بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتجلّي بأعلامه التكوينية والمطاع بأعلامه التشريعية ، المخوف المرهوب مع كونه أرحم الراحمين ، والمحبوب المرغوب مع أنّه أشدّ المعاقبين ، وصلّى الله على آخر المصطفين الأخيار محمّد وآله المنتجبين الأبرار.

وبعد ، فقد بقي لمعان « اللمعة الدمشقية » ساطعا مع تمادي الأيّام والأعوام ، والّتي هي نتاج ما خطّه يراع الفقيه المتبحّر الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي الدمشقي العاملي رحمه‌الله ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ).

وقد زاد في تألّقها وشهرتها ما أضفاه الشهيد الثاني زين الدين العاملي رحمه‌الله ( ٩١١ ـ ٩٦٥ ) في شرحه لها المسمّى بـ « الروضة البهية » من رونق وبهاء ، وشفّافية وجلاء ، فاقترنا لأكثر من أربعة قرون في كلّ حوزة علمية ومدرسة فقهية ، فانتهل منهما المجتهدون ورشف منهما العلماء والمتعلّمون ، ومدحهما وأكبرهما الموالون والمناوئون ، وليس ذلك إلّا لسلامة منهجيهما ووافر علميهما وشهادتيهما رضوان الله عليهما.

ولأهمّية هذا الشرح المبارك فقد علّق عليه وحشّاه عدّة من العلماء ، ولعلّ أشهرهم هو صاحب هذا الأثر المبارك وهو العلم الحجّة المحقّق الفقيه الملّا أحمد النراقي نوّر الله روحه وضريحه ( ١١٨٥ ـ ١٢٤٥ ). حيث تناول رحمه‌الله فيه التعليق على أبواب الفقه ـ من الطهارة إلى الحدود ـ ببيان علميّ فذّ ، واسلوب تعليميّ سلس. أثابه الله على مجهوده أفضل الثواب إن شاء الله.


ولما يشتمل عليه هذا السفر القيّم من حلول لمشكلات الشرح ومعضلاته وتسهيلا لطلبة العلوم الفقهية (١) قام اثنان من أساتذة الحوزة العلمية المعظّمين هما آية الله الشيخ رضا الاستادي وحجّة الإسلام الشيخ محسن الأحمدي حفظهما الله بتحقيقه وإنجازه بهذه الصورة الّتي بين يديك عزيزنا القارئ الكريم ، فشكر الله سعيهما ومنّ عليهما وعلى الساعين لإخراجه إلى النور بلباس العافية والسلامة ، وطول العمر بالبركة والعطاء الكثير النافع ، آمين.

ومؤسّستنا إذ تقوم بطبع ونشر هذا الكتاب العلميّ المفيد لطلبة العلوم الفقهية والمحافل العلمية خدمة للحقّ والدين ترجو الله أن يتقبّل عمل جميع القائمين على ذلك وأن يشمل الماتن والشارح والمعلّق والمحقّقين بلطف عنايته ووافر رحمته ، وأن يحفظ للمسلمين عزّ دولتهم وتأيّدات وليّ أمرهم وسداد مراجعهم ، وأن يسلّمهم من كلّ سوء ويقطع عن بلدانهم أيدي المستعمرين والمستكبرين إنّه سميع عليم وبعباده رءوف رحيم ، والحمد لله ربّ العالمين.

مؤسّسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة

__________________

(١) وببركة المؤتمر التكريمي للملّا مهدي والملّا أحمد النراقي رضوان الله عليهما الّذي عقدته أخيرا الجمهورية الإسلامية في إيران.


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

من مؤلّفات الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي بن محمّد الدمشقي العاملي الجزيني قدس‌سره ( ٧٣٤ ـ ٧٨٦ ) المطبوعة :

١ ـ أجوبة مسائل الفاضل المقداد

٢ ـ الأربعون حديثا

٣ ـ أيضا الأربعون حديثا حديث واحد

٤ ـ البيان

٥ ـ تفسير الباقيات الصالحات

٦ ـ جواز إبداع السفر في شهر رمضان

٧ ـ شرح قواعد الأحكام الحاشية على قواعد الأحكام

٨ ـ خلاصة الاعتبار في الحجّ والاعتمار المناسك

٩ ـ الدروس الشرعية في فقه الإمامية

١٠ ـ ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة

١١ ـ الرسالة الألفية

١٢ ـ الرسالة النفلية

١٣ ـ العقيدة الكافية

١٤ ـ غاية المراد في شرح نكت الإرشاد

١٥ ـ القواعد والفوائد

١٦ ـ المزار

١٧ ـ المسائل الأربعينية

١٨ ـ المقالة التكليفية

١٩ ـ المنسك الكبير المناسك

٢٠ ـ الوصية

٢١ ـ أيضا الوصية

٢٢ ـ أيضا الوصية

٢٣ ـ الإجازة لابن الخازن

٢٤ ـ الإجازة لابن نجدة

٢٥ ـ اللمعة الدمشقية (١)

وللّمعة الدمشقية شروح متعدّدة ( مطبوعة وغير مطبوعة ) وقد ذكرها العلّامة الطهراني

__________________

(١) راجع مقدّمة غاية المراد المطبوع في قم.


في « الذريعة ». و « الروضة البهية » للشهيد الثاني رحمه‌الله هي إحدى تلك الشروحات.

* * *

ومن مؤلّفات الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ العاملي قدس‌سره ( ٩١١ ـ ٩٦٥ ) المطبوعة :

١ ـ مسالك الأفهام في شرح شرايع الإسلام

٢ ـ منية المريد

٣ ـ تمهيد القواعد الاصولية ...

٤ ـ فوائد القواعد

٥ ـ المقاصد العلية في شرح الألفية

٦ ـ روض الجنان

٧ ـ كشف الريبة

٨ ـ مسكّن الفؤاد

٩ ـ التنبيهات العلية

١٠ ـ حقيقة الإيمان

١١ ـ حاشية شرايع الإسلام

١٢ ـ البداية في علم الدراية

١٣ ـ حاشية الإرشاد

١٤ ـ الحاشية الوسطى على الألفية

١٥ ـ الحاشية الصغرى على الألفية

١٦ ـ تخفيف العباد في بيان أحوال الاجتهاد

١٧ ـ تقليد الميّت

١٨ ـ العدالة

١٩ ـ ماء البئر

٢٠ ـ تيقّن الطهارة والحدث والشكّ

٢١ ـ الحدث الأصغر أثناء غسل الجنابة

٢٢ ـ النية

٢٣ ـ صلاة الجمعة

٢٤ ـ الحثّ على صلاة الجمعة

٢٥ ـ خصائص يوم الجمعة

٢٦ ـ نتائج الأفكار في بيان ...

٢٧ ـ المناسك

٢٨ ـ المناسك

٢٩ ـ المناسك

٣٠ ـ طلاق الغائب

٣١ ـ ميراث الزوجة

٣٢ ـ الحبوة

٣٣ ـ أجوبة المسائل ...

٣٤ ـ أجوبة المسائل ...

٣٥ ـ أجوبة المسائل ...

٣٦ ـ أجوبة المسائل ...

٣٧ ـ أجوبة المسائل ...

٣٨ ـ أجوبة المسائل ...

٣٩ ـ أجوبة المسائل ...

٤٠ ـ تفسير آية البسملة

٤١ ـ الاسطنبولية في الواجبات العينية

٤٢ ـ الاقتصاد ...

٤٣ ـ وصية نافعة

٤٤ ـ شرح حديث « الدنيا مزرعة الآخرة »

٤٥ ـ تحقيق الإجماع في زمن الغيبة

٤٦ ـ مخالفة الشيخ الطوسي لإجماعات نفسه

٤٧ ـ حاشية خلاصة الأقوال

٤٨ ـ حاشية رجال ابن داود


٤٩ ـ الإجازات ( ١١ إجازة )

٥٠ ـ الفوائد المتفرّقة

٥١ ـ الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية (١)

ولعلّ أشهر مؤلّفاته رحمه‌الله كتاب « مسالك الأفهام » وهو شرح لشرائع الإسلام ، و « الروضة البهية » وهو شرح للّمعة الدمشقية ، وقد طبعتا مرّات عديدة.

وللروضة البهية أيضا شروح وحواش كثيرة ذكر أكثرها العلّامة الطهراني في ج ٦ و ١٣ من « الذريعة ». وحاشية الملّا أحمد النراقي رحمه‌الله هي إحدى الحواشي الّتي لم تذكر في « الذريعة ».

* * *

ومن مؤلّفات الملّا أحمد النراقي ( ١١٨٥ ـ ١٢٤٥ ) المطبوعة :

١ ـ مناهج الاصول

٢ ـ معراج السعادة

٣ ـ مستند الشيعة

٤ ـ عوائد الأيّام

٥ ـ طاقديس

٦ ـ سيف الامّة

٧ ـ رسائل ومسائل تشمل حدود ٨٠٠ مسألة فقهية وغير فقهية

٨ ـ خزائن

٩ ـ اجازات

١٠ ـ رساله در وجوب حجّ بر مديون

١١ ـ رساله در مسائل شك وسهو

١٢ ـ رساله درباره اينكه ارواح رسول خدا وائمه بى‌حساب داخل بهشت مى‌شوند يا ...

١٣ ـ رساله در رضاع

١٤ ـ رساله در پاسخ به سيزده سؤال درباره روح

١٥ ـ رساله درباره اينكه معيار در جواز تكفير چيست؟

١٦ ـ رساله در حكم ادراك اضطرارى مشعر

١٧ ـ رساله در دفاع از كاشف الغطاء

١٨ ـ رساله در پاسخ به پنج سؤال

١٩ ـ رساله در علم خداى متعال

٢٠ ـ نيز رساله در علم بارى

٢١ ـ رساله در منجّزات مريض

٢٢ ـ رساله در عدم حجّيت ظنّ

٢٣ ـ رساله در شرح حديثى در توحيد

٢٤ ـ رساله در جواز استفاده صاحب قناة ...

٢٥ ـ الحاشية على الروضة البهيّة ، وهو الكتاب الّذي بين يديك.

* * *

__________________

(١) لقد طبعت هذه الآثار حديثا ـ عدا مسالك الأفهام والروضة البهية ـ بصورة أنيقة في ثلاثة عشر جزءا.


وكانت عندي نسختان لهذه الحاشية ، إحداهما إلى نهاية كتاب الحجّ ، والاخرى إلى نهاية الروضة ، وقد تمّ تصحيح هذه الحاشية طبقا لما جاء في النسختين.

والظاهر أنّ المؤلّف رحمه‌الله كان قد علّق على الروضة قبل تدريسه لها ، وقد جمعها ولده الملّا محمّد تقي بأمر منه رحمه‌الله فأصبحت بهذه الصورة الّتي تراها عزيزنا القارئ.

وذكر ولده رحمه‌الله في بداية الكتاب بأنّ الغرض من تعليق والده قدس‌سره هو حلّ مشكلات الروضة ومعضلاتها لا غير ، أمّا فقهه الاستدلالي فهو كتاب « مستند الشيعة ».

وختاما أشكر سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ الربّاني لقيامه باستنساخ ما جاء في النسخة الخطّية ، وكذلك سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ الأحمدي الطهراني الّذي قام بعد نضد الحروف بمقابلته وتصحيحه ، والحمد لله ربّ العالمين.

رضا الاستادي

١٣٨٢


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

يا من عجزت ( كذا ) عن شرح لمعة من لوامع حواشي روضة أنوار جلالك منتهى مدارك العلماء ، وقصرت عن بيان تذكرة من دروس قواعد إرشاد كنز عرفانك نهاية تحرير الحكماء.

نحمدك على تهذيب مسالك الشرائع بمصباح الاستبصار ، ونشكرك على معالم الهداية لمن لا يحضره الفقيه بكافي الأخبار.

ونصلّي ونسلّم على سيّدنا الجامع لسرائر النبوّة الكامل في إيضاح قواعد الرسالة ، وعلى وصيّه مستند الشيعة وعلى آله وعترته مفاتيح حدائق الجنان ومصابيح تبصرة حقائق القرآن.

وبعد ، فهذه حواش متعلّقة على « الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة » حاوية على حلّ ما لم يحلّه المحشّون من المعضلات وصور احتمال العبارات ، خالية في الأغلب عن التعرّض لفقه المسائل وما يدلّ عليه الأصول والدلائل. علّقها المولى الجليل الأعظم ، والشيخ النبيل المعظّم العالم العامل المحقّق الفقيه ، والفاضل الجامع المدقّق النبيه ، البحر الزاخر والنحرير الماهر ، علّامة فقهاء الزمان ، اعجوبة فضلاء الدوران ، المستخرج لكنوز العلم والعرفان ، المؤيّد بتأييدات الملك المنّان ، الجامع للعلوم العقليّة والنقليّة ، الحاوي للفنون الأصليّة والفرعيّة ، صدر العلماء المحقّقين ، بدر الفقهاء المدقّقين ، الذي عجز عن عدّ مدائحه القلم ، مصداق ( عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ ) ، مؤسّس أبكار القواعد الكلّية ، مروّج آثار الشريعة النبويّة ، مربّي العلماء المتبحّرين ، ظهر الإسلام والمسلمين ، غوث العباد والامم ، المشتهر في العرب والعجم ، سمّى خاتم الأنبياء ، مولانا


« أحمد » ، لا زال العالمين ( كذا ) مقتبسين من مشكاة إفاداته الزاهرة ، وما برح المؤمنين ( كذا ) مستفيضين من مصباح إفاضاته الباهرة ، استجمعتها حسب أمره الأعظم وحكمه المعظّم ، تبصرة لنفسي الخاطئة ، ولمن أراد الاطّلاع على حلّ المطالب والعبارة.

وهذا حين الاقتباس من أنوار علومه العليّة قد كان عنوان الدرس « الروضة البهيّة » ، وكان التعرّض أولا لحلّ مشكلات العبارة ، ثمّ الاشتغال بعده بفقه المسألة في كتابه المسمّى بـ « مستند الشيعة ».

وأنا المفتقر إلى رحمة ربّه العليّ ، محمّد تقيّ بن أحمد بن محمّد مهدي النراقي حشرهم الله مع النبيّ والوصيّ.

فقال ـ دام ظلّه العالى ـ :


كتاب الطهارة

قوله : بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة ـ إلى آخره ـ

متعلّق بقوله : « شرعا ».

أي : كون هذا المعنى شرعيّا بناء على ثبوت الحقائق الشرعيّة ، وأمّا على عدم ثبوتها فيكون هذا المعنى اصطلاحيّا للمتشرّعة.

ولا يخفى أنّ القول بثبوت الحقائق الشرعيّة لا يستلزم كون هذا المعنى شرعيّا ؛ إذ يمكن أن يقال بثبوتها ، ولكن لا في لفظ الطهارة ، بل في غيرها.

فلو قال : على القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها لكان أولى. نعم ، يصحّ هذا على القول بكون النزاع في ثبوت الحقيقة الشرعيّة على سبيل الكلّيّة ، بمعنى : أنّ من يقول بثبوتها يقول به في جميع الألفاظ المستعملة في المعاني الشرعيّة ، ومن يقول بنفيها يقول في الجميع ، ولكنّه [ غير ] موافق للتحقيق ، كما بيّنّا في موضعه.

قوله : كالأكول.

يحتمل وجوها :

أحدها : أن يكون متعلّقا بالمبالغة ، والتشبيه كان في كونه مبالغة ، والمعنى : الطهور مبالغة في الطاهر ، كالأكول في الآكل.

وثانيها : أن يكون متعلّقا بقوله : « جعل بحسب الاستعمال متعدّيا ». وكان التشبيه في نفس التعدية فقط ، وإن تعدّدت جهة التعدية.

وثالثها : أن يتعلّق به أيضا ، ولكن كان التشبيه في كيفيّة التعدية ؛ فإنّ التعدية في الطهور معنويّ لا لفظي ؛ ولذا لا يترتّب عليه جميع آثار المتعدّي اللفظي ، فلا يقال : الماء طهور الثوب ، أو طهور من الحدث ، وإن شارك المتعدّي في اقتضاء المفعول معنى.


ورابعها : أن يتعلّق بقوله : « وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما ». والتشبيه في نفس اللزوم ، حيث إنّ الأكول لازم لفظا ، وإن تعدّى معنى ؛ فإنّه لا يقال : زيد أكول الخبز وهذا بعيد جدّا.

وخامسها : أن يتعلّق بمجموع قوله : « جعل » ـ إلى آخره ـ وكان التشبيه في جعل اللازم متعدّيا ، ولكن يكون الأمر في الأكول بالعكس أي : جعل المتعدّي لازما ، حيث إن أكل متعدّ والأكول لازم لفظا ، وإن كان في المعنى أيضا متعدّيا ، ويكون التشبيه حينئذ لرفع استبعاد جعل اللازم متعدّيا حيث تحقّق عكسه.

قوله : وفي ترتّب الثواب على فعله.

عطف بيان للكمال ؛ ذكره لبيان أنّ المراد بالكمال هو ذلك دون ما ينقض الإزالة.

قوله : واجبة ومندوبة.

حال عن الطهارات ، ويكون لفظة « الواو » بمعنى « أو » أي : واجبة كانت أو مندوبة.

ويمكن إبقاء « الواو » على معناه ، وكان اجتماع الواجب والندب في الطهارات باعتبار أفرادها ، كما يقال : الإنسان عالم وجاهل ، أو جاءني الكوفيّون ، عالما وجاهلا.

قوله : أو ينتقض في طرده.

عطف على قوله : « وبقيت الطهارات الثلاث ». ومراده : أنه يرد على هذا التعريف بقاء مطلق الطهارات الثلاث مبيحها وغير مبيحها ، واختيار أنّ المراد من الطهارة ما هو أعمّ من المبيح ، وهو مخالف لاصطلاح الأكثر ، إن أريد بالطهور ما هو الظاهر منه أي مطلق الماء والأرض.

ويرد عليه الانتقاض في الطرد : بالغسل المندوب ، والوضوء الغير الرافع ، والتيمّم بدلا منهما إن لم يرد بالطهور مطلق الماء والأرض ، بل اريد الماء والأرض المستعملان في الطهارة المبيحة للصلاة ، كما هو اصطلاح الأكثر.

ووجه الانتقاض : أنّ مراده لمّا كان حينئذ هو الماء والأرض المستعملان في المبيح ، فيكون مراده من الطهارة ـ المذكورة تعريفها ـ أيضا هي المبيحة ؛ إذ لا معنى لإرادة مطلق الطهارة من المعرّف ، وإرادة الماء والأرض المستعملان في المبيح من الطهور المأخوذ في


المعرّف ، فيجب أن يكون التعريف بحيث لا يصدق على غير المبيح ، مع أنّه يصدق على الغسل المندوب وما بعده أيضا ؛ إذ يصدق أنّها استعمال طهور مشروط بالنيّة.

وإرادة المستعمل في المبيح من الطهور لا يوجب دفع النقض ؛ لأنّ الطهور بحسب المعنى عامّ شامل للمستعمل في المبيح وغيره ، ولا يخصّص إلّا بالقرينة والإرادة لا يكفي في التخصيص وفي صحّة الاستعمال في الخاص ، وإلّا لصحّ استعمال اللفظ العام في الخاص بدون القرينة المخصّصة مع إرادة الخصوص ، واستعمال اللفظ في المعنى المجازي بدون القرينة الصارفة مع إرادة المعنى المجازى.

والحاصل : أنّه إن اريد من الطهور ما هو ظاهره ليكون المعرّف هو الطهارة المطلقة يلزم مخالفة اصطلاح الأكثر ، وإن اريد منه المستعمل في المبيح ليكون المعرّف هو الطهارة المبيحة يلزم دخول غير المبيح في التعريف ؛ لأن إرادة المقيّد من اللفظ المطلق لا يوجب تقييده ، بل يحتاج إلى القرينة المقيّدة.

وقد يقال : إنّ قوله : « أو ينتقض » عطف على قوله : « اريد بالطهور ». والمعنى ـ حينئذ ـ وإن كان أيضا هو ما ذكرناه ، ولكن لا يكون اللفظ ـ حينئذ ـ خاليا عن حزازة كما لا يخفى ، فافهم.

قوله : الغير الرافع منه.

بدل عن الوضوء ، لا وصف له. والضمير المجرور راجع إلى الوضوء ، فالمعنى : وينتقض الطرد بالغير الرافع منه ، كما في ضربت زيدا رأسه.

قوله : إن قيل به. أى : بالتيمّم ؛ فإنّ في جواز التيمّم بدلا عن الغسل والوضوء المندوب الذي منه الغير الرافع [ خلافا ] والنقض إنّما هو على القول بعموم البدليّة.

قوله : في طرده أيضا.

أي : زيادة على أحد المحذورين المذكورين يلزم هذا النقض أيضا ، فهو لازم على كلّ من شقّي الترديد ، ويكون قوله : « وينتقض » عطفا على قوله : « وبقيت الطهارات الثلاث » ؛ ولذلك كرّر قوله : « وينتقض في طرده ».


قوله : بأبعاض كلّ واحد.

يمكن أن يجاب عنه : بأنّ المراد بالنية ما يسمّى في العرف والاصطلاح نيّة ، والابعاض مشروطة بالاستدامة الحكميّة لا بالنية ، والاستدامة الحكمية لا يسمّى في العرف نيّة سواء قرنت بالأمر الوجودي أو العدمي.

فإن قيل : النقض بالأبعاض لأجل اشتراطها بنيّة الكلّ من حيث إنّ البعض جزء للمنوي لا من حيث انفرادها بالنية كالكل.

قلنا : المتبادر من قوله : « مشروط بالنية » كونه مشروطا بنيّة ، ونيّة الكلّ لا يسمّى نية البعض. وقد يجاب : بأنّ كون الأبعاض مشروطة بنيّة الكل ـ أي : كون نيّة الكلّ شرطا للأبعاض ـ غير معلوم. وأمّا بطلان البعض بدون نيّة الكل ؛ فلأجل بطلان الكلّ المستلزم لبطلان الجزء ، وتشترط حقيقة للكل ، لا البعض.

وفيه : أنّ الشرط ما يستلزم من عدمه العدم سواء كان الاستلزام بلا واسطة كاستلزام عدم النيّة لعدم الكل ، أو بواسطة كاستلزام عدم النيّة لعدم البعض بواسطة استلزامه لعدم الكل ، فيصدق على نيّة الكلّ أنّها شرط لوجود البعض أيضا من حيث هو بعض لهذا الكلّ وإن لم تكن شرطا له مع قطع النظر عن هذه الحيثيّة ، وعدم الاشتراط مع قطع النظر عنها لا يفيد ؛ لعدم إطلاق الطهارة على البعض مع انضمام هذه الحيثيّة أيضا.

قوله : وبما لو نذر تطهير الثوب ونحوه من النجاسة ناويا

التقييد بقوله : « ناويا » لأنّه لو [ لاه ] لم يحصل النقض إمّا لعدم الاحتياج إلى النّية حينئذ وكفاية الإتيان بالتطهير ، وإمّا لأنّه يكفي فيه نيّة كون فعله هو الفعل المنذور ، ومثل هذه النيّة فيما لم يشترط فيه القربة لا يسمّى نيّة شرعا ، نعم لو نذر ما له نيّة شرعا احتاج إليها وتوقف براءة الذمة عليها من حيث الشرطية ، ومثل تطهير الثوب ليس له نية شرعا فكان الإتيان بالفعل حين عدم نذر النيّة كافيا.

ثمّ إنّه يمكن أن يجاب عن النقض : بأن تقييد المصنّف التعريف بـ « المشروط » يدفع ذلك النقض ؛ إذ النذر لا يجعل النيّة شرطا في تطهيره حتى لو تركت في غسل الثوب ـ مثلا ـ بقي الثوب نجسا كما هو شأن الشرط ؛ لأنّه ما ينتفي المشروط بانتفائه ، أو ما يتوقّف


تأثير المؤثر عليه ، بل يجعلها واجبا ، وتركها في صورة انعقاد يوجب الكفّارة لا غير ، والفرق واضح. وانتفاء المنذور ـ وهو تطهير الثوب بالنجاسة ناويا ـ بانتفاء النيّة غير نافع ؛ إذ هو من باب انتفاء المركّب بانتفاء أحد جزأيه لا من باب انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

فإن قيل : هذا إنّما يتمّ إذا كان مراد الناقض بنذر التطهير ناويا أن يجعل النية جزءا من المنذور مع قطع النظر عن الشرطيّة وأمّا إذا كان مراده نذر الشرطيّة ، فلا يتمّ ذلك ؛ لأن النيّة حينئذ يكون شرطا.

قلنا : الشرط من الأحكام الوضعيّة ، لا الشرعيّة ، والوضعي لا يكون من أفعال المكلّفين ولو بالعرض ، والقول بأنّ مشروعيّة النيّة في مثل التطهير ثابتة ، وحينئذ فالرجحان حاصل ، فيجوز نذره إنّما يفيد جواز نذر النيّة ـ أي : جعلها جزء ـ لا جعلها شرطا ؛ فإنّ شرطيّتها لم يثبت مشروعيّتها ورجحانها. ويدلّ على عدم انعقاد نذر المشروطيّة أنّه لو نذرها يطهر الثوب ولو لم ينو أيضا إلّا أنّه لو نذر النيّة لم يمتثل المنذور بدون الإتيان بها ؛ لا أن لا يطهر الثوب بدونها أيضا حتّى تكون شرطا.

قوله : ناويا.

أي : ناويا للقربة لا لمجرّد تطهير الثوب ؛ لأنّ ما له الرجحان ويوجب ترتّب الثواب هو الأوّل ، دون الثاني.

قوله : ومع ذلك إلى آخره.

أورد على هذا التعريف أيضا لزوم الدور ، حيث أخذ لفظ الطهور. وردّ : بإرادة المعنى اللغوي أو العرفي دون الشرعي أو مصطلح المتشرّعة.

ومنها : الانتقاض برمى الجمار واستلام الحجر ؛ فإنّه أيضا استعمال طهور مشروط بالنيّة.

واجيب تارة : بأنّ ... الذي هو الاستعمال لا يكون بالجميع ، وكلّ واحدة لا يصحّ بها التيمّم.

وفيه : أولا : منع عدم تعلّقه بالجميع. وثانيا : أنّ عدم صحّة التيمّم بكلّ واحدة لا يوجب خروجه عن كونه طهورا كقطرتين من الماء.


واخرى : باعتبار الحيثيّة أي : استعماله من حيث إنّه طهور.

ومنها : النقض بسجدتي السهو.

وأجيب عنه أيضا : باعتبار الحيثيّة المذكورة وبعدم تعيّن الأرض للسجود.

ويرد على الاخير : بقاء النقض لو نذر السجدة على الأرض ، فإنّه صحيح راجح قطعا.

ومنها : النقض بازالة النجاسة باعتبار الثواب.

وفيه : أنّ المشروط بالنيّة حينئذ هو درك الثواب ، دون استعمال الطهور.

قوله : والطهور هو الماء والتراب قال الله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ) إلى آخره.

إن قيل : إنّ قوله : « الطهور هو الماء والتراب » يفيد مطلبين : أحدهما : طهوريّة الماء والتراب. والثاني : انحصار الطهور فيهما وعدم طهوريّة غيرهما : لأنّه مقتضى تقديم الخبر الذي حقّه التأخير ، بل ظاهر ما تقدّم فيه ما حقّه التأخير أنّ المقصود الأصلي من الكلام هو إفهام الحصر.

وعلى هذا فالصواب إمّا الاستدلال على المطلبين أو للثاني ، فلا يحسن الاستدلال على الأوّل فقط. وذلك كما أنّه إذا قيل : القديم هو الله. فالمستحسن الاستدلال على عدم قدم غيره ، لا على قدمه.

قلنا : نعم كذلك ، ولكنّه إنّما هو إذا لم تكن لاختصاص الاستدلال بالأوّل [ نكتة ] وهي هنا موجودة وهي أنّ الطهورية من الأحكام الشرعية التي يحكم بانتفائها مع انتفاء الدليل عليها في موضع ، فاللازم هو الاستدلال على طهورية ما يكون طهورا. أمّا ما ليس بطهور فلا يحتاج نفيه عنه إلى دليل ، فالمحتاج إلى الاستدلال حقيقة هو أوّل المطلبين دون ثانيهما ، بل هو أمر معلوم ، فلذا لم يذكره.

وأيضا المهم في هذا المقام هو إثبات الجزء الأوّل ؛ لأنّ هنا ليس مقام بيان ما ليس بطهور ؛ فلذا اقتصر على ما هو المهم وترك غير المهم ؛ لعدم الحاجة إليه.

قوله : وكان الأولى إبداله إلى آخره.


قيل : لأنّ الدليل الذي استدل به ـ وهو قوله : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » ـ أعمّ من التراب.

ثمّ قيل : المناسب أن يقول بدل « الأولى » الصواب.

قلت : التعبير « بالأولى » ؛ لاحتمال أن يكون رأي المصنّف هنا عدم جواز التيمّم بغير التراب ، وإن تغيّر اجتهاده بعد ذلك.

أقول : لا يخفى ما فيه :

أمّا أوّلا : فلأن الأولوية إن كانت لأجل الدليل ـ كما ذكره ـ فلا تأثير لتغيّر الاجتهاد فيه ، أو كون رأيه عدم الجواز بغير التراب. وأمّا ثانيا : فلأنّه لو كان رأيه ذلك لم يصحّ الإبدال بلفظ الأرض فضلا أن يكون أولى. وأمّا ثالثا : فلأنّ أعميّة الدليل عن المدّعى ليس بفاسد حتّى يكون المناسب الصواب ، بل الفاسد هو أخصّيته عنه. نعم المطابقة أحسن وأولى ، فالصحيح هو الأولى ؛ لأجل المطابقة المذكورة.

وإلى هذا أيضا نظر الشارح كما يشعر به قوله : « كما يقتضيه الخبر » ، نعم لو نظر إلى استفادة الحصر من تقديم الخبر في قوله : « الطهور هو الماء والتراب ». لصحّ أن يقال : إنّ الصحيح هو الإبدال دون الأولى ، ولكن ليس نظر الشارح إلى ذلك.

قوله : خصوصا على مذهبه.

متعلّق بقوله : « وكان الأولى ».

قد يقال : إنّ في مقام يستعمل لفظ خصوصا يجب تحقّق أمرين : أحدهما : تحقّق الحكم السابق عليه ، ولو لم يتحقّق ما بعده. وثانيهما : أولويّة وجود السابق عند وجود ما بعده. والأمر الأوّل غير متحقّق هاهنا ؛ لأنّ على مذهب من لا يجوّز التيمّم بغير التراب من اصناف الأرض لا يكون غيره من الطهور المأخوذ في تعريف الطهارة ؛ لأنّ الطهور مشروط استعماله بالنيّة لا يكون إلّا المطهّر من الحدث وغير التراب لا يكون مطهرا من الحدث على هذا ، فلا يكون من أفراد الطهور المأخوذ في الحد ومراد المصنّف بقوله : « والطهور هو الماء والتراب » هو بيان الطهور المأخوذ فيه.


وفيه : أنّ عدم جواز استعمال غير التراب في الطهارة من الحدث لا يوجب أن يكون المراد من الطهور في التعريف هو غير التراب من أفراد الأرض ؛ لأنّ الطهور هو الطاهر المطهّر من الحدث والخبث ، بخلاف ما إذا لم يكن من مذهبه ذلك ؛ فإنّه يتحقّق فرق بينهما حينئذ ، فيحصل وجه للتخصيص بالذكر.

قوله : بقول مطلق.

أي : بقول غير مقيّد بفرد من أفراد الماء من كونه كثيرا أو جاريا ، قليلا أو راكدا.

والحاصل أنّ مطلق الماء مطهّر من الحدث. وإنّما لم يقل : مطلقا ؛ للاحتراز عن مجى‌ء الحال من المبتدأ قبل مضيّ الخبر وإيجاب ذكره بعد الخبر لتوهّم كونه قيدا له ، أو للإشارة إلى كون هذا القول متفق عليه أي : بقول واحد مطلقا ، ولو قال : مطلقا. لم يفد هذه الفائدة.

وحمل قوله « مطلق » على أنّ الماء المطلق مطهّر أي : غير المضاف بعيد ؛ لمكان قوله : « بقول ».

قوله : وشبهه.

أي : شبه المكلّف. ذكره لدخول المجنون والنائم والمغمى عليه ؛ فإنّ الجنون والنوم والإغماء موجب لحصول الحدث بمجرّد وجوده.

ولا شك في أنّ في أوّل آن وجوده ليس شي‌ء من المجنون والنائم والمغمى عليه مكلّفا ، وإنّما يصير مكلّفا بعد رفعه مع أنّه محدث قطعا.

وقوله : « المانع من الصلاة » ؛ للاحتراز عن الأثر الحاصل عند عروض الموت الموجب لغسل الميّت ؛ فإنّه ليس حدثا. وعن الأثر الحاصل عند مسّ الميّت الموجب للغسل عند من لا يمنع عن الصلاة قبل غسل مسّ الميّت ؛ فإنّ هذا الأثر ليس حدثا عنده.

ولا يبعد أن يكون هذا احترازا أيضا عن الأثر الحاصل عند عروض الأسباب الموجبة لاستحباب الوضوء كمس الفرج والرعاف وغيرهما.

وقوله : « المتوقّف رفعه على النيّة ». احتراز عن النجاسة الظاهرية الحاصلة عند خروج البول والغائط ، أو المني ، او الحيض والاستحاضة ؛ فإنّه حاصل عند عروض أحد أسباب الوضوء والغسل مانع من الصلاة ، ولكن ليس حدثا.


هذا إذا كان قوله : « المانع من الصلاة ». صفة للأثر ، وأمّا إذا جعل صفة لأحد الأسباب فيكون قوله : « المتوقّف رفعه » احترازا عمّا ذكر وعن جميع الخواص والآثار الحاصلة عند عروض أحد الأسباب كاللذة عند خروج المني ، والحرقة عند خروج الحيض ، والخفة عند خروج الغائط وغيرها.

قوله : بالتغيّر بالنجاسة.

« الباء » للسببيّة أي : التغيّر الحاصل بسبب وقوع النجاسة. والمراد : التغيّر الحاصل بسبب وقوعها فيه ؛ لأنّ تغيّر رائحة الماء بمجاورة النجاسة ومرور رائحتها غير منجّس للماء إجماعا.

وقد يجعل « الباء » للمصاحبة للاحتراز عن هذا التغيّر.

ويرد عليه حينئذ : التغيّر بغير أوصاف النجاسة مع مصاحبة الماء لها ، إلّا أن يقال : إنّ معنى التغيّر بمصاحبة النجاسة التغيّر المتّصف بكونه حاصلا بمصاحبتها ، وتعليق الشي‌ء بالوصف يشعر بعلّيّة الوصف ، فيفهم منه التغيّر بأوصاف النجاسة ؛ لأنّ التغيّر المعلول لمصاحبة النجاسة ليس إلّا التغيّر بأوصافها.

قوله : واحترز بتغيّره بالنجاسة إلى آخره.

قيل : قوله هذا صريح في أنّ الماء القليل غير داخل تحت الإطلاق المذكور بقوله : « وينجس الماء مطلقا » ؛ لأنّ الماء القليل ينجس بمجرّد ملاقاة المتنجس ، فضلا عن التغيّر به.

أقول : هذا سهو فاحش ، وتوضيحه : أنّ لنجاسة الماء أسبابا مختلفة بعضها يجري في جميع أنواع الماء كالتغيّر بالنجاسة ، وبعضها تختص ببعضها كالملاقاة. ومراد المصنّف هاهنا هو بيان السبب الأوّل. ومراد الشارح : أنّ تأثير هذا السبب إنّما هو إذا كان التغيّر بالنجاسة ، دون المتنجّس ، فإذا تغيّر الماء مطلقا قليلا كان أم كثيرا بالمتنجّس لم ينجّس بسبب التغيّر ، ولا يكون هذا التغيّر سببا للنجاسة ، وإن كان الملاقاة حينئذ سببا في بعض الأفراد ، وهذا سبب آخر غير التغيّر.

وقول الشارح : « فإنّه لا ينجس بذلك » ـ أي : بالتغيّر بالمتنجّس ـ إشارة إلى هذا أي : لا ينجس الماء حينئذ بالتغيّر الذي هو أحد السببين وإن نجس بسبب آخر الذي هو الملاقاة ، فافهم.


قوله : من غير أن تؤثّر نجاسته فيه.

الضمير في قوله : « فيه » يحتمل أن يكون راجعا إلى الماء وأن يكون راجعا إلى طعمه ، وأن يكون راجعا إلى الدبس.

وعلى التقادير الثلاثة يكون قوله هذا احترازا عمّا لو تغيّر طعم الماء بالدبس ، ومع ذلك ظهر في الماء أثر أصل النجاسة أيضا من طعمها أو ريحها أو لونها. فعلى الأوّل يكون المعنى : من غير أن تؤثر نجاسة الدبس في طعم الماء. وعلى الثالث يكون المعنى : من غير أن تؤثر نجاسة الدبس [ في الدبس ] بمعنى : أنّه ينجس الدبس ولم يتغيّر أحد أوصاف الدبس بالنجاسة حتّى يتغيّر بسببه وصف الماء بالنجاسة أيضا.

وأولى التقادير أوّلها لما في الثاني من التخصيص بالطعم مع أنّه لو تغيّر طعم الماء بالدبس ورائحته بالنجاسة ينجس الماء أيضا ، وفي الثالث من إمكان تأثير النجاسة في الدبس وعدم تأثيره في الماء ؛ فإنّه لا ينجس الماء بذلك ، إلّا أن يخصّ بالتأثير في طعم الدبس ، وهو أيضا تخصيص بلا مخصّص.

قوله : لا التقديري على الأقوى.

إشارة إلى خلاف العلّامة وولده فخر المحقّقين ، حيث ذهبا إلى وجوب تقدير التغيّر ووجوب تقدير النجاسة على أوصاف موجبة لحصول التغيّر

ثمّ التقدير يكون في صور :

أحدها : أن يكون النجاسة باقية على أوصافها الموجبة للتغيّر ، ولكن حصل في الماء ما يمنع عن احساس التغيّر كما إذا كان الماء أحمر بسبب عارضي كوقوع البقّم فيه ، ثمّ وقع فيه من الدم بقدر لو لا حمرة الماء لاحمرّ بالدم ، فيقدر التغيّر اللوني بالدم حينئذ.

وثانيها : أن يكون الماء باقيا على حالته الأصليّة ، ولكن زال عن النجاسة وصفها الأصلي الموجب للتغيّر ، كالغائط الذي زالت رائحته بسبب عارضي ، فيقدر بقاء الوصف ، ويقال بنجاسة الماء لو وقع فيه من هذا الغائط بقدر لو لم تسلب رائحته لكان موجبا لتغيّر رائحة الماء.


وثالثها : أن يكون كلّ منهما باقيا على الوصف الأصلي ولم يكن الوصف الأصلي للنجاسة موجبا لتغيّر الماء ، فيقدّر لها وصف غيرها من النجاسات أو غيرها ، فيقال : إنّ هذا القدر من البول لو كان له لون الدم أو حدّة الخلّ أو ذكاء المسك لكان موجبا لتغيّر رائحة الماء ، فينجس الماء بذلك.

ورابعها : أن يخرج كلّ منهما عن الوصف الأصلي كأن يصير الدم أصفر والماء أيضا كذلك كماء الفرات ، فيقدر كلّ منهما على الوصف الأصلي.

وخامسها : أن يكون كلّ منهما باقيا على وصفه الذاتي ، ولكن كان الوصف الأصلي لهذا الفرد من الماء ممّا يمنع التغيّر ولا يقبله كما يقبله غيره كماء البحر الذي وقع فيه نجاسة ملحة أو ماء الفرات إذا وقعت فيه نجاسة صفراء فيعد هذا الفرد من الماء على نحو غيره من المياه الفاقدة لهذا الوصف.

ثمّ غير الصورة الأولى من هذه الصور داخل في التقديري الذي نفاه الشارح قطعاً. وأمّا الصورة الأولى ، فهي معتبرة وداخلة في الحسّي ؛ لأنّ المراد بالحسّي ليس ما يحسّ به ويشاهد بالفعل ، بل المراد ما كان متحقّقا في الواقع وكان من شأنه أن يدرك بالحس سواء حصل مانع من إدراكه كما في الصورة الأولى ، أو لم يحصل كما في سائر التغيّرات.

قوله : ولو بنفسه أو بعلاج.

المراد بزوال التغيّر بنفسه أن لم يحصل من الخارج أمر يوجب زوال التغيّر ، بل زال هو من غير حدوث أمر خارجى ، والضمير فيه راجع إلى التغيّر.

والمراد بزواله بالعلاج : أن يعمل في الماء عمل يوجب زوال تغيّره كإلقاء عطر عند تغيّر الرائحة ونحوه ، والقسم الآخر الأظهر الذي يقتضيه لفظه : هو أن يزول التغيّر بسبب اتصال المطر المتقاطر ، أو تدافع المياه الكثيرة الواردة عليه بنفسه من غير إلقاء أحد ؛ لأنّه يدخل في الزوال بالعلاج.

قوله : من الأرض مطلقا.

أي : سواء جرى على وجه الأرض أو لم يجر كما في بعض الوهدات التي ينبع الماء منها ويجتمع فيها.


ويمكن أن يكون المراد أنّه سواء دام نبعه أم لا ، أو سواء كان قليلا أم كثيرا ، ويمكن إرادة الجميع ، ولكنّ الأوّل أظهر ؛ لأنّ الأخيرين ممّا لا يحتاج فيهما إلى التعميم ؛ لوضوح الجريان مع عدم دوام النبع أو القلة إذا جرى على الأرض ، والخلاف الواقع فيهما إنّما هو في قبول النجاسة والطهر بزوال التغيّر وعدمهما ، لا في صدق الجاري ؛ ولذا فسّر الشارح أيضا في الحاشية : « مطلقا » بالأوّل فقط.

قوله : غير البئر.

فإنّ البئر وإن كان نابعا من الأرض ، إلّا أنّه لا يسمّى في العرف جاريا. ومن أخذ في تعريف الجاري قيد الجريان في الأرض استغنى عن هذا القيد.

قوله : على المشهور.

متعلّق بقوله : « ويطهر بزواله ». أي : يطهر بزوال التغيّر إن كان جاريا ، على القول المشهور. والقول الآخر هو أنّه لا يطهر إلّا بامتزاج الماء الطاهر الخارج من المنبع بالمتغيّر ، ولا يكفي مجرد الزوال. ونسب هذا القول إلى الشهرة ؛ لأنّه أقدح في أدلّته في هذا الكتاب حتّى في الإجماع الذي ادّعاه بعضهم.

وقال في الروض بعد الكلام عليهما : ولا شك أنّ للشهرة ترجيحا ، إلّا أنّ الدليل على مدّعاها غير قائم.

ويمكن أن يكون القول الآخر هو عدم طهر مطلق الجاري بالزوال ، حيث إنّ قوله : « إن كان الماء جاريا » يدلّ على طهر مطلق الجاري بالزوال ، فيقابله القول بطهر دائم النبع أو الجاري الكثير.

وقد يجعل قوله : « على المشهور » قيدا لقوله : « مطلقا » ويقال : إنّ المراد أنّ الطهر بالزوال للنابع المقيّد بالإطلاق إنّما هو على المشهور ، وأمّا في غير المشهور مقيّد بدوام النبع أو بالكثرة.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه لو كان كذلك لكان المعنى أنّ كون الماء الجاري هو النابع من الأرض مطلقا على المشهور ، وأمّا على غير المشهور فيعتبر في كونه جاريا الكثرة ودوام النبع ، مع أنّ غير المشهور ليس كذلك ، بل اعتبر في الطهر بالزوال أو عدم النجاسة بمجرّد


الملاقاة الكثرة ودوام النبع ، لا في صدق الجاري ، فلا تغفل ، إلّا أن يقال : إنّ الجاري فى عرفهم ما كان حكمه مخالفا للواقف دون ما يصدق عليه الاسم عرفا ، فيتفاوت تعريفه بتفاوت الحكم ، فلا يكون غير دائم النبع ، أو القليل جاريا عند مشترط الدوام والكثرة ، وهو بعيد.

وقد يجعل قوله : « على المشهور » قيدا لقوله : « غير البئر » ؛ لأنّ غير المشهور أنّ البئر لا ينجس بمجرّد الملاقاة ويطهر بمجرّد زوال التغيّر.

وفيه ما مر من أنّ عدم التنجّس بالملاقاة والطهر بالزوال لا يوجب صدق الجاري.

أو لأنّ غير المشهور في البئر لمّا كان هو عدم التنجّس بالملاقاة والطهر بالزوال ، فيكون هو أيضا ماء جاريا ، فلا وجه لإخراجه عنه ؛ لاتحاد حكمهما.

وفيه : أنّ القائل بعدم تنجّس البئر بالملاقاة وطهره بالزوال يقول باستحباب النزح في النجاسات المعيّنة ، وليس ذلك مستحبّا في الماء الجاري عنده ، فيختلف حكمهما ، ويفترق عن الجاري أيضا ، على أنّ اتحاد الحكم لا يوجب صدق الاسم.

وقوله : واعتبر المصنّف إلى آخره.

الضمير المجرور راجع إلى التطهير المدلول عليه بقوله : « ويطهر » ، أو إلى الحكم المذكور ، أو إلى الجاري أي : اعتبر في الجاري من حيث تعلّق الحكم المذكور به ، أو من حيث إطلاق الجاري عليه ، ولكن هذا إنّما هو على الاحتمال البعيد المتقدّم.

هذا ، ثمّ إنّه تبع المصنّف في هذا الشرط جمال الدين أحمد بن فهد في موجزه.

وقد ذكروا في بيان المراد بدوام النبع وجوها ثلاثة :

أحدها : ما ذكره الشارح في روض الجنان وهو : أنّ المراد بدوام النبع عدم الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء وتجفّ في الصيف.

ولا يخفى أنّ هذا المعنى وإن كان أربط باللفظ والأقرب إليه لكونه المتبادر منه عرفا ، لكنّه ممّا يقطع بفساده. أمّا أوّلا ؛ فلأنّه لا شاهد له من الأخبار ولا يساعده الاعتبار ، فهو تخصيص بلا مخصّص. وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ الدوام بالمعنى المذكور إن اريد به ما يعم الزمان كلّه ، فلا ريب في بطلانه ؛ إذ لا سبيل إلى العلم به وإن خصّ ببعضها ، فهو مجرّد الحكم. ( كذا )


وثانيها : أنّ المراد منه استمرار النبع حال ملاقاة النجاسة. ذكره المحقّق الشيخ على بعد أن أطال في الشنع على من فسّره بالمعنى الأوّل. واستحسن هذا المعنى جملة ممّن تأخّر عنه. وهو وإن كان خلاف ظاهر اللفظ ، إلّا أنّه في حدّ ذاته مستقيم ؛ إذ متى كان حال ملاقاة النجاسة غير مستمر النبع كان بمنزلة القليل ، ولكن مرجع هذا إلى اعتبار المادّة ، وحينئذ فلا يزيد على اشتراط الجريان ؛ إذ الجاري هو النابع ، والنبع يستلزم المادّة ، إلّا أن يحمل الجاري على المعنى اللغوي.

وقد وجّه بعض المتأخرين هذا التوجيه :

بأنّ عدم الانفعال في القليل الجاري معلّق بوجود المادّة ، فلا بدّ في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة ، وربّما يتخلّف ذلك في بعض أفراد النابع كالقليل الذي يخرج بطريق الترشّح ؛ فإنّ العلم بوجود المادّة فيه عند ملاقاة النجاسة مشكل ؛ لأنّه يترشح آنا فآنا ، فليس له فيما بين الزمانين مادّة. وهذا يقتضي الشك في وجودها عند الملاقاة ، فلا يعلم حصول الشرط ، واللازم من ذلك الحكم بالانفعال بها عملا بعموم ما دلّ على انفعال القليل بسلامته عن معارضة وجوده المادّة ، واشتراط استمرار النبع يخرج مثل هذا.

وثالثها ما ذكره بعض المحدّثين من المتأخّرين حيث فسّر النابع على وجوه :

احدها : أن ينبع الماء حتّى يبلغ حدّا معيّنا ثمّ يقف ولا ينبع ثانيا إلّا بعد إخراج بعض الماء.

وثانيها : لا ينبع إلّا بعد حفر جديد كما هو المشاهد في بعض الأراضي.

وثالثها : ينبع ولا يقف على حدّ ـ كما في العيون ـ قال :

وشمول الأخبار المستفاد منها حكم الجاري للوجه الثاني غير واضح ، فيبقى تحت ما يدلّ على اعتبار الكرّية ، وكأنّ مراد شيخنا الشهيد ما ذكرناه ، وبذلك يندفع عنه ما أورد عليه. انتهى

قوله : والدليل النقلي يعضده.

المراد بالدليل النقلي : عموم ما يدلّ على اشتراط الكرّية في عدم انفعال الماء بالملاقاة


كمفهوم الشرط في صحيحة معاوية بن عمّار ومحمّد بن مسلم : « إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء » (١). وغيرها.

وإنّما قيّد الدليل بالنقلي ؛ لأنّ الدليل العقلي لا يعضده ، بل يخالفه ؛ لأنّ استصحاب الطهارة وأصالة عدم اشتراط الكرّية توجب عدم الانفعال ، نعم الدليل العقلي يعضد الحكم الثاني الذي ذكره بقوله : « وعدم طهره بزوال التغيّر » ؛ لأنّ النجاسة كانت سابقة ، فيستصحب ، ولا دليل نقلي يعضد هذا الحكم ، ولذا أقحم قوله : « والدليل النقلي يعضده » بين الحكمين.

قوله : بزوال التغير مطلقا.

« مطلقا » إمّا قيد للمنفي أو قيد للنفي ، فعلى الأوّل يكون النفي المستفاد من لفظ العدم متوجّها إلى قيد الإطلاق ويكون معنى قوله : « مطلقا » أي سواء لاقى كرّا أم لا ، ويكون المراد أنّه جعله العلّامة وجماعة كغيره في أنّه لا يتطهر بزوال التغيّر على الإطلاق ، بل يتطهر بزوال التغيّر المقيّد بملاقاة الكرّ.

وعلى الثاني يكون النفي متوجّها إلى الطهر ، ويكون معنى قوله : « مطلقا » أي : سواء كان بنفسه أو بعلاج ، ويكون المراد أنّهم جعلوه كغيره في أنّه لا يتطهر بزوال التغير أصلا أي : لا يكون زوال التغيّر علّة للتطهير ، بل يتطهر بزوال التغيّر مع ملاقاة الكرّ.

قوله : وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد.

توضيح الكلام : أنّ الماء المتغيّر الذي زال تغيّره ولاقى كرّا لا يخلو عن ثلاثة أوجه ؛ لانّه إمّا يلاقى الكرّ أوّلا ثمّ يزول التغيّر بعد انفصال الكرّ ، أو يكون الملاقاة والزوال في وقت واحد أي : يكونان معين ( كذا ) ، أو يزول التغيّر أوّلا ثمّ يلاقى الكرّ. والحاصل أنّ الملاقاة إمّا يكون قبل الزوال ، أو معه ، أو بعده ، ولا شك أنّه لا يطهر الماء في الوجه الأوّل وإنّما يطهر في أحد الوجهين الآخرين.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المصنّف لما ذكر الملاقاة على الإطلاق من دون تقييد بالبعديّة والمعيّة ، فقال الشارح : إنّ مراده هو أنّه لا بدّ في طهره من الملاقاة بعد الزوال أو

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٥٨.


معه ، وليس مراده أنّه يطهر بالملاقاة قبله أيضا ، وإن كان إطلاق عبارة المصنّف حيث قال :« أو لاقى كرّا » من غير تقييد بالبعديّة أو المعيّة متناولا للملاقاة الحاصلة قبل التغيّر أيضا الذي هو ليس بمراد. وقد خبط بعض المحشين في فهم كلام الشارح هنا حيث قال : مراد الشارح بقوله : « وإن كان إطلاق عبارة المصنّف » إلى آخره ، أنّ اطلاق العبارة حيث قال :« أو لاقى كرا » معادلا لقوله : « بزواله » يتناول ما هو غير مراده ؛ لأنّه يفهم منه أنّ كلا من الزوال والملاقاة يطهّر على سبيل منع الخلو ، فيدلّ على أنّ مجرّد الملاقاة يكفي في تطهير الماء الغير الجاري سواء زال التغيّر أم لا.

ولا يخفى أنّه جعل قوله : « أو لاقى كرا » معطوفا على قوله : « بزواله » ، وليس كذلك ، بل هو معطوف على قوله : « إن كان الماء جاريا » ، فلا يكون قوله : « أو لاقى كرا » معادلا لقوله :« بزواله » ، بل يكون معادلا لقوله : « إن كان جاريا » ويطهر بزوال التغيّر إن لاقى كرا.

وممّا ينافي ما ذكره هذا المحشّي قول الشارح بعد ذلك : « وهو طهره مع زوال التغيّر وملاقاته الكرّ » حيث أتى بلفظة « واو » الدالّة على الجمع ، دون لفظة « أو » ، وذكر زوال التغيّر أيضا. ولو كان مراده ما ذكره هذا المحشّي لما كان حاجة إلى ذكر قوله : « مع زوال التغيّر » بل يكفي أن يقال : وهو طهره بملاقاته الكرّ كيف اتّفق. ثمّ لفظة « قد » في قوله : « قد يتناول » ليست للتقليل ، بل هي للتحقيق كما في قوله تعالى : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ ). (١)

ويمكن أن يكون للتقليل ، ويكون الإتيان به للإشعار بأنّ وضوح الأمر وظهوره إنّما هو بحيث لا يحتاج إلى ذكر للتقليل ، (٢) بل يفهم المراد بدون التقييد أيضا.

قوله : وهو طهره إلى آخره.

الضمير راجع إلى الموصول أعني : لفظة « ما » في قوله : « ما ليس بمراد » أي : الذي ليس بمراد هو الطهر مع الزوال والملاقاة كيف اتفق ، سواء كان قبل الزوال ، أو معه ، أو بعده ؛ فإنّ المراد هو المقيّد ، والإطلاق يتناول جميع الأفراد ، وليس بمراد.

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) للتقييد.


وقد يتوهّم عدم إمكان إرجاع الضمير إلى الموصول ؛ لأنّ ما بعد الضمير هو مجموع ما يدلّ عليه الإطلاق ، ولا يجوز أن يقال : إنّه يتناوله.

وفيه : أنّه كما يجوز أن يقال للكلّي : إنّه شامل لهذا الفرد ، يجوز أن يقال : إنّه شامل لجميع الأفراد ، فيقال : إنّ الإنسان شامل لزيد ، وإنّه شامل لجميع أفراد الحيوان الناطق

ويمكن إرجاع الضمير إلى الإطلاق أيضا أي : الإطلاق المتناول هو هذا.

ولا يبعد إرجاعه إلى المتناول المفهوم من قوله : « يتناول ».

قوله : وكذا الجاري على القول الآخر.

المراد بالقول الآخر : هو القول المقابل للمشهور ـ على ما ذكرناه ـ وهو أنّه يحتاج في الطهور مع الزوال إلى الامتزاج أي : وكذا المراد على هذا القول أنّه لا بدّ أن يكون الامتزاج بعد الزوال أو معه ولا يكفي الامتزاج قبله.

ويمكن أن يكون المراد بالقول الآخر هو قول المصنّف : باعتبار دوام النبع. وقول العلّامة باعتبار الكثرة ؛ فإنّه مع عدم دوام النبع أو مع القلّة لا يكون الزوال فقط مطهرا بل يحتاج إلى الملاقاة ، ويكون المعنى : أنّ الجاري كذا أيضا أي : مثل غير الجاري المفهوم تقديره من عطف : « أو لاقى كرا » على قوله : « إن كان جاريا » فيحتاج مع الزوال إلى الملاقاة ، ويكون التشبيه في أصل الاحتياج إلى الملاقاة مع سائر شروطها ، ولكنّه لا يلائمه إطلاق لفظ « الجاري » في قوله : « وكذا الجاري ».

قوله : عنده.

الضمير راجع إلى المصنّف ، والظرف إمّا متعلّق بما قبل قوله : « كالجاري » ، أي ولو تغيّر بعض الماء ، وكان الباقي كرّا طهر بزوال التغيّر أيضا عند المصنّف كالجاري ؛ وإمّا متعلّق بالجاري أى ولو تغيّر بعض الماء وكان الباقي كرّا طهر بزوال التغيّر عندي كالجاري عند المصنّف.

قوله : ويمكن دخوله.

كأنّ الوجه في الإتيان بلفظ « يمكن » مع أنّ الملاقاة بالكرّ حاصلة هنا قطعا ؛ لأنّ الظاهر من الملاقاة سبق الانفصال ، وهنا ليس كذلك.


قوله : لصيرورتهما بالملاقاة إلى آخره.

توضيحه : أنّ أخبار الكرّ تدلّ على أنّ الماء الواحد إذا كان كرّا يدفع النجاسة ، ويلزم منه أنّ الماء الواحد إذا كان كرّا يرفع النجاسة أيضا ؛ لأنّ ما يصلح للدفع يصلح للرفع أيضا ، وبملاقاة الماءين الكرّ والنجس يصيران ماء واحدا ـ وإن لم يقع عليه دفعة ـ ويكونان معا كرّا ، فيكون المجموع صالحا لدفع النجاسة.

ولا يخفى أنّه يرد على هذا الدليل منع أنّ ما يصلح للدفع يصلح للرفع أيضا ؛ لعدم دليل عليه.

قوله : ولأنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى إلى آخره.

هذا دليل آخر لكفاية مطلق الملاقاة وعدم اشتراط الدفعة. وحاصله : أنّ الدفعة لا يتحقّق لها معنى يمكن اشتراطها ، اذ يتوقّف اشتراطها على أمرين : أحدهما : إمكان الوقوع دفعة. وثانيهما : وجود دليل على اشتراطها.

والدفعة الحقيقيّة ممّا لا يمكن تحقّقها ووقوعها ؛ لاستحالة وقوع جميع أجزاء الكرّ دفعة حقيقيّة على الماء الآخر ، بل يتأخّر وقوع بعض الأجزاء عن بعض آخر لا محالة والدفعة العرفيّة لا دليل على اشتراطها.

والمراد بالدفعة العرفيّة : وقوع جميع أجزاء الماء الكثير في زمان قصير بحيث تصدق عليه الدفعة عرفا ، وبما ذكرنا من توصيف قوله : « معنى » بقولنا : « يمكن اشتراطها » يندفع ما يرد على ظاهر العبارة من أنّ قوله : « لا يتحقّق لها معنى » يدلّ على أنّه لا يمكن تحقّق الدفعة بشي‌ء من معنييه ، وقوله : « عدم الدليل على العرفيّة » يشعر بإمكان تحقّق معناها العرفي.

نعم يرد عليه : أنّ نفي الدليل على العرفيّة يشعر بوجود الدليل على الحقيقية لو لم يتعذّر مع أنّه لا دليل على اعتبارها أيضا.

ويمكن أن يقال : إنّ عدم اعتبار الحقيقية كان لوجهين :

أحدهما : عدم إمكانها. وثانيهما : عدم الدليل عليها ، بخلاف العرفيّة ؛ فإنّ عدم اعتباره للثاني فقط.


فاكتفي في عدم اعتبار الحقيقية بالوجه الأوّل ؛ لعدم الحاجة إلى الثاني ، ولأنّ التمسك بعدم الدليل إنّما يحسن مع الإمكان دون ما إذا امتنع تحقّقه.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ ما يمكن أن يكون دليلا على اعتبار الدفعة هو أنّ تطهر الماء النجس بالكرّ إنّما هو إذا لقى الملاقي كرا طاهرا عند الاتحاد مع النجس ، وذلك إنّما يكون إذا وقع جميع أجزاء الطاهر على النجس في آن واحد ، بخلاف ما إذا وقع تدريجا ؛ فإنّ الجزء الملاقي أوّلا يمتزج مع النجس وينجّس ، فلا يكون الباقي كرا طاهرا ، فيشترط الدفعة.

ولا شك أنّ وقوع جميع أجزاء الماء في آن واحد إنّما يتصوّر في الدفعة الحقيقية ، فالدليل على اعتبارها لو امكنت موجودة بخلاف العرفية.

ولا يخفى أنّه يمكن القول باعتبار العرفية ، ووجود الدليل على اعتبارها وهو استصحاب نجاسة الماء النجس ، فإنّه كان نجسا ، فيقتصر في طهارته بما وقع الإجماع على كونه مطهرا وهو الوقوع دفعة.

قوله : وكذا لا تعتبر ممازجته إلى آخره.

أي : وكذا [ نبّه ] بقوله : « لاقى » على أنّه لا يعتبر في طهره به ممازجته له كما اعتبره جماعة منهم المحقّق والشهيد والعلّامة في التذكرة.

ويطهر بمجرّد الملاقاة كما اختاره العلامة في النهاية ، والمحقّق الشيخ علي ووالدي العلّامة ( طاب ثراه ) في اللوامع ، والمعتمد.

قوله : لأنّ ممازجة جميع الأجزاء لا تتّفق إلى آخره.

هذا دليل لعدم اشتراط الممازجة. وتوضيحه : أنّ مرادهم بالممازجة : إمّا ممازجة مجموع أجزاء الطاهر بمجموع أجزاء النجس ، أو بعض أجزائه بمجموع أجزائه ، أو ممازجة جميع أجزاء الطاهر أو بعضه ببعض أجزاء النجس.

والأوّلان ـ أي : ممازجة الطاهر كلأ أو بعضا مع جميع أجزاء النجس ـ محال لا تتّفق ، لأنّها موقوفة على تجزي النجس بأجزاء لا تتجزى ، ولو جاز امتنع حصول العلم به ، فلو اشترطت تلك الممازجة لزم عدم طهارة النجس ، للإجماع على أنّه ليس وراء الممازجة المذكورة شرط آخر لطهر الجميع.


والثانيان ـ أي : اعتبار ممازجته لبعض أجزاء النجس دون بعض ـ تحكّم ؛ لأنّ البعض الغير الممازج يطهر حينئذ بالاتصال ، ولا فرق بين أجزاء النجس حتّى يطهر بعضها بالاتصال ، ويتوقّف طهر بعض آخر بالامتزاج ، فالتفرقة قول بلا دليل ، فاللازم حينئذ إمّا القول بعدم طهارته ، أو القول بالاكتفاء بمجرّد الاتصال ، والأوّل باطل قطعا ، فتعيّن الثاني.

ولا يخفى أنّه يرد على هذا الدليل : أنّ للخصم أن يختار أحد الثانيين ، ولا يلزم من ترتّب حكم على الاتّصال المتحقّق في ضمن الامتزاج العرفى ترتّبه عليه بدونه أيضا لجواز مدخليّة ملاقاة أكثر الأجزاء في الحكم.

قوله : والاتّحاد مع الملاقاة حاصل.

هذا دليل آخر لعدم اشتراط الممازجة ، وتوضيحه : ما مرّ من أنّ بالملاقاة يحصل اتّحاد الماءين ، فيكون المجموع ماء واحدا كرا ، وهو صالح لدفع النجاسة ، فيكون صالحا لرفعها أيضا ، فلا يشترط أمر آخر. ويظهر ما فيه ممّا سبق.

وقد استدلّ لعدم اشتراطها بوجوه أخر أيضا.

منها : أنّ الاتّصال يستلزم الامتزاج في الجملة ، لامتناع اتصال الماءين بدون امتزاج ، فيطهر بعض النجس ، وهو لامتزاجه بما يليه يطهره ، وهكذا إلى تمام الأجزاء.

ومنها : أنّه يمتنع اختلاف حكم المتّصلين من أجزاء الكرّ والنجس لامتزاجها لا محالة ، فإما تنجس أجزاء الطاهر أو تطهر أجزاء النجس ، والأوّل باطل ، فتعيّن الثاني ، فينقل الكلام إلى ما يلي الأجزاء المطهرة ، وهكذا.

ومنها : أنّ الأجزاء المتصلة مع الكرّ من النجس بالملاقاة تطهر لطهوريّة الماء ، فيطهر ما يتصل به أيضا إلى التمام.

وفي الكلّ نظر :

أمّا الاوّل : فلمنع استلزام الاتصال للامتزاج في الجملة.

سلمنا ، ولكن لا نسلم أنّ هذا الامتزاج مطهر ، فإنّه مغاير للامتزاج الذي وقع الإجماع على كونه مطهّرا.


وأمّا الثاني : فللمعارضة بالزائد على الكرّ المتغيّر بعضه الزائد ، ومنع امتزاج المتّصلين هنا اعتراف بانفكاكه عن الاتصال ، فيحتمل في محل النزاع ، ولمنع عدم جواز اختلاف حكم الممتزجين.

وأمّا الثالث : فلمنع عموم طهوريّة الماء حتّى يشمل لنفسه أيضا.

قوله : ويشمل إطلاق الملاقاة إلى آخره.

السّر في تغيير التعبير حيث قال في بيان الإطلاقين الأوّلين : « إنّه نبّه بقوله : لاقى » وفي بيان هذا الإطلاق : إنّه يشمل إطلاق الملاقاة ، إمّا مجرّد التفنّن في الكلام أو لأنّ المفهوم من الملاقاة عرفا أن لا يكون معها الامتزاج ، فإنّه لا يسمى ملاقاة.

والوقوع الدفعي أيضا مستلزم للامتزاج ، فلا تكون الممازجة والوقوع دفعة من أفراد الملاقاة ، فلا يشملهما الملاقاة ، فقوله « لاقى » تنبيه على كفايتها ، وعدم اشتراط الممازجة والدفعة ، بخلاف الملاقاة مع المساواة ، أو علوّ المطهر ، أو النجس ؛ فإنّها من أفراد الملاقاة فيشملها إطلاقها ، فلذا عبّر أوّلا بقوله « لاقى » وثانيا بقوله : « يشمل إطلاق الملاقاة ».

وعلى هذا يجب أن يحمل الملاقاة في قول الشارح : « بل تكفي ملاقاته له مطلقا » وقوله « بل يكفي مطلق الملاقاة » على المعنى اللغويّ الصادق على الامتزاج أيضا ؛ لأنّ مراده من المطلق في الموضعين الشامل للدفعة والممتزج ، دون العرفي الذي حمل عليه كلام المصنّف ، وكذا الملاقاة المطوية في قوله الآتي : « لا يرى الاجتزاء بالإطلاق ».

وإنّما ذكر الشارح الدليل لعدم اشتراط الدفعة والامتزاج دون عدم اشتراط المساواة أو علوّ المطهّر ؛ لوقوع الاحتجاج على الأوّلين وعلى القولين المخالفين لهما في كتب القوم.

وأمّا الأخير فلم يذكروا له دليلا ، بل إنّما هو لازم من حكمهم بتقوى كلّ من الأعلى والأسفل بالآخر وعدمه ، فإنّ دليلهم غالبا على طهر النجس بملاقاة الكرّ حصول الوحدة الصالحة للدفع.

ومن لا يقول بتقوى الاعلى بالأسفل لا يقول بصلاحيّة الأسفل للدفع عن الأعلى ، فلا يصلح للرفع أيضا ، فعدم الطهر مع علوّ النجس لازم من القول بعدم تقوي الأعلى


بالأسفل. والطهر مطلقا لازم من التقوى مطلقا ، فاكتفوا في بيان الدليل على ذلك بظهور استلزام التقوّى أو عدمه للطهر المطلق أو عدمه ، ولم يصرّحوا بدليل له ، فلم يذكره الشارح أيضا.

قوله : ما لو تساوى إلى آخره.

المراد بالموصول : الملاقاة أي : ملاقاة تحصل لو تساوى سطحاهما أو اختلف.

قوله : واعتبار الأخير ظاهر.

المراد بالأخير : علوّ المطهر أو مساواته. ووجه ظهوره عدم تقوى الأعلى بالأسفل عند الشارح وبالأوّلين : الدفعة والممازجة. ووجه عدم اعتبارهما ما ذكره دليلا لعدم اشتراطهما.

قوله : إلّا مع عدم صدق الوحدة عرفا.

أي : اعتبار الدفعة والممازجة ليس بظاهر ، وتكفي الملاقاة إلّا مع القول بعدم صدق الوحدة عرفا بدون الدفعة والممازجة ؛ فإنّه يجب اعتبارهما حينئذ. أو إلّا في صورة لم تصدق الوحدة عرفا كما إذا كانت الملاقاة بانبوبة ممتدّة ضيّقة ، والأوّل أصح ؛ لعدم استلزام الثاني إلّا صدق الوحدة دون الدفعة أو الممازجة.

وقد يجعل قوله هذا استثناء عن قوله : « واعتبار الأخير ظاهر » أي : اعتبار المساواة أو علو المطهر ظاهر إلّا في صورة لا تصدق معها الوحدة عرفا فتشاركهما في عدم الظهور كما إذا كان المطهر في مرتبة من العلو لا تصدق معها وحدته مع المطهّر.

وهو غفلة ؛ لأنّه لا يلزم حينئذ عدم اعتبار المساواة أو العلو ، والكفاية بعلوّ النجس أيضا ، بل اللازم اعتبار المساواة أو العلو مع شي‌ء زائد.

قوله : والكر المعتبر.

أي : المعتبر تحقّقه ، أو بلوغ الماء إليه.

قوله : في الطهارة.

اللام للعهد الذكري. أي : طهارة الماء النجس المتغيّر الزائل بغيره.


قوله : على المشهور فيهما.

أي : في كون الرطل عراقيّا ، وفي تقديره بمائة وثلاثين درهما.

ومقابل المشهور في الأوّل قول الصدوق والسيّد أنّه مدني وهو يزيد على العراقي بنصفه فهو مائة وخمس وتسعون درهما. وفي الثاني قول بعض الفقهاء حيث قال : إنّ الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباعه.

وورد في بعض الروايات : أنّ المدّ مائتان وثمانون درهما ، وإذا ضمت معها الأخبار الدالّة على أنّ أربعة أمداد تسعة أرطال عراقيّة أنّ كلّ رطل مائة وأربعة وعشرون درهما وأربعة اتساعه. ولم أقف على قائل به.

ثمّ لكون كلّ درهم سبعة أعشار المثقال الشرعي ، وكون المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ، يكون الرطل العراقي ثمانية وستّون مثقالا صيرفيّا وربع مثقال ولكون المنّ الشاهي المتعارف الآن في بلادنا ألفا ومأتين وثمانين مثقالا صيرفيا يكون الكرّ أربعة وستّين منّا إلّا عشرين مثقالا صيرفيّا.

قوله : ما بلغ مكسره إلى آخره.

ففي ما تساوت ابعاده الثلاثة تكون كلّ بعد منه ثلاثة أشبار ونصف ؛ لأنّ الحاصل من ضرب ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف هو هذا المقدار.

ومقابل المشهور هنا هو القول القوي الذي ذكره وهو أنّه ما بلغ مكسره سبعة وعشرين الحاصل من ضرب ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار ، وهو قول القمّيين واختاره العلّامة في المختلف ووالدي العلّامة « طاب ثراه ».

وهاهنا أقوال أخر أيضا :

فقال ابن جنيد : أنّه ما بلغ نحو مائة شبر.

والقطب الراوندي : أنّه ما بلغ أبعاده عشرة ونصفا.

والشلمغاني : أنّه ما لا يتحرّك طرفاه بطرح حجر في وسطه.

واكتفى ابن طاوس بكلّ ما روى.

وفي المعتبر مال إلى ما بلغ مكسره ستّة وثلاثين ، واستوجهه في المدارك.


قوله : شبر مستو.

أي : شبر شخص مستوفي الخلقة ، فالإضافة لاميّة.

قوله : وينجس الماء القليل.

الأولى التقييد بالواقف ؛ لأنّ المصنّف لا يشترط في الجاري الكريّة. وكأنّه اكتفى بالظهور ، أو بأنّ القليل في اصطلاح الفقهاء ، وكذا الكرّ يختصّ إطلاقه على الواقف.

قوله : والبئر.

أي : ماءها ، فأطلق البئر واريد الماء من باب تسمية الحالّ باسم المحلّ وعلى هذا يكون في الضمير المرفوع استخدام حيث اريد من المرجع الحقيقة ، ويمكن أن يكون المجاز مجاز الحذف. ثمّ تذكير الضمير مع تأنيث المعنى باعتبار وقوعه بين شيئين أحدهما الآخر.

قوله : وهو مجمع ماء نابع من الارض إلى آخره.

فخرج بقيد « النابع » غيره ، كمجمع ماء المطر ، وقوله : « من الأرض » إمّا متعلّق بالمجمع أي : مجمع من الأرض ، فيكون لخروج مثل الحب ، أو بالنابع ويكون المراد بالأرض حينئذ جوفها ، فيكون لإخراج مجمع الماء النابع من منبع بفوارة ومثلها.

وخرج بقوله : « لا يتعداها » ما يجمع فيه الماء وتجري إلى الأرض ؛ فإنّه ليس ببئر. ودخل بقوله : « غالبا » الآبار التي قد يكثر فيها الماء ويتعدّى منها نادرا ، فإنّها لا تخرج عن كونها آبارا وبقيد الأخير خرج مثل الوهدات التي ينبع منها الماء ولا يتعدّاها غالبا.

ولا يخفى أنّ هذا التعريف لبئر ليس حدّه اللغوى ولا الشرعي ؛ لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة لها ، بل هو معناها باصطلاح المتشرّعة أو العرف العام.

ولا شك أنّ البئر في الاصطلاحين كما يطلق على ما ذكر يطلق على غيره أيضا كالآبار التى ليس فيها ماء أصلا ، والآبار التي يتعدّى منها الماء دائما كآبار القناة وأمثالها ، ولكن ثبت من الشارع أحكام خاصّة لبعض الآبار ، فالمعروف هنا هي الآبار التي هي متعلقات تلك الأحكام من النجاسة بالملاقاة ، ووجوب النزح أو استحبابه.

وهذا التعريف اصطلاح خاصّ للمتشرّعة في هذا المقام ، ومرادهم بالبئر هنا : ما ثبت


له الأحكام المخصوصة. وعلى هذا فصحّة التعريف وفساده منوط بكون المعرف متعلّق جميع الأحكام وعدمه ، وحينئذ فيرد على هذا التعريف امور :

منها : أنّه يصدق على مجمع ماء نابع من مكان اخر مجتمع فيه ، مع أنّه ليس هذا البئر المقصود ؛ ولذا زاد بعضهم في التعريف قوله : « منه » بعد « النابع » ، فقال : « مجمع ماء نابع منه ».

ويمكن توجيه التعريف أيضا بحيث لا يصدق على ما ذكر : بأنّ يرجع الضمير المنصوب في قوله : « يتعدّاها » إلى الأرض ، فيكون المعنى : مجمع ماء نابع من الأرض لا يتعدّى ذلك الأرض ، فيلزم منه أن يكون المجمع هو تلك الأرض المنبع.

ومنها : أنّه يصدق على مجمع الماء النابع المتعدّي عنه بالفعل ، وإن كان على سبيل الندرة ، مع أنّه لا ينجس بالملاقاة ؛ ولذا قد يبدّل قوله : « غالبا » بقولهم : « بالفعل » أي : غير متعدّ بالفعل ، فلو كان متعدّيا بالفعل ولو نادرا لا يكون بئرا.

ومنها : أنّه يصدق على مجمع ماء نابع منه منقطع عن المادّة ؛ ولأجل ذلك قد يزاد قولهم : « مع وجود المادّة ».

ومنها : أنّه يخرج ما لا يكون متعدّيا بالفعل ولو تعدّى غالبا ، مع أنّ أحكام البئر ثابتة له.

وقد يورد على هذا التعريف بلزوم الدور ؛ لأجل قوله : « ولا يخرج عن مسمّاها عرفا » وبالتحقيق الذي ذكرناه يظهر دفعه ، فإنّ المعرّف هو البئر باصطلاح خاصّ للمتشرّعة ، والمأخوذ في التعريف هو المسمّى في العرف العام.

ثمّ لا يخفى أنّ الضمير المنصوب في قوله « يتعدّاها » إمّا راجع إلى البئر ، أو إلى المجمع باعتبار البئر ، أو إلى الأرض كما مر ، والمرفوع في « يخرج » راجع إلى المجمع ، والمجرور في « مسماها » إلى البئر.

قوله : على المشهور فيهما.

أي فى الماء القليل والبئر والمقابل للمشهور في الأوّل قول ابن أبي عقيل وبعض المتأخّرين وهو عدم النجاسة بالملاقاة مطلقا. وقول الشيخ في المبسوط وهو عدم


النجاسة بملاقاة ما لا يدركه الطرف من النجاسة مطلقا ، وفي الاستبصار : وهو عدمها بملاقاة ما لا يدركه من الدم خاصّة ، ويشعر به كلام النافع أيضا. وقول السيّد في الناصريّات ، والحلّي وبعض المتأخّرين. وهو الحق عندي ، وهو عدم النجاسة فيما إذا كانت الملاقاة بورود الماء على النجاسة ، والنجاسة فيما إذا كانت بالعكس ، واستوجهه في المدارك ، واستحسنه في الذخيرة.

والمقابل للمشهور في الثاني قول ابن أبي عقيل وابن الغضائري من المتقدّمين وأكثر المتأخّرين ، وهو عدم التنجس بالملاقاة وكونها في حكم الجاري ، وجعل أحد قولي الشيخ أيضا ، وقول البصروي وهو عدم تنجسها إذا كانت كرّا والتنجّس بدونه ، وقول الجعفى وهو عدم التنجس إذا بلغ ماؤها ذراعين في كلّ من الأبعاد والتنجس بدونه.

قوله : على الوجه السابق.

المراد بالوجه السابق : ما ذكره الشارح بقوله : « ونبّه بقوله لاقى » إلى آخره.

والحاصل أنّه يطهر القليل بملاقاته الكرّ مطلقا سواء وقع عليه دفعة أم لا ، وسواء امتزجا أم لا ، وسواء تساوى سطحاهما أو اختلف مع علوّ الكرّ وعدمه. هذا في ملاقاة الكرّ ، وأمّا التطهير بالملاقاة بالجاري فليس على الوجه السابق ، بل يشترط فيه التساوي أو علوّ الجاري كما يصرّح به بقوله : « وكذا يطهّر الجاري بالملاقاة مساويا له ، أو عاليا عليه ».

قوله : مساويا له ، أو عاليا عليه.

لا يخفى أنّه لا وجه للتفرقة بين الكرّ والجاري في عدم اشتراط المساواة أو العلو في الأوّل ، واشتراط أحدهما في الثاني ، فتأمّل.

قوله : بمقالته فيه.

أي : في الماء الجاري من عدم اشتراط الكرّية فيه.

قوله : وبوقوع الغيث إجماعا.

أي : إجماعا في الطهر بوقوع الغيث في الجملة ، فلا ينافيه الخلاف في اشتراط التقاطر وعدمه ، والامتزاج وعدمه ، وغير ذلك.


قوله : بمطهّر غيره مطلقا.

إمّا قيد للبئر ، أي : يطهر البئر مطلقا سواء نجست بنجاسة لا نصّ فيها ، أو بأحد النجاسات المنصوصة بالنزح فيه. أو للمطهّر أي : يطهر بمطلق المطهّر لغيره من الاتّصال بالجاري أو الكرّ أو المطر ، اتّصالا دفعيّا أو تدريجيّا مع الامتزاج أو بدونه ، مع المساواة أو علوّ المطهر أو دنوّه

وحينئذ يكون الإطلاق ردّا على المحقّق في المعتبر حيث قال : إذا جرى إليها الماء المتّصل بالجاري لم يطهر. وعلى العلّامة في المنتهى حيث خصّ الجاري بالذكر ، وعلى المصنّف في الدروس حيث اشتراط الامتزاج.

لا يقال : إنّ من مطهرات ماء الجاري ـ كما مر ـ زوال التغيّر ، مع أنّه لا يقول المصنّف بطهر البئر به ، فلا يطهر بمطهّر غيره مطلقا.

لأنا نقول : إنّ مطهّر الجاري ليس زوال التغيّر حقيقة ، بل طهره لأجل اتّصال القدر المتغيّر بغيره من الجاري ، وإنّما يمنع التغيّر من طهره ، فإذا زال يطهر بسبب الاتصال ، لا بالزوال ، ولكنّه لأجل حصول الطهارة بمحض زواله لأجل ارتفاع المانع ووجود المقتضي نسب التطهير إليه ، فالمطهّر حقيقة هو الاتّصال بالجاري ، والبئر أيضا يطهر به.

ولا يرد أيضا تطهير بعض الأشياء بالشمس والنار وغيرهما ، لأنّ المراد غيره من المياه.

ويمكن أن يكون قوله : « مطلقا » قيدا لقوله : « غيره » أي : ويطهر بمطهّر غيره من الجاري والقليل والكثير. هذا ثمّ إنّ قوله : « غيره » إمّا يكون مضافا إليه لقوله : « بمطهّر » أو يكون وصفا له ؛ ليكون تنبيها على أنّ البئر ليس كالجاري ، فلا يطهر لأجل الاتصال بالمادة.

قوله : وهو من الإبل.

أي : البعير من الإبل بمنزلة الانسان من الناس كما في الصحاح.

والتوضيح : أنّ الناس اسم للجمع ، فلا يطلق على الواحد ، وكذلك الإبل اسم للجمع كما صرّح به في الصحاح ، والبعير والانسان مفردان يطلقان على الواحد مطلقا : ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا. ولفظة « من » في الموضعين للتبعيض.


قوله : والمراد من نجاسته المستندة إلى موته.

المستندة صفة لموصوف محذوف ، هو خبر لقوله : « والمراد ». أي المراد من نجاسة البعير الموجبة لنزح الجميع المفهومة من قوله : « ويطهر بنزح جميعه للبعير » نجاسته المستندة إلى موت البعير لا مطلق نجاسته ، ولو بسبب عارض ، فإنّ حكمه حينئذ حكم هذه النجاسة.

قوله : والأولى اعتبار إطلاق إلى آخره.

يعني : أنّ الأولى اعتبار إطلاق اسم الثور في العرف في الحكم بوجوب نزح الجميع مع كونه ذكرا ، فلا يكتفى فيه بمجرّد ما قيل من المعنى اللغوي من الحكم بوجوب نزح الجميع لذكر البقر مطلقا صغيرا كان أو كبيرا ، ولا بمجرّد الإطلاق العرفي حتّى يحكم به للبقر الكبير مطلقا ذكرا كان أم انثى ، فيحكم بوجوب نزح الجميع للذكر من البقر الكبير.

وإنّما قلنا : إنّ المعنى العرفي هو الكبير من البقر مطلقا لتصريحهم بأنّه لا يطلق على الصغير ، واستشهدوا له بقول بعضهم أنّه مأخوذ من إثارة الأرض ، ولقول الشارح : « مع ذلك » ؛ فإنّه لو لا إطلاقه على الانثى عرفا لما كان معنى لقوله : « مع ذلك » كما لا يخفى.

ثمّ لا يخفى أنّه يرد على الشارح أوّلا : أنّه إذا وجد للّفظ حقيقتان : لغويّة وعرفية ، فاختلفوا فيه إذا وجد في كلام الشارع مطلقا ، فمنهم من قدّم اللغويّة وحمله فيه على المعنى اللغوي ، ومنهم من قدّم العرفيّة وحمله على العرفي ، وليس قول آخر ، فعلى الأوّل يجب اعتبار إطلاق الاسم لغة ، وعلى الثاني اعتباره عرفا. وما ذكره الشارح يوجب طرح المعنيين ؛ لعدم شمول الحكم لانثى البقر كما هو مقتضى العرف ، ولا لصغيره كما هو مقتضى اللغة ، فهو خروج عن المعنيين.

والحاصل : أنّه يلزم عدم حمل اللّفظ على شي‌ء من حقائقه ، ولم يقل به أحد.

وثانيا : أنّه لو سلّمنا أنّ ما ذكره إنّما هو مقتضى تقديم الحقيقة العرفيّة ، فلا وجه لجعله أولى ؛ لأنّ من قال بتقديم العرفيّة يحكم بلزومه ، دون أولويّته.

ويمكن دفع الإيراد الأوّل : بجعل المشار إليه لقوله : « ذلك » مجموع قوله : « قيل : هو ذكر البقر » لا اعتبار الذكوريّة فقط ، فيكون المعنى : والأولى اعتبار الإطلاق العرفي مع


وجود ذلك القول أي مع أنّه قيل إنّ الثور ذكر البقر الأولى عدم الالتفات إليه واعتبار الإطلاق العرفي إمّا لأجل ما تقدّم من تقديم الحقيقة العرفية ، أو لأجل عدم ثبوت اللغة بمحض قول واحد.

ويمكن دفع الإيرادين معا : بحمل المعيّة في قوله : « مع ذلك » بالمعيّة في مجرّد الاعتبار بمعنى : أولويّة اعتبار كلّ منهما ، لا اعتبار المعنيين مجتمعين ، فيكون المعنى : والأولى اعتبار الإطلاق العرفي أيضا ، مع اعتبار الإطلاق اللغوي ، فيحكم بوجوب النزح لذكر البقر مطلقا صغيرا كان او كبيرا كما هو مقتضى المعنى اللغوي ، وبوجوبه لكبير البقر مطلقا ذكرا كان أم انثى ، كما هو مقتضى المعنى العرفي ، ويكون الأولويّة حينئذ لأجل حصول الاحتياط المستحب شرعا.

قوله : قليله وكثيره.

ردّ لما نقل عن الصدوق في المقنع أنّه فرّق بين قليله وكثيره ، فحكم بوجوب عشرين دلوا بوقوع قطرة منه. ويفهم من ظاهر المعتبر الميل إليه أيضا.

ومن هذا يظهر وجه إفراد المصنّف الخمر عن المسكر مع كونه مسكرا أيضا ، فانّ مراده من المسكر وإن كان جنسه ولو مع كثرة فيصدق على القليل أيضا من المسكرات ، إلّا أنّ اللفظ ظاهر فيما يسكر بالفعل ، فتوهّم منه خروج القليل من الخمر ، لعدم كونه مسكرا.

ويمكن أن يكون إفراده اهتماما بشأن الخمر في هذا المقام من حيث ... فيه ، وكيف كان فعطف المسكر على الخمر من باب عطف العام على الخاص.

قوله : المائع بالأصالة.

التقييد بـ « المائع » لخروج مثل الحشيشة ؛ فإنّه ليس بنجس ، فلا نزح فيه ، وبقوله :

« بالأصالة » لخروج الحشيشة المدافة والخمر الجامد. (١)

قوله : ودم الحدث.

الإضافة إمّا بيانيّة بناء على أنّ الحدث له إطلاقان : أحدهما : ما مرّ وهو الأثر المتقدم ، وثانيهما : ما يوجب حصول الأثر كما يقال للريح : إنّه حدث ، وكذا البول ، وإمّا يكون بمعنى

__________________

(١) ودخول الخمر الجامد. ظ


« اللام » أي الإضافة المفهمة للاختصاص كما يقال : دم الحيض. وحينئذ يكون المراد بالحدث : هو الأثر السابق ذكره. والمراد بالدماء الثلاثة : الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس.

وقوله : « على المشهور » متعلّق بقوله : « بنزح » أي : بنزح الجميع لدم الحدث على المشهور. ويكون إشارة إلى خلاف المفيد حيث أطلق القول بأنّ للدم الكثير عشرة ، والقليل خمس ، ولم يفرق. وكذا السيّد المرتضى وابنا بابويه وإن خالفوه في المقدّر ومال إليه المحقّق أيضا. ويمكن أن يكون المشهور للإشارة إلى أنّ هذا القول لا دليل عليه من غير التفات إلى الخلاف.

قوله : وهو بعيد.

أي : إلحاق المصنّف العصير بالخمر بعيد ، لعدم الدليل عليه.

لا يقال : غاية ما يلزم من عدم الدليل هو كونه ممّا لا نصّ فيه على تقدير القول بالنجاسة ، ولا بعد في إلحاق ما لا نصّ فيه بالخمر في وجوب نزح الجميع ، فإنّه ممّا قال به جماعة كثيرة ، واستدلّوا عليه بأدلّة متينة ، ولا بعد في القول بنجاسة العصير أيضا ؛ فإنّه ممّا قد ينسب إلى المشهور.

لأنّا نقول : ليس الاستبعاد الذي ذكره فيما يلزم من الالحاق من الحكم بوجوب نزح الجميع ، بل الاستبعاد في نفس الإلحاق ، فإنّ الحكم بوجوب نزح الجميع في العصير تارة يكون لأجل كونه ممّا لا نصّ فيه ، وهذا لا بعد فيه ، واخرى لأجل حكم الشارع بنزح الجميع في الخمر وكونه ملحقا به ، وهذا هو البعيد عن الطريقة الإماميّة ؛ لكونه قياسا منهيّا عنه.

وحكم المصنّف في الذكرى للسبب الثاني حيث قال : « والأولى دخول العصير بعد الاشتداد في حكم الخمر لشبهه به إن قلنا بنجاسته » انتهى. فالبعد إنّما هو في مجرّد الإلحاق وإجراء الحكم لأجل المشابهة ، لا لأجل الحكم بوجوب نزح الجميع.

قوله : والمشهور فيه ذلك.

أي المشهور في المني وجوب نزح الجميع. والمراد بالمختصرين : الدروس والبيان ؛ لكونهما مختصرين بالنسبة إلى الذكرى ، واقتصر المصنّف فيهما على مجرّد الفتوى من غير ذكر دليل.


قوله : ولعلّه السبب فى تركه هنا.

أي : لعلّ عدم النصّ أو اعترافه بعدم النصّ هو السبب في ترك المني هنا ، ولفظة « في » بمعنى « اللام » كما في قوله تعالى : ( لُمْتُنَّنِي فِيهِ ). (١)

قوله : لكن دم الحدث كذلك.

استدراك لما يستفاد من لفظ السبب ؛ فإنّه ما يلزم من وجوده الوجود ، فيلزم من وجود عدم النصّ ترك الذكر هنا ، ويستفاد منه أنّ كلّ ما لم يكن فيه نصّ لا يكون مذكورا هنا ، فاستدرك أنّه ليس كذلك ، بل دم الحدث أيضا ليس فيه نصّ ، مع أنّه مذكور ، أو استدراك عما يستفاد من قوله : « ولعلّه السبب » ؛ فإنّه استفيد منه أنّه لا اعتراض على المصنّف في تركه المني ، فاستدركه بأنّ الاعتراض وارد عليه حينئذ أيضا ، ولو من وجه آخر.

قوله : فلا وجه لإفراده.

أي : إفراد المني بعدم الذكر من بين النجاسات الغير المنصوصة ، أو إفراد دم الحدث بالذكر من بينها ، أو إفراد كلّ منهما بوصفه من الذكر والترك ، بل كان اللازم تشريكهما في الترك والذكر ، والثاني أنسب بقوله : « وإيجاب الجميع » إلى آخره كما لا يخفى ، وهكذا بقوله : « ويشملهما » كما سيظهر وجهه.

ويرد على الاحتمال الأوّل : أنّ المني ليس منفردا بالترك من بين النجاسات الغير المنصوصة ، بل ترك كثيرا منها كبول الرضيع والخنزير وغيرهما.

وعلى الثاني : أنّ دم الحدث ليس منفردا بالذكر من بينها ، بل ذكر غيره أيضا كذرق الدجاج ، واعترف الشارح فيما يأتي بعدم النصّ عليه.

وعلى الثالث : الأمران معا.

فإن قيل : إنّه يمكن الذب عن الأوّل بأنّ مراده أنّه لا وجه لإفراد المني بالترك لأجل السبب المذكور.

قلنا : لعلّ السبب في ترك ما ترك ممّا لا نصّ فيه أيضا هو ذلك ، بل نصّ الشارح به في بول الرضيع.

__________________

(١) يوسف (١٢) : ٣٢.


ويمكن دفع الإيرادات على جميع الاحتمالات : بأنّ مراده بالإفراد ليس الإفراد المطلق ، بل الإفراد عن الآخر أي : إفراد المني عن دم الحدث أو الدم عن المني والمعنى أنّه لو كان السبب ما ذكر لما كان وجه لإفراد المني عن دم الحدث في الترك ، أو الدم عن المني في الذكر ، بل كان اللازم ذكرهما معا.

ويمكن أن يقال أيضا : إن المراد : أنّه لا وجه لإفراد المني مع ما يماثله في فقد النصّ بالترك أو إفراد الدم مع ما يشابهه بالذكر.

قوله : وإيجاب الجميع لما لا نصّ فيه يشملهما.

فاعل الإيجاب إمّا هو الشارع أو المصنف. والمراد : أنّه لا وجه لإفراد دم الحدث بالذكر ، والوجه الذي يقتضي ذكره ، وهو إيجاب الشارع أو قول المصنّف بوجوب الجميع لما لا نصّ فيه يشمل المني والدم معا ، فلو كان هو المقتضي لذكر الدم لأوجب ذكر المنى أيضا. أو لا وجه لإفراد المني عن الدم ، والوجه الذي يقتضي ذكر الدم يشملهما ، والمراد بشمول الإيجاب لهما : أي يتحقّق فيهما ، أو الدليل الذي هو الإيجاب يشملهما.

ولا يخفى أنّهم ذكروا لوجوب نزح الجميع لدم الحدث وجوها أخر أيضا كغلظة نجاسته أيضا بالنسبة إلى سائر الدماء ؛ ولذا يعفى عنه ما لا يعفى عنه ، ويحكم بعدم صحّة الطهارة عن سؤر الحائض الغير المأمونة ، فيلزم أن يكون المقدّر له في النزح أكثر من سائر الدماء ، وبضميمة الإجماع المركّب يحكم بوجوب نزح الجميع له وغير ذلك. وعلى هذا فيمكن أن يكون سبب ذكر الدم أحد هذه الوجوه ، أو ثبت عند المصنّف فيه إجماع بسيط أو شهرة قويّة وعلى هذا فيحصل لإفراده بالذكر وجه ، وكذا في سائر ما ذكره ممّا لا نصّ فيه.

قوله : والظاهر هنا حصر المنصوص بالخصوص

قوله : « بالخصوص » إمّا متعلّق بالحصر أو بالمنصوص. فعلى الأوّل يكون المعنى : والظاهر هنا حصر خصوص المنصوص بوجوب النزح له ، وتقدير المنزوح. وعلى الثاني : يكون المعنى : والظاهر هنا حصر المنصوص بخصوصه فلا يذكر ما يستنبط من قاعدة كلّية منصوصة.


وعلى التقديرين إمّا تكون هذه الجملة معطوفة على جملة قوله : « دم الحدث كذلك » أو جملة قوله : « وإيجاب الجميع » إلى آخره. فعلى الأوّل يكون اعتراضا ثانيا على المصنّف والمعنى : ولكن يرد على المصنّف أوّلا : أنّ دم الحدث أيضا كالمني في عدم النص فلا وجه لذكره ، والمقتضي له شامل لهما.

وثانيا : أنّ ظاهر المصنّف في باب النزح من هذا الكتاب حيث اقتصر على ذكر المنصوصات إلّا نادرا ؛ أنّه يريد حصر المنصوص بالخصوص ، وليس دم الحدث كذلك ، فلا وجه لذكره.

وعلى الثاني يكون جوابا لسؤال مقدّر يدفع به ما ذكرناه أيضا في توجيه إفراد المصنّف لدم الحدث في الذكر. وتقديره : أنّه يجوز أن يكون إفراد الدم بالذكر لا لكونه منصوصا ولا لإيجاب الجميع لما لا نصّ فيه ، بل استنبط وجوب نزح الجميع له من قاعدة كلّية منصوصة كغلظة النجاسة بضميمة الإجماع المركّب ، أو غير ذلك ، ولم يكن حكم المني مستنبطا من شي‌ء.

والجواب : أنّ الظاهر من المصنّف هنا أنّه يذكر المنصوص بالخصوص ، فلا يذكر ما يستنبط من عموم القواعد ، وحاصل معنى الكلام حينئذ : أنّه لا وجه لإفراد الدم بالذكر ، ومقتضى إفراده أحد الأمرين : إمّا إيجاب الجميع لما لا نصّ فيه ، ودم الحدث لا نصّ فيه ، أو استنباط حكمه من قاعدة غير مطّردة في المني ، وشي‌ء منهما لا يصلح علّة للإفراد. أمّا الأوّل ؛ فلشموله لهما. وأمّا الثاني ؛ فلأنّ الظاهر من المصنّف أنّه لا يحصر غير المنصوص بالخصوص.

قوله : وهي الفرس.

أي : المراد منها هنا : هو الفرس مجازا بقرينة ذكر الحمار والبقرة بعدها لا أنّه معناها مطلقا ، أو هي الفرس مطلقا كما ذكر بعضهم حيث قال : إنّها مختصّة بالفرس.

قوله : في كتبه الثلاثة.

الدروس ، والبيان ، والذكرى.


قوله : هذا هو المشهور.

أي : نزح الكر للدابّة والحمار والبقرة كما هنا ، أولها وللبغل ، كما في الكتب الثلاثة.

ومقابل المشهور ما قاله المحقّق في المعتبر حيث طالب من ألحق الفرس والبقر بالحمار بالدليل ، ثمّ قال : « فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لا يتناوله نصّ على الخصوص ».

قوله : مع ضعف طريقه.

أي : طريق النصّ.

ووجه ضعفه : أن فيه عمرو بن سعيد ، وهو ابن هلال المجهول ، دون المدائني الثقة ؛ لأنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، والراوي هنا روى عن الباقر عليه‌السلام.

فما ذكره العلّامة من أنّ الطريق ليس بضعيف ؛ لأنّه المدائني سهو. وفي بعض النسخ عمرو بن هلال بالواو أو بدونها ، وهو أيضا لا يفيد ؛ لكون عمرو بن هلال أيضا مجهولا سواء كان بالواو ، أو بدونها. ثمّ لا يخفى أنّ الرواية المتضمنة لحكم الحمار والبقر هي رواية ابن سعيد ، وهي مذكورة في الاستبصار وفي التهذيب مرّتين ، ولا تشمل المذكورة في الاستبصار على البغل ولا المذكورة في التهذيب في المرّة الاولى ، ولا المذكورة فيه في المرّة الثانية في جميع النسخ ، بل يوجد في بعض نسخه.

والمحقّق أيضا صرّح بكون البغل مذكورا فيها.

قوله : فيبقى إلحاق الدابّة والبقرة إلى آخره.

لفظة « أولى » حال عن الإلحاق والمجرور متعلّق به أيضا.

ولا يخفى أنّ الشارح في هذه المقالة اقتفى أثر المحقّق حيث قال : « فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نصّ على الخصوص » انتهى. وهذا لا وجه له لأنّه صرّح بحكم الدابّة في صحيحتي الفضلاء الثلاثة والبقباق (١) وفيها : في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والطير فيموت. قال : « يخرج ، ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ اشرب وتوضّأ ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.


ومراد الشارح من الدابّة إن كان مسمّاها ، فالنصّ عليه واضح ، وإن كان هو الفرس فيشملها الصحيحتان أيضا. أمّا إن كان المراد من الدابّة في الحديث المعنى اللغوي ؛ فظاهر. وأمّا إن كان العرفى ؛ فلأنّه إمّا ما يركب عادة ، أو ذات القوائم الأربع ، أو الفرس خاصّة. وعلى التقادير يشمل الفرس ، بل قد يقال بتحقّق النصّ في البقرة أيضا حيث ورد في صحيحة عبد الله بن سنان (١) ثور أو نحوه ، والبقرة نحو الثور وأيضا ورد في رواية زرارة الميّت ، (٢) وهو يشمل البقرة.

قوله : معتادة على تلك البئر.

متعلّق بالكون المحذوف أي المعتادة كونها على تلك البئر. واحترز بهذا القيد عن المعتاد للآبار المتعارفة كما قيل. ثمّ المراد بالمعتادة على تلك البئر المعتادة بحسب المتعارف دون المعتادة بحسب عادة أهل تلك البئر أو المعتادة في زمان خاص لخصوص تلك البئر كما قد يظن.

وقد يراد بالمعتادة المعتادة تسميتها دلوا ، ولا يتفاوت الآبار ، وليس ببعيد.

قوله : فإن اختلفت.

أي : اختلفت دلو تلك البئر ، بأن كانت لها دلاء متعدّدة كائنة عليها ، فالأغلب نزحا ، أو بأن كانت لها في كلّ وقت دلو خاص ، فالأغلب زمانا ، أو اختلفت العادة بأن تكون عادة زمان نوع خاص ، أو عادة أهل ، وعادة زمان ، أو أهل آخر ، نوع آخر.

وفي بعض النسخ « فإن اختلف » بدون التأنيث. والمعنى : وإن اختلف الاعتبار

ثمّ لو لم تكن غلبة وتساوت الدلاء نزحا أو زمانا فالتخيير ، وإنّما تركه لوضوحه.

قوله : والمسلم والكافر.

عطف المسلم بالواو ، دون الصغير ؛ لأنّ كلا من الذكر والأنثى يكون صغيرا وكبيرا ، ولكن ليس كلّ صغير وكبير مسلما وكافرا. أمّا إذا لم نقل بتبعيّة الصغير في الإسلام والكفر ـ وإن قلنا بالتبعيّة في الأحكام ـ فظاهر. وأمّا إن قلنا به ؛ فلأنّ من الصغار من لا يعرف متبوعه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٧٩.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٧٩.


قوله : إن لم نوجب الجميع إلى آخره.

متعلّق بقوله : « سواء في ذلك ». أي : مساواة المسلم والكافر إنّما هو إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه. وأمّا إذا قلنا به فيختصّ نزح السبعين بالمسلم ، ويجب نزح الجميع للكافر.

لا يقال : لا يخلو إمّا أن لا يكون لفظ الانسان في النص المبيّن لحكمه شاملا للكافر كما قاله ابن ادريس متمسّكا بالإجماع ومستشهدا بما ورد في حكم ارتماس الجنب في البئر حيث اختصّ بالمسلم ؛ وقاله أيضا بعض آخر محتجّا : بأنّ الانسان في النص مطلق ، فينصرف إلى الفرد الكامل الذي هو المسلم أو يكون شاملا للكافر أيضا كما يستفاد من قول الشارح.

فعلى الأوّل لا تأثير للقول بوجوب الجميع لما لا نصّ فيه ، أو عدمه ، في تسوية المسلم والكافر هنا في الحكم ، أو اختصاصه بالمسلم ، بل يكون الكافر كسائر النجاسات بالنسبة إلى الانسان ، فكما لا يؤثّر اختلاف القولين في تسوية المسلم والكلب ـ مثلا ـ لا يؤثّر في تسوية المسلم والكافر أيضا.

وعلى الثاني ، فيكون الكافر منصوصا فيه ، فلا معنى لتأثير اختلاف القول فيما لا نصّ فيه في حكمه من مساواته للمسلم أو اختصاصه ، وأيضا يجب الحكم بالتسوية حينئذ لا محالة.

لأنّا نقول : نختار أوّلا الاوّل ، فيكون الكافر مما لا نصّ فيه ويختصّ النصّ بالمسلم ، فإذا قلنا بوجوب نزح الجميع لما لا نصّ فيه فيختصّ الكافر بالجميع والمسلم بالسبعين ولا يكون هناك دليل على التسوية. وأمّا إذا قلنا بوجوب الثلاثين أو الأربعين لما لا نصّ فيه فحينئذ يلحق الكافر بالمسلم في وجوب السبعين من باب الأولويّة ، فإنّه لو لم نقل بوجوب السبعين أيضا للكافر يلزم كون نجاسته أخف من نجاسة المسلم ، وهو باطل ، فثبت له السبعون أيضا بطريق أولى ، فيختصّ الحكم بالمسلم مع إيجاب الجميع للكافر الذي لا نصّ فيه ، ويتساوى الكافر والمسلم مع عدمه.


ونختار ثانيا الثاني ، فيكون الكافر أيضا منصوصا فيه ، ولكن النصّ يكون مختصّا بنجاسته المستندة إلى موته ، فإن قيد الحيثيّة معتبرة في جميع موجبات النزح ، فمعنى وجوب نزح السبعين لموت الانسان أنّ نجاسة موته يقتضي ذلك ، فالمنصوص فيه إنّما هو نجاسة موت الكافر دون نجاسة كفره ، ويدلّ عموم الانسان على تساوي المسلم والكافر في الاكتفاء لنجاسة موتهما بنزح السبعين وأمّا إذا انضمّت إلى ذلك جهة اخرى للنجاسة كالكفر ونحوه لم يكن للّفظ دلالة على الكفاية. ألا ترى أنّه إن كان بدن الانسان متنجّسا بشي‌ء من النجاسات وكانت العين غير موجودة لم يكف نزح المقدّر للأمرين؟

وبالجملة فالكفر أمر عرضيّ للانسان كملاقاة النجاسة ، فكما أنّ العموم غير متناول لنجاسة الملاقاة فكذا لا يتناول نجاسة الكفر.

وبهذا صرّح والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في بعض حواشيه قال :

لا يخفى أنّ المستفاد من النص النزح لنجاسة موت الانسان من حيث هو انسان ميّت وأمّا سائر النجاسات الملاقية للانسان كالمني والبول وغير ذلك ، فلا يظهر منه ، كيف؟ ولو كان الانسان في النص عاما بحيث يشمل جميع ما يصدق عليه الانسان مع أي نجاسة كان لوجب نزح السبعين للانسان الميّت إذا كان مصاحبا لجميع النجاسات فقيد الحيثيّة معتبر. والمراد : أنّه يجب نزح سبعين بموت الانسان من حيث إنّه ميّت ، لا من حيث إنّه كافر أو جنب أو ملاق للمني أيضا. فإنّ الحكم المعلّق على طبيعة يفهم منه عرفا أنّه حكم تلك الطبيعة من حيث هي أينما وجدت ، ولا يفهم كونه حكما لطبيعة اخرى مغايرة لها ، ولا ريب في أنّ نجاسة الكفر ونجاسة الموت طبيعتان متغايرتان ، فكيف يجعل حكم أحدهما حكم الاخرى ، مع أنّه لو صرّح بأنّ حكم نجاسة الكفر نزح الجميع لم يعدّ الحكمان متنافيين. انتهى كلامه رفع مقامه.

وعلى هذا فيكون نجاسة الكفر ممّا لا نصّ فيه ، فإن أوجبنا له الجميع يختصّ نزح السبعين بالمسلم ؛ لأنّ في الكافر يجب نزح الجميع لنجاسة كفره ، ولا يبقى شي‌ء حتى ينزح سبعون لنجاسة موته ، فلا يكون لنجاسة موته نزح ، بخلاف إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه ، بل قلنا بأنّ الواجب فيه نزح الثلاثين أو الأربعين فيشترك الكافر والمسلم في


وجوب نزح السبعين لنجاسة موته ، فإنّه ينزح سبعون حينئذ لنجاسة موته وإن نزح ثلاثون أو أربعون لنجاسة كفره أيضا. ولا يوجب ذلك عدم تساويهما ، لأنّ مراد الشارح تساويهما في حكم النجاسة المستندة إلى الموت ، ولا ينافي ذلك اختصاص الكافر بحكم آخر أيضا ، وهو وجوب نزح الثلاثين أو الاربعين لنجاسة كفره كما أنّه يقال بتساوي جميع المسلمين في الحكم مع أنّه ينزح للمسلم النجس بملاقاة البول مقدّر البول أيضا.

ومن هذا ظهر ضعف ما قيل من أنّ قول الشارح إن لم نوجب الجميع لما لا نصّ فيه مقيّد بالقول بالتداخل ؛ فإنّه لو لم نقل به لم يتساو المسلم والكافر في الحكم.

ثمّ لا يخفى أنّ الظاهر أنّ مراد الشارح من نجاسة الكافر المستندة إلى موته هو إذا مات في البئر بأن وقع فيها حيّا ثمّ مات ، أو مات في الخارج ووقع في البئر وقلنا بصدق الكافر عليه حينئذ أيضا وبقاء نجاسته الكفرية أيضا ، فإنّه يكون الكافر حينئذ مطلقا ، أو من حيث نجاسته الكفريّة مما لا نصّ فيه.

وأمّا إذا مات ووقع وقلنا بمساواته مع المسلم حينئذ فلا يكون ممّا لا نصّ فيه إلّا على القول بأنّ لفظ الانسان لا يشمل الكافر كما تقدّم.

قوله : في نفسه عادة.

المجرور متعلّق بالكثير. والمراد : أنّه يلاحظ الكثرة والقلّة بالنسبة إلى نفس الدم بحسب العرف والعادة فإن حكم في العادة بكونه كثيرا يكون حكمه حكم الكثير ، وإلّا فحكم القليل.

وهذا ردّ على القطب الراوندي حيث ذهب إلى أنّ الاعتبار في الكثرة والقلّة بماء البئر في الغزارة والبرازة ، فربما كان دم كثير بالنسبة إلى بئر قليلا بالنسبة إلى آخر.

وقد نقل العلّامة الرازي عن العلّامة الحلّي أيضا ما يوافقه.

ثمّ إنّ ما حكم به المصنّف من نزح الخمسين للدم الكثير هو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط. وحكم الشيخ المفيد بنزح العشرة للكثير من الدم. والصدوق بنزح ثلاثين إلى أربعين. والسيّد المرتضى في المصباح بنزح ما بين الدلو الواحدة إلى العشرين في الدم مطلقا.


قوله : غير الدماء الثلاثة.

استثناء عن الموصوف ، أو عن مجموع الصفة والموصوف.

ولا يرد على الأوّل أنّه يستفاد حينئذ أنّ الخمسين لمطلق الدم وليس كذلك. ولا على الثاني أنّه يستفاد حينئذ لزوم اعتبار الكثرة في استثناء الثلاثة وليس كذلك فإنّ حكمها غير مقيّد بالكثرة.

لأنّ المعنى على الأوّل : وخمسين للدم الذي غير الدماء الثلاثة إذا كان كثيرا ، فلا يستفاد وجوب الخمسين للمطلق مطلقا. وعلى الثاني : أنّ خمسين للدم الكثير الذي غير الدماء الثلاثة والمستفاد منه : أنّ الدماء الثلاثة ليس لكثيرها خمسون. وأمّا أنّ قليلها ما حكمه؟ فلا يستفاد منه أصلا.

قوله : وجه مخرّج.

المراد بالتخريج هنا : استخراج العلة واستنباطها لابتناء الحكم عليها.

والوجه المخرج هنا : غلظة نجاسة دم نجس العين حيث إنّه يشارك الدماء الثلاثة في عدم عفو ما دون الدرهم منه ، فاستنبط من ذلك أنّ السبب فيه غلظة نجاسته. والسبب في نزح الجميع للدماء الثلاثة أيضا هو الغلظة ، فيكون هذا الدم أيضا ملحقا بها.

وفي قوله : « مخرّج » إشارة إلى ضعف الوجه ؛ لعدم اعتبار التخريج عندنا معاشر الإماميّة.

قوله : وهي فضلة الانسان.

إضافة الفضلة للعهد ، أي : الفضلة المعهودة ولا بعد في دعوى حصول الحقيقة العرفيّة للفضلة أيضا.

قوله : وهو تفرّق أجزائها ، وشيوعها.

المراد بتفرّق الأجزاء وشيوعها : استهلاكها في الماء. كذا قيل. ويمكن الاكتفاء بتفرّق الأجزاء وتقطيعها وإن لم يستهلك لصدق الذوبان عرفا.

ثمّ إنّه هل يشترط ذوبان جميع أجزاء العذرة أم يكفي ذوبان البعض؟


قيل بالأوّل ؛ نظرا إلى أنّ الرواية أسندت الذوبان إلى العذرة الواقعة في البئر ، وهو إنما يحصل بذوبان جميعها.

وقيل بالثاني ؛ نظرا إلى أنّ القلّة والكثرة غير معتبرة ، فلو وقع مقدار البعض المذاب منفردا وذاب لأثّر فانضمام غيره إليه لا يمنع من التأثير.

قال والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في بعض حواشي شرح الدروس : الحقّ كفاية ذوبان البعض ، واستدلّ بما ذكر.

قوله : فلا نصّ على اعتبارها.

وقد يقال : إنّ اعتبار الذوبان مستلزم لاعتبار الرطوبة ؛ لأنّها لا تذوب إلّا بعد الرطوبة ، وسبب الذوبان هو صيرورتها [ رطبة ] فكلّ ذائبة رطبة وكلّ رطبة ذائبة.

وللمنع في المقدّمة الثانية مجال واسع.

وقال العلّامة في المنتهى بإمكان التعدية إلى الرطبة لاشتراكها مع الذائبة في شياع الأجزاء ، ولأنّها تصير حينئذ رطبة ، ولا يخفى أنّ الاشتراك ممنوع.

ويمكن أن يقال : إنّ سبب تبديلهم الذائبة إلى الرطبة هو أنّهم حملوا قوله عليه‌السلام : « فإن ذابت فأربعون أو خمسون » على صيرورتها رطبة حيث حملوا الذوبان على تخلّل اجزاء الماء في أجزاء العذرة المستلزمة لصيرورتها رطبة من غير حصول التفرّق العرفي ، ففهموا من قوله : « ذابت » رطبت ، فتأمّل.

قوله : لكن ذكرها الشيخ إلى آخره.

ذكرها في المبسوط ، واقتصر الصدوق والمحقّق على ذكر الذائبة. وقدّرا النزح بالأربعين أو الخمسين ، وهو اختيار جماعة غيرهم أيضا.

قوله : واكتفى في الدروس إلى آخره.

وهو مذهب الشيخ المفيد في المقنعة ، والسيد في المصباح.

قوله : وكذلك تعيّن.

المشار إليه هو اعتبار الرطوبة. أي : وكاعتبار الرطوبة تعيّن الخمسين في أنّه لا نصّ عليه.


قوله : وهو يقتضي التخيير.

أي : التخيير بين نزح الأربعين والخمسين.

وقد استشكلوا في هذا المقام حيث إنّ التخيير بين الشيئين اللذين من جنس واحد ، وأحدهما زائد على الآخر ويكون وجود الزائد تدريجيّا أي : على التعاقب ، ممّا لا يمكن تصحيحه ، وذلك لأنّه على تقدير التعاقب حصل أحد الأفراد ، والذمّة قد برئت بفعل الجزء ، والأصل عدم وجوب الزائد ، وأيضا يجوز ترك الزائد لا إلى بدل ، فكيف يكون تخييرا؟

وحاصله : أنّ التخيير بين الأربعين والخمسين في مقدار النزح لا يتحصّل ؛ لأنّ نزح الخمسين يستلزم إيجاد نزح الأربعين أوّلا لا محالة ، وبمجرّد إيجاده يبرأ الذمّة ويطهر الماء ، فكيف يمكن اتصاف الخمسين بالوجوب؟ فينحصر فرد الواجب بالأربعين دائما؟

وقال والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في حواشي تجريد الاصول :

بأنّه يمكن أن يقال بوجوب الزائد في مثل ذلك بأن يقال : إنّ حصول الفردية في مثل ذلك إنّما هو بالقصد ، فإن قصد نزح الاربعين يصير ذلك فردا ، وإن قصد الخمسين يصير هو فردا ، وحصول الأربعين أوّلا لا فائدة فيه ، وليس ذلك حينئذ فردا للمخيّر. قال ( قدس الله سره ) : ولا يلزم من ذلك تابعية الوجوب لمجرّد قصد المكلّف ، بل الشارع جعل هذا القصد مناطا ، فذلك إنّما هو بفعل الشارع.

أقول : لا يخفى أنّه يلزم من ذلك أنّه لو قصد أوّلا نزح الخمسين لم يطهر الماء لو اكتفى بالأربعين بعد تحقّقها مع قصد الاكتفاء بها ثانيا.

فإن قلت : إنّ المراد بالقصد ليس القصد الأول ، بل يكفي القصد ولو طرأ في الاثناء.

قلنا : يلزم عدم تطهير البئر على القول بنجاسته بعد نزح الأربعين قبل تغيّر القصد ، وطهر بمحض تغيّر القصد وهو أبعد ، مع أنّ مدخليّة القصد في ذلك أمر يحتاج ثبوته إلى دليل ، ولا دليل يدلّ عليه. والصواب في مثل ذلك نفي الوجوب عن الزائد وجعله ندبا في الواجب وأكثر ثوابا في المستحب ، فيكون فرد الواجب هو الأربعون ، ويكون للعشرة فضيلة وثواب زائد أو يحمل مرادهم من التخيير في مثل ذلك على التخيير الذي بين فعل المندوب وتركه ، فتأمّل.


قوله : أحوط أو أفضل.

المراد : أنّه امّا أفضل من غير كونه أحوط وإمّا كلّ أحوط فهو أفضل على طريقة المجتهدين.

وكونه أحوط إنّما هو إذا قلنا بنجاسة البئر بالملاقاة ووجوب النزح ؛ فإنّ الخمسين حينئذ أحوط ؛ لأنّه غاية ما يحتمل وجوبه وحصول التطهير به ، ولأنّ بنزح الخمسين يحصل العمل بالرواية وبقول الشيخ وتابعيه بخلاف الأربعين ، ولأنّ به يندفع احتمال كون الترديد من الراوي.

وكونه أفضل إذا قلنا بعدم نجاسة البئر واستحباب النزح ، فإن الخمسين يكون حينئذ أفضل لما ذكرنا سابقا ، ولا يكون أحوط ؛ إذ لا احتياط في المندوب.

نعم ، لو قلنا بالوجوب فلا ينفكّ الأفضلية هنا عن الأحوطيّة اذ لا شك فى أنّ بالخمسين يحصل اليقين بالبراءة والخروج عن الخلاف ، بخلاف الأربعين.

ويمكن ان يكون الاحوطية في صورة أن يكون الترديد من الراوي والأفضلية إذا كان من المعصوم ، ولكنّه لا يخلو عن بحث.

ويمكن أن يكون لفظة « أو » بمعنى « الواو » كما في قول توبة :

وقد زعمت ليلى بانّى فاجر

لنفسى تقاها او عليها فجورها

وحينئذ يكون البناء على القول بالوجوب مطلقا.

قوله : وشبه ذلك.

أي : شبه كلّ من المذكورات. والمراد : المشابهة في الجثّة وفي عدم كونه طيرا ، وأما الطيور فليس حكمها كحكمها مع مشابهة الجثّة ، ولا فرق في الشبه بين أن يكون انسيّا أم وحشيّا كالغزال.

قوله : بالموت.

متعلّق بالحاصلة المقدّرة. أي : بنجاسته الحاصلة بالموت.

قوله : والمستند ضعيف.


اعلم أنّ المستند في هذا الحكم على ما ذكروه هو ما رواه الشيخ بإسناده الى علي قال :سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر؟ قال : « سبع دلاء ». قال : وسألته عن الطير والدجاجة تقع في البئر. قال : « سبع دلاء والسنور عشرون أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه ». (١)

وما رواه أيضا بإسناده عن سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة تقع في البئر او الطير. قال : « إن أدركته قبل ان ينتن نزحت منها سبع دلاء وإن كانت سنورا أو اكبر منه نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين دلوا ». (٢)

وكون الروايتين مستندين لنزح الأربعين مع أنّ المصرّح به فيهما هو الثلاثين أو الأربعين ، وفي الاولى العشرون أيضا إنّما هو بضمّ ضميمة ضمّوها إليها ، وهو لزوم تحصيل البراءة اليقينيّة عند الشغل اليقيني ، وهي تحصل بالأربعين دون غيره. أمّا حصولها بالأربعين ؛ فللاتفاق على عدم وجوب الزائد وأمّا عدم حصولها بغيره ؛ فللخلاف ، ولاحتمال كون الترديد من الراوي.

ثمّ وجه ضعف الروايتين اشتمال سنديهما على المشترك بين الضعيف والثقة كالاولى أو على غير الإمامي كالثانية.

ويمكن أن يكون المراد بالضعف ضعف دلالتهما حيث إنّ مدلولهما وجوب الثلاثين أو الأربعين ، والضميمة المذكورة لا تفيد ؛ لأنّه إنّما يصحّ إذا ثبت الشغل اليقيني ، والشغل اليقيني الثابت إنّما هو نزح الأقل ، فلا يجب تحصيل البراءة عن غير ذلك. أو لأنّ المراد باليقين أعمّ من الظنّ المعتبر شرعا ، وبعد دلالة الرواية على كفاية الأقل يحصل اليقين الشرعي بحصول البراءة بنزح الأقل.

ويمكن أن يكون سبب الضعف وجود المعارض الأقوى أو المساوي كصحيحة الشحام الدالّة على كفاية خمس دلاء في السنور والكب (٣) وصحيحة الفضلاء الثلاثة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٨٤.


الدالّة على كفاية الدلاء في الكلب (١) ، ورواية أبي مريم الدالّة على نزح جميع الماء في موت الكلب. (٢) ورواية عمرو بن سعيد بن هلال الدالّة على كفاية السبع فيما بين الفأرة والسنور إلى الشاة (٣). ورواية إسحاق بن عمّار الدالّة على وجوب التسعة أو العشرة في الشاة وما أشبهها ، (٤) وصحيحة علي بن يقطين الدالّة على إجزاء الدلاء في الكلب أو الهرّة ، إلى غير ذلك. (٥)

ومن هذا يظهر أنّ ضعف المستند في السند ينحصر بهذا القول ، وأمّا غيره فله روايات معتبرة.

قوله : والشهرة جابرة على ما زعموا.

أي : وشهرة هذا الحكم جابرة لضعف مستنده على زعمهم.

وقوله : « على زعمهم » إمّا متعلّق بالشهرة ، فيكون إشارة إلى عدم الشهرة لهذا الحكم ، ولكنّه بعيد ؛ لأنّ هذا القول منقول عن الشيخين والمرتضى وأتباعهم ، ولم ينقل الخلاف من القدماء إلّا عن الصدوق في الفقيه والمقنع ، فقال في الفقيه : « في الكلب ثلاثون إلى أربعين ، وفي السنّور سبع دلاء ، وفي الشاة وما أشبهها تسع دلاء إلى عشرة ». (٦) وقال في المقنع : « إن وقع فيها كلب أو سنور فانزح ثلاثين دلوا إلى اربعين ، وقد روى : سبع دلاء ، (٧) فإن وقعت في البئر شاة فانزح منها سبعة أدل ». (٨)

وإمّا متعلّق بقوله : « جابرة » فيكون إشارة إلى عدم الانجبار بالشهرة : إمّا لأن الشهرة مطلقا لا توجب انجبار ضعف الخبر إذا لم تكن بنفسه حجّة ، كما قيل : من أنّ الشهرة بنفسها ليست بحجّة ، وكذا الخبر فكيف يحصل من انضمامهما الحجيّة؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٨٠.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٨٦.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.

(٦) الفقيه ج ١ ص ١٧ و ٢١.

(٧) المقنع ص ١٠

(٨) المقنع ص ١٠


أو لأنّ الشهرة الجابرة هو الشهرة رواية دون فتوى كما قاله بعض الأخباريين في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين الموافق للمشهور.

أو لأنّ الشهرة في الفتوى إنّما تكون جابرة إذا علم أن مستند المشهور هو ذلك الخبر ، وأمّا إذا لم يعلم وإن علم أنّ استناد بعضهم إلى ذلك ، فلا توجب الانجبار حيث لا يحصل اليقين المأمور به في الآية الشريفة ، أو لأنّ الشهرة إنّما تكون جابرة لضعف الخبر إذا كان الحكم المشهور موافقا لمدلول الخبر ، وهنا ليس كذلك ؛ لأنّ المشهور تعيّن الأربعين ، وليس ذلك مدلول الروايتين ، بل يحتاج إلى ضمّ مقدّمة اخرى غير تامّة. أو لأنّ الشهرة تصلح للجبر إذا كانت قوية ، وهي هنا ضعيفة ، بل ينتهي أصلها إلى الشيخ والسيّد.

قوله : وكذا في بول الرجل سندا وشهرة.

متعلّقان بالحكم المحذوف المستفاد من قوله : « كذا ». أي : وكالحكم في الثعلب وأخواته هذا الحكم في بول الرجل من حيث السند والشهرة ، فمماثلة السند في الضعف ، ومماثلة الشهرة في كونها جابرة على ما زعموا.

ولفظة « في » إمّا للظرفية المجازية أو للمقايسة كما في قوله تعالى : ( فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلّا قَلِيلٌ ) أي بالنسبة إلى الآخرة والمقايسة إليها ، وكذا هذا الحكم بالنسبة إلى بول الرجل من حيث السند والشهرة.

أو زائدة كما أجازه بعضهم في قوله تعالى : ( وَقالَ ارْكَبُوا فِيها ) والمشبّه به حينئذ يكون الثعلب وأخواتها دون حكمها والمعنى وكذا بول الرجل في الحكم سندا وشهرة.

وعلى التقادير فالسند بمعنى ما يستند إليه أي المستند ، ويمكن أن يكون المراد من السند ما هو مصطلح الاصوليين أي : طريق الرواية ، والمشبّه به حينئذ يكون المستند السابق ، ويكون المعنى : وكذا المستند في حكم بول الرجل أي : هو مثل المستند في الثعلب وأخواته ضعيف سندا ومنجبر شهرة.

ثمّ المستند فيه ما رواه الشيخ عن المفيد ، عن الصدوق ، عن محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن احمد ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن علي


بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر. فقال : دلو واحد : قلت : بول الرجل. قال : « ينزح منها أربعون دلوا ». (١)

وهو ضعيف بعليّ بن أبي حمزة ؛ فإنّه البطائني الضعيف الكذّاب المتّهم الملعون ، أو مشترك بينه وبين الثمالى الثقة ، ولا تميّز. ومع ذلك معارض بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيها الصبي ، أو يصبّ فيها بول ، أو خمر. قال : « ينزح الماء كلّه ». (٢)

والجواب بحمل ذلك على الاستحباب ردّ بمنافاته مع مقارنته للخمر.

وفيه نظر ، ليس هنا موضع ذكره.

ورواية كردويه الدالّة على أنّ في قطرة البول ثلاثين دلوا وغير ذلك.

قوله : يشمل المسلم والكافر.

ولعموم الرجل ، لم يفرق بينهما في البول من قال بالفرق بينهما في الموت كابن ادريس.

واحتمل بعض المتأخرين الفرق ؛ لأنّ لنجاسة الكفر تأثيرا ولهذا لو وقع في البئر ماء متنجّس بملاقاة بدن الكافر لوجب له النزح ، فكيف يكتفى للبول ـ مع ملاقاة لبدنه ـ بأربعين ، والحكم بالأربعين منوط بنجاسة البول ، لا الحاصلة من الكفر. قال : وهذا وارد في سائر فضلاته كعذرته ودمه.

وردّ : بأنّ نجاسة البول بملاقاة بدن الكافر ممنوع. ولو سلّم ، فيقال : إنّ الخبر دلّ بعمومه على وجوب أربعين للبول مطلقا ، وهو شامل للكافر ، فيدلّ على أنّه لم يجب نزح الجميع بسبب وقوع البول الملاقي لبدنه ، وإلّا لم يكن وجه لوجوب نزح الأربعين بعده ، فبقي إمّا أربعون أو أقل منه.

ولثبوت التداخل يكون حكمه حكم بول المسلم. ولا يخفى أنّ هذا مبني على ثبوت التداخل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨١.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٠.


قوله : وتخرج المرأة.

جملة مستأنفة ، وليست معطوفة على جملة « يشمل » ؛ لأنّها خبر للإطلاق ، وليست الجملة الثانية كذلك. وقد ألحق ابن ادريس بول المرأة ببول الرجل أيضا.

قوله : فيلحق بولهما إلى آخره.

ال « فاء » هنا للتفصيل ، حيث إنّ خروج بول المرأة والخنثى من حكم بول الرجل جعل حكمه مبهما ، ففصّله بأنّه يلحق بما لا نصّ فيه.

أو تفريع على خروجه من حكم بول الرجل.

وعلى التقديرين يحتاج إلى ضمّ مقدّمة اخرى وهي عدم نصّ صالح للحجيّة في بيان حكمه. وقولنا صالح للحجيّة ؛ لأنّ عموم صحيحة ابن عمّار ورواية كردويه يشملان بول المرأة والخنثى أيضا ، ولكن الاولى لعدم العمل بها عنده ، والثانية لضعف سندها غير صالحتين للاحتجاج بهما.

فإن قيل : لحوق بول الخنثى بما لا نصّ فيه إنّما يصح لو جعل الخنثى طبيعة ثالثة ، ولكن يظهر من قوله : « ولو قيل » ، أنّه لم يجعله طبيعة ثالثة ، بل جعله مشتبهة بين الرجل والمرأة ، وعلى هذا فلا يكون الخنثى ممّا لا نصّ فيه بل يكون مشتبها أنّه هل هو ممّا لا نصّ فيه أو لا.

قلنا : مراده من كون بوله ملحقا بما لا نصّ فيه : أنّه لاشتباهه يحتاج إلى نصّ في الإلحاق من أنّه هل يلحق بما فيه نصّ أو بما لا نصّ فيه ، فهو أيضا غير منصوص الحكم بخصوصه ؛ لاحتمال كونه ممّا لا نصّ فيه أصلا. وعلى هذا وإن افترق عمّا لا نصّ فيه أصلا من وجه ، ولكنّه يلحق به من وجه آخر ، فتأمّل.

قوله : ولو قيل فيما لا نصّ فيه إلى آخره.

يعنى لمّا عرفت أنّ بول الخنثى يلحق بما لا نصّ فيه من جهة إلحاقه ببول الرجل أو بول الخنثى ( كذا ) ونجاسة الماء أيضا مستصحبة حتّى يعلم الرافع اليقيني ، فعلى هذا لو قلنا بوجوب نزح الجميع فيما لا نصّ فيه يجب ذلك في بول الخنثى قطعا ؛ لعدم تصوّر الاكثر منه. وأمّا لو قلنا بوجوب نزح الثلاثين ، أو قلنا بوجوب نزح الأربعين لما لا نصّ فيه فيجب


نزح أكثر الأمرين من المقدّر لما لا نصّ فيه ، والمقدّر لبول الرجل حيث كان لأحدهما زيادة. فإنّ حكم بول الرجل من جهة الأقوال والأحاديث مختلف فيه.

ففي بعض الأخبار أنّ مقدّره ثلاثون ، وقد قال به بعضهم أيضا.

وفي بعضها أنّه أربعون ، وقال به الأكثر.

وفي بعضها أنّه ينزح له الماء كلّه.

فإن قلنا بالثلاثين فيما لا نصّ فيه والأربعين أو الجميع لبول الرجل ينزح ببول الخنثى الأربعون أو الجميع. وإن قلنا فيه بالأربعين ولبول الرجل الجميع يجب الجميع أيضا لبول الخنثى. وإن قلنا في بول الرجل بالثلاثين وفيما لا نصّ فيه ، بالاربعين يجب في الخنثى الاربعون فالمراد من قوله : ولو قيل إلى آخره ، هو المقابل للقول بنزح الجميع فيما لا نصّ فيه وأمّا على هذا القول فلا معنى للأكثر إذ لا أكثر من الجميع ، وليس بناؤه على قول معيّن في بول الرجل ؛ لأنّه هنا في بيان حكم إلحاق الخنثى ، فمراده ؛ أنّا لو لم نقل بنزح الجميع لما لا نصّ فيه فيبقى فيه أقوال وفي بول الرجل أيضا صور ، وعلى جميع التقادير يجب نزح الأكثر لبول الخنثى حيث كان لأحدهما زيادة. وعلى هذا فالمراد بالأمرين : هو ما لا نصّ فيه ، وبول الرجل ، وتكون لفظة « من » بيانيّة ، والمعنى : أنّ أكثر الأمرين مقدّرا.

ويمكن أن يكون المراد بالأمرين : المقدّرين ، وتكون « من » بيانيّة أيضا ،والمعنى :أكثر المقدّرين من مقدّر ما لا نصّ فيه ، ومقدّر بول الرجل.

ويمكن جعل لفظة « من » حينئذ بمعنى اللام ، فلا يحتاج إلى تقدير المقدّر أي : أكثر الأمرين المقدّرين لما لا نصّ فيه ولبول الرجل.

ويمكن أن تكون لفظة « أو » في قوله : « ثلاثين أو أربعين » للتخيير ، والباقي كما تقدّم ويكون المعنى : ولو قيل فيما لا نصّ فيه بأحدهما على التخيير وجب فى الخنثى أكثر الأمرين ممّا لا نصّ فيه ومن بول الرجل. فإذا قلنا في بول الرجل بنزح الجميع يجب ذلك في الخنثى وكذا لو قلنا في بول الرجل بالأربعين لأنّه أكثر من واحد من الثلاثين والأربعين.


ولا يخفى أنّ هذين التوجيهين إنّما كان [ بناؤهما ] على عدم تعيين مقدّر بول الرجل وتعيين مقدّر ما لا نصّ فيه بغير الجميع ممّا تقدّم.

ويمكن البناء على تعيين مقدّر بول الرجل بكونه أربعين ، مع كون لفظة « أو » للتخيير أي : ولو قيل فيما لا نصّ فيه بنزح أحدهما تخييرا وجب فى الخنثى اكثر الامرين منه ومن مقدر بول الرجل وهو الاربعون فانه اكثر من احدهما لا على التعيين كما مر. والتعبير بأكثر الأمرين مع وضوح الأكثر به حينئذ ... في العبارة ، والأمران حينئذ مقدّر الرجل وما لا نصّ فيه.

ويمكن حينئذ أن يراد بالامرين : الثلاثين والأربعين للّذين هما فيما لا نصّ فيه ، ويكون قوله : « منه » إلى آخره جملة متعلّقة بالأكثر أي : ولو قيل فيما لا نصّ فيه بأحد الامرين وجب في بول الخنثى أكثر ذينك الأمرين الذي هو أحد مقدرات ما لا نصّ فيه ، ومقدّر بول الرجل ، وهو الأربعون ، فتكون لفظة « من » بمعنى : « اللام ».

ويمكن أن تكون لفظة « أو » حينئذ للترديد في القول أيضا ويكون المعنى : ولو قيل فيما لا نصّ فيه بأحد ذينك القولين يجب في الخنثى نزح الأكثر من مقدّر ما لا نصّ فيه وبول الرجل فيما تحقّق الأكثريّة فعلى القول بالثلاثين ينزح لبول الخنثى أربعون ، وعلى القول بالأربعين أيضا ينزح الأربعون ، ولكن لا أكثريّة حينئذ ، ويكون اشتراط تحقّق الأكثريّة حينئذ واضحا من الخارج.

ويمكن على هذا التوجيه أن يراد من الأمرين : الثلاثون والأربعون المتقدّمان أي : لو قيل فيما لا نصّ فيه باحد ذينك القولين ينزح لبول الخنثى أكثر هما الذي هو [ الأكثر ] ممّا لا نصّ فيه على أحد القولين ومن بول الرجل وهو الأربعون.

أمّا وجوب نزحه على القول بالثلاثين فيما لا نصّ فيه ؛ فلأنّه الأكثر. وأمّا على القول بالأربعين ؛ فلأنّه لا أكثر منه.

ويمكن أن يكون مراده : أنّه لو لم نقل بنزح الثلاثين والأربعين فيما لا نصّ فيه ، بل انحصر القول في نزح الجميع فلا يعبّر باكثر الأمرين لوضوح اكثرية مقدر ما لا نصّ فيه فينزح اما لو وجد القول ... أو القول بنزح الأربعين زيادة على القول بنزح الجميع ، فعلى


هذا نقول : إنّه يجب في الخنثى أكثر الأمرين من مقدّر بول ما لا نصّ فيه ومقدّر بول الرجل الذي هو الأربعون ، فعلى القول بالثلاثين فيما لا نصّ فيه ينزح مقدّر بول الرجل في بول الخنثى ، وعلى القول بالجميع فيما لا نصّ فيه مقدّر ما لا نصّ فيه له.

وعلى هذا يكون ذكر القول بالأربعين ، لبيان حصر الأقوال ومتابعته لذكر القول بالثلاثين. فهذه سبعة توجيهات أحسنها أوّلها وسابعها.

قوله : بالاقل ؛ للأصل.

أي : بأقلّ الأمرين من مقدّر بول ما لا نصّ فيه وبول الرجل بأحد الوجوه المتقدّمة ؛ لأصالة عدم وجوب الزائد ، فإنّه إمّا امرأة أو رجل ولا يعلم كونه هو ما قدّر له الاكثر بخصوصه ، والأقلّ متيقّن قطعا ، والاصل عدم وجوب الزائد ، فيقتصر على الأقل.

ولا يخفى أنّ الحكم بالأقل إنّما يصحّ على القول بعدم نجاسة البئر بالملاقاة ، ووجوب النزح أو استحبابه. وأمّا على القول بنجاستها بها وتوقّف طهرها على النزح ، فيعارض استصحاب بقاء النجاسة مع الأصل المذكور.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالأصل ليس أصل العدم ، بل « اللام » للعهد ، وإشارة إلى القاعدة الثابتة بالدليل ، وهو ثبوت الثلاثين أو أحدهما لما لا نصّ فيه ، وهذا إنّما يجري على أن يراد بمقدر بول الرجل هو الأربعون وبالأكثر هو ذلك أيضا من غير تقدير القول بنزح الجميع لما لا نصّ فيه حتّى يكون مقدّر ما لا نصّ فيه هو الثلاثون أو واحد من الثلاثين والأربعين حتّى يكون مقدّر ما لا نصّ فيه أقل من مقدّر بول الرجل دائما ، فيكون المعنى : ويمكن الاجتزاء بالأقل الذي هو مقدّر ما لا نصّ فيه للأصل الذي هو أنّ ما لا نصّ فيه له الأقل ، وبول الخنثى لكونه مشتبها وعدم إمكان الترجيح ممّا لا نصّ فيه ، فتأمّل.

قوله : في المشهور.

لفظة « في » للظرفيّة المجازية ، أو بمعنى « على » كما في قوله تعالى : ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ). (١)

قوله : والمستند إلى آخره.

__________________

(١) طه : ٧١.


وهو ما رواه في التهذيب بإسناده عن كردويه. قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وأبوال الدواب ، وأرواثها ، وخرء الكلاب. قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا وإن كانت مبخرة » (١).

ذكر الشهيد أنّ المبخرة إمّا بضم « ميم » وكسر « خاء » أي : المنتنة ، أو بفتحها بمعنى مكان البخر أى : النتن.

والراوي المجهول هو كردويه ؛ فإنّه غير مذكور في كتب الرجال. ثمّ الخبر وإن كان متضمّنا لأبوال الدواب وأرواثها أيضا الا انهم تركوها لزعمهم ان النزح انما هو لتطهير البئر فيكون النزح لما ينجسه فالامر بالنزح في الخبر ليس لابوال الدواب وارواثها وإن كانت مذكورة ، بل لأجل النجاسات. ولا يخفى ما فيه.

وفي الحديث إشكال آخر أيضا وهو أنّ ظاهره الاكتفاء بالثلاثين وإن كان النتن باقيا وهو مناف للروايات الكثيرة الدالّة على وجوب النزح في المنتن حتّى يذهب النتن ، بل للإجماع.

واجيب : بأنّه مقيّد بما إذا ذهب النتن بالثلاثين ، وتكون فائدة الوصف أن لا يتوهّم وجوب نزح الجميع عند حصول النتن ، وإن زال النتن بما دونه.

ويمكن أن يجاب أيضا : بأنّه اكتفي بالثلاثين لاحتمال كون النتن من أبوال الدواب وأرواثها دون النجاسات ، أو لاحتمال أن يكون النتن حاصلا قبل وقوع النجاسات ، ومع أحد ذينك الاحتمالين لا يجب إزالة النتن للأصل.

وقوله : « مجهولة الراوي » للتنبيه على ضعف المستند.

وقد يجاب : بالانجبار بالشهرة.

قوله : وإيجاب خمسين إلى آخره.

جواب لإشكال ذكروه وهو أنّ الخبر كحكم القوم مطلق ، فيشمل ما إذا كانت العذرة رطبة أو يابسة والبول بول الرجل أو غيره مع أنّهم حكموا للعذرة منفردة بالخمسين ولبعض الأبوال وهو بول الرجل بالأربعين وللأخير وهو خرء الكلاب بالجميع حيث إنّه

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٩٢.


ممّا لا نصّ فيه وينزح الجميع له ، فكيف يجتزى بالثلاثين مع انضمام الغير إليه وهو مقتض لزيادة النجاسة.

وتوضيح الجواب : أنّ ذلك لا ينافي وجوب الثلاثين لكلّ منها مجتمعا مخالطا للماء ؛ لأنّ بناء حكم البئر على جمع المختلفات في الحكم كالشاة والخنزير ، وتفريق المتّفقات كالكافر والخنزير.

قوله : منفردا.

إمّا قيد الأخير وحذف قيد الأوّلين لدلالته عليه كما في قول الشاعر :

نحن بما عندنا وانت بما عندك

راض والرأي مختلف

أو قيد لكلّ واحد ، والضمير المجرور راجع إلى كلّ واحد. وقوله : « مجتمعا » حال عنه أي : حال كونه مجتمعا مع البواقي ، أو راجع إلى الكل ، والمعنى : حال كون الكلّ مجتمع الأجزاء.

قوله : على جمع المختلف إلى آخره.

لا يقال : إنّ المراد إن كان جمع المختلف حكما في الشرع في ذلك الحكم وعدم إجراء حكم أحدهما فيه ، فهو ممّا لا يجوز ولم يقع ، وإن كان المراد جمع المختلف في حكم آخر فهو لا يختصّ بحكم البئر ولا بأحكام الشرع ولا تقييد أيضا وكذا في تفريق المتّفق. مع أنّ فيما نحن فيه لم يتحقّق واحد من هذه الامور.

لأنّا نقول : المراد بالاختلاف والاتّفاق ليس الاتّفاق والاختلاف في الحكم الشرعي ، بل المراد : جمع ما يظن اختلافه في الحكم عند العقل في الحكم الشرعي وتفريق ما يظنّ اتفاقه فيه عنده ، ثمّ المتحقّق فيما نحن فيه هو تفريق ما يظنّ اتّفاقه ، فإنّه لو كان للعذرة ـ مثلا ـ خمسون ، فيظنّ أنّه لو اجتمع مع غيرها ، لا يختلف الحكم بالنقصان لو لم يزد ، وهاهنا قد نقص.

ويمكن أن يكون المتحقّق هو جمع ما يظنّ اختلافه ، فإنّه إذا كان لكلّ واحد منها منفردا مقدّر مخالف للآخر فيظن أنّه لا يتّحد حكم الجميع عند الاجتماع ، وهاهنا قد اتحد.


ويمكن أن لا يكون المتحقّق شيئا منهما ، وكان الدليل من باب التنظير ويكون المراد :أنّه لا استبعاد في نقص المقدّر مع الاجتماع ؛ فإنّه ليس أبعد من جمع المختلف وتفريق المتّفق.

قوله : فجاز إضعاف ماء المطر.

قد يتوهّم أنّ هذا التفريع ليس في محلّه ؛ لأنّ الحاجة إلى التمسك بالبناء على جمع المختلف وتفريق المتّفق إنّما هو إذا لم يكن هناك شي‌ء يوجب تجويز النقصان في المقدّر ، وأمّا معه فلا يكون فيه استبعاد ولا جمع للمختلف أو تفريق للمتفق ؛ ولذا جعل بعضهم تجويز الإضعاف وجها آخر لعدم المنافاة.

وفيه : أنّ ما دار في ألسنة الفقهاء من أنّ بناء أحكام الشرع على جمع المختلف أو تفريق المتّفق ليس معناه أنّ بناءها على جمع ما يجزم العقل باختلافه ، أو تفريق ما يجزم باتّفاقه ، فإنّه غير جائز عندهم ، بل معناه أنّ بناءها على جمع ما يظن اختلافه وتفريق ما يظنّ اتّفاقه مع تجويز العقل الجمع والتفريق لوجه مجوّز مدرك أو غير مدرك.

وعلى هذا فلا بدّ أن يكون الأمر فيما نحن فيه كذلك أيضا ، ولا يكون ممّا يحرز العقل بعدم نقصان المقدر ، فيصحّ التفريع ويكون تفريعا على قوله : « لأنّ مبنى حكم » إلى آخره ويكون المعنى : أنّه إذا جاز جمع المختلف وتفريق المتّفق لجواز حكمة لا نعلمها ، فلا استبعاد في النقص عن مقدر المنفرد هنا أيضا لجواز إضعاف ماء المطر لحكمه ، أو يكون المعنى : وإذا جاز إيجاب الحكمة الحقيقة لجمع المختلف أو تفريق المجتمع ، فجاز إضعاف ماء المطر لحكمه.

قوله : وإن لم تذهب إلى آخره.

الفرد الظاهر هو إضعاف ماء المطر لحكمه مع ذهاب أعيان هذه الأشياء واستهلاكها فذكر هذا الكلام للتنبيه على أنّ إضعاف الحكم مع وجود هذه الأشياء أيضا يجوز ، وللردّ على من دفع المنافاة بحمل وجوب الثلاثين على صورة استهلاك اعيان هذه الاشياء في ماء المطر.

قوله : ولو خالطه أحدها.

أي : خالط ماء المطر أحد تلك المذكورات كفت الثلاثون لو لم يكن لذلك الأحد مقدّر


كخرء الكلب ، أو كان له مقدّر وكان أكثر من الثلاثين كالعذرة وبول الرجل ، أو كان مساويا كبول الرجل على القول بوجوب نزح الثلاثين له.

ولو كان مقدّر ذلك الأحد أقل كبول الصبي اقتصر على ذلك الاقل. والوجه في ذلك على ما قيل : إنّه إن لم يكن له مقدّر فكان مما لا نصّ فيه ، فيكون له الجميع أو الثلاثون أو الأربعون ، وماء المطر مضعّف للحكم ، فلا يكون له الجميع ، (١) ولا أقلّ منه وأكثر من الثلاثين ؛ لأنّه كان يضعف المجتمع بقدر يطهر بالثلاثين ، فتضعيف المفرد بهذا القدر أولى.

وكذا إن كان المقدّر أكثر ، وأمّا إن كان المقدر مساويا ، فلأنّ جعل المنزوح حينئذ أقل يوجب صيرورة ذلك الواحد المخالط ممّا لا نصّ فيه ، ولم يقل فيه أحد بأقل من الثلاثين.

ومن هذا يظهر وجه عدم التنزّل من الثلاثين في الصورتين الأوليين أيضا. وأمّا الاقتصار على الاقل فيما كان المقدّر هو الأقل ؛ فلأنّ مخالطة الماء لا يوجب تقوية الحكم إن لم يوجب إضعافه.

قوله : وإطلاق المصنّف.

أطلق في [ كتاب ] البيان حيث قال بعد ذكر هذه العبارة : « أو أحدها ». ولم يقيّده بما قيّده به الشارح وحمل الاطلاق على اطلاق عبارته هنا بعيد.

وقوله : وغيره.

أي : وحكم غيره بأنّ الحكم بوجوب نزح الثلاثين معلّق بالجميع إذا خالط الماء ، فيجب لغير الجميع مقدّره إن كان له مقدّر ، والجميع إن كان ممّا لا نصّ فيه بناء على أنّه ينزح الجميع له.

ويمكن أن تكون لفظة « أو » للترديد أي : إمّا يجب لغيره مقدّره أو يجب لغيره الجميع مطلقا ؛ لأنّه يكون ممّا لا نصّ فيه ، وله ينزح الجميع.

قوله : والتفصيل أجود.

أي : التفصيل الذي ذكره ، من الاكتفاء بالثلاثين مع عدم التقدير أو أكثريته أو تساويه والاقتصار بالاقل مع أقلّيته.

__________________

(١) فى الاصل : « المقدّر » ، مكان « الجميع »


ولا يخفى أنّه لا وجه لأجوديّته ، بل لصحّته. وأمّا الدليل الذي قيل له ضعيف جدّا ؛ لأنّ إضعاف ماء المطر للحكم إنّما كان احتماليّا لا يقينيا حتى بني عليه الحكم مع أنّه صرّح بأنّ مبتنى حكم البئر على جمع المتفرّق وتفريق المجتمع.

نعم لو كان له وجه آخر لكان لحكمه وجه وهو أعلم به. هذا. ثمّ إنّه لو زاد على جميع المذكورات شي‌ء آخر أو بدّل بعضها بغيره ، فهل يختلف الحكم أم لا؟ فيه إشكال.

قوله : وهو غير ذائبها إلى آخره.

لما قيّد المصنّف العذرة سابقا بالرطبة. واحتمل أن يكون مراده من الرطبة معناها الحقيقى ، وأن يكون المراد منها الذائبة مجازا حيث إنّها المصرّح بها في الرواية بعلاقة عدم انفكاك الذوبان عن الرطوبة ، وأن يكون المراد كلّ من معنييها الحقيقى والمجازي بناء على جواز استعمال اللفظ في معنييها بقرينة اكتفائه في الدروس بكلّ منهما ، وكان المراد بإتيانه هنا مقابل الرطبة المقدّمة ، فاحتمل إرادة مقابل كلّ من المعاني الثلاثة منها ؛ فلذا فسّرها بالمعاني الثلاثة ، وقوله : « وهو غير ذائبها » أي : هو هنا كذلك لا لغة أو عرفا أو مطلقا.

قوله : في المشهور.

قيد لقليل الدم. فإنّ الظاهر أنّه لا خلاف في كون العشرة ليابس العذرة.

ومقابل المشهور هنا هو قول المفيد في المقنعة حيث حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل من الدم ، وقول السيد في المصباح حيث قال بأنّ في الدم مطلقا ما بين الدلو الواحدة إلى العشرين ، وقول الصدوق حيث قال بوجوب دلاء يسيرة في القليل ، وإليه مال في المعتبر ، وحسّنه المصنّف في الذكرى.

قوله : والمروي دلاء يسيرة.

والرواية هي ما رواه المشايخ الثلاثة عن علي بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة ، فوقعت في بئر ، هل يصلح أن يتوضّأ منها؟ قال : « ينزح منها دلاء يسيرة ، ثمّ يتوضّأ منها ». (١) وقال : وسألته عن رجل يستسقى من بئر ، فرعف فيها

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٩٣.


هل يتوضّأ منها؟ قال : « ينزح منها دلاء يسيرة ». (١)

وإنّما خصّ المروي بدلاء يسيرة مع أنّه روي في الموثّق أنّه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل ذبح طيرا ، فوقع بدمه في البئر فقال : « ينزح منها دلاء ». (٢)

وورد في رواية كردويه : « أنّ لقطرة الدم ينزح ثلاثون دلوا ». (٣)

وفي رواية زرارة : « أنّ لها ينزح عشرون دلوا ». (٤)

لأنّ مراده بالمروي : المروي بالرواية التي تصلح للاستناد إليها ، وتلك الروايات الثلاث ضعيفة عنده ، مع أنّ الموثّقة مطلقة يجب حملها على المقيّد.

قوله : لأنّه أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع.

هذا الدليل ذكره الشيخ في التهذيب ، وفسروه بوجهين : أحدهما ـ وهو الظاهر من كلامه وكلام المحقّق في المعتبر في بحثه معه ـ : أنّ العشرة أكثر الأعداد التي يضاف لفظا إلى هذا الجمع أي : هذا الجمع إذا كان له مضاف أو قدّر له فكان الجمع مضافا إليه وتمييزا له بأن يقال : ثلاث دلاء ، أو خمس دلاء ، أو سبع دلاء ، فأكثر المضافات لفظ العشرة ؛ لأنّه لا يقال : أحد عشر دلاء ، بل يقال : أحد عشر دلوا ، والمضاف حذف في هذا الخبر ، واقيم المضاف إليه مقامه. وأكثر ما يمكن تقديره عشرة وأقلّه ثلاثة ، ولكن لمّا احتاج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينيّة ويكون النجاسة مستصحبة إلى حصول العلم بالمزيل فيجب تقدير الأكثر ، فيكون المعنى : عشرة دلاء يسيرة.

وثانيهما ـ ما هو يظهر من كلام الشارح في الحاشية : أنّ العشرة أكثر عدد ينسب إلى هذا الجمع ـ أن يقال بأنّه مفاد هذا الجمع ومدلوله ويدلّ عليه لأنّه جمع قلّة ، واكثر ما يدلّ عليه جمع القلّة العشرة ولما مر يجب اعتبار الأكثر ، فيجب هنا اعتبار العشرة.

قوله : أو لأنّه أقل جمع الكثرة.

وتوضيحه : أنّ الدلاء جمع كثرة ؛ لانّ أوزان جمع القلّة منحصرة في أربعة أو خمسة

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٩٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٩٤.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٩٤.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٩٤.


ليست الفعال شيئا منها ، وأقلّ ما يدلّ عليه جمع الكثرة هو العشرة ، ولأصالة براءة الذمّة عن الزائد يجب الاقتصار على أقل ما يدلّ عليه ، وهو العشرة.

قوله : وفيهما نظر.

أي : في الدليلين.

أمّا في الأوّل على التفسير الأوّل : فلأنّا نسلّم أنّ أكثر عدد يضاف إلى الجمع ويكون الجمع مميّزا له هو العشرة ولكن لا نسلّم أنّه إذا جرّد عن الإضافة كانت حاله كذا ، فإنّه لا يعلم من قوله : ( عندي دراهم ) أنّه لم يخبر عن زيادة على عشرة ، ولا إذا قال : ( اعطه دراهم ) يعلم أنّه لم يرد أكثر من عشرة ؛ فإنّ دعوى ذلك باطلة.

وأيضا سلّمنا أنّه يدلّ على أنّه لا يجب أكثر من عشرة ، وأمّا الأقل فلم لا يجوز؟ فإنّه ليس في الحديث إشعار في الكثرة ، واستصحاب النجاسة معارض بأصالة البراءة على أنّ التقييد باليسيرة يدلّ على أنّه لا يجب أكثر ما يضاف إلى الدلاء.

هذا مع أنّه لو كان مراد الشيخ ذلك لما كان وجه لاقحام لفظة « هذا » ؛ لأنّ جميع الجموع مشتركة في ذلك.

وأمّا على التفسير الثاني : فلأنّ هذا ليس جمع قلّة كما مر ، بل هو جمع الكثرة ، وقد اعترف الشيخ في الاستبصار بذلك ، وأيضا الفرق بين الجمع القلّة والكثرة اصطلاح خاص للنحاة ، وكون أوزان الجمع متفاوتة بالقلّة والكثرة حقيقة ممنوع ، بل الظاهر ورود كلّ من وزني القليل والكثير على مصطلح أهل العرف ، بل اللغة ، بمعنى الآخر ورودا شائعا دائما.

وأيضا لا دليل على وجوب اعتبار أكثر ما يدلّ عليه الجمع ، بل الظاهر من إطلاق اللفظ أنّ المطلوب يحصل بالماهيّة في ضمن أي فرد اتّفق.

وأمّا في الثاني : فلما أورد ثانيا على التفسير الثاني للأوّل. وأيضا لو تمّ هذا لزم أن يجب نزح أحد عشر دلوا ؛ لأنّه أقل جمع الكثرة ، لا العشرة.

قوله : وهو الحمامة فما فوقها.

لا يخفى أنّ تفسير الطير بالحمامة وما فوقها كتفسير العصفور فيما يأتي بما دون


الحمامة لا شاهد عليه من حيث اللغة والعرف ، بل قال بعضهم في العصفور : إنّه نوع من الطير ، وذكر جماعة : أنّه الأهلي الذي يسكن الدور.

وإن كان المراد التفسير من حيث الحكم باعتبار التعدّي من العصفور إلى شبهه فيبقى مورد الطير غير شبه العصفور وهو الحمامة فما فوقها ، فلا دليل عليه من حيث الشرع ؛ إذ النصّ في الواحد مخصوص بالعصفور وفي الطير مطلق يشمل العصفور وغيره ، يخرج العصفور للتخصيص ، فيبقى الثاني ، فالتعدّي من العصفور إلى ما يشبهه في القدر والجثّة لا بدّ له من دليل ، والشهرة بمجرّدها من غير نصّ لا تكفي في الحكم

وأيضا لو كفت المشابهة في الجثّة لكان ينبغي أن يكون الحكم كذلك في صغير كلّ طائر ما دام بقدر جثّة العصفور ، ولم يقل به أحد منهم سوى الشيخ نظام الدين الصهرشتي شارح النهاية على ما حكى عنه.

واعترض عليه المحقّق : بأنّا نطالبه بدليل التخطّى الى المشابهة ، ولو وجده في كتب الشيخ أو كتب المفيد لم يكن حجّة ما لم يوجد الدليل. انتهى. (١)

ثمّ لفظة ال « فاء » في قوله : « فما فوقها » بمعنى ال « واو ». كما قيل في قوله : « بين الدخول فحومل » (٢) وقوله : « مطرنا كذا فمكان كذا » ويمكن أن تكون للترتيب باعتبار الترقّي في الجثّة.

قوله : في المشهور.

أي : كون سبع دلاء للفأرة مع الوصف في المشهور ، لا للفأرة مع انتفاخها ، لأنّ في المشهور لم يقيّد بالانتفاخ ، بل منهم من اقتصر على ذكر التفسخ كالشيخ في المبسوط والنهاية والصدوق.

ومنهم من اكتفى بواحد من التفسخ والانتفاخ كالمفيد في المقنعة ، وأبى الصلاح وسلّار ، واختاره المصنّف في الدروس.

ثمّ مقابل المشهور قول السيّد في المصباح حيث حكم بالسبع للفأرة مطلقا. ويمكن

__________________

(١) المعتبر ص ١٨.

(٢) اوله : قفانبك ....


أن يكون المراد : كون السبع للفأرة مع الانتفاخ مشهورا بناء على ما نقله في المعتبر عن بعض المتأخرين أنّه قال : حدّ تفسخها انتفاخها.

قوله : والمروي ، وإن ضعف اعتبار تفسخها.

هذا إشارة إلى الاعتراض على المصنّف حيث قال بالانتفاخ يعني أنّ الانتفاخ لا دليل عليه ولا رواية فيه ، وانّما المروى هو التفسخ وإن كانت الرواية المتضمّنة له أيضا ضعيفة. والرواية إشارة إلى ما رواه الشيخ باسناده عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « فإذا وقعت الفأرة في البئر فتفسخت فانزح منها سبع دلاء ». (١) وأبو سعيد غير ثقة.

ثمّ مراده : أنّ المروي هو اعتبار تفسخ الفأرة في نزح السبع ، فلا يرد عليه رواية أبي خديجة عن أبى عبد الله عليه‌السلام في الفأرة : « وإذا انتفخت ونتنت نزح الماء كلّه ». (٢) وكذا لا ينافيه ما في الروايات من وجوب السبع للفأرة مطلقا ؛ لأنّ المطلق يحمل على المقيّد.

قوله : وهو الذكر الذي إلى آخره.

أي : مراد المصنّف من الصبي في هذا المقام هو ذلك ، وأمّا كلام اللغويين فيأبى عن ذلك ؛ لانّ منهم من فسّر الصبي بمن لم يعظم بعد ، ومنهم من فسّره بالغلام.

وإنّما حمل مراد المصنّف على ذلك ؛ لأنّه في كتبه الثلاثة حكم بدلو واحد للرضيع ، والمراد بالرضيع : من لم يتم مدّة رضاعه الشرعي ، وهي الحولان ، مع حكمه فيها بالسبع لبول الصبي فيستفاد منها أنّ مراده من الصبي من زاد سنه عن الحولين ، وحكم فيها وفي ذلك الكتاب بالأربعين لبول الرجل وهو من بلغ الحلم ، فيستفاد منه أيضا أنّ الصبي من لم يبلغ الحلم.

ويمكن أن يكون مراد الفقهاء في هذا المقام من الصبي ذلك كما يظهر من كلام ابن إدريس في السرائر حيث قال :

فبول الذكور ثلاثة أضرب : بول ذكر بالغ ، وبول ذكر غير بالغ قد أكل الطعام واستغنى به من اللبن والرضاع ، وبول رضيع لم يستغن بالطعام عن اللبن والرضاع. فالأوّل ينزح

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٧.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٨.


لبوله أربعون دلوا. والثاني ينزح لبوله سبع دلاء. والثالث ينزح لبوله دلو واحد وهو بول الرضيع ، وحدّه : من كان له من العمر دون الحولين سواء أكل في الحولين من الطعام أو لم يأكل ؛ لأنّه في الحولين رضيع فغاية الرضيع الشرعي مدّة الحولين سواء فطم فيها أو لم يفطم ، وإذا جاوزها خرج من هذا الحد سواء فطم أو لم يفطم ، ودخل في القسم الثاني. انتهى.

قوله : من نجاسة عينية.

هذا احتراز عمّا لو كان في بدنه عين النجاسة كالمني والبول ؛ فإنّه يجب حينئذ نزح مقدّر تلك النجاسة ، ولا يكتفي بالسبع ، بل لا يجب أيضا ؛ لأن بمجرّد الملاقاة ينجس الماء فلا يتحقّق الغسل الموجب لنزح السبع.

والتقييد بالعينيّة للاحتراز عمّا لا ينفك عنه الجنب من النجاسة الحكميّة أو كان الجنب حائضا أيضا أو ماسّا للميّت ، والمراد بالنجاسة العينيّة : [ ما ] تنجّس ملاقيه بالرطوبة.

قوله : مقتضى النص إلى آخره.

أي : مقتضى النص الموجب للنزح لاغتسال الجنب صيرورة الماء نجسا ؛ لأنّ مبنى القول بنجاسة البئر بالملاقاة هو دلالة الأمر بالنزح عليها ، فيكون الأمر بالنزح فرع التنجيس.

ويمكن أن يكون النص إشارة إلى صحيحة ابن أبي يعفور المصرّحة بفساد الماء بالوقوع في البئر جنبا (١) حيث إنّ الظاهر من فساده نجاسته. وقوله : « بذلك » إشارة إلى غسل الجنب ، والتخصيص بالغسل يدلّ على أنّه المعتبر في التنجيس.

وقال ابن إدريس : « إن السبع لارتماس الجنب ». وهو الظاهر من كلام الشيخين. ولا يفهم منه أنّ المقصود مجرّد الارتماس ، أو الارتماس للغسل. ورجّح بعض الأصحاب السبع بمباشرته لمائها وإن لم يرتمس ولم يغتسل.

قوله : لا سلب الطهورية.

أي : سلب الطهورية فقط من غير نجاسة الماء ، فلا يرد أنّ النجاسة تستلزم سلب الطهورية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٧٧.


قوله : وعلى هذا.

أي : على أنّ الماء ينجس بالغسل (١) ـ لا أن يسلب عنه الطهوريّة فقط ـ يطهر بدن المغتسل من الحدث ؛ لأنّ الماء لا ينجس إلّا بعد تمام الغسل وينجس بالخبث وهو الماء المتنجّس. وأمّا على القول بسلب الطهورية فيطهر بدنه من الحدث ولا ينجس.

ويحتمل على بعد أن يكون المضمر في « نجس » راجعا إلى ماء البئر أي : طهر بدنه من الحدث ، ونجس ماء البئر بالخبث وتكون ال « باء » فيه للمصاحبة كما في قوله تعالى :( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ* ) (٢) بمعنى : سبّحه حامدا له.

قوله : بعد غسل الجزء الأوّل إلى آخره.

أي : الجزء الأوّل من بدن الغاسل ، والضمير في « اتصاله » راجع إلى الجزء ، أو إلى الغاسل ، وفي قوله : « به » إلى ماء البئر. وكذا الضمير في « إليه ».

والمراد بالماء في قوله : « ووصول الماء » الماء الذي غسل به الجزء الأوّل. والمراد باتصاله به : اتصاله حين الغسل بأن يغمسه في الماء على القول بجوازه.

وفي قوله : « توقّفه » الى النجاسة ، فهو معطوف على نجاسة الماء يعنى : لو اغتسل بالغسل الترتيبي فبعد غسل الجزء الأوّل من بدنه كالرأس قبل إتمام الغسل فإن لم يتصل هذا الجزء أو شي‌ء من بدنه بماء البئر ولم يصل ماء الغسل إلى ماء البئر كأن يغتسل خارج البئر ، فلا كلام في عدم نجاسة ماء البئر وأمّا مع اتصال الجزء المغسول أو جزء بدنه مطلقا بماء البئر ، أو وصول ماء الغسل إلى ماء البئر ، فهل ينجس ماء البئر أو تتوقّف نجاسته على إكمال الغسل مع اتصال بدنه حين إتمام الغسل إلى ماء البئر او وصول الماء الغاسل للجزء الاخير أو لجميع الأجزاء إلى ماء البئر؟ فيه وجهان.

وممّا ذكرنا ظهر أنّه يشترط في النجاسة بالإكمال أيضا ما اشترط في النجاسة بغسل الجزء الأوّل من اتصال الغاسل بالماء حين غسل الجزء الأخير ، أو وصول ماء غسل تمام الأجزاء ، أو الجزء الأخير إلى البئر أيضا.

قوله : وجهان.

__________________

(١) فى الاصل : ينجس بالملاقاة.

(٢) الحجر : ٩٨.


أي : حكمان : أحدهما : نجاسة الماء بعد غسل الجزء الأوّل بأحد الشرطين. وثانيهما :توقّفه على الإكمال.

وعلى هذا تكون لفظة « أو » في قوله : « أو توقّفه » بمعنى : ال « واو » ، ولفظة « في » فى قوله : « ففي نجاسته » زائدة ، ويكون المعنى : وإن اغتسل مرتّبا فنجاسته بعد غسل الجزء الأوّل وتوقّفه على الإكمال حكمان كلّ منهما محتمل. ويحتمل أن تكون ظرفية ، إن كان الحكمان عين المظروف وذلك كما يقال : ( في اليوم الفلاني اثنتا عشرة ساعة ) أو ( في الفرسخ ثلاثة أميال ) أو ( في البيت سقف وأرض وجدار ).

ويمكن أن يكون الوجه بمعنى الدليل كما يقال : ( الوجه في ذلك كذا ) وعلى هذا فتكون لفظة « في » بمعنى ال « لام » ويكون المعنى : وإن اغتسل مرتّبا فللنّجاسة أوّلا ، وبعد الإتمام دليلان كلّ منهما لكلّ من الحكمين.

ثمّ الوجه في الحكم الأوّل هو أنّه ليس سبب نجاسة ماء البئر بالاغتسال إلّا تحمّله للنجاسة الحدثيّة الحاصلة للجنب ، وهو حاصل بغسل أول الأجزاء أيضا لارتفاع نجاسته الحدثية وانتقالها إلى البئر مع الاتّصال وإلى الماء المنفصل بدونه ، وسرايته منه إليه ، أو أنّ الحكم يعلّق على الغسل وهو صادق على غسل الجزء أيضا ، فيصير نجسا.

وفي الحكم الثاني أنّ الحكم في الأخبار وكلمات الفقهاء معلّق على الاغتسال ، وهو لا يتحقّق إلّا مع الاكمال.

أقول : ويرد على أوّل الوجهين للأوّل أوّلا : أنّ كون السبب في نجاسة الماء ما ذكر ممنوع ، وإنّما هو علّة استنباطيّة غير معتبرة عندنا.

وثانيا : أنّا لو سلمنا أنّها العلّة ولكن يحتمل أن لا يكون تحمّل مطلق النجاسة الحدثيّة موجبة للتنجس الخبثى ، بل كان موقوفا على تحمّل نجاسة حدثية جميع الأجزاء.

وثالثا : أنّه لو سلّمنا الجميع فإنّما يصحّ في صورة الاتّصال ، وأمّا في صورة وصول الماء فلا ، لأنّ القدر الثابت هو تحمّل ماء البئر للنجاسة الحدثيّة ، ولذا لا يقول بنجاسة ماء غير البئر باغتسال الجنب كلّ من يقول بنجاسة ماء البئر به ، والماء المنفصل من البئر


حكمه غير حكم ماء البئر ، ولذا لا ينجس الكر الخارج من البئر من مائها بالملاقاة إجماعا.

وعلى ثاني الوجهين له أوّلا : أنّ الحكم معلّق على غسل الجنب وهو غسل جميع أجزائه دون جزء واحد.

وثانيا : أنّ الحكم معلّق بماء البئر فلا ينجس بوصول الماء المنفصل.

ويرد على وجه الحكم الثاني أوّلا : ما أوردناه أخيرا على كلّ من الوجهين الأوّلين.

وثانيا : أنّ الاتصال المشروط في نجاسة الماء بعد إكمال الغسل إمّا اتصال الجزء الأخير أو جزء من بدنه مطلقا فعلى الأوّل فإمّا غسل سائر الأجزاء أيضا بالغمس في ماء البئر أو غسله خارجها وإن غسل الجزء الأخير بالغسل والحكم بنجاسة ماء البئر لو أمكن لأمكن في الصورة الاولى. وأمّا في الثانية فلا ، لما مرّ من تعليق الحكم على غسل الجنب دون جزئه.

وعلى الثاني : فلا يخلو إمّا يغسل الجزء الأخير بالغمس في ماء البئر أو لا بأن يكون رجله اليمنى في ماء البئر ويخرج رجله اليسرى ويصب عليه الماء. وعلى التقديرين فإمّا غسل باقى الأجزاء بالغمس في البئر أو لا ، والحكم بنجاسة البئر إن أمكن ، فإنّما هو في صورة واحدة من الاربع ، وهي أن يغسل الجزء الأخير بالغمس مع غسل سائر الأجزاء كذلك أيضا ، وأمّا في البواقي فلا ، ووجهه يظهر ممّا مر.

هذا ، وقد يتوهّم أنّ الوجهين جاريان فيما إذا اغتسل مرتمسا أيضا ؛ لأنّه يستحيل أن يصل جميع الأجزاء على الماء دفعة حقيقيّة ، بل يتقدم وصول بعض الاجزاء على بعض لا محالة. فبمحض الوصول هل يتنجس الماء لحصول اغتسال ذلك الجزء أو يتوقّف على إكمال الغسل.

ولا يخفى ما فيه ؛ لانّ نجاسة ماء البئر بالاغتسال على القول بها موقوفة على حصول الطهارة للجزء الملاقى له ، ولا يطهر في الغسل الارتماسي جزء من البدن ما لم يصل الجميع ، ولذا لو نجس الماء بعد وصول جزء لا يكون غسل ذلك الجزء صحيحا ، ولا يطهر به ، بخلاف الترتيبي ؛ فإنّ طهارة جزء فيه لا يتوقّف على طهارة سائر الأجزاء.


قوله : مع احتماله.

أي : احتمال الالحاق لاتحاد طريق المسألتين ، فإنّ سبب النجاسة ، في اغتسال الجنب هو انتقال النجاسة الحدثيّة الحاصلة للجنب إلى ماء البئر بالاغتسال ، وتلك النجاسة حاصلة للحائض والمستحاضة والنفساء ، ومن مسّ ميّتا ، وترتفع بالاغتسال ، فتنتقل الى البئر.

ولا يخفى ضعفه ، سيّما مع أنّ النجاسة الحدثيّة غير حاصلة لكلّ من يجب عليه الغسل كالناذر للغسل أو الغاسل للتهيّؤ للقتل ونحوهما.

والظاهر أنّ مراده ممن يجب عليه الغسل من وجب بأصل الشرع الذي تحصل له النجاسة الحدثيّة وهي الأربعة المذكورة.

قوله : وخروج الكلب إلى آخره.

لا يخفى أنّ السبع هنا ليس لخروج الكلب ، بل إنّما هو لملاقاته حيّا من دون موته في البئر ، وإنّما نسبه إلى الخروج ؛ لأنّ الخروج حيّا يستلزم الملاقاة ، بخلاف ما لو قال : ( وملاقاة الكلب ) ، فإنّها أعمّ من الخروج حيّا ، وتقييده بذلك كان منافيا للإيجاز الذي هو مطلوب المصنّف في هذا الكتاب.

قوله : ولا يلحق به الخنزير إلى آخره.

دفع لما يمكن أن يتوهّم من أنّه لما كان الكلب والخنزير متساويان في المقدّر عنده ، فلعلّهما كذلك في الخروج حيّا فقال : لا يلحق بالكلب ، بل يلحق بما لا نصّ فيه.

والوجه في جعله ملحقا بما لا نصّ فيه مع أنّ الظاهر من الإلحاق ما لم يكن منه ، ولكنّه الحق به ، لعلّه أنّ كثيرا من العمومات يشمل الخنزير كالخبر الدالّ على وجوب الأربعين للكلب وشبهه (١) ، والدالّة على السبع لما بين الفأرة إلى الشاة (٢) والدالّة على الثلاثين أو الأربعين للسنّور ، أو أكبر منه (٣) إلى غير ذلك ، ولكن بعضها ضعيف سندا وبعضها مخصوص بحالة الموت ، وكلّها يخالف الإجماع ، فيكون الخنزير ملحقا بما لا نصّ فيه ، لا

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٨٣.


أنّه منه حقيقة ، وكذا الأمر في كلّ ما حكم الشارح بإلحاقه بما لا نصّ فيه سابقا أو لاحقا.

قوله : مثلث الدال.

صرّح بذلك في القاموس. ويظهر من الصحاح أنّها تفتح وتكسر فقط ؛ لاقتصاره عليهما ، وقال : وفتح الدال أفصح من كسرها.

وواحدته : دجاجة ، وهو أيضا مثلث الدال كما في القاموس ، وهو للذكر والانثى ، قاله في الصحاح. واستدلّ : بأنّ ال « هاء » إنّما دخلته على أنّه واحد من جنس مثل حمامة وبطة واستدلّ على إطلاقه على الذكر بقول جرير :

لما تذكّرت بالديرين أرّقني

صوت الدجاج وضرب بالنواقيس(١)

يعني زقاء الديوك.

قوله : في المشهور.

قيد لنزح الخمس لذرق مطلق الدجاج لا الدجاج مطلقا ؛ لأنّه ليس بمشهور. وإنّما المشهور هو وجوب الخمس له في الجملة إمّا مطلقا ـ وهو مذهب الشيخ ، ونقل عن ابن حمزة أيضا ـ أو مقيّدا بكونه جلّالا ، وهو منقول عن المفيد وسلّار وابن إدريس وابن البرّاج.

ومقابل المشهور قول أبي الصلاح حيث قال بأنّ خرء ما لا يؤكل لحمه يوجب نزح الماء ، وظاهر المعتبر أيضا التوقّف.

قوله : ولا نصّ عليه ظاهرا.

أي : على وجوب الخمس ، أو على ذرق الدجاج مطلقا.

وقوله : ظاهرا.

إمّا قيد للنفي ، فيكون إشارة الى احتمال وجود نصّ لم يعثر عليه الشارح ، أو للمنفي فيكون إشارة إلى أنّه يمكن استخراج حكمه من بعض العمومات ، ولو بضمّها إلى الخبر الذي يدلّ على نجاسة ذرق الدجاج مطلقا وأفتى بمضمونه الشيخ.

__________________

(١) الصحاح ١ / ٣١٣.


قوله : فيجب إلى آخره.

أي : إذا عرفت أنّه لا نصّ على ذرق الدجاج فيجب تقييده في هذا المقام حيث يذكر ، أو في الحكم بوجوب النزح ، بالجلّال حتى يكون لذكره وجه. وليس المعنى : أنّه يجب تقييده في الحكم بوجوب نزح الخمس ؛ لأنّه لا يلائمه ذكر الاحتمالات الثلاثة الآتية.

والضمير في « تقييده » راجع إلى الدجاج باعتبار تذكير لفظه ، أو إلى ذرق الدجاج ، وهو المناسب لرجوع الضمير في قوله : « ليكون » إليه والجلّال وإن كان حقيقة وصفا للدجاج إلّا أنّ تقييد الدجاج به يستلزم تقييد الذرق أيضا لخروج بعض أفراده وقوله : « ليكون » تعليل لوجوب التقييد أي : يجب ذلك لصيرورته نجسا ، فيحصل وجه لذكره في هذا المقام.

قوله : إن لم يثبت الإجماع على خلافه.

إشارة إلى ما ادّعاه بعضهم من الإجماع على عدم الزيادة على الخمس ، والضمير إمّا راجع إلى « نزح الجميع » أو إلى « الإلحاق ».

قوله : إدخالا له في العذرة.

هذا احتمال ذكره المحقّق في المعتبر حيث قال : « ويقرب عندي أن يكون داخلا في قسم العذرة ينزح له عشر ». انتهى.

وردّ : بأنّ العذرة في اللغة فضلة الانسان ، فلا تشمل غيرها.

ولا يخفى أيضا أنّه على هذا يجب أن يقول عشر إن لم يكن رطبا ، أو ذائبا ، أو أحدهما على الأقوال ، وأربعون مع عدمهما كما مرّ في العذرة.

قوله : والخمس.

تعريف الخمس دون العشر لتقدمها ذكرا بخلاف العشر.

قوله : للإجماع على عدمه إلى آخره.

أي : عدم الزائد على الخمس. ويحتاج إلى ضمّ مقدّمة اخرى حينئذ لنفي الأقل وهو استصحاب نجاسة البئر أو احتياج الشغل اليقيني إلى البراءة اليقينية. وقوله : « إن تمّ » قيد إمّا للتعليل المستفاد من اداته. أي : تعليل احتمال الخمس بالإجماع إن تمّ وإمّا قيد للاحتمال أي : احتمال الخمس إنّما هو إن تمّ الإجماع.


لا يقال : إن تمّ يكون الخمس يقينيّا لا محتملا.

لأنّا نقول : إنّ بعد ثبوت الإجماع على عدم الزائد يكون عدم الزيادة يقينيا دون تعيين الخمس ، لاحتمال الأقل واستصحاب النجاسة معارض بأصالة البراءة.

ولا يخفى أنّ احتمال الإجماع على عدم الزائد يدلّ على احتمال الإجماع على خلاف وجوب العشر أيضا ، فلا بدّ من تقييده فيه أيضا كما ذكره في وجوب نزح الجميع. وإنّما تركه لدلالة التقييد أوّلا عليه كما في قوله : ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ). (١)

ثمّ الضمير المجرور راجع إلى ذرق الدجاج ، والمستتر في « تمّ » إلى الإجماع ، ومضاف الزائد محذوف أي : عدم وجوب الزائد.

قوله : صرّح بإرادة العموم كما هنا.

قال في الدروس : « وخمس لذرق الدجاج وخصه جماعة بالجلال ». دلّ نسبة الاختصاص إلى الجماعة أنّ مراده من ذرق الدجاج أوّلا : العموم أي : سواء كان جلالا أم لا ، فبتلك النسبة صرّح بأنّ مراده من الدجاج : الذي هو الجمع المعرف : معناه الحقيقى وهو العموم ، ولا يحتمل التجوّز اتكالا على القرينة الحاليّة ، أو صرح بأنّ مراده من ذرق الدجاج الذي هو المفرد المضاف : هو العموم ، أو مراده من إطلاق الذرق هو ما يقتضيه الإطلاق من غير إرادة التقييد.

وعلى التقادير يكون قوله : « كما هنا » حالا من محذوف متعلق بالإرادة كـ « من اللفظ » أو مثله أي : في الدروس صرّح بإرادة العموم من اللفظ الذي ذكره فيه حال كون ذلك اللفظ مثل اللفظ الذي هو هنا ، فيكون الإتيان بتلك الجملة الحالية للتنبيه على أنّ المراد هنا أيضا العموم.

ويمكن أن يكون قوله : « كما هنا » متعلقا بالإرادة وتشبيها فيها ، والمعنى : وصرّح في الدروس بإرادة العموم كما أراده هنا حيث أطلق في اللفظ أو أتى بالجمع المعرّف وإن لم يصرّح بتلك الإرادة هنا.

__________________

(١) مريم : ٣٨.


قوله : وجعل التخصيص.

هذه الجملة عطف تفسيري على قوله : « صرّح » ، فإنّ تصريحه فيه بإرادة العموم بجعله التخصيص قولا لجماعة.

قوله : مع عدم الوصف.

ال « لام » للعهد الذكري. أي : الوصف المذكور وهو الانتفاخ على قول المصنّف ، والتفسخ على المروي.

قوله : على المشهور.

هو مذهب الشيخان ، والفاضلان ، وكثير من الأصحاب.

ومقابل المشهور ما اسند إلى عليّ بن بابويه ، واختلف النقل عنه : فذكر العلّامة في المختلف : « أنّه يقول في الحيّة بوجوب نزح سبع دلاء » ونسب هذا القول إلى رسالته.

ونقل المحقّق في المعتبر عبارة الرسالة بنوع آخر ، وفيه موضع « سبع دلاء » « دلوا واحدا ».

وقال صاحب المعالم : وفيما عندنا من نسخة الرسالة القديمة التي عليها آثار الصحّة « دلاء » بدون « السبع ».

قوله : والمأخذ فيها ضعيف.

الضمير المجرور للحيّة. أي : ومأخذ هذا الحكم في الحيّة ضعيف. ويمكن أن يكون راجعا إلى الشهرة ، ويكون المأخذ بمعنى المبدأ والمنشأ كما يطلق كثيرا. والمأخذ الذي أشار إليه هو ما استدلّ به في المعتبر والمختلف ، حيث قال في المعتبر : ويمكن أن يستدلّ على الحيّة بما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سقط في البئر حيوان صغير فمات فيها فانزح منها دلاء » (١) فينزل على الثلاث لأنّه أقل محتملاته انتهى.

وتبعه في هذا الاحتجاج العلّامة في المنتهى.

ووجه ضعفه : أمّا أوّلا : فلأنّ دلالته موقوفة على كون الحيّة ذات نفس سائلة ، إذ لو لم

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٠.


يكن كذلك لكانت خارجة عن إطلاق الحيوان الصغير بالروايات المصرّحة بأنّه ليس شي‌ء فيما لا نفس له. (١)

وثانيا : أنّه مقيّد بصحيحة عبد الله بن سنان المتضمّنة لنزح سبع دلاء لوقوع الدابّة الصغيرة (٢) لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

واحتجّ في المختلف : برواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « فيما يقع في بئر الماء فيموت فيه ، فأكثره الانسان ينزح منها سبعون دلوا. وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد. » (٣) فالحيّة يجب فيها أكثر من العصفور ، وإلا لم يختصّ القلّة بالعصفور ، وإنّما وجب نزح ثلاث لمساواتها الفأرة في قدر الجسم.

وبرواية إسحاق بن عمّار عن أبي جعفر ، عن أبيه عليهم‌السلام : « أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول :الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان وثلاثة ». (٤) ولا ريب أنّ الحيّة لا تزيد عن قدر الدجاجة في الجسم.

ولا يخفى ما في الوجهين من الضعف من وجوه.

قوله : وعلّل.

أي : وعلّل الحكم المذكور وهو وجوب نزح ثلاث دلاء للحيّة.

وإنّما لم يقل : ( وعلّل أيضا ) مع أنّه [ انسب ] حيث قدّم ذكر المأخذ وقال : إنّه ضعيف لما بين المأخذ والعلّة من الفرق في اصطلاحهم ؛ فإنّ المأخذ يطلق غالبا على مثل الخبر والآية والاجماع ، والعلّة على الاعتبارات العقليّة والوجوه المستنبطة. ولفظة « أيضا » إنّما تناسب لو كان المأخذ علّة أيضا ، فتركها للتنبيه على أنّ المأخذ ليس هو العلّة ، فتأمّل.

قوله : وفيه.

أي : في هذا التعليل زيادة على الشك في أنّ لها نفسا حتّى تكون ميتتها نجسة ، وكونه غير معلوم ، أنّ ذلك غير مستلزم للمدّعى ، لأنّ المدّعى وجوب نزح ثلاث دلاء ، ولا يلزم

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٧٩.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٩٤.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٨٦.


من كونها ذات نفس ونجاسة ميتتها أن ينزح لها ثلاث دلاء. غاية ما يلزم منها إلحاقها بما لا نصّ فيه ، فيلزم وجوب نزح الجميع.

وإتمام المدّعى بضمّ أصالة البراءة عن الزائد ؛ غير صحيح ؛ لأنّ تلك الضميمة لو تمّت لأوجبت ذلك في كلّ ما لا نصّ فيه مع أنّهم لا يقولون به فيه. على أنّ أصالة الزائد يقتضي الاكتفاء بالدلو الواحد.

وقوله : والحق بها الوزغة.

الفعل إمّا مبني للفاعل أو المفعول

فعلى الأوّل إمّا يرجع المستتر فيه إلى المعلّل ، أو المصنّف : فعلى الأوّل يكون المعنى : أنّ المعلّل ألحق الوزغة بالحيّة في التعليل. ويكون المراد بالالحاق : تشريك الوزغة مع الحيّة أي [ قرنها ] لها في التعليل ، وقال : بأنّ لهما نفسا.

ويمكن أن يكون التعبير بالإلحاق حينئذ لأجل أنّ المعلّل أثبت النفس للحيّة فقط دون الوزغة ، لكنّه أتبع الحيّة بالوزغة لاتحادهما في الحكم بزعمه أو مشابههما عنده ، فأثبت لها حكم الحيّة.

وعلى التقديرين يكون ذكر إلحاق المعلّل لأجل الاعتذار للمصنّف حيث ذكر الوزغة بعد الحيّة مع عدم تنجس البئر حيث لا نفس لها ، فكأنّه قال : ( ولأجل إلحاق المعلّل ذكر المصنّف الوزغة ).

وعلى الثاني : يكون المعنى : وألحق المصنّف بالحيّة الوزغة. ويكون إقحام لفظ الإلحاق ؛ لأنّ كلام المصنّف في مطهرات البئر ، والوزغة ليس لها نفس حتّى ينجّسها ، فلم يكن من حقّها ذكرها ، وإنّما ذكرها إلحاقا بالحيّة حيث إنّ القوم ذكروها بعدها ، فذكرها إلحاقي تبعي وإنّما لم ينسب ذكر الحيّة بالالحاق لاحتمال أن يزعم المصنّف أيضا أنّ لها نفسا بخلاف الوزغة. وهذا الاحتمال انسب بما فعله الشارح حيث أقحم في غير الوزغة قوله : ونزح ثلاث دلاء أو سبع أو غيرهما وخصّ الوزغة بالإلحاق.

وعلى الثاني يكون إشارة إلى ضعف هذا الإلحاق حيث نسبه إلى المجهول.

والتوجيهان الأوّلان أولى ، وأصحّهما ثانيهما كما يأتي وجهه في الحاشية اللاحقة.


ثمّ لا يخفى أنّ القائل بوجوب الثلاث للوزغة هو الصدوق والشيخان وجمع من الأصحاب. وأوجب أبو الصلاح ، والسلار دلوا واحدا. وابن إدريس لم يوجب شيئا.

وقال المحقّق في المعتبر : الذي أراه وجوب النزح في الحيّة ؛ لانّ لها نفسا سائلة وميتتها نجسة. أمّا العقرب والوزغة فعلى الاستحباب ؛ لأنّ ما لا نفس له سائلة ليس بنجس ، فلا ينجس شي‌ء بموته فيه ، بل روى أنّ له سما فيكره لذلك. (١)

حجّة الصدوق والشيخين : صحيحة معاوية بن عمّار المذكورة في التهذيب والاستبصار. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر. قال : « ينزح منها ثلاث دلاء ». (٢) وصحيحة عبد الله بن سنان المروية فيهما أيضا ، وهي أيضا مثلها. (٣)

وحجّة أبي الصلاح وموافقيه : رواية يعقوب بن عثيم المروية في الفقيه والتهذيب : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : في البئر في مائها ريح يخرج منها قطع جلود. فقال : « ليس بشي‌ء،لأنّ الوزغ ربما طرح جلده،إنّما يكفيك من ذلك دلو واحد ». (٤)

ومرسلة عبد الله بن المغيرة المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه‌السلام. قال : قلت : بئر يخرج في مائها قطع جلود. قال : « ليس بشي‌ء إنّ الوزغ ربما طرح جلده ». وقال : « يكفيك دلو من ماء ». (٥)

حجة ابن إدريس : رواية جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه‌السلام : أنّه سأله عن سام أبرص يقع في البئر. فقال : « ليس بشي‌ء ، حرّك الماء بالدلو ». (٦) ويدلّ على قوله الروايات العديدة الدالّة على أنّ كلّ ما ليس له دم فلا بأس به. (٧)

وقد ورد في بعض الروايات سبع دلاء أيضا كرواية يعقوب بن عثيم. قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : سام أبرص وجدنا ينفسخ في البئر. قال : « إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء ».

ولكن لم أعثر على عامل بها.

__________________

(١) المعتبر ص ١٨.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٨٧.

(٤) وسائل الشيعة ١ / ١٩٠.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ١٨٩.

(٦) وسائل الشيعة ١ / ١٨٩.(٧) وسائل الشيعة ١ / ١٨٥.


والوجه في ذكر تلك الروايات مع أنّ دأبي عدم ذكر الدليل فيما لم يشر إليه المصنّف غالبا ، لبيان توجيه قول الشارح : ولا شاهد له كما يأتي.

قوله : ولا شاهد له.

ولا يخفى أنّ الظاهر من هذه العبارة أنّ الضمير المجرور راجع إلى إلحاق الوزغة وأنّ اعتراف المصنّف في غير البيان بعدم الشاهد لحكم الوزغة ، ولكن ما ذكرنا من الأحاديث الكثيرة المتقدّمة في بيان حكم الوزغة مع صحّة أسانيدها ، ووجودها في كتابين من الكتب الأربعة مناف لذلك.

واحتمال عدم عثور مثل المصنّف ( رحمه‌الله ) على تلك الأخبار مما لا يقبله العقل ، وكذا ينافي ذلك عبارة المصنّف في الدروس والذكرى اللّذين هما المراد من غير البيان. قال في الدروس : « وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين وروي خمس ، وللحيّة ، ولا شاهد له وللوزغة والعقرب. وقيل : يستحبّ لهما. » وقال في الذكرى : « وللحيّة في المشهور إحالة على الفأرة ». انتهى

فإنّ عبارة الدروس صريحة في نفي الشاهد للحيّة ، وأمّا الوزغة فقطع فيها بالحكم كما هنا

وكذا في الذكرى. فإنّ قوله : « إحالة على الفأرة » صريحة في عدم الشاهد للحيّة دون الوزغة فالصحيح ان الضمير راجع إلى المشهور الّذي ذكره فى حكم الحيّة ، او إلى حكم الحيّة والمعنى انه لا شاهد لحكم الحيّة ، أو للمشهور كما اعترف به المصنّف في غير البيان ، وقطع بالحكم أي : الحكم المذكور للحيّة في البيان كما هنا. قال في البيان : « وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين ، والحيّة ، والعقرب ، والوزغة ». انتهى.

والوجه في تقديم ذكر الوزغة على ذلك يعلم ممّا ذكرنا في توجيه قول الشارح : « وألحق بها الوزغة ». وبيانه : أنّ المصنّف صدر هذا البحث بقوله : « ويطهر » أي البئر ، فالمقصود ذكره هنا حكم النجاسات الملاقية للبئر دون غيرها ؛ إذ لا ينجس البئر بغيرها حتّى يطهر ، ولمّا وقع الخلاف في الحيّة وقال بعضهم بأنّ لها نفسا سائلة ، فيحتمل أن يكون ذكرها مقصودا بالذات ، فلا يصحّ القطع بأنّ ذكرها تبعيّ ، أو ملحق بشي‌ء آخر


بخلاف الوزغة ؛ فإنّه ممّا لم يقل أحد بكونها ذات نفس ، وبأن ميتتها نجسة ، فلا محالة يكون ذكرها هاهنا تبعيّا إلحاقيا ؛ ولذا أقحم لفظ « الإلحاق » كما مر للتنبيه على أنّه لا يصحّ إبقاء كلام المصنّف على ظاهره من كون ذكر الوزغة مقصودا كسائر المعطوفات في ذلك الباب ، بل يجب صرفه من ظاهر ، وجعل ذكر الوزغة مقصودا كسائر المعطوفات في ذلك الباب ، بل يجب صرفه من ظاهره ، وجعل ذكر الوزغة من باب الاستطراد حتّى يكون من تتمّة بحث الحيّة ، وإذا كان ذكره من تتمّة بحثها ، فيجوز تأخير بعض متعلّقات بحث الحيّة عنه ، بل هو الأولى للتسجيل بأنّ ذكر الوزغة أيضا من متمّماته ، لا أنّه حكم مذكور برأسه ؛ ولذا قدّمه الشارح على قوله : « ولا شاهد له » حتّى يكون تنبيها على ذلك. ومن هذا وضح سرّ ما ذكرنا من ترجيح بعض التوجيهات لقول المصنّف : « وألحق بها ».

بقي هاهنا شي‌ء آخر وهو أن الشارح قد صرّح بأنّ المأخذ في الحيّة ضعيف وتعليلهم عليل فان كان مراده من نفي الشاهد ، الشاهد مطلقا : ضعيفا كان أم لا ، تامّا أم غير تام ، فهو باطل ؛ لتصريحه بوجود الشاهد الضعيف. وإن كان مراده نفي الشاهد القوي ، فهو تكرار بلا فائدة ؛ لدلالة قوله : « والمأخذ فيها ضعيف » إلى آخره على ذلك.

ويمكن أن يقال : بأنّ المراد : الثانى ، ولا تكرار ؛ لانّ مدلول كلامه الأوّل أنّ ما تمسكوا به ضعيف ؛ لانّ ال « لام » في « المأخذ » للعهد الذهني أي : المأخذ الذي أخذوا به ، أو لأنّ ذلك مأخوذ في معنى المأخذ ، لانّ المراد بالمأخذ : ما اخذوا به ، وكذا « علل » صريح في ذلك ، ولم يدل على نفي الدليل التام ، بل احتمل مع ضعف ما تمسكوا به أن يكون هناك دليل تام ، فنفاه بقوله : « ولا شاهد عليه ». واستشهد بكلام المصنّف في غير البيان.

ولو قلنا برجوع الضمير في قوله : « له » الى المصنّف يصير دفع هذه الشبهة أظهر ؛ لانّه يتوهّم من قوله : « والمأخذ ضعيف » أنّ المصنّف حكم بما حكم في الحيّة لذلك المأخذ ، فأراد أن يبيّن أنّه ليس كذلك ، بل المأخذ الضعيف إنّما هو للقوم ، ولا شاهد للمصنّف كما اعترف به في غير البيان.

قوله : والحق بها العقرب.

هذا أيضا كسابقه يحتمل البناء للفاعل وللمفعول. وعلى الأوّل يكون المستتر فيه راجعا إلى المصنّف في غير هذا الكتاب. والأظهر الثاني كما أنّ الأظهر في السابق الأوّل.


وحينئذ يندفع ما يتوهم أنّه بعد ذكر قوله : « وألحق بها الوزغة » كان يكفي أن يقول : ( والعقرب ) ولا يحتاج إلى ذكر الإلحاق ثانيا.

والمراد بإلحاقه بها : إلحاقه في وجوب النزح ، أو في وجوب ثلاث دلاء.

والقائل باللحوق هو الشيخ في النهاية والمبسوط ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح.

وذهب الشيخ على بن بابويه في رسالته إلى وجوب شي‌ء في العقرب. وهو مختار ابن إدريس.

قوله : وربما قيل بالاستحباب.

ذهب إليه المحقّق في المعتبر ، والعلّامة.

وقوله : « لعدم النجاسة » علّة للجزء المنفي المفهوم من الاستحباب دون المثبت ؛ فإنّ الاستحباب عبارة عن طلب الفعل مع عدم المنع من النقيض ، وعدم النجاسة يصلح علّة لعدم المنع من النقيض ، دون طلب الفعل.

وإنّما ترك بيان الدليل عليه ؛ لأنّه واضح ، وهو الأخبار ، وإنّما المحتاج إلى الدليل هو حمل الحكم الوارد في الخبر الظاهر منه الوجوب على الاستحباب.

والخبر الوارد فيه : هو ما رواه الشيخ باسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال : تسكب منه ثلاث مرّات وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ تشرب منه وتتوضّأ منه ». (١)

وجه الاستدلال : أنّه إذا وجب ان ينزح لها مع خروجها حيّا ثلاث دلاء ، فمع الموت بالطريق الأولى.

قوله : ولعلّه لدفع ....

الضمير راجع إلى الاستحباب ، دون القول به ؛ لأنّ القول به إنّما هو للخبر ، ولكن لمّا لم يكن نجسا فكان ورود الخبر باستحبابه مستبعدا ظاهرا ، فدفعه بقوله : « ولعلّ » الاستحباب الوارد في الأخبار لدفع وهم السم ، أي : دفع وهم دخول سمّه في الماء أو دفع وهم سميّة الماء بمجاورته ، فإذا نزح منه شي‌ء يرتفع ذلك الوهم رأسا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٨.


قوله : ودلو للعصفور.

هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل لا يعرف فيه خلاف إلّا أنّ الصدوق قال في الفقيه : وأكبر ما يقع في البئر الإنسان ، فيموت فيها ، فينزح منها سبعون دلوا ، وأصغر ما يقع في البئر الصعوة ينزح منها دلو واحد ، وفيما بين الانسان والصعوة على قدر ما يقع فيها.

وكذا قال أبوه في الرسالة ، وهو في الظاهر يخالف المشهور ؛ إذ الصعوة ليس مطلق العصفور ، بل عصفور صغير ، كما نصّ عليه في القاموس ، لكنّ الظاهر أنّ مرادهما منها :مطلق العصفور إمّا بإطلاق الخاص على العام ، أو بأنّه لم تثبت الأخصّية ، بل يكونان مترادفين.

قوله : وهو ما دون الحمامة.

قد مرّ ما يتعلّق بذلك في بحث الطير.

واعلم أنّ الراوندي ( رحمه‌الله ) حكم بخروج الخفاش عن شبه العصفور معلّلا بأنّه نجس.

واعترضه المحقّق في النجاسة : بأنّه لا دليل عليها ، فلو علّل بانّه مسخ نمنع نجاسة المسخ.

ولا يذهب عليك أنّه على تقدير نجاسته تصير المسألة حينئذ نظير مسألة موت الكافر ، فقس عليها.

قوله : وألحق به المصنّف إلى آخره.

المراد بالإلحاق : هو مجرّد جعل حكمه حكم العصفور ، لا ما يشعر به من اشتراكهما في وجه موجب لذلك.

فإنّه لا وجه مشترك بين العصفور وبول الرضيع.

قوله : قبل اغتذائه إلى آخره.

المراد بالاغتذاء : هو أن يغلب أكله على رضاعه ، أو يساويه بقرينة ما سبق ، دون من يغتذي مطلقا ، ويمكن أن يقال باشعار الاغتذاء بذلك أيضا ، والمضاف في الحولين محذوف أي : في أثنائهما ، أو يقال : إنّ الكون على الحولين أعمّ من كونه في منتهاهما أو في بعض أجزائهما كما يقال : إنّه في الفرسخ الأوّل أو ولد في الشهر الفلاني.


ولا يخفى أنّ كلام المصنّف في الثلاثة ليس مقيدا بهذا القيد ، بل ألحق بول الرضيع ، ولكن قيّده الشارح بذلك لما ظهر عليه من أنّهم جعلوا الرضيع المغتذي بالطعام في الحولين في حكم الصبي كما مر.

قوله : وإنّما تركه.

أي : ترك بول الرضيع.

قوله : هنا لعدم النص.

مراده من النص إمّا ما لا يشمل غيره بأن يكون خاصّا ، ولكنّه خلاف المتعارف في هذا المقام ، فإنّ مرادهم بما لا نصّ فيه ما لا حكم له في الأخبار عموما أو خصوصا ، وإمّا النص الذي يصلح لأن يعمل به ويصير مناطا لثبوت الحكم.

وعلى هذا فلا ينافيه ورود حكم البول مطلقا أو قطرات منه في بعض الأخبار كصحيحة ابن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيها الصبي ؛ أو يصبّ فيها بول أو خمر. فقال : ينزح الماء كلّه. (١)

ورواية كردويه قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن البئر يقع فيها قطرة دم ، أو نبيذ مسكر ، أو خمر. قال : « ينزح منها ثلاثون دلوا ». (٢)

وصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء ، فيقطر فيه قطرات من بول أو دم ، أو يسقط فيها شي‌ء من العذرة كالبعرة أو نحوها ، ما الذي يطهرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟فوقّع عليه‌السلام في كتابي بخطّه : « ينزح منها دلاء ». (٣)

فإنّ الأولين ممّا لم يقل بمضمونهما أحد ، فلا يكون معمولا بهما ، بل المصنّف أيضا حكم بخلافهما ، فان الاول يوجب نزح الكل لبول الصبى والثانى ثلاثين دلوا للخمر وقد مر حكم المصنف بخلافهما مع ما في الثانية من الضعف ، والثالثة وإن أوجب الدلاء الصادقة على الثلاث ، وقد حكم بها بعض في بول الرضيع إلّا أنّ مقارنة الدم والعذرة يمنع من حملها على الثلاث ، فلا تكون معمولا بها أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٨٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ١٧٦.


وعلى هذا فيكون معنى كلام الشارح : لعدم النص على ما يحتمل أن يكون حكم بول الرضيع ، وما وجد عليه النص فهو لا يحتمل أن يكون حكمه ، لمخالفته للإجماع.

قوله : مع أنّه في الشهرة إلى آخره.

هذا اعتراض على المصنّف.

وبيانه : أنّ وجه تركه بول الرضيع هنا عدم النص ، إذ لا وجه له غيره ، مع أنّه وحده لا يصلح وجها للترك ؛ لانّه ذكر ممّا لا نصّ فيه أشياء كذرق الدجاج ، ودم الحدث ، وغيرهما.

وتوهم ـ أنّ الفرق لاجل اشتهار الحكم في الأشياء المذكورة دون بول الرضيع ـ مدفوع بأنّه أيضا في الشهرة كغيره ممّا سبق ، فإنّه لم يخالف فيه أحد سوى أبي الصلاح ، وابن زهرة ، وهما أيضا لم يخالفا في وجوب النزح له ، بل حكما فيه بوجوب نزح ثلاث دلاء.

قوله : واعلم أنّ أكثر إلى آخره.

المراد بهذه المقدّرات : مقدّرات البئر ، لا خصوص ما ذكره المصنّف ؛ لأنّ القائل بغير ما ذكره موجود ، بل كثير ، فالمقصود أنّ أكثر مستند مقدّرات البئر ضعيف السند ، ولكن ينجبر ضعفه بالشهرة ، بل لا قائل بغير مدلول المستندات على تقدير القول بنجاسة البئر بالملاقاة ؛ لانّ القول بغيره يستلزم إخراج (١) تلك المستندات ، واطراحها يوجب كون النجاسات التي قدّر النزح لها فيها ممّا لا نصّ فيه ، ولم يقل بذلك أحد ؛ لانّ كلّ من قال بنجاسة البئر قدّر لها عند وقوع أحد تلك النجاسات دلاء مخصوصة.

فالضمير في قوله : « به » راجع إمّا إلى الاكثر أو المستند ، وكذا في « غيره ». ويمكن إرجاعه إلى مدلول الأكثر أو المستند أيضا باعتبار دلالتهما عليه أي : لا قائل بغير مدلوله. والضمير في « اطراحه » أيضا راجع إلى أحدها ، وفي « كونه » راجع إلى ما يدلّ عليه المقام وإن لم يكن مذكورا ، وهو كلّ واحد من النجاسات المقدّرة لها.

__________________

(١) اطراح. ظ


فإن قوله : « أكثر مستند هذه المقدّرات » فى قوة هذه المقدرات لكلّ واحد من تلك النجاسات. ويمكن إرجاعه إلى كلّ من النجاسات المتقدّمة ذكرها في كلام المصنّف.

وال « فاء » في قوله : « فإنّ » للتعليل ، وهو علّة لعدم وجود القائل بالغير ، دون التفريع ، كما فهمه بعضهم وفسّره بما لا معنى له.

قوله : ويجب التراوح.

هو تفاعل من الراحة ؛ لانّ كلّ اثنين منهما يريحان صاحبهما يشتغلان بالنزح ، ويستريح الآخران كما ذكره الشارح.

قيل : إنّ نزح الاثنين إنّما هو بأن يكون أحدهما فوق البئر والآخر فيها ، فالثاني يملأ الدلو ، والأوّل ينزح ، ثمّ يستريحان فيقوم الآخران مقامهما.

ولا يخفى أنّه لا دليل على لزوم كون أحدهما فوق البئر والآخر فيها ، بل الظاهر أنّه يكفي أن يكونا معا في أعلى البئر وينزحان ، بل الظاهر أنّه الأولى ؛ لانّه هو المتعارف ؛ إلّا أن يبلغ الماء في القلّة حدّا لا يمتلئ الدلو بمجرّد وضعه في الماء ، بل يحتاج إلى إدخال الماء فيه.

وجملة : « كلّ اثنين » إلى آخر مبتدأ وخبر ، والجملة صفة لأربعة رجال.

قوله : من أوّل النهار إلى الليل.

اعلم أنّه قد اختلف عبارات الأصحاب في تحديد يوم النزح.

فقال المفيد : من أوّل النهار إلى آخره. وتبعه جماعة.

وقال الصدوق والمرتضى : من الغداة إلى الليل.

وقال الشيخ في المبسوط والنهاية : من الغداة إلى العشي.

قال في المعتبر : « ومعاني هذه الألفاظ متقاربة ، فيكون النزح من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أحوط ؛ لانّه يأتي على الأقوال ».

وقال المصنّف في الذكرى بعد أن ذكر اختلاف العبارات في ذلك : « والظاهر أنّهم أرادوا به يوم الصوم ، فليكن من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لانّه المفهوم من اليوم مع تحديده بالليل ».


قال صاحب المعالم :

« وما ذكره المحقّق من الأحوطيّة حسن ، وأمّا كلام الشهيد ففي موضع النظر ؛ لانّ الحمل على يوم الصوم يقتضي عدم الإجزاء باليوم الذي يفوت من أوّله جزء وإن قلّ ، وعبارتهم لا يدلّ عليه ، بل ظاهرها ما هو أوسع من ذلك ، ولفظ الرواية محتمل لصدق اسم اليوم وإن فات منه بعض الأجزاء إذا كانت قليلة ، وبالجملة هذا التدقيق اللازم من جعله يوم صوم مستبعد ، وقد تبعه على ذلك المتأخّرون ، فأوجبوا على القول بالوجوب إدخال جزء من الليل أوّلا وآخرا من باب مقدّمة الواجب انتهى.

قوله : ووجوب نزح الجميع.

عطف على ال « تعذّر » دون « الغزارة » وإن كان في كلام المصنّف معطوفا عليها ، لانّ إضافة السبب إليها تمنع من عطفه عليها ، كما لا يخفى.

قوله : لأحد الأسباب المتقدّمة.

إنّما خصّ بالأسباب المتقدّمة مع أنّه يجب التراوح عند نزح الجميع بسبب لم يذكر أيضا كالملاقاة مع ما لا نصّ فيه وغيره ممّا لم يذكره المصنّف ؛ لانّه في مقام شرح كلام المصنّف ، والظاهر أنّه لم يرد بنزح الجميع ، إلّا لأحد الاسباب التي ذكرها. ويمكن أن يكون مراده بالمتقدّمة : المتقدّمة ذكرها في كلام المصنّف أو الشارح ، فيكون ما لا نصّ فيه أيضا متقدّما ؛ لكونه مذكورا في كلامه.

قوله : ولا بدّ إلى آخره.

قد سبق من صاحب المعالم أنّ هذا متفرّع على جعل يوم النزح يوم صوم. وهو ما فهم ذلك لأجل أنّ المستفاد من ذلك أنّ النزح أيضا يكون كالصوم ، فلا يكفي لو نقص جزء قليل من اليوم ، بل لا بدّ من استغراق جميع الأجزاء بالنزح ، وهو لا يتحقّق إلّا بإدخال جزء من الليل كما قيل ؛ لانّه لو جعل اليوم من طلوع الشمس إلى الغروب أيضا يصحّ ذلك ؛ لانّه بعد الامر بالنزح في النهار يجب استغراق النهار بالنزح ، وهو لا يتحقّق إلّا بعد إدخال جزء من سابقه ولاحقه ، بل لانّ ساعة بين الطلوعين لا يطلق عليه الليل ، فيكون القول بوجوب إدخال جزء من الليل ، وتهيئة الاسباب قبله مبنيّا على جعل اليوم يوم الصوم.


وقوله : « متقدّما » وصف للجزء أي جزء متقدّما ، ولكنّه لا يلائم الفصل. والأولى جعله حالا منه أي : الجزء حالكونه متقدّما ؛ و « متأخرا » إمّا وصف لموصوف محذوف يدلّ عليه الجزء المتقدّم ، أو حال من ذي حال كذلك. ويمكن أن يكونا معا وصفين أو حالين للجزء باعتبار كونه مطلقا ذا أفراد منه مقدّم ومنه مؤخّر ، وكلّ من الوصفين أو الحالين باعتبار فرد كما في قوله : ( الانسان عالم وجاهل ) ، ولا ينافيه التنوين ؛ لانّه ليس تنوين تنكير ، ويمكن جعله للتنكير أيضا وتكون إرادة الفردين من الجزء المنكّر من قبيل استعمال اللفظ في معنييه ، فتأمّل.

قوله : قبل ذلك.

أي : قبل الجزء حتّى يمكن إدخال الجزء.

قوله : ويجزي ما زاد عن الأربعة إلى آخره.

المراد بلفظ « ما » العدد أي : ويجزي في المتراوحين عدد زائد عن الأربعة فردا كان كخمسة أو زوجا كستّة ، نعم في صورة الفرديّة يلزم ضمّ الواحد مع غيره ، ولا يكفي نزح واحد مفردا.

ويمكن أن يكون المراد : الرجال وإن كانوا من ذوي عقول كما في قوله تعالى : ( وَالسَّماءِ وَما بَناها ) (١) وتذكير الفعل باعتبار لفظ الموصول.

وقوله : « دون ما نقص » ردّ على العلّامة في التذكرة حيث استقرب فيها الإجزاء بالاثنين القويّين اللذين ينهضان بعمل الأربعة.

وكأنّ كلام المصنّف في الذكرى أيضا ناظرا إليه حيث قال : « وأمّا الاثنان الدائبان ، فالأولى المنع » حيث قيّد الاثنين بالدائبين.

قوله : جماعة لا جميعا :

الأوّل حال عن الصلاة ، والثاني عن ضمير الجمع في قوله : « بهم » أى : يجوز لهم الصلاة حال كونها جماعة ، ولا يجوز لهم الصلاة حال كونهم جميعا أي : مجتمعين في الصلاة بدون الجماعة.

__________________

(١) الشمس : ٥


قوله : ولا الأكل كذلك.

وأي : ولا يجوز لهم الأكل جميعا. والمراد : أنّه يلزم أن يأكل كلّ اثنين منفردين ، ولا يجتمع الأربعة في الأكل. فالمراد بقوله : « كذلك » أي : الأكل على الاجتماع ، وليس المراد جواز الأكل جماعة وعدم جواز أكلهم جميعا ؛ إذ لا يتصوّر للأكل جماعة إلّا الأكل جميعا ، فما ذكره المحشّى الشيخ علي من أنّ المراد أنّ الاكل يجوز لهم مجتمعين جميعا لا منفردين جميعا ؛ اشتباه نشأ من عطف الشارح الأكل على الصلاة فافهم.

قوله : ونبّه بإلحاق ال « تاء » إلى آخره.

حيث إنّ العدد إذا جاوز الاثنين يخالف معدوده تذكيرا وتأنيثا ، فإلحاق ال « تاء » دليل على أنّ معدود الأربعة يجب أن يكون مذكّرا.

ولا يخفى أنّ ما ذكره إنّما يصحّ لو كان الترديد بين الرجال والنساء ، فيكون إلحاق ال « تاء » منبّها على عدم إجزاء النساء ولكنّ الترديد إنّما هو بين الذكور والأعم ولا شك أنّ المعدود الأعم مذكّر أيضا ، فإنّه إمّا الآدمي أو الانسان ، فيكون التقدير أربعة ، أو آدم ، أو الاناسي ، أو مثلهما ، فلا دلالة لالحاق ال « تاء » على عدم إجزاء غير الذكور ؛ لانّه لو أراد الاعم أيضا لا بدّ له من إلحاق ال « تاء » أيضا ، فتأمّل.

قوله : ولكن لم يدل إلى آخره.

لاحتمال الإجزاء بالصبيان.

قوله : عملا بمفهوم القوم إلى آخره.

لأنّ المذكور في النص لفظ « القوم » حيث قال فيه : « ثمّ يقام عليها قوم فيتراوحون اثنين اثنين ، فينزفون يوما إلى الليل ».

والمفهوم من القوم المتبادر منه في العرف كما صرّح به بعضهم ليس إلا الرجال. ونصّ جماعة من أهل اللغة على ذلك أيضا ، قال الجوهري : « القوم : الرجال ، دون النساء ». وقال ابن الأثير في النهاية : « القوم في الأصل مصدر قام ، فوصف به ، ثمّ غلب على الرجال » ولذلك قابلهنّ يعنى في قوله تعالى : ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ ). وقد قابلهنّ الشاعر أيضا حيث قال :

أقوم آل حصن أم نساء


وعلى هذا فيخرج غير الرجال من النساء والصبيان ، بل الخناثي أيضا.

قوله : خلافا للمحقّق إلى آخره.

قال في المعتبر : « علمنا بالخبر المتضمّن لتراوح القوم إجزاء النساء والصبيان ». وكأنّه اعتقد إطلاق القوم عليهم أيضا لما في القاموس أيضا وقد نسب إلى غيره أيضا.

قوله : بمعنى إلى آخره.

فيجب النزح حتّى يزول التغيّر ، وإن بقى من القدر شي‌ء يستوفى.

والتفسير لدفع توهّم وجوب النزح حتّى يزول التغيّر ثم نزح المقدر بعده.

قوله : جمعا بين النصوص ....

يعنى ان الجمع بين المقدر وزوال التغيّر بنزح أكثر الأمرين ؛ للجمع بين ما دلّ عليه النص من المقدّر وبين زوال التغيّر الذي هو أيضا هنا معتبر ، لاعتباره في طهارة ما لا ينفعل كثيرة بملاقاة النجاسة من دون تغيّره ، وهو ماء غير البئر فإنّه إذا تغيّر يعتبر في طهارته مضافا إلى إلقاء كرّ أو نحوه زوال تغيّره ، فاعتباره هنا ـ أي : في ماء البئر الذي هو أسهل قبولا للتنجس حيث ينفعل قليله وكثيره ـ أولى. وإنّما لم يقل : ( جمعا بين النصوص الموجبة للمقدّر والدالّة على اعتبار زوال التغيّر ) مع أنّه أيضا منصوص : ففي صحيحة محمد بن إسماعيل : « إلّا أن يتغير ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ». (١) وفي صحيحة الشحام : « فإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح » (٢)

لانّ الروايات الدالّة على اعتبار زوال التغيّر إنّما يدلّ على اعتبار زوال تغيّر الطعم أو الريح ، والمطلوب أعمّ من ذلك ؛ لشموله للتغيّر في اللون أيضا ، أو لانّ مفاد اخبار التقدير : وجوب نزح المقدّر ، وإن زال قبله التغيّر ومدلول روايات زوال التغيّر الاكتفاء به وعدم وجوب نزح الزائد ، فوجوب أكثر الأمرين لا يكون جمعا بين تلك النصوص ، فتأمّل.

قوله : أجودهما الثاني إلى آخره.

لانّ ما لا نصّ فيه ينزح له الجميع مع عدم التغيّر ، فمعه يكون نزح الجميع أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ / ١٨٤.


ووجه الأوّل : أنّ النجاسة المغيّرة لا يمكن أن يكون ممّا لا نصّ فيه ؛ لدلالة النصوص على أنّ بعد التغيّر يجب النزح حتّى يزول ، فيكون ممّا فيه نصّ ، فلا يقاس على عدم المغيّر ، وله وجه ، فتأمّل.


مسائل :الاولى

الماء المضاف

قوله : أي الشي‌ء الذي إلى آخره.

الأولى تفسير الموصول بالماء حتّى لا يرد أنّ تعريف المصنّف غير جامع ؛ لصدقه على غير الماءين أيضا وتكون القرينة عليه قوله : « المضاف » ، أو كون البحث بحث المياه.

ويمكن أن يقرأ ماء بالمد ، والمراد به : القدر المشترك بين المطلق والمضاف.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ من القواعد المقرّرة أنّ نفي المقيّد والموصوف يرجع إلى القيد والوصف وإثبات الأصل كما يقال : « زيد لا يصدق عليه الانسان الكامل » ، فإنّه يفهم منه نفي صدق الكامل وإثبات الانسانية ، فيكون معنى التعريف : أنّه ما لا يصدق إليه اسم الماء بوصف الإطلاق ، وإن صدق عليه مطلق الماء ـ أى : مع القيد ـ وحينئذ يكون قول الشارح مع صدقه بيانا لقول المصنّف ، لا قيدا زائدا يجب ازدياده.

قوله : كالمعتصر.

المراد بالمعتصر : الماء الذي يكون جزءا لجسم في أصل خلقته ، ثمّ خرج منه بالعصر أو غيره ، لا كلّ ما اعتصر من جسم.

وعلى هذا فإذا جذب جسم يابس كالحمّص ـ مثلا ـ ماء من الخارج ، ثمّ اعتصر ماؤه ، وكان المعتصر ممّا لا يطلق عليه اسم الماء المطلق ؛ يكون من أقسام الممزوج ؛ لأنّه امتزج بعد جذب الجسم إيّاه بأجزاء صغار من ذلك الجسم خارجة معه بعد العصر.

وبقولنا : « ثمّ خرج منه بالعصر أو غيره » دخلت المياه الخارجة من الأثمار والأشجار بمرور الأيّام عليها من دون عصر.

واعلم أنّ المركّب من المعتصر والمطلق من أقسام الممزوج ؛ لصدق المزج وعدم صدق المعتصر على المجموع ، وإن كان صادقا على بعضه. وتوهّم كونه من المعتصر لعدم


رفع الإطلاق إلّا بعد استهلاك المطلق ، فيبقى المعتصر على ما كان عليه من الأحكام واه جدّا.

قوله : والممتزج بها.

أي : بالأجسام. والضمير في « يسلبه » راجع إلى ماء أي : مزجا يسلب الماء الإطلاق.

وقد يقال : إنّ الماء المضاف هو مجموع الماء المطلق وما مزج به من الأجسام. والممتزج بها هو الأوّل ؛ لانّه الذي امتزج بها دون المجموع.

ودفعه : أنّ كون الأوّل ممتزجا إنّما هو ليس على الإطلاق ، بل بشرط المزج ، والمضاف أيضا هو الماء المطلق بشرط المزج. ودفع بوجوه اخر أيضا.

ولا يخفي أنّ من أقسام المضاف المصعد من الورد ومثله ، فأقسام المضاف ثلاثة. ومنهم من لم يعد المصعد قسما ثالثا ؛ لأنّه لا يخلو إما يكون هو الماء المطلق الممتزج بماء الورد أو مثله الخارج منه بتأثير النار ، أو يكون هو الماء المطلق المتكيّف برائحة الورد المتصاعد لاجل الحرارة ، أو يكون الهواء المتكيّف برائحة الورد المنقلب ماء لأجل مجاورته الماء ، أو يكون الماء الحاصل من الأبخرة المتصاعدة من الماء والورد بتأثير الحرارة فيها. فعلى الأوّل : لا يصحّ جعله قسما ثالثا وعلى البواقى لا يكون مضافا.

أمّا على الثانى : فظاهر ؛ لعدم تأثير التغيّر بدون المزج في سلب الإطلاق.

وأمّا على الثالث والرابع : فلأنّ ما ينقلب إليه الهواء أو يحصل بسبب الأبخرة من المياه ماء مطلق كالمياه الحاصلة في الحمامات وأمثالها.

ودفع : باختيار الأخيرين.

وردّ ما أورد عليه : بأنّ الماء الحاصل من الأبخرة إنّما يكون مطلقا إذا كانت الأجزاء المائية من البخار ماء مطلقا ، وكذا الماء الحاصل من انقلاب الهواء يكون مطلقا إذا كان الهواء باقيا على المقتضي وحقيقته غير متكيّف بعوارض خارجيّة ، وهاهنا ليس كذلك.

قوله : أو طعمه.

وإنّما لم يذكر اللون ( كذا ) وغيره من الأوصاف ، لانّه إذا لم يخرج بتغيّر اللون والطعم يظهر عدم الخروج بتغيّر غيرهما بطريق أولى.


قوله : وإن اضيف إليهما.

أي : الى التراب والملح بأن يقال : ماء التراب وماء الملح.

قوله : في ذاته بحسب الأصل.

يمكن أن يكون قوله : « بحسب الأصل » عطفا تفسيريا لقوله : « في ذاته » ، بحذف حرف العطف. ويمكن أن يكون احترازا عمّا اعتصر من جسم نجس أو امتزج بنجس ، فيكون قوله : « في ذاته » متعلّقا بمحذوف أي : طاهر حالكونه كائنا في حدّ ذاته ، فيخرج ما لم يكن كائنا عليه ، بل لاقى مع نجاسة خارجية ، ولكن يلزم منه طهارة المعتصر من النجس أو الممتزج معه ؛ فإنّه من حيث هو مضاف كائن في حدّ ذاته غير خارج عنه مع أنّه نجس ، فاحترز عنه بقوله : « بحسب الاصل » أي : طاهر إذا كان في حدّ ذاته بحسب الأصل أي : بحسب حقيقته ومبدئه ؛ فإنّ الماء المعتصر من النجس أو الممتزج معه أصله طاهر وإن صار نجسا باعتبار امتزاجه مع النجس أو دخوله في الجسم النجس.

قوله : لغيره.

أي : غيره نوعا أو شخصا. فلا يرد أنّه لا وجه للاختصاص بالغير ؛ فإنّه غير مطهّر للماء المضاف أو النجس أيضا.

قوله : من حدث. إلى آخره.

يحتمل أن يكون بيانا لقوله : « مطلقا » ويحتمل أن يكون المراد بالمطلق : ماء الورد وغيره ، ويكون قوله : « من حدث » كلاما مستأنفا.

قوله : رواية مردودة. إلى آخره.

الرواية المردودة هي ما رواه سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في رجل يتوضّأ بماء الورد ويغتسل به للصلاة قال عليه‌السلام : « لا بأس » (١).

وكونها مردودة ؛ لكونها شاذة متروكة متروك العمل بها.

قال الشيخ بعد ذكر هذا الخبر : إنّه خبر شاذ شديد الشذوذ ، وإن تكرّر في الكتب والاصول ، فإنّما أصله يونس عن أبي الحسن عليه‌السلام ولم يروه غيره ، وقد أجمعت العصابة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٤.


على ترك العمل بظاهره ، وما هذا حكمه لا يعمل به. وأيضا يشمل على سهل بن زياد وهو ضعيف وفاقا وأيضا رواها محمّد بن عيسى عن يونس ، وقد نقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد أنّه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس وأيضا هي غير صريحة في المطلوب ؛ لجواز أن يراد بالوضوء : التنظف و ... ، وبالاغتسال : معناه اللغوي ولا ينافيه مقارنتهما للصلاة ، المراد : أنّه مطيب للصلاة ، ويراد بماء الورد : الماء الواقع فيه الورد دون المعتصر منه.

قوله : برفعه مطلقا.

أي : رفع المضاف مطلقا من غير اختصاص بماء الورد.

ويقابله أيضا قول ابن أبي عقيل بجواز استعماله اضطرارا في رفع الحدث والخبث. وفي المشهور ( كذا ) نسب المخالفة إليه في تجويزه رفع الخبث فقط اضطرارا ، وكلامه أعم.

قوله : بالاتصال إلى آخره.

لا يخفى أنّه ورد صحيحة سعيد الأعرج عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أيؤكل؟ فقال : « نعم ». قال : « النار تأكل الدم ». (١)

ومثلها رواية زكريا بن آدم عن الرضا عليه‌السلام (٢).

وقريب منها رواية على بن جعفر عن أخيه المروية في كتاب المسائل (٣).

واللازم حملها على الدم المتخلف في الذبيحة أو الطاهر غيره كدم السمك ونحوه كما ذكره في المختلف ؛ لتحقّق الإجماع ووجود المعارض على خلافه.

وقد أفتى الشيخان بمضمونها إلّا أنّ الأخير منهما قيّد الدم بالقليل.

والظاهر أنّ الشارح وغيره من المدعين للإجماع في هذا المقام على الإطلاق لم يلتفتوا إلى مخالفتهما ؛ لمعروفية نسبهما أو تحقّق الإجماع قبلهما أو بعد هما ، أو لانّ افتائهما بمضمون تلك الروايات لا ينافي النجاسة ؛ لاحتمال أن يكون فتواهما على

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.


حصول الطهارة بعد الملاقاة لأجل الطبخ كما يشعر به قوله عليه‌السلام : « النار تأكل الدم ». (١)

ثمّ إنّ قول المصنّف : « بالاتصال » يشمل بإطلاقه ما إذا تساوت سطوح المضاف أو اختلفت ولاقى الأسفل منها النجاسة.

وصرّح صاحب المدارك بعدم سراية النجاسة إلى الأعلى في المضاف مع اختلاف السطوح مطلقا.

وذهب بعض سادة مشايخي في منظومته في الفقه إلى عدم السراية إلى الأعلى مع الجريان.

وتردّد فيه والدي العلّامة ( طاب ثراه ) في المعتمد.

ولم أعثر على مصرّح غيرهم بذلك ، وإن صرّح غيرهم أيضا به في الماء المطلق ، ولعلّه مع تأخّر المصرّحين عن الشارح ادّعى الإجماع على التنجس بالاتّصال على سبيل الإطلاق.

قوله : على القول الأصح.

متعلّق بقوله : « طهره » ولا يتعلّق بقوله : « لا مطلقا » ؛ إذ لم يقل أحد بطهره مطلقا حتّى يكون « لا مطلقا » هو الأصح. وقوله : « لا مطلقا » ليس ردّا على المصنّف ، بل بيان لما أهمله ؛ فإنّ قوله : « وطهره إذا صار مطلقا » ليس معناه : أنّه إذا صار مطلقا يصير طاهرا ، بل معناه : أنّ طهره لا يكون إلّا بعد صيرورته مطلقا ، ولا يطهر قبله ، وإن توقّف بعده أيضا على أمر آخر كالاتصال بالكثير المطلق.

قوله : وإن بقي الاسم.

هذا إمّا قيد للقول الأخير فقط ، أو للقولين معا ، وشي‌ء منهما لا يكاد يصح.

أمّا على الأوّل : فلأنّ الوجه الثاني ـ الذي ذكره الشارح لدفع القولين ـ يدلّ على كون الماء مضافا وبقاء الاسم على القولين معا ، فلا وجه لاختصاص القيد بأحدهما. وتوزيع الوجهين على القولين ، مع أنّه مناف لصريح العبارة ؛ غير صحيح إذ لو اشترط على القول الأوّل عدم بقاء الاسم لصار المضاف طاهرا قطعا ، وإنّما تكون المقابلة والمخالفة في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١٩٧.


اشتراط الامتزاج ـ المستفاد من الاغلبية ـ وعدمه لا فى النجاسة والطهارة فلا معنى لاصالة بقاء النجاسة بل يجب عليه أن يقول : ويدفعه عدم اشتراط الامتزاج في التطهير وكفاية الاتصال كما مر.

وأمّا على الثانى : فلأنّ القول بطهره بأغلبية الكثير وزوال الأوصاف وإن بقى الاسم ؛ غير متحقّق ، فإنّ الأقوال في المسألة كما يظهر بالتتبع لا يزيد على خمسة :

الأوّل : طهره بامتزاجه بما زاد على الكر من المطلق مع البقاء على الإطلاق وزوال التسمية وعدم تغيّر أحد أوصاف الماء وهو منسوب إلى المبسوط.

والثاني : ما اختاره في التحرير ، وهو أنّه يشترط جميع ما ذكر ، سوى زيادة المطلق على الكر.

والثالث : ما ذهب إليه في النهاية والتذكرة ، وهو أنّه يشترط امتزاجه بالكر مع البقاء على الإطلاق سواء تغيّر أحد الأوصاف أو لا.

والرابع : ما رجّحه في القواعد والمنتهى ، وهو أنّه يشترط الامتزاج بالكر سواء بقي على الإطلاق أو لا.

والخامس : ما جعله في الذكرى أحد قولي العلّامة ، وهو أنّه يطهر بمجرّد اتصاله بالكر المطلق وإن لم يسلب اسم المضاف عن المضاف.

وليس في هذه الأقوال ـ كما ترى ـ القول بالطهر بالامتزاج وزوال الأوصاف وإن بقي الاسم ، بل الظاهر من مطابقة العبارة بعبارة المبسوط أنّ القول الأوّل هو مختار المبسوط حيث نقل عنه في الذكرى أنّ طهر الماء المضاف باغلبيّة الكثير المطلق عليه وزوال أوصافه ليزول التسمية التي هي متعلّق النجاسة. وهذا صريح في اشتراط زوال الاسم ، بل يدلّ على أنّ زوال الأوصاف ، مستتبع لزوال الاسم ، ولا يمكن زوالها وبقاؤه والظاهر اشتباه الشارح ، وزعمه أنّ من يقول باغلبيّة الكثير وزوال الأوصاف لم يشترط زوال الاسم ، وهو عنه بعيد.

قوله : والسؤر إلى آخره.

السؤر في اللغة : الفضل والبقية. قال في الصحاح : « إذا شربت فأسئر أي : أبق شيئا من الشراب في قعر الإناء ».


وفي قوله : « في قعر الإناء » إشارة إلى اعتبار القلّة في مفهومه لغة كما يعتبر فيه عرفا ؛ لعدم صدق السؤر على النهر الجاري ، والشط ، والحياض الكبيرة إن شرب منه.

قوله : هو الماء القليل إلى آخره.

لا يخفى أنّه يدلّ على اختصاص السؤر بالماء وعدم اشتراط المباشرة بالفم ، بل يعمّ سائر الأعضاء أيضا. ومنهم من خصّه بما باشره بالفم فقال : « إنّه ماء قليل لاقاه فم حيوان ». ومنهم من لم يخصّه وفسّره : بأنّه ما باشره جسم حيوان أعمّ من أن يكون ماء قليلا أو أحد المائعات ، بل الجوامد بشرط المباشرة بالرطوبة.

فالنزاع في تعيين السؤر في موضعين :

أحدهما : أنّه هل يعتبر في مفهومه المباشرة بالفم أو يعمّ سائر الأعضاء أيضا؟ فالأكثر على عدم اعتبار خصوصية الفم ، وهو الملائم لبعض الأخبار.

وثانيهما : أنّه هل يختصّ بالماء أو يعمّه وسائر المائعات أيضا ، أو يعمها وسائر الجوامد التى لاقاها الحيوان بالرطوبة؟ ومقتضى اللغة والعرف هنا التعميم ، ويدلّ عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : « لا بأس بسؤر الهر ، وانى لاستحي من الله ان ادع طعاما لانّ الهر أكل منه ». (١)

قوله : في الطهارة والنجاسة والكراهة.

يعني : كلّ ما كان جسمه طاهرا فسؤره طاهر ، وكلّ ما كان نجسا فنجس ، وكلّ ما كان لحمه مكروها فسؤره مكروه. فالمراد بالطهارة والنجاسة : طهارة البدن ونجاسته ، وبالكراهة : كراهة أكل لحمه. والتخصيص بالكراهة دون غيرها من الحرمة والإباحة لعدم التبعيّة فيهما ، فيباح سؤر بعض ما يحرم لحمه كالجلّال والفأرة وغيرهما ، ويكره سؤر بعض ما لا يكره لحمه كالدجاج على قول ، فالتبعيّة منحصرة في الكراهة.

ويمكن أن يكون مراد المصنّف محض التبعيّة في الطهارة والنجاسة دون الكراهة ، ويكون الكراهة مختصّة بما نصّ عليه كما ذهب إليه جماعة ولكن تصريح الشارح به يدلّ على أنّه علمه من مذهبه من الخارج. وجعله مختار الشارح دون المصنّف يأباه قوله بعد ذلك : وإنّما خصهما لتأكّد الكراهة فيهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧.


قوله : ويكره سؤر الجلّال.

هذا وما يلحقه بيان مواضع المخالفة بين السؤر وذي السؤر في الحكم ، فيكره ما يحكم بحرمة لحمه ، ومن هذا وما تقدّم من التبعيّة في الكراهية يظهر وجه إفراد بحث السؤر عن الماء المطلق ، ومن اكتفى في حكمه بالتبعية في الطهارة والنجاسة فقط يلزمه عدم إفراده بالبحث إلّا تبعا للقوم وردّا عليهم في الحكم. ثمّ المراد بكراهة سؤر الجلّال وغيره مما يكره سؤره يحتمل أن يكون كراهة شربه فقط ، أو مع الاستعمال في الطهارة ، أو كراهة استعماله مطلقا. وقد نقل عن السيّد وابن الجنيد المنع عن سؤر الجلّال.

قوله : محضا.

متعلّق بالعذرة. أي : المغتذي بالعذرة المحضة ، ولا ينافي الجلل أكله غير العذرة قليلا نادرا ، ولا يرد النقض به على التعريف ، لانّه لا يصدق على مثل ذلك الاغتذاء ؛ فإنّه ينبئ عن كثرة وتكرّر.

قوله : الى أن ينبت عليها لحمه.

إنّما قال : « عليها » ولم يقل : « منها » للإشارة إلى أنّ الإنبات هنا متضمّن لمعنى الإكساء ، فإنّ الإنبات الّذي من الشي‌ء إنّما هو فيما إذا خرج من ذلك الشي‌ء ، ونما زائدا على ما كان أوّلا ، كإنبات الزرع من الحب ، وهنا ليس كذلك ، فإنّه لا ينمو العذرة حتّى يخرج منه اللحم ، بل يسلب عنها صورتها وتكسى الصورة اللحمية.

وفي إضافة اللحم والعظم إلى الضميرين تنبيه على أنّه لا يكفي مجرّد إنبات اللحم واشتداد العظم منها ؛ فإنّهما ربما يحصلان بأكل قليل منها ، بل لا بدّ من إنبات لحم جميع بدنه واشتداد عظمه.

قوله : أو سمّي في العرف إلى آخره.

عطف على قوله : « ينبت » أي : المغتذي بعذرة الانسان إلى أن سمّي في العرف جلّالا. ويحتمل على بعد أن يكون عطفا على « مغتذ » حيث إنّ الموصول فيه بمعنى الحيوان ، فيكون المعنى : هو حيوان مغتذ بعذرة الانسان وحيوان سمى في العرف جلّالا.


قوله : قبل أن يستبرأ إلى آخره.

متعلّق بقوله : « ويكره » أي : كراهة سؤر الجلّال قبل الاستبراء. ويمكن على بعد أن يكون متعلّقا بقوله : « وهو المغتذي » وقوله : « أو سمّي » أي : الجلّال الذي يحكم عليه بالاحكام الشرعيّة المغتذي بعذرة الانسان ، أو الجلّال العرفي قبل الاستبراء ، فبعده ليس بذلك الجلّال وإن صدق عليه أنّه المغتذي بالعذرة بالاعتبار السابق أو لم يزل الصدق العرفي بعد.

قوله : بما يزيل الجلل.

أي : يزيل صدق عنوان كونه مغتذيا بالفعل بعذرة الانسان أو يزيل الصدق العرفى ، وعلى الاحتمال الأخير البعيد المذكور لقوله : « قبل أن يستبرأ » يكون المعنى : بما يزيل الجلل المتعلّق للأحكام الشرعية.

قوله : وآكل الجيف.

أي : الحيوان الذي من عادته وشأنه أكل الميتة. ثمّ إنّ الشيخ استثنى سؤره من طهارة سؤر كلّ حيوان طاهر ، وحكم بنجاسته ، ونقل عن القاضي أيضا.

قوله : أي خلوّ موضع الملاقاة.

فإنّه لو لم يخل عنها لكان السؤر نجسا على القول بنجاسة الماء القليل بالملاقاة قطعا.

وإنّما قال : « عن النجاسات » كما في بعض النسخ بلفظ الجمع دون النجاسة ؛ لانّ الخلوّ متضمّن للمعنى السلبي ، فانتفاء نجاسة لا يكفي في عدم نجاسة السؤر ، بل يجب انتفاء النجاسات ، ولو أتى بلفظ المفرد صحّ أيضا حيث إنّ نفى الماهيّة إنّما يكون بنفي جميع أفرادها. ثمّ أنّ قوله : « مع الخلو » متعلّق بكلّ من الجلّال وآكل الجيف.

قوله : وسؤر الحائض المتّهمة.

وأطلق جماعة الحائض من غير تقييد بالمتهمة. ولعلّ التقييد لما في بعض الأخبار من نفي البأس عن سؤر المأمونة. (١) ولا يخفى أنّ مفهومه أعمّ من المتّهمة ؛ لاشتماله المجهولة أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٣٤.


قوله : عن النجاسة.

الظاهر أنّ كراهة السؤر الحائض المتهمة لاجل اتهامها بعدم التنزّه عن النجاسة المخصوصة ، ولكن ... ؛ لانّ الظاهر عدم انفكاك الاتّهام بأحدهما عن الاتّهام بالآخر.

قوله : وهما داخلان إلى آخره.

يعني : أنّ البغل والحمار داخلان فيما مرّ من تبعيّة السؤر للحيوان في الكراهة أي : هما داخلان في الحيوان المتقدّم ذكره ، في ذلك الحكم المصرّح به بقوله : « تابع للحيوان » دخول الجزئي في الكلّى والافراد في المطلق. فالمراد : دخولهما في الحيوان لا التبعية. أو معنى دخولهما : أنّ حكمهما داخل في الحكم المتقدّم أي : التبعيّة ؛ لانّ حكمهما أيضا جزئي من ذلك الحكم.

قوله : لتأكّد الكراهة فيهما.

أي : تأكّد الكراهة في لحمهما وبواسطته يتأكّد الكراهة في سؤرهما أيضا أو لتأكّد الكراهة في سؤرهما وإن لم تتأكّد في لحمهما. ثمّ ذلك التأكّد أوجب عدم ذكر الخيل معهما مع أنّ من ذكرهما ذكرها أيضا ؛ إذ ليس ذلك التأكّد متحقّقا فيها.

قوله : إلّا الهر.

حيث إنّ سؤره ليس بمكروه أيضا ، بل مباح.

قوله : قبل بلوغه أو بعده.

أمّا بعده مع عدم اظهاره الإسلام فلا يكون سؤره طاهرا ، بل يكون نجسا كسؤر سائر الكفّار. وقوله : « مع إظهاره » يشعر بأنّه لو لم يظهره ولا الكفر أيضا ؛ يكون كافرا وسؤره نجسا ، وكأنّه لم يقل به أحد. والظاهر أنّ مفهومه غير ملتفت إليه عند الشارح ومراده.( كذا )


المسألة الثانية

قوله : يستحبّ التباعد.

اى : جعله وتحصيله

قوله : التى يرمى فيها ماء النزح.

أي : نزح مقدّرات البئر ولا يخفى أنّ الأخبار وكلمات العلماء الأخيار غير مقيّدة بهذا القيد ، بل بين مطلقة وبين مصرّحة بالتعميم ، فلا وجه للتخصيص. ولعلّه إمّا لأنّ حكم غيرها يعلم بطريق أولى ، أو للبناء على المتعارف من قرب البالوعة التي يرمى فيه ماء النزح دون ما عداها ، أو باعتبار أنّها أظهر أفرادها ، أو لما حكي عن بعضهم من الفرق بين البالوعة والكنيف ، وأنّ في الكنيف البعد باثني عشر ذراعا في بعض الصور.

قوله : بخمس أذرع.

الذراع المعتبر هاهنا هو ذراع المسافة أى : ذراع اليد ، كما صرّحوا به. قال بعض مشايخنا في منظومته :

وحدّه باليد خمس أذرع

في صلب أرض أو علوّ منبع

قوله : أو تحتيّة قرار البئر.

اعلم أنّ المراد بتحتيّة البئر قرارا أو فوقيتها ليس باعتبار رأس البئر والبالوعة على وجه الأرض ، لعدم مدخليّة ذلك في الحكم قطعا ، فيبقى أن يكون إمّا باعتبار القعر ؛ أو باعتبار سطح الماء ، أو باعتبار مجموع ما يستقرّ فيه الماء بأن يكون جميع ما يستقر فيه الماء من أحدهما فوق سطح الماء من الآخر. ولا ريب في كون الفوقيّة والتحتيّة بالمعنى الأخير معتبرة ؛ لتضمنها الأوّلين.

وأمّا الأوّلان : فقيل : المطلوب من الأخبار واحد منهما ، ولعلّ الحمل على الثاني أولى ، لانّ ما كان سطح الماء فيه فوق سطح الماء في الآخر يكون مسلطا على الآخر ، والظاهر


أنّه لو دخل شي‌ء فانّما يدخل منه إلى الآخر ، وأمّا فوقيّة القعر بالنسبة إلى القعر ، فلا يظهر فيها أثر بيّن في الحكم.

أقول : ما ذكره وإن كان صحيحا إلّا أنّ إرادة الفوقيّة بحسب سطح الماء أو مجموع ما يستقر فيه الماء مستبعد جدّا ؛ فإنّ استحباب التباعد إنما يكون قبل الحفر ، ولا معنى لاستحبابه بعده ، ولا يعلم الفوقيّة بهذين الاعتبارين الا بعده ، فلا معنى لاعتبارهما ، على أنّ ماء كلّ من البئر والبالوعة لا يبقى على حدّ معيّن ، بل يتزايد وينقص ، فالأولى إمّا أن يراد فوقية القعر فوقيّة يترتّب عليها أثر أي : فوقيّة معتدّ بها ، أو فوقيّة ما يصلح لان يستقرّ فيه الماء من البئر والبالوعة.

قوله : على هذا التقدير.

أي : تقدير الفرق بين الصلبة والرخوة وبين تحتية القرار وعدمها ، فإنّ الأرض اما صلبة أو رخوة ، وعلى التقديرين إما تكون البئر فوق البالوعة أو بالعكس أو يتساويان.

وأمّا إذا لم يفرق بينهما فلا يحصل الصور الستّ ، ويمكن أن يكون مراده من هذا التقدير عدم اعتبار المحاذاة في سمت القبلة وعدمها كما هو مذكور في عبارة ابن الجنيد حيث قال في مختصره :

لا أستحبّ الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها من أعلاها في مجرى الوادي إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنتا عشرة ذراعا ، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ، وإن كانت محاذاتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة أذرع. انتهى

فإنّ الصور على هذا التقدير تكون ثمانية بضرب علوّ البالوعة وعكسه والتحاذي وفقدان الجميع في الصلابة والرخوة إذا اريد من العلو في كلامه : العلو في القرار ، ويكون اثنتى عشرة إن اريد : العلو في الجهة.

ويمكن أن يكون مراده بهذا التقدير ما ذكره المصنّف من حكم المسألة ، ويكون غرضه من التخصيص أنّه على غير هذا التقدير ، وإن كانت الصور أيضا ستّا ، إلّا أنّها ليس


حكمها على التفصيل المذكور بقوله : « يستحبّ التباعد في أربع منها ... ».

وعلى هذا يكون غير هذا التقدير ما أفتى به في التلخيص كما في بعض نسخ الإرشاد من استحباب السبع مع الرخاوة وتحتيّة البئر ، وخمس بدونهما ، أو استحباب السبع مع رخاوة الأرض أو تحتية البئر وإلّا فخمس ، كما في بعض آخر. فإنّهما مخالفان لحكم المصنّف.

أمّا الأوّل : فيخالفه في صورة واحدة ، وهي صورة تساوي البئر والبالوعة مع الرخاوة.

وأمّا الثاني : ففي الصورتين هما صورتا علوّ البالوعة مع صلابة الأرض وعلوّ البئر مع رخاوتها.

وأيضا يغاير هذا التقدير ما نقل في المشهور عن ابن الجنيد : أنّه إذا كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنتى عشرة ذراعا ، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع.

وعلى هذا فالحكم في أربع بالسبع وفي واحدة باثنتى عشرة ، وحكم واحد غير مفهوم من كلامه.

قوله : وهي الصلبة مطلقا.

أي : سواء كانت متساويين قرارا ، والبالوعة أعلى أو بالعكس.

قوله : وفي حكم الفوقيّة المحسوسة إلى آخره.

لا يخفى أنّ صور المسألة على القول باعتبار هذه الفوقيّة ترتقي إلى أربعة وعشرين بضرب الصور الست المذكورة في الأربعة الحاصلة من وقوع البئر من البالوعة في جهة الشمال أو الجنوب أو المشرق أو المغرب ، ولكن هذا على الاحتمالات العقلية ، وأمّا على اعتبار ترتّب الفائدة فيرجع المسألة إلى ثماني عشرة صورة ، لعدم الفرق بين كون البئر في جهة المشرق والبالوعة في المغرب ، أو بالعكس.

ووقع الاختلاف في بيان التقدير في هذه الصور فقال الأكثر : إنّ التقدير بخمس في سبع عشرة صورة وبسبع في سبع. وبعضهم إنّه بخمس في ثماني عشرة ، وبسبع في ستّ.


ومنشأ الاختلاف هو الاختلاف في حكم تعارض الفوقيتين فان ظاهر كلام بعضهم عدم اعتبار المعارضة حينئذ بل يحكم بمقتضى علوّ البئر باحد الاعتبارين وان عارضه علوّ البالوعة بالاعتبار الآخر وهو الظاهر من كلام المحقّق الثانى فى شرح القواعد واحتمل بعضهم ترجيح الفوقية الحسيّة ، وقال : إنّ الفوقيّة بحسب الجهة في حكم الفوقيّة الحسيّة ، فتؤثر أثرها إذا لم تعارضها هي وأمّا مع معارضتها فلا حكم لها. ويحتمل ترجيح الفوقيّة بحسب الجهة أيضا كما يظهر من بعضهم ، بل صرّح بتخصيص الفوقيّة بالجهة من دون اعتبار الفوقيّة بالقرار.

ويحتمل أيضا اعتبار الجهة في البئر دون البالوعة بأن يحكم بمعارضة علوّ البئر جهة لعلوّ قرار البالوعة والتساقط بينهما ، ولم يحكم بمعارضة علوّ البالوعة جهة لعلوّ قرار البئر.

فالتقدير بسبع في ستّ وخمس في البواقي بناء على ترجيح الاحتمال الأوّل ، وبسبع في ثمان وخمس في البواقي بناء على ترجيح الثاني وبسبع في سبع وخمس في البواقي بناء على ترجيح أحد الاحتمالات الباقية.

قوله : في جهة الشمال.

لا يخفى أنّ الأكثر حملوا جهة الشمال في كلام القائلين باعتبارها وكذا في الرواية على جهة نقطة الشمال ؛ ولذا حكموا في صور وقوع كلّ من البئر والبالوعة في المشرق والمغرب بما حكموا.

وهذا محلّ تأمّل ؛ لانّ المصرّح به في الرواية هو مهبّ الشمال ، فيدلّ على اعتبار جهة ريح الشمال ، وهي غير الجهة الاولى.

والظاهر أنّ هذا أيضا هو مراد من اعتبرها ، وعلى هذا يتفاوت حكم أكثر الصور المذكورة ، ويتكثّر الأقسام أيضا. وعليك بالتأمّل في استخراج الأقسام ، وبيان حكم كلّ منها.

قوله : مع مهبّ الشمال.

وفي بعض الروايات : « ولا يجري الماء من القبلة إلى دبرها » والمآل واحد. ثمّ إنّه قد يوجّه ذلك : بأنّ جهة الشمال باردة يابسة ، وجهة الجنوب حارّة رطبة لقرب الشمس منها


وإحاطة الماء عليها ، والماء يميل إلى الجهة الحارّة كما يظهر من وضع قطعة من الجمد في مكان تكون في إحدى جهاته نار.

وقد يوجّه أيضا : بأنّ الشمس بطبعها بحيث يميل الماء إليها. والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.

قوله : وإن تقاربتا.

أي : كان الفصل بينهما أقل من القدر المستحب ، ثمّ النجاسة على تقدير العلم بالاتصال مطلقا إنّما هو على القول المشهور من تنجّس ماء البئر بالملاقاة ، وأما على الحق فلا ينجّس إلّا مع العلم بالاتّصال والتغيّر المستند الى النجاسة.

وفي قوله : « الّا مع العلم » تصريح بأنّه لا اعتبار بالشك ولا بالظن ، وهو في الشك كذلك قولا واحدا. وكذا مع العلم بالاتصال إذا شك في التغيّر أو مع العلم به أيضا مع الشك في استناده إلى النجاسة على المختار.

وأمّا الظن فإن كان حاصلا من شهادة العدلين ، فالظاهر الحكم بالنجاسة ، ولكن بعد اعتباره يكون قائما مقام العلم ، وإن كان حاصلا من غيرها ، فلا يحكم بها على المشهور أيضا.

ونسب بعضهم التردّد في خصوص ظنّ التغيّر إلى المحقّق وقال : « إنّه جعل الأحوط الاجتناب عنه ».

ولا يخفى أنّ كلامه بظاهره لا يختص بصورة الظن ، بل يعمّ الشك أيضا حيث قال في المعتبر : « إذا تغير ماء البئر تغيّرا يصلح أن يكون من البالوعة ففي نجاسته تردّد ». (١) ولا شك أنّه يصلح في صورة الشك أيضا أن يكون التغيّر من البالوعة ، وإلّا لم يحصل الشك.

وقوله : « ما بها » بالباء الموحدة ، وهي بمعنى « فى » ، ولفظة « من » بيانية ، وال « لام » في النجس للعهد الذكري أي : ماء البئر. ويحتمل أن يكون لتعريف الماهيّة ويكون تعميم النجس هنا قرينة على أنّ مراده من تقييد البالوعة فيما سبق لم يكن التخصيص.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٨٠.


وقد يجعل « الياء » مهموزة ، وهذا موافق لما في بعض النسخ حيث ليس فيه لفظة « من » ، وأمّا على النسخ التى فيها لفظة « من » فلا يلائم إلّا بتكلّف ، أو بجعل لفظة « من » زائدة.

وقوله : « وعدم الاتصال » عطف على « الطهارة » ودليل ثان للطهارة أي : لاصالة عدم الاتصال المقتضى للتنجس ، وأصالة عدمه لكونه أمرا متوقّفا على النفوذ الحادث فيكون الأصل عدمه.


المسألة الثالثة

النجاسات

قوله : أي : جنسها.

إنّما فسّر بذلك لبيان أنّ « اللام » في النجاسة للجنس دون العهد أو الاستغراق.

أمّا الأوّل : فلانّه لا اختصاص لهذا الحكم بنجاسة معهودة ، والمتعارف استعمال « اللام » العهدية فيما كان كذلك.

وأمّا الثانى : فلانّ الشائع في استعمال اللام الاستغراقية استعمالها في استغراق الأفراد دون الأنواع وهو لا يصح هنا ؛ لعدم انحصار أفراد النجاسة في العشرة.

وليس التفسير لابداء الملائمة بين المحمول والموضوع في التعدّد كما قيل ؛ لأنّ الجنس أيضا أمر واحد كالنجاسة وإن تعدّدت أنواعه وأفراده.

والمراد بالجنس ليس الجنس المنطقي المغاير للنوع والصنف ، بل ما يصدق عليهما أيضا ، والمعنى : أنّ أنواعه عشرة ، فلا يرد الإشكال الذي ذكره بعضهم في هذا المقام حيث قال : في تفسير النجاسة بجنسها شي‌ء إذ يصير الكلام في قوّة قولك جنس النجاسة عشرة فامّا أن يراد بالمعدود المحذوف الأجناس أو الأنواع ، وكلاهما غير سديد : أمّا الأول : فلانّ النجاسات المعدودة ليست أجناسا بالنظر إلى النجاسة بل أنواع وأمّا الثانى : فلانّ النوع ليس عين الجنس حتى يخبر عنه به. وكان حقّ العبارة أن يقال بعد « النجاسة » جنس تحته وبعد « عشرة » أنواع. انتهى.

فانّ هذا الإشكال إنّما يرد على إرادة الجنس المنطقي من الجنس هنا.

ثمّ كون النجاسات عشرة إنّما هو على رأي المصنّف أو على المتفق عليه ، وإلا فقد زاد بعضهم عليها أشياء اخر كولد الزنا ، وعرق الجنب ، والجلّال ، والحديد ، وغيرها.


قوله : من غير المأكول لحمه.

خالف في كلّية ذلك الحكم ابن الجنيد ، فحكم بطهارة بول الرضيع ما لم يأكل. والصدوق وابن أبي عقيل والجعفي وصاحب المعالم من المتأخرين فحكموا بطهارة بول الطير ورجيعه مطلقا. والشيخ فحكم بطهارة بول الطير وذرقها كلّها إلّا الخفّاش.

ثمّ المفهوم من التقييد بغير المأكول : هو طهارة بول مأكول اللحم وغائطه مطلقا ، وهو كذلك.

والمخالف في تلك الكلّية الشيخان على ما نقل عنهم ، فحكما بنجاسة ذرق الدجاج غير الجلّالة. وبعض آخر ، فذهب إلى نجاسة أبوال الخيل والبغال والحمير وأرواثها.

قوله : بالأصل أو العارض.

الأوّل : كلّ ما كان غير مأكول اللحم بذاته كالانسان والسباع. والثاني : ما كان مأكول اللحم وحرم لأجل عارض كالجلّال وموطوء الانسان.

قوله : أي : الدم القوي. إلى آخره.

الدم أحد معاني النفس ، ولذا فسّرها به. والتفسير بالدم المقيّدة بما ذكر اما ( كذا ) لأجل جعل « اللام » في « النفس » للعهد الذهني ودلالة النفس صارت عرفيّة خاصّة للمتشرعة في هذا الدم بخصوصها. والمراد بالقوي : القوي في الخروج أي : ما خرج بقوّة ودفع.

قوله : آدميا أو غيره.

هذا التعميم ردّ على بعض العامّة حيث حكم بطهارة منى الآدمي. وبعض آخر منهم حيث حكم بطهارة الجاف من مني الآدمى ونجاسة الرطب منها.

ويظهر ذلك الفرق من بعض الأخبار الخاصّة أيضا ، ولكنّه مردود مخالف للإجماع ، بل الضرورة [ و ] معارض بما هو أقوى منه.

قوله : البرّيان.

فيطهر الكلب والخنزير البحريان. ونقل عن ابن ادريس المخالفة في كلب الماء والقول بنجاسته ؛ لصدق الاسم.

وهو ضعيف إمّا للإجماع على خلافه ، أو لانصراف المطلق إلى الأفراد الشائعة دون


النادرة ، أو لانّ الكلب حقيقة في البرّي وإطلاقه على البحري مجاز كما صرّح به العلّامة في النهاية والتحرير ، وهو ظاهرة

في التذكرة أيضا.

قوله : وإن لم تحلّها الحياة.

كالشعر والظفر ومثلهما. وهذا ردّ على السيد المرتضى حيث قال في المسائل الناصرية بالفرق بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه من أجزائهما.

قوله : وما تولّد منهما إلى آخره.

عطف على قوله : « وأجزاؤهما ». والمراد بالتولّد منهما : أنّه كان من نطفتهما بمجامعة ذكر أحدهما لانثى الآخر ثمّ نجاسة المتولّد منهما مطلقا صريح الذكرى والروض.

واستشكل العلّامة في المنتهى والنهاية الحكم في صورة المباينة. وتوقّف في التذكرة أيضا. وجزم في المدارك بالطهارة مع المباينة عملا بأصالة الطهارة ، وهو الأقوى عندي.

قوله : فإن انتفى المماثل.

يعني : ما يماثله المتولّد من أحدهما وطاهر بحيث يصدق عليه اسمه.

قوله : للأصل فيهما.

أي : في الطهارة وتحريم اللحم. أمّا أصالة الطهارة فواضحة. وأمّا أصالة التحريم فقد استشكلها جمع. وربما وجّه : بأنّ نظر الشارح إلى كون الحل محصور الشروط ، فما لم يتحقّق الشرط لا يحكم بالحلّ ، وليس لنا أصل مع الحل كما في الطهارة.

وفيه ما لا يخفى

أمّا أوّلا : فلمنع ثبوت حصر الحلّ بالشروط الغير المتحقّقة هاهنا.

وأمّا ثانيا : فلانّ معنى الحل جواز التناول وعدم وجوب الإمساك عنه ، ومعنى التحريم وجوب الإمساك عنه ، ولا شك أنّ الأصل جواز التناول وعدم وجوب الإمساك كما في الطهارة.

ولكنّ الصحيح أنّ أصالة التحريم هنا ثابتة ؛ لانّه لا شك في أنّ لحم هذا الحيوان حال الحياة قبل وقوع التذكية عليه حرام ، فالأصل بقاؤه على الحرمة حتّى يعلم حلّه ، وهو غير معلوم ، ولم يثبت عموم ادلّة التذكية حتّى إنّها ثابتة في مثل ذلك أيضا.


قوله : ومرتدا.

لفظة « واو » بمعنى « أو » وكذا كتابيا كان أو غير كتابي.

قوله : وإن انتحل الاسلام إلى آخره.

أي : وإن جعل الاسلام نحلة وملّة له وادعاه لنفسه ، ولكن جحد بعض ضرورياته.

فقوله : « مع جحده » تقييد لقوله : « وإن انتحل ». والكافر [ الّذي ] انتحل إلى الاسلام كالغلاة والخوارج والنواصب ، بل جميع المخالفين عند جماعة من أصحابنا.

قوله : وضابطه.

أي : ضابطة الكافر أي : الكلام الجامع لجميع أفراده : من أنكر إلى آخره. أي : هذا الكلام واللام في كلّ من الالهيّة والرسالة والدين للعهد أي : إلهية الله ورسالة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ودين الإسلام. وقيل بجعلها للجنس في الثلاثة ، فيكون المراد إنكار جنس الالهيّة حيث إنّها لا يطلق على غير الإلهية تعالى شأنه ، وجنس الرسالة المستلزمة لإنكار رسالة نبيّنا أيضا ، وإنكار بعض ما علم ضرورة من أيّ دين كان ولو من أديان واحد من الأنبياء الماضين بأن أنكره في دينه لا في هذا الدين.

والمراد بالإنكار : عدم الإقرار ، فيشمل النفي والشك وخلوّ الذهن.

قوله : أو بعض ما علم ثبوته إلى آخره.

وقوله : « علم » إمّا مبنيّ للفاعل أو للمفعول ، وعلى الأوّل يكون المعنى : من أنكر بعض ما علم ذلك المنكر ثبوته من الدين. لكن هذا لا يلائم لفظ الضرورة ؛ لانّ إنكار ما علم من الدين كفر سواء كان بالضرورة أو النظر.

وعلى الثاني ليس المعنى : أنّه علم ولو علمه نادر ، بل المراد : ما علمه عامّة أهل ذلك الدين والثبوت هنا بمعنى الكون ولفظة « من » تبعيضية.

وقوله : « ضرورة » متعلّق بقوله : « علم » أي : علم علما ضروريّا كونه من الدين. ويحتمل تعلّقه بـ « ثبوته » على بعد.

قوله : المائع بالأصالة.

التقييد بالمائع ؛ لعدم نجاسة المسكر الجامد. والتقييد بقوله : « بالأصالة » لدخول الخمر المنجمدة وخروج الحشيشة المذابة.


قوله : والفقاع.

كرمّان. وإنّما سمّي فقّاعا ؛ لما يرتفع في رأسه من الزبد.

قوله : والأصل فيه إلى آخره.

يعنى : أنّه موضوع في أصل اللغة لما يتّخذ من ماء الشعير ، كما صرّح به جماعة من ائمّة اللغة ، ولكن لما كان قد يطلق في العرف على غيره ممّا يوجد في أسواق أهل الخلاف ويسمّى فقاعا ، فاللازم إثبات الحكم لكلّ ما يطلق عليه ذلك الاسم في العرف ، وإن علم أنّه غير مأخوذ من ماء الشعير أو اشتبه حاله.

ولا يخفى أنّ هذا إنّما هو بناء على تقديم العرف على اللغة كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وكأنّه مختار الشارح هنا أو مطلقا.

ويحتمل أن يكون معنى قوله : « والأصل فيه » أنّ ابتداء حدوثه وبدو وضعه كان مأخوذا من ماء الشعير ثمّ أخذ من غيره أيضا ، ولم يكن الوضع اللغوي مخصوصا بما اخذ أوّلا بل للمأخوذ من أحد من الاشياء التي يحصل منها ذلك. وعلى هذا فلا يبتنى كلام الشارح على تقديم العرف ، ولكنّه مبتن على عدم ثبوت الوضع اللغوي للحادث الأولى ، ورجحان الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز.

وقد يوجّه أيضا : بأنّ المراد بالأصل هنا : الغالب والشائع أي : المتعارف فيه أن يتخذ من ماء الشعير وإن اطلق على غيره أيضا لغة حقيقة.

وهذا أيضا مبتن على عدم انصراف المطلق إلى الشائع المتعارف ، وكأنّه خلاف مذهب الشارح. على أنّ استعمال الأصل في مثل ذلك المعنى غير متعارف.

ولا يخفى أنّ قوله : « معلّقا على التسمية » لا يخلو عن شي‌ء وإن كان المعنى واضحا ؛ لانّ المتبادر من تعليق الحكم على التسمية أنّ الحكم إنّما هو مسبّب عن الاسم في الواقع أيضا.

قوله : مع حصول خاصيّته أو اشتباه حاله.

فسّرت الخاصية بالنشيش والغليان. واورد على الشارح : بأنّ الأصل عدم حصول الخاصيّة ، والأصل الإباحة ، فلا وجه للحكم بالتحريم مع اشتباه الحال.


وقد يرد : بأنّ مقتضى تعليق الحكم على التسمية ثبوت الحكم متى تحقّقت ، نعم خرج بالإجماع ما لم يكن فيه الخاصية ، فمشتبه الحال مع صدق الاسم يكون حراما.

وفيه : أنّ بعد خروج فاقد الخاصية عن تحت المحرّم فيكون الحكم معلّقا على التسمية المقيّدة بحصول الخاصية ، فمشتبه الحال يكون باقيا تحت أصل الحلّية وعدم حصول الخاصية.

والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ مقتضى إطلاقات تحريم الفقاع تحريمه مطلقا إلّا ما اخرج بالدليل ، والدليل المخرج يختصّ بما علم حاله أي : عدم حصول الخاصية فيه. كما هو صريح رواية عثمان بن عيسى قال : كتب عبد الله بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر عليه‌السلام : إن رأيت أن تفسر لي الفقاع ؛ فإنّه قد اشتبه علينا [ أمكروه ] هو بعد غليانه أم قوامه في المصدر : « قبله » بدل « قوامه »؟ (١) فكتب عليه‌السلام : « لا تقرب الفقاع إلّا ما لم يضر انيته أو كان جديدا ».

وأعاد الكتاب إليه : إنّي كتبت أن أسأل عن الفقاع ما لم يغل وأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار ولم أعرف حد الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسر له ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني؟

فكتب عليه‌السلام : « تجعل الفقاع في الزجاج وفي الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات ، ثمّ لا تعد منه بعد ثلاث عملات إلّا في إناء جديد ، والخشب مثل ذلك ». (٢)

قوله : إذا غلى واشتدّ.

المراد بالغليان : انقلابه وصيرورة أعلاه أسفله. وبالاشتداد : الغلظ والسخانة.

ثمّ الظاهر من كلام الذكرى وكذا المحقّق الشيخ علي أنّ الاشتداد مسبب عن مجرد الغليان. والذي عليه الأكثر وصرّح به المحقّق تأخر الاشتداد عنه وأنّ بينهما زمانا متحقّقا ، وهو المشاهد بالوجدان خصوصا في الذي يغلى من نفسه أو في الشمس.

قوله : مطهّر.

ذلك في بحث المطهّرات. واحتمال تغيّر الرأي ورجوعه من المذهب بعيد مع ذلك

__________________

(١) فى المصدر : « قبله » بدل « قوامه »

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٨١.


القرب. ويمكن أن يكون جعله مطهّرا بناء على مذهب من يقول بنجاسته ، لا أن يكون مذهبا له.

قوله : وكونه في حكم المسكر إلى آخره.

إشارة إلى ردّ ما يمكن أن يتوهّم من أنّ عذر المصنّف في تركه هنا مع ذكره ما يدلّ على تنجّسه فيما سيأتي أنّه ذكر هنا [ المسكر ] والعصير أيضا في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه ، فهو داخل في المسكر.

وتوضيح الردّ : أنّ كونه في حكمه لا يوجب دخوله فيه واشتماله عليه حيث يطلق المسكر من غير ذكر ما في حكمه أو غير ذكر العصير بخصوصه وإن دخل في حكمه حيث يذكر حكمه ويقال : « المسكر وحكمه » والمراد بحكمه : ما في حكمه ؛ فإنّ ذكره وارادته شائع ذائع كما يقال : « فلان داخل في حكم فلان » أي : فيما في حكمه.

ويمكن أن يكون المراد بحكمه معناه الحقيقي ، وإن كان الدخول مجازيا بأن يقال : إنّه إذا قيل : « فلان في حكم فلان » معناه : أنّه وإن لم يكن داخلا فيه نفسه ، ولكنه إذا ذكر حكم ذلك يستفاد منه حكم هذا أيضا ؛ لاتحاد حكمهما ، فكأنّه أي حكمه داخل في حكمه ، فيكون العصير داخلا في حكم المسكر ، ولكن الضمير في « يذكر » لا بدّ وأن يرجع حينئذ إلى العصير ، دون الحكم أي : وإن دخل العصير في حكم المسكر حيث يذكر العصير.

ولا يخفى أنّ مراده من قوله : « كما ذكره في بعض كتبه » مجرّد الذكر دون الاختيار ؛ لأنّ المصنّف في الذكرى والبيان وإن ذكر كون العصير في حكم المسكر ، إلّا أنّه لم يختره ، بل نسبه إلى غيره.

ويمكن أن يكون مراد الشارح ببعض كتبه غير الكتابين المذكورين.

قوله : لأجل الصلاة.

إنّما لم يذكر الطواف ؛ لانّ إزالة النجاسة لأجله ليست بواجبة مطلقا عند الشارح ، بل عند المصنّف في بعض كتبه كما سيصرّح به الشارح في كتاب الحج ، بل يجب إزالتها إذا كانت ملوّثة للمسجد.


وأمّا في هذا الكتاب وإن أطلق المصنّف باشتراط رفع الخبث في الطواف ، إلّا أنّه يمكن إرادته الملوّث دون المطلق ، أو يحتمل أن لا يكون مذهبه هاهنا الاشتراط ، أو تركه الشارح لأجل كونه مختلفا فيه ومذهب المصنّف هاهنا غير معلوم ، أو لاجل بيانه على مذهب نفسه.

ومن هذا يظهر الوجه في عدم ذكر وجوب إزالة النجاسة عن الثوب لدخول المسجد إذا وجب ، وأمّا عدم ذكره لوجوب ازالتها عنه إذا نذر ؛ فلوضوحه وندوره.

و « اللام » في « الثوب » إمّا للعهد أي : الساتر للعورة ، أو الوجوب أعمّ من التخييري والعيني ، فيشمل الثوب الزائد على الساتر أيضا ؛ لوجوب إزالة النجاسة عنه أو طرحه تخييرا.

قوله : ومسجد الجبهة إلى آخره.

لا بدّ من تقييد وجوب الإزالة عن مسجد الجبهة بما إذا وجبت السجدة إلّا أن يجعل الوجوب أعمّ من الشرطى أيضا. وفيه أيضا نظر.

وكذا يجب تقييد الجبهة بمسمّاها ، لعدم وجوب الازالة عن الزائد عن المسمّى فيكون المضاف محذوفا والتخصيص بالجبهة لعدم وجوب طهارة مساجد سائر الاعضاء السبعة عنده ، وإن ذهب إليه بعضهم كما ذهب السيد المرتضى ( رحمه‌الله ) إلى وجوب طهارة مكان المصلّى بأسره.

وقوله : « لاستعمالها »

بيان لغاية الوجوب وتقييد لوجوب إزالة النجاسة عن الأواني ، لا تعليل للوجوب ووجه له ، والمعنى : أنّ وجوب إزالة النجاسة عن الأواني إنّما هو لأجل ذلك ، فلا يجب مطلقا أي : يجب إذا استعمل في أمر يتوقّف ذلك الأمر على طهارة الأواني شرعا كالوضوء والأكل والشرب ونحوها.

ولا بدّ من تقييد ما يتوقّف على طهارتها بوجوبه ، وانحصار الآنية في النجس ، أو جعل الوجوب أعمّ من التخييري بل الشرطي أيضا حتّى يصحّ أن يقال بوجوب الازالة عن الآنية لاجل الاستعمال فيما ذكر مطلقا ؛ لانّ المكلّف حينئذ يكون مخيّرا بين استعمال


آنية النجس مزالة نجاستها ، أو الطاهر ، أو ترك الاستعمال. وفي قوله : « فيما يتوقّف على طهارتها » تنبيه على أنّ الواجب إزالة النجاسة عن موضع من الآنية الذي يلاقى المظروف ، لا مطلقا وكان على الشارح أن يذكر وجوب إزالتها عن المأكول والمشروب أيضا.

قوله : وعفي في الثوب إلى آخره.

الظرف متعلّق بقوله : « دم الجرح والقرح » دون عفي أي : عفي عن دم القرح والجرح الكائن في الثوب والبدن.

والمراد بالجرح : ما يحصل بسبب خارجي كالقطع بالسيف والسكين أو دخول الإبرة وأمثالها ، وبالقرح : ما يحصل بسبب مرض عارض للبدن كالدماميل والشقاق وأمثالها.

ويمكن أن يراد بالجرح ما يشمل الشقاق أيضا ، وبالقرح الدماميل وأمثالها من الأمراض الورميّة.

والمراد بالسيلان : هو عدم الانقطاع ولو لم يجر بان يكون الموضع داميا دائما ، ولو بأن لا يخرج دم جديد إلّا بعد إزالة الدم الكائن فيه.

ولا يخفى أنّ العفو إنّما يطلق فيما إذا ثبت هناك أمر ثمّ ارتفع ذلك ، ولا شكّ أنّ هاهنا ليس كذلك ؛ إذ لم يثبت في بدو الأمر وجوب الإزالة حتّى يكون عفوا ، بل إنّما هو بيان لاختصاص وجوب الإزالة بغير هذين الدمين ، فيكون أدلّة تجويز الصلاة معهما مخصّصة لمطلقات وجوب إزالة النجاسة والدم ، ومثل ذلك لا يطلق عليه العفو ، فالتعبير بالعفو في هذا المقام في كلام الفقهاء تجوّز لكثرة مشابهته مع ما كان ثابتا حيث إنّ نجاسة الدمين باقية ، ورفع الحرج والمشقّة أوجب حكم الشارع بعدم وجوب إزالتها.

قوله : دائما إلى آخره.

إمّا حال عن السيلان ، أو منصوب بنزع الخافض أي : في الدائم.

وعلى الأوّل يكون متعلّق « في وقت » حالا محذوفا ، وعلى الثاني مجرورا مع جارّه.

وجملة : « لا يسع » جملة وصفيّة للوقت ولكنّها وصف بحال المتعلّق. والضمير في « فواته » راجع إلى الدم.

والترديد إمّا لاجل التردّد في مذهب المصنّف ، فيكون المعنى : أنّه عفي عنه مع


السيلان الدائمي ، فلا عفو مع الانقطاع ولو في زمان لا يسع الصلاة ، بل يقطع الصلاة إذا جرى في أثنائها ويطهر ويبني كما في السلس والمبطون ، أو عفي مع السيلان في وقت لا يسع زمان فواته الصلاة ، فعدم العفو إنّما يكون إذا انقطع في وقت يسعها ، والتردد لاجل اختيار المصنّف كلا من القولين في غير ذلك الكتاب ، وإمّا لاجل تفهيم الحكم أي العفو مع السيلان سواء كان دائما ، أو في وقت لا يسع زمن فواته الصلاة ، فيكون إشارة إلى اختيار الشقّ الثاني من الترديد المتقدّم.

قوله : عدم الوجوب مطلقا.

أي : سواء انقطع وقتا يسعها أم لا ، وسواء شقت إزالته أم لا.

والظاهر أنّ المراد بالبرء : البرء من خروج الدم بأن انقطع بالكلّية ، لا برء الجراحة والقرح حتّى لا يجب الإزالة ولو انقطع الدم رأسا ولكن بقي القرح غير دام.

ثمّ الأخبار التي يستفاد منها ذلك منها : موثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان بالرجل جرح سائل ، فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم ». (١)

ومنها : رواية أبي بصير ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي إنّ في ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دما. قال عليه‌السلام : « إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ. » (٢) إلى غير ذلك.

وهل العفو عن هذا الدم مختصّ بمحلّ الضرورة أو يبقى ولو تعدى إلى غير محلّ الضرورة من الثوب والبدن؟ للأصحاب قولان ، والمستفاد من الأخبار هو الثاني.

ولا يخفى أنّه يستحبّ لصاحب هذا الدم غسله في كلّ يوم مرة كما نطق به بعض الأخبار وصرّح به جماعة من علمائنا الأخيار.

قوله : وعن دون الدرهم البغلي.

هذا الدرهم هو الدرهم المعبّر عنه في بعض الأخبار بالدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث. ثمّ البغلي إمّا منسوب إلى بغل بفتح « الباء » و « الغين » المعجمة وتشديد « اللام » اسم قرية أو مدينة قريبة من بابل بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣.


قال ابن إدريس في السرائر : تجد فيها الحفرة والنبّاشون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة. (١)

او هو بإسكان الغين منسوب إلى ابن أبي البغل أو رأس البغل رجل من كبار الكوفة ضرب هذا الدرهم للثاني في ولايته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق.

قال في الذكري : هي كانت تسمّى قبل الإسلام بالكسروية ، فحدث لها هذا الاسم [ فى الاسلام ] والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ، فلما كان في زمن عبد الملك جمع بينهما واتّخذ الدرهم منهما واستقر امر الإسلام على ستّة دوانيق. (٢)

ونقل في مجمع البحرين عن بعضهم :

كانت الدراهم في الجاهلية مختلفة ، فكانت بعضها خفافا وهي الطبرية وبعضها ثقالا كلّ درهم ثمانية دوانيق ، وكانت تسمّى العبدية ، وقيل : البغلية ، نسبت إلى ملك ، يقال له رأس البغل ، فجمع الخفيف والثقيل وجعلا درهمين متساويين ، فجاء كلّ درهم ستة دوانيق. ويقال : إنّ عمر هو الذي فعل ذلك ؛ لانّه لمّا أراد جباية الخراج طلب بالوزن الثقيل فصعب على الرعية ، فجمع بين الوزنين واستخرجوا هذا الوزن. (٣)

قوله : وقدر بسعة أخمص الراحة.

أخمص الراحة : هو ما انخفض من باطن الكف والعليا صفة للعقد جمع عقدة.

والإتيان بلفظ الجمع باعتبار تعدّد الإبهام بعدد أفراد الإنسان ، أو يكون العليا بدلا عن العقد بدل بعض.

ويمكن أن يكون العقد ـ بفتح العين وسكون القاف ـ مفردا ، وكان تأنيثه باعتبار اضافته الى الإبهام ، وهو مؤنث ، فبالاضافة كسب التأنيث باعتبار تضمّنه معنى الأنملة كتأنيث البلد باعتبار القرية أو المدينة ، وتأنيث الإذن لتضمّنه معنى الرخصة.

__________________

(١) السرائر : ٣٤.

(٢) جواهر الكلام : ٦ / ١١٤.

(٣) مجمع البحرين ( درهم ).


وهذا باب واسع ، والتوصيف بالعليا في الإبهام دون السبّابة لعدم الاختلاف بين عقد السبّابة كثيرا.

ويحتمل أن يكون إضافة العقد إلى السبابة للعهد أي : العقد العليا.

قوله : ولا منافاة إلى آخره.

قد يستشكل : بأنّه وإن لم يكن منافاة في التقدير لما ذكره ، ولكن يلزم عدم انضباط المقدّر والتنافي فيه ؛ لانّ مثل هذا الاختلاف يوجب أن يكون بعضها أدون من بعضها ، والعفو عمّا دون الأوّل يوجب العفو عن الآخر ، وكون الآخر مقدّرا يوجب عدم العفو عنه ، بل تعلّقه بما دونه.

ويمكن دفعه : بأنّ كلّ هذه التقديرات تقريبيّة لا تحقيقيّة ، فيتّحد المقدّرات حقيقة ، فالمعفو يكون ما دون كلّ هذه التقديرات تقريبا ، لانّ ما يكون أنقص عن أحدها دون الآخر حقيقة يكون عين الأوّل تقريبا.

قوله : غير الدماء الثلاثة.

الجملة إمّا صفة للدم ، أو بدل عنها بدل البعض عن الكل.

والدماء الثلاثة : دم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس.

قوله : لتضاعف النجاسة.

والمراد بتضاعف النجاسة إمّا قوّتها و (١) غلظتها وشدّتها أي : لغلظة نجاسة دم نجس العين حيث ألحق بالدماء الثلاثة في مقدار نزح البئر كما مر.

والظاهر أنّ المراد تعدّد جهة النجاسة كما صرّح به جماعة ؛ فإنّ هذا الدم نجس في نفسه ، ولا جل ملاقاته جسد نجس العين ، والمعفو عن قليله هو نجاسة الدم نفسه ، والدم الخارج من نجس العين يكتسب بملاقاة الأجسام النجسة نجاسة أخرى غير نجاسة الدم ، وتلك لم يعف عنها كما لو أصاب الدم المعفو عنه نجاسة غير الدم ؛ فإنّه يجب إزالته مطلقا. والحاصل دم نجس العين له حيثيتان ، والعفو إنّما تعلّق بواحدة منهما.

وأورد عليه : بأنّ تماميّة ذلك الدليل يتوقف على أمرين :

__________________

(١) الظاهر : زيادة. كلمة « إمّا » أو لزوم تبديل إحدى الواوين بأو.


أحدهما : اعتبار الحيثيّة التي ذكروها في هذا المقام ، ولا دليل عليه ، فإنّ إطلاق الدم أعمّ من ذلك والحكم يترتّب عليه. وثانيهما : استفادة النجاسة بملاقاة نجاسة اخرى زيادة نجاسة على ما كانت عليه ، وهو في حيّز المنع.

قوله : ولا نصّ فيه.

أي : في الإلحاق ، أو في دم نجس العين.

وإنّما خصّ عدم النص بدم نجس العين مع أن الاستحاضة والنفاس أيضا لا نصّ فيهما ، بل النص مختصّ بدم الحيض إمّا لانّ النفاس حيض في المعنى والاستحاضة مشتقّة منه كما قيل ، أو لانّ الإجماع في إلحاقهما بدم الحيض متحقّق فلا يتفاوت فيه وجود النص وعدمه ، وإنّما يؤثّر ذلك فيما لا إجماع فيه وهو دم نجس العين.

وإرجاع الضمير المجرور إلى كلّ من الدماء الثلاثة ودم نجس العين نظرا إلى أنّ النصّ المتضمّن لدم الحيض ضعيف وموقوف على أبي بصير بعيد سيّما مع تعقّبه بقوله : « وقضية الاصل تقتضي دخوله في العموم » ؛ فإنّ الإجماع في الدماء الثلاثة مانع عن ذلك.

قوله : وقضية الأصل إلى آخره.

هذا بيان للدليل على تحقّق العفو في دم نجس العين أيضا ، وعدم إلحاقه بالدماء الثلاثة ، يعني أنّه لا نصّ فيه ، واخبار العفو عمّا دون الدرهم مطلقة كقوله عليه‌السلام : « في الدم يكون في الثوب إن كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة (١) » ومقتضى أصالة عدم التخصيص أن يكون كلّ فرد من أفراد الدم داخلا في ذلك العموم خرجت الدماء الثلاثة بالنص والإجماع ، فيكون غيرها ممّا لا نصّ فيه كدم نجس العين داخلا في العموم.

وقد يجعل هذا مع قوله : « ولا نصّ فيه » تتمّة للدليل على إلحاقه بالدماء الثلاثة وعدم تحقّق العفو فيه بأن يكون المعنى : أنّه ألحق بعضهم دم نجس العين ، بالدماء الثلاثة لتضاعف النجاسة أي تكرّرها من جهة ملاقاته لبدن نجس العين ولا نصّ فيه على العفو.

واخبار وجوب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن عامّة خرج ما دون الدرهم من الدم بالدليل ، ومقتضى الأصل دخول غيره من النجاسات ـ ومنها : النجاسة الحاصلة للدم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٠.


بملاقاته بدن نجس العين ـ في العموم ، فيكون هذا الدم باقيا على كونه واجب الإزالة غير معفو عنه. والأوّل أظهر.

قوله : ومع تفرقه أقوال.

الضمير في كلّ من « اجتماعه » و « تفرّقه » راجع إلى الدم. وقوله : « مع تفرقه » عطف على « اجتماعه » يعني : والعفو عمّا دون الدرهم من الدم عند اجتماع الدم وفاقي ، والعفو عند تفرّق الدم بأن يكون كلّ قدر مجتمع منه أقلّ من الدرهم ، ولكن بلغ المجتمع قدر الدرهم أو زاد عليه ؛ خلافي ، يعني : وقع الخلاف في العفو عن هذا المقدار إذا كان الدم متفرقا ، ووجد مثل هذا المقدار في الثوب متعدّدا.

وقد يقال : إنّ قوله : « مع تفرّقه » إمّا جملة مستأنفة ، أو معطوفة على قوله : « والعفو عن هذا المقدار ».

ولا يخفى فسادهما إذ لا يكون محلّ الأقوال حينئذ مذكورا ولا معهودا ، كما لا يخفى.

وقد يقال : إنّ العطف على قوله : « مع اجتماعه » يوهم لزوم الخلاف في هذا المقدار إذا كان متفرقا.

ولا يخفى أنّ هذا إن أوهم فإنّما هو على تقدير إرجاع الضمير إلى المقدار ، وأمّا إن ارجع إلى الدم كما ذكرنا فلا توهم ، على أنّه لا يتفاوت في لزوم ذلك التوهّم جعله معطوفا على قوله : « مع اجتماعه » أو جملة : « والعفو عن هذا المقدار » أو مستأنفا. وعلى التقادير يحتاج إلى تقدير بلوغ المجتمع أزيد عن هذا المقدار عن ( عند ، ظ ) التفرّق كما قدّمنا. نعم يحتاج على تقدير العطف على « مع اجتماعه » كما ذكرنا في تصحيح محمولية قوله :« أقوال » إلى ارتكاب تقدير أو تأويل كما لا يخفى.

ثمّ الأقوال المتحقّقة هنا ثلاثة :

الأوّل : أنّه لا تجب إزالته مطلقا ، وهو المنقول عن ابن إدريس ، واختاره المحقّق في النافع.

والثاني : أنّه لا تجب إزالته مطلقا ، إلّا أن يتفاحش. وهو ظاهر الشيخ في النهاية ، والمحقّق في المعتبر.


والثالث : ما استجوده الشارح وهو : أنّ حكمه حكم المجتمع ، فإن بلغ درهما وجبت إزالته ، وإلّا فلا. وبه قال سلّار من المتقدّمين ، وأكثر المتأخرين.

وظاهر بعض الأخبار يعاضد الأوّل.

قوله : ويكفي في الزائد.

يعنى : إذا زاد الدم عن القدر المعفو عنه فتكفي فيه لصحّة الصلاة إزالة الزائد ، ولا يجب إزالة الجميع وذكر ذلك لدفع توهّم أنّ المعفو مختصّ بما إذا وجد المعفو عنه أوّلا ، وأمّا إذا تحقّق في ضمن الزائد ، فلا عفو عنه ، ولو أزيل الزائد ؛ لظهور الأخبار في الأوّل ، ولاستصحاب عدم العفو.

ويمكن أن يكون ذلك لدفع توهّم السراية كما حكي عن بعض العامّة أنّه قال : « إذا أصاب الثوب نجاسة فغسل نصفه وبقي نصفه ، فلا يطهر النصف المغسول ؛ لانّه مجاور للأجزاء النجسة فتسري إليه النجاسة ».

وردّه الشيخ : « بأنّ ما يجاوره أجزاء جامدة ، ولو كانت رطبة لا يتعدى نجاستها إليها ، وإلّا لزم أن ينجس العالم كلّه حين المطر بملاقاة جزء منه النجاسة لتجاور أجزائه كلّه ».

قوله : على أصحّ القولين.

والقول الآخر أنّه لا يضمّ بعضها إلى بعض ، بل لكلّ واحد من الثوب والبدن حكم بانفراده ، ولو كان في البدن دم أقلّ من الدرهم ، وفي ثوب دم آخر كذلك ، كان معفوا عنه ، ولو بلغا معا إلى أكثر من الدرهم.

ولا يخفى أنّ الخلاف الواقع في الثوب والبدن واقع في الثياب المتعدّدة أيضا في أنّه هل يضمّ بعضها إلى بعض أم لا؟

قوله : واعتبر المصنّف في الذكرى إلى آخره.

ونصّ العلّامة في المنتهى والتحرير على أنّ التفشّي موجب للاتحاد مطلقا سواء كان الثوب رقيقا أم صفيقا.

وقال في المعالم بعد نقل الأقوال المذكورة : « والتحقيق تحكيم العرف في ذلك ؛ إذ ليس له ضابط شرعي ولا سبيل على استفادة حكم اللغة في مثله ، فالمرجع حينئذ إلى ما يقتضيه العرف ».


قوله : نعم يعتبر التقدير بهما.

أي : بالدم والمائع الطاهر.

واللام في « التقدير » للعهد الذكري أي : نعم يعتبر التقدير المذكور ، وهو التقدير بما دون الدرهم البغلي في الدم والمائع معا ، فما يكون بذلك المقدار يكون معفوّا ، وإذا تجاوزا عنه انتفى العفو.

قوله : ما لا يتمّ صلاة الرجل فيه.

الضمير المجرور وكذا الضمير في قوله : « لكونه » راجع إلى الموصول والتقييد بصلاة الرجل ، إذ ليس ما لا يتمّ فيه صلاة المرأة معفوا عن نجاسته ، لكون تمام بدنها غير ما استثني عورة فما لا يتمّ صلاتها فيه يكون ساترا لعورة الرجل ، ولا يكون معفوا عن نجاسته لا للرجل ولا للمرأة.

وقوله : « لكونه لا يستر عورتيه » علّة لعدم تماميّة الصلاة فيه ، لا للعفو عن نجاسته أي :

ما لا يتمّ الصلاة فيه وحده ؛ لأجل كونه غير ساتر لعورته ، فإنّ ما كان ساترا للعورة يتم صلاته فيه.

والمراد بالموصول : الثوب ، أي : ثوب لا يتمّ الصلاة فيه كالجورب والتكّة والقلنسوة وأمثالها. ويمكن على بعد تعميم الموصول بحيث يشمل غير الثوب أيضا ممّا يحمله الانسان كالخاتم والخنجر والسيف وأمثالها.

قوله : وأمّا الثاني.

حذف المضاف لذكره أوّلا. والضمير في « لم يذكره » راجع إلى الحكم ، وكذا في قوله :« لانّه ».

وأمّا إرجاعهما إلى الثاني نفسه فلا يناسب قوله : « لا يتعلّق » ؛ لأنّ التعلّق من أوصاف الحكم إلّا أن يتكلّف.

وقوله : « مع مراعاة الاختصار » يحتمل أن يكون علّة برأسه لعدم الذكر ، وأن يكون جزء للعلّة الاولى ومتمّما لها.

ثمّ إنّ ما ذكره أوّلا من أنّ حكم ما لا يتمّ الصلاة فيه لا يتعلّق ببدن المصلي إلى آخره


يرد عليه : أنّه إن اريد أنّه لا يتعلّق بالثوب المذكور ، فهو كذلك ، ولكنّه لا يصلح تعليلا لعدم الذكر ، وإن اريد أنّه لا يتعلّق بالصلاة ، وليس من مسائلها ، فهو ليس كذلك ؛ لانّ العفو عن نجاسة ما لا يتمّ الصلاة فيه وعدمه من مسائلها ، مع أنّ كونها من مسائل الصلاة أيضا غير صالح لوجه عدم الذكر ، وإنّما الصالح له عدم كونه من مسائل الطهارة ، وهو باطل.

والصواب في وجه عدم الذكر أن يقال : إنّه إمّا لأجل ما سيأتي في لباس المصلّي حيث خصّ وجوب الطهارة بالساتر ؛ فإنّه يدلّ على عدم وجوب طهارة غير الساتر إمّا من باب مفهوم الوصف ، أو لأجل أنّ مقتضى عدم ذكره بقاؤه على مقتضى الأصل كما هو شأن الأحكام الشرعيّة. وإمّا لأجل أنّ المبحوث عنه هنا ، أحكام النجاسة ، وهو من أحكام الثوب ، فإنّ الحكم إذا كان تعلّقه واختلافه لأجل وصف عارض للنجاسة فهو من أحكام [ النجاسة كـ ] العفو من دم القرح والجرح ، وعمّا دون الدرهم ، وما كان مناطه بأوصاف الثوب واختلافه لأجله فهو من أحكام الثوب كالعفو عن نجاسة ثوب المربّية ، وما لا يتمّ الصلاة فيه ، ولذا ذكرهما صريحا أو إيماء في بحث اللباس.

قوله : لإخراج الماء المغسول به.

إمّا متعلّق بقوله : « عصر » أو بال « كبس » أو بال « معتاد ». فعلى الأوّل يكون بيانا لمدرك وجوب العصر وإشارة إلى أنّه لم يقفوا على دليل يدلّ عليه في الأخبار كما ذكره بعض الأصحاب. وحاصله أنّ الماء المغسول به غسالة ، والغسالة نجسة ، فيجب إخراجها.

ولا يخفى أنّه يكون مبنيا على القول بنجاسة الغسالة مطلقا أو غير الأخيرة. وأمّا على القول بخلافه ، فلا يصحّ هذا التعليل ، بل على هذا القول أيضا يمكن منع انحصار طريق إخراج الماء المغسول بالعصر ، فإنّه يحصل بالجفاف أيضا ، على أنّ العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة التي في الثوب وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف بعد العصر ، وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ من الأوّل.

وقد يعلّل وجوب العصر : بأنّه لا يتيقّن خروج النجاسة إلّا به. قال في المعتبر : النجاسة ترسخ في الثوب ، فلا تزول إلّا بالعصر. وعلّل فيه أيضا : « بأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب ونحوه بالعصر ، وبدونه يكون صبا لا غسلا ».


وفيهما أيضا نظر :

أمّا الأوّل : فلأنّه أخصّ من المدّعى ؛ لاختصاصه بصورة العلم بتوقّف خروج النجاسة عليه ، والمدّعى أعمّ من ذلك. كذا قيل.

وفيه نظر ؛ إذ عدم العلم بخروج النجاسة بدونه يكفي لوجوبه ، لاستصحاب النجاسة.

وأمّا الثاني : فلتطرّق المنع إليه لغة وعرفا ؛ إذ الظاهر أن الغسل لغة وعرفا عبارة عمّا يحصل فيه الجريان والتقاطر في ثوب كان أو بدن أو غيرهما ، ويقابله الذي هو عبارة عن وصول الماء خاصّة من غير جريان ولا انفصال ويسمّى « الرش » أيضا.

وعلى الثاني يكون تقييدا للكبس وبيانا لانّ العصر ليس هو مطلق الكبس ، بل الكبس لإخراج الماء المغسول به.

وعلى الثالث يكون تقييدا للعادة ، ويكون معنى العصر : هو الكبس بالمعتاد لإخراج الماء ، حيث إنّه يمكن تفاوت العادة باختلاف الغايات.

قوله : فلا وجه لتركه.

قيل : الوجه في تركه أنّ المصنّف لم يعلّل وجوب العصر بما ذكره الشارح من كونه مقتضيا لخروج الماء المغسول به ، بل لظنّ خروج أجزاء النجاسة.

أقول : نظر الشارح إلى أنّ اعتبار العصر الذي بين المرّتين إمّا باعتبار نجاسة الغسالة ، أو لأجل عدم صدق الغسل بدون العصر ، أو ليحصل العلم بخروج أجزاء النجاسة ، وكيف ما كان فيجب اعتبار العصر بعدهما أيضا. أمّا على الأوّل ؛ فلتصريح المصنّف بنجاسة الغسالة الأخيرة أيضا كما يأتي. وأمّا على الثاني ؛ فلوجوب الغسل الثاني ، وتوقّفه على تحقّق العصر بعده. وأمّا على الثالث ؛ فلاحتمال بقاء الأجزاء النجسة بعد العصر الأوّل أيضا ، وندور حصول العلم بخروج جميعها به. ثمّ أقول : إنّه يمكن أن يكون الوجه في تركه أن نظر المصنّف إلى ضعف جميع تلك التعليلات ، واعتباره العصر الأوّل ؛ لانعقاد الإجماع عليه ، بخلاف الثاني ؛ فإنّه خلافي.

قوله : وحمل المصنّف إلى آخره.

يحتمل أن يكون قوله : « الحمل » مصدرا مبتدأ خبره جملة قوله : « من باب مفهوم


الموافقة » ، وأن يكون فعلا ؛ والمراد بمفهوم الموافقة : هو أن يجعل المسكوت عنه المسمّى بغير محلّ النطق موافقا للحكم مع محلّ النطق للاتحاد في العلّة أو اولوية غير محلّ النطق عن محلّه في العلّة إثباتا ونفيا كقوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) (١) حيث جعل الضرب الذي هو غير محلّ النطق أيضا منهيّا عنه كالتأفيف الذي هو محلّ النطق حيث إنّ العلّة في النهي عن التأفيف هو الإيذاء وهو متحقّق في الضرب بالطريق الأولى.

وقوله : لأنّ غيره إلى آخره.

علّة لكون حمل غير البول عليه من باب مفهوم الموافقة بجعل علّة وجوب المرّتين في البول هو النجاسة وهي متحقّقة في غيره مع شدّة.

قوله : وهو ممنوع.

أي : كون غير البول أشدّ نجاسة ممنوع وضمير « هي » راجع إلى « غيره » وتأنيثه باعتبار تعدّده معنى.

وقوله : « إمّا مساوية أو أضعف حكما ». أي : بعض أفراده مساوله ، وهو كلّ ما لم يعلم فيه ما يوجب ضعف نجاسته أو شدّته ، فيحكم بالتساوي ؛ لأصالة عدم التفاوت من الجانبين ، أو كلّ ما يشابهه في عدم العفو عن قليله. وبعضه أضعف حكما ، وهو كلّ ما علم له حكم يوجب ضعف نجاسته كالعفو عن قليله.

وقوله : « ومن ثمّ عفي عن قليل الدم » تعليل لكون بعض أفراد غير البول أضعف.

أقول : يرد على الشارح :

أمّا أوّلا : فإنّ بعض أفراد غير البول أشدّ منه بالنص ؛ وهو المني ، روى محمّد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ذكر المني فشدده وجعله أشد من البول ». (٢)

وأمّا ثانيا : فإنّ العفو عن قليل الدم لا يدلّ على ضعفه حكما ، بل يمكن أن تكون العلّة هو عسر الاحتراز عن هذا المقدار من الدم لسرايته في جميع أجزاء بدن الانسان ، وإمكان خروجه من كلّ جزء منه.

ثمّ إنّه يرد أيضا على حمل المصنّف من باب مفهوم الموافقة : أنّ مفهوم الموافقة إنما

__________________

(١) الاسراء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤.


يعتبر إذا علمت العلّة وعلّيته بالعقل بديهة أو بالنص ، وكون شدّة النجاسة في البول علّة التعدّد غير معلوم ، فلا تكفي أشدّية غيره في ثبوت التعدّد ، ولو علمت الأشدّية أيضا.

قوله : بإطلاق الأمر.

أي : الأمر بازالة غير البول من النجاسات عن الثوب.

والمراد بإطلاقه : عدم تقييده بالمرّة أو التكرار ، فيكون أمرا بماهيّة الغسل ، والأمر بالماهيّة يصدق بالمرّة ، والأصل يقتضي براءة الذمّة عن الزائد ، فلا يكون الزائد عن المرّة واجبا.

قوله : في البيان جزما إلى آخره.

قال في البيان : « ولا يجب التعدّد إلّا في إناء الولوغ ».

وقال في الدروس : « ويكفي المرّة بعد زوال العين ، وروي في البول مرّتين ، فيحمل غيره عليه ».

وقال في الذكرى :

ويكفي الغسل مرّة في غير الاناء لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في دم الحيض : « حتّيه ثمّ اغسليه » ، وكذا أوامر الغسل ، والأمر المطلق لا يقتضي التكرار ، وأمّا البول فيجب تثنيته ، لقول الصادق عليه‌السلام في الثوب يصيبه البول : « اغسله مرّتين : الاولى للإزالة ، والثانية للانقاء ». ولو قيل في الباقي كذلك كان أولى لمفهوم الموافقة ؛ فإنّ نجاسة غير البول أشد. (١)

ولا يخفى أنّ كلام البيان صريح في عدم وجوب التعدّد لا في البول ، ولا في غيره. وكلام الدروس يدلّ على التردّد في البول وفي غيره. وظاهر الذكرى التردّد في غير البول خاصّة والحكم في البول ؛ ولهذا قيل : إنّه لو قلنا برجوع الضمير في قوله : « وهو اختيار المصنّف » إلى الاكتفاء بالمرّة في غير البول لم يكن ذلك اختياره في البيان ، ولو قلنا برجوعه إلى العمل بإطلاق الأمر حتّى لم يكن البول مستثنى أيضا ، لم يكن مختاره في الذكرى أيضا مطابقا لما نقله عنه.

__________________

(١) الذكرى : ١ / ١٢٤.


ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الضمير راجع إلى الاكتفاء بالمرّة في غير البول وهو مختاره في البيان أيضا مع زيادة وهو الاكتفاء بها في البول أيضا ، وليس المفهوم من قوله : الاكتفاء بالمرّة في غير البول ، عدم الاكتفاء به في البول حتّى لم يكن موافقا لمختار البيان ، بل هو مسكوت عنه.

ويمكن اختيار الإرجاع إلى العمل بالإطلاق أيضا ويقال : إنّ فهم التردد في الذكرى أمّا في غير البول فظاهر ، وأمّا فيه فباعتبار قوله : « ولو قيل في الباقي كذلك » إلى آخره حيث إنّه جعل القول بالتعدّد في الباقي أولى لمفهوم الموافقة ، فلو كان الحكم في البول ثابتا عنده لكان في غيره أيضا ثابتا قطعا مع اعتباره المفهوم ، لا أنّه يكون القول بالتعدّد فيه أولى ، فإنّه يشعر بأنّ القول بعدم التعدّد فيه أيضا صحيح ، ومقتضاه صحّته في البول أيضا ، بل بطريق أولى ، فتأمل.

قوله : [ فلا ] يجب عصره.

الضمير في « العصر » و « الغسل » راجع إلى الثوب. ويمكن إرجاعهما إلى « بول الرضيع » أيضا ، فإنّه يكفي في الإضافة أدنى ملابسة ولا يخفى أنّ المستفاد من كلام الشارح وجوب الغسل في بول الرضيع وإن لم يجب تعدّده ، ولا العصر مع أنّ الغسل أيضا غير واجب ، بل اللازم فيه هو الصب فقط.

قوله : وهما ثابتان في غيره.

أي : المرّتان ، أو الغسل متعدّدا والعصر ، أو تعدّد الغسل والعصر ثابتان في غير بول الرضيع على ما ذكره المصنّف مطلقا أي : في أيّ ماء وقع الغسل ، إلّا في الماء الكثير والجاري ، فالمستثنى منه محذوف وليس هو « غيره » كما يوهمه ظاهر العبارة.

قوله : بناء على عدم اعتبار كثرته.

أي : كثرة الجاري.

وقوله : « بناء » منصوب بنزع الخافض. والمراد : أنّ استثناء الجاري بإطلاقه بناء على عدم اعتبار كرّيته في عدم تنجّسه بالملاقاة ، وأمّا على اعتبارها فلا يصحّ الاستثناء المطلق ، بل يلزم تخصيص المستثنى بالجاري الكثير. أو المراد : أنّ عطف الجاري على


الكثير بناء على عدم اعتبار كثرته ، وأمّا على اعتبارها فلا يصح عطفه عليه ، وجعله قسيما له ، فإن العطف يقتضي المغايرة ، وعلى اعتبار الكثرة فيه يكون الجاري والراكد [ الكثير ] سواء.

قوله : مع إصابة الماء إلى آخره.

« اللام » في قوله : « لمحل » زائدة.

وقوله : « وزوال عينها » وإن كان مطلقا شاملا لما زال عينها بعد إصابة الماء أو معها أو قبله ، ولكن المطلوب زوالها قبلها أو معها معيّة عرفيّة بحيث الماء نفس المحل أيضاً ، فتأمّل.

قوله : في غيرهما بناء على اعتبار التعدّد مطلقا.

لفظة « فى » للظرفية المجازية ، فانّ قوله يصبّ بمنزلة يجب الصبّ فكان غيرهما ظرفا لهذا الحكم. وقوله : مطلقا متعلّق بالتعدّد. أي : وجوب الصب في البدن مرّتين في البول وغيره بناء على اعتبار التعدّد مطلقا سواء كان في البول وغيره. وأمّا إذا لم يعتبر التعدّد إلّا في البول ـ كما مر ـ فيجب الصب مرّتين في البول خاصّة أيضا.

أو وجوب الصب في البدن مرّتين بإطلاقه سواء كان موضع الاستنجاء أو غيره ، بناء على اعتبار التعدّد في غسل البدن مطلقا ، سواء كان موضع الاستنجاء أو غيره.

أو وجوب الصب في البدن مرّتين بناء على اعتبار التعدّد في الغسل مطلقا سواء كان في الثوب أو البدن ، وأمّا إذا اختصّ بالثوب فلا يجب التعدّد في البدن ، وعلى هذا يكون هذا للتنبيه على تردّد الشارح في هذا الحكم في البدن.

قوله : ممّا تنفصل عنه الغسالة.

اعتبر العلّامة في النهاية والتحرير في طهارة الجسد ونحوه من الأجسام الصلبة دلكه.

ثمّ ما لا تنفصل عنه الغسالة بالسهولة ويتعسّر عصره كالفراش والبساط ، فحكموا فيه بلزوم الدق والتقليب والتغميز.

وأمّا ما لا يمكن عصره ولا دقه وتقليبه وتغميزه كالصابون المنتقع في الماء النجس ، والحبوبات المنتقعة فيه ، فقد وقع الخلاف والإشكال في تطهيره ، وظاهر جملة من


الأصحاب اختصاص الطهارة على القول بها بالكثير ، فلا تقع بالقليل من حيث عدم خروج ماء الغسالة عن المحل وانفصالها عنه ، فلا تحصل الطهارة إلّا بالكثرة ونحوه. وتفصيل المقام يطلب من الكتب المبسوطة الاستدلاليّة.

قوله : ويزيد إلى آخره.

الضمير المستتر فيه راجع إلى « الإناء ». وكذا في قوله : « فيه » و « إفراغه » و « إليه » ، وفي « منه » إلى « الماء ».

ويحتمل إرجاعه إلى « الإناء » ، وإرجاع ضمير « الافراغ » إلى الماء وفي « أنّه » للشأن ، والمراد : أنّ الإناء كالبدن في كفاية الصب ولزوم المرّتين ، إلّا أنّه يزيد على البدن أنّه كما في البدن يلزم جريان الماء على المحلّ النجس وانفصال الغسالة منه بالجريان لا يلزم ذلك في الاناء ، بل يكفي الصب فيه بحيث يصيب المحل النجس وإفراغ الإناء من الماء باكفائه منه وفتح ثقبة من تحته يخرج عنها الماء أو بمعونة آلة. فقوله : « ولو بمعونة آلة » لبيان الفرد الغير الظاهر حيث إنّه لا خلاف في كفاية الإكفاء والإخراج من الثقبة مطلقا ، ووقع الخلاف في الإخراج بمعونة الآلة في غير المثبت ، نعم يلزم أن لا يدخل الآلة في الاناء مرّة ثانية ، إلّا بعد تطهيرها ؛ لانّ حكم الغسالة حكم المحل قبل التطهير كما يأتي ، وصارت الآلة نجسة بالغسالة الاولى ، فلو أدخلت فيه ثانية قبل التطهير يلزم غسل الاناء مرتين آخرتين أيضا ، وهكذا

ولو لم نقل بأنّ حكم الغسالة حكم المحل قبل التطهير سواء قلنا بنجاستها أم لا فان قلنا بلزوم التعدّد في مطلق النجاسة لا يجوز الادخال قبل التطهير أيضا كما لا يخفى.

وإن لم نقل بلزوم التعدّد إلّا في نجاسات مخصوصة ، فلا يضر إدخال الآلة في الإناء ثانية قبل التطهير إلّا للإفراغ من ماء الغسلة الثانية ؛ لانّ غاية الأمر صيرورة الإناء نجسا ، يطهر بالغسلة الثانية.

وقد يقال : إنّ المنع من إدخال الآلة ثانية إلّا بعد التطهير إنّما هو مبني على القول بنجاسة الغسالة ، ولا يخفى أنّ هذا يصحّ في الغسلة الثانية ، وأمّا الغسلة الاولى فيصير الآلة


بإفراغ مائها نجسة ، ولو قلنا بطهارة الغسالة لملاقاته الإناء وهو بعد نجس ؛ لانّه لا يطهر إلّا بعد إكمال العدد.

فإن قيل : فعلى هذا يزيد البدن على الاناء باشتراط انفصال الغسالة بالجريان ، ولا يزيد في الإناء شي‌ء

قلنا : التعبير بقوله : « يزيد » لتضمنه معنى « يختلف » أي : يختلف حكم الاناء البدن في ذلك أو المراد : أنّه يزيد في السهولة والخفّة ، كما أنّ البدن يزيد على الثوب في ذلك بأنّه لا يجب فيه العصر.

وقوله : سواء في ذلك المثبت وغيره إلى آخره.

إشارة إلى ردّ قول من قال : بأنّه يجب في غير المثبت أو المثبت الذي لا يشقّ قلعه الإكفاء ، ولا يكفي الإفراغ بالآلة أي : سواء في كفاية الإفراغ فيه الاناء المثبت في مكان وغير المثبت وما يشق قلعه من مكانه إذا كان مثبتا وغيره.

قوله : بأن شرب ممّا فيه.

تفسير للولوغ فيشترط فيه الشرب وكونه من اللسان ، فلو شرب من فمه ، أو أدخل لسانه فيه من غير تحريك وشرب لم يكن ولوغا.

وقد صرّح بما فسره الشارح أهل اللغة أيضا ؛ ففي الصحاح : هو شرب الكلب بطرف لسانه ، وزاد في القاموس : إدخال لسانه في الإناء وتحريكه.

قوله : مسحه بالتراب.

الضمير في « مسحه » راجع إلى الاناء.

ويمكن أن يقرأ « مسحة » بتاء الواحدة.

ثمّ المسح بالتراب كما صرّح به المصنّف مقدّم على الغسلتين بالماء. وجعله بعضهم متوسطا بينهما. ونقل عن جماعة من المتقدّمين الإطلاق ، ولكن الظاهر ـ كما صرّحوا به ـ اتفاق الجميع على عدم جواز التأخير.

قوله : الطاهر.

هذا ردّ على العلّامة حيث احتمل في النهاية إجزاء النجس. واختاره جمع ممّن تأخّر عنه.


وقوله : « دون غيره » أي : غير التراب. ردّ على ابن الجنيد حيث إنّه قال كما نقل العلامة في المختلف : إنّه يجزي التراب أو ما قام مقامه كالاشنان والدقيق.

وقوله : « وإن تعذّر » أي : تعذّر التراب ، متعلّق بقوله : « دون غيره » أي : لا يمسح بغيره وإن تعذّر التراب ، بل يكون الإناء باقيا على نجاسته.

وهذا ردّ على الشيخ في المبسوط حيث إنّه قال ـ كما نقله عنه المحقق في المعتبر ـ بإجزاء الاشنان وما يجري مجراه عند تعذّر التراب.

ولا يمكن أن يكون قوله : « وإن تعذّر » متعلّقا بقوله : « قدم » ؛ لإيجابه التكليف بما لا يطاق ، إلّا بأن يقال : معنى قدّم : أنّه يجب تقديم المسح ، الشرطي دون الشرعي أي : يجب في طهارته وإن تعذّر يعنى بعد التعذّر يكون الوجوب الشرطي باقيا أي : لا يطهر الإناء ويكون باقيا على نجاسته.

وقوله : « أو خيف فساد المحل » أي : الآنية باستعمال التراب بأن يكون نفيسة أو ضيقة بحيث لا يمكن إدخال التراب فيها إلّا بعد الكسر عطف على « تعذّر ».

وهو أيضا ردّ على بعض الفقهاء حيث أجزأ شبه التراب عند خوف فساد المحل.

قوله : بالولوغ لطعه.

المراد باللطع : اللحس. ومعنى قوله : « الحق » أنّه الحق شرعا حتّى يكون فاعله هو الشارع ويكون إشارة إلى اختيار ذلك.

فلا يرد أنّ إلحاق الفقهاء لا يختصّ باللطع ، بل ألحق جمع منهم المباشرة بسائر الأعضاء أيضا ، وهو المنقول عن الصدوقين ، بل نقل بعضهم عن المفيد أيضا أنّه قال : « إذا شرب منه كلب أو ولغ فيه أو خالطه ببعض أجزائه فإنّه يهراق ما فيه من ماء ، ثمّ يغسل مرّة بالماء ، ومرّة ثانية بالتراب ، ومرّة ثالثة بالماء ». (١)

نقله العلّامة في المختلف.

والحاصل أنّ مراد الشارح ليس نسبة الالحاق إلى الفقهاء حتّى ينافيه نفيه عن المباشرة ، بل مراده أنّ إلحاق اللطع متحقّق شرعا دون المباشرة.

__________________

(١) المختلف : ١ / ٣٣٧.


والوجه فيه ـ على ما ذكروه ـ أن اللطع أولى بالحكم من الولوغ ، فيتناوله الدليل بمفهوم الموافقة ، وليس كذلك المباشرة ؛ ولذا ألحق بعضهم بالولوغ حصول اللعاب في الإناء أيضا من غير ولوغ.

وكأنّ دليل من ألحق المباشرة أيضا ما في الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام : « إن وقع الكلب في الماء أو شرب منه اهريق الماء وغسل الإناء ثلاث مرّات مرّة بالتراب ومرّتين بالماء ، ثمّ يجفّف ». (١) حيث حكم بوجوب التراب عند الوقوع أيضا.

قوله : لو تكرّر الولوغ.

أي : لو تكرّر ولوغ كلب واحد أو تكرّر بأن ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد قبل الشروع في التطهير للولوغ الأوّل تداخل الولوغ المتكرّر في الحكم ، أو تداخل الصب والمسح ، فلا يجب أكثر من غسل الاناء مرّتين ومسحه مرّة.

وخالف في ذلك بعض العامّة ، فأوجب لكلّ واحد العدد بكماله.

وقوله : « وفي الأثناء » إمّا جملة مستأنفة ، أو عطف على محذوف يدلّ عليه قوله : « في الأثناء » وهو « في الابتداء » والمراد : أنّه لو حصل التكرّر في أثناء التطهير يجب استئناف العدد ولا يتداخل.

قوله : ويستحبّ السبع.

« اللام » في السبع عوض من المحذوف : أي : سبع غسلة أو صب ( كذا ). وقوله : « بالماء » متعلّق بذلك المحذوف وإلحاق قوله : « بالماء » مع أنّ كلام المصنّف محتمل لان يكون السبع بالماء والتراب حتى يكون الغسل بالماء ستّا لأجل عطف قوله : « وفي الفأرة والخنزير » عليه ؛ فإنّ السبع فيهما بالماء ، و « اللام » في الولوغ للعهد أي : ولوغ الكلب.

ولو فسّر الضمير بالكلب لكان أوفق بقوله : « في الفأرة ».

وقوله : « خروجا من خلاف من أوجبها » علّة لاستحباب السبع أي : لأجل الخروج من خلاف من أوجب السبع حيث إنّ الاحتياط في الأخذ بالمتفق عليه ، والاحتياط مستحبّ ، أو من جهة أنّه يتسامح في أدلّة السنن حتّى جعل بعضهم فتوى فقيه واحد أيضا صالحا لإثبات الاستحباب.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٣ ، مع اختلاف يسير.


والمراد بالخروج من خلافه : الخروج العملى ، بمعنى : أنّ العمل يكون موافقا للموجب خارجا عن الخلاف فلا يرد ان الاستحباب أيضا مخالف لقول الموجب فلم يتحقّق الخروج عن الخلاف. ولا يخفى أنّ الموجب كما صرّحوا به هو ابن الجنيد ، ولم ينقل الإيجاب من غيره ، وهو قال في مختصره : « والأواني إذا نجست من ولوغ الكلب أو ما جرى مجراه غسل سبع مرّات أولاهن بالتراب ».

وهذا الكلام كما ترى صريح في أنّه يجب الغسل بالماء ستّ مرّات دون سبع ، فلا يصلح الخروج عن خلافه لاستحباب السبع بالماء ، نعم لو استند في ذلك إلى موثّقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ. قال : « تغسله سبع مرات ، وكذلك الكلب » لكان صحيحا حيث إنّ الموثّق ليس بحجّة عنده ، فلا يثبت منه الزائد على الاستحباب.

والظاهر أنّ اشتباه الشارح نشأ من التعليل الذي ذكره العلّامة في المختلف لابن الجنيد : وهو : أنّه يغسل للفأرة سبع مرات ، فللكلب أولى ، فإنّ السبع في الفأرة إنّما هو بالماء.

ويمكن أن يكون الشارح حمل قول ابن الجنيد « اولاهن » على أنّ مراده : أنّ المقدّم على هذا السبع التراب وهو بعيد.

ويحتمل بعيدا أيضا أن يكون لفظة « من » في قوله : « من أوجبها » بمعنى « ما » ويكون المراد : أنّ استحباب السبع للخروج عن الحديث الموجب للسبع المخالف لأحاديث المرّتين.

ويمكن أيضا أن يكون قوله : « خروجا » مصدرا بمعنى الفاعل ، ويكون حالا من الغاسل ، لا تعليلا ، ويكون المعنى : ويستحبّ غسل الإناء سبعا بالماء لأجل الحديث حال كون الغاسل بذلك خارجا عن خلاف من أوجب سبع مرّات بالماء والتراب وعلى هذا لا بدّ من ارتكاب استخدام في ضمير « أوجبها » فتأمّل.

قوله : في الفأرة والخنزير إلى آخره

أما في الفأرة فبنجاستها المستندة إلى موتها. وأمّا في الخنزير فبنجاسته المستندة إلى


ولوغه ، أو مع لطعه ، أو مع المباشرة أيضا على الخلاف المتقدّم في الكلب.

وإنّما أطلق المصنّف لظهور المقصود ، و « بعض الأخبار » إشارة إلى موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبعا ». (١)

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال : « يغسل سبع مرّات ». (٢)

وقوله : « لم تنهض حجّة للوجوب » أي : عند المصنّف ، وأمّا الشارح فيحكم بأنّ الأخيرة ناهضة حجّة عليه.

ثمّ الوجه في عدم صلاحيّتهما حجّة على الوجوب عند المصنّف أمّا في خبر الفأرة ؛ فلاشتمال سنده على جماعة من الفطحيّة. وأمّا في خبر الخنزير فإمّا لعدم القائل بالوجوب فيه من المتقدّمين قبله ـ وهو كثيرا ما يراعي ذلك ونحوه في العمل بالأخبار ـ ولهذا قال العلّامة في المنتهى : لو قيل بوجوب غسل الإناء منه سبع مرّات كان قويّا لما رواه عليّ بن جعفر (٣) أو لأنّ القدر الثابت أنّ الأمر للوجوب ، وأمّا الإخبار في صورة الإنشاء فالمسلّم دلالته على الرجحان واما الوجوب فلا.

قوله : مقتضى إطلاق العبارة.

إشارة إلى قول المصنّف : « وكذا الاناء » ، فال « لام » في « العبارة » للعهد وقوله : « كغيرهما » أي : غير الفأرة والخنزير سوى الكلب ، واستثناؤه معلوم لما تقدّم أنّ فيه المسح بالتراب أيضا.

ويمكن تعميم الغير بحيث يشمل الكلب أيضا حيث إنّ المراد بالمرّتين باعتبار الغسل بالماء ، فإنّه يجري فيه أيضا من الماء.

قوله : لصحّة روايته.

المراد بروايته : صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة. والغرض عن صحّتها عدم ما يوجب خروجها عن الحجّية عند الشارح.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٨.


قوله : للامر به في بعض الأخبار.

وهو موثّقة عمّار الساباطي عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال : « يغسل ثلاث مرات يصب فيه الماء فيحرك فيه ، ثمّ يفرغ منه ذلك الماء ، ثمّ يصب فيه ماء آخر ، فيحرك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، وقد طهر ». (١)

قوله : وهي الماء المنفصل إلى آخره

لا بدّ أن يكون المراد بالمنفصل أعمّ من أن يخرج الماء من المحل أو المحل من الماء كاليد الموضوعة في الماء القليل ، والمحل المغسول أعمّ من أن يكون نجسا أو طاهرا ، ومن أن يغسله غاسل قصدا أو يغسل بوقوعه في مجرى الماء.

ولا يخفى أنّه يرد على هذا التعريف اعتراضات.

الأول : أنّه يصدق على الماء الجاري أو الكثير المنفصل عن المحل مع أنّه لا يسمى غسالة.

الثاني : أنّ التقييد بنفسه يخصّص المنفصل بما إذا أخرج الماء من المحل ، فيخرج غسالة المحلّ إذا أخرج المحلّ منه.

الثالث : أنّه لو خصّ المحلّ المغسول بما إذا غسله الغاسل بقصد الغسل يخرج ما إذا جرى الماء على نفس اليد النجسة وطهرها ، وإن عمّ يلزم كون ماء قليل منفصل عن محلّه كالكوز ونحوه أو ما أدخل فيه إصبع مثلا [ غسالة ] ، وإن اختصّ بمحلّ النجس يلزم اختلال التعريف لعمومه غسالة ليس كذلك.

الرابع : أنّ التقييد بقوله : « بنفسه أو بالعصر » يخرج الغسالة المنفصلة بالإفراغ والإكفاء.

قوله : أي قبل خروج تلك الغسالة.

إنّما قال : « قبل الخروج » ولم يقل : « قبل الورود » ؛ لانّ حكم قبل الخروج وقبل الورود واحد حيث إنّ الغسلة الاولى هي ورود الغسالة وخروجها ، فلا يتحقّق الغسلة إلّا بعد الخروج ، فقبله يكون المحل غير مغسول أصلا ، ولكن هذا إنّما يصحّ على القول باشتراط العصر في الغسل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٧.


قوله : وهذا يتمّ في ما يغسل مرّتين إلى آخره

إنّما قال : « مرّتين » ولم يقل : « فيما يغسل أكثر من مرّة » للتنبيه على أنّ كلّ ما يغسل أكثر من مرّتين فهو ليس إلّا لخصوص النجاسة كالخمر ، أو الولوغ ، أمّا مطلق النجاسة فلم يقل أحد فيه بأكثر من المرّتين.

وقوله : « لا لخصوص النجاسة » يعنى : أنّ تماميّة ذلك ممّا يغسل مرّتين أيضا مخصوصة بما إذا لم يكن المرّتان لخصوص النجاسة كما اختاره المصنّف من أنّه يجب الغسل والصب لكلّ نجاسة مرّتين ، وأمّا إذا كانت المرّتان لخصوص النجاسة كما إذا قلنا بتخصيص المرّتين بالبول ، فلا يتم ذلك.

وقوله : « كالولوغ » للتمثيل والتشبيه في الخصوصية ، ومثله البول على القول باختصاص المرّتين به.

والحاصل أنّ مراد الشارح أنّ هذا الحكم المتقدّم وهو أنّ الغسالة إن كانت من الغسلة الاولى وجب باصابتها غسل تمام العدد ، والنقص بواحدة في الثانية وهكذا لا يتمّ فيما يغسل مرّة ، وهو ظاهر ؛ إذ لا تعدّد حينئذ حتّى تكون الغسالة كالمحل قبل الغسالة ، بل يكون الغسالة نجسة.

وكذا لا يتمّ فيما يغسل أكثر من مرّتين ؛ لانّ كلّ ما يغسل أكثر من مرّتين ، فهو لخصوصيّة النجاسة لا محالة ، وكذا لا يتمّ فيما يغسل مرّتين لخصوصية النجاسة ، كالبول على القول باختصاص المرّتين به بل يتمّ فيما يغسل مرّتين لا لخصوص النجاسة ، وأمّا الخصوص كالولوغ فلا. والولوغ ليس مثالا للمرّتين اللتين للخصوص ، بل للخصوص فقط.

قوله : أجود الأقوال في المسألة.

يعني : فيما يتم. فعلى القول بالاكتفاء بالمرّة في غير البول لا يجب التعدّد في شي‌ء من الغسلات.

قوله : وقيل.

هذا قول المحقّق ، والعلّامة. وقوله : « مطلقا » أي : سواء كان في الغسلة الاولى أو الثانية ، وعلى هذا فيجب غسل ما لاقته العدد المعتبر في المحل.


وقيل : « كالمحل بعد الغسل » وهذا على الطرف النقيض من سابقه. وقوّاه الشيخ في المبسوط.

وقوله : « وقيل بعدها » أي قيل : كالمحل بعد الغسالة ، وهذا القول منقول عن الشيخ في الخلاف.

قوله : أو تصب.

مجزوم بعطفه على « تتغيّر » أي : ما لم تصب نجاسة خارجة. والمراد بالحدث المستنجى منه إما المستنجى منه بهذا الاستنجاء ، فيخرج البول عن حقيقته لو كان الاستنجاء عن الغائط ، والغائط عن حقيقته لو كان عن البول. وإما مطلق المستنجى منه ، فلا يكون شي‌ء منهما [ خارجا ] عن حقيقته.

وقوله : « أو محله » معطوف على الحقيقة أي : خارج عن محل المستنجى منه ، فالاوّل أعمّ من أن يكون في محلّ المستنجى منه كالدم الخارج من الغائط ، أو من حواليه أو في غيره ، كالنجاسة الملقاة على الأرض ، أو الكائنة في اليد غير البول والغائط.

والثاني اعمّ من أن يكون على البدن أو على غيره ، وسواء كان من هذا الحدث المستنجى منه بل نفسه أو لا ، فلو تعدّى الغائط أو البول المخرج تنجس الغسالة ، وكذا لو وقع على الأرض ولاقته الغسالة.

وأمّا الملاصقة لليد عند الاستنجاء ففي حكم ما في المحل ؛ لانّ اليد آلة للاستنجاء. ومنهم من فرّق بين سبق اليد على الماء الى الموضع وعكسه ، فقال في الأوّل بنجاسة الغسالة لو لاقت اليد دون الثاني.


المسألة الرابعة

المطهّرات

قوله : المطهرات.

يعني : أنّ المطهّر المشهور بالبحث عنه عشرة ، وإلّا فهي أكثر ، كاستبراء الحيوان ، وانتقال الدم ، وزوال العين ، والإسلام. بل قيل بمطهريّة البصاق للنجس بالدم ، والدباغ للجلد ، والمسح للجسم الصيقل.

قوله : مطلقا.

يحتمل أن يكون قوله : « مطلقا » قيدا للماء أي : سواء كان ماء راكدا أو جاريا ، قليلا ، أو كثيرا ، ماء بئر أو عين أو غيث ، أو بمعنى حال كونه مطلقا حتى يخرج المضاف ، أو قيدا للمطهّر أي : مطهّر لكلّ نجس بالكسر ( كذا ) ، فمعنى الإطلاق : أنّه سواء كان ثوبا أو بدنا أو إناء أو غيرها ، أو بمعنى : أنّه سواء كانت النجاسة من البول أو الغائط أو الدم إلى آخر النجاسات.

وعلى هذا يكون قول الشارح : « من سائر النجاسات » تفسيرا للإطلاق. والسائر بمعنى الجميع ، قال في الصحاح : « وسائر الناس : جميعهم » ، وعلى هذا يكون قوله : « التي تقبل التطهير » وصفا احترازيّا.

ويحتمل أن يكون « السائر » بمعنى البقيّة ، وكان غرضه النجاسات القابلة للتطهير ، وعلى هذا يكون الوصف المذكور توضيحيّا.

والمراد بالنجاسة : الحالة الحادثة للمحل سواء كان المحل هو [ محلّ ] عين النجس أو المتنجس ، وعلى هذا فيكون الوصف للاحتراز عن الحالة الحاصلة للعين ، فإنّها غير قابلة للتطهير إلّا في ميّت الآدميّ ، وعن الحالة الحاصلة للمتنجّسات الغير القابلة للتطهير كالدهن على قول. ويحتمل أن يكون المراد بالنجاسة : الحالة الحادثة للمتنجسات فقط ، فيكون الوصف للاحتراز عن الأخير فقط.


والمراد بقوله : « تقبل التطهير » أي : التطهير بالماء. فلا يرد أنّه غير مطهّر من نجاسة الكفر من البدن مع أنّه قابل للتطهير ، والمراد قبول التطهير به وحده ، فيخرج ما يتوقّف تطهيره على استعمال التراب أيضا ، أو في الجملة ، فيشمله أيضا.

قوله : وهو أسفله الملاصق للأرض.

التفسير لاجل أن لا يتوهّم أنّ باطنه هو ما يلاصق الرجل ، حيث إنّ الباطن أظهر فيه من الملاصق للأرض ، كما لا يخفى.

قوله : مع زوال عين النجاسة.

قد يتوهّم أنّ معنى « مع زوال النجاسة بها » أن يشترط زوال النجاسة بها ، ويجعل قوله : « بمشي » محتمل التعلّق بالزوال وبقوله : « تطهّر ».

ويعترض بأنّه لا يشترط في تطهيرهما زوال النجاسة عنهما بالأرض [ فـ ] لو ازيلت بغيرها ، ثمّ دلك المحل بها يطهر.

وفيه : أنّ لفظة « مع » هنا ليست متضمّنة لمعنى الشرطيّة ، بل متضمّنة لمعنى ال « باء » وبيان لكيفيّة التطهير. يعنى : ويطهر باطن النعل والقدم بزوال عين النجاسة بالارض بالمشي وغيره ، إذا كان للنجاسة عين ، وأمّا إذا لم يكن لها عين بأن كانت النجاسة ممّا لا عين لها كالبول الجاف ، أو كانت لها عين وازيلت بغير الأرض ، فيأتى إنّما يطهر بالامساس.

والمراد بغيرهما : المسح ، وقد دلّ بعض الأخبار على كفايته بخصوصه.

قوله : كفى مسمّى الإمساس.

أي : كفى في التطهير. أمّا إذا كان جرم أو رطوبة فلا يكفي ذلك ، بل لا بدّ من زوال الجرم أو الرطوبة.

قوله : ما لم تخرج عن اسم الأرض.

قد يقال : إنّ بعد قوله : « في الأرض » يكون هذا القيد مستدركا. أقول : يمكن أن تكون الفائدة فيه بيان أنّ مطلق الرطوبة لا يخرج الأرض عن اطلاق الاسم عليها.


توضيحه : أنّ منهم من اشترط في التطهير في الأرض جفافها. وقد يستدل له : بأنّ الرطوبة تخرج الأرض عن إطلاق الاسم ، وإن اطلق عليها مقيّدا.

وعلى هذا فلا إشعار في قوله : « في الأرض » بعد توصيفها بالجافّة والرطبة ، على أنّ الرطبة أيضا يطلق عليها اسم الأرض المطلق الذي هو شرط في التطهير.

ولكن قوله « ما لم تخرج » إلى آخره تنبيه على أنّ مع الرطوبة أيضا قد تكون باقية على الإطلاق.

قوله : وإطلاق النص والفتوى إلى آخره.

قد يناقش في الإطلاقين : أمّا في إطلاق النص ، فبأنّ بعض النصوص وإن كان مطلقا إلّا أنّ صحيحة الأحول مقيّدة بالطهارة ، وهي توجب تقييد المطلقات كما هو القاعدة. وصحيحة الأحول هي أنّه لمّا سأله عن الرجل الذي يطأ الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمّ يطأ بعده مكانا نظيفا ، فقال : « لا بأس إذا كان ذلك المكان النظيف قدر خمسة عشر ذراعا ». (١)

بل قد يقال : إنّ المروى بعدّة طرق ، ومنها : الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » (٢) دالّ على التقييد أيضا ، حيث إنّ الطهور لغة بمعنى : الطاهر المطهّر.

وأمّا في إطلاق الفتوى فلتصريح ابن الجنيد والمصنّف في الذكرى بالتقييد بالطاهر.

ويمكن دفع الأوّل : بأنّ تقييد المعصوم المكان النظيف في صحيحة الأحول إنّما هو لتقييد السائل ، فلا إشعار ، وكون الطاهر بمعنى الطاهر المطهّر في المروي لا دلالة له على اشتراط الطهارة فيما نحن فيه أصلا. نعم في رواية معلّى بن الخنيس ما يدلّ على التقييد. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الخنزير يخرج من الماء ، فيمرّ على الطريق ، فيسيل منه الماء ، وأمرّ عليه حافيا. قال : « أليس وراءه شي‌ء جاف؟ قال : بلى. قال : « لا بأس ». (٣) ولكنّه لم يلتفت إليها الشارح لضعفها.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٤٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨.


ودفع الثاني : بأنّ المراد بالفتوى المصنّف في هذا المقام ، وليس ذكر إطلاق الفتوى للاستدلال ، بل المراد أنّ مقتضى النص ومذهب المصنّف ذلك. ويمكن أن يكون المراد بالفتوى فتوى جماعة يتحقّق باتّفاقهم الإجماع ، فلا عبرة بمخالفة بعض من يكون معلوم النسب.

قوله : ما يجعل أسفل الرجل.

أي : ما يتعارف جعله. فلا ينافي ذلك جعل خشبة الأقطع مثل النعل دون النعل نفسه. وكذا يخرج الخف ؛ لانّه ليس للوقاية عن الأرض ونحوها ، بل يستر الساق وأمثاله. ويدخل ما يسمّى ظهر الرجل أيضا من ... وإن لم يطلق عليه النعل ؛ لانّ الغاية في لبسها وقاية أسفل الرجل.

والمراد من نحو الأرض : المرزيات ( كذا ) والحشائش وغيرها.

قوله : وخشبة الاقطع كالنعل.

أي : الخشبة التي يجعلها مقطوع الرجل في موضع القطع للمشي كالنعل ، لا لأجل صدق النعل عليه ، بل لإطلاق الصحيحة الاولى المتقدّمة. (١)

ولكن يرد على التمسك بها : أنّ المطلقات منصرفة إلى الأفراد الشائعة المتكثرة ، دون النادرة.

قوله : فهو مطهّر في الجملة.

لو قيل بجواز تأخير التراب في الولوغ عن الغسل يمكن جعله مطهرا مستقلّا أيضا حيث إنّ بعد تمام الغسل يكون المحلّ نجسا بعد وإنّما يطهر بالتراب.

لا يقال : إنّ التراب من حيث هو الكائن على الأرض يطهّر النعل ومثله ، وكذا المأخوذ منها الممسوح بالنعل ومثله على قول ، فيكون التراب أيضا مطهّرا مستقلّا مطلقا ، وأيضا يصدق على التراب الأرض ، فبعد ذكر الأرض لا يحتاج إلى ذكر التراب.

أقول : يمكن أن يقال : إنّ التراب من حيث هو تراب غير الأرض من حيث هو أرض وجهة الترابية غير جهة الأرضية ، والتراب الكائن على الأرض أو المأخوذ منه يطهر النعل ومثله لجهة أرضيته ، وتطهيره للنعل لجهة ترابيته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧.


ثمّ ال « فاء » في قوله : « فإنّه » للتعليل ، وفي قوله : « فهو » للتفريع والمراد بالمطهريّة في الجملة تخفيف النجاسة لا حصول شي‌ء من التطهير ، كما يتوهّم ويعترض.

قوله : والجسم الطاهر.

والأكثر قيّدوه بالجاف أيضا ، وكأنّه لا يشترطه.

ثمّ الإتيان بلفظ المفرد دون الجمع بناء على عدم لزوم الثلاثة في الاستنجاء ، أو على إجزاء التوزيع. أي : يكفي إمرار كلّ حجر ـ مثلا ـ على موضع من المخرج فيطهره ، ولا يجب إمرار الجميع على الجميع ، أو مراده : المطهّر في الجملة كما في التراب.

قوله : في غير المتعدّي من الغائط.

لفظة « في » بمعنى من ، أو للظرفية المجازية.

وفسّر التعدّي : بأنّه عبارة عن تجاوز الغائط عن المخرج ، وهو حواشى الدبر ، وإن لم يبلغ الاليتين. وقال بعضهم : إنّه وصول النجاسة إلى محلّ لا يعتاد وصولها إليه ولا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء

والمراد بالمتعدّي : إمّا هو القدر الذي تعدّى عن المحل المعتاد وعلى هذا فيطهر في صورة التعدّي القدر الغير المتجاوز بالجسم الطاهر بعد غسل القدر المتعدّي بالماء ، أو مجموع ما خرج من المخرج ؛ فإنّه يصدق على الجميع أنّه المتعدّي ولو حصل التعدّي للبعض حقيقة.

قوله : والشمس ما جفّفته.

يعلم من ذلك أنّ مذهب المصنّف هو المذهب المشهور من أنّ الشمس مطهر لما يذكره.

ونقل عن القطب الراوندي ، وصاحب الوسيلة ، ونسبه في المختلف إلى المحقّق أنها غير مطهّرة ، ولكن يحصل بها العفو ما دام يابسا ، وهو مختار المحدّث الكاشاني ، وتوقّف صاحب المدارك في المسألة. وكذا يعلم من العبارة أنّ تطهيرها ليس مختصا بالبول ، بل يطهر من كلّ نجاسة.

والمراد بقوله : « وزالت عين النجاسة عنه » أنها زالت قبل التجفيف ، ولوضوحه لم يصرّح به.


قوله : وما لا ينقل إلى آخره

لو انتقل كلّ من المنقول وغير المنقول إلى الحالة الاخرى كان المناط حال الجفاف ، فلو هدم الجدار الذي فيه أحجار نجسة كان تطهيرها بالماء دون الشمس ، ولو خلط طين الجدار أو السطح بطين نجس طهر بالشمس. وقوله : « مطلقا » أي : سواء سهل نقله أم لا.

قوله : نعم ، لا يضرّ انضمامه إليها.

أي : انضمام الهواء ، أو كلّ من الهواء والحرارة.

وإطلاق العبارة يعمّ ما إذا كان الجفاف بالهواء غالبا ، أو الشمس ، أو تساوى الجفافان ، وكذا يعمّ ما إذا كان الجفاف بالهواء متقدّما ، أو بالشمس ، أو كان لكلّ منهما تقدّم وتأخّر.

والحقّ عندي مراعاة آخر الجفافين ، فإن كان الجفاف المتأخّر بالشمس طهر ولو كان الجفاف المتقدّم بالهواء أكثر ، وإن كان المتأخّر بالهواء لم يطهر ولو كان أكثر جفافه أوّلا بالشمس.

قوله : في طهر.

لا بدّ في ذلك من التقييد بعدم الانفصال ، بأن تكون النجاسة سارية في جميع الأجزاء المتّصلة بالظاهر والباطن. أمّا لو كان الباطن نجسا والظاهر طاهرا ، أو كان كلّ منهما نجسا ، ولكن يتخلّل بينهما أجزاء طاهرة فصرّحوا بأنّ الباطن لا يطهّر حينئذ ، بل يختصّ الطهارة بالظاهر.

فى الوضوء

قوله : والسبب أعم منهما.

السبب وصف وجودي ظاهر منضبط دالّ على ثبوت حكم شرعى أو ما يلزم من وجوده وجود حكم شرعي ومن عدمه عدمه.

وهذه الأسباب أوصاف وجوديّة دالّة على ثبوت طلب الوضوء وجوبا أو ندبا ، أو يلزم من وجودها وجود طلب الوضوء ومن عدمها عدمه. وأمّا وضوء المتطهر فهو من باب تعدّد الأسباب.


ووجه أعمّيته عن الموجب : أنّه ما أوجب الوضوء ، وهذا مختصّ بما إذا تحقّق التكليف بما هو شرط فيه ، وأمّا بدونه فلا يكون موجبا وإن كان سببا.

هذا إذا اريد من الموجب ما أوجب الفعل ، وكان غرض الشارح من قوله : « وإطلاق الموجب على هذه الأسباب » إلى آخره أنّها سمّيت موجبات ؛ لأجل الإيجاب الفعلي حتّى يختصّ التسمية بالموجب بما وقع عند التكليف بالمشروط به. وأمّا إذا اريد من الموجب : ما أوجب الوضوء لو تحقّق التكليف المشروط به أي : كان من شأنه الإيجاب ، أو كان موجبا في الجملة وكان غرض الشارح أنّها سمّيت موجبات ؛ لأجل الإيجاب في الجملة ، فتكون التسمية عامة كان بين السّبب والموجب هنا التلازم أيضا. هذا انما يصحّ اذا اريد من الوجوب في الموجب ، الوجوب الشرعى واما اذا اريد من الوجوب الشرطى فيكون النسبة التلازم أيضا.

ووجه أعمّيته من الناقض : أنّه ما ينقض الطهارة ، وهذا مختصّ بما إذا عرض للمتطهر ، فلو عرض لغيره لا يكون ناقضا بل يكون سببا ، ومن هذا يظهر وجه العموم من وجه بين الناقض والموجب ، فكلّ واحد من هذه الامور سبب كلّما وجد.

ويفترق عن الموجب لو وجد عند عدم التكليف بما هو شرط فيه ، وعن الناقض لو وجد لغير المتطهر. ويجتمع الموجب والناقض لو وجد عند التكليف للمتطهّر ، ويفترق الموجب عن الناقض لو وجد لغير المتطهّر عند التكليف ، والناقض عن الموجب لو وجد للمتطهر عند عدم التكليف.

فإن قلت : لو وجد لغير المتطهر لا يكون سببا أيضا مطلقا ، ولا موجبا عند التكليف ؛ لانّ السببيّة والموجب قد تحقّقا أوّلا ، فلا معنى لتكرّرهما.

قلت : عدم تكرّرهما إنّما هو لاجل تداخل الأسباب والموجبات ، لا لعدم تحقّق السبب والموجب ؛ فإنّ الشارع قد جعل هذه الامور أسبابا وموجبات عند عدم التكليف مطلقا ، ولكنّها قد تتداخل ، وذلك بخلاف الناقض ؛ فإنّ الناقض لا يكون إلّا للمتطهر.

واعترض على أعمّية السبب عن الناقض بالجنابة ؛ فإنّها ناقضة للوضوء وليست سببا له ، وكذا وجود الماء ؛ فإنّه ناقض للتيمّم وليس سببا له.


واجيب عنه بوجوه غير صحيحة.

والصحيح أن يجاب : بأنّ السبب إنّما هو مع عدم المانع ، وغسل الجنابة مانع عن الوضوء حيث إنّه يحرم معه ، فلا يخرج بذلك عن كونها سببا ، وكذا الكلام في وجود الماء.

قوله : المعتبر.

إمّا صفة للوجه أو الغسل ، والتقييد به لأجل إطلاق المصنّف.

فعلى الأوّل يكون ضمير « هو » راجعا إلى « الوجه المعتبر » ويكون تسمية أوّل الجزء بالوجه من باب تسمية الجزء باسم كلّه ويكون ضمير « أعلاه » راجعا إلى « الوجه » بدون القيد. وعلى هذا لا بدّ من تقدير بأن يقال : المعنى : المعتبر مقارنة النيّة لغسله شرعا للمعتبر غسله ؛ لانّه ليس مختصّا بأوّل جزء الأعلى.

وعلى الثانى : يكون ضمير « هو » راجعا إلى الغسل ، ولا بدّ حينئذ من تقدير مضاف أي : وهو غسل أوّل جزء من أعلاه.

وقوله : لانّ إلى آخره

تعليل للتقييد. أي : إنّما قلنا : إنّ مراد المصنّف من غسل الوجه : غسل الوجه المعتبر شرعا أي : أوّل الجزء ـ ومن أين يفهم ذلك من كلامه ـ لانّ المصنّف قال : « غسل الوجه » وغسل ما دون أوّل الجزء ليس غسلا شرعا ، فيكون لفظ الغسل دالّا على ذلك التقييد.

وعلى هذا فلا بد من تقدير الغسل مضافا إلى الموصول أيضا. ويكون الضمير راجعا إلى أوّل الجزء ويكون قوله : « شرعا » متعلّقا بقوله : « غسلا » لا بقوله : « لا يسمّى ».

وقوله : ولانّ المقارنة إلى آخره

يكون دليلا آخر على التقييد. ويكون المراد : أنّ المقارنة تدلّ على أنّ مراد المصنّف غسل أوّل الجزء ؛ لانّ المقارنة تعتبر لاوّل الأفعال ، وأوّل أفعال الوضوء الغسل المبتدأ من الأعلى ، فإنّ غيره لا يعد فعلا للوضوء.

فإن قيل : غسل ما دون الجزء الأوّل من الأعلى يكون على وجهين : أحدهما : ما يكون مسبوقا بالبدأة من الأعلى والآخر ما لا يكون مسبوقا بها بل يبدأ أوّلا من غير الأعلى ، وإطلاق كلام المصنّف يشمل الوجهين ، والدليلان المذكوران يخرجان ثانى الوجهين فقط ،


إذ لا شك أنّ غسل ما دونه المسبوق بغسل أوّل الجزء غسل شرعي. وأيضا ليس هو ابتداء بغير الأعلى ، واللازم إخراج الوجهين ؛ لانّ المقصود هو بيان أنّ النيّة يجب أن تكون مقارنة لغسل أوّل الجزء ، لا ما دونه وإن كان مسبوقا بغسل أوّل الجزء بلا نيّة.

قلنا : نعم كذلك ، ولكن لا خلاف في أنّه إذا وجب البدأة باوّل الجزء من الأعلى تجب مقارنة النيّة لغسله ، وإنّما وقع الخلاف في أنّه هل تجب البدأة به أم لا؟

فلا شك في عدم شمول إطلاق كلام المصنّف لغسل ما دون أوّل الجزء المسبوق بغسل أوّل الجزء ؛ لعدم الخلاف في أنّ النيّة لا تكون مقارنة له ، بل المشكوك فيه هو شموله لغسل ما دون الجزء الغير المسبوق ، فهو يحتاج إلى بيان العلّة لاخراجه ؛ فلذا اقتصر على التعليل لاخراجه. هكذا ينبغي أن يفهم كلام الشارح هنا.

وقد ذكر المحشّون وجوها اخر لا تكاد تصح.

قوله : وكذا تمييز العبادة.

أي : وكذا لا شبهة في اعتبار تميّز العبادة عن غير هذه العبادة من العبادات إذا كان الفعل مشتركا بين عدّة أنواع من العبادات كإعطاء الفقير المشترك بين الزكاة والصدقة والنذر إذا كان مثلا ، والصوم المشترك بين النذر والقضاء والكفّارة إذا اجتمعت الثلاثة على الصائم ، فيجب عليه تميّز أنّه أيّ فرد من هذه الثلاثة.

وليس المراد أنّه لا شبهة في اعتبار تميّز العبادات عن غير العبادة كالغسل المشترك بين الطهارة ومجرّد الارتماس أو التبرّد ، والصوم المحتمل للعبادة والإمساك ؛ لانّ بعد اعتبار القربة يمتاز العبادة عن غيرها ؛ إذ لا قربة في غير العبادات ، ولانّه لو كان المراد ذلك لتحقّق الاشتراك في الوضوء أيضا ؛ لانّ أفعال الوضوء مشتركة بين ما كان للطهارة أو للتبرّد والنظافة.

وقوله : « إلّا أنّه لا اشتراك في الوضوء » دفع لتوهم المنافاة بين قوله : « لا شبهة في إجزاء النيّة المشتملة على جميع ذلك » وقوله : « وكذا تمييز العبادة » حيث إنّ الأوّل يدلّ على عدم اعتبار غير ما ذكره المصنّف ، والثاني على لزوم اعتبار أمر زائد.


ووجه الدفع : أنّ اعتبار ذلك الأمر الزائد إنّما هو فيما إذا كان الفعل مشتركا بين أنواع من العبادات ، وليس الوضوء كذلك ؛ إذ ليست الأفعال المعتبرة في الوضوء عبادة اخرى سوى الوضوء ، فتكون بنفسها ممتازة ، بل لا يكون للوضوء أوصاف مشتركة يحتمل اتصافه بكل منها في وضوء واحد حتّى يتوقّف تميّز بعضه عن بعض على القصد.

فإنّ الوضوء وإن اتّصف بعضه بالرافعيّة وبعض آخر بمحض المبيحيّة ، إلّا أنّ الوضوء الواحد لا يكون مشتركا محتملا لكلّ منهما ؛ لانّ المانع من الرفع إمّا موجود ، فلا يحتمل الرافعيّة ، أو لا فلا يحتمل مجرّد المبيحيّة [ و ] حتى في الوجوب والندب أي : لا يكون وضوء واحد محتملا لكونه واجبا أو مندوبا حتّى يتوقّف تميّز أحدهما عن الآخر على القصد ؛ لانّه إذا كان المكلّف مكلّفا بالفعل بعبادة مشروطة به يكون واجبا فقط أولا ، فلا يكون إلّا ندبا ، فلو أوقعه في وقت الوجوب مثلا ذاهلا عن كونه واجبا أولا ، يكون المتحقّق هو الواجب وكذا في المندوب.

والحاصل : أنّ المراد باشتراك الفعل : كونه ذا وجهين بحيث إذا وجد يكون محتملا لكلّ منهما ، ولا يمكن أن يكون الوضوء كذلك ، بل هو إذا وجد ولو بدون التميّز قصدا يكون إمّا واجبا أو مندوبا ممتازا غير مشتبه.

فإن قيل : إن قوله : « في وقت العبادة الواجبة لا يكون إلّا واجبا » ممنوع ؛ لانّه حينئذ يكون واجبا لهذه العبادة ، ولكنّه يكون مندوبا للعبادات المندوبة المشروطة به ، أو لنفسه ، فيكون مشتركا حينئذ أيضا ، مثلا في وقت الصلاة يجب الوضوء للصلاة ويستحبّ للسعي في حاجة المسلم ، وكذا إذا نذر كونه متوضئا في يوم مثلا ؛ فإنّه يجب لاجل النذر ويستحب لقراءة القرآن.

قلنا : هذا إنّما يصحّ إذا قلنا بأنّ ما يستحبّ لأجله الوضوء إنّ الوضوء يستحب لاجله وأمّا إذا قلنا بأنّه يستحبّ أن يكون التلبّس به مع الوضوء فلا يصحّ ذلك ، إذ لا يكون حينئذ وضوء مستحبا لأجله ، بل يستحبّ أن يكون الإتيان به مع الوضوء ، فإذا كان وضوء واجبا يكفي ذلك الوضوء لامتثال هذا الأمر الاستحبابي ، ولا يكون وضوء آخر مستحبا ، بل يختصّ استحبابه بما إذا لم يكن هناك وضوء آخر ، ولكن الشأن في إثبات ذلك فتأمل.


قوله : وجري الماء.

هذا من قبيل : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (١) و « يجب الزكاة » فإنّ المعنى : حرم نكاح امهاتكم ، ويجب إعطاء الزكاة.

فالمعنى هنا : وواجبه إيجاد جري الماء ، أو تحصيله ، أو مثل ذلك.

قوله : أمّا الظاهرة.

لمّا كان خفيف الشعر مستلزما لبشرة مرئية من خلال الشعر عند التخاطب ولبشرة مستورة بالشعر فكان يمكن أن يتوهّم أنّ المراد بتخليله : إيصال الماء في البشرة الواقعة خلاله المرئية أو مع المستورة.

ولمّا كان وجوب التخليل خلافيا يستلزم ذلك أي : توهّم الخلاف في وجوب غسل البشرة المرئية من خلاله ؛ فزال المصنّف ذلك التوهّم بأنّ المراد بالتخليل الذي حكم المصنّف بوجوبه والمعظم بعدم وجوبه هو إيصال الماء بالبشرة المستورة. وأمّا المرئية ، فلا بدّ من غسلها عند الجميع ، ولا خلاف فيه.

قوله : لا نفس المفصل.

[ لمّا ] كان مجمع (٢) عظمى الذراع والمفصل بأن تداخل رأساهما بحيث دخل رأس أحدهما مع بعض ما يليه في الآخر ، وهو يوجب حصول امتداد في المجمع ولازمه أن يكون شي‌ء من المرفق داخلا في العضد من المفصل وشي‌ء منه داخلا في الذراع منه ؛ فلذا يختلف المفصل والمجمع.

ويظهر الفائدة فيما لو قطعت اليد من المفصل ؛ فإنّه يجب ( كذا ) من المرفق شي‌ء يجب غسله على القول بكونه هو المجمع.

وقوله : « إلى أطراف الأصابع » متعلّق بـ « غسل اليد ».

قوله : ثمّ غسل اليسرى إلى آخره

لفظة « ثمّ » إمّا منسلخة عن معنى التراخى هنا وكذا في سابقه ولاحقه ، أو باعتبار

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) فى الاصل : جمع.


الابتداء في كلّ منها ، أو باعتبار أنّ ما يجب في كلّ منها من التخليل وتحريك ما فيه من الدملج والسوار خارج عن الغسل.

و « اللام » في « الحدود » للعهد. ومعنى الحد : النهاية. والمراد : النهايات المذكورة للوجه في العرض والطول ، وفي اليدين في المبدأ والمنتهى.

والمراد بما اشتملت عليه الحدود : ما كان داخلا في تلك النهايات ، لا خارجا عنها أي : يكون محاطا بها فيصدق على اللحم الزائد النابت على الانف مثلا انه مما اشتملت عليه حدود الوجه لكونه محاطا بها فما يشتمل عليه تلك الحدود هو الثابت داخلها ، وما خرج عنها هو الثابت خارجها ، والثابت في نفس الحدود محتمل للامرين.

وجملة : « وغسل ما اشتملت » إلى آخره مستأنفة ، والواو فيها للاستئناف دون العطف. أي : وغسله واجب ، وحذف الواجب لدلالة المقام عليه.

فلا يرد : أنّها لو كانت معطوفة لعطف بقوله : « غسل اليسرى » فيستفاد منها أنّ غسل ما اشتملت عليه حدود الوجه ـ مثلا ـ مؤخّر عن غسل اليمين.

ويمكن أن يكون معطوفة على مجموع ما تقدّمه كما في قولك : جاء زيد ثمّ عمرو وخالد إذا لم يقصد تأخير خالد عن عمرو ؛ فإنّه يكون معطوفا على زيد ثمّ عمرو ، لا على عمرو.

وقوله : « وإن كان يدا » إشارة إلى رفع توهّم عموم اليد في قوله سبحانه : ( وَأَيْدِيكُمْ* ) (١) ؛ فإنّ منهم من قال بأنّ الأيدي فيها عامّة تشمل كلّ ما يصدق عليه اليد ، فلو كان هناك عشرة أيد يجب غسل الجميع أصالة ، ولا تعيّنت الأصليّة.

فغرض الشارح : أنّه لا عموم في اليد ، بل الواجب هو غسل اليد الواحدة وهي الأصليّة. فلو تعينت الأصليّة بأن يمتاز الزائدة عنها لضعف قوّة أو نقص إصبع أو فقد مرفق وأمثالها يجب غسلها فقط ، وإن لم تتعين فالواجب غسلها أصالة هو الأصليّة فقط. ولكن يجب غسل الزائدة أيضا تبعا من باب المقدّمة ، فإن بعد اشتغال الذمّة اليقيني بوجوب غسل اليد يجب تحصيل البراءة اليقينيّة ، وهي لا تحصل إلّا بغسل اليد الأصليّة ، فيكون تحصيل

__________________

(١) المائدة : ٦.


ذلك العلم واجبا. وهو يتوقّف على غسل اليدين جميعا ، فيغسلان من باب المقدّمة فالمراد بذي المقدّمة : هو تحصيل البراءة اليقينيّة أو العلم بغسل الأصليّة.

ويمكن المناقشة في غسلهما حين الاشتباه أيضا ؛ لاحتمال التخيير فإنّ وجوب غسلهما إنّما تمّ إذا ثبت وجوب غسل الأصليّة وهو ممنوع ، بل الواجب غسل اليد مطلقا.

بل يمكن المناقشة في كون إحداهما أصليّة ؛ إذ لا معنى محصل للاصليّة بحيث تكون متعينة في الواقع واشتبهت علينا ، كما لا يخفى فتأمّل.

قوله : في مقدار ثلاث أصابع إلى آخره

اعلم أنّ الصور المتصوّرة خمس : المسح بالمسمّى ، والزائد عنه ، ناقصا عن ثلاثة أصابع ، وثلاثة أصابع ، والزائد عنها ناقصا عن الاستيعاب ، والاستيعاب.

والمفهوم من كلام الشارح حكم ثلاث منها : المسمّى وثلاثة أصابع والاستيعاب ، وأمّا الباقيتين فحكمهما غير معلوم ، نعم يعلم أنّ الزائد على المسمّى الناقص عن الثلاثة جائز وإن لم يعلم استحبابه.

بل في استفادة الجواز أيضا نظر ، إلّا أنّه لا خلاف فيه. نعم وقع الخلاف في المتجاوز عن الثلاثة ، ولا يبعد استفادة عدم حرمته من العبارة ، وإن لم يعلم كراهته أو إباحته.

قوله : وقيل إلى أصل الساق.

إنّما قال : « إلى اصل الساق » ولم يقل : « وقيل : أصل الساق » حتّى يكون مقابلا للأصح لموافقة عبارة الألفية مع فهم المطلوب ؛ لبداهة عدم وجوب التجاوز عن الكعب. أو لانّ من قال : إنّه يجب المسح إلى أصل الساق ، لم يعلم منه صريحا أنّه يقول به لأجل اعتقاده أنّه الكعب ، بل يحتمل أن يكون احتياطا.

فإن قلت : فعلى هذا لا يصحّ قوله : « على الأصح » ؛ لانّه يدلّ على الجزم بأنّ الكعب لها معنى آخر.

قلت : عدم الجزم بأنّ أصل الساق أيضا قول في معناها لا يستلزم عدم الجزم بأنّ لها معنى آخر أيضا فإنّ منهم من صرّح بأنّه يطلق على معان أربعة.


قوله : وفهم من إطلاقه المسح إلى آخره

لا يخفى أنّ قوله : « إلى الكعبين » في الرجلين إمّا من قول المصنّف كما في النسخ الموجودة عندنا أم لا وكذا قوله : « إلى أطراف الأصابع » في بيان غسل اليد اليمنى إمّا من كلام المصنّف كما في بعض النسخ ويشعر به بعض الحواشي أو لا كما في بعض آخر ، وعلى التقادير إمّا يكون ذكر كلّ من لفظة « من » و « إلى » دالّة على تقدير اخرى مستلزمة له أم لا ....

قوله : مواليا في فعله بحيث إلى آخره

إشارة إلى بيان معنى الموالاة حيث فسّره بعضهم بالتتابع. واعتبر آخر فيها مراعاة الجفاف.

ثمّ لا يخفى أنّه على القول بمراعاة الجفاف كما اختاره المصنّف ، قد اختلفوا في حدّه :

فمنهم من قال بأنّ الواجب أن لا يجف جميع الأعضاء السابقة على العضو الذي هو فيه.

ومنهم من قال بأنّه أن لا يجف بعضها مطلقا.

ومنهم من قال بأنّه أن لا يجف العضو السابق المتّصل بالعضو الذي هو فيه.

وكلام المصنّف لا يعيّن المراد من هذه الأقوال ،

ولفظة « من » يحتمل أن تكون بيانيّة للسابق أي : الأعضاء السابقة.

وعلى هذا فيكون موافقا للقول الأوّل ، ويكون معنى قوله : « مطلقا » بناء على تعلّقه بالسابق ، أن لا يجف شي‌ء منها أصلا.

وأن تكون تبعيضية ، وعلى هذا يحتمل كلا من القولين الآخرين فقط.

ولكن لو جعل مطلقا قيدا للسابق واريد منه أنّه سواء كان السابق متّصلا أم منفصلا يطابق القول الثانى.

وإن اريد بالإطلاق معنى آخر مثل أن يكون المعنى سواء كان السابق واحدا أو أكثر ، أو جعل متعلّقا بالعضو الذي هو فيه أي : سواء كان يدا أو رجلا أو رأسا يحتمل كلا من القولين معا.


ثمّ إنّ ضمير « هو » راجع إلى المتوضّئ ، والضمير المجرور إلى الموصول.

قوله : ومحلّه.

أي : محلّ السواك للوضوء قبل الغسل الواجب والندب كما أنّ محلّه قبل المضمضة أيضا.

وذكر المضمضة ؛ لعدم إطلاق الغسل عليه ، كما لا يطلق على الاستنشاق أيضا ، ولكن لم يذكره ؛ لانّ التقدّم على المضمضة يستلزم التقدّم على الاستنشاق.

فإن قلت : التقدّم على الغسل الندب أيضا يستلزم التقدّم على المضمضة ؛ لانّ غسل اليدين قبلها ، فلا فائدة في ذكرها.

قلنا : إنّ غسل اليد ليس مندوبا عند كلّ وضوء ، بل يختصّ بما إذا توضّأ عن إناء يدخل فيه اليد بل بالوضوء عن بعض الأحداث عند جماعة ، فلو لم يذكر المضمضة لم يعلم تقدّمه عليها في الوضوء الذي لا يستحب فيه غسل اليد.

ويحتمل أن تكون المضمضة مثالا لغسل الندب ، ويكون تخصيصه بالذكر للتنبيه على أنّه يطلق عليه الغسل أيضا ، كما ذكر في الذكري.

ويحتمل بعيدا أن يكون المراد : أنّ المضمضة أيضا قبل غسل الواجب والندب ، ويكون المراد بغسل الواجب : أفعال الوضوء الواجب ، وبالندب : أفعال الوضوء الندب ، أو يكون المراد بالغسل الندب : الغسلة الثانية للوجه واليدين.

ولا يخفى أنّ إضافة الغسل إلى الواجب أو الندب بيانيّة ، أو المراد بالواجب والندب :الواجب والمندوب غسله فافهم.

فى الغسل

فى الحيض

قوله : فالأصل عدم كونها.

المراد بأصل العدم : أصل عدم كونها قرشية باعتبار الأحكام ، وذلك باعتبار عموم أدلّة كون الدم التى تراه المرأة بعد التسع حيضا إلى أن تبلغ خمسين ، واستثنيت القرشية فكلّ امرأة علم كونها قرشية تكون خارجة عن العموم ، وما لم يعلم يقتضي الأصل بقاءها تحت


العمومات ، وإلّا فلا وجه لأصالة عدم كون المرأة قرشية ، إلّا أن يراد بالاصل الظاهر باعتبار إلحاق الشي‌ء بالأعمّ الأغلب.

وقد يراد أصالة وجوب العبادة. ولا يخفى أنّه معارض بأصالة وجوب الاعتداد.

وبما ذكرنا يظهر معنى الأصل ، ووجهه في قوله : « والأصل يقتضي كونها كغيرها ».

قوله : أيّام متوالية.

اختلف الأصحاب في المراد من التوالي هنا.

فقيل : إنّه عبارة عن استمراره في الثلاثة بلياليها بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث.

وقيل : ان المراد حصول الدم فيها في الجملة.

وقيل : المراد وجوده فى كل يوم من الثلاثة وقتا ما.

وقيل : إنّه يعتبر أن يكون في أوّل الأوّل ، وآخر الآخر وأيّ جزء من الوسط.

قوله : على الأصح.

ومقابل الأصح قول الشيخ في النهاية وابن البراج : من أنّه إن رأت يوما أو يومين ، ثمّ رأت قبل انقضاء العشرة ما يتمّ به ثلاثة فهو حيض.

وهل يحكم بكون أيّام النقاء المتخلّلة بين الثلاثة طهرا أم حيضا؟ قال الشارح في الروض بكونه طهرا.

واعترض عليه : بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام إجماعا.

وأجاب عنه بعض المتأخّرين : بأنّ قوله : « الطهر لا يكون أقل من عشرة إجماعا » ممنوع ؛ فإنّ ذلك إنّما هو إذا كان بين حيضتين يعنى : لا يحكم بتعدّد الحيض إلّا بتوسّط العشرة ، وأما في الحيضة الواحدة فلا نسلّم امتناع أقلّية الطهر من العشرة ، فتأمّل.

قوله : ونحو ذلك.

كانقضاء أقلّ الطهر ، أو كون الدم منغمسة حين الاشتباه بدم العذرة ، لا مطوقة.

قوله : وإنّما أطلق لتحريمه إلى آخره

قيل : لا يخفى ما في ظاهر العبارة ؛ لانّ معنى قوله : « وأطلق » أنّه إنّما قال بالحرمة في جميع المواضع مع أنّه ليس كذلك ، بل محرّم في الجملة ، وحينئذ فلا يصحّ تعليل الإطلاق بأنّه لاجل تحريمه في الجملة.


ويمكن توجيهه : بأن يقال المراد بقوله : « إنّما أطلق » ليس ما ذكر من الحرمة في جميع الأوقات ، بل المراد : أنّه إنّما قال بحرمة الماهيّة المطلقة ، مع أنّ المحرم هو الماهية المقيدة فقط ، لأجل أنّ المطلق أيضا محرّم في الجملة أي : بما [ هي موجودة ] ضمن بعض الأفراد ؛ لوجود المطلق في ضمن كلّ فرد فيصحّ إثبات الحرمة للماهيّة المطلقة كما يصحّ إثبات الحلّية لها بهذا المعنى أيضا.

قوله : لذات الستّة إلى آخره

وأمّا ذات السبعة : فالاوّل أوّلان وثلث يوم ، والوسط الثلثان من الثالث مع اليوم الرابع وثلثان من الخامس ، والآخر الثلث الباقي من الخامس واليومان الأخيران وهكذا.

قوله : إلّا أن يطلبه.

الضمير راجع إلى الإعانة دون الاستمتاع ؛ لانّ طلب الاستمتاع ووجوب الإجابة فيها لا يوجب رفع الكراهية عن الإعانة التى لم يطلبها عنها.

ويمكن إرجاعه إلى الاستمتاع أيضا بأن يراد من الإعانة : الإعانة فيما يتوقّف عليه ، ويمكن للزوج نفسه الإتيان به كحل الإزار ورفع الثياب.

قوله : إن كان لها محلّ.

إنّما عبّر بهذه العبارة ولم يقل : « إن كان لها مصلى » ؛ لانّه أراد بيان معنى المصلّى أيضا ، فما ذكره يشعر بأنّه محلّ معدّ للصلاة.

قوله : به.

إمّا متعلّق بـ « التقرب » ، وال « باء » سببيّة ، أو متعلّق بالمنوي وال « باء » بمعنى : فى.

قوله : بقدر الصلاة.

أي : بقدر واجباته ، أو ما اعتادت عليه من المستحبّات أيضا ؛ إذ أقلّه قدر الواجبات ، وتتخيّر في الزائد ، والمسافرة تذكر بقدر الصلاة المقصورة.

فى الاستحاضة

قوله : من الرّحم الذي.

قيّد بـ « الخارج من الرّحم » ليخرج دم العذرة والجراحة.


فى النفاس

قوله : ولو تعدّد إلى آخره

قوله : « منفصلا » حال عن « الجزء » ، والتقييد به ؛ لعدم إمكان تعدّد الجزء بدونه.

وقوله : « أو الولد » عطف على « الجزء ». وتعدّده بأن يتولّد توأمين ، أو أكثر.

وقوله : « فلكلّ نفاس » يعنى : يكون الدم الخارج مع كلّ منهما أوّل نفاسه ويكون آخره آخر ما يمكن أن يكون للنفاس. وتحصل الفائدة فيما لو تجاوز الدم عن أكثر النفاس عن أوّل الأوّل ، دون الثاني فيكون نفاسا.

وقوله : « وإن اتصلا » [ أى ] الجزءان من حيث الخروج أي : كان خروج أحدهما متّصلا عرفا بخروج الآخر ، فلا ينافي ذلك انفصالهما ، وكذا خروج الولدين ، أو اتصل النفاسان :بأن لا ينقطع الدم الخارج مع الأوّل حتّى يتّصل بالدم الخارج مع الثانى ، وحينئذ فيمكن الاتصال مع تحقّق الفاصلة بين خروج الجزءين أو الولدين أيضا.

والضمير في قوله : « منه » راجع إلى « النفاس ».

وقوله : « ما اتفقا » أي : ما اتّفق الجزءان أو الولدان.

والضمير في قوله : « فيه » راجع إلى الموصول أي : ويتداخل من النفاس القدر الذي اتفق الولدان أو الجزءان في ذلك القدر من جهة الوقت.

وما لم يتّفقا فيه يكون مختصّا بما يمكن أن يكون نفاسا له ، فيكون الدم الذي خرج قبل خروج الجزء الثانى ، أو الولد الثاني نفاسا للأوّل فقط. ويكون ما خرج بعد تجاوز النفاس في حقّها من أوّل النفاس الأوّل دون الثاني نفاسا للثاني فقط ، ويكون التداخل فيما بينهما ، والتفارق في الطرفين.

فى غسل المسّ للميّت

قوله : وفي وجوب.

أي : في وجوبه بعد الموت وقبل البرد.


فى احكام الاموات

قوله : الموكّلة به.

الضمير راجع إلى « الموت ». أي : الملائكة الموكّلة بالموت كملك الموت وأعوانه إلى الميّت ؛ لانّ حضورهم غير مختصّ بحال الاحتضار.

قوله : إلّا مع الاشتباه.

أقول : هذا التحديد وإن وقع في الأخبار ولكن فيه إشكال ؛ لانّه إن ارتفع الاشتباه فيرجّح التعجيل قطعا وإن كان قبل الثلاثة ، وإن لم يرتفع لا يجوز وإن كان بعد الثلاثة. فالمراد من هذا التحديد إن كان مع حصول العلم فقبل الثلاثة أيضا كذلك ، وإن كان مع بقاء الاشتباه فالثلاثة أيضا كما قبلها. إلّا أن يقال : إنّ بقاء الاشتباه إلى ثلاثة أيّام دليل على عدم حياته ، فيكون مضي ثلاثة أيّام من أوّل زمان الاشتباه علامة من علامات الموت.

ولكن يخدشه : أنّه وإن كان كذلك في بعض الأوقات فيحصل بسببه العلم العادي بالموت ، إلّا أنّه ليس كلّيا ويمكن عدم حصول العلم في بعض الأوقات ، ومع عدم حصوله فجواز الدفن ممنوع.

قوله : ميّت مسلم.

إطلاق المسلم يشمل المخالف للحق وغيره. وخالف فيه جماعة من الأصحاب ، فلم يجوّزوا تغسيل المخالف.

وقال بعض المتأخّرين بعدم وجوبه.

قوله : ولقيط.

اللقيط : هو الانسان الضائع الغير المستقل بنفسه الذي لا كافل له فلا يتعلّق حكم اللقيط بالبالغ العاقل ، ويتعلّق بالطفل غير المميّز ، وفي الطفل المميّز تردّد.

قوله : والمسبيّ بيد المسلم.

أي : حال كون المسبيّ بيد المسلم وإن سباه كافر. وليس المراد أن يكون سببه بيد المسلم.


قوله : كالجنابة.

متعلّق بالتغسيل. أي : يجب تغسيل كلّ ميّت كغسل الجنابة.

وإنّما شبّه به خاصّة ، لوقوع التصريح بهذا التشبيه في جملة من الأخبار ، ولأنّ كيفيّة الغسل مفصّلة إنّما بيّنت في غسل الجنابة ، وقيست البواقي عليه.

قوله : والأجود التعدّد بتعدّدها.

قوله : « الباء » في قوله : « بتعدّدها » للسببيّة. والسببيّة هنا تحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون سببا للأجوديّة ، فيكون قوله : « بتعدّدها » إشارة إلى بيان سبب ، أجودية التعدّد عليها ، ويكون المعنى أنّ أجوديّة التعدّد لاجل تعدّد الأغسال ؛ لانّها تكون حينئذ أفعالا مختلفة متميّزة بعضها عن بعض ليست لها هيئة وحدانية ، وجميع الأفعال التي يجب فيها النيّة إذا تعدّدت كذلك يجب لكلّ منها نيّة على حدة ؛ إذ لو لا تعدّد النيّة لصدق على بعضها أنّه وقع بلا نيّة.

وثانيهما : أن يكون سببا للتعدّد ، فيكون إشارة إلى بيان كيفيّة التعدّد ، فإنّ تعدّد النيّة كما يمكن أن يكون بتعدّد الأغسال يمكن أن يكون أيضا بتعدّد أفعال الغسل حتّى يكون في كلّ غسل نيّات متعدّدة ، فأشار إلى عدم إرادة ذلك بقوله : « بتعدّدها » أي : التعدّد بتعدّد الغسل لا بتعدّد أفعاله.

قوله : وإن تعدّد واشتركوا.

الضمير المستتر في « تعدّد » راجع إلى الغاسل ، وفي اشتركوا إلى « المتعدّد » المدلول عليه بقوله : « تعدّد » ، ولذا أفرد الأوّل وجمع الثاني.

قوله : نووا جميعا.

الظاهر من العبارة أن كلّا من المشاركين في الغسل يجب عليه نيّة الغسل.

وفيه إشكال ؛ لانّ صبّ كلّ واحد منهم إن كان بحيث يوجب وصول الماء إلى جميع أعضاء الغسل ، فتمام الغسل يتحقّق بصبّ كلّ منهم ويكون الغاسل حقيقة واحدا منهم ، فلا وجه لوجوب النيّة على الجميع ، وإن لم يتحقّق الغسل إلّا بصبّ الجميع بأن يصب بعضهم الماء إلى جزء من الرأس وبعض آخر إلى جزء آخر ويغسل بعضهم الرأس و


بعضهم الأيمن ـ مثلا ـ فلا يصدر الغسل من واحد منهم ، فلا وجه لنيّة تمام الغسل ؛ إذ الغسل لا يتحقّق منه ولا ينوي أحد فعل غيره.

فالأولى أن يقال : إنّ كلّ واحد منهم ينوي ما يفعل ، فان صبّ كلّ واحد الماء إلى جزء من الرأس ينوي ... الصب ، وإن غسل كلّا منهم عضوا ينوي غسله بخصوصه ويمكن أن يكون هذا أيضا مراد الشارح.

قوله : واستحبّ من الآخر.

قد يتوهّم : أنّه لا معنى لاستحباب النيّة هنا ؛ لانّ الفعل إن كان من متمّمات الغسل فيجب فيه النيّة وإلّا فلا يستحب.

ودفعه : بأنّ هذا الفعل من باب الإعانة على الغسل كمن يحضر الماء للمتوضّئ ، فيجوز له ترك النيّة ، وتحصل بفعله الإعانة ولكن لو نوى يحصل له ثواب لاجل النية فلذلك يصير مستحبّا ، كما هو شأن جميع المباحات ؛ فإنّهن يستحب فيها نيّة التقرّب.

قوله : أيضا.

إشارة إلى أنّه يكتفى بنية الصاب من نيّة الآخر أيضا.

قوله : ابن ثلاث سنين وبنته إلى آخره

فيه لفّ ونشر مشوّش. أي : تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين والمرأة ابنه.

وقوله : « لانتفاء وصف الرجوليّة » إلى آخره تعليل لما يفهم من قوله : « وقيّد بالرجولية ؛ لئلّا يخرج » إلى آخره أي : وعدم خروج ما ذكر باعتبار قيد الرجوليّة ؛ لاجل انتفاء وصف الرجوليّة في المغسّل الصغير. ولا يخفى ما في هذا التعليل ؛ لانّ انتفاء وصف الرجوليّة في المغسل الصغير لا يصلح تعليلا لشي‌ء ممّا رامه من دخول تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين ، ولا تغسيل المرأة ابنه لانّه إذا لم يكن المغسل الصغير رجلا فلا يكون انثى أيضا ، فلا يصدق التساوى في الانوثية ، فلا يدخل تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين.

وأمّا عدم دخول تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين فظاهر ، فلا يدخل شي‌ء من التغسيلين بذلك ، بل يوجب خروج بعض الأفراد الذي لو لا هذا التقييد لما خرج لانّه إذا


انتفى وصف الرجولية في المغسّل الصغير فلا يدخل تغسيل الرجل ابن ثلاث سنين أيضا ، لعدم صدق التساوي في الرجوليّة ، بخلاف ما لو لم يقيّد بالرجولية.

وقيل : ويجب المساواة في الذكوريّة والانوثيّة ؛ فإنّه حينئذ لا يخرج ذلك.

ولا يمكن أن يكون قوله : « مع ذلك لا يخلو من قصور » إشارة إلى ذلك ؛ لانّ القصور إنّما يكون إذا كانت العلّة صالحة للعلّية ، ولكن كانت العبارة قاصرة في أداء المقصود وتبيين العلّة ، واحتاج إلى تقدير أو تجوّز أو مثلهما أو كانت العلّة صالحة في بعض أفراد المقصود دون بعض لا إذا لم يصلح لإدخال شي‌ء من أفراد المقصود ، بل كان موجبا لزيادة المحذور.

ويمكن التوجيه : بأنّ نظر الشارح إلى المعنى الذي يتضمّنه المساواة ، وهو عدم الاختلاف ، فيصير معنى كلام المصنّف : ويجب عدم الاختلاف في الرجولية والانوثيّة أي : الواجب هو عدم الاختلاف في هذين الوصفين بان يكون أحدهما رجلا والآخر انثى ، ولا يضرّ الاختلاف في شي‌ء آخر.

وعلى هذا فيدخل تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين ؛ لعدم صدق الاختلاف في الرجولية والانوثية ؛ لانتفاء وصف الرجولية في المغسّل الصغير ، ولا يضرّ الاختلاف في الانوثية وعدمها ، بخلاف ما لو قال : ويجب عدم الاختلاف في الذكورية والانوثية ، لعدم انتفاء وصف الذكورية في المغسّل الصغير. وحينئذ يدخل بالتقييد أحد فردي المقصود ، ويكون القصور حينئذ إشارة إلى أمرين :

أحدهما : أنّ فهم هذا إنّما يتوقّف على التضمين ومراعاة المعنى المتضمّن.

وثانيهما : أنّه لا يدخل أحدي فردي المقصود ، وهو تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين ؛ لعدم وصف الانوثية فيه ، فيكونان مختلفين في الرجولية والانوثية.

ويمكن التوجيه بوجه آخر أيضا بأن يقال : إنّ معنى كلام المصنف : « ويجب المساواة في الرجولية » أنّه يجب مساواة الغاسل للميّت في الرجوليّة أي : إذا كان الميت رجلا يجب أن يكون الغاسل أيضا رجلا ، ولا يلزم منه أنّه إذا كان الغاسل رجلا أن يكون الميّت أيضا رجلا ، بل لا معنى لهذا اللزوم ؛ إذ الغاسل يتبع الميّت ، دون العكس.


وعلى هذا فبقيد الرجوليّة يدخل تغسيل المرأة ابن ثلاث سنين ؛ لانّه ليس برجل حتّى يلزم أن يغسله الرجل وحينئذ فيكون القصور باعتبار عدم دخول [ أحد ] فردي المقصود.

وهذا التوجيه أظهر.

قوله : فلا يرد ما قيل إلى آخره

غرضه : دفع ما أورد على جواز تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين أو المرأة ابنه ، من أنّ هذا غير صحيح : بأنّ كون المغسلة مثلا بنت ثلاث سنين أمر دفعي ؛ لان قبل تمام الثلاث ليس لها ثلاث سنين وبعده لا يجوز تغسيل الرجل ، والغسل أمر تدريجي لا بدّ له من امتداد زمان ، ولا يجوز إيقاع بعض أفعاله بعد تمام الثلاث ، فلا بدّ أن يشرع بالغسل قبل تمام ثلاث سنين بقدر زمان الغسل لا أقل حتّى يتمّ الغسل بتمام ثلاث سنين. فلا يمكن وقوع تغسيل الرجل لابنة ثلاث سنين ـ مثلا ـ لانّ الغسل لا بدّ وأن يقع قبله النية.

ووجه الدفع بعد ما ذكره من أنّ منتهى التحديد الموت ، والمعتبر من الحياة ظاهر.

قوله : قبل الشروع في غسله.

قد يتوهّم أنّ الضمير في « غسله » راجع إلى الميّت وأن الغسل إنّما هو بضمّ « الغين ». فيعترض : بأنّه لا يجب إزالة النجاسة عن كلّ عضو قبل الشروع في الغسل ، بل اللازم هو إزالة النجاسة عن كلّ عضو قبل الشروع في غسل ذلك العضو.

ولا يخفى أنّه لا وجه لذلك الاعتراض ؛ لإمكان إرجاع الضمير إلى « البدن » ويكون الغسل بفتح « الغين » أي : تجب إزالة النجاسة عن بدنه قبل الشروع في غسل العضو النجس ، فلا إشكال.

قوله : لانّه مظنّة النجاسة.

هذا التعليل لاجل النزع لا للنزع من التحت. أي : يستحبّ نزع القميص ؛ لانّ القميص محل ظن النجاسة لإلصاقه ببدن الميّت الذي هو مدفع الرطوبات النجسة ، فتسري نجاسته إلى البدن ، فيستحبّ نزعه أوّلا توقيا لبدنه من عروض هذه النجاسة.


قوله : أفضل.

خبر مبتدأ محذوف ، وهو الوصول الذي يدلّ عليه قوله : « يصل » ، ولدلالته عليه ساغ حذفه.

قوله : ما يصلي فيه الرجل.

سواء في ذلك الرجل والمرأة.

قوله : وفي الجلد وجه بالمنع

تعدية الوجه بال « باء » هنا باعتبار كونه هاهنا بمعنى القول أي : قول بالمنع.

ويمكن أن يكون ال « باء » بمعنى ال « لام » أي : وجه له ، ولكن الأوّل أولى.

قوله : ولنزعه من الشهيد.

لا يخفى ضعف هذا الاستدلال ؛ لكونه من باب القياس المستنبط العلّة ، حيث إنّه استنبط أنّ العلة في نزعه من الشهيد هو عدم جواز الدفن معه مطلقا ، فلا يجوز دفن غيره معه أيضا.

ويمكن جعله من باب القياس بالطريق الأولى ؛ فإنّه لو وجب نزعه من الشهيد الذي يدفن مع ثيابه ولم يجز دفنه معه مع كونه من لباسه الذي لا يجوز نزعه فلا يجوز دفن من ليس هذا النجاسة ( كذا ) معه بطريق أولى.

وفيه : أيضا ضعف ظاهر.

قوله : للرجل كما ذكرناه إلى آخره

يمكن أن يكون التشبيه باعتبار اكتفاء الشارح به أيضا حيث نسب المنع في الجلد الى الوجه ، وهو مؤذن بضعفه عنده ، على أنّ عدم التصريح باختيار المنع كاف في بيان عدم المنع واختيار الجواز ؛ لكون الجواز هو الموافق للأصل ، فيحمل الكلام عليه ما لم يقطع باختيار المنع ، وحينئذ فيكون مختار الشارح الاكتفاء بذلك أيضا ، ويكون معنى الكلام : وفي الدروس اكتفى في وصف الكفن بجواز الصلاة فيه للرجل من غير زيادة كونه غير جلد كما اكتفينا به.


ويمكن أن يكون بيانا لوصف جواز الصلاة من غير إرادة التشبيه ، والمعنى : اكتفى بجواز الصلاة فيه للرجل على النحو الذي ذكرناه وهو كونه من جنس ما يصلّي فيه الرجل ، ولكن الأوّل الأقرب.

قوله : ولو تعذرت.

أي : ولو تعذّرت الأوصاف المذكورة للحبرة من كونها يمنيّة عبريّة حمراء ، أو تعذّر بعضها يقتصر على ما يمكن كالعبريّة البيضاء أو اليمنيّة غير العبريّة واللفافة مطلقا بدل الحبرة وإن لم يكن يمنيّة.

قوله : ينتهي إليه.

الضمير في قوله : « إليه » راجع إلى الجزء. والمستتر في قوله : « ينتهي » راجع إلى « اللف » المدلول عليه بقوله : « يلفّ » أي : يدخل الخرقة تحت الجزء الذي انتهى اللف إليه.

ويحتمل أن يكون الضمير في « إليه » راجعا إلى « الطرف » والمستتر في « ينتهي » إلى الجزء أي : يدخل طرفها تحت الجزء الذي ينتهي ذلك الجزء إلى الطرف. والمراد به الجزء الملفوف الذي يلي الطرف وليس بعده ملفوف ، والمآل على الاحتمالين [ واحد ].

قوله : لا تعدّ من أجزاء الكفن.

والوجه في عدم عدّها من أجزاء الكفن ورودها في الخبر الذي رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفي آخره : « وليس تعد العمامة من الكفن إنّما يعدّ ما يلفّ به الجسد ». (١) وفي رواية اخرى رواها في الكافي عن عبد الله بن سنان ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام وفي آخرها : « والخرقة والعمامة لا بدّ منهما وليستا من الكفن ». (٢)

قوله : ويستحبّ كونه إلى آخره

وجه استحباب ثلاثة عشر درهما وثلث أن جبرئيل نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحنوط وكان وزنه أربعين درهما ، فقسّمها رسول الله ثلاثة أجزاء جزء له ، وجزء لعلي ، وجزء لفاطمة ، فكان نصيب كلّ ثلاثة عشر درهما وثلثا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٩.


ثمّ هذا التقدير بالمثقال الصيرفي المعروف بين الناس سبعة مثاقيل ، وبالمثقال الشرعي تسعة وثلث ، وذلك لانّ كلّ درهم نصف مثقال شرعي وخمسه ، ونصف المثقال الصيرفي وربع عشره كما يأتى تفصيله في كتاب الزكاة.

قوله : سعف النخل.

هو غصنه إذا كان معه الورق ، وإذا جرّد عنه فهو غصن ، والجريدة تكون غصنا ، وهو فعيلة بمعنى مفعول ، سميّت بذلك لتجريد خوصها وهو ورقها عنه.

والمراد بكونهما معمولين من سعف النخل : أن يؤخذ منه بتجريده عن الخوص.

قوله : لثغرة النحر.

الثغرة ـ بالضم ـ نقرة النحر التي بين الترقوتين والنحر موضع القلادة من الصدر ، كذا في الصحاح.

قوله : وزاد الأصحاب الباقي.

لا يخفى أنّه قد ورد في الكتابة زيادة على ما ذكر امور اخر منها : كتابة دعاء الجوشن الكبير نقله الكفعمي في كتابه الجنة الواقية ، ورواه عن السجاد عليه‌السلام.

ومنها : كتابة القرآن بتمامه إن أمكن ، وإلّا فما تيسر منه. ورواه الكفعمي أيضا ، والصدوق في العيون.

ومنها : كتابة شهادة الشهود بأنّ أخاهم في الله أشهد بفلان وفلان من الإقرار بالله ورسوله والأئمة الاثني عشر وغيرها في الصحيفة التي توضع عند الجريدة. نقله الشيخ في المصباح.

ومن ذلك يظهر أنّه ورد في المكتوب عليه أيضا شي‌ء آخر زيادة على ما ذكر فإنّ هذه الصحيفة زائدة على الكفن.

وقد ورد في المكتوب به أيضا ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة مسائل الحميري ، وفيها أنّه كتب إليه قد روي لنا عن الصادق عليه‌السلام أنّه كتب على ازار ابنه إسماعيل : إسماعيل شهد أن لا إله إلّا الله ، فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره؟ فأجاب عليه‌السلام : « يجوز ». (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٥٣.


وعلى هذا فيمكن أن يتوهّم المنافاة بين ما ذكره الشارح من أنّ الأصحاب زادوا الباقي للتبرك حيث إنّه يدلّ على أنّ الباقي غير مروية ، وبين ما يدلّ عليه هذه الروايات.

ويمكن أن يدفع المنافاة : بأنّ المراد من الباقي : الباقي ممّا ذكره المصنّف ، وهي غير مروية ، أمّا كتابة ومكتوبا عليه فظاهر. وأمّا مكتوبا به ؛ فلأنّ غاية ما يدلّ عليه التوقيع هو جواز الكتابة بطين القبر ، لا استحبابها ، نعم روي في مصباح الأنوار عن عبد الله بن محمّد بن عقيل : أنّ كثير بن عباس كتب في أطراف كفنها : فاطمة تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (١) وظاهر أوائل الرواية يشعر بأنّه كان بحضور على عليه‌السلام فعلى هذا تدلّ الرواية على استحباب كتابة الشهادتين.

قوله : لانّه خير محض.

مراده : أنّ هذا العمل ممّا ليس فيه شائبة شرّ واشتماله على الخير واضح ، وكلّ ما كان كذلك فهو راجح عند العقل ، فيكون مستحبا.

ويرد عليه أوّلا : أنّه إن اريد أنّه ليس فيه شائبة شرّ في الواقع ونفس الأمر ، فهو ممنوع ومن أين علم؟ وإن اريد أنّه ليس فيه شائبة شرّ في نظرنا ، فهو مسلم ، ولكن رجحان مثل ذلك شرعا ممنوع.

وثانيا : أنّه إن اريد أنّ هذا العمل بدون نيّة الاستحباب شرعا خير محض ، فيمكن تسليمه ، وإن اريد أنّه مع قصد الاستحباب أيضا كذلك ، فهو ممنوع بل شائبة الشرّ فيه ظاهرة ؛ لانّه تشريع لعدم وضوح الرخصة فيه من الشارع.

ويمكن دفع الأخير : بأنّ الخير المحض هو العمل بدون قصد الاستحباب ، ثمّ بكونه خيرا محضا يثبت الاستحباب ؛ لأنّ ما هو خير محض راجح فعله.

قوله : مع ثبوت أصل الشرعيّة.

هذا دليل ثالث. أي : ولثبوت أصل الشرعيّة للكتابة على الكفن ؛ فإنّ الرواية المذكورة دالّة عليه ، وإذا كانت الكتابة على الكفن مشروعة بأصلها وماهيّتها ، فيكون أفرادها بأجمعها كذلك ؛ للاشتراك في المقتضي ، أو لاصالة العدم أي : أصالة عدم إيجاب ضمّ القيود لرفع الاستحباب أو حصول البدعة. ولا يخفى ما فيه.

__________________

(١) بحار الانوار : ٧٨ / ٣٣٥.


أمّا أوّلا : فلأنّ الثابت إنّما هو مشروعيّة كتابة خاصّة دون مطلق الماهية ، فأصل الشرعية الثابت إنّما هو في كتابة شهادة التوحيد على حاشية الكفن.

وأمّا ثانيا : فلانّه لو ثبت مشروعيّة الماهيّة فإنّما هو في الكتابة على الكفن ، وأمّا الجريدتين بل العمامة التي صرّح في الأخبار بأنّها ليست بكفن فلا.

وأمّا ثالثا : فلأنّ الرواية المذكورة لم تدل على استحباب الكتابة بالتربة ، إلّا أن يجعل هذا دليلا على بعض أفراد المقصود.

ويمكن أن يكون قوله : « مع ثبوت أصل الشرعيّة » تتميما للدليلين الأوّلين ، حيث إنّ التبرك بشي‌ء إنّما هو يجوز إذا ثبت مشروعيّته ، وكذا الحكم باستحباب ما هو خير محض ، وحينئذ أيضا يرد الإيرادات المذكورة.

قوله : أو الوضوء الذي يجامع إلى آخره

قوله : « للصلاة » متعلّق بقوله : « يجامع » دون « غسل المس ». ويمكن تعلّقه به أيضا ؛ لانّ الوضوء المجامع للغسل للصلاة وضوء للصلاة أيضا ، فثبت المطلوب بالاستلزام.

والمراد بالوضوء للصلاة : الوضوء الذي ينوي فيه الاستباحة أو الرفع ، فيكون احترازا عن الوضوء الذي ينوي فيه مطلق القربة ، أو مع عدم الاستباحة وعدم رفع الحدث.

وعلى هذا فيكون قوله : « أو إيقاع التكفين على الوجه الأكمل » إشارة إلى التخيير بين الوضوء للصلاة ومطلق الوضوء ، كما صرّح به المحقّق الشيخ علي في حواشيه على القواعد ويكون المعنى : ويستحبّ الوضوء الذي يجامع غسل المس للصلاة ، فينوي فيه الاستباحة أو الرفع أو مطلق الوضوء ، فينوي فيه إيقاع التكفين إلى آخره

ويمكن أن يكون المراد من نيّة إيقاع التكفين على الوجه الأكمل إيقاعه مع رفع الحدث ؛ لانّه الوجه الأكمل وعلى هذا فهذا أيضا يكون من أقسام الوضوء للصلاة كما لا يخفى.

قوله : أي أكمل.

التفسير بذلك لخروج من دخل في الست من غير إكماله.


قوله : من الأقسام المذكورة.

لفظة « من » في قوله : « من الأقسام » بيانيّة ، وقوله : « عدا الفرق » إلى آخره استثناء عن الأقسام المذكورة ، والجملة البيانيّة هي مجموع قوله : « من الأقسام المذكورة » إلى قوله :« من المسلمين » أي : من له حكم الاسلام ، من الأقسام المذكورة الخارجة عنها الفرق المحكوم بكفرها ، فإنّ جميع الأقسام المذكورة ليست ممّن له حكم الإسلام ؛ إذ من المذكورين الغلاة ، والمجسّمة ، وأمثالهم ، وإن كان ذكرهم لإخراجهم عن من يجب تغسيلهم. نعم لو كان يقول من الأقسام الواجب غسلهم لم يحتج إلى الاستثناء ، فيكون الاستثناء متصلا.

ويمكن أن تكون لفظة « من » تبعيضيّة ، ويكون قوله : « عدا الفرق » إلى آخره لبيان البعض الذي له حكم الإسلام. وقد يجعل قوله : « عدا الفرق » إلى آخره استثناء عن قوله : « ممّن له حكم الإسلام ». ولا يخفى أنّ الاستثناء حينئذ يصير منقطعا.

قوله : فيكفي كونه إلى آخره

الضمير في « كونه » راجع إلى « الميّت » وفي « مشاهدته » إلى المأموم ، وفي « له » إلى الإمام ، أي : إذا كان المصلّي مأموما لا يشترط كون الميّت بين يديه ، بل يكفي كونه بين يدي الإمام مع مشاهدة المأموم للإمام ، فلو لم يشاهده لم يكف ، إلّا أن يكون عدم المشاهدة لاجل حيلولة مأموم ، فهو غير ضائر. وإليه أشار بقوله : « وتغتفر الحيلولة بمأموم مثله » أي : مأموم اقتدى بإمام ذلك المأموم في الصلاة على الميّت الذي يصلّي عليه ذلك أيضا.

قوله : حتّى لو جهل.

هذا بيان الغاية لما يفهم من قوله : « وإن لم يعرفه » وهو أنّه يجوز الصلاة مع عدم معرفة الميّت أي : حتّى إنّه يجوز الصلاة على من لم يعرف ذكوريته وانوثيته أيضا ، وحينئذ يجوز تذكير الضمير وتأنيثه. أمّا تذكيره فباعتبار التأويل بالميّت ، وأمّا التأنيث ؛ فباعتبار التأويل بالجنازة ـ بالكسر ـ وهو الميّت ، والجنازة ـ بالفتح ـ وهو التابوت.


قوله : في غير المخالف.

متعلّق بقوله : « خمس » لا بقوله : إحداهما تكبيرة الإحرام.

قوله : المخالف مطلقا.

أي : سواء كان من فرق الشيعة كالزيدي والفطحي وغيرهما ، أو من غير الشيعة كالعامي. أو : سواء كان منافقا في الواقع أيضا أي غير معتقد لمذهبه وشاكّا في النبوة أولا.

والتقييد بقوله : « هنا » إمّا لإطلاق المنافق في الأكثر على العامّة ـ كما في الأحاديث ـ أو لإطلاقه لغة على غير المعتقد باطنا.

قوله : السرير الأربعة كيف اتّفق.

أي : سواء حمل كلّ واحد منهم زاوية من الزوايا الأربعة للسرير أو بين الزوايا ، أو سواء حمل كلّ واحد بالتناوب أو لا ، أو سواء بدأ كلّ واحد [ من ] الطرف اليمين أم لا.

قوله : ثمّ ينقل إلى مؤخّره إلى آخره

لا يخفى أنّ إدراك هذه الفضيلة لا يمكن لجميع الأشخاص ؛ إذ لا بدّ لثلاثة من الحاملين البدأة بغير الجانب الأيمن.

ويحتمل أن يكون للنيّة مدخلية ، فيمكن إدراك الفضيلة للجميع بأن ينوي كل واحد من هذه الثلاثة في الحمل الأولى مجرد حمل الميّت من غير قصد إدراك الأفضلية ، ثمّ يقصد إدراكها ، فيبدأ بالأيمن ، وينتهي إلى الأيسر.

ثمّ لا يخفى أنّ الحمل على الطريق الذي ذكره الشارح يتوقّف على أن يكون للسرير قوائم خارجة من محاذاته في الأطراف كما لا يخفى.

وورد في بعض الأخبار البدأة بالأيسر ، والحمل بالشق الأيمن ، ثمّ المرور إلى أن ينتهي بالأيمن ويحمل بالأيسر ، ولو حمل هذا على أيسر الجنازة وأيمنها دون الميّت سهل الحمل بدون القوائم المذكورة. وقد ذهب إلى هذا النحو بعض العلماء أيضا.

قوله : إشارة إلى الرضا بالواقع.

حال عن القول عند كون المخترم ، الهالك مطلقا أي : حال كون قوله حينئذ إشارة إلى الرضا بالواقع. وقوله هذا دفع لما يتوهّم من أنّه إذا حمل المخترم على مطلق الهالك كيف


[ لا ] يحمد عليه مع أنّ في الهلاك لقاء الله سبحانه ، وحاصل الدفع أنّ الحمد لاجل الرضا بكلّ ما وقع حتّى الحياة.

ولا يخفى أنّ هذا غير مفهوم من الكلام ؛ فإنّ الحمد إذا وقع على أمر خاص أو عدم حدوث حادثة ، فإنّه لا يفهم منه إلّا مطلوبية ذلك الأمر الحادث ، أو عدم الحادثة بخصوصه ، بل ذكر هذا الخاص ينافي الحمد على الرضا بالواقع ، إذ لو كان كذلك لم يكن وجه للتخصيص ، فالأولى أن يقال : إنّه إذا كان المراد بالمخترم : مطلق الهالك ، يكون إشارة إلى طلب الحياة ؛ لاجل زيادة الاستعداد للقاء الله سبحانه ، وكثرة العبادة والتوبة عن الذنوب ؛ ولذا ورد في كثير من الأدعية طلب طول العمر وبقاء الحياة.

قوله : فإنّ المندوب قد يترك أحيانا.

توضيح ذلك : أنّه قد روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه صلّى على جنازة فكبّر خمسا يرفع يديه في كلّ تكبيرة. (١) وعن جعفر بن محمّد عليه‌السلام : أنّه أيضا فعل كذلك (٢)

وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنّه كان لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة. يعنى : في التكبير. (٣)

فالرواية الدالّة على الاختصاص لم يصرّح فيها به بل دلّت على أنّ عليا ترك الرفع في غير المرّة [ الاولى ] ، وهذا لا ينافي الأول ؛ لانّ المندوب قد يترك لعدم كونه واجبا ، فتجويز تركه إذا للتنبيه على عدم كونه واجبا.

ثمّ ظاهر الرواية الدالّة على الترك يشعر بأنّ عليّا عليه‌السلام كان يترك في جميع الأوقات رفع اليدين في غير الاولى ، وهذا ينافي ظاهرا ما ذكره الشارح بقوله : « قد يترك أحيانا ».

ويمكن التوجيه : بأن التقليل في كلام الشارح باعتبار التارك ، لا باعتبار الترك بالنسبة إلى تارك واحد.

قوله : وإلّا وجب ما أمكن منه

قد يستشكل في الوجوب هنا : بأن الاتّفاق واقع على الوجوب الكفائى في صلاة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٩٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٩٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٩٣.


الميّت ، ولا ريب في أنّه سقط الواجب حينئذ عن هذا المصلّى بصلاة القوم على الجنازة ، فلا معنى لوجوب ما أمكن.

وفيه : أنّه معارض بوجوب التكبيرات : فإنّه لو صحّ ما ذكره لزم عدم وجوب التكبيرات أيضا.

ويمكن الحل : بأنّ المراد بالوجوب هنا : الوجوب الشرطي دون الشرعى أي : تماميّة الصلاة على الميت موقوفة على ذلك.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ الوجوب الكفائي إنّما هو قبل الإحرام بالصلاة ، وأمّا بعده كما فيما نحن فيه فيجب شرائطها وأجزاؤها عينا ، ولا يجوز قطعها.

ويمكن أيضا أن يعلّل الوجوب بأنّ ترك الدعاء والتكبيرة بدون الدعاء تشريع محرّم ، فيجب الإتيان به.

قوله : على أشهر القولين أو دائما

وهنا قولان آخران أيضا : أحدهما لابن الجنيد ، وهو : أنّه يصلّى عليه ما لم يغير صورته. وثانيهما ما لسلّار ، وهو : أنّه يصلّى عليه إلى ثلاثة أيّام.

وعدم تعرّضه لذكرهما والترديد بين القولين دليل على عدم كون هذين محتملين عنده وكونهما ضعيفين.

قوله : ولو بعد الدفن.

متعلّق بقوله : « يصلّي ». وقوله : « المدّة المذكورة » منصوب بنزع الخافض أي : يصلّى هذا المريد ولو بعد الدفن في يوم وليلة.

وقد يقال : إنّ مراده من اليوم والليلة إن كان ما يؤخذ مبدأه من الدفن فهو لا يلائم التعميم الذي ذكره بقوله : « ولو بعد الدفن » فإنّه يعطى أنّ هذا الحكم ثابت قبل الدفن أيضا ، فلا معنى لاخذ المبدأ من الدفن. ولو اخذ من الصلاة على الميّت فلا يلائم التعميم الذي ذكره بقوله : « سواء كان قد صلي على الميت أم لا ». ولو اخذ من الموت فلا يلائم هذا التعميم أيضا ، لانّه لو كان الميّت ما صلّى عليه يجوز الصلاة عليه ما لم يدفن بالإجماع وإن مضى يومان أو أكثر.


أقول : مراده ما اخذ مبدأه من الموت ، ولا ينافي التعميم المذكور ؛ لانّ مراده أنّ هذا الحكم ـ أي : مشروعيّة الصلاة لمن لم يصل ـ ثابت إلى يوم وليلة مطلقا سواء صلّى على الميّت أم لا ، وإن وجب الصلاة على من لم يصلّ عليه وإن مضى يوم وليلة.

والحاصل : أن مشروعية الصلاة إلى يوم وليلة ثابتة مطلقا ، وإن كانت مشروعية الصلاة في أكثر مخصوصة بميّت لم يصل عليه.

هذا هو التوجيه على وفق كلام الشارح ، وإلّا فالظاهر من كلام الأصحاب أنّ هذا التقدير إنّما هو لمن دفن ، فإنّهم ذكروا مسألتين :

إحداهما : جواز تكرار الصلاة على الميّت وعدمه.

وثانيهما : أنّ من لم يدرك الصلاة عليه ودفن الميّت فإلى متى يجوز الصلاة له؟

ومن قدّره باليوم والليلة فأراد بعد الدفن ، فقول الشارح : « ولو بعد الدفن » ليس في موضعه ، وعلى هذا فمبدأ اليوم والليلة من الدفن ، ولا إشكال.

قوله : وأتموا التكبير على الأخيرة.

أقول : ظاهر قوله : « وأتموا التكبير على الأخيرة » [ و ] إن كان ذلك ، فإنّ الظاهر من الإتمام إتمام ما بقي من تكبير الأخيرة ، ولكن نظر المحتجّين بهذه الرواية أنّ الظاهر قد يعدل عنه بدليل ، والدليل على العدول هنا : أنّ رفع الاولى لا يمكن إلّا بقطع الصلاة فما يؤتى به بعده لا يكون إتماما للباقي قطعا ، فلا بدّ من حمل قول : « أتموا » على معنى الإتيان. وأيضا لكلّ تكبيرة دعاء خاص ؛ فإنّه لا بدّ في التكبيرة الاولى من الشهادتين وفي الثانية من الصلاة وهكذا.

فلو كان المراد ما يفهم ظاهرا لزم العدول عن الترتيب الواجب في الدعاء فلا بدّ من صرفه عن الظاهر واريد من قوله : « أتموا التكبير » أن تمّ بعد الاستئناف ، فتدلّ الرواية على أحد شقّي الترديد ، وأمّا الشقّ الآخر أعنى : جواز القطع ، فكأنّه مستفاد من السؤال حيث إنّ الظاهر أنّ سؤال عليّ بن جعفر إنّما كان عن كيفيّة الصلاة على الجنازتين ؛ فإنّ قوله : « كبّروا تكبيرة أو تكبيرتين ووضعت معها اخرى » ظاهر في أنّ المراد : السؤال عن الصلاة مع أنّ جواز رفع الجنازة الاولى أو إبقائها لم يكن أمرا مشتبها حتى يسأل عنه سيّما مع


كون السائل مثل عليّ بن جعفر الذي جلالة قدره ووفور علمه لا يخفى على أحد. ألا ترى أنّ الفقهاء كثيرا ما يصرفون السؤال عن ظاهره بواسطة كون الراوي عليّ بن جعفر كما لا يخفى على المتتبع في كلام الفقهاء.

وإذا كان ظاهر السؤال ذلك ولا [ بدّ ] من مطابقة الجواب للسؤال فيجب أن يكون المراد من قوله : « تركوا الاولى » أي : تركوا الصلاة على الاولى ، ويستأنف لهما معا صلاة اخرى حتّى يتمّ الصلاة على الاولى بعد الفراغ عن صلاة الثانية ، ومن قوله : « رفعوا الاولى » أي : أتموا صلاته ويفرغوا عنها ، فأريد من الرفع : الفراغ عن الصلاة.

وبما ذكرنا يظهر وجه احتجاج المحتجّين.

وأمّا قول المصنّف في الذكرى « هذا مع تحريم قطع الصلاة الواجبة ».

ففيه : أنّ في كون صلاة الميّت صلاة حقيقة ؛ نظر ، والمشهور أنّها دعاء فلا يحرم قطعها.

قوله : في الرواية لأنّها.

تعليل لعدم المعدل عن هذا الجواب ، مع عدم تصريح الرواية بالنية الحادثة في الأثناء للتشريك ، حيث إنّه يتوهّم أنّه إذا لم يصرّح في الرواية الدالة على التشريك بهذه النية الحادثة يجب أن لا تكون جائزة ، ويكون معدل عن هذا الجواب ؛ فإنّ هذا أمر زائد في أثناء الصلاة يدخل فيها ، وكلّ فعل يدخل في الصلاة من الأفعال الشرعيّة لا بدّ له من دليل وتصريح ، وإذا لم يصرّح بهذه النيّة في هذه الرواية الدالّة على التشريك ، فلا تكون جائزة.

فدفع هذا التوهّم بهذا التعليل. أي : لا معدل مع عدم تصريح الرواية لانّ النيّة ليست فعلا خارجيا يضرّ إدخاله في الصلاة بدون الدليل ، بل هو أمر قلبي يكفي في حصوله محض القصد ، فلا يضرّ إدخاله في الصلاة مع مشروعيّة المقصود كما هو شأن سائر الامور القلبيّة. وعلى هذا يكون التعليل للمركّب من عدم المعدل وعدم التصريح في الرواية.

ويمكن أن يكون تعليلا لخصوص عدم التصريح بها في الرواية أي : سبب عدم التصريح بها أنّها تعلم من الأمر بالفعل ، لانّ النيّة مجرّد القصد ، والفعل لا يصدر من الفاعل المختار بدون القصد ، فالأمر بالفعل وتجويزه ، يستلزم الأمر بالقصد وتجويزه أيضا.

ومن هذا يظهر توجيه آخر لكونه علّة للمركب أي : لا معدل عنه مع عدم التصريح ؛ لدلالة الرواية عليها التزاما.


ويمكن أن يكون تعليلا لعدم المعدل بخصوصه أيضا ، فإنّه إذا كانت النية أمرا قلبيا ، وهو مجرّد القصد يحصل لا محالة ولا يرد الاشكال ولا يمكن التجاوز عن هذا الجواب ؛ فإن الفعل لا يصدر بدون القصد. فتأمّل.

قوله : وبدونه يتّجه تحريمه.

هذا يصحّ بناء على كون صلاة الميت صلاة حقيقة ؛ لانّ الحاصل في كلّ صلاة عدم جواز قطعه ، فجوازه يحتاج إلى دليل ، وبدونه يحكم بالتحريم.

وأمّا إذا لم نقل بكونه صلاة حقيقة ، بل نقول بكونه دعاء ـ كما هو المشهور ـ فلا يصح ؛ إذا الأصل جواز القطع في غير ما ثبت تحريمه ولم يثبت حرمة القطع في الدعاء ، فإذا لم يكن دليل على التحريم يتّجه الحكم بالجواز ، لا أنّه إذا لم يكن دليل على الجواز اتّجه الحكم بالتحريم.

لا يقال : إنّ قوله تعالى : ( لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) يدلّ على عدم جواز القطع في شي‌ء من الأعمال ، فيصير هذا أصلا ثابتا ، فيحتاج الجواز إلى دليل.

لأنّا نقول : لا نسلّم كون كلّ قطع إبطالا ، بل هو يختصّ بما إذا كان القطع سببا لصيرورة الباقي لغوا لا يترتب عليه ثواب ، وكان المطلوب الهيئة المجموعية بأجمعها كالصلاة ، أمّا الدعاء فليس كذلك ؛ فإنّه لو وجب أو استحبّ دعاء خاصّ ، فقرأه أحد ، ثمّ قطعه في الأثناء واستأنفه لا يصير ما أتى به لغوا ؛ لعدم خلوّه عن الثواب ، ولا يقال : إنّه إبطال لما قرء ، فيمكن أن يكون صلاة الميّت كذلك ، لاجل كونه دعاء ويكون من قبيل استئناف الدعاء ، فتأمّل.

قوله : لانّ الخوف إن كان على الجميع إلى آخره

توضيحه : أنّ الخوف إمّا على الجميع ، أو على الاولى ، أو على الأخيرة. فعلى الأوّلين لا يلزم من القطع تخفيف للجميع أو للأوّل لم يكن ذلك حاصلا في التشريك حتّى يزيل الخوف ، بل يوجب النقل وازدياد الضرر ، إذ على التشريك لا يلزم مكث الاولى إلّا بقدر ما بقى من صلاتها ، وعلى القطع يلزم مكثها بقدره ، وقدر ما مضى مثلا إذا حضرت الثانية


في أثناء التكبيرة الثالثة ، فعلى التشريك لا يمكث الاولى إلّا بقدر دعاء الرابعة وما بقى من الثالثة ، وعلى القطع يمكث بقدرهما وزيادة ما يستأنف.

ومن هذا يظهر أنّ المحذور في صورة الخوف على الجميع أيضا هو ازدياد الضرر على الاولى مع عدم حصول نفع للأخيرة.

وعلى الأخير ـ أي : كون الخوف على الأخيرة ـ وإن لم يلزم بالقطع نقل وازدياد ضرر ، إلّا أنّه غير نافع أصلا ، بل يكون القطع والتشريك متساويين في المدّة ؛ إذ لا يمكن رفع الأخيرة قبل اتمام الصلاة عليها ، فلا بدّ من مكثها بمقدار الصلاة عليها سواء كان ذلك المقدار حاصلا في ضمن التشريك أو في ضمن القطع.

وإلى هذا أشار بقوله : « وهو ـ أي : المكث مقدار الصلاة عليها ـ يحصل مع التشريك الآن ـ أي : آن حضور الثانية في أثناء الصلاة على الاولى ومع الاستئناف ، فإنّه لو فرض حضور الأخيرة في أثناء التكبير الثالث فعلى التشريك يلزم تكبيرتين لهما ، وثلاث تكبيرات للأخيرة ، وعلى القطع يلزم خمس للجميع. ولمّا ذكر أنّه لا يلزم ولا يترتّب على القطع فائدة التخفيف في صورة الخوف مطلقا استدرك أنّه قد يتحقّق ذلك بالنسبة إلى الأخيرة.

وإليه أشار بقوله : « نعم يمكن فرضه » أي : فرض جواز القطع نادرا بسبب الخوف على الجنازة الثانية لاجل تعدّد الدعاء الذي يلزم ذلك التعدّد في صورة التشريك مع كون الجنازتين مختلفتين فى وظيفة الدعاء أي : يكون ـ مثلا ـ الدعاء اللازم للأولى الثانية ، وللثانية الأولى فإنّ التعدّد لازم في التشريك ، دون القطع ولكن ليس أيضا كلّيا ؛ لإمكان تساوي زماني التشريك والقطع مع تعدّد الدعاء في التشريك ، وذلك إذا كان الميّت الثاني مخالفا مع الأوّل في الجنس : بأن يكون أحدهما طفلا والآخر بالغا ، أو يكون أحدهما مسلما والآخر منافقا ، فيكون الدعاء الرابع لأحدهما غير الدعاء الرابع للآخر وحضرت الثانية بعد الدعاء الثالث للاولى ، فاللازم حينئذ في كلّ من صورتي القطع والتشريك خمس أدعية.


بل ذلك إنّما هو فيما إذا كان تعدّد الدعاء بحيث يتكرّر بعد حضور الثانية أي : يتكرّر دعاء واحد بعد نيّة التشريك فيزيد ما يتكرّر من الدعاء بعد التشريك على ما مضى. فلو قطع يلزم قراءة ما مضى وما بقى مرّة واحدة وعلى التشريك يلزم قراءة ما مضى وقراءة ما بقي مرّتين : مرّة للأولى ، ومرّة للثانية ، فينضمّ ما يتكرّر مع ما يلزم قراءته ممّا مضى للثانية زيادة على ما بقي ، فيطول المدّة ويحصل الخوف. فالمراد ممّا يتكرّر ما يتكرّر ويقرأ مرّتين بعد التشريك ، وممّا مضى ما مضى مثله في الصلاة على الاولى ويعاد للثانية مثل ذلك

كما إذا حضرت الثانية بعد الدعاء الثاني للاولى أي : بعد الصلاة على النبي. فعلى القطع يلزم أربع أدعية لهما معا ، وعلى التشريك يقرأ بعد التكبيرة الثالثة الشهادتين للثانية والدعاء للمؤمنين للاولى وبعد الرابعة يقرأ الصلاة للثانية والدعاء للميّت للاولى وبعد الخامسة دعاء للمؤمنين للثانية ، وبعد السادسة دعاء الميت للثانية ، فيتكرّر دعاء المؤمنين والميت بعد التشريك. ويزيد هذا المتكرّر على ما مضى مثله أي : ينضمّ معه وهو ما قرء بعد الثالثة والرابعة للثانية ، ولو قطع لا يزيد ذلك ، بل يقرأ ما مضى فقط مع ما يلزم قراءته من الباقي مرّة.

ثمّ حكم الشارح بالندور ليس باعتبار كون هذا الفرض نادرا بالنسبة إلى أفراد صور الخوف على الثانية ؛ لانّ أكثر صور الخوف على الثانية يجري فيه ذلك وإن لم يجر في بعضها ـ كما مر ـ بل باعتبار كون أصل هذا الفرض نادرا ؛ لاجل ندرة الخوف أوّلا ، ثمّ في هذا الزمان القليل الذي هو ظرف التكرير ثانيا ، ثمّ اختصاص الخوف بالثانية فقط ثالثا ، ثمّ حضور الثانية بعد التكبيرة الاولى وقبل الخامسة رابعا ، ثمّ كونهما متّحدين جنسا عند الحضور بعد الثالثة خامسا.

والحاصل : أنّ الشارح لمّا حكم بتساوي زماني التشريك والقطع في صورة الخوف على الثانية استدرك أنّه قد يختلف باعتبار تكرّر الدعاء. [ و ] قال : نعم بهذا الاعتبار يمكن فرض جواز القطع في بعض الصور النادرة.

هذا حلّ كلام الشارح كما ينبغي.


ولا يخفى أنّه يمكن فرض جواز القطع بالخوف على الاولى أيضا باعتبار تعدّد الدعاء ، ومع اختلافهما فيه ، وذلك كما إذا حضرت الثانية بعد الدعاء للتكبيرة الاولى ، فإنّ اللازم حينئذ على التشريك ستّ أدعية إلى زمان تمام الصلاة على الاولى لأجل التعدّد ، وعلى القطع أربع.

ولو حضرت بعد الدعاء للثانية تساوت زمانا القطع والتشريك بالنسبة إلى الاولى.

وأخفّيّة احتمال آخر وهو إتمام الصلاة على الاولى ورفعها ، ثمّ الصلاة على الثانية وإن كانت مسلمة إذا أمكن رفع الاولى بعد تمام صلاتها ، إلّا أنّ هذا خارج عن المطلوب ؛ لانّ المطلوب هو أخفيّة التشريك عن القطع أو بالعكس ، لا عن الإتمام والاستئناف ، فلا يفيد ذلك توجيها لكلام الشارح ، فتأمّل.

قوله : مع الإمكان.

صورة عدم الإمكان مثل أن يقع في بئر ومات فيه ، ولم يمكن إخراجه ولا الدخول فيه ، أو أمكن الدخول ، ولكن وقع على غير الجانب الأيمن ولم يمكن تحريكه لخوف المثلة. ومن صورة عدم الإمكان : ما إذا تولد توأمان ملصق ظهر أحدهما بظهر الآخر ؛ لا يمكن إيقاعهما معا على الأيمن ، وقد تولّد مثل ذلك في زماننا هذا.

ويمكن أن يكون قوله : « مع الإمكان » قيدا للاستقبال والكون على الأيمن معا بل الظاهر أنّه المراد. وعدم إمكان الاستقبال واضح في جميع ما مرّ وفي بعض صور اخر أيضا ، ومنها : التباس القبلة وعدم إمكان تعيينها.

قوله : والأخبار خالية عن الدفعات.

أقول : التخصيص بالدفعات مشعر بأنّ الأحكام أي : وضع جنازة الرجل عند الرجلين ، وجنازة المرأة ممّا يلى القبلة ، وإدخال الرجل طولا وإدخال المرأة عرضا مستفادة من الأخبار مع أنّه صرّح في المدارك : أنّه لم يقف على نصّ في وضع جنازة الرجل عند الرجلين والمرأة ممّا يلي القبلة. وهذا الذي ذكره في المدارك وإن لم يكن صحيحا في حكم الرجل ؛ لدلالة أخبار كثيرة عليه ولكنّه صحيح في حقّ المرأة ؛ إذ ليس في كتب الأخبار الأربعة نصّ يستفاد منه ذلك.


نعم روى الصدوق في الخصال بسنده عن الأعمش ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام في حديث شرائع الدين قال : « والميّت يسلّ من قبل رجليه سلّا ، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد ». (١) وهذا بظاهره يدلّ على حكم المرأة أيضا ؛ لإشعاره بأنّ المرأة توضع من قبل اللحد ، واللحد إنّما يكون في القبلة ؛ فإنّ الظاهر من الأخذ من ذلك المكان كون هذا المكان المأخوذ عنه هو الذي وضعت فيه الجنازة.

وورد مثل ذلك في فقه الرضا ، ولكن الظاهر أنّ نظر الشارح مقصور إلى أخبار الكتب الأربعة وإلّا فقد ورد في بعض الأخبار حكم الدفعات أيضا ؛ فإنّه قال الصدوق في العلل : « وإذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر فإن للقبر أهوالا عظيمة ـ ونعوذ بالله من هول المطلع ـ ولكن ضعه قرب شفير القبر واصبر عليه هنيئة ، ثمّ قدّمه قليلا واصبر عليه ليأخذ اهبته ، ثمّ قدّمه إلى شفير القبر ». (٢)

وورد قريب من ذلك في فقه الرضا أيضا ، فيعلم من ذلك أنّ مراد الشارح من الأخبار : أخبار الكتب الأربعة التي هي المدار في الأكثر في الاستدلال.

وعلى هذا فتخصيص الخلو بالدفعات لا يخلو عن شي‌ء كما لا يخفى ، إلّا أن يقال : إنّ الأخبار الدالّة على أنّ المرأة تؤخذ عرضا مشعر بذلك ، وهو كما ترى.

قوله : ونزول الأجنبي معه.

الضمير المجرور راجع إلى « الميّت » دون « الرجل » ، فلا يلزم كون الاستثناء المذكور بقوله : « إلّا فيها » منقطعا.

قوله : من تربة الحسين عليه‌السلام معه.

أي : معه في القبر. فلا يرد أن جعلها تحت الخد وتلقاء الوجه ليس جعلها معه. ثمّ الترديد في تحت الخد ، أو في مطلق الكفن ، أو تلقاء الوجه يمكن أن يكون من باب التخيير كما يؤيّده قوله في المسالك : « والكلّ حسن ». ويمكن أن يكون من باب الترديد في المسألة حيث إنّ كلّا من الشقوق ممّا اختاره بعض فقهائنا.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ١٨٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ١٦٨ وفيه : « وتعوّذ من هول ... ».


قوله : وحلّ عقد.

المراد به : حلّ العقد الذي ذكره في الإزار حيث ذكر : « أنّه يستحبّ زيادة الإزار طولا بحيث يمكن شدّه من طرفي الرأس والرجلين ».

قوله : اغتفر رفعه عن أعلاها.

أي : إذا كانت سطوح الأرض التي حفر فيها القبر مختلفة : بأن كانت الأراضي الواقعة في شفير القبر بعضها أعلى وأرفع من بعض اغتفر الرفع عن الأعلى بالمقدار المذكور أي : ارتفع وزال استحبابه ، بل يتأدّى المستحبّ الذي هو الرفع بالقدر المذكور بالرفع عن أدنى السطوح.

فيكون مدخول « الباء » حقيقة في قوله : « بأدناها » محذوفا أي : برفعه عن أدناها ، حذف لأجل دلالة « رفعه عن أعلاها » عليه.

ويمكن أن يكون مدخولها هو قوله أدناها ويكون « الباء » سببية أي : يتأدّى السنّة بسبب الأدنى بأن يراعى الرفع عنها. وعلى هذا يكون مراد الشارح : أنّه يستحبّ الرفع عن الأدنى بالقدر المذكور عند اختلاف السطوح ، ولا يرفع عن الأعلى ، فيتتبّع الاعلى للادنى.

ويمكن ان يكون المراد بيان جواز الامرين اى الرفع عن الاعلى والاكتفاء بالرفع عن الأدنى بأن يكون المعنى أنّه مع اختلاف السطوح يجوز الرفع عن أعلاها بالقدر المذكور حيث يكون الرفع عن الأدنى أزيد من القدر المقدّر ، ويغتفر ذلك الزيادة حينئذ وإن لم يغتفر عند تساوي السطوح حيث إنّه يظهر من بعض الأخبار لزوم الاقتصار على القدر المذكور. ويجوز الرفع عن الأدنى بالقدر المذكور وإن لم يرفع عن الأعلى بهذا القدر ، ويتأدّى السنّة بمراعاة الأدنى فقط حينئذ ، وإن لم يتأدّ برفع بعض القبر حين تساوي السطوح.

ولكن الأوّل أظهر ، حيث إنّه لم يثبت عدم اغتفار الرفع زائدا عن القدر المذكور حين تساوي السطوح.

قوله : ويصبّ الفاضل.

أي : الفاضل من الماء الذي في الظرف إن كان فيه فاضل ممّا صب دوريّا. ويستفاد منه


أنّه إذا لم يكن منه فاضل لا يستحبّ الصب من الماء الخارجي ، ويحصل القدر المستحب بالصبّ الدوري فقط ، وهذا هو صريح عبارة فقه الرضا عليه‌السلام.

وعلى هذا يكون ما لا أقلّ منه من الماء هو القدر الذي يتمّ به الصب الدوري ، ولا يستحبّ الزيادة ، بل يكتفى فيه بالاتفاق فإن اتفقت الزيادة يصب على الوسط وإلّا فلا ، أم يستحب عدم صبّ الزيادة أو لا في خارج القبر ، وورد في بعض الروايات الأمر بالرش على الوسط من غير الشرط بكونه فاضلا. وعلى هذا فيستحبّ مراعاة الزيادة أوّلا أو أخذ الماء من الخارج إن لم يبق شي‌ء بعد الرش الدوري.

قوله : في غير التراب.

من طين ، أو رمل ، أو جصّ إذا كان أحدها على القبر.

قوله : ويتخيّر الملقّن إلى آخره

ردّ على ابن إدريس حيث قال : « إنّه يستقبل القبلة والقبر ». وعلى أبي الصلاح وابن البراج ويحيى بن سعيد حيث قالوا : يستدبر القبلة ويكون القبر أمامه ».

والمراد : تخييره من حيث كونه ملقّنا ، فلا يرد أنّ الاستقبال يستحبّ في كلّ حال ، فيكون المعين واردا ، إذ هذا المعين ليس من جهة كونه ملقّنا.

قوله : وكلّ أحكامه إلى آخره

أي : كلّ أحكام الميت المذكورة في هذا الكتاب ، وإلّا فله أحكام اخر مندوبة عينا كالحضور إلى صلاته وزيارته. ولا يخفى أن قد ذكر هنا أيضا أحكاما ليست بكفائيّة ظاهرا كالتربيع والتعزية والاهالة ؛ فإنها امور مستحبّة لكلّ أحد لا يسقط استحبابها عن بعض بفعل بعض آخر.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إنّ التربيع الذي يستحبّ علينا التناوب والدوران ولكن التربيع بمعنى حمل الجوانب الأربع فهو مستحبّ كفاية ، وكأنّه مراد المصنّف من التربيع ، وهذا هو السر في تفسير الشارح التربيع في كلامه بذلك.

وأمّا التعزية فهي ليست من أحكام الميّت ، بل هي من أحكام أهله والمصابين به. وأمّا الإهالة ، فهي أيضا مستحبّة على القدر الذي ... القبر أو الميّت حين كونه مشاهدا في القبر ، و


لا يستحبّ الزائد ، فيكون أيضا كفائيا في الجملة. ويمكن أن يقال أيضا : إنّ للتربيع بأي معنى أخذ وكذا للإهالة جهتين إحداهما : جهة كونهما من أحكام الميّت أي : يترتّب عليهما الفائدة للميت. واخراهما : جهة كونهما من أحكام فاعلهما. وهما من الجهة الاولى كفائيّة ؛ لحصول الفائدة المترتبة عليهما للميت بفعل واحد أيضا ، وإن كان عينيّا من الجهة الثانية ، فتأمّل.

فى التيمّم

قوله : ولو بمجرّد الجبن.

متعلّق بـ « ذهاب عقل » و « الباء » للسببيّة أي : ولو كان الخوف من ذهاب العقل بسبب الجبن ، وإن علم أنّه ليس أمر آخر يوجب ذهابه سوى الجبن.

ويمكن تعلّقه بقوله : يخاف اى يخاف فيما ذكر بسبب مجرّد الجبن.

والمراد : أن يخاف من أنّ جبنه صار سببا لذلك ، وليس المراد أنّ خوفه كان بمحض الجبن أي : علم أنّه لا يتحقّق شي‌ء من هذه الامور ، ولكن جبنه كان مانعا من السعي إليه.

والحاصل : أنّه يجب أن يكون الخوف من أنّ الجبن صار سببا لتحقّق أحد هذه الامور ، لا أنّ خوفه كان بمحض الجبن ؛ إذ لا يجوز ترك السعي حينئذ.

قوله : بين القليل.

المراد بالقليل هنا : القليل من المال المحترم ، لا مطلقا فلا تنافي بين ذلك وبين تقييد المال في السابق بالمحترم.

قوله : والفارق النص.

هذا جواب عمّا قاله ابن الجنيد حيث أفتى بعدم وجوب بذل المال المحترم في تحصيل الماء وإن كان قليلا ولزوم الانتقال إلى التيمّم محتجّا : بعدم الفرق بين المال الذي يخاف عليه من ذهابه والمال الذي بذل.

قوله : لا أن الحاصل بالاوّل إلى آخره.

هذا ردّ على من أجاب عن احتجاج ابن الجنيد بإبداء الفرق بين الموضعين : بأنّ


الحاصل في الأوّل ليس إلّا العوض ، والحاصل في الثاني هو الثواب ، وبينهما بون بعيد.

وظاهر كلام الشارح مؤذن بأنّه حمل العوض في كلام ذلك المجيب بالعوض الدنيوي حيث قال : « وهو منقطع » وقال أيضا : « بل قد يجتمع في الاوّل » حيث أتى بلفظة « قد » الدالّة على التقليل ، والظاهر من كلام المجيب أنّه أراد العوض الاخروي ، وفرّق بين العوض والثواب : بأنّه إذا ذهب المال بغصب أو نحوه لا يستحقّ في الآخرة إلّا ما يقابله من العوض ؛ لعدم كونه اختياريا ، بخلاف ما لو بذله اختياريا لأجل الوضوء ، فإنّه يعطى من الثواب أضعاف ما يقابل ما بذل ؛ لكونه عبادة اختيارية مطلوبة للشارع كما يدل عليه قوله تعالى : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ). (١)

ثمّ إنّه على هذا أيضا يجري الردّ الأوّل الذي ذكره الشارح كما لا يخفى ، بل يجري الردّ الثاني الذي ذكره بقوله : « قد يجتمع » أيضا ؛ لإمكان اجتماع العوض الدنيوي مع الثواب الاخروي كما إذا عرف اللص بعد مدّة وأخذ منه العوض ، أو صار الغاصب ضعيفا ، و (٢) المالك قويّا ويأخذ المال منه.

بل يرد على هذه التفرقة أيضا : أنّ الحاصل منه في الأوّل أزيد منه في الثاني ؛ إذ لا يحصل في الثاني إلّا الثواب الذي يقتضيه البذل ، ويحصل في الثاني (٣) هذا الثواب حيث جعل ماله لاجل الوضوء في معرض التلف مع زيادة هو أخذ العوض من اللص أو الغاصب في الآخرة؟

قوله : ولو اختلفت الى آخره

أي : لو اختلفت الأرض : بأن كانت بعض جوانبها حزنة وبعضها سهلة ، فتوزع بحسبهما أي : يطلب من الجانب الحزنة غلوة سهم ، ومن السهلة غلوة سهمين ، أو كان بعض مسافة جانب منها حزنة وبعضها سهلة : بأن كان مقدار سهم حزنة والباقي سهلة ، أو بالعكس.

وحينئذ فإن كانت الحزنة متقدّمة فلا حاجة إلى التوزيع ، بل يطلب في الحزنة فقط ، وإن كانت السهلة متقدّمة فيطلب في تمام السهلة ومقدار نصف غلوة سهم في الحزنة ؛ لانّ

__________________

(١) الانعام : ١٦٠.

(٢) فى الاصل : أو.

(٣) فى الاول ظ.


نصف الغلوة فيها بمنزلة غلوة سهم في السهلة ، ولو كانت نصف غلوة حزنة والباقي سهلة أو بالعكس فعلى الأوّل يطلب بعد الحزنة غلوة سهم في السهلة ، وعلى الثاني بعد السهلة ثلاثة أرباع غلوة في الحزنة ، ولو كان نصف غلوة منها حزنة ونصفها سهلة والباقي أيضا حزنة فيطلب بعد الحزنة الاولى والسهلة مقدار ربع غلوة في الحزنة اللاحقة ، وعلى هذا قس جميع الصور.

قوله : كما لم يخرج الحجر مع أنّه أقوى.

يعني : أنّ الحجر والخزف متّفقان في عدم خروجهما عن الاسم بالطبخ مع أشديّة الحجر في الاستمساك.

قوله : بيديه معا.

« الباء » في قوله : « بيديه » زائدة ، وفي قوله : « بمسمّى » بمعنى : « مع ».

وقوله : « على الظاهر » أي : على الظاهر من كلام المصنّف ، أو الظاهر من الدليل ، أو من الأخبار.

قوله : جعله دالّا إلى آخره

إشارة إلى دليل مجوّز الوضع والضرب أي : المكتفي بالوضع اللازم منه جواز الضرب حيث استدلّوا : بأنّ اختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب في التعبير بالضرب والوضع يدلّ على أنّ المراد بهما أمر واحد.

وفي تبديل الشارح لفظة « المراد » كما وقع في كلام بعض المستدلين بلفظ « المؤدى » إشارة إلى التفرقة بين دليل المجوّزين لكلّ منهما ودليل المعيّن للضرب حيث إنّه أيضا استدلّ بحمل المطلق على المقيد ، ومرجعه إلى أنّ المراد بالمطلق هو المقيّد ، فيكون المراد أيضا واحدا ، فلا فرق بين الدليلين.

وبيان الفرق أنّ مبنى حمل المطلق على المقيّد إنّما هو على اتّحاد المراد واختلاف المؤدّين أي : معناهما مختلفان ؛ لأنّ معنى الوضع حينئذ هو المطلق ومعنى الضرب المقيّد ، ومبنى دليل المجوّزين إلى أنّ معناهما واحد ؛ لا أنّ المراد واحد مع اختلاف المعنيين.

نعم بقي هاهنا شي‌ء آخر وهو أنّه إذا دلّ اختلاف الأخبار وعبارات الأصحاب على


اتحاد المعنيين فمن أين يعلم أنّه ما يتحقّق مع الوضع حتى يجوز كلّ من الأمرين ، وليس هو المتحقّق في ضمن الضرب حتّى يتعيّن الضرب.

ويمكن أن يقال : إنّه إذا علم اتحاد المعنيين ، فاللازم هو حمل المشكوك في معناه على المعلوم ، ولا شكّ أنّ معنى وضع اليد على الأرض معلوم ، وإنّما يشك في معنى ضربها عليها فاذا علمنا اتحاد معنييهما يجب الحكم بان مؤدى الضرب ومعناه هو بعينه مؤدى الوضع المعلوم.

قوله : وآخرون مسح الجبينين.

والمنقول عن عليّ بن بابويه وجوب استيعاب الوجه. قاله في الذكرى.

وفي كلام الجعفي إشعار به. ونقل عن السيد المرتضى نقل الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب.

قوله : وليس كذلك.

أي : لا يجب مسح الجبهة بالأرض مطلقا إذا كانتا مقطوعتين ، بل قد يجب مسح الجبهة بالارض وقد لا يجب.

وقوله : « بل يمسح » إلى آخره تفصيل لصور نجاسة اليد وحكمها. وتوضيحه : انّه إذا كانتا نجستين فلا يخلو إمّا لا يتعذّر التطهير ، أو يتعذّر. فعلى الأوّل لا يمسح الجبهة بالأرض ، بل يتطهر اليدان ويتيمّم ، وعلى الثاني إمّا لا تكون النجاسة متعدية ولا حائلة ، فيجب الضرب باليدين ومسح الوجه بهما بعد التعفير ، أو تكون متعدّية أو حائلة وحينئذ إمّا يمكن تجفيف المتعدية وإزالة الحائلة أو لا فعلى الأوّل يجب التجفيف والإزالة ومسح الوجه باليدين. وعلى الثاني فإمّا لم تستوعب النجاسة المتعدّية أو الحائلة الظهر أو لا فعلى الأوّل يضرب بالظهر ويمسح به الوجه ، وعلى الثاني فمع كون النجاسة متعدّية يضرب بالوجه على الأرض ، ومع كونها حائلة يضرب باليد النجسة ، فهذه خمس صور يضرب بالوجه على الأرض في واحدة وباليدين في البواقي.

قوله : فما يتوقّف عليه.

إمّا مبنى للمفعول ونائب فاعله الواجب ، أو مبني للفاعل ، والمستتر فيه راجع إلى الواجب.


قوله : بدلا من الغسل إلى آخره

مفعول له لقوله : « إحداهما » أي : إحداهما لأجل البدليّة من الغسل.

وفيه إشعار بكيفيّة النيّة ، فينوي في إحداهما أنّها بدل عن الغسل ، وفي الاخرى أنّها بدل عن الوضوء.

ولا يخفى أنّه لو قلنا بإجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ـ كما ذهب إليه السيّد المرتضى وجمع من المتأخّرين ـ يكون الواجب مرّة واحدة بضربتين بدلا عن الغسل ، ولمّا كان مختار المصنّف عدم الإجزاء أوجب المرّتين. ثمّ إنّ وجوب المرتين على هذا القول أيضا بناء على مذهبه من التفرقة بين التيمّم بدلا عن الغسل وبدلا عن الوضوء.

أمّا لو قلنا بعدم التفرقة في عدد الضربات بينهما بأن نقول : الواجب في الجميع ضربة واحدة ـ كما اختاره السيّد في بعض كتبه ، وابن الجنيد ، وابن عقيل ، والمفيد في الرسالة العزّية ـ أو نقول بأنّ في الجميع ضربتين كما ذهب إليه المفيد في الأركان ، وحكي عن عليّ بن بابويه أو بأنّ في الجميع ثلاث ضربات كما نقل عن عليّ بن بابويه في الرسالة ، وأسنده في المعتبر إلى قوم منّا. فإن لم نقل بوجوب نيّة البدليّة كما هو الظاهر ، و [ قلنا ] بتداخل الأسباب ، يكفي تيمّم واحد ، وإن لم نقل بتداخل الأسباب ، فلا بدّ من تيمّمين. وإن قلنا بوجوب نيّة البدليّة فإن جوّزنا التداخل أيضا يكفي تيمّم واحد أيضا وإلّا فلا يكفي ، بل يجب تيمّمان.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما قاله بعض المتأخرين من الاكتفاء بالتيمّم الواحد على القول بوحدة الكيفيّة وعدم وجوب نيّة البدليّة مطلقا.

قوله : باختصاص التيمّم بذلك إلى آخره

أي : بالخروج جنبا من أحد المسجدين فإنّ في التيمّم للخروج عنه قولان :

أحدهما : أنّه إن أمكن الغسل فهو الواجب ، وإلّا فيجب التيمم ، وعلى هذا يدخل هذا التيمّم فى ما كان بدلا عن الغسل.

وثانيهما : أنّه لا يجوز له الغسل وإن أمكن وكان زمانه أقل من زمان التيمّم ، فلا يكون التيمّم بدلا عن الغسل.


فذكر الشارح أنّ عدم البدليّة على القول باختصاص التيمّم وعدم جواز الغسل ، وقوله « لم يكن بدلا » جزاء للشرط المذكور بقوله : « فلو كان ».

ولا يخفى أنّ الملائم للعبارة أن يقول في الجزاء : « لم يجب نيّة البدليّة » ولكن لمّا كان عدم البدليّة ملزوما لذلك اكتفى بذكر ملزومه ، والمراد هو اللازم.

وقوله : « مع احتمال بقاء العموم » يعني : احتمال بقاء العموم الظاهر من قول المصنّف :« ويجب في النيّة البدليّة » فإنّ ظاهره أنّه يجب نيّة البدليّة في جميع أنواع التيمّم من غير تخصيص ببعض أفراده حيث يصحّ منه الاستثناء.

والضمير في قوله : « بجعله » راجع إلى « التيمّم » ، وفي قوله : « فيها » إلى الثلاثة المذكورة أي : صلاة الجنازة وأخويها يعنى : يحتمل بقاء العموم وإيجاب نيّة البدليّة في جميع أفراد التيمّم حتّى هذه الثلاثة بجعل التيمّم فيها بدلا اختياريّا وفي غيرها اضطراريّا.

والمراد بالبدل الاضطراري ما كان بدلا مع تعذّر المبدل منه ، وبالبدل الاختياري : ما كان الواجب بالأصالة هو المبدل منه ، ولكن جاز البدل بدلا عنه مع إمكانه أيضا.

ثمّ كون التيمّم به في الأوّلين بدلا اختياريّا ظاهر ، وكذا في الأخير على القول بعدم اختصاص التيمّم به ، وأمّا على القول به كما هو مفروض الشارح فمشكل ؛ لأنّ البدليّة إنّما تصحّ لو كان المبدل منه أيضا جائزا ، وعلى هذا القول لا يجوز الغسل ، فكيف يكون التيمّم بدلا منه؟

وعلى أن يقال : إنّ البدل إنّما يتحقّق مع وجود مقتضي الوجوب للمبدل منه سواء أثّر وحصل الوجوب ، ثمّ سقط لعذر ، أو لم يؤثّر مطلقا ؛ لوجود المانع ، والمقتضي لوجود الغسل فيمن أجنب في المسجد متحقّق ، ولكن منع الإيجاب مانع خفي علينا أو ظاهر وهو لزوم زيادة مكث في المسجد جنبا ، وفرض أقلّية زمان الغسل ، أو مساواته لزمان التيمّم نادر لا يصلح لمنشئيّة أثر في الأحكام ، فلا يلتفت إليه ، فتأمّل.

قوله : بمراعاة الضيق.

أي : بوجوب مراعاة ضيق الوقت في التيمّم وعدم جوازه في السعة مطلقا أي : سواء


كان العذر مرجوا لزوال أم لا يظهر (١) قوّة القول الأوّل أي : البطلان مطلقا.

وإنّما قيّد بقوله : « مطلقا » ؛ لأنّه على القول بالتفصيل يقوى القول بالتفصيل في البطلان أيضا ، دون القول الأوّل الذي هو البطلان مطلقا.

ويمكن أن يكون [ المراد ] بقوله : « مطلقا » يعني : سواء قلنا بمراعاة الضيق في جميع الاحوال أو في بعضها ، فيكون المعنى : وعلى القول بمراعاة الضيق سواء قلنا به في جميع الأحوال أو بالتفصيل ، يظهر قوّة البطلان ، أما على القول بها في جميع الأحوال فظاهر [ و ] أمّا على القول بالتفصيل ؛ فلعدم القول بالفصل.

ثمّ الظاهر أنّ الوجه في قوّة القول بالبطلان على القول بمراعاة الضيق : أنّ الإخلال بالموالاة لا يمكن إلّا بأن يقع بعض أفعاله في سعة الوقت ، وهو غير جائز على هذا ، فيكون باطلا.

ولا يخفى أنّ الضيق الذي يجب مراعاته هو أن يبقى مقدار التيمّم وسائر الشرائط والاتيان بتمام أفعال الصلاة في الوقت ، وعلى هذا فيمكن الإخلال بالموالاة مع القول بالضيق ، وعدم وقوع شي‌ء من التيمّم في السعة بأنّ تيمّم غير موال بحيث لا يدرك من الوقت إلّا قدر ركعة ، فإنّه يصحّ الصلاة حينئذ أيضا.

قوله : وإلّا فالأصل يقتضي الصحّة إلى آخره

لا يخفى أنّ ثبوت هذا الأصل إنّما هو بواسطة أصل آخر ، وذلك لانّ الصحّة في العبادة هي موافقة المأمور به والنزاع هنا في أنّ هذا التيمّم هل هو موافق للمأمور به أم لا؟ ولا وجه لأصالة كونه موافقا للمأمور به ، فإنّه [ لا ] دليل على ذلك الأصل. ولا بدّ أن يقال : إنّ الأصل عدم كون شي‌ء آخر وصفا أو جزءا للمأمور به ، فإذا أتى بالمعلوم جزئيّته وشرطيّته فقد أتى بما علم أنّه مأمور به ، والأصل عدم الزائد ، فيكون المأتي به صحيحا.

ولا يخفى ما فيه أيضا ، فإنّ المفروض هو العلم بثبوت الوصف الذي هو الموالاة أي : الإتيان بهذا الفعل مواليا لما تقدّم عليه ، فمع الإخلال به اختل وصف المأمور به ، فلا يكون موافقا له.

__________________

(١) فى الاصل : فظهر.


ونعم ما فعله بعضهم حيث جعل القول بمراعاة الضيق مبنى القول بوجوب الموالاة وخلافه يعنى : لعدم وجوبها لا للبطلان وعدمه على القول بوجوبها ، (١) فتأمّل.

قوله : والصلاة تامّة.

هذا التقييد لدفع توهّم أنّ ضيق الوقت إنّما يتحقّق بإدراك ركعة من الصلاة فقط حيث تكون أداء حينئذ. وقوله : « علما أو ظنّا » متعلّق بقوله : « بقي » أي : بقي بحسب علمه أو ظنّه.

والضمير في قوله : « فيه » راجع إلى « الظن » أي : لو ظهر بعد التيمّم والصلاة أو بعد التيمّم خاصّة خلاف ظنّه لم يؤثّر في الظن. والمراد بتأثيره في الظن : أنّه لا يبطل مقتضاه الذي هو صحّة التيمم والصلاة والاجتزاء بهما.

قوله : ورجاء حصوله.

إمّا عطف تفسيري على أن يكون المراد بالطمع في الماء : الطمع في حصوله ووجوده ، ويكون التخصيص بذلك ؛ لأنّ وجود الماء ممّا يتوقّع ويرجى حصوله غالبا ، دون رفع سائر الأعذار المجوّزة للتيمّم ، فإنّها مع وجودها في أوّل الوقت لا تكون بحيث يتوقع رفعها إلى آخر الوقت ، إلّا نادرا.

ويمكن أن يكون من باب عطف الخاص على العام بأن يكون المراد بالطمع في الماء : الطمع في استعماله إمّا لوجوده أو برفع العذر ، وذكر الخاص لغلبته.

قوله : راجحة بالطهارة.

لفظة « الباء » في قوله : « بالطهارة » بمعنى : « مع » ، وهي إمّا متعلّقة بالراجحة أي : نذر عبادة راجحة مع الطهارة أو متعلّقة بالعبادة ، أو بالنذر. فعلى الأوّل لا تكون الطهارة منذورة ، وعلى الثانيين تكون الطهارة أيضا منذورة.

قوله : كوجوب.

أي : كوجوبها الظاهري. والحكم به إلى الوجوب الواقعى.

__________________

(١) بعدم وجوبها ، ظ.


قوله : لاستحالة التكليف بعبادة.

لا يخفى أنّه لقائل أن يقول : إنّ وجود الماء ناقض للتيمّم لأجل وجوده ، لا لأجل كونه مكلّفا بالتطهير به حتّى يرد ذلك. وأيضا إن اريد بالتكليف بالعبادة التكليف بمجموع الفعل ، فاستحالته مسلّم ، ولكن يجوز أن يكون التكليف بالشروع في التيمّم بناء على ظنّه ويكون التكليف بالشروع [ مؤثرا ] في رفع أثر التيمّم. ( كذا ) وإن أراد استحالة التكليف بالفعل مطلقا ، فاستحالته ممنوع ، والمستند ظاهر.

وممّا ذكرنا ظهر [ قوّة ] ما يذكره بقوله : « مع احتمال انتقاضه مطلقا ».

ويمكن أن يكون قوله : « لاستحالة التكليف » إلى آخره دليلا على اشتراط استقرار الوجوب في الصلاة والحج فقط ، ولم يكن دليلا لعدم انتقاض التيمّم. وعلى هذا فلا يرد الإيراد الأوّل كما لا يخفى.

قوله : الوارد عن قطع الأعمال.

لا يقال : إنّ هذا القول بانتقاض التيمّم في الأثناء ليس قطعا للصلاة ، بل يفسد الصلاة ؛ لأجل فساد الطهارة ومثل ذلك ليس قطعا لها وبتقرير آخر : قطع الأعمال للنهي عنه إنّما هو إذا لم يطرأ المفسد ، والنزاع هاهنا إنّما هو في طريان المفسد وعدمه ، فلا يصير النهي عن إبطال العمل دليلا على عدم طريان المفسد ولا معاضدا له.

لأنّا نقول : إنّه إذا ثبت النهي عن إبطال العمل بدون طريان المفسد ، فيصير هذا أصلا يجب الأخذ به ما لم يقطع بتحقّق المفسد ، فإذا كان المفسد مشكوكا فيه يصحّ دفعه بهذا الأصل ؛ لأنّ الحكم بكونه مفسدا يوجب قطع الصلاة ، والأصل عدم جواز قطعه إلّا مع العلم بالمفسد ، فإذا وقع النزاع في كون شي‌ء مفسدا أم لا يكون هذا الأصل معاضدا لعدم الإفساد كما يعاضد الإباحة في مقام النزاع بالأصل والوجوب أو التحريم بالاستصحاب.

قوله : من أنّه مشروط إلى آخره

لا يقال : إنّه احتمل الانتقاض مطلقا أيضا ، فلا يكون مشروطا.

لأنّا نقول : إنّ الاحتمال لا ينافي قوّة الاشتراط ؛ ولذا حكم أوّلا صريحا بالاشتراط ، ثمّ احتمال الانتقاض. وقوله : « ولم يحصل » أي : لم يحصل التمكّن ؛ لأنّ بعد الصلاة


لا يتمكّن من الطهارة كما هو المفروض وفي أثنائها وإن تمكن عقلا ، ولكنّه غير متمكن شرعا ، لأنّ هذه الصلاة لا ينتقض ويتم الصلاة ( كذا ) وقد عرفت أنّها إذا لم ينتقض يحرم قطعها ، فيكون الاشتغال بالطهارة المائيّة حراما شرعا ، فلا يتمكّن منه ، وهذا مراده من قوله ( طاب ثراه ) : « والمانع الشرعي كالعقلي » أي : في إيجابه عدم التمكّن.



كتاب الصلاة

الفصل الاول

قوله : تغليبا.

التغليب يكون في النسبة ؛ فإنّه يقال في المنسوب إلى اليوم : « يومي » وإلى الليل :« الليلي » وإذا غلب اليوم يقال : « اليوميّة ».

وقوله : « أو بناء على إطلاقه » أي : إطلاق اليوم. يريد أن التجوّز في لفظة « اليوم » حيث يراد به ما يشمل الليل أيضا أي : الزمان من باب عموم المجاز.

قوله : بالكسوفين.

« الباء » إمّا السببية أي : جعلها ثلاثا بسبب الكسوفين ، أو بمعنى : « مع » أي : مع الكسوفين.

ووجه أسدّية عدّها سبعة بادخال الكسوفين في الآيات : أنهما قسمان من الآيات ؛ لدخولهما فيها فعدّهما قسمين لها من عيوب القسمة.

وقد تعد تسعة بجعل الآيات ثلاثا بالزلزلة فالكسوفين وغيرها. وهو أيضا غير سديد.

وجعل التسعة في القواعد بذلك وبجعل شبه المنذور قسما على حدة وإخراج صلاة الأموات.

قوله : صلاة الأموات اختيار إطلاقها.

وذلك لأنّه صرّح كثير من الاصوليين ومنهم العلّامة وولده : بأنّ التقسيم يدلّ على


كون المقسم مشتركا بين الأقسام ، ولكن وقع الخلاف في أنّه يدلّ على الاشتراك المعنوي أو اللفظي ، وعلى التقديرين يثبت مطلوب الشارح هنا كما لا يخفى.

وإنّما قيّد الحقيقة بالشرعيّة ؛ لأنّها إذا كانت حقيقة فيها لم يكن إلّا شرعيّة ؛ إذ لا يحتمل خلاف في عدم كونها حقيقة لغويّة فيها. وأمّا الحقيقة المتشرعيّة وإن جازت إلّا أن جعلها قسيما لسائر المعاني التي هى حقائق شرعيّة عند المصنّف يشعر بكونها أيضا كذلك.

قوله : ونفي الصلاة إلى آخره

هذا إشارة إلى اعتراض على المصنّف بجعل صلاة الأموات صلاة حقيقة.

وتوضيحه : أنّه ورد في الأخبار : « أنّه لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب » « ولا صلاة إلّا بطهور » و « أنّ تحليل الصلاة بالتسليم » ، فنفي الصلاة عمّا لا فاتحة فيها ولا طهور في الأوّلين ، وحكم بأنّ تحليلها التسليم. [ و ] هذا ينافي كون الصلاة حقيقة في صلاة الأموات ؛ إذ لا فاتحة فيها ، ولا طهور ، ولا تسليم ؛ فإنّ الظاهر من نفي الصلاة في الأوّلين هي الماهيّة والحمل على نفي الصحّة والكمال تأويل بلا دليل.

وما قيل من أنّ الظاهر من هذه الهيئة نفي الصفة ، دون الذات فممنوع. نعم يرد أنّ تماميّة دلالة ما ورد إنّما يتوقّف على كون المنفي في الأوّلين باقيا على المعنى الحقيقي. والمراد من الصلاة في الثالثة جميع أفرادها أو مطلق ، ويمكن منع ذلك.

والتمسّك باصالة الحقيقة مخدوشة : بأنّ الصلاة مستعملة في صلاة الميّت أيضا ، والأصل فيه أيضا الحقيقة ، فيتعارض الأصلان. (١)

ولكن في ذلك نظر كما لا يخفى على المتدرّب في الاصول.

قوله : وله وجه وجيه.

أمّا وجه دخول الأوّل في الملتزم ؛ فلانّ حقيقة الملتزم ما صار المكلّف نفسه سببا للزومه ، وصلاة الاحتياط كذلك ، حيث إنّ شكّه صار سببا لها ، فالسببية منه ولو كان بغير اختياره.

وأمّا وجه دخول الثاني في اليوميّة فظاهر.

__________________

(١) في الاصل : فيتعارض الأصل.


والظاهر أنّ الأوجه دخول صلاة الاحتياط أيضا في اليوميّة لما مر. وأمّا صلاة الاستيجار فيمكن دخولها في الملتزم وهو ظاهر ، وفي اليوميّة حيث إنّها قضاء أو احتياط عنها.

قوله : التي هي ضعفها.

الضعفيّة باعتبار عدّ ركعتي الوتيرة جالسا بركعة واحدة.

فإن قيل : يصرح المصنّف بجواز القيام في الوتيرة ، وعلى هذا فإذا صلّيت من قيام يكون عدد النوافل خمسا وثلاثين ركعة ، ولا يتحقّق الضعفيّة.

قلنا : صرّح الشارح بأن الواجب بالأصل هو الجلوس ، فيكون الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس المحسوبتين بركعة واحدة ، فلا يلزم ذلك.

قوله : ثابت فيهما بالأصل.

بمعنى : أنّه ليست مشروعيّته لتخفيف وسهولة كما هو مقتضى الرخصة ، ويكون كذلك فى سائر مواضع تجويز الجلوس ، فليست الركعتان من جلوس بدلا عن القيام.

وقوله : « لأنّ الغرض » علّة لكون الجلوس ثابتا بالأصل لا رخصة ، وحاصله : أنّ الثابت بالأصل ما كان ثبوته مقتضى الغرض ، والرخصة ما كان الغرض يقتضي غيره ولكنه شرع لاجل غرض آخر من سهولة أو تخفيف أو مثلهما ومقتضى الغرض هنا هو وجوب الجلوس ؛ لأنّ الغرض من الركعتين ركعة واحدة ؛ لأجل تكميل ضعف الفريضة ، فإنّ الباقي من ضعفها ركعة واحدة ، وذلك الغرض يحصل بالجلوس فيهما ، لأنّ الركعتين من جلوس ركعة واحدة ، فالجلوس لأجل تحقّق الغرض به ، لا لأجل تخفيف أو سهولة حتّى يكون رخصة.

ويمكن على بعد أن يكون قوله : « لأنّ الغرض » بيانا لعلّة الرخصة عند من قال بها أي : ليس رخصة لأجل ذلك كما قيل.

وتوضيح التعليل حينئذ : أنّ الثابت بالأصل وإن كان القيام ، إلّا أنّه رخص في الجلوس لحصول الغرض أيضا مع أخفّيته. وعلى هذا يكون دليل ثبوت الجلوس بالأصل وتضعيف دليل الرخصة غير مذكور لوضوحهما.


وقد يقال : إنّ « ضعف الفريضة » بفتح الضاد أي : ذلك لتكميل نقص الفريضة كما ورد في الأخبار. ولا يخفى أنّه لا يلائم تخصيص الغرض بركعة واحدة.

قوله : للتصريح به.

أي : بكونه أفضل. في بعض الأخبار وهو خبر سليمان بن خالد عن الصادق عليه‌السلام : « ركعتان بعد العشاء يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا ، والقيام أفضل ». (١)

وقوله : « وعدم دلالة ما دلّ » إلى آخره دفع لتوهّم أنّ ذلك معارض بدلالة ما دلّ على الجلوس على أفضليته.

وقوله : « مضافا » حال عن التصريح به أي : حال كون هذا التصريح مضافا إلى ما دلّ إلى آخره.

قوله : البعديّة.

فإنّ الظاهر من كون شي‌ء بعد شي‌ء أن لا يكون بينهما فصل ، وإلّا كان بعد ذلك الفصل لا بعد ذلك الشي‌ء.

فإن قيل : ظهور ذلك فى البعديّة إنّما هو إذا لم يكن هناك فاصلة اخرى ، وظاهر كلام الشارح أنّ اختلاف المصنّف في خصوص نافلة شهر رمضان دون غيرها ، فيكون غيرها فاصلة بين العشاء والركعتين.

قلنا : يمكن أن يكون غرض الشارح من قوله : « والأفضل جعلهما » إلى آخره بيان مختاره ، لا أنّ المصنّف أيضا يقول بذلك ، بل كان المصرّح به في كلام المصنّف في غير هذا الكتاب هو التقديم والتأخير على نافلة شهر رمضان ، ويكون الظاهر في هذا الكتاب هو التقديم.

ويمكن أن يكون غرضه ظهور البعديّة في عدم الفصل بما لم يثبت إجماع على فصله ، وأمّا غير نافلة شهر رمضان فلم أظهر ( كذا ) خلاف في أفضليّة تقديمه ، فتأمّل.

قوله : ركعة الوتر.

لعلّ النكتة في عدم تقييد ركعة الوتر بقوله : بعدهما أو « بعدها » ، أنّه يجوز فعل ركعة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٥١.


الوتر قبل تمام صلاة الليل إذا تخوف طلوع الفجر بعد ما صلّى أربعا ؛ فإنّه يوتر ويؤخر الركعات حتّى بعضها في صدر النهار ، وأنّه يجوز الإتيان بها بدون صلاة الليل إذا ضاق الوقت عن صلاة الليل ، فإنّه يقتصر حينئذ على الوتر ، فلا يكون وقتها بعد صلاة الليل ، أو بعد ركعتي الفجر دائما ؛ فلذا لم يذكره.

قوله : وحمل.

أي : حمل كلّ من روايات ثلاث وثلاثون ، وتسع وعشرون ، وسبع وعشرون على المؤكّد من النوافل.

قوله : تطوّعا.

إمّا مميّز للخمسين ، أو متعلّق بقوله : « زيادة ».

وتوجيه التعليل : أنّ عدم سقوطها ؛ لأجل أن الوتيرة ليست نافلة منسوبة إلى العشاء حتّى يدلّ تنصيف العشاء على سقوطها ، بل هي زيدت في الخمسين ؛ لأجل تتميم ضعف الفريضة ، فنسبتها إلى الكل على السواء ، فلا يسقط بتنصيف العشاء.

وقوله : « بدل » إلى آخره فاعل لقوله : « ليتم ».

قوله : الإجماع عليه.

الضمير المجرور في قوله : « عليه » راجع إلى قوله : « خلافه ». وفي قوله : « بعدمه » إلى « السقوط » أو إلى « الإجماع ».

قوله : بعد الثنائية إلى آخره

فيصلى ركعتان بتشهّد وتسليم ، ثمّ بتشهّدين والسلام ، ثمّ أربع كذلك.

الفصل الثانى فى شروطها

الاوّل الوقت

قوله : وقت اليوميّة.

بدليل التفصيل الذي يذكره بعد ذلك للوقت ؛ فإنّه مختصّ بها.


وقوله : « مع أن السبعة » كالاعتراض على المصنّف حيث خصّ الوقت باليوميّة مع كون السبعة شروطا لمطلق الصلاة.

وقوله : « في الجملة » متعلّق بقوله : « شروط » أي : هذه السبعة شروط في الجملة لمطلق الصلاة ؛ فإنّ كلّ صلاة تشترط بوقت أيضا وإن لم يكن وقتا مخصوصا ، غير صلاة الأموات ؛ فإن السبعة ليست شرطا لها ، وإن كانت ستّة منها أيضا شرطا لها في الجملة ، فإنّ الطهارة من الحدث والخبث ليست شرطا لها مطلقا.

قوله : فيجوز.

« الفاء » للتفريع ، ومدخولها تفريع على كون السبعة شروطا لمطلق الصلاة في الجملة غير الأموات.

قوله : شرطا.

متعلّق بقوله : « يؤخذ » وليس خبرا للكون ، والمعنى : إلّا أن يؤخذ الشرط كون مطلق الوقت أي : شرط الصلاة وجود مطلق الوقت ، ولمّا لم يحتج ذلك إلى التفصيل فيما ليس له وقت بخصوصه لم يذكر التفصيل إلّا لليوميّة حيث إنّ لها وقتا بخصوصها.

فلفظة « كون » تامّة ، لا ناقصة. ولفظة « ما » في قوله : « وما بعد » مبتدأ ، خبره قوله : « حكم آخر ». والضمير في « ذكره » راجع إلى الوقت من باب إضافة المصدر إلى المفعول ، أو إلى المصنّف من باب إضافته إلى الفاعل وقوله : « مجملا » حال إما عن « الذكر » أو عن « الوقت ». وقوله : « من التفصيل » بيان للموصول أي : والتفصيل الذي بعد ذكر الوقت على سبيل الإجمال حكم آخر ، غير الحكم باشتراط وقت مختصّ باليوميّة.

قوله : لعدم المميّز.

أي : لا يحسن عود ضمير « شروطها » إلى « اليوميّة » ؛ لعدم المميّز في كلام المصنّف لذلك حيث إنّ المذكور قبل الضمير ينحصر باليوميّة مع أنّه ليست قرينة حالية صالحة للتمييز ، لأجل اشتراك الجميع في الشرائط ، أو لعدم مرجّح لذلك واقعا حيث إنّ الجميع مشترك في الشرائط بقول مطلق أي : في الجملة إذا اخذ الشرط مطلقا ؛ فإنّ للجميع شرائط وإن اختلفت في الجملة.


فالمراد بقول مطلق : أي : في الشرط من غير تخصيص بشرط ، وإذا كان الجميع مشروطا بشروط فلا يحسن تخصيص بعضها بذكر شرائطها.

وليس المراد بقول مطلق : أنّه في الجملة إذا أخذ كلّ من الشرائط مطلقا ـ كما قيل ـ لأنّ من الشرائط المذكورة الطهارة ، وهي ليست شرطا في صلاة الأموات مطلقا ، ولو في الجملة.

وكذلك ليس المراد منه : أنّه يقول : لا خلاف فيه ، والوجه ظاهر.

قوله : إلّا أنّ عوده إلى آخره

لمّا ذكر أن الضمير يحتمل رجوعه إلى المطلق وإلى خصوص اليوميّة ، وذكر لكلّ منهما وجه محذورا أراد أن يرجّح الأخير فقال : إلّا أنّ عود الضمير إلى اليوميّة أوفق لنظم الشروط وذكرها وتفصيلها ، حيث إنّه فصّل الوقت ، وليس ذلك التفصيل في غير اليوميّة ، واشترط الوقت وهو غير شرط للطواف والأموات والملتزم إلّا بتكلف وتجوّز بأن يجعل وقت صلاة الطواف بعد الفراغ منه ، ووقت صلاة الأموات بعد التجهيز المعلوم ووقت الملتزم العمر في غير المعيّن ، ووقت المعيّن فيما إذا عيّن. وتكلّفه ظاهر. وأمّا التجوّز ؛ فلأن مصطلح الفقهاء في الوقت المشروط ما كان للوقت المخصوص مدخليّة في الفعل.

فقوله : « وعدم اشتراطه » عطف على « التفصيل » وقرينة ثانية لأوفقية العود إلى اليوميّة لنظم الشروط ، لا أنّه يتمم القرينة الاولى أي : تفصيل الوقت.

ثمّ أقول : إنّ ممّا يدلّ على إرجاع الضمير إلى « اليوميّة » ذكر صلاة الأموات بشرائطها فيما سبق من القبلة وغيرها وكذا قوله : « الفصل الثالث في كيفية الصلاة » ؛ فإنّها في كيفيّة الصلاة اليوميّة فقط ، وكذا قوله : « الفصل الرابع في باقي مستحباتها » ؛ فإنّ منها ما يختصّ باليوميّة ، وكذا التروك التي يذكرها في الفصل الخامس ، وكذا قوله : « الفصل السادس في بقيّة الصلوات ». فتأمّل.

قوله : واختصاص اليوميّة بالضمير إلى آخره

لمّا ذكر أوفقيّة رجوع الضمير إلى اليوميّة لنظم الشروط وأنّه مراد المصنّف ظاهرا


فكان لأحد أن يقول : إنّه يرد على المصنّف : أنّ هذا الاختصاص مع اشتراك الضمير بين رجوعه إلى اليوميّة وإلى الجميع غير جيّد.

فدفع ذلك : بوجود ما يصلح قرينة لتعيين المراد حيث إنّ اليوميّة الفرد الأظهر من بين الصلوات ، والأكمل ثوابا مع ما مرّ من القرائن اللفظيّة.

والضمير في « اشتراكه » راجع إلى « الضمير » لا إلى « الغير » بمعنى : مع اشتراك غير اليوميّة لليوميّة في الشرائط كما قيل.

قوله : وذلك في الظل المبسوط.

احترز به عن الظلّ المعكوس وهو الحادث من المقاييس القائمة على سطح قائم على سطح الافق الواقعة في سطح دائرة الارتفاع الموازية للخط الواقع في سطح دائرة الأفق ؛ فإنّ هذا الظل على عكس الظل المبسوط المسمّى بالمستوي أيضا ، فإذا طلعت الشمس يكون هذا الظل معدوما ، فكلّما زاد ارتفاع الشمس يزيد هذا الظل حتّى إذا انتهت إلى دائرة نصف النهار ، فيكون حينئذ غاية زيادة الظل في ذلك اليوم.

قوله : مخالفا لميل الشمس في المقدار.

أي : مخالفا لميلها عن المعدل في ذلك اليوم سواء كان زائدا أو ناقصا. والظلّ الباقي في نصف النهار حينئذ قد يكون جنوبيا في الشاخص ، وقد يكون شماليّا.

وتوضيح ذلك : أنّ عرض المكان إمّا جنوبي أو شمالي ، وعلى التقديرين يكون ميل الشمس إمّا جنوبيّا أو شماليّا ، وعلى التقادير إمّا يكون الميل ناقصا عن العرض أو زائدا ، فهذه ثمان صور يكون الظل في أربع منها جنوبيا وهي ما إذا كان العرض جنوبيا ، والميل شماليا زائدا أو ناقصا او الميل جنوبيا ناقصا ، أو العرض شماليا والميل شماليا زائدا ، وفي أربع اخرى شماليا ، وهي الأربعة الباقية. ولا يخفى أنّه إذا لم يكن للبلد عرض وكانت الشمس ذات ميل ، أو لم يكن للشمس ميل وكان البلد ذا عرض يكون الحكم كذلك أيضا ، والعبارة قاصرة عن أداء ذلك ، كما لا يخفى.

وكذلك لا يخفى أنّه كان الأولى زيادة قيد آخر وهو أن يقول : أو مختلفا في الجهة.


وقوله : ويعدم الظل أصلا إن كان بقدره.

أى : كان عرض المكان بقدر ميل الشمس في ذلك اليوم.

وقوله : « وذلك » أي : تساوي مقدار عرض المكان لميل الشمس. ويمكن أن يكون إشارة إلى انعدام الظل كما سيظهر وجهه.

وقوله : « في كلّ مكان » إلى آخره خبر لقوله : « ذلك » ويمكن أن يكون الخبر « عند ميلها » إلى آخره والأوّل أولى.

والمراد بالميل الأعظم : غاية بعد منطقة البروج عن معدل النهار وهو بالرصد الجديد المعمول له ثلاث وعشرون درجة وثلاثون دقيقة وسبع عشرة ثانية وهو يكون عند الانقلابين الشتوي والصيفي. وقوله : « عند ميلها » أي : يكون التساوي إذا بلغ ميل الشمس بقدر عرض المكان ، فإن كان العرض مساويا للميل الأعظم يكون إذا بلغ الميل غايته ، وإذا كان أنقص يكون إذا بلغ بقدره ، سواء اتّحدت جهتا الميل والعرض أو [ اختلفت ] ، وإن يتوقّف انعدام الظل على الاتّحاد في الجهة.

قوله : وموافقته له في الجهة.

أي : موافقة الميل للعرض في الجهة : بأن يكونا معا شماليين عن المعدل أو الجنوبيين عنه.

وهذا ليس عطفا على قوله : « ميلها » إن كان قوله : « ذلك » إشارة إلى التساوي ، فإنّه لا شك أن التساوي لا يتوقّف على الاتّحاد في الجهة ، بل يتحقّق مع الاختلاف أيضا.

نعم لو جعل إشارة إلى انعدام الظل يكون عطفا عليه ؛ إذ انعدام الظل لا يكون إلّا مع الموافقة في الجهة ، ولكن جعله إشارة إليه لا يخلو عن شي‌ء ؛ لأنّه لا بدّ حينئذ أن يكون قوله : « وموافقته للجهة » عطفا على « ميلها » وتتمّة لخبر ذلك. فيبقى ما قبله باقيا على الإطلاق أي : يكون انتهاء النقصان مع المخالفة في المقدار ، وانعدام الظل مع التساوي مطلقا ، مع أنّه ليس كذلك ؛ لأنّه قد يتساويان في المقدار ، ولا يعدم الظل ، وهو إذا اختلفت الجهة ، فيجب أن تكون لفظة « الواو » في قوله : « وموافقته » بمعنى : « مع » وتكون تتمّة لقوله : « إن كان بقدره » أي : ويعدم الظل ان [ كان ] الميل بقدر العرض مع موافقة الميل والعرض في الجهة ، فيفهم منه أنّه لا يعدم عند عدم الموافقة في الجهة أيضا.


ويمكن أن يكون هذا تتمّة للخبر ، ويكون « ذلك » إشارة إلى انعدام الظل ، وكان يقيّد ما قبل الإشارة بما سيأتي بعد ذلك من قوله : « كلّ ذلك مع الموافقة في الجهة » بل هذا هو الظاهر ؛ لأنّ قوله : « كلّ ذلك » لا يصلح قيدا إلّا لذلك كما يأتي.

قوله : ويتّفق في أطول أيّام السنة إلى آخره

أي : يتّفق انعدام الظل.

وقوله : « تقريبا » قيد للاتّفاق أي : لا يتفق انعدام الظلّ فيه أيضا حقيقة ، بل تقريبي ؛ وذلك لانّ عرض مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله خمس وعشرون درجة ، فيزيد عن الميل الأعظم بدرجة ، فلا يساوي العرض للميل في أطول أيّام السّنة ، بل يختلفان بدرجة وكسر ، ولكن الباقي من الظل لا يكون محسوسا ، فلذلك قيّد بالتقريب.

قوله : وفي مكّة.

أي : يتفق انعدام الظل في مكّة قبل انتهاء ميل الشمس ، أو قبل انتهاء الأيّام إلى الأطول بستّة وعشرين يوما.

ولا يخفى أنّ عرض مكّة إحدى وعشرون درجة وأربعون دقيقة وهي مساوية لميل الدرجة الثامنة من الجوزاء أو الثالثة والعشرين من السرطان ، ولا شك [ أنّ ] وصول الشمس إلى الاولى قبل الانتهاء ، بأقلّ من ستّة وعشرين بثلاثة أيّام أو أربعة ، وكذلك وصولها إلى الثانية بعده ، فلا يصحّ تعيين ستّة وعشرين. والتوجيه بأنّه تقريبيّ غير صحيح ؛ لمنافاته لقوله : « ثمّ يعدم يوما آخر » ، بل لقوله : « ثمّ يحدث ظلّ جنوبي » مع منع التقريب أيضا.

قوله : تختلف زيادة ونقصانا.

فإن كان البلد شماليا تكون غاية نقصان الظل إذا كانت الشمس في أوّل السرطان ، ثمّ يزيد الظل بانتقال الشمس إلى أن وصلت أوّل الجدي ، فحينئذ غاية زيادة الظل ، ثمّ ينقص شيئا فشيئا إلى الوصول إلى أوّل السرطان وإن كان البلد جنوبيا يكون بعكس ذلك.

ولو قلنا بكون غاية نقصان الظل في المنقلب الصيفي في البلد ، ثمّ ينقص إلى حلول الشمس إلى المنقلب الشتوي فيه يعمّ البلدين.


قوله : وما كان عرضه مساويا للميل.

« اللام » للعهد الذكري. أي : للميل الأعظم.

قوله : صاعدة وهابطة.

المراد : الصعود والهبوط المصطلحين عند علماء الهيئة ، وكونها في النصف الصاعد والهابط ، دون ما هو الظاهر المعتبر بالنسبة إلى سمت الرأس.

قوله : كلّ ذلك مع موافقته في الجهة.

هذا إشارة إلى ما قبل الضابط ، بل ما قبل قوله : « ويتّفق » ؛ إذ ليس بعده ما يصلح لكونه إشارة إليه كما لا يخفى على المتدرب.

قوله : أمّا الميل الجنوبي إلى آخره

لمّا كان الربع المسكون عرضه شماليا وليس بلد جنوبي ، وينحصر العروض بالشمالية فيصير قوله : « مع موافقته في الجهة » في قوة قوله : « مع كون ميل الشمس شماليا » ؛ إذ العرض ليس إلّا شماليّا.

وعلى هذا فيظهر صحّة تعقّبه بقوله : « وأمّا الميل الجنوبي » ، وكذا يظهر صحّة قوله : « من ذي العرض » لأنّ المراد حينئذ : ذو العرض الشمالي. وأمّا ذو العرض الجنوبي فقد يعدم الظل فيه مع الميل الجنوبي.

وقوله : « مطلقا » أي : سواء كان العرض بقدر الميل الكلّي ، أو أزيد أو أنقص.

قوله : لا كما قال المصنّف في الذكرى

ليس عطفا على قوله : « أمّا الميل الجنوبي » كما يوهمه ظاهر العبارة ، بل عطف على ما سبق من ( انعدام الظل إذا كان الميل بقدر العرض ) يعني : أنّ انعدام الظل إذا كان الميل مساويا للعرض ، فيكون ذلك بمكّة وصنعاء قبل أطول أيّام السنة كما سبق ، لا كما قاله المصنّف إلى آخره.

ووجه كون ما ذكره من أقبح الفساد ظهر ممّا ذكرنا.

قوله : وكذا لو دخل.

أي : وكذا تقع العصر صحيحة لو صلّاها ناسيا قبل الظهر لو دخل الوقت المذكور قبل أن يتمّ العصر.


والحاصل أنّ صحّتها موقوفة إمّا على وقوع جميعها في الوقت المشترك أو وقوع بعضها فيه بأن يدخل الوقت المشترك وهو في الصلاة. هذا بناء على ما عليه الأكثر من أنّه لو وقع بعض الصلاة قبل الوقت نسيانا تصحّ الصلاة إذا وقع بعضها الآخر في الوقت.

قوله : مثله أي : مثل ذي الظل.

إنّما حكم برجوع الضمير إلى ذي الظل ، دون الظل نفسه ـ كما هو مذهب بعضهم ـ لأنّه خلاف ظاهر العبارة ؛ لأنّه لا معنى لأن يصير الشي‌ء مثل نفسه ، فلا بدّ من ارتكاب استخدام : بأن يراد من الظل المذكور : الظلّ الحادث ، ومن الظل في المرجع : الظلّ الباقي. مع ضعف هذا المذهب دليلا واستلزامه لاختلاف الوقت في البلاد لاختلاف الظلّ الباقي بحسب اختلاف العروض بل اختلاف الوقت في بلد واحد باختلاف الاوقات لاختلاف الظلّ الباقي باختلاف ميل الشمس.

قوله : بل قيل.

أي : قيل بتعيّن فعل الظهر قبل هذا المقدار بخلاف تأخير العصر فانّه لم يقل أحد بأنّه يتعيّن التأخير بل اتفقوا على جواز فعل العصر قبل هذا المقدار.

قوله : المشرق.

أي : حدّ المشرق ، ومنتهاه قمة الرأس ، أى أعلاه فما لم يتجاوز الحمرة عن أعلى الرأس لم تذهب الحمرة المشرقيّة وإن تجاوزت عن مبادئ المشرق.

قوله : اختيارا.

هذا القيد ليس للاحتراز ، بل لدفع توهّم أنّ الوقت الممتدّ (١) هو الوقت الاضطراري للظهر ـ كما قيل ـ وهو المقابل لأشهر القولين.

قوله : كما يختصّ.

هذا التشبيه يحتمل أن يكون في مجرّد الاختصاص ، وأن يكون فيه وفي سائر ما سبق من ملاحظة حالات المصلّي ، فيكون المراد : أنّ اختصاص العصر من الآخر كاختصاص الظهر من الأوّل ، فيتفاوت بحسب حال المصلّي من القصر والتمام ، والخفّة والبطء ، وحصول الشرائط وفقدها.

__________________

(١) فى الاصل : المبتدأ.


قوله : وإطلاق امتداد إلى آخره

أي : في كلام المصنّف حيث قال : « الظهرين ».

وقوله : « إذ امتداد » إلى آخره تعليل لما يفهم من قوله : « وإطلاق » إلى آخره من أنّه يصحّ هذا الإطلاق بالاعتبار المذكور ، ولا ينافي اختصاص بعض الوقت بالعصر.

والضمير في قوله : « مجموعه » راجع إلى اللفظ الواحد باعتبار معناه.

قوله : من المراتب.

أي : ما بعد القيام كفاقد الجلوس إذا رجا القدرة عليه ، أو فاقد النوم على القفا لفاقده ، وهكذا.

الثانى فى القبلة

قوله : بسبب الزيادة.

أي : بسبب الزيادة فيهما أي : في الجهتين العرفيتين ، وكذا النقصان.

قوله : المشهور جعل الثريّا والعيّوق.

ليس المراد أن يكون الثريّا عند الطلوع مقابلا لليد اليمنى والعيّوق لليسرى لأنّه غير ممكن ؛ لتوقّفه على أن يكون البعد بينهما نصف دور مع أنّه أقلّ بكثير من ربعه أيضا ، بل المراد : أنّ قبلتهم بين مطلعهما بحيث يكون الثريا على جهة اليمين والعيّوق على جهة الشمال.

الثالث ستر العورة

قوله : وهو مورد النص.

أي : سواء كان صبيّا أو صبية.

ويحتمل أن يكون التخصيص لضعف الرواية ؛ ولذا توقّف فيه بعضهم.

قوله : والحق بها المربّي.

أي : الحق بالمربية المربّي ، وبالصبي الولد المتعدّد.


أمّا إلحاق الأوّل ؛ فلاتّحاد [ العلّة ] وهو دفع العسر والحرج. وأما الثاني ؛ فلورود المولود في النصّ الصادق على الواحد والمتعدّد.

وفي الأوّل : منع الاتحاد ؛ لأنّ العسر والحرج بالنسبة إلى المرأة أظهر لضعف حالها. وفي الثاني : منع الصدق ؛ فإنّ شمول المولود للمتعدّد غير معلوم مع تضاعف النجاسة فيه غالبا.

قوله : على جواز الصلاة فيه.

المجرور متعلّق بالإجماع ، أي : جواز الصلاة في هذا الفرض. وفي بعض النسخ : « وعاريا » حتّى يكون الضمير راجعا إلى الثوب ، ولكنّه غير صحيح [ و ] مناف لقوله : « بل الشهرة بتعيّنه » أي : تعيّن العريان ؛ فإنّ الشهرة بتعيّنه ينافي جواز الصلاة في الثوب وعاريا.

قوله : إلّا مع الساق.

أي : إلّا إذا ستر ظهر القدم مع الساق ، فالمراد بالساق معناها الحقيقي.

ويمكن أن يكون المراد منها : معناها المجازي ، وهو ما يستر الساق أيضا ؛ فإنّه يسمّى ساقا مجازا ، فيكون المعنى : فيما يستر ظهر القدم ، إلّا إذا كان مع الساق ، وعلى هذا يكون في الضمير المجرور في قوله : « منه » ارتكاب استخدام.

وقوله : « بحيث » إلى آخره لبيان أنّه لا يجب تغطية جميع الساق ، بل يكفي تغطية شي‌ء منها.

وقوله : « فوق المفصل » ؛ لاخراج ما لو اتصل بما يستر ظهر القدم شي‌ء مغطّ (١) بحيث يستر شيئا من الساق ، لا فوق المفصل ، بل أعلى منه ، ويكون ما بينه وما بين المفصل من الساق مكشوفا ؛ فإنّه لا يكفي في الجواز ، بل يجب أن يكون المستور من الساق فوق المفصل أي : متصلا به.

__________________

(١) فى الاصل : مخيط.


السادس [ فى مبطلات الصلاة ]

قوله : ما تركّب من حرفين.

أي : صوت مركّب منهما. والمراد بالكلام اللغوي : ما يتكلّم به قليلا كان كلمة أو كثيرا.

قال نجم الائمة : « إنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به سواء كان كلمة شاملة على حرف كـ « واو » العطف ، أو على أكثر ، أو كان أكثر من كلمة ، وسواء كان مهملا أو مستعملا مفيدا أو غير مفيد ».

والمراد بالكلام الاصطلاحي : هو المشتمل على الإسناد ، أو هو اللفظ المفيد فائدة يصحّ السكوت عليها ، أو المراد منه : هو الكلمة الموضوعة كما قال به الشارح في شرح الإرشاد.

والمراد بما لم يكن كلاما لغة ولا اصطلاحا : الحاصل من التأوه والانين والنفخ ، بل التنحنح في الأكثر ونحوه ؛ فإنّه لا يقال لمن تنحنح أنّه تكلّم لا لغة ولا اصطلاحا ؛ فإنّ التكلّم والتلفّظ مترادفان فلا يصدق التلفظ على التنحنح وإن حصل منه حرفان فصاعدا كما صرّح به المصنّف فى الذكرى.

ومن هذا يظهر بطلان ما قيل من أنّه لا تحقّق للمركّب من حرفين لا يكون كلاما لغة.

قوله : وإن أخطأ.

المستتر فيه راجع إلى المتكلّم. و « الباء » في قوله : « بحذف » سببيّة.

قوله : لاشتماله على حرفين فصاعدا.

الصعود يتحقّق بكثرة المد. والمراد باشتماله على حرفين اشتماله على قدر حرفين فصاعدا ، فلا ينافي القول بأنّه في حكم ما تركّب من الحرفين.

قوله : ويشكل.

أي : يشكل ما ذكروه من تعريف الكلام وإلحاق حرف المد : بأنّ النصوص خالية عن هذا الإطلاق أي : إطلاق ما تركّب من حرفين فصاعدا ، بحيث يشمل ما لم يكن كلاما لغة


واصطلاحا ، فلا أقل من وجوب الرجوع إلى اللغة أو الاصطلاح بناء على الخلاف في تقديم كلّ من اللغة والعرف على الآخر.

وبأنّ حرف المدّ لا وجه لإلحاقه ؛ لأنّه وإن طال مدّه لا يخرج عن الحرف الواحد.

فقوله : « وحرف المد » عطف على قوله : « النصوص ». ويكون هنا اشكالان : أحدهما على تعريف الكلام ، والآخر على إلحاق حرف المد ومعنى قوله : « وذلك لا يلحقه بالكلام » أنّ مطّ الحرف والنفس به لا يوجب إلحاق الحرف الممدود بالكلام المعرف أي : الحرفين.

وقيل : يمكن أن يكون الاشكال مختصّا بإلحاق حرف المد ، ويكون المعنى : ويشكل ما ذكر من كون حرف المد مبطلا وكونه في حكم الحرف الواحد : بأنّ النصوص خالية عن هذا الاطلاق أي : إطلاق الكلام على حرف المد ، وإطلاق بطلان الصلاة بكلّ صوت حتّى يشمل حرف المدّ أيضا ، فلا بدّ من الرجوع إلى الكلام اللغوي أو الاصطلاحي أي : اصطلاح الفقهاء وهو ما مرّ من أنّه ما تركّب من حرفين فصاعدا ، وحرف المدّ وإن طال مدّه لا يخرج عن الحرف الواحد ؛ لأنّ المدّ زيادة في المطّ لا توجب إلحاق الممدود بالكلام الاصطلاحي الذي هو المركّب من الحرفين.

أقول : يخدش هذا الوجه بأنّ الزيادة في المطّ لا يلحقه بالكلام الاصطلاحي. وأما الكلام اللغوي فقد عرفت أنّه يصدق على الحرف الواحد ولو لم يكن فيه مطّ أيضا.

وقد سلّم أنّه لا أقلّ من الرجوع إلى اللغوي أو الاصطلاحي ، فيجب الاكتفاء به ، ولا يرد الإشكال ، فالصواب ما ذكرناه.

قوله : والعجب أنّهم جزموا إلى آخره

المراد بالحكم الأوّل : أنّ الكلام الذي عرّفه مبطل مطلقا أي : سواء كان كلاما لغويا أم لا.

وقوله : « من حيث » متعلّق بقوله : « توقّفوا » أي : توقّفهم من هذه الحيثيّة.

وقوله : « مع أنّه كلام لغة واصطلاحا » اعتراض عليهم. والمعنى : أنّ العجب من القوم


أنّهم حكموا ببطلان الصلاة بسبب الحرفين مطلقا ، وإن لم يكن كلاما لغة واصطلاحا ، وتوقفوا في الحرف المفهم مع كونه كلاما لغة واصطلاحا.

قوله : من التنحنح.

قد يقال : إنّ ما ذكره هاهنا مناف لما ذكره سابقا ؛ لأنّه ذكر سابقا أنّ المصنّف والجماعة ذهبوا إلى أنّ الكلام المبطل هو مركّب من حرفين ولو لم يكن كلاما لغة واصطلاحا ، ومقتضاه البطلان به وبمثل الحرفين الحاصلين من التنحنح ونحوه ، بل بكلّ ما لم يكن كلاما لغويا ولا عرفيا أيضا ؛ إذ لا يكون موضوعا ومقتضى ما ذكره هنا وجود الخلاف في البطلان بما تركّب من حرفين ولم يكن كلاما لغويّا ولا اصطلاحيّا.

ويمكن أن يقال : إنّه يمكن أن يحصل من التأوّه والانين والنفخ ، بل التنحنح حرفان موضوعان لمعنى ، فلا منافاة ؛ إذ لا يلزم حينئذ أن يكون كلّ ما ليس بكلام لغويّ ولا اصطلاحى غير موضوع ، وأمّا ذكر التنحنح ؛ فلانّ الغالب عدم حصول الحرفين الموضوعين منه ، فذكره بناء على الغالب.

ويكون قوله : « وقطع العلّامة إلى آخره » حكما على حدة ، لا من تتمّة مسألة اشتراط كون الحرفين موضوعين ، ويكون المعنى : أنّ العلّامة قطع بكون التنحنح ونحوه حين عدم إفادة المعنى غير مبطلين ؛ إذ لا يكون حينئذ كلاما أصلا.

ويمكن أن يقال أيضا : إنّ ما ذكره سابقا إنّما كان مختار المصنّف وجماعة كما ذكره ، وما يذكره هنا بيان شي‌ء آخر ، وإن يترتّب عليه أن كلّ من قال بالأوّل فيقول هنا بعدم اعتبار الوضع ، وأمّا غيره فقد يعتبره ؛ بل قد ينفي عن غير الموضوع الكلاميّة كالعلامة ، فتأمّل.

قوله : في المجتمع.

المراد بالمجتمع هاهنا : هو كلّ واحد من تلك الأفعال الحاصل من اجتماعها الفعل الكثير الذي هو المجتمع ، فالمجتمع هو المجموع [ و ] المجتمع منه هو كلّ واحد.

فالضمير المجرور في قوله : « منها » راجع إلى « ال » الموصول في لفظ « المجتمع » والتأنيث باعتبار تعدّد المراد من الموصول.


ومن هذا يظهر أنّه لا حاجة إلى تفسير المجتمع منها بالمتوالي منها ؛ لأجل حصول الكثرة للمجتمع منها كما قيل. فإنّ مراد الشارح حصول الوصف بما يدلّ عليه (١) « اللام » الموصولة ، لا بمدخولها.

قوله : كلبس العمامة.

الظاهر أنّ المراد بلبس العمامة : أخذ العمامة الملفوفة من الأرض ووضعها على الرأس ، لا لفّ العمامة ، لأنّه قد يصير فعلا كثيرا.

قوله : وهو ما اشتمل منه.

الضمير المجرور راجع إلى البكاء الممدود مع إرادة المقصور منه ، ففي الكلام استخدام.

وقوله : « مع احتماله » أي : احتمال خروج الدمع في كونه مبطلا ، والمراد بالاحتمال :الاحتمال الواقعي دون الظاهري أي : الحكم الظاهري لنا المستنبط من الأدلّة التي في أيدينا هو الأوّل ، ولكن لا يقطع بأنّ هذا حكم الله الواقعي بل يحتمل أن يكون المبطل في الواقع هو خروج الدمع.

فالمراد من الاحتمال : الاحتمال المرجوح لأجل الأدلّة ، وسنذكر وجه حمل الاحتمال على ذلك.

وقوله : « لأنّه » تعليل لذلك الاحتمال. وقوله : « والشك » مجرور على العطف على مدخول « لام » التعليل ، أو مرفوع على كونه مبتدأ خبره محذوف أي : والشك حاصل إلى آخره أو كون الظرف خبره. وقوله : « أو ممدوا » من تتمّة التعليل المذكور أي : وذلك الاحتمال ؛ لأنّ خروج الدمع هو البكا المقصور والشك حاصل في كون الوارد من لفظ « البكا » في النص هو المقصور أو الممدود ، فهو محتمل لهما ، فيثبت الاحتمال المدّعى. وقوله : « وأصالة عدم المد » مبتدأ خبره « معارض ». وهو جواب عن سؤال مقدّر تقديره :أنّه لم حكمت بكون إبطال خروج الدمع احتمالا مع وجود الشك في النص الوارد وأصالة عدم المدّ؟

__________________

(١) فى الاصل : بما يدل على علّية اللام.


فأجاب : بأنّ هذا الأصل معارض بأصالة صحّة الصلاة ، فيتكافى الاحتمالان ، ثمّ للاوّل أصل آخر وهو أصالة عدم كون البكا المقصور مبطلا ، وهو المراد بقوله : « فيبقى الشك في عروض المبطل » ، ولا معارض لهذا الأصل فتبقى الصحة راجحة.

ومن هذا ظهر وجه حملنا الاحتمال على الواقعي ؛ لأنّه بعد بيان وجه الاحتمال وردّ مرجّحه حكم بترجيح الاحتمال الأوّل ، فلا يكون الثاني احتمالا ظاهرا لوجوب الأخذ بالراجح ظاهرا.

ويحتمل أن لا يكون قوله : « والشك » إلى آخره من تتمّة التعليل ؛ بل كان التعليل هو قوله : « لأنّه البكا مقصورا » فقط وكان تتمة التعليل ساقطا ؛ لوضوحه أو دلالة ما بعده عليه ، ويكون « والشك » مبتدأ وقوله : « وأصالة » عطف عليه ، وقوله : « معارض » خبر المبتدأ. وعلى هذا يكون قوله : « والشك » ابتداء السؤال المذكور.

ويحتمل أن يكون قوله : « لأنّه » تعليلا لقوله : « لا لخروج الدمع » أي : ونفي إبطاله لأنّه البكا مقصورا مع الشك في أنّ الوارد في النص هو المقصور أو الممدود ، فيجب الأخذ بالمتيقّن ، وهو إبطال الممدود وترجيح المقصور بأصالة عدم المد. وعلى هذا فلا يكون دليل الاحتمال الثاني مذكورا.

قوله : فيبقى الشك في عروض المبطل.

قيل ما حاصله : إن أصالة صحّة الصلاة ليست إلّا باعتبار عروض الشك في المبطل وعدم كون المقصور مبطلا فهذا ليس أصلا آخر.

أقول : أصالة صحّة الصلاة هو استصحاب الصحّة السابقة ، والأصل الثاني هو أصالة عدم كون المقصور مبطلا ، والأوّل استصحاب حال الشرع ، والثاني استصحاب حال العقل ، وبينهما بون بعيد.

نعم يرد الإشكال فيما إذا دخل في الصلاة باكيا ، فإنّ استصحاب الصحّة حينئذ منتف ، فيبقى الأصلان متعارضين.

قوله : بحائل.

مثل أن وضعت إحدى اليدين على كم الآخر حال كون الكم عليها.


والضمير المجرور في قوله : « عليه » راجع إلى « الكف » أي : يوضع الكف على الكف بأن يجعل باطن أحدهما على ظاهر الآخر أو على باطنه ، أو ظاهره على ظاهره.

قوله : إمّا لمنافاتهما.

أي : كونهما أمرين منافيين للصلاة ، فيكون الإتيان بهما إعراضا عن الصلاة ، فيخرج بهما عنها ، كما إذا نوى قطع الصلاة على قول قوي.

قوله : إذ لا دليل على أصل المنافاة.

هذا تضعيف للدليل الأول. وأمّا الثاني ، فلم يذكر وجه ضعفه اكتفاء بما مرّ من أنّ العدد لا عبرة به في تحقّق الفعل الكثير ، وظاهر الاستدلال اعتبار العدد ، كما لا يخفى.

قوله : إذا لم يستدع إلى آخره

أي : لم يستدع شرب الماء أمرا منافيا للصلاة غير الشرب كمشي كثير ، أو طلبه بقول ، ونحوهما.

والحاصل أنّ جواز شرب الماء فيه مشروط بشرطين : أحدهما : عدم استدعائه فعلا منافيا. وثانيهما : خوف فجأة الصبح قبل إتمام غرضه ، فلو ظنّ أو علم بقاء الوقت لم يجز. والمراد بقوله : « قبل إكمال غرضه منه » ـ أي : من الوتر ـ أنّه إذا لم يف الوقت للوتر بجميع آدابه من الاستغفار والدعاء والعفو وغيرها ، ولكنّه لم يكن غرضه الإتيان بجميع الآداب ، بل أراد الاكتفاء بقنوت مختصر وكان الوقت وافيا به ... لمناط مراعاة هذا الوقت ... والحاصل أنّ المناط وقت ما يريد.

قوله : فإنّ ذلك.

أي : اشتراط الترك يقتضي كون تركها مكلّفا به لأنه على هذا يكون تركها شرطا للصلاة.

والمراد : اشتراط صحّتها أو وجودها به ، فلا يتحقّق الصلاة الصحيحة أو مطلق الصلاة إلّا بهذه التروك وهو مكلّف بالإتيان بالصلاة الصحيحة المتوقّفة على هذه التروك ، فيكون مكلّفا بالإتيان بهذه التروك أيضا.

لا يقال : قد لا يكون الشرط مكلّفا به كالاستطاعة للحج ، والنصاب للزكاة.


لأنّا نقول : إنّ مثل هذين الشرطين شرط للوجوب ، وهو ليس مكلّفا به قطعا ، وهذه التروك ليست شروطا للوجوب ، بل للوجود أو الصحّة ، والحاصل أنّ هذه التروك لكونها شروطا مقدمات للواجب المطلق ، ومقدّمة الواجب المطلق واجب.

فإن قيل : سلّمنا أنّ التكليف متوقّف على الذكر ، ولكن اللازم منه عدم كون الناسي مكلّفا به حال النسيان ، وذلك لا ينافي تكليفه بعد التذكّر بالإعادة. ألا ترى أنّ الوضوء شرط لصحّة الصلاة ولو نسيه المصلّي يجب عليه إعادة الصلاة بعد الذكر ؛ ولذا قيّد الشارح عدم تكليف الناسي بقوله : « ابتداء ».

قلنا : لا شك أنّ الإعادة تكليف زائد يتوقّف وجوبها على دليل ، ولا دليل هناك بخلاف الوضوء.

والحاصل : أنّ الثابت من الأدلّة ليس إلّا وجوب هذه التروك ، ولا شكّ أنّه مختص بحال الذكر ، فلذا ينهى عنه ، بخلاف حال النسيان ؛ فإنّه لا تكليف حينئذ ، فلا وجوب ، والأصل صحّة الصلاة وعدم وجوب الإعادة ؛ لعدم دليل على شي‌ء منهما ( كذا ).

قوله : صورة.

لا يخفى أنّ الفعل الكثير على ما فسّره الشارح يستلزم انمحاء صورة الصلاة مطلقا ، إذ ليس معنى انمحائها إلّا كون المصلّي بحيث لا يعد في العرف مصلّيا ، فلا وجه للتفصيل.

الفصل الثالث في كيفية الصلاة

قوله : من المقدمات.

يمكن أن يراد بالمقدّمات هنا : معناها اللغوي أي : من الآداب والسنن المتقدّمة على الصلاة. ويمكن أن يراد منها معناها العرفي أي : الشرط أو السبب ، وذلك لأنّهما شرطان لكمال الصلاة أيضا.

وقوله : « غالبا » للاحتراز عن صورة اكتفاء الجماعة الثانية بالأذان وإقامة الجماعة الاولى ، أو الداخل بين صلاة الجماعة عند بقاء الصفوف أو من يضيق الوقت عليه أو لعدم بطلانهما بما يتخلل نادرا من الكلمات الواقعة لمصلحة الصلاة ، والمراد بنحو الكلام : النوم والحدث والسكوت الطويل.


وقوله : « وكونها أحد الجزءين » بيان لجعل الأذان من الكيفيّة ، مع أنّ ما مرّ دلّ على كون الإقامة خاصّة جزءا والمعنى : أنّ مقارنة الإقامة وكونها واحدا من الأذان والإقامة وأحد الجزءين من هذا المجموع يوجب مقارنة الأذان أيضا ؛ لأنّ مقارنة الجزء توجب مقارنة الكلّ عرفا أيضا.

قوله : على التحقيق.

من أنّ النيّة شرط للصلاة. وخلافه قول من ذهب إلى أنّها جزء منها وركن فيها.

قوله : ينويهما أوّلا.

أي : ينوي أنّه يأتي بالأذان والإقامة قربة إلى الله سبحانه.

وقوله : « لأنّهما عبادة » تعليل لاشتراط النيّة فيهما. وتوضيح التعليل : أنهما ـ أي :الأذان والإقامة ـ عبادة ، وكلّ عبادة من لوازمها أن يترتّب عليها ثواب ، لأنّ العبادة لا يخرج عن الواجب والمستحب ، ولا يخلو شي‌ء منهما عن الثواب ، وترتّب الثواب على الفعل لا يكون إلّا بعد النيّة ، فتحقّقها موقوفة على النيّة.

وممّا ذكرنا يندفع ما يتوهّم من حزازة العبارة من حيث إنّ المصنّف علّل اشتراط النيّة بكونها عبادة ، ثمّ فرّع عليه افتقار الثواب إلى النيّة ، فالتفريع لا يدلّ إلّا على أنّ ترتّب الثواب عليهما مشروط بالنيّة ، لا أنّهما مطلقا مشروطان بها. على أنّ تفريع افتقار الثواب إلى النيّة على كونهما عبادة لا يخلو عن شي‌ء لعدم الاحتياج في ذلك إلى كونهما عبادة ، فإنّ ترتّب الثواب على كلّ فعل موقوف على النيّة.

وتوضيح الدفع : أنّ المراد بقوله : « لانهما عبادة » أنّ الأذان والإقامة المستحبّين في الصلاة لا بدّ وأن يكونا عبادة ، أو اريد فعلهما عبادة ، فيفتقر في تحقّقها إلى تحقّق جميع لوازم العبادة ومنها الثواب المفتقر إلى النية ، فيفتقر إلى النيّة. فلم يفرع افتقار الثواب إلى النيّة على كونها عبادة ، بل فرّع الافتقار إلى النيّة من حيث ترتّب الثواب على لزوم كونهما عبادة ، فيندفع المحذور الثاني ، والتفريع يدلّ على أنّ لازم العبادة موقوف على النيّة وبعد لزوم كونهما عبادة يثبت الافتقار إلى النيّة ، فيندفع الأوّل أيضا ، فافهم.


قوله : فما كلّ واقع.

لفظة « ما » نافية. وقوله [ حقا ] حال عن الوقوع ، وقوله : « يجوز » منفي أي : ليس أن يجوز إدخال كلّ ما يقع حقّا في العبادات.

وقوله : « الموظّفة » وصف توضيحي ؛ لأنّ كلّ عبادة تكون موظّفة لا محالة. وقوله :« المحدودة » وصف احترازي عن العبادات الغير المحدودة أي : غير المعيّنة قدرها كالذكر ؛ فإنّه لا يبطل بإدخال بعضه في بعض.

قوله : من وضع المفوّضة.

سميت بالمفوضة ؛ لقولهم بأنّ الله سبحانه فوّض أحكامه وأمر عباده إلى النبي والأئمة عليهم‌السلام.

والمراد بالغلاة هنا : المفرطون في حقّهم ، لا القائلون بربوبيّة بعضهم ، كما هو المصطلح.

قوله : أو رفعهما.

أمّا النصب فعلى حذف العامل مثل : احضر الصلاة أو أدرك أو غيرهما. وأمّا الرفع فعلى حذف الخبر مثل : الصلاة جامعة أو حاضرة ، أو حذف المبتدأ مثل هذه الصلاة.

والتفريق أن يقرأ أحدهما مرفوعا والآخر منصوبا. وإنّما خصّ بالأوّلين للبناء على أنّه لا يجوز الوقف بالحركة ، فتكون الأخيرة التي يسكت عليها ساكنة.

قوله : مطلقا.

قيد لقوله : « واستحبابهما ثابت » أي : ثابت مطلقا في الجهريّة والإخفاتية ، وإنّما أخّره لمناسبته مع قول المصنّف : « ويتأكّدان في الجهرية ».

ويمكن على بعد أن يكون قيدا لقوله : « عنهم » أي : المصنّف فسّر بهذا التفسير عن القائلين بالوجوب بأجمعهم ، وإن كان المصرّح به الشيخ فقط.

قوله : العامد دون إلى آخره

هذا مذهب الشيخ في النهاية ، وذهب العلّامة في القواعد إلى عكس الذي اختاره المصنّف أي : يرجع الناسي دون العامد.

[ و ] أطلق الشيخ في المبسوط القول بالاستئناف ما لم يركع.


قوله : ويرجع أيضا.

هذا عطف على قوله : « تداركهما » لا على قوله : « يرجع » أي : كما يرجع لهما ما لم يركع يرجع للإقامة فقط أيضا كذلك.

قوله : وكذا يسقطان.

أي : يسقط الأذان والإقامة عن المنفرد الذي يريد الصلاة في موضع صليت فيها جماعة ولم يفرّق الجماعة بالمعنى المتقدّم. ووجه الأولويّة للسقوط هنا : أنّ تأكّد الأذان والإقامة في الجماعة أكثر وأشدّ حتى قيل بوجوبهما فيها ، فإذا سقطا عن الجماعة اللاحقة فيسقطان عن المنفرد اللاحق بطريق أولى ، ومع ذلك يشمل إطلاق الأخبار المنفرد أيضا.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان الثاني جماعة أو منفردا.

قوله : ويشترط إلى آخره

يعني : يشترط في سقوط الأذان والإقامة عن الجماعة الثانية أو المنفرد اللاحق اتّحاد صلاة اللاحق للصلاة السابقة في الماهيّة كان يكونا معا صلاة الظهر ـ مثلا ـ أو العصر سواء اتّحد الوقت كأن يكونا معا في وقت الظهر ، أو يتغايرا في الوقت كأن يصلي الجماعة الاولى العصر ـ مثلا ـ ولم يتفرّق الصفوف حتّى دخل المغرب ودخل اللاحق في المغرب قبل شروع الاولى في صلاة المغرب وأراد قضاء صلاة ظهره ( كذا ).

أو اتّحاد الوقت وإن تغايرت الصلاتان كأن يكون الوقت وقت الظهر وكانت الجماعة الاولى للظهر مثلا والثانية يريدون صلاة العصر لفعلهم الظهر في غير هذا الموضع.

وقوله : « والمكان » عطف على « الصلاتين » أي : يشترط اتّحاد المكان لا على « الوقت » حتّى تدخل عليه لفظة « أو » أيضا.

وقوله : « عرفا » قيد للمكان أي : يشترط اتّحاد المكان في العرف كمسجد واحد أو بيت واحد ، ولا يشترط اتّحاد المكان حقيقة : بأن يصلّي الثانية في عين المكان الاولى.


قوله : وظاهر الإطلاق.

يمكن أن يكون المراد بالإطلاق : إطلاق كلام المصنّف هنا ، ويمكن أن يراد إطلاق الأخبار.

والظاهر الأوّل ؛ لأنّ أكثر الأخبار الواردة في المقام مقيّد بالمسجد.

قوله : ولا يشترط العلم.

لا يتوهّم تناقض ذلك مع ما سبق من قوله : « فوجدت جماعة اخرى قد أذّنت وأقامت » حيث يدلّ على اشتراط الأذان والإقامة ؛ لأنّه لا يدلّ على الاشتراط ، بل على أنّهما يسقطان إذا وجدهم أذّنوا وأقاموا ، فلا ينافي السقوط في غيره أيضا.

قوله : عن الثانية مطلقا.

أي : سواء لم يعلم إهمال الجماعة الاولى ، أو علم إهمالها أيضا.

قوله : ولو جوازا.

متعلّق بقوله : « جامع » أي : ولو جامع جمعا جائزا غير مستحب ، كما في غير المواضع الثلاثة المتقدّمة ، فإنّ الجمع فيه جائز ، وإن كان التفريق مستحبا ؛ لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويحتمل على بعد تعلّقه بقوله : « ويسقط » أي : يسقط في الثانية في كلّ جمع ، فلا يؤذّن للثانية ولو كان بعنوان الجواز أي : كان سقوطه رخصة لا عزيمة كما قيل مطلقا ، وكما قيل في المواضع الثلاثة المتقدّمة.

قوله : ربّما قيل بكراهته.

لا تنافي بين ذلك وبين ما مرّ من قوله : « استنادا إلى عدم وقوفه فيه على نصّ ولا فتوى » ؛ لعدم دلالة قوله : « ربما قيل » على وجود القائل.

قوله : فيما لا إجماع.

إنّما خصّ بما لا إجماع على استحبابه مع أنّه لو تحقّق الإجماع على الإباحة أو الكراهة أيضا لم يمكن الحكم بالتحريم ؛ لأنّ ما يظن فيه تحقّق الإجماع هو الاستحباب ، وأمّا الإباحة أو الكراهة فعدم الإجماع عليهما قطعي ، أو لأنّ الأذان عبادة لا يكون إلّا حراما أو مستحبّا ، فلا يمكن الإجماع على غيرهما ، والرخصة والكراهة فيه أيضا متضمّن للاستحباب ؛ لأنّه ليس إلّا بمعنى المرجوحيّة الإضافيّة أو أقلية الثواب فتأمّل.


قوله : فأضعف.

أي : أضعف من احتمال الكراهة أو الجزم بانتفاء التحريم.

وتوضيح ما ذكره دليلا للأضعفية : أنّ الأذان عبادة مخصوصة وهو غير سائر العبادات ، وأصل شرعيّته للإعلام وبعضه ذكر وبعضه غير ذكر.

ولا يمكن أن يقال : إنّ الأذان في تلك الصلوات إنّما هو على مقتضى الأصل ، وإلّا لم يتأد وظيفته بإيقاعه سرّا كما في النساء ولا أن يقال : إنّه ذكر لاشتماله على ما ليس بذكر وهو الحيعلات ، فلا بدّ وأن يكون قسما ثالثا أي : أمر آخر وراء الإعلام والذكر.

أقول : لا يخفى أنّ هذا إنّما يرد على المصنّف لو كان أراد بالقسمين ما ذكره الشارح أي : أذان الإعلام وأذان الذكر ، ولكنّه قسّمه إلى أذان الإعلام وأذان الذكر والإعظام أي :أذان يحصل به الذكر وإعظام الصلاة ، ولا شكّ أنّه يكفي في ذلك كون بعضه ذكرا والباقي للإعظام ، ولا يتوقّف على كون جميع فصوله ذكرا كما لا يخفى.

قوله : فانّه لغة عربيّة.

الضمير راجع إلى « التسكين ». وهذا تعليل لأولويّة التسكين عند ترك الوقف من الإعراب أي : وجه أولويّته : أن التسكين مع عدم الوقف ليس مخالفا للغة العرب حتّى يجب تخصيص ترك الإعراب بالوقف ، بل هو أيضا لغة عربيّة جائزة ، فيساوي بحسب اللغة مع الإعراب ، بل الوقف ، مع زيادة ترجيح له على الإعراب ، وهو أنّ الإعراب مرغوب عنه شرعا ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : « الأذان والإقامة مجزومان » (١) وفي خبر آخر :« موقوفان ». (٢)

قوله : تماميّة الجملة.

أي : الجملة المأمور بها في الأذان كالتشهد ؛ فإنّه إنّما تمّ إذا تحقّق جميع أركانه ومنها المشهود به ، وكذا غير التشهّد من الفصول.

قوله : الراتب يقف على مرتفع.

لا يخفى أنّه كلام لا وقع له (٣) يعنى : غير الراتب من المؤذّنين يقتصر عن الراتب في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩.

(٣) لوقوعه بين المعطوف عليه والمعطوف. كذا فى هامش النسخة.


رفع الصوت أي : رفع صوته أقلّ ممّا يرفعه الراتب ، وفي الارتفاع فيؤذّن في مكان منخفض من مكان الراتب ، أو يقتصر أي : يكتفي بالراتب في الأذان ، فتكون لفظة « عن » بمعنى : « الباء » ، اوتي بها لمراعاة لفظ الاقتصار. كلّ ذلك لمراعاة جانب الراتب ؛ فإنّها مندوب إليه حتّى يقال بكراهة سبق غير الراتب من الراتب في الأذان يعني : يستحبّ أن لا يؤذّن غير الراتب قبل الراتب ، بل يؤخّر أذانه عن أذانه ، إلّا إذا فرّط الراتب في الأذان بسبب التأخير ؛ فإنّه لا بأس بالسبق حينئذ.

قوله : جلوس وزيادة.

المراد بالزيادة في قوله : « جلوس وزيادة » أي : زيادة على الجلوس ؛ لأنّ في السجود يجلس ، ثمّ يسجد ، فهو جلوس ثمّ سجود. أو لأنّ هيئة السجود يشتمل على الجلوس وهو وضع الركبتين على الأرض ، وزيادة هو وضع الجبهة عليها أيضا ، فيتحقّق في السجدة الجلوس. مع أنّ الزيادة التي في السجدة تشتمل على مزيّة أي : فضيلة زائدة على أصل الجلوس ، وهي التذلّل والانكسار بوضع الجبهة على الأرض. أو مع أن السجدة تشتمل على مزيّة زائدة على الجلوس.

وكيف كان فإدخال السجدة في الجلوس لما ذكر محلّ نظر ؛ فإنّ تحقّق الجلوس في السجدة ، ممنوع ، بل الجلوس هو ما يسمّى جلوسا عرفا ، ولا يقال للساجد إنّه جالس واشتمال السجدة على فضيلة زائدة لا يوجب قيامها مقام الجلوس شرعا ، إلّا بدليل شرعي.

قوله : وقد ورد.

وهو ما روي عن الصادق عليه‌السلام : « افصل بين الأذان والاقامة بقعود أو كلام أو تسبيح ». (١)

قوله : أمّا السكتة فمروية.

أمّا رواية السكتة فما روي عن الصادق عليه‌السلام : « بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب ؛ فإنّ بينهما نفسا ». (٢)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٨.


وأمّا الجلسة فما روي عن الصادق عليه‌السلام أيضا : « من جلس بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله ». (١)

وقوله : « وأمّا الخطوة فكما تقدّم » أي : لم يجد بها المصنّف في الذكرى حديثا لكنّها مشهورة.

قوله : غير الحكاية.

بدل عن « الكلام » أي : ويقطع كلّ كلام غير الحكاية أي : لا يتكلّم بكلام غيره ، وإن كان قراءة.

قوله : والشرط.

أي : مقدّم ذاتا ، فإنّ الشرط ما يتوقّف وجود المشروط على وجوده ، فلا يمكن تحقّق المشروط بدونه ، فيكون مقدّما ذاتا ، وإن لم يتقدّم وجودا.

قوله : ففي البعض.

ولو تمكّن في بعض مطلقا يجعله متصلا بالركوع حتّى يدخل إلى الركوع من القيام.

قوله : فإن عجز عنه.

لا يخفى أنّ القيام هنا أعمّ من الانتصاب والانحناء ، وإن كان الانتصاب مقدّما على الانحناء وجوبا ، فلا يرد أن بعد العجز عن القيام يتعيّن الانحناء وبعده يجب القعود.

قوله : مستقلا كما مر.

أي : من غير استناد إلى شي‌ء بحيث لو أزيل سقط.

الفصل الرابع في باقي مستحباتها

قوله : ويستحبّ القنوت.

القنوت لغة : الخضوع لله والطاعة والدعاء. ويراد به هنا : الدعاء في موضع مخصوص من الصلاة بوضع خاص.

ومنهم من قال : دعاء مخصوص في موضع مخصوص من الصلاة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٩.


وفيه : أنّه لا يشترط في القنوت خصوصيّة في الدعاء.

والقائل بوجوبه ابن بابويه ، والأكثر على الاستحباب.

قوله : وإن كان مسبوقا.

أي : وإن كان المأموم مسبوقا بالإمام : بأن يكون وصول المأموم بعد دخول الإمام في الركعة الثانية فيأتم ، فإنّه يتابع الإمام حينئذ في القنوت وإن كان المأموم في الركعة الاولى.

قوله : بدعاء أو ذكر.

الفرق بين الذكر والدعاء إما أنّ الدعاء ما جرى على اللسان ، والذكر ما يكون بالقلب ، أو أنّ الدعاء ما يتضمّن طلب حاجة دنيويّة أو اخرويّة والذكر ما يدلّ على تقديس الله سبحانه وتمجيده والثناء عليه.

الفصل الخامس في التروك

قوله : أو دعاء.

يمكن أن يكون مجرورا عطفا على « الحمد » أي : أو عقيب دعاء ، ويكون ذكره عقيب « الحمد » لقول العامّة بوجوبه بعدها وذكره عقيب الدعاء لمناسبته له حيث إنّه بمعنى :« استجب » وأن يكون منصوبا عطفا على « عقيب » أي : يجب ترك التأمين وإن كان دعاء بمعنى : « استجب » ، ويجوز قراءة الدعاء في الصلاة.

الفصل السادس في بقية الصلوات

قوله : لكثرة عوائد الله إلى آخره

هذان تعليلان لتسمية العيد عيدا ، فعلى الأوّل يكون مشتقّا من العود بمعنى : النفع. وعلى الثاني من العود بمعنى : الرجوع.

ولفظة « الواو » في قوله : « وعود السرور » يكون بمعنى : « أو » ، ويمكن أن تكون باقية على معناها أيضا حتّى يكون المراد : كون كلّ من الوجهين سببا للتسمية.


ويمكن على بعد أن يكون المجموع علّة واحدة للتسمية ويكون العود بمعنى :الرجوع ، ويكون قوله : « لكثرة عوائد الله » تمهيد مقدّمة لبيان عود السرور والرحمة ، ويكون ذكر لفظة « العوائد » لمراعاة المناسبة اللفظي.

قوله : وجمعه إلى آخره

مبتدأ خبره إمّا قوله : « غير قياس » أو قوله : « على أعياد ». فعلى الأوّل هذا جواب لسؤال مقدّر تقديره : أنّه لو كانت ياؤه منقلبة عن « الواو » لزم أن يكون جمعه « أعواد » دون « الأعياد ». فأجاب عنه : بأنّ جمعه على « أعياد » غير قياس.

وعلى الثاني يكون تحقيق مقام ويكون قوله : « غير قياس » حالا عن جمعه.

قوله : يرد إلى الأصل.

يمكن أن يكون مبنيّا للفاعل ، ومبنيّا للمفعول.

قوله : التخيير هنا.

إذ ليس معه فرد آخر يتصوّر التخيير بينه وبينها ، فلو وجبت لوجبت عينا.

ولا يخفى أنّه لقائل أن يقول : إنّ عدم إمكان التخيير هنا لا يوجب كون صلاة العيد كصلاة العيدين (١) عند اختلال جميع الشرائط العينيّة والتخييريّة ؛ لاحتمال وجوبها عينا حين اجتماع شروط الجمعة التخييريّة أيضا.

والحاصل : أنّ حين شروط الجمعة التخييريّة يكون لصلاة العيد احتمالات ثلاثة الوجوب العيني والتخييري وكونه كحال اختلال الشرائط ، وعدم إمكان الثاني يعيّن أحد الطرفين دون الأخير حتّى يصلح تقليلا ( كذا ) له ، إلّا أن يقال : إنّ نظره إلى ما صرّح به جمع من الأصحاب من عدم القول بالوجوب العيني لصلاة العيد في حال الغيبة ، فيكون انتفاء الاوّل ظاهرا.

قوله : والخطبتان.

عطف على المستتر في قوله : « تجب » أي : وتجب الخطبتان بعدها.

ويمكن أن تكون « الخطبتان » مبتدأ خبره قوله : « بعدها » ، ويكون « اللام » فيها للعهد

__________________

(١) كذا ولعلّ الصحيح : كصلاة الجمعة.


أي : الخطبتان الواجبتان في الجمعة تكون في صلاة العيدين بعدها. ويكون فيه إشعار بالوجوب أيضا.

قوله : فيجب.

أي : يجب كلّ من هذا التكبير والقنوت. وكذا قوله : « ويسنّ ».

قوله : وبما سنح.

عطف « ما سنح » على غيره عطف الخاص على العام. ذكره لدفع توهم عدم جواز القنوت إلّا بالأدعية المأثورة.

قوله : وقيل مع استحبابها إلى آخره.

يمكن أن يكون قوله : « مع استحبابها » كناية عن اختلال الشرائط حيث إنّه ملزوم له ، فيكون المعنى : وقيل : مع اختلال الشرائط تصلّى فرادى خاصة. ويمكن أن يكون المراد منه : نفس الاستحباب ، ويكون المعنى : وقيل في صورة اختلال الشرائط مع كونها مستحبّة تصلى فرادى.

ثمّ إنّ هذا مذهب السيّد المرتضى.

ونقل عن ظاهر الصدوق في المقنع ، وابن أبي عقيل عدم مشروعيّة الانفراد فيها مطلقا.

قوله : لعذر وغيره.

غير العذر كما أن يتركها عمدا من دون فقد شرط أو عدم مانع.

ويمكن إدخال السهو والنسيان في كلّ من العذر وغيره ، حيث إنّ النسيان أيضا عذر شرعي ، وإنّه لا يسمّى عذرا عرفا.

قوله : للنص.

هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ومن لم يصل مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه ». (١) ويدلّ على عدم وجوب القضاء أيضا أنّه فرض مستأنف فيتوقّف على الدلالة ، ولا دليل عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١.


قوله : أربعا مفصولة.

أي : يصلّيها بتسليمتين ركعتين ركعتين. والموصولة أي : بتسليمة واحدة.

وقوله : « وهو ضعيف المأخذ » أي : القضاء مطلقا ومأخذ مطلق القضاء أو القضاء كما فاتت عموم قوله عليه‌السلام « من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته ». (١) ورواية زرارة ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : أدركت الإمام على الخطبة. قال : قال عليه‌السلام : « تجلس حتّى يفرغ من خطبته ، ثمّ تقوم فتصلّي ». (٢)

ووجه ضعف الأوّل أنّ مقتضاه وجوب القضاء ، ولم يقل به أحد ، مع أنّ في عمومه بحيث يشمل صلاة العيد نظرا.

ووجه ضعف الثاني : باعتبار اشتمال سنده على أحمد بن محمّد بن موسى. وهو غير موثّق في كتب الرجال ، وباعتبار عدم دلالته على كون ما يصلّى قضاء لبقاء الوقت.

ومأخذ القضاء أربعا ما رواه الشيخ عن أبي البختري ـ في الضعيف ـ عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « من فاتته صلاة العيد ، فليصل أربعا ». وضعفها باعتبار السند.

قوله : والفرق لائح.

يعني : أنّ الفرق بين عيد الفطر والأضحى في الأكل قبل الصلاة وبعدها لائح ، وهو الموجب لفعل المعصوم ، المقتضي للاتباع والتأسّي.

ووجه الفرق : أنّ الصوم في اليومين حرام ، فالإفطار عبادة واجبة غير منافية للمبادرة إلى الصلاة فينبغي المبادرة إليه ، ولكن تخلّف ذلك في الأضحى ؛ لاستحباب البدأة بالأكل من الاضحية ، وينبغي كون الاضحية بعد الصلاة ، ولا وجه للتخلّف في الفطر ، فيكون باقيا على مقتضى الاستحباب. (٣)

قوله : محمول على العلّة جمعا.

أي : محمول على حال العلّة أي : المرض جمعا بين ما دلّ على حرمة الطين مطلقا ، وما روي من الإفطار على التربة.

__________________

(١) راجع الوسائل : ٧ / ٢٦٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٦.

(٣) فى الاصل : الاستصحاب.


وإنما لم يقيّد مطلقات التحريم بذلك مع كونه مقيّدا ووجوب حمل المطلق على المقيّد ؛ لضعف تلك الرواية.

قوله : كلّ جمعة عشرا بصلاة علي.

يعني : يصلي أربعا من العشر بطريق صلاة علي ، وركعتين بطريق صلاة فاطمة ، وأربعا بطريق صلاة جعفر ، وصلاة علي أربع ركعات في كلّ ركعة الحمد مرّة والتوحيد خمسون مرّة. وصلاة فاطمة ركعتان في الاولى بعد الحمد « القدر » مائة مرّة ، وفي الثانية بعد الحمد « التوحيد » كذلك ، كما في مصباح الكفعمي.

وفي بعض الروايات في الثانية بعد الحمد « التوحيد » مرّة ، وبعد السلام يسبّح تسبيح فاطمة عليها‌السلام.

وصلاة جعفر : أربع ركعات ، الاولى بالحمد و « الزلزلة » ، والثانية بالحمد و « العاديات » ، والثالثة بالحمد و « النصر » ، والرابعة بالحمد و « التوحيد » ، فإذا فرغ من قراءة الركعة الاولى يسبّح التسبيحات الأربع قبل ركوعه خمس عشرة ، ثمّ يقولها في ركوعه ورفعه ، وسجوده ، ورفعه عشرا عشرا ، ثمّ يصلّي الثلاث البواقي كذلك.

الفصل السابع في بيان احكام الخلل

قوله : بعزوب المعني.

اسم مفعول بمعنى : المقصود. والمراد منه أعمّ من المقصود تفصيلا أو إجمالا.

والتفسير به ؛ لخروج السهو جهلا. فالمراد بالسهو : عزوب ما قصده أوّلا تفصيلا كأن يقصد النيّة والحمد والسورة إلى آخر الصلاة ، ثمّ سها عن بعض ، أو إجمالا كأن يقصد الصلاة ولم يحضر أجزاءها في ذهنه مفصّلا. وعلى هذا فلو لم يقصد أوّلا قراءة الفاتحة ـ مثلا ـ لجهله بوجوب قراءتها لا يكون سهوا ، وإن اطلق على تركه السهو لغة.

مسائل سبع

الاولى

قوله : لو غلب على ظنّه.


إمّا من باب القلب كما في عرضت الناقة على الحوض أي غلب ظنّه على أحد الطرفين ، وكان قول الشارح بعد ذلك : « والمراد أنّه غلب ظنّه عليه ثانيا » إشارة إلى ذلك ، ويكون المراد بالغلبة : الوقوع ؛ لأنّ الظن هو رجحان أحد الطرفين.

وإمّا تكون لفظة « على » بمعنى « اللام » كما في قوله تعالى : ( لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ* ) (١) ويكون المعنى : ولو غلب لأجل ظنّه أحد الطرفين على الآخر.

قوله : بعد التروي.

التقييد بذلك مع عدم اختصاص الحكم بما إذا كانت الغلبة بعد التروي ، بل يعمّ ما إذا كانت ابتداء أيضا ؛ لأنّه المراد هاهنا للمصنّف بقرينة قوله : « ما شكّ فيه » ؛ فإنّه يدلّ على أنّ العارض أوّلا هو الشك ، فلا تكون الغلبة إلّا بعد التروي.

قوله : أو أطرافه.

عطف على قوله : « طرفي » أي : أحد أطراف ما شك فيه. وذكره لدخول ما إذا كان الشك متعلّقا بأكثر من اثنين.

قوله : لأنّ الشك.

هذا تعليل للتفصيل المذكور مع ثانوية غلبة الظن وأولية الشك مع خلوّ كلام المصنّف عنه.

قوله : والظن رجحان.

الظاهر أنّ « الواو » حالية ، لا عاطفة ؛ إذ كونها عاطفة يقتضي معرفة أنّ الظنّ رجحان أحد الطرفين سابقا مع أنّه لم يتقدّم إلّا أنّ الشك يقتضي تساوي الطرفين ، فيكون المعنى :أنّهما لا يجامعان ؛ لما عرفت من أنّ الشك يقتضي التساوي ، والحال أنّ الظن هو رجحان أحدهما.

ويحتمل بعيدا كونها عاطفة وتكون إشارة إلى ما يدلّ عليه فحوى قول الشارح سابقا دو لم يحصل ظنّ بطرف من متعلّقه ».

__________________

(١) الحجّ : ٣٧.


قوله : تبطل الصلاة.

بضم « التاء » من باب الإفعال. والمراد بإبطالها مع مضيها : أن يعيده كما يعيد من بطلت صلاته.

قوله : إلّا بها.

مفهوم الاستثناء : أنّ الصلاة تتحقّق بهذه الامور ومطلوب الشارح هو هذا المفهوم ، دون منطوقه. وهو أنّه لا يتحقّق الصلاة بدون هذه الامور كما قيل.

ثمّ إذا ثبت أنّ المفهوم أنّ الصلاة تتحقّق بهذه الامور ثبت أنّه صلاة منفردة ، وإلّا كان جزء للصلاة ، وجزء الشي‌ء غير الكل ، مع أنّه ثبت أنّه صلاة ، فلا حاجة إلى تقدير قوله :« منفردة » بعد قوله : « ولا صلاة ».

قوله : ومن ثمّ وجبت المطابقة بينهما.

أي : لأجل كونها جبرا لما يحتمل نقصه وجبت المطابقة بين صلاة الاحتياط وبين ما يحتمل نقصه ؛ فإنّه إذا شكّ بين الاثنين والثلاث وبنى على الثلاث يحتمل نقص ركعة واحدة ، وصلاة الاحتياط أيضا ركعة واحدة قائما ، أو ركعتان جالسا وهما أيضا بمنزلة ركعة واحدة ، وإذا شك بين الاثنين والأربع وبنى على الأربع يحتمل نقص ركعتين وصلاة احتياطه أيضا ركعتان ، وهكذا.

وقوله : « لا يقتضي الجزئية » خبر لقوله : « وكونها جبرا » أي : كونها كذلك لا يقتضي جزئية صلاة الاحتياط لصلاة الأصل ؛ لأن كونها كذلك يحتمل الجزئية وغيرها الذي هو البدلية أي : كون الاحتياط صلاة منفردة بدلا عمّا يحتمل نقصه ، وبدل الجزء غير الجزء.

وقوله : « إذ لا يقتضي » يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون تعليلا لما يلزم ممّا ذكره من قوله : « وكونها جبرا لا يقتضي الجزئيّة » وهو مطلوبه هنا ، وهو أنّه إذا لم يقتض الجزئيّة واحتمل البدليّة أتى بها بعد التطهر ، ولا يبطل الصلاة ؛ لأنّ البدليّة لا تقتضي المساواة أي : مساواة البدل والمبدل منه من كلّ وجه حتّى في بطلان الصلاة بوقوع الحدث بينها وبين بدل جزئها كما كانت تبطل بوقوعه بينها وبين جزئها ، وعلى هذا يكون فاعل « لا يقتضي » « البدليّة. »


وثانيها : أن يكون تعليلا لقوله : « لا يقتضي الجزئية » ويكون فاعل قوله : « لا يقتضي » « كونها جبرا لما يحتمل نقصه » أي : كونها كذلك لا يقتضي الجزئية ؛ لأنّه لا يقتضي المساواة من كلّ وجه ، وإن اقتضى المطابقة في العدد ، فإنّه يجوز الجلوس في الاحتياط ، ولا يجزي فيه التسبيحات وغير ذلك ممّا ليس في ما يحتمل نقصه ، ولو كان كونها كذلك مقتضيا للجزئيّة لاقتضى المساواة من كلّ وجه.

وثالثها : أن يكون تعليلا لاحتمال البدليّة ، ويكون التعليل لدفع توهّم عدم احتماله لعدم مساواتهما من كلّ وجه.

قوله : بحيث.

التقييد بذلك ؛ لخروج ما إذا ذكر النقصان بحيث لا يحتاج إلى إكمالها بمثل ما فعل ، بل احتاج إلى غيره ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، واحتاط بركعة ثمّ ذكر نقصان الركعتين ، فإنّه لا يصح.

وقوله : « بحيث » متعلّق بالنقصان. وقوله : « بمثل ما فعل » متعلّق بالإكمال أي : لا يحتاج المصلّي في صحّة الصلاة إلى إكمالها بمثل ما فعل.

قوله : ولو اعتبرت المطابقة محضا إلى آخره

لمّا حكم بصحّة الصلاة لكون الاحتياط متمّما وإن اشتمل على زيادة أو نقصان احتمل أن يستبعد ذلك ويقال : إنّه كيف يصحّ الصلاة حينئذ مع أنّه يعتبر المطابقة المحضة أي : من جميع الوجوه بين ما نقص وما قام مقامه؟

فدفع ذلك : بأنّه ليست المطابقة المحضة معتبرة قطعا ؛ إذ لو اعتبرت المطابقة محضا لم يتحقّق احتياط يتذكّر فاعله أنّه محتاج إليه ، لأنّ كلّ صلاة احتياط تتحقق فيه الزيادة قطعا ؛ لاحتياجها إلى النيّة والتكبيرة وإن لم تحصل المخالفة في عدد الركعات كما إذا احتاط بركعة قائما في الشك بين الثلاث والأربع وذكر النقصان أي : أنّ صلاته كان ثلاثا مع أنّ ذلك أي : عدم تحقّق احتياط يذكر فاعله الحاجة إليه باطل قطعا ؛ لأنّ معنى الاحتياط أن يكون محتاجا إليه في بعض صور الواقع.

وعلى هذا يكون قوله : « ولو اعتبرت » إلى آخره دفعا لما يستبعد. ويحتمل أن يقال :


ويمكن أن يكون قوله هذا لبيان احتمال عدم صحّة الصلاة في صورة الاحتياط مع تذكّر النقصان مطلقا. وعلى هذا يكون المعنى : أنّ ما ذكرنا من الحكم بصحّة الصلاة كان لو لم يعتبر المطابقة المحضة ، وأمّا لو اعتبرت لم يقبل احتياط ذكر فاعله الحاجة إليه ، لأنّ فاعله إمّا ذكر عدم النقصان ، فيعلم عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط وكونه عبثا ، أو يتذكّر النقصان ، فبطل الصلاة ؛ لعدم حصول المطابقة المحضة لتحقّق زيادة النيّة والتكبير وإن لم يحصل المخالفة في عدد الركعات.

وظهر ممّا ذكر أنّ قوله : « الحاجة » مفعول لقوله : « ذكر » وقوله : « لتحقق الزيادة » ؛ [ تعليل ] لعدم التسليم.

قوله : ويشمل ذلك إلى آخره

يعني : أنّ حكم المصنّف بعدم الإعادة مطلقا بإطلاقه يشمل ما لو كان الشك بحيث يوجب احتياطين ، كما لو شك بين الاثنين والثلاث والأربع ، فيحتاط بركعتين قائما وركعتين جالسا ، فيكون على قول المصنّف صلاة صحيحة ، ولو ذكر النقصان. وهو أي عدم الإعادة وصحّة الصلاة كما قاله المصنّف ظاهر مع المطابقة أي : مع كون ما فعل من الاحتياطين مطابقا لما ذكره من الناقص كما لو تذكّر أنّ الصلاة التي فعلها كانت ركعتين ، فوجب ركعتان وقدّم ركعتين قائما على الركعتين جالسا من الاحتياطين ؛ فإنّ الركعتين قائما مطابقان للناقص ، ولانفصالهما عن الركعتين جالسا بالتشهد والتسليم يتمّ الصلاة أربع ركعات ويصح ، ويكون الركعتان جالسا زائدا لا يضرّ زيادتهما بالصلاة للانفصال المذكور.

ولو لم يتحقّق المطابقة كما لو ذكر أنّ ما فعلها كانت ثلاث ركعات ، وقدّم ركعتي القيام ، فإنّ الناقص حينئذ ركعة واحدة ، والمتمّم المتّصل بالصلاة ركعتان احتمل كونه أي : كون المصلّى كذلك ، أي لا إعادة عليه ، وهو ظاهر فتوى المصنّف لاطلاقه لما ذكر من الامتثال المقتضي للإجزاء.

واحتمل إلحاقه بمن زاد ركعة آخر الصلاة سهوا ، فيصحّ صلاته إن كان قد جلس بعد السجدتين من الركعة الاولى من ركعتي الاحتياط بقدر التشهد وإلّا فيبطل. هذا إذا كان قدّم الركعتين قائما.


وكذا أي مثل ما ذكر أنّها ثلاث في صورة تقديم الركعتين قائما ما لو ظهر الاول اى كون الصلاة ركعتين بعد تقديم ركعتي الجلوس أو الركعة قائما بدلهما إن جوّزنا تقديم ركعتي الجلوس أو بدليّة الركعة كما مر ، فيحتمل صحّة الصلاة وعدم الإعادة للامتثال المقتضي للإجزاء.

ويحتمل الإلحاق بمن زاد ركعة آخر الصلاة سهوا ؛ لأجل أنّ الركعتين جالسا في حكم ركعة واحدة ، ومع انضمامها مع الركعتين قائما يصير المتمّم ثلاث ركعات ، وأمّا التشهد والتسليم الواقعان في آخر الركعتين جالسا ، فلا اعتبار به ؛ لكون المصلّي كالساهي ، فلا يضرّ زيادتهما.

قوله : ولعلّه السر إلى آخره

يعني : لعلّ ما ذكرنا هو السر في تقديم ركعتي القيام على ركعتي الجلوس ؛ فإنّه إذا قدّمت ركعتا القيام فان ذكر أنّ الصلاة كانت اثنتين يصحّ الصلاة قطعا ، وإن ذكر أنّها كانت ثلاثا يلزم زيادة ركعة فقط ، ولا يلزم شي‌ء آخر ، بخلاف ما إذا قدّمت ركعتي الجلوس ؛ فإنّه إن ظهر أنّ الصلاة كانت ثلاثا وإن كانت صحيحة ، إلّا أنّها ان ظهرت كونها اثنتين يلزم زيادة ركعة وتشهد وتسليم ولا شك ان الأوّل أقلّ محذورا ، فيجب مراعاته.

الفصل الثامن في القضاء

قوله : بتكرير الفرائض على وجه.

متعلّق بفعله وقوله : « على وجه » متعلّق بالتكرير ، والحرج والعسر مفعول للاستلزام. وقوله : « في كثير من موارده » متعلّق بالاستلزام.

والضمير في « موارده » راجع إلى التكرير أي : استلزام فعل القضاء أو الترتيب في كثير من موارد التكرير العسر والحرج ، والتخصيص بالكثير ؛ للاحتراز عن الطبقات ( كذا ) الاولى التي تكرر الصلاة فيها مرّة أو مرّتين.

ويمكن أن يكون قوله : « في كثير » متعلّق بقوله : « المنفيين » والضمير راجعا إلى العسر والحرج أي : المنفيين في كثير من موارد لزومهما وإن لم يكونا منفيين في بعض المواضع


كوجوب قضاء تمام الصلوات فيمن جهل مسألة وأخلّ لأجله بالصلاة وأمثال ذلك ، وحينئذ يحتاج تتميم الاستدلال إلى ضميمة اخرى وهى إلحاق الشي‌ء بالأكثر الأغلب.

ثمّ لا يتوهّم اتحاد هذا مع الدليل الأوّل حيث إنّ مفاد قوله : « إنّ الناس في سعة ما لم يعلموا » (١) سقوط ترتيب القضاء لأجل منافاته للسعة [ لا ] استلزامه العسر ؛ فإنّ الاول استدلال بحديث « إن الناس في سعة » والثاني استدلال بدليل العقل وسائر عمومات نفي الحرج.

قوله : وسهولته.

مبتدأ ، وقوله : « يستلزم » خبره.

وجملة المبتدأ والخبر مبتدأ بتأويل القول خبره إحداث قول ثالث ؛ فإنّه لما نفى وجوب الترتيب لأجل العسر والحرج في كثير من الموارد كان لقائل أن يقول : إنّه في بعض الموارد سهل ، فسهولته فيه يستلزم إيجاب التكرير فيه فقال : إنّ سهولته في بعض يستلزم إيجابه فيه الا ان هذا القول إحداث قول ثالث.

والمراد بالثالث هنا : ما ينافي الإجماع المركّب ، فإنّه يتعارف أن يقال لخرق الإجماع المركّب إحداث قول ثالث ، وإن كانت الأقوال في المسألة أكثر من اثنين.

قوله : أن ينوي بقلبه.

لا يخفى أنّ النيّة هو العزم ، والعزم هو الإرادة والقطع ـ صرّح بهما الجوهري في الصحاح ـ ولا شك أنّ الإرادة والقطع عليها لا يكونان إلّا في القلب. وعلى هذا فلا حاجة إلى التقييد بقلبه ، وإنّما قيّده من باب التجريد كما في قوله تعالى : ( أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً ).

ووجه التجريد : أنّه لمّا شاع استعمال النية في آثارها الظاهرية من التلفّظ ونحوه مجازا وكان من المهم أن يذكر أنه يجب أن لا يكون بالتلفّظ ، حيث إنّه موجب لبطلان الصلاة صرّح به اهتماما بالمقام وتوضيحا له.

و « الباء » في قوله : « بقلبه » إمّا بمعنى « في » أو للاستعانة.

قوله : تدارك السابقة لا غير.

ذكره لدفع توهّم أنّه يجب بعد تدارك السابقة إعادة اللاحقة التي صلاها.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٢٠.


وقوله : « لاغتفار الترتيب » علّة لما يدلّ [ عليه ] قوله : « لا غير » من عدم إعادة اللاحقة.

قوله : وكذا لو شرع.

أي : مثل النسيان لو لم يعلم بفوات السابقة أوّلا أصلا وشرع في اللاحقة ثمّ علم في أثنائها فوات السابقة ، فيعدل لو لم يركع في الزائدة ويتمّها ويتدارك السابقة لو ركع.

قوله : أو فيما بعده.

عطف على قوله : « أوّلا » حيث إنّه بمعنى : في الأوّل ، والضمير راجع إلى الأوّل أي : لو ذكر براءته من المعدول إليها عدل إلى اللاحقة المنوية في الأوّل إذا كان المعدول إليها واحدا ، أو متعدّدا ولكن علم البراءة من جميع ما عدا الأوّل ، وعدل إلى اللاحقة المنوية في ما بعد الأوّل إذا كان المعدول إليها متعدّدا وعلم البراءة من بعضها الذي عدل إليه أخيرا.

ولا يخفى أنّ العدول هنا إلى اللاحقة المنوية أوّلا أو فيما بعده أيضا يتوقّف على عدم التجاوز عن محلّ العدول ، فلو تجاوز بطلت الصلاة ، ويجب استئناف اللاحقة كما أنّه شرع في قضاء المغرب ، ثمّ ذكر أنّ عليه قضاء العصر في الركعة الثالثة ، فعدل إلى العصر ، وصلّى ركعة ، وركع في الرابعة ، فذكر براءته من العصر ، فإنّه لا يصحّ العدول حينئذ.

قوله : من أوّل الوقت.

لفظة « من » بمعنى : « في » كما في قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ). (١)

وقوله : « من أوّل الوقت » متعلّق بالصلاة. و « الباء » في قوله : « بإطلاق الأمر » للسببيّة ، وهو متعلّق بالمخاطبة أي : مخاطبة ذوي الأعذار بالصلاة في أوّل الوقت بسبب إطلاق الأمر أي : الأمر بإتيان الصلاة في أوّل الوقت ؛ فإنّه مطلق شامل لذوي الأعذار وغيرهم.

الفصل التاسع في صلاة الخوف

قوله : سفرا.

إذا كانت رباعية ، وإنّما لم يقيد بها لظهورها.

__________________

(١) الجمعة : ٩.


قوله : على الأصح.

إشارة إلى ما حكاه الشيخ والمحقّق عن بعض الأصحاب من أنّها إنّما يقصر في السفر خاصّة.

قوله : وحجّة.

مصدر بمعنى الاحتجاج مبتدأ خبره قوله : « مندفعة » والمراد من الآية قوله تعالى : ( وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ). (١) وقوله : « حيث اقتضت الآية الجمع » أي اقتضت الجمع بين السفر والخوف فلا يقصر مع الخوف وحده.

ووجه اقتضائها الجمع أنّه سبحانه قال : وإذا ضربتم أي سرتم في الأرض فلا جناح من القصر بشرط الخوف ، فالقصر مشروط بكلّ من السفر والخوف.

و « الباء » في قوله : « بالقصر » سببيّة أي : الاندفاع بسبب [ أنّ ] القصر للسفر المجرّد عن الخوف ، فإنّ السفر إذا لم يكن معه خوف يوجب القصر بالإجماع ، فليس شرط القصر الجمع إجماعا ، فيكون الآية متشابهة ، فلا يمكن الاستدلال بها ؛ لأنّ الاستدلال إنّما يكون بالمحكم دون المتشابه ، والمحكم هنا : النص.

وهذا هو المراد بقوله : « والنص محكم فيهما » أي : المحكم في حكم السفر المجرّد عن الخوف ، والخوف المجرّد عن السفر هو النص حيث إنّه لا اشتباه فيه ، فيجب اتباعه ، وهو يدلّ على عدم اشتراط شي‌ء منهما بالآخر.

ويمكن أن يكون قوله : « محكّم » ـ بالتشديد ـ من التحكيم بمعنى الحاكم يعني : أن الآية اقتضت الجمع بمعنى أنّ الخوف يستدعي القصر بشرط السفر ، والسفر يستدعيه بشرط الخوف ، والحاكم في هذين الحكمين النص ، فحكم لكلّ منهما بالقصر ، ولو بدون الآخر ، هذا.

ويمكن أن يكون الوجه في اندفاع الاحتجاج بالقصر للسفر المجرّد عن الخوف : أنّه يعلم من الخارج أنّ السفر المجرّد يوجب القصر ، ومع ذلك فلا معنى لجعله مشروطا

__________________

(١) النساء : ١٠١.


بالخوف ، فيعلم بذلك أنّ المراد بالضرب في الأرض ليس سفر القصر ، وإلّا لم يكن للتقييد بالخوف فائدة ، وإذا لم يكن المراد سفر القصر لا يتمّ الاحتجاج ، بل جعلها بعضهم بهذا التوجيه دليلا على عدم اشتراط السفر ، بإتمام المطلوب بالإجماع المركّب.

قوله : على الأشهر.

إشارة إلى خلاف الشيخ في المبسوط. وبه صرّح ابن إدريس ونسبه المصنّف إلى ظاهر جماعة من الأصحاب.

قوله : أو قوّتهم.

أي : شجاعتهم وتظاهرهم على العدوّ بجرأتهم وجلادتهم.

وبذلك يندفع ما توهّم من أنّ عطف قوله : « أو قوّتهم » على « الكثرة » غير واقع موقعه حيث إنّه يدلّ على أنّ الكثرة بدون القوة التي توجب مقاومة كلّ فرقة كافية في جواز الصلاة ، مع أنّه ليس كذلك ؛ لأنّ الكثرة بدون القوّة المذكورة لا تكفي في تجويز صلاة الخوف.

ووجه الاندفاع : أنّ المقاومة شرط على التقديرين ، ولكنّها تارة تكون لأجل الكثرة وإن لم تكن فيهم شجاعة وجلادة ، واخرى تكون لأجل الشجاعة ، فإنّ المراد بالقوّة ليس إمكان المقاومة مطلقا ، بل لأجل الشجاعة وعلى هذا يمكن أن يكون قوله : « بحيث يقاوم » قيدا للكثرة والقوة معا ، لا للقوّة خاصّة.

قوله : وإن لم يتساويا.

أي : وإن لم يتساو الفرقتان في العدد ، بأن يكون أحدهما ذا قوّة وشجاعة فيقاوم العدو مع أقلّية عددهم عن الفرقة الاخرى.

ويمكن أن يكون المراد : وإن لم يتساو كلّ فرقة مع العدو في العدد أي : لا يشترط مساواة كلّ فرقة بما يقابله من العدو ، والأوّل أظهر.

قوله : أو في جهتها.

عطف على قوله : « في خلاف جهة القبلة ». أي : يشترط إمّا كون العدو في خلاف جهة القبلة مطلقا ، أو كونهم في جهة القبلة ، ولكن بشرط وجود مانع هناك يمنع من قتالهم ، فيضطرون إلى التوجّه إلى جانب يكون العدو في خلاف جهة القبلة.


ويمكن بعيدا أن يكون معطوفا على الجملة الاستثنائية أي قوله : « إلّا بالانحراف عنها » ، ويكون المراد بالانحراف عن القبلة التوجّه إلى الجانب المخالف للقبلة مطلقا ، ولو كانت جهة القبلة. ويكون قوله : « مع وجود حائل » قيدا للجملة الاستثنائية والمعطوفة معا ، ويكون المراد بالحائل : الفرقة المقاتلة ، ويكون المعنى : بحيث لا يمكنهم القتال مع صلاتهم بغير الانحراف عن القبلة أي : إلى نفس القبلة ، أو في جهة القبلة مع مقاتلة الطائفة الاخرى. وهذا بعيد ، بل فيه خدشة ظاهرة ، ولكنّه احتمله بعض المحشّين.

الفصل العاشر فى صلاة المسافر

قوله : وشرطها قصد المسافة.

أي : قصدها في مبدأ السير. فلو قصد أقلّ من المسافة ، ثمّ إذا بلغه قصد أقلّ من المسافة أيضا لم يجب القصر ، وإن بلغ المجموع المسافة.

قوله : أو غيره مع النيّة.

معطوف على قوله : « في بلده » أي : لا يقيم في بلده مطلقا سواء كان مع النيّة أو بدونها أي : لا يقيم أيضا مع النية مطلقا سواء كان في بلده او في غيره فالإقامة فى بلده قادحة فى الكثرة سواء كانت مع النية أم لا. وأمّا في غيره فلا بدّ من نيّة الإقامة أوّلا عشرا.

قوله : أو يصدق عليه اسم المكاري.

عطف على قوله : « يسافر » أي : كثرة السفر بأن يسافر ثلاث سفرات بالطريق المذكور ، وإن لم يصدق عليه الاسم ، أو بأن يصدق عليه الاسم وإن لم يسافر ثلاث سفرات.

والترديد بلفظة « أو » يمكن أن يكون للتقسيم أي : كثرة السفر يتحقّق بكلّ منهما كما هو مذهب ابن إدريس. ويحتمل أن يكون للتردّد في التعيين حيث إنّ بعضهم خصّ بالأوّل ، وبعضهم بالثاني.

ويمكن أن يكون لفظة « أو » بمعنى « الواو » حتّى يكون المعتبر في تحقّق الكثرة الأمران معا ، وهو الأنسب بقوله : « وحينئذ فيتمّ في الثالثة » كما لا يخفى.


وعلى بقاء لفظة « أو » بمعناها يجب أن يراد بقوله : « حينئذ » : أنّه إذا اعتبرت السفرات الثلاث ، وذكر ذلك لئلّا يتوهّم أنّ بعد اعتبار ثلاث سفرات يجب الإتمام في الرابعة.

قوله : أربعون يوما مترددا في الإقامة.

اعتبار الأربعين ؛ لأجل أنّ المستفاد من اعتبار إقامة عشرة في البلد مطلقا ، أو مع اعتبار النيّة في غير بلده أنّ موجب القصر هو إقامته في مكان يجب عليه التمام لو لم يكن كثير السفر عشرة أيّام.

وعلى هذا فإقامة عشرة يوجب التمام للمتردد أو الجازم بالسفر لا يحصل إلّا بعد مضيّ أربعين يوما ؛ لأنّ أوّل الإتمام بعد الثلاثين.

وذهب بعضهم إلى كفاية مضيّ ثلاثين يوما أيضا.

قوله : كالتاجر في المحرّم.

الأربعة الاولى أمثلة لسفر كانت غايته معصية ، والخامس مثال لما كان سفره مستلزما لمعصية.

وعلى هذا فالمراد بالآبق والناشز : من يسافر لأجل الإباق والنشوز أي : يوجدهما بالسفر ، ولم يذكر مثال المشترك لوضوحه.

وقوله : « مستلزمة » أي : يكون السفر مستلزما للمعصية لا غايته ؛ لأنّ الغاية لو استلزمها لكانت معصية أيضا. والتأنيث في قوله : « مستلزمة » باعتبار كون السفر بمنزلة مبتدأ خبره : « معصية » في قوله : « وأن لا يكون سفره معصية » أو باعتبار إضافة الغاية إلى الضمير الراجع إليه ، فتأمّل.

قوله : ولو تقديرا.

قيد لتواري الجدران وخفاء الأذان معا. والأمثلة الأربعة الاول والأخير أمثلة لتقدير تواري الجدران والباقيان مثالان لتقدير خفاء الأذان.

ثمّ عطف « السمع » و « البصر » على « الأذان » مع أنّ عادم الأذان والجدار وصف للبلد باعتبار أنّ المسافر من البلد أيضا من متعلّقات البلد ، فالمعنى : كالبلد العادم للسمع والبصر المسافر منه ، فهو وصف البلد باعتبار متعلّقه.


قوله : مخزون علم الله.

إضافة « مخزون » إلى « العلم » من باب إضافة الصفة إلى الموصوف كجرد قطيفة.

قوله : والاقتصار عليها.

أي : على المواضع الأربعة المتقدمة وهي المساجد الثلاثة والحائر وعدم التعدّي إلى غيرها من المشاهد والبلدان موضع اليقين فيما خالف الأصل. وهذا كناية عن تعيّن الاقتصار ولزوم الحكم به ؛ لأن فيما خالف الأصل يجب الاقتصار على موضع اليقين بإجماع الفقهاء ، فمن لوازم موضع اليقين فيما خالف الأصل الحكم به ، وتعين الأخذ به وعدم التعدي عنه.

فكنّى بهذه العبارة عن تعيّن القول به ، وإنّما كنّى بذلك ؛ لكونه إشارة إلى دليل الاقتصار أيضا ؛ فإنّه لا يصار إلى خلاف الأصل إلّا بدليل ، وهو لا يوجد إلّا في موضع اليقين ، فلا يجوز التجاوز عنه.

قوله : بحيث مضى منه.

أي : من الوقت و « الباء » في قوله : « بشرائطها » بمعنى : « مع » أي : مضى من الوقت بقدر الصلاة مع الإتيان بشرائطها التي كانت مفقودة قبل الوقت ؛ فإنّ ما كان من الشرائط حاصلا قبله لا يشترط مضي الوقت بقدر الإتيان به أيضا وقوله : « قبل مجاوزة الحدّين » متعلّق بقوله : « مضى » أي : مضى هذا الوقت قبل التجاوز عن الحدّين المذكورين ، وهما تواري الجدران وخفاء الأذان ، فلو مضى بعض القدر المذكور بعد الشروع في السفر ولكن قبل مجاوزة الحدّين اطّرد الحكم أيضا.

قوله : عملا بالأصل.

المراد بالأصل هنا : هو القاعدة الثابتة بالدليل ، وهي هنا وجوب الصلاة أربع ركعات خرج ما خرج بالدليل ، فيبقى الباقي.

قوله : تصلّى سفرا إلى آخره

سواء كانت مقصورة أم لا ، كصلاة المغرب. ولا يخفى أنّ مقتضى قوله : « وقيل كل صلاة » انّه يستحبّ جبر كلّ صلاة ، مع أنّه لا نقص في غير المقصورة حتّى يجبر.


ويمكن أن يقال : إنّ نقص كلّ صلاة سفرية باعتبار سقوط الأذان في السفر ، وباعتبار ما لا ينفك السفر عنه غالبا من الاستعجال وعدم حضور القلب.

ويمكن أن يكون من باب التجريد حيث إنّ الجبر هنا بمعنى : قول التسبيحات للجبر.

قوله : والمرويّ التقييد.

أي : التقييد بالمقصورة.

رواه الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه العسكرى عليه‌السلام : « يجب على المسافر أن يقول في دبر كلّ صلاة يقصر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله اكبر ، ثلاثين مرّة لتمام الصلاة ». (١)

الفصل الحادى عشر في الجماعة

قوله : وملازمة المروّة.

يمكن أن يكون مجرورا معطوفا على قوله : « ملازمة التقوى » ومرفوعا معطوفا على « القيام ».

وقوله : « وما ينفر عنه » عطف على « مساويها » أي : اجتناب ما ينفر عنه ، و « يؤذن » عطف على « ينفر » أي : ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة.

قوله : تزكية إلى آخره

مرفوع على أنّه خبر لقوله : « واقتداء العدلين ». ويمكن أن يكون منصوبا على أن يكون مفعولا له للركون ، أو تمييزا ، وحينئذ يكون [ الاقتداء ] مجرورا عطفا على الشياع.

قوله : ولا تصحّ مع جسم.

التقيّد بالجسم لخروج حيلولة الظلمة كما يأتي.

وقوله : « يمنع المشاهدة » وصف للحائل ، والتقييد به لخروج حيلولة النهر ومثله ؛ فإنّه وإن كان حائلا إلّا أنّه ليس حائلا من المشاهدة.

وفيه ردّ على أبي الصلاح وابن زهرة حيث ذهبا إلى المنع من حيلولة النهر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٥٢٣.


وقوله : « أجمع » بدل للإمام أي : يمنع من مشاهدة الإمام أجمع ، فلو كان مانعا عن مشاهدة بعضه كحائل قصير يمنع من مشاهدة رجليه ، أو من مشاهدة رأسه فقط لا يضر.

وسائر هنا بمعنى : الجميع ، كما ذكر الجوهري في الصحاح. قال : وسائر الناس جميعهم. والتقييد به للمانع عن المشاهدة في بعض الأحوال كالحائط القصير المانع عن المشاهدة حال الجلوس.

وقوله : « للإمام » متعلق بالمشاهدة. وقوله : « منهم » أي : من المأمومين. والتقييد به لخروج مشاهدة من يشاهد الإمام من غير المأمومين ، ؛ فإنّه غير كاف.

قوله : بالمشهور.

« الباء » بمعنى « في » كما في قوله : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ) (١). وقوله : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ). (٢) أي : في المشهور. وخلاف المشهور قول الشيخ في الخلاف حيث ذهب إلى الكراهة.

ورجّحه بعض المتأخرين.

وتردّد فيه المحقّق في المعتبر.

قوله : عدم تقدّم.

ظاهر هذا الكلام جواز المساواة بينهما ، وهو المشهور. وحكي عن ظاهر ابن إدريس المنع من ذلك واعتبار تأخّر المأموم.

ولفظة « الواو » في قوله : « ولا بدّ منه » حالية ، والضمير المجرور راجع إلى الذكر المستفاد من قوله : « ولم يذكر » ، أو إلى الاشتراط ، أو إلى عدم تقدّم المأموم أي : لم يذكر ذلك ، والحال أنّه لا بدّ من ذكره أو من اشتراطه أو من عدم تقدّم المأموم.

والضمير المجرور في قوله : « فيه » راجع إلى عدم تقدّم المأموم.

قوله : والمعتبر فيه العقب قائما.

وعلى هذا فلو تساوى العقبان لم يضر تقدّم أصابع رجل المأموم أو رأسه أو صدره في حالتي الركوع والسجود كما أنّه لو تقدّم عقبه على عقب الإمام لم ينفعه تأخر أصابعه ورأسه.

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.

(٢) القمر : ٣٤.


وهذا في القائم ، وكذلك في الجالس لو تساوى الأليتان لم يضر تقدم الركبتين كما لا ينفع تأخّر الركبتين مع تقدّم الأليتين.

قوله : وجوبا أو استحبابا.

يمكن أن يكون « وجوبا أو استحبابا » متعلّقا بقوله : « أسقط » أي : أسقط إسقاطا واجبا ، فيحرم القراءة مطلقا ، أو أسقط إسقاطا استحبابا ، فيكره القراءة كذلك.

وعلى هذا فيكون الإسقاط الوجوبي قولا لبعض ، والاستحبابي قولا لبعض آخر.

ويمكن أن يكون قوله : « وجوبا أو استحبابا » متعلقا بالقراءة أي : ومنهم من أسقط القراءة سواء كانت في المواضع التي قيل بوجوبها فيها أو استحبابها مطلقا.

والحاصل أنّه قال بسقوط القراءة التي قيل بوجوبها أو استحبابها. وعلى التقديرين المراد بقوله : « مطلقا » أي : سواء كانت في الجهريّة أو الإخفاتية في الأوّلتين أو الآخرتين.

قوله : المعيّن بالاسم إلى آخره

التعيين الاسمي كما إذا شاع أنّ زيدا ـ مثلا ـ عادل ، أو شهد به عدلان ، ولم ير المأموم شخصه ، وما رآه قبل ذلك أيضا ولم يعلم منه وصفا آخر أيضا ، فدخل مسجدا يعلم أنّ الإمام فيه زيد الشائع عدالته ووقف عقيب الصفوف من غير مشاهدته ، فتعيّن الإمام حينئذ بالاسم فقط فينوي : اصلّي اقتداء بزيد قربة إلى الله.

والتعيين الوصفي كما إذا شاع أنّ مصنّف الكتاب الفلاني ـ مثلا ـ عادل ، وما رآه أيضا ، ودخل مسجدا يعلم أنّ الإمام فيه هذا المصنّف من غير مشاهدته ، فينوي : إنّي أقتدي بمصنّف الكتاب الفلاني.

والتعيين بالقصد الذهني إن دخل مسجدا ولم يعلم اسم الإمام المصلّي فيه ، ولا وصفه ، وشاهده ، وشهد عدلان ـ مثلا ـ بعدالته ، فينحصر شخص الإمام في قلبه ، وينوي الاقتداء به.

ولكن لا يخفى أنّه يمكن التعيين بالوصف حينئذ أيضا : بأن ينوي التعيين بوصف كونه حاضرا أو مصلّيا أو إماما.

وقوله : « ولو أخطأ تعيينه » معناه : أنّه نوى الاقتداء بالحاضر على أنّه زيد ، فبان عمرا ، ونحو ذلك.


قوله : في مجموع الصلاة.

إمّا متعلّق بالجماعة ، أو بالفوت. وعلى التقديرين إمّا يكون المراد : أنّ قطع الفريضة إنّما يكون مع خوف فوات الجماعة في كلّ الصلاة حتّى لو أدركها في بعضها كالركعة الأخيرة ـ مثلا ـ لا يجوز القطع ، والمجوّز للقطع هو فوت الجماعة بحيث لم يدرك منها شيئا.

أو يكون المراد : أنّ قطع الفريضة إنّما يكون مع خوف فوات الجماعة في المجموع حتّى أنّه لو خاف الفوات في جزء منها كالركعة الاولى جاز القطع أيضا ، هكذا قال بعض المحشّين ، وحكم بأنّ الظاهر هو المعنى الثاني. وهو ليس لذلك ، بل الظاهر المعنى الأول ؛ لأنّه على الثاني يكون حكم الفريضة حكم النافلة أيضا ؛ لأنّها يجوز قطعها بمجرّد الإحرام ، حتّى لا يفوت إدراك جزء من صلاة الجماعة مع أنّ المستفاد من قوله : « وفي البيان جعلها كالنافلة » أنّه على ما في هذا الكتاب لم يجعلها كالنافلة ، فافهم.

قوله : مع المتابعة.

المراد بالمتابعة هنا : معناها الحقيقي العرفي ، وهو ما يكون المأموم متأخّرا.

وأمّا المتابعة المذكورة أوّلا أي : عدم التقدّم الشامل للمساوقة أيضا فمجاز ؛ ولذا احتاج إلى التفسير بقوله : « بمعنى أن لا يتقدمه ».

قوله : وكيف تجب.

دليل على ما اختاره من عدم وجوب المتابعة في الأقوال. يعني : وكيف يمكن القول بوجوب المتابعة في الأقوال؟ مع أنّها ممّا لا يجب على المأموم سماعه ولا على الإمام إسماعه إجماعا ، والمتابعة موقوفة على العلم بها ، والعلم بها موقوف على السماع ، فلو وجب المتابعة لوجب السماع والإسماع من باب المقدّمة ، فلمّا لم يجب لم تجب ، وتكليف المأموم بتأخير الذكر إلى أن يعلم وقوعه من الإمام أو يظنّ ذلك لا يخلو من بعد. وقوله : « مع إيجابهم إلى آخره » ظاهر العبارة أنّه أيضا من تتمّة الدليل المذكور لعدم وجوب المتابعة ، مع أنّه لا يصلح ظاهرا لذلك ؛ فإنّه لا مدخلية لإيجابهم العلم بالأفعال في عدم وجوب المتابعة في الأقوال ، وتوجيهه ان ايجاب العلم بالافعال وان لم يكن دخيلا في


عدم وجوب المتابعة في الاقوال ولكنّه مع قوله : « وما ذاك إلّا لوجوب المتابعة فيها » دخيل في ذلك.

وتوضيحه : أنّ لفظة « الواو » في قوله : « وما ذاك » حاليّة والمعنى : أنّه كيف تجب المتابعة في الأقوال ، مع قولهم بعدم وجوب العلم فيها مع أنّهم أوجبوا العلم في الأفعال ، والحال أنّه لأجل وجوب المتابعة ، فلو وجب المتابعة هنا أيضا كما في الأفعال لزم إيجاب العلم أيضا كما فيها.

قوله : والجاهل.

أي : الجاهل بوجوب المتابعة ، لا الجاهل بعدم دخول الإمام في الفعل وزعمه دخوله ؛ لأنّه الظان ، فهو تقدّم عمدا ، ولذا قال : « الجاهل عامد » ولم يقل : « كالعامد » بخلاف الظان ؛ فإنّه ليس عين الناسي ، بل مثله في الحكم.

قوله : بل بالمساوي.

أي : بل ينبغي أن يكون ايتمام كلّ من الحاضر والمسافر بالمساوي له في الحضر والسفر ، فيأتمّ الحاضر بالحاضر والمسافر بالمسافر مطلقا على ما يوافق مذهب المصنّف في هذا الكتاب ، أو يأتمّ غير المساوي في الفريضة غير المقصورة على ما ذهب إليه في البيان.

قوله : في الأوّل مع النص.

يمكن أن يراد بالأوّل : أن يؤمّ الأعرابي بالمهاجر بمعنى المدني ، وثانيه حينئذ أن يؤمّ الأعرابي بالمهاجر بالمعنى الثاني.

ووجه تخصيص هذا الوجه بإمامة الأعرابي للمدني بهذا المعنى ، لأنّ المهاجر بهذا المعنى لكونه في الحضر يكون قريبا من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، والأعرابي بعيد عنها ، فيصلح ذلك وجها لكراهة إمامته به وأمّا لو اريد بالمهاجر [ المهاجر ] بالمعنى الثاني أي : المهاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ، فلا يصلح هذا وجها لكراهة إمامة الأعرابي له خاصّة ؛ إذ لو كان الوجه ذلك لعمّ المهاجر بهذا المعنى وغيره.


ويمكن أن يراد بالأول : الأعرابي بالتفسير المذكور ، وكونه أوّلا باعتبار التفسير الآخر الآتي ، ولكنّه بعيد.

قوله : المعنيّ.

صفة للموصول في قوله : « من لا يعرف ».

قوله : حصل قبل القراءة.

أي : حصل بطلان صلاة الإمام. والمستخلف ـ بفتح اللام ـ هو الذي يستنيبه الإمام.

وعطف قوله : « أو المنفرد » لبيان حكم ما إذا لم يكن هناك من استخلفه الإمام ، أو لم يستخلف ، ونوى المأموم الانفراد.

قوله : من الأوّل.

متعلّق بـ « وقع » أي : ما صدر عن القارئ الأوّل ، وهو الإمام.

والمراد بالبناء على ما وقع منه أن يقرأ الثاني من موضع بلغ إليه الإمام.

قوله : للإمامة.

متعلّق بالأهلية أي : عدم أهليّته للإمامة.

و « الباء » في قوله : « بحدث » سببيّة أي : عدم أهليّته بسبب حدث ، والمراد منه : حدث يعلمه الإمام أوّلا. فلا ينافي ذلك ما سيأتي من تمثيله للمخرج من الصلاة الذي لا يخرج الإمام عن الأهليّة بالحدث ، فإنّ المراد به الحدث العارض منه في الأثناء أو المعلوم في الأثناء عروضه أوّلا مع عدم علم الإمام به أوّلا ؛ فإنّه لا ينافي العدالة حتّى يخرج الإمام عن الأهليّة ، بخلاف الحدث الذي يعلمه الإمام أوّلا ، ودخل معه الصلاة ، فإنّه يخرجه عن الأهليّة.

ويمكن أن يكون المراد بالحدث في الموضعين معنى واحدا ، ولكن كان المراد بالاهلية في الأوّل : أهليّة الإمامة ولو في الحال ، ولا شك أنّ الحدث العارض يمنع الإمامة حال حدوثه ، وكان المراد بالأهليّة فيما يأتي أهليّة الاستنابة ؛ فإنّ عروض الحدث للإمام أو تبيّن كونه محدثا وإن كان موجبا لانتفاء أهليّة الإمامة ، ولكنّه لا ينفي أهلية الاستنابة ، بخلاف مثل الجنون والإغماء والكفر ، بل الفسق ؛ فإنّها مخرجة عن أهليّة الإمامة والاستنابة معا.


ويمكن أن يكون « اللام » في قوله : « للإمامة » للتعليل ، ويكون تعليلا للتبيّن ، أي : تبيّن ذلك لأجل إمامته بالحدث ، فالباء بمعنى : « مع » أي : إمامته مع الحدث ، وهذا مناف لأهليّة الإمام ، بخلاف عروض الحدث في الأثناء ، أو عدم علم الإمام به ؛ فإنّ الإمامة بالحدث مشعرة بكونها عن عمد وقصد.

قوله : لهما.

أي : لمثل الحدث ممّا يعرض في الأثناء ، ولتبيّن كونه خارجا أوّلا.

ووجه الشمول أنّ التبيّن في الثاني مخرج حقيقة أيضا ، وهو أيضا أمر عارض في الأثناء ، وأمّا عدم طهارته أوّلا بدون تبيّنه عند الإمام فليس مخرجا حقيقة ؛ لأنّ التكليف ليس بالامور الواقعيّة ، بل مشروط بالعلم به.

قوله : لا يؤمّ.

فلا يؤمّ المضطجع الجالس ولا المستلقي المضطجع ، وهكذا.

قوله : حينئذ.

إمّا متعلّق بـ « انفرد » أي : انفرد الكامل حين عروض العجز للإمام ، والمتبادر من الكامل :الكامل في الحال ، دون الكامل مطلقا ، ولو سابقا.

أو متعلّق بـ « الكامل » أي : الكامل حين عروض العجز للإمام.

قوله : مع تساويهما.

أي : تساوي الإمام والمأموم في عين المجهول : بأن يكون مجهولهما شيئا واحدا بعينه ، كأن يجهلا معا الفاتحة ، أو بعضا معيّنا منها من غير زيادة لأحدهما ، ولا اختلاف موضع الجهل ، أو مع نقصان المأموم في المعلوم : بأن يكون جهل ما يجهله الإمام بعينه مع شي‌ء زائد ، فيكون ناقصا بالنسبة إلى الإمام.

وقوله : « وعجزهما » إلى آخره أي : جواز إمامة الأمّي مثله عند التساوي أو نقصان المأموم (١) مشروط بأن يعجزا عن التعلّم وعن ائتمامهما بقارئ ، أو ائتمامهما بإمام ثالث أتمّ منهما أي : أقلّ مجهولا ، ولو لم يكن تامّا ؛ لأنّه لو لم يعجزا لزم عليهما التعلّم أو الائتمام

__________________

(١) فى الاصل : نقصان الامام.


بالثالث ، ولا يجوز لهما الإمامة للآخر. وكذا لو لم يعجز أحدهما ؛ فإنّه يجب عليه التعلّم أو الائتمام دون الإمامة أو الائتمام بهذا الناقص.

وقوله : « لضيق الوقت » ليس لتقييد الجواز بما إذا كان العجز عن التعلّم لضيق الوقت خاصّة ؛ إذ لو عجز عنه لسبب آخر أيضا كفقد المعلّم إذا لم يرج وجوده في الوقت جاز الائتمام أيضا ، بل ذكره لبيان صورة العجز عن التعلّم ، وتخصيصه بالذكر لندرة اتّفاق وجود غيره.

ويمكن أن يكون ذكره للتقييد والتخصيص حيث إنّ عجز الأمّي عن التعلّم لغير ضيق الوقت مرجو الزوال البتة ، فلا يجوز عليه الصلاة إمامة أو ائتماما في أوّل الوقت ، وأمّا العجز لآفة في اللسان ، فهو غير الامّي ، بل مئوف اللسان ، وسيأتي ذكره.

ويمكن أن يجب على الأمّي الذي يعجز عن التعلّم والائتمام تأخير الصلاة من أوّل الوقت مطلقا ، وإن لم يرج الزوال ، كما في التيمّم على قول ، وحينئذ يكون وجه التقييد أظهر.

قوله : إلّا أن يقتدي جاهل الى آخره

أي : إلّا أن يقتدي في صورة الاختلاف ـ بأن يجهل أحدهما مثلا أوّل الفاتحة ، والآخر آخره ، أو يجهل أحدهما الفاتحة والآخر السورة خاصّة ـ جاهل الموضع الاول بجاهل الموضع الآخر ، فيقتدي في المثالين المذكورين جاهل أوّل الفاتحة أو تمام الفاتحة بجاهل آخر الفاتحة أو السورة والضمير في « معلومه » راجع الى جاهل الآخر يعني يأتمّ جاهل الاول بجاهل الآخر الذي يعلم الاول فاذا تمّ معلومه وبلغ الى الموضع الذي لا يعلمه ينوي جاهل الأوّل العالم بالآخر الانفراد ، ويقرأ بنفسه الآخر الذي يعلمه.

وقوله : « ولا يتعاكسان » أي : لا يقتدي جاهل الآخر بجاهل الأوّل ؛ لأنّه إن اقتدى به في أوّل الصلاة وابتدائه يلزم تركه ما يعلم اكتفاء بقراءة من لا يعلم ، والاقتداء به بعد تجاوزه عن محل جهله موقوف على جواز نية الاقتداء بعد الانفراد ، وهو غير جائز ، بخلاف عكسه.


قوله : وقيل إلى سكنى الأمصار.

يعني : قيل : إنّ التقدّم في الهجرة هو السبق عن البادية إلى سكنى الأمصار.

وقوله : « مجازا » حال إمّا عن « الأقدم هجرة » أو عن « السبق إلى سكنى الأمصار » وعلى الأوّل يكون المراد بالمجاز : اللفظ المستعمل في المعنى المجازي أي : حال كون هذا اللفظ مجازا. وعلى الثاني يكون المراد منه : المعنى المجازي أي : حال كون هذا المعنى مجازا.

والمراد من الهجرة الحقيقيّة : الهجرة من دار الحرب إلى دار الاسلام ، ومن البادية أو المكّة إلى المدينة. وكون هذه الهجرة حقيقيّة باعتبار العرف الطارئ ، فالمجاز يكون مجازا عن المعنى المنقول إليه العرفي. وأمّا بحسب اللغة ، فالمعنيان متساويان ، كما لا يخفى.

قوله : يستدلّ على الصالحين.

هذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في العهد الذي كتبه لمالك الاشتر رضى الله عنه.

قوله : وزاد بعضهم في المرجّحات.

قد زاد بعضهم أمورا اخر أيضا ، كتقديم الأشرف نسبا والأعلى قدرا ، وتقديم العربي على العجمي ، والقرشي على سائر العرب ، وكتقديم أمجاد بني هاشم بحسب شرف الآباء كالطالبي والعبّاسي ، والحارثي ، واللهبي ، ثمّ العلوي والحسني والحسيني ، ثمّ الصادقي والموسوي والرضوي والهادوي.

قوله : الأتقى والأورع.

التقوى والورع مرتبتان وراء العدالة. والمراد منهما إمّا واحد ، وهو صفة يبعث على ترك المكروهات والتجنّب عن الشبهات ، فيكون العطف تفسيرا ؛ أو هما متغايران ، كما قيل : إنّ التقوى هو التجنب عن الشبهات لئلّا يقع في المحرّمات ، والورع هو التجنّب عن المباحات لئلّا يقع في الشبهات ، فمرتبة الورع أعلى من التقوى.


كتاب الزكاة

الفصل الاوّل

قوله : كتاب الزكاة.

خبر مبتدأ محذوف.

والزكاة لغة : الطهارة ، والنموّ ، والزيادة. والفرق بين النموّ والزيادة أن الأوّل أخص من الثاني ؛ لكونه زيادة مخصوصة.

وشرعا : اسم لما يجب في المال بشرائط مخصوصة. ودخول زكاة الفطر لاشتراطها على قوت السنة. والمراد بالوجوب هنا : مطلق الثبوت ، وهو يتناول الواجب بالمعنى المصطلح عليه والمندوب ، فلا ينتقض العكس بالزكاة المندوبة. ولطهارته ونموّه وازدياده بأداء الزكاة سميت بها.

والمصدر إمّا بمعنى الفاعل اوتي بالمصدر للمبالغة كما في : « زيد عدل » أو اطلق على القدر المخرج مجازا من باب تسمية السبب باسم المسبّب.

قوله : تجب زكاة المال.

« اللام » في قوله : « المال » للعهد الذهني أو الخارجي.

قوله : والمجنون.

لا يخفى أنّ المجنون على قسمين : مطبق ، وذي الأدوار. والذي أجمعوا على عدم وجوب الزكاة عليه هو الأوّل. وأمّا الثاني فعلى قسمين ؛ لأنّ جنونه إمّا يكون بحيث يفيق سنة ، ويجن اخرى أي : تحصل له الإفاقة في سنة ، أو يكون بحيث يجن في بعض الحول ويفيق في بعضه أي : لا يحصل له الإفاقة في سنة. والظاهر أنّه لا خلاف في وجوب الزكاة


على الأوّل في سنة الإفاقة لو حصل له شرائط وجوب الزكاة. وأمّا الثاني (١) فمختلف فيه : فقال في التذكرة : « لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده » (٢).

وقال بعض آخر : ان الاقرب تعلق الوجوب به فى حال الافاقة.

ومراده من المجنون هاهنا إمّا هو المطبق ، وإطلاقه لانصراف المطلق عليه ، أو مطلقه ، والمراد : عدم تعلّق وجوب الزكاة عليه حال الجنون ، وهو في الثاني أيضا مجمع عليه.

قوله : على أصحّ القولين.

القول الآخر : هو الوجوب في غير النقدين من مال الصبي والمجنون. وهذا القول للشيخين حيث ذهبا إلى وجوب الزكاة في غلّات الطفل ومواشيه ، وحكما بمساواة المجنون للطفل في ذلك.

قوله : نعم يستحبّ.

الظاهر من هذه العبارة استحباب الزكاة في غير النقدين من مال المجنون أيضا وهو بإطلاقه محلّ تأمّل ؛ فإنّ الظاهر أنّه لا يستحبّ الزكاة في المال الناطق للمجنون ، وكذا في الصامت إذا لم يتجر به.

قوله : للطفل.

فيه إشارة إلى أنّه لو لم تكن التجارة للطفل ، بل ضمن المال الولي ، أو من أذنه وكان مليا واتجر لنفسه كان الربح له ، والزكاة عليه ، وهو كذلك.

ولا يخفى أنّه إذا تصرّف غير الولي بدون إذنه في مال الطفل أو أقرضه الولي بدون كونه مليا واتجر لنفسه ، فحكم الأكثر بكون الربح لليتيم ، وعدم استحباب الزكاة هنا أصلا. وتأمّل بعضهم في كون الربح لليتيم أيضا.

فإن اريد بقوله : « اتجر لليتيم » : ما كان قصد التاجر أن تكون التجارة للطفل ، فلا تكون الزكاة حينئذ مستحبّا ، وإن اريد به : ما كانت التجارة شرعا له وإن لم يقصده التاجر ، فإن قلنا بكون الربح لليتيم ، وقلنا بأنّ شرط ثبوت زكاة التجارة مقارنة قصد الاكتساب لها ،

__________________

(١) فى الاصل : وامّا البواقي.

(٢) التذكرة : ٥ / ١٦.


لا يستحبّ الزكاة هنا أيضا. وإن قلنا بأنّ شرط الثبوت هو قصد الاكتساب عند التملّك ، وهو هنا حاصل ، بناء على ما هو الظاهر من أن الإجازة ناقلة لا كاشفة ، فيكون أداء الزكاة هنا مستحبّا.

وإن قلنا بأنّ الربح ليس لليتيم فلا يكون مستحبّا أيضا.

قوله : واجتمعت شرائط التجارة.

أي : تكون التجارة بقصد المعاوضة وقصد الاكتساب ، فلو ملك المال بدون عقد كحيازة المباحات ، وإن قصد به التكسّب ، أو بعقد غير المعاوضة كالهبة والصدقة لم تكن فيه زكاة.

والمراد بالمعاوضة : ما يقوم طرفاها بالمال ، فيخرج الصداق والصلح عن دم العمد ، وإن قصد بذلك الاكتساب. وكذا لا زكاة فيما ملك بعقد معاوضة مع عدم قصد الاكتساب امّا مع الذهول أو قصد الغنية أو نحو ذلك ، هذا.

وإن قلت : إنّ الاستحباب من باب خطاب الشرع الذي لا يتعلّق بغير المكلّف ، فكيف يحكم بالاستحباب في مال الطفل؟

قلت : إنّ الاستحباب وإن نسب إلى مال الطفل ، إلّا أنّ المكلّف به في الحقيقة هو الولي ، وبه يتعلّق الثواب والعقاب ، وتحصل للطفل في الدنيا أعواض في مقابلة ما ذهب من ماله.

قوله : لو قلنا بملكه.

التقييد بهذا القيد ، لأنّه على القول بأنّ المملوك لا يملك ، وما بيده يكون ملكا لمولاه ، فلا معنى لاشتراط الحرّية ؛ لأنّ وجود المال شرط في ثبوت الزكاة ، ولا يكون ذلك متصوّرا في حقّ المملوك.

قوله : لتزلزله.

أي : لتزلزل الملك ؛ إذ للمولى أن ينتزع المال منه ، ولا زكاة في المال المتزلزل ملكا.

قوله : بشرطه.

« الباء » بمعنى « مع » ، والضمير راجع إلى مصدر « تجب » أي : الوجوب. والمعنى : أنّ


من تبعّضت رقيّته تجب الزكاة في نصيب حريّته ، مع تحقّق شرائط الوجوب التي غير الحرية من النصاب والحول. وغير ذلك.

قوله : أمّا النتاج فيزكّى بشرطه.

هذا إذا كان الوقف على معيّن ، ولم يشترط الواقف كون النتاج وقفا فظاهر ، وأمّا إذا لم يكن الوقف لمعيّن ، فذهب بعضهم إلى أنّه لا يتصوّر فيه وجوب الزكاة. والظاهر إمكانه في بعض الصور. وكذا إذا اشترط الواقف كون النتاج وقفا وقلنا بجوازه لا تلزم الزكاة فيه ، ووجهه ظاهر.

قوله : أو قهرا كالمغصوب.

فلا زكاة فيه حين كونه مغصوبا ، أمّا إذا خرج من يد الغاصب ، وعاد إلى المالك ، فتجب فيه الزكاة ، فإن كان ممّا يعتبر فيه الحول كالأنعام يعتبر ابتداء الحول من العود ، ولا يعتد بما كان في يد الغاصب ، ولا بما كان في يد المالك قبل الغصب إذا لم يكن حولا كاملا.

وأمّا إن لم يكن ممّا يعتبر فيه الحول كالغلّات ، فالظاهر وجوب الزكاة فيه متى تمكّن المالك من التصرّف.

قوله : إذا لم يمكن تخليصه.

لا يخفى أنّ المستفاد من قوله : « إذا لم يمكن تخليصه » : أنّه إذا أمكن تخليصه ولم يخلصه تجب عليه الزكاة ، والأمر كذلك ، وحينئذ فإن كان المغصوب ممّا لا يعتبر فيه الحول فأمره ظاهر. وإن كان ممّا يعتبر فيه الحول فيبتدأ الحول من الزمان الذي أمكنه التخليص إن لم يكن جميع الأزمنة كذلك ، إن كان زمان الإمكان مؤخّرا عن زمان عدم الإمكان وإن كان مقدّما عليه فيبتدأ من أوّل زمان انتقال المال إليه الذي كان قبل الغصب وإن كان بعض زمان الإمكان مقدّما وبعضه مؤخّرا فيعتبر ابتداء الحول من زمان الانتقال للجزء المقدّم ومن زمان الإمكان للجزء المؤخّر. وإن كان إمكان التخليص في جميع الأزمنة فالابتداء من زمان الانتقال قطعا.

قوله : فيجب فيما زاد على الفداء إلى آخره

الظاهر أنّ هذا تفريع على قوله : « ولو ببعضه » أي : إذا خلّصه ببعضه حتّى صار هذا البعض فداء ، تجب الزكاة فيما زاد على الفداء إن بلغ النصاب.


وليس تفريعا على مطلق إمكان التخليص ولو بفداء آخر ؛ إذ الظاهر أنّه لو خلّص بفداء آخر تجب الزكاة في المجموع ، لا فيما زاد على الفداء ، لو أخرج الفداء عنه ؛ إذ لا دليل على إخراجه.

قوله : للبدأة بها في الحديث.

اعلم أنّ معنى العبارة في بادئ النظر : أنّ المصنّف إنّما بدأ بالأنعام ، ومنها بالإبل ، للبدأة بالأنعام بالحديث ، فلذلك بدأ بها ، ولأنّ الإبل أكثر أموال العرب ، فكان الأولى الابتداء بها من الأنعام فلذلك بدأ بها أيضا من الانعام.

ولكن ليس كذلك ؛ لأنّ صحّته يتوقّف على البدأة بالأنعام في الحديث ، ولم أعثر على حديث بدأ فيه بالأنعام ، بل كلّما ظفرت به فإنّما بدأ فيه بغيرها ، ولو فرض وجود حديث بدأ فيها بها لا يصير علّة للبدأة بها ، مع كون أكثر الأحاديث على خلافه.

نعم بدأ في الأحاديث بأسرها بالإبل من بين الأنعام ، لا من جميع الأجناس الزكوية.

فينبغي أن يفسّر كلام الشارح بأن يقال : إنّ الضمير في قوله : « بها » أوّلا راجع إلى « الأنعام » وفي قوله : « بها » ثانيا إلى « الابل ». وقوله : « للبدأة بها في الحديث » علّة للثاني أي : للبدأة بالإبل ، وقوله : « لأنّ الإبل » علّة للأول أي : للبدأة بالأنعام.

وحاصل المعنى : أنّه بدأ بالإبل ؛ لانّ المناسب تقديم ما يكون الاعتناء بشأنه أكثر ، والاعتناء بشأن ما هو أكثر الأموال أكثر ، والإبل أكثر أموال العرب ، فكان البدأة بها أولى وأنسب ، ولما لم يناسب البدأة بها وتأخير باقي الأنعام فاقتضى ذلك تقديم الأنعام ، فقدّمها. وأمّا وجه بدأته بالابل فللبدأة بها في الحديث من بين الأنعام.

ولا يخفى أنّ العلّة الاولى كما تصلح أن تكون علّة للاوّل تصلح لعلّية الثاني أيضا ، وعلى هذا فيكون للبدأة بالإبل علّتان.

قوله : من مال المالك.

أقول : مدلول هذا الكلام أنّ المعلوفة من مال غير المالك ، ولو كان بإذنه تكون سائمة أيضا ، وتحقق السوم بانتفاء العلف من مال المالك ، وذلك ينافي ما اختاره بعد ذلك في تحقق السوم والعلف وبيانهما وقال : إنّ الأجود تحقّق العلف بعلف غير المالك لها على


وجه لا يستلزم غرامة المالك. والصحيح أيضا ذلك ؛ لأنّ غاية ما استدلّ على نفي العلف بعلف غير المالك أنّ الحكمة المقتضية لسقوط الزكاة مع العلف المئونة اللازمة من ذلك الموجبة للتخفيف ، فهي منتفية في هذه الصورة.

وفيه : أنّ هذه المناسبات لا تصلح لمعارضة إطلاق النص ، وكأنّ السرّ في تخصيص الشارح هنا العلف بمال المالك ؛ لأنّه ليس هنا في مقام بيان معنى السوم والعلف ، فاكتفى هنا بما هو مجمع عليه حتّى يأتي مقام البيان والتحقيق.

قوله : عرفا.

معناه : أنّ المناط في تحقّق السوم والعلف هو العرف.

وفيه إشارة إلى ردّ ما ذكره بعضهم من أنّه لا بدّ من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علّفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند وما ذكره بعض آخر من أنّه يعتبر في تحقّق السوم والعلف الأغلب.

والصحيح ما ذكره الشارح ( رحمه‌الله ) من أنّ المناط في تحققهما هو العرف ، ويأتي تحقيقه بعد ذلك.

قوله : مثقال من الذهب.

بالمثقال الشرعي ، وهو ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي بقدر الشرعي وثلثه.

قوله : عن عشرة دراهم.

الدرهم نصف المثقال وخمسه. والمراد هنا : درهم من الفضّة ؛ فإنّ الدرهم يستعمل فيها كما يستعمل الدينار في الذهب.

وفي قوله : « وإن زادت إلى آخره » إشارة إلى دفع ما يمكن أن يتوهّم من أنّه إذا اعطيت القيمة فاللازم هو عشرة دراهم ؛ إذ قيمة الدينار في عهد الشارع كان كذلك ؛ ولذلك اشتهر بينهم تقدير الدينار بعشرة دراهم ، ويعمل في الأحكام الشرعيّة بما كان معهودا في زمن الشارع ويعمل فيما (١) حصل التفاوت فيه عرفا وشرعا بالمتعارف شرعا ؛ ولذلك احتمل بعضهم هنا وفي أمثاله بقاء حكم القيمة ، وهو ليس بشي‌ء.

__________________

(١) فى الاصل : ويحمل ما.


قوله : المقرف.

قال في الصحاح : « المقرف الذي أمّه عربيّة وأبوه ليس كذلك ؛ لأنّ الاقراف إنّما هو من قبل الفحل والهجنة من قبل الام ».

وقال في النهاية : « المقرف من الخيل الهجين وهو الذي أمّه برذونة وأبوه عربي وقيل بالعكس ».

قوله : كلّ واحد خمس.

لا يخفى أنّ عبارة المصنّف لا يخلو من حزازة ؛ لأنّ ظاهر معنى قوله : « كلّ واحد خمس » : أنّ النصاب الأوّل خمس ، والنصاب الثاني خمس ، والثالث خمس ، وهكذا.

فإن أراد به أنّ كلّ نصاب خمس حال كون تلك الخمس منضمّة إلى ما سبق عليه من النصاب ، وزائدا عليه ، فلا يلائمه قوله : « في كلّ واحد شاة » إذ يصير المعنى حينئذ : أنّ في النصاب الثاني ـ مثلا ـ وهو الخمس الزائدة على الخمس الاولى أي : العشرة شاة ، مع أنّه ليس كذلك.

وإن أراد أنّ كلّ نصاب خمس ، مع قطع النظر عمّا سبق عليه وعدم كونه زائدا عليه ، فهو خلاف الواقع ونفس الأمر ، إلّا أن يقال : إنّ المراد هو الأوّل ، ومعنى قوله : « في كلّ واحد شاة » : أنّ في كلّ نصاب ، وهو الخمس الزائد على سابقه من حيث حصول النصاب الثاني شاة واحدة ، والزائد إنّما هو لما يتضمّنه هذا النصاب اللاحق من النصاب السابق.

والحاصل : أنّ في العشرة ـ مثلا ـ شائين : إحداهما للنصاب الثاني ـ وهو الخمس الزائدة على النصاب الأوّل المتضمّنة عليه ـ وثانيتهما للنصاب الأوّل فقط بدون ملاحظة ما زاد عليه.

قوله : بمعنى أنّه لا يجب إلى آخره.

يظهر من هذا التفسير أنّ كلام المصنّف يدلّ على أحكام خمسة.

الأوّل : أنّه لا يجب شي‌ء فيما دون الخمس.

والثاني : أنّه يتحقّق الوجوب في الخمس.

والثالث : أنّه يجب في رأس كلّ خمسة شي‌ء زائد على القدر الواجب في سابقه.


الرابع : أنّه لا يجب فيما بين كلّ خمستين شي‌ء زائد على ما يجب للخمسة الاولى.

الخامس : كون الواجب في الأوّل شاة ، وفي الثاني شاتين ، وهكذا.

ويستنبط الأحكام الأربعة الاولى من قوله : « خمسة كلّ واحد خمس ». أمّا الأوّل والرابع ؛ فلدلالته على أنّ غير الخمسة ليس نصابا ، فلا يجب فيه شي‌ء ، فيكون النصاب في الأوّل بالمعنى الاوّل وفي البواقي بالمعنى الثاني. وأمّا الثاني والثالث ؛ فلدلالته على كون رأس كلّ خمسة من الخمس نصابا ، فلا بدّ من تحقّق الوجوب في رأس كلّ خمسة.

والخامس يستنبط من قوله : « في كلّ واحد شاة » ، والوجه ظاهر.

قوله : بنت مخاض إلى آخره

اعلم أنّ المخاض علم للنوق الحوامل واحدها خلفة ـ كما صرّح به الجوهري وابن الأثير ـ ولا واحد لها من لفظها ، وحينئذ فالأولى أن يقال : إنّه (١) هو الذي حملت أمّه أو حملت النوق التي فيها أمّه وإن لم تحمل هي ، لا أنّه هو الذي حملت أمّه فقط ؛ لأنّ الواحد لا يكون ابن نوق ، وإنما يكون ابن ناقة واحدة.

والمراد : أن يكون وضعتها أمّها ... ، وقد حملت النوق التى وضعن مع أمّها وإن لم تكن أمّها حاملا فنسبتها إلى الجماعة ، بحكم مجاورتها أمّها.

وإنّما سمّي ابن مخاض في السنة الثانية ؛ لأنّ العرب إنّما كانت تحمل الفحول على الاناث بعد وضعها بسنة ليشتدّ ولدها ، فهي تحمل في السنة الثانية وتمخض ، فيكون ولدها بنت [ أو ابن ] مخاض.

قوله : ففيها بنت لبون.

اعلم أنّ بنت اللبون هي من الإبل : ما دنا ( كذا ) عليه سنتان ودخل في الثالثة ، فصارت أمّه لبونا أي : ذات لبن ؛ لأنّها تكون قد حملت حملا آخر ووضعت.

قوله : وإنّما الخلاف فيما زاد.

فإنّ الظاهر من كلام السيد في الانتصار : أنّ بعد التجاوز عن الإحدى وتسعين لا يتغير الفرض إلى مائة وثلاثين ورجع إلى المشهور في المسائل الناصرية.

__________________

(١) أى : ابن مخاض.


وذهب إلى قول الانتصار الشافعي والأوزاعي وبعض آخر من المخالفين.

وذهب أبو حنيفة وبعض آخر منهم إلى أنّه لا يتغير الفرض بعد الإحدى وتسعين إلى أن تبلغ مائة وخمسا وعشرين ، فإنّه قال :

في مائة وعشرين حقّتان ، فإذا زادت استؤنفت الفريضة ، فيجب في الخمس شاة ، ففي مائة وخمس وعشرين حقّتان وشاة ، وفى مائة وثلاثين حقتان وشاتان ، وفى مائة وخمسة وثلاثين حقتان وثلاث شياة ، وفي مائة وأربعين حقّتان وأربع شياة ، وفي مائة وخمس وأربعين حقّتان وابنة مخاض ، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق. ثمّ تستأنف الفريضة ، فيجب في الخمس شاة ففي مائة وستّين ثلاث حقاق وشاتان وفي مائة وخمس وستين ثلاث حقاق وثلاث شياة ، وفي [ مائة و ] سبعين ثلاث حقاق وأربع شياة ، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض ، وفي مائة وستّة وثمانين ثلاث حقاق وابنة لبون ، وفي مائة وستّة وتسعين أربع حقاق ، وفي مائتين أربع حقاق وهكذا ، ثمّ تستأنف الفريضة.

قوله : والحامل له على الإطلاق.

لمّا ذكر أنّ إطلاق المصنّف ليس بصحيح أراد أن يعتذر منه ويبيّن أنّ الباعث على حمله على ذلك ما ذا ، وهذا الاعتذار مبتن على أصل ذكره المصنّف في غير هذا الكتاب ويشير إليه الشارح بقوله : « واعلم [ الى آخره ] ».

وحاصل ذلك الأصل أنّ في كلّ موضع قالوا بالتقدير بالأربعين والخمسين تجب فيه ملاحظة غبطة الفقراء ، والتقدير بما يحصل به الاستيعاب أو ما كان منهما أكثر استيعابا.

وتوضيح الاعتذار : أنّ التقدير بالأربعين والخمسين وإن لم يكن فيما بين النصابين الحادي عشر والثاني عشر ، ولكنّ المصنّف لما علم أنّا لو قدّرنا بهما فيه لا يحصل اختلاف فيما دون المائة والعشرين بين هذا التقدير وبين ما هو في الواقع ونفس الأمر أطلق الحكم فيه.


وعدم الاختلاف ؛ لأنّ الواجب فيه في الواقع حقّتان ، ولو فرضنا التقدير بهما أيضا يجب حقّتان ؛ لانّ صرفة الفقراء لو قدّرنا بهما حينئذ في التقدير بالخمسين ؛ لأنّه يوجب حقّتين ، دون الأربعين ، لإيجابه بنتي لبون ، فلا يختلف الحكم فيصح الإطلاق.

وأمّا في المائة والعشرين وإن اختلف الحكم في التقدير بهما وفيما هو الواقع ؛ لأنّه لو قدّرنا بهما يجب التقدير بالأربعين ؛ لكونه غبطة للفقراء لإيجابه ثلاث بنات لبون ، دون الخمسين ؛ لإيجابه حقتين ، وأمّا في الواقع فالواجب هو حقّتان ؛ ولكن لما يظهر من كلام المصنّف في البيان أنّه توقّف في كون الواحدة الزائدة على المائة والعشرين جزءا من النصاب أو شرطا لوجوب الفريضة ، واحتمل كونها شرطا له ؛ فلاجل ذلك الاحتمال يصحّ استعمال الحكم الثابت لمجموع المائة وإحدى وعشرين في المائة والعشرين فقط أيضا تجوّزا.

فإنّه لو كانت الواحدة الزائدة شرطا لكان النصاب هو مائة وعشرين ، ولكن يكون ترتّب الأثر عليه ـ وهو وجوب التقدير بالأربعين والخمسين ـ موقوفا على شرط ، هو زيادة الواحدة. فباعتبار كون المائة والعشرين نصابا يكون مشابها لسائر النصب ، فيصحّ أن يثبت الحكم الثابت لسائر النصب ـ وهو ترتّب أثر كونه نصابا أي : إيجاب القدر المخصوص ـ لهذا النصاب أيضا مجازا ، وإن توقّف هذا الثبوت هنا على شرط آخر. فيكون إطلاق المصنّف هذا الحكم هنا في المائة والعشرين تجوّزا لا حقيقة.

إذا عرفت ذلك ، فمعنى كلام الشارح : أنّ الباعث للمصنّف على إطلاق الحكم بالتقدير بهما فيما زاد على الإحدى وتسعين ، مع كونه مقيّدا في الواقع بالبلوغ إلى مائة وإحدى وعشرين ؛ أنّ الزائد على النصاب الحادي عشر وما دون المائة والعشرين لو فرض تقديره بالأربعين والخمسين ، لا يجب إلّا بخمسين لملاحظة غبطة الفقراء ، فلا يلزم إلّا وجوب حقّتين ، ومع ذلك فالواجب فيه في الواقع أيضا حقّتان ، فلا يختلف الحكم ، وإنّما يختلف في المائة والعشرين والحامل له على الإطلاق هنا أنّه احتمل كون الزائد على المائة والعشرين شرطا ، فيصحّ إطلاق الحكم في المائة والعشرين تجوّزا بالتقريب الذي ذكرناه ، فتجوّز المصنّف هنا.


قوله : والمصنّف توقّف.

واعلم أنّه تظهر فائدة الخلاف في كون الواحدة الزائدة جزءا للنصاب أو شرطا فيما إذا تلفت الواحدة بعد الحول بغير تفريط ، فلو كانت جزءا يسقط من ذمّة المكلّف جزء واحد من مائة وإحدى وعشرين جزءا ممّا وجب عليه أداؤه ، ولو كانت شرطا لا يسقط شي‌ء بتلفها كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن تبلغ تسعة عشر.

ولا يخفى ما في قول الشارح : « جزءا من الواجب أو شرطا » من المسامحة إلّا أن يقال : إنّ الواحدة والزائدة لو كانت جزءا من النصاب لكان جزء منها جزءا من الواجب أداؤه ، فأطلقت الجزئيّة على الكل مجازا.

قوله : كالمائة وإحدى وعشرين.

ذكر الواحدة هاهنا مع أنّ المطابق مع الأربعين هو المائة والعشرون دون المائة وإحدى وعشرين ؛ بناء على أنّ الآحاد ليست معتبرة في المطابقة وعدمها ، لأنّ العشرات يستحيل مطابقتها مع الآحاد ، فعدم المطابقة معها أمر ظاهر ، والمعتبر هو المطابقة مع غير الآحاد.

قوله : ولو لم يطابق أحدهما إلى آخره

أقول : قد ظهر لك ممّا سبق أنّ المطابقة وعدمها يعتبر في ثلاثة : الأربعين والخمسين وكليهما معا ، وعلى هذا يكون وجود هذا الشق من العدد أعني : ما لم يطابق أحد المذكورات ممتنعا.

لانك قد عرفت فيما سبق أنّ الآحاد غير معتبرة في المطابقة وعدمها ، وكلّ عدد بلغ النصاب الأخير وقطع النظر عن آحاده يكون مطابقا إمّا للأربعين ، أو الخمسين ، أو لكليهما معا ؛ فإنّ المائة والعشرين ثلاثة أربعين والمائة والثلاثين اثنان أربعين وخمسين ، والمائة والأربعين اثنان خمسين وأربعين ، والمائة وخمسين ثلاثة خمسين ، والمائة والستّين أربعة أربعين ، والمائة والسبعين خمسين وثلاثة أربعين ، والمائة والثمانين اثنان خمسين واثنان اربعين ، والمائة والتسعين ثلاثة خمسين وأربعين ، والمائتين أربعة خمسين أو خمسة أربعين والعشرة والمائتين أربعة أربعين وخمسين ، وكلّما زاد على ذلك فاسقط منه مائة ، والبواقي كما سبق ، وهكذا.


ولو اعتبرت الآحاد في المطابقة وعدمها أيضا يلزم بطلان ما ذكر من مطابقة المائة وإحدى وعشرين للأربعين على أنّه يكون في الكلام حزازة من وجوه اخر :

الأوّل : في قوله : « أحدهما » فإنّه لو لم يطابق أحدهما ، بل طابق كليهما يجب اعتبارهما معا دون ما هو اقلّ عفوا.

الثانى : في قوله : « أقلّهما » ووجهه يظهر من سابقه.

والثالث : أنّه قد عرفت أنّه لو اسقط الآحاد يكون كلّ عدد مطابقا لأحد المذكورات ، فاللازم حينئذ أن يقال : ولو لم يطابق شيئا منها وأسقطت الآحاد ، طوبق مع أحدهما ويكون العفو في الجميع مساويا.

قوله : عفوا.

أي : معفوّ عنه. أي : عن إخراج الزكاة عنه ، أو مأخوذ من عفو المال بمعنى : الطيب الحلال منه بمعنى : أنّه حلال لمالكه ؛ لعدم تعلّق حقّ الغير به ، أو من العفو بمعنى الأرض التي لم توطأ وليست بها آثار حيث لم يوجد ، فيما نقص عن النصاب ما يجب إخراجه.

قوله : وفي البقر نصابان.

كلّ عدد إن كان الباعث لوجوب القدر المخصوص نفسه وحده فهو النصاب ، وإن كان وجوب القدر المخصوص فيه بتكرّر عدد آخر ، فالنصاب هو العدد المتكرّر.

وبهذا يظهر الفرق بين ما زاد على أربعين في نصاب البقر وبين نصب الإبل كما لا يخفى.

قوله : فتبيع وهو ابن سنة إلى آخره

تفسير التبيع بابن سنة إلى سنتين يخالف ما فسّره اللغويّون به.

قال الجوهري : التبيع هو ولد البقر في أوّل سنة. وقال ابن الأثير : التبيع ولد البقر أوّل سنة. وكأنّ تفسير الشارح إنّما هو لحقيقته العرفية الخاصّة أي : المتشرعة ، دون اللغوية ؛ فإنّ التبيع في النصوص مقيّد بالحولي ، وبكثرة استعماله فيه صار حقيقة عرفيّة فيه.

وعلى هذا يكون المراد منه في الأخبار حقيقته اللغوية ، ويفهم كونه ابن سنة بقيد آخر هو الحولي.


قوله : قيل ثلاث نظرا.

هذا تعليل للقول بالثلاث. وفيه إشارة إلى أنّه لم يصرّح في الأخبار بوجوب الثلاث في الثلاثمائة والواحدة ، بل ما يظهر من بعض الأخبار أنّه آخر النصب ، وأنّ في كلّ مائة حين البلوغ إلى آخر النصب شاة ، فيلزم من ذلك أن يكون الفريضة في الثلاثمائة والواحدة أي آخر النصب ثلاثا.

قوله : اكتفى بالنصاب المشهور.

هذا اعتذار للمصنّف في إطلاقه الحكم هاهنا ، وحاصله : أنّ لأصحابنا في نصب الغنم قولين : أحدهما : أنّها أربعة. وثانيهما ما هو المشهور وهو أنّها خمسة. وكلّ من قال بالمشهور قال : بأنّ النصاب الأخير هو الأربعمائة وبأنّ الحكم بأنّ في كلّ مائة شاة لا يكون إلّا بعد البلوغ إلى الأربعمائة ، ولم يذهب أحد إلى الواسطة بين كون النصب خمسة وبين كون النصاب الأخير هو الأربعمائة ، بل كلّ من يقول بالأوّل يقول بالثاني ، وبالعكس.

ولمّا ذكر المصنّف أنّ مختاره أنّ النصب خمسة يعلم منه أنّه يقول بأنّ النصاب الأخير هو الأربعمائة وبأنّ الحكم بأنّ في كلّ مائة شاة إنّما هو فيها دون ما نقص عنها ، وإن كانت عبارته مجملة أيضا فلا فائدة معتدّ بها في التبيّن.

وحينئذ معنى العبارة : أنّ المصنّف اكتفى في تبيين الإجمال بذكر النصاب المشهور أعني : الخمسة ؛ إذ لا قائل بالواسطة بين النصاب المشهور وبين المبيّن من هذا الإجمال.

وقد فسّر بعض المحشّين النصاب المشهور في كلام الشارح بالأربع التي اختارها المصنّف في ثلاثمائة وواحدة. وهذا ليس بصحيح ؛ لأنّ الأربع فيها وإن كان المشهور إلّا أنّها ليست نصابا ، بل هي فريضة.

قوله : فإنّه يستلزم.

هذا تعليل لمجموع العلّة والمعلول.

قوله : ومعنى كونها.

وفائدة هذه العناية أنّ لكون العدد عفوا معنيين :


أحدهما : أنّ ما يجب في النصاب السابق عليه فقط من الفريضة يجب في مجموع النصاب وهذا العدد أيضا على التوزيع ، ولا يزيد لهذا العدد شي‌ء على سبيل العفو ، فيكون محلّ الوجوب مجموع النصاب وهذا العدد.

وثانيهما : أنّه لا يجب لهذا العدد لا بالزيادة ولا بالتوزيع ، وإن وجب شي‌ء فإنّما هو للنصاب السابق عليه. والمراد بالكون عفوا هاهنا : هو الثاني دون الأوّل ؛ لاستلزام الاوّل إسقاط شي‌ء بالتلف بعد الحول بغير تفريط ، مع أنّه ليس كذلك.

قوله : ومنه تظهر إلى آخره

هذا دفع لما يمكن أن يسأل عنه ، وهو أنّه ما يجب في كلّ من النصابين الأخيرين على القولين أي : الأربعمائة على القول المشهور ، وثلاثمائة وواحدة على قول المفيد والسيد واتباعهما هو بعينه ما يجب في كلّ من النصابين السابقين عليهما ، وإذا كان كذلك فما الفائدة في جعل كلّ من الأخيرين نصابا؟

فإنّ ما يترتّب على كون العدد نصابا إنّما هو تأثيره في الوجوب أو وجوب قدر مخصوص ، ولا يتحقّق شي‌ء منهما في هذين النصابين وما الذي يترتب على نصابيته؟

وتوضيح ما ذكره فائدة : أنّه قد علم ممّا ذكر من أنّ الوجوب لا يتعلّق بالعفو ، وأن تلف بعض النصاب بغير تفريط يوجب أن يسقط من الواجب بحسابه ، أنّ لكون العدد نصابا أثرا آخر غير وجوب القدر المخصوص وهو أنّ الوجوب متعلّق به بنفسه ، وإن كان الواجب هو ما وجب في السابق ، لا لاشتماله على السابق ، ويسقط من الواجب بحسابه إذا تلف بعض النصاب بعد الحول بغير تفريط.

وبهذا تظهر فائدة النصابين الأخيرين على القولين ؛ فإنّه وإن لم يختلف حكم كل منهما مع سابقه في وجوب القدر المخصوص ، ولكنّه يختلف في السقوط مع تلف بعض النصاب بغير تفريط ، فيسقط من الواجب في كلّ منهما بحسابه ، وهو فيهما مختلف ؛ فإنّه على القول المشهور لو تلفت من الأربعمائة واحدة بعد الحول بغير التفريط ، فيسقط منه جزء من مائة شاة. ولو تلفت من ثلاثمائة واحدة بعد الحول كذلك يسقط منه جزء من


خمسة وسبعين جزءا من شاة ان لم يجعل الشاة الواحدة جزءا من النصاب وإلا كان الساقط منه جزءا من خمسة وسبعين جزءا وربع جزء.

وأمّا على قول المفيد فلو تلفت واحدة من الثلاثمائة والواحدة كذلك يسقط جزء من مائة جزء من شاة إن لم يجعل الواحدة جزءا وإلّا فجزء من مائة جزء وثلث جزء. ولو تلفت عن مائتين وواحدة فيسقط جزء من مأتي جزء من ثلاث شياة ، أو جزء من مائتي وواحدة جزء منها.

وإنّما لم يبيّن الشارح نسبة السقوط على قول المفيد ؛ إذ من بيانها على القول المشهور يظهر فيه أيضا.

وممّا ذكر ظهر أنّ مراد الشارح من وجوب الأربع في الأزيد والأنقص : الوجوب بنفسه أي : كون كلّ من الأزيد والأنقص نصابا.

ثمّ اعلم أنّ بعض المتأخّرين من أصحابنا ذكر في بيان الفائدة زيادة على ما ذكره الشارح : ما لو كانت ناقصة عن الأربعمائة ولو بواحدة ، وتلف منها شي‌ء.

ولا يخفى أنّه لا مدخليّة لذلك فيما نحن فيه أي : في كون الأربعمائة نصابا أخيرا ، بل إنّما هو لكون ما تحت الأربعمائة عفوا ، فتأمّل.

قوله : على القولين.

إمّا متعلّق بالنصابين الأخيرين ، وعلى هذا يكون المراد بالنصابين الأخيرين : الأخير من القول الأوّل والأخير من القول الثاني. أو متعلّق بقوله : « تظهر فائدة » ويكون المراد : النصابين الأخيرين على كلّ قول ، فالنصابان الأخيران على القول الأوّل الرابع والخامس ، وعلى الثاني الثالث والرابع.

قوله : أي في الأنعام مطلقا.

أي : الأنعام الثلاثة. والتنصيص عليه ؛ لدفع توهّم اختصاصه بالغنم ؛ لذكره أخيرا.

قوله : كما لو زرع لها قصيلا.

أي : إطعامها المملوك كما لو زرع قصيلا وأرسلها فيه ليرعاه.

والجملة الأخيرة محذوفة ؛ لظهورها.


قوله : لا ما استأجره.

عطف على جملة : « ما لو زرع لها قصيلا » وقوله : « أو دفعه » بصيغة الماضي عطف على جملة : « ما استأجره » أي : إطعامها المملوك كما لو زرع القصيل وأرسلها إليه ، لا كما استأجر أرضا لترعى فيها ، ولا كما إذا دفعه إلى الظالم عن الكلأ ؛ ليرعيها فيه.

وقد يجعل قوله : « ما استأجره » عطفا على المملوك بتقدير المضاف أي : علف ما استأجره من الأرض ، وهو وإن كان صحيحا ، ولكن لا يصحّ حينئذ عطف قوله : « أو دفعه » كما لا يخفى.

وقد يجعل حينئذ « دفعه » مجرورا عطفا على الإطعام أي : لا بدفعه إلى الظالم.

وهو مخدوش فيه ؛ لانّه لا بدّ من دخول النفي على الدفع أيضا ، وحينئذ يجب عطفه على قوله : « ما استأجره » ، ولكونه عطفا على « المملوك » لا يصحّ عطف « دفعه » على « الإطعام » كما هو ظاهر ، إلّا أن يجعل المعطوف عليه هو الإطعام المقدّر بعد حرف النفي ، دون المذكور في الكلام.

نعم يمكن عطف « ما استأجره » على المملوك ، وعطف « دفعه » بصيغة الماضي على قوله : « استأجره » ويجعل ضميره عائدا إلى الموصول ، ويقدر مضاف آخر كالعوض ونحوه ، ويكون المعنى : لا باطعامها عوض ما دفعه إلى الظالم عن الكلاء أي : الكلاء الذي هو عوض ما دفعه إليه.

وهو أيضا لا يخلو عن شي‌ء ؛ إذ العطف على « استأجره » يقتضي اتّحاد المضافين المقدّرين هذا.

ثمّ إنّ الضمير في قوله : « دفعه » على ما ذكرنا أوّلا راجع إلى كلّ واحد من الأنعام الثلاثة وقوله : « عن الكلاء » متعلّق بالظالم.

وعلى ما ذكرنا أخيرا يكون الضمير عائدا إلى الموصول ، وقوله : « عن الكلأ » يمكن أن يكون متعلّقا بقوله : « دفعه » أي : دفعه عوضا عن الكلأ إلى الظالم ، وأن يكون متعلّقا بالظالم.


وعلى ما قيل من جعل « دفعه » مجرورا يمكن أن يكون الضمير عائدا إلى « المالك » من باب إضافة المصدر إلى الفاعل ، وأن يكون عائدا إلى كلّ واحد من الأنعام من باب إضافته إلى المفعول ، فعلى الثاني يكون قوله : « عن الكلأ » متعلّقا بالظالم.

وأمّا على الأوّل فيمكن أن يكون متعلّقا به أيضا : بان يكون المفعول المقدّر كلّ واحد من الأنعام ، وأن يكون متعلّقا بالدفع : بأن يكون المفعول المقدّر ما يعوّض عنه الكلأ أي : دفع المالك شيئا إلى الظالم عوضا عن الكلأ.

قوله : ولا فرق.

أي : لا فرق في تحقّق العلف. والضمير المجرور في قوله : « وقوعه » راجع إلى « إطعامها المملوك ». وقوله : « وغيره » يحتمل العطف على « وقوعه » أي : غير وقوعه لعذر ، وهو وقوعه لا لعذر والعطف على « عذر » أي : وقوعه لغير عذر أي : لا لعذر.

قوله : من انتفاء السوم إلى آخره

علّة لتحقّق العلف وعدم وجوب الزكاة.

وقوله : « والحكمة » عطف على « السوم » وعلّة لعدم تحقّق العلف ، ووجوب الزكاة أي : انتفاء العلّة المقتضية لسقوط الزكاة : وهي المئونة.

قوله : وكذا يشترط فيها.

أي : كما يشترط في الأنعام الثلاثة السوم يشترط فيها أن لا تكون عوامل.

قوله : بمضيّ أحد عشر شهرا.

اعلم أنّ الظاهر أن أصحابنا أجمعوا على أنّ الحول المعتبر هنا هو مضي أحد عشر شهرا ودخول الثاني عشر لكنّه وقع الخلاف في أنّه هل يستقرّ وجوب الزكاة بدخول الثاني عشر أم يحصل الوجوب المتزلزل به ، والمستقرّ لا يحصل إلّا بعد تمام الثاني عشر.

فذهب فخر المحقّقين وجماعة إلى الأوّل ، والمصنّف والشارح إلى الثاني.

والفرق بين الوجوب المتزلزل والمستقر : أنّ معنى الأوّل أنّه وإن وجبت الزكاة إلّا أنّه يمكن ارتفاعه وسقوطه بسبب من الأسباب. ومعنى الثاني : أنّ بعد تحقّقه لا يرتفع ولا يسقط أصلا.


ثمّ فائدة الوجوب المتزلزل هنا على القول به تظهر في أداء الزكاة بنيّة الأداء في الشهر الثاني عشر ؛ فإنّه لو أداها قبل دخوله بنيّة الأداء لا يسقط الزكاة عن ذمّته ، ولا يحسب ما أداها زكاة ، بل يجب بعد تمام الحول أداؤها مرّة اخرى بخلاف ما لو أداها في الشهر الثاني عشر بنيّة الأداء ؛ فإنّه يسقط الواجب إن لم يختلّ الشرائط حين تمّ الثاني عشر.

وإن شئت مثال ذلك فنقول : إنّ صلاة الظهر ـ مثلا ـ تجب بمجرّد دخول الوقت ، ولكن وجوبها حينئذ متزلزل ويستقرّ بمضيّ مقدار أداء أربع ركعات من أوّل الظهر ، فلو حاضت المرأة قبل مضيّ هذا المقدار لم يجب القضاء ؛ لأنّ الوجوب كان متزلزلا ، فسقط بانتفاء الشرط ، بخلاف ما لو حاضت بعد مضيّة ، ولم تفعلها ، فيجب عليها قضاؤها.

وفائدة هذا الوجوب فيها : أنّها لو صلّت قبل الوقت لم يجز عنها أصلا ، بخلاف ما لو صلّت بعد دخول الوقت.

ثمّ ممّا يترتّب على كون الشهر الثاني عشر وقتا للوجوب المتزلزل أنّه يكون الثاني عشر من الحول الأوّل [ و ] يكون (١) لتمام هذا الشهر مدخليّة في وجوب الزكاة في الحول الأوّل ، بخلاف ما لو استقرّ الوجوب بمجرّد دخوله ، فلا يبقى له مدخليّة للوجوب في هذا الحول ، فيكون من الحول الثاني. وإذا كان الثاني عشر من الحول الأوّل فلو أعطى الفقير العين قبل تمامه واختلّت شرائط الوجوب في الثاني عشر بأن [ تلف ] بعض من النصاب وكانت العين باقية يجوز له استرجاعها ، إذ يعلم من ذلك أنّ الزكاة لم تكن واجبة عليه. وكذا يجوز له استرجاعها إن لم تكن العين باقية ، ولكن كان الفقير القابض عالما بأنّه لم يستقرّ الوجوب بعد ، ومع ذلك أتلفها.

ولا يخفى أنّه يجب تقييد جواز الاسترجاع ـ إذا تلفت العين وكان القابض عالما ـ بما إذا كان التلف من جانب القابض.

وبما ذكر ظهر أنّ تفريع جواز الاسترجاع كما يمكن على كون الثاني عشر من الاول كذلك يمكن تفريعه على اصل كون الوجوب متزلزلا ، بل التفريع عليه أولى من التفريع على الأوّل الذي فعله الشارح.

__________________

(١) فى الاصل : لا يكون.


قوله : لو اختلّت الشرائط فيه.

الضمير المجرور راجع إلى الثاني عشر. ويمكن إرجاعه إلى المال أي : الشرائط التي تعتبر في المال ؛ لأجل وجوب الزكاة. ويمكن إرجاعه إلى الوجوب أيضا وتكون لفظة « في » حينئذ بمعنى : « اللام » أي : لو اختلّت الشرائط التي للوجوب.

قوله : وهي الأولاد.

أي : السخال هي أولاد الأنعام مطلقا.

وهذا إنّما هو على التغليب ، ولكنّه في اللغة يختصّ بأولاد الغنم ؛ فإنّها جمع سخلة وهي : ولد الغنم.

قوله : أمّا لو كانت غير مستقل إلى آخره

توضيح المقام : أنّ السخال في بلوغها النصاب وعدم البلوغ على قسمين ؛ لأنها إمّا تكون نصابا مستقلا بعد نصاب أمّهاتها أولا. والثاني إمّا تكون نصابا ، ولكن غير مستقلّ بعد نصاب الامّهات ، أو لا تكون نصابا أصلا ، وكلّ منهما إما تكون مكمّلة للنصاب الذي بعد نصاب الامّهات أو لا.

والحاصل أنّ للسخال بالإجمال أقسام ثلاثة :

الأوّل : أن تكون نصابا مستقلّا بعد نصاب الامّهات كما لو ولدت خمس من الإبل خمسا ، وثلاثون من البقر ثلاثين ، ومائة [ وإحدى وعشرون ] من الغنم ، مائة وإحدى وعشرين.

والثاني : أن تكون نصابا ولكن غير مستقلّ بعد نصاب الامّهات. وهذا على قسمين :

أحدهما : أن تكون مع ذلك مكمّلة للنصاب الذي بعد نصاب الامّهات أيضا كما لو ولدت ستّ وعشرون من الإبل ، أحد عشر أو أربعون من الغنم ، اثنين وثمانين.

وثانيهما : أن لا تكون مكمّلة له كما لو ولدت ستّ وعشرون من الإبل خمسا ، وأربعون من الغنم أربعين.

وهذا القسم لا يوجد في سخال البقر بشي‌ء من قسميه.


الثالث : أن لا تكون نصابا أصلا ، وهذا أيضا على قسمين :

أحدهما : أن تكون مكمّلة للنصاب الذي بعد نصاب الامّهات كما لو ولدت خمس وعشرون من الإبل ، اثنين وثلاثون من البقر ، أحد عشر ، ومائة من الغنم ، اثنين وعشرين.

وثانيهما : أن لا تكون مكمّلة له أيضا كما لو ولدت خمس من الإبل أربعا أو أربعون من البقر خمسا أو أربعون من الغنم عشرين.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ القسم الأوّل من الأقسام الثلاثة هو الذي ذكر حكمه بقوله : « إن كانت نصابا مستقلّا » إلى آخره والقسم الثاني منها هو الذي ذكره بقوله : « أمّا لو كان غير مستقلّ » إلى آخره أي : أمّا لو كان النصاب غير مستقلّ بعد نصاب الامّهات ففيه ثلاثة أوجه.

أحدها : أنّه يبتدأ حول نصاب السخال مطلقا سواء كان مكمّلا للنصاب الذي بعد نصاب الامّهات أو لا ، ويخرج زكاته بعد تمام حوله.

وثانيها : أنّه يبتدأ حوله إن كان مكمّلا للنصاب الذي بعد نصاب الامهات ، وإلّا فلا يبتدأ حوله أصلا.

وثالثها : أنّه لا يبتدأ حول نصاب السخال حتّى يكمل حول نصاب الامّهات ، فإذا كمل ذلك يبتدأ الحول لهما ، ويكون الحول الثاني لنصاب الامّهات مجزيا للنصابين معا.

وأمّا القسم الثالث : فلم يذكره الشارح ، وإن وقع الخلاف في القسم الأوّل منه أيضا فقيل بابتداء حوله. وقيل بعدم ابتدائه

حتّى يكمل الأوّل ، فيجزي الثاني لهما.

وأمّا القسم الثاني ، فأجمعوا على عدم ابتداء حوله مطلقا.

قوله : فلو كان إلى آخره

هذا تفريع على ما اختاره الشارح من : أنّه لو كان نصاب السخال غير مستقلّ ، يجب أن لا يبتدأ حوله إلى ان يكمل حول أمّهاتها ، فحينئذ يستأنف حول واحد لهما.

وعلى هذا فلو كان أربعون شاة وولدت أربعين لم يجب في تلك الأربعين شي‌ء ؛ إذ بعد استيناف الحول الثاني وإتمامه يكون الغنم ثمانين وفيها واحدة ، وهي كانت واجبة


للامّهات ، فلا يجب في السخال شي‌ء ، وأمّا على القول الأوّل : فإذا تمّ حول الأربعين من السخال تكون فيها واحدة ، وأمّا الامّهات فيعتبر بالنسبة إلى حول أنفسها.

وأمّا القول الثاني ، فلا يجري هاهنا ؛ لعدم إكمال النصاب الذي بعد نصاب الامّهات ، ولو كانت ثمانون شاة وولدت اثنين وأربعين ، فعلى القول المختار إذا تمّ حول الامّهات تكون شاة للامّهات فقط ، ولا يعتبر حول السخال قبل ذلك ، وإذا تمّ حول الامّهات يستأنف حول الجميع ، فيخرج الزكاة للجميع عند تمام الحول الثاني.

وأمّا على كلّ من القولين الأوّلين ، فلا يسقط من حول السخال ما كان مقدّما على تمام الحول الأوّل من الامّهات ، بل إذا تمّ حول الاثنين والأربعين تكون فيها شاة وإن لم يتمّ الحول الثاني للامّهات. هذا ، والسرّ في فرض السخال في التارة الثانية اثنين وأربعين مع كفاية واحدة وأربعين في إكمال النصاب الذي حدّ نصاب الامّهات أنّ اللازم على مختار الشارح ، ضمّ السخال إلى الامّهات واعتبار حولهما معا بعد تمام الحول الأوّل للامّهات وإخراج زكاتها ، فينتقص من الامّهات واحدة.

فلو لم تكن السخال اثنين وأربعين لم يكمل النصاب الذي بعد نصاب الامّهات ، وأمّا في الصورة الاولى ، فلمّا لم يكن للسخال دخل في إكمال النصاب الذي بعد نصاب الامّهات ، فلا يحتاج فيها إلى أن يزيد في السخال من ينقص من الامّهات.

قوله : وهو المروي صحيحا.

رواه في الكافي عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج ». (١)

وحكم هنا بصحّة الخبر ، وكذا في المسالك ، وحواشي القواعد ، والإرشاد مع أنّ في طريقه إبراهيم بن هاشم ، مع أنّه في كتب الرجال غير ممدوح بالتوثيق ؛ إمّا لأنّ المراد بالصحّة هنا : الصحّة على طريقة القدماء ، وإبراهيم بن هاشم وإن لم يكن موثّقا ، ولكن الأصحاب تلقّوا أخباره بالقبول ، فيكون الخبر صحيحا على طريقة القدماء ؛ أو لأنّ تلقّي الأصحاب أخباره بالقبول في قوّة توثيقه ، فيكون صحيحا على طريقة المتأخّرين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ١٢٣ نقلا عن الكافى.


قوله : قبل تمام الحول.

أقول : يدلّ هذا الكلام بمفهوم شرطه على أنّه لو لم ينثلم قبل الحول ، فعليه شي‌ء ، سواء ثلم بعده أو لا. وهذا المفهوم بعمومه صحيح عند من يقول باعتبار الحول اللغوي : أي :دخول الثالث عشر ، أو باعتبار مضي أحد عشر ، ويكون الوجوب مستقرّا.

وأمّا من يقول بمضي أحد عشر ويكون الوجوب متزلزلا فلا يقول بهذا العموم ، بل يقول : إنّه لو ثلم بعد الحول وقبل تمام الثاني عشر لا يجب عليه شي‌ء أيضا ، وحينئذ فنقول : إنّ الظاهر أن مراد المصنّف من الحول : هو ما ذكره سابقا أعني : مضي أحد عشر. والظاهر أيضا أنّه لا يقول بالاستقرار بعد مضيّه ، بل يتوقّف على تمام الثاني عشر كما نقل عنه غير واحد ممّن تأخر عنه ، فلا يلائم عموم مفهوم كلامه مختاره ، إلّا أن يقال : مراده بالوجوب المنفي الذي يدلّ عليه قوله : « فلا شي‌ء » أعمّ من المتزلزل والمستقر ، فيكون المفهوم : ولو لم ينثلم قبل الحول يجب عليه شي‌ء سواء كان بالوجوب المتزلزل كما في بعض الأفراد أو المستقر كما في بعض آخر.

قوله : ولو بلحظة

متعلّق بالحول. ويمكن أن يكون متعلّقا بـ « ثلم » ، وحينئذ تكون « الباء » بمعنى : « في » أي : ولو في لحظة كما أن يبيع بعض النصاب في أثناء الحول ، ثمّ باعه المشتري له بعد لحظة ؛ فإنّه يجب حينئذ اعتبار ابتداء الحول من حين المبايعة الثانية.

قوله : على الأقوى.

إشارة إلى خلاف الشيخ في الجمل ، والسيّد في الانتصار ، وابني زهرة وحمزة حيث ذهبوا إلى أنّ من قصد الفرار في النقدين بالسبك لم يسقط عنه الزكاة.

وخلاف الشيخ في الخلاف حيث ذهب إلى أنّه إن بادل الجنس بمثله لا ينقطع الحول ، وغيرهما.

قوله : وما فاته به من الخير إلى آخره

الخير يعمّ الاخروي والدنيوي من البركة في المال وغيرها. ولقد أحسن في التعبير عن الأوّل بالخير وعن الثاني بالمال ؛ ليفيد عموم الأوّل وخصوص الثاني.


قوله : « كما ورد في الخبر » يحتمل أن يكون « الكاف » فيه بمعنى : « على » وأن يكون للتشبيه بناء على أنّه ليس عين اللفظ الوارد في الخبر ، بل ما يؤدي مؤداه. وأن يكون بمعنى : « اللام » كما قيل في قوله تعالى : ( وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ).

قوله : وهو ما كمل سنه سبعة إلى آخره

هكذا قال المحقّق الشيخ علي. وقيل فيه اشياء اخر. فقال ابن الأعرابي بما ذكره الشارح بقوله : « وقيل إنّما يجذع » إلى آخره

وقال العلّامة في التذكرة والمنتهى : إنّ الجذع من الضأن ما كمل ستّة أشهر.

والأصح أنّه ما كمل له سنة ؛ إذ لم يرد نصّ في معناه ، فيجب الرجوع إلى كلام أهل اللغة ، وهذا هو المنصوص في كلام أكثرهم فقال الجوهري : « والجذع يقال منه لولد الشاة في السنة الثانية ».

وقال الفيروزآبادي في القاموس : « ويقال لولد الشاة في السنة الثانية ، وللبقر وذوت الحافر في الثالثة : وللإبل في الخامسة اجذع ».

وقال ابن الأثير في النهاية : « أصل الجذع من أسنان الدواب » إلى أن قال : « وهو من الضأن ما تمّت له سنة ».

وبذلك فسّر صاحب الكنز أيضا.

وأمّا ما فسّر به الثنيّ من المعز من أنّه ما كمل سنة ، فهو قول المحقّق ومن تأخّر عنه.

وقد قطع بعض المتأخّرين بانّه ما دخل في الثالثة ، وفسّر بذلك العلّامة أيضا في بعض كتبه ، وهو أقوى وأحوط ؛ لأنّه الموافق لنصّ أهل اللغة. قال الجوهري : « الثني الذي يلقى ثنيّته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ».

وقال في القاموس : « الثنية الناقة الطاعنة في السادسة ، والبعير ثنيّ والفرس الداخلة في الرابعة ، والشاة في الثالثة كالبقرة » (١).

وقال ابن الأثير : « الثنية من الغنم ما دخل في السنة الثالثة ». نعم نقل ابن الأثير عن أحمد بن حنبل أنّه قال : إنّ الثنية من المعز ما دخل في السنة الثانية.

__________________

(١) قاموس اللغة : ٤ / ٣٠٩.


فائدة :

ذكر العلامة في جملة من كتبه أسنان الغنم فقال : « أوّل ما تلد الشاة ذكرا كان او انثى معزا أو ضأنا يقال لولدها سخلة ثم بهمة فإذا بلغت أربعة أشهر ففي المعز جفر للذكر وجفرة للانثى ، فإذا جاوزت أربعة أشهر فهي عتود وعريض ومن حين تولده إلى هذه الغاية يقال لها : عناق للانثى ، وجدي للذكر. فإذا استكملت سنة فالانثى عنز والذكر تيس فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة ، والذكر جذع ، فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر ثني وفي الرابعة رباع ورباعية ، وفي الخامسة سديس وسدس ، وفي السادسة صالغ ، ثمّ يقال : صالغ عام وعامين دائما.

وأمّا الضأن فالسخلة والبهمة مثل ما في المعز ثمّ حمل للذكر ورخل للانثى إلى سبعة أشهر فإذا بلغتها قال ابن الأعرابي : إن كان من شابين فهو جذع وإن كان من هرمين فلا يقال جذع حتّى يستكمل ثمانية أشهر ، وهو جذع أبدا حتّى يستكمل سنة ، فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنية على ما ذكر في المعز سواء إلى آخرها ». (١)

قوله : والفرق.

أي : الفرق بين الضأن والمعز حتّى أنّه يجزي من الضأن الجذع ، ولا يجزي من المعز إلّا الثني فما فوقه.

فهو إشارة إلى السر في المنطوق في الضأن مع المفهوم في المعز ، ويتضمّن بيان المنطوقين والمفهومين أيضا.

قوله : بضمّ « الراء » وتشديد « الباء ».

وكذا بالف التأنيث المقصورة.

قوله : وهي الوالد من الأنعام.

خلوّ الوالد عن « التاء » ؛ لكونه بمعنى النسب ، كالتامر واللابن أي : ذات الولد. أو لتأويله بنحو شي‌ء والد.

قوله : لانها نفساء.

__________________

(١) راجع التذكرة كتاب الزكاة.


فتكون مريضة لان النفساء مريضة ولذا لا يقام عليها الحدّ وقيل لان فى اخذها اضرارا بولدها وتظهر الفائدة فيما اذا رضي المالك باخذها فيجزي على الثاني دون الاول ويمكن المنع من الاخذ على الثاني أيضا اذا رضي المالك لاطلاق النصّ.

قوله : وان رضي المالك.

قيل : والاولى ان يقال وان رضي الاخذ الا ان يراد مالك [ الأخذ ] وهو المستحق للاخذ.

اقول : نظره الى ان المانع حينئذ يكون المرض فيكون في اخذها ضررا بالاخذ لا بالمالك فيكون اخفى الافراد عدم الاجزاء حين رضا الاخذ بالضرر لا رضا المالك. ويمكن ان يقال : ان مراده ليس بيان الفرد الاخفى ، بل المراد الرد على من يقول ان المانع هو الاضرار بالولد فيجزي مع رضا المالك.

قوله : وإن رضي المالك.

قيل : الأولى أن يقال : وإن رضي الآخذ.

وفيه نظر ؛ لأنّ هذا ردّ على من استدلّ لعدم أخذ الرّبى بحصول الضرر على المالك من حيث الإضرار بالولد ، ولازمه جواز الأخذ إذا رضي المالك.

وحاصل الرد أنّ الوجه في عدم أخذ الرّبى ليس ذلك ، بل كونها نفساء ، فتكون مريضة. فيتفرّع عليه عدم الإجزاء ولو رضي المالك ؛ لأنّ رضاه إنّما ينفع فيما كان الوجه فيه عدم حصول الضرر عليه.

قوله : بفتح « العين » وضمها.

نقل في القاموس بالكسر أيضا.

قوله : ولا تعدّ الأكولة.

وذهب الأكثر إلى عدّها وعدم أخذها إلّا برضا المالك. وكذا في ضراب الفحل ، وذلك أحوط.

قوله : وأطلق.

أي : وأطلق الناقص ، فيعمّ ما كان بقدر الحاجة والزائد عليه.


قوله : وتجزي القيمة.

والمعتبر في القيمة المجزية هي القيمة وقت الإخراج ؛ وذلك ان اتّحدت وقتي الإخراج والوجوب ظاهر ، وإن تعدّدت فلأنّ العين صارت مملوكة للفقير من حين الوجوب ، ودفع القيمة يجعلها بمنزلة المبيع ، والمعتبر في قيمة المبيع وقت الانتقال ، ووقت الانتقال إلى المالك هو وقت الإخراج.

نعم يحتمل قويّا أنّ المالك لو فرّط في الإخراج وصار الكون عنده سببا لنقص القيمة اعتبرأ أعلى القيم من حين الوجوب إلى وقت الإخراج. وأيضا الظاهر أنّ اعتبار القيمة وقت الإخراج إن لم يقوّم الزكاة على نفسه ، فلو قوّمها وضمن القيمة ثمّ زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج ، فالوجه وجوب ما ضمنه خاصة ، دون الزائد والناقص.

قوله : مطلقا.

أي : في كلّ واحد من الأنعام وفي الغلّات والنقدين رضي الساعي أو المستحق أم لا ، كانت القيمة أنفع من العين أم لا.

وإنّما ذكره المصنّف هاهنا ؛ لأنّه لمّا ذكر قبله ما يجزي من الشاة وما لا يؤخذ وما لا يعد ناسب أن يذكر عقيبه ذلك.

قوله : والإخراج من العين أفضل.

لأنّه الأصل الذي تعلّق به الزكاة ، وللخروج عن الخلاف في الأنعام حيث ذهب بعضهم إلى عدم إجزاء القيمة فيها.

قوله : ولو كانت الغنم.

ذكر الغنم إنّما هو على سبيل التمثيل ، وفي بعض نسخ المتن « النعم » وهو أولى.

قوله : جمع.

لو ذكره عقيب « الغنم » كان أولى ، وهو حينئذ كما في قوله : « ما رأس ذا الاختين أجمع » يريد : ما رأس ذا أجمع الاختين (١).

قوله : لم يجز الأدون.

__________________

(١)


فإن قيل : إنّ ذلك الاستثناء إنّما يناسب إذا كان كلام المصنّف دالّا على إجزاء الأدون مع اختلاف المرض وأين من ذلك؟

قلنا : لمّا أطلق المصنّف المرض ، وكذا الأخذ من المريض ، فكان كلامه بإطلاقه دالّا على إجزاء أخذ الأدون مع اختلاف المرض أيضا ، فيكون الاستثناء مناسبا.

قوله : قسّط.

وذلك بأن يقوّم كلّ من الأدون والأعلى ، ويؤخذ نصف المجموع ، ويخرج ما كان قيمته بقدر ذلك النصف.

وقوله : أو القيمة عطف على « الوسط ».

وقوله : « كذلك » أي : القيمة التي يقتضيها التقسيط.

قوله : وكذا لو كانت كلّها إلى آخره

أي : فيخرج منها ، فإن تساوت في العيب والسن فلا إشكال. وإن تفاوتت قسّط واخرج الوسط أو القيمة.

وهل الرّبى أيضا ممّا يختلف فيه بالاختلاف في القرب من الولادة والبعد؟ الظاهر ذلك إن كان مرضا وإن كان محتملا للاختلاف في احتياج الولد إلى التربية زيادة ونقصانا.

ثمّ الظاهر أنّ الاختلاف في السن وفي نوع المرض والعيب الموجب للتقسيط إنّما هو الاختلاف الفاحش الذي يتفاوت به في القيمة والنفع.

قوله : وإن كان مشتركا.

أي : لا يتميّز نصيب كلّ من نصيب صاحبه ، بخلاف المختلط.

وقوله : « متحد المسرح » إلى آخره بيان للاختلاط ، فهو صفة موضحة أي : بأن كان متّحد المسرح أي : المرعى ، والمراح أي : المأوى في الليل ، والمشرع أي : مورد الماء من نهر ، أو عين ، أو حوض ، أو بئر.

قوله : وهي النقش الموضوع.

النقش بمنزلة الجنس. خرج بقيد « الموضوع للدلالة » النقش الموضوع لا للدلالة على


شي‌ء كأكثر النقوش الموضوعة في الحلي ، وبقيد « على المعاملة » الموضوع للدلالة لا على المعاملة كالادعية المنقوشة في الحلي ، أو النقوش الموضوعة في فص الخواتم ، وبقيد « الخاصة » الموضوعة للدلالة على المعاملة العامّة كما لو فرض أن يأمر سلطان بأن لا يعامل بنوع من الذهب ، ووضع لما يصح المعاملة به مطلقا نقشا خاصّا.

وقوله : « بكتابة » بيان للنقش. ودخل بقوله : « وغيرها » [ ما ] ينقش لا بالكتابة كتمثال الصنم ونحوه. هذا.

ولا يقال : إن السكّة تدلّ على المبلغ الخاص ، لا على المعاملة الخاصة.

لأنّا نقول : إنّ مدلولها ليس ذلك المبلغ ، بل مدلولها أنّه يجب أن تكون معاملة المنقوش بهذا المبلغ ، فالمدلول حقيقة هو المعاملة دون المبلغ.

قوله : وغيرها.

كأن يؤخذ آلة للوزن.

قوله : زاده أو نقصه.

أي : وإن زاد ذلك ؛ لاتخاذ ( كذا ) المضروب بأن يجعل فيه حلقة ، أو نقصه بأن يجعل فيه ثقبة.

والحاصل أنّه لا يتغير الحكم وإن حصل التغيّر في المضروب ما دامت المعاملة الخاصّة التي يوجبها السكّة فيه ممكنة.

ف « الألف واللام » في قوله : « المعاملة » للعهد.

قوله : وهو درهم وثلاثة أسباع إلى آخره

وذلك لأنّ سبعة مثاقيل عشرة دراهم ، فيكون المثقال ثمانية وستين حبّة من حبّات الشعير وأربعة أسباع حبّة.

قوله : فنصاب الذهب إلى آخره

اعلم أنّ المدار في هذه الأزمان لما كان على المثقال الصيرفي فيمس الحاجة إلى تقدير النصابين في كلّ من النقدين بهما فنقول : إنّ كلّ دينار مثقال شرعي ، وهو ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالصيرفي مثل الشرعي وثلثه ، فيكون ثلاثة المثاقيل الصيرفيّة


أربعة من الشرعية ، ويلزم منه أن يكون خمسة عشر مثقالا صيرفيا عشرين مثقالا شرعيّا. فيكون أوّل نصابي الذهب خمسة عشر مثقالا صيرفيّا ، وثانيهما ثلاثة مثاقيل ، وهكذا.

وأمّا الدرهم فهو نصف المثقال الشرعي وخمسه ؛ لأنّهم صرّحوا بأنّ المثقال الشرعي درهم وثلاثة أسباعه ، ويلزم من ذلك أن يكون الدرهم نصف مثقال وخمسه ، كما أنّ العشرة سبعة وثلاثة أسباعها ، والسبعة نصف العشرة أي : خمسة وخمسها أي : اثنان ، فالدرهم نصف المثقال الصيرفي وربع عشره فيكون أربعون درهما واحدا وعشرين مثقالا صيرفيّا ، فمائتا درهم مائة وخمسة مثقالا صيرفيّا ، فهي أوّل نصابي الفضة ، وثانيها :واحد وعشرون مثقالا ، وهكذا.

هذا في النصاب ، وأمّا المخرج أي : الفريضة فتكون ابدا ربع عشر النصاب ، سواء قدّر النصاب بالشرعي أو الصيرفي ، فلا يتفاوت.

قوله : وخمسه أو ثمانية.

والمراد بالترديد هاهنا : أنّ الدرهم إن اريد تقديره ومعرفته بالمثقال فهو نصفه وخمسه ، وإن اريد معرفته بالحبّات فهو ثمانية وأربعون حبّة.

وليس المراد أنّ الدرهم إمّا نصف المثقال وخمسه أو ثمانية وأربعون حبّة ، وكذا يكون أبدا نصف مثقال وخمسه ، وكذا يكون أبدا ثمانية وأربعون حبّة.

قوله : حبّة شعير.

المراد : الحبّة المتوسطة فى العظم والصغر ، والرزانة والخفّة.

قوله : مقداره.

أي : مقدار النصاب ، أو مقدار ما عنده.

قوله : وربما زاد خيرا.

إذ كثيرا ما يكون المال زائدا عن نصاب وناقصا عن النصاب الذي فوقه ، فإذا لم يعتبر المقدار يخرج ربع العشر من ما بين النصابين الذي هو العفو.

قوله : إن كان ممّا يزرع.

التقييد لاخراج النخل والكرم ؛ فإنّه يشترط التملك [ فيهما ] بالغرس أو الانتقال ؛ إذ


لا يزرع النخل والكرم والظاهر أنّ مراد المصنّف بالزراعة : ما يعمّ الغرس أيضا ؛ فإن الزرع في اللغة التنمية قال الله سبحانه : ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) (١) فلا فرق في ذلك بين البذور والأشجار ، فتقييد الشارح غير متّجه.

قوله : أو الانتقال.

معطوف على الزراعة ، ويحتمل عطفه على التملّك أيضا.

قوله : فتجب الزكاة حينئذ.

أي : حين الانعقاد والبدوّ.

قوله : وكان عليه أن يذكر إلى آخره

أو يذكر مكان انعقاد الثمرة أو الحب بدوّ الصلاح ؛ فإنّه يشمل الامرين.

قوله : فيه به.

أي : في النخل بالانعقاد ، بل اتّفقوا على تعلّقه فيه ببدوّ الصلاح الذي هو التلوّن.

قوله : الا انّه فى النخل الى آخره

واعلم أنّ مراد الشارح : أنّ للجملة الشرطية التي ذكرها المصنّف فحوى ، هو مفهومها الموافق ومنطوقا هو ما يدلّ عليه ظاهرا ، ففحواها يدلّ على تعلّق الوجوب بسبب الانعقاد كما يأتي ومنطوقها يدلّ على أنّ الانتقال قبل الانعقاد موجب للزكاة على المنتقل إليه.

وعدم ذكر بدوّ الصلاح في النخل يوجب إدخاله في الانعقاد ، فيدلّ الفحوى على تعلّق الوجوب في النخل بالانعقاد ، مع أنّه خلاف الإجماع.

وبذلك يصير الفحوى محل النظر ، ولكن لا يرد شي‌ء على منطوقها ؛ لأنّ الوجوب في النخل لمّا يتعلّق قبل بدوّ الصلاح يتعلق قبل الانعقاد أيضا ؛ لان الانعقاد مقدّم على بدوّ الصلاح ، ولكن ذلك في النخل خال عن الفائدة أيضا ، إذ لا تخصيص فيه بما قبل الانعقاد ، بل الانعقاد مساو لغيره من الحالات السابقة على بدوّ الصلاح.

هذا ، وقال بعض المحشّين : إنّ الحكم المذكور وإن كان صحيحا إلّا أنّ اشتراط الحكم

__________________

(١) الواقعة : ٦٤.


به ليس صحيحا ؛ فإنّه لا يشترط في النخل الانتقال قبل الانعقاد ؛ إذ لو انتقل بعده قبل بدوّ الصلاح وجب الزكاة على المنتقل إليه ، فما ذكره من أنّه خال عن الفائدة وإن كان صحيحا ؛ محل تأمّل مع الاشتراط. (١) انتهى.

أقول : نظره إنّما هو على المفهوم المخالف للجملة الشرطيّة وهذا وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لا يوجب تأمّلا فيما ذكره الشارح من أنّه في النخل خال عن الفائدة ، وإن كان صحيحا ، لأنّ نظر الشارح إلى المنطوق دون المفهوم المخالف ، وكأنّه لم يلتفت إلى هذا المفهوم لما ذهب إليه بعضهم من أنّ اعتبار المفهوم المخالف للجملة الشرطية إنّما هو إذا كان الشرط بأدواته ، دون لفظه.

قوله : من فحوى الشرط.

أي : من مفهومه الموافق.

واستفادته من ذلك لأجل أنّهم صرّحوا بوجوب الزكاة في جميع ما ينتقل إلى الملك من الغلّات الأربع قبل تعلّق الوجوب به ، فاشترطوا في وجوب الزكاة الانتقال قبل تعلّق الوجوب ، ولكن اختلفوا في أن تعلّق الوجوب هل هو في حال الانعقاد أو حال صيرورة الغلّة أحد الأربعة حقيقة؟ ولمّا جعل المصنّف الشرط هو الانتقال قبل الانعقاد ؛ يفهم منه أنّه يقول بأنّ حال تعلّق الوجوب هو حال الانعقاد ، ونسبة استفادة ذلك إلى المفهوم الموافق ؛ لموافقته مع المنطوق في الإثبات.

قوله : ونصابها.

الظاهر كونه مبتدأ خبره ما بعده. وعلى هذا حمل الشارح حيث قال : « واكتفى عن اعتباره » إلى آخره ويحتمل العطف على التملّك ، ويكون ما بعده خبرا لمبتدإ محذوف. وعلى هذا يكون النصاب معتبرا شرطا.

قوله : تجوّزا

المراد بالتجوّز إمّا معناه اللغوي أي : التعدّي عن مقتضى الظاهر حيث إنّ مقتضاه ذكر الاشتراط أوّلا ، أو معناه الاصطلاحي ، ويكون المجاز من باب إطلاق الموضوع للكل في

__________________

(١) شرح اللمعة طبع عبد الرحيم : ١ / ١٦٦ ، حاشية سلطان العلماء.


الجزء حيث إنّ قوله : « نصابها ألفان » جملة دالّة بالوضع على بيان مقدار نصابها ، وجزء المجموع هو النصاب المضاف إلى الغلّات الدالّ على اشتراطه فيها ، فاريد بالجملة الدلالة على الاشتراط ، أو من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء في الكلّ ، حيث إنّ الموضوع له الجملة بيان المقدار ، والمراد بيانه مع بيان الاشتراط.

أو من باب مجاز المشارفة حيث إنّ التركيب الإضافي والوصفي موضوعان لأن يخاطب بها العالم بالإضافة والاتصاف ؛ فإنّه لا يقال : ( غلام زيد قائم ) أو ( زيد العالم قائم ) إلّا لمخاطبة من يعلم أنّ لزيد غلاما ، وأنّ زيدا عالم ، فلفظ « نصابها » موضوع لمخاطبة من يعلم أنّ للغلّات نصابا ، فاستعمل في خطاب من لا يعلمه ولكن يشرف على العلم به تنزيلا له منزلة العالم به ؛ لكونه ممّن يعلمه بأدنى رجوع إلى كتب القوم أو بما يلزم هذه الجملة.

أو المراد بالتجوّز : الكناية ، حيث إنّه ذكر الملزوم ـ وهو مقدار النصاب ـ وأراد اللازم الذي هو الاشتراط.

ولكن لا يخفى أنّ الحمل على التجوّز الاصطلاحي إنّما يتمّ على القول بجواز استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز وكونه مجازا ؛ إذ لا شك أنّ بيان المقدار أيضا مطلوب.

هذا مع ما في الاحتمال الأوّل والثاني من الخدشة.

أمّا الأوّل ؛ فلأنّ جعل اشتراط النصاب جزءا ممّا لا وجه له ، بل غاية ما يمكن أن يقال :هو الالتزام دون الجزئية. وأمّا الثاني ؛ فلأنّه يشترط في الكل والجزء الذي يستعمل اللفظ الموضوع لأحدهما في الآخر من تركّب حقيقي ، والتركيب المذكور تركيب جعلي ، كما لا يخفى.

قوله : وسبعمائة رطل بالعراقي.

لمّا كان المدار في هذه الأزمان في الغلّات على المنون فمستنا الحاجة إلى تقدير النصاب بها ، فنقول :

قد حاسبنا بالتحقيق فوجدنا النصاب بالمنّ الشاهي مائة وثلاثة وخمسين منا ونصف من ونصف ثمن من. والمراد من ثمن المن : ما يقال بالفارسية : ( بيست وپنج درم ). ثمّ ذلك لأجل أنّ الرطل العراقي لكونه مائة وثلاثون درهما وكون كلّ درهم نصف مثقال


صيرفي وربع عشره يكون ثمانية وستين مثقالا صيرفيا وربع مثقال ، وإذا ضربنا عدد أرطال النصاب في مثاقيل الرطل يحصل مائة وأربعة وثمانون ألف مثقال صيرفي ومائتان وخمسة وسبعون مثقالا صيرفيا ، ويكتب بالأرقام الهندسية هكذا : (١٨٤٢٧٥) فتكون هذه عدد مثاقيل النصاب. ثمّ المنّ الشاهي ألف ومائتا مثاقيل صيرفية ، فإذا ضربنا هذا العدد في ما ذكرنا من عدد منون النصاب أي : مائة وثلاثة وخمسون يحصل : مائة وثلاثة وثمانون ألف مثقال وستمائة مثقال صيرفي ، وإذا زدنا عليه عدد مثاقيل نصف المن ونصف ثمنه : أي : ستّمائة وخمسة وسبعون مثقالا يحصل عدد مثاقيل الأرطال ، فيكون ذلك أيضا نصابا.

هذا بالمن الشاهي القديم الذي هو ألف ومائتا مثاقيل صيرفيّة ، وأمّا بالمنّ الشاهي الجديد المتعارف الآن : وهو ألف ومائتا مثاقيل وثمانون مثقالا صيرفيّا ، فالنصاب مائة وأربعة وأربعون منا إلّا خمسة وأربعين مثقالا صيرفيا ؛ وذلك لانّ عدد مثاقيلها مساو لعدد مثاقيل الأرطال ، كما لا يخفى على من له دربة في علم الحساب.

قوله : أصله خمسة أوسق.

يعني : أصل النصاب. والمراد بأصله أي : ما نطق به النصوص ووقع التعبير به فيها.

والوسق بفتح « الواو » وسكون « السين » وحكي بكسر « الواو » أيضا.

قوله : والصاع.

لا يخفى أنّ كلّ صاع أربعة أمداد ، وكلّ مدّ رطلان وربع بالعراقي.

قوله : ليس له.

أي : للمذكور ، أو لهذا الجنس من الأجناس الزكويّة ، أو لكلّ واحد من الغلّات الأربع.

قوله : ولا عفو فيه.

أي : في الزائد عن النصاب فهذا جزء من التفسير وليس بحكم ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله : سيحا بالماء.

اعلم أنّ قوله : « سيحا » يحتمل أن يكون مصدرا من ساح الماء إذا جرى على وجه


الأرض ، وحينئذ يكون قوله : « سيحا » تمييزا ، ويكون قول الشارح : « بالماء » إلى آخره تفسيرا للمضمون. وأن يكون اسما للماء الجاري كما صرّح به الجوهري ، وحينئذ يكون منصوبا بنزع الخافض ، ويكون قوله : « بالماء » تفسيرا للفظ وأما البعل والعذي وإن كانا اسمين للنخل الذي يشرب بعروقه ، والزرع الذي لا يسقيه إلّا ماء المطر ، إلّا أنّهما لا يحتملان هاهنا إلّا للمصدريّة والتمييزية ؛ ولذا فسرهما الشارح بالمصدر.

قوله : كالنيل.

قالوا : إن الله سبحانه بعث عليه ريح الشمال فيغلب عليه البحر المالح فيزبد ويملو وتروى به الأرض قبل أوان الزراعة ، حتّى إذا كان زمان الزراعة كان ذلك كافيا ، واكتفي به عن المطر وغيره.

قوله : أو بعلا.

يحتمل المصدريّة والتمييزية كما بينّا سابقا ، ويحتمل أن يكون هو والعذي باقيا على معنييهما الأصليين ويكونا حالين من ضمير سقى المقدر كما نصّ عليه المطرزي في لفظة الحديث والضمير في قوله : « وهو » في الموضعين عائد الى مضمون جملة سقي بعلا أو عذيا.

قوله : بالدلو.

الدلو : هو الذي يسقي منه الانسان بنفسه. والناضح : هو الذي يديره البعير. والدالية :هي التي يديرها البقر ، ونحو ذلك كالناعورة : وهي التي يديرها الماء.

قوله : فالأغلب عددا إلى آخره

وإنّما ميّز الأغلبية بالعدد أو النفع والنمو ، دون الزمان ؛ لأنّ المصنّف لا يقول باعتبار الأغلبية فى الزمان كما يدلّ عليه قوله : « وفاقا للمصنّف » فلا يناسب تميّز ما ذكره به.

ثمّ جمع النفع والنمو مع إمكان التخلّف بينهما بناء على ما هو الغالب من أن ما يكون أغلب نفعا يكون أغلب نموّا وبالعكس.

هذا ولا يخفى أنّ اعتبار العدد والنفع أو الزمان إنّما يكون فيما يمكن فيه ذلك ، وأمّا فيما لا يمكن بعضها فلا ريب في اعتبار ما يمكن منها.


وبيان ذلك : أنّه لو سقي بالغير والسيح ، فإمكان اعتبار العدد مطلقا ظاهر سواء كان السقي بهما ملفقا أو غير ملفق. وأمّا اعتبار النفع أو الزمان فلا يمكن غالبا فيما سقي بهما ملفقا.

ولو سقي بالغير والبعل فاعتبار العدد يمكن أيضا ، وذلك بأن يحسب عدد ما يجب للزرع من السقي ، واخرج منه ما سقي بالغير ، فالباقي عدد السقي بالبعل.

وأمّا اعتبار الزمان ، فإنّما يمكن لو لم يكن البعل مستداما للزرع ولم يكن حين البعل محتاجا إلى السقي. وأمّا اعتبار النفع وإن أمكن في بعض الصور ، ولكنّه لا يمكن في بعض آخر كما لا يخفى.

ولو سقي بالغير والمطر فيمكن اعتبار العدد أيضا مطلقا ، وحينئذ يحسب أعداد السقي بالمطر ما كان منه لازما دون الزائد.

وأمّا اعتبار الزمان فلا يمكن في صورة التلفيق ، وأمّا النفع فيمكن في بعض صور التلفيق ولا يمكن في بعضها ، فتأمّل.

قوله : والزمان مطلقا.

لفظة « واو » في قوله : « والزمان » للجمع في الاحتمال أي : يحتمل اعتبار العدد مطلقا ، ويحتمل اعتبار الزمان مطلقا ، فكلاهما محتملان ، لا للجمع في الاعتبار أي : يحتمل اعتبارهما معا ؛ لأنّ الأغلب أنّه لا يمكن اعتبارهما معا ، فتتفاوت أعداد السقي في الأزمنة المتساوية.

قوله : ولو أشكل الأغلب.

أي : لا يعلم أنّه أغلب أحدهما على الآخر أم لا؟ وليس المراد ما إذا علمت الغلبة ولكن لم يعلم أنّها لأيّهما ؛ بدليل ما يذكره من احتمال الإلحاق بالتساوي لأجل أصالة عدم التفاضل.

قوله : وهو قول الشيخ.

قال به في المبسوط والخلاف ، والاحتجاج بالإجماع إنّما هو في الخلاف.


قوله : من استثنائها مطلقا.

أي : عن استثناء مطلقها وإن ورد استثناء بعضها كمونة الحارس و [ هي ] العذقان ، وأمّا حصّة السلطان فهي ليست من المئونة كما صرّح به الشارح.

ويحتمل أن يكون معنى الإطلاق : أنّه ليس استثناء شي‌ء منها [ في النصوص ] سواء فيه البذر والمتقدّم والمتأخّر ومئونة الحارس باعتبار عدم صحّة الخبر المتضمّن لاستثنائها.

قوله : لأجلها.

أي : لأجل الغلّة ، وهو متعلّق بالعمل وقوله : « وإن تقدّم » أي : تقدّم العمل أو الغرامة.

قوله : ولو اشتراه اعتبر المثل أو القيمة.

المراد بالقيمة : القيمة التي اشتراه بها ، لا قيمته وقت الإخراج.

احترز بذلك عمّا لو كان البذر من ماله ، فإنّه لا يعتبر فيه القيمة أو المثل ، بل يستثنى عينه من ماله ، كذا في المسالك وحواشي الإرشاد.

ولعلّ العين والمثل هنا واحد لعدم بقاء عين البذر ، بل المراد في التفرقة بين الصورتين أنّه في صورة الاشتراء مخيّر بين المثل وبين القيمة ، بخلافه فيما لو كان من ماله ، فإنّه يعتبر المثل ، ولو اعتبرت القيمة أيضا ، فهي غير القيمة المعتبرة في صورة الاشتراء ؛ لأنّ القيمة المعتبرة فيها هي القيمة التي اشتراه بها ، والقيمة المجزية عن المثل في صورة كونه من ماله قيمة المثل وقت الإخراج.

قوله : ويعتبر النصاب إلى آخره

هذا بيان لمسألة اخرى على القول باستثناء المئونة : وهي أنّه هل يستثنى المئونة أوّلا ثمّ يعتبر النصاب ، أو يعتبر النصاب أوّلا ثمّ يستثنى المئونة؟ وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنّ اعتبار النصاب بعد جميع المؤن ، فإن بقي بعد إخراجها أقلّ من النصاب لم تجب الزكاة.

وثانيها : ان اعتباره قبلها ، ففي الصورة المذكورة يجب عشر الباقي أو نصف عشره.

وثالثها : التفصيل ، وهو أنّ المئونة على قسمين : قسم يتقدّم على تعلّق الوجوب بالغلّات أي : يحصل قبل انعقاد الحب وبدوّ الصلاح أو صدق الاسم على اختلاف القولين ،


وقسم يتأخّر عنه فما كان من قبيل الأوّل يعتبر النصاب بعده دون ما تأخّر عنه ، بل يستثنى ولو من نفس النصاب ويزكّى الباقي وإن كان أقل من النصاب.

وهذا القول الأخير هو مراد الشارح ومختاره بقوله : « ويعتبر النصاب ».

الفصل الثاني

قوله : عروضا.

العروض : المتاع الذي اشتري بمتاع لا بنقد. قال ابن الأثير في النهاية : « المعارضة : بيع العرض بالعرض ، وهو بالسكون المتاع بالمتاع لا نقد فيه ، يقال : أخذت هذه السلعة عرضا إذا أعطيت في مقابلتها سلعة اخرى ».

هذا ، وكذا إن كان بعضه عروضا وبعضه نقدا حيث لم يبلغ نقده إلى نصاب ، وكذا إن كان الأصل مركّبا من النقدين بحيث لم يبلغ كلّ منهما إلى نصاب وبلغ المجموع إليه.

ولا يخفى أنّ الصواب أن يقول بدل قوله : « وإلا فنصاب أصله » إلى آخره : وإلّا فلا زكاة إذا لم يبلغ نصاب أصله وإن بلغ بالآخر ، كما لا يخفى.

قوله : وفهم من الحصر إلى آخره

المراد بالحصر الاقتصار على ذكر ما ذكر من الشروط دون الحصر المدلول إليه بلفظة « إنّما » إذ لا يفهم من ذلك الحصر إلّا أنّه لا يستحبّ زكاة التجارة بدون الشرط المذكور ؛ لا انّه لا يشترط في استحبابها غيرها.

ويمكن إرجاع الحصر إلى ذلك أيضا ، بناء على أنّ الحصر مركّب من إثبات ونفي ، فيتضمّن هذا الحصر إثبات الاستحباب مع هذه الشروط ، ويفهم من هذا الإطلاق عدم اشتراط قصد الاكتساب ، والمآل واحد.

قوله : قصد الاكتساب إلى آخره

هذا إذا لم يعتبر قصد الاكتساب عند التملك قيدا لتعريف مال التجارة كما عليه الأكثر ، وأمّا لو جعل قيدا له كما في الشرائع ، فلا يفهم من الحصر ما ذكره ، كما لا يخفى.


قوله : إلى المال.

أي : إلى رأس المال ، فإذا بلغ المجموع النصاب تعلّقت به الزكاة وإن نقص عنه كل منهما ، وإن كان رأس المال نصابا كفى بلوغ حصّته النصاب الثاني للنقدين.

ثمّ إنّ هذا بخلاف ما إذا كان المال بيد المالك نفسه ، فإنّ الربح كلّه يضمّ حينئذ إلى رأس المال.

قوله : ويعتبر بلوغ حصّة العامل إلى آخره

هذا إذا قلنا بأنّ للعامل قسطا من الربح ، وأمّا على القول بأنّه ليس له إلّا اجرة المثل فزكاة الجميع على المالك ، ولا تنقص منها مقدار اجرته ؛ لأنّها كالدين.

قوله : وما في حكمها.

أي : حكم الزراعة من التملك قبل انعقاد الحب وبدوّ الصلاح.

قوله : وغيرها.

من أنّ وقت التعلّق بدوّ الصلاح أو صحّة إطلاق الأسماء ، وأنّ المؤن والخراج مستثناة أو لا.

قوله : جعلنا وقته.

لا يخفى انه على القول بكون وقت تعلّق الوجوب حين التسمية لا يتّحد وقتا الوجوب والإخراج ؛ لأنّ وقت الوجوب حين التسمية ، ووقت الإخراج على ما ذكره بعد التصفية ، وهما متغايران البتّة.

ويمكن التوجيه بتكلّف.

قوله : بوقت الوجوب.

يمكن أن يقال بابقاء قوله : « من وقت الوجوب » على ظاهره أيضا ، وهو وقت وجوب الزكاة أي : اشتداد الحب وبدوّ الصلاح على مذهب المصنّف ، ويقال : إنّ قيد « مع الإمكان » يخرج وجوب الإخراج في وقت الوجوب هنا ؛ إذ لا يمكن الإخراج حين تعلّق الوجوب على هذا القول.


قوله : على التفصيل.

أي : التفصيل بين وقتي الوجوب والإخراج [ و ] وقت الوجوب هو بدوّ الصلاح وانعقاد الحب كما هو المشهور.

قوله : فيضمن.

لفظة « الفاء » تدلّ على أنّ الضمان متفرّع على عدم جواز التأخير ، مع أنّه قال في المدارك : لا ريب في الضمان إذا كان التأخير بغير عذر وإن قلنا بجوازه إلّا أن يقال : إنّ مراده تفريع مجموع الضمان والإثم على عدم الجواز دون الضمان فقط.

قوله : بالتفرقة.

الظاهر تعلقه بكلّ من الوصي والوكيل ، وإن كان المعهود في الوكيل لفظة « في » لسعة باب التضمين ، وجواز كون « الباء » بمعنى « في ».

قوله : ولغيرها.

من الحقوق المالية.

قوله : أو التعميم.

أي : بالنسبة إلى الفقراء وأصناف المستحقّين للزكاة المذكورة في الآية.

قوله : على أشهر القولين.

والقول الآخر جواز التقديم على وجه الزكاة وهو لابن أبي عقيل وسلّار ظاهرا.

قوله : إلّا قرضا.

الاستثناء منقطع ؛ لأنّ القرض ليس تقديم الزكاة ، أو يؤوّل في قوله : « ولا يقدّم على وقت الوجوب » بما يجعل الاستثناء متّصلا.

قوله : بالنيّة.

أي : بعد وقت الوجوب ينوي أنّ ما عند فلان بالقرض فهو زكاة ، ولا يجب الإظهار عند المستقرض.

قوله : فيجوز إخراجها [ وفي الاثم قولان ].

قيل عليه : لا يخفى أنّه غير ملائم للجزم بعدم الجواز ؛ فإنّه يستدعى الاثم ، وهذا


يشعر بالتردّد ، كأنّه ذكر لنقل الخلاف. ويمكن أن يوجّه : بأنّ المراد بنفي الجواز نفي الجواز بالمعنى الأخص المرادف للإباحة حتّى يصحّ بقاء الكراهة.

قوله : عن الصادق عليه‌السلام

« في الرجل يعطى الزكاة يقسّمها أله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال عليه‌السلام : لا بأس » (١).

قوله : للنهي.

أي : عن النقل ، وهو متضمّن للنهي عن الدفع ؛ لأنّه ليس في البلد ، والنهي عن الدفع مقتض لفساده من جهة تعلّقه بالعبادة ، ومن جهة استلزامه خروج من ليس في البلد عن المستحقّين لهذه الزكاة. والجارّ والمجرور متعلّق بالاحتمال ، ويحتمل التعلّق بالنهي أيضا. والضمير المجرور متعلّق بالنهي.

قوله : وإنّما يتحقّق نقل الواجب.

أي : نقل القدر الواجب في المال من الزكاة الذي يحكم بعدم جوازه والإثم به ، أو بجوازه عند إعواز المستحق مع عزله وافرازه عن ماله قبل النقل بنيّة كون المال الفلاني هو القدر الواجب.

وكذا يتحقّق نقل القدر الواجب بنقل جميع المال الزكوي أو بحيث لا يبقى في البلد إلّا أقلّ من الواجب.

لا يقال : بل يتحقّق نقل الواجب بنقل جزء من أجزاء المال أيّا ما كان ولو بدون العزل بالنيّة أيضا ؛ بناء على تعلّق الزكاة بتمام العين ، ولذا تسقط منها بالنسبة إذا تلف من المال شي‌ء بلا تفريط ، فكلّ جزء من أجزائه متضمّن لجزء من أجزاء الواجب.

لأنّا نقول : نعم ولكن للمالك التصرّف فيما عدا القدر الواجب ، وفيه أيضا ولكن مع تضمينه للمثل أو القيمة ، ولا يخرج عن ملكه ولا يحرم التصرف فيه بتعلّق الزكاة به ، فلا يكون النقل حراما ولا مكروها على القول بهما ، ومراد الشارح هو النقل الحرام أو المكروه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٨٢.


قوله : جاز العزل.

أي : ترتّب عليه آثاره من تعينه للزكاة حتّى إذا تلفت بلا تفريط لم يضمن المالك.

قوله : من أنّ الدين.

المراد : أنّه بالنسبة إلى أجزاء المال الزكوي كالدين حيث إنّه لم يتعلّق بجزء معيّن منه ، أو المراد : أنّه في حكم الدين حيث إنّه يجوز للمالك أن يدفع القيمة.

قوله : أو ما في حكمه.

إمّا عطف على المالك ، ولفظة « ما » بمعنى « من » ، والمراد بمن في حكم المالك : وكيله ؛ أو عطف على القبض أي : ما في حكم قبض المالك ، كقبض الوكيل ، والتقييد بالامكان لانه قد يتعيّن الدين بدون قبض المالك أو من في حكمه مع عدم الإمكان ؛ فإنّه يجب عند غيبة المالك ومن في حكمه على المديون عند أمارة الموت عزله والوصية به.

قوله : وعليه تبتني المسألة هنا.

أي : على قول الدروس ؛ بناء المسألة التي ذكرها المصنّف هنا ؛ إذ لولاه لما جاز العزل في صورة عدم إعواز المستحق ، وإذا لم يجز العزل بدونه لم يتحقق النقل لما عرفت من أنّ النقل إنّما يتحقّق مع العزل ، وإذا لم يتحقّق فلا يصح قوله : « ولا يجوز نقلها عن بلد المال إلّا مع اعواز المستحق » ؛ إذ لا يتحقّق نقل حتى لا يجوز أو يجوز.

قوله : وأمّا نقل قدر الحق.

يمكن أن يكون ابتداء كلام لتحقيق مسألة ويمكن أن يكون جوابا لسؤال مقدر وهو أنّه لا يجب بناء المسألة هنا على ما في الدروس ، بل يمكن حمل المسألة على نقل قدر الحق الواجب ، دون خصوص الزكاة المعيّن.

وحاصل الجواب : أنّه لو كان المراد نقل الحق ، فلا شبهة في جوازه ، فلا يمكن حمل مسألة الجواز وعدمه عليه ، نعم يمكن ذلك في مسألة الضمان كما فعله في المسالك وحواشي القواعد من أنّ الضمان بمعنى ذهابه من ماله وبقاء الحق في ماله أو ذمّته.

وقوله : « في جوازه مطلقا » أي : سواء وجد المستحق أم لا.


قوله : فإذا صار في بلد.

لا يتوهّم أنّ هذا عين ما ذكره بقوله : « ويجزي لو نقلها » إلى آخره ؛ لأنّ ما ذكره إنّما كان في بيان حكم ما إذا نقل الزكاة بعينها ، ومراده هاهنا : بيان ما إذا نقل قدر الحق من ماله ، دون ما تعيّن ( تبين ) أنّه زكاة.

قوله : للتغرير بالمال.

إمّا متعلّق بالتغرير ، أو بالنقل : بأن تكون « الباء » زائدة أو للملابسة ، و « اللام » في المال للعهد الخارجي أي : المال المحرّم نقله أو مال المستحقّين ، وإنّما لم يصدق نقله لان قبل دخول البلد الآخر ، وإن تحقّق نقل ، ولكنّه ليس نقلا لمال المستحقّين ، بل لماله كما مر ، والآن لا نقل. وهذا وجه جواز الاحتساب وقوله : « وجواز كون الحكمة » إلى آخره وجه المنع.

قوله : وعليه يتفرّع إلى آخره

أي : على النظر في المسألة المذكورة ، أو على ما فيها من الاحتمالين ، أو على ما ذكر في مأخذيهما ، أو على جواز الاحتساب.

وقوله : « من غيره » أي : من غير نقل أي : احتسب القيمة في غير البلد أو المثل في غير البلد من غير نقل المال.

ويمكن على بعد أن يكون الضمير في « غيره » راجعا إلى المال ، وقوله : « من غيره » متعلّقا بالمثل ، والمطلوب واحد.

الفصل الثالث

في المستحق

قوله : في المستحق.

أي : في بيان المستحق عددا ووصفا.

قوله : وما دونه.

وكذا في الحاجة وعدمها ؛ فإنّه ربما احتاج الوضيع إلى ما يليق بالشريف. وكذا تجب


ملاحظة حال العيال أيضا في الشرف والحاجة ، ولم يتعرّض بحالهم ؛ لأنّ حالهم تابعة لحال ذي العيال غالبا.

قوله : واختلف في أن أيّهما أسوأ حالا.

فقال الشيخ في جملة من كتبه : « أنّ الفقير أسوأ ، فهو الذي لا شي‌ء معه أو معه شي‌ء لا يعتد به ، والمسكين من له فوق ذلك ، لكن لا يكفيه ».

وقال في النهاية بالعكس وتبعه ابن زهرة.

وقال قتادة : « الفقير : هو الزمن المحتاج ، والمسكين هو الصحيح المحتاج ».

وقال الأصمعي : « الفقير : الذي له ما يأكل ، والمسكين : الذي لا شي‌ء له » إلى غير ذلك من الأقوال.

قوله : للإجماع على إرادة كلّ منهما إلى آخره

يعني أنّ كلّا منهما إذا انفرد بالذكر يصدق على الآخر أيضا إجماعا ، فلا تظهر ثمرة للتحقيق حينئذ وأمّا في صورة الاجتماع وإن لم يتحدا وأمكن ظهور الثمرة ، ولكن لم يجتمعا في الأحكام الشرعية إلّا في الزكاة ، وأجمعوا فيها على أنّهما مستحقّين للزكاة ، فلا تظهر الثمرة حينئذ أيضا.

والامور التي قال بامكان ظهور الفائدة فيها كأن نذر أو أوصى لهما ووقف عليهما وفضّل أحدهما على الآخر ، أو خصّ شيئا من ذلك بأحدهما ونصّ على نفي الآخر.

قوله : أهل اللغة.

كابن السكيت وابن دريد وابن قتيبة وأبي زيد وأبي عبيدة ويونس.

قوله : من المئونة.

يعني : لا يفيد تملّكهما الغنى المانع من استحقاق الزكاة ، أو لا يفيد الغنى عن غيرهما مع الاحتياج إليهما الغنى المانع عن استحقاقها.

قوله : ويتحقّق مناسبة الحال في الخادم بالعادة.

إنّما خصّ الحكم بالخادم مع أنّ غيره من الامور مثله ؛ لأنّ اعتياد أكثر من دار واحدة أو الحاجة إليه نادر جدّا. وكذا الحاجة إلى أكثر من فرس واحد للركوب ، وأمّا اعتياده


فكأنّ الظاهر عدم اعتباره إذ لا يضع الاقتصار على ركوب فرس واحد من قدر الشريف شيئا.

وأمّا الثياب والكتب ؛ فلكونهما جمعين يدلّ على التعدد ، والغالب فيها التعدّد عادة وحاجة ، بل الظاهر أنّ العادة لا مدخل لها في الكتب.

ثمّ لا يخفى أنّ التعدّد في الثياب والكتب على قسمين : أحدهما بحسب الأجناس كالعمامة والقباء ونحوهما. والآخر بحسب الافراد كعمامتين وقباءين أو نسختين من كتاب واحد ، ومثل هذا التعدد في الكتاب وثياب التجمّل تبعد الحاجة إليه جدّا ، لكن إذا فرضت كان المتعدّد من المئونة.

ولا يخفى أيضا أنّ قوله أوّلا : « كيفيّة وكمية » يغني عن التعرّض للتعدّد.

وقد يقال : إنّ التعدد المذكور أوّلا إنما كان بخصوص العادة حيث خصّ باللائق ، والتعدّد المذكور هنا إنّما هو بحسب الحاجة ؛ ولذا ذكر لفظة « إلى » في قوله : « ولو إلى أزيد من واحد » ؛ فإنّ ما يتعلّق بالحاجة يصحّ دخول « إلى » عليه ، دون العادة ، وهذا ليس بشي‌ء.

والظاهر أنّ هذا توضيح لما سبق ؛ فإنّه بيّن أوّلا أنّ الخادم الذي يكون من المئونة هو اللائق بالحال وكان مرجع اللياقة غير معلوم ، فأوضحه : بأنّ مرجعه العادة أو الحاجة ، أو الحاجة واحدا كان أو متعدّدا.

ثمّ في قوله : « بالعادة أو الحاجة » إشارة إلى أنّهما قد يجتمعان وقد يفترقان ، وردّ على التحرير والمنتهى حيث اعتبرهما جميعا فيهما ، وعلى التذكرة حيث اقتصر فيه على اعتبار العادة فقط.

قوله : وزاد أحدها في إحداهما.

أي : زاد أحد الامور المذكورة في واحدة من الكمّية أو الكيفيّة ، اقتصر على اللائق. وقد يرجع الضمير في قوله : « إحداهما » إلى العادة أو الحاجة ، وهو خطأ ؛ لايجابه مناقضة مع ما مرّ من قوله : « وتتحقّق المناسبة بالعادة أو الحاجة » ؛ فإنّ مفاده : أنّ زيادة أحدها في إحداهما غير مضرّ بل المضرّ زيادة أحدها في كلتيهما.


قوله : ونحوها من العقار.

لفظة « من » إمّا تبعيضية على أن يكون العقار أعم من الضيعة كما يدلّ عليه كلام الجوهري حيث قال في الصحاح : « العقار ـ بالفتح ـ : الأرض والضياع ، والنخل ». ومثله في النهاية.

أو بيانية على أن يكون مبائنا للضيعة ، وكان بيانا لنحو الضيعة ، وهو موافق لما ذكره صاحب ديوان الأدب (١) حيث خصّ العقار بالنخل.

ويظهر من كلام بعض اللغويين ترادف الضيعة والعقار. ومبنى كلام الشارح على عدم الترادف.

قوله : وإن قدر عليه لو ترك.

أي : قدر على الكسب لو ترك طلب العلم.

قوله : نعم لو أمكن إلى آخره

أي : لو أمكن جمع الكسب والطلب بوجه لا ينافي طلب العلم أو جمعهما بوجه لا ينافي الكسب. فيكون مفعول الجمع المقدر الكسب والطلب معا ، والضمير المنصوب راجعا إلى الكسب أو الطلب.

ويمكن أن يكون مفعول الجمع الكسب أو الطلب وحده ، ويجعل « الباء » في قوله :

« بما لا ينافيه » بمعنى : « مع » ، والموصول عبارة عن أحدهما أيضا المغاير للمقدّر ، ويرجع الضمير المنصوب إلى مفعول الجمع ، فيكون المعنى : لو أمكن جمع الكسب مع طلب لا ينافي الكسب أو جمع الطلب مع كسب لا ينافي الطلب.

قوله : إن أخذها.

أي : أخذ التتمّة ، لا أخذ الزكاة ، وإلّا لكان منافيا لقوله : « أما لو اعطي » إلى آخره كما لا يخفى.

قوله : صحّ كغير المكتسب.

أي : كما أنّ لغير من يكتسب ، تناول ما يزيد على مئونة سنته دفعة.

__________________

(١) فى كشف الظنون : ١ / ٧٧٤ ، ديوان الادب فى اللغة لإسحاق بن ابراهيم الفاريابى خال الجوهرى ...


وترك لفظة « الفاء » بعد أمّا لحذفها مع جوابها وهو جائز كما في قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ ) (١) تقديره : فيقال لهم : أكفرتم. والتقدير هنا : فنقول : صحّ. أو لجواز حذفها نادرا ولو بدون الجواب كما قيل في ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أمّا بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ».

أو جعل المذكور جواب الشرط ، ويكون جواب « أمّا » محذوفا من جنسه مقترنا بـ « الفاء » للخلاف الواقع فيما إذا وقع الشرط بعد « أمّا » أن المذكور جواب الشرط وجواب « أمّا » محذوف ، أو بالعكس.

قوله : وقيل بالفرق.

أي : بين المكتسب القاصر كسبه وبين غير المكتسب ، فلم يجوّز إعطاء الأوّل زيادة على التتمّة ، وجوّز إعطاء الثاني زيادة على مئونة السنة ، ولو أضعافا دفعة.

قوله : وهو ظاهر إطلاقه هنا.

المراد : إطلاق قوله : « تناول التتمة ، لا غير » ، فإنّه مطلق بالنسبة إلى الدفعة والدفعات ، فيدلّ بإطلاقه [ على ] أن المكتسب لا يعطى الزيادة على التتمة مطلقا.

قوله : مع عجزه.

أي : عجز المنفق ، فلو لم يبذل وكان قادرا على البذل لا يحسب من تجب نفقته عليه فقيرا ، بل يجب الأخذ منه.

ويحتمل إرجاع الضمير إلى من تجب نفقته ، يعني : إذا لم يبذل المنفق يكون من تجب نفقته عليه فقيرا بشرط عجزه عن التكسب أو عن تحصيل مئونته.

قوله : بجباية وولاية.

المراد بالجباية : الجمع ، فالجابي هو الجامع. والوالي هو الرئيس على الجابي والكاتب والحافظ والمحاسب والمقسم ، أو هو الرئيس على بلد الزكاة بحيث يتضمّن الولاية على سعاة الزكاة وعمّالها أيضا.

قوله : لأنّهم قسيمهم.

أي : العاملون قسيم الفقراء في الآية ، وقسيم [ الشي‌ء ] لا يكون من أقسامه.

__________________

(١) آل عمران : ١٠٦.


قوله : وهم أربع فرق.

أي : المسلمون.

قوله : ونسبه المصنّف.

أي : نسبته في تعميم المؤلّفة قلوبهم بالنسبة إلى المسلمين أيضا ؛ ليس لأنّه لا يجوز اعطاء هؤلاء المسلمين من الزكاة ، بل لعدم اقتضاء الإعطاء اسم المؤلّفة قلوبهم. فلفظة « ذلك » فاعل الاقتضاء والاسم مفعوله أي : لا يقتضي جواز إعطاء هؤلاء ؛ لما فيه من المصالح التي لا يخفى ، أن يدخلوا في اسم المؤلّفة.

ويحتمل أن يكون لفظة « ذلك » حينئذ إشارة إلى ما ذكر في وجه الإعطاء بهؤلاء الطوائف ؛ فإنّ شيئا من هذه الوجوه أو بعضها لا يستدعي تأليف القلوب.

ويمكن أن يكون « ذلك » مفعولا و « الاسم » فاعلا أي : لا يقتضي اسم المؤلفة عمومه بهم ، فلا عموم في الآية ، بل هي مجملة لا بدّ من الاقتصار فيها على موضع اليقين.

ويحتمل أن يكون « الاسم » بيانا أو صفة لذلك ، والاضافة تكون إلى الفاعل أو المفعول أي : لعدم اقتضاء العموم أو عدم اقتضاء جواز اعطائهم ذلك الاسم أي : دخولهم في ذلك الاسم.

وعلى جميع التقادير يكون قوله : « إذ يمكن » إلى آخره تعليلا ؛ لأنّ اعطاء هؤلاء من الزكاة لا يقتضي كونهم من المؤلّفة قلوبهم ، والتوجيه واضح.

قوله : في الجملة.

أي : على القولين ، فمن أعطى هؤلاء برئت ذمته وإن [ لم ] يعط غيرهم ، فإنّهم مؤلّفة أو عاملون أو في سبيل الله ويجوز الاقتصار على صنف واحد.

قوله : ( وَفِي الرِّقابِ ).

قال في المدارك :

ذكر جمع من المفسرين أنّ الوجه في العدول فيها من « اللام » إلى « في » أنّ الأصناف الأربعة الاولى يصرف المال إليهم حتّى يتصرّفوا فيه كيف شاءوا. وأمّا الأربعة الأخيرة فلا يصرف المال إليهم كذلك ، بل إنّما يصرف


في جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة ، ففي الرقاب يوضع في تخليص رقابهم من الرق والاسر ، وفي الغارمين يصرف المال إلى قضاء ديونهم ، وكذا في سبيل الله وابن السبيل.

وقال في الكشاف :

إنّما عدل للايذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق ممّن سبق ؛ لأنّ « في » للوعاء فينبّه به على أنّهم أحقّاء بأن يجعلوا مصبّا للصدقات وتكرير « في » في قوله : « وفي سبيل الله وابن السبيل » فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين.

قوله : تبعا للآية.

أي : جعله ظرفا والإتيان بلفظة « في » لمتابعة الآية وإن لم يكن ما في الآية ظرفا لما يقدّر متعلّقا هنا ؛ فإنّ الآية إمّا بمعنى : ومصروفة في الرقاب أي : في افتكاكها أو معطاة أو مستحقّة لأجل الرقاب ، وإن كان وجه العدول عن « اللام » في الرقاب وسبيل الله إلى « في » ما ذكره هنا من التنبيه على أن الصرف أو الإعطاء أو الاستحقاق ليس على وجه الملك أو الاختصاص الذي يدلّ عليه « اللام » بل يتعيّن الصرف في وجه خاص ففي الرقاب يوضع في تخليص رقابهم من الرق والاسر ، وفي سبيل الله فيما فيه قربة أو مصلحة من المصالح الدينيّة.

وكذا إذا جعل « الغارمين وابن السبيل » أيضا معطوفين على الرقاب وسبيل الله ؛ فإنّ مصرف المال فيهم قضاء ديونهم وما يحتاجون إليه في أسفارهم.

ووجه التنبيه بذلك من الإتيان بلفظة « في » إمّا مجرّد العدول حيث إنّ العدول من « اللام » الدالة على الملك أو الاختصاص إلى غيرها لا يكون إلّا لعدم تحقّق الملكيّة والاختصاص هنا ، أو خصوص لفظة « في » الدالّة على أنّ الظرف المصروف هو الرقاب أو سبيل الله المشعرين بالرقيّة والقربة.

وذكر في الكشاف : « أنّ وجه العدول في الآية الإيذان بأنّ هؤلاء الأربعة أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ؛ لأنّ « في » للوعاء ، فينبّه به على أنّهم أحقّاء بأن


يجعلوا مصبّا للصدقات وتكرير « في » في قوله : « وفي سبيل الله وابن السبيل » فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين ».

ثمّ لا يخفى أنّ الظاهر من كلام المصنّف حيث رفع « الغارمون » وعطفهم على « فِي الرِّقابِ » دون الرقاب : أنّه جعل الغارمين وابن السبيل في الآية معطوفين على « الفقراء » دون « الرقاب وسبيل الله » كما صرّح به بعض المفسّرين. ويمكن أن يكونا في الآية ـ عنده ـ معطوفين على « الرقاب وسبيل الله » كما يدلّ عليه كلام صاحب الكشّاف ، ولكنّه لم يتبع الآية فيهما ، أو في الغارمين فقط ، للترجيح الذي ذكره صاحب الكشّاف ، أو لتحقّق نوع ملكيّة واختصاص فيهما ، وإن لم يجز لهما صرفه في كلّ ما شاءوا وأرادوا.

ثمّ إنّ معنى قول المصنّف : « وَفِي الرِّقابِ » : أنّ المستحقّ هم المستحقّون في الرقاب أي لأجلها ، أو الصارفون لما يأخذونه من الزكاة في فكاك رقابهم ، أو المعبّر عنهم في الآية بقوله تعالى : ( فِي الرِّقابِ ).

قوله : ومثلهم في سبيل الله.

أي : في أنّ استحقاقهم ليس على وجه الملك ؛ فلذا أتى بلفظة « في » فيه أيضا.

وفي أنّه لم يعبّر عنه الّا بالصورة الظرفية تبعا للآية وتنبيها على أنّ الاستحقاق فيه ليس على وجه الملكية والاختصاص كسائر الأصناف ؛ فإنّه يعمّ الناس وغيرهم ممّا لا يتصوّر فيه الملك أو الاختصاص الذي يتبادر من الاستحقاق كالمساجد والقناطر ونحوهما ، وبتقدير أن يعطى سهمهم الناس ، فإنّما يأخذونها للصرف في جهة خاصّة من الجهاد خاصّة أو نحوه من القربات المسببة للاستحقاق ، فينبغي التنبيه على أنّ جهة استحقاقهم واختصاصهم ذلك خاصّة.

قوله : والمناسب لبيان المستحق إلى آخره

يعنى : لو لم يلاحظ ما ذكر من متابعة الآية والتنبيه كان المناسب للنظام أن يقول :« الرقاب وسبيل الله » من دونه لفظة « في » ويحملهما على المستحق. أما الرقاب فلا إشكال في حملها على المستحق ، وأمّا سبيل الله فإمّا بإرادة من يعطى لسبيل الله أو


بإرجاع نحو المساجد والقناطر إلى المنتفعين بها ، أو التجوز في الحمل كما في نحو :« ضربته للتأديب » أو المراد بسبيل الله : من يعبّر به عنهم.

قوله : والعبيد تحت الشدّة.

الظرف إمّا صفة للعبيد أو حال عنها بتقدير كائنين ، أو واقعين ، أو مثلهما.

قوله : والمرجع فيها إلى العرف.

أي : في الشدّة ؛ إذ لا تقدير لها شرعا.

وقيل : أقلّها أن يمنعوا من الصلاة أوّل الوقت.

قوله : فيشترون منها إلى آخره

إشارة إلى أنّه لا يجزي الشراء بلا عتق في تحقّق هذا الصنف ، وإن اشتروها لأهل الصدقات ، وإلى أنّه لا يغني الشراء منها عن الاعتاق ، وإن نوى العتق حين الشراء كما قد يقال.

قوله : ونيّة الزكاة.

مبتدأ خبره قوله : « مقارنة ».

قوله : ويجوز شراء العبد.

أي : شراؤه للعتق لا مطلقا. وقوله : « مطلقا » أي : من سهم الرقاب ، أو من سهم سبيل الله.

قوله : ومعه.

أي : ومع المستحق يشترى من سهم سبيل الله خاصّة ، دون سهم الرقاب.

وظاهر الانتصار ، والمراسم ، والسرائر ، والقواعد ، والإرشاد ، وصريح الإيضاح ، والمسالك : جواز شرائه حينئذ من سهم الرقاب أيضا.

قوله : ولا يتمكّنون من القضاء.

« الواو » حالية ، أي : والحال أنّهم لا يتمكّنون منه. وفي هذا إشارة إلى أنّه لا يشترط فيهم الفقر كما هو مقتضى جعلهم قسيما للفقراء ، بل يشترط عدم التمكّن من القضاء وإن ملك قوت السنة أو كان بيده صنعة أو عنده ضيعة تفي بقوت سنته.


ثمّ لا يخفى أنّهم جعلوا الغارمين على قسمين : أحدهما من استدان لمصالح نفسه كحجّ أو صدقة أو مأكل وثانيهما : من استدان لمصالح غيره كاصلاح ذات البين ، أو أداء دية قتيل لا يدرى قاتله وكاد يقع بسببه فتنة.

وصرّحوا في الأوّل : باشتراط عدم التمكّن من القضاء ، وأمّا في الثاني ، فالظاهر من جماعة عدم اشتراط ذلك ، بل يؤدى من الصدقات ما لم يؤدها من ماله.

قوله : إن اشترطناها.

أي : إن اشترطنا التوبة هنا : بأن اشترطنا العدالة أو التجنّب عن الكبائر في الفقراء كما ذهب إليه بعضهم.

قوله : من سهم سبيل الله.

أي : مطلقا سواء كان بعد التوبة أم لا.

وقد يقال : إنّ هذا إنّما هو بعد التوبة أيضا بناء على أنّه بدونها لا قربة فيه ؛ لما فيه من الإغراء بالقبيح ولا يبعد حمل كلام الشارح عليه أيضا.

قوله : هل هو.

الضمير راجع إلى الانفاق إمّا لكون « ما » مصدريّة أو لكون الانفاق مفهوما من « أنفق » لو كانت « ما » موصولة.

قوله : في الشرط.

أي : شرط الاستحقاق ، وهو الاستدانة في غير معصية كما مر ، فيحصل الشك في المشروط ، فلا تبرأ الذمّة بالدفع الى مجهول الحال.

قوله : حملا لتصرف المسلم.

فإنّ هذا نازل منزلة العلم في الشرع ، ويبنى عليه كثير من العبادات والمعاملات. واستدلّ عليه بوجوه اخر :

أحدها : أنّ تتبع مصالح الأموال ، والتطلّع على ما يخرجه المسلم ، دائما عسر جدّا في بعض آحاد الناس في بعض الأوقات فكيف في حقّ الجميع؟


وثانيها : أنّ الاستدانة في غير معصية ليست بشرط ، بل الانفاق في المعصية مانع ؛ لأنّ الأصل عدم الاشتراط.

وثالثها : عموم الآية ، وبعض الأخبار.

قوله : الفقير.

نائب الفاعل لقوله : « يقاص » ، أو مفعوله والضمير المجرور راجع إلى الزكاة. أي :يقاص رب الدين الفقير بالزكاة كما إذا كان لشخص دين على فقير ، وكان على ذلك الشخص زكاة.

وقوله : « بأن يحتسبها » أي : يحتسب الزكاة صاحب الدين إن كانت زكاة واجبة عليه على الفقير. والضمير في « عليه » أوّلا راجع إلى صاحب الدين ، وثانيا إلى الفقير. (١)

قوله : يجوز لمن هي عليه.

أي : الزكاة ، والضمير المجرور راجع إلى الموصول.

وقوله : « دفعها » فاعل لقوله : « يجوز » ، وقوله : « كذلك » أي : وإن لم يقبضها المديون ولا وكّل ولا أذن في قبضها.

قوله : مع قصور تركته.

الوجه في اشتراط القصور : أنّ التركة لا تنتقل إلى الوارث إلّا بعد أداء الديون ، فإذا كان الميّت مديونا ووفت تركته بالديون وجب صرفها فيها ، وأيضا عدم التمكّن من القضاء شرط ، وهو لا يتحقّق إلّا مع القصور ، ويدلّ على الاشتراط أيضا بعض الأخبار.

قوله : والأخذ منه مقاصة.

عطف على إثباته أي : عدم إمكان الأخذ ، والضمير المجرور راجع الى الوارث ، أو إلى التركة بتأويل المال ، أو المذكور أو المتروك ، أو نحوه ، ويحتمل إرجاعه إلى « الدين » أي :من جهة الدين.

قوله : وقيل.

والقائل العلّامة في المختلف صريحا ، وفي المنتهى ظاهرا. وهو الظاهر من الشيخ في النهاية ، وابن إدريس والمحقّق.

__________________

(١) كانت عبارة شرح اللمعة في نسخة المحشّي هكذا : صاحب الدين ان كانت عليه عليه.


قوله : يجوز مطلقا.

أي : من دون اشتراط قصور التركة ، أو جهل الوارث ، أو جحوده.

قوله : فيصير فقيرا.

أي : الميّت يصير فقيرا.

قوله : لتوقّف تمكّنه منها.

أي : لتوقّف تمكّن الوارث من التركة على قضاء الدين لو قيل بالانتقال إليه حين الموت.

والحاصل : أنّهم اختلفوا في تركة المديون : فقيل بانتقالها إلى الوارث بالموت ، ولكن يجب على الوارث قضاء الدين منها أو من ماله عوضا عنها. وقيل بعدم الانتقال إلّا بعد أداء الدين. وعلى القولين فلا يتمكّن الوارث منها تمكن المالك في ملكه المختصّ به إلّا بعد القضاء.

قوله : أو كان واجب النفقة.

عطف على « مات » أي : وإن كان واجب النفقة.

قوله : فإنّه يجوز مقاصته.

أي : مقاصة رب الدين ، على أن يكون إضافة المصدر إلى الفاعل ، أو مقاصة من يجب نفقته على أن يكون إضافته إلى المفعول.

وقوله : « به » أي : بالدين ، منها أي : من الزكاة ولا يمنع منها أي : من المقاصة.

قوله : وكذا يجوز له أي : للمزكّي الذي فيه الكلام ، أو المفهوم من رب الدين لكونه المزكّي ، إليه ـ أي : إلى واجب النفقة ـ منها ـ أي : من الزكاة ـ ليقضيه ـ أي : ليقضي الدين ـ إذا كان ـ أي : الدين ـ لغيره ـ أي : غير المزكّي ـ كما يجوز إعطاؤه ـ أي : إعطاء المزكّي ـ من الزكاة واجب النفقة او اعطاء واجب النفقة ، غيره أي : غير الدين.

قوله : وهو القرب.

بضمّ « القاف » جمع القربة ، كاللقم جمع اللقمة والغرر جمع الغرّة. والمراد بالقربة :

ما يتقرّب به إلى الله.


قوله : لأن سبيل الله لغة.

لا يخفى ما في هذا الاستدلال ظاهرا من المصادرة على المطلوب ؛ إذ لا نزاع على القولين في أنّ سبيل الله لغة : الطريق إليه ، وموضع النزاع : أنّ المراد : الطريق إلى رضوانه مطلقا المعبّر عنه بالقرب ، أو الطريق الخاص إلى رضوانه الذي هو الجهاد ، واستحالة التحيّز يصحّ دليلا للقولين.

ويمكن التوجيه بان يقال : المراد أنّ سبيل الله لغة : الطريق إليه من دون تقييد بل مطلق ، والمراد هنا أيضا يجب أن يكون هو الإطلاق الذي هو الطريق إلى رضوانه وثوابه مطلقا من غير تخصيص بطريق خاص ؛ لأنّه إنما يخرج عن مدلول اللفظ حسب ما دلّ عليه الدليل ، واستحالة التحيّز عليه سبحانه يفيد أنّه الطريق إلى الرضوان ، أو الثواب مطلقا أو مقيّدا ، ولكن الإطلاق هو مقتضى الوضع اللغوي ، فيجب المصير إليه ، وبهذا يندفع المصادرة بالمطلوب وإن لا يخلو الدليل بعد عن النظر أيضا.

قوله : لا يدخل في الأصناف.

أي : الأصناف السبعة الباقية غير هذا الصنف ؛ إذ لو لم يدخل فيه أيضا لم يحتج خروجه إلى التقييد ، بل هو خارج أوّلا.

قوله : وهو المنقطع.

بفتح « الطاء » يقال : انقطع بالرجل ، فهو منقطع به اذا عجز عن سفره ؛ لذهاب نفقته أو قيام ( تلف ظ ) راحلته عليه ، أو عروض أمر لا يقدر معه أن يتحرّك ، فلا يستعمل إلّا فى شأن المسافر في غير بلده ، فيكون ذكر غير بلده للتأكيد.

والمراد ببلده : ما يعم ما كان وطنه ، وما يريد أن يستوطنه ، وغيره يشمل ما يقيم فيه عشرا أو أكثر أو أقل. وفي المبسوط : « فإن دخل بلدا في طريقه ، فإن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة اعطي نفقته ، وإن اقام أكثر من ذلك لم يعط ؛ لأنّه يخرج من حكم المسافرين ». ووافقه بعض آخر.

وقال ابن إدريس : « إنما يخرج من حكم المسافر في تقصير الصوم والصلاة ولا يخرج من كونه ابن سبيل ولا منقطعا به ، لحاجته إلى النفقة إلى وطنه ، إلّا أن يعزم


الاستيطان في هذا البلد وترك السفر إلى بلده » ووافقه العلّامة في جملة من كتبه.

قوله : من الاعتياض عنه.

الضمير المجرور اما راجع إلى ماله في بلده المدلول عليه بقوله : « غناه » أو إلى مال الزكاة الدالّ عليه المقام.

قوله : وحينئذ.

أي : حين الانقطاع وعدم التمكّن يعطى من مال الزكاة ما يليق بحاله.

قوله : ويجب.

أي : يجب على ابن السبيل ردّ الموجود من مال الزكاة أو ممّا أخذ. وهذا بعمومه يشمل ما إذا اعطي ما يزيد على الكفاية ، أو لم يعط إلّا الكفاية ، أو ما دونها ، ولكن ضيق على نفسه فأبقى منها شيئا.

قوله : إلى مستحقّ الزكاة.

ويجب أن ينوي أنّه زكاة عن مالكه.

قوله : ابن السبيل.

أي : ابن السبيل المفسّر المعبّر بالمنقطع به ، إلّا أن الضيف فرد آخر من ابن السبيل غير المنقطع به.

قوله : بل قيل بانحصاره فيه.

أي : انحصار ابن السبيل في الضيف. قال ابن زهرة في بيان ابن السبيل : « إنّه الضيف الذي نزل الانسان وإن كان في بلده غنيا أيضا ».

قوله : نائيا.

إما قيد للانحصار ، أو لقوله : « منه الضيف » وجملة القيل معترضة. وهذا أولى معنى ، وإن كان الأوّل أظهر لفظا من جهة القرب.

قوله : غنيا فيها.

التأنيث في الضمير المجرور لتأويل البلد بالمدينة أو الدار ، أو لكونه مؤنّثا سماعيا ، كما قيل.


قوله : عند شروعه في الأكل.

الظاهر أنّ وقت الشروع في الأكل هو ابتداء وضع اليد على المأكول ومدّها إليه. وقيل إنّه الوضع في الفم ، أو المضغ ، أو البلغ ، والكلّ بعيد.

قوله : وإن كان مجهولا.

يحتمل أن يكون متعلقا بكون النيّة عند الشروع يعني : وإن كان لا يعلم عند الشروع في الأكل مقدار ما سيأكله. ويحتمل التعلّق بالاحتساب يعني : أنّه إذا أكل من الخبز ـ مثلا ـ ما لا يعلم قدره ولا قدر ما فيه من الحنطة لم يناف الاحتساب عليه ، بل إن كان عزل الحنطة للزكاة ، وقد بقي من الخبز شي‌ء أعطاه مستحقّا آخر إن أمكن وإلّا احتسب عليه أقلّ ما يحتمل أكله له.

والأوّل أولى معنى ؛ لأنّ احتمال توهّم الخلاف فيه أقوى والثاني أظهر لفظا.

قوله : والغرض منهم.

وهو تأليف قلوبهم بأحد الوجوه المذكورة.

قوله : ولو كان السفر.

يعنى : لو كان سفره معصية يمنع إجماعا ، كما يمنع الفاسق في غيره عند القائلين باشتراط العدالة.

قوله : من استثني باشتراط العدالة.

المستثنى باشتراط العدالة العاملون ، ومن استثني بعدم اشتراطها المؤلّفة قلوبهم. وقوله : « أو بعدمها » عطف على الاشتراط أي : استثني بعدم العدالة ، وهذا يحتمل معنيين :أحدهما : أنّه استثني باشتراط عدم العدالة. وثانيهما : أنّه استثني بعدم اشتراط العدالة.

وكلاهما صحيحان : أمّا الأوّل ؛ فلاشتراط صدق المؤلّفة قلوبهم على كونهم كفارا ، وشرط الكفر هو شرط عدم العدالة وأما الثاني ؛ فلأنّه إذا اشترط عدم العدالة ، فلا يشترط العدالة قطعا كما لا يخفى.

قوله : لأنّ النص ورد.


النص هو رواية محمّد بن عيسى ، عن داود الصرمى قال : « سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال : لا ». (١)

قوله : وفيه.

أي : في هذا القول ، أو في الدليل المذكور المتضمّن للدلالة على اعتبار تجنّب الكبائر جميعا وعدم اعتبار تجنّب الصغائر ، لا في الإلحاق فقط ، إذ لا يلائمه قوله : « والصغائر » إلى آخره

قوله : لمنع المساواة.

لما كان القول المذكور أو الدليل المذكور متضمّنا لأمرين : أحدهما : تعميم الكبائر والثاني : الاختصاص بها دون غيرها من الذنوب ، فالنظر إنّما هو على الأمرين ، فقوله : « لمنع المساواة وبطلان القياس » بيان النظر في الاول اي التعميم المذكور ، والمراد بالمساواة المساواة المقتضية لإلحاق غيره به ، وهي المساواة من كلّ وجه ، أو فيما يوجب الإلحاق ، وإن تحقّقت المساواة في كون الجميع كبيرة ، ولكن لا نسلّم إيجاب ذلك للالحاق.

وقوله : « وبطلان القياس » ليس نظرا ثانيا ، بل هو أيضا من تتمّة النظر الأوّل ؛ فإنّ إلحاق الغير بالشرب إنّما يتمّ إمّا مع المساواة من كلّ وجه ، أو فيما يوجب الإلحاق ، أو مع صحّة القياس حتّى يقاس غيره به ، فمنع أحدهما غير كاف في النظر ، بل لا بدّ من منع المساواة وإبطال القياس.

قوله : والصغائر إلى آخره

بيان النظر في الجزء الثاني أي : التخصيص بالكبائر دون غيرها من الذنوب وعدم اعتبار العدالة.

والحاصل : أنّه لا وجه للتخصيص بالتجنّب عن الكبائر والقول بعدم اعتبار العدالة ؛ لأنّ الذنوب منحصرة بالكبائر والصغائر ، وتجنّب الكبائر شرط على القولين. وأمّا الصغيرة ، فمع الإصرار فداخل في الكبيرة ، فتجنّبها أيضا شرط على القولين ، وبدون الإصرار لا يوجب فسقا ، فلا يشترط التجنّب عنها على القول باشتراط العدالة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٤٩.


وأمّا التجنب عن منافيات المروّة ، فهو وإن كان شرطا في العدالة ، ولكنّه غير معتبر في العدالة المعتبرة هاهنا ، فيكون مآل القولين واحدا ، ويلزم من اشتراط التجنّب عن الكبائر اشتراط العدالة المعتبرة هنا عند القائلين به أيضا.

واعلم أنّه يجوز إرجاع الضمير في قوله : « وفيه نظر » إلى الإلحاق المذكور ، وكان النظر هو منع المساواة ، وبطلان القياس ، ويكون قوله : « والصغائر » ابتداء كلام يبيّن فيه اتحاد القولين وعدم اختلاف بينهما.

هذا ، ثمّ لا يخفى أنّه قد يفرّق بين القولين : بأن يكون المراد بالكبائر في هذا القول ما هي كبائر بالذات ، لا من حيث الإصرار. وقد يفرّق أيضا : بأنّ العدالة ملكة توجب التجنّب عن المعاصي ، فمن اشترطها اشترط الملكة ، ولا يلزم من اشتراطها اشتراط التجنّب مطلقا ، فالمكلّف في أوائل البلوغ إذا تجنّب المعاصي يصدق عليه التجنّب ، دون العدالة وكذلك الفاسق إذا تاب عن فسقه ولم تحصل له ملكة.

قوله : ومع ذلك.

أي : مع عدم اعتبار المروّة في العدالة ، أو مع ما ذكر من أنّ النص إنّما ورد في شارب الخمر ، ومنع التساوي وبطلان القياس ، أو مع ما ذكرنا من اتّحاد القولين.

قوله : ولو اعتبرت.

هو بيان مسألة وتحقيق حكم ، ولا يتوهّم أنّه استدلال من الشارح أو تأييد منه على عدم اعتبار العدالة ـ كما في المختلف ـ فإنّه لا معنى حينئذ لقوله : « وخروجه بالإجماع موضع تأمّل ».

قوله : وتعذّر الشرط.

فإن قيل : الإيمان شرط بالإجماع ، وقد اسقط اعتباره في الطفل لتعذّره منه ، فكذا العدالة.

قلنا : لا نسلّم تعذّره منه ؛ لأنّهم أجمعوا على تبعيّة الطفل لأبويه في الإيمان دون العدالة.

قوله : ويعيد المخالف الزكاة.

أي : إذا استبصر ، أو مطلقا بمعنى : أنّه تجب عليه الإعادة حين كونه مخالفا أيضا.


قوله : بل غير المستحق مطلقا.

أي : بل يعيد لو أعطاها غير المستحق عندنا مطلقا أي : وإن كان عدم استحقاقه لفسقه أو غناه أو نحو ذلك ، لا لعدم الإيمان.

قوله : قد تركها.

أي : ترك العبادات أو فعلها على غير الوجه الذي يصحّ عنده ، وإن كانت على الوجه عندنا. و « اللام » في « الوجه » للعهد الذكري أي : الوجه المذكور بقوله : « وجهها » أو « اللام » عوض عن المحذوف المضاف إليه.

قوله : من حيث الفقر.

متعلّق بالمستحق أي : المستحق من حيث الفقر. وكان الأولى أن يصل هذا القيد بالمستحق. كذا قيل.

أقول : الظاهر أنّه متعلّق بالمعطي أي : المعطي من جهة الفقر ، فيكون القيد واقعا في موقعه.

قوله : أو العمولة.

إمّا مصدر ، أو اسمه ، أو جمع عامل ، أو اسمه.

قوله : فيدفع إليه ما يوفي دينه.

ينبغي التخصيص بغير ما إذا كان الدين للنفقة الواجبة التي يجب على القريب أداؤه من قبل وجوب النفقة عليه كما نصّ عليه في التذكرة في الزوجة.

قوله : في وطنه.

حال من الضمير المجرور في قوله : « نفسه » أي : يمنع من قوت نفسه في الوطن وإن كان في السفر ، وليس حالا عن المرفوع في قوله : « يمنع » حتّى يستفاد منه أنّ المنع مختص بحال الاستقرار في الوطن.

قوله : إلّا من قبيله.

أي : إلّا هاشميّا أخذ من قبيله. وكذا قوله : « أو تعذّر كفايته » أي : أو هاشميا تعذر كفايته ، فيكون الاستثناءان من الهاشمي ، والمستثنى هو الهاشمي الموصوف بأحد الوصفين.


ويحتمل أن يكونا مفرّغين أي : إلّا اذا أخذها من قبيله ، أو تعذّر الخمس.

قوله : ويتخيّر بين زكاة مثله إلى آخره

لا يخفى أنّ هذا الكلام من الشارح هنا واقع في غير موقعه ، لاعتراضه بين القولين في قدر ما يأخذه من زكاة غير قبيله عند تعذّر الخمس ، وكان الأنسب أن يذكر في شرح قوله :« إلّا من قبيله ».

ويمكن أن يتكلّف ويقال : ليس المراد من قوله : « فيجوز تناول قدر الكفاية منها حينئذ » إلّا بيان جواز تناول الزكاة من غير قبيله دون تعيين القدر الجائز ، وإنّما وقع التعيين بقدر الكفاية عرضا ، ويكون ما سيأتي من قوله : « وقيل » معطوفا على مقدر يدلّ عليه ، ويعيد ما تقدّم كأنّه قال : قد عرفت أنّ له عند التعذّر أن يأخذ قدر الكفاية وقيل كذا.

قوله : لا يجد.

أي : لا يجد عادة.

قوله : من الواجبات.

كالكفّارات ، والهدي ، والنذورات ، والموصى بها صدقة.

قوله : طاعته مطلقا.

أي : في جميع الأحوال سواء كان طلب الزكاة ، أو غيره ، طلبه بنفسه أو نائبه.

قوله : إلى الفقيه الشرعي.

القيد للاحتراز عن الفقيه العرفي ، وهو الذي يكتفي فيه بمعرفة أقوال الفقهاء من غير قوّة على التمييز بين الصحيح منها والفاسد.

قوله : كالساعي بل أقوى.

وذلك لنيابته عن الإمام في جميع ما كان للإمام إلّا ما اختلف فيه ، واستقلاله بذلك ، والساعي إنّما هو وكيل للإمام في عمل مخصوص.

واجيب عنه : بمنع كونه أقوى من الساعي ؛ لأنّه نائب بالخصوص ، وهذا بالعموم ، ولأنّه إنّما يبلغ أمر الإمام ، فاطاعته إطاعة الإمام ، بخلاف الفقيه.


قوله : للنهي.

المراد بالنهي النهي عن ضد وجوب الإطاعة الّذي هو المخالفة والتفريق بنفسه.

قوله : مع بقائها.

أي : بقاء العين والوجه في جواز الاستعادة حينئذ : أنّه يكون الدفع حينئذ فاسدا ، وإذا كان كذلك لم ينتقل ما دفعه إلى ملك القابض ، فله استعادته متى شاء إذا وجده ، وأمّا إذا لم يكن باقيا ، فلا وجه لاستعادته ، إلّا إذا علم القابض بالحال ، فإنّه إذا علم بها لم يكن له إتلافه ، فإذا أتلفه ضمنه.

قوله : إلى الفقيه المأمون.

قال في المسالك : « المراد بالفقيه حيث يطلق على وجه الولاية ، الجامع لشرائط الفتوى وبالمأمون : من لا يتوصّل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية ، فإنّ ذلك وإن كان جائزا إلّا أن فيه نقصا في همّته ، وحطّا لمرتبته ، فإنّه منصوب للمصالح العامّة ، وفي ذلك إضرار بالمستحقّين ».

قوله : والإيجاب عليه.

أي : إيجاب الأخذ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقوله تعالى : ( خُذْ ) يستلزم إيجاب الدفع على الرعيّة ؛ اذ لا أخذ حيث لا دفع ، فيكون الدفع مقدّمة للأخذ ، ومقدّمة الواجب واجبة.

وقوله : « النائب كالمنوب » دفع لما قيل من أنّ غاية ما تدلّ عليه الآية هو الوجوب على النبي لأنّ الخطاب إنّما هو له ، ولا يعلم مساواة الأئمة ونوّابهم الخاصّون أو العامّون له.

ودفعه : أنّ للنائب كلّ ما هو للمنوب ، فيكون له الأخذ ويجب عليهم الدفع إليه.

ولا يخفى ما فيه.

أمّا أوّلا : فلأنّ غاية ما تدلّ عليه الآية هو وجوب الدفع عند الطلب لا مطلقا.

وأمّا ثانيا : فلان الأمر هنا إن كان بالطلب ، فهو لا يتوقف على الإعطاء ، فلا يكون مقدّمة له ، وإن كان بالأخذ لم يكن الإعطاء واجبا ، لانّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به إنما يكون واجبا على من وجب عليه ذو المقدّمة دون غيره ، ووجوبه عليه إنّما يكون لو كان


مقدورا لمن وجب عليه ذو المقدمة وإعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الأخذ ، فلا يكون واجبا.

وأمّا ثالثا ؛ فلانّ الظاهر أنّ الضمير عائد إلى من تقدّموا في قوله تعالى : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) (١) ولا يلزم من وجوب الأخذ منهم الأخذ من غيرهم.

وأمّا رابعا ؛ فلأنّه لا يتعيّن أن يكون الصدقة في الآية هي الزكاة ، بل إنّما هي أموال كانوا يعطونها لتكون كفارة لما أذنبوه من التخلّف ؛ فإنّه روي أنهم قالوا : يا رسول الله! هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدّق بها عنّا وطهرنا واستغفر لنا. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما امرت أن آخذ من أموالكم شيئا ». فأنزل الله هذه الآية.

وأمّا خامسا ؛ فلمنع كون النائب كالمنوب مطلقا.

قوله : لأنّ ذلك حقّ له إلى آخره

يعني : أنّ إخراج الزكاة حقّ للمالك كما أنّه أيضا حقّ عليه بمعنى : أنّ الإخراج متّصف بهذين الوصفين باعتبارين ، أمّا كونه حقّا للمالك فباعتبار أنّه مستقل بالاخراج وله هذه الولاية كما [ أنّ ] لكلّ وكيل الولاية فيما وكّل فيه ، وأمّا كونه حقّا عليه ، فلكونه إضرارا به ظاهرا وباعتبار أنّه تكليف عليه.

ولا يخفى أنّ اتّصاف الإخراج بالوصفين بالاعتبارين إنما هو على القول المشهور الذي اختاره المصنّف من استقلال المالك بالإخراج ، وأمّا على القول بوجوب الدفع إلى الإمام أو نائبه ابتداء ، فلا يكون حقّا له ويلزمه عدم تصديقه فيه حينئذ ، كما أنّه لا يصدق إذا أمره الامام أو نائبه الخاص أوّلا بعدم الإخراج إلّا بإذنه. ثمّ الوجه في أنّه إذا كان حقّا له يجب تصديقه فيه : أنّه حينئذ لا مدخليّة للغير فيه ، فلا وجه لمطالبته ومؤاخذته وتكذيبه ولا يجب عليه أيضا الإشهاد به.

قوله : ولا يعلم إلّا من قبله.

دليل آخر لتصديق المالك ، وقوله : « وجاز احتسابها » من تتمّة هذا الدليل أي : و

__________________

(١) التوبة : ١٠٢.


الإخراج لا يعلم غالبا إلّا من قبل المالك ؛ لعدم انحصار المستحق ، ليعلم من قبله ، لا سيّما وقد جاز احتسابها من دين وغيره.

ولا يخفى أنّ هذا الدليل لا ينفي اليمين ، نعم لو تمّ ينفي الإثبات بالبيّنة.

وقوله : « وغيره » إمّا مرفوع عطفا على « احتسابها » أو مجرور عطفا على « دين » والأوّل أولى وأعم.

قوله : وما ينقص النصاب.

الموصول إمّا معطوف على « المال » أي : دعواه تلف ما ينقص النصاب ، فيكون المراد من تلف المال : تلفه كلّه ، أو على التلف أي : دعواه ما ينقص النصاب من تلف جزء من المال ، والمآل واحد.

قوله : ولا تقبل الشهادة عليه في ذلك إلى آخره

أي : لا تقبل الشهادة على المالك في الإخراج : بأن يشهد بأنّه لم يخرج إلّا مع حصر المالك الإخراج في صورة يمكن الشهادة بنفيها ، كأن يقول : دفعت الزكاة إلى هذا المستحق في اليوم الفلاني من غير محاسبته عليه بدين ونحوه ، فيشهد عدلان بأنّه لم يكن في ذلك اليوم في هذا البلد ، أو مات قبل ذلك اليوم أو يقول : دفعت الشاة الفلانيّة في يوم كذا فيشهد عدلان بأنّه تلفت قبله ، إلى غير ذلك.

وأمّا الشهادة في حولان الحول وعدم التلف فتقبل ؛ لأنّهما وجوديان.

قوله : لأنّه نفي.

أي : الشهادة على عدم الإخراج ، أو عدم الإخراج ، فعلى الأوّل يكون قوله : « نفي » مبنيا للفاعل وعلى الثاني للمفعول ويجوز البناء للفاعل حينئذ أيضا بمعنى : أنّ قول هذا اللفظ وإرادة معناه نفي.

ثمّ لا يخفى أنّه على ما قلناه من أنّ قوله : « ذلك » إشارة إلى الإخراج كان المناسب لقوله : « ولا تقبل » إلى آخره أن يتقدّم على قوله : « وكذا تقبل دعواه ».

ويمكن أن يقال : بعدم تخصيص الإشارة بالإخراج ، بل جعل « ذلك » إشارة إلى جميع ما تقدّم من الإخراج والحول والتلف ، ويكون المراد بالحصر : ما يعمّ الإثبات ؛ فإنّه


يستلزم الحصر. وقوله : « لأنّه نفي » بمعنى : لأنّ غير المحصور نفي حيث إنّ نفي المحصور راجع إلى الإثبات.

وعلى هذا يكون الكلام أعمّ فائدة ، لشموله الشهادة بالنفي في الحول والتلف أيضا بأن يكون ذلك المالك ادعى أنّه أخرج ماله عن ملكه في أثناء الحول ، ثمّ أعاده إلى ملكه ، ثمّ استأنف الحول ولما يتم ، أو ادعى تلف المال بمعنى خروجه عن ملكه بتمليك غيره عن دين أو غيره وأنّه وديعة عنده ، أو ادّعى في النقدين والغلّات أنّه تلف ما كان له منها وأنّ الذي عنده الآن مثله يملكه ولم يجب فيه الزكاة إلى غير ذلك.

قوله : على الأصناف الثمانية.

أي : إذا كانوا موجودين ، وإلّا فعلى الموجودين منهم.

ووجه ترك المصنّف التنصيص على الثمانية مضافا إلى الاختصار أمران :

أحدهما : الشمول لمذهبي اتحاد الفقير والمسكين ، واختلافهما.

والثاني : الشمول لما يكون الأصناف كلّها موجودين ، وما لا يكون بعضها موجودا كزمن الغيبة أو بعض البلاد في زمن الحضور أيضا.

قوله : وعملا بظاهر الاشتراك.

المراد بالاشتراك : الاشتراك المدلول إليه في الآية ؛ لأجل العطف بـ « واو » التشريك ، مع كون المعطوف عليه مدخولا لـ « لام » التمليك ؛ فإنّ ظاهر ذلك اشتراك الجميع في الملكيّة وظاهر الاشتراك عدم اختصاص بعضهم بالمشترك ، أو عدم كون العطف لاشتراكهم في المصرف.

هذا إذا اريد بالقسمة على الأصناف : إعطاء كلّ منهم شيئا من الزكاة ولو بالتفاوت ، ويكون المراد بالتسوية : التسوية في مجرّد الإعطاء.

ويمكن أن يكون المراد بالقسمة : القسمة على السويّة ، وحينئذ يكون المراد بظاهر الاشتراك تساوي نصيب كلّ منهم. فإنّ الظاهر من الاشتراك ذلك ما لم ينصّ على اختصاص بعضهم بالزائد.

قوله : وإعطاء جماعة من كلّ صنف.


بمعنى : أن لا يقتصر من كلّ صنف على واحد. وقوله : « اعتبارا بصيغة الجمع » أي : قوله تعالى : ( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (١) وهكذا إلى آخرهم حيث ذكر الأصناف بصيغة الجمع ، وهذه الصيغة لكونها جمعا محلّى بـ « اللام » وإن كانت ظاهرة في الاستغراق إلّا أنّه غير مراد هنا إجماعا ؛ لتعذر استغراق كلّ فرد من كلّ صنف ، فيكون المراد منه المجاز نحو :

« ركبت الخيل » و « نكحت النساء ».

ولا شك أنّ اعتبار أقرب المجازات أولى من أبعدها ، والجمع أقرب أفراد المجاز إلى الحقيقة ، أو يكون التجوّز في لفظة « اللام » ويراد بها : الجنسية ، وإن كان ذلك تجوّزا حين دخولها على الجمع ، ولكن لم يثبت التجوّز في الجمع ، فلا بدّ من تحقّق مدلوله.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكره لا يجري في « سبيل الله » و « ابن السبيل » ، إذ لا جمعيّة إلّا أن يعمّم العبارة لما في بعض الاخبار أيضا ، كما في خبر على بن إبراهيم ـ على ما في تفسيره ـ عن العالم عليه‌السلام من : « وفي سبيل الله قوم يخرجون » وقوله : « وابن السبيل أبناء الطريق ».

قوله : من كونه.

أي : ذكر الصنف ، أو ظاهر الاشتراك.

قوله : فلا يجب التشريك.

أي : التشريك في الإعطاء ، لأنّه حينئذ يكون التشريك المدلول عليه في الآية هو التشريك في المصرف والاستحقاق ، وذلك لا يقتضي التشريك في الاعطاء.

و « اللام » في الآية على هذا يكون للملكيّة الحكميّة التي هي الاستحقاق والاختصاص والعطف حينئذ لا يكون مقتضيا إلّا للتشريك في الاستحقاق ، وهو لا يقتضي البسط عليهم.

قوله : ويجوز الإغناء ، وهو إعطاء.

الإغناء وإن صدق على إعطاء قدر الكفاية أيضا ، إلّا أنّه فسّره باعطاء فوق الكفاية لقوله : « إذا كان دفعة » ؛ فإنّ إعطاء الفوق مشروط بالدفعة ، دون قدر الكفاية.

__________________

(١) التوبة : ٦٠.


قوله : لم يجتمع منه.

أي : من كلّ من النقدين نصب كثيرة يبلغ الواجب فيها قدر الواجب في النصاب الأوّل ، أو المراد بالنصب ما في النصب مجازا أي : لم يجتمع منه بعد النصاب الأوّل من الزكاة ما يبلغ الأوّل أي : الواجب أوّلا. ولا يخفى أنّه لا بدّ من قيد آخر ، وهو أن لا يمكن إعطاء القدر الأقل للفقير الأوّل الذي أعطاه ما في النصاب الأوّل فانّه اذا امكن يستحب اعطاؤه حتّى لا يكون ما اعطى أقل من النصاب الاول.

قوله : للاتباع.

أي : اتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث إنّه دعا بصيغة « الصلاة » كما روي عبد الله بن أبي أو فى :كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا اتاه قوم بصدقتهم قال : « اللهم صلّ على آل فلان » فاتاه أبي بصدقته فقال : « اللهم صلّ على آل أبي أو فى ». وفي رواية : إذا أتى رجل النبي بصدقته قال : « اللهم صل عليه ».

قوله : وبغيرها ؛ لأنّه معناها.

أي : لأنّ الغير من معنى الصلاة أيضا ، فإنّ الصلاة لغة : الدعاء ، فتشمل كلّ ما كان دعاء.

واحتمال أن يكون المراد غير المعنى اللغوي مدفوع بأصالة عدم النقل هنا وإن علم النقل في أواخر زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو زمان الأئمّة حيث إنّ الصلاة نقلت فيها إلى الأركان المخصوصة.

قوله : لذلك.

أي : لدلالة الأمر عليه أو الاتباع.

قوله : والمراد بالنائب هنا.

التقييد بقوله : « هنا » ؛ لأنّه قد يطلق ، ولا يراد به إلّا النائب بخصوصه ، فلا يشمل الفقيه وقد يراد به ما يشمل الفقيه دون الساعي ، والمراد هنا ما يشملهما.

قوله : فيستحبّ له.

أي : الدعاء للمالك.


قوله : يحتاج إليه.

أي : إلى أحدهما.

قوله : « وهو الفقيه »

أي : من يحتاج إليه في الأوّل بخصوصه وهو الساعي ، والقرينة على التخصيص قوله :« إذا تمكّن من نصب الساعي ».

قوله : وإذا وجب.

ليس عطفا على قوله : « إذا تمكّن » بقرينة قوله : « فيجوز بالفقيه وغيره » بل « الواو » للاستئناف. وقوله : « فيجوز » جواب للشرط ، و « الباء » في قوله : « بالفقيه » بمعنى : « اللام » أي : فيجوز التأليف للفقيه وغيره ، أو للاستعانة أي : تأليف المسلمين باستعانة الفقيه.

قوله : المتجمّل.

أي : بالمتجمل بمعنى : أن يعطى زكاتها بالفقراء المتجمّلين.

قوله : رواه عبد الله بن سنان إلى آخره

متن الرواية هكذا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إن صدقة الخف والظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين ، فأمّا صدقة الذهب والفضّة وما كيل بالقفيز ممّا أخرجت الأرض فإلى الفقراء المدقعين. قال ابن سنان : قلت : وكيف صار هذا هكذا؟ قال : لأنّ هؤلاء متجملون يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس [ وكل صدقة ] ». (١)

قوله : وإيصالها.

فاعل المحذوف دلّ عليه ما تقدّم من الكلام أي : وينبغي إيصالها ، أو يستحبّ إيصالها هدية ـ بالنصب ـ أي : على جهة الهدية.

ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله : « زكاة النعم » ويكون منصوبا أي : وليخصّ إيصالها إلى المستحق بالهدية. ويمكن أن يكون « إيصالها » مبتدأ خبره « هدية » بالرفع أو النصب على معنى إيصالها هدية أو على جهة هدية وإنّما خصّ احتسابها عليه بعد وصولها إلى يده أو يد وكيله ، ولم يذكر حين تسليمها إليه ، لأنّ المعروف المعهود من الإهداء إرسال الهدية إلى المهدى إليه ، لا تسليمها إليه وهو حاضر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٦٣.


الفصل الرابع في زكاة الفطرة

قوله : في زكاة الفطرة.

الزكاة إمّا مصدر ، أو اسم بمعنى : ما يخرج ، والفطرة هنا إمّا بمعنى الخلقة ، أو الإسلام أو بمعنى الإفطار كما ذكره في المسالك ، أو اسم لما يخرج كما صرّح به بعض اللغويين.

فإن كانت الزكاة مصدرا فالاضافة بمعنى « اللام » مطلقا ، وإن كانت اسما فإن كانت الفطرة باحد المعاني الثلاثة الاول فكذلك أيضا أي : الإضافة لاميّة. وإن كانت بالمعنى الرابع فالاضافة بيانية.

قوله : وتطلق على الخلقة والإسلام.

الخلقة هي الحالة التي عليها الخلق من الهيئات أو النوع منه. واطلقت على الاسلام أيضا ؛ لأنّه حالة عليها الخلق أو نوع منه يعني : أن الفطرة تطلق على معنيين ، وإن لم تكن هنا بهذا المعنى ، بل بمعنى ما يخرج لتطهير الخلقة أو الإسلام.

ويحتمل أن يكون المراد بها هنا أيضا أحد هذين المعنيين.

قوله : والمراد بها.

اعلم أنّ معنى الفطرة في قوله : « زكاة الفطرة » إن كان هو الخلقة أو الاسلام ، فالضمير في قوله : « بها » راجع إلى الزكاة مطلقا ، ويكون لفظ « زكاة » في قوله : « زكاة الأبدان » مصدرا على مصدرية الزكاة في قوله : « زكاة الفطرة » واسما على تقدير اسميتها.

وإن كان معنى الفطرة : ما يخرج ، فالضمير يحتمل رجوعه إلى « الزكاة » وإلى « الفطرة ».

قوله : زكاة الأبدان مقابل المال.

فهي مطهّرة للابدان عن أوساخ المعاصي ومنمّية لها كما أنّ زكاة المال مطهّرة للمال ومنمّية له. ويؤيّد ذلك أنّ هذه الزكاة بحسب الرءوس ، ورواية معتب عن أبي عبد الله ( صلوات الله عليه ) قال : « اذهب ، فأعط عن عيالنا الفطرة ، وعن الرقيق ، واجمعهم ، ولا تدع منهم أحدا ؛ فإنّك إن تركت منهم انسانا تخوفت عليه الفوت ، قال : قلت : وما الفوت؟ قال : الموت ». (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٢٨.


قوله : زكاة الدين والاسلام.

أي : مطهرهما ومنمّيهما ، أو موجبهما ومقتضاهما ، أو من لوازمهما ، ويؤيد ذلك ما ورد من « كونها تمام الصوم » ومن « أنّ من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له ».

قوله : ومن ثمّ وجبت على من أسلم إلى آخره

أي : بقي وجوبها وثبت بخلاف من أسلم بعد الهلال ؛ فإنّه يسقط عنه الوجوب ، فلا تجب عليه يعني : أنّها لما كانت من مقتضيات الإسلام ولوازمه لم يسقط وجوبها عن من أسلم قبل الهلال وثبت وجوبها عليه من غير اشتراط حول أو صوم أو فطر بعد صوم ، ولو لم تكن من مقتضيات محض الاسلام ، بل كان له شرط ومقتض آخر لما كان كذلك.

وإنّما فسّرنا قوله : « وجبت » بقولنا : « بقي وجوبها وثبت » ؛ لأنّ الكافر أيضا تجب عليه زكاة الفطرة ، وإن لم تصح منه ، فتكون قبل الإسلام أيضا واجبة.

لا يقال : إذا وجبت على الكافر أيضا ، فلا تكون من مقتضيات محض الاسلام.

لأنّا نقول : إنّ هذا يصحّ لو وجبت على الكافر مع كفره أيضا ، ولكنّه يجب عليه أن يسلم ويزكّي ، فلا ينافي

قوله : « إن كان من أهلها »

أي : كان من يعولهم من أهل زكاة الفطرة أي : جامعا لشرائط وجوبها.

قوله : بعض المطلق.

أي : بعض المكاتب المطلق ، فيجب عليه بحسابه ، فإن تحرّر نصفه وجب عليه نصف صاع وهكذا.

قوله : وفي جزئه.

أي : جزء المطلق. وقوله [ المشروط ] عطف على « جزئه » أي : وفي المشروط أي :المكاتب المشروط.

قوله : أشهرهما وجوبها.

وغير الأشهر عدم الوجوب مطلقا. أمّا في الجزء الرق فاستنادا إلى رواية دالّة على أنّ شرط وجوب زكاة العبد على المولى أن لا يكون للإنسان أقل من رأس من العبد فلا يجب


على المولى ، وأمّا وجوبه على نفسه فمنتف لرقيته بالنسبة إلى هذا الجزء. (١)

وأمّا على المشروط فاستنادا إلى أنّه ليس بملك لمولاه فلا يجب عليه [ ولا هو حرّ ] حتّى يجب على نفسه.

قوله : لفقره.

أي : [ لا من ] استحقّها لعمل أو لغرم أو نحوهما.

قوله : ولا يشترط إلى آخره

أي : لا يشترط في وجوب الفطرة على مالك قوت السنة فعلا أو قوّة أن يفضل عنه أي :عن القوت أصواع بعدد رءوس من يخرج عنه الفطرة كما احتمله في المسالك ، وذهب إليه المصنّف في البيان في معنى القوت.

قوله : فيخرجها.

تفريع على قول المصنّف : « وتجب على البالغ العاقل الحر ».

قوله : عنه وعن عاليه.

الجار في كلام المصنّف يحتمل وجوها : فإنّ لفظة « الزكاة » إن كانت مصدرا كان زكاة الفطرة بمعنى أدائها ، وكان يجب بمعنى : يجب أداؤها ، فإن جاز تعلّق الجار والظرف بالضمير ـ كما قيل ـ كان الجار هنا متعلّقا بضمير « يجب » وإلّا كان مع مجروره مستقرّا حالا عن الضمير ، ولا يتفاوت المعنى ، وإن كانت بمعنى : ما يخرج ، فإن قدّر مع ضمير « يجب » مضاف أي : « أداؤها » تعلّق به الجار ، وإن لم يقدّر ، بل جعل وجوبها بمعنى وجوب أدائها كان الجار مع المجرور مستقرا حالا عنه.

قوله : ولو تبرّعا.

متعلّق بقوله : « وعن عياله » أي : ولو كانت العيلولة أو كان العيال على جهة التبرّع ، أو ولو تبرع بالعيلولة تبرّعا. وفي تقديم الضيف على هذا الكلام إشارة إلى أنّ الضيف ربما تجب عيلولته ، ولو بالعرض.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦٦.


قوله : وشبهه.

ممّن يعوله الانسان تبرّعا. والضمير في قوله : « اسمه » راجع إلى « العيال » ، ويحتمل الرجوع إلى « الضيف » أيضا. وقوله : « قبل الهلال » متعلّق بالصدق.

قوله : ومع وجوبها عليه.

أي : مع وجوب الفطرة على الشخص المذكور يسقط عن العيال ، وإن لم يخرج الشخص المذكور الفطرة.

قوله : بل تجب الفطرة مطلقا.

أي : سواء كانا عيالين أم لا. والضمير في قوله : « غيره » راجع إلى الشخص الموصوف أو إلى كلّ من الزوج والمولى المدلول عليه بقوله : الزوجة والعبد.

قوله : وإن استحبّت.

أي : لو أسلم قبل الزوال.

قوله : بالشروط.

إمّا خبر لقوله : « والاعتبار » الذي هو مبتدأ ، أو متعلّق بالمبتدإ ، والخبر ما بعده.

قوله : لم تجب.

عدم الوجوب في الأمثلة الثلاثة الاولى على المذكور أي : العبد المعتق ، والفقير المستغني ، والكافر المسلم وفي المثال الأخير على غير المذكور أي : الزوج.

قوله : الموجب.

أي : لو كان قبل الهلال.

قوله : إلى الزوال.

لفظة « إلى » واقعة موقع « الواو » للإشعار بالانتهاء ، أو المعنى : ما بين أجزاء الوقت المبتدأ من الهلال إلى الزوال.

قوله : أو الأقط.

الأقط كالكتف. وربما تسكن « القاف » مع كسر « الهمزة » وفتحها.

قوله : وهذه الأصول.


تسمية هذه الأجناس بالاصول ؛ لكونها مجزئة ، وإن لم تكن قوتا غالبا ، بخلاف غيرها فكأنّها واجبة ذاتا وأصلا ، وغيرها بدلا وعرضا.

قوله : في قوت المخرج.

وقيل : في قوت أهل البلد.

قوله : وأقلّ كلفة.

لأنّه إذا وقع في يد الفقير أكل مع تعارف أكله عوضا عن القوت بين العرب ، ولذا قدّم على الزبيب.

قوله : من الأجناس.

« اللام » للعهد أي : الأجناس المذكورة.

قوله : هذا غاية لوجوب الصاع.

المشار إليه بقوله : هذا : « ولو من اللبن » ، والتعبير بالغاية ؛ لأنّه في معنى حتّى من اللبن. والمراد : أنّ قوله : « ولو من اللبن » متعلّق بقوله : « وقدرها صاع » لا أنّه غاية لتقدير الصاع حتّى يكون متعلّقا بقوله : « والصاع تسعة أرطال ».

قوله : فإنّ مقابل الأقوى.

هذا تعليل لكونه غاية لوجوب الصاع ، لا لتقديره. وتوضيحه : أنّ قوله : « على الأقوى » يدلّ على أنّ في المسألة قولا آخر مقابلا له ، وهذا متحقّق في وجوب الصاع بالنسبة إلى اللبن ؛ لأنّ منهم من ذهب إلى أنّ الواجب في اللبن ليس الصاع الذي هو تسعة أرطال ، بل يجزي ستّة أرطال عراقية ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط والمصباح ومختصره ووافقه ابنا حمزة وادريس والعلامة في التذكرة ، والتبصرة.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الواجب في اللبن أربعة أرطال عراقية. اختاره الشيخ في الجمل والنهاية وكتابي الأخبار ظاهرا ، والفاضلان في الشرائع والنافع والقواعد.

وليس مثل ذلك متحقّقا في تقدير الصاع ؛ إذ لم يقل أحد بأنّ الصاع من اللبن قدر آخر غير تسعة أرطال ، بل اتّفق الكل على أن الصاع مطلقا سواء كان من اللبن أو غيره تسعة أرطال.


هذا توضيح كلام الشارح ، ولا يخفى أنّ هذا بعيد من اللفظ ، بل لا يلائم مع ذكر اللبن أوّلا ؛ بقوله : « أو اللبن » والصواب أنّه غاية للتقدير حيث إنّه يفهم من بعض كلمات القوم أنّ الصاع في اللبن ستّة أرطال وأربعة ، منها كلام الشيخ في المصباح قال : « ويجب عليه من كلّ رأس صاع من تمر ، أو حنطة ، أو شعير ، أو أرز ، أو أقط ، أو لبن ، والصاع تسعة أرطال بالعراقى من جميع ذلك ، إلّا اللبن ؛ فإنّه أربعة أرطال بالمدني ، وستّة بالعراقي ». ونحوه عبارة مختصره ، وجمله.

ومنها عبارة البيان ، قال : « والصاع تسعة أرطال بالعراقي وزنه ألف درهم ومائة وسبعون درهما من جميع الأجناس على الظاهر من كلام الأكثر ، وقال الشيخ : يجزي من الأقط واللبن ستة أرطال ». انتهى.

قوله : من غير انحصار في درهم إلى آخره

ذكر ذلك للاشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار من أنّه يجزي عن الصاع درهم ، (١) وفي بعض آخر أنّه يجزي عنه ثلثا درهم كما يأتي.

قوله : وما ورد منها مقدرا.

أي : ما ورد من القيمة حال كونها مقدّرا بأحد التقديرين المذكورين أي : الدرهم أو ثلثيه فالمقدّر ـ بفتح الدال ـ حال عن الموصول ، وقوله : « منها » بيان للموصول.

ويمكن أن يكون مقدّرا ـ بكسر الدال ـ ولفظة « من » بمعنى « في » ، والمراد بالموصول : الأخبار أي الأخبار التي وردت في القيمة حال كونها مقدّرة للقيمة منزلة على سعر ذلك الوقت أي : وقت ورود الخبر أو ورود القيمة يعني كان التقدير لأجل كون القيمة في وقت التقدير ذلك.

ثمّ إنّ ما ورد إشارة إلى ما ذكره المفيد قال : وسئل ـ يعني : الصادق عليه‌السلام ـ عن مقدار القيمة فقال : « درهم في الغلاء والرخص ». (٢) وروي : « أنّ أقلّ القيمة في الرخص ثلثا درهم ». (٣)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٩.


وروى الشيخ في الاستبصار عن اسحاق بن عمّار ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن تعطيه قيمتها درهما ». (١) وفي المبسوط وقد روي : « أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما » وروي : « أربعة دوانيق في الرخص والغلاء ».

قوله : وفي الماليّة.

أي : في الزكاة الماليّة. وقوله : « من المالك » متعلّق بالنية. وقوله : « عموما » متعلّق بقوله : « أو وكيله » الثاني أي : وكيل المستحق من جهة العموم. وقوله : « عامّا » متعلّق بقوله : « نائبه » أي : نائب الإمام نيابة عامّة أو خاصّة.

وعموم وكالة الإمام ونائبه للمستحقّين باعتبار عدم خصوصها بمستحقّ دون مستحقّ وعدم خصوص وكالتهم بحال توكيل أو غيرها ويزيد في الإمام ونائبه العام أنّه لا يختص وكالتهما للمستحقّين بهذه المصلحة ، بل يعمّها وغيرها من المصالح.

فقوله : « أو خصوصا » معطوف على قوله : « أو عموما » أي : وكيل الفقير خصوصا. وقوله : « كوكيله » أي : وكيل المستحق بالمعنى المعروف المخصوص بصيغة التوكيل.

قوله : غير المستحق.

التخصيص بغير المستحق وغير وكيله ؛ لأنّه إذا دفعها إلى أحدهما بدون نيّة لم يحسب من الزكاة ولا نيّة اخرى يجزي عن نيّته.

قوله : ووكيله الخاص.

عطف على المستحق أي : لو لم ينو المالك عند دفع الزكاة إلى غير المستحق وغير وكيله الخاص بان دفعها إلى الإمام أو نائبه. وقوله : « فنوى القابض » عطف على قوله : « لم ينو » وليس جوابا للشرط ، وجوابه. قوله : « أجزأ ». والضمير المجرور في قوله : « إليه » راجع إلى المستحق أو وكيله الخاص. ويحتمل رجوعه إلى القابض أيضا أي : نوى القابض عند دفع المالك الزكاة إليه وقبضه من المالك ، ولكن الأوّل هو الظاهر ، وإن ظهر الثاني أيضا من بعض عبارات القوم. قال فخر الإسلام في شرح الإرشاد : « إذا أخذها الساعي قهرا ، فهل ينوي حين الأخذ من المالك أو حين الدفع إلى الفقير ».

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٨.


قوله : ومن عزل إحداهما.

إحدى الزكاتين البدنيّة أو المالية.

وقوله : بأن عيّنها.

بيان لكيفيّة العزل ، وقوله : « بالنية » متعلّق بقوله : « عيّنها ». والتعيين في مال خاص بالنيّة يشمل ما لو أفرز قدرها عن ماله ، وما لم يفرزه ، بل نوى كون قدرها زكاة كأن عيّن الصاع في الصاعين ، بل الظاهر منه هو الأخير ، واحتمل بعضهم الافراز.

وقوله : « لعذر » متعلّق بقوله : « عزل » أو بتفسيره أي : « عيّنها » إلى آخره.

قوله : ضمن مطلقا.

أي : فرط أو لم يفرط ، لأنّه مفرط بالتأخير.

قوله : معه.

أي : مع عدم العذر. وذلك إشارة إلى خلاف في بحث الزكاة المالية من أنّ مع وجود المستحق وعدم العذر هل يجوز العزل أم لا.

قوله : وتظهر فائدة العزل.

أي : تظهر الفائدة حين عدم العذر والقول بجوازه ، مع أنّه لا فرق حينئذ بينه وبين غير المعزول في الضمان مع التلف مطلقا في انحصار الزكاة في المعزول وعدم انتشارها وشيوعها بين أمواله ، ولازم الانحصار أمران : أحدهما عدم جواز تصرّف المالك فيه لنفسه. وثانيهما : كون نمائه المتّصل كالشاة التي سمنت أو المنفصل كلبن الشاة وولدها تابعا له في كونه لمن يستحقّ الزكاة دون المالك.

وقوله : « وضمانه » أي : وضمان النماء « كما ذكر » في الأصل أي : ضامن له سواء فرط أو لم يفرط. ويحتمل أن يكون الضمير في ضمانه راجعا إلى المعزول ، وتكون « الواو » حالية أي : لزم من العزل ما ذكر ، والحال أنّ ضمانها باق كما ذكر.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد إظهار فائدة العزل مطلقا لعذر ولا لعذر من غير تخصيص بالأخير ، ويكون قوله : « وضمانه كما ذكر » إشارة إلى التفصيل المذكور من الضمان إن كان لا لعذر ، وعدمه إن كان لعذر.


قوله : ولا فرق بين صاع.

وربما يوجد الفرق بينهما في بعض القيود ، فجوّز التوزيع في الثاني ، دون الأوّل.

قوله : بحسبه.

الضمير راجع إلى الموجود. أي : بحسب ما يفي به الموجود.

قوله : ولا تجب التسوية.

أي : التسوية بين المستحقّين حين البسط حينئذ وإن استحب مع عدم المرجّح من فقه ، أو عقل ، أو ورع ، أو هجرة ، أو قرابة ، أو نحوها ؛ لما في الترجيح من كسر قلب المفضول ، وأمّا مع الترجيح فيستحبّ التفضّل.

قوله : بعده.

أي : بعد ذي القرابة.

قوله : بالعلم والزهد وغيرهما.

متعلّق بالفضل أي : أهل الفضل بسبب العلم ، أو الفضل بسبب الزهد ، أو بغيرهما كالعقل أو الورع وغيرهما.

وقوله : « ترجيحهم » عطف على « التخصيص » أي : كما أنّ الجماعة المذكورين من ذي القرابة ، والجار ، وأهل العلم والزهد يرجّحون على غيرهم بتخصيصهم بها إذا لم يف بهم وبغيرهم يستحبّ إن عمّم أحد هؤلاء وغيرهم إن وفى الحاضر منها بالتعميم ترجيحهم على غيرهم في سائر مراتب الإعطاء من الزيادة كمّا أو كيفا ، وتخصيصهم بما يليق بهم. أو المراد : أنّه يستحبّ ترجيحهم في سائر مراتب الرجحان أي : كما أنّه يرجّح القريب على غيره ، والجار على غيره ، وكذا العالم والزاهد ونحوهما كذلك يرجّح الأقرب من القرابات على البعيد منهم ، وهكذا في البواقي.

قوله : ارتجعت عينا أو بدلا.

تمييز للضمير المرفوع في « ارتجعت ». والارتجاع عينا إذا كانت العين باقية ، وبدلا إن لم تكن باقية.


قوله : ان اجتهد الدافع.

لم يقل : المالك ليشمله والإمام ، والساعي ، والوكيل ، ونائب الإمام.

قوله : بخلافه.

أي : كان المستحق بخلاف ما أظهره من الاستحقاق.

قوله : عبده.

أي : عبد المزكّي ، لا عبد الدافع ، بقرينة قوله : « لأنّه لم يخرج عن ملك المالك ». وقوله :« مطلقا » أي : اجتهد أم لا.

قوله : لأنّه لم يخرج عن ملك المالك.

لأنّ العبد وما في يده لمولاه ، ولا يتفاوت في ذلك بقاء العين وعدمه ؛ لأنّ مع عدم البقاء وإن كان العين تالفة غير مملوك للمالك حينئذ ، ولكنّها ما دامت باقية لم تخرج عن ملكه ، فالتالف يكون من ماله.

قوله : وفي الاستثناء نظر.

أي : الاستثناء المذكور بقوله : « إلّا أن يكون عبده ». وقوله : « في نفس الأمر » متعلّق بالعلّة ، لا بقوله : « مشتركة » أي : النفس الأمرية مشتركة كما أنّ النص الذي هو العلّة الظاهرية مطلق.

قوله : فإنّ القابض مع عدم استحقاقه إلى آخره

هذا تعليل لاشتراك العلّة ، وتوضيحه : أنّ علة عدم الإجزاء إمّا أنّ القابض إذا كان عبدا لا يصير مالكا فيكون باقيا على ملك المالك ، فهو كذلك في غير العبد أيضا ؛ لأنّ القابض مع عدم استحقاقه لا يملك مطلقا ، عبدا كان ، أو غيره ، وإن برأ الدافع إذا دفعها على الوجه السائغ شرعا ، بل يبقى المال مضمونا عليه أي : على الآخذ باقيا على [ ملك ] المالك أو العلّة للإجزاء تعذّر الارتجاع مع كون دفعها على الوجه المشروع ، وذلك أيضا مشترك بين العبد وغيره.

قوله : والنص مطلق.

النص حسنة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها قال : قلت : « فإنّه لم يعلم أهلها


[ فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل ] وقد كان طلب واجتهد ، ثمّ علم بعد ذلك سوء ما صنع. قال : ليس عليه أن يؤدّيها مرّة اخرى ». (١)

ورواية زرارة عنه عليه‌السلام : « إن اجتهد فقد برأ ، وإن قصر في الاجتهاد والطلب فلا ». (٢)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٢١٤.


كتاب الخمس

قوله : الغنيمة ، وهي إلى آخره

الغنيمة ـ كما ذكره الشيخ في المبسوط ـ المنفعة من الغنم ، وهو ما يستفيده الانسان بجميع وجوه الاستفادة.

والمراد بها : الفائدة المكتسبة ، سواء اكتسب برأس مال كأرباح التجارات والزراعات ، أو لا به كالاتّهاب والأخذ من أموال الكفّار.

وأمّا التعريف الذي ذكره الشارح ، فإنّما هو مراد المصنّف هاهنا.

قوله : إذا حواها.

أي : حوى مالهم. وتأنيث الضمير باعتبار أنّ المراد من مالهم : أموالهم ، فاكتفى بجمع المضاف إليه عن جمع المضاف.

قوله : فداء.

أي : ما يفدى به اسراء المشركين. والمراد بما صولحوا عليه : ما صولحوا من حيث إنّهم مشركون ، ومن جهة شركهم لا مطلقا.

قوله : وما أخرجناه إلى آخره

مقصوده من هذا الكلام بيان أنّ استثناءه المتقدّم من الغنيمة بقوله : « بغير سرقة ولا غيلة » ليس لعدم وجوب الخمس فيما استثناه ، بل لعدم دخوله في اسم الغنيمة وعدم وجوب الخمس فيه لذلك ، بل لكونه من المكاسب.

ولفظة « من » في قوله : « من الغنيمة » بيانية للموصول ، وليست متعلّقة بقوله :« أخرجناه » وقوله : « بغير إذن الإمام » متعلّق بالغنيمة أي : الغنيمة التي اغتنمت بغير إذن


الإمام ، والسرقة والغيلة بمعنى : المسروقة والمغتال فيه معطوفان إمّا على مجرور « الباء » أي : الغنيمة المأخوذة بهما ، أو على الغنيمة.

قوله : لأنّ الأوّل.

أي : لأنّ الغنيمة بالمعنى المشهور ، ما يعمّ المجاهدين أو المؤمنين ممّا يؤخذ من الكفّار أو البغاة قهرا ، والأوّل من الأشياء المخرجة أي : ما غنم بغير إذن الإمام للإمام خاصّة ، والثاني ـ أي : السرقة والغيلة ـ لآخذه خاصّة ، وإن وجب فيهما الخمس.

قوله : بقول مطلق.

أي : من غير تقييد بالمعنى المشهور.

قوله : فيصحّ إخراجه منها.

الضمير في « إخراجه » راجع إلى الموصول في قوله : « ما أخرجناه » والتفريع يحتمل أن يكون على عدم الدخول في اسم الغنيمة بالمعنى المشهور ، وأن يكون على الدخول بالمعنى الأعم. فالأوّل على تقدير أن يكون الإخراج بمعنى : عدم الإدخال في مفهوم الاسم. والثاني على تقدير كونه بمعنى الاستثناء وإن كان بعيدا عن قوله : « بغير سرقة » ، كما لا يخفى.

قوله : الجعائل على الأقوى.

أي : ما يشترط لمجاهد أو معاون جعالة ، كأن يشترط سلب قتيل لقاتله ؛ فإنّه لا خمس فيه ، بل يخرج أوّلا ، ثمّ يخمس المال.

قوله : والمعدن.

هو مكان جواهر الأرض ، ممّا يذكره الشارح ونحوه ، من عدن بالمكان أقام به وعدنت البلد توطّنته ، وجنّة عدن أي إقامة. وسمّي المعدن « معدنا » ؛ لأنّ الناس يقيمون فيه بالصيف والشتاء كذا قال الجوهري ، وقال الأزهري : لعدون ما أنبته الله من الجواهر فيه ، والمراد به هنا : هو المعنى [ الثاني ] وعليه تفسير الشارح.

قوله : ممّا كانت أصله.

أي : كانت الأرض أصله. وهذا القيد لإخراج النباتات ؛ فإنّ أصلها بذورها ، أو أصلها


العناصر الأربعة جميعا دون الأرض فقط ، بخلاف المعدن ؛ فإنّ أصله ليس سوى الأرض ، ولو خالطه غيرها فقليل جدّا.

قوله : كالملح.

المتكوّن من الأرض أو الحجر لا مطلقا ولو من الماء.

قوله : ليس عليها سكّة.

الوصف للذهب والفضّة معا. وفيه استغناء بوصف أحدهما عن وصف الآخر. والتقييد بهذا القيد ؛ لأنّه إن كانت فيها سكّة الإسلام يكون لقطة شرعا ، لا غوصا ، وإن صدق عليه الغوص. ويظهر من بعض الروايات كونها غوصا وإن كانت عليه سكّة الإسلام.

قوله : والعنبر.

قال الشيخ الرئيس في القانون : « إنّه فيما نظن نبع من عين في البحر ، والذي يقال : إنّه زبد البحر أو روث الدابّة بعيد ». انتهى.

وقيل : إنّه نبات بحري كالكمأة. وقيل : إنّه نوع من الصمغ يكون في بعض الجزائر ويلقيه الريح في البحر. وقيل إنّه طل يقع على بعض الأشجار.

قوله : والمفهوم منه.

أي : من الغوص. وإطلاق الإخراج من داخل الماء يعمّ ما لو أخرجه منه بآلة لا بغوص المخرج ، وصرّح في المسالك بكونه في حكم الغوص ، ويظهر من بعضهم اشتراط الإخراج بغوص المخرج في الماء.

قوله : وحيث لا يلحق به يكون من المكاسب.

لفظة « حيث » إمّا زمانية أي : إذا كان لا يلحق المأخوذ من الساحل أو من وجه الماء به أي : بالغوص ، أو مكانية أي : في كلّ موضع لا يلحق به المأخوذ ـ وهو ما ذكر من الموضعين ـ يكون من المكاسب.

ومنهم من ألحق مثل الذهب والفضّة بالمعادن ، ومثل العنبر واللؤلؤ والمرجان بالمكاسب. ويمكن أن يكون مراد الشارح من المكاسب : المعنى الشامل للمعادن أيضا ، لا العلم بها ( كذا ).


قوله : وتظهر الفائدة في الشرائط.

أي : فائدة كونها حينئذ من المكاسب أو الغوص مع وجوب الخمس فيها على التقديرين في الشرائط الآتية ؛ فإنّه قد تختلف شرائط وجوب الخمس في الغوص معها في المكاسب.

قوله : والتفصيل.

المراد بالتفصيل : أن يقال : إن أخرج من داخل الماء فغوص ، وإن أخذ من وجه الماء ومن الساحل فمن المكاسب.

قوله : أرباح المكاسب.

أي : زياداتها. قال الراغب : « الربح : الزيادة الحاصلة في المبايعة ، ثمّ تجوز به في كل ما يعود من ثمرة عمل ».

والمكاسب يحتمل أن يحمل على المعنى المصدري ، وعلى معنى اسم المفعول ، وعلى الثاني يكون كلّ ما ذكر من التجارة وأخواتها أيضا كذلك ، وتكون « من » في قوله :« ممّا يكتسب » بيانية ، وما موصولة. وعلى الأوّل تكون « ما » مصدرية. ولفظة « من » في قوله : « من غير الأنواع » على الثاني بيانية ، وعلى الأوّل ابتدائية متعلّقة بالاكتساب.

قوله : قسيمها.

بالكسر صفة للانواع ، أو بالفتح ، حالا عن الضمير في المذكورة أي : المذكورة قسيما لها أي : غير الأنواع المذكورة قسيما للمكاسب كالغنيمة والغوص والمعادن.

قوله : ولو بنماء.

متعلّق بالأرباح ، أو بالمكاسب ، أو مما يكتسب أي : ولو كان حصول أحد المذكورات بنماء في الكم أو الكيف ، وتولّد ولد ، أو ثمر ، أو بذر ، أو لبن ، أو غيرها ، أو ارتفاع قيمة للسوق من غير زيادة في العين كمّا أو كيفا وغيرها كوجدان من يطلبه أزيد من غير ارتفاع القيمة في السوق.

قوله : ولا يتميّز.

« الواو » حالية ، والجملة حال عن الحرام أو من الحلال.


قوله : بوجه.

لا تفصيلا ولا إجمالا. وهو متعلّق بالتمييز والعلم بالصاحب والقدر جميعا.

قوله : فلو تميّز كان للحرام حكم.

أي : تميّز الحلال والحرام أو المال. ولو كان المستتر هو الحرام يكون إظهاره في قوله :

« للحرام » بعد إضماره للتنصيص على أنّ حكم المال المجهول المالك للحرام خاصّة ، لا لجميع المال سيّما مع احتمال كون المستتر غير الحرام أيضا ، كما ذكرنا.

قوله : حيث لا يعلم.

يحتمل أن يكون متعلّقا بالمال المجهول المالك ، فيكون المراد به حيث لا يعلم بوجه لا بعينه ولا في جملة محصورين ، وأن يكون متعلّقا بكان أي : [ كان ] له حكمه حيث لا يعلم صاحبه ، فيكون الكلام في قوّة : ولو تميّز الحرام وكان الجهل بصاحبه باقيا كان له حكم ذلك.

قوله : ولو علم صاحبه.

أي : لو لم يتميّز ولكن علم صاحبه ، لا بدّ من التخلّص منه أي : من صاحبه أو من الحرام بأيّ وجه أمكن من إبراء أو غيره ولو بصلح.

قوله : ولا خمس.

أي : بعد التخلّص لا يجب الخمس في الباقى ، أو حين العلم بصاحبه لا يجب خمس ؛ بل الواجب التخلص.

قوله : زيادته.

أي : زيادة الحرام على الخمس ، أو زيادة الخمس على الحرام. وكذا يشترط في دفع الخمس أن لا يعلم نقصانه وإنما تركه اكتفاء بذكره أخيرا.

قوله : أو ما يغلب على ظنّه.

عطف على « خمسه » أي : أو دفع إليه ما يغلب على ظنّه امتزاجه مع ماله من الحرام في صورة العلم بالزيادة أو النقصان وعدم العلم بالقدر.

ولا يخفى أنّه على هذا يكون حكم ما إذا لم يغلب على ظنّه قدر الحرام مسكوتا عنه.


ويمكن أن يكون المعنى : أو يدفع ما غلب على ظنّه براءة ذمّته بدفعه أي : يدفع ما يحصل معه الظن بالتخلص ، وعلى هذا يكون شاملا لجميع صور العلم بالزيادة أو النقصان ، وعدم تعين القدر.

قوله : ولو علم قدره.

أي : خاصة من غير علم بصاحبه.

قوله : جملة لا تفصيلا.

بأن علم أنّه زائد عن القدر الفلاني ـ مثلا ـ أو ناقص عنه من غير تعيين قدر الزيادة أو النقصان.

قوله : ولو ظنّا.

متعلّق بالزائد ، أي : ولو بحسب ظنّه ، أو ولو ظنّ قدر الزائد ظنّا.

لا يقال : كيف جعل التصدّق بالزائد الظنّي الفرد الأخفى مع أنّ في صورة العلم بالزيادة إجمالا يكون التصدّق بالظنّي أجلى الفردين ؛ إذ ليس حينئذ إلّا الزائد الاحتمالي والظنّي ، ولا شكّ أن الأخير أوضح بوجوب التصدّق من الأوّل.

لأنا نقول : إنّه لا شكّ في أنّ في هذه الصورة لا يكفي التصدّق الزائد الاحتمالي ، بل اللازم إمّا تصدّق ما يعلم أنّه لا أزيد منه إن لم يكن هناك قدر يظنّ أنّه لا أزيد منه ، أو تصدّق ما يظنّ أنّه لا أزيد منه إن كان ، وحينئذ فيكون التصدّق بالزائد الظنّي فردا أخفى

قوله : اقتصر.

لا يقال : إنّه ليس هاهنا موضع الاقتصار ، لأنّه إنّما يستعمل في موضع يحتمل الأزيد والأنقص ، ويقتصر على الأنقص ، وهاهنا قد اقتصر بالأزيد ؛ إذ غاية الواجب ما تيقّن به البراءة.

لأنّا نقول : إن إطلاق الأخبار بوجوب الخمس في المال المختلط بالحرام يشمل هذا الموضع أيضا ، فيمكن أن يكون الواجب هنا أيضا الخمس ، فقال : إنّه لا يجب عليه الخمس ، بل يقتصر على الأقل منه ، وهو ما تيقّن منه البراءة عن الحرام.

وقوله : « صدقة » متعلّق بقوله : « اقتصر ».


قوله : ممّا يجب فيه الخمس خمّسه ، الى آخره

أي : من غير جهة الخلط بالحرام ، بل من جهة التكسب ونحوه خمّسه بعد ذلك أي : بعد ما ذكر لأجل الخلط من إخراج الخمس ، أو الزائد ، أو الناقص. وقوله : « بحسبه » متعلّق بقوله : « خمّسه » أي : خمس الحلال بحسب ما يقتضيه ذلك المال الحلال من غوص أو تكسّب أو معدن أو نحوها ، فيلاحظ شرط ما كان منه في وجوب خمسه.

قوله : ولو تبيّن المالك.

أي : ولو تبين مالك المال الحرام الذي كان مخلوطا مع مال المخمّس وكان صاحبه أوّلا غير معلوم ، وأخرج خمسه ، ففي ضمان المخمس له أي : للخمس أو للمالك إن لم يرض بما فعله من إخراج الخمس أو الصدقة وجهان : الضمان وعدمه ، أجودهما الضمان.

قوله : تحت الأرض قصدا.

هذا القيد لخروج ما استتر في الأرض بسبب الضياع عن صاحبه ، فإنّه يلحق باللقطة.

ويعلم كونه كنزا أو ضائعا بالقرائن الحالية كالوعاء ومثله.

قوله : ولا أثر له.

« الواو » حالية ، والضمير في قوله : « له » راجع إلى الاسلام ، أو أثر الاسلام كاسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد ولاة الاسلام.

قوله : وقت سابق إلى آخره

بأن كان للغير أوّلا ، فانتقل منه إليه ، والغير يشمل مورثه إذا كان له وارث غيره أيضا ، وغيره ، فالكنز ما وجده في ملك نفسه الذي أحياه بنفسه أو أحياه مورثه الذي لا وارث له غيره ، أو وجده في أرض موات لا مالك له.

قوله : بقوله مجرّدا.

أي : عن اليمين والبيّنة والتوصيف اعتبارا بيده السابقة على الأرض.

قوله : وإلّا عرّفه.

أي : وإلّا يعترف به وكان قبله مالك آخر من بائع وغيره من الواهب والمصالح ونحوهما.


قوله : فان اعترف به.

أي : فهو له بمجرّد قوله.

قوله : فمن قبله.

أي : الأقرب فالأقرب ممّن يمكن تعريفه ، وفي حكمهم إذا فقدوا ورثتهم.

قوله : فإن تعدّدت الطبقة.

أي : أفراد الطبقة الواحدة للملّاك لا تعددت نفس الطبقات ؛ لأنّ اللازم حينئذ التعريف من الأقرب فالأقرب ، فالمراد : أن يكون في طