النصب.
ومثل ذلك قوله
تعالى : (وَالسَّارِقُ
وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨].
٢ ـ إذا وقع
الاسم المشغول عنه بعد حروف التحضيض والعرض فإنه يجرى مجرى ما سبق من اختيار النصب
فى الاسم الذى يقع بعدها ؛ لأنها بمثابة الأمر. فتقول : لو لا محمدا أكرمته ،
وهلّا عليا احترمت ابنه ، ولو ما سعيدا زرت أباه ، ألا فاطمة كافأتها.
كلّ من : محمد
، وعلى ، وسعيد ، وفاطمة ، يختار فيه النصب على المفعولية لفعل محذوف ، يفسره
الفعل المذكور ، وترجح النصب لوقوع هذه الأسماء بعد أدوات العرض والتحضيض.
من ذلك قول
جرير :
تعدّون عقر
النّيب أفضل مجدكم
|
|
بنى ضوطرى لو
لا الكمىّ المقنّعا
|
__________________
والتقدير : لو
لا تعدون الكمىّ المقنّعا ، فنصب (الكمى) بفعل محذوف.
والرفع جائز
بعد هذه الأدوات.
يلحظ أنه إذا
وقع الاسم المشغول عنه قبل أدوات العرض والتحضيض فإنه يرفع ؛ ذلك لأن ما بعدها لا
يعمل فيما قبلها ، لكنه إذا وقع بعدها فإن الاسم المشغول عنه والفعل المشغول
يكونان قد ذكرا بعدها ، وحينئذ يجوز أن يعمل ما بعدها فيما تقدم عليه ، وهو واقع
بعدها كذلك.
٣ ـ إذا عطف
جملة فعلية على أخرى فعلية بلا فاصل دون العطف ، وقد تقدم الاسم المشغول عنه
الجملة الثانية ، نحو : فهم علىّ ومحمدا أفهمته. حيث يترجح نصب الاسم المتقدم
المشغول عنه (محمد) ، حتى لا يتوهم عطفه على سابقه ، ولكى يكون عطف الجملة من
النظائر.
ومنه قوله
تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ
فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل : ٤ ، ٥].
__________________
والقول : أقبل
محمد ومحمودا استقبلته.
ومنه قوله
تعالى : (فَرِيقاً هَدى
وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ). [الأعراف : ٣٠] ، (فريقا) الثانية منصوب بإضمار فعل
تقديره : وأضلّ فريقا. ويحسن النصب هنا لعطف هذه الجملة على الجملة الفعلية
السابقة (فريقا هدى) ، وشبه الجملة (عليهم) فى موضع نصب .
وقوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً
(١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٢ ، ١٣]. (كلّ) فى الموضعين نصبت على الاشتغال بفعل محذوف ،
يقدر من المذكور ، أى : فصلنا كل شىء ، وألزمنا كل إنسان ، وقد ترجح النصب فى
الموضعين للعطف على جملة فعلية : (وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) [الإسراء : ١٢].
ومنه قول
الربيع بن ضبع الفزارى :
أصبحت لا
أحمل السلاح ولا
|
|
أملك رأس
البعير إن نفرا
|
والذئب أخشاه
إن مررت به
|
|
وحدى وأخشى
الريح والمطرا
|
حيث نصب (الذئب)
بفعل مقدر من الفعل المذكور (أخشاه) ، حيث عطفت جملته على الجملة الفعلية (لا أحمل)
، فرجح نصب الاسم المشغول عنه المتقدم.
__________________
فإذا فصل بين
الجملتين بغير حرف العطف فإنه يختار الرفع ، كأن تقول : فهم علىّ ، أما محمد
فأكرمته ، حيث يكون محمد مرفوعا على الابتدائية ، ويكون خبره الجملة الفعلية (أكرمته).
٤ ـ يترجح نصب
الاسم المتقدم المشغول عنه إذا وقع بعد الأدوات التى يغلب دخولها على الأفعال ،
وهى :
ـ همزة
الاستفهام : ذكرنا أن أدوات الاستفهام تختص بالدخول على الجملة الفعلية ، فينصب
الاسم المشغول عنه إذا وقع بعدها ، واستثنينا من ذلك الهمزة ، نحو قوله تعالى : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) [القمر : ٢٤]. (بشرا) مفعول به منصوب بفعل يقدر من الفعل الموجود ، ويجوز
رفعه على الابتدائية ، لكن يترجح النصب لذكره بعد همزة الاستفهام ، بشرط عدم الفصل
بينهما إلا بالظرف ، فإن فصلت فالمختار الرفع كأن تقول : أفينا طالب قدّره الأستاذ؟
ـ (ما ، ولا ،
وإن) النافية : إذا وقع الاسم بعد حروف النفى (ما ولا وإن) وهى حروف النفى التى لا
تختص ؛ فإنه يترجح نصبه ، نحو قولك : ما مهملا احترمته ، لا طعاما تناولته ولا
شرابا ، إن كاذبا احترمته.
كل من : مهمل
وطعام وكاذب مفعول به لفعل محذوف يقدر من الفعل المذكور بعده ، ونصبه راجح ، لكنه
قد يرفع على الابتدائية رفعا مرجوحا لوقوعه بعد أدوات النفى المذكورة ؛ وذلك لأن
هذه الأدوات من النفى يقع بعدها الفعل ، وإذا وقع بعدها اسم وفعل كان الاختيار
تقديم الفعل على الاسم. ففى قول جرير :
فلا حسبا
فخرت به لتيم
|
|
ولا جدا إذا
ازدحم الجدود
|
وقع الاسم
المشغول عنه (حسبا) بعد (لا) النافية ، فرجح نصبه.
٥ ـ أن يكون
الاسم المشغول عنه مسئولا عنه فى استفهام يقع فيه منصوبا على المفعولية. كأن تقول
: أيّهم كلّمت؟ فيجاب : محمدا كلمته. حيث (أى) المسئول عنه مفعول به فى السؤال ،
فلما أجيب ذكر المسئول عنه فى الجواب متقدما
__________________
الفعل ، ومذكورا ضميره بعد الفعل ، فأصبح مشتغلا عنه ، وهنا يترجح فيه
النصب ، ويجوز الرفع على الابتدائية.
فإن قيل : أىّ
تحبه؟ فيجاب : محمد أحبّه ، بالرفع ؛ لأن المسئول عنه (أى) فى السؤال مرفوع على الابتدائية
، مع ملاحظة جواز نصبه ، لكن الرفع أرجح.
٦ ـ يترجح
النصب فى ما إذا كان نصبه يظهر المعنى ، أو يساعد على إظهاره ، كما فى قوله تعالى
: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، حيث ينصب (كل) على أنه مفعول به لفعل محذوف ، ويجوز رفعه
على الابتدائية ، لكن النصب أرجح ؛ لأن الرفع يوهم أن جملة (خلقناه) صفة لشىء ،
وليس كذلك فهى في محلّ رفع ، خبر (إن).
ومثل ذلك قوله
تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٣]. حيث يختار فى (كل) النصب ؛ لأن ذلك يقتضى أن كلّ شئ فهو محصىّ
فى إمام ، أما الرفع فإنه يدلّ على أن الشئ المحصىّ فى إمام ، وفرق بين المعنيين.
والسبعة على قراءة النصب.
هذا بخلاف قوله
تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ
فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٥٢] ، إذ إن جملة (فعلوه) فى محل جر ، نعت ل (شىء) ، أما خبر
المبتدإ (كل) فهو شبه الجملة (فى الزبر).
٧ ـ يترجح
النصب إذا وقع الاسم المشغول عنه بعد حرف شبيه بحرف العطف ، مثل : حتى ، ولكن ،
حيث يعطفان المفرد على المفرد ، إذا ذكرت (حتى) بين ما يفيد الكلية والبعضية ،
وذكرت (لكن) بعد نفى وشبهه ، وهما لا يعطفان الجمل لذا أشبها حروف العطف ومثال ذلك
: أفهمت الطلبة حتى الأخير أفهمته ، ما استمعت إلى الطلاب لكن محمدا أفهمته.
__________________
فكلّ من (الأخير
ومحمد) اسم مشغول عنه ، وقع بعد (حتى ولكن) ، وهما حرفان شبيهان بحروف العطف ؛ لذا
رجح النصب فيهما.
ويذكر من ذلك :
أكرمت القوم حتى زيدا أكرمته. وما قام بكر لكن عمرا ضربته.
٨ ـ يترجح
النصب إذا لم يذكر ضمير الاسم المتقدم ، من ذلك قولك : محمدا أكرمت ، وعليا أفهمت.
ذلك لأن الرفع
يكون على الابتدائية ، هذا وتكون الجملة الفعلية (أكرمت) فى محل رفع ، خبر له ،
ويستلزم هذا تقدير ضمير رابط بين المبتدإ وجملة الخبر ، وعدم التقدير فى حال النصب
على المفعولية المقدمة أفضل من تقدير محذوف.
