الإهداء

إلى أبي ...

إلى أبي ... الذي أنار لي هذا الطريق

ورحل ولم يرَ ثمرة جهوده

نبيلة عبد المنعم



المقدمة

الشيعة فرقة من أكبر الفرق الإسلامية التي ظهرت بعد وفاة الرسول 6 وقد تطورت هذه الفرقة وانقسمت إلى فرق عديدة من أبرزها وأهمها الامامية ، التي كتب لها الاستمرار ، لذالك كان هذا الموضوع « نشأة الشيعة الامامية » جدير بالدراسة والبحث.

إن بحث هذا الموضوع لا يخلو من عقبات وذلك لكثرة المصادر والمادة التي تقدمها ، فالمصادر غير الامامية تقدم مادة لا يستهان بها ، إلا أنها لا تخلو من تناقض ، إذ ليس هناك تمييز بين الإمامية وبين غيرها من فرق الشيعة ، كما أن هذه المعلومات قد تتأثر أحيانا بأهواء كاتبيها. لذلك كان اعتمادي على المصادر الامامية لإعطاء صورة واضحة عن نشأة الامامية لوفرة مادتها ووضوحها.

اشتملت الرسالة على دراسة نشأة الشيعة الامامية وقد ابتدأت من عهد الرسول 6 وذلك لاْنه بدون الرجوع الى هذه الفترة لا يمكن توضيح النشأة الاولى للشيعة وقد قسمت الرسالة الى خمسة فصول : الفصل الاول دراسة للمصادر التي بحثت عن الشيعة الامامية ، والمصادر الامامية وقسمتها الى مجموعات بالنسبة لزمن كاتبيها.

أما الفصل الثاني : كان دراسة تاريخية لنشأة وأصل التشيع ثم مناقشة الاراء حول بداية التشيع. وتطوره في ضوء الاحداث الرئيسية التي مرت به.

والفصل الثالث : دراسة للإمامة بنظر الشيعة ، وبحث إمامة علي بن أبي طالب وأدلة إمامته عند الشيعة ، ثم إمامة الائمة من بعده الى نهاية إمامة الباقر ، كما بحثت فيه الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة.


أما الفصل الرابع : فيبحث عن سياسة العباسيين تجاه الشيعة بما فيهم زيدية وإمامية كما يبحث عن الثورات الزيدية وموقف الإمامية من هذه الثورات وعلاقة الشيعة الإمامية بالعباسيين.

والفصل الخامس : يبحث في الإمامة فيبداً من إمامة الصادق وأدلة إمامته ، ثم إمامة باقي الأئمة حتى نهاية إمامة الإمام الثاني عشر كما يبحث عن الغيبة وظروفها. ثم بحث نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية وما اتصل بها من عقائد.

أما أساس المنهج الذي سلكته في بحثي فيعتمد على دراسة النصوص التاريخية وما فيها من غموض وتضارب أو تشابه ثم تحليلها واستخلاص النتائج منها ، كما كان اهتمامي بدراسة الأحداث التاريخية وربطها بظروفها ثم دراسة ما تكون منها من عقائد وأفكار.

وبعد فأرجو أن أكون قد وفقت في إعطاء صورة عن بعض الجوانب المهمة من تاريخنا.

ويسرني أن أتقدم بخالص شكري وتقديري إلى أستاذي الدكتور عبد العزيز الدوري لما تقدم به من إرشادات وتوجيهات قيمة كان لها الفضل الأكبر في إبراز هذه الرسالة. كما أشكر أستاذي الدكتور صالح أحمد العلي لما أبداه من مساعدة وتوجيه ، والدكتور حسين محفوظ لإعارتي بعض الكتب وزميلاتي موظفات مكتبة معهد الدراسات الإسلامية العليا : ابتسام الصفار ، وأديبة عريم ، وفائزة عبد القادر.

نبيلة عبد المنعم داود


الفصل الأول

١ ـ دراسة للمصادر

أ ـ المصار التاريخية

ب ـ كتب الفرق

ج ـ المصادر الإسماعيلية

د ـ كتب أهل السنة

هـ ـ كتب الإعتزال

و ـ كتب الإمامية



إن مصادر دراسة الشيعة الإمامية تتكون من المصادر التاريخية ومن كتب الفرق التي تتناول بحث عقائد الإمامية وفرقهم ، ومن المصادر الاسماعيلية التي تتناول الإمامية ومن كتب الاعتزال ومن كتب أهل السنة التي تروي أخبار الأئمة ومن المصادر الإمامية التي تعطينا صورة واضحة عن الشيعة الإمامية ومبادئهم.

أ ـ أما المصادر التاريخية فتفيدنا من ناحية التطور التاريخي لحركة الشيعة في ضوء الأحداث التي مرت بها.

(١) وتأتي معلوماتنا التاريخية الأولى عن الإخباريين الذين كانوا رواد الكتابة التاريخية ومن هؤلاء أبو مخنف لوط بن يحيى ( ت ١٧٠ هـ ) وقد بدأ بكتابة تاريخ بعض الأحداث بكتب مفردة (١) وأشهر كتبه التي وصلتنا « مقتل الحسين » وكتاب « أخبار المختار » ففي مقتل الحسين يعطينا صورة واضحة عن الحوادث التي جرت منذ خروج الحسين من المدينة حتى مقتله. وتبدو فيها ميول أبي مخنف الشيعية والعراقية وهذا ما نلاحظه في حديثه عن مقتل المختار. ومعلوماته ذات قيمة لأنها أصبحت مادة للمؤرخين فيما بعد وبالأخص البلاذري والطبري كما أن ومعلوماته موثوق بها عند الشيعة الإمامية حيث ورد ذكره في كتب الرجال فقد ذكره الطوسي في رجاله (٢).

__________________

(١) بروكلمان ؛ تاريخ الأدب العربي ج ٣ ص ٣٦.

(٢) الطوسي : الرجال ص ٧٩.


(٢) ثم نصر بن مزاحم بن سيار المنقري الكوفي ( ت ٢١٢ هـ ) حيث يزودنا كتابه « صفين » بمعلومات وافية عن وقعة صفين تعد من أقدم المعلومات التاريخية التي اعتمد عليها البلاذري والطبري ، إذ يظهر لنا أنصار علي وشيعته في تلك الموقعة ودورهم فيها وتطور الأحداث حتى خروج الخوارج.

وتبدو ميول نصر العلوية في روايته لأحداث صفين كما تظهر ميوله العراقية فهو كوفي كما أنه شيعي ، ذكره ابن النديم في الفهرست (١) ، وعده الطوسي من أصحاب الإمام الباقر (٢).

(٣) ومن المؤرخين الأولين الذين تناولوا الشيعة أبو حنيفة الدينوري ( ت ٢٧٦ هـ ) في كتابه « الأخبار الطوال » فالبرغم من الإيجاز في الكتاب ، فقد أورد معلومات وافية عن خلافة علي بن أبي طالب وحرب الجمل وصفين ، كما ذكر أخبار الحسن بن علي وتنازله ، ثم يذكر أخبار المختار بن عبيد الثقفي بشيء من التفصيل ، ثم يعطي معلومات عن الدولة العباسية وبدء الدعوة ولكنه بعد الدعوة لا يذكر شيئاً عن الشيعة ولا يتناول سياسة العباسيين تجاههم إلا نادراً.

وتظهر أهمية المعلومات التي يوردها الدينوري لقدم فترتها فهي البدايات بالنسبة لتاريخ الشيعة.

(٤) ويعطي أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ( ت ٢٧٩ هـ ) في كتابه « أنساب الأشراف » معلومات مفصلة عن الشيعة فيبدأ بذكر أخبار علي بن أبي طالب مع النبي (ص) ويروي حديث المؤاخاة ، وحديث الراية يوم خيبر وحديث الغدير ولهذا الحديث أهمية عند الشيعة وقد رواه البلاذري بالرغم من أنه لم يكن شيعياً ويبدو أن أخباره موثوق بها عند الشيعة كما يبدو من قول المرتضى في « الشافي » : « وقد روى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ٩٣. أما عن المراجع وسنة الطبع انظر عن ذلك ثبت المراجع.

(٢) الرجال : ص ١٣٩.


والضبط لما يرويه معروف » (١).

ثم يورد أخباراً عن خلافة علي وعن وقعة الجمل وصفين وتتصف أخباره بكونها مفصلة فيذكر قصة مقتل علي ثم يذكر أولاد علي فيذكر أخبار الحسن ويتكلم عن أولاد الحسن لأنه لا يلتزم بالتسلسل التاريخي وإنما يسير في ذكر الأخبار على الأنساب فيبدأ بالنبي 6 والعلويين ثم العباسيين ويتبعها بذكر أخبار الأمويين.

ويورد أخبار محمد النفس الزكية وإبراهيم أخيه ثم يذكر أخبار الحسين ومقتله بشيء من التفصيل ثم يتكلم عن زيد بن علي وثورته وأخباره مع الإمام الباقر.

كما يورد أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي ويتكلم عن العباسيين فيذكر العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله بن العباس ثم محمد بن عبد الله ويذكر انتقال الخلافة إلى بني العباس والكلام عن الدعوة العباسية وأخبار الخلفاء العباسيين ، إلا أنه لا يروي أخبار العلويين وباقي الأئمة (٢).

(٥) وقد بحث أحمد بن طاهر الملقب ب طيفور ( ت ٢٨٠ هـ ) في كتابه « بغداد » أخبار المأمون مع العلويين وولاية علي بن موسى الرضا لعهد المأمون والقسم الأول من الكتاب مفقود والموجود لدينا يتصل بعصر المأمون.

(٦) ويأتي بعد هذا أحمد بن يعقوب بن أبي جعفر بن وهب بن

__________________

(١) الشافي في الإمامة ص ٢٠٧.

(٢) وقد اعتمدت على نسخة الرباط لمخطوطة أنساب الأشراف لأن فيها معلومات غير موجودة في نسخة استانبول التي اعتمد عليها محمد حميد الله حينما نشر الجزء الأول من كتاب أنساب الأشراف ففي ذكر أخبار الرسول 6 يذكر خبر حجة الوداع ولا يذكر خبر غدير خم وإنما يذكر وفاة الرسول 6 ثم السقيفة.

وكذلك في الجزء الرابع والخامس طبعة القدس سنة ١٩٣٦ حيث أن المعلومات المذكورة عن ثورة الحسين ومقتله ليست مطابقة لما في نسخة الرباط إذ أن نسخة الرباط فيها تفصيلات أكثر وكذلك فيما يتعلق بأخبار المختار.


واضح الكاتب الاخباري ( المشهور باليعقوبي ) المتوفي سنة ٢٨٢ هـ فيقدم معلومات هامة عن تاريخ الشيعة ، وكان اليعقوبي مولى لبني العباس وكان جده من موالي أبي جعفر المنصور ولكن بالرغم من صلته بالعباسيين لم يستطع أن يخفي ميوله العلوية في كتاباته إلا أنه كان معتدلاّ فقد روى أخبار علي بن أبي طالب مع الرسول وأكد حديث الغدير بعد حجة الوداع وبيّن أهميته بالنسبة لاعتقاد الشيعة الإمامية. وأورد أحداث خلافة علي وحروبه في الجمل وصفين ، ثم خلافة الحسن وأخبار الحسين والتوابين والمختار كما تكلم عن الدولة العباسية وبدء الدعوة وأخبار الشيعة مع العباسيين إلا أن الأخبار التي يذكرها مختصرة تمشياً مع الخطة التي التزمها في الإيجاز.

وقد تناول الأئمة الاثنى عشر إلى الإمام علي الهادي ، وذكر تاريخ كل إمام سنة ولادته ووفاته وشيئاً من أخباره ونبذاً من أقواله بشيء من الإيجاز (١).

(٧) أما محمد بن جرير الطبري ( ت ٣١٠ هـ ) فيزودنا تاريخه « الرسل والملوك » بمعلومات عن نشأة الشيعة وتطورها وتمتاز معلوماته بكونها مأخوذة من مصادر متعددة ويروي الحوادث بشيء من التفصيل.

وكان الطبري شافعياً إلا أنه أسس مذهباً خاصاً به تبعه عليه بعض العلماء وقد ظهر ذلك في كتاباته ومع أنه لا يعطي رأيه في الأحداث التي يرويها إلا أنه انتقى من الروايات الكثيرة التي توفرت له. وقد روى أخبار علي مع النبي 6 وذكر خبر المؤاخاة وحديث الراية وحديث المنزلة ، كما ذكر خبر حجة الوداع إلا أنه لم يذكر حديث الموالاة أو حديث الغدير مع العلم أن المصادر الإمامية تذكر أن له كتاباً حول غدير خم (٢) ، وقد ذكر ياقوت أن له كتاباً في فضائل علي (٣) كما ذكر ذلك الذهبي وسماه

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٢٤٥.

(٢) انظر الطوسي : الفهرست ص ١٧٨ ، النجاشي : الرجال ص ٢٤٦ ، ابن شهراشوب : معالم العلماء ص ١٠٦ ، ابن طاووس : اليقين في أمرة أمير المؤمنين ص ٩٦.

(٣) ياقوت : معجم الأدباء ج ٦ ص ٤٥٢.


كتاب الولاية (١).

كما ويورد لنا الطبري معلومات مفصلة عن السقيفة ثم عن خلافة علي بن أبي طالب وعن وقعتي الجمل وصفين وهو في هذا يأخذ معلوماته عن رواة عراقيين. ومع أنه اعتمد بالدرجة الأولى في الجمل على أبي مخنف وفي صفين على نصر بن مزاحم إلا أنه لا يأخذ بوجهة نظر الشيعة (٢).

ويبدو أن الطبري يهتم اهتماماً كبيراً بالثورات فيعطي أهمية لثورة الحسين ويشرحها بالتفصيل معتمداً في روايته لأحداثها على أبي مخنف وكذا في حركة التوابين والمختار وتتشابه معلوماته مع معلومات البلاذري في هذه الفترة.

ويتحدث الطبري بشيء من التفصيل عن الدعوة العباسية ويهتم بذكر ثورات أبناء الحسن ولا يذكر إلا القليل عن الشيعة الإمامية. كما أن معلوماته عن الأئمة وصلتهم بالعباسيين قليلة.

(٨) أما أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت ٣٤٦ هـ ) فيعطي في كتابه « مروج الذهب ومعادن الجوهر » أخبار علي بن أبي طالب والأحداث في عهده ولكنها أخبار مختصرة.

ويمتاز المسعودي بأنه ينفرد بذكر أخبار لا ترد عند بقية المؤرخين (٣). كما أنه يتكلم عن الفرق فهو يتحدث عن فرق الكيسانية وأصلها ويتحدث عن الزيدية ويذكر فرقهم ثم يتكلم عن الشيعة الإمامية ويذكر بعض فرقهم كما يذكر أخبار الأئمة الاثني عشر حتى يصل إلى ذكر

__________________

(١) الذهبي : تاريخ الإسلام ج ص ١٩٥.

(٢) يذكر نصر بن مزاحم في روايته لأحداث صفين مجموعة من الأشعار والأراجيز التي تشير إلى كون علي وصي النبي ولا ترد هذه عند الطبري بالرغم من اعتماده على نصر في رواية أحداث صفين.

(٣) مروح الذهب ج ٣ ص ٨٣ ـ ٨٤ في كلامه عن المختار ثم في كلامه على فرق الزيدية حيث يعدد فئات غير موجودة عند كتاب الفرق انظر مروج الذهبي ج ٣ ص ٢٢٠.


الإمام الثاني عشر (١). إلا أن أخباره مختصرة ولعل ذلك يعود إلى أن المسعودي قد استوفى ذكر هذه الأخبار في كتب منفصلة لذلك نراه يشير إلى هذه الأخبار ويذكر أنه تحدث عنها بالتفصيل في كتبه أمثال كتاب « المقالات في معرفة الديانات » (٢) وكتاب « سر الحياة » (٣) وكتاب « الصفوة في الإمامة » (٤) وكتاب « حدائق الأذهان في أخبار آل محمد » وكذلك كتاب الوسيط وكتاب أخبار الزمان وقد طبع قسم منه. ولكن هذه الكتب لم تصلنا.

(٩) وفي كتابه « التنبيه والإشراف » تناول المسعودي ظهور الإسلام وحياة الرسول والخلفاء وأخبار العلويين وثورات أبناه الحسن إلا أن الأخبار مختصرة ولكنه يأتي بمعلومات لا توجد في كتب التواريخ ، كما يتحدث عن الفرق مثل الشيعة الإمامية ورأيهم في الإمامة (٥).

(١٠) أما مطهر بن طاهر المقدسي ( ت ٣٥٥ هـ ) فيورد في كتابه « البدء والتاريخ » معلومات عن صفة النبي وأخباره وأخبار الصحابة أمثال سلمان الفارسي وأبي ذر وعمار بن ياسر.

ويخصص المقدسي فصلاً في ذكر « مقالات أهل الإسلام » يتحدث فيه عن سبب الاختلاف في الإمامة ، ويعدد الفرق فيذكر فرق الشيعة ويقول : « منهم الغالية ،الغرابية ، والقطعية والبيانية ، والكيسانية والسبأية ... ويجمعهم الزيدية والإمامية (٦).

فالمقدسي يخلط بين فرق الشيعة ومعلوماته في هذا الباب تختلف عن كتاب الفرق فهو يدخل الغلاة ضمن فرق الشيعة ، ثم يذكر فرقاً هي عند مؤرخي فرق الشيعة من الغلاة كالسبأية والغرابية وغيرهم ويجعلها فرقاً

__________________

(١) مروح الذهب ج ٤ ص ١٩٩.

(٢) ن. م ج ٣ ص ٢٢٠.

(٣) ن. م ج ٤ ص ١٩٩.

(٤) ن. م ج ٤ ص ٢٧.

(٥) التنبيه والإشراف ص ٢٣١.

(٦) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٢٤.


قائمة بذاتها. وحين يتحدث عن هذه الفرق يتكلم عن الإمامية ثم يتكلم عن الزيدية وعن المغيرية والبزيغية والقطعية والواقفة وحينما يعدد أصناف الزيدية لا يذكر إلا الجارودية فقط (١).

ثم يذكر المقدسي أخبار خلافة علي والحسن ومقتل الحسين والمختار وكذلك أخبار الخلفاء العباسيين وثورات أبناء الحسن إلا أن الأخبار التي يذكرها مختصرة.

(١١) ويعطي أبو الفرج الأصفهاني ( ت ٣٥٦ هـ ) معلومات وافية ومفصلة عن آل أبي طالب ومن قتل منهم في كتابه « مقاتل الطالبيين » وقد قسم الأصفهاني كتابه إلى أقسام فذكر من قتل من آل أبي طالب في بدء الإسلام ثم من قتل منهم في أيام الدولة الأموية وأيام الدولة العباسية ، وهو في ذكر هذه الأخبار لا يقتصر على ذكر مقاتل آل أبي طالب وإنما يورد ترجمة لكل من قتل منهم مع ذكر أخباره ونسبه وسبب قتله وما قيل فيه من المراثي والأشعار ثم ذكر أخبار الخلفاء العباسيين وسيرتهم مع آل أبي طالب فهو تاريخ لآل أبي طالب في أيام الأمويين والعباسيين كما أنه يكشف عن العلاقة بين فرعي الهاشميين العلويين والعباسيين والنزاع المستمر بينهما ودور أبناء الحسن بن علي في الثورات ضد الحكم العباسي.

(١٢) وهناك مخطوطة بعنوان « أخبار العباس وأولاده » مجهولة المؤلف ، والكتاب يبدأ بذكر العباس بن عبد المطلب ومنزلته من النبي وأخباره مع النبي ثم ذكر أولاد العباس والكلام عن عبد الله بن عباس ومنزلته وعلمه وأخباره مع الأمويين. ويذكر أخبار الإمامة ويقصد بها إمامة آل العباس وكيفية انتقالها إليهم عن طريق محمد بن الحنيفة مع ذكر ثورة زيد بن علي وموقف آل العباس منها. وهذه المعلومات غير متوفرة في كتب التواريخ الأخرى ولا سيما في أخبار الدعوة العباسية فيذكر صاحب المخطوط أسماء الدعاة العباسيين وأسماء النقباء وأساليب الدعاة كما أنه

__________________

(١) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٣٣.


يجعل بدء الدعوة بفترة أسبق مما جعلها الطبري وبقية المؤرخين وينتهي إلى انتقال الخلافة إلى العباسيين وتولي السفاح الخلافة.

ويبدو من المعلومات التي يزودنا بها صاحب المخطوطة أن له صلة بآل العباس لأن المعلومات التي يرويها لا يمكن أن يذكرها إلا من كان مطلعاً على الدعوة أو أحد رجالها.

ويعتقد الدكتور الدوري أن المعلومات التي أوردها صاحب المخطوطة قد أخذها من الحلقة الداخلية من رجال الدعوة العباسية ومن رجال الدعوة والدعاة البارزين المتصلين بالعباسيين دون أفراد الأسرة العباسية (١).

كما أن أسلوب الكتاب ومصادرة تشير إلى أنه كتب حوالي منتصف القرن الثالث الهجري (٢). وقد روى صاحب المخطوطة عن معاصرين اتصل بهم كالبلاذري فمرة يذكر قال البلاذري وأخرى حدثنا البلاذري (٣).

(١٣) ويعطينا صاحب « العيون والحدائق » أخباراً عن الشيعة أيام الأمويين وأخبارهم مع العباسيين وثورات أبناء الحسن كما يتحدث عن الدعوة العباسية. وتتشابه معلوماته مع معلومات الطبري إلا فيما يتعلق بأخبار الدعوة العباسية فإنه ينفرد بمعلوماته (٤).

__________________

(١) الدكتور الدوري : ضوء جديد على الدعوة العباسية ، مقالة في مجلة كلية الآداب والعلوم العدد الثاني ١٩٥٧ ص ٦٦.

(٢) ن. م ص ٦٤.

(٣) أخبارهم العباس الورقة ٣٦ ب ، ٦٥ آ ، ٧٣ آ .... وقد اختصر هذا الكتاب مؤلف مجهول في القرن الحادي عشر وقد ذكر نفس الأخبار ولكن بإيجاز وفي مقدمة المختصر ما يلقي ضوءاً على شخصية المؤلف فقد ذكر صاحب المختصر في كلامه « وقد دعاني إلى ارتدىء ، وذكر العباس بن عبد المطلب لبانة في نفس وأرب يخصني ، وذاك أني أنتسب إلى ولاء في هذا البيت الشريف شرعي لأن جدي الذي أنتب إليه من إحدى طرفي وثاب كان مكاتباً لعبد الله بن عباس .. ثم يذكر أن وثاب تزوج فولد له يحيى صاحب طريقة في قراءة القرآن » وبعد هذا لا يذكر شيئا ويصل في أخباره إلى خلافة السفاح ويذكر خطبته. نبذة من كتاب التاريخ : الورقة ٧.

(٤) العيون والحدائق ص ١٨٠ ـ ١٨١.


وصاحب الكتاب مجهول والقسم المتوفر من كتابه يبدأ من خلافة الوليد بن عبد الملك إلى خلافة المعتصم وهو الجزء الثالث ، ثم الجزء الرابع ويبدأ من حوادث ٢٥٦ هـ ـ ٣٥١ هـ وهذا الجزء مخطوط لم يطبع بعد.

(١٤) أما مسكويه (ت ٤٢١ هـ ) فيسير في رواية الأحداث في كتابه « تجارب الأمم » على طريقة الطبري فلا يأتي بجديد في معلوماته والقسم الموجود من كتاب مسكويه الجزء الأول ويبدأ من سنة ١ هـ ـ ٤٠ هـ نشره كايتاني وتوجد مخطوطة تبدأ من حوادث سنة من سنة ١٠٤ هـ ـ ١٣٤ هـ يتناول فيها أخبار الدعوة العباسية وهو في هذا لا يأتي بأكثر مما جاء به الطبري إلا قليلاً. ثم نشر قسم آخر من تجارب الأمم يبدأ من سنة ٢٩٨ هـ ـ ٢٥١ هـ وهو في هذا القسم لا يأتي بجديد أيضاً فيروي أخبار الطالبيين مع المأمون وثوراتهم ويفصل في ذكر ثورة أبي السرايا مع ذكر من ثار منهم بعده.

(١٥) وذكر محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) في كتابه « الكامل في التاريخ » نفس الأحداث التي أوردها الطبري وسار على طريقته في ذكر الحوادث مع إضافات وقد ذكر ذلك في خطبة كتابه حيث يقول : « إني قد جمعت في كتابي هذا مالم يجمع في كتاب واحد ... فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنفه الإمام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المعول عليه عند الكافة ... فأخذت مافيه من جمعيع تراجمه ولم أخل بترجمة واحدة منها وقد ذكر هو في أكثر الحوادث روايات ذات عدد كل رواية منها مثل التي قبلها أو أقل منها ، وربما زاد الشيء اليسير أو نقصه فقصدت أتم الروايات فنقلتها وأضفت إليها من غيرها ما ليس فيها ... » (١).

(١٦) ويروي ابن الطقطقي ( ت ٧٠٩ هـ ) في كتابة « الفخري في الآداب السلطانية » أخبار علي بن أبي طالب مع النبي ثم أخبار الشيعة مع

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ١ ص ٥.


الأمويين وأخبارهم مع العباسيين ، وذكر أخبار الائمة والثورات التي قام بها أبناء الحسن وهو في روايته للأحداث لم يستطع أن يخفي ميوله العلوية.

(١٧) أبو الفدا ( ت ٧٣٢ هـ ) يذكر في كتابه « المختصر في أخبار البشر» خلاصة عن ماأورده من سبقه من المؤرخين.

(١٨) ويعطي شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) في كتابه « تاريخ الإسلام» تراجم للصحابة ويذكر بعض الأخبار التي تهتم بهاالشيعة كذكر حادثة الغدير وغيرها من الحوادث ويأخذ عن الطبري.

(١٩) ويسير ابن كثير ( ت ٧٧٤ هـ ) في كتابه « البداية والنهاية في التاريخ » على طريقة الطبري وابن الأثير في روايته للأحداث ويأخذ عن الذهبي في بعض الروايات.

(٢٠) ابن خلدون ( ت ٨٠٨ هـ ) يسير على طريق يختلف عن بقية المؤرخين فهو لا يكتفي بسرد الحوادث وإنما يحاول أن يجد فلسفة وأسباباً للأحداث فيذكر في مقدمة كتابه « العبر وديوان المبتدأ والخبر » فصلاً عن الملل ويتحدث عن الشيعة وبداية ظهورهم وسبب ظهور الفرق ثم يورد في العبر الأخبار الواردة عند المؤرخين.

(٢١) وأحسن ما كتبه المقريزي ( ت٨٤٥ هـ ) فائدة في بحث الشيعة كتابه « النزاع والتخاصم فيما بين أمية وهاشم » فقد ذكر العلاقة بين هاشم وأمية والعداء بينهما ومن قتل من بني هاشم أيام بني أمية.

(٢٢) ويذكر في كتابه « الخطط » أخباراً متفرقة عن الشيعة وبداية ظهورهم وعن الرافضة.

(٢٣) أما السيوطي ( ت ٩١١ هـ ) في كتابه « تاريخ الخلفاء » فيتناول أخبار كل خليفة وتاريخ الشيعة وأخبارهم مع الأمويين والعباسيين.

(٢٤) ويعطي ابن الشحنة ( ت ٨١٥ هـ ) في كتابه « روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر » والقرماني ( ت ١٠١٩ هـ ) في كتابة « أخبار الدول


وآثار الأول » معلومات كالتي أوردها المؤرخون الذين سبقوهما إلا أنهما يزيدان في ذكر أخبار الأئمة ونبذ من أقوالهم.

ب ـ أما كتب الفرق غير الشيعية فتبحث في تكوين الفرق ومنها الشيعة مع ذكر آرائها واختلافاتها.

(٢٥) فيذكر أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ( ت ٣٢٤ هـ ) في كتابه « مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين » الشيعة ويقسمهم إلى ثلاث فرق الغلاة ويقسمها إلى خمس عشرة فرقة ثم الرافضة ويقسمهم إلى ٢٤ فرقة ويدخل ضمنهم الكيسانية والظاهر أنه يقصد بالرافضة الإمامية لأنه يذكر القطعية والواقفة وهؤلاء من الإمامية ، بالإضافة إلى هذا يذكر البيانية ويعدها من الإمامية بينما هي من الغلاة.

ثم يذكر الزيدية ويقسمها إلى ثلاثة أصناف الجارودية والبترية والسليمانية وكل هذه الفرق يقسمها إلى فرق أخرى.

وبالإضافة إلى ذلك يذكر من خرج من آل أبي طالب منذ أيام الأمويين حتى نهاية أيام المكتفي العباسي.

وكذلك يذكر رأي الشيعة في الإمامة وأقوالهم في الوعد والوعيد والتجسيم والقضاء والقدر.

(٢٦) ويذكر أبو بكر محمد بن الطيب بن الباقلاني ( ت ٤٠٣ هـ ) في كتابة « التمهيد في الرد على المحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة » إمامة علي بن أبي طالب ويورد أحاديث للرسول في فضل علي وينفي أن يكون حديث الغدير دليلاً على إمامة علي ويرد على الرافضة في مسائل أخرى.

(٢٧) ويتحدث عبد القادر بن طاهر بن محمد البغدادي ( ت ٤٢٩ هـ ) في كتابة « الفرق بين الفرق » عن الشيعة فيذكر أن الشيعة ثلاث فرق ويطلق كلمة رافضةعلى كل الشيعة وعنده أن الشيعة هم الإمامية والزيدية والكيسانية ، ويقسم الكيسانية إلى فرقتين ثم يقسم الإمامية إلى خمس عشرة فرقة ولكنه يدخل معهم الغلاة ولو أنه يخصص فصلاً للغلاة.


ويتصف البغدادي على خلاف كتاب الفرق بإعطاء رأيه في الحوادث (١).

(٢٨) أما أبو المظفر الاسفراييني ( ت ٤٧١ هـ ) في « التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين » فيتكلم عن الشيعة وفرقهم وهو لا يختلف عن البغدادي في تقسيمه إلا قليلاً ، كما أنه يعطي رأيه في الأحداث ويرد على الشيعة وعلى بقية الفرق لأنه يرى أن الفرقة الناجية هم أهل السنة والحديث.

(٢٩) ويتكلم عبد الكريم الشهرستاني ( ت ٥٤٨ هـ ) في كتابه « الملل والنحل » عن الشيعة فيتحدث عن الزيدية والكيسانية والإمامية وفرقهم والغلاة ثم يذكر عدداً من رجال الشيعة ومصنفي كتبهم.

(٣٠) أما فخر الدين الرازي ( ت ٦٠٦ هـ ) فيذكر في كتابه « اعتقادات فرق المسلمين والمشركين » الشيعة ويسميهم الروافض ويطلق هذا الاسم عامة ويعطي للفرق نفس التقسيم الذي ذكره البغدادي والاسفراييني إلا أنه لا يفصل في كلامه. إنما يكتفي بتعريف لكل فرقة من فرق الشيعة.

(٣١) ويتحدث عثمان بن عبد الله بن الحسن الحنفي العراقي ( من القرن السابع ) في كتابه « الفرق المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة » عن فرق الشيعة المختلفة ويطلق لفظة الروافض على جمعيع الشيعة.

ج ـ ومما يفيدنا في بحث الشيعة مصادر الإسماعيلية ، كما أن بعض كتب الإسماعيلية أقرب صلة بالإمامية من غيرها.

(٣٢) ففي كتاب « الزينة في الكلمات الإسلامية » للرازي المتوفي سنة ٣٢٢ هـ كلام عن الشيعة فيذكر اصل لفظ التشيع ثم يتكلم عن الرافضة ومعناها كما يتحدث عن فرق الشيعة وهو في ذلك لا يختلف عما يذكره النوبختي وسعد القمي إلا فيما يتصل بالإسماعيلية ومهما يحاول الرازي أن لا يفصح عن كونه إسماعيلياً إلا أن أسلوبه يدل عليه.

(٣٣) ويذكر أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن

__________________

(١) وقد اختصر كتاب « الفرق بين الفرق » الرسعني في « مختصر الفرق بين الفرق ».


حيون التميمي المغربي ( ت ٣٦٣ هـ ) في كتابه « دعائم الإسلام في ذكر الحلال والحرام والقضاء والأحكام عن أهل بيت رسول الله 6 » ولاية علي بن أبي طالب مستدلاً بأحاديث عن الرسول كحديث المنزلة وحديث الغدير ، ثم يذكر أبو حنيفة النعمان ولاية الأئمة عامة ويذكر أخبار جعفر بن محمد الصادق ثم يتوقف عن ذكر بقية الأئمة لأن الإسماعيلية لا يعترفون بإمامة موسى الكاظم والأئمة الذين يأتون بعده كما هو الحال عند الإمامية. ثم يذكر شيئاً عن صفات الأئمة ووصاياهم وأخبارهم.

ويذكر في كتابه « أساس التأويل » عدداً من الآيات ويفسرها في ولاية آل البيت كما يخصص فصلاً عن حياة النبي وإمامة علي بن أبي طالب فيذكر حديث الغدير وحديث المنزلة وحديث الأنذار والراية.

(٣٤) أما حسن بن نوح بن يوسف بن محمد بن آدم الهندي البهروجي ( ت ٩٣٩ هـ ) في كتابه « الأزهار ، ومجمع الأنوار الملقوطة من بساتين الأسرار مجامع الفواكه الروحانية والثمار » فقد ابتدأ الكتاب بذكر المصادر التي أخذ عنها ثم تكلم عن النبي محمد وذكر حديث الانذار ثم أخبار علي مع النبي 6 ثم حجة الوداع وخبر غدير خم كما ذكر حديث الثقلين ، وتناول أخبار الأئمة وألقابهم وكناهم وسنة ولادتهم ووفاتهم باختصار وانتهى بذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق. ثم يذكر بقية الأئمة كما تعتقد الإسماعليلة (١).

د ـ وبالإضافة إلى هذه المصادر هناك كتب اهل السنة التي تروي أخبار الأئمة.

(٣٥) ومنها الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي ( ت ٢٣٠ هـ ) فقد ترجم لعلي بن أبي طالب ولمحمد بن الحنفية وعلي بن الحسين وعمار بن ياسر الفارسي وغيرهم وأهمية كتاب الطبقات ترجع لقدم فترتة ويلاحظ أنه لم يترجم للحسن ولا للحسين.

__________________

(١) والكتاب نشر منه الجزء الأول ضمن كتاب منتخبات إسماعيلية تحقيق عادل العوا دمشق ١٩٥٨.


(٣٦) ومنهم أحمد بن شعيب النسائي ( ت ٣٠٣ هـ ) صاحب السنن له كتاب « خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » ذكر في هذا الكتاب فضائل علي وما خص به من دون الصحابة من الفضائل فذكر حديث المنزلة والمؤاخاة وقصة برءة وحديث « من كنت مولاه » وأحاديث أخرى غيرها إلا أنه في ذكره لحديث الموالاة لا يفسر هذا الحديث في الإمامة كما تفسره الشيعة وإنما يكتفي بذكره فقط (١).

(٣٧) وترجم أبو نعيم الأصبهاني ( ت٤٣٠ هـ ) صاحب « حلية الأولياء » للأئمة وذكر أخبارهم وروى أحاديث عنهم.

(٣٨) وتكلم ابن عبد البر ( ت ٤٦٣ هـ ) في كتابه « الاستيعاب في معرفة الأصحاب » عن الإمام علي وذكر حديث المؤاخاة وحديث المنزلة وحديث الغدير وذكر فضائل ومناقب أخرى للإمام علي.

(٣٩) ويذكر أبو المؤيد الموفق بن أحمد بن محمد البكري المالكي المعروف بأخطب خوارزم ( ت ٥٦٨ هـ ) في كتابه « المناقب » أخباراً عن علي ابن أبي طالب فيذكر اسمه ونسبه وإسلامه وصلته بالرسول وأحاديث في فضله وبيان أنه أفضل الأصحاب وأقرب الناس إلى الرسول 6 ويذكر حديث المنزلة وسورة براءة وحديث الغدير إلا أنه أيضاً لا يفسره في الإمامة.

ثم يذكر أخبار علي وحرب الجمل وصفين وحربه مع الخوارج ، ثم يذكر أنه معصوم من الذنب وقد ذكر العصمة بالرغم من أنه لم يكن شيعياً ثم ينهي كتابه بذكر مقتل علي وبيان مدة خلافته كما ذكر قصائد في مدحه.

(٤٠) ويستهل الخوارزمي كتابه « مقتل الحسين » بذكر النبي وفضائله ثم ذكر فضائل فاطمة وآل البيت وفضائل علي والحسن والحسين ، ثم ذكر الحسين منفرداً فيبدأ بذكر قصة مقتله وما جرى فيها من الحوادث وما قيل فيه من المراثي ثم ذكر أخبار المختار وانتقامه من قتله الحسين.

__________________

(١) وقد ذكر ابن حجر في الإصابة جـ ٢ ص ٥٠١ في باب ترجمة علي قال : « تتبع النسائي ما خص به علي 7 فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد ».


(٤١) وذكر ابن الأثير ( ت ٦٣٠ هـ ) في « أسد الغابة في معرفة الصحابة » أخبار علي بن أبي طالب فذكر حديث الثقلين وحديث الراية يوم خيبر وقصة مبيت علي على فراش الرسول 6 وحديث الغدير.

ويلا حظ أن ابن الأثير في أسد الغابة يذكر قصة غدير خم بينما لا يذكرها في الكامل في التاريخ (١).

(٤٢) ويعطي محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي ( ت ٦٥٢ هـ ) في كتابه « مطالب السؤول في مناقب آل الرسول » معلومات وافية عن علي بن أبي طالب وأولاده الأئمة الاثني عشر فيبدأ بذكر أخبار علي مع النبي وقصة المؤاخاة وأخباره في الغزوات وصفاته وجملة من خطبه ثم عدد أولاده.

ثم يتكلم عن الأئمة الاثني عشر فيذكر أخبارهم وصلتهم بالخلفاء ويذكر في هذا أخباراً تاريخية ويكثر في أخذ رواياته عن الترمذي والبخاري.

(٤٣) ويذكر أبو المظفر يوسف شمس الدين الملقب بسبط أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) في كتابه « تذكرة الخواص » أخبار علي بن أبي طالب مع النبي وخلافته ووقعتي الجمل وصفين كما يذكر صلح الحسن وأخباره مع معاوية ثم يترجم لكل من الأئمة الاثني عشر ويروي حوادث تاريخية فيأخذ عن الطبري والمسعودي ، وتثق الشيعة بأحاديث سبط ابن الجوزي لأن أحاديثه تتشابه مع الشيعة لا سيما في تأكيده على حديث الغدير (٢).

(٤٤) ويتناول محمد بن يوسف بن محمد النوفلي القرشي الكنجي الشافعي ( ت ٦٥٨ هـ ) في كتابه « البيان في أخبار صاحب الزمان » الكلام عن الإمام المهدي فيذكر خروجه في آخر الزمان وكونه من ولد فاطمة وكون المهدي من ولد الحسين كما بشر النبي 6 ، وأخبار خروجه ووصف زمانه.

__________________

(١) أسد الغابة ٤/٢٨.

(٢) انظر سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص ٣٨.


وهو في ذكره للمهدي يختلف عن الشيعة فهو يقتصر على ذكر الأحاديث النبوية بينما الشيعة تؤكد ذلك بأحاديث ترويها عن علي وبقية الائمة ويبدو أنه لم يعتمد على الشيعة في ذكر المهدي حيث يقول في خطبة الكتاب وسميته « البيان في أخبار صاحب الزمان » وعريته عن طريق الشيعة تعرية تركيب الحجة إذ كل ما تلقته الشيعة بالقبول وإن كان صحيح النقل فإنما هو خريت منارهم وحذارية ذمارهم فكان الاحتجاج بغيره أكد » (١).

(٤٥) وله أيضاً كتاب « كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ». والكتاب يبحث في أخبار علي بن أبي طالب متبدئاً بذكر حديث غدير خم وأحاديث الرسول 6 في تولي علي بن أبي طالب ، ثم أخبار علي أيام خلافته. وتحدث عن الائمة الاثني عشر وترجم لكل منهم.

(٤٦) وذكر أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان ( ت ٦٨١ هـ ) في كتاب « وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان » أخبار الأئمة الاثني عشر وأحوالهم.

(٤٧) ويذكر محب الدين عبد الله الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى » أخبار النبي 6 وذكر فضل قرابته ثم ذكر أخبار علي بن أبي طالب وآيات نزلت في آل البيت ثم ذكر فضل الحسن والحسين وتحدث عن مقتل الحسين وأورد أخبار أخرى تتعلق بآل أبي طالب وآل العباس ومنزلة قرابتهم من النبي 6.

(٤٨) وذكر ابن حجر العسقلاني ( ت٧٥٢ هـ ) في « الإصابة في معرفة الصحابة » أخبار علي بن أبي طالب ومناقبة ومنها حديث المنزلة ، وحديث الراية يوم خيبر وحديث المباهلة.

(٤٩) ويعطي علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي الشهير بابن

__________________

(١) الشافعي : البيان في أخبار صاحب الزمان ص ٥٣ ، والخريت : الدليل الحاذق والمنار موضع النور. حذارية ذمارهم ، العقاب والذمار ما يلزم حفظه.


الصباغ ( ت ٨٥٥ هـ ) ترجمة وافية عن حياة علي بن أبي طالب وأخباره مع النبي 6 ثم حياة الأئمة الاثني عشر وذكر أخبارهم في « الفصول المهمة في معرفة الأئمة » ، ويأخذ ابن الصباغ عن القرشي في مطالب السؤول والكنجي في كفاية الطالب. ويذكر حديث الغدير ويفسر معانية إلا أنه لا يفسره بالإمامة كما تعتقد الشيعة.

(٥٠) ولشمس الدين محمد بن طولون ( ت٩٥٣ هـ ) كتاب عن « الأئمة الاثني عشر » وسماه بـ « الشذرات الذهبية في تراجم الأئمة الاثني عشر عند الإمامية » ويبدأ بذكر علي بن أبي طالب فيذكر زمن ولادته وأخباره ووفاته وينتهي بذكر أخبار الإمام الثاني عشر.

أما بقية مصادر أهل السنة فتعتمد في روايتها للأحداث على المصادر السابقة.

(٥١) كما في « كنز العمال » للمتقي الهندي ( ت ٩٧٥ هـ ) وكتاب « ينابيع المودة » للحنفي ( ت ١٢٧٠ هـ ) وكتاب « نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ».

(٥٢) ويتحدث شاه عبد العزيز الدهلوي ( ت ١٢٣٩ هـ ) في كتابه « مختصر التحفة الاثني عشرية » عن أصول الشيعة وبيان مذاهبهم ورواة أخبارهم وعقائدهم في النبوة والإمامة وصفة الامام وعصمته وفي ذكر فرقهم. ويبدو أنه ألف الكتاب في وقت شاع فيه مذهب الاثني عشرية يدل على ذلك قوله في مقدمة كتابه « إن البلاد التي نحن بها ساكنون راج فيها مذهب الاثني عشرية حتى قل بيت من أمصارهم لم يتمذهب بهذا المذهب ».

وقد كتب الكتاب بالفارسية ثم نقله إلى العربية الشيخ غلام محمد ابن محي الدين بن عمر الأسلمي.

هـ ـ أما مصادر الاعتزال فيتناول بعضها آراء الشيعة الإمامية وخاصة رأيهم في الإمامة.

(٥٣) ومنها كتاب « العثمانية » لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت ٢٥٥ هـ ) فهو في خلال كلامه عن العثمانية يذكر آراء الشيعة في الإمامة ومن ذلك قصة براءة وحديث المنزلة وحديث الطائر وحديث الغدير كما يذكر


مجموعة من الآيات فسرتها الشيعة بإمامة علي بن أبي طالب (١).

(٥٤) وللجاحظ أيضاً رسالة بعنوان « استحقاق الإمامة » ذكر فيها رأي الزيدية في إمامة علي بن أبي طالب.

(٥٥) وللصاحب بن عباد ( ت ٣٨٥ هـ ) رسالة عنوانها « الابانة عن مذهب أهل العدل » ذكر فيها فضل علي بن أبي طالب وما خص به من الفضائل دون سواه واستحقاقه للإمامة.

(٥٦) وله أيضاً « التذكرة في الأصول الخمسة » ذكر فيها أيضاً فضل علي وأورد بعض الآيات في هذا الصدد.

(٥٧) وأكثر مصادر المعتزلة فائدة كتابات القاضي أبو الحسن عبد الجبار ( ت ٤١٥ هـ ) فقد أورد في كتابه « شرح الأصول الخمسة » فصلاً عن الإمامة وعرض خلال كلامه على الإمامة آراء المعتزلة. وأعطى رأي الشيعة الإمامية.

(٥٨) وخصص في كتابه « المغني في أبواب العدل والتوحيد » قسماً لذكر الإمامة ومناقشة الشيعة في مسألة الإمامة فهو يعرض دلائل الإمامة عند الشيعة كحديث المنزلة والراية والطائر والثقلين والغدير بعد أن يعطي رأيه كمعتزلي.

(٥٩) أما ابن أبي الحديد المدائني ( ت ٦٢٢ هـ ) ففي شرحة لنهج البلاغة أي مجموعة خطب الإمام علي يذكر حوادث مختلفة أيام الإمام علي كوقعتي الجمل وصفين كما يذكر آراء المعتزلة في الإمامة ثم آراء الشيعة الإمامية. ويتصف ابن أبي الحديد بكونه يأخذ عن أقدم المصادر ففي الجمل مثلاً يأخذ عن أبي مخنف وفي صفين عن نصر بن مزاحم ، بالإضافة إلى هذا يذكر أخباراً مختلفة للأئمة كذكر أخبار الإمام الصادق مع أبي جعفر المنصور وغيرها من الأخبار.

و ـ أما المصادر الإمامية فتزودنا بأوسع المعلومات عن الشيعة

__________________

(١) وقد رّد على الجاحظ أبو جعفر الإسكافي في « مناقضات أبي جعفر الإسكافي لبعض ما أورده الجاحظ في العثمانية ».


الإمامية وتطورها كما تبحث في العقائد والآراء. ثم إنها تهتم اهتماماً كبيراً بقضية الإمامة وتعطي معلومات وافية عن حياة الأئمة وتاريخهم ودورهم في تطور عقائد الأمامية.

(٦٠) ان أقدم المصادر المتوفرة من كتب الإمامية كتاب سليم بن قيس الكوفي الهلالي الملقب بأبي صادق ( ت ٩٠ هـ ).

وقد أدرك سليم بن قيس علي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن الحسين والباقر وتوفي في أيام علي بن الحسين مستتراً عن الحجاج أيام ولايته (١).

وتعطي الشيعة أهمية كبيرة لكتاب سليم بن قيس وتعده من الأصول التي يعوّل عليها يقول النعماني « ان كتاب سليم بن قيس أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم حملة حديث أهل البيت وأقدمها .... » (٢).

ويذكر ابن النديم أن سليماً قد أخفى كتابه هذا لأنه عاش أيام الحجاج متوارياً فلما حضرته الوفاة سلم الكتاب إلى أبان بن أبي عياش الذي رواه وهو أول كتاب ظهر للشيعة (٣).

وهناك خلاف حول صحة نسبة الكتاب إلى سليم بن قيس ، لأن سليماً ذكر أن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند الموت وأن الأئمة ثلاثة عشر. ويقول العلامة الحلي في هذا الصدد : « والوجه عندي الحكم بتعديل المشار إليه والتوقف في الفاسد من كتابه (٤). ولكني لم أجد ما ذكر في النسخة التي اطلعت عليها. ويتصف كتاب سليم بن قيس أو السقيفة كما يسمى أحياناً بأنه عبارة عن مجموعة من الأخبار التاريخية أخذها سليم عن عمار بن ياسر توفي في صفين ( سنة ٣٧ هـ ) وسلمان الفارسي ( ت ٣٥ هـ ) والمقداد ( ت٣٣ هـ ) وأبي ذر ( ت ٣٢ هـ بالربذة ) كما قال في مقدمة كتابه.

__________________

(١) انظر كتاب الرجال : البرقي ص ٤ ، ٩٧ والنعماني : الغيبة ص ٥٣.

(٢) النعماني : الغيبة ص ٤٧.

(٣) ابن النديم : الفهرست ص ٢٥٤.

(٤) الحلي : الرجال ص ٨٣.


يذكر سليم في بداية كتابه وفاة رسول الله 6 ثم أحاديث للرسول عن علي بن أبي طالب وذكر فضائله ويذكر قصة السقيفة مع ذكر أخبار علي ومن وقف بجانبه من الشيعة كما يذكر الفضائل التي أهلت علياً للإمامة فيذكر حديث المؤاخاة وحديث المنزلة وحديث الراية وخبر حجة الوداع وغدير خم كما يذكر فرق الأمة بعد الرسول 6 وكلام حول الإمامة ويذكر أن الأئمة من أولاد علي وأن عددهم أحد عشر ثم يذكر أخبار العباس عم النبي 6 ثم أخبار خلافة علي وحرب الجمل وصفين ثم يذكر المراسلات بين علي ومعاوية ثم يذكر بعد هذا أخبار علي بن أبي طالب أيام أبي بكر وعمر بن الخطاب كما يتكلم عن سيرة أصحاب علي المقربين إليه أمثال سلمان وأبو ذر والمقداد. ثم يذكر أحوال الشيعة وما أصابهم من المحنة أيام الأمويين ويذكر أخبار الحسن والحسين كما يذكر عن الإمام علي بن الحسين ويورد أقوالاً للباقر كما يروي قصة فدك وخبر وفاة فاطمة.

ونلاحظ أن سليماً في روايته لهذه الأحداث لا يلتزم بالتسلسل التاريخي وإنما يروي هذه الأحداث لتأكيد كلامه عن الإمامة فهو يسبق الأحداث أحياناً في ذكر الأخبار ، كما أنه يهتم بالآراء أكثر من اهتمامه بالأحداث التاريخية.

وبالإضافة إلى ما مّر من الإخبار التي ذكرها سليم تنسب إليه أخبار أخرى تتعلق بصفات الإمام والنص على الأئمة الاثني عشر وباب عصمة الإمام مع كلام عن الغلو ومناقب علي بن أبي طالب وباب القدرة والإرادة وغيرها من الإخبار التي لم ترد في النسخة التي بين أيدينا (١).

وتظهر أهمية كتاب سليم إذا لاحظنا زمان كتابته فأخباره هي البداية

__________________

(١) وقد ورد ذكر هذه الأخبار عند النعماني : الغيبة ص ٣٢ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٦ وكذلك الطوسي : الغيبة ص ٩١ وانظر الطبرسي : الاحتجاج ج ١ ص ٢٥٢ ، ٨٣ ، ٨٦ ، وانظر أيضاً الكليني : الكافي ج ٨ ص ٥٨ ، ٦٣ ، ٣٤٣ ، ج ١ ص ٤٤ ، ١٩١ ، ٢٩٧ ، ٥٣٩ ، بحار الأنوار : المجلسي ج ٨ ص ٣ ، ٥ ، ٧ ، ١٢ ، ١٣ ، ١٦ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٥٢ ، ٥٥ ، ٥٦ ، ٥٧ طبع حجر وكذلك أخبار العباس : مؤلف مجهول الورقة ١٤ أ.


في دراسة الشيعة ولا سيما في كلامه على الإمامة.

ويأتي بعده أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ( ت ٢٧٤ هـ أو ٢٨٠ هـ ). ولمعلومات البرقي أهمية بالنسبة لدراسة الشيعة الإمامية لأنه صاحب الإمام الجواد (ت ٢٢٠ هـ ) وروى عنه. وقد عاش أيام الحيرة أي أيام اختفاء الإمام بعد وفاة الحسن العسكري ، إلا أنه رجع إلى اعتقاده بالإمام الثاني عشر.

(٦١) وللبرقي مؤلفات منها « كتاب المحاسن » وفي هذا الكتاب أبواب متفرقة من الفقة والعلل الشرعية والأداب كما يتناول الأحوال الاجتماعية وفي الكتاب معلومات متفرقة في وصف آل محمد وولايتهم كما يذكر عن الرافضة ويعرفها ويقسم كتابه إلى أبواب متفرقة مثل باب الواحد وباب الثلاثة ... الخ وهذا السبيل سار عليه القمي بعده في كتابه « الخصال ».

(٦٢) أما في كتابه « الرجال » فيذكر رجال الشيعة ويقسمهم إلى طبقات مبتدئاً بذكر أصحاب رسول الله 6 ثم أصحاب علي بن أبي طالب ويذكر شرطه الخميس ( والمقصود بهم أخلص أصحاب علي ) ويذكر أن عددهم ستة آلاف رجل ويعدد منهم ٨٩ فقط (١).

ثم يذكر أصحاب الحسن بن علي ، وأصحاب الحسين بن علي وأصحاب علي بن الحسين ، وأصحاب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) ثم أصحاب أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق وأصحاب أبو الحسن موسى بن جعفر الكاظم وأصحاب أبي الحسن علي بن موسى الرضا ثم أصحاب أبي جعفر الثاني ( محمد الجواد ) ثم أصحاب أبي الحسن الثالث ( علي الهادي ) ثم أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري.

كما يورد من روت من النساء عن الرسول 6 ومن روت عن علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين .. إلى الحسن العسكري.

__________________

(١) البرقي : الرجال ص ٣ ـ ٧.


وفي آخر كتابه يذكر أخباراً عن السقيفة وخلافة أبي بكر ومن عارضها.

وهذا السبيل الذي سلكه البرقي سار عليه بقية مؤلفي الشيعة في كتب الرجال أمثال الطوسي.

(٦٣) أما سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي ( ت ٣٠١ هـ ٢٩٩ هـ ) فذكر في كتابه « المقالات والفرق » أخباراً مفصلة عن أصل التشيع وما تكون من الفرق حول الأئمة والكلام عن فرق الشيعة الإمامية الزيدية والمخالفين لهم وكذلك ذكر الغلاة وفرقهم. ومعلوماته مهمة بالنسبة لقدم فترتها الزمنية فقد ذكر الصدوق في « كمال الدين وتمام النعمة » أن سعداً لاقى الحسن العسكري وسمع منه (١). وبالإضافة إلى الأخبار عن فرق الشيعة أورد سعد القمي آراء في صفة الإمام وعصمته كما روى أخباراً لتقية.

(٦٤) ويأتي بعد سعد القمي أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي ( ٣١٠ هـ ) فذكر في كتابه « فرق الشيعة » نفس الأخبار والتقسيمات التي أوردها سعد القمي في كتابه ما عدا بعض الإضافات القليلة والاختلافات الأسلوب وقد عمل الدكتور محمد جواد مشكور مقارنة بين كتابي النوبختي والقمي فبين الاختلاف وذكر الزيادات في كل منهما (٢).

ويمكن اعتبار الكتابين من أهم وأقدم الكتب المتوفرة لدينا والتي تبحث عن فرق الشيعة.

كما نلاحظ عن سعد القمي والنوبختي في تقسيمهما للفرق التي ظهرت بعد وفاة الرسول 6 أنهما صنفاها إلى مرجئة ومعتزلة وخوارج وشيعة دون ذكر أهل السنة.

(٦٥) أما فرات بن إبراهيم الكوفي ( من علماء القرن الثالث فله تفسير معروف بإسم تفسير فرات الكوفي يروي فيه عن شيخه الحسين بن سعيد الأهوازي صاحب الإمام الرضا.

__________________

(١) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ٢ ص ٢٥١ ـ ٢٥٧.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق مقدمة الدكتور محمد جواد مشكور.


وقد عده السيد حسن الصدر من أصحاب الإمام محمد الجواد يؤيد ذلك اكثاره من الرواية عن الحسين بن سعيد الأهوازي صاحب الأئمة الرضا والجواد والهادي (١).

ولم أجد له ذكراً في كتب الرجال مثل كتاب الرجال للطوسي ولا في الفهرست ولم يذكره ابن شهر آشوب في معالم العلماء ولا الحلي في الخلاصة.

ولكن الكتب المتأخرة تعتمد على تفسيره وتثني عليه كما في بحار الأنوار للمجلسي (٢).

والتفسير مختصر يبدأ بتفسير بعض الآيات المتفرقة ويفسرها في حق الأئمة وآل البيت وحق الشيعة ويؤكد على الإمامة والولاية في تفسيره للسور التي يذكرها مثل سورة آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والتوبة ويونس وهود ويوسف والفرقان ، ويروي خلال التفسير حوادث تاريخية فيذكر خبر حجة الوداع وقصة غديرخم وغزوة خيبر وغزوة ذات السلاسل وهو في أكثر تفسيره يأخذ عن الأئمة وخاصة الإمام الصادق والرضا.

(٦٦) ويذكر محمد بن الحسن العياشي السمرقندي ( ت ٣٢٤ هـ ) في تفسيره الموسوم « بتفسير عياشي » أخباراً كالتي أوردها فرات وتفسيره موجز أيضاً (٣).

(٦٧) أما علي بن ابراهيم القمي ( ت ٣٢٤ هـ ) فيذكر في تفسيره « تفسير القمي » للآيات أخباراً تاريخية كذكر الغزوات التي شارك فيها على كما يتكلم عن فضائله ويورد أخباراً متفرقة عن الأئمة كما ذكر الشيعة وفضلهم وهو في تفسيره يأخذ عن الأئمة وتفسيره أوسع من بقية التفاسير.

__________________

(١) السيد حسن الصدر : تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص ٣٣٢.

(٢) انظر بحار الأنوار : المجلسي ج ١ ص ٣٧.

(٣) وينسب للإمام الحسن العسكري ( ت٢٦٠ هـ ) تفسير باسمه إلا أنه مشكوك فيه كما أن هناك تفسير للتستري ( ت ٣٠٠ هـ ).


(٦٨) ولأبي جعفر محمد بن يعقوب بن اسحق الكليني الرازي ( ت ٣٢٨ هـ أو ٣٢٩ هـ ) كتاب الكافي الذي يعد من أكبر الأصول التي تعتمد عليها الشيعة في الحديث والفقة وتعتبر المعلومات التي يوردها الكليني في باب الحجة من أوسع المعلومات وأقدمها كما أنه يأخذها من طرق مختلفة عن الأئمة وهو عند كلامه عن الإمامة يذكر الحاجة إلى الإمام ، معرفة الإمام ، أهمية معرفة الإمام ، صفات الإمام وفضله وأن الإمامة عهد من الله ، واجبات الإمام وما نزل من الآيات في الأئمة وحصر الإمامة في ولد علي بن أبي طالب ثم حصرها في أولاد الحسين.

وبعد ذلك يذكر النص على كل إمام من الله والرسول 6 ، ويفصل في ذكر الإمام الثاني عشر والكلام عن الغيبة.

ثم يتكلم في مواليد الأئمة الاثني عشر كما يذكر ما جاء في الأئمة الاثني عشر والنص عليهم (١).

ويذكر في الروضة من الكافي أخباراً متفرقة عن علي والأئمة وعن الشيعة وأخبار الإمام الصادق مع جماعة الشيعة وغيرها من الأخبار.

(٦٩) ويعطي النعماني محمد بن إبراهيم بن جعفر المعروف بابن أبي زينب ( من علماء القرن الثالث ) معلومات وافية عن الغيبة في كتابه « الغيبة ». وتظهر أهمية المعلومات التي يوردها النعماني لقرب اتصالها بعهد الغيبة فقد كان ممن ولد أيام الغيبة الصغرى وعاصر الكليني وكان كاتبه كتب له الكافي. ويبدو من مقدمة كتابه أنه ألفة سنة ٣٠٠ هـ أي أيام المحنة ، والمقصود بها اختفاء الإمام وحيرة الناس إلا القلة من الشيعة التي اعتقدت بإمامة الإمام الثاني عشر.

ويبدأ النعماني كتابه في الكلام عن الغيبة وعللها ويبن أنها سر من أسرار آل محمد يجب صونه. ثم يذكر الإمامة والوصية ويؤكد أنها في آل البيت ، ثم يذكر الحديث عن الأئمة الاثني عشر ليؤكد إمامة المهدي ، وقد أخذ حديث الأئمة الاثني عشر عن رواة الشيعة كما أخذها عن مخالفيهم ثم

____________

(١) انظر الكليني : الكافي ج ١ ( الأصول ) في باب الحجة ، وباب تواريخ الأئمة.


يعود إلى الكلام عن الإمامة وأهميتها ويذكر الغيبة الصغرى والكبرى كما يذكر القائم من طرق العامة ( ويقصد بهم غير الشيعة أي أهل السنة ) ثم يتكلم بالتفصيل عن أيام القائم وصفاته وعلامات ظهوره وفضله وما يصاحب ظهوره من أحداث وعن الشيعة أيام خروج القائم ثم يختم كلامه بالرد على الإسماعيلية وإثبات إمامة القائم.

(٧٠) ويبحث أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان بن أبان ابن عبد الله البخاري ( ت ٣٤١ هـ ) في كتابه « سر السلسلة العلوية » أنساب آل أبي طالب فيبدأ بذكر الحسن بن علي وأخباره ثم تطرق إلى ذكر أخبار الحسين ونسبه ثم ذكر أولاده الأئمة التسعة. ثم ذكر أخبار زيد بن علي بن الحسين مع ذكر أولاده ثم أخبار محمد بن الحنفية وأولده كما ذكر أولاد الفضل بن العباس بن علي بن أبي طالب.

وقد اعتمد عليه ابن عنية في عنبة الطالب والكتاب يختص بالأنساب ومع هذا يروي أخباراً تاريخية.

(٧١) وتذكر المصادر الإمامية أن لعلي بن الحسين بن علي المسعودي ( ت ٣٤٦ هـ ) صاحب تاريخ مروج الذهب كتاباً بعنوان « إثبات الوصية » وقد ذكره النجاشي في الرجال والعلامة الحلي في الرجال وآغا بزرك الطهراني في الذريعة ويسمي الكتاب « إثبات الإمامة لعلي » (١).

وقد عد هؤلاء المسعودي من الشيعة الاثني عشرية وقد ذكر الدكتور جواد علي في مقال له عن موارد تاريخ المسعودي ، أن الكتاب لا يمكن أن يكون للمسعودي حيث يقول : « والذي أراه أن هذا الكتاب هو لشخص آخر ، وذلك لأن أسلوبه وطريقة تاليفه وصيغته وإنشاءه كل هذه لا تتفق مع أسلوب وطريقة المسعودي في كتبه » (٢).

ويلاحظ أن المسعودي في كتابيه مروج الذهب والتنبيه والإشراف لم

__________________

(١) انظر النجاشي : الرجال ص ١٩٢ ، الحلي : الرجال ص ١٠٠. أغا بزرك الذريعة جـ ١ ص ٨٥.

(٢) جواد علي : موارد تاريخ المسعودي ، مقالة في مجلة سومر جـ ١ ـ ٢ ١٩٦٤ ، المجلد العشرون.


يذكر اسم هذا الكتاب ولم يشر إليه كعادته عندما يتكلم عن الإمامة والشيعة فيبدأ بكلامه ولا يتمه لأنه قد استوفاه في أحد كتبه فلم يذكر عن هذا الكتاب أبداً.

والكتاب يبدأ بذكر أخبار الخلق ، ثم ذكر الأنبياء وذكر النبي محمد 6 والدعوة الإسلامية ووصية النبي لعلي ثم ذكر أخبار الإمامة للأئمة الاثني عشر والنص عليهم وأخبارهم مع الخلفاء وهو في كلامه عن الإمامة يأخذ عن الكليني والكتاب يعطينا معلومات عن حياة الائمة وتاريخهم.

(٧٢) ويعطي محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ويلقب بالصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) معلومات مفصلة عن الشيعة الإمامية في كتبه فيتناول في كتابه « عيون أخبار الرضا » تفصيلات عن الإمام الرضا ونسبه وذكر إمامته والنص عليه ثم ذكر ما جاء في الائمة الاثني عشر ثم يذكر أخبار موسى بن جعفر مع الرشيد كما يذكر أخبار الرضا مع المتكلمين وأهل الملل وذكر رأيه في الإمامة والعصمة وعلامات الإمام ووصف الإمامة ، ثم ذكر ولاية الرضا لعهد المأمون ورأي الإمامية في ذلك ثم وفاة الرضا وأخباراً أخرى متفرقة والكتاب أحسن مصدر لدراسة تاريخ الرضا.

ويأخذ القمي في كتابه هذا عن الكليني وخاصة في باب الإمامة والنص على الأئمة.

(٧٣) ويتناول في كتابه « التوحيد » معنى التوحيد ونفي التشبيه وثواب الموحدين وغيرها من الآراء وفي خلال ذلك يروي أخباراً متفرقة عن الأئمة.

(٧٤) كما يتناول في كتابه « كمال الدين وتمام النعمة » الكلام عن الغيبة بشيء من التفصيل فيبدأ بذكر الإمامة عند الشيعة ثم اختلافهم ويذكر الفرق المختلفة كالواقفة والجعفرية والقطعية كما يذكر الزيدية ويرد عليهم كما يرد على الإسماعيلية حتى ينتهي إلى تأكيد إمامة الإمام الثاني عشر ، ثم يتناول الغيبة مع ذكر من غاب من الأنبياء ثم يذكر النصوص عن الإمام الثاني عشر ، مبتدئاً بذكر الآيات التي تنص على إمامته ثم نص الرسول


عليه ثم نص علي بن أبي طالب عليه ثم فاطمة الزهراء ثم نص بقية الأئمة.

كما يذكر عن أيام خروج القائم وصفاته والشيعة وحالهم أيام الغيبة كما يذكر علامات ظهوره.

وقد أخذ في كتابه هذا عن النعماني في الغيبة وعن الكليني.

(٧٥) وفي « معاني الأخبار » سار القمي على نهج البرقي في كتابه « المحاسن » فقسم كتابه إلى أبواب فذكر معنى الثقلين ، كما تكلم عن العصمة ، وحديث من كنت مولاه ، وحديث المنزلة ، ومعنى الال والأهل والأمة والعترة ، وغيرها من الأقوال والأحاديث.

(٧٦) وفي كتابه « صفات الشيعة » « وفضائل الشيعة » يذكر أحاديث عديدة في وصف الشيعة ثم ذكر ما خصهم الله به من فضائل والأحاديث عن الرسول 6 وعن الأئمة.

(٧٧) ويسير في « الخصال » أيضاً على طريقة البرقي في « المحاسن » فيذكر في أبواب كتابه في باب الاثنى عشر أخبار الأئمة الاثنى عشر ثم يذكر في باب الأربعين احتجاج علي بن أبي طالب على أبي بكر بخصال انفرد بها فيذكر منها حديث المنزلة ، حديث الراية ، المؤاخاة ، غدير خم ، الطائر المشوي ، وكلها من أدلة الإمامة عند الشيعة ، ثم يذكر في باب السبعين سبعين منقبة لعلي ثم يذكر أخبار الأئمة وعلومهم.

(٧٨) وفي « المقنع والهداية » يتناول الأمور الفقهية إلا أنه في الهداية يذكرباباً في الإمامة وآخر في التقية. وفي نهاية كتاب الهداية وصف القمي مذهب الإمامية بإيجاز.

(٧٩) وفي « علل الشرائع » يتحدث عن أمور فقهية ثم يذكر أخباراً متفرقة عن الإمامة وعن الأئمة وعن وراثة علي النبي ويقصد بالوراثة الإمامة.

(٨٠) ويتحدث في « الأمالي » عن أمور متفرقة فيتناول أحاديث في فضل علي بن أبي طالب ودلائل إمامته كحديث الراية وحديث المنزلة


وحديث من كنت مولاه كما يصف حادثة الغدير ، كما يتكلم عن حوادث تاريخية فيذكر أخبار موسى بن جعفر مع الرشيد وأخبار الرضا مع المأمون.

والكتاب مقسم إلى مجالس وفي كل مجلس يذكر أموراً شتى وهذا الطريق سار عليه المفيد في كتابه « الأمالي ».

(٨١) ويتحدث محمد بن جرير بن رستم الطبري ( ت ٤٠٠ هـ ) في كتابه « المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب » عن الإمامة واختلاف المسلمين بعد وفاة رسول الله 6 ثم يبدأ بمناقشة أدلة إمامة علي بن أبي طالب كذكر حديث الغدير وحديث الراية والمنزلة ثم يؤكد أهمية الوصية وأنها لعلي بن أبي طالب كما ينفي الإمامة عن غيره ويعلل سبب قعوده عن طلبها. والكتاب يختص بإمامة علي فقط.

(٨٢) أما في كتابه « دلائل الإمامة » فيبحث عن وصية النبي 6 وأخبار فاطمة الزهراء ثم أخبار علي بن أبي طالب وأخبار أولاده مع ترجمة لكل منهم وذكر دلائل إمامتهم.

(٨٣) ويذكر أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري ( من رجال القرن الرابع ) في كتابه « قرب الإسناد » أخباراً متفرقة عن الإمامة والتقية وعن بعض دلائل الإمامة عند الشيعة كحديث الغدير وأخباراً أخرى للأئمة عن الشيعة وصفاتهم.

(٨٤) ويتحدث أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني ( من أعلام القرن الرابع ) في كتابه « تحف العقول عن آل الرسول » عن مجموعة أقوال للرسول 6 ولعلي ولبقية الأئمة.

(٨٥) ويذكر أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي ( ت ٤٠٥ هـ ) في كتابه « الرجال » رجال الشيعة على حروف الهجاء. ولم يقتصر كتابه على ذكر الرجال فقط وإنما ذكر مؤلفاتهم فهو فهرست لكتب الشيعة.

(٨٦) أما محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي ( من أعلام القرن الرابع ) فيذكر في كتابه « رجال الكشي » رجال الشيعة ويبدأ بإعطاء ترجمة


لكل من سلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد ... وهو في كتابه لا يكتفي بذكر الرجال فقط وإنما يذكر معلومات متفرقة تتعلق بفرق الشيعة مثل الزيدية والبترية والقطعية والواقفة ، كما يذكر الغلاة أيام علي بن محمد العسكري ثم يذكر الفقهاء أيام الصادق وايام موسى بن جعفر وايام الرضا وأخبار أخرى متفرقة.

(٨٧) وللشريف الرضي ( ت ٤٠٦ هـ ) كتاب « خصائص أمير المؤمنين » يتحدث فيه عن أخبار النبي 6 وأخبار علي ووصية النبي لعلي بالإمامة من بعده ثم يذكر أدلة إمامته.

(٨٨) وللشريف الرضي أيضاً « كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل » ذكر فيه بعض الآيات وفسرها. فقد ذكر آية المباهلة وبين اختصاصها بعلي بن أبي طالب.

أما الشيخ المفيد محمد بن النعمان ( ت ٤١٣ هـ ) فقد قام بأعظم دور في تطوير حركة الإمامية بما كتبه وبما نشره من آراء وللمفيد تآليف كثيرة تبحث في الإمامة وفي أخبار وأحوال الأئمة.

(٨٩) ففي كتابه « الإرشاد » يذكر أخبار علي بن أبي طالب مع رسول الله 6 ومشاركته الرسول في غزواته ثم وصية الرسول له ثم ذكر إمامته ودلائلها ثم أيام خلافته وحروبه ، ثم يتناول حياة كل من أولاده الأئمة وأخبارهم وذكر أولادهم وصلتهم بخلفاء زمانهم وهو في الإرشاد يأخذ عن الكليني في عدة مواضع.

(٩٠) ويناقش الشيخ المفيد في « الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب » مسألة الإمامة فيبحث معنى الإمامة وكيفية حصولها ، ثم وجوب معرفة الإمام ثم يبحث إمامة علي بن أبي طالب ونفي إمامة من سبقه كما يذكر عدداً من الآيات التي اختصت بإمامة علي.

(٩١) وفي « الأمالي » يسير الشيخ المفيد على طريقة الشيخ الصدوق في كتابه « الأمالي » حيث قسمه إلى مجالس ذكر فيها مسائل شتى في أخبار الأئمة والكلام على الإمامة واختصاصها بآل النبي وصفات الإمامة ومناقشة


أدلة إمامة علي وبقية الأئمة كما يذكر أيضاً عدداً من الآيات ويفسرها بالإمامة.

(٩٢) ويتناول المفيد عدة مسائل في كتابه « الفصول المختارة من العيون والمحاسن » فيناقش المعتزلة في مسألة النص وتقسيمه كما يناقش لفظة مولى كما يذكر أخباراً للأمام موسى الكاظم وعلي الرضا مع الرشيد والمأمون ثم يتكلم عن أفضلية علي للخلافة كما يتكلم عن الغيبة.

ويذكر في الجزء الثاني من الكتاب نفسه أموراً أخرى تتعلق بالخلافة أيضاً ويناقش آراء المعتزلة كما يذكر حديث الغدير وأهميته بالنسبة للدلالة على الإمامة ثم يتكلم عن الشيعة الإمامية ويذكر فرقهم ويناقش آراء الزيدية في الإمامة وهو في كلامه عن الإمامية وفرقهم لا يأتي بشيء جديد وإنما يورد نفس ما أورده سعد القمي والنوبختي.

(٩٣) ويخصص الشيخ المفيد لوقعة الجمل كتاباً خاصاً سماه « الجمل » أو « النصرة لحرب البصرة » يبدأ بذكر اختلاف الأمة في وقعة الجمل ويعطي رأي الخوارج والمعتزلة والشيعة كما يتناول إمامة علي بن أبي طالب ثم يذكر رأي العثمانية ويذكر الأحداث التأريخية لوقعة الجمل. ولما كان المفيد فقيهاً فإنه يعطي آراءه ولا يكتفي بسرد الحوادث التأريخية بل يورد مسائل متعددة لا تتعلق بحرب الجمل.

(٩٤) وللمفيد في الغيبة كتاب يسمى « الفصول العشرة في الغيبة » ناقش فيه مسألة الغيبة وإمكان حصولها وسبب ذلك كما رد على كل من خالف الإمامية وأنكر الغيبة كل ذلك بإيجاز.

(٩٥) وللمفيد رسائل نشرت بعنوان « رسائل المفيد » ومن هذه الرسائل « المسائل الجارودية » ويبحث فيها المفيد مسألة الإمامة واختلاف الإمامية والجارودية في الإمامة وآراءهم.

ثم رسالة « الثقلان » ناقش فيها حديث الثقلين والمقصود بهما الكتاب والعترة ورد فيها على الجارودية أيضاً وأكد أن الحديث من دلائل إمامة علي واختصاص الإمامة بأولاد الحسين.


ثم رسالة « في النص على أمير المؤمنين بالخلافة » وقد ناظر المفيد في هذه الرسالة القاضي الباقلاني واثبت إمامة علي.

ورسالة أخرى « في تحقيق لفظة مولى » ذكر فيها حادثة الغدير وناقش لفظة مولى وانتهى إلى أنها تفيد الإمامة.

(٩٦) ويتكلم المفيد في « أوائل المقالات » عن اصل التشيع وسبب تسمية الشيعة كما يتكلم عن الإمامة وصفات الإمام وولاية الأئمة من آل محمد وعن علومهم وعن عصمة الأئمة والتقية ومسائل أخرى لا صلة لها بموضوعنا.

(٩٧) وقد شرح المفيد « عقائد الصدوق » أو « تصحيح الاعتقاد » فقدم معلومات عن التقية والرجعة والعصمة.

(٩٨) وللمفيد كتاب « النكت الاعتقادية » يبحث في الأصول الاعتقادية وفي الإمامة وأدلة إمامة علي بن أبي طالب وبقية الأئمة والنصوص عليهم. والكتاب مختصر ويتحدث فيه بطريقة الأسئلة والأجوية ويمكن اعتباره من الكتب التعليمية.

(٩٩) ويورد المفيد في « الاختصاص » أخباراً متفرقة فيذكر شرطة الخميس وأصحاب الإمام علي ويترجم لسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار كما يورد شيئاً من أخبار الأئمة فيذكر أخبار موسى بن جعفر مع الرشيد وإخبار المأمون والرضا ثم يتكلم عن الشيعة الإمامية ويذكر قصة المباهلة وفدك واخبار السقيفة ثم إمامة الأئمة وصفات الأئمة وعلومهم.

ويأتي بعد الشيخ المفيد علي بن الحسين المرتضى ( ت ٤٣٦ هـ ) الذي تتلمذ على الشيخ المفيد هو وأخوه الرضي.

(١٠٠) ويتناول المرتضى في كتبه بحث الإمامة من ذلك رسالته « في الأصول الاعتقادية » ، وقد بحث فيها الأصول الاعتقادية ومن ضمنها الإمامة والرسالة مختصرة.

(١٠١) وأهم بحوثه في الإمامة ما أورده في كتابه « الشافي في الإمامة » وفيه رد على القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه « المغني »


وناقض أقواله. والكتاب يبحث إمامة علي بن أبي طالب ويبدأ بذكر الإمامة والحاجة إليها وشروطها كما يذكر اختلاف الناس في الإمامة ثم يذكر آراء المعتزلة والشيعة ويناقش إمامة المفضول مع وجود الأفضل ثم كون الإمامة لطف من الله ويذكر أيضاً عصمة الإمام وصفاته ويحلل معنى النص ويقسمه إلى نص جلي ونص خفي ووجوب النص على الإمام ثم يتحدث عن إمامة علي وأنه الإمام بعد الرسول بلا فصل ويناقش أدلة إمامة علي ويناقش من ينفي إمامته بلا فصل بعد الرسول ثم يناقش إمامة أبي بكر وعمر ويتحدث عن إمامة عثمان كما يتناول إمامة الحسن والحسين وهو في كلامه يذكر آراء الزيدية ويرد عليها كما يذكر آراء المعتزلة ويناقشها ويفندها. ونلاحظ أنه يأخذ في كلامه عن أدلة الإمامة عن ابن رستم الطبري وعن الكليني وعن الشيخ المفيد. كما يروي أحداثاً تاريخية ويكثر من الرواية عن البلاذري (١).

(١٠٢) وله بحث عن الغيبة في رسالة صغيرة نشرت ضمن المجموعة الرابعة من نفائس المخطوطات.

(١٠٣) وله كتاب « جمل العلم والعمل » يتناول أموراً فقهية وتحدث فيها عن الإمامة.

وقد تتلمذ على الشريف المرتضى أبو جعفر الطوسي ( ت ٤٦٠ هـ ) الملقب بشيخ الطائفة لأن رئاسة الشيعة الإمامية انتهت إليه بعد وفاة المرتضى.

(١٠٤) وتتشابه آراؤه مع آراء المرتضى ، وقد لخص الطوسي كتاب الشافي في الإمامة فجاء تلخيصه « تلخيص الشافي » كأصل الكتاب مع بعض الإضافات عليه. وفي آخر الكتاب يبحث الطوسي إمامة باقي الئمة وأدلة إمامتهم والنص عليهم.

__________________

(١) والنسخة الموجودة من كتاب الشافي طبع حجر غير واضحة وغير مفهرسة ، وفي آخر الكتاب بذكر المرتضى أنه بدأ كتابه بذكر أقاويل الزيدية وأنه قطع كتابه على هذا الموضوع لأنه بدأ بنية أن يكون الكتاب مختصر إلا أنه لم يلتزم بهذا فوسع في بعض المواضع وقد حاول أن يصلح هذا النقص إلا أنه لم يتمكن لأن الكتاب انتشر وشاع بين الناس فلم يستطع تلافي هذا النقص. الشافي ص ٢٩٥.


(١٠٥) وبحث في « الفهرست » مؤلفي الشيعة الإمامية وسار في ترتيب الفهرست على حروف فذكر الهجاء حوالي ٩٠٠ اسم من مصنفي الكتب.

(١٠٦) أما في كتابه « الرجال » فيسير على طريقه البرقي فيذكر أصحاب رسول الله 6 ثم أصحاب علي والحسن والحسين ... إلى أصحاب الإمام المهدي ، ثم يذكر رجال الشيعة الذين لم يرووا عن الأئمة وهو أحد الكتب المعول عليها في كتب الرجال.

(١٠٧) ويتناول الطوسي في كتابه « الغيبة » بحث الغيبة فيذكر سببها كما يتكلم عن الإمامة وعصمة الإمام وآراء بعض فرق الشيعة امثال الكيسانية والواقفة والناووسية ثم يذكر أحكام الغيبة وأسبابها وإثبات إمامة الإمام الثاني عشر ثم يروي أخبار الخاصة والعامة في كون الأئمة ، إثنى عشر إماماً ، كما يؤكد كون المهدي من ولد الحسين ويذكر أيام الحسن العسكري وما حدث من الاختلاف في زمانه ثم الكلام عن أيام الغيبة.

(١٠٨) ويذكر الطوسي في « الأمالي » أخباراً متفرقة عن الأئمة وفضلهم وأخباراً عن الشيعة وأحداثاً تاريخية للأئمة مع الخلفاء العباسيين كما يبحث دلائل الإمامة مثل حديث الراية والمنزلة والغدير. وقد سار الطوسي في كتابه هذا على طريقة الشيخ الصدوق والمفيد حيث قسمه إلى مجالس أيضاً.

(١٠٩) وللطوسي « التبيان » وهو تفسير واسع للقرآن سار فيه على طريقة الشيعة الإمامية فتناول فيه عدداً من الآيات فسرها بولاية علي وبقية الأئمة من ولده. وهذا التفسير يعتبر من أهم وأوسع التفاسير الإمامية.

(١١٠) ويذكر الشيخ حسين بن عبد الوهاب ( من علماء القرن الخامس ) في كتابه : « عيون المعجزات » أخبار الإمام علي وما نسب إليه من المعجزات وأخبار إمامته كما يذكر أخبار بقية الأئمة كالباقر والصادق والرضا وأخبارهم مع الخلفاء العباسيين وذكر معجزاتهم والنص على إمامتهم كما يتكلم عن المهدي ووقت ولادته ومعجزاته وأموراً أخرى في أحواله.


(١١١) أما الشيخ محمد بن الفتال النيسابوري ( ت ٥٠٨ هـ ) فيتحدث في كتابه : « روضة الواعظين » عن الإمامة ويبدأ بذكر إمامة علي وفضائله ثم إمامة الحسن والحسين ومقتل الحسين وأخبار إمامة علي بن الحسين والباقر والصادق...ثم ذكر أخبار المهدي وأيام الغيبة كما يتكلم عن الشيعة وذكر فضائلهم وأخباره تتشابه مع من سبقه.

(١١٢) أما محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ( ت ٥٨٨ هـ ) فيزودنا بمعلومات وافية عن الإمامية وعن حياة الأئمة الاثني عشر في كتابه : « مناقب آل أبي طالب » فيبدأ بأخبار الرسول ثم ينتقل إلى الامامة وشروطها والرد على الغلاة والخوارج ثم يتناول إمامة الأئمة الاثني عشر من طرق الشيعة وغير الشيعة.

وقد تحدث عن علي بن أبي طالب وأخباره ومعجزاته وإمامته والنصوص عليها وفعل مثل ذلك عن بقية الأئمة الاثنى عشر.

(١١٣) ويبحث ابن شهر آشوب في كتابه « معالم العلماء » مصنفي رجال الشيعة وأسماء كتبهم ، وسار فيه على نهج الشيخ الطوسي ويمكن أن يعتبر الكتاب تتمة لكتاب الشيخ الطوسي هو فهرست لكتب الشيعة.

(١١٤) وتحدث أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) عن الأئمة الاثنى عشر ودلائل إمامتهم في كتابه « أعلام الورى بأعلام الهدى » وقد سار فيه على طريقة الشيخ المفيد وابن شهر آشوب إذ تناول أخبار كل إمام وأحواله ومعجزاته ودلائل إمامته.

(١١٥) أما في كتابه « الاحتجاج » فيذكر أخبار النبي 6 ووقعة الغدير وأخبار علي واحتجاجه على أبي بكر في حقه بالخلافة ثم مسائل أخرى ويذكر كذلك أخبار بقية الأئمة واحتجاجاتهم في مسائل مختلفة كالإمامة وغيرها.

(١١٦) وللطبرسي أيضاً تفسير « مجمع البيان في تفسير القرآن » سار فيه على طريقة المفسرين الإمامية الذين سبقوه امثال علي بن إبراهيم القمي وعياشي والطوسي والتفسير موسع فسر بعض الايات الواردة فيه بالإمامة كما ذكر نزول بعض الآيات في حق آل البيت.


(١١٧) ويتكلم أبو جعفر بن أبي القاسم محمد بن علي الطبري ( من القرن السادس ) عن إمامة علي وذكر أولاده وأخباره ودلائل إمامته ويبحثها بالتفصيل في كتابه « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ».

(١١٨) ويتناول أبو الحسين ورام بن أبي فراس المالكي الأشتري ( ت ٦٠٥ هـ ) في كتابه « تنبيه الخواطر ونزهة النواظر » ويعرف بمجموعة ورام ، أحاديث متفرقة عن الإئمة وإمامتهم وأخبارهم مع الخلفاء من أمويين وعباسيين.

(١١٩) ويبحث نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي ( ت ٦٤٥ هـ ) في كتابه « مثير الأحزان » قصة مقتل الحسين ويأخذ أخباراً تاريخية عن أبي مخنف والبلاذري.

ولعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني ( ت ٦٦٤ هـ ) عدة مؤلفات يبحث فيها مسائل ومتعددة.

(١٢٠) ففي كتابه « اللهوف في قتلى الطفوف » يبحث قصة مقتل الحسين ويأخذ عمن سبقة كالكليني والمفيد.

(١٢١) أما في « الطرف » فيذكر ٣٣ طرفة وكلها مناقب لعلي بن أبي طالب وأخباراً في إمامته.

(١٢٢) ويبحث ابن طاووس الإمامة بصورة مفصلة في « اليقين في إمرة أمير المؤمنين » فيبدأ بأخبار علي زمن النبي 6 حتى توليه الخلافة ويذكر أدلة إمامته. ويمتاز ابن طاووس بأنه يذكر في كتبه مصادر متعددة وهو دقيق في أخذه عن هذه المصادر إذ يذكر اسمها واسم مؤلفها.

(١٢٣) ويتكلم في كتابه « كشف المحجة لثمرة المهجة » عن مسائل متعددة تتعلق بأخبار الأئمة والإمامة وشروطها وعصمة الإمام وقد جعل الكتاب على شكل أجوبة لابنه محمد.

(١٢٤) أما في كتاب « الملاحم والفتن » فيذكر ابن طاووس أنه أخذ معلوماته عن كتاب الفتن لنعيم بن حماد الخزاعي ، وكتاب الفتن لأبي


صالح السليلي ، وكتاب الفتن لأبي يحيى زكريا بن يحيى بن الحارث البزاز.

ويورد في الكتاب أخباراً عن النبي وعن أهل بيته وما أصابهم بعده كما يتكلم عن شيعة بني أمية وبني العباس ويذكر خبر السفياني ثم أخبار الإمام المهدي وزمن الغيبة ودلائل إمامة المهدي وذكر ما يحدث من الفتن.

(١٢٥) وفي « مهج الدعوات ومنهج العبادات » يتناول مجموعة من الادعية للرسول والأئمة ومع هذا يذكر خلال كلامه أحداثاً تاريخية.

(١٢٦) وهو في كتابه « الإقبال » يذكر مجموعة من الأدعية ويروي خلال ذلك أحداثاً تاريخية كعلاقة الصادق بالمنصور العباسي.

(١٢٧) ويبحث في كتابه « سعد السعود » تفسير آيات من القرآن يأخذها من تفاسير مختلفة ويعرض في خلالها لقضايا الإمامة ودلائلها كما يتكلم عن الأئمة وعن أحداث تاريخية كالمباهلة والغدير.

وقد اتبع ابن طاووس في كتابه طريقة دقيقة في النقل عن المصادر فهو لا يكتفي بذكر اسم من أخذ عنه وإنما يذكر اسم الكتاب ومؤلفه والجزء ورقم الصفحة (١). وحينما ينقل لا يكتفي بالنقل عن المصادر الإمامية وإنما ينقل من مصادر المعتزلة ومصادر السنة.

(١٢٨) ويذكر أبو الفضل علي الطبرسي ( المتوفى في أوائل القرن السابع ) في كتابه « مشكاة الأنوار في غرر الأخبار » أخباراً متفرقة من فقه وحديث ويتكلم عن التقية والرجعة والشيعة وصفاتهم وفضائلهم.

(١٢٩) ولمحمد بن محمد بن نصير الملة الطوسي ( ت ٦٧٢ هـ ) كتاب صغير باسم : « فصول العقائد » يبحث في عقائد الشيعة وفيه باب عن الإمامة.

(١٣٠) ويذكر جمال الدين أحمد آل طاووس ( ٦٧٧ هـ ) في كتابه

__________________

(١) انظر سعد السعود : ابن طاووس ص ٧٣ ، ٨١ ، ٨٣.


« عين العبرة في غبن العترة » أخباراً متفرقة عن الأئمة ويذكر آيات مختلفة ويفسرها في ولاية علي والأئمة.

(١٣١) أما أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ( ت ٦٩٣ هـ ) فقد ترجم للأئمة في كتابه « كشف الغمة في معرفة الأئمة » وذكر أخبارهم وابتدأ كتابه بذكر النبي 6 مع بيان فضل بني هاشم ويذكر في هذا الصدد رسالتين للجاحظ في فضل بني هاشم غير موجودة ضمن رسائل الجاحظ المطبوعة (١).

وقد سار في حديثه عن حياة الأئمة على طريقة المفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى ونقل عنهما كما نقل عن الكليني وعن الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا.

ولجمال الدين الحسن بن يوسف المعروف بالعلامة الحلي ( ت ٧٢٦ هـ ) بحوث في الإمامة عند الشيعة الإمامية يتناول فيها نظرية الإمامة كما يبحث دلائلها.

(١٣٢) وله في هذا الباب كتاب « منهاج الكرامة في معرفة الإمامة » يبدأ فيه بذكر مزايا الإمامة وشروطها ووجوبها ثم يبحث أدلة الإمامة وتقسيمها إلى عدة أصناف منها العقلية ومنها المستمدة من حياة علي ومنها ما نص عليه القرآن والحديث النبوي ثم يذكر إمامة باقي الئمة باختصار.

(١٣٣) أما في « الألفين في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » فيبحث الحلي ألفي دليل على إمامة علي وهو يتناول هنا نظرية الإمامية فيذكر أن الإمامية لطف من الله ثم يذكر وجوبها وكيفية نصب الإمام ثم يناقش من خالف الإمامية الرأي في الإمامة ثم يتكلم عن إمامة الأئمة وعصمتهم ويناقش الإمامة عن طريق عصمة الأئمة.

(١٣٤) أما في « إحقاق الحق » فهو كتاب في الكلام عن مسائل عدة للرد على النواصب كما يذكر الحلي وفيه باب عن الإمامة وصفات الإمام وعصمته وطريق تعيينه.

__________________

(١) انظر الأربلي : كشف الغمة جـ ١ ص ٣٢.


(١٣٥) ويبحث في كتابه « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » الإمامة فيتناول إمامة علي ودلائلها ثم إمامة بقية الأئمة ثم يتكلم عن العصمة وصفات الإمام.

(١٣٦) وللعلامة الحلي أيضاً كتاب « كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين » بحث في فضائل علي بن أبي طالب ومناقبه معتمداً على كتب المناقب غير الإمامية وخاصة كتاب المناقب للخوارزمي.

(١٣٧) وله كتاب في الرجال « رجال العلامة الحلي » وقد قسم هذا الكتاب إلى أبواب في ذكر رجال الشيعة وذكر أخباراً متفرقة عن الشيعة وسار على النسق الهجائي ، كما أكثر من الرواية عن النجاشي والكشي.

(١٣٨) وقد كتب الحسن بن أبي الحسن محمد الديلمي كتاب « الإرشاد » وقد عاصر الديلمي ابن المطهر الحلي وكتابه يبحث عن فضائل ومناقب علي وإمامته.

(١٣٩) وكتب رجب البرسي ( من القرن الثامن ) كتاب « مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين » ، والكتاب إضافة إلى أنه يشمل فضائل علي فإنه يتناول مسائل متعددة عن الإمامة واختلاف الفرق حولها كما تكلم عن الغلاة وبراءة الأئمة منهم كما ذكر أخبار الأئمة الاثني عشر.

(١٤٠) وهناك كتاب في الأنساب لجمال الدين احمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبه ( ت ٨٢٨ هـ ) يتناول أنساب آل أبي طالب مبتدئاً بنسب أبي طالب وأخباره كما يتكلم عن نسب عقيل بن أبي طالب ثم يذكر أنساب أولاد الحسن وأخبارهم ، ثم يذكر أولاد الإمام زين العابدين وأولاد الباقر والصادق وبقية الأئمة.

(١٤١) وكذلك يبحث تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة الحسيني ( كان حياً سنة ٧٥٣ هـ ) الأنساب في كتابه « غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار » فيبدأ بذكر أنساب أبناء الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كما يذكر اعقاب بقية الأئمة.

(١٤٢) ويتناول الشيخ حسن بن سليمان الحلي (من علماء أوائل القرن التاسع ) في كتابه : « مختصر بصائر الدرجات » أموراً متفرقة عن الإمامة


والرجعة والتقية واخبار الأئمة وذكر إمامتهم.

(١٤٣) ويخصص العلامة عبد النبي بن الشيخ سعد الدين الأسدي الجزائري ( ت ١٠٢٠ هـ ) كتاباً للإمامة يسميه « المبسوط في إثبات إمامة أمير المؤمنين » يبحث فيه نظرية الإمامة ودلائلها والعصمة.

(١٤٤) وقد اختصر الشيخ عبد الله محمد السيوري الحلي ( من القرن العاشر ) كتاب « مصباح المتهجد » للطوسي وسماه « الكتاب النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر. تكلم فيه عن نظرية الإمامة ودلائلها والعصمة.

(١٤٥) وكتب علي بن الحسين بن شدقم الحسيني النسابة ( ت ١٠٣٣ هـ ) كتاباً في الأنساب سماه « زهرة المقول في نسب ثاني فرعي الرسول » بحث منه أنساب آل الرسول كما أن له كتاباً آخر في الأنساب « نخبة الزهرة الثمينة في نسب أشراف المدينة » بحث فيه أنساب أولاد الأئمة ايضاً.

وهكذا نلاحظ أن المصادر الإمامية قد وجهت اهتمامها إلى مسألة الإمامة وأعطتها القسط الكبير من بحوثها فلا يخلو كتاب أياً كان نوعه من كتب الإمامية من بحث الإمامة كما أنها اهتمت بأخبار وتواريخ الأئمة.

وهناك مصادر إمامية متأخرة تنقل عن المصادر السابقة وتبحث في مواضيع مختلفة كالإمامة وأخبار الأئمة وتراجم رجال الحديث عند الشيعة.

(١٤٦) ومنها كتاب « إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات » للحر العاملي ( ت ١١٠٤ هـ ) ذكر فيه إمامة الأئمة الاثني عشر ، كما ذكر مصادره التي أخذ منها.

(١٤٧) كما كتب « الفصول المهمة لمعرفة أحوال الأئمة » ذكر فيه أخباراً عن الأئمة وإمامتهم.

(١٤٨) وترجم لرجال الشيعة في كتابه « أمل الآمل ».

(١٤٩) وذكر هاشم البحراني ( ت ١١٠٧ هـ ) في كتابه « علي والسنة » أو « مناقب أمير المؤمنين » أخباراً عن علي ودلائل إمامته كما أورد بعض


الآيات وفسرها بالإمامة وقد اخذ أكثر معلوماته عن مصادر أهل السنة.

(١٥٠) كما كتب المجلسي ( ت ١١١١ هـ ) كتاب « بحار النوار » ويعد هذا الكتاب موسوعة جمع فيه مؤلفه أخباراً وأحاديث من مصادر متعددة وتمتاز مصادره بقدم عهدها ، ويبدو أن بعض المصادر التي أخذ منها قد ضاعت بعض أخبارها فلا نجدها في النسخ المطبوعة.

(١٥١) أما نعمة الله الجزائري ( ت ١١١٢ هـ ) فقد ذكر أخبار الأئمة في كتابه « الأنوار النعمانية » كما بحث الإمامة والعصمة والتقية.

(١٥٢) وكذلك جعل الخوانساري ( ت ١٣١٣ هـ ) كتابه « روضات الجنات » فهرساً لرجال الشيعة وأخبارهم.

ثم هناك مجموعة أخرى من المصادر الإمامية أقرب عهداً من سابقتها ومنها ما كتبه الشيخ جعفر النقدي فقد تناول الإمامة وأخبار الأئمة ومن أشهر كتبه :

(١٥٣) « ذخائر القيامة » تحدث فيه عن نظرية الإمامة ودلائلها.

(١٥٤) كما أن له كتاب « نزهة المحبين في فضائل أمير المؤمنين » ذكر فيه صفات ومناقب علي وإمامته.

(١٥٥) وكذا في كتابه « الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية » أكثر فيه من الرواية عن الحنفي في ينابيع المودة والمتقي الهندي في كنز العمال.

(١٥٦) وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه « الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية » أخبار الأئمة وصفاتهم.

(١٥٧) واقتصر الشيخ لطف الله على بحث أخبار الإمام الثاني عشر في كتابه : « منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر » جمع فيه الأخبار من المصادر القديمة.

(١٥٨) وكتب الأردبيلي « باب النجاة » ذكر فيه فرق الشيعة كما أورد عدداً من الآيات وفسرها بالإمامة وبحق آل البيت ويلاحظ أنه أخذها من طرق أهل السنة.


(١٥٩) وذكر عبد المهدي المظفر في كتابه « إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة » إمامة علي ودلائلها كما تكلم عن إمامة بقية الأئمة وقد سار على أسلوب ابن المطهر في منهاج الكرامة.

(١٦٠) وبحث محمد حسن المظفر في « دلائل الصدق » أموراً فقهية وخصص قسماً من كتابه لبحث الإمامة وشروطها وعصمة الإمام كما تناول دلائل الإمامة.

فهذه هي المصادر التي تزودنا بمعلومات عن دراسة الشيعة الإمامية وتعطينا صورة واضحة عن فكرة الإمامية في الإمامة وعن أشهر فرقهم وأهم مبادئهم ، لأن موضوع دراسة الشيعة الإمامية موضوع يحتاج إلى دقة في البحث بعد أن كثرت فيه الآراء واضطربت وبعد أن أضيفت إليه آراء ليست منه كما نسبت إليه فرق لا تعد من فرق الشيعة وخاصة الغلاة إذ أن نسبة هذه الفرق إلى الشيعة ألقت ظلالاً من الشك على مبادىء الشيعة مما جعلت البعض يخلط بين مبادىء الإمامية ومبادىء الغلاة الخارجين عن فرق الشيعة.



الفصل الثاني

أصل التشيع وتطوره

١ ـ أصل التشيع

٢ ـ تطور التشيع في ضوء ما مر به من أحداث.

أ ـ مقتل علي بن أبي طالب

ب ـ تنازل الحسن بن علي

جـ ـ حركة حجر بن عدي الكندي

د ـ مقتل الحسين بن علي

هـ ـ حركة التوابين

و ـ المختار بن أبي عبيد الثقفي

ز ـ ثورة زيد بن علي



أصل التشيع :

قبض رسول الله 6 سنة ١١ هـ فاجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة « وكان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل ومجاذبة في الإمامة » (١).

فالظاهر أن أول اختلاف حصل بين المسلمين بعد وفاة النبي 6 كان حول مسألة الإمامة ومن يتولاها بعد الرسول.

وكان في المدينة في تلك الفترة ثلاث جماعات ، فالأنصار قد أعدوا أنفسهم لها وفكروا بترشيح سعد بن عبادة ، وهم ممن آووا ونصروا وغيرهم حاربوا وخذلوا ، يدل على ذلك قول الحباب بن المنذر في اجتماع السقيفة :

« يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ... فأنتم أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان » (٢).

أما المهاجرون فادعوا أن الخلافة لا تصلح إلا في قريش لأنهم عشيرة النبي ويمثلهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح ، واحتجوا على الأنصار بأن قريشاً أولى بمحمد منهم (٣).

وجماعة بني هاشم وفيهم العباس عم النبي وعلي بن أبي طالب ابن

__________________

(١) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠٧.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ٢٢٠.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٢.


عمه والفضل بن العباس ومعهم الزبير بن العوام فقد ظهرت آراؤهم بعد السقيفة ورأوا أن علياً أحق بالخلافة من غيره وفي ذلك يقول الفضل بن العباس : « يا معشر قريش ما حقت لكم الخلافة بالتموية ونحن أهلها وصاحبنا أولى بها منكم » (١) كما أن علياً يؤكد أن له في هذا الأمر نصيباً لكنه لم يستشر (٢). وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه بعد بيعة أبي بكر ، اتفق أبو بكر وعمر بن الخطاب على أن يجعلا للعباس بن عبد المطلب « نصيباً في الخلافة » ليأمنا جانبه وليتركا علياً بمفرده فكلما العباس في ذلك فرفض لأن هذا الأمر حق لآل الرسول ، وقال لعمر : « إن الله بعث محمداً كما وصفت نبياً وللمؤمنين ولياً فمن على أمته به حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده فخلى على المسلمين أمورهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين الحق لا مائلين بزيغ الهوى فإن كنت برسول الله فحقاً أخذت وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم فما تقدمنا في أمرك فرطاً ولا حللنا وسطاً ولا برحنا سخطاً وإن كان هذا الأمر إنما وجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنا كارهين ... فأما قلت إنك تجعله لي فإن كان حقاً للمؤمنين فليس لك أن تحكم فيه وإن كان لنا فلم نرض ببعضه دون بعض وعلى رسلك فإن رسول الله 6 من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها (٣).

ويذكر اليعقوبي إن من تخلف عن البيعة قوم من المهاجرين والأنصار « ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب » (٤).

أما الطبري فيذكر : « فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٣.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٨٢ ، الطبري ج ٣ ص ٥٨٢.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٤ وانظر ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٥ ، وانظر سليم بن قيس الكوفي ( ت ٩٠ هـ ) صاحب علي بن أبي طالب وله كتاب « السقيفة » ص ٦٨.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٣.


علياً » (١). وبضوء الروايات السابقة يتبين أن بعض من امتنع عن البيعة هم أقرباء لعلي ، أما القسم الآخر فقد وقفوا بجانب علي وفضلوه وأهلوه للخلافة يدل على ذلك قول خالد بن سعيد وقد كان غائباً وقت السقيفة فأتى علياً فقال : « هلم أبايعك فوالله ما في الناس أحد أولى بمقام محمد منك » (٢).

وقول سلمان حين بويع أبو بكر « لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم » (٣).

ويذكر سليم أن جماعة من المهاجرين والأنصار وعددهم أربعون رجلاً أتوا إلى علي بن أبي طالب فبايعوه فطلب منهم أن يصبحوا عند بابه محلقين رؤوسهم عليهم السلاح فما أجاب منهم غير أربعة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام (٤). ويؤكد ذلك اليعقوبي ولا يذكر عدد من اجتمع إلى علي إلا أنه يقول أنه لم يأته منهم غير ثلاثة نفر (٥).

وهذا دليل على قلة أنصار علي في هذه الفترة.

إلا أن جميع من امتنع عن بيعة أبي بكر بايعه بعد أن بايع عليُّ. وقد كان علي بن أبي طالب في هذه الفترة يشكو قلة الأنصار قال : « فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى... » (٦). فهذا رأي علي بن أبي طالب بالخلافة في تلك الفترة.

وفي الفترة التي تلت السقيفة لم نسمع صوتاً لعلي بن أبي طالب ولا

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ٢٠٢.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٥.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٩١ ، ويذكر أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي ( ت٢٨٤ هـ ) من أصحاب الإمام محمد الجواد صاحب كتب الرجال أن هناك جماعة اعتزلت البيعة ويذكر أن عددهم ١٢ رجلاً ستة من المهاجرين وستة من الأنصار. انظر البرقي : الرجال ص ٦٣.

(٤) سليم بن قيس : السقيفة ص ١١٥.

(٥) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٥.

(٦) ابن أبي حديد : شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٥٠.


للذين وقفوا بجانبه لأنهم آثروا العزلة والسكوت كما آثرها علي بن أبي طالب.

ولما طعن عمر بن الخطاب صير الأمر شورى بين ستة نفر من أصحاب الرسول 6 علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص (١).

ثم طلب عمر منهم إن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة كانوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف إذ كان الثقة في دينه ورأيه المأمون على الاختيار للمسلمين (٢).

ولما سمع علي بن أبي طالب بهذا الشرط أيقن بضياع الأمر منه لأن سعداً لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما لا يخالف الآخر ، وأن علياً بن أبي طالب لا ينتفع بكون طلحة والزبير معه (٣).

ثم طلب عبد الرحمن من علي إذا ولي الخلافة أن يسير بسيرة أبي بكر وعمر وأن لا يحمل بني عبد المطلب على رقاب الناس فامتنع علي وقال علي الاجتهاد. وبويع عثمان وخرج علي مغضباً فلم يتركوه حتى أخذوا بيعته (٤).

وقد أيد علي نفس الجماعة التي أيدته وقت السقيفة ومالوا معه وتحاملوا في القول على عثمان.

فروى بعضهم أنه دخل مسجد رسول الله 6بعد تولية عثمان فرأى رجلاً يقول : « واعجباً لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين وابن عم رسول الله أعلم الناس وأفقههم .... والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي ... فقلت من أنت ومن هذا

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ١٦ ، اليعقوبي ج ٢ ص ١٣٧.

(٢) ن. م : ج ٥ ص ١٩.

(٣) ن. م : ج ٥ ص ١٩.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٢.


الرجل فقال أنا المقداد وهذا الرجل علي بن أبي طالب فقال فقلت ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه فقال يا ابن أخي إن هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل والرجلان. وكان أبو ذر وعبد الله بن مسعود على رأي المقداد أيضاً » (١).

وأستمر أنصار علي على السكوت أيضاً في هذه الفترة ثم حدثت في أواخر أيام عثمان أمر كثيرة أنكرها الناس عليه ومنها قضية التصرف ببيت المال فانتقد لذلك من أصحاب رسول الله 6 (٢).

وكان ممن انتقد عثمان أبو ذر حيث كان يعقد المجالس ويجمع إليه الناس ويحدثهم بفضل علي بن أبي طالب ويقول : وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم من قدم الله واخرتم من أخر الله واقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم » (٣).

ولما اشتد انتقاد أبي ذر لعثمان وسياسته ، سيره إلى الشام (٤). إلا أن أبا ذر استمر في نقد سياسة عثمان وتصرفاته ، فكتب معاوية إلى عثمان « إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر » فاستقدمه إلى المدينة ثم سيره إلى الربذة (٥). ومنع الناس من تشييعه فلم يشيعه أحد غير علي والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر (٦).

ولكن الطبري يذكر عن ابن سيرين « أن أبا ذر خرج إلى الزبدة من قبل نفسه لما رأى عثمان لا ينزع له وأخرج معاوية أهله من بعده » (٧).

أما عمار بن ياسر فقد تولى الصدقات أيام عثمان ثم حدث خلاف

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٤٠.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٥ ـ ٥٩ ، اليعقوبي ج ٢ ص ١٥٠. الطبري ج ٤ ص ٣٣٠ ، المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٤٧.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٤٨.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٥٤ ، اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٨.

(٥) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٥٥ ، اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٨.

(٦) ن. م ج ٥ ص ٥٤ ، اليعقوبي ج ٢ ص ١٤٩ ، والتشيع : التوديع.

(٧) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٤ ص ٢٨٤.


بينه وبين عثمان وأجهر بانتقاد عثمان ، فضرب حتى غشي عليه وكان شيخاً كبيراً ، وقيل أن سبب ذلك لأنه أخفى عنه قبر عبد الله بن مسعود إذ كان المتولي عليه والقائم بشأنه (١).

وكذلك فعل عمار عندما مات المقداد فقد صلى عليه ودفنه ولم يؤذن عثمان به ، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال : ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليماً » (٢). والمقداد من أنصار علي ايام السقيفة والشورى كما مرّ.

وقد بلغ عمار حين بويع عثمان قول أبي سفيان في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان وقد دخل داره ومعه بنو أمية ، قال أبو سفيان : « أفيكم أحد من غيركم؟ ـ وقد كان عمي ـ قالوا : لا ، فقال : يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة ». ونما هذا القول بين المهاجرين والأنصار فقام عمار في المسجد فقال : يا معشر قريش ، أما إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة وههنا مرة فما أنا بآمن من أن ينتزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتوه في غير أهله (٣).

ثم قتل عثمان وبقي الناس ثلاثة أيام بلا امام حتى بويع علي (٤). ويذكر الطبري عن جعفر بن عبد الله المحمدي ... عن محمد بن الحنفية قال : « كنت مع أبي حين قتل عثمان ... فأتاه أصحاب رسول الله 6 فقالوا ان هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك ولا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله فقال لا تفعلوا فإني أكون وزيراً خيراً من أكون أميراً ، فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفياً ولا تكون إلا عن رضا المسلمين ... فلما دخل المسجد دخل الهاجرون والأنصار فبايعوه ، ثم

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٤٩.

(٢) اليعقوبي : التاريخ جـ ٢ ص ١٤٧.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٥١.

(٤) الدينوري : الأخبار الطوال ص ١٤٠.


بايعه الناس » (١).

وقد واجه علي في فترة توليه الخلافة مشاكل عديدة فأول هذه المشاكل ظهور جماعة تطالب بدم عثمان وقتل قتلته ، ويسمي الطبري طائفة منهم مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد ... ويذكر أنهم كانوا عثمانية (٢). وخرج طلحة والزبير على علي مطالبين بدم عثمان ومالت معهم عائشة وكانت من أشد المنكرين على عثمان كما كان طلحة والزبير ، إلا أنها بعد أن سمعت بتولية علي قالت : « والله ما أبالي أن تقع هذه على هذه » (٣).

والزبير كان من أنصار علي في الفترة التي سبقت توليه الخلافة لكنه خرج مع طلحة وعائشة أم المؤمنين وقالوا أنهم إنما خرجوا غضباً لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه (٤).

واتفق أمرهم على قتال علي واجتمعوا عند عائشة وقالوا : « نسير إلى المدينة ونقاتل علياً فقال بعضهم ليست لكم بأهل المدينة طاقة ، قالوا نسير إلى الشام شيعة لعثمان فنطلب بدمه فقال قائل : هناك معاوية وهو والي الشام والمطاع به ولن تنالوا ما تريدون وهو أولى منكم بما تحاولون ابن عم الرجل ، فقال بعضهم : نسير إلى العراق فلطلحة بالكوفة شيعة وللزبير بالبصرة من يهواه فأجمعوا على المسير إلى البصرة » (٥). فكلمة شيعة هنا يرا بها الأنصار فأطلقت على أنصار عثمان كما أطلقت على أنصار طلحة.

وتلاقى الطرفان وكانت وقعة الجمل. وتذكر المصادر أن علياً أرسل الحسن وعمار إلى أهل الكوفة لدعوتهم إلى أنجاده والنهوض إليه « فتداعى

__________________

(١) الطبري : الرسل والملوك ج ٤ ص ٤٢٧.

(٢) ن. م ج ٤ ص ٤٢٩ ، المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٦٢ ، وللجاحظ رسالة عن العثمانية ، وقد رد عليه أبو جعفر الإسكافي في ( مناقضات أبي جعفر لبعض ما أورده الجاحظ في العثمانية ).

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٥٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٤ ص ٤٩٠.

(٥) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٧١ ب.


إليه عشرة آلاف على راياتهم ويقال اثنا عشر ألفاً ». ومن القبائل التي وقفت إلى جانب علي ، همدان ، وقضاعة ومذحج وطي وكنده وحضرموت وعليها حُجر بن عدي (١).

ويذكر البلاذري أن الحسن حينما سار إلى البصرة لدعوة الناس إلى القتال في الجمل « خرج إليه شيعته من أهل البصرة من ربيعة وهم ثلاثة آلاف » (٢).

فربيعة شيعة لعلي بن أبي طالب وتعني الشيعة هنا الأنصار. ثم يذكر المسعودي أن همدان من شيعة علي ويقول « وشيعته من همدان » (٣).

فالشيعة هنا تعني الأنصار أيضاً.

وكان من أنصار علي أيضاً حجر بن عدي الكندي وحجر معه كنده وقضاعة وحضرموت ، وهو ممن دعا إلى نصرة علي فيمكن عده من شيعة علي وانصاره ، وحجر شيخ قبيلته فلا بد ان يتبعه جميع أفراد القبيلة أو قسم منهم.

ويذكر المسعودي الأشراط الخمسين وهم الذين بايعوا علياً على الموت ويدخل عمار بن ياسر ضمنهم (٤).

وقد شاع في هذه الفترة إطلاق كلمة الوصي على علي وقد جمع ابن أبي الحديد عدداً من الأشعار والأراجيز التي تتضمن هذه اللفظة نقلاً عن كتاب وقعة الجمل لأبي مخنف منها قول أبي الهيثم بن التهيان :

ان الـوصي امـامُنا وولينا

برح الخفاءُ وباحت الأسـرار

وقول رجل من الأزد :

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٧٢ أ.

(٢) ن. م ج ٢ الورقة ٧٢ آ.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٧.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٩٢ ( معنى الإشراط مأخوذ من شرطة الخميس والمقصود به الجيش وإنما سمي كذلك لأنه مقسم إلى خمسة أقسام : المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة.


هذا علي وهو الوصي

آخاه يوم النجوة النبي


وقول غلام من بني ضبة وهو من معسكر عائشة :

نحـن بني ضبة أعداء علـي

ذاك الذي يعـرف قدماً بالوصي

وكثير غيرها من الأشعار والأراجيز (١) ، والتي تدل على أن التسمية كانت تطلق عليه من قبل أنصاره وأعدائه وسنرى أهمية هذه اللفظة في مدلولها على الإمامة.

وانتهت وقعة الجمل بانتصار علي ومقتل طلحة والزبير وإرجاع عائشة إلى المدينة (٢).

ونزل علي بن أبي طالب بعد ذلك في الكوفة وكان في الكوفة يومئذ شيعة لعلي. والظاهر أنهم كانوا قلة يدل لوم علي لهم وعتابه إياهم ، ومن ذلك عتابه لسليمان بن صرد الخزاعي قال : « راتبت وتربصت وراوغت وقد كنت من أوثق الناس في نفسي » (٣).

وكذلك عاتب علي أهل الكوفة قال : « مابطَّأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة انكم لبور والله لئن كان من شك في فضلي ومظاهرة علي أنكم لعدو » (٤).

وكثرت المراسلات بين علي ومعاوية واتهام معاوية علياً بقتل عثمان وطلب معاوية بثأره (٥).

__________________

(١) ابن أبي الحديد : شرح النهج ج ١ ص ٤٧ ـ ٤٨ ولم يرد ذكر لهذه الأشعار والأراجيز عند الطبري مع أنه أورد الروايات في وقعة الجمل من عدة أسانيد كما أنه اعتمد على أبي مخنف في كلامه عن وقعة الجمل وعلى روايات عراقية.

وقد ألف المفيد كتاباً في حرب الجمل سماء ( الجمل أو النصرة لحرب البصرة ) وصف فيه وقعة الجمل وما دار فيها من أحداث وبين الدور الذي لعبه أصحاب علي بن أبي طالب كما أنه في روايته لأحداث الجمل أعطى رأيه الذي يمثل رأي الشيعة الإمامية.

(٢) الطبري : تاريخ الرسول والملوك ج ٤ ص ٤٣٩.

(٣) نصر بن مزاحم : صفين ص ٦.

(٤) ن. م ص ٧.

(٥) ن. م ص ٨ ـ ١٠.


وكانت وقعة صفين وابتدأ الحرب واشتد القتال وقتل عدد من أنصار علي منهم هاشم بن عتبة ، وعمار بن ياسر من أخلص أنصاره وقد كان لمقتل عمار عند الشيعة تأثير كبير لبيان أصحاب الحق من الفريقين المقاتلين لأن النبي قد تنبأ لعمار بقوله : « تقتلك الفئة الباغية » (١).

وكاد النصر يتم لعلي لولا أن دبر أصحاب معاوية مكيدة فرفعوا المصاحف واختلف جيش علي وامتنعوا عن القتال وطلب أصحاب معاوية التحكيم (٢).

وأصبحت لفظة شيعة علي مقابلة لشيعة معاوية وقد ورد ذلك في صحيفة التحكيم فقد ورد في الصحيفة « هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وشيعتهما فيما تراضيا من الحكم بكتاب الله وسنة نبيه قضية علي على أهل العراق ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب ، وقضية معاوية على أهل الشام ومن كان من شيعته من شاهد أو غائب » (٣).

فالشيعة هنا تعني الأنصار ، أنصار معاوية وأنصار علي أو جماعة معاوية وجماعة علي.

ويبدو مما مرّ من الروايات التاريخية ان هناك أشخاصاً عرفوا بميلهم إلى علي بن أبي طالب والوقوف معه مثل عمار بن ياسر وأبي ذر والمقداد وسلمان وكان تصرف هؤلاء الأشخاص وسيرتهم دليلاً على تفضيلهم علياً على سائر أصحاب رسول الله 6.

فقد وقفوا إلى جانبه يوم السقيفة واعتزلوا البيعة ولم يبايعوا حتى بايع علي (٤). وكذلك كان حالهم يوم الشورى (٥). ثم نلاحظ أنه في الفترة

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٧٧ آ.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٦٤.

(٣) نصر بن مزاحم : صفين ص ٥٠٤.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٠٥.

(٥) ن. م ج ٢ ص ٣٢.


من وفاة الرسول حتى تولي علي الخلافة ظهور مؤيدين آخرين لعلي مثل ثابت بن قيس الأنصاري ، وخزيمة بن ثابت وصعصعة بن صوحان وعقبة بن عمرو ومالك بن الحارث الأشتر (١).

ولكن المصادر التاريخية لا تشير إلى كلمة شيعة إلا في وقعة الجمل « شيعته من همدان » (٢).

ثم ترد كلمة شيعة في وقعة صفين في صحيفة التحكيم (٣). وترد الشيعة هنا بمعنى الأنصار.

فيمكن بعد هذا أن نعد هؤلاء الأشخاص البدايات أو البذرة الأولى للتشيع وأن هؤلاء الأشخاص قد أيدوا علياً في إثبات حقه بالإمامة ، ففكرة التشيع إذن أول ما بدأت بأشخاص اعتقدوا إمامة علي بن أبي طالب بعد رسول الله 6.

ولننظر الآن إلى آراء بعض المؤرخين والباحثين حول بداية التشيع ، فالمقدسي يقول : « اعلم أن الشيعة أتوا في حياة علي ثلاث فرق ، فرقة على جملة أمرها في الاختصاص به والموالاة له مثل عمار وسلمان والمقداد وجابر وأبي ذر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وجرير بن عبد الله البجلي ودحية بن خليفة » (٤).

والفرقة الثانية « تغلو في عثمان وتميل إلى الشيخين مثل عمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر ومالك الأشتر » (٥).

والفرقة الثالثة السبأية « أتباع عبد الله بن سبأ » (٦). فالمقدسي يذكر

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٥٥ وقد ذكر اليعقوبي أن هؤلاء قد أعطوا رأيهم في علي بن أبي طالب في خطبهم في أول يوم توليه مما يدل أن هؤلاء قد فضلوه وأهلوه للخلافة قبل هذا الوقت وأنهم كانوا يلقبوه بالوصي يدل على ذلك قول مالك بن الحارث الأشتر : « أيها الناس هذا وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء ... »

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٧.

(٣) نصر بن مزاحم : صفين ص ٥٠٤.

(٤) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٢٤.

(٥) ن. م ج ٥ ص ١٢٥.

(٦) ن. م ج ٥ ص ١٢٥.


وجود فئات مختلفة من الشيعة زمن علي كما يذكر النوبختي (١). ويبدو من كلام المقدسي أن التعبير استعمل بوضوح في خلافة الإمام علي.

أما ابن النديم فيرى « أن الشيعة تكونت لما خالف طلحة والزبير علياً وابيا إلا الطلب بدم عثمان وقصدهما علي ليقاتلهما حتى يفيا إلى أمر الله تسمى من اتبعه على ذلك الشيعة فكان يقول شيعتي وسماهم طبقة الأصفياء ، طبقة الأولياء ، طبقة شرطة الخميس ، طبقة الأصحاب ، ويفسر معنى شرطة الخميس ، أن علياً قال لهذه الطائفة تشرطوا فإنما أشارطكم على الجنة ولست اشارطكم على ذهب ولا فضة (٢).

فابن النديم لا يذكر البداية وإنما يذكر ظهور الشيعة كجماعة أو كتلة على مسرح الأحداث السياسة.

أما ابن حزم فيذكر أن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان حيث يقول : « ثم ولي عثمان وبقي اثنا عشر عاماً حتى مات وبموته حصل الاختلاف وابتدأ أمر الروافض » (٣). ويلاحظ أن ابن حزم يستعمل كلمة رافضة عموماً على الشيعة كما يستعملها في فترة سابقة لأوانها كما سنرى بعد ذلك.

وممن ذهب مذهب ابن حزم في ذلك الحنفي قال : « إن افتراق الأمة لم يكن في ايام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وإنما بعد مقتل عثمان ظهرت الرافضة » (٤).

أما ابن خلدون فيرى « أن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول 6 وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش » (٥).

فابن خلدون يرى أن البداية كانت بعد وفاة الرسول 6 ، ثم يرى

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٦.

(٢) ابن النديم : الفهرست ص ١٧٥.

(٣) ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ج ٢ ص ٨٠.

(٤) عثمان بن عبد الله بن الحسن الحنفي : الفرق المتفرقة بين أهل الزيغ والزندقة ص ٦.

(٥) ابن خلدون : العبر ج ٣ ص ٣٦٤.


أن الشيعة وضح أمرها في أيام الشورى حيث يقول « كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له مثل الزبير وعمار بن ياسر والمقداد بت الأسود وغيرهم ، إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الإلفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف » (١).

ويرى فإن فوتن : « إن الشيعة تفرعت من ذلك الحزب السياسي الذي قضى عليه الأمويون بحروراء ، ثم انتشرت وقامت بحركة دينية واسعة النطاق ضمت إليها جميع العناصر الإسلامية المعادية للأمويين وللعرب جميعاً » (٢).

ومن ملاحظة هذا الرأي يبدو لنا أن الجماعة التي خرجت بحروراء لم تكن من الشيعة وإنما من الخوارج بعد ان فارقوا علياً وذهبوا إلى قرية يقال لها حروراء (٣).

ثم أنهم خرجوا أيام علي بن أبي طالب وقاتلهم في وقعة النهروان سنة ٣٩ هـ (٤).

كما أن ظهور الشيعة كان سابقاً لهذه الفترة إذا رجعنا إلى التطورات السابقة كما تدل على ذلك الروايات التاريخية.

وأن الشيعة حينما ظهرت كانت حزباً عربياً قام حول إمامة علي بن أبي طالب ومخالفة ومعاداة من أنكر خلافته لأنه الخليفة بأمر الرسول كما ترى الشيعة. ولكن يبدو أن فان فلوتن يخلط بين الشيعة العلوية وبين الغلاة الذين استظلوا بالراية.

أما فلهاوزن فيذكر ظهور الشيعة كحزب فيرى أنه « كان ظهر بمقتل عثمان وانقسام الإسلام إلى حزبين حزب علي وحزب معاوية ، والحزب

__________________

(١) ابن خلدون : العبر ج ٣ ص ٣٦٥.

(٢) فان فلوتن : السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص ٧٤.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٦٧.

(٤) ن. م ج ٢ ص ١٦٧.


يطلق عليه في العربية أيضاً اسم الشيعة ، فكانت شيعة علي مقابل شيعة معاوية » (١).

أما الدوري فيرى « أن تكون الحزب العلوي أو الشيعة العلوية كان بعد مقتل عثمان ، فالانقسام بين المسلمين أدى إلى ظهور شيعة عثمان مقابل شيعة علي ، كما أن مقتل علي أعطى مؤيديه وشيعته أول رابطة قوية وبلور اتجاههم وكوّن الحزب العلوي » (٢).

وفي هذه الفترة أصبح العراق يدين بالولاء لعلي ، وكان أكثر أهله أنصاراً له ، ولكن يبدو أنهم لم يكونوا شيعة حقاً ويظهر هذا من كلام علي وكثرة لومه وعتابه لأهل الكوفة والعراق (٣).

ويعلل الدوري سبب هذا فيقول : « إن ذكرى حكمه ربطت قضية العراق بالقضية العلوية فقد جعلت الكثيرين من أهل العراق يؤيدون بيته دون أن يكونوا شيعة حقاً لأنه يمثل بنظرهم زعامة العراق بين الأمصار » (٤).

أما المصادر الإمامية فتذكر ان ظهور الشيعة كان على عهد الرسول 6 ، ويوضح سعد القمي بداية الشيعة فيقول : « فاول الفرق الشيعة وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته » (٥).

ويرى أن أول الشيعة هم المقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وابو ذر وسلمان « وهم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة » (٦).

__________________

(١) فلهاوزن : الخوارج والشيعة ص ١٤٦.

(٢) الدوري : مقدمة في صدر الإسلام ص ٦١.

(٣) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ج ١ ص ١٧٧ ( خطبة علي في استنفار أهل العراق للشام ).

(٤) الدوري : مقدمة في صدر الااسلام ص ٦١.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٥ ، النوبختي : فرق الشيعة ص ١٥.

(٦) ن. م ص ١٥.


أما الرازي فيوضح مفهوم كلمة شيعة حيث يقول « إن اللفظة اختصت بجماعة ألفوا علي في حياة الرسول وعرفوا به مثل سلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر ... » (١).

« وكان يقال لهم شيعة علي وأنصار علي ، وفيهم قال رسول الله 6 اشتاقت الجنة إلى أربعة سلمان وأبي ذر والمقداد وعمار » (٢).

وترد في بعض التفاسير الإمامية كلمة شيعة في زمن الرسول 6 فيذكر فرات في تفسيره سورة الفاتحة قال ، قال رسول الله 6 « صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين » هم شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب لم تغضب عليهم ولم يضلوا (٣).

كما يورد الشيخ الصدوق عدة احاديث يذكر فيها أن الشيعة كانت على عهد رسول الله 6 حيث أن الرسول 6 دعا لهم وبشرهم بالجنة (٤).

وبهذا تدلل المصادر الإمامية ان التشيع لعلي بدأ منذ زمن الرسول 6 « وكان الرسول 6 من أول المنوهين بفكرة التشيع والمغذين إياها بأوامره المطاعة » (٥).

وترى الشيعة ان الرسول حينما حج حجة الوداع دعا الناس إلى موالاة علي وقال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ... » (٦).

__________________

(١) الرازي : الزينة الورقة ٢٠٥.

(٢) ن. م الورقة ٢٠٥ ، ( ويسميهم الشيخ المفيد الأركان الأربعة المفيد : الاختصاص ص ٣ ).

(٣) فرات بن إبراهيم الكوفي : تفسير فرات ص ٢.

(٤) الشيخ الصدوق : صفات الشيعة ، فضائل الشيعة ، طبع ضمن كتاب علي والشيعة : نجم الدين العسكري ص ١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٤٦.

(٥) محمد حسين الزين : الشيعة في التاريخ ص ٢٥.

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٩٣ ، وسنأتي على تفسير حديث الغدير بالتفصيل في باب الإمامة في الفصل الثالث.


وتفسر المصادر الإمامية حديث « من كنت مولاه » فكلمة مولى تعني « أن يكون اولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معه » ولما كان معنى الموالاة الطاعة والمتابعة فلذلك كل من حضر الغدير تعتبرهم الإمامية شيعة لعلي » (١).

وهكذا تستدل الإمامية على أن التشيع لعلي بدأ منذ زمن الرسول 6.

تطور التشيع في ضوء ما مرّ به من أحداث :

أ ـ استشهد علي بن أبي طالب سنة ٤٠ هـ فانتقلت الخلافة بعده إلى ابنه الحسن (٢) ، وتذكر المصادر التاريخية أن علياً لم يوصِ إلى أحد من أبنانه وأنه قال « لا آمركم ولا أنهاكم » (٣).

ويقول المسعودي « وذكرت طائفة من الناس أن علياً لم يوصِ إلى ابنيه الحسن والحسين لأنهما شريكاه في آية التطهير وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص » (٤).

وقد انفرد المسعودي بهذا القول من بين المؤرخين.

« فلما توفي علي خرج الحسن إلى المسجد فاجتمع الناس إليه فبايعوه » (٥). وكانت بيعته التي أخذ على الناس أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم ، فقال بعض من حضر والله ما ذكر السلم إلا ومن رأيه أن يصالح معاوية (٦).

ب ـ ويبدو أن الفترة التي تولى بها الحسن الخلافة ( ٤٠ هـ ) كانت مليئة بالاضطرابات فمعاوية قد تمكن من الشام ، كما أن كثيراً من أصحاب علي خرجوا بعد التحكيم.

__________________

(١) محمد حسين الزين : الشيعة في التاريخ ص ٢٦.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٨٩.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٤٢٥.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٤٢٥. وآية التطهير قوله تعالى : ( إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ).

(٥) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢١٦.

(٦) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٣ آ.


وقد استطاع معاوية أن يستغل هذه الأمور ، فكان يدس إلى عسكر الحسن من يتحدث أن قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه ويوجه إلى عسكر قيس من يتحدث أن الحسن قد صالح معاوية ، كما أنه أرسل المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر لابن كريز إلى الحسن واتوه وهو نازل بالمدائن فخرجوا من عنده وهم يقولون ويسمعون الناس ان الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن به الفتنة وأجاب إلى الصلح ، فاضطرب العسكر ولم يشك الناس في صدقهم فوثبوا بالحسن ... وتفرق الناس عنه (١).

ويبدو من هذا أن الجماعة المحيطة بالحسن او شيعته لم يكونوا جميعاً شيعة حقاً لأنهم لو كانوا شيعة لما أثرت فيهم دسائس معاوية وإنما يظهر أنهم ، « كانوا يميلون للعلويين ويرون فيهم منذ قتل علي رمز سلطتهم المفقودة » (٢). ولكن هناك جماعة أخلصت للحسن ، فيذكر البلاذري أن الحسن حينما جرح نزل في دار سعد بن مسعود عم المختار بن أبي عبيد الثقفي بالمدائن وكان أبوه قد ولاه إياها ، فأشار عليه المختار أن يوثقه ويسير به إلى معاوية على أن يطعمه خراج جوخي ، فأبى ذلك وقال للمختار : قبح الله رأيك أنا عامل أبيه وقد ائتمنني وشرفني ، وهبني نسيت بلاء أبيه أأنس رسول الله ولا أحفظه في ابن بنته وحبيبه ، ثم أنه أتاه بطبيب واقام عليه حتى برا (٣). وقد ذكر الطبري ان الشيعة كانت تشتم المختار وتعتبه لهذا السبب (٤).

فسعد بن مسعود إذن من مخلصي شيعة علي فهو حافظ لعهده ولعهد رسول الله 6 لكون الحسن ابنه. وعندما وثب القوم بالحسن نادى اين ربيعة وهمدان فتبادروا إليه (٥). فخص بالنداء ربيعة وهمدان لثقته بولائهما

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٩١.

(٢) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٥.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٣ ب.

(٤) الطبري ج ٥ ص ٥٦٩.

(٥) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢١٧.


وكانت نصرتهم له دليلاً على أنهما بقيتا شيعة للحسن كما كانت لعلي.

ولكن الظاهر أن الحسن لم يكن واثقاً من أصحابه ونصرتهم له وإلا لما أقدم على الصلح ، ويؤكد هذا اليعقوبي « ولما رأى الحسن أن لا قوة به وأن أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له صالح معاوية وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال « أيها الناس إن الله هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وقد سالمت معاوية وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » (١).

وقد تم الصلح بين معاوية والحسن بشروط اشترطها الحسن عليه ، « على أن يسلم له الخلافة بعده ، وأن لا يأخذ أحداً من أهل العراق بأحنه ، ويحمل إلى أخيه الحسين في كل عام ألفي درهم ويفضل بني هاشم في العطاء على بني عبد شمس » (٢).

ويذكر البلاذري ان من ضمن شروط الصلح التي أخذها الحسن على معاوية أن لايعهد لأحد من بعده وأن يكون الأمر شورى بين الناس وعلى أن لا يبغي الحسن بن علي غايلة سراً ولا علانية ولا يخيف أحداً من أصحابه (٣).

فالدينوري يرى أن الحسن بن علي اوصى بأهل العراق ، والبلاذري يؤكد اهتمام الحسن بأصحابه وأصحابه هم الشيعة.

ويورد الطبري أن من شروط الصلح أن لا يشتم معاوية علياً على مسمع من الحسن (٤). ويقول المقدسي أن الحسن طلب « أماناً لشيعة علي » (٥).

وبالرغم من اهتمام الحسن بأصحابه إلا أنه كان عاتباً عليهم وذلك حين خاطبهم بعد الصلح ؛ « يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٩٢.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢١٨.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٤ آ.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ١٦٠.

(٥) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ٢٣٦.


لثلاث خصال لذهلت فقلتكم أبي وسلبكم ثقلي ، وطعنكم في بطني ، وأني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا (١).

وكانت الشيعة قد ساءها تنازل الحسن عن الخلافة وقد أظهرت له ذلك واول من كلمه في ذلك حُجر بن عدي الكندي قال : « يابن رسول الله لوددت أني مت قبل ما رأيت ، أخرجتنا من العدل إلى الجور فتركنا الحق الذي كنا عليه ودخلنا في الباطل الذي نهرب منه وأعطيتنا الدنية من أنفسنا وقبلنا الخسيسة التي لم تلق بنا » ، فكان جواب الحسن له : « إنما صالحت بقيا على شيعتنا خاصة من القتل » (٢).

وحجر بن عدي من الشيعة ومن المخلصين لعلي ، وكذلك أنكر سليمان بن صرد الخزاعي الصلح وكان سيد أهل العراق ورأسهم فدخل على الحسن فقال السلام عليك يا مذل المؤمنين ، وكان يعاتب الحسن على قعوده عن الحرب بالرغم من كثرة أنصاره هم مائة ألف مقاتل من أهل العراق سوى شيعته من أهل البصرة وأهل الحجاز (٣).

وكان جواب الحسن « فإنكم شيعتنا وأهل مودتنا ... وإني لم أرد بما رأيتم إلا حقن دماءكم وإصلاح ذات بينكم ... وأما قولكم يا مذل المؤمنين فو الله لأن تذلوا وتعافوا أحب إليّ من أن تعزوا وتقتلوا » (٤).

وقد منع الحسن أتباعه من القيام بأي عمل وقال : « وليكن كل رجل منكم حلساً من أحلاس بيته ما دام معاوية حياً » (٥).

ويظهر أن الشيعة قد يئسوا من الحسن فمال قسم منهم إلى الحسين وطلبوا منه أن يجمع شيعته ويحارب معاوية إلا أنه رفض ذلك وأوصاهم بما طلب منهم الحسن (٦).

__________________

(١) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٩.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢٢٠.

(٣) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٧١.

(٤) ن. م ج ١ ص ١٧١ ـ ١٧٢.

(٥) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢٢١.

(٦) ن. م ص ٢٢١ ، ابن قتيبة : الإمامية والسياسة ج ١ ص ١٧٣.


ويبدو أن معاوية لم يهدأ باله ما دام الحسن حياً فتشير بعض المصادر إلى احتمال تحريضه على سمه.

فيروي البلاذري « إنه شرب شربة عسل فمات منها ، ويقال أن معاوية دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن وأرغبها حتى سمته » (١).

ولما بلغ أهل الكوفة وفاة الحسن بن علي كتبوا إلى الحسين يعزونه بوفاة أخيه « أما بعد فإن من قبلنا من شيعتك متطلعة أنفسهم إليك لا يعدلون بك أحداً وقد كانوا عرفوا رأي الحسن أخيك في دفع الحرب وعرفوك باللين لأوليائك والغلظة على أعدائك والشدة في أمر الله فإن كنت تحب أن تطلب هذا الأمر فأقدم علينا فقد وطنا أنفسنا على الموت معك ، فكتب إليهم أما أخي فأرجو أن يكون الله قد وفقه وسدده وأما أنا فليس رأي اليوم ذاك ما دام معاوية حياً » (٢).

يظهر من هذا تطور الحال إلى قيام جماعة موالية لآل علي ولكنها غير جادة ، وأنها مستعدة لرد الإمامة إليهم بالثورة. ولكن الحسين لم يستطع إجابة طلبهم حفظاً لعهد أخيه.

ولم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن حتى بايع لابنه يزيد وقد امتنع عن بيعته الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير (٣).

فكانت بيعة يزيد أول نقض لشروط الصلح بين معاوية والحسن ولم يكتفِ معاوية بهذا وإنما نقض الشرط الآخر وهو « أن لا يسيء إلى أصحاب الحسن ». فأمر معاوية عماله « أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة وأمر بحرمان كل من عرف منه موالاة علي من العطاء وإسقاطه من الديوان والتنكيل به وهدم داره » (٤).

____________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٥ آ وذكر ذلك أيضاً اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٠.

(٢) أبو مخنف ( ت١٧٠ هـ ) : مقتل الحسين ص ٦ ، الدينوري : الأخبار الطوال ٢٠٣ ، اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠٣.

(٣) اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٣.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ٢٢٤.


وأمر معاوية بلعن علي على المنابر (١). ونادى مناديه وكتب بذلك إلى عماله « ألا برئت الذمة ممن روى حديثاً في مناقب علي وأهل بيته وقامت الخطباء في كل كورة ومكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب والبراءة منه » (٢).

كما كتب معاوية كتاباً إلى ابن عباس يأمره بالكف عن ذكر مناقب علي وأهل بيته (٣).

وكانت الكوفة مركزاً للشيعة ، وقد لاقى الشيعة الاضطهاد في فترة تولي زياد على الكوفة وكان زياد عامل علي بن أبي طالب على فارس فلما صار الأمر إلى معاوية كتب إليه يتهدده ثم عفا عنه وولاه البصرة والكوفة (٤).

وقد طارد زياد الشيعة وعاملهم بقسوة حتى قيل : « إن أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي ودعوة زيادة » (٥).

واستمر شيعة علي على إخلاصهم ووفائهم حتى أن معاوية كان يعجب من وفائهم فكان يقول : « والله لوفاؤكم له بعد موته أكثر من إخلاصكم له في حياته » (٦).

وأثارهم معاوية بمختلف الوسائل ولكنهم جابهوه بشدة ووقفوا بوجهه.

جـ ـ وقام الشيعة بأول حركة ضد معاوية وهي حركة حجر بن عدي الكندي وأصحابه وكانوا من الناقمين على زياد والي الكوفة ، فأخذ زياد حجراً وثلاثة عشر رجلاً من أصحابه ، وكانت التهمة الموجهة إليهم « أنهم

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٠٥.

(٢) ابن أبي الحديد : شرح النهج ج ٣ ص ١٥.

(٣) اخبار العباس : مؤلف مجهول الورقة ١٤ آ ويذكر ذلك نقلاً عن سليم بن قيس.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ٢٧٩.

(٦) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٢ ص ١٠٨.


خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب وزوروا على الولاة فخرجوا بذلك على الطاعة » (١).

وكتب زياد إلى معاوية « إن طواغيت من هذه الترابية السبأية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين وفارقوا جماعة المسلمين ... » (٢).

وهنا نلاحظ أن زياداً يسمي الشيعة الترابية والسبأية ، فالترابية مأخوذة من كنية علي أبو تراب التي كناه بها النبي وكانت من أحب الكنى له (٣) ولكن الأمويين اعتبروها منقصة لعلي فأكثروا من ذكرها.

أما السباية فهم من أصحاب عبد الله بن سبأ ، والسبأية غير الشيعة وحجر وأصحابه من مخلصي الشيعة فلا يمكن عدهم من السبأية.

وقد احتار معاوية في أمر حجر وأصحابه « فأشار عليه زياد أن يقتلهم فقتلهم بمرج عذراء » (٤).

ولكن يبدو ان معاوية ندم بعد قتلهم سيما بعد أن لامته عائشة وكان يقول : « ما أعد نفسي حليماً بعد قتلي حجراً وأصحاب حجر » (٥).

وبعد مقتل حجر وأصحابه سكتت الشيعة خوفاً من الأضطهاد والقتل بعد أن صار شعار الأمويين « لا صلاة إلا بلعن أبي تراب » (٦).

ويمكن أن يفسر سكوتهم بأنهم كانوا يتقون الأمويين ولم تكن لهم طاقة بمواجهتهم ، إلا أن الوضع لم يستمر على هذه الحال.

د ـ ولما توفي معاوية خلفه ابنه يزيد فأمر الوليد بن عتبة واليه على المدينة أن يأخذ له البيعة من أهل المدينة ومن الحسين بن علي وعبد الله ابن الزبير وكان أبوه لم يكرههم على البيعة ، فامتنع الحسين عن البيعة

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٠٥ ، الطبري : ج ٥ ص ٢٥٣ ـ ٢٧٠.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ٢٧٢.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٥ ب.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٠٥.

(٥) اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦.

(٦) ن. م ج ٢ ص ٢١٥.


وترك المدينة خارجاً إلى مكة (١).

« وجاءته الرسل من العراق من شيعته تدعوه إلى القدوم فقد اجتمع جماعة من الشيعة في منزل سليمان بن صرد واتفقوا على أن يكتبوا إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم ليسلموا الأمر إليه » (٢).

وكان الحسين بن علي منكراً لصلح الحسن معاوية فلما وقع الصلح دخل جندب بن عبد الله الأزدي والمسيب بن نجبة الغزاري وسليمان بن صرد الخزاعي وسعيد بن عبد الله الحنفي في قصر الكوفة وسلموا عليه فلما رأى سوء حالهم ، تكلم وذكر كراهيته للصلح وقال : « ولكنه أخي عزم علي وناشدني فأطعته كأنما يحزّ أنفي بالمواسي ويشرح قلبي بالمدى ... » (٣).

فيبدو أن الشيعة قد استعدت للقيام بعمل إيجابي أي الثورة بوجه السلطان الأموي.

ولما وردت رسل أهل العراق إلى الحسين تستعجله القدوم « بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين ، أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك فالعجل العجل والسلام » (٤).

ونلاحظ أن كلمة شيعة هنا لا تستعمل بمفردها وإنما يقال شيعة الحسين التي تدين بموالاة الحسين وإمامته بعد الحسن.

وخرج الحسين إلى مكة ومعه مواليه وبنو أخيه وجميع أهل بيته إلا محمد بن الحنفية وقد نصح الحسين » أن لا يذهب إلا بعد أن يستوثق بيعة الناس له لئلا يختلف عليه الناس فيقتل ويذهب دمه هدراً » (٥).

__________________

(١) اليعقوبي ج ٢ ص ٢١٥.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢٢٩.

(٣) أبو مخنف : مقتل الحسين ص ١٤.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ١٩٢.

(٥) أبو مخنف : مقتل الحسين ص ١٤.


فيظهر من كلام محمد بن الحنيفة أنهم لا زالوا في شك من نصرة أهل العراق لهم بالرغم من كثرة عددهم.

وخرج الحسين قاصداً الكوفة وأرسل قبله مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة ليتأكد من بيعة الناس له فوصل مسلم بن عقيل الكوفة واجتمع إليه خلق كبير من الشيعة وجعلت الشيعة تختلف إليه وهو في دار عروة بن هانيء المذحجي ويبايعون الحسين سراً ومسلم بن عقيل يكتب أسماءهم ويأخذ عليهم العهود أنهم لا ينكثون حتى بايعه ما ينيف على عشرين ألفاً (١).

وبينما الحسين في طريقه لقي الفرزدق بن غالب الشاعر فسأله عن أمر الناس فقال له الفرزدق : « الخبير سألت ان قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية » (٢).

ونفهم من هذا النص أن الشك كان يحوم حول مدى نصرة أهل الكوفة من شيعة وغيرهم للعلويين.

ثم توالت الأحداث ، فقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وخافت الشيعة ولم تخرج لنصرتهم ولم يعلم الحسين ما حدث إلا بعد وصوله ولم يبق معه غير أهل بيته وعددهم ٦٢ أو ٧٢ رجلاً ، وعمر بن سعد في ٤ آلاف (٣).

وقد خير الحسين أهل بيته بين البقاء معه أو الخروج لأن القوم لا يريدون غيره فأبوا وقاتلوا معه حتى قتل وقتلوا (٤).

وهكذا نرى أن حركة التشيع كانت لا تزال متعثرة في طريقها « لأن التشيع في نظر أهل العراق كان مرتبطاً بذكرى حكم علي الذي يمثل زعامة العراق بين الأمصار » (٥).

__________________

(١) أبو مخنف : مقتل الحسين ص ٢٨ ـ ٢٩ ، وانظر الخوارزمي : مقتل الحسين ج ١ ص ٢٠٠.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢٠ آ.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢١٦.

(٤) أبو مخنف : مقتل الحسين ص ٦١ ـ ٦٢.

(٥) الدوري : مقدمة في صدر الإسلام ص ٦١.


وكان لاستشهاد الحسين أثر كبير في نفوس شيعته وقد أغنت هذه الحادثة الأدب العربي بالروائع وألفت الكتب الكثيرة في وصف مقتل الحسين (١).

وهكذا كان « تبلور الحركة السياسية تحت اسم الشيعة كان بعد مقتل الحسين مباشرة » (٢).

فنلاحظ في أيام الحسين أن كلمة شيعة أصبحت تطلق مفردة فيقال الشيعة ولا يقال شيعة علي أو شيعة الحسين وهذا يعني أن مفهوم الشيعة كجماعة بدأ بالوضوح والتحديد.

ويرى الشيخ المفيد « أن كلمة شيعة إذا دخلت عليها أل التعريف فهي على التخصيص لأتباع أمير المؤمنين (٣).

وسوف يتوضح معنى كلمة شيعة أكثر بحركة التوابين.

هـ ـ ولما قتل الحسين بن علي (سنة٦١ هـ ) تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ففزعوا إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة وهم سليمان بن صرد الخزاعي وكانت له صحبة والمسيب بن نجبة الفزاري وكان من خيار أصحاب علي وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبد الله بن وال التيمي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، ثم الفتياني ، فاجتمع هؤلاء في منزل سليمان بن صرد ومعهم ناس من وجوه الشيعة ، فتلاوموا على خذلانهم الحسين واتفقوا على قتل قتلته كما اتفقوا على تولية هذا الأمر « شيخ الشيعة » وصاحب رسول الله 6 وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي ، وخطب فيهم : « كونوا كتوابي بني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم ، إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم

__________________

(١) كتاب اللهوف في قتلى الطفوف : ابن طاووس ( ت٦٦٤ هـ ) ، كتاب مثير الأحزان : ابن نما الحلي ( ت٦٥٤ هـ ) وكتاب مقتل الحسين للخوارزمي ( ت٥٦٨ هـ ) وكتاب عين العبرة في غبن العترة : جمال آل طاووس.

(٢) الشيبي : الصلة بين التشيع والتصوف ج ١ ص ١٧.

(٣) الشيخ المفيد : أوائل المقالات ص ٣.


ذلك خير لكم عند بارئكم » (١).

وبدأ سليمان بن صرد يبث الرسل إلى الشيعة في المدائن والبصرة (٢).

ويبدو من هذا أن هناك شيعة لعلي في المدائن والبصرة ، وكان ابتداء أمر التوابين سنة ٦١ هـ لكنهم اتفقوا على الخروج سنة ٦٥ هـ وأن يجتمعوا بالنخيلة (٣).

فيظهر أن الشيعة كانوا يستعدون ويتحينون الفرصة المناسبة للطلب بدم الحسين ولكنهم لم يتمكنوا من الظهور زمن يزيد. فلما مات يزيد اجتمعت الشيعة إلى سليمان بن صرد وقالوا : قد مات هذا الطاغية فإن شئت أظهرنا الطلب بدم الحسين وتتبعنا قاتلية فمنعهم من ذلك وطلب منهم أن يصبروا وقال لهم إن قتلة الحسين هم أشراف أهل الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنهم المطلوبون كانوا أشد عليكم ، ثم أوصاهم أن يدعوا إلى أمرهم هذا شيعتهم وغير شيعتهم لأنه قال ، فإني أرجو أن يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه (٤).

فلما كانت سنة ٦٥ هـ خرج سليمان إلى النخيلة ونادوا أصحابه يا لثارات الحسين وكان معه ستة عشر ألفاً ، فلما عرض أصحابه وجدهم أربعة آلاف (٥).

وهكذا كانت الشيعة لا تزال حتى في هذه الفترة غير مستقرة إذ ما تبدأ بعمل وتتفق عليه حتى تتفرق متأثرة بتأثيرات مختلفة. وكان نصيب حركة التوابين الفشل (٦).

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦ والرواية عن أبي مخنف وذكر ذلك أيضاً الطبري ج ٥ ص ٥٥٢ مع اختلاف بسيط في الألفاظ.

(٢) ن. م ج ٥ ص ٢٠٦.

(٣) ن. م ج ٥ ص ٢٠٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ٥٥٨.

(٥) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨ ، الطبري ج ٥ ص ٥٦٠.

(٦) ن. م ج ٥ ص ٢١٠.


ويتضح لنا مما مر من الروايات التاريخية أن الشيعة أصبحت بعد خروج التوابين حزباً سياسياً واضح المفهوم فكان يقال الشيعة وشيخ الشيعة فيعرف مدلولهما (١).

ولما كانت حركة التوابين دعوة للثأر من قتلى الحسين كان المفروض أن تلاقي تأييداً من كل الشيعة لا سيما بعد أن كثر عدد الشيعة كما رأينا وأن يكتب للحركة النجاح ، لكن الحركة الشيعية قد تعرضت لتأثيرات مختلفة منها تأثير السلطة الأموية ، وأناس عدوا من الشيعة ولكنهم كما يبدو قد جعلوا مصلحتهم الشخصية فوق ما اعتقدوه ، فكل هذه الأمور أدت إلى فشل هذه الحركة بالرغم من كثرة مؤيديها.

و ـ وقد تزعم المختار بن أبي عبيد الثقفي الشيعة المطالبين بثأر الحسين بعد فشل حركة التوابين.

وقد ولد المختار في السنة التي هاجر فيها رسول الله من مكة إلى المدينة وكان مع أبيه حين وجهه عمر بن الخطاب إلى العراق وأقام مع عمه في المدائن وكان والياً عليها من قبل علي بن أبي طالب ، وكان المختار عند الشيعة عثمانياً ، فلما قدم مسلم بن عقيل الكوفة نزل دار المختار وكان فيمن بايع مسلماً سراً (٢).

