بسم الله الرّحمن الرّحيم

[وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم]

أما بعد حمد الله تعالى على توالى نعمه ، والصلاة على رسوله محمد وعترته المعصومين ، فقد عزمت على أن أشرح مقدمة ابن الحاجب فى التصريف والخط ، وأبسط الكلام فى شرحها كما فى شرح أختها بعض البسط ، فإن الشرّاح قد اقتصروا على شرح مقدّمة الإعراب ، وهذا ـ مع قرب التصريف من الاعراب فى مساس الحاجة إليه ، ومع كونهما من جنس واحد ـ بعيد من الصواب ، وعلى الله المعوّل فى أن يوفقنى لإتمامه ، بمنه وكرمه ، وبالتوسل بمن أنا فى مقدّس حرمه ؛ عليه من الله أزكى السّلام ، وعلى أولاده الغرّ الكرام.

قال المصنف : «الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين ؛

وبعد فقد التمس منّى من لا تسعنى مخالفته أن ألحق بمقدّمتى فى الإعراب مقدّمة فى التّصريف على نحوها ، ومقدّمة فى الخطّ ، فأجبته سائلا متضرّعا أن ينفع بهما ، كما نفع بأختهما ، والله الموفّق ؛

التّصريف علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم الّتى ليست بإعراب».

أقول : قوله «بأصول» يعنى بها القوانين الكلية المنطبقة على الجزئيات ،


كقولهم مثلا «كل واو أو ياء إذا تحركت وافتح ما قبلها قلبت ألفا» والحق أن هذه الأصول هى التصريف ، لا العلم بها (١)

قوله «أبنية الكلم» المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها هيئتها التى يمكن أن يشاركها فيها غيرها ، وهى عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كلّ فى موضعه ؛ فرجل مثلا على هيئة وصفة يشاركه فيها عضد (٢) ، وهى كونه على ثلاثة أولها مفتوح وثانيها مضموم ، وأما الحرف الأخير فلا تعتبر حركته وسكونه فى البناء ، فرجل ورجلا ورجل على بناء واحد ، وكذا جمل على بناء ضرب ؛ لأن الحرف الأخير لحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء وسكونه ، وإنما قلنا «يمكن أن يشاركها» لأنه قد لا يشاركها فى الوجود كالحبك ـ بكسر الحاء وضم الباء ـ فانه لم يأت له نظير (٣) ، وإنما قلنا «حروفها المرتبة» لأنه إذا تغير النظم والترتيب تغير الوزن ،

__________________

(١) يريد الاعتراض على ابن الحاجب حيث قال «التصريف علم بأصول» ولم يقل التصريف أصول ، وذلك أن عبارة ابن الحاجب تشعر بأن التصريف غير الأصول المذكورة ، مع أنه نفس الأصول المذكورة ، والحق أن عبارة ابن الحاجب مستقيمة ، ولا وجه للاعتراض المذكور عليها ، وذلك أنه قد تقرر عند العلماء أن لفظ العلم يطلق إطلاقا حقيقيا على الأصول والقواعد ، وهى القضايا الكلية التى يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها ، وعلى التصديق بهذه الأصول والقواعد ، وعلى ملكة استحضارها الحاصلة من تكرير التصديق بها ، فقول ابن الحاجب «التصريف علم بأصول» يجوز أن يراد من العلم فيه القواعد ، فتكون الباء فى قوله «بأصول» للتصوير ، وأن يراد منه التصديق فتكون الباء للتعدية ، وأن يراد منه ملكة الاستحضار فتكون الباء للسببية إلا أن القواعد سبب بعيد للملكة ، والسبب القريب التصديق بها

(٢) العضد ـ كرجل وفلس وعنق وقفل وكتف ـ من الأنسان وغيره الساعد وهو ما بين المرفق إلى الكتف

(٣) الحبيكة ـ كسفينة ـ الطريق فى الرمل ونحوه ، واسم الجمع حبيك ، والجمع


كما تقول : يئس على وزن فعل وأيس على وزن عفل ، وإنما قلنا «مع اعتبار الحروف الزائدة والأصلية» لأنه يقال : إن كرّم مثلا على وزن فعّل ، ولا يقال : على وزن فعلل أو أفعل أو فاعل مع توافق الجميع فى الحركات المعينة والسكون ، وقولنا «كل فى موضعه» لأن نحو درهم ليس على وزن قمطر (١) لتخالف مواضع الفتحتين والسكونين ، وكذا نحو بيطر (٢) مخالف لشريف (٣) فى الوزن لتخالف موضعى الياءين ، وقد يخالف ذلك (٤) فى أوزان التصغير فيقال : أوزان التصغير ثلاثة : فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ؛ فيدخل فى فعيعل أكيلب وحميّر ومسيجد ونحوها ، وفى فعيعيل مفيتيح وتميثيل ونحو ذلك ؛ [وذلك](٥) لما سيجىء

__________________

حبائك وحبك ، كسفين وسفائن وسفن ، وقد قرىء فى الشواذ : (والسماء ذات الحبك) بكسر الحاء وضم الباء ، وهذه هى التى عناها الشارح المحقق بأنها لا نظير لها

(١) القمطر : الجمل القوى السريع ، وقيل : الجمل الضخم القوى ، ورجل قمطر : قصير ، وامرأة قمطرة : قصيرة عريضة ، والقمطر والقمطرة : ما تصان فيه الكتب

(٢) بيطر : عالج الدواب ، فهو بيطار. وبطر كفرح وبيطر كجعفر وبيطر كهزبر ومبيطر ، وأصله بطر الشىء يبطره شقه ، وبابه نصر

(٣) شريف الزرع : قطع شريافه ، وهو ورقه إذا كثر وطال وخشى فساده ، ويقال : شرنفه ، أى قطع شرنافه ، وهو بمعنى الأول

(٤) اسم الأشارة فى قوله «ذلك» يعود إلى اعتبار الحروف الزائدة والأصلية كل فى موضعه فى الوزن ؛ فأكيلب وزنه التصريفى أفيعل والتصغيرى فعيعل ، وحمير وزنه التصريفى فعيل والتصغيرى فعيعل ، ومسيجد وزنه التصريفى مفيعل والتصغيرى فعيعل ، ومفيتيح وزنه التصريفى مفيعيل والتصغيرى فعيعيل وتميثيل وزنه التصريفى تفيعيل والتصغيرى فعيعيل ، وسيأتى للشارح توجيه هذه المخالفة عند قول المصنف «ويعبر عنها بالفاء والعين واللام»

(٥) هذه الزيادة عن النسخة الخطية


قوله «أحوال أبنية الكلم» يخرج من الحد معظم أبواب التصريف ، أعنى الأصول التى تعرف بها أبنية الماضى والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغر والمصدر ، وقد قال المصنف بعد مدخلا لهذه الأشياء فى أحوال الأبنية : «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع» الخ وفيه نظر (١) ، لأن العلم بالقانون الذى تعرف به أبنية الماضى من الثلاثى والرباعى

__________________

(١) هذا النظر فى قول المصنف بعد مدخلا لهذه الأشياء فى حد التصريف «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع والأمر واسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل والمصدر واسمى الزمان والمكان والآلة والمصغر والمنسوب والجمع والتقاء الساكنين والابتداء والوقف ، وقد تكون للتوسع كالمقصور والممدود وذى الزيادة ، وقد تكون للمجانسة كالامالة ، وقد تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والاعلال والابدال والادغام والحذف» والحاصل أن قول المصنف «تعرف بها أحوال الأبنية» إن جعلت الاضافة فيه بيانية دخل فيه الأصول التى تعرف بها أبنية الماضى والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل وأسماء الزمان والمكان والآلة والمصغر والمنسوب والجمع ، وخرج منه الأصول التى تعرف بها أحوال الأبنية كالأصول التى يعرف بها الابتداء والامالة وتخفيف الهمزة والاعلال والابدال والحذف وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة فى بعض نحو مد وامتد وشد واشتد ، وبعض التقاء الساكنين وهو ما إذا كان الساكنان فى كلمة نحو قل وبع ، وخرج منه الأصول التى يعرف بها الادغام فى كلمتين نحو «منهم من ينظر» و «منهم من يقول» و «منهم من يستمع» «فماله من وال» «قل لزيد» والتى يعرف بها التقاء الساكنين فى كلمتين نحو «ادخل السوق» «واشتر الكتاب» وإن جعلت الاضافة على معنى اللام خرج من الحد النوع الأول والثالث ، ثم ذكر الشارح المحقق أن قول المصنف «وأحوال الأبنية قد تكون الخ» مشكل على كل حال ، وذلك أن الماضى وما ذكر معه إلى الجمع ليست أبنية ولا أحوال أبنية كما أن الادغام من كلمتين والتقاء الساكنين من كلمتين كذلك ، فلا يستقيم قوله «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع الخ» سواء أجعلت الاضافة بيانية أم على معنى اللام


والمزيد فيه وأبنية المضارع منها وأبنية الأمر وأبنية الفاعل والمفعول تصريف بلا خلاف ، مع أنه علم بأصول تعرف به أبنية الكلم ، لا أحوال أبنيتها ، فان أراد أن الماضى والمضارع [مثلا] حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بعد ؛ لأنهما بناءان مستأنفان بنيا بعد هدم بناء المصدر ، ولو سلمنا ذلك فلم عدّ المصادر فى أحوال الأبنية؟ فان القانون الذى تعرف به أبنيتها تصريف ، وليس يعرف به حال بناء ، والماضى والمضارع والأمر وغير ذلك مما مر كما أنها ليست بأحوال الأبنية ليست بأبنية أيضا على الحقيقة ، بل هى أشياء ذوات أبنية ، على ما ذكرنا من تفسير البناء ، بلى قد يقال لضرب مثلا : هذا بناء حاله كذا ، مجازا ، ولا يقال أبدا : إن ضرب حال بناء ، وإنما يدخل فى أحوال الأبنية الابتداء ، والامالة ، وتخفيف الهمزة ، والاعلال ، والابدال ، والحذف ، وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة فى بعض ، وأما نحو «قل لّه» فالادغام فيه ليس من أحوال البناء ، لأن البناء على ما فسرناه لم يتغير به ، وكذا بعض التقاء الساكنين ؛ وهو إذا كان الساكنان من كلمة كما فى قل وأصله قول ، وأما التقاؤهما فى نحو «اضرب الرجل» فليس حالا لبناء الكلمة ، إذ البناء ـ كما ذكرنا ـ يعتبر بالحركات والسكنات التى قبل الحرف الأخير ؛ فهذه المذكورات أحوال الأبنية ، وباقى ما ذكر هو الأبنية ؛ إلا الوقف والتقاء الساكنين فى كلمتين والادغام فيهما ؛ فان هذه الثلاثة لا أبنية ولا أحوال أبنية

قوله «التى ليست باعراب» لم يكن محتاجا إليه ، لأن بناء الكلمة ـ كما ذكرنا ـ لا يعتبر فيه حالات آخر الكلمة ، والاعراب طار على آخر حروف الكلمة ، فلم يدخل إذن فى أحوال الأبنية حتى يحترز عنه ، وإن دخل (١) فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء ، فهلّا احترز عنه أيضا؟!

__________________

(١) قول الشارح المحقق «وإن دخل فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء فهلا


واعلم أن التصريف (١) جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة ، والتصريف ـ على ما حكى سيبويه عنهم ـ هو أن تبنى (٢) من الكلمة بناء لم

__________________

احترز عنه أيضا» نقول : قد يقال : إن المراد من الأعراب ما يشمل البناء ، وإطلاق الاعراب على ما يشمل البناء كثير فى كلامهم ؛ من ذلك قول المصنف «أن ألحق بمقدمتى فى الاعراب مقدمة فى التصريف على نحوها» فهو إما حقيقة عرفية أو مجاز مشهور ، وكلاهما لا يضر أخذه فى التعريف.

(١) قول الشارح المحقق «واعلم التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصنعة» نقول : هذا على طريقة المتقدمين من النحاة ؛ فانهم يطلقون النحو على ما يشمل التصريف ، ويعرف على هذه الطريقة بأنه علم يعرف به أحكام الكلم العربية إفرادا وتركيبا ، أو بأنه العلم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التى ائتلف منها ، والمتأخرون على أن التصريف قسيم النحو لا قسم منه ، فيعرف كل منهما بتعريف يميزه عن قسيمه وعن كل ما عداه فيعرف النحو بأنه علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناء ، وأما التصريف فيستعمل فى الاصطلاح مصدرا واسما علما ، فيستعمل مصدرا فى تغيير الكلمة عن أصل وضعها ، ويتناول هذا المعنى نوعين من التغييرات : الأول : تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة لضروب من المعانى لا تحصل إلا بذلك التحويل ، وذلك كتحويل المصدر إلى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل واسم الزمان والمكان والآلة ، وكالتحويل إلى التثنية والجمع والتصغير والنسب ، والثانى : تغيير الكلمة عن أصل وضعها لقصد الالحاق أو التخلص من التقاء الساكنين أو التخفيف ، وذلك التغيير كالزيادة والحذف والاعلال والابدال وتخفيف الهمزة والادغام ، ويستعمل التصريف اسما علما فى القواعد التى يعرف بها أبنية الكلمة وما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وحذف وإبدال وإدغام وابتداء وإمالة ، وما يعرض لآخرها مما ليس باعراب ولا بناء كالوقف والادغام والتقاء الساكنين ، وهذان التعريفان غير التعريف الذى حكاه الشارح عن إمام أهل الصنعة سيبويه.

(٢) قول الشارح «أن تبنى من الكلمة بناء لم تبنه العرب الخ» نقول : يريد


تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل فى البناء الذى بنيته ما يقتضيه قياس كلامهم ، كما يتبين فى مسائل التمرين إن شاء الله تعالى ، والمتأخرون على أن التصريف علم بأبنية الكلمة ، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال وإدغام وإمالة ، وبما يعرض لآخرها مما ليس باعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك.

قال : «وأبنية الاسم الأصول ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة ، وأبنية الفعل ثلاثيّة ورباعيّة» (١)

__________________

أن تأخذ من الكلمة لفظا لم تستعمله العرب على وزن ما استعملته ثم تعمل فى هذا اللفظ الذى أخذته ما يقتضيه قياس كلامهم من إعلال وإبدال وإدغام ؛ فاذا بنيت من وأيت مثل قفل قلت وؤى ، فاذا خففت الهمزة بابدالها من جنس حركة ما قبلها صار وويا ، فعلى أن قلب الواو الأولى همزة فى مثل هذا واجب يقال : أوى ، وعلى أنه جائز يقال : «أوى» ، أو «ووى» ، وإذا بنيت من وأيت مثل كوكب قلت : ووأى ، تعل الياء بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم تحذف الألف لالتقاء الساكنين ، فاذا خففت الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها ثم حذفها ، فعلى القول بوجوب القلب فى مثله يقال : أوى ، كفتى ، وعلى القول بعدم وجوبه يقال : أوى ، أو ووى

(١) قول المصنف «وأبنية الاسم الأصول ثلاثية ورباعية الخ» مقتضاه أن الأبنية الأصول للاسم والفعل لا تكون أقل من ثلاثة ، وهو كذلك بالنظر إلى أصل الوضع وأما بالنظر إلى الاستعمال فقد تكون على حرفين وعلى حرف واحد ، مثال ما كان على حرفين من الاسم وهو محذوف اللام أب وأخ ويد وثبة وأمة ، ومثاله محذوف الفاء عدة وزنة ودية وشية ، ومثاله محذوف العين وهو قليل لم يسمع إلا فى ثلاث كلمات : سه اتفاقا ، وأصله سته بدليل جمعه على أستاه ، ومذ على رأى من يقول : إن أصلها منذ ، استدلالا بأنك لو سميت بمذ صغرته على منيذ وجمعته على أمناذ ، قال الشارح فى شرح الكافية : ومنع منه صاحب المغنى فى الموضعين وقال : قولهم منيذ وأمناذ غير منقول عن العرب ، وأما تحريك ذال مذفى نحو «مذ اليوم» بالضم للساكنين


أقول : لم يتعرض النحاة لأبنية الحروف لندور تصرفها ، وكذا الأسماء (١) العريقة البناء كمن وما

__________________

أكثر من الكسر فلا يدل أيضا على أن أصله منذ ، لجواز أن يكون للاتباع ، وضم ذال مذ ـ سواء كان بعده ساكن أولا ـ لغة غنوية ، فعلى هذا يجوز أن يكون أصله الضم فخفف فلما احتيج إلى التحريك للساكنين رد إلى أصله كما فى «لهم اليوم» والكلمة الثالثة ذا الاشارية ، على رأى من يقول : إن المحذوف منها العين ، وإن أصلها ذوى ، لكثرة باب طويت ، وورود الامالة فى ألفها ولا سب لها هنا إلا انقلابها عن ياء ، وهذا ما اختاره الشارح فى باب التصغير والاعلال ، ولكن اختار فى شرح الكافية أن أصله ذيى ، وأن المحذوف منه اللام ، لأن حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين ، والحمل على الأكثر عند خفاء الأصل أولى ، ومثال ما كان على حرف واحد فى الاسم «م الله» على رأى من يقول : إن أصله «أيمن الله» وأما على رأى من يقول : إنه موضوع للقسم هكذا ابتداء وليس مختصرا من ايمن ، فهو حرف قسم كالباء والواو ، وأما الفعل فقد يكون على حرفين ، والمحذوف منه العين كقل وبع وسل ، وقد يكون كذلك والمحذوف منه الفاء كضع ودع وذر ، وقد يكون على حرف واحد والمحذوف منه الفاء واللام المعتلان نحو «ع كلامى» و «ق نفسك»

(١) قول الشارح «وكذا الأسماء العريقة البناء» يريد المتأصلة فى البناء ، وهو مستعار من قولهم : أعرق الرجل ، إذا صار عريقا ، أى : أصيلا ، وهو الذى له عروق فى الكرم أو اللؤم ، هذا ، ولم يتعرض الشارح للسر فى أن أقل الأبنية ثلاثة ، ولا للسر فى أن الاسم لا يكون سداسيا ، ونحن نذكر لك ما قيل فى ذلك : قال أبو حيان : إنما كان أقل الأصول ثلاثة لأنه لا بد من حرف يبتدأ به ، وحرف يسكت عليه ، وحرف يحشى به الكلمة لأن بعض الكلم يحتاج إليه فى بعض الأحكام ، ألا ترى أن التصغير لا يتصور فى اسم على حرفين لأن ياءه إنما تقع ثالثة وحرف الاعراب بعدها ، وفيه أن هذا إنما يتم فى الاسم لا الفعل ، وقال الجاربردى : «الأصل فى كل كلمة أن تكون على ثلاثة أحرف : حرف يبتدأ به ، وحرف يوقف عليه ، وحرف يكون واسطة بين المبتدأ به والموقوف عليه ؛ إذ


واعلم أنه لم يبن من الفعل خماسى ، لأنه إذن يصير ثقيلا بما يلحقه مطّردا من حروف المضارعة وعلامة اسم الفاعل واسم المفعول (١) والضمائر المرفوعة التى هى كجزء الكلمة ، وإنما قال «الأصول» لأنه يزاد على ثلاثىّ الفعل واحد كأخرج ، واثنان كانقطع ، وثلاثة كاستخرج ، وعلى رباعيّه واحد كتدحرج ، واثنان كاحرنجم (٢) ويزاد على ثلاثىّ الاسم واحد نحو ضارب ، واثنان كمضروب ، وثلاثة كمستخرج ، وأربعة كاستخراج ، وعلى رباعيّه واحد كمدحرج ، واثنان كمتدحرج ، وثلاثة كاحربحام (٣) ، ولم يزد فى خماسيّه غير حرف مد قبل الآخر نحو سلسبيل (٤) وعضر فوط (٥) أو بعده مجرّدا عن التاء كقبعثرى (٦)

__________________

يجب أن يكون المبتدأ به متحركا والموقوف عليه ساكنا ، فلما تنافيا صفة كرهوا مقارنتهما ؛ ففصلوا بينهما بحرف لا تجب فيه الحركة ولا السكون ، فكان مناسبا لهما» وهو منقوض بما كان على حرفين من الحروف والأسماء المشبهة لها ، قال : «وإنما جوزوا فى الاسم رباعيا وخماسيا للتوسع ، ولم يجوزوا سداسيا لئلا يوهم أنه كلمتان ؛ إذ الأصل فى الكلمة أن تكون على ثلاثة أحرف» هذا ، وأكثر أنواع الأبنية وقوعا فى الكلام الثلاثى ، ويليه الرباعى ، ويليه الخماسى

(١) قول الشارح «وعلامة اسم الفاعل والمفعول» ظاهره أن علامة اسم الفاعل والمفعول تلحق الفعل وليس كذلك ، والصواب حذفه والتعليل تام بدونه

(٢) الاحرنجام : الاجتماع ، يقال : احرنجم القوم ، إذا اجتمع بعضهم إلى بعض ، وحرجمت الابل : إذا رددت بعضها إلى بعض ، فاحرنجمت : أى ارتد بعضهما إلى بعض واجتمعت

(٢) الاحرنجام : الاجتماع ، يقال : احرنجم القوم ، إذا اجتمع بعضهم إلى بعض ، وحرجمت الابل : إذا رددت بعضها إلى بعض ، فاحرنجمت : أى ارتد بعضهما إلى بعض واجتمعت

(٣) يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل ، إذا كان سهل المدخل فى الحلق ، واختلف علماء اللغة فى قوله تعالى : (عينا فيها تسمى سلسبيلا) فقيل : إنه اسم عين فى الجنة ، وصرف وحقه المنع للعلمية والتأنيث ؛ للتناسب ، وقيل : إنه وصف للعين ، وعليه فلا إشكال فى صرفه

(٤) العضرفوط : دويبة بيضاء ناعمة ، وقيل : ذكر العظاء

(٥) القبعثرى : العظيم الشديد ، والأنثى قبعثراة ، قال المبرد : ألفه ليست


أو معها كقبعثراة ، وندر قرعبلانة (١) وإصطفلينة (٢)

قال : «ويعبّر عنها بالفاء والعين واللّام ، وما زاد بلام ثانية وثالثة ، ويعبّر عن الزّائد بلفظه ، إلّا المبدل من تاء الافتعال فإنّه بالتّاء ، وإلّا المكرّر للإلحاق أو لغيره فإنّه بما تقدّمه وإن كان من حروف الزّيادة إلّا بثبت ، ومن ثمّ كان حلتيت (٣) فعليلا لا فعليتا ، وسحنون (٤)

__________________

للتأنيث ولا للالحاق ، وإنما هى لمجرد تكثير البنية

(١) القرعبلانة : دوية عريضة عظيمة البطن ، قال ابن سيده : وهو مما فات الكتاب من الأبنية ، قال الجوهرى : أصل القرعبلانة قرعبل ، فزيدت فيه ثلاثة أحرف ؛ لأن الاسم لا يكون على أكثر من خمسة أحرف ، وقيل : إن هذه اللفظة لم تسمع إلا فى كتاب العين ، وهو غير موثوق به

(٢) فى القاموس : «الاصطفلين ـ كجردحلين بزيادة الياء والنون ـ : الجزر الذى يؤكل ، الواحدة إصطفلينة ، وفى كتاب معاوية إلى قيصر : «لأنتزعنك من الملك انتزاع الاصطفلينة ، ولأردنك إريسا من الأرارسة ترعى الدوبل» اه والاريس : الأكار : أى الحراث ، والدوبل : الخنزير أو الذكر من الخنازير خاصة أو ولده ، قال ابن الأثير : ليست اللفظة ـ بعنى الاصطفلينة ـ بعربية محضة لان الصاد والطاء لا يكاد ان يجتمعان إلا قليلا ، وقول الشارح «وندر قرعلانة وإصطفلينة» نقول : ذكر بعضهم أنه زيد فى الخماسى حرفا مدقبل الآخر ، نحو مغناطيس ، قال : فان صح ذلك وكان عربيا جعل نادرا ، وقد حكاه ـ أعنى مغناطيس ـ ابن القطاع ، ونقول : «فى اللسان المغنطيس حجر يجذب الحديد ، وهو معرب» وفى القاموس «المغنطيس والمغنطيس والمغناطيس : حجر يجذب الحديد ، معرب» اه

(٣) قال فى اللسان : قال أبو حنيفة : «الحلتيت عربى أو معرب ولم يبلغنى أنه ينبت ببلاد العرب ولكن ينبت بين بست وبين بلاد القيقان ، وهو نبات يسلنطح ثم يخرج من وسطه قصبة تسمو وترفع ، والحلتيت أيضا : صمغ يخرج فى أصول ورق تلك القصبة ، وأهل تلك البلاد يطبخون بقلة الحلتيت ويأكلونها وليست مما يبقى على الشتاء» اه

(٤) لم نجد هذه الكلمه فى القاموس وشرحه ولا فى اللسان ، وفى شرح الجاربردى أنه أول الريح والمطر


وعثنون (١) فعلولا لا فعلونا لذلك ولعدمه ، وسحنون إن صحّ الفتح ففعلون لا فعلول كحمدون ، وهو مختصّ بالعلم ؛ لندور (٢) فعلول وهو صعفوق (٣) ، وخرنوب ضعيف ، وسمنان (٤) فعلان ، وخزعال (٥) نادر وبطنان (٦) فعلان ، وقرطاس (٧) ، ضعيف مع أنّه نقيض ظهران»

__________________

(١) قال فى القاموس : «العثنون اللحية ، أو ما فضل منها بعد العارضين ، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا ، أو هو طولها ، وشعيرات طوال تحت حنك البعير ومن الريح والمطر أولهما ، أو عام المطر ، أو المطر ما دام بين السماء والأرض»

(٢) مرجع الضمير فى قوله : «وهو مختص بالعلم» فعلون (بفتح أوله وبالنون) وقوله «لندور فعلول» تعليل لحمله على فعلون ونفى كونه فعلولا

(٣) قوله «وهو صعفوق» يريد الذى ندر من فعلول بفتح أوله ، قال فى اللسان : «وقال الأزهرى كل ما جاء على فعلول فهو مضموم الأول مثل زنبور وبهلول وعمروس وما أشبه ذلك ؛ إلا حرفا جاء نادرا وهو بنو صعفوق لخول باليمامة. وبعضهم يقول صعفوق بالضم ، قال ابن برى : رأيت بخط أبى سهل الهروى على حاشية كتاب : جاء على فعلول (بالفتح) صعفوق وصعقول لضرب من الكمأة وبعكوكة الوادى لجانبه ، قال ابن برى : أما بعكوكة الوادى وبعكوكة الشر فذكرها السيرافى وغيره بالضم لا غير ، أعنى بضم الباء ، وأما الصعقول لضرب من الكمأة فليس بمعروف ولو كان معروفا لذكره أبو حنيفة فى كتاب النبات وأظنه نبطيا أو أعجميا» ا ه وقد ذكر المجد فى القاموس الصندوق بضم أوله وفتحه فهو مزيد على ما حكاه ابن برى عن الهروى

(٤) سمنان كما قال الشارح : اسم موضع ، قيل : هو من أرض نجد ، وقيل : هو مدينة بين الرى ونيسابور

(٥) سيأتى فى كلام الشارح تفسير الخزعال بأنه ظلع يصيب الناقة

(٦) بطنان : اسم لباطن ريش الطائر ، وظهران : اسم لظاهره ، وسيأتى لهذا القول تكملة

(٧) القرطاس ـ بضم أوله ، وقد يفتح ، والأشهر فيه الكسر ـ وهو الكاغذ : أى ما يكتب فيه


أقول : يعنى إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام : أى جعلت فى الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة كما تقول : ضرب على وزن فعل

اعلم أنه صيغ لبيان الوزن المشترك فيه كما ذكرنا لفظ متصف بالصفة التى يقال لها الوزن ، واستعمل ذلك اللفظ فى معرفة أوزان جميع الكلمات ؛ فقيل : ضرب على وزن فعل ، وكذا نصر وخرج ، أى : هو على صفة يتصف بها فعل ، وليس قولك فعل هى الهيئة المشتركة بين هذه الكلمات ، لأنا نعرف ضرورة أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة فى شىء من الكلمات المذكورة ، فكيف تكون الكلمات مشتركة في فعل؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون محلا للهيئة المشتركة فقط ، بخلاف تلك الكلمات ، فانها لم تصغ لتلك الهيئة بل صيغت لمعانيها المعلومة ، فلما كان المراد من صوغ فعل الموزون به مجرّد الوزن سمى وزنا وزنة ، لا أنه فى الحقيقة وزن وزنة ، وإنما اختير لفظ فعل لهذا الغرض من بين سائر الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الكلمة معرفة (١) حروفها

__________________

(١) المراد أن يعرف المتعلم باختصار الفرق بين الأصلى والزائد ومحل الأصلى ، فاذا قيل له إن وزن منطلق منفعل ، كان أخصر من أن يقال الميم والنون زائدتان ، وكذا إذا قيل له أن ناء فلع كان أخصر من أن يقال له إن اللام مقدمة على العين ، وهكذا ، وبما ذكرنا اندفع ما يقال : كيف تعرف الأصالة والزيادة من المقابلة بالفاء والعين واللام مع أن المقابلة فرع معرفة الأصالة والزيادة ، وذلك أن المعلم إذا عرف الأصالة والزيادة من أدلتهما وأراد أن يعرف المتعلم باختصار الأصالة والزيادة قابل له حروف الكلمة التى يريد أن يعرفه حالها بحروف الميزان ، ثم إن ما ذكر من أن المقابلة بالفاء والعين واللام تدل على الأصالة إنما هو فى غير المكرر أما هو سواء أكان تكراره للألحاق أم لغيره فانما تعرف الأصالة والزيادة فيه من أمر آخر وهو أن كل تضعيف فى كلمة زائدة على ثلاثة أحرف فأحد الضعفين فيها زائد كقطع وجلبب وركع (جمع راكع) ، وقردد ؛ إذا لم يفصل بين المثلين


الأصول وما زيد فيها من الحروف وما طرأ عليها من تغييرات لحروفها بالحركة والسكون ، والمطّرد فى هذا المعنى الفعل والأسماء المتصلة بالأفعال كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة والآلة والموضع ، إذ لا تجد فعلا ولا اسما متصلا به إلا وهو فى الأصل مصدر قد غيّر غالبا إما بالحركات كضرب وضرب أو بالحروف كيضرب وضارب ومضروب ، وأما الاسم الصريح الذى لا اتصال له بالفعل فكثير منه خال من هذا المعنى كرجل وفرس وجعفر وسفرجل ، لا تغيير فى شىء منها عن أصل

ومعنى تركيب «ف ع ل» مشترك بين جميع الأفعال والأسماء المتصلة بها ؛ إذ الضّرب فعل ، وكذا القتل والنّوم ، فجعلوا ما تشترك الأفعال والأسماء المتصلة بها فى هيئته اللفظية مما تشترك أيضا فى معناه ، ثم جعلوا الفاء والعين واللام فى مقابلة الحروف الأصلية ، إذ الفاء والعين واللام أصول ، فان زادت الأصول على الثلاثة كرّرت اللام دون الفاء والعين ، لأنه لما لم يكن بدّ فى الوزن من زيادة حرف بعد اللام لأن الفاء والعين واللام تكفى فى التعبير بها عن أول الأصول وثانيها وثالثها كانت الزيادة بتكرير أحد الحروف التى فى مقابلة الأصول بعد اللام أولى ، ولما كانت اللام أقرب كرّرت هى دون البعيد

فان كان فى الكلمة المقصود وزنها حرف زائد فهو على ضربين : إن كانت الزيادة بتكرير حرف أصلى كتكرير عين قطّع أو لام جلبب كرّرت العين فى وزن الأول نحو فعّل واللام فى وزن الثانى نحو فعلل ، ولا يورد ذلك المزيد بعينه ؛ فلا يقال : فعطل ولا فعلب ؛ تنبيها فى الوزن على أن الزائد حصل من تكرير حرف أصلى ، سواء كان التكرير للالحاق كقردد (١) أو

__________________

حرف أصلى ، وإن لم تزد على الثلاثة فالمثلان فيها أصليان كمد وعد وبر وجب.

(١) قردد : اسم جبل ، وما ارتفع من الأرض ، ومن الظهر أعلاه ، ومن الشتاء شدته وحدته ، ويقال : جاء بالحديث على قردده : أى وجهه


لغيره كقطّع ، وإن لم تكن الزيادة بتكرير حرف أصلى أورد فى الوزن تلك الزيادة بعينها ، كما يقال فى ضارب : فاعل ، وفى مضروب : مفعول

وقد ينكسر هذا الأصل الممهّد فى أوزان التصغير ، إذ قصدوا حصر جميعها فى أقرب لفظ وهو قولهم : أوزان التصغير ثلاثة فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ، ويدخل فى فعيعل دريهم مع أن وزنه الحقيقى فعيلل ؛ وأسيود وهو أفيعل ، ومطيلق وهو مفيعل ، وجويرب وهو فويعل ، وحميّر وهو فعيّل ، ويدخل فى فعيعيل عصيفير وهو فعيليل ، ومفيتيح وهو مفيعيل ، ونحو ذلك ، وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا الاختصار بحصر جميع أوزان التصغير فيما يشترك فيه بحسب الحركات المعينة والسكنات ، لا بحسب زيادة الحروف وأصالتها ، فان دريهما مثلا وأحيمر وجديولا ومطيلقا تشترك فى ضم أول الحروف وفتح ثانيها ومجىء ياء ثالثة وكسر ما بعدها ، وإن كانت أوزانها فى الحقيقة مختلفة باعتبار أصالة الحروف وزيادتها ، فقالوا لما قصدوا جمعها فى لفظ للاختصار : إن وزن الجميع فعيعل ، فوزنوها بوزن يكون فى الثلاثى دون الرباعى ، لكونه أكثر منه ، وأقدم بالطبع ، ثم قصدوا ألا يأتوا فى هذا الوزن الجامع بزيادة إلا من نفس الفاء والعين واللام ، إذ لا بد للثلاثى ـ إذا كان على هذا الوزن ـ من زيادة ، واختيار بعض حروف «اليوم تنساه» للزيادة دون بعض تحكم ، إذ لو قالوا مثلا أفيعل باعتبار نحو أحيمر أو مفيعل باعتبار نحو مجيلس أو فعيّل باعتبار نحو حميّر أو غير ذلك كان تحكما ، فلم يكن بدّ من تكرير أحد الأصول ، وفى الثلاثى لا تكون زيادة التضعيف فى الفاء فلم يقولوا ففيعل ، بل لا تكون إلا فى العين كزرّق (١) أو فى اللام كمهدد (٢) وقردد ،

__________________

(١) الزرق بوزان سكر طائر صياد وبياض فى ناصية الفرس والجمع زراريق

(٢) مهدد : اسم امرأة ، قال ابن سيده : وإنما قضيت على ميم مهدد أنها أصل


فلو قالوا فعيلل لا لتبس بوزن جعيفر ، أعنى وزن الرباعى المجرد عن الزيادة ، وهم قصدوا وزن الثلاثى كما ذكرنا ، فكرروا العين ليكون الوزن الجامع وزن الثلاثى خاصة ، وإن لم يقصدوا الحصر المذكور ورنوا كل مصغر بما يليق به ، فقالوا : دريهم فعيلل ، وحميّر فعيّل ، ومقيتل مفيعل ، ونحو ذلك.

هذا ، وقد يجوز فى بعض الكلمات أن تحمل الزيادة على التكرير ، وأن لا تحمل عليه ، إذا كان الحرف من حروف «اليوم تنساه» وذلك كما فى حلتيت ، يحتمل أن تكون اللام مكررة كما فى شمليل فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل ، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن اتفق ذلك ، بل كان القصد إلى زيادة الياء والتاء كما فى عفريت (١) فيكون فعليتا ، وكذا سمنان : إما أن يكون مكرر اللام للالحاق بزلزال ، أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيد فى سلمان ، ولا دليل فى قول الحماسى : ـ

١ ـ نحو الأميلح من سمنان مبتكرا

بفتية فيهم المرّار والحكم (٢)

ـ بمنع صرف سمنان ـ على كونه فعلان ، لجواز كونه فعلالا وامتناع صرفه لتأويله بالأرض والبقعة لأنه اسم موضع ، قال المصنف : لا يجوز أن يكون مكرر اللام للالحاق لأن فعلالا نادر كخزعال ، ولا يلحق بالوزن النادر ، ولقائل أن يقول : إن فعلالا إذا كان فاؤء ولامه الأولى من جنس واحد نحو زلزال (٣)

__________________

لأنها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة وكانت مدغمة كمسد ومرد ، وهو (مهدد) فعلل اه وقال سيبويه : الميم من نفس الكلمة ، ولو كانت زائدة لأدغم الحرف مثل مفر ومرد ، فثبت أن الدال ملحقة ، والملحق لا يدغم ا ه

(١) العفريت : النافذ فى الأمر المبالغ فيه مع دها.

(٢) الأميلح : ماء لبنى ربيعة ، وسمنان تقدم ذكره ، ومبتكرا : ذاهبا فى بكرة النهار ، وهى أوله ، والمرار والحكم أخوا الشاعر ، وهو زياد بن منقذ

(٣) الزلزال : التحريك الشديد ، والخلخال : حلى يلبس فى الساق ، وخلخال : بلد ويقال : ثوب خلخال ، أى رقيق


وخلخال غير نادر اتفاقا ، فهلا يجوز أن يكون سمنان ملحقا به ، وليس نحو زلزال بفعفال على ما هو مذهب الفراء كما يذكره المصنف فى باب ذى الزيادة ، ولا يجوز أن يكون التاءان أصليتين فى حلتيت وكذا النونان فى سمنان لما سيجىء من أن التضعيف فى الرباعى والخماسى لا يكون إلا زائدا إلا أن يفصل أحد الحرفين عن الآخر بحرف أصلى كزلزال على ما فيه من الخلاف كما سيجىء ، ولا يجوز أن يكون كرر اللام فيهما لغير الالحاق كما فى سودد (١) عند سيبويه لأن معنى الالحاق حاصل فيهما ، وإنما امتنع ذلك فى نحو سؤدد عند سيبويه (١) لعدم نحو جخدب عنده

وأما نحو سحنون وعثنون فهما مكررا اللام للالحاق بعصفور ، ولا يجوز أن يكون زيد الواو والنون كما فى حمدون لعدم فعلون فى أبنيتهم ، وأما سحنون ـ بفتح الفاء ـ فليس بمكرر اللام للالحاق بصعفوق ، لأنه نادر ، ولا يلحق بالنادر ، وليس التكرير لغير الالحاق كما فى سؤدد (١) لعدم فعلول مكرّر اللام فهو إذن فعلون لثبوت فعلون فى الأعلام خاصة ، وسحنون علم

وأما بطنان فليس بمكرر اللام ، لأنه جمع بطن (٢) ، وليس فعلال من

__________________

(١) هذا الكلام الذى ذكره الشارح هاهنا فى كلمة سؤدد مخالف لما سيأتى له ، فقد قال فى مبحت الالحاق : ولا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجىء فى الملحقة ذلك الزائد بعينه فى مثل مكانه ، فلا يقال إن اعشوشب واجلوذ ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما فى موضع نونه ، ولهذا ضعف قول سيبويه فى نحو سؤدد إنه ملحق بجندب المزيد نونه ، وقوى قول الأخفش إنه ثبت نحو جخدب وإن نحو سؤدد ملحق به. وقال فى باب الاعلال عند التعليل لتصحيح كلمة عليب : وهو عند الأخفش ملحق بجخدب وعند سيبويه للألحاق أيضا كسؤدد وإن لم يأت عنده فعلل اه فهاتان العبارتان صريحتان فى أنه يرى أن مذهب سيبويه أن كلمة سؤدد ملحقة بنحو جندب

(٢) الذى قاله المصنف هنا هو الذى ذكره المجد فى القاموس والجوهرى فى


أبنية الجموع ، وفعلان منها كقفزان (١) ولو كان بطنان واحدا لجاز أن يكون فعلالا مكرر اللام للالحاق بقسطاس (٢) كما فى قرطاط (٣) وفسطاط (٤) ، أو يقال فى الثلاثة إنها مكررة اللام لا للالحاق كما فى سؤدد عند سيبويه (٥) وقال المصنف : لا يجوز أن يكون بطنان ملحقا بقرطاس لأنه ضعيف ، والفصيح قرطاس ـ بكسر الفاء ـ ولقائل أن يقول : قرطاس غير ضعيف ، وقد قرىء في الكتاب العزيز بالكسر والضم ، وما قيل «إنها لغة رومية» لم يثبت والظاهر أن المصنف بنى على أن بطنانا وظهرانا مفردان (٦) فحمل بطنانا فى كونه فعلان على ظهران الذى هو فعلان بيقين ، ولو جعلهما جمعين لم يحتج إلى ما ذكر ، لأن فعلالا ليس من أبنية الجموع ، والحق أنهما جمعا بطن وظهر كما ذكر أهل اللغة

رجعنا إلى تفسير كلامه ، قوله «يعبر عنها» أى عن الأصول : أى

__________________

الصحاح وابن منظور فى اللسان عن ابن سيده ، لكن قال الجاربردى فى شرحه على الشافية إن ظهرانا اسم لظاهر الريش وبطنانا اسم لباطنه فهما على ذلك مفردان كما يقتضيه كلام المصنف

(١) القفزان : جمع قفيز ، وهو مكيال يسع ثمانية مكاكيك (والمكاكيك : جمع مكوك ـ بزنة تنور ـ وهو مكيال يسع صاعا ونصف صاع). والقفيز من الأرض يساوى مائة وأربعا وأربعين ذراعا

(٢) القسطاس ـ بالضم والكسر ـ الميزان

(٣) القرطاط ـ بالضم والكسر ـ ما يوضع تحت رحل البعير ، وهو الداهية أيضا.

(٤) الفسطاط ـ بضم أوله أو كسره ـ المدينة التى فيها مجتمع الناس ، وكل مدينة فسطاط ، ومنه قيل لمدينة مصر التى بناها عمرو بن العاص فسطاط ، وقال الزمخشرى : الفسطاط : ضرب من الأبنية فى السفردون السرادق ، وبه سميت المدينة ، ويقال لمصر والبصرة الفسطاط اه عن اللسان

(٥) أنظر (ص ١٦ ه‍ ١ من هذا الجزء) (٢ ـ ١)


يجعل فى الوزن مكان أول الأصول الفاء ، ومكان ثانيها العين ، ومكان ثالثها اللام.

قوله «وما زاد» أى : وما زاد على ثلاثة من الأصول يعبّر عنه بلام ثانية إن كان الاسم رباعيا ، كما تقول : وزن جعفر فعلل

قوله «وثالثة» أى : إذا كان الاسم خماسيا كما تقول : وزن سفرجل فعلّل

قوله «ويعبر عن الزائد بلفظه» : أى يورد فى الوزن الحرف الزائد بعينه فى مثل مكانه ، كما تقول : مضروب على وزن مفعول

قوله «إلا المبدل من تاء الافتعال» يعنى تقول فى مثل اضطرب وازدرع (١) افتعل ، ولا تقول افطعل ولا افدعل ، وهذا مما لا يسلّم ، بل تقول : اضطرب على وزن افطعل ، وفحصط (٢) وزنه فعلط ، وهراق (٣) وزنه هفعل ، وفقيمجّ وزنه (٤) فعيلجّ ؛ فيعبر عن كل الزائد المبدل [منه] بالبدل ، لا بالمبدل منه وقال عبد القاهر فى المبدل عن الحرف الأصلى : «يجوز أن يعبر عنه بالبدل ؛ فيقال فى قال : إنه على وزن فال» اه ، قال فى الشرح (٥) : إنما لم يوزن المبدل من تاء

__________________

(١) أصل ازدرع ازترع ، فأبدلوا التاء دالا لوقوعها بعد الزاى ، وهى بمعنى زرع أى طرح البذر

(٢) فحصط : هو فحصت بتاء المتكلم ، فأبدلت طاء تشبيها لها بالتاء فى نحو اصطبر والابدال فى فحصت شاذ ؛ إذ التاء فيه من الأسماء العريقة فى البناء

(٣) هراق : أصله أولا أريق ثم أعل بالنقل والقلب فصار أراق ثم ، أبدلت همزته هاء شذوذا

(٤) فقيمج (بالتصغير والجيم مشددة) أصله فقيمى ، وهو المنسوب إلى فقيم ، وفقيم : بطن من كنانة ، أبدلت فيه الياء المشددة جيما كما قالوا : علجا وعشجا فى على وعشى

(٥) المراد بالشرح فى هذه العبارة شرح ابن الحاجب على شافيته


الافتعال بلفظه إما للاستثقال أو للتنبيه على الأصل ، قلنا : هذان حاصلان فى فحصط وفى فزد (١) ولا يوزنان إلا بلفظ البدل ، ولو قال : ويعبر عن الزائد بلفظه ، إلا المدغم فى أصلىّ فانه بما بعده ، والمكرر فانه بما قبله ، ليدخل فيه نحو قولك : ازّيّن وادّارك (٢) على وزن افّعّل وافّاعل ، وقولك قردد وقطّع واطّلب على وزن فعلل وفعّل وافعّل ؛ لكان أولى وأعم

قوله «وإلا المكرر للالحاق» أى : لا يقال فى قرد فعلد ، بل فعلل

قوله «أو لغيره» أى : لا يقال فى نحو قطّع فعطل ، بل فعّل ، قال : (٣) «إنما وزن المكرر للالحاق بأحد حروف فعل لأنه فى مقابلة الحرف الأصلى ، وهذا ينتقض عليه بقولهم فى وزن حوقل وبيطر : فوعل وفيعل ، بل العلة في التعبير عن المكرر للالحاق [كان] أو لغيره عينا كان أو لا ما ما ذكرته قبل

قوله «فانه بما تقدمه» أى : فانّ المكرر يعبر عنه فى الوزن بالحرف الذى تقدمه ، عينا كان ذلك الحرف أو لاما

قوله «وإن كان من حروف الزيادة» أى : وإن كان أيضا ذلك الحرف المكرر من حروف «اليوم تنساه» لا يعبر عنه بلفظه ، بل بما تقدمه ، فالنون من عثنون من حروف «اليوم تنساه» ولا يعبر عنه فى الوزن بالنون ، بل باللام الذى تقدمه.

__________________

(١) فزد : أصلها فزت ، فعل ماض من الفوز مسند إلى ضمير المتكلم ، فأبدلت التاء دالا تشبيها لها بالتاء فى نحو ازدجر وازدرع

(٢) ازين : أصله تزين ، فأبدلت التاء زايا ثم أدغم ثم أتى بهمزة الوصل توصلا إلى النطق بالساكن ، وادارك : أصله تدارك أبدلت التاء دالا ثم فعل به ما فعل بسابقه ، واطلب : أصله اطتلب أبدلت تاء الافتعال طاء لوقوعها بعد حرف الأطباق ثم أدغمت الطاء فى الطاء

(٣) القائل هو المصنف فى الشرح المنسوب إليه


قوله «إلا بثبت» أى : إلا أن يكون هناك حجة تدل على أن المراد من الاتيان بحروف «اليوم تنساه» ليس تكريرا كما قلنا فى سحنون ـ بالفتح ـ إنه فعلون لا فعلول.

قوله «ومن ثم» أى : من جهة التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف «اليوم تنساه» ، ونحن قد ذكرنا أنه لا مانع أن يقال إنه فعليت

قوله «لذلك» أى : لوجوب التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف الزيادة.

قوله «ولعدمه» أى : لعدم فعلون.

قوله «وسحنون إن صح الفتح» إنما قال ذلك لأنه روى الفتح فيه ، والمشهور الضم ، وحمدون وسحنون : علمان.

قوله «وهو صعفوق» أى : الفعلول النادر صعفوق ، وهو اسم رجل ، وبنو صعفوق : خول باليمامة (١)

قوله «وخرنوب ضعيف» المشهور ضم الخاء ، وقد منع الجوهرى الفتح ، ولو ثبت أيضا لم يدل على ثبوت فعلول ؛ لأن النون زائدة لقولهم الخرّوب ـ بالتضعيف ـ بمعناه ، وهو نبت.

قوله «وخزعال نادر» قال الفراء : لم يأت من غير المضاعف على فعلال إلا قولهم : ناقة بها خزعال : أى ظلع ، وزاد ثعلب قهقارا ، وأنكره الناس ، وقالوا :

__________________

(١) الخول ـ بفتحتين ـ الخدم والرعاة إذا حسن قيامهم على المال والغنم ، الواحد خولى كعرب وعربى. قال ابن الأثير : الخولى عند أهل الشأم القيم بأمر الابل واصلاحها ، من التخول التعهد وحسن الرعاية


قهقرّ (١) وزاد أبو مالك قسطالا بمعنى قسطل ، وهو الغبار ، وأما فى المضاعف كخلخال وبلبال (٢) وزلزال فكثير.

قال : «ثمّ إن كان قلب فى الموزون قلبت الزّنة مثله كقولهم فى آدر أعفل ، ويعرف القلب بأصله كناء يناء مع النّأى ، وبأمثلة اشتقاقه كالجاه والحادى والقسىّ ، وبصحّته كأيس ، وبقلّة استعماله كآرام وآدر ، وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل نحو جاء ، أو إلى منع الصّرف بغير علّة على الأصحّ نحو أشياء ؛ فانّها لفعاء ، وقال الكسائىّ : أفعال ، وقال الفرّاء : أفعاء وأصلها أفعلاء ، وكذلك الحذف كقولك فى قاض فاع ، إلّا أن يبيّن فيهما»

أقول : يعنى بالقلب تقديم بعض حروف الكلمة على بعض ، وأكثر ما يتفق القلب فى المعتل والمهموز ، وقد جاء فى غيرهما قليلا ، نحو امضحلّ واكرهفّ فى اضمحلّ واكفهرّ ، (٣) وأكثر ما يكون بتقديم الآخر على متلوّه كناء يناء فى نأى ينأى ، وراء فى رأى ، ولاع وهاع وشواع فى لائع وهائع (٤)

__________________

(١) قال فى اللسان : القهقر ، والقهقر بتشديد الراء الحجر الأملس الأسود الصلب ، وكان أحمد بن يحى يقول وحده القهقار ا ه وأحمد هو ثعلب

(٢) البلبال : شدة الهم ، والوسواس فى الصدر

(٣) اضمحل الشىء : ذهب ، وامضحل فى لغة الكلابيين بمعناها ، واكفهر الرجل :

عبس وقطب وجهه ، واكرهف بمعناها

(٤) تقول : رجل هائع لائع : أى جبان ضعيف جزوع ، وهو اسم فاعل من الأجوف قلبت عينه ألفا ثم همزة كما فى بائع وقائل ، وقد قال أكثر العرب هاع لاع (معربا بحركات ظاهرة على آخر الكلمة وهو العين) فاختلف العلماء فى تخريجه فمنهم من ذهب إلى أنه على زنة فعل بكسر العين قلبت عينه ألفا لتحركها إثر فتحة وقال آخرون : أصله هائع لائع ؛ فحذفت العين ووزنه فال ؛ وقال بعض العرب هاع لاع (معربا إعراب قاض) فقال العلماء : أصله هايع لاوع قدمت اللام على العين فصار هاعيا ولاعوا ثم أعلا إعلال قاض وغاز ، فالاعراب على هذا الوجه بفتحة ظاهرة وبضمة وكسرة مقدرتين ، هذا ، واعلم أنه قد تتوارد هذه الأوجه


وشوائع (١) والمهاة وأصلها الماهة (٢) ، وأمهيت الحديد (٣) فى أمهته ، ونحو جاء عند الخليل ؛ وقد يقدّم متلوّ الآخر على العين نحو طأمن وأصله طمأن (٤) لأنه من الطّمأنينة ، ومنه اطمأنّ يطمئنّ اطمئنانا ، وقد تقدّم العين على الفاء كما فى أيس وجاه وأينق والآراء والآبار والآدر (٥) ، وتقدّم اللام على الفاء كما فى أشياء على الأصح ، وقد تؤخر الفاء عن اللام كما فى الحادى وأصله الواحد

__________________

الثلاثة فيما ورد مجرورا بالكسرة ، فأما المرفوع والمنصوب فلا تتوارد عليه ، بل إن كان المرفوع بالضمة والمنصوب بالفتحة على الحرف الصحيح فلا يجىء الا أحد الوجهين ، وإن كان على غير ذلك فهو على ما ذكر آخرا ليس غير

(١) شوائع : جمع شائعة ، تقول : أخبار شائعة وشوائع إذا كانت منتشرة ، وكذا تقول شاعية وشواع بالقلب ، وتقول : جاءت الخيل شوائع وشواعى : أى متفرقة

(٢) الماهة : واحدة الماه ، وهو الماء ، قاله فى اللسان ، والمهاة ـ بفتح الميم ـ الحجارة البيض التى تبرق ، وهى البلورة التى تبص لشدة بياضها ، وهى الدرة أيضا ، والمهاة ـ بضم الميم ـ ماء الفحل ، وإذا استقرأت أمثلة القلب المكانى علمت أنه لا بد بين معنى اللفظ المقلوب والمقلوب عنه من المناسبة لكن لا يلزم أن يكون هو نفسه ، بل يجوز أن يكون مما شبه بمعنى المقلوب عنه أو من بعض أفراده ، قال ابن منظور : «المهو من السيوف : الرقيق ، وقيل : هو الكثير الفرند ، وزنه فلع ، مقلوب من لفظ ماه ، قال ابن جنى : وذلك لأنه أدق حتى صار كالماء» اه

(٣) تقول : أمهيت الحديدة إذا سقيتها الماء وأحددتها ورققتها وتقول : اماه الرجل السكين وغيرها إذا سقاها الماء وذلك حين تسنها به ، ومثل ذلك قولهم فى حفر البئر أمهى وأماه إذا انتهى إلى الماء

(٤) طأمن الرجل الرجل : إذا سكنه ، والطمأنينة : السكون ، والذى ذهب إليه المؤلف من أن طأمن مقلوب عن طمأن هو ما ذهب إليه أبو عمرو بن العلاء وسيبويه ذهب إلى أن طمأن مقلوب عن طأمن ، انظر اللسان فان فيه حجة الأمامين وتفصيل المذهبين

(٥) الجاه : المنزلة والقدر عند السلطان : وأصله وجه قدمت العين فيه على الفاء ثم حركت الواو ؛ لأن الكلمة لما لحقها القلب ضعفت فغبروها بتحريك ما كان ساكنا


قوله «بأصله» أى : بما اشتقّ منه الكلمة التى فيها القلب ، فان مصدر ناء يناء النّأى لا النّىء

قوله : «وبامثلة اشتقاقه» أى : بالكلمات المشتقة مما اشتقّ منه المقلوب ؛ فان توجّه ووجّه وواجهته والوجاهة مشتقة من الوجه ، كما أن الجاه مشتق منه ؛ وكذلك الواحد وتوحّد مشتقان من الوحدة كاشتقاق الحادى منها ، والأقواس وتقوّس مشتقان من القوس اشتقاق القسىّ منه ؛ وهذا منه عجيب ، لم جعله قسما آخر وهو من الأول : أى مما يعرف بأصله؟! بل الكلمات المشتقة من ذلك الأصل تؤكد كون الكلمات المذكورة مقلوبة

قوله «وبصحته كأيس» حقّ العلامة أن تكون مطردة ، وليس صحة الكلمة نصا فى كونها مقلوبة ، إذ قد تكون لأشياء أخر كما فى حول وعور

___________________

ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وليس يلزم فى القلب اتحاد وزن المقلوب والمقلوب عنه ، قاله فى اللسان عن ابن جنى ، وذهب بعض الشراح إلى أن الواو لما أخرت عن الجيم أخرت وهى مفتوحة ، وحركت الجيم ضرورة أنها صارت مبتدأ بها ، وكانت حركتها الفتحة للخفة أو لأنها أصل حركة الفاء فى هذه الكلمة ، وبعضهم يذهب إلى أن الواو انقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها وإن كانت هى ساكينة كما فى طائى وياجل. والذى ذكره المؤلف من أن أينقا مقلوب هو أحد مذهبين لسيبويه قال فى اللسّان : قال ابن جنى ذهب سيبويه فى قولهم أينق مذهبين أحدهما أن تكون عين أينق قلبت إلى ما قبل الفاء فصارت فى التقدير أونق ثم أبدلت الواو ياء لأنها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت بالابدال أيضا ، والآخر ان تكون العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء فمثالها على هذا القول أيفل وعلى القول الأول أعفل.

وأصل آراء وآبار أرآء وأبآر بدليل مفردهما فقدمت العين فالتقى همزتان فى أول الكلمة وثانيتهما ساكنة فقلبت الثانية وجوبا مدة من جنس حركة ما قبلها ، وأصل آدر أدور جمع دار ، أبذلت الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا ، ثم قدمت العين على الفاء فقلبت ثانية الهمزتين ألفا


واجتوروا والحيدى ، وكذا قلة استعمال إحدى الكلمتين وكثرة استعمال الأخرى المناسبة لها لفظا ومعنى لا تدل على كون القليلة الاستعمال مقلوبة ؛ فان رجلة فى جمع رجل أقل استعمالا من رجال وليست بمقلوبة منه ، ولعل مراده أنها إذا كانت الكلمتان بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا بقلب فى حروفهما ، فان كانت إحداهما صحيحة مع ثبوت العلة فيها دون الأخرى كأيس مع يئس فالصحيحة مقلوبة من الأخرى ، وكذا إن كانت إحداهما أقل استعمالا مع الفرض المذكور من الأخرى ، فالقلّى مقلوبة من الكثرى ، كآرام وآدر مع أرآم وأدؤر ، مع أن هذا ينتقض بجذب وجبذ ، فان جذب أشهر مع أنهما أصلان (١) على ما قالوا ويصح أن يقال : إن جميع ما ذكر من المقلوبات يعرف بأصله ؛ فالجاه والحادى والقسىّ عرف قلبها بأصولها وهى الوجه والوحدة والقوس ، وكذا أيس يأيس باليأس ، وآرام وآدر برئم ودار ، فان ثبت لغتان بمعنى يتوهّم فيهما القلب ، ولكل واحدة منهما أصل كجذب جذبا وجبذ جبذا ؛ لم يحكم بكون إحداهما مقلوبة من الأخرى ، ولا يلزم كون المقلوب قليل الاستعمال ، بل قد يكون كثيرا كالحادى والجاه ، وقد يكون مرفوض الأصل كالقسىّ ، فان أصله ـ أعنى القووس ـ غير مستعمل

وليس شىء من القلب قياسيا إلا ما ادعى الخليل فيما أدّى ترك القلب فيه إلى اجتماع الهمزتين كجاء وسواء (٢) ؛ فانه عنده قياسى

__________________

(١) هذا الذى ذكره من أن جذب وجبذ أصلان هو ما ذهب إليه جمهرة المحققين من النحاة وذهب أبو عبيد وابن سيده فى المحكم على ما قاله اللسان (فى مادة جذب) إلى أن جبذ مقلوبة عن جذب ونقل فى اللسان عن ابن سيده (فى مادة جبذ) مثل قول الجمهور

(٢) جمع سائية ، وهى مؤنث ساء ، وهو اسم فاعل من قولهم ساءه سوءا وسواء وسواءة وسواية وسوائية ومساءة ومسائية على القلب ؛ فعل به ما يكره


قوله «وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل كجاء» أى : أن الخليل يعرف القلب بهذا ويحكم به ، وهو أن يؤدى تركه إلى اجتماع همزتين ، وسيبويه لا يحكم به وإن أدى تركه إلى هذا ، وذلك فى اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام نحو ساء وجاء ، وفى جمعه على فواعل نحو جواء وسواء جمعى جائية وسائية وفى الجمع الأقصى لمفرد لامه همزة قبلها حرف مد كخطايا فى جمع خطيئة ، وليس ما ذهب إليه الخليل بمتين ، وذلك لأنه إنما يحترز عن مكروه إذا خيف ثباته وبقاؤه ، أما إذا أدى الأمر إلى مكروه وهناك سبب لزواله فلا يجب الاحتراز من الأداء إليه ، كما أن نقل حركة واو نحو مقوول إلى ما قبلها وإن كان مؤديا إلى اجتماع الساكنين لم يجتنب لمّا كان هناك سبب مزيل له ، وهو حذف أولهما ، وكذا فى مسئلتنا قياس موجب لزوال اجتماع الهمزتين ، وهو قلب ثانيتهما فى مثله حرف لين كما هو مذهب سيبويه ، وإنما دعا الخليل إلى ارتكاب وجوب القلب فى مثله أداء ترك القلب إلى إعلالين كما هو مذهب سيبويه ، وكثرة القلب فى الأجوف الصحيح اللام ، نحو شاك وشواع فى شائك وشوائع ؛ لئلا يهمز ما ليس أصله الهمز والهمز مستثقل عندهم كما يجىء فى باب تخفيف الهمزة ، ويحذفه بعضهم فيما ذكرت حذرا من ذلك ، فيقول : رجل هاع لاع بضم العين ، فلما رأى فرارهم من الأداء إلى همزة فى بعض المواضع أوجب الفرار مما يؤدى إلى همزتين ، وأما سيبويه فانه يقلب الأولى همزة كما هو قياس الأجوف الصحيح اللام نحو قائل وبائع ، ثم يقلب الهمزة الثانية ياء لاجتماع همزتين ثانيهما لام كما سيجىء تحقيقه فى باب تخفيف الهمزة ، فيتخلص مما يجتنبه الخليل مع عدم ارتكاب القلب الذى هو خلاف الأصل ، وقد نقل سيبويه عن الخليل مثل ذلك أيضا ، وذلك أنه حكى عنه أنه إذا اجتمعت همزتان فى كلمة واحدة اختير تخفيف الأخيرة نحو جاء وآدم ، فقد حكم على ما ترى بانقلاب ياء الجائى عن الهمزة ، وهو عين مذهب سيبويه


فان قيل : لو كانت الثانية منقلبة عن الهمزة لم تعلّ بحذف حركتها كما فى دارى (١) ومستهزيون

فالجواب أن حكم حروف اللين المنقلبة عن الهمزة انقلابا لازما حكم حروف اللين الأصلية التى ليست بمنقلبة عن الهمزة ، وإن كان الانقلاب غير لازم كما فى دارى (٢) ومستهزيين فالأكثر أن حكمها حكم الهمزة لعروضها ؛ فلذا بقى الياء فى دارى ومستهزيين ، ويروى عن حمزة مستهزون ، وعليه قوله (٣) :

٢ ـ جرىء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم (٤)

فحذف الألف للجزم ، وكذا قالوا مخبىّ فى مخبوّ مخفف مخبوء بالهمزة كما يجىء فى باب الاعلال ، وبعضهم يقول فى تخفيف رؤية ورؤيا : ريّة وريّا بالادغام كما يجىء فى باب الاعلال

__________________

(١) مذهب سيبويه فى جاء أن أصله جايىء فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الألف همزة فصار جائئا ثم قلبت الهمزة الثانية ياء لكونها ثانية همزتين فى الطرف أولاهما مكسورة على ما سيأتى فى تخفيف الهمزة ثم أعطيت الكلمة حكم قاض ونحوه من حذف الياء إذا كان منونا غير منصوب وبقائها فيما عدا ذلك ؛ فالشارح يعترض على الاعلال بالحذف بأنه لو صح أن الياء منقلبة عن الهمزة الثانية وليست هى العين أخرت إلى موضع اللام لكان يجب لها البقاء كما بقيت الياء المنقلبة عن الهمزة فى دارى وأصله دارىء وفى مستهزيين وأصله مستهزئون خففت الهمزة فيهما بقلبها من جنس حركة ما قبلها.

(٢) دارىء : اسم فاعل من قولك درأه درءا ودرأة إذا دفعه وتقول : ناقة دارىء مغدة ، ومستهزىء اسم فاعل من استهزأ منه وبه أى سخر.

(٣) هو زهير ابن أبى سلمى المزنى ، والبيت من معلقته يمدح به حصين ابن ضمضم

(٤) يريد أنه شجاع متى ظلمه أحد عاقب الظالم بظلمه سريعا وأنه مع ذلك عزيز النفس إن لم يبدأه أحد بالظلم بدأ هو بالظلم


فان قيل : فاذا كان قلب ثانية همزتى نحو أئمة واجبا فهلّا قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها

قلت : إذا تحركت الواو والياء فاءين وانفتح ما قبلهما لم تقلبا ألفا وإن كانتا أصليتين كما فى أودّ (١) وأيلّ ، بل إنما تقلبان عينين أو لامين ، كما يجىء فى باب الاعلال إن شاء الله تعالى ، وقال المصنف : إنما لم تقلب ياء أيمة ألفا لعروض الحركة عليها كما فى «اخشى الله» «ولو انّهم» ولقائل أن يقول : الحركة العارضة فى أيمة لازمة بخلاف الكسرة فى «اخشى الله» ، ولو لم يعتدّ بتلك العارضة لم تنقلب الهمزة الثانية ياء ، فانها إنما قلبت ياء للكسرة ، لا لشىء آخر ، هذا ، وإنما قدم الادغام فى أيمة وإوزّة على إعلال الهمزة بقلبها ألفا وإعلال الواو بقلبها ياء للكسرة التى قبلها ؛ لأن المثلين فى آخر الكلمة وآخرها أثقل طرفيها إذ الكلمة يتدرّج ثقلها بتزايد حروفها ، واللائق بالحكمة الابتداء بتخفيف الأثقل ، ألا ترى إلى قلب لام نوى أوّلا دون عينه ، فلما أدغم أحد المثلين فى الآخر فى أيمة وإوزّة ـ ومن شرط إدغام الحرف الساكن ما قبله نقل حركته إليه ـ تحركت الهمزة والواو الساكنتان فزالت علة قلب الهمزة ألفا والواو ياء ، وإنما حكم فى إوزّة بأنها إفعلة لا إفعلة لوجود الوزن الأول كإصبع دون الثانى ،

__________________

(١) أود إن كانت واوه مفتوحة فهو إما مضارع وددته وإما أفعل تفضيل منه ، وإن كانت الواو مضمومة فهو جمع قلة لود (مثلث الواو) على وزن أفعل وأصله أودد فنقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله ثم أدغم ؛ وأيل ـ بفتح الهمزة والياء ـ يحتمل أن يكون مضارع يللت إذا قصرت أسنانى أو انعطفت إلى داخل الفم ، وبابه فرح ، ويحتمل أيضا أن يكون صفة مشبهة من ذلك ، والأنثى يلاء


ولا يجوز أن يكون فعلّة كهجفّ (١) لقولهم وزّ (٢) ، وأما ترك قلب عين نحو نوى بعد قلب اللام فلما يجىء فى باب الاعلال (٣)

فان قيل : إذا كان المد الجائز انقلابه عن الهمزة حكمه حكم الهمزة فلم وجب الادغام فى بريّة ومقروّة (٤) بعد القلب؟ وهلّا كان مثل رييا (٥) غير مدغم ، مع أن تخفيف الهمزة فى الموضعين غير لازم؟؟

قلت : الفرق بينهما أن قلب الهمزة فى بريّة ومقروّة لقصد الادغام فقط حتى تخفف الكلمة بالإدغام ، ولا مقتضى له غير قصد الإدغام ؛ فلو قلبت بلا إدغام لكان نقضا للغرض ، وليس قلب همزة رئيا كذلك ؛ لأن مقتضيه كسر ما قبلها كما فى بئر ، إلا أنه اتفق هناك كون ياء بعدها

قوله «أو إلى منع الصرف بغير علة على الأصح» أى : يعرف القلب على الأصح بأداء تركه إلى منع صرف الاسم من غير علة ، ودعوى القلب بسبب أداء تركه

__________________

(١) الهجف ـ بكسر ففتح فسكون ـ الظليم (الذكر من النعام) المسن ، أو الجافى الثقيل منه ومن الآدميين ، وهو أيضا الجائع

(٢) الأوزة : البطة ، واحدة الاوز ، وقد قالوا فيها : وزة ، وقالوا فى اسم الجنس أيضا : وز ، فكان سقوط الهمزة فى بعض صور الكلمة دليلا على أن هذه الهمزة حرف زائد

(٣) الذى يجىء فى باب الإعلال هو أن شرط إعلال العين بقلبها ألفا ألا تكون اللام حرف علة ، سواء أعلت اللام كما فى نوى أم لم تعل

(٤) برية : أصله بريئة ، نعيلة بمعنى مفعولة ، من قولهم : برأ الله الخلق : أى أنشأه وأوجده ، خففت الهمزة بابدالها ياء ثم أدغمت الياء فى الياء. ومقروة : أصله مقروءة اسم مفعول من قرأ ففعل به ، فعل بسابقه

(٥) رييا : أصله رئيا ، خففت الهمزة بأبدالها من جنس حركة ما قبلها ، والرئى : المنظر الحسن


إلى هذا مذهب سيبويه ، فأما الكسائى فانه لا يعرف القلب بهذا الأداء ، بل يقول : أشياء أفعال ، وليس بمقلوب ، وإن أدى إلى منع الصرف من غير علة ، ويقول : امتناعه من الصرف شاذ ، ولم يكن ينبغى للمصنف هذا الاطلاق ؛ فان القلب عند سيبويه عرف فى أشياء بأداء الأمر لو لا القلب إلى منع الصرف بلا علة ، كما هو مذهب الكسائى ، أو إلى حذف الهمزة حذفا غير قياسى ، كما هو مذهب الأخفش والفراء ، فهو معلوم بأداء الامر إلى أحد المحذورين لا على التعيين ، لا بالأداء إلى منع الصرف معينا

ثم نقول : أشياء عند الخليل وسيبويه اسم جمع لا جمع ، كالقصباء والغضياء والطّرفاء ، في القصبة والغضا والطّرفة (١) وأصلها شيئاء ، قدّمت اللام على الفاء كراهة اجتماع همزتين بينهما حاجز غير حصين ـ أى الألف ـ مع كثرة استعمال هذه اللفظة ، فصار لفعاء ، وقال الكسائى : هو جمع شىء ، كبيت وأبيات ، منع صرفه توهّما أنه كحمراء ، مع أنه كأبناء وأسماء ، كما توهّم فى مسيل (٢) ـ وميمه زائدة ـ أنها أصلية فجمع على مسلان كما جمع قفيز على قفزان وحقه مسايل وكما توّهم فى مصيبه ومعيشة أن ياءهما زائدة كياء قبيلة فهمزت فى الجمع فقيل : مصائب اتفاقا ، ومعائش عن بعضهم ، والقياس مصاوب ومعايش ، وكما توهم فى منديل ومسكين ومدرعة (٣) ، وهو من تركيب ندل (٤) ودرع وسكن ، أصالة ميمها فقيل : تمندل وتمسكن وتمدرع اه.

__________________

(١) القصباء : القصب وهو معروف ، والغضياء : منبت الغضا ، وواحده غضا أيضا ، والغضا : الشجر الذى ينبت فى هذا المكان واحدته غضاة ، والطرفاء : اسم جنس للطرفة

(٢) المسيل : أصله اسم مكان من سال يسيل ، ومسيل الماء : مجراه

(٣) المدرعة ـ كمكنسة ـ الثوب من الصوف

(٤) ندل الشىء : نقله ، وندل الخبز : أخذه بيده ، والمنديل : الخرقة التى يمسح بها


وما ذهب إليه بعيد ، لأن منع الصرف بلا سبب غير موجود ، والحمل على التوهم ـ ما وجد محمل صحيح ـ بعيد من الحكمة. (١)

وقال الأخفش والفراء : أصله أشيئاء جمع شيء وأصله شىّء نحو بيّن وأبيناء ، وهو ضعيف من وجوه :

أحدها : أن حذف الهمزة فى أشياء إذن على غير قياس ،

والثانى. أن شيئا لو كان فى الأصل شيّئا لكان الأصل أكثر استعمالا من المخفف ، قياسا على أخواته ، فان بيّنا وسيّدا وميّتا أكثر من بين وسيد وميت ، ولم يسمع شىّء ، فضلا عن أن يكون أكثر استعمالا من شىء.

والثالث : أنك تصغر أشياء على أشيّاء ، ولو كان أفعلاء [وهو] جمع كثرة وجب رده فى التصغير إلى الواحد.

وجمعه على أشياوات مما يقوّى مذهب سيبويه ، لأن فعلاء الأسمية تجمع على فعلاوات مطردا نحو صحراء على صحراوات ، وجمع الجمع بالألف والتاء كرجالات وبيوتات غير قياس.

__________________

قال فى اللسان : قيل هو من الندل الذى هو الوسخ ، وقيل : إنما اشتقاقه من الندل الذى هو التناول ، وقوله (ودرع) الذى عثرنا عليه أن الدرع ثوب من ثياب النساء والدرع الحديد ، وتقول : درعته بالتضعيف أى ألبسته الدرع ، ودرعت المرأة بالتضعيف كذلك : أى ألبستها قميصها ، فتدرع وادرع أى لبسها ، ولم نعثر على فعل ثلاثى مجرد من هذا المعنى

(١) قال فى القاموس : وأما الكسائى فيرى أنها (يريد أشياء) أفعال كفرخ وأفراخ ، ترك صرفها لكثرة الاستعمال ، شبهت بفعلاء فى كونها جمعت على أشياوات فصارت كخضراء وخضراوات ، وحينئذ لا يلزمه ألا يصرف ابناء وأسماء كما زعم الجوهرى لأنهم لم يجمعوا أسماء وأبناء بالألف والتاء


ويضعف قول الأخفش والكسائى قولهم : أشايا ؛ وأشاوى ، فى جمع أشياء ، كصحارى فى جمع صحراء ، فان أفعلاء وأفعالا لا يجمعان على فعالى ، والأصل هو الأشايا (١) وقلبت الياء فى الأشاوى واوا على غير قياس ، كما قيل : جبيته جباية وجباوة.

وقال سيبويه : أشاوى جمع إشاوة فى التقدير ، فيكون إذن مثل إداوة (٢) وأداوى كأنه بنى من شيء شياءة ثم قدمت اللام إلى موضع الفاء وأخرت العين إلى موضع اللام فصار إشاية ، ثم قلبت الياء واوا على غير قياس كما فى جباوة ، ثم جمع على أشاوى كإداوة وأداوى.

وأقرب طريقا من هذا أن نقول : جمع أشياء على أشايا ، ثم قلبت الياء واوا على غير القياس

قوله «وكذلك الحذف» عطف على قوله «إن كان فى الموزون قلب قلبت الزنة مثله» يعنى وإن كان فى الموزون حذف حذف فى الزنة مثله ، فيقال : قاض على وزن فاع ، بحذف اللام.

قوله «إلا أن يبيّن فيهما» أى : يبين الأصل فى المقلوب والمحذوف ، يعنى

__________________

(١) أصل أشايا الذى هو جمع أشياء أشايى ، فقلبت الياء همزة (على رأى سيبويه وجمهور البصريين) فصار أشائى ، بهمزتين ، فقلبت الثانيه ياء ، ثم قلبت كسرة أولى الهمزتين فتحة ، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها حينئذ ، فاجتمع شبه ثلاث ألفات فكان لا بد من قلب الهمزة ، فقلبت ياء لأمرين : الأول : أن الياء أخف من الواو ، والثانى : أنها أقرب مخرجا منها إلى الهمزة ، فلا جرم أن الياء قد غلبت الواو فى هذا الباب كثيرا ، وإذا عرفت هذا كان من السهل أن تدرك أن قلب الياء واوا بعد ذلك غير القياس

(٢) الإداوة ـ بكسر الهمزة ـ المطهرة ، وهى إناء من جلد يتخذ للماء


[أنك] إن أردت بيان الأصل فى المقلوب والمحذوف لم تقلب فى الوزن ولم تحذف فيه ، وهو وهم ، لأنك لا تقول : إن أشياء مثلا عند سيبويه فعلاء إذا قصدت بيان أصله ، بل الذى تزن بفعلاء ما ليس فيه قلب وهو أصل هذا المقلوب ، تقول :

أصل أشياء على وزن فعلاء ، وكذا لا تقول إذا قصدت بيان أصل قاض : إن قاض فاعل ، بل تقول : أصل قاض فاعل ، فلا يكون أبدا وزن نفس المقلوب والمحذوف إلا مقلوبا ومحذوفا ، فلا معنى للاستثناء بقوله «إلا أن يبين فيهما»

قال : «وتنقسم إلى صحيح ومعتلّ ، فالمعتلّ ما فيه حرف علّة ، والصّحيح بخلافه ؛ فالمعتلّ بالفاء مثال ، وبالعين أجوف وذو الثلاثة ، وباللّام منقوص وذو الأربعة ، وبالفاء والعين أو بالعين واللّام لفيف مقرون ، وبالفاء والّلام لفيف مفروق».

أقول : قوله «تنقسم» أى : تنقسم الأبنية أصولا كانت أو غير أصول ، ولا يكون رباعىّ الاسم والفعل معتلا ولا مضاعفا ولا مهموز الفاء (١) ، ولا يكون

__________________

(١) أما أن أحدهما لا يكون معتلا فلأنه إما أن يكون اعتلال أحدهما بالواو أو بالياء أو بالألف ، وإما أن يكون أحد هذه الأحرف فى الأول أو بعده ، فأما الواو والياء فلا يكونان مع ثلاثة أصول إلا زائدين كما يجىء فى باب ذى الزيادة وأما الألف فلا تقع أولا ولا تكون بعد الأول مع ثلاثة أصول إلا وهى زائدة ، وأما أن أحدهما لا يكون مضعفا فان عنى بذلك أنه لا يكون مكررا فغير مسلم لورود نحو زلزل ووسوس ، وسمسم ويؤيؤ ، وإن عنى أن لامه الأولى والثانية مثلا لا تكونان من جنس واحد مع كونهما أصلين فمسلم ؛ فنحو هجف وخدب اللام الثانية مزيدة للإلحاق بهزبر ؛ وأما أن أحدهما لا يكون مهموز الفاء فوجهه أن الهمزة فى الأول مع ثلاثة أصول فقط لا تكون إلا زائدة نحو أحمد ، وأما مهموز العين فقد يكون رباعيا نحو زئبر (وهو ما يعلوا لثوب الجديد) ونحو ضئبل ونئطل (وهما اسمان من أسماء الداهية)


الخماسى مضاعفا ، وقد يكون معتل الفاء فقط ، ومهموزه ، نحوورنتل (١) وإصطبل بل يكون الرباعى مضاعفا بشرط فصل حرف أصلى بين المثلين كزلزل ، وستعرف هذه الجملة حق المعرفة فى باب ذى الزيادة إن شاء الله تعالى.

قوله «ما فيه حرف علة» أى : فى جوهره ، أعنى فى موضع الفاء أو العين أو اللام ، حتى لا ينتقض بنحو حوقل وبيطر ويضرب (٢) ، ويعنى بحرف العلة الواو والياء والألف ، وإنما سميت حرف علة لأنها لا تسلم ولا تصح : أى لا تبقى على حالها فى كثير من المواضع ، بل تتغير بالقلب والاسكان والحذف ، والهمزة وإن شاركتها فى هذا المعنى لكن لم يجر الاصطلاح بتسميتها حرف علة.

وتنقسم الأبنية قسمة أخرى إلى مهموز وغير مهموز ، فالمهموز قد يكون صحيحا كأمر وسأل وقرأ ، وقد يكون معتلا نحو آل ووأل (٣) ورأى ، وكذا غير المهموز نحو ضرب ووعد.

وتنقسم قسمة أخرى إلى مضاعف وغير مضاعف ، والمضاعف إما صحيح كمدّ ، أو معتل كودّ وحىّ وقوّة ، وكذا غير المضاعف كضرب ووعد ، وكذا المضاعف إما مهموز كأزّ (٤) ، أو غيره كمدّ ، فالمهموز ما أحد حروفه الأصلية همزة

__________________

(١) الورنتل : الشر والأمر العظيم ، وظاهر كلام الشارح هنا يقتضى أنه خماسى الأصول مثل ما بعده ، مع أن الواقع أن النون زائدة مثل نون جحنفل ، أما واوه فأصلية لأنها لا تزاد أولا البتة. انظر اللسان

(٢) حوقل الرجل : ضعف عن الجماع مثل حقل ، وحوقل أيضا : أسرع فى المشى ، وكبر ، ومشى فأعيا ، والواو فيها زائدة ، أما حوقل بمعنى قال لا حول ولا قوة إلا بالله فالواو فيها أصلية

(٣) آل يؤول أولا ومآلا : رجع ، ووأل يئل وألا ووء لا ووئيلا : لجأ ، ومنه الموئل

(٤) أزت القدر تؤز وتئزأزا وأزيزا : إذا اشتد غليانها ، وقيل : هو غليان ليس بالشديد


كأمر وسأل وقرأ ، والمضاعف ما عينه ولامه متماثلان وهو الكثير ، أو ما فاؤه وعينه متماثلان كددن (١) وهو فى غاية القلة (٢) ، أو ما كرّر فيه حرفان أصليان بعد حرفين أصليين نحو زلزل ، أما ما فاؤه ولامه متماثلان كقلق فلا يسمى مضاعفا.

قوله «فالمعتل بالفاء مثال» لأنه يماثل الصحيح فى خلو ماضيه من الاعلال نحو وعد ويسر ، بخلاف الأجوف والناقص ، وإنما سمى بصيغة الماضى لأن المضارع فرع عليه فى اللفظ ؛ إذ هو ماض زيد عليه حرف المضارعة وغيّر حركاته ؛ فالماضى أصل أمثلة الأفعال فى اللفظ.

قوله «وبالعين أجوف» أى : المعتل بالعين أجوف ، سمى أجوف تشبيها بالشىء الذى أخذ ما فى داخله فبقى أجوف ؛ وذلك لأنه يذهب عينه كثيرا نحو قلت وبعت ولم يقل ولم يبع [وقل وبع] وإنما سمى ذا الثلاثة اعتبارا بأول ألفاظ الماضى ؛ لأن الغالب عند الصرفيين إذا صرّفوا الماضى أو المضارع أن يبتدئوا بحكاية النفس نحو ضربت وبعت لأن نفس المتكلم أقرب الأشياء إليه ، والحكاية عن النفس من الأجوف على ثلاثة أحرف نحو قلت وبعت.

وسمى المعتل اللام منقوصا وناقصا لا باعتبار ما سمى له فى باب الإعراب منقوصا ؛ فانه إنما سمى به هناك لنقصان إعرابه ، وسمى ههنا بهما لنقصان حرفه الأخير فى الجزم والوقف نحو اغز وارم واخش ولا تغز ولا ترم ولا تخش ، وسمى ذا الأربعة لأنه ـ وإن كان فيه حرف العلة ـ لا يصير فى أول ألفاظ الماضى على

__________________

(١) الددن : اللعب واللهو ، وقد يستعمل منقوصا أى محذوف اللام كيد فيقال الدد ، ومقصورا كالعصا فيقال الددا

(٢) وإنما كان فى غاية القلة لأن اجتماع المثلين مستثقل ، فاذا كان فى أول الكلمة حين يبدأ المتكلم كان أشد ثقلا لضرورة النطق بالحرف مرتين ؛ بسبب تعذر الادغام حينئذ


ثلاثة كما صار فى الأجوف عليها ؛ فتسميتهما ذا الثلاثة وذا الأربعة باعتبار الفعل لا باعتبار الاسم.

وقوله «وبالفاء والعين» نحو يوم وويح (١) وبالعين واللام نحو نوى وحيى والقوّة ، يسمى مضاعفا باعتبار ، ولفيفا مقرونا باعتبار.

قوله : «وبالفاء واللام» نحو ولى ووقى.

قال : «وللاسم الثّلاثىّ المجرّد عشرة أبنية ، والقسمة تقتضى اثنى عشر ، سقط منها فعل وفعل استثقالا وجعل الدّئل منقولا ، والحبك إن ثبت فعلى تداخل الّلغتين فى حرفى الكلمة ، وهى فلس فرس كتف عضد حبر عنب إبل قفل صرد عنق» (٢).

أقول : إنما كانت القسمة تقتضى اثنى عشر لأن اللام للاعراب أو للبناء ؛ فلا يتعلق به الوزن كما قدمناه ، وللفاء ثلاثة أحوال : فتح ، وضم ، وكسر ، ولا يمكن إسكانه لتعذر الابتداء بالساكن ، وللعين أربعة أحوال : الحركات الثلاث ، والسكون ، والثلاثة في الأربعة اثنا عشر ، سقط المثالان لاستثقال الخروج من

__________________

(١) لم يجىء هذا النوع فى الأفعال المأخوذة من المصادر ، وقد جاء فى بعض أفعال مأخوذة من أسماء جامدة ليست مصادر كما قالوا : ياومته وكما قالوا : تويل ، إذا قال ويلى ، ومنه قول الشاعر :

تويّل أن مددت يدى وكانت

يمينى لا تعلّل بالقليل

وقد جاء هذا النوع فى أسماء قليلة مثل ويح وويل وويس وويب ويوح ويوم.

والويح : كلمة رحمة ، والويل : دعاء بالعذاب ، والويس : كلمة رحمة واستملاح للصبى ، والويب : بمعنى الويل ، واليوح : اسم من أسماء الشمس

(٢) الفلس ـ بفتح فسكون ـ ما يتعامل به مما ليس فضة ولا ذهبا ، والحبر بكسر فسكون ـ المداد الذى يكتب به والعالم ، والصرد ـ بضم ففتح ـ طائر ضخم الرأس يصطاد العصافير ، وبياض فى ظهر الفرس من أثر الدبر


ثقيل إلى ثقيل يخالفه ؛ فأما فى [نحو] عنق وإبل فتماثل الثقيلين (١) خفّف شيئا ، والخروج من الكسرة إلى الضمة أثقل من العكس لأنه خروج من ثقيل إلى أثقل منه ؛ فلذلك لم يأت فعل لا فى الأسماء ولا فى الأفعال إلا فى الحبك إن ثبت ، ويجوز ذلك إذا كان إحدى الحركتين غير لازمة نحو يضرب وليقتل ، وأما فعل فلما كان ثقله أهون قليلا جاء فى الفعل المبنى للمفعول ، وجوّز ذلك لعروضه لكونه فرع المبنى للفاعل ، وجاء فى الأسماء الدّئل علما وجنسا (٢) ، أما إذا كان علما فيجوز أن يكون منقولا من الفعل كشمّر ويزيد ، والدّأل (٣) : الختل ، ودخول اللام فيه قليل ، كما فى قوله : ـ

٣ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله (٤)

__________________

(١) كلام الشارح هاهنا يعارض ما سيأتى له أن يذكره فى باب النسب عند التعليل لفتح عين الثلاثى المكسورة نحو إبل ونمر ودئل دون المضمومة كعضد وعنق فقد قال : إن الطبع لا ينفر من توالى المختلفات وإن كانت كلها مكروهة كما ينفر توالى المتماثلات ، اللهم إلا أن يقال إن كلامه هاهنا فى توالى ثقيلين متماثلين وما سيأتى فى توالى الأمثال الثقلاء

(٢) أما العلم فهو الدئل بن بكر بن كنانة ، ومن بنيه أبو الأسود الدؤلى ظالم بن عمرو ، وجمهرة العلماء يقولون : الدئل بضم الدال ، وكسر الهمزة فى هذا العلم ، ومنهم من يقوله بكسر الدال وقلب الهمزة ياء. وأما الجنس فهو دويبة كالثعلب ، وفى الصحاح دويبة شبيهة بابن عرس

(٣) الختل : الخديعة

(٤) الأعباء : جمع عبء ، والمراد بأعباء الخلافة مشاقها ومتاعبها ، ويروى فى مكانه بأحناء الخلافة ، والأحناء : جمع حنو والمراد بها أطرافها ونواحيها ومتشابهاتها.