ومما ذكر
مرفوعا ويترجح فيه النصب قول الشاعر :
ثلاث كلّهن
قتلت عمدا
|
|
فأجزى الله
رابعة تعود
|
حيث رفع (ثلاث)
وأخبر عنه بالجملة الفعلية (قتلت) ، وهى خالية من الضمير العائد ، فكان النصب فى (ثلاث)
على أنه مفعول به مقدم أفضل ؛ لأنه فى حال الرفع علينا أن نقدر ضميرا عائدا إلى
الاسم المتقدم يكون رابطا بين المبتدإ وخبره الجملة.
ب ـ رجحان الرفع :
يرجّح الرفع فى
غير ما ذكر سابقا ، وذلك بالإخبار عن الاسم المتقدم بجملة فعلية ، تتضمن الضمير
العائد عليه ، نحو قولك محمود فهمته ، حيث (محمود)
__________________
يرجح رفعه على الابتدائية ؛ لأنه لم يتقدم عليه ما يطلب الفعل وجوبا أو
رجحانا ، كما أنه يخبر عنه بجملة فعلية تتضمن الضمير العائد. ويجوز فيه النصب.
أما قول الحارث
بن كلدة :
فما أدرى
أغيّرهم تناء
|
|
وطول العهد
أم مال أصابوا
|
فيذكر فيه
سيبويه : «يريد : أصابوه ، ولا سبيل إلى النصب ، وإن تركت الهاء لأنه وصف ، كما لم
يكن النصب فيما أتممت به الاسم ، يعنى الصلة» .
لكن الرأى أنه
إذا كان فيه الرفع فإنه حكم راجح ، لكنه يجوز فيه النصب ، فالرفع بعطف (مال) على
تناء ، أما النصب فإنه يكون بمعادلة ما بعد (أم) بما قبلها ، وما قبلها جملة فعلية
، فيقدر ما بعدها جملة فعلية تقدر بالقول : أم أصابوا مالا.
كما يرجّح
الرفع إذا عطفت جملة الاشتغال على جملة اسمية ، خبرها مفرد أو شبه جملة ، كأن تقول
: سمير مقبل ومحمود استضفته ، محمد فى القاعة وعلىّ شرحت له.
يرجح الرفع
ترجيحا مطلقا فى الاسم المشغول عنه إذا وقع بعد (أمّا). ففى قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [فصلت : ١٧] حيث رفع (ثمود) وهو اسم مشغول عنه ، وكان الرفع على الابتدائية
لوقوعه بعد (أمّا) ، حيث لا يليها إلا الاسم ويكون مبتدأ.
__________________
وقرئ منصوبا
على الاشتغال وهو قليل ، ويقدر الاسم بعدها متقدما على الفعل المقدر ، فيكون
التقدير : وأما ثمود هدينا فهديناهم.
ومما ذكر
منصوبا والرفع مرجّح فيه قوله :
فارسا ما
غادروه ملحما
|
|
غير زمّيل
ولا نكس وكل
|
حيث نصب (فارسا)
، واختيار الرفع فيه أرجح ؛ لأن عدم الإضمار فيه أرجح من إضمار فعل ؛ لكنه يستشهد
به على من منع النصب.
ج ـ استواء النصب والرفع :
يذكر حالة
استواء رفع الاسم المشغول عنه ونصبه إذا ذكر بعد جملة ذات وجهين ، وهى الجملة
الاسمية التى يكون خبرها جملة فعلية ، كقولك : صديقى جاء ومحمدا قابلته ، أو :
ومحمد قابلته. حيث ذكر الاسم المشغول عنه (محمد) بعد الجملة الاسمية (صديقى جاء) ،
وهى ذات وجهين ؛ لأن خبرها جملة فعلية (جاء).
ومنه ما
يذكرونه من القول : زيد لقيته وعمرو أكرمته. أو : وعمرا أكرمته.
حيث يجوز أن
تعطف جملة الاشتغال على الجملة الصغرى ، وهى فعلية ، فتنصب الاسم المشغول عنه.
كما يجوز أن
تعطف على الجملة الكبرى ـ وهى اسمية ـ فترفع الاسم المشغول عنه.
__________________
فإن كان الرفع
راجحا لأنه الأصل ، فإن النصب يرجح بالعطف على الجملة القريبة ، فتعادلا. ومنه
قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ
قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [يس : ٣٩] ، حيث قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالرفع ، والباقون بالنصب ،
والرفع على الابتداء ، لكن النصب على الاشتغال ، والوجهان مستويان لعطف جملة
التنازع هذه على جملة كبرى ذات وجهين ، وهى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨].
بين النحاة
خلاف فى مدى تضمن جملة الاشتغال ـ إذا عطفت على الجملة الصغرى ـ ضميرا يربطها بها
، أى : تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ فى الجملة الكبرى ، حيث ذهب قوم إلى أنه يجب
أن تتضمن جملة الاشتغال ضميرا يعود على مبتدإ الجملة الكبرى ؛ لأنها شريكة الصغرى
التى يجب أن تتضمن هذا الضمير ، واختار هذا الرأى الأخفش والسيرافى ، وعارضه ابن
عصفور وجماعة ، ويستشهدون لرأيهم بإجماع القراء على النصب فى قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) [الرحمن : ٥ ـ ٧]. حيث نصب (السماء) وهو اسم مشغول عنه ، وجملة الاشتغال
معطوفة على الجملة الصغرى (يسجدان) ، ولا تتضمن ضميرا يعود على المبتدإ (الشمس
والقمر) ، بما يدل على عدم وجوب تضمن جملة الاشتغال المعطوفة على الجملة الصغرى
ضميرا يربطها بها.
لكن غير هؤلاء
يجعلون جملة الاشتغال معطوفة على الجملة الصغرى (علّم القرآن) ، وبذلك تتضمن ضميرا
يربطها بها.
وذهب آخرون إلى
أن الرابط يكون الواو ، فلا تحتاج إلى ضمير.
تنبيه :
تعدد الضمير الشاغل :
إذا كان فى
الجملة سببان للرفع والنصب فأنت بالخيار فى أيهما شئت ، حيث يجوز أن تختار السبب
الذى لأجله يختار نصب الاسم المشغول عنه ، كما يجوز لك اختيار سبب رفعه ، ولا
تبالى بالتقدم أو التأخر فيهما.
فإذا قلت :
أمحمد كافأ أبوه أخاه؟ فإن فيه ضميرين شاغلين عائدين إلى الاسم المشغول المتقدم (محمد)
، وهما ضمير الغائب فى (أبوه) ، وضمير الغائب فى (أخاه) ، وهو فى الأول بمثابة
المرفوع ؛ لأنه مضاف إلى مرفوع ، فيرفع له الاسم المتقدم المشغول.
وهو فى الثانى
بمثابة المنصوب ؛ لأنه مضاف إلى منصوب ، فينصب له الاسم المشغول المتقدم .
__________________
التنازع فى المعمول
يسمى (باب
الإعمال) ، ويسميه سيبويه «باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما يفعل
بفاعله مثل ما يفعل به الآخر» .
ويقصد به
اشتراك عاملين مذكورين متقدمين أو أكثر فى معمول واحد أو أكثر ؛ إما بالرفع ، وإما
بالنصب ، وإما بالجر ، وإما بالخلاف بينها ، فالعوامل المؤثرة نحويا تتنازع
المعمولات المتأثرة نحويا ، مع التنبيه إلى أن التنازع النحوى يستتبع الطلب
المعنوى.
ذلك نحو :
احترمت وقدّرت محمودا. حيث يتسلط الفعل (احترم) والفعل (قدر) بالنصب على المفعول
به (محمودا) ، فتنازع العاملان معمولا واحدا بالنصب.
أما القول : (جاء
واستقبلت عليا) ؛ فإن فيه الفعل (جاء) يتطلب (عليا) بالرفع ؛ لأنه هو الذى جاء ،
والفعل (استقبل) يتطلب (عليا)
بالنصب ؛ لأنه
هو الذى استقبلته. فتنازع العاملان معمولا واحدا ، لكن أحدهما يرفعه ، والآخر
ينصبه.
وكذلك القول :
استقبلت وجاءنى علىّ. العامل الأول (استقبل) يطلب عليّا بالنصب ، والثانى (جاء)
يطلب عليا بالرفع.
__________________
حكم المتنازعين والمتنازع فيه حال اختلاف الرتبة :
ذكرنا أن
العاملين المتنازعين يجب أن يتقدما الاسم المتنازع فيه ، وهو المعمول ، فيكون فى
التركيب الأحكام السابقة ، لكنه قد تختلف رتب كلّ من الثلاثة كما يأتى :
أ ـ قد يتقدم المعمول على العاملين وهو مرفوع :
نحو : محمد قرأ
وفهم. ولا عمل لأىّ من العاملين فيه ، ولكنه يكون مرفوعا على الابتدائية ، حيث لا
يتقدم الفاعل على فعله ، ولكن تتحول الجملة إلى اسمية ، وتلحظ أن فى كل عامل ضميرا
مستترا ، يعود على الاسم المتقدم عليهما.
وليس هذا
التركيب قضية تنازع من هذا الباب.
