بسم الله الرّحمن
الرّحيم
[وصلّى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم]
أما بعد حمد
الله تعالى على توالى نعمه ، والصلاة على رسوله محمد وعترته المعصومين ، فقد عزمت
على أن أشرح مقدمة ابن الحاجب فى التصريف والخط ، وأبسط الكلام فى شرحها كما فى
شرح أختها بعض البسط ، فإن الشرّاح قد اقتصروا على شرح مقدّمة الإعراب ، وهذا ـ مع
قرب التصريف من الاعراب فى مساس الحاجة إليه ، ومع كونهما من جنس واحد ـ بعيد من
الصواب ، وعلى الله المعوّل فى أن يوفقنى لإتمامه ، بمنه وكرمه ، وبالتوسل بمن أنا
فى مقدّس حرمه ؛ عليه من الله أزكى السّلام ، وعلى أولاده الغرّ الكرام.
قال المصنف : «الحمد
لله ربّ العالمين ، والصّلاة على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين ؛
وبعد فقد التمس
منّى من لا تسعنى مخالفته أن ألحق بمقدّمتى فى الإعراب مقدّمة فى التّصريف على
نحوها ، ومقدّمة فى الخطّ ، فأجبته سائلا متضرّعا أن ينفع بهما ، كما نفع بأختهما
، والله الموفّق ؛
التّصريف علم
بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم الّتى ليست بإعراب».
أقول : قوله «بأصول» يعنى بها القوانين الكلية المنطبقة على الجزئيات ،
كقولهم مثلا «كل واو أو ياء إذا تحركت وافتح ما قبلها قلبت ألفا» والحق أن هذه الأصول
هى التصريف ، لا العلم بها
قوله «أبنية الكلم» المراد من بناء الكلمة ووزنها وصيغتها هيئتها التى يمكن أن
يشاركها فيها غيرها ، وهى عدد حروفها المرتبة وحركاتها المعينة وسكونها مع اعتبار
الحروف الزائدة والأصلية كلّ فى موضعه ؛ فرجل مثلا على هيئة وصفة يشاركه فيها عضد ، وهى كونه على ثلاثة أولها مفتوح وثانيها مضموم ، وأما
الحرف الأخير فلا تعتبر حركته وسكونه فى البناء ، فرجل ورجلا ورجل على بناء واحد ،
وكذا جمل على بناء ضرب ؛ لأن الحرف الأخير لحركة الإعراب وسكونه وحركة البناء
وسكونه ، وإنما قلنا «يمكن أن يشاركها» لأنه قد لا يشاركها فى الوجود كالحبك ـ بكسر
الحاء وضم الباء ـ فانه لم يأت له نظير ، وإنما قلنا «حروفها المرتبة» لأنه إذا تغير النظم
والترتيب تغير الوزن ،
__________________
كما تقول : يئس على وزن فعل وأيس على وزن عفل ، وإنما قلنا «مع اعتبار
الحروف الزائدة والأصلية» لأنه يقال : إن كرّم مثلا على وزن فعّل ، ولا يقال : على
وزن فعلل أو أفعل أو فاعل مع توافق الجميع فى الحركات المعينة والسكون ، وقولنا «كل
فى موضعه» لأن نحو درهم ليس على وزن قمطر لتخالف مواضع الفتحتين والسكونين ، وكذا نحو بيطر مخالف لشريف فى الوزن لتخالف موضعى الياءين ، وقد يخالف ذلك فى أوزان التصغير فيقال : أوزان التصغير ثلاثة : فعيل ،
وفعيعل ، وفعيعيل ؛ فيدخل فى فعيعل أكيلب وحميّر ومسيجد ونحوها ، وفى فعيعيل
مفيتيح وتميثيل ونحو ذلك ؛ [وذلك] لما سيجىء
__________________
قوله «أحوال أبنية الكلم» يخرج من الحد معظم أبواب التصريف ، أعنى الأصول التى تعرف
بها أبنية الماضى والمضارع والأمر والصفة وأفعل التفضيل والآلة والموضع والمصغر
والمصدر ، وقد قال المصنف بعد مدخلا لهذه الأشياء فى أحوال الأبنية : «وأحوال
الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع» الخ وفيه نظر ، لأن العلم بالقانون الذى تعرف به أبنية الماضى من
الثلاثى والرباعى
__________________
والمزيد فيه وأبنية المضارع منها وأبنية الأمر وأبنية الفاعل والمفعول
تصريف بلا خلاف ، مع أنه علم بأصول تعرف به أبنية الكلم ، لا أحوال أبنيتها ، فان
أراد أن الماضى والمضارع [مثلا] حالان طارئان على بناء المصادر ففيه بعد ؛ لأنهما
بناءان مستأنفان بنيا بعد هدم بناء المصدر ، ولو سلمنا ذلك فلم عدّ المصادر فى
أحوال الأبنية؟ فان القانون الذى تعرف به أبنيتها تصريف ، وليس يعرف به حال بناء ،
والماضى والمضارع والأمر وغير ذلك مما مر كما أنها ليست بأحوال الأبنية ليست
بأبنية أيضا على الحقيقة ، بل هى أشياء ذوات أبنية ، على ما ذكرنا من تفسير البناء
، بلى قد يقال لضرب مثلا : هذا بناء حاله كذا ، مجازا ، ولا يقال أبدا : إن ضرب
حال بناء ، وإنما يدخل فى أحوال الأبنية الابتداء ، والامالة ، وتخفيف الهمزة ،
والاعلال ، والابدال ، والحذف ، وبعض الادغام ، وهو إدغام بعض حروف الكلمة فى بعض
، وأما نحو «قل لّه» فالادغام فيه ليس من أحوال البناء ، لأن البناء على ما فسرناه
لم يتغير به ، وكذا بعض التقاء الساكنين ؛ وهو إذا كان الساكنان من كلمة كما فى قل
وأصله قول ، وأما التقاؤهما فى نحو «اضرب الرجل» فليس حالا لبناء الكلمة ، إذ
البناء ـ كما ذكرنا ـ يعتبر بالحركات والسكنات التى قبل الحرف الأخير ؛ فهذه
المذكورات أحوال الأبنية ، وباقى ما ذكر هو الأبنية ؛ إلا الوقف والتقاء الساكنين
فى كلمتين والادغام فيهما ؛ فان هذه الثلاثة لا أبنية ولا أحوال أبنية
قوله «التى ليست باعراب» لم يكن محتاجا إليه ، لأن بناء الكلمة ـ كما ذكرنا ـ لا
يعتبر فيه حالات آخر الكلمة ، والاعراب طار على آخر حروف الكلمة ، فلم يدخل إذن فى
أحوال الأبنية حتى يحترز عنه ، وإن دخل فاحتاج إلى الاحتراز فكذا البناء ، فهلّا احترز عنه
أيضا؟!
__________________
واعلم أن
التصريف جزء من أجزاء النحو بلا خلاف من أهل الصناعة ، والتصريف
ـ على ما حكى سيبويه عنهم ـ هو أن تبنى من الكلمة بناء لم
__________________
تبنه العرب على وزن ما بنته ثم تعمل فى البناء الذى بنيته ما يقتضيه قياس
كلامهم ، كما يتبين فى مسائل التمرين إن شاء الله تعالى ، والمتأخرون على أن
التصريف علم بأبنية الكلمة ، وبما يكون لحروفها من أصالة وزيادة وحذف وصحة وإعلال
وإدغام وإمالة ، وبما يعرض لآخرها مما ليس باعراب ولا بناء من الوقف وغير ذلك.
قال : «وأبنية
الاسم الأصول ثلاثيّة ورباعيّة وخماسيّة ، وأبنية الفعل ثلاثيّة ورباعيّة»
__________________
أقول : لم
يتعرض النحاة لأبنية الحروف لندور تصرفها ، وكذا الأسماء العريقة البناء كمن وما
__________________
واعلم أنه لم
يبن من الفعل خماسى ، لأنه إذن يصير ثقيلا بما يلحقه مطّردا من حروف المضارعة
وعلامة اسم الفاعل واسم المفعول والضمائر المرفوعة التى هى كجزء الكلمة ، وإنما قال «الأصول»
لأنه يزاد على ثلاثىّ الفعل واحد كأخرج ، واثنان كانقطع ، وثلاثة كاستخرج ، وعلى
رباعيّه واحد كتدحرج ، واثنان كاحرنجم ويزاد على ثلاثىّ الاسم واحد نحو ضارب ، واثنان كمضروب
، وثلاثة كمستخرج ، وأربعة كاستخراج ، وعلى رباعيّه واحد كمدحرج ، واثنان كمتدحرج
، وثلاثة كاحربحام ، ولم يزد فى خماسيّه غير حرف مد قبل الآخر نحو سلسبيل وعضر فوط أو بعده مجرّدا عن التاء كقبعثرى
__________________
أو معها كقبعثراة ، وندر قرعبلانة وإصطفلينة
قال : «ويعبّر
عنها بالفاء والعين واللّام ، وما زاد بلام ثانية وثالثة ، ويعبّر عن الزّائد
بلفظه ، إلّا المبدل من تاء الافتعال فإنّه بالتّاء ، وإلّا المكرّر للإلحاق أو
لغيره فإنّه بما تقدّمه وإن كان من حروف الزّيادة إلّا بثبت ، ومن ثمّ كان حلتيت فعليلا لا فعليتا ، وسحنون
__________________
وعثنون فعلولا لا فعلونا لذلك ولعدمه ، وسحنون إن صحّ الفتح
ففعلون لا فعلول كحمدون ، وهو مختصّ بالعلم ؛ لندور فعلول وهو صعفوق ، وخرنوب ضعيف ، وسمنان فعلان ، وخزعال نادر وبطنان فعلان ، وقرطاس ، ضعيف مع أنّه نقيض ظهران»
__________________
أقول : يعنى
إذا أردت وزن الكلمة عبرت عن الحروف الأصول بالفاء والعين واللام : أى جعلت فى
الوزن مكان الحروف الأصلية هذه الحروف الثلاثة كما تقول : ضرب على وزن فعل
اعلم أنه صيغ
لبيان الوزن المشترك فيه كما ذكرنا لفظ متصف بالصفة التى يقال لها الوزن ، واستعمل
ذلك اللفظ فى معرفة أوزان جميع الكلمات ؛ فقيل : ضرب على وزن فعل ، وكذا نصر وخرج
، أى : هو على صفة يتصف بها فعل ، وليس قولك فعل هى الهيئة المشتركة بين هذه
الكلمات ، لأنا نعرف ضرورة أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة فى شىء من
الكلمات المذكورة ، فكيف تكون الكلمات مشتركة في فعل؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون
محلا للهيئة المشتركة فقط ، بخلاف تلك الكلمات ، فانها لم تصغ لتلك الهيئة بل صيغت
لمعانيها المعلومة ، فلما كان المراد من صوغ فعل الموزون به مجرّد الوزن سمى وزنا
وزنة ، لا أنه فى الحقيقة وزن وزنة ، وإنما اختير لفظ فعل لهذا الغرض من بين سائر
الألفاظ لأن الغرض الأهم من وزن الكلمة معرفة حروفها
__________________
الأصول وما زيد فيها من الحروف وما طرأ عليها من تغييرات لحروفها بالحركة
والسكون ، والمطّرد فى هذا المعنى الفعل والأسماء المتصلة بالأفعال كاسم الفاعل
واسم المفعول والصفة المشبهة والآلة والموضع ، إذ لا تجد فعلا ولا اسما متصلا به
إلا وهو فى الأصل مصدر قد غيّر غالبا إما بالحركات كضرب وضرب أو بالحروف كيضرب
وضارب ومضروب ، وأما الاسم الصريح الذى لا اتصال له بالفعل فكثير منه خال من هذا
المعنى كرجل وفرس وجعفر وسفرجل ، لا تغيير فى شىء منها عن أصل
ومعنى تركيب «ف
ع ل» مشترك بين جميع الأفعال والأسماء المتصلة بها ؛ إذ الضّرب فعل ، وكذا القتل
والنّوم ، فجعلوا ما تشترك الأفعال والأسماء المتصلة بها فى هيئته اللفظية مما
تشترك أيضا فى معناه ، ثم جعلوا الفاء والعين واللام فى مقابلة الحروف الأصلية ،
إذ الفاء والعين واللام أصول ، فان زادت الأصول على الثلاثة كرّرت اللام دون الفاء
والعين ، لأنه لما لم يكن بدّ فى الوزن من زيادة حرف بعد اللام لأن الفاء والعين
واللام تكفى فى التعبير بها عن أول الأصول وثانيها وثالثها كانت الزيادة بتكرير
أحد الحروف التى فى مقابلة الأصول بعد اللام أولى ، ولما كانت اللام أقرب كرّرت هى
دون البعيد
فان كان فى
الكلمة المقصود وزنها حرف زائد فهو على ضربين : إن كانت الزيادة بتكرير حرف أصلى
كتكرير عين قطّع أو لام جلبب كرّرت العين فى وزن الأول نحو فعّل واللام فى وزن
الثانى نحو فعلل ، ولا يورد ذلك المزيد بعينه ؛ فلا يقال : فعطل ولا فعلب ؛ تنبيها
فى الوزن على أن الزائد حصل من تكرير حرف أصلى ، سواء كان التكرير للالحاق كقردد أو
__________________
لغيره كقطّع ، وإن لم تكن الزيادة بتكرير حرف أصلى أورد فى الوزن تلك
الزيادة بعينها ، كما يقال فى ضارب : فاعل ، وفى مضروب : مفعول
وقد ينكسر هذا
الأصل الممهّد فى أوزان التصغير ، إذ قصدوا حصر جميعها فى أقرب لفظ وهو قولهم :
أوزان التصغير ثلاثة فعيل ، وفعيعل ، وفعيعيل ، ويدخل فى فعيعل دريهم مع أن وزنه
الحقيقى فعيلل ؛ وأسيود وهو أفيعل ، ومطيلق وهو مفيعل ، وجويرب وهو فويعل ، وحميّر
وهو فعيّل ، ويدخل فى فعيعيل عصيفير وهو فعيليل ، ومفيتيح وهو مفيعيل ، ونحو ذلك ،
وإنما كان كذلك لأنهم قصدوا الاختصار بحصر جميع أوزان التصغير فيما يشترك فيه بحسب
الحركات المعينة والسكنات ، لا بحسب زيادة الحروف وأصالتها ، فان دريهما مثلا
وأحيمر وجديولا ومطيلقا تشترك فى ضم أول الحروف وفتح ثانيها ومجىء ياء ثالثة وكسر
ما بعدها ، وإن كانت أوزانها فى الحقيقة مختلفة باعتبار أصالة الحروف وزيادتها ،
فقالوا لما قصدوا جمعها فى لفظ للاختصار : إن وزن الجميع فعيعل ، فوزنوها بوزن
يكون فى الثلاثى دون الرباعى ، لكونه أكثر منه ، وأقدم بالطبع ، ثم قصدوا ألا
يأتوا فى هذا الوزن الجامع بزيادة إلا من نفس الفاء والعين واللام ، إذ لا بد
للثلاثى ـ إذا كان على هذا الوزن ـ من زيادة ، واختيار بعض حروف «اليوم تنساه»
للزيادة دون بعض تحكم ، إذ لو قالوا مثلا أفيعل باعتبار نحو أحيمر أو مفيعل
باعتبار نحو مجيلس أو فعيّل باعتبار نحو حميّر أو غير ذلك كان تحكما ، فلم يكن بدّ
من تكرير أحد الأصول ، وفى الثلاثى لا تكون زيادة التضعيف فى الفاء فلم يقولوا
ففيعل ، بل لا تكون إلا فى العين كزرّق أو فى اللام كمهدد وقردد ،
__________________
فلو قالوا فعيلل لا لتبس بوزن جعيفر ، أعنى وزن الرباعى المجرد عن الزيادة
، وهم قصدوا وزن الثلاثى كما ذكرنا ، فكرروا العين ليكون الوزن الجامع وزن الثلاثى
خاصة ، وإن لم يقصدوا الحصر المذكور ورنوا كل مصغر بما يليق به ، فقالوا : دريهم
فعيلل ، وحميّر فعيّل ، ومقيتل مفيعل ، ونحو ذلك.
هذا ، وقد يجوز
فى بعض الكلمات أن تحمل الزيادة على التكرير ، وأن لا تحمل عليه ، إذا كان الحرف
من حروف «اليوم تنساه» وذلك كما فى حلتيت ، يحتمل أن تكون اللام مكررة كما فى
شمليل فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل ، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن
اتفق ذلك ، بل كان القصد إلى زيادة الياء والتاء كما فى عفريت فيكون فعليتا ، وكذا سمنان : إما أن يكون مكرر اللام
للالحاق بزلزال ، أو يكون زيد فيه الألف والنون لا للتكرير بل كما زيد فى سلمان ،
ولا دليل فى قول الحماسى : ـ
١ ـ نحو الأميلح من سمنان مبتكرا
|
|
بفتية فيهم
المرّار والحكم
|
ـ بمنع صرف
سمنان ـ على كونه فعلان ، لجواز كونه فعلالا وامتناع صرفه لتأويله بالأرض والبقعة
لأنه اسم موضع ، قال المصنف : لا يجوز أن يكون مكرر اللام للالحاق لأن فعلالا نادر
كخزعال ، ولا يلحق بالوزن النادر ، ولقائل أن يقول : إن فعلالا إذا كان فاؤء ولامه
الأولى من جنس واحد نحو زلزال
__________________
وخلخال غير نادر اتفاقا ، فهلا يجوز أن يكون سمنان ملحقا به ، وليس نحو
زلزال بفعفال على ما هو مذهب الفراء كما يذكره المصنف فى باب ذى الزيادة ، ولا
يجوز أن يكون التاءان أصليتين فى حلتيت وكذا النونان فى سمنان لما سيجىء من أن
التضعيف فى الرباعى والخماسى لا يكون إلا زائدا إلا أن يفصل أحد الحرفين عن الآخر
بحرف أصلى كزلزال على ما فيه من الخلاف كما سيجىء ، ولا يجوز أن يكون كرر اللام
فيهما لغير الالحاق كما فى سودد عند سيبويه لأن معنى الالحاق حاصل فيهما ، وإنما امتنع
ذلك فى نحو سؤدد عند سيبويه لعدم نحو جخدب عنده
وأما نحو سحنون
وعثنون فهما مكررا اللام للالحاق بعصفور ، ولا يجوز أن يكون زيد الواو والنون كما
فى حمدون لعدم فعلون فى أبنيتهم ، وأما سحنون ـ بفتح الفاء ـ فليس بمكرر اللام
للالحاق بصعفوق ، لأنه نادر ، ولا يلحق بالنادر ، وليس التكرير لغير الالحاق كما
فى سؤدد لعدم فعلول مكرّر اللام فهو إذن فعلون لثبوت فعلون فى
الأعلام خاصة ، وسحنون علم
وأما بطنان
فليس بمكرر اللام ، لأنه جمع بطن ، وليس فعلال من
__________________
أبنية الجموع ، وفعلان منها كقفزان ولو كان بطنان واحدا لجاز أن يكون فعلالا مكرر اللام
للالحاق بقسطاس كما فى قرطاط وفسطاط ، أو يقال فى الثلاثة إنها مكررة اللام لا للالحاق كما
فى سؤدد عند سيبويه وقال المصنف : لا يجوز أن يكون بطنان ملحقا بقرطاس لأنه
ضعيف ، والفصيح قرطاس ـ بكسر الفاء ـ ولقائل أن يقول : قرطاس غير ضعيف ، وقد قرىء
في الكتاب العزيز بالكسر والضم ، وما قيل «إنها لغة رومية» لم يثبت والظاهر أن
المصنف بنى على أن بطنانا وظهرانا مفردان فحمل بطنانا فى كونه فعلان على ظهران الذى هو فعلان
بيقين ، ولو جعلهما جمعين لم يحتج إلى ما ذكر ، لأن فعلالا ليس من أبنية الجموع ،
والحق أنهما جمعا بطن وظهر كما ذكر أهل اللغة
رجعنا إلى تفسير
كلامه ، قوله «يعبر عنها» أى عن الأصول : أى
__________________
يجعل فى الوزن مكان أول الأصول الفاء ، ومكان ثانيها العين ، ومكان ثالثها
اللام.
قوله «وما زاد» أى : وما زاد على ثلاثة من الأصول يعبّر عنه بلام ثانية
إن كان الاسم رباعيا ، كما تقول : وزن جعفر فعلل
قوله «وثالثة» أى : إذا كان الاسم خماسيا كما تقول : وزن سفرجل فعلّل
قوله «ويعبر عن الزائد بلفظه» : أى يورد فى الوزن الحرف الزائد بعينه فى مثل مكانه ، كما
تقول : مضروب على وزن مفعول
قوله «إلا المبدل من تاء الافتعال» يعنى تقول فى مثل اضطرب وازدرع افتعل ، ولا تقول افطعل ولا افدعل ، وهذا مما لا يسلّم
، بل تقول : اضطرب على وزن افطعل ، وفحصط وزنه فعلط ، وهراق وزنه هفعل ، وفقيمجّ وزنه فعيلجّ ؛ فيعبر عن كل الزائد المبدل [منه] بالبدل ، لا
بالمبدل منه وقال عبد القاهر فى المبدل عن الحرف الأصلى : «يجوز أن يعبر عنه
بالبدل ؛ فيقال فى قال : إنه على وزن فال» اه ، قال فى الشرح : إنما لم يوزن المبدل من تاء
__________________
الافتعال بلفظه إما للاستثقال أو للتنبيه على الأصل ، قلنا : هذان حاصلان
فى فحصط وفى فزد ولا يوزنان إلا بلفظ البدل ، ولو قال : ويعبر عن الزائد
بلفظه ، إلا المدغم فى أصلىّ فانه بما بعده ، والمكرر فانه بما قبله ، ليدخل فيه
نحو قولك : ازّيّن وادّارك على وزن افّعّل وافّاعل ، وقولك قردد وقطّع واطّلب على
وزن فعلل وفعّل وافعّل ؛ لكان أولى وأعم
قوله «وإلا المكرر للالحاق» أى : لا يقال فى قرد فعلد ، بل فعلل
قوله «أو لغيره» أى : لا يقال فى نحو قطّع فعطل ، بل فعّل ، قال : «إنما وزن المكرر للالحاق بأحد حروف فعل لأنه فى مقابلة الحرف الأصلى ،
وهذا ينتقض عليه بقولهم فى وزن حوقل وبيطر : فوعل وفيعل ، بل العلة في التعبير عن
المكرر للالحاق [كان] أو لغيره عينا كان أو لا ما ما ذكرته قبل
قوله «فانه بما تقدمه» أى : فانّ المكرر يعبر عنه فى الوزن بالحرف الذى تقدمه ،
عينا كان ذلك الحرف أو لاما
قوله «وإن كان من حروف الزيادة» أى : وإن كان أيضا ذلك الحرف المكرر من حروف «اليوم تنساه»
لا يعبر عنه بلفظه ، بل بما تقدمه ، فالنون من عثنون من حروف «اليوم تنساه» ولا
يعبر عنه فى الوزن بالنون ، بل باللام الذى تقدمه.
__________________
قوله «إلا بثبت» أى : إلا أن يكون هناك حجة تدل على أن المراد من الاتيان
بحروف «اليوم تنساه» ليس تكريرا كما قلنا فى سحنون ـ بالفتح ـ إنه فعلون لا فعلول.
قوله «ومن ثم» أى : من جهة التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف «اليوم
تنساه» ، ونحن قد ذكرنا أنه لا مانع أن يقال إنه فعليت
قوله «لذلك» أى : لوجوب التعبير عن المكرر بما تقدمه وإن كان من حروف
الزيادة.
قوله «ولعدمه» أى : لعدم فعلون.
قوله «وسحنون إن صح الفتح» إنما قال ذلك لأنه روى الفتح فيه ، والمشهور الضم ، وحمدون
وسحنون : علمان.
قوله «وهو صعفوق» أى : الفعلول النادر صعفوق ، وهو اسم رجل ، وبنو صعفوق :
خول باليمامة
قوله «وخرنوب ضعيف» المشهور ضم الخاء ، وقد منع الجوهرى الفتح ، ولو ثبت
أيضا لم يدل على ثبوت فعلول ؛ لأن النون زائدة لقولهم الخرّوب ـ بالتضعيف ـ بمعناه
، وهو نبت.
قوله «وخزعال نادر» قال الفراء : لم يأت من غير المضاعف على فعلال إلا قولهم
: ناقة بها خزعال : أى ظلع ، وزاد ثعلب قهقارا ، وأنكره الناس ، وقالوا :
__________________
قهقرّ وزاد أبو مالك قسطالا بمعنى قسطل ، وهو الغبار ، وأما
فى المضاعف كخلخال وبلبال وزلزال فكثير.
قال : «ثمّ إن
كان قلب فى الموزون قلبت الزّنة مثله كقولهم فى آدر أعفل ، ويعرف القلب بأصله كناء
يناء مع النّأى ، وبأمثلة اشتقاقه كالجاه والحادى والقسىّ ، وبصحّته كأيس ، وبقلّة
استعماله كآرام وآدر ، وبأداء تركه إلى همزتين عند الخليل نحو جاء ، أو إلى منع
الصّرف بغير علّة على الأصحّ نحو أشياء ؛ فانّها لفعاء ، وقال الكسائىّ : أفعال ،
وقال الفرّاء : أفعاء وأصلها أفعلاء ، وكذلك الحذف كقولك فى قاض فاع ، إلّا أن
يبيّن فيهما»
أقول : يعنى
بالقلب تقديم بعض حروف الكلمة على بعض ، وأكثر ما يتفق القلب فى المعتل والمهموز ،
وقد جاء فى غيرهما قليلا ، نحو امضحلّ واكرهفّ فى اضمحلّ واكفهرّ ، وأكثر ما يكون بتقديم الآخر على متلوّه كناء يناء فى
نأى ينأى ، وراء فى رأى ، ولاع وهاع وشواع فى لائع وهائع
__________________
وشوائع والمهاة وأصلها الماهة ، وأمهيت الحديد فى أمهته ، ونحو جاء عند الخليل ؛ وقد يقدّم متلوّ
الآخر على العين نحو طأمن وأصله طمأن لأنه من الطّمأنينة ، ومنه اطمأنّ يطمئنّ اطمئنانا ،
وقد تقدّم العين على الفاء كما فى أيس وجاه وأينق والآراء والآبار والآدر ، وتقدّم اللام على الفاء كما فى أشياء على الأصح ، وقد
تؤخر الفاء عن اللام كما فى الحادى وأصله الواحد
__________________
قوله «بأصله» أى : بما اشتقّ منه الكلمة التى فيها القلب ، فان مصدر ناء
يناء النّأى لا النّىء
قوله : «وبامثلة اشتقاقه» أى : بالكلمات المشتقة مما اشتقّ منه المقلوب ؛ فان توجّه
ووجّه وواجهته والوجاهة مشتقة من الوجه ، كما أن الجاه مشتق منه ؛ وكذلك الواحد
وتوحّد مشتقان من الوحدة كاشتقاق الحادى منها ، والأقواس وتقوّس مشتقان من القوس
اشتقاق القسىّ منه ؛ وهذا منه عجيب ، لم جعله قسما آخر وهو من الأول : أى مما يعرف
بأصله؟! بل الكلمات المشتقة من ذلك الأصل تؤكد كون الكلمات المذكورة مقلوبة
قوله «وبصحته كأيس» حقّ العلامة أن تكون مطردة ، وليس صحة الكلمة نصا فى كونها
مقلوبة ، إذ قد تكون لأشياء أخر كما فى حول وعور
___________________
واجتوروا والحيدى ، وكذا قلة استعمال إحدى الكلمتين وكثرة استعمال الأخرى
المناسبة لها لفظا ومعنى لا تدل على كون القليلة الاستعمال مقلوبة ؛ فان رجلة فى
جمع رجل أقل استعمالا من رجال وليست بمقلوبة منه ، ولعل مراده أنها إذا كانت
الكلمتان بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا بقلب فى حروفهما ، فان كانت إحداهما صحيحة
مع ثبوت العلة فيها دون الأخرى كأيس مع يئس فالصحيحة مقلوبة من الأخرى ، وكذا إن
كانت إحداهما أقل استعمالا مع الفرض المذكور من الأخرى ، فالقلّى مقلوبة من الكثرى
، كآرام وآدر مع أرآم وأدؤر ، مع أن هذا ينتقض بجذب وجبذ ، فان جذب أشهر مع أنهما
أصلان على ما قالوا ويصح أن يقال : إن جميع ما ذكر من المقلوبات يعرف بأصله ؛
فالجاه والحادى والقسىّ عرف قلبها بأصولها وهى الوجه والوحدة والقوس ، وكذا أيس
يأيس باليأس ، وآرام وآدر برئم ودار ، فان ثبت لغتان بمعنى يتوهّم فيهما القلب ،
ولكل واحدة منهما أصل كجذب جذبا وجبذ جبذا ؛ لم يحكم بكون إحداهما مقلوبة من
الأخرى ، ولا يلزم كون المقلوب قليل الاستعمال ، بل قد يكون كثيرا كالحادى والجاه
، وقد يكون مرفوض الأصل كالقسىّ ، فان أصله ـ أعنى القووس ـ غير مستعمل
وليس شىء من
القلب قياسيا إلا ما ادعى الخليل فيما أدّى ترك القلب فيه إلى اجتماع الهمزتين
كجاء وسواء ؛ فانه عنده قياسى
__________________
قوله «وبأداء تركه إلى همزتين عند
الخليل كجاء» أى : أن الخليل
يعرف القلب بهذا ويحكم به ، وهو أن يؤدى تركه إلى اجتماع همزتين ، وسيبويه لا يحكم
به وإن أدى تركه إلى هذا ، وذلك فى اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام نحو ساء
وجاء ، وفى جمعه على فواعل نحو جواء وسواء جمعى جائية وسائية وفى الجمع الأقصى
لمفرد لامه همزة قبلها حرف مد كخطايا فى جمع خطيئة ، وليس ما ذهب إليه الخليل
بمتين ، وذلك لأنه إنما يحترز عن مكروه إذا خيف ثباته وبقاؤه ، أما إذا أدى الأمر
إلى مكروه وهناك سبب لزواله فلا يجب الاحتراز من الأداء إليه ، كما أن نقل حركة
واو نحو مقوول إلى ما قبلها وإن كان مؤديا إلى اجتماع الساكنين لم يجتنب لمّا كان
هناك سبب مزيل له ، وهو حذف أولهما ، وكذا فى مسئلتنا قياس موجب لزوال اجتماع
الهمزتين ، وهو قلب ثانيتهما فى مثله حرف لين كما هو مذهب سيبويه ، وإنما دعا
الخليل إلى ارتكاب وجوب القلب فى مثله أداء ترك القلب إلى إعلالين كما هو مذهب
سيبويه ، وكثرة القلب فى الأجوف الصحيح اللام ، نحو شاك وشواع فى شائك وشوائع ؛
لئلا يهمز ما ليس أصله الهمز والهمز مستثقل عندهم كما يجىء فى باب تخفيف الهمزة ،
ويحذفه بعضهم فيما ذكرت حذرا من ذلك ، فيقول : رجل هاع لاع بضم العين ، فلما رأى
فرارهم من الأداء إلى همزة فى بعض المواضع أوجب الفرار مما يؤدى إلى همزتين ، وأما
سيبويه فانه يقلب الأولى همزة كما هو قياس الأجوف الصحيح اللام نحو قائل وبائع ،
ثم يقلب الهمزة الثانية ياء لاجتماع همزتين ثانيهما لام كما سيجىء تحقيقه فى باب
تخفيف الهمزة ، فيتخلص مما يجتنبه الخليل مع عدم ارتكاب القلب الذى هو خلاف الأصل
، وقد نقل سيبويه عن الخليل مثل ذلك أيضا ، وذلك أنه حكى عنه أنه إذا اجتمعت
همزتان فى كلمة واحدة اختير تخفيف الأخيرة نحو جاء وآدم ، فقد حكم على ما ترى
بانقلاب ياء الجائى عن الهمزة ، وهو عين مذهب سيبويه
فان قيل : لو
كانت الثانية منقلبة عن الهمزة لم تعلّ بحذف حركتها كما فى دارى ومستهزيون
فالجواب أن حكم
حروف اللين المنقلبة عن الهمزة انقلابا لازما حكم حروف اللين الأصلية التى ليست
بمنقلبة عن الهمزة ، وإن كان الانقلاب غير لازم كما فى دارى ومستهزيين فالأكثر أن حكمها حكم الهمزة لعروضها ؛ فلذا
بقى الياء فى دارى ومستهزيين ، ويروى عن حمزة مستهزون ، وعليه قوله :
٢ ـ جرىء متى يظلم يعاقب بظلمه
|
|
سريعا وإلّا
يبد بالظّلم يظلم
|
فحذف الألف
للجزم ، وكذا قالوا مخبىّ فى مخبوّ مخفف مخبوء بالهمزة كما يجىء فى باب الاعلال ،
وبعضهم يقول فى تخفيف رؤية ورؤيا : ريّة وريّا بالادغام كما يجىء فى باب الاعلال
__________________
فان قيل : فاذا
كان قلب ثانية همزتى نحو أئمة واجبا فهلّا قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما
قبلها
قلت : إذا
تحركت الواو والياء فاءين وانفتح ما قبلهما لم تقلبا ألفا وإن كانتا أصليتين كما
فى أودّ وأيلّ ، بل إنما تقلبان عينين أو لامين ، كما يجىء فى
باب الاعلال إن شاء الله تعالى ، وقال المصنف : إنما لم تقلب ياء أيمة ألفا لعروض
الحركة عليها كما فى «اخشى الله» «ولو انّهم» ولقائل أن يقول : الحركة العارضة فى
أيمة لازمة بخلاف الكسرة فى «اخشى الله» ، ولو لم يعتدّ بتلك العارضة لم تنقلب
الهمزة الثانية ياء ، فانها إنما قلبت ياء للكسرة ، لا لشىء آخر ، هذا ، وإنما قدم
الادغام فى أيمة وإوزّة على إعلال الهمزة بقلبها ألفا وإعلال الواو بقلبها ياء
للكسرة التى قبلها ؛ لأن المثلين فى آخر الكلمة وآخرها أثقل طرفيها إذ الكلمة
يتدرّج ثقلها بتزايد حروفها ، واللائق بالحكمة الابتداء بتخفيف الأثقل ، ألا ترى
إلى قلب لام نوى أوّلا دون عينه ، فلما أدغم أحد المثلين فى الآخر فى أيمة وإوزّة ـ
ومن شرط إدغام الحرف الساكن ما قبله نقل حركته إليه ـ تحركت الهمزة والواو
الساكنتان فزالت علة قلب الهمزة ألفا والواو ياء ، وإنما حكم فى إوزّة بأنها إفعلة
لا إفعلة لوجود الوزن الأول كإصبع دون الثانى ،
__________________
ولا يجوز أن يكون فعلّة كهجفّ لقولهم وزّ ، وأما ترك قلب عين نحو نوى بعد قلب اللام فلما يجىء فى
باب الاعلال
فان قيل : إذا
كان المد الجائز انقلابه عن الهمزة حكمه حكم الهمزة فلم وجب الادغام فى بريّة
ومقروّة بعد القلب؟ وهلّا كان مثل رييا غير مدغم ، مع أن تخفيف الهمزة فى الموضعين غير لازم؟؟
قلت : الفرق
بينهما أن قلب الهمزة فى بريّة ومقروّة لقصد الادغام فقط حتى تخفف الكلمة بالإدغام
، ولا مقتضى له غير قصد الإدغام ؛ فلو قلبت بلا إدغام لكان نقضا للغرض ، وليس قلب
همزة رئيا كذلك ؛ لأن مقتضيه كسر ما قبلها كما فى بئر ، إلا أنه اتفق هناك كون ياء
بعدها
قوله «أو إلى منع الصرف بغير علة على
الأصح»
أى : يعرف
القلب على الأصح بأداء تركه إلى منع صرف الاسم من غير علة ، ودعوى القلب بسبب أداء
تركه
__________________
إلى هذا مذهب سيبويه ، فأما الكسائى فانه لا يعرف القلب بهذا الأداء ، بل
يقول : أشياء أفعال ، وليس بمقلوب ، وإن أدى إلى منع الصرف من غير علة ، ويقول :
امتناعه من الصرف شاذ ، ولم يكن ينبغى للمصنف هذا الاطلاق ؛ فان القلب عند سيبويه
عرف فى أشياء بأداء الأمر لو لا القلب إلى منع الصرف بلا علة ، كما هو مذهب
الكسائى ، أو إلى حذف الهمزة حذفا غير قياسى ، كما هو مذهب الأخفش والفراء ، فهو
معلوم بأداء الامر إلى أحد المحذورين لا على التعيين ، لا بالأداء إلى منع الصرف
معينا
ثم نقول :
أشياء عند الخليل وسيبويه اسم جمع لا جمع ، كالقصباء والغضياء والطّرفاء ، في
القصبة والغضا والطّرفة وأصلها شيئاء ، قدّمت اللام على الفاء كراهة اجتماع
همزتين بينهما حاجز غير حصين ـ أى الألف ـ مع كثرة استعمال هذه اللفظة ، فصار
لفعاء ، وقال الكسائى : هو جمع شىء ، كبيت وأبيات ، منع صرفه توهّما أنه كحمراء ،
مع أنه كأبناء وأسماء ، كما توهّم فى مسيل ـ وميمه زائدة ـ أنها أصلية فجمع على مسلان كما جمع قفيز على قفزان وحقه
مسايل وكما توّهم فى مصيبه ومعيشة أن ياءهما زائدة كياء قبيلة فهمزت فى الجمع فقيل
: مصائب اتفاقا ، ومعائش عن بعضهم ، والقياس مصاوب ومعايش ، وكما توهم فى منديل
ومسكين ومدرعة ، وهو من تركيب ندل ودرع وسكن ، أصالة ميمها فقيل : تمندل وتمسكن وتمدرع
اه.
__________________
وما ذهب إليه
بعيد ، لأن منع الصرف بلا سبب غير موجود ، والحمل على التوهم ـ ما وجد محمل صحيح ـ
بعيد من الحكمة.
وقال الأخفش
والفراء : أصله أشيئاء جمع شيء وأصله شىّء نحو بيّن وأبيناء ، وهو ضعيف من وجوه :
أحدها : أن حذف
الهمزة فى أشياء إذن على غير قياس ،
والثانى. أن
شيئا لو كان فى الأصل شيّئا لكان الأصل أكثر استعمالا من المخفف ، قياسا على
أخواته ، فان بيّنا وسيّدا وميّتا أكثر من بين وسيد وميت ، ولم يسمع شىّء ، فضلا
عن أن يكون أكثر استعمالا من شىء.
والثالث : أنك
تصغر أشياء على أشيّاء ، ولو كان أفعلاء [وهو] جمع كثرة وجب رده فى التصغير إلى
الواحد.
وجمعه على
أشياوات مما يقوّى مذهب سيبويه ، لأن فعلاء الأسمية تجمع على فعلاوات مطردا نحو
صحراء على صحراوات ، وجمع الجمع بالألف والتاء كرجالات وبيوتات غير قياس.
__________________
ويضعف قول
الأخفش والكسائى قولهم : أشايا ؛ وأشاوى ، فى جمع أشياء ، كصحارى فى جمع صحراء ،
فان أفعلاء وأفعالا لا يجمعان على فعالى ، والأصل هو الأشايا وقلبت الياء فى الأشاوى واوا على غير قياس ، كما قيل :
جبيته جباية وجباوة.
وقال سيبويه :
أشاوى جمع إشاوة فى التقدير ، فيكون إذن مثل إداوة وأداوى كأنه بنى من شيء شياءة ثم قدمت اللام إلى موضع
الفاء وأخرت العين إلى موضع اللام فصار إشاية ، ثم قلبت الياء واوا على غير قياس
كما فى جباوة ، ثم جمع على أشاوى كإداوة وأداوى.
وأقرب طريقا من
هذا أن نقول : جمع أشياء على أشايا ، ثم قلبت الياء واوا على غير القياس
قوله «وكذلك الحذف» عطف على قوله «إن
كان فى الموزون قلب قلبت الزنة مثله» يعنى وإن كان فى الموزون حذف حذف فى الزنة مثله ، فيقال : قاض
على وزن فاع ، بحذف اللام.
قوله «إلا أن يبيّن فيهما» أى : يبين الأصل فى المقلوب والمحذوف ، يعنى
__________________
[أنك] إن أردت بيان الأصل فى المقلوب والمحذوف لم تقلب فى الوزن ولم تحذف
فيه ، وهو وهم ، لأنك لا تقول : إن أشياء مثلا عند سيبويه فعلاء إذا قصدت بيان
أصله ، بل الذى تزن بفعلاء ما ليس فيه قلب وهو أصل هذا المقلوب ، تقول :
أصل أشياء على
وزن فعلاء ، وكذا لا تقول إذا قصدت بيان أصل قاض : إن قاض فاعل ، بل تقول : أصل
قاض فاعل ، فلا يكون أبدا وزن نفس المقلوب والمحذوف إلا مقلوبا ومحذوفا ، فلا معنى
للاستثناء بقوله «إلا أن يبين فيهما»
قال : «وتنقسم
إلى صحيح ومعتلّ ، فالمعتلّ ما فيه حرف علّة ، والصّحيح بخلافه ؛ فالمعتلّ بالفاء
مثال ، وبالعين أجوف وذو الثلاثة ، وباللّام منقوص وذو الأربعة ، وبالفاء والعين
أو بالعين واللّام لفيف مقرون ، وبالفاء والّلام لفيف مفروق».
أقول : قوله «تنقسم» أى : تنقسم الأبنية أصولا كانت أو غير أصول ، ولا يكون
رباعىّ الاسم والفعل معتلا ولا مضاعفا ولا مهموز الفاء ، ولا يكون
__________________
الخماسى مضاعفا ، وقد يكون معتل الفاء فقط ، ومهموزه ، نحوورنتل وإصطبل بل يكون الرباعى مضاعفا بشرط فصل حرف أصلى بين
المثلين كزلزل ، وستعرف هذه الجملة حق المعرفة فى باب ذى الزيادة إن شاء الله
تعالى.
قوله «ما فيه حرف علة» أى : فى جوهره ، أعنى فى موضع الفاء أو العين أو اللام ،
حتى لا ينتقض بنحو حوقل وبيطر ويضرب ، ويعنى بحرف العلة الواو والياء والألف ، وإنما سميت
حرف علة لأنها لا تسلم ولا تصح : أى لا تبقى على حالها فى كثير من المواضع ، بل
تتغير بالقلب والاسكان والحذف ، والهمزة وإن شاركتها فى هذا المعنى لكن لم يجر
الاصطلاح بتسميتها حرف علة.
وتنقسم الأبنية
قسمة أخرى إلى مهموز وغير مهموز ، فالمهموز قد يكون صحيحا كأمر وسأل وقرأ ، وقد
يكون معتلا نحو آل ووأل ورأى ، وكذا غير المهموز نحو ضرب ووعد.
وتنقسم قسمة
أخرى إلى مضاعف وغير مضاعف ، والمضاعف إما صحيح كمدّ ، أو معتل كودّ وحىّ وقوّة ،
وكذا غير المضاعف كضرب ووعد ، وكذا المضاعف إما مهموز كأزّ ، أو غيره كمدّ ، فالمهموز ما أحد حروفه الأصلية همزة
__________________
كأمر وسأل وقرأ ، والمضاعف ما عينه ولامه متماثلان وهو الكثير ، أو ما فاؤه
وعينه متماثلان كددن وهو فى غاية القلة ، أو ما كرّر فيه حرفان أصليان بعد حرفين أصليين نحو
زلزل ، أما ما فاؤه ولامه متماثلان كقلق فلا يسمى مضاعفا.
قوله «فالمعتل بالفاء مثال» لأنه يماثل الصحيح فى خلو ماضيه من الاعلال نحو وعد ويسر
، بخلاف الأجوف والناقص ، وإنما سمى بصيغة الماضى لأن المضارع فرع عليه فى اللفظ ؛
إذ هو ماض زيد عليه حرف المضارعة وغيّر حركاته ؛ فالماضى أصل أمثلة الأفعال فى
اللفظ.
قوله «وبالعين أجوف» أى : المعتل بالعين أجوف ، سمى أجوف تشبيها بالشىء الذى
أخذ ما فى داخله فبقى أجوف ؛ وذلك لأنه يذهب عينه كثيرا نحو قلت وبعت ولم يقل ولم
يبع [وقل وبع] وإنما سمى ذا الثلاثة اعتبارا بأول ألفاظ الماضى ؛ لأن الغالب عند
الصرفيين إذا صرّفوا الماضى أو المضارع أن يبتدئوا بحكاية النفس نحو ضربت وبعت لأن
نفس المتكلم أقرب الأشياء إليه ، والحكاية عن النفس من الأجوف على ثلاثة أحرف نحو
قلت وبعت.
وسمى المعتل
اللام منقوصا وناقصا لا باعتبار ما سمى له فى باب الإعراب منقوصا ؛ فانه إنما سمى
به هناك لنقصان إعرابه ، وسمى ههنا بهما لنقصان حرفه الأخير فى الجزم والوقف نحو
اغز وارم واخش ولا تغز ولا ترم ولا تخش ، وسمى ذا الأربعة لأنه ـ وإن كان فيه حرف
العلة ـ لا يصير فى أول ألفاظ الماضى على
__________________
ثلاثة كما صار فى الأجوف عليها ؛ فتسميتهما ذا الثلاثة وذا الأربعة باعتبار
الفعل لا باعتبار الاسم.
وقوله «وبالفاء والعين» نحو يوم وويح وبالعين واللام نحو نوى وحيى والقوّة ، يسمى مضاعفا
باعتبار ، ولفيفا مقرونا باعتبار.
قوله : «وبالفاء واللام» نحو ولى ووقى.
قال : «وللاسم
الثّلاثىّ المجرّد عشرة أبنية ، والقسمة تقتضى اثنى عشر ، سقط منها فعل وفعل
استثقالا وجعل الدّئل منقولا ، والحبك إن ثبت فعلى تداخل الّلغتين فى حرفى الكلمة
، وهى فلس فرس كتف عضد حبر عنب إبل قفل صرد عنق» .