والكاهل : مقدم أعلى الظهر. والبيت لابن ميادة يمدح الوليد بن اليزيد بن عبد الملك بن مروان


فعلى هذا لا استبعاد فيه ؛ لأن أصله الفعل المبنىّ للمفعول ، وأما إذا كان جنسا على ما قيل «إنه اسم دويبة شبيهة بابن عرس» قال : ـ

٤ ـ جاؤا بجيش لو قيس معرسه

ما كان إلّا كمعرس الدّئل (١)

ففيه أدنى إشكال ؛ لأن نقل الفعل إلى اسم الجنس قليل ، لكنه مع قلته قد جاء منه قدر صالح ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إنّ الله نهاكم عن قيل وقال» ويروى «عن قيل (٢) وقال» ـ على إبقاء صورة الفعل ـ وكذا قولهم : أعييتنى من شبّ إلى دبّ ، ومن شبّ إلى دبّ (٣) أى : من لدن شببت إلى أن دببت على العصا ، فلما نقل إلى معنى الاسم غير لفظه أيضا من صيغة المبنى للفاعل إلى صيغة المبنى للمفعول ؛ لتكون الصيغة المختصة بالفعل دليلا

__________________

(١) معرس ـ بضم فسكون ففتح ـ اسم مكان من أعرس ، لكن الأشهر عرس تعريسا والمكان منه معرس بتشديد الراء مفتوحة ومعناه مكان النزول آخر الليل للاستراحة. والبيت لكعب بن مالك الأنصارى يصف جيش أبى سفيان فى غزوة السويق بالقلة والحقارة

(٢) قال ابن الأثير : معنى الحديث أنه (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) نهى عن فضول ما يتحدث به المتجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا اه

(٣) قال فى اللسان : وفى المثل أعييتنى من شب إلى دب ومن شب إلى دب (الأول على صيغة الفعل المبنى للمجهول والثانى اسم معرب منون على زنة قفل) أى من لدن شببت إلى أن دببت على العصا (وضبطه بالقلم بضم التاء على أنها ضمير المتكلم وفى مادة درر ضبطه بفتح التاء) يجعل ذلك بمنزلة الاسم بأدخال من عليه ، وإن كان فى الأصل فعلا ، يقال ذلك للرجل والمرأة كما قيل نهى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قيل وقال ، وما زال على خلق واحد من شب إلى دب ، قال : ـ

قالت لها أخت لها نصحت

ردّى فؤاد الهائم الصّبّ

قالت : ولم؟ قالت : أذاك وقد

علّقتكم شبّا إلى دبّ؟


على أن أصله كان فعلا ، وكذا الدّئل جنسا وأصله دأل من الدّألان وهو مشى تقارب فيه الخطا ، ويجوز أن يكون الدئل العلم منقولا من هذا الجنس على ما قال الأخفش ، وقال الفراء : إن «الآن» منقول من الفعل (١) ، ومن هذا الباب التّنوّط (٢) لطائر ؛ وجاء على فعل اسمان آخران ، قال الليث : الوعل لغة فى الوعل (٣) ، وحكى الرّئم بمعنى الاست ،

قوله «والحبك إن ثبت» قرىء فى الشواذ (٤) (ذات الحبك) بكسر

__________________

(١) هذا أحد وجهين حكاهما فى اللسان عن الفراء ، والآخر أن أصل آن أوان كرمان فحذفت الألف التى بعد الواو فصار أون كزمن ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها

(٢) تقول : ناط الشىء ينوطه نوطا : أى علقه ، ونوط بالتشديد للمبالغة ، وتنوط أصله فعل مضارع مبدوء بتاء المضارعة فهو بضم التاء وفتح النون وتشديد الواو المكسورة ، سمى هذا الطائر بهذا الفعل لأنه يدلى خيوطا من شجرة ثم يفرخ فيها ، قاله الأصمعى

(٣) الوعل ـ بفتح فكسر وبفتح فسكون وبضم فكسر ، والأخيرة نادرة ـ هو قيس؟؟؟ الجبل ، وقال الأزهرى : أما الوعل ـ بضم فكسر ـ فما سمعته لغير الليث اه فان صحت رواية الليث فوجهها أن أصله الفعل المبنى للمجهول ؛ تقول : وعل بمحمد إذا أشرف به (أى ارتفع به) فحذف حرف الجر ثم أوصل الفعل إلى الضمير أو يضمن وعلى معنى علا فيتعدى تعديته

(٤) قال ابن جماعة : هذه القراءة منسوبة إلى الحسن البصرى وأبى مالك الغفارى وذكر الصبان أنها منسوبة إلى أبى السمال (كشداد) وهذا الوجه الذى ذكره المؤلف أحد تخريجين لهذه القراءة ، والتخريج الآخر ما استحسنه أبو حيان وهو أن أصلها الحبك يضمتين ، فكسر الحاء إتباعا لكسرة تاء ذات ولم يعتد باللام الساكنة لأن الساكن حاجز


الحاء وضم الباء ، فقال المصنف : إن صح النقل قلنا فيه بناء على ما قال ابن جنى (وهو أن الحبك بكسرتين والحبك بضمتين بمعنى) : إن الحبك مركب من اللغتين ، يعنى أن المتكلم به أراد أن يقول الحبك بكسرتين ، ثم لما تلفظ بالحاء المكسورة ذهل عنها وذهب إلى اللغة المشهورة وهى الحبك بضمتين ، فلم يرجع إلى ضم الحاء ، بل خلّاها مكسورة وضم الباء ، فتداخلت اللغتان : الحبك والحبك فى حرفى الكلمة الحاء والباء (١) ، وفى تركيب حبك من اللغتين ـ إن ثبت ـ نظر لأن الحبك جمع الحباك ، وهو الطريقة فى الرمل ونحوه ، والحبك بكسرتين إن ثبت فهو مفرد مع بعده ؛ لأن فعلا قليل ، حتى إن سيبويه قال : لم يجىء منه إلا إبل ، ويبعد تركيب اسم من مفرد وجمع ، قيل : وقرىء فى الشاذ (يمحق الله الرّبوا) بضم الباء ، ولم يغرّ هذا القارىء إلا كتابته بالواو.

قال : «وقد يردّ بعض إلى بعض ، ففعل ممّا ثانيه حرف حلق كفخذ يجوز فيه فخذ وفخذ وفخذ ، وكذا الفعل كشهد ، ونحو كتف يجوز فيه كتف وكتف ، ونحو عضد يجوز فيه عضد ، ونحو عنق يجوز فيه عنق ، ونحو إبل وبلز يجوز فيهما إبل وبلز ولا ثالث لهما ، ونحو قفل يجوز فيه قفل على رأى لمجىء عسر ويسر».

__________________

غير حصين ، قال ابن مالك فى شرح الكافية عن التوجيه الأول الذى ذكره المؤلف : وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيت هذه القراءة له لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة ، ومن هذا شأنه لا يعتمد على ما سمع منه لأمكان عروض ذلك له ، وقيل : إن كسر الحاء مع ضم الباء شاذ لا وجه له

(١) إنما قيد التداخل بحرفى الكلمة تبعا للمصنف لأن التداخل أكثر ما يكون فى كلمتين ، كما قالوا قنط يقنط ، مثل ضرب يضرب ، وقنط يقنط ، مثل علم يعلم ، فاذا قالوا قنط يقنط ـ بكسر عين الماضى والمضارع أو بفتحهما جميعا ـ علمنا أن ذلك من تداخل اللغتين ، وحاصله أخذ الماضى من لغة والمضارع من لغة أخرى ، ومثل ذلك كثير


أقول : يعنى برد بعضه إلى بعض أنه قد يقال فى بعض الكلم التى لها وزنان أو أكثر من الأوزان المذكورة قبل : إن أصل بعض أوزانها البعض الآخر ، كما يقال فى فخذ ـ بسكون الخاء ـ إنه فرع فخذ بكسرها

وجميع هذه التفريعات فى كلام بنى تميم ، وأما أهل الحجاز فلا يغيرون البناء ولا يفرعون ففعل الحلقى [العين] فعلا كان كشهد أو اسما كفخذ ورجل محك (١) يطرد فيه ثلاث تفريعات اطرادا لا ينكسر ، واثنان من هذه الفروع يشاركه فيهما ما ليس عينه حلقيا ، فالذى يختص بالحلقىّ العين إتباع فائه لعينه فى الكسر ، ويشاركه فى هذا الفرع فعيل الحلقى العين كشهيد وسعيد ونحيف ورغيف ، وإنما جعلوا ما قبل الحلقى تابعا له فى الحركة ؛ مع أن حق الحلقى أن يفتح نفسه أو ما قبله ـ كما فى يدعم ويدمع ؛ لثقل الحلقى وخفة الفتحة ولمناسبتها له ؛ لما يجىء فى تعليل فتح مضارع فعل الحلقىّ عينه أو لامه ، وذلك لأنه حمل فعل الاسمى على فعل الفعلى فى التفريع لأن الأصل فى التغيير الفعل لكثرة تصرفاته ، وسيجىء فى باب المضارع علة امتناع فتح عين فعل الحلقى العين ، وأما فعيل فلم يفتح عينه لئلا يؤدّى إلى مثال مرفوض فى كلامهم ؛ وقد يجىء كسر فتح ما بعد الحلقى إتباعا لكسر الحلقى ، كما قيل فى خبقّ (٢) على على وزن هجفّ للطويل : خبقّ ، هذا ، وحرف الحلق فى المثالين فعل وفعيل ثانى الكلمة ، بخلافه إذا كان عين يفعل أو لامه ، فلم يستثقل الكسر عليه ،

__________________

(١) رجل محك بوزن فرح ومما حك ومحكان كغضبان لجوج عسر الأخلاق

(٢) الخبق بخاء معجمة مكسورة وباء مفتوحة وقد تكسر وآخره قاف مشددة هو الطويل من الرجال مثل الهجف ، فقوله للطويل تفسير للكلمتين معا ، ويقال : فرس خبق (بالضبطين السابقين) إذا كان سريعا


مع أن الكسر قريب من الفتح ؛ لقرب مخرج الياء من مخرج الألف (١) فلما لزم كسر العين فى المثالين ـ وقد جرت لحرف الحلق عادة تغيير نفسها أو ما قبلها إلى الفتح ، ولم يمكن ههنا تغيير نفسها لما ذكرنا ولا تغيير ما قبلها إلى الفتح لأنه مفتوح ، وقد عادها عيد الغرام ـ غيّرت حركة ما قبلها إلى مثل حركتها ؛ لأن الكسر قريب من الفتح كما ذكرنا ، فكأنها غيرت ما قبلها إلى إلى الفتح ، ولم يأت فى الأسماء فعل ولا فعيل ـ مضمومى الفاء ـ حتى تتبع الفاء العين بناء على هذه القاعدة ، وأما فعل فى الفعل نحو شهد فلم يتبع لئلا يلتبس بالمبنى للفاعل المتبع فاؤه عينه ، وإنما لم يتبع فى نحو المحين والمعين (٢) لعروض الكسرة ، وأما المغيرة فى المغيرة فشاذ شذوذ منتن فى المنتن وأنبّؤك وأجوءك فى أنبّئك وأجيئك فلم يقولوا قياسا عليه أبوعك وأقرؤك فى أبيعك وأقرئك ، وإنما لم يتبع فى نحو رؤف ورؤوف لأن كسر ما قبل الحلقىّ فى نحو رحم ورحيم إنما كان لمقاربة الكسرة للفتح كما ذكرنا ، والضم بعيد من الفتح

وأما أهل الحجاز فنظروا إلى أن حق حروف الحلق إما فتحها أو فتح ما قبلها ؛ هب أنه تعذر فتحها لما ذكرنا من العلة فلم غيّر ما قبلها عن الفتح وهو حقها إلى الكسر؟ وهل هذا إلا عكس ما ينبغى؟؟

واللغتان اللتان يشترك فيهما الحلقى وغيره : أولاهما : فعل بفتح الفاء وسكون العين ، نحو شهد في الفعل وفخذ فى الاسم ، وفى غير الحلقىّ علم فى الفعل وكبد

__________________

(١) مخرج الياء بين وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى ، ومخرج الألف أقصى الحلق فوق الهمزة

(٢) المحين : اسم فاعل من أحانه الله : أى أهلكه ، وأصله محين ـ بضم الميم وكسر الياء ـ فنقلت كسرة الياء إلى الحاء الساكنة وجوبا ، ومعين : اسم فاعل من أعان ، فعل به ما فعل بسابقه


فى الاسم ، وإنما سكنوا العين كراهة الانتقال من الأخف أى الفتح إلى الأثقل منه أى الكسر فى البناء المبنى على الخفة أى بناء الثلاثى المجرد ، فسكنوه لأن السكون أخفّ من الفتح ، فيكون الانتقال من الفتح إلى أخف منه ، ولمثل هذا قالوا فى كرم الرجل : كرم ، وفى عضد : عضد ، بالاسكان ، وقولهم ليس مثل علم في علم ، وكان قياسه لاس كهاب ، لكنهم خالفوا به أخواته لمفارقته لها فى عدم التصرف ، فلم يتصرفوا فيه بقلب الياء ألفا أيضا ولم يقولوا لست كهبت ، ولا يجوز أن يكون أصل ليس فتح الياء لأن المفتوح العين لا يخفف ، ولا ضمّ الياء لأن الأجوف اليائى لا يجىء من باب فعل (١) ؛ والثانية : فعل ـ بكسر الفاء وسكون العين ـ نحو شهد وفخذ فى الحلقى ، وكبد وكتف فى غيره ؛ ولم يسمع فى غير الحلقى من الفعل نحو علم فى علم فى المبنى للفاعل ، وحكى قطرب فى المبنى للمفعول نحو «ضرب زيد» بكسر الضاد وسكون الراء ـ كما قيل قيل وبيع وردّ ، وهو شاذ. فالذى من الحلقى يجوز أن يكون فرع فعل المكسور الفاء والعين كما تقول فى إبل : إبل ، ويجوز أن يكون نقل حركة العين إلى ما قبلها كراهة الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وكره حذف أقوى الحركتين ، أى : الكسرة ، فنقلت إلى الفاء ، والذى من غير الحلقى لا يكون إلا على الوجه الثانى ؛ لأنه لا يجوز فيه فعل بالاتباع

قوله «ونحو عضد يجوز فيه عضد» قد ذكرنا أن مثله يجوز عند تميم فى الفعل أيضا ، نحو كرم الرّجل ، فى كرم ، ولم يقولوا فيه عضد بنقل الضمة إلى ما قبلها كما نقلوا في نحو كتف ؛ لثقل الضمة ، وربما نقلها بعضهم فقالوا : عضد ، وقد

__________________

(١) لم يجىء من الأجوف اليائى مضموم العين إلا قولهم «هيؤ» أى حسنت حاله وصار ذاهيئة


ذكرنا (١) فى فعل التعجب أن فعل الذى فيه معنى التعجب يقال فيه فعل ، قال :

٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل* (٢).

ولعل ذلك دلالة على نقله إلى معنى التعجب ، وأما قولهم فى الفعل المبنى للمفعول فعل كما فى المثل «لم يحرم من فصد له» (٣) قال أبو النجم

وهو تميمى : ـ

٦ ـ * لو عصر منه المسك والبان انعصر (٤) *

__________________

(١) ذكره فى شرح الكافية فى آخر أفعال المدح والذم ، قال بعد ذكر الشواهد : والتغيير فى اللفظ دلالة على التغيير فى المعنى إلى المدح أو إلى التعجب اه

(٢) هذا عجز بيت للأخطل النصرانى التغلبى وصدره :

* فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها*

وتقتل : تشعشع بالماء وتمزج فيكسر الماء حدتها

(٣) قال فى اللسان : الفصد شق العرق ، وفصد الناقة شق عرقها ليستخرج دمه فيشربه ، ومن أمثالهم فى الذى يقضى له بعض حاجته دون تمامها «لم يحرم من فصد له» بأسكان الصاد مأخوذ من الفصيد الذى كان يصنع فى الجاهلية ويؤكل ، يقول : كما يتبلغ المضطر بالفصيد فاقنع أنت بما ارتفع من قضاء حاجتك وإن لم تقض كلها اه ملخصا

(٤) قبل هذا قوله فى وصف جارية :

بيضاء لا يشبع منها من نظر

خود يغطّى الفرع منها المؤتزر

وقول الشارح إن أبا النجم تميمى لا أصل له ؛ فانه من بكر بن وائل فان اسمه الفضل بن قدامه بن عبيد الله بن عبيد الله ابن الحارث أحد بنى عجل بن لجيم بن صعب ابن على بن بكر بن وائل ، وهذه التفريعات كما تطرد عند بنى تميم تطرد عند غيرهم ومنهم بكر وتغلب ابنا وائل ، قال الأعلم : وهى لغة فاشية فى تغلب بن وائل اه ولعل الذى حمل الشارح على نسبة أبى النجم إلى تميم ما ذكره أولا من أن هذه التفريعات إنما تطرد عند بنى تميم


وكذا قولهم غزى بالياء دون الواو فى غزى لعروض سكون الزاى ؛ فليس التخفيف فى مثله لكراهة الانتقال من الأخف إلى الأثقل كما كان فى كتف وعضد ، كيف والكسرة أخفّ من الضمة والفتحة أخف من الكسرة؟ بل إنما سكن كراهة توالى الثقيلين فى الثلاثى المبنى على الخفة ، فسكن الثانى لامتناع تسكين الأول ، ولأن الثقل من الثانى حصل ؛ لأنه لأجل التوالى ، ولتوالى الثقيلين أيضا خفّفوا نحو عنق وإبل بتسكين الحرف الثانى فيهما ؛ وهذا التخفيف فى نحو عنق أكثر منه فى إبل ؛ لأن الضمتين أثقل من الكسرتين حتى جاء فى الكتاب العزيز وهو حجازى رسلنا ورسلهم ، وهو فى الجمع أولى منه في المفرد لثقل الجمع معنى ؛ وجميع هذه التفريعات فى لغة تميم كما مر ؛ وإذا توالى الفتحتان لم تحذف الثانية تخفيفا لخفة الفتحة ، وأما قوله : ـ

٧ ـ وما كلّ مبتاع ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته برداد (١)

فشاذ ضرورة

وقد شبه بفعل المفتوح الفاء المكسور العين نحو قولهم وليضرب وفلتضرب ـ أعنى واو العطف وفاءه مع لام الأمر وحرف المضارعة ـ وذلك لكثرة الاستعمال ؛ فالواو والفاء كفاء الكلمة لكونهما على حرف فهما كالجزء مما بعدهما ، ولام الأمر كعين الكلمة ، وحرف المضارعة كلامها ، فسكن لام الأمر ؛ وقرىء

__________________

(١) البيت للأخطل التغلبى ، ويروى صدره* وما كل مغبون ولو سلف صفقه* والمغبون الذى يخدع وينقص منه فى الثمن أو غيره ، وسلف بسكون اللام أصله سلف بفتحها فسكنها حين اضطره الوزن إلى ذلك ، ومعناه مضى ووجب ، وصفقه مصدر مضاف إلى ضمير المبتاع أو المغبون ، والصفق إيجاب البيع ، وأصله أن البائع والمشترى كان أحدهما يضرب على يد الآخر ، والباء فى براجع زائدة ، ويروى يراجع (فعلا مضارعا) فاعله ضمير المبتاع أو المغبون ، والرداد بكسر الراء وفتحها فسخ البيع


به فى الكتاب العزيز ، وشبه به نحو «ثمّ ليفعل» ، وهو أقل ، لأن ثمّ على ثلاثة أحرف ، وليس كالواو والفاء ، مع أن ثم الداخلة على لام الأمر أقل استعمالا من الواو والفاء ، وكذا شبه بفعل وفعل قولهم فهو وفهى ووهو ووهى ولهو ولهى لما قلنا فى وليفعل ، وكذا أهو وأهى ، لكن التخفيف مع الهمزة أقل منه مع الواو والفاء واللام ؛ لكون الهمزة مع هو وهى أقل استعمالا من الواو والفاء واللام معهما ، ونحو (أن يملّ هو) على ما قرىء فى الشواذ أبعد ؛ لأن يملّ كلمة مستقلة ، جعل لهو كعضد ؛ وهذا كما قلّ نحو قولهم : أراك منتفخا ، وقوله :

٨ ـ * فبات منتصبا وما تكردسا (١) *

وقولهم : انطلق ، فى انطلق ، وقوله :

٩ ـ * وذى ولد لم يلده أبوان (٢) *

وإنما قل التخفيف فى هذه لأنها ليست ثلاثية مجردة مبنية على الخفة فلم يستنكر فيها أدنى ثقل ، ويجىء شرحها فى أماكنها (٣) إن شاء الله تعالى

قوله «فى إبل وبلز (أى : ضخمة) ولا ثالث لهما» قال سيبويه : ما يعرف

__________________

(١) هذا بيت من الرجز للعجاج بن رؤبة يصف ثورا وحشيا ، وبعده : ـ

* إذا أحسّ نبأة توجّسا*

ومنتصبا أى قائما واقفا ، ويروى منتصا بتشديد الصاد أى مرتفعا ، وتكردس انقبض واجتمع بعضه إلى بعض ، والنبأة الصوت الخفى أو صوت الكلاب ، وتوجس تسمع إلى الصوت الخفى

(٢) هذا عجز بيت لرجل من أزد السراة وصدره* عجبت لمولود وليس له أب*

(٣) أماكنها فى باب الابتداء ، والعجب من الشارح المحقق فأنه أحال هنا على ما هناك وأحال هناك على ما هنا


إلا الإبل ، وزاد الأخفش بلزا ، وقال السيرافى : الحبر صفرة الأسنان ، وجاء الإطل (١) والإبط ، وقيل : الإقط (٢) لغة فى الأقط ، وأتان إبد : أى ولود

قوله «ونحو قفل يجوز فيه قفل على رأى» يحكى عن الأخفش أن كلّ فعل فى الكلام فتثقيله جائز ، إلا ما كان صفة أو معتلّ العين كحمر وسوق فانهما لا يثقلان إلا فى ضرورة الشعر ، وكذا قال عيسى بن عمر : إن كلّ فعل كان فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله نحو عسر ويسر ، ولقائل أن يقول : بل الساكن العين فى مثله فرع لمضمومها كما هو كذلك في عنق اتفاقا ، فان قيل : جميع التفاريع المذكورة كانت أقل استعمالا من أصولها ؛ فان فخذا وعنقا ساكنى العين أقلّ منهما متحرّكيها ، وبهذا عرف الفرعية ، وعسر ويسر بالسكون أشهر منهما مضمومى العين ؛ فيكون الضم فيهما فرع السكون كما أشار إليه المصنف ، فالجواب أن ثقل الضمتين أكثر من الثقل الحاصل فى سائر الأصول المذكورة ، فلا يمتنع أن يحمل تضاعف الثقل فى بعض الكلمات على قلة استعمالها مع كونها أصلا ، وإذا كان الاستثقال فى الأصل يؤدى إلى ترك استعماله أصلا كما فى نحو يقول ويبيع وغير ذلك مما لا يحصى فما المنكر من أدائه إلى قلة استعماله؟

__________________

(١) إطل ـ بكسرتين ، وبكسر فسكون ـ والأيطل : الخاصرة ، قال امرؤ القيس

له أيطلا ظبى وساقا نعامة

و إرخاء سرحان وتقريب تتفل

وقال آخر :

لم تؤذ خيلهم بالثّغر واصدة

ثجل الخواصر لم يلحق لها إطل

(٢) الأقط ـ بكسرتين ، وبفتح فكسر ـ طعام يتخذ من اللبن المخيض ، قال امرؤ القيس

فتملأ بيتنا أقطا وسمنا

وحسبك من غنى شبع ورىّ


هذا ، وإن كان عين فعل المفتوح الفاء حلقيا ساكنا جاز تحريكه بالفتح نحو الشّعر والشّعر والبحر والبحر ، ومثلهما لغتان عند البصريين في بعض الكلمات ، وليست إحداهما فرعا للأخرى ، وأما الكوفيون فجعلوا المفتوح العين فرعا لساكنها ، ورأوا هذا قياسا فى كل فعل شأنه ما ذكرنا ، وذلك لمناسبة حرف الحلق للفتح كما يجىء فى باب المضارع

قال : «وللرّباعىّ خمسة : جعفر ، زبرج ، برثن ، درهم ، قمطر ، وزاد الأخفش نحو جخدب ، وأما جندل وعلبط فتوالى الحركات حملهما على باب جنادل وعلابط ، وللخماسىّ أربعة : سفرجل ، قرطعب ، جحمرش ، قذعمل ، وللمزيد فيه أبنية كثيرة ، ولم يجيء فى الخماسىّ إلّا عضر فوط خزعبيل قرطبوس قبعثرى خندريس على الأكثر»

أقول : اعلم أن مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعى والخماسى صنفان غير الثلاثى ، وقال الفراء والكسائى : بل أصلهما الثلاثى ، قال الفراء : الزائد فى الرباعى حرفه الأخير وفى الخماسى الحرفان الأخيران ، وقال الكسائى : الزائد فى الرباعى الحرف الذى قبل آخره ، ولا دليل على ما قالا ، وقد ناقضا قولهما باتفاقهما على أن وزن جعفر فعلل ووزن سفرجل فعلّل ، مع اتفاق الجميع على أن الزائد إذا لم يكن تكريرا يوزن بلفظه ، وكان ينبغى أن يكون للرباعى خمسة وأربعون بناء ، وذلك بأن تضرب ثلاث حالات الفاء فى أربع حالات العين فيصير اثنى عشر تضربها فى أربع حالات اللام الأولى يكون ثمانية وأربعين ، يسقط منها ثلاثة لامتناع اجتماع الساكنين ، وكان حقّ أبنية الخماسى أن تكون مائة وأحدا وسبعين ، وذلك بأن تضرب أربع حالات اللام الثانية فى الثمانية والأربعين المذكورة فيكون مائة واثنين وتسعين يسقط منها أحد وعشرون ، وذلك لأنه يسقط بامتناع سكون العين واللام الأولى فقط تسع حالات الفاء واللام


الثانية ، وتسقط بامتناع سكون اللام الأولى والثانية فقط تسع حالات الفاء والعين ، وتسقط بامتناع سكون العين واللامين معا ثلاث حالات الفاء ، يبقى مائة وأحد وسبعون بناء ، اقتصر من أبنية الرباعي على خمسة متّفق عليها ، وزاد الأخفش فعللا بفتح اللام كجخدب ، وأجيب بأنه فرع جخادب ؛ بحذف الألف وتسكين الخاء وفتح الدال ، وهو تكلف ، ومع تسليمه فما يصنع بما حكى الفراء من طحلب وبرقع (١) وإن كان المشهور الضم لكن النقل لا يردّ مع ثقة الناقل وإن كان المنقول غير مشهور ، فالأولى القول بثبوت هذه الوزن مع قلته ؛ فنقول : إن قعددا (٢) ودخللا (٣) مفتوحى الدال واللام ـ على ما روى ـ وسؤددا (٤) وعوططا (٥) ملحقات بجخدب ، ولو لا ذلك لوجب الادغام كما يجىء فى موضعه. ويكون بهمى (٦) ملحقا ؛ لقولهم بهماة على ما حكى ابن الأعرابى ، ولا تكون

__________________

(١) الطحلب : خضرة تعلو الماء إذا طال مكثه ، والبرقع : نقاب المرأة وما يستربه وجه الدابة ، وكلاهما بضم فسكون ففتح ، وقد يكسر أول الثانى ، والأصل فيهما ضم الثالث

(٢) القعدد : الرجل الجبان القاعد عن الحرب والمكاره ؛ قال الشاعر :

دعانى أخى والخيل بينى وبينه

فلمّا دعانى لم يجدنى بقعدد

(٣) دخلل الرجل ودخلله بضم ثالثه أو فتحه ودخيلته : نيته ومذهبه لأن ذلك يداخله

(٤) السؤدد : مصدر قولك ساد الرجل قومه كالسيادة ، والدال الأولى مفتوحة أو مضمومة وقد تخفف الهمزة بقلبها واوا

(٥) العوطط : جمع عائط ، وهو اسم فاعل من قولك : عاطت الناقة تعوط ، إذا لم تحمل فى أول سنة يطرقها الفحل

(٦) قال فى اللسان : وقال الليث : البهمى نبت تجد به الغنم وجدا شديدا مادام أخضر ، فاذا يبس هر شوكه وامتنع ، ويقولون للواحد بهمى والجمع بهمى ، قال سيبويه : البهمى تكون واحدا وجمعا وألفها للتأنيث. وقال قوم ألفها للإلحاق والواحدة بهماة ، وقال المبرد : هذا لا يعرف ، لا تكون ألف فعلى بالضم لغير التأنيث ... قال ابن سيده : هذا قول أهل اللغة ، وعندى أن من قال بهماة فالألف ملحقة له بجخدب


الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه

قوله «وأما جندل وعلبط» يعنى أن هذين ليسا بناءين للرباعى ، بل هما فى الأصل من المزيد فيه ؛ بدليل أنه لا يتوالى فى كلامهم أربع متحركات فى كلمة ، ألا ترى إلى تسكين لام نحو ضربت لما كان التاء كجزء الكلمة ، قال سيبويه : الدليل على أن هدبدا (١) وعلبطا مقصورا هدابد وعلابط أنك لا تجد فعللا إلا ويروى فيه فعالل كعلابط وهدابد ودوادم (٢) فى دودم ، وكما أن المذكورين ليسا ببناءين للرباعى ، بل فرعان للمزيد فيه ، فكذا عرتن ـ بفتحتين بعد هماضمة ـ وعرتن ـ بثلاث فتحات ـ ليسا بلغتين أصليتين ، بل الأول مخفف عرنتن بحذف النون ، والثانى مخفف عرنتن ، كما أن عرتنا ـ بفتح العين وإسكان الراء وضم التاء ـ فرع عرنتن بحذف النون وإسكان الراء ؛ وعرنتن : نبت ، وفيه ست لغات عرنتن وعرتن فرعه. وعرتن فرع الفرع ، وعرنتن ، وعرتن فرعه ، وعرتن فرع الفرع

وزاد محمد بن السّرىّ فى الخماسى خامسا وهو الهندلع لبقلة ، والحق الحكم بزيادة النون ؛ لأنه إذا تردد الحرف بين الأصالة والزيادة والوزنان باعتبارهما نادران فالأولى الحكم بالزيادة لكثرة ذى الزيادة كما يجىء ، ولو جاز أن يكون هندلع فعللا لجاز أن يكون كنهبل (٣) فعللا ، وذلك خرق لا يرقع فتكثر الأصول

__________________

فاذا نزع الهاء أحال اعتقاده الأول عما كان عليه ، وجعل الألف للتأنيث فيما بعد ، فيجعلها للالحاق مع تاء التأنيث ، ويجعلها للتأنيث إذا فقد الهاء اه

(١) قال فى اللسان : الهدبد والهدابد اللبن الخاثر (الحامض) جدا. وقيل : ضعف البصر

(٢) الدودم والدوادم : شىء شبه الدم يخرج من شجر السمر

(٣) الكنهبل ـ بفتح الباء وضمها ـ شجر عظام وهو من العضاه ، قال سيبويه : أما كنهبل فالنون فيه زائدة لأنه ليس فى الكلام على مثال سفرجل (بضم الجيم)


قوله «وللمزيد فيه أبنية كثيرة» ترتقى فى قول سيبويه إلى ثلثمائة وثمانية أبنية ، وزيد عليها بعد سيبويه نيف على الثمانين ، منها صحيح وسقيم ، وشرح جميع ذلك يطول ، فالأولى الاقتصار على قانون يعرف به الزائد من الأصل كما يجىء فى باب ذى الزيادة إن شاء الله تعالى

ولما كان المزيد فيه من الخماسى قليلا عده المصنف ؛ وإنما قال «على الأكثر» لأنه قيل : إن خندر يسا فنعليل ؛ فيكون رباعيا مزيدا فيه ، والأولى الحكم بأصالة النون ؛ إذ جاء برقعيد فى بلد ، ودرد بيس للداهية ، وسلسبيل وجعفليق وعلطبيس (١)

فان قيل : أليس إذا تردّد حرف بين الزيادة والأصالة وبالتقديرين يندر الوزن فجعله زائدا أولى؟

قلت : لا نسلم أولا أن فعلليلا نادر ، وكيف ذلك وجاء عليه الكلمات المذكورة؟ ولو سلمنا شذوذه قلنا : إنما يكون الحكم بزيادته أولى لكون أبنية المزيد فيه أكثر من أبنية الأصول بكثير ، وذلك فى الثلاثى والرباعى ، أما فى الخماسى فأبنية المزيد فيه منه مقاربة لأبنية أصوله ؛ ولو تجاوزنا عن هذا المقام أيضا قلنا : إن الحكم بزيادة مثل ذلك الحرف [يكون] أولى إذا كانت الكلمة بتقدير أصالة الحرف من الأبنية الأصول ، أما إذا كانت بالتقديرين من ذوات الزوائد كمثالنا ـ أعنى خندريسا ـ فان ياءه زائد بلا خلاف فلا تفاوت بين تقديره أصلا وزائدا ، ولو قال المصنف بدل خندريس برقعيد لاستراح من قوله «على الأكثر» لأنه فعلليل بلا خلاف ؛ إذ ليس فيه من حروف «اليوم تنساه»

__________________

(١) السلسبيل : اللين الذى لا خشونة فيه ، وربما وصف به الماء ، واسم عين فى الجنة ، قال الله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) والجعفليق : العظيمة من النساء. والعلطبيس : الأملس البراق


شىء غير الياء ، ويمكن أن يكون إنما لم يذكره لما قيل : إنه أعجمى ، ولو ذكر علطميسا (١) وجعفليقا لم يرد شىء ؛ لأن حرف الزيادة غير غالب زيادته فى موضعه فيهما

قوله «جعفر» هو النهر الصغير ، و «الزّبرج» الزينة من وشى أو جوهر ، وقيل : الذهب ، وقيل : السحاب الرقيق ، و «البرثن» للسبع والطير كالأصابع للانسان ، والمخلب : ظفر البرثن ، و «القمطر» ما يصان فيه الكتب ، «والجخدب» الجراد الأخضر الطويل الرجلين ، وكذا الجخادب ، «والجندل» موضع فيه الحجارة ، والجنادل : جمع الجندل : أى الصخر ، كأنه جعل المكان لكثرة الحجارة فيه كأنه حجارة ، كما يقال : مررت بقاع عرفج (٢) كلّه ، و «العلبط» الغليظ من اللبن وغيره ، يقال : ما فى السماء قرطعب : أى سحابة ، وقال ثعلب : هو دابة ، و «الجحمرش» العجوز المسنة ، يقال : ما أعطانى قذ عملا : أى شيئا ، والقذ عملة : الناقة الشديدة ، و «العضرفوط» دويبة ، و «الخزعبيل» الباطل من كلام ومزاح ، و «القرطبوس» بكسر القاف ـ الداهية والناقه العظيمة الشديدة ، وفيه لغة أخرى بفتح القاف ،

__________________

(١) العلطميس : الضخم الشديد ، والجارية الحسنة القوام ، والكثير الأكل الشديد البلع ، والهامة الضخمة الصلعاء ، قال الراجز : ـ

لمّا رأت شيب قذالى عيسا

وهامتى كالطّست علطميسا

لا يجد القمل بها تعريسا

(٢) العرفج ـ بزنة جعفر وزبرج ـ نت ، قيل : هو من شجر الصيف لين أغبر له ثمرة خشناء كالحسك ، وقيل : طيب الريح أغبر إلى الخضرة وله زهرة صفراء وليس له حب ولا شوك. وقال المؤلف فى شرح الكافية (ج ١ ص ٢٨٣ طبعة الآستانه) : «ومن النعت بغير المشتق قولهم مررت بقاع عرفج كله : أى كائن من عرفج ، وقولهم مررت بقوم عرب أجمعون : أى كائنين عربا أجمعون» اه


والأول هو المراد هنا لئلا يتكرر بناء عضرفوط ، و «القبعثرى» الجمل الضخم الشديد الوبر ، وليست الألف فيه للإلحاق ؛ إذ ليس فوق الخماسى بناء أصلى يلحق به (١) ، وليست أيضا للتأنيث لأنه ينوّن ويلحقه التاء نحو قبعثراة ، بل الألف لزيادة البناء كألف حمار ونحوه ، و «الخندريس» اسم من أسماء الخمر.

واعلم أن الزيادة قد تكون للالحاق بأصل ، وقد لا تكون

ومعنى الإلحاق فى الاسم والفعل أن تزيد حرفا أو حرفين على تركيب زيادة غير مطردة فى إفادة معنى ؛ ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى فى عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات ، كلّ واحد فى مثل مكانه فى الملحق بها ، وفى تصاريفها : من الماضى والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلا رباعيا ، ومن التصغير والتكسير إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا

وفائدة الإلحاق أنه ربما يحتاج فى تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب فى شعر أو سجع

ولا نحتم بعدم تغير المعنى بزيادة الإلحاق على ما يتوهم ، كيف وإن معنى حوقل مخالف لمعنى حقل (٢) ، وشملل مخالف لشمل معنى (٣) وكذا كوثر

__________________

(١) كان من حقه ، مراعاة لما سيأتى له ذكره قريبا ، أن يقول هنا : إذ ليس فوق الخماسى لفظ على هذه الزنة يلحق به ، من غير تقييده بأصلى

(٢) حقل يحقل ـ من باب ضرب يضرب ـ زرع ، وحقلت الإبل تحقل ـ من باب تعب يتعب ـ أصيبت بالحقلة ، وهى من أدواء الإبل. وأما حوقل فمعناه ضعف وقد تقدم

(٣) شملت الريح ـ من باب قعد ـ شملا وشمولا : تحولت شمالا ؛ وشمل الخمر ـ من باب نصر ـ عرضها للشمال ؛ وشمل الشاة ـ من باب نصر وضرب ـ علق عليها


ليس بمعنى (١) كثر ، بل يكفى أن لا تكون تلك الزيادة فى مثل ذلك الموضع مطردة فى إفادة معنى ، كما أن زيادة الهمزة فى أكبر وأفضل للتفضيل ، وزيادة ميم مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان ، وفى مفعل للآلة ، فمن ثمّة لا نقول إن هذه الزيادات للالحاق وإن صارت الكلم بها كالرباعى فى الحركات والسكنات المعينة ومثله فى التصغير والجمع ، وذلك لظهور زيادة [هذه] الحروف للمعانى المذكورة ، فلا نحيلها على الغرض اللفظى مع إمكان إحالتها على الغرض المعنوى ، وليس لأحد أن يرتكب كون الحرف المزيد لإفادة معنى للإلحاق أيضا ، لأنه لو كان كذلك لم يدغم نحو أشدّ ومردّ ؛ لئلا ينكسر وزن جعفر ، ولا نحو مسلّة ولا مخدّة لئلا ينكسر وزن درهم ، كما لم يدغم مهدد وقردد محافظة على وزن جعفر ، وذلك أن ترك الادغام فى نحو قردد ليس لكون أحد الدالين زائدا وإلا لم يدغم نحو قمدّ (٢) لزيادة أحد داليه ، ولم يظهر نحو ألندد ويلندد (٣)

__________________

الشمال (وهو كيس يجعل على ضرعها) وشملهم أمر ـ من باب فرح ونصر ـ وشمولا أيضا : عمهم. وشمل الرجل وانشمل وشملل : أسرع وشمر ، وبهذا تعلم أن المخالفة بين شمل وشملل فى غير المعنى الأخير

(١) الكوثر : الكثير من كل شىء ، قال الشاعر : ـ

و أنت كثير يابن مروان طيّب

وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

والكوثر أيضا : النهر ، ونهر فى الجنة يتشعب منه جميع أنهارها ؛ فالمخالفة إذن فى غير المعنى الأول

(٢) القمد ـ بضم أوله وثانيه كعتل ـ القوى الشديد ، قال الشاعر : ـ

فضحتم قريشا بالفرار وأنتم

قمدّون سودان عظام المناكب

(٣) الألندد واليلندد : مثل الألد ، وهو الشديد الخصومة. قال ابن جنى : همزة ألندد وياء يلندد كلتاهما للالحاق. فان قلت : إذا كان الزائد إذا وقع أولا لم يكن للالحاق فكيف ألحقوا الهمزة والياء فى ألندد ويلندد ، والدليل على صحة الالحاق


لأصالة الدالين ، بل هو للمحافظة على وزن الملحق به ، فكان ينبغي أيضا أن لا يدغم نحو أشدّ ومردّ ومسلّة لو كانت ملحقة

هذا ؛ وربما لا يكون لأصل الملحق معنى فى كلامهم ، ككوكب (١) وزينب فانه لا معنى لتركيب ككب وزنب

قولنا «أن تزيد حرفا» نحو كوثر وقعدد ، وقولنا «أو حرفين» كألندد ويلندد وحبنطى (٢) فان الزيادتين فى كل واحد منهما للالحاق

وأما اقعنسس واحرنبى (٣) فقالوا : ليس الهمزة والنون فيهما للالحاق ، بل إحدى سينى اقعنسس وألف أحرنبى للالحاق فقط ، وذلك لأن الهمزة والنون فيهما فى مقابلة الهمزة والنون الزائدتين فى الملحق به أيضا

ولا يكون الالحاق إلا بزيادة حرف فى موضع الفاء أو العين أو اللام ،

__________________

ظهور التضعيف؟ قيل : إنهم لا يلحقون بالزائد من أول الكلمة إلا أن يكون معه زائد آخر ؛ فلذلك جاز الألحاق بالهمزة والياء فى ألندد ويلندد لما انضم إلى الهمزة والياء من النون اه ، ولعل هذه القضية المسلمة مأخوذة من استقراء كلام العرب وعليه فلا ترد مناقشة الشارح الآتية

(١) التمثيل بكوكب مبنى على أن الواو فى هذه الكلمة كالواو فى جوهر (زائدة للألحاق) وهو أحد رأيين ، والآخر أن الواو أصلية واحدى الكافين زائدة. قال فى اللسان : قال التهذيب : ذكر الليث الكوكب فى باب الرباعى ذهب أن الواو أصلية قال : وهو عند حذاق النحويين من هذا الباب (يقصد : وك ب) صدر بكاف زائدة والأصل وكب ، أو كوب اه

(٢) تقول : رجل حبنطى ـ بالتنوين ـ أى غليظ قصير بطين

(٣) اقعنسس فهو مقعنسس. والمقعنسس : الشديد ، والمتأخر أيضا ؛ وقال ابن دريد : رجل مقعنسس ، إذا امتنع أن يضام. واحرنبى الرجل : تهيأ للغضب والشر ، واحرنبى أيضا : استلقى على ظهره ورفع رجليه نحو السماء


هذا ما قالوا ، وأنا لا أرى منعا من أن يزاد للالحاق لا فى مقابلة الحرف الأصلى إذا كان الملحق به ذا زيادة ، فنقول : زوائد اقعنسس كلها للالحاق باحرنجم.

وقد تلحق الكلمة بكلمة ثم يزاد على الملحقة ما يزاد على الملحق بها ، كما ألحق شيطن وسلقى (١) بدحرج ، ثم ألحقا بالزيادة فقيل : تشيطن واسلنقى كما قيل : تدحرج واحرنجم ، فيسمى مثله ذا زيادة الملحق ، وليس اقعنسس كذلك ؛ إذا لم يستعمل قعسس

ولا تلحق كلمة بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجيء فى الملحقة ذلك الزائد بعينه فى مثل مكانه ؛ فلا يقال : إن اعشوشب واجلوّذ (٢) ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما فى موضع نونه ؛ ولهذا ضعف قول سيبويه في نحو سودد : إنه ملحق بجندب (٣) المزيد نونه ، وقوى قول الأخفش : إنه ثبت نحو جخدب ، وإن نحو سودد ملحق به.

وقولنا «والمصدر» يخرج نحو أفعل وفعّل وفاعل ؛ فانها ليست ملحقة بدحرج لأن مصادرها إفعال وتفعيل ومفاعلة ، مع أن زياداتها مطردة لمعان سنذكرها ، ولا تكفى مساواة إفعال وفيعال وفعّال كأخرج إخراجا وقاتل قيتالا وكذّب كذّابا لفعلال مصدر فعلل ؛ لأن المخالفة فى شىء من التصاريف تكفى فى الدلالة على عدم الإلحاق ، لا سيما وأشهر مصدرى فعلل فعللة

__________________

(١) شيطن الرجل وتشيطن : صار كالشيطان وفعل فعله. وسلقاه : ألقاه على ظهره ، وأسلنقى : مطاوعه.

(٢) اعشوشبت الأرض : كثر عشبها. واجلوذ الليل : ذهب. واجلوذ بهم السير : دام مع السرعة ، ومنه اجلوذ المطر

(٣) الجندب : الذكر من الجراد ، وقيل : الصغير منه


وقولنا «فى التصغير والتكسير» يخرج عنه نحو حمار ، وإن كان بوزن قمطر ؛ لأن جمعه قماطر ولا يجمع حمار على حمائر بل حمر وأحمرة ، وأما نحو شمائل (١) فى جمع شمال فلا يرد اعتراضا ؛ لأن فعائل غير مطرد فى جمع فعال.

وقولنا «لا خماسيا» لأن الملحق به لا يحذف آخره فى التصغير والتكسير كما يحذف فى الخماسى ، بل يحذف الزائد منه أين كان ؛ لأنه لما احتيج إلى حذف حرف فالزائد أولى ؛ وأما إذا كان المزيد للالحاق حرف لين رابعا فى الخماسى فانه ينقلب ياء نحو كناهير فى جمع كنهور (٢)

قيل : لا يكون حرف الإلحاق فى الأول ؛ فليس أبلم (٣) ملحقا ببرثن ولا إثمد بزبرج (٤) ؛ ولا أرى منه مانعا ، فانها تقع أولا للالحاق مع مساعد اتفاقا ، كما فى ألندد ويلندد وإدرون (٥) فما المانع أن يقع بلا مساعد؟

__________________

(١) الشمال ـ بزنة كتاب ـ الطبع والسجية. قال عبد يغوث بن وقاص الحارثى

ألم تعلما أنّ الملامة نفعها

قليل ، وما لومى أخى من شماليا

والشمال أيضا : ضد اليميين ، قال الله تعالى (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) والشمال أيضا : الشؤم ، قال الشاعر : ـ

ولم أجعل شؤونك بالشّمال

أى : لم أضعها موضع شؤم

(٢) الكنهور ـ بزنة سفرجل ـ العظيم المتراكب من السحاب ، وقيل : قطع من السحاب أمثال الجبال ، والنون والواو زائدتان للالحاق بسفرجل

(٣) الأبلم ـ بضمتين بينهما سكون ، أو كسرتين بينهما سكون ـ هو الخوص ، واحدته أبلمة ، وفى الحديث «الأمر بيننا وبينكم كقد الأبلمة» أى : أنه على نصفين متساويين كما تشق الخوصة نصفين

(٤) الاثمد ـ بكسرتين بينهما سكون ـ حجر يتخذ منه الكحل

(٥) الأدرون ـ بزنة جردحل ـ المكان الذى يوضع فيه علف الفرس. وهو


قيل : ولا يقع الألف للالحاق فى الاسم حشوا ؛ لأنه يلزمها فى الحشو الحركة فى بعض المواضع ، ولا يجوز تحريك ألف فى موضع حرف أصلى ؛ وإنما وجب تحريكها لأن الثانى يتحرك فى التصغير ؛ وكذا الثالث والرابع الوسط يتحرك أيضا فى التصغير والتكسير إذا حذف الخامس ؛ وأما الآخر فقد لا يتحرك كسلمي وبشرى

والاعتراض عليه أنه ما المحذور من تحريك ألف فى مقابلة الحرف الأصلى؟ ومع التسليم فانه لا يلزم تحريكها فى نحو علابط لا فى التصغير ولا فى التكسير ، بل تحذف ، فلا بأس بأن نقول : هو ملحق بقذعمل ، وقولهم «الرابع الوسط يتحرّك فى التصغير والتكسير إذا حذف الخامس» ليس بمستقيم ؛ لأن الألف تقلب إذن ياء ساكنة كسر يديح وسراديح فى سرداح (١) ، ومع التسليم يلزمهم أن لا يزاد الألف فى الآخر نحو أرطى (٢) ومعزى لأنه يتحرك بالحركة الاعرابية بعد قلبه ياء فى التصغير والتكسير

واحترز بعضهم من هذا فقال : الألف لا تكون للالحاق أصلا ، وأصلها فى نحو أرطى ومعزى ياء ، ولا دليل على ما قال ؛ وإنما قلبت فى رأيت أريطيا وأراطي لكسرة ما قبلها

ولما لم يؤد الأمر إلى تحريك الألف وسطا فى الفعل حكم الزمخشرى وتقبله المصنف بكون ألف نحو تغافل للالحاق بتدحرج ، وهو وهم ، لأن الألف فى مثله غالبة فى إفادة معنى كون الفعل بين اثنين فصاعدا ، ولو كان للالحاق لم يدغم نحو تمادّ وترادّ ، كما لم يدغم نحو مهدد كما بينا ، ولو كان الألف فى تغافل

__________________

الأصل أيضا ، ويقال : رجع فلان إلى إدرونه ، ويقال : فلان إدرون شر ، إذا كان نهاية فى الشر ، قال ابن جنى : هو ملحق بحردحل ، وذلك أن الواو التى فيها ليست مدا لأن ما قبلها مفتوح فشابهت الأصول بذلك فألحقت بها اه

(١) السرداح ـ بوزن قرطاس ، بكسر القاف ـ الناقة الطويلة والضخم من كل شىء والأسد القوى الشديد

(٢) الأرطى ـ بفتح فسكون ـ شجر ينبت فى الرمل ، واحدته أرطاة


للالحاق لكان فى مصدره واسمى فاعله ومفعوله أيضا ، فلم يصح إطلاق قولهم : «إن الألف لا تكون للالحاق فى الاسم وسطا»

وكذا نحو تكلّم ليس التضعيف فيه للالحاق بتدحرج كما ادّعيا ؛ لوضوح كون التضعيف لمعنى ، وما غرهما إلا موافقة البناءين لتدحرج فى تصاريفه ،

وإنما جوز حذف الألف للساكنين فى نحو أرطى ومعزى مع أن الوزن ينكسر به كما ينكسر بادغام نحو مهدد وقردد ؛ لأن هذا الانكسار ليس لازما ، إذ التنوين فى معرض الزوال وترجع الألف مع اللام والاضافة نحو الأرطى وأرطى هذا الموضع

ولبقاء الوزن تقديرا مع سقوط اللام للتنوين حكم سيبويه بكون جوار وأعيل (١) غير منصرفين

هذا ، ولما لم يقم دليل على امتناع كون الألف فى الوسط للالحاق جاز أن يحكم فى نحو ساسم (٢) وخاتم وعالم بكونها للالحاق بجعفر ، وبكونها فى نحو علابط للالحاق بقذعمل

__________________

(١) أعيل ـ بضم الهمزة وفتح العين ـ تصغير أعلى الذى هو أفعل تفضيل من العلو والأصل الأول فى المصغر أعيلو ، ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسره ، ثم استثقلت الضمة على الياء فحذفت الضمة فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء للتخلص من التقاء الساكنين ، ثم حذف التنوين لأن الكلمة ممنوعة من الصرف للوصفية ووزن الفعل ، ثم خيف من رجوع الياء لزوال الساكنين فجىء بالتنوين عوضا عن هذه الياء. هذا مذهب سيبويه والخليل على ما ارتضاه المحققون فى تقرير مذهبهما ، وهو مبنى على أن الاعلال مقدم على منع الصرف لقوة سببه وهو الاستثقال الظاهر المحسوس فى الكلمة ، وأما منع الصرف فسببه ضعيف إذ هو مشابهة الاسم للفعل وهى غير ظاهرة. وفى المسألة مذاهب أخرى لا نرى الأطالة بذكرها

(٢) الساسم : شجر أسود ، قيل : هو الآبنوس ، وقيل : شجر يتخذ منه القسى والأمشاط والقصاع والجفان


ثم نقول : الاسم الملحق بالرباعى كثير : فوعل ككوثر ، وفيعل كزينب ، وفعول كجدول ، وفعلل مضعف اللام كمهدد ، وفعلى كأرطى ، وفعلن كرعشن (١) ، وفعلنة كعرضنة (٢) ، وفعلن كفرسن (٣) ، وفعلتة كسنبتة (٤) ، وفنعل كعنسل (٥) ، وفعلّ كخدبّ (٦) ، وفنعل كخنفس (٧) وعند الأخفش فعلل مضعّف اللام ملحق بجخدب كسؤدد ؛ ولا يمتنع على ما ذكرنا أن يكون أفعل وإفعل كأبلم وإجرد (٨) للألحاق ، وأما إفعل كإصبع فلا ؛ لإدغام نحو إوزّ ، وكذا يفعل يكون للالحاق كيلمع (٩) وكذا فاعل كعالم

__________________

(١) الرعشن ـ بفتحتين بينهما ساكن ـ المرتعش.

(٢) العرضنة ـ بكسر ففتح فسكون ـ الاعتراض فى السير من النشاط ، يقال : تعدو الفرس العرضنة : أى معترضة مرة من وجه ومرة من آخر ، ونظرت إلى فلان عرضنة : أى بمؤخر عينى.

(٣) الفرسن : طرف خف البعير

(٤) السنبتة : الحقبة وهى المدة من الزمن ، تقول : عشنا فى الرخاء سنبتة. والتاء الأولى فيه زائدة للألحاق على قول سيبويه ، يدل على زيادتها أنك تقول سنبة ، أما التاء الثانية فهى تاء التأنيث وهى موجودة فى الحالين

(٥) العنسل : الناقة السريعة ، وهى مأخوذة من العسلان ، وهو عدو الذئب ، والزائد فيه النون عند سيبويه ، واللام عند غيره

(٦) الخدب ـ بكسر ففتح فباء مشددة ـ الضخم والشيخ والعظيم الجافى

(٧) الخنفس والخنفساء ـ بضم الخاء وسكون النون وفتح الفاء ، وضمها لغة فيهما ـ دويبة سوداء أصغر من الجعل منتنة الريح

(٨) الاجرد ـ بكسر أوله وثالثه وسكون ثانيه وتشديد آخره ـ نبت يدل على الكمأة واحدته إجردة ، قال النضر : ومنهم من يقول إجرد بتخفيف الدال مثل إثمد ، وهذا الذى عناه الشارح

(٩) اليلمع : السراب ، وما لمع من السلاح ، واسم برق خلب


وكذا الملحق بالخماسى من الثلاثى والرباعى كثير ؛ فمن الثلاثى الملحق بسفرجل نحو صمحمح (١) وعفنجج (٢) وكروّس (٣) وعملّس (٤) وعثوثل (٥) وهبيّخ (٦) وعقنقل (٧) وخفيدد وخفيفد (٨) والندد ويلندد وحبنطى ، ومن الرباعى جحنفل (٩) وحبوكر (١٠) ، ومن الملحق بقرطعب من الثلاثى

__________________

(١) الصمحمح ـ كسفرجل ـ الشديد القوى ، والأنثى صمحمحة

(٢) العفنجچ ـ كسفرجل ـ الضخم الأحمتى

(٣) الكروس ـ كسفرجل ـ الشديد

(٤) العملس ـ كسفرجل ـ القوى الشديد على السفر. والذئب والكلب الخبيثان ، قال عدى بن الرقاع يمدح عمر بن عبد العزيز : ـ

عملّس أسفار إذا استقبلت له

سموم كحرّ النّار لم يتلثّم

وقال الطرماح يصف كلاب الصيد : ـ

يوزّع بالأمراس كلّ عملّس

من المطعمات الصيّد غير الشّواحن

(٥) العثوثل : الكثير اللحم الرخو

(٦) الهبيخ ـ كسفرجل ـ الرجل الذى لا خير فيه ، والأحمق المسترخى. والهبيخ فى لغة حمير : الغلام الممتلىء ، والهبيخة : الجارية التارة الممتلئة بلغتهم أيضا

(٧) العقنقل ـ كسفرجل ـ الكثيب العظيم من الرمل إذا ارتكم بعضه على بعض

(٨) الخفيدد والخفيفد ـ كسفرجل ـ الظليم (ذكر النعام) الخفيف ، وقيل : الطويل الساقين. قيل للظليم خفيدد لسرعته ، وتقول : خفد ـ كفرح ـ خفدا ، وخفد ـ كضرب ـ خفدا ، إذا أسرع فى مشيته وفى بعض النسخ مكان خفيفد «خفندد» ومعناه صاحب المال الحسن القيام عليه

(٩) الجحنفل : الغليظ

(١٠) الحبوكر : الداهية ، ورمل يضل فيه السالك


إردبّ وفردوس وإدرون وإنقحل (١) ومن الرباعى قرشبّ (٢) وعلّكد (٣) وقولهم همّرش (٤) عند سيبويه ملحق بجحمرش بالتضعيف ، وعند الأخفش ليس فيه زائد وأصله هنمرش ، ويجوز على ما ذهبنا إليه أن يكون سرداح ملحقا بجردحل ، وعلابط ملحقا بقذعمل ، وكنابيل (٥) بقذعميل ، وإن خالفتها فى التصغير والتكسير ؛ لأنا ذكرنا أن ذلك لا يعتبر إلا فى الرباعى

واعلم أنه لا يكون فى الرباعى والخماسى الأصليين تضعيف ؛ لثقلهما وثقل التضعيف : أما إذا كان أحد حروفهما تضعيفا زائدا فإنه يحتمل لعروض الزيادة وإن صار العارض لازما ؛ فعلى هذا أحد المثلين فى كلمة مع ثلاثة أصول

__________________

(١) الفردوس : البستان ، وفى تمثيل المؤلف به لما ذكر نظر ؛ فانهم نصوا على أنه لا زائد فيه إلا الواو ؛ فيكون رباعيا ملحقا بالخماسى ، والانقحل كجردحل : الرجل الذى يبس جلده على عظمه من البؤس والكبر والهرم

(٢) القرشب ـ كجردحل : الضخم الطويل من الرجال. وقيل : هو السىء الحال

(٣) العلكد ـ بكسر العين وتشديد اللام مفتوحة وسكون الكاف ـ الغليظ الشديد العنق والظهر من الأبل وغيرها ، وقيل : هو الشديد مطلقا ، الذكر والأنثى فيه سواء

(٤) همرش ـ كجحمرش ـ العجوز المضطربة الخلق (بفتح الخاء). قال ابن سيده : جعلها سيبويه مرة فنعللا (وهو غير ما حكاه المؤلف عن الأخفش) ومرة فعلللا ، ورد أبو على أن يكون فنعللا ، وقال : لو كان كذلك لظهرت النون لأن إدغام النون فى الميم من كلمة لا يجوز ، ألا ترى أنهم لم يدغموا فى شاة زنماء (وهى التى لها لحمة متدلية تحت حنكها) كراهية أن يلتبس بالمضاعف. وهى عند كراع فعلل (بفتح الفاء وتشديد العين مفتوحة وكسر اللام الأولى) قال : ولا نظير لها البتة اه من اللسان

(٥) كنابيل ـ بضم الكاف وفتح النون بعدها ألف ـ اسم موضع ، قال الطرماح ابن حكيم ، وقيل : قائله ابن مقبل

دعتنا بكهف من كنابيل دعوة

على عجل دهماء والرّكب رائح

ويقال فيه كنابين. ويروى فى عجز البيت «والليل رائح»


أو أربعة زائد إذا لم يكن بين المثلين حرف أصلى ، كقنّب (١) وزهلول (٢) فان كان بينهما حرف أصلى فليس بزائد كحدرد (٣) ودردبيس (٤) وسلسبيل ، وقال بعضهم : هو زائد أيضا ؛ فحدرد وسلسبيل عنده فعلع وفعفليل ؛ والأولى الحكم بالأصالة ؛ لعدم قيام دليل زيادة الزائد كما قام مع عدم الفصل بالأصلى كما سيجىء ، وكذا إذا كان حرفان متباينان بعد مثليهما فالأولان أو الأخيران زائدان ، بشرط أن يبقى دونهما ثلاثة أصول أو أكثر ؛ فمرمريس فعفعيل ، وصمحمح فعلعل ؛ وأما نحو زلزل وصرصر (٥) فليس فيه زائد ؛ إذا لا يبقى بعد الحرفين ثلاثة ، ومن قال «سلسبيل فعفليل» قال : زلزل فعفل

وقال الكوفيون فى نحو زلزل وصرصر ـ أى : فيما يبقى بعد سقوط الثالث مناسب للمعنى الذى كان قبل سقوطه مناسبة قريبة ـ : إن الثالث زائد ؛ لشهادة الاشتقاق : فزلزل من زلّ ، وصرصر من صرّ ، ودمدم (٦) من دمّ ، وأما ما لم يكن كذلك ، كالبلبال والخلخال ، فلا يرتكبون ذلك فيه

وقال السرىّ الرّفّاء فى كتاب المحب والمحبوب : زلزل من زلّ كجلبب من جلب ، وكذا نحوه ، يعنى أنه كرر اللام للإلحاق فصار زلّل ؛ فالتبس بباب

__________________

(١) القنب ـ بكسر القاف وضمها مع تشديد النون مفتوحة فيهما ـ : ضرب من الكتان

(٢) الزهلول ـ كعصفور ـ الأملس من كل شىء

(٣) حدرد ـ كجفعر ـ : اسم رجل ، ولم يجىء على فعلع بتكرير العين غيره

(٤) الدردبيس : الداهية ، وخرزة سوداء تتحبب بها المرأة إلى زوجها ، والعجوز والشيخ الكبير الفانى

(٥) صرصر : تحتمل هذه الكلمة أن تكون فعلا ومعناه صوت وصاح أشد الصياح ، وأن تكون اسما وهو دويبة تحت الأرض تصر أيام الربيع

(٦) دمذم : يقال : دمدم الرجل الرجل ودمه : أى عذبه عذابا تاما.


ذلّل يذلّل تذليلا ؛ فأبدل اللام الثانية فاء ، وهو قريب ، لكنه يرد عليه أن فيه إبدال بعض ما ليس من حروف الإبدال كالكاف فى كركر بمعنى كرّ

وقال الفراء فى مرمريس وصمحمح : إنه فعلليل وفعلّل ، قال : لو كان فعفعيلا وفعلعلا لكان صرصر وزلزل فعفع ، وليس ما قال بشىء ؛ لأنا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد كمال ثلاثة أصول

فاذا تقرر جميع ذلك قلنا : إن التضعيف زائد فى نحو قنّب وعلّكد وقرشبّ ومهدد وصمحمح ومرمريس وبرهرهة (١) ـ أى : كل كلمة تبقى فيها بعد زيادة التضعيف ثلاثة أصول أو أربعة ـ إذا لم يفصل بين المثلين أصلى ، وإنما حكمنا بذلك لقيام الدلالة على زيادة كثير من ذلك بالاشتقاق ، فطردنا الحكم فى الكل ، وذلك نحو قطّع وقطّاع وجبّار وسبّوح ، وكذا فى ذرحرح (٢) ، لقولهم ذرّوح بمعناه ، وفى حلبلاب (٣) لقولهم حلّب بمعناه ، ومرمريس للداهية [من (٤)] الممارسة للأمور ، وألحق ما جهل اشتقاقه بمثل هذا المعلوم ؛ ودليل آخر على زيادة تضعيف نحو صمحمح وبرهرهة جمعك له على صمامح وبراره ، ولو كان كسفرجل قلت صماحم

__________________

(١) يقال : امرأة برهرهة ، إذا كانت بضة ، وقيل : هى البيضاء ، وقيل : التى لها بريق من صفائها.

(٢) الذرحرح ـ بضم أوله وفتح ثانيه بعدهما حاء مهملة ساكنة فراء مفتوحة ـ : هو دويبة أعظم قليلا من الذباب ، والذروح كسبوح بمعناه

(٣) حلبلاب ـ بكسرتين بعدهما سكون ـ نبت ينبسط على الأرض وتدوم خضرته فى القيظ وله ورق أعرض من الكف ، والحلب بوزن سكر بمعناه

(٤) زيادة يقتضيها المقام ؛ فأنه يريد أن التضعيف زائد فى كلمة مرمريس لأنها مأخوذة من المراس ، وهو شدة العلاج ، ويقال : رجل مرمريس إذا كان داهيا عاقلا معالجا للأمور


فان قيل : هلّا حذفت الميم الثانية أو الحاء الثانية؟ فالجواب أنه لو حذفت الميم الثانية لا لتقى مثلان نحو صماحح ، ولو حذفت الحاء الثانية وقلت صماحم لظن أنه كسفرجل : أى أن جميع الحروف أصلية ، وأيضا ليس فى كلامهم فعالع وفى الكلام فعاعل كثير كسلالم فى سلّم وقنانب فى قنّب ، وكذا تقول فى مرمريس : مراريس ؛ لكثرة فعاعيل كدنانير وقراريط ، فجمعا على فعاعل وفعاعيل ليكون أدل على كونهما من ذوات الثلاثة

واعلم أن كل كلمة زائدة على ثلاثة فى آخرها مثلان متحركان مظهران فهى ملحقة ، سواء كانا أصليين كما فى ألندد ، أو أحدهما زائدا كما فى مهدد ، لأن الكلمة إذن ثقيلة وفك التضعيف ثقيل ، فلولا قصد مماثلتها للرباعى والخماسى لأدغم الحرف طلبا للتخفيف ؛ فلهذا قيل : إن مهددا ملحق بجغفر دون معد ، ولهذا قال سيبويه : نحو سؤدد ملحق بجندب ، مع كون النون فى جندب زائدا وعدم ثبوت فعلل بفتح اللام عنده (١)

__________________

(١) نذكر هاهنا تكملة فى بيان القياسى والسماعى من الألحاق نرى أنه لا بد منها إذ كان المؤلف لم يتعرض لبيانها ، فنقول : قال أبو عثمان المازنى : «وهذا الألحاق بالواو والياء والألف لا يقدم عليه إلا أن يسمع ، فاذا سمع قيل : ألحق ذا بكذا بالواو والياء ، وليس بمطرد ، فأما المطرد الذى لا ينكسر فأن يكون موضع اللام من الثلاثة مكررا للألحاق مثل مهدد وقردد وعندد وسردد ، والأفعال نحو جلبب يجلبب جلببة ؛ فأذا سئلت كيف تبنى من ضرب مثل جعفر قلت : ضربب ، ومن علم قلت : علمم ، ومن ظرف قلت : ظرفف ، وإن كان فعلا فكذلك وتجريه مجرى دحرج فى جميع أحواله» اه وقال أبو الفتح عثمان بن جنى : «ومعنى قوله إن باب مهدد وجلبب مطرد وباب جهور وكوثر غير مطرد أنك لو احتجت فى شعر أو سجع أن تشتق من ضرب اسما أو فعلا أو غير ذلك لجاز ، وكنت تقول : ضربب زيد عمرا ، وأنت تريد ضرب ، وكذا كنت تقول : هذا ضربب أقبل ، إذا جعلته اسما ، وكذلك ما أشبهه ، ولم يجز لك أن تقول : ضورب زيد عمرا ، ولا هذا


قال : «وأحوال الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والضّفة المشبّهة وأفعل التّفضيل والمصدر واسمى الزّمان والمكان والآلة والمصغّر والمنسوب والجمع والتقاء السّاكنين والابتداء والوقف ؛ وقد تكون للتّوسّع كالمقصور والممدود وذى الزّيادة ؛ وقد

__________________

رجل ضورب ؛ لأن هذا الالحاق لم يطرد فلا تقيسه. وسألت أبا على (يريد أستاذه الفارسى) عن هذا الموضع فى وقت القراءة بالشام والعراق جميعا وأنا أثبت ما تحصل من قوله فيه ، قال : لو اضطر شاعر الآن لجاز أن يبنى من ضرب اسما وصفة وفعلا وما شاء من ذلك ، فيقول : ضربب زيد عمرا ، ومررت برجل ضربب ، وضربب أفضل من خرجج ، لأنه إلحاق مطرد ، وكذلك كل مطرد من الالحاق نحو هذا رجل ضربنى ؛ لأن هذا الألحاق مطرد ، وليس لك أن تقول : هذا رجل ضيرب ، ولا ضورب ؛ لأن هذا لم يطرد فى الألحاق. فقلت له : أترتجل اللغة ارتجالا؟ فقال : نعم ؛ لأن هذا الألحاق لما اطرد صار كاطراد رفع الفاعل ، ألا ترى أنك تقول : طاب الخشكنان ؛ فترفع وإن لم تكن العرب لفظت بهذه الكلمة لأنها أعجمية. قال : وإدخالهم الأعجمى فى كلامهم كبنائك ما تبنيه من ضرب وغيره من القياس ؛ وهذا من طريف ما علقته من أبى على ، وهذا لفظه أو معنى لفظه» اه

وحاصل هذا أن الالحاق عندهما على ضربين : قياسى ، وسماعى ؛ فأما القياسى فقد ذكرا له موضعين : الأول : ما كان بتكرير اللام مع الثلاثى ، والثانى : ما كان بزيادة النون فى وسط الكلمة ، وأما السماعى فما كان بالواو كجهور ورودن ، أو بالياء كشريف وبيطر وزينب ومريم ، أو بالألف كجعبى وسلقى ودنيا ومعزى ولكنك إذا رجعت إلى كلام أبى الفتح ابن حنى فى عدة مواضع من شرحه على تصريف المازنى ومن كتابه الخصائص تبين لك أنهم لا يعدون من الألحاق قياسيا إلا ما كان بتكرير اللام سواء أكان ثلاثى الأصول وأريد إلحاقه بالرباعى أم كان رباعى الأصول وأريد إلحاقه بالخماسى ؛ فليس لك أن تزيد للألحاق أى حرف ما لم يكن من جنس اللام ، إلا أن تريد التمرين كأن تقول : ابن من خرج على مثال كوثر أو جهور أو بيطر أو جعبى أو عنسل أو نحو ذلك


تكون للمجانسة كالإمالة ؛ وقد تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والإعلال والإبدال والإدغام والحذف»

أقول : قد مضى الكلام على جعله لهذه الأشياء أحوال الكلمة فلا نكرره (١)

قوله «قد تكون للحاجة» أى : يحتاج إلى هذه الأشياء : إما لتغير المعنى باعتبارها كما فى الماضى والمضارع ، إلى قوله «والجمع» ؛ وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الاعلال كالتقاء الساكنين فى نحو «لم يقل» أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما فى نحو «اذهب اذهب» أو عند الشروع فى الكلام كالابتداء ، وإما لوجه استحسانى لا ضرورىّ كوجوه الوقف على ما يأتى

وفى جعله للمقصور والممدود وذى الزيادة من باب التوسع مطلقا نظر ؛ لأن القصر والمد إنما صير إليهما فى بعض المواضع باعلال اقتضاه الاستثقال كاسم المفعول المعتل اللام من غير الثلاثى المجرد ، واسمى الزمان والمكان ، والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل ، وسائر ما ذكره فى المقصور ، وكالمصادر المعتلة اللام من أفعل وفاعل وافتعل كالاعطاء والرّماء والاشتراء ، وسائر ما نذكره فى الممدود ، وربما صير إليهما للحاجة كمؤنث أفعل التفضيل ، ومؤنث أفعل الصفة ، وكذا ذو الزيادة : قد تكون زيادته للحاجة كما فى زيادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذى الزيادة ونحو ذلك ، وكزيادات الإلحاق ، وقد يكون بعضها للتوسع فى الكلام كما فى سعيد وحمار وعصفور وكنابيل ونحو ذلك ، ويجوز أن يقال في زيادة الالحاق : إنها للتوسع في اللغة ، حتى لو احتيج إلى مثل ذلك البناء فى

__________________

(١) صواب العبارة أن يقول «على جعله لهذه الأشياء أحوال الأبنية» وانظر (ص ٤) من هذا الجزء


الوزن والسجع كان موجودا ؛ وذهب أحمد بن يحيى إلى أنه لا بد لكل زائد من معنى ، ولا دليل على ما ادعى

قوله «والإعلال» يدخل فيه إبدال حروف العلة ، ونقل حركتها إلى ما قبلها ، وحذفها ، وحذف حركتها لا للجزم ولا للوقف ، ويدخل فى الإبدال إبدال حرف العلة والهمزة وغيرهما ، وكذا الحذف يشمل حذف حرف العلة والهمزة وغيرهما ، فقوله «الإبدال والحذف» يدخل فيها بعض وجوه الإعلال ، وبعض وجوه تخفيف الهمزة

قال : «الماضى : للثّلاثىّ المجرّد ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل ، نحو ضربه وقتله وجلس وقعد وشربه وومقه وفرح ووثق وكرم»

أقول : ذكر لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما من باب فعل يفعل ، والثانى من باب فعل يفعل ، ولم يذكر من باب فعل يفعل ـ بفتحهما ـ لأنه فرعهما على ما يأتى فى المضارع ، ومثالين للّازم منهما ، وذكر أيضا لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما من باب فعل يفعل كشرب ، والثانى من باب فعل يفعل كومق ، ومثالين للّازم منهما ، وذكر لفعل مثالا واحدا ؛ لأنه ليس مضارعه إلا مضموم العين ، وليس إلا لازما

قال : «وللمزيد فيه خمسة وعشرون : ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسي ، وملحق بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن وتغافل وتكلّم ، وملحق باحرنجم نحوا قعنسس واسلنقى ، وغير ملحق نحو أخرج وجرّب وقاتل وانطلق واقتدر واستخرج واشهابّ واشهبّ واغدودن واعلوّط ؛ واستكان قيل : افتعل من السّكون فالمدّ شاذّ ، وقيل : استفعل من كان فالمدّ قياسى»

أقول : شملل : أى أسرع ، وأيضا بمعنى أخذ من النخل بعد لقاطه ما يبقى


من ثمره ، وحوقل : كبر وعجز عن الجماع ، وجهور : رفع صوته ، قلنسته وقلسيته : ألبسته القلنسوة ، تجلبب : لبس الجلباب ، تجورب : لبس الجورب ، تشيطن الرجل : صار كالشيطان فى تمرده ، ترهوك الرجل فى المشى : أى كان كأنه يموج فيه ، تمسكن : تشبه بالمسكين ، احرنجم القوم : ازدحموا ، اقعنسس : رجع وتأخر ، اسلنقى : مطاوع سلقى : أى صرع ، اغدودن النبت : طال ، اعلوّطت البعير : تعلقت بعنقه وعلوته ، استكان : ذل

ومن الملحقات بفعلل شريف : أى قطع شرياف الزرع ، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يخاف فساد الزرع

قد تقدم أن نحو تكلّم وتغافل ليس ملحقا ، وإن كان فى جميع تصاريفه كتدحرج ، وفى عد النحاة تمدرع وتمندل وتمسكن من الملحق نظر أيضا ، وإن وافقت تدحرج فى جميع التصاريف ؛ وذلك لأن زيادة الميم فيها ليست لقصد الإلحاق ، بل هى من قبيل التوهم والغلط ، ظنّوا أن ميم منديل ومسكين ومدرعة فاء الكلمة كقاف قنديل ودال درهم ، والقياس تدرّع وتندّل وتسكن كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، وهذا كما توهم فى ميم مسيل الأصالة فجمعوه على مسلان وأمسلة ، كقفزان وأقفزة فى جمع قفيز ، فتمدرع وتمندل وتمسكن ـ وإن كانت على تمفعل فى الحقيقة ـ لكن فى توهمهم على تفعلل

وقد جاء من الملحقات بدحرج فعأل نحو : برأل الديك ، إذا نفش برائله (١)

__________________

(١) البرائل كعلابط والبرائلى بوزنه مقصورا : ما استدار من ريش الطائر حول عنقه ، أو خاص بعرف الحبارى ، فاذا نفشه للقتال قيل برأل كدحرج وتبرأل كتدحرج ، وابرأل كاشمأز ، اه من القاموس ، وفى اللسان : وقيل : هو الريش السبط الطويل لا عرض له على عنق الديك .... قال : وهو البرائل للديك خاصة


وفنعل نحو : دنقع الرجل : أى افتقر ولزق بالدّقعاء ، وهى الأرض ، وكذا فعلن وفمعل [وفعمل] وفعلم وغير ذلك ، لكنها لم تعدّ لغرابتها وكونها من الشواذ ؛ وكذا جاء تهفعل وافعنمل ونحو ذلك من النوادر (١)

قوله «واستكان» ، قيل : أصله استكن فأشبع الفتح ، كما فى قوله : ـ

__________________

(١) ذكر المؤلف رحمه‌الله هذه الأوزان ولم يذكر لها أمثلة ، ونحن نذكر لك أمثلة لها : أما فعلن فمن أمثلتها قولهم : فرصن الشىء ؛ إذا قطعه ، وأصله الفرص وهو القطع وزنا ومعنى ، ومنه قولهم : قحزن الرجل ؛ إذا ضربه فصرعه ، وأصله قحز الرجل إذا أهلكه ، وأما فمعل فمن أمثلتها قولهم : حمظل الرجل ، إذا جنى الحمظل ، وهو الحنظل. وأما فعمل فمن أمثلتها قولهم : قصمل الشىء ، إذا قطعه ، وأصله القصل وهو القطع وزنا ومعنى ، وقولهم : جلمط الرجل شعره ؛ اذا حلقه ، وأصله جلط. وأما فعلم فمن أمثلتها قولهم : فرصم الشىء ؛ إذا قطعه وأصله الفرص. وأما تهفعل فمن أمثلتها قولهم : تهلقم مطاوع هلقم الشىء ، إذا ابتلعه ، وأصله لقم اللقمة إذا أخذها بفيه. وأما افعنمل فمن أمثلتها قولهم : اهرنمع الرجل ، إذا أسرع فى مشيته وكذلك إذا كان سريع البكاء والدموع. وقالوا : اهرنمع فى منطقه إذا انهمك وأكثر ، النون فيه زائدة بلا خلاف ، وأما الميم فقال ابن سيده : إنها زائدة ، وقال ابن برى : هى أصلية فوزنها افعنلل ، وعلى كل فانه يتعين إبدال النون ميما وإدغامها فى الميم بعدها هذا ، وقد أشار المؤلف بقوله : وغير ذلك ، وقوله فيما بعد : ونحو ذلك ، إلى أوزان أخرى لم يتعرض لذكرها ، فمنها يفعل (كدحرج) نحو : يرنأ الرجل ، إذا صبغ باليرناء (بضم ففتح فنون مشددة وبعد الألف همزة) وهى الحناء. ومنها تفعل (كدحرج) نحو ترمس بمعنى رمسه : أى غيبه فى الرمس وهو القبر ، ومنه قولهم : ترفل ترفلة بمعنى رفل (كنصر) ؛ إذا جرذيله وتبختر. ومنها نفعل كقولهم : نرجس الدواء ؛ إذا وضع فيه النرجس. ومنها فنعل نحو سنبل الزرع إذا ظهر سنبله. ومنها هفعل نحو هلقم ؛ إذا أكبر اللقم. ومنها سفعل نحو سنبس بمعنى نبس : أى نطق ، إلى غير ذلك مما تجده فى كتب اللغة. هذا ، وفى أكثر هذه الأوزان مقال


١٠ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة

زيّافة مثل الفنيق المكدم (١)

إلا أن الإشباع فى استكان لازم عند هذا القائل ، بخلاف ينباع ، وقيل : استفعل من الكون ، وقيل : من الكين ، والسين للانتقال ، كما فى استحجر : أى انتقل إلى كون آخر : أى حالة أخرى : أى من العزة إلى الذلة ، أو صار كالكين ، وهو لحم داخل الفرج : أى فى اللين والذلة

قال : «ففعل لمعان كثيرة ، وباب المغالبة يبنى على فعلته أفعله ـ بالضم ـ نحو كارمنى فكرمته أكرمه ، إلا باب وعدت وبعت ورميت ؛ فإنّه أفعله ـ بالكسر ـ وعن الكسائىّ فى نحو شاعرته فشعرته أشعره ـ بالفتح»

أقول : اعلم أن باب فعل لخفته لم يختص بمعنى من المعانى ، بل استعمل فى جميعها ؛ لأن اللفظ إذا خف كثر استعماله واتسع التصرف فيه

ومما يختص بهذا الباب بضم مضارعه باب المغالبة ، ونعنى بها أن يغلب أحد الأمرين الآخر فى معنى المصدر ، فلا يكون إذن إلا متعديا. نحو : كارمنى فكرمته أكرمه : أى غلبته بالكرم ، وخاصمنى فخصمته أخصمه ، وغالبنى فغلبته أغلبه ، وقد يكون الفعل من غير هذا الباب كغلب وخصم وكرم ، فاذا قصدت هذا المعنى نقلته إلى هذا الباب ، إلا أن يكون المثال الواوىّ كوعد ، والأجوف

__________________

(١) هذا البيت من معلقة عنترة بن شداد العبسى. وينباع : أصله ينبع (كيفتح) فأشبعت فتحة الباء فصارت ألفا. والذفرى ـ بكسر فسكون مقصورا ـ الموضع الذى يعرق من الابل خلف الأذن. والغضوب : الناقة الصعبة الشديدة. والجسرة : الضخمة القوية. والزيافة : المتبخترة فى مشيها. والفنيق : الفحل المكرم من الابل والمكدم : المعضوض ، وروى المقرم ، وهو الذى لا يذلل ولا يحمل عليه لكرمه وعتقه


والناقص اليائيين كباع ورمى ؛ فانك لا تنقلها عن فعل يفعل ؛ بل تنقلها إليه إن كانت من غيره ؛ لأن هذه الأنواع مضارعها يفعل ـ بالكسر ـ إذا كان الماضى مفتوح العين قياسا لا ينكسر ، كما يجىء

وحكى عن الكسائى أنه استثنى أيضا ما عينه أو لامه أحد الحروف الحلقية ، وقال : يلزمه الفتح ، نحو : شاعرته فشعرته أشعره ، والحق ما ذهب إليه غيره ؛ لأن ما فيه حرف الحلق لا يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوى والأجوف والناقص اليائيين ، بل كثير منه يأتى على الأصل نحو برأ يبرؤ وهنأ يهنىء ، كما يأتى بيانه فى موضعه ، وقد حكى أبو زيد شاعرته فشعرته أشعره ـ بالضم ـ وكذا فاخرته أفخره ـ بالضم ـ وهذا نص فى عدم لزوم الفتح فى مثله

واعلم (١) أنه ليس باب المغالبة قياسا بحيث يجوز لك نقل كل لغة أردت إلى هذا الباب لهذا المعنى ، قال سيبويه : وليس فى كل شىء يكون هذا ، ألا ترى أنك لا تقول نازعنى فنزعته أنزعه ، استغنى عنه بغلبته ، وكذا غيره ، بل نقول : هذا الباب مسموع كثير

قال : «وفعل تكثر فيه العلل والأحزان وأضدادها نحو سقم ومرض وحزن وفرح ، ويجىء الألوان والعيوب والحلى كلّها عليه ، وقد جاء أدم وسمر وعجف وحمق وخرق وعجم ورعن (٢) بالكسر والضّمّ»

__________________

(١) قال فى التسهيل : وهذا البناء (يقصد باب المغالبة) مطرد فى كل ثلاثى متصرف تام خال من ملزم الكسر. اه ويقصد بملزم الكسر ما ذكره المؤلف هاهنا وهو كونه مثالا واو يا أو أجوف أو ناقصا يائيين. ولا ينافيه قول سيبويه الذى ذكره المؤلف لأنه يمكن حمل كلامه على أنه أراد به أنهم مع كثرة استعمالهم باب المغالبة تركوا استعماله فى هذا الموضع استغناء عنه بغلبته وشبهه ، وما قال ابن مالك هو الظاهر كما يدل عليه قولهم : باب المغالبة يبنى على كذا ، دون أن يقولوا : جاء على كذا

(٢) أدم (كعلم وكرم) فهو آدم ، إذا كان لونه مشربا سوادا وبياضا ،


أقول : اعلم أن فعل لازمه أكثر من متعديه ، والغالب فى وضعه أن يكون للأعراض من الوجع وما يجرى مجراه ، كحزن وردى وشعث وسهك ونكد وعسر وشكس ولحز ولحج وخزى ، ومن الهيج كبطر وفرح (١) وخمط خمطا ، وهو الرائحة الطيبة ، وقنم قنمة ، وهى الرائحة المكروهة ، وغضب وغار يغار وحمش وقلق وحار حيرة وبرق (٢). ومن الهيج ما يدل على الجوع والعطش وضديهما من الشبع والرّىّ ، وقريب منه نصف القدح أى امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء ، ويكثر فى هذا الباب الألوان والحلى ؛ فالألوان نحو كدر وشهب وصدىء وقهب وكهب وأدم (٣)

__________________

واللون الأدمة ، وسمر (ككرم وفرح) فهو أسمر ، واسمار أيضا ؛ إذا كان لونه السمرة ، وهى منزلة بين السواد والبياض. وعجف (كفرح وكرم) فهو أعجف ، إذا ذهب سمنه ، وهو العجف (بفتحتين). وحمق (ككرم وغنم) حمقا ـ بالضم وبضمتين ـ وحماقة فهو أحمق ، إذا كان قليل العقل. وخرق بالأمر (ككرم وفرح) إذا لم يرفق به ، وعجم ـ بضم الجيم ـ عجمة فهو أعجم وهى عجماء ، إذا كان به عجمة وهى لكنة وعدم فصاحة ، وظاهر كلام المؤلف أنه ورد كفرح أيضا ، لكنا لم نجد بعد مراجعة ما بأيدينا من أمهات كتب اللغة إلا ما قدمناه ، وقال فى اللسان عن الكسائى : كل شىء من باب أفعل وفعلاء سوى الألوان فانه يقال فيه فعل يفعل مثل عرج يعرج وما أشبهه ، إلا ستة أحرف فانها جاءت على فعل (ككرم) الأخرق والأحمق والأرعن والأعجف والأيمن اه ولم يذكر السادس ، ولعله الاعجم.

(١) ردى : هلك ، وسقط فى الهوة ، وشعث : تلبد شعره واغبر ، وسهك : خبثت رائحة عرقه ، ونكد : صعب عيشه ، وعسر : وقع فى ضيق وشدة ، أو عمل بيده اليسرى ، وشكس : ساء خلقه ، ولحز : بخل وشحت نفسه ، ولحجت عينه : أصيبت ببثور ، وخزى الرجل : وقع فى بلية وشر ، وبطر : لم يحتمل النعمة وكفرها

(٢) حمش : غضب ، أو صار دقيق الساق ، وبرق بصره : تحير ، أو دهش فلم يبصر

(٣) كدر : إذا كان لونه بين السواد والغبرة ، وشهب : إذا غلب بياضه على


والأغلب فى الألوان افعلّ وافعالّ نحو ازراقّ واخضارّ وابيضّ واحمرّ واصفرّ ، ولا يجىء من هذه الألوان فعل ولا فعل ؛ ونعنى بالحلى العلامات الظاهرة للعيون فى أعضاء الحيوان ، كشتر وصلع ورسح وهضم (١).

وقد يشاركه فعل مضموم العين فى الألوان والعيوب والحلى ، كالكلمات التى عدها المصنف ، وفى الأمراض والأوجاع كسقم وعسر ، بشرط أن لا يكون لامه ياء ؛ فان فعل لا يجىء فيه ذلك ؛ إلا لغة واحدة ، نحو بهو الرجل (٢) وبهى أى : صار بهيّا

وفعل فى هذه المعانى المذكورة كلها لازم ، لأنها لا تتعلق بغير من قامت به ؛ وأما قولهم : فرقته وفزعته فقال سيبويه : هو على حذف الجار ، والأصل فرقت منه وفزعت منه ، قال : وأما خشيته فأنا خاش ، والقياس خش ، فالأصل أيضا خشيت منه ، فحمل على رحمته ، حمل الضد على الضد ؛ ولهذا جاء اسم الفاعل منه على خاش والقياس خش ؛ لأن قياس صفة اللازم من هذا الباب فعل ، وكذا كان قياس مصدره خشي فقيل خشية حملا على رحمة ، وكذا حمل ساخط على راض مع أنه لازم ، يقال : سخط منه أو عليه

__________________

سواده ، وصدىء : إذا كان أسود مشربا حمرة ، وقهب إذا كان ذاغبرة مائلة إلى الحمرة ، وكهب : إذا كان ذا غبرة مشربة سوادا ، وأدم تقدم قريبا ص (٧١)

(١) شتر : انشقت شفته السفلى ، وشترت عينه : انقلب جفنها وتشنج ، وصلع (بمهملة كفرح) فهو أصلع ؛ إذا انحسر شعر مقدم رأسه لنقصان مادة الشعر فى تلك البقعة فى بعض النسخ «ضلع» وتقول. ضلع السيف (بالمعجمة كفرح) : اعوج ، ورسح : أى خف لحم عجيزته وفخذيه ، وهضم : انضم كشحاه (أى جانباه) وضمرت بطنه

(٢) بهو الرجل وبهى وبها (ككرم وفرح ودعا وسعى) ، إذا صار بها أى : حسنا


قوله «رعن» أى : حمق ، والرعونة : الحمق

قال : «وفعل لأفعال الطّبائع ونحوها كحسن وقبح وكبر وصغر فمن ثمّة كان لازما ، وشذّ رحبتك الدّار : أى رحبت بك. وأمّا باب سدته فالصّحيح أنّ الضّمّ لبيان بنات الواو لا للنّقل ، وكذا باب بعته. وراعوا فى باب خفت بيان البنية»

أقول : اعلم أن فعل فى الأغلب للغرائز ، أى : الأوصاف المخلوقة كالحسن والقبح والوسامة والقسامة (١) والكبر والصّغر والطّول والقصر والغلظ والسّهولة والصّعوبة والسّرعة والبطء والثّقل والحلم والرّفق ، ونحو ذلك

وقد يجرى غير الغريزة مجراها ، إذا كان له لبث (٢) ومكث نحو حلم وبرع (٣) وكرم وفحش

قوله «ومن ثمة كان لازما» لأن الغريزة لازمة لصاحبها ، ولا تتعدى إلى غيره هكذا قيل. وأقول : أيش المانع (٤) من كون الفعل المتعدى طبيعة أو كالطبيعة

__________________

(١) الوسامة : أثر الحسن ، وهى الحسن الوضىء الثابت أيضا ، والوسيم : الثابت الحسن ، كأنه قد وسم ، والقسامة : الحسن ، يقال : رجل مقسم الوجه ، أى جميل كله كأن كل موضع منه أخذ قسما من الجمال

(٢) اللبث ـ بفتح اللام وضمها مع إسكان الباء فيهما ـ : المكث أو الابطاء والتأخر. قال الجوهرى : مصدر لبث لبث (بفتح فسكون) على غير قياس ، لأن المصدر من فعل (بالكسر) قياسه التحريك إذا لم يتعد ، وقد جاء فى الشعر على القياس ، قال جرير :

وقد أكون على الحاجات ذالبث

و أحوذيّا إذا انضمّ الذّعاليب

(٣) برع (بضم الراء) : تم فى كل فضيلة وجمال ، وفاق أصحابه فى العلم وغيره

(٤) أيش : أصلها أى شىء ، فخففت بحذف الياء الثانية من أى الاستفهامية ، وحذف


قوله «رحبتك الدّار» ، قال الأزهرى : هو من كلام نصر بن سيّار وليس بحجة (١). والأولى أن يقال : إنما عدّاه لتضمنه معنى وسع ، أى :

__________________

همزة شىء بعد نقل حركتها إلى الساكن قبلها ، ثم أعل إعلال قاض ، والمؤلف رحمه‌الله يستعمل هذا اللفظ كثيرا ، وقد وقع مثله لكثير من أفاضل العلماء ، قال الشهاب الخفاجى فى شفاء الغليل : أيش بمعنى أى شىء ، خفف منه ، نص عليه ابن السيد فى شرح أدب الكاتب ، وصرحوا بأنه سمع من العرب ، وقال بعض الأئمة : جنبونا أيش ، فذهب إلى أنها مولدة ، وقول الشريف فى حواشى الرضى : «إنها كلمة مستعملة بمعنى أى شىء وليست مخففة منها» ليس بشىء ، ووقع فى شعر قديم أنشدوه فى السير : ـ

من آل قحطان وآل أيش

قال السهيلى فى شرحه : الأيش : يحتمل أنه قبيلة من الجن ينسبون إلى أيش ، ومعناه مدح ، يقولون : فلان أيش وابن أيش ، ومعناه شىء عظيم ، وأيش فى معنى أى شىء كما يقال : ويلمه ، فى معنى ويل لأمه على الحذف لكثرة الاستعمال اه

(١) قال اللسان : «كلمة شاذة تحكى عن نصر بن سيار : أرحبكم الدخول فى طاعة ابن الكرمانى؟ أى : أوسعكم؟ فعدى فعل (بالضم) وليست متعدية عند النحويين ، إلا أن أبا على الفارسى حكى أن هذيلا تعديها إذا كانت قابلة للتعدى بمعناها ، كقوله : ـ

ولم تبصر العين فيها كلابا

قال الأزهرى : لا يجوز رحبكم عند النحويين ، ونصر ليس بحجة» اه ملخصا ونصر : هو نصر بن سيار بن رافع بن حرى (كغنى) بن ربيعة بن عامر بن هلال بن عوف ، كان أمير خراسان فى الدولة الأموية ، وكان أول من ولاه هشام ابن عبد الملك ، وكانت إقامته بمرو ؛ فهو عربى الأصل ، وحياته كانت فى العصر الذى يستشهد بكلام أهله فلا وجه لقولهم : ليس بحجة.