ب ـ قد يتقدم المعمول على العامل وهو منصوب :
نحو : محمدا
قابلت فأكرمت. فيكون العامل للأول (قابل) ، أما معمول الثانى فإنه يكون محذوفا ،
دلّ عليه معمول الأول ، أو : لا معمول له. وليس هذا قضية تنازع من هذا الباب.
ج ـ قد يتوسط المعمول بين العاملين :
نحو : قابلت
محمدا وأكرمت. وحينئذ يكون العامل هو السابق ، أما معمول المتأخر فمحذوف دلّ عليه
السابق.
وليس هذا التركيب
قضية تنازع من هذا الباب.
د ـ أما إذا
تقدم العاملان المتنازعان على المعمول ، أى : تأخر المعمول عنهما ، نحو : جاء وضحك
علىّ ، وحضر واستقبلت محمدا ، وزرت وحيّانى محمود ؛ فإن مثل هذه التراكيب تكون من
قضية التنازع فى هذا القسم من الدراسة.
بنية المتنازعين :
يأتى العاملان
المتنازعان من حيث بنية الكلمة فعلا ، أو ما يعمل عمل الفعل من اسم الفاعل ، واسم
المفعول ، والصفة المشبهة ، واسم الفعل ، واسم التفضيل ، والمصدر ، وذلك فى الصور
الآتية :
أ ـ قد يكونان فعلين متصرفين :
نحو قوله تعالى
: (آتُونِي أُفْرِغْ
عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦]. حيث تنازع العاملان (آتى ، وأفرغ) المعمول (قطرا) ، وطلباه
بالنصب على المفعولية.
ب ـ قد يكونان اسمى فاعل عاملين :
ومنه قول
الشاعر :
عهدت مغيثا
مغنيا من أجرته
|
|
فلم أتّخذ
إلا فناءك موئلا
|
حيث الاسم
الموصول (من) تنازعه اسما الفاعل (مغيث ، ومغن) ، وكلّ منهما طلبه بالنصب على
المفعولية.
ومثله تقول :
زيد مادح ومعظّم عمرا ، (مادح) و (معظم) اسما فاعل تنازعا مفعولا به واحدا (عمرا)
، فكلّ منهما يطلبه بالنصب.
ومنه قول كثير
عزة :
وإنّى وإن
صدّت لمثن وصادق
|
|
عليها بما
كانت إلينا أزلّت
|
فقد تنازع
العاملان اسما الفاعل (مثن ، وصادق) شبه الجملة.
ج ـ قد يكونان اسمى مفعول :
نحو القول :
إنه محمود ومسموع حديثه ، حيث تنازع اسما المفعول (محمود ومسموع) المعمول النائب
عن الفاعل (حديث) ، وهو مرفوع.
__________________
د ـ أو اسمى فعل :
نحو القول :
دراك ومتاع محمودا ، حيث تنازع اسما الفعل (دراك ، ومتاع) معمولا واحدا (محمودا) ،
وكلّ منهما يطلبه بالنصب على المفعولية.
ه ـ أو مصدرين :
نحو القول :
سررت من قراءتك وفهمك الدرس ، حيث المصدران (قراءة ، وفهم) يتنازعان المعمول
المفعول به المنصوب (الدرس).
ومنه : عجبت من
ذكرك وذمّك صديقا.
و ـ أو اسمى تفضيل :
نحو : محمد
أكرم الناس وأسلسهم خلقا ، وأدقّهم وأضبطهم علما. حيث تنازع اسما التفضيل (أكرم
وأسلس) معمولا واحدا وهو التمييز المنصوب (خلقا) ، والأمر كذلك فى اسمى التفضيل (أدق
وأضبط) والمعمول (علما).
ومنه : ما أحسن
وأجمل زيدا. (على إعمال الثانى) وتقول : ما أحسن وأجمله زيدا. (على إعمال الأول).
ز ـ أو صفتين مشبهتين :
نحو : علىّ حذر
وكريم أبوه ، فقد تنازع العاملان الصفتان المشبهتان باسم الفاعل (حذر وكريم)
المعمول (أبو) ، وهما يطلبانه بالرفع على الفاعلية.
ح ـ أو مختلفين فيما سبق :
قد يتنازع
الفعل واسم الفعل معمولا واحدا ، كما فى قوله تعالى (هاؤُمُ اقْرَؤُا
كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] ، فاسم الفعل (هاء) أمر بمعنى : (خذ) ، والميم علامة الجمع ،
وهو عامل عمل الفعل ، فتنازع مع فعل الأمر (اقرؤوا) المعمول المنصوب (كتاب) ،
والعاملان يطلبانه بالنصب على المفعولية.
ويتنازع الفعل
مع المصدر فى قول المرار الأسدى أو مالك بن زغبة :
لقد علمت
أولى المغيرة أننى
|
|
لحقت فلم
أنكل عن الضرب مسمعا
|
الفعل (لقى)
والمصدر (الضرب) كلّ منهما يطلب المعمول المفعول به المنصوب (مسمعا).
شروط المتنازعين :
يشترط فى
العاملين المتنازعين ما يأتى :
١ ـ أن يكون
الفعل منهما متصرفا.
٢ ـ أن يكون
الاسم منهما مشبها بالفعل فى العمل ، كأن يكون : اسم فاعل ، أو اسم مفعول ، أو صفة
مشبهة ، أو اسم تفضيل ، أو مصدرا ، أو اسم فعل.
فلا تنازع
للحروف ، ولا للأفعال الجامدة ، ولا الاسم غير العامل.
٣ ـ أن يسبق
كلّ من المتنازعين المعمول.
٤ ـ أن يتحقق
الارتباط المعنوىّ بين المتنازعين ، فلا يصحّ معنويا القول : قام وقعد أخوك ،
للتناقض المعنوى ، حيث القيام نقيض القعود. فالمتنازعان يجب أن يصحّ حدوثهما معا
بالنسبة للمتنازع فيه.
__________________
ويتحقق
الارتباط المعنوىّ بوساطة حروف العطف دون (لا) ، و (بل).
وقد يتحقق
الارتباط بين المتنازعين بإعمال أولهما فى ثانيهما ، كما فى قوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ
أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) [الجن : ٧] حيث المصدر المؤول (أن لن يبعث الله) تنازعه عاملان : (ظن)
الأول ، و (ظن) الثانى ، وكلّ من العاملين يطلب معمولين وقد سدّ المصدر المؤول
مسدّ مفعولى (ظن) الثانى ، أما الأول فمعمولاه محذوفان. فهو من قبيل إعمال الثانى
للحذف من الأول.
وقد يكون
الارتباط عن طريق أن يكون الثانى جوابا للأول ، سواء أكان فى سؤال أم شرط ، كما فى
قوله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦]. حيث شبه الجملة (فى الكلالة) يتنازعها عاملان ، هما : (يستفتون
، ويفتى) ، والثانى جواب للأول جواب السؤال ، أما قوله تعالى (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] ، ففيه تنازع العاملان (آتى ، وأفرغ) المعمول (قطرا) ، والثانى
جواب للأول جواب الشرط.
والموضعان
السابقان من إعمال الثانى لعدم الإضمار فى الأول.
فليس من
التنازع قول امرئ القيس :
ولو أنّ ما
أسعى لأدنى معيشة
|
|
كفانى ولم
أطلب قليل من المال
|
حيث يقرر
الاكتفاء بالقليل من المال ، ثم يعود فيقول : (لم أطلب) ؛ لذا فإن عدم الطلب يجب
أن يكون لغير المال ، بل يكون للملك ـ مثلا ـ حتى لا يكون هناك تناقض معنوى بين
الاكتفاء بقليل من المال ، وعدم طلبه ... ويكون التقدير : كفانى قليل من المال ولم
أطلب غير ذلك.
٥ ـ أن يكون
المتنازعان مختلفين معنويا أو إسناديا ، حتى يتحقق التنازع لعاملين مختلفين بعيدين
عن الإتباع ، فليس من التنازع قول الشاعر :
فأين إلى أين
النجاة ببغلتى
|
|
أتاك أتاك
اللاحقون احبس احبس
|
__________________
حيث (أتاك أتاك
اللاحقون) من باب التوكيد ، إذ لو قصد به تنازعا فى العمل لقال : أتوك أتاك
اللاحقون ، أو أتاك أتوك ...
وليس منه كذلك
:
فهيهات هيهات
العقيق ومن به
|
|
وهيهات خلّ
بالعقيق نواصله
|
بل هو من قبيل
التوكيد ، حيث أتى بـ (هيهات) الثانية لتقوية وتأكيد الأولى.
والاختلاف قائم
فى قول كثير عزّة :
قضى كلّ ذى
دين فوفّى غريمه
|
|
وعزّة ممطول
معنى غريمها
|
هل قوله : (ممطول
معنى غريمها) فيه تنازع أم لا؟
الأصح أنه
تنازع فيه لزوال الارتباط ، فلو قصد به التنازع لأسند أحدهما إلى السببى ، والآخر
إلى ضميره ، فيلزم عدم ارتباط رافع الضمير بالمبتدإ ؛ لأنه لم يرفع ضميره ، ولا ما
التبس بضميره.