واختلف الآراء في حركة المختار والمختار نفسه فمنهم من قال أنه دعا للثأر من قتلة الحسين وأن هذا غرضه من الثورة ، ويقال أن المختار لما أراد الذهاب إلى الكوفة أتى ابن الحنفية وأخبره أنه خارج للطلب بدمائهم والانتصار لهم فسكت ابن الحنفية ولم يأمره ولم ينهه ، وقيل أنه قال له اني لأحب أن ينصرنا الله ويهلك من سفك دماءنا ولست آمن بحرب ولا إراقة دم (٣).

أما الدينوري فيرى أن المختار إنما قام بهذه الحركة طلباً لمصلحة

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٥ ص ٥٥٨.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢١٤.

(٣) ن. م جـ ٥ ص ٢١٨ ، الطبري ج ٥ ص ٥٨٠.


شخصية ، فيروى ، قد قيل للمختار يا أبا إسحاق لقد ظن الناس أن قيامك بهذا الأمر دينونة فقال المختار لا لعمري ما كان إلا لطلب دنيا فإني رأيت عبد الملك بن مروان قد غلب على الشام وعبد الله بن الزبير على الحجاز ومصعباً على البصرة ونجده الحروري على العروض وعبد الله بن خازم على خراسان ولست بواحد منهم ولكن ما كنت أقدر على ما أردت إلا بالدعاء إلى الطلب بثار الحسين (١).

ومن هذا يتبين أن الدعوات التي قامت لنصرة آل البيت لم تكن خالصة في حد ذاتها.

ومهما يكن من أمر فقد قام المختار بحركته فيذكر الدينوري أن المختار جعل يختلف إلى شيعة بني هاشم وهم يختلفون إليه فيدعوهم إلى الخروج معه والطلب بدم الحسين فاستجاب له بشر كثير وأكثر من استجاب له همدان وقوم كثير من أبناء العجم كانوا بالكوفة ، وكان يجتمع بأصحابه سراً (٢).

فالدينوري يورد هنا كلمة شيعة بني هاشم ، وهذا التعبير يدخل ضمنه كل آل الرسول وليس علياً وأولاده فقط ، ثم أن المختار حينما ظهر كان ظهوره للأخذ بثار الحسين وأنه من الشيعة والشيعة أتباع علي وأولاده.

وقد استطاع المختار أن يستغل الظروف المحيطة به فقد ذكر البلاذري أن المختار ثبط الناس عن سليمان بن صرد لأن المختار عندما قدم الكوفة ودعا إلى الطلب بثار الحسين لم يجبه أحد وقال له الناس هذا سليمان شيخ الشيعة وقد أطاعته الشيعة وانقادت له فيقول لهم أن سليمان رجل لا علم له بالحروب وسياسة الرجال وقد جئتكم من قبل المهدي ، يعني ابن الحنفية ، فلم يزل حتى انشعبت له طائفة (٣).

وعندما اجتمعت الشيعة إلى المختار كان يقول أن محمد بن الحنيفة

__________________

(١) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٠٧.

(٢) ن. م ص ٢٨٨.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨ الطبري ج ٥ ص ٥٦٠.


بعثه إليهم « أن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم أميناً ووزيراً » (١).

وواضح من هذا أن المختار قد دعا إلى إمامة محمد بن الحنفية (٢). كما أنه كان يلقب محمد بن الحنفية بالمهدي وقد تطورت هذه الفكرة فيما بعد وأصبحت من مبادىء الكيسانية الرئيسية (٣).

ويعلل المسعودي سبب اعتقاد المختار بمحمد بن الحنفية فيقول : « والذي دفع المختار الاعتقاد بإمامة محمد بن الحنفية أنه كتب كتاباً إلى علي بن الحسين السجاد يريده على أن يبايع له ويقول بإمامته ويظهر دعوته وأنفذ إليه مالاً كثيراً فأبى علي بن الحسين أن يقبل ذلك منه أو يجيبه عن كتابه وسبه على رؤوس الملأ في مسجد النبي 6 وأظهر كذبه وفجوره ودخوله على الناس بإظهار الميل إلى آل أبي طالب فلما يئس المختار من علي بن الحسين كتب إلى عمه محمد بن الحنفية يريده على مثل ذلك فأشار عليه علي بن الحسين أن لا يجيبه ، لأن باطنه مخالف لظاهره في الميل إليهم فهو في عداد أعدائهم لا أوليائهم ، ولكن ابن الحنفية سكت عن المختار عملاً بنصحية ابن عباس وخوفاً من ابن الزبير (٤).

ولم يرد هذا الخبر عند أحد غير المسعودي ، وبهذا استطاع المختار إيهام الناس بأنه مرسل من قبل ابن الحنفية. ويذكر ابن سعد أن المختار كان يدعو الناس إلى محمد بن الحنفية فبايعه عدد كبير إلا أنهم شكوا في أمره فأرادوا التأكد من أمره فسألوا محمد بن الحنيفة فأجابهم ابن الحنفية ، « نحن حيث ترون محتسبون وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن بغير حق ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه فاخذروا الكذابين وانظروا لأنفسكم ودينكم » (٥).

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢١٨.

(٢) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص ٢٥ ، النوبختي ص ٢٣.

(٣) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص ٢٤.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٨٣ ـ ٨٤.

(٥) ابن سعد : الطبقات ج ٥ ص ٧٢.


فجواب محمد لا يدل على تاييد المختار وكان له تأثير في اضعاف دعوة المختار. ولو تتبعنا سيرة محمد بن الحنيفة فلا نجد ما يشير إلى أنه كان طامعاً في الأمر بعد الحسين وإنما كان ممن أخلص النصح للحسن والحسين وقد أوصى الحسن الحسين به وقال : « يا أخي أوصيك بمحمد أخيك فإنه جلدة ما بين العينين وقال يا محمد أوصيك بالحسين كانفه ووازره » (١).

واستمر المختار في الطلب بثار الحسين وتتبع قتلته فقتل عبيد الله بن زياد ، وعمير بن الحباب ، وفرات بن سالم ، وشمر بن الجوشن ، وكثير غيرهم (٢).

ولم يدم أمر المختار طويلاً فقد انتهى أمره بقتاله مع ابن الزبير (٣).

وتظهر أهمية حركة المختار في أحداث التطور على الشيعة بظهور فرقة جديدة تقول بإمامة محمد بن الحنفية سميت بالكيسانية (٤).

وقد انقسمت الكيسانية إلى فرق عديدة ، ظهرت نتيجة لحركة المختار وقد اختلف كتاب الفرق في النظر إليها فمنهم من عدها من الشيعة ، ومنهم من عدها من الغلاة وقد اتصلت الكيسانية بالسبأية في بعض مبادئها وتطورت حتى أخرجت الإمامة من أولاد علي إلى أولاد العباس وسنأتي على بيان ذلك في باب الدعوة العباسية.

وقد امتازت هذه الفترة بظهور محمد بن علي بن الحنفية ، ومحمد ابن علي بن عبد الله بن عباس ، وأبي محمد علي بن الحسين.

__________________

(١) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٢٢١.

(٢) ن. م ص ٢٩٣.

(٣) ن. م ص ٢٩٣.

(٤) نسبة إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي لأن اسمه كيسان ويكنى أبا عمره ويرى الدينوري أن أبا عمره صاحب شرطة المختار الدينوري ، ص ٢٨٩ ويذكر الأشعري القمي في المقالات والفرق : أن كيسان غير المختار وأنه مولى لعلي بن أبي طالب ، ( ص ٢١ ) وانظر :

W.Montgomery watt. Shi'ism under the Umayyads. Journal of the Royal Asiatic Society.

Part. ١ , ٢ ١٩٦٠ London. P. ١٥٨ – ١٦٨.


فأما محمد بن الحنفية فقد ظهرت حوله دعوات كما مر من دعوة المختار له.

وكان محمد بن عبد الله بن عباس لا يزال في بداية أمره.

أما أبو محمد علي بن الحسين فلم يحاول الاشتراك في الأحداث التي مرت بعد مقتل أبيه الحسين ، وإنما انصرف إلى الزهد وكان يلقب بزين العابدين لشدة ورعه.

وانصرف كذلك إلى مقاومة حركات الغلو التي ظهرت في عصره يدل على ذلك قوله « أيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً » (١).

وامتاز عصر الإمام علي بن الحسين بالشدة في معاملة الشيعة خاصة في زمن ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان معروفاً بشدة عدائه للشيعة (٢).

وفي أيام عبد الملك بن مروان مرت على الشيعة فترة هدوء بعدما اشتد الحجاج في معاملتهم فقد ذكر اليعقوبي ، أن عبد الملك أمر الحجاج وقال له : « جنبني دماء آل أبي طالب فإني رأيت آل حرب لما تهجموا لم ينصروا » (٣).

وحينما جاء عمر بن عبد العزيز اتبع مع الشيعة وآل الرسول سياسة مخالفة لمن سبقه ففي زمنه ترك لعن علي بن أبي طالب على المنابر.

وأعطى بني هاشم الخمس ورد فدك وفي ذلك يقول كثير :

وليت فلم تشتم علياً ولم تخف

برياً ولم تتبع مقالة مجرم (٤)

__________________

(١) الأصبهاني : حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٦ ، وانظر الصحيفة السجادية لعلي بن الحسين فإنها أصدق دليل على زهده وورعه.

(٢) يروى أن رجلاً يقال أنه جد الأصمعي وقف للحجاج فقال : أيها الأمير إن أهلي عفوني فسموني علياً وإني فقير بائس وأنا إلى صلة الأمير محتاج فتضاحك له الحجاج وولاه عملاً.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٤٧.

(٤) اليعقوبي ج ٣ ص ٤٨.


وفي أيام عمر بن عبد العزيز ابتدأ أمر الشيعة العباسية التي دعت إلى أولاد العباس مستغلين فترة الهدوء وحسن معاملة عمر بن عبد العزيز واستمر الحال هكذا حتى ظهور زيد بن علي بن الحسين.

ز ـ وقد ظهر زيد بن علي وهو أخو محمد بن علي بن الحسين الباقر في زمن هشام بن عبد الملك فأقدمه هشام واتهمه أنه يطلب الخلافة وهو لا يستحقها لأنه ابن أمة ، وكانت مناقشات ثم أمر هشام بإخراج زيد خوفاً من لسانه (١). وقد اختلفت المصادر التاريخية في زمن خروج زيد ، فالدينوري يذكر أن زيداً خرج سنة ١١٨ هـ (٢).

أما البلاذري فيرى أن زيداً خرج في زمن الباقر وأنه لم يجد التأييد لحركته من الشيعة التي قالت بإمامة محمد الباقر (٣).

ولكن الباقر كما تذكر المصادر الإمامية وبعض المصادر التاريخية أنه توفي ما بين سنة ١١٤ هـ ـ ١١٧ هـ فيكون زيد قد خرج بعد وفاة الباقر أي في عصر الإمام جعفر الصادق (٤).

أما اليعقوبي فيذكر أن زيداً خرج سنة ١٢١ هـ (٥).

والطبري يرى أن زيداً قتل سنة ١٢١ هـ. أو ١٢٢ هـ على اختلاف الروايات (٦).

وعلى أية حال فالأرجح أن زيداً ثار سنة ١٢١ هـ أي في عصر الإمام الصادق.

وكانت الشيعة في زمن زيد أكثر من جماعة منهم الذين قالوا بإمامة محمد بن الحنفية وأولاده وأخرجوا الإمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٦٥.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٤٤.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢٢ آ.

(٤) انظر الكليني ج ١ ص ٤٧٩ ابن رستم دلائل الإمامة ص ٩٤ ، اليعقوبي ج ٣ ص ٣٨٤.

(٥) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٣٩١.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ١٨٠.


ابن العباس ، وهؤلاء الشيعة العباسية فقد ذكر صاحب أخبار العباس قال : « سمعت أباهاشم يقول : قال لي محمد بن علي : قد اظلكم خروج رجل من أهل بيتي بالكوفة يغتر في خروجه كما غر غيره فيقتل ضيعة ويصلب فحذر الشيعة قبلكم منه » (١).

وقد حذر بكير بن ماهان أتباعه من زيد وأصحابه قال : « إني أعلم ما تعلمون الزموا بيوتكم وتجنبوا أصحاب زيد ومخالطتهم » (٢).

فلم يشارك هؤلاء في حركة زيد وتركوه. ولم يوافق أيضاً أبناء الحسن زيداً على الثورة ، وقد حذره عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب حيث ذكر مسكويه كتاباً من عبد الله إلى زيد قال فيه : « يا بن عمي إن أهل الكوفة نفخ العلانية خور السريرة تقدمهم ألسنتهم ولا تتابعهم قلوبهم ولقد تواترت إلى كتبهم فصمت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأساً منهم وأطراحاً لهم ومالهم إلا ما قال علي بن أبي طالب وذكره بأشياء قالها في أهل العراق » (٣).

فيظهر من هذا أن أهل الكوفة بالرغم من كونهم شيعة إلا أنه لا يركن إليهم وأن هناك دعوة في هذه الفترة لعبد الله بن الحسن بن الحسن.

أما الشيعة أتباع محمد الباقر فلم يوافقوا زيداً على رأيه وحذروه من الخروج فيذكر المسعودي ، أن محمد الباقر حذر أخاه زيداً حينما شاوره في الخروج فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر وقال له بها قتل جدك علي وطعن عمك الحسن وقتل أبوك الحسين وفيها وفي أعمالها شتمنا اهل البيت (٤).

إلا أن زيداً خرج ثائراً وقدم الكوفة فأسرعت إليه الشيعة وقالت : « إنّا لنرجو أن يكون هذا الزمان هلاك بني أمية » وجعلوا يبايعونه سراً وبايعه

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ١٠٩ ب.

(٣) ن. م الورقة ١١٠ آ.

(٣) مسكويه : تجارب الأمم الورقة ٥٣ ب.

(٤) المسعودي : مروج الذهبي ج ٣ ص ٢١٧.


أربعة عشر ألفاً على جهاد الظالمين (١).

ويبدو أن هناك جماعة من الشيعة كانت في شك من أمر زيد فقد ذكر البلاذري « أن طائفة من الشيعة قالوا لمحمد بن علي قبل خروج زيد : إن أخاك فينا نبايع ، فقال : بايعوه فهو اليوم أفضلنا فلما قدم الكوفة كتموا زيداً ما سمعوه من أبي جعفر » (٢).

ويقال أن زيداً طلب منهم أن يسألوا أبا جعفر محمد بن علي فإن أمرهم بالخروج معه خرجوا فاعتلوا عليه ثم قالوا : لو أمرنا بالخروج معك ما خرجنا لأنّا نعلم أن ذلك تقية واستحياء منك فقال ما قال (٣).

إلا أن محمد الباقر كما يبدو لم يتخذ موقفاً إيجابياً من حركته ، لكنه لم يمنع الناس عن نصرته.

ومما فرق الشيعة عن زيد أنهم سألوه ما قوله في أبي بكر وعمر فقال : « كنا أحق البرية بسلطان رسول الله فاستأثرا علينا وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة ففارقوه ورفضوا بيعته ، وقالوا : إن أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين هو الإمام وجعفر بن محمد إمامنا بعد أبيه وهو أحق بها من زيد وإن كان أخاه » (٤).

وكان زيد إذا بويع قال : « أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين وقسم هذا الفيء في أهله ورد المظالم ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب أتبايعون على هذا فبايعوه » (٥).

ورغم كل هذه الاختلافات بين فئات الشيعة وموقفهم من زيد فقد بايعه في بادىء الأمر عدد كبير إلا أنهم انفضوا من حوله وجعلوها حسينية

__________________

(١) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٦ ص ٤٩.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢١ آ.

(٣) ن. م ج ٣ الورقة ٢١ ب

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢١ آ.

(٥) ن. م ج ٣ الورقة ٢٢ آ وانظر الطبري ج ٧ ص ١٨٣.


كما قال زيد (١).

وأرسل هشام لمواجهة زيد يوسف بن عمر الثقفي ، فقتل زيد وصلب وفي ذلك يقول بعض شعراء بني أمية لآل أبي طالب :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أر مهدياً على الجذع يصلب (٢)


ويذكر اليعقوبي أنه بعد مقتل زيد « تحركت الشيعة بخراسان وظهر أمرهم وكثر من يأتيهم ويميل معهم وجعلوا يذكرون للناس أفعال بني أمية وما نالوا من آل الرسول حتى لم يبق بلد إلا فشا فيه هذا الخبر وظهرت الدعاة ورئيت المنامات وتدورست كتب الملاحم » (٣).

وهذا الخبر يدل على وجود الشيعة بخراسان وأن هناك دعوة لآل الرسول قام بها أهل خراسان ، ولكن كما يبدو أن الدعوة هنا لا يقصد بها إلى الشيعة أتباع علي بن أبي طالب وأولاده وإنما إلى الشيعة بني العباس لأنه في هذه السنة توجه الدعاة إلى خراسان.

كما أن وجود دعوة لآل البيت في خراسان كان أمرها معروفاً من قبل الأمويين فيذكر الطبري ، أنهم تمكنوا من القضاء على زيد بواسطة رجل من أهل خراسان « فدس يوسف بن عمر مملوكاً خراسانياً الكن وأعطاه خمسة آلاف درهم وأمره أن يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنه قدم من خراسان حباً لأهل البيت وأن معه مالا يريد أن يقويهم به فلم يزل المملوك يلقى الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه حتى أدخلوه على زيد فخرج فدل يوسف على موضعه » (٤).

فيبدو أن العلويين كانوا على علم بأمر أنصارهم في خراسان.

وجاء بعد زيد ابنه يحيى ولم يكن بأحسن من حظ أبيه فقد خرج في أيام الوليد بن زيد بالجوزجان (٥).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ١٨٤.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢١٩.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٦٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ١٨٨.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٢٥.


فيذكر الطبري « لما قتل زيد عمد رجل من بني أسد إلى يحيى بن زيد فقال له : قتل أبوك وأهل خراسان لكم شيعة فالرأي أن تخرج إليها قال : وكيف لي بذلك قال : تتوارى حتى يكف عنك الطلب ثم تخرج » (١).

فلما سكن الطلب خرج يحيى في نفر من الزيدية إلى خراسان فقتل هناك (٢).

وتظهر أهمية ثورة زيد فيما حدث من التطورات على الشيعة ، فبعد أن كانت الشيعة تدين بموالاة علي وأبنائه فقد ظهرت نظرة جديدة للإمامة قالوا : « إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته ولكن كان جائزاً للناس أن يولوا غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجرباً » (٣).

ثم جعلوا الإمامة بعد علي في الحسن والحسين وأولادهما وهي شورى بينهما فمن خرج منهم وشهر سفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق الإمامة (٤).

كما أن أتباع زيد « أجازوا إمامة المفضول مع وجود الأفضل فالبرغم من أن علياً أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة دينية رأوها لتسكين الفتنة وتطييب قلوب العامة فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً وسيف أمير المؤمنين لم يجف بعد والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي » (٥).

وقد برر الإمامية خروج زيد ، بأنه إنما خرج يدعو إلى الرضا من آل محمد ، فيرد عن الصادق أنه قال : « إن زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وأنه كان أتقى لله من ذلك أنه قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد » (٦).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ١٨٩.

(٢) ن. م ج ٧ ص ٢٢٨.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٣٧.

(٤) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص ١٨.

(٥) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٦) الكليني : الروضة من الكافي ج ص ٢٦٤ وذكر ذلك الصدوق في عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩.


كما أن الشيعة الإمامية تؤكد أن زيداً لم يدع الإمامة لأن الإمامة لا تجوز في أخوين ، فيرد عن الصادق أيضاً قوله : « لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبداً ، وانما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تبارك وتعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (١) فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (٢).

فلا يمكن أن يكون زيد إماماّ « لأنه لم يكن منصوصاً عليه » (٣) ويذكر صاحب غاية الاختصار أن الخلاف بين الشيعة الإمامية وأتباع زيد ليس على زيد وإنما على أتباعه الذين ادعوا أنه طلب الإمارة لنفسه (٤). كما ينسب قول إلى يحيى بن زيد أنه قال : « إن أبي لم يكن بإمام ولكن من سادات القوم الكرام وزهادهم كان أبي أعقل من أن يدعي ما ليس له بحق وإنما قال : أدعوكم إلى الرضا من آل محمد ، وعني بذلك عمي جعفراً » (٥).

وقد كانت آراء زيد سبباً في انفصال كثير من الشيعة عنه ، وهنا تأتي لفظة رافضة.

المصادر التاريخية ترى أن هذه التسمية ظهرت في زمن زيد. ويقول ابن حبيب : « وبسبب زيد سميت الرافضة وذلك أنهم بايعوه ثم امتحنوه بعد ، فتولى أبو بكر وعمر فرفضوه » (٦).

أما البلاذري فيرى أن الرافضة ظهرت بعد أن انفصل جماعة عن زيد وقالوا بإمامة أخيه الباقر لأنه كان يتولى أبا بكر وعمر فرفضته الجماعة التي تدين بالولاء للباقر (٧).

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٧٥.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٥.

(٣) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٩٤.

(٤) ابن زهرة الحسني : غاية الاختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار ص ١٣٠.

(٥) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٤٩.

(٦) ابن حبيب : المحبر ص ٤٨٣.

(٧) البلاذري : أنساب الأشراف جـ ٣ الورقة ٢٢ آ.


اليعقوبي يذكر ثورة زيد ولكنه لا يذكر الرافضة (١). إلا أنه يذكر تسمية رافضة في فترة أسبق من هذه الفترة مما يدل على أن استعمال هذه الكلمة قديم فقد ذكر رسالة من معاوية إلى عمرو بن العاص « أما بعد فقد سقط إلينا مروان في رافضة أهل البصرة » (٢).

فاستعمال رافضة هنا على الأرجح لمن أنكر خلافة علي لأن مروان لا يمكن أن يعد من الشيعة ، كما أن أهل البصرة في هذا الوقت عثمانية.

الطبري يذكر أن التسمية ظهرت بعد خروج زيد وتفرق أصحابه وقولهم سبق الإمام « وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي بن علي زيد هو الإمام وكان قد هلك يوئذ وكان ابنه جعفر بن محمد حياً فقالوا : جعفر إمامنا اليوم بعد ابيه وهو أحق بالأمر بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة ، فهم اليوم يزعمون أن الذي سماهم الرافضة المغيرة (٣) حيث فارقوه » (٤).

المسعودي يتكلم عن زيد وثورته ولكنه لا يذكر الرافضة ولا سبب التسمية في هذه الفترة (٥).

ويذكر صاحب العيون والحدائق : « أن زيداً سمى الجماعة التي فارقته الرافضة » (٦).

وأورد مسكوية في تسمية الرافضة نفس ما أورده الطبري وصاحب العيون والحدائق وأن زيداً سماهم الرافضة أو المغيرة حينما فارقوه بالكوفة تركوه حتى قتل (٧).

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٦٦.

(٢) ن. م ج ٢ ص ١٦١.

(٣) المغيرة بن سعيد البجلي يذكر عنه الطبري أنه كان ساحراً فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه : انظر الطبري ج ٧ ص ١٢٩.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ١٨١.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢١٧.

(٦) العيون والحدائق : مؤلف مجهول ص ٩٥ ويورد نفس خبر البلاذري ج ٣ الورقة ٢٢ آ.

(٧) مسكويه : تجارب الأمم الورقة ٥٥ آ.


أما المقريزي فيرى : « إن الروافض هم الغلاة في حب علي بن أبي طالب وبغض أبي بكر وعثمان وعائشة وزمن خروجهم أيام زيد حينما امتنع من لعن أبي بكر وعمر » (١).

والغلاة غير الروافض لأن الروافض كما مر بنا هم القائلون بإمامة علي بعد رسول الله 6 كما بينته المصادر التاريخية.

وترد في كتب الجغرافيين تسمية الرافضة فيرى المقدسي : « إن الروافض عند الشيعة من آخر خلافة علي وعند غيرهم من نفى خلافة العمرين » (٢).

أما ابن رسته فيطلق كلمة رافضة على كل فرق الشيعة وحتى الزيدية منهم (٣).

وقد بحث كتاب الفرق تعبير رافضة ، فيذكر الأشعري القمي « إنما سموا رافضة لأن المغيرة بن سعيد هو الذي سماهم رافضة لما رفضوه ، وكان المغيرة بن سعيد يزعم أن أبا جعفر أوصى إليه فقالت فرقة بإمامته يقال لها المغيرية (٤).

ويذكر النوبختي أنه « لما توفي أبو جعفر الباقر افترق أصحابه فمنهم من قال بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول فبرئت منه الشيعة ورفضوه فزعم أنهم رافضة وهو الذي سماهم بهذا الاسم » (٥).

ويرى الرازي أن تسمية الرافضة قديمة وموجودة في زمن النبي في دعائه على قوم مشركين يسميهم الرافضة ويدعو إلى قتالهم (٦).

__________________

(١) المقريزي : الخطط ج ٢ ص ٣٥١.

(٢) المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص ٣٨.

(٣) ابن رسته : الأعلاق النفيسة ص ٢١٩.

(٤) الأشعري القمي : المقالات والفرق ص ٧٧ وانظر النوبختي ص ٥٤ ، الرازي الزينة الورقة ٢١٥.

(٥) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٤.

(٦) الرازي : الزينة الورقة ٢١٦.


ثم يقول الرازي : « إن طائفة من الشيعة كانت مجتمعة على أمر واحد قبل ظهور زيد ، فانحازت طائفة إلى جعفر بن محمد وقالوا بإمامته فسماهم أصحاب زيد الرافضة لرفضهم زيداً » (١).

فالرازي هنا يرى أن أصحاب زيد هم الذين أطلقوا التسمية على من خرج عن زيد.

ويقول الأشعري في كلامه عن الشيعة : « الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الرافضة وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر ولكنه لا يذكر تسمية الرافضة في زمن زيد » (٢).

البغدادي يطلق التسمية على كل الشيعة ويدخل الزيدية ضمنهم ، وكذا الاسفراييني وابن حزم والرسعني والحنفي (٣).

أما الشهرستاني فيرى أن ظهور الرافضة زمن زيد ، وكذلك الفخر الرازي (٤).

أما ابن قتيبة فيطلق اللفظة على كل الشيعة ويدخل حتى الزيدية ضمنها (٥).

ويرى ابن عبد ربه أن سبب تسميتهم بالرافضة لرفضهم أبا بكر وعمر ويطلق الرافضة على كل الشيعة (٦).

ويبدو مما مر أن التسمية ظهرت في زمن زيد حينما خرج ثائراً في وقت الإمام أبي عبد الله الصادق وكانت الشيعة التي تدين بإمامته قد تركته

__________________

(١) الرازي : الزينة الورقة ٢١٥.

(٢) الأشعري : مقالات الإسلامين ص ١٦ ، ٧٥.

(٣) البغدادي : الفرق بين الفرق ص ٢٢ ، الإسفراييني : التبصير في الدين ص ٣٢ ، ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ج ١ ص ٨٠ ، الرسعني : مختصر الفرق بين ص ٣٠ ، الحنفي : الفرق المفترقة ص ٣٠.

(٤) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٥١ الفخر الرازي : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٢.

(٥) ابن قتيبة : المعارف ص ٦٢٣.

(٦) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٢ ص ٤٠٤.


لأنه خرج على إمامة من هو أولى بالإمامة منه لكونه منصوصاً عليه من قبل أبيه الباقر ، كما أن زيداً تولى عمر وأبو بكر فتركته الشيعة فسماهم رافضة.

أما إطلاق كلمة رافضة على كل الشيعة فلا يصح ولكن يبدو أن التسمية جاءت متأخرة.

فقلب الرافضة إذن يعني به الشيعة التي دانت بإمامة علي والحسن والحسين وأبناء الحسين أي على الشيعة الإمامية كما سموا فيما بعد.

ويظهر أن لقب الرافضة غير مستحب عند من لقب به فيقول المقدسي في كلامه عن الشيعة ... « ولقبهم المذموم الرافضة » (١).

أو أن غير الشيعة كانوا يحاولون الحط من شأنهم بتلقيبهم به ، فلذلك تنفي الشيعة صفة الذم عن هذا اللقب ، فيذكر البرقي عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر « جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا قال : وما هو؟ قال : الرافضة فقال أبو جعفر : ان سبعين رجلاً من عسكر فرعون رفضوا فرعون فأتوا موسى فلم يكن في قوم موسى الرافضة فأوحى الله إلى موسى أن ثبت لهم هذا الاسم في التوارة فإني قد نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله » (٢).

ويورد أيضاً رواية عن عيينة عن أبي عبد الله قال : « والله نعم الاسم الذي منحكم الله ما دمتم تأخذون بقولنا ولا تكذبون علينا ، قال : وقال لي أبو عبد الله هذا القول اني كنت أخبرته أن رجلاً قال لي : إياك أن تكون رافضياً » (٣).

ويعلل ابن رستم الطبري سبب هذه التسمية « إنهم إنما قيل لهم رافضة لأنهم رفضوا الباطل وتمسكوا بالحق » (٤).

وذكر أيضاً أن عمار الدهني شهد شهادة عند أبي ليلى القاضي فقال

__________________

(١) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٢٤.

(٢) البرقي : المحاسن ص ١١٩.

(٣) ن. م ص ١١٩.

(٤) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ٢٥٥ ، الرازي : الزينة الورقة ٢١٦.


له : قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنك رافضي ، فقام عمار يبكي فقال ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث ، إن كان يسوؤك أن نقول لك رافضي فتبرأ من الرفض وأنت من إخواننا ، فقال له عمار : ما هذا والله إلى حيث ذهبت. ولكني بكيت عليك وعلي. أما بكائي على نفسي فنسبتي إلى رتبه شريفة لست من أهلها » (١).

وهكذا فالنسبة اختصت بالشيعة الإمامية فحاولت الشيعة تفسير هذا اللقب بما هو في صالحهم.

وقد ظهرت الزيدية كخط جديد من خطوط الحركة الشيعية وتبنى مبادئها فيما بعد أبناء الحسن والتزموا الثورة والخروج على السلطان. وقد انقسمت الزيدية إلى عدة فرق واختلفت حول الإمامة (٢).

ولما توفي أبو جعفر الباقر ظهر الخلاف بين جماعته وظهرت فرق لا يمكن عدها من فرق الشيعة كما سنرى في بحث الإمامة ، واعتقدت شيعة بإمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (٣).

فكان مجي ء الصادق في هذه الفترة فترة النشاط الفكري وظهور الاختلافات بين شيعته فقام بأعظم دور في تطوير الحركة الشيعية كما سنرى ذلك فيما بعد.

__________________

(١) الأشتري : تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ج ٢ ص ١٠٦.

(٢) انظر كتب الفرق ، النوبختي : فرق الشيعة ص ١٩ ، ٥٠ ، الأشعري القمي : المقالات والفرق ص ٥٠ ، ٧١ ، أبو الحسن الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ٦٥ ـ ٧٥ البغدادي : الفرق بين الفرق ص ٢٢ ، ٢٣ الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٤٢٩.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٨٤.


الفصل الثالث

الإمامة

١ ـ الإمامة بنظر الشيعة

أ ـ إمامة علي بن أبي طالب

ب ـ إمامة الحسن بن علي

جـ ـ إمامة الحسين بن علي

د ـ إمامة علي بن الحسين ( زين العابدين )

هـ ـ إمامة محمد بن علي بن الحسين ( الباقر )

٢ ـ الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة



وقد اعتمدت في هذا الجدول على المصادر الآتية :

١ ـ سعد القمي ( ت ٣٠١ هـ ) = المقالات والفرق

٢ ـ النوبختي ( ت ٣١٠ هـ ) = فرق الشيعة

٣ ـ الكليني ( ت ٣٢٨ هـ ) = الكافي

٤ ـ البخاري ( كان حياً سنة ٣٢١ هـ ) = سر السلسلة العلوية

٥ ـ ابن رستم الطبري ( من علماء القرن الرابع ) = دلائل الإمامة

٦ ـ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) = الإرشاد

٧ ـ شمس الدين بن طولون ( ت ٩٥٣ هـ ) = الأئمة الاثني عشر

وقد ذكر في هذا الجدول الأسماء المشهورة والتي تكرر ذكرها في الرسالة.


(١) الإمامة بنظر الشيعة :

أ ـ إمامة علي بن أبي طالب.

ترى الشيعة أن علي بن أبي طالب هو الإمام بعد وفاة رسول الله 6 وتذهب إلى « أن النبي نص على علي بن أبي طالب بالإمامة ودل على وجوب فرض طاعته ولزومها لكل مكلف » (١).

ويناقش المرتضى مفهوم النص ويقول : وينقسم النص عندنا في الأصل إلى قسمين ، أحدهما يرجع إلى الفعل ويدخل فيه القول والآخر إلى القول دون الفعل ، ويقسم النص بالقول دون الفعل إلى نص جلي ونص خفي ، فالنص الجلي ما علم سامعوه من الرسول مراده منه ، أو هو النص الذي في ظاهره ولفظه التصريح بالإمامة والخلافة ، والنص الخفي لا نقطع على أن سامعيه من الرسول 6 علموا النص بالإمامة منه اظطراراً ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالاً من حيث اعتبار دلالة اللفظ (٢).

ويقسم المرتضى النص بالقول إلى قسمين « فقسم منه تفرد بنقله الشيعة الإمامية خاصة ، وإن كان بعض من لم يفطن بما عليه فيه من أصحاب الحديث قد روى شيئاً منه وهو النص الموسوم بالجلي ، والقسم الآخر رواه الشيعي والناصبي وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلافها ، وإن كانوا قد اختلفوا في تأويله وهذا النص الخفي » (٣).

__________________

(١) الشريف المرتضى (ت ٤٣٦ هـ ) : الشافي في الإمامة ص ٨٥.

(٢) ن. م ص ٨٥.

(٣) ن. م ص ٨٥ والناصبي هنا يقصد به غير الشيعي كما يرد في المصادر الإمامية.


ويرى ابن المطهر أن الأدلة الدالة على إمامة علي بن أبي طالب كثيرة لا تحصى ، وقد قسمها إلى أدلة عقيلة ، وأدلة مأخوذة من القرآن ، وأخرى مستنده إلى السنة المنقولة عن النبي 6 ، ثم الأدلة المستنبطة من أحوال علي بن أبي طالب والدالة على إمامته (١).

ولفهم فكرة الإمامة عند الشيعة وتطورها نرى من الأفضل الرجوع إلى عصر النبي وبداية الدعوة لنتابع الأخبار الدالة على الإمامة.

ترجع الشيعة فكرة الإمامة إلى بداية الدعوة المحمدية فيشيرون إلى الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) (٢) ويرون أنها من النصوص الدالة على إمامة علي بن أبي طالب فقد ذكر فرات عن علي بن أبي طالب قال : « لما نزلت هذه الآية دعاني رسول الله 6 فقال لي : يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمتّ عليه حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد ، إنك الا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رحل شاة واملاً لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاهم إلى الطعام ... فلما أراد رسول الله 6 أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله 6 فقال : الغد يا علي. فجمعهم ثانية فقال : يا بني عبد المطلب اني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فاحجم القوم عنها جمعياً وقلت : إني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً أنا يا بني الله أكون

__________________

(١) ابن المطهر الحلي ( ت ٧٢٦ هـ ) : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، طبع ضمن كتاب منهاج السنة النبوية لا بن تيميه في مقدم الكتاب.

(٢) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.


وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا. قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع » (١).

فقول الرسول 6 « أخي ووصيي » اتخذته الشيعة دليلاً على إمامة علي بن أبي طالب.

وقد ذكر ذلك علي بن إبراهيم القمي في تفسيره قال : قال رسول الله 6 : « أيكم يكون وصيي ووزيري وينجز عداتي ويقضي ديني فقام علي 7 وكان أصغرهم سناً وأحمشهم ساقاً وأقلهم مالاً فقال : أنا يا رسول فقال له رسول الله 6 : أنت هو » (٢).

وأورد الخبر أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي في ذكر ولاية علي بن أبي طالب وجعل الآية من الآيات الدالة على ولايته (٣).

ويقصد بالولاية الإمامة. كما أورده الصدوق وقال إن هذا الخبر هو العلة التي ورث علي بن أبي طالب بها رسول الله 6 دون غيره (٤).

فوراثة النبي هنا المقصود بها الإمامة.

ويذكر ابن رستم الطبري أن علياً والعباس تنازعا في تركة رسول الله 6 فروى عن أبي رافع « أنه كان عند أبي بكر إذ جاء علي والعباس فقال العباس : أنا عم رسول الله ووارثه وقد حال علي بيني وبين تركته فقال أبو بكر : فاين كنت يا عباس حين جمع النبي 6 بني عبد المطلب وأنت أحدهم فقال : أيكم يؤازرني ويكون وصيي وخليفتي في أهلي وينجز عدتي ويقضي ديني فقال له العباس : بمجلسك قد تقدمته وتأمرت عليه.

__________________

(١) فرات بن إبراهيم ( ت ٣٠٠ هـ ) : تفسير فرات ص ١١٢ ، وقد ذكر الطبري نفس ما أورده فرات في تفسيره مع فرق بسيط فبدل كلمة لشد ما ( لهد ما ) انظر التفسير ج ١٩ ص ١٢٢ ، التاريخ ج ٢ ص ٣١٩ ـ ٣٢١

(٢) علي بن إبراهيم القمي ( ٣٢٤ هـ ) : تفسير القمي ص ٢٨٦.

(٣) أبو حنيفة محمد بن النعمان المغربي ( ت ٣٦٤ هـ ) : دعائم الإسلام ج ١ ص ١٥ وانظر له أيضاً كتاب أساس التأويل ص ٣٣١.

(٤) الصدوق ( ت ٣٨١ هـ ) : علل الشرائع ج ١ ص ١٦٩.


ثم يقال إنهما ذهبا إلى عمر أيضاً ، فقال عمر : أخرجوهما عني قد فهمت يا بني عبد المطلب ، وإنما تنازعا عنده ليعرف القاعد ذلك المعقد لا حق له في ذلك المجلس وأنه لهما ولم يرض به أحد حكماً بل ليقف على ظلمه ... وعلي والعباس إنما تظلما إلى أبي بكر ليعرف ظلمهما لا أن بينهما اختلافاً والمد الله » (١).

ويؤكد الشيخ المفيد أهمية هذا الحديث ويرى أن مؤازرة علي للبني في تلك الفترة من المناقب الجليلة التي انفرد بها علي بن أبي طالب ومن الأمور الدالة على إمامته. ويقول في هذا الحديث : « وفي الخبر ما يفيد أن به 7 تمكن النبي 6 من تبليغ الرسالة وإظهار الدعوة والصدع بالإسلام ولولاه لم تثبت الملة ولا استقرت الشريعة ولا ظهرت الدعوة فهو 7 ناصر الإسلام ووزير الداعي إليه من قبل الله عزَّوجلّ وبضمانة لنبي الهدى 6 تم له في النبوة ما أراد وفي ذلك من الفضل ما لا يوازنه الجبال فضلاً ولا تعادله الفضائل كلها محلاً وقدراً » (٢).

وذكر هذا الخبر المرتضى وجعله من النصوص الجلية في إمامة علي ابن أبي طالب وأكد صحة هذا الخبر وتواتره (٣).

وكذلك جعله الطبرسي من النصوص الجلية وأورد من رواة (٤). كما رواه أيضاً ابن المطهر وعده من أدلة الإمامة المستندة إلى السنة النبوية (٤).

ثم عندما انتشر أمر الدعوة ولقي الرسول شدة من قريش استقر رأيه على الهجرة من مكة إلى المدينة تاركاً علي بن أبي طالب مكانه وأمره أن يتخلف بمكة حتى يؤدي عن رسول الله 6 الودائع التي كانت عنده

__________________

(١) ابن رستم الطبري ( ت ٤٠٠ هـ ) : المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص ١٧١.

(٢) الشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ) : الإرشاد ص ١١ ، ٣٠.

(٣) المرتضى : الشافي في الإمامة ص ٨٥ ، ٨٨.

(٤) الطبرسي ( ت ٥٤٨ هـ ) : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ١٦٧.

(٥) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٦٧ ، وقد ذكر هذا الحديث أيضاً بن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) : الطرف ص ٧ سعد السعود ص ١٠٥ ، ابن المطهر : كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين ص ٩١ الجزائري : المبسوط ص ٢٨ ، جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص ٣٩.


للناس (١).

وقد اعتبرت الشيعة مبيت علي على فراش الرسول 6 فضيلة لعلي ودليلاً على شجاعته وهي من الأمور المؤهلة علياً للإمامة أو الخلافة. فيذكر فرات الآية : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) (٢). ويقول إنهما نزلت في علي بن أبي طالب حين بات على فراش الرسول 6 (٣).

ويقول ابن رستم الطبري : « استخلف الرسول علياً ثلاث وهلات مرة على حرم الله حجة للناس حتى ظهر وهو بالمدينة ومرة على فراشه حجة للخلق حين توارى بأبي بكر في الغار ومرة ثالثة في غزوة تبوك » (٤).

ويذكر المفيد أهمية هذا ويقول : « ولم يجد رسول الله 6 في قومه وأهله من يأتمنه على ما كان مؤتمناً عليه سوى أمير المؤمنين 7 فاستخلفه في رد الودائع إلى أربابها وقضاء ما كان عليه من دين لمستحقيه ... ولم ير أن أحداً يقوم مقامه في ذلك من الناس كافة فوثق بأمانته .. » (٥).

ويقول ابن المطهر « ووقاه بنفسه لما بات على فراشه مستتراً بإزاره » ويجعل هذه من فضائل علي التي أهلته للإمامة (٦).

وقد اتخذت الشيعة من خبر المؤاخاة دليلاً آخر على إمامة علي بن

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٢ ص ٣٨٧.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٣) فرات الكوفي : تفسير فرات ص ٥. وانظر ابن الأثير : أسد الغابة ج ٤ ص ١٨.

(٤) ابن رستم الطبري : المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب ص ١١٠.

(٥) الشيخ المفيد : الإرشاد ص ٣١.

(٦) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٨٢ كما ورد هذا الخبر عند عدد من كتاب الإمامية المتأخرين انظر الحائري : شجرة طوبي ص ٣٥ ، جعفر نقدى : الأنوار العلوية والأسرار المرتضويه ص ٤١ ، الحر العاملي : إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات ج ٣ ص ٣٤٩ ، المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٣٢ وقد سار المظفر على طريقة ابن المطهر في كلامه على إمامة علي فقد قسمها إلى أدلة مستندة إلى القرآن وأخرى إلى السنة النبوية ثم إلى فضائله البدنية والنفسية.


أبي طالب فقد ذكر سليم بن قيس عن علي بن أبي طالب أنه ناشد الناس فشهدوا له قال : « فانشدكم الله أتقرّون أن رسول الله 6آخى بين كل رجلين من أصحابه وأخى بيني وبين نفسه وقال أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة » (١).

ويرى الشريف المرتضى أن المؤاخاة من أقوال وأفعال النبي المبينة لأمير المؤمنين من جمع الأمة الدالة على استحقاقه من التعظيم والإجلال والاختاص بما لم يكن حاصلاً لغيره. وهي من جملة النصوص الدالة على الإمامة (٢).

ويقول ابن المطهر وبعد أن آخى رسول الله 6 بينه وبين علي تلا قوله تعالى : ( إخواناً على سرر متقابلين ) (٣) والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة ، فلما اختص علي بمؤاخاة رسول الله 6 كان هو الإمام (٤) ويرى أيضاً أن المؤاخاة تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام (٥).

ومن أدلة إمامة علي عند الشيعة أيضاً زواجه بفاطمة الزهراء بنت الرسول ، فقد ذكر سليم أن رسول الله قال لفاطمة : « إن الله اختارني فجعلني ثم اختار بعلك وأمرني أن أزوجك إياه وأن اتخذه أخاً ووزيراً ووصياً وأن أجعله خليفتي في أمتي » (٦).

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠١ كما ذكره علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ص ٢٨٢.

(٢) المرتضى : الشافي في الإمامة ص ٨٥.

(٣) سورة الحجر ١٥ : ٤٧.

(٤) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٦٦.

(٥) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٦٩، ولم يقتصر ذكر خبر المؤاخاة على المصادر الإمامية فقط وإنما رواه غير الإمامية فقد ذكر القاضي عبد الجبار المعتزلي في المغني فذكر أن الإمامية استدلت بهذا الحديث على إمامة علي ج ٢٠ القسم الأول ص ١٨٥ كما ورد ذكره عند الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٢ ص ٣١٠ ، البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٢٧٠ ، ابن الصباغ المالكي : الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص ٢٠ ، كما ورد ذكر عنده المصادر الإمامية المتأخرة انظر جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص ٢٤١ محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٦٧ ، عبد المهدي المظفر : إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ص ٣٥ ، وابن عبد البر : الاستيعاب ج ٣ ص ١٠٩٨.

(٦) سليم : السقيفة ص ٦٢.


واعتبر المرتضى زواج علي من فاطمة ، من الأمور التي اختص بها علي دون غيره وأنه من أدلة الإمامة (١).

ويقول ابن المطهر في تفسير قوله تعالى : ( وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً ) (٢). ويأخذ في هذا عن الثعلبي في تفسيره قال : نزلت في النبي 6 وعلي بن أبي طالب إذ زوج فاطمة علياً ولم يثبت لغيره ذلك فكان أفضل ، فكان هو الإمام (٣).

ثم تدلل الشيعة على إمامة علي بن أبي طالب بشجاعته ومشاركته الرسول في جميع غزواته وبلائه فيها البلاء الحسن ، وأخبار شجاعة علي مشهورة ومجمع عليها من قبل الشيعة وغير الشيعة فكتب المناقب وكتب الحديث مليئة بهذه الأخبار.

يروي عن وقعة أحد أن المسلمين تفرقوا وتركوا الرسول الرسول ولم يبق معه إلا علي يذود عنه ، وقتل عدداً من مشركي قريش « فقال جبريل : يارسول الله إن هذه للمواساة ، فقال رسول الله 6. إنه مني وأنا منه ، فقال :جبريل وأنا منكما ، قال فسمعوا صوتاً :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولافتى إلا علـي (٤)


ويورد فرات هذا الخبر ويقول إن رسول الله قال : « يا أيها الناس إنكم رغبتم بأنفسكم عني ووازرني علي وواساني فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني...قال حذيفة : ليس ينبغي لأحد يعقل ويشك فيمن لا يشرك باالله أنه أفضل ممن أشرك به ومن لم ينهزم عن رسول اله 6 أفضل ممن انهزم وأن السابق غلا الإيمان بالله ورسوله أفضل وهو علي بن أبي طالب » (٥).

__________________

(١) المرتضى : الشافي ص ٨٥.

(٢) سورة الفرقان ٢٥ : ٥٤.

(٣) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٦٤.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٢ ص ٥١٤.

(٥) فرات : تفسير فرات ص ٢٦.


وحينما شاع بين المسلمين في وقعة أحد مقتل النبي 6 ونزلت الآية : ( أفان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (١) ، قال فرات : كان علي يقول في حياة النبي : والله لا نقلب على أعقابنا بعد أن هدانا الله والله لئن مات محمد أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه ومن أولى به مني وأنا أخوه ووراثه وابن عمه (٢). فقول علي « أخوه ووراثه » استدلت به الشيعة على إمامته.

ويجعل ابن المطهر مواساة علي للنبي من ضمن الأدلة على إمامته (٣).

ومن أدلة إمامة علي عند الشيعة مشاركته في وقعة الأحزاب وقتله عمرو بن عبد ود العامري ، وهذا الخبر مشهور عند المؤرخين وقد حفلت كتب المناقب أيضاً بأخبار هذه الوقعة (٤).

فقد ذكر علي بن إبراهيم القمي أن الآية ( وكفى الله المؤمنين القتال ) (٥) نزلت في هذه الموقعة ويفسرها أنه كفاهم القتال بعلي بن أبي طالب (٦).

ويقول المفيد : « وهكذا كان الفتح له وعلى يديه وكان قتلة عَمْراً ونوفل بن عبد الله سبب هزيمة المشركين » (٧).

وتتخذ الشيعة من تفضيل النبي 6 علياً وإعطائه الراية يوم خيبر دليلاً آخر على إمامته. وقد أعطى رسول الله 6 راية المسلمين في خيبر إلى علي بن أبي طالب في خبر مشهور قال رسول الله 6 : « لأدفعن

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ١٤٤.

(٢) فرات : تفسير فرات ص ٢٧ ، كما ذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره نفس هذه الرواية ، انظر تفسير القمي ص ٤٢ ـ ٤٣. كما أورد الشيخ المفيد خبر أحد وقتال علي للمشركين ودفاعه عن الرسول ومواساته له. انظر الشيخ المفيد : الإرشاد ص ٤٦ ـ ٤٧.

(٣) ابن المطهر ، منهاج الكرامة ص ١٨٢.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٣٤٥.

(٥) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٥.

(٦) القمي : تفسير القمي ص ٣٠٣.

(٧) المفيد : الإرشاد ص ٥٦.


الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله ليس بجبان ولا قرار يفتحها الله على يديه » (١).

وورد خبر الراية في تفسير فرات عن ابن عباس ، أنه جعل هذه الصفة ضمن عشر خصال لعلي بن أبي طالب لم تكن لغيره (٢).

ومما يؤيد أهمية هذا الخبر عند الشيعة أن علياً احتج به في بيان حقه بالخلافة (٣). كما عدها الشيخ الصدوق من الخصال الثلاث والأربعين التي احتج بها علي بن أبي طالب على أبي بكر في حقه بالخلافة (٤).

واستدل ابن رستم الطبري بهذا الخبر على إمامة علي قال : « فبعثه مؤيداً وشهد له بإخلاص الله له لصدقه في العزيمة...وهدم الله به حصنهم وأفاء على المسلمين غنيمتهم ، فليس لأحد أن يشهد على غيب أحد بأن الله ورسوله يحبانه ولا أنه يحب الله ورسوله إلا لعلي 7 وهذا أمر عجيب لمن فهمه حتى قال عمر بن الخطاب : فما أحببت الإمارة إلا يومئذ » (٥).

ويقول المفيد : أما الأقوال الدالة على الإمامة فهي كثيرة ومنها خبر الراية « فأعطاها من بين أمته جمعياً علياً ثم بين له من الفضيلة بما بان به من الكافة » (٦).

ومن أدلة الإمامة عند الشيعة إرسال علياً بسورة براءة ، عن ابن عباس : أن النبي 6 بعث بسورة براءة مع أبي بكر ثم بعث علياً ليأخذها منه فجاء أبو بكر فقال : يا رسول الله هل نزل في شيء قال : لا يؤدي عني

__________________

(١) سليم : السقيفة ص ١٠٢ ، اليعقوبي ج ٢ ص ٤٢ ، الطبري ج ٣ ص ١٢.

(٢) فرات : تفسير فرات ص ١٦٠.

(٣) سليم : السقيفة ص ١٠٢ ـ ١٠٥.

(٤) الصدوق : الخصال ج ٢ ص ١٢٥.

(٥) ابن رستم الطبري : المسترشد ص ٥٤.

(٦) المفيد : الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب ص ٧. انظر ابن الأثير : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٦. وانظر ابن حجر : الإصابة ج ٢ ص ٥٠٢.


غيري أو رجل من أهل بيتي (١).

ويعلل ابن كثير سبب إرسال علياً بسورة براءة ويقول : « والمقصود أن رسول الله 6 بعث علياً ليكون معه ويتولى علي بنفسه ابلاغ البراءة إلى المشركين نيابة عن رسول الله لكونه ابن عمه ومن عصبته » (٢).

ويقول سليم بن قيس ، كان هذا الحديث من جملة ما احتج به علي في حقه بالخلافة وشهد له الناس بذلك (٣).

ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي قصة إرسال علي بسورة براءة ويجعلها ضمن فضائل علي والتي هي من أدلة إمامته (٤).

كما ذكره الصدوق عن ابن عمر وأضاف أن ابن عمر شهد لعلي بهذه الفضلية (٥).

ويقول المفيد في هذا الحديث : « فأحب الله أن يجعل ذلك في يد من ينوه باسمه ويعلي ذكره وينبه على فضله ويدل على علو قدره وينبه به عمن سواه وكان ذلك أمير المؤمنين 7 ولم يكن لأحد من القوم فضل يقارب الفضل الذي وصفناه » (٦).

وذكر ابن المطهر هذا الخبر وجعله من دلائل الإمامة (٧).

ومن الأمور التي اتخذتها الشيعة دليلاً في إثبات إمامة علي بن أبي طالب قصة المباهلة ، وقد أعطت المصادر الشيعية أهمية كبيرة لقضية

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٢٨٣ ، اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٦١ ، الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ١٢٢ وسورة براءة قوله تعالى : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ) سورة التوبة ٩ : ١.

(٣) ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ج ٢ ص ٣٧.

(٤) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠٢.

(٥) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج ١ ص ١٨.

(٦) الصدوق : علل الشرائع ج ١ ص ١٨٩

(٧) المفيد : الإرشاد ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٨) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٢٣ ـ ١٢٤ وانظر أيضاً الفضل بن شاذان إيضاح دفائن النواصب ص ٢٠.


المباهلة لبيان فضل علي واتصاله بالنبي 6 واستحقاقه الإمامة لكونه في المباهلة أصبح كنفس رسول الله 6.

فيروي اليعقوبي قصة المباهلة وقدوم وفد نجران على النبي 6 مع رئيسهم أبو حارثة فدارسوه وساءلوه ونزل فيهم ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (١). فلما أصبحوا قدم رسول الله ومعه فاطمة وعلي والحسن والحسين فسأل أبو حارثه عنهم فقيل له هذا ابن عمه وهذه ابنته وهذان ابناها فرفضوا المباهلة (٢).

وقد فسر فرات الآية ( قل تعالوا ندع ... ) قال : عن أبي جعفر في قول الله تعالى : أبناءنا وأبناءكم يعني الحسن والحسين وأنفسنا وأنفسكم يعني رسول الله 6 وعلياً ونساءنا يعني فاطمة الزهراء (٣).

وممن روى قصة المباهلة أبو حنيفة النعمان المغربي وعدها من الأدلة الدالة على إمامة علي بن أبي طالب فيذكر ، أن قوماً سألوا علياً عن أفضل مناقبه فقال : « أفضل مناقبي ما لم يكن لي فيه صنع ثم ذكر لهم خروج رسول الله 6 للمباهلة معه وزوجته وابنيه » (٤).

ويبين ابن رستم الطبري أهمية المباهلة في دلالتها على إمامة علي ويقول : « والدليل على أن علياً 7 هو المخصوص بالإمامة والخلافة والوصية وأنه كان أرضاً لها وسماءاً إذ كان نفس رسول الله 6 إذ أن القوم ساروا إلى رسول الله ليحاجوه في المسيح أنزل الله ( قل تعالوا ... ) دعا أهل بيته وكان علي نفس رسول الله وكان هاشمي الوالدين أشبه الناس برسول الله » (٥).

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٦٦ وقد ذكر ذلك أيضاً ابن الأثير : الكامل ج ٢ ص ٢٠٠ ابن كثير : البداية والنهاية ج ٥ ص ٥٤.

(٣) فرات : تفسير فرات ص ١٤ وانظر علي بن إبراهيم القمي : التفسير ص ١١٤.

(٤) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج ١ ص ١٧.

(٥) ابن رستم الطبري : المسترشد ص ١٧٣.


وقد ذكر الشريف الرضي خبر المباهلة وفسر الآية كما فسرها فرات ، وأكد أن دعاء الأنفس مقصوراً إلى أمير المؤمنين علي إذ لا أحد في الجماعة يجوز أن يكون ذلك متوجهاً إليه غيره لأن دعاء الإنسان نفسه لا يصح ، كما لا يصح أن يأمر نفسه (١).

ويقول المفيد في المباهلة « إن الله تعالى حكم لأمير المؤمنين بأنه نفس رسول الله كاشفاً بذلك بلوغه نهاية الفضل ومساواته للنبي في الكمال والعصمة من الآثام وأن الله تعالى جعله وزوجته وولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه وبرهاناً على دينه ونص على الحكم بأن الحسن والحسين أبناؤه وأن فاطمة نساؤه المتوجه إليه الذكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأمة ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه » (٢).

ويؤكد الشريف المرتضى أهمية المباهلة في الدلالة على إمامة علي وينفي كلام من يحاول دفع علي عن المباهلة أو دخوله المباهلة لا لسبب إلا للنسب ، فيقول : « لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين واقتضائها تقدمه على غيره لأن النبي لا يجوز أن يدعوا إلى ذلك المقام ليكون حجة في إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة ، وقد تظاهرات الرواية بحديث المباهلة ... ونحن نعلم أن قوله أنفسنا وأنفسكم لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه إلى النبي 6 لأنه هو الداعي ولا يجوز ان يدعو الإنسان نفسه وإنما يصح أن يدعو غيره كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها ... » (٣).

وأبان ابن طاووس أهمية المباهلة فقال مخاطباً ابنه « وكفى سلفك الطاهرين حجة على المخالفين وحجة للموافقين التابعين عليهم يوم

__________________

(١) الشريف الرضي : حقائق التأويل في متشابه التنزيل ص ١١٠.

(٢) المفيد : الإرشاد ص ٩٠.

(٣) المرتضى : الشافعي ص ١٣٠ وقد ذكر ذلك رداً على القاضي عبد الجبار ( ت ٤٢١ هـ ) الذي رد على الشيعة الإمامية اعتقادها بآية المباهلة وكونها من دلائل إمامة علي. انظر المغني : ج ٢٠ القسم الأول ص ١٤٢ ، وانظر الطوسي. الأمالي ج ١ ص ٣١٣.


المباهلة مباهلة المسلمين والكافرين وكان ذلك اليوم من أعظم الأيام عند جدك محمد 6 وكشف الحجة للسامعين ولمن يبلغهم إلى يوم الدين » (١).

ويرى ابن المطهر أن هذه الآية ( قل تعالوا ... ) أدل دليل على ثبوت الإمامة لعلي لأنه قد جعله نفس رسول الله 6 والاتحاد محال ، فيبقى المراد المساوي له وله 6 الولاية العامة فكذا لمساويه» (٢).

ويقول أيضاً : « ولا شك أن رسول الله 6 أفضل الناس فمساويه كذلك » (٣).

ومما يؤكد أهمية المباهلة أن علياً احتج بها لبيان حقه بالخلافة ، فقد ذكر سليم بن قيس أن علياً قال : « أفتقرون أن رسول الله 6 حين دعا أهل نجران إلى المباهلة أنه لم يأت إلا بي وبصاحبتي وابني قالوا : اللهم نعم » (٤).

ومن الأمور التي اتخذتها الشيعة دليلاً على إمامة علي قول رسول الله 6 له حين خلفه على أهله في غزوة تبوك : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، ولم يقل ذلك لأحد من أهل بيته ولا لأحد من أمته غيره » (٥).

وقد روى حديث المنزلة عدد كبير من المؤرخين ولم تقتصر روايته

__________________

(١) ابن طاووس ( ت ٦٦٤ هـ ) : كشف المحجة لثمرة المهجة وانظر أيضاً ابن طاووس : سعد السعود ص ٩١.

(٢) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٥٤.

(٣) ابن المطهر : كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص ٢١٦.

(٤) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠٢ وعن المباهلة انظر الأردبيلي : باب النجاة ص ٣٩ ، العاملي : المجالس السنية ج ٢ ص ١٣٢ ، المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٤٩ ، وانظر ابن حجر : الإصابة ج ٢ ص ٥٠٣ ، ابن الجوزي ، تذكرة الخواص ص ٥ ، القرشي : مطالب السئول في مناقب آل الرسول ج ١ ص ٤٥ ، ثم كتاب « المباهلة » لعبد الله السبتي ، بغداد ١٩٤٧.

(٥) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠٥.


على المصادر الشيعية فقط ، فقد ذكر البلاذري قال : « خرج رسول الله إلى تبوك وخلف علياً فقال : يا رسول الله خرجت وخلفتني فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » (١).

وتؤكد الشيعة هذا الحديث وترى أن به دل النبي على إمامة علي وتثبت هذا بقول علي في بيان معنى قول رسول الله 6 « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... » ، قال : « أفلستم تعلمون أن الخلافة غير النبوة ، ولو كان مع النبوة غيرها لاستثناه رسول الله 6 » (٢).

ويرى سعد القمي أيضاً أن هذا الحديث دليل على إمامة علي قال : « إن النبي أعلمهم أن منزلة منه منزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعده وإذ جعله نظير نفسه في حياته وأنه أولى بهم بعده كما كان هو أولى بهم منهم بأنفسهم إذ جعله في المباهلة كنفسة » (٣).

ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي حديث المنزلة ويبين دلالته على الإمامة قال : « ولا يقتضي قول رسول الله 6 لعلي 7 « أنت مني بمنزلة هارون بن موسى» إلا أنه خليفته في أمته كما قال موسى لهارون أخلفني في قومي »(٤).

ويؤكد الصدوق دلالة هذا الحديث على الإمامة ويقول : سأل جابر بن عبد الله الأنصاري عن معنى قول النبي 6 لعلي : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ... » قال : « استخلفه بذلك والله على أمته في حياته وبعد وفاته وفرض عليهم طاعته فمن لم يشهد له بعد هذا القول بالخلافة فهو من الظالمين ».

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ ، وانظر الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ١٠٣ المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٧ ، المقدسي : البدء والتاريخ ج ٤ ص ٢٣٩ ، ابن عساكر التاريخ ج ١ ص ١٠٧.

(٢) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠٤.

(٣) سعد القمي ( ت ٣٠١ هـ ) : المقالات والفرق ص ١٦ ، ويذكر ابن عبد ربه « إنه بهذا الحديث سمت الشيعة علي بن أبي طالب الوصي وتأولوا فيه إنه استخلفه على أمته إذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى لأن هارون كان خليفة موسى في قومه إذا غاب » العقد الفريد ج ٤ ص ٣١١.

(٤) النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٠.


ويذكر هذا الحديث أيضاً ضمن الخصال التي احتج بها علي يوم الشورى في بيان حقه بالخلافة (١).

ويفسر ابن رستم الطبري هذا الحديث وكل الوجوه التي تحتمله ويذكر أن النبي جعل منزلة علي منه منزلة هارون من موسى واستثنى النبوة ، وأوجب كل ما كان لهارون من موسى ، وأنه بهذا دل على خلافته لأن هارون خليفة موسى لو بقي بعده كما أن هارون كان أحب الناس لموسى فكذلك علي أحب الناس إلى النبي ، وكانت إخوة هارون لموسى أخوة النسب أما أخوة علي لرسول الله 6 فهي اخوة الدين والمشاكلة والمشابهة ، ويقول : « فليت شعري ما الحجة فيه بعد هذه الأشياء اللهم إلا أن يجعلوا كلام الرسول لغوا فلا نعلم أمراً بقي إلا أن يخلفه في أمته بعده » (٣).

ويورد ابن رستم رواية عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص قال : « سمعت النبي 6 يقول لعلي 7 أنت مني بمنزلة هارون من موسى » قال ابن المسيب : فأحببت أن أشافه سعداً بذلك فأتيته فذكرت ما قال عامر عنه قال : نعم سمعته من رسول الله 6 قلت : أنت سمعته فأدخل أصبعيه في أذنيه وقال : سمعته بهاتين وإلا فصمتا » (٣).

ويرى الشيخ المفيد أن حديث المنزلة نص لا خفاء به على إمامة علي : « لأن رسول الله 6 حكم له بالفضل على الجماعة والنصرة والوزارة والخلافة في حياته وبعد وفاته والإمامة له بدلالة أن هذه المنازل كلها كانت لهارون من موسى في حياته وإيجاب جميعها لأمير المؤمنين إلا ما أخرجه الاستثناء منها ظاهراً وأوجبه بلفظة بعد له من بعد وفاته بتقدير ما كان يجب لهارون من موسى لو بقي بعد أخيه فلم يستثنه النبي 6 فبقي لأمير المؤمنين بعموم ما حكم له من المنازل » (٤).

__________________

(١) الصدوق : معاني الأخبار ص ٧٤.

(٢) الصدوق الخصال ج ٢ ص ١٢١.

(٣) ابن رستم الطبري : المسترشد في إمامة علي ص ١٠٩ ـ ١١٠.

(٤) ابن رستم الطبري : ص ١١٢ ـ ١١٥.

(٥) المفيد : الإفصاح في إمامة علي ص ٦ وانظر المفيد : النكت الاعتقادية ص ٥١.


ويذكر المرتضى حديث المنزلة ويفسر معانيه ويبين وجوه القول فيه ويقول : « إن الخبر دال على النص من وجهين ... أحدهما قوله : « أنت مني بمنزلة هارون ... » يقتضي حصول جميع منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين الا ما خصه الاستثناء ( أي النبوة ) وما جرى الاستثناء من العرف وقد علمنا ان منازل هارون من موسى هي الشركة في النبوة وأخوة النسب والفضل والمحبة والاختصاص على جميع قومه والخلافة في حال غيبته على أمته وأنه لو بقي بعده لخلفه فيهم ولم يجز أن يخرج القيام بأمورهم عنه إلى غيره وإذا خرج الاستثناء منزلة النبوة وخص العرف منزلة الأخوة في النسب لأن من المعلوم أنهما 8 لم يكن بينهما أخوة نسب وجب القطع على ثبوت ما عدا هاتين المنزلتين ثبت ما عداها ، وفي جملة أنه لو بقي لخلفه ودبر أمر أمته وقام فيهم مقامه وعلمنا بقاء أمير المؤمنين بعد وفاة الرسول وجبت له الإمامة بعد بلا شبهة » (١).

ومن الأمور التى عدتها الشيعة من فضائل علي ومن دلائل إمامته أن رسول الله 6 أمر بسد الأبواب التى تصل إلى المسجد ما عدا باب علي ، ذكر ذلك سليم بن قيس وإن عليا اشهد الناس على ذلك قال : « اتقرون أن رسول الله 6 اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم بنى عشرة منازل تسعة له وجعل لي عاشرها في وسطها وسد كل باب شارع إلى المسجد غير بابي فتكلم في ذلك من تكلم فقال : ما أنا سددت

__________________

(١) المرتضى : الشافي ص ١٤٨ ، وانظر الطوسي : الأمالي ج ١ ص ٣٤٢ ، ابن المطهر : كشف اليقين ص ٩٩ ، السبوري : النافع يوم الحشر في شرح باب الحادي عشر ص ٧٤ الحر العاملي : إثبات الهداة ج ٣ ص ٣٣٢ ، جعفر نقدي : ذخائر القيامة ص ٣٧ ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٥١ ، عبد المهدي المظفر : إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ص ٢٤ ، علي نقي الاحسائي : كشف المحجة ج ١ ص ١٦٧ ، كما ذكر حديث المنزلة القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة ص ٧٦٦ ، المغني ج ٢ القسم الأول ص ١٥٨ ، وانظر أيضاً الاستيعاب ج ٣ ٩٧ ١٠ والإصابة ج ٢ ص ٥٠١ ، الخوارزمي : المناقب ص ٧٩ ، القرشي : مطالب السئول ج ١ ص ٤٧ ، ابن الجوزي تذكرة الخواص ص ٢٢ ، ابن الصباغ : الفصول المهمة ص ٢١ ، الدهلوي : مختصر التحفة الإثني عشرية ص ٢٦ ، المتقي الهندي : كنز العمال ج ١٢ ص ٢٠٠ ، الشبلنجي : نور الأبصار ص ٧٧.


أبوابكم وفتحت بابه ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه قالوا : اللهم نعم ، قال : افتقرون أن عمر حرص على كوة قدر عينيه يدعها من منزله إلى المسجد فابى عليه ثم قال : ان الله أمرني أن ابني مسجداً طاهراً لا يسكنه غيري وغير أخي وابنيه (١) ، وقد ذكر علي ذلك حينما ذكرت الأنصار وقريش أمجادها وفضلها فاحتج عليهم بانهم إنما نالوا هذا الفضل برسول الله 6 وهو أخو رسول الله واحق الناس به » (٢).

ويذكر الصدوق أن الله أمر النبي 6 بسد الأبواب وترك باب علي فهو متبع لما يوحى إليه من ربه ، ويذكر هذا أيضا في جملة الخصال التي عدها لعلي على أبي بكر (٣).

ويذكر ابن رستم رواية عن ابن عباس قال : حين طعن عمر دخل عليه فكان بينهما حديث فقال : إن رسول الله 6 المخصوص بسكنى المسجد وأن علي أولى الناس به (٤).

ويقول ابن المطهر أن الشيعة لما رأت فضائل علي واتفاق الجمهور على هذه الفضائل جعلوه إماما ويذكر رواية عن عامر بن واثلة قال : « كنت مع علي يوم الشورى فسمعت عليا يقول لهم : لا حتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك ثم قال : انشدكم الله أيها النفر جمعياً هل فيكم أحد وحد الله قبلي؟ ... ثم قال : فانشدكم بالله اتعلمون أنه أمر بسد أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك فقال رسول 6 : ما أنا سددت أبوابكم ولافتحت بابه بل الله ... » (٥) فبهذه الفضائل دللت الشيعة على كون علي أفضل الأصحاب وأنه لذلك الامام.

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠١.

(٢) ن. م ص ١٠١.

(٣) الصدوق : علل الشرائع ج ١ ص ٢٠١ ، الخصال ج ٢ ص ١٢٠.

(٤) ابن رستم : المسترشد ص ٦٨ ـ ٧٠.

(٥) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٢٨ وانظر أيضاً جعفر نقدي : الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية ص ٥٧ ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٢٦٠ ومن المصادر غير الإمامية ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص ٤٦ ، المحب الطبري : ذخائر العقبي ص ٧٦ ، المتقي الهندي : كنز العمال ج ١٢ ص ٢٠٠ ، الحنفي : ينابيع المودة ص ٩٩.


ومن أدلة الامامة عند الشيعة حديث الطائر ، فقد ذكر الصدوق أن رسول الله قال : « اللهم ائتني باحب خلقك إلى يأكل معي هذا الطائر ... » وكان هذا الحديث من الأحاديث التي احتج بها علي لبيان فضله يوم الشورى (١).

واكد ابن رستم هذا الحديث حين ذكر أن عليا احتج على الناس يوم الشورى قال: « فانشدكم الله هل فيكم أحد يوم اتى رسول الله 6 بالطير فقال اللهم إئتني باحب خلقك يأكل معي من هذا الطير غيري قالوا : اللهم لا » (٢).

ويؤكد الشيخ المفيد دلالة هذا الحديث على الإمامة ، فيقول أن رسول الله 6 حين دعا « اللهم ائتني بأحب .... فجاءه أمير المؤمنين فأكل معه وقد ثبت انه أحب الخلق إلى الله تعالى وأفضلهم عنده ، وإذا صح أنه أفضل خلق الله تعالى ثبت إنه كان الإمام » (٣).

وهناك جملة أخرى من الأخبار والأحاديث التي وردت بحق علي عن النبي 6 والتي استدلت بها الشيعة على إمامته.

فقد ذكر أبو حنيفة النعمان المغربي قوله 6 : « علي مني وأنا منه وهو ولي كا مؤمن ومؤمنة بعدي. فدل بذلك أنه امام مفترض الطاعة » (٤).

وذكر الصدوق قول رسول الله 6 : أقضاكم علي ، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، والحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا على الحوض ، وقوله وليك في الجنة وعدوك في النار ، وهذه أيضا من الخصال التي احتج بها علي وهي دليل فضله وإمامته (٥).

__________________

(١) الصدوق : الخصال ج ٢ ص ١١٩.

(٢) ابن رستم : المسترشد ص ٧١.

(٣) المفيد : الإفصاح في إمامة علي ص ٧.

(٤) أبو حنيفة النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٠ وانظر الطوسي : لأمالي ج ١ ص ٣٤٢.

(٥) الصدوق : الخصل ج ٢ ص ١٢٠ ـ ١٢٦.


ومما رواه جابر الجعفي قال : أخبرني وصي الأوصياء قال : قال رسول الله 6 لعائشة : لا تؤذيني في علي إنه أمير المؤمنين وسيد المسلمين ... (١) فوصي الأوصياء يقصد به علي بن أبي طالب.

ومنها قول رسول الله 6 له « أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، وهذا ولي وأنا وليه عاديت من عادى وسالمت من سالم » (٢).

فهذه الأقوال من جملة ما استدلت به الشيعة على إمامة علي بن أبي طالب بعد الرسول.

وترى الشيعة أن هذه الخصال اجتمعت في علي والتي إنفرد بها قد هيأته لمقام رسول الله 6.

قال ابن دأب : « ثم نظر الناس وفتشوا في العرب وكان الناظر في ذلك أهل النظر فلم يجتمع في أحد خصال مجموعة للدين والدنيا إلا بالاضطرار على ما أحبوا وكرهوا إلا في علي بن أبي طال » (٣).

ولعل أهم حديث اعتمدته الشيعة في استدلالها على خلافة أو إمامة علي بن أبي طالب ما قاله النبي لعلي بعد حجة الوداع حين نزل في غدير خم. ولحديث الغدير أهمية تاريخية كبيرة فقد رواه جمهور من المؤرخين وأجمعت المصادر الامامية على روايته وروته مصادر غير إمامية. وتظهر أهمية غدير خم فيما بني عليه من اراء في الإمامة عند الشيعة (٤).

واقدم من ذكر حديث الغدير سليم بن قيس ، قال : « سمعت أبا سعيد الخدري يقول : إن رسول الله 6 دعا الناس بغدير خم فأمر بما

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ١٨٩.

(٢) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٦٩ ـ ١٧٣.

(٣) ذكر ذلك المفيد في الاختاص ص ١٤٤ نقلاً عن كتاب فضائل علي لابن دأب والكتاب غير موجود ، وابن دأب هذا من أهل الحجاز وكان معاصراً لموسى الهادي العباسي ، وكان أكثر أهل عصره أدباً وعلماً ومعرفة بأخبار الناس ، وقد روى عنه صاحب أخبار العباس الورقة ١٢ آ.

(٤) انظر كتاب الغدير : الأميني في ١٢ مجلداً ذكر فيه حديث الغدير وأهميته ومن رواه من الصحابة والمؤرخين وأهميته في الإمامة والأشعار التي قيلت فيه.


كان تحت الشجرة من الشوك فقمّ وكان ذلك اليوم الخميس ثم دعا الناس اليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظرت إلى بياض ابطيه فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، قال ابو سعيد : فلم ينزل حتى نزلت هذه الآية ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ) (١) فقال رسول الله 6 : الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبولاية علي بعدي » (٢).

ولبيان أهمية الغدير يذكر سليم أن علياً احتج به لبيان حقه بالخلافة ، قال في عتابه لطلحة مفسراً قول رسول الله « من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه ، فكيف أكون أولى بهم من أنفسهم وهم امراء علي وحكام » (٣).

وممن روى حديث الغدير من المؤرخين البلاذري وذكر فيه عدة روايات باسانيد مختلفة فروى عن أبي هريرة وعن زيد بن ارقم والبراء بن عازب (٤).

فعن زيد بن ارقم قال « كنا مع النبي 6 في حجة الوداع فلما كنا بغدير خم أمر بدوحات فقمن ثم قام فقال « كأني قد دعيت فاجبت ان الله مولاى وأنا مولى كل مؤمن واني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قلت لزيد : أنت سمعت هذا من رسول الله قال : ما كان أحد في الدوحات إلا وقد رأى بعينه وسمع ذلك بأذنه ».

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٣.

(٢) سليم بن قيس : السقيفة ص ٢٠٢.