أقول : إنما
كانت القسمة تقتضى اثنى عشر لأن اللام للاعراب أو للبناء ؛ فلا يتعلق به الوزن كما
قدمناه ، وللفاء ثلاثة أحوال : فتح ، وضم ، وكسر ، ولا يمكن إسكانه لتعذر الابتداء
بالساكن ، وللعين أربعة أحوال : الحركات الثلاث ، والسكون ، والثلاثة في الأربعة
اثنا عشر ، سقط المثالان لاستثقال الخروج من
__________________
ثقيل إلى ثقيل يخالفه ؛ فأما فى [نحو] عنق وإبل فتماثل الثقيلين خفّف شيئا ، والخروج من الكسرة إلى الضمة أثقل من العكس
لأنه خروج من ثقيل إلى أثقل منه ؛ فلذلك لم يأت فعل لا فى الأسماء ولا فى الأفعال
إلا فى الحبك إن ثبت ، ويجوز ذلك إذا كان إحدى الحركتين غير لازمة نحو يضرب وليقتل
، وأما فعل فلما كان ثقله أهون قليلا جاء فى الفعل المبنى للمفعول ، وجوّز ذلك
لعروضه لكونه فرع المبنى للفاعل ، وجاء فى الأسماء الدّئل علما وجنسا ، أما إذا كان علما فيجوز أن يكون منقولا من الفعل
كشمّر ويزيد ، والدّأل : الختل ، ودخول اللام فيه قليل ، كما فى قوله : ـ
٣ ـ رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
|
|
شديدا بأعباء
الخلافة كاهله
|
__________________
فعلى هذا لا استبعاد فيه ؛ لأن أصله الفعل المبنىّ للمفعول ، وأما إذا كان
جنسا على ما قيل «إنه اسم دويبة شبيهة بابن عرس» قال : ـ
٤ ـ جاؤا بجيش لو قيس معرسه
|
|
ما كان إلّا
كمعرس الدّئل
|
ففيه أدنى
إشكال ؛ لأن نقل الفعل إلى اسم الجنس قليل ، لكنه مع قلته قد جاء منه قدر صالح ،
كقوله صلىاللهعليهوسلم «إنّ الله نهاكم عن قيل وقال» ويروى «عن قيل وقال» ـ على إبقاء صورة الفعل ـ وكذا قولهم : أعييتنى
من شبّ إلى دبّ ، ومن شبّ إلى دبّ أى : من لدن شببت إلى أن دببت على العصا ، فلما نقل إلى
معنى الاسم غير لفظه أيضا من صيغة المبنى للفاعل إلى صيغة المبنى للمفعول ؛ لتكون
الصيغة المختصة بالفعل دليلا
__________________
على أن أصله كان فعلا ، وكذا الدّئل جنسا وأصله دأل من الدّألان وهو مشى
تقارب فيه الخطا ، ويجوز أن يكون الدئل العلم منقولا من هذا الجنس على ما قال
الأخفش ، وقال الفراء : إن «الآن» منقول من الفعل ، ومن هذا الباب التّنوّط لطائر ؛ وجاء على فعل اسمان آخران ، قال الليث : الوعل
لغة فى الوعل ، وحكى الرّئم بمعنى الاست ،
قوله «والحبك إن ثبت» قرىء فى الشواذ (ذات الحبك) بكسر
__________________
الحاء وضم الباء ، فقال المصنف : إن صح النقل قلنا فيه بناء على ما قال ابن
جنى (وهو أن الحبك بكسرتين والحبك بضمتين بمعنى) : إن الحبك مركب من اللغتين ، يعنى
أن المتكلم به أراد أن يقول الحبك بكسرتين ، ثم لما تلفظ بالحاء المكسورة ذهل عنها
وذهب إلى اللغة المشهورة وهى الحبك بضمتين ، فلم يرجع إلى ضم الحاء ، بل خلّاها
مكسورة وضم الباء ، فتداخلت اللغتان : الحبك والحبك فى حرفى الكلمة الحاء والباء ، وفى تركيب حبك من اللغتين ـ إن ثبت ـ نظر لأن الحبك
جمع الحباك ، وهو الطريقة فى الرمل ونحوه ، والحبك بكسرتين إن ثبت فهو مفرد مع
بعده ؛ لأن فعلا قليل ، حتى إن سيبويه قال : لم يجىء منه إلا إبل ، ويبعد تركيب
اسم من مفرد وجمع ، قيل : وقرىء فى الشاذ (يمحق الله الرّبوا) بضم الباء ، ولم
يغرّ هذا القارىء إلا كتابته بالواو.
قال : «وقد
يردّ بعض إلى بعض ، ففعل ممّا ثانيه حرف حلق كفخذ يجوز فيه فخذ وفخذ وفخذ ، وكذا
الفعل كشهد ، ونحو كتف يجوز فيه كتف وكتف ، ونحو عضد يجوز فيه عضد ، ونحو عنق يجوز
فيه عنق ، ونحو إبل وبلز يجوز فيهما إبل وبلز ولا ثالث لهما ، ونحو قفل يجوز فيه
قفل على رأى لمجىء عسر ويسر».
__________________
أقول : يعنى
برد بعضه إلى بعض أنه قد يقال فى بعض الكلم التى لها وزنان أو أكثر من الأوزان
المذكورة قبل : إن أصل بعض أوزانها البعض الآخر ، كما يقال فى فخذ ـ بسكون الخاء ـ
إنه فرع فخذ بكسرها
وجميع هذه
التفريعات فى كلام بنى تميم ، وأما أهل الحجاز فلا يغيرون البناء ولا يفرعون ففعل
الحلقى [العين] فعلا كان كشهد أو اسما كفخذ ورجل محك يطرد فيه ثلاث تفريعات اطرادا لا ينكسر ، واثنان من هذه
الفروع يشاركه فيهما ما ليس عينه حلقيا ، فالذى يختص بالحلقىّ العين إتباع فائه
لعينه فى الكسر ، ويشاركه فى هذا الفرع فعيل الحلقى العين كشهيد وسعيد ونحيف ورغيف
، وإنما جعلوا ما قبل الحلقى تابعا له فى الحركة ؛ مع أن حق الحلقى أن يفتح نفسه
أو ما قبله ـ كما فى يدعم ويدمع ؛ لثقل الحلقى وخفة الفتحة ولمناسبتها له ؛ لما
يجىء فى تعليل فتح مضارع فعل الحلقىّ عينه أو لامه ، وذلك لأنه حمل فعل الاسمى على
فعل الفعلى فى التفريع لأن الأصل فى التغيير الفعل لكثرة تصرفاته ، وسيجىء فى باب
المضارع علة امتناع فتح عين فعل الحلقى العين ، وأما فعيل فلم يفتح عينه لئلا
يؤدّى إلى مثال مرفوض فى كلامهم ؛ وقد يجىء كسر فتح ما بعد الحلقى إتباعا لكسر
الحلقى ، كما قيل فى خبقّ على على وزن هجفّ للطويل : خبقّ ، هذا ، وحرف الحلق فى
المثالين فعل وفعيل ثانى الكلمة ، بخلافه إذا كان عين يفعل أو لامه ، فلم يستثقل
الكسر عليه ،
__________________
مع أن الكسر قريب من الفتح ؛ لقرب مخرج الياء من مخرج الألف فلما لزم كسر العين فى المثالين ـ وقد جرت لحرف الحلق
عادة تغيير نفسها أو ما قبلها إلى الفتح ، ولم يمكن ههنا تغيير نفسها لما ذكرنا
ولا تغيير ما قبلها إلى الفتح لأنه مفتوح ، وقد عادها عيد الغرام ـ غيّرت حركة ما
قبلها إلى مثل حركتها ؛ لأن الكسر قريب من الفتح كما ذكرنا ، فكأنها غيرت ما قبلها
إلى إلى الفتح ، ولم يأت فى الأسماء فعل ولا فعيل ـ مضمومى الفاء ـ حتى تتبع الفاء
العين بناء على هذه القاعدة ، وأما فعل فى الفعل نحو شهد فلم يتبع لئلا يلتبس
بالمبنى للفاعل المتبع فاؤه عينه ، وإنما لم يتبع فى نحو المحين والمعين لعروض الكسرة ، وأما المغيرة فى المغيرة فشاذ شذوذ منتن
فى المنتن وأنبّؤك وأجوءك فى أنبّئك وأجيئك فلم يقولوا قياسا عليه أبوعك وأقرؤك فى
أبيعك وأقرئك ، وإنما لم يتبع فى نحو رؤف ورؤوف لأن كسر ما قبل الحلقىّ فى نحو رحم
ورحيم إنما كان لمقاربة الكسرة للفتح كما ذكرنا ، والضم بعيد من الفتح
وأما أهل
الحجاز فنظروا إلى أن حق حروف الحلق إما فتحها أو فتح ما قبلها ؛ هب أنه تعذر
فتحها لما ذكرنا من العلة فلم غيّر ما قبلها عن الفتح وهو حقها إلى الكسر؟ وهل هذا
إلا عكس ما ينبغى؟؟
واللغتان
اللتان يشترك فيهما الحلقى وغيره : أولاهما : فعل بفتح الفاء وسكون العين ، نحو
شهد في الفعل وفخذ فى الاسم ، وفى غير الحلقىّ علم فى الفعل وكبد
__________________
فى الاسم ، وإنما سكنوا العين كراهة الانتقال من الأخف أى الفتح إلى الأثقل
منه أى الكسر فى البناء المبنى على الخفة أى بناء الثلاثى المجرد ، فسكنوه لأن
السكون أخفّ من الفتح ، فيكون الانتقال من الفتح إلى أخف منه ، ولمثل هذا قالوا فى
كرم الرجل : كرم ، وفى عضد : عضد ، بالاسكان ، وقولهم ليس مثل علم في علم ، وكان
قياسه لاس كهاب ، لكنهم خالفوا به أخواته لمفارقته لها فى عدم التصرف ، فلم
يتصرفوا فيه بقلب الياء ألفا أيضا ولم يقولوا لست كهبت ، ولا يجوز أن يكون أصل ليس
فتح الياء لأن المفتوح العين لا يخفف ، ولا ضمّ الياء لأن الأجوف اليائى لا يجىء
من باب فعل ؛ والثانية : فعل ـ بكسر الفاء وسكون العين ـ نحو شهد
وفخذ فى الحلقى ، وكبد وكتف فى غيره ؛ ولم يسمع فى غير الحلقى من الفعل نحو علم فى
علم فى المبنى للفاعل ، وحكى قطرب فى المبنى للمفعول نحو «ضرب زيد» بكسر الضاد
وسكون الراء ـ كما قيل قيل وبيع وردّ ، وهو شاذ. فالذى من الحلقى يجوز أن يكون فرع
فعل المكسور الفاء والعين كما تقول فى إبل : إبل ، ويجوز أن يكون نقل حركة العين
إلى ما قبلها كراهة الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وكره حذف أقوى الحركتين ، أى :
الكسرة ، فنقلت إلى الفاء ، والذى من غير الحلقى لا يكون إلا على الوجه الثانى ؛
لأنه لا يجوز فيه فعل بالاتباع
قوله «ونحو عضد يجوز فيه عضد» قد ذكرنا أن مثله يجوز عند تميم فى الفعل أيضا ، نحو كرم
الرّجل ، فى كرم ، ولم يقولوا فيه عضد بنقل الضمة إلى ما قبلها كما نقلوا في نحو
كتف ؛ لثقل الضمة ، وربما نقلها بعضهم فقالوا : عضد ، وقد
__________________
ذكرنا فى فعل التعجب أن فعل الذى فيه معنى التعجب يقال فيه
فعل ، قال :
٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل* .
ولعل ذلك دلالة
على نقله إلى معنى التعجب ، وأما قولهم فى الفعل المبنى للمفعول فعل كما فى المثل «لم
يحرم من فصد له» قال أبو النجم
وهو تميمى : ـ
٦ ـ * لو عصر منه المسك والبان انعصر *
__________________
وكذا قولهم غزى
بالياء دون الواو فى غزى لعروض سكون الزاى ؛ فليس التخفيف فى مثله لكراهة الانتقال
من الأخف إلى الأثقل كما كان فى كتف وعضد ، كيف والكسرة أخفّ من الضمة والفتحة أخف
من الكسرة؟ بل إنما سكن كراهة توالى الثقيلين فى الثلاثى المبنى على الخفة ، فسكن
الثانى لامتناع تسكين الأول ، ولأن الثقل من الثانى حصل ؛ لأنه لأجل التوالى ،
ولتوالى الثقيلين أيضا خفّفوا نحو عنق وإبل بتسكين الحرف الثانى فيهما ؛ وهذا
التخفيف فى نحو عنق أكثر منه فى إبل ؛ لأن الضمتين أثقل من الكسرتين حتى جاء فى
الكتاب العزيز وهو حجازى رسلنا ورسلهم ، وهو فى الجمع أولى منه في المفرد لثقل
الجمع معنى ؛ وجميع هذه التفريعات فى لغة تميم كما مر ؛ وإذا توالى الفتحتان لم
تحذف الثانية تخفيفا لخفة الفتحة ، وأما قوله : ـ
٧ ـ وما كلّ مبتاع ولو سلف صفقه
|
|
براجع ما قد
فاته برداد
|
فشاذ ضرورة
وقد شبه بفعل
المفتوح الفاء المكسور العين نحو قولهم وليضرب وفلتضرب ـ أعنى واو العطف وفاءه مع
لام الأمر وحرف المضارعة ـ وذلك لكثرة الاستعمال ؛ فالواو والفاء كفاء الكلمة
لكونهما على حرف فهما كالجزء مما بعدهما ، ولام الأمر كعين الكلمة ، وحرف المضارعة
كلامها ، فسكن لام الأمر ؛ وقرىء
__________________
به فى الكتاب العزيز ، وشبه به نحو «ثمّ ليفعل» ، وهو أقل ، لأن ثمّ على
ثلاثة أحرف ، وليس كالواو والفاء ، مع أن ثم الداخلة على لام الأمر أقل استعمالا
من الواو والفاء ، وكذا شبه بفعل وفعل قولهم فهو وفهى ووهو ووهى ولهو ولهى لما
قلنا فى وليفعل ، وكذا أهو وأهى ، لكن التخفيف مع الهمزة أقل منه مع الواو والفاء
واللام ؛ لكون الهمزة مع هو وهى أقل استعمالا من الواو والفاء واللام معهما ، ونحو
(أن يملّ هو) على ما قرىء فى الشواذ أبعد ؛ لأن يملّ كلمة مستقلة ، جعل لهو كعضد ؛
وهذا كما قلّ نحو قولهم : أراك منتفخا ، وقوله :
٨ ـ * فبات منتصبا وما تكردسا *
وقولهم : انطلق
، فى انطلق ، وقوله :
٩ ـ * وذى ولد لم يلده أبوان *
وإنما قل
التخفيف فى هذه لأنها ليست ثلاثية مجردة مبنية على الخفة فلم يستنكر فيها أدنى ثقل
، ويجىء شرحها فى أماكنها إن شاء الله تعالى
قوله «فى إبل وبلز (أى : ضخمة) ولا ثالث
لهما» قال سيبويه : ما
يعرف
__________________
إلا الإبل ، وزاد الأخفش بلزا ، وقال السيرافى : الحبر صفرة الأسنان ، وجاء
الإطل والإبط ، وقيل : الإقط لغة فى الأقط ، وأتان إبد : أى ولود
قوله «ونحو قفل يجوز فيه قفل على رأى» يحكى عن الأخفش أن كلّ فعل فى الكلام فتثقيله جائز ، إلا
ما كان صفة أو معتلّ العين كحمر وسوق فانهما لا يثقلان إلا فى ضرورة الشعر ، وكذا
قال عيسى بن عمر : إن كلّ فعل كان فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله نحو عسر ويسر
، ولقائل أن يقول : بل الساكن العين فى مثله فرع لمضمومها كما هو كذلك في عنق
اتفاقا ، فان قيل : جميع التفاريع المذكورة كانت أقل استعمالا من أصولها ؛ فان
فخذا وعنقا ساكنى العين أقلّ منهما متحرّكيها ، وبهذا عرف الفرعية ، وعسر ويسر
بالسكون أشهر منهما مضمومى العين ؛ فيكون الضم فيهما فرع السكون كما أشار إليه
المصنف ، فالجواب أن ثقل الضمتين أكثر من الثقل الحاصل فى سائر الأصول المذكورة ،
فلا يمتنع أن يحمل تضاعف الثقل فى بعض الكلمات على قلة استعمالها مع كونها أصلا ،
وإذا كان الاستثقال فى الأصل يؤدى إلى ترك استعماله أصلا كما فى نحو يقول ويبيع
وغير ذلك مما لا يحصى فما المنكر من أدائه إلى قلة استعماله؟
__________________
هذا ، وإن كان
عين فعل المفتوح الفاء حلقيا ساكنا جاز تحريكه بالفتح نحو الشّعر والشّعر والبحر
والبحر ، ومثلهما لغتان عند البصريين في بعض الكلمات ، وليست إحداهما فرعا للأخرى
، وأما الكوفيون فجعلوا المفتوح العين فرعا لساكنها ، ورأوا هذا قياسا فى كل فعل
شأنه ما ذكرنا ، وذلك لمناسبة حرف الحلق للفتح كما يجىء فى باب المضارع
قال : «وللرّباعىّ
خمسة : جعفر ، زبرج ، برثن ، درهم ، قمطر ، وزاد الأخفش نحو جخدب ، وأما جندل
وعلبط فتوالى الحركات حملهما على باب جنادل وعلابط ، وللخماسىّ أربعة : سفرجل ،
قرطعب ، جحمرش ، قذعمل ، وللمزيد فيه أبنية كثيرة ، ولم يجيء فى الخماسىّ إلّا عضر
فوط خزعبيل قرطبوس قبعثرى خندريس على الأكثر»
أقول : اعلم أن
مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعى والخماسى صنفان غير الثلاثى ، وقال الفراء
والكسائى : بل أصلهما الثلاثى ، قال الفراء : الزائد فى الرباعى حرفه الأخير وفى
الخماسى الحرفان الأخيران ، وقال الكسائى : الزائد فى الرباعى الحرف الذى قبل آخره
، ولا دليل على ما قالا ، وقد ناقضا قولهما باتفاقهما على أن وزن جعفر فعلل ووزن
سفرجل فعلّل ، مع اتفاق الجميع على أن الزائد إذا لم يكن تكريرا يوزن بلفظه ، وكان
ينبغى أن يكون للرباعى خمسة وأربعون بناء ، وذلك بأن تضرب ثلاث حالات الفاء فى
أربع حالات العين فيصير اثنى عشر تضربها فى أربع حالات اللام الأولى يكون ثمانية
وأربعين ، يسقط منها ثلاثة لامتناع اجتماع الساكنين ، وكان حقّ أبنية الخماسى أن
تكون مائة وأحدا وسبعين ، وذلك بأن تضرب أربع حالات اللام الثانية فى الثمانية
والأربعين المذكورة فيكون مائة واثنين وتسعين يسقط منها أحد وعشرون ، وذلك لأنه
يسقط بامتناع سكون العين واللام الأولى فقط تسع حالات الفاء واللام
الثانية ، وتسقط بامتناع سكون اللام الأولى والثانية فقط تسع حالات الفاء
والعين ، وتسقط بامتناع سكون العين واللامين معا ثلاث حالات الفاء ، يبقى مائة
وأحد وسبعون بناء ، اقتصر من أبنية الرباعي على خمسة متّفق عليها ، وزاد الأخفش
فعللا بفتح اللام كجخدب ، وأجيب بأنه فرع جخادب ؛ بحذف الألف وتسكين الخاء وفتح
الدال ، وهو تكلف ، ومع تسليمه فما يصنع بما حكى الفراء من طحلب وبرقع وإن كان المشهور الضم لكن النقل لا يردّ مع ثقة الناقل
وإن كان المنقول غير مشهور ، فالأولى القول بثبوت هذه الوزن مع قلته ؛ فنقول : إن
قعددا ودخللا مفتوحى الدال واللام ـ على ما روى ـ وسؤددا وعوططا ملحقات بجخدب ، ولو لا ذلك لوجب الادغام كما يجىء فى
موضعه. ويكون بهمى ملحقا ؛ لقولهم بهماة على ما حكى ابن الأعرابى ، ولا
تكون
__________________
الألف للتأنيث كما ذهب إليه سيبويه
قوله «وأما جندل وعلبط» يعنى أن هذين ليسا بناءين للرباعى ، بل هما فى الأصل من
المزيد فيه ؛ بدليل أنه لا يتوالى فى كلامهم أربع متحركات فى كلمة ، ألا ترى إلى
تسكين لام نحو ضربت لما كان التاء كجزء الكلمة ، قال سيبويه : الدليل على أن هدبدا
وعلبطا مقصورا هدابد وعلابط أنك لا تجد فعللا إلا ويروى فيه فعالل كعلابط
وهدابد ودوادم فى دودم ، وكما أن المذكورين ليسا ببناءين للرباعى ، بل
فرعان للمزيد فيه ، فكذا عرتن ـ بفتحتين بعد هماضمة ـ وعرتن ـ بثلاث فتحات ـ ليسا
بلغتين أصليتين ، بل الأول مخفف عرنتن بحذف النون ، والثانى مخفف عرنتن ، كما أن
عرتنا ـ بفتح العين وإسكان الراء وضم التاء ـ فرع عرنتن بحذف النون وإسكان الراء ؛
وعرنتن : نبت ، وفيه ست لغات عرنتن وعرتن فرعه. وعرتن فرع الفرع ، وعرنتن ، وعرتن
فرعه ، وعرتن فرع الفرع
وزاد محمد بن
السّرىّ فى الخماسى خامسا وهو الهندلع لبقلة ، والحق الحكم بزيادة النون ؛ لأنه
إذا تردد الحرف بين الأصالة والزيادة والوزنان باعتبارهما نادران فالأولى الحكم
بالزيادة لكثرة ذى الزيادة كما يجىء ، ولو جاز أن يكون هندلع فعللا لجاز أن يكون
كنهبل فعللا ، وذلك خرق لا يرقع فتكثر الأصول
__________________
قوله «وللمزيد فيه أبنية كثيرة» ترتقى فى قول سيبويه إلى ثلثمائة وثمانية أبنية ، وزيد عليها
بعد سيبويه نيف على الثمانين ، منها صحيح وسقيم ، وشرح جميع ذلك يطول ، فالأولى
الاقتصار على قانون يعرف به الزائد من الأصل كما يجىء فى باب ذى الزيادة إن شاء
الله تعالى
ولما كان
المزيد فيه من الخماسى قليلا عده المصنف ؛ وإنما قال «على الأكثر» لأنه قيل : إن
خندر يسا فنعليل ؛ فيكون رباعيا مزيدا فيه ، والأولى الحكم بأصالة النون ؛ إذ جاء
برقعيد فى بلد ، ودرد بيس للداهية ، وسلسبيل وجعفليق وعلطبيس
فان قيل : أليس
إذا تردّد حرف بين الزيادة والأصالة وبالتقديرين يندر الوزن فجعله زائدا أولى؟
قلت : لا نسلم
أولا أن فعلليلا نادر ، وكيف ذلك وجاء عليه الكلمات المذكورة؟ ولو سلمنا شذوذه
قلنا : إنما يكون الحكم بزيادته أولى لكون أبنية المزيد فيه أكثر من أبنية الأصول
بكثير ، وذلك فى الثلاثى والرباعى ، أما فى الخماسى فأبنية المزيد فيه منه مقاربة
لأبنية أصوله ؛ ولو تجاوزنا عن هذا المقام أيضا قلنا : إن الحكم بزيادة مثل ذلك
الحرف [يكون] أولى إذا كانت الكلمة بتقدير أصالة الحرف من الأبنية الأصول ، أما
إذا كانت بالتقديرين من ذوات الزوائد كمثالنا ـ أعنى خندريسا ـ فان ياءه زائد بلا
خلاف فلا تفاوت بين تقديره أصلا وزائدا ، ولو قال المصنف بدل خندريس برقعيد
لاستراح من قوله «على الأكثر» لأنه فعلليل بلا خلاف ؛ إذ ليس فيه من حروف «اليوم
تنساه»
__________________
شىء غير الياء ، ويمكن أن يكون إنما لم يذكره لما قيل : إنه أعجمى ، ولو
ذكر علطميسا وجعفليقا لم يرد شىء ؛ لأن حرف الزيادة غير غالب زيادته
فى موضعه فيهما
قوله «جعفر» هو النهر الصغير ، و «الزّبرج» الزينة من وشى أو جوهر ، وقيل :
الذهب ، وقيل : السحاب الرقيق ، و «البرثن» للسبع والطير كالأصابع للانسان ،
والمخلب : ظفر البرثن ، و «القمطر» ما يصان فيه الكتب ، «والجخدب» الجراد الأخضر
الطويل الرجلين ، وكذا الجخادب ، «والجندل» موضع فيه الحجارة ، والجنادل : جمع
الجندل : أى الصخر ، كأنه جعل المكان لكثرة الحجارة فيه كأنه حجارة ، كما يقال :
مررت بقاع عرفج كلّه ، و «العلبط» الغليظ من اللبن وغيره ، يقال : ما
فى السماء قرطعب : أى سحابة ، وقال ثعلب : هو دابة ، و «الجحمرش» العجوز المسنة ،
يقال : ما أعطانى قذ عملا : أى شيئا ، والقذ عملة : الناقة الشديدة ، و «العضرفوط»
دويبة ، و «الخزعبيل» الباطل من كلام ومزاح ، و «القرطبوس» بكسر القاف ـ الداهية
والناقه العظيمة الشديدة ، وفيه لغة أخرى بفتح القاف ،
__________________
والأول هو المراد هنا لئلا يتكرر بناء عضرفوط ، و «القبعثرى» الجمل الضخم
الشديد الوبر ، وليست الألف فيه للإلحاق ؛ إذ ليس فوق الخماسى بناء أصلى يلحق به ، وليست أيضا للتأنيث لأنه ينوّن ويلحقه التاء نحو
قبعثراة ، بل الألف لزيادة البناء كألف حمار ونحوه ، و «الخندريس» اسم من أسماء
الخمر.
واعلم أن
الزيادة قد تكون للالحاق بأصل ، وقد لا تكون
ومعنى الإلحاق
فى الاسم والفعل أن تزيد حرفا أو حرفين على تركيب زيادة غير مطردة فى إفادة معنى ؛
ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة مثل كلمة أخرى فى عدد الحروف وحركاتها المعينة
والسكنات ، كلّ واحد فى مثل مكانه فى الملحق بها ، وفى تصاريفها : من الماضى
والمضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلا رباعيا ،
ومن التصغير والتكسير إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا
وفائدة الإلحاق
أنه ربما يحتاج فى تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب فى شعر أو سجع
ولا نحتم بعدم
تغير المعنى بزيادة الإلحاق على ما يتوهم ، كيف وإن معنى حوقل مخالف لمعنى حقل ، وشملل مخالف لشمل معنى وكذا كوثر
__________________
ليس بمعنى كثر ، بل يكفى أن لا تكون تلك الزيادة فى مثل ذلك
الموضع مطردة فى إفادة معنى ، كما أن زيادة الهمزة فى أكبر وأفضل للتفضيل ، وزيادة
ميم مفعل للمصدر أو الزمان أو المكان ، وفى مفعل للآلة ، فمن ثمّة لا نقول إن هذه
الزيادات للالحاق وإن صارت الكلم بها كالرباعى فى الحركات والسكنات المعينة ومثله
فى التصغير والجمع ، وذلك لظهور زيادة [هذه] الحروف للمعانى المذكورة ، فلا نحيلها
على الغرض اللفظى مع إمكان إحالتها على الغرض المعنوى ، وليس لأحد أن يرتكب كون
الحرف المزيد لإفادة معنى للإلحاق أيضا ، لأنه لو كان كذلك لم يدغم نحو أشدّ ومردّ
؛ لئلا ينكسر وزن جعفر ، ولا نحو مسلّة ولا مخدّة لئلا ينكسر وزن درهم ، كما لم
يدغم مهدد وقردد محافظة على وزن جعفر ، وذلك أن ترك الادغام فى نحو قردد ليس لكون
أحد الدالين زائدا وإلا لم يدغم نحو قمدّ لزيادة أحد داليه ، ولم يظهر نحو ألندد ويلندد
__________________
لأصالة الدالين ، بل هو للمحافظة على وزن الملحق به ، فكان ينبغي أيضا أن
لا يدغم نحو أشدّ ومردّ ومسلّة لو كانت ملحقة
هذا ؛ وربما لا
يكون لأصل الملحق معنى فى كلامهم ، ككوكب وزينب فانه لا معنى لتركيب ككب وزنب
قولنا «أن تزيد
حرفا» نحو كوثر وقعدد ، وقولنا «أو حرفين» كألندد ويلندد وحبنطى فان الزيادتين فى كل واحد منهما للالحاق
وأما اقعنسس
واحرنبى فقالوا : ليس الهمزة والنون فيهما للالحاق ، بل إحدى
سينى اقعنسس وألف أحرنبى للالحاق فقط ، وذلك لأن الهمزة والنون فيهما فى مقابلة
الهمزة والنون الزائدتين فى الملحق به أيضا
ولا يكون
الالحاق إلا بزيادة حرف فى موضع الفاء أو العين أو اللام ،
__________________
هذا ما قالوا ، وأنا لا أرى منعا من أن يزاد للالحاق لا فى مقابلة الحرف
الأصلى إذا كان الملحق به ذا زيادة ، فنقول : زوائد اقعنسس كلها للالحاق باحرنجم.
وقد تلحق
الكلمة بكلمة ثم يزاد على الملحقة ما يزاد على الملحق بها ، كما ألحق شيطن وسلقى بدحرج ، ثم ألحقا بالزيادة فقيل : تشيطن واسلنقى كما
قيل : تدحرج واحرنجم ، فيسمى مثله ذا زيادة الملحق ، وليس اقعنسس كذلك ؛ إذا لم
يستعمل قعسس
ولا تلحق كلمة
بكلمة مزيد فيها إلا بأن يجيء فى الملحقة ذلك الزائد بعينه فى مثل مكانه ؛ فلا
يقال : إن اعشوشب واجلوّذ ملحقان باحرنجم لأن الواو فيهما فى موضع نونه ؛ ولهذا
ضعف قول سيبويه في نحو سودد : إنه ملحق بجندب المزيد نونه ، وقوى قول الأخفش : إنه ثبت نحو جخدب ،
وإن نحو سودد ملحق به.
وقولنا «والمصدر»
يخرج نحو أفعل وفعّل وفاعل ؛ فانها ليست ملحقة بدحرج لأن مصادرها إفعال وتفعيل
ومفاعلة ، مع أن زياداتها مطردة لمعان سنذكرها ، ولا تكفى مساواة إفعال وفيعال
وفعّال كأخرج إخراجا وقاتل قيتالا وكذّب كذّابا لفعلال مصدر فعلل ؛ لأن المخالفة
فى شىء من التصاريف تكفى فى الدلالة على عدم الإلحاق ، لا سيما وأشهر مصدرى فعلل
فعللة
__________________
وقولنا «فى
التصغير والتكسير» يخرج عنه نحو حمار ، وإن كان بوزن قمطر ؛ لأن جمعه قماطر ولا
يجمع حمار على حمائر بل حمر وأحمرة ، وأما نحو شمائل فى جمع شمال فلا يرد اعتراضا ؛ لأن فعائل غير مطرد فى
جمع فعال.
وقولنا «لا
خماسيا» لأن الملحق به لا يحذف آخره فى التصغير والتكسير كما يحذف فى الخماسى ، بل
يحذف الزائد منه أين كان ؛ لأنه لما احتيج إلى حذف حرف فالزائد أولى ؛ وأما إذا
كان المزيد للالحاق حرف لين رابعا فى الخماسى فانه ينقلب ياء نحو كناهير فى جمع
كنهور
قيل : لا يكون
حرف الإلحاق فى الأول ؛ فليس أبلم ملحقا ببرثن ولا إثمد بزبرج ؛ ولا أرى منه مانعا ، فانها تقع أولا للالحاق مع مساعد
اتفاقا ، كما فى ألندد ويلندد وإدرون فما المانع أن يقع بلا مساعد؟
__________________
قيل : ولا يقع
الألف للالحاق فى الاسم حشوا ؛ لأنه يلزمها فى الحشو الحركة فى بعض المواضع ، ولا
يجوز تحريك ألف فى موضع حرف أصلى ؛ وإنما وجب تحريكها لأن الثانى يتحرك فى التصغير
؛ وكذا الثالث والرابع الوسط يتحرك أيضا فى التصغير والتكسير إذا حذف الخامس ؛
وأما الآخر فقد لا يتحرك كسلمي وبشرى
والاعتراض عليه
أنه ما المحذور من تحريك ألف فى مقابلة الحرف الأصلى؟ ومع التسليم فانه لا يلزم
تحريكها فى نحو علابط لا فى التصغير ولا فى التكسير ، بل تحذف ، فلا بأس بأن نقول
: هو ملحق بقذعمل ، وقولهم «الرابع الوسط يتحرّك فى التصغير والتكسير إذا حذف
الخامس» ليس بمستقيم ؛ لأن الألف تقلب إذن ياء ساكنة كسر يديح وسراديح فى سرداح ، ومع التسليم يلزمهم أن لا يزاد الألف فى الآخر نحو
أرطى ومعزى لأنه يتحرك بالحركة الاعرابية بعد قلبه ياء فى التصغير والتكسير
واحترز بعضهم
من هذا فقال : الألف لا تكون للالحاق أصلا ، وأصلها فى نحو أرطى ومعزى ياء ، ولا
دليل على ما قال ؛ وإنما قلبت فى رأيت أريطيا وأراطي لكسرة ما قبلها
ولما لم يؤد
الأمر إلى تحريك الألف وسطا فى الفعل حكم الزمخشرى وتقبله المصنف بكون ألف نحو
تغافل للالحاق بتدحرج ، وهو وهم ، لأن الألف فى مثله غالبة فى إفادة معنى كون الفعل
بين اثنين فصاعدا ، ولو كان للالحاق لم يدغم نحو تمادّ وترادّ ، كما لم يدغم نحو
مهدد كما بينا ، ولو كان الألف فى تغافل
__________________
للالحاق لكان فى مصدره واسمى فاعله ومفعوله أيضا ، فلم يصح إطلاق قولهم : «إن
الألف لا تكون للالحاق فى الاسم وسطا»
وكذا نحو تكلّم
ليس التضعيف فيه للالحاق بتدحرج كما ادّعيا ؛ لوضوح كون التضعيف لمعنى ، وما غرهما
إلا موافقة البناءين لتدحرج فى تصاريفه ،
وإنما جوز حذف
الألف للساكنين فى نحو أرطى ومعزى مع أن الوزن ينكسر به كما ينكسر بادغام نحو مهدد
وقردد ؛ لأن هذا الانكسار ليس لازما ، إذ التنوين فى معرض الزوال وترجع الألف مع
اللام والاضافة نحو الأرطى وأرطى هذا الموضع
ولبقاء الوزن
تقديرا مع سقوط اللام للتنوين حكم سيبويه بكون جوار وأعيل غير منصرفين
هذا ، ولما لم
يقم دليل على امتناع كون الألف فى الوسط للالحاق جاز أن يحكم فى نحو ساسم وخاتم وعالم بكونها للالحاق بجعفر ، وبكونها فى نحو
علابط للالحاق بقذعمل
__________________
ثم نقول :
الاسم الملحق بالرباعى كثير : فوعل ككوثر ، وفيعل كزينب ، وفعول كجدول ، وفعلل
مضعف اللام كمهدد ، وفعلى كأرطى ، وفعلن كرعشن ، وفعلنة كعرضنة ، وفعلن كفرسن ، وفعلتة كسنبتة ، وفنعل كعنسل ، وفعلّ كخدبّ ، وفنعل كخنفس وعند الأخفش فعلل مضعّف اللام ملحق بجخدب كسؤدد ؛ ولا
يمتنع على ما ذكرنا أن يكون أفعل وإفعل كأبلم وإجرد للألحاق ، وأما إفعل كإصبع فلا ؛ لإدغام نحو إوزّ ،
وكذا يفعل يكون للالحاق كيلمع وكذا فاعل كعالم
__________________
وكذا الملحق
بالخماسى من الثلاثى والرباعى كثير ؛ فمن الثلاثى الملحق بسفرجل نحو صمحمح وعفنجج وكروّس وعملّس وعثوثل وهبيّخ وعقنقل وخفيدد وخفيفد والندد ويلندد وحبنطى ، ومن الرباعى جحنفل وحبوكر ، ومن الملحق بقرطعب من الثلاثى
__________________
إردبّ وفردوس وإدرون وإنقحل ومن الرباعى قرشبّ وعلّكد وقولهم همّرش عند سيبويه ملحق بجحمرش بالتضعيف ، وعند الأخفش ليس فيه
زائد وأصله هنمرش ، ويجوز على ما ذهبنا إليه أن يكون سرداح ملحقا بجردحل ، وعلابط
ملحقا بقذعمل ، وكنابيل بقذعميل ، وإن خالفتها فى التصغير والتكسير ؛ لأنا
ذكرنا أن ذلك لا يعتبر إلا فى الرباعى
واعلم أنه لا
يكون فى الرباعى والخماسى الأصليين تضعيف ؛ لثقلهما وثقل التضعيف : أما إذا كان
أحد حروفهما تضعيفا زائدا فإنه يحتمل لعروض الزيادة وإن صار العارض لازما ؛ فعلى
هذا أحد المثلين فى كلمة مع ثلاثة أصول
__________________
أو أربعة زائد إذا لم يكن بين المثلين حرف أصلى ، كقنّب وزهلول فان كان بينهما حرف أصلى فليس بزائد كحدرد ودردبيس وسلسبيل ، وقال بعضهم : هو زائد أيضا ؛ فحدرد وسلسبيل
عنده فعلع وفعفليل ؛ والأولى الحكم بالأصالة ؛ لعدم قيام دليل زيادة الزائد كما
قام مع عدم الفصل بالأصلى كما سيجىء ، وكذا إذا كان حرفان متباينان بعد مثليهما
فالأولان أو الأخيران زائدان ، بشرط أن يبقى دونهما ثلاثة أصول أو أكثر ؛ فمرمريس
فعفعيل ، وصمحمح فعلعل ؛ وأما نحو زلزل وصرصر فليس فيه زائد ؛ إذا لا يبقى بعد الحرفين ثلاثة ، ومن
قال «سلسبيل فعفليل» قال : زلزل فعفل
وقال الكوفيون
فى نحو زلزل وصرصر ـ أى : فيما يبقى بعد سقوط الثالث مناسب للمعنى الذى كان قبل
سقوطه مناسبة قريبة ـ : إن الثالث زائد ؛ لشهادة الاشتقاق : فزلزل من زلّ ، وصرصر
من صرّ ، ودمدم من دمّ ، وأما ما لم يكن كذلك ، كالبلبال والخلخال ،
فلا يرتكبون ذلك فيه
وقال السرىّ
الرّفّاء فى كتاب المحب والمحبوب : زلزل من زلّ كجلبب من جلب ، وكذا نحوه ، يعنى
أنه كرر اللام للإلحاق فصار زلّل ؛ فالتبس بباب
__________________
ذلّل يذلّل تذليلا ؛ فأبدل اللام الثانية فاء ، وهو قريب ، لكنه يرد عليه
أن فيه إبدال بعض ما ليس من حروف الإبدال كالكاف فى كركر بمعنى كرّ
وقال الفراء فى
مرمريس وصمحمح : إنه فعلليل وفعلّل ، قال : لو كان فعفعيلا وفعلعلا لكان صرصر وزلزل
فعفع ، وليس ما قال بشىء ؛ لأنا لا نحكم بزيادة التضعيف إلا بعد كمال ثلاثة أصول
فاذا تقرر جميع
ذلك قلنا : إن التضعيف زائد فى نحو قنّب وعلّكد وقرشبّ ومهدد وصمحمح ومرمريس
وبرهرهة ـ أى : كل كلمة تبقى فيها بعد زيادة التضعيف ثلاثة أصول أو أربعة ـ إذا لم يفصل
بين المثلين أصلى ، وإنما حكمنا بذلك لقيام الدلالة على زيادة كثير من ذلك
بالاشتقاق ، فطردنا الحكم فى الكل ، وذلك نحو قطّع وقطّاع وجبّار وسبّوح ، وكذا فى
ذرحرح ، لقولهم ذرّوح بمعناه ، وفى حلبلاب لقولهم حلّب بمعناه ، ومرمريس للداهية [من ] الممارسة للأمور ، وألحق ما جهل اشتقاقه بمثل هذا
المعلوم ؛ ودليل آخر على زيادة تضعيف نحو صمحمح وبرهرهة جمعك له على صمامح وبراره
، ولو كان كسفرجل قلت صماحم
__________________
فان قيل : هلّا
حذفت الميم الثانية أو الحاء الثانية؟ فالجواب أنه لو حذفت الميم الثانية لا لتقى مثلان
نحو صماحح ، ولو حذفت الحاء الثانية وقلت صماحم لظن أنه كسفرجل : أى أن جميع
الحروف أصلية ، وأيضا ليس فى كلامهم فعالع وفى الكلام فعاعل كثير كسلالم فى سلّم
وقنانب فى قنّب ، وكذا تقول فى مرمريس : مراريس ؛ لكثرة فعاعيل كدنانير وقراريط ،
فجمعا على فعاعل وفعاعيل ليكون أدل على كونهما من ذوات الثلاثة
واعلم أن كل
كلمة زائدة على ثلاثة فى آخرها مثلان متحركان مظهران فهى ملحقة ، سواء كانا أصليين
كما فى ألندد ، أو أحدهما زائدا كما فى مهدد ، لأن الكلمة إذن ثقيلة وفك التضعيف
ثقيل ، فلولا قصد مماثلتها للرباعى والخماسى لأدغم الحرف طلبا للتخفيف ؛ فلهذا قيل
: إن مهددا ملحق بجغفر دون معد ، ولهذا قال سيبويه : نحو سؤدد ملحق بجندب ، مع كون
النون فى جندب زائدا وعدم ثبوت فعلل بفتح اللام عنده
__________________
قال : «وأحوال
الأبنية قد تكون للحاجة كالماضى والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول والضّفة
المشبّهة وأفعل التّفضيل والمصدر واسمى الزّمان والمكان والآلة والمصغّر والمنسوب
والجمع والتقاء السّاكنين والابتداء والوقف ؛ وقد تكون للتّوسّع كالمقصور والممدود
وذى الزّيادة ؛ وقد
__________________
تكون للمجانسة كالإمالة ؛ وقد تكون للاستثقال كتخفيف الهمزة والإعلال
والإبدال والإدغام والحذف»
أقول : قد مضى
الكلام على جعله لهذه الأشياء أحوال الكلمة فلا نكرره
قوله «قد تكون للحاجة» أى : يحتاج إلى
هذه الأشياء : إما لتغير المعنى باعتبارها كما فى الماضى والمضارع ، إلى قوله «والجمع» ؛ وإما للاضطرار إلى بعضها بعد الاعلال كالتقاء الساكنين
فى نحو «لم يقل» أو بعد وصل بعض الكلم ببعض كالتقائهما فى نحو «اذهب اذهب» أو عند
الشروع فى الكلام كالابتداء ، وإما لوجه استحسانى لا ضرورىّ كوجوه الوقف على ما
يأتى
وفى جعله للمقصور
والممدود وذى الزيادة من باب التوسع مطلقا نظر ؛ لأن القصر والمد إنما صير إليهما
فى بعض المواضع باعلال اقتضاه الاستثقال كاسم المفعول المعتل اللام من غير الثلاثى
المجرد ، واسمى الزمان والمكان ، والمصدر مما قياسه مفعل ومفعل ، وسائر ما ذكره فى
المقصور ، وكالمصادر المعتلة اللام من أفعل وفاعل وافتعل كالاعطاء والرّماء
والاشتراء ، وسائر ما نذكره فى الممدود ، وربما صير إليهما للحاجة كمؤنث أفعل
التفضيل ، ومؤنث أفعل الصفة ، وكذا ذو الزيادة : قد تكون زيادته للحاجة كما فى
زيادات اسم الفاعل واسم المفعول ومصادر ذى الزيادة ونحو ذلك ، وكزيادات الإلحاق ،
وقد يكون بعضها للتوسع فى الكلام كما فى سعيد وحمار وعصفور وكنابيل ونحو ذلك ،
ويجوز أن يقال في زيادة الالحاق : إنها للتوسع في اللغة ، حتى لو احتيج إلى مثل
ذلك البناء فى
__________________
الوزن والسجع كان موجودا ؛ وذهب أحمد بن يحيى إلى أنه لا بد لكل زائد من
معنى ، ولا دليل على ما ادعى
قوله «والإعلال» يدخل فيه إبدال حروف العلة ، ونقل حركتها إلى ما قبلها ،
وحذفها ، وحذف حركتها لا للجزم ولا للوقف ، ويدخل فى الإبدال إبدال حرف العلة
والهمزة وغيرهما ، وكذا الحذف يشمل حذف حرف العلة والهمزة
وغيرهما ، فقوله «الإبدال والحذف» يدخل فيها بعض وجوه الإعلال ، وبعض وجوه تخفيف الهمزة
قال : «الماضى
: للثّلاثىّ المجرّد ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل ، نحو ضربه وقتله وجلس وقعد
وشربه وومقه وفرح ووثق وكرم»
أقول : ذكر
لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما من باب فعل يفعل ، والثانى من باب فعل
يفعل ، ولم يذكر من باب فعل يفعل ـ بفتحهما ـ لأنه فرعهما على ما يأتى فى المضارع
، ومثالين للّازم منهما ، وذكر أيضا لفعل أربعة أمثلة : مثالين للمتعدى : أحدهما
من باب فعل يفعل كشرب ، والثانى من باب فعل يفعل كومق ، ومثالين للّازم منهما ،
وذكر لفعل مثالا واحدا ؛ لأنه ليس مضارعه إلا مضموم العين ، وليس إلا لازما
قال : «وللمزيد
فيه خمسة وعشرون : ملحق بدحرج نحو شملل وحوقل وبيطر وجهور وقلنس وقلسي ، وملحق
بتدحرج نحو تجلبب وتجورب وتشيطن وترهوك وتمسكن وتغافل وتكلّم ، وملحق باحرنجم نحوا
قعنسس واسلنقى ، وغير ملحق نحو أخرج وجرّب وقاتل وانطلق واقتدر واستخرج واشهابّ
واشهبّ واغدودن واعلوّط ؛ واستكان قيل : افتعل من السّكون فالمدّ شاذّ ، وقيل :
استفعل من كان فالمدّ قياسى»
أقول : شملل :
أى أسرع ، وأيضا بمعنى أخذ من النخل بعد لقاطه ما يبقى
من ثمره ، وحوقل : كبر وعجز عن الجماع ، وجهور : رفع صوته ، قلنسته وقلسيته
: ألبسته القلنسوة ، تجلبب : لبس الجلباب ، تجورب : لبس الجورب ، تشيطن الرجل :
صار كالشيطان فى تمرده ، ترهوك الرجل فى المشى : أى كان كأنه يموج فيه ، تمسكن :
تشبه بالمسكين ، احرنجم القوم : ازدحموا ، اقعنسس : رجع وتأخر ، اسلنقى : مطاوع
سلقى : أى صرع ، اغدودن النبت : طال ، اعلوّطت البعير : تعلقت بعنقه وعلوته ،
استكان : ذل
ومن الملحقات
بفعلل شريف : أى قطع شرياف الزرع ، وهو ورقه إذا طال وكثر حتى يخاف فساد الزرع
قد تقدم أن نحو
تكلّم وتغافل ليس ملحقا ، وإن كان فى جميع تصاريفه كتدحرج ، وفى عد النحاة تمدرع
وتمندل وتمسكن من الملحق نظر أيضا ، وإن وافقت تدحرج فى جميع التصاريف ؛ وذلك لأن
زيادة الميم فيها ليست لقصد الإلحاق ، بل هى من قبيل التوهم والغلط ، ظنّوا أن ميم
منديل ومسكين ومدرعة فاء الكلمة كقاف قنديل ودال درهم ، والقياس تدرّع وتندّل
وتسكن كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، وهذا كما توهم فى ميم مسيل الأصالة فجمعوه على
مسلان وأمسلة ، كقفزان وأقفزة فى جمع قفيز ، فتمدرع وتمندل وتمسكن ـ وإن كانت على
تمفعل فى الحقيقة ـ لكن فى توهمهم على تفعلل
وقد جاء من
الملحقات بدحرج فعأل نحو : برأل الديك ، إذا نفش برائله
__________________
وفنعل نحو : دنقع الرجل : أى افتقر ولزق بالدّقعاء ، وهى الأرض ، وكذا فعلن
وفمعل [وفعمل] وفعلم وغير ذلك ، لكنها لم تعدّ لغرابتها وكونها من الشواذ ؛ وكذا
جاء تهفعل وافعنمل ونحو ذلك من النوادر
قوله «واستكان» ، قيل : أصله استكن فأشبع الفتح ، كما فى قوله : ـ
__________________
١٠ ـ ينباع من ذفرى غضوب جسرة
|
|
زيّافة مثل
الفنيق المكدم
|
إلا أن الإشباع
فى استكان لازم عند هذا القائل ، بخلاف ينباع ، وقيل : استفعل من الكون ، وقيل :
من الكين ، والسين للانتقال ، كما فى استحجر : أى انتقل إلى كون آخر : أى حالة
أخرى : أى من العزة إلى الذلة ، أو صار كالكين ، وهو لحم داخل الفرج : أى فى اللين
والذلة
قال : «ففعل
لمعان كثيرة ، وباب المغالبة يبنى على فعلته أفعله ـ بالضم ـ نحو كارمنى فكرمته
أكرمه ، إلا باب وعدت وبعت ورميت ؛ فإنّه أفعله ـ بالكسر ـ وعن الكسائىّ فى نحو
شاعرته فشعرته أشعره ـ بالفتح»
أقول : اعلم أن
باب فعل لخفته لم يختص بمعنى من المعانى ، بل استعمل فى جميعها ؛ لأن اللفظ إذا خف
كثر استعماله واتسع التصرف فيه
ومما يختص بهذا
الباب بضم مضارعه باب المغالبة ، ونعنى بها أن يغلب أحد الأمرين الآخر فى معنى
المصدر ، فلا يكون إذن إلا متعديا. نحو : كارمنى فكرمته أكرمه : أى غلبته بالكرم ،
وخاصمنى فخصمته أخصمه ، وغالبنى فغلبته أغلبه ، وقد يكون الفعل من غير هذا الباب
كغلب وخصم وكرم ، فاذا قصدت هذا المعنى نقلته إلى هذا الباب ، إلا أن يكون المثال
الواوىّ كوعد ، والأجوف
__________________
والناقص اليائيين كباع ورمى ؛ فانك لا تنقلها عن فعل يفعل ؛ بل تنقلها إليه
إن كانت من غيره ؛ لأن هذه الأنواع مضارعها يفعل ـ بالكسر ـ إذا كان الماضى مفتوح
العين قياسا لا ينكسر ، كما يجىء
وحكى عن
الكسائى أنه استثنى أيضا ما عينه أو لامه أحد الحروف الحلقية ، وقال : يلزمه الفتح
، نحو : شاعرته فشعرته أشعره ، والحق ما ذهب إليه غيره ؛ لأن ما فيه حرف الحلق لا
يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوى والأجوف والناقص اليائيين ، بل كثير منه يأتى على
الأصل نحو برأ يبرؤ وهنأ يهنىء ، كما يأتى بيانه فى موضعه ، وقد حكى أبو زيد
شاعرته فشعرته أشعره ـ بالضم ـ وكذا فاخرته أفخره ـ بالضم ـ وهذا نص فى عدم لزوم
الفتح فى مثله
واعلم أنه ليس باب المغالبة قياسا بحيث يجوز لك نقل كل لغة
أردت إلى هذا الباب لهذا المعنى ، قال سيبويه : وليس فى كل شىء يكون هذا ، ألا ترى
أنك لا تقول نازعنى فنزعته أنزعه ، استغنى عنه بغلبته ، وكذا غيره ، بل نقول : هذا
الباب مسموع كثير
قال : «وفعل
تكثر فيه العلل والأحزان وأضدادها نحو سقم ومرض وحزن وفرح ، ويجىء الألوان والعيوب
والحلى كلّها عليه ، وقد جاء أدم وسمر وعجف وحمق وخرق وعجم ورعن بالكسر والضّمّ»
__________________
أقول : اعلم أن
فعل لازمه أكثر من متعديه ، والغالب فى وضعه أن يكون للأعراض من الوجع وما يجرى
مجراه ، كحزن وردى وشعث وسهك ونكد وعسر وشكس ولحز ولحج وخزى ، ومن الهيج كبطر وفرح
وخمط خمطا ، وهو الرائحة الطيبة ، وقنم قنمة ، وهى الرائحة المكروهة ،
وغضب وغار يغار وحمش وقلق وحار حيرة وبرق . ومن الهيج ما يدل على الجوع والعطش وضديهما من الشبع
والرّىّ ، وقريب منه نصف القدح أى امتلأ نصفه وقرب إذا قارب الامتلاء ، ويكثر فى
هذا الباب الألوان والحلى ؛ فالألوان نحو كدر وشهب وصدىء وقهب وكهب وأدم
__________________
والأغلب فى الألوان افعلّ وافعالّ نحو ازراقّ واخضارّ وابيضّ واحمرّ واصفرّ
، ولا يجىء من هذه الألوان فعل ولا فعل ؛ ونعنى بالحلى العلامات الظاهرة للعيون فى
أعضاء الحيوان ، كشتر وصلع ورسح وهضم .
وقد يشاركه فعل
مضموم العين فى الألوان والعيوب والحلى ، كالكلمات التى عدها المصنف ، وفى الأمراض
والأوجاع كسقم وعسر ، بشرط أن لا يكون لامه ياء ؛ فان فعل لا يجىء فيه ذلك ؛ إلا
لغة واحدة ، نحو بهو الرجل وبهى أى : صار بهيّا
وفعل فى هذه
المعانى المذكورة كلها لازم ، لأنها لا تتعلق بغير من قامت به ؛ وأما قولهم :
فرقته وفزعته فقال سيبويه : هو على حذف الجار ، والأصل فرقت منه وفزعت منه ، قال :
وأما خشيته فأنا خاش ، والقياس خش ، فالأصل أيضا خشيت منه ، فحمل على رحمته ، حمل
الضد على الضد ؛ ولهذا جاء اسم الفاعل منه على خاش والقياس خش ؛ لأن قياس صفة
اللازم من هذا الباب فعل ، وكذا كان قياس مصدره خشي فقيل خشية حملا على رحمة ،
وكذا حمل ساخط على راض مع أنه لازم ، يقال : سخط منه أو عليه
__________________
قوله «رعن» أى : حمق ، والرعونة : الحمق
قال : «وفعل
لأفعال الطّبائع ونحوها كحسن وقبح وكبر وصغر فمن ثمّة كان لازما ، وشذّ رحبتك
الدّار : أى رحبت بك. وأمّا باب سدته فالصّحيح أنّ الضّمّ لبيان بنات الواو لا
للنّقل ، وكذا باب بعته. وراعوا فى باب خفت بيان البنية»
أقول : اعلم أن
فعل فى الأغلب للغرائز ، أى : الأوصاف المخلوقة كالحسن والقبح والوسامة والقسامة والكبر والصّغر والطّول والقصر والغلظ والسّهولة
والصّعوبة والسّرعة والبطء والثّقل والحلم والرّفق ، ونحو ذلك
وقد يجرى غير
الغريزة مجراها ، إذا كان له لبث ومكث نحو حلم وبرع وكرم وفحش
قوله «ومن ثمة كان لازما» لأن الغريزة لازمة لصاحبها ، ولا تتعدى إلى غيره هكذا قيل.
وأقول : أيش المانع من كون الفعل المتعدى طبيعة أو كالطبيعة
__________________
قوله «رحبتك الدّار» ، قال الأزهرى : هو من كلام نصر بن سيّار وليس بحجة . والأولى أن يقال : إنما عدّاه لتضمنه معنى وسع ، أى :
__________________
وسعتكم الدار. وقول المصنف «أى رحبت بك» فيه تعسف لا معنى له .
ولا يجىء من
هذا الباب أجوف يائى ، ولا ناقص يائى ؛ لأن مضارع فعل يفعل بالضم لا غير ، فلو
أتيا منه لاحتجت إلى قلب الياء ألفا فى الماضى ، وفى المضارع واوا ، نحو يبوع
ويرمو ، من البيع والرّمى ، فكنت تنتقل من الأخف إلى الأثقل. وإنما جاء من فعل
المكسور العين أجوف وناقص : واويان كخاف خوفا ورضى وغبى وشقى رضوانا وغباوة وشقاوة
؛ لأنك تنتقل فيه من الأثقل إلى الأخف بقلب الواو فى يخاف ألفا وفى رضى ياء ، بلى
قد جاء فى هذا الباب من الأجوف اليائى حرف واحد وهو هيؤ الرّجل : أى صار ذاهيئة ،
ولم تقلب الياء فى الماضى ألفا إذ لو قلبت لوجب إعلال المضارع بنقل حركتها إلى ما
قبلها وقلبها واوا ؛ لأن المضارع يتبع الماضى فى الإعلال ؛ فكنت تقول : هاء يهوء ،
فيحصل الانتقال من الأخف إلى الأثقل ، وجاء من الناقص اليائى حرف واحد متصرف وهو بهو الرجل يبهو ، بمعنى بهى يبهى : أى صار بهيّا ؛
وإنما لم تقلب الضمة كسرة لأجل الياء كما في التّرامى بل قلبت الياء واوا لأجل
الضمة لأن الأبنية فى الأفعال مراعاة لا يخلط بعضها ببعض أبدا ، لأن الفعلية إنما
حصلت بسبب البنية والوزن ، إذ أصل الفعل المصدر الذى هو اسم ، فطرأ الوزن عليه
فصار فعلا ، وقد يجىء على قلة في باب التعجب فعل من الناقص اليائى ولا يتصرف كنعم
وبئس فلا يكون له مضارع كقضو الرجل ورموت اليد [يده] ، ولم
__________________
يجىء المضاعف من هذا الباب إلا قليلا لثقل الضمة والتضعيف. وحكى يونس لببت
تلبّ ؛ ولببت تلبّ أكثر ؛ وأما حببت فمنقول إلى هذا الباب للتعجب كقضو ورمو ، ومنه
قوله ـ :
٥ ـ * وحبّ بها مقتولة حين تقتل *
فهو كقوله : ـ
١١ ـ قعدت له وصحبتى بين ضارج
|
|
وبين العذيب
بعد ما متأمّلى
|
على أحد
التأويلين فى بعد والأصل حببت بالكسر أى : صرت حبيبا ؛ ولم يقولوا فى القليل قللت كما قالوا
فى الكثير كثرت ، بل قالوا : قلّ
__________________
يقلّ كراهة للثقل ، ولم يأت شررت بالضم بل شررت بالفتح والكسر أى صرت شرّيرا ، وقال بعضهم :
عزّت الناقة ـ أى : ضاق إحليلها ـ تعزّ بالضم وشرّ ودمّ : أى صار دميما ؛ وثلاثتها
فعل بالضم. ولم يثبت ما قاله سيبويه «لا يكاد يكون فيه ـ يعنى فى المضاعف ـ فعل»
وقال الجوهرى : إن لببت لا نظير له فى المضاعف ، وإنما غرّهم الدّميم والشّرير
والدّمامة والشّرارة!! والمستعمل دممت بالفتح تدمّ لا غير ، ولم يستعمل من شديد
فعل ثلاثى استغناء باشتدّ ، كما استغنى بافتقر عن فقر ، وبارتفع
عن رفع ، فقالوا : افتقر فهو فقير ، وارتفع فهو رفيع واشتد فهو شديد ، وأما قول
على رضى الله عنه «لشدّ ما تشطرا ضرعيها» فمنقول إلى فعل كما قلنا فى حبّذا وحببت ، فلا يستعمل
حبّ وشدّ بمعنى صار حبيبا وشديدا إلا فى التعجب كما فى حبذا وشدّما
قوله «وأما باب سدته» جواب عن اعتراض
وارد على قوله «كان لازما» أجاب بأن سدته ليس من باب فعل بالضم فى الأصل ، ولا هو منقول إليه كما هو ظاهر
قول سيبويه وجمهور النحاة ، وذلك لأنهم قالوا : نقل قولت إلى قولت
__________________
وبيعت إلى بيعت لينقلوا بعد ذلك ضمة الواو وكسرة الياء إلى ما قبلها فيبقى
بعد حذف الواو والياء ما يدل عليهما ، وهو الضمة والكسرة ، واعترض المصنف على قولهم
بأن الغرض المذكور يحصل بدون النقل من باب إلى باب ، وباب فعل المضموم العين وفعل
المكسور العين فى الأغلب يختص كل منهما بمعنى مخالف لمعنى فعل المفتوح العين ، ولا
ضرورة ملجئة إلى هذا النقل ، لا لفظية ولا معنوية ؛ أما المعنى فلأنه لا يدعى أحد
أن قلت وبعت تغيّرا عما كانا عليه من المعنى ، وأما اللفظ فلأن الغرض قيام دلالة
على أن أحدهما واوى والآخر يائى ، ويحصل هذا بضم فاء قال وكسر فاء باع من أول
الأمر بعد إلحاق الضمير المرفوع المتحرك بهما وسقوط ألفهما للساكنين من غير أن
يرتكب ضمّ العين وكسرها ثم نقل الحركة من العين إلى الفاء. وأيش المحذور فى ذلك ؟ وكيف نخالف أصلا لنا مقررا؟ وهو أن كل واو أو ياء فى
الفعل هى عين تحركت بأى حركة كانت من الضم والفتح والكسر وانفتح ما قبلها فانها
تقلب ألفا ، فقولت بالفتح يجب قلب واوه ألفا ، وكذا لو حولت الفتحة ضمة ، وكذا
بيعت بالكسر والفتح ، وأىّ داع لنا إلى إلحاق الضمائر المرفوعة بقول وبيع اللذين
هما أصلا قال وباع؟ وهل هى فى الفاعلية إلا كالظواهر في نحو «قال زيد» ، و «باع
عمرو»؟ فالوجه إلحاق هذه الضمائر بقال وباع مقلوبى الواو والياء ألفا ؛ فنقول :
تحركت الواو فى قول وطول وخوف والياء فى بيع وهيب وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ؛
وإنما لم تقلب الياء فى هيؤ لما تقدم ؛ فصار الجميع قال وطال وخاف وباع وهاب ، فلم
يمكن مع بقاء الألف التنبيه على بنية هذه الأبواب وأن أصلها فعل أو فعل أو فعل لأن
الألف يجب انفتاح ما قبلها ، فلما اتصلت الضمائر المرفوعة المتحركة بها وجب تسكين
اللام لما هو معلوم ، فسقطت الألف فى جميعها للساكنين ، فزال ما كان مانعا من
التنبيه
__________________
على الوزن ـ أى الألف ـ فقصدوا بعد حذفها إلى التنبيه على بنية كل واحد
منها لما ذكرنا من أن بنية الفعل يبقّى عليها وتراعى بقدر ما يمكن ، وذلك يحصل
بتحريك الفاء بمثل الحركة التى كانت فى الأصل على العين ؛ لأن اختلاف أوزان الفعل
الثلاثى بحركات العين فقط ، ولم يمكن هذا التنبيه فى فعل المفتوح العين نحو قول
وبيع ، لأن حركتى الفاء والعين فيه متماثلتان ، فتركوا هذا التنبيه فيه ونبّهوا
على البنية فى فعل وفعل فقط ؛ فقالوا فى فعل نحو خاف وهاب : خفت وهبت ، وسوّوا بين
الواوى واليائى لما ذكرنا أن المهم هو التنبيه على البنية ، وقالوا فى فعل نحو طال
فهو طويل : طلت ، والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو ، لما ذكرنا ، ولم يجىء فى هذا
الباب أجوف يائى حتى يسوّوا بينه وبين الواوى فى الضم كما سوّوا بينهما فى فعل نحو
خفت وهبت ، إلا هيؤ ، كما ذكرنا ، ولا تقلب ياؤه ألفا لما مر ، فلما فرغوا من
التنبيه على البنية فى بابى فعل وفعل ولم يكن مثل ذلك فى فعل ممكنا ، كما ذكرنا ،
قصدوا فيه التنبيه على الواوى واليائى والفرق بينهما ، كما قيل : إن لم يكن خلّ
فخمر ؛ فاجتلبوا ضمة فى قال بعد حذف الألف للساكنين ، وجعلوها مكان الفتحة ،
وكذا الكسرة فى باع ؛ لتدل الأولى على الواو والثانية على الياء ، وأما إذا تحركت
الواو والياء عينين وما قبلهما ساكن متحرك الأصل فى الأفعال والأسماء المتصلة بها
فإنه ينقل حركة العين إليه وإن كانت فتحة رعاية لبنية الفعل والمتصل به ، وذلك
لأنه يمكن فى مثله المحافظة على البنية فى المفتوح العين ، كما أمكن فى مضمومها
ومكسورها ، بخلاف المفتوحة المفتوح ما قبلها نحو قال وباع ، كما ذكرنا ، لأن الفاء
ههنا ساكنة ، فإذا تحركت
__________________
بالفتح وسكن العين علم أن ذلك حركة العين ، ولا يراعى هنا الفرق بين الواوى
واليائى أصلا ؛ لأنه إنما يراعى ذلك إذا حصل العجز عن مراعاة البنية كما مر ، بلى
يراعى ذلك فى اسم المفعول من الثلاثى ؛ نحو مقول ومبيع ، كما يجىء ، فمن الواوى
قولهم يخاف ويقال وأقيم ونقيم ويقول ويطيح ، عند الخليل ، وأصله يطوح كما يجىء ، ويقوم والمقام والمقام والمقيم والمعون
، ومن اليائى قولهم يهاب ويباع وأقيل ويقيل ويبيع والمقال والمقيل ؛ فقد رأيت كيف
قصدوا فى النوعين بيان البنية بنقل الضمة والكسرة والفتحة إلى ما قبلها لمّا لزمهم
إعلال العين بسبب حمل الكلمات المذكورة على أصولها ، أعنى الماضى الثلاثى كما يجىء
فى باب الاعلال ، ولم يبالوا بالتباس الواوىّ باليائى
ثم الحركة
المنقولة : إن كانت فتحة قلبت الواو والياء ألفا ، كما فى يخاف ويهاب ؛ لأن
سكونهما عارض ، فكأنهما متحركتان ، وما قبلهما كان مفتوح الأصل ، وقد تحرّك بفتحة
العين ؛ فكأن الواو والياء تحركتا وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا ، ولا سيما أن
تطبيق الفرع بالأصل أولى ما أمكن.
وإن كانت ضمة ـ
ولم يجى فى الفعل والاسم المتصل به إلا على الواو ، نحو يقول ـ نقلت إلى ما قبلها
وسلمت الواو ، بلى قد جاءت على الياء أيضا فى اسم
__________________
لمفعول ، لكنه روعى فيه الفرق بين الواوى واليائى كما يجىء ، وقد جاء أيضا
في هيؤ يهيؤ ، وقد مرحكمه .
وإن كانت كسرة
: فإن كانت على الياء سلمت بعد النقل نحو يبيع ، وإن كانت على الواو ـ نحو يقيم ،
ويطيح عند الخليل ـ قلبت ياء ؛ لتعسر النطق بها ساكنة بعد الكسرة ، ولا تقول : إن
الضم والكسر فى نحو يقول ويبيع نقلا إلى ما قبلهما للاستثقال ؛ إذ لو كان له لم
تنقل الفتحة فى نحو يخاف ويهاب ، وهى أخف الحركات ، فلا يستثقل وخاصة بعد السكون ،
ولا سيما فى الوسط ، وأيضا فالضمة والكسرة لا تستثقلان على الواو والياء إذا سكن
ما قبلهما كما فى ظبى ودلو
فان قيل : ذلك
لأن الاسم أخف من الفعل ، والأصل فى الاعلال الفعل كما يجىء فى باب الاعلال
قلت : نعم ،
ولكن الواو والياء المذكورين فى طرف الاسم ، وهما فى الفعل فى الوسط ، والطرف أثقل
من الوسط
فان قيل : لم
تستثقل فى الاسم لكون الحركة الإعرابية عارضة
قلت : نوع
الحركة الإعرابية لازم ، وإن كانت كل واحدة منهما عارضة ، ولو لم يعتد بالحركة
الإعرابية فى باب الإعلال لم يعلّ نحو قاض وعصا ؛ فإذا تبين أن النقل ليس
للاستثقال قلنا : إنه وجب إسكان العين تبعا لأصل الكلمة ، وهو الماضى من الثلاثى ؛
إذ الأصل فى الإعلال الفعل كما يبين فى بابه ، وأصل الفعل الماضى ، فلما أسكنت
نقلت الحركة إلى ما قبلها لتدل على البنية كما شرحنا وإنما فرق فى اسم المفعول من
الثلاثى بين الواوى واليائى نحو مقول ومبيع ؛ لأن الأصل فى هذا الإعلال ـ أعنى
إسكان الواو والياء الساكن ما قبلهما ـ
__________________
هو الفعل كما ذكرنا ، ألا ترى أن نحو دلو وظبى لم يسكن الواو والياء فيهما
مع تطرفهما ، ثم حملت الأسماء المتصلة بالأفعال فى هذا الإعلال على الفعل إذا
وافقته لفظا بالحركات والسكنات ، كما فى مقام ومعيشة ومصيبة ، واسم المفعول من
الثلاثى وإن شابه الفعل معنى واتصل به لفظا ، لاشتقاقهما من أصل واحد ، لكن ليس
مثله فى الحركات والسكنات فأجرى مجرى الفعل من وجه ، وجعل مخالفا له من آخر :
فالأول بإسكان عينه ، والثانى بالفرق بين واويه ويائيه ، مع إمكان التنبيه على
البنية ، فالأولى على هذا أن نقول : حذفت ضمة العين فى مقوول ومبيوع إتباعا للفعل
فى إسكان العين ، وضمت الفاء فى الواوى وكسرت فى اليائى كما قلنا فى قلت وبعت
دلالة على الواوى واليائى
قال : «وأفعل
للتّعدية غالبا ، نحو أجلسته ، وللتّعريض نحو أبعته ، ولصيرورته ذا كذا نحو أغدّ
البعير ، ومنه أحصد الزّرع ، ولوجوده على صفة نحو أحمدته وأنحلته ، وللسّلب نحو
أشكيته ، وبمعنى فعل نحو قلته وأقلته»
أقول : اعلم أن
المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى ؛ لأنها إذا لم تكن لغرض لفظى كما
كانت فى الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا ، فاذا قيل مثلا : إن أقال بمعنى قال ، فذلك
منهم تسامح فى العبارة ، وذلك على نحو ما يقال : إن الباء فى (كفى بالله) و «من»
فى (ما من إله) زائدتان لمّا لم تفيدا فائدة زائدة فى الكلام سوى تقرير المعنى
الحاصل وتأكيده ، فكذا لا بد فى الهمزة فى «أقالنى» من التأكيد والمبالغة
والأغلب فى هذه
الأبواب أن لا تنحصر الزيادة فى معنى ، بل تجىء لمعان على البدل ، كالهمزة فى أفعل
تفيد النقل ، والتعريض ، وصيرورة الشىء ذا كذا ، وكذا فعل وغيره
وليست هذه
الزيادات قياسا مطردا ؛ فليس لك أن تقول مثلا فى ظرف : أظرف ، وفى نصر : أنصر ،
ولهذا ردّ على الأخفش في قياس أظنّ وأحسب وأخال على أعلم وأرى ، وكذا لا تقول :
نصّر ولا دخّل ، وكذا فى غير ذلك من الأبواب ، بل يحتاج فى كل باب إلى سماع
استعمال اللفظ المعين ، وكذا استعماله فى المعنى المعين ، فكما أن لفظ أذهب وأدخل يحتاج فيه إلى
__________________
السماع فكذا معناه الدى هو النقل مثلا ؛ فليس لك أن تستعمل أذهب بمعنى أزال
الذهاب أو عرّض للذهاب أو نحو ذلك
والأغلب أن
تجىء هذه الأبواب مما جاء منه فعل ثلاثى ، وقد تجىء مما لم يأت منه ذلك ، كألجم
وأسحم وجلّد وقرّد واستحجر المكان واستنوق الجمل ، ونحو ذلك ، وهو قليل بالنسبة إلى الأول
__________________
فاذا فهم هذا
فاعلم أن المعنى الغالب فى أفعل تعدية ما كان ثلاثيا ، وهى أن يجعل ما كان فاعلا
للازم مفعولا لمعنى الجعل فاعلا لأصل الحدث على ما كان ، فمعنى «أذهبت زيدا» جعلت
زيدا ذاهبا ، فزيد مفعول لمعنى الجعل الذى استفيد من الهمزة فاعل للذهاب كما كان
فى ذهب زيد ، فان كان الفعل الثلاثى غير متعد صار بالهمزة متعديا إلى واحد هو
مفعول لمعنى الهمزة ـ أى : الجعل والتصيير ـ كأذهبته ، ومنه أعظمته : أى جعلته
عظيما باعتقادى ، بمعنى استعظمته ، وإن كان متعديا إلى واحد صار بالهمزة متعديا
إلى اثنين أولهما مفعول الجعل والثانى لأصل الفعل ، نحو : أحفرت زيدا النهر : أى
جعلته حافرا له ، فالأول مجعول ، والثانى محفور ، ومرتبة المجعول مقدمة على مرتبة
مفعول أصل الفعل ؛ لأن فيه معنى الفاعلية. وإن كان الثلاثى متعديا إلى اثنين صار
بالهمزة
__________________
متعديا إلى ثلاثة أولها للجعل والثانى والثالث لأصل الفعل ، وهو فعلان فقط
: أعلم ، وأرى
وقد يجىء
الثلاثى متعديا ولازما فى معنى واحد ، نحو فتن الرجل : أى صار مفتتنا ، وفتنته :
أى أدخلت فيه الفتنة ، وحزن وحزنته : أى أدخلت فيه الحزن ، ثم تقول : أفتنته
وأحزنته ، فيهما ، لنقل فتن وحزن اللازمين لا المتعديين ، فأصل معنى أحزنته جعلته
حزينا ، كأذهبته وأخرجته ، وأصل معنى حزنته جعلت فيه الحزن وأدخلته فيه ، ككحلته
ودهنته : أى جعلت فيه كحلا ودهنا ، والمغزى من أحزنته وحزنته شىء واحد ؛ لأن من أدخلت
فيه الحزن فقد جعلته حزينا ، إلا أن الأول يفيد هذا المعنى على سبيل النقل
والتصيير لمعنى فعل آخر ـ وهو حزن ـ دون الثانى
وقولهم أسرع
وأبطأ فى سرع وبطؤ ؛ ليس الهمزة فيهما للنقل ، بل الثلاثى والمزيد فيه معا غير
متعديين ، لكن الفرق بينهما أن سرع وبطؤ أبلغ ؛ لأنهما كأنهما غريزة كصغر وكبر
ولو قال المصنف
مكان قوله
«الغالب فى أفعل أن يكون للتعدية» : «الغالب أن يجعل الشىء ذا أصله» لكان أعم ؛ لأنه يدخل
فيه ما كان أصله جامدا ، نحو أفحى قدره : أى جعلها ذات فحا وهو الأبرار ، وأجداه : أى جعله ذا جدى ، وأذهبه : أى جعله ذا ذهب
وقد يجىء أفعل
لجعل الشىء نفس أصله إن كان الأصل جامدا ، نحو أهديت الشىء : أى جعلته هديّة أو
هديا
__________________
قوله «وللتعريض» أى : تفيد الهمزة أنك جعلت ما كان مفعولا للثلاثى معرّضا
لأن يكون مفعولا لأصل الحدث ، سواء صار مفعولا له أولا ، نحو أقتلته : أى عرضته
لأن يكون مقتولا قتل أولا ، وأبعت الفرس : أى عرضته للبيع ؛ وكذا أسقيته : أى جعلت
له ماء وسقيا شرب أو لم يشرب ، وسقيته :
أى جعلته يشرب
، وأقبرته : أى جعلت له قبرا قبر أولا
قوله «ولصيرورته ذا كذا» أى : لصيرورة ما هو فاعل أفعل صاحب شىء ، وهو على ضربين :
إما أن يصير صاحب ما اشتق منه ، نحو ألحم زيد : أى صار ذالحم ، وأطفلت : أى صارت
ذات طفل ، وأعسر وأيسر وأقلّ : أى صار ذا عسر ويسر وقلة ، وأغدّ البعير : أى صار ذا غدّة ، وأراب : أى صار ذا ريبة ، وإما أن يصير صاحب
شىء هو صاحب ما اشتق منه ، نحو أجرب الرجل : أى صار ذا إبل ذات جرب ، وأقطف : أى
صار صاحب خيل تقطف وأخبث : أى صار ذا أصحاب خبثاء ، وألام : أى صار صاحب
قوم يلومونه ، فاذا صار له لوّام قيل : هو مليم ، ويجوز أن يكون من الأول : أى صار
صاحب لوم ، وذلك بأن يلام ، كأحصد الزرع : أى صار صاحب الحصاد ، وذلك بأن يحصد ،
فيكون أفعل بمعنى صار ذا أصله الذى هو مصدر الثلاثى ، بمعنى أنه فاعله ، نحو أجرب
: أى صار ذا جرب ، أو بمعنى أنه مفعوله ، نحو أحصد الزرع ، ومنه أكبّ : أى صار
يكبّ وقولهم «أكبّ مطاوع كبّه» تدريس ؛ لأن القياس كون أفعل لتعدية فعل لا لمطاوعته
__________________
قوله «ومنه أحصد الزرع» إنما قال «ومنه» لأن أهل التصريف جعلوا مثله قسما آخر ، وذلك
أنهم قالوا : يجىء أفعل بمعنى حان وقت يستحق فيه فاعل أفعل أن يوقع عليه أصل الفعل
، كأحصد : أى حان أن يحصد ، فقال المصنف : هو فى الحقيقة بمعنى صار ذا كذا ، أى :
صار الزرع ذا حصاد ، وذلك
__________________
بحينونة حصاده ، ونحوه أجدّ النخل وأقطع ويجوز أن يكون ألام مثله : أى حان أن يلام
ومن هذا النوع ـ
أى : صيرورته ذا كذا ـ دخول الفاعل فى الوقت المشتق منه أفعل ، نحو أصبح وأمسى
وأفجر وأشهر : أى دخل فى الصباح والمساء والفجر والشهر ، وكذا منه دخول الفاعل فى
وقت ما اشتق منه أفعل ، نحو أشملنا وأجنبنا وأصبينا وأدبرنا : أى دخلنا فى أوقات
هذه الرياح قال سيبويه : ومنه أدنف ، أى : حصل في وقت الدّنف ، ومنه الدخول فى المكان الذى هو أصله ، والوصول إليه ،
كأكدى : أى وصل إلى الكدية وأنجد وأجبل : أى وصل إلى نجد وإلى الجبل ، ومنه الوصول
إلى العدد الذى هو أصله ، كأعشر وأتسع وآلف : أى وصل إلى العشرة والتسعة والألف ؛
فجميع هذا بمعنى صار ذا كذا : أى صار ذا الصبح ، وذا المساء ، وذا الشّمال ، وذا
الجنوب ، وذا الكدية ، وذا الجبل ، وذا العشرة
قوله «ولوجوده عليها» أى : لوجودك مفعول أفعل على صفة ، وهى كونه
__________________
فاعلا لأصل الفعل ، نحو أكرمت فاربط : أى وجدت فرسا كريما ، وأسمنت : أى
وجدت سمينا ، وأبخلته : أى وجدته بخيلا ، أو كونه مفعولا لأصل الفعل ، نحو أحمدته
: أى وجدته محمودا ، وأما قولهم «أفحمتك : أى وجدتك مفحما» فكأنّ أفعل فيه منقول
من نفس أفعل ، كقولك فى التعجب : ما أعطاك للدنانير ، ويقال : أفحمت الرجل : أى
أسكتّه ، قال عمرو بن معدى كرب لمجاشع بن مسعود السلمى ـ وقد سأله فأعطاه ـ : لله
دركم يا بنى سليم ، سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبنّاكم ، وهاجيناكم
فما أفحمناكم : أى ما وجدناكم بخلاء وجبناء ومفحمين
قوله «وللسلب» أى : يجىء لسلبك عن مفعول أفعل ما اشتق منه ، نحو أشكيته :
أى أزلت شكواه
قوله «وبمعنى فعل» نحو قلت البيع وأقلته. وقد ذكرنا أنه لا بد للزيادة من معنى
، وإن لم يكن إلا التأكيد
وقد جاء أفعل
بمعنى الدعاء ، نحو أسقيته : أى دعوت له بالسّقيا ، قال ذو الرمة : ـ
١٢ ـ وقفت على ربع لميّة ناقتى
|
|
فما زلت أبكى
عنده وأخاطبه
|
__________________
وأسقيه حتّى
كاد ممّا أبثّه
|
|
تكلّمنى
أحجاره وملاعبه
|
والأكثر فى باب
الدعاء فعّل ، نحو جدّعه وعقّره : أى قال : جدعه الله ، وعقره ، وأفعل داخل عليه فى هذا المعنى ،
والأغلب من هذه
المعانى المذكورة النقل ، كما ذكرنا
وقد يجىء أفعل
لغير هذه المعانى ، وليس له ضابطة كضوابط المعانى المذكورة كأبصره : أى رآه ،
وأوعزت إليه : أى تقدمت ، وقد يجىء مطاوع فعّل ، كفطّرته فأفطر وبشرته فأبشر ، وهو
قليل
قال : «وفعّل
للتّكثير غالبا ، نحو غلّقت وقطّعت وجوّلت وطوّفت وموّت المال ، وللتّعدية نحو
فرّحته ، ومنه فسّقته ، وللسّلب نحو جلّدته وقرّدته ، وبمعنى فعل نحو زلته وزيّلته»
أقول : الأغلب
فى فعّل أن يكون لتكثير فاعله أصل الفعل ، كما أن الأكثر في أفعل النقل ، تقول :
ذبحت الشاة ، ولا تقول ذبّحتها ، وأغلقت الباب مرة ، ولا تقول : غلّقت ؛ لعدم تصور
معنى التكثير فى مثله ، بل تقول : ذبحت الغنم ، وغلّقت الأبواب ، وقولك : جرّحته :
أى أكثرت جراحاته ، وأما جرحته ـ بالتخفيف ـ فيحتمل التكثير وغيره ؛ قال الفرزدق :
ـ
__________________
١٣ ـ ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها
|
|
حتّى أتيت
أبا عمرو بن عمّار
|
أى : أفتّحها
وأغلّقها ، وموّت المال : أى وقع الموتان في الابل فكثر فيها الموت ، وجوّلت وطوّفت : أى أكثرت الجولان والطواف ،
قيل : ولذلك سمى الكتاب العزيز تنزيلا ؛ لأنه لم ينزّل جملة واحدة ، بل سورة سورة
وآية آية ، وليس نصافيه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ
عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) وقوله : (إِنْ نَشَأْ
نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً)
ثم إن التكثير
يكون فى المتعدى كما فى غلّق وقطّع ، وقد يكون فى اللازم كما فى جوّل وطوّف وموّت
قوله «وللتعدية نحو فرّحته» معنى التعدية فى هذا الباب كما فى باب أفعل على ما شرحنا
، والأولى أيضا ههنا أن يقال فى مقام التعدية : [هو] بمعنى جعل الشىء ذا أصله ؛
ليعم نحو فحّى القدر : أى جعلها ذات فحا ، وشسّع النعل ، وهذا لا يتعدى إلى ثلاثة كأفعل إلا محمولا على أفعل كحدّث
وخبّر ، كما مرّ فى أفعال القلوب
__________________
قوله «ومنه فسّقته» إنما قال ذلك لأن أهل التصريف جعلوا هذا النوع قسما
برأسه ، فقالوا : يجىء فعّل لنسبة المفعول إلى أصل الفعل وتسميته به ، نحو فسّقته
: أى نسبته إلى الفسق وسميته فاسقا ، وكذا كفّرته ، فقال المصنف : يرجع معناه إلى
التعدية ، أى : جعلته فاسقا بأن نسبته إلى الفسق
ويجىء للدعاء
على المفعول بأصل الفعل ، نحو جدّعته وعقّرته : أى قلت له جدعا لك ، وعقرا لك ، أو
الدعاء له ، نحو سقّيته : أى قلت له سقيا لك
قوله «وللسلب» قد مر معناه ، نحو قرّدت البعير : أى أزلت قراده ،
وجلّدته :
أى أزلت جلده
بالسّلخ
قوله «وبمعنى فعل» نحو زيّلته : أى زلته أزيله زيلا : أى فرّقته ، وهو أجوف
يائى ، وليس من الزوال ؛ فهما مثل قلته وأقلته
__________________
ويجىء أيضا
بمعنى صار ذا أصله ، كورّق : أى أورق : أى صار ذا ورق ، وقيّح الجرح : أى صار ذا
قيح
وقد يحىء بمعنى
صيرورة فاعله أصله المشتقّ منه ، كروّض المكان : أى صار روضا ، وعجّزت المرأة ،
وثيّبت ، وعوّنت : أى صارت عجوزا وثيّبا وعوانا
ويجيء بمعنى تصيير
مفعوله على ما هو عليه ، نحو قوله «سبحان الذى
ضوّأ الأضواء ، وكوّف الكوفة ، وبصّر البصرة» أى : جعلها أضواء وكوفة وبصرة
ويجىء بمعنى
عمل شىء فى الوقت المشتق هو منه ، كهجّر : أى سار فى الهاجرة ، وصبّح : أى أتى صباحا ، ومسّى وغلّس : أى فعل فى الوقتين شيئا
__________________
ويجىء بمعنى
المشى إلى الموضع المشتقّ هو منه ، نحو كوّف : أى مشى إلى الكوفة ، وفوّز وغوّر :
أى مشى إلى المفازة والغور
وقد يجىء لمعان
غير ما ذكر غير مضبوطة بمثل الضوابط المذكورة ، نحو جرّب وكلّم
قال : «وفاعل
لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلّقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجىء العكس ضمنا ، نحو
ضاربته وشاركته ، ومن ثمّ جاء غير المتعدّى متعدّيا [نحو كارمته وشاعرته]
والمتعدّى إلى واحد مغاير للمفاعل متعديا إلى اثنين نحو جاذبته الثوب ، بخلاف
شاتمته ، وبمعنى فعّل نحو ضاعفته ، وبمعنى فعل نحو سافرت»
أقول «لنسبة
أصله» أى : لنسبة المشتق منه فاعل إلى أحد الأمرين : أى الشيئين ، وذلك أنك أسندت
فى «ضارب زيد عمرا» أصل ضارب ـ أى الضّرب ـ إلى زيد ، وهو أحد الأمرين ، أعنى زيدا
وعمرا ، وهم يستعملون الأمر بمعنى الشىء فيقع على الأشخاص والمعانى
قوله «متعلقا بالآخر» الذى يقتضيه المعنى أنه حال من الضمير المستتر فى قوله «لنسبة»
وذلك أن ضارب فى مثالنا متعلق بالأمر الآخر ، وهو عمرو ، وتعلّقه به لأجل المشاركة
التى تضمنها ؛ فانتصب الثانى لأنه مشارك ـ بفتح الراء ـ فى الضرب لا لأنه مضروب ،
والمشارك مفعول ، كما انتصب فى «أذهبت عمرا» لأنه مجعول
__________________
ويسمج جعله حالا من قوله
«أصله» أو من قوله «أحد الأمرين» لأن الظاهر
من كلامه أن قوله «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا» مقدمة يريد أن يبنى عليها صيرورة الفعل اللازم فى فاعل
متعديا إلى واحد ، والمتعدى إلى واحد غير مشارك متعديا إلى اثنين ، مشيرا إلى قوله
فى الكافية «المتعدى ما يتوقف فهمه على متعلق» فعلى هذا الذى يتوقف فهمه على هذا
الأمر الآخر الذى هو المشارك ـ بفتح الراء ـ ويتعلق به هو معنى فاعل ؛ لكونه
متضمنا معنى المشاركة ، لا أصله ؛ فإن قولك «كارمت زيدا» ليس فهم الكرم فيه متوقفا
على زيد ؛ إذ هو لازم ، وكذا «جاذبت زيدا الثوب» ليس الجذب متعلقا بزيد ؛ إذ هو
ليس بمجذوب ، بلى فى قولك «ضارب زيد عمرا» الضرب متعلق بعمرو ؛ لأنه مفعول له ،
لكن انتصابه ليس لكونه مضروبا ، بل لكونه مشاركا ، كما فى قولك «كارمت زيدا» و «جاذبت
زيدا الثوب» وكذا ليس أحد الأمرين متعلقا بالآخر في «ضاربت زيدا» تعلقا يقصده
المصنف ؛ إذ هو فى بيان كون فاعل متعديا بالنقل ، وإنما يكون متعديا إذا كان معنى
الفعل متعلقا بغيره ، على ما ذكر في الكافية ، ومن ثم قال فى الشرح «ومن ثم جاء
غير المتعدى متعديا لتضمنه المعنى المتعلّق» يعنى المشاركة ، وفى جعله حالا من
المضاف إليه ـ أعنى الضمير المجرور فى قوله «أصله» ـ ما فيه ، كما مر فى باب الحال ، والظاهر أنه قصد جعله حالا من أحد الأمرين مع
سماجته ، ولو قال «لتعلق مشاركة أحد الأمرين الآخر فى أصل الفعل بذلك الآخر صريحا
__________________
فيجىء العكس ضمنا» لكان أصرح فيما قصد من
بناء قوله «ومن ثم كان غير المتعدى» الخ عليه.
قوله «صريحا» أى : أن أحد الأمرين صريحا مشارك والآخر مشارك ؛ فيكون
الأول فاعلا صريحا والثانى مفعولا صريحا ، «ويجىء العكس ضمنا» أى : يكون المنصوب
مشاركا ـ بكسر الراء ـ والمرفوع مشاركا ضمنا ؛ لأن من شاركته فقد شاركك ؛ فيكون
الثانى فاعلا والأول مفعولا من حيث الضّمن والمعنى.
قوله «ومن ثم» أى : من جهة تضمن فاعل معنى المشاركة المتعلقة بعد أحد
الأمرين بالآخر.
قوله «والمتعدى إلى واحد مغاير للمفاعل»
بفتح العين : أى
إلى واحد هو غير المشارك فى هذا الباب ـ بفتح الراء ـ أى : إن كان المشارك ههنا ـ بفتح
الراء ـ مفعول أصل الفعل كان المتعدى إلى واحد فى الثلاثى متعديا إلى واحد ههنا
أيضا ، نحو «ضاربت زيدا» فان المشارك فى الضرب هو المضروب فمفعول أصل الفعل ومفعول
المشاركة شىء واحد ، فلم يزد مفعول آخر بالنقل ، وإن كان المشارك ههنا غير مفعول
أصل الفعل ، نحو «نازعت زيدا الحديث» فان مفعول أصل الفعل هو الحديث إذ هو المنزوع
، والمشارك زيد ؛ صار الفعل إذن متعديا إلى مفعولين ، وكذا «نازعت زيدا عمرا»
فاعلم أن المشارك ـ بفتح الراء ـ فى باب فاعل قد يكون هو الذى أوقع أصل الفعل عليه
ك «ضاربت زيدا» فى المتعدى ، و «كارمته» فى اللازم ، وقد يكون غير ذلك نحو «نازعت
زيدا الحديث» فى المتعدى ، و «سايرته فى البرية» فى اللازم ، وقد يكون ما زاد من
المفعول فى باب المفاعلة هو المعامل ـ بفتح الميم ـ بأصل الفعل ، لا على وجه
المشاركة كما فى قول على رضى الله عنه «كاشفتك الغطاءات» وقولك : عاودته ،
وراجعته.
قوله «بمعنى فعّل» أى : يكون للتكثير كفعل ، نحو «ضاعفت الشّىء» أى : كثرت
أضعافه كضعّفته ، و «ناعمه الله» كنعمّه : أى كثر نعمته بفتح النون.
قوله «بمعنى فعل» كسافرت بمعنى سفرت : أى خرجت إلى السفر ولا بد فى «سافرت» من
المبالغة كما ذكرنا ، وكذا «ناولته الشىء» أى : نلته إياه ـ بضم النون ـ أى أعطيته
، وقرىء (إن الله يدفع) و (ويدافع)
وقد يجىء بمعنى
جعل الشىء ذا أصله كأفعل وفعّل ، نحو «راعنا سمعك» أى : اجعله ذا رعاية لنا كأرعنا
، و «صاعر خدّه» أى : جعله ذا صعر و «عافاك الله» أى جعلك ذا عافية ، و «وعاقبت فلانا» أى
: جعلته ذا عقوبة
وأكثر ما تجىء
هذه الأبواب الثلاثة متعدية.
قال : «وتفاعل
لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا نحو تشاركا ، ومن ثمّ نقص مفعولا عن فاعل ،
وليدلّ على أنّ الفاعل أظهر أنّ أصله حاصل له وهو منتف عنه نحو تجاهلت وتغافلت ،
وبمعنى فعل نحو توانيت ، ومطاوع فاعل نحو باعدته فتباعد».
__________________
أقول : لا شك
أن فى قول المصنف قبل «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا»
وقوله ههنا «لمشاركة أمرين فصاعدا فى أصله صريحا» تخليطا ومجمجة وذلك أن التعلق المذكور فى الباب الأول والمشاركة
المذكورة ههنا أمران معنويان ، لا لفظيان ، ومعنى «ضارب زيدا عمرا» و «تضارب زيد
وعمرو» شىء واحد ، كما يجىء ، فمعنى التعلق والمشاركة فى كلا البابين ثابت ؛ فكما
أن للمضاربة تعلقا بعمرو صريحا فى قولك «ضارب زيد عمرا» فكذا للتضارب فى «تضارب
زيد وعمرو» تعلق صريح به ، وكما أن زيدا وعمرا متشاركان صريحا فى «تضارب زيد وعمرو»
فى الضرب الذى هو الأصل فكذا هما متشاركان فيه صريحا فى «ضارب زيد عمرا» فلو كان
مطلق تعلق الفعل بشىء صريحا يقتضى كون المتعلّق به مفعولا به لفظا وجب انتصاب عمرو
فى «تضارب زيد وعمرو» ولو كان مطلق تشارك أمرين فصاعدا صريحا فى أصل الفعل يقتضى
ارتفاعهما لارتفع زيد وعمرو فى «ضارب زيد عمرا» فظهر أنه لا يصح بناء قوله فى
الباب الأول «ومن ثم جاء غير المتعدى متعديا» على التعلق ، ولا بناء قوله فى هذا
الباب «ومن ثم نقص مفعولا عن فاعل» على المشاركة ، وكان أيضا من حق اللفظ أن يقول
: تفاعل لاشتراك أمرين ، لأن المشاركة تضاف إما إلى الفاعل أو إلى المفعول تقول :
أعجبتنى مشاركة القوم عمرا ، أو مشاركة عمرو القوم ، وأما إذا قصدت بيان كون
المضاف إليه فاعلا ومفعولا معا فالحق أن تجىء بباب التفاعل أو الافتعال ، نحو
أعجبنى تشاركنا ، واشتراكنا ، هذا ، والأولى ما قال المالكى وهو أن فاعل
__________________
لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا ، والاشتراك فيهما معنى ، وتفاعل
للاشتراك فى الفاعلية لفظا ، وفيها وفى المفعولية معنى
واعلم أن الأصل
المشترك فيه فى بابى المفاعلة والتفاعل يكون معنى ، وهو الأكثر ، نحو : ضاربته ،
وتضاربنا ، وقد يكون عينا نحو ساهمته : أى قارعته وسايفته ، وساجلته ، وتقارعنا ،
وتسايفنا ، وتساجلنا
ثم اعلم أنه لا
فرق من حيث المعنى بين فاعل وتفاعل فى إفادة كون الشىء بين اثنين فصاعدا ، وليس
كما يتوهم من أن المرفوع فى باب فاعل هو السابق بالشروع فى أصل الفعل على المنصوب
بخلاف باب تفاعل ، ألا ترى إلى قول الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما لبعض من
خاصمه : سفيه لم يجد مسافها ، فانه رضى الله عنه سمى المقابل له فى السفاهة مسافها
وإن كانت سفاهته لو وجدت بعد سفاهة الأول ، وتقول : إن شتمتنى فما أشاتمك ، ونحو
ذلك ؛ فلا فرق من حيث المغزى والمقصد الحقيقى بين البابين ، بل الفرق بينهما من
حيث التعبير عن ذلك المقصود ، وذلك
__________________
أنه قد يعبر عن معنى واحد بعبارتين تخالف مفردات إحداهما مفردات الأخرى
معنى من حيث الوضع ، وكذا إعراباتها ، كما تقول : جاءنى القوم إلا زيدا ، وجاءنى
القوم ولم يجىء من بينهم زيد ، أو جاءونى وتخلف زيد ، أو لم يوافقهم زيد ، ونحو
ذلك ، والمقصود من الكل واحد ، فكذا «ضارب زيد عمرا» : أى شاركه فى الضرب ، و «تضارب
زيد وعمرو» أى : تشاركا فيه ، والمقصود من شاركه وتشاركا شىء واحد مع تعدى الأول
ولزوم الثانى
قوله «ومن ثم نقص» أى : ومن جهة كون تفاعل فى الصريح وظاهر اللفظ مسندا إلى
الأمرين المشتركين فى أصل الفعل بخلاف فاعل فانه لاسناده فى اللفظ إلى أحد الأمرين
فقط ونصب الآخر نصب لفظ شارك لمفعوله ، فإن كان فاعل متعديا إلى اثنين نحو «نازعتك
الحديث» كان تفاعل متعديا إلى ثانيهما فقط ، ويرتفع الأول داخلا فى الفاعلية ، نحو
«تنازعنا الحديث» و «تنازع زيد وعمرو الحديث» وإن كان فاعل متعديا إلى واحد نحو «ضاربتك»
لم يتعد تفاعل إلى شيء لدخول الأول في جملة الفاعل ، نحو «تضاربنا» و «تضارب زيد
وعمرو»
قوله «نقص مفعولا» انتصاب «مفعولا» على المصدر ، وهو بيان النوع ، كقولك : ازددت درجة ، ونقصت مرتبة
، ودنوت إصبعا ، أى : نقص هذا القدر من النقصان ، ويجوز أن يكون تمييزا ؛ إذ هو
بمعنى الفاعل : أى نقص مفعول واحد منه
قوله «وليدل على أن الفاعل أظهر الخ» معنى «تغافلت» أظهرت من نفسى الغفلة التى هى أصل تغافلت
، فتغافل على هذا لإبهامك الأمر على من تخالطه وترى من نفسك ما ليس فيك منه شىء
أصلا ، وأما تفعّل فى معنى التكلف نحو : تحلّم وتمرّأ فعلى غير هذا لأن صاحبه يتكلف أصل ذلك الفعل
__________________
ويريد حصوله فيه حقيقة ، ولا يقصد إظهار ذلك إيهاما على غيره أن ذلك فيه
وفى تفاعل لا يريد ذلك الأصل حقيقة ، ولا يقصد حصوله له ، بل يوهم الناس أن ذلك
فيه لغرض له
قوله «وبمعنى فعل» لا بد فيه من المبالغة كما تقدم
قوله «مطاوع فاعل» ليس معنى المطاوع هو اللازم كما ظنّ ، بل المطاوعة فى
اصطلاحهم التأثر وقبول أثر الفعل ، سواء كان التأثر متعديا ، نحو : علّمته الفقه
فتعلّمه : أى قبل التعليم ، فالتعليم تأثير والتعلم تأثر وقبول لذلك الأثر ، وهو
متعدّ كما ترى ، أو كان لازما ، نحو : كسرته فانكسر : أى تأثر بالكسر ، فلا يقال
فى «تنازع زيد وعمرو الحديث» ، إنه مطاوع «نازع زيد عمرا الحديث» ولا فى «تضارب
زيد وعمرو» إنه مطاوع «ضارب زيد عمرا» لأنهما بمعنى واحد ، كما ذكرنا ، وليس
أحدهما تأثيرا والآخر تأثرا ، وإنما يكون تفاعل مطاوع فاعل إذا كان فاعل لجعل
الشىء ذا أصله ، نحو : باعدته : أى بعدّته ، فتباعد : أى بعد ، وإنما قيل لمثله
مطاوع لأنه لما قبل الأثر فكأنه طاوعه ولم يمتنع عليه ، فالمطاوع فى الحقيقة هو
المفعول به الذى صار فاعلا ، نحو «باعدت زيدا فتباعد» المطاوع هو زيد ، لكنهم
سمّوا فعله المسند إليه مطاوعا مجازا
وقد يجىء تفاعل
للاتفاق فى أصل الفعل لكن لا على معاملة بعضهم بعضا
__________________
بذلك ، كقول على رضى الله تعالى عنه «تعايا أهله بصفة ذاته» وقولهم : «بمعنى أفعل نحو تخاطأ بمعنى اخطأ» مما لا
جدوى له ، لأنه إنما يقال هذا الباب بمعنى ذلك الباب إذا كان الباب المحال عليه
مختصا بمعنى عام مضبوط بضابط فيتطفّل الباب الآخر عليه فى ذلك المعنى ، أما إذا لم
يكن كذا فلا فائدة فيه ، وكذا فى سائر الأبواب ، كقولهم : تعاهد بمعنى تعهّد ،
وغير ذلك كقولهم تعهّد بمعنى تعاهد
قال : «وتفعّل
لمطاوعة فعّل نحو كسّرته فتكسّر ، وللتكلّف نحو تشجّع وتحلّم ، وللاتّخاذ نحو
توسّد ، وللتّجنّب نحو تأثّم وتحرّج ، وللعمل المتكرّر فى مهلة ، نحو تجرّعته ،
ومنه تفهّم ، وبمعنى استفعل ، نحو تكبّر [وتعظّم]»
أقول :
قوله «لمطاوعة فعّل» يريد سواء كان
فعّل للتكثير نحو قطّعته فتقطّع ، أو للنسبة نحو قيّسته ونزّرته وتمّمته : أى
نسبته إلى قيس ونزار وتميم فتقيّس وتنزّر وتتمّم ، أو للتعدية نحو علّمته فتعلّم
والأغلب فى مطاوعة فعّل الذى للتكثير هو الثلاثى الذى هو أصل فعّل ، نحو علّمته فعلم ،
وفرّحته ففرح ؛ فقوله
: «وللتكلف» هو من القسم الأول : أى مطاوع فعّل الذى هو
__________________
للنسبة تقديرا ، وإن لم يثبت استعماله لها ، كأنه قيل : شجّعته وحلّمته : أى نسبته
إلى الشجاعة والحلم ، فتشجّع وتحلّم : أى انتسب إليهما وتكلفهما
وتفعّل الذى
للاتخاذ مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إذا كان أصله اسما لا مصدرا ، «فتردّى
الثوب» مطاوع «ردّيته الثوب» : أى جعلته ذا رداء ، وكذا «توسّد الحجر» : أى صار ذا
وسادة هى الحجر مطاوع «وسّدته الحجر» فهو مطاوع فعّل المذكور المتعدى إلى مفعولين
ثانيهما بيان لأصل الفعل ؛ لأن الثوب بيان الرداء والحجر بيان الوسادة ، فلا جرم
يتعدى هذا المطاوع إلى مفعول واحد
وتفعّل الذى
للتجنب مطاوع فعّل الذى للسلب تقديرا ، وإن لم يثبت استعماله كأنه قيل : أثّمته وحرّجته بمعنى جنّبته عن الحرج
والإثم وأزلتهما عنه كقرّدته ، فتأثم وتحرّج : أى تجنب الإثم والحرج
وتفعّل الذى
للعمل المتكرر فى مهلة مطاوع فعّل الذى للتكثير ، نحو جرّعتك الماء فتجرّعته : أى
كثّرت لك جرع الماء فتقبّلت ذلك التكثير وفوّقته اللّبن فتفوّقه وحسّيته
المرق فتحسّاه : أى كثّرت له فيقه وهو
__________________
جنس الفيقة : أى قدر اللبن المجتمع بين الحلبتين ، وكثرت له حساءه
قوله «ومنه تفهّم» إنما قال «ومنه» لأن معنى الفعل المتكرر فى مهلة ليس بظاهر
فيه ، لأن الفهم ليس بمحسوس كما فى التّجرّع والتّحسّى ، فبيّن أنه منه ، وهو من
الأفعال الباطنة المتكررة فى مهلة ، هذا ، والظاهر أن تفهّم للتكلف فى الفهم
كالتّسمّع والتبصر
قوله «وبمعنى استفعل» تفعّل يكون بمعنى استفعل فى معنيين مختصين باستفعل : أحدهما
الطلب ، نحو تنجّزته : أى استنجزته : أى طلبت نجازه : أى حضوره والوفاء به ،
والآخر الاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استعظمته وتعظمته : أى اعتقدت
فيه أنه عظيم ، واستكبر وتكبّر : أى اعتقد فى نفسه أنها كبيرة
__________________
والأغلب فى
تفعّل معنى صيرورة الشىء ذا أصله كتأهّل وتألّم وتأكّل وتأسّف وتأصّل وتفكّك
وتألّب : أى صار ذا أهل ، وألم ، وأكل : أى صار مأكولا ، وذا أسف ، وذا أصل ، وذا
فكك وذا ألب فيكون مطاوع فعّل الذى هو لجعل الشىء ذا أصله ، إما
حقيقة كما فى ألّبته فتألّب وأصّلته فتأصل ، وإما تقديرا كما فى تأهل ؛ إذ لم
يستعمل أهّل بمعنى جعل ذا أهل
وقد يجىء تفعّل
مطاوع فعّل الذى معناه جعل الشىء نفس أصله ، إما حقيقة أو تقديرا ، نحو تزبّب
العنب ، وتأجّل الوحش وتكلّل : أى صار إكليلا : أى محيطا
__________________
قال : «وانفعل
لازم مطاوع فعل نحو كسرته فانكسر ، وقد جاء [مطاوع أفعل نحو] أسفقته فانسفق وأزعجته
فانزعج ، قليلا ، ويختصّ بالعلاج والتأثير ، ومن ثمّ قيل انعدم خطأ»
أقول : باب
انفعل لا يكون إلا لازما ، وهو فى الأغلب مطاوع فعل ، بشرط أن يكون فعل علاجا : أى
من الأفعال الظاهرة ، لأن هذا الباب موضوع للمطاوعة ، وهى قبول الأثر ، وذلك فيما
يظهر للعيون كالكسر والقطع والجذب أولى وأوفق ، فلا يقال علمته فانعلم ، ولا فهمته
فانفهم ، وأما تفعّل فانه وإن وضع لمطاوعة فعّل كما ذكرنا ، لكنه إنما جاز نحو
فهّمته فتفهّم وعلّمته فتعلم ؛ لأن التكرير الذى فيه كأنه أظهره وأبرزه حتى صار
كالمحسوس ، وليس مطاوعة انفعل لفعل مطردة فى كل ما هو علاج ، فلا يقال : طردته
فانطرد ، بل طردته فذهب
وقد يجىء
مطاوعا لأفعل نحو أزعجته فانزعج ، وهو قليل ، وأما انسفق فيجوز أن يكون مطاوع سفقت
الباب : أى رددته لأن سفقت وأسفقت بمعنى
قال : «وافتعل
للمطاوعة غالبا نحو غممته فاغتمّ ، وللاتّخاذ نحو اشتوى وللتّفاعل نحو اجتوروا ،
وللتّصرّف نحو اكتسب»
أقول : قال
سيبويه : الباب فى المطاوعة انفعل ، وافتعل قليل ، نحو جمعته فاجتمع ، ومزجته
فامتزج
قلت : فلما لم
يكن موضوعا للمطاوعة كانفعل جاز مجيئه لها فى غير العلاج ، نحو غممته فاغتمّ ولا
تقول فانغمّ
ويكثر إغناء
افتعل عن انفعل فى مطاوعة ما فاؤه لام أوراء أو واو أو نون
__________________
أو ميم ، نحو لأمت الجرح ، أى : أصلحته ، فالتأم ، ولا تقول انلأم ، وكذا
رميت به فارتمى ، ولا تقول انرمى ، ووصلته فاتّصل ، لا انوصل ، ونفيته فانتفى لا
انّفى ، وجاء امتحى وامّحى ، وذلك لأن هذه الحروف مما تدغم النون الساكنة فيها ،
ونون انفعل علامة المطاوعة فكره طمسها ، وأما تاء افتعل فى نحو ادّكروا طّلب فلما
لم يختص بمعنى من المعانى كنون انفعل صارت كأنها ليست بعلامة ، إذ حق العلامة
الاختصاص
قوله «وللاتخاذ» أى : لاتخاذك الشىء أصله ، وينبغى أن لا يكون ذلك الأصل
مصدرا ، نحو اشتويت اللحم : أى اتخذته شواء ، وأطّبخ الشىء : أى جعله طبيخا ،
واختبز الخبز : أى جعله خبزا ، والظاهر أنه لاتخاذك الشىء أصله
لنفسك ، فاشتوى اللّحم : أى عمله شواه لنفسه ، وامتطاه : أى جعله لنفسه مطية ،
وكذا اغتذى وارتشى واعتاد
قوله «وللتفاعل» نحو اعتوروا : أى تناوبوا ، واجتوروا : أى تجاوروا ، ولهذا لم يعلّ
؛ لكونه بمعنى ما لا يعل
__________________
قوله «وللتصرف» أى : الاجتهاد والاضطراب فى تحصيل أصل الفعل ، فمعنى كسب
أصاب ، ومعنى اكتسب اجتهد فى تحصيل الاصابة بأن زاول أسبابها ؛ فلهذا قال الله
تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ) أى : اجتهدت فى الخير أو لا فانه لا يضيع (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أى : لا تؤاخذ إلا بما اجتهدت فى تحصيله وبالغت فيه من
المعاصى ، وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب
وقد يجىء افتعل
لغير ما ذكرنا مما لا يضبط ، نحو ارتجل الخطبة ، ونحوه
قال «واستفعل
للسّؤال غالبا : إمّا صريحا نحو استكتبته ، أو تقديرا نحو استخرجته ، وللتّحوّل
نحو استحجر الطّين ، و* إنّ البغاث بأرضنا يستنسر* وقد يجيء بمعنى فعل نحو قرّ
واستقرّ»
أقول :
قوله «أو تقديرا نحو استخرجته» تقول : استخرجت الوتد ، ولا يمكن ههنا طلب فى الحقيقة ، كما
يمكن فى «استخرجت زيدا» إلا أنه بمزاولة إخراجه والاجتهاد فى تحريكه كأنه طلب منه
أن يخرج ، فقولك أخرجته لا دليل فيه على أنك أخرجته بمرة واحدة أو مع اجتهاد ،
بخلاف استخرج ، وكذلك «استعجلت زيدا» أى : طلبت عجلته ، فاذا كان بمعنى عجّلت فكأنه طلب العجلة من نفسه ؛ ومن مجاز الطلب قولهم :
استرفع الخوان ، واسترمّ البناء ، واسترقع الثّوب
__________________
ويكون للتحول
إلى الشىء حقيقة ، نحو استحجر الطين : أى صار حجرا حقيقة ، أو مجازا : أى صار
كالحجر فى الصلابة ، وإن البغاث بأرضنا يستنسر أى : يصير كالنسر فى القوة ، والبغاث ـ مثلث الفاء ـ ضعاف
الطير
قوله «بمعنى فعل» نحو قرّ واستقرّ ، ولا بد فى استقرّ من مبالغة
ويجىء أيضا
كثيرا للاعتقاد فى الشىء أنه على صفة أصله ، نحو استكرمته : أى اعتقدت فيه الكرم ،
واستسمنته : أى عددته ذا سمن ، واستعظمته : أى عددته ذا عظمة
ويكون أيضا
للاتخاذ كما ذكرنا فى افتعل ، نحو استلأم
__________________
وقد يجىء لمعان
أخر غير مضبوطة
وأما افعلّ
فالاغلب كونه للون أو العيب الحسى اللازم وافعالّ فى اللون والعيب الحسى العارض ، وقد يكون الأول
فى العارض والثانى في اللازم ، وأما افعوعل فللمبالغة فيما اشتق منه ، نحو اعشوشبت
الأرض : أى صارت ذات عشب كثير ، وكذا اغدودن النبت ، وقد يكون متعديا ، نحو اعروريت الفرس وافعوّل بناء مرتجل ليس منقولا من فعل ثلاثى ، وقد يكون متعديا كاعلوّط : أى علا ، ولازما
كاجلوّذ واخروّط : أى أسرع وكذا افعنلى مرتجل ، نحو
__________________
اغرندى ، وقد يجىء افعوعل كذلك ، نحو اذ لولى : أى استتر ، وكذا افعلّ وافعالّ يجيئان مرتجلين ، نحو اقطرّ
واقطار : أى أخذ فى الجفاف
وجميع الأبواب
المذكورة يجىء متعديا ولازما ، إلا انفعل وافعلّ وافعالّ
واعلم أن
المعانى المذكورة للأبواب المتقدمة هى الغالبة فيها ، وما يمكن ضبطه ، وقد يجىء كل
واحد منها لمعان أخر كثيرة لا تضبط كما تكررت الإشارة إليه
قال : «وللرّباعىّ
المجرّد بناء واحد نحو دحرجته ودربخ ، وللمزيد فيه ثلاثة : تدحرج ، واحرنجم ،
واقشعرّ ، وهى لازمة»
أقول : دربخ :
أى خضع ، وفعلل يجىء لازما ومتعديا ، وتفعلل مطاوع فعلل المتعدى كتفعّل لفعّل ،
نحو دحرجته فتدحرج ، واحرنجم فى الرباعى كانفعل فى الثلاثى ، واقشعرّ واطمأنّ من
القشعريرة والطّمأنينة ، كاحمرّ فى الثلاثى ، وافعنلل الملحق باحرنجم كاقعنسس غير
متعد مثل الملحق به ، وكذا تجورب وتشيطن الملحقان بتدحرج ، وكذا احرنبى الملحق
باحرنجم ، وقد جاء متعديا فى قوله : ـ
١٣ ـ إنّى أرى النّعاس يغرندينى
|
|
أطرده عنّي
ويسرندينى
|
__________________
وكأنه محذوف
الجار : أى يغرندى على ، ويسرندى على : أى يغلب ويتسلط
واعلم أن
المعانى المذكورة للأبنية المذكورة ليست مختصة بمواضيها ، لكنه إنما ذكرها فى باب
الماضى لأنه أصل الأفعال
قال : «المضارع
بزيادة حرف المضارعة على الماضى ؛ فإن كان مجرّدا على فعل كسرت عينه أو ضمّت أو
فتحت إن كان العين أو اللّام حرف حلق غير ألف ؛ وشذّ أبى يأبى ، وأمّا قلى يقلى
فعامريّة وركن
__________________
يركن من التّداخل ، ولزموا الضّمّ فى الأجوف بالواو والمنقوص بها ،
والكسر فيهما بالياء ، ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذّ
عنده أو من التّداخل ، ولم يضمّوا فى المثال ، ووجد
__________________
يجد ضعيف ، ولزموا الضّمّ فى المضاعف المتعدّى نحو يشدّه ويمدّه وجاء الكسر فى يشدّه ويعلّه وينمّه ويبتّه ، ولزموه فى حبّه يحبّه وهو قليل »
__________________
أقول : اعلم أن
أهل التصريف قالوا : إن فعل يفعل ـ بفتح العين فيهما ـ فرع على فعل يفعل أو يفعل ـ
بضمها أو كسرها فى المضارع ـ ، وذلك لأنهم لما رأوا أن هذا الفتح لا يجىء إلا مع
حرف الحلق ، ووجدوا فى حرف الحلق معنى مقتضيا لفتح عين مضارع الماضى المفتوح عينه
، كما يجىء ؛ غلب على ظنهم أنها علة له ، ولما لم يثبت هذا الفتح إلا مع حرف الحلق
غلب على ظنهم أنه لا مقتضى له غيرها ؛ إذ لو كان لثبت الفتح بدون حرف الحلق ، فغلب
على ظنهم أن الفتح ليس شيئا مطلقا غير معلل بشىء ، كالكسر والضم ، إذ لو كان كذلك
لجاء مطلقا بلا حرف حلق أيضا كما يجىء الضم والكسر ، وقوّى هذا الظن نحو قولهم وهب
يهب ووضع يضع ووقع يقع ؛ لأنه تمهّد لهم أن الواو لا تحذف إلا فى المضارع المكسور
العين ؛ فحكموا أن كل فتح فى عين مضارع فعل المفتوح العين لأجل حرف الحلق ، ولو
لاها لكانت إما مكسورة او مضمومة فقالوا : قياس مضارع فعل المفتوح عينه إما الضم
أو الكسر ، وتعدّى بعض النحاة ـ وهو أبو زيد ـ هذا ، وقال : كلاهما قياس ، وليس
أحدهما أولى به من الآخر ، إلا أنه ربما يكثر أحدهما فى عادة ألفاظ الناس حتى يطرح
الآخر
__________________
ويقبح استعماله ، فإن عرف الاستعمال فذاك ، وإلا استعملا معا ، وليس على
المستعمل شىء ، وقال بعضهم : بل القياس الكسر ؛ لأنه أكثر ، وأيضا هو أخف من الضم
وبعد ، فاعلم
أنهم استعملوا اللغتين فى ألفاظ كثيرة كعرش يعرش ، ونفر ينفر ، وشتم يشتم ، ونسل
ينسل ، وعلف يعلف ، وفسق يفسق ، وحسد يحسد ويلمز ، ويعتل ، ويطمث ، ويقتر ، وغير
ذلك مما يطول ذكره
وفى الأفعال ما
يلزم مضارعه فى الاستعمال إما الضم وإما الكسر ، وذلك إما سماعى أو قياسى ؛
فالسماعى الضم فى قتل يقتل ، ونصر ينصر ، وخرج يخرج ، مما يكثر ، والكسر فى ضرب
يضرب ، ويعتب ، وغير ذلك مما لا يحصي ؛ والقياسى كلزوم الضم فى
الأجوف والناقص الواويين ، والكسر فيهما يائيين وفى المثال اليائى كما يجىء ، ومن القياسى الضم فى باب الغلبة ، كما مر.
ثم نقول : إنما
ناسب حرف الحلق ـ عينا كان أولا ما ـ أن يكون عين المضارع معها مفتوحا لأن الحركة
فى الحقيقة بعض حروف المد بعد الحرف المتحرك بلا فصل ؛ فمعنى فتح الحرف الإتيان
ببعض الألف عقيبها ، وضمها الإتيان ببعض الواو عقيبها ، وكسرها الإتيان ببعض الياء
بعدها ؛ ومن شدّة تعقّب أبعاض هذه الحروف الحرف
__________________
المتحرك التبس الأمر على بعض الناس فظنوا أن الحركة على الحرف ، وبعضهم
تجاوز ذلك وقال : هى قبل الحرف ، وكلاهما وهم ، وإذا تأملت أحسست بكونها بعده ،
ألا ترى أنك لا تجد فرقا فى المسموع بين قولك الغزو ـ باسكان الزاى والواو ـ وبين
قولك الغز ـ بحذف الواو وضم الزاى ـ وكذا قولك الرّمى ـ باسكان الميم والياء ـ والرّم
ـ بحذف الياء وكسر الميم ـ وذلك لأنك إذا أسكنت حرف العلة بلا مد ولا اعتماد عليه
صار بعض ذلك الحرف فيكون عين الحركة إذ هى أيضا بعض الحرف ، كما قلنا ، ثم إن حروف
الحلق سافلة فى الحلق يتعسر النطق بها ، فأرادوا أن يكون قبلها إن كانت لاما
الفتحة التى هى جزء الألف التى هى أخفّ الحروف ؛ فتعدل خفتها ثقلها ، وأيضا فالألف
من حروف الحلق أيضا فيكون قبلها جزء من حرف من حيّزها ، وكذا أرادوا أن يكون بعد
حرف الحلق بلا فصل إن كانت عينا الفتحة الجامعة للوصفين ؛ فجعلوا الفتحة قبل
الحلقى إن كان لاما ، وبعده إن كان عينا ؛ ليسهل النطق بحروف الحلق الصعبة ، ولم
يفعلوا ذلك إذا كان الفاء حلقيا : إما لأن الفاء فى المضارع ساكنة فهى ضعيفة
بالسكون [ميّتة] ، وإما لأن فتحة العين إذن تبعد من الفاء ؛ لأن الفتحة تكون بعد
العين التى بعد الفاء ، وليس تغيير حرف الحلق من الضم أو الكسر إلى الفتح بضربة
لازب ، بل هو أمر استحسانى ، فلذلك جاء برأ يبرؤ ، وهنأ يهنئ ، وغير ذلك ، وهى لا تؤثر فى فتح ما يلزمه
وزن واحد
__________________
مطرد ؛ فلذلك لا تفتح عين مضارع فعل يفعل ـ بضم العين ـ نحو وضؤ يوضؤ ، ولا فى ذوات الزوائد مبنية للفاعل أو للمفعول ،
نحو أبرأ يبرئ ، واستبرأ يستبرئ ، وأبرئ واستبرئ ، وذلك لكراهتهم خرم قاعدة ممهّدة ،
وإنما جاز فى مضارع فعل لأنه لم يلزم هذا المضارع ضمّ أو كسر ، بل كان يجىء تارة
مضموم العين ، وتارة مكسورها ، فلم يستنكر أيضا أن يجىء شىء منه يخالفهما ، وهو
الفتح ، ولما جاء فى مضارع فعل ـ بالكسر ـ مع يفعل ـ بالكسر ـ يفعل ـ بالفتح ـ وهو
الأكثر ، كما يجىء ، جوّزوا تغيير بعض المكسور إلى الفتح لأجل حرف الحلق ، وذلك فى
حرفين وسع يسع ووطىء يطأ ، دون ورع يرع ووله يله ووهل يهل ووغر يغر
ووحر يحر ، وإنما
__________________
لم يغير فى ماضى فعل يفعل ، نحو وضؤ يوضؤ ؛ لأنه لو فتح لم يعرف بضم
المضارع أن ماضيه كان فى الأصل مضموم العين ؛ لأن ماضى مضموم العين يكون مضموم
العين ومفتوحها ، وكلاهما أصل ، بخلاف مضارع فعل ؛ فان الفتح فى عين الماضى يرشد
إلى أن عين المضارع إما مكسورة أو مضمومة ، كما تقرّر قبل ، فيعلم بفتح عين الماضى
فرعية فتح عين المضارع ، وأما فتحة عين يسع ويطأ فلا يلتبس بالأصلية فى نحو يحمد
ويرهب ، وإن كان فتح عين مضارع فعل ـ بكسرها ـ أكثر من الكسر ؛ لأن سقوط الواو
فيهما يرشد إلى كونهما فرعا للكسرة ، وإنما لم تغير لحرف الحلق عين فعل المكسور
العين إلى الفتح نحو سئم ؛ لأن يفعل فى مضارع فعل المفتوح العين فرع كما ذكرنا ،
وفعل المضموم العين لا يجىء مضارعه مفتوحها ، فماضى يفعل المفتوح العين إذن يكون
مكسورها مطردا ، وقد ذكرنا أن كل ما اطرد فيه غير الفتح لا يغيّر ذلك كراهة لخرم
القاعدة كما فى أبرىء ويستبرىء ، وأيضا كان يلتبس بفعل يفعل المفتوح الماضى المغير
مضارعه لحرف الحلق
__________________
ثم إن الحروف
التى من مخرج الواو ، كالباء والميم ؛ من ضرب يضرب وصبر يصبر ونسم ينسم وحمل يحمل ، لا تغيّر كسر العين إلى الضم الذى هو
من مخرج الواو ، وكذا الحروف التى من مخرج الياء ، كالجيم والشين ؛ فى شجب يشجب
ومجن يمجن ومشق يمشق ، لا تحوّل ضم العين إلى الكسر الذى هو من مخرج
الياء ، كما فعل حرف الحلق بالضمة والكسرة ؛ على ما تقدم ؛ لأن موضعى الواو والياء
بمنزلة حيز واحد ؛ لتقارب ما بينهما واجتماعهما فى الارتفاع عن الحلق ، فكأن
الحروف المرتفعة كلها من حيز واحد ، بخلاف المستفلة ـ أى : الحلقية ـ وأيضا فتحنا
هناك لتعديل ثقل الحلقية بخفة الفتحة
__________________
قوله «غير ألف» أى : أن فعل يفعل المفتوح عينهما لا يجىء بكون العين ألفا
، نحو : قال يقال ، مثلا ، أو بكون اللام ألفا ، نحو : رمى يرمى ؛ لأن الألف لا
يكون فى موضع عين يفعل ولا لامه إلا بعد كون العين مفتوحة ، كما فى يهاب ويرضى ؛
فاذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهى سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول
الفتحة؟!!
«وشذ أبى يأبى»
قال بعضهم : إنما ذلك لأن الألف حلقية ، وليس بشىء لما ذكرنا أن الفتحة سبب الألف
فكيف يكون الألف سببها؟ قال سيبويه : «ولا نعلم إلا هذا الحرف» ، وذكر أبو عبيدة جبوت الخراج أجبى ،
__________________
وأجبو هو المشهور ، وحكى سيبويه أيضا قلى يقلى ؛ والمشهور يقلى بالكسر ،
وحكى هو وأبو عبيدة عضضت تعضّ ، والمشهور عضضت بالكسر ، وحكى غير سيبويه ركن يركن
وزكن يزكن ، من الزّكن ، وزكن بالكسر أشهر ، وحكى أيضا غسا الليل ـ أى : أظلم ـ
يغسى ، وشجا يشجى ، وعثا يعثي ، وسلا يسلا ، وقنط يقنط ؛ ويجوز أن يكون غسا وشجا
وعثا وسلا طائية كما فى قوله : ـ
* ...... بنت على الكرم *
__________________
لأنه جاء عثى يعثى
وغسى يغسى وشجي يشجى وسلى يسلى وأما قلى يقلى فلغة ضعيفة عامرية ، والمشهور كسر
مضارعه ، وحكى بعضهم قلى يقلى ـ كتعب يتعب ـ فيمكن أن يكون متداخلا ، وأن يكون
طائيا ، لأنهم يجوزون قلب الياء ألفا فى كل ما آخره ياء مفتوحة فتحة غير إعرابية
مكسور ما قبلها ، نحو بقى فى بقى ، ودعى فى دعى ، وناصاة فى ناصية وأما زكن يزكن بالزاى إن ثبت فشاذّ ، وكذا ما قرأ الحسن
: (ويهلك الحرث) بفتح اللام ، وركن يركن كما حكاه أبو عمرو من التداخل ، وذلك لأن
ركن يركن ـ بالفتح فى الماضى والضم فى المضارع ـ لغة مشهورة ، وقد حكى أبو زيد عن
قوم ركن بالكسر يركن بالفتح ، فركب من اللغتين ركن يركن بفتحهما ، وكذا قال الأخفش
في قنط يقنط لأن قنط يقنط كيقعد ويجلس مشهوران ، وحكى قنط يقنط كتعب يتعب
قوله «ولزموا الضم في الأجوف بالواو
والمنقوص بها»
، إنما لزموا
الضم فيما ذكر حرصا على بيان كون الفعل واويا ، لايائيا ، إذ لو قالوا في قال وغزا
: يقول ويغزو ؛ لوجب قلب واو المضارعين ياء لما مر من أن بيان البنية عندهم أهم من
الفرق بين الواوى واليائى ، فكان يلتبس إذن الواوىّ باليائى فى الماضى والمضارع
ولهذا بعينه التزموا الكسر فى الأجوف والناقص اليائيين ، إذ لو قالوا فى باع ورمى
:
__________________
يبيع ويرمى لوجب قلب الياءين واوا لبيان البنية ؛ فكان يلتبس بالواوىّ
اليائىّ فى الماضى والمضارع
فان قلت : أليس
الضمة فى قلت والواو فى غزوت وغزوا والكسرة فى بعت والياء فى رميت ورميا تفرقان في
الماضى بين الواوى واليائى؟؟
قلت : ذلك فى
حال التركيب ، ونحن نريد الفرق بينهما حال الافراد
فان قلت : أليس
يلتبسان فى الماضى والمضارع في خاف يخاف من الخوف وهاب يهاب من الهيبة وشقى يشقى
من الشقاوة وروى يروى؟؟
قلت : بلى ،
ولكنهم لم يضمّوا فى واوىّ هذا الباب ولم يكسروا فى يائيّه ؛ لأن فعل المكسور
العين اطرد فى الأغلب فتح عين مضارعه ، ولم ينكسر إلا فى لغات قليلة كما يجىء ،
فلم يقلبه حرف العلة عن حاله ، بخلاف فعل بالفتح فان مضارعه يجىء مضموم العين
ومكسورها ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عينه حركة يناسبها ذلك الحرف ، وهذا كما
تقدم من أن حرف الحلق لم يغير كسرة ينبىء ويستنبىء لما اطرد فيهما الكسر
فاما إن كان
لام الأجوف اليائى أو عين الناقص اليائى حلقيا ، نحو شاء يشاء وشاخ يشيخ وسعى يسعى
وبغى يبغى فلم يلزم كسر عين المضارع فيه كما لزم فى الصحيح كما رأيت ، وكذا إن كان
عين الناقص الواوىّ حلقيّا نحو شأى يشأى ـ أى : سبق ـ ورغا يرغو لم يلزم ضمّ عين مضارعه كما لزم فى الصحيح على ما رأيت
، وذلك لأن مراعاة التناسب فى نفس الكلمة بفتح العين للحلقى ، كما ذكرنا ، مساوية
للاحتراز من التباس الواوى باليائى ، وما عرفت أجوف واويّا حلقى اللام من [باب]
فعل يفعل بفتحهما ، بل الضمّ فى عين المضارع لازم ، نحو ناء ينوء وناح ينوح
__________________
ولنا أن نعلل
لزوم الضم فى عين مضارع نحو قال وغزا ، ولزوم الكسر فى عين مضارع نحو باع ورمى ،
بأنه لما ثبت الفرق بين الواوى واليائى فى مواضى هذه الأفعال أتبعوا المضارعات
إياها في ذلك ، وذلك أن ضم فاء قلت وكسر فاء بعت للتنبيه على الواو والياء ، ونحو
دعوت ودعوا يدل على كون اللام واوا ، ونحو رميت ورميا يدل على كونها ياء ، وأما
نحو خفت تخاف وهبت تهاب وشقى يشقى وروى يروى وطاح يطيح عند الخليل فإن أصله عنده طوح يطوح كحسب يحسب فلما لم يثبت في
مواضى هذه الأفعال فرق بين الواوى واليائى فى موضع من المواضع لم يفرق فى
مضارعاتها
قوله «ومن قال طوّحت وأطوح وتوّهت وأتوه»
اعلم أنهم قالوا :
طوّحت ـ أى : أذهبت وحيرت ـ وطيّحت بمعناه ، وكذا توّهت وتيّهت بمعناهما ، وهو
أطوح منك وأطيح ، وأتوه منك وأتيه ، فمن قال طيّح وتيّه فطاح يطيح وتاه يتيه عنده
قياس كباع يبيع ، ومن قال طوّح وأطوح منك وتوّه وأتوه منك فالصحيح كما حكى سيبويه
عن الخليل أنهما من باب حسب يحسب فلا يكونان أيضا شاذين ومثله آن يئين من الأوان :
أى حان يحين ، ولو كان طاح فعل واو يا كقال
__________________
لوجب أن يقال : طحت ـ بضم الطاء ـ ويطوح ، ولم يسمعا ، وكذا لم يسمع تهت
ويتوه ، وقال المصنف «من قال طوّح وتوّه فطاح يطيح وتاه يتيه شاذان» بناء على أن
الماضى فعل بفتح العين ، ووجه الشذوذ فيه أن الأجوف الواوى من باب فعل المفتوح
العين لا يكون مضارعه إلا مضمومها
وفى بعض نسخ
هذا الكتاب «أو من التداخل» وكأنه ملحق وليس من المصنف ، وإنما وهم من ألحقه نظرا
إلى ما فى الصحاح أنه يقال : طاح يطوح ، فيكون أخذه من طاح يطوح الواوى الماضى ،
ومن طاح يطيح اليائى المضارع فصار طاح يطيح ، والذى ذكره الجوهرى من يطوح ليس
بمسموع ، ولو ثبت طاح يطوح لم يكن طاح يطيح مركبا ، بل كان طاح يطوح كقال يقول وطاح يطيح كباع يبيع ،
وليس ما قال المصنف من الشذوذ بشىء ؛ إذ لو كان
__________________
طاح كقال لقيل طحت كقلت بضم الفاء ، ولم يسمع ، والأولى أن لا تحمل الكلمة
على الشذوذ ما أمكن
قوله «ولم يضمّوا فى المثال» يعنى معتل الفاء الواوى واليائى ، فلم يقولوا وعد يوعد ويسر
ييسر ؛ لأن قياس عين مضارع فعل المفتوح العين على ما تقدم إما الكسر أو الضم ،
فتركوا الضم استثقالا لياء يليها ياء أو واو بعدها ضمة ، إذ فيه اجتماع الثقلاء ،
ألا ترى إلى تخفيف بعضهم واو يوجل وياء ييأس بقلبهما ألفا نحو ياجل وياءس ، وإن
كان بعدهما فتحة وهى أخف الحركات ، فكيف إذا كانت بعدهما ضمة؟
فان قلت : أو
ليس ما فرّوا إليه أيضا ثقيلا ، بدليل حذف واو [نحو] يعد وجوبا وحذف ياء [نحو]
ييسر عند بعضهم ، كما يجىء فى الإعلال؟
قلت : بلى ،
ولكن ويل أهون من ويلين
فان قلت : فاذا
كان منتهى أمرهم إلى الحذف للاستخفاف ، فهلا بنوا بعضه على يفعل أيضا بالضم وحذفوا
حرف العلة حتى تخف الكلمة كما فعلوا ذلك بالمكسور العين؟
قلت : الحكمة
تقتضى إذا لم يكن بد من الثقيل أو أثقل منه أن تختار الثقيل على الأثقل ، ثم تخفف
الثقيل ، لا أن تأخذ الأثقل أولا وتخففه
فان قلت : أو
ليس قد قالوا : يسر ييسر من اليسر ووسم يوسم؟
قلت : إنما
بنوهما على هذا الأثقل إذ لم يكن لفعل المضموم العين مضارع
__________________
إلا مضموم العين ، فكرهوا مخالفة المعتل الفاء لغيره بكسر عين مضارعه ،
بخلاف فعل المفتوح العين ؛ فان قياس مضارعه إما كسر العين أو ضمها على ما تكرر
الاشارة إليه ، فأثر فيه حرف العلة بالزام عين مضارعه الكسر
فان قلت : فلما
ألجئوا فى فعل المضموم العين إلى هذا الأثقل فهلا خففوه بحذف الفاء؟
قلت : تطبيقا
للفظه بالمعنى ، وذلك أن معنى فعل الغريزة الثابتة والطبيعة اللازمة ، فلم يغيروا
اللفظ أيضا عن حاله لما كان مستحقّ التغيير بالحذف فاء الكلمة وهى بعيدة من موضع
التغيير ؛ إذ حق التغيير أن يكون فى آخر الكلمة أو فيما يجاور الآخر ، فلذلك غير
فى طال يطول وسرو يسرو ، وإن كانا من باب فعل أيضا ،
وأما وهب يهب
ووضع يضع ووقع يقع وولغ يلغ فالأصل فيها كسر عين المضارع ، وكذا وسع يسع ووطئ يطأ ؛ فحذف
الواو ، ثم فتح العين لحرف الحلق ، وكذا ودع ـ أى ترك ـ يدع والماضى لا يستعمل إلا
ضرورة ، قال : ـ
__________________
١٥ ـ ليت شعرى عن خليلى ما الّذى
|
|
غاله فى
الحبّ حتّى ودعه
|
وحمل يذر على
يدع لكونه بمعناه ، ولم يستعمل ماضيه لا فى السعة ولا فى الضرورة
__________________
فان قيل : فهلا
حذفت الواو من يوعد مضارع أوعد مع أن الضمة أثقل
قلت : بل الضمة
قبل الواو أخف من الفتحة قبلها للمجانسة التى بينهما
وإنما لم تحذف
الياء من نحو ييئس وييسر إذ هو أخف من الواو ، على أن بعض العرب يجرى الياء مجرى
الواو فى الحذف ، وهو قليل ؛ فيقول : يسر يسر ويئس يئس بحذف الياء
قوله «ووجد يجد ضعيف» هى لغة بنى عامر ، قال لبيد بن ربيعة العامرىّ : ـ
١٦ ـ لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة
|
|
تدع الصّوادى
لا يجدن غليلا
|
__________________
يجوز أن يكون
أيضا في الأصل عندهم مكسور العين كأخواته ، ثم ضم بعد
__________________
حذف الواو ، ويجوز أن يكون ضمّه أصليا حذف منه الواو لكون الكلمة بالضمة
بعد الواو أثقل منها بالكسرة بعدها
قوله «ولزموا الضم فى المضاعف المتعدى» نحو مدّ يمدّ ، وردّ يردّ ، إلا أحرفا جاءت على يفعل
أيضا ، حكى المبرد علّه يعله وهرّه يهرّه : أى كرهه ، وروى غيره نمّ الحديث ينمّه
، وبتّه يبتّه ، وشدّه يشدّه ، وجاء فى بعض اللغات : حبّه يحبّه ، ولم يجىء فى
مضارعه الضم
وما كان لازما
فانه يأتى على يفعل بالكسر ، نحو عفّ يعفّ ، وكلّ يكلّ ـ إلا ما شذ من عضضت تعضّ
على ما ذكرنا ، وحكى يونس أنهم قالوا : كععت ـ أى : جبنت ـ تكعّ بالفتح فيهما وتكعّ بالكسر أشهر ؛ فمن فتح فلأجل حرف الحلق ، قال
سيبويه : لما كان العين فى الأغلب ساكنا بالإدغام لم يؤثر فيه حرف الحلق كما أثر
فى صنع يصنع. ومن فتح فلأنها قد تتحرك فى لغة أهل الحجاز ، نحو : لم يكعع وفى
يكععن اتفاقا كيصنع ويصنعن
قال : «وإن كان
على فعل فتحت عينه أو كسرت إن كان مثالا ، وطيّىء تقول فى باب بقى يبقى : بقى يبقى
، وأمّا فضل يفضل ونعم ينعم فمن التّداخل»
__________________
أقول : اعلم أن
القياس فى مضارع فعل المكسور العين فتحها ، وجاءت أربعة أفعال من غير المثال الواوى ، يجوز
فيها الفتح والكسر ، والفتح أقيس ، وهى حسب يحسب ، ونعم ينعم ، ويئس ييئس ، ويبس
ييبس ، وقد جاءت أفعال من المثال الواوى لم يرد فى مضارعها الفتح ، وهى ورث يرث ،
ووثق يثق ، وومق يمق ، ووفق يفق ، وورم يرم ، وولى يلى ، وجاء كلمتان روى فى
مضارعهما الفتح ، وهما : ورى الزّند يرى ، ووبق يبق ، وإنما بنوا هذه الأفعال على
الكسر ليحصل فيها علة حذف الواو فتسقط ، فتخفّ الكلمة ، وجاء وحر صدره من الغضب ،
ووغر بمعناه ، يحر ويغر ، ويوحر
__________________
ويوغر أكثر ، وجاء ورع يرع بالكسر على الأكثر ، وجاء يورع ، وجاء وسع يسع
ووطىء يطأ ، والأصل الكسر بدليل حذف الواو لكنهم ألزموها بعد حذف الواو فتح عين
المضارع ، وقالوا : جاء وهمت أهم ، والظاهر أن أهم مضارع وهمت ـ بفتح العين ـ ومضارع
وهمت بالكسر أوهم بالفتح ، ويجوز أن يكون وهمت أهم ـ بكسرهما ـ من التداخل ، وجاء
آن يئين من الأوان ، وطاح يطيح ، وتاه يتيه ، كما ذكرنا ، وجاء وله يله ، ويوله
أكثر ، قالوا : وجاء وعم يعم ، بمعنى نعم ينعم ، ومنه عم صباحا ؛ وقيل : هو من
أنعم بحذف النون تشبيها بالواو ، فقوله «أو كسرت إن
كان مثالا» أى : مثالا واو يا ، وليس الكسر بمطرد فى كل مثال واوى أيضا ، فما كان ينبغى له هذا
الاطلاق ، بل ذلك محصور فيما ذكرناه.
قوله «وطىء تقول فى باب بقى يبقى» مضى شرحه
قوله «وأما فضل يفضل ونعم ينعم فمن
التداخل» المشهور فضل يفضل ،
كدخل يدخل ، وحكى ابن السكيت فضل يفضل ، كحذر يحذر ، ففضل يفضل يكون مركبا منهما ؛
وكذا نعم ينعم مركب من نعم ينعم كحذر يحذر وهو المشهور ؛ ونعم ينعم كظرف يظرف ،
وحكى أبو زيد حضر يحضر ؛ والمشهور حضر بالفتح وجاء حرفان من المعتل : دمت تدوم ومتّ تموت ـ بكسر الدال والميم فى
الماضى ـ والمشهور ضمهما كقلت تقول ، وهما مركبان ؛ إذ جاء دمت تدام ومتّ تمات ،
كخفت تخاف ، قال : ـ
__________________
١٧ ـ بنيّتى سيّدة البنات
|
|
عيشى ولا
نأمن أن تماتى
|
وحكى أبو عبيدة
نكل ينكل ، وأنكره الأصمعى ، والمشهور نكل ينكل ، كقتل يقتل ، وحكى نجد ينجد : أى عرق ، ونجد ينجد كحذر يحذر هو المشهور
قال : «وإن كان
على فعل ضمّت»
__________________
أقول : اعلم أن
ضم عين مضارع فعل المضموم العين قياس لا ينكسر ، إلا فى كلمة واحدة ، وهى كدت
بالضم تكاد ، وهو شاذ ؛ والمشهور كدت تكاد كخفت تخاف ، فان كان كدت بالضم كقلت فهو
شاذ أيضا ، لأن فعل يفعل بفتحهما لا بد أن يكون حلقىّ العين أو اللام
قال «وإن كان
غير ذلك كسر ما قبل الآخر ، ما لم يكن أوّل ماضيه تاء زائدة نحو تعلّم وتجاهل فلا
يغيّر ، أو لم تكن اللّام مكرّرة ،
__________________
نحو احمرّ واحمارّ فيدغم ، ومن ثمّ كان أصل مضارع أفعل يؤفعل إلّا أنه رفض
لما يلزم من توالى الهمزتين فى المتكلم فخفّف فى الجميع ، وقوله :
١٨ ـ * فإنّه أهل لأن يؤكرما*
شاذّ ، والأمر
واسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التّفضيل تقدّمت»
__________________
أقول : يعنى
وإن كان الماضى غير الثلاثىّ المجرد كسر ما قبل الآخر ، فى غير ما أوله التاء ؛
لأنه يتغير أوله فيه ، سواء كان رباعيا ، أو ثلاثيا مزيدا فيه ، أو رباعيا كذلك ،
نحو دحرج يدحرج ، وانكسر ينكسر ، واحرنجم يحرنجم ، وإنما كسر ما قبل الآخر فى غير
ما فى أوله التاء لأنه يتغير أوله فى المضارع عما كان عليه فى الماضى : إما بسقوط همزة
الوصل فيما كانت فيه ، وإما بضم الأول ، وذلك فى الرباعى نحو يدحرج [ويدخل] ويقاتل
ويقطّع ، والتغيير مجرّئ على التغيير ، وأما ما فيه تاء فلم يتغير أوله إلا بزيادة
علامة المضارعة التي لا بدّ منها
قوله «أو لم تكن اللام مكررة» كان أولى أن يقول : أو تكن اللام مدغمة ؛ لأن نحو يسحنكك
مكرر اللام ولم يدغم
قوله «ومن ثم» إشارة إلى قوله قبل : «المضارع بزيادة حرف المضارعة على
الماضى» وقد مر فى شرح الكافية فى باب المضارع ما يتعلق بهذا الموضع
__________________
واعلم أن جميع
العرب ، إلا أهل الحجاز ، يجوّزون كسر حرف المضارعة سوى الياء فى الثلاثى المبنى
للفاعل ، إذا كان الماضى على فعل بكسر العين ، فيقولون : أنا إعلم ونحن نعلم وأنت
تعلم ، وكذا فى المثال والأجوف والناقص والمضاعف ، نحو إيجل وإخال وإشقى وإعضّ ،
والكسرة فى همزة إخال وحده أكثر وأفصح من الفتح ، وإنما كسرت حروف المضارعة تنبيها
على كسر عين الماضى ، ولم يكسر الفاء لهذا المعنى ؛ لأن أصله فى المضارع السكون ،
ولم يكسر العين لئلا يلتبس يفعل المفتوح بيفعل المكسور ، فلم يبق إلا كسر حروف
المضارعة ، ولم يكسروا الياء استثقالا ، إلا إذا كان الفاء واوا ، نحو ييجل ،
لاستثقالهم الواو التى بعد الياء المفتوحة وكرهوا قلب الواو ياء من غير كسرة ما
قبلها ؛ فأجازوا الكسر مع الواو فى الياء أيضا لتخف الكلمة بانقلاب الواو ياء ،
فأما إذا لم يكسروا الياء فبعض العرب يقلب الواو ياء ، نحو ييجل ، وبعضهم يقلبه
ألفا لأنه إذا كان القلب بلا علة ظاهرة فإلى الألف التى هى الأخف أولى ، فكسر
الياء لينقلب الواو ياء لغة جميع العرب إلا الحجازيين ، وقلبها ياء بلا كسر الياء
وقلبها ألفا لغة بعضهم فى كل مثال واوى ، وهى قليلة.
وجميع العرب
إلا أهل الحجاز اتفقوا على جواز كسر حرف المضارعة فى أبى ، ياء كان أو غيره ، لأن
كسر أوله شاذ ، إذ هو حق ما عين ماضيه مكسور ، وأبى مفتوح العين ، فجرّ أهم الشذوذ
على شذوذ آخر وهو كسر الياء ، وأيضا فان
__________________
الهمزة الثقيلة يجوز انقلابها مع كسر ما قبلها ياء فيصير ييبى كييجل وإنما ارتكبوا الشذوذ فى جواز كسر أول تأبى ونأبى وآبى
لأن حق ماضيه الكسر لما كان المضارع مفتوح العين ، فكأن عين ماضيه مكسور ، ولا
يمتنع أن يقال : إن أصل ماضيه كان كسر العين لكنه اتفق فيه جميع العرب على لغة
طييء فى فتحه ، ثم جوّز كسر حروف المضارعة دلالة على أصل أبى
وكذا كسروا
حروف المضارعة مع الياء فى حبّ فقالوا : إحبّ نحبّ يحبّ تحبّ ؛ وذلك لأن حبّ يحبّ
كعزّ يعزّ شاذ قليل الاستعمال ، والمشهور أحبّ يحبّ ، وهو أيضا شاذ من حيث إن فعل
إذا كان مضاعفا متعديا فمضارعه مضموم العين ، ويحبّ مكسور العين ، ففيه شذوذان ،
والشذوذ يجرىء على الشذوذ ، فكسروا أوائل مضارعه ياء كان أو غيره وإن لم يكن ماضيه
فعل ، وقال غير سيبويه : إن إحبّ ونحبّ ويحبّ وتحبّ بكسر حروف المضارعة مضارعات
أحبّ ، وشذوذه لكسر المضموم ، كما قالوا فى المغيرة المغيرة ، وكذا المصحف والمطرف فى المصحف والمطرف.
__________________
وكسر [وا] أيضا
غير الياء من حروف المضارعة فيما أوله همزة وصل مكسورة ، نحو أنت تستغفر وتحرنجم ،
تنبيها على كون الماضى مكسور الأوّل ، وهو همزة ثم شبهوا ما فى أوله تاء زائدة من
ذوات الزوائد ، نحو تكلّم وتغافل وتدحرج بباب انفعل ، لكون ذى التاء مطاوعا فى
الأغلب كما أن انفعل كذلك ، فتفعّل وتفاعل وتفعلل مطاوع فعّل وفاعل وفعلل ، فكسروا
غير الياء من حروف مضارعاتها ، فكل ما أول ماضيه همزة وصل مكسورة أو تاء زائدة
يجوز فيه ذلك.
وإنما لم يضموا
حرف المضارعة فيما ماضيه فعل مضموم العين منبّهين به على ضمة عين الماضى لاستثقال
الضمتين لو قالوا مثلا : تظرف
قوله «من توالى همزتين» إنما حذفت ثانية همزتى نحو أو كرم مع أن قياسها أن تقلب
واوا كما فى أويدم على ما يجىء فى باب تخفيف الهمزة لكثرة استعمال مضارع باب
الإفعال فاعتمدوا التخفيف البليغ ، وإن كان على خلاف القياس
قال : «الصّفة
المشبّهة من نحو فرح على فرح غالبا ، وقد جاء معه الضّمّ فى بعضها ، نحو ندس وحذر
وعجل ، وجاءت على سليم وشكس وحرّ وصفر وغيور ، ومن الألوان والعيوب والحلى على
أفعل»
أقول : اعلم أن قياس نعت ما ماضيه على فعل ـ بالكسر ـ من الأدواء
الباطنة كالوجع واللّوى وما يناسب الأدواء من العيوب الباطنة كالنّكد
__________________
والعسر واللّحز ، ونحو ذلك من الهيجانات والخفّة غير حراره الباطن
والامتلاء كالأرج والبطر والأشر والجذل والفرح والقلق والسّلس أن يكون على فعل
وقياس ما كان
من الامتلاء كالسّكر والرّى والغرث والشّبع ، ومن حرارة الباطن كالعطش والجوع والغضب
واللهف والثّكل ـ أن يكون على فعلان
وما كان من
العيوب الظاهرة كالعور والعمى ، ومن الحلى كالسواد والبياض والزّبب والرّسح والجرد
والهضم والصّلع ـ أن يكون على أفعل ، ومؤنثه فعلاء ، وجمعهما
فعل
__________________
فمن ثم قيل فى
عمى القلب عم لكونه باطنا ، وفى عمى العين أعمى ، وقيل : الأقطع والأجذم ، بناء
على قطع وجذم وإن لم يستعملا ، بل المستعمل قطع وجذم ـ على ما لم يسم
فاعله ـ والقياس مقطوع ومجذوم
وقد يدخل أفعل
على فعل قالوا فى وجر ـ أى خاف ـ وهو من العيوب الباطنة ، فالقياس فعل : وجر وأوجر
، ومثله حمق وأحمق ،
وكذا يدخل فعل
على أفعل فى العيوب الظاهرة والحلى ، نحو شعث وأشعث ، وحدب وأحدب وكدر وأكدر ، وقعس وأقعس وكذا
__________________
يدحل أيضا فعل على فعلان فى الامتلاء وحرارة الباطن ، كصد وصديان وعطش وعطشان
ويدخل أيضا
أفعل على فعلان فى المعنى المذكور ، كأهيم وهيمان ، وأشيم وشيمان
وقد ينوب فعلان عن فعل ، كغضبان ، والقياس غضب ؛ إذ الغضب هيجان
،
__________________
وإنما كان كذلك ؛ لأن الغضب يلزمه فى الأغلب حرارة الباطن ، وقالوا : عجل
وعجلان ، فعجل باعتبار الطيش والخفة ، وعجلان باعتبار حرارة الباطن
والمقصود أن
الثلاثة المذكورة إذا تقاربت فقد تشترك وقد تتناوب
وقالوا : قدح قربان إذا قارب الامتلاء : ونصفان إذا امتلأ إلى النصف
، وإن لم يستعمل قرب ونصف ، بل قارب وناصف ؛ حملا على المعنى : أى امتلأ.
ويجىء فعيل
فيما حقه فعل ؛ كسقيم ومريض ، وحمل سليم على مريض ، والقياس سالم
ومجىء فعيل فى
المضاعف والمنقوص اليائى أكثر كالطّبيب واللّبيب والخسيس والتّقىّ والشّقىّ ،
وقد جاء فاعل
فى معنى الصفة المشبهة ـ أى : مطلق الاتصاف بالمشتق
__________________
منه من غير معنى الحدوث ـ فى هذا الباب وفى غيره ، وإن كان أصل فاعل الحدوث
، وذلك كخاشن وساخط وجائع
ويعنى بالحلى
الخلق الظاهرة كالزّبب والغمم فيعم الألوان والعيوب قال : «ومن نحو كرم على كريم
غالبا ، وجاءت على خشن وحسن وصعب وصلب وجبان وشجاع ووقور وجنب»
أقول : الغالب
فى باب فعل فعيل ، ويجىء فعال ـ بضم الفاء وتخفيف العين ـ مبالغة فعيل فى هذا
الباب كثيرا ، لكنه غير مطرد ، نحو طويل وطوال ، وشجيع وشجاع ، ويقل فى غير هذا
الباب كعجيب وعجاب ؛ فان شدّدت العين كان أبلغ كطوّال ، ويجىء على فعل كخشن ، وعلى
أفعل كأخشن وخشناء ، وعلى فاعل كعاقر
قال : «وهى من
فعل قليلة وقد جاء نحو حريص وأشيب وضيّق وتجيء من الجميع بمعنى الجوع والعطش
وضدّهما على فعلان نحو جوعان وشبعان وعطشان وريّان»
أقول : إنما
يكثر الصفة المشبهة فى فعل لأنه غالب فى الأدواء الباطنة والعيوب الظاهرة والحلى ،
والثلاثة لازمة فى الأغلب لصاحبها ، والصفة المشبهة كما مر فى شرح
__________________
الكافية لازمة ، وظاهرها الاستمرار ، وكذا فعل للغرائز ، وهى غير متعدية
ومستمرة ، وأما فعل فليس الأغلب فيه الفعل اللازم ، وما جاء منه لازما أيضا ليس
بمستمر ، كالدخول والخروج ، والقيام والقعود ، وأشيب نادر ، وكذا أميل من مال يميل
، وحكى غير سيبويه ميل يميل كجيد يجيد فهو أجيد ، وفيعل لا يكون إلا فى الأجوف ، كالسّيّد والميّت
والجيّد والبيّن ، وفيعل ـ بفتح العين ـ لا يكون إلا فى الصحيح العين ، اسما كان
أو صفة ، كالشيّلم والغيلم والنّيرب والصّيرف وقد جاء حرف واحد فى المعتل بالفتح ، قال :
__________________
١٩ ـ * ما بال عيني كالشّعيب العيّن *
__________________
وهو ما فيه عيب
وخرق من الأسقية ، وقد يخفف نحو سيّد بحذف الثانى وذلك مطرد الجواز ، كما يجىء فى باب الاعلال
قوله «وتجىء من الجميع» أى : من فعل ، وإنما قال هذا ليدخل فيه نحو جاع يجوع وناع
ينوع ، وما يجىء من غير باب فعل ـ بكسر العين ـ بمعنى الجوع والعطش قليل ، وهو
محمول على باب فعل ، كما حمل ملأن وقربان عليه ، على مامر
قال : «المصدر
: أبنية الثّلاثىّ المجرّد منه كثيرة ، نحو قتل وفسق وشغل ورحمة ونشدة وكدرة ودعوى
وذكرى وبشرى وليّان وحرمان وغفران ونزوان وطلب وخنق وصغر وهدى وغلبة وسرقة وذهاب
وصراف وسؤال وزهادة ودراية وبغاية ودخول ووجيف وقبول وصهوبة ومدخل ومرجع ومسعاة
ومحمدة وكراهية إلّا أنّ الغالب فى فعل اللّازم نحو ركع ، على ركوع ؛ وفى المتعدّى
، نحو ضرب ، على ضرب ، وفى الصّنائع ونحوها نحو كتب على كتابة ، وفى الاضطراب نحو
خفق ، على خفقان ، وفى الأصوات نحو صرخ ، على صراخ ، وقال الفرّاء : إذا جاءك فعل
ممّا لم يسمع مصدره
__________________
فاجعله فعلا للحجاز وفعولا لنجد ، ونحو هدى وقرى مختصّ بالمنقوص ، ونحو طلب
مختصّ بيفعل ، إلّا جلب الجرح والغلب»
أقول قوله
«ورحمة ونشدة»
ليس الأول
للمرة ولا الثانى للهيئة وإن وافقتا فى الوزن ما يصاغ لهما
والتى ذكرها
المصنف من أوزان مصادر الثلاثى هى الكثيرة الغالبة ، وقد جاء غير ذلك أيضا كالفعلل
نحو السّودد ، والفعلوت نحو الجبروت والتّفعل نحو التّدرأ والفيعلولة كالكينونة ، وأصلها كيّنونة ؛ والفعلولة كالشّيخوخة
__________________
والصّيرورة والفعلنية كالبلهنية ، والفعيلة كالشّبيبة والفضيحة ، والفاعولة
كالضّارورة بمعنى الضرر ، والتّفعلة كالتّهلكة ، والمفاعلة كالمسائية ، وأصلها مساوئة فقلب ، والفعلّة والفعلّى كالغلبّة والغلبىّ وغير ذلك
قوله «الغالب فى فعل اللازم على فعول»
ليس على إطلاقه ،
بل إذا لم يكن للمعانى التى نذكرها بعد من الأصوات والأدواء والاضطراب ؛ فالأولى
بنا أولا أن لا نعين الأبواب من فعل وفعل وفعل ، ولا المتعدى واللازم ، بل نقول :
الغالب فى
الحرف وشبهها من أى باب كانت الفعالة بالكسر ، كالصّياغة ، والحياكة ، والخياطة ،
والتجارة ، والإمارة ، وفتحوا الأول جوازا فى بعض ذلك ، كالوكالة والدّلالة
والولاية
والغالب فى
الشّراد والهياج وشبهه الفعال كالفرار والشّماس والنّكاح ،
__________________
والضّراب ، والوداق ، والطّماح ، والحران شبه الشّماس والشّراد والجماح والجامع امتناعه مما يراد منه
ويجىء فعال
بالكسر فى الأصوات أيضا لكن أقل من مجىء فعال بالضم وفعيل فيها ، وذلك كالزّمار
والعرار
والفعال قياس
من غير المصادر فى وقت حينونة الحدث ؛ كالقطاف والصّرام والجداد والحصاد والرّفاع ، ويشاركه فعال بالفتح
والفعال بالكسر
غالب فى السّمات أيضا كالعلاط والعراض لوسم على العنق ، والجناب على الجنب ، والكشاح على
الكشح
والغالب فى
مصدر الأدواء من غير باب فعل المكسور العين الفعال ، كالسّعال
__________________
والدّوار ، والعطاس ، والصّداع ، ويشاركه فى لفظ السّواف فعال بالفتح ؛ لاستثقال الضم قبل الواو.
والغالب فى
الأصوات أيضا الفعال بالضم ، كالصّراخ والبغام والعواء ويشاركه فى الغواث فعال بالفتح ؛ ويأتى فيها كثيرا فعيل أيضا ، كالضّجيج
والنّئيم والنّهيت وقد يشتركان ، كالنّهيق والنّهاق ، والنّبيح والنّباح ؛
ويجىء فعال من
غير المصادر بمعنى المفعول ، كالدّقاق ، والحطام ، والفتات ، والرّفات .
والفعالة للشيء
القليل المفصول من الشىء الكثير ، كالقلامة ، والقراضة ، والنّقاوة ، والنّفاية
__________________
والقياس المطرد
فى مصدر التنقل والتقلب الفعلان ، كالنّزوان ، والنّقزان ، والعسلان والرّتكان ؛ وربما جاء فيه الفعال ، كالنّزاء والقماص ، والشّنأن شاذ ، لأنه ليس باضطراب.
والأغلب فى
الألوان الفعلة ، كالشّهبة والكدرة ،
وفى الأدواء من
باب فعل المكسور العين الفعل ، كالورم ، والمرض والوجع.
وبعض الأوزان
المذكورة ليس بمصدر.
تم نقول :
الأغلب الأكثر فى غير المعانى المذكورة أن يكون المتعدى على فعل ؛ من أى باب كان ،
نحو قتل قتلا ، وضرب ضربا ، وحمد حمدا ، وفعل اللازم على فعول ، نحو دخل دخولا ،
وأمّا فعل اللازم ففعل بالفتح ، كترب تربا ، وفعل ـ وهو لازم لا غير ـ فعالة فى الأغلب ، نحو
كرم كرامة ، كما يجىء
__________________
قوله «قال الفراء : إذا جاءك فعل مما لم
يسمع مصدره»
يعنى قياس أهل
نجد أن يقولوا فى مصدر ما لم يسمع مصدره من فعل المفتوح العين : فعول ، متعديا كان
أو لازما ، وقياس الحجازيين فيه فعل ، متعديا كان أولا ، هذا قوله ، والمشهور ما
قدمنا ، وهو أن مصدر المتعدى فعل مطلقا ، إذا لم يسمع ، وأما مصدر اللازم ففعول من
فعل المفتوح العين وفعل من فعل المكسور وفعالة من فعل ، لأنه الأغلب فى السماع
فيردّ غير المسموع إلى الغالب
قوله «ونحو هدى وقرى» قالوا : ليس فى المصادر ما هو على فعل إلا الهدى والسّرى ،
ولندرته فى المصدر يؤنثهما بنو أسد على توهم أنهما جمع هدية وسرية ، وإن لم تسمعا
؛ لكثرة فعل فى جمع فعلة ، وأما تقى فقال الزجاج : هو فعل والتاء بدل من الواو كما
فى تقوى ، وقال المبرد : وزنة تعل والفاء محذوف كما يحذف فى الفعل ، فيقال فى اتّقى
يتّقى : تقى يتقى على ما يجىء فى آخر
__________________
الكتاب ، ولم يجىء فعل فى مصدر فعل المفتوح عينه إلا فى المنقوص ، نحو
الشّرى ، والقرى ، والقلى ، وهو أيضا قليل.
قوله «ونحو طلب مختص بيفعل» يعنى لم يجىء في باب فعل المفتوح مصدر على فعل المفتوح العين
إلا ومضارعه يفعل بالضم سوى حرفين : جلب الجرح جلبا : أى أخذ فى الالتئام ،
والمضارع من جلب الجرح يجلب ويجلب معا ، وليس مختصا بيفعل بالضم ، وأما الغلب فهو
من باب غلب يغلب ، قال الله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ
غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) قال الفراء : يجوز أن يكون فى الأصل من بعد غلبتهم
بالتاء ؛ فحذف التاء ، كما فى قوله : ـ
٢٠ ـ إنّ الخليط أجدّوا البين
فانجردوا
|
|
و أخلفوك عد
الأمر الّذى وعدوا
|
أى : عدة الأمر
__________________
وأما فعلان
فنادر ، نحو لوى ليّانا ، قال بعضهم : أصله الكسر ففتح للاستثقال ، وقد ذكره
أبو زيد بكسر اللام ، وجاء أيضا شنآن بالسكون ، وقرىء فى التنزيل بهما.
ولم يأت الفعول
ـ بفتح الفاء ـ مصدر إلا خمسة أحرف : توضأت وضوءا
__________________
وتطهرت طهورا ، وولعت ولوعا ، ووقدت النار وقودا ، وقبل قبولا ، كما حكى
سيبويه
قال : «وفعل
اللّازم نحو فرح على فرح ، والمتعدّى نحو جهل على جهل ، وفى الألوان والعيوب نحو
سمر وأدم على سمرة وأدمة ، وفعل نحو كرم على كرامة غالبا ، وعظم وكرم كثيرا»
أقول :
قوله «وفى الألوان والعيوب» هذا الذى ذكره هو الغالب فى الألوان ، وإن كانت من فعل بضم العين أيضا ، وقد
جاء شىء منها على فعل كالصّدأ والعيس ، وأما العيسة ـ بكسر العين ـ فأصلها الضم ، كسرت
__________________
للياء ، وقد جاءت الصّهوبة والكدورة ، قال سيبويه : قالوا : البياض والسّواد
تشبيها بالصّباح والمساء لأنهما لونان مثلهما
وأما مجىء
العيوب على فعلة ـ بالضم ـ فقليل ، كالأدرة والنّفخة ، وقد جاء الفعلة والفعلة لموضع الفعل فى الأعضاء كثيرا
، كالقطعة والقطعة لموضع القطع ، وكذا الجذمة والجذمة ، والصّلعة والصّلعة
، والنزعة والنّزعة ويكون الفعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ للفضلة أيضا ،
كالقلفة ، والغرلة
__________________
ويجىء الفعل
للمفعول ، كالذّبح والسّفر والزّبر
ويجىء الفعل ـ بفتح
الفاء والعين ـ له أيضا ، كالخبط للمخبوط ، والنّفض للمنفوض ،
وجاء فعلة :
بسكون العين كثيرا بمعنى المفعول كالسّبّة والضّحكة واللعنة ، وبفتح العين للفاعل
، وكلتاهما للمبالغة
ويجىء المفعلة
لسبب الفعل ، كقوله عليه الصلاة والسّلام «الولد مبخلة مجبنة محزنة».
وبجىء الفعول
لما يفعل به الشىء كالوجور لما يوجر [به] ، وكذا النقوع والقيوء
__________________
قوله «وفعل نحو كرم على كرامة غالبا» فعالة فى مصدر فعل أغلب من غيره ، وقيل : الأغلب فيه
ثلاثة : فعال كجمال ، وفعالة ككرامة ، وفعل كحسن ، والباقى يحفظ حفظا.
قال : «والمزيد
فيه والرّباعىّ قياس ، فنحو أكرم على إكرام ، ونحو كرّم على تكريم وتكرمة ، وجاء
كذاب وكذّاب ، والتزموا الحذف والتّعويض فى نحو تعزية وإجازة واستجازة ، ونحو ضارب
على مضاربة وضراب ، ومرّاء شاذّ وجاء قيتال ، ونحو تكرّم على تكرّم ، وجاء تملّاق.
والباقى واضح»
أقول : يعنى
بقياس المصادر المنشعبة ما مر فى شرح الكافية ، من كسر أول الماضى وزيادة ألف قبل
الآخر ؛ فيكون للجميع قياس واحد.
وذكر المصنف
منها ههنا ما جاء غير قياسى ، أو جرى فيه تغيير ، وترك الباقى وذكر أفعل أولا ،
وإن كان مصدره قياسيا ، تنبيها به على كيفية القياس ، وخصه بالذكر إذ هو أول
الأبواب المنشبعة ، على ما يذكر فى كتاب المصادر ، وأيضا إنما ذكره لما فى مصدره
تغيير فى الأجوف ، نحو إقامة ، والظاهر أنه أراد بالقياس القياس المختص بكل باب ؛
فان لكل باب قياسا خاصا لا يشاركه فيه غيره ، كما مر فى شرح الكافية
__________________
قوله «تكريم وتكرمة» تفعيل فى غير الناقص مطرد قياسى ، وتفعلة كثيرة ، لكنها
مسموعة ، وكذا فى المهموز اللام ، نحو تخطيئا وتخطئة ، وتهنيئا وتهنئة ، هذا عن
أبى زيد وسائر النحاة ، وظاهر كلام سيبويه أن تفعلة لازم فى المهموز اللام كما فى
الناقص ، فلا يقال تخطيئا وتهنيئا ، وهذا كما ألحق أرأيت بأقمت ، وأما إذا كان لام الكلمة حرف علة فانه على تفعلة لا
غير ، وذلك
__________________
بحذف الياء الأولى وإبدال الهاء منها ؛ لاستثقال الياء المشددة ، وقد جاء
التشديد فى الضرورة كما فى قوله : ـ
٢١ ـ فهى تنزّى دلوها تنزيّا
|
|
كما تنزّى
شهلة صبيّا
|
وإنما قلنا «إن
المحذوف ياء التفعيل» قياسا على تكرمة ؛ لأنه لم يحذف فيها شيء من الأصول ، ولأنها
مدّة لا تتحرك ؛ فلما رأينا الياء فى نحو تعزية متحركة عرفنا أن المحذوف هو المدة
، فلو حذفت الثانية لزم تحريك المدة لأجل تاء التأنيث وأما إجازة واستجازة فأصلهما
إجواز واستجواز أعلّ المصدر باعلال الفعل كما يجىء فى باب الإعلال ، فقلبت العين
ألفا ، فاجتمع ألفان ، فحذفت الثانية عند الخليل وسيبويه ، قياسا على حذف مدة نحو
تعزية ، ولكونها زائدة ، وحذفت الأولى عند الأخفش والفراء ؛ لأن الأول يحذف
للساكنين إذا كان مدا ، كما فى قل وبع ، ويجىء احتجاجهم فى باب الإعلال في نحو
مقول ومبيع ، وأجاز سيبويه عدم الإبدال أيضا ، نحو أقام إقاما واستجاز استجازا ،
استدلالا بقوله تعالى (وَأَقامَ الصَّلاةَ) وخص الفراء ذلك بحال الإضافة ؛ ليكون المضاف إليه قائما
مقام الهاء ، وهو أولى ؛ لأن السماع لم يثبت إلا مع الإضافة ، ولم يجوّز سيبويه
حذف التاء من نحو التّعزية على حال ، كما جوز فى (إقام الصلاة) إذ لم يسمع.
قوله «وجاء كذّاب» هذا وإن لم يكن مطردا كالتّفعيل لكنه هو القياس كما مر فى
شرح الكافية ، قال سيبويه : أصل تفعيل فعّال ، جعلوا التاء
__________________
فى أوله عوضا من الحرف الزائد ، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال ؛ فغيروا
آخره كما غيروا أوله ، فان التغيير مجرىء على التغيير.
ولم يجىء فعّال
فى غير المصدر إلا مبدلا من أول مضعّفه ياء نحو قيراط ودينار وديوان.
وأما المصدر
فانه لم يبدل فيه ليكون كالفعل
وفعّال فى مصدر
فعّل ، وفيعال وفعال فى فاعل ، وتفعّال فى تفعل ؛ وإن كانت قياسا لكنها صارت
مسموعة لا يقاس على ما جاء منها ، ولا يجىء فعال فيما فاؤه ياء للاستثقال ، فلا
يقال يسار فى ياسر ، وفعال فى فاعل مقصور فيعال ، والياء فى مكان ألف فاعل
وأما كذاب ـ بالتخفيف
ـ فى مصدر كذّب فلم أسمع به ، والأولى أن يقال فى قوله تعالى : (وكذبوا بآياتنا
كذابا) فى قراءة التخفيف : إنه مصدر كاذب أقيم مقام مصدر كذّب ، كما فى قوله تعالى
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ
تَبْتِيلاً)
قوله «ومرّاء شاذ» يعنى بالتشديد ، والقياس مراء بالتخفيف ، وإنما
__________________
زادوا فى المصادر على الأفعال شيئا لأن الأسماء أخف من الأفعال ، وأحمل
للأثقال.
قال : «ونحو
التّرداد والتّجوال والحثّيثى والرّمّيّا للتّكثير»
أقول : يعنى
أنك إذا قصدت المبالغة فى مصدر الثلاثى بنيته على التّفعال ، وهذا قول سيبويه ،
كالتّهذار فى الهذر الكثير ، والتّلعاب والتّرداد ، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد ،
وقال الكوفيون : إن التّفعال أصله التّفعيل الذى يفيد التكثير ، قلبت ياؤه ألفا
فأصل التكرار التّكرير ، ويرجّح قول سيبويه بأنهم قالوا التّلعاب ، ولم يجىء
التلعيب ، ولهم أن يقولوا : إن ذلك مما رفض أصله ، قال سيبويه : وأما التّبيان
فليس ببناء مبالغة ، وإلا انفتح تاؤه ، بل هو اسم أقيم مقام مصدر بيّن ، كما أقيم
غارة وهى اسم مقام إغارة فى قولهم : أغرت غارة ، ونبات موضع إنبات ، وعطاء موضع
إعطاء ، فى قولهم : أنبت نباتا ، وأعطى عطاء
قالوا : ولم
يجىء تفعال ـ بكسر التاء ـ إلا ستة عشر اسما : اثنان بمعنى المصدر ، وهما التّبيان
والتّلقاء ، ويقال : مرّتهواء من الليل : أى قطعة ، وتبراك وتعشار وترباع : مواضع
، وتمساح معروف ، والرجل الكذّاب أيضا ، وتلفاق : ثوبان يلفقان ، وتلقام : سريع
اللقم ، وتمثال وتجفاف معروفان ، وتمراد : بيت الحمام ، وأتت الناقة على تضرابها ، وتلعاب : كثير
__________________
اللعب ، وتقصار : للمخنقة ، وتنبال : للقصير
وأما الفعّيلى
فليس أيضا قياسيا ، فالحثّيثي والرّمّيّا والحجّيزى مبالغة التّحاثّ والترامى
والتحاجز : أى لا يكون من واحد ، وقد يجىء منه ما يكون مبالغه لمصدر الثلاثى
كالدّلّيلى والنّمّيمي والهجّيرى والخلّيفى : أى كثرة الدلالة ، والنميمة ، والهجر
: أى الهذر ، والخلافة ، وأجاز بعضهم المد فى جميع ذلك ، والأولى المنع ، وقد حكى
الكسائى خصّيصاء بالمد ، وأنكره الفراء
قال : «ويجىء
المصدر من الثّلاثىّ المجرّد أيضا على مفعل قياسا مطّردا كمقتل ومضرب ، وأمّا مكرم
ومعون ، ولا غيرهما ، فنادران حتّى جعلهما الفرّاء جمعا لمكرمة ومعونة ، ومن غيره
على زنة المفعول كمخرج ومستخرج ، وكذا الباقى ، وأمّا ما جاء على مفعول كالميسور
والمعسور والمجلود والمفتون فقليل ، وفاعلة كالعافية والعاقبة والباقية والكاذبة
أقلّ»
أقول : قال
سيبويه : لم يجىء فى كلام العرب مفعل ، يعنى لا مفردا ولا جمعا ، قال السيرافى :
فقوله : ـ
٢٢ ـ بثين ، الزمى «لا» إنّ «لا» إن
لزمته
|
|
على كثرة
الواشين أىّ معون
|
__________________
أصله معونة ،
فحذفت التاء للضرورة ، وكذا قوله : ـ
٢٣ ـ * ليوم روع أو فعال مكرم *
وذهب الفراء
إلى أنهما جمعان ، على ما هو مذهبه فى نحو تمر وتفّاح ، فيجيز مكرما ومعونا فى غير الضرورة
، فعند الفراء يجىء مفعل جمعا ، وقد جاء مهلك بمعنى الهلك ، ومألك ، وله أن يدعى
فيهما أنهما جمعا مهلكة ومألكة ،
__________________
وجاء فى بعض القراءات (فنظرة إلى ميسره)
قوله «قياسا مطردا» ليس على إطلاقه ؛ لأن المثال الواوى منه بكسر العين كالموعد
والموجل ، مصدرا كان أو زمانا أو مكانا ، على ما ذكر سيبويه ، بلى إن كان المثال معتل
اللام كان بفتح العين كالمولى ، مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه عن يونس : إن ناسا
من العرب يقولون من يوجل ونحوه موجل وموحل بالفتح مصدرا كان أو غيره ، قال سيبويه
: إنما قال الأكثرون موجل بالكسر لأنهم ربما غيروه فى يوجل ويوحل ، فقالوا : ييجل
، وياجل ، فلما أعلوه بالقلب شبهوه بواو يؤعد المعل بالحذف ، فكما قالوا هناك موعد
قالوا ههنا موجل ، ومن قال الموجل بالفتح فكأنهم الذين يقولون : يوجل ، فيسلمونه ،
والأسماء المتصلة بالأفعال تابعة لها فى الإعلال ، وإنما قالوا مودّة بالفتح
اتفاقا لسلامة الواو فى الفعل اتفاقا
وقد يجىء فى
الناقص المفعل مصدرا بشرط التاء كالمعصية والمحمية
__________________
وجاء فى الأجوف
المعيشة ، قال سيبويه فى (حتى مطلع الفجر) بالكسر : أى طلوعه ، ويجوز أن يقال : إنه اسم زمان : أى وقت طلوعه
__________________
وقد جاء بالفتح
والكسر محمدة ومذمّة ومعجز ومعجزة ومظلمة ومعتبة ومحسبة وعلق مضنّة وبالضم والكسر المعذرة ، وبالفتح والضم الميسرة
__________________
وجاء بالتثليب
مهلك ومهلكة ومقدرة ومأدبة
وجاء بالكسر
وحده المكبر والميسر والمحيض والمقيل والمرجع والمجيء والمبيت والمشيب والمعيب
والمزيد والمصير والمسير والمعرفة والمغفرة والمعذرة والمأوية والمعصية والمعيشة
__________________
فذو التاء
المفتوح العين شاذ من جهة ، وكذا المكسور العين أو المضمومها بلا تاء ، وأما
المكسورها أو المضمومها مع التاء فشاذ من وجهين
قوله «ومن غيره» أى : من غير الثلاثى المجرد فيصلح للمصدر والمفعول والزمان
والمكان كالمدحرج والمقاتل والمحرنجم كما يجىء
الميسور :
اليسر ، والمعسور : العسر ، والمجلود : الجلد : أى الصبر ، والمفتون :
الفتنة ، قال
الله تعالى : (بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ) أى : الفتنة ، على قول ، وخالف
__________________
سيبويه غيره فى مجىء المصدر على وزن المفعول ، وجعل الميسور والمعسور صفة
للزمان : أى الزمان الذى يوسر فيه ويعسر فيه ، على حذف الجار ، كقولهم : المحصول :
أى المحصول عليه ، وكذا قال فى المرفوع والموضوع ، وهما نوعان من السير ، قال : هو
السير الذى ترفعه الفرس وتضعه : أى تقويه وتضعفه ، وكذا جعل المعقول بمعنى المحبوس
المشدود : أى العقل المشدود المقوى ، وجعل الباء فى (بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ) زيادة ، وقيل : بأيكم الجنى ، وهو المفتون ، والمجلود :
الصبر الذى يجلد فيه : أى يستعمل الجلادة ، وأما المكروهة فالظاهر أنها ليست مصدرا
، بل هو الشىء المكروه ، والهاء دليل الاسمية ، وكذا المصدوقة : يقال : بيّن لى
مصدوقة حاله : أى حقيقتها ، من قولهم : صدقنى سنّ بكره : أى بيّن حاله التى صدقنيها.
قوله «وفاعلة كالعافية» تقول : عافانى الله معافاة وعافية ، وأما العاقبة فالظاهر
أنه اسم فاعل لأنه بمعنى الآخر ، يقال : عقب الشىء [الشىء] أى : خلفه ، والهاء
دليل الاسمية ، أو يقال : إنها صفة النهاية فى الأصل ، وأما
__________________
الباقية فى قوله تعالى (فَهَلْ تَرى لَهُمْ
مِنْ باقِيَةٍ) فقيل : بمعنى بقاء ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس باقية ،
أو شىء باق ، والهاء للاسمية ، وكذا الفاضلة بمعنى الشىء الفاضل ، والهاء للاسمية
، أو العطية الفاضلة ، والكاذبة في قوله تعالى (لَيْسَ لِوَقْعَتِها
كاذِبَةٌ) قيل : بمعنى الكذب ، ويجوز أن يكون بمعنى نفس كاذبة : أى
تكون النفوس فى ذلك الوقت مؤمنة صادقة ، والدالّة : الدلال والغنج ، هذا كله مع
التاء ، قيل : وقد يوضع اسم الفاعل مقام المصدر ، نحو قم قائما : أى قياما ، كما
يوضع المصدر مقام اسم الفاعل ، نحو رجل عدل وصوم ، ويجوز أن يكون قائما حالا مؤكدة
، وكذا فى قوله : ـ
٢٤ ـ * كفى بالنّأى من أسماء كاف *
أى : كافيا ،
كقوله : ـ
__________________
٢٥ ـ * فلو أنّ واش باليمامة داره *
فكما أن اسم
المفعول فى قوله تعالى : (وَالنُّجُومَ
مُسَخَّراتٍ) بنصبهما حال مؤكدة ، لا بمعنى المصدر ، فكذا اسم الفاعل
فيما نحن فيه. وقوله : ـ
٢٦ ـ ألم ترنى عاهدت ربّى وإننى
|
|
لبين رتاج
قائم ومقام
|
على حلفة لا
أشتم الدّهر مسلما
|
|
ولا خارجا من
فىّ زور كلام
|
قال سيبويه :
معناه لا أشتم شتما ولا يخرج خروجا ، وقال عيسى بن عمر :
هو حال معطوف
على الحال الذى هو «لا أشتم» أى غير شاتم ولا خارج ، كقوله تعالى : (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) ولم يذكر ما عاهد الله عليه لدلالة الكلام ؛ لأنه كجواب
القسم يحذف مع القرينة ، وعند سيبويه «لا أشتم» جواب «عاهدت»
قال : «ونحو
دحرج على دحرجة ودحراج بالكسر ؛ ونحو زلزل على زلزال بالفتح والكسر»
__________________
أقول : قال
سيبويه : الهاء فى دحرجة عوض من الألف الذى هو قياس مصادر غير الثلاثى المجرد قبل
الآخر ، والفعللة هو المطرد دون الفعلال ، لا يقال : برقش برقاشا ، وكذا الفعلال مسموع فى الملحق بدحرج غير مطرد
، نحو حيقال ، وكذا فى المضاعف ، ولا يجوز فى غير المضاعف فتح أول فعلال ؛ وإنما
جاز ذلك فى المضاعف ـ كالقلقال والزّلزال والخلخال ـ قصدا للتخفيف ؛ لثقل التضعيف
ومصادر ما زيد
فيه من الرباعى نحو تدحرج واحرنجام واقشعرار ، وأما اقشعرّ قشعريرة واطمأن طمأنينة
فالمنصوبان فيهما اسمان واقعان مقام المصدر ، كما فى أنبت نباتا وأعطى عطاء.
قال : «والمرّة
من الثّلاثىّ المجرّد الّذى لا تاء فيه على فعلة ، نحو ضربة وقتلة ، وبكسر الفاء
للنّوع ، نحو ضربة وقتلة ، وما عداه على المصدر المستعمل ، نحو إناخة ، فإن لم تكن
تاء زدتها ، ونحو أتيته إتيانة ولقيته لقاءة شادّ»
أقول : اعلم أن
بناء المرة إما أن يكون من الثلاثى المجرد أو غيره ، والثلاثى المجرد إما مجرد عن
التاء أولا
__________________
فالمجرد عنها
تجعله على فعلة بفتح الفاء وحذف الزوائد إن كانت فيه ، نحو خرجت خرجة ودخلت دخلة
وذو التاء
تبقيه على حاله ، نحو دريت دراية ونشدت نشدة ، ولا تقول درية ونشدة ، كذا قال المصنف ؛ ولم
أعثر فى مصنف على ما قاله ، بل أطلق المصنفون أن المرة من الثلاثى المجرد على فعلة
، قال سيبويه : إذا أردت الوحدة من الفعل جئت بها أبدا على فعلة على الأصل ؛ لأن
أصل المصادر فعل ، هذا قوله ؛ والذى أرى أنك ترد ذا التاء أيضا من الثلاثى إلى
فعلة ؛ فتقول : نشدت نشدة بفتح النون
وغير الثلاثى
المجرد تخلّيه على حاله ، سواء كان رباعيا كد حرجة أو ذا زيادة كانطلاق وإخراج
وتدحرج ، فان لم تكن فيه التاء زدتها ، نحو أكرمته إكرامة ، وإن كانت فيه تاء
خليتها ، نحو عزّيته تعزية : أى واحدة ، والأكثر الوصف فى مثله بالواحدة لرفع
اللبس ؛ نحو عزّيته تعزية واحدة ، ولو قلنا بحذف تلك التاء والمجىء بتاء الوحدة
فلا بأس
واستدل سيبويه
على أن أصل مصادر جميع الثلاثى متعديا كان أو لازما فعل بيناء الوحدة ، قال : لا
شك أن الجنس من نحو تمرة وتفّاحة بحذف التاء ، فكان القياس أن يكون الجنس فى نحو
خرجة ودخلة كذلك أيضا ، ونعنى بالجنس المصدر المطلق ، نحو خرج ودخل ؛ إلا أنهم
تصرفوا فى مصادر الثلاثى بزيادة الحروف وتغيير التركيب لخفته ، دون الرباعى وذى
الزيادة
ثم اعلم أنه إن
جاء للرباعى وذى الزيادة مصدران أحدهما أشهر فالوحدة على
__________________
ذلك الأشهر دون الغريب ، تقول : دحرج دحرجة واحدة ، ولا تقول دحراجة ، وكذا
لا تقول قاتلت قتالة ، ولا كذبت كذّابة
وقد شذ فى
الثلاثى حرفان لم تحذف منهما الزوائد ولم يردّا إلى بناء فعلة ، بل ألحق بهما
التاء كما هما ، وهما إتيانة ولقاءة ، ويجوز أتية ولقية على القياس ، قال أبو
الطيب :
٢٧ ـ لقيت بدرب القلّة الفجر لقية
|
|
شفت كمدى
واللّيل فيه قتيل
|
قوله «وما عداه» أى : ما عدا الثلاثى المجرد الخالى من التاء ، وهو ثلاثة
:
الرباعى ، وذو
الزيادة ، والثلاثى ذو التاء ، على ما ذهب إليه المصنف
قوله «فان لم تكن تاء» أى : فيما عداه
وقوله «وبكسر الفاء للنوع نحو ضربة» أى : ضربا موصوفا بصفة ، وتلك الصفة إما أن تذكر نحو «حسن
الرّكبة» و «سييء الميتة» و «جلست جلسة حسنة» أو تكون معلومة بقرينة الحال ، كقوله
: ـ
٢٨ ـ ها إنّ تاعذرة إن لم تكن نفعت
|
|
فإنّ صاحبها
قد تاه فى البلد
|
__________________
أى عذر بليغ : وقد لا تكون الفعلة مرة والفعلة نوعا كالرّحمة والنّشدة
قال «أسماء
الزّمان والمكان ممّا مضارعه مفتوح العين أو مضمومها ومن المنقوص على مفعل ، نحو
مشرب ومقتل ومرمى ، ومن مكسورها والمثال على مفعل ، نحو مضرب وموعد ، وجاء المنسك
والمجزر والمنبت والمطلع والمشرق والمغرب والمفرق والمسقط والمسكن والمرفق والمسجد
والمنخر ، وأمّا منخر ففرع كمنتن ولا غيرهما ، ونحو المظنّة والمقبرة فتحا وضمّا
ليس بقياس ، وما عداه فعلى لفظ المفعول»
أقول : اعلم
أنهم [كأنهم] [كانوا] بنوا الزمان والمكان على المضارع ، فكسروا العين فيما مضارعه
مكسور العين ، وفتحوها فيما مضارعه مفتوحها ، وإنما لم يضموها فيما مضارعه مضمومها
نحو يقتل وينصر لأنه لم يأت فى الكلام فى غير هذا الباب مفعل إلا نادرا كمكرم
ومعون على ما ذكرنا ، فلم يحملوا ما أدّى إليه قياس كلامهم على بناء نادر فى غير
هذا الباب ، وعدل إلى أحد اللفظين مفعل ومفعل ، وكان الفتح أخفّ فحمل عليه
وقد جاء من
يفعل المضموم العين كلمات على مفعل بالكسر لا غير ، وهى : المشرق ، والمغرب ،
والمرفق وهو موصل الذراع والعضد ، وهو أيضا كل ما ينتفع به ، والارتفاق : الانتفاع
، والاتكاء على المرفق ، ويقال فيهما المرفق على وزن المثقب أيضا ، لأنهما آلتا
الرّفق الذى هو ضد الخرق ؛ إذ المتكىء على مرفقه ساكن مطمئن ، وكذا ذو المال
المنتفع به على الأغلب ، ومعنى الموضع فيهما أبعد وذلك بتأويل أنهما مظنّتا الرفق
ومحلّاه ، ومنها المنبت ، والمنخر ، والمجزر ، والمسقط ، والمظنّة
وقد جاء من
يفعل المضموم العين أيضا كلمات سمع فى عينها الفتح والكسر ، وهى
المفرق ، والمحشر ، والمسجد ، والمنسك ، وأما المحلّ بمعنى المنزل فلكون مضارعه على الوجهين ،
قرىء قوله تعالى (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ
غَضَبِي) على الوجهين
وجاء فيما
مضارعه يفعل بالكسر لغات بالفتح والكسر ، وهى المدبّ ،
__________________
ومأوى الإبل ، والمزلة ، ومضربة السيف ، وجاء مقبرة ومشرقة ومفيأة ومفيؤة
ومقنأة ومقنؤة فتحا وضما ، وكذا المشربة فى الغرفة ، لأنهم كانوا
بشربون فى الغرف ، والمشرقة والمفيأة من ذوات الزوائد ، إذ هما موضعان للتشرّق
والتّفيّؤ فيشذّ ان من هذا الوجه أيضا ، ولهذا لم تعل المفيأة ، أو لأنه لم يذهب
بها مذهب الفعل ، كما يجىء ، والمسربة لشعر الصدر مضمومة العين لا غير ، قال
سيبويه : لم تذهب بالمسجد مذهب الفعل ، ولكنك جعلته اسما لبيت ، يعنى أنك أخرجته
عما يكون عليه اسم الموضع ، وذلك لأنك تقول : المقتل فى كل موضع يقع فيه القتل ،
ولا تقصد به مكانا دون مكان ، ولا كذلك المسجد
__________________
فإنك جعلته اسما لما يقع فيه السجود بشرط أن يكون بيتا على هيئة مخصوصة ، فلم
يكن مبنيا على الفعل المضارع كما فى سائر أسماء المواضع ، وذلك أن مطلق الفعل لا
اختصاص فيه بموضع دون موضع ، قيل : ولو أردت موضع السجود وموقع الجبهة من الأرض
سواء كان فى المسجد أو غيره فتحت العين ؛ لكونه إذن مبنيا على الفعل بكونه مطلقا
كالفعل ، وكذا يجوز أن يقال فى المنسك ، إذ هو مكان نسك مخصوص ، وكذا المفرق ،
لأنه مفرق الطريق ، أو الرأس ، وكذا مضربة السيف مخصوصة برأس السيف قدر شبر ، وليس
بمعنى موضع الضرب مطلقا ، فلذا جاء فيه الفتح أيضا : أى لكونه غير مبنى على الفعل
، ولذا دخلته التاء التى لا تدخل الفعل ، وكذا المقبرة ، إذ ليست اسما لكل ما يقبر
فيه : أى يدفن ، إذ لا يقال لمدفن شخص واحد مقبرة فموضع الفعل إذن مقبر كما هو
القياس ، وكذا المشرقة اسم لموضع خاص لا لكل موضع يتشرّق فيه من الأرض من جانب
الغرب أو الشرق وكذا المقنأة والمفيأة ، وكذا المنخر صار اسما لثقب
الأنف ، ولا يقصد فيه معنى النّخر ، وكذا المشربة ليست اسما لكل موضع يشرب فيه
الماء ويجرى ، قال سيبويه : وكذا المطبخ والمربد بكسر الميم فيهما اسمان لموضعين
خاصين لا لموضع الطبخ مطلقا ، ولا لكل موضع الربود : أى الاقامة ، بل المطبخ بيت
يطبخ فيه الأشياء معمول له ، والمربد محبس الابل ، أو موضع يجعل فيه التمر ، وبجوز
أن يقال فى المرفق بكسر الميم فى المعنيين : إن أصله الموضع ، فلما اختص غيّر بكسر
الميم عن وضع الفعل كما قال سيبويه فى المطبخ والمربد ؛ فكل ما جاء على مفعل بكسر
العين مما مضارعه يفعل بالضم فهو شاذ من
__________________
وجه ، وكذا مفعلة بالتاء مع فتح العين ، ، وكذا مفعل بكسر الميم وفتح العين ، ومفعلة كالمظنة
أشذ ، ومفعلة بضم العين كالمقبرة أشذ ، إذ قياس الموضع إما فتح العين أو كسرها ،
وكذا كل ما جاء من يفعل المكسور العين على مفعل بالفتح شاذ من وجه ، وكذا مفعلة
بالتاء مع كسر العين ، ومفعلة بفتحها أشذ ، لكن كلّ ما ثبت اختصاصه ببعض الأشياء
دون بعض وخروجه عن طريقة الفعل فهو العذر فى خروجه عن القياس كما ذكرنا
قوله «ومن المنقوص» يعنى نحو المثوى وإن كان من يفعل بكسر العين وإن كان أيضا
مثالا واو يا كالمولى لموضع الولاية ، وذلك لتخفيف الكلمة بقلب اللام ألفا ، وإنما
كان المثال الواوى على مفعل بالكسر وإن كان على يفعل كالموجل والموحل لما ذكرنا فى
باب المصدر ، وذكرنا هناك أن بعض العرب يقولون موجل وموحل فيطرد ذلك فى الموضع
والزمان أيضا ، وحكى الكوفيون الموضع ، وقد جاء على مفعل بالفتح من المثال بعض
أسماء ليست بمصادر ولا أمكنة مبنية على الفعل ، كموجد فى العدد ، والموهبة للغدير
من الماء ، وأما موظب فى اسم
__________________
مكان وموهب وموألة وموكل ومورق فى أعلام رجال معينين فمنقولات من المبنى
على الفعل ، وفيها العدل كما ذكرنا فى باب ما لا ينصرف
والمثال اليائى
بمنزلة الصحيح عندهم لخفته تقول فى ييقظ ميقظ فى المصدر والزمان والمكان ، ومنه
قوله تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلى
مَيْسَرَةٍ) بفتح العين
قوله «ولا غيرهما» قال سيبويه : يقال فى مغيرة مغيرة بكسر الميم للاتباع.