وسعتكم الدار. وقول المصنف «أى رحبت بك» فيه تعسف لا معنى له (١).

ولا يجىء من هذا الباب أجوف يائى ، ولا ناقص يائى ؛ لأن مضارع فعل يفعل بالضم لا غير ، فلو أتيا منه لاحتجت إلى قلب الياء ألفا فى الماضى ، وفى المضارع واوا ، نحو يبوع ويرمو ، من البيع والرّمى ، فكنت تنتقل من الأخف إلى الأثقل. وإنما جاء من فعل المكسور العين أجوف وناقص : واويان كخاف خوفا ورضى وغبى وشقى رضوانا وغباوة وشقاوة ؛ لأنك تنتقل فيه من الأثقل إلى الأخف بقلب الواو فى يخاف ألفا وفى رضى ياء ، بلى قد جاء فى هذا الباب من الأجوف اليائى حرف واحد وهو هيؤ الرّجل : أى صار ذاهيئة ، ولم تقلب الياء فى الماضى ألفا إذ لو قلبت لوجب إعلال المضارع بنقل حركتها إلى ما قبلها وقلبها واوا ؛ لأن المضارع يتبع الماضى فى الإعلال ؛ فكنت تقول : هاء يهوء ، فيحصل الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وجاء من الناقص اليائى حرف واحد متصرف (٢) وهو بهو الرجل يبهو ، بمعنى بهى يبهى : أى صار بهيّا ؛ وإنما لم تقلب الضمة كسرة لأجل الياء كما في التّرامى بل قلبت الياء واوا لأجل الضمة لأن الأبنية فى الأفعال مراعاة لا يخلط بعضها ببعض أبدا ، لأن الفعلية إنما حصلت بسبب البنية والوزن ، إذ أصل الفعل المصدر الذى هو اسم ، فطرأ الوزن عليه فصار فعلا ، وقد يجىء على قلة في باب التعجب فعل من الناقص اليائى ولا يتصرف كنعم وبئس فلا يكون له مضارع كقضو الرجل (٣) ورموت اليد [يده] ، ولم

__________________

(١) إنما كان تخريج المصنف تعسفا عنده لأن حاصله حذف الجار وإيصال العامل اللازم إلى ما كان مجرورا بنفسه ، وباب الحذف والأيصال شاذ عند النحاة ، وأما تخريج الشارح فحاصله أنه ضمن كلمة معنى كلمة ، والتضمين باب قياسى عند كثير من النحاة

(٢) نقول : قد جاء فعل آخر من هذا النوع ، وهو قولهم : نهو الرجل : أى صار ذا نهية ، والنهية (بضم فسكون) العقل

(٣) قضو الرجل : أى ما أقضاه ، يقال ذلك إذا جاد قضاؤه. ورموت اليد : أى ما أرماها


يجىء المضاعف من هذا الباب إلا قليلا لثقل الضمة والتضعيف. وحكى يونس لببت تلبّ ؛ ولببت تلبّ أكثر ؛ وأما حببت فمنقول إلى هذا الباب للتعجب كقضو ورمو ، ومنه قوله ـ :

٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل (١) *

فهو كقوله : ـ

١١ ـ قعدت له وصحبتى بين ضارج

وبين العذيب بعد ما متأمّلى (٢)

على أحد التأويلين فى بعد (٣) والأصل حببت بالكسر (٤) أى : صرت حبيبا ؛ ولم يقولوا فى القليل قللت كما قالوا فى الكثير كثرت ، بل قالوا : قلّ

__________________

(١) سبق شرح هذا الشاهد (ص ٤٣) والاستشهاد به هاهنا على أن أصل حب (بضم الحاء) حبب (بكسر الباء) ، ثم نقل إلى فعل (بضم العين) للمدح والتعجب ، ثم نقلت الضمة إلى الفاء وأدغمت العين فى اللام

(٢) هذا البيت من طويلة امرىء القيس ، والضمير فى له يعود إلى البرق الذى ذكره فى قوله : ـ

أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين فى حبّى مكلّل

وضارج والعذيب : مكانان ، وما : زائدة ، ومتأملى : اسم مفعول من تأمل : أى بعد السحاب المنظور إليه ؛ وهو فاعل بعد ، ويجوز أن تجعل ما تمييزا ، ويكون قوله متأملى هو المخصوص بالمدح

(٣) والتأويل الثانى أن يكون سكون العين أصليا ، وتكون بعد ظرفا لا فعل تعجب ، وما : زائدة ، ومتأملى مصدر ميمى بمعنى التأمل والنظر. وهذان التوجيهان يجريان فى رواية بعد (بفتح الباء) ، وأما فى رواية ضم الباء فلا تحتمل إلا وجها واحدا ، وهو أن يكون بعد فعلا ماضيا للتعجب

(٤) لا وجه لتقييده بالكسر ؛ فأنه قد جاء قبل نقله إلى باب التعجب من باب ضرب ومن باب تعب ، فكل منهما يجوز أن يكون أصلا للمضموم


يقلّ كراهة للثقل ، ولم يأت شررت بالضم (١) بل شررت بالفتح والكسر أى صرت شرّيرا ، وقال بعضهم : عزّت الناقة ـ أى : ضاق إحليلها ـ تعزّ بالضم وشرّ ودمّ : أى صار دميما ؛ وثلاثتها فعل بالضم. ولم يثبت ما قاله سيبويه «لا يكاد يكون فيه ـ يعنى فى المضاعف ـ فعل» وقال الجوهرى : إن لببت لا نظير له فى المضاعف ، وإنما غرّهم الدّميم والشّرير والدّمامة والشّرارة!! والمستعمل دممت بالفتح تدمّ لا غير ، ولم يستعمل من شديد فعل ثلاثى (٢) استغناء باشتدّ ، كما استغنى بافتقر عن فقر ، وبارتفع عن رفع ، فقالوا : افتقر فهو فقير ، وارتفع فهو رفيع واشتد فهو شديد ، وأما قول على رضى الله عنه «لشدّ ما تشطرا ضرعيها» (٣) فمنقول إلى فعل كما قلنا فى حبّذا وحببت ، فلا يستعمل حبّ وشدّ بمعنى صار حبيبا وشديدا إلا فى التعجب كما فى حبذا وشدّما

قوله «وأما باب سدته» جواب عن اعتراض وارد على قوله «كان لازما» أجاب بأن سدته ليس من باب فعل بالضم فى الأصل ، ولا هو منقول إليه كما هو ظاهر قول سيبويه وجمهور النحاة ، وذلك لأنهم قالوا : نقل قولت إلى قولت

__________________

(١) قال فى اللسان (مادة حبب) : وحببت إليه (بالضم) صرت حبيبا ، ولا نظير له إلا شررت (بالضم) من الشر ولببت من اللب ، وتقول : ما كنت حبيبا ولقد حببت بالكسر : أى صرت حبيبا اه

(٢) إن كان المؤلف رحمه‌الله يقصد أنه لم يستعمل لشديد فعل ثلاثى على فعل (بضم العين) فمسلم ، وإن كان يريد أنه لم يستعمل له ثلاثى مطلقا فغير مسلم ، لأنه قد حكاه صاحب اللسان قال : رجل شديد : قوى ، وقد شد يشد بالكسر (كخف يخف فهو خفيف) اه

(٣) يقوله رضى الله عنه فى شأن الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله تعالى عنهما فضمير التثنية عائد إليهما ، والضمير المؤنث يعود إلى الخلافة عن رسول الله يريد أنهما تقاسماها وأن كل واحد منهما قد أخذها شطرا من الزمن


وبيعت إلى بيعت لينقلوا بعد ذلك ضمة الواو وكسرة الياء إلى ما قبلها فيبقى بعد حذف الواو والياء ما يدل عليهما ، وهو الضمة والكسرة ، واعترض المصنف على قولهم بأن الغرض المذكور يحصل بدون النقل من باب إلى باب ، وباب فعل المضموم العين وفعل المكسور العين فى الأغلب يختص كل منهما بمعنى مخالف لمعنى فعل المفتوح العين ، ولا ضرورة ملجئة إلى هذا النقل ، لا لفظية ولا معنوية ؛ أما المعنى فلأنه لا يدعى أحد أن قلت وبعت تغيّرا عما كانا عليه من المعنى ، وأما اللفظ فلأن الغرض قيام دلالة على أن أحدهما واوى والآخر يائى ، ويحصل هذا بضم فاء قال وكسر فاء باع من أول الأمر بعد إلحاق الضمير المرفوع المتحرك بهما وسقوط ألفهما للساكنين من غير أن يرتكب ضمّ العين وكسرها ثم نقل الحركة من العين إلى الفاء. وأيش المحذور فى ذلك (١)؟ وكيف نخالف أصلا لنا مقررا؟ وهو أن كل واو أو ياء فى الفعل هى عين تحركت بأى حركة كانت من الضم والفتح والكسر وانفتح ما قبلها فانها تقلب ألفا ، فقولت بالفتح يجب قلب واوه ألفا ، وكذا لو حولت الفتحة ضمة ، وكذا بيعت بالكسر والفتح ، وأىّ داع لنا إلى إلحاق الضمائر المرفوعة بقول وبيع اللذين هما أصلا قال وباع؟ وهل هى فى الفاعلية إلا كالظواهر في نحو «قال زيد» ، و «باع عمرو»؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبى الواو والياء ألفا ؛ فنقول : تحركت الواو فى قول وطول وخوف والياء فى بيع وهيب وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ؛ وإنما لم تقلب الياء فى هيؤ لما تقدم ؛ فصار الجميع قال وطال وخاف وباع وهاب ، فلم يمكن مع بقاء الألف التنبيه على بنية هذه الأبواب وأن أصلها فعل أو فعل أو فعل لأن الألف يجب انفتاح ما قبلها ، فلما اتصلت الضمائر المرفوعة المتحركة بها وجب تسكين اللام لما هو معلوم ، فسقطت الألف فى جميعها للساكنين ، فزال ما كان مانعا من التنبيه

__________________

(١) انظر (ه ٤ ص ٧٤)


على الوزن ـ أى الألف ـ فقصدوا بعد حذفها إلى التنبيه على بنية كل واحد منها لما ذكرنا من أن بنية الفعل يبقّى عليها وتراعى بقدر ما يمكن ، وذلك يحصل بتحريك الفاء بمثل الحركة التى كانت فى الأصل على العين ؛ لأن اختلاف أوزان الفعل الثلاثى بحركات العين فقط ، ولم يمكن هذا التنبيه فى فعل المفتوح العين نحو قول وبيع ، لأن حركتى الفاء والعين فيه متماثلتان ، فتركوا هذا التنبيه فيه ونبّهوا على البنية فى فعل وفعل فقط ؛ فقالوا فى فعل نحو خاف وهاب : خفت وهبت ، وسوّوا بين الواوى واليائى لما ذكرنا أن المهم هو التنبيه على البنية ، وقالوا فى فعل نحو طال فهو طويل : طلت ، والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو ، لما ذكرنا ، ولم يجىء فى هذا الباب أجوف يائى حتى يسوّوا بينه وبين الواوى فى الضم كما سوّوا بينهما فى فعل نحو خفت وهبت ، إلا هيؤ ، كما ذكرنا ، ولا تقلب ياؤه ألفا لما مر ، فلما فرغوا من التنبيه على البنية فى بابى فعل وفعل ولم يكن مثل ذلك فى فعل ممكنا ، كما ذكرنا ، قصدوا فيه التنبيه على الواوى واليائى والفرق بينهما ، كما قيل : إن لم يكن خلّ فخمر (١) ؛ فاجتلبوا ضمة فى قال بعد حذف الألف للساكنين ، وجعلوها مكان الفتحة ، وكذا الكسرة فى باع ؛ لتدل الأولى على الواو والثانية على الياء ، وأما إذا تحركت الواو والياء عينين وما قبلهما ساكن متحرك الأصل فى الأفعال والأسماء المتصلة بها فإنه ينقل حركة العين إليه وإن كانت فتحة رعاية لبنية الفعل والمتصل به ، وذلك لأنه يمكن فى مثله المحافظة على البنية فى المفتوح العين ، كما أمكن فى مضمومها ومكسورها ، بخلاف المفتوحة المفتوح ما قبلها نحو قال وباع ، كما ذكرنا ، لأن الفاء ههنا ساكنة ، فإذا تحركت

__________________

(١) لم نجد هذا المثل فى أمثال الميدانى ولا فى كتب اللغة ، والذى فى اللسان : «والخل والخمر : الخير والشر ، وفى المثل ما فلان بخل ولا خمر : أى لا خير فيه ولا شر عنده» اه


بالفتح وسكن العين علم أن ذلك حركة العين ، ولا يراعى هنا الفرق بين الواوى واليائى أصلا ؛ لأنه إنما يراعى ذلك إذا حصل العجز عن مراعاة البنية كما مر ، بلى يراعى ذلك فى اسم المفعول من الثلاثى ؛ نحو مقول ومبيع ، كما يجىء ، فمن الواوى قولهم يخاف ويقال وأقيم ونقيم ويقول ويطيح ، عند الخليل ، وأصله (١) يطوح كما يجىء ، ويقوم والمقام والمقام والمقيم والمعون ، ومن اليائى قولهم يهاب ويباع وأقيل ويقيل ويبيع والمقال والمقيل ؛ فقد رأيت كيف قصدوا فى النوعين بيان البنية بنقل الضمة والكسرة والفتحة إلى ما قبلها لمّا لزمهم إعلال العين بسبب حمل الكلمات المذكورة على أصولها ، أعنى الماضى الثلاثى كما يجىء فى باب الاعلال ، ولم يبالوا بالتباس الواوىّ باليائى

ثم الحركة المنقولة : إن كانت فتحة قلبت الواو والياء ألفا ، كما فى يخاف ويهاب ؛ لأن سكونهما عارض ، فكأنهما متحركتان ، وما قبلهما كان مفتوح الأصل ، وقد تحرّك بفتحة العين ؛ فكأن الواو والياء تحركتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ، ولا سيما أن تطبيق الفرع بالأصل أولى ما أمكن.

وإن كانت ضمة ـ ولم يجى فى الفعل والاسم المتصل به إلا على الواو ، نحو يقول ـ نقلت إلى ما قبلها وسلمت الواو ، بلى قد جاءت على الياء أيضا فى اسم

__________________

(١) من العرب من قال طوح يطوح (بتضعيف العين فيهما) ، ومنهم من قال : طيح يطيح (بالتضعيف أيضا) ، وقد حكوا طاح يطوح ، فهو من باب نصر عند جميع من حكاه ، وحكوا طاح يطيح ، فأما على لغة من قال طيح يطيح (بالتضعيف) فهو يائى من باب ضرب من غير تردد ، وأما على لغة من قال طوح يطوح فقد اختلف العلماء فى تخريج طاح يطيح ، فذهب الخليل إلى أنه من باب حسب يحسب (بكسر العين فى الماضى والمضارع) ، وذلك أن فعل المفتوح العين لا يكون من باب ضرب إذا كان أجوف واو ياء كما لا يكون من باب نصر إذا كان أجوف يائيا ، وقيل : هو شاذ ، وسيأتى لذلك بحث طويل فى كلام المصنف والشارح فى «باب المضارع» ، وسنعيد الكلام هناك بايضاح أكثر من هذا.


لمفعول ، لكنه روعى فيه الفرق بين الواوى واليائى كما يجىء ، وقد جاء أيضا في هيؤ يهيؤ ، وقد مرحكمه (١).

وإن كانت كسرة : فإن كانت على الياء سلمت بعد النقل نحو يبيع ، وإن كانت على الواو ـ نحو يقيم ، ويطيح عند الخليل ـ قلبت ياء ؛ لتعسر النطق بها ساكنة بعد الكسرة ، ولا تقول : إن الضم والكسر فى نحو يقول ويبيع نقلا إلى ما قبلهما للاستثقال ؛ إذ لو كان له لم تنقل الفتحة فى نحو يخاف ويهاب ، وهى أخف الحركات ، فلا يستثقل وخاصة بعد السكون ، ولا سيما فى الوسط ، وأيضا فالضمة والكسرة لا تستثقلان على الواو والياء إذا سكن ما قبلهما كما فى ظبى ودلو

فان قيل : ذلك لأن الاسم أخف من الفعل ، والأصل فى الاعلال الفعل كما يجىء فى باب الاعلال

قلت : نعم ، ولكن الواو والياء المذكورين فى طرف الاسم ، وهما فى الفعل فى الوسط ، والطرف أثقل من الوسط

فان قيل : لم تستثقل فى الاسم لكون الحركة الإعرابية عارضة

قلت : نوع الحركة الإعرابية لازم ، وإن كانت كل واحدة منهما عارضة ، ولو لم يعتد بالحركة الإعرابية فى باب الإعلال لم يعلّ نحو قاض وعصا ؛ فإذا تبين أن النقل ليس للاستثقال قلنا : إنه وجب إسكان العين تبعا لأصل الكلمة ، وهو الماضى من الثلاثى ؛ إذ الأصل فى الإعلال الفعل كما يبين فى بابه ، وأصل الفعل الماضى ، فلما أسكنت نقلت الحركة إلى ما قبلها لتدل على البنية كما شرحنا وإنما فرق فى اسم المفعول من الثلاثى بين الواوى واليائى نحو مقول ومبيع ؛ لأن الأصل فى هذا الإعلال ـ أعنى إسكان الواو والياء الساكن ما قبلهما ـ

__________________

(١) انظر (ص ٧٦ من هذا الجزء)


هو الفعل كما ذكرنا ، ألا ترى أن نحو دلو وظبى لم يسكن الواو والياء فيهما مع تطرفهما ، ثم حملت الأسماء المتصلة بالأفعال فى هذا الإعلال على الفعل إذا وافقته لفظا بالحركات والسكنات ، كما فى مقام ومعيشة ومصيبة ، واسم المفعول من الثلاثى وإن شابه الفعل معنى واتصل به لفظا ، لاشتقاقهما من أصل واحد ، لكن ليس مثله فى الحركات والسكنات فأجرى مجرى الفعل من وجه ، وجعل مخالفا له من آخر : فالأول بإسكان عينه ، والثانى بالفرق بين واويه ويائيه ، مع إمكان التنبيه على البنية ، فالأولى على هذا أن نقول : حذفت ضمة العين فى مقوول ومبيوع إتباعا للفعل فى إسكان العين ، وضمت الفاء فى الواوى وكسرت فى اليائى كما قلنا فى قلت وبعت دلالة على الواوى واليائى

قال : «وأفعل للتّعدية غالبا ، نحو أجلسته ، وللتّعريض نحو أبعته ، ولصيرورته ذا كذا نحو أغدّ البعير ، ومنه أحصد الزّرع ، ولوجوده على صفة نحو أحمدته وأنحلته ، وللسّلب نحو أشكيته ، وبمعنى فعل نحو قلته وأقلته»

أقول : اعلم أن المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى ؛ لأنها إذا لم تكن لغرض لفظى كما كانت فى الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا ، فاذا قيل مثلا : إن أقال بمعنى قال ، فذلك منهم تسامح فى العبارة ، وذلك على نحو ما يقال : إن الباء فى (كفى بالله) و «من» فى (ما من إله) زائدتان لمّا لم تفيدا فائدة زائدة فى الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده ، فكذا لا بد فى الهمزة فى «أقالنى» من التأكيد والمبالغة

والأغلب فى هذه الأبواب أن لا تنحصر الزيادة فى معنى ، بل تجىء لمعان على البدل ، كالهمزة فى أفعل تفيد النقل ، والتعريض ، وصيرورة الشىء ذا كذا ، وكذا فعل وغيره


وليست هذه الزيادات قياسا مطردا ؛ فليس لك أن تقول مثلا فى ظرف : أظرف ، وفى نصر : أنصر ، ولهذا ردّ على الأخفش في قياس أظنّ وأحسب وأخال على أعلم وأرى ، وكذا لا تقول : نصّر ولا دخّل ، وكذا فى غير ذلك من الأبواب ، بل يحتاج فى كل باب إلى سماع استعمال اللفظ المعين ، وكذا استعماله فى المعنى المعين (١) ، فكما أن لفظ أذهب وأدخل يحتاج فيه إلى

__________________

(١) قال سيبويه رحمه‌الله (ج ٢ ص ٢٣٣): «هذا باب افتراق فعلت وأفعلت فى الفعل للمعنى ، تقول : دخل وخرج وجلس ، فاذا أخبرت أن غيره صيره إلى شىء من هذا قلت : أخرجه وأدخله وأجلسه ، وتقول : فزع وأفزعته ، وخاف وأخفته ، وجال وأجلته ، وجاء وأجأته ، فأكثر ما يكون على فعل (بتثليث العين) إذا أردت أن غيره أدخله فى ذلك يبنى الفعل منه على أفعلت ، ومن ذلك أيضا مكث (بضم العين) وأمكثته ، وقد يجىء الشىء على فعلت (بتشديد العين) فيشرك أفعلت ، كما أنهما قد يشتركان فى غير هذا ، وذلك قولك : فرح وفرحته ؛ وإن شئت قلت : أفرحته ، وغرم وغرمته ، وأغرمته إن شئت ، كما تقول : فزعته وأفزعته ، وتقول : ملح (بضم العين) وملحته ، وسمعنا من العرب من يقول : أملحته ، كما تقول : أفزعته ، وقالوا : ظرف وظرفته ، ونبل ونبلته (بضم عين الثلاثى فيهما) ، ولا يستنكر أفعلت فيهما ، ولكن هذا أكثر واستغنى به» اه

وقال ابن هشام فى المغنى (فى مبحث ما يتعدى به القاصر): «الحق أن دخولها (يريد همزة التعدية) قياسى فى اللازم دون المتعدى ، وقيل : قياسى فيه وفى المتعدى إلى واحد ، وقيل : النقل بالهمزة كله سماعى» اه ملخصا

وقال فى المغنى أيضا (فى المبحث نفسه): «النقل بالتضعيف سماعى فى اللازم وفى المتعدى لواحد ، ولم يسمع فى المتعدى لاثنين ، وقيل : قياسى فى الأولين» اه ملخصا

فأنت ترى من عبارة سيبويه أنه يسوغ لك أن تبنى على أفعلته للتعدية من الفعل القاصر من غير أن ينكر عليك ذلك ؛ وإن لم تكن سمعت تعديته بالهمزة عن العرب ، وذلك أصرح فى عبارة ابن هشام. وقال سيبويه أيضا (فى ص ٢٣٧ ج ٢ ، فى مباحث فعلت بالتضعيف): «هذا باب دخول فعلت (بتضعيف العين) على فعلت لا يشركه فى ذلك «أفعلت» ، تقول : كسرتها وقطعتها ، فاذا أردت كثرة العمل قلت : كسرته وقطعته ومزقته ، ومما يدلك على ذلك قولهم : علطت البعير وإبل معلطة


السماع فكذا معناه الدى هو النقل مثلا ؛ فليس لك أن تستعمل أذهب بمعنى أزال الذهاب أو عرّض للذهاب أو نحو ذلك

والأغلب أن تجىء هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثى ، وقد تجىء مما لم يأت منه ذلك ، كألجم وأسحم وجلّد وقرّد واستحجر المكان واستنوق (١) الجمل ، ونحو ذلك ، وهو قليل بالنسبة إلى الأول

__________________

وبعير معلوط ، وجرحته وجرحته (بتضعيف العين) أكثرت الجراحات فى جسده» اه ؛ فهذه العبارة تفيد أن استعمال فعل (بتضعيف العين) فى معنى التكثير بين يديك متى أردت استعمالها من أى فعل ساغ لك ذلك. ومثل ذلك كثير فى عباراته وعبارات غيره من العلماء

والذى نراه أنه إذا كثر ورود أمثلة لصيغة من هذه الصيغ فى معنى من هذه المعانى كان ذلك دليلا على أنه يسوغ لك أن تبنى على مثال هذه الصيغة لأفادة هذا المعنى الذى كثرت فيه وإن لم تسمع اللفظ بعينه

(١) ألجم ـ بالجيم ـ تقول : ألجم الرجل فرسه ؛ إذا وضع فى فمه اللجام ، ولم يأت منه ثلاثى ، ووقع فى جميع النسخ المطبوعة «ألحم» بالحاء المهملة ، وهو تصحيف ؛ فان هذه المادة قد جاء منها الثلاثى والمزيد فيه ، تقول : لحم الرجل يلحم ـ من باب كرم ، وفيه لغة من باب فرح عن اللحيانى ـ إذا كثر لحم بدنه ، وإذا أكل اللحم كثيرا ، وتقول : ألحم الرجل ؛ إذا كثر عنده اللحم ، وتقول : ألحم الرجل القوم ؛ إذا أطعمهم اللحم. وأسحم ـ بالسين المهملة ـ تقول : أسحمت السماء ؛ إذا صبت ماءها ، ولم يذكر صاحبا القاموس واللسان فعلا ثلاثيا من هذه المادة ؛ ولكن ذكرا المصدر كفرح وكسعال وكحمرة ؛ ووقع فى جميع النسخ المطبوعة «أشحم» بالشين المعجمة ـ وهو تحريف ، فانه قد استعمل من هذه المادة الثلاثى والمزيد فيه ، تقول : شحم الرجل القوم ـ من باب فتح ـ وأشحمهم ، إذا أطعمهم الشحم. وجلد ـ بتضعيف اللام ـ تقول : جلد الجزور ، إذا نزع جلده ، ولا يقال : سلخ ، إلا فى الشاة ، وقد ورد من هذه المادة فعل ثلاثى بغير هذا المعنى ، تقول : جلدته ، إذا أصبت جلده ، كما تقول : رأسه وبطنه وعانه ويداه ، إذا أصاب رسه وبطنه وعينه ويده ، وقرد ـ بتضعيف الراء تقول : قرد الرجل بعيره ، إذا أزال قراده (وهو كغراب : دويبة تعض الإبل)


فاذا فهم هذا فاعلم أن المعنى الغالب فى أفعل تعدية ما كان ثلاثيا ، وهى أن يجعل ما كان فاعلا للازم مفعولا لمعنى الجعل فاعلا لأصل الحدث على ما كان ، فمعنى «أذهبت زيدا» جعلت زيدا ذاهبا ، فزيد مفعول لمعنى الجعل الذى استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان فى ذهب زيد ، فان كان الفعل الثلاثى غير متعد صار بالهمزة متعديا إلى واحد هو مفعول لمعنى الهمزة ـ أى : الجعل والتصيير ـ كأذهبته ، ومنه أعظمته : أى جعلته عظيما باعتقادى ، بمعنى استعظمته ، وإن كان متعديا إلى واحد صار بالهمزة متعديا إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثانى لأصل الفعل ، نحو : أحفرت زيدا النهر : أى جعلته حافرا له ، فالأول مجعول ، والثانى محفور ، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة مفعول أصل الفعل ؛ لأن فيه معنى الفاعلية. وإن كان الثلاثى متعديا إلى اثنين صار بالهمزة

__________________

وقد ورد من هذه المادة الفعل الثلاثى ، تقول : قرد الرجل والبعير ـ كفرح ـ إذا ذل وخضع ، وقيل : قرد الرجل : أى سكت عن عى. واستحجر المكان : كثرت الحجارة فيه ؛ واستنوق الجمل : صار كالناقة فى ذلها ، لا يستعمل إلا مزيدا ، قال ثعلب : «ولا يقال استناق الجمل (يقصد أنه لا تنقل حركة الواو إلى الساكن قبلها ، ثم تقلب ألفا) وذلك لأن هذه الأفعال المزيدة أعنى «أفتعل واستفعل» إنما تعتل باعتلال أفعالها الثلاثية البسيطة التى لا زيادة فيها ، فلما كان استنوق واستتيس ونحوهما دون فعل بسيط لا زيادة فيه صحت الياء والواو ، لسكون ما قبلهما» اه. وقولهم «استنوق الجمل» مثل يضرب للرجل يكون فى حديث أو صفة شىء ثم يخلطه بغيره وينتقل إليه ، وأصله أن طرفة بن العبد كان عند بعض الملوك والمسيب (كمعظم) بن علس (كجبل) ينشده شعرا فى وصف جمل ثم حوله إلى نعت ناقة ، فقال طرفة : قد استنوق الجمل ، فغضب المسيب ، وقال : «ليقتلنه لسانه» ، فكان كما تفرس فيه. قال ابن برى : البيت الذى أنشده المسيب بن علس هو قوله : ـ

و إنّى لأمضى الهمّ عند احتضاره

بناج عليه الصيّعريّة مكدم


متعديا إلى ثلاثة أولها للجعل والثانى والثالث لأصل الفعل ، وهو فعلان فقط : أعلم ، وأرى

وقد يجىء الثلاثى متعديا ولازما فى معنى واحد ، نحو فتن الرجل : أى صار مفتتنا ، وفتنته : أى أدخلت فيه الفتنة ، وحزن وحزنته : أى أدخلت فيه الحزن ، ثم تقول : أفتنته وأحزنته ، فيهما ، لنقل فتن وحزن اللازمين لا المتعديين ، فأصل معنى أحزنته جعلته حزينا ، كأذهبته وأخرجته ، وأصل معنى حزنته جعلت فيه الحزن وأدخلته فيه ، ككحلته ودهنته : أى جعلت فيه كحلا ودهنا ، والمغزى من أحزنته وحزنته شىء واحد ؛ لأن من أدخلت فيه الحزن فقد جعلته حزينا ، إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل النقل والتصيير لمعنى فعل آخر ـ وهو حزن ـ دون الثانى

وقولهم أسرع وأبطأ فى سرع وبطؤ ؛ ليس الهمزة فيهما للنقل ، بل الثلاثى والمزيد فيه معا غير متعديين ، لكن الفرق بينهما أن سرع وبطؤ أبلغ ؛ لأنهما كأنهما غريزة كصغر وكبر

ولو قال المصنف مكان قوله «الغالب فى أفعل أن يكون للتعدية» : «الغالب أن يجعل الشىء ذا أصله» لكان أعم ؛ لأنه يدخل فيه ما كان أصله جامدا ، نحو أفحى قدره : أى جعلها ذات (١) فحا وهو الأبرار ، وأجداه : أى جعله ذا جدى (٢) ، وأذهبه : أى جعله ذا ذهب

وقد يجىء أفعل لجعل الشىء نفس أصله إن كان الأصل جامدا ، نحو أهديت الشىء : أى جعلته هديّة أو هديا (٣)

__________________

(١) الفحا ـ بفتح أوله وكسره مقصورا : البزر ، أو يابسه. والأبزار : التوابل كالفلفل ونحوه ، واحدها بزر ـ بالفتح والكسر ـ وواحد التوابل تابل كخاتم

(٢) الجدى ـ بفتح أوله مقصورا ـ والجدوى : العطية

(٣) الهدية : اسم ما أتحفت به ، والهدى : ما أهدى إلى مكة من النعم (أى : الأبل)


قوله «وللتعريض» أى : تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولا للثلاثى معرّضا لأن يكون مفعولا لأصل الحدث ، سواء صار مفعولا له أولا ، نحو أقتلته : أى عرضته لأن يكون مقتولا قتل أولا ، وأبعت الفرس : أى عرضته للبيع ؛ وكذا أسقيته : أى جعلت له ماء وسقيا شرب أو لم يشرب ، وسقيته :

أى جعلته يشرب ، وأقبرته : أى جعلت له قبرا قبر أولا

قوله «ولصيرورته ذا كذا» أى : لصيرورة ما هو فاعل أفعل صاحب شىء ، وهو على ضربين : إما أن يصير صاحب ما اشتق منه ، نحو ألحم زيد : أى صار ذالحم ، وأطفلت : أى صارت ذات طفل ، وأعسر وأيسر وأقلّ : أى صار ذا عسر ويسر وقلة ، وأغدّ البعير : أى صار (١) ذا غدّة ، وأراب : أى صار ذا ريبة ، وإما أن يصير صاحب شىء هو صاحب ما اشتق منه ، نحو أجرب الرجل : أى صار ذا إبل ذات جرب ، وأقطف : أى صار صاحب خيل تقطف (٢) وأخبث : أى صار ذا أصحاب خبثاء ، وألام : أى صار صاحب قوم يلومونه ، فاذا صار له لوّام قيل : هو مليم ، ويجوز أن يكون من الأول : أى صار صاحب لوم ، وذلك بأن يلام ، كأحصد الزرع : أى صار صاحب الحصاد ، وذلك بأن يحصد ، فيكون أفعل بمعنى صار ذا أصله الذى هو مصدر الثلاثى ، بمعنى أنه فاعله ، نحو أجرب : أى صار ذا جرب ، أو بمعنى أنه مفعوله ، نحو أحصد الزرع ، ومنه أكبّ : أى صار يكبّ وقولهم «أكبّ مطاوع كبّه» تدريس (٣) ؛ لأن القياس كون أفعل لتعدية فعل لا لمطاوعته

__________________

(١) الغدة ـ بضم أوله وتشديد الدال مفتوحة ـ : كل عقدة يطيف بها شحم فى جسد الانسان ، وهى أيضا طاعون الأبل

(٢) تقول : قطفت الدابة ـ من باب ضرب ونصر ـ قطفا وقطوفا (كنصر وخروج) أساءت السير وأبطأت ، والوصف منه قطوف ـ بفتح القاف ـ

(٣) قال فى اللسان : «كبه لوجهه فانكب : أى صرعه ، وأكب هو على


قوله «ومنه أحصد الزرع» إنما قال «ومنه» لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر ، وذلك أنهم قالوا : يجىء أفعل بمعنى حان وقت يستحق فيه فاعل أفعل أن يوقع عليه أصل الفعل ، كأحصد : أى حان أن يحصد ، فقال المصنف : هو فى الحقيقة بمعنى صار ذا كذا ، أى : صار الزرع ذا حصاد ، وذلك

__________________

وجهه ، وهذا من النوادر أن يقال : أفعلت أنا ، وفعلت غيرى ؛ يقال : كب الله عدو المسلمين ، ولا يقال : أكب» اه. وظاهر قول المؤلف : إن القول بأن أكب مطلوع كب تدريس (أى : تدريب وتمرين) أنه غير موافق على قصة المطاوعة بدليل أنه جعله من أمثلة الصيرورة ، وقد سبقه بذلك الزمخشرى رحمه‌الله ، قال فى تفسير سورة الملك من الكشاف : «يجعل أكب مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب ، من الغرائب والشواذ ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ؛ وما هو كذلك ، ولا شىء من بناء أفعل مطاوع ، ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه ، وإنما أكب من باب أنفض وألام ، ومعناه : دخل فى الكب وصار ذا كب ، كذلك أقشع السحاب دخل فى القشع ، ومطاوع كب وقشع انكب وانقشع» اه كلامه بحروفه ، وقد لخص الشهاب الخفاجى هذين القولين تلخيصا حسنا فى شرحه على تفسير البيضاوى فقال فى بيان مذهب من قال بالمطاوعة : «هو على عكس المعروف فى اللغة من تعدى الافعال ولزوم ثلاثيه ، ككرم وأكرمت ، وله نظائر فى أحرف يسيرة : كأنسل ريش الطائر ونسلته ، وأنزفت البئر ونزفتها ، وأمرت الناقة (درت) ومرتها ، وأشف البعير (رفع رأسه) وشففته ، وأقشع الغيم وقشعته الريح : أى أزالته وكشفته ، وقد حكى ابن الأعرابى كبه الله وأكبه بالتعدية فيهما ، على القياس» اه وقال فى بيان رأى من قال بالصيرورة : «وليست الهمزة فيه للمطاوعة كما ذهب إليه ابن سيده فى المحكم ؛ تبعا لبعض أهل اللغة ، كالجوهرى ، وتبعه ابن الحاجب وأكثر شراح المفصل ، قال بعض المدققين : معنى كون الفعل مطاوعا كونه دالا على معنى حصل عن تعلق فعل آخر متعد به ، كقولك باعدته فتباعد ، فالتباعد معنى حصل من المباعدة ، كما يفهم من كلام شراح المفصل والشافية ، ومباينة المطاوعة للصيرورة غير مسلمة ، وفى شرح الكشاف للشريف : الائتمار : معنى صيرورته مأمورا ، وهو مطاوع الأمر ؛ فسوى بين المطاوعة والصيرورة» اه


بحينونة حصاده ، ونحوه أجدّ النخل وأقطع (١) ويجوز أن يكون ألام مثله : أى حان أن يلام

ومن هذا النوع ـ أى : صيرورته ذا كذا ـ دخول الفاعل فى الوقت المشتق منه أفعل ، نحو أصبح وأمسى وأفجر وأشهر : أى دخل فى الصباح والمساء والفجر والشهر ، وكذا منه دخول الفاعل فى وقت ما اشتق منه أفعل ، نحو أشملنا وأجنبنا وأصبينا وأدبرنا : أى دخلنا فى أوقات هذه الرياح (٢) قال سيبويه : ومنه أدنف ، أى : حصل في وقت الدّنف (٣) ، ومنه الدخول فى المكان الذى هو أصله ، والوصول إليه ، كأكدى : أى وصل إلى الكدية (٤) وأنجد وأجبل : أى وصل إلى نجد وإلى الجبل ، ومنه الوصول إلى العدد الذى هو أصله ، كأعشر وأتسع وآلف : أى وصل إلى العشرة والتسعة والألف ؛ فجميع هذا بمعنى صار ذا كذا : أى صار ذا الصبح ، وذا المساء ، وذا الشّمال ، وذا الجنوب ، وذا الكدية ، وذا الجبل ، وذا العشرة

قوله «ولوجوده عليها» أى : لوجودك مفعول أفعل على صفة ، وهى كونه

__________________

(١) أجد النخل : حان له أن يجد : أى يقطع تمره. وأقطع النخل أيضا : حان قطاعه

(٢) أشملنا : دخلنا فى وقت ريح الشمال (وهى التى تهب من ناحية القطب) وأجنبنا : دخلنا فى وقت ريح الجنوب (وهى التى تقابل ريح الشمال) ، وأصببنا : دخلنا فى وقت ريح الصبا (وهى ريح مهبها مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار) وأدبرنا : دخلنا فى وقت ريح الدبور (وهى ريح تهب من ناحية المغرب تقابل الصبا)

(٣) الدنف ـ بفتحتين ـ : المرض الملازم ، وقيل : المرض مطلقا

(٤) الكدية ـ بضم فسكون ـ : الأرض الصلبة ، وهى أيضا الصخرة تعترض حافر البئر ، فاذا وصل إليها قيل : أكدى


فاعلا لأصل الفعل ، نحو أكرمت فاربط : أى وجدت فرسا كريما ، وأسمنت : أى وجدت سمينا ، وأبخلته : أى وجدته بخيلا ، أو كونه مفعولا لأصل الفعل ، نحو أحمدته : أى وجدته محمودا ، وأما قولهم «أفحمتك : أى وجدتك مفحما» فكأنّ أفعل فيه منقول من نفس أفعل ، كقولك فى التعجب : ما أعطاك للدنانير ، ويقال : أفحمت الرجل : أى أسكتّه ، قال عمرو بن معدى كرب لمجاشع بن مسعود السلمى ـ وقد سأله فأعطاه ـ : لله دركم يا بنى سليم ، سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبنّاكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم : أى ما وجدناكم بخلاء وجبناء ومفحمين (١)

قوله «وللسلب» أى : يجىء لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه ، نحو أشكيته : أى أزلت شكواه

قوله «وبمعنى فعل» نحو قلت البيع وأقلته. وقد ذكرنا أنه لا بد للزيادة من معنى ، وإن لم يكن إلا التأكيد

وقد جاء أفعل بمعنى الدعاء ، نحو أسقيته : أى دعوت له بالسّقيا ، قال ذو الرمة : ـ

١٢ ـ وقفت على ربع لميّة ناقتى

فما زلت أبكى عنده وأخاطبه

__________________

(١) قال ابن برى : «يقال هاجيته فأفحمته بمعنى أسكته ، قال : ويجىء أفحمته بمعنى صادفته مفحما ؛ تقول : هجوته فأفحمته : أى صادفته مفحما ، قال : ولا يجوز فى هذا هاجيته ؛ لأن المهاجاة تكون من اثنين ، وإذا صادفته مفحما لم يكن منه هجاء فاذا قلت : فما أفحمناكم بمعنى ما أسكتناكم جاز ، كقول عمرو بن معد يكرب : «وهاجيناكم فما أفحمناكم» : أى فما أسكتناكم عن الجواب» اه كلام ابن برى وبهذا يعلم ما فى كلام الشارح المحقق ؛ فأن الشاهد الذى ذكره ليس بمعنى وجده ذا كذا بل معناه جعله ذا كذا


وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه

تكلّمنى أحجاره وملاعبه (١)

والأكثر فى باب الدعاء فعّل ، نحو جدّعه وعقّره : أى قال : جدعه الله ، وعقره (٢) ، وأفعل داخل عليه فى هذا المعنى ،

والأغلب من هذه المعانى المذكورة النقل ، كما ذكرنا

وقد يجىء أفعل لغير هذه المعانى ، وليس له ضابطة كضوابط المعانى المذكورة كأبصره : أى رآه ، وأوعزت إليه : أى تقدمت ، وقد يجىء مطاوع فعّل ، كفطّرته فأفطر وبشرته فأبشر ، وهو قليل

قال : «وفعّل للتّكثير غالبا ، نحو غلّقت وقطّعت وجوّلت وطوّفت وموّت المال ، وللتّعدية نحو فرّحته ، ومنه فسّقته ، وللسّلب نحو جلّدته وقرّدته ، وبمعنى فعل نحو زلته وزيّلته»

أقول : الأغلب فى فعّل أن يكون لتكثير فاعله أصل الفعل ، كما أن الأكثر في أفعل النقل ، تقول : ذبحت الشاة ، ولا تقول ذبّحتها ، وأغلقت الباب مرة ، ولا تقول : غلّقت ؛ لعدم تصور معنى التكثير فى مثله ، بل تقول : ذبحت الغنم ، وغلّقت الأبواب ، وقولك : جرّحته : أى أكثرت جراحاته ، وأما جرحته ـ بالتخفيف ـ فيحتمل التكثير وغيره ؛ قال الفرزدق : ـ

__________________

(١) هذان البيتان مطلع قصيدة لذى الرمة واسمه غيلان بن عقبة. وتقول : وقفت الدابة وقفا ووقوفا : أى منعتها عن السير. والربع : الدار حيث كانت ، وأما المربع (كملعب) فالمنزل فى الربيع خاصة. ومية : اسم امرأة. وأسقيه : معناه أدعو له بقولى : سقاك الله ، أو بقولى : سقيا لك ، وأبثه ـ بفتح الهمزة أو ضمها ـ أخبره بما تنطوى عليه نفسى وتسره ، والملاعب : جمع ملعب ، وهو المكان الذى يلعب فيه الصبيان

(٢) الجدع : القطع ، وقيل : القطع البائن فى الأنف والأذن والشفة واليد ونحوها ، وتقول : عقر الفرس والبعير بالسيف ؛ إذا قطع قوائمه ، ثم اتسع فى العقر حتى استعمل فى القتل والهلاك


١٣ ـ ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار (١)

أى : أفتّحها وأغلّقها ، وموّت المال : أى وقع الموتان في الابل فكثر فيها (٢) الموت ، وجوّلت وطوّفت : أى أكثرت الجولان والطواف ، قيل : ولذلك سمى الكتاب العزيز تنزيلا ؛ لأنه لم ينزّل جملة واحدة ، بل سورة سورة وآية آية ، وليس نصافيه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) وقوله : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً)

ثم إن التكثير يكون فى المتعدى كما فى غلّق وقطّع ، وقد يكون فى اللازم كما فى جوّل وطوّف وموّت

قوله «وللتعدية نحو فرّحته» معنى التعدية فى هذا الباب كما فى باب أفعل على ما شرحنا ، والأولى أيضا ههنا أن يقال فى مقام التعدية : [هو] بمعنى جعل الشىء ذا أصله ؛ ليعم نحو فحّى القدر : أى جعلها ذات فحا ، وشسّع النعل (٣) ، وهذا لا يتعدى إلى ثلاثة كأفعل إلا محمولا على أفعل كحدّث وخبّر ، كما مرّ فى أفعال القلوب

__________________

(١) المراد بأبى عمرو فى البيت هو أبو عمرو بن العلاء ، قال أبو عبيد البكرى فى شرح أمالى القالى : «إن أبا عمرو بن العلاء كان هاربا من الحجاج مستترا ، فحاء الفرزدق يزوره فى تلك الحالة ، فكان كلما يفتح له باب يغلق بعد دخوله ، إلى أن وصل إليه ، فأنشده أبياتا منها هذا البيت» ، والشاهد فيه كما قال الأعلم الشنتمرى دخول أفعلت على فعلت ـ بتشديد العين ـ فى إفادة التكثير ، ولكن الذى يؤخذ من كلام المؤلف أن الشاهد فى البيت دخول فعلت ـ بالتخفيف ـ وأفعلت ، على فعلت ـ بالتشديد ـ

(٢) عبارة المؤلف يفهم منها أن الموتان غير الموت ، وبالرجوع إلى كتب اللغة كاللسان والقاموس والمصباح وغيرها يعلم أنهما بمعنى واحد

(٣) شسع نعله ـ بتضعيف العين ـ جعل لها شسعا ـ ومثله شسعا ـ بالتخفيف من باب منع ـ وكذا أشسعها ، والشسع ـ بكسر فسكون وبكسرتين ـ قبال النعل ، وهو أحد سيورها ، وهو الذى يدخل بين الاصبع الوسطى والتى تليها


قوله «ومنه فسّقته» إنما قال ذلك لأن أهل التصريف جعلوا هذا النوع قسما برأسه ، فقالوا : يجىء فعّل لنسبة المفعول إلى أصل الفعل وتسميته به ، نحو فسّقته : أى نسبته إلى الفسق وسميته فاسقا ، وكذا كفّرته ، فقال المصنف : يرجع معناه إلى التعدية ، أى : جعلته فاسقا بأن نسبته إلى الفسق

ويجىء للدعاء على المفعول بأصل الفعل ، نحو جدّعته وعقّرته : أى قلت له جدعا لك ، وعقرا لك ، أو الدعاء له ، نحو سقّيته : أى قلت له سقيا لك

قوله «وللسلب» قد مر معناه ، نحو قرّدت البعير : أى أزلت قراده ، وجلّدته :

أى أزلت جلده بالسّلخ

قوله «وبمعنى فعل» نحو زيّلته : أى زلته أزيله زيلا : أى فرّقته ، وهو أجوف (١) يائى ، وليس من الزوال ؛ فهما مثل قلته وأقلته

__________________

(١) يريد تقرير أنه فعل ـ بالتشديد ـ وليس فيعل ، وهو كما قال ، والدليل على ذلك أنهم قالوا فى مصدره التزييل ، ولو كان فيعل لقالوا فى مصدره زيلة ـ بفتح الزاى وتشديد الياء مفتوحة ؛ كالبيطرة ـ قال فى اللسان : «ابن سيده وغيره : زال الشىء يزيله زيلا ، وأزاله إزالة ، وإزالا ، وزيله فتزيل ، كل ذلك فرقه فتفرق ، وفى التنزيل العزيز (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) وهو فعلت ـ بالتضعيف ـ لأنك تقول فى مصدره تزييلا ، ولو كان فيعلت لقلت : زيلة» اه وقول المؤلف «أجوف يائى» هو هكذا عند عامة أهل اللغة إلا القتيبى ، فانه زعم أنه أجوف واوى ، وقد أنكروه عليه. قال فى اللسان : «وقال القتيبى فى تفسير قوله تعالى» (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ) : أى فرقنا ، وهو من زال يزول ، وأزلته أنا ، قال أبو منصور : وهذا غلط من القتيبى ، لم يميز بين زال يزول ، وزال يزيل ؛ كما فعل الفراء ، وكان القتيبى ذابيان عذب ، وقد نحس حظه من النحو ومعرفة مقاييسه» اه


ويجىء أيضا بمعنى صار ذا أصله ، كورّق : أى أورق : أى صار ذا ورق ، وقيّح الجرح : أى صار ذا قيح (١)

وقد يحىء بمعنى صيرورة فاعله أصله المشتقّ منه ، كروّض المكان : أى صار روضا ، وعجّزت المرأة ، وثيّبت ، وعوّنت : أى صارت عجوزا وثيّبا وعوانا (٢)

ويجيء بمعنى تصيير مفعوله على ما هو عليه ، نحو قوله «سبحان الذى ضوّأ الأضواء ، وكوّف الكوفة ، وبصّر البصرة» أى : جعلها أضواء وكوفة وبصرة

ويجىء بمعنى عمل شىء فى الوقت المشتق هو منه ، كهجّر : أى سار فى الهاجرة (٣) ، وصبّح : أى أتى صباحا ، ومسّى وغلّس (٤) : أى فعل فى الوقتين شيئا

__________________

(١) القيح : المدة الخالصة التى لا يخالطها دم ، وقيل : هو الصديد الذى كأنه الماء وفيه شكلة دم

(٢) العوان ـ بزنة سحاب ـ من البقر وغيرها : النصف فى سنها ، وهى التى بين المسنة والصغيرة ، وقيل العوان من البقر والخيل : التى نتجت بعد بطنها البكر ، ويشهد للأول قوله تعالى : (لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ).) وفى المثل «لا تعلم العوان الخمرة» قال ابن برى : أى المجرب عارف بأمره كما أن المرأة التى تزوجت تحسن القناع بالخمار. ويقال : حرب عوان : أى قوتل فيها مرة ، كأنهم جعلوا الأولى بكرا

(٣) الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر ، أو من عند زوالها إلى العصر ، لأن الناس يستكنون فى بيوتهم كأنهم قد تهاجروا ، وهى أيضا شدة الحر. وتقول : هجرنا تهجيرا ، وأهجرنا ، وتهجرنا : أى سرنا فى الهاجرة

(٤) الغلس ـ بفتحتين ـ : ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح


ويجىء بمعنى المشى إلى الموضع المشتقّ هو منه ، نحو كوّف : أى مشى إلى الكوفة ، وفوّز وغوّر : أى مشى إلى المفازة والغور (١)

وقد يجىء لمعان غير ما ذكر غير مضبوطة بمثل الضوابط المذكورة ، نحو جرّب وكلّم

قال : «وفاعل لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلّقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجىء العكس ضمنا ، نحو ضاربته وشاركته ، ومن ثمّ جاء غير المتعدّى متعدّيا [نحو كارمته وشاعرته] والمتعدّى إلى واحد مغاير للمفاعل متعديا إلى اثنين نحو جاذبته الثوب ، بخلاف شاتمته ، وبمعنى فعّل نحو ضاعفته ، وبمعنى فعل نحو سافرت»

أقول «لنسبة أصله» أى : لنسبة المشتق منه فاعل إلى أحد الأمرين : أى الشيئين ، وذلك أنك أسندت فى «ضارب زيد عمرا» أصل ضارب ـ أى الضّرب ـ إلى زيد ، وهو أحد الأمرين ، أعنى زيدا وعمرا ، وهم يستعملون الأمر بمعنى الشىء فيقع على الأشخاص والمعانى

قوله «متعلقا بالآخر» الذى يقتضيه المعنى أنه حال من الضمير المستتر فى قوله «لنسبة» وذلك أن ضارب فى مثالنا متعلق بالأمر الآخر ، وهو عمرو ، وتعلّقه به لأجل المشاركة التى تضمنها ؛ فانتصب الثانى لأنه مشارك ـ بفتح الراء ـ فى الضرب لا لأنه مضروب ، والمشارك مفعول ، كما انتصب فى «أذهبت عمرا» لأنه مجعول

__________________

(١) المفازة : الصحراء ، وأصلها اسم مكان من الفوز ، وإنما سميت بذلك مع أنها مضلة ومهلكة ، تفاؤلا لسالكها بالنجاة ، كما قالوا للديغ : سليم. والغور ـ بفتح فسكون ـ : بعد كل شىء وعمقه ، ومنه قولهم : فلان بعيد الغور ، إذا كان لا تدرك حقيقته. وسموا ما بين ذات عرق إلى البحر الأحمر غورا ، وسموا كل ما انحدر مغربا عن تهامة غورا. والغور أيضا : موضع منخفض بين القدس وحوران ، وموضع بديار بنى سليم


ويسمج جعله حالا من قوله «أصله» أو من قوله «أحد الأمرين» لأن الظاهر من كلامه أن قوله «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا» مقدمة يريد أن يبنى عليها صيرورة الفعل اللازم فى فاعل متعديا إلى واحد ، والمتعدى إلى واحد غير مشارك متعديا إلى اثنين ، مشيرا إلى قوله فى الكافية «المتعدى ما يتوقف فهمه على متعلق» فعلى هذا الذى يتوقف فهمه على هذا الأمر الآخر الذى هو المشارك ـ بفتح الراء ـ ويتعلق به هو معنى فاعل ؛ لكونه متضمنا معنى المشاركة ، لا أصله ؛ فإن قولك «كارمت زيدا» ليس فهم الكرم فيه متوقفا على زيد ؛ إذ هو لازم ، وكذا «جاذبت زيدا الثوب» ليس الجذب متعلقا بزيد ؛ إذ هو ليس بمجذوب ، بلى فى قولك «ضارب زيد عمرا» الضرب متعلق بعمرو ؛ لأنه مفعول له ، لكن انتصابه ليس لكونه مضروبا ، بل لكونه مشاركا ، كما فى قولك «كارمت زيدا» و «جاذبت زيدا الثوب» وكذا ليس أحد الأمرين متعلقا بالآخر في «ضاربت زيدا» تعلقا يقصده المصنف ؛ إذ هو فى بيان كون فاعل متعديا بالنقل ، وإنما يكون متعديا إذا كان معنى الفعل متعلقا بغيره ، على ما ذكر في الكافية ، ومن ثم قال فى الشرح «ومن ثم جاء غير المتعدى متعديا لتضمنه المعنى المتعلّق» يعنى المشاركة ، وفى جعله حالا من المضاف إليه ـ أعنى الضمير المجرور فى قوله «أصله» ـ ما فيه ، كما مر فى باب (١) الحال ، والظاهر أنه قصد جعله حالا من أحد الأمرين مع سماجته ، ولو قال «لتعلق مشاركة أحد الأمرين الآخر فى أصل الفعل بذلك الآخر صريحا

__________________

(١) يريد أنه لا يصح اعتبار قول المصنف «متعلقا» حالا من الضمير المضاف إليه فى قوله «أصله» ؛ لأن المضاف ليس عاملا فى المضاف إليه ، ولا هو جزء المضاف إليه ، ولا هو مثل جزئه فى صحة الاستغناء به عنه وإحلاله محله ، على ما هو شرط مجىء الحال من المضاف إليه


فيجىء العكس ضمنا» لكان أصرح فيما قصد من بناء قوله «ومن ثم كان غير المتعدى» الخ عليه.

قوله «صريحا» أى : أن أحد الأمرين صريحا مشارك والآخر مشارك ؛ فيكون الأول فاعلا صريحا والثانى مفعولا صريحا ، «ويجىء العكس ضمنا» أى : يكون المنصوب مشاركا ـ بكسر الراء ـ والمرفوع مشاركا ضمنا ؛ لأن من شاركته فقد شاركك ؛ فيكون الثانى فاعلا والأول مفعولا من حيث الضّمن والمعنى.

قوله «ومن ثم» أى : من جهة تضمن فاعل معنى المشاركة المتعلقة بعد أحد الأمرين بالآخر.

قوله «والمتعدى إلى واحد مغاير للمفاعل» بفتح العين : أى إلى واحد هو غير المشارك فى هذا الباب ـ بفتح الراء ـ أى : إن كان المشارك ههنا ـ بفتح الراء ـ مفعول أصل الفعل كان المتعدى إلى واحد فى الثلاثى متعديا إلى واحد ههنا أيضا ، نحو «ضاربت زيدا» فان المشارك فى الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول المشاركة شىء واحد ، فلم يزد مفعول آخر بالنقل ، وإن كان المشارك ههنا غير مفعول أصل الفعل ، نحو «نازعت زيدا الحديث» فان مفعول أصل الفعل هو الحديث إذ هو المنزوع ، والمشارك زيد ؛ صار الفعل إذن متعديا إلى مفعولين ، وكذا «نازعت زيدا عمرا» فاعلم أن المشارك ـ بفتح الراء ـ فى باب فاعل قد يكون هو الذى أوقع أصل الفعل عليه ك «ضاربت زيدا» فى المتعدى ، و «كارمته» فى اللازم ، وقد يكون غير ذلك نحو «نازعت زيدا الحديث» فى المتعدى ، و «سايرته فى البرية» فى اللازم ، وقد يكون ما زاد من المفعول فى باب المفاعلة هو المعامل ـ بفتح الميم ـ بأصل الفعل ، لا على وجه المشاركة كما فى قول على رضى الله عنه «كاشفتك الغطاءات» وقولك : عاودته ، وراجعته.


قوله «بمعنى فعّل» أى : يكون للتكثير كفعل ، نحو «ضاعفت الشّىء» أى : كثرت أضعافه كضعّفته ، و «ناعمه الله» كنعمّه : أى كثر نعمته (١) بفتح النون.

قوله «بمعنى فعل» كسافرت بمعنى (٢) سفرت : أى خرجت إلى السفر ولا بد فى «سافرت» من المبالغة كما ذكرنا ، وكذا «ناولته الشىء» أى : نلته إياه ـ بضم النون ـ أى أعطيته ، وقرىء (إن الله يدفع) و (ويدافع)

وقد يجىء بمعنى جعل الشىء ذا أصله كأفعل وفعّل ، نحو «راعنا سمعك» أى : اجعله ذا رعاية لنا كأرعنا ، و «صاعر خدّه» أى : جعله ذا صعر (٣) و «عافاك الله» أى جعلك ذا عافية ، و «وعاقبت فلانا» أى : جعلته ذا عقوبة

وأكثر ما تجىء هذه الأبواب الثلاثة متعدية.

قال : «وتفاعل لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا نحو تشاركا ، ومن ثمّ نقص مفعولا عن فاعل ، وليدلّ على أنّ الفاعل أظهر أنّ أصله حاصل له وهو منتف عنه نحو تجاهلت وتغافلت ، وبمعنى فعل نحو توانيت ، ومطاوع فاعل نحو باعدته فتباعد».

__________________

(١) النعمة : المسرة والفرح والترفه

(٢) ظاهر هذه العبارة أن الثلاثى من هذه المادة مستعمل ، ويؤيده ما فى الصحاح واللسان ، قال ابن منظور : «يقال : سفرت أسفر (من باب طلب وضرب) سفورا : خرجت إلى السفر ، فأنا سافر ، وقوم سفر ، مثل صاحب وصحب» اه.

لكن قال المجد فى القاموس : «ورجل سفر وقوم سفر وسافرة وأسفار وسفار : ذوو سفر ، لضد الحضر ، والسافر : المسافر ، لا فعل له» اه

(٣) الصعر ـ بفتحتين ـ : ميل ـ بفتحتين ـ فى الوجه ، وقيل : فى الخد خاصة ، وربما كان خلقة فى الانسان ، يقال : صعر خده وصاعره ؛ إذا أماله من الكبر ، قال الله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)


أقول : لا شك أن فى قول المصنف قبل «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا» وقوله ههنا «لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا» تخليطا ومجمجة (١) وذلك أن التعلق المذكور فى الباب الأول والمشاركة المذكورة ههنا أمران معنويان ، لا لفظيان ، ومعنى «ضارب زيدا عمرا» و «تضارب زيد وعمرو» شىء واحد ، كما يجىء ، فمعنى التعلق والمشاركة فى كلا البابين ثابت ؛ فكما أن للمضاربة تعلقا بعمرو صريحا فى قولك «ضارب زيد عمرا» فكذا للتضارب فى «تضارب زيد وعمرو» تعلق صريح به ، وكما أن زيدا وعمرا متشاركان صريحا فى «تضارب زيد وعمرو» فى الضرب الذى هو الأصل فكذا هما متشاركان فيه صريحا فى «ضارب زيد عمرا» فلو كان مطلق تعلق الفعل بشىء صريحا يقتضى كون المتعلّق به مفعولا به لفظا وجب انتصاب عمرو فى «تضارب زيد وعمرو» ولو كان مطلق تشارك أمرين فصاعدا صريحا فى أصل الفعل يقتضى ارتفاعهما لارتفع زيد وعمرو فى «ضارب زيد عمرا» فظهر أنه لا يصح بناء قوله فى الباب الأول «ومن ثم جاء غير المتعدى متعديا» على التعلق ، ولا بناء قوله فى هذا الباب «ومن ثم نقص مفعولا عن فاعل» على المشاركة ، وكان أيضا من حق اللفظ أن يقول : تفاعل لاشتراك أمرين ، لأن المشاركة تضاف إما إلى الفاعل أو إلى المفعول تقول : أعجبتنى مشاركة القوم عمرا ، أو مشاركة عمرو القوم ، وأما إذا قصدت بيان كون المضاف إليه فاعلا ومفعولا معا فالحق أن تجىء بباب التفاعل أو الافتعال ، نحو أعجبنى تشاركنا ، واشتراكنا ، هذا ، والأولى ما قال المالكى (٢) وهو أن فاعل

__________________

(١) المجمجة : تغيير الكتاب وإفساده ، ومجمج الرجل فى خبره : لم يبينه

(٢) هكذا فى كافة أصول الكتاب ، ولم يتبين لنا مقصود المؤلف من المالكى ، ويخطر على البال أنه أراد الامام أبا القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلى الخثعمى الأندلسى (المالقى) وهو شارح الجمل للزجاجى ، وتلميذ ابن الطراوة النحوى وأبى بكر بن العربى المالكى ، وكانت وفاته فى سنة ٥٨١ ه‍ (أى قبل وفاة الرضى بنحو قرن)


لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا ، والاشتراك فيهما معنى ، وتفاعل للاشتراك فى الفاعلية لفظا ، وفيها وفى المفعولية معنى

واعلم أن الأصل المشترك فيه فى بابى المفاعلة والتفاعل يكون معنى ، وهو الأكثر ، نحو : ضاربته ، وتضاربنا ، وقد يكون عينا نحو (١) ساهمته : أى قارعته وسايفته ، وساجلته ، وتقارعنا ، وتسايفنا ، وتساجلنا (٢)

ثم اعلم أنه لا فرق من حيث المعنى بين فاعل وتفاعل فى إفادة كون الشىء بين اثنين فصاعدا ، وليس كما يتوهم من أن المرفوع فى باب فاعل هو السابق بالشروع فى أصل الفعل على المنصوب بخلاف باب تفاعل ، ألا ترى إلى قول الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما لبعض من خاصمه : سفيه لم يجد مسافها ، فانه رضى الله عنه سمى المقابل له فى السفاهة مسافها وإن كانت سفاهته لو وجدت بعد سفاهة الأول ، وتقول : إن شتمتنى فما أشاتمك ، ونحو ذلك ؛ فلا فرق من حيث المغزى والمقصد الحقيقى بين البابين ، بل الفرق بينهما من حيث التعبير عن ذلك المقصود ، وذلك

__________________

(١) قال فى اللسان : «السهم : القدح الذى يقارع به ، واستهم الرجلان : تقارعا ، وساهم القوم فسهمهم سهما قارعهم فقرعهم ، وفى التنزيل : (فساهم فكان من المدحضين) يقول : قارع أهل السفينة فقرع (بصيغة المبنى للمجهول)» اه

(٢) قال ابن برى : «أصل المساجلة أن يستقى ساقيان فيخرج كل واحد منهما فى سجله (دلوه) مثل ما يخرج الآخر ، فأيهما نكل فقد غلب ، فضربته العرب مثلا للمفاخرة ، فاذا قيل : فلان يساجل فلانا ، فمعناه أنه يخرج من الشرف مثل ما يخرجه الآخر ، فأيهما نكل ففد غلب». وقالوا : الحرب سجال : أى سجل منها على هؤلاء وسجل على هؤلاء. وبالتأمل فى عبارة ابن برى يتبين أن الاشتراك فى المساجلة بين المتساجلين : بالنظر إلى أصل الاستعمال فى عين ، وبالنظر إلى المثل فى معنى لا عين ؛ فتمثيل المؤلف بساجلته للاشتراك فى العين إنما هو بالنظر إلى أصل استعمال اللفظ


أنه قد يعبر عن معنى واحد بعبارتين تخالف مفردات إحداهما مفردات الأخرى معنى من حيث الوضع ، وكذا إعراباتها ، كما تقول : جاءنى القوم إلا زيدا ، وجاءنى القوم ولم يجىء من بينهم زيد ، أو جاءونى وتخلف زيد ، أو لم يوافقهم زيد ، ونحو ذلك ، والمقصود من الكل واحد ، فكذا «ضارب زيد عمرا» : أى شاركه فى الضرب ، و «تضارب زيد وعمرو» أى : تشاركا فيه ، والمقصود من شاركه وتشاركا شىء واحد مع تعدى الأول ولزوم الثانى

قوله «ومن ثم نقص» أى : ومن جهة كون تفاعل فى الصريح وظاهر اللفظ مسندا إلى الأمرين المشتركين فى أصل الفعل بخلاف فاعل فانه لاسناده فى اللفظ إلى أحد الأمرين فقط ونصب الآخر نصب لفظ شارك لمفعوله ، فإن كان فاعل متعديا إلى اثنين نحو «نازعتك الحديث» كان تفاعل متعديا إلى ثانيهما فقط ، ويرتفع الأول داخلا فى الفاعلية ، نحو «تنازعنا الحديث» و «تنازع زيد وعمرو الحديث» وإن كان فاعل متعديا إلى واحد نحو «ضاربتك» لم يتعد تفاعل إلى شيء لدخول الأول في جملة الفاعل ، نحو «تضاربنا» و «تضارب زيد وعمرو»

قوله «نقص مفعولا» انتصاب «مفعولا» على المصدر ، وهو بيان النوع ، كقولك : ازددت درجة ، ونقصت مرتبة ، ودنوت إصبعا ، أى : نقص هذا القدر من النقصان ، ويجوز أن يكون تمييزا ؛ إذ هو بمعنى الفاعل : أى نقص مفعول واحد منه

قوله «وليدل على أن الفاعل أظهر الخ» معنى «تغافلت» أظهرت من نفسى الغفلة التى هى أصل تغافلت ، فتغافل على هذا لإبهامك الأمر على من تخالطه وترى من نفسك ما ليس فيك منه شىء أصلا ، وأما تفعّل فى معنى التكلف نحو : تحلّم وتمرّأ (١) فعلى غير هذا لأن صاحبه يتكلف أصل ذلك الفعل

__________________

(١) تحلم : تكلف الحلم ، وهو العقل والأناة. وتمرأ : تكلف المروءة ، وهى


ويريد حصوله فيه حقيقة ، ولا يقصد إظهار ذلك إيهاما على غيره أن ذلك فيه وفى تفاعل لا يريد ذلك الأصل حقيقة ، ولا يقصد حصوله له ، بل يوهم الناس أن ذلك فيه لغرض له

قوله «وبمعنى فعل» لا بد فيه من المبالغة كما تقدم

قوله «مطاوع فاعل» ليس معنى المطاوع هو اللازم كما ظنّ ، بل المطاوعة فى اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل ، سواء كان التأثر متعديا ، نحو : علّمته الفقه فتعلّمه : أى قبل التعليم ، فالتعليم تأثير والتعلم تأثر وقبول لذلك الأثر ، وهو متعدّ كما ترى ، أو كان لازما ، نحو : كسرته فانكسر : أى تأثر بالكسر ، فلا يقال فى «تنازع زيد وعمرو الحديث» ، إنه مطاوع «نازع زيد عمرا الحديث» ولا فى «تضارب زيد وعمرو» إنه مطاوع «ضارب زيد عمرا» لأنهما بمعنى واحد ، كما ذكرنا ، وليس أحدهما تأثيرا والآخر تأثرا ، وإنما يكون تفاعل مطاوع فاعل إذا كان فاعل لجعل الشىء ذا أصله ، نحو : باعدته : أى بعدّته ، فتباعد : أى بعد ، وإنما قيل لمثله مطاوع لأنه لما قبل الأثر فكأنه طاوعه ولم يمتنع عليه ، فالمطاوع فى الحقيقة هو المفعول به الذى صار فاعلا ، نحو «باعدت زيدا فتباعد» المطاوع هو زيد ، لكنهم سمّوا فعله المسند إليه مطاوعا مجازا

وقد يجىء تفاعل للاتفاق فى أصل الفعل لكن لا على معاملة بعضهم بعضا

__________________

كمال الرجولية ، وقال الأحنف : المروءة العفة والحرفة ، وسئل بعضهم عن المروءة فقال : المروءة ألا تفعل فى السر أمرا وأنت تستحى أن تفعله جهرا. ويقال : تمرأ أيضا ، إذا صار ذا مروءة ، ويقال : تمرأ بنا ، إذا طلب بأكرامنا اسم المروءة ، قال سيبويه (ج ٢ ص ٢٤٠): «وإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه فى أمر حتى يضاف إليه ويكون من أهله فانك تقول تفعل ، وذلك : تشجع وتبصر وتحلم وتجلد وتمرأ : أى صار ذا مروءة ، وقال حاتم الطائى : ـ

تحلّم عن الأدنين واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم حتّى تحلّما

وليس هذا بمنزلة تجاهل ، لأن هذا يطلب أن يصير حليما» اه


بذلك ، كقول على رضى الله تعالى عنه «تعايا أهله بصفة ذاته» (١) وقولهم : «بمعنى أفعل نحو تخاطأ بمعنى اخطأ» مما لا جدوى له ، لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المحال عليه مختصا بمعنى عام مضبوط بضابط فيتطفّل الباب الآخر عليه فى ذلك المعنى ، أما إذا لم يكن كذا فلا فائدة فيه ، وكذا فى سائر الأبواب ، كقولهم : تعاهد بمعنى تعهّد ، وغير ذلك كقولهم تعهّد بمعنى تعاهد (٢)

قال : «وتفعّل لمطاوعة فعّل نحو كسّرته فتكسّر ، وللتكلّف نحو تشجّع وتحلّم ، وللاتّخاذ نحو توسّد ، وللتّجنّب نحو تأثّم وتحرّج ، وللعمل المتكرّر فى مهلة ، نحو تجرّعته ، ومنه تفهّم ، وبمعنى استفعل ، نحو تكبّر [وتعظّم]»

أقول : قوله «لمطاوعة فعّل» يريد سواء كان فعّل للتكثير نحو قطّعته فتقطّع ، أو للنسبة نحو قيّسته ونزّرته وتمّمته : أى نسبته إلى قيس ونزار وتميم فتقيّس وتنزّر وتتمّم ، أو للتعدية نحو علّمته فتعلّم والأغلب فى مطاوعة فعّل الذى للتكثير (٣) هو الثلاثى الذى هو أصل فعّل ، نحو علّمته فعلم ، وفرّحته ففرح ؛ فقوله : «وللتكلف» هو من القسم الأول : أى مطاوع فعّل الذى هو

__________________

(١) المراد من هذه العبارة أن أهل الله تعالى قد اتفقوا فى العى والعجز عن إدراك كنه ذاته وصفاته. قال فى اللسان : «عى بالأمر (بوزن مد) عيا ـ بكسر العين ـ وعيى وتعايا واستعيا ، هذه عن الزجاجى ، وهو عى (مثل حى) وعي (كزكى) وعيان (كريان) عجز عنه ولم يطق إحكامه» اه

(٢) قال فى اللسان : «وتعهد الشىء وتعاهده واعتهده : تفقده وأحدث العهد به .... ثم قال : وتعهدت ضيعتى وكل شىء ، وهو أفصح من قولك تعاهدته ، لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين ، وفى التهذيب : ولا يقال تعاهدته ، قال : وأجازهما الفراء» اه

(٣) الأولى أن يقول : «والأغلب فى مطاوعة فعل الذى للتعدية» بدليل التمثيل الذى مثل به


للنسبة تقديرا ، وإن لم يثبت (١) استعماله لها ، كأنه قيل : شجّعته وحلّمته : أى نسبته إلى الشجاعة والحلم ، فتشجّع وتحلّم : أى انتسب إليهما وتكلفهما

وتفعّل الذى للاتخاذ مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إذا كان أصله اسما لا مصدرا ، «فتردّى الثوب» مطاوع «ردّيته الثوب» : أى جعلته ذا رداء ، وكذا «توسّد الحجر» : أى صار ذا وسادة هى الحجر مطاوع «وسّدته الحجر» فهو مطاوع فعّل المذكور المتعدى إلى مفعولين ثانيهما بيان لأصل الفعل ؛ لأن الثوب بيان الرداء والحجر بيان الوسادة ، فلا جرم يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحد

وتفعّل الذى للتجنب مطاوع فعّل الذى للسلب تقديرا ، وإن لم يثبت استعماله (١) كأنه قيل : أثّمته وحرّجته بمعنى جنّبته عن الحرج والإثم وأزلتهما عنه كقرّدته ، فتأثم وتحرّج : أى تجنب الإثم والحرج

وتفعّل الذى للعمل المتكرر فى مهلة مطاوع فعّل الذى للتكثير ، نحو جرّعتك الماء فتجرّعته : أى كثّرت لك جرع الماء (٢) فتقبّلت ذلك التكثير وفوّقته اللّبن فتفوّقه وحسّيته المرق فتحسّاه : أى كثّرت له فيقه وهو

__________________

(١) انظر هذا مع قول الشارح فيما سبق : «وليست هذه الزيادات قياسا مطردا ، بل يحتاج فى كل باب إلى سماع استعمال اللفظ المعين وكذا استعماله فى المعنى المعين الخ» فانك تجد بين الكلامين تضاربا ، وقد بينا لك فيما سبق اختيارنا فى المسألة (انظر ص ٨٤ ه‍ ١)

(٢) تجرع الماء : تابع جرعه مرة بعد أخرى كالمتكاره ، قال تعالى : (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) قال ابن الأثير : «التجرع : شرب فى عجلة ، وقيل : هو الشرب قليلا قليلا» اه ، فكأنه من الأضداد ، والحديث ههنا عن المعنى الثانى


جنس الفيقة (١) : أى قدر اللبن المجتمع بين الحلبتين ، وكثرت له حساءه (٢)

قوله «ومنه تفهّم» إنما قال «ومنه» لأن معنى الفعل المتكرر فى مهلة ليس بظاهر فيه ، لأن الفهم ليس بمحسوس كما فى التّجرّع والتّحسّى ، فبيّن أنه منه ، وهو من الأفعال الباطنة المتكررة فى مهلة ، هذا ، والظاهر أن تفهّم للتكلف فى الفهم كالتّسمّع والتبصر

قوله «وبمعنى استفعل» تفعّل يكون بمعنى استفعل فى معنيين مختصين باستفعل : أحدهما الطلب ، نحو تنجّزته : أى استنجزته : أى طلبت نجازه : أى حضوره والوفاء به ، والآخر الاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استعظمته وتعظمته : أى اعتقدت فيه أنه عظيم ، واستكبر وتكبّر : أى اعتقد فى نفسه أنها كبيرة

__________________

(١) الفيقة والفيق : اسم اللبن الذى يجتمع بين الحلبتين فى الضرع ، وذلك بأن تحلب الناقة ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب ، والياء فيهما منقلبة عن الواو ، لسكونها إثر كسرة ، يقال : فاقت الناقة تفوق فواقا (كغراب) وفيقة (كديمة) ، والفيقة : واحدة الفيق كما ذكر المؤلف ، وجمع الفيق أفواق كشبر وأشبار ، وأفاويق جمع الجمع. قال ابن برى : «وقد يجوز أن تجمع فيقة على فيق ثم تجمع فيق على أفواق ، فيكون مثل شيعة وشيع وأشياع». والفواق (كسحاب وغراب) : ما بين الحلبتين من الوقت. قال فى اللسان : «وفوقت الفصيل : أى سقيته اللبن فواقا فواقا ، وتفوق الفصيل إذا شرب اللبن كذلك» اه. وبين هذا وبين كلام المؤلف بعد فتأمله ، فان عبارة أهل اللغة تدل على أن معنى فوقته سقيته اللبن وقتا بعد وقت فأين معنى التكثير الذى ذكره المؤلف؟

(٢) قال فى القاموس : «حسا الطائر الماء حسوا ، ولا تقل شرب ، وحسا زيد المرق : شربه شيئا بعد شىء ؛ كتحساه واحتساه ، وأحسيته أنا وحسيته ، واسم ما يحتسى الحسية (كالغنية) والحسا (كالعصا) ويمد ، والحسو كدلو ، والحسو كعدو ، والحسوة (بالضم) : الشىء القليل منه» اه. ومثله فى اللسان. وأنت ترى أن مدلول حسيته سقيته الحساء شيئا بعد شىء ، وتحساه شربه شيئا بعد شىء ، فمن أين جاء تكثير الحساء الذى ذكره المؤلف؟


والأغلب فى تفعّل معنى صيرورة الشىء ذا أصله كتأهّل وتألّم وتأكّل وتأسّف وتأصّل وتفكّك وتألّب : أى صار ذا أهل ، وألم ، وأكل : أى صار مأكولا ، وذا أسف ، وذا أصل ، وذا فكك (١) وذا ألب (٢) فيكون مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إما حقيقة كما فى ألّبته فتألّب وأصّلته فتأصل ، وإما تقديرا كما فى تأهل ؛ إذ لم يستعمل أهّل بمعنى جعل ذا أهل

وقد يجىء تفعّل مطاوع فعّل الذى معناه جعل الشىء نفس أصله ، إما حقيقة أو تقديرا ، نحو تزبّب العنب ، وتأجّل الوحش (٣) وتكلّل : أى صار إكليلا (٤) : أى محيطا

__________________

(١) الفكك ـ بفتح الفاء والكاف ـ انفساخ القدم وانكسار الفك وانفراج المنكب استرخاء وضعفا ، وهو أفك المنكب.

(٢) الألب : مصدر ألب القوم إليه ـ كضرب ونصر ـ إذا أتوه من كل جانب. والألب أيضا الجمع الكثير من الناس ، وأصله المصدر فسمى به ؛ قال حسان بن ثابت للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ـ

النّاس ألب علينا فيك ليس لنا

إلّا السّيوف وأطراف القناوزر

(٣) الأجل ـ بكسر الهمزة وسكون الجيم ـ : القطيع من بقر الوحش والظباء ، وتأجلت البهائم : صارت آجالا ؛ قال لبيد بن ربيعة العامرى : ـ

والعين ساكنة على أطلائها

عوذا تأجّل بالفضاء بهامها

(٤) الاكليل ـ بكسر الهمزة وسكون الكاف ـ شبه عصابة مزينة بالجواهر ، وهو التاج أيضا ، ولما كان التاج والعصابة يحيط كل منهما بالرأس صح أن يسمى كل ما أحاط بشىء إكليلا على سبيل التشبيه ، وأن يشتق له من ذلك فعل أو وصف ، من ذلك تسميتهم اللحم المحيط بالظفر إكليلا ، ومن ذلك قولهم روضة مكللة : أى محفوفة بالنور ، وغمام مكلل : أى محفوف بقطع من السحاب ، فتقول : تكلل النور والسحاب : أى صار كل منهما إكليلا ، أى محيطا. ولم نعثر على الفعل المطاوع (بفتح الواو) لهذا إلا فى شعر لا يحتج به ، فالظاهر أن المؤلف مثل بتأجل الوحش وتكلل للمطاوع (بكسر الواو) تقديرا


قال : «وانفعل لازم مطاوع فعل نحو كسرته فانكسر ، وقد جاء [مطاوع أفعل نحو] أسفقته فانسفق وأزعجته فانزعج ، قليلا ، ويختصّ بالعلاج والتأثير ، ومن ثمّ قيل انعدم خطأ»

أقول : باب انفعل لا يكون إلا لازما ، وهو فى الأغلب مطاوع فعل ، بشرط أن يكون فعل علاجا : أى من الأفعال الظاهرة ، لأن هذا الباب موضوع للمطاوعة ، وهى قبول الأثر ، وذلك فيما يظهر للعيون كالكسر والقطع والجذب أولى وأوفق ، فلا يقال علمته فانعلم ، ولا فهمته فانفهم ، وأما تفعّل فانه وإن وضع لمطاوعة فعّل كما ذكرنا ، لكنه إنما جاز نحو فهّمته فتفهّم وعلّمته فتعلم ؛ لأن التكرير الذى فيه كأنه أظهره وأبرزه حتى صار كالمحسوس ، وليس مطاوعة انفعل لفعل مطردة فى كل ما هو علاج ، فلا يقال : طردته فانطرد ، بل طردته فذهب

وقد يجىء مطاوعا لأفعل نحو أزعجته فانزعج ، وهو قليل ، وأما انسفق فيجوز أن يكون مطاوع سفقت الباب : أى رددته لأن سفقت وأسفقت بمعنى

قال : «وافتعل للمطاوعة غالبا نحو غممته فاغتمّ ، وللاتّخاذ نحو اشتوى وللتّفاعل نحو اجتوروا ، وللتّصرّف نحو اكتسب»

أقول : قال سيبويه : الباب فى المطاوعة انفعل ، وافتعل قليل ، نحو جمعته فاجتمع ، ومزجته فامتزج

قلت : فلما لم يكن موضوعا للمطاوعة كانفعل جاز مجيئه لها فى غير العلاج ، نحو غممته فاغتمّ ولا تقول فانغمّ (١)

ويكثر إغناء افتعل عن انفعل فى مطاوعة ما فاؤه لام أوراء أو واو أو نون

__________________

(١) فى اللسان عن سيبويه أنك تقول : اغتم وانغم. قال سيبويه «وهى عربية»


أو ميم ، نحو لأمت الجرح ، أى : أصلحته ، فالتأم ، ولا تقول انلأم ، وكذا رميت به فارتمى ، ولا تقول انرمى ، ووصلته فاتّصل ، لا انوصل ، ونفيته فانتفى لا انّفى ، وجاء امتحى وامّحى (١) ، وذلك لأن هذه الحروف مما تدغم النون الساكنة فيها ، ونون انفعل علامة المطاوعة فكره طمسها ، وأما تاء افتعل فى نحو ادّكروا طّلب فلما لم يختص بمعنى من المعانى كنون انفعل صارت كأنها ليست بعلامة ، إذ حق العلامة الاختصاص

قوله «وللاتخاذ» أى : لاتخاذك الشىء أصله ، وينبغى أن لا يكون ذلك الأصل مصدرا ، نحو اشتويت اللحم : أى اتخذته شواء ، وأطّبخ الشىء : أى جعله طبيخا ، واختبز (٢) الخبز : أى جعله خبزا ، والظاهر أنه لاتخاذك الشىء أصله لنفسك ، فاشتوى اللّحم : أى عمله شواه لنفسه ، وامتطاه : أى جعله لنفسه مطية ، وكذا اغتذى وارتشى (٣) واعتاد

قوله «وللتفاعل» نحو اعتوروا : أى تناوبوا ، واجتوروا : أى تجاوروا ، ولهذا لم يعلّ ؛ لكونه بمعنى ما لا يعل

__________________

(١) الذى فى جميع النسخ «انمحى» ، بالنون الظاهرة والذى فى القاموس واللسان «امحى» بابدال النون ميما وإدغامها فى الميم ، قال فى اللسان : «والأصل فيه انمحى ، وامتحى لغة رديئة» اه

(٢) كان الأولى أن يقول : اختبز الدقيق : أى عالجه حتى جعله خبزا ، ولعله أطلق الخبز على الدقيق باعتبار ما يؤول إليه الأمر

(٣) فى اللسان : «غذاه غذوا وغذاه بالتضعيف فاغتذى وتغذى» اه وهو ظاهر فى أن اغتذى مطاوع غذا وليس للاتخاذ كما ذهب إليه المؤلف ، ولم نعثر على نحو قولك اغتذى الشىء ، حتى يصير معناه اتخذه غذاء. وفى اللسان أيضا : «رشاه يرشوه رشوا : أعطاه الرشوة (مثلثة الراء) ، وارتشى منه رشوة ، إذا أخذها» اه وهو ظاهر أيضا فى المطاوعة لا الاتخاذ. وأما اعتاد فقد ورد بمعنى الاتخاذ نحو اعتاد الشىء جعله عادة له ، وورد مطاوعا أيضا نحو عودته (بالتضعيف) فاعتاد


قوله «وللتصرف» أى : الاجتهاد والاضطراب فى تحصيل أصل الفعل ، فمعنى كسب أصاب ، ومعنى اكتسب اجتهد فى تحصيل الاصابة بأن زاول أسبابها ؛ فلهذا قال الله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ) أى : اجتهدت فى الخير أو لا فانه لا يضيع (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أى : لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت فى تحصيله وبالغت فيه من المعاصى ، وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب

وقد يجىء افتعل لغير ما ذكرنا مما لا يضبط ، نحو ارتجل الخطبة ، ونحوه

قال «واستفعل للسّؤال غالبا : إمّا صريحا نحو استكتبته ، أو تقديرا نحو استخرجته ، وللتّحوّل نحو استحجر الطّين ، و* إنّ البغاث بأرضنا يستنسر* وقد يجيء بمعنى فعل نحو قرّ واستقرّ»

أقول : قوله «أو تقديرا نحو استخرجته» تقول : استخرجت الوتد ، ولا يمكن ههنا طلب فى الحقيقة ، كما يمكن فى «استخرجت زيدا» إلا أنه بمزاولة إخراجه والاجتهاد فى تحريكه كأنه طلب منه أن يخرج ، فقولك أخرجته لا دليل فيه على أنك أخرجته بمرة واحدة أو مع اجتهاد ، بخلاف استخرج ، وكذلك «استعجلت زيدا» أى : طلبت عجلته ، فاذا كان بمعنى عجّلت (١) فكأنه طلب العجلة من نفسه ؛ ومن مجاز الطلب قولهم : استرفع الخوان ، واسترمّ البناء ، واسترقع الثّوب (٢)

__________________

(١) تقول : عجلت عجلا ـ كفرح فرحا ـ وعجلة ، ومنه قوله تعالى (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) وتقول أيضا : عجل ـ بالتضعيف ـ وتعجل بمعناه : أى أسرع ويأتى عجل ـ بالتضعيف ـ وتعجل متعديين أيضا : بمعنى طلب العجلة ، والذى فى كلام المؤلف يجوز أن يكون مخففا مكسور العين ، وأن يكون مضعفا لازما.

(٢) الخوان ـ ككتاب وغراب ـ : ما يوضع عليه الطعام ، وضع أو لم يوضع ،


ويكون للتحول إلى الشىء حقيقة ، نحو استحجر الطين : أى صار حجرا حقيقة ، أو مجازا : أى صار كالحجر فى الصلابة ، وإن البغاث بأرضنا يستنسر (١) أى : يصير كالنسر فى القوة ، والبغاث ـ مثلث الفاء ـ ضعاف الطير

قوله «بمعنى فعل» نحو قرّ واستقرّ ، ولا بد فى استقرّ من مبالغة

ويجىء أيضا كثيرا للاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استكرمته : أى اعتقدت فيه الكرم ، واستسمنته : أى عددته ذا سمن ، واستعظمته : أى عددته ذا عظمة

ويكون أيضا للاتخاذ كما ذكرنا فى افتعل ، نحو استلأم (٢)

__________________

والمائدة : ما يكون عليه الطعام ، وقيل : الخوان والمائدة واحد. قال الليث : هو معرب ، وقولهم : استرفع الخوان (بالرفع) معناه حان له أن يرفع. واسترم البناء : حان له أن يرم ، إذا بعد عهده بالتطيين والاصلاح. واسترقع الثوب : حان له أن يرقع ، وقد رأى المؤلف أن هذه الحينونة تشبه أن تكون طلبا ، لأن هذه الأشياء لما أصبحت فى حالة تستوجب حصول أصل الفعل (وهو ههنا الرفع والرم والرقع) صارت كأنها طلبت ذلك

(١) هذا مثل يضرب للضعيف يصير قويا ، وللذليل يعز بعد الذل ، وفى اللسان «يضرب مثلا للئيم يرتفع أمره ، وقيل : معناه من جاورنا عز بنا». والبغاث : اسم جنس واحدته بغاثة وهو ضرب من الطير أبيض بطىء الطيران صغير دوين الرخمة ، ويستنسر : يصير كالنسر فى القوة عند الصيد ، يصيد ولا يصاد. وجمع البغاث بغثان (كرغفان)

(٢) اللأمة ـ بفتح اللام وسكون الهمزة وربما خففت ـ أداة من أدوات الحرب ، قيل : هى الدرع ، وقيل : جميع أدوات الحرب من سيف ودرع ورمح ونبل وبيضة ومغفر يسمى لأمة ، ويقال : استلأم الرجل ، إذا لبس اللأمة ،


وقد يجىء لمعان أخر غير مضبوطة

وأما افعلّ فالاغلب كونه للون أو العيب الحسى اللازم (١) وافعالّ فى اللون والعيب الحسى العارض ، وقد يكون الأول فى العارض والثانى في اللازم ، وأما افعوعل فللمبالغة فيما اشتق منه ، نحو اعشوشبت الأرض : أى صارت ذات عشب (٢) كثير ، وكذا اغدودن (٣) النبت ، وقد يكون متعديا ، نحو اعروريت الفرس (٤) وافعوّل بناء مرتجل ليس منقولا من فعل (٥) ثلاثى ، وقد يكون متعديا كاعلوّط : أى علا ، ولازما كاجلوّذ واخروّط : أى أسرع (٦) وكذا افعنلى مرتجل ، نحو

__________________

وحكى أبو عبيدة أنه يقال : تلأم ـ بتضعيف الهمزة ـ أيضا

(١) المراد باللازم فى هذا الموضع ما لا يزول والمراد بالعارض ما يزول

(٢) العشب : هو الكلاء ما دام رطبا ، واحدته عشبة (كغرفة) وقال أبو حنيفة الدينورى : العشب : كل ما أباده الشتاء وكان نباته ثانية من أرومة وبذر.