(٣) ن. م ص ١٠٤.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ ، وذكر ابن قتيبة أن علي بن أبي طالب سأل مالك بن أنس عن حديث من كنت مولاه فهذا علي مولاه « فأجابه كبرت سني ونسيت فقال علي إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لاتواريها العمامة فأصابه البرص. قال أبو محمد ليس لهذا أصل » ابن قتبية : المعاف ص ٥٨٠.


وعن البراء بن عازب قال : « لما اقبلنا مع النبي 6 في حجته بغدير خم نودي أن الصلاة جامعة وكسح للنبي 6 بين شجرتين فأخذ بيد علي بن أبي طالب وقال : أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا : بلى يا رسول الله فقال : هذا ولي من أنا مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه ».

وعن أبي هريرة قال « نظرت إلى رسول الله 6 بغدير خم وهو قائم يخطب وعلي إلى جنبه فأخذ بيده فاقامه وقال : من كنت مولاه فهذا مولاه » (١).

ويذكر اليعقوبي حديث الغدير ويسميه « يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » (٢) ويقصد به النص على خلافة علي.

ويذكر أيضا في خبر حجة الوداع « قال رسول الله 6 : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه .... » (٣)

وتكلم المسعودي عن الغدير في أكثر من موضع ففي وقعة الجمل يذكر عتاب علي لطلحة وتذكيره بحديث الغدير (٤).

ويذكر ذلك أيضا حينما يعدد فضائل علي قال : والأشياء التي استحق بها أصحاب رسول الله 6 الفضل هي السبق إلى الايمان والهجرة والنصرة والقربى وبذل النفس ..... وكل ذلك لعلى منه النصيب الأوفر والحظ الأكبر إلى ما ينفرد به من قول رسول الله 6 « أنت أخي » « ومن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ... » (٥).

وفي حديث الغدير يقول صاحب كتاب الامامة والسياسة : « وذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية فسمع عمرو يقع في علي فقال : يا عمرو ان اشياخنا سمعوا رسول الله 6 يقول من كنت مولاه

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٣٢.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٩٣.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٧٧.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٢ ص ٤٣٧.


فعلي مولاه فحق ذلك ام لا فقال عمرو : حق وأنا ازيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله 6 له مناقب مثل مناقب علي ففزع الفتى فقال عمرو : إنه افسدها بأمره في عثمان ... فرجع الفتى إلى قومه فقال : إنا اتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم علي مع الحق فأتبعوه » (١).

ويروي الذهبي عدة روايات في حديث الغدير ويميز بينها فيأخذ قسماً منها ويترك الآخر ، فيروي عن جابر الجعفي ولكنه لا يثق بروايته ويروي عن محمد بن جرير الطبري (٢).

ويؤيد الذهبي رواية زيد بن ارقم ويرى انه حديث صحيح (٣) ، ويورد رواية البلاذري (٤) في حديث الغدير عن البراء بن عازب ويضيف على ذلك قوله : فلقيه عمر بن الخطاب فقال : هنيئاً لك يا علي أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة (٥).

ويورد ابن كثير في روايته لحديث الغدير نفس الروايات التي ذكرها الذهبي ويضيف عليها روايات أخرى فيأخذ عن النسائي ( ت ٣٠١ هـ ) في خصائص أمير المؤمنين وعن محمد بن جرير الطبري ويسمي له كتابا في حديث الغدير ويرى أنه جمع فيه كل ما جاء من الروايات في هذا الحديث كما يروي عن عبد الله بن موسى ويصفه بأنه شيعي ثقة (٦).

ومن هذا نجد أن واقعة الغدير قد أثبتتها بعض المصادر التأريخية عن

__________________

(١) ابن قتيبة ( منسوب ) : الإمامة والسياسة ج ١ ص ١١٣.

(٢) الذهبي : تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٩٥ ، ذكر الذهبي كتاباً لمحمد بن جرير الطبري في فضائل علي ويسميه كتاب الولاية وأخذ عنه في حديث الغدير ، وذكر هذا الكتاب أيضاً ياقوت : معجم اودباء ج ٦ ص ٤٥٢ ، وذكرته المصادر الإمامية وكتب الرجال انظر ، النجاشي : الرجال ص ٢٤٦ ابن شهراشوب : معالم العلماء ص ١٠٦ : ابن طاووس : اليقين ص ١٨٨.

(٣) الذهبي : تاريخ از اسلام ج ٢ ص ١٩٥ ورواية زيد بن أرقم أخذها عن البلاذري : أنساب اوشراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ.

(٤) البلاذري : أنساب او شراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ.

(٥) الذهبي : تاريخ الإسلام ج ٢ ص ١٩٧.

(٦) ابن كثير : البداية والنهاية في التاريخ ج ٥ ص ٢٠٦.


إناس شهدوا الحادث ، وقد خفلت المصادر الإمامية برواية حديث الغدير وإعطائه الأهمية الأولى في النص على إمامة علي بعد النبي 6.

فيرى النوبختي « أن النبي نص على علي وأشار اليه باسمه ونسبه وعينه وقلد الأمة إمامته ونصبه لهم علماً وعقد له عليهم أمرة أمير المؤمنين وجعله أولى الناس منهم بأنفسهم في مواطن كثيرة مثل غدير خم وغيره » (١).

وروت الشيعة عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال : « اوصي إلى نبيه وأمره أن ينصب لهم عليا اماما يقتدون به من بعده فخاف رسول الله 6 أن يقول الناس إنه حابى ابن عمه فأوحى الله اليه ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك وان لم تفعل فما ... ) (٢) ، فقام يوم الغدير فنصب لهم عليا وقال « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ... » قال فأنزل الله ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ... ) (٣) فطاعة علي آخر فريضة نزلت من فرايض الاسلام. قالت الشيعة : لما أمر الله عزّوجلّ ذلك نصب النبي 6 عليا وأشار اليه واهله للامامة (٤).

ويذكر فرات في تفسير الآية « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك ... » (٥) لما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله 6 بيد علي وقال من كنت مولاه (٦).

ويقول في تفسير الآية « اليوم اكلمت لكم دينكم ... » (٧) أنها نزلت بعد أن جعل النبي عليا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيقول كان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب (٨).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٦.

(٢) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٣.

(٤) الرازي : الزينة الورقة ٢٠٢.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٦) فرات : تفسير فرات ص ٣٦.

(٧) سورة المائدة ٥ : ٣.

(٨) فرات : تفسير فرات ص ١٤.


فالولاية هنا يقصد بها الامامة.

ويروي عياش في تفسيره أن الرسول بعد أن نصب عليا ودعا له بالمولاة أن آخر فريضة أنزلها الله الولاية « اليوم اكملت لكم دينكم ... » فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتى قبض الله رسوله (١). ويقصد بالولاية الإمامة أيضا.

ويورد الكليني حديث الغدير ويفسر قوله تعالى ( فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب ) ويقول : إذا فرغت فانصب علمك ، واعلن وصيك فاعلمهم فضله علانية فقال 6 « من كنت مولاه ... » (٢).

ويذكر أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي أن رسول الله 6 قال « وهو وليكم بعدي فمن كنت مولاه فعلي مولاه ... » ويقول « فاي بيعة تكون آكد من هذه البيعة والولاية » (٣).

وذكر أن عليا احتج بهذا الحديث حينما سئل عن أفضل مناقبه وشهد له الناس بذلك (٤).

ويذكر الصدوق حديث « من كنت مولاه ... » ويورد في هذا الباب ثمان روايات وكلها تدل على أن علي هو الخليفة والإمام بعد رسول الله 6 فعن علي بن الحسين انه قال « معنى الحديث ان رسول الله أخبرهم أنه الإمام بعده » وعن محمد الباقر قال : « أعلمهم أنه يقوم فيهم مقامه » (٥).

ثم يفسر قوله تعالى ( وقفوهم انهم مسؤولون ) قال : مسؤولون عن ولاية علي ما صنعوا في أمره وقد أعلمهم الله عزّوجلّ أنه الخليفة بأمر رسول الله 6 (٦).

__________________

(١) عياشي : تفسير ج ١ ص ٣٣٢.

(٢) الكليني : الأصول من الكافي ج ١ ص ٢٩٤ ( كتاب الحجة ).

(٣) النعمان المغربي : دعائم الإسلام ج ١ ص ١٦ وانظر أساس التأويل ص ٣٣٢ ، ٣٥٨.

(٤) دعائم الإسلام : ج ١ ص ١٩ وانظر البهروجي : كتاب الأزهار ومجمع الأنوار ص ٢١٦.

(٥) الصدوق : معاني الأخبار ص ٦٥.

(٦) ن. م ص ٦٧.


ثم بعد أن يؤكد الصدوق صحة ما جاء في حديث الغدير ويشرح الحديث ويفسر كلمة مولى وبعد أن يناقش كافة معاني كلمة مولى وايضاح عدم انطباقها ، ينتهي إلى المعنى المراد (١) ويقول : « وبعد أن انتفت جميع الوجوه السابقة للفظة مولى وبقى ملك الطاعة فثبت أنه عناه وإذا وجب ملك طاعة المسلمين لعلي فهو معنى الإمامة إنما هي مشتقة ممن الايتمام بالانسان والايتمام هو الاتباع والاقتداء والعمل بعمله والقول بقوله » (٢).

فتفسير الصدوق لهذا الحديث تأكيداً لولاية علي وأن رسول الله 6 أراد به « من كنت املك طاعته فعلي يملك طاعته » (٣).

ويورد ابن رستم حديث الغدير عن زيد بن ارقم وعن أبي سعيد وعن ابن عباس (٤).

ويفسر حديث الغدير ويقول : إن هذا القول يحتمل خمسة معاني لا غير فمنها ولاء النبوة وولاء الايمان والاسلام وولاء العتق وولاية الولاية ثم يؤكد أهمية هذا الحديث لأنه لا يمكن أن يقوم النبي وينادي بتوكيد أمر لا معنى له ولا حاجة للناس فيه فيكون قيامه قيام عابث وهذا منفي عنه ، ويرى أن الولاء لا يكون ولاء النبوة واستحالة ذلك لقول النبي لا نبي

__________________

(١) أما المعاني التي يذكرها الصدوق للفظة مولى قال : يحتمل أن يكون المولى مالك الرق كما يملك المولى عبيده وله أن يبيعه ويهبه ، ويحتمل أن يكون المولى المعتق من الرق ، أو المولى المعتق ، وهذه الأوجه ساقطة في قول النبي لأنه لا يجوز أن يكون عني بقوله واحدة منها لأنه لا يملك بيع المسلمين ولا عتقهم من رق العبودية ولا أعتقوه ويحتمل أيضاً أن يكون المولى ابن العم او العاقبة أو المولى لما يلي الشيء مثل خلفه وقدامه ، ثم ينفي هذه الوجوه أيضاً ويقول لا يجوز أن يقول من كنت ابن عمه لأن ذلك معروف وليس يجوز أن يعني به عاقبة أمرهم ولا خلف ولا قدام لأنه لا معنى له ولا فائدة ، ويرى أن المعنى في اللغة الذي عناه النبي 6 بقوله ومما يؤكد قوله « الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » ثم قال « من كنت مولاه ... » فدل ذلك على أن معنى مولاه أولى به من نفسه فقد جعله آمراً مطاعاً لا يجوز أن يعصيه.

الصدوق : معاني الأخبار ص ٦٨ ـ ٧٣.

(٢) الصدوق : معاني الأخبار ص ٦٨ ـ ٧٣.

(٣) ن. م ص ٧٤ وانظر أيضاً الصدوق : الأمالي ص ٢ ، ٥٧٤ ، ١٢٢ ، ١٢٥.

(٤) ابن رستم : المسترشد ص ١١٧.


بعدي ولا يجوز كذلك أن يكون ولاء الايمان أو الاسلام أو العتق لأن المؤمن ولي المؤمن لا ولي الكافر وقد يكون إيمان علي قبل أن يقول النبي الولاء لمن اعتق ، وبهذا يبطل الوجوه الخمسة ويرى أن معنى الحديث الولاية ، أي أن يكون أولى بهم أنفسهم كما كان النبي أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معه (١).

ويذكر ابن رستم هذا الحديث في التأكيد على إمامة علي ويجعله من ضمن صفاته وفضائله (٢).

ويذكر الشريف الرضي حديث الغدير وما قيل في هذا اليوم من الأشعار فيورد قصيدة لحسان بن ثابت الأنصاري وقيس بن عبادة ، ويقول إن هذين الشاعرين شهدا بالامامة لعلي بن أبي طالب شهادة من حضر هذا المشهد وعرف المصدر والمورد (٣).

وقصيدة حسان بن ثابت مشهورة لدى الامامية وقد روتها اكثر مصادرهم (٤).

أما الأبيات فهي :

ينـاديهـم يـوم الغديـر نبيهـم

بخـم واسمع بـالرسول مناديـا

فقـال فمـن مـولاكـم ووليكـم

فقالوا ولـم يبدوا هناك التعاديـا

الهـك مـولانـا وأنـت ولينـا

ولم تر منا فـي المقالة عـاصيا

فقـال لـه قـم يـا علـي وانني

رضيتك مـن بعدي إماما وهاديا

فمـن كنـت مـولاه فهذا وليـه

فكونوا لـه أنصار صدق مواليا

هنـاك دعـا اللهــم والِ وليـه

وكن للذي عادى عليا معاديا (٥)

__________________

(١) ابن رستم : المسترشد ص ١٢١. وانظر رسالة في تحقيق لفظ مولى للمفيد نشرت ضمن رسائل المفيد.

(٢) ابن رستم : المسترشد ص ٥٥.

(٣) الشريف الرضي : خصائص أمير المؤمنين ص ٦.

(٤) ذكر الأبيات سليم بن قيس : السقيفة ص ٢٠٣ ، ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٢٧ ، المفيد : الإرشاد ص ٩٤ ، ولكن لم يرد ذكر للأبيات في ديوان حسان المطبوع.

(٥) الرضي : خصائص أمير المؤمنين ص ٦.


ويذكر المفيد خبر حديث الغدير ويرى « أن رسول الله 6 أوجب لعلي فرض طاعته على الخلايق واختصاصه بخلافته ودعا إلى اتباعه والنهي عن مخالفته والدعاء لمن اقتدى به فقام بنصرته والدعاء على من خالفه واللعن على من بارزه بعداوته وكشف بذلك عن كونة أفضل خلق الله واجل بريته وهذا مما لم يشركه فيه أحد من الأمة » (١).

ويقول أيضاً أنه بحديث الغدير « أعطاه حقيقة الولاية وكشف به عن مماثلته له في فرض الطاعة والأمر لهم والنهي والتدبير والسياسة والرياسة » (٢).

ويذكر المرتضى حديث الغدير ويجعله من النصوص الجلية على امامة علي بن أبي طالب (٣).

ويذكر الطوسي حديث الغدير ضمن الادلة على امامة علي بن أبي طالب (٤) ، ويفسر الآية ( اليوم اكملت لكم دينكم ) أنها نزلت بعد أن نصب النبي 6 عليا علما للأمة يوم غدير خم (٥).

ويقول الطبرسي « أن النبي 6 احتج على الخلق بولاية علي بن أبي طالب ونصبه علما للأمة وأمر المسلمين بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين » (٦).

ويعطي أهمية كبيرة لحديث الغدير فيقول « إن خبر الغدير رواه الشيعي والناصبي وتلقته الأمة بالقبول على اختلافها في النحل وتباينها في المذاهب ، وان كانوا اختلفوا في تأويله ، ويقول أن النبي قرر أمته في ذلك المقام على فرض طاعته فقال : الست أولى بكم من أنفسكم فلما اجابوه

____________

(١) المفيد : الإرشاد ص ٩٥.

(٢) المفيد : الإفصاح في إمامة علي ص ٦.

(٣) المرتضى : الشافي ص ٨٥.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ص ١٧٣ وانظر الأمالي ج ١ ص ٣٤٣.

(٥) الطوسي : التبيان ج ٦ ص ٤٣٧.

(٦) الطبرسي : الاحتجاج ج ١ ص ٣٣ ـ ٣٤ وانظر أيضاً مجمع البيان في تفسير القرآن ج ٣ ص ٢٢٣.


بالاعتراف رفع بيد أمير المؤمنين علي وقال عاطفاً على ما تقدم من كنت مولاه فهذا مولاه ويفسر كلمة مولى والمراد بها إنه أولى بتدبير المؤمنين والأمر والنهي فيهم من كل أحد منهم وإذا كان النبي 6 أولى بالخلق من أنفسهم من حيث كان مفترض الطاعة عليهم واحق بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم بلا خلاف وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين فيكون أولى بالمؤمنين من حيث أن طاعته مفترضة عليهم وأمره ونهيه مما يجب نفوذه فيهم وفرض الطاعة يتحقق بالتدبير من هذا الوجه لا يكون إلا النبي أو الإمام فإذا لم يكن نبيا وجب أن يكون إماما » (١).

أما ابن شهر أشوب ففي ذكره لحديث الغدير يعطي عدداً كبيراً من الروايات والكتب التي ذكرته مثل كتاب الولاية لمحمد بن جرير الطبري وكتاب الغدير لعلي بن هلال المهلبي وكتاب محمود الشجري وكتاب منصور اللاتي الرازي وكتاب أحمد بن محمد بن سعد وكتاب الولاية لا بن عقده (٢).

ويرى ابن شهر آشوب أن العلماء مطبقون على قبول حديث الغدير وإنما وقع الخلاف في تأويله (٣).

ويورد رواية عن جعفر بن محمد الصادق قال : نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين وما أعطي أمير المؤمنين حقه بشهادة عشرة الاف نفس يعني الغدير. ثم يفسر « من كنت مولاه » فيقول لفظة مولى تفيد الأولى بالتدبير والتصرف وفرض الطاعة (٤).

ويذكر أن عليا احتج بهذا الحديث يوم الدار حيث عدد فضائله وقال : افيكم من قال له رسول الله « من كنت مولاه ... » فاعترفوا بذلك وهم جمهور من الصحابة ، وينقل خطبة للصاحب بن عباد ( ت ٣٨٥ هـ ) في علي بن أبي طالب : « الجليل الذي كفله صغيراً ورباه ، وبالعلم وبالحكمة

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ١٦٩.

(٢) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٢٥.

(٣) ن. م ج ٣ ص ٢٦.

(٤) ن. م : مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٤٢.


غذاه وعلى كتفه رقاه ، وساهمه في المسجد وساواه ، وقام بالغدير وناداه ، ورفع ضبعه واعلاه ، وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » (١).

وقد أورد محمد بن علي الطبري روايات عدة في حديث الغدير من طرق مختلفة (٢).

ويذكر ابن طاووس حديث الغدير ويسميه يوم النص العام على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (٣). ويقصد بالنص العام الولاية أو الامامة.

ويروي الأربلي حديث الغدير ويأخذ في ذلك عن الأزهري ويقول فيه : « لو تدبر متدبر هذا الكلام ومقاصده وطرح الهوى جانباً وقدم الأنصاف امامة لا تضح له أن هذا نص جلي على علي بالإمامة واقامة للحجة على من نابذه ونازعه الأمر » (٤).

وذكر ابن المطهر حديث الغدير في أكثر من موضع ففي تفسير الآية ( يا أيها الرسول بلغ ... ) ويقول حينما نزلت هذه الآية أخذ الرسول بيد علي فرفعها وقال « من كنت مولاه ... » والنبي 6 مولى أبي بكر وعمر وباقي الصحابة بالاجماع فيكون علي مولاهم ، فسيكون هو الإمام (٥).

ويذكر الغدير في تفسير الآية ( اليوم اكملت لكم دينكم ... ) ويقول أنها نزلت بعد أن قال الرسول من كنت مولاه فهي أيضاً نص على الولاية (٦).

ويذكر احتجاج علي بن أبي طالب بهذا الحديث يوم الشورى

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٢٧.

(٢) محمد بن علي الطبري ( من القرن السادس ) : بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ص ٢٠٢ ، ٢٠٣ ، ٢٦١ ، ١٥٦.

(٣) ابن طاووس : كشف المحجة لثمرة المهجة ص ٣٨ سعد السعود ص ٩٦.

(٤) الأربلي ( ت ٢٩٣ هـ ) : كشف الغمة في معرفة الأئمة ج ١ ص ٥٠ ـ ٥١.

(٥) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٤٩.

(٦) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٥٠.


وشهادة الناس له بذلك (١).

وممن روى حديث الغدير من غير الامامية الجاحظ ( ت ٢٥٥ هـ ) فقد ذكر ذلك حينما أورد رأي الشيعة في امامة علي بن أبي طالب واتخاذهم حديث الغدير دليلاً على إمامته (٢).

وكذا فعل القاضي عبد الجبار المعتزلي ( ت ٤١٥ هـ ) فقد أورد خبر الغدير في كلامه على الامامة عند الشيعة وذكر أن الشيعة الامامية استدلت به عل إمامة علي بن أبي طالب من حيث ورود لفظة مولى (٣).

وأورد النسائي عدة روايات في حديث الغدير فروى عن زيد بن ارقم نفس رواية البلاذري (٤).

فيذكر ثلاث روايات في حديث الغدير ذكر فيها مناشدة علي للناس في حديث الغدير وشهادة ستة أو خمسة نفر له ولكنه لا يذكر أسماء هؤلاء (٥).

وذكر الباقلاني حديث الغدير واعتبره من الأخبار والآحاد وقد فسر

__________________

(١) ابن المطهر : مناهج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٢٦ ـ ١٢٧ وانظر أيضاً كشف اليقين ص ٩٠ ـ ٩١ وممن روى حديث الغدير أيضاً من المصادر الإمامية الحميري ( من القرن الرابع ) : قرب الإسناد ص ٣٩ ، السيوري : المنافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص ٧٣ ، ومن المصادر الإمامية المتأخرة العاملي : المجالس السنية ج ٢ ص ١٣٤ ـ ١٣٥ ، الأردبيلي : باب النجاة ص ٢٢ ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٥٠ ، عبد المهدي المظفر : إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ص ١٦ ، الحائري : شجرة طوبي ج ٢ ص ١٨ ، الحر العاملي : إثبات الهداة ج ٣ ص ٣٤٩ ، ٤٥٦ ، ٤٥٨ ، جعفر النقدي : نزهة المحبين في فضائل أمير المؤمنين ص ٧٣ وانظر أيضاً الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية ص ٦٠ ، علي نقي : كشف المحجة ج ١ ص ١٤٤ ، ٢٢١.

(٢) الجاحظ : العثمانية ص ١٣٤.

(٣) القاضي عبد الجبار : شرح الأوصول الخمسة ص ٧٦٦ وانظر أيضاً المغني ج ٢٠ القسم الأول ١٤٥.

(٤) النسائي ( ت ٣٠٣ هـ ) : خصائص أمير المؤمنين ص ٣٠ ورواية البلاذري انظر أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٦ ب.

(٥) النسائي : خصائص أمير المؤمنين ص ٣٢ ، ٣٣.


« من كنت مولاه » قال « إنه يحتمل أمرين أحدهما من كنت ناصره على دينه وحامياً عنه بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعلي ناصره على هذا السبيل ، ويحتمل أيضاً أن يكون ... من كنت محبوبا عنده وولياً على ظاهري وباطني فعلي مولاه ، أي أن ولاءه ومحبته من ظاهره واجبه ، كما أن ولائي ومحبتي على هذا السبيل واجب » (١).

فالباقلاني يعطي تفسيراً لكلمة مولى مخالف للتفاسير الامامية المارة سابقاً فلا يفسر هذا الحديث بالامامة ، ويقول لو كان هذا الحديث صحيحاً لا حتج به علي يوم السقيفة(٢).

وقد ذكر ابن عبد البر أيضا حديث الغدير في كلامه عن الإمام علي وعده من مناقبه (٣).

وكذلك ذكره ابن الأثير في ترجمة علي بن أبي طالب واورد فيه رواية عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (٤).

ولكن المصادر الامامية كما مر بنا تذكر أن عليا احتج بهذا الحديث في يوم الشورى والسقيفة وغيرهما من المواضع.

ويذكر الحسيني حديث الغدير كما يذكر أن عدداً ممن شهد يوم الغدير هنأ عليا بذلك ومنهم عمر بن الخطاب (٥).

ويؤكد محمد بن الحسن القرشي أهمية الغدير ويقول : « وصار ذلك اليوم عيداً وسما لكونه كان وقتا خص به رسول الله 6 عليا بهذه المنزلة العلية وشرفه بها دون الناس كلهم » (٦).

__________________

(١) الباقلاني ( ت ٤٠٣ هـ ) : التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة ص ١٧٢.

(٢) ن. م ص ١٧٣.

(٣) ابن عبد البر : الاستيعاب ج ٣ ص ١٠٩٩.

(٤) ابن الأثير : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٨.

(٥) محمد الحسيني العلوي ( ت ٤٨٥ هـ ) : بيان الأديان ص ٣٢ وانظرالخوارزمي ( ت ٥٦٨ هـ ) : مناقب الخوارزمي ص ٢٥.

(٦) محمد بن الحسن القرشي ( ت ٦٥٢ هـ ) : مطالب السؤول ج ١ ص ٤٤.


ويروي سبط ابن الجوزي حديث الغدير عن زيد بن ارقم وعن أبي هريرة والبراء بن عازب ويذكر اتفاق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي 6 من حجة الوداع حيث جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين الفاً. أو يذكر أن من معه من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون الفا وهم الذين شهدوا حجة الوداع وسمعوا من الرسول 6 « من كنت مولاه » (١).

ويعطي سبط ابن الجوزي لكلمة مولى عشرة معاني ولكنه يبطل جمعيع المعاني المحتملة ويروي « أن المراد من الحديث الطاعة المحضة المخصوصة » ومعنى ذلك من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به ، ويفسر قوله « الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم » يقول : « هذا نص صريح في اثبات امامته وقبول طاعته » (٢).

ويورد القرشي نفس الروايات السابقة لحديث الغدير ويأخذ في ذلك عن ابن عقدة الكوفي ، ويروي عن حديث الغدير « أنه حديث حسن مشهور روته الثقات وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض حجة في صحة النقل ، ولو لم يكن في محبة علي 7 إلا دعاء النبي 6 لمحب علي بكل خير لكان فيه كفاية .... فكيف وقد دعا رسول الله 6 به عزّوجلّ بموالاة من والاه وبمحبة من أحبه وبنصرة من نصره » (٣).

وذكر المحب الطبري رواية عن ابن السمان في كتابه الموافقة أن أعرابيين اختصما إلى عمر بن الخطاب فقال لعلي : اقض بينهما فقضى علي بينهما فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا فوثب اليه عمر وقال : ويحك « هذا مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ومن لم يكن مولاه فليس

__________________

(١) سبط ابن الجوزي ( ت ٦٥٤ هـ ) : تذكرة الخواص ص ٣٧.

(٢) ن. م ص ٣٧.

(٣) محمد بن يوسف بن محمد القرشي ( ت ٦٥٤ هـ ) : كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب ص ١٤ وينسب لا بن عقدة الكوفي كتاباً يسمى « الولاية » لا وهو في حديث الغدير وطرقه إلا أن الكتاب غير متوفر لدينا.


بمؤمن » (١).

وهكذا فسرت الشيعة هذا الحديث في امامة علي بن أبي طالب وأنه الخليفة بعد الرسول. كما وتذهب الشيعة إلى أن المسلمين سلموا على علي بأمرة المؤمنين على عهد رسول الله 6 وأنه أمرهم بذلك.

فقد ذكر سليم ما جرى في السقيفة وامتناع علي عن البيعة واشتداد النقاش بينه وبين عمر وأبي بكر ، عن بريدة الاسلمي قال « اتثب يا عمر على أخي رسول الله 6 وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفكما الستما اللذين قال لكما رسول الله 6 انطلقا إلى علي وسلما عليه بأمرة المؤمنين فقلتما عن أمر الله وأمر رسوله قال : نعم » (٢).

ثم يذكر أن علياً احتج على أبي بكر بعد بيعته « يا أبا بكر ما أسرع ما توثبتم على رسول الله 6 بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ، ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسوله » (٣).

ويؤكد سليم هذا الخبر فيقول أنه شهد أبا ذر في مرضه على عهد عمر فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين علي وسلمان والمقداد وقد أوصى ابو ذر إلى علي وكتب وأشهد ، فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار : ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر ، قال « قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقاً أمرنا رسول الله 6 ونحن ثمانون رجلاً من العرب وأربعون رجلاً من العجم فسلمنا على علي بإمرة

__________________

(١) محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري ( ت ٦٩٤ هـ ) : ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ص ٦٧ ، وانظر أيضاً ابن الصباغ المالكي ( ت ٨٥٥ هـ ) : الفصول المهمة في معرفة الأئمة ص ٢٤ وقد اعتمد ابن الصباغ في رواية حديث الغدير وتفسير كلمة مولى على القرشي في كفاية الطالب وعلى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص. وانظر أيضاً عن الغدير ما جاء عند الحنفي في ينابيع المودة ص ٢٩٦ ، المتقي الهندي : كنز العمال ج ١٢ ص ٢٠٢ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، الدهلوي : مختصر التحفة الإثني عشرية ص ١٥٩ ، الشبلنجي : نور الأبصار ص ٧٨.

(٢) سليم بن قيس : السقيفة ص ٧٨.

(٣) ن. م ص ٧٥ وانظر ما ذكره البرقي في كتابه الرجال حيث ذكر جملة من أقوال ممن أنكر خلافة أبي بكر ووقف إلى جانب علي البرقي | الرجال ص ٦٣ ـ ٦٦.


المؤمنين .... » ويستمر سليم في ذكر الخبر ويقول إنه سأل أن يسمون له الثمانين رجلاً فسماهم سلمان رجلاً رجلاً منهم عمار بن ياسر وسعد بن عبادة والباقي من أصحاب العقبة ( وفي رواية النقباء من أصحاب العقبة ) وأبي بن كعب وأبو ذر والمقداد وبقية جلهم وأعظمهم من أهل بدر والأنصار وفيهم أبو الهيثم بن التيهان وخالد بن يزيد وأبو أيوب وأسيد بن خضير وبشير بن سعد (١).

ويذكر المفيد ، بعد أن خطب رسول الله 6 في حجة الوداع خطبته المشهورة نزل وجلس في خيمة وأمر علياً أن يجلس في خيمته له بإزائه ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً يهنئوه بالمقام ويسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعل الناس ذلك كلهم ، ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين أن يسلمن عليه بإمرة المؤمنين ، وكان فيمن هناه عمر بن الخطاب وأظهر له المسرة وقال له فيما قال « بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة » (٢).

ويؤكد هذا الحديث ابن طاووس فيروي عدة روايات مفادها أن النبي 6 أمر أصحابه بالتسليم على علي بإمرة المؤمنين.

فيذكر رواية عن الحافظ ابن مردويه « أمر النبي أن يسلم على علي بإمرة المؤمنين في حياته » ويروي عن بريدة أيضاً قال « أمرنا رسول الله 6 أن نسلم على علي بإمرة المؤمنين » (٣).

ثم يورد رواية عن أحد أصحاب علي قال « كنت مع علي في أرض يحرثها حتى جاء أبو بكر وعمر فقالا سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقيل كنتم تقولون في حياة رسول الله 6 فقال عمر هو أمرنا بذلك » (٤).

ويقول ابن المطهر الحلي أن أمر النبي 6 بالسلام على علي بإمرة

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٤٥.

(٢) المفيد : الإرشاد ص ٩٤.

(٣) ابن طاووس : اليقين في أمرة أمير المؤمنين ص ١٠.

(٤) ن. م ص ١١ وما بعدها كثير من الأحاديث.


المؤمنين هو نص في إثبات إمامته (١).

ومن الأمور الأخرى التي اتخذتها الإمامية دليلاً لإثبات إمامة علي ابن أبي طالب قصة حملة أسامة.

فمن المعروف أن رسول الله 6 بعث أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمره أن يوطىء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون (٢).

ويذكر البلاذري حث رسول الله على إنقاذ جيش أسامة ويقول : وكان في جيش أسامة أبو بكر وعمر ووجوه من المهاجرين والأنصار فلما قبض رسول الله واستخلف أبو بكر أتى أسامة فقال : قد ترى موضعي من خلافة رسول الله وأنا إلى حضور عمر ورأيه محتاج فأنا أسألك تخليفه ففعل » (٣).

ويؤكد اليعقوبي كون أبا بكر وعمر في جيش أسامة (٤).

وتذكر المصادر الإمامية أن رسول الله 6 « إنما عمد إلى إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرياسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ولا ينازعه في حقه منازع ... كما أنه حث الناس على الخروج مع أسامة وحذرهم من التلوم والإبطاء عنه » (٥).

ويؤكد هذا ابن رستم فيذكر عن الواقدي أنه قال نعى لنا نبينا نفسه

__________________

(١) ابن المطهر : منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ص ١٧١ وانظر له أيضاً كشف اليقين في مناقب أمير المؤمنين ص ٩٥.

(٢) ابن هشام : السيرة النبوية ج ٤ ص ٢٩١.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٤٧٤.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٩٣ ، ويذكر الطبري نفس ما أورده ابن هشام في السيرة انظر ج ٣ ص ١٨٤ ـ ١٨٦ وانظر كذلك ابن سعد. الطبقات ج ٢ القسم الأول ١٣٦ أما ابن الجوزي فيؤكد وجود عمر وأبي بكر في الحملة انظر : الوفا بأحوال المصطفى ج ٢ ص ٦٧٢.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٩٦.


قبل موته بشهر فكيف يقدم رجلاً ويجعله خليفته من بعده في أمته بزعمهم وقد أمره بالخروج مع أسامة ومعه الجماعة التي خاف ناحيتها ... ولو كان ذلك كذلك لم يكن معنى الصلاة معنى الاستخلاف لأن أبا بكر لو كان مستخلفاً من رسول الله لما جاز له أن يدعوه إلى غيره ولا جاز للأنصار أن يقولوا منا أمير ومنكم أمير ولكان أبو بكر المدعي له بالخلافة يدعيها لنفسه » (١).

ويذكر الطبرسي أن أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح كانوا أول من سارعوا اللحاق بالجيش ثم تركوه بعد وفاة الرسول 6 واجتماع الأنصار إلى سعد بن عبادة في السقيفة (٢).

ويقول ابن أبي الحديد « وتزعم الشيعة أن رسول الله 6 كان يعلم موته وأنه سير أبا بكر وعمر في بعث أسامة لتخلو دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعلي 7 ويبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون وطمأنينة فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله 6 وبيعة الناس لعلي بعده كانا عن المنازعة والخلاف أبعد » (٣).

ثم لما اشتدت العلة على رسول الله 6 أراد أن يوصي بالمسلمين فطلب منهم أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب كتاباً لا يضلوا بعده فكثر تنازعهم فامتنع الرسول 6 عن كتابة الوصية (٤).

ولكن المصادر الإمامية ترى أن الرسول لم يهمل الوصية وأنه أوصى إلى علي بن أبي طالب قال « يا علي إن حياتك وموتك معي وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي ووزيري » (٥).

وتذكر أن رسول الله في مرضه دعا علي بن أبي طالب فناجاه طويلاً

__________________

(١) ابن رستم الطبري : المسترشد ص ٣.

(٢) الطبرسي : الاحتجاج ج ١ ص ٤٤.

(٣) ابن أبي الحديد : شرح النهج ج ١ ص ٥٤.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ١ ص ٥٦٤ وانظر الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ١٩٣.

(٥) سليم بن قيس : السقيفة ص ٦٥.


فلما خرج علي قيل له ما الذي أوعز إليك ... قال « أوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله »(١).

ويؤكد سليم الوصية فيذكر عن علي قال « أسر إليّ رسول الله مفتاح ألف باب ولو أن الامة منذ قبض رسول الله 6 اتبعوني وأطاعوني لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ثم يذكر علي أن الرسول طلب منه صحيفة وأملى عليه الوصية بحضور ثلاثة نفر هم سلمان وأبا ذر والمقداد وجاء في الصحيفة أسماء الأئمة وهم علي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين وقد أشهد علياً على ما جاء في الصحيفة طلحة فشهد لأنه يثق بشهادة أبي ذر : قال « والله لقد سمعت رسول الله 6 يقول لأبي ذر : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر » (٢).

وتروي المصادر الإمامية وبعض المصادر التاريخية أن رسول الله 6 حينما حج حجة الوداع لم يوص بعلي فقط وإنما أوصى بأهل بيته ، فقد ذكر البلاذري أن رسول الله 6 قال « وإني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي » (٣).

ويذكر ذلك الكليني ( حديث الثقلين ) يقول : « فوقعت الحجة بقول النبي 6 وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن » قال تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (٤) وقوله : ( واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى ) (٥) ثم قال ( وآت ذا القربى حقه ) (٦) فكان

__________________

(١) المفيد : الإرشاد ص ٩٩ وانظر أيضاً ابن طاووس : الطرف ص ٢١ ، ٢٤ ، ٢٩ ، ٣٠.

(٢) سليم بن قيس : السقيفة ص ١٠٩.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٢ الورقة ٦٦ آ ، اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٩٣ أما الطبري فيذكر ذلك ولكنه يقول « كتاب الله وسنة نبيه » انظر. الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٣ ص ١٥١.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٥) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٦) سورة الإسراء ١٧ : ٢٦.


علي وكان حقه الوصية (١).

فيقصد بالحجة الإمامة وأنها لعلي بن أبي طالب بوصية النبي. ثم يذكر بعض الآيات التي تؤكد وصية النبي لأهل بيته قوله تعالى : ( قل لا أسألكم عليه من أجر إلا المودة في القربى ) (٢) وقوله : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (٣) ، يقصد بأهل الذكر آل محمد أمر الله بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال (٤). ثم يقول إنه بعد أن نزلت آية المودة ( قل لا أسألكم ... ) إن جبريل أتى محمداً فقال : يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم ، وآثار علم النبوة عند علي ... (٥).

إن الشيعة تؤكد الوصية ولكن الظاهر من الروايات التي مرت أن الوصية التي أوصى بها النبي 6 لم يعلنها إلى جميع المسلمين خوف الفرقة لما رأى عليه حالهم من الاختلاف وعدم سماعهم أمر الرسول بكتابه الوصية فلذلك شهدها نفر قليل كما يبدو من رواية سليم.

والشيعة عندها أن الإمامة قد نص عليها في حياة النبي 6 وليس في وقت مرضه ، أو حتى في يوم الغدير وهذا يظهر مما مر من الروايات السابقة والأحاديث والآيات التي فسرتها الشيعة بالإمامة.

ولكن المصادر الإمامية بأجمعها تؤكد الوصية لعلي ولآل بيت

__________________

(١) الكليني : الكافي ( الأصول ) ج ١ ص ٢٩٤ ( كتاب الحجة ) وممن ذكر آية التطهير من المصادر الإمامية ابن طاووس : سعد السعود ص ١٠٦ الصدوق الأمالي ص ١٤٤ ، ٢٤٠ ، ٤٧٢ ، الحر العاملي : إثبات الهداة ج ٣ ص ٣ الجزائري : المبسوط في إمامة أمير المؤمنين علي ص ٣١ ، جعفر النقدي : ذخائر القيامة ص ٢٨ ، الأردبيلي : باب النجاة ص ٢٦ ، العاملي ، المجالس السنية ج ٣ ص ١٢١ محمد حسن المظفر : دلائل الصدق ج ٢ ص ٦٤ ومن المصادر غير الإمامية القرشي : مطالب السئول ج ١ ص ٥٦ ، الحنفي : ينابيع المودة ص ١٢٤.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٧.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٩٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٢٩٦.


الرسول ، فيذكر الصدوق حديث الثقلين ، وما معنى الثقلين ومعنى العترة ويقول : « والعترة علي بن أبي طالب وذريته من فاطمة وسلالة النبي 6 وهم الذين نص الله عليهم بالإمامة على لسان نبيه 6 (١).

وتؤكد الشيعة حق آل البيت بالوصية بقول علي : « فو الذي أكرمنا أهل البيت بالنبوة فجعل منا محمداً وأكرمنا بعده أن جعل فينا أئمة المؤمنين لا يبلغ عنه غيرنا ولا تصلح الأمامة والخلافة إلا فينا ، ولم يجعل الله لأحد من الناس فيها نصيباً ولا حقاً » (٢).

وقوله : « لا يقاس بآل محمد احد ... ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة » ويقول ابن أبي الحديد في هذا الصدد : « إن الإمامية أرادت نص النبي على علي وأولاده لأن علي قال فيهم الوصية والوراثة ، ويذكر رأي المعتزلة ويقول : « ولسنا نعني بالوصية النص على الخلافة ولكن أمور أخرى لعلها إذا لمحت أشرف وأجل ، أما الوراثة فالإمامية يحملونها ميراث المال والخلافة وتحملها المعتزلة ميراث العلم ، وإن كان علي أولى بالأمر وأحق لا على وجه النص بل على وجه الأفضلية » (٣).

فهذه كلها أدلة تؤيد بها الشيعة رأيها في الإمامة وتدلل بها على النص على علي.

ولم تقتصر الشيعة على هذه الأحاديث وإنما لجأت إلى القرآن الكريم فاتخذت من آياته أدلة لتعضيد رأيها بالإمامة (٤).

__________________

(١) الصدوق : معاني الأخبار ص ٩٢ وانظر أيضاً رسالة للمفيد بعنوان « الثقلان الكتاب والعترة » نشرت ضمن مجموعة رسائل للمفيد ناقش فيها الجارودية في الإمامة وأثبت أن الإمامة محصورة في أبناء الحسين وانظر كتاب « الثقلان » لمحمد الحسين المظفري ، النجف سنة ١٩٧٤.

(٢) نقل هذا الكلام الأربلي في كتابه كشف الغمة في معرفة الأئمة عن الجاحظ ج ١ ص ٣٠ ولم نعثر على نسخة لهذه الرسالة.

(٣) ابن أبي الحديد : شرح النهج ج ١ ص ٤٦.

(٤) لقد ذكرت الأحاديث النبوية ثم الأخبار التاريخية ثم الآيات القرآنية بالرغم من أن التسلسل التاريخي يحتم علينا ذكر الآيات القرآنية في البداية وذلك لتوضيح فكرة الإمامة عند الشيعة في ضوء الأحداث التي مرت بها وطورتها ، كما أن قسما كبيراً من الآيات


وأقدم التفاسير الإمامية تفسير فرات الكوفي ( ت ٣٠٠ هـ ) وتفسير التستري ( ت ٣١٠ هـ ) وتفسير عياش ( ت ٣٢٣ هـ ) وتفسير علي بن إبراهيم القمي ( ت ٣٢٤ هـ ) وتفسير الطوسي ( ت٤٦٠ هـ ) (١).

والتفاسير الإمامية تذكر بعض الآيات وترى أنها نزلت في حق علي ودلت على فضله وقسم منها تخصصه بالولاية.

ويقول فرات : « إن الله أنزل في علي كرائم القرآن » (٢). ويذكر صاحب عيون المعجزات أن كل ما ورد في القرآن « يا أيها الذين آمنوا » فالمقصود بها علي (٣).

فيذكر فرات بعض الآيات ويفسرها بالولاية ومنها قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) (٤) يقول يقصد بهم شيعة علي الذين أنعم الله عليهم بولاية علي (٥).

وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) (٦) في ولاية علي أيضاً (٧) ويفسر قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (٨) فقد فسر هذه الآية بالولاية أيضاً (٩). ويقول القاضي عبد الجبار في تفسير الآية السابقة « إن الشيعة رأت أن هذه الآية من جملة النصوص » (١٠). وكذلك يذكرهذه الآية حينما يتكلم عن الشيعة الإمامية

____________

القرآنية والتي بنيت عليها آراء في الإمامة لم تظهر في فترة الرسول 6 وإنما بعد أن تكونت نظرية الإمامة عند الشيعة.

(١) وينسب تفسير للإمام الحسن العسكري ( ت ٢٦٠ هـ ) إلا أنه مشكوك فيه.

(٢) فرات الكوفي : تفسير فرات ص ٢.

(٣) الشيخ حسن بن عبد الوهاب ( من القرن الخامس ) : عيون المعجزات ص ٣٢.

(٤) سورة الفاتحة : ١ : ٧.

(٥) فرات : تفسير فرات ص ٣.

(٦) سورة البقرة : ٢ : ٢٠٨.

(٧) فرات : تفسير فرات ص ٣ وانظر أيضاً الجاحظ : العثمانية ص ١١٧.

(٨) سورة المائدة : ٥ : ٥٥.

(٩) فرات : تفسير فرات ص ٣.

(١٠) القاضي عبد الجبار : شرح الأصول الخمسة ص ٧٦٥.


ويقول : « ربما تعلقوا بقوله تعالى : ( إنما وليكم الله ... ) فيقولون المراد بالذين آمنوا أمير المؤمنين لأن الله تعالى وصفه بصفة لم تثبت إلاّ له » (١) كما يذكر رأي الإمامية فيقول في تفسير الآية : ( وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة ... ) فالمراد بصالح المؤمنين علي وقد جعله الله تعالى مولى للرسول ولا يجوز أن يخصه بذلك الأمر ويختص به دون سائر المؤمنين وذلك الأمر ليس إلا طريقة الإمامة ، وأنه الثابت عنه في ذلك » (٢).

ويفسر فرات قوله تعالى : ( أوفوا بعهدي اوف بعهدكم ) (٣). قال أوفوا بولاية علي فرضا من الله لكم اوف لكم بالجنة (٤).

ويفسر قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جمعياً ولا تفرقوا ) (٥) فولاية علي البر فمن استمسك بها كان مؤمناً ومن تركها خرج من الإيمان (٦).

ويورد فرات الآية : ( فاذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ) (٧) ويفسرها بقوله ، الا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي (٨).

ثم يفسر قوله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ) (٩) ، قال إن من ترك ولاية علي أعماه الله واصمه عن النداء (١٠).

__________________

(١) القاضي عبد الجبار : المغنى ج ٢٠ القسم الأول ص ١٣٣ ، وانظر أيضاً المفيد : النكت الاعتقادية ص ٥٠ ، ابن طاووس : سعد السعود ص ٩٥ ، السيوري النافع يوم الحشر ص ٧٥ ، جعفر النقدي : ذخائر القيامة ص ٢٥ ، البحراني : علي والسنة ص ٨٥.

(٢) القاضي عبد الجبار : المغنى ج ٢٠ القسم الأول ص ١٣٩.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٤٠.

(٤) فرات : تفسير فرات ص ١١.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ١٠٣.

(٦) فرات : تفسير فرات ص ١١.

(٧) سورة الأعراف ٧ : ٤٤.

(٨) فرات : تفسير فرات ص ٤٥.

(٩) سورة طه : ٢٠ : ١٢٤.

(١٠) فرات : تفسير فرات ص ٩٣.


ويفسر الآية : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا ) (١) بالولاية (٢).

ويفسر قوله تعالى : ( إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ) (٣) أي لا يستطيعون إلى ولاية علي (٤).

ويفسر النعيم في قوله تعالى : ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) (٥) بالولاية أيضاً (٦).

ويفسر قوله تعالى : ( إلا الذين آمنوا وعلموا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) (٧) قال « تواصوا بالحق الولاية وأوصوا دراريهم ومن خلفوا بالولاية والصبر عليها » (٨).

أما قوله تعالى : ( وقفوهم انهم مسؤولون ) (٩) قال : عن ولاية علي بن أبي طالب (١٠).

ويفسر معنى الآية : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) (١١) قال : لئن أشركت بولاية علي لنحبطن عملك (١٢).

وقوله تعالى : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا

__________________

(١) سورة الإسراء ١٧ : ٧٣.

(٢) فرات : تفسير فرات ص ١٠٦.

(٣) سورة الإسراء ١٧ : ٤٧.

(٤) فرات : تفسير فرات ص ١٠٧.

(٥) سورة التكاثر ١٠٢ : ٨.

(٦) فرات تفسير فرات ص ٢٣٠.

(٧) سورة العصر ١٠٣ : ٣.

(٨) فرات : تفسير فرات ص ٢٣٠.

(٩) سورة الصافات ٣٧ : ٢٤.

(١٠) فرات : تفسير فرات ص ١٣٠ وانظر في تفسير هذه الآية الفضل بن شاذان : إيضاح دفائن النواصب ص ١١ ، جعفر النقدي : ذخائر القيامة ص ٢٥ ، الأردبيلي : باب النجاة ص ٤٨ ، محمد حسن المظفر : دلائل الصدق جـ ٢ ص ٩٦.

(١١) سورة الزمر ٣٩ : ٦٥.

(١٢) فرات : تفسير فرات ص ١٣٣.


الذي كنتم به تدعون ) (١) قال « ذلك علي بن أبي طالب إذا رأوا منزلته ومكانته من الله أكلوا أكفهم على ما فرطوا في ولايته » (٢).

والتفسير مليء باآيات التي فسر بعضها بحق آل البيت عامة وبعضها خاصة بعلي وآخرى بالولاية.

ويذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسيره أيضاً عدداً من الآيات بعضها في الولاية وبعضها بما خص الله به آل البيت وعلي من الفضائل.

ففي تفسير الآية : ( ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها وآتوا البيوت من أبوابها ) (٣) قال « نزلت في ولاية أمير المؤمنين علي 7 لقول رسول الله 6 أنا مدينة العلم وعلي بابها » (٤).

ويفسر قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) (٥) قال : نزلت في ولاية علي بن أبي طالب (٦).

وقوله : ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) (٧) يعني الولاية (٨). ويفسر قوله : ( واعتصموا بحبل الله جمعياً ) (٩) قال : التوحيد والولاية (١٠).

ويقول في تفسير الآية : ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً ) (١١) فالنور إمامة أمير المؤمنين (١٢).

__________________

(١) سورة الملك ٦٧ : ٢٧.

(٢) فرات : تفسير فرات ص ١٨٧.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

(٤) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٣٦.

(٥) سورة البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٦) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٣٧.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٢٥٦.

(٨) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٤٥.

(٩) سورة آل عمران ٣ : ١٠٣.

(١٠) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٥٨.

(١١) سورة النساء ٤ : ١٧٤.

(١٢) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٨٦.


أما في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) (١) فيذكر رسول الله 6 عقد عليهم لعلي بالخلافة (٢).

وقوله : ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه ) (٣) أخذ رسول الله 6 الميثاق بالولاية لعلي (٤).

هذا قسم من الآيات التي أوردها علي بن إبراهيم في الولاية.

ويذكر عياش في تفسيره أيضاً عدداً من الآيات تخص الولاية وآل البيت منها قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (٥) فيورد رواية عن خالد بن يزيد ... عن زيد بن الحسن عن جده قال « سمعت عمار بن ياسر يقول وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوع فنزع خاتمة فأعطاه السائل فأتى رسول الله 6 فأعلمه بذلك فنزل على النبي 6 هذه الآية » (٦) ويقول أيضاً أن الآية : ( إنما وليكم الله ... ) المقصود بها الأئمة (٧).

ويذكر في تفسير الآية : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) (٨) قال : قال رسول الله 6 : أنا المنذر وأنت الهادي يا علي » (٩).

ويفسر قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جمعياً ) (١٠) قال : علي بن أبي طالب حبل الله المتين (١١).

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ١.

(٢) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٨٧.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٧.

(٤) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٨٨.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٦) عياشي : تفسير عياشي ج ١ ص ٣٢٧.

(٧) ن. م ج ١ ص ٣٢٨.

(٨) سورة الرعد ١٣ : ٧.

(٩) عياشي : تفسير عياشي ج ٢ ص ٢٠٣.

(١٠) سورة آل عمران ٣ : ١٠٣.

(١١) عياشي : تفسير عياشي ج ١ ص ١٩٤.


ويذكر أبو حنيفة النعمان المغربي عدداً من الآيات ويفسرها بالولاية ومنها قوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ... ) (١) فيقول : انها نزلت بغدير خم حيث نص على علي بن أبي طالب (٢).

ثم يذكر النعمان المغربي أنه بعد أن عقد الرسول لعلي في غدير خم حسده من حسده فأنزل الله عليه : ( قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبر إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (٣).

ويقول النعمان المغربي : « تأويل ذلك قل أرأيتم يا أصحاب محمد وحججه إن كان نصب هذا الوصي من عند الله بأمره وكفرتم به وسترتم منزلته ... لما غاب الرسول 6 » (٤).

ويفسر قوله تعالى : ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) (٥) قال محمد 6 أفضل البيوت علي وبابه أفضل الأبواب الذي من دخله كان آمنا (٦).

ويذكر الطوسي في تفسيره الآية : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ... ) (٧) يقول : « روى أصحابنا عن أبي جعفر ( الباقر ) وأبي عبد الله ( الصادق ) أنهم الأئمة من آل محمد فلذلك أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعة رسوله وطاعة نفسه كذلك. ولا يجوز إيجاب طاعة أحد مطلقاً إلا من كان معصوماً مأموناً منه السهو والغلط وليس ذلك بحاصل في الأمراء ولا العلماء وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم » (٨).

____________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٢) أبو حنيفة النعمان المغربي : أساس التأويل ص ٣٣٢.

(٣) سورة الأحقاق ٤٦ : ١٠.

(٤) النعمان بن محمد المغربي : أساس التأويل ص ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٥) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

(٦) النعمان بن محمد المغربي : أساس التأويل ص ٣٦٥.

(٧) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٨) الطوسي : التبيان ج ٦ ص ٢٣٦ وانظر الطبرسي : مجمع البيان ج ٣ ص ٦٤ وقد ذكر الجاحظ هذه الآية ويقول إن الشيعة زعمت أنها نزلت في علي وولده. انظر الجاحظ :


ويذكر الطوسي في تفسير الآية : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل ... ) (١) رواية عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق قال « إن الله تعالى لما أوصى إلى النبي 6 أن يستخلف علياً كان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأوانه » (٢).

ويذكر الطبرسي في تفسير الاية : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ... ) (٣) يقول إنما وليكم ... أي الذي يتولى مصالحكم ويتحقق تدبيركم هو الله تعالى ورسوله ... وهذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة علي بعد النبي بلا فصل والوجه فيه إنه إذا ثبت أن لفظة وليكم تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم ثبت أن المراد بالذين آمنوا علي ثبت النص عليه بالإمامة » (٤).

وقد ذكر ابن طاووس عدداً من الآيات في الولاية وهو يأخذ عمن سبقه فمن جملة ما أورد في تفسيره للآية : ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) (٥) يقول : إن أهل مكة والمدينة يتساءلون عن خلافة علي فالنبأ العظيم يفسره بالولاية (٦).

ويفسر ابن المطهر عدداً من الآيات بالولاية منها قوله تعالى : ( والنجم إذا هوى ما ظل صاحبكم وما غوى ) (٧) فيروي عن ابن عباس قال « كنت جالساً مع فتية بني هاشم عند النبي اذ انقض كوكب فقال : من

__________________

العثمانية ص ١١٥ ، وذكر القاضي عبد الحبار أن هذه الآية من دلائل إمامة علي عند الشيعة لأن الطاعة لا تكون إلا لمن نص عليه وعصم من الخطأ. انظر المغني ج ٢٠ القسم الأول ص ١٤٢.

(١) سورة المائدة ٥ : ٦٧.

(٢) الطوسي : التبيان ج ٣ ص ٥٧٤.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٤) الطبرسي : مجمع البيان ج ٣ ص ٢١١.

(٥) سورة النبأ ٧٨ : ٢.

(٦) ابن طاووس : اليقين في أمرة أمير المؤمنين ص ١٥١ وانظر ١٥٢ ، ١٥٣ ، ١٥٤.

(٧) سورة النجم ٥٣ : ١.


انقض هذا الكوكب في منزله فهو الوصي فقام فتية من بني هاشم فنظروا فإذا الكوكب قد انقض في منزل علي » (١).

ويذكر في تفسير قوله تعالى : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) (٢) قال النبي 6 أنا النذير وعلي الهادي ، وهو نص صريح في ثبوت الإمامة له (٣). ويفسر الآية : ( ولتعرفنهم في لحن القول ) (٤) قال : ببغضهم علياً ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك فسيكون أفضل منهم فسيكون هو الإمام (٥).

أما في قوله تعالى : ( والسابقون السابقون ) (٦) وقوله : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ) (٧) فيذكر أن هذه الآيات نزلت في حق علي وأنها دليل فضله وإمامته (٨).

وبعد هذا ترى الشيعة أن علياً أفضل صحابة رسول الله 6 ولتمتعه بمزايا وصفات انفرد بها ، وتعد ذلك دليلاً آخر على استحقاقه بالإمامة فقد ذكر سليم أن رجلاً من العرب فاخر علي بن أبي طالب فأمره النبي 6 وقال : « أي أخي فاخر العرب فأنت أكرمهم نسباً وأكرمهم زوجة وأكرمهم ولداً وأكرمهم عماً وأعظمهم عناء بنفسك ومالك وأتمهم حلماً وأكثرهم علماً وأنت أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بسنن الله ، أشجعهم قلباً وأجودهم كفاً وأزهدهم في الدنيا وأشدهم اجتهاداً وأحسنهم خلقاً وأصدقهم لساناً وأحبهم إلى الله وإلي » (٩).

ويذكر أن علياً احتج بهذه الصفات وشهد الناس له بذلك ، وأن

__________________

(١) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٥١.

(٢) سورة الرعد ١٣ : ٧.

(٣) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٥٥.

(٤) سورة محمد ٤٧ : ٣٠.

(٥) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٥٦.

(٦) سورة الواقعة ٥٦ : ١٠.

(٧) سورة التوبة ٩ : ٢٠.

(٨) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٥٧ وانظر أيضاً ما جاء في ص ١٥٨ ، ١٦٦ ، حيث يذكر آيات في الدلالة على إمامة علي.

(٩) سليم بن قيس : السقيفة ص ٨٢.


الحسن البصري سمع هذا الكلام وصدقه وأضاف عليه وأكد فضل علي وترحم عليه وبكى حتى بلّ لحيته (١).

ويورد الجاحظ رأي الزيدية قائلاً : « والأشياء التي يستحق بها الخير أربعة التقدم في الإسلام ، والذب عن رسول الله 6 وعن الدين ، والفقه في الحلال والحرام ، والزهد في الدنيا وهي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة (٢). ويبين رأيهم في أحقية علي للخلافة فيقول : إن الأمة أجمعت على أن العلماء من أصحاب رسول الله الذين يؤخذ عنهم العلم أربعة علي وعبد الله بن عباس وابن مسعود وزيد بن ثابت ومنهم من أضاف إليهم عمر بن الخطاب ثم يجعل لهم شروطاً للتفضيل والتقديم بالصلاة فيقدم أقرؤهم لكتاب الله من عمر فسقط عمر. ثم أيهم أولى بالإمامة ولما قال النبي 6 : الأئمة من قريش ، فسقط ابن مسعود وزيد ابن ثابت وبقي علي وابن عباس ، فإذا كان عالمين قريشيين فقيهين فأولاهما بالإمامة أكبرهما سناً وأقدمهما هجرة فسقط ابن عباس وبقي علي فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة ولدلالة الكتاب والسنة عليه » (٣).

ويقول الصاحب بن عباد « وقالت الشيعة أن علي أفضل الناس بعد النبي 6 ثم يعطي رأيه ويقول : « وبعد فالفضيلة تستحق بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاماً وقد قال الله تعالى : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) (٤) وبالجهاد وهو لم يغمد حساماً ولم يقصر إقداماً ، كشاف الكروب ، وفراج الخطوب ، ومسعر الحروب ، قاتل مرحب ، وقالع باب خيبر وصارع عمرو بن عبد ود ومن قال فيه النبي : « لأعطين الراية غداً إلى

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ٨٣.

(٢) هذا الكلام من رسالة للجاحظ ذكرها الأربلي في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج ١ ص ٣٥ ، وقد ورد ذكر هذا في رسائل الجاحظ التي نشرها السندوبي ولكن الجاحظ يذكر أن هذا رأي الزيدية في علي.

(٣) من رسالة للجاحظ في الترجيح والتفضيل نقلها عنه الأربلي في كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة ج ١ ص ٤٠ ، وقد ورد ما يشابه هذا في كتاب استحقاق الإمامة للجاحظ نشرها السندوبي ضمن رسائل الجاحظ على اعتبار أن هذا الرأي الزيدية.

(٤) سورة الواقعة ٥٦ : ١٠.


رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » وقد قال الله تعالى : ( فضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ) (١) وبالعلم ، والنبي 6 قال : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » وأثر ذلك بين لأنه لم يسأل من الصحابة أحداً وقد سألوه ولم يستفتهم وقد استفتوه حتى أن عمر يقول « لولا علي لهلك عمر » وقد قال الله تعالى : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (٢) و ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (٣).

وبعد « فهو الذي آثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجاً قوته إليهم عند فطره حتى أنزل الله تعالى : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (٤) فأخذ نبيه 6 وعده عليه بالجنة والحديث طويل وفضله كثير وهو الذي تصدق بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله تعالى فيه : ( إنما وليكم الله ورسوله ) (٥).

وقد ذكر ابن المطهر صفات علي وأفرد لها باباً خاصاً في النص على إمامته.

ومما ذكره : إنه كان أعبد الناس وأزهدهم وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله وذكر شجاعته وأخباره ومشاركته النبي ومواساته له في الحروب والغزوات ثم ذكر صفاته الأخرى كرد الشمس له مرتين وروى أيضاً بعض المعجزات (٦).

كما ذكرابن المطهر أن هذه الفضائل اما أن تكون نفسانية أو بدنية

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٩٥.

(٢) سورة الزمر ٢٩ : ٩.

(٣) سورة فاطر ٣٥ : ٢٨.

(٤) سورة الإنسان ٧٦ : ٨.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٥٥ الصاحب بن عباد : الإبانة عن مذهب أهل العدل ( نفائس المخطوطات ـ المجموعة الأولى ، تحقيق محمد حسن آل ياسين ).

(٦) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٧٤ ـ ١٩١. في رد الشمس انظر الشيخ حسن بن عبد الوهاب : عيون المعجزات ص ٢ ، العاملي : المجالس السنية ج ٣ ص ١٣٤ ، ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص ٥٥ ـ ٥٧ ، وانظرأيضاً رسالة للشيخ كاظم الخطيب « رد الشمس » طبعت في بغداد.


أو خارجية فاما أن تكون متعلقة بالشخص أو بغيره وأمير المؤمنين جمع الكل.

فأما فضائله النفسانية المتعلقة به كعلمه وزهده وكرمه وحلمه فهي أشهر من أن تخفى ، والمتعلقة بغيره ظهور العلوم عنه واستفاد غيره منه ، وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدق ، أما الخارجية فكالنسب ولم يلحقه فيه أحد لقربه من رسول الله 6 وتزويجه إياه ابنته (١).

وفضائل علي كثيرة ألفت فيها أيضاً كتب كثيرة ، ألف فيها الإمامي وغير الإمامي ، وقد ذكرت أغلب هذه الفضائل حسب تطورها الزمني بالنسبة لحياة علي مع النبي 6 ولدلالة تلك الأحاديث على الإمامة عند الشيعة (٢).

وبهذا أثبتت الشيعة إمامة علي بن أبي طالب وأهلته لمقام الرسول 6 لفضله وما جاء فيه من السنة والقرآن.

وترى الشيعة أن الإمامة انتقلت من علي بن أبي طالب إلى أولاده بالنص عليهم من رسول الله 6.

فقد ذكر سليم بن قيس أن علياً سأل رسول الله 6 عن الأوصياء فقال : « كلهم هاد مهتد لا يضرهم كيد من كادهم ولا خذلان من خذلهم هم مع القرآن والقرآن معهم ، فقلت : يا رسول الله سمهم لي فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن ، ثم ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين ، ثم ابن له على اسمي اسمه محمد باقر علمي وخازن وصي الله وسيولد علي في حياتك فاقرأه مني السلام ثم أقبل على الحسين فقال : سيولد لك محمد بن علي

__________________

(١) ابن المطهر : منهاج الكرامة ص ١٧٤ ـ ١٩١.

(٢) ألفت في المناقب كتب كثيرة منها كتاب مناقب آل أبي طالب : ابن شهر اشوب ، مناقب أمير المؤمنين : الفضل بن شاذان القمي ، الطرف : ابن طاووس ، كشف اليقين : ابن المطهر ، الخوارزمي : المناقب ، القرشي ، كفاية الطالب في مناقب علي ، المحب الطبري : ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى وغيرها كثير.


في حياتك فاقرأه مني السلام .. ثم يستمر إلى نهاية الاثنى عشر إماماً ، من ولدك يا أخي ، فقلت : يا نبي الله سمهم لي فسماهم رجلاً رجلاً منهم والله هلال مهدي هذه الأمة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (١).

ويؤكد سليم صحة هذا الخبر بأنه سأل الحسن والحسين عنه فشهدا له بذلك (٢).

وكما أورد سليم هذا عن النبي أورده كذلك عن علي بن أبي طالب فقد ذكر ، أن علياً قال له : « يا سليم إن أوصيائي أحد عشر رجلاً كلهم محدثون فقلت : يا أمير المؤمنين من هم؟ قال : ابني هذا الحسن ، ثم ابني هذا الحسين ، ثم ابني هذا وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين وهو رضيع ، ثم ثمانية من ولده واحداً بعد واحد هم الذين أقسم الله بها فقال : ( ووالد وما ولد ) (٣) فالوالد رسول الله 6 وأنا ما ولد يعني هؤلاء الأحد عشر أوصياء فقلت : يا أمير المؤمنين فيجتمع إمامان؟ قال : نعم إلا أن واحداً صامت لا ينطق حتى يهلك الأول» (٤).

وسليم بن قيس أول من كتب في الإمامة عند الشيعة فيبدو مما ذكر أنه يرى أن الإمامة في أولاد علي وأنها منصوص عليها من النبي 6 ، كما يرى أن الإمامة في أولاد الحسين فقط ، ثم يذكر أن الأئمة اثنا عشر إماما وان آخرهم المهدي وأن النبي 6 قد بشر بظهوره.

وكما اعتمدت الشيعة على القرآن لإثبات إمامة علي بن أبي طالب كذلك اعتمدوا عليه لإثبات امامة الأئمة من بعده.

فقد أورد فرات في تفسيره عدداً من الآيات في ولاية الأئمة فمن جملة ما أورد قوله تعالى : ( وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ٩٤.

(٢) ن. م ص ٩٥.

(٣) سورة البلد ٩٠ : ٣.

(٤) سليم بن قيس : السقيفة ص ٢٠١.


السبل ) (١) قال في تفسير هذه الآية : علي والأئمة من ولد فاطمة وهم صراطه فمن أتاه سلك السبيل (٢).

ويذكر أيضاً في تفسير الآية : ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) (٣) فقال أمير المؤمنين علي : « نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها ونحن باب الله الذي يؤتى فمن يأتينا وآمن بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » (٤). ويفسر الآية : ( إن في ذلك لآيات لأولى النهى ) (٥) قال عن أبي عبد الله الصادق « نحن والله أولى النهى ونحن قوام الله على خلقه وخزانهُ على دينه ... » (٦) وقد فسر علي بن إبراهيم القمي عدداً من الآيات في الولاية أيضاً ، منها قوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ) (٧) قال « النبيين رسول الله 6 والصديقين علي والشهداء الحسن والحسين والصالحين الأئمة وحسن أولئك رفيقاً يقال للقائم من آل محمد » (٨).

وقد فسر قوله تعالى : ( فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ) (٩) يقول : هم الذين تمسكوا بولاية أمير المؤمنين علي والأئمة (١٠). ويفسر الآية : ( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) (١١) فالتين رسول الله 6 والزيتون علي بن أبي طالب وطور

__________________

(١) سورة الأنعام ٦ : ١٥٣.

(٢) فرات : تفسير فرات ص ٤٥.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٨٩.

(٤) فرات : تفسير ص ٤٥ ـ ٤٦.

(٥) سورة طه ٢٠ : ٥٤.

(٦) فرات : تفسير فرات ص ٩٢.

(٧) سورة النساء ٤ : ٦٩.

(٨) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٧٧.

(٩) سورة النساء ٤ : ١٧٥.

(١٠) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٨٩.

(١١) سورة التين ٩٥ : ١.


سنين والبلد الأمين الأئمة (١).

ويذكر الكليني أن الأئمة منصوص عليهم من الله ورسوله فيفسر قوله تعالى : ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) (٢) بأنها نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين (٣).

ويذكر عن أبي جعفر الباقر في قول الله عزَّوجلَّ : ( إن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) (٤) قال : نزلت في الأمرة ، وان هذه الآية جرت في ولد الحسين من بعده ، فنحن أولى بالأمر وبرسول الله من المؤمنين والمهاجرين والأنصار (٥).

ويورد رواية عن أبي عبد الله الصادق في تفسير قوله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ) (٦) قال : « إنما يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم ، الله ورسوله والذين آمنوا يعني علياً وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة » (٧).

فيبدو مما مر أن هذا هو رأي الشيعة الإمامية الذين يحصرون الإمامة في علي وأولاده من بعده وأنها مختصة بأولاد الحسين دون الحسن فخط الإمامة عندهم متسلسل في الأئمة بعد علي إلا أن هذا الخط لم يستمر في طريقه وإنما ظهرت منه خطوط أخرى نتيجة لما مر به من أحداث.

ولتوضيح ذلك يجب دراسة الإمامة بضوء ما مر بها من أحداث أثرت على تطورها.

__________________

(١) علي بن إبراهيم : تفسير القمي ص ٣٦٨.

(٢) سورة النساء ٤ : ٥٩.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٧ ( كتاب الحجة ).

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٥) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٨.

(٦) سورة المائدة ٥ : ٥٥.

(٧) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٨.


ب ـ إمامة الحسن بن علي :

فالحسن بن علي هو الإمام بعد مقتل علي بن أبي طالب وقد دللت الشيعة على إمامته بوصية علي له وقد ذكر الكليني حديثاً عن سليم بن قيس قال « شهدت وصية أمير المؤمنين حين أوصى إلى ابنه الحسن وأشهد على وصيته الحسين ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته ثم دفع إليه السلاح والكتاب وقال لابنه الحسن : يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى غلي رسول الله ودفع إلى كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين. ثم أقبل على ابنه الحسين فقال : وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا : ثم أخذ بيد علي بن الحسين ثم قال لعلي بن الحسين : وأمرك أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي وأقرأه مني السلام » (١).

ويؤكد هذا المسعودي ويقول : « وكان أمير المؤمنين في خلال ذلك يشير إليه وينص عليه بآي من القرآن والأحاديث فلما حضرت وفاته دعاه ودعا بأبي عبد الله وبجميع أولاده وثقات شيعته وسلم إليه الوصية التي تسلمها من رسول الله 6 (٢).

فالوصية هنا الوصية بالإمامة بعده.

ويقول المفيد : « وكان الحسن وصي أبيه أمير المؤمنين على أهله وولده وأصحابه ووصاه بالنظر في وقوفه وصدقاته وكتب إليه عهداً مشهوراً ووصية ظاهرة » (٣).

ويتكلم الطوسي عن إمامة الحسن والحسين ويستدل على إمامتهما بعدة أدلة منها : إجماع أهل البيت على القول بإمامتها بعد أبيهما ، وتواتر الشيعة خلفاً عن سلف بالنص عليهما من أبيهما ، والنص من النبي 6 بإمامة الأئمة الاثني عشر ، وقول النبي : « ابناي هاذان إمامان قاما أو

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٨.

(٢) المسعودي ( منسوب ) : إثبات الوصية ص ١٥٤.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ١٨٧.


قعداً » (١).

فالحسن هو الإمام بعد علي فجماعة الشيعة التي اعتقدت بإمامة علي « لزمت القول بإمامة الحسن إلا شرذمة منهم فإنه لما وادع معاوية وأخذ منه المال الذي بعث به إليه على الصلح ازروا على الحسن وطعنوا فيه وخالفوه ورجعوا عن إمامته وشكوا فيها » (٢).

فيبدو أن تنازل الحسن قد سبب خلافاً بين أصحابه وأدى إلى خروج جماعة منهم وتركهم إمامته.

وبقي الآخرون على القول بإمامة الحسن بن علي وموالاته وقد بين الطوسي أن تنازل الحسن إنما كان « لأنه كان مغلوباً مقهوراً فلجأ إلى التسليم » (٣).

ونفى الطوسي كل الوجوه الداعية إلى بطلان إمامته بتنازله فقال : « اما قول السائل أنه خلع نفسه من الإمامة فمعاذ الله لأن الإمامة بعد حصولها للأمام لا يخرج عننها بقوله : وإن خلع الإمام نفسه لا يؤثر في خروجه من الإمامة وإنما ينخلع بالأحداث والكبائر ، ولو كان خلعه مؤثراً لكان إنما يؤثر إذا وقع اختياراً فأما ما يقع مع الإلجاء والإكراه فلا تأثير له.

فأما البيعة فإن أريد بها الصفقة وإظهار الرضا فقد كان ذلك لكنّا بينا جهة وقوعها والأسباب المحوجة إليها ولا حجة في ذلك عليه كما لم يكن في مثله حجة على أبيه لما بايع من تقدمه ... وهو إنما كف للخوف على الدين والمسلمين.

أما أخذ الصلاة فسايغ بل واجب لأن كل مال في يد الغالب الجاير المتغلب على أمر الأمة يجب على جميع المسلمين انتزاعه من يده كيفما أمكن بالطوع أو الإكراه ووضعه في مواضعه ، فإذا لم يتمكن من انتزاع

__________________

(١) تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٦٧.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٣. وانظر الطبرسي : أعلام الورى ص ٢٠٦ ، الأربلي كشف الغمة ج ٢ ص ١٥٣ ، وانظر أيضاً كتاب صالح الحسن : محمد مرتضى آل ياسين.

(٣) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٧٨.


جميع ما في يد معاوية من أموال الله وأخرج هو شيئاً منها إليه على سبيل الصلة فواجب عليه أن يتناوله من يده ويأخذ منه حقه ويقسمه على مستحقيه.

فأما إظهار موالاته فما أظهر منها شيئاً كما لم يبطنه وكلامه فيه بمشهد معاوية ومغيبه معروف ظاهر ولو فعل خوفاً واستصلاحاً وتلافياً للشر العظيم لكان واجباً كما فعل أمير المؤمنين مع المتقدمين عليه (١).

فلما توفي الحسن بن علي في المدينة سنة ٤٩ هـ (٢) ، نزلت الفرقة القائلة بإمامته بعد وفاته إلى القول بإمامة أخيه الحسين بن علي (٣).

جـ ـ إمامة الحسين بن علي :

فالحسين بن علي الإمام بعد الحسن وتستدل الشيعة على إمامته بعدة أدلة ، فقد ذكر الكليني رواية عن أبي عبد الله الصادق قال : لما حضرت الحسين بن على الوفاة ... دعا قنبراً ومحمد بن علي وأوصاهم قال « يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي 6 أضافها الله عزَّوجلّ في وراثة أبيه وأمه فعلم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمداً واختار محمد علياً واختارني علي بالإمامة واخترت أنا الحسين » (٤).

ثم ما ورد بحقه من النبي 6 بقوله : « ابناي هاذان إمامان قاما أو قعدا » وقوله 6 : ان الأئمة اثني عشر (٥) ، وما ذكره سليم بن قيس عن النبي وعن علي بن أبي طالب في أن الأئمة اثنى عشر وذكر علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي (٦).

فالحسين بن علي هو الإمام بالنص من أبيه وجده ووصية أخيه

__________________

(١) تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٧٨.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٠٠.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٤.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠١ وقد نقل هذا الخبر الطبرسي في أعلام الورى ص ٢١٥.

(٥) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٧٠.

(٦) سليم بن قيس : السقيفة ص ٩٤ ، ٢٠١.


الحسن. واستمرت الشيعة على القول بإمامة الحسين حتى استشهد في أيام يزيد بن معاوية سنة ٦١ هـ.

ويبدو أن مقتل الحسين قد سبب خلافاً بين شيعته وأدى الى خروج جماعة عن إمامته. فيذكر النوبختي لما قتل الحسين « حارت فرقة من أصحابه وقالت : قد اختلف علينا فعل الحسن والحسين لأنه كان الذي فعله الحسن حقاً واجباً وصواباً من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقلة أنصار الحسين وضعفيهم وكثرة أصحاب يزيد حتى قتل وقتل معه أصحابه باطل غير واجب لأن الحسن كان أعذر في العقود عن محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية ... فقعود الحسن باطل فشكوا في إمامتهما » (١).

وقد نافش الطوسي ذلك فقال : « إن الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك وإن كان فيه ضرب من المشقة يحتمل مثلما تحملها أبو عبد الله » (٢).

وقد قام الشيعة بحركة بعد مقتل الحسين للطلب بثأره وهي حركة التوابين كما تقدم ذكرها في الفصل الأول ، وقد قامت الحركة في بادىء الأمر للثأر ممن قتل الحسين ، ولم تدع باسم امام معين ولكن المختار الذي تزعم حركة الشيعة بعد فشل التوابين « ادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك وأنه الإمام بعد أبيه لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة »(٣).

فظهر خط جديد أو فرقة جديدة خرجت بالإمامة عن خط أبناء الحسين بعد مقتله « وقالت بإمامة محمد بن الحنفية وزعمت أنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى امير المؤمنين من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الإمام بعد الحسين » (٤).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٣.

(٢) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٨٢.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٠.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٥.


وقد ظهرت فرق عديدة دعت إلى إمامة محمد بن الحنفية دعوات مختلفة أهمها الكيسانية وسيأتي الكلام عنها في باب الدعوة العباسية.

« أما الشيعة العلوية الذين قالوا بفرض الإمامة لعلي بن أبي طالب من الله ورسوله فإنهم ثبتوا على إمامته ثم إمامة الحسن من بعده ثم إمامة الحسين بعد الحسن ، ثم افترقوا بعد قتل الحسن فرقاً فنزلت إلى القول بإمامة علي بن الحسن » (١).

النوبختي هنا يذكر الشيعة العلوية وهؤلاء يمكن أن نعتبرهم الشيعة الإمامية أو البدايات الشيعة الإمامية لأن هذا رأيهم استمر فيما بعد.

د ـ إمامة علي بن الحسين ( زين العابدين ) :

فعلي بن الحسين هو الإمام بعد أبيه الحسين وأنه أوصى بالإمامة إليه. فقد ذكر الكليني عن أبي عبد الله الصادق « إن الحسين لما صار إلى العراق استودع أم سلمة الكتب والوصية ، فلما رجع علي بن الحسين دفعتها إليه » (٢).

وقد ذكر سليم أن علياً بن الحسين قد نص على إمامته من قبل النبي 6 (٣).

ويفند الطوسي قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فيقول : « إن قول علي له أنت ابني حقاً مع كون الحسين والحسن ابنيه فليس في ذلك ما يدل على إمامته على وجه إنما يدل على فضله ومنزلته عنده » (٤) فالطوسي بهذا يؤكد إمامة علي بن الحسين.

وظهرت جماعة أخرى قالت : « إن الإمامة انقطعت بعد الحسين إنما كانوا ثلاثة أئمة مسمين بأسمائهم استخلفهم رسول الله 6 وأوصى إليهم

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٤٧.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٤.

(٣) سليم بن قيس : السقيفة ص ٩٤.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٩١.


وجعلهم حججاً على الناس وقواماً بعده واحداً بعد واحد فلم يثبتوا إمامة لأحد بعدهم »(١)

وهكذا إن الإمامة لم تستقر في خط معين وإنما تشعبت في خطوط مختلفة متأثرة بتطور الأحداث التي مرت بها.

هـ ـ إمامة محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) :

وبعد وفاة علي بن الحسين قالت الشيعة : « الذين ثبتوا الإمامة لعلي بن أبي طالب ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين نزلوا إلى القول بإمامة أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم فأقاموا على إمامته » (٢) ويقول الشيخ المفيد : « وكان محمد الباقر من بين إخوته خليفة أبيه عن الحسين ووصيه والقائم بالإمامة بعده ... » (٣).

إلا أن الشيعة لم تدن جميعها بإمامة محمد الباقر وإنما ظهرت اختلافات بين الشيعة حول مسألة الإمامة.

وقد قام في هذه الفترة زيد بن علي بن الحسين بحركة لمقاومة الأمويين وتبعه جماعة من الشيعة وقد أتى زيد بآراء جديدة منها جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل ودعا إلى الخروج على السلطان الظالم فمال إليه جماعة وخالفه آخرون ، وقد بدأت آراء زيد بالظهور أيام محمد الباقر ولم يمنع الباقر الناس من تأييده ونصرته (٤).

ولكن الشيعة الذين قالوا بإمامة محمد الباقر خالفوا زيداً وتركوه.

وقد عللت المصادر الإمامية حركة زيد بأنه إنما « ظهر بالسيف يطلب بثارات الحسين ويدعو إلى الرضا من آل محمد فظن الناس أنه يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها له لمعرفته باستحقاق أخيه الباقر الإمامة من قبل ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق » (٥).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٤٨.

(٢) النوبختي ص ٥٢.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٢٦١.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف جـ ٣ الورقة ٦٦ آ.

(٥) الطبرسي : أعلام الورى ص ٢٥٧.


ويفنذ الطوسي رأي القائلين بإمامة زيد بقوله أنه لم يكن منصوصا عليه (١).

وكان لظهور زيد أثر كبير على تطور الإمامة فقد تبعه جماعة وخرجوا عن إمامة محمد الباقر وقالوا : « إن الإمامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن والحسين فهي فيهم خاصة دون سائر ولد علي بن أبي طالب وهم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم ودعا إلى نفسه فهو الإمام المفروض الطاعة بمنزلة علي بن أبي طالب واجبة إمامته ... ومن ادعى الإمامة وهو قاعد في بيته مرخي عليه ستره فهو كافر مشرك » (٢).

وقد تبنى هذه الآراء فيما بعد أبناء الحسن وساروا عليها فالتزموا الثورة على السلطان ، فظهر خط جديد وهو الخط الزيدي الذي لعب أتباعه دوراً كبيراً في العصر العباسي الأول.

وقد استمر قسم كبير من الشيعة على القول بإمامة محمد الباقر حتى توفي سنة ١١٤ هـ (٣).

فنلاحظ أن هناك جماعة التزمت السير بخط واحد فبدأت بإمامة علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم أولاد الحسين ، وهذه الجماعة تهمنا لأنها تكون البذرة الأولى للشيعة الإمامية التي تقول بإمامة علي بن أبي طالب وأبنائه وأن الإمامة مقصورة على اثنى عشر إماماً ، ولكن يبدو أن فكرة الإمامة لم تكن مستقرة في هذه الفترة بدليل ظهور الاختلافات والفرق العديدة.

٢ ـ الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة :

لقد قاد المختار بن أبي عبيد الثقفي حركة الشيعة في الكوفة بعد فشل التوابين وقد « ادعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك ، وأنه الإمام بعد أبيه لأنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة » (٤).

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٩٤.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٤٨.

(٣) ن. م ص ٥٣.

(٤) ن. م ص ٢٠.


وسميت الجماعة التي اعتقدت بإمامة محمد الحنفية الكيسانية (١). ويذكر الشهرستاني أن المختار كان يدعو إلى محمد بن الحنفية ويظهر أنه من رجاله ودعاته ، ويذكر علوماً مزخرفة ينوطها به ، ولما وقف محمد بن الحنفية على ذلك تبرأ منه ، وأظهر لأصحابه أنه إنما نمس على الخلق ذلك ليتمشى أمره ويجتمع الناس عليه (٢).

وقد انقسمت الكيسانية إلى فرق عديدة وظهرت لها دعوات متعددة أيام محمد بن الحنفية ، فمنهم من قال : « إن محمد بن الحنفية هو الإمام المهدي وهو وصي علي ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا يشهر سيفه إلا بإذنه ، وإنما خرج الحسن إلى معاوية محارباً له ووادعه وصالحه بإذنه وخرج الحسين إلى قتال يزيد باذنه ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا ومن خالف محمد بن الحنفية من أهل بيته وغيرهم فهو كافر مشرك » (٣).

وفرقة قالت : إنه لم يبق بعد الحسن والحسين أحد أقرب إلى أمير المؤمنين علي من محمد بن الحنفية فهو أولى الناس بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن من ولد الحسن فمحمد هو الإمام بعد الحسين (٤).

وفرقة أخرى منهم قالت : إن علياً نص على إمامة ابنه الحسن ، وإن الحسن نص على إمامة أخيه الحسين وإن الحسين نص على إمامة اخيه محمد بن علي وهو محمد بن الحنفية (٥).

ويذكر البغدادي أن الكيسانية ترى « أن الإمامة بعد علي كانت لابنه

__________________

(١) الكيسانية وهم المختارية وإنما سموا كذلك لأن رئيسهم الذي دعاهم إلى ذلك المختار ابن أبي عبيد الثقفي وكان لقبه كيسان ( سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢١ ) ويرى الرازي أن كيسان مولى لعلي بن أبي طالب وعنه أخذ المختار هذه المقالة وقال قوم كيسان مولى عرينه وهو صاحب المختار ، الزينة الورقة ١٣٨.

(٢) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٣٧.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٦.

(٤) ن. م ص ٢٥.

(٥) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ١٩.


الحسن ثم للحسين بعد الحسن ثم إلى محمد بن الحنفية ، بوصية أخيه الحسين إليه حين هرب من المدينة إلى مكة حين طولب بالبيعة ليزيد بن معاوية » (١).

ولما توفي محمد بن الحنفية بالمدينة سنة ٨٩ هـ تفرق أصحابه فرقاً متعددة (٢) فظهرت فرقة تقول ان محمد بن الحنفية حي لم يمت وأنه مقيم بجبال رضوي بين مكة والمدينة وهو عندهم الإمام المنتظر الذي بشر به النبي 6 وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً (٣).

فنلاحظ من هذا بداية فكرة المهدي المنتظر عند الكيسانية وقد لقب محمد بن الحنفية بالمهدي في حياته أيضاً كما مر بنا من ادعاء المختار بأن محمد بن الحنفية أمره بطلب ثأر الحسين فكان يقول : « إن المهدي ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم »(٤) ، كما أنه حينما يراسله كان يكتب « من المختار إلى المهدي محمد بن علي » (٥).

ويبدو أن الكيسانية متصلة في مبادئها بالسبيئة ففكرة الرجعة أول ما ظهرت عند السبئية بعد قتل علي (٦).

كما أن فكرة السبئية التي تقول أن علياً في الحساب ظهرت عند بعض فرق الكيسانية ، فيذكر سعد القمي « وزعمت فرقة من الكيسانية أن علياً في السحاب وأن تأويل قول الله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) (٧) إنما يعني ذلك علياً (٨).

وقالت الكيسانية أيضاً بالوقف على الأئمة وهي في هذا تشابه السبئية

__________________

(١) البغدادي : الفرق بين الفرق ص ٣٩ وانظر الرسعني : مختصر الفرق بين الفرق ص ٣٦.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٤.

(٣) ن. م ص ٢٥.

(٤) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٥ ص ٢١٨.

(٥) مؤلف مجهول : أخبار العباس الورقة ٤٥ آ.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٩.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٢١٠.

(٨) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٧.


التي كانت أول فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبي 6 (١) ، لذلك قالوا أن محمد بن الحنفية لم يمت ولكنه وضع ذلك مثلاً لئلا يدركه الطالب كما وضع النبي علياً في موضعه وابانه في مضجعه ومضى مهاجراً فغيبه الله في جبل رضوى بين أسدين ونمرين تؤنسه الملائكة ويحرسه النمران لذلك قال كثير عزة ( ت ١٠٥ هـ ) الشاعر وكان ممن قال بإمامته في ذلك العصر لما طال عليه أمره :

الا أن الأئمـة مـن قـريـش

ولاة الحـق أربعــة سـواء

علـي والثـلاثـة مـن بنيـه

هـم الأسباط ليس بهـم خفاء

وسبـط سبـط إيمـان وبـر

وسبـط غيبـة كـربــلاء

وسبط لا يـذوق الموت حتـى

يقـود الخيل يقـدمها اللـواء

يغيـب لا يـرى فيهم زمـاناً

برضوى عنده عسل وماء (٢)


وكما قال السبيئة بأن علياً إله (٣) ، كذلك قالت الكيسانية أتباع حمزة ابن عمارة البربري بأن محمد بن الحنفية هو الله (٤).

ومن هنا يبدو أن قسماً من أتباع المختار كانوا من السبئية ، فيذكر البغدادي : « ان المختار خدعته السبئية الغلاة من الرافضة فقالوا له : أنت حجة هذا الزمان وحملوه على دعوى النبوة فادعاها عند خواصه وزعم أن الوحي ينزل عليه » (٥).

كما أن الطبري يذكر أن المختار كان له كرسي يستنصر به فيورد رواية عن طفيل بن جعدة بن هبيرة أنه أراد أن يختبر المختار فأخذ كرسياً قديماً من جار له ثم قال للمختار أنه كرسي يجلس عليه جعدة بن هبيرة كأنه يرى فيه أثره من علم ، فأخذه المختار وكان يخرجه إلى المسجد ويقول : « إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٩.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٨.

(٣) ن. م ص ٢١.

(٤) ن. م ص ٣٢.

(٥) البغدادي : الفرق بين الفرق ص ٤٧.


مثله وأنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه بقية مما ترك آل موسى وآل هارون وان هذا فينا مثل التابوت وقامت السبئية ورفعوا أيديهم وكبروا ثلاثاً ... » (١).

فيظهر أن السبئية كانت ملتفة حول المختار حتى أن أتباع المختار كانوا يسمون السبئية وفي ذلك يقول أعشى همدان :

شهدت عليكم أنكم سبئية

وأني بكم يا شرطة الشرك عارف

وأقسم ما كرسيكم بسكينة

وان كان قد لفت عليه اللفائف

وان ليس في التابوت فينا وإن سعت

شبام حواليه ونهد وخارف (٢)

وهكذا فالكيسانية فرقة جديدة من فرق الشيعة إلا أنها لا تعد ضمن الشيعة الذين قالوا بإمامة علي والحسن والحسين وأبناه الحسين لأنها أخرجت الإمامة إلى محمد بن الحنفية كما أنها جاءت بمبادىء كمبادىء السبئية أو الغلاة وهؤلاء خارج نطاق الخط الشيعي الذي نحن بصدده.

ولعل هذا السبب الذي دعا الرازي لأن يعد الكيسانية من الغلاة فقال : « ومن السبأية انبعثت أصناف الغلاة وتفرقوا بالمقالات ومنهم أصناف الكيسانية منهم البيانية أتباع بيان والنهدية أتباع صائد النهدي والهاشمية ... » (٣).

وقد جاءت الكيسانية باراء مختلفة ولم تقتصر دعواتها إلى محمد بن الحنفية فقط ، وإنما دعا بعض أتباع هذه الفرق إلى أنفسهم كما يظهر ذلك من دعوة حمزة بن عمارة البربري ، حيث ادعى أنه نبي وأن محمد بن الحنفية هو الله ، وأنه الإمام فتبعه بيان وبرئت منه الشيعة (٤).

إلا أن أهم فرقة من الكيسانية هي الفرقة التي أقرت بموت محمد بن الحنفية وقالت : « إن محمد بن الحنفية مات والإمام بعده عبد الله بن

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٦ ص ٨٢.

(٢) ن. م ج ٦ ص ٨٣.

(٣) الرازي : الزينة الورقة ٢٤٨.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٠.


محمد ابنه وكان يكنى أبا هاشم وهو أكبر ولده وإليه أوصى أبوه فسميت هذه الفرقة الهاشمية بأبي هاشم » (١).

فأبو هاشم هو وصي محمد بن الحنفية لذلك قالت الكيسانية : إن الإمامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في ابن الحنفية ومعنى ذلك أن روح الله صارت في النبي وروح النبي صارت في علي وروح علي صارت في الحسن وروح الحسن صارت في الحسين وروح الحسين صارت في محمد بن الحنفية وروح ابن الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم (٢).

كما قالوا : « إنه أفضى إليه بأسرار العلوم واطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس وتقدير التنزيل على التأويل ، وتصوير الظاهر على الباطن ، وقالوا : إن لكل ظاهراً باطناً ولكل تنزيل تأويل ... وهو العلم الذي استأتر علي به ابنه محمد وهو أفضى بذلك السر إلى ابنه أبي هاشم وكل من اجتمع له هذا العلم فهو الإمام حقاً » (٣).

ودعوة الغلو في الأئمة ليست جديدة فقد ظهرت أيام علي وأيام أبنائه كما ظهرت في أيام محمد بن الحنفية ولكنهم تبرؤوا منها كما مر بنا.

ويظهر أن الأمر قد اختلف في أيام أبي هاشم فيرى الدوري : « ان أبا هاشم كان طموحاً فحاول الاستفادة من هذه الآراء » (٤).

ويذكر ابن عبد ربه أنه قام بأمر الشيعة وأنهم كانوا يأتونه ويقوم بأمرهم ويؤدون إليه الخراج (٥).

وترد هنا كلمة شيعة والمقصود بها هنا ليست الجماعة التي شايعت علياً وقدمته على سائر أصحاب الرسول ، وإنما الجماعة التي أخرجت

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٧.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٢٦.

(٣) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٣.

(٤) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠.

(٥) ابن عبد ربه : العقد الفريد ج ٣ ص ١٩٤.


الإمامة من أبناء علي إلى غيرهم وجاءت بآراء غريبة عن الشيعة كما فعل الكيسانية ، ثم أطلقت هذه اللفظة على شيعة بني العباس كما سنرى ذلك.

ويبدو مما يرويه صاحب أخبار العباس أن هناك جماعة أو شيعة لأبي هاشم تأتم به فقد ذكر أن أبا هاشم قدم على الوليد بسبب نزاعه مع زيد بن الحسن ، فوشى زيد بن الحسن بأبي هاشم وقال : إن له شيعة من أصحاب المختار يأتمون به ويحملون إليه صدقاتهم فحبسه الوليد (١).

وقد توسط علي بن الحسين ( زيد العابدين ) عند الوليد فأطلق أبا هاشم وقرب منزلته منه (٢).

وهناك روايات تفيد أن أبا هاشم وفد على سليمان بن عبد الملك وأن سليمان خاف منه فدس له السم (٣).

فلما مات أبو هاشم افترق أصحابه إلى عدة فرق منها من قال إن عبد الله مات وأوصى إلى أخيه علي بن محمد بن الحنفية (٤).

وأخرى قالت : أوصى إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (٥).

وقالت فرقة من أتباع أبي هاشم : إنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب لأنه مات عنده بأرض الشراة بالشام وأنه دفع الوصية إلى أبيه علي بن عبد الله بن العباس لصغر سن محمد بن علي عند وفاة أبي هاشم وأمره أن يدفعها إليه (٦).

فنلاحظ أنه من هنا بدأ التحول في الإمامة إلى آل العباس وكانت هذه حجة بني العباس في انتقال الإمامة إليهم.

__________________

(١) مؤلف مجهول : أخبار العباس الورقة ٧٩ أ.

(٢) ن. م الورقة ٢٨٠ ب.

(٣) اليعقوبي ج ٣ ص ٤٠ ، الأصفهاني : المقاتل ص ١٢٦ ، أخبار العباس الورقة ٨٤ ب.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٣٨.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٣٩.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ٢٩.


ويذكر البلاذري ، لما سم أبو هاشم وهو في طريقه إلى الحجاز عدل الى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالحميمة فأوصى إليه وجمع بينه وبين قوم من الشيعة وأعطاه كتبه فقالت الشيعة : « قد زالت الشبهة وصرح اليقين بأنك الإمام وأن الخلافة في ولدك فمال إليه الناس وثبتوا على إمامته وإمامة ولده (١).

فالمقصود بالشيعة هنا الشيعة الهاشمية التي قالت بانتقال الإمامة من أبي هاشم إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وقد ظل اسمهم هذا فترة من الزمن وكان محمد بن علي أول عباسي اعتبرته الهاشمية شيعة أبي هاشم إماماً (٢).

ويبدو مما مر أن أبا هاشم توفي ولا عقب له (٣).

ويبدو أن الصلة بين أبي هاشم ومحمد بن علي كانت وثيقة جداً فقد اتصل محمد بن علي بأبي هاشم وكتب عنه العلم وصار تلميذاً أميناً له حتى أنه إذا قام أبو هاشم يركب أخذ له بالركاب (٤).

كما يذكر صاحب أخبار العباس أنه بعد وفاة أبي هاشم اشتد وجد محمد بن علي عليه وظهر ذلك في وجهه ولما سئل عن سبب جزعه قال « إن ابا هاشم كان رجلاً من ولد علي وكان يتقدم أهلي جميعاً في شدة وده ولي وتعظيمه إياي » (٥).

وقبل وفاة أبي هاشم دفع إلى محمد بن علي الصحيفة الصفراء ، وهذه الصحيفة كانت لعلي بن أبي طالب ثم أخذها محمد بن الحنفية من أخويه الحسن والحسين لتكون حصته من علم أبيه ظن فلما حضرته الوفاة دفعها إلى ابنه أبي هاشم ، وفيها « علم رايات خراسان السوداء ، متى تكون وكيف تكون، ومتى تقوم ، ومتى زمانها ، وعلاماتها ، وآياتها وأي أحياء

____________

(١) البلاذري : أنساب الاشراف ج ٣ الورقة ٦٦ أ.

(٢) أخبارالعباس الورقة ٧٥ ب.

(٣) البخاري : سر السلسلة العلوية ص ٨٥.

(٤) أخبار العباس الورقة ٧٨ ب.

(٥) أخبر العباس الورقة ٨٧ أ.


العرب أنصارهم ، وأسماء رجال يقومون بذلك ، وكيف صفتهم وصفة رجالهم وأتباعهم » (١).

وقد ذكر صاحب أخبار العباس وصية أبي هاشم إلى محمد بن علي ، فذكر أن أبا هاشم أخرج من كان في الدار معهما ، ثم قال له : « يا أخي أوصيك بتقوى الله ... ومن بعد ذلك فإن هذا الأمر الذي تطلبه وتسعى في طلبه ، وسعوا فيه فيك وفي ولدك. حدثني أبي أن علياً قال : يا بني لا تسفكوا دماءكم فيما لم يقدر لكم بعدي فإن هذا الأمر كائن بعدكم ببني عمكم من ولد عبد الله بن عباس » (٢).

ثم دعا أبو هاشم أتباعه وقال لهم : « وهذا صاحبكم ( محمد بن علي ) فأتموا به وأطيعوه ترشدوا فقد تناهت الوصايا إليه » (٣).

وبهذا صار محمد بن علي « مرشحاً للإمامة واستقر الأمر حين أعطي الصحيفة الصفراء أو صحيفة العلم الباطن » (٤).

ويذكر الشهرستاني أن الهاشمية تعتقد بالتأويل وان علم الباطن انتقل من علي إلى محمد بن الحنفية ومنه إلى أبي هاشم « وكل من اجتمع فيه هذا العلم فهو الإمام حقاً » (٥).

وهكذا يظهر أن انتقال الإمامة كان بسبب العلم والبنوة الروحية (٦). وعلى أثر هذا العهد دعي محمد بن علي إماماً سنة ٩٨ هـ (٧).

وقد لعب محمد بن علي دوراً كبيراً في تنظيم الدعوة العباسية ، فيذكر الدينوري أنه أول من قام بالأمر وبث دعاته بالأفاق (٨).

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ٨٤ ب.

(٢) ن. م الورقة ٨٥ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٧٩ ب.

(٤) الدوري : ضوء جديد على الدعوة العباسية ، مقالة في مجلة كلية الآداب والعلوم العدد الثاني ١٩٥٧ ص ٦٨.

(٥) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٣.

(٦) ن. م ج ١ ص ٢٤٣.

(٧) أخبار العباس الورقة ٧٥ ب.

(٨) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣.


وقد ابتدأ محمد بن علي بدعوة شيعته الجديدة ( أتباع أبي هاشم ) ثم اخذ يستعد لنشر دعوته وقد اقتصرت الدعوة على الكوفة في أول الأمر حتى مرت سنة ١٠٠ هـ ولم يتجاوز عدد الأتباع ٣٠ رجلاً (١).

وبالرغم من أن الدعوة ابتدأت من الكوفة إلا أنه كما يبدو من كلام محمد بن علي للدعاة : « ولا تكثروا من أهل الكوفة ولا تقبلوا منهم إلا النيات الصحيحة » إن الكوفة لم تكن المحل المناسب لنشر الدعوة لميولها العلوية (٢).

لذلك فقد اتجهت النية بعد سنة ١٠٠ هـ إلى خراسان (٣) ، وأوصاهم قال « إنه محرم عليكم ان تشهروا سيفاً على عدوكم كفوا أيديكم حتى يؤذن لكم » لذلك سمي الأتباع الكفية (٤).

وهكذا كان اختيار خراسان حدثاً فاصلاً في الدعوة. ولعل هذا يفسر اضطراب المؤرخين في تحديد بدء الدعوة إذ أنهم يتحدثون عنها في خراسان ويغفلون الفترة الأولى في الكوفة (٥).

وقد بين محمد بن علي السبب الذي دعاه لاختيار خراسان في وصيته إلى دعاته والتي يمكن أن نعدها « برنامج الدعوة » (٦) ، قال محمد بن علي : « أما الكوفة وسوداها فشيعة علي وولده ، وأما البصرة وسوادها فعثمانية تدين بالكف وتقول كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ، وأما الجزيرة فحرورية مارقة وأعراب كاعلاج ومسلمون في أخلاق النصارى ، وأما أهل الشام فليس يعرفون إلا آل أبي سفيان وطاعة بني مروان وعداوة راسخة وجهل متراكم ، وأما مكة والمدينة فقد غلب عليها أبو بكر وعمر ، ولكن عليكم بخراسان فإن هناك العدد الكثير والجلد

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ٨٩ ب.

(٢) ن. م الورقة ٨٩ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٨٨ أ ـ ٩٠ ب.

(٤) ن. م الورقة ٩٣ أ ومما بعدها.

(٥) الدوري : ضوء على الدعوة العباسية ص ٧١.

(٦) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٧.


الظاهر وهناك صدور سليمة وقلوب فارغة لم تتقسمها الأهواء ولم يتوزعها النحل وهم جند لهم أجسام وأبدان ومناكب وكواهل وهامات ولحى وشوارب وأصوات هائلة ولغات فخمة تخرج من أجواف منكرة ، وبعد فإني أتفاءل إلى المشرق وإلى مطلع سراج الدنيا ومصباح الخلق » (١).

فبين هنا حالة الأمصار وأن خراسان أصلح مكان للدعوة.

وقد استطاع محمد بن علي أن يسير بالدعوة خطوات كانت بطيئة في بادىء الأمر ، إلا أنه استطاع بتدبيره أن يحكم أمرها فقد أرسل الدعاة وقال لهم : « انطلقوا أيها النفر فادعوا الناس في رمق وستر » (٢) ، وكما أنه استطاع أن يجلب كل العلويين المقاومين للأمويين إلى جانبه وأظهر أنهم إنما يدعون للقضاء على الدولة الأموية ، « وأن قضيتهم هي قضية جهاد الحق ضد الباطل » (٣).

كما أن العباسيين دعوا إلى الرضا من آل محمد ولم يعينوا شخصاً وهذه الدعوة مبهمة على العلويين الذين عطفوا على الدعوة وعلى الأمويين الذين قاوموها ، فقد ذكر أن عبد الله بن حسن دعا أهل بيته إلى طعام وكان فيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ، وكان قد بلغه خبر الدعوة في خراسان فقال : « إنه قد بلغنا أن أهل خراسان قد تحركوا لدعوتنا فلو نظرنا في ذلك واخترنا منا من يقوم بالأمر ، فقال إبراهيم : نجمع مشايخنا وننظر في ذلك » (٤). فيبدو من هذا أن الأمر قد خفي على عبد الله بن الحسن ولم يعرف كنه الدعوة إلى الرضا من آل محمد وأنه قد خدع بها من قوله « دعوتنا ». وكما أبهم الأمر على العلويين ، كذلك على الأمويين فقد كان مروان بن محمد حين بلغة أمر الدعوة إلى الرضا من آل محمد شك في شخصية المدعو إليه ، وكان يعتقد أنه عبد الله بن الحسن بن الحسن(٥).

__________________

(١) ابن الفقيه : مختصر كتاب البلدان ص ٣١٥.

(٢) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢.

(٣) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٥.

(٤) مؤلف مجهول : نبذة من كتاب التاريخ ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٥) ن. م ص ٨٩.


وهكذا أبعد العباسيون الشبهة عن أنفسهم ، كما أنهم لم يحاولوا الاشتراك مع من قام من العلويين ضد الأمويين ، ففي أيام محمد بن علي ثار زيد بن علي بالكوفة سنة ١٢٢ هـ ، حذر العباسيون شيعتهم من الخروج معه فيرد عن بكير بن ماهان أنه قال لأصحابه : « إني أعلم ما لا تعلمون الزموا بيوتكم وتجنبوا زيداً وأصحاب زيد ومخالطتهم فو الله ليقتلن وليصلبن بمجمع من أصحابكم » (١) كما أن بكيراً خرج هو وجماعة من أتباعه إلى الحيرة ولم يرجعوا حتى قتل زيد وصلب (٢).

وفي سنة ١٢٥ هـ توفي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان قد أوصى إلى ابنه إبراهيم (٣).

وقام إبراهيم الإمام بأمر الدعوة وقد ساعدته الظروف على نشرها فالحروب الأهلية والفوضى والعصبية القبلية حتى يئس الناس من أمر الدولة الأموية في إصلاح الأمور ويدل على ذلك قول العباس بن الوليد يخاطب الأمويين :

إن البـريـة قـد ملـت سياستكـم

فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا (٤)

وهكذا استطاع العباسيون أن يستغلوا الظروف المحيطة بهم فاستفادوا من أمور عدة منها فكرة المنقذ أو المهدي فتنبؤوا بسلطان يحيي العدل ، فيذكر الدينوري في سنة ١٠١ هـ « توافدت الشيعة على الإمام محمد بن علي وقالوا له : أبسط يدك نبايعك على هذا السلطان لعل الله يحيى بك العدل ويميت بك الجور ، فإن هذا وقت ذاك أوانه الذي وجدناه مأثوراً عن علمائكم » (٥).

__________________

(١) أخبار العباس الورقة ١١٠ أ وبكير بن ماهان داعي الدعاة ولم أتكلم عن الدعاة وأخبارهم وعن تفصيلات الدعوة لأن هذا يخرج عن الموضوع وإنما اكتفيت بذكر الخطوط الرئيسية للدعوة.

(٢) أخبار العباس الورقة ١١٠ أ.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٧٢ ، أخبار العباس الورقة ١١٤ أ.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٨.

(٥) الدينوري : الأخبار الطوال ص ٣٣٢.


وقد أثرت هذه النبوءات حتى على الأمويين ، فيذكر اليعقوبي أن مروان بن محمد قصد الزاب لمواجهة الجيوش العباسية « لأن بني أمية كانت تروي في ملاحمها أن المسودة لا يجوز سلطانهم الزاب » (١).

وقد استفاد العباسيون من اختيار الراية السوداء لكونها راية رسول الله في حروبه مع الكفار وقد أوصاهم أبو هاشم باتخاذها وقال : « فعليكم بالسوداء فليكن لباسكم » (٢).

ويعتقد فان فلوتن أن لاختيار الراية السوداء علاقة بكتب الملاحم إذ كان لواء الرسول أسود ، لذا صارت الراية السوداء رمز الحق والعدل ، ومن ثم صار من الضروري للإمام الذي يزول علي يده سلطان بني أمية أن يتخذ الألوية السوداء شعارا له (٣). وقيل إن ذلك كان حزناً على إبراهيم الإمام.

وقد قام الدعاة أيضاً بنصيب وافر في تقوية الدعوة وادعوا بأن العباسيين هم آل البيت وأصحاب ميراث الرسول ، فيذكر مسكويه أن أبا داود خالد بن إبراهيم تكلم فقال مبيناً فضل النبي 6 وعلمه وأن ذلك خلفه عند عترته منهم ورثته وأقرب الناس إليه (٤).

ويقول الدوري « ولم يتورع الدعاة عن إدخال الآراء غير الإسلامية كمبدأ تناسخ الأرواح ومبدأ الحلول في دعوتهم ، وبهذا جذبوا قسماً كبيراً ممن لم يدخل الإسلام قلوبهم واكسبوا الأئمة حقاً مقدساً » (٥).

ويذكر الطبري أن خداشاً وهو أحد الدعاة « أظهر دين الخرمية ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء بعض » (٦).

كما أن الراوندية أتباع أبي هريرة الراوندي قالوا : إن الإمامة لعم

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨٣.

(٢) أخبار العباس الورقة ١١٧ أ.

(٣) فان فلوتن : السيادة العربية ص ١٢٦.

(٤) مسكويه : تجارب الأمم الورقة ١٠٦ ب ( حوادث سنة ١٠٤ هـ ١٣٤ هـ ).

(٥) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٣٦.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٨ ص ٢٢٩.


النبي العباس (١) ، ومنهم من قال : إن الروح التي كانت في عيسى بن مريم صارت في علي بن أبي طالب ثم في الأئمة واحداً بعد واحد إلى إبراهيم بن محمد وأنهم آلهة (٢).

كما وضعت الأحاديث عن الرسول وعن علي بن أبي طالب في انتقال السلطان للعباسيين فيرد عن أبي هاشم أنه قال : حدثني أبي « إنه سمع علياً يقول : دخل العباس على رسول الله 6 ذات يوم وأنا عنده في منزل أم سلمة وهو متوسد وسادة آدم فألقاها إلى العباس وقال له : اجلس عليها قال : وأقبل عليه يناجيه دوني بشيء لم أسمعه ثم نهض فخرج ، ولما توارى قال : يا علي هون عليك نفسك فليس لك في الأمر نصيب بعدي إلا نصيب خسيس وأن الأمر في هذا وولده يأتيهم عفواً من غير جهد ويدركون ثأركم وينتقمون ممن أساء إليكم » (٣).

ويذكر المقدسي أن علي بن أبي طالب افتقد عبد الله بن عباس يوماً فسأل عنه فأخبر أنه ولد له مولود فمضى إليه وأخذ المولود وحنكه ودعا له وقال لأبيه : خذ إليك أبا الأملاك ... قد سميته علياً وكنيته أبا محمد (٤).

وهكذا قوي أمر الدعوة ، فيقول ابن الطقطقي : « لما قدر انتقال الملك إلى بني العباس هيأ لهم جميع الأسباب ، فكان إبراهيم الإمام بالحجاز أو الشام جالساً على مصلاه مشغولاً بنفسه وعبادته ومصالح عياله ... وأهل خراسان يقاتلون عنه ويبذلون نفوسهم وأموالهم دونه وأكثرهم لا يعرفه ولا يفرق بين اسمه وشخصه ، وهو لا ينفق عليهم مالاً ولا يعطي أحدهم راية ولا سلاحاً بل هم يجبون إليه الأموال ويحملون إليه الخراج في كل سنة » (٥).

ولعل ذلك راجع إلى أنهم كانوا مدفوعين بعوامل سياسية.

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ٤٢.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٣٠٦.

(٣) نبذة من كتب التاريخ ص ٣١ ـ ٣٢.

(٤) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٦ ص ٥٦ ـ ٥٧.

(٥) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٤٥.


ولما مات إبراهيم الإمام سنة ١٣١ هـ أوصى إلى أخيه أبي العباس ويذكر البلاذري الوصية وجاء فيها :

« بسم الله الرحمن الرحيم حفظك الله يا أخي بحفظ أهل الإيمان ... فإذا أنا هلكت فأنت الإمام الذي يقيم ويرعى حرمة أوليائنا ودعاتنا ويتم الله به وعلى يديه ما أثلنا وما أثل لنا » ثم أوصاه بشيعته وأهل بيته وأهل خراسان وأهل الكوفة (١).

فلما قتل إبراهيم الإمام خرج أبو العباس من الحميمة يريد الكوفة وكان أول أهله خروجاً لخوفه على نفسه ولمصير الإمامية إليه (٢).

فلما دخل أبو العباس الكوفة وجماعته « أظهروا أبا سلمة وسلموا إليه الرياسة وسموه وزير آل محمد » (٣).

وهنا تأتي محاولة أبي سلمة في نقل الخلافة إلى العلويين. وتجمع المصادر التاريخية على أن أبا سلمة حاول نقل الأمر من آل العباس إلى آل علي فأخفي أبو العباس ولم يعلن ظهوره ، ويعلل المسعودي سبب هذه المحاولة أنه لما قتل إبراهيم الإمام خاف أبو سلمة انتقاض الأمر وفساده (٤) ، ولكن هذا التفسير مردود لأن مركز العباسيين تحسن بانتصاراتهم العسكرية (٥). أما صاحب العيون والحدائق فيقول : إن أبا سلمة كان هواه مع جعفر بن محمد الصادق ولكنه أخفي ذلك ولم يمكنه مخالفة الجمهور (٦).

أما ابن الطقطقي فيذكر أن أبا سلمة لما سبر أحوال بني العباس عزم على العدول عنهم إلى بني علي (٧). ويقول الدوري « وهذا تفسير اعتذاري

____________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢٧ أ.

(٢) ن. م ج ٣ الورقة ٢٧ أ ، قتله مروان بن محمد بعد أن بلغه أنه يؤهل نفسه للخلافة انظر اليعقوبي ج ٣ ص ٧٩.

(٣) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٤.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٨ ، اليعقوبي ج ٣ ص ٨١ ، الطبري ج ٩ ص ١٢٤.

(٥) الدوري : العصر العباسي ص ٥١.

(٦) العيون والحدائق ص ١٨١.

(٧) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٥٤.


لأن الحكم لم يصبح بيد العباسيين بعد (١).

وهكذا كان أول عمل قام به أبو سلمة الخلال بعد دخوله الكوفة « ان أظهر الإمامة الهاشمية ولم يسم الخليفة (٢)».

وقد يكون أبو سلمة مدفوعاً بميوله العلوية لذلك عزم على هذا الأمر « فالكوفة علوية والخلال يميل لبني علي ثم أن المجال كان مفسوحاً أمامه ليحقق ما يميل إليه وخاصة أن المدعو له لم يكن معروفاً من الجمهور » (٣).

وقد أرسل أبو سلمة الخلال ثلاث رسائل إلى كل من جعفر بن محمد الصادق وعبد الله بن الحسن بن الحسن وعمر بن الأشرف بن زيد العابدين ، فأحرق الصادق الكتاب ورفض عمر بن الأشرف وأجاب عبد الله بالرغم من تحذير الصادق له (٤).

وقد رشح عبد الله بن الحسن ابنه محمد لهذا وقال لرسول أبي سلمة : « أنا شيخ كبير وابني محمد أولى بهذا الأمر مني وأرسل إلى جماعة من بني أبيه وقال : بيعوا لابني محمد » (٥).

وقد منع الصادق عبد الله بن الحسن من قبول هذه الدعوة وقال له : « ياأبا محمد ومتى كان أهل خراسان شيعة لك أأنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان : أأنت أمرته بلبس السواد ، وهؤلاء الذين قدموا إلى العراق أكنت سبب قدومهم أو وجهت فيهم وهل تعرف منهم أحداً » (٦).

وقد كانت نتيجة هذه المحاولة الفشل لأنها لم تجد صدى من قبل العلويين ما عدا عبد الله بن الحسن ، فلم تخف هذه المحاولة على

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي ص ٥١.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨٢.

(٣) الدوري : العصر العباسي ص ٥٢.

(٤) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٦.

(٥) اليعقوبي ج ٣ ص ٨٦.

(٦) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٦٧ وانظر نبذة من كتاب التاريخ ص ١١٤ ـ ١١٥.

(١) أخبار العباس الورقة ٨٨ ب.


الصادق لأن أبا سلمة كان من الهاشمية ومن الأوائل الذين ارتبطوا بمحمد ابن علي (١).

ولهذا يقول ابن الطقطقي عن أبي سلمة : « وزير آل محمد وفي النفس أشياء » (٢) كما أن المحاولة لم تجد صدىعند الخراسانيين فقد قالوا لأبي سلمة : « يا أبا سلمة ما لك تدعونا وما أنت لنا بإمام » (٣).

وكان على رأس المعارضين لهذه الدعوة أحد القواد وهو أبو الجهم فقد ألح على أبي سلمة بإضهار أبي العباس وقد اكتشف محاولته فجاء الخراسانيون إلى أبي العباس ومعهم أصحابهم في السلاح فبايعوه وبايع الخلال (٤).

وقد بويع أبو العباس السفاح بالخلافة سنة ١٣٢ هـ وخطب بالكوفة فقال : « الحمد الله الذي اصطفى الإسلام ديناً لنفسه فكرمه وشرفه ... واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه ... وخصنا بعم رسول الله ... وأنشأنا من شجرته واشتقنا من نبعته فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع وذكرنا في كتابه المنزل فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ... ) ثم جعلنا ورثته وعصبته » (٥).

ويذكر الطبري نص الخطبة كما أوردها البلاذري ويضيف عليه « فوضعنا من الإسلام وأهله بالموضع الرفيع ... ثم يذكر قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) وقال : ( لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) وقوله : ( وانذر عشيرتك الأقربين ) (٦).

وقد مر بنا ذكر هذه الآيات واحتجاج الشيعة بها وأنها من دلائل إمامة علي بن أبي طالب وأولاده.

__________________

(٢) ابن الطقطقي : تاريخ الدول الإسلامية ص ١٥٥.

(٣) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٨٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.

(٥) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٣٩ ب.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.


وكان أبو العباس موعوكاً فقام عمه داود بن علي وخطب مكانه قال مبيناً السبب الذي دعاهم إلى الخروج : « وإنما أخرجتنا الأنفة من ابتزازهم حقنا والغضب لبني عمنا ... ثم قال : لكم ذمة الله وذمة رسول الله وذمة العباس أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل بكتاب الله ونسير في العامة منكم والخاصة بسيرة رسول الله » ثم أشاد بجهود أهل الكوفة وأهل خراسان (١).

وهكذا أبان العباسيون أنهم جاؤوا إلى هذا الأمر لكونهم ورثة الرسول وأنهم آل البيت وقد ذكرهم الله في القرآن.

ثم ادعوا أنهم إنما خرجوا طلباً للثأر ممن قتل أبناء عمهم ولإحياء العدل بين الناس. كما أكدوا أنهم سيسرون بسيرة الرسول ويعلموا بكتاب الله.

وهكذا نجد أن تشيع العباسية كان أصله من قبل محمد بن الحنفية وقد بقي هذا مدة من الزمن وفي أيام المنصور أظهر أن الخلافة جائتهم عن طريق العباس عم النبي 6 وأصدق مثل على ذلك المكاتبات التي دارت بين المنصور ومحمد ذي النفس الزكية فكلها تأكيد على أحقية العباس بالخلافة (٢). وسنأتي على بيان ذلك في الفصل الرابع. ثم جاء المهدي فردهم إلى إثبات الإمامة للعباس وقال لهم : قولوا إن الإمامة كانت للعباس عم النبي لأنه كان أولى الناس به وأقربهم إليه ثم من بعده لعبد الله ابن العباس ثم لعلي بن عبد الله ثم لمحمد بن علي ثم لإبراهيم بن محمد ثم لأبي العباس ثم لأبي جعفر ثم للمهدي (٣).

والذي دعا العباسيين إلى أنهم في أول أمرهم تعلقوا بوصية أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ضعف مركزهم في بداية أمرهم ولما قوي مركزهم وتوطدت أركان دولتهم رجعوا عن دعوتهم الأولى وادعوا بأنهم جاؤوا لهذا الأمر بوراثة النبي من قبل عمه العباس.

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٢٥.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ١١ أ ـ ١١ ب.

(٣) أخبار العباس الورقة ٧٤ أ ـ ب.


وهكذا انفرد العباسيون بالخلافة بعد أن استغلوا العلويين واتخذوهم وسيلة للوصول إلى أغراضهم كما حاربوهم ونكلوا بهم بصورة أشد وأقسى من الأمويين وسيأتي بيان ذلك.

وكان أبو جعفر المنصور أول هاشمي أوقع الفرقة بين بني عبد المطلب بن هاشم حتى قيل : عباسي وطالبي (١).

ولم يقتصر الأمر على التسمية وإنما بدأ بسياسة العباسيين مع العلويين ومحاربتهم له ، وسنبين ذلك في الفصل التالي.

__________________

(١) اليعقوبي : مشاكلة الناس لزمانهم ص ٢٢ ـ ٢٣.



الفصل الرابع

سياسة العلويين تجاه الشيعة

١ ـ الزيدية

(أ) ثورات الزيدية

(ب) موقف الإمامية من الثورات الزيدية

٢ ـ الشيعة الإمامية

(أ) موقف الإمامية من العباسيين



١ ـ الزيدية :

ثورات الزيدية :

لما انتظم أمر الدعوة العباسية وتم لها النجاح انفرد العباسيون بالسلطة ولم يحاولوا أن يشركوا أبناء عمهم سواء كان منهم من أبناء الحسن أم أبناء الحسين. وكان أبناء الحسين ساروا على منهاج اتخذوه وهو ترك مقاومة السلطان والخروج عليه ، إلا أن أبناء الحسن التزموا الجانب الإيجابي ولم يتركوا العباسيين ينعمون بما حصلوا عليه من ثمرة الكفاح المشترك لجميع الهاشميين.

وفي فترة تولي العباسيين الحكم كان الشيعة ينقسمون إلى جماعتين الزيدية والإمامية.

فأما الزيدية فهم اتباع زيد بن علي بن الحسين الذي ثار في أيام هشام بن عبد الملك وقتل ما بين سنة ١٢١ هـ ـ ١٢٢ هـ (١).

ومن مبادىء الزيدية في الإمامة : « إن علي بن أبي طالب أفضل الناس بعد الرسول لقرابته وسابقته ولكن كان جائزُ للناس أن يولوا غيره إذا كان الوالي الذي يولونه مجرباً »(٢).

ثم جعلوا الإمامة بعد علي في الحسن والحسين وأولادهما وهي شورى بينهما ، فمن خرج منهم وشهر سيفه ودعا إلى نفسه فهو مستحق للإمامة (٣). فالخروج بالسيف عند الزيدية شرط أساسي للإمامة.

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف جـ ٣ الورقة ٢٢ أ.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٨.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٨.


وتقول الزيدية أيضاً أن الإمامة في « كل أولاد فاطمة كائناً من كان بعد أن يكون عنده شروط الإمامة » (١).

وشروط الإمامة عندهم هو » أن يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع سخي خرج بالإمامة يكون إماماً واجب الطاعة » (٢).

لذلك قصرت الزيدية الإمامة على أبناء الحسن والحسين وأولادهما « بما امتاز به الحسن والحسين وأولادهما من العلم والورع والتقوى والبصيرة والتدين » (٣).

وبالرغم من أن الزيدية ترى أن الإمام علي أفضل الناس بعد رسول الله 6 وأنه أولى بالخلافة من غيره (٤).

إلا أنهم قالوا « جائز أن يكون الإمام مفضولاً ، كما يكون الأمير مفضولاً وفي رعيته من هو أفضل منه » (٥).

وفي أيام زيد حينما خرج وسألته الشيعة عن رأيه في أبي بكر وعمر فقال : « كنا أحق البرية بسلطان رسول الله 6 فاستأثرا علينا وقد وليا علينا وعلى الناس فلم يألوا عن العمل بالكتاب والسنة » (٦).

فالبرغم من أن زيداً يرى أن علياً أفضل الصحابة وأن آل البيت أولى بالخلافة من غيرهم إلا أنه لا ينفي غمامة من تقدمه.

وقد تطورت هذه الفكرة بعد زيد وأصبحت من مبادىء الزيدية وهي جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل.

ويذكر الجاحظ رأي الزيدية ويرى أن مقياس الفضل عندهم أربعة اقسام : أولها القدم في الإسلام حيث لا رغبة ولا رهبة إلا من الله وإليه ،

__________________

(١) ابن النديم : الفهرست ص ١٧٨.

(٢) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٤٩.

(٣) المفيد : المسائل الجارودية ( رسالة طبعت ضمن رسائل المفيد ) ص ٣.

(٤) الجاحظ : ثلاث رسائل للجاحظ نشرها السندويي ص ٢٤١ ( استحاق الإمامة ).

(٥) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ١٣٤.

(٦) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٢١ أ.


وثانيها الزهد في حطام الدنيا ، فإن أزهد الناس في الدنيا أرغبهم في الآخرة ، وثالثها التفقه في الدين لأن الناس يعرفون به مصالح دنياهم ومراشد دينهم ، ورابعها المشي بالسيف فمن وجدت فيه هذه الصفات الأربع وجب عليهم تفضيله (١).

وقالت الزيدية أن خلافة أبي بكر كانت وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة « وإشفاقاً من الفتنة » (٢).

ويؤكد الشهرستاني هذا المعنى بقول الزيدية : « كان علي أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحه رأوها وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة ، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً ، وسيف أمير المؤمنين علي عن دماء المشركين من قريش لم يجف بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي » (٣).

وترى الزيدية في تقديم أبي بكر على علي إنما كان امتحاناً له « والتغليظ في المحنة وشدة البلوى في الكلفة » كما قال الله تعالى للملائكة : ( اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ) والملائك أفضل من آدم « فقد كلفهم الله أغلظ المحن وأشد البلوى » (٤).

وقد وقفت الزيدية من السلطة الحاكمة موقفاً يختلف عن الموقف الذي وقفته الشيعة الإمامية ، فالإمام عند الزيدية يجب أن يكون شجاعاً مقداماً شاهراً سيفه (٥). لذلك تبطل الزيدية إمامة « كل من ادعى الإمامة وهو قاعد في بيته مرخ عليه ستره ، لايجوز اتباعه ولايجوز القول بإمامته » (٦).

فاستعمال السيف في رأي الزيدية أمر واجب ، إذا ما أمكن به إزالة

__________________

(١) الجاحظ : ثلاثف رسائل ص ٢٤١.

(٢) ن. م ص ٢٤٦.

(٣) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٥٠.

(٤) الجاحظ : ثلاث رسائل ص ٢٤٦.

(٥) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٣٣ ، الحميري : الحور العين ص ١٥٦.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٤ ـ ٧٥.


أهل البغي وإقامة الحق (١).

فهذه أهم مبادىء الزيدية ، وقد أصبحت خطاً واضحاً في فترة تولي العباسيين الحكم إلا أن هذه المبادىء قد تبناها أبناء الحسن ، لأن الزيدية لم تقصر الإمامة على أبناء الحسين وإنما جعلتها شورى بين أبناء الحسن والحسين أو لكل من أولاد فاطمة من خرج منهم بالسيف ، فسار أبناء الحسن على هذا المبدأ ورفعوا لواء الثورة بوجه العباسيين.

أما من هم أبناء الحسن فأشهرهم زيد بن الحسن ، والحسن بن الحسن (٢). وزيد بن الحسن تولى صدقات الرسول 6 ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك عزله عنها ، وأعاده إليها عمر بن عبد العزيز « لأنه شريف بني هاشم وذو سنهم » (٣).

ويقول المفيد : « وخرج زيد بن الحسن من الدنيا ولم يدع الإمامة ولاادعاها له مدع من الشيعة » (٤).

ويبدو أن زيد بن الحسن كان يرى التقية لأعدائه لذلك تقلد الأعمال من قبل الأمويين. فيذكر المفيد « والزيدي يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسين الدعوة والجهاد وزيد بن الحسن كان مسالماً لبني أمية ومتقلداً من قلبهم الأعمال وكان رأيه التقية لأعدائه والتآلف لهم والمداراة وهذا يضاد عند الزيدية علامات الإمامة » (٥).

أما الحسن بن الحسن فكان جليلاً رئيساً فاضلاً ورعاً وكان يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقته وقد خرج مع عمه الحسين يوم الطف وتزوج ابنته فاطمة (٦).

__________________

(١) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ٧٤.

(٢) البخاري : سر السلسلة العلوية ص ٤.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ١٩٤.

(٤) ن. م ص ١٩٥.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ١٩٥.

(٦) ن. م ص ١٩٥.


ويقول المفيد : « ومضى الحسن بن الحسن ولم يدع الإمامة ولا ادعاها له مدع » (١). وكان أبرز أبناء الحسن في فترة تولي العباسيين والحكم الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا محمد وكان أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي ، وعمل له أيضاً على غير المدينة « وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى وهو أول من لبس السواد من العلويين أدرك الرشيد وتوفي سنة ١٦٨ هـ » (٢).

وعبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب « وإنما سمي المحض لأ أباه الحسن بن الحسن وأمه فاطمة بنت الحسين ، وكان يشبه رسول الله 6 وكان شيخ بني هاشم في زمانه. وقيل : بم صرتم أفضل الناس؟ فقال : لأن الناس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمى أن نكون من أحد. وكان قوي النفس شجاعاً » (٣).

وأعقب عبد الله المحض محمداً ذي النفس الزكية وإبراهيم وموسى الجون (٤).

ويبدو أن عبد الله بن الحسن كان ذا منزلة أثارت خوف الأمويين حتى أن مروان في أيام الدعوة العباسية حينما علم بوجود دعوة إلى الرضا من آل محمد لم يشك في أحد سوى عبد الله بن الحسن بن الحسن لأنه على زعم مروان « شيخ هذا البيت ( بيت بني هاشم ) وذو سنهم وأحر به أن يكون صاحب هذا الشأن » (٥).

وبالرغم من هذه المنزلة التي كان يتمتع بها عبد الله المحض إلا أنه لم نجد ما يشير إلى أنه دعا إلى نفسه في وقت من الأوقات وإنما كان يرشح ابنيه محمداً وإبراهيم للخلافة ويسمى محمداً ابنه النفس الزكية والمهدي قبل أن يتولى السفاح الخلافة (٦).

__________________

(١) البخاري : سر السلسلة ص ٥ ـ ٦ وانظر المفيد : الإرشاد ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٢) المفيد : الإرشاد ص ١٩٧.

(٣) ابن عنبة : عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص ٧٠.

(٤) ابن عنبة ص ١٠٣.

(٥) مؤلف مجهول : نبذة من كتاب التاريخ ص ١٠٣.

(٦) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٩ ب.


وقد قامت دعوة لمحمد النفس الزكية قام بها المغيرة مولى بجيلة الذي تنسب إليه المغيرتة (١) ، وبيان التبان وكانا يكفران أصحاب محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) وقد خرج بيان على خالد بن عبد الله القسري داعياً لمحمد بن عبد الله إلا أنه قتل (٢).

وبالرغم من أن كل الدعوات كانت توجه إلى عبد الله المحض إلا أنه كان يصرفها إلى ابنه محمد ويهيء الجو له لتولي الخلافة.

فلما قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكانت الفتنة أرسل الفضل ابن عبد الرحمن بن عياش بن الحارث بن عبد المطلب إلى عبد الله بن الحسن بن الحسن يعلمه أن السبيل مهيأ للخروج ، فدعى عبد الله أهل بيته إلى بيعة ابنه محمد ولم يدعُ إلى نفسه ، مع العلم بأن الجميع يرون أنه الأفضل للقيام بالأمر كما يدل على ذلك قول جعفر بن محمد الصادق له : « يا أبامحمد اتق الله وابق على نفسك وأهلك فإن هذا الأمر ليس فينا وإنما في ولد عمنا العباس وان أبيت فادع إلى نفسك فأنت أفضل من ابنك فأمسك ولم يجبه » (٣).

كما أن أبا العباس السفاح حين قدم الكوفة هو وأهل بيته أخفاه أبو سلمة الخلال وحاول أن يرجع الأمر إلى آل أبي طالب فأرسل إلى جعفر ابن محمد الصادق يدعوه إلى هذا الأمر فرفض الصادق ، فأرسل أبو سلمة إلى عبد الله بن الحسن فاعتذر بأنه « شيخ كبير وأن ابنه محمداً أولى بالأمر » (٤).

ولم يستمع عبد الله بن الحسن إلى نصيحة أحد واستمر في الدعوة

__________________

(١) المغيرية المغيرة بن سعيد الذي قال بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بعد وفاة محمد الباقر وزعم أنه القائم المهدي وأنه الإمام ولقبوه بالقائم لأن رسول الله قال : « القائم المهدي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي » انظر سعد القمي : المقالات والفرق ص ٧٦.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٩ ب.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٩ ب.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨٦ وانظر نبذة من كتاب التاريخ ص ١١٤ ـ ١١٥.


إلى ابنه محمد النفس الزكية حتى أن جعفر بن محمد الصادق حينما حذره من أن محمداً ليس بصاحب هذا الأمر حمل هذا التحذير على محمل الحسد لابنه (١).

وكان محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن من كبار أئمة الشيعة وعلماء العترة (٢).

فلما ولي أبو العباس السفاح الخلافة « استخفى محمد النفس الزكية وتمارض أبوه وأظهر أن ابنه قد مات » (٣).

ولم يبايع محمد النفس الزكية للسفاح وذلك لأنه يرى أنه صاحب هذا الأمر بعد أن بايعه بنو هاشم بمكة ، وقد روت المصادر التاريخية هذا الخبر.

فالبلاذري يذكر أنه بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بايع بنو هاشم محمد النفس الزكية ويقول « واستتر محمد بن عبد الله وقد بايعه قوم من أهل بيته » (٤).

أما الطبري فيقول : « وقد ذكر أن محمداً كان أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بني هاشم بمكة فيمن يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر مروان مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم هناك » (٥).

ويروي الأصفهاني أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وبايعوا محمداً النفس الزكية ومنهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ، وأبو جعفر المنصور وصالح بن علي وعبد الله بن الحسن بن الحسن وأبناه محمد وإبراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وكان أكثرهم تحمساً لبيعة محمد المنصور حيث كان يقول : « لأي شيء

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٢٠٧.

(٢) البخاري : سر السلسلة العلوية ص ٧.

(٣) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٩ ب.

(٤) ن. م ج ٣ الورقة ٩ ب.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٨٠.


تخدعون أنفسكم ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع إجابة إلى هذا الفتى » (١).

ولم يطمئن السفاح لغياب محمد النفس الزكية وإنما كتب يستقدم عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فقدم عليه مع أخيه الحسين بن الحسن فأكرمهما ووصلهما إلا أنه أكثر من السؤال عن محمد النفس الزكية وقال لعبد الله : « يا أبا محمد أترضى من ابنك يبيع بالمدينة ولا يشخص غلى معك » فحلف له عبد الله أنه لا يعرف مستقره (٢).

ولكن يبدو أن أبا العباس كان متخوفاً من محمد وأخيه ولو أنه كان يبالغ في إكرامهم ووصلهم بالصلاة الكثيرة إلا أنه كان لا يفتأ بتذكيرهم بأمر محمد وعزمه على الدعوة إلى نفسه (٣).

وبالرغم من أنه لم يخرج أحد من أبناء الحسن في أيام أبي العباس السفاح وأنه لم يؤذ أحداً منهم إلا أن الطرفين كانوا في ريبة وشك من بعضهما ، ثم إن مدة خلافة السفاح كانت قصيرة والدولة العباسية في بداية أمرها. كما أن المبادىء التي قامت عليها الدعوة العباسية من الطلب بحق آل البيت والثأر لدمائهم ربما كانت مانعاً من قيام أبي العباس بأي عمل ضد أبناء الحسن بالرغم من وصول الأخبار إليه بدعوة محمد إلى نفسه فذكر الأصفهاني عن عبد الله بن الحسن قال بينما أنا في سمر مع أبي العباس ، وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة قمنا فألقاها ليلة فقمنا ، فأمسكني فلم يبق غيري فأدخل يده تحت فراشه فأخرج إضبارة كتب فقال : « اقرأ يا أبا فقرأت فإذا كتاب من محمد إلى هشام بن عمرو ابن البسطام التغلبي ، يدعوه إلى نفسه ، فلما قرأته قلت : يا أمير المؤمنين لك عهد الله وميثاقه ألا ترى منهما شيئاً تكرهه ما كانا في الدنيا » (٤).

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٢٠٦ وانظر أيضاً ابن طباطبا : الفخري ص ١٦٤ ، ابن خلدون : العبر ج ٣ ص ٣٩٨.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ٩ ب.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٩٦.

(٤) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ١٧٧.


وذكر ابن قتيبة عن المدائني ، لما بني أبو العباس السفاح المدينة بالأنبار سأل عبد الله بن الحسن رأيه فيها ، فقال :

ألم تر حوشبا أمسى يبني

قصوراً نفعهـا لبني نفيلة

يؤمل أن يعمر عمر نوح

وأمر الله يحـدث كل ليلة

ثم انتبه لما قال وطلب من السفاح أن يقيله فما أقاله وأخرجه إلى المدينة (١).

وهكذا استمرت العلاقة بين السفاح وأبناء الحسن سليمة حيث يقول اليعقوبي : « وطفىء أمر محمد في خلافة أبي العباس فلم يظهر منه شيء وكان متى بلغ أبو العباس عنه شيء ذكر ذلك لعبد الله فيقول : يا أمير المؤمنين أنا نحميها بكل قذاة يخل ناظرك منها فيقول : بك أثق وعلى الله أتوكل » (٢).

ولعل ما يتمتع به السفاح من التسامح والحلم كان عاملاً في تحسن العلاقة بينه وبين أبناء الحسن فقد « كان السفاح كريماً حليماً جواداً وصولاً لذوي أرحامه » (٣).

كما أن السفاح قصد من حسن معاملته لأبناء الحسن أن يتألف قلوبهم لكسبهم إلى جانبه فلم يلتفت إلى ما أشار إليه المنصور من تغيير سياسته مع العلويين فكان يقول : « من شدد نفر ومن لان تألف والتغافل من سجايا الكرام » (٤).

إلا أن العلاقة بين العباسيين والعلويين لم تستمر على هذا الحال بعد وفاة السفاح وتولي المنصور الخلافة سنة ١٣٦ هـ (٥).

ويبدو أن المنصور كان متخوفاً من الشيعة يدل على ذلك قوله حينما

__________________

(١) ابن قتيبة : عيون الأخبار ج ٢ ص ٢١١.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٩٧.

(٣) ن. م ج ٣ ص ٩٧.

(٤) الحنبلي : شذرات الذهب ج ١ ص ١٥٩.

(٥) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٠٠.


أعلمه أبو مسلم بوفاة أبي العباس فقرأ كتاب أبي مسلم وبكى وجزع جزعاً شديداً فعجب أبو مسلم من ذلك فقال المنصور : « أتخوف شر عبد الله بن علي وشيعة علي » (١).

وقد اتبع المنصور الشدة في معاملة أبناء الحسن ، فكتب إلى زياد بن عبد الله يأمره « بالشديد على عبد الله بن الحسن حتى يأتيه بابنه محمد » (٢).

وقد اتبع المنصور أساليب مختلفة للقضاء على أبناء الحسن فقد كان يدس قوماً يتجرون في البلدان ويظهرون التشيع حتى أن قسما منهم اتصل بعبد الله بن الحسن وأعطاه أموالاً وجعله يثق به حتى دله على مكان ابنه محمد إلا أنه أدرك ما يقصد هذا الرجل (٣).

ولما حج المنصور سنة ١٤٠ هـ وصلته الأخبار بتحرك محمد النفس الزكية بالمدينة فطلبه فلم يظفر به ، فأخذ عبد الله بن حسن وجماعة من أهل بيته فأوثقهم بالحديد وحملهم على الإبل بغير وطاء (٤).

ولما حمل بنو الحسن كان محمد وإبراهيم يتصلان بأبيهما متخفين كهيئة الأعراب ، ويسألانه الخروج فكان يطلب منهما التريث حتى يحين لهما ذلك إلا أنه كان يشجعهما ويقول لهما : « إن منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين » (٥).

وقد بالغ المنصور في الشدة على أبناء الحسن « فلم يزالوا في الحبس حتى ماتوا ( وقد قيل ) انهم وجدوا مسمرين في الحيطان » (٦).

وكانت هذه الشدة سبباً جعلت محمد النفس الزكية يستأذن أباه في الخروج قبل وقته لولا أن أباه منعه من ذلك (٧).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٥٥.

(٢) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ١٠ أ.

(٣) ن. م ج ٣ الورقة ١٠ أ.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٧ ص ٥٥٠.

(٥) ن. م ج ٩ ص ١٩٤.

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٠٦.

(٧) ن. م ج ٣ ص ١٠٦.


وقد حاول المنصور أن سياسته تجاه أبناء الحسن فخطب بالناس بعد أخذ أبناء الحسن وحبسهم قال « يا أهل خراسان أنتم شيعتنا وأنصارنا وأهل دعوتنا ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منا ، إن ولد ابن أبي طالب تركناهم والذي لا إله إلا هو والخلافة فلم نعرض لهم بقليل ولا بكثير فقام فيها علي فما أفلح وحكم الحكمين فاختلفت الأمة عليه وافترقت الكلمة ثم وثب عليه شيعته وأنصاره فقتلوه ، ثم قام بعده الحسن بن علي فو الله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ودس إليه معاوية أني أجعلك ولي عهدي فخلفه وانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه وأقبل على الناس يتزوج اليوم واحدة ويطلق غداً أخرى فلم يزل كذلك حتى مات على فراشه ، ثم قام بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق الشقاق والنفاق والأغراق في الفتن أهل هذه المدرة السوء ... فلما استقرت الأمور فينا على قرارها من فضل الله وحكمه العدل وثبوا علينا حسداً منهم لنا وبغياً علينا بما فضلنا الله به عليهم وأكرمنا من خلافته ميراثنا من نبيه » (١).

فأبو جعفر المنصور هنا يريد أن يبرر موقفه بادعائه أنه صاحب الحق وأنه صاحب ميراث النبي 6 ، كما أن هذا الخطاب تدبير آخر للمنصور يحاول به أن يكسب أنصاراً من الخراسانيين لأن الخطاب موجه إليهم فيحاول أن يظهر لهم أبناء علي بمظهر الذي لا يصلح للخلافة لأنه لم يفلح فيها واحد منهم ، كما أن الخطاب « يوضح لنا نظرة المنصور للخراسانيين واهتمامه بإقناعهم بحقه ليؤيدوه تأييداً كلياً » (٢).

إلا أن محمد النفس الزكية كان يؤكد أنه صاحب الحق في الخلافة فخطب في أصحابه مبيناً لهم عدم أهلية المنصور للخلافة فقال : « وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين ، اللهم انهم قد أحلوا حرامك وحرموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت » (٣).

__________________

(١) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣١١.

(٢) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٧٨.

(٣) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢٠٥.


فيحاول هنا أن يظهر أن المنصور لا حق له بالخلافة لأن جده ليس من المهاجرين ولا الأنصار.

« فلما اشتد الطلب بمحمد خرج قبل وقته الذي واعد أخاه إبراهيم على الخروج فيه وقيل بل خرج لميعاده وإنما تأخر أخوه لجدري أصابه » (١).

وظهر محمد بن عبد الله النفس الزكية بالمدينة سنة ١٤٥ هـ « فاجتمع معه خلق عظيم ووافته كتب أهل البلدان ووفودهم » (٢).

ويقول المسعودي : « وبايعه خلق كثير من الحاضرة والبادية » (٣) ويذكر أن من كان معه « ولد علي وولد جعفر وولد عقيل وولد عمر بن الخطاب وولد الزبير بن العوام وسائر قريش وأولاد الأنصار » (٤).

وقد تفرق إخوة محمد النفس الزكية في البلدان يدعون إلى إمامته فتوجه ابنه علي إلى مصر ، وابنه عبد الله إلى خراسان وابنه الحسن إلى اليمن ، واخوه موسى إلى الجزيرة ، وأخوه يحيى إلى الري ، ثم إلى طبرستان ، وأخوه إدريس بن عبد الله إلى المغرب (٥).

فلما ظهر محمد بدأ المنصور بمراسلته « ودعاه لحل الخلاف سليماً ليكسب الوقت وليضع مسؤولية الحرب على عاتق خصمه » (٦).

فأرسل المنصور غلى محمد حين خرج : « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم عذاب عظيم إلا الذين يأتوا من قبل أن أقدر عليك فلك أن أومنك وجميع

__________________

(١) ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٢.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١١.

(٣) المسعودي : التنبيه والاشراف ص ٣٤١.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠٦.

(٥) ن. م ج ٣ ص ٣٠٦.

(٦) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٧٨.


أخوتك وولدك وأهل بيتك وأتباعك وأعطيك ألف ألف درهم » (١).

فأجابه محمد : ( طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويَستَحي نساءهم انه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في اَلاْرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) وقال في كتابه : « ان الله اختارنا واختار لنا فولدنا من النبيين محمداً أفضلهم مقاماً ومن السلف أولهم إسلاماً ومن الأزواج خيرهن خديجة الطاهرة وأول من صلى القبلة ومن البنات خيرهن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ومن المولود في الإسلام الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وإن هاشماً ولد علياً مرتين فأنا أوسط بني هاشم نسباً وأحرصهم أماً وأباً لن تعرق في العجم وأنا ابن أرفع الناس درجة في الجنة وابن أهونهم عذاباً في النار ولك الأمان إن دخلت في طاعتي فأنا أولى بالأمر منك وأولى بالوفاء بالعهد فأي الأمانات ليت شعري أعطيتني أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي » (٢).

فكتب إليه المنصور :

« قد بلغني كتابك فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتغر بذلك الجفاة والغوغاء ولم يجعل إليه النساء كالعمومة والعصبة وقد جعل الله العم أباً وبدأ به قبل الوالد فقال : ( نعبد الهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ) فسمى إسماعيل أباً وهو عم يعقوب ولقد بعث الله نبيه محمداً وله عمومة أربعة فدعاهم فأجابه اثنان أحدهما أبي وأبى اثنان أحدهما أبوك فقطع الله وراثتهما وولايتهما منه وزعمت أنك أخف الناس عذاباً يوم القيامة ... وليس ينبغي لمسلم يؤمن بالله أن يفخر بأهل النار وأما ما فخرت به أن علياً ولده هاشم مرتين وأن عبد المطلب أبوه أبو طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولد حسناً مرتين فخير الأولين والآخرين رسول

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ١١ أ.

(٢) ن. م ج ٣ الورقة ١١ أ.


الله 6 لم يلده هاشم ولا عبد المطلب إلا مرة وفخرت لأنك لم تلدك العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد فقد فخرت على من هو خير منا نفساً وأباً أولاً وآخراً إبراهيم بن رسول الله 6 كانت أمه مارية القبطية وما ولد فيكم أفضل من علي بن الحسين وهو لام ولد وهو خير من جدك حسن وما كان فيهم بعده مثل أبيه محمد بن علي بن الحسين وأمه أم ولد وأما قولك أنهم بنو رسول الله فإن الله تبارك وتعالى يقول : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) ولكنكم بنو بنته وهي رحمها الله لا تحرز الميراث ولا ترث الولاء ولا يحل لها أن تؤم فكيف يورث هذا امامكم وأما ما ذكرت من أمر علي فقد حضرت النبي الوفاة فأمر غيره بالصلاة » (١).

ثم يشير المنصور إلى النزاع بين الأمويين والعلويين وانتصار العباسيين ويقول : « ثم خرجتم على بني أمية فقتلوكم وصلبوكم ونفوكم من البلدان ... حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم وأدركنا بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم » (٢).

ويبدو من هذه المكاتبات التي تبودلت بين المنصور ومحمد النفس الزكية الصراع الذي كان سائداً بين العباسيين وأبناء الحسن وحجج الطرفين ، « كما أنها تظهر نظرتهم إلى بعضهم في ذلك الوقت ، ثم إنها كتبت لمجرد الدعاية ولم يقصد منها إقناع الخصم » (٣).

وبالرغم من كثرة من وقف بجانب النفس الزكية ونصره ، لم يكتب لثورته النجاح للظروف التي أحاطت به.

فقد اتبع المنصور وسائل عديدة للقضاء عليه فقد كان يكتب إليه على ألسن قواده « يدعونه إلى الظهور ويعلمونه بأنهم معه ، لذلك كان محمد يقول : لو التقينا مال إلي الثوار كلهم » (٤).

__________________

(١) البلاذري : أنساب الأشراف ج ٣ الورقة ١١ ب.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢١٠ ـ ٢١١ وقد ذكر الطبري هذه الرسائل كما وردت عند البلاذري مع بعض الاختلافات انظر الطبري ج ٩ ص ٢١٠ ـ ٢١١.

(٣) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٨٠.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢١٦.


ثم إن الشدة التي اتبعها المنصور في معاملة أبناء الحسن دفعت محمداً إلى الثورة قبل وقتها المعين (١).

كما أن المنصور قد قطع الميرة عن خصمه من الشام ومصر (٢). ثم إن محمداً خطب في أصحابه وجعلهم في حل من بيعته بعد وصول جيش المنصور إليه ، وكان هذا مما ثبط عزيمة أصحابه وانسحابهم « فتسللوا حتى بقي في شرذمة ليست بالكثيرة » (٣).

ويذكر اليعقوبي مكيدة دبرتها أسماء ابنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس كان لها الأثر في تفرق الناس عن محمد النفس الزكية فقد كانت أسماء معادية لمحمد فأرسلت مولى لها فرفع قصبة عليها خمار أسود نصبه فوق مأذنة المسجد ثم ذهب إلى عسكر محمد فصاح الهزيمة قد دخل المسودة فلما رأى الناس العلم الأسود انهزموا وبقي محمد يقاتل وحده حتى قتل (٤).

كما أن ابن الأثير يذكر أن محمد النفس الزكية دعا إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وكان شيخاً كبيراً إلى بيعته فامتنع عن البيعة وقال : « يا ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك. فارتدع الناس عنه قليلاً » (٥).

وهكذا فشلت ثورة النفس الزكية وقد أرسل المنصور عيسى بن موسى إلى المدينة في « جيش عظيم » (٦) ، وقد قتل محمد النفس الزكية في اليوم الرابع عشر من رمضان سنة ١٤٥ هـ (٧).

وخرج بعد محمد أخوه إبراهيم بن عبد الله بالبصرة وقد بايعه أهلها

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٢٦٠.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٣) ن. م ج ٩ ص ٢١٩.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١١.

(٥) ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٣.

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١١.

(٧) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٢٧٥.


وقد خرج في أول شهر رمضان سنة ١٤٥ هـ ، ودعا إبراهيم في بدء أمره إلى أخيه محمد فلما قتل محمد دعا إلى نفسه (١).

واستمر إبراهيم ينشر دعوته سراً في البصرة وقد ساعده على ذلك أن والي البصرة سفيان بن معاوية تجاهل أمره وأيده في السر (٢).

ويقول اليعقوبي : « وكان إبراهيم قد قصد الكوفة وهو لا يشك أن أهل الكوفة يثبون معه بأبي جعفر فلما صار بالكوفة لم يجد ناصرآ » وقد علم أبو جعفر بوجوده فوضع الأرصاد والحرس ليمنعه من الخروج إلا أنه بعد أن علم خطأه احتال حتى خرج من الكوفة (٣).

وقد استطاع إبراهيم أن يكسب كثيراً من الأنصار « فأجابه أهل فارس والأهواز وغيرها من الأمصار وسار من البصرة في عساكر كثيرة من الزيدية وجماعة ممن يذهب إلى قول البغداديين من المعتزلة ومعه عيسى بن زيد ابن علي بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب » (٤).

وبالرغم من صعوبة وضع المنصور وقلة جيشه إذ لم يكن لديه إلا ٢٠٠٠ رجل (٥) ، إلا أنه استطاع القضاء على ثورة إبراهيم ، فوجه إليه عيسى بن موسى في العساكر فالتقوا بباخمري على ستة عشر فرسخاً من الكوفة فقتل إبراهيم وقسما ممن كان معه وانهزم الباقون وذلك في سنة ١٤٥ (٦).

ويقول المسعودي : « وقتل معه من الزيدية من شيعته أربعمائة رجل وقيل خمسائة رجل » (٧).

وهكذا استطاع المنصور القضاء على هذا الخطر « الذي زلزل ملكه

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢٥٠.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١٢.

(٤) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠٨.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٢٥٤.

(٦) المسعودي : التنبيه والإشراف ص ٣٤١.

(٧) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٠٨.


في مركزه يقضي عليه » (١).

ويذكر الأصفهاني عدداً من أبناء الحسن تعرض لهم المنصور فحبسهم وماتوا في الحبس منهم عبد الله بن الحسن بن الحسن والحسن ابن الحسن وإبراهيم بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن والعباس بن الحسن بن الحسن وإسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ومحمد ابن إبراهيم بن الحسن وعلي بن محمد بن عبد الله (٢).

وهكذا كان حال أبناء الحسن أيام المنصور فيقول ابن الساعي : « وقد ابتلى الله تعالى المنصور بأذية آل الحسن السبط ... فقضوا بين مقتول ومسموم » (٣).

ويذكر المقريزي من قتل من الطالبيين أيام المنصور وما لحقهم من تعذيب ويقول : « فأين هذا الجور والفساد من عدل الشريعة المحمدية وسيرة أئمة الهدى وأين هذه القسوة الشنيعة مع القرابة من رحمة النبوة وتا لله ما هذا من الدين في شيء بل هو من باب قول الله ( فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) (٤).

ولما توفي أبو جعفر المنصور سنة ١٥٨ هـ (٥) ، تولى المهدي الخلافة ، ويبدو من سيرته أنه اتبع سياسة مخالفة لسياسة المنصور فحاول أن يخفف من الشدة التي اتبعها المنصور، فأطلق من كان في سجن المنصور « إلا من كان قبله تباعة دم أو قتل ومن كان معروفاً بالسعي في الأرض بالفساد » ، وكان ممن أطلقه المهدي يعقوب بن داود مولى سليم وكان معه الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (٦).

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٨٣.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ١٧٩ ـ ٢٠٤.

(٣) ابن الساعي : مختصر أخبار الخلفاء ص ١٨.

(٤) المقريزي : النزاع والتخاصم ص ٥٩.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ٣٢٣.

(٦) ن. م ج ٩ ص ٣٢٧.


وقد حبس المنصور يعقوب بن داود وذلك لأنه كان يدعو لمحمد النفس الزكية ويسعى له في البيعة وبعد مقتل محمد دعا إلى أخيه إبراهيم فلما قتل هرب يعقوب فأمر المنصور بطلبه فأخذه وحبسه ، فلما جاء المهدي أطلقه (١).

وأصبح يعقوب بن داود مقرباً من المهدي وكان الغالب عليه في خلافته وقد ساعده في ذلك ما يتمتع به من صفات فيذكر اليعقوبي « كان يعقوب جميل المذهب ميمون النقيبة محباً للخير كثير الفضل حسن الهدى » (٢).

وقد تحسن حال الزيدية في أيامه نتيجة لصلة يعقوب بن داود الحسنة بالخليفة ولكونه وزيراً من الزيدية يدل على ذلك ما وراه الطبري من أن المهدي كان يبحث عن رجل من الزيدية له معرفة بآل الحسن وبعيسى بن زيد فيأتيه بأخبار آل الحسن فجيء له يعقوب بن داود « فسأله المهدي عن عيسى بن زيد فزغم الناس أنه وعده الدخول بينه وبينه وكان يعقوب ينتفي من ذلك إلا أن الناس قد رموه بأن منزلة عند المهدي إنما كانت للسعاية بآل علي » (٣).

وارتفعت منزلة يعقوب عن المهدي حتى « استوزره وفوض إليه أمر الخلافة فأرسل إلى الزيدية فأتى بهم من كل صوب وولاهم أمور الخلافة في المشرق والمغرب وكل جليل وعمل نفيس والدنيا كلها في يديه » (٤).

ويذكر الطبري أن الحسن بن إبراهيم بن الحسن الذي كان محبوساً مع يعقوب أيام المنصور وحينما أطلق يعقوب بقي الحسن محبوساً ففر من السجن فلما حج المهدي أتاه يعقوب بالحسن فأستامن له فوصله المهدي وأقطعه (٥).

____________

(١) مؤلف مجهول ـ العيون والحدائق ص ٢٧٥.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٣٣.

(٣) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٣.

(٤) ن. م ج ١٠ ص ٣.

(٥) الجهشياري : الوزارء والكتاب ص ١٥٦.


وبالرغم من هذه المنزلة التي كان يتمتع بها يعقوب إلا أن المهدي كان حذراً منه لا سيما بعد ان كثرت السعايات به من قبل موالي المهدي فقد أورد الطبري خبراً مفاده أن المهدي أراد أن يختبر يعقوب بن داود وميله إلى العلويين فطلب منه أن يقتل أحد أولاد علي ودس له جارية لتتعرف خبره فلم يفِ يعقوب بما طلب منه فغضب عليه المهدي وحبسه وظل في الحبس حتى زمن الرشيد (١).

ولم يخرج أحد من الزيدية في أيام المهدي ما عدا علي بن العباس ابن الحسن فقد قدم بغداد ودعا الى نفسه سرا فتبعه جماعة من الزيدية ولما علم المهدي بخبره حبسه فلم يزل في الحبس حتى استوهبه من المهدي الحسين بن علي بن الحسن فوهبه له (٢).

ولكن الأصفهاني يذكر أن المهدي حينما أخرج علي بن الحسين من السجن دس له سماً « فل يزل ينتقض عليه حتى قدم المدينة فتفسخ لحمه وتباينت أعضاؤه فمات » (٣).

أما عيسى بن زيد فكان ورعاً ديناً كثير العلم راوية للحديث ، وقد خرج عيسى بن زيد مع محمد النفس الزكية « وجمع إليه وجوه الزيدية وكل من حضر معه أهل العلم » (٤).

وقد اختفى عيسى بن زيد بعد مقتل محمد ولم يظفر به المهدي (٥).

واستمرت الزيدية على السير في طريق الثورة فلما ولي الهادي الخلافة سنة ١٦٩ هـ ، اتبع سياسة الشدة مع العلويين خلافاً للسياسة التي اتبعها أبوه ، فقد « ألح في طلب الطالبيين وأخافهم خوفاً شديداً وقطع ما كان المهدي يجريه لهم في الأرزاق والأعطية وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم » (٦).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٥ ، الجهشياري ص ١٦٠ ، العيون والحدائق ص ٢٧٦.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ٤٠٣.

(٣) ن. م ص ٤٠٣.

(٤) ن. م ص ٤٠٧.

(٥) ن. م ص ٤٠٨.

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٣٧.


ونتيجة لهذه السياسة التي اتبعها الهادي مع العلويين اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ، لذلك لجأت الشيعة إلى الحسين بن علي بن الحسن « وكان له مذهب جميل وكمال مجد » فدعوه إلى الخروج وكان الحسين بن علي يرى رأيهم ولكنه لا يجد ناصراً فبايعه عدد كبير من الشيعة اول الأمر لكنهم تفرقوا فيما بعد فلم يوافه منهم إلا أقل من خمسائة رجل (١).

ويرى الأصفهاني أن السبب الذي دفع الحسن إلى الخروج أن والي الهادي على المدينة عبد العزيز بن عبد الله من أولاد عمر بن الخطاب قد أساء معاملة الطالبيين وأفرط في التحامل عليهم حتى أنه أخذ من كل واحد منهم بكفالة قريبه ونسيبه (٢).

وفشلت ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي فقتل يفخ وانهزم من كان معه وهرب خاله إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وكان قد خرج معه فصار إلى المغرب ، فاجتمعت عليه كلمة أهلها (٣).

ومن هنا تظهر أهمية وقعة فخ لأن إدريس استطاع أن يكون دولة الأدراسة (٤).

وبالرغم من الشدة التي اتبعها الهادي مع العلويين إلا أنه غضب على موسى بن عيسى الذي أرسله لمواجهة الحسين بن علي وصادر أمواله ، كما أنه عاقب الذين أتوه برأس الحسين فلم يثيبهم بشي ء (٥).

ولما ولي الرشيد الخلافة حاول اتباع سياسة اللين مع العلويين فقد « بذل الأمان للطالبيين وأخرج الخمس لبني هاشم » (٦) كما رفع الحجر عمن كان منهم ببغدا سنة ١٧١ هـ وسيرهم إلى المدينة ما عدا العباس بن

__________________

(١) اليعقوبي ج ٣ ص ١٣٧.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبين ص ٤٤٣.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٣٧.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤ ـ ٣٢.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٣٧.

(٦) المقدسي : البدء والتاريخ ج ٦ ص ١٠١.


الحسن بن عبد الله (١).

إلا أن أبناء الحسن استمروا على سياسة الثورة فقد ظهر زمن الرشيد يحيى بن عبد الله بن الحسن بالديلم وقوي أمره ، فأرسل إليه الرشيد الفضل بن يحيى في خمسين ألفاً ومعه وجوه القواد فوصل الفضل إلى الديلم واستطاع أن يقضي على حركته مستخدماً أساليب مختلفة من الشدة واللين والتحذير والترهيب إلى أن أجاب يحيى إلى الصلح (٢).

ويبدو أن يحيى لم يجب إلى الصلح إلا بعد أن رأى ضعف مركزه « وتفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه » (٣).

ولكنه اشترط على الرشيد أن يكتب له أماناً بخطه وأن يشهد عليه الفقهاء والقضاة وجلة بني هاشم ومشايخهم فرضي الرشيد بذلك وكتب الأمان وجعله على نسختين أرسل إحداهما إلى يحيى واحتفظ بالأخرى (٤).

إلا أن الرشيد كان حذراً من يحيى فأوكل أمره إلى الفضل بن يحيى « وفي نفسه الحيلة على يحيى والتفرغ له وطلب العلل عليه » (٥).

وقد لعب الفضل بن يحيى دوراً في الصراع بين الرشيد والعلويين فيذكر المسعودي أنه استطاع أن يغري صاحب الديلم بالأموال حتى باع يحيى بمائة ألف ألف درهم (٦).

كما أن الفضل استطاع أن يكسب رضا الطرفين الرشيد ويحيى فلما قدم يحيى على الرشيد أكرمه وأجازه بجوائز سنية كما أكرم الفضل بن يحيى وفي ذلك يقول مروان بن أبي حفصة :

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٥١.

(٢) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ١٩٠.

(٣) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٤٦٨.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٥٤ ، الأصفهاني مقاتل الطالبين ص ٤٧٠.

(٥) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٤٧١.

(٦) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٢.


ظغرت بـلا شك يد بـرمكية

رتقت بها الفتق الذي بين هاشم

علي حين أعيا الراتقين التئامه

فكفوا وقالوا ليس بالمتلاءم (١)


كما أن الأصفهاني يذكر أن الفضل ساعد يحيى على الهرب ، وقد علم الرشيد بذلك (٢).

ولكن يحيى لم يسلم من الرشيد لا سيما بعد أن كثرت فيه السعايات عند الرشيد ووصلته الأخبار بأنه يدعو إلى نفسه وأن منتقض « فوافق ذلك ما كان في نفس الرشيد له ... فأشخصه وحبسه في سرداب كبير حتى مات في حبسه » (٣) واختلف في كيفية موته فيذكر اليعقوبي أن الوكل به منعه من الطعام فمات جوعاً (٤).

أما المسعودي فيذكر أنه ألقي في بركة فيها سباع جائعة فامتنعت عن أكله فبني عليه ركن بالحصى والحجر وهو حي (٥).

وقد خرج أيضاً أيام الرشيد أحمد بن عيسى بن زيد العلوي فحبسه الرشيد بالرافقة سنة ١٨٨ هـ فهرب إلى البصرة وأخذ يكاتب الشيعة ويدعوهم إلى نفسه فبث عليه الرشيد العيون فلم يستطع الظفر به فأخذ حاضراً صاحبه والمدبر لأمره فلم يدله هذا على موضعه فقتله ، « وطفىء أمر أحمد ابن عيسى ولم يعرف خبره بعد ذلك » (٦).

وهكذا اختلف سياسة الرشيد مع العلويين بين اللين والشدة ويرى الدوري أن الرشيد « استعمل أساليب الخداع في علاقاته مع العلويين ولم يتجنب الغدر للقضاء عليهم ، فحفظ بذلك التقاليد المكيافيلية التي خلفها المنصور » (٧).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٥٥.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبين ٤٧٢.

(٣) ن. م ص ٤٧٢.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٤٠ ، وانظر أيضاً :

Muir: The Caliphate P. ٤٨١.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٢.

(٦) اليعقوبي : تاريخ ج ٣ ص ٣٥٢.

(٧) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٤٣.


وقد اختلف حال العلويين أيام تولي المأمون الخلافة فقد اتبع سياسة التسامح مع العلويين ولعل ذلك راجع إلى ما كان يتمتع به المأمون من ثقافة واسعة وتفكير حرّ فقد كان مجلسه يحفل برجال الأدب والفقه والتاريخ فتعقد المناظرات في مختلف المسائل وكان يخصص لها أياماً من الأسبوع (١).

كما أن المأمون كان يميل إلى الاعتزال لأن الاعتزال كان أقرب المذاهب إلى نفسه لاعتماده على العقل وقد قرب المعتزلة وتحسن حالهم إيامه ، ومن أشهر رجالهم ثمامة بن أشرس (٢).

ويبدو أيضاً من سيرة المأمون ان كان يميل إلى العلويين ، فيقول المسعودي أنه كان يظهر التشيع (٣).

وفي سنة ٢١٢ هـ نادى منادي للمأمون « ألابرئت الذمة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدمه على أحد من أصحاب رسول الله 6 » وأرسل الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر فأعظم الناس ذلك وأنكروه واظطربت العامة ، فأشير عليه بترك ذلك (٤).

وقد حاول المأمون أن يشرح موقفه هذا فجمع الفقهاء وأهل العلم والحديث ودار بينهم حديث فقال المأمون « فطائفة عابوا علينا ما نقول في تفضيل علي بن أبي طالب وظنوا أنه لا يجوز تفضيل علي إلا لانتقاص غيره من السلف ،والله ما استحل أن انتقص الحجاج فكيف السلف الطيب » (٥).

وقد اعتبر عمل المأمون هذا بدعة فيقول ابن كثير « وفي سنة ٢١٢ هـ أظهر المأمون في الناس بدعتين فظيعتين إحداهما أعظم من الأخرى وهي القول بخلق القرآن والثانية تفضيل علي على الناس بعد رسول الله 6

__________________

(١) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ١٩.

(٢) ن. م ج ٤ ص ٨ ، ٦٦.

(٣) ن. م ج ٤ ص ٥.

(٤) ن. م ج ٤ ص ٤٠ ـ ٤١.

(٥) طيفور : بغداد ص ٤٥.


وقد أخطأ في كل منهما خطأ كبيراً فاحشاً واثم إثماً عظيماً » (١).

كما أن المأمون رد فدك إلى آل فاطمة (٢). ويعلل جبريالي ميل المأمون إلى العلويين لاتصاله بالبرامكة وأن ميله كان ميلاً عاطفياً دينياً (٣).

وبالرغم من تسامح المأمون مع العلويين فلم يخل عهده من ثورات قام بها العلويون وقد استغلوا فترة الصراع بين الأمين والمأمون وخاصة بعد مقتل الأمين.

وأخطر هذه الثورات ثورة أبي السرايا ومعه ابن طباطبا محمد بن إبراهيم بن إسماعيل سنة ١٩٩ هـ (٤).

فقد استغل أبو السرايا ( السرى بن منصور ) اظطراب الناس في أيام الفتنة بين الأمين والمأمون لذلك فقد دعا ابن طباطبا « إلى الرضا من آل محمد والعمل بالكتاب والسنة » (٥).

ويظهر مما ذكره الطبري والأصفهاني أن أبا السرايا هو الذي قاد الثورة واتخذ شخصية محمد بن إبراهيم بن إسماعيل لكي يجلب تأييد الناس للحركة لكون القائد علوياً ، وكان أبو السرايا يلقب بداعية آل محمد (٦).

ويقول جبريالي عن أبي السرايا : أنه كان « فارساً عربياً من الطراز القديم » (٧).

وقد توفي ابن طباطبا أثناء الثورة (٨) ، ويتهم الطبري أبا السرايا بسمه

__________________

(١) ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٦٧.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٩٥.

(٣) جبريالي : المأمون والعلويون ( بالإيطالية ) عن العصر العباسيا الأول | الدوري ص ٢٠٤.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٧.

(٥) مسكوية : تجارب الأمم ج ٦ ص ٤١٩ ( ضمن كتاب العيون والحدائق ) ، وانظر :

Muir: The Caliphate. P. ٤٩٩.

(٦) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٣٢ ، الأصفهاني ص ٥١٨ ـ ٥٣٦.

(٧) جبريالي : المأمون والعلويون عن العصر العباسي الأول ص ٢٠٦.

(٨) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٣.


فيقول : علم أبو السرايا أنه لا أمر له معه ( ابن طباطبا ) فسمه » (١).

ويذكر اليعقوبي أن أبا السرايا وضع بدله محمد بن محمد بن زيد (٢) ، وقد انتهت هذه الحركة بعد أن دامت من سنة ١٩٩ هـ ـ ٢٠١ هـ بقتل أبي السرايا.

وقد قوت هذه الحركة من مركز الطالبيين حتى انتشروا في البلاد (٣). كما استطاع العلويون أن يحتلوا واسط والبصرة والحجاز واليمن سنة ٢٠٠ هـ (٤).

وقد خرج أيا المأمون أيضاً محمد بن زيد أيام أبي السرايا فقد وضعه أبو السرايا مكان ابن طباطبا بعد وفاته سنة ١٩٩ هـ (٥).

ويذكر اليعقوبي أن محمداً هذا قد خرج مع عدد من الطالبيين فهجموا على دور بني العباس فأحرقوها ونهبوها (٦) ، وقد مات محمد بن محمد سنة ٢٠١ هـ (٧).

وخرج أيضاً محمد بن جعفر بمكة سنة ٢٠٠ هـ ودعا لنفسه كما قالت السمطية (٨) إحدى فرق الشيعة بإمامته ، ويقال أن محمد بن جعفر قد دعا أول الأمر إلى ابن طباطبا صاحب أبي السرايا فلما مات ، دعا لنفسه وتلقب بأمير المؤمنين « وليس في آل محمد ممن ظهر لإقامة الحق ممن سلف وحلف مثله وبعده من تسمى بأمير المؤمنين غير محمد بن جعفر هذا » وقد عفا عنه المأمون (٩).

__________________

(١) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٨.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٣.

(٣) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٨.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٣ ، الأصفهاني ص ٥١٨.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٨.

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٤.

(٧) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٤.

(٨) السمطية : الذين قالوا بإمامة محمد بن جعفر الصادق وولده من بعده وإنما سميت السمطية نسبة إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي السمط ، النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٥.

(٩) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٢٦ ـ ٢٧.


وقد بايعه أهل الحجاز وهو « أول من بايعوا له من ولد علي بن أبي طالب » (١). وقد ظهر أيضاً إبراهيم بن موسى بن جعفر باليمن سنة ١٩٩ هـ في أيام أبي السرايا (٢). كما ظهر الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الأفطس في أيام أبي السرايا أيضاً ودعا في بدء أمره إلى ابن طباطبا (٣).

وفشلت كل الحركات التي قام بها العلويون وقد كان المأمون متساهلاً معهم فقد عفا عن كثير ممن خرج منهم فعفا عن محمد بن جعفر الذي خرج بمكة كما عفا عن إبراهيم بن موسى بن جعفر (٤).

وقد عفا المأمون ايضاً عن محمد بن محمد بعد مقتل أبي السرايا وقربه وأدناه (٥).

وكانت سياسة المأمون من التساهل لدرجة دفعت الطالبيين أنفسهم للاعتذار منه عما بدر منهم من خروج عليه فقال المأمون لمتكلمهم : « كف واستمع مني أولنا وأولكم ما تعلمون وآخرنا وآخركم إلى ما ترون وتناسوا ما بين هذين » (٦).

وخرج من العلويين أيام المعتصم محمد بن القاسم بن علي بن عمر سنة ٢١٩ هـ بالطالقان (٧) ، « وكان من أهل العلم والفقه والدين والزهد وحسن المذهب » (٨) وكان محمد بن القاسم على رأي الزيدية « فكان يذهب إلى القول بالعدل والتوحيد ويرى رأي الزيدية الجارودية (٩) أي أنه يرى « ان الخلافة شورى في ولد الحسن والحسين ، فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل

__________________

(١) الخطيب : تاريخ بغداد ج ٢ ص ١١٣.

(٢) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٦.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٢٧.

(٤) اليعقوبي : مشاكلة الناس لزمانهم ص ٢٩.

(٥) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٥.

(٦) طيفور : بغداد ص ١٣.

(٧) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٩٨ ( وهو من أبناء علي بن الحسين زين العابدين ).

(٨) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٧٨.

(٩) ن. م ص ٥٧٨.


ربه وكان عالماً فاضلاّ فهو الإمام » (١).

وكان محمد بن القاسم في أول أمره بالكوفة وقد خاف من المعتصم فهرب إلى خراسان وتنقل في مواضع كثيرة من كورها كسرخس والطالقان ونساومرو ودعا إلى الرضا من آل محمد وانقاد إلى إمامته خلق كثير من الناس (٢) ، ثم تمكن عبد الله بن طاهر أن يقبض عليه وأرسله إلى سامراء حيث سجن (٣).

وقد اختلف في موته فيذكر الأصفهاني أنه توارى أيام المعتصم والواثق ثم أخذ في أيام المتوكل فحبس حتى مات ، أو دس إليه سماً فمات (٤).

وأهمية حركة محمد بن القاسم فيما ظهر بعده من تطورات فقد ظهرت فرقة زيدية جديدة تعتقد بإمامته « ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمد لم يمت وأنه حي يرزق وأنه يخرج فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان » (٥).

وقد مرت على الطالبيين فترة هدوء أيام الواثق بن المعتصم فيقول الأصفهاني : « لا نعلم أحداً قتل في إيامه » ويذكر أن آل أبي طالب اجتمعوا بسر من رأى في أيامه تدر عليهم الأرزاق حتى جاء المتوكل فتفرقوا (٦).

وقد أحسن الواثق إلى العلويين ولم يسىء معاملتهم « وبالغ في إكرامهم والإحسان إليهم والتعهد لهم بالأموال » (٧).

__________________

(١) الأشعري : مقالات الإسلاميين ص ٦٧.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٥٢.

(٣) ن. م ج ٤ ص ٥٢.

(٤) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٨٨.

(٥) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٦) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٩٣.

(٧) ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٢٧٧ ، أبو الفدا : المختصر ج ٣ ص ٤٧ وانظر أيضاً عن حسن معاملة الواثق للعلويين ابن الساعي : مختصر اخبار الخلفاء ص ٦٠ ، السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٣٤٢.


ولما ولي المتوكل الخلافة لقي الطالبيون شدة منه لأنه « كان شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظاً على جماعتهم ... شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم ... فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله » (١).

وقد بالغ المتوكل في التشديد على العلويين حتى أنه « منع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشيء وإن قل إلا وأنهكه عقوبة وأثقله عزماً ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم يرقعنه ويجلس على مغازلهن عواري حواسر » (٢).

ومن آثار شدة المتوكل على العلويين أنه في سنة ٢٣٧ هـ أمر بهدم قبر الحسين وما حوله من المنازل والدور وأمر أن يحرث الموضع ويسقى ويبذر ومنع الناس من إتيانه وأمر بحبس كل من وجد عند الموضع (٣).

وكان لهدم قبر الحسين أثره السيىء في نفوس المسلمين إذ تألموا من ذلك وكتب أهل بغداد شتم المتوكل على المساجد والحيطان كما هجاه الشعراء (٤).

وقد كان لموقف حاشية المتوكل تأثيره أيضاً في سياسته مع العلويين فقد أحاط بالمتوكل جماعة اشتهروا بالعداء لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته ومنهم وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان « فحسن له القبيح في معاملتهم » (٥).

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٩٧.

(٢) ن. م ص ٥٩٩ ، وانظر :

Muir: Caliphate. P. ٣٢٨.

(٣) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١١ ص ٤٤ ، ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٣٠٠ ابن كثير : البداية والنهاية ج ١٠ ص ٣١٥.

(٤) السيوطي تاريخ الخلفاء ص ٣٤٧ ويذكر ما قيل من أشعار منها :

تـالله إن كـانـت أمية قد أتت

قـتـل ابـن بنت نبيها مظلوما

فـلـقـد أتاه بـنـو أبيه بمثله

هـذا لـعمري قـبـره مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

فــي قتلـه فتتبعـوه رميمـا

(٥) الأصفهاني : مقتل الطالبيين ص ٥٩٧.


وكان ممن ينادمه ويجالسه جماعة اشتهروا بالنصب لعلي بن أبي طالب منهم عبادة المخنث وعلي بن الجهم وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصه فكان هؤلاء يشيرون عليه بإبعاد العلويين والإساءه إليهم (١).

كما أن المتوكل كان يبغض من تقدمه من الخلفاء المأمون والمعتصم والواثق في محبه علي وأهل بيته (٢).

ولعل تخلي المتوكل عن الاعتزال مما ساعد على هذه السياسة مع الشيعة فقد أمر المتوكل بترك النظر والمباحثة في الجدال « وأمر شيوخ المحدثين بالتحديث وإظهار السنة والجماعة » (٣).

وقد اشتد المتوكل في معاملة الشيعة حتى أنه قتل يعقوب بن السكيت أحد رجال الشيعة وسبب قتله أن المتوكل سأله ايهما أحب إليه ابنيه المعتز والمؤيد أو الحسن والحسين فتنقص ابن السكيت ابنيه وذكر الحسن والحسين بما هما أهل له فأمر الأتراك أن يدوسوا على بطنه وحملوه إلى داره ومات فيها (٤).

__________________

(١) ابن الأثير : الكامل ج ٧ ص ٢٠ ويذكر ابن الأثير قصة ندماء المتوكل فيورد عن عبادة المخنث أنه كان يشد على بطنه وتحت ثيابه مخدة ويكشف عن رأسه ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين يقصدون علياً وقد كان المنتصر على خلاف رأي والده المتوكل فكان لا يقر هذه التصرفات فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل. انظر ابن الأثير ج ٥ ص ٢٨٧ ، أما أبو السمط فيذكر عنه الطبري أنه دخل يوماً على المتوكل فأنشده قصيدة ذم فيها الرافضة فعقد له على البحرين واليمامة وخلع عليه أربع خلع وأمر له بثلاثة الاف دينار نثرت على رأسه وأمر ابنه المنتصر أن يلتقطها له والقصيدة :

مـلـك الخليفـة جعفـر

لـلـديـن والدنيا سـلامه

يرجو الثرات بنو البنـات

ومـا لـهـم فيـها قلامـه

والصهر لـيـس بوارث

والـبـنت لا تراث الإمامه

أخـذ الـوراثة أهـلـها

فـعـلام لـو مـكم علامه

انظر الطبري ج ١١ ص ٦٧.

(٢) ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٢٠.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٨٦.

(٤) ابن الأثير : الكامل ج ٥ ص ٣٠٠ ، ويذكر السيوطي أنه أمر بسل لسانه فمات وأرسل إلى ابنه يرثيه. انظر السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٣٤٨ ـ ٣٤٩.


ونتيجة لهذه السياسة التي سار عليها المتوكل لم يخل عصره من خروج وثورات قام بها الطالبيون قوبلت بالشدة فحبس منهم من حبس وقتل من قتل وكان أكثر الخارجين من أبناء الحسن وأبناء الحسين الذين يرون رأي الزيدية في اشهار السيف بوجه السلطان الظالم (١).

وقد اختلف الحال أيام المنتصر فقد كان ميالاً إلى أهل البيت ، يخالف أباه في فعاله فلم يصب أحداً منهم بمكروه (٢).

وكان أول عمل عمله المنتصر بعد توليه عزل صالح بن علي عن المدينة وولى علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد وأوصاه أن يحسن معاملة آل أبي طالب حيث قال له : « يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك ، فانظر كيف تكون للقوم وكيف تعاملهم ـ يعني آل أبي طالب ـ فقلت : أرجو أن أمتثل رأي أمير المؤمنين .. فقال : إذا تسعد بذلك عندي » (٣).

وقد تحسن حال الشيعة أيام المنتصر فقد أزال عنهم ما كانوا فيه من خوف وظلم كما أجاز لهم زيارة قبر الحسين ورد على آل الحسين فدك وفي ذلك يقول المهلبي :

ولقـد بـررت الطالبية بعدما

ذموا زمانـاً بعدهـا وزمانا

ورددت ألفـة هـاشم فرأبتهم

بعد العداوة بينهم إخوانا (٤)

وهكذا سار أبناء الحسن في خط هو الثورة على السلطة واعتبروا العباسيين ظالميين فشهروا السيف بوجههم ولم تقتصر الثورة على أبناء الحسن فقط وإنما شاركهم فيها أبناء عمهم الحسين ممن كان يرى رأي الزيدية مثل محمد بن القاسم بن عمر صاحب الطالقان وقد مر ذكره.

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٦٠٠ وما بعدها.

(٢) ن. م ص ٦٣٦ وانظر :

Muir: The Caliphate. P. ٥٣٤.

(٣) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١١ ص ٨١.

(٤) ابن الساعي : مختصر أخبار الخلفاء ص ٦٧ ـ ٦٨.


ولكن هذه الثورات لم يكتب لها النجاح ما عدا حركة إدريس في المغرب حيث نجح إدريس في إقامة دولة الأدارسة. فقد فشلت كل الحركات بالرغم من كثرة أنصارها ومؤيديها نظراً للظروف التي أحاطت بها ولمقدرة العباسيين السياسية في القضاء على خصومهم ، كما أن هذه الحركات لم تكن خالية من المغامرين والطامحين كما مر من ثورة أبي السرايا ثم أن العلويين لم تجمعهم غاية واحدة ولم يظهروا في بلد واحد.

ومع هذا فقد كان العلويون خطراً هدد الدولة العباسية في عصرها الأول وسببوا لها الكثير من المتاعب بثوراتهم المستمرة ، وتذكيرهم من حين لآخر بوجود من يرى أنهم ليسوا بأصحاب الحق الشرعي في الخلافة.

ب ـ موقف الإمامية من الثورات الزيدية :

وقد أيقن الإمامية أن لا فائدة من هذه الثورات فاعتزلوها وحذروا أصحابها كما فعل الصادق مع عبد الله بن الحسن وابنه محمد فيذكر سبط ابن الجوزي « لما خرج محمد بن الحسن بالمدينة هرب جعفر بن محمد (الصادق ) إلى ما له بالفرع فأقام معتزلاً للقوم حتى قتل محمد وعاد إلى المدينة » (١).

إلا أن اعتزال الصادق عن محمد لم يكن سوء تفاهم أو عدم انسجام بينه وبين أبناء عمه فيذكر الطبري أن المنصور لما حبس أبناء الحسن وحملهم من المدينة الى العراق وكان الصادق في المدينة كان ينظر اليهم ويتألم ويدعو على آل العباس ويقول : « والله لا يحفظ الله حرمة بعد هؤلاء » (٢).

ويذكر الكليني عن المعلى بن خنيس قال « كنت عند أبي عبد الله إذ أقبل محمد بن عبد الله فسلم ثم ذهب فرق له أبو عبد الله ودمعت عيناه فقلت له : لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع بأحد فقال : رققت له

__________________

(١) سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص ٣٥٧.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ٩ ص ١٩٤.


لأنه ينسب إلى أمر ليس له لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمور ولا من ملوكها » (١).

ويورد ابن طاووس رسالة للصادق في تعزية أبناء عمه الحسن حينما حبسهم المنصور وتدل هذه الرسالة على الصلة الحسنة بين الصادق وأبناء عمه وعلى منزلتهم عنده :

بسم الله الرحمن الرحيم إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه.

أما بعد فلأن كنت تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والكآبة وأليم وجع القلب دوني ، فلقد نالني من ذلك الجزع ، والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ، ولكن رجعت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر حين يقول لنبيه : ( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ) ... إلى أن يقول : فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله عزوجل والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره. أفرغ الله علينا وعليكم الصبر وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة وأنقذكم وإيانا من كل هلكة بحوله وقوته وإنه سميع قريب » (٢).

ويقول ابن طاووس : « وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن وإنهم مضوا إلى الله بشرف المقام والظفر بالسعادة » (٣).

وقد استمر الأئمة على موقفهم هذا من أبناء الحسن كما بذلوا النصح لكل من خرج منهم كما فعل موسى بن جعفر مع الحسين بن علي ابن الحسن صاحب فخ فقد قال له بعد أن امتنع من الخروج معه : « إنك مقتول فأجد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ، ويضمرون نفاقاً

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ٨ ص ٣٩٥.

(٢) ابن طاووس : الأقبال ص ٥٠ ـ ٥١.

(٣) ن. م ص ٥٠ ـ ٥١.


وشركاً فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعند الله عز وجل احتسبكم من عصبة » (١).

وكذلك نصح الرضا محمد بن جعفر حيث قال له : « يا عم لا تكذب أباك ولا أخاك فإن هذا الأمر لم يتم » (٢).

ويذكر الصدوق أن الرضا لم يؤيد أخاه زيد بن موسى حينما خرج « عنفه وخلى سبيله وحلف أن لا يكلمه أبداً ما عاش » (٣).

٢ ـ الشيعة الإمامية :

أما الشيعة الإمامية ، فقد سلكت سبيلاً آخر غير الذي سلكته الشيعة الزيدية فبعد مقتل الحسين وانتقال الإمامة إلى ابنه على ( زين العابدين ) لم تقم الشيعة بحركة ضد السلطة ما عدا حركة المختار والتوابين وكانت هاتان الحركتان إنما قام بها عدد من الشيعة الذين أيدوا آل البيت ولكنهم لم يدعوا إلى إمام معين ولم يقدهم إمام أو يأمرهم بالثورة إمام كما رأينا.

وقد ولد علي بن الحسين سنة ٣٨ هـ في حياة علي بن أبي طالب وقتل جده وله سنتان ، وقتل أبو الحسين في كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة وشهد يعينه مصرع إخوانه وأعمامه (٤).

ثم عاصر الأمويين وشاهد شهدتم على العلويين والشيعة فانقاهم إلى درجة أنه بايع ليزيد بن معاوية على أنه عبد قن بعد أن رأى كثرة القتل في المسلمين بعد وقعة الحرة فاظطر إلى هذه البيعة ليقتدي به الناس ويتخلصوا من القتل (٥).

ثم ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي في أيامه يطلب بثأر الحسين وتبعه جماعة من الشيعة فلعنه علي بن الحسين على باب الكعبة وأظهر

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٤٤٧.

(٢) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٠٧.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٢٣٣.

(٤) ابن سعد : الطبقات ج ٥ ص ١٥٧.

(٥) اليعقوبي : التاريخ ج ٢ ص ٢٢٣.


كذبه (١).

كما ظهرت في أيامه دعوة لعمه محمد بن الحنفية قام بها المختار بن أبي عبيد الثقفي وادعى بأنه الإمام ولقبه بالمهدي والوصي وفي ذلك بقول السيد الحميري :

ألا قـل للوصي فدتـك نفسـي

أطلـت بـذلك الجبـل المقـاما

أضــر بمعشـر والـوك منـا

وسمـوك الخليفـة والإمـا مـا

وعـادوا فيك أهل الأرض طرا

مغيبـك عنهـم سبعيـن عـاما

ومـا ذاق ابن خـولة طعم موت

ولا وارت لـه أرض عظـامـا

لقد أمسى بمردف شعب رضوى

تراجعـه الملائكـة الكلامـا (٢)

ولقد عاصر علي بن الحسين أيضاً حركة عبد الله بن الزبير وكان شديد التحامل والبغض لبني هاشم حتى أنه ترك الصلاة على محمد في خطبه ولما سئل عن سبب ذلك قال « إن له أهل سوء يشرئبون لذكره ويرفعون رؤوسهم إذا سمعوا به » (٣).

وهكذا عاصر علي بن الحسين هذه الأحداث فاتقاها وكان يقول : « التارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة قيل : وما تقاته قال : يخاف جباراً عنيداً يخاف أن يفرط عليه أو يطغى » (٤) فأثرت فيه وجعلته يعتزل ويتخذ الزهد سبيلاً له ونظرة إلى الصحيفة السجادية تلقي ضوءاً كافياً على سيرة الإمام زين العابدين ، كما أنها بما جاء فيها من وعظ ودعاء يمكن أن نعتبرها سلاحاً شهر بوجه الأمويين قد يكون أبلغ أثراً من الثورة (٥).

__________________

(١) ابن سعد : الطبقات ج ٥ ص ١٥٨.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٨٨.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٨.

(٤) ابن سعد : الطبقات ج ٥ ص ١٥٨.

(٥) انظر الصحيفة السجادية لعلي بن الحسين. وانظر أيضاً « رسالة الحقوق » للأمام زين العابدين نقلها الحراني في كتابه نحف العقول ص ١٨٣ وانظر أيضاً صحيفة في الزهد للسجاد رواها المفيد في الأمالي ص ١١٧ ، وانظر الشيبي الصلة بين التشيع والتصوف ج ١ ص ١٥٣ ـ ١٦٩.


وقد سار الإمام محمد بن علي الباقر على طريقة أبيه زين العابدين فاتخذ الزهد منهجاً له ، وكان يسمى أبو جعفر الباقر لأنه بقر العلم ، فقد ذكر جابر الأنصاري ان رسول الله 6 قال له : إنك ستبقى حتى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي إذا رأيته لم يخل عليك فاقرأه مني السلام فعاش جابر حتى أدركه (١).

ويقول ابن خلكان : « وكان الباقر عالماً سيداً كبيراً وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر العلم وفيه قال الشاعر :

يـا باقـر العلـم لأهـل التقى

وخير من لبى على الأجبل (٢)


ويذكر ابن شهراشوب لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين من العلوم ما ظهر منه من التفسير والكلام والفتيا والحلال والحرام والأحكام (٣).

كما يذكر محمد بن مسلم ، أنه سأله عن ثلاثين ألف حديث كما روى عنه معالم الدين من الصحابة والتابعين ورؤساء الفقهاء منهم جابر الأنصاري ، وجابر بن يزيد الجعفي ، وكيسان السختاني صاحب الصوفية ، ومن الفقهاء ابن المبارك والزهري والأوزاعي ، وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزياد بن المنذر النهدي (٤).

كما تروي المصادر الإمامية أخباره وأخبار من روى عنه العلوم وهكذا كان تأثير الباقر على الناحية الفكرية أكثر منه على الناحية السياسية (٥).

وقد حفل عصر الباقر بحركات غلو مختلفة فحاول جهده أن يوقف تيار هذا الغلو وتبرأ منه ونصح شيعته بأن قال لهم : « يا شيعة آل محمد

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٦١.

(٢) ابن خلكان : وفيات العيان ج ٣ ص ٣١٤.

(٣) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ١٩٥.

(٤) ن. م ج ٤ ص ١٩٥.

(٥) انظر البرقي : الرجال ص ٩ ـ ١٦ الطوسي : الرجال ص ١٠٢ ـ ١٤١ الحراني : تحف العقول ص ٢٠٦.


كونوا النمرقة الوسطى يرجع إليكم الغالي ويلحق إليكم التالي » (١).

كما عاصر الباقر أبو هاشم بن محمد بن الحنفية وشاهد ما أحاطه من حركات غلو وظهور دعوة له تخرج الإمامة من أولاد الحسين (٢).

وهكذا شغل الباقر بالعلم وترك الخروج على السلطان (٣).

ثم ورث الإمامة بعده ابنه جعفر بن محمد الصادق. وقد ظهر الصادق في فترة من أصعب وأدق الفترات التاريخية ( ٨٣ هـ ١٤٨ هـ ) (٤) ، فقد عاصر الصادق أواخر الدولة الأموية وأوئل الدولة العباسية ، وثار في أيامه عمه زيد بن علي بن الحسين سنة ١٢٢ هـ وقد أدت هذه الثورة غلى خروج جماعة من الشيعة كانت تقول بإمامة جعفر بن محمد الصادق فقالت بإمامة زيد وظهر خط جديد من الشيعة هم الزيدية (٥).

وشاهد بداية الدعوة العباسية وظهور جماعة تدعو لآل العباس وتخرج الخلافة من أولاد علي إلى أولاد العباس (٦).

ثم كان هناك أبناء عمه الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الذين مالوا إلى راي الزيدية ورأوا الخروج على السلطان (٧).

ولكن الصادق اعتزل كل هذه الأحداث وشغل بالعبادة عن طلب الرئاسة (٨).

ويذكر الأصبهاني الصادق ويقول : « ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع » (٩).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٦ ( الأصول ).

(٢) انظر الفصل الثالث باب الدعوة العباسية.

(٣) انظر الشيبي : الصلة بين التشيع والتصوف ج ١ ص ١٦٩ ـ ١٧٧.

(٤) ابن طولون : الأئمة الاثني عشر ص ٨٥.

(٥) انظر بداية هذا الفصل.

(٦) انظر الفصل الثالث باب الدعوة العباسية.

(٧) انظر القسم الأول من هذا الفصل.

(٨) سبط ابن الجوزي : تذكرة الخواص ص ١٩٢.

(٩) الأصبهاني : حلية الأولياء ج ٣ ص ١٩٢.


وقد بينا موقف الصادق من ثورة زيد بن علي وموقفه من الدعوة العباسية التي دعت إلى الرضا من آل محمد ورفضه دعوة أبي سلمة وكذلك موقفه من أبناء عمه الحسن وتحذيرهم من الخروج.

ابتعد الصادق عن هذه الأحداث وكان موقفه دقيقاً تجاهها ، لذلك كان المفروض أن مثل هذا الموقف يجعله بمنأى من الخلفاء العباسيين ، غلا أنه كما يبدو أن العباسيين كانوا يخشون الصادق وشيعته بالرغم من أنه لم تكن هناك دعوة للصادق يعرف بها.

ولا تزودنا المصادر التاريخية بأخبار الصادق مع أبي جعفر المنصور إلا قليلاً إلا أن أخباره ترد في المصادر الإمامية وبعض المصادر غير الإمامية.

فيذكر المسعودي أن المنصور استقدم الصادق من المدينة إلى العراق بعد أن بلغته الوشايات فيه إلا أن الصادق استطاع ان ينفي كل ما وصل من الأخبار إلى المنصور حتى أن المنصور صدقه وأمر له بستة آلاف درهم وأرجعه إلى المدينة (١).

ويبدو مما يرويه الكليني أن المنصور كان يحاول الإيقاع بالصادق ليجد عليه حجة يدينه بها فقد ذكر : قال أبو عبد الله : سرت مع أبي جعفر المنصور في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي : يا أبا عبد الله قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم ، قال : فقلت : ومن رفع هذا إليك عني فقد كذب فقال لي : أتحلف على ما تقول؟ قال : فقلت : إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فأنا إليك احوج منك إلينا ، فقال لي : تذكر يوماً سألتك هل لنا ملك؟ فقلت : نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من ديناكم حتى تصيبوا منا دماً حراماً في شهر حرام ، في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ

__________________

(١) المسعودي ( منسوب ) : إثبات الوصية ص ١٥٣.


الحديث فقلت : لعل الله أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل بيتك أن يتوالى ذلك فسكت عني (١).

وقد أوصى الصادق أصحابه أيضاً بالتقية فيذكر الكليني رسالة الصادق إلى جماعة الشيعة وقوله لهم : « وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، وتحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم ، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام ، فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم » (٢).

ويرد هنا الحديث عن التقية التي اتخذتها الشيعة سبيلاً في علاقاتها مع الحاكمين ولو أن سكوت الأئمة الذين سبقوا الصادق وعدم خروجهم على السلطة يمكن أن نعده تقية منهم ، إلا أن أكثر الأقوال في التقية ترد عن الصادق كقوله : « التقية من ديني ودين آبائي » و « لا دين لمن لا تقية له » (٣).

وكان الصادق يتقي كل ما من شأنه ان يثير السلطة الحاكمة آنئذ فقد ذكر الأربلي أن سفيان الثوري استأذن في الدخول على الصادق فلما دخل قال له : « يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان قم فاخرج غير مطرود » (٤).

وقد حاول الصادق بمختلف الوسائل أن يزيل أوهام العباسيين وشكوكهم نحوه فقد أكد أن هذا الأمر لهم مرات عديدة ، فذكر ابن شهراشوب أن المنصور لما أكبر أمر ابني عبد الله بن الحسن استطلع حالهما من جعفر الصادق فقال : ما يؤول إليه حالهما ، اتلو عليك آية فيها منتهى علمي وتلا ( لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) ، فخر المنصور ساجداً وقال :

____________

(١) الكليني : الكافي «ـ ٨ ص ٣٦ ـ ٣٧ (الروضة ).

(٢) ن. م ج ٨ ص ٣ (الروضة ).

(٣) ن. م ج ١ ص ٢٠٥ (الأصول ).

(٤) الأربلي : كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٩.


حسبك يا أبا عبد الله » (١).

وكما تعرض العباسيون للصادق كذلك تعرضوا لاتباعه وشيعته ومنهم المعلى بن خنيس فقد قتل في أيام المنصور قتله داود بن علي وكان من أخلص أتباع الصادق ومن الفقهاء في أيامه فيروي الكشي انه حينما اراد داود قتله طلب منه أن يخرجه إلى الناس لأن له ديناً كثيراً ومالاً فلما أخرجه إلى الناس قال « يا أيها الناس أنا معلى بن خنيس فمن عرفني فقد عرفني اشهدوا أن ما تركت من مال أو عين أو دين أو أمة أو عبد أو دار أو قليل أو كثير فهو لجعفر بن محمد ، فشد عليه صاحب شرطة داود فقتلته (٢).

وقد أحفظ هذا العمل الصادق إلى درجة أنه لم يسكت وإنما ذهب إلى داود بن علي هو وابنه إسماعيل فقال : « يا داود قتلت مولاي وأخذت مالي فقال : ما أنا قتلته ولا أخذت مالك : فقال : والله لأدعون الله على من قتل مولاي وأخذ مالي قال ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال : بإذنك أو بغير إذنك؟ فقال : بغير إذني. فقال : يا إسماعيل شأنك به قال فخرج إسماعيل والسيف معه حتى قتله في مجلسه » (٣).

وهكذا عاش الصادق وشيعته هدفاً للعباسيين بالرغم من أنه لم يكن من رأيه طلب خلافته وإنما كان سائراً على طريق إحياء العلوم (٤) ، فقد ذكر المفيد « ونقل الناس عنه ( الصادق ) من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل عن أهل بيته العلماء ما نقل عنه ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أصحاب الرواة عنه من الثقات على

__________________

(١) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٢٢٨.

(٢) الكشي : الرجال ص ٣٢٣.

(٣) ن. م ص ٣٢٤.

(٤)

M. G. S. Hodgson, Dja'Far Al-Sadik, Encyclopeadia of Islam, New edition, Vol. ١١. Taylor: Ja'far Al-Sadik, Spirthal Forebear of the Sufis, Islamic Culture, Vol. XL. No. ٢, April, ١٩٦٦.


اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل » (١).

ويعدد الطوسي ٣٠٤٠ رجلاً من أصحاب الصادق الذين رووا عنه (٢).

ويروي الأصبهاني أن من حدث عن جعفر الصادق من الأئمة الأعلام : مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وابن جريج وعبد الله بن عمرو وروح بن القاسم وسفيان بن عيينة وسليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر كما روى عنه الشافعي وأحمد بن حنبل وعمرو بن دينار .. (٣) كما ان ابن شهرآشوب ذكر أن أبا حنيفة كان من تلامذة الصادق (٤).

ويذكر ابن خلكان أن الصادق من سادات أهل البيت ولقب بالصادق لصدقه في مقالته وفضله أشهر من أن يذكر وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل. وقد تتلمذ عليه أبو موسى جابر بن حيان الكوفي ، وقد ألف كتاباً يشمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة (٥).

وهكذا عاش الصادق في فترة حفلت بالتطورات الفكرية المختلفة وامتازت بظهور المذاهب الفقهية فقام بدوره بوضع أسس الفقه عند الشيعة الإمامية حتى نسب إليه الفقه الجعفري (٦).

كما كانت أراؤه الفقهية قد كونت مدرسة خاصة عرفت بمدرسة الإمام الصادق سار فيها على الأسس التي وضعها والده الباقر فطورها ثم قام تلاميذه بنشر هذه المبادىء حتى أصبحت مذهباً خاصاً بالشيعة

__________________

(١) المفيد : الإرشاد ص ٢٧٠.

(٢) الطوسي : الرجال ص ١٤٢ ـ ٣٤٢.

(٣) الأصبهاني : حلية الأولياء ج ٣ ص ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٤) ابن شهراشوب ج ٤ ص ٤٢٨.

(٥) ابن خلكان : وفيات الأعيان ج ١ ص ٢٩١.

(٦) انظر أسد حيدر : الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ، النجف ١٩٦٣ ، هاشم معروف الحسني : المبادىء العامة للفقه الجعفري ، بغداد.


الإمامية (١). كما كان لأرائه الكلامية أيضاً أثرها فقد قام تلاميذه بنشرها حتى كونت مدارس كلامية خاصة ومن اشهر هؤلاء هشام بن الحكم (٢).

إلا أن الفقه الجعفري لم يكتب له الانتشار كما انتشرت المذاهب الفقهية الأخرى وذلك لأن السلطة الحاكمة آنئذ قد حدت من انتشاره وفضلت عليه المذاهب الفقهية الأخرى حتى لا تفسح السبيل لظهوره.

كما حفل عصر الصادق بظهور حركات غلو مختلفة بين شعيته واختلافهم في الإمامة فوضح السبيل لشيعته وأبانه كما حارب الغلو وتبرأ منه وسيأتي بيان ذلك في فصل الإمامة. وكان هذا السبيل الذي سلكه الصادق قد سار عليه بقية الأئمة بعده وهكذا نجد أن الأثر الذي تركه جعفر الصادق على النواحي الفكرية أهم وأعظم من أثره على النواحي السياسية فقد كان الصادق كما يقول الشهرستاني : «وهو ذو علم غزير في الدين وأدب كامل في الحكمة وزهد في الدنيا وورع تام عن الشهوات وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثم دخل العراق وأقام بها مدة ما تعرض للأمامة قط ولا نازع أحداً في الخلافة ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط ... » (٣).

وعاش الصادق هكذا حتى توفي في سنة ١٤٨ هـ بالمدينة وقد اختلف في وفاته فاليعقوبي يذكر أنه توفي زمن المنصور وأن المنصور حزن عليه. وكان يقول : « فإن سيدهم وعالمهم وبقية الأخبار منهم توفي ... » كما وصف جعفراً بأنه ممن قال الله فيه : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) » فكان جعفر بن محمد ممن اصطفى الله وكان من السابقين

__________________

(١) انظر رسالة للصادق « جهات معائش العباد ووجوه إخراج الأموال » ورسالة في « الغنائم ووجوب الخمس » وغيرها من الرسائل نقلها الحراني : تحف العقول ص ٢٤٥ ـ ٢٥٣ وانظر أيضاً كتاب الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والاستبصار للطوسي حيث أن أكثر الآراء الفقهية فيها ترد عن الصادق.

(٢) الكشي : الرجال ص ٢٢٠.

(٣) الشهرستاني : الملل والنحل ج ١ ص ٢٧٢.


بالخيرات » (١).

المسعودي يذكر أن الصادق مات مسموماً في زمن المنصور (٢). والظاهر أن قضية سم الصادق لا تعدو من شبهة لأنها لو كانت صحيحة لما أهملتها المصادر الإمامية التي أجمعت على أن الصادق توفي سنة ١٤٨ هـ في حياة المنصور (٣) ما عدا ابن رستم الطبري حيث يذكر أن المنصور سم الصادق فقتله (٤).

ولما توفي الإمام جعفر بن محمد الصادق انتقلت الإمامة إلى ابنه موسى بن جعفر ، وقد عاصر موسى بن جعفر المهدي والهادي والرشيد.

ونظراً لسياسة المهدي المتسامحة مع العلويين لم يتعرض لموسى بن جعفر إلا أنه استقدمه من المدينة إلى العراق ولما طلب منه الاذن بالرجوع إلى المدينة أذن له بعد أن قضى حوائجه (٥).

وبالرغم من شدة الهادي مع العلويين إلا أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً عن علاقة موسى بن جعفر بالهادي.

أما المصادر الإمامية غتذكر أن موسى بن جعفر قد حبس في أيام الهادي فتذكر ابن عنبه أن موسى بن جعفر حبس في زمن الهادي إلا أنه أطلقه بعد أن رأى علي بن أبي طالب في نومه يقول له : يا موسى ( هل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) فعرف أنه المراد بذلك فأمر بإطلاقه ثم يقول : « ثم تنكر له بعد ذلك فهلك قبل أن يوصل إلى الكاظم أذى » (٦).

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١١٧.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٢٩٧.

(٣) انظر المفيد : الارشاد ص ٢٧١ ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٢٨٠ ، الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ٢٦٦ ، الأربلي : كشف الغمة في معرفة الأئمة ج ٢ ص ٣٧٣.

(٤) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ١١١.

(٥) المسعودي (منسوب ) : إثبات الوصية ص ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٦) ابن عنبه : عمدة الطالب ص ١٦٩.


أما في زمن الرشيد فقد تعرض موسى بن جعفر لمراقبة من الرشيد لخوف الرشيد منه ولوصول الأخبار إليه بأن له جماعة تقول بإمامته وقد كثرت الوشايات في موسى بن جعفر حتى حبسه.

ويذكر الأصفهاني السبب الذي من أجله حبس موسى بن جعفر ويجعل للبرامكة يداً في ذلك ، فيذكر أن يحيى بن خالد بن برمك استطاع أن يغري علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالأموال وكان إسماعيل هذل على صلة بموسى بن جعفر وعلى علم بأخباره فلم يزل حتى سعى بموسى عند الرشيد وأخبره أن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وأن له بيوت أموال وأنه اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار وسماها اليسيرة فسمع منه الرشيد ذلك ووصله (١).

ولما حج الرشيد في تلك السنة ( ١٨٣ هـ ) بدأ بقبر النبي فقال : « يا رسول الله إني أعتذر إليك من شيء أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى ابن جعفر فانه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها » (٢).

ويذكر ابن طباطبا أن سبب حبس الرشيد لموسى بن جعفر أن بعض حساده من أقاربه قد وشوا به إلى الرشيد وذكروا أن الناس يحملون إلى موسى خمس أموالهم ويعتقدون إمامته وأنه عازم على الخروج فأقلق ذلك الرشيد فسجنه (٣).

وهكذا عملت الوشايات عملها حتى حبس الرشيد موسى بن جعفر عند عيسى بن جعفر بن المنصور وكان على البصرة ولما لم يجد هذا حجة عليه كتب إلى الرشيد يطلب منه إخلاء سبيله (٤).

أما المصادر الإمامية فتذكر أن السبب في حبس موسى بن جعفر زمن الرشيد أن الرشيد لما حج اجتمع إليه بنو هاشم وبقايا الهاجرين والأنصار

__________________

(١) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠١ ـ ٥٠٢.

(٢) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠٢.

(٣) ابن طباطبا : الفخري ص ١٩٦.

(٤) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٠٢.


ومعهم موسى بن جعفر فلما انتهوا إلى قبر رسول الله وقف الرشيد وقال : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا بن عم « افتخاراً على قبائل العرب ـ واستطالة عليهم بالنسب » ثم تقدم موسى بن جعفر فقال : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبة « فتغير لون الرشيد وقال : يا أبا الحسن ان هذا لهو الفخر الجسيم » (١).

ولعل غضب الرشيد من موسى بن جعفر هنا لأنه يذكره بأنه ابن رسول الله وهو أولى به.

أما ابن عنبة فيذكر أن من أسباب غضب الرشيد على موسى بن جعفر إن محمد بن إسماعيل بن الصادق كان مع عمه موسى الكاظم يكتب له السر إلى شيعته في الأفاق وأن إسماعيل هذا سعي بعمه موسى عند الرشيد وقال للرشيد : « إن في الأرض خليفتين يجبي إليها الخراج فقال : الرشيد ويلك أنا ومن؟ قال : موسى بن جعفر وأظهر أسراره فقبض الرشيد على موسى الكاظم وحبسه وكان سبب هلاكه » (٢).

ويعطي ابن شهر آشوب سبباً آخر لحبس موسى بن جعفر فيذكر أن الرشيد كان يريد إرجاع فدك إلى موسى بن جعفر وكان موسى يأبي ذلك ولما ألح عليه الرشيد طلب موسى أن يأخذها بحدودها ولما سأله الرشيد عن حدودها قال : الحد الأول عدن والحد الثاني سمرقند والحد الثالث إفريقية والحد الرابع سيف البحر مما يلي الخزر وأرمينية ، فغضب الرشيد وقال له : « فلم يبق لنا شيء فتحول إلى مجلسي ... فعند ذلك عزم الرشيد على قتله » (٣).

فقول موسى هذا يعني أنه صاحب الحق لأن ذكر أمصار الخلافة العباسية. ويبدو مما يرويه الصدوق أن العباسيين كانوا يضيقون على آل

__________________

(١) المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ١ ص ١٥ ، الإرشاد ص ٢٩٨ الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ٢٩٧.

(٢) ابن عنبة : عمدة الطالب ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤.

(٣) ابن شهراشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ وانظر أيضاً سبط ابن الجوزي تذكرة الخواص ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠.


البيت ويقللون أعطياتهم لئلا يلتف حولهم أنصار يحاربونهم بهم ، ذكر أن الرشيد اعطى موسى بن جعفر مائتي دينار بينما أعطى غيره ٥ آلاف دينار ولما سأله الفضل بن الربيع عن سبب ذلك قال الرشيد : « لو أعطيت هذا ما كنت أمنته أن يضرب وجهي غداً بمائة ألف سيف من شيعة هذا ومواليه ، وفقر هذا وأهل بيته أسلم لي ولكم من بسط أيديهم وأعينهم » (١).

وبالرغم من شدة الرشيد مع موسى بن جعفر إلا أنه كان عارفاً قدره ومنزلته فقد كان يقول عن موسى بن جعفر : « أما أن هذا من رهبان بني هاشم » ولما سئل لم ضيق عليه في الحبس قال : هيهات لا بد من ذلك (٢).

فيبدو أن موسى بن جعفر كان مصدر قلق وخوف للرشيد بالرغم من أنه لم يشهر سيفاً بوجهه.

وقد أطلق الرشيد موسى بن جعفر حينما حبسه أول مرة بعد أن رأى في نومه من يقول له : « إن لم تخل عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة » فأطلقه وخيره بين البقاء في العراق أو الذهاب إلى المدينة ودفع إليه ثلاثين ألف درهم (٣).

ولكن هذا لم يمنع الرشيد من حبسه مرة أخرى كانت فيها نهايته فيذكر اليعقوبي ، إن موسى بن جعفر توفي ١٨٣ هـ في حبس الرشيد قتله السندي بن شاهك ثم إن الرشيد دعا القواد والكتاب الهاشميين والقضاة والطالبيين ثم كشف عن وجه موسى وسألهم أتعرفون هذا قالوا : « نعرفه حق معرفته هذا موسى بن جعفر ، فقال هارون : أترون أن به أثراً وما يدل على اغتيال؟ قالوا : لا ، ثم غسل وكفن ودفن بمقابر قريش في الجانب الغربي » (٤).

ويبدو أن الرشيد بعد أن حبس موسى بن جعفر وقتله أراد أن يبرىء

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٧٩.

(٣) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٤٥.


نفسه من الشكوك فكان يحاول أن يفهم الناس أنه لايد له في موته.

ويرى الدوري « أن هذا السؤال في ذاته يؤكد الشكوك في قتل الإمام » (١).

المسعودي يذكر أن موسى بن جعفر مات مسموماً (٢). أما الأصفهاني فيروي أنه بعد موت موسى بن جعفر نودي عليه « هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه » (٣).

وقد نودي بهذا النداء لأن جماعة من الشيعة اعتقدت بأن موسى بن جعفر لا يموت وأنه حي وهؤلاء هم الواقفة وسيأتي بيان ذلك في فصل الإمامة.

وتجمع المصادر الإمامية أن موسى بن جعفر توفي مسموماً في حبس الرشيد على يد السندي بن شاهك وأن الرشيد كان يحاول ان يتخلص من مسؤولية قتله فيذكر الصدوق ان الرشيد أدخل على موسى بن جعفر في سجنه ثمانين رجلاً من الوجوه وطلب اليهم أن ينظروا إليه إن كان حدث به مكروه وهذا « منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق فوجدوه على ما ذكر الرشيد إلا أن موسى أخبرهم أنه سقي السم » (٤).

المفيد يذكر أن موسى بن جعفر قتل مسموماً في طعام قدم إليه وأن الرشيد أدخل إليه الفقهاء ووجوه بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وأشهدهم أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك (٥).

ويقول ابن عنبة أنه لف في بساط حتى مات ثم أخرج للناس وعمل محضراً أنه مات حتف أنفه وترك ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر إليه ثم يكتب في المحضر (٦).

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي الأول ص ١٤٢.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٣ ص ٣٦٥.

(٣) الأصفهاني : مقاتل الطالبيين : ص ٥٥٠ ، وانظر ابن الشحنة : روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ج ٨ ص ٥٣. ( طبع الكتاب على هامش كتاب الكامل لابن الأثير ).

(٤) الصدوق : الأمالي ص ١٤٩ ـ ١٥٠.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣٠١ ـ ٣٠٢.

(٦) ابن عنبة : عمدة الطالب ص ١٦٩ وانظر أيضاً ابن زهرة : غاية الاختصار ص ٩١.


ويبدو من الأساليب التي اتخذها الرشيد في قضية قتل موسى بن جعفر أنها سبيل آخر من سياسة المخادعة التي اتبعها مع العلويين.

ولما مات موسى بن جعفر سنة ١٨٣ هـ (١) ، انتقلت الإمامة إلى ابنه علي بن موسى الرضا ، وكانت إمامته أيام المأمون المتسامحة مع العلويين.

ولقد قام المأمون بعمل انفرد به وهو تقديم علي بن أبي طالب على العباس بن عبد المطلب وهذا شيء غريب بالنسبة للعباسيين فقد ذكر طيفور أن السندي بن شاهك دخل على الفضل بن سهل متعجباً بعد أن سمع أن المأمون قدم علي بن أبي طلب على العباس وكان يقول : « ما ظننت أني أعيش حتى أسمع عباسياً يقول هذا فقال له الفضل : تعجب من هذا؟ هذا والله ما كان قول أبيه قبله » (٢) ولكن لم نجد أحداً من الخلفاء العباسيين صرح بتفضيل علي سوى المأمون. وقد قام المأمون بالبيعة لعلي بن موسى الرضا وجعله ولي عهده وتروي المصادر التاريخية قصة بيعة المأمون للرضا.

فاليعقوبي يذكر أن المأمون استقدم علي الرضا من المدينة إلى طوس سنة ٢٠١ هـ وبايع له وألبس الناس الخضرة مكان السواد ودعا للرضا على المنابر وضرب الدنانير والدراهم باسمه (٣).

واليعقوبي يكتفي بهذا ولا يوضح سبب البيعة للرضا.

أما الطبري فيذكر أن السبب الذي دعا المأمون لمبايعة الرضا لأنه لم يجد أحداً أفضل ولا أورع ولا أعلم منه في بني العباس وبني علي وسماه الرضا من آل محمد (٤).

أما ابن طباطبا فيقول عن المأمون : « ومن اختراعاته نقل الدولة من

__________________

(١) الخطيب : تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢.

(٢) طيفور : بغداد ص ١٧.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٦.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣ ، ابن الثير : الكامل ج ٥ ص ١٨٣.


بني العباس إلى بني علي » ويذكر السبب الذي دعا المأمون لذلك « كان المأمون فكر في حال الخلافة بعده وأورد أن يجعلها في رجل يصلح لها لتبرأ ذمته كذا زعم » (١) كما أنه وجد الرضا أفضل أعيان البيتين العلوي والعباسي (٢).

أما السيوطي فيرى أن السبب الذي دفع المأمون إلى توليه الرضا العهد إفراطه في التشيع حتى أنه هم بخلع نفسه وتفويض الأمر إليه (٣).

وتبين المصادر التاريخية دور الفضل بن سهل وتأثيره على المأمون في إسناد ولاية العهد إلى الرضا فاليعقوبي يذكر أن رجاء بن أبي الضحاك قريب الفضل بن سهل كان رسول المأمون إلى الرضا وهو الذي أتى به من المدينة (٤).

أما الطبري فيبين رد الفعل عند البغداديين بعد سماعهم ببيعة الرضا فقالوت : « إنما هذا دسيس من الفضل بن سهل » (٥).

ويبدو أن الفضل بن سهل لم يفعل هذا حباً لعلي الرضا ويؤيد هذا مارواه الجهشياري من أن كلاماً دار بينه وبين نعيم بن أبي خازم بحضرة المأمون فقال له نعيم : « إنك تريد ان تزيل الملك عن بني العباس إلى ولد علي ثم تحتال لتجعل الملك كسروياً ولولا أنك أردت ذلك لما عدلت عن لبسة علي وولده وهي البياض إلى الخضرة وهي لباس كسرى والمجوس » (٦).

وهذا يصح إذا نظرنا إلى الخلاف الذي حصل بين الرضا وابن سهل بعد البيعة ويؤكد ذلك أيضاً ابن طباطبا فيذكر « وكان الفضل بن سهل وزير المأمون هو القائم بهذا الأمر والمحسن له » (٧).

ويعتقد الدوري « أن تاثير الفضل بن سهل ووجود المأمون في

__________________

(١) ابن طباطبا : الفخري ص ٢١٦.

(٢) ن. م ص ٢١٧.

(٣) السيوطي : تاريخ الخلفاء ص ٣٠٧.

(٤) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٦.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣.

(٦) الجهشياري : الوزراء والكتاب ص ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٧) ابن طباطبا : الفخري ص ٢١٧.


خراسان هما اضطراه لاتخاذ هذه الخطة » (١).

ويرى جبريالي أن سبب ذلك لأن المأمون كان له ميل عاطفي ديني سابق للعلويين ، إلا أن هذا الميل ظهر بصورة فجائية ولأول مرة في الحقل السياسي في البيعة للرضا (٢).

ويبدو مما ترويه بعض المصادر التاريخية أن علي بن موسى الرضا لم يقبل البيعة في أول الأمر وإنما تردد في قبولها فيذكر المسعودي « ثم كتب إليه وسأله القدوم ليعقد له الأمر فامتنع عليه ثم كاتبه في الخروج وأقسم عليه » (٣).

ويذكر الأصفهاني أن المأمون هدد الرضا بقبول البيعة قائلاً : « لا بد من قبولك ما أريد فإني لا اجد محيطاً عنه ، ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك ... وشرط فيمن خالف أن تضرب عنقه » (٤).

ويروي الدوري أن إجبار المأمون الرضا على البيعة لأنه كان مرغماً على مجاراة الخراسانيين كما أنه أراد أن يسير خطوة جديدة في إحياء حكم العدل الذي وعد به الخراسانيين فلذلك قال : إنه اختار للخلافة خير مايصلح لها من بني هاشم (٥).

ويبدو أن المأمون تساهل مع العلويين رغبة في كسب ودهم واراد تصفية الجو المتوتر الذي خلقته سياسة أبيه مع العلويين كما أنه أراد القضاء على تذمر العلويين وثوراتهم فبايع للرضا.

أما المصادر الإمامية فتعطي أسباباً أخرى دفعت المأمون لمبايعة

__________________

(١) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠٨.

(٢) جبريالي : المأمون والعلويون (عن العصر العباسي الأول ص ٢٠٧ ).

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٢.

(٤) الأصفهاني ك مقاتل الطالبيين ص ٥٦٣.

(٥) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢٠٩ وانظر :

Hamid; the pro-Alid policy of M’mun, Bullein of the College of Arte and Sciences, Baghdad, Vol. I, June, ١٩٥٦.


الرضا بالإضافة إلى ما ورد من أسباب في المصادر التاريخية وأحسن مرجع في هذا الباب من المصادر الامامية كتاب عيون أخبار الرضا للصدوق.

فقد ذكر الصدوق أن السبب الذي دفع المأمون للبيعة للرضا وذلك لأنه كان يعتقد أن الرضا يدعو إلى نفسه في السر فأراد أن يجعله ولي عهده ليتعرف بالخلافة والملك له « وليعتقد فيه المفتونون به أنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير وأن هذا الأمر لهم دونه ( العباسيين ) » (١).

وهكذا كان الخلفاء العباسيون يعتقدون أن الأئمة يدعون إلى أنفسهم ويطلبون الخلافة ولو لم يخرج منهم أحد لا تخاذهم الجانب السلبي تجاه الأحداث السياسة بعد أن راوا أن لا جدوى من خروجهم. إلا أن الظاهر أن خوف الخلفاء العباسيين كان من أتباع الأئمة الذين اعتقدوا إمامتهم ولم يعترفوا بشرعية الحكم للعباسي.

كما أن منزلة الأئمة وما يتمتعون به من احترام قد أثار خوف العباسيين يدل على ذلك ما رواه الكليني عن الرضا بعد قبوله ولاية العهد ، فكان يقول : « والله ما زادني هذا الأمر الذي دخلت فيه من النعمة عندي شيئاً ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني وما كان بها أحد منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها إلا قضيتها له » (٢).

فلذلك كما يعتقد الصدوق أن المأمون « جعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم » (٣).

كما يذكر الصدوق أن المأمون إنما فعل ذلك إشارة بما أملاه الفضل ابن سهل على المأمون « أن يتقرب إلى ألله عزَّ وجلّ وإلى رسوله بصلة رحمه بالبيعة بالعهد لعلي بن موسى الرضا ليمحمو بذلك ما كان من أمر

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠.

(٢) الكليني : الكافي ج ٨ ص ١٥١.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩.


الرشيد وما كان يقدر على خلافه في شيء » (١).

وتجمع المصادر الإمامية على أن الرضا لم يقبل ولاية العهد إلا كارهاً لها وخوفاً من تهديد المأمون فيذكر الصدوق عدة روايات تدل على أن الرضا كان كارهاً للبيعة وكانت من غير رضاه « وذلك بعد أن هدده بالقتل وألح عليه مرة بعد أخرى وفي كلها يأبي عليه حتى أشرف من تأبيه على الهلاك » (٢).

كما ترى الإمامية أن الرضا قبل العهد وشرط على المأمون أن لا يولي ولا يعزل أحداً ولا يغير رسماً ولا سنة (٣).

وتكثر الإمامية من الروايات من هذا الباب محاولة تبرير قبول الرضا لولاية العهد لأن الإمامية ليس من رأيها الخروج أو الاشتراك مع السلطة الظالمة لأنهم في تقية حتى يقوم قائمهم يؤيد هذا ما رواه الطبرسي عن أيوب بن نوح قال « قلت للرضا : إناّ نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسديه الله إليك من غير سيف فقد بويع لك وضربت الدارهم باسمك فقال : ما منا أحد اختلف إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت غليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزَّوجلّ بهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ غير خفي في نسبه » (٤).

وقد استاء أهل بغداد حينما وصلهم خبر البيعة للرضا وخافوا خروج الأمر من أيديهم إلى بني علي أو بالأحرى إلى الخراسانيين فيقول الطبري : إنهم « أنفوا من غلبة الفضل بن سهل » (٥).

وقد بلغ استياء أهل بغداد من البيعة مبلغاً كبيراً حتى أن أهل محلة الحربية ثاروا ضد الحسن بن سهل وأخرجوه من بغداد وأرادوا أن يبايعوا

__________________

(١) الصدوق : عيون اخبار الرضا ج ٢ ص ١٧٠.

(٢) ن. ط م ج ١ ص ١٩.

(٣) ن. م ج ١ ص ٢٠ وانظر المفيد : الإرشاد ص ٣١٠ ، الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٢٠.

(٤) الطبرسي : أعلام الورى ص ٤٠٧.

(٥) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٢٧.


محمد بن صالح بن المنصور خوفاً من خروج الأمر من آل العباس (١).

كما يذكر الطبري أيضاً أن أهل بغداد امتنعوا عن البيعة ولبس الخضرة ورفضوا أن يخرجوا هذا الأمر عن ولد العباس وقالوا : « إنما هذا دسيس من الفضل بن سهل » (٢).

وقد استمر استياء أهل بغداد فبايعوا لإبراهيم بن المهدي ( بعد أن رفض محمد بن صالح بن المنصور ) سنة ٢٠١ هـ (٣).

وكان الفضل بن سهل يخفي هذه الأخبار عن المأمون ولكن الرضا أخبره « بما فيه الناس من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الأخبار وأن أهل بيته والناس نقموا عليه استياء » (٤) ، كالبيعة له بولاية العهد وتغير لباس السواد (٥).

فلما اطلع المأمون على ذلك وعرف نوايا ابن سهل ووضعه الخطر سار إلى بغداد وكان أن قام بمحاولة للتخلص من الرضا فسمه بالعنب أو بعصير الرمان سنة ٢٠٣ هـ في قرية نوقان قرب طوس (٦).

الطبري لا يذكر ذلك وإنما يقول : « إنه أكل عنباً فأكثر منه فمات » (٧).

وتجمع المصادر الإمامية على أن المأمون سم الرضا لأسباب فالصدوق يرى أن المأمون حسد الرضا لما رأى من علو منزلته وعظمها في نفوس الناس (٨).

أما الطبرسي فيرى أن سبب قتله مسموماً لأن الرضا كان لا يحابي

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٩.

(٢) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٤٣.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٩.

(٤) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٥٠.

(٥) ابن طباطبا : الفخري ص ١٦٧ وانظر ابن الشحنة : روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر ج ٨ ص ٥٧ ( على هامش كتاب الكامل لابن الأثير ).

(٦) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٨٠ وانظر أيضاً الأصفهاني : مقاتل الطالبيين ص ٥٧٧.

(٧) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ج ١٠ ص ٢٥١ ، المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٢٨ ، إثبات الوصية ص ١٧٥ ـ ١٧٦ ، أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر ج ٣ ص ٣٢.

(٨) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٣٩.


المأمون في حق ويجبهه في أكثر الأحوال (١).

وهكذا انتهت هذه المحاولة التي قام بها المأمون ويرى الدوري « إن البيعة ذاتها لم تقرب جميع العلويين من المأمون ولكنها أرضت قسماً منهم فقط » (٢) فلم يؤيد المأمون أحد من العلويين إلا إبراهيم بن موسى بن جعفر وكان متغلباً على الحجاز فإنه بايع للمأمون حالما سمع بالتولية (٣).

واستمر المأمون على علاقته الحسنه بالعلويين وفي زمانه انتقلت إمامة الشيعة والإمامية إلى محمد الجواد الرضا.

وقد عاصر محمد الجواد كلاّ من المأمون والمعتصم ولا تذكر المصادر التاريخية أخباره إلا أخباره أيام المأمون وتبين حسن معاملة المأمون له وتزويجه ابنته (٤).

وتروي المصادر الإمامية أخبار محمد الجواد مع المأمون والمعتصم فيذكر ابن رستم الطبري أنه بلغ عمره ست سنين قتل المأمون أباه وبقيت الشيعة في حيرة واختلفت الكلمة بين الناس واستصغر سن أبي جعفر محمد الجواد (٥).

أما أخباره في زمن المعتصم فلا يذكر عنها شيء وقد توفي محمد الجواد سنة ٢٢٠ هـ.

وانتقلت إمامة الشيعة إلى أبي الحسن علي بن محمد ( الهادي ) وقد عاصر الهادي من الخلفاء المعتصم الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز (٦).

وقد بينا سياسة الواثق تجاه العلويين فلم يلاقوا شدة زمانه ولكن

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٢٥.

(٢) الدوري : العصر العباسي الأول ص ٢١٠.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ١٧٣.

(٤) طيفور : بغداد ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٥) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ٢٠٤.

(٦) الكليني : الكافي ج ١ ص ٤٩٧.

(٧) ابن رستم الطبري : دلائل الإمامة ص ٢١٦.


الحال اختلف أيام المتوكل فقد اشتد في معاملة العلويين وقد بينا الأساليب التي اتخذها المتوكل في معاملة العلويين ونتيجة لذلك فقد تعرض علي الهادي للسعايات التي وجدت أذاناً صاغية من المتوكل فيذكر اليعقوبي أنه استقدم علي الهادي من المدينة إلى سر من رأي بعد أن وصلته الأخبار « بأن هناك قوماً يقولون » أنه الإمام « فلما وصل إلى الياسرية تلقاه إسحاق بن إبراهيم فرأى تشوق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته دخل به في الليل فأقام ببغداد ثم ذهب إلى سامراء ، ثم لا يذكر بعد ذلك عنه شيئاً (١).

أما المسعودي فيذكر أنه قد قيل للمتوكل « إن في منزله ( علي الهادي ) سلاحاً وكتباً من شيعته » فلما ذهب الرسول لم يجد من ذلك شيئاً ووجد أبو الحسن متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فجيء به إلى المتوكل وهو في مجلس الشراب فأعظمه وأجلسه إلى جنبه ورده إلى منزله سالماً (٢).

وقد تبدلت سياسة العباسيين تجاه الشيعة أيام المنتصر فلم يسىء للعويين ثم ملك المستعين ولا تذكر المصادر شيئاً عن العلاقة بين الإمامية والمستعين ، وقد توفي علي الهادي أيام المعتز سنة ٢٥٤ هـ (٣).

وقد انتقلت إمامة الشيعة الإمامية بعد علي الهادي إلى ابنه الحسن بن علي العسكري وقد عاصر المعتز والمعتمد.

ولا ترد أخبار الحسن العسكري في المصادر التاريخية سوى إشارات قليلة ولكن أخباره مع العباسيين ترد في المصادر الإمامية.

ويبدو أن الفترة التي عاشها الحسن العسكري قد امتازت بالشدة معاملة العلويين بما فيهم الزيدية والإمامية (٤) ، لذلك تجمع المصادر الإمامية أن الحسن العسكري قد حبس في زمن المعتمد واشتد في

__________________

(١) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٢٠٩.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤.

(٣) اليعقوبي : التاريخ ج ٣ ص ٢٢٥.

(٤) انظر الأصفهاني : مقاتل الطالبيين عن الثورات في هذه الفترة ص ٦٨٥ وما بعدها.


معاملته (١).

وتوفي الحسن العسكري سنة ٢٦٠ هـ في خلافة المعتمد وقد تنازع الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري واختلفوا فيمن يخلفه فيذكر المسعودي أن الحسن العسكري هو والد المهدي المنتظر والإمام الثاني عشر عند القطعية من الإمامية وهم جمهور الشيعة وقد تنازع هؤلاء في المنتظر من آل محمد 6 وافترقوا عشرين فرقة (٢).

أما المصادر الإمامية فتذكر لما توفي الحسن العسكري ، خلفه ابنه المنتظر لدولة الحق ، وكان قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وشدة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولما شاع من مذهب الإمامية وعرف من انتصارهم له فلم يظهر ولده في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته » (٣). لذلك لم يره « إلا الخواص من شيعته » (٤).

وسيأتي الكلام عن المهدي المنتظر في الفصل الخامس لأن هذا يدخل في باب العقائد.

وهكذا نجد أن الشيعة الإمامية التزمت الجانب السلبي في الصراع مع العباسيين واتقت السلطان فلم يدُع أحد منهم إلى الخروج عليه فكانت إمامتهم إمامة روحية وقد كثر أتباعهم ومن بأمرهم ولعل هذا كان مصدر قلق وخوف للعباسيين فكان ما كان في معاملة الأئمة وأتباعهم.

__________________

(١) الكليني : ج ١ ص ٥١٣ وانظر أيضاً ابن شهرآشوب : المناقب ج ٤ ص ٤٢٩ ، الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٦٠ ، المفيد : الإرشاد ص ٣٤٤.

(٢) المسعودي : مروج الذهب ج ٤ ص ١٩٩. ويجعلهم سعد القمي ١٥ فرقة ، ص ١٠٢.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٣٤٥.

(٤) الطبرسي : أعلام الورى ص ٣٦٠.



الفصل الخامس

الإمامـة وتطورها عند الشيعة الإمامية

١ ـ الإمامة

أ ـ إمامة جعفر بن محمد الصادق

ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم

جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا

د ـ إمامة محمد بن علي الجواد

هـ ـ إمامة علي بن محمد الهادي

و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري

ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان )

٢ ـ عقائد الإمامية

أ ـ الإمامة

ب ـ العصمة

ج ـ التقية

د ـ الرجعة



الإمامة :

أ ـ إمامة جعفر الصادق :

لما توفي أبو جعفر الباقر سنة ١١٤ هـ (١) ، قال بعض الشيعة بإمامة ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (٢).

وتستدل الشيعة على إمامة الصادق بعدة أدلة ، فقد ذكر الكليني عن أبي عبد الله أنه قال « إن أبي استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة نفر من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال : اكتب ، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ... ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله فقلت له : يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال : يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال : إنه لم يوصِ إليه فأردت أن تكون لك الحجة » (٣).

ويذكر المسعودي أن محمداً الباقر أشار إلى الصادق في حياته مدة أيامه ثم نص عليه ويورد رواية في النص على أبي عبد الله الصادق عن زرارة وأبي الجارود (٤) ، « إن أبا جعفر أحضر أبا عبد الله وهو صحيح لا علة به فقال : إني أريد أن آمرك بأمر فقال له : مرني بما شئت ، فقال :

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٣.

(٢) ن. م ص ٥٥.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧ ( الأصول ) وانظر المفيد : الإرشاد ص ٢٧١.

(٤) زرارة بن أعين من أصحاب الإمام الباقر كان فقيهاً ومحدثاً وعد أيضاً من أصحاب الإمام الصادق توفي سنة ١٥٠ هـ. انظر الطوسي : الفهرست ١٠٠ ، أما أبو الجارود فهو المنذر بن زياد زيدي المذهب إليه تنسب الجارودية عده الطوسي من أصحاب الإمام الباقر ، انظر الفهرست ص ٩٨.


ائتني بصحيفة ودواة فأتاه بها فكتب له وصيته الظاهرة ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش فدعاهم واشهدهم على وصيته إليه » (١).

كما أورد الكليني عدة روايات استدل بها على إمامة الصادق ، فعن أبي الصباح الكناني قال « نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله يمشي فقال : ترى هذا؟ من الذين قال الله عز وجل : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) (٢).

وعن سدير الصيرفي قال « سمعت أبا جعفر يقول إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله وإني لأعرف من إبني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي يعني أبا عبد الله » (٣).

وروي أيضاً عن أحمد بن مهران صاحب أبي جعفر الباقر قال « كنت قاعداً عند أبي جعفر فأقبل جعفر ( الصادق ) فقال أبو جعفر : هذا خير البرية » (٤).

كما روي عن جبر الجعفي (٥) ، رواية عدها من أدلة إمامة الصادق فقد ذكر جابر عن أبي جعفر قال « سئل ( الباقر ) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله فقال : هذا والله قائم آل محمد ، قال عنبة : فلما قبض أبو جعفر دخلت على أبي عبد الله فأخبرته بذلك فقال : صدق جابر ثم قال لعلكم ترون ان ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله » (٦).

فيلاحظ أن أبا جعفر الباقر كان يؤكد إمامة ابنه جعفر الصادق خوفاً من أن تذهب ظنون الشيعة إلى القول بإمامة غيره ، ولعله فعل ذلك لظهور

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٨.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٦ ( الأصول ) وقد ذكر هذه الرواية المفيد في الإرشاد ص ٢٧١ في باب إمامة الصادق.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٦ ( الأصول ).

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٠٧ وانظر المفيد : الإرشاد ص ٢٧١.

(٥) جابر بن يزيد الجعفي من أصحاب الإمام الباقر توفي سنة ١٢٨ هـ. انظر الطوسي : الرجال ص ١١١.

(٦) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧ ، المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٨ ، المفيد : الإرشاد ص ٢٧١ ، النيسابوري ( ت ٥٠٨ ) : روضة الواعظين ص ٢٤٩.


أخيه زيد بن علي بن الحسين وقول جماعة من الشيعة بإمامته لذلك وضح الصادق قول أبيه مؤكداً إمامته بعده.

ويقول المفيد في إمامة الصادق : « وكان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين من بين إخوته خليفة أبيه محمد بن علي ووصيه والقائم بالإمامة بعده » (١).

ويستدل الطوسي على إمامة الصادق لكونه علماً بجميع أحكام الشريعة لأنه لم يكن هناك من ادعيت له هذه الصفة ، كما أن تواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه دليلاً على إمامته (٢).

واختلفت الشيعة أيام جعفر بن محمد الصادق في الإمامة وتفرقوا وظهرت حركات غلو خرجت عن الخط الشيعي ، فقد ظهر في أيام الصادق الكيسانية التي بإمامة محمد بن الحنفية وتطورت حتى أخرجت الإمامة من ولد علي إلى آل العباس وقد مر ذكر ذلك في باب الدعوة العباسية.

كما خرج في أيام الصادق محمد بن عبد الله النفس الزكية على المنصور سنة ١٤٥٠ هـ كما مر ذكره في الفصل الرابع وقتل محمد فظهرت طائفة قالت بإمامته وزعمت بأنه القائم وأنه المهدي (٣).

وقد أنكر هؤلاء الذي قالوا بإمامة محمد النفس الزكية إمامة الصادق وادعت فرقة منهم أن الإمامة في المغيرة بن سعيد إلى خروج المهدي ، وهو عندهم محمد النفس الزكية وقالوا بأنه حي لم يمت ولم يقتل وهؤلاء هم المغيرية (٤).

__________________

(١) المفيد : الإرشاد ص ٢٧٠.

(٢) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ١٩٦ ، ويضيف الطبرسي دليلاً آخر على أدلة إمامة الصادق فيروى عن الكليني قصة مناقشة أحد الشاميين مع الإمام الصادق في الإمامة ودعوة الصادق هشام بن الحكم لإجابته إلا أن الشامي رفض إلا أن يناقشه الصادق فلما ناقشه وأقنعه فقال الشامي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأنك وصي الأوصياء. الطبرسي : الإحتجاج ج ١ ص ١٩٩ ، إلا أن الخبر غير وارد في الكليني في باب إمامة الصادق انظر الكليني ج ١ ص ٣٠٧.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٤.

(٤) النوبختي ص ٥٥.


كما ظهرت فرق أخرى من الغلاة منهم العلبائية وقد ادعى هؤلاء أن محمداً عبداً لعلي وعلي هو الرب وهؤلاء أصحاب بشار السعيري (١).

ولعل أخطر حركات الغلو التي ظهرت أيام الصادق « الخطابية » أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي ، وكان هذا من أتباع جعفر الصادق وقد زعم أبو الخطاب أن لجعفر الصادق طبيعة إلهية وأن له معجزات وأنه يعلم الغيب (٢).

وقد كثر أتباع أبي الخطاب في الكوفة فيذكر الكشي « أن أبا الخطاب أفسد أهل الكوفة فصاروا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق » (٣).

وقد وقف الصادق موقفاً صارماً تجاه أبي الخطاب وأتباعه فمنع أصحابه من الإتصال بهم فروى المفضل بن يزيد أن أبا عبد الله الصادق قال له عندما ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال : « لا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم » (٤).

ومن مبادئ الخطابية ، أنهم زعموا أنه لا بد من وجود رسولين في كل عصر واحد ناطق والآخر صامت فكان محمد ناطقاً وعلي صامتاً وتأولوا في ذلك قول الله تعالى ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) وقد قال بعضهم هما آلهة ، ثم إنهم افترقوا لما بلغهم أن الصادق لعنهم وتبرأ منهم كما لعن أبا الخطاب وتبرأ منه (٥).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٥٩.

(٢) الكشي : الرجال ص ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

(٣) ن. م ص ٢٤٩.

(٤) ن. م ص ٢٥٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٥٠ ، ويذكر سعد القمي أن الخطابية افترقوا إلى أربع فرق ، منهم من قال أن جعفر بن محمد هو الله وأن أبا الخطاب نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته. وقال آخرون أن بزيغاً وكان حائكاً من حاكة الكوفة هو نبي مرسل مثل أبي الخطاب وشريكه ، أرسله الصادق وجعله شريك أبي الخطاب في النبوة والرسالة. ومنهم من قال أن السرى الأقصم أرسله الصادق كما زعموا أن جعفر الصادق هو الإسلام والإسلام هو السلم والسلم هو الله ونحن بنو الإسلام ودعوا إلى نبوة السرى وصلوا


وقد انتهي أمر أبي الخطاب فقد قتل مع سبعين شخصاً من أتباعه بالكوفة قتله عيسى بن موسى عامل الكوفة بعد أن بلغه أن أبا الخطاب وأتباعه أظهروا الإباحات (١).

وهكذا كانت الإمامة لا تزال غير مستقرة على خط معين ، إلا أن الشيعة التي قالت بإمامة جعفر الصادق ظلت ثابتة على إمامته حتى أشار إلى إمامة ابنه إسماعيل ، ويبدو أن إسماعيل كان على صلة بأبي الخطاب وأتباعه فقد روى الكشي عن المفضل بن عمر الجعفي وكان خطابياً أن الصادق قال له : يا كافر يا مشرك مالك ولا بني يعني إسماعيل بن جعفر وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، كما أن الصادق قال لإسماعيل : « أيت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله » (٢).

ويذكر لويس « إن الكنية ( أبو إسماعيل ) التي يضيفها الكشي على أبي الخطاب إنما تشير إلى إسماعيل بن جعفر وأن أبا الخطاب كان المتبني لإسماعيل والأب الروحاني له » (٣).

ويناقش المفيد إمامة إسماعيل ويرى أن الصادق لم ينص على إمامته وإنما اعتقد الناس بها لكونه أكبر أولاد أبيه ولما رأوا من تعظيمه إياه (٤).

ويقول لويس : « ومن هذا كله نستطيع أن نستنتج مؤيدات قوية للفرضية القائلة بأن إسماعيل كان ذا صلة وثيقة بالأوساط المتطرفة والثورية التي أوجدت الفرقة المسماة بإسمه وبأن عزل جعفر له كان لهذه الصلة » (٥).

__________________

وصاموا وحجوا لجعفر بن محمد. وفرقة منهم قالت جعفر بن محمد هو الله وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها مكان ذلك النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في أبي الخطاب وصار جعفر من الملائكة. المقالات والفرق ص ٥١ ـ ٥٢.

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٢) الكشي : الرجال ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

(٣) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١٠.

(٤) المفيد : الفصول المختارة ج ٢ ص ٩١.

(٥) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١١.


وهكذا كانت الآراء التي جاء بها أبو الخطاب أصبحت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد.

وقد مات إسماعيل في حياة أبيه فرجع بعض الشيعة عن القول بإمامة جعفر بن محمد الصادق وقالوا « كذبنا ولم يكن إماماً لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون .. فمالوا إلى مقالة البترية » (١).

والبترية إحدى فرق الزيدية التي وضح أمرها في هذه الفترة وتبنى آراءها أبناء الحسن ومنهم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (٢).

وهكذا كما يعتقد لويس « أنشأ أبو الخطاب وإسماعيل ـ متعاونين على ما يحتمل ـ نظام عقيدة صارت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد وسعياً كذلك إلى خلق فرقة شيعية ثورية لتجمع كل الفرق الشيعية الضغرى على إمامة إسماعيل وذريته » (٣).

وقد انقسمت الشيعة بعد وفاة أبي عبد الله الصادق بالمدينة سنة ١٤٨ هـ (٤) ، إلى ست فرق (٥).

ففرقة قالت : إن جعفر بن محمد حي لما يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وهو القائم المهدي وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال : إن رأيتم رأسي يدهده عليكم من جبل فلا تصدقوا فإني أنا صاحبكم وهذه الفرقة تسمى الناووسية نسبة إلى رئيس لهم يقال له « فلان بن فلان الناووس » (٦).

وفرقة « زعمت أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، قالو وكان ذلك يلتبس على الناس لأنه خاف عليه

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٥.

(٢) ن. م ص ١٨.

(٣) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١٥.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٤٧٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٧٩.

(٦) ن. م ص ٨٠ ويذكر الشهرستاني الناووسية أتباع رجل يقال له ناووس وقيل نسبوا إلى قرية ناوساً. الملل والنحل ج ١ ص ٢٧٣.


نفسه وزعموا أن إسماعيل لا يموت لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمور الناس ، إنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلدهم ذلك له ، وأخبرهم أنه صاحبهم والإمام لا يقول إلا الحق ... وهذه الفرقة هم الإسماعيلية الخالصة » (١).

ويقول الرازي « إن جعفر أشار إليه « إسماعيل » في حياته ودل الشيعة عليه فكانوا مجتمعين كلهم على أنه الإمام بعد أبيه » (٢).

ثم جعلت طائفة من الشيعة الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقالوا : « إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له ، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنقل من أخ إلى أخ بعد حسن وحسين وهؤلاء هم المباركية سموا كذلك برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر (٣).

وقد انضم إلى هذه الفرقة قسم من الخطابية قالوا : إن روح جعفر بن محمد حلت في أبي الخطاب ثم تحولت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد ابن إسماعيل بن جعفر ثم ساقوا الإمامة في ولد محمد بن إسماعيل (٤).

وظهرت من المباركة فرقة أخرى قالت بإمامة محمد بن إسماعيل وتسمى القرامطة وكانوا في الأصل على مقالة المباركية إلا أنهم خالفوها فقالوا : لا يكون بعد محمد النبي إلا سبعة أئمة علي وهو إمام رسول والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ومحمد بن إسماعيل وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول وزعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي نصب فيه علياً للناس بغدير خم .. وإن النبي بعد ذلك كان مأموماً بعلي محجوجاً به ، لما مضى علي صارت الإمامة في الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٠.

(٢) الرازي : الزينة الورقة ٢٣١.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨١.

(٤) النوبختي فرق الشيعة ص ١٦.


الباقر ثم الصادق ثم انقطعت عن الصادق في حياته فصارت في إسماعيل كما انقطعت عنه وصارت في ابنه محمد (١).

وترى هذه الجماعة أن محمد بن إسماعيل هو القائم والمهدي وتقول : « جعل لمحمد بن إسماعيل دنة آدم ومعناها عندهم الإباحة للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا وهو قول الله عز وجل ( فكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) ، أي موسى بن جعفر وولده من بعده ومن ادعى منهم الإمامة كما زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين » (٢).

وهكذا كانت الحركة الإسماعيلية التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة حركة دينية اجتماعية للشيعة متشبعة النواحي لعبت دوراً مهماً في التاريخ ، نشأت بتمازج عدة فرق من الغلاة ، ولعل بعضها كان من أصل فارسي كما أن أن فيها أصولاً سريانية وغنوصية (٣).

وجاءت بمبادئ وآراء جديدة لا مجال لذكرها هنا لخروجها عن نطاق البحث (٤).

ومن الشيعة من ساق الإمامة في محمد بن جعفر بعد أبيه واستدلوا على ذلك وتأولوا في إمامته خبراً زعموا « أنه رواه بعضهم أن محمد بن جعفر دخل ذات يوم على أبيه وهو صبي صغير فدعاه أبوه فاشتد يعدو نحوه فكباً وعثر بقميصه وسقط لحر وجهه فقام جعفر فعدا نحوه حافياً ، فحمله وقبل وجهه ومسح التراب عنه بثوبه وضمه إلى صدره ، وقال : سمعت أبي محمد بن علي يقول يا جعفر إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي وكنه بكنيتي فهو شبيهي وشبيه رسول الله ، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر وفي ولده من بعده ، وهذه الفرقة تسمى السميطية وتنسب

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٣) الدوري : دراسات في العصور العباسية المتأخرة ص ١٢٦.

(٤) انظر عن أصول الإسماعيلية ومبادئهم لويس : الدوري دراسات في العصور العباسية المتأخرة الفصل الخاص بالإسماعيلية والقرامطة.


إلى رئيس يقال له يحيى بن أبي السميط وقال بعضهم الشميطية لأن رئيسهم كان يقال له يحيى بن أشمط (١).

ثم قالت فرقة اُخرى أي الإمامة انتقلت بعد جعفر إلى ابنه عبد الله لأنه كان أكبر أبناء أبيه سناً وجلس مجلس أبيه وادعى الإمامة ووصية أبيه واعتلوا بذلك بأخبار رويت عن جعفر وعن أبيه قبله قالاً : « الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا نصب ، فمال إلى عبد الله وإمامته جل من قال بإمامة أبيه وأكابر أصحابه إلا نفر يسير عرفوا الحق ، والمتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة فلم يجدوا عنده علماً ، وهذه الفرقة هي الفطحية سموا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين (٢).

ويقول الرازي أنهم قالوا بإمامته « لأنه هو الذي تولى غسل أبيه بعد موته والصلاة عليه والإمام لا يصلي عليه إلا الإمام وأخذ خاتمه » (٣).

ويقول الرازي أيضاً « وروي أن جعفراً أودع اليه وديعة وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها » (٤).

ولكن هذه الجماعة لم تستمر على إمامته عبد الله لأنه مات ولم يخلف ذكراً فشك القوم في إمامته « فرجع عامة الفطحية من القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر وقد كان رجع جماعة منهم في حياته ثم رجع عامتهم بعد وفاته » (٥).

ويقول سعد القمي « ارتاب القوم في أمامة عبد الله واضطربوا وأنكروا ذلك للروايات الكثيرة التي رووها عن علي بن الحسين ومحمد بن علي

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٦. النوبختي يسميهم السمطية نسبة إلى يحيى بن أبي السميط ص ٦٥ ، الرازي في الزينة يقول الشمطية نسبة إلى يحيى بن أبي أشمط الورقة ٢٣٠.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٧.

(٣) الرازي : الزينة الورقة ٢٣١.

(٤) ن. م الورقة ٢٣١.

(٥) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٦.


وجعفر بن محمد أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين ولا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى انقضاء الدنيا .. فرجعوا عن القول بإمامته » (١).

وحديث الإمامة لا تكون في أخوين لم يرد في المصادر الإمامية إلا عن الصادق ولكن سعد القمي ينفرد بأن الحديث كان عن علي بن الحسين والباقر فقد أورد الكليني عدة أحاديث عن الصادق تفيد بأن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (٢). ولعله أدق كما يروي سعد القمي أنه في زمن علي بن الحسين لوجود زيد والباقر وكون الإمامة للباقر ثم أن زيداً كان قد تكلم في الإمامة فظهر هذا الحديث ليقطع الطريق على زيد وعلى من ادعى الإمامة لزيد.

ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم :

أما الشيعة الذين ساروا في الإمامة على المنهاج الأول أي التسلسل من علي وأولاده فقالوا أن الإمامة بعد جعفر تكون لإبنه موسى بن جعفر وخطأوا إمامة عبد الله وكان فيهم من وجوه أصحاب جعفر بن محمد مثل : « هشام الجواليقي ، عبد الله بن يعفور ، وعمر بن يزيد بن بياع السابري ، ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحوال مؤمن الطاق ، وعبيد بن زرارة وغيرهم ... » (٣).

فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه جعفر الصادق وتستدل الشيعة على إمامته بعدة أدلة فقد أورد الكليني عدة روايات في النص على إمامة موسى بن جعفر قال عن أحمد بن مهران .. عن أبي عبد الله ( الصادق ) : « إن الفيض بن المختار (٤) قال لأبي عبد الله : خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل عليه أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) وهو يومئذ غلام فقال : هذا صاحبكم فتمسك به » (٥) وعن أحمد بن مهران ... عن معاذ بن كثير

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٧.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٦.

(٣) سعد القمي ـ المقالات والفرق ص ٨٨.

(٤) الفيض بن المختار من أتباع الإمام جعفر الصادق ، الكشي ص ٣٠١.

(٥) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧.


عن أبي عبد الله قال « قلت له اسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد فعل الله ذلك قال : قلت : من هو جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : هذا الراقد وهو غلام » (١).

وعن أحمد بن مهران أيضاً عن المفضل بن عمر قال « كنت عند أبي عبد الله فدخل أبو إبراهيم وهو غلام فقال : استوصِ به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (٢).

ويورد عن أبي عبد الله أن منصوراً بن حازم سأله بحضرة عبد الله بن جعفر عمن يتولى الإمامة بعده فأشار إلى موسى بن جعفر وعمره ٥ سنين (٣).

وبهذا تنفي الشيعة إمامة عبد الله بن جعفر. وذكر الكليني عن محمد ابن يحيى عن عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبي عبد الله قال « قلت له إن كان كون فبمن أئتم قال : بولده ، قلت : فإن حدث بولده حدث ، وترك أخاً كبيراً أو ابناً صغيراً فبمن أئتم؟ قال : بولده ثم قال : هكذا أبداً ، قلت : فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟ قال تقول اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي ، فإن ذلك يجزيك إن شاء الله » (٤).

فهذا تأكيد آخر من الصادق على إمامة ابنه موسى بن جعفر وإن الإمامة بعده في أولاده ونفي إمامة من ادعى الإمامة من غير موسى وأولاده وقد قال الصادق ذلك لكثرة ما ظهر في عصره من اختلافات في الإمامة وكثرة من ادعاها من ولده ومن دعا إليهم من أتباعه.

وأورد الكليني عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله : أن فيضاً

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٨ ويقصد بالعبد الصالح موسى بن جعفر.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٠٩.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٠٩.


حدث الصادق في أمر أبي الحسن موسى بن جعفر حتى قال له أبو عبد الله : « هو صاحبك الذي سألت عنه فقم إليه فأقر له بحقه ، فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله له ، فقال أبو عبد الله : أما أنه لم يؤذن لنا في أو منك ، قال قلت : جعلت فداك فأخبر به أحداً؟ قال : نعم أهلك وولدك وكان معي أهلي وولدي ورفقائي فلما أخبرتهم حمدوا الله » (١).

ويبدو أن موسى بن جعفر كان أقرب إخوته إلى أبيه وأرفعهم منزلة عنده يدل على ذلك ما رواه الكليني من أن الصادق كان يلوم ابنه عبد الله الأفطح ويعاتبه ويقول : « ما منعك أن تكون مثل أخيك ، فوالله إني لأعرف النور في وجهه؟ فقال عبد الله : لم أليس أبي وأبوه واحداً وأمه وأمي واحدة فقال له أبو عبد الله : انه من نفسي وأنت ابني » (٢).

فهذا دليل آخر أكد به الصادق إمامة ابنه موسى من بين أولاده ، كما أن الصادق كان حذراً حتى في وصيته لموسى أبنه فلم يوص له فقط وإنما أشرك معه آخرين من أولاده ليبهم الأمر على المنصور آنئذ لشدته مع العلويين كما مر سابقاً ، فيروي المسعودي أن الصادق أوصى وصيته الظاهرة خوفاً على ابنه موسى وتقية إلى أربعة المنصور وابنه عبد الله الأفطح وابنته فاطمة وابنه موسى بن جعفر فقام موسى بأمر الإمامة سراً واتبعه المؤمنون (٣).

ويستدل الكليني على إمامة موسى بن جعفر بما رواه عن فيض بن المختار قال « إني لعند أبي عبد الله إذ أقبل أبو الحسن موسى وهو غلام فالتزمته وقبلته فقال أبو عبد الله : أنتم السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفاً دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد الله وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد الله قال يا فيض عدلته بي؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال : أما والله ما أنا فعلت ذلك ، بل الله عز وجل فعله به » (٤).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٩.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣١٠.

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٥٩.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١١.


وهذا تأكيد آخر على إمامة موسى بن جعفر لأن الفيض عدله بأبيه الإمام كما أن إمامته منصوص عليها من الله.

ويذكر المسعودي أن من دلائل إمامة موسى بن جعفر ما رواه علي ابن حمزة الثمالي عن أبي بصير قال سمعت العبد الصالح يعني موسى بن جعفر يقول : لما وقع أبو عبد الله في مرضه الذي مضى فيه قال لي : يا بني لا يلي غسلي غيرك فإني غسلت أبي والأئمة يغسل بعضهم بعضاً » (١).

ويبدوا أن الشيعة في هذه الفترة كانت في شك من أمر الإمامة والظاهر أن الظروف السياسية واضطهاد العباسيين للشيعة دعت إلى التكتم في أمر الإمامة لا سيما في فترة الصادق كما مر سابقاً.

أما الشيخ المفيد فيشير إلى من أكد النص على إمامة موسى بن جعفر ويقول : وممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله على ابنه أبي الحسن موسى بن جعفر من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين منهم المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير وعبد بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السارج ... وقد روى ذلك من أخويه إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (٢).

ويضيف المفيد إلى الأدلة السابقة دليلاً آخر على إمامة موسى بن جعفر فيذكر رواية عن محمد بن الوليد قال « سمعت علي بن جعفر بن محمد لصادق يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيراً فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة الله تعالى على كافة خلقه من بعدي » (٣).

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٦١.

(٢) المفيد : الإرشاد ص ٢٨٨ وقد ذكر المفيد أدلة إمامة موسى بن جعفر كما وردت عند الكليني مع إختلاف بسيط في الألفاظ واختلاف في بعض الأسانيد. انظر المفيد : الإرشاد ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٢٩٠.


ويتكلم الطوسي عن إمامة موسى بن جعفر ويفند إمامة ما عداه ويستدل على إمامته بتواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه ، وما ورد من القول بإمامة الإثني عشر يبطل إمامة من عداه ، لأن كل من قال ذلك قطع على إمامته بعد أبيه (١).

فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه لاجتماع خصال الفضل فيه ولنص أبيه عليه بالإمامة (٢).

ولكن الشيعة اختلفوا في إمامة موسى بن جعفر بعد أن حسبه الرشيد ومات في الحبس سنة ١٨٣ هـ (٣) ، وشكوا في إمامته وافترقوا إلى عدة فرق قالت جميعها بأن موسى بن جعفر حي لا يموت حتى يملك الأرض شرقها وغربها ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وأنه خرج من الحبس واختفى عن السلطان وقالوا : إنه القائم المهدي واعتلوا في ذلك بروايات من أبيه أنه قال « هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنه القائم » (٤).

ومنهم من قال أنه قد مات وأنه القائم « وإن فيه سنة من عيسى بن مريم وكذبوا من قالوا أنه رجع ، ولكنه يرجع في وقت القيامة فيملأ الأرض عدلاً ورووا في ذلك خبراً عن أبيه أنه قال إن ابني هذا فيه سنة من عيسى بن مريم وان ولد العباس يأخذونه فيحسبونه مرتين فيقتل في المرة الثانية فقد قتل » (٥).

ومن الشيعة من أنكر قتل موسى بن جعفر وقالوا : « مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعاً الواقفة لوقوفهم على موسى

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي. ج ٤ ص ٢٠٣.

(٢) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٥٤ ، ويذكر الطبرسي دلائل امامة موسى بن جعفر ويذكر في هذا الصدد روايات الكليني والمفيد. انظر أعلام الورى ص ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وكذ الأربلي فقد أخذ عن الكليني كما أخذ عن المفيد. انظر كشف الغمة ج ٣ ص ١٠ ـ ١٣.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٧.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٧.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٠.


ابن جعفر وأنه الإمام القائم ولم يأتموا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره » (١).

وقد ظهرت أيضاً فرقة اُخرى سماها سعد القمي الهمسوية وهؤلاء أتباع محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ، قالوا : إن موسى بن جعفر غاب ولم يمت ولم يحبس وهو القائم المهدي وقد خلف على الأمة وقت غيبته محمد بن بشير وبعده ابنه سميع بن محمد فهو الإمام (٢).

فهذه الفرقة أخرجت الإمامة حتى من أولاد موسى إلى أناس لا صلة لهم بالشيعة والأئمة.

ويتكلم النوبختي عن الفرقة السابقة ويسميهم البشرية ويذكر أن لهم مبادئ كمبادئ الغلاة (٣).

أما الرازي فحين يتحدث عن الواقفة يقول : « إنما سموا بذلك لأنهم قالوا الإمام موسى بن جعفر بعد أبيه وزعموا أنه حي لا يموت وأنه القائم الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ووقفوا على القول بإمامته وأنكروا إمامة ابنه علي بن موسى بعده » (٤).

والوقف على الأئمة قد ظهر عند السبئيه التي أنكرت قتل علي بن أبي طالب وقالت بعودته بعد الموت ، كما ظهر عند الكيسانية التي قالت برجوع محمد بن الحنفية (٥).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٨. ويذكر النوبختي إن الواقفة لقبت عند مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى الرضا بالممطورة وغلب عليها هذا الاسم ، وسبب ذلك أن علياً بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظراً بعضهما فقال له علي بن إسماعيل الميثمي وقد اشتد الكلام بينهم ما أنتم إلا كلاب ممطورة ، أراد أنكم أنتن من جيف ... فلزمهم هذا اللقب فإذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة لأن كل من مضى له واقفة وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة ص ٦٩.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩١.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٠.

(٤) الرازي : الزينة الورقة ٢٣٥.

(٥) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٩ ، ٢٠.


ويروي الصدوق أن السبب الذي من أجله قال بعض الشيعة بالوقف على موسى بن جعفر ، أن موسى عاش أيام الرشيد وقد كثر أعداؤه ومن يسعى به عند الرشيد ومن يقول أن لديه الأموال الكثيرة وأنه يدعي الإمامة ويروم الخروج ، فأراد موسى أن ينفي هذه الشائعات ففرق أمواله بين أصحابه ومنهم زياد القندي وكان عنده سبعون ألف دينار وعلي بن أبي حمزة وعنده ثلاثون ألف دينار ، فلما مات موسى بن جعفر وخلفه ابنه علي ابن موسى الرضا امتنعا من دفع المال وأنكرا موت موسى بن جعفر (١).

واستمر الواقفة على قولهم هذا إلا أن جماعة منهم رجعيت عن قولها بعد أن رأت أموراً من الرضا ودلائل فقالت بإمامته (٢).

جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا :

أما الشيعة أتباع موسى بن جعفر فقد قالت بعد وفاته بإمامة ابنه علي ابن موسى الرضا وهذه الفرقة القطعية « لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة ابنه علي بن موسى الرضا ولم يشك في أمرها ولم يرتب وأقرت بموت موسى وأنه أوصى إلى ابنه علي وأشار إلى إمامته قبل حبسه وجرت على المنهاج الأول » (٣).

ويقصد بالمنهاج الأول تسلسل الإمامة في علي والحسن والحسين وأبناء الحسين.

ويقول الرازي : « سميت هذه الفرقة القطعية لقطعهم على موت موسى ابن جعفر والقول بإمامة علي بن موسى من بعده ثم بواحد بعد الآخر ولد علي بن موسى » (٤).

فالإمام بعد موسى بن جعفر أبو الحسن علي بن موسى الرضا بنص

__________________

(١) الصدوق : علل الشرائع ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٩ وانظر عن الواقفة المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ٢ ص ٩٣ ، الطوسي : الغيبة ص ١٩ وما بعدها.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٩.

(٤) الرازي : الزينة الورقة ٢٣٥.


أبيه عليه واجتماع رؤوس أصحاب أبيه عليه (١).

وتستدل الشيعة على إمامته بوصية أبيه وبروايات تستدل منها على إمامته.

فقد ذكر الكليني عن أحمد بن مهران ... قال : حدثني المخزومي وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب قال « بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال لنا : أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا : لا فقال : أشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري والخليفة من بعدي ، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه » (٢).

ويورد الكليني عن محمد بن الحسن ... عن ابن سنان قال دخلت على أبي الحسن موسى قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال : يا محمد أما أنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ، قال : قلت وما يكون .. قال أصير إلى الطاغية ، أما أنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده ، قال قلت : وما يكون قال : يضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء قال قلت وما ذاك؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي حقه وجحد إمامته بعد رسول الله 6 قال : قلت : والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون بعده قال : قلت : ومن ذاك قال : محمد ابنه » (٣).

ويروي المسعودي عن العباس بن محمد .. عن صفوان بن يحيى وعلي بن جعفر قالا : « كنا مع عبد بن الرحمن بن الحجاج بالمدينة فدخلناها بعدما حمل موسى فجاءنا إسحاق وعلي ابنا أبي عبد الله فشهدوا عند عبد الرحمن أن علي بن موسى وصي أبيه وخليفته من بعده » (٤).

__________________

(١) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٥.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١٩.

(٤) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٦٦.


ويذكر الصدوق وصية موسى بن جعفر لابنه الرضا ، عن حسن بن بشير قال « أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه علياً كما أقام رسول الله 6 علياً يوم غدير خم فقال : يا أهل المدينة ، أو قام يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي » (١).

ويورد الصدوق حديثاً آخر في الوصية فيروي عن حيدر بن أيوب قال « كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقباء فيه محمد بن زيد بن علي فجاء بعد الوقت الذي كان مجيئنا فيه فقلنا له : ما حبسك قال دعانا أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة فاشهدنا لعلي ابنه بالوكالة والوصية في حياته وبعد موته ، وأن أمره جايز عليه وله ثم قال محمد بن زيد : والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده قال حيدر قلت : بل يبقيه الله وأي شيء هذا؟ قال يا حيدر إذا أوصى إليه عقد له الإمامة » (٢).

ويذكر الكليني نص وصية موسى بن جعفر لابنه علي بن موسى الرضا ومما جاء فيها : « وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه وإن شاء وآنس منهم رشداً وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذين خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله ، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي ... وإن أراد رجل منهم أو يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره .. وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منهم براء وعليه لعنه الله ... » (٣).

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٨.

(٢) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٨.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٧ ، وذكر الصدوق نص وصية موسى بن جعفر إلى ابنه


وتستدل الشيعة أيضاً على إمامة علي بن موسى الرضا بعدة أدلة اُخرى وأحاديث ترويها عن أبيه ومن ذلك ما رواء الكليني ، فقد روي عن أحمد بن مهران ... عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال « دخلت على أبي إبراهيم وعنده أبو الحسن ( الرضا ) فقال لي : يا زياد هذا ابني فلان ، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله » (١).

وذكر رواية اُخرى عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي ... قال « جئت إلى أبي إبراهيم بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت : أصلحك الله لأي شيء تركته عندي؟ قال إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن ابنه فسألني ذلك المال فدفعته إليه » (٢).

كما ذكر عن محمد بن يحيى ... عن الحسين بن نعيم الصحاف قال « كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح ( موسى بن جعفر ) جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي : يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي ... » (٣).

وروي عن نعيم القابوسي عن ابن الحسن أنه قال « إن ابني علياً أكبر ولدي وابرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي » (٤). وأورد عن الحسين بن محمد ... عن محمد بن اسحاق بن عمار قال « قلت لأبي الحسن الأول ( موسى بن جعفر ) ألا تدلني إلى من أخذ عنه ديني ، فقال : هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي

__________________

الرضا كما ذكرها الكليني مع إختلاف في بعض العبارات والأسناد ، الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٣٣ ـ ٣٦.

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣١٣.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣١١ ، والجفر كما يروي الكليني عن أبي عبد الله : « وعاء من أدم فيه علم النبيّين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل » انظر ج ١ ص ٢٣٩.


فأدخلني إلى قبر رسول الله 6 فقال : يا بني إن الله عزّ وجلّ قال ( إني جاعل في الأرض خليفة ) (١) وإن الله عزّ وجلّ إذا قال قولاً وفى به » (٢).

وروي أيضاً عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار ... عن داود الرقي قال « قلت لأبي الحسن موسى : إني قد كبرت سني ودق عظمي وإني سألت أباك فأخبرني بك فأخبرني من بعدك فقال : هذا أبو الحسن الرضا » (٣).

فهذه كلها نصوص للتدليل على إمامة الرضا وقد أسهبت المصادر الإمامية في كلامها على إمامة الرضا نتيجة لما ساد تلك الفترة من الإختلافات وظهور الدعوات والفرق المتعددة حول الإمامة كما مر بنا (٤).

فعلي بن موسى الرضا هو الإمام بعد أبيه « لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وورعه وإجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك (٥).

ويبدو أنه قد أصبح لعلم الإمام أهمية خاصة سيما وأن الرضا عاش أيام المأمون وقد بينا ما حفل به عصر المأمون من التيارات الفكرية المختلفة وتشجيع المأمون للحركة الثقافية.

ويحدثنا الصدوق عن كثرة المناظرات التي كانت تدور بين الرضا والمتكلمين من أهل الفرق المختلفة وأغلب هذه المناظرات كانت حول

____________

(١) سورة البقرة ٢ : ٣٠.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١٢.

(٤) انظر عن دلائل إمامة الرضا ما أورده الصدوق حيث ذكر ثمانية وعشرين نصاً وقد أخذ عن الكليني مع إختلاف في الأسانيد والألفاظ ، عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢١ ـ ٤٠ وقد أخذ المفيد أيضاً عن الكليني في باب إمامة الرضا وأورد نفس الروايات الإرشاد ص ٣٠٤ وما بعدها ، وكذا فعل الطوسي انظر الغيبة ص ٢٤ وما بعدها وانظر أيضاً الطبرسي أعلام الورى ص ٣٠٣ وما بعدها حيث أخذ عن الكليني أيضاً أما الأربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة فقد أخذ عن المفيد كما أخذ عن الكليني ج ٣ ص ٦٣ ـ ٦٦.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣٠٤.


مسألة الإمامة ومنزلة آل البيت من النبي ووراثتهم له.

ويذكر الصدوق : « إن المأمون كان يجلب على الرضا متكلمي الفرق والأهواء المضلة وكل من سمع به حرصاً على انقطاع الرضا عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلم أحداً إلا أقر له بالفضل وألزم الحجة له عليه » (١).

فمن جملة المناظرات التي ذكرها الصدوق أن الرضا سئل عن العترة أهم الآل أم غير الآل فقال : « هم الآل فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته فقال أبو الحسن : أخبروني فهل تحرم الصدقة على الآل قالوا : نعم قال : فتحرم على الأمة قالوا : لا قال : هذا فرق بين الآل والأمة ... أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المضطفين المهتدين دون سائرهم قالوا : ومن يا أبا الحسن فقال : من قول الله ( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهم النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (٢) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ‌» (٣).

كما يذكر الصدوق أن مناظرة جرت في مجلس المأمون بين الرضا وعدد من العلماء بين فيها الرضا فضل آل البيت ومنزلتهم فقد سأل المأمون عن معنى الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (٤) فقالت العلماء : أراد الله بذلك الأمة كلها فسأل المأمون الرضا عن ذلك فقال : أراد الله العترة الطاهرة لأنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة بقول الله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (٥) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : ( جنات عدن

__________________

(١) الصدوق : التوحيد ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٢) سورة الحديد ٥٧ : ٢٦.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٣٠ وانظر الطبري : بشارة المصطفى ص ٢٨٢.

(٤) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

(٥) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.


يدخلونها ... ) (١) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، فقال المأمون : من العترة الطاهرة فقال الرضا : الذين وصفهم الله في كتابه فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) (٢) وهم الذين قال فيهم رسول الله 6 : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٣).

وآية التطهير وحديث الثقلين من أهم الأدلة عند الشيعة الإمامية في حصر الإمامة في علي وأولاده كما مر بنا ، وبهذا احتج الرضا على المأمون وأكد أن الوراثة فيهم لا لغيرهم.

كما أن الرضا بين أنهم أمس برسول الله من غيرهم فيذكر المفيد أن المأمون سأل الرضا قال « يا أبا الحسن ... إني فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضلية فيه واحدة ورأيت أختلاف شيعتنا في ذلك محمولاً على الهوى والعصبية ... فقال الرضا : لو أن الله بعث محمداً فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الأكمام فخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه إياها فقال : يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله 6 فقال الرضا : افتراه يحل له أن يخطب إلي قال : فسكت المأمون ثم قال : أنتم والله أمس برسول الله رحماً » (٤).

وهكذا استطاع الرضا أن يؤكد حقه بالإمامة لاتصاله برسول الله 6 ووراثته إياه.

ونظراً للإختلافات في أمر الإمامة فقد

أوضح الرضا الإمامة ومنزلة الإمام ودلائله ورتبته وصفاته.

ففي وصف الإمامة قال « إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً بإختيارهم ، إن الإمامة خص الله عزّ وجلّ بها

__________________

(١) سورة النمل ١٦ : ٣١.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٢٩.

(٤) المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ١ ص ١٥ ـ ١٦.


إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها جلّ ذكره فقال : ( إني جاعلك للناس إماماً ) (١) ، فقال الخليل سروراً بها ( ومن ذريتي ) (٢) قال الله تبارك وتعالى ( لا ينال عهدي الظالمين ) (٣) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (٤).

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها الله تعالى النبي 6 فقال جل وتعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (٥) فكانت له خاصة فقلدها 6 علياً 7 بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : ( وقال الذين اوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (٦) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد » (٧).

يبدو من هذا أن الإمامة عهد من الله وليس بإختيار البشر ولا ينالها الظالمون وأنها في الصفوة من ذرية الأنبياء وقد أورثها الله محمداً 6 ثم قلدها 6 علياً ثم إختار الله لها من ذرية علي الأصفياء.

ويقول أيضاً في الإمامة « إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول 6 ومقام أمير المؤمنين ( علي )

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٤) سورة الأنبياء ٢١ : ٧٢.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ٦٨.

(٦) سورة الروم ٣٠ : ٥٦.

(٧) الكليني : الكافي ج ١ ص ١٩٩.


وميراث الحسن والحسين » (١).

كما أن وجود الإمام واجب لأن « بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف » (٢).

كما أن من واجبات الإمام أن يحل حلال الله ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة » (٣).

أما صفات الإمام فهي : « الإمام البدر المنير ، السراج الزاهر ، النور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ... الشمس المضيئة والسماء الظليلة ... الأنيس الرفيق الوالد الشفيق ... أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله.

الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ... وهو واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ... » (٤).

ولما كانت هذه الصفات غير متوفرة إلا في آل بيت النبي 6 لذلك فقد خصهم الله تعالى بالإمامة دون غيرهم.

فهكذا أبان الرضا الإمامة وشروطها وصفات الإمام وقد أصبحت هذه المبادئ فيما بعد من المبادئ الأساسية حيث بنيت عليها نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما سنرى.

إلا أن الشيعة اختلفت في أمر إمامة علي بن موسى الرضا كما اختلفت في إمامة من سبقه.

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٠٠.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢٠٠.

(٣) ن. م ج ف ١ ص ٢٠٠.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ وانظر أيضاً الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢١٦ ـ ٢٢٢ فقد ذكر ما جاء في الكليني مع بعض الإضافات.


فلما توفي علي بن موسى الرضا سنة ٢٠٣ هـ (١). افترقت الشيعة بعد وفاته فصارت فرقاً منهم من قال أن الإمامة انتقلت إلى أحمد بن موسى بن جعفر أوصى إليه وإلى الرضا وأجازوها في أخوين ، وأن أبوه جعله الوصي بعد علي بن موسى ومالوا إلى رأي شبيه برأي الفطحية (٢).

وظهرت فرقة ثانية يسميهم سعد القمي المؤلفة من الشيعة ويقول : « قد كانوا نصروا الحق قطعوا على إمامة علي بن موسى بعد وقوفهم على موسى وإنكار موته فصدقوا موته وقالوا بإمامة الرضا فلما توفي رجعوا إلى القول على موسى بن جعفر » (٣).

وفرقة ثالثة يسميهم النوبختي المحدثة ويقول : « وكانوا من أهل الأرجاء وأصحاب الحديث فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر وبعده بعلي بن موسى وصاروا شيعة رغبة في الدنيا وتصنعاً ، فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى ما كانوا عليه » (٤).

ويعلل سعد القمي سبب إختلاف الفرقتين اللتين قالت إحداهما بإمامة أحمد بن موسى والاُخرى بالوقف على الرضا ، لأن الرضا توفي وابنه محمد ( الجواد ) ابن سبع سنين فستصغروه وقالوا : « لا يجوز أن يكون الإمام إلا بالغاً ولو جاز أن يكلف غير بالغ فكذلك لا يعقل أن يفهم القضاء بين دقيقة وجليلة وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي وما يحتاج إليه جميع الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ... » (٥) ولما تولى علي بن موسى الرضا العهد للمأمون يقول النوبختي « وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء فدخلوا في إمامة علي بن موسى عندما أظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعاً للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهراً فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى قومهم الزيدية » (٦).

__________________

(١) ابن طولون : الأئمة الإثني عشر ص ٩٨.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٢.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٤.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٥.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٣.


د ـ إمامة محمد بن علي الجواد :

أما الشيعة أصحاب الرضا فقالت « الإمام بعد علي بن موسى ابنه محمد بن علي ولم يكن إلى غيره ... واتبعوا الوصية والمنهاج الأول من لدن النبي » (١) ويبدو أن المنهاج الأول يقصد به القول بإمامة علي والحسن والحسين وأولاد الحسين كما نص النبي عليهم ، أي الطريق الذي سارت عليه الشيعة الإمامية.

ولكن يبدو كما تذكر كتب الفرق أن الشيعة التي قالت بإمامة محمد ابن علي بن موسى ( الجواد ) لم تكن جماعة واحدة وقد بين سعد القمي سبب اختلافهم فقال : « ثم إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) اختلفوا في كيفية علمه وكيف وجه ذلك لحداثة سنه ضرباً من الاختلاف فقال بعضهم لبعض : الإمام لا يكون إلا عالماً وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي كيف علم ومن أين علم » (٢).

وجماعة قالت : « إنه أخذ العلم عن أبيه وهو الذي علمه ومنه تعلم ولا يجوز غير ذلك » (٣).

ولم توافق أكثرية الشيعة على ذلك فأنكروه وقالوا : « لم يكن ذلك من قبل أبيه وتعليمه أياه لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر ابن أربع سنين وأشهر ومن كان في هذا السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق علوم الدين ولكن الله علمه ذلك عنه البلوغ بضروب مما تدل جهات علم الإمام مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا في النوم والملك المحدث له ووجود رفع النار له والعمود والمصباح وعرض الأعمال عليه لأن ذلك كله قد صح بالأخبار الصحيحة أنها من علامات علوم الإمام وجهاتها ، فأما قبل البلوغ فهو إمام على معنى أن الأمر له دون غيره وأنه لا يصلح في ذلك الوقت لموضع الإمامة غيره إذ قد أوصى أبوه

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٣.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٦.

(٣) ن. م ص ٩٧.


إليه وقلدنا إمامته إذ لا ولد لأبيه غيره » (١).

فهنا نلاحظ التأكيد على علم الإمام لأن عصر الإمام محمد الجواد كان استمراراً لعصر أبيه الرضا قد حفل بمختلف التيارات الثقافية ، كما يلاحظ إن فكرة الإمامة بدأت تتضح في بعض خطواتها الأساسية كصفات الإمام فهذه الصفات لم تظهر إلا في هذه الفترة.

ويقول النوبختي أن هناك جماعة من الشيعة قالت : « الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه لأنه حجة لله فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ويجوز عليه الأسباب التي ذكرت مثل الإلهام والنكت والرؤيا .. كل ذلك جائز عليه ... واعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا وأن الله أتاه الحكم صبياً وبأسباب عيسى بن مريم .. وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم » (٢).

وقالت جماعة من الشيعة بمقالة الجماعة السابقة إلا أنهم قالوا إن محمد الجواد لم يتعلم من أبيه « ولكن انه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه وما ورثه من الأصول والفروع وبعض هذه الفرقة يجوز له القياس في الأحكام ويزعم أن القياس جائز للرسول والأنبياء والأئمة ، وكان يونس بن عبد الرحمن (٣) يقول : إن رسول الله 6 كان يستخرج ويستنبط بوقوع ما أنزل عليه ... فزعموا أن ذلك جائز للإمام أن يقيس على الأصول التي في يده لأنه معصوم من الخطأ والزلل والعمد فلا يجوز أن يخطئ في القياس » (٤).

ونلاحظ هنا ظهور فكرة عصمة الإمام وعدم جواز الخطأ عليه في هذه الفترة وقد صارت العصمة فيما بعد من المبادئ الأساسية للشيعة الإمامية.

__________________

(١) سعد القمي : المقالات. والفرق ص ٩٧.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.

(٣) يونس بن عبد الرحمن ، اشتهر بالعلم والفتيا روى عن موسى بن جعفر وابنه الرضا وكان ٤ وكيلاً للرضا يرجع إليه أصحابه في أخذ الفتيا. انظر النجاشي : الرجال ص ٣٤٨.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.


ويعلل النوبختي قول هذه الفرقة بجواز القياس للأئمة فيقول : « وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام وكيفية تعليمه إذ ليس هو ببالغ عندهم » (١).

أما الشيعة التي قالت بإمامة إبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) فقد استدلت على إمامته بالأدلة التالية.

فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن حبيب الزيات قال « أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا جالساً فلما نهضوا قال له : ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهداً فلما نهض القوم التفت إلي فقال : يرحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا » (٢).

يبدو لنا من كلام الرضا أن الشيعة كانت في شك من أمر الإمامة لمحمد الجواد فحاول تأكيدها.

ويبدوا أن لصغر سن محمد الجواد سبباً دعا الشيعة إلى الشك بإمامته فيروي الكليني عن محمد بن يحيى ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت الرضا وذكر شيئاً فقال : ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني ، وقال : إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة » (٣).

ويورد الكليني أيضاً عن أحمد بن مهران ... عن ابن قياماً الواسطي قال « دخلت على علي بن موسى فقلت له أيكون إمامان؟ قال لا إلا واحدهما صامت فقلت له : هو ذا أنت ليس لك صامت ولم يكن ولد له أبو جعفر ( الجواد ) بعد فقال لي : والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ، ويحق به الباطل وأهله ، فولد له بعد سنة أبو جعفر وكان ابن قياماً واقفياً » (٤).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٠.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٢١.


وعن محمد بن يحيى ... عن صفوان بن يحيى قال « قلت للرضا : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهبه الله لك ، فأقر عيوننا ، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ، فقال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن ثلاث سنين » (١).

وروى عن الحسين بن محمد ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا : ان ابني في لسانه ثقل ، فأنا أبعث به إليك غداً فتمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك ، فقال : هو مولى أبي جعفر فابعث به غداً إليه » (٢). وعن الحسين بن محمد عن الخيراني عن أبيه قال « كنت واقفاً بين يدي أبا الحسن بخراسان فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً ، صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر » (٣).

ويذكر المسعودي في إمامة محمد الجواد رواية عن الحميري ... عن حنان بن سدير قال « قلت للرضا يكون امام ليس له عقب فقال لي : أما أنه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله ينشئ منه ذرية كثيرة ولم يزل أبو جعفر محمد بن علي مع حداثته وصباه يدير أمر الرضا بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم ولا يخالف عليه أحد منهم (٤).

كما يذكر المسعودي أن الناس بعد وفاة الرضا احتاروا فيمن يقصدون للسؤال بعده فاجتمعوا إليه وسألوه عدة أسئلة فأجابهم بإجابات والده فاعترفوا له بالإمامة (٥). كما يذكر مناقشة دارت بين محمد الجواد

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢١.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢١.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢٢.

(٤) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٩.

(٥) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٠ ـ ١٨١.


ويحيى بن أكثم تغلب فيها محمد الجواد وأقر له يحيى بالفضل العلم (١).

ويبدوا من هذا أن علم الإمام أصبح ذا أهمية في إثبات إمامته وكون معرفة الإمام بالعلوم شرطاً لإمامته.

أما الصدوق فيذكر عدة روايات في الدلالة على إمامة محمد الجواد فذكر عن أبي الحسين بن محمد بن أبي عباد وكان يكتب للرضا ضمه إليه الفضل بن سهل قال « ما كان يذكر محمداً ابنه إلا بكنيه يقول : كتب إلي أبو جعفر وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو وصيي بالمدينة فيخاطبه بالتعظيم وترد كتب أبي جعفر في نهاية البلاغة والحسن فسمعته يقول : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي » (٢).

وعن جعفر بن محمد النوافلي قال أتيت الرضا وهو بقنطرة أربق فسلمت عليه ، ثم جلست وقلت ... إن أناساً يزعمون أن أباك حي ، فقال : كذبوا لعنهم الله ولو كان حياً ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاقه الموت كما ذاقة علي بن أبي طالب قال فقلت له ما تأمرني؟ قال عليك بابني محمد من بعدي ، وأما أنا فإني ذاهب في وجه الأرض لا أرجع منه ... » (٣).

ويقول المفيد في إمامة محمد بن علي الجواد « وكان الإمام بعد الرضا علي بن موسى ابنه محمد بن علي الرضا بالنص عليه الإشارة من أبيه إليه وتكامل الفضل فيه » (٤).

كما يذكر من روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر بالإمامة فيعدد قسماً منهم مثل علي بن جعفر بن محمد الصادق ، صفوان ابن يحيى ، معمر بن خلاد ، الحسين بن بشار ، ابن قياماً الواسطي ، الحسن ابن الجهم ... (٥).

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٣.

(٢) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٤٠.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٢١٦.

(٤) المفيد : الإرشاد ص ٣١٦.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣١٧ ، كما ذكر المفيد نصوص إمامة محمد الجواد كما ذكرها الكليني مع إختلاف في الأسانيد ص ٣١٧ ـ ٣١٩.


فالإمام بعد أبي الحسن الرضا ابنه أبو جعفر محمد الجوادج « لنص أبيه عليه وإشارته إليه » (١).

أما ابن شهر آشوب فيقول : « والدليل على إمامته القطع على العصمة ووجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة واعتبار القول بإمامة الاثني عشر وتواتر الشيعة » (٢) فابن شهر آشوب هنا يعطي صفات الامام وأهم هذه الصفات العصمة من الأخطاء والعلم بالشريعة وقد أصبحت هذه فيما بعد من شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية.

هـ. إمامة علي بن محمد الهادي :

ولما توفي محمد الجواد سنة ٢٢٠ هـ (٣). قالت الشيعة أصحاب محمد الجواد الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصية علي بن محمد ( الهادي ) « فلم يزالوا على ذلك إلا نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد (٤) ، ثم لم يثبتوا على ذلك قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى لأن موسى كذبهم وتبرأ منهم وما ادعى إمامة لنفسه ... » (٥).

أما الشيعة الذين قالوا بإمامة علي بن محمد ( الهادي ) فقد استدلوا على إمامته بوصية أبيه محمد الجواد وبأدلة اُخرى.

فيذكر الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي ... عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر ( محمد الجواد ) « إن أبا جعفر محمد بن علي ( الجواد ) أوصى إلى علي ( الهادي )

__________________

(١) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٨٢ ، كما يذكر قسماً من الأدلة التي ذكرها الكليني في النص على إمامة الجواد ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٨٠ وانظر أيضاً عن إمامة الجواد ما ذكره الطبرسي في أعلام الورى فقد أورد النصوص التي ذكرها الكليني ص ٣٣٠ ، وكذا فعل الأربلي فقد أخذ عن الكليني والمفيد ، انظر كشف الغمة ج ٣ ص ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧١.

(٤) موسى بن محمد الجواد ويلقب بالمبرقع له عقب بقم يقال لهم الرضويون ، انظر ابن شدقم : زهرة المقول ص ٦١.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٩.


ابنه بنفسه وإخوته وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات إلى أن يبلغ علي بن محمد » (١).

كما ذكر عن الحسين بن محمد ، إن محمد الجواد قال « إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم ما كان لي عليكم » (٢).

أما المسعودي فيذكر عن الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه : « إن أبا جعفر لما أراد الشخوص من المدينة إلى العراق أجلس أبا الحسن في حجره وقال له : ما الذي تحب أن يهدى إليك من طرائف العراق فقال : سيفا كأنه شعلة ثم التفت إلى موسى ابنه فقال : ما تحب أنت من طرائف العراق فقال له : فرش بيت ، فقال أبو جعفر : أشبهني أبو الحسن ( الهادي ) وأشبه هذا أمه » (٣).

ويقول المفيد « وكان الإمام بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن علي بن محمد ( الهادي ) لإجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة » (٤).

ويستدل ابن شهر آشوب على إمامته بإجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النص ، والعصمة ، ونص النبي على إمامة الأئمة الاثني عشر ، والنص من آبائه على إمامته » (٥).

ويقول الطبرسي : « إن إجماع الشيعة على إمامته وعدم من يدعي فيه إمامته غيره غناء عن إيراد الأخبار في ذلك ، هذا وضرورة أئمتنا في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٥.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢٤.

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٧.

(٤) المفيد الإرشاد ص ٣٢٧ ، ثم يعتمد في ذكر بقية الأدلة على الكليني ص ٣٢٧ ـ ٣٢٩.

(٥) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٤٠٢.


نصوصهم على من بعدهم » (١).

ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة بدأت بالوضوح إلا أن الشيعة حاولت معرفة الإمام لشدة السلطة لا سيما وأن علي الهادي عاش أيام المتوكل وقد لاحظنا مما مر كيف عامل المتوكل الشيعة.

وقد ظهرت في أيام محمد بن علي ( الهادي ) النميرية وهذه الفرقة خرجت عن إمامة علي الهادي فيذكر النوبختي أنهم قالوا « بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم » (٢).

ويذكر النوبختي أيضاً « وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات فلما توفي قيل له في علته وقد كان اعتقل لسانه : لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال : لأحمد فلم يدروا من هو فافترقوا ثلاث فرق ، فرقة قالت أنه ابنه أحمد وفرقة قالت هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ، وفرقة قالت أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشر بن زيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء » (٣).

فلما توفي علي بن محمد ظهرت فرقة من الشيعة قال « بإمامة ابنه محمد وكان قد توفي في حياة أبيه بسر من رأى وزعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه ، وإن كانت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف عليه فغيبه ، وهو المهدي القائم وقالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر » (٤).

وظهرت فرقة ثانية قالت بإمامة جعفر بن علي وقالوا : « أوصى إليه

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ٣٤١.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٨.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٨.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.


أبوه بعد مضي ابنه محمد وأوجب إمامته وأظهر أمره وأنكروا إمامة أخيه محمد وقالوا : إنما فعل ذلك أبوه اتقاء عليه ودفاعاً عنه وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي وهؤلاء هم الجعفرية الخلص » (١).

ونلاحظ أن الإختلافات وظهور الفرق المتعددة بدأت تنحصر في فرقة أو فرقتين وهذا يدل على وضوح فكرة الإمامة وفكرة تسلسل الائمة.

و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري :

أما الشيعة أصحاب علي بن محمد الهادي فقالوا بإمامة ابنه الحسن ابن علي العسكري ، وثبتوا له الإمامة بوصية أبيه إليه (٢).

واستدلت الجماعة التي قالت بإمامته كما استدلوا على إمامة من سبقه ، بالنص عليه من أبيه. فقد ذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن يسار القنبري قال « أوصى أبو الحسن ( الهادي ) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي » (٣).

وعن علي بن عمر النوافلي قال « كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر بنا ابنه محمداً فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا صاحبكم بعدي الحسن » (٤).

وروي عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال « قال أبو الحسن : صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد ( العسكري ) قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمد فصلى عليه » (٥).

ولما كان الحسن العسكري أكبر أولاد أبيه فقد عهد إليه بالإمامة يؤيد هذا ما رواه الكليني عن علي بن مهزيار : قال : « قلت لأبي الحسن : إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من؟ قال عهدي إلى الأكبر من ولدي » (٦).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٥.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٢٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٣٢٦.


وكذلك روي عن علي بن عمرو العطار قال « دخلت على أبي الحسن العسكري وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك من أخص من ولدك؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر؟ قال فكتب إلي : في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر » (١).

ويروي الكليني عن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم وفاة محمد إلى ابي الحسن علي يعزونه قالوا : « قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن بعد ساعة فقال : يا بني أحدث الله عزّ وجلّ شكراً فقد أحدث فيه أمراً فبكى الفتى وحمد الله واسترجع ، وقال : الحمد لله رب العالمين وأنا أسأل الله تمام نعمته لنا فيك وإنا لله وإنا إليه لراجعون ، فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجع فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة أقامه مقامه » (٢).

ويؤكد المفيد إمامة الحسن العسكري ويقول : « وكان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرياسة » (٣).

أما ما هي الشروط التي توجب الإمامة فهي : العلم ، والزهد ، كمال العقل ، والعصمة ، والشجاعة ، والكرم ، وكثرة الأعمال المقربة إلى الله عزّ وجلّ ثم النص (٤).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٦.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٦.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٣٣٤ ، ثم يذكر نفس روايات الكليني في الدلالة على إمامة الحسن العسكري ص ٣٣٥ ـ ٣٣٨؟

(٤) المفيد : الإرشاد ص ٣٣٤.


ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة قد وضحت وأن هناك شروطاً يجب توفرها لتعقد الإمامة.

ويقول ابن شهر آشوب في إمامة الحسن العسكري « ويستدل على إمامته بطريق العصمة والنصوص ، وبما استدل على أمير المؤمنين علي بعد النبي بلا فصل وكل من قطع على ذلك قطع على أن الإمام بعد علي بن محمد التقي ( علي الهادي ) الحسن العسكري لأنه لم يحدث فرقة أخرى بعد الرضا وقد صحت إمامته وطريق النص من آبائه من الموالف والمخالف » (١).

وتوفي الحسن بن علي العسكري سنة ٢٦٠ هـ ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر (٢) وأمه وهي أم ولد ، ثم افترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة (٣). ويجعلها النوبختي أربع عشرة فرقة (٤).

الفرقة الأولى قالت : إن الحسن بن علي ( العسكري ) حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له ولا خلف معروف ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام ... والحسن بن علي قد ثبتت وصيته بالإمامة وأشار أبوه إليه بالإمامة (٥).

فنلاحظ هنا أهمية الإمامة بالنسبة الشيعة لذلك يجب أن لا تخلو الأرض من إمام كما يلاحظ أنه بعد وفاة كل امام تظهر جماعة تقول بالوقف عليه وقد قالت هذه الفرقة بمقالة شبيهة بمقالة الواقفة على موسى

__________________

(١) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٤٦٢.

(٢) جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ويلقب زق الخمر لأنه كان يشرب الخمر ظاهراً ونادم المتوكل العباسي وكان المتوكل يريد بمنادمته الغض من أخيه الحسن العسكري ، ويلقب عنه الإمامية الكذاب لأنه ادعى ميراث أخيه الحسن. ابن شدقم : زهرة المقول ص ٦١.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٩.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٦.


ابن جعفر ، إلا أنهم خطأوا من وقف على موسى لأنه توفي عن بضع عشر ذكرا وقالوا : « إنما يجوز الوقف على من ظهرت وفاته ولا خلف له بين ظاهر فيجب الوقوف عليه ، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف عدل ظاهر من ولد لصلبه ، ولو جاز أن يقف على موسى وله أولاد ذكور معروفون مشهورون لكانت الواقفة على أمير المؤمنين علي ومن بعده ولد »(١).

وعللت هذه الفرقة قولها بالوقف فقالوا : « فلما وجدنا فقد إمام قد ثبتت إمامته عن أبيه ولم نجد له خلفاً أشار إليه مشهوراً معروفاً ، صح أن الحسن بن علي غاب وأنه حي لم يمت » (٢).

أما الفرقة الثانية قالت : « إن الحسن بن علي ( العسكري ) مات وعاد بعد موته وهو القائم واعتلوا برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن أبيه أنه قال « سمي القائم قائماً لأنه يقوم بعدما يموت ، فالحسن بن علي قد مات ولا شك في موته ولا خلف له ، ولا وصي موجود فلا شك أنه القائم وأنه حي بعد الموت لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر ، فهو غائب مستتر وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً » (٣).

يتضح من هذا التأكيد على الإمامة ووجوبها فلا يمكن أن تخلو الأرض من إمام ظاهر وإلا فهو غائب مستتر.

وقالت الفرقة الثالثة : إن الحسن بن علي قد صحت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطئ الأخبار التي لا يجوز تكذيب مثلها ... وصح أنه لا خلف له ، فلما صح عندنا الوجهان ثبت أنه لا إمام بعد الحسن بن علي ، وإن الإمامة انقطعت .. كما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وأنه سئل عن الأرض اتخلوا من حجة فقال لا إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة ... وهذه الفرقة لا توجب قيام القائم ولا

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٧.

(٢) ن. م ص ١٠٧.

(٣) ن. م ص ١٠٧ وانظر :

.Montgomery watt : The Reappraisal Abbasid Sh'ism


خروج مهدي وتذهب في ذلك إلى بعض معاني البداء » (١).

والفرقة الرابعة قالت : إن الحسن بن علي قد مات وصح موته وأن الإمامة انقطعت حتى يبعث الله قائماً من آل محمد ، إن شاء بعث الحسن وإن شاء بعث غيره من آباءه ، ولا بد من ذلك لأن قيام القائم وخروج المهدي حتم من الله ، كما أن النبوة انقطعت وأنه لا نبي بعد محمد ولكن يكون فترة كما كانت بين محمد وبين عيسى بن مريم لم يكن فيها رسول ولا نبي ولا إمام فكذلك الأمر يكون في هذه الحال ، لأن وفاة الحسن بن علي قد صحت وصح أنه لا خلف له فقد انقطعت الإمامة ولا عقب له وإذ لا يجوز إلا أن يكون في الأعقاب ولا يجوز أن ينصرف إلى عم ولا ابن عم ولا أخ بعد حسن وحسين فهي منقطعة إلى القائم منهم » (٢).

ويلاحظ هنا التأكيد على أن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب بعد الحسن والحسين ووضوح هذه الفكرة.

أما الفرقة الخامسة فقالت : « إن الحسن وجعفر ابنا علي الهادي لم يكونا إمامين ، فإن الإمام كان محمد الميت في أيام إبيه الهادي كما أن علي الهادي لم يوصِ إليهما بالإمامة ولا أشار إليهما وإنما ادعياً ما لم يكن لهما بحق ، لذلك أن الحسن العسكري توفي ولا ولد له كما أن جعفر لا يصلح للإمامة لأنه « ظاهر المجانة والفسق » (٣).

ولما كانت شروط الإمام كما مر بنا أن يكون معصوماً من الزلل طاهراً من الآفات عفيفاً لذلك رجعوا إلى « إمامة محمد بن علي إذ لم يظهر منه إلا العفاف والصلاح وإذ قد ثبتت إشارة أبيه إليه بالإمامة والإمام لا يشير إلى غير إمام (٤).

كما ذكر بعضهم أن الحسن بن علي العسكري حي لم يمت وأن أباه

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) ن. م ص ١٠٨.

(٣) ن. م ص ١٠٩ وانظر :

.Montgomery wett : The Reappaisal of Abbasid shiism

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٩.


غيبه وستره خوفاً عليه (١).

أما الفرقة السادسة فقالت : إن الحسن ( العسكري ) توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه وإليه أوصى أبوه ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة (٢).

وهؤلاء شابهوا مذهب الفطحية في عبد الله وموسى ابني جعفر ( الصادق ) وزعموا أن هذا من طريق البداء كما بدا لله في إسماعيل بن جعفر فأماته وجعل الإمامة في عبد الله وموسى ، فكذلك جعلها في الحسن ثم بدا له أن يكون في عقبه فجعلها في أخيه جعفر جعفر الإمام من بعد الحسن بن علي ( العسكري ) (٣).

وقالت الفرقة السابعة : إن جعفر بن علي هو الإمام وأن إمامته كانت من قبل أبيه علي بن محمد ( الهادي ) وأن القول بإمامة أخيه الحسن خطأ وجب الرجوع عنه إلى إمامة جعفر لأن الإمامة لا يجوز أن تكون فيمن لا خلف له والحسن ( العسكري ) قد توفي ولا عقب له وقالوا : « وإن الإمام بإجماعنا جميعاً لا يموت إلا عن خلف ظاهر معروف يوصي إليه ويقيمه مقامه بالإمامة ، فالإمامة لا ترجع في أخوين بعد حسن وحسين ، فالإمام لا محالة جعفر بوصية أبيه إليه » (٤).

الفرقة الثامنة : قالت بمثل مقالة الفطحية « إن الحسن بن علي توفي وهو إمام بوصية أبيه إليه ، وإن الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام ممن بقي منهم بعد أبيه ، لا ممن مات في حياة أبيه ولا في ولده ولا أشار أبوه إليه لأن من ثبتت إمامته لا يموت أبداً وخلف له من صلبه والإمام لا يوصي إلى ابن ابن ولا يجوز ذلك فالإمام بعد الحسن بن علي جعفر أخوه ولا يجوز غيره إذ لا ولد للحسن معروف ولا أخ إلا جعفر في وصية أبيه كما أوصى جعفر بن محمد إلى عبد الله لمكان الأكبر » (٥).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٩.

(٢) ن. م ص ١١٠.

(٣) ن. م ص ١١٠.

(٤) ن. م ص ١١٠ ـ ١١١.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١١.


أما الفرقة التاسعة فقالت : إن الإمام محمد بن علي بإشارة أبيه إليه ونصبه له إماماً ونصه على اسمه وعينه ، ولا يجوز أن يشير الإمام بالإمامة والوصية إلى غير إمام فلا ثبتت إمامته على أبيه ، ثم بدا لله في قبضه في حياة أبيه أوصى محمد إلى جعفر أخيه بأمر أبيه ووصاه ودفع إليه الوصية والعلوم والسلاح إلى غلام يقال له نفيس كان في خدمة أبي الحسن ( الهادي ) وكان ثقة أميناً ... وهكذا فالإمامة صارت لجعفر بن علي بوصية أخيه محمد وهذه الفرقة تسمى النفيسية » (١).

وقد ظهرت فرقة من النفيسية قالت : « إن الإمامة لجعفر بوصية نفيس إليه عن محمد أخيه ، وأنكروا وصية الحسن بن علي ( العسكري ) وقالوا : لم يوصِ إليه أبوه ولا غير وصيته إلى محمد ابنه » (٢).

ويقول النوبختي وهذه الفرقة « تتقول على أبي محمد الحسن بن علي ( العسكري ) تقولاً شديداً وتكفره وتكفر من قال بإمامته وتغلو في القول في جعفر وتدعي أنه القائم وتفضله على ابن أبي طالب وتعتقد في ذلك بأن القاسم أفضل الخلق بعد رسول الله 6 » (٣).

ويسمي سعد القمي هذه الفرقة النفيسية الخالصة (٤).

وتقول الفرقة العاشرة : إن الحسن بن علي قد توفي وهو الإمام وخلف ابناً بالغاً يقال له محمد وهو الإمام من بعده وأن الحسن العسكري أشار إليه ودل عليه وأمره بالإستتار في حياته خوفاً عليه ، فهو مستتر خائف تقية من عمه جعفر وأنه قد عرف في حياة أبيه ولا ولد للحسن بن علي ( العسكري ) غيره ، فهو الإمام وهو القائم لا محالة ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن الصادق أنه قال « القائم من يخفي ولادته على الناس ويخمل ذكره ولا يعرفه الناس » (٥).

____________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٢.

(٢) ن. م ص ١١٣.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٨٩.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.


أما الفرقة الحادية عشرة : فقد قالت أيضاً بموت الحسن بن علي ( العسكري ) وأن لا خلفاً ذكراً يقال له علي ، وكذبوا القائلين بمحمد وزعموا أنه لا ولد للحسن غير علي وأنه قد عرفه خاصة أبيه وشاهدوه وهي فرقة قليلة بناحية سواد الكوفة (١).

وقالت الفرقة الثانية عشرة : « إن للحسن بن علي ولداً ولد بعده بثمانية أشهر وأنه مستتر لا يعرف اسمه ولا مكانه ، واعتلوا في تجويز ذلك بحديث يروي عن ابي الحسن الرضا أنه قال إنكم ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع » (٢).

الفرقة الثالثة عشرة ، قالت : « لا ولد للحسن بن علي أصلاً ... ولو جاز أن يقول في مثل الحسن بن علي ( العسكري ) وقد توفي ولا ولد له ظاهر معروف وأن له ولداً مستوراً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي أن يقال خلف ابنا رسولاً » (٣).

أما الفرقة الرابعة عشرة : فقد اختلف عليها الأمر فقالت « إلا انا نقول أن الحسن بن علي ( العسكري ) كان إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة وقد توفي وصحت وفاته والأرض لا تخلو من حجة فنحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفاً وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين ونتمسك بالأول كما أمرنا ، أنه إذا هلك الإمام ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر ، فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ولا ننكر إمامة أبي محمد ( الحسن العسكري ) ولا موته ولا نقول إنه رجع بعد موته ولا نقطع على إمامة أحد من ولده » (٤).

نلاحظ أنه بعد أن وضحت فكرة الإمامة عند الشيعة وعرفوا منزلة الإمامة وصفاته كما علموا بوجوب الإمامة وعدم خلو الأرض منها ، وأن الإمامة محصورة في أولاد الحسين وأنها لا يمكن أن تكون إلا في

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.

(٢) ن. م ص ١١٤.

(٣) ن. م ص ١١٥.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٥.


الأعقاب وأعقاب الأعقاب ، لكن الشيعة واجهت في هذه الفترة أي بعد وفاة الحسن العسكري سنة ٢٦٠ هـ مشكلة هي اخفاء شخص الإمام وعدم معرفته وقد عللت الإمامية هذا الأختفاء تقية من السلطة الحاكمة وشدة طلبها للأئمة.

وقد سبب اختفاء الإمام ظهور الانقسامات والإختلافات الواسعة بين فرق الشيعة فظهرت فرق متعددة ذات دعوات متعددة (١).

ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان ) :

أما الفرقة الخامسة عشرة فهي الإمامية (٢). ونلاحظ هنا ترد لفظة الإمامية لأول مرة عند سعد القمي والنوبختي أي بعد أن كملت السلسلة ووضح أمر الإمامة.

فالشيعة الإمامية قالت : « إن لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي ( العسكري ) حجة على عباده وخليفة في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن ابن علي بن محمد بن علي الرضا ، مبلغ عن آبائه مودع عن أسلافه ما استودعوه من علوم الله وكتبه وأحكامه وفرائضه وسننه » (٣).

فنلاحظ أن الشيعة الإمامية تؤكد وجوب الإمامة وكونها في أولاد الحسن العسكري كما أن الإمام حافظ للعلوم والأحكام والفرائض.

ولما كانت الشيعة الإمامية ترى أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين ، « لذلك لا يجوز إلا أن يكون في عقب الحسن بن علي ابن محمد إلى فناء الخلق » (٤).

__________________

(١) وقد اعتمدت على المصادر الإمامية في بيان الانقسامات في فرق الشيعة ولو ان كتب الفرق الاُخرى كالفرق بين الفرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني تتناول الإمامية وفرقهم إلا أن التطورات التي تذكرها المصادر الإمامية أوسع لتوضيح فكرة الإمامة عند الشيعة مما تذكره المصادر الاُخرى. وأحسن هذه المصادر هو كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق لسعد القمي لأن بقية المصادر تنقل عنهما.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢ وانظر النوبختي ص ٩٠.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢.

(٤) ن. م ص ١٠٢. وانظر :

.Monthomery Watt : The Reppaisal of Abbasid shi'ism


لذلك تمسكت الشيعة الإمامية بإمامة الحسن العسكري وأقرت بوفاته كما آمنت أن له خلفاً من صلبه وأنه الإمام بعد أبيه الحسن العسكري لكنه مستتر خائف مغمور ومأمور بذلك حتى يأذن الله عزّ وجلّ له فيظهر ويعلن أمره (١).

ومن هنا بدأت فكرة غيبة الإمام التي تطورت فيما بعد وأصبحت من عقائد الإمامية الأساسية المتعلقة بالإمامة.

وقد عللت الإمامية اختفاء الإمام تقية كما أمر النبي 6 في حال نبوته بترك إظهار أمره والسكوت والإختفاء من أعدائه والإستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم من الإمامة ومثلوا لذلك بالهجرة إلى الحبشة واختفاء النبي في الغار (٢).

كما احتجوا بحديث عن علي بن أبي طالب قال « إن الله لا يخلي الأرض من حجة له على خلقه ظاهراً معروفاً أو خافياً مغموراً لكي لا تبطل حجته وبيناته (٣)».

وقالوا : « هو غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عزّ وجلّ ولأمر أبائه ، بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرم لا يحل ولا يسع لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه ودماء شيعته وانتهاك حرمته » (٤).

وقالوا أيضاً في اختفائه : « والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منا وقد قال أبو عبد الله جعفر بن محمد ( الصادق ) : وهو ظاهر الأمر معروف المكان مشهور الولادة والذكر لا ينكر نسبه ، شائع اسمه وذكره في الخاص والعام من سماني بإسمي فعليه لعنة الله وقد كان الرجل

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٣.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٣.

(٣) ن. م ص ١٠٤.

(٤) ن. م ص ١٠٤.


من أوليائه وشيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية ، فإذا لقيه أبو عبد الله شكره على فعله» (١).

وأوجبوا التقية في هذا الزمان « لشدة الطلب وضيق الأمر وجور السلطان عليهم وقلة رعايته لحقوق أمثالهم ، ومع ما لقي أبو الحسن من المتوكل وما حل بأبي محمد ( العسكري ) من صالح بن وصيف وما نالت الشعية من الأذى والتعنت » (٢).

كما تؤكد الشيعة الإمامية بأن إمامته قد صحت بشهادة الشهود « لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما » (٣).

وهكذا فالشيعة الإمامية تقول : « إن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ ولا عم ولا ولد ، ولد ومات أبوه في حياة جده ولا يزول عن ولد الصلب ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد ولد » (٤).

فيلاحظ هنا التأكيد على إمامة الولد بعد الوالد.

ويذكر سعد القمي « فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية » (٥).

ويقول المفيد : « ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي » (٦).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٥.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٥.

(٣) ن. م ص ١٠٦.

(٤) ن. م ص ١٠٦.

(٥) ن. م ص ١٠٦.

(٦) المفيد : أوائل المقالات ص ٧.


فهذه أهم المبادئ التي بنت عليها الشيعة الإمامية نظرية الإمامة فيما بعد.

وقد أثبتت الشيعة الإمامية إمامة محمد بن الحسن بن علي ( المهدي ) بعدة أدلة ونصوص منها ما رواه الكليني.

فقد أورد عن علي بن محمد ... عن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس قال أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد ( الحسن العسكري ) فدعاني من غير أن استأذن ، فلما دخلت وسلمت قال لي : يا أبا فلان ما الذي أقدمك؟ قلت : رغبة في خدمتك قال : فقال : فألزم الدار قال : فكنت في الدار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل ، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها : أكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ... فقال : هذا صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد ( الحسن العسكري ) » (١).

كما روي أيضاً عن علي بن محمد عن محمد بن علي بن بلال قال « خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » (٢).

وعن علي بن يحيى ... عن أبي هاشم الجعفري قال « قلت لأبي محمد : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟ فقال : سل قلت : يا سيدي هل لك ولد؟ فقال : نعم قلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه قال : بالمدينة » (٣).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٨.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢٨.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢٨.


وعن علي بن محمد ... عن عمرو الأهوازي قال « أراني أبو محمد ابنه وقال هذا صاحبكم بعدي » (١).

وبالإضافة إلى هذا يفرد الكليني باباً خاصاً في تسمية من رأى المهدي.

فروي عن علي بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد رسول الله 6 بالعراق فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام (٢). وعن علي بن محمد عن فتح مولى الرازي قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه قد رآه ووصف له قده (٣).

ولكن بالرغم من كل هذه التأكيدات على شخصية المهدي ووجوده وكونه ابن الحسن العسكري ، إلا أنه قد نهي عن ذكر اسمه.

فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن العسكري يقول : الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك؟ قال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : « فكيف نذكره؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمد 6 » (٤).

كما أن الحسن العسكري قد مهد السبيل لغيبة ابنه ولجعل الغيبة شيئاً مألوفاً فيذكر المسعودي : « إن أبا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصه فلما أفضى الأمر إلى أبي محمد كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان وأن ذلك كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار » (٥).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٨.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٣٠.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٣١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٣٣.

(٥) المسعودي : إثبات الوصية ص ٢٢٥.


وبالإضافة إلى ما مر أحاديث تشير إلى إمامة المهدي بوصية إبيه الحسن العسكري فقد استدلت الشيعة على إمامته أيضاً بالحديث المأثور عن النبي 6 بأن الأئمة اثنى عشر إماماً ، فقد ذكر سليم بن قيس « أن علياً سأل رسول الله عن الأوصياء بعده فأخبره أنهم اثنا عشر إماماً منهم المهدي » (١).

ويورد الصدوق عن جابر الأنصاري قال « قال رسول الله 6 المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم » (٢).

ويذكر النص على القائم من أمير المؤمنين علي عن كميل بن زياد النخعي قال « قال لي أمير المؤمنين : لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته »(٣).

كما يذكر أيضاً أن القائم قد نص عليه في اللوح الذي أهداه الله إلى رسول ودفعه إلى فاطمة (٤).

وعن الحسين بن علي عن رجل من همدان قال : « سمعت الحسين بن علي يقول : قائم هذه الأمة التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة يقسم ميراثه وهو حي » (٥).

وعن الباقر عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر ( الباقر ) : شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج فقال : يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشوة من أذنيك والله ما أنا بصاحبكم قلت : فمن صاحبنا قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم » (٦).

__________________

(١) سليم بن قيس : السقيفة ص ٩٤.

(٢) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤٠٣ وانظر الكنجي : البيان في أخبار صاحب الزمان ص ١٠٢ وما بعدها.

(٣) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤١٠.

(٤) ن. م ج ١ ص ٤٢٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٤٣٤.

(٦) الصدوق : كمال الدين ج ١ ص ٤٤١.


وعن الصادق قال « إذا اجتمعت ثلاثة إسامِ متوالية محمد وعلي والحسن فالرابع القائم » (١).

وعن موسى بن جعفر وقد سأله دواد بن كثير الرقي عن صاحب هذا الأمر فقال : « هو الطريد الوحيد الغريب الغايب عن أهله الموتور بأبيه » (٢).

وعن الرضا عن الريان بن الصلت قال سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عن القائم فقال : لا يرى جسمه ولايسمى باسمه » (٣).

وعن محمد الجواد قال « إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر فقيل له : لم سمي المنتظر قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها » (٤).

وعن الإمام علي الهادي عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن ( علي الهادي ) يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت : ولم فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر اسمه » (٥).

وهكذا تؤكد الشيعة الإمامية إمامة القائم بالنصوص الواردة في إمامته عن النبي 6 والأئمة.

أما الشيخ المفيد فيستدل على إمامته « ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالإستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم ... وعدم هذه الصفات من كل أحد سوى من أثبتت إمامته أصحاب الحسن بن علي وهو ابنه المهدي » (٦).

ويستدل الطوسي على إمامته بكونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط (٧).

__________________

(١) الصدوق : كمال الدين ج ٢ ص ٣.

(٢) ن. م ج ٢ ص ٣٠.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٤١.

(٤) ن. م ج ٢ص ٥٠.

(٥) ن. م ج ٢ ص ٥٣.

(٦) المفيد : الإرشاد ص ٣٤٧.

(٧) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ٢١٧.


ولما كان القول بالغيبة قد ظهر في فترة سابقة لهذه الفترة عند بعض فرق الشيعة ، فلذلك تبطل الشيعة الإمامية قول كل من ادعى الغيبة وتؤكد أنها وقعت في محمد المهدي ( ابن الحسن العسكري ).

وقد مر بنا دعوى السبأية التي قالت بعودة علي بن أبي طالب بعد موته ، فيقول الطوسي والذي يفسد قول هؤلاء : « بما ذللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته ، وبما بينا أن الأئمة اثنا عشر وصحة إمامة ابن الحسن » (١).

ويبطل كذلك إمامة محمد بن الحنفية ، وكذلك من ذهب إلى القول بأنه المهدي ، ويقول : « إذا بينا أن المهدي من ولد الحسين بطل قول المخالف في إمامته (٢) ، كما يقول أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين ، ولا يكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (٣).

ويبطل قول الناووسية الذين وقفوا على إمامة جعفر الصادق وقالوا إنه المهدي ، « لصحة إمامة ابنه موسى بن جعفر وما ثبت من إمامة الاثنى عشر ، ويؤكد ذلك ما ثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه » (٤).

وكذلك يبطل قول الواقفة على موسى بن جعفر لنفس الأسباب ، وقول المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري ، ويقول : ثبت أن محمداً مات في حياة أبيه (٥).

ثم يرد على من قال بأن الإمام الحسن العسكري حي ، وعلى من قال بأنه مات ويرجع بعد موته ، ومن قال بإمامة جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ، كما يرد من قال بأنه لا ولد له ، وأن الإمامة انقطعت بعد وفاة الحسن العسكري (٦).

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١١٧.

(٢) ن. م ص ١١٨.

(٣) ن. م ص ١١٨.

(٤) ن. م ص ١١٩.

(٥) الطوسي : الغيبة ص ١٢٠.

(٦) ن. م ص ١٣٠ ـ ١٣٥.


وهكذا يؤكد الطوسي أن الإمامة في المهدي بن الحسن العسكري وأنه القائم ، إلا أنه غائب مستور.

وتعلل الشيعة الغيبة بالتقية ولما كان المهدي عند الشيعة هو الإمام المنتّظر لدولة الحق الذي سيملأ الارض عدلاً فقد غاب حتى يخرج « وليس لأحد في عنقه بيعة » (١).

أما المرتضى فيذكر أن « السبب في الغيبة ، هو إخافة الظالمين له ومنعهم يده من التصرف فيما جعل إليه التصرف فيه لأن الإمام إنما ينتفع به النفع الكلي إذا كان متمكناً مطاعاً مخلى بينه وبين أغراضه يقود الجنود ويحارب البغاة ... وكل ذلك لا يتم إلا مع التمكن فإذا حيل بينه وبين أغراضه سقط عنه فرض القيام بالإمامة ، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً ».

ثم يضرب مثلاً باستتار النبي 6 في الشعب والغار وأن هذا الإستتار سببه الخوف.

كما يذكر أنه لا فرق بين قصر الغيبة وطولها لأنها مقرونة بسببها فتقصر بقصره وتزول بزواله (٢).

ويعلل المفيد سبب الغيبة ويقول « إن استتار ولادة المهدي بن الحسن ( العسكري ) عن جمهور أهله وغيرهم وخفاء ذلك واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ولا مخالفاً لحكم العادات. ويقول : من الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد فلا يزال مستوراً حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه » (٣).

ويفسر الطوسي سبب الغيبة بالتقية ويقول : « وإمام الزمان كل الخوف عليه لأنه يظهر بالسيف ويدعو إلى نفسه ويجاهد من خالف عليه » (٤).

__________________

(١) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج ١ ص ٤٣٩.

(٢) المرتضى : مسألة في الغيبة ( نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص ١١ ).

(٣) المفيد : الفصول العشرة في الغيبة ص ٦ ـ ٧.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ج ٤ ص ٢١٧.


فنلاحظ هنا التأكيد على الظهور بالسيف ، بعد أن امتنعت الشيعة الإمامية عن إشهار السيف بوجه الظالم في الفترة السابقة.

كما يذكر الطوسي « لا علة تمنع من ظهوره ( المهدي ) إلا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الإستتار ، وكان يتحمل المشاق والأذى ، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحملهم المشاق العظمية في ذات الله تعالى » (١).

كما تذكر الشعية أن للقائم غيبة صغرى وأخرى طويلة الأمد ، فقد ذكر النعماني عن محمد بن يعقوب ... عن إسحاق بن عمار قال قال : أبو عبد الله : « للقائم غيبتان إحداهما طويلة والاُخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصته من شيعته والاُخرى لا يعلم يمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه » (٢).

كما تروي الشيعة أن للقائم أيام غيبته سفراءاً بينه وبين شيعته وهؤلاء من خاصة الشيعة الموثوق بهم وعن طريقهم يجري الإتصال بين المهدي وشيعته (٣).

كما كانت تصدر منه ( المهدي ) توقيعات إلى شيعته فيما يشكل عليهم من أمور الدين ويذكر الطوسي عدداً من هذه التوقيعات ، ومن جملة ما ذكره عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي : قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ ... وتنازعوا في ذلك ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه مع أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ( من السفراء أيام الغيبة ) فخرج إليهم من جهته ( المهدي ) توقيع نسخة :

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١٩٩.

(٢) النعماني : الغيبة ص ٨٩.

(٣) الطوسي : الغيبة ص ٢١٤ وما بعدها وانظر الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص ٤٢٤ وما بعدها.


« إن الله تعالى خلق الأجسام وقسم الأرزق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق أيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم » (١).

وبالرغم من غيبة المهدي إلا أن الشيعة تعتقد بظوره وعودته وأنه سيحيي العدل ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتستدل على هذا بعدة أدلة منها ما بشر به النبي من ظهور القائم ، كما وتؤكد هذا بآيات من القرآن تفسرها بقيام القائم ، وما ورد من أحاديث عن آبائه الأئمة بظهوره.

فيروي الصدوق عن جابر الأنصاري قال قال : رسول الله 6 : « المهدي من ولدي اسمه إسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (٢).

كما تروي الشيعة الإمامية عدداً من الآيات وتفسرها بقيام المهدي منها ما ذكره فرات عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) (٣) ، قال : نحن وشيعتنا قال أبو جعفر : ثم شيعتنا أهل البيت ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) (٤) يعني من شيعة علي بن أبي طالب ( ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) (٥) فذاك

__________________

(١) الطوسي : الغيبة ص ١٨٧ وما بعدها وانظر الجزائري : الأنوار النعمانية ج ٢ ص ٢١ وانظر أيضاً الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص ٤٣٥ وما بعدها ، كما يذكر ابن طاووس في مهج الدعوات ومنهج العبادات أدعية للإمام المهدي انظر ص ١٩٤ ـ ٢٩٥.

(٢) الصدوق : كمال الدين ج ١ ص ٤٠٣ ، والنظر لطف الله : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص ٥٨ وما بعدها وأكثرها أحاديث عن النبي تنشر بظهر القائم.

(٣) سورة الواقعة ٥٦ : ٢٧.

(٤) سورة المدثر ٧٤ : ٤٢.

(٥) سورة المدثر ٧٤ : ٤٤.


يوم القائم وهو يوم الدين ( وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) (١) أيام القائم » (٢).

ويذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسير الآية ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ) (٣) ، قال أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة » (٤).

كما يذكر رواية عن أبي عبد الله ( الصادق ) في تفسير قوله تعالى : ( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) (٥) قال إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله 6 لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين (٦).

وعن أبي الجارود في قوله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (٧) فهذه لآل محمد إلى آخر الأئمة والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر به الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهاء الحق حتى لا يرى أين الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر » (٨).

كما يفسر قوله تعالى ( واقتربت الساعة ) (٩) يعني خروج القائم (١٠).

ويرد في تفسير العياشي عدداً من الأيام تتعلق بظهور القائم كما يفسرها. فيذكر عن جابر عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله ( وأذان من الله

__________________

(١) سورة المدثر ٧٤ : ٤٦.

(٢) فرات : تفسير فرات نقلاً عن بحار الأنوار للمجلسي ج ٥٩ ص ٦١ ( طبع إيران باجزاء لم تتم بعد ) ولم أجد هذا في التفسير المطبوع.

(٣) سورة إبراهيم ١٤ : ٥.

(٤) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٢٢١.

(٥) سورة الحج ٢٢ : ٣٩.

(٦) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٢٧٤.

(٧) سورة الحج ٢٢ : ٤١.

(٨) القمي : تفسير القمي ص ٢٧٤.

(٩) سورة القمر ٥٤ : ١.

(١٠) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص ٣٤٣.


ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) (١) ، قال : خروج القائم و « أذان » دعوته إلى نفسه (٢)، ويذكر عن زرارة قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) : سئل أبي عن قول الله : ( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) (٣).

حتى لا يكون مشرك ( ويكون الدين كله لله ) ، ثم قال : إنه لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا سيرى من سيدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله (٤).

وبالإضافة إلى هذا تؤكد الشيعة ظهور المهدي بما ورد من أحاديث عن الأئمة فيذكر النعماني عن أم هانئ عن أبي جعفر الباقر في معنى قول الله « فلا أقسم بالخنس » فقال : يا أم هانئ امام يخنس نفسه حتى ينقطع عن الناس علمه سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينيك (٥).

وعن أبي عبد الله الصادق عن آبائه قال « زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين علي فركب هو وابناه الحسن والحسين فمر بثقيف فقالوا : قد جاء علي يرد الماء فقال علي : أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ... وليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد من حاجة » (٦).

كما جعلت الشيعة الإمامية لظهور القائم علامات ودلائل ، وإنه سيخرج في فترة تسوء فيها الأوضاع ويعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً (٧).

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ٣.

(٢) العياشي : تفسير العياشي ج ٢ ص ٧٦.

(٣) سورة التوبة ٩ : ٣٦.

(٤) العياشي : تفسير العياشي ( عن المجلسي في بحار الأنوار ج ٥١ ص ٦٦ ) وانظر أيضاً الطبسي الشيعة والرجعة ج ٢ ص ٤٨ ـ ١٧٤ حيث ذكر ٧٦ آية فسرها بظهور المهدي.

(٥) النعماني : الغيبة ص ٧٥.

(٦) ن. م ص ٧٠.

(٧) ن. م ص ١٧٤.


كما أن من علائم ظهوره قيام دولة بني العباس ، والصيحة في شهر رمضان وظهور النجم وظهور السفياني في البصرة ومصر ، وأن المهدي لا يخرج حتى تباع المرأة بوزنها طعاماً ، وأن المهدي سيظهر بعد اليأس منه ويخرج في جيش عظيم يطالب بثأر آل البيت (١).

إلا أن الشيعة لم تعين الوقت الذي سيظهر فيه المهدي ونهت عن التوقيت كما نهت عن التسمية (٢).

ويقول المرتضى : « وطول الغيبة كقصرها لأنها متعلقة بزوال الخوف الذي ربما تقدم أو تأخر ».

كما يعلل زيادة عمر الغائب عن المعتاد بأن هذا قد يجوز للأئمة والصالحين (٣).

وهكذا نشأت فكرة المهدي عند الشيعة الإمامية ، والذي سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأصبحت هذه من أهم عقائد الإمامية.

وقد دفع إليها طبيعة « الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم ، مع الإيمان بصحة هذا الدين وأنه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح لإنقاذ العالم مما هو فيه » (٤).

كما ترى الشيعة الإمامية أنه ليس معنى انتظار المهدي ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ... بل المسلم مكلف أبداً بالعمل بما أنزل من الأحكام ... وأن انتظار المهدي لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم » (٥).

__________________

(١) ابن طاووس : الملاحم والفتن ص ١٧ ، ٢٢ ، ٢٥ ، ٢٩ ، ٣٥ ، ٣٩ ، ٤١ .... وانظر القمي : الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ص ٣٥١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٣.

(٢) النعماني : الغيبة ١٥٧.

(٣) المرتضى : جمل العلم والعمل ص ٤٦.

(٤) المظفر : عقائد الإمامية ص ٧٨.

(٥) المظفر : عقائد الإمامية ص ٧٩.


وهكذا كانت حصيلة هذه التطورات والانقسامات بين الشيعة ظهور الشيعة الإمامية التي اصبحت فرقة خاصة لها أصولها ومبادؤها المعروفة ثم تطورت هذه الأفكار الأولى حتى كونت النظرية الخاصة بالشيعة الإمامية والتي بنيت على الإمامة التي هي مدار الخلاف.

٢ ـ عقائد الإمامية :

وهكذا كانت التطورات السابقة هي الأساس الذي بنت عليه الشيعة الإمامية عقائدها ، وأهمها مسألة الإمامة فقد تكونت نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما اتصلت بها أمور اُخرى كالعصمة والتقية والرجعة.

( أ ) الإمامة :

فالإمامة عند الشيعة الإمامية « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي 6 (١).

كما تؤكد الشيعة الإمامية أن الإمامة واجبة وأن الأرض لا تخلو من حجة (٢).

كما تقول الإمامية أن الإمامة لطف واللطف واجب في الحكمة (٣).

والذي يدل على أن الإمامة لطف « أن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد ، قاهر عادل ، يردع المعاندين ، ويقمع المتغلبين ، وينتصف للمظلومين الظالمين. اتسقت الأمور ، وسكنت الفتن وردت المعائش ، وكان الناس ـ مع وجوده ـ إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد. ومتى خلوا من رئيس ـ صفته ما ذكرناه ـ تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف وانهمكوا في المعاصي ووقع الهرج والمرج وكانوا إلى الفساد

__________________

(١) السيوري : النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص ٦١ وانظر البرسي مشارق أنوار اليقين ص ١٦٢ ، الجزائري : المبسوط ص ٩.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ١٧٨.

(٣) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٧ ، المرتضى : الشافي ص ٢ جمل العلم والعمل ص ٤٥ ، نصير الدين الطوسي فصول العقائد ص ٣٦.


أقرب ومن الصلاح أبعد. وهذا أمر لازم لكمال العقل » (١).

وترى الشيعة الإمامية أن النبوة لطفاً (٢) ، ولما كانت الإمامة لطف ، فلذلك كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها إلا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة (٣).

كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمة وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا ولكنه عهد من الله إلى الأئمة ». وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا ولكنه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (٤).

كما أن الإمامة بالنص من الله ورسوله وأن الأئمة منصوص عليهم وقد بينا ذلك سابقاً.

ثم إن الإمامة محصورة في أولاد الحسين بن علي ، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات ، بعد الحسنين (٥).

فهذه هي أهم الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية ولما كانت الإمامة ذات منزلة كمنزلة النبوة فلذلك يجب أن يتولاها من يكون أهلاً لذلك فكان ذلك للإمام الذي له « الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي 6 » (٦).

وتجعل الشيعة الإمامية صفات وشروطاً للإمام ، فالإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جازعليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده ، كما أنه

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٧٠.

(٢) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٣٩.

(٣) السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٢.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٧٧.

(٥) ن. م ج ١ ص ٢٨٥.

(٦) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٧.


لو جاز عليه فعل الخطيئة ( فإن ) وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب (١).

ولما كان الإمام حافظاً للشرع ، لو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان(٢).

ويقول الطوسي ومما يدل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً : « ما ثبت من كونه مقتدى به. ألا ترى أنه إنما سمي إماماً لذلك ، لأن الإمام هو المقتدى به » (٣).

ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام لأن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك كحال النبي (٤).

ولما كانت الحاجة إلى الإمام « للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن وأن الامام لطف يمنع القاهر من التعدي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرئض ويؤاخذ الفساق ويعذر من يستحق التعذير فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر ... » (٥).

ويذكر ابن المطهر دلائل العصمة ويكثر في الكلام في هذا الباب ، فيذكر في عصمة الإمام « وهي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكناً منها ولا يمتنع منها مع عدمها » (٦).

ويروي ابن المطهر في هذا الباب عدة أدلة فيذكر أن الإمامة لما كانت عهد من الله فكل إمام ينصبه الله فهو معصوم (٧).

__________________

(١) المفيد : النكت الإعتقادية ص ٤٨.

(٢) ن. م ص ٤٩.

(٣) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠١.

(٤) ابن المطهر : احقاق الحق ج ١ ص ١٩٧.

(٥) ن. م ج ١ ص ١٩٧.

(٦) ابن المطهر : الألفين ص ٥٠.

(٧) ن. م ص ٥٢.


ثم إن الإمام لو كان غير معصوم « لزوم تخلف المعلول عن علته التامة لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن تجيز على المكلف موجب لإيجاب كونه مرؤوساً لإمام والإمام لا يكون مرؤوساً لإمام وإلا لكان هو الإمام من غير احتياج إليه » (١).

ثم إن الله هو الناصب للإمام ... وأن الله تعالى لا يفعل القبيح فلا بد أن يكون الإمام معصوماً (٢).

وان قول الله تعالى ( أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ... ) وكل من أمر الله بطاعته فهو معصوم لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم (٣).

كما أن في قوله تعالى : ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين ) فغير المعصوم ضال فلا يسأل إتباع طريقة قطعاً (٤).

وهكذا تستدل الشيعة على عصمة الأئمة وتجعل العصمة شرطاً من شروط الإمامة وصفة أساسية للإمام.

دكما أن الإمام عند الشيعة الإمامية يجب أن يكون أفضل من كل واحد من رعيته لأنه مقدم على الكل (٥).

ويقول الطوسي والكلام في كون الإمام أفضل من رعيته ينقسم إلى قسمين ، أحدهما يجب أن يكون أفضل منهم بمعنى أنه أكثر ثواباً عند الله.

والقسم الآخر أنه يجب أن يكون أفضل منهم في الظاهر في جميع ما هو إمام فيه (٦).

__________________

(١) ابن المطهر : الألفين ص ٥٧.

(٢) ن. م ص ٦٠.

(٣) ن. م ص ٦٠.

(٤) ن. م ص ٦٠ وما بعدها كثير من الأدلة التي لا مجال لذكرها هنا فقد ذكر ابن المطهر ٢٠٠٠ دليل ولكن الموجود فقط أقل من هذا العدد.

(٥) السيوري : النافع يوم الحشر ص ٦٧.

(٦) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٠٩.


فأما ما يدل على القسم الأول : ما قد ثبت من أنه يستحق التعظيم والتبجيل ما لا يستحقه أحد من رعيته.

وتقصد الإمامية بالتبجيل والتعظيم ما يجب عليهم من الطاعة له ( الإمام ) والإنقياد لجميع أوامره ونواهيه ، والإتباع لجميع أقواله وأفعاله ، والانطواء له على منزلة عظيمة (١).

وأما ما يدل على القسم الآخر ، ما تقرر في عقول العقلاء من قبح جعل المفضول رئيساً وإماماً في شيء بعينه على الفاضل فلا يجوز أن يكون إماماً إلا من كملت فيه صفات العلم والكمال (٢).

وهكذا كما تعتقد الإمامية بأن الإمام يجب أن يكون أفضل رعيته في جميع صفات الكمال من العلم والكرم والشجاعة والعفة والرأفة والرحمة وحسن الخلق والسياسة ، ولا بد من تمييزه بالكمالات النفسانية والكرامات الروحانية بحيث لا يشاركه في ذلك أحد من الرعية (٣).

كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمام يجب أن يكون عالماً بما إليه الحكم فيه والذي يدل : إن الإمام إمام في سائر أمور الدين ومتولي الحكم فيه جميعة جليلة ودقيقة ظاهره وغامضه كما يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام السياسة والشريعة (٤).

كما أن الإمام يجب أن يكون أشجع من رعيته ، ويدل على ذلك : انه قد ثبت أنه رئيس عليهم فيما يتعلق بجهاد الأعداء وحرب أهل البغي وذلك متعلق بالشجاعة ، فيجب أن يكون أقواهم حالاً (٥).

وأما كونه أعقلهم ، المرجع فيه إلى جودة الرأي وقوة العلم بالسياسة

____________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢١٠ـ ٢١١.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢١٥ ـ ٢١٧.

(٣) الجزائري : المبسوط ص ٢٦ وانظر عن علوم الأئمة ما ذكره الكليني في الكافي ج ١ ص ٣١٢ ، ٣١٣ ، ٣١٤ ، ٢٢١ ، ٢٢٣ ... الخ. وانظر كذلك البرسي : مشارق أنوار اليقين ص ١٦٥.

(٤) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٤٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٢٧٤.


والتدبير (١).

وأما كونه أصبح الناس وجهاً ، « فلا يجب بعد أن يكون مشنأ الصورة ، فاحش الخلقة ، لأنه ينفر عنه » (٢).

ومن شروط الإمام أيضاً أن يكون منصوصاً عليه وقد بينا النص على كل إمام ودلائل إمامته في الفصل الثالث والخامس.

ولما كانت هذه هي شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية ، فلا تعقد الإمامة إلا لمن توفرت فيه هذه الشروط ، ولما كانت هذه الشروط غير متوفرة إلا في آل بيت النبي فلذلك كانت الإمامة لهم.

( ب ) العصمة :

ومن الأمور التي اتصلت بنظرية الإمامة عند الشيعة العصمة .. وقد بينا رأي الإمامية في العصمة وإيجابها للإمام وقد أصبحت العصمة من أهم عقائد الإمامية.

قال المفيد : « العصمة من الله لحججه هي التوفيق واللطف والإعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى » (٣).

كما أن العصمة « فضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمة ... وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ولا ملجئة له إليه ، بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصية له (٤) وأن العصمة انحصرت بالصفوة والأخيار ، قال الله تعالى : ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) وقوله تعالى : ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) فالأنبياء والأئمة من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي ج ١ ص ٢٧٤.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢٧٤ وقد اقتصرت في ذكر الإمامة على الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية.

(٣) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٠ ( طبع مع كتاب أوائل المقالات للمفيد ).

(٤) ن. م ص ١٦.


والصغائر (١).

( ج ) التقية :

ومن الأمور الاُخرى التي اتصلت بالإمامة عند الشيعة التقية ، وهي « كتمان الحق وستر الأعتقاد فيه ومكاتمه المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا »(٢).

وتجب التقية عند الشيعة الإمامية وتكون فرضاً وتجوز أحياناً من غير وجوب ، كما تكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً أو معفواً عنه متفضلاً عليه بترك اللوم عليها (٣).

ويرى الشيخ المفيد « أنها جائزة في الدين عند الخوف على النفس ، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الإستصلاح » (٤).

كما أنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة وربما وجبت فيها « لضرب من اللطف والاستصلاح وليس يجوز من الأفعال في قتل المؤمنين ولا فيما يعلم أو يغلب أنه استفساد في الدين » (٥).

وهكذا كانت التقية من أهم عقائد الشيعة الإمامية فرضتها الظروف السياسية وما صاحبها من اضطهاد الشيعة فاتقوا السلطان حفظاً للأرواح وقد أصبحت التقية صفة خاصة للشيعة الإمامية وقد دانوا بذلك امتثالاً لأمر أئمتهم فقد ورد عن الصادق قوله : « من لا تقية له لا دين له » (٦).

( د ) الرجعة :

ومن الأمور التي اتصلت بالإمامة أيضاً « الرجعة » فتعتقد الشيعة

__________________

(١) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦١ وانظر عن العصمة أيضاً معاني الأخبار للصدوق ص ١٣٢ حيث ذكر أحاديث عن العصمة ودلائلها.

(٢) المفيد : شرح عقائد الصدوق ص ٦٦.

(٣) المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

(٤) المفيد : أوائل المقالات ص ٩٦.

(٥) ن. م ص ٩٧.

(٦) الطبرسي : مشكاة الأنوار في غرر الأخبار ص ٣٩ وما بعدها.


الإمامية أن الله يرد قسماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها « فيعز منهم فريقاً ويذل فريقاً ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين » (١).

أما زمان الرجعة فهي عند قيام المهدي من آل محمد ، ويقسم المفيد الراجعين إلى الدنيا إلى فريقين أحدهما من علت درجته في الإيمان وكثرت أعماله الصالحات ، فيعزه الله ويعطيه من الدنيا ما كان يتمناه.

أما الفريق الآخر فقد بلغ الغاية في الفساد واقتراف السيئات ، فسينتصر الله تعالى لمن تعدى عليه قبل الممات ، ثم يصير الفريقان من بعد ذلك إلى الموت والنشور (٢).

ويقول المظفر في هذا الصدد « وعلى كل حال فالرجعة ليست من الأصول التي يجب الإعتقاد بها والنظر إليها ، وإنما اعتقادنا بها كان تبعاً للآثار الصحيحة الواردة عن آل البيت : الذين ندين بعصمتهم من الكذب ، وهي من الأمور الغيبية التي أخبروا عنها ، ولا يمتنع وقوعها » (٣) وهكذا فهذه أهم المبادئ التي اعتقدت بها الإمامية والتي كان لها صلة بنظرية الإمامة عندهم.

__________________

(١) المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠.

(٢) المفيد : أوائل المقالات ص ٥٠ وانظر رسالة للصدوق في الإعتقادات طبعت مع كتاب النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر.

(٣) المظفر : عقائد الإمامية ص ٨٤.



المصادر الأولية

أ ـ المخلوطات :

١ ـ البلاذري ـ أحمد بن يحي بن جابر ( ت ٢٧٩ هـ ) أنساب الأشراف. مخطوطة مصورة في معهدالدراسات الإسلامية العليا ، عن مخطوطة المغرب المرقمة ٦٨.

٢ ـ الرازي ـ أبو حاتم أحمد بن حمدان ( ت ٣٢٢ هـ ) الزينة في الكلمات الإسلامية. مخطوطة مصورة في معهد الدراسات الإسلامية العليا.

٣ ـ مسكويه ـ أبو علي أحمد بن محمد ( ت ٤٢١ هـ ) تجارب الأمم ، ( حوادث سنة ١٠٤ هـ ـ ١٣٤ هـ ) مخطوطة مصورة في مكتبة الدكتور حسين مخطوط عن نسخة طاشقند.

٤ ـ مؤلف مجهول ـ أخبار العباس وفضائله ومناقبه وفضائل ولده ومناقبهم. مخطوطة مصورة في معهد الدراسات الإسلامية العليا.

ب ـ المطبوعات :

١ ـ آل طاووس جمال الدين أحمد ( ت ٦٧٧ هـ ) عين العبرة في غبن العترة. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٢ ـ ابن أبي الحديد ـ عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني ( ت ٦٢٢ هـ ) شرح نهج البلاغة. دار الكتب العربية الكبري ، القاهرة.

٣ ـ ابن الأثير ـ عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري ( ت ٦٣٠ هـ ) الكامل في التاريخ. مطبعة الإستقامة ، القاهرة.


٤ ـ اسد الغابة في معرفة الصحابة ـ طهران ، المكتبة الإسلامية.

٥ ـ ابن الجوزي ـ أبو المظفر يوسف بن شمس الدين الملقب بسبط العلامة أبي الفرج ( ت ٦٥٤ هـ ) تذكرة الخواص. المطبعة العلمية ، النجف ، ١٣٦٩ هـ.

٦ ـ ابن حجر ـ أحمد بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) الاصابة في تمييز الصحابة. مصر ، المكتبة التجارية ١٩٣٩.

٧ ـ ابن حزم ـ أبو محمد أحمد بن حزم الظاهري ( ت ٤٥٦ هـ ) الفصل في الملل والأهواء والنحل. نشر مؤسسة الخانجي مصر.

٨ ـ ابن خلدون ـ عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ( ت ٨٠٨ هـ ) المقدمة. دار الكتاب اللبناني ، ١٩٦١. العبر وديوان المبتدأ والخبر. دار الكتاب اللبناني بيروت ١٩٥٦.

٩ ـ ابن خلكان ـ أبو العباس شمس الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر ( ت ٦٨١ هـ ) تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية.

١٠ ـ ابن رستة ـ أبو علي أحمد بن عمر ( كان حياً عام ٣٢١ هـ ) الأعلاق النفسية. باعتناء أم جي دخوية بريل ١٨٩٢.

١١ ـ ابن الساعي ـ علي بن انجب ( ت ٦٧٤ هـ ) مختصر أخبار الخلفاء ( منسوب ). المطبعة الأميرية القاهرة ١٣٩٠ هـ.

١٢ ـ ابن سعد ـ محمد بن سعد ( ت ٢٣٠ هـ ) تصحيح ادوارد سخو. ليدن ١٣٢٥ هـ.

١٣ ـ ابن شاذان ـ أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن القمي ( استاذ الكراجكي المتوفي سنة ٤٤٩ هـ والنجاشي ت ٤٥٠ هـ ). إيضاح دفائن النواصب. طبع ضمن كتاب الطرف لابن طاووس. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٣٦٩ هـ.

١٤ ـ ابن الشحنة ـ أبو الوليد محمد ( ت ٨١٥ هـ ) روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر. طبع على هامش كتاب الكامل لابن


الأثير. دار الطباعة القاهرة ١٢٩٠ هـ.

١٥ ـ ابن شدقم ـ علي بن الحسن الحسيني ( ت ١٠٣٣ هـ ) زهرة المقول في نسب ثاني فرعي الرسول. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦١.

١٦ ـ ابن شهر آشوب ـ أبو جعفر رشيد الدين بن محمد بن علي السروى المازندراني ( ت ٥٨٨ هـ ) مناقب آل أبي طالب. المطبعة العلمية ، قم.

١٧ ـ معالم العلماء. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦١.

١٨ ـ ابن الصباغ ـ علي بن محمد بن أحمد المالكي ( ت ٨٥٥ هـ ) الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة. مطبعة العدل النجف.

١٩ ـ ابن طاوس ـ رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد ( ت ٦٦٤ هـ ).

٢٠ ـ الطرف. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٣٦٩ هـ. سعد السعود. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٢١ ـ اللهوف في قتلى الطفوف.المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٢٢ ـ كشف المحجة لثمرة المهجة. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٢٣ ـ مهج الدعوات ـ ومنهج المهجة. كتابخانة سنائي. طهران.

٢٤ ـ الأقبال. طبع حجر ١٣١٤ هـ.

٢٥ ـ الملاحم الفتن. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٣٦٨ هـ.

٢٦ ـ اليقين في أمرة أمير المؤمنين. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠ هـ.

٢٧ ـ ابن الطقطقى ـ محمد بن علي بن طباطبا ( ت ٧٠٩ هـ ) تاريخ الدول الإسلامية. دار صادر ، بيروت ١٩٦٠.

٢٨ ـ ابن طولون ـ شمس الدين محمد ( ت ٩٥٣ هـ ) الأئمة الاثنا عشر. تحقيق صلاح الدين المنجد ، دار صادر ، بيروت ١٩٥٨ هـ.


٢٩ ـ ابن عبد ربه ـ أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي ( ت ٣٢٨ هـ ) العقد الفريد. تحقيق أحمد أمين ، أحمد الزين وإبراهيم الأبياري. مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ١٩٤٨.

٣٠ ـ ابن عبد البر ـ يوسف بن عبد الله بن محمد ( ت ٤٦٣ هـ ) الإستيعاب في معرفة الأصحاب. تحقيق علي محمد البجاوي. القاهرة ، مكتبة نهضة مصر.

٣١ ـ ابن عبد الوهاب ـ حسين ( من علماء القرن الخامس ) عيون المعجزات. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٣٢ ـ ابن عساكر ـ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر ( ت ٥٧١ هـ ) تهذيب تاريخ ابن عساكر. مطبعة الترقي ، ط ١ ، دمشق ١٣٤٩ هـ.

٣٣ ـ ابن عنبة ـ جمال الدين أحمد بن علي الحسيني ( ت ٨٢٨ هـ ) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦١.

٣٤ ابن الفقيه ـ أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني ( ت ٣٦٥ هـ ) مختصر كتاب البلدان ليدن ١٨٨٥.

٣٥ ـ ابن قتيبة ـ أبو محمد عبد الله بن مسلم ( ت ٢٧٦ هـ ) المعارف. تحقيق ثروت عكاشة ، مطبعة دار الكتب القاهرة ١٩٦٠.

٣٦ ـ الإمامة والسياسة ( منسوب ) مطبعة مصطفى محمد ، مصر.

٣٧ ـ ابن كثير ـ عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي ( ت ٧٧٤ هـ ) البداية والنهاية. مطبعة السعادة ، القاهرة ١٩٣٢.

٣٨ ـ ابن المطهر ـ جمال الدين الحسن بن يوسف ( ت ٧٢٦ هـ ) احقاق الحق. مطبعة السعادة ، مصر ١٣٢٦ هـ.

٣٩ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين. دار الكتب التجارية ، النجف ١٣٧١ هـ.


٤٠ ـ منهاج الكرامة في معرفة الإمامة.ن كتاب منهاج السنة النبوية لابن تيمية. تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم مكتبة دار العروبة. القاهرة ١٩٦٢.

٤١ ـ الألفين في أمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. علق عليه محمد الحسين المظفر. المطبعة الحيدرية ، النجف ط ١٩٥٣.

٤٢ ـ رجال العلامة الحلي. الحيدرية ، النجف ط ٢ ، ١٩٦١.

٤٣ ـ كشف المراد في شرح تجريد الأعتقاد

٤٤ ـ ابن نما ـ نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله الحلي ( ت ٦٤٥ هـ ). مثير الأحزان. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٤٥ ـ ابن النديم ـ محمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق ( ت ٣٧٨ هـ ) الفهرست. تحقيق غوستاف فلوجل ، مكتبة خياط بيروت ١٩٦٤.

٤٦ ـ ابن هشام ـ أبو محمد عبد الملك بن هشام ( ت ٢١٣ هـ ) السيرة النبوية. تحقيق مصطفى السقا ، إبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده ، مصر ١٩٣٦.

٤٧ ـ أبو الفدا ـ الملك المؤيد عماد الدين أبو الفدا بن إسماعيل ( ت ٧٣٢ هـ ) المختصر في أخبار البشر. دار الكتاب اللبناني ، بيروت.

٤٨ ـ أبو مخنف ـ لوط بن يحي ( ت ١٧٠ هـ ) مقتل الحسين. المطبعة الحيدرية ، النجف.

٤٩ ـ الأربلي ـ أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح ( ت ٦٩٣ هـ ) كشف الغمة في معرفة الأئمة. مطبعة النجف ، النجف ١٣٨٥ هـ.

٥٠ ـ الأسفراييني ـ أبو المظفر شاهفور بن طاهر بن محمد ( ت ٤٧١ هـ ) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين. نشر مكتبة الخانجي ، مصر ١٩٥٥.

٥١ ـ الأشعري : أبو الحسن علي بن إسماعيل ( ت ٣٢٤ هـ ) مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين. صححه هالموت ريتر ، فيسبادن ١٩٦٣.


٥٢ ـ الأشتري ـ أبو الحسين ورام بن أبي فراس المالكي ( ت ٦٠٥ هـ ) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( المعروف بمجموعة ورام ). نشر محمد الأخوندي ، مطبعة حيدري ، طهران.

٥٣ ـ الأصبهاني ـ أبو نعيم أحمد بن عبد الله ( ت ٤٣٠ هـ ). حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. مطبعة السعادة ، القاهرة ١٩٣٢.

٥٤ ـ الأصفهاني ـ أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد ( ت ٣٥٦ هـ ) مقاتل الطالبيين. تحقيق أحمد صقر ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ١٩٤٩.

٥٥ ـ الباقلاني ـ أبو بكر محمد بن الطيب ( ت ٤٠٣ هـ ) التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة. تحقيق محمود الخضري ومحمد عبد الهادي أبو ريدة ، القاهرة ١٩٤٧.

٥٦ ـ البحراني ـ هاشم بن سليمان ( ت ١١٠٧ هـ ) علي والسنة أو ( مناقب أمير المؤمنين ). مطبعة النجاح ، بغداد.

٥٧ ـ البخاري ـ أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود ( كان حياً سنة ٣٤١ هـ ) سر السلسلة العلوية. النجف ١٩٦٣.

٥٨ ـ البرقي ـ أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد ( ت ٢٧٤ هـ أو ٢٨٠ هـ ) المحاسن. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٤.

٥٩ ـ الرجال. طهران ١٣٤٢ هـ.

٦٠ ـ البغدادي ـ أبو جعفر محمد بن جيب ( ت ٢٥٤ هـ ) المحبر. حيدر آباد الدكن ١٩٤٢.

٦١ ـ البغدادي ـ عبد القاهر بن طاهر بن محمد ( ت ٤٢٩ هـ ) الفرق بين الفرق. مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ، القاهرة.

٦٢ ـ البغدادي ـ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ( ت ٤٦٣ هـ ). تاريخ بغداد. مطبعة السعادة ط ١ ، القاهرة ١٩٣١.

٦٣ ـ البرسي ـ رضي الدين رجب بن محمد ( كان حياً عام ٨١٣ هـ )


مشارق أنوار اليقين. دار الفكر ، بيروت ١٣٨٤ هـ.

٦٤ ـ البلاذري ـ أحمد بن يحيى بن جابر ( ت ٢٧٩ هـ ) أنساب الأشراف ـ تحقيق محمد حميد الله ، دار المعارف مصر ج ١. أنساب الأشراف ، القدس ١٩٣٦ ، ج ٤ ، ج ٥.

٦٥ ـ البهروجي ـ الداعي حسن بن نوح ( ت ٩٣٩ هـ ) كتاب الأزهار ، ومجمع الأنوار الملقوطة من بساتين الأسرار مجامع الفواكه الروحانية والثمار. نشر ضمن منتخبات إسماعلية تحقيق الدكتور عادر العوا ، مطبعة الجامعة السورية ، دمشق ١٩٨٥.

٦٦ ـ الجاحظ ـ أبو عثمان عمرو بن بحر ( ت ٢٥٥ هـ ) العثمانية. تحقيق عبد السلام محمد هارون دار الكتاب العربي ، مصر ١٩٥٥.

٦٧ ـ ثلاث رسائل للجاحظ. جمعها ونشرها حسن السندوبي ، المطبعة الرحمانية ط ١. القاهرة ١٩٣٣.

٦٨ ـ الجزائري ـ عبد النبي بن الشيخ سعد الدين الأسدي ( ت ١٠٢٠ هـ ) المبسوط في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٤.

٦٩ ـ الجزائري ـ نعمه الله الموسوي ( ت ١١١٢ هـ ) الأنوار النعمانية. إيران.

٧٠ ـ الجهشياري ـ أبو عبد الله محمد بن عبدوس ( ت ٣٣١ هـ ) الوزراء والكتاب. تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري ، مطبعة البابي ط ١ ، القاهرة ١٩٣٨.

٧١ ـ الحراني ـ أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة ( من أعلام القرن الرابع ) تحف العقول عن آل الرسول. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٣.

٧٢ ـ الحسيني ـ أبو المعالي محمد ( الكتاب مؤلف سنة ٤٨٥ هـ ) بيان الأديان. نقله من الفارسية إلى العربية يحيى الخشاب مقال في مجلة كلية الآداب ـ القاهرة ١٩٥٧ المجلد التاسع عشر ج ١ ، مطبعة جامعة القاهرة ١٩٥٩.


٧٣ ـ الحسيني ـ تاج الدين بن محمد بن حمزة بن زهرة ( كان حياً سنة ٧٥٣ هـ ) غاية الإختصار في أخبار البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٣.

٧٤ ـ الحميري ـ أبو سعيد نشوان بن سعيد ( ت ٥٧٣ هـ ) الحور العين. مطبعة السعادة ، القاهرة ١٩٤٨.

٧٥ ـ الحميري ـ أبو العباس عبد الله بن جعفر ( من رجال القرن الثالث والرابع ) قرب الإسناد. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٠.

٧٦ ـ الحنفي ـ سليمان بن إبراهيم القندوزي ( ت ١٢٢٠ هـ ) ينابيع المودة ، المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٥.

٧٧ ـ الحنفي ـ أبو محمد عثمان بن عبد الله بن الحسن العراقي ( المتوفي حوالي ٥٠٠ هـ ). الفرق المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة. تحقيق بشار قوتلواي ، أنقرة ١٩٦١.

٧٨ ـ الخوارزمي ـ أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي ( ت ٥٦٨ هـ ) مقتل الحسين. مطبعة الزهراء ، النجف ١٩٤٨.

٧٩ ـ المناقب. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٥.

٨٠ ـ الدهلوي ـ شاه عبد العزيز ( ت ١٢٣٩ هـ ) مختصر التحفة الاثني عشرية. نقله من الفارسية إلى العربية محمد بن يحيى بن محي الدين بن عمر الأسلمي ، تحقيق محب الدين الخطيب. المطبعة السلفية القاهرة ١٣٧٣ هـ.

٨١ ـ الذهبي ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز ( ت ٧٤٨ هـ ) تاريخ الإسلام. مكتبة القدسي ، القاهرة ١٩٦٠.

٨٢ ـ الرازي ـ أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين ( ت ٦٠٦ هـ ) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. القاهرة ١٣٥٦ هـ.

٨٣ ـ الرسعني ـ عبد الرزاق بن أبي بكر بن خلف ( تم تأليفه سنة ٦٤٧ هـ ). مختصر الفرق بين الفرق. مطبعة الهلال ، مصر ١٩٢٤.


٨٤ ـ الرضي ـ أبو الحسن محمد بن أبي أحمد ( ت ٤٠٦ هـ ) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٤٩.

٨٥ ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل. شرحه محمد رضا آل كاشف الغطاء ، منتدى النشر ، النجف ١٩٣٦.

٨٦ ـ سليم ـ أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ( ت ٩٠ هـ ) كتاب سليم بن قيس ، أو السقيفة. المطبعة الحيدرية ، النجف.

٨٧ ـ السيوري ـ مقداد بن عبد الله بن محمد ( من القرن العاشر ) النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر. قم ، ١٣٦٧ هـ.

٨٨ ـ السيوطي ـ جلال الدين بن عبد الرحمن ( ت ٩١١ هـ ) تاريخ الخلفاء. تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، ط ٢ القاهرة ١٩٥٩.

٨٩ ـ الشهرستاني ـ أبو الفتح محمد بن عبد الكريم ( ت ٥٤٨ هـ ) الملل والنحل. تصحيح الشيخ أحمد فهمي محمد ، مكتبة الحسين التجارية ، القاهرة ط ١ ١٩٤٨.

٩٠ ـ الصاحب ـ إسماعيل بن عباد ( ت ٣٨٥ هـ ) الابانة عن مذهب أهل العدل. تحقيق محمد حسن آل ياسين نفائس المخطوطات ، المجموعة الأولى.

٩١ ـ التذكرة في الأصول الخمسة. تحقيق محمد حسن آل ياسين نفائس المخطوطات ، المجموعة الثانية بغداد ١٩٥٤.

٩٢ ـ الصدوق ـ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ت ٣٨٤١ هـ ). التوحيد. طهران ١٣٧٥ هـ.

٩٣ ـ الأمالي. طهران ١٣٨٠ هـ.

٩٤ ـ الخصال. مطبعة الشفيمي ، طهران ١٣٧٤ هـ.

٩٥ ـ كمال الدين وتمام النعمة. شرح آية الله كمره‎اى. طهران ١٣٧٨ هـ.


٩٦ ـ المقنع والهداية. المطبعة الإسلامية ، طهران ١٣٧٧ هـ.

٩٧ ـ علل الشرائع. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٦٣.

٩٨ ـ عيون أخبار الرضا. مطبعة دار العلم ، قم ١٣٧٧ هـ.

٩٩ ـ معاني الأخبار. مطبعة حيدري ، طهران ١٣٩٧ هـ ..

١٠٠ ـ صفات الشيعة. طبع مع كتاب علي والشيعة لنجم الدين الشريف العسكري ، بغداد.

١٠١ ـ فضائل الشيعة. طبع مع كتاب علي والشيعة لنجم الدين الشريف العسكري ، بغداد.

١٠٢ ـ الطبرسي ـ أبو علي الفضل بن الحسن ( ت ٥٤٨ هـ ). الحتجاج. المطبعة المرتضوية ، النجف ١٣٥٠ هـ.

١٠٣ ـ أعلام الورى بأعلام الهدى. تصحيح علي أكبر الغفاري ، المكتبة العلمية الإسلامية ، طهران ١٣٣٨ هـ.

١٠٤ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن. تصحيح أبو الحسن الشعراني ، طهران ١٣٧٩ هـ.

١٠٥ ـ الطبرسي ـ أبو الفضل علي ( المتوفى في أوائل القرن السابع الهجري ). مشكاة الأنوار في غرر الأخبار. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥١.

١٠٦ ـ الطبري ـ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم ( ت ٣١٠ هـ ) تاريخ الرسل والملوك. تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف مصر ١٩٦٠ لم يتم بعد. تاريخ الرسل والملوك. الطبعة الحسينية.

١٠٧ ـ الطبري ـ محمد بن جرير بن رستم ( من أعلام القرن الرابع ) دلائل الإمامة. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٤٩.

١٠٨ ـ المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب. المطبعة الحيدرية ، النجف.

١٠٩ ـ الطبري ـ محب الدين أحمد بن عبد الله ( ت ٦٩٤ هـ ) ذخائر العقبي


في مناقب ذوي القربى. مكتبة القدسي ، القاهرة ١٣٥٦ هـ.

١١٠ ـ الطبري ـ أبو جعفر محمد بن أبي القاسم محمد بن علي ( من أعلام القرن السادس ). بشارة المصطفى لشيعة المرتضى. المطبعة الحيدرية النجف ١٣٦٩ هـ.

١١١ ـ الطوسي محمد بن محمد المعروف بالخواجة الطوسي ( ت ٦٧٢ هـ ) فصول العقائد. المطبعة الرحمانية ، مصر ١٣٤١ هـ.

١١٢ ـ الطوسي ـ أبو جعفر محمد بن الحسن ( المعروف بشيخ الطائفة ) ( ت ٤٦٠ هـ ). الغيبة. مطبعة النعمان ، النجف ١٣٨٥ هـ.

١١٣ ـ الرجال. تحقيق محمد صادق آل بحر العلوم ن المطبعة الحيدرية النجف ١٩٦١.

١١٤ ـ الفهرست. تحقيق محمد صادق آل بحر العلوم. المطبعة الحيدرية النجف ١٩٦١.

١١٥ ـ تلخيص الشافي. تحقيق حسين بحر العلوم ، مطبعة الآداب ، النجف ١٩٦٥.

١١٦ ـ آمالي الشيخ الطوسي. نشر المكتبة الأهلية ، ١٩٦٥.

١١٧ ـ التبيان. تحقيق وتصحيح أحمد قصير العاملي ، المطبعة العلمية النجف ١٩٥٧ ـ ١٩٦٣.

١١٨ ـ طيفور ـ أحمد بن طاهر الكتاب ( ت ٢٨٠ هـ ) بغداد. تصحيح محمد زاهد الكوثري. القاهرة ١٩٤٩.

١١٩ ـ العاملي ـ محمد بن الحسن الحر ( ت ١١٠٤ هـ ) إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. المطبعة العلمية قم.

١٢٠ ـ عبد الجبار ـ أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد ، المعروف بقاضي القضاة ( ت ٤١٥ هـ ) المغني في أبواب العدل والتوحيد. تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود ، الدكتور سليمان دنيا ، الدار المصرية للتأليف والترجمة.


١٢١ ـ شرح الأصول الخمسة. تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان ، مكتبة وهبة ، القاهرة ١٩٦٥.

١٢٢ ـ عياشي أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي ( ت ٣٢٤ هـ ). التفسير. تحقيق وتصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي ، المطبعة العلمية قم.

١٢٣ ـ فرات ـ فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ( من القرن الثالث ) تفسير فرات الكوفي. المطبعة الحيدرية ، النجف.

١٢٤ ـ القرشي ـ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي ( ت ٦٥٨ هـ ) البيان في أخبار صاحب الزمان. منشورات مطبعة النعمان ، النجف ١٩٦٢.

١٢٥ ـ كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. مطبعة الغرى ، النجف ١٣٥٦ هـ.

١٢٦ ـ القرشي ـ أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن ( ت ٦٥٢ هـ ) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول. نشر مكتبة دار الكتب التجارية ، النجف.

١٢٧ ـ القمي ـ علي بن إبراهيم ( ت ٣٢٤ هـ ) تفسير القمي ، طبع حجر.

١٢٨ ـ القمي ـ سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري ( ت ٣٠١ هـ ) المقالات والفرق. صححه الدكتور محمد جواد مشكور مطبعة حيدري ، طهران ١٩٦٣.

١٢٩ ـ الكشي ـ أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز ( من القرن الرابع ) رجال الكشي. نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء.

١٣٠ ـ الكليني ـ أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق ( ت ٣٢٨ ـ ٣٢٩ هـ ). الأصول من الكافي. تصحيح علي أكبر الغفاري ، الناشر مكتبة الصدوق ، طهران ١٣٨١ هـ. الروضة من الكافي.

١٣١ ـ المجلسي ـ محمد باقر ( ت ١١١١ هـ ) بحار الأنوار. طبع حجر بحار الأنوار. طبع في إيران بعدة أجزاء لم تتم بعد.


١٣٢ ـ المرتضى ـ علي بن الحسين ( ت ٤٣٦ هـ ). الشافعي في الإمامة. طبع حجر.

١٣٣ ـ مقدمة في الأصول الاعتقادية. نفائس المخطوطات تحقيق محمد حسن آل ياسين ( المجموعة الثانية ) مطبعة المعارف بغداد ١٩٥٤.

١٣٤ ـ جمل العلم والعمل. تحقيق رشيد الصفار. النجف مطبعة النعمان ١٩٦٨.

١٣٥ ـ مسألة وجيزة في الغيبة. نفائس المخطوطات ( المجموعة الرابعة ) تحقيق محمد حسن آل ياسين. بغداد ، مطبعة المعارف ١٩٥٥.

١٣٦ ـ المسعودي ـ أبو الحسن علي بن الحسين بن علي ( ت ٣٤٦ هـ ) إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب ( منسوب ). نشر المكتبة المرتضوية ، النجف.

١٣٧ ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر.محمد محي الدين عبد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ١٩٤٨.

١٣٨ ـ التنبيه والإشراف.خياط ، بيروت ١٩٦٥.

١٣٩ ـ المغربي ـ أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي ( ت ٣٦٣ هـ ) أساس التأويل. تحقيق عارف تامر، منشورات دار الثقافة ، بيروت.

١٤٠ ـ دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله 6. تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، دار المعارف ، مصر ١٩٦٣.

١٤١ ـ المفيد ـ محمد بن محمد بن النعمان الكعبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد ( ت ٤١٣ هـ ). الإرشاد. نشر المكتبة الحيدرية ، النجف ١٩٦٢.

١٤٢ ـ أوائل المقالات في المذاهب والمختارات. مطبعة رضائي تبريز ١٣٧١ هـ.


١٤٣ ـ شرح عقائد الصدوق أو تصحيح الإعتقاد. تبريز ١٣٧١ هـ ( طبع مع كتاب أوائل المقالات ).

١٤٤ ـ رسائل المفيد. نشر مكتبة دار الكتب التجارية ، النجف.

١٤٥ ـ الإختصاص. نشر مكتبة الصدوق ، طهران ١٣٧٩ هـ.

١٤٦ ـ الجمل أو النصرة لحرب البصرة. المطبعة الحيدرية ، النجف ١٣٦٨ هـ.

١٤٧ ـ الإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب. منشورات المطبعة الحيدرية النجف ١٩٥٠.

١٤٨ ـ الفصول العشرة في الغيبة. منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥١.

١٤٩ ـ آمالي الشيخ المفيد. منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف.

١٥٠ ـ النكت الإعتقادية. المطبعة العصرية ، بغداد ١٣٤٣ هـ.

١٥١ ـ الفصول المختارة من العيون والمحاسن. المطبعة الحيدرية ، النجف.

١٥٢ ـ المقدسي ـ مطهر بن طاهر المقدسي ( ت ٣٥٥ هـ ) البدء والتاريخ. باعتناء كلمان هوار ، باريس ١٨٩٩.

١٥٣ ـ المقدسي ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد الشافعي المعروف بالبشارى ( ت ٣٨٧ هـ ) أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم. ليدن ١٨٧٧ طبعة دي غويه.

١٥٤ ـ المقريزي ـ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد ( ت ٨٤٥ هـ ) النزاع والتخاصم فيما بين أمية وهاشم. ليدن ١٨٨٨.

١٥٥ ـ المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار. مطبعة بولاق.

١٥٦ ـ المنقري ـ نصر بن مزاحم بن سيار ( ت ٢١٢ هـ ) وقعة صفين. تحقيق عبد السلام محمد هارون ، القاهرة المؤسسة العربية الحديثة ، ١٣٨٢ هـ.


١٥٧ ـ مؤلف مجهول ـ نبذة من كتاب التاريخ. نشرها بطرس غرياز ينوبيج معهد الدراسات الشرقية ، موسكو ١٩٦٠.

١٥٨ ـ مؤلف مجهول ـ العيون والحدائق في أخبار الحقائق. بريل ١٨٦٩.

١٥٩ ـ النجاشي ـ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس ( ت ٤٥٠ هـ ) الرجال. طهران.

١٦٠ ـ النسائي ـ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ( ت ٣٠٣ هـ ) خصائص أمير المؤمنين علي. منشورات المطبعة الحيدرية النجف ١٩٤٩.

١٦١ ـ النعماني ـ محمد بن إبراهيم بن جعفر المعروف بابن أبي زينب ( من علماء القرن الثالث ) الغيبة. نشر مكتبة صابري ، تبريز.

١٦٢ ـ النوبختي ـ أبو محمد الحسن بن موسى ( ت ٣١٠ هـ ) تصحيح هـ. ريتر ، مطبعة الدولة ، استانبول ١٩٣١.

١٦٣ ـ النيسابوري ـ أبو جعفر محمد بن الفتال ( ت ٥٠٨ هـ ) روضة الواعظين. مطبعة الحكمة قم.

١٦٤ ـ الهندي ـ علاء الدين علي المتقي ( ت ٩٧٥ هـ ). كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. حيدر آباد الدكن ، الهند ١٩٦٢.

١٦٥ ـ اليعقوبي ـ أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب المعروف بابن واضح الأخباري ( ت ٢٨٢ هـ ) تاريخ اليعقوبي. نشر المكتبة المرتضوية ، النجف ١٣٥٨ هـ.

١٦٦ ـ مشاكلة الناس لزمانهم ، تحقيق وليم ملورد بيروت دار الكتاب الجديد ١٩٦٢.

المراجع الحديثة :

١ ـ الأردبيلي ـ عبد العظيم باب النجاة ، طهران ١٣٧٩ هـ.

٢ ـ الحائري ـ محمد مهدي شجرة طوبى ، المطبعة الحيدرية ، النجف.

٣ ـ الحائري ـ علي اليزدي إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ، مطبعة النعمان ، كربلاء ١٩٦٣.


٤ ـ الدوري ـ عبد العزيز العصر العباسي الأول ، بغداد ١٩٤٤.

٥ ـ دراسات في العصور العباسية المتأخرة ، مطبعة السريان بغداد ١٩٤٥.

٦ ـ مقدمة في صدر الإسلام ، المطبعة الكاثوليكية ، بيروت ١٩٦٠.

٧ ـ ضوء جديد على الدعوة العباسية ، مقالة في مجلة كلية الآداب والعلوم ، العدد الثاني ، حزيران ١٩٥٧.

٨ ـ الزين ـ محمد حسين الشيعة في التاريخ. مطبعة العرفان ، صيدا ١٩٣٨.

٩ ـ الشبلنجي ـ مؤمن بن حسن بن مؤمن نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ، مكتبة الجمهورية العربية ، مصر ١٩٥١.

١٠ ـ الشيبي ـ كامل الصلة بين التشيع والتصوف. بغداد مطبعة الزهراء ١٩٦٣.

١١ ـ الصافي ـ لطف الله منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ، طهران ١٣٧٣ هـ.

١٢ ـ الطبسي ـ محمد رضا الشيعة والرجعة ، المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٦.

١٣ ـ العاملي محسن الأمين ، المجالس السنية في مناقب ومصائب العترة النبوية ، مطبعة كرم ، دمشق ١٩٥٤ ط ٣.

١٤ ـ فان فلوتن ـ السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ، ترجمة عن الفرنسية حسن إبراهيم حسن ومحمد زكي إبراهيم ، مطبعة السعادة ، مصر ١٩٣٤.

١٥ ـ فلهاوزن ـ يوليوس الخوارج والشيعة ، ترجمة عن الألمانية عبد الرحمن بدوي ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ١٩٥٨.

١٦ ـ القمي ـ عباس الأنوار البهية في تواريخ الحجج الآلهية ، طهران.

١٧ ـ لويس ـ برنارد أصول الإسماعيلية ، ترجمة خليل أحمد جلو


وجاسم محمد الرجب دار الكتاب العربي ، مصر.

١٨ ـ المظفر ـ عبد المهدي إرشاد الأمة للتمسك بالأئمة ، المطبعة الحيدرية النجف ١٣٤٨ هـ.

١٩ ـ المظفر ـ محمد حسن دلائل الصدق ، المطبعة الحيدرية ، النجف ١٩٥٣.

٢٠ ـ المظفر ـ محمد رضا عقائد الإمامية ، دار النعمان ، النجف.

٢١ ـ النقدي ـ جعفر ذخائر القيامة ، مطبعة العرفان ، صيدا ١٣٦٦ هـ.

٢٢ ـ نزهة المحبين في فضائل أمير المؤمنين ، أو أشعة الأنوار في فضل حيدر الكرار ، المطبعة العلمية ، النجف ١٩٥٠.

المراجع الأجنبية :

١ - Taylor John B. Ja far Al- sadiq, spiritual forebear of the Sufis, in the Islamic Cutlure, Vol. Xl Nn. ٢ April ١٩٦٦*

٢ - Montgomery Watt: W. Shi,ism under the Umayyads. in the Jour -

nal of the royal Asiatic Society, part I.٢. ١٩٦٠

٣ – Hamdi : sidig. The Pro- Alid PolicyofMa mun-in the bulletinoof the College of aets and Sciences, Baghdad, Vol. I, June, ١٩٥٦.

٤- M.G.S. Hodgsom. Dja far Al- Sadik, in the Encyclopeadia of is- lam, new edition, Vol II.

٥- Muir : William- the Caliphate : Its rise, decline and fall. Beirut ١٩٦٣.

٦- Montgomery Watt. W.- The Reapprsal of abbasid sh'ism- in the Arabic and Islamic Studied in Honor of Hamiton A.R.Gibb.


المحتوى

الفصل الأول

١ ـ دراسة للمصادر

أ ـ المصادر التاريخية ............................................ ٩ ـ ١٩

ب ـ كتب الفرق ............................................ ١٩ ـ ٢٠

جـ ـ المصادر الاسماعيلية .................................... ٢٠ ـ ٢١

هـ ـ كتب الاعتزال ........................................ ٢١ ـ ٢٥

و ـ كتب الامامية ........................................... ٢٥ ـ ٢٦

الفصل الثاني

أصل التشيع وتطوره

١ ـ أصل التشيع : ............................................. ٥٣ ـ ٦٨

٢ ـ تطور التشيع في ضوء ما مرّ به من أحداث : ......................... ٦٨

أ ـ مقتل علي بن أبي طالب .......................................... ٦٨

ب ـ تنازل الحسن بن علي ................................... ٦٨ ـ ٧٣

جـ ـ حركة حجر بن عدي الكندي ......................... ٧٣ ـ ٧٤

د ـ مقتل الحسين بن علي .................................... ٧٤ ـ ٧٧

هـ ـ حركة التوابين ......................................... ٧٧ ـ ٧٩


و ـ المختار بن أبي عبيد الثقفي ................................ ٧٩ ـ ٨٤

ز ـ ثورة زيد بن علي ........................................ ٨٤ ـ ٩٤

الفصل الثالث

١ ـ الإمامة بنظر الشيعة

أ ـ إمامة علي بن أبي طالب ................................. ٩٨ ـ ١٥٠

ب ـ إمامة الحسن بن علي : .............................. ١٥١ ـ ١٥٣

جـ ـ إمامة الحسين بن علي : ............................ ١٥٣ ـ ١٥٥

د ـ إمامة علي بن الحسين ( زين العابدين ) : ............... ١٥٥ ـ ١٥٦

هـ ـ إمامة محمد بن علي بن الحسين ( الباقر ) : ........... ١٥٦ ـ ١٥٧

٢ ـ الدعوة العباسية وصلتها بالشيعة : ........................ ١٥٧ ـ ١٧٥

الفصل الرابع

سياسة العلويين تجاه الشيعة .............................................. ١٧٧

١ ـ الزيدية : ........................................................ ١٧٩

ثورات الزيدية : ........................................... ١٧٩ ـ ٢٠٩

ب ـ موقف الإمامية من الثورات الزيدية : ................. ٢٠٩ ـ ٢١١

٢ ـ الشيعة الإمامية : ........................................ ٢١١ ـ ٢١٤

أ ـ موقف الامامية من العباسيين ........................... ٢١٤ ـ ٢٣٣

الفصل الخامس

الإمامـة وتطورها عند الشيعة الإمامية .................................. ٢٣٥

١ ـ الإمامة

أ ـ إمامة جعفر الصادق : ................................. ٢٣٧ ـ ٢٤٦

ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم : ...................... ٢٤٦ ـ ٢٥٢


جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا : ....................... ٢٥٢ ـ ٢٦١

د ـ إمامة محمد بن علي الجواد :............................ ٢٦٢ ـ ٢٦٧

هـ. إمامة علي بن محمد الهادي :........................... ٢٦٧ ـ ٢٧٠

و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري :....................... ٢٧٠ ـ ٣٧٨

ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان ) :....... ٢٧٨ ـ ٢٩٢

٢ ـ عقائد الإمامية :................................................ ٢٩٢

أ ـ الإمامة :.............................................. ٢٩٢ ـ ٢٩٧

ب ـ العصمة :............................................ ٢٩٧ ـ ٢٩٨

ج ـ التقية :....................................................... ٢٩٨

د ـ الرجعة :...................................................... ٢٩٨

المصادر الأولية............................................. ٣٠١ ـ ٣١٧

فهارس الكتاب ..................................................... ٣١٨

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف: نبيلة عبد المنعم داود
الصفحات: 320