قوله «فتحا وضما» يعنى بهما المقبرة ، دون المظنّة ؛ فانه لم يأت فيها إلا
الكسر ، وإنما كان الفتح فى المقبرة شاذا لكونها بالتاء ، والمفعل فى المكان
والزمان والمصدر قياسه التجرد عن التاء
قوله «وما عداه فعلى لفظ المفعول» يعنى ما عدا الثلاثى المجرد ، وهو ذو الزيادة والرباعى ،
فالمصدر بالميم منه والمكان والزمان على وزن مفعوله ، قياسا لا ينكسر ، كالمخرج
والمستخرج والمقاتل والمدحرج والمتدحرج والمحرنجم يحتمل كل منها أربعة معان
قال : «الآلة
على مفعل ومفعال ومفعلة ، كالمحلب والمفتاح والمكسحة ، ونحو المسعط والمنخل
والمدقّ والمدهن والمكحلة والمحرضة ليس بقياس».
أقول : اعلم أن
المحلب ليس موضع الحلب ؛ لان موضعه هو المكان الذى يقعد فيه الحالب للحلب ، بل هو
آلة يحصل بها الحلب ، وكذا المسرجة ـ بكسر الميم ـ كما قال سيبويه
قوله «ونحو المسعط والمنخل» هذا لفظ جار الله ، وهو موهم أنه جاء من هذا النوع غير
الألفاظ المذكورة أيضا ، وقال سيبويه : جاء خمسة أحرف بضم
الميم : المكحلة ، والمسعط ، والمنخل ، والمدقّ ، والمدهن ، هذا كلامه ،
وجاء المنصل أيضا ، لكنه ليس بآلة النصل ، بل هو بمعنى النصل ، وأما
المحرضة فذكرها الزمخشرى ، وفى الصحاح المحرضة بكسر الميم وفتح الراء ، وكذا قال
ابن يعيش : لا أعرف الضم فيها ، قال سيبويه فى الأحرف الخمسة : هى مثل المغفور
والمغثور ، وهما ضرب من الصمغ ؛ والمغرود : ضرب من الكمأة ، والمغلوق : المغلاق ،
أربعة أحرف جاءت على مفعول ، لا نظير لها فى كلام العرب ، وقال سيبويه فى المكحلة
وأخواتها : لم يذهبوا بها مذهب الفعل ، ولكنها جعلت أسماء لهذه الأوعية ، يعنى ان
المكحلة ليست لكل ما يكون فيه الكحل ، ولكنها احتصت بالآلة المخصوصة ، وكذا
أخواتها ، فلم نكن مثل المكسحة والمصفاة ، فجاز تغييرها عما عليه قياس بناء الآلة
كما قلنا فى المسجد وأخواته ، والمسعط : ما يسعط به الصبى أو غيره ، أى يجعل به
السعوط فى أنفه ، والمدقّ : ما يدق به الشىء كفهر العطار ، والمدهن : ما يجعل فيه
الدهن من زجاج ونحوه ، ولو قيل إن المكحلة والمدهن موضعان
__________________
للكحل والدهن ، ولم يبنيا على مفعل كما هو بناء المواضع لأنهما لبسا موضعين
لما يفعل فيه الشىء كالمقتل حتى يبنيا على الفعل ، بل هما موضعان لاسم جامد ؛ لم
يبعد ، فاذا جعلا آلتين فهما بمعنى آلة الكحل والدّهن ـ بفتح الكاف والدال ـ كالمثقب
لآلة الثقب ، والمحرضة : وعاء الحرض : أى الأشنان ، والظاهر أن مضربة السيف آلة
الضرب ، لا موضعه ، غيّرت عما هو قياس بناء الآلة لكونها غير مذهوب بها مذهب الفعل
وجاء الفعال
أيضا للآلة ؛ كالخياط والنّظام
واعلم أن الشىء
إذا كثر بالمكان وكان اسمه جامدا فالباب فيه مفعلة بفتح العين ، كالمأسدة والمسبعة
والمذأبة : أى الموضع الكثير الأسد والسباع والذئاب ، وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد
، فلا يقال مضبعة ومقردة ، ولم يأتوا بمثل هذا فى الرباعى فما فوقه ، نحو الضّفدع
والثّعلب ، بل استغنوا بقولهم : كثير الثعالب ، أو تقول : مكان مثعلب ومعقرب
ومضفدع ومطحلب بكسر اللام الأولى على أنها اسم فاعل ، قال [لبيد] : ـ
٢٩ ـ يمّمن أعدادا بلبنى أو أجا
|
|
مضفدعات
كلّها مطحلبه
|
__________________
ولو كانوا
يقولون من الرباعى على قياس الثلاثى لقالوا مثعلبة ومعقربة على وزن المفعول ؛ لأن
نظير المفعل فيما جاوز الثلاثة على وزن مفعوله ، نحو مدحرج ومقاتل وممزّق ، كما
ذكرنا فى المكان والزمان والمصدر ، ولم يسمع مثعلبة ومعقربة بفتح اللام ؛ فلا تظن
أن معنى قول سيبويه «فقالوا على ذلك أرض مثعلبة ومعقرّبة» أن ذلك مما سمع ، بل
معنى كلامه أنهم لو استعملوا من الرباعى لقالوا كذا ، قال : ومن قال ثعالة قال
مثعلة ؛ لأن ثعالة من الثلاثى ، قال الجوهرى : وجاء معقرة بحذف الباء : أى كثيرة
العقارب ، وهو شاذ
قال : «المصغّر
المزيد فيه ليدلّ على تقليل ؛ فالمتمكّن يضمّ أوّله ويفتح ثانيه وبعدهما ياء ساكنة
، ويكسر ما بعدها فى الأربعة إلا في تاء التّأنيث وألفيه والألف والنّون
المشبّهتين بهما وألف أفعال جمعا».
__________________
أقول : يعنى
المصغر ما زيد فيه شىء حتى يدل على تقليل ؛ فيشمل المهمات كذيّاك واللّذيّا
وغيرهما ، والتقليل يشمل تقليل العدد كقولك : «عندى دريهمات» أى أعدادها قليلة ،
وتقليل ذات المصغر بالتحقير حتى لا يتوهم عظيما نحو كليب ورجيل ، ومن مجاز تقليل
الذات التصغير المفيد للشفقة والتلطف كقولك يا بنىّ ويا أخىّ وأنت صديّقى ، وذلك
لأن الصّغار يشفق عليهم ويتلطف بهم ، فكنى بالتصغير عن عزة المصغر على من أضيف
إليه ، ومن ذلك التصغير المفيد للملاحة كقولك هو لطيّف مليّح ومنه قوله : ـ
٣ ـ يا ما أميلح غزلا ناشدنّ لنا
|
|
[من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر]
|
وذلك لأن
الصغار فى الأغلب لطاف ملاح ، فاذا كبرت غلظت وجهمت ؛ ومن تقليل ذات المصغر تصغير
قبل وبعد فى نحو قولك خروجى قبيل قيامك ، أو بعيده ، لأن القبل هو الزمان المتقدم
على الشىء ، والبعد هو الزمان المتأخر عنه ، فمعنى قبيل قيامك أى فى زمان متقدم
على قيامك صغير المقدار ، والمراد أن الزمان الذى أوله مقترن بأخذى في الخروج
وآخره متصل بأخذك فى القيام صغير المقدار ؛ ومنه تصغير الجهات الست كقولك : دوين
النهر ، وفويق الأرض ، على ما ذكرنا من التأويل فى قبيل وبعيد ، والغرض من تصغير
مثل هذا الزمان والمكان
__________________
قرب مظروفهما مما أضيفا إليه من ذلك الجانب الذى أفاده الظرفان ، فمعنى
خروجى قبيل قيامك قرب الخروج من القيام من جانب القبلية ، وكذا ما يماثله
وقيل : يجىء
التصغير للتعظيم ، فيكون من باب الكناية ، يكنى بالصغر عن بلوغ الغاية فى العظم ،
لأن الشىء إذا جاوز حده جانس ضده ، وقريب منه قول الشاعر : ـ
٣١ ـ داهية قد صغّرت من الكبر
|
|
صلّ صفأ ما
تنطوى من القصر
|
واستدل لمجىء
التصغير للاشارة إلى معنى التعظيم بقوله : ـ
٣٢ ـ وكلّ أناس سوف تدخل بينهم
|
|
دويهية تصفرّ
منها الأنامل
|
وردّ بأن
تصغيرها على حسب احتقار الناس لها وتهاويهم بها ، إذ المراد بها الموت : أى يجيئهم
ما يحتقرونه مع أنه عظيم فى نفسه تصفر منه الأنامل ، واستدل أيضا بقوله :
__________________
٣٣ ـ فويق جبيل شاهق الرّأس لم تكن
|
|
لتبلغه حتّى
تكلّ وتعملا
|
ورد بتجويز كون
المراد دقة الجبل وإن كان طويلا ، وإذا كان كذا فهو أشد لصعوده
واعلم أنهم
قصدوا بالتصغير والنسبة الاختصار كما فى التثنية والجمع وغير ذلك ؛ إذ قولهم رجيل
أخف من رجل صغير ، وكوفى أخصر من منسوب إلى الكوفة ، وفيهما معنى الصفة كما ترى ،
لكن المنسوب يعمل رفعا بخلاف المصغر ، لما مر فى شرح الكافية ، ولما كان استعمال الجمع فى كلامهم أكثر من
استعمال
__________________
المصغر ، وهم إليه أحوج ؛ كثّروا أبنية الجمع ووسّعوها ليكون لهم فى كل
موضع لفظ من الجمع يناسب ذلك الموضع ، إذ ربما يحتاج فى الشعر أو السجع إلى وزن
دون وزن فقصرهم الجموع على أوزان قليلة كالتصغير مدعاة إلى الحرج ، بخلاف المصغر ،
ثم لما كان أبنية المصغر قليلة واستعمالها فى الكلام أيضا قليلا ، صاغوها على وزن
ثقيل ، إذ الثقل مع القلة محتمل ، فجلبوا لأولها أثقل الحركات ، ولثالثها أوسط
حروف المدثقلا ، وهو الباء ، لئلا يكون ثقيلا بمرة ، وجاءوا بين الثقلين بأخف
الحركات ، وهو الفتحة ، لتقاوم شيئا من ثقلهما ، والأولى أن يقال : إن الضم والفتح
فى عنيق وجميل وصريد غيرهما فى عنق وجمل وصرد ، كما قيل فى فلك وهجان
قوله «فالمتمكن يضم أوله» إنما خص المتمكن لأن المبهمات تصغر على غير هذا النمط ، كما
يجىء فى آخر الباب
قوله «فى الأربعة» احتراز من الثلاثى ، لأن ما بعد الياء فيه حرف الإعراب
فلا يجوز أن يلزم الكسر ، وكان ينبغى أن يقول «فى غير الثلاثى» ليعم نحو عصيفير وسفيرج ، وإذا حصل بعد ياء التصغير مثلان أدغم أحدهما
فى الآخر فيزول الكسر بالادغام ، نحو أصيمّ ومديقّ ، ويعد هذا من باب التقاء
الساكنين على حده ، كما يجىء فى بابه ، وهو أن يكون الساكن الأول حرف مدأى ألفا أو
واوا أو ياء ما قبلها من الحركة من جنسها ، إذ ما قبل ياء التصغير وإن لم يكن من
جنسها لكن لما لزمها السكون أجريت مجرى المدمع أن فى مثل هذا الياء والواو أى
الساكن المفتوح ما قبله شيئا من المد ، وإن لم يكن تاما ، ألا ترى أن الشاعر إذا
__________________
قال قصيدة قبل رويّها ياء أو واو ساكنة مفتوح ما قبلها فهى مردفة ولزمه أن
يأتى بها فى جميع القصيدة كما فى قوله : ـ
٣٤ ـ ومهمهين قذفين مرتين
|
|
ظهراهما مثل
ظهور التّرسين
|
قوله «إلا فى تاء التأنيث» لأنها كلمة مركبة مع الأولى وإن صارت كبعض حروف الأولى من حيث
دوران الاعراب عليها ، وآخر أولى الكلمتين المركبتين مفتوح ، فصار حكم التاء فى
فتح ما قبلها فى المصغر والمكبر سواء
قوله «وألفى التأنيث» أى المقصورة والممدودة ، نحو حبيلى وحميراء ، وإنما لم
يكسر ما قبلهما إبقاء عليهما من أن ينقلبا ياء ، وهما علامتا التأنيث ، والعلامة
لا تغير ما أمكن ، أما لزوم انقلاب علامة التأنيث ياء فى المقصورة فظاهر ، وأما فى
الممدودة فالعلامة وإن كانت هى الهمزة المنقلبة عن ألف التأنيث ، والألف التى
قبلها للمد كما فى حمار ، لكن لما كان قلب ألف التأنيث همزة لا واوا ولا ياء للألف
التى قبلها ، كما ذكرنا فى باب التأنيث ، استلزم قلب الأولى ياء قلب الثانية ياء
أيضا كما فى قوله :
٣٥ ـ * لقد أغدو على أشقر يغتال الصّحاريّا *
__________________
وقد تغير علامة
التأنيث إذا اضطروا إليه ، وذلك إذا وقعت قبل ألف التثنية نحو حبليان ، أو ألف
الجمع نحو حبليات ، وإنما جاز تغييرها بلا ضرورة فى نحو حمراوان وحمراوات إجراء
لألفى التأنيث الممدودة والمقصورة مجرى واحدا فى قلبهما قبل ألفى التثنية والجمع.
وقد يجىء أسماء
فى آخرها ألف للعرب فيها مذهبان : منهم من يجعل تلك الألف للتأنيث فلا يقلبها فى
التصغير ياء ؛ ومنهم من يجعلها لغير التأنيث فيكسر ما قبلها ويقلبها ياء ، وذلك
نحو علقى وذفرى وتترى ، فمن نونها قال عليق وذفير وتتير ، ومن لم ينونها قال عليقى
وذفيرى وتتيرى وكذا يجىء فى الممدودة ما لهم فيه مذهبان كغوغاء من نوّنه وجعله فعلالا كزلزال قال فى التصغير
__________________
غويغى ، ومن لم ينونه وجعله كحمراء قال غويغاء ، وكذا فى قوباء من فتح الواو فالألف للتأنيث لا غير ، وتصغيره قويباء ،
ومن سكنها وجعله ملحقا بقرطاس فتصغيره قويبىّ
وإنما لم تقلب
الألف التى قبل النون الزائدة ياء تشبيها لها بألف حمراء ، وليس كل ألف ونون
زائدتين فى آخر الاسم تشبهان بألف التأنيث الممدودة فيمتنع قلب ألفه فى التصغير
ياء ؛
فإذا أرادت
تمييز ما يقلب ألفه ياء مما لا تقلب فاعلم أنهما إذا كانا فى علم مرتجل نحو عثمان
وعمران وسعدان وغطفان وسلمان ومروان شابهتاها ، لأن تاء التأنيث لا تلحقهما لا قبل
العلمية ولا معها ، أما قبلها فلفرضنا ارتجالها ، وأما معها فلأن العلمية مانعة
كما مر فيما لا ينصرف ؛ فعلى هذا تقول عثيمان
__________________
عميران وسعيدان وغطيفان وسليمان ومريّان ؛ وأما عثمان فى فرخ الحبارى على
ما قيل وسعدان فى نبت فتصغيرهما عثيمين وسعيدين ، وليسا أصلين لسعدان وعثمان علمين
، بل اتفق العلم المرتجل والجنس ، كما اتفق الأعجمى والعربى فى يعقوب وآزر ،
وسعدان اسم مرتجل من السعادة كسعاد منها ، وعثمان مرتجل من العثم ، وكذا إن كانتا فى صفة ممتنعة من التاء كجوعان وسكران
تشابهانها بانتفاء التاء ، فتقول : سكيران وجويعان ؛ وإن كانتا فى صفة لا تمتنع من
التاء كالعريان والنّدمان والصمّيان للشجاع والقطوان للبطىء شبهتا بالألف والنون
فى باب سكران ؛ لكونها صفات مثله وإن لحقتها التاء ، فقيل : عريّان ونديمان
وصميّان وقطيان ، وإن كانتا فى الاسم الصريح غير العلم فانهما لا تشبهان بالألف
والنون فى باب سكران مطلقا ؛ إذ لا يجمعهما الوصف كما جمع عريانا وسكران ، بل ينظر
هل الألف رابعة أو فوقها ، فان كانت رابعة نظر ؛ فان كان الاسم الذى هما فى آخره
مساويا لاسم آخره لام قبلها ألف زائدة فى عدد الحروف والحركات والسكنات وإن لم
يساوه وزنا حقيقيا قلب ألفه فى التصغير ياء تشبيها لها بذلك الألف الذى قبل اللام
، وذلك فى ثلاثة أوزان فقط : فعلان ، وفعلان ، وفعلان ، كحومان وسلطان وسرحان ،
فان نون حومان موقعها موقع اللام فى جبّار وزلزال ، وموقع نون
__________________
سلطان كلام قرطاس وزنّار وطومار ، وموقع نون سرحان كلام سربال ومفتاح وإصباح ، فتقول : حويمين وسليطين وسريحين ،
كزليزيل وقريطيس ومفيتيح ، وإن لم يكن الاسم المذكور مساويا لما ذكرنا فيما ذكرنا
كالظّربان والسّبعان وفعلان وفعلان وفعلان وفعلان إن جاءت فى كلامهم لم يشبه
ألفها بالألف التى قبل اللام ، إذ لا يقع موقع الألف والنون فيها ألف زائدة بعدها
لام ، بل تشبّه الألف والنون فيها بالألف والنون فى باب سكران ، فلانقلب الألف ياء
، نحو ظريبان وسبيعان فى تصغير ظربان وسبعان ، وإنما جاز تشبيههما بها ههنا فى
التصغير ولم يجز ذلك فى الجمع فلم يقل ظرابان بل ظرابين لتمام بنية التصغير قبل
الألف والنون ، وهى فعيل ، بخلاف بنية الجمع الأقصى ، وإذا جاز لهم لا قامة بنية
الجمع الأقصى قلب ألف التأنيت وهى أصل الألف والنون كما فى الدعاوى والفتاوى
والحبالي في المقصورة والصحارى فى الممدودة كما يجىء فى باب الجمع فكيف بالألف
والنون
__________________
وكان قياس نحو
ورشان وكروان أن يكون كظربان ، إذ لا يقع موقع نونه لام ، كما لم يقع
موقع نون ظربان وسبعان ، لكنه لما جاءت على هذا الوزن الصفات أيضا كالصّميان
والقطوان وشبهت ألفها بألف سكران فلم تقلب كما مر ؛ قصدوا الفرق
بينهما ، فقلبت فى الاسم فقيل : وريشين وكريوين ؛ لأن تشبيه الصفة بالصفة أنسب وأولى من تشبيه الاسم
بها
وإن كانت الألف
فوق الرابعة : فان كانت خامسة كزعفران وعقربان وأفعوان لم يجز تشبيهها بالألف التى قبل اللام وقلبها ياء ؛ إذ
لا تقلب تلك الألف ياء فى التصغير إلا رابعة كمفتاح ومصباح ، فلم يبق إلا تشبيهها
بألف التأنيث
__________________
فقيل : زعيفران وعقيربان وأفيعيان وفى صلّيان صليليان ، وكان القياس أن يقال فى أسطوانة أسيطيانة ،
لكنه حذف الواو فيها شاذا ، فصارت الألف رابعة فقيل : أسيطينة ، كثعيمين ، وكذا
قيل فى الجمع أساطين ، وكذا قياس إنسان أن يصغر على أنيسين كسريحين لكنه لما
زيدياء قبل الألف شاذا فى الأصح كما يجىء فى ذى الزيادة صارت الألف خامسة كما فى
أفعوان وعقربان
وإن كانت الألف
فوق الخامسة : فان كان فى جملة الأحرف المتقدمة عليها ما يلزمه حذف بحيث تصير
الألف بعد حذفه خامسة بقيت بحالها لأنها تصير إذن كما فى عقربان ، وذلك كما تقول
فى عبوثران عبيران ؛ لأن الواو زائدة ، وإن لم يكن كذلك حذفت الألف
والنون كما تقول فى قرعبلانة قريعبة لأنك تحذف الأصلى قبلهما فكيف تخليهما؟
__________________
وأما العلم
المنقول عن الشىء فحكمه حكم المنقول عنه ، تقول فى سرحان وورشان وسلطان أعلاما : سريحين ووريشين وسليطين ، تكون
قبل التصغير غير منصرفة للعلمية والألف والنون ، وتنصرف بعد التصغير لزوال الألف
بانقلابها ياء ، وهذا كما لا ينصرف معزى علما لمشابهة ألفها لألف التأنيث فاذا
صغرته صرفته لانقلابها ياء نحو معيز ، وتقول فى ظربان وعقربان وسكران وندمان
أعلاما : ظريبان وعقيربان وسكيران ونديمان كما كانت قبل النقل إلى العلمية ، وهذا
كما تقول فى أجمال علما : أجيمال ، بالألف على ما ذكره سيبويه
هذا ، ثم إن
النحاة قالوا فى تعريف الألف والنون المشبهتين بألف التأنيث : كل ما قلب ألفه فى
الجمع ياء فاقلبها فى التصغير أيضا ياء ، وما لم تقلب فى التكسير فلا تقلب فى
التصغير ، وهذا رد إلى الجهالة ، ولا يطرد ذلك في نحو ظربان لقولهم ظريبان وظرابين
، وما لم يعرف هل قلب ألفه فى التكسير أو لا اختلفوا فيه : فقال السيرافى وأبو على
: لا تقلب ألفه حملا على باب سكران ؛ لأنه هو الأكثر ، وقال الأندلسى : يحتمل أن
يقال : الأصل عدم التغيير ، وأن يقال : الأصل الحمل على الأكثر فتغير والله أعلم ،
وإنما لم تغير ألف أفعال إبقاء على علامة ما هو مستغرب فى التصغير ، أعنى الجمع ،
وذلك لأنهم ـ كما يجىء ـ لم يصغروا من صيغ الجمع المكسر إلا الأربعة الأوزان التى للقلة ، وهى
: أفعل وأفعال وأفعلة وفعلة ،
__________________
فكان تصغير الجمع مستنكرا فى الظاهر ، فلو لم يبقوا علامته لم يحمل السامع
المصغر على أنه مصغر الجمع لتباين بينهما فى الظاهر ، وأما ألف نحو إخراج وإدخال
فهى وإن كانت علامة المصدر إلا أنها تقلب فى التصغير ياء ، إذ لا يستغرب تصغير
المصدر استغراب تصغير الجمع ، وإذا سميت بأجمال قلت أيضا أجيمال كما ذكرنا.
قال : «ولا
يزاد على أربعة ، ولذلك لم يجىء فى غيرها إلّا فعيل وفعيعل وفعيعيل ، وإذا صغّر
الخماسىّ على ضعفه فالأولى حذف الخامس ، وقيل : ما أشبه الزّائد ، وسمع الأخفش
سفير جل»
أقول :
قوله «ولا يزاد على أربعة»
عبارة ركيكة ،
مراده منها أنه لا يصغر الخماسى ، أى : لا يرتقى إلى أكثر من أربعة أحرف أصول فى
التصغير ؛ لأن للأسماء ثلاث درجات : ثلاثى ، ورباعى ، وخماسى ؛ فيصغر الثلاثى ،
ويزاد عليه أن يرتقى منه إلى الرباعى أيضا ، فيصغر ، ولا يزاد على الرباعى : أى لا
يزاد الارتقاء عليه ، بل يقتصر عليه ؛ فان صغرته على ضعفه فالحكم ما ذكر من حذف
الخامس
قوله «ولذلك» أى لأنه لا يرتقى من الرباعى لا تتجاوز أمثلة التصغير عن
ثلاثة ، وذلك أنه إن كان ثلاثيا على أى وزن كان من الأوزان العشرة فتصغيره على
فعيل ، وإن كان رباعيا فإما أن يكون مع الأربعة مدة رابعة أولا ، فتصغير الأول
فعيعيل ، وتصغير الثانى فعيعل ، وحكى الأصمعى فى عنكبوت عنيكبيت وعنا كبيت ، وهو
شاذ
قوله «لم يجىء فى غيرها» أى : فى غير ذى تاء التأنيث ، وذى ألف التأنيث ، وذى الألف
والنون المشبهتين بها ، وذى ألف أفعال ؛ وأما فيها فيجىء غير الأمثلة الثلاثة
ويجىء الأمثلة الثلاثة قبل تاء التأنيث ، كقديرة وسليهبة وز نيميرة
__________________
فى زنبورة ، وكذا قبل ألف التأنيث الممدودة ، نحو حميراء وخنيفساء
ومعيّيراء فى معيوراء ، وكذا قبل الألف والنون نحو سليمان
وجعيفران وعبيثران بابدال الياء من الواو المحذوفة ، ولا يجىء قبل ألف الجمع إلا
فعيل كأجيمال ، وكذا قبل ألف التأنيث المقصورة لا يجىء فعيعل وفعيعيل ، لأنها تحذف
خامسة فى التصغير كما يجىء.
وكان على
المصنف أن يذكر ياء النسبة أيضا نحو بريدى فى بردىّ ومشيهدى في مشهديّ ومطيليقى فى منطلقى ، بابدال الياء
من النون ، فيقول : لم يجئ فى غيرها وغير المنسوب بالياء إلا كذا
__________________
فان قال فعيلىّ
هو فعيل ، والياء زائدة
قلنا : لا شك
فى زيادتها إلا أنها صارت كجزء الكلمة ، مثل تاء التأنيث ، بدليل دوران إعراب
الكلمة عليها كما على التاء
وتصح المعارضة
بنحو حميزة وحبيلى وحميراء ؛ فانها فعيل ، والتاء والألفان زوائد.
وهلا ذكر
المثنى والمجموع نحو العميران والعميرون ، فقال : ويكسر ما بعدها إلا فى تاء
التأنيث وألفيه وياء النسبة وألف المثنى ويائه وواو الجمع وألف جمع المؤنث وألف
أفعال والألف والنون المضارعتين وكذا فى المركب نحو بعلبك
قوله «فالأولى حذف الخامس» لأن الكلمة ثقيلة بالخمسة الأصول ، فاذا زدت عليها ياء
التصغير زادت ثقلا ، وسبب زيادة الثقل وإن كانت زيادة الياء لكنه لا يمكن حذفها إذ
هى علامة التصغير ، فحذف ما صارت به الكلمة مؤدية إلى الثقل بزيادة حرف آخر عليها
؛ وذلك هو الخامس ، ألا ترى أن الرباعى لا يستثقل بزيادة الياء عليه ، فحذف الحرف
الخامس مع أصالته
فان قيل : أليس
فى كلام العرب ما هو زائد على الخماسى نحو قبعثرى وسلسبيل وغير ذلك؟؟
قلت : بلى ؛
لكن تلك الزيادات ليست بقياسية فلا يكثر المزيد فيه بسببها إذ كل واحد كالشاذ فى
زنته ، وأما زيادة ياء التصغير فقياس ؛ فلو سنوا قاعدة زيادتها على الخماسى الأصلى
حروفه لصارت قياسا ؛ فيؤدى إلى الكثرة ، إذ يصير لهم قانون يقاس عليه
فان قيل : أليس
مثل مستخرج قياسا؟
__________________
قلت : بلى ،
لكنه مبنى على الفعل وجار مجراه ، وجاز ذلك فى الفعل كثيرا غالبا قريبا من القياس
، نحو استخرج واحرنجم ؛ لكونه أقل أصولا من الاسم إذ لا يجىء منه الخماسى الأصلى
حروفه ، والثقل بالحروف الأصول لرسوخها وتمكنها أشد وأقوى.
قوله «وقيل ما أشبه الزائد» اعلم أن من العرب من يحذف فى الخماسى الحرف الذى يكون من
حروف «اليوم تنساه» وإن كان أصليا لكونه شبيه الزائد ، فاذا كان لا بد من حذف فحذف
شبه الزائد أولى ، كما أنه إذا كان فى كلمة على خمسة زائد حذف الزائد أين كان نحو
دحيرج فى مدحرج ، لكن الفرق بين الزائد حقيقة وبين الأصلى المشبه له بكونه من حروف
«اليوم تنساه» أن مثل ذلك الأصلى لا يحذف إلا إذا كان قريب الطرف بكونه رابعا ،
بخلاف الزائد الصرف ؛ فانه يحذف أين كان ، فلا يقال فى جحمرش جحبرش لبعد الميم من
الطرف ، كما يقال فى مدحرج دحيرج ، وقال الزمخشرى : إن بعض العرب يحذف شبه الزائد
أين كان ، وهو وهم على ما نص عليه السيرافي والأندلسى ؛ فان لم يكن مجاور الطرف
شيئا من حروف «اليوم تنساه» لكن يشابه واحدا منها فى المخرج حذف أيضا ، فيقال في
فزردق : فريزق ، لأن الدال من مخرج التاء
قوله «وسمع الأخفش سفيرجل» يعنى باثبات الحروف الخمسة كراهة لحذف حرف أصلى ، وبابقاء
فتحة الجيم كما كانت ، وحكى سيبويه عن بعض النحاة فى التصغير والتكسير سفيرجل
وسفارجل ـ بفتح الجيم فيهما ـ فقال الخليل لو كنت محقرا للخماسى بلا حذف شىء منه
لسكنت الحرف الذى قبل الأخير فقلت سفيرجل قياسا على ما ثبت فى كلامهم ، وهو نحو
دنينير ، لأن الياء ساكنة
قال «ويردّ نحو
باب وناب وميزان وموقظ إلى أصله لذهاب المقتضى ؛ بخلاف قائم وتراث وأدد ، وقالوا
عييد لقولهم أعياد»
أقول : اعلم أن
الاسم إما أن يكون فيه قبل التصغير سبب قلب أو حذف أولا : فان كان فإما أن يزيل
التصغير ذلك السبب ، أولا ؛ فما يزيل التصغير سبب القلب الذى كان فيه نحو باب وناب
، ونحو ميزان وموقظ ، ونحو طىّ ولىّ ، ونحو عطاء وكساء ، ونحو ذوائب وماء وشاء عند
المبرد ، وفم ، ونحو قائم وبائع ، ونحو أدؤر والنّؤر ، ونحو متّلج ومتّعد ؛ وما يزيل التصغير سبب الحذف الذى
__________________
كان فيه نحو عصا وفتى وعم والسبب هو اجتماع الساكنين ، وقريب منه ما لم يزل
التصغير سبب الحذف لكنه عرض فى التصغير ما يمنع من اعتبار ذلك السبب ، كالثلاثى
المحذوف منه حرف إما لقصد التخفيف على غير قياس نحو سه وغد ، ونحو ابن واسم وبنت
وأخت وحم ؛ فان قصد التخفيف بالحذف لا يمكن اعتباره فى التصغير ؛ إذ لا يتم الوزن
بدون المحذوف ، وإما لإعلال قياسى كعدة وزنة ، وما لا يزيل التصغير سبب القلب الذى
كان فى مكبره نحو تراث وأدد وما لا يزيل التصغير سبب الحذف الذى كان فى مكبره كميت
__________________
وهار وناس ويرى وأرى ونرى وترى ويضع وتضع وخير وشر
وإن لم يكن فيه
قبل التصغير سبب قلب ولا حذف فإما أن يعرض فى التصغير ذلك كعروض سبب قلب ألف نحو
ضارب وحمار ، وواو جدول وأسود وعروة ومزود وعصفور وعروض ؛ وكعروض سبب حذف خامس نحو سفرجل ، وثالثة ياآت نحو
أحوى ومعاوية وعطاء ، وألف نحو مساجد ، وما يحذف من نحو مستخرج واستخراج ومنطلق
وانطلاق ونحوها ، وإما أن لا يعرض فيه ذلك كما فى تصغير نحو رجل وجعفر
__________________
فالقسم الذى
أزال التصغير سبب القلب الذى كان فيه اختلف فى بعضه : هل ينتفى المسبب لزوال السبب
أولا؟ واتفق فى بعضه على أنه ينتفى ذلك بانتفاء سببه ؛ فمما اتفقوا فيه على رجوع
الأصل الألف المنقلبة عن الواو والياء ثانية لتحركها وانفتاح ما قبلها ، تقول فى
باب وناب : بويب ونييب ؛ لزوال فتحة ما قبلهما ، وبعض العرب يجعل المنقلبة عن
الياء فى مثله واوا أيضا حملا على الأكثر ؛ فإن أكثر الألفات فى الأجوف منقلبة عن
الواو ، وهذا مع مناسبة الضمة للواو بعدها ، وبعض العرب يكسر أول المصغر فى ذوات
الياء نحو نييب وشييخ ، خوفا على الياء من انقلابها واوا لضمة ما قبلها ، وتفصّيا
من استثقال ياء بعد ضمة لو بقيتا كذلك ، وهذا كما قيل فى الجمع بيوت وشيوخ ـ بكسر
الفاء ـ وقرىء به فى الكتاب العزيز ، وإذا كان الألف فى نحو باب مجهول الأصل وجب
قلبها فى التصغير واوا عند سيبويه ؛ لأن الواو على ما مر أقرب ؛ فتقول فى تصغير
صاب وآءة ـ وهما شجران ـ : صويب وأويأة ، والأخفش يحملها على الياء لخفتها فيقول :
صييب وأييأة ، وتقول فى «رجل خاف» أى خائف ، و «كبش صاف» برفع لا ميهما : خويف
وصويف ، بالواو لا غير ؛ لأنه يجوز أن يكون أصله خائفا وصائفا فحذفت العين ، فتكون
__________________
الألف زائدة ، فوجب قلبها واوا كما فى ضويرب ، وأن يكون خوفا وصوفا كقولك :
رجل مال ، من مال يمال كفزع يفزع ، فترد الألف إلى أصلها كما فى بويب ؛ وكذا تقول
: إن الألف فى فتى ترد إلى أصلها لزوال فتحة ما قبلها ، وكذا فى العصا ترد إلى
الواو ، لكنها تقلب ياء لعروض علة قلبها فى التصغير ياء
ومن المتفق
عليه رد الياء المنقلبة عن الواو لسكونها وانكسار ما قبلها إلى أصلها نحو ميقات
وريح ، تقول فى تصغيرهما : مويقيت ورويحة ، لزوال الكسر والسكون ، وهذا كما تقول
فى الجمع مواقيت ، وحكى بعض الكوفيين أن من العرب من لا يردها فى الجمع إلى الواو
، قال : ـ
٣٦ ـ حمى لا يحلّ الدّهر إلّا بأمرنا
|
|
ولا نسأل
الأقوام عقد المياثق
|
__________________
وإنما قالوا
عييد فى تصغير عيد ليفرقوا بينه وبين تصغير عود ، وكذلك فرقوا جمعيهما فقالوا
أعياد فى جمع عيد وأعواد فى جميع عود
وكذا اتفقوا
على ردّ الأصل فى قريريط ودنينير لزوال الكسر الموجب لقلب أول المضعف ياء ، كما
قيل قراريط ودنانير.
وكذا اتفقوا
على رد أصل الياء التى كانت أبدلت من الواو لاجتماعها مع الياء وسكون أولاهما ،
كما تقول فى تصغير طىّ ولىّ : طوىّ ولوىّ ؛ لتحرك الأولى فى التصغير ، وكذا تقول :
طويّان ورويّان فى تصغير طيّان وريّان ، كما تقول فى الجمع : طواء ورواء ، وكذا إذا
حقرت قيّا وأصله قوى كحبر من الأرض القواء : أى القفر.
وكذا اتفقوا
على رد أصل الهمزة المبدلة من الواو والياء لتطرفها بعد الألف الزائدة ، نحو عطاء
وقضاء ، فتقول : عطىّ ، تردها إلى الواو ، ثم تقلبها ياء لانكسار ما قبلها ، ثم
تحذفها نسيا لاجتماع ثلاث ياآت كما يجىء ، وكذا تقلب همزة الإلحاق فى حرباء ياء ،
فتقول : حريبى ، لأن أصلها ياء كما يجىء فى باب الاعلال
__________________
وإن كانت
الهمزة أصلية خليتها كأليّئة فى تصغير ألاءة ، وإن لم تعرف هل الهمزة أصل أو بدل من الواو والياء
خلّيت الهمز فى التصغير بحاله ولم تقلبه ، إلى أن يقوم دليل على وجوب انقلابه ؛
لأن الهمزة موجودة ، ولا دليل على أنها كانت فى الأصل شيئا آخر ، وكذلك ترد أصل
الياء الثانية فى بريّة وهو الهمزة عند من قال : إنها من برأ أى خلق ؛ لأنها
إنما قلبت ياء لكون الياء قبلها ساكنة حتى تدغم فيها ، ومن جعلها من البرى ـ وهو
التزاب ـ لم يهمزها فى التصغير ، وكذا النبى أصله عند سيبويه الهمز ، لقولهم تنبأ
مسيلمة فخففت بالإدغام كما فى برية ؛ فكان قياس التصغير نبيّىء
، قال سيبويه : لكنك إذا صغرته أو جمعته على أفعلاء كأنبياء تركت الهمزة لغلبة
تخفيف الهمزة فى النبى فتقول فى التصغير نبىّ بياءين على حذف الثالث كما فى أخىّ ،
وقد جاء النّبآء
__________________
وكذا اتفقوا
على رد الألف فى آدم إلى أصلها ، وهو الهمزة ، فى التصغير والجمع ، لكنه يعرض
للهمزة فيهما ما يوجب قلبها واوا ، وذلك اجتماع همزتين متحركتين لافى الآخر غير
مكسورة إحداهما ، كما يجىء فى باب تخفيف الهمز.
وكذا اتفقوا
على أنك إذا صغرت ذوائب اسم رجل قلت : ذؤيئب بهمزتين مكتنفتين للياء ، لأن أصل
ذوائب ذآئب بهمزتين ، إذ هى جمع ذؤابة فكره اكتناف همزتين للألف التى هى لخفتها كلا فصل ،
فأبدلوا الأولى شاذا لزوما واوا ، وإنما لم يقلبوا الثانية لتعود الأولى إلى القلب
فى المفرد : أى فى ذؤابة ، وإنما أبدلت واوا لأنها أبدلت فى مفرده ذلك ، وليكون
كأوادم وجوامع ، هذا ، وقال سيبويه فى تصغير شاء : شوىّ ، قال : أصل شاء إما شوى
أو شوو قلبت العين ألفا واللام همزة وكلاهما شاذ ، وفيه جمع بين إعلالين ، والقياس قلب اللام
__________________
فقط ألفا ، قال : ليس لفظ شاء من شاة لأن أصلها شوهة بدليل شويهة ، بل هو
بالنسبة إلى شاة كنسوة إلى امرأة ، واستدل على كون لامه حرف علة بقولهم فى الجمع
شويّ ككليب ، وقال المبرد : شوىّ من غير لفظ شاء ، وأصل شاء شوه فهو من شاة كتمر من تمرة ، قلبت
العين ألفا على القياس ، كما فى باب ، ثم قلبت الهاء همزة لخفائها بعد الألف
الخافى أيضا ، وهذا كما أن أصل ماء موه ، قال : فتقول فى تصغير شاء : شويه ، كما
تقول فى ماء : مويه ، لزوال الألف الخافى فى التصغير ، فترد اللام إلى أصلها ، كما
تقول فى الجمع : شياه ، ومياه
وكذا اتفقوا
على رد ميم «فم» إلى أصله ، وهو الواو ، لأنه إنما جعلت مما لئلا تحذف باجتماع
الساكنين ، فيبقى الاسم على حرف
وما اختلف فى
هذا القسم فى رجوع الحرف المقلوب فيه إلى أصله باب قائم ونائم ، وباب أدؤر والّنؤر
، بالهمزة ، وباب متّعد ، قال سيبويه فى الجميع : لا ترد إلى أصولها فى التصغير ،
بل تقول : قويئم ، وأديئر ، بالهمزة بعد الياء فيهما وكذا نؤيّر ، بالهمزة قبل
الياء ، ومتيعد ومتيزن ، ولعل ذلك لأن قلب العين همزة فى باب قائل ، وقلب الواو
تاء فى متعد ـ وإن كانا مطردين ـ إلا أن العلة فيهما ليست بقوية ، إذ قلب العين
ألفا فى قائم ليس لحصول العلة فى جوهره ، ألا ترى أن ما قبل العين أى الألف ساكن
عريق فى السكون ، بخلاف سكون
__________________
قاف أقوم ، ومع هذا لم يكن حرف العلة فى الطرف الذى هو محل التغيير كما
كانت فى رداء ؛ فلا جرم ضعف علة القلب فيه ضعفا تاما حتى صارت كالعدم ، لكنه حمل
فى الإعلال على الفعل نحو قال ، فلما كانت علة القلب ضعيفة لم يبال بزوال شرطها فى
التصغير بزوال الألف ، وإنما كان الألف شرط علة القلب لأنها قبل العين المتحركة
كالفتحة ، أو نقول : هى لضعفها كالعدم فكأن واو قاوم متحرك مفتوح ما قبلها ، وكذا
نقول : إن علة قلب الواو فى أو تعد تاء ضعيفة ، وذلك لأن الحامل عليه كراهة مخالفة
الماضى للمضارع لو لم تقلب الواو تاء ، لكون الماضى بالياء والمضارع بالواو ، مع
كون التاء فى كثير من المواضع بدلا من الواو نحو تراث وتكلة وتقوى ، ونحو ذلك ، ومخالفة الماضى للمضارع غير عزيزة كما فى
قال يقول وباع يبيع ، فظهر أن قلب الواو تاء وإن كان مطردا إلا أنه لضرب من
الاستحسان ، ولقصد تخفيف الكلمة بالإدغام ما أمكن ، ولضعف العلة لم يقلبه بعض
الحجازيين تاء ، بل قالوا ايتعد ياتعد ، كما يجىء فى باب الاعلال ، فلما ضعفت علتا
قلب عين نحو قائم وفاء نحو متّعد صار الحرفان كأنهما أبدلا لا لعلة ، فلم يبال بزوال
العلتين فى التصغير ، فقيل : قويئم بالهمزة ، ومتيعد بالتاء وحذف تاء الافتعال ،
كما في تصغير نحو مرتفع.
وخالف الجرمى
فى الأول ، فقال : قويّل وبويّع بترك الهمزة لذهاب شرط العلة ، وهو وقوع العين بعد
الألف ، وقد اشترط سيبويه أيضا فى كتابه فى قلب العين فى اسم الفاعل ألفا ثم همزة
وقوعها بعد الألف ، واتفق عليه النحاة ، فلا
__________________
وجه لقول المصنف فى الشرح إن علة قلب العين ألفا فيه حاصلة ، وهى كونه اسم
فاعل من فعل معل ؛ فان هذه العلة إنما تؤثر بشرط وقوع العين بعد الألف باتفاق مهم
وحالف الزجاج
فى نحو متعد فقال فى تصغيره : مويعد ، لذهاب العلة وهى وقوع الواو قبل التاء ،
وذلك لأن التاء تحذف فى التصغير كما فى مرتدع ومجتمع كما يجىء.