(٣) يقال : اغدودن النبت ، إذا اخضر حتى يضرب إلى السواد من شدة ريه قال أبو عبيد : المغددون : الشعر الطويل ، وقال أبو زيد : شعر مغدودن : شديد السواد ناعم.

(٤) اعرورى الفرس : صار عريا ، واعرورى الرجل الفرس : ركبه عريا ، فهو لازم متعد ، ولا يستعمل إلا مزيدا ، وقد استعاره تأبط شرا لركوب المهلكة فقال : ـ

يظلّ بموماة ويمسى بغيرها

جحيشا ، ويعرورى ظهور المهالك

(٥) مراده بهذا أنه ليس واحد مما ذكر من الأمثلة منقولا عن فعل ثلاثى مشترك معه فى أصل معناه ، فأما المادة نفسها بمعنى آخر فلا شأن لنابها ، وأكثر ما ذكر من الأمثلة قد ورد لها أفعال ثلاثية ولكن بمعان أخر.

(٦) قول الشارح «أى أسرع» تفسير لاجلوذ واخروط جميعا


اغرندى (١) ، وقد يجىء افعوعل كذلك ، نحو اذ لولى : أى استتر (٢) ، وكذا افعلّ وافعالّ يجيئان مرتجلين ، نحو اقطرّ واقطار : أى أخذ فى الجفاف

وجميع الأبواب المذكورة يجىء متعديا ولازما ، إلا انفعل وافعلّ وافعالّ

واعلم أن المعانى المذكورة للأبواب المتقدمة هى الغالبة فيها ، وما يمكن ضبطه ، وقد يجىء كل واحد منها لمعان أخر كثيرة لا تضبط كما تكررت الإشارة إليه

قال : «وللرّباعىّ المجرّد بناء واحد نحو دحرجته ودربخ ، وللمزيد فيه ثلاثة : تدحرج ، واحرنجم ، واقشعرّ ، وهى لازمة»

أقول : دربخ : أى خضع ، وفعلل يجىء لازما ومتعديا ، وتفعلل مطاوع فعلل المتعدى كتفعّل لفعّل ، نحو دحرجته فتدحرج ، واحرنجم فى الرباعى كانفعل فى الثلاثى ، واقشعرّ واطمأنّ من القشعريرة والطّمأنينة ، كاحمرّ فى الثلاثى ، وافعنلل الملحق باحرنجم كاقعنسس غير متعد مثل الملحق به ، وكذا تجورب وتشيطن الملحقان بتدحرج ، وكذا احرنبى الملحق باحرنجم ، وقد جاء متعديا فى قوله : ـ

١٣ ـ إنّى أرى النّعاس يغرندينى

أطرده عنّي ويسرندينى (٣)

__________________

(١) تقول اغرنداه واغرندى عليه ، إذا علاه بالشتم والضرب والقهر ، وإذا غلبه ، وقد وقع فى بعض نسخ الأصل بالعين المهملة ولم نجد له أصلا فى كتب اللغة

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف فى اذلولى أحد وجهين ، وهو الذى ذكره سيبويه رحمه‌الله ، فمادتها الأصلية على هذا (ذ ل ى) زيد فيه همزة الوصل أولا وضعفت العين وزيدت الواو فارقة بين العينين ، والوجه الثانى أن أصوله (ذ ل ل) ، وأن الأصل فيه ذل يذل ذلا ، ثم ضعفت العين فصار ذلل يذلل تذليلا ، ثم استثقل ثلاثة الأمثال فقلبوا الثالث ياء ، كما قلبوا فى نحو تظنى وتقضى وربى ، وأصلها تظنن وتقضض وربب ، ثم زيدت فيه الواو وهمزة الوصل فوزنه افعوعل أيضا ، ولكن على غير الوجه الأول.

(٣) هذا بيت من الرجز استشهد به كثير من النحاة منهم أبو الفتح بن


وكأنه محذوف الجار : أى يغرندى على ، ويسرندى على : أى يغلب ويتسلط

واعلم أن المعانى المذكورة للأبنية المذكورة ليست مختصة بمواضيها ، لكنه إنما ذكرها فى باب الماضى لأنه أصل الأفعال

قال : «المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضى ؛ فإن كان مجرّدا على فعل كسرت عينه أو ضمّت أو فتحت إن كان العين أو اللّام حرف حلق غير ألف ؛ وشذّ أبى يأبى ، وأمّا قلى يقلى فعامريّة (١) وركن

__________________

جنى والسخاوى وابن هشام ، ولم ينسبه واحد منهم ، ويروى : ـ

قد جعل النّعاس يغرندينى

أدفعه عنّى ويسرندينى

ويغرندينى ويسرندينى كلاهما بمعنى يغلبنى ؛ وقد اختلف العلماء فى تخريجه ، فجعله جماعة كالمؤلف من باب الحذف والايصال ، وجعله ابن هشام شاذا ، وجعله ابن جنى صحيحا لا شذوذ فيه ، وقسم افعنلى إلى متعد ولازم ، قال : «افعنليت على ضربين متعد وغير متعد ، فالمتعدى نحو قول الراجز (وذكر البيت) ، وغير المتعدى نحو قولهم : احرنبى الديك» اه ومثله للسخاوى فى شرح المفصل ، والجوهرى فى الصحاح.

(١) الذى فى اللسان : «قلاه يقليه (كرماه يرميه) ، وقليه يقلاه (كرضيه يرضاه). وحكى سيبويه قلاه يقلاه (كنهاه ينهاه) قال : وهو نادر ، وله نظائر حكاها ، شبهوا الألف بالهمزة ، وحكى ابن الأعرابى لغة رابعة وهى قلوته أقلوه (كدعوته أدعوه) ، وأنكرها ابن السكيت فقال : يقال قلوت البر والبسر وبعضهم يقول قليت ، ولا يكون فى البغض إلا قليت» اه كلامه ملخصا. وقوله «وله نظائر» منها أبى يأبى ، وغشى يغشى ، وشجى يشجى ، وجبى يجبى ، كل هذه قد جاءت فى بعض اللغات بفتح عين الماضى والمضارع. وقوله : «شبهوا الألف بالهمزة» هذا وجه آخر غير الذى ذكره المؤلف ، وحاصله أن فتح العين فى الماضى ليس للاعلال ولكن لاقتضاء ما أشبه حرف الحلق إياها ، وسيأتى بيان ما ذكره المؤلف


يركن من التّداخل (١) ، ولزموا الضّمّ فى الأجوف بالواو والمنقوص بها ، والكسر فيهما بالياء ، ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذّ عنده أو من التّداخل (٢) ، ولم يضمّوا فى المثال ، ووجد

__________________

(١) قد ورد هذا الفعل من باب علم ، ومن باب نصر ، والمصدر فيهما ركنا وركونا (كفهم ودخول) ، وحكى بعضهم لغة ثالثة وهى ركن يركن (كفتح يفتح) وحكى كراع فيه لغة رابعة وهى ركن يركن (بالكسر فى الماضى والضم فى المضارع) ، واختلف فى تخريج اللغتين الثالثة والرابعة : فقبل : هما شاذتان ، والرابعة أشذ من الثالثة ، ونظيرها فضل يفضل ، وحضر يحضر ، ونعم ينعم ، وقيل فى اللغتين الثالثة والرابعة : هما من التداخل بين اللغتين الأولى والثانية اه ملخصا من اللسان مع زيادة

(٢) قد مضى قولنا فى هذه الكلمة (ه ١ ص ٨١) ونزيدك ههنا أن من العرب من يقول : طوحه وطوح به ، وتوهه (بالتضعيف فى الكل) ، ومنهم من قال : طيحه وتيهه (بالتضعيف أيضا) ؛ فعلى الأول : الكلمتان من الأجوف الواوى ، وعلى الثانى هما من الأجوف اليائى ، ومنهم من قال : طاح يطوح ، وتاه يتوه ، وذلك بناء على أنهما من الأجوف الواوى ، وأنهما من باب نصر ينصر ، وهو ظاهر ، ومنهم من قال : طاح يطيح ، وتاه يتيه ، فان اعتبرتهما من الأجوف اليائى فأمرهما ظاهر وهما من باب ضرب يضرب ، وإن اعتبرتهما من الأجوف الواوى فهما محل خلاف فى التخريج بين العلماء : فقال سيبويه : هما من باب فعل يفعل (بالكسر فيهما) ولم يجز عنده أن يكونا من باب ضرب يضرب ، لأنه لا يكون فى بنات الواو ، كراهية الالتباس ببنات الياء ، كما لا يكون باب نصر ينصر فى بنات الياء ، كراهية الالتباس ببنات الواو ؛ فأصل طاح وتاه طوح وتوه (كفرح) تحركت الواو فيهما وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وأصل يطيح ويتيه يطوح ويتوه (كيضرب) نقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة ، وقال غير سيبويه : الكلمتان من باب ضرب فهما بهذا الاعتبار شاذتان ، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوى من باب فعل المفتوح العين


يجد ضعيف ، ولزموا الضّمّ فى المضاعف المتعدّى نحو يشدّه ويمدّه (١) وجاء الكسر فى يشدّه ويعلّه (٢) وينمّه ويبتّه ، ولزموه فى حبّه يحبّه وهو قليل (٣)»

__________________

لا يكون مضارعه إلا مضمومها ، وقول المؤلف «أو من التداخل» سيأتى ما فيه فى كلام الشارح (وانظر ص ١٢٧)

(١) اعلم أن المديجىء متعديا بمعنى الجذب ، نحو مددت الحبل أمده ، والبسط نحو قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) وطموح البصر إلى الشىء ، ومنه قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) وبمعنى الامهال ، ومنه قوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ويجىء لازما بمعنى السيل أو ارتفاع النهار أو كثرة الماء ، تقول : مد النهر ، إذا سال ، وتقول : مد النهار ، إذا ارتفع ؛ وتقول : مد الماء ، إذا ارتفع أيضا ؛ وظاهر كتب اللغة أنه فى كل هذه المعانى من باب نصر ؛ فأما المتعدى فقد جاء على القياس فيه ، وأما اللازم فهو حينئذ شاذ

(٢) العلل (بفتحتين) والعل بالأدغام : الشرب بعد الشرب ، ويسمى الشرب الأول نهلا ، وقد ورد فعل هذا متعديا ولازما ، وورد كل من المتعدى واللازم من بابى نصر وضرب : أما مجىء المعتدى كنصر ، ومجىء اللازم كضرب فهو القياسى ، وأما العكس فيهما فشاذ ، وقد جاء هذا الفعل من العلة بمعنى مرض لازما ، ولم يسمع فيه إلا كسر المضارع على القياس

(٣) الكثير فى الاستعمال أحببته أحبه فأنا محب إياه على مثال أكرمته أكرمه فأنا مكرمه ، والكثير فى اسم المفعول محبوب ، وقد جاء المحب قليلا فى الشعر نحو قول عنترة : ـ

ولقد نزلت ، فلا تظنّى غيره ،

منّى بمنزلة المحبّ المكرم

وقد جاء حبه يحبه (ثلاثيا) ، وقد استعمل اللغتين جميعا غيلان بن شجاع النهشلى فى قوله : ـ

أحبّ أبا مروان من أجل تمره

و أعلم أنّ الجار بالجار أرفق


أقول : اعلم أن أهل التصريف قالوا : إن فعل يفعل ـ بفتح العين فيهما ـ فرع على فعل يفعل أو يفعل ـ بضمها أو كسرها فى المضارع ـ ، وذلك لأنهم لما رأوا أن هذا الفتح لا يجىء إلا مع حرف الحلق ، ووجدوا فى حرف الحلق معنى مقتضيا لفتح عين مضارع الماضى المفتوح عينه ، كما يجىء ؛ غلب على ظنهم أنها علة له ، ولما لم يثبت هذا الفتح إلا مع حرف الحلق غلب على ظنهم أنه لا مقتضى له غيرها ؛ إذ لو كان لثبت الفتح بدون حرف الحلق ، فغلب على ظنهم أن الفتح ليس شيئا مطلقا غير معلل بشىء ، كالكسر والضم ، إذ لو كان كذلك لجاء مطلقا بلا حرف حلق أيضا كما يجىء الضم والكسر ، وقوّى هذا الظن نحو قولهم وهب يهب ووضع يضع ووقع يقع ؛ لأنه تمهّد لهم أن الواو لا تحذف إلا فى المضارع المكسور العين ؛ فحكموا أن كل فتح فى عين مضارع فعل المفتوح العين لأجل حرف الحلق ، ولو لاها لكانت إما مكسورة او مضمومة فقالوا : قياس مضارع فعل المفتوح عينه إما الضم أو الكسر ، وتعدّى بعض النحاة ـ وهو أبو زيد ـ هذا ، وقال : كلاهما قياس ، وليس أحدهما أولى به من الآخر ، إلا أنه ربما يكثر أحدهما فى عادة ألفاظ الناس حتى يطرح الآخر

__________________

فأقسم لو لا تمره ما حببته

وكان عياض منه أدنى ومشرق

قال الجوهرى : «وحبه يحبه بالكسر فهو محبوب شاذ ؛ لأنه لا يأتى فى المضاعف يفعل بالكسر إلا ويشركه يفعل بالضم ما خلا هذا الحرف» اه لكن ذكر أبو حيان أنه سمع فيه الضم أيضا ؛ فيكون فيه وجهان ، وعلى هذا لا يتم قول المؤلف ولزموه فى حبه يحبه ، ولا تعليل الجوهرى شذوذه بعدم مجىء الضم فيه ، ولو أنه علل الشذوذ بما هو علته على الحقيقة ـ وذلك أن قياس المضعف المتعدى الضم ـ لم يرد عليه شىء


ويقبح استعماله ، فإن عرف الاستعمال فذاك ، وإلا استعملا معا ، وليس على المستعمل شىء ، وقال بعضهم : بل القياس الكسر ؛ لأنه أكثر ، وأيضا هو أخف من الضم

وبعد ، فاعلم أنهم استعملوا اللغتين فى ألفاظ كثيرة كعرش يعرش ، ونفر ينفر ، وشتم يشتم ، ونسل ينسل ، وعلف يعلف ، وفسق يفسق ، وحسد يحسد ويلمز ، ويعتل ، ويطمث ، ويقتر ، وغير ذلك مما يطول ذكره

وفى الأفعال ما يلزم مضارعه فى الاستعمال إما الضم وإما الكسر ، وذلك إما سماعى أو قياسى ؛ فالسماعى الضم فى قتل يقتل ، ونصر ينصر ، وخرج يخرج ، مما يكثر ، والكسر فى ضرب يضرب ، ويعتب (١) ، وغير ذلك مما لا يحصي ؛ والقياسى كلزوم الضم فى الأجوف والناقص الواويين ، والكسر فيهما يائيين وفى المثال اليائى (٢) كما يجىء ، ومن القياسى الضم فى باب الغلبة ، كما مر.

ثم نقول : إنما ناسب حرف الحلق ـ عينا كان أولا ما ـ أن يكون عين المضارع معها مفتوحا لأن الحركة فى الحقيقة بعض حروف المد بعد الحرف المتحرك بلا فصل ؛ فمعنى فتح الحرف الإتيان ببعض الألف عقيبها ، وضمها الإتيان ببعض الواو عقيبها ، وكسرها الإتيان ببعض الياء بعدها ؛ ومن شدّة تعقّب أبعاض هذه الحروف الحرف

__________________

(١) ظاهر عبارة المؤلف أن هذا الفعل لم يرد إلا من باب ضرب ، وقد نص فى المصباح على أنك تقول : «عتب عليه عتبا من بابى ضرب وقتل ، ومعتبا أيضا إذا لامه فى تسخط» ومثله فى القاموس واللسان

(٢) لا وجه لتخصيص المؤلف المثال باليائى لأنه سيأتى له أن يبين علة اختصاص المثال مطلقا بباب ضرب ؛ على أن أمثلة المثال الواوى التى وردت من باب ضرب أضعاف أمثلة المثال اليائى منه


المتحرك التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن الحركة على الحرف ، وبعضهم تجاوز ذلك وقال : هى قبل الحرف ، وكلاهما وهم ، وإذا تأملت أحسست بكونها بعده ، ألا ترى أنك لا تجد فرقا فى المسموع بين قولك الغزو ـ باسكان الزاى والواو ـ وبين قولك الغز ـ بحذف الواو وضم الزاى ـ وكذا قولك الرّمى ـ باسكان الميم والياء ـ والرّم ـ بحذف الياء وكسر الميم ـ وذلك لأنك إذا أسكنت حرف العلة بلا مد ولا اعتماد عليه صار بعض ذلك الحرف فيكون عين الحركة إذ هى أيضا بعض الحرف ، كما قلنا ، ثم إن حروف الحلق سافلة فى الحلق يتعسر النطق بها ، فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاما الفتحة التى هى جزء الألف التى هى أخفّ الحروف ؛ فتعدل خفتها ثقلها ، وأيضا فالألف من حروف الحلق أيضا فيكون قبلها جزء من حرف من حيّزها ، وكذا أرادوا أن يكون بعد حرف الحلق بلا فصل إن كانت عينا الفتحة الجامعة للوصفين ؛ فجعلوا الفتحة قبل الحلقى إن كان لاما ، وبعده إن كان عينا ؛ ليسهل النطق بحروف الحلق الصعبة ، ولم يفعلوا ذلك إذا كان الفاء حلقيا : إما لأن الفاء فى المضارع ساكنة فهى ضعيفة بالسكون [ميّتة] ، وإما لأن فتحة العين إذن تبعد من الفاء ؛ لأن الفتحة تكون بعد العين التى بعد الفاء ، وليس تغيير حرف الحلق من الضم أو الكسر إلى الفتح بضربة لازب ، بل هو أمر استحسانى ، فلذلك جاء برأ يبرؤ (١) ، وهنأ يهنئ ، وغير ذلك ، وهى لا تؤثر فى فتح ما يلزمه وزن واحد

__________________

(١) الذى جاء من باب نصر هو برأ المريض ، وقد جاء فيه لغات أخرى إحداها من باب نفع ، والثانية من باب كرم ، والثالثة من باب فرح ، وأما برأ الله الخلق (أى خلقهم) فلم يأت إلا من باب جعل. قال الأزهرى : «ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل (من باب نصر ينصر). وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إلا فى هذا الحرف (يريد برأ المريض يبرؤ) ، ثم ذكر قرأت أقرؤ ،


مطرد ؛ فلذلك لا تفتح عين مضارع فعل يفعل ـ بضم العين ـ نحو وضؤ (١) يوضؤ ، ولا فى ذوات الزوائد مبنية للفاعل أو للمفعول ، نحو أبرأ يبرئ (٢) ، واستبرأ يستبرئ (٣) ، وأبرئ واستبرئ ، وذلك لكراهتهم خرم قاعدة ممهّدة ، وإنما جاز فى مضارع فعل لأنه لم يلزم هذا المضارع ضمّ أو كسر ، بل كان يجىء تارة مضموم العين ، وتارة مكسورها ، فلم يستنكر أيضا أن يجىء شىء منه يخالفهما ، وهو الفتح ، ولما جاء فى مضارع فعل ـ بالكسر ـ مع يفعل ـ بالكسر ـ يفعل ـ بالفتح ـ وهو الأكثر ، كما يجىء ، جوّزوا تغيير بعض المكسور إلى الفتح لأجل حرف الحلق ، وذلك فى حرفين وسع يسع (٤) ووطىء يطأ ، دون ورع يرع ووله يله ووهل يهل ووغر يغر ووحر يحر (٥) ، وإنما

__________________

وهنأت الأبل أهنؤها ، إذا طليتها بالهناء ـ وهو ضرب من القطران ـ ، وقد جاء فيه يهنئها ويهنؤها (من بابى ضرب ونفع) ، وجاء هنأنى الطعام يهنئنى ويهنؤنى (من بابى ضرب ونفع أيضا) ؛ إذا أتاك بغير تعب ولا مشقة

(١) تقول وضؤ يوضؤ وضاءة ؛ إذا صار وضيئا ، والوضاءة : الحسن والنظافة

(٢) تقول : أبرأته من كذا ، وبرأته أيضا (بالتضعيف) ؛ إذا خلصته

(٣) الاستبراء : الاستنقاء (أى طلب النقاء والبراءة) ، والاستبراء أيضا : ألا يطا الجارية حتى تحيض عنده حيضة

(٤) السعة : نقيض الضيق ، وقد وسعه يسعه ويسعه (بفتح السين وكسرها) : وكسر السين فى المضارع قليل فى الاستعمال مع أنه الأصل ، فأصل الفعل بكسر العين فى الماضى والمضارع ، وإنما فتحها فى المضارع حرف الحلق ، والدليل على أن أصلها الكسر حذف الواو ، ولو كانت مفتوحة العين فى الأصل لثبتت الواو وصحت أو قلبت ألفا على لغة من يقول ياجل. وتقول : وطىء الشىء يطؤه وطئا ؛ إذا داسه ، قال سيبويه : «أما وطىء يطأ فمثل ورم يرم ولكنهم فتحوا يفعل وأصله الكسر كما قالوا قرأ يقرأ» ا ه

(٥) الورع : التحرج والتقى ، وقدورع يرع ويورع (كيضرب ويفتح) ورعا


لم يغير فى ماضى فعل يفعل ، نحو وضؤ يوضؤ ؛ لأنه لو فتح لم يعرف بضم المضارع أن ماضيه كان فى الأصل مضموم العين ؛ لأن ماضى مضموم العين يكون مضموم العين ومفتوحها ، وكلاهما أصل ، بخلاف مضارع فعل ؛ فان الفتح فى عين الماضى يرشد إلى أن عين المضارع إما مكسورة أو مضمومة ، كما تقرّر قبل ، فيعلم بفتح عين الماضى فرعية فتح عين المضارع ، وأما فتحة عين يسع ويطأ فلا يلتبس بالأصلية فى نحو يحمد ويرهب ، وإن كان فتح عين مضارع فعل ـ بكسرها ـ أكثر من الكسر ؛ لأن سقوط الواو فيهما يرشد إلى كونهما فرعا للكسرة ، وإنما لم تغير لحرف الحلق عين فعل المكسور العين إلى الفتح نحو سئم ؛ لأن يفعل فى مضارع فعل المفتوح العين فرع كما ذكرنا ، وفعل المضموم العين لا يجىء مضارعه مفتوحها ، فماضى يفعل المفتوح العين إذن يكون مكسورها مطردا ، وقد ذكرنا أن كل ما اطرد فيه غير الفتح لا يغيّر ذلك كراهة لخرم القاعدة كما فى أبرىء ويستبرىء ، وأيضا كان يلتبس بفعل يفعل المفتوح الماضى المغير مضارعه لحرف الحلق

__________________

ورعة (بكسر الراء) وورعا (بسكون الراء) وفيه لغة أخرى من باب كرم وروعا ووراعة. والوله : ذهاب العقل من الحزن ومن السرور ، وفعله وله يله ويوله (بالكسر والفتح فى المضارع) وفيه لغة أخرى كوعد يعد. والوهل : الضعف والفزع ، والذى يؤخذ من القاموس واللسان أن وهل قد جاء من باب علم يعلم ومن باب ضرب يضرب ، وليس فيهما لغة فى هذا الفعل كوثق يثق ، وهى التى حكاها المؤلف. والوغر : الحقد والغيظ ، والذى فى القاموس واللسان أن فعله قد جاء من باب علم يعلم كوجل يوجل ، ومن باب ضرب كوعد يعد ، وليس فيهما اللغة التى حكاها المؤلف. والوحر : بمعنى الوغر ، وفعله وحر يحر ويوحر (بكسر العين فى الماضى وفتحها وكسرها فى المضارع) ، فالتى ذكرها المؤلف إحدى اللغتين فى هذه الكلمة


ثم إن الحروف التى من مخرج الواو ، كالباء والميم ؛ من ضرب يضرب وصبر يصبر ونسم (١) ينسم وحمل يحمل ، لا تغيّر كسر العين إلى الضم الذى هو من مخرج الواو ، وكذا الحروف التى من مخرج الياء ، كالجيم والشين ؛ فى شجب يشجب ومجن يمجن ومشق (٢) يمشق ، لا تحوّل ضم العين إلى الكسر الذى هو من مخرج الياء ، كما فعل حرف الحلق بالضمة والكسرة ؛ على ما تقدم ؛ لأن موضعى الواو والياء بمنزلة حيز واحد ؛ لتقارب ما بينهما واجتماعهما فى الارتفاع عن الحلق ، فكأن الحروف المرتفعة كلها من حيز واحد ، بخلاف المستفلة ـ أى : الحلقية ـ وأيضا فتحنا هناك لتعديل ثقل الحلقية بخفة الفتحة

__________________

(١) نسمت الريح تنسم ـ من باب ضرب ـ نسما ونسيما ونسمانا : هبت ضعيفة ، ونسم البعير بخفه : ضرب ، ونسم الشىء ـ كضرب وعلم ـ : تغير

(٢) الواو والباء والميم مخرجها من الشفتين ، والياء والجيم والشين مخرجها من بين وسط اللسان ووسط الحنك الأعلى ، وحديث المخارج الذى ذكره المؤلف ههنا يقصد به دفع اعتراض يرد على قوله فيما سبق : «وأيضا فالألف من حروف الحلق ايضا ؛ فيكون قبلها جزء من حرف من حيزها» وحاصله أنه إذا كان فتح العين فيما إذا كانت هى أو اللام حرفا من حروف الحلق سببه أن الفتحة جزء من الألف التى هى من حروف الحلق قصدا إلى التجانس بين حرف الحلق والحركة التى قبله أو بعده بلا فصل ، فان اطراد العلة يقتضى ضم العين فى المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الواو كالباء والميم كما يقتضى كسر عين المضارع الذى تكون عينه أو لامه من مخرج الياء كالجيم والشين ؛ فأجاب المؤلف بهذا الذى ذكره. وتقول : مجن يمجن ـ كنصر ـ مجونا ومجانة ومجنا (بالضم) ؛ إذا كان لا يبالى قولا أو فعلا وتقول : شجب يشجب ـ كقعد ـ شجوبا ، وشجب يشجب ـ كفرح ـ شجبا (بفتحتين) إذا حزن أو هلك ، وتقول : شجبه الله يشجبه ـ كنصره ـ أى : أهلكه والمشق : السرعة فى الطعن والضرب والأكل ، وفى الكتابة مد حروفها ، وفعله من باب نصر


قوله «غير ألف» أى : أن فعل يفعل المفتوح عينهما لا يجىء بكون العين ألفا ، نحو : قال يقال ، مثلا ، أو بكون اللام ألفا ، نحو : رمى يرمى ؛ لأن الألف لا يكون فى موضع عين يفعل ولا لامه إلا بعد كون العين مفتوحة ، كما فى يهاب ويرضى ؛ فاذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهى سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول الفتحة؟!!

«وشذ أبى يأبى» قال بعضهم : إنما ذلك لأن الألف حلقية ، وليس بشىء لما ذكرنا أن الفتحة سبب الألف فكيف يكون الألف سببها؟ قال سيبويه : «ولا نعلم إلا هذا (١) الحرف» ، وذكر أبو عبيدة جبوت الخراج (٢) أجبى ،

__________________

(١) لعلك تقول : كيف يذكر عن سيبويه أنه لا يعلم كلمة قد جاءت على فعل يفعل ـ كنفع ينفع ـ ولامها ألف وليست عينها حرفا من حروف الحلق إلا أبى يأبى ، ثم يذكر عنه بعد ذلك أفعالا أخرى ، من هذه البابة ، فنقول لك : إنه لا تنافى» لأن سيبويه رحمه‌الله قد ذكر كل هذه الأفعال التى نقلها عنه المؤلف ، إلا أنه احتج لأبى يأبى وخرجه ، ولم يحتج لسائر الأفعال ؛ لأن الأول روى كذلك عن العرب كافة ، وأما غيره فلم يثبت عنده إلا من وجيه ضعيف ؛ فلهذا أمسك عن الاحتجاج له. انظر الكتاب (ج ٢ ص ٢٥٤). قال أبو سعيد السيرافى : «يدل كلام سيبويه على أنه ذهب فى أبى يأبى إلى أنهم فتحوا من أجل تشبيه ما الهمزة فيه أولى بما الهمزة فيه أخيرة» اه. قال ابن سيده : «إن قوما قالوا فى الماضى أبى ـ بكسر العين ـ فيأبى بفتحها على لغتهم جار على القياس ؛ كنسى ينسى» اه. قال ابن جنى : وقد قالوا أبى يأبى ـ كضرب يضرب ـ وأنشد أبو زيد

يا إبلى ماذامه فتأبيه

ماء رواء ونصىّ حوليه

انتهى كلام ابن جنى. وأنت خبير أنه على ما حكاه ابن سيده من مجىء أبى من باب علم ، وما حكاه ابن جنى من مجيئه من باب ضرب يجوز أن يكون قولهم : أبى يأبى ـ بالفتح فيهما ـ من باب تداخل اللغتين

(٢) الذى فى القاموس أن «جبى» قد جاء واويا ويائيا ، وأنه فى الحالين


وأجبو هو المشهور ، وحكى سيبويه أيضا قلى يقلى ؛ والمشهور يقلى بالكسر ، وحكى هو وأبو عبيدة عضضت تعضّ ، والمشهور عضضت بالكسر ، وحكى غير سيبويه ركن يركن وزكن يزكن ، من الزّكن (١) ، وزكن بالكسر أشهر ، وحكى أيضا غسا الليل ـ أى : أظلم ـ يغسى ، وشجا يشجى ، وعثا (٢) يعثي ، وسلا يسلا ، وقنط يقنط ؛ ويجوز أن يكون غسا وشجا وعثا وسلا طائية كما فى قوله : ـ

* ...... بنت على الكرم (٣) *

__________________

من باب سعى ورمى ، ولم يذكر «يجبو» فى الواوى ، فاذا صح نقله فيهما كان مجىء الواوى من باب رمى شاذا كما أن مجيئه فيهما من باب سعى شاذ ، وقال فى اللسان : «جبا الخراج يجباه ويجبيه : جمعه ، وجباه يجباه مما جاء نادرا مثل أبى يأبى ، وذلك أنهم شبهوا الألف فى آخره بالهمزة فى قرأ يقرأ وهدأ يهدأ» اه فليس فيه يجبوه أيضا ؛ فيجبوه غير معروف فى كتب اللغة التى بين أيدينا وإن كان هو القياس ، ثم اطلعنا بعد ذلك على قول ابن سيده فى المخصص (ج ١٤ ص ٢١١) : «وقد حكى أبو زيد فى كتاب المصادر جبوت الخراج أجباه وأجبوه» اه

(١) الزكن ـ بفتحتين ـ العلم أو الظن أو التفرس ، ولم يحك فى القاموس فعله إلا من باب فرح

(٢) عثى : أفسد ، وقد جاء على ثلاث لغات كرمى ودعا وأبى ، والأخيرة نادرة ، وهى محل الكلام ، وقد حكيت هذه اللغات الثلاث فى غسى الليل أيضا. وأما سلى فقد حكى فيه ثلاث لغات كدعا ورضى ورمى ، ولم يذكروه كسعى ، وهو الذى ذكره المؤلف. وأما شجا ، قد حكوه متعديا كدعا ولازما كفرح ولم يذكروه كسعى ؛ فأن صح ما ذكره المؤلف جاز أن يكون من باب التداخل وأن يكون على لغة طىء

(٣) هذه قطعة من بيت من بحر المنسرح وهو بتمامه :


لأنه جاء عثى يعثى وغسى يغسى وشجي يشجى وسلى يسلى وأما قلى يقلى فلغة ضعيفة عامرية ، والمشهور كسر مضارعه ، وحكى بعضهم قلى يقلى ـ كتعب يتعب ـ فيمكن أن يكون متداخلا ، وأن يكون طائيا ، لأنهم يجوزون قلب الياء ألفا فى كل ما آخره ياء مفتوحة فتحة غير إعرابية مكسور ما قبلها ، نحو بقى فى بقى ، ودعى فى دعى ، وناصاة فى ناصية (١) وأما زكن يزكن بالزاى إن ثبت فشاذّ ، وكذا ما قرأ الحسن : (ويهلك الحرث) بفتح اللام ، وركن يركن كما حكاه أبو عمرو من التداخل ، وذلك لأن ركن يركن ـ بالفتح فى الماضى والضم فى المضارع ـ لغة مشهورة ، وقد حكى أبو زيد عن قوم ركن بالكسر يركن بالفتح ، فركب من اللغتين ركن يركن بفتحهما ، وكذا قال الأخفش في قنط يقنط لأن قنط يقنط كيقعد ويجلس مشهوران ، وحكى قنط يقنط كتعب يتعب

قوله «ولزموا الضم في الأجوف بالواو والمنقوص بها» ، إنما لزموا الضم فيما ذكر حرصا على بيان كون الفعل واويا ، لايائيا ، إذ لو قالوا في قال وغزا : يقول ويغزو ؛ لوجب قلب واو المضارعين ياء لما مر من أن بيان البنية عندهم أهم من الفرق بين الواوى واليائى ، فكان يلتبس إذن الواوىّ باليائى فى الماضى والمضارع ولهذا بعينه التزموا الكسر فى الأجوف والناقص اليائيين ، إذ لو قالوا فى باع ورمى :

__________________

نستوقد النّبل بالحضيض ونصطاد نفوسا بنت على الكرم

وهو بيت لرجل من بنى القين بن جسر ، والنبل : السهام ، ومعنى «نستوقد النبل» نرمى بها رميا شديدا فتخرج النار لشدة رمينا وقوة سواعدنا ، والحضيض : الجبل أو قراره وأسفله ، وأراد بقوله «نفوسا بنت على الكرم» أنه إنما يقتل الرؤساء والسادة.

(١) الناصية : شعر مقدم الرأس


يبيع ويرمى لوجب قلب الياءين واوا لبيان البنية ؛ فكان يلتبس بالواوىّ اليائىّ فى الماضى والمضارع

فان قلت : أليس الضمة فى قلت والواو فى غزوت وغزوا والكسرة فى بعت والياء فى رميت ورميا تفرقان في الماضى بين الواوى واليائى؟؟

قلت : ذلك فى حال التركيب ، ونحن نريد الفرق بينهما حال الافراد

فان قلت : أليس يلتبسان فى الماضى والمضارع في خاف يخاف من الخوف وهاب يهاب من الهيبة وشقى يشقى من الشقاوة وروى يروى؟؟

قلت : بلى ، ولكنهم لم يضمّوا فى واوىّ هذا الباب ولم يكسروا فى يائيّه ؛ لأن فعل المكسور العين اطرد فى الأغلب فتح عين مضارعه ، ولم ينكسر إلا فى لغات قليلة كما يجىء ، فلم يقلبه حرف العلة عن حاله ، بخلاف فعل بالفتح فان مضارعه يجىء مضموم العين ومكسورها ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عينه حركة يناسبها ذلك الحرف ، وهذا كما تقدم من أن حرف الحلق لم يغير كسرة ينبىء ويستنبىء لما اطرد فيهما الكسر

فاما إن كان لام الأجوف اليائى أو عين الناقص اليائى حلقيا ، نحو شاء يشاء وشاخ يشيخ وسعى يسعى وبغى يبغى فلم يلزم كسر عين المضارع فيه كما لزم فى الصحيح كما رأيت ، وكذا إن كان عين الناقص الواوىّ حلقيّا نحو شأى يشأى ـ أى : سبق ـ ورغا يرغو (١) لم يلزم ضمّ عين مضارعه كما لزم فى الصحيح على ما رأيت ، وذلك لأن مراعاة التناسب فى نفس الكلمة بفتح العين للحلقى ، كما ذكرنا ، مساوية للاحتراز من التباس الواوى باليائى ، وما عرفت أجوف واويّا حلقى اللام من [باب] فعل يفعل بفتحهما ، بل الضمّ فى عين المضارع لازم ، نحو ناء ينوء وناح ينوح

__________________

(١) رغا البعير والناقة يرغوا رغاء : صوت


ولنا أن نعلل لزوم الضم فى عين مضارع نحو قال وغزا ، ولزوم الكسر فى عين مضارع نحو باع ورمى ، بأنه لما ثبت الفرق بين الواوى واليائى فى مواضى هذه الأفعال أتبعوا المضارعات إياها في ذلك ، وذلك أن ضم فاء قلت وكسر فاء بعت للتنبيه على الواو والياء ، ونحو دعوت ودعوا يدل على كون اللام واوا ، ونحو رميت ورميا يدل على كونها ياء ، وأما نحو خفت تخاف وهبت تهاب وشقى يشقى وروى يروى وطاح يطيح عند الخليل (١) فإن أصله عنده طوح يطوح كحسب يحسب فلما لم يثبت في مواضى هذه الأفعال فرق بين الواوى واليائى فى موضع من المواضع لم يفرق فى مضارعاتها

قوله «ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه» اعلم أنهم قالوا : طوّحت ـ أى : أذهبت وحيرت ـ وطيّحت بمعناه ، وكذا توّهت وتيّهت بمعناهما ، وهو أطوح منك وأطيح ، وأتوه منك وأتيه ، فمن قال طيّح وتيّه فطاح يطيح وتاه يتيه عنده قياس كباع يبيع ، ومن قال طوّح وأطوح منك وتوّه وأتوه منك فالصحيح كما حكى سيبويه عن الخليل أنهما من باب حسب يحسب فلا يكونان أيضا شاذين ومثله آن يئين من الأوان : أى حان يحين (٢) ، ولو كان طاح فعل واو يا كقال

__________________

(١) انظر (ص ٨١ ، ص ١١٥)

(٢) قال سيبويه رحمه‌الله تعالى (ج ٢ ص ٣٦١): «وأما طاح يطيح وتاء يتيه فزعم الخليل أنهما فعل يفعل بمنزلة حسب يحسب وهى من الواو ؛ يدلك على ذلك طوحت وتوهت (بالتضعيف) وهو أطوح منه وأتوه منه ، فانما هى فعل يفعل من الواو كما كانت منه فعل يفعل (بفتح عين المضارع) ومن فعل يفعل اعتلتا ، ومن قال : طيحت وتيهت ؛ فقد جاء بها على باع يبيع مستقيمة ، وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة هذين الحرفين ، فلو لم يفعلوا ذلك وجاء على الأصل أدخلت الضمة على الياء والواو ، والكسرة عليهما فى فعلت (بالضم) وفعلت (بالكسر) ويفعل (بالضم) ويفعل (بالكسر) ففروا من أن يكثر هذا


لوجب أن يقال : طحت ـ بضم الطاء ـ ويطوح ، ولم يسمعا ، وكذا لم يسمع تهت ويتوه ، وقال المصنف «من قال طوّح وتوّه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذان» بناء على أن الماضى فعل بفتح العين ، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوى من باب فعل المفتوح العين لا يكون مضارعه إلا مضمومها

وفى بعض نسخ هذا الكتاب «أو من التداخل» وكأنه ملحق وليس من المصنف ، وإنما وهم من ألحقه نظرا إلى ما فى الصحاح أنه يقال : طاح يطوح ، فيكون أخذه من طاح يطوح الواوى الماضى ، ومن طاح يطيح اليائى المضارع فصار طاح يطيح ، والذى ذكره الجوهرى من يطوح ليس بمسموع (١) ، ولو ثبت طاح يطوح لم يكن طاح يطيح مركبا (٢) ، بل كان طاح يطوح كقال يقول وطاح يطيح كباع يبيع ، وليس ما قال المصنف من الشذوذ بشىء ؛ إذ لو كان

__________________

فى كلامهم مع كثرة الياء والواو ، فكان الحذف والاسكان أخف عليهم ، ومن العرب من يقول : ما أتيهه وتيهت وطيحت ، وقال : آن يئين ؛ فهو فعل يفعل (كحسب يحسب) من الأوان وهو الحين» اه (وانظر : ص ٨١ ، وص ١١٥ من هذا الجزء)

(١) لقد تبع الجوهرى فى ذلك كثير من أئمة اللغة كالمجد وابن منظور والرازى على أن الجوهرى وحده كاف فى إثبات يطوح لأنه إنما نقل ما صح عنده من لغة العرب ، وهو يقول : «قد أودعت هذا الكتاب ما صح عندى من هذه اللغة» ومن حفظ حجة على من لم يحفظ

(٢) إن كان غرض المؤلف من هذا الكلام أن التركيب حينئذ لا محوج له ؛ لأن الأولى حمل الواوى على باب نصر واليائى على باب ضرب كما هو القياس المطرد فى اللغة فهذا كلام مسلم لا شية فيه ، وإن كان غرضه أن التركيب حينئذ غير ممكن فلا نسلم له ذلك ؛ لأن من الممكن أن نأخذ الماضى من الواوى على لغة من قال طوح ونأخذ المضارع من اليائى


طاح كقال لقيل طحت كقلت بضم الفاء ، ولم يسمع ، والأولى أن لا تحمل الكلمة على الشذوذ ما أمكن

قوله «ولم يضمّوا فى المثال» يعنى معتل الفاء الواوى واليائى ، فلم يقولوا وعد يوعد ويسر ييسر ؛ لأن قياس عين مضارع فعل المفتوح العين على ما تقدم إما الكسر أو الضم ، فتركوا الضم استثقالا لياء يليها ياء أو واو بعدها ضمة ، إذ فيه اجتماع الثقلاء ، ألا ترى إلى تخفيف بعضهم واو يوجل وياء ييأس بقلبهما ألفا نحو ياجل وياءس ، وإن كان بعدهما فتحة وهى أخف الحركات ، فكيف إذا كانت بعدهما ضمة؟

فان قلت : أو ليس ما فرّوا إليه أيضا ثقيلا ، بدليل حذف واو [نحو] يعد وجوبا وحذف ياء [نحو] ييسر عند بعضهم ، كما يجىء فى الإعلال؟

قلت : بلى ، ولكن ويل أهون من ويلين

فان قلت : فاذا كان منتهى أمرهم إلى الحذف للاستخفاف ، فهلا بنوا بعضه على يفعل أيضا بالضم وحذفوا حرف العلة حتى تخف الكلمة كما فعلوا ذلك بالمكسور العين؟

قلت : الحكمة تقتضى إذا لم يكن بد من الثقيل أو أثقل منه أن تختار الثقيل على الأثقل ، ثم تخفف الثقيل ، لا أن تأخذ الأثقل أولا وتخففه

فان قلت : أو ليس قد قالوا : يسر ييسر (١) من اليسر ووسم يوسم؟

قلت : إنما بنوهما على هذا الأثقل إذ لم يكن لفعل المضموم العين مضارع

__________________

(١) قد قالوا : يسر ييسر فهو يسير ، إذا قل ، وإذا سهل ، وبابه كرم ، وقالوا أيضا : يسر ييسر يسرا من باب فرح ، بالمعنى السابق ، وقالوا : يسر الرجل ييسر من باب ضرب فهو ياسر ؛ إذا لعب الميسر ، ومنهم من قال : يسر يسر بحذف الياء التى هى فاء الكلمة فى هذا المعنى الاخير


إلا مضموم العين ، فكرهوا مخالفة المعتل الفاء لغيره بكسر عين مضارعه ، بخلاف فعل المفتوح العين ؛ فان قياس مضارعه إما كسر العين أو ضمها على ما تكرر الاشارة إليه ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عين مضارعه الكسر

فان قلت : فلما ألجئوا فى فعل المضموم العين إلى هذا الأثقل فهلا خففوه بحذف الفاء؟

قلت : تطبيقا للفظه بالمعنى ، وذلك أن معنى فعل الغريزة الثابتة والطبيعة اللازمة ، فلم يغيروا اللفظ أيضا عن حاله لما كان مستحقّ التغيير بالحذف فاء الكلمة وهى بعيدة من موضع التغيير ؛ إذ حق التغيير أن يكون فى آخر الكلمة أو فيما يجاور الآخر ، فلذلك غير فى طال يطول وسرو يسرو (١) ، وإن كانا من باب فعل أيضا ،

وأما وهب يهب ووضع يضع ووقع يقع وولغ يلغ فالأصل (٢) فيها كسر عين المضارع ، وكذا وسع يسع ووطئ يطأ ؛ فحذف الواو ، ثم فتح العين لحرف الحلق ، وكذا ودع ـ أى ترك ـ يدع والماضى لا يستعمل إلا ضرورة (٣) ، قال : ـ

__________________

(١) تقول سرو يسرو ـ ككرم يكرم ـ وسرا يسرو ـ كدعا يدعو ـ وسرى يسرى ـ كرضى يرضى ـ إذا كان شريفا ذا مروءة

(٢) المراد بالأصل هنا الحالة الأولى السابقة على الحذف ، وليس المراد به الغالب والكثير

(٣) قول المؤلف «والماضى لا يستعمل إلا ضرورة» يخالفه قوله فى باب الاعلال :

«ويدع مثل يسع ، لكنه أميت ماضيه» فان مقتضاه أنه لم يستعمل فى نثر ولا نظم ومقتضى قوله هنا : «لا يستعمل إلا ضرورة» أنه يستعمل فى الشعر ، هذا ، وقد زاد غير المؤلف أنه لم يستعمل مصدر هذا الفعل ولا اسم فاعله ولا اسم مفعوله وكل ذلك غير صحيح ، فقد قرأ عروة بن الزبير ، ومجاهد ، ومقاتل ، وابن أبى عبلة ، ويزيد النحوى (ما ودعك ربك وما قلى) بالتخفيف ، وجاء فى الحديث :


١٥ ـ ليت شعرى عن خليلى ما الّذى

غاله فى الحبّ حتّى ودعه (١)

وحمل يذر على يدع لكونه بمعناه (٢) ، ولم يستعمل ماضيه لا فى السعة ولا فى الضرورة

__________________

«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم» قال ابن الأثير فى النهاية : «أى عن تركهم إياها والتخلف عنها ، يقال : ودع الشىء يدعه ودعا ، إذا تركه ، والنحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضى يدع ومصدره واستغنوا عنه بترك ، والنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفصح ، وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله ، فهو شاذ فى الاستعمال فصيح فى القياس» اه كلام ابن الأثير. ومن مجىء اسم الفاعل ما أنشده ابن برى من قول معن بن أوس :

عليه شريب ليّن وادع العصا

يساجلها حمّاته وتساجله

وما أنشده الفارسى فى البصريات :

فأيّهما ما أتبعنّ فإنّنى

حزين على ترك الّذى أنا وادعه

وقد استشهد الجوهرى على مجىء اسم المفعول من هذا الفعل بقول خفاف ابن ندبة :

إذا ما استحمّت أرضه من سمائه

جرى وهو مودوع وواعد مصدقى

(١) هذا البيت من كلام أبى الأسود الدؤلى ، قاله ابن برى ، وقال الأزهرى :

إنه لأنس بن زنيم الليثى ، وأنشد معه بيتا آخر ، وهو قوله :

لا يكن برقك برقا خلّبا

إنّ خير البرق ما الغيث معه

والشاهد فيه مجىء ودع ماضيا مخففا ، ومثله قول سويد بن أبى كاهل اليشكرى :

سل أميرى ما الّذى غيّره

عن وصالى اليوم حتّى ودعه

وقول الآخر :

فسعى مسعاته فى قومه

ثمّ لم يدرك ولا عجزا ودع

(٢) اعلم أنهم استعملوا الفعل المضارع من هذه المادة فقالوا : يذر ، ومنه قوله


فان قيل : فهلا حذفت الواو من يوعد مضارع أوعد مع أن الضمة أثقل

قلت : بل الضمة قبل الواو أخف من الفتحة قبلها للمجانسة التى بينهما

وإنما لم تحذف الياء من نحو ييئس وييسر إذ هو أخف من الواو ، على أن بعض العرب يجرى الياء مجرى الواو فى الحذف ، وهو قليل ؛ فيقول : يسر يسر ويئس يئس بحذف الياء

قوله «ووجد يجد ضعيف» هى لغة بنى عامر ، قال لبيد بن ربيعة العامرىّ : ـ

١٦ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الصّوادى لا يجدن غليلا (١)

__________________

تعالى (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) واستعملوا منه الأمر فقالوا : ذر ، ومنه قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) وقوله (ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) ولم يستعملوا منه اسم فاعل ولا اسم مفعول ولا مصدرا ولا فعلا ماضيا ، وهذا المضارع المسموع قد ورد بالفتح ، إلا ما حكى عن بعضهم من قوله : «لم أذر ورائى شيئا» ، ومقتضى القواعد المقررة أن يكون ماضى هذا الفعل المقدر مكسور العين ، فيكون فتح عين مضارعه هو الأصل والقياس ، وحينئذ فيسأل عن علة حذف الواو ؛ إذ كان المعروف أنها لا تحذف إلا بين الياء والكسرة حقيقة أو تقديرا ، وجواب هذا هو الذى عناه المؤلف بقوله : حمل على يدع ، يريد أنه حمل عليه فى حذف الواو لكونه بمعناه ، إذ ليس فيه نفسه ما يقتضى حذفها ، ويمكن أن يقدر أن الماضى مفتوح العين ، فيكون قياس المضارع كسر العين ، لأن المثال الواوى المفتوح العين فى الماضى لا يكون إلا من باب ضرب ، فيكون حذف الواو جار يا على القياس ، لأنها وقعت بين ياء مفتوحة وكسرة أصلية ، ويسأل حينئذ عن سر فتح العين فى المضارع مع أنه ليس فيه ما يقتضى الفتح فيجاب بأنه حمل على يدع فى فتح العين لكونه بمعناه ، وفى يدع موجب الفتح وهو حرف الحلق ، وهذا يماثل ما قال بعضهم فى أبى يأبى : إنه فتحت عينه حملا له على منع يمنع لأنه بمعناه

(١) تبع المؤلف الجوهرى فى نسبة هذا البيت للبيد. قال ابن برى فى حواشيه


يجوز أن يكون أيضا في الأصل عندهم مكسور العين كأخواته ، ثم ضم بعد

__________________

على الصحاح : «الشعر لجرير وليس للبيد كما زعم» ، وكذا نسبه الصاغانى فى العباب لجرير ، وقد رجعنا إلى ديوان جرير فألفيناه فيه ، وقبله وهو أول قصيدة يهجو فيها الفرزدق :

لم أر قبلك يا أمام خليلا

أنأى بحاجتنا وأحسن قيلا

واستشهد المؤلف بالبيت على أن الضم فى مضارع وجد لغة ضعيفة خاصة ببنى عامر ، ووجه ضعفها أنها خارجة عن القياس والاستعمال ، إذ القياس ألا تحذف فاء المثال إذا كانت واوا إلا من المضارع المكسور العين ، والاستعمال الغالب فى هذه الكلمة الكسر ، قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) فيكون الضم شاذا قاسا واستعمالا ، ثم إن ابن مالك ذهب فى التسهيل إلى أن لغة بنى عامر ليست مقصورة على يجد ، بل هى عامة فى كل ما فاؤه واو من المثال : أى أنهم يحذفون الفاء ويضمون العين من كل مثال واوى على فعل (بفتح العين) فيقولون فى وكل : يكل ، وفى ولد : يلد ، وفى وعد : يعد ، وهكذا ، وهذا القول الذى قاله ابن مالك مخالف لما ذهب إليه فحول النحويين ، قال السيرافى : «إن بنى عامر يقولون ذلك فى يجد من الموجدة والوجدان ، وهم فى غير يجد كغيرهم» وكذا قال صاحب الصحاح ، وقال ابن جنى فى سر الصناعة : «ضم الجيم من يجد لغة شاذة غير معتد بها لضعفها وعدم نظيرها ومخالفتها ما عليه الكافة فيما هو بخلاف وضعها» اه وقال الرازى فى المختار : «ويجد بالضم لغة عامرية لا نظير لها فى باب المثال» اه وقال ابن عصفور : «وشذ من فعل الذى فاؤه واو لفظة واحدة فجاءت بالضم وهى : وجد يجد ، قال : وأصله يوجد (بالكسر) فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذة والأصل الكسر» اه ، وقال ابن جنى فى شرح تصريف المازنى : «فأما قول الشاعر :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا

فشاذ ، والضمة عارضة ، ولذلك حذفت الفاء ، كما حذفت فى يقع ويدع ، وإن كانت الفتحة هناك ؛ لأن الكسر هو الأصل ، وإنما الفتح عارض» اه


حذف الواو ، ويجوز أن يكون ضمّه أصليا حذف منه الواو لكون الكلمة بالضمة بعد الواو أثقل منها بالكسرة بعدها

قوله «ولزموا الضم فى المضاعف المتعدى» نحو مدّ يمدّ ، وردّ يردّ ، إلا أحرفا جاءت على يفعل أيضا ، حكى المبرد علّه يعله وهرّه يهرّه : أى كرهه ، وروى غيره نمّ الحديث ينمّه ، وبتّه يبتّه ، وشدّه يشدّه ، وجاء فى بعض اللغات : حبّه يحبّه ، ولم يجىء فى مضارعه الضم

وما كان لازما فانه يأتى على يفعل بالكسر ، نحو عفّ يعفّ ، وكلّ يكلّ ـ إلا ما شذ من عضضت تعضّ على ما ذكرنا ، وحكى يونس أنهم قالوا : كععت ـ أى : جبنت ـ تكعّ بالفتح فيهما (١) وتكعّ بالكسر أشهر ؛ فمن فتح فلأجل حرف الحلق ، قال سيبويه : لما كان العين فى الأغلب ساكنا بالإدغام لم يؤثر فيه حرف الحلق كما أثر فى صنع يصنع. ومن فتح فلأنها قد تتحرك فى لغة أهل الحجاز ، نحو : لم يكعع وفى يكععن اتفاقا كيصنع ويصنعن

قال : «وإن كان على فعل فتحت عينه أو كسرت إن كان مثالا ، وطيّىء تقول فى باب بقى يبقى : بقى يبقى ، وأمّا فضل يفضل ونعم ينعم فمن التّداخل»

__________________

وظاهر كلام ابن جنى وابن عصفور أن الشذوذ فى يجد من جهة ضم العين لا من جهة حذف الفاء لأن العين على كلامهما مكسورة فى الأصل فيتحقق مقتضى الحذف ، فيكون قياسيا ، ويجوز كما قال المؤلف أن تكون الضمة أصلية لا عارضة ؛ فيكون الشذوذ فى حذف الفاء ، ورواية الكسر التى حكاها السيرافى فى هذا البيت لا ترد هذا الاحتمال كما زعم البغدادى فى شرح الشواهد

(١) هذه لغة حكاها يونس ، وحكى غيره فى هذا اللفظ ثلاث لغات أخرى : إحداها كنصر ، والثانية كضرب ، والثالثة كعلم ، وقد أشار المؤلف إلى الثانية


أقول : اعلم أن القياس فى مضارع فعل المكسور العين (١) فتحها ، وجاءت أربعة أفعال من غير المثال الواوى ، يجوز فيها الفتح والكسر ، والفتح أقيس ، وهى حسب يحسب ، ونعم ينعم ، ويئس ييئس ، ويبس ييبس ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوى لم يرد فى مضارعها الفتح ، وهى ورث يرث ، ووثق يثق ، وومق يمق ، ووفق يفق ، وورم يرم ، وولى يلى ، وجاء كلمتان روى فى مضارعهما الفتح ، وهما : ورى الزّند يرى ، ووبق يبق ، وإنما بنوا هذه الأفعال على الكسر ليحصل فيها علة حذف الواو فتسقط ، فتخفّ الكلمة ، وجاء وحر صدره من الغضب ، ووغر بمعناه ، يحر ويغر ، ويوحر

__________________

(١) توضيح المقام وتفصيله أن القياس فى مضارع فعل بالكسر يفعل (بالفتح) ؛ لأنهم أرادوا أن يخالف المضارع الماضى لفظا كما خالفه معنى ، ولا تنحصر الألفاظ التى جاءت على القياس من هذا الباب فى عدد معين ؛ بل تستطيع أن تجزم بأن كل فعل ثلاثى ماضيه بكسر العين لا بد أن يكون مضارعه بفتح العين إلا أفعالا محصورة ستسمع حديثها قريبا ، وما جاء بالكسر من هذا الباب فهو شاذ مخالف للقياس ، وما جاء بالضم منه فهو متداخل ، والذى جاء بالكسر ضربان : ضرب جاء فيه ـ مع الكسر الذى هو شاذ ـ الفتح الذى هو القياس ، وضرب لم يجىء فيه إلا الكسر الذى هو شاذ ، فأما الضرب الأول فأربعة عشر فعلا ، خمسة منها من غير المثال الواوى ؛ ذكر المؤلف منها أربعة ، والخامس بئس (بالموحدة) يبئس ويبأس ، وتسعة من المثال الواوى ؛ ذكر المؤلف منها ثمانية والتاسع وهل يهل ويوهل ، وأما الضرب الثانى فتسعة عشر فعلا ، ستة عشر منها من المثال الواوى ، ذكر المؤلف منها عشرة والباقى هو : وروى المخ يرى : أى سمن ، ووجد يجد وجدا : أى أحب ، ووعق عليه يعق : أى عجل ، وورك يرك وروكا : أى اضطجع ، ووكم يكم وكما : أى اغتم ، ووقه له يقه : أى سمع له وأطاع ، والثلاثة الباقية من الأجوف الواوى ، وهى من هذا الضرب على ما ذهب إليه الخليل ، وقد ذكرها المؤلف كلها (وهى طاح وتاه وآن) وأما الضرب الثالث ـ وهو المضموم فى المضارع ـ فقد ذكر المؤلف منه جملة صالحة (وهى فضل ونعم وحضر ودمت ومت ونكل ونجد) وقد سبق له ذكر ركن


ويوغر أكثر ، وجاء ورع يرع بالكسر على الأكثر ، وجاء يورع ، وجاء وسع يسع ووطىء يطأ ، والأصل الكسر بدليل حذف الواو لكنهم ألزموها بعد حذف الواو فتح عين المضارع ، وقالوا : جاء وهمت أهم ، والظاهر أن أهم مضارع وهمت ـ بفتح العين ـ ومضارع وهمت بالكسر أوهم بالفتح ، ويجوز أن يكون وهمت أهم ـ بكسرهما ـ من التداخل ، وجاء آن يئين من الأوان ، وطاح يطيح ، وتاه يتيه ، كما ذكرنا ، وجاء وله يله ، ويوله أكثر ، قالوا : وجاء وعم يعم ، بمعنى نعم ينعم ، ومنه عم صباحا ؛ وقيل : هو من أنعم بحذف النون تشبيها بالواو ، فقوله «أو كسرت إن كان مثالا» أى : مثالا واو يا ، وليس الكسر بمطرد فى كل مثال واوى أيضا ، فما كان ينبغى له هذا الاطلاق ، بل ذلك محصور فيما ذكرناه.

قوله «وطىء تقول فى باب بقى يبقى» مضى شرحه

قوله «وأما فضل يفضل ونعم ينعم فمن التداخل» المشهور فضل يفضل ، كدخل يدخل ، وحكى ابن السكيت فضل يفضل ، كحذر يحذر ، ففضل يفضل يكون مركبا منهما ؛ وكذا نعم ينعم مركب من نعم ينعم كحذر يحذر وهو المشهور ؛ ونعم ينعم كظرف يظرف ، وحكى أبو زيد حضر يحضر ؛ والمشهور حضر بالفتح وجاء حرفان (١) من المعتل : دمت تدوم ومتّ تموت ـ بكسر الدال والميم فى الماضى ـ والمشهور ضمهما كقلت تقول ، وهما مركبان ؛ إذ جاء دمت تدام ومتّ تمات ، كخفت تخاف ، قال : ـ

__________________

(١) زاد ابن القطاع على هذين الحرفين حرفين آخرين ، وهما : كدت تكود وجدت تجود ـ بكسر أول الماضى فيهما ـ والأصل فيهما كاد يكود وجاد يجود ـ مثل قال يقول ـ وكاد يكاد وجاد يجاد ـ مثل خاف يخاف ـ فأخذ المضارع من الأولى مع الماضى من الثانية


١٧ ـ بنيّتى سيّدة البنات

عيشى ولا نأمن أن تماتى (١)

وحكى أبو عبيدة نكل ينكل ، وأنكره الأصمعى ، والمشهور (٢) نكل ينكل ، كقتل يقتل ، وحكى نجد ينجد (٣) : أى عرق ، ونجد ينجد كحذر يحذر هو المشهور

قال : «وإن كان على فعل ضمّت»

__________________

(١) لم يتيسر لنا الوقوف على نسبة هذا البيت إلى قائل معين ، وقد أنشده الجوهرى فى الصحاح ، وابن جنى فى الخصائص (ح ١ ص ٣٨٦) ولكنه رواه هكذا

بنىّ يا سيّدة البنات

عيشى ولا يؤمن أن تماتى

وبنيتى فى رواية المؤلف تصغير بنت أضيف إلى ياء المتكلم ، وهو منادى بحرف نداء محذوف ، و «سيدة البنات» جعله بعضهم نعتا للمنادى ، وأجاز فيه الرفع والنصب ، ويجوز أن يكون بدلا أو عطف بيان أو منادى بحرف نداء محذوف

و «عيشى» فعل دعاء ، و «تمانى» لغة فى تموتين ، فقد جاء هذا الفعل من باب نصر ، كقال يقول ، قال الله تعالى (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) ومن باب علم ، كخاف يخاف ، وقد قرىء فى قوله تعالى (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) وفى قوله تعالى (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) بضم الميم على أنه من اللغة الأولى ، وبكسرها على أنه من اللغة الثانية ، قال الصاغانى فى العباب : «قد مات يموت ، ويمات أيضا ، وأكثر من يتكلم بها طيء ، وقد تكلم بها سائر العرب» اه وحكى يونس فى هذه الكلمة لغة أخرى كباع يبيع

(٢) فى اللسان والقاموس أن هذا الفعل قد جاء كضرب ، ونصر ، وعلم ، فالتركيب من ماضى الثالثة ومضارع الثانية ، ولم يذكر التركيب الذى حكاه أبو عبيدة واحد منهما.

(٣) النجد ـ بفتحتين ـ : العرق من عمل أو كرب أو غيرهما ، قال النابغة الذبيانى :

يظلّ من خوفه الملّاح معتصما

بالخيزرانة بعد الأين والنّجد

والفعل نجد ينجد ـ كعلم يعلم ـ ومقتضى التركيب أن يكون فيه لغة أصلية ثانية


أقول : اعلم أن ضم عين مضارع فعل المضموم العين قياس لا ينكسر ، إلا فى كلمة واحدة ، وهى كدت بالضم تكاد ، وهو شاذ ؛ والمشهور كدت تكاد كخفت تخاف ، فان كان كدت بالضم كقلت فهو شاذ (١) أيضا ، لأن فعل يفعل بفتحهما لا بد أن يكون حلقىّ العين أو اللام

قال «وإن كان غير ذلك كسر ما قبل الآخر ، ما لم يكن أوّل ماضيه تاء زائدة نحو تعلّم وتجاهل فلا يغيّر ، أو لم تكن اللّام مكرّرة ،

__________________

من باب نصر أو كرم بهذا المعنى ، لكن الذى فى اللسان والقاموس وكتاب الأفعال لابن القوطية أنه قد أتى هذا الفعل بهذا المعنى من باب علم ، كما تقدم ، ومن باب عنى مبنيا للمجهول ، ونص فى اللسان على أن المضارع قد جاء كينصر ، كما ذكر المؤلف ولم يذكر ما يصح أن يكون ماضيا له ، وعلى هذا يكون هذا الفعل شاذا ، ليس من باب التداخل. نعم قد جاء هذا الفعل من باب كرم بمعنى صار ذا نجدة ، وجاء متعديا من باب نصر بمعنى أنجده وأعانه ، ولكن واحدا من هذين البابين لا يتحقق به التداخل ما دام من شرطه اتحاد المعنى فى البابين اللذين تتركب منهما اللغة الثالثة

(١) اعلم أن هذا الفعل قد جاء واويا ويائيا : أما الواوى فقد جاء من باب علم ومن باب نصر ؛ مثل خفت تخاف ، وقلت تقول ، فتقول فى الماضى المسند للضمير : كدت ـ بكسر الكاف ـ على الأول ـ وضمها ـ على الثانى ، وأما اليائى فجاء من باب علم ليس غير ، وجاء من باب باع بمعنى آخر ؛ تقول : كاد الرجل الرجل يكيده كيدا : أى دبر له ، ومنه قوله تعالى (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً) ، وتقول : كادت المرأة تكيد كيدا ؛ إذا حاضت ؛ فأذا علمت هذا تبين لك أن قول العرب : كدت ـ بضم الكاف ـ تكاد من باب التداخل ، وأن الماضى أخذ من باب نصر والمضارع أخذ من باب علم ؛ كما أن قولهم : كدت ـ بكسر الكاف ـ تكود متداخل أيضا ، ماضيه من باب علم ومضارعه من باب نصر ؛ فاعتبار المؤلف تبعا لسيبويه كدت ـ بالضم ـ تكاد شاذا ، سواءأ كان من باب كرم أو نصر ، يس بوجيه ، بل هو من التداخل ، لأنه لا يعدل إلى القول بالشذود ما أمكن الحمل على وجه صحيح كما كرر المؤلف نفسه مرارا


نحو احمرّ واحمارّ فيدغم ، ومن ثمّ كان أصل مضارع أفعل يؤفعل إلّا أنه رفض لما يلزم من توالى الهمزتين فى المتكلم فخفّف فى الجميع ، وقوله :

١٨ ـ * فإنّه أهل لأن يؤكرما* (١)

شاذّ ، والأمر واسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التّفضيل تقدّمت»

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور أورده الجوهرى فى الصحاح ، ونقله اللسان ، ولم نقف على نسبته إلى قائل معين ، ولا وقفنا له على سابق أو لاحق ، والاستشهاد به فى قوله يؤكرم حيث أبقى الهمزة ، فلم يحذفها كما هو القياس فى استعمال أمثاله ، ولم يخففها بقلبها واوا ؛ وإن لم يكن ذلك القلب واجبا ؛ لعدم الهمزتين. قال سيبويه (ح ٢ ص ٣٣٠): «وزعم الخليل أنه كان القياس أن تثبت الهمزة فى يفعل ويفعل (ويقصد المضارع المبنى للمعلوم والمبنى للمجهول) وأخواتهما ، كما ثبتت التاء فى تفعلت وتفاعلت فى كل حال ، ولكنهم حذفوا الهمزة فى باب أفعل من هذا الموضع فاطرد الحذف فيه لأن الهمزة تثقل عليهم كما وصفت لك ، وكثر هذا فى كلامهم فحذفوه. واجتمعوا على حذفه كما اجتمعوا على حذف كل وترى ، وكان هذا أجدر أن يحذف حيث حذف ذلك الذى من نفس الحرف لأنه زيادة لحقته زيادة فاجتمع فيه الزيادة وأنه يستثقل وأن له عوضا إذا ذهب ، وقد جاء فى الشعر حيث اضطر الشاعر ، قال الراجز ، وهو خطام المجاشعى :

* وصاليات ككما يؤثفين*

وإنما هو من أثفيت ، وقالت ليلى الأخيلية : ـ

* كراة غلام من كساء مؤرنب*

انتهى كلامه بحروفه. وخطام بزنة كتاب ، وما أنشده لليلى الأخيلية هو عجز بيت تصف فيه قطاة تدلت على فراخها وفراخها حص الرءوس (أى : لا ريش عليها) وصدره : ـ

* تدلّت على حصّ الرّءوس كأنّها*


أقول : يعنى وإن كان الماضى غير الثلاثىّ المجرد كسر ما قبل الآخر ، فى غير ما أوله التاء ؛ لأنه يتغير أوله فيه ، سواء كان رباعيا ، أو ثلاثيا مزيدا فيه ، أو رباعيا كذلك ، نحو دحرج يدحرج ، وانكسر ينكسر ، واحرنجم يحرنجم ، وإنما كسر ما قبل الآخر فى غير ما فى أوله التاء لأنه يتغير أوله فى المضارع عما كان عليه فى الماضى : إما بسقوط همزة الوصل فيما كانت فيه ، وإما بضم الأول ، وذلك فى الرباعى نحو يدحرج [ويدخل] ويقاتل ويقطّع ، والتغيير مجرّئ على التغيير ، وأما ما فيه تاء فلم يتغير أوله إلا بزيادة علامة المضارعة التي لا بدّ منها

قوله «أو لم تكن اللام مكررة» كان أولى أن يقول : أو تكن اللام مدغمة ؛ لأن نحو يسحنكك مكرر اللام ولم يدغم (١)

قوله «ومن ثم» إشارة إلى قوله قبل : «المضارع بزيادة حرف المضارعة على الماضى» وقد مر فى شرح الكافية (٢) فى باب المضارع ما يتعلق بهذا الموضع

__________________

(١) اسحنكك الليل : أى اشتدت ظلمته ، واسحنكك الشعر فهو مسحنكك : أى اشتد سواده ، وقول المؤلف : «كان أولى أن يقول أو تكن اللام مدغمة» ليس بأولى مما ذكره صاحب الأصل ؛ بل العبارتان مشتملتان على قصور ؛ فكما أن عبارة الأصل لا تشمل نحو اسحنكك يسحنكك وجلبب يجلبب واقعنسس يقعنسس ، كذلك عبارته التى اختارها لا تشمل نحو عازه يعازه وماده الحبل يماده وشاقه فى الأمر يشاقه ؛ فأن هذه الكلمات على زنة فاعل ، وليست مكررة اللام ولا اللام فيها مدغمة بل هى مدغم فيها ، إلا أن يقال : إن عبارته من باب الحذف والايصال ، وأصلها «أو تكن اللام مدغما فيها» فحذف حرف الجر وأوصل العامل إلى الضمير فاستتر وهو بعيد ، على أن استثناء مكرر اللام أو مدغمها ليس بوجيه ؛ لأن حركة ما قبل الآخر قبل الادغام هى الكسر ، فالأمر فيه جار على الأصل قبل الاستثناء ، وتكون القاعدة أن المبدوء بالتاء الزائدة لا يكسر ما قبل آخره ، وغيره يكسر ما قبل آخره تحقيقا كيستغفر أو تقديرا كيحمر إلا أن يكون نظرهم إلى ظاهر الأمر من غير التفات إلى الأصل

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية : «إنه قد يطرد فى الأكثر الحكم الذى


واعلم أن جميع العرب ، إلا أهل الحجاز ، يجوّزون كسر حرف المضارعة سوى الياء فى الثلاثى المبنى للفاعل ، إذا كان الماضى على فعل بكسر العين ، فيقولون : أنا إعلم ونحن نعلم وأنت تعلم ، وكذا فى المثال والأجوف والناقص والمضاعف ، نحو إيجل وإخال وإشقى وإعضّ ، والكسرة فى همزة إخال وحده أكثر وأفصح من الفتح ، وإنما كسرت حروف المضارعة تنبيها على كسر عين الماضى ، ولم يكسر الفاء لهذا المعنى ؛ لأن أصله فى المضارع السكون ، ولم يكسر العين لئلا يلتبس يفعل المفتوح بيفعل المكسور ، فلم يبق إلا كسر حروف المضارعة ، ولم يكسروا الياء استثقالا ، إلا إذا كان الفاء واوا ، نحو ييجل ، لاستثقالهم الواو التى بعد الياء المفتوحة وكرهوا قلب الواو ياء من غير كسرة ما قبلها ؛ فأجازوا الكسر مع الواو فى الياء أيضا لتخف الكلمة بانقلاب الواو ياء ، فأما إذا لم يكسروا الياء فبعض العرب يقلب الواو ياء ، نحو ييجل ، وبعضهم يقلبه ألفا لأنه إذا كان القلب بلا علة ظاهرة فإلى الألف التى هى الأخف أولى ، فكسر الياء لينقلب الواو ياء لغة جميع العرب إلا الحجازيين ، وقلبها ياء بلا كسر الياء وقلبها ألفا لغة بعضهم فى كل مثال واوى ، وهى قليلة.

وجميع العرب إلا أهل الحجاز اتفقوا على جواز كسر حرف المضارعة فى أبى ، ياء كان أو غيره ، لأن كسر أوله شاذ ، إذ هو حق ما عين ماضيه مكسور ، وأبى مفتوح العين ، فجرّ أهم الشذوذ على شذوذ آخر وهو كسر الياء (١) ، وأيضا فان

__________________

ثبتت علته فى الأقل ، كحذفهم الواو فى تعدو أعد ونعد ، لحذفهم لها فى يعد ، وكذا حذفوا الهمزة فى يكرم وتكرم ونكرم ، لحذفهم لها فى أكرم»

(١) «أبى» مفتوح العين ، فلم يكن يستحق أن يكسر حرف المضارعة فى مضارعه. إلا أنهم شذوا فيه فكسروا حرف المضارعة الذى يجوز كسره فى غيره وهو الألف والنون والتاء ، ثم استمرءوا طعم الشذوذ فشذوا فوق ذلك بكسر الياء من حروف المضارعة أيضا


الهمزة الثقيلة يجوز انقلابها مع كسر ما قبلها ياء فيصير ييبى كييجل (١) وإنما ارتكبوا الشذوذ فى جواز كسر أول تأبى ونأبى وآبى لأن حق ماضيه الكسر لما كان المضارع مفتوح العين ، فكأن عين ماضيه مكسور ، ولا يمتنع أن يقال : إن أصل ماضيه كان كسر العين لكنه اتفق فيه جميع العرب على لغة طييء فى فتحه ، ثم جوّز كسر حروف المضارعة دلالة على أصل أبى

وكذا كسروا حروف المضارعة مع الياء فى حبّ فقالوا : إحبّ نحبّ يحبّ تحبّ ؛ وذلك لأن حبّ يحبّ كعزّ يعزّ شاذ قليل الاستعمال ، والمشهور أحبّ يحبّ ، وهو أيضا شاذ من حيث إن فعل إذا كان مضاعفا متعديا فمضارعه مضموم العين ، ويحبّ مكسور العين ، ففيه شذوذان ، والشذوذ يجرىء على الشذوذ ، فكسروا أوائل مضارعه ياء كان أو غيره وإن لم يكن ماضيه فعل ، وقال غير سيبويه : إن إحبّ ونحبّ ويحبّ وتحبّ بكسر حروف المضارعة مضارعات أحبّ ، وشذوذه لكسر المضموم ، كما قالوا فى المغيرة المغيرة ، وكذا المصحف (٢) والمطرف (٣) فى المصحف والمطرف.

__________________

(١) حاصل هذا أنهم إنما كسروا ياء المضارعة فى يأبى ، ليتسنى لهم تخفيف الهمزة بقلبها ياء ، لسكونها إثر كسرة فيصير ييبى ، وهو أخف من يئبى ؛ لأن حرف العلة أخف من غيره ، ونقول : لو أن ذلك الذى ذكره المؤلف من غرضهم لكان بقاء الياء مفتوحة أولى من كسرها ، وذلك لأنهم لو أبقوها مفتوحة لأمكنهم أن يقلبوا الهمزة ألفا ، لسكونها إثر فتحة ، فيصير يابى ، والألف أخف حروف العلة

(٢) قال فى اللسان : «المصحف بضم فسكون ففتح ـ والمصحف ـ كمنبر ـ : الجامع للصحف المكتوبة بين الدفتين ، كأنه أصحف : أى جعل جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين ، والفتح فيه لغة ، قال أبو عبيد : تميم تكسرها وقيس تضمها ، ولم يذكر من يفتحها ولا أنها تفتح ، إنما ذلك عن اللحيانى عن الكسائى ... استثقلت العرب الضمة فى حروف فكسرت الميم وأصلها الضم فمن ضم جاء به على أصله ومن كسر فلاستثقاله الضمة اه»

(٣) قال فى اللسان : «المطرف والمطرف ـ بكسر الميم وضمها مع سكون


وكسر [وا] أيضا غير الياء من حروف المضارعة فيما أوله همزة وصل مكسورة ، نحو أنت تستغفر وتحرنجم ، تنبيها على كون الماضى مكسور الأوّل ، وهو همزة ثم شبهوا ما فى أوله تاء زائدة من ذوات الزوائد ، نحو تكلّم وتغافل وتدحرج بباب انفعل ، لكون ذى التاء مطاوعا فى الأغلب كما أن انفعل كذلك ، فتفعّل وتفاعل وتفعلل مطاوع فعّل وفاعل وفعلل ، فكسروا غير الياء من حروف مضارعاتها ، فكل ما أول ماضيه همزة وصل مكسورة أو تاء زائدة يجوز فيه ذلك.

وإنما لم يضموا حرف المضارعة فيما ماضيه فعل مضموم العين منبّهين به على ضمة عين الماضى لاستثقال الضمتين لو قالوا مثلا : تظرف

قوله «من توالى همزتين» إنما حذفت ثانية همزتى نحو أو كرم مع أن قياسها أن تقلب واوا كما فى أويدم على ما يجىء فى باب تخفيف الهمزة لكثرة استعمال مضارع باب الإفعال فاعتمدوا التخفيف البليغ ، وإن كان على خلاف القياس

قال : «الصّفة المشبّهة من نحو فرح على فرح غالبا ، وقد جاء معه الضّمّ فى بعضها ، نحو ندس وحذر وعجل ، وجاءت على سليم وشكس وحرّ وصفر وغيور ، ومن الألوان والعيوب والحلى على أفعل»

أقول : اعلم (١) أن قياس نعت ما ماضيه على فعل ـ بالكسر ـ من الأدواء الباطنة كالوجع واللّوى (٢) وما يناسب الأدواء من العيوب الباطنة كالنّكد

__________________

الطاء وفتح الراء فيهما ـ واحد المطارف ، وهى أردية من خز مربعة لها أعلام ، وقيل : ثوب من خز مربع له أعلام : قال الفراء : المطرف من الثياب : ما جعل فى طرفيه علمان ، والأصل مطرف بالضم فكسروا الميم ، ليكون أخف كما قالوا مغزل ـ كمنبر ـ وأصله مغزل ـ بالضم ـ من أغزل. أى أدير .... وفى الحديث رأيت على أبى هريرة رضى الله عنه مطرف خز ، هو بكسر الميم وفتحها وضمها : الثوب الذى فى طرفيه علمان ، والميم زائدة» اه

(١) شرحنا بعض أمثلة هذا الفصل فيما مضى (من ص ٧١ ـ ص ٧٣) وسنتكلم على ما لم يذكر هناك

(٢) اللوى : وجع فى المعدة


والعسر واللّحز ، ونحو ذلك من الهيجانات والخفّة غير حراره الباطن والامتلاء كالأرج والبطر والأشر والجذل والفرح والقلق (١) والسّلس أن يكون على فعل

وقياس ما كان من الامتلاء كالسّكر والرّى والغرث (٢) والشّبع ، ومن حرارة الباطن كالعطش والجوع والغضب واللهف والثّكل (٣) ـ أن يكون على فعلان

وما كان من العيوب الظاهرة كالعور والعمى ، ومن الحلى كالسواد والبياض والزّبب والرّسح والجرد والهضم (٤) والصّلع ـ أن يكون على أفعل ، ومؤنثه فعلاء ، وجمعهما فعل

__________________

(١) الأرج : توهج ريح الطيب. والأشر : المرح والبطر ، وقد جاء الوصف منه بفتح الهمزة وكسر الشين أو ضمها أو سكونها أو فتحها ، وجاء أشران أيضا ، والجذل : الفرح ، وقد جاء الوصف كغضبان أيضا ، وقد جاء فى الشعر جاذل. والقلق : الانزعاج ، ويقال : رجل قلق ومقلاق وامرأة قلقة ومقلاقة. والسلس ومثله السلاسة والسلوس كخروج : اللين والسهولة والانقياد

(٢) الغرث ـ بالغين المعجمة والراء المهملة ـ أيسر الجوع ، وقيل : أشده ، وقيل : الجوع مطلقا ، والرجل غرث وغرثان والأنثى غرثى وغرثانة

(٣) اللهف : الأسى والحزن والغيظ ، ويقال : هو الأسف على شىء يفوتك بعد أن تشرف عليه ، والوصف لهف ولهيف ولهفان. والثكل ـ بفتحتين : فقدان الحبيب ، ويقال : هو فقدان الرجل والمرأة ولدهما. ويقال : هو فقدان المرأة زوجها ، ويقال هو فقدان المرأة ولدها ، والرجل ثاكل وثكلان والمرأة ثكلى وثكول وثاكل

(٤) الزبب : كثرة شعر الذراعين والحاجبين والعينين ، وقيل : هو كثرة الشعر وطوله ، والوصف منه أزب وزباء ، والجرد : قصر الشعر ، وهو عيب فى الدواب ، وهو ورم فى مؤخر عرقوب الفرس يعظم حتى يمنعه المشى ، والذكر


فمن ثم قيل فى عمى القلب عم لكونه باطنا ، وفى عمى العين أعمى ، وقيل : الأقطع والأجذم ، بناء على قطع وجذم (١) وإن لم يستعملا ، بل المستعمل قطع وجذم ـ على ما لم يسم فاعله ـ والقياس مقطوع ومجذوم

وقد يدخل أفعل على فعل قالوا فى وجر ـ أى خاف ـ وهو من العيوب الباطنة ، فالقياس فعل : وجر وأوجر ، ومثله حمق وأحمق ،

وكذا يدخل فعل على أفعل فى العيوب الظاهرة والحلى ، نحو شعث وأشعث ، وحدب وأحدب (٢) وكدر وأكدر ، وقعس وأقعس (٣) وكذا

__________________

أجرد ، والأنثى جرداء ، وقالوا : مكان جرد ـ كسبط ـ وأجرد ، وجرد ـ كفرح ، وأرض جرداء وجردة ـ كفرحة ؛ إذا كانت لا نبات بها ، والهضم : خمص البطن ولطف الكشح ، وهو أهضم ، وهى هضماء وهضيم ، ويقال : بطن هضيم ومهضوم وأهضم

(١) حكى صاحبا القاموس واللسان : قطعت يده قطعا ـ كفرح فرحا ـ وقطعة ـ بفتح فسكون ـ وقطعا ـ بضم فسكون ، إذا انقطعت بداء عرض لها ، وحكيا أيضا : قطع ـ كفرح وكرم ـ قطاعة ـ كجزالة ـ إذا لم يقدر على الكلام أو ذهبت سلاطة لسانه ، ومثل ذلك كله فى كتاب الأفعال لابن القوطية ؛ فان كان الأقطع وصفا بأحد هذه المعانى فلا محل لانكار المؤلف مجىء المبنى للفاعل من هذا الفعل ، وإن كان الأقطع وصفا بمعنى الذى قطعت يده بفعل فاعل ، لا بمرض عرض لها ، فكلامه مستقيم. وحكى من ذكرنا أيضا : جذمت يده ـ كفرح ـ إذا قطعت ، وجذمتها ـ كضرب ـ فهو أجذم ، فان كان الأجذم فى كلام المؤلف وصفا بهذا المعنى فلا محل لانكاره ، وإن كان مراده بالأجذم المصاب بالجذام فمسلم ؛ لأنه لم يستعمل منه إلا جذم مبنيا للمجهول

(٢) فى اللسان : الحدب : خروج الظهر ودخول البطن والصدر ، تقول : رجل أحدب وحدب ، والأخيرة عن سيبويه

(٣) القعس : دخول الظهر وخروج البطن والصدر. ويقال : الرجل أقعس


يدحل أيضا فعل على فعلان فى الامتلاء وحرارة الباطن ، كصد (١) وصديان وعطش وعطشان

ويدخل أيضا أفعل على فعلان فى المعنى المذكور ، كأهيم وهيمان ، وأشيم (٢) وشيمان

وقد ينوب (٣) فعلان عن فعل ، كغضبان ، والقياس غضب ؛ إذ الغضب هيجان ،

__________________

وقعس ، كقولهم : أجرب وجرب ، وأنكد ونكد ، قال فى اللسان : وهذا الضرب يعتقب عليه هذان المثالان كثيرا

(١) الصدى : شدة العطش ، وقيل : هو العطش ما كان ، تقول : صدى يصدى ـ مثل رضى يرضى ـ فهو صد وصاد وصدى ـ كطل ـ وصديان ، والأنثى صديا

(٢) تقول : هيم البعير يهيم ـ كعلم يعلم ـ هياما ـ بضم الهاء وكسرها ـ إذا أصابه داء كالحمى يسخن عليه جلده فيشتد عطشه ، وهو هيمان ومهيوم وأهيم ، والأنثى هيمى ومهيومة وهيماء ، وأما الهيام بمعنى شدة العشق والافتتان بالنساء ففعله هام يهيم ـ كباع يبيع ـ ويقال فى المصدر : هيما وهيوما وهياما ـ بالكسر ـ وهيمانا ـ بفتحات ـ والرجل هائم وهيمان وهيوم ، والأنثى هائمة وهيمى. وتقول : شيم الفرس يشيم شيما ـ كفرح يفرح فرحا ـ فهو أشيم ، إذا خالفت لونه بقعة من لون غيره ، وقد راجعنا اللسان والقاموس والمخصص والأفعال لابن القوطية وكتاب سيبويه والمصباح ومختار الصحاح فلم بحد واحدا من هؤلاء ذكر أنه يقال فيه شيمان أيضا

(٣) ظاهره أنه لم يجىء الوصف من غضب إلا غضبان ؛ إذ جعله من باب النيابة لا من باب الدخول ، وليس كذلك ؛ بل حكى له صاحب القاموس وغيره ثمانية أوصاف : غضب ـ كفرح ـ وغضوب ـ كصبور ـ وغضب ـ كعتل ـ وغضبة ـ بزيادة التاء ـ وغضبة ـ بفتح الغين والضاد مضمومة أو مفتوحة والباء مشددة ، وغضبان ـ وغضب ـ كعضد ـ


وإنما كان كذلك ؛ لأن الغضب يلزمه فى الأغلب حرارة الباطن ، وقالوا : عجل وعجلان ، فعجل باعتبار الطيش والخفة ، وعجلان باعتبار حرارة الباطن

والمقصود أن الثلاثة المذكورة إذا تقاربت فقد تشترك وقد تتناوب

وقالوا : قدح (١) قربان إذا قارب الامتلاء : ونصفان إذا امتلأ إلى النصف ، وإن لم يستعمل قرب ونصف ، بل قارب وناصف ؛ حملا على المعنى : أى امتلأ.