إعراب المتنازع فيه
تدور فكرة
إعراب المتنازع فيه من خلال أطراف التنازع الثلاثة ، حيث تبنى قضية الإعراب على
عدة أسس :
أولها : حكم
إعمال أىّ من العاملين فى الاسم الظاهر المتنازع فيه.
ثانيها : أى من
العاملين أولى بالإعمال.
ثالثها : علاقة
كلّ من العاملين أو العامل الآخر غير العامل فى الاسم الظاهر المشغول عنه بالضمير
الشاغل ، أو بما تضمن هذا الضمير.
ومراعاة
لاجتماع هذه الأسس الثلاثة فإن قضية الإعراب فى باب التنازع تعالج كما يأتى :
__________________
أولا : بادئ ذى
بدء نعلم أن النحاة يتفقون على جواز إعمال أىّ من العاملين فى الاسم الظاهر
المتنازع فيه ، لكن الخلاف قائم فى كون أىّ منهما أولى بالإعمال :
ـ فالبصريون
يرون أن الثانى أولى بالإعمال لقربه من الاسم.
ـ أما الكوفيون
فإنهم يرون أن الأول أولى بالإعمال لتقدمه وسبقه.
ويختار جمهور
النحاة إعمال الثانى ، فهو أسهل .
ثانيا : إن
احتسب العمل لأىّ من العاملين فى الاسم ، ذلك المتنازع فيه فإن النحاة يذكرون أن
الآخر يعمل فى ضمير هذا الاسم على النحو الآتى :
أ ـ فى حال إعمال العامل الأول :
إن عملت العامل
الأول فإن العامل الثانى يذكر معه ضمير الاسم مطلقا ، سواء أكان مرفوعا أم منصوبا
أم مجرورا.
فيقال : جاء
وشرح علىّ ، على أن (عليا) فاعل (جاء) ، فيكون فى (شرح) ضمير مستتر فاعل تقديره :
هو.
وتقول : قدم
وحيّى الصديق ، يكون (الصديق) فاعلا للفعل الأول (قدم) ، وفى (حيّى) ضمير مستتر
تقديره : هو.
لذلك فإنه يقال
: قدم وحيّيا الصديقان. حيث التقدير : قدم الصديقان وحيّيا ، حيث أسند العامل
الأول إلى الفاعل الظاهر ، وذكر الضمير العائد إلى المتنازع فيه الظاهر مع العامل
الثانى (حيّيا).
وعلى ذلك فإنك
تقول معملا الأول :
قدم ـ وحيّوا ـ
الأصدقاء. (واو الجماعة فاعل).
قدمت ـ وحيّت ـ
الصديقة. فى (حيت) ضمير تقديره : هى.
__________________
قدمت ـ وحيّيتا
ـ الصديقتان. (ألف الاثنين فاعل).
قدمت ـ وحيّين
ـ الصديقات. (نون النسوة فاعل).
ويمكن لك أن
تلحظ ما يأتى على إعمال الأول.
ـ استمع ـ وفهم
ـ الطالب. استمع ـ وفهما ـ الطالبان.
ـ استمع ـ وفهموا
ـ الطلاب. استمعت ـ وفهمت ـ الطالبة.
ـ استمعت ـ وفهمتا
ـ الطالبتان. استمعت ـ وفهمن ـ الطالبات.
ومثله أن تقول
معملا الأول :
استقبلت ـ وأكرمته
ـ الضيف. استقبلت ـ وأكرمتهما ـ الضيفين.
استقبلت ـ وأكرمتهم
ـ الضيوف. استقبلت. وأكرمتها ـ الأخت.
استقبلت ـ وأكرمتهما
ـ الأختين. استقبلت ـ وأكرمتهن ـ الأخوات
وتقول فى
الضمير الشاغل المجرور معملا الأول فى الاسم الظاهر :
حضر ـ وسلمت
عليه ـ الصديق.
حضر ـ وسلمت
عليهما ـ الصديقان.
حضر ـ وسلمت
عليهم ـ الأصدقاء.
حضرت ـ وسلمت
عليها ـ الصديقة.
حضرت ـ وسلمت
عليهما ـ الصديقتان.
حضرت ـ وسلّمت
عليهن ـ الصديقات.
وتقول : زيد
مادح ـ وإياه معظّم ـ عمرا. أى : زيد مادح عمرا ، وإياه معظم ، فتضمر المفعول به
فى الثانى.
فالقاعدة فى
حال إعمال الأول فى قضية التنازع أن تجعل المتنازعين جملتين مستقلتين ، ثم تنطق ،
فقولك : أكرمت وجاء عليا ، كأنك قلت : أكرمت عليا وجاء ، فيكون (على) مفعولا به
منصوبا للفعل.
الأول (أكرم) ،
ويكون الفعل الثانى (جاء) فيه ضمير مستتر تقديره : (هو) ، وهو الفاعل.
وعليه فى حال
مراعاة العدد والجنس تقول :
أكرمت ـ وجاءا
ـ العليّين. بظهور الفاعل فى العامل الثانى ، وهو ألف الاثنين.
أكرمت ـ وجاؤوا
ـ العليّين ، بظهور واو الجماعة الفاعل فى العامل الثانى.
وتقول : أكرمت
وجاءت فاطمة. أكرمت ـ وجاءتا ـ الفاطمتين. أكرمت ـ وجئن ـ الفاطمات.
ويرى الكسائىّ
وغيره من أمثال هشام الضرير والسهيلى من الكوفيين بوجوب حذف الضمير المرفوع على
الفاعلية ؛ هربا من الإضمار قبل الذكر ، ويناصر ذلك ابن مضاء القرطبى ، ويقول : «من الدليل على صحة مذهب الكسائىّ قول علقمة
:
تعفّق
بالأرطى لها وأرادها
|
|
رجال فبذّت
نبلهم وكليب
|
إذ لم يقل : (تعفّقوا)
على تقدير إعمال الثانى ، ولا (أرادوها) على تقدير إعمال الأول.
أما الفراء فإنه يذهب إلى استواء العاملين فى طلب المرفوع ما دام
العطف بالواو ، حيث يكون العمل لهما ؛ لأنه لمّا كان مطلوبهما واحدا كانا كالعامل
الواحد ، فتوجّه العاملان معا إلى اسم واحد ، فتقول :
__________________
كتب ـ وقرأ ـ محمد.
فيكون العاملان (كتب وقرأ) متسلطين على (محمد) معا.
أما إذا اختلف
العاملان عملا فى المتنازع عليه ؛ وكان الأول يحتاج إلى مرفوع ؛ فمذهب الفراء أنك
تضمره مؤخرا.
فتقول :
احترمنى ـ واحترمت عليا ـ هو.
وتلحظ أن فاعل
العامل الأول (احترم) هو الضمير (هو) المذكور مؤخرا.
فإن كان الأول
يطلب منصوبا مع طلب الثانى مرفوعا وأعملت الأول فإن مرفوع الثانى يضمر فيه. فتقول
: احترمت واحترمنى ـ عليا.
(بنصب على).
لكنك إذا أهملت
الأول فلا إضمار ، نحو : احترمت ، واحترمنى علىّ. (برفع على).
ويقال : إن
مذهب الفراء حال اختلاف المتنازعين هو وجوب إعمال الأول.
فتقول :
احترمنى ـ واحترمت
ـ علىّ.
احترمت
واحترمنى ـ عليا.
برفع (على) فى
المثال الأول ؛ لأن الفعل الأول يحتاج إليه فاعلا مرفوعا ، ونصب (على) فى المثال
الثانى ؛ لأن الفعل الأول يحتاج إليه مفعولا به منصوبا.
ويسرى ذلك على
المنصوب العمدة ـ أى : الذى هو مبتدأ أو خبر فى الأصل ، كخبر (كان) ومفعولى (ظن) ـ
حيث يجب الإضمار متصلا أو منفصلا ، تقول على إعمال الأول :
كنت ـ وكان
محمود إياه ـ صديقا. والتقدير : كنت صديقا وكان محمود إيّاه. (أى : صديقا).
كان محمد وعلىّ
ـ وكان سمير وأحمد إيّاهما ـ صديقين.
كان الطلاب ـ وكان
الأساتذة إياهم ـ متفاهمين.
كان محمود ـ وكنت
إيّاه ـ صديقا.
ظننت ـ وظنّنى
إياه ـ محمودا منطلقا.
أو : ظننت ـ وظنّنيه
ـ محمودا منطلقا.
ظننت ـ وظنانى
متصالحا ـ أخويك متصالحين.
ظنّ أخواك ـ وظننتهما
متصالحين ـ إيّاى متصالحا.
أعلمت ـ وأعلمنيه
إيّاه ـ زيدا عمرا منطلقا.
أعلمت ـ وأعلمانيهما
إياهما ـ الزيدين العمرين منطلقين.
أعلمت ـ وأعلمونيهم
إياهم ـ الزيدين العمرين منطلقين.