وأما نحو أدؤر
ونؤر فان سيبويه لم يبال بزوال علة قلب الواو همزة فى التصغير وهى كونها واوا
مضمومة ؛ لأنها وإن كانت مطردة فى جواز قلب كل واو مضمومة ضمة لازمة همزة ، كما
يجىء ، لكنها استحسانية غير لازمة ، نحو وجوه ونحوه ، فهى علة كلا علة ؛ وخالفه
المبرد فقال : إنما همزت الواو لانضمامها ، وقد زالت فى التصغير فتقول فى أدؤر
ونؤر المهموزين : أديّر بالياء المشددة ونويّر بالواو الصريحة ،
ولا كلام فى
نحو تخمة وتراث وتهمة ؛ لأن قلب الواو تاء لأجل انضمامها فى أول الكلمة ،
فكرهوا الابتداء بحرف ثقيل متحرك بأثقل الحركات ، والضمة حاصلة فى التصغير ، وهذا
القلب غير مطرد ، بخلافه فى نحو اتّعد
قوله «وأدد» هو أبو قبيلة من اليمن ، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن
__________________
سبأ بن حمير ، وأدّ أبو قبيلة ، وهو أد بن طابخة بن الياس بن مضر ، يعنى
أنه فى الأصل ودد بالواو المضمومة ، واستثقل الابتداء بها فقلبت همزة كما فى أجوه
وأقّتت ، وإبدال الواو المضمومة ضمة لازمة همزة فى الأول كانت أو فى الوسط قياس
مطرد لكن على سبيل الجواز لا الوجوب ، ولا أدرى اى شىء دعاهم إلى دعوى انقلاب همزة
أدد عن الواو ، وما المانع من كونه من تركيب «أدد» وقد جاء منه الإدّ بمعنى الأمر
العظيم ، وغير ذلك
قال : «فإن
كانت مدّة ثانية فالواو لازمة ، نحو ضويرب فى ضارب وضو يريب فى ضيراب ، والاسم على
حرفين يردّ محذوفه ، تقول فى عدة وكل اسما وعيدة وأكيل ، وفى سه ومذ اسما ستيهة
ومنيذ ، وفى دم وحر دمىّ وحريح ، وكذلك باب ابن واسم وأخت وبنت وهنت ، بخلاف باب
ميت وهار وناس»
أقول : قد مر
أن نحو ضويرب مما عرض فيه فى التصغير علة القلب
اعلم أن كل مدة
زائدة ثانية غير الواو تقلب فى التصغير واوا لانضمام ما قبلها ؛ فتقول فى ضارب
وضيراب وطومار : ضويرب وضويريب وطويمير ، وأما إن لم تكن زائدة نحو القير والنّاب فلا ، بل تقول : قيير ونييب
قوله «والاسم على حرفين يرد محذوفه» هذا من باب ما عرض فيه فى التصغير مانع منع من اعتبار
سبب الحذف الذى كان فى المكبر كما ذكرنا
اعلم أن كل اسم
ثلاثى حذف فاؤه أو عينه أو لامه وجب فى التصغير ردها ؛
__________________
لأن أقل أوزان التصغير فعيل ، ولا يتم إلا بثلاثة أحرف ؛ فاذا كنت محتاجا
إلى حرف ثالث فردّ الأصلى المحذوف من الكلمة أولى من اجتلاب الأجنبى ، وأما إن
كانت الكلمة موضوعة على حرفين أو كنت لا تعرف أن الذاهب منها أى شيء هو ، زدت فى
آخرها فى التصغير ياء ، قياسا على الأكثر ، لأن أكثر ما يحذف من الثلاثى اللام دون
الفاء والعين ، كدم ويد وفم وحر ، وأكثر ما يحذف من اللام حرف العلة ، وهى إما واو
، أو ياء ، ولو زدت واوا وجب قلبها ياء لاجتماعها مع الياء الساكنة قبلها ، فجئت
من أول الأمر بالياء ، فقلت فى تصغير من ومن وأن الناصبة للمضارع وإن الشرطية
أعلاما : منّى وأنىّ ، وأما إذا نسبت إلى مثل هذه فيجيىء حكمها فى باب النسب ،
وتقول في تصغير عدة : وعيدة وهذه التاء وإن كانت كالعوض من الفاء ولذلك لا
يتجامعان نحو وصلة ووعدة ، لكنه لم يتم بنية تصغير الثلاثى ـ أى فعيل ـ بها ، لأن
أصلها أن تكون كلمة مضمومة إلى كلمة ، فلهذا فتح ما قبلها كما فتح فى نحو بعلبك ،
فالتاء مثل كرب فى معدى كرب ، من حيث إنه يدور إعراب المركب عليه ، ومن حيث انفتاح
ما قبلها ، واما إذا قامت التاء مقام اللام وصارت عوضا منه كما فى أخت وبنت فانها
تخرج عما هو حدها من فتح ما قبلها ، بل تسكن ويوقف عليها تاء ، ولا يعتد بمثل هذه
أيضا فى البنية ، بل يقال أخيّه برد اللام حفظا لأصل التاء ، وهو الانفصال ،
وكونها كلمة غير الكلمة الأولى ، فاذا لم يعتد بها فى البنية فى نحو بنت مع كونها
عوضا من اللام قائمة مقامها لما فيها من رائحة التأنيث فكيف يعتد بها فيها فى نحو
عدة مع عدم قيامها مقام المعوض منه بدلالة فتح ما قبلها كما هو حقها فى الأصل وكذا
الوقف عليها هاء ، وتقول فى كل اسما : أكيل ، ترد الهمزة التى هى فاء الكلمة ، ولا
ترد همزة الوصل ؛ لأنه إنما احتيج إليها لسكون الفاء ، وفى المصغر يتحرك ذلك
قوله «وفى مذ» هذا بناء على أن أصله منذ ، وقد ذكرنا فى شرح الكافية أنه لم يقم دليل عليه
قوله «سه» أصله سته وفيه ثلاث لغات إحداها هذه ، وهى محذوفة العين ،
والثانية ست بحذف اللام مع فتح السين ، والثالثة است بحذف اللام وإسكان السين
والمجىء بهمزة الوصل
فأما إذا سميت
بقم وبع فانك تقول فى المكبر : قوم وبيع ، كما مر فى باب الأعلام فلا يكون من هذا الباب
قوله «وفى دم وحر» لام دم ياء ، ولام حر حاء ، حذفت لاستثقال الحاءين
بينهما حرف ساكن ، وحذف العين فى سه ومذ واللام من حر ودم ليس قياسا بل القياس فى
نحو عم وفتى ، وحذف الفاء فى كل شاذ ، وفى عدة قياس كما يجىء فى موضعه
قوله «وكذا باب ابن واسم وبنت وهنت» يعنى إذا حذفت اللام وأبدلت منها همزة الوصل فى أول
الكلمة أو التاء فى موضعه فانه لا يتم بالبدلين بنية تصغير الثلاثى ، بل لا بد من
رد اللام ، وإنما لم يتم بهمزة الوصل لأنها غير لازمة ، بل لا تكون إلا فى
الابتداء ، فلو اعتد بها لم تبق البنية فى حال الدرج إن سقطت
__________________
الهمزة وإن لم تسقط خرجت همزة الوصل عن حقيقتها ؛ لأنها هى التى تسقط فى
الدرج ، وإنما لم يعتد بالتاء فى البنية لما فيها من رائحة التأنيث لاختصاص
الإبدال بالمؤنث دون المذكر ، وإنما قلنا إن الهمزة والتاء بدلان من اللام لأنهما
لا تجامعانه ، ولم يجىء من الكلمات ما أبدل من لامه تاء فيكون ما قبلها ساكنا
ويوقف عليها تاء إلا سبع كلمات : أخت ، وبنت ، وهنت ، وكيت ، وذيت ، وثنتان
__________________
وكلتا عند
سيبويه ، وقولهم منت بسكون النون مثلها ، لكنها
__________________
ليست بدلا من اللام ، إذ لا لام لمن وضعا ، وتقول فى تصغيرها : أخيّة ،
وبنيّة ، وهنيّة ، وهنيهة ، لأن لامها ذات وجهين كسنة ، وتصغير سنة أيضا على سنيّة
وسنيهة ، وتقول فى منت : منيّة كما تصغر من على ما ذكرنا ، وتقول فى كيت وذيت :
كييّة وذييّة ؛ لقولهم فى المكبر ذيّة وكيّة أيضا ، ومن قال أصلهما كوية وذوية
لكون باب طوى أكثر من باب حيى قال : كويّة وذويّة ، وإنما فتحت ما قبلها فى
التصغير ووقفت عليها هاء لأنك إذا رددت اللام لم يكن التاء بدلا منها ، وإذا سميت
بضربت قلت : ضربة كما مر فى العلم وتصغرها على ضريبة ، وتقول فى تصغير فل فلين ؛ لأن لامه نون من قولهم
__________________
فلان ، وتقول فى تصغير قط ورب وبخ مخففات : قطيط وربيب وبخيخ وتقول فى تصغير ذه مسكن الهاء ذيىّ لأن الهاء بدل من
الياء ، والأصل ذى كما مر فى أسماء الإشارة
__________________
قوله «بخلاف ميت وهار وناس» الأصل ميّت وهائر وأناس ، حذفتها لا لعلة موجبة ، بل للتخفيف ؛ وهذه
العلة غير زائلة فى حال التصغير ، ولا حاجة ضرورية إلى رد المحذوف ، كما كانت فى
القسم المتقدم ، إذ يتم بنية التصغير بدونها ، وكذا لا ترد المحذوف فى تصغير يرى
وترى وأرى ونرى ، ويضع وتضع ، وخير وشر ، بل تقول : يرىّ وترىّ وأرى ونرىّ ويضيع
وتضيع وخيير وشرير ؛ وحكى يونس أن أبا عمرو كان يقول فى مر : مرىء كمريع ، يهمز
ويكسر كمعيط فى معط ؛ فألزمه سيبويه أن يقول فى ميت وناس مييت وأنيس ، وكان
المازنى يرد نحو يضع وهار إلى أصله ، نحو يويضع وهو يئر
__________________
قال السيرافى : فيلزمهم أن يقولوا : أخيّر وأشيّر ، وقد حكى يونس عن جماعة
هو يئر ، فقال سيبويه : هذا تصغير هائر لا تصغير هار ، كما قالوا فى تصغير بنون أبينون ، وهو تصغير أبنى
مقدرا كأضحى ، وإن لم يستعمل كما مر فى شرح الكافية فى الجمع ، ولو كان تصغير بنون على لفظه قلت بنيّون
__________________
قال «وإذا ولى
ياء التّصغير واو أو ألف منقلبة أو زائدة قلبت ياء ، وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها
نحو عريّة وعصيّة ورسيّلة ، وتصحيحها فى باب أسيّد وجديّل قليل ، فإن اتّفق اجتماع
ثلاث ياآت حذفت الأخيرة نسيا على الأفصح ، كقولك فى عطاء وإداوة وغاوية ومعاوية :
عطىّ وأديّة وغويّة ومعيّة ، وقياس أحوى أحىّ غير منصرف ، وعيسى يصرفه ، وقال أبو
عمرو : أحىّ ، وعلى قياس أسيود أحيو»
أقول : قوله «وإذا ولى ياء التصغير» إلى
قوله «وجديل قليل»
من باب ما يعرض
فيه للتصغير سبب القلب
__________________
قوله «فان اتفق اجتماع ـ إلى آخر ما ذكر»
من باب ما يزول
فيه فى التصغير سبب القلب الذى كان فى المكبر ويعرض فى التصغير سبب الحذف
قوله «قلبت ياء» ليس على إطلاقه ، بل بشرط أن لا يكون بعد الواو أو الألف
حرفان يقعان فى التصغير موقع العين واللام من فعيعل ، فإنه إن كان بعدهما حرفان
كذا وجب حذفهما ، وكذا كل ياء فى مثل موقعهما ، تقول فى تصغير مقاتل : مقيتل ،
بحذف الألف ، إذ مفيعّل ـ بتشديد الياء ـ ليس من أبنية التصغير ، وكذا تقيتل فى
تصغير تقوتل علما بحذف الواو ، وكذا حميرير فى تصغير احميرار بحذف الياء مع همزة
الوصل ، كما يجىء ، وإنما تقلب الألف والواو ياء إذا وقعا إما موقع اللام من فعيل
، نحو أذىّ فى تصغير إذا علما ، وعريّة فى تصغير عروة ، أو موقع العين من فعيعل ،
كرسيّلة في رسالة ، وعجيّز فى عجوز ، وإنما قلبتا ياءين لأنهما إذن لا بد من
تحريكهما ، فاذا تحركت الواو وقبلها ياء ساكنة وجب قلبها ياء ، وإذا قصدت تحريك
الألف فجعلها ياء أولى ، لأنها إن جعلتها واوا وجب قلبها ياء لما ذكرنا ، وجعلها
همزة بعيد ، لأن اعتبار التقارب فى الصفة فى حروف العلة أكثر من اعتبار التقارب فى
المخرج ، فلذلك لا تقلب الألف همزة إلا فى موضع لو قلبت
__________________
فيه واوا أو ياء لانقلبت ألفا أيضا ، كألف التأنيث فى حمراء والألف فى نحو الضّالّين ودابة ، وأما العألم والبأز فنادران
__________________
ثم إن الواو
الواقعة بعد ياء التصغير ـ أعنى التى لا تحذف ـ لا يخلو إما أن تكون لاما أو غير
لام
فاللام تقلب
ياء لا غير ، تقول : غزىّ وعريّة فى غزو وعروة ، وكذا غزيّان وعشيّاء وغزيّيّة
بياءين مشددتين ، فى تصغير غزوان وعشواء وغزويّة منسوبة إلى الغزو
وأما غير اللام
فان كانت ساكنة فى المكبر فلا بد من قلبها ياء ، نحو عجيّز
__________________
وجزير فى عجوز وجزور ، وإن كانت فيه متحركة أصلية كانت كأسود ومزود ،
أو زائدة كجدول فالأكثر القلب ، ويجوز تركه كأسيود وجديول ، لقوة الواو المتحركة ، وعدم كونها فى الآخر الذى هو
محل التغيير ، وكون ياء التصغير عارضة غير لازمة ؛ وقال بعضهم : إنما جاز ذلك حملا
على التكسير ، نحو جداول وأساود ، ولو كان حملا عليه لجاز فى مقام ومقال مقيوم
ومقيول كما فى مقاول ومقاوم
قوله «وكذلك الهمزة المنقلبة بعدها» أى : الهمزة المنقلبة عن الألف المنقلبة عن واو أو ياء بعد
الألف الزائدة التى تلى ياء التصغير يعرض فيه سبب قلب الألف ياء كما مر ، ويزول
سبب قلب اللام ألفا ؛ إذ من جملته الألف الزائدة والفتحة التى
__________________
قبلها ، ويعرض سبب آخر لقلب اللام ياء ، إن كان واوا ؛ ثم سبب آخر لحذف ذلك
اللام ، وذلك أنه إذا اجتمع ثلاث ياآت والأخيرة متطرفة لفظا كما فى أحىّ أو تقديرا
كما فى معية وثانيتها مكسورة مدغم فيها ، ولم يكن ذلك فى الفعل كما فى أحييّ
ويحيىّ ولا فى الجارى عليه نحو المحيى ؛ وجب حذف الثالثة نسيا ، كما يجىء فى باب
الاعلال تحقيقه
فاذا حقر نحو
عطاء قلب ألفه ياء كما فى حمار : فيرجع لام الكلمة إلى أصلها من الواو لزوال الألف
قبلها ، ثم تنقلب ياء لتطرفها مكسورا ما قبلها ؛ فتجتمع ثلاث ياآت : الأولى
للتصغير ، والثانية عوض من الألف الزائدة ، والثالثة عوض عن لام الكلمة ، فتحذف
الثالثة نسيا ، فيبقى عطىّ ، ويدور الاعراب على الثانية
وكذا إداوة ،
لا فرق بينهما ، إلا أن لام إداوة لم تنقلب ألفا ثم همزة ؛ لأنها لم تتطرف كما
تطرف لام عطاء
وأما غاوية
فانك تقلب ألفها واوا كما فى ضارب ؛ فتجتمع ياء التصغير والواو التى هى عين الكلمة
، فتنقلب ياء لسكون الأولى ، فيجتمع ثلاث ياآت : ياء التصغير ، وبعدها العين ، ثم
اللام
وأما معاوية
فانك تحذف ألفها كما فى مقاتل ؛ فتزيد ياء التصغير ، وتنقلب العين ياء لما ذكرنا ؛
قال
٣٧ ـ وقاء مّا معيّة من أبيه
|
|
لمن أو فى
بعقد أو بعهد
|
__________________
وكذا يجتمع فى
أحوى ثلاث ياآت بسبب قلب العين ياء ، فبعد حذف
__________________
الياء الثالثة كان سيبويه يمنع صرفه ، لأنه وإن زال وزن الفعل لفظا وتقديرا
أيضا بسبب حذف اللام نسيا ، لكن الهمزة فى الأول ترشد إليه وتنبه عليه ، كما منع
صرف نحو يعد ويرى اتفاقا ، وإن نقص عن وزن الفعل بحذف الفاء والعين وجوبا ، وكان
عيسى بن عمر يصرفه ، نظرا إلى نقصان الكلمة عن وزن الفعل نقصانا لازما ، بخلاف نحو
أرس فى تخفيف أرأس ، فان النقص فيه غير لازم وليس بشىء ، لأن الواجب والجائز كما ذكرنا فى مثله سواء
مع قيام حرف المشابهة وكان أبو عمرو بن العلاء لا يحذف الثالثة نسيا ، بل إنما
يحذفها مع التنوين حذف ياء قاض ومع اللام والاضافة يردها كالأحيّى ، قال الفارسى :
إنما فعل ذلك لمشابهته فى اللفظ الفعل ، فكأنه اسم جار عليه مثل المحيّ وكذا يلزمه
أن يقول فى تصغير يحيى يحىّ ، ورد سيبويه على ابن العلاء بقولهم فى عطاء : عطىّ ،
بحذف الثالثة
__________________
إجماعا ، ولا يلزمه ذلك على ما اعتذر له أبو على وقد مر جميع هذا فى باب
غير المنصرف
ومن قال أسيود
قال فى معاوية وغاوية : معيوية ، وغويوية ، وفى أحوى احيو ، إذ لم يجتمع ثلاث ياآت
حتى تحذف الثالثة نسيا.
والكلام فى صرف
أحىّ عند أبى عمرو ومنع صرفه ، وكذا فى صرف أحيو ومنعه ، والبحث فى أن التنوين
فيهما للصرف أو للعوض كما مر في جوار فى باب مالا ينصرف سواء .
__________________
وقول المصنف «حذفت
الأخيرة نسيا على الأفصح» يومى إلى أنه لا تحذف على غير الأفصح ، وليس كذلك ، بل
الواجب فى الياء المقيدة بالقيود المذكورة الحذف اتفاقا ، إلا فى نحو أحىّ مما فى
أوله شبه حرف المضارعة ، فان أبا عمرو لا يحذفها نسيا كما مر ، قال السيرافى :
تقول فى عطاء : عطى ، وفى قضاء قضى ، وفى سقاية سقيّة ، وفى إداوة أديّة ، ثم قال
: فهذا لا يجوز فيه غيره ، وقال ابن خروف فى مثله : إن القياس إعلاله إعلال قاض ،
لكن المسموع حذف الثالثة نسيا ، بل قال الاندلسى والجوهرى : إن ترك الحذف مذهب
الكوفيين ، وأنا أرى ما نسبا إليهم وهما منهما
وكذا تحذف
الياء المشددة المتطرفة الواقعة بعد ياء مشددة ، إذا لم يكن الثانية للنسبة كما
إذا صغرت مروية اسم مفعول من روى قلت : مرية ، والأصل مريّيّة ، وكذا تصغر أرويّة
فيمن قال أنها أفعولة ، وأما من قال فعليّة والياء
__________________
للنسبة فأنه يقول فى تصغيرها أريّيّة بيائين مشددتين ، كما إذا صغر غزوىّ المنسوب
إلى الغزو قيل : غزّييىّ ، وكذا يصغر علوى وعدوى على عليّىّ وعديّىّ بياءين
مشددتين
وإنما لم تحذف
شيئا إذا طرأ التصغير على المنسوب كما فى الأمثلة المذكورة وحذفت ياء التصغير إذا
طرأ النسب على المصغر فى نحو أموىّ وقصوىّ المنسوبين إلى أميّة وقصىّ لأن المنسوب
في مصغر المنسوب هو العمدة إذ هو الموصوف ، ألا ترى أن معنى علّييّ علوى مصغر فلم
يجز إهدار علامته ، وكذا لا يهدر علامة المصغر
__________________
إذ هو الطارىء ، والطارىء إذا لم يبطل حكم المطرو عليه لمانع فلا أقل من أن
لا يبطل حكمه بالمطرو عليه ، وأما المنسوب إلى المصغر فليس المصغر فيه عمدة ؛ إذ
ليس موصوفا ، بل هو من ذنابات المنسوب ، إذ معني قصوىّ منسوب إلى قصى فجاز إهدار
علامته إجابة لداعى الاستثقال ، وأما النسبة فطارئة فلا تهدر علامتها فعلى هذه
القاعدة ينسب إلى جهينة جهنى بحذف الياء ، ثم إذا صغرت جهنيّا زدت الياء فقلت
جهينى
قال : «ويزاد
فى المؤنّث الثّلاثىّ بغير تاء تاء كعيينة وأذينة ، وعريب وعريس شاذّ ، بخلاف
الرّباعىّ كعقيرب ، وقديديمة ووريّئة شاذّ ، وتحذف ألف التّأنيث المقصورة غير
الرّابعة كجحيجب وحويلىّ فى جحجبى وحولا يا وتثبت الممدودة مطلقا ثبوت الثّانى فى
بعلبكّ»
أقول : أعلم أن
التصغير يورد فى الجامد معنى الصفة ، ألا ترى أن معنى رجيل رجل صغير ، فالاسم
المصغر بمنزلة الموصوف مع صفته ، فكما أنك تقول : قدم صغيرة. بالحاق التاء فى آخر
الوصف ، قلت : قديمة ، بالحاق التاء فى آخر هذا الاسم الذى هو كآخر الوصف ،
والدليل على عروض معنى الوصف فيه أنك لا تقول رجلون لعدم معنى الوصف وتقول فى
تصغير رجال : رجيلون ، وإنما لم يرفع المصغر لا ضميرا ولا ظاهرا مع تضمنه معنى الوصف كما ترفع سائر
الأوصاف من اسمى الفاعل والمفعول والصفة المشبهة والمنسوب لأنها إنما ترفع من
الضمير والظاهر أصحابها المخصوصة التى لا تدل ألفاظ الوصف عليها إذ الصفات لم توضع
لموصوفات معينة ، بل صالحة لكل موصوف ، فان حسنا فى قولك «رجل حسن» لا يدل على رجل
فرفع ضميره ، وكذا لا يدل على وجهه فى قولك «رجل حسن وجهه» فرفعه ، والموصوف
__________________
المخصوص فى رجيل مدلول عليه بتركيب هذا اللفظ مع الوصف ، فلا يحتاج إلى رفع
ما هو موصوفه حقيقة ، ولما رأى بعض النحاة أن التصغير يورد فى الاسم معنى الوصف
ورأوا أن العلم لا معنى للوصف فيه قالوا : تصغير الأعلام ليس بوجه ، وليس ما
توهموا بشىء ؛ لأنك لا تجعل بالتصغير عين المكبر نعتا حتى يرد ما قالوا ، بل تصف
بالتصغير المكبر ، إلا أنك تجعل اللفظ الواحد ـ وهو المصغر ـ كالموصوف والصفة ، ووصف
الأعلام غير مستنكر ، بل شائع كثير ، وإنما لم يلحقوا التاء بآخر ما زاد على ثلاثة
من الأسماء فى التصغير لأنهم لما قصدوا فيه ذكر الموصوف مع صفته بلفظ واحد توخّوا
من الاختصار ما يمكن ، ألا ترى إلى حذفهم فيه كل ما زاد على أربعة من الزائد
والأصلى ، وهذا هو العلة فى تخفيفات الملحق به ياء النسب ، لأن المنسوب أيضا
كالصفة مع الموصوف مع ثقل الياء المشددة فى آخر الاسم الذى هو موضع الخفة ، لكنك
لم تحذف فى النسب الزائد على الأربعة لكون علامة النسبة كالمنفصل من المنسوب ،
بخلاف علامة التصغير ، فالمقصود أنهم اجترؤا فى الثلاثى الذى هو أخف الأبنية ـ لما
طرأ فيه معنى الوصف ـ على زيادة التاء التى تلحق آخر أوصاف المؤنث ، فلما وصلوا
إلى الرباعى وما فوقه والتاء وإن كانت كلمة برأسها إلا أنها كحرف الكلمة المتصلة
هى بها لم يروا زيادة حرف على عدد حروف لو زاد عليها أصلى طرحوه فى التصغير ،
فقدروا الحرف الأخير كالتاء ، إذ هى محتاج إليها لكون الاسم وصفا ، فقالوا : عقيّب
وعقيرب
__________________
وإذا كان الاسم
المؤنث على أكثر من ثلاثة لكنه يعرض فيه فى حال التصغير ما يرجع به إلى الثلاثة
وجب زيادة التاء فيه ، نحو سميّة في سماء ، لأنه يجتمع فيه ثلاث ياآت فتحذف
الأخيرة نسيا كما ذكرنا
وكذا إذا صغرت
الثلاثى المزيد فيه نحو عناق وعقاب وزينب تصغير الترخيم قلت : عنيقة ، وعقيبة ،
وزنيبة
وإن كان
الثلاثى جنسا مذكرا فى الأصل وصف به المؤنث ـ نحو امرأة عدل أو صوم أو رضى ـ فانك
تعتبر الأصل فى التصغير ، وهو التذكير ، ولا تزيد فيه التاء نحو : امرأة رضىّ
وعديل وصويم ، كما أن نحو حائض وطالق لفظ مذكر جعل صفة لمؤنث ، وإن كان معناه لا
يمكن إلا فى المؤنث ، فاذا سمى بمثله مذكر صرف ؛ لكونه الآن علم مذكر ليس فيه تاء
ظاهرة ولا حرف قائم مقامها فى الوضع ، كما كان فى عقرب إذ وضع نحو لفظ حائض ـ كما
مر فى غير المنصرف على التذكير كضارب وقاتل ، فاذا صغرت نحوه تصغير الترخيم لم تزد
__________________
التاء ، لكونه مذكرا فى الأصل ، فتقول : حييض وطليق
وإذا سميت
مؤنثا بثلاثى مذكر نحو شجر وحجر وزيد ثم صغرته زدت التاء وكذا إذا سميت مؤنثا
بمؤنث ثلاثى لم يكن تدخل التاء فى تصغيره قبل العلمية كحرف وناب ودرع
فان قلت : فكيف
راعيت الأصل فى نحو امرأة عدل وصوم ، ولم تقل عديلة وصويمة ولم تراع ذلك فى العلم؟؟
قلت : لأن
الوصف غير مخرج عن أصله بالكلية ، إذ معنى «امرأة عدل» كأنها من كثرة العدل تجسمت
عدلا ، ومعنى «امرأة حائض» إنسان حائض ، فقد قصدت فيهما المعنى الأصلى الذى وضع
اللفظ باعتباره ، وأما فى العلم فلم تقصد ذلك ، لأنه منقول ووضع ثان غير الوضع
الأول وغرضه الأهم الابانة عن المسمى ، لا معناه الأصلى ، فاذا سميت بالحجر فهو
كما لو سميت بغطفان وغيره من المرتجلات ، وقليلا ما يراعى فى العلم معنى المنقول
منه
وكذا إذا سميت
مذكرا بمؤنث مجرد عن التاء كأذن وعين لم تلحق به التاء في التصغير ، لأنه ـ كما
ذكرنا ـ وضع مستأنف ، ويونس يدخل التاء فيه ، فيقول : أذينة وعيينة ، استدلالا
بأذينة وعيينة ، علمى رجلين ، وهذان عند النحاة إنما سمى المذكران بهما بعد
التصغير ، فلا حجة فيه
وإذا سميت
مذكرا بنحو أخت وبنت وصغرته حذفت التاء ، فتقول : أخىّ ، برد
__________________
اللام المحذوفة المبدلة منها التاء ؛ إذ لا يتم بنية التصغير بالتاء كما
ذكرنا ، ولا تأتى بعدها بالتاء لأنه مذكر إذن
واعلم أنه قد
شذت من الثلاثى أسماء لم تلحقها التاء فى التصغير : ذكر سيبويه منها ثلاثة ، وهى
الناب بمعنى المسنة من الابل ، وإنما قالوا فيها نييب لأن الناب من الأسنان مذكر ، والمسنة من الابل قيل لها ناب لطول نابها كما يقال
لعظيم البطن بطين بتصغير بطن ؛ فروعى أصل ناب فى التذكير ، وكذا قال فى الفرس فريس
لوقوعه على المذكر والمؤنث فغلّب وكذا قال فى الحرب ـ وهى مؤنثة ـ :
__________________
حريب ؛ لكونها فى الأصل مصدرا ، تقول : نحن حرب ، وأنتم حرب ، وذكر الجرمى
من الشواذ درع الحديد ، والعرس وهى مؤنثة ، قال : ـ
٣٨ ـ إنّا وجدنا عرس الحنّاط
|
|
لئيمة مذمومة
الحوّاط
|
__________________
القوس ، وذكر غيرهما العرب والذّود والضّحى وقد شذ فى الرباعى قدام ووراء فألحق بمصغرهما الهاء والقياس تركها ، وحكى أبو حاتم
أميّمة فى أمام ، وقال : ليس بتبت ، قال السيرافى : إنما لحقتهما الهاء لأنهما
ظرفان : لا يخبر عنهما ، [ولا يوصفان] ولا يوصف بهما ، حتى يتبين تأنيثهما بشىء من
ذلك ، كما تقول : لسعت العقرب ، وعقرب لاسعة ، وهذه العقرب ؛ فأنثا
__________________
تيينا لتأنيثهما ، وفى وراء قولان : أحدهما أن لامه همزة ، قالوا : يقال : ورّأت بكذا : أى ساترت
به ، ومنه الحديث أن النبى صلىاللهعليهوسلم «كان إذا أراد سفرا ورّأ بغيره» وأصحاب الحديث لم يضبطوا الهمزة فرووا «ورّى
بغيره» ، وقال بعضهم : بل لامه واو أو ياء ، مثل كساء ورداء ، من ورّيت بكذا ، وهو
الأشهر ، فتصغيره على هذا ورية لا غير ، بحذف الياء الثالثة كما فى سميّة تصغير
سماء
ومذهب أبى عمرو
أنه إذا حذف ألف التأنيث المقصورة خامسة فصاعدا كما يجىء أبدل منها تاء ، نحو
حبيّرة فى حبارى ولغيغيزة فى لغّيزى ، ولم ير ذلك غيره من النحاة ؛ إلا ابن الأنبارى فانه
يحذف الممدودة أيضا خامسة فصاعدا ، ويبدل منها التاء كالمقصورة ، ولم يوافقه أحد
فى حذف الممدودة
قوله «ويحذف ألف التأنيث المقصورة غير
الرابعة»
إنما تحذف
خامسة
__________________
فصاعدا لأنها لازمة للكلمة ، وصائرة كالحروف التى زيدت لبنية الكلمة ، مثل
ألف حمار ، مع أنها لا تفيد معنى التأنيث كما تفيده الرابعة نحو سكرى حتى تراعى
لكونها علامة ، وإذا كانت الحروف الأصلية تحذف خامسة فكيف بالزائدة كالأصلية ،
فاذا صغرت العرضنى قلت عريضن ، والنون للالحاق ، فهو بمنزلة أصلى رابع ،
وكذا إذا صغرت العبدّى قلت عبيدّ ، بحذف الألف ؛ لأن إحدى الدالين وإن كانت
زائدة إلا أنها تضعيف الحرف الأصلى ؛ فتحصنت من الحذف بذلك ، وبكونها ليست من حروف
«اليوم تنساه» وبكونها ليست فى الطرف ، بخلاف ألف التأنيث فانها عارية من الثلاثة
، وكذا تقول فى لغيّزى لغيغيز بحذف الألف ، دون إحدى الغينين ، كما أنك لا تحذف فى
تصغير عفنجج غير النون ؛ لأن إحدى الجيمين تضعيف لحرف أصلى ، وليست
من حروف «اليوم تنساه» ، ولا تحذف ياء لغّيزى فى التصغير ؛ لأنها لا تخل ببنيته ،
بل تصير مدا قبل الآخر كما فى عصيفير ، كما أنك لا تحذف من
__________________
حولايا ـ وهو اسم رجل ـ غير ألف التأنيث ، ولا تحذف الألف التى بعد اللام
لأنها مدة رابعة لا تحذف فى التصغير ، بل قد تجلب لتكون عوضا من زائد محذوف فى
موضع آخر ، نحو مطيليق فى منطلق ، فالاخلال بالبنية فى حولايا ولغّيزى من ألف
التأنيث ، لا من الألف والياء المتوسطتين ؛ إذ لو حدفتهما وقلت لغيغزى وحويليا
لوقعت ألف التأنيث خامسة موقع اللام فى سفيرجل ، فاحتجت إلى حذفها أيضا ، وأما فى
نحو حبارى فكل واحدة من ألف التأنيث والألف المتوسطة متساويتان فى الإخلال ببنية
التصغير ، وأيتهما حذفت تحصل البنية ، إذ لو حذفت المتوسطة لم تكن ألف التأنيث
خامسة ، بل تقول : حبيرى كحبيلى ، ولو حذفت ألف التأنيث قلت : حبيّر كحميّر ؛
فالألفان إذن متساويتان كالألف والنون فى حبنطى ، تقول : حبينط وحبيط ، فان ترجحت
الثانية ـ بكونها فى الأصل علامة التأنيث فلا تحذف ـ ترجحت الأولى بالتوسط ؛ فمن
ثمّ حازفيه حبيّر وحبيرى ؛ وإذا صغرت برد رايا حذفت الألفين والياء بينهما ، وقلت بريدر ؛ لاخلال
الجميع بالبنية
هذا كله فى ألف
التأنيث المقصورة ، وأما الممدودة فى نحو خنفساء ، والألف والنون فى نحو زعفران
وظربان ، وياء النسب فى نحو سلهبيّ ، والنون للمثنى ، والواو والنون فى جمع المذكر ،
والألف والتاء فى جمع المؤنث ، نحو ضاربان وضاربون وضاربات ، فجميعها ـ لكونها على
حرفين ـ وكذا تاء التأنيث لكونها
__________________
متحركة صارت كأنها اسم ضم إلى اسم ، كما فى نحو بعلبكّ ؛ تمت بنية التصغير
دون هذه الزوائد ، ولم تخل بها ، بخلاف الألف المقصورة فانها حرف واحد ساكنة خفية
ميتة ، لا يصح أن تقدر ككلمة مستقلة ، بل هى كبعض الحروف المزيدة فى البنية نحو
مدّات عماد وسعيد وعجوز ، فحبيلى كسفيرج ، كما أن حبالى كسفارج ، لو لا المحافظة
فى الموضعين على علامة التأنيث لكسر ما قبلها ، فلا تقول : إن بنية التصغير تمت
قبل الألف فى حبيلى وإنه كطليحة ، كما لا تقول : إن بنية الجمع تمت قبلها فى حبالى
فعلى هذا إذا
صغرت [نحو] ظريفان وظريفون وظريفات أجناسا قلت : ظريّفان وظريفّون وظريّفات ،
بالياء المشددة قولا واحدا ، وكذا عند المبرد إذا جعلتها أعلاما ؛ لأن هذه
الزيادات وإن لم تكن حال العلمية مفيدة لمعان غير معانى الكلمات المتصلة هى بها
حتى تعدّ كالكلم المستأنفة بل صارت المدّات بسبب العلمية كمدات عمود وحمار وكريم ؛
لكنها كانت قبل العلمية كالكلم المستقلة ، مثل تاء التأنيث ، فروعى الأصل ولم تغير
؛ وأما عند سيبويه فحالها أعلاما خلاف حالها أجناسا : هى فى حال العلمية بالنظر
إلى أصلها [منفصلة] كالتاء ، وبالنظر إلى العلمية كأنها من تمام بنية الكلمة ، فلا
جرم أنه أبقى هذه الزيادات بحالها فى حال العلمية إبقاء ثانية كلمتى بعيلبكّ
وثنيّا عشر وثنيّتا عشرة ، وحذف المدات إن كانت قبلها نحو ياء ظريفان وظريفون
وظريفات ، وألف نحو جداران ودجاجات ، وواو نحو عجوزات ، إذا كانت هذه الأسماء
أعلاما ؛ لجعل الزيادات اللاحقة كبعض حروف بنية الكلمة ؛ فتستثقل معها ، ومن ثم
قال يونس فى ثلاثون جنسا ثليثون بحذف الألف ؛ لأن الواو والنون كجزء الكلمة ؛ إذ
ليس بجمع ثلاث ، وإلا كان أقل عدد يقع عليه تسعة كما مر فى أول شرح الكافية ، وكذا
قال سيبويه فى بروكاء وبراكاء
وقريثاء إنه بحذف الواو والألف والياء ؛ لجعل الألف الممدودة
كالجزء من وجه وغير الجزء من آخر ، على ما بينا. فقال : بريكاء وقريثاء مخففين ،
والمبرد يشدد نحوهما ؛ لأنه لا يحذف شيئا ؛ قال سيبويه : لو جاء فى الكلام فعولاء
بفتح الواو لم تحذفها حذف واو جلولاء ، لأنها تكون إذن للالحاق بحر ملاء فتكون كالأصلية ، وأما واو بروكاء وجلولاء فمدة ضعيفة
فلا مبالاة بحذفها لاقتضاء القياس المذكور ذلك ؛ وإذا صغرت معيوراء ومعلوجاء لم يحذف الواو ؛ لأن لمثل هذه المدة حالا فى الثبات
ليست لغيرها ، كما قلنا فى ألف حولايا التى قبل الياء ، وأما مع تاء التأنيث فلا
خلاف أن المدة الثالثة لا تحذف ، نحو دجاجة ودجاجتان ،
__________________
علما كانت أولا ؛ لأن أصل تاء التأنيث على الانفصال ، تقول : دجيّجة
ودجيّجتان ، قولا واحدا كبعيلبك.
وإذا صغرت نحو
حبلوى وملهوى وهو كسهلبىّ كسرت ما قبل الواو ؛ لأن ما بعد ياء التصغير فى الرباعى
مكسور لا غير ، فتنقلب الواو ياء مكسورة ، ولا يجوز فتح ما قبلها كما فتحته فى
المنسوب إلى ملهي وحبلى ؛ لما ذكرنا ، فلم يبق إلا حذف الياء المنقلبة من الواو ؛
كما حذفت [فى] غازىّ وقاضىّ المنسوبين إلى غاز وقاض ، ولم يمكن حذف ياء النسب
لكونها علامة ولتقويها بالتشديد. وإنما كسر ما قبل واو حبلوى فى التصغير وإن كانت
بدلا من حرف لا يكون ما قبلها فى التصغير إلا مفتوحا ـ أعنى ألف التأنيث ـ نحو
حبيلى ؛ لتغير صورة الألف ، فلم يبق لها الحرمة الأصلية لزوال عين الألف ، هذا ،
وجحجبى : قبيلة من الانصار ، وحولايا : اسم رجل.
قال : «والمدّة
الواقعة بعد كسرة التّصغير تنقلب ياء إن لم تكنها ، نحو مفيتيح وكريديس ، وذو
الزّيادتين غيرها من الثّلاثىّ يحذف أقلّهما فائدة كمطيلق ومغيلم ومضيرب ومقيدم فى
منطلق ومغتلم ومضارب ومقدّم ؛ فإن تساويا فمخيّر كقليسية وكقلينسة وحبينط وحبيط ،
وذو الثّلاث غيرها تبقّى الفضلى منها كمقيعس فى مقعنسس ، ويحذف زيادات الرّباعىّ كلّها
مطلقا غير المدّة كقشيعر فى مقشعرّ وحريجيم فى احرنجام ويجوز التّعويض من حذف
الزّيادة بمدّة بعد الكسرة فيما ليست فيه كمغيليم فى مغتلم»
أقول : يعنى
بكسرة التصغير الكسرة التى تحدث فى التصغير بعد يائه ، والمدة إما واو كما فى
عصفور وكردوس ـ وهو جماعة الخيل ـ أو ألف كما فى مفتاح
ومصباح ، ولا حاجة إلى التقييد بالمدة ، بل كل حرف لين رابعة فانها فى التصغير تصير ياء ساكنة
مكسورا ما قبلها إن لم تكن كذلك ، إلا ألف أفعال وفعلان ، وألفى التأنيث ، وعلامات
المثنى والجمعين ، فيدخل فيه نحو جليليز وفليليق فى تصغير جلّوز وفلّيق وإن لم تكن الواو والياء مدا ، وكذا الواو
والياء المتحركتان كما فى مسرول ومشريف ، تقول : مسبريل ومشيريف ، وكذا تقول فى ترقوة : تريقية ، ويجب سكون كل ياء بعد كسرة التصغير ، إذا لم تكن حرف
إعراب كما فى رأيت أريطيا إلا إذا كان
__________________
بعدها تاء التأنيث كتريقية ، أو الألف الممدودة كسييمياء فى سيمياء ، أو الألف والنون المضارعتان لألفى التأنيث كعنيفيان
فى عنفوان
قوله «إن لم تكنها» أى : إن لم تكن ياء : لأن الياء لا تقلب ياء
قوله «وذو الزيادتين غيرها» أى : غير المدة الرابعة ، والأولى أن يقال غير حرف اللين
الرابعة ؛ ليكون أعم
اعلم أن
الثلاثى إذا كان ذا زيادة واحدة لم تحذفها : فى الأول كانت كمقتل وأسود ، أو في
الوسط ككوثر وجدول وخاتم وعجوز وكبير وحمار أو فى الآخر كحبلى وزيدل
وإن كان ذا
زيادتين غير المدة المذكورة لم يمكن بقاؤهما ؛ إذ الخماسى يحذف حرفه الأصلى ، فكيف
بذى الزيادة؟ فاذا لم يكن بد من الحذف اقتصر على
__________________
حذف إحداهما ، إذ هو قدر الضرورة ، وتصير الكلمة بذلك على بنية التصغير ،
فلا يرتكب حذفهما معا
فالزيادتان إما
أن تكونا متساويتين ، أو تكون إحداهما الفضلى ؛ فان فضلت إحداهما الأخرى حذفت
المفضولة
والفضل يكون
بأنواع :
منها : أن تكون
الزيادة فى الأول كميم منطلق ومقتدر ومقدّم ومحمر وكهمزة ألندد وأرندج وكياء يلندد ويرندج ، فالأولى بالابقاء أولى لأن
الأواخر محل التغيير لتثاقل الكلمة إذا وصلت إليها ، ثم بعد ذلك الأوساط أولى ،
وأما الأوائل فهى أقوى وأمكن منهما ، وهى مصونة عن الحذف إلا فى القليل النادر ،
إذ الكلمة لا تثقل بأول حروفها ولميم نحو منطلق ومقتدر فضيلتان أخريان : كونها
ألزم من الزائد المتأخر ، إذ هى مطردة فى جميع اسمى الفاعل والمفعول من الثلاثى
المزيد فيه ومن الرباعى ، وكونها طارئة على الزائد المتأخر ، والحكم للطارىء.
ومن أنواع
الفضل أن يكون أحد الزائدين مكرّر الحرف الأصلى دون الآخر ؛ فالمكرر بالإبقاء أولى
؛ لكونه كالحرف الأصلى ، فجيم عفنجج ودال غدودن أولى بالإبقاء من الباقيين ، وكذا المضعف فى خفيدد
وحمارّة وصبارّة أفضل
__________________
من الباقى ، هذا مع أن النون والواو والياء والألف أبعد من الطرف ، إلا
أنها ضعفت بالسكون ، وأما قطوطى ـ وهو البطىء المشى ـ فعند سيبويه فعوعل كغدودن ،
فتقول : قطيط ، أو قطيطىّ بابدال الياء من الواو المحذوفة ، وقال المبرد : بل هو
فعلعل ، وأصله قطوطو كصمحمح ، وقال : فعلعل أكثر من فعوعل ؛ فأحد المضعفين ـ أعنى
الطاء والواو الأولين أو الثانيين ـ زائد كما فى صمحمح وبرهرهة ، قال سيبويه : جاء منه اقطوطى إذا أبطأ فى مشيه ، وهو
افعوعل كاغدودن ، وافعلعل لم يأت فى كلامهم ، ولو كان أيضا فعلعلا كما قال المبرد
كان القياس حذف الواو الأولى ، على ما ذكرنا فى شرح معنى الإلحاق أن صمحمحا
وبرهرهة يجمعان على صمامح وبراره
وإذا صغرت
عطوّدا فعند سيبويه تحذف الواو الأولى ، لانهما وإن كانتا
زائدتين لكن الثانية أفضل وأقوى لتحركها وسكون الأولى ، فتقول : عطيّد ؛ وبالابدال
عطيّيد ، وقال المبرد : لا يجوز حذف إحدى الواوين ، لأن عطوّدا كمسرول ، والواو
الرابعة ساكنة كانت أو متحركة لا تحذف كما ذكرنا ، فكما قلت هناك مسيريل تقول هنا
: عطيّيد ، بالمد لا غير
وإذا حقر عثولّ ـ وهو ملحق بجردحل ـ بزيادة الواو وإحدى اللامين ـ
فمذهب سيبويه ، وحكاه عن الخليل ، وقال : هو قول العرب ، أنك
__________________
تحذف آخر اللامين دون الواو ، وإن كان تضعيف الحرف الأصلي ؛ لكونه طرفا مع
تحرك الواو ، بخلاف ياء خفيدد ، وأيضا للقياس على الخماسى الملحق هو به ، وقال المبرد
، وحكاه عن المازنى : إنك تقول عثيلّ نظرا إلى كون اللام مضعف الحرف الأصلى دون
الواو ، وإذا كان السماع عن العرب على ما ذكر سيبويه مع أنه يعضده قياس ما فلا وجه
لما قال المبرد لمجرد القياس
وإذا صغرت
ألنددا فانك تحذف النون قولا واحدا ؛ لأن الدالين أصليان ، إذ هو من اللّدد ،
والهمزة لتصدرها تحصّنت من الحذف فاذا حذفتها قال سيبويه أليدّ بالإدغام كأصيمّ ،
وقال المبرد : بل أليدد بفك الإدغام لموافقة أصله ، وقول سيبويه أولى ؛ لأنه كان
ملحقا بالخماسى لا بالرباعى ، فلما سقطت النون لم يبق ملحقا بالخماسى ، ولم يقصد فى
الأصل إلحاقه بالرباعى حتى يقال أليدد كفريدد ، فتقول على هذا فى عفنجج عفيجّ بالادغام أيضا كأصيمّ
وإذا صغرت
ألببا وحيوة وفكّ الإدغام فيهما شاذ ، قلت : أليبّ وحييّة بالإدغام
فيهما ؛ لأن هذا الشذوذ مسموع فى المكبر لا فى المصغر ، فلا تقيسهما فى الشذوذ على
مكبريهما ، بل يرجعان إلى أصل الإدغام
وإن كانت
الزيادتان فى الثلاثى متساويتين من غير فضل لإحداهما على الأخرى فأنت مخير فى حذف
أيتهما شئت ، كالنون والواو فى القلنسوة ، ولو قيل إن حذف الواو لتطرفها أولى لم
يبعد
__________________
قيل : وكذلك
الخيار فى حذف النون أو الألف فى حبنطي ؛ إذ هما للالحاق وليس أحدهما أفضل ، ولو قيل فى
الموضعين حذف الأخير لتطرفه أولى مع جواز حذف الأول ؛ لكان قولا
وكذا قيل
بالتخيير بين ألف عفرنى ونونه ؛ إذ هما للالحاق ، بدليل عفرناة.