ويجىء فعيل فيما حقه فعل ؛ كسقيم ومريض ، وحمل سليم على مريض ، والقياس سالم

ومجىء فعيل فى المضاعف والمنقوص اليائى أكثر كالطّبيب واللّبيب والخسيس والتّقىّ والشّقىّ ،

وقد جاء فاعل فى معنى الصفة المشبهة ـ أى : مطلق الاتصاف (٢) بالمشتق

__________________

(١) أخذ المؤلف هذه العبارة عن سيبويه قال : «وقالوا : قدح نصفان وجمجمة نصفى ، وقدح قربان وجمجمة قربى ؛ إذا قارب الامتلاء ، جعلوا ذلك بمنزلة الملآن ؛ لأن ذلك معناه معنى الامتلاء ؛ لأن النصف قد امتلأ ، والقربان ممتلىء أيضا إلى حيث بلغ ، ولم نسمعهم قالوا : قرب ولا نصف ، اكتفوا بقارب وناصف ، ولكنهم جاءوا به كأنهم يقولون قرب ونصف ، كما قالوا : مذاكير ، ولم يقولوا : مذكير ولا مذكار» اه ، والجمجمة : القدح أيضا

(٢) هذا رأى للمؤلف خالف به المتقدمين من فطاحل العلماء ؛ فان مذهبهم أن الصفة المشبهة موضوعة للدلالة على استمرار الحدث لصاحبه فى جميع الأزمنة ، وقد أوضح هذه المخالفة فى شرح الكافية فقال : (ج ٢ ص ١٩١): «والذى أرى أن الصفة المشبهة كما أنها ليست موضوعة للحدوث فى زمان ليست أيضا موضوعة للاستمرار فى جميع الأزمنة ؛ لأن الحدوث والاستمرار قيدان فى الصفة ، ولا دليل فيها عليهما ، فليس معنى حسن فى الوضع إلا ذو حسن ، سواء كان فى بعض الأزمنة


منه من غير معنى الحدوث ـ فى هذا الباب وفى غيره ، وإن كان أصل فاعل الحدوث ، وذلك كخاشن وساخط وجائع

ويعنى بالحلى الخلق الظاهرة كالزّبب والغمم (١) فيعم الألوان والعيوب قال : «ومن نحو كرم على كريم غالبا ، وجاءت على خشن وحسن وصعب وصلب وجبان وشجاع ووقور وجنب»

أقول : الغالب فى باب فعل فعيل ، ويجىء فعال ـ بضم الفاء وتخفيف العين ـ مبالغة فعيل فى هذا الباب كثيرا ، لكنه غير مطرد ، نحو طويل وطوال ، وشجيع وشجاع ، ويقل فى غير هذا الباب كعجيب وعجاب ؛ فان شدّدت العين كان أبلغ كطوّال ، ويجىء على فعل كخشن ، وعلى أفعل كأخشن وخشناء ، وعلى فاعل كعاقر

قال : «وهى من فعل قليلة وقد جاء نحو حريص وأشيب وضيّق وتجيء من الجميع بمعنى الجوع والعطش وضدّهما على فعلان نحو جوعان وشبعان وعطشان وريّان»

أقول : إنما يكثر الصفة المشبهة فى فعل لأنه غالب فى الأدواء الباطنة والعيوب الظاهرة والحلى ، والثلاثة لازمة فى الأغلب لصاحبها ، والصفة المشبهة كما مر فى شرح

__________________

أو جميع الأزمنة ، ولا دليل فى اللفظ على أحد القيدين ، فهو حقيقة فى القدر المشترك بينهما ، وهو الاتصاف بالحسن ، لكن لما أطلق ذلك ولم يكن بعض الأزمنة أولى من بعض ولم يجز نفيه فى جميع الأزمنة ؛ لأنك حكمت بثبوته فلا بد من وقوعه فى زمان ؛ كان الظاهر ثبوته فى جميع الأزمنة إلى أن تقوم قرينة على تخصصه ببعضها ، كما تقول : كان هذا حسنا فقبح أو سيصير حسنا ، أو هو الآن حسن فقط ، فظهوره فى الاستمرار ليس وضعيا» اه

(١) الغمم : أن يكثر الشعر فى الوجه والقفا حتى يضيقا ، يقال : رجل أغم وجبهة غماء ، قال هدبة بن الخشرم :

فلا تنكحى إن فرّق الدّهر بيننا

أغمّ القف والوجه ليس بأنزعا


الكافية لازمة ، وظاهرها الاستمرار ، وكذا فعل للغرائز ، وهى غير متعدية ومستمرة ، وأما فعل فليس الأغلب فيه الفعل اللازم ، وما جاء منه لازما أيضا ليس بمستمر ، كالدخول والخروج ، والقيام والقعود ، وأشيب نادر ، وكذا أميل من مال يميل ، وحكى غير سيبويه (١) ميل يميل كجيد يجيد فهو أجيد (٢) ، وفيعل لا يكون إلا فى الأجوف ، كالسّيّد والميّت والجيّد والبيّن ، وفيعل ـ بفتح العين ـ لا يكون إلا فى الصحيح العين ، اسما كان أو صفة ، كالشيّلم والغيلم والنّيرب والصّيرف (٣) وقد جاء حرف واحد فى المعتل بالفتح ، قال :

__________________

(١) حكى ابن القطاع ميل ميلا ـ كفرح فرحا ـ إذا اعوج خلقة ، أو إذا لم يستقر على ظهر الدابة ، أو إذا لم يكن معه سيف ، وحكى مال عن الطريق والحق يميل ميلا ، إذا عدل ، وحكى مال يمال مالا ، إذا كثر ماله ، ورجل مال وامرأة مالة ، وصف بالمصدر ، أو هو صفة مشبهة كفرح ، أو مخفف مائل ، أو مقلوبه على نحو ما سبق بيانه (ص ٢١ ه‍ ٤) وحكى أبو زيد أنه يقال : ميل الحائط يميل ـ كعلم يعلم ـ ومال يميل ـ كباع يبيع ـ فالحائط ميلاء ، والجدار أميل

(٢) الجيد ـ بفتحتين ـ طول العنق وحسنه ، وقيل : دقته مع طول ، والفعل جيد يجيد ـ كعلم يعلم ـ ويقال : عنق أجيد وامرأة جيداء ، ولا يتعت به الرجل

(٣) الشيلم ، ومثله الشولم والشالم ، هو حب صغار مستطيل أحمر كأنه فى خلقة سوس الحنطة ، وهو مر شديد المرارة ، والغيلم : الجارية المغتلمة ، ومنبع الماء فى الآبار ، والضفدع ، والسلحفاة الذكر ، والشاب العريض المفرق الكثير الشعر ، والنيرب : الشر والنميمة ، قال الشاعر (عدى بن خزاعى): ـ

ولست بذى نيرب فى الكلام

ومنّاع قومى وسبّابها

والصيرف : النقاد ، وهو الذى يبيع الفضه بالذهب ، وهو المحتال المجرب ؛ فالكلمة الأولى اسم ليس غير وكذا الثالثة ، والثانية اسم أو وصف ، والرابعة وصف ليس غير


١٩ ـ * ما بال عيني كالشّعيب العيّن (١) *

__________________

(١) هذا بيت من الرجز المشطور ، ليس هو أول أرجوزة لرؤبة بن العجاج كما قال البغدادى فى شرح الشواهد ، بل هو البيت الخامس عشر ، وبعده :

وبعض أعراض الشّجون الشجّن

دار كرقم الكاتب المرقّن

بين نقا الملقى وبين الأجؤن

يادار عفراء ودار البخدن

بك المهى من مطفل ومشدن

والشعيب ـ بفتح أوله ـ المزادة الصغيرة. والعين : التى فيها عيون وثقوب فهى تسيل ، وهم يشبهون خروج الدمع من العين بخروج الماء من خرز المزادة ، والشجون : جمع شجن ، وهو الحزن. والشجن : جمع شاجن مثل راكع وركع والشاجن : اسم فاعل من شجنه يشجنه ؛ إذا حزنه ، وبابه نصر. ورقم الكاتب : مرقومه ، والمرقن : صفة للكاتب ، وهو الذى ينقط الكتاب. وقوله : دار خبر قوله وبعض أعراض. والنقا : الكثيب من الرمل ، والملقى والأجؤن : مكانان. والبخدن : المرأة الرخصة الناعمة التارة ، هذا أصله ، وقد سموا به امرأة ، وهو كزبرج وجعفر. والمطفل : ذات الطفل. والمشدن : ذات الشادن وهو ولد الظبية ، والشاهد فى البيت كما قال الأعلم مجىء عين على فيعل بالفتح ، وهو شاذ فى المعتل ، لم يسمع إلا فى هذه الكلمة ، وكان قياسها أن تكسر العين مثل سيد وهين ولين وقيل ونحو هذا ، وهذا بناء يختص به المعتل ولا يكون فى الصحيح. ونقول : وقد جاء هذا اللفظ على القياس بكسر العين كما حكاه فى اللسان ، وفى شرح أدب الكاتب ، وهذا الذى ذكروه من أن سيدا ونحوه على زنة فيعل بكسر العين هو مذهب سيبويه ، وهو أحد ثلاثة مذاهب ، وثانيها وهو مذهب جماعة أن أصله فيعل بفتح العين فكسرت العين شذوذا كما كسروا الباء من البصرى ، وثالثها وهو مذهب الفراء أن أصله على زنة فعيل مثل طويل ؛ فقدمت الياء إلى موضع العين ، وبقيت كل واحدة على حالها من الحركة والسكون ، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت فى الياء ، وهذا عنده قياس مطرد فى كل ما جاء على فعيل صفة مشهة من الأجوف ، وسيأتى تفصيل هذه المذاهب فى باب الاعلال


وهو ما فيه عيب وخرق من الأسقية ، وقد يخفف نحو سيّد بحذف (١) الثانى وذلك مطرد الجواز ، كما يجىء فى باب الاعلال

قوله «وتجىء من الجميع» أى : من فعل ، وإنما قال هذا ليدخل فيه نحو جاع يجوع وناع ينوع (٢) ، وما يجىء من غير باب فعل ـ بكسر العين ـ بمعنى الجوع والعطش قليل ، وهو محمول على باب فعل ، كما حمل ملأن وقربان عليه ، على مامر

قال : «المصدر : أبنية الثّلاثىّ المجرّد منه كثيرة ، نحو قتل وفسق وشغل ورحمة ونشدة وكدرة ودعوى وذكرى وبشرى وليّان وحرمان وغفران ونزوان وطلب وخنق وصغر وهدى وغلبة وسرقة وذهاب وصراف وسؤال وزهادة ودراية وبغاية ودخول ووجيف وقبول وصهوبة ومدخل ومرجع ومسعاة ومحمدة وكراهية إلّا أنّ الغالب فى فعل اللّازم نحو ركع ، على ركوع ؛ وفى المتعدّى ، نحو ضرب ، على ضرب ، وفى الصّنائع ونحوها نحو كتب على كتابة ، وفى الاضطراب نحو خفق ، على خفقان ، وفى الأصوات نحو صرخ ، على صراخ ، وقال الفرّاء : إذا جاءك فعل ممّا لم يسمع مصدره

__________________

(١) من ذلك تخفيفهم قيلا ، بدليل جمعه على أقيال ، ومن ذلك قول الشاعر فى تخفيف هين ولين : ـ

* هينون لينون أيسار ذو وكرم*

(٢) ناع : هو إتباع لجاع يجوع ، تقول : رماك الله بالجوع والنوع ، ويقال : هو العطش. قال فى اللسان : «وهو أشبه ، لقولهم فى الدعاء على الانسان : جوعا ونوعا ، ولو كان الجوع نوعا لم يحسن تكريره ، وقيل : إذا اختلف اللفظان جاز التكرير ، قال ابن برى : والصحيح أن هذا ليس إتباعا ؛ لأن الاتباع لا يكون بحرف العطف» اه ملخصا


فاجعله فعلا للحجاز وفعولا لنجد ، ونحو هدى وقرى مختصّ بالمنقوص ، ونحو طلب مختصّ بيفعل ، إلّا جلب الجرح والغلب»

أقول قوله «ورحمة ونشدة» ليس الأول للمرة ولا الثانى للهيئة وإن وافقتا فى الوزن ما يصاغ لهما

والتى ذكرها المصنف من أوزان مصادر الثلاثى هى الكثيرة الغالبة ، وقد جاء غير ذلك أيضا كالفعلل نحو السّودد ، والفعلوت نحو الجبروت (١) والتّفعل نحو التّدرأ (٢) والفيعلولة كالكينونة ، وأصلها (٣) كيّنونة ؛ والفعلولة كالشّيخوخة

__________________

(١) الجبروت : الكبر والقهر ، وقد جاء هذا اللفظ على أوزان كثيرة

(٢) التدرأ ـ بضم التاء وسكون الدال بعدها راء مهملة مفتوحة ـ هو الدرء والدفع ، قال العباس بن مرداس السلمى : ـ

وقد كنت فى الحرب ذا تدرإ

فلم أعط شيئا ولم أمنع

قال ابن الأثير : «ذو تدرإ : أى ذو هجوم ، لا يتوقى ولا يهاب ، ففيه قوة على دفع أعدائه» اه

(٣) الكينونة : مصدر كان يكون كونا وكينونة ، قال الفراء : العرب تقول فى ذوات الياء مما يشبه زغت وسرت طرت طيرورة وحدت حيدودة فيما لا يحصى من هذا الضرب ؛ فأما ذوات الواو مثل قلت ورضت فانهم لا يقولون ذلك ، وقد أتى عنهم فى أربعة أحرف منها : الكينونة من كنت ، والديمومة من دمت ، والهيعوعة من الهواع ، والسيدودة من سدت ، وكان ينبغى أن يكون كونونة ، ولكنها لما قلت فى مصادر الواو وكثرت فى مصادر الياء ألحقوها بالذى هو أكثر مجيئا منها إذ كانت الواو والياء متقاربى المخرج ، قال : وكان الخليل يقول : كينونة فيعولة هى فى الأصل كيونونة التقت منها ياء وواو والأولى منهما ساكنة ، فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهين من هنت ، ثم خففوها ، فقالوا : كينونة كما قالوا هين لين ، قال الفراء : وقد ذهب مذهبا ، إلا أن القول عندى هو الأول ، وسيأتى لنا فى هذا الموضوع مزيد بحث فى باب الاعلال إن شاء الله


والصّيرورة والفعلنية (١) كالبلهنية ، والفعيلة كالشّبيبة والفضيحة ، والفاعولة كالضّارورة بمعنى الضرر ، والتّفعلة كالتّهلكة ، والمفاعلة كالمسائية ، وأصلها (٢) مساوئة فقلب ، والفعلّة والفعلّى كالغلبّة والغلبىّ (٣) وغير ذلك

قوله «الغالب فى فعل اللازم على فعول» ليس على إطلاقه ، بل إذا لم يكن للمعانى التى نذكرها بعد من الأصوات والأدواء والاضطراب ؛ فالأولى بنا أولا أن لا نعين الأبواب من فعل وفعل وفعل ، ولا المتعدى واللازم ، بل نقول :

الغالب فى الحرف وشبهها من أى باب كانت الفعالة بالكسر ، كالصّياغة ، والحياكة ، والخياطة ، والتجارة ، والإمارة ، وفتحوا الأول جوازا فى بعض ذلك ، كالوكالة والدّلالة والولاية

والغالب فى الشّراد والهياج وشبهه الفعال كالفرار (٤) والشّماس والنّكاح ،

__________________

(١) البلهنية : الرخاء وسعة العيش

(٢) المسائية : أحد مصادر ساءه يسوءه ، إذا فعل به ما يكره. قال فى اللسان : «قال سيبويه : سألت الخليل عن سوائية فقال : هى فعالية بمنزله علانية ، والذين قالوا : سواية ، حذفوا الهمزة كما حذفوا همزة هار ولاث كما اجتمع أكثرهم على حذف همزة ملك وأصله ملأك ، وسألته عن مسائية فقال : هى مقلوبة ، وإنما حدها مساوئة ، فكرهوا الواو مع الهمزة لأنهما حرفان مستثقلان ، والذين قالوا : مساية حذفوا الهمزة تخفيفا» اه ومنه تعلم أن وزن المؤلف مسائية بمفاعلة إنما هو بالنظر إلى الأصل قبل القلب ، وأما وزنها الآن فمفالعة ، وإنما قلبت الواو ياء لتطرفها حكما بعد كسرة

(٣) الغلبة والغلبى ـ بضم الغين واللام فيهما ـ مصدران من مصادر غلب ، وقد ورد من الأول قول الشاعر ، وهو المرار :

أخذت بنجد ما أخذت غلبّة

وبالغور لى عزّ أشمّ طويل

ولم نقف للثانى على شاهد ، ولكنه حكاه فى اللسان.

(٤) الفرار : الروغان والهرب ، ومنه قوله تعالى : (لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)


والضّراب (١) ، والوداق (٢) ، والطّماح ، والحران شبه الشّماس (٣) والشّراد والجماح والجامع امتناعه مما يراد منه

ويجىء فعال بالكسر فى الأصوات أيضا لكن أقل من مجىء فعال بالضم وفعيل فيها ، وذلك كالزّمار والعرار (٤)

والفعال قياس من غير المصادر فى وقت حينونة الحدث ؛ كالقطاف والصّرام والجداد والحصاد (٥) والرّفاع ، ويشاركه فعال بالفتح

والفعال بالكسر غالب فى السّمات أيضا كالعلاط والعراض (٦) لوسم على العنق ، والجناب على الجنب ، والكشاح على الكشح

والغالب فى مصدر الأدواء من غير باب فعل المكسور العين الفعال ، كالسّعال

__________________

(١) الضراب : مصدر ضرب الفحل الناقة ، إذا نزا عليها

(٢) الوداق : مصدر ودقت الدابة (إذا كانت من ذوات الحافر) : أى اشتهت الفحل ، وحكى ابن القوطية والمجد الوداق ـ بفتح الواو ـ وحكى ابن القوطية الفعل كوعد وكوثق ، وحكى المجد تثليث عينه. والطماح : مصدر طمحت المرأة تطمح من باب فتح ـ إذا نشرت وجمحت. والحران : مصدر حرنت الدابة ، إذا وقفت عند استدرار جريها

(٣) الشماس : مصدر شمست الدابة والفرس ـ كسمع وكنصر ، وفيه لغة ثالثة كفضل يفضل ، من باب التداخل ـ إذا شردت وجمحت ومنعت ظهرها.

(٤) الزمار : صوت النعام ، وفعله كضرب. والعرار : مصدر عر الظليم يعر ـ من باب ضرب ـ إذا صاح ، ويقال أيضا : عار معارة وعرارا

(٥) القطاف ـ ككتاب وكسحاب ـ وقت قطف العنب ونحوه. والصرام ـ كسحاب وككتاب ـ أوان إدراك النخل. والجداد ـ ككتاب وكسحاب ـ أوان قطع ثمر النخل. والحصاد ـ كسحاب وككتاب ـ أوان حصد الزرع. والرفاع كسحاب وككتاب ـ أوان حمل الزرع بعد الحصاد إلى البيدر

(٦) العلاط : سمة فى عرض عنق البعير ، وربما كان خطا أو خطين أو خطوطا فى كل جانب. والعراض : سمة فى عرض فخذ البعير ، ومنه تعرف ما فى تفسير المؤلف من التساهل


والدّوار ، والعطاس ، والصّداع ، ويشاركه فى لفظ السّواف فعال بالفتح (١) ؛ لاستثقال الضم قبل الواو.

والغالب فى الأصوات أيضا الفعال بالضم ، كالصّراخ والبغام والعواء (٢) ويشاركه فى الغواث فعال (٣) بالفتح ؛ ويأتى فيها كثيرا فعيل أيضا ، كالضّجيج والنّئيم والنّهيت (٤) وقد يشتركان ، كالنّهيق والنّهاق ، والنّبيح (٥) والنّباح ؛

ويجىء فعال من غير المصادر بمعنى المفعول ، كالدّقاق ، والحطام ، والفتات ، والرّفات (٦).

والفعالة للشيء القليل المفصول من الشىء الكثير ، كالقلامة ، والقراضة ، والنّقاوة ، والنّفاية (٧)

__________________

(١) قال فى القاموس : والسواف بالضم مرض الابل ويفتح ، وساف المال يسوف ويساف هلك أو وقع فيه السواف

(٢) البغام ومثله البغوم ـ بضم الباء فيهما ـ مصدر بغمت الظبية ـ من باب منع ونصر وضرب ؛ فهى بغوم ، إذا صاحت إلى ولدها بأرخم ما يكون من صوتها ، وتقول : بغمت الناقة ، إذا قطعت الحنين ولم تمد ، وتقول : بغم الثيتل والأيل والوعل إذا صوت. والعواء : مصدر عوى الكلب والذئب يعوى ؛ إذا لوى خطمه ثم صوت أو إذا مد صوته

(٣) قال فى القاموس : الغواث ـ بالضم ، وفتحه شاذ ، وهو صوت المستغيث ؛ إذا صاح «واغوثاه»

(٤) النئيم : الأنين ، أو هو صوت خفى ، والنئيم أيضا : صوت الأسد والقوس والظبى ، والفعل كضرب ومنع. والنهيت ومثله النهات : الزئير والزحير ، والنهات : الأسد ، ومثله المنهت ـ بضم الميم وفتح النون وتشديد الهاء مكسورة ـ والفعل كضرب

(٥) النهيق والنهاق : صوت الحمار ، والفعل كضرب وكسمع وكنصر ، والنبيح والنباح ومثلهما النبح والتنباح : صوت الكلب والظبى والتيس والحية ، والفعل كمنع وكضرب

(٦) الدقاق كغراب : فتات كل شىء. والحطام : ما تكسر من اليبيس. والفتات : ما تفتت. والرفات : الحطام ، وكصرد : التبن.

(٧) القلامة : ما سقط من الظفر. والقراضة : ما سقط بالقرض ، ومنه


والقياس المطرد فى مصدر التنقل والتقلب الفعلان ، كالنّزوان ، والنّقزان ، والعسلان والرّتكان (١) ؛ وربما جاء فيه الفعال ، كالنّزاء والقماص (٢) ، والشّنأن شاذ ، لأنه ليس باضطراب.

والأغلب فى الألوان الفعلة ، كالشّهبة والكدرة (٣) ،

وفى الأدواء من باب فعل المكسور العين الفعل ، كالورم ، والمرض والوجع.

وبعض الأوزان المذكورة ليس بمصدر.

تم نقول : الأغلب الأكثر فى غير المعانى المذكورة أن يكون المتعدى على فعل ؛ من أى باب كان ، نحو قتل قتلا ، وضرب ضربا ، وحمد حمدا ، وفعل اللازم على فعول ، نحو دخل دخولا ، وأمّا فعل اللازم ففعل بالفتح ، كترب (٤) تربا ، وفعل ـ وهو لازم لا غير ـ فعالة فى الأغلب ، نحو كرم كرامة ، كما يجىء

__________________

قراضة الذهب. والنقاوة : الذى فى القاموس أن النقاوة والنقاية ـ بضم أولهما ، خيار الشىء ، والنقاية والنقاة ـ بضم أولهما وفتحه ـ ردىء الشىء وما ألقى منه ، وليس فيه النقاوة بالمعنى الأخير. والنفاية ـ بضم أوله وفتحه ـ ومثله النفاة كالحصاة والنفوة ـ بفتح فسكون والنفاء والنفاوة ـ بالضم ـ وهو رديئه وبقيته

(١) النزوان : الوثبان ، ولا يقال إلا للشاء والدواب والبقر فى معنى السفاد ، والنقزان ، ومثله النقز : هو الوثبان صعدا فى مكان واحد ، وقد غلب على الطائر المعتاد الوثب كالغراب والعصفور. والعسلان : أن يضطرم الفرس فى عدوه ؛ فيخفق برأسه ويطرد متنه. والعسلان أيضا : أن يسرع الذئب والثعلب ويضطرب فى عدوه ويهز رأسه. والرتكان : مقاربة البعير خطوه فى رملانه ، ولا يقال إلا للبعير

(٢) القماص : مصدر قمص الفرس وغيره من باب ضرب ونصر ، وهو بضم القاف وكسرها ، أو إذا صار عادة له فبالضم ، وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجليه اه من القاموس

(٣) انظر (ص ٧٢ ه‍ ٣)

(٤) ترب الرجل ـ كفرح : لصق بالتراب من الفقر


قوله «قال الفراء : إذا جاءك فعل مما لم يسمع مصدره» يعنى قياس أهل نجد أن يقولوا فى مصدر ما لم يسمع مصدره من فعل المفتوح العين : فعول ، متعديا كان أو لازما ، وقياس الحجازيين فيه فعل ، متعديا كان أولا ، هذا قوله ، والمشهور ما قدمنا ، وهو أن مصدر المتعدى فعل مطلقا ، إذا لم يسمع ، وأما مصدر اللازم ففعول من فعل المفتوح العين وفعل من فعل المكسور وفعالة من فعل ، لأنه الأغلب فى السماع فيردّ غير المسموع إلى الغالب

قوله «ونحو هدى وقرى» قالوا : ليس فى المصادر ما هو على فعل إلا الهدى والسّرى ، ولندرته فى المصدر يؤنثهما بنو أسد على توهم أنهما جمع هدية وسرية ، وإن لم تسمعا ؛ لكثرة فعل فى جمع فعلة ، وأما تقى فقال الزجاج : هو فعل والتاء بدل من الواو كما فى تقوى ، وقال المبرد : وزنة تعل والفاء محذوف كما يحذف فى الفعل ، فيقال فى اتّقى يتّقى : تقى يتقى (١) على ما يجىء فى آخر

__________________

(١) اعلم أنهم قالوا : اتقى يتقى كثيرا ، ومنه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ * وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وهو افتعل من الوقاية ، وأصله اوتقى قلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة فصار ايتقى ، ثم قلبت الياء تاء وأدغمت فى التاء ، ومنهم من يقلب الواو تاء من أول الأمر. وقالوا : تقى يتقى بسكون التاء تخفيفا ، تق ، فأما الماضى فنحو قول أوس بن حجر يصف رمحا :

تقاك بكفّ واحد وتلذّه

يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل

وأما المضارع فنحو قول الأسدى :

ولا أتقى الغيور إذا رآنى

ومثلى لزّ بالحمس الرّبيس

وأما الأمر فنحو قول عبد الله بن همام السلولى :

زيادتنا نعمان لا تنسينّها

تق الله فينا والكتاب الّذى تتلو

وربما قالوا فى المضارع يتقى ـ يفتح التاء ـ ومنه قول خفاف بن ندبة :


الكتاب ، ولم يجىء فعل فى مصدر فعل المفتوح عينه إلا فى المنقوص ، نحو الشّرى ، والقرى ، والقلى ، وهو أيضا قليل.

قوله «ونحو طلب مختص بيفعل» يعنى لم يجىء في باب فعل المفتوح مصدر على فعل المفتوح العين إلا ومضارعه يفعل بالضم سوى حرفين : جلب الجرح جلبا : أى أخذ فى الالتئام ، والمضارع من جلب الجرح يجلب ويجلب معا ، وليس مختصا بيفعل بالضم ، وأما الغلب فهو من باب غلب يغلب ، قال الله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) قال الفراء : يجوز أن يكون فى الأصل من بعد غلبتهم بالتاء ؛ فحذف التاء ، كما فى قوله : ـ

٢٠ ـ إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

و أخلفوك عد الأمر الّذى وعدوا (١)

أى : عدة الأمر

__________________

جلاها الصّيقلون فأخلصوها

خفافا كلّها يتقى بأثر

وكأنه لما كثر استعمالهم اتقى يتقى بالزيادة توهموا أن التاء فى أصل بناء الكلمة فخففوه بحذف همزة الوصل والتاء الأولى الساكنة ، ثم لما رأوا المضارع مفتوح ما بعد حرف المضارعة ولا نظير له فى أبنيتهم سكنوا ما بعد حرف المضارعة ليصير على مثال قضى يقضى ، ثم بنوا المشتقات على ذلك فقالوا تقى تقية ورجل تقى ورجال أتقياء وتقواء وتقاة

(١) البيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب عبد العزى بن عبد المطلب أحد شعراء الدولة الأموية. والخليط : المخالط والمعاشر كالنديم والجليس بمعنى المنادم والمجالس ، والبين : البعد والفراق ، وأجدوه : صيروه جديدا ، وانجردوا : بعدوا وأصله من قولهم : جرد بنا السير : أى امتد ، والشاهد فيه قوله «عد الأمر» حيث حذف التاء فى الاضافة كما حذفت فى قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) وقوله : (وإقام الصلاة)


وأما فعلان فنادر ، نحو لوى ليّانا (١) ، قال بعضهم : أصله الكسر ففتح للاستثقال ، وقد ذكره أبو زيد بكسر اللام ، وجاء أيضا شنآن بالسكون ، وقرىء فى التنزيل بهما.

ولم يأت الفعول ـ بفتح الفاء ـ مصدر إلا خمسة أحرف (٢) : توضأت وضوءا

__________________

(١) تقول : لواه دينه ولواه بدينه ليا وليانا ـ بفتح اللام وكسرها ـ فى المصدرين ، إذا مطله ؛ قال ذو الرمة :

تطيلين ليّانى وأنت مليئة

و أحسن ياذات الوشاح التّقاضيا

وأصل اللى والليان لوى ولويان ، فقلبت الواو ياء ، لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون ثم أدغمت الياء فى الياء ، قال فى اللسان : قال أبو الهيثم لم يجىء من المصادر على فعلان ـ بفتح فسكون ـ إلا ليان ، وحكى ابن برى عن أبى زيد ليان ـ بالكسر ـ وهى لغية

(٢) اعتبر المؤلف هذه الكلمات مصادر تبعا لسيبويه وجماعة ، وللعلماء فى ذلك كلام ، قال سيبويه (ج ٢ ص ٢٢٨) «هذا باب ما جاء من المصادر على فعول (بفتح الفاء) وذلك قولك : توضأت وضوءا حسنا ، وتطهرت طهورا حسا ، وأولعت به ولوعا ، وسمعنا من العرب من يقول : وقدت النار وقودا ، غالبا ، وقبله قبولا ، والوقود (بالضم) أكثر ، والوقود (بفتح الواو) الحطب ، وتقول : إن على فلان لقبولا ؛ فهذا مفتوح» اه. وقال فى اللسان : «الوضوء بالفتح الماء الذى يتوضأ به كالفطور والسحور لما يفطر به ويتسحر به ، والوضوء أيضا المصدر من توضأت للصلاة مثل الولوع والقبول ، وقيل : الوضوء بالضم المصدر ، وحكى عن أبى عمرو بن العلاء القبول بالفتح مصدر لم أسمع غيره ، وذكر الأخفش أن الوقود بالفتح الحطب والوقود بالضم الاتقاد وهو الفعل ، قال : ومثل ذلك الوضوء وهو الماء والوضوء بالضم وهو الفعل ، وزعموا أنهما لغتان بمعنى واحد ، يقال :

الوقود (بالفتح) والوقود (بالضم) يجوز أن يعنى بهما الحطب ويجوز أن يعنى بهما الفعل ، وقال غيره : القبول والولوع مفتوحان وهما مصدران شاذان وما سواها من المصادر فمبنى على الضم. التهذيب : الوضوء الماء والطهور مثله ، ولا يقال فيهما بضم الواو والطاء ؛ لا يقال الوضوء ولا الطهور ، قال الأصمعى : قلت


وتطهرت طهورا ، وولعت ولوعا ، ووقدت النار وقودا ، وقبل قبولا ، كما حكى سيبويه

قال : «وفعل اللّازم نحو فرح على فرح ، والمتعدّى نحو جهل على جهل ، وفى الألوان والعيوب نحو سمر وأدم على سمرة وأدمة ، وفعل نحو كرم على كرامة غالبا ، وعظم وكرم كثيرا»

أقول : قوله «وفى الألوان والعيوب» هذا الذى ذكره هو الغالب فى الألوان ، وإن كانت من فعل بضم العين أيضا ، وقد جاء شىء منها على فعل كالصّدأ والعيس (١) ، وأما العيسة ـ بكسر العين ـ فأصلها الضم ، كسرت

__________________

لأبى عمرو : ما الوضوء؟ فقال : الماء الذى يتوضأ به ، قلت : فما الوضوء بالضم؟ قال : لا أعرفه» اه ونقل نصوصا أخرى لا تخرج عن هذا المعنى ، واعلم أن من العلماء من يجعل المصدر هو الدال على الفعل الذى هو الحدث ، وأكثر المتقدمين على هذا ؛ فليس عندهم مصدر واسم مصدر ؛ بل كل ما دل على الحدث فهو مصدر ، وتكاد تلبس هذا فى عبارة سيبويه وفى ما ذكره اللسان عن جلة العلماء ، والمتأخرون على على الفرق بين المصدر واسم المصدر ، وأحسن ما يفرق به بينهما ما ذكره ابن مالك فى التسهيل حيث عرف اسم المصدر بقوله : «هو ما ساوى المصدر فى الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا دون عوض من بعض ما فى فعله» اه ومدار الفرق بينهما على أن الاسم الدال على الحدث إن اشتمل على جميع حروف الفعل لفظا أو تقديرا أو بالتعويض فهو مصدر ، سواء أزادت حروفه عن حروف الفعل أم ساوت حروفه حروفه ، وإلا فهو اسم مصدر ، فمثال المصدر التوضؤ والقتال بالنسبة لقاتل والعدة بالنسبة لوعد والاعلام بالنسبة لأعلم ، ومثال اسم المصدر الغسل بالنسبة إلى اغتسل والعطاء بالنسبة لأعطى والكلام بالنسبة لكلم ، وعلى هذا فالوضوء والطهور والولوع إن كان فعله أولع كما ذكره سيبويه أسماء مصادر إن أريد بها الحدث سواء أكان أولها مضموما أم مفتوحا ، وأما الوقود والقبول والولوع إن كان فعله ولع كما ذكر المؤلف فمصادر سماعية وإن أردت بهذه الألفاظ معنى غير معنى الحدث فليست مصادر ولا أسماء مصادر.

(١) العيس : بياض يخالطه شىء من شقرة ، وقيل : هو لون أبيض مشرب


للياء ، وقد جاءت الصّهوبة (١) والكدورة ، قال سيبويه : قالوا : البياض والسّواد تشبيها بالصّباح والمساء لأنهما لونان مثلهما

وأما مجىء العيوب على فعلة ـ بالضم ـ فقليل ، كالأدرة والنّفخة (٢) ، وقد جاء الفعلة والفعلة لموضع الفعل فى الأعضاء كثيرا ، كالقطعة والقطعة (٣) لموضع القطع ، وكذا الجذمة والجذمة ، والصّلعة والصّلعة ، والنزعة والنّزعة (٤) ويكون الفعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ للفضلة أيضا ، كالقلفة ، والغرلة (٥)

__________________

صفاء فى ظلمة خفية. والعيسة بكسر العين فعلة بضم الفاء على مثال الصهبة والكمتة والحمرة والصفرة ؛ لأنه ليس فى الألوان فعلة بالكسر ، وإنما كسر أولها لتصح الياء كما كسرت الباء فى بيض لتصح الياء

(١) الصهوبة والصهبة والصهب : حمرة فى الشعر ، وقيل : أن تكون أطراف الشعر حمراء وأصولها سوداء

(٢) الأدرة ـ بالضم ـ والأدر ـ بفتحتين ـ انتفاخ فى الخصية ، وقيل : انفتاق فى إحدى الخصيتين ، والنفخة ـ بالضم ـ داء يصيب الفرس ترم منه خصياه ، وهى أيضا انتفاخ البطن من طعام ونحوه

(٣) القطعة ـ بالضم ، وبفتحتين ـ موضع القطع من اليد ، وقيل : بقية اليد المقطوعة ، وفى الحديث إن سارقا سرق فقطع فكان يسرق بقطعته (بفتحتين) والظاهر أن المراد بقية يده المقطوعة

(٤) الذى فى القاموس واللسان الحذمة ـ بفتح فسكون ، وبفتحتين ـ وفى القاموس ذكر الصلعة ـ بفتحتين ـ وذكرها فى اللسان بالضم وبفتحتين ، وفى القاموس واللسان جميعا النزعة بفتحتين ، لكن ذكر سيبويه (ح ٢ ص ٢٢٣) هذه الألفاظ ماعدا النزعة ، وضبطت كما فى الأصل الذى معنا. والجذمة : موضع الجذم ، وهو القطع. والصلعة : موضع الصلع ، وهو ذهاب الشعر من مقدم الرأس إلى مؤخره. والنزعة : موضع النزع وهو انحسار الشعر من جانبى الجبهة

(٥) القلفة ـ بالضم ، وبفتحتين ـ جلدة الذكر التى تغطى الحشفة ، وقلفها الخاتن ؛ إذا قطعها ، والغزلة ـ بالضم ـ هى القلفة


ويجىء الفعل للمفعول ، كالذّبح والسّفر (١) والزّبر

ويجىء الفعل ـ بفتح الفاء والعين ـ له أيضا ، كالخبط للمخبوط ، والنّفض للمنفوض (٢) ،

وجاء فعلة : بسكون العين كثيرا بمعنى المفعول كالسّبّة والضّحكة واللعنة ، وبفتح العين للفاعل ، وكلتاهما للمبالغة

ويجىء المفعلة لسبب الفعل ، كقوله عليه الصلاة والسّلام «الولد مبخلة مجبنة محزنة».

وبجىء الفعول لما يفعل به الشىء كالوجور لما يوجر [به] ، وكذا النقوع والقيوء (٣)

__________________

(١) الذبح ـ بالكسر ـ ما يذبح ؛ قال الله تعالى (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) والسفر ـ بالكسر ـ واحد الأسفار ، وهى الكتب الكبار ، سمى بذلك لأنه مسفور ؛ أى مكتوب ، والسافر الكاتب ، وجمعه سفرة ، وبه فسر قوله تعالى (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) والزبر ـ بالكسر ـ ومثله الزبور كرسول : الكتاب أيضا ، سمى بذلك لأنه يزبر : أى يكتب ، تقول : زبر الكتاب يزبره ـ كضربه يضربه ونصره ينصره ـ إذا كتبه ، وجمع الزبر زبور ـ كقدر وقدور ـ وجمع الزبور زبر كرسول ورسل

(٢) الخبط ـ بفتحتين ـ ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن ويخلط بدقيق أو غيره ، ويمزج بالماء فتوجره الابل ، والخبط أيضا : ما خبطته الدواب وكسرته ، والمخابط : جمع مخبط كمنبر وهو العصا. والنفض بالتحريك : ما تساقط من الورق والثمر ، وما وقع من الشىء إذا نفضته : أى زعزعته وحركته.

(٣) الذى فى القاموس واللسان والمزهر عن أبى عبيدة أن الوجور ـ بفتح الواو ـ الدواء يوجر فى الفم ، سمى بذلك لأنه يدخل فيه ، والوجر : إدخال الماء أو الدواء فى الحلق ، وآلة الوجر : ميجر وميجرة ؛ فليس المراد بما يفعل به الشىء آلة الشىء كما قد يتبادر من العبارة ؛ بل المراد ما يتحقق به الشىء ، والمراد بالشىء فى عبارته الحدث ، وفى القاموس واللسان النقوع كصبور : ما ينقع فى الماء ليلا ليشرب


قوله «وفعل نحو كرم على كرامة غالبا» فعالة فى مصدر فعل أغلب من غيره ، وقيل : الأغلب فيه ثلاثة : فعال كجمال ، وفعالة ككرامة ، وفعل كحسن ، والباقى يحفظ حفظا.

قال : «والمزيد فيه والرّباعىّ قياس ، فنحو أكرم على إكرام ، ونحو كرّم على تكريم وتكرمة ، وجاء كذاب وكذّاب ، والتزموا الحذف والتّعويض فى نحو تعزية وإجازة واستجازة ، ونحو ضارب على مضاربة وضراب ، ومرّاء شاذّ وجاء قيتال ، ونحو تكرّم على تكرّم ، وجاء تملّاق. والباقى واضح»

أقول : يعنى بقياس المصادر المنشعبة ما مر فى شرح الكافية ، من كسر أول الماضى وزيادة ألف قبل الآخر ؛ فيكون للجميع قياس واحد.

وذكر المصنف منها ههنا ما جاء غير قياسى ، أو جرى فيه تغيير ، وترك الباقى وذكر أفعل أولا ، وإن كان مصدره قياسيا ، تنبيها به على كيفية القياس ، وخصه بالذكر إذ هو أول الأبواب المنشبعة ، على ما يذكر فى كتاب المصادر ، وأيضا إنما ذكره لما فى مصدره تغيير فى الأجوف ، نحو إقامة ، والظاهر أنه أراد بالقياس القياس المختص بكل باب ؛ فان لكل باب قياسا خاصا لا يشاركه فيه غيره ، كما مر فى شرح الكافية (١)

__________________

نهارا وبالعكس ، والنقع : نبذ الشىء فى الماء ، وبابه فتح. والقيوء بالفتح : الدواء الذى يشرب للقىء. والقيوء أيضا صيغة مبالغة بمعنى كثيرا لقىء

(١) قال فى الكافية وشرحها (ح ٢ ص ١٧٨): «وهو من الثلاثى سماع ومن غيره قياس ، تقول أخرج إخراجا واستخرج استخراجا : ترتقى أبنية مصادر الثلاثى إلى اثنين وثلاثين فى الأغلب كما يجىء فى التصريف ، وأما فى غير الثلاثى فيأتى قياسا كما تقول مثلا : كل ما ماضيه على أفعل فمصدره على إفعال ، وكل ما ماضيه على فعل فمصدره على تفعيل ، وكل ما ماضيه على فعل


قوله «تكريم وتكرمة» تفعيل فى غير الناقص مطرد قياسى ، وتفعلة كثيرة ، لكنها مسموعة ، وكذا فى المهموز اللام ، نحو تخطيئا وتخطئة ، وتهنيئا وتهنئة ، هذا عن أبى زيد وسائر النحاة ، وظاهر كلام سيبويه أن تفعلة لازم فى المهموز اللام كما فى الناقص ، فلا يقال تخطيئا وتهنيئا ، وهذا كما ألحق أرأيت بأقمت (١) ، وأما إذا كان لام الكلمة حرف علة فانه على تفعلة لا غير ، وذلك

__________________

فمصدره على فعللة ، ويجوز أيضا أن يرتكب قياس واحد لجميع الرباعى والمزيد فيه ، وهو أن يقال : ننظر إلى الماضى ونزيد قبل آخره ألفا ، فان كان قبل الآخر فى الماضى متحركان كسرت أولهما فقط كما تقول فى أفعل إفعال ، وفى فعلل فعلال ، وفى فعلى فعلاء ، وفى فاعل فيعال ، وفى فعل فعال ، وإن كان ثلاث متحركات كسرت الأولين كانفعال وافتعال واستفعال وافعلال وافعيلال إذ أصل ماضيهما افعلل وافعالل ، وتفعال ـ بكسر التاء والفاء وتشديد العين ـ وليس هذا بناء على أن المصدر مشتق من الفعل ، بل ذلك لبيان كيفية مجىء المصدر قياسا لمن اتفق له سبق علم بالفعل ، والأشهر فى مصدر فعل وفعلل وفاعل وتفعل خلاف القياس المذكور ، وهو تفعيل وفعللة ومفاعلة وتفعل ، وأما فعال فى مصدر فاعل كقتال فهو مخفف القياسى ، إذ أصله قيتال ، ولم يأت فى تفعلل وتفاعل وما ألحق بتفعلل من تفوعل وتفيعل ونحوهما إلا خلاف القياس كالتفعلل والتفاعل» اه

(١) المقصود إلحاق أرأيت بأقمت فى حذف الوسط وهو عين الكلمة وإن كان سبب الحذف فى أقمت موجودا وهو التخلص من التقاء الساكنين ، وليس موجودا فى أرأيت ، إلا أنهم لما استثقلوا الهمزة فى أرأيت مع كثرة استعمال هذه الكلمة نقلوا فتحتها إلى الساكن قبلها ، ثم خففوها بقلبها ألفا ، ثم حذفوها تخلصا من التقاء الساكنين ، قال سيبويه (ح ٢ ص ٢٤٤): «ولا يجوز الحذف أيضا فى تجزئة وتهنئة وتقديرهما تجزعة وتهنعة لأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو كما ألحقوا أرأيت بأقمت حين قالوا أريت» اه


بحذف الياء الأولى وإبدال الهاء منها ؛ لاستثقال الياء المشددة ، وقد جاء التشديد فى الضرورة كما فى قوله : ـ

٢١ ـ فهى تنزّى دلوها تنزيّا

كما تنزّى شهلة صبيّا (١)

وإنما قلنا «إن المحذوف ياء التفعيل» قياسا على تكرمة ؛ لأنه لم يحذف فيها شيء من الأصول ، ولأنها مدّة لا تتحرك ؛ فلما رأينا الياء فى نحو تعزية متحركة عرفنا أن المحذوف هو المدة ، فلو حذفت الثانية لزم تحريك المدة لأجل تاء التأنيث وأما إجازة واستجازة فأصلهما إجواز واستجواز أعلّ المصدر باعلال الفعل كما يجىء فى باب الإعلال ، فقلبت العين ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت الثانية عند الخليل وسيبويه ، قياسا على حذف مدة نحو تعزية ، ولكونها زائدة ، وحذفت الأولى عند الأخفش والفراء ؛ لأن الأول يحذف للساكنين إذا كان مدا ، كما فى قل وبع ، ويجىء احتجاجهم فى باب الإعلال في نحو مقول ومبيع ، وأجاز سيبويه عدم الإبدال أيضا ، نحو أقام إقاما واستجاز استجازا ، استدلالا بقوله تعالى (وَأَقامَ الصَّلاةَ) وخص الفراء ذلك بحال الإضافة ؛ ليكون المضاف إليه قائما مقام الهاء ، وهو أولى ؛ لأن السماع لم يثبت إلا مع الإضافة ، ولم يجوّز سيبويه حذف التاء من نحو التّعزية على حال ، كما جوز فى (إقام الصلاة) إذ لم يسمع.

قوله «وجاء كذّاب» هذا وإن لم يكن مطردا كالتّفعيل لكنه هو القياس كما مر فى شرح الكافية ، قال سيبويه : أصل تفعيل فعّال ، جعلوا التاء

__________________

(١) لم نقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين. وتنزى : تحرك ، وتنزيا مصدره. والشهلة : المرأة العجوز أو النصف. يقول : إن هذه المرأة تحرك دلوها لتملأها كما تحرك المرأة العجوز صبيها فى ترقيصها إياه ، والاستشهاد به على مجىء مصدر فعل من الناقص على التفعيل شذوذا من حيث الاستعمال


فى أوله عوضا من الحرف الزائد ، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال ؛ فغيروا آخره كما غيروا أوله ، فان التغيير مجرىء على التغيير.

ولم يجىء فعّال فى غير المصدر إلا مبدلا من أول مضعّفه ياء نحو قيراط ودينار وديوان.

وأما المصدر فانه لم يبدل فيه ليكون كالفعل

وفعّال فى مصدر فعّل ، وفيعال وفعال فى فاعل ، وتفعّال فى تفعل ؛ وإن كانت قياسا لكنها صارت مسموعة لا يقاس على ما جاء (١) منها ، ولا يجىء فعال فيما فاؤه ياء للاستثقال ، فلا يقال يسار فى ياسر ، وفعال فى فاعل مقصور فيعال ، والياء فى مكان ألف فاعل

وأما كذاب ـ بالتخفيف ـ فى مصدر كذّب فلم أسمع به ، والأولى أن يقال فى قوله تعالى : (وكذبوا بآياتنا كذابا) فى قراءة التخفيف : إنه مصدر كاذب أقيم مقام مصدر كذّب ، كما فى قوله تعالى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)

قوله «ومرّاء شاذ» يعنى بالتشديد ، والقياس مراء بالتخفيف (٢) ، وإنما

__________________

(١) يريد أن المستعمل من مصدر فعل ـ بالتضعيف ـ التفعيل كالتكليم والتسليم والتكبير ، وإن كان أصل القياس فيه على ما ذكر هو من الأصل الفعال ـ بكسر الفاء وتشديد العين ـ وأن المستعمل باطراد من مصدر فاعل المفاعلة كالمقاتلة والمضاربة والمماراة والمداراة والمياسرة وإن كان القياس هو الفيعال ـ بكسر الفاء ـ ومخففه الفعال ـ بكسر الفاء وتخفيف العين ـ وأن المستعمل من مصدر تفعل هو التفعل كالتقدم والتلكؤ والتأخر ؛ وإن كان القياس هو التفعال ، ولا يخفى أن كون المذكورات هى القياس إنما يجرى على أن للجميع قياسا واحدا ، والعجب منه ؛ فأنه قدم هنا قريبا أن الأولى أن يكون لكل باب قياس خاص فكيف عدل عن هذا الأولى

(٢) المراء ـ بالتخفيف ـ والمراء بالتشديد ، مصدر قولك ماريت الرجل أماريه إذا جادلته ، والمراء أيضا : الامتراء والشك


زادوا فى المصادر على الأفعال شيئا لأن الأسماء أخف من الأفعال ، وأحمل للأثقال.

قال : «ونحو التّرداد والتّجوال والحثّيثى والرّمّيّا للتّكثير»

أقول : يعنى أنك إذا قصدت المبالغة فى مصدر الثلاثى بنيته على التّفعال ، وهذا قول سيبويه ، كالتّهذار فى الهذر الكثير ، والتّلعاب والتّرداد ، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد ، وقال الكوفيون : إن التّفعال أصله التّفعيل الذى يفيد التكثير ، قلبت ياؤه ألفا فأصل التكرار التّكرير ، ويرجّح قول سيبويه بأنهم قالوا التّلعاب ، ولم يجىء التلعيب ، ولهم أن يقولوا : إن ذلك مما رفض أصله ، قال سيبويه : وأما التّبيان فليس ببناء مبالغة ، وإلا انفتح تاؤه ، بل هو اسم أقيم مقام مصدر بيّن ، كما أقيم غارة وهى اسم مقام إغارة فى قولهم : أغرت غارة ، ونبات موضع إنبات ، وعطاء موضع إعطاء ، فى قولهم : أنبت نباتا ، وأعطى عطاء

قالوا : ولم يجىء تفعال ـ بكسر التاء ـ إلا ستة عشر اسما : اثنان بمعنى المصدر ، وهما التّبيان والتّلقاء ، ويقال : مرّتهواء من الليل : أى قطعة ، وتبراك وتعشار وترباع : مواضع ، وتمساح معروف ، والرجل الكذّاب أيضا ، وتلفاق : ثوبان يلفقان ، وتلقام : سريع اللقم ، وتمثال وتجفاف معروفان ، وتمراد : بيت الحمام ، وأتت الناقة على (١) تضرابها ، وتلعاب : كثير

__________________

(١) الذى فى سيبويه (ح ٢ ص ٢٤٧): «وقد يجىء الفعل يراد به الحين ؛ فاذا كان من فعل يفعل ـ بفتح العين فى الماضى وكسرها فى المضارع ـ بنيته على مفعل ـ بكسر العين ـ تجعل الحين الذى فيه الفعل كالمكان ، وذلك قولك أتت الناقة على مضربها ، وأتت على منتجها ؛ إنما تريد الحين الذى فيه النتاج والضراب» اه. وقال فى اللسان : «وناقة ضارب ضربها الفحل على النسب ، وناقة تضراب


اللعب ، وتقصار : للمخنقة (١) ، وتنبال : للقصير

وأما الفعّيلى فليس أيضا قياسيا ، فالحثّيثي والرّمّيّا والحجّيزى مبالغة التّحاثّ والترامى والتحاجز : أى لا يكون من واحد ، وقد يجىء منه ما يكون مبالغه لمصدر الثلاثى كالدّلّيلى والنّمّيمي والهجّيرى والخلّيفى : أى كثرة الدلالة ، والنميمة ، والهجر : أى الهذر ، والخلافة ، وأجاز بعضهم المد فى جميع ذلك ، والأولى المنع ، وقد حكى الكسائى خصّيصاء بالمد ، وأنكره الفراء

قال : «ويجىء المصدر من الثّلاثىّ المجرّد أيضا على مفعل قياسا مطّردا كمقتل ومضرب ، وأمّا مكرم ومعون ، ولا غيرهما ، فنادران حتّى جعلهما الفرّاء جمعا لمكرمة ومعونة ، ومن غيره على زنة المفعول كمخرج ومستخرج ، وكذا الباقى ، وأمّا ما جاء على مفعول كالميسور والمعسور والمجلود والمفتون فقليل ، وفاعلة كالعافية والعاقبة والباقية والكاذبة أقلّ»

أقول : قال سيبويه : لم يجىء فى كلام العرب مفعل ، يعنى لا مفردا ولا جمعا ، قال السيرافى : فقوله : ـ

٢٢ ـ بثين ، الزمى «لا» إنّ «لا» إن لزمته

على كثرة الواشين أىّ معون (٢)

__________________

بفتح التاء ـ كضارب. وقال اللحيانى : هى التى ضربت فلم يدر ألاقح هى أم غير لاقح» ولم نجد فى كتب اللغة تضرابا ـ بالكسر ـ ولا المثال على الوجه الذى ذكره المؤلف

(١) المخنقة : القلادة. سميت بذلك لأنها تلبس عند المخنق (كمعظم). وفى اللسان : «والتقصار والتقصارة ـ بكسر التاء ـ القلادة للزومها قصرة العنق (والقصرة بفتحات أصل العنق)»

(٢) البيت من قصيدة لجميل بن عبد الله بن معمر العذرى. وبثبين مرخم بثينة


أصله معونة ، فحذفت التاء للضرورة ، وكذا قوله : ـ

٢٣ ـ * ليوم روع أو فعال مكرم (١) *

وذهب الفراء إلى أنهما جمعان ، على ما هو مذهبه (٢) فى نحو تمر وتفّاح ، فيجيز مكرما ومعونا فى غير الضرورة ، فعند الفراء يجىء مفعل جمعا ، وقد جاء مهلك بمعنى الهلك ، ومألك ، وله أن يدعى فيهما أنهما جمعا مهلكة ومألكة ،

__________________

اسم حبيبته. يقول : إذا سألك الواشون عنى أو عن شىء يرتبط بى فلا تذكرى شيئا سوى كلمة لا ؛ فان هذه الكلمة إن لزمتها أكبر عون لك على رد كيدهم ، والشاهد فيه قوله معون بضم العين وأصله معون بسكونها وضم الواو ـ فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ، وهذا شاذ ، والقياس المعان ، وأصله معون فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قبلت ألفا

(١) هذا بيت من الرجز المشطور من كلمة لأبى الأخزر الحمانى يمدح فيها مروان بن الحكم بن العاص ، وقد روى قبله :

نعم أخو الهيجاء فى اليوم اليمى

ويروى البيت الذى قبله :

مروان مروان لليوم اليمى

ويروى :

مروان مروان أخو اليوم اليمى

وقوله : اليمى : أصله اليوم ـ بفتح الياء وكسر الواو ـ كقولهم يوم أيوم وليلة ليلاء. ثم قدمت الميم على الواو ؛ فتطرفت الواو إثر كسرة فقلبت ياء ، وعلى الرواية الثالثة يجوز أن يكون أصله أخو اليوم اليوم ؛ على المبتدأ والخبر ؛ فقدم الميم بحركتها على الواو فقلبت ضمة الميم كسرة ثم قلبت الواو ياء لتطرفها حينئذ إثر كسرة. والروع : الفزع والخوف. والفعال ـ بفتح الفاء ـ الوصف حسنا أو قبيحا. والمكرم : الكرم ، وهو محل الشاهد فى البيت.

(٢) مذهب الفراء فى هذا هو مذهب الكوفيين ، وسياتى ايضاحه فى جمع التكسير


وجاء فى بعض القراءات (١) (فنظرة إلى ميسره)

قوله «قياسا مطردا» ليس على إطلاقه ؛ لأن المثال الواوى منه بكسر العين كالموعد والموجل ، مصدرا كان أو زمانا أو مكانا ، على ما ذكر سيبويه ، بلى إن كان المثال معتل اللام كان بفتح العين كالمولى ، مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه عن يونس : إن ناسا من العرب يقولون من يوجل ونحوه موجل وموحل بالفتح مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه : إنما قال الأكثرون موجل بالكسر لأنهم ربما غيروه فى يوجل ويوحل ، فقالوا : ييجل ، وياجل ، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يؤعد المعل بالحذف ، فكما قالوا هناك موعد قالوا ههنا موجل ، ومن قال الموجل بالفتح فكأنهم الذين يقولون : يوجل ، فيسلمونه ، والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها فى الإعلال ، وإنما قالوا مودّة بالفتح اتفاقا لسلامة الواو فى الفعل اتفاقا

وقد يجىء فى الناقص المفعل مصدرا بشرط التاء كالمعصية والمحمية (٢)

__________________

(١) قال ابن جنى : «هذه القراءة قراءة مجاهد قال هو من باب معون ومكرم (بضم العين) وقيل : هو على حذف الهاء» اه وقال الجوهرى : «وقرأ بعضهم فنظرة إلى ميسره بالأضافة ، قال الأخفش : وهو غير جائز ؛ لأنه ليس فى الكلام مفعل ـ بضم العين ـ بغير الهاء : أما مكرم ومعون فهما جمع مكرمة ومعونة» اه والميسر : اليسر والسعة والغنى

(٢) تقول : عصى الرجل أميره يعصيه عصيا وعصيانا ومعصية ؛ إذا لم يطعه ، وتقول حمى الشىء حميا وحمى وحماية ومحمية ؛ إذا منعه ودفع عنه. قال سيبويه : «لا يجىء هذا الضرب على مفعل (بكسر العين) إلا وفيه الهاء ؛ لأنه إن جاء على مفعل بغيرهاء اعتل ؛ فعدلوا إلى الأخف» اه كلامه. وقوله اعتل يقصد أنه كان حينئذ يجرى عليه إعلال قاض فتحذف الياء للتخلص من التقاء الساكنين إن كان مرفوعا أو مخفوضا منونا.


وجاء فى الأجوف المعيشة ، قال سيبويه فى (حتى مطلع الفجر) بالكسر : أى طلوعه (١) ، ويجوز أن يقال : إنه اسم زمان : أى وقت طلوعه

__________________

(١) قال فى اللسان : «وأما قوله عزوجل (هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فان الكسائى قرأها بكسر اللام وكذلك روى عبيد عن أبى عمرو بكسر اللام ، وعبيد أحد الرواة عن أبى عمرو ، وقال ابن كثير ونافع وابن عامر واليزيدى عن أبى عمرو ، وعاصم وحمزة : هى حتى مطلع الفجر ـ بفتح اللام ـ قال الفراء : وأكثر القراء على مطلع (بالفتح). قال : وهو أقوى فى قياس العربية ؛ لأن المطلع بالفتح هو الطلوع ، والمطلع ـ بالكسر ـ هو الموضع الذى تطلع منه ؛ إلا أن العرب تقول : طلعت الشمس مطلعا فيكسرون وهم يريدون المصدر. وقال : إذا كان الحرف من باب فعل يفعل ؛ مثل دخل يدخل وخرج يخرج وما أشبهها آثرت العرب فى الاسم منه والمصدر فتح العين ؛ إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين فى مفعل : من ذلك (وذكر بعض ما ذكر المصنف من الأسماء) فجعلوا الكسر علامة للاسم ، والفتح علامة للمصدر. قال الأزهرى : والعرب تضع الأسماء مواضع المصادر ، ولذلك قرأ من قرأ (هى حتى مطلع الفجر) ؛ لأنه ذهب بالمطلع وإن كان اسما إلى الطلوع مثل المطلع (بالفتح) وهذا قول الكسائى والفراء ، وقال بعض البصريين : من قرأ مطلع الفجر ـ بكسر اللام ـ فهو اسم لوقت الطلوع. قال ذلك الزجاج. قال الأزهرى : وأحسبه قول سيبويه» اه كلامه. قال سيبويه (ج ٢ ص ٢٤٧) وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس فى الكلام مفعل (بالضم) فلما لم يكن إلى ذلك سبيل ، وكان مصيره إلى إحدى الحركتين (الكسرة أو الفتحة) ألزموه أخفهما ، وذلك قولهم قتل يقتل وهذا المقتل (بالفتح) .... وقد كسروا المصدر فى هذا كما كسروا فى يفعل (بفتح العين) ، قالوا : أتيتك عند مطلع الشمس : أى عند طلوع الشمس ، وهذه لغة بنى تميم ، وأما أهل الحجاز فيفتحون ، وقد كسروا الأماكن فى هذا أيضا ، كأنهم أدخلوا الكسر أيضا كما أدخلوا الفتح» اه كلامه. وقال أبو سعيد السيرافى : ومن ذلك (يريد بناء المصدر على المفعل بالكسر) فيما ذكره سيبويه المطلع فى معنى الطلوع ، وقد قرأ الكسائى (حتى مطلع الفجر) ومعناه حتى طلوع الفجر ، وقال


وقد جاء بالفتح والكسر محمدة ومذمّة ومعجز ومعجزة ومظلمة ومعتبة ومحسبة وعلق مضنّة (١) وبالضم والكسر المعذرة (٢) ، وبالفتح والضم الميسرة (٣)

__________________

بعض الناس المطلع (بالكسر) الموضع الذى يطلع فيه الفجر ، والمطلع (بالفتح) المصدر. والقول ما قال سيبويه ، لأنه لا يجوز إبطال قراءة من قرأ بالكسر ولا يحتمل إلا الطلوع ، لان حتى إنما يقع بعدها فى التوقيت ما يحدث ، والطلوع هو الذى يحدث ، والمطلع ليس بحادث فى آخر الليل ، لأنه الموضع» اه كلامه

(١) تقول : حمده يحمده ـ كعلم يعلم ـ حمدا كنصر ، ومحمدا ومحمدة ـ بالفتح فيهما ـ ومحمدا ومحمدة ـ بالكسر فيهما ـ وهما نادران. وتقول : ذمه يذمه ذما كمد مدا ومذمة ـ بفتح الذال ـ أى : عابه ، ولم نجد فى كتب اللغة من هذا المعنى مصدرا على مذمة بالكسر ، لكن فى القاموس واللسان أنه يقال : رجل ذو مذمة ـ بالفتح والكسر ـ ؛ إذا كان كلا وعبئا على الناس. وتقول : عجز عن الأمر ـ من بابى سمع وضرب ـ عجزا ومعجزا ومعجزة بكسر الجيم وفتحها فى الأخيرين. قال سيبويه :

«الكسر على النادر والفتح على القياس لأنه مصدر». وتقول : ظلمه يظلمه ـ من ياب ضرب ـ ظلما بالفتح والضم ، ومظلمة ـ بكسر اللام ـ ، إذا جار عليه ووضع أمره على غير موضعه ، ولم يذكر صاحبا اللسان والقاموس فتح اللام فيهما. وتقول عتب عليه يعتب ـ كيجلس ويخرج ـ عتبا وعتابا ومعتبا ـ بالفتح ـ ومعتبة ـ بالفتح والكسر ـ ، إذا لامه وسخط عليه ، وتقول : حسب الشىء يحسبه ـ بكسر عين المضارع وفتحها والكسر أجودهما ـ حسبانا ـ بكسر أوله ـ ومحسبة ـ بكسر السين أو فتحها ـ إذا ظنه ، والكسر نادر عند من قال فى المضارع يحسب بالفتح وأما عند من كسر عين المضارع فهو القياس. وتقول : هذا الشىء علق مضنة : أى هو شىء نفيس يتنافس فيه أى يضن به ، ويقال أيضا : هو عرق مضنة ، وذلك كما يقال : فلان علق علم وتبع علم وطلب علم ، الكل بكسر أوله وسكون ثانيه ، والمعنى أنه يعلق العلم ويتبع أهله ويطلبه. والضاد مكسورة أو مفتوحة.

(٢) العذر (بضم العين) والعذرة (بالكسر) والعذرى (بالضم) والمعذرة (بضم الذال وكسرها) الحجة التى يعتذر بها

(٣) اليسر ، واليسار ، والميسرة (بفتح السين وضمها) : السهولة والغنى. قال


وجاء بالتثليب مهلك ومهلكة ومقدرة ومأدبة (١)

وجاء بالكسر وحده المكبر والميسر والمحيض والمقيل والمرجع والمجيء والمبيت والمشيب والمعيب والمزيد والمصير والمسير والمعرفة والمغفرة والمعذرة والمأوية والمعصية والمعيشة (٢)

__________________

سيبويه : ليست الميسرة على الفعل ، ولكنها كالمسربة والمشربة فى أنهما ليستا على الفعل»

(١) تقول : هلك يهلك ـ كضرب يضرب ـ هلاكا وهلوكا ومهلكا ومهلكة (بتثليث اللام فيهما) وتهلكة بضم اللام ليس غير : أى مات. وتقول : قدر على الشىء يقدر ـ كجلس وخرج وفرح ـ قدرة ومقدرة (بتثليث الدال) وقدرانا (بكسر أوله) وقدارا وقدارة (بفتح أولهما ، وقد يكسر أول الأول) وقدورا وقدورة (بضم أولهما) : قوى عليه وتمكن منه. وتمثيل المؤلف بالمأدبة فى هذا الموضع غير صحيح لعدة وجوه : الوجه الأول أن المأدبة اسم لطعام يصنع لدعوة أو عرس وليس مصدرا. والوجه الثانى أنه ليس مثلث الدال ؛ حتى يسوغ له ذكره مع المثلثات. والوجه الثالث أنه غير مذهب كبار النحويين ؛ فان سيبويه قد نص فى كتابه (ح ٢ ص ٢٤٨) على أن المأدبة ليست مصدرا ولا مكانا ، وأنها كالمشربة التى هى اسم للغرفة ، والمسربة التى هى اسم لشعر الصدر. وقد كان خطر لنا أن هذه الكلمة محرفة عن المأربة بالراء المهملة فانها مثلثة الراء ويقال : أرب الرجل احتاج ، فان كانت المأربة المثلثه أحد مصادر هذا الفعل صح هذا الذى خطر لنا ، وإن كانت اسما كالأرب بمعنى الحاجة لم يتم ، وليس فى عبارة اللغويين نص على أحد الطريقين

(٢) تقول : كبر الرجل ـ كفرح ـ كبرا ـ كعنب ـ ومكبرا ـ كمنزل ـ ؛ إذا طعن فى السن. وتقول : يسر الرجل ييسر ـ كضر يضرب ـ أى لعب بالقداح ، والميسر : اللعب بالقداح ، أو هو الجزور التى كانوا يتقامرون عليها ، وعلى الثانى لا يصلح مثالا. وتقول : حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا ؛ إذا سال دمها ؛ فقول المؤلف : إنه بالكسر وحده غير صحيح ، وتقول : قال القوم يقيلون قيلولة وقيلا وقائلة ومقيلا ومقالا ؛ إذا ناموا نصف النهار ، والمقيل مصدر عن سيبويه ، ومما ذكرنا تعلم أن تمثيل المؤلف به لما جاء بالكسر وحده غير مستقيم.


فذو التاء المفتوح العين شاذ من جهة ، وكذا المكسور العين أو المضمومها بلا تاء ، وأما المكسورها أو المضمومها مع التاء فشاذ من وجهين

قوله «ومن غيره» أى : من غير الثلاثى المجرد فيصلح للمصدر والمفعول والزمان والمكان كالمدحرج والمقاتل والمحرنجم كما يجىء

الميسور : اليسر ، والمعسور : العسر ، والمجلود : الجلد : أى الصبر ، والمفتون :

الفتنة ، قال الله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أى : الفتنة ، على قول ، وخالف (١)

__________________

قال فى القاموس : «رجع يرجع رجوعا ، ومرجعا ـ كمنزل ـ ومرجعة شاذان ؛ لأن المصادر من فعل يفعل (كضرب يضرب) إنما تكون بالفتح ، ورجعى ورجعانا بضمهما ، انصرف. ورجع الشىء عن الشىء وإليه رجعا ـ ومرجعا كمقعد ومنزل ـ صرفه ورده» اه. وتقول : جاء يجىء جيئا ومجيئا ، إذا أتى. قال فى اللسان : «والمجىء شاذ ، لأن المصدر من فعل يفعل (كضرب يضرب) مفعل بفتح العين ، وقد شذت منه حروف فجاءت على مفعل كالمجىء والمحيض والمكيل والمصير» اه. والعيب والعاب والمعاب والمعابة والمعيب : أن تصم الرجل ، وفعله عاب يعيب ، وهو لازم ومتعد ، ومن هذا تعلم أن اقتصار المؤلف على الكسر فيه غير مستقيم ، هذا ، وقد مثل المؤلف نفسه بالمعذرة لما جاء فيه الضم والكسر ؛ فكيف مثل به ههنا لما جاء بالكسر وحده ، وتقول : أوى له يأوى ـ كروى يروى ـ أوية وأية ومأوية ومأواة ، إذا رق له ورئى ، قال زهير :

بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا

ومنه تعلم تقصير المؤلف فى التمثيل به لما جاء بالكسر وحده

(١) قد ذكر المؤلف كما ذكر غيره فى هذه الآية وجهين ، والحقيقة أن فيها ثلاثة أوجه : الأول : أن الباء زائدة ، وأى مبتدأ ، والمفتون اسم مفعول بمعنى المجنون خبر المبتدأ ، والثانى : أن الباء أصلية بمعنى فى ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم والمفتون اسم مفعول أيضا بمعنى المجنون مبتدأ مؤخر. والثالث : أن الباء للملابسة والجار والمجرور خبر مقدم والمفتون مصدر بمعنى الجنون مبتدأ مؤخر. والمعنى الفتنة ملابسة لأى الفريقين من المسلمين والكفار


سيبويه غيره فى مجىء المصدر على وزن المفعول ، وجعل الميسور والمعسور صفة للزمان : أى الزمان الذى يوسر فيه ويعسر فيه ، على حذف الجار ، كقولهم : المحصول : أى المحصول عليه ، وكذا قال فى المرفوع والموضوع ، وهما نوعان من السير ، قال : هو السير الذى ترفعه الفرس وتضعه : أى تقويه وتضعفه ، وكذا جعل المعقول بمعنى المحبوس المشدود : أى العقل المشدود المقوى ، وجعل الباء فى (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) زيادة ، وقيل : بأيكم الجنى ، وهو المفتون ، والمجلود : الصبر الذى يجلد فيه : أى يستعمل الجلادة ، وأما المكروهة فالظاهر أنها ليست مصدرا ، بل هو الشىء المكروه ، والهاء دليل الاسمية ، وكذا المصدوقة : يقال : بيّن لى مصدوقة حاله : أى حقيقتها ، من قولهم : صدقنى (١) سنّ بكره : أى بيّن حاله التى صدقنيها.

قوله «وفاعلة كالعافية» تقول : عافانى الله معافاة وعافية ، وأما العاقبة فالظاهر أنه اسم فاعل لأنه بمعنى الآخر ، يقال : عقب الشىء [الشىء] أى : خلفه ، والهاء دليل الاسمية ، أو يقال : إنها صفة النهاية فى (٢) الأصل ، وأما

__________________

(١) هذا مثل من أمثال العرب. قال فى اللسان : «وفى المثل صدقنى سن بكره وأصله أن رجلا أراد بيع بكر له فقال للمشترى : إنه جمل ؛ فقال المشترى : بل هو بكر فبينماهما كذلك إذ ند البكر فصاح به صاحبه هدع (بكسر أوله وفتح ثانيه وآخره مبنى على السكون). وهذه كلمة يسكن بها صغار الابل إذا نفرت ، وقيل : يسكن بها البكارة خاصة ، فقال المشترى : صدقنى سن بكره» اه

(٢) كلام المؤلف فى هذه الكلمة مضطرب ، ولو كان نظم كلامه هكذا «وأما العاقبة فالظاهر أنه اسم فاعل ؛ لأنه بمعنى الآخر. يقال : عقب الشىء الشىء : أى خلفه ، والهاء للتأنيث. أو يقال : إنها صفة النهاية فى الأصل ثم صارت إسما لها. والهاء دليل الاسمية» لكان كلاما مستقيما ؛ فانه لا معنى لجعلها اسم فاعل مع كون الهاء دليل الاسمية ؛ إذا الهاء التى فى اسم الفاعل للفرق بين صفتى المذكر والمؤنث ، والهاء التى هى دليل الاسمية إنما يؤتى بها فى الوصف بعد نقله من معناه الأصلى إلى


الباقية فى قوله تعالى (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) فقيل : بمعنى بقاء ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية ، أو شىء باق ، والهاء للاسمية ، وكذا الفاضلة بمعنى الشىء الفاضل ، والهاء للاسمية ، أو العطية الفاضلة ، والكاذبة في قوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) قيل : بمعنى الكذب ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس كاذبة : أى تكون النفوس فى ذلك الوقت مؤمنة صادقة ، والدالّة : الدلال والغنج ، هذا كله مع التاء ، قيل : وقد يوضع اسم الفاعل مقام المصدر ، نحو قم قائما : أى قياما ، كما يوضع المصدر مقام اسم الفاعل ، نحو رجل عدل وصوم ، ويجوز أن يكون قائما حالا مؤكدة ، وكذا فى قوله : ـ

٢٤ ـ * كفى بالنّأى من أسماء كاف (١) *

أى : كافيا ، كقوله : ـ

__________________

الاسم ، كقولهم : مقدمة وحقيقة. وبعد فاعلم أن كلمة العاقبة قد جاءت لثلاث معان : الأول المصدر. تقول : عقب الولد أباه يعقبه كنصره ينصره عقبا وعاقبة ، إذا خلفه. والثانى : اسم فاعل من هذا الفعل ، ومنه إطلاق العاقب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه خلف جميع الرسل ، ومن أجل هذا كان الأخفش يقول : إن الهاء فى العاقبة للتأنيث. والثالث : أنها اسم لآخر الشىء مثل العقب ـ كنمر ـ والعقب ـ كفلس والعقبة والعقبى ـ بضم أولهما ـ والتاء حينئذ للنقل من الوصفية إلى الاسمية. ويدل على صحة ما ذهبنا إليه من اضطراب كلام المؤلف فى هذه الكلمة أن عبارته مستقيمة على الأوجه التى ذكرناها فى الكلمات التى بعد هذه الكلمة ، فقوله فى كلمة «الباقية» «فقيل بمعنى بقاء» إشارة إلى أنها مصدر ، وقوله «ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية» إشارة إلى أنها وصف والهاء للتأنيث ، ولهذا قدر الموصوف مؤنثا ، وقوله «أو شىء باق والهاء للاسمية» إشارة إلى أنها اسم.

(١) هذا صدر بيت لبشر بن أبى خازم أحد شعراء الجاهلية. وعجزه : ـ

وليس لنأيها إذ طال شافى

واستشهد به على أن قوله «كافى» اسم فاعل من كفاه يكفيه ، وهو منصوب على


٢٥ ـ * فلو أنّ واش باليمامة داره (١) *

فكما أن اسم المفعول فى قوله تعالى : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ) بنصبهما حال مؤكدة ، لا بمعنى المصدر ، فكذا اسم الفاعل فيما نحن فيه. وقوله : ـ

٢٦ ـ ألم ترنى عاهدت ربّى وإننى

لبين رتاج قائم ومقام

على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما

ولا خارجا من فىّ زور كلام (٢)

قال سيبويه : معناه لا أشتم شتما ولا يخرج خروجا ، وقال عيسى بن عمر :

هو حال معطوف على الحال الذى هو «لا أشتم» أى غير شاتم ولا خارج ، كقوله تعالى : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) ولم يذكر ما عاهد الله عليه لدلالة الكلام ؛ لأنه كجواب القسم يحذف مع القرينة ، وعند سيبويه «لا أشتم» جواب «عاهدت»

قال : «ونحو دحرج على دحرجة ودحراج بالكسر ؛ ونحو زلزل على زلزال بالفتح والكسر»

__________________

الحال من النأى الذى هو فاعل كفى ، وقد عامل الشاعر المنقوص فى حالة النصب كما يعامله فى حالة الرفع والجر فحذف الياء

(١) هذا صدر بيت لمجنون بنى عامر المعروف بمجنون ليلى. وعجزه قوله :

* ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا*

واستشهد به على أن العرب قد تعامل المنقوص فى حالة النصب كما تعامله فى حالة الرفع والجر ، فتحذف ياءه ، وذلك أن قوله «واش» اسم أن منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها إجراء المنصوب مجرى المرفوع.

(٢) هذان البيتان للفرزدق : همام بن غالب ، والشاهد فيه فى قوله «خارجا» فانه عند سيبويه مصدر حذف عامله ، وتقديره : لا أشتم مسلما الدهر ولا يخرج خروجا من فمى زور كلام ، وكان عيسى بن عمر يجعل خارجا اسم فاعل ، ويقول : إنما قوله «لا أشتم» حال ، فأراد عاهدت ربى فى هذه الحال وأنا غير شاتم ولا خارج من فمى زور كلام. وأيد ابن هشام ما ذهب إليه سيبويه.


أقول : قال سيبويه : الهاء فى دحرجة عوض من الألف الذى هو قياس مصادر غير الثلاثى المجرد قبل الآخر ، والفعللة هو المطرد دون الفعلال ، لا يقال : برقش (١) برقاشا ، وكذا الفعلال مسموع فى الملحق بدحرج غير مطرد ، نحو حيقال ، وكذا فى المضاعف ، ولا يجوز فى غير المضاعف فتح أول فعلال ؛ وإنما جاز ذلك فى المضاعف ـ كالقلقال (٢) والزّلزال والخلخال ـ قصدا للتخفيف ؛ لثقل التضعيف

ومصادر ما زيد فيه من الرباعى نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار ، وأما اقشعرّ قشعريرة واطمأن طمأنينة فالمنصوبان فيهما اسمان واقعان مقام المصدر ، كما فى أنبت نباتا وأعطى عطاء.

قال : «والمرّة من الثّلاثىّ المجرّد الّذى لا تاء فيه على فعلة ، نحو ضربة وقتلة ، وبكسر الفاء للنّوع ، نحو ضربة وقتلة ، وما عداه على المصدر المستعمل ، نحو إناخة ، فإن لم تكن تاء زدتها ، ونحو أتيته إتيانة ولقيته لقاءة شادّ»

أقول : اعلم أن بناء المرة إما أن يكون من الثلاثى المجرد أو غيره ، والثلاثى المجرد إما مجرد عن التاء أولا

__________________

(١) ورد هذا الفعل لازما ، ومتعديا. تقول : برقش الرجل برقشة ، إذا ولى هاربا. وتقول : برقش الرجل الشىء ، إذا نقشه بألوان شتى.

(٢) تقول : قلقلت الشىء قلقلة ، وقلقالا (بكسر أوله وفتحه ، وضمه نادر) ، إذا حركته ، وقال فى اللسان : «فاذا كسرته فهو مصدر ، واذا فتحته فهو اسم متل الزلزال والزلزال». والذى فى القاموس : قلقل الشىء قلقلة وقلقالا (بالكسر ويفتح) حركه ، أو بالفتح الاسم ، وتقول : خلخل العظم ، إذا أخذ ما عليه من اللحم.


فالمجرد عنها تجعله على فعلة بفتح الفاء وحذف الزوائد إن كانت فيه ، نحو خرجت خرجة ودخلت دخلة

وذو التاء تبقيه على حاله ، نحو دريت دراية ونشدت (١) نشدة ، ولا تقول درية ونشدة ، كذا قال المصنف ؛ ولم أعثر فى مصنف على ما قاله ، بل أطلق المصنفون أن المرة من الثلاثى المجرد على فعلة ، قال سيبويه : إذا أردت الوحدة من الفعل جئت بها أبدا على فعلة على الأصل ؛ لأن أصل المصادر فعل ، هذا قوله ؛ والذى أرى أنك ترد ذا التاء أيضا من الثلاثى إلى فعلة ؛ فتقول : نشدت نشدة بفتح النون

وغير الثلاثى المجرد تخلّيه على حاله ، سواء كان رباعيا كد حرجة أو ذا زيادة كانطلاق وإخراج وتدحرج ، فان لم تكن فيه التاء زدتها ، نحو أكرمته إكرامة ، وإن كانت فيه تاء خليتها ، نحو عزّيته تعزية : أى واحدة ، والأكثر الوصف فى مثله بالواحدة لرفع اللبس ؛ نحو عزّيته تعزية واحدة ، ولو قلنا بحذف تلك التاء والمجىء بتاء الوحدة فلا بأس

واستدل سيبويه على أن أصل مصادر جميع الثلاثى متعديا كان أو لازما فعل بيناء الوحدة ، قال : لا شك أن الجنس من نحو تمرة وتفّاحة بحذف التاء ، فكان القياس أن يكون الجنس فى نحو خرجة ودخلة كذلك أيضا ، ونعنى بالجنس المصدر المطلق ، نحو خرج ودخل ؛ إلا أنهم تصرفوا فى مصادر الثلاثى بزيادة الحروف وتغيير التركيب لخفته ، دون الرباعى وذى الزيادة

ثم اعلم أنه إن جاء للرباعى وذى الزيادة مصدران أحدهما أشهر فالوحدة على

__________________

(١) تقول : نشد الضالة نشدا ونشدة ونشدانا (بكسر الأخيرين) إذا طلبها ، وإذا عرفها


ذلك الأشهر دون الغريب ، تقول : دحرج دحرجة واحدة ، ولا تقول دحراجة ، وكذا لا تقول قاتلت قتالة ، ولا كذبت كذّابة

وقد شذ فى الثلاثى حرفان لم تحذف منهما الزوائد ولم يردّا إلى بناء فعلة ، بل ألحق بهما التاء كما هما ، وهما إتيانة ولقاءة ، ويجوز أتية ولقية على القياس ، قال أبو الطيب :

٢٧ ـ لقيت بدرب القلّة الفجر لقية

شفت كمدى واللّيل فيه قتيل (١)

قوله «وما عداه» أى : ما عدا الثلاثى المجرد الخالى من التاء ، وهو ثلاثة :

الرباعى ، وذو الزيادة ، والثلاثى ذو التاء ، على ما ذهب إليه المصنف

قوله «فان لم تكن تاء» أى : فيما عداه

وقوله «وبكسر الفاء للنوع نحو ضربة» أى : ضربا موصوفا بصفة ، وتلك الصفة إما أن تذكر نحو «حسن الرّكبة» و «سييء الميتة» و «جلست جلسة حسنة» أو تكون معلومة بقرينة الحال ، كقوله : ـ

٢٨ ـ ها إنّ تاعذرة إن لم تكن نفعت

فإنّ صاحبها قد تاه فى البلد (٢)

__________________

(١) البيت من قصيدة طويلة لأبى الطيب المتنبى يمدح فيها سيف الدولة الحمدانى. وأولها :

ليالىّ بعد الظّاعنين شكول

طوال ، وليل العاشقين طويل

والظاعنين : أى الراحلين. وشكول : أى متشاكلة متشابهة. ودرب القلة. موضع وراء الفرات ، وأصل الدرب المضيق فى الجبال ، واستعمل فى كل مدخل إلى بلاد الروم وفى كل باب طريق واسع. وأصل القلة أعلى الجبل ، وذكر المؤلف لهذا البيت كذكره لأمثاله من شعر المتنبى وأبى تمام والبحترى وأبى العلاء ليس على سبيل الاستشهاد ولكنه للتمثيل

(٢) هذا البيت من قصيدة طويلة للنابغة الذبيانى ، ويروى عجزه هكذا :

* فإنّ صاحبها محالف النّكد*


أى عذر بليغ : وقد لا تكون الفعلة مرة والفعلة نوعا كالرّحمة والنّشدة

قال «أسماء الزّمان والمكان ممّا مضارعه مفتوح العين أو مضمومها ومن المنقوص على مفعل ، نحو مشرب ومقتل ومرمى ، ومن مكسورها والمثال على مفعل ، نحو مضرب وموعد ، وجاء المنسك والمجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق والمسقط والمسكن والمرفق والمسجد والمنخر ، وأمّا منخر ففرع كمنتن ولا غيرهما ، ونحو المظنّة والمقبرة فتحا وضمّا ليس بقياس ، وما عداه فعلى لفظ المفعول»

أقول : اعلم أنهم [كأنهم] [كانوا] بنوا الزمان والمكان على المضارع ، فكسروا العين فيما مضارعه مكسور العين ، وفتحوها فيما مضارعه مفتوحها ، وإنما لم يضموها فيما مضارعه مضمومها نحو يقتل وينصر لأنه لم يأت فى الكلام فى غير هذا الباب مفعل إلا نادرا كمكرم ومعون على ما ذكرنا ، فلم يحملوا ما أدّى إليه قياس كلامهم على بناء نادر فى غير هذا الباب ، وعدل إلى أحد اللفظين مفعل ومفعل ، وكان الفتح أخفّ فحمل عليه

وقد جاء من يفعل المضموم العين كلمات على مفعل بالكسر لا غير ، وهى : المشرق ، والمغرب ، والمرفق وهو موصل الذراع والعضد ، وهو أيضا كل ما ينتفع به ، والارتفاق : الانتفاع ، والاتكاء على المرفق ، ويقال فيهما المرفق على وزن المثقب أيضا ، لأنهما آلتا الرّفق الذى هو ضد الخرق ؛ إذ المتكىء على مرفقه ساكن مطمئن ، وكذا ذو المال المنتفع به على الأغلب ، ومعنى الموضع فيهما أبعد وذلك بتأويل أنهما مظنّتا الرفق ومحلّاه ، ومنها المنبت ، والمنخر ، والمجزر ، والمسقط ، والمظنّة

وقد جاء من يفعل المضموم العين أيضا كلمات سمع فى عينها الفتح والكسر ، وهى


المفرق ، والمحشر ، والمسجد ، والمنسك (١) ، وأما المحلّ بمعنى المنزل فلكون مضارعه على الوجهين ، قرىء قوله تعالى (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) على الوجهين

وجاء فيما مضارعه يفعل بالكسر لغات بالفتح والكسر ، وهى المدبّ ، (٢)

__________________

(١) النسك ـ بالضم وبضمتين ـ كل ما يتقرب به إلى الله تعالى ، وقد نسكت أنسك ـ مثل نصر ينصر ـ نسكا ـ بفتح أوله وكسره وسكون ثانيه ـ قال فى اللسان : «والمنسك والمنسك (بفتح السين وكسرها) شرعة النسك. وقيل : المنسك (بالفتح) النسك نفسه ، والمنسك (بكسر السين) الموضع الذى تذبح فيه النسيكة. وقال الفراء : المنسك فى كلام العرب (بكسر السين) الموضع المعتاد الذى تعتاده. ويقال : إن لفلان منسكا يعتاده فى خير كان أو غيره ... قال ابن الأثير : قد تكرر ذكر المناسك والنسك والنسيكة فى الحديث ، فالمناسك جمع منسك بفتح السين وكسرها وهو المتعبد (مكان التعبد) ويقع على المصدر والزمان والمكان» اه ملخصا. وهذه أقوال لا يتلاقى بعضها مع بعض.

(٢) اعتبار المدب ـ بفتح الدال وكسرها ـ اسم مكان أحد تخريجين للعلماء فى هذه الكلمة ؛ ومنهم من جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم مكان ؛ فيكون موافقا للقياس. قال فى اللسان : «ومدب السيل ومدبه (بفتح الدال وكسرها) موضع جريه. يقال : تنح عن مدب السيل ومدبه ، ومدب النمل ومدبه ؛ فالاسم مكسور والمصدر مفتوح ، وكذلك المفعل من كل ما كان على فعل يفعل (كضرب يضرب) قال فى التهذيب : والمدب (بكسر الدال) موضع دبيب النمل وغيره» اه ملخصا. وأنت ترى أنه لا يظهر وجه التفريع فى قول صاحب اللسان «فالاسم مكسور والمصدر مفتوح»

والمأوى : المنزل. قال الأزهرى : سمعت الفصيح من بنى كلاب يقول لمأوى الابل «مأواة» بالهاء. وقال الجوهرى : مأوى الابل ـ بكسر الواو ـ لغة فى مأوى الابل خاصة ، وهو شاذ. وقال الفراء : ذكر لى أن بعض العرب يسمى مأوى الابل مأوى بكسر الواو. قال : وهو نادر ؛ لم يجىء فى ذوات الياء والواو مفعل بكسر


ومأوى الإبل ، والمزلة ، ومضربة السيف ، وجاء مقبرة ومشرقة ومفيأة ومفيؤة ومقنأة ومقنؤة (١) فتحا وضما ، وكذا المشربة فى الغرفة ، لأنهم كانوا بشربون فى الغرف ، والمشرقة والمفيأة من ذوات الزوائد ، إذ هما موضعان للتشرّق والتّفيّؤ فيشذّ ان من هذا الوجه أيضا ، ولهذا لم تعل المفيأة ، أو لأنه لم يذهب بها مذهب الفعل ، كما يجىء ، والمسربة لشعر الصدر مضمومة العين لا غير ، قال سيبويه : لم تذهب بالمسجد مذهب الفعل ، ولكنك جعلته اسما لبيت ، يعنى أنك أخرجته عما يكون عليه اسم الموضع ، وذلك لأنك تقول : المقتل فى كل موضع يقع فيه القتل ، ولا تقصد به مكانا دون مكان ، ولا كذلك المسجد

__________________

العين ، إلا حرفين : مأقى العين ، ومأوى الابل ؛ وهما نادران ، واللغة العالية فيهما «مأوى وموق وماق» اه. واعتباره مأقى العين على مفعل كلام غير مبنى على تحقيق ولا نظر ، لأن قولهم «موق وماق» بثلاثة أحرف يدل على أن الميم من أصل الكلمة ، فاذا قالوا مأقى مع ذلك تبينا أن الياء هى الزائدة ، كما كان الاطل دليلا على أن الياء زائدة فى الأيطل ، فوزن المأقى على هذا فعلى ـ بكسر اللام أو فتحها ـ

(١) زل يزل زلا ـ كضرب يضرب ـ : زلق ، والمزلة ـ بفتح الزاى وكسر ها ـ : الموضع الذى تزلق عليه الأقدام ولا تثبت ، وقال فى اللسان : «وضريبة السيف ، ومضربه ومضربه ومضربته ومضربته ـ بفتح الراء وكسرها فيهما ـ : حده ، حكى الأخيرتين سيبويه ، وقال : جعلوه اسما كالحديدة ، يعنى أنهما ليستا على الفعل ، وقيل : هو دون الظبة ، وقيل : هو نحو من شبر فى طرفه» اه والمشرقة : موضع القعود للشمس ، وحكى ابن سيده فيه ثلاث لغات : فتح الراء ، وضمها ، وكسرها ، وقال : هى الموضع الذى تشرق عليه الشمس ، وخص بعضهم ذلك بالشتاء. والمفيؤة : موضع الفىء ، وهو ظل العشى ، وحكى الفارسى عن ثعلب فيها المفيئة ، مثل المعيشة ، وحكى المجد فى القاموس اللغتين اللتين حكاهما المؤلف. والمقنأة ـ بفتح النون وضمها ـ الموضع الذى لا تصيبه الشمس فى الشتاء ، وحكى فيها الضم والفتح ، من غير همز


فإنك جعلته اسما لما يقع فيه السجود بشرط أن يكون بيتا على هيئة مخصوصة ، فلم يكن مبنيا على الفعل المضارع كما فى سائر أسماء المواضع ، وذلك أن مطلق الفعل لا اختصاص فيه بموضع دون موضع ، قيل : ولو أردت موضع السجود وموقع الجبهة من الأرض سواء كان فى المسجد أو غيره فتحت العين ؛ لكونه إذن مبنيا على الفعل بكونه مطلقا كالفعل ، وكذا يجوز أن يقال فى المنسك ، إذ هو مكان نسك مخصوص ، وكذا المفرق ، لأنه مفرق الطريق ، أو الرأس ، وكذا مضربة السيف مخصوصة برأس السيف قدر شبر ، وليس بمعنى موضع الضرب مطلقا ، فلذا جاء فيه الفتح أيضا : أى لكونه غير مبنى على الفعل ، ولذا دخلته التاء التى لا تدخل الفعل ، وكذا المقبرة ، إذ ليست اسما لكل ما يقبر فيه : أى يدفن ، إذ لا يقال لمدفن شخص واحد مقبرة فموضع الفعل إذن مقبر كما هو القياس ، وكذا المشرقة اسم لموضع خاص لا لكل موضع يتشرّق فيه من الأرض من جانب الغرب أو الشرق (١) وكذا المقنأة والمفيأة ، وكذا المنخر صار اسما لثقب الأنف ، ولا يقصد فيه معنى النّخر ، وكذا المشربة ليست اسما لكل موضع يشرب فيه الماء ويجرى ، قال سيبويه : وكذا المطبخ والمربد بكسر الميم فيهما اسمان لموضعين خاصين لا لموضع الطبخ مطلقا ، ولا لكل موضع الربود : أى الاقامة ، بل المطبخ بيت يطبخ فيه الأشياء معمول له ، والمربد محبس الابل ، أو موضع يجعل فيه التمر ، وبجوز أن يقال فى المرفق بكسر الميم فى المعنيين : إن أصله الموضع ، فلما اختص غيّر بكسر الميم عن وضع الفعل كما قال سيبويه فى المطبخ والمربد ؛ فكل ما جاء على مفعل بكسر العين مما مضارعه يفعل بالضم فهو شاذ من

__________________

(١) لم يبين المؤلف هذا الموضع الخاص أى شىء هو ، كما بين فى المشربة مثلا أنها صارت اسما للغرفة ، ولم نعثر على ما يرشد إلى هذا المعنى الخاص فى كتب اللغة التى بين أيدينا


وجه ، وكذا مفعلة بالتاء مع فتح العين ، (١) ، وكذا مفعل بكسر الميم وفتح العين ، ومفعلة كالمظنة أشذ ، ومفعلة بضم العين كالمقبرة أشذ ، إذ قياس الموضع إما فتح العين أو كسرها ، وكذا كل ما جاء من يفعل المكسور العين على مفعل بالفتح شاذ من وجه ، وكذا مفعلة بالتاء مع كسر العين ، ومفعلة بفتحها أشذ ، لكن كلّ ما ثبت اختصاصه ببعض الأشياء دون بعض وخروجه عن طريقة الفعل فهو العذر فى خروجه (٢) عن القياس كما ذكرنا

قوله «ومن المنقوص» يعنى نحو المثوى وإن كان من يفعل بكسر العين وإن كان أيضا مثالا واو يا كالمولى لموضع الولاية ، وذلك لتخفيف الكلمة بقلب اللام ألفا ، وإنما كان المثال الواوى على مفعل بالكسر وإن كان على يفعل كالموجل والموحل لما ذكرنا فى باب المصدر ، وذكرنا هناك أن بعض العرب يقولون موجل وموحل فيطرد ذلك فى الموضع والزمان أيضا ، وحكى الكوفيون الموضع ، وقد جاء على مفعل بالفتح من المثال بعض أسماء ليست بمصادر ولا أمكنة مبنية على الفعل ، كموجد فى العدد ، والموهبة للغدير من الماء (٣) ، وأما موظب فى اسم

__________________

(١) مع أن الأمثلة التى وردت مقترنة بالتاء كثيرة جدا قد نص كثير من العلماء على أن لحاق التاء شاذ يقتصر فيه على ما سمع ، والتمس بعضهم للحاق التاء لبعض الأسماء سببا كالمبالغة أو إرادة البقعة. وهذا عجيب ، ما مدخل التاء فى الزنة؟!!