ويرى ابن مضاء أن هذه المسائل لا تجوز ؛ لأنه لم يأت لها نظائر فى
كلام العرب ، وقياسها على الأفعال الدالة على مفعول به واحد قياس بعيد ؛ لما فيه
من الإشكال بكثرة الضمائر والتأخير والتقديم.
ومن الشواهد
على إعمال الأول قول عاتكة بنت عبد المطلب :
بعكاظ يعشو
الناظري
|
|
ن إذا هم لمحوا
شعاعه
|
__________________
برفع (شعاع) ،
وهو متنازع فيه بين العاملين (يعشو ، ولمح) ، وهو مطلوب للأول فاعلا ، وللثانى
مفعولا به ، فلما كان رفعه دلّ ذلك على إعمال الأول.
ومنه قول
المرار الأسدى :
فردّ على
الفؤاد هوى عميدا
|
|
وسوئل لو
يبين لنا السؤالا
|
وقد نغنى بها
ونرى عصورا
|
|
بها يقتدننا
الخرد الخدالا
|
وأنت تلمح أن
الروىّ ـ وهو اللام المفتوحة ـ منصوب ؛ لذا كان التقدير اللفظى : «نرى الخرد
الخدال يقتدننا» ، ولما كان التنازع بين العاملين (نرى ، ويقتاد) فى
المعمول (الخرد) دلّ النصب على إعمال الأول (نرى) ، حيث إن المتنازع فيه مطلوب له
مفعولا به ، ومطلوب للثانى (يقتاد) فاعلا ، فلو أنه أعمل الثانى لقال : (تقتادنا
الخرد الخدال) بالرفع.
ومنه قول عمر
بن أبى ربيعة :
إذا هى لم
تستك بعود أراكة
|
|
تنخّل ـ فاستاكت
به ـ عود إسحل
|
ببناء (تنخّل)
للمجهول ، ورفع (عود) فيكون نائب فاعل له ، بما يدل على إعمال الأول ، وعدم إعمال
الثانى (استاك) فى المتنازع فيه (عود) ، ولو أنه أعمل الثانى لقال : فاستاكت بعود
إسحل.
ومنه قول
الشاعر :
أساء ولم
أجزه عامر
|
|
فعاد وحلمى
له محسنا
|
__________________
والأصل : أساء
عامر ولم أجزه. حيث تنازع العاملان (أساء ، ولم أجز) المعمول (عامر) ، حيث طلبه
الأول بالرفع على الفاعلية ، وطلبه الثانى بالنصب على المفعولية ، ولما كان مرفوعا
دلّ ذلك على إعمال الأول ، وإهمال الثانى ، ولكنه ذكر ضميره فى (أجزه).
ب ـ فى حال إعمال الثانى :
إذا تنازع
عاملان معمولا واحدا فإنه قد يختار إعمال الثانى ، كما يذهب إليه البصريون ، وعليه
جمهور النحاة ، كما هو فى قول الفرزدق :
ولكنّ نصفا
لو سببت وسبّنى
|
|
بنو عبد شمس
من مناف وهاشم
|
حيث تنازع
العاملان (سببت ، وسبنى) المعمول (بنو) ، وهو مطلوب للأول مفعولا به ، ومطلوب
للثانى فاعلا ، ولما كان رفعه وعلامة رفعه الواو ؛ دل ذلك على إعمال الثانى.
وكمتا مدمّاة
كأنّ متونها
|
|
جرى فوقها
واستشعرت لون مذهب
|
تنازع العاملان
(جرى ، واستشعر) المعمول (لون) ، وهو مطلوب للأول فاعلا ، ومطلوب للثانى مفعولا به
، فلما كان نطقه بالفتح دلّ على إعمال الثانى ؛ حيث نصبه مفعولا به.
__________________
وإذا أعمل
الثانى فإن الاسم المتنازع فيه تكون علاقته النحوية والمعنوية ضابطة لوجوب الإضمار
أو عدمه ، وتفصل تلك الأحكام على النحو الآتى :
١
ـ إذا كان الفعل الأول الذى لم يعمل فى المتنازع فيه يحتاج إلى عمدة ـ الفاعل ، أو
الخبر فى باب (كان) ، أو المبتدإ أو الخبر فى باب (ظن) ـ فإنه يجب الإضمار.
فإذا كان فاعلا
كان الضمير متصلا ، نحو : أكرمنى وأكرمت الصديق ، بنصب (الصديق) على أنه مفعول به
للعامل الثانى ، (أكرمت) وفى العامل الأول (أكرمنى) ضمير مستتر تقديره : (هو)
فاعل.
فإذا أردنا
المخالفة فى العدد والجنس فى الجملة السابقة فإننا نقول :
أكرمانى ،
وأكرمت الصديقين.
أكرمونى ،
وأكرمت الأصدقاء.
أكرمتنى ،
وأكرمت المدرسة.
أكرمتانى ،
وأكرمت المدرستين.
أكرمننى ،
وأكرمت المدرسات.
ومثله تقول :
زارنى واستقبلت الضيف. (بنصب الضيف لإعمال الثانى ، فيكون مفعولا به).
زارانى ،
واستقبلت الضيفين.
زارونى ،
واستقبلت الضيوف.
زارتنى ،
واستقبلت الأخت.
زارتانى ،
واستقبلت الأختين.
زرننى ،
واستقبلت الأخوات.
ألقى علىّ
السّلام ، وحيّيت الصديق.
ألقيا علىّ
السّلام ، وحيّيت الصديقين.
ألقوا علىّ
السّلام ، وحيّيت الأصدقاء.
ألقت علىّ
السّلام ، وحيّيت الصديقة.
ألقتا علىّ
السّلام ، وحيّيت الصديقتين.
ألقين علىّ
السّلام ، وحيّيت الصديقات.
وإذا عدت إلى
قول طفيل الغنوى السابق (جرى فوقها واستشعرت لون مذهب) وقد اتضح فيه إعمال الثانى
، تجد أنه يجب أن تقدر ضميرا مستترا فى (جرى) حيث إنه عمدة ، فوجب الإضمار.
ومن ذلك قول
الشاعر :
جفونى ولم
أجف الأخلاء إننى
|
|
لغير جميل من
خليلى مهمل
|
وقول الآخر :
هويننى وهويت
الغانيات إلى
|
|
أن شبت
فانصرفت عنهن آمالى
|
وقول الشاعر :
خالفانى ولم
أخالف خليلىّ
|
|
فلا خير فى
خلاف الخليل
|
__________________
تنازع الفعلان (خالف
، ولم أخالف) معمولا واحدا هو (خليلىّ) مثنى مضافا إلى ضمير المتكلم ، الأول طلبه
فاعلا مرفوعا ، والثانى طلبه مفعولا به منصوبا ، فلما أعمل الثانى بدليل نصب
المعمول المتنازع فيه المثنى أضمر فى الأول ، ووجب الإضمار بألف الاثنين ؛ حيث
حاجة الأول إلى عمدة ، وهو المتنازع فيه الفاعل للأول.
ويكون الإضمار
مؤخرا فى بابى (كان وظن) فى حال إعمال الثانى. فتقول :
كنت ـ وكان
محمود صديقا ـ إياه.
كنت ـ وكان
محمود وعلىّ صديقين ـ إياهما.
كنت ـ وكان
الزملاء أصدقاء ـ إياهم.
ظنّنى ـ وظننت
محمودا فاهما ـ إياه.
ظنّانى ـ وظننت
الزميلين فاهمين ـ إيّاهما.
ظنّونى ـ وظننت
الزملاء فاهمين ـ إيّاهم.
أعطانى ـ وأعطيت
الصديق جنيها ـ إياه.
أعطيانى ـ وأعطيت
الصديقين كتابا ـ إياهما.
أعطونى ـ وأعطيت
الأصدقاء كتابا ـ إياهم.
وكذا فى حال
الجرّ ، فتقول :
__________________
استعنت ـ واستعان
علىّ صديقى ـ به.
استعنت ـ واستعان
علىّ صديقاى ـ بهما.
استعنت ـ واستعان
علىّ أصدقائى ـ بهم.
ومن النحاة من
يضمر مقدما فى باب (ظنّ) ، فيقال : ظنّنى إياه ، وظننت محمدا فاهما.
ومنهم من يجيز
اتصال الضمير ، فيقول : ظننتنيه.
وقيل : لا يضمر
ولا يظهر الضمير بل يحذف ، فيذكر ابن عصفور : «وحذف أحد المفعولين فى باب (ظننت)
اختصارا جائز ، إلا أن ذلك قليل جدا» .
ويذكر ابن مضاء
على التعليق بالثانى :
أعلمت ،
وأعلمنى زيد عمرا منطلقا.
أعطيت ،
وأعطانى زيد درهما.
ظننت ، وظنّنى
زيد شاخصا.
٢
ـ إذا كان الأول لا يحتاج إلى عمدة فلا يجوز الإضمار معه ، فتقول :
أكرمت ،
وأكرمنى محمد.
أكرمت ،
وأكرمنى المحمدان.
أكرمت ،
وأكرمنى المحمدون.
وإذا عدنا إلى
قول الفرزدق السابق (لو سببت وسبّنى بنو عبد شمس) فإننا نجد إعمال الثانى (سبنى
بنو) ، ولم يضمر فى الأول ؛ لأن المتنازع فيه مطلوب له مفعولا به منصوبا ، فهو ليس
بعمدة.
وتقول : ضربنى
، وضربت أخاك.
__________________
ضربانى ، وضربت
أخويك.
ضربونى ، وضربت
إخوتك.
احترمتنى ،
واحترمت الأخت.
احترمانى ، واحترمت
الأختين.
احترمننى ،
واحترمت الأخوات.
حيث الإضمار فى
الأول لاحتياجه إلى عمدة وهو الفاعل ، وعدم الإضمار فى الفضلة التى احتاج إليها ،
وهو المفعول به.
وعليه تقول :
كتب ، وقرأ
علىّ الدرس.
كتبا ، وقرأ
العليان الدرس. كتبوا ، وقرأ العليّون الدرس.
كتبت وقرأت زينب
الدرس.
كتبتا وقرأتا
الزينبان الدرس. كتبن ، وقرأت الزينبات الدرس.
وتقول على
إعمال الثانى : زيد مادح ، ومعظّم عمرا ، حيث إن الأول لا يحتاج إلى عمدة ، بل إلى
مفعول به.
ويجعل جمهور
النحاة إظهار الضمير المنصوب وهو فضلة فى الشعر ضرورة ، من ذلك قول الشاعر :
إذا كنت
ترضيه ويرضيك صاحب
|
|
جهارا فكن فى
الغيب أحفظ للودّ
|
__________________
حيث أضمر
المنصوب فى (ترضيه) ، وقد أعمل الثانى ؛ لأن المتنازعين (ترضى ويرضى) يتنازعان
المعمول (صاحب) ، والأول يطلبه مفعولا به منصوبا ، والثانى يطلبه فاعلا مرفوعا ،
فلما كان مرفوعا فى البيت دلّ ذلك على إعمال الثانى ، وحينئذ لا يضمر فى الأول إلا
العمدة ، فإضمار المنصوب فى الأول ـ هنا ـ مخالف لما ذكره النحاة ، وهو من قبيل
الضرورة.
كما ذكر الضمير
مجرورا حال إعمال الثانى فى قول الشاعر :
وثقت بها
وأخلفت أمّ جندب
|
|
فزاد غرام
القلب إخلافها الوعدا
|
تنازع العاملان
(وثق ، وأخلف) المعمول (أم جندب) ، والأول يطلبه مجرورا بحرف الجر ، والثانى يطلبه
فاعلا ، وقد عمل الثانى فيه بالرفع ، وأضمر فى الأول مسبوقا بحرف الجر.
فى قوله تعالى :
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، حيث تنازع العاملان (يستفتون ، ويفتى) المعمول شبه الجملة
(فى الكلالة) ، وقد أعمل الثانى فيها ، ولم يضمر فى الأول.
__________________
ويجوز أن يكون
من باب الإعمال أو التنازع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
وَكَذَّبُوا بِآياتِنا). [البقرة : ٣٩] ، حيث يتنازع العاملان (كفروا ، وكذبوا)
شبه الجملة (بآياتنا) ، وهو من إعمال الثانى.
فإذا كان الأول
لا يحتاج إلى عمدة فإن حذف الضمير أولى من ذكره إذا لم يمنع مانع ، كأن تقول : استعنت
به واستعان علىّ زيد ، إذ إنه لو لم يذكر الضمير مع العامل الأول لالتبس بين (به
وعليه) ، وبينهما تناقض فى المعنى.
ومثل ذكر
الضمير مع الأول للضرورة المعنوية أن تقول : ملت إليه ومال عنى محمود.
انصرفت إليه
وانصرف عنى محمود.
٣
ـ إذا نتج عن ذكر الضمير فيما أصله مبتدأ وخبر فى باب (ظن) عدم مطابقة بين الضمير
ومفسره ؛ فإن النحاة يذكرون أنه يجب ذكر اسم ملائم بدلا من الضمير.
فإن قلت : أظنّ
ـ ويظنّانى ـ محمدا ومحمودا أخوين. بإعمال الأول (أظن) ، فيكون التقدير الترتيبى :
أظن محمدا ومحمودا أخوين ، ويظنانى ، وهنا يجب الإضمار فى الثانى ؛ لأن المحتاج
إليه عمدة ، فلو قلت : (إياه) لكان مخالفا لمفسره ، وهو (أخوين) فى العدد ، ولو
قلب إلى (إياهما) لكان مخالفا لما يخبر عنه ، وهو ضمير المتكلم فى (أظن) ، فيؤتى
باسم من جنس المفسر فى اللفظ والمعنى ومطابق للمبتدإ فى العدد ، فيقال :
أظن ـ ويظنانى
أخا ـ محمدا ومحمودا أخوين.
أما الكوفيون فيجيزون حذف الضمير ، كما يجيزون الإضمار مع مراعاة
الموافقة مع المبتدإ المخبر عنه ، فيقال : إياه.
مسائل أخرى فى التنازع
أولا : تنازع عاملين فى معمولين بمثابة معمول واحد :
قد يتنازع
عاملان فى معمولين ، فيحذفان على إعمال أحد المتنازعين ، فتقول :
__________________
متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا ، على إعمال الأول ، وتقول : زيد منطلق على
إعمال الثانى .
حيث (رأى)
العلمية تستلزم مفعولين ، أما القول فإنه يحتاج إلى جملة مفعول به ، وهو مقول
القول. فتنصب الاثنين على إعمال (رأى) ، وترفع الاثنين على الابتداء والخبر ، على
أن الجملة الاسمية تكون فى محل نصب ، مقول القول.
وعليه يمكن
القول : أعلمت أو قلت : محمد مجتهد ، برفع الاثنين (محمد ، ومجتهد) على إعمال
القول ، وبنصبهما على إعمال (علم).
وتقول : أقلت
أم خلت : الأستاذ حاضر اليوم؟ بالرفع وبالنصب.
ثانيا : تنازع عاملين مختلفين فى عدد المعمول
قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) [آل عمران : ١٨٠].
يجوز أن تجعله
من باب الإعمال أو التنازع ، حيث الفعل (يحسب) مسند إلى الاسم الموصول (الذين) ،
وهو يتطلب مفعولين ، أما الفعل (يبخل) ، فإنه يتطلب مفعولا به بحرف جر ، ونجدهما
قد تنازعا (بِما آتاهُمُ اللهُ)
، وقد سبق بحرف
الجرّ (الباء) على إعمال الثانى (يبخل) ، وهو يحتاج إلى حرف الجرّ للتعدية إليه ،
أما المفعول به الثانى للعامل الأول (يحسب) فهو (خيرا) ، ولم يتنازع فيه ؛ لأنه
خاص بالأول ، والضمير (هو) ضمير فصل ، لا محلّ له من الإعراب.
ثالثا : قد يكون التنازع بين أكثر من عاملين :
من ذلك قول
الحماسى :
طلبت فلم
أدرك بوجهى فليتنى
|
|
قعدت ولم أبغ
النّدى عند سائب
|
__________________
وفيه تنازع
العوامل الثلاثة (طلب ، أدرك ، أبغ) المعمولين (الندى ، عند سائب) ، وكلّ منها
طلبهما بالنصب على المفعولية فى المعمول الأول ، وعلى الظرفية فى المعمول الثانى.
ومنه قول
الشاعر :
تمنّت وذاكم
من سفاهة رأيها
|
|
لأهجوها لمّا
هجتنى محارب
|
حيث تنازعت
العوامل : (تمنت ، أهجو ، هجا) المعمول محارب ، وقد طلبه الأول فاعلا ، والثانى
طلبه مفعولا به ، والثالث طلبه فاعلا.
فإذا كان
التنازع بين ثلاثة عوامل فإنهم قد تحدثوا عن جواز إعمال الأول أو الثالث ، وسكتوا
عن إعمال الأوسط.
من إعمال الأول
قوله :
كساك ولم
تستكسه فاشكرن له
|
|
أخ لك يعطيك
الجزيل وناصر
|
__________________
فقد تنازع
العوامل الثلاثة (كسا ، تستكسى ، اشكرن) المعمول (أخ) ، فكان العمل للأول بدليل
رفع المعمول ، وهو مطلوب للأول بالرفع ، وللثانى والثالث بالنصب ، كما أنه أضمر فى
الثانى والثالث ، مما يدلّ على إعمال الأول.
ومن إعمال
الثالث قوله :
جئ ثم خالف
وقف بالقوم إنهم
|
|
لمن أجاروا
ذوو عزّ بلا هون
|
فقد تنازعت
العوامل (جئ ، خالف ، قف) المعمول شبه الجملة (بالقوم) ، وقد أضمر فى الأول
والثانى ، وتعدى الثالث بواسطة حرف الجرّ (الباء) ، بما يدلّ على أن شبه الجملة
تعلقت بالوقوف ، وهو العامل الثالث. وفيه رواية : «وثق بالقوم».