__________________
وأما العرضنى
فالألف فيه للتأنيث ، فحذفها واجب ؛ لكونها خامسة فى الطرف ، دون النون ، كما مر
وحذف الألف
الأولى فى مهارى علما أرجح من جهة مشابهة الأخيرة للأصلى ، بانقلابها ،
وحذف الثانية أرجح من جهة كونها أخيرة فتساوتا
وأنت مخير فى
حنظأو بين حذف الواو والنون ، والواو أولى ، وأما الهمزة فبعيد زيادتها فى الوسط
، كما يجىء فى باب ذى الزيادة ، قال سيبويه : أنت مخير فى حذف واو كوألل أو إحدى اللامين ، وأما الهمزة فأصلية لبعد زيادتها فى
الوسط ، فان رجحنا حذف اللام بكونها فى الطرف ووقوعها كشين جحمرش ترجح حذف الواو
بسبب كون اللام مضعف الحرف الأصلى
__________________
وكذا كان ينبغى
أن يكون مذهبه التخيير فى زيادتى عثولّ
ومما أنت مخير
فيه نحو جمادى وسمانى وحبارى كما مر
وقال سيبويه :
وليس مهارى وصحارى علمين كحبارى ؛ فإن الألف الأخيرة فى حبارى للتأنيث ؛ فصار لها
وإن كانت فى الآخر ثبات قدم ، بخلاف الألف الأخيرة فى مهارى وصحارى ؛ فإنها ليست
للتأنيث ؛ بل هى بدل من الياء التى هى بدل من ألف التأنيث كما يجىء فى الجمع ، فهى
بالحذف أولى
وفى ثمانية
وعلانية وعفارية رجح سيبويه حذف الألف لضعفها وقوة الياء ، ولكون الياء
فى مقام الحرف الأصلى فى نحو ملائكة وعذافرة فهى للالحاق دون الألف ؛ قال : وبعض العرب يقول :
ثميّنة وعفيّرة ، بحذف الأخير ؛ لكونه فى الطرف الذى هو محل التغيير
__________________
وأما نحو قبائل
وعجائز علما فسيبويه والخليل اختارا حذف الألف لضعفها. ويونس اختار حذف الهمزة
لقربها من الطرف ، فإذا صغرت على هذا مطايا قلت : مطىّ ، بياء مشددة على القولين :
أما الخليل فإنه يحذف الألف التى بعد الطاء فيصير مطيا فتدخل ياء التصغير قبل هذه
الياء وتكسر هذه الياء فتنقلب الألف لكسرة ما قبلها ياء ، فيجتمع ثلاث ياآت كما فى
تصغير عطاء ، فتحذف الثالثة نسيا ، وأما يونس فيحذف الياء التى هى بدل من الهمزة
فيبقى ألفان بعد الطاء فتدخل ياء التصغير قبل الأولى ، فتنقلب الأولى ياء مكسورة
كما فى حمار ، فتنقلب الثانية أيضا ياء لكسرة ما قبلها ؛ فيصير مثل تصغير عطاء ، فيحذف
ثالثة الياآت ؛ ولا يقال ههنا مطىء بالهمزة كما قال الخليل فى رسائل رسيئل ؛ لأن
هذه الهمزة لم تثبت قط فى الجمع ثبوت همزة رسائل ، بل تجعل الياء الزائدة همزة
وتقلب الهمزة بلا فصل ياء مفتوحة كما يجىء فى موضعه
ولو صغرت خطايا
قلت : خطّىء ، بالهمزة أخيرا ؛ لأنك إن حذفت الألف التى بعد الطاء على قول الخليل
وسيبويه ؛ فعند سيبويه يرجع ياء خطايا إلى أصلها من الهمزة لأنها إنما أبدلت ياء
لكونها فى باب مساجد بعد الألف ، وترجع فى الحال الهمزة إلى أصلها من الياء
الزائدة التى كانت بعد الطاء فى خطيئة ؛ فترجع الهمزة التى هى لام إلى أصلها ؛ لأنها إنما انقلبت ياء لاجتماع همزتين مكسورة أولاهما
، وعند الخليل
__________________
إنما قلبت الهمزة إلى موضع الياء خوفا من اجتماع همزتين ؛ فإذا لم تنقلب
الأولى همزة بسبب زوال ألف الجمع لم تقلب الهمزة إلى موضع الياء ، بل تبقى فى
موضعها
وإن حذفت ياء
خطايا على قول يونس رجعت الهمزة أيضا إلى أصلها ، لعدم اجتماع همزتين ، فتقول أيضا
: خطّىء ، كحميّر.
قوله «وذو الثلاث غيرها» أى : الثلاثى ذو الزوائد الثلاث غير المدة المذكورة تبقى
الفضلى من زوائده الثلاث ، على ما قلنا فى ذى الزيادتين ، وتحذف الثنتان فى نحو
مقعنسس ، قال سيبويه : تحذف النون وإحدى السينين ؛ لكون الميم أفضل منهما ، وقال
المبرد : بل تحذف الميم كما تحذف فى نحو محرنجم ؛ لأن السين للالحاق بحرف أصلى ؛
وقول سيبويه أولى ، لأن السين وإن كانت للالحاق بالحرف الأصلى وتضعيف الحرف الأصلى
، لكنها طرف إن كانت الزائدة هى الثانية ، أو قريبة من الطرف إن كانت هى الأولى ، والميم لها قوة التصدر مع كونها مطردة فى
__________________
معنى ، كما ذكرنا قبل ، وإن حذفت فى مغدودن الدال الأولى فلا بد من حذف
الواو أيضا فيبقى مغيدن ، وإن حذفت الثانية وقعت الواو رابعة فلا يحتاج إلى حذفها
لأنها تصير مدة نحو مغيدين ، وإن كانت إحدى الزوائد حرف اللين المذكورة ـ أعنى
الرابعة ـ لم تحذفها قطعا ، وتكون المعاملة مع الزائدتين الباقيتين ، وكأن ذلك
اللين ليس فيه ، تقول فى تملّاق تميليق ، بالمد ؛ وإنما حذفت إحدى اللامين وإن كانت من
تضعيف الأصلى لأن التاء أفضل منهما بالتصدر ، ومجيئها فى مصادر كثيرة بلا تضعيف ،
كالتّفعلل والتّفاعل والتّفعيل والتّفوعل ، ويسقط جميع همزات الوصل ، فى الرباعى
كانت أو فى الثلاثى ، تقول فى افتقار وانطلاق : فتيقير ونطيليق ، وفى احرنجام :
حريجيم لأنك تضم أول حروف الكلمة فى التصغير ، فلو لم تحذف الهمزة ضممتها ، فكانت
تسقط فى الدرج فتنكسر بنية التصغير ، وتقول فى الثلاثى ذى أربعة الزوائد مع المد
نحو استخراج : تخيريج ، وإنما كان سقوط السين أولى من سقوط التاء إذ لا تزاد السين
فى أول الكلمة إلا مشفوعة بالتاء ، فلو قلنا سخيريج لكان سفيعيلا وليس له نظير ؛
وأما تفيعيل فهو كالتّجيفيف والتاء تزاد فى الأول بلا سين ، وتقول
__________________
فى اشهيباب واغديدان واقعنساس : شهيبيب وغديدين وقعيسيس ، وحذف الهمزة لا
بد منه لما ذكرنا ، ثم حذف الياء والنون أولى من حذف مضعف الأصلى ، وتقول في
اعلوّاط عليّيط ، بحذف الهمزة وإحدى الواوين ، وأصله عليويط ، وتقول فى
اضطراب : ضتيريب ، برد الطاء إلى أصلها من التاء ؛ لأن جعلها طاء إنما كان لسكون
الضاد ؛ فيكون التجاور إذن بين المطبقين ، أما إذا تحركت الضاد والحركة بعد الحرف
، كما ذكرنا ، فهى فاصلة بينهما ، ألا ترى أنك تقول حبطت بالتاء بعد الطاء لا غير ؛ فإذا أسكنت الطاء مع تاء المتكلم جاز عند بعض العرب أن
تقلب التاء طاء فيقال : حبطّ كما يجىء فى باب الإدغام
قوله «وتحذف زيادات الرباعى كلها مطلقا
غير المدة»
إنما وجب حذفها
إلا المدة ليتم بنية التصغير ، وإذا لم يكن من الحذف بد فالزائد [إن وجد] كان أولى
بالحذف من الأصلى ، تقول فى مدحرج وفيه زائد واحد : دحيرج ، وفى محرنجم وفيه اثنان
: حريجم ، وفى احرنجام وفيه ثلاثة : حريجيم ، بحذف الجميع ، إلا المدة ، وتقول فى
قمحدوة وسلحفاة : قميحدة وسليحفة وفى منجنيق : مجينيق ،
__________________
بناء على زيادة النون الأولى بدليل مجانيق ، وفى عنتريس ـ وهو الشديد ـ عتيريس بحذف النون
؛ لأنه من العترسة ، وهى الأخذ بشدة ، وفى خنشليل : خنيشيل ، لزيادة إحدى اللامين وعدم قيام دليل على زيادة
النون ، وفى منجنين : منيجين ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة
__________________
لتكررها ، فحذفت الأولى دون الثانية ؛ لأنك لو حذفت الثانية أحوجت إلى حذف
الياء أيضا ، وأيضا المسموع فى جمعه مناجين ، وكذلك تحذف الأولى من طمأنينة
وقشعريرة ؛ فتقول : طميئينة وقشيعيرة ، وتقول فى عنكبوت : عنيكب ، وسمع الأصمعى
عنيكبيت ، وهو شاذ ، وفى عيضموز وجحنفل وعجنّس : عضيميز ، وجحيفل ، وعجينس
قال سيبويه فى
تصغير إسماعيل وإبراهيم : سميعيل وبريهيم ، بحذف الهمزة ، ورد عليه المبرد بأن بعد
الهمزة أربعة أصول ؛ فلا تكون الهمزة زائدة كما فى إصطبل على ما يجىء فى باب ذى
الزيادة ، فاذن هما خماسيان ، فتحذف الحرف الأخير ؛ فتقول : أبيريه وأسيميع
كشميريخ ، والقياس يقتضى ما قاله المبرد ، إلا أن المسموع من
العرب ما قاله سيبويه ، كما روى أبو زيد وغيره عن العرب ، وحكى سيبويه عن العرب فى
تصغيرهما تصغير الترخيم بريه وسميع ،
__________________
وهو دليل على زيادة الميم فى إبراهيم واللام فى إسماعيل ؛ فتكون الهمزة فى
الأول وبعدها ثلاثة أصول كما مر ؛ ولو لا السماع فى تصغير الترخيم لم نحكم بزيادة
الميم واللام ؛ لأنهما ليستا مما يغلب زيادته فى الآخر
وأما إستبرق فأصله أيضا أعجمى فعرب ، وهو بالفارسية إستبر [ه] ؛
فلما عرب حمل على ما يناسبه فى الأبنية العربية ، ولا يناسب من أبنية الاسم شيئا ،
بل يناسب نحو استخرج ، أو تقول : يناسب نحو استخراج من أبنية الأسماء باجتماع
الألف والسين والتاء فى الأول ، فحكمنا بزيادة الأحرف الثلاثة حملا له على نظيره ،
ولا بد من حذف اثنتين من الحروف الزائدة ، فبقيّنا الهمزة لفضلها بالتصدر ، وليست
بهمزة وصل كما كانت فى استخراج حتى تحذف ، فحذفنا السين والتاء ، وكذا تحذف
الزيادة فى الخماسى مع الخامس الأصلى ، تقول فى قرعبلانة وقرطبوس : قريعبة وقريطب
قوله «ويجوز التعويض عن حذف الزائد» قال سيبويه : التعويض قول يونس ؛ فكل ما حذفت فى التصغير
، سواء كان أصليا كما فى سفرجل أو زائدا كما فى مقدّم ، يجوز لك التعويض منه بياء ساكنة
قبل الآخر ، إن لم يكن فى المكبر حرف علة فى ذلك الموضع ، وإن كان كما فى احرنجام
فلا تقدر على التعويض ؛ لاشتغال المحل بمثله
__________________
قال «ويردّ جمع
الكثرة لا اسم الجمع إلى جمع قلّته ؛ فيصغّر نحو غليمة فى غلمان ، أو إلى واحده ؛
فيصغّر ثمّ يجمع جمع السّلامة ، نحو غليّمون ودويرات»
أقول :
قوله «لا اسم الجمع» قد عرفت فى شرح الكافية معنى اسم الجمع
فاذا كان لفظ
يفيد الجمعية : فان كان لفظه مفردا ، كاسم الجمع واسم الجنس ؛ فانه يصغر على لفظه
، سواء جاء من تركيبه واحد كراكب وركب ومسافر وسفر وراجل ورجل ، تقول : ركيب ، ورجيل ، وسفير ؛ أو لم يجىء ، نحو
قويم ونفير ، فى تصغير قوم ونفر.
وكذا فى الجنس
تقول : تمير وتفيفيح.
__________________
ومذهب الأخفش ـ
وهو أن ركبا جمع راكب ، وسفرا جمع مسافر ـ يقتضى رد مثلهما إلى الواحد ، نحو
رويكبون ومسيفرون ، وكذا يفعل.
وإن كان لفظه
جمعا : فإما أن يكون جمع سلامة ؛ فهو يصغر على لفظه ، سواء كان للمذكر ، نحو
ضويربون ، أو للمؤنث ، نحو ضويربات ؛ وإما أن يكون جمع تكسير ، وهو إما للقلة ،
وهو أربعة : أفعل ، وأفعال ، وأفعلة ، وفعلة ، فتصغر على لفظها ، نحو أكيلب
وأجيمال وأقيفزة وغليمة ؛ وإما للكثرة ، وهو ما عدا الأربعة ، ولا يخلو إما أن
يكون له من لفظه جمع قلة ككلاب وأكلب وفلوس وأفلس ، أولا كدارهم ودنانير ورجال ؛
فالثانى يرد إلى واحده ويصغر ذلك الواحد ، ثم ينظر ، فإن كان ذلك الواحد عاقلا
مذكر اللفظ والمعنى جمعته بالواو والنون لحصول العقل فيه أولا وعروض الوصف
بالتصغير ، كرجيلون فى تصغير رجال ، وإن لم يكن عاقلا جمعته بالألف والتاء
مذكراكان ككتيّيات فى كتب ، أو مؤنثا كقديرات فى قدور ، وكذا إن اتفق أن يكون
عاقلا مؤنث اللفظ مذكر المعنى ، أو عاقلا مذكر اللفظ مؤنث المعنى ، فتقول فى جرحي
وحمقى وحمر وعطاش فى المذكر : جريّحون وأحيمقون وأحيمرون وعطيشانون ، وفى المؤنث :
جريّحات وحميقاوات وحميراوات وعطيشيات ، بجمع المصغرات جمع السلامة ، وإن لم يجز
ذلك فى المكبرات ، وكذا تقول فى حوائض جمع حائض : حويّضات ، وإن لم تجمع حائضا جمع
السلامة.
وأما فى القسم
الأول ـ أى الذى له جمع قلة مع جمع الكثرة ـ فلك التخيير بين رد جمع كثرته إلى جمع
قلته وتصغيره ، كتصغيرك كلابا وفلوسا على أكيلب وأفيلس ، وبين رد جمع كثرته إلى
الواحد وتصغير ذلك الواحد ثم جمعه إما بالواو والنون أو بالألف والتاء ، كما فى
ذلك القسم سواء.
وإنما لم يصغر
جمع الكثرة على لفظه لأن المقصود من تصغير الجمع تقليل العدد ؛ فمعنى عندى غليمة
أى عدد منهم قليل ، وليس المقصود تقليل ذواتهم ، فلم يجمعوا بين تقليل العدد
بالتصغير وتكثيره بابقاء لفظ جمع الكثرة ، لكونه تناقضا ، وأما أسماء الجموع
فمشتركة بين القلة والكثرة ، وكذا جمع السلامة على الصحيح كما مضى فى شرح الكافية ، فيصغر جميعها نظرا إلى القلة ، فلا
يلزم التناقض ، ولم يصغر شيء من جموع الكثرة على لفظه إلا أصلان جمع أصيل
__________________
تشبيها بعثمان ، فيقال : أصيلان ، وقد يعوض من نونه اللام فيقال أصيلال ،
وهو شاذ على شاذ.
واجاز الكسائى
والفراء تصغير نحو شقران وسودان جمع اشقر وأسود على لفظه ، نحو شقيران وسويدان.
وإن اتفق جمع
كثرة ولم يستعمل واحده كعباديد وعباييد ، بمعنى متفرقات ، حقرته على واحده القياسى
المقدر ثم جمعته جمع السلامة ، نحو عبيد يدون ، وعبيبيدون ، لأن فعاليل جمع فعلول
أو فعليل أو فعلال
__________________
وإن جاء بعض
الجموع على واحد مهمل وله واحد مستعمل غير قياسى رد فى التصغير إلى المستعمل ، لا
إلى المهمل القياسى ، يقال فى محاسن ومشابه : حسينات وشبيهات ، وفى العاقل المذكر
: حسينون وشبيهون ، وكان أبو زيد يرده إلى المهمل القياسى ، نحو محيسنون ومشيبهون ومحيسنات ومشيبهات ،
قال يونس : إن من العرب من يقول فى تصغير سراويل : سريّيلات اعتقادا منه أنها
__________________
جمع سروالة ، لأن هذه الصيغة مختصة بالجمع ، فجعل كل قطعة منها سروالة ،
قال :
٣٩ ـ عليه من الّلؤم سروالة
ومن جعلها
مفردا ـ وهو الأولى ـ قال : سريّيل أو سريويل ، وقد شذّ عن القياس بعض الجموع ،
وذلك كما فى قوله : ـ
٤٠ ـ قد رويت إلّا الدّهيد هينا
|
|
قليّصات
وأبيكرينا
|
والدّهداه صغار
الإبل ، وجمعه دهاديه ، والأبيكر مصغر الأبكر جمع البكر فكان القياس دهيدهات
وأبيكرات
__________________
وإذا حقرت
السنين والأرضين قلت : سنيّات وأريضات ؛ لأن الواو والنون فيهما عوض من اللام
الذاهبة فى السنة والتاء المقدرة فى أرض ، فترجعان فى التصغير ، فلا يبدل منهما ،
بل يرجع جمعهما إلى القياس ، وهو الجمع بالألف والتاء ، وإذا جعلت نون سنين معتقب
الإعراب من غير علمية صغرته على سنيّن ؛ إذ هو كالواحد فى اللفظ ، وكان الزجاج
يرده إلى الأصل فيقول سنيّات أيضا ، نظرا إلى المعنى ، إذ هو مع كون النون معتقب
الاعراب جمع من حيث المعنى ، ولا يجوز جعل نون أرضين من دون العلمية معتقب الاعراب
، لأنها إنما تجعل كذلك في الشائع ؛ إما فى الذاهب اللام ، أو فى العلم ، كما تبين
فى شرح الكافية فى باب الجمع
وإذا سميت رجلا
أو امرأة بأرضين فان جعلت النون معتقب الاعراب فتصغيره
__________________
كتصغير حمصيصة . تقول : أريضين ؛ منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث
، وإن لم تجعله معتقب الإعراب لم ترده أيضا فى التحقير إلى الواحد ، إذ ليس جمعا
وإن أعرب باعرابه ، كما أنك إذا صغرت مساجد علما قلت : مسيجد ، ولا ترده إلى
الواحد ثم تجمعه ، فلا تقول : مسيجدات ؛ فتقول : أريضون رفعا ؛ وأريضين نصبا وجرا.
وأما إن سميت
بسنين رجلا أو أمرأة ولم تجعل النون معتقب الاعراب رددته إلى واحده ؛ لأن علامة
الجمع إذن باقية متصلة باسم ثنائى ، ولا يتم بها بنية التصغير كما تمت فى أريضون ،
فترد اللام المحذوفة ، ولا تحذف الواو والنون لأنهما وإن كانتا عوضا من اللام
المحذوفة فى الأصل إلا أنهما صارتا بالوضع العلمى جزأ من العلم ، فتقول : سنيّون
رفعا ، وسنيين نصبا وجرا
وإن جعلتها مع
العلمية معتقب الإعراب قلت سنيّين منصرفا فى المذكر غير منصرف فى المؤنث ، ولا
يخالف الزجاج ههنا كما خالف حين جعلت النون متعقب الإعراب بلا علمية ؛ لأن اللفظ
والمعنى فى حال العلمية كالمفرد مع جعل النون معتقب الإعراب فكيف يرد إلى الواحد!؟
__________________
قوله «إلى جمع قلته» ، يعنى إن كان له جمع قلة فأنت مخير بين الرد إليه والرد إلى
واحده ، وإن لم يكن له ذلك تعين الرد إلى واحده
قوله «غليّمون» أى فى العاقل ، «ودويرات» أى فى غيره ، وغليمون تصغير
غلمان ، ودويرات تصغير دور ، وكلاهما مما جاء له جمع قلة وهو غلمة وأدؤر.
والمركب يصغر
صدره ، مضافا كان أولا ، نحو أبىّ بكر ، وأميمة عمرو ، ومعيديكرب ، وخميسة عشر ،
وذهب الفراء فى المضاف إذا كان كنية إلى تصغير المضاف إليه ، احتاجا بنحو أمّ حبين
وأبى الحصين ، وقوله : ـ
٤١ ـ أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما
|
|
أفنان رأسك
كالثّغام المخلس
|
قال : «وما جاء
على غير ذلك كأنيسيان وعشيشية وأغيلمة وأصيبية شاذّ»
__________________
قياس إنسان
أنيسين كسريحين فى سرحان ؛ فزادوا الياء فى التّصغير شاذا فصار كعقيربان كما ذكرنا
فى أول الباب ، ومن قال إن إنسانا إفعان من نسى ـ كما يجيء فى باب ذى الزيادة ـ فأنيسيان
قياس عنده
__________________
وعشيشيه تصغير
عشيّة ، والقياس عشيّة ، بحذف ثالثة الياآت كما فى معيّة ، وكأن مكبر عشيشية عشّاة
، تجعل أولى ياءى عشيّة شينا مفتوحة فتدغم الشين في الشين وتنقلب الياء ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها ، وكذا قالوا فى تصغير عشىّ : عشيشيان ، وكأنه تصغير
عشيّان ، وقد صغروا عشيّا أيضا على عشيّانات ، كأن كل جزء منها عشى ؛ فعشيّانات
جمع عشيشيان على غير القياس ، كما أن عشيشيانا تصغير عشى على غير القياس
__________________
وكذا قالوا فى
تصغير مغرب : مغيربان ، ثم جمعوا فقالوا : مغيربانات ، وهذا جمع قياسى لتصغير غير
قياسى ، وكأنهم جعلوا كل جزء منه مغربا ، كقولهم : بغير أصهب العثانين
__________________
وأصيلان شاذ
أيضا ، لكونه تصغير جمع الكثرة على لفظه ، كما ذكرنا ، كأنهم جعلوا كل جزء منه
أصيلا ، وأصيلال شاذ على شاذ ، والقياس أصيلّات
وقالوا فى بنون
: أبينون ، والقياس بنيّون كما مر فى شرح الكافية فى باب الجمع
وقالوا فى
تصغير ليلة لييلية بزيادة الياء كما فى أنيسيان ، وكأنه تصغير ليلاة ، قال :
٤٢ ـ * فى كلّ يوم مّا وكلّ ليلاه *
وعليه بنى
اللّيالى
__________________
وقالوا فى
تصغير رجل : رويجل ، قيل : إن رجلا جاء بمعنى راجل ، قال : ـ
٤٣ ـ أما أقاتل عن دينى على فرسى
|
|
وهكذا رجلا
إلّا بأصحاب
|
أى : راجلا ،
فرويجل فى الأصل تصغير راجل الذى جاء بمعناه رجل ، فكأنه تصغير رجل بمعنى راجل ،
ثم استعمل فى تصغير رجل مطلقا ، راجلا كان أولا
فان سميت بشىء
من مكبرات هذه الشواذ ثم صغرته جرى على القياس المحض ، فتقول فى إنسان وليلة ورجل
أعلاما : أنيسين ورجيل ولييلة ، إذ العلم وضع ثان وأغيلمة وأصيبية فى تصغير غلمة وصبية شاذّان أيضا ، والقياس غليمة وصبيّة ، ومن
العرب من يجىء بهما على القياس
__________________
قال : «وقولهم
أصيغر منك ودوين هذا وفويقه لتقليل ما بينهما»
أقول : قوله «أصيغر منك» اعلم أن المقصود من تحقير النعوت ليس تحقير الذات المنعوت
غالبا ، بل تحقير ما قام بها من الوصف الذى يدل عليه لفظ النعت ، فمعنى ضويرب ذو
ضرب حقير ، وقولهم أسيود وأحيمر وأصيفر أى ليست هذه الألوان فيه تامة ، وكذا
بزيزيز وعطيطير أى الصنعتان فيهما ليستا كاملتين ، وربما كانا كاملين
فى أشياء أخرى ، وقولك «هو مثيل عمرو» : أى المماثلة بينهما قليلة ، فعلى هذا معنى
«أصيغر منك» أى زيادته فى الصغر عليك قليلة ، وكذا «أعيلم منك» و «أفيضل منك»
ونحوه ، لأن أفعل التفضيل ما وضع لموصوف بزيادة على غيره فى المعنى المشتق هو منه
، وقد تجىء لتحقير الذات كما فى قول على «يا عدىّ نفسه»
وأما تحقير
العلم نحو زيد وعمرو فلمطلق التحقير ، وكذا فى الجنس الذى ليس بوصف كرجل وفرس ،
ولا دليل فيه على أن التحقير إلى أى شىء يرجع إلى الذات أو الصفة أو إليهما
قوله «ودوين هذا ، وفويقه» ، قد ذكرنا حقيقة مثله فى أول باب التحقير
قال : «ونحو ما
أحيسنه شاذّ ، والمراد المتعجّب منه»
أقول : عند
الكوفيين أفعل التعجب اسم ؛ فتصغيره قياس ؛ وعند البصريين هو فعل كما تقدم فى بابه
فى شرح الكافية ، وإنما جرّأهم عليه تجرده عن معنى الحدث والزمان اللذين هما من
خواص الأفعال ، ومشابهته معنى لأفعل التفضيل ؛ ومن ثم يبنيان من أصل واحد ؛ فصار
أفعل التعجب كأنه اسم فيه معنى الصفة
__________________
كأسود وأحمر ، والصفة ـ كما ذكرنا ـ إذا صغرت فالتصغير راجع إلى ذلك الوصف
المضمون ، لا إلى الموصوف ؛ فالتصغير فى «ما أحيسنه» راجع إلى الحسن ، وهو تصغير
التلطف كما ذكرنا فى نحو بنيّ وأخىّ ، كأنك قلت هو حسين ، وقوله
٣٠ ـ ياما أميلح غزلانا
أى : هن
مليّحات ،
ولما كان أفعل
التعجب فعلا على الصحيح لم يمنعه تصغيره عن العمل ، كما يمنع فى نحو ضويرب على ما
يجىء.
قوله «والمراد المتعجب منه» أى : مفعول أحيسن ؛ فإذا قلت «ما أحيسن زيدا» فالمراد
تصغير زيد ، لكن لو صغرته لم يعلم أن تصغيره من أى وجه هو ؛ أمن جهة الحسن ، أم من
جهة غيره؟ فصغرت أحسن تصغير الشفقة والتلطف ؛ لبيان أن تصغير زيد راجع إلى حسن ؛
لا إلى سائر صفاته.
قال : «ونحو
جميل وكعيت لطائرين وكميت للفرس موضوع على التّصغير».
أقول : جميل
طائر صغير شبيه بالعصفور ، وأما كعيت فقيل هو البلبل ، وقال المبرد : هو شبيه
بالبلبل وليس به.
وإنما نطقوا
بهذه الأشياء مصغرة لأنها مستصغرة عندهم ، والصغر من لوازمها فوضعوا الألفاظ على
التصغير ، ولم تستعمل مكبراتها ، وقولهم فى جمع جميل
__________________
وكعيت جملان وكعتان كصردان ونغران تكسير لمكبريهما المقدرين وهما الجمل والكعت ، وإنما
قدرا على هذا الوزن لأنه أقرب وزن مكبر من صيغة المصغر ؛ فلما لم يسمع مكبراهما
قدرا على أقرب الأوزان من وزن المصغر ، وإنما قلنا إن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر
المقدر لا المصغر لأنه جرت عادتهم أن لا يجمعوا المصغر إلا جمع السلامة إما بالواو
والنون أو بالألف والتاء ، قيل : وذلك لمضارعة التصغير للجمع الأقصى بزيادة حرف
لين ثالثة ، ولا يجمع الجمع الأقصى إلا جمع السلامة كالصّرادين والصّواحبات ، ولا
منع أن نقول : إن كعيتا وجميلا لما وضعا على التصغير نظرا إلى استصغارهما فى الأصل
ثم استعملا بعد ذلك من غير نظر إلى معنى التصغير فيهما لأن الكعيت كالبلبل معنى ،
ولا يقصد فى البلبل معنى التصغير ، وإن كان فى نفسه صغيرا ـ انمحى عنهما معنى
التصغير فى الاستعمال ، وإن كانا موضوعين عليه ، وصارا كلفظين موضوعين على التكبير
، فجمعا كما يجمع المكبر ، وأقرب المكبرات إلى هذه الصيغة فعل كنغر وصرد فجمعا
جمعهما ؛ فعلى هذا كعتان وجملان جمعان للفظى كعيت وجميل ، لا لمكبريهما المقدرين
وأما كميت فهو
تصغير أكمت وكمتاء تصغير الترخيم ، وقد ذكرنا
__________________
أن المراد بتصغير الصفة تصغير المعنى المضمون ، لا تصغير ما قام به ذلك
المعنى ، والكمتة : لون يلزمه الصغر ، إذ هى لون ينقص عن سواد الأدهم ويزيد على
حمرة الأشقر ، فهى بين الحمرة والسواد ، فوضعوا كميتا على صيغة التصغير لصغر معناه
المضمون ، وهو يقع على المذكر والمؤنث ، وجمعه كمت ، وهو جمع مكبره المقدر ، وهذا
يقوى أن جملانا وكعتانا جمعان للمكبر أيضا
وسكيت بالتخفيف
مصغر سكيّت ـ بالتشديد ـ تصغير الترخيم
__________________
وإذا صغرت
مبيطرا ومسيطرا كان التصغير بلفظ المكبر ؛ لأنك تحذف الياء كما تحذف النون فى
منطلق ، وتجىء بياء التصغير فى مكانه ، ولو صغرتهما تصغير الترخيم لقلت : بطير ،
وسطير
قال : «وتصغير
التّرخيم أن تحذف كلّ الزوائد ثمّ تصغّر كحميد فى أحمد»
أقول : اعلم أن
مذهب الفراء أنه لا يصغر تصغير الترخيم إلا العلم ؛ لأن ما أبقى منه دليل على ما
ألقى لشهرته ، وأجاز البصرية فى غير العلم أيضا ، وقد ورد فى المثل «عرف حميق جمله»
تصغير أحمق
وإذا صغرت
مدحرجا تصغير الترخيم قلت : دحيرج ، وما قال بعض العرب فى تصغير إبراهيم وإسماعيل ـ
أعنى بريه وسميع ـ فإما أن يكون جعل الميم واللام زائدتين ، وإن لم يكونا من
الغوالب فى الزيادة فى الكلم العربية فى مثل مواضعهما ، كما يجىء فى باب ذى الزيادة
، لكنهم جعلوا حكم العجمية غير حكم العربية ، أو يكون حذف الحرف الأصلى شاذا ؛ لأن
تصغير الترخيم شاذ ، والأعجمى غريب شاذ فى كلامهم ، فشبهوا الميم واللام الأصليتين
؛ لكونهما من حروف «اليوم تنساه» بحروف الزيادة ، وحذفوهما حذفا شاذا ؛ لإتباع
الشذوذ للشذوذ ؛ فعلى هذا يكون الهمزة أصلا كما فى إصطبل ؛ فيكون تصغيرهما على
بريهيم وسميعيل ؛ بحذف الهمزة وهما المشهوران ، شاذا أيضا ، والقياس
__________________
ما قال المبرد : أى أبيريه وأسيميع ، وقد مر ، وتصغير الترخيم شاذ قليل
قال : «وخولف
باسم الإشارة والموصول فألحق قبل آخرهما ياء ، وزيدت بعد آخرهما ألف ؛ فقيل : ذيّا
وتيّا وأوليّا واللّذيّا واللّتيّا واللّذيّان واللّتيّان واللّذيّون واللّتيّات»
أقول : كان حق
اسم الإشارة أن لا يصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليه ، ولأن أصله وهو «ذا» على حرفين ،
لكنه لما تصرف تصرف الأسماء المتمكنة فوصف [ووصف] به وثنى وجمع وأنث أجرى مجراها
فى التصغير ، وكذا كان حق الموصولات أن لا تصغر ؛ لغلبة شبه الحرف عليها ، لكن لما
جاء بعضها على ثلاثة أحرف كالّذى والّتى وتصرف فيه تصرف المتمكنة فوصف به وأنث
وثنّى وجمع جاز تصغيره وتصغير ما تصرف منه ، دون غيرهما من الموصولات ، كمن وما
قيل : لما كان
تصغيرهما على خلاف الأصل خولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة ، فلم تضم
أوائلهما ، بل زيد فى الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ «ذا» ثلاثة أحرف
بزيادة الياء على آخره ، كما تقدم أنه يقال فى تصغير من : منىّ ؛ فصار ذايا ؛
فأدخلوا ياء التصغير ثالثة بعد الألف كما هو حقها ، فوجب فتح ما قبلها كما فى سائر
الأسماء المتمكنة ، فقلبت الألف ياء ، لا واوا ، ليخالف بها الألفات التى لا أصل
لها فى المتمكنة ؛ فانها تقلب فى مثل هذا الموضع واوا ؛ لوقوعها بعد ضمة التصغير
كما فى ضويرب ، فصار ذييّا
أو تقول : كان
أصل «ذا» ذبى أو ذوى ، قلبت اللام ألفا ، وحذفت العين شاذا كما فى سه ، وردّت فى
التصغير كما هو الواجب ، وزيد ياء التصغير بعد العين ؛ فرجعت الألف إلى أصلها من
الياء كما فى الفتى إذا صغر ؛ فصار ذييّا ، أو ذويّا ، وكون
عينه واوا فى الأصل أولى ؛ لكون باب طوى أكثر من باب حيى ، وأما
__________________
إمالة ذا فلكون الألف لا ما فى ذوى والعين محذوفة ، ثم حذفوا العين شاذا
لكون تصغير المبهمات على خلاف الأصل كما مر ، فجرأهم الشذوذ على الشذوذ ؛ ألا ترى
أنهم لم يحذفوا شيئا من الياآت فى حيىّ وطوىّ تصغيرى حىّ وطىّ ، ولا يجوز أن يكون
المحذوفة ياء التصغير لكونها علامة ، ولا لام الكلمة للزوم تحرك ياء التصغير
بحذفها ؛ فصار ذيّا.
ولم يصغر فى
المؤنث إلا تاوتى ، دون ذى ؛ لئلا يلتبس بالمذكر ، وأماذه ؛ فأصله ذى كما يجىء فى
باب الوقف .
__________________
وحذفوا فى
المثنى الألف المزيد عوضا من الضمة ، اكتفاء بياء التصغير ، وذلك لاجتماع ألفى
المثنى والعوض ، والقياس فى اجتماع الساكنين حذف الأول ، إذا كان مدا ، كما يجىء
فى بابه
وقالوا فى «أولى»
المقصور وهو مثل هدى : أوليّا ، والضمة فى أوليّا هى التى كانت فى أولى وليست
للتصغير ، فلذا زيد الألف بدلا من الضمة ، وأما «أولاء» بالمد فتصغيره أوليّاء ،
قال المبرد :
زيد ألف العوض قبل الآخر ، إذ لو زيدت فى الآخر كما فى أخواته لا لتبس تصغير أولاء
الممدود بتصغير أولى المقصور. وذلك أن أولاء كقضاء لما صرفته وجعلته كالأسماء
المتمكنة قدّرت همزته التى بعد الألف منقلبة عن الواو أو الياء كما فى رداء وكساء
، فكما تقول فى تصغير رداء : ردىّ ، بحذف ثالثة الياآت ، فكذا كنت تقول أولىّ ثم
تزيد الألف على آخره فيصير أوليّا فيلتبس بتصغير المقصور ؛ فلذا زدت ألف العوض قبل
الهمزة بعد الألف ، فانقلبت ألف «أولاء» ياء كألف حمار إذا قلت حميّر ، لكنه لم
يكسر الياء كما كسرت فى نحو حميّر لتسلم ألف العوض ؛ فصار أوليّاء
وأما الزجاج
فانه يزيد ألف العوض فى آخر أولاء كما فى أخواته ، لكنه يقدر همزة «أولاء» فى
الأصل ألفا ، ولا دليل عليه ، قال : فاذا دخلت ياء التصغير اجتمع بعدها ثلاث ألفات
: الأول الذى كان بعد لام أولاء ، والثانى أصل الهمزة على ما ادعى ، والثالث ألف
العوض ؛ فينقلب الأول ياء كما فى حمار
__________________
ويبقى الأخيران ؛ فيجعل الأخير همزة كما فى حمراء وصفراء ، فتكسر كما كانت
فى المكبر
وتقول فى الذى
والتى : اللّذيّا واللّتيّا بزيادة ياء التصغير ثالثة وفتح ما قبلها ، وفتح الياء
التى بعد ياء التصغير ؛ لتسلم ألف العوض ، وقد حكى اللّذيّا واللّتيّا بضم الأول
جمعا بين العوض والمعوض منه
وتقول فى
المثنى : اللّذيّان واللّتيّان ، واللّذيّين واللّتيّين ، بحذف ألف العوض قبل
علامتى المثنى ؛ لاجتماع الساكنين ؛ فسيبويه يحذفها نسيا فيقول فى المجموع :
اللّذيّون واللّذيّين ؛ بضم الياء وكسرها ، يحذف ألف العوض فى المثنى والمجموع
نسيا ، كما حذف ياء الذى فى المثنى ، والأخفش لا يحذفها نسيا ، لا فى المثنى ولا
فى المجموع ، فيقول فى الجمع : اللّذيّون واللّذيّين [بفتح الياء] كالمصطفون
والمصطفين فيكون الفرق عنده بين المثنى والمجموع فى النصب والجر بفتح النون وكسرها
، والمسموع فى الجمع ضم الياء وكسرها كما هو مذهب سيبويه
وإنما أطرد فى
المصغر اللّذيّون رفعا واللّذيّين نصبا وحرا وشذ فى المكبر اللّذون رفعا لأنه لما
صغر شابه المتمكن فجرى جمعه فى الإعراب مجرى جمعه
وعند سيبويه
استغنوا باللّتيّات جمع سلامة اللّتيّات بحذف ألف العوض للساكنين عن تصغير اللاتى
واللائى ، وقد صغرهما الأخفش على لفظهما ، قياسا لا سماعا ، وكان لا يبالى بالقياس
في غير المسموع فقال فى تصغير اللاتى : اللّويتا ، بقلب الألف واوا كما فى الجمع :
أى اللواتى ، وحذف ياء اللاتى لئلا يجتمع مع ألف العوض خمسة أحرف سوى الياء ، وقال
فى تصغير اللائى : اللّويئا ، بفتح اللام فيهما ، وقال المازنى : إذا كان لا بد من
الحذف فحذف الزائد أولى ، يعنى الألف التى بعد اللام فتصغير اللاتى كتصغير التى
سواء ، قال بعض البصريين : اللّويتيا
واللّويئيا ، من غير حذف شىء ، وكل لك هوس وتجاوز عن المسموع بمجرد القياس
، ولا يجوز ، هذا ما قيل
وأنا أرى أنه
لما كان تصغير المبهمات على خلاف الأصل ، كما ذكرنا ، جعل عوض الضمة ياء ، وأدغم
فيها ياء التصغير ، لئلا يستثقل الياآن ، ولم يدغم فى ياء التصغير لئلا يتحرك ياء
التصغير التى لم تجر عادتها بالتحرك ، فحصل فى تصغير جميع المبهمات ياء مشددة :
أولاهما ياء التصغير ، والثانية عوض من الضمة ، فاضطر إلى تحريك ياء العوض ، فألزم
تحريكها بالفتح ؛ قصدا للخفة ، فان كان الحرف الثانى في الاسم ساكنا كما فى «ذا» و
«تا» و «ذان» و «تان» جعلت هذه الياء المشددة بعد الحرف الأول ؛ لأنها إن جعلت بعد
الثانى ـ كما هو حق ياء التصغير ـ لزم التقاء الساكنين ، فألف ذيّا وتيّا ، على
هذا ، هى التى كانت فى المكبر ، وإن كان ثانى الكلمة حرفا متحركا كأولى وأولاء
جعلت ياء التصغير فى موضعها بعد الثانى ، فعلى هذا كان حق الذى والتى اللّذيّى
واللتّيّى بياء ساكنة فى الآخر بعد ياء مفتوحة مشددة ، لكنه خفف ذلك بقلب الثالثة
ألفا كراهة لاجتماع الياآت ،
ويلحق بذيّا
وتيّا ومثنييهما وجميعهما من هاء التنبيه وكاف الخطاب ما لحقها قبل التصغير ، نحو
هذيّا وذيّا لك ، قال
٣٠ ـ * من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر*
قال : «ورفضوا
تصغير الضّمائر ، ونحو متى وأين ومن وما وحيث ومنذ ومع وغير وحسبك ، والاسم عاملا
عمل الفعل ؛ فمن ثمّ جاز ضويرب زيد وامتنع ضويرب زيدا»
أقول : إنما
امتنع تصغير الضمائر لغلبة شبه الحرف عليها مع قلة تصرفها ، إذ
__________________
لا تقع لا صفة ولا موصوفة كما تقع أسماء الإشارة ، ولمثل هذه العلة لم تصغر
أسماء الاستفهام والشرط ؛ فانها تشابه الحرف ولا تتصرف بكونها صفات وموصوفات
وأما من وما
الموصولتان فأوغل في شبه الحرف من «الذى» لكونهما على حرفين ولعدم وقوعهما صفة
كالذى
وحيث وإذ وإذا
ومنذ مثل الضمائر فى مشابهة الحرف ، وأقلّ تصرفا منها ؛ لأنها مع كونها لا تقع
صفات ولا موصوفات تلزم فى الأغلب نوعا من الإعراب
وأما مع فإنه
وإن كان معربا لكنه غير متصرف فى الإعراب ، ولا يقع صفة ولا موصوفا ، مع كونه على
حرفين
وكذا عند لا
يتصرف وإن كان معربا على ثلاثة ، وكذا لم يصغر لدن لعدم تصرفه
وإنما لم يصغر
غير كما صغر مثل وإن كانت المغايرة قابلة للقلة والكثرة كالمماثلة ، لقصوره فى
التمكن ، لأنه لا يدخله اللام ولا يثنى ولا يجمع بخلاف مثل
ولا يصغر سوى وسواء بمعنى غير أيضا ، ولا يصغر حسبك لتضمنه معنى
__________________
الفعل ، لأنه بمعنى اكتف ، وكذا ما هو بمعناه من شرعك وكفيك
ولا يصغر شىء
من أسماء الأفعال ، وكذا لا يصغر الاسم العامل عمل الفعل ، سواء كان اسم فاعل أو اسم مفعول أو
صفة مشبهة ، لأن الاسم إذا صغر صار
__________________
موصوفا بالصغر ، كما تكررت الإشارة إليه ، فيكون معنى «ضويرب» مثلا ضارب
صغير ، والأسماء العاملة عمل الفعل إذا وصفت انعزلت عن العمل ، فلا تقول : زيد
ضارب عظيم عمرا ولا أضارب عظيم الزّيدان ، وذلك لبعدها إذن عن مشابهة الفعل ؛ إذ
وضعه على أن يسند ولا يسند إليه ، والموصوف يسند إليه الصفة ، هذا فى الصفات ،
أعنى اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، أما المصدر فلا يعزله عن العمل
كونه مسندا إليه ؛ لقوة معنى الفعل فيه ، إذ لا يعمل الفعل الذى هو الأصل فى
الفاعل ولا فى المفعول إلا لتضمنه معنى المصدر ، كما ذكرنا فى شرح الكافية فى باب
المصدر ، فيجوز على هذا أن تقول أعجبنى ضربك الشديد زيدا ، وضريبك زيدا
وقيل : إنما لم
يصغر الاسم العامل عمل الفعل لغلبة شبه الفعل عليه إذن ، فكما لا يصغر الفعل لا
يصغر مشبهه ، ويلزم منه عدم جواز تصغير المصدر العامل عمل الفعل
__________________
ويصغر الزمان
المحدود من الجانبين ، كالشهر واليوم والليلة والسّنة ، وإنما تصغر باعتبار
اشتمالها على أشياء يستقصر الزمان لأجلها من المسار
وأما غير
المحدود كالوقت والزمان والحين فقد يصغر لذلك ، وقد يصغر لتقليله فى نفسه
وأما أمس وغد
فانهما لم يصغرا وإن كانا محدودين كيوم وليلة لأن الغرض الأهم منهما كون أحد
اليومين قبل يومك بلا فصل والآخر بعد يومك ، وهما من هذه الجهة لا يقبلان التحقير
، كما يقبله قبل وبعد ، كما ذكرنا فى أول باب التصغير ، ولم يصغرا [أيضا] باعتبار
مظروفيهما وإن أمكن ذلك كما لم يصغرا باعتبار تقليلهما فى أنفسهما لما كان الغرض
الأهم منهما ما لا يقبل التحقير
ومثل أمس وغد
عند سيبويه كل زمان يعتبر كونه أولا وثانيا وثالثا ونحو ذلك ، فلا تصغر عنده أيام
الأسابيع كالسبت والأحد والاثنين إلى الجمعة ، وكذا أسماء الشهور كالمحرم وصفر إلى
ذى الحجة ، إذ معناها الشهر الأول والثانى ونحو ذلك ، وجوز الجرمي والمازنى تصغير
أيام الأسبوع وأسماء الشهور ، وقال بعض
__________________
النحاة : إنك إذا قلت اليوم الجمعة أو السبت بنصب اليوم فلا تصغر الجمعة
والسبت إذ هما مصدران بمعنى الاجتماع والراحة ، وليس الغرض تصغيرهما ، وقال : ولا
يجوز تحقير اليوم المنتصب أيضا لقيامه مقام وقع أو يقع ، والفعل لا يصغر ، وإذا
رفعت اليوم فالجمعة والسبت بمعنى اليوم فيجوز تصغيرهما ، وحكى عن بعضهم عكس هذا
القول ؛ وهو جواز تصغير الجمعة والسبت مع نصب اليوم وعدم جوازه مع رفعه
واعلم أنك إذا
حقرت كلمة فيها قلب لم ترد الحروف إلى أماكنها تقول فى لاث وأصله لائث وشاك وأصله
شائك وفى قسى علما وأينق وأصلهما قووس وأنوق :
لويث وشويك ـ بكسر
الثاء والكاف ـ وقسىّ بحذف تالثة الياآت نسيا ، وأيينق ، وذلك لأن الحامل على
القلب سعة الكلام ولم يزلها التصغير حتى ترد الحروف إلى أماكنها.
والحمد لله ،
وصلّى الله على رسوله وآله
بحمد الله
تعالى وحسن توفيقه قد انتهينا من مراجعة الجزء الأول من شرح شافية ابن الحاجب الذى
ألفه العلامة المحقق رضى الدين الاستراباذى ، فى أثناء سبعة أشهر آخرها يوم الأثنين
المبارك الثالث عشر من شهر ذى الحجة أحد شهور عام ١٣٥٦ ست وخمسين وثلثمائة وألف من
الهجرة. ويليه الجزء الثانى مفتتحا بباب «النسب» نسأل الله الذى جلت قدرته أن يعين
على إكماله.
|