(٢) هذا وجه ذكره المؤلف تبعا لسيبويه ، ومن العلماء من يرى أن هذه الألفاظ أسماء أمكنة الأحداث المطلقة ، ولم يخرج بها عن مذهب الفعل ولكنها من حيث صيغتها شاذة عن القياس

(٣) الموهبة ـ بفتح الهاء وكسرها ـ : غدير صغير من الماء ، وقيل : نقرة فى الجبل يستنقع فيها الماء. وفى التهذيب : وأما النقرة فى الصخرة فموهبة بفتح الهاء. جاء نادرا قال : ـ

ولفوك أطيب إن بذلت لنا

من ماء موهبة على خمر


مكان وموهب وموألة وموكل ومورق فى أعلام رجال معينين فمنقولات من المبنى على الفعل ، وفيها العدل كما ذكرنا فى باب ما لا ينصرف

والمثال اليائى بمنزلة الصحيح عندهم لخفته تقول فى ييقظ ميقظ فى المصدر والزمان والمكان ، ومنه قوله تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) بفتح العين

قوله «ولا غيرهما» قال سيبويه : يقال فى مغيرة مغيرة بكسر الميم للاتباع.

قوله «فتحا وضما» يعنى بهما المقبرة ، دون المظنّة ؛ فانه لم يأت فيها إلا الكسر ، وإنما كان الفتح فى المقبرة شاذا لكونها بالتاء ، والمفعل فى المكان والزمان والمصدر قياسه التجرد عن التاء

قوله «وما عداه فعلى لفظ المفعول» يعنى ما عدا الثلاثى المجرد ، وهو ذو الزيادة والرباعى ، فالمصدر بالميم منه والمكان والزمان على وزن مفعوله ، قياسا لا ينكسر ، كالمخرج والمستخرج والمقاتل والمدحرج والمتدحرج والمحرنجم يحتمل كل منها أربعة معان

قال : «الآلة على مفعل ومفعال ومفعلة ، كالمحلب والمفتاح والمكسحة ، ونحو المسعط والمنخل والمدقّ والمدهن والمكحلة والمحرضة ليس بقياس».

أقول : اعلم أن المحلب ليس موضع الحلب ؛ لان موضعه هو المكان الذى يقعد فيه الحالب للحلب ، بل هو آلة يحصل بها الحلب ، وكذا المسرجة ـ بكسر الميم ـ كما قال سيبويه

قوله «ونحو المسعط والمنخل» هذا لفظ جار الله ، وهو موهم أنه جاء من هذا النوع غير الألفاظ المذكورة أيضا ، وقال سيبويه : جاء خمسة أحرف بضم


الميم : المكحلة ، والمسعط ، والمنخل ، والمدقّ ، والمدهن ، هذا كلامه ، وجاء المنصل (١) أيضا ، لكنه ليس بآلة النصل ، بل هو بمعنى النصل ، وأما المحرضة فذكرها الزمخشرى ، وفى الصحاح المحرضة بكسر الميم وفتح الراء ، وكذا قال ابن يعيش : لا أعرف الضم (٢) فيها ، قال سيبويه فى الأحرف الخمسة : هى مثل المغفور والمغثور ، وهما ضرب من الصمغ ؛ والمغرود : ضرب من الكمأة ، والمغلوق : المغلاق ، أربعة أحرف جاءت على مفعول ، لا نظير لها فى كلام العرب ، وقال سيبويه فى المكحلة وأخواتها : لم يذهبوا بها مذهب الفعل ، ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية ، يعنى ان المكحلة ليست لكل ما يكون فيه الكحل ، ولكنها احتصت بالآلة المخصوصة ، وكذا أخواتها ، فلم نكن مثل المكسحة والمصفاة ، فجاز تغييرها عما عليه قياس بناء الآلة كما قلنا فى المسجد وأخواته ، والمسعط : ما يسعط به الصبى أو غيره ، أى يجعل به السعوط فى أنفه ، والمدقّ : ما يدق به الشىء كفهر العطار ، والمدهن : ما يجعل فيه الدهن من زجاج ونحوه ، ولو قيل إن المكحلة والمدهن موضعان

__________________

(١) المنصل ـ بضم الميم ، وصاده مضمومة أو مفتوحه ـ السيف. قال ابن سيده : لا نعلم اسما اشترك فيه هذان الوزنان إلا المنصل والمنخل» اه بمعناه. والنصل : حديدة السيف والرمح والسهم والسكين ما لم يكن لها مقبض ؛ فان كان معها مقبض فهى سيف أو رمح أو سهم أو سكين

(٢) الذى ذكر صاحب القاموس وصاحب اللسان المحرضة ـ بكسر الميم وفتح الراء ـ كما نقل المؤلف عن الصحاح ، وقالا : هى وعاء الحرض. والحرض كقفل وكعنق ـ : الأشنان وهو شجر يؤخذ ورقه رطبا ثم يحرق ويرش الماء على رماده فينعقد ، ثم تغسل به الأيدى والثياب ، ولا يزال مستعملا فى جزيرة العرب إلى يوم الناس هذا. وقرىء فى قوله تعالى (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) بفتحتين وبضمتين وبضم فسكون


للكحل والدهن ، ولم يبنيا على مفعل كما هو بناء المواضع لأنهما لبسا موضعين لما يفعل فيه الشىء كالمقتل حتى يبنيا على الفعل ، بل هما موضعان لاسم جامد ؛ لم يبعد ، فاذا جعلا آلتين فهما بمعنى آلة الكحل والدّهن ـ بفتح الكاف والدال ـ كالمثقب لآلة الثقب ، والمحرضة : وعاء الحرض : أى الأشنان ، والظاهر أن مضربة السيف آلة الضرب ، لا موضعه ، غيّرت عما هو قياس بناء الآلة لكونها غير مذهوب بها مذهب الفعل

وجاء الفعال أيضا للآلة ؛ كالخياط والنّظام

واعلم أن الشىء إذا كثر بالمكان وكان اسمه جامدا فالباب فيه مفعلة بفتح العين ، كالمأسدة والمسبعة والمذأبة : أى الموضع الكثير الأسد والسباع والذئاب ، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد ، فلا يقال مضبعة ومقردة ، ولم يأتوا بمثل هذا فى الرباعى فما فوقه ، نحو الضّفدع والثّعلب ، بل استغنوا بقولهم : كثير الثعالب ، أو تقول : مكان مثعلب ومعقرب ومضفدع ومطحلب بكسر اللام الأولى على أنها اسم فاعل ، قال [لبيد] : ـ

٢٩ ـ يمّمن أعدادا بلبنى أو أجا

مضفدعات كلّها مطحلبه (١)

__________________

(١) البيت للبيد بن ربيعة العامرى. كما ثبت فى بعض نسخ الأصل. وقد أنشد الجوهرى والصاغانى فى العباب هذا البيت لما ذكره المؤلف. ويممن : قصدن. والاعداد ـ بفتح الهمزة ـ : جمع عد بكسر العين مثل حمل وأحمال وقدح وأقداح ووتر وأوتار ، والعد : الماء الذى له مادة لا تنقطع كماء العين وماء البئر ، ولبنى ـ بضم فسكون ـ : اسم جبل ، وأجا بوزن عصا فى هذا البيت ، والأكثرون يهمزونه مثل خطأ ، وهو أحد جبلى طىء ، ومضفدعات : كثيرة الضفادع ، وهى صفة لأعداد ، ومطحلبة : كثيرة الطحلب. وتقول : ضفدع الماء وطحلب ؛ إذا كثرت ضفادعه وطحالبه ، مثل قولك : زجست الدواء ، وفلفلت الطعام وعبهرته ، وزعفرت الثوب ، وعندمت الفتاة أناملها ، ونحو ذلك من كل فعل تأخذه على مثال دحرج من اسم جنس رباعى الأصول أو منزل منزلته


ولو كانوا يقولون من الرباعى على قياس الثلاثى لقالوا مثعلبة ومعقربة على وزن المفعول ؛ لأن نظير المفعل فيما جاوز الثلاثة على وزن مفعوله ، نحو مدحرج ومقاتل وممزّق ، كما ذكرنا فى المكان والزمان والمصدر ، ولم يسمع مثعلبة ومعقربة بفتح اللام ؛ فلا تظن أن معنى قول سيبويه «فقالوا على ذلك أرض مثعلبة ومعقرّبة» أن ذلك مما سمع ، بل معنى كلامه أنهم لو استعملوا من الرباعى لقالوا كذا ، قال : ومن قال ثعالة قال مثعلة ؛ لأن ثعالة من الثلاثى ، قال الجوهرى : وجاء معقرة بحذف الباء : أى كثيرة العقارب ، وهو شاذ (١)

قال : «المصغّر المزيد فيه ليدلّ على تقليل ؛ فالمتمكّن يضمّ أوّله ويفتح ثانيه وبعدهما ياء ساكنة ، ويكسر ما بعدها فى الأربعة إلا في تاء التّأنيث وألفيه والألف والنّون المشبّهتين بهما وألف أفعال جمعا».

__________________

(١) لم يذكر المؤلف ولا صاحب الأصل تعريف اسم الآلة ، وسكتاعن بيان الفعل الذى يؤخذ منه ، وعبارة سيبويه فى تعريفه اسم الآلة : أنه ما يعالج به ، وعبارة المفصل وشرحه : اسم ما يعالج به وينقل ، واما أنه يؤخذ من أى الأفعال فانا رأينا العرب قد استعملت أسماء آلات من أفعال ثلاثية متعدية مثل المكسحة والمكنسة والمفتاح والمقراض والمقص ووجدناهم استعملوا أسماء آلات أفعالها الثلاثية المجردة لازمة كالميضئة والمطهرة والمصفاة ، ووجدنا بعض أسماء الآلات مأخوذا على هذا القياس وليس له أفعال ثلاثية مجردة من معناها ، من ذلك المصباح فانا لم نجد له فعلا ثلاثيا من معناه ؛ بل المستعمل منه استصبح أى أشعل السراج ، ومن ذلك المسرجة فان فعلها أسرج ، ووجدناهم قد أخذوا بعض أسماء الآلات من أسماء الأجناس ، ومن ذلك لمخدة ، فانهم أحذوها من الخد ، والملحفة ، فأنهم أخذوها من اللحاف ، وجدنا كل ذلك فى كلام العرب ولكنا نرى ألا يؤخذ اسم الآله من اسم جنس حتى يكون قد استعمل منه فعل ، فأما من الأفعال فيؤخذ من الثلاثى اللازم والمتعدى على إحدى هذه الصيغ التى ذكرها المؤلف والله أعلم


أقول : يعنى المصغر ما زيد فيه شىء حتى يدل على تقليل ؛ فيشمل المهمات كذيّاك واللّذيّا وغيرهما ، والتقليل يشمل تقليل العدد كقولك : «عندى دريهمات» أى أعدادها قليلة ، وتقليل ذات المصغر بالتحقير حتى لا يتوهم عظيما نحو كليب ورجيل ، ومن مجاز تقليل الذات التصغير المفيد للشفقة والتلطف كقولك يا بنىّ ويا أخىّ وأنت صديّقى ، وذلك لأن الصّغار يشفق عليهم ويتلطف بهم ، فكنى بالتصغير عن عزة المصغر على من أضيف إليه ، ومن ذلك التصغير المفيد للملاحة كقولك هو لطيّف مليّح ومنه قوله : ـ

٣ ـ يا ما أميلح غزلا ناشدنّ لنا (١)

[من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر]

وذلك لأن الصغار فى الأغلب لطاف ملاح ، فاذا كبرت غلظت وجهمت ؛ ومن تقليل ذات المصغر تصغير قبل وبعد فى نحو قولك خروجى قبيل قيامك ، أو بعيده ، لأن القبل هو الزمان المتقدم على الشىء ، والبعد هو الزمان المتأخر عنه ، فمعنى قبيل قيامك أى فى زمان متقدم على قيامك صغير المقدار ، والمراد أن الزمان الذى أوله مقترن بأخذى في الخروج وآخره متصل بأخذك فى القيام صغير المقدار ؛ ومنه تصغير الجهات الست كقولك : دوين النهر ، وفويق الأرض ، على ما ذكرنا من التأويل فى قبيل وبعيد ، والغرض من تصغير مثل هذا الزمان والمكان

__________________

(١) هذا البيت قد اختلف فى نسبته إلى قائله فنسه قوم إلى العرجى ونسبه جماعة إلى بدوى سموه كاملا الثقفى ونسبه قوم إلى الحسين بن عبد الرحمن العرينى وأميلح : تصغير أملح ، وهو فعل تعجب من الملاحة وهى البهجة وحسن المنظر ، والفعل ككرم ، والغزلان جمع غزال. وشدن بتشديد النون : فعل ماض مسند إلى نون النسوة وتقول : شدن الغزال يشدن شدونا مثل خرج يخرج خروجا ؛ إذا قوى وطلع قرناه واستغنى عن أمه. وهؤلياء : تصغير هؤلاء. والضال : جمع ضالة وهو السدر البرى (والسدر شجر النبق). والسمر ـ بفتح فضم ـ جمع سمرة ، وهى شجرة الطلح وسقط من الأصل الشطر الثانى من البيت


قرب مظروفهما مما أضيفا إليه من ذلك الجانب الذى أفاده الظرفان ، فمعنى خروجى قبيل قيامك قرب الخروج من القيام من جانب القبلية ، وكذا ما يماثله

وقيل : يجىء التصغير للتعظيم ، فيكون من باب الكناية ، يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية فى العظم ، لأن الشىء إذا جاوز حده جانس ضده ، وقريب منه قول الشاعر : ـ

٣١ ـ داهية قد صغّرت من الكبر

صلّ صفأ ما تنطوى من القصر (١)

واستدل لمجىء التصغير للاشارة إلى معنى التعظيم بقوله : ـ

٣٢ ـ وكلّ أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفرّ منها الأنامل (٢)

وردّ بأن تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاويهم بها ، إذ المراد بها الموت : أى يجيئهم ما يحتقرونه مع أنه عظيم فى نفسه تصفر منه الأنامل ، واستدل أيضا بقوله :

__________________

(١) لم نعثر لهذا البيت على نسبة إلى قائل معين ، ولم يشرحه البغدادى. والداهية : المصيبة من مصائب الدهر ، وأصل اشتقاقها من الدهى ـ بفتح فسكون ـ وهو النكر ، وذلك لأن كل أحد ينكرها. والصل : الحية التى تقتل إذا نهشت من ساعتها ، والصفا. الصخرة الملساء ، ويقال للحية : إنها لصل صفا ، وإنها لصل صفى (كدلى) ، إذا كانت منكرة ، وهو يريد بهذا أنها ضخمة

(٢) هذا البيت للبيد بن ربيعة العامرى. وقوله دويهية هو تصغير داهية ، ويروى فى مكانه خويخية وهو مصغر خوخة ـ بفتح فسكون ـ وهى الباب الصغير أى أنه سينفتح عليهم باب يدخل إليهم منه الشر ، والمراد بالأنامل الأظفار وصفرتها تكون بعد الموت. والشاهد فى هذا البيت قوله دويهية فقد حقق المؤلف أن تصغيرها للتحقير وحكى أنه قيل إن تصغيرها للأشارة إلى التعظيم


٣٣ ـ فويق جبيل شاهق الرّأس لم تكن

لتبلغه حتّى تكلّ وتعملا (١)

ورد بتجويز كون المراد دقة الجبل وإن كان طويلا ، وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده

واعلم أنهم قصدوا بالتصغير والنسبة الاختصار كما فى التثنية والجمع وغير ذلك ؛ إذ قولهم رجيل أخف من رجل صغير ، وكوفى أخصر من منسوب إلى الكوفة ، وفيهما معنى الصفة كما ترى ، لكن المنسوب يعمل رفعا بخلاف المصغر ، لما مر فى شرح (٢) الكافية ، ولما كان استعمال الجمع فى كلامهم أكثر من استعمال

__________________

(١) هذا البيت من قصيدة لأوس بن حجر فى وصف قوس : نصف امتناع منبتها وتجشمه الأهوال إليها ، والقواسون يطلبون العيدان العتاق من منابتها حيث كانت فى السهول والحزون ويستدلون عليها من الرعاء وقناص الوعول ، يجعلون فيها الجعائل وربما أبصر والشجرة منها بحيث لا يستطيعها راق فيتدلون عليها بالحبائل فى المهاوى والمهالك. وفويق : تصغير فوق. وجبيل : تصغير جبل. وتكل تتعب وتعيى ، وبابه ضرب. وتعمل : أراد تجتهد فى العمل

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٦٩): «والوصف الذى يجمع بالواو والنون اسم الفاعل واسم المفعول وأبنية المبالغة ؛ إلا ما يستثنى ، والصفة المشبهة والمنسوب والمصغر نحو رجيلون ؛ إلا أن المصغر مخالف لسائر الصفات من حيث لا يجرى على الموصوف جريها ، وإنما لم يجر لأن جرى الصفات عليه إنما كان لعدم دلالتها على الموصوف المعين كالضارب والمضروب والطويل والبصرى ؛ فانها لا تدل على موصوف معين ، وأما المصغر فانه دال على الصفة والموصوف المعين معا ؛ إذ معنى رجيل رجل صغير ، فوزانه وزان نحو رجل ورجلين فى دلالتهما على العدد والمعدود معا ؛ فلم يحتاجا إلى ذكر عدد قبلهما كما تقدم ، وكل صفة تدل على الموصوف المعين لا يذكر قبلها كالصفات الغالبة ، ويفارقها أيضا من حيث إنه لا يعمل فى الفاعل عملها ؛ لأن الصفات ترفع الفاعلية ما هو موصوفها معنى ، والوصوف فى المصغر مفهوم من لفظه فلا يذكر بعده كما لا يذكر قبله ؛ فلما لم يعمل


المصغر ، وهم إليه أحوج ؛ كثّروا أبنية الجمع ووسّعوها ليكون لهم فى كل موضع لفظ من الجمع يناسب ذلك الموضع ، إذ ربما يحتاج فى الشعر أو السجع إلى وزن دون وزن فقصرهم الجموع على أوزان قليلة كالتصغير مدعاة إلى الحرج ، بخلاف المصغر ، ثم لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها فى الكلام أيضا قليلا ، صاغوها على وزن ثقيل ، إذ الثقل مع القلة محتمل ، فجلبوا لأولها أثقل الحركات ، ولثالثها أوسط حروف المدثقلا ، وهو الباء ، لئلا يكون ثقيلا بمرة ، وجاءوا بين الثقلين بأخف الحركات ، وهو الفتحة ، لتقاوم شيئا من ثقلهما ، والأولى أن يقال : إن الضم والفتح فى عنيق وجميل وصريد غيرهما فى عنق وجمل وصرد ، كما قيل فى فلك وهجان

قوله «فالمتمكن يضم أوله» إنما خص المتمكن لأن المبهمات تصغر على غير هذا النمط ، كما يجىء فى آخر الباب

قوله «فى الأربعة» احتراز من الثلاثى ، لأن ما بعد الياء فيه حرف الإعراب فلا يجوز أن يلزم الكسر ، وكان ينبغى أن يقول «فى غير الثلاثى» ليعم نحو عصيفير (١) وسفيرج ، وإذا حصل بعد ياء التصغير مثلان أدغم أحدهما فى الآخر فيزول الكسر بالادغام ، نحو أصيمّ ومديقّ ، ويعد هذا من باب التقاء الساكنين على حده ، كما يجىء فى بابه ، وهو أن يكون الساكن الأول حرف مدأى ألفا أو واوا أو ياء ما قبلها من الحركة من جنسها ، إذ ما قبل ياء التصغير وإن لم يكن من جنسها لكن لما لزمها السكون أجريت مجرى المدمع أن فى مثل هذا الياء والواو أى الساكن المفتوح ما قبله شيئا من المد ، وإن لم يكن تاما ، ألا ترى أن الشاعر إذا

__________________

فى الفاعل وهو أصل معمولات الفعل لم يعمل فى غيره من الظرف والحال وغير ذلك» اه وسيأتى لهذا الموضوع مزيد بحث فى أول باب النسب

(١) عصيفير : تصغير عصفور ، وفى بعض النسخ عصيفر ـ بمهملتين ـ فتكون تصغير عصفر وهو نبات يصبغ به


قال قصيدة قبل رويّها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهى مردفة ولزمه أن يأتى بها فى جميع القصيدة كما فى قوله : ـ

٣٤ ـ ومهمهين قذفين مرتين

ظهراهما مثل ظهور التّرسين (١)

قوله «إلا فى تاء التأنيث» لأنها كلمة مركبة مع الأولى وإن صارت كبعض حروف الأولى من حيث دوران الاعراب عليها ، وآخر أولى الكلمتين المركبتين مفتوح ، فصار حكم التاء فى فتح ما قبلها فى المصغر والمكبر سواء

قوله «وألفى التأنيث» أى المقصورة والممدودة ، نحو حبيلى وحميراء ، وإنما لم يكسر ما قبلهما إبقاء عليهما من أن ينقلبا ياء ، وهما علامتا التأنيث ، والعلامة لا تغير ما أمكن ، أما لزوم انقلاب علامة التأنيث ياء فى المقصورة فظاهر ، وأما فى الممدودة فالعلامة وإن كانت هى الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث ، والألف التى قبلها للمد كما فى حمار ، لكن لما كان قلب ألف التأنيث همزة لا واوا ولا ياء للألف التى قبلها ، كما ذكرنا فى باب التأنيث ، استلزم قلب الأولى ياء قلب الثانية ياء أيضا كما فى قوله :

٣٥ ـ * لقد أغدو على أشقر يغتال الصّحاريّا (٢) *

__________________

(١) هذان بيتان من الرجز المشطور من أرجوزة طويلة لخطام بن نصر بن عياض بن يربوع المجاشعى الدارمى. ومهمهين : تثنية مهمه وهو القفر المخوف. وقذفين : تثنيه قذف ـ بفتحتين كبطل ـ وهو البعيد من الأرض. ومرتين : تثنية مرت ـ بفتح فسكون ـ وهو الأرض التى لا ماء بها ولا نبات. والظهر : ما ارتفع من الأرض ، شبهه بظهر الترس فى ارتفاعه وتعريه من النبات

(٢) هذا البيت للوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان. وأراد بالأشقر الفرس الذى لونه الشقرة ، وهى حمرة صفة بخلاف الشقرة فى الأنسان ؛ فأنها فيه حمرة يعلوها بياض. ويغتال : يهلك ، واستعاره لقطع المسافة بسرعة شديدة. والصحارى


وقد تغير علامة التأنيث إذا اضطروا إليه ، وذلك إذا وقعت قبل ألف التثنية نحو حبليان ، أو ألف الجمع نحو حبليات ، وإنما جاز تغييرها بلا ضرورة فى نحو حمراوان وحمراوات إجراء لألفى التأنيث الممدودة والمقصورة مجرى واحدا فى قلبهما قبل ألفى التثنية والجمع.

وقد يجىء أسماء فى آخرها ألف للعرب فيها مذهبان : منهم من يجعل تلك الألف للتأنيث فلا يقلبها فى التصغير ياء ؛ ومنهم من يجعلها لغير التأنيث فيكسر ما قبلها ويقلبها ياء ، وذلك نحو علقى وذفرى وتترى ، فمن نونها قال عليق وذفير وتتير ، ومن لم ينونها قال عليقى وذفيرى وتتيرى (١) وكذا يجىء فى الممدودة ما لهم فيه مذهبان كغوغاء (٢) من نوّنه وجعله فعلالا كزلزال قال فى التصغير

__________________

ـ بتشديد الياء ـ جمع صحراء وهى البرية وتشديد الياء فى صحارى هو الأصل فى جمع ما مفرده مثل صحراء كعذارء ولكنهم كثيرا ما يخففون بحذف الياء الأولى لاستثقال الياء المشددة فى آخر الجمع الأقصى مع بقاء كسر ما قبلها ، وقد يخففون بعد ذلك بفتح هذه الكسرة وقلب الياء ألفا كما قالوا عذارى وصحارى ومدارى. وسيأتى لذلك مزيد بحث فى باب جمع التكسير

(١) علقى : شجر تدوم خضرته فى القيظ وله أفنان طوال دقاق وورق لطاف اختلف فى ألفها فبعضهم يجعلها للتأنيث فلا ينونها. وبعضهم يجعلها للألحاق بجعفر وينونها والذفرى : العظم الشاخص خلف الأذن ، واختلف فى ألفها أيضا على النحو السابق. وتترى : أصلها وترى من المواترة وهى المتابعة ، فالتاء بدل من الواو بدلا غير قياسى واختلف فى ألفها أيضا فمنهم من جعلها للالحاق بمنزلة أرطى ومعزى ، ومنهم من يجعلها للتأنيث بمنزلة سكرى وغضبى.

(٢) غوغاء : الأصل فى الغوغاء الجراد حين يخف للطيران ، ثم استعير للسفلة من الناس والمتسرعين إلى الشر ، ويجوز أن يكون من الغوغاء الذى هو الصوت والجلبة لكثرة لغطهم وصياحهم


غويغى ، ومن لم ينونه وجعله كحمراء قال غويغاء ، وكذا فى قوباء (١) من فتح الواو فالألف للتأنيث لا غير ، وتصغيره قويباء ، ومن سكنها وجعله ملحقا بقرطاس فتصغيره قويبىّ

وإنما لم تقلب الألف التى قبل النون الزائدة ياء تشبيها لها بألف حمراء ، وليس كل ألف ونون زائدتين فى آخر الاسم تشبهان بألف التأنيث الممدودة فيمتنع قلب ألفه فى التصغير ياء ؛

فإذا أرادت تمييز ما يقلب ألفه ياء مما لا تقلب فاعلم أنهما إذا كانا فى علم مرتجل نحو عثمان وعمران وسعدان وغطفان وسلمان ومروان شابهتاها ، لأن تاء التأنيث لا تلحقهما لا قبل العلمية ولا معها ، أما قبلها فلفرضنا ارتجالها ، وأما معها فلأن العلمية مانعة كما مر فيما لا ينصرف (٢) ؛ فعلى هذا تقول عثيمان

__________________

(١) قوباء ـ بضم القاف والواو مفتوحة أو ساكنة ـ : الذى يظهر فى الجسد ويخرج عليه وهو داء معروف يتقشر ويتسع يعالج ويداوى بالريق. قال الفراء : «القوباء تؤنث وتذكر ، وتحرك وتسكن ، فيقال هذه قوباء ـ بالتحريك ـ فلا تصرف فى معرفة ولا نكرة ، ويلحق بباب فقهاء ، وهو نادر ، وتقول فى التخفيف هذه قوباء ؛ فلا تصرف فى المعرفة وتصرف فى النكرة» اه ومراده بالتخفيف سكون الواو ، وإنما كانت محتملة للصرف وعدمه حينئذ لكون الألف للالحاق ، ولو كانت للتأنيث لم تنصرف معرفة ولا نكرة ؛ لأن ألف التأنيث تستقل وحدها بالمنع من الصرف

(٢) قال فى شرح الكافية (ج ١ ص ٤٣): «وأما الزيادة فى الأعلام فنقول : إن كان الحرف الزائد لا يفيد معنى كألف التأنيث فى نحو بشرى وذكرى وتاء التأنيث فى نحو غرفة وألف الالحاق فى نحو معزى لم يجز زيادته ؛ لأن مثل ذلك لا يكون إلا حال الوضع ، وكلامنا فيما يزاد على العلم بعد وضعه إذا استعمل على وضعه العلمى ، وكذا الحكم إن لم تفد الزيادة ؛ إلا ما أفاد العلم كتاء الوحدة ولام التعريف ، من غير اشتراك العلم ، وإن أفادت الزيادة معنى آخر فان لم يقع لفظ العلم بذلك المعنى على ما وضع له أولا لم يجز ، لزوال الوضع العلمى ؛ فلا تزيد


عميران وسعيدان وغطيفان وسليمان ومريّان ؛ وأما عثمان فى فرخ الحبارى على ما قيل وسعدان فى نبت فتصغيرهما عثيمين وسعيدين ، وليسا أصلين لسعدان وعثمان علمين ، بل اتفق العلم المرتجل والجنس ، كما اتفق الأعجمى والعربى فى يعقوب وآزر ، وسعدان اسم مرتجل من السعادة كسعاد منها ، وعثمان مرتجل من العثم (١) ، وكذا إن كانتا فى صفة ممتنعة من التاء كجوعان وسكران تشابهانها بانتفاء التاء ، فتقول : سكيران وجويعان ؛ وإن كانتا فى صفة لا تمتنع من التاء كالعريان والنّدمان والصمّيان للشجاع والقطوان للبطىء شبهتا بالألف والنون فى باب سكران ؛ لكونها صفات مثله وإن لحقتها التاء ، فقيل : عريّان ونديمان وصميّان وقطيان ، وإن كانتا فى الاسم الصريح غير العلم فانهما لا تشبهان بالألف والنون فى باب سكران مطلقا ؛ إذ لا يجمعهما الوصف كما جمع عريانا وسكران ، بل ينظر هل الألف رابعة أو فوقها ، فان كانت رابعة نظر ؛ فان كان الاسم الذى هما فى آخره مساويا لاسم آخره لام قبلها ألف زائدة فى عدد الحروف والحركات والسكنات وإن لم يساوه وزنا حقيقيا قلب ألفه فى التصغير ياء تشبيها لها بذلك الألف الذى قبل اللام ، وذلك فى ثلاثة أوزان فقط : فعلان ، وفعلان ، وفعلان ، كحومان وسلطان وسرحان ، فان نون حومان موقعها موقع اللام فى جبّار وزلزال ، وموقع نون

__________________

عليه التاء المفيدة لمعنى التأنيث ، وإن بقى لفظ العلم مع تلك الزيادة واقعا على ما كان موضوعا له جازت مطلقا إن لم يخرج العلم بها عن التعيين كاء النسبة وياء التصغير وتنوين التمكن نحو هاشمى وطليحة ، وإن خرج بها عن التعيين جازت بشرط جبران التعيين بعلامته كما فى الزيدان والزيدون على ما يجىء فى باب الأعلام» اه

(١) العثم ـ بفتح فسكون ـ : جبر العظم المكسور على غير استقامته ، وتقول عثمت المرأة المزادة ـ من باب نصر ـ إذا خرزتها خرزا غير محكم ، وفى المثل «إلا أكن صنعا فانى أعتثم» أى : إن لم أكن حاذقا فأنى أعمل على قدر معرفتى ، والصنع بفتحتين ـ الماهر الحاذق


سلطان كلام قرطاس وزنّار (١) وطومار ، وموقع نون سرحان كلام سربال (٢) ومفتاح وإصباح ، فتقول : حويمين وسليطين وسريحين ، كزليزيل وقريطيس ومفيتيح ، وإن لم يكن الاسم المذكور مساويا لما ذكرنا فيما ذكرنا كالظّربان والسّبعان (٣) وفعلان وفعلان وفعلان وفعلان إن جاءت فى كلامهم لم يشبه ألفها بالألف التى قبل اللام ، إذ لا يقع موقع الألف والنون فيها ألف زائدة بعدها لام ، بل تشبّه الألف والنون فيها بالألف والنون فى باب سكران ، فلانقلب الألف ياء ، نحو ظريبان وسبيعان فى تصغير ظربان وسبعان ، وإنما جاز تشبيههما بها ههنا فى التصغير ولم يجز ذلك فى الجمع فلم يقل ظرابان بل ظرابين لتمام بنية التصغير قبل الألف والنون ، وهى فعيل ، بخلاف بنية الجمع الأقصى ، وإذا جاز لهم لا قامة بنية الجمع الأقصى قلب ألف التأنيت وهى أصل الألف والنون كما فى الدعاوى والفتاوى والحبالي في المقصورة والصحارى فى الممدودة كما يجىء فى باب الجمع فكيف بالألف والنون

__________________

(١) الزنار ـ كرمان ـ ومثله الزنارة : ما يلبسه الذمى يشده على وسطه. والطومار ومثله الطامور كالخابور : الصحيفة ، قال ابن سيده : «قيل هو دخيل وأراه عربيا محضا ؛ لأن سيبويه قد اعتد به فى الأبنية فقال : هو ملحق بفسطاط وإن كانت الواو بعد الضمة ، فانما كان ذلك لأن موضع المد إنما هو قبيل الطرف مجاورا له كألف عماد وياء عميد وواو عمود ، فأما واو طومار فليست للمد ؛ لأنها لم تجاور الطرف ؛ فلما تقدمت الواو فيه ولم تجاور طرفه قال إنه ملحق» اه

(٢) السربال : القميص ، والدرع ، وقيل : كل ما لبس فهو سربال

(٣) الظربان ـ بفتح فكسر ـ والظرباء كذلك ممدودا : دابة تشبه القرد على قدر الهر ، وقيل : تشبه الكلب طويلة الخرطوم سوداء الظهر بيضاء البطن كثيرة الغسو منتنة الرائحة تفسو فى جحر الضب فيخرج من خبث رائحتها فتأكله ، وتزعم الأعراب أنها تفسو فى ثوب أحدهم إذا صادها فلا تذهب رائحته حتى يبلى الثوب. والسبعان ـ بفتح السين وضم الباء ـ : موضع معروف فى ديار قيس ؛ قال ابن مقبل :


وكان قياس نحو ورشان وكروان (١) أن يكون كظربان ، إذ لا يقع موقع نونه لام ، كما لم يقع موقع نون ظربان وسبعان ، لكنه لما جاءت على هذا الوزن الصفات أيضا كالصّميان والقطوان (٢) وشبهت ألفها بألف سكران فلم تقلب كما مر ؛ قصدوا الفرق بينهما ، فقلبت فى الاسم فقيل : وريشين وكريوين (٣) ؛ لأن تشبيه الصفة بالصفة أنسب وأولى من تشبيه الاسم بها

وإن كانت الألف فوق الرابعة : فان كانت خامسة كزعفران وعقربان وأفعوان (٤) لم يجز تشبيهها بالألف التى قبل اللام وقلبها ياء ؛ إذ لا تقلب تلك الألف ياء فى التصغير إلا رابعة كمفتاح ومصباح ، فلم يبق إلا تشبيهها بألف التأنيث

__________________

ألا ياد يار الحىّ بالسبّعان

أملّ عليها بالبلا الملوان

قال فى اللسان : «ولا يعرف فى كلامهم اسم على فعلان (بفتح الفاء وضم العين) غيره» اه

(١) الورشان ـ بفتحات ـ طائر شبه الحمامة ، والأنثى ورشانة ، بجمع على ورشان ـ بالكسر ـ ووراشين ، والورشان أيضا : الجزء الذى يغطيه الجفن الأعلى من بياض المقلة. والكروان بالتحريك ـ طائر ، ويدعى الحجل والقبج (الأول كبطل والثانى كفلس) وجمعه كروان (بكسر فسكون) وكراوين

(٢) الصميان ـ بفتحات ـ من الرجال : الشديد المحتنك السن ، والجرىء الشجاع ، والصميان أيضا : التلفت والوثب : يقال رجل صميان ؛ إذا كان ذاتوثب على الناس والقطوان ـ بفتحات ـ ؛ مقارب الخطو فى مشيه. يقال : قطا فى مشيته يقطو واقطوطى فهو قطوان وقطوطى

(٣) كذا فى جميع النسخ بتصحيح الواو ، والذى يقتضيه القياس كما يأتى فى كلام المؤلف قريبا أن يقال : كريين بقلب الواو التى هى لام ياء وجوبا. اللهم إلا أن يكون أراد الاتيان بها حسب الاصل

(٤) العقربان ـ بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه مع تخفيف الباء وتشديدها ـ : الذكر من العقارب. والأفعوان ـ بضم أوله وثالثه وسكون ثانيه كذلك ـ الذكر من الأفاعى


فقيل : زعيفران وعقيربان وأفيعيان وفى صلّيان (١) صليليان ، وكان القياس أن يقال فى أسطوانة أسيطيانة ، لكنه حذف الواو فيها شاذا ، فصارت الألف رابعة فقيل : أسيطينة ، كثعيمين ، وكذا قيل فى الجمع أساطين ، وكذا قياس إنسان أن يصغر على أنيسين كسريحين لكنه لما زيدياء قبل الألف شاذا فى الأصح كما يجىء فى ذى الزيادة صارت الألف خامسة كما فى أفعوان وعقربان

وإن كانت الألف فوق الخامسة : فان كان فى جملة الأحرف المتقدمة عليها ما يلزمه حذف بحيث تصير الألف بعد حذفه خامسة بقيت بحالها لأنها تصير إذن كما فى عقربان ، وذلك كما تقول فى عبوثران (٢) عبيران ؛ لأن الواو زائدة ، وإن لم يكن كذلك حذفت الألف والنون كما تقول فى قرعبلانة (٣) قريعبة لأنك تحذف الأصلى قبلهما فكيف تخليهما؟

__________________

(١) الصليان نبت له سنمة عظيمة كأنها رأس القصبة إذا خرجت أذنابها تجذبها الابل والعرب نسميه خبزة الأبل ، واختلف علماء اللغة فى وزنه فمنهم من قال إنه على وزن فعلان بكسر الفاء والعين المشددة ـ ، وقال بعضهم : هو فعليان ـ بكسر الفاء واللام وسكون العين ـ

(٢) قال فى اللسان : «العبوثران والعبيثران : نبات كالقيصوم فى الغبرة ، إلا أنه طيب للأكل ، له قضبان دقاق طيب الريح ، وتفتح الثاء فيهما وتضم أربع لغات» اه

(٣) القرعبلانة : دويبة عريضة محبنطئة عظيمة البطن. قال ابن سيده : وهو مما فات الكتاب من الأبنية ، إلا أن ابن جنى قد قال : كأنه قرعبل ولا اعتداد بالألف والنون بعدها ، على أن هذه اللفظة لم تسمع إلا فى كتاب العين. قال الجوهرى : أصل القرعبلانة قرعبل فزيدت فيه ثلاثة حروف لأن الاسم لا يكون على أكثر من خمسة أحرف وتصغيره قريعبة. قال الأزهرى : ما زاد على قرعبل فهو فضل ليس من حروفهم الأصلية. قال : ولم يأت اسم فى كلام العرب زائدا على خمسة أحرف إلا بزيادات ليست من أصلها أو وصل بحكاية كقولهم

فتفتحه طورا وطورا تجيفه

فتسمع فى الحالين منه جلن بلق


وأما العلم المنقول عن الشىء فحكمه حكم المنقول عنه ، تقول فى سرحان (١) وورشان وسلطان أعلاما : سريحين ووريشين وسليطين ، تكون قبل التصغير غير منصرفة للعلمية والألف والنون ، وتنصرف بعد التصغير لزوال الألف بانقلابها ياء ، وهذا كما لا ينصرف معزى علما لمشابهة ألفها لألف التأنيث فاذا صغرته صرفته لانقلابها ياء نحو معيز ، وتقول فى ظربان وعقربان وسكران وندمان أعلاما : ظريبان وعقيربان وسكيران ونديمان كما كانت قبل النقل إلى العلمية ، وهذا كما تقول فى أجمال علما : أجيمال ، بالألف على ما ذكره سيبويه

هذا ، ثم إن النحاة قالوا فى تعريف الألف والنون المشبهتين بألف التأنيث : كل ما قلب ألفه فى الجمع ياء فاقلبها فى التصغير أيضا ياء ، وما لم تقلب فى التكسير فلا تقلب فى التصغير ، وهذا رد إلى الجهالة ، ولا يطرد ذلك في نحو ظربان لقولهم ظريبان وظرابين ، وما لم يعرف هل قلب ألفه فى التكسير أو لا اختلفوا فيه : فقال السيرافى وأبو على : لا تقلب ألفه حملا على باب سكران ؛ لأنه هو الأكثر ، وقال الأندلسى : يحتمل أن يقال : الأصل عدم التغيير ، وأن يقال : الأصل الحمل على الأكثر فتغير والله أعلم ، وإنما لم تغير ألف أفعال إبقاء على علامة ما هو مستغرب فى التصغير ، أعنى الجمع ، وذلك لأنهم ـ كما يجىء ـ لم يصغروا من (٢) صيغ الجمع المكسر إلا الأربعة الأوزان التى للقلة ، وهى : أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة ،

__________________

حكى صوت باب ضخم فى حالتى فتحه وإسفاقه وهما حكايتان متباينتان جلن على حده وبلق على حدة ؛ إلا أنهما التزقا فى اللفظ فظن غير المميز أنهما كلمة واحدة» اه

(١) السرحان : الذثب ، وقيل : الأسد بلغة هذيل. قال سيبويه ؛ النون زائدة وهو فعلان ، والجمع سراحين وسراحن وسراحى

(٢) إنما لم يصغروا جموع الكثرة لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بابقاء لفظ جمع الكثرة لكون ذلك يشبه أن يكون تناقضا


فكان تصغير الجمع مستنكرا فى الظاهر ، فلو لم يبقوا علامته لم يحمل السامع المصغر على أنه مصغر الجمع لتباين بينهما فى الظاهر ، وأما ألف نحو إخراج وإدخال فهى وإن كانت علامة المصدر إلا أنها تقلب فى التصغير ياء ، إذ لا يستغرب تصغير المصدر استغراب تصغير الجمع ، وإذا سميت بأجمال قلت أيضا أجيمال كما ذكرنا.

قال : «ولا يزاد على أربعة ، ولذلك لم يجىء فى غيرها إلّا فعيل وفعيعل وفعيعيل ، وإذا صغّر الخماسىّ على ضعفه فالأولى حذف الخامس ، وقيل : ما أشبه الزّائد ، وسمع الأخفش سفير جل»

أقول : قوله «ولا يزاد على أربعة» عبارة ركيكة ، مراده منها أنه لا يصغر الخماسى ، أى : لا يرتقى إلى أكثر من أربعة أحرف أصول فى التصغير ؛ لأن للأسماء ثلاث درجات : ثلاثى ، ورباعى ، وخماسى ؛ فيصغر الثلاثى ، ويزاد عليه أن يرتقى منه إلى الرباعى أيضا ، فيصغر ، ولا يزاد على الرباعى : أى لا يزاد الارتقاء عليه ، بل يقتصر عليه ؛ فان صغرته على ضعفه فالحكم ما ذكر من حذف الخامس

قوله «ولذلك» أى لأنه لا يرتقى من الرباعى لا تتجاوز أمثلة التصغير عن ثلاثة ، وذلك أنه إن كان ثلاثيا على أى وزن كان من الأوزان العشرة فتصغيره على فعيل ، وإن كان رباعيا فإما أن يكون مع الأربعة مدة رابعة أولا ، فتصغير الأول فعيعيل ، وتصغير الثانى فعيعل ، وحكى الأصمعى فى عنكبوت عنيكبيت وعنا كبيت ، وهو شاذ

قوله «لم يجىء فى غيرها» أى : فى غير ذى تاء التأنيث ، وذى ألف التأنيث ، وذى الألف والنون المشبهتين بها ، وذى ألف أفعال ؛ وأما فيها فيجىء غير الأمثلة الثلاثة ويجىء الأمثلة الثلاثة قبل تاء التأنيث ، كقديرة وسليهبة وز نيميرة (١)

__________________

(١) القدر ـ بكسر فسكون ـ : معروف وهى مؤنثة بغير تاء. قال فى اللسان :


فى زنبورة ، وكذا قبل ألف التأنيث الممدودة ، نحو حميراء وخنيفساء ومعيّيراء (١) فى معيوراء ، وكذا قبل الألف والنون نحو سليمان وجعيفران وعبيثران بابدال الياء من الواو المحذوفة ، ولا يجىء قبل ألف الجمع إلا فعيل كأجيمال ، وكذا قبل ألف التأنيث المقصورة لا يجىء فعيعل وفعيعيل ، لأنها تحذف خامسة فى التصغير كما يجىء.

وكان على المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضا نحو بريدى فى بردىّ (٢) ومشيهدى في مشهديّ ومطيليقى فى منطلقى ، بابدال الياء من النون ، فيقول : لم يجئ فى غيرها وغير المنسوب بالياء إلا كذا

__________________

«وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس. قال الأزهرى : القدر مؤنثة عند جميع العرب بلاهاء فاذا صغرت قلت لها قديرة وقدير ، بالهاء وغير الهاء ، والسليهبة تصغير السلهبة والسلهبة بفتح السين والهاء بينهما لام ساكنة الجسيمة من النساء ، ويقال فرس سلهب وسلهبة للذكر إذا عظم وطال وطالت عظامه. وزنيبيرة تصغير زنبورة كما قال المؤلف والزنبورة والزنبور والزنبار (كقرطاس) ضرب من الذباب لساع. قال الجوهرى : الزنبور الدبر (النحل) وهى تؤنث ، والزنبار لغة فيه حكاها ابن السكيت ، ويجمع الزنابير ، وأرض مزبرة كثيرة الزنابير كأنهم ردوه إلى ثلاثة أحرف وحذفوا الزيادات ثم بنوا عليه كما قالوا أرض معقرة ومثعلة أن ذات عقارب وثعالب

(١) المعيوراء : اسم لجمع العير ، قال الأزهرى : المعيورا : الحمير ، مقصور ، وقد يقال المعيوراء ممدودة مثل المعلوجاء والمشيوخاء والمأتوناء يمد ذلك كله ويقصر

(٢) البردى ـ بضم الباء وسكون الراء ـ : ضرب من تمر الحجاز جيد معروف عند أهل الحجاز ، وفى الحديث أنه أمر أن يؤخذ البردى فى الصدقة. والبردى ـ بفتح الباء ـ نبت معروف ، واحدته بردية ، وهذه الياء التى فى بردى على اختلاف ضبطيه ليست ياء النسب ، وإنما هى ياء زيدت لا للدلالة على معنى كياء الكرسى وقد صرح بذلك المؤلف فى أول باب النسب من هذا الكتاب ، فتسميته لها هنا ياء النسبة فيه تسامح ، والمراد أنها على صورة ياء النسبة


فان قال فعيلىّ هو فعيل ، والياء زائدة

قلنا : لا شك فى زيادتها إلا أنها صارت كجزء الكلمة ، مثل تاء التأنيث ، بدليل دوران إعراب الكلمة عليها كما على التاء

وتصح المعارضة بنحو حميزة وحبيلى وحميراء ؛ فانها فعيل ، والتاء والألفان زوائد.

وهلا ذكر المثنى والمجموع نحو العميران والعميرون ، فقال : ويكسر ما بعدها إلا فى تاء التأنيث وألفيه وياء النسبة وألف المثنى ويائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف أفعال والألف والنون المضارعتين وكذا فى المركب نحو بعلبك

قوله «فالأولى حذف الخامس» لأن الكلمة ثقيلة بالخمسة الأصول ، فاذا زدت عليها ياء التصغير زادت ثقلا ، وسبب زيادة الثقل وإن كانت زيادة الياء لكنه لا يمكن حذفها إذ هى علامة التصغير ، فحذف ما صارت به الكلمة مؤدية إلى الثقل بزيادة حرف آخر عليها ؛ وذلك هو الخامس ، ألا ترى أن الرباعى لا يستثقل بزيادة الياء عليه ، فحذف الحرف الخامس مع أصالته

فان قيل : أليس فى كلام العرب ما هو زائد على الخماسى نحو قبعثرى وسلسبيل (١) وغير ذلك؟؟

قلت : بلى ؛ لكن تلك الزيادات ليست بقياسية فلا يكثر المزيد فيه بسببها إذ كل واحد كالشاذ فى زنته ، وأما زيادة ياء التصغير فقياس ؛ فلو سنوا قاعدة زيادتها على الخماسى الأصلى حروفه لصارت قياسا ؛ فيؤدى إلى الكثرة ، إذ يصير لهم قانون يقاس عليه

فان قيل : أليس مثل مستخرج قياسا؟

__________________

(١) انظر كلمة قبعثرى (ص ٩ ه‍ ٥) من هذا الجزء و (ص ٥٢ س ١) أيضا وكلمة سلسبيل (ص ٥٠)


قلت : بلى ، لكنه مبنى على الفعل وجار مجراه ، وجاز ذلك فى الفعل كثيرا غالبا قريبا من القياس ، نحو استخرج واحرنجم ؛ لكونه أقل أصولا من الاسم إذ لا يجىء منه الخماسى الأصلى حروفه ، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمكنها أشد وأقوى.

قوله «وقيل ما أشبه الزائد» اعلم أن من العرب من يحذف فى الخماسى الحرف الذى يكون من حروف «اليوم تنساه» وإن كان أصليا لكونه شبيه الزائد ، فاذا كان لا بد من حذف فحذف شبه الزائد أولى ، كما أنه إذا كان فى كلمة على خمسة زائد حذف الزائد أين كان نحو دحيرج فى مدحرج ، لكن الفرق بين الزائد حقيقة وبين الأصلى المشبه له بكونه من حروف «اليوم تنساه» أن مثل ذلك الأصلى لا يحذف إلا إذا كان قريب الطرف بكونه رابعا ، بخلاف الزائد الصرف ؛ فانه يحذف أين كان ، فلا يقال فى جحمرش جحبرش لبعد الميم من الطرف ، كما يقال فى مدحرج دحيرج ، وقال الزمخشرى : إن بعض العرب يحذف شبه الزائد أين كان ، وهو وهم على ما نص عليه السيرافي والأندلسى ؛ فان لم يكن مجاور الطرف شيئا من حروف «اليوم تنساه» لكن يشابه واحدا منها فى المخرج حذف أيضا ، فيقال في فزردق : فريزق ، لأن الدال من مخرج التاء

قوله «وسمع الأخفش سفيرجل» يعنى باثبات الحروف الخمسة كراهة لحذف حرف أصلى ، وبابقاء فتحة الجيم كما كانت ، وحكى سيبويه عن بعض النحاة فى التصغير والتكسير سفيرجل وسفارجل ـ بفتح الجيم فيهما ـ فقال الخليل لو كنت محقرا للخماسى بلا حذف شىء منه لسكنت الحرف الذى قبل الأخير فقلت سفيرجل قياسا على ما ثبت فى كلامهم ، وهو نحو دنينير ، لأن الياء ساكنة

قال «ويردّ نحو باب وناب وميزان وموقظ إلى أصله لذهاب المقتضى ؛ بخلاف قائم وتراث وأدد ، وقالوا عييد لقولهم أعياد»


أقول : اعلم أن الاسم إما أن يكون فيه قبل التصغير سبب قلب أو حذف أولا : فان كان فإما أن يزيل التصغير ذلك السبب ، أولا ؛ فما يزيل التصغير سبب القلب الذى كان فيه نحو باب وناب ، ونحو ميزان وموقظ ، ونحو طىّ ولىّ ، ونحو عطاء وكساء ، ونحو ذوائب وماء وشاء عند المبرد ، وفم ، ونحو قائم وبائع ، ونحو أدؤر والنّؤر ، ونحو متّلج ومتّعد (١) ؛ وما يزيل التصغير سبب الحذف الذى

__________________

(١) المعروف أن أول المصغر مضموم وثانيه مفتوح دائما وباب وناب المكبران ألفهما مقلوبة عن الواو والياء لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، فاذا صغرا زال فتح ما قبل الواو والياء الذى هو شطر سبب القلب ، وميزان أصله موزان قلبت واوه ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فاذا صغر ضم أوله فزال ، سبب القلب. وموقظ أصله ميقظ أندلت ياؤه واوا لسكونها إثر ضمة فاذا صغر ضم أوله وفتح ثانيه فزال سبب قلب الياء واوا. وطى ولى أصلهما طوى ولوى أبدلت واو هما ياء لاجتماعها مع الياء وسبقها بالسكون فاذا صغرا ضم أولهما وفتح ثانيهما فيزول سبب قلب الواو ياء. وعطاء وكساء أصلهما عطا وكساو أبدلت واوهما ألفا ثم همزة أو همزة من أول الأمر على اختلاف العلماء فى ذلك لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة فاذا صغرا أبدلت ألفهما ياء لوقوعها بعد ياء التصغير فيزول سبب قلب الواو ألفا أو همزة. وذوائب أصلها ذآئب فكرهوا اكتناف همزتين للالف التى هى فى حكم العدم فأندلوا الهمزة الأولى واوا إبدالا شاذا فأذا صغر ذوائب اسم رجل حذفت الألف ، فتقع ياء التصغير فاصلة بين الهمزتين فيزول سبب إبدال الهمزة الأولى واوا. وماء وشاء أصلهما موه وشوه قلبت عينهما ألفا ثم لا مهما همزة لأن الهاء عندهم من الحروف الخفية وكذلك الألف فكرهوا وقوع حرف خفى بعد مثله فأبدلوا الهاء همزة لقربها منها فى المخرج ، فاذا صغرا ضم أولهما فيزول سبب قلب عينهما ألفا وسبب قلب لامهما همزة. وفم أصله فوه حذفت لامه اعتباطا ثم أبدلت واوه ميما لأن الاسم المعرب لا يكون على حرفين ثانيهما لين ، فاذا صغر ردت لامه لتتم بها بنية التصغير فيزول سبب قلب الواو ميما. وقائم وبائع أصلهما قاوم وبايع قلبت عينهما ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها إذ الألف لزيادتها فى حكم العدم ، فاذا صغرا زال سبب قلب عينهما ألفا ،


كان فيه نحو عصا وفتى وعم (١) والسبب هو اجتماع الساكنين ، وقريب منه ما لم يزل التصغير سبب الحذف لكنه عرض فى التصغير ما يمنع من اعتبار ذلك السبب ، كالثلاثى المحذوف منه حرف إما لقصد التخفيف على غير قياس نحو سه وغد ، ونحو ابن واسم وبنت وأخت وحم ؛ فان قصد التخفيف بالحذف لا يمكن اعتباره فى التصغير ؛ إذ لا يتم الوزن بدون المحذوف ، وإما لإعلال قياسى كعدة وزنة ، وما لا يزيل التصغير سبب القلب الذى كان فى مكبره نحو تراث وأدد (٢) وما لا يزيل التصغير سبب الحذف الذى كان فى مكبره كميت

__________________

لوقوعها بعد ياء التصغير وهى ساكنة. وأدؤر جمع دار وأصله أدور قلبت الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا ، فاذا صغر وقعت العين بعد ياء التصغير فى اسم زائد على الثلاثة فوجب أن تكون مكسورة فزال سبب قلب العين همزة. والنؤور بزنة صبور : النيلج ودخان الشحم ؛ وحصاة كالاثمد تدق فتسفها اللثة. والنؤور أيضا المرأة النفور من الريبة ، وأصل النؤر النوور ، قلبت الواو همزة جوازا لكونها مضمومة ضما لازما ، فأذا صغر زال سبب قلبها همزة لأنها تقع ثانيا فى المصغر ، وهو مفتوح على ما قدمنا. وأصل متلج ومتعد موتلج وموتعد (بوزان مفتعل) من الولوج والوعد فقلبت الواو فيهما تاء لوقوعها قبل تاء الافتعال ثم أدغمت فى التاء ، فأذا صغرا حذفت تاء الافتعال لأنها تخل بصيغة التصغير فيزول بحذفها سبب قلب الواو تاء

(١) أصل عصا وفتى عصو وفتى قلبت لامهما ألفا لتحركهما وانفتاح ما قبلهما ، ثم حذفت الألف تخلصا من التقاء الساكنين ، وكذا التنوين ، فاذا صغرا زال سبب قلب لامهما ألفا لوقوعها بعد ياء التصغير التى هى ساكنة ، ومتى زال سبب القلب ألفا زال سبب الحذف. وأصل عم عمى استثقلت الضمة أو الكسرة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء ، فاذا صغر وقعت الياء بعد ياء التصغير الساكنة فلا تستثقل الحركة عليها كما لم تستثقل على نحو ظبى ، فيزول سبب الحذف

(٢) التراث كغراب : المال الموروث ، أصله وراث استثقلوا الواو المضمومة فى أول الكلمة فأبدلوها تاء إبدالا غير قياسى. وأدد : علم شخصى ، وأصله ودد فقلبت


وهار وناس ويرى وأرى ونرى وترى ويضع وتضع وخير وشر (١)

وإن لم يكن فيه قبل التصغير سبب قلب ولا حذف فإما أن يعرض فى التصغير ذلك كعروض سبب قلب ألف نحو ضارب وحمار ، وواو جدول وأسود وعروة ومزود وعصفور وعروض (٢) ؛ وكعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل ، وثالثة ياآت نحو أحوى (٣) ومعاوية وعطاء ، وألف نحو مساجد ، وما يحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق وانطلاق ونحوها ، وإما أن لا يعرض فيه ذلك كما فى تصغير نحو رجل وجعفر

__________________

الواو المضمومة ضمة لازمة همزة جوازا ، فاذا صغر واحد من هذين اللفظين لم يزل التصغير سبب القلب فيه لبقاء الضمة.

(١) المحذوف من ميت ياء ، والمحذوف من هار ياء أيضا كقاض ، والمحذوف من ناس همزة ، وأصله أناس ، والمحذوف من يرى وأخواته همزة وأصلهن يرأى وأرأى ونرأى وترأى ، والمحذوف من يضع وتضع واو وهى فاء الكلمة وأصله يوضع وتوضع ، والمحذوف من خير وشر همزة أفعل وأصلهما أخير وأشرر ، وسبب الحذف فى جميع هذه الكلمات هو قصد التخفيف ، وهذا السبب لا يزول عند التصغير ، بل تشتد الداعية إليه

(٢) العروة من الدلو والكوز : المقبض ، ومن الثوب أخت زره. والمزود ـ كمنبر ـ : وعاء الزاد. والعروض : اسم مكة والمدينة وما حولهما ، والناقة الصعبة التى لم ترض ، وميزان الشعر ، واسم الجزء الأخير من النصف الأول من البيت ، والطريق فى عرض الجبل فى مضيق

(٣) الأحوى : وصف من الحوة ـ بضم الحاء وتشديد الواو ـ وهو سواد إلى الخضرة ، أو حمرة إلى السواد ، وفعله حوى كرضى. ومعاوية : أصله اسم فاعل من عاوى ، وتقول : تعاوت الكلاب وعاوى الكلب الكلب ، إذا تصايحا ونبح أحدهما الآخر وأطلقوا معاوية على الكلبة التى تصيح عند السفاد ، وأطلقوه أيضا على جرو الثعلب ، وقالوا أبو معاوية للفهد ، ومن أسمائهم معاوية


فالقسم الذى أزال التصغير سبب القلب الذى كان فيه اختلف فى بعضه : هل ينتفى المسبب لزوال السبب أولا؟ واتفق فى بعضه على أنه ينتفى ذلك بانتفاء سببه ؛ فمما اتفقوا فيه على رجوع الأصل الألف المنقلبة عن الواو والياء ثانية لتحركها وانفتاح ما قبلها ، تقول فى باب وناب : بويب ونييب ؛ لزوال فتحة ما قبلهما ، وبعض العرب يجعل المنقلبة عن الياء فى مثله واوا أيضا حملا على الأكثر ؛ فإن أكثر الألفات فى الأجوف منقلبة عن الواو ، وهذا مع مناسبة الضمة للواو بعدها ، وبعض العرب يكسر أول المصغر فى ذوات الياء نحو نييب وشييخ ، خوفا على الياء من انقلابها واوا لضمة ما قبلها ، وتفصّيا من استثقال ياء بعد ضمة لو بقيتا كذلك ، وهذا كما قيل فى الجمع بيوت وشيوخ ـ بكسر الفاء ـ وقرىء به فى الكتاب العزيز ، وإذا كان الألف فى نحو باب مجهول الأصل وجب قلبها فى التصغير واوا عند سيبويه ؛ لأن الواو على ما مر أقرب ؛ فتقول فى تصغير صاب وآءة (١) ـ وهما شجران ـ : صويب وأويأة ، والأخفش يحملها على الياء لخفتها فيقول : صييب وأييأة ، وتقول فى «رجل خاف» أى خائف ، و «كبش صاف» برفع لا ميهما : خويف وصويف ، بالواو لا غير ؛ لأنه يجوز أن يكون أصله خائفا وصائفا فحذفت العين ، فتكون

__________________

(١) الصاب : شجر مر ، واحدته صابة ، قيل : هو عصارة الصبر ، وقيل : هو شجر إذا اعتصر خرج منه كهيئة اللبن وربما نزت منه نزية أى قطرة فتقع فى العين كأنها شهاب نار ، وربما أضعف البصر. قال أبو ذؤيب الهذلى : ـ

إنّى أرقت فبتّ اللّيل مشتجرا

كأنّ عينى فيها الصّاب مذبوح

والآء ـ بوزن عاع ـ : شجر واحدته آءة ، قال الليث : الآء شجر له ثمريا كله النعام. قال : وتسمى الشجرة سرحة وثمرها الآء ، ومن كلامه الأخير قال المجد فى القاموس : «الآء ثمر شجر ، لا شجر ، ووهم الجوهرى»


الألف زائدة ، فوجب قلبها واوا كما فى ضويرب ، وأن يكون خوفا وصوفا كقولك : رجل مال ، من مال يمال كفزع يفزع ، فترد الألف إلى أصلها كما فى بويب ؛ وكذا تقول : إن الألف فى فتى ترد إلى أصلها لزوال فتحة ما قبلها ، وكذا فى العصا ترد إلى الواو ، لكنها تقلب ياء لعروض علة قلبها فى التصغير ياء

ومن المتفق عليه رد الياء المنقلبة عن الواو لسكونها وانكسار ما قبلها إلى أصلها نحو ميقات وريح ، تقول فى تصغيرهما : مويقيت ورويحة ، لزوال الكسر والسكون ، وهذا كما تقول فى الجمع مواقيت ، وحكى بعض الكوفيين أن من العرب من لا يردها فى الجمع إلى الواو ، قال : ـ

٣٦ ـ حمى لا يحلّ الدّهر إلّا بأمرنا

ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (١)

__________________

(١) ورد هذا البيت فى نوادر أبى زيد الأنصارى الثقة عند سيبويه (ص ٦٤) منسوبا إلى عياض بن درة ، وهو شاعر جاهلى طائى ، وذكر قبله بيتا آخر ، وهو :

وكنّا إذا الدّين الغلبّى برى لنا

إذا ما حللناه مصاب البوارق

وقال فى شرحه «الدين : الطاعة ، والغلى : المغالبة ، وبرى لنا : عرض لنا ، يبرى بريا ، وانبرى ينبرى انبراء» اه ، ومثل هذا بنصه فى شواهد العينى ، وتبعه البغدادى فى شرح شواهد الشافية إلا أنه ضبط مصابا بفتح الميم ، وقال : هو اسم مكان من صابه المطر ، إذا مطر ، والصوب : نزول المطر ، والبوارق : جمع بارقة وهى سحابة ذات برق. والغلبى : ليس مصدرا للمفاعلة إنما هو أحد مصادر غلبه يغلبه غلبا بسكون اللام وغلبا بتحريكها وغلبة بالحاق الهاء وغلابية كعلانية وغلبة كحذقة وغلبى ومغلبة بفتح اللام كذا فى العباب ، والاستشهاد بالبيت عند المؤلف على أن من العرب من لا يرد الواو المنقلبة ياء فى الجمع


وإنما قالوا عييد فى تصغير عيد ليفرقوا بينه وبين تصغير عود ، وكذلك فرقوا جمعيهما فقالوا أعياد فى جمع عيد وأعواد فى جميع عود (١)

وكذا اتفقوا على ردّ الأصل فى قريريط ودنينير لزوال الكسر الموجب لقلب أول المضعف ياء ، كما قيل قراريط ودنانير.

وكذا اتفقوا على رد أصل الياء التى كانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما ، كما تقول فى تصغير طىّ ولىّ : طوىّ ولوىّ ؛ لتحرك الأولى فى التصغير ، وكذا تقول : طويّان ورويّان فى تصغير طيّان (٢) وريّان ، كما تقول فى الجمع : طواء ورواء ، وكذا إذا حقرت قيّا (٣) وأصله قوى كحبر من الأرض القواء : أى القفر.

وكذا اتفقوا على رد أصل الهمزة المبدلة من الواو والياء لتطرفها بعد الألف الزائدة ، نحو عطاء وقضاء ، فتقول : عطىّ ، تردها إلى الواو ، ثم تقلبها ياء لانكسار ما قبلها ، ثم تحذفها نسيا لاجتماع ثلاث ياآت كما يجىء ، وكذا تقلب همزة الإلحاق فى حرباء ياء ، فتقول : حريبى ، لأن أصلها ياء كما يجىء فى باب الاعلال

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف وجه غير الوجه الذى يتبادر من عبارة ابن الحاجب ، فحاصل ما ذكره ابن الحاجب أنهم لم يردوا الياء التى فى عيد إلى أصلها وهو الواو عند التصغير حملا للتصغير على الجمع ، أما ما ذكره المؤلف فحاصله أنهم لم يردوها للفرق بين تصغير عيد وعود كما فرقوا بين جمعيهما

(٢) طيان : صفة مشبهة من طوى يطوى ـ كرضى يرضى ـ ومصدره الطوى ـ كالجوى وكالرضا ـ والطيان هو الذى لم يأكل شيئا

(٣) القى ـ بكسر أوله ـ والقواء ـ بفتح القاف ممدودا ومقصورا ـ الأرض القفر الخالية من الأهل. وفى حديث سلمان «من صلى بأرض قى فأذن وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطره»


وإن كانت الهمزة أصلية خليتها كأليّئة فى تصغير ألاءة (١) ، وإن لم تعرف هل الهمزة أصل أو بدل من الواو والياء خلّيت الهمز فى التصغير بحاله ولم تقلبه ، إلى أن يقوم دليل على وجوب انقلابه ؛ لأن الهمزة موجودة ، ولا دليل على أنها كانت فى الأصل شيئا آخر ، وكذلك ترد أصل الياء الثانية فى بريّة (٢) وهو الهمزة عند من قال : إنها من برأ أى خلق ؛ لأنها إنما قلبت ياء لكون الياء قبلها ساكنة حتى تدغم فيها ، ومن جعلها من البرى ـ وهو التزاب ـ لم يهمزها فى التصغير ، وكذا النبى أصله عند سيبويه الهمز ، لقولهم تنبأ مسيلمة (٣) فخففت بالإدغام كما فى برية ؛ فكان قياس التصغير نبيّىء ، قال سيبويه : لكنك إذا صغرته أو جمعته على أفعلاء كأنبياء تركت الهمزة لغلبة تخفيف الهمزة فى النبى فتقول فى التصغير نبىّ بياءين على حذف الثالث كما فى أخىّ ، وقد جاء النّبآء

__________________

(١) قال فى القاموس : «الألاء ـ كسحاب ـ ويقصر : شجر مردائم الخضرة واحدته ألاءة وألاء أيضا»

(٢) قال فى اللسان : «فى التهذيب البرية أيضا الخلق بلا همز. قال الفراء : هى من برأ الله الخلق أى خلقهم ، وأصلها الهمز ، وقد تركت العرب همزها ونظيره النبى والذرية. وأهل مكة يخالفون غيرهم من العرب يهمزون البريئة والنبئ والذريئة من ذرأ الله الخلق وذلك قليل. قال الفراء : وإذا أخذت البرية من البرى وهو التراب فأصلها غير الهمزة. وقال اللحيانى : أجمعت العرب على ترك همز هذه الثلاثة ولم يستثن أهل مكة»

(٣) قال سيبويه (ج ٢ ص ١٢٦) : فأما النبى فان العرب قد اختلفت فيه ، فمن قال النبآء قال كان مسيلمة نبىء سوء (مصغرا) وتقديرها نبيع ، وقال العباس بن مرداس :

يا خاتم النّبئاء إنّك مرسل

بالحقّ كلّ هدى السّبيل هداكا

ذا القياس ، لأنه مما لا يلزم ، ومن قال أنبياء قال نبى سوء (مصغرا) كما قال فى عيد حين قالوا اعياد عييد» وبما نقلناه من عبارة سيبويه يتبين لك ما فى عبارة المؤلف من قصور عن أداء المعنى الذى يؤخذ من عبارة سيبويه


وكذا اتفقوا على رد الألف فى آدم إلى أصلها ، وهو الهمزة ، فى التصغير والجمع ، لكنه يعرض للهمزة فيهما ما يوجب قلبها واوا ، وذلك اجتماع همزتين متحركتين لافى الآخر غير مكسورة إحداهما ، كما يجىء فى باب تخفيف الهمز.

وكذا اتفقوا على أنك إذا صغرت ذوائب اسم رجل قلت : ذؤيئب بهمزتين مكتنفتين للياء ، لأن أصل ذوائب ذآئب بهمزتين ، إذ هى جمع ذؤابة (١) فكره اكتناف همزتين للألف التى هى لخفتها كلا فصل ، فأبدلوا الأولى شاذا لزوما واوا ، وإنما لم يقلبوا الثانية لتعود الأولى إلى القلب فى المفرد : أى فى ذؤابة ، وإنما أبدلت واوا لأنها أبدلت فى مفرده ذلك ، وليكون كأوادم وجوامع ، هذا ، وقال سيبويه فى تصغير شاء : شوىّ ، قال : أصل شاء إما شوى أو شوو قلبت العين ألفا واللام همزة وكلاهما (٢) شاذ ، وفيه جمع بين إعلالين ، والقياس قلب اللام

__________________

(١) الذؤابة ـ بضم أوله ـ : الناصية أو منبتها من الرأس ، وشعر فى أعلى ناصية الفرس ، وأعلى كل شىء

(٢) أما شذوذ قلب العين ألفا مع تحركها وانفتاح ما قبلها فلأن من شرط هذا القلب ألا تكون اللام حرف علة ، وأما شذوذ قلب اللام همزة فلأنها وقعت بعد ألف ليست زائدة. والاعلالان هما قلب العين ألفا واللام همزة. وقد نقل المؤلف عبارة سيبويه بالمعنى والاستنتاج وزاد فيها ، وها نحن أولاء نسوقها إليك بنصها. قال (ج ٢ ص ١٢٦): «وأما الشاء فان العرب تقول فيه شوى ، وفى شاة شويهة ، والقول فيه أن شاء من بنات الياءات أو الواوات التى تكون لامات ، وشاة من بنات الواوات التى تكون عينات ولامها هاء ، كما كانت سواسية ليس من لفظ سى ، كما كانت شاء من بنات الياءات التى هى لامات ، وشاة من بنات الواوات التى هى عينات ، والدليل على ذلك هذا شوى ، وإنما ذا كامرأة ونسوة ، والنسوة ليست من لفظ امرأة ، ومثله رجل ونفر» اه ، وقول سيبويه «وإنما ذا كامرأة ونسوة» يريد به أن شاء اسم جمع لا واحد له من لفظه بل من معناه وهو شاة كما أن نسوة اسم جمع له واحد من معناه دون لفظه وهو امرأة


فقط ألفا ، قال : ليس لفظ شاء من شاة لأن أصلها شوهة بدليل شويهة ، بل هو بالنسبة إلى شاة كنسوة إلى امرأة ، واستدل على كون لامه حرف علة بقولهم فى الجمع شويّ ككليب ، وقال المبرد : شوىّ من غير لفظ (١) شاء ، وأصل شاء شوه فهو من شاة كتمر من تمرة ، قلبت العين ألفا على القياس ، كما فى باب ، ثم قلبت الهاء همزة لخفائها بعد الألف الخافى أيضا ، وهذا كما أن أصل ماء موه ، قال : فتقول فى تصغير شاء : شويه ، كما تقول فى ماء : مويه ، لزوال الألف الخافى فى التصغير ، فترد اللام إلى أصلها ، كما تقول فى الجمع : شياه ، ومياه

وكذا اتفقوا على رد ميم «فم» إلى أصله ، وهو الواو ، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع الساكنين ، فيبقى الاسم على حرف

وما اختلف فى هذا القسم فى رجوع الحرف المقلوب فيه إلى أصله باب قائم ونائم ، وباب أدؤر والّنؤر ، بالهمزة ، وباب متّعد ، قال سيبويه فى الجميع : لا ترد إلى أصولها فى التصغير ، بل تقول : قويئم ، وأديئر ، بالهمزة بعد الياء فيهما وكذا نؤيّر ، بالهمزة قبل الياء ، ومتيعد ومتيزن ، ولعل ذلك لأن قلب العين همزة فى باب قائل ، وقلب الواو تاء فى متعد ـ وإن كانا مطردين ـ إلا أن العلة فيهما ليست بقوية ، إذ قلب العين ألفا فى قائم ليس لحصول العلة فى جوهره ، ألا ترى أن ما قبل العين أى الألف ساكن عريق فى السكون ، بخلاف سكون

__________________

(١) المبرد يخالف سيبويه من وجوه : أحدها أنه جعل شويا اسم جمع له واحد من معناه وهو شاء ، الثانى : أنه جعل شاء اسم جنس جميعا له واحد من لفظه يفرق بينهما بالتاء وهو شاة ، الثالث : أنه قلب العين ألفا قياسا لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم اعتلال اللام ، وقلب اللام التى هى هاء همزة قلبا غير قياسى ، الرابع : أنه صغر شاء على شويه فى حين أن سيبويه صغره على شوى ، وهذا الوجه نتيجة حتمية للوجوه السابقة


قاف أقوم ، ومع هذا لم يكن حرف العلة فى الطرف الذى هو محل التغيير كما كانت فى رداء ؛ فلا جرم ضعف علة القلب فيه ضعفا تاما حتى صارت كالعدم ، لكنه حمل فى الإعلال على الفعل نحو قال ، فلما كانت علة القلب ضعيفة لم يبال بزوال شرطها فى التصغير بزوال الألف ، وإنما كان الألف شرط علة القلب لأنها قبل العين المتحركة كالفتحة ، أو نقول : هى لضعفها كالعدم فكأن واو قاوم متحرك مفتوح ما قبلها ، وكذا نقول : إن علة قلب الواو فى أو تعد تاء ضعيفة ، وذلك لأن الحامل عليه كراهة مخالفة الماضى للمضارع لو لم تقلب الواو تاء ، لكون الماضى بالياء والمضارع بالواو ، مع كون التاء فى كثير من المواضع بدلا من الواو نحو تراث وتكلة وتقوى (١) ، ونحو ذلك ، ومخالفة الماضى للمضارع غير عزيزة كما فى قال يقول وباع يبيع ، فظهر أن قلب الواو تاء وإن كان مطردا إلا أنه لضرب من الاستحسان ، ولقصد تخفيف الكلمة بالإدغام ما أمكن ، ولضعف العلة لم يقلبه بعض الحجازيين تاء ، بل قالوا ايتعد ياتعد ، كما يجىء فى باب الاعلال ، فلما ضعفت علتا قلب عين نحو قائم وفاء نحو متّعد صار الحرفان كأنهما أبدلا لا لعلة ، فلم يبال بزوال العلتين فى التصغير ، فقيل : قويئم بالهمزة ، ومتيعد بالتاء وحذف تاء الافتعال ، كما في تصغير نحو مرتفع.

وخالف الجرمى فى الأول ، فقال : قويّل وبويّع بترك الهمزة لذهاب شرط العلة ، وهو وقوع العين بعد الألف ، وقد اشترط سيبويه أيضا فى كتابه فى قلب العين فى اسم الفاعل ألفا ثم همزة وقوعها بعد الألف ، واتفق عليه النحاة ، فلا

__________________

(١) يقال : رجل وكل ـ بالتحريك ـ ووكلة ـ كهمزة ـ وتكلة على البدل ، ومواكل ، كل ذلك معناه عاجز كثير الاتكال على غيره. والتقية والتقوى والاتقاء كله واحد ، وأصل تقوى وقيا ؛ لأنه من وقيت ، أبدلت واوه تاء وياؤه واوا


وجه لقول المصنف فى الشرح إن علة قلب العين ألفا فيه حاصلة ، وهى كونه اسم فاعل من فعل معل ؛ فان هذه العلة إنما تؤثر بشرط وقوع العين بعد الألف باتفاق مهم

وحالف الزجاج فى نحو متعد فقال فى تصغيره : مويعد ، لذهاب العلة وهى وقوع الواو قبل التاء ، وذلك لأن التاء تحذف فى التصغير كما فى مرتدع ومجتمع كما يجىء.

وأما نحو أدؤر ونؤر فان سيبويه لم يبال بزوال علة قلب الواو همزة فى التصغير وهى كونها واوا مضمومة ؛ لأنها وإن كانت مطردة فى جواز قلب كل واو مضمومة ضمة لازمة همزة ، كما يجىء ، لكنها استحسانية غير لازمة ، نحو وجوه ونحوه ، فهى علة كلا علة ؛ وخالفه المبرد فقال : إنما همزت الواو لانضمامها ، وقد زالت فى التصغير فتقول فى أدؤر ونؤر المهموزين : أديّر بالياء المشددة ونويّر بالواو الصريحة ،

ولا كلام فى نحو تخمة وتراث وتهمة (١) ؛ لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها فى أول الكلمة ، فكرهوا الابتداء بحرف ثقيل متحرك بأثقل الحركات ، والضمة حاصلة فى التصغير ، وهذا القلب غير مطرد ، بخلافه فى نحو اتّعد

قوله «وأدد» (٢) هو أبو قبيلة من اليمن ، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن

__________________

(١) التخمة ـ بضم ففتح : الثقل الذى يصيبك من الطعام ، تاؤه مبدلة من الواو والتهمة ـ بوزن تخمة ـ : ظن السوء ، وأصلها وهمة من الوهم أبدلت واوها تاء

(٢) قال فى اللسان فى مادة ودد : «الود بفتح الواو : صنم كان لقوم نوح ثم صار لكلب ، وكان بدومة الجندل ، وكان لقريش صنم يدعونه ودا (بضم الواو) ومنهم من يهمز فيقول أد ، ومنه سمى عبدود ، ومنه سمى أد بن طابخة ، وأدد جد معد بن عدنان» اه. وقال فى مادة أدّ «وأدد : أبو قبيلة من اليمن ، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير ، والعرب تقول أددا ، جعلوه بمنزلة ثقب ولم


سبأ بن حمير ، وأدّ أبو قبيلة ، وهو أد بن طابخة بن الياس بن مضر ، يعنى أنه فى الأصل ودد بالواو المضمومة ، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزة كما فى أجوه وأقّتت ، وإبدال الواو المضمومة ضمة لازمة همزة فى الأول كانت أو فى الوسط قياس مطرد لكن على سبيل الجواز لا الوجوب ، ولا أدرى اى شىء دعاهم إلى دعوى انقلاب همزة أدد عن الواو ، وما المانع من كونه من تركيب «أدد» وقد جاء منه الإدّ بمعنى الأمر العظيم ، وغير ذلك

قال : «فإن كانت مدّة ثانية فالواو لازمة ، نحو ضويرب فى ضارب وضو يريب فى ضيراب ، والاسم على حرفين يردّ محذوفه ، تقول فى عدة وكل اسما وعيدة وأكيل ، وفى سه ومذ اسما ستيهة ومنيذ ، وفى دم وحر دمىّ وحريح ، وكذلك باب ابن واسم وأخت وبنت وهنت ، بخلاف باب ميت وهار وناس»

أقول : قد مر أن نحو ضويرب مما عرض فيه فى التصغير علة القلب

اعلم أن كل مدة زائدة ثانية غير الواو تقلب فى التصغير واوا لانضمام ما قبلها ؛ فتقول فى ضارب وضيراب وطومار : ضويرب وضويريب وطويمير (١) ، وأما إن لم تكن زائدة نحو القير (٢) والنّاب فلا ، بل تقول : قيير ونييب

قوله «والاسم على حرفين يرد محذوفه» هذا من باب ما عرض فيه فى التصغير مانع منع من اعتبار سبب الحذف الذى كان فى المكبر كما ذكرنا

اعلم أن كل اسم ثلاثى حذف فاؤه أو عينه أو لامه وجب فى التصغير ردها ؛

__________________

يجعلوه بمنزلة عمر» اه وهذا الصنيع منه يشعر بوجود خلاف فى همزة أدد ، هل هى أصلية أو منقلبة عن واو ، وأنه لم يترجح عنده أحد المذهبين

(١) الطومار : الصحيفة ، والمؤلف أراد أن يمثل به لما كانت المدة الثانية فيه واوا ، وحكمها أن تبقى فى التصغير ولا تقلب

(٢) القير ـ بالكسر ـ والقار : شىء أسود يطلى به السفن والأبل ، أو هما الزفت


لأن أقل أوزان التصغير فعيل ، ولا يتم إلا بثلاثة أحرف ؛ فاذا كنت محتاجا إلى حرف ثالث فردّ الأصلى المحذوف من الكلمة أولى من اجتلاب الأجنبى ، وأما إن كانت الكلمة موضوعة على حرفين أو كنت لا تعرف أن الذاهب منها أى شيء هو ، زدت فى آخرها فى التصغير ياء ، قياسا على الأكثر ، لأن أكثر ما يحذف من الثلاثى اللام دون الفاء والعين ، كدم ويد وفم وحر ، وأكثر ما يحذف من اللام حرف العلة ، وهى إما واو ، أو ياء ، ولو زدت واوا وجب قلبها ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها ، فجئت من أول الأمر بالياء ، فقلت فى تصغير من ومن وأن الناصبة للمضارع وإن الشرطية أعلاما : منّى وأنىّ ، وأما إذا نسبت إلى مثل هذه فيجيىء حكمها فى باب النسب ، وتقول في تصغير عدة : وعيدة وهذه التاء وإن كانت كالعوض من الفاء ولذلك لا يتجامعان نحو وصلة ووعدة ، لكنه لم يتم بنية تصغير الثلاثى ـ أى فعيل ـ بها ، لأن أصلها أن تكون كلمة مضمومة إلى كلمة ، فلهذا فتح ما قبلها كما فتح فى نحو بعلبك ، فالتاء مثل كرب فى معدى كرب ، من حيث إنه يدور إعراب المركب عليه ، ومن حيث انفتاح ما قبلها ، واما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضا منه كما فى أخت وبنت فانها تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها ، بل تسكن ويوقف عليها تاء ، ولا يعتد بمثل هذه أيضا فى البنية ، بل يقال أخيّه برد اللام حفظا لأصل التاء ، وهو الانفصال ، وكونها كلمة غير الكلمة الأولى ، فاذا لم يعتد بها فى البنية فى نحو بنت مع كونها عوضا من اللام قائمة مقامها لما فيها من رائحة التأنيث فكيف يعتد بها فيها فى نحو عدة مع عدم قيامها مقام المعوض منه بدلالة فتح ما قبلها كما هو حقها فى الأصل وكذا الوقف عليها هاء ، وتقول فى كل اسما : أكيل ، ترد الهمزة التى هى فاء الكلمة ، ولا ترد همزة الوصل ؛ لأنه إنما احتيج إليها لسكون الفاء ، وفى المصغر يتحرك ذلك


قوله «وفى مذ» هذا بناء على أن أصله منذ ، وقد ذكرنا فى شرح (١) الكافية أنه لم يقم دليل عليه

قوله «سه» أصله سته وفيه ثلاث لغات إحداها هذه ، وهى محذوفة العين ، والثانية ست بحذف اللام مع فتح السين ، والثالثة است بحذف اللام وإسكان السين والمجىء بهمزة الوصل

فأما إذا سميت بقم وبع فانك تقول فى المكبر : قوم وبيع ، كما مر فى باب الأعلام (٢) فلا يكون من هذا الباب

قوله «وفى دم وحر» لام دم ياء ، ولام حر حاء ، حذفت لاستثقال الحاءين بينهما حرف ساكن ، وحذف العين فى سه ومذ واللام من حر ودم ليس قياسا بل القياس فى نحو عم وفتى ، وحذف الفاء فى كل شاذ ، وفى عدة قياس كما يجىء فى موضعه

قوله «وكذا باب ابن واسم وبنت وهنت» يعنى إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزة الوصل فى أول الكلمة أو التاء فى موضعه فانه لا يتم بالبدلين بنية تصغير الثلاثى ، بل لا بد من رد اللام ، وإنما لم يتم بهمزة الوصل لأنها غير لازمة ، بل لا تكون إلا فى الابتداء ، فلو اعتد بها لم تبق البنية فى حال الدرج إن سقطت

__________________

(١) قد سبق أن تكلمنا على هذه الكلمة فيما مضى من الكتاب (ص ٧)

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٣٤): «ولهذا يرد اللام أو العين إذا سمى بفعل محذوف اللام أو العين جزما أو وقفا كيغز ويرم ويخش واغز وارم واخش ويخف ويقل ويبع وخف وقل وبع ، فتقول : جاءنى يغز ويرم والتنوين للعوض كما فى قاض اسم امرأة ؛ ويخشى كيحي واغزو وارمى واخشى ويخاف ويقول ويبيع وقول وبيع وخاف ، كما مر فى غير المنصرف» اه


الهمزة وإن لم تسقط خرجت همزة الوصل عن حقيقتها ؛ لأنها هى التى تسقط فى الدرج ، وإنما لم يعتد بالتاء فى البنية لما فيها من رائحة التأنيث لاختصاص الإبدال بالمؤنث دون المذكر ، وإنما قلنا إن الهمزة والتاء بدلان من اللام لأنهما لا تجامعانه ، ولم يجىء من الكلمات ما أبدل من لامه تاء فيكون ما قبلها ساكنا ويوقف عليها تاء إلا سبع كلمات : أخت ، وبنت ، وهنت ، وكيت ، وذيت ، وثنتان (١)

__________________

(١) أخت : أصلها أخو ، حذفت لامها اعتباطا وعوض عنها التاء مع قصد الدلالة على المؤنث وغيرت الصيغة من فعل (كجبل) إلى فعل (بضم فسكون) دلالة على أن التاء ليست متمحضة للتأنيث. وبنت : أصلها بنو ، فعل بها ما فعل بأخت إلا أنهم كسروا فاء الكلمة منها. والهن والهنة والهنت : كناية عن الشىء يستفحش ذكره. قال فى اللسان : ويقال للمرأة ياهنة أقبلى فأذا وقفت قلت : ياهنه وقالوا : هنت بالتاء ساكنة النون فجعلوه بمنزلة بنت وأخت ، وهنتان وهنات ، تصغيرها هنية وهنيهة ، فهنية على القياس وهنيهة على إبدال الهاء من الياء فى هنية للقرب الذى بين الهاء وحروف اللين ، والياء فى هنية بدل من الواو فى هنيوة ، والجمع هنات على اللفظ وهنوات على الأصل. قال ابن جنى : أما هنت فيدل على أن التاء فيها بدل من الواو قولهم هنوات قال :

أرى ابن نزار قد جفانى وملّنى

على هنوات شأنها متتابع

أما كيت فقد قال فى اللسان : «وكان من الأمر كيت وكيت ، يكنى بذلك عن قولهم كذا وكذا ، وكان الأصل فيه كية وكية (بتشديد الياء) فأبدلت الياء الأخيرة تاء وأجروها مجرى الأصل لأنه ملحق بفلس والملحق كالأصلى. قال ابن سيده : قال ابن جنى : أبدلوا التاء من الياء لاما وذلك فى قولهم كيت وكيت وأصلها كية وكية ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التى هى لام تاء كما فعلوا ذلك فى قولهم ثنتان فقالوا كيت فكما أن الهاء فى كية علم تأنيث كذلك الصيغة فى كيت علم تأنيث ، وفى كيت ثلاث لغات ، منهم من يبنيها على الفتح (طلبا للخفة) ومنهم من يبنيها على الضم (تشبيها لها بقبل وبعد) ومنهم من يبنيها على الكسر (على أصل التخلص من التقاء الساكنين).