وحكى بعض
النحاة الإجماع على جواز إعمال كلّ من العوامل الثلاثة .
ومنه قول جزء
بن ضرار أخى الشماخ بن ضرار الذبيانى :
أتانى فلم
أسرر به حين جاءنى
|
|
كتاب بأعلى
القنّتين عجيب
|
__________________
حيث تنازعت
الأفعال (أتى ، أسرر ، جاء) معمولا واحدا ، هو (كتاب) ، فطلبه الأول فاعلا مرفوعا
، وطلبه الثانى مجرورا بحرف الجر (الباء) ، وطلبه الثالث فاعلا مرفوعا.
وقول الآخر :
ما صاب قومى
وأصباه وتمّمه
|
|
إلا كواعب من
ذهل بن شيبانا
|
تنازعت الأفعال
(صاب ، وأصبى ، وتمم) المعمول (كواعب) ، وكلّ منها طلبه فاعلا مرفوعا.
وقول آخر :
ما صاب قومى
وأصباه وتمّمه
|
|
إلا كواعب من
ذهل بن شيبانا
|
تنازعت الأفعال
(صاب ، وأصبى ، وتمم) المعمول (كواعب) ، وكلّ منها طلبه فاعلا مرفوعا.
وقول آخر :
سئلت فلم
تبخل ولم تعط نائلا
|
|
فسيّان لاحمد
لديك ولا ذمّ
|
تنازعت العوامل
(سئل ، لم تبخل ، لم تعط) المعمول (نائلا) والأول يطلبه مفعولا به ثانيا ، والثانى
يطلبه مجرورا بحرف جر يقدر ، والثالث يطلبه مفعولا به منصوبا.
وقول آخر :
فكم دقّت
ورقّت واسترقّت
|
|
صدور الرزق
أعناق الرجال
|
العوامل
الثلاثة (دق ، ورق ، واسترق) تنازعت المعمول (صدور) ، وكلّ منها يطلبه فاعلا
مرفوعا.
__________________
وقول آخر :
أرجو وأخشى
وأدعو الله مبتغيا
|
|
عفوا وعاقبة
فى الروح والجسد
|
تنازعت الأفعال
الثلاثة (أرجو ، وأخشى ، وأدعو) المعمول لفظ الجلالة (الله) ، وكلّ منها يطلبه
مفعولا به منصوبا.
رابعا : سائر المعمولات وقضية التنازع :
يثير ابن مضاء
القرطبىّ قضية عرض النحاة للفاعل والمفعول به والمجرور فى باب
التنازع ، حيث تحدّثوا عن الأحكام التى تحكم العلاقات بين هذه الأسماء فى جملة
التنازع ، ولكن هناك معمولات أخرى ، من نحو : المصدر ، والظرف ، والحال ، والمفعول
لأجله ، والمفعول معه ، والتمييز ، والحروف ؛ فهل تقاس هذه المعمولات على المفعول
به ، أم أنها لا تقاس عليه؟ يكون ذلك على النحو الآتى :
المصدر :
لا يكون المصدر
من هذا الباب ؛ لأنه تأكيد للفعل ، والحذف يكون مناقضا للتأكيد.
ظرف الزمان : تقول :
قمت ، وقام زيد
يوم الجمعة. (على التعليق بالثانى).
قمت ـ وقام فيه
زيد ـ يوم الجمعة. (على التعليق بالأول).
والتقدير : قمت
يوم الجمعة ، وقام فيه زيد.
ظرف المكان :
تقول : قمت ، وقام زيد مكانا حسنا. (على التعليق بالثانى).
__________________
قمت ـ وقام فيه
زيد ـ مكانا حسنا. (على التعليق بالأول).
والتقدير : قمت
مكانا حسنا ، وقام فيه زيد.
المفعول لأجله :
تقول : قمت ،
وقام زيد إعظاما لك. (على التعليق بالثانى)
قمت ـ وقام له
زيد ـ إعظاما لك. (على التعليق بالأول).
والتقدير : قمت
إعظاما لك ، وقام له زيد.
ومنهم من لا
يجعل التمييز فى المفعول له .
المفعول معه :
تقول : قمته ،
وسرت وعمرا. (على إعمال الثانى).
قمت ـ وسرت
وإياه ـ وعمرا. (على إعمال الأول).
الحال والتمييز :
لا يجوز القياس
فيهما ؛ لأنهما لا يضمران.
الحروف :
لا مدخل لها فى
هذه القضية.
__________________
الفهرس
الجملة الفعلية
ماهيتها وأجزاؤها............................................................... ٣
الفعل........................................................................ ٥
ما يختص به الفعل............................................................. ٦
الفاعل....................................................................... ٧
ما يتضمن معنى الفعل.......................................................... ٨
قضايا خاصة بالفاعل
ونائبه :................................................. ١٣
أ ـ الرتبة.................................................................... ١٣
ب ـ الاسمية................................................................. ١٤
ج ـ صورهما البنيوية........................................................... ١٥
د ـ جواز جر الفاعل.......................................................... ٢٤
ه ـ الحكم الإعرابى
لهما....................................................... ٢٥
و ـ المطابقة النوعية
فى الفعل................................................... ٢٧
ز ـ إلزام الفعل
الدلالة على الإسناد إلى مفرد..................................... ٢٧
ح ـ الفاعل أو نائبه
عمدة..................................................... ٢٧
ط ـ كل فعل متعد أو
غير متعد لا يكون له إلا فاعل واحد........................ ٢٨
المفعول به................................................................... ٢٩
حده....................................................................... ٢٩
صور المفعول به.............................................................. ٢٩
ناصب المفعول به............................................................ ٣٢
الضبط الإعرابى فى
الفعل...................................................... ٣٤
أ ـ الفعل الماضى............................................................. ٣٤
بناؤه على السكون........................................................... ٣٥
بناؤه على الضم............................................................. ٣٦
بناؤه على الفتح.............................................................. ٣٦
ب ـ الفعل المضارع........................................................... ٣٧
١ ـ رفع الفعل المضارع........................................................ ٣٧
٢ ـ نصب الفعل المضارع...................................................... ٣٩
علامات النصب............................................................. ٣٩
حروف نصب الفعل
المضارع.................................................. ٤٠
أولا ـ حرف تنصب الفعل
المضارع بذاتها........................................ ٤١
أن......................................................................... ٤١
لن......................................................................... ٤٧
إذن........................................................................ ٤٩
ثانيا ـ حرف ينصب
بنفسه مرة وأخرى بأن مضمرة وجوبا.......................... ٥٢
كى........................................................................ ٥٢
ثالثا ـ حروف ينصب
المضارع بعدها بأن مضمرة وجوبا............................ ٥٧
اللام....................................................................... ٥٧
حتى........................................................................ ٦٤
فاء السببية.................................................................. ٧٠
أحوال ضبط المضارع بعد
فاء السببية........................................... ٧٥
واو المعية.................................................................... ٧٩
أو......................................................................... ٨٢
الواو....................................................................... ٨٤
الفاء....................................................................... ٨٥
ثم.......................................................................... ٨٥
أو......................................................................... ٨٦
٣ ـ جزم الفعل المضارع........................................................ ٨٦
علامات الجزم............................................................... ٨٧
جوازم الفعل الواحد........................................................... ٨٧
لام الطلب.................................................................. ٨٧
(لا) الناهية................................................................. ٨٩
لم.......................................................................... ٩٣
لما.......................................................................... ٩٥
(لمّا) غير الجازمة............................................................. ٩٧
جوازم الفعلين
المضارعين...................................................... ٩٧
جزم المضارع فى جواب
الطلب................................................. ٩٩
٤ ـ بناء الفعل
المضارع...................................................... ١٠٠
بناء الفعل المضارع
على السكون............................................. ١٠٠
بناء الفعل المضارع
على الفتح................................................ ١٠١
٥ ـ فعل الأمر............................................................. ١٠٤
بناؤه على حذف النون...................................................... ١٠٤
بناؤه على حذف حرف
العلة................................................ ١٠٦
بناؤه على السكون......................................................... ١٠٦
العمل النحوى للفعل....................................................... ١٠٨
الفعل اللازم............................................................... ١٠٩
لزوم الفعل المتعدى......................................................... ١١٤
الفعل المتعدى.............................................................. ١١٧
كيفية تعدى الفعل
اللازم.................................................... ١٢٠
الأفعال التى تتعدى
لمفعولين................................................. ١٢٣
ما يتعدى لمفعولين
أصلهما المبتدأ والخبر....................................... ١٢٦
أفعال تتعدى إلى
مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر............................ ١٤٩
أفعال تتعدى إلى ثلاثة...................................................... ١٥٠
أحكام أفعال القلوب....................................................... ١٥٥
أ ـ تابع المفعولات
حال التعليق................................................ ١٦٢
ب ـ التعليق عن
المفعولين الثانى والثالث....................................... ١٦٣
ج ـ وجوب ذكر المفعولين
معا................................................ ١٦٥
د ـ قد يكون ضمير
الرفع وضمير النصب من جنس واحد........................ ١٦٥
ه ـ حذف مفعولى الفعل
القلبى............................................... ١٦٥
و ـ حذف الفعل القلبى
وفاعله............................................... ١٦٦
إجراء القول مجرى الظن..................................................... ١٦٦
القضايا التركيبية
الخاصة بالجملة الفعلية........................................ ١٧٢
المطابقة النوعية............................................................. ١٧٢
المطابقة العددية............................................................ ١٨٠
الرتبة بين الفاعل والمفعول
به................................................. ١٨٥
وجوب تقديم الفاعل على
المفعول به.......................................... ١٨٥
وجوب تقديم المفعول به
على الفاعل.......................................... ١٨٩
الرتبة بين الفعل
والمفعول به.................................................. ١٩٢
وجوب تأخر المفعول به
عن الفعل............................................ ١٩٣
وجوب تقديم المفعول به
على الفعل........................................... ١٩٥
دخول اللام على
المفعول به.................................................. ١٩٧
جواز التقدم............................................................... ١٩٧
الرتبة بين المفعولات......................................................... ١٩٨
وجوب تقديم المفعول به
الأول................................................ ٢٠٠
وجوب تقديم المفعول به
الثانى................................................ ٢٠١
قضية الحذف : حذف
الفعل................................................ ٢٠٢
وجوب تقدير الفعل
محذوفا.................................................. ٢٠٦
هل يحذف الفعل وحده؟.................................................... ٢٠٨
جواز تقدير الفاعل من
لفظ فعله............................................. ٢٠٩
الاقتصار على المفعول
به.................................................... ٢١٠
حذف المفعول به : جواز
الحذف............................................. ٢١٥
امتناع حذف المفعول به..................................................... ٢١٨
إلباس النحاة الفاعل
بالمبتدأ.................................................. ٢٢١
البناء للمجهول فى
الجملة الفعلية............................................. ٢٢٣
الفعل الذى يبنى
للمفعول................................................... ٢٢٣
أغراض حذف الفاعل...................................................... ٢٢٣
ما يجوز أن يكون نائبا
عن الفاعل............................................ ٢٢٦
التغيرات الحادثة فى
بنية الفعل المبنى للمجهول.................................. ٢٢٩
احتساب النائب عن
الفاعل................................................. ٢٣٦
المفعول المطلق
المصطلح وأنواعه........................................................... ٢٤٢
أصلية كل من المصدر
والفعل................................................ ٢٤٤
العامل فى المفعول
المطلق..................................................... ٢٤٥
عددية المفعول المطلق....................................................... ٢٤٨
ما ينوب عن المفعول
المطلق.................................................. ٢٤٩
ذكر العامل وحذفه......................................................... ٢٥٥
أولا ـ امتناع الحذف......................................................... ٢٥٦
ثانيا ـ جواز الحذف......................................................... ٢٥٦
ثالثا ـ وجوب حذف
العامل.................................................. ٢٥٧
من المصادر : فضلا ـ خلافا
ـ اتفاقا ـ إجماعا.................................... ٢٦٨
المصادر المثناة.............................................................. ٢٧١
مصادر غير متصرفة........................................................ ٢٧٢
المصدر واسم العين......................................................... ٢٧٢
الصفة والمصدر............................................................ ٢٧٣
المفعول معه
حده...................................................................... ٢٧٤
عامل النصب فيه.......................................................... ٢٧٩
أ ـ وجوب النصب.......................................................... ٢٨١
ب ـ وجوب الرفع........................................................... ٢٨٣
ج ـ ترجيح النصب......................................................... ٢٨٥
د ـ ترجيح العطف.......................................................... ٢٨٧
ه ـ امتناع العطف
والنصب على المعية........................................ ٢٨٨
و ـ احتمال العطف
والنصب على المعية....................................... ٢٨٩
المفعول معه بين
القياس والسماع.............................................. ٢٩١
رتبة المفعول معه............................................................ ٢٩١
المفعول له
حده...................................................................... ٢٩٤
ضابطه.................................................................... ٢٩٤
حكمه الإعرابى............................................................ ٢٩٧
العامل فيه................................................................. ٣٠٣
حذف العامل.............................................................. ٣٠٧
أولا ـ المفعول لأجله
والاختصاص............................................. ٣٠٧
ثانيا ـ حذف اللام منه...................................................... ٣١٠
ثالثا ـ حذف المفعول
لأجله.................................................. ٣١١
رابعا ـ تقديم المفعول
له...................................................... ٣١١
خامسا ـ إعمال المفعول
لأجله فى آخر......................................... ٣١١
من أمثلة المفعول
لأجله...................................................... ٣١٢
المفعول فيه
إعراب الظروف............................................................ ٣١٦
العامل فى الظرف........................................................... ٣١٧
ذكر العامل وحذفه......................................................... ٣١٩
لا يخبر بالزمان عن
اسم الذات............................................... ٣٢١
الرتبة..................................................................... ٣٢٣
بناء الظروف على الضم.................................................... ٣٢٣
إذا قطع الظرف عن
الإضافة لفظا ومعنى...................................... ٣٢٥
الظروف المركبة
والبناء....................................................... ٣٢٦
ظروف بين الإعراب
والبناء.................................................. ٣٢٧
أولا ـ معنى (فى)
الظرفى...................................................... ٣٢٨
ثانيا ـ جر الظرف
ونصبه.................................................... ٣٢٩
ثالثا ـ قد يكون الظرف
مفعولا به............................................. ٣٢٩
رابعا ـ حروف غير (فى)
فى معنى الظرفية....................................... ٣٣٠
خامسا ـ ما ينتصب
انتصاب الظروف......................................... ٣٣٠
سادسا ـ النصب على
التوسع................................................ ٣٣٣
سابعا ـ تراكيب دالة
على الزمن............................................... ٣٣٣
ثامنا ـ الفعل بين
الظرف وضميره............................................. ٣٣٤
تاسعا ـ الاتساع
والظرفية والضمير............................................. ٣٣٤
عاشرا ـ اسما الزمان
والمكان................................................... ٣٣٦
حادى عشر ـ الظروف
والأساليب............................................ ٣٣٦
القسم الأول ـ ظروف
الزمان................................................. ٣٣٨
القسم الثانى ـ ظروف
المكان................................................. ٣٧٥
القسم الثالث ـ ما
يتردد بين الزمان والمكان..................................... ٣٧٨
ظروف الزمان المبهمة....................................................... ٣٨٤
ظروف الزمان المختصة
غير المعدودة.......................................... ٣٨٤
ظروف الزمان المعدودة...................................................... ٣٨٥
أسماء المكان المختصة....................................................... ٣٨٦
أسماء المكان المبهمة......................................................... ٣٨٧
المصادر الدالة على
المكان................................................... ٣٨٩
ظروف المكان المقدرة....................................................... ٣٩٠
الظروف والإضافة
والإبهام................................................... ٣٩٠
الظروف الملازمة
الإضافة إلى الجملة........................................... ٣٩٣
الظروف والتصرف......................................................... ٣٩٤
نكتة فى (سحر)........................................................... ٣٩٦
قولهم (أحقا أنك ذاهب).................................................... ٣٩٧
قول عمرو بن كلثوم........................................................ ٣٩٧
الاشتغال
ماهيته.................................................................... ٣٩٩
شروط الاشتغال........................................................... ٤٠٠
الأسماء العاملة وقضية
الاشتغال.............................................. ٤٠٤
التراكيب التى يأتى
فيها الاسم المشغول عنه.................................... ٤٠٥
تقدير الفعل الناصب....................................................... ٤٠٧
الأحوال النحوية للاسم
المشغول عنه.......................................... ٤١٠
القسم الأول ـ ما يجب
فيه النصب........................................... ٤١٠
القسم الثانى ـ ما يجب
فيه الرفع.............................................. ٤١٣
القسم الثالث ـ ما
يجوز فيه الرفع والنصب..................................... ٤٢١
رجحان النصب............................................................ ٤٢٢
إذا فصل بين الاسم
المشغول عنه والطلب..................................... ٤٢٤
رجحان الرفع.............................................................. ٤٣٠
استواء النصب والرفع....................................................... ٤٣٢
تعدد الضمير الشاغل....................................................... ٤٣٣
التنازع فى المعمول
مفهومه................................................................... ٤٣٥
حكم المتنازعين
والمتنازع فيه حال اختلاف الرتبة................................ ٤٣٦
بنية المتنازعين.............................................................. ٤٣٦
شروط المتنازعين............................................................ ٤٣٩
إعراب المتنازع فيه.......................................................... ٤٤١
أ ـ فى حال إعمال
الأول..................................................... ٤٤٢
ب ـ فى حال إعمال
الثانى................................................... ٤٤٨
أولا ـ تنازع عاملين
فى معمولين بمثابة معمول واحد.............................. ٤٥٥
ثانيا ـ تنازع عاملين
مختلفين فى عدد المعمول.................................... ٤٥٦
ثالثا ـ قد يكون
التنازع بين أكثر من عاملين.................................... ٤٥٦
رابعا ـ سائر
المعمولات وقضية التنازع.......................................... ٤٦٠
|