وكلتا عند سيبويه (١) ، وقولهم منت (٢) بسكون النون مثلها ، لكنها

__________________

قال : وأصل التاء فيها هاء وإنما صارت تاء فى الوصل» اه بتصرف. وأما ذيت. فالقول فيها كالقول فى كيت تماما. وأما ثنتان فقد قال فى اللسان : «والاثنان ضعف الواحد ، والمؤنث الثنتان ، تاؤه مبدلة من ياء ، ويدل على أنه من الياء أنه من ثنيت لأن الاثنين قد ثنى أحدهما إلى صاحبه ، وأصله ثنى (كجبل) يدلك على ذلك جمعهم إياه على أثناء بمنزلة أبناء وآخاء ، فنقلوه من فعل (بفتح الفاء والعين) إلى فعل (بكسر الفاء وسكون العين) كما فعلوا ذلك فى بنت ، وليس فى الكلام تاء مبدلة من الياء فى غير افتعل إلا ما حكاه سيبويه من قولهم : أسنتوا ، وما حكاه أبو على من قولهم : ثنتان اه ، وقوله أسنتوا قال عنه ابن يعيش (١٠ : ٤٠) : «وقولهم أسنتوا أى أجدبوا ، وهو من لفظ السنة على قول من يرى أن لامها واو ؛ لقولهم سنة سنواء واستأجرته مساناة ؛ ومنهم من يقول التاء بدل من الواو ، ومنهم من يقول إنها بدل من الياء ، وذلك أن الواو إذا وقعت رابعة تنقلب ياء على حد أوعيت وأغزيت ثم أبدل من الياء التاء ، وهو أقيس» اه

(١) قال ابن يعيش فى شرح المفصل (ح ١ ص ٥٥): «وقد اختلف العلماء فى هذه التاء (يريد تاء كلتا) فذهب سيبويه إلى أن الألف للتأنيث والتاء بدل من لام الكلمة كما أبدلت منها فى بنت وأخت ووزنها فعلى كذكرى وحفرى ـ وهو نبت ـ وذهب أبو عمر الجرمى إلى أن التاء للتأنيث والألف لام الكلمة كما كانت فى كلا ، والأوجه الأول ، وذلك لأمرين : أحدهما : ندرة البناء وأنه ليس فى الأسماء فعتل (بكسر الفاء وسكون العين وفتح التاء) ، والثانى : أن تاء التأنيث لا تكون فى الأسماء المفردة إلا وقبلها مفتوح نحو حمزة وطلحة وقائمة وقاعدة ، وكلتا اسم مفرد عندنا ، وما قبل التاء فيه ساكن فلم تكن تاؤه للتأنيث مع أن تاء التأنيث لا تكون حشوا فى كلمة ، فلو سميت رجلا بكلتا لم تصرفه فى معرفة ولا نكرة كما لو سميت بذكرى وسكرى لأن الألف للتأنيث ، وقياس مذهب أبى عمر الجرمى ألا تصرفه فى المعرفة وتصرفه فى النكرة ؛ لأنه كقائمة وقاعدة إذا سمى بهما فاعرفه» اه. ويؤخذ مما ذكره المؤلف فى باب النسب أن من العلماء من ذهب إلى أن التاء بدل من الواو التى هى لام الكلمة وليس فيها معنى التأنيث كالتاء فى ست ، وأصله سدس ؛ وكالتاء فى تكلة وترات وأصلها وكلة ووراث

(٢) منت : أصله من زيدت فيه التاء عند الحكاية وقفا للدلالة على تأنيث المحكى


ليست بدلا من اللام ، إذ لا لام لمن وضعا ، وتقول فى تصغيرها : أخيّة ، وبنيّة ، وهنيّة ، وهنيهة ، لأن لامها ذات وجهين كسنة ، وتصغير سنة أيضا على سنيّة وسنيهة ، وتقول فى منت : منيّة كما تصغر من على ما ذكرنا ، وتقول فى كيت وذيت : كييّة وذييّة ؛ لقولهم فى المكبر ذيّة وكيّة أيضا ، ومن قال أصلهما كوية وذوية لكون باب طوى أكثر من باب حيى قال : كويّة وذويّة ، وإنما فتحت ما قبلها فى التصغير ووقفت عليها هاء لأنك إذا رددت اللام لم يكن التاء بدلا منها ، وإذا سميت بضربت قلت : ضربة كما مر فى العلم وتصغرها على ضريبة ، وتقول فى تصغير فل (١) فلين ؛ لأن لامه نون من قولهم

__________________

والأفصح فيه أن يقال : منه ، بتحريك نونه وإبدال تائه هاء

(١) هذا الذى ذهب إليه المؤلف فى هذه الكلمة هو مذهب الكوفيين فى «فل» التى تختص بالنداء فى نحو قولهم يافل ويافلة وهو مذهب جميع النحاة فى فل التى تستعمل فى غير النداء من مواقع الكلام نحو قول الشاعر

* فى لجّة أمسك فلانا عن فل*

ومذهب البصريين فى المختص بالنداء أن لامه ياء وأنه يقال فى تصغيره فلى. قال أبو الحسن الأشمونى : «لا يستعمل فل فى غير النداء ويقال للمؤنثة : يا فلة ، واختلف فيهما ، فمذهب سيبويه أنهما كنايتان عن نكرتين ففل كناية عن رجل وفلة كناية عن امرأة ، ومذهب الكوفيين أن أصلهما فلان وفلانة فرخما ، ورده الناظم ، لأنه لو كان مرخما لقيل فيه فلا ، ولما قيل فى التأنيث فلة ، وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط إلى أن فل وفلة كناية عن العلم نحو زيد وهند بمعنى فلان وفلانة ، وعلى ذلك مشى الناظم وولده. قال الناظم فى شرح التسهيل وغيره : إن يافل بمعنى يا فلان ويافلة بمعنى يا فلانة. قال : وهما الأصل ، فلا يستعملان منقوصين فى غير نداء إلا فى ضرورة فقد وافق الكوفيين فى أنهما كناية عن العلم وأن أصلهما فلان وفلانة وخالفهم فى الترخيم ورده بالوجهين السابقين» اه. وقال بعد ذلك : «وجر فى الشعر فل ؛ قال الراجز : فى لجة ... ؛


فلان ، وتقول فى تصغير قط ورب وبخ مخففات : قطيط وربيب وبخيخ (١) وتقول فى تصغير ذه مسكن الهاء ذيىّ لأن الهاء بدل من الياء ، والأصل ذى كما مر فى أسماء الإشارة

__________________

والصواب أن أصل هذا فلان وأنه حذف منه الألف والنون للضرورة كقوله :

* درس المنا بمتالع فأبان*

أى درس المنازل وليس هو فل المختص بالنداء ، إذ معناهما مختلف على الصحيح كما مر أن المختص بالنداء كناية عن اسم الجنس ، وفلان كناية عن علم ومادتهما مختلفة ، فالمختص مادته من ف ل ى فلو صغرته قلت فلى وهذا مادته ف ل ن فلو صغرته قلت فلين» اه. وقال ابن منظور فى اللسان : «قال ابن بزرج : يقول بعض بنى أسد : يافل أتبل ويافل أقبلا ويافل أقبلوا وقالوا للمرأة فيمن قال يافل أقبل يا فلان أقبلى وبعض بنى تميم يقول يا فلانة أقبلى ، وبعضهم يقول يا فلاة أقبلى ، وقال غيرهم : يقال للرجل : يافل أقبل وللاثنين يا فلان ويافلون للجميع أقبلوا وللمرأة يافل (بفتح اللام) أقبلى ويا فلتان ويا فلاة أقبلن نصب فى الواحد لأنه أراد يا فلة فنصبوا الهاء. ثم قال قال الخليل : فلان تقديره فعال (بضم الفاء) وتصغيره فلين (بتشديد الياء) قال : وبعض يقول : هو فى الأصل فعلان (بضم الفاء وسكون العين) حذفت منه واو. قال : وتصغيره على هذا القول فليان ، وروى عن الخليل أنه قال : فلان نقصانه ياء أو واو من آخره والنون زائدة لانك تقول فى تصغيرة فليان فيرجع إليه ما نقص وسقط منه ولو كان فلان مثل دخان لكان تصغيره فلين مثل دخين (بتشديد الياء فيهما) ولكنهم زادوا ألفا ونونا على فل (بفتح اللام)» اه ملخصا

(١) قال ابن هشام : قط على ثلاثة أوجه ـ أحدها ـ أن تكون ظرف زمان لاستغراق ما مضى ، وهذه بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة فى أفصح اللغات ...

... وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه فى الضم وقد تخفف طاءه مع ضمها أو إسكانها ـ والثانى : أن تكون بمعنى حسب ؛ وهذه مفتوحة القاف ساكنة الطاء ، ويقال فيها : قطى وقطك ... ـ والثالث : أن تكون اسم فعل بمعنى يكفى فيقال قطنى بنون الوقاية» اه ومثل هذا فى شرح الكافية للمؤلف (ح ٢


قوله «بخلاف ميت وهار وناس» الأصل ميّت وهائر (١) وأناس ، حذفتها لا لعلة موجبة ، بل للتخفيف ؛ وهذه العلة غير زائلة فى حال التصغير ، ولا حاجة ضرورية إلى رد المحذوف ، كما كانت فى القسم المتقدم ، إذ يتم بنية التصغير بدونها ، وكذا لا ترد المحذوف فى تصغير يرى وترى وأرى ونرى ، ويضع وتضع ، وخير وشر ، بل تقول : يرىّ وترىّ وأرى ونرىّ ويضيع وتضيع وخيير وشرير ؛ وحكى يونس أن أبا عمرو كان يقول فى مر : مرىء كمريع ، يهمز ويكسر كمعيط فى معط ؛ فألزمه سيبويه أن يقول فى ميت وناس مييت وأنيس ، وكان المازنى يرد نحو يضع وهار إلى أصله ، نحو يويضع وهو يئر

__________________

ص ١١٧) وزاد أنه يقال فى قط الظرفية قط بضم القاف مع تخفيف الطاء مضمومة ومراد المؤلف هنا قط الظرفية المخففة على أى وجه من وجوهها. وقال صاحب المغنى : «وفى رب ست عشرة لغة ضم الراء وفتحها وكلاهما مع التشديد والتخفيف والأوجه الأربعة مع تاء التأنيث ساكنة أو محركة ومع التجرد منها فهذه اثنتا عشرة والضم والفتح مع إسكان الباء وضم الحرفين مع التشديد ومع التخفيف». وبخ : كلمة نقال عند تعظيم الشى ، أو استحسانه وهى بسكون الخاء وبكسرها منونة أو بغير تنوين وبتشديدها مكسورة مع التنوين وبضمها مخففة مع التنوين ؛ فان كررتها سكنتهما أو نونتهما مع الكسر أو نونت الأولى وسكنت الثانية

(١) قال فى اللسان : «هار البناء هورا هدمه. وهار البناء والجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر وهار على القلب» اه ، فالفعل لازم ومتعد ؛ وقوله وهار على القلب يريد أن أصله هاور ثم قدمت الراء على الواو فصار هاروا ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة فصار هاريا ثم أعل إعلال قاض. وقال فى اللسان أيضا : «الناس قد يكون من الانس ومن الجن ، وأصله أناس فخفف ، ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضا من الهمزة المحذوفة ، لأنه لو كان كذلك لما اجتمع مع المعوض منه فى قول الشاعر :

«إنّ المنايا يطّلع

ن على الأُناس الآمنينا»

اه


قال السيرافى : فيلزمهم أن يقولوا : أخيّر وأشيّر ، وقد حكى يونس عن جماعة هو يئر ، فقال سيبويه : هذا تصغير هائر لا تصغير هار (١) ، كما قالوا فى تصغير بنون أبينون ، وهو تصغير أبنى مقدرا كأضحى ، وإن لم يستعمل كما مر فى شرح الكافية (٢) فى الجمع ، ولو كان تصغير بنون على لفظه قلت بنيّون

__________________

(١) يريد أنك إذا صغرت هائرا الذى بقى على أصله من غير قلب مكانى قلت هو يئر كما تقول سويئل ونويئل وصويئم فى تصغير سائل ونائل وصائم ، وإذا أردت تصغير هار الذى قدمت لامه على عينه قلت هوير كما تقول قويض وغويز فى تصغير قاض وغاز

(٢) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٧٠ ، ١٧١): «الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير منها أبينون ، قال :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل كأضحى فشذوذه عندهم لأنه جمع لمصغر لم يثبت مكبره. وقال الكوفيون : هو جمع أبين ، وهو تصغير أبن مقدرا وهو جمع أبن كادل فى جمع دلو ، فهو عندهم شاذ من وجهين كونه جمعا لمصغر لم يثبت مكبره ومجىء أفعل فى فعل وهو شاذ كأجبل وأزمن ، وقال الجوهرى : شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن بجعل همزة الوصل قطعا ، وقال أبو عبيد : هو تصغير بنين على غير قياس» اه. قال البغدادى (ح ٣ ص ٤٠١): «وقال ابن جنى فى إعراب الحماسة : ذهب سيبويه إلى أن الواحد المكبر من هذا الجمع أبنى على وزن أفعل مفتوح العين بوزن أعمى ثم حقر أيضا فصار أبين كأعيم ثم جمع بالواو والنون فصار أبينون ثم حذفت النون للأضافة فصار أبينوها ، وذهب الفراء إلى أنه كسر ابنا على أفعل مضموم العين ككلب وأكلب ، ويذهب البغداديون فى هذه المحذوفات إلى أنها كلها سوا كن العين فأبين عنده كأديل كما أن أبن ذلك المقدر عندهم كأدل وكأن سيبويه إنما عدل إلى أن جعل الواحد من ذلك أفعل اسما واحدا مفردا غير مكسر لأمرين أحدهما أن مذهبه فى ابن أنه فعل (بفتح العين) بدلالة تكسيرهم إياها على أفعال ،


قال «وإذا ولى ياء التّصغير واو أو ألف منقلبة أو زائدة قلبت ياء ، وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها نحو عريّة وعصيّة ورسيّلة ، وتصحيحها فى باب أسيّد وجديّل قليل ، فإن اتّفق اجتماع ثلاث ياآت حذفت الأخيرة نسيا على الأفصح ، كقولك فى عطاء وإداوة وغاوية ومعاوية : عطىّ وأديّة وغويّة ومعيّة ، وقياس أحوى أحىّ غير منصرف ، وعيسى يصرفه ، وقال أبو عمرو : أحىّ ، وعلى قياس أسيود أحيو»

أقول : قوله «وإذا ولى ياء التصغير» إلى قوله «وجديل قليل» من باب ما يعرض فيه للتصغير سبب القلب (١)

__________________

وليس من باب فعل (كقفل) أو فعل (كجذع) ـ والآخر ـ أنه لو كان أفعل لكان لمثال القلة ولو كان له لقبح جمعه بالواو والنون وذلك أن هذا الجمع موضوع للقلة فلا يجمع بينه وبين مثال القلة ، لئلا يكون ذلك كاجتماع شيئين لمعنى واحد وذلك مرفوض فى كلامهم» اه

(١) شملت هذه العبارة أربعة أنواع عرض فيها سبب القلب عند التصغير ـ الأول ـ الواو التالية لياء التصغير سواء أكانت أصلية وهى لام كعروة ودلو وحقو أم كانت زائدة كعجور ورسول وجزور. وهذا النوع تقلب واوه ياء بسبب عرض وهو اجتماع الواو والياء فى كلمة وسبق إحداهما بالسكون ـ الثانى ـ الألف المقلبة عن واو أو ياء ولا تكون إلا لاما كفتى وعصا ورحى. وهذا النوع ترد فيه الألف إلى أصلها إذ قد زال بسبب التصغير سبب قلب الواو والياء ألفا وهو تحرك كل منهما مع انفتاح ما قبله ، وعرض سبب آخر موجب للقلب فى الواو وهو اجتماعها مع الياء وسبق إحداهما التى هى ياء التصغير بالسكون وللأدغام فى الياء وهو اجتماع المثلين فى كلمة وأولهما ساكن ، والظاهر أن المؤلف رحمه‌الله لم يراع رد الألف إلى أصلها بل قلبها من أول الأمر ياء ـ الثالث ـ الألف الزائدة التالية لياء التصغير كألف رسالة وقلادة وقضاعة وقحافة وسحابة وشهامة. وهذا النوع تقلب فيه الألف ياء لما قد تقرر من أنه يجب كسر الحرف التالى لياء التصغير فيما زاد على الثلاثة والألف حرف


قوله «فان اتفق اجتماع ـ إلى آخر ما ذكر» من باب ما يزول فيه فى التصغير سبب القلب الذى كان فى المكبر ويعرض فى التصغير سبب الحذف

قوله «قلبت ياء» ليس على إطلاقه ، بل بشرط أن لا يكون بعد الواو أو الألف حرفان يقعان فى التصغير موقع العين واللام من فعيعل ، فإنه إن كان بعدهما حرفان كذا وجب حذفهما ، وكذا كل ياء فى مثل موقعهما ، تقول فى تصغير مقاتل : مقيتل ، بحذف الألف ، إذ مفيعّل ـ بتشديد الياء ـ ليس من أبنية التصغير ، وكذا تقيتل فى تصغير تقوتل علما بحذف الواو ، وكذا حميرير فى تصغير احميرار بحذف الياء مع همزة الوصل ، كما يجىء ، وإنما تقلب الألف والواو ياء إذا وقعا إما موقع اللام من فعيل ، نحو أذىّ فى تصغير إذا علما ، وعريّة فى تصغير عروة ، أو موقع العين من فعيعل ، كرسيّلة في رسالة ، وعجيّز فى عجوز ، وإنما قلبتا ياءين لأنهما إذن لا بد من تحريكهما ، فاذا تحركت الواو وقبلها ياء ساكنة وجب قلبها ياء ، وإذا قصدت تحريك الألف فجعلها ياء أولى ، لأنها إن جعلتها واوا وجب قلبها ياء لما ذكرنا ، وجعلها همزة بعيد ، لأن اعتبار التقارب فى الصفة فى حروف العلة أكثر من اعتبار التقارب فى المخرج ، فلذلك لا تقلب الألف همزة إلا فى موضع لو قلبت

__________________

لا يقبل الحركة ولم يجز قلبها إلى حرف آخر من غير حروف العلة لأن حروف العلة بعضها أنسب ببعض ، ولم يجز قلبها واوا لأنها لو قلبت واوا لاجتمعت مع الياء الساكنة السابقة عليها ؛ فكان ينبغى قلبها ياء فآثرنا الاختصار بقلبها ياء من أول الأمر ـ الرابع ـ الهمزة المنقلبة عن واو أو ياء التالية لألف زائدة مثل كساء وبناء وقضاء وسماء وعواء وزهاء. وهذا النوع تقلب فيه الألف الزائدة ياء لما تقدم فى النوع الثالث ، فيزول سبب قلب الواو أو الياء همزة ، فتعود كل منهما ، ثم تقلب الواو ياء لتطرفها إثر كسرة ، وكأن المصنف والشارح لا يريان رجوع الهمزة إلى أصلها بل يقلبانها ياء من أول الأمر ، ولهذا لم يفرقا بين الواوى واليائى. واعلم أن النوع الرابع كما عرض فيه سبب القلب قد عرض فيه سبب الحذف


فيه واوا أو ياء لانقلبت ألفا أيضا ، كألف التأنيث فى حمراء (١) والألف فى نحو الضّالّين ودابة (٢) ، وأما العألم والبأز فنادران (٣)

__________________

(١) أصل حمراء حمرى كسكرى ثم قصد مد الصوت فزيدت ألف قبل ألف التأنيث فاجتمع ألفان فلزم قلب الثانية همزة لأنه لو قلبت الأولى لفات الغرض المأتى بها لأجله ، ولو قلبت الثانية واوا أو ياء رعاية للتقارب فى الصفة بين حروف العلة لصارت حينئذ حمراى أو حمراو فتقع كل من الواو والياء متحركة مفتوحا ما قبلها إذ لا اعتداد بالألف لزيادتها فيجب انقلابهما ألفا فتعود الكلمة سيرتها الأولى.

(٢) يحكى عن أيوب السختيانى فى الشواذ (ولا الضألين) بهمزة مفتوحة ـ فرارا من التقاء الساكنين ، وحكى أبو زيد عنه دأبة وشأبة ـ بهمزة مفتوحة أيضا ـ للعلة المتقدمة. وإنما قلب الألف همزة ولم يقلبها ياء ولا واوا لأنه لو قلبها إلى إحداهما لصارت كل واحدة منهما متحركة مفتوحا ما قبلها فيلزم قلبها ألفا. قال أبو البقاء العكبرى فى كتابه وجوه القراءات (ج ١ ص ٥): «وقرأ أيوب السختيانى بهمزة مفتوحة : ، وهى لغة فاشية فى العرب فى كل ألف وقع بعدها حرف مشدد نحو ضال ودابة وجان والعلة فى ذلك أنه قلب الألف همزة لتصح حركتها لئلا يجمع بين ساكنين» اه وقال أبو عبد الله القرطبى فى تفسيره (ج ١ ص ١٣١) الأصل فى الضالين الضاللين ، حذفت حركة اللام الأولى ثم أدغمت اللام فى اللام فاجتمع ساكنان مدة الألف واللام المدغمة. وقرأ أيوب السختيانى ولا الضألين ـ بهمزة غير ممدودة ـ كأنه فر من التقاء الساكنين وهى لغة ، حكى أبو زيد قال : سمعت عمرو بن عبيد يقرأ (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته أنه قد لحن حتى سمعت من العرب دأبة وشأبة. قال أبو الفتح : وعلى هذه اللغة قول كثير :

* إذا ما الغوانى بالعبيط احمأرّت*

اه كلامه

(٣) إنما كان ذلك نادرا لأن الألف لو قلبت واوا أو ياء لم يلزم قلبهما ألفا لعدم تحركهما. وقد قال المؤلف فى باب الابدال : وعن العجاج أنه كان يهمز


ثم إن الواو الواقعة بعد ياء التصغير ـ أعنى التى لا تحذف ـ لا يخلو إما أن تكون لاما أو غير لام

فاللام تقلب ياء لا غير ، تقول : غزىّ وعريّة فى غزو وعروة ، وكذا غزيّان وعشيّاء وغزيّيّة بياءين مشددتين ، فى تصغير غزوان وعشواء (١) وغزويّة منسوبة إلى الغزو

وأما غير اللام فان كانت ساكنة فى المكبر فلا بد من قلبها ياء ، نحو عجيّز

__________________

العالم والخاتم ، وليس ذلك فرارا من التقاء الساكنين ولكن لتقارب مخرجى الألف والهمزة» اه كلامه ، نقول : ومن شواهد قلب الألف همزة فى العالم قول العجاج.

يا دارسي يا اسلمى ثمّ اسلمى

فخندف هامة هذا العألم

ومن شواهد قلبها همزة فى البأز قول الشاعر

كأنّه بأزدجن فوق مرقبة

جلىّ القطا وسط قاع سملق سلق

الجمع فقالوا : أبؤز وبئزان كما استمر قلب الواو ياء

فى عيد لسكونها إثر كسرة عند جمعه فقالوا أعياد

(١) قال فى اللسان : «والغزو السبير إلى قتال العدو وانتها به. غزاهم غزوا وغزوانا ، عن سيبويه ، صحت الواو فيه كراهية الاخلال. وغزاة ، اه وقوله. صحت الواو فيه كراهية الأخلال ، يريد به أن حق الواو فى غزوان أن تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، لكنها لم تقلب لأنها لو قلبت لاجتمع ألفان فكان يجب حذف إحداهما دفعا لالتقاء الساكنين فيصير غزان فيلتبس فعلان (بفتح العين) بفعال. والعشواء أنثى الأعشى ، قال فى اللسان : «العشا مقصور سوء البصر بالليل والنهار يكون فى الناس والدواب والابل والطير ، وقيل : هو ذهاب البصر وقيل : هو ألا يبصر بالليل ، وقد عشى يعشى عشى (كعمى يعمى عمى) وهو عش وأعشى والأنثى عشواء ، اه ملخصا


وجزير فى عجوز (١) وجزور ، وإن كانت فيه متحركة أصلية كانت كأسود ومزود ، أو زائدة كجدول فالأكثر القلب ، ويجوز تركه كأسيود وجديول (٢) ، لقوة الواو المتحركة ، وعدم كونها فى الآخر الذى هو محل التغيير ، وكون ياء التصغير عارضة غير لازمة ؛ وقال بعضهم : إنما جاز ذلك حملا على التكسير ، نحو جداول وأساود ، ولو كان حملا عليه لجاز فى مقام ومقال مقيوم ومقيول كما فى مقاول ومقاوم

قوله «وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها» أى : الهمزة المنقلبة عن الألف المنقلبة عن واو أو ياء بعد الألف الزائدة التى تلى ياء التصغير يعرض فيه سبب قلب الألف ياء كما مر ، ويزول سبب قلب اللام ألفا ؛ إذ من جملته الألف الزائدة والفتحة التى

__________________

(١) أجمعوا على أنه يقال للمرأة المسنة : عجوز ـ بلا تاء ـ واختلفوا فى أنه هل يقال لها عجوزة ـ بالتاء ـ وفى أنه هل يقال للرجل عجوز أيضا ، وقد حكى صاحب اللسان عن بعض أئمة اللغة أنه يقال للرجل عجوز ؛ كما حكى أنه يقال للمرأة عجوزة بالتاء مع القلة. والجزور : المجزور من الابل ، يقع على الذكر والأنثى وهو مؤنث بلا تاء تقول : هذه جزور بنى فلان وجزور بنى فلان ذبحتها وإن عنيت بذلك المذكر

(٢) المزود : وعاء يجعل فيه الزاد. والأسود : أصله صفة من السواد ، وقد سمى به نوع من الحيات وهو العظيم الذى فيه سواد وقد قالوا فى مؤنثه أسودة وقالوا فى مؤنث الصفة سوداء. ولم يفرق المؤلف رحمه‌الله بين الصفة والاسم فى جواز الوجهين ـ وهما التصحيح وقلب الواو ياء فى التصغير ـ ، والذى حكاه أبو الحسن الاشمونى فى شرحه على الألفية فى باب الابدال أنه إن جمعت الكلمة على صيغة منتهى الجموع جاز فيها الوجهان فى التصغير ، وذلك كأسود الاسم وجدول فقد قيل فى جمعهما أساود وجداول ، وأما إن كانت الكلمة لم تجمع على هذه الزنة فليس فيها إلا الاعلال وذلك كأسود وأعور وأحول وأحور إذ جاء جمعها على فعل ـ بضم فسكون ـ وإنما أجاز الوجهين : أما الاعلال فلأنه الأصل ، وأما التصحيح فحملا للتصغير على التكسير ، وإنما لم يفرق المؤلف هذا الفرق لأنه جعل علة جواز التصحيح قوة الواو بالحركة


قبلها ، ويعرض سبب آخر لقلب اللام ياء ، إن كان واوا ؛ ثم سبب آخر لحذف ذلك اللام ، وذلك أنه إذا اجتمع ثلاث ياآت والأخيرة متطرفة لفظا كما فى أحىّ أو تقديرا كما فى معية وثانيتها مكسورة مدغم فيها ، ولم يكن ذلك فى الفعل كما فى أحييّ ويحيىّ ولا فى الجارى عليه نحو المحيى ؛ وجب حذف الثالثة نسيا ، كما يجىء فى باب الاعلال تحقيقه

فاذا حقر نحو عطاء قلب ألفه ياء كما فى حمار : فيرجع لام الكلمة إلى أصلها من الواو لزوال الألف قبلها ، ثم تنقلب ياء لتطرفها مكسورا ما قبلها ؛ فتجتمع ثلاث ياآت : الأولى للتصغير ، والثانية عوض من الألف الزائدة ، والثالثة عوض عن لام الكلمة ، فتحذف الثالثة نسيا ، فيبقى عطىّ ، ويدور الاعراب على الثانية

وكذا إداوة ، لا فرق بينهما ، إلا أن لام إداوة لم تنقلب ألفا ثم همزة ؛ لأنها لم تتطرف كما تطرف لام عطاء

وأما غاوية فانك تقلب ألفها واوا كما فى ضارب ؛ فتجتمع ياء التصغير والواو التى هى عين الكلمة ، فتنقلب ياء لسكون الأولى ، فيجتمع ثلاث ياآت : ياء التصغير ، وبعدها العين ، ثم اللام

وأما معاوية فانك تحذف ألفها كما فى مقاتل ؛ فتزيد ياء التصغير ، وتنقلب العين ياء لما ذكرنا ؛ قال

٣٧ ـ وقاء مّا معيّة من أبيه

لمن أو فى بعقد أو بعهد (١)

__________________

(١) هذا البيت من كلام الصمة الأصغر ـ وهو معاوية بن الحارث ، وهو والد دريد ابن الصمة الشاعر المعروف ـ وكان الصمة أسيراهو وابنه معية ، فقتل الصمة ، فقال هذا البيت وهو يجود بنفسه ، يريد أن فى ابنه الباقى بعده أحسن الخلف والعوض منه والوقاء ـ بكسر الواو وفتحها بعدها قاف ـ : ما حميت به شيئا أو حفظته و «ما» زائدة وقوله معية مبتدأ مؤخر خبره وقاء ، و «من أبيه» متعلق بوقاء أو بمحذوف حال من ضمير المبتدأ و «أو فى» مثل وفى مخففة ، والعقد : إحكام العهد ، «والعهد» الأمان وقد


وكذا يجتمع فى أحوى (١) ثلاث ياآت بسبب قلب العين ياء ، فبعد حذف

__________________

أنشد المؤلف هذا البيت دليلا على أنه يقال فى تصغير معاوية معية ـ بحذف الألف وقلب الواو ياء وإدغامها مع ياء التصغير وحذف الياء التالية لها لكونها ثالثه. قال فى القاموس وشرحه : «تصغير معاوية معيوة على قول من يقول أسيود ، ومعية وهذا قول أهل البصرة لأن كل اسم اجتمع فيه ثلاث ياءات أو لا هن ياء التصغير حذفت واحدة منهن فان لم تكن أولا هن ياء التصغير لم تحذف منه شيئا ، تقول فى تصغير مية ميبة ، وأما أهل الكوفة فلا يحذفون منه شيئا. يقولون فى تصغير معاوية معيية (يريد أنهم لم يحذفوا من الياءات شيئا ولا شك أنهم حذفوا الألف) على قول من يقول أسيد. ومنهم من يقول معيوية» اه ومثله أيضا فى صحاح الجوهرى

(١) الأحوى : وصف من الحوة بضم الحاء وتشديد الواو ـ وهى سواد إلى الخضرة أو حمرة تضرب الى السواد. قال الجوهرى : «تصغير أحوى أحيو فى لغة من قال أسيود. واختلفوا فى لغة من أدغم. قال عيسى بن عمر : أحي فصرف. قال سيبوية قد أخطأ هو ، ولو جاز هذا لصرف أصم لأنه أخفّ من أحوى ولقالوا أصيم فصرفوا. وقال أبو عمرو بن العلاء أحى كما قالوا أحيو :

قال سيبويه : ولو جاز هذا لقلت فى عطاء عطى. وقال يونس أحى قال سيبويه : هذا هو القياس والصواب» اه كلام الجوهرى. واليك ما ذكر سيبويه فى هذا الموضوع بحرفه (ح ٢ ص ١٣٢) قال : «واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير ياء ان حذفت التى هى آخر الحروف ويصير الحرف على متال فعيل ، ويجرى على وجوه العربية (يريد أنه يعرب بالحركات الظاهرة) وذلك قولك فى عطاء عطى وقضاء قضى وسقاية سقية وإداوة أدية وفى شاوية شوية وفى غاو غوى إلا أن تقول شويوية وغوبو فى قول من قال أسيود وذلك لأن هذه اللام إذا كانت بعد كسرة اعتلت واستثقلت إذا كانت بعد كسرة فى غير المعتل فلما كانت كسرة فى ياء قبل تلك الياء ياء التحقير ازدادوا لها استثقالا فحذفوا وكذلك أحوى ، إلا فى قول من قال أسيود ، ولا تصرفه لأن الزيادة ثابتة فى أوله ، ولا يلتفت إلى قلته كما لا يلتفت إلى قلة يضع ، وأما عيسى فكان يقول : أحى ويصرفه وهذا خطأ ، لو جاز ذا لصرفت أصم


الياء الثالثة كان سيبويه يمنع صرفه ، لأنه وإن زال وزن الفعل لفظا وتقديرا أيضا بسبب حذف اللام نسيا ، لكن الهمزة فى الأول ترشد إليه وتنبه عليه ، كما منع صرف نحو يعد ويرى اتفاقا ، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعين وجوبا ، وكان عيسى بن عمر يصرفه ، نظرا إلى نقصان الكلمة عن وزن الفعل نقصانا لازما ، بخلاف نحو أرس فى تخفيف أرأس ، فان النقص فيه غير لازم (١) وليس بشىء ، لأن الواجب والجائز كما ذكرنا فى مثله سواء مع قيام حرف المشابهة وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحذف الثالثة نسيا ، بل إنما يحذفها مع التنوين حذف ياء قاض ومع اللام والاضافة يردها كالأحيّى ، قال الفارسى : إنما فعل ذلك لمشابهته فى اللفظ الفعل ، فكأنه اسم جار عليه مثل المحيّ وكذا يلزمه أن يقول فى تصغير يحيى يحىّ ، ورد سيبويه على ابن العلاء بقولهم فى عطاء : عطىّ ، بحذف الثالثة

__________________

لأنه أخف من أحمر وصرفت أرأس إذا سميت به ولم تهمز فقلت أرس. وأما أبو عمرو فكان يقول : أحى (أى بالأدغام وحذف الثالثة معتدا بها فيعربه كقاض) ولو جاز ذا لقلت فى عطاء عطى (كقاض) لأنها ياء كهذه الياء وهى بعد ياء مكسورة ، ولقلت فى سقاية سقيبة وشاوشوى. وأما يونس فقوله : هذا أحى (بمنع الصرف) كما ترى وهو القياس والصواب» اه. قال السيرافى : «ورأيت أبا العباس المبرد يبطل رد سيبويه بأصم قال : لأن أصم لم يذهب منه شىء لأن حركة الميم الأولى فى أصمم قد ألقيت على الصاد ، وليس هذا بشىء ؛ لأن سيبويه إنما أراد الخفة مع ثبوت الزائد ، والمانع من الصرف لا يوجب صرفه ، وأصم أخف من أصمم الذى هو الأصل ولم يجب صرفه وكذلك لو سميت رجلا بيضع ويعد لم تصرفه وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل» اه

(١) الأرأس العظيم الرأس والأنثى رأسى ، وقد يخفف الأرأس بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها ثم حذفها فيصير الأرس ـ بفتح الهمزة والراء ـ وهو قبل التخفيف وبعده غير منصرف للوصفية ووزن الفعل إجماعا


إجماعا ، ولا يلزمه ذلك على ما اعتذر له أبو على وقد مر جميع هذا فى باب غير المنصرف (١)

ومن قال أسيود قال فى معاوية وغاوية : معيوية ، وغويوية ، وفى أحوى احيو ، إذ لم يجتمع ثلاث ياآت حتى تحذف الثالثة نسيا.

والكلام فى صرف أحىّ عند أبى عمرو ومنع صرفه ، وكذا فى صرف أحيو ومنعه ، والبحث فى أن التنوين فيهما للصرف أو للعوض كما مر في جوار فى باب مالا ينصرف سواء (٢).

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٥٢) ما نصه : «واعلم أنك إذا صغرت نحو أحوى قلت أحى بحذف الياء الأخيرة نسيا لكونها متطرفة بعد ياء مكسورة مشددة فى غير فعل أو جار مجراه كأحيى والمحيى وقياس مثلها الحذف نسيا كما بحىء فى التصريف إن شاء الله تعالى ، فسيبويه بعد حذف الياء نسيا يمنع الصرف لأنه بقى فى أوله زيادة دالة على وزن الفعل ، وعيسى بن عمر يصرفه لنقصانه عن الوزن بحذف الياء نسيا ، بخلاف نحو جوار فأن الياء كالثابت بدليل كسرة الراء كما ذكرنا ، فلم يسقط عن وزن أقصى الجموع والأولى قول سيبويه ، ألا ترى أنك لا تصرف نحو يعد ويضع علما وإن كان قد سقط حرف من وزن الفعل ، وأبو عمرو بن العلاء لا يحذف الياء الثالثة من نحو أحى نسيا بل يعله إعلال أعيل وذلك لأن فى أول الكلمة الزيادة التى فى الفعل وهى الهمزة بخلاف عطى تصغير عطاء فجعله كالجارى مجرى الفعل أعنى المحيى فى الاعلال فأحى عنده كأعيل سواء فى الاعلال ومنع الصرف وتعويض التنوين من الياء كما ذكرنا ؛ وبعضهم يقول أحيو فى تصغير أحوى كأسيود فى تصغير أسود كما يجىء فى التصريف ؛ ويكون فى الصرف وتركه كأعيل على الخلاف المذكور» اه

(٢) قد سبق لنا القول فى نحو جوار وبيان أنه معل ممنوع من الصرف وبيان مذهب سيبويه فى مثله (ص ٥٨ من هذا الكتاب). وقال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٥١) ما ملخصه : «اختلفوا فى كون جوار رفعا وجرا منصرفا أو غير منصرف ، فقال الزجاج : إن تنوينه للصرف وإن الاعلال مقدم على منع


وقول المصنف «حذفت الأخيرة نسيا على الأفصح» يومى إلى أنه لا تحذف على غير الأفصح ، وليس كذلك ، بل الواجب فى الياء المقيدة بالقيود المذكورة الحذف اتفاقا ، إلا فى نحو أحىّ مما فى أوله شبه حرف المضارعة ، فان أبا عمرو لا يحذفها نسيا كما مر ، قال السيرافى : تقول فى عطاء : عطى ، وفى قضاء قضى ، وفى سقاية سقيّة ، وفى إداوة أديّة ، ثم قال : فهذا لا يجوز فيه غيره ، وقال ابن خروف فى مثله : إن القياس إعلاله إعلال قاض ، لكن المسموع حذف الثالثة نسيا ، بل قال الاندلسى والجوهرى : إن ترك الحذف مذهب الكوفيين ، وأنا أرى ما نسبا إليهم وهما منهما

وكذا تحذف الياء المشددة المتطرفة الواقعة بعد ياء مشددة ، إذا لم يكن الثانية للنسبة كما إذا صغرت مروية اسم مفعول من روى قلت : مرية ، والأصل مريّيّة ، وكذا تصغر أرويّة فيمن قال أنها أفعولة ، وأما من قال فعليّة والياء

__________________

الصرف لقوة سبب الاعلال وسر ما ذهب إليه أن الاسم بعد الاعلال لم يبق على صيغة أقصى الجموع ، ويمنع بأن الياء الساقطة فى حكم الثابت بدليل كسرة الراء ، وكل ما حذف لاعلال موجب فهو بمنزلة الباقى. وقال المبرد التنوين عوض من حركة الياء ، ومنع الصرف مقدم على الاعلال ، وقال سيبويه والخليل : إن التنوين عوض من الياء. واختلف فى تفسير هذا القول ففسره بعضهم بأن منع الصرف مقدم على الاعلال وفسره السيرافى بأن الاعلال مقدم على منع الصرف فالتنوين عوض من الياء ، بخلاف نحو أحوى وأشقى ؛ فانه قدم الاعلال فى مثلهما أيضا ووجد علة منع الصرف بعد الاعلال حاصلة ؛ لأن ألف أحوى المنون ثابت تقديرا ، فهو على وزن أفعل ، فحذف تنوين الصرف ، لكن لم يعوض التنوين من الألف المحذوفة ولا من حركة اللام ، كما فعل فى جوار ؛ لأن أحوى بالألف أخف منه بالتنوين ، وأما جوار فهو بالتنوين أخف منه بالياء ، والخفة اللفظية مقصودة فى غير المنصرف بقدر ما يمكن ، تنبيها بذلك على ثقله المعنوى بكونه متصفا بالفرعين» اه


للنسبة فأنه يقول فى تصغيرها (١) أريّيّة بيائين مشددتين ، كما إذا صغر غزوىّ المنسوب إلى الغزو قيل : غزّييىّ ، وكذا يصغر علوى وعدوى على عليّىّ وعديّىّ بياءين مشددتين

وإنما لم تحذف شيئا إذا طرأ التصغير على المنسوب كما فى الأمثلة المذكورة وحذفت ياء التصغير إذا طرأ النسب على المصغر فى نحو أموىّ وقصوىّ المنسوبين إلى أميّة وقصىّ لأن المنسوب في مصغر المنسوب هو العمدة إذ هو الموصوف ، ألا ترى أن معنى علّييّ علوى مصغر فلم يجز إهدار علامته ، وكذا لا يهدر علامة المصغر

__________________

(١) قال فى اللسان : «والأروية بضم الهمزة وعن اللحيانى كسرها : الأنثى من الوعول ، وثلاث أراوى ـ على أفاعيل ـ إلى العشر ؛ فاذا كثرت فهى الأروى ـ على أفعل ـ على غير قياس ، قال ابن سيده : وذهب أبو العباس إلى انها فعلى ؛ والصحيح أنها أفعل ، لكون أروية أفعولة. قال : والذى حكيته من أن أراوى لأدنى العدد وأروى للكثير قول أهل اللغة ، قال : والصحيح عندى أن أراوى تكسير أروية ، كأرجوحة وأراجيح ، والأروى اسم للجمع» اه. ثم قال : «قال ابن برى : أروى تنون ولا تنون ؛ فمن نونها احتمل أفعلا مثل أرنب وأن يكون فعلى مثل أرطى ملحق بجعفر ؛ فعلى هذا القول يكون أروية أفعولة ، وعلى القول الثانى فعلية ، وتصغير أروى إذا جعلت وزنها أفعلا أريو (منقوصا مثل قاض) على من قال أسيود وأحيو ، وأرى (منقوصا أيضا) على من قال أسيد وأحى ، وأما أروى فيمن لم ينون فوزنه فعلى (أى : والألف للتأنيث) وتصغيرها أريا (مثل ثريا) ، وأما تصغير أروية إذا جعلتها أفعولة فأريوية عند من قال أسيود ، ووزنها أفيعيلة ، وأرية عند من قال أسيد ، ووزنها أفيعة ، وأصلها أريييه : فالأولى ياء التصغير ، والثانية عين الفعل ، والثالثة واو أفعولة ، والرابعة لام الكلمة ، فحذفت منها اثنتين ، ومن جعل أروية فعلية فتصغرها أرية ووزنها فعيلة ، وحذفت الياء المشددة. قال : وكون أروى أفعل أقيس ؛ لكثرة زيادة الهمزة أولا ، وهو مذهب سيبويه لأنه جعل أروية أفعولة» اه


إذ هو الطارىء ، والطارىء إذا لم يبطل حكم المطرو عليه لمانع فلا أقل من أن لا يبطل حكمه بالمطرو عليه ، وأما المنسوب إلى المصغر فليس المصغر فيه عمدة ؛ إذ ليس موصوفا ، بل هو من ذنابات المنسوب ، إذ معني قصوىّ منسوب إلى قصى فجاز إهدار علامته إجابة لداعى الاستثقال ، وأما النسبة فطارئة فلا تهدر علامتها فعلى هذه القاعدة ينسب إلى جهينة جهنى بحذف الياء ، ثم إذا صغرت جهنيّا زدت الياء فقلت جهينى

قال : «ويزاد فى المؤنّث الثّلاثىّ بغير تاء تاء كعيينة وأذينة ، وعريب وعريس شاذّ ، بخلاف الرّباعىّ كعقيرب ، وقديديمة ووريّئة شاذّ ، وتحذف ألف التّأنيث المقصورة غير الرّابعة كجحيجب وحويلىّ فى جحجبى وحولا يا وتثبت الممدودة مطلقا ثبوت الثّانى فى بعلبكّ»

أقول : أعلم أن التصغير يورد فى الجامد معنى الصفة ، ألا ترى أن معنى رجيل رجل صغير ، فالاسم المصغر بمنزلة الموصوف مع صفته ، فكما أنك تقول : قدم صغيرة. بالحاق التاء فى آخر الوصف ، قلت : قديمة ، بالحاق التاء فى آخر هذا الاسم الذى هو كآخر الوصف ، والدليل على عروض معنى الوصف فيه أنك لا تقول رجلون لعدم معنى الوصف وتقول فى تصغير رجال : رجيلون ، وإنما لم يرفع المصغر (١) لا ضميرا ولا ظاهرا مع تضمنه معنى الوصف كما ترفع سائر الأوصاف من اسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمنسوب لأنها إنما ترفع من الضمير والظاهر أصحابها المخصوصة التى لا تدل ألفاظ الوصف عليها إذ الصفات لم توضع لموصوفات معينة ، بل صالحة لكل موصوف ، فان حسنا فى قولك «رجل حسن» لا يدل على رجل فرفع ضميره ، وكذا لا يدل على وجهه فى قولك «رجل حسن وجهه» فرفعه ، والموصوف

__________________

(١) سبق القول فى هذا الموضوع بما لا نحتاج معه إلى زياده


المخصوص فى رجيل مدلول عليه بتركيب هذا اللفظ مع الوصف ، فلا يحتاج إلى رفع ما هو موصوفه حقيقة ، ولما رأى بعض النحاة أن التصغير يورد فى الاسم معنى الوصف ورأوا أن العلم لا معنى للوصف فيه قالوا : تصغير الأعلام ليس بوجه ، وليس ما توهموا بشىء ؛ لأنك لا تجعل بالتصغير عين المكبر نعتا حتى يرد ما قالوا ، بل تصف بالتصغير المكبر ، إلا أنك تجعل اللفظ الواحد ـ وهو المصغر ـ كالموصوف والصفة ، ووصف الأعلام غير مستنكر ، بل شائع كثير ، وإنما لم يلحقوا التاء بآخر ما زاد على ثلاثة من الأسماء فى التصغير لأنهم لما قصدوا فيه ذكر الموصوف مع صفته بلفظ واحد توخّوا من الاختصار ما يمكن ، ألا ترى إلى حذفهم فيه كل ما زاد على أربعة من الزائد والأصلى ، وهذا هو العلة فى تخفيفات الملحق به ياء النسب ، لأن المنسوب أيضا كالصفة مع الموصوف مع ثقل الياء المشددة فى آخر الاسم الذى هو موضع الخفة ، لكنك لم تحذف فى النسب الزائد على الأربعة لكون علامة النسبة كالمنفصل من المنسوب ، بخلاف علامة التصغير ، فالمقصود أنهم اجترؤا فى الثلاثى الذى هو أخف الأبنية ـ لما طرأ فيه معنى الوصف ـ على زيادة التاء التى تلحق آخر أوصاف المؤنث ، فلما وصلوا إلى الرباعى وما فوقه والتاء وإن كانت كلمة برأسها إلا أنها كحرف الكلمة المتصلة هى بها لم يروا زيادة حرف على عدد حروف لو زاد عليها أصلى طرحوه فى التصغير ، فقدروا الحرف الأخير كالتاء ، إذ هى محتاج إليها لكون الاسم وصفا ، فقالوا : عقيّب وعقيرب (١)

__________________

(١) العقاب بزنة غراب ـ طائر من العتاق مؤنثة ، وقيل : العقاب يقع على الذكر والأنثى ، وتمييزه باسم الاشارة والضمير. والعقرب واحدة العقارب ، وهى دويبة من الهوام تكون للذكر والأنثى بلفظ واحد ، والغالب عليه التأنيث ، وقد يقال للأنثى عقربة وعقرباء ممدود غير مصروف ، ويصغر على عقيرب كما تصغر زينب على زيينب ، والذكر عقربان ـ بضم العين والراء ـ وهو دابة له أرجل طوال ، وليس ذنبه كذنب العقارب


وإذا كان الاسم المؤنث على أكثر من ثلاثة لكنه يعرض فيه فى حال التصغير ما يرجع به إلى الثلاثة وجب زيادة التاء فيه ، نحو سميّة في سماء ، لأنه يجتمع فيه ثلاث ياآت فتحذف الأخيرة نسيا كما ذكرنا

وكذا إذا صغرت الثلاثى المزيد فيه نحو عناق وعقاب وزينب تصغير الترخيم قلت : عنيقة ، وعقيبة ، وزنيبة

وإن كان الثلاثى جنسا مذكرا فى الأصل وصف به المؤنث ـ نحو امرأة عدل أو صوم أو رضى ـ فانك تعتبر الأصل فى التصغير ، وهو التذكير ، ولا تزيد فيه التاء نحو : امرأة رضىّ وعديل وصويم ، كما أن نحو حائض وطالق لفظ مذكر جعل صفة لمؤنث ، وإن كان معناه لا يمكن إلا فى المؤنث ، فاذا سمى بمثله مذكر صرف ؛ لكونه الآن علم مذكر ليس فيه تاء ظاهرة ولا حرف قائم مقامها فى الوضع ، كما كان فى عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض ـ كما مر فى غير المنصرف على التذكير كضارب وقاتل (١) ، فاذا صغرت نحوه تصغير الترخيم لم تزد

__________________

(١) قال سيبويه (ح ٢ ص ٢٠): «واعلم أنك إذا سميت المذكر بصفة المؤنث صرفته ، وذلك أن تسمى رجلا بحائض أو طامث أو متئم فزعم أنه إنما يصرف هذه الصفات لأنها مذكرة وصف بها المؤنث كما يوصف المذكر بمؤنث لا يكون إلا لمذكر ، وذلك نحو قولهم : رجل نكحة ، ورجل ربعة ، ورجل خجاة ، فكأن هذا المؤنث وصف لسلعة أو لعين أو لنفس وما أشبه هذا ، وكأن المذكر وصف لشىء ؛ فكأنك قلت هذا شىء حائض ، ثم وصف به المؤنث ، كما تقول هذا بكر ضامر ثم تقول ناقة ضامر» اه. وقال المؤلف فى شرح الكافية (ح ١ ص ٤٥): «وههنا شروط أخر لمنع صرف المؤنث إذا سمى به مذكر تركها المصنف ـ أحدها ـ ألا يكون ذاك المؤنث منقولا عن مذكر ، فان ربابا اسم امرأة ، لكن إذا سميت به مذكرا انصرف ، لأن الرباب قبل تسمية المؤنث به كان مذكرا بمعنى الغيم ، وكذا لو سميت بنحو حائض وطالق


التاء ، لكونه مذكرا فى الأصل ، فتقول : حييض وطليق

وإذا سميت مؤنثا بثلاثى مذكر نحو شجر وحجر وزيد ثم صغرته زدت التاء وكذا إذا سميت مؤنثا بمؤنث ثلاثى لم يكن تدخل التاء فى تصغيره قبل العلمية كحرف وناب ودرع

فان قلت : فكيف راعيت الأصل فى نحو امرأة عدل وصوم ، ولم تقل عديلة وصويمة ولم تراع ذلك فى العلم؟؟

قلت : لأن الوصف غير مخرج عن أصله بالكلية ، إذ معنى «امرأة عدل» كأنها من كثرة العدل تجسمت عدلا ، ومعنى «امرأة حائض» إنسان حائض ، فقد قصدت فيهما المعنى الأصلى الذى وضع اللفظ باعتباره ، وأما فى العلم فلم تقصد ذلك ، لأنه منقول ووضع ثان غير الوضع الأول وغرضه الأهم الابانة عن المسمى ، لا معناه الأصلى ، فاذا سميت بالحجر فهو كما لو سميت بغطفان وغيره من المرتجلات ، وقليلا ما يراعى فى العلم معنى المنقول منه

وكذا إذا سميت مذكرا بمؤنث مجرد عن التاء كأذن وعين لم تلحق به التاء في التصغير ، لأنه ـ كما ذكرنا ـ وضع مستأنف ، ويونس يدخل التاء فيه ، فيقول : أذينة وعيينة ، استدلالا بأذينة وعيينة ، علمى رجلين ، وهذان عند النحاة إنما سمى المذكران بهما بعد التصغير ، فلا حجة فيه

وإذا سميت مذكرا بنحو أخت وبنت وصغرته حذفت التاء ، فتقول : أخىّ ، برد

__________________

مذكرا انصرف ، لأنه فى الأصل لفظ مذكر وصف به المؤنث ؛ إذ معناه فى الأصل شخص حائض ؛ لأن الأصل المطرد فى الصفات أن يكون المجرد من التاء منها صيغة المذكر وذو التاء موضوعا للمؤنث ، فكل نعت لمؤنث بغير التاء فهو صيغة موضوعة للمذكر استعملت للمؤنث» اه


اللام المحذوفة المبدلة منها التاء ؛ إذ لا يتم بنية التصغير بالتاء كما ذكرنا ، ولا تأتى بعدها بالتاء لأنه مذكر إذن

واعلم أنه قد شذت من الثلاثى أسماء لم تلحقها التاء فى التصغير : ذكر سيبويه منها ثلاثة ، وهى الناب بمعنى المسنة من الابل ، وإنما قالوا فيها نييب لأن الناب من الأسنان مذكر (١) ، والمسنة من الابل قيل لها ناب لطول نابها كما يقال لعظيم البطن بطين بتصغير بطن ؛ فروعى أصل ناب فى التذكير ، وكذا قال فى الفرس فريس لوقوعه على المذكر والمؤنث فغلّب (٢) وكذا قال فى الحرب ـ وهى (٣) مؤنثة ـ :

__________________

(١) الناب من الأسنان : هى السن التى خلف الرباعية. قال فى اللسان : «والناب والنيوب الناقة المسنة ، سموها بذلك حين طال نابها وعظم ، مؤنثة ؛ وهو مما سمى فيه الكل باسم الجزء» اه ، والذى قاله المؤلف من أن الناب من الأسنان مذكر هو أحد قولين لأهل اللغة ، وابن سيده يذهب إلى أنها مؤنثة قال فى المخصص (ح ١٧ ص ١١): «الناب المسنة من النوق مؤنثة ، وجمعها نيب ، وتصغيرها نييب بغيرهاء .. وأما الناب من الأسنان فمذكر ، وكذلك ناب القوم سيدهم ؛ يقال : فلان ناب بنى فلان : أى سيدهم»

(٢) قال صاحب الصحاح : «الفرس يقع على الذكر والأنثى ، ولا يقال للأنثى فرسة ، وتصغير الفرس فريس ، وإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة بالهاء ؛ عن أبى بكر بن السراج» اه وأنت ترى أن ما ذكره الجوهرى عن ابن السراج يخالف ما ذكره المؤلف

(٣) الذى ذكره المؤلف من أن الحرب مؤنثة هو المعروف عن أهل اللغة ؛ قال ابن سيده فى المخصص (ح ١٧ ص ٩): «الحرب أنثى ، يقال فى تصغيرها حريب بغيرهاء فأما قولهم. فلان حرب لى : أى معاد ؛ فمذكر» اه. وحكى صاحب اللسان عن ابن الأعرابى فيها التذكير ، ثم قال : وعندى أنه إنما حمله على معنى القتل أو الهرج


حريب ؛ لكونها فى الأصل مصدرا ، تقول : نحن حرب ، وأنتم حرب ، وذكر الجرمى من الشواذ درع الحديد (١) ، والعرس وهى مؤنثة (٢) ، قال : ـ

٣٨ ـ إنّا وجدنا عرس الحنّاط

لئيمة مذمومة الحوّاط (٣)

__________________

(١) هذا الذى ذكره المؤلف فى الدرع أنها مؤنثة ـ أحد رأيين لأهل اللغة ، والثانى أنها تذكر وتؤنث قال ابن سيده (ح ١٧ ص ٢٠): «درع الحديد تذكر وتؤنث ، والتأنيث الغالب المعروف ، والتذكير أقلهما ، أولا ترى أن أسماءها وصفاتها الجارية مجرى الأسماء مؤنثة؟ كقولهم : لأمة ، وفاضة ، ومفاضة ، وجدلاء ، وحدباء ، وسابغة ، فأما ذائل فقد تكون على التذكير وقد تكون على النسب ، وأما دلاص فبمنزلة كناز وضناك ـ بزنة كتاب ـ وإن كان قد يجوز أن يكون نعتا غير مؤنث على تذكير الدرع» اه وقوله بمنزلة كناز وضناك يريد به أنه لفظ يقع على الذكر والأنثى من غير تاء. والكناز والضناك كلاهما بمعنى الضخمة الشديدة اللحم ، ويوصف بهما النساء والنوق. وقول المؤلف درع الحديد احتراز من درع المرأة : أى قميصها ، فانه مذكر ليس غير عند بعض اللغويين ومنهم اللحيانى وعند الآخرين أنه يذكر ويؤنث

(٢) الذى ذهب إليه المؤلف من أن العرس مؤنثة أحد رأيين ، وذهب ابن سيده كالجوهرى إلى أنه يذكر ويؤنث ، قال (ح ١٧ ص ١٩): «العرس يذكر وبؤنث ويصغرونها عريس وعريسة ، وجمعها فى القبيلين عرسات ، وحقيقة العرس طعام الزفاف» اه

(٣) هذا الرجز لدكين الراجز ، وبعده :

ندعى مع النّسّاج والخيّاط

وكلّ علج شخم الآباط

والعرس ـ كعنق وكقفل ـ مضى شرحه ، والحناط ـ بائع الحنطة ، والصيغة للنسب ، والحواط : جمع حائط وهو اسم فاعل من حاط يحوط إذا التف حول الشىء ، والمراد هنا الذين يقومون بخدمة الناس فى الدعوات ، لأنهم يحيطون بهم ، وذكر صاحب اللسان أن الحواط مفرد ومعناه الحظيرة التى يكون الطعام فيها.


القوس (١) ، وذكر غيرهما العرب والذّود والضّحى (٢) وقد شذ فى الرباعى قدام ووراء (٣) فألحق بمصغرهما الهاء والقياس تركها ، وحكى أبو حاتم أميّمة فى أمام ، وقال : ليس بتبت ، قال السيرافى : إنما لحقتهما الهاء لأنهما ظرفان : لا يخبر عنهما ، [ولا يوصفان] ولا يوصف بهما ، حتى يتبين تأنيثهما بشىء من ذلك ، كما تقول : لسعت العقرب ، وعقرب لاسعة ، وهذه العقرب ؛ فأنثا

__________________

والعلج ـ بكسر فسكون ـ : الرجل من كفار العجم وهو أيضا الشديد الغليظ. وقيل كل ذى لحية ، والشخم ـ بفتح الشين وكسر الخاء ـ : المنتن

(١) الذى ذكره المؤلف فى القوس أحد رأيين فيها ؛ قال ابن سيده : «القوس التى يرمى عنها أنثى ، وتصغيرها قويس بغيرهاء ، شذت عن القياس ، ولها نظائر قد حكاها سيبويه» والرأى الثانى أنها تذكر وتؤنث ؛ قال الجوهرى : «القوس يذكر ويؤنث فمن أنث قال فى تصغيرها قويسة ، ومن ذكره قال قويس» اه

(٢) العرب ـ بفتحتين وكقفل ـ : خلاف العجم ، مؤنثة ، ولم يلحق تصغيرها الهاء ، وقد قالوا : العرب العاربة ، وقال عبد المؤمن بن عبد القدوس فى تصغير العرب :

ومسكن الضّباب طعام العريب

ولا تشتهيه نفوس العجم

ولو جعلت وجه التذكير فى تصغير عرب أن أصله مصدر عرب كفرح كما قاله المؤلف فى كلمة الحرب لم تعد الصواب. والذود : ما بين الثلاث إلى العشر من إناث الابل ، قال ابن سيده (ح ١٧ ص ٩): «الذود أنثى ، وتصغيرها ذويد بغير هاء» وقال فى اللسان عنه : «الذود مؤنث ، وتصغيره بغير هاء على غير قياس توهموا به المصدر». واما الضحى فقد قال فى اللسان : «الضحو والضحوة والضحية : ارتفاع النهار ، والضحى فويق ذلك أنثى ، وتصغيرها بغير هاء ، لئلا يلتبس بتصغير ضحوة» اه

(٣) أما قدام ووراء فقد قال اللسان : «قدام نقيض وراء ، وهما يؤنثان ، ويصغران بالهاء ، قديدمة وقديديمة ووريئة ، وهما شاذان لأن الهاء لا تلحق الرباعى فى التصغير ، قال الكسائى : قدام مؤنثة ، وإن ذكرت جاز ، وقد قيل فى تصغيره قديديم ، وهذا يؤيد ما حكاه الكسائى من تذكيرها» اه


تيينا لتأنيثهما ، وفى وراء قولان : أحدهما (١) أن لامه همزة ، قالوا : يقال : ورّأت بكذا : أى ساترت به ، ومنه الحديث أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كان إذا أراد سفرا ورّأ بغيره» وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة فرووا «ورّى بغيره» ، وقال بعضهم : بل لامه واو أو ياء ، مثل كساء ورداء ، من ورّيت بكذا ، وهو الأشهر ، فتصغيره على هذا ورية لا غير ، بحذف الياء الثالثة كما فى سميّة تصغير سماء

ومذهب أبى عمرو أنه إذا حذف ألف التأنيث المقصورة خامسة فصاعدا كما يجىء أبدل منها تاء ، نحو حبيّرة فى حبارى ولغيغيزة فى لغّيزى (٢) ، ولم ير ذلك غيره من النحاة ؛ إلا ابن الأنبارى فانه يحذف الممدودة أيضا خامسة فصاعدا ، ويبدل منها التاء كالمقصورة ، ولم يوافقه أحد فى حذف الممدودة

قوله «ويحذف ألف التأنيث المقصورة غير الرابعة» إنما تحذف خامسة

__________________

(١) قال فى اللسان : «ووريت الخبر أوريه تورية إذا سترته وأظهرت غيره كأنه مأخوذ من وراء الانسان ، لأنه إذا قال وريته فكانه يجعله وراءه حيث لا يظهر» اه ، فقد أشار إلى أن التورية من مادة وراء وإن لم يصرح بذلك ، فتكون الهمزة فى وراء منقلبة عن ياء لتطرفها إثر ألف زائدة. ومثل الذى ذكره صاحب اللسان قول ابن الأثير فى النهاية : «كان إذا أراد سفرا ورى بغيره : أى ستره وكنى عنه وأوهم أنه يريد غيره ، وأصله من الوراء : أى ألقى البيان وراء ظهره» اه

(٢) الحبارى ـ بضم أوله وتخفيف ثانيه ـ : طائر يقع على الذكر والأنثى ، والواحد والجمع ، وهو على شكل الأوزة قال الجوهرى : وألفه ليست للتأنيث ولا للألحاق ، وإنما بنى الاسم عليها فصارت كأنها من نفس الكلمة لا تنصرف فى معرفة ولا نكرة : أى لا تنون» اه وهذا كلام ينقض آخره أوله لأن الألف التى ليست للتأنيث ينصرف الاسم معها سواء أكانت للألحاق أم لم تكن ، وعدم الصرف فى المعرفة والنكرة دليل على أن الألف للتأنيث ، وقوله وإنما بنى الاسم عليها الخ كلام لا معنى له. واللغيزى بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا ـ : مثل اللغز ـ كقفل


فصاعدا لأنها لازمة للكلمة ، وصائرة كالحروف التى زيدت لبنية الكلمة ، مثل ألف حمار ، مع أنها لا تفيد معنى التأنيث كما تفيده الرابعة نحو سكرى حتى تراعى لكونها علامة ، وإذا كانت الحروف الأصلية تحذف خامسة فكيف بالزائدة كالأصلية ، فاذا صغرت العرضنى (١) قلت عريضن ، والنون للالحاق ، فهو بمنزلة أصلى رابع ، وكذا إذا صغرت العبدّى (٢) قلت عبيدّ ، بحذف الألف ؛ لأن إحدى الدالين وإن كانت زائدة إلا أنها تضعيف الحرف الأصلى ؛ فتحصنت من الحذف بذلك ، وبكونها ليست من حروف «اليوم تنساه» وبكونها ليست فى الطرف ، بخلاف ألف التأنيث فانها عارية من الثلاثة ، وكذا تقول فى لغيّزى لغيغيز بحذف الألف ، دون إحدى الغينين ، كما أنك لا تحذف فى تصغير عفنجج (٣) غير النون ؛ لأن إحدى الجيمين تضعيف لحرف أصلى ، وليست من حروف «اليوم تنساه» ، ولا تحذف ياء لغّيزى فى التصغير ؛ لأنها لا تخل ببنيته ، بل تصير مدا قبل الآخر كما فى عصيفير ، كما أنك لا تحذف من

__________________

وكرطب وكجبل ـ وهو ما عمى من الكلام وأخفى المراد منه ، وياء اللغيزى ليست للتصغير ، فأن ياء التصغير لا تكون رابعة ، وإنما ياؤه بمنزلة الياء فى خليطى والألف الأولى فى شقارى وخبازى وخضارى

(١) يقال : عدت الفرس العرضنى والعرضنة والعرضناة ـ بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون ثالثه فى الثلاثة ـ : إذا كانت تمشى معترضة مرة من وجه ومرة من آخر بسبب نشاطها ، وهو ضرب من خيلاء الخيل

(٢) العبدى بكسر العين والباء وتشديد الدال مفتوحة بعدها ألف ـ ومثله العبداء بضبطه ممدودا والمعبوداء والمعبدة كمشيوخاء ومشيخة : أسماء جمع العبد ، وخص بعضهم العبدى بالعبيد الذين يولدون فى الملك

(٣) العفنجج : الضخم الأحمق


حولايا ـ وهو اسم رجل ـ غير ألف التأنيث ، ولا تحذف الألف التى بعد اللام لأنها مدة رابعة لا تحذف فى التصغير ، بل قد تجلب لتكون عوضا من زائد محذوف فى موضع آخر ، نحو مطيليق فى منطلق ، فالاخلال بالبنية فى حولايا ولغّيزى من ألف التأنيث ، لا من الألف والياء المتوسطتين ؛ إذ لو حدفتهما وقلت لغيغزى وحويليا لوقعت ألف التأنيث خامسة موقع اللام فى سفيرجل ، فاحتجت إلى حذفها أيضا ، وأما فى نحو حبارى فكل واحدة من ألف التأنيث والألف المتوسطة متساويتان فى الإخلال ببنية التصغير ، وأيتهما حذفت تحصل البنية ، إذ لو حذفت المتوسطة لم تكن ألف التأنيث خامسة ، بل تقول : حبيرى كحبيلى ، ولو حذفت ألف التأنيث قلت : حبيّر كحميّر ؛ فالألفان إذن متساويتان كالألف والنون فى حبنطى ، تقول : حبينط وحبيط ، فان ترجحت الثانية ـ بكونها فى الأصل علامة التأنيث فلا تحذف ـ ترجحت الأولى بالتوسط ؛ فمن ثمّ حازفيه حبيّر وحبيرى ؛ وإذا صغرت برد رايا (١) حذفت الألفين والياء بينهما ، وقلت بريدر ؛ لاخلال الجميع بالبنية

هذا كله فى ألف التأنيث المقصورة ، وأما الممدودة فى نحو خنفساء ، والألف والنون فى نحو زعفران وظربان ، وياء النسب فى نحو سلهبيّ (٢) ، والنون للمثنى ، والواو والنون فى جمع المذكر ، والألف والتاء فى جمع المؤنث ، نحو ضاربان وضاربون وضاربات ، فجميعها ـ لكونها على حرفين ـ وكذا تاء التأنيث لكونها

__________________

(١) بردرايا ـ بفتح اوله وسكون ثانيه بعده دال مهملة مفتوحة فراء مهملة كذلك فألف ـ : موضع. قال ياقوت فى المعجم : أظنه بالنهروان من أعمال بغداد

(٢) سلهبى : كلمة منسوبة إلى سلهب ، وهو الطويل من كل شىء ، وقيل : من الرجال ، وقيل : من الخيل والناس


متحركة صارت كأنها اسم ضم إلى اسم ، كما فى نحو بعلبكّ ؛ تمت بنية التصغير دون هذه الزوائد ، ولم تخل بها ، بخلاف الألف المقصورة فانها حرف واحد ساكنة خفية ميتة ، لا يصح أن تقدر ككلمة مستقلة ، بل هى كبعض الحروف المزيدة فى البنية نحو مدّات عماد وسعيد وعجوز ، فحبيلى كسفيرج ، كما أن حبالى كسفارج ، لو لا المحافظة فى الموضعين على علامة التأنيث لكسر ما قبلها ، فلا تقول : إن بنية التصغير تمت قبل الألف فى حبيلى وإنه كطليحة ، كما لا تقول : إن بنية الجمع تمت قبلها فى حبالى

فعلى هذا إذا صغرت [نحو] ظريفان وظريفون وظريفات أجناسا قلت : ظريّفان وظريفّون وظريّفات ، بالياء المشددة قولا واحدا ، وكذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاما ؛ لأن هذه الزيادات وإن لم تكن حال العلمية مفيدة لمعان غير معانى الكلمات المتصلة هى بها حتى تعدّ كالكلم المستأنفة بل صارت المدّات بسبب العلمية كمدات عمود وحمار وكريم ؛ لكنها كانت قبل العلمية كالكلم المستقلة ، مثل تاء التأنيث ، فروعى الأصل ولم تغير ؛ وأما عند سيبويه فحالها أعلاما خلاف حالها أجناسا : هى فى حال العلمية بالنظر إلى أصلها [منفصلة] كالتاء ، وبالنظر إلى العلمية كأنها من تمام بنية الكلمة ، فلا جرم أنه أبقى هذه الزيادات بحالها فى حال العلمية إبقاء ثانية كلمتى بعيلبكّ وثنيّا عشر وثنيّتا عشرة ، وحذف المدات إن كانت قبلها نحو ياء ظريفان وظريفون وظريفات ، وألف نحو جداران ودجاجات ، وواو نحو عجوزات ، إذا كانت هذه الأسماء أعلاما ؛ لجعل الزيادات اللاحقة كبعض حروف بنية الكلمة ؛ فتستثقل معها ، ومن ثم قال يونس فى ثلاثون جنسا ثليثون بحذف الألف ؛ لأن الواو والنون كجزء الكلمة ؛ إذ ليس بجمع ثلاث ، وإلا كان أقل عدد يقع عليه تسعة كما مر فى أول شرح الكافية ، وكذا قال سيبويه فى بروكاء وبراكاء


وقريثاء (١) إنه بحذف الواو والألف والياء ؛ لجعل الألف الممدودة كالجزء من وجه وغير الجزء من آخر ، على ما بينا. فقال : بريكاء وقريثاء مخففين ، والمبرد يشدد نحوهما ؛ لأنه لا يحذف شيئا ؛ قال سيبويه : لو جاء فى الكلام فعولاء بفتح الواو لم تحذفها حذف واو جلولاء (٢) ، لأنها تكون إذن للالحاق بحر ملاء (٣) فتكون كالأصلية ، وأما واو بروكاء وجلولاء فمدة ضعيفة فلا مبالاة بحذفها لاقتضاء القياس المذكور ذلك ؛ وإذا صغرت معيوراء ومعلوجاء (٤) لم يحذف الواو ؛ لأن لمثل هذه المدة حالا فى الثبات ليست لغيرها ، كما قلنا فى ألف حولايا التى قبل الياء ، وأما مع تاء التأنيث فلا خلاف أن المدة الثالثة لا تحذف ، نحو دجاجة ودجاجتان ،

__________________

(١) قال فى اللسان : البروكاء (بفتح فضم) والبراكاء (بضم أولها) والبراكاء (بفتح أولها) : الثبات فى الحرب والجد وأصله من البروك ، قال بشر بن أبى خازم

ولا ينجي من الغمرات إلا

براكاء القتال أو الفرار

والبراكاء (بفتح أولها) أيضا : ساحة القتال» اه بتصرف. والقريثاء (بفتح فكسر) : ضرب من التمر أسود ومثله الكريثاء ولا نظير لهما فى البناء ، وكأن الكاف فى الثانى بدل من القاف فى الأول

(٢) جلولاء ـ بفتح أوله وضم ثانيه آخره ألف ممدودة ـ : ناحية من نواحى سواد العراق فى طريق خراسان بينها وبين خانقين سبعة فراسخ ، وهو نهر عظيم فى العراق. وبها كانت الوقعة المشهورة على الفرس للمسلمين سنة ١٦ من الهجرة وجلولاء أيضا : مدينة مشهورة بافريقيا بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلا وكان فتحها على يدى عبد الملك بن مروان

(٣) حرملاء (بفتح فسكون ففتح) : اسم موضع كما فى اللسان والقاموس ولم يذكره ياقوت

(٤) معيوراء : اسم جمع عير ، وهو الحمار وحشيا كان أو أهليا وقد غلب على الوحشى. ومعلوجاء : اسم جمع لعلج وقد تقدم (ص ٢٤٣ ه‍ ٣)


علما كانت أولا ؛ لأن أصل تاء التأنيث على الانفصال ، تقول : دجيّجة ودجيّجتان ، قولا واحدا كبعيلبك.

وإذا صغرت نحو حبلوى وملهوى وهو كسهلبىّ كسرت ما قبل الواو ؛ لأن ما بعد ياء التصغير فى الرباعى مكسور لا غير ، فتنقلب الواو ياء مكسورة ، ولا يجوز فتح ما قبلها كما فتحته فى المنسوب إلى ملهي وحبلى ؛ لما ذكرنا ، فلم يبق إلا حذف الياء المنقلبة من الواو ؛ كما حذفت [فى] غازىّ وقاضىّ المنسوبين إلى غاز وقاض ، ولم يمكن حذف ياء النسب لكونها علامة ولتقويها بالتشديد. وإنما كسر ما قبل واو حبلوى فى التصغير وإن كانت بدلا من حرف لا يكون ما قبلها فى التصغير إلا مفتوحا ـ أعنى ألف التأنيث ـ نحو حبيلى ؛ لتغير صورة الألف ، فلم يبق لها الحرمة الأصلية لزوال عين الألف ، هذا ، وجحجبى : قبيلة من الانصار ، وحولايا : اسم رجل.

قال : «والمدّة الواقعة بعد كسرة التّصغير تنقلب ياء إن لم تكنها ، نحو مفيتيح وكريديس ، وذو الزّيادتين غيرها من الثّلاثىّ يحذف أقلّهما فائدة كمطيلق ومغيلم ومضيرب ومقيدم فى منطلق ومغتلم ومضارب ومقدّم ؛ فإن تساويا فمخيّر كقليسية وكقلينسة وحبينط وحبيط ، وذو الثّلاث غيرها تبقّى الفضلى منها كمقيعس فى مقعنسس ، ويحذف زيادات الرّباعىّ كلّها مطلقا غير المدّة كقشيعر فى مقشعرّ وحريجيم فى احرنجام ويجوز التّعويض من حذف الزّيادة بمدّة بعد الكسرة فيما ليست فيه كمغيليم فى مغتلم»

أقول : يعنى بكسرة التصغير الكسرة التى تحدث فى التصغير بعد يائه ، والمدة إما واو كما فى عصفور وكردوس ـ وهو جماعة الخيل ـ أو ألف كما فى مفتاح


ومصباح ، ولا حاجة إلى التقييد بالمدة (١) ، بل كل حرف لين رابعة فانها فى التصغير تصير ياء ساكنة مكسورا ما قبلها إن لم تكن كذلك ، إلا ألف أفعال وفعلان ، وألفى التأنيث ، وعلامات المثنى والجمعين ، فيدخل فيه نحو جليليز وفليليق فى تصغير جلّوز (٢) وفلّيق وإن لم تكن الواو والياء مدا ، وكذا الواو والياء المتحركتان كما فى مسرول ومشريف ، تقول : مسبريل ومشيريف (٣) ، وكذا تقول فى ترقوة : تريقية (٤) ، ويجب سكون كل ياء بعد كسرة التصغير ، إذا لم تكن حرف إعراب كما فى رأيت أريطيا إلا إذا كان

__________________

(١) المدة فى عرفهم هى حرف اللين الساكن الذى قبله حركة من جنسه ، واللين حرف العلة الساكن تقدمته حركة مجانسة أم لم تتقدمه ؛ فاللين أعم من المد وحرف العلة يطلق على الألف والواو والياء ، سواء أكانت متحركة أم ساكنة وسواء أكانت مسبوقة بحركة أم لا ، وسواء أكانت الحركة السابقة مجانسة أم لا ؛ فهو أعم من المد واللين جميعا ، وعلى ذلك يكون واو عصفور وألف قرطاس وياء قنديل حروف علة ومد ولين ، ويكون واو يوم وياء بين وبيع حروف علة ولين وليست حروف مد ، ويكون ياء بيان وواو وعد ونزوان حروف علة وليست مدا ولا لينا. هذا أمر ثابت مقرر عندهم ، وإذا عرفت هذا علمت أن تعبير ابن الحاجب بالمدة فيه قصور لأنه لا يشمل واو فرعون وجلوز وياء غرنيق وفليق ، كما أن تعبير الرضى بحرف اللين كذلك لأنه لا يشمل واو مسرول ولا ياء مشريف اسمى مفعول ، والصواب التعبير بحرف العلة الرابع

(٢) الجلوز (بكسر الجيم وتشديد اللام مفتوحة) البندق الذى يؤكل لبه. والفليق (بضم الفاء وتشديد اللام مفتوحة) أيضا : ضرب من خوخ يتفلق عن نواه

(٣) يقال : فرس مسرول ؛ إذا جاوز بياض تحجيله العضدين والفخذين ، وزرع مشريف ؛ إذا قطع شريافه : أى ورقه وذلك إذا طال حتى يخشى فساده

(٤) الترقوة (بفتح فسكون فضم) : مقدم الحلق فى أعلى الصدر


بعدها تاء التأنيث كتريقية ، أو الألف الممدودة كسييمياء فى سيمياء (١) ، أو الألف والنون المضارعتان لألفى التأنيث كعنيفيان فى عنفوان (٢)

قوله «إن لم تكنها» أى : إن لم تكن ياء : لأن الياء لا تقلب ياء

قوله «وذو الزيادتين غيرها» أى : غير المدة الرابعة ، والأولى أن يقال غير حرف اللين الرابعة ؛ ليكون أعم

اعلم أن الثلاثى إذا كان ذا زيادة واحدة لم تحذفها : فى الأول كانت كمقتل وأسود ، أو في الوسط ككوثر وجدول وخاتم وعجوز وكبير وحمار أو فى الآخر كحبلى وزيدل

وإن كان ذا زيادتين غير المدة المذكورة لم يمكن بقاؤهما ؛ إذ الخماسى يحذف حرفه الأصلى ، فكيف بذى الزيادة؟ فاذا لم يكن بد من الحذف اقتصر على

__________________

(١) السيمياء والسيماء : العلامة يعرف بها الخير والشر ، ويقصران ؛ قال أبو بكر : «قولهم عليه سيما حسنة معناه علامة ، وهى مأخوذة من وسمت أسم ، قال : والأصل فى سيما وسمى ؛ فحولت الواو من موضع الفاء فوضعت فى موضع العين ، كما قالوا ما أطيبه وأيطبه ، فصار سومى ، وجعلت الواو ياء ؛ لسكونها وانكسار ما قبلها» اه وعلى هذا يكون وزن سيما عفلا وسيماء عفلاء وسيمياء عفلياء (بكسر العين وسكون الفاء فى الجميع) ، ولكن مجىء سومة (بضم أوله) وسيمة (بكسره) بمعنى العلامة كالسيماء والسيمياء واشتقاق أفعال من هذه المادة على هذا الترتيب نحو سوم ، وصفات كما فى قوله تعالى (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) وقوله تعالى (مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) كل ذلك يدل على أن وزن سيماء وسيمياء فعلاء وفعلياء ، ويؤكده صنيع القاموس واللسان والصحاح حيث أطبقوا على ذكرها فى مادة (س وم)

(٢) عنفوان الشىء وعنفوه (بضم العين والفاء وسكون النون بينهما وتشديد الواو فى الثانية) : أوله أو أول بهجته


حذف إحداهما ، إذ هو قدر الضرورة ، وتصير الكلمة بذلك على بنية التصغير ، فلا يرتكب حذفهما معا

فالزيادتان إما أن تكونا متساويتين ، أو تكون إحداهما الفضلى ؛ فان فضلت إحداهما الأخرى حذفت المفضولة

والفضل يكون بأنواع :

منها : أن تكون الزيادة فى الأول كميم منطلق ومقتدر ومقدّم ومحمر وكهمزة ألندد (١) وأرندج وكياء يلندد ويرندج ، فالأولى بالابقاء أولى لأن الأواخر محل التغيير لتثاقل الكلمة إذا وصلت إليها ، ثم بعد ذلك الأوساط أولى ، وأما الأوائل فهى أقوى وأمكن منهما ، وهى مصونة عن الحذف إلا فى القليل النادر ، إذ الكلمة لا تثقل بأول حروفها ولميم نحو منطلق ومقتدر فضيلتان أخريان : كونها ألزم من الزائد المتأخر ، إذ هى مطردة فى جميع اسمى الفاعل والمفعول من الثلاثى المزيد فيه ومن الرباعى ، وكونها طارئة على الزائد المتأخر ، والحكم للطارىء.

ومن أنواع الفضل أن يكون أحد الزائدين مكرّر الحرف الأصلى دون الآخر ؛ فالمكرر بالإبقاء أولى ؛ لكونه كالحرف الأصلى ، فجيم عفنجج ودال غدودن (٢) أولى بالإبقاء من الباقيين ، وكذا المضعف فى خفيدد وحمارّة وصبارّة (٣) أفضل

__________________

(١) الألندد واليلندد : الشديد الخصومة مثل الألد. والأرندج واليرندج : السواد يسود به الخف

(٢) العفنجج : تقدم ذكره فى (ص ٢٤٥ ه‍ ٣). أما الغدودن فانه يقال : شاب غدودن : أى ناعم ، وشعر غدودن : أى كثير ملتف طويل

(٣) الخفيدد : السريع ، والظليم الخفيف. والحمارة (بفتح الحاء والميم مخففة وتشديد الراء) : شدة الحر. والصبارة : شدة البرد ، وهى بزنة الحمارة


من الباقى ، هذا مع أن النون والواو والياء والألف أبعد من الطرف ، إلا أنها ضعفت بالسكون ، وأما قطوطى ـ وهو البطىء المشى ـ فعند سيبويه فعوعل كغدودن ، فتقول : قطيط ، أو قطيطىّ بابدال الياء من الواو المحذوفة ، وقال المبرد : بل هو فعلعل ، وأصله قطوطو كصمحمح ، وقال : فعلعل أكثر من فعوعل ؛ فأحد المضعفين ـ أعنى الطاء والواو الأولين أو الثانيين ـ زائد كما فى صمحمح وبرهرهة (١) ، قال سيبويه : جاء منه اقطوطى إذا أبطأ فى مشيه ، وهو افعوعل كاغدودن ، وافعلعل لم يأت فى كلامهم ، ولو كان أيضا فعلعلا كما قال المبرد كان القياس حذف الواو الأولى ، على ما ذكرنا فى شرح معنى الإلحاق أن صمحمحا وبرهرهة يجمعان على صمامح وبراره

وإذا صغرت عطوّدا (٢) فعند سيبويه تحذف الواو الأولى ، لانهما وإن كانتا زائدتين لكن الثانية أفضل وأقوى لتحركها وسكون الأولى ، فتقول : عطيّد ؛ وبالابدال عطيّيد ، وقال المبرد : لا يجوز حذف إحدى الواوين ، لأن عطوّدا كمسرول ، والواو الرابعة ساكنة كانت أو متحركة لا تحذف كما ذكرنا ، فكما قلت هناك مسيريل تقول هنا : عطيّيد ، بالمد لا غير

وإذا حقر (٣) عثولّ ـ وهو ملحق بجردحل ـ بزيادة الواو وإحدى اللامين ـ فمذهب سيبويه ، وحكاه عن الخليل ، وقال : هو قول العرب ، أنك

__________________

(١) الصمحمح (كسفرجل) : الشديد القوى. والبرهرهة : المرأة البيضاء الشابة أو التى ترعد نعومة

(٢) العطود (كسفرجل) : الشديد الشاق من كل شىء ، وهو أيضا السريع من المشى ؛ قال الراجز

* إليك أشكو عنقا عطوّدا*

(٣) العثول (بكسر فسكون ففتح فلام مشددة) : الكثير اللحم الرخو ، وهو أيضا الكثير شعر الجسد والرأس


تحذف آخر اللامين دون الواو ، وإن كان تضعيف الحرف الأصلي ؛ لكونه طرفا مع تحرك الواو ، بخلاف ياء خفيدد ، وأيضا للقياس على الخماسى الملحق هو به ، وقال المبرد ، وحكاه عن المازنى : إنك تقول عثيلّ نظرا إلى كون اللام مضعف الحرف الأصلى دون الواو ، وإذا كان السماع عن العرب على ما ذكر سيبويه مع أنه يعضده قياس ما فلا وجه لما قال المبرد لمجرد القياس

وإذا صغرت ألنددا فانك تحذف النون قولا واحدا ؛ لأن الدالين أصليان ، إذ هو من اللّدد ، والهمزة لتصدرها تحصّنت من الحذف فاذا حذفتها قال سيبويه أليدّ بالإدغام كأصيمّ ، وقال المبرد : بل أليدد بفك الإدغام لموافقة أصله ، وقول سيبويه أولى ؛ لأنه كان ملحقا بالخماسى لا بالرباعى ، فلما سقطت النون لم يبق ملحقا بالخماسى ، ولم يقصد فى الأصل إلحاقه بالرباعى حتى يقال أليدد كفريدد ، فتقول على هذا فى عفنجج عفيجّ (١) بالادغام أيضا كأصيمّ

وإذا صغرت ألببا وحيوة (٢) وفكّ الإدغام فيهما شاذ ، قلت : أليبّ وحييّة بالإدغام فيهما ؛ لأن هذا الشذوذ مسموع فى المكبر لا فى المصغر ، فلا تقيسهما فى الشذوذ على مكبريهما ، بل يرجعان إلى أصل الإدغام

وإن كانت الزيادتان فى الثلاثى متساويتين من غير فضل لإحداهما على الأخرى فأنت مخير فى حذف أيتهما شئت ، كالنون والواو فى القلنسوة ، ولو قيل إن حذف الواو لتطرفها أولى لم يبعد

__________________

(١) وقع فى الأصل سفنجج ولم نجد له معنى فى كتب اللغة التى بين أيدينا فأصلحناه إلى عفنجج وهو كما تقدم الضخم الأحمق

(٢) قال فى اللسان : «بنات ألبب : عروق فى القلب يكون منها الرقة ، وقيل لأعرابية تعاتب ابنها : مالك لا تدعين عليه؟ قالت : تأبى له ذلك بنات ألببى ، قال الأصمعى : كان أعرابى عنده امرأة فبرم بها فألقاها فى بئر فمر بها نفر فسمعوا


قيل : وكذلك الخيار فى حذف النون أو الألف فى (١) حبنطي ؛ إذ هما للالحاق وليس أحدهما أفضل ، ولو قيل فى الموضعين حذف الأخير لتطرفه أولى مع جواز حذف الأول ؛ لكان قولا

وكذا قيل بالتخيير بين ألف عفرنى (٢) ونونه ؛ إذ هما للالحاق ، بدليل عفرناة.

__________________

همهمتها من البئر فاستخرجوها وقالوا : من فعل هذا بك؟ فقالت : زوجى ، فقالوا : ادعى الله عليه ؛ فقالت : لا تطاوعنى بنات آلببى ، فأن جمعت ألببا قلت : ألابب ، والتصغير أليبب ، وهو أولى من قول من أعلها» اه ملخصا ، وهو يريد من الاعلال هنا الأدغام فهو مخالف لما ذكر المؤلف كما ترى. وحيوة (بفتح فسكون) : اسم رجل قلبت الياء واوا فيه لضرب من التوسع وكراهة لتضعيف الياء ، قال فى اللسان : «وإذا كانوا قد كرهوا تضعيف الياء مع الفصل حتى دعاهم ذلك إلى التغيير فى حاحيت وهاهيت كان إبدال اللام فى حيوة ليختلف الحرفان أحرى وانضاف إلى ذلك أنه علم والأعلام قد يعرض فيها ما لا يوجد فى غيرها نحو مورق وموهب وموظب ؛ قال الجوهرى : حيوة اسم رجل ، وإنما لم يدغم كما أدغم هين وميت لأنه اسم موضوع لا على وجه الفعل» اه

(١) الحبنطى : الممتلىء غيظا أو بطنة ، ويقال فيه : حبنطا وحبنطأة ؛ قال فى اللسان : «فأن حقرت فأنت بالخيار ؛ إن شئت حذفت النون وأبدلت من الألف ياء وقلت حبيط بكسر الطاء منونا ؛ لأن الألف ليست للتأنيث فيفتح ما قبلها كما تفتح فى تصغير حبلى وبشرى ، وإن بقيت النون وحذفت الألف قلت : حبينط ، وإن شئت أيضا عوضت من المحذوف فى الموضعين ، وإن شئت لم تعوض ، فان عوضت فى الأول قلت حبيطى (بياء مشددة آخره) وفى الثانى تقول : حبينيط» اه بتصرف وإصلاح فى التصغير مع التعويض على الوجه الأول

(٢) العفرنى (بفتحتين بعدهما سكون) : الشديد ، وتقول : رجل عفر (كتبر)


وأما العرضنى فالألف فيه للتأنيث ، فحذفها واجب ؛ لكونها خامسة فى الطرف ، دون النون ، كما مر

وحذف الألف الأولى فى مهارى (١) علما أرجح من جهة مشابهة الأخيرة للأصلى ، بانقلابها ، وحذف الثانية أرجح من جهة كونها أخيرة فتساوتا

وأنت مخير فى حنظأو (٢) بين حذف الواو والنون ، والواو أولى ، وأما الهمزة فبعيد زيادتها فى الوسط ، كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، قال سيبويه : أنت مخير فى حذف واو كوألل (٣) أو إحدى اللامين ، وأما الهمزة فأصلية لبعد زيادتها فى الوسط ، فان رجحنا حذف اللام بكونها فى الطرف ووقوعها كشين جحمرش ترجح حذف الواو بسبب كون اللام مضعف الحرف الأصلى

__________________

وعفرية (بكسرتين بينهما سكون) وعفريت وعفر (كطمر) وعفرى (بزيادة الياء المشددة عليه) وعفرنية (كقذعملة) وعفارية (بضم أوله) ؛ إذا كان خبيثا منكرا ، وتقول : أسد عفر وعفرنى ، وتقول : لبؤة عفرناة (كسفرجلة) ، فدل لحوق التاء على أن الألف فى عفرنى ليست للتأنيث

(١) المهارى ـ بزنة الصحارى ـ جمع مهرية ، وهى إبل منسوبة إلى مهرة (بفتح الميم وسكون الهاء وصوب ياقوت فتحها) وهو ابن حيدان أبو قبيلة ، ويقال فى الجمع أيضا : مهارى ككراسى ومهار كجوار ، وقد روى ياقوت عن العمرانى أن مهرة بلاد تنسب إليها الابل ، ثم قال : «هذا خطأ إنما مهرة قبيلة ، وهى مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الابل المهرية ، وباليمن لهم مخلاف يقال باسقاط المضاف إليه» اه وبعد ذلك لا محل لتخطئة العمرانى ما دام مخلاف هذه القبيلة يسمى مهرة ، وهذا معنى قوله باسقاط المضاف إليه

(٢) الحنظأو (كجردحل) وهو بالطاء المهملة وبالظاء المشالة أيضا كما فى القاموس وإن لم يذكره فى اللسان ولا فى الصحاح إلا بالمهملة ، وهو القصير. والحنطأو (بالمهملة) : العظيم البطن أيضا

(٣) الكوألل (كسفرجل) : القصير مع غلظ وشدة


وكذا كان ينبغى أن يكون مذهبه التخيير فى زيادتى عثولّ (١)

ومما أنت مخير فيه نحو جمادى وسمانى وحبارى (٢) كما مر

وقال سيبويه : وليس مهارى وصحارى علمين كحبارى ؛ فإن الألف الأخيرة فى حبارى للتأنيث ؛ فصار لها وإن كانت فى الآخر ثبات قدم ، بخلاف الألف الأخيرة فى مهارى وصحارى ؛ فإنها ليست للتأنيث ؛ بل هى بدل من الياء التى هى بدل من ألف التأنيث كما يجىء فى الجمع ، فهى بالحذف أولى

وفى ثمانية وعلانية وعفارية (٣) رجح سيبويه حذف الألف لضعفها وقوة الياء ، ولكون الياء فى مقام الحرف الأصلى فى نحو ملائكة وعذافرة (٤) فهى للالحاق دون الألف ؛ قال : وبعض العرب يقول : ثميّنة وعفيّرة ، بحذف الأخير ؛ لكونه فى الطرف الذى هو محل التغيير

__________________

(١) لعل السرفى أن سيبويه خير فى تصغير كوالل بين حذف الواو وإحدى اللامين وأوجب فى تصغير عثول حذف آخر اللامين أنه قدر فى عثول زيادة الواو أولا للألحاق بالرباعى ثم زيادة اللام للالحاق بجردحل ، فلما أريد التصغير حذف منه ما ألحق بالخماسى وهو اللام الأخيرة ، كما أن الخماسى يحذف منه حرفه الأخير ، وأما كوألل فالحرفان زيدا معا للألحاق بسفرجل ، فلما أريد تصغيره وكان لكل من اللام والواو مزية بدون رجحان لأحدهما خير فى حذف أى واحد منهما

(٢) جمادى (كحبارى) : من أسماء الشهور ، معرفة مؤنثة ، ويقال : ظلت العين جمادى (بالتنوين) : أى جامدة لا تدمع. والسمانى (كحبارى أيضا) : طائر ، يطلق على الواحد والجمع. وقد تقدم ذكر الحبارى قريبا

(٣) علن الأمر (كخرج وجلس وفرح وكرم) علنا (مثل الفرح) وعلانية (مثل طواعية) واعتلن أيضا : أى ظهر. والعفارية : الجرىء الشديد ، وقد تقدم مع العفرنى

(٤) لعذافر (كعلاط) : الأسد والعظيم الشديد من الابل ، والأنثى عذافرة


وأما نحو قبائل وعجائز علما فسيبويه والخليل اختارا حذف الألف لضعفها. ويونس اختار حذف الهمزة لقربها من الطرف ، فإذا صغرت على هذا مطايا قلت : مطىّ ، بياء مشددة على القولين : أما الخليل فإنه يحذف الألف التى بعد الطاء فيصير مطيا فتدخل ياء التصغير قبل هذه الياء وتكسر هذه الياء فتنقلب الألف لكسرة ما قبلها ياء ، فيجتمع ثلاث ياآت كما فى تصغير عطاء ، فتحذف الثالثة نسيا ، وأما يونس فيحذف الياء التى هى بدل من الهمزة فيبقى ألفان بعد الطاء فتدخل ياء التصغير قبل الأولى ، فتنقلب الأولى ياء مكسورة كما فى حمار ، فتنقلب الثانية أيضا ياء لكسرة ما قبلها ؛ فيصير مثل تصغير عطاء ، فيحذف ثالثة الياآت ؛ ولا يقال ههنا مطىء بالهمزة كما قال الخليل فى رسائل رسيئل ؛ لأن هذه الهمزة لم تثبت قط فى الجمع ثبوت همزة رسائل ، بل تجعل الياء الزائدة همزة وتقلب الهمزة بلا فصل ياء مفتوحة كما يجىء فى موضعه

ولو صغرت خطايا قلت : خطّىء ، بالهمزة أخيرا ؛ لأنك إن حذفت الألف التى بعد الطاء على قول الخليل وسيبويه ؛ فعند سيبويه يرجع ياء خطايا إلى أصلها من الهمزة لأنها إنما أبدلت ياء لكونها فى باب مساجد بعد الألف ، وترجع فى الحال الهمزة إلى أصلها من الياء الزائدة التى كانت بعد الطاء فى خطيئة ؛ فترجع الهمزة التى هى لام إلى أصلها (١) ؛ لأنها إنما انقلبت ياء لاجتماع همزتين مكسورة أولاهما ، وعند الخليل

__________________

(١) إن قلت : فلماذا قالوا فى تصغير رسائل وقبائل وعجائز أعلاما : رسيئلا وعجيئزا وقبيئلا ، مع أنه بعد حذف الألف الثالثة قد زال سبب قلب حرف المد الذى فى الواحد ألفا ثم همزة ولم يقولوا فى قضايا ومطايا وزوايا ونحوهن أعلاما بالهمزة أيضا مع أنه إذا حذف الألف الثالثة زال سبب انقلاب هذه الهمزة ياء فالجواب أن نقول : إن سبب قلب اللين همزة فى نحو رسائل ضعيف ، لأنهم إنما قلبوه لتحركه وانفتاح ما قبله ، إذ لم يعتدوا بالألف حاجزا ، أو لأنهم شبهوا


إنما قلبت الهمزة إلى موضع الياء خوفا من اجتماع همزتين ؛ فإذا لم تنقلب الأولى همزة بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزة إلى موضع الياء ، بل تبقى فى موضعها

وإن حذفت ياء خطايا على قول يونس رجعت الهمزة أيضا إلى أصلها ، لعدم اجتماع همزتين ، فتقول أيضا : خطّىء ، كحميّر.

قوله «وذو الثلاث غيرها» أى : الثلاثى ذو الزوائد الثلاث غير المدة المذكورة تبقى الفضلى من زوائده الثلاث ، على ما قلنا فى ذى الزيادتين ، وتحذف الثنتان فى نحو مقعنسس ، قال سيبويه : تحذف النون وإحدى السينين ؛ لكون الميم أفضل منهما ، وقال المبرد : بل تحذف الميم كما تحذف فى نحو محرنجم ؛ لأن السين للالحاق بحرف أصلى ؛ وقول سيبويه أولى ، لأن السين وإن كانت للالحاق بالحرف الأصلى وتضعيف الحرف الأصلى ، لكنها طرف إن كانت الزائدة هى الثانية ، أو قريبة من الطرف إن كانت هى (١) الأولى ، والميم لها قوة التصدر مع كونها مطردة فى

__________________

الألف بالفتحة ، فلما كان سبب ذلك ضعيفا لم يبالوا بفقدانه ، فان وجود الضعيف كلا وجود ، ولذلك يقولون فى تصغير قائم وبائع : قويئم وبويئع بالهمزة. أما علة قلب الهمزة ياء فى مطايا ونحوها فقوية ؛ لأنها إما أن تكون الهرب من اجتماع همزتين أو من اجتماع شبه ثلاث ألفات ، فلما كان السبب قويا اعتبروا زوال سببه زوالا له

(١) اعلم أنهم اختلفوا فى الحرف المكرر لحرف أصلى سواء أكان الزائد للالحاق كما فى جلبب ومهدد واقعنسس ومقعنسس ، أم كان لغير الالحاق ، نحو قطع واسبطر ومكفهر ومحمر ، وما أشبه ذلك ، هل الزائد أول الحرفين المتجانسين أو ثانيهما؟ فقال الخليل : الزائد هو الأول ، وقال غيره : الزائد هو الثانى واختاره ابن الحاجب ، وقال سيبويه : إن شئت اعتبرت الأول هو الزائد ، وإن شئت اعتبرت الثانى هو الزائد ، وسيأتى مزيد بحث لهذه المسألة بذكر آراء العلماء ودليل كل واحد منهم فى باب ذى الزيادة ، وإنما قصدناههنا إلى أن نبين لك أن ترديد المؤلف إشارة إلى هذا الاختلاف


معنى ، كما ذكرنا قبل ، وإن حذفت فى مغدودن الدال الأولى فلا بد من حذف الواو أيضا فيبقى مغيدن ، وإن حذفت الثانية وقعت الواو رابعة فلا يحتاج إلى حذفها لأنها تصير مدة نحو مغيدين ، وإن كانت إحدى الزوائد حرف اللين المذكورة ـ أعنى الرابعة ـ لم تحذفها قطعا ، وتكون المعاملة مع الزائدتين الباقيتين ، وكأن ذلك اللين ليس فيه ، تقول فى تملّاق (١) تميليق ، بالمد ؛ وإنما حذفت إحدى اللامين وإن كانت من تضعيف الأصلى لأن التاء أفضل منهما بالتصدر ، ومجيئها فى مصادر كثيرة بلا تضعيف ، كالتّفعلل والتّفاعل والتّفعيل والتّفوعل ، ويسقط جميع همزات الوصل ، فى الرباعى كانت أو فى الثلاثى ، تقول فى افتقار وانطلاق : فتيقير ونطيليق ، وفى احرنجام : حريجيم لأنك تضم أول حروف الكلمة فى التصغير ، فلو لم تحذف الهمزة ضممتها ، فكانت تسقط فى الدرج فتنكسر بنية التصغير ، وتقول فى الثلاثى ذى أربعة الزوائد مع المد نحو استخراج : تخيريج ، وإنما كان سقوط السين أولى من سقوط التاء إذ لا تزاد السين فى أول الكلمة إلا مشفوعة بالتاء ، فلو قلنا سخيريج لكان سفيعيلا وليس له نظير ؛ وأما تفيعيل فهو كالتّجيفيف (٢) والتاء تزاد فى الأول بلا سين ، وتقول

__________________

(١) التملاق ـ بكسر التاء والميم وتشديد اللام ـ : مصدر قولك تملقه وتملق له كالتملق ، ومعناه تودد إليه وتلطف له ، وقال الشاعر :

ثلاثة أحباب فحبّ علاقة

وحبّ تملّاق وحبّ هو القتل

(٢) التجيفيف : تصغير التجفاف ـ بكسر تائه أو فتحها ـ وهو آلة للحرب يلبسها الانسان والفرس ليتقى بها ، والتاء مزيدة فيه للالحاق بقرطاس أو زلزال ، والألف زائدة أيضا. قال فى اللسان : «ذهبوا فيه إلى معنى الصلابة والجفوف ، قال ابن سيده : ولو لا ذلك لوجب القضاء على تائها بأنها أصل ، لأنها بازاء قاف قرطاس ، قال ابن جنى : سألت أبا على عن تجفاف : أتاؤه للالحاق بباب قرطاس؟ فقال : نعم ، واحتج فى ذلك مما انضاف إليها من زيادة الألف معها» اه ، والتجفاف بفتح التاء ـ مصد جرفف الثوب ونحوه كالتجفيف والتاء زائدة للمصدر لا للالحاق


فى اشهيباب واغديدان واقعنساس : شهيبيب وغديدين وقعيسيس ، وحذف الهمزة لا بد منه لما ذكرنا ، ثم حذف الياء والنون أولى من حذف مضعف الأصلى ، وتقول في اعلوّاط عليّيط (١) ، بحذف الهمزة وإحدى الواوين ، وأصله عليويط ، وتقول فى اضطراب : ضتيريب ، برد الطاء إلى أصلها من التاء ؛ لأن جعلها طاء إنما كان لسكون الضاد ؛ فيكون التجاور إذن بين المطبقين ، أما إذا تحركت الضاد والحركة بعد الحرف ، كما ذكرنا ، فهى فاصلة بينهما ، ألا ترى أنك تقول حبطت بالتاء (٢) بعد الطاء لا غير ؛ فإذا أسكنت الطاء مع تاء المتكلم جاز عند بعض العرب أن تقلب التاء طاء فيقال : حبطّ كما يجىء فى باب الإدغام

قوله «وتحذف زيادات الرباعى كلها مطلقا غير المدة» إنما وجب حذفها إلا المدة ليتم بنية التصغير ، وإذا لم يكن من الحذف بد فالزائد [إن وجد] كان أولى بالحذف من الأصلى ، تقول فى مدحرج وفيه زائد واحد : دحيرج ، وفى محرنجم وفيه اثنان : حريجم ، وفى احرنجام وفيه ثلاثة : حريجيم ، بحذف الجميع ، إلا المدة ، وتقول فى قمحدوة وسلحفاة : قميحدة وسليحفة (٣) وفى منجنيق : مجينيق ،

__________________

(١) اعلواط : مصدر اعلوط البعير إذا تعلق بعنقه وعلاه أو ركبه بلا خطام أو عريا ، واعلوط فلانا : أخذه وحبسه ولزمه

(٢) حبط : جاء هذا الفعل من بابى سمع وضرب بمعنى بطل أو أعرض ، تقول : حبط عمله يحبط حبطا وحبوطا ، ومنه قوله تعالى (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وتقول : حبط فلان عن فلان : أى أعرض ، وجاء من باب فرح ليس غير بمعنى انتفخ ؛ تقول : حبط البعير ، إذا أكل كلأ فأكثر منه فانتفخ بطنه ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم»

(٣) القمحدوة ـ بفتحتين فسكون فضم ـ العظم الناتىء فوق القفا خلف الرأس والسلحفاة ـ بضم أو كسر ففتح فسكون ـ ويقال سلحفية وسلحفاء ويقصر


بناء على زيادة النون الأولى بدليل (١) مجانيق ، وفى عنتريس ـ وهو الشديد ـ عتيريس بحذف النون ؛ لأنه من (٢) العترسة ، وهى الأخذ بشدة ، وفى خنشليل : (٣) خنيشيل ، لزيادة إحدى اللامين وعدم قيام دليل على زيادة النون ، وفى منجنين : (٤) منيجين ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة

__________________

وتسكن لامه : دابة من دواب الماء وتعيش فى البر يحيط بها من أعلى غطاء صدفى سميك لها أرجل قصار تسير بها على الأرض زحفا

(١) المنجنيق ـ بفتح الميم أو كسرها وسكون النون بعدها جيم مفتوحة ونون مكسورة ـ : أداة من أدوات الحرب ترمى بها الحجارة

(٢) العترسة الأخذ بالشدة وبالجفاء والعنف والغلظة ، والعتريس (كقنديل) الجبار الغضبان والغول الذكر والداهية ، والعترس (كجعفر) : العظيم الحسيم ، والعنتريس : الداهية أيضا ، والناقة الصلبة الوثيقة الشديدة الكثيرة اللحم ، وقد يوصف به الفرس ، قال فى اللسان «قال سيبويه : هو من العترسة التى هى الشدة ، لم يحك ذلك غيره» اه

(٣) الخنشليل ـ بفتحتين بينهما سكون ثم لام مكسورة ـ : السريع الماضى الجيد الضرب بالسيف ، والمسن من الناس والابل ، ويقال : ناقة خنشليل : أى طويلة ، قال صاحب اللسان : «جعل سيبويه الخنشليل مرة ثلاثيا وأخرى رباعيا فان كان ثلاثيا فخنشل مثله ؛ وإن كان رباعيا فهو كذلك» اه ، يريد أنك إن جعلته ثلاثيا فأصوله الخاء والشين واللام وتكون النون والياء وإحدى اللامين زوائد ويكون الخنشل من الثلاثى زيدت فيه النون للألحاق بجعفر (كعنبس وعنسل) ، وإن جعلته رباعيا فأصوله الخاء والنون والشين واللام ، والياء وإحدى اللامين زائدتان ويكون الخنشل كجعفر لا ملحقا به ، ويؤيد هذا أن صاحب القاموس ذكر الخنشليل مرتين : الأولى فى مادة خ ش ل على أنه من مزيد الثلاثى ، والثانية عقد له ترجمة خاصة خ ن ش ل على أنه من مزيد الرباعى

(٤) المنجنين ومثله المنجنون ـ بفتح فسكون ففتح ـ : السانية أى الدولاب التى


لتكررها ، فحذفت الأولى دون الثانية ؛ لأنك لو حذفت الثانية أحوجت إلى حذف الياء أيضا ، وأيضا المسموع فى جمعه مناجين ، وكذلك تحذف الأولى من طمأنينة وقشعريرة ؛ فتقول : طميئينة وقشيعيرة ، وتقول فى عنكبوت : عنيكب ، وسمع الأصمعى عنيكبيت ، وهو شاذ ، وفى عيضموز وجحنفل (١) وعجنّس : عضيميز ، وجحيفل ، وعجينس

قال سيبويه فى تصغير إسماعيل وإبراهيم : سميعيل وبريهيم ، بحذف الهمزة ، ورد عليه المبرد بأن بعد الهمزة أربعة أصول ؛ فلا تكون الهمزة زائدة كما فى إصطبل على ما يجىء فى باب ذى الزيادة ، فاذن هما خماسيان ، فتحذف الحرف الأخير ؛ فتقول : أبيريه وأسيميع كشميريخ (٢) ، والقياس يقتضى ما قاله المبرد ، إلا أن المسموع من العرب ما قاله سيبويه ، كما روى أبو زيد وغيره عن العرب ، وحكى سيبويه عن العرب فى تصغيرهما تصغير الترخيم بريه وسميع ،

__________________

يستقى بها ؛ قال ابن برى : «هو رباعى الاصول ، ميمه أصلية وكذا النون التى تليها ، وهى مؤنثة وجمعها مناجين» اه ، وعلى هذا فوزن منجنون فعللول (كعضر فوط) والنون الأخيرة للتكرير ، ووزن منجنين فعلليل (كجعفليق) والنون الأخيرة للتكرير أيضا

(١) العيضموز ـ بفتح فسكون ففتح ـ : العجوز والناقة الضخمة والصخرة الطويلة العظيمة ، وقد وقع فى بعض النسخ «عضموز» بزنة عصفور وهو بضاد معجمة أو صاد مهملة ، وهو الدولاب أو دلوه ، ولكن لا محل لذكره فى هذا الموضع لان ليس مما اجتمع فيه زيادتان ، بل ولا هو مما فيه زيادة واحدة تحذف. وإنما زيادته تقلب ياء لكونها مدة قبل الآخر. والجحنفل ـ كسفرجل ـ الغليظ الشفة. والعجنس كسفرجل أيضا ـ : الجمل الضخم الصلب الشديد مع ثقل وبطء

(٢) شميريخ : تصغير شمراخ كقرطاس أو شمروخ كعصفور ، وهو الغصن الذى عليه البسر. وهو فى النخل بمنزله العنقود من الكرم


وهو دليل على زيادة الميم فى إبراهيم واللام فى إسماعيل ؛ فتكون الهمزة فى الأول وبعدها ثلاثة أصول كما مر ؛ ولو لا السماع فى تصغير الترخيم لم نحكم بزيادة الميم واللام ؛ لأنهما ليستا مما يغلب زيادته فى الآخر

وأما إستبرق (١) فأصله أيضا أعجمى فعرب ، وهو بالفارسية إستبر [ه] ؛ فلما عرب حمل على ما يناسبه فى الأبنية العربية ، ولا يناسب من أبنية الاسم شيئا ، بل يناسب نحو استخرج ، أو تقول : يناسب نحو استخراج من أبنية الأسماء باجتماع الألف والسين والتاء فى الأول ، فحكمنا بزيادة الأحرف الثلاثة حملا له على نظيره ، ولا بد من حذف اثنتين من الحروف الزائدة ، فبقيّنا الهمزة لفضلها بالتصدر ، وليست بهمزة وصل كما كانت فى استخراج حتى تحذف ، فحذفنا السين والتاء ، وكذا تحذف الزيادة فى الخماسى مع الخامس الأصلى ، تقول فى قرعبلانة وقرطبوس (٢) : قريعبة وقريطب

قوله «ويجوز التعويض عن حذف الزائد» قال سيبويه : التعويض قول يونس ؛ فكل ما حذفت فى التصغير ، سواء كان أصليا كما فى سفرجل أو زائدا كما فى مقدّم ، يجوز لك التعويض منه بياء ساكنة قبل الآخر ، إن لم يكن فى المكبر حرف علة فى ذلك الموضع ، وإن كان كما فى احرنجام فلا تقدر على التعويض ؛ لاشتغال المحل بمثله

__________________

(١) الاستبرق : ما غلظ من الحرير. قال ابن الأثير : «وقد ذكرها الجوهرى فى برق على أن الهمزة والسين والتاء زوائد. وذكرها الأزهرى فى خماسى القاف على أن همزتها وحدها زائدة. وقال أصلها بالفارسية استفره ، وقال أيضا إنها وأمثالها من الألفاظ حروف عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية ، وقال : هذا عندى هو الصواب» اه قال الزجاج : هو اسم أعجمى أصله بالفارسية استفره ونقل من العجمية إلى العربية ، وفى القاموس أنه معرب استروه

(٢) القرطبوس ـ بفتح القاف أو كسرها ثم راء ساكنة فطاء مهملة مفتوحة ـ : الداهية والناقة العظيمة الشديدة. والقرعبلانة : دويبه (انظر ص ١٠ ه‍ ١)


قال «ويردّ جمع الكثرة لا اسم الجمع إلى جمع قلّته ؛ فيصغّر نحو غليمة فى غلمان ، أو إلى واحده ؛ فيصغّر ثمّ يجمع جمع السّلامة ، نحو غليّمون ودويرات»

أقول : قوله «لا اسم الجمع» قد عرفت فى شرح الكافية معنى اسم الجمع (١)

فاذا كان لفظ يفيد الجمعية : فان كان لفظه مفردا ، كاسم الجمع واسم الجنس ؛ فانه يصغر على لفظه ، سواء جاء من تركيبه واحد كراكب وركب ومسافر وسفر وراجل (٢) ورجل ، تقول : ركيب ، ورجيل ، وسفير ؛ أو لم يجىء ، نحو قويم ونفير ، فى تصغير قوم ونفر.

وكذا فى الجنس تقول : تمير وتفيفيح.

__________________

(١) سيأتى ذكر الفروق بين الجمع واسم الجمع واسم الجنس الجمعى فى آخر باب جمع التكسير فلا محل لذكرها هنا

(٢) يقال : رجل سفر وقوم سفر ـ بفتح السين وسكون الفاء ـ وسافرة وأسفار وسفار ـ بضم السين وتشديد الفاء ـ أى : ذوو سفر ، والسافر والمسافر واحد سفر من قولهم قوم سفر. ويقال : رجل الرجل رجلا (كفرح فرحا) فهو راجل ورجل (كعضد) ورجل (ككتف) ورجيل (كشهيد) ورجل (كضخم) ورجلان (كغضبان) ، إذا لم يكن له ظهر يركبه فى سفر ، وكما جاء الرجل (بسكون الجيم) وصفا للواحد جاء للكتير أيضا ، واختلف العلماء فيه حينئذ : فذهب سيبويه إلى أنه اسم جمع واحده راجل ، وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أنه جمع راجل ، ورجح الفارسى قول سيبويه ، وقال : لو كان جمعا ثم صغر لرد إلى واحده ثم جمع ، ونحن نجده مصغرا على لفظه ، وأنشد :

بنيته بعصبة من ماليا

أخشى ركيبا ورجيلا عاديا


ومذهب الأخفش ـ وهو أن ركبا جمع راكب ، وسفرا جمع مسافر ـ يقتضى رد مثلهما إلى الواحد ، نحو رويكبون ومسيفرون ، وكذا يفعل.

وإن كان لفظه جمعا : فإما أن يكون جمع سلامة ؛ فهو يصغر على لفظه ، سواء كان للمذكر ، نحو ضويربون ، أو للمؤنث ، نحو ضويربات ؛ وإما أن يكون جمع تكسير ، وهو إما للقلة ، وهو أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، فتصغر على لفظها ، نحو أكيلب وأجيمال وأقيفزة وغليمة ؛ وإما للكثرة ، وهو ما عدا الأربعة ، ولا يخلو إما أن يكون له من لفظه جمع قلة ككلاب وأكلب وفلوس وأفلس ، أولا كدارهم ودنانير ورجال ؛ فالثانى يرد إلى واحده ويصغر ذلك الواحد ، ثم ينظر ، فإن كان ذلك الواحد عاقلا مذكر اللفظ والمعنى جمعته بالواو والنون لحصول العقل فيه أولا وعروض الوصف بالتصغير ، كرجيلون فى تصغير رجال ، وإن لم يكن عاقلا جمعته بالألف والتاء مذكراكان ككتيّيات فى كتب ، أو مؤنثا كقديرات فى قدور ، وكذا إن اتفق أن يكون عاقلا مؤنث اللفظ مذكر المعنى ، أو عاقلا مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، فتقول فى جرحي وحمقى وحمر وعطاش فى المذكر : جريّحون وأحيمقون وأحيمرون وعطيشانون ، وفى المؤنث : جريّحات وحميقاوات وحميراوات وعطيشيات ، بجمع المصغرات جمع السلامة ، وإن لم يجز ذلك فى المكبرات ، وكذا تقول فى حوائض جمع حائض : حويّضات ، وإن لم تجمع حائضا جمع السلامة.

وأما فى القسم الأول ـ أى الذى له جمع قلة مع جمع الكثرة ـ فلك التخيير بين رد جمع كثرته إلى جمع قلته وتصغيره ، كتصغيرك كلابا وفلوسا على أكيلب وأفيلس ، وبين رد جمع كثرته إلى الواحد وتصغير ذلك الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، كما فى ذلك القسم سواء.


وإنما لم يصغر جمع الكثرة على لفظه لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد ؛ فمعنى عندى غليمة أى عدد منهم قليل ، وليس المقصود تقليل ذواتهم ، فلم يجمعوا بين تقليل العدد بالتصغير وتكثيره بابقاء لفظ جمع الكثرة ، لكونه تناقضا ، وأما أسماء الجموع فمشتركة بين القلة والكثرة ، وكذا جمع السلامة على الصحيح كما مضى (١) فى شرح الكافية ، فيصغر جميعها نظرا إلى القلة ، فلا يلزم التناقض ، ولم يصغر شيء من جموع الكثرة على لفظه إلا أصلان جمع أصيل (٢)

__________________

(١) الذى قاله فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٧٧) هو «قالوا : مطلق الجمع على ضربين قلة وكثرة والمراد بالقليل من الثلاثة إلى العشرة ، والحدان داخلان ، وبالكثير ما فوق العشرة ، قالوا : وجمع القلة من المكسر أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، وزاد الفراء فعلة (بفتح الفاء والعين) كقولهم : هم أكلة رأس : أى قليلون يكفيهم ويشبعهم رأس واحد ، وليس بشىء ، إذ القلة مفهومة من قرينة شبعهم بأكل رأس واحد لا من إطلاق فعلة ، ونقل التبريزى أن منها أفعلاء كأصدقاء ، وجمعا السلامة عندهم منها أيضا ، استدلالا بمشابهتهما للتثنية فى سلامة الواحد ؛ وليس بشىء ، إذ مشابهة شىء لشىء لفظا لا تقتضى مشابهته له معنى أيضا ، ولو ثبت ما نقل أن النابغة قال لحسان لما أنشده قوله :

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى

و أسيافنا يقطرن من نجدة دما

قللت جفانك وسيوفك لكان فيه دليل على أن المجموع بالألف والتاء جمع قلة ، وقال ابن خروف : جمعا السلامة مشتركان بين القلة والكثرة ، والظاهر أنهما لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما» اه كلامه. وقد ذهب بعضهم إلى أن الاسم إن كان له جمع تكسير وجمع سلامة كالجفان والجفنات فجمع السلامة للقلة وجمع التكسير للكثرة ، وإن لم يكن له إلا جمع سلامة فجمع السلامة مشترك بين القلة والكثرة

(٢) الأصيل : العشى ، وهو ما بعد الزوال إلى الغروب ، وقيل : من زوال الشمس إلى الصباح. يجمع على أصل كرسل ، وأصلان كبعير وبعران ، وآصال وأصائل.


تشبيها بعثمان ، فيقال : أصيلان ، وقد يعوض من نونه اللام فيقال أصيلال ، وهو شاذ على شاذ.

واجاز الكسائى والفراء تصغير نحو شقران وسودان جمع اشقر وأسود على لفظه ، نحو شقيران وسويدان.

وإن اتفق جمع كثرة ولم يستعمل واحده كعباديد وعباييد ، بمعنى متفرقات ، حقرته على واحده القياسى المقدر ثم جمعته جمع السلامة ، نحو عبيد يدون ، وعبيبيدون ، لأن فعاليل جمع فعلول أو فعليل أو فعلال (١)

__________________

قال السيرافى : إن كان اصيلان تصغير أصلان جمع أصيل فتصغيره نادر ؛ لأنه إنما يصغر من الجمع ما كان على بناء أدنى العدد ، وأبنية أدنى العدد أربعة أفعال وأفعل وأفعله وفعلة وليست أصلان واحدة منها ، فوجب أن يحكم عليه بالشذوذ ، وإن كان أصلان واحدا كرمان وقربان فتصغيره على بابه

(١) اختلفت كلمة سيبويه فى تصغير هذا الجمع (وهو جمع الكثرة الذى لم يستعمل واحده) ، والنسب إليه ، فذهب فى النسب إلى أنه ينسب إليه على لفظه مخافة أن يحدث فى لغة العرب شيئا لم يقولوه وذلك بأن يجىء بالواحد المقدر ، وذهب فى التصغير إلى أنه يجاء بالواحد المقدر ثم يصغر ويجمع جمع السلامة ، والفرق بين البابين مشكل ما دام الذى منعه من الرد إلى الواحد هو أن لا يقول على العرب ما لم يقولوه قال فى باب النسب (ح ٢ ص ٨٩): «وإن أضفت إلى عباديد قلت عباديدى ، لأنه ليس له واحد ، وواحده يكون على فعلول أو فعليل أو فعلال ، فاذا لم يكن له واحد لم تجاوزه حتى تعلم ؛ فهذا أقوى من أن أحدث شيئا لم تكلم به العرب» اه. وقال فى باب التصغير (ح ٢ ص ١٤٢): «وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل فى الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياسا ولا غير ذلك فتحقيره على واحد هو بناؤه اذا جمع فى القياس ، وذلك نحو عباديد ، فاذا حقرتها قلت : عبيديدون ، لأن عباديد إنما هو جمع فعلول أو فعليل أو فعلال ، فاذا قلت : عبيديدات فأياما كان واحدها فهذا


وإن جاء بعض الجموع على واحد مهمل وله واحد مستعمل غير قياسى رد فى التصغير إلى المستعمل ، لا إلى المهمل القياسى ، يقال فى محاسن ومشابه : حسينات وشبيهات ، وفى العاقل المذكر : حسينون وشبيهون ، وكان أبو زيد يرده إلى المهمل (١) القياسى ، نحو محيسنون ومشيبهون ومحيسنات ومشيبهات ، قال يونس : إن من العرب من يقول فى تصغير سراويل : سريّيلات (٢) اعتقادا منه أنها

__________________

تحقيره» اه. ولعل الفرق بين البابين أنك فى باب النسب تحافظ على لفظ الواحد الذى قدرته مفردا لهذا الجمع فكنت تقول عبدادى أو عبديدى أو عبدودى ، فأما فى التصغير فانك لا تحافظ على هذا المفرد. بل تنطق بجمع التصحيح مصغرا بصورة واحدة فتقول عبيديدون وعبيديدات مهما فرضت المفرد ، ألا ترى أن تصغير عبداد أو عبدود أو عبديد هو عبيديد على كل حال ، هذا ، والعباديد والعبابيد كما فى القاموس الفرق من الناس والخيل الذاهبون فى كل وجه ، والآكام ، والطرق البعيدة. وفى اللسان «قال الأصمعى : يقال : صاروا عباديد وعبابيد : أى متفرقين ، وذهبوا عباديد كذلك إذا ذهبوا متفرقين ، ولا يقال : أقبلوا عباديد» اه ، وعلى هذا يكون عبيديدون للفرق من الناس وعبيديدات للفرق من الخيل أو للطرق أو الآكام.

(١) أبو زيد ينسب إلى الجمع الذى له واحد من لفظه غير قياسى على لفظه فيقول فى محاسن محاسنى ، وفى ملامح ومشابه ومذاكير وأباطيل وأحاديث : ملامحى ومشابهى ومذاكيرى وأباطيلى وأحاديثى ، فأى فرق بين التصغير والنسب ، وهلا صغر على لفظه ههنا كما نسب إلى لفظه إذا كان يريد ألا يحدث فى كلام العرب ما لم يقولوه

(٢) لا خلاف بين العلماء فى أن سراويل كلمة أعجمية عربت ، وإنما الخلاف بينهم فى أنها مفرد أو جمع ؛ فذهب سيبويه إلى أنها مفرد ، وذهب قوم إلى أنها جمع من قبل أن هذه الصيغة خاصة بالجمع فى العربية فمثلها مثل سرابيل فالواحد سروال أو سروالة كما كان واحد السرابيل سربالا ، والذى يظهر من كلام المؤلف أنه فهم من كلام يونس أنه يذهب إلى أن سراويل جمع فى اللفظ وإن كان مسماه واحدا


جمع سروالة ، لأن هذه الصيغة مختصة بالجمع ، فجعل كل قطعة منها سروالة ، قال :

٣٩ ـ عليه من الّلؤم سروالة (١)

ومن جعلها مفردا ـ وهو الأولى ـ قال : سريّيل أو سريويل ، وقد شذّ عن القياس بعض الجموع ، وذلك كما فى قوله : ـ

٤٠ ـ قد رويت إلّا الدّهيد هينا

قليّصات وأبيكرينا (٢)

والدّهداه صغار الإبل ، وجمعه دهاديه ، والأبيكر مصغر الأبكر جمع البكر فكان القياس دهيدهات وأبيكرات

__________________

(١) هذا صدر بيت من المتقارب لا يعلم قائله حتى ذهب جماعة من العلماء إلى أنه مصنوع ، وعجزه : ـ

* فليس يرقّ لمستعطف*

واللؤم : الشح ودناءة الآباء ، ويرق : مضارع من الرقة ، وهى انعطاف القلب. وقد أنشد المؤلف هذا الشاهد دليلا على أن السراويل جمع واحده مستعمل وهو سروالة

(٢) هذا بيت من الرجز لم يعرف قائله ، وقد أنشده أبو عبيد فى الغريب المصنف وقبله.

يا وهب فابدأ ببنى أبينا

ثمّت ثنّ ببنى أخينا

وجيرة البيت المجاورينا

قد رويت .... الخ

إلّا ثلاثين وأربعينا

قليّصات ..... الخ

ومنه تعلم أن الشاهد الذى ذكره المؤلف ليس مرتبا على ما ذكر. وقد أنشد البيت شاهدا على أن قوله الدهيدهين وقوله أبيكرين شاذان من قبل أن الأول تصغير دهاديه ، وهو جمع ما لا يعقل ، فكان قياسه دهيدهات على ما قال ، وأن الثانى تصغير أبكر وهو جمع بكر فكان حقه أبيكرات على ما قال ، وقوله «فكان القياس دهيدهات» ليس بصواب ، والقياس دهيديهات لأن الدهاديه جمع دهداه ، وهو على خمسة أحرف


وإذا حقرت السنين والأرضين قلت : سنيّات وأريضات ؛ لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام الذاهبة فى السنة والتاء المقدرة فى أرض ، فترجعان فى التصغير ، فلا يبدل منهما ، بل يرجع جمعهما إلى القياس ، وهو الجمع بالألف والتاء ، وإذا جعلت نون سنين معتقب الإعراب من غير علمية صغرته على سنيّن ؛ إذ هو كالواحد فى اللفظ ، وكان الزجاج يرده إلى الأصل فيقول سنيّات أيضا ، نظرا إلى المعنى ، إذ هو مع كون النون معتقب الاعراب جمع من حيث المعنى ، ولا يجوز جعل نون أرضين من دون العلمية معتقب الاعراب ، لأنها إنما تجعل كذلك في الشائع ؛ إما فى الذاهب اللام ، أو فى العلم ، كما تبين فى شرح الكافية فى باب الجمع (١)

وإذا سميت رجلا أو امرأة بأرضين فان جعلت النون معتقب الاعراب فتصغيره

__________________

رابعها مد ، فالقياس فى مثله أن تقلب المدة ياء ولا تحذف ، وقوله «وأبيكرات» ليس بصواب أيضا ، لأن الأبكر جمع القلة لبكر كنهر وأنهر ، والقياس فى مثله أن يصغر على لفظه ولا تلحق به علامة جمع التصحيح ، فيقال : أبيكر ، كما يقال أنيهر وأفيلس ، ولهذا الذى لاحظناه على عبارته تجده قد ذكر فى شرح الكافية عن البصريين غير ما ذكره ههنا ، قال (ج ٢ ص ١٧١): «وأبيكرون جمع أبيكر تصغير أبكر مقدرا كأضحى عند البصريين ؛ فهو شاذ من وجهين : أحدهما : كونه بالواو والنون من غير العقلاء ، والثانى : كونه جمع مصغر لمكبر مقدر ، وهو عند الكوفيين جمع تصغير أبكر جمع بكر ، فشذوذه من جهة جمعه بالواو والنون فقط كالدهيدهين» اه فالذى ذكره هنا هو مذهب الكوفيين وقد عرفت ملاحظتنا عليه

(١) هذا الذى ذكره المؤلف من الاقتصار فى لزوم الياء وجعل الاعراب بحركات على النون على جمع محذوف اللام كسنين وبنين وثبين وعلى ما صار علما من الجموع كفلسطين وما ألحق بها كأربعين هو مذهب جمهور النحاة وهو الذى قرره المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ١٧٢) وقد ذهب الفراء إلى أن جعل الاعراب بحركات على


كتصغير حمصيصة (١). تقول : أريضين ؛ منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث ، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أيضا فى التحقير إلى الواحد ، إذ ليس جمعا وإن أعرب باعرابه ، كما أنك إذا صغرت مساجد علما قلت : مسيجد ، ولا ترده إلى الواحد ثم تجمعه ، فلا تقول : مسيجدات ؛ فتقول : أريضون رفعا ؛ وأريضين نصبا وجرا.

وأما إن سميت بسنين رجلا أو أمرأة ولم تجعل النون معتقب الاعراب رددته إلى واحده ؛ لأن علامة الجمع إذن باقية متصلة باسم ثنائى ، ولا يتم بها بنية التصغير كما تمت فى أريضون ، فترد اللام المحذوفة ، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن كانتا عوضا من اللام المحذوفة فى الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمى جزأ من العلم ، فتقول : سنيّون رفعا ، وسنيين نصبا وجرا

وإن جعلتها مع العلمية معتقب الإعراب قلت سنيّين منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث ، ولا يخالف الزجاج ههنا كما خالف حين جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمية ؛ لأن اللفظ والمعنى فى حال العلمية كالمفرد مع جعل النون معتقب الإعراب فكيف يرد إلى الواحد!؟

__________________

النون مع لزوم الياء مطرد فى جمع المذكر السالم وما حمل عليه وعلى هذا جاء قول الشاعر :

ربّ حىّ عرندس ذى طلال

لا يزالون ضاربين القباب

وعلى هذا يصح أن تجعل النون معتقب الاعراب فى أرضين كما كان ذلك جائزا فى سنين.

(١) الحمصيصة (بفتح أوله وثانيه وكسر ثالثه) : بقلة رملية حامضة وقد تشدد ميمها وهى واحدة الحمصيص


قوله «إلى جمع قلته» ، يعنى إن كان له جمع قلة فأنت مخير بين الرد إليه والرد إلى واحده ، وإن لم يكن له ذلك تعين الرد إلى واحده

قوله «غليّمون» أى فى العاقل ، «ودويرات» أى فى غيره ، وغليمون تصغير غلمان ، ودويرات تصغير دور ، وكلاهما مما جاء له جمع قلة وهو غلمة وأدؤر.

والمركب يصغر صدره ، مضافا كان أولا ، نحو أبىّ بكر ، وأميمة عمرو ، ومعيديكرب ، وخميسة عشر ، وذهب الفراء فى المضاف إذا كان كنية إلى تصغير المضاف إليه ، احتاجا بنحو أمّ حبين وأبى الحصين (١) ، وقوله : ـ

٤١ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس (٢)

قال : «وما جاء على غير ذلك كأنيسيان وعشيشية وأغيلمة وأصيبية شاذّ»

__________________

(١) أم حبين : دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن ، وقيل : هى أنثى الحرباء ، وقد روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه رأى بلالا وقد عظم بطنه فقال له مازحا : «أم حبين» يريد تشبيهه بها فى عظم بطنه. وأبو الحصين : كنية الثعلب ، ويقال له أيضا : أبو الحصن ، كما قالوا : أم عوف وأم عويف لدويبة

(٢) هذا البيت نسبه فى اللسان للمرار الأسدى ، ويقال هو للمرار الفقعسى. والعلاقة : الحب. وأم الوليد (بضم الواو وفتح اللام وتشديد الياء) تصغير أم الوليد وهو محل الشاهد حيث صغر العجز ، ولو صغر الصدر لقال : أميمة الوليد. والأفنان : جمع فنن وأصله الغصن من الشجرة ، وأراد به ههنا خصل شعر الرأس. والثغام (بزنة سحاب) قال أبو عبيد : هو نبت أبيض الثمر والزهر يشبه بياض الشيب به ، قال حسان بن ثابت :

إمّا ترى رأسى تغيّر لونه

شمطا فأصبح كالثّغام الممحل

والمخلس : اسم فاعل من أخلس النبات ، إذا كان بعضه أخضر وبعضه أبيض وكذلك يقال : أخلس رأسه ، إذا خالط سواده بياضه


قياس إنسان أنيسين كسريحين فى سرحان ؛ فزادوا الياء فى التّصغير شاذا فصار كعقيربان كما ذكرنا فى أول الباب ، ومن قال إن إنسانا إفعان من نسى ـ كما يجيء فى باب ذى الزيادة ـ فأنيسيان قياس عنده (١)

__________________

(١) قال فى اللسان : «الانسان أصله إنسيان (بكسر الهمزة) ، لأن العرب قاطبة قالوا فى تصغيره : أنيسيان ، فدلت الياء الأخيرة على الياء فى تكبيره ، إلا أنهم حذفوها لما كثر الناس فى كلامهم ، وفى حديث ابن صياد قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم : انطلقوا بنا إلى أنيسيان قد رابنا شأنه ؛ وهو تصغير إنسان جاء شاذا على غير قياس ، وقياسه أنيسان. قال : وإذا قالوا : أناسين فهو جمع بين مثل بستان وبساتين ، وإذا قالوا أناسى كثيرا فخففوا الياء أسقطوا الياء التى تكون فيما بين عين الفعل ولامه ؛ مثل قراقير ، وقراقر ، ويبين جواز أناسى بالتخفيف قول العرب أناسية كثيرة ، والواحد إنسى ، وأناسى إن شئت ، وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : إنما سمى الانسان إنسانا لأنه عهد إليه فنسى ؛ قال أبو منصور : إذا كان الانسان فى الأصل إنسيانا فهو إفعلان من النسيان ، وقول ابن عباس حجة قوية له ، وهو مثل ليل إضحيان من ضحى يضحى (كرضى يرضى) وقد حذفت الياء فقيل إنسان ..... قال الأزهرى : وإنسان فى الأصل إنسيان وهو فعليان من الأنس والألف فيه فاء الفعل وعلى مثاله حرصيان : وهو الجلد الذى يلى الجلد الأعلى من الحيوان ؛ سمى حرصيانا لأنه يحرص : أى يقشر ، ومنه أخذت الحارصة من الشجاج ، يقال : رجل حذريان إذا كان حذرا. قال الجوهرى : وتقدير إنسان فعلان ، وإنما زيد فى تصغيره ياء كما زيد فى تصغير رجل فقيل رويجل. وقال قوم : أصله إنسيان على إفعلان فحذفت الياء استخفافا لكثرة ما يجرى على ألسنتهم ، فاذا صغروه ردوها لأن التصغير لا يكثر» اه. قال ابن سيده فى المخصص (ج ١ ص ١٦): «إنسان عند مشتق من أنس ؛ وذلك أن أنس الأرض وتجملها وبهاءها إنما هو بهذا النوع الشريف اللطيف المعتمر لها والمعنى بها ؛ فوزنه على هذا فعلان (بكسر فسكون). وقد ذهب بعضهم إلى أنه إفعلان من نسى ؛ لقوله تعالى


وعشيشيه تصغير عشيّة ، والقياس عشيّة ، بحذف ثالثة الياآت كما فى معيّة ، وكأن مكبر عشيشية عشّاة ، تجعل أولى ياءى عشيّة شينا مفتوحة فتدغم الشين في الشين وتنقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكذا قالوا فى تصغير عشىّ : عشيشيان ، وكأنه تصغير عشيّان ، وقد صغروا عشيّا أيضا على عشيّانات ، كأن كل جزء منها عشى ؛ فعشيّانات جمع عشيشيان على غير القياس ، كما أن عشيشيانا تصغير عشى على غير القياس (١)

__________________

(ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى) ولو كان كذلك لكان إنسيانا ولم تحذف الياء منه لأنه ليس هنالك ما يسقطها ، فأما قولهم : أناسى فجمع إنسان ، شابهت النون الألف لما فيها من الخفاء ، فخرج جمع إنسان على شكل جمع حرباء ، وأصلها أناسين وليس أناسى جمع إنسى كما ذهب إليه بعضهم لدلالة ما ورد عنهم من قول رويشد. أنشده أبو الفتح عثمان بن جنى : ـ

أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم

وبالأناسين أبدال الأناسين

قال : ياء أناسى الثانية بدل من هذه النون ، ولا تكون نون أناسين هذه بدلا من ياء أناسى كما كانت نون أثانين بدلا من ياء أثانى جمع أثناء التى هى جمع الأثن بمعنى الاثنين لأن معنى الأثانين ولفظها من باب ثنيت والياء هنا لام البتة فهى ثم ثابتة وليست أناسين مما لامه حرف علة ، وإنما الواحد إنسان فهو إذن كضبعان وضباعين وسرحان وسراحين» اه

(١) العشى والعشية : ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها ، وقيل من زوال الشمس إلى الصباح ، وقيل آخر النهار ، وقال الليث : العشى بغيرهاء ، آخر النهار ، فاذا قلت عشية فهو ليوم واحد ، يقال : لقيته عشية يوم كذا وكذا ، ولقيته عشية من العشيات وقيل العشى والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة. قال فى اللسان : «وتصغير العشى عشيشيان على غير القياس ، وذلك عند شفى وهو آخر ساعة من النهار ، وقيل تصغير العشى عشيان على غير قياس مكبره كأنهم صغروا عشيانا (بفتح فسكون) والجمع عشيانات ، ولقيته عشيشية ، وعشيشيات ، وعشيشيانات ، وعشيانات ، كل ذلك


وكذا قالوا فى تصغير مغرب : مغيربان ، ثم جمعوا فقالوا : مغيربانات ، وهذا جمع قياسى لتصغير غير قياسى ، وكأنهم جعلوا كل جزء منه مغربا ، كقولهم : بغير أصهب العثانين (١)

__________________

نادر ، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس ، وفى حديث جندب الجهنى فأتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية. قال : هى تصغير عشية على غير قياس أبدل من الياء الوسطى شين كأن أصله عشيية (بثلاث ياءات) وحكى عن ثعلب أتيته عشيشة وعشيشيانا وعشيانا. قال : ويجوز فى تصغير عشية عشية وعشيشية ، قال الأزهرى : كلام العرب فى تصغير عشية عشيشية جاء نادرا على غير قياس ، ولم أسمع عشية فى تصغير عشية ، وذلك أن عشية تصغير العشوة وهو أول ظلمة الليل فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير العشية وبين تصغير العشوة» اه ، وقول المؤلف : «وكأن مكبر عشيشية عشاة» بفتح العين وتشديد الشين ـ وهذا الذى ذكره هو قول النحاة ، قال ابن يعيش : «وأما عشيشية فكأنه تصغير عشاة ، فلما صغر وقعت ياء التصغير بين الشينين ثم قلبت الألف ياء لانكسار ما قبلها ، فصار عشيشية» اه وقد سمعت فى كلام صاحب اللسان ما يخالف هذا ، وفى كل من الوجهين شذوذ ؛ فما ذكره المؤلف فيه تقدير مكبر غير مسموع فى اللغة ، وما ذكره صاحب اللسان فيه إبدال الياء شينا وهو إبدال شاذ فى اللغة. ومثل هذا تماما ما ذكره المؤلف فى تصغير عشى على عشيشيان. وقول المؤلف «وقد صغروا عشيا أيضا على عشيانات» غير مستقيم وذلك لأنه يفيد أن عشيانات تصغير العشى الواحد بتقدير أن كل جزء منه عشى ، وقد سمعت عن اللسان أن عشيانات جمع عشيان الذى هو مصغر عشى ، وهو كلام واضح ، ومنه تعلم أيضا أن قول المؤلف «فعشيانات جمع عشيشيان على غير القياس» كلام غير مستقيم أيضا ، بل العشيانات جمع العشيان الذى هو تصغير عشى ، فالتصغير شاذ واجمع مطابق للقياس فافهم

(١) العثانين جمع عثنون (كعصغور) : وهو شعيرات طوال تحت حنك البعير جعلوا كل واحدة منها عثنونا فجمعوها على عثانين. وصهبتها أن يحمر ظاهرها وباطنها أسود


وأصيلان شاذ أيضا ، لكونه تصغير جمع الكثرة على لفظه ، كما ذكرنا ، كأنهم جعلوا كل جزء منه أصيلا ، وأصيلال شاذ على شاذ ، والقياس أصيلّات

وقالوا فى بنون : أبينون ، والقياس بنيّون كما مر فى شرح الكافية فى باب الجمع (١)

وقالوا فى تصغير ليلة لييلية بزيادة الياء كما فى أنيسيان ، وكأنه تصغير ليلاة ، قال :

٤٢ ـ * فى كلّ يوم مّا وكلّ ليلاه (٢) *

وعليه بنى اللّيالى

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٧٠): «الشاذ من جمع المذكر بالواو والنون كثير ، منها أبينون ، قال :

زعمت تماضر أنّنى إمّا أمت

يسدد أبينوها الأصاغر خلّتى

وهو عند البصريين جمع أبين وهو تصغير أبنى مقدرا على وزن أفعل مأضحى فشذوذه عندهم لأنه جمع لمصغر لم يثبت مكبره ، وقال الكوفيون : هو جمع أبين ، وهو تصغير أبن مقدرا ، وهو جمع ابن ، كأدل فى جمع دلو ، فهو عندهم شاذ من وجهين : كونه جمعا لمصغر لم يتبت مكبره ، ومجىء أفعل فى فعل ، وهو شاذ كأجبل وأزمن. وقال الجوهرى : شذوذه لكونه جمع أبين تصغير ابن بجعل همزة الوصل قطعا. وقال أبو عبيد : هو تصغير بنين على غير قياس» اه

(٢) هذا بيت من مشطور الرجز لم نعثر على قائله ، وبعده :

حتّى يقول كلّ راء إذ رآه

ياويحه من جمل ما أشقاه

والظاهر أن المعنى أنه يعمل جمله فى جميع أوقات الليل والنهار من كل يوم وكل ليلة حتى يرثى له كل من رآه ويترحم عليه قائلا ويحه ما أشقاه ، و «ما» فى قوله «فى كل يوم ما» زائدة ، وقد أنشد المؤلف البيت شاهدا على وجود ليلاة التى بمعنى ليلة ، وهى التى صغرت على ليلية بقلب ألفها ياء لوقوعها بعد الكسرة ، فلما أرادوا تصغير ليلة استغنوا عنه بتصغير ليلاة لكونهما بمعنى واحد كما أنهم حينما أرادوا


وقالوا فى تصغير رجل : رويجل ، قيل : إن رجلا جاء بمعنى راجل ، قال : ـ

٤٣ ـ أما أقاتل عن دينى على فرسى

وهكذا رجلا إلّا بأصحاب (١)

أى : راجلا ، فرويجل فى الأصل تصغير راجل الذى جاء بمعناه رجل ، فكأنه تصغير رجل بمعنى راجل ، ثم استعمل فى تصغير رجل مطلقا ، راجلا كان أولا

فان سميت بشىء من مكبرات هذه الشواذ ثم صغرته جرى على القياس المحض ، فتقول فى إنسان وليلة ورجل أعلاما : أنيسين ورجيل ولييلة ، إذ العلم وضع ثان وأغيلمة وأصيبية فى تصغير (٢) غلمة وصبية شاذّان أيضا ، والقياس غليمة وصبيّة ، ومن العرب من يجىء بهما على القياس

__________________

تكسير ليلة استغنوا بتكسير ليلاة فقالوا : ليال ، كما فى قوله تعالى (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ) وهذا كقولهم أهال فى تكسير أهل ، وإنما هو تكسير أهلات

(١) هذا بيت من البسيط قائله حيى بن وائل ، وكان قد أدرك قطرى بن الفجاءة الخارجى أحد بنى مازن ، وقد رواه أبو زيد فى نوادره (ص ٥) وذكر بعده بيتا آخر ، وهو قوله :

لقد لقيت إذا شرّا وأدركنى

ما كنت أزعم فى خصمى من العاب

وقد وقع فى النوادر رواية عجز بيت الشاهد* ولا كذا رجلا إلا بأصحابى* وروى عن أبى الحسن رواية صدر البيت :

* أما أقاتلهم إلّا على فرس*

وأما بتخفيف الميم وفتح الألف. ورجلا معناه راجلا ، كما يقول العرب : جاءنا فلان حافيا رجلا : أى راجلا ، كأنه قال : أما أقاتل فارسا ولا كما أنا راجلا إلا ومعى أصحابى ، فلقد لقيت إذن شرا : أى إنى أقاتل وحدى ، يريد أنه يقاتل عن دينه وعن حسبه وليس تحته فرس ولا معه أصحاب. والعاب : العيب

(٢) فى جميع النسخ التى رأيناها المخطوطة منها والمطبوعة قوله (فى جمع غلمة وصبية) وهو تحريف ظاهر ، والصواب ما أثبتناه


قال : «وقولهم أصيغر منك ودوين هذا وفويقه لتقليل ما بينهما»

أقول : قوله «أصيغر منك» اعلم أن المقصود من تحقير النعوت ليس تحقير الذات المنعوت غالبا ، بل تحقير ما قام بها من الوصف الذى يدل عليه لفظ النعت ، فمعنى ضويرب ذو ضرب حقير ، وقولهم أسيود وأحيمر وأصيفر أى ليست هذه الألوان فيه تامة ، وكذا بزيزيز وعطيطير (١) أى الصنعتان فيهما ليستا كاملتين ، وربما كانا كاملين فى أشياء أخرى ، وقولك «هو مثيل عمرو» : أى المماثلة بينهما قليلة ، فعلى هذا معنى «أصيغر منك» أى زيادته فى الصغر عليك قليلة ، وكذا «أعيلم منك» و «أفيضل منك» ونحوه ، لأن أفعل التفضيل ما وضع لموصوف بزيادة على غيره فى المعنى المشتق هو منه ، وقد تجىء لتحقير الذات كما فى قول على «يا عدىّ نفسه»

وأما تحقير العلم نحو زيد وعمرو فلمطلق التحقير ، وكذا فى الجنس الذى ليس بوصف كرجل وفرس ، ولا دليل فيه على أن التحقير إلى أى شىء يرجع إلى الذات أو الصفة أو إليهما

قوله «ودوين هذا ، وفويقه» ، قد ذكرنا حقيقة مثله فى أول باب التحقير

قال : «ونحو ما أحيسنه شاذّ ، والمراد المتعجّب منه»

أقول : عند الكوفيين أفعل التعجب اسم ؛ فتصغيره قياس ؛ وعند البصريين هو فعل كما تقدم فى بابه فى شرح الكافية ، وإنما جرّأهم عليه تجرده عن معنى الحدث والزمان اللذين هما من خواص الأفعال ، ومشابهته معنى لأفعل التفضيل ؛ ومن ثم يبنيان من أصل واحد ؛ فصار أفعل التعجب كأنه اسم فيه معنى الصفة

__________________

(١) بزيزيز : تصغير بزاز وهو صيغة نسب لمن يبيع البز وهى الثياب ، وقيل ضرب منها. وعطيطير : تصغير عطار وهو صيغة نسب أيضا لمن يبيع العطر


كأسود وأحمر ، والصفة ـ كما ذكرنا ـ إذا صغرت فالتصغير راجع إلى ذلك الوصف المضمون ، لا إلى الموصوف ؛ فالتصغير فى «ما أحيسنه» راجع إلى الحسن ، وهو تصغير التلطف كما ذكرنا فى نحو بنيّ وأخىّ ، كأنك قلت هو حسين ، وقوله

٣٠ ـ ياما أميلح غزلانا (١)

أى : هن مليّحات ،

ولما كان أفعل التعجب فعلا على الصحيح لم يمنعه تصغيره عن العمل ، كما يمنع فى نحو ضويرب على ما يجىء.

قوله «والمراد المتعجب منه» أى : مفعول أحيسن ؛ فإذا قلت «ما أحيسن زيدا» فالمراد تصغير زيد ، لكن لو صغرته لم يعلم أن تصغيره من أى وجه هو ؛ أمن جهة الحسن ، أم من جهة غيره؟ فصغرت أحسن تصغير الشفقة والتلطف ؛ لبيان أن تصغير زيد راجع إلى حسن ؛ لا إلى سائر صفاته.

قال : «ونحو جميل وكعيت لطائرين وكميت للفرس موضوع على التّصغير».

أقول : جميل طائر صغير شبيه بالعصفور (٢) ، وأما كعيت فقيل هو البلبل ، وقال المبرد : هو شبيه بالبلبل وليس به.

وإنما نطقوا بهذه الأشياء مصغرة لأنها مستصغرة عندهم ، والصغر من لوازمها فوضعوا الألفاظ على التصغير ، ولم تستعمل مكبراتها ، وقولهم فى جمع جميل

__________________

(١) سبق فى أول هذا الباب القول فى شرح هذا البيت (أنظر ص ١٩٠ ه‍ ١)

(٢) فى اللسان : «قال سيبويه : الجميل البلبل ، لا يتكلم به إلا مصغرا فأذا جمعوه قالوا : جملان»


وكعيت جملان وكعتان كصردان (١) ونغران (٢) تكسير لمكبريهما المقدرين وهما الجمل والكعت ، وإنما قدرا على هذا الوزن لأنه أقرب وزن مكبر من صيغة المصغر ؛ فلما لم يسمع مكبراهما قدرا على أقرب الأوزان من وزن المصغر ، وإنما قلنا إن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، قيل : وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف لين ثالثة ، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصّرادين والصّواحبات ، ولا منع أن نقول : إن كعيتا وجميلا لما وضعا على التصغير نظرا إلى استصغارهما فى الأصل ثم استعملا بعد ذلك من غير نظر إلى معنى التصغير فيهما لأن الكعيت كالبلبل معنى ، ولا يقصد فى البلبل معنى التصغير ، وإن كان فى نفسه صغيرا ـ انمحى عنهما معنى التصغير فى الاستعمال ، وإن كانا موضوعين عليه ، وصارا كلفظين موضوعين على التكبير ، فجمعا كما يجمع المكبر ، وأقرب المكبرات إلى هذه الصيغة فعل كنغر وصرد فجمعا جمعهما ؛ فعلى هذا كعتان وجملان جمعان للفظى كعيت وجميل ، لا لمكبريهما المقدرين

وأما كميت فهو تصغير أكمت وكمتاء تصغير الترخيم (٣) ، وقد ذكرنا

__________________

(١) الصردان (بكسر فسكون) جمع صرد ـ بضم ففتح ـ وهو طائر فوق العصفور ، وقيل هو طائر أبقع ضخم الرأس يكون فى الشجر نصفه أبيض ونصفه أسود ضخم المنقار. قال الأزهرى : يضيد العصافير ، وفى الحديث الشريف : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل أربع : النملة ، والنحلة ، والصرد ، والهدهد

(٢) النغران : جمع نغر ـ كصرد ـ وهو طير كالعصافير حمر المناقير ، ومؤنثه نغرة (كهمزة) ، وأهل المدينة يسمونه البلبل ، وبتصغيره جاء الحديث عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال لبنى كان لأبى طلحة الأنصارى وكان له نغر يلعب به فمات «فما فعل النغير يا أبا عمير»

(٣) قال فى اللسان : «قال ابن سيده : الكمتة لون بين السواد والحمرة يكون


أن المراد بتصغير الصفة تصغير المعنى المضمون ، لا تصغير ما قام به ذلك المعنى ، والكمتة : لون يلزمه الصغر ، إذ هى لون ينقص عن سواد الأدهم ويزيد على حمرة الأشقر ، فهى بين الحمرة والسواد ، فوضعوا كميتا على صيغة التصغير لصغر معناه المضمون ، وهو يقع على المذكر والمؤنث ، وجمعه كمت ، وهو جمع مكبره المقدر ، وهذا يقوى أن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر أيضا

وسكيت بالتخفيف مصغر سكيّت ـ بالتشديد ـ تصغير الترخيم (١)

__________________

فى الخيل والابل وغيرهما ، وقد كمت ككرم ، كمتا وكمتة وكماتة واكمات (كاحمار) والكميت من الخيل يستوى فيه المذكر والمؤنث. قال سيبويه : سألت الخليل عن كميت فقال هو بمنزلة جميل يعنى الذى هو البلبل. وقال : إنما هى حمرة يخالطها سواد ولم تخلص ، وإنما حقروها لأنها بين السواد والحمرة ولم تخلص لواحد منهما فيقال له أسود أو أحمر فأرادوا بالتصغير أنه منهما قريب ، وإنما هذا كقولك هودوين ذاك ، والجمع كمت ، كسروه على مكبره المتوهم ، وإن لم يلفظ به ؛ لأن قياس الأوصاف من الألوان هو أفعل كأحمر وأشقر وأسود وقياس جمعها على فعل كحمر وخضر وسود. وقد جاء جمع الكميت على كمت فى قول طفيل :

وكمتا مدمّاة كأنّ متوتها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

والكميت أيضا : الخمر التى فيها سواد وحمرة» اه ملخصا من اللسان

(١) قال فى اللسان : «والسكيت والسكيت بالتشديد والتخفيف : الذى يجىء فى آخر الحلبة آخر الخيل ، قال الليث السكيت مثل الكميت خفيف : العاشر الذى يجىء فى آخر الخيل إذا أجريت بقى مسكتا ، وفى الصحاح آخر ما يجىء من الخيل فى الحلبة من العشر المعدودات ، وقد يشدد فيقال السكيت وهو القاسور والفسكل أيضا ، وما جاء بعده لا يعتدبه. قال سيبويه : سكيت بالتخفيف ترخيم سكيت (بالتشديد) يعنى أن تصغير سكيت إنما هو سكيكيت ، فاذا رخم حذفت زائدتاه» اه


وإذا صغرت مبيطرا ومسيطرا كان التصغير بلفظ المكبر ؛ لأنك تحذف الياء كما تحذف النون فى منطلق ، وتجىء بياء التصغير فى مكانه ، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت : بطير ، وسطير

قال : «وتصغير التّرخيم أن تحذف كلّ الزوائد ثمّ تصغّر كحميد فى أحمد»

أقول : اعلم أن مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم ؛ لأن ما أبقى منه دليل على ما ألقى لشهرته ، وأجاز البصرية فى غير العلم أيضا ، وقد ورد فى المثل «عرف حميق جمله» (١) تصغير أحمق

وإذا صغرت مدحرجا تصغير الترخيم قلت : دحيرج ، وما قال بعض العرب فى تصغير إبراهيم وإسماعيل ـ أعنى بريه وسميع ـ فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين ، وإن لم يكونا من الغوالب فى الزيادة فى الكلم العربية فى مثل مواضعهما ، كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية ، أو يكون حذف الحرف الأصلى شاذا ؛ لأن تصغير الترخيم شاذ ، والأعجمى غريب شاذ فى كلامهم ، فشبهوا الميم واللام الأصليتين ؛ لكونهما من حروف «اليوم تنساه» بحروف الزيادة ، وحذفوهما حذفا شاذا ؛ لإتباع الشذوذ للشذوذ ؛ فعلى هذا يكون الهمزة أصلا كما فى إصطبل ؛ فيكون تصغيرهما على بريهيم وسميعيل ؛ بحذف الهمزة وهما المشهوران ، شاذا أيضا ، والقياس

__________________

(١) قال العلامة الميدانى فى مجمع الأمثال (ج ١ ص ٤٠١ طبع بولاق) «عرف حميق جمله : أى عرف هذا القدر وإن كان أحمق ، ويروى عرف حميقا جمله : أى أن جمله عرفه فاجترأ عليه. يضرب فى الافراط فى مؤانسة الناس. ويقال : معناه عرف قدره. ويقال : يضرب لمن يستضعف إنسانا ويولع به فلا يزال يؤذيه ويظلمه»


ما قال المبرد : أى أبيريه وأسيميع ، وقد مر ، وتصغير الترخيم شاذ قليل

قال : «وخولف باسم الإشارة والموصول فألحق قبل آخرهما ياء ، وزيدت بعد آخرهما ألف ؛ فقيل : ذيّا وتيّا وأوليّا واللّذيّا واللّتيّا واللّذيّان واللّتيّان واللّذيّون واللّتيّات»

أقول : كان حق اسم الإشارة أن لا يصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليه ، ولأن أصله وهو «ذا» على حرفين ، لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوصف [ووصف] به وثنى وجمع وأنث أجرى مجراها فى التصغير ، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليها ، لكن لما جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالّذى والّتى وتصرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث وثنّى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه ، دون غيرهما من الموصولات ، كمن وما

قيل : لما كان تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة ، فلم تضم أوائلهما ، بل زيد فى الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ «ذا» ثلاثة أحرف بزيادة الياء على آخره ، كما تقدم أنه يقال فى تصغير من : منىّ ؛ فصار ذايا ؛ فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف كما هو حقها ، فوجب فتح ما قبلها كما فى سائر الأسماء المتمكنة ، فقلبت الألف ياء ، لا واوا ، ليخالف بها الألفات التى لا أصل لها فى المتمكنة ؛ فانها تقلب فى مثل هذا الموضع واوا ؛ لوقوعها بعد ضمة التصغير كما فى ضويرب ، فصار ذييّا

أو تقول : كان أصل «ذا» ذبى أو ذوى ، قلبت اللام ألفا ، وحذفت العين شاذا كما فى سه ، وردّت فى التصغير كما هو الواجب ، وزيد ياء التصغير بعد العين ؛ فرجعت الألف إلى أصلها من الياء كما فى الفتى إذا صغر ؛ فصار ذييّا ، أو ذويّا ، وكون


عينه واوا فى الأصل أولى (١) ؛ لكون باب طوى أكثر من باب حيى ، وأما

__________________

(١) قال المؤلف فى شرح الكافية (ج ٢ ص ٢٨): «قال الأخفش : هو ـ يريد ذا اسم الاشارة ـ من مضاعف الياء لأن سيبويه حكى فيه الامالة ، وليس فى كلامهم تركيب نحو حيوت فلامه أيضا ياء ، وأصله ذيى بلا تنوين لبنائه ، محرك العين ، بدليل قلبها ألفا ، وإنما حذفت اللام اعتباطا أولا كما فى يد ودم ثم قلبت العين ألفا ، لأن المحذوف اعتباطا كالعدم ، ولو لم يكن كذا لم تقلب العين ، ألا ترى إلى نحو مرتو. فان قيل : فلعله ساكن العين وهى المحذوفة لسكونها والمقلوب هو اللام المتحركة ، قلت : قيل ذلك ، لكن الأولى حذف اللام لكونها فى موضع التغيير ، ومن ثم قل المحذوف العين اعتباطا كسه ، وكثر المحذوف اللام كدم ، ويد ، وغد ، ونحوها. وقيل : أصله ذوى ، لأن باب طويت أكثر من باب حييت ، ثم إما أن نقول : حذفت اللام فقلبت العين ألفا ، والامالة تمنعه ، وإما أن نقول : حذفت العين وحذفها قليل كما مر فلا جرم كان جعله من باب حييت أولى. وقال الكوفيون : الاسم الذال وحدها والألف زائدة ، لأن تثنيته ذان بحذفها ، والذى حمل البصريين على جعله من الثلاثية لا من الثنائية غلبة أحكام الأسماء المتمكنة عليه كوصفه ، والوصف به ، وتثنيته ، وجمعه ، وتحقيره ، ويضعف بذلك قول الكوفيين ، والجواب عن حذف الألف فى التثنية أنه لاجتماع الألفين ، ولم يرد إلى أصله فرقا بين المتمكن وغيره ، نحو فتيان وغيره ، كما حذف الياء فى اللذان. قال ابن يعيش : لا بأس بأن نقول هو ثنائى كما ، وذلك أنك إذا سميت به قلت : ذاء ، فتزيد ألفا أخرى ثم تقلبها همزة ، كما تقول : لاء ، إذا سميت ب «لا» وهذا حكم الأسماء التى لا ثالث لها وضعا إذا كان ثانيها حرف لين وسمى بها ، ولو كان أصله ثلاثة قلت : ذاى ، رداله إلى أصله» اه كلام المؤلف فى شرح الكافية. وأنت إذا تدبرته وجدته يرجح فيه غير ما رجحه هنا ، فهو هنا يرجح أن أصل «ذا» ذوى ويدفع ما اعترض به على ذلك من حكاية سيبويه فيها الامالة الدالة على كون العين ياء بأن المحذوف هو العين وهذه الألف بدل من اللام التى هى ياء ، مع أنه يرجح فيما نقلناه أن المحذوف هو اللام ، لأن حذف اللام اعتباطا أكثر من حذف العين كذلك ،


إمالة ذا فلكون الألف لا ما فى ذوى والعين محذوفة ، ثم حذفوا العين شاذا لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر ، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ ؛ ألا ترى أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت فى حيىّ وطوىّ تصغيرى حىّ وطىّ ، ولا يجوز أن يكون المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة ، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير بحذفها ؛ فصار ذيّا.

ولم يصغر فى المؤنث إلا تاوتى ، دون ذى ؛ لئلا يلتبس بالمذكر ، وأماذه ؛ فأصله ذى كما يجىء فى باب الوقف (١).

__________________

وهذه الألف بدل من الياء التى هى عين (ثم انظر ج ٣ ص ١٢٦ من شرح ابن يعيش للمفصل)

(١) ذكر فى باب الوقف أن بنى تميم يقلبون ياء هذى فى الوقف هاء ، فيقولون هذه بسكون الهاء ، وإنما أبدلت هاء لخفاء الياء بعد الكسرة فى الوقف ، والهاء بعدها أظهرتها ، وإنما أبدلت هاء لقرب الهاء من الألف التى هى أخت الياء فى المد ، فاذا وصل هؤلاء ردرها ياء ؛ فقالوا : هذى هند ؛ لأن ما بعد الياء يبينها ، وقيس وأهل الحجاز يجعلون الوقف والوصل سواء بالهاء الح ، وقال ابن يعيش : (ج ٣ ص ١٣١): «وأماذه فهى ذى والهاء فيها بدل من الياء وليست للتأنيث أيضا ، فان قيل : فلم قلتم إن الهاء بدل من الياء فى ذى ، وهلا كان الأمر فيهما بالعكس؟ قيل : إنما قلنا إن الياء هى الأصل لقولهم فى تصغير ذا ذيا ، وذى إنما هو تأنيث ذا فكما أن الهاء ليس لها أصل فى المذكر فكذلك هى فى المؤنث لأنها من لفظه ، فان قيل : فهلا كانت الهاء للتأنيث على حدها فى قائمة وقاعدة؟ فالجواب أنها لو كانت للتأنيث على حدها فى قائمة وقاعدة لكانت زائدة وكان يؤدى إلى أن يكون الاسم على حرف واحد ، وقد بينا ضعف مذهب الكوفيين فى ذلك ، وأمر آخر أنك لا تجد الهاء علامة للتأنيث فى موضع من المواضع ، والياء قد تكون علامة للتأنيث فى قولك اضربى ، فاما قائمة وقاعدة فانما التأنيث بالتاء ، والهاء من تغيير الوقف ، ألا تراك تجدها تاء فى الوصل نحو طلحتان ، وهذه طلحة يافتى ، وقائمة يا رجل ، فاذا وقفت كانت هاء ، والهاء


وحذفوا فى المثنى الألف المزيد عوضا من الضمة ، اكتفاء بياء التصغير ، وذلك لاجتماع ألفى المثنى والعوض ، والقياس فى اجتماع الساكنين حذف الأول ، إذا كان مدا ، كما يجىء فى بابه

وقالوا فى «أولى» المقصور وهو مثل هدى : أوليّا ، والضمة فى أوليّا هى التى كانت فى أولى وليست للتصغير ، فلذا زيد الألف بدلا من الضمة ، وأما «أولاء» بالمد فتصغيره أوليّاء ،

قال المبرد : زيد ألف العوض قبل الآخر ، إذ لو زيدت فى الآخر كما فى أخواته لا لتبس تصغير أولاء الممدود بتصغير أولى المقصور. وذلك أن أولاء كقضاء لما صرفته وجعلته كالأسماء المتمكنة قدّرت همزته التى بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما فى رداء وكساء ، فكما تقول فى تصغير رداء : ردىّ ، بحذف ثالثة الياآت ، فكذا كنت تقول أولىّ ثم تزيد الألف على آخره فيصير أوليّا فيلتبس بتصغير المقصور ؛ فلذا زدت ألف العوض قبل الهمزة بعد الألف ، فانقلبت ألف «أولاء» ياء كألف حمار إذا قلت حميّر ، لكنه لم يكسر الياء كما كسرت فى نحو حميّر لتسلم ألف العوض ؛ فصار أوليّاء

وأما الزجاج فانه يزيد ألف العوض فى آخر أولاء كما فى أخواته ، لكنه يقدر همزة «أولاء» فى الأصل ألفا ، ولا دليل عليه ، قال : فاذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات : الأول الذى كان بعد لام أولاء ، والثانى أصل الهمزة على ما ادعى ، والثالث ألف العوض ؛ فينقلب الأول ياء كما فى حمار

__________________

فى «ذه» ثابتة وصلا ووقفا ، والكلام إنما هو فى حقيقته وما يندرج عليه ، ألا ترى أننا نبدل من التنوين ألفا فى النصب وهو فى الحقيقة تنوين على ما يندرج عليه الكلام. ويؤيد ذلك أن قوما من العرب وهم طيىء يقفون على هذا بالتاء فيقولون شجرت ، وجحفت ، فثبت بما ذكرناه أن الهاء فى «ذه» ليست كالهاء فى قائمة فلا تفيد فائدتها من التأنيث» اه


ويبقى الأخيران ؛ فيجعل الأخير همزة كما فى حمراء وصفراء ، فتكسر كما كانت فى المكبر

وتقول فى الذى والتى : اللّذيّا واللّتيّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها ، وفتح الياء التى بعد ياء التصغير ؛ لتسلم ألف العوض ، وقد حكى اللّذيّا واللّتيّا بضم الأول جمعا بين العوض والمعوض منه

وتقول فى المثنى : اللّذيّان واللّتيّان ، واللّذيّين واللّتيّين ، بحذف ألف العوض قبل علامتى المثنى ؛ لاجتماع الساكنين ؛ فسيبويه يحذفها نسيا فيقول فى المجموع : اللّذيّون واللّذيّين ؛ بضم الياء وكسرها ، يحذف ألف العوض فى المثنى والمجموع نسيا ، كما حذف ياء الذى فى المثنى ، والأخفش لا يحذفها نسيا ، لا فى المثنى ولا فى المجموع ، فيقول فى الجمع : اللّذيّون واللّذيّين [بفتح الياء] كالمصطفون والمصطفين فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع فى النصب والجر بفتح النون وكسرها ، والمسموع فى الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه

وإنما أطرد فى المصغر اللّذيّون رفعا واللّذيّين نصبا وحرا وشذ فى المكبر اللّذون رفعا لأنه لما صغر شابه المتمكن فجرى جمعه فى الإعراب مجرى جمعه

وعند سيبويه استغنوا باللّتيّات جمع سلامة اللّتيّات بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتى واللائى ، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما ، قياسا لا سماعا ، وكان لا يبالى بالقياس في غير المسموع فقال فى تصغير اللاتى : اللّويتا ، بقلب الألف واوا كما فى الجمع : أى اللواتى ، وحذف ياء اللاتى لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء ، وقال فى تصغير اللائى : اللّويئا ، بفتح اللام فيهما ، وقال المازنى : إذا كان لا بد من الحذف فحذف الزائد أولى ، يعنى الألف التى بعد اللام فتصغير اللاتى كتصغير التى سواء ، قال بعض البصريين : اللّويتيا


واللّويئيا ، من غير حذف شىء ، وكل لك هوس وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس ، ولا يجوز ، هذا ما قيل

وأنا أرى أنه لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل ، كما ذكرنا ، جعل عوض الضمة ياء ، وأدغم فيها ياء التصغير ، لئلا يستثقل الياآن ، ولم يدغم فى ياء التصغير لئلا يتحرك ياء التصغير التى لم تجر عادتها بالتحرك ، فحصل فى تصغير جميع المبهمات ياء مشددة : أولاهما ياء التصغير ، والثانية عوض من الضمة ، فاضطر إلى تحريك ياء العوض ، فألزم تحريكها بالفتح ؛ قصدا للخفة ، فان كان الحرف الثانى في الاسم ساكنا كما فى «ذا» و «تا» و «ذان» و «تان» جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول ؛ لأنها إن جعلت بعد الثانى ـ كما هو حق ياء التصغير ـ لزم التقاء الساكنين ، فألف ذيّا وتيّا ، على هذا ، هى التى كانت فى المكبر ، وإن كان ثانى الكلمة حرفا متحركا كأولى وأولاء جعلت ياء التصغير فى موضعها بعد الثانى ، فعلى هذا كان حق الذى والتى اللّذيّى واللتّيّى بياء ساكنة فى الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة ، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة ألفا كراهة لاجتماع الياآت ،

ويلحق بذيّا وتيّا ومثنييهما وجميعهما من هاء التنبيه وكاف الخطاب ما لحقها قبل التصغير ، نحو هذيّا وذيّا لك ، قال

٣٠ ـ * من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر* (١)

قال : «ورفضوا تصغير الضّمائر ، ونحو متى وأين ومن وما وحيث ومنذ ومع وغير وحسبك ، والاسم عاملا عمل الفعل ؛ فمن ثمّ جاز ضويرب زيد وامتنع ضويرب زيدا»

أقول : إنما امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها ، إذ

__________________

(١) انظر (ص ١٩٠ ه‍ ١)


لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة ، ولمثل هذه العلة لم تصغر أسماء الاستفهام والشرط ؛ فانها تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات

وأما من وما الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من «الذى» لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة كالذى

وحيث وإذ وإذا ومنذ مثل الضمائر فى مشابهة الحرف ، وأقلّ تصرفا منها ؛ لأنها مع كونها لا تقع صفات ولا موصوفات تلزم فى الأغلب نوعا من الإعراب

وأما مع فإنه وإن كان معربا لكنه غير متصرف فى الإعراب ، ولا يقع صفة ولا موصوفا ، مع كونه على حرفين

وكذا عند لا يتصرف (١) وإن كان معربا على ثلاثة ، وكذا لم يصغر لدن لعدم تصرفه

وإنما لم يصغر غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلة للقلة والكثرة كالمماثلة ، لقصوره فى التمكن ، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل

ولا يصغر سوى (٢) وسواء بمعنى غير أيضا ، ولا يصغر حسبك لتضمنه معنى

__________________

(١) قال سيبويه (ح ٢ ص ١٣٦): «ولا تحقر عندكما تحقر قبل وبعد ونحوهما لأنك إذا قلت عند فقد قللت ما بينهما وليس يراد من التقليل أقل من ذا ، فصار ذا كقولك قبيل ذاك إذا أردت أن تقلل ما بينهما» اه. وهذا وجه من التعليل لعدم تصغير عند حاصله أنه لما كان مصغرا بمعناه الأصلى لم يحتج إلى التصغير لأن المصغر لا يصغر ، وهو وجه حسن

(٢) هذا الذى ذكره المؤلف فى هذه الكلمة هو ما ذكره سيبويه فى الكتاب (ح ٢ ص ١٣٥) حيث قال : «ولا يحقر غير لأنها ليست بمنزلة مثل ، وليس كل شىء يكون غير الحقير عندك يكون محقرا مثله ، كما لا يكون كل شىء مثل الحقير حقيرا ، وإنما معنى مررت برجل غيرك معنى مررت برجل سواك ، وسواك لا يحقر ، لأنه ليس اسما متمكنا ، وإنما هو كقولك مررت برجل ليس بك ، فكما قبح تحقير


الفعل ، لأنه بمعنى اكتف ، وكذا ما هو بمعناه من شرعك (١) وكفيك

ولا يصغر شىء من أسماء الأفعال ، وكذا لا يصغر الاسم (٢) العامل عمل الفعل ، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو صفة مشبهة ، لأن الاسم إذا صغر صار

__________________

ليس قبح تحقير سوى ، وغير أيضا ليس باسم متمكن ، ألا ترى أنها لا تكون إلا نكرة ، ولا تجمع ولا تدخلها الألف واللام» اه. والذى تريد أن ننبهك إليه هو أن عدم التمكن فى سوى الذى علل به سيبويه عدم تصغيرها ليس معناه عدم التصرف أى ملازمة هذه الكلمة للنصب على الظرفية كما هو المعروف من مذهب سيبويه ، بل معناه أنها ليست كسائر الاسماء المتمكنة كما أشار إليه ، مع أن القائلين بخروجها عن النصب على الظرفية والجر بمن إلى سائر مواقع الاعراب قد ذهبوا أيضا إلى أنها لا تصغر ، ومنهم من علل عدم تصغيرها بأنها غير متمكنة ؛ فوجب أن يكون التمكن فى هذا الموضع بمعنى آخر ، ويشير إلى ذلك المعنى تعليل بعضهم عدم جواز التصغير بشدة شبه هذه الكلمة بالحرف ودلالتها على معناه وهو إلا الاستثنائية

(١) تقول : هذا رجل شرعك من رجل فتصف به النكرة ولا تثنيه ولا تجمعه ولا تؤنثه ، ومعناه كافيك من رجل ، وقد ورد فى المثل شرعك ما بلغك المحل أى حسبك من الزاد ما بلغك مقصدك (انظر مجمع الأمثال ح ١ ص ٣١٩ طبع بولاق) قال فى اللسان : «قال أبو زيد : هذا رجل كافيك من رجل ، وناهيك ، وجازيك من رجل ، وشرعك من رجل ، كله بمعنى واحد» اه وفى القاموس : «وكافيك من رجل ، وكفيك من رجل مثلثة الكاف : حسبك» اه زاد فى اللسان أنك تقول : هذا رجل كفاك به ، وكفاك به ، بكسر الكاف أو ضمها مع القصر ، لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث

(٢) قد أطلق الشارح القول هنا كما أطلقه المصنف ، وفى المسألة تفصيل خلاصته أنك لو قلت : هذا ضارب زيدا ؛ فأعملت اسم الفاعل فيما بعده النصب لم يجز تصغيره بحال ، وإذا قلت هذا ضارب زيد ؛ فأضفت اسم الفاعل إلى ما بعده فان أردت به الحال أو الاستقبال لم يجز أن تصغره ؛ لأنه حينئذ كالعامل ، وإن أردت به المضى جاز تصغيره. قال سيبويه (ح ٢ ص ١٣٦): «واعلم أنك لا تحقر الاسم إذا كان


موصوفا بالصغر ، كما تكررت الإشارة إليه ، فيكون معنى «ضويرب» مثلا ضارب صغير ، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل ، فلا تقول : زيد ضارب عظيم عمرا ولا أضارب عظيم الزّيدان ، وذلك لبعدها إذن عن مشابهة الفعل ؛ إذ وضعه على أن يسند ولا يسند إليه ، والموصوف يسند إليه الصفة ، هذا فى الصفات ، أعنى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، أما المصدر فلا يعزله عن العمل كونه مسندا إليه ؛ لقوة معنى الفعل فيه ، إذ لا يعمل الفعل الذى هو الأصل فى الفاعل ولا فى المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر ، كما ذكرنا فى شرح الكافية فى باب المصدر ، فيجوز على هذا أن تقول أعجبنى ضربك الشديد زيدا ، وضريبك زيدا (١)

وقيل : إنما لم يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن ، فكما لا يصغر الفعل لا يصغر مشبهه ، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل

__________________

بمنزلة الفعل ألا ترى أنه قبيح هو ضويرب زيدا وهو ضويرب زيد إذا أردت بضارب زيد التنوين ، وإن كان ضارب زيد لما مضى فتصغيره جيد» اه

(١) هذا الذى ذكره المؤلف ههنا من أن المصدر يعمل مصغرا ويعمل موصوفا فى المفعول به أيضا غير المعروف عن النحاة ، أما المصغر فقد قال ابن هشام فى شرح القطر : «ويشترط (أى فى إعمال المصدر عمل الفعل) ألا يكون مصغرا ، فلا يجوز أعجبنى ضريبك زيدا ، ولا يختلف النحويون فى ذلك» اه. بل الذى ذكره المؤلف نفسه فى شرح الكافية يناقض ما قاله هنا ويوافق ما قاله ابن هشام فيما سمعت. قال فى شرح الكافية (ح ٢ ص ١٨٣) «والتصغير يمنع المصدر عن العمل كما يمنع اسم الفاعل والمفعول لضعف معنى الفعل بسبب التصغير الذى لا يدخل الأفعال ، ومن ثمت يمنع الوصف ثلاثتها عن العمل» اه وأما ما ذكره فى المصدر المنعوت فهو رأى ضعيف من ثلاثة آراء وحاصله جواز إعمال المصدر المنعوت مطلقا : أى سواء


ويصغر الزمان المحدود من الجانبين ، كالشهر واليوم والليلة والسّنة ، وإنما تصغر باعتبار اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار (١)

وأما غير المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك ، وقد يصغر لتقليله فى نفسه

وأما أمس وغد فانهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض الأهم منهما كون أحد اليومين قبل يومك بلا فصل والآخر بعد يومك ، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير ، كما يقبله قبل وبعد ، كما ذكرنا فى أول باب التصغير ، ولم يصغرا [أيضا] باعتبار مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما فى أنفسهما لما كان الغرض الأهم منهما ما لا يقبل التحقير

ومثل أمس وغد عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولا وثانيا وثالثا ونحو ذلك ، فلا تصغر عنده أيام الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة ، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى ذى الحجة ، إذ معناها الشهر الأول والثانى ونحو ذلك ، وجوز الجرمي والمازنى تصغير أيام الأسبوع وأسماء الشهور ، وقال بعض

__________________

أكان نعته سابقا على المعمول أم متأخرا عنه ، والرأى الثانى المنع مطلقا ، والثالث إن تقدم المعمول عن النعت جاز وإلا فلا وهذا اختيار ابن هشام. قال فى شرح القطر : «ويشترط ألا يكون موصوفا قبل العمل ؛ فلا يقال : أعجبنى ضربك الشديد زيدا ، فأن أخرت الشديد جاز ، قال الشاعر :

إنّ وجدى بك الشّديد أرانى

عاذرا فيك من عهدت عذولا

فأخر الشديد عن الجار والمجرور المتعلق بوجدى»

(١) المسار : جمع مسرة ، ووقع فى النسخ التى بين أيدينا كافة «من المساد» بدال مهملة ؛ وهو تحريف


النحاة : إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة ، وليس الغرض تصغيرهما ، وقال : ولا يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضا لقيامه مقام وقع أو يقع ، والفعل لا يصغر ، وإذا رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما ، وحكى عن بعضهم عكس هذا القول ؛ وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه

واعلم أنك إذا حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها تقول فى لاث وأصله لائث وشاك وأصله شائك وفى قسى علما وأينق وأصلهما قووس وأنوق :

لويث وشويك ـ بكسر الثاء والكاف ـ وقسىّ بحذف تالثة الياآت نسيا ، وأيينق ، وذلك لأن الحامل على القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها.

والحمد لله ، وصلّى الله على رسوله وآله

بحمد الله تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الأول من شرح شافية ابن الحاجب الذى ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى ، فى أثناء سبعة أشهر آخرها يوم الأثنين المبارك الثالث عشر من شهر ذى الحجة أحد شهور عام ١٣٥٦ ست وخمسين وثلثمائة وألف من الهجرة. ويليه الجزء الثانى مفتتحا بباب «النسب» نسأل الله الذى جلت قدرته أن يعين على إكماله.

شرح شافية ابن الحاجب - ١

المؤلف:
الصفحات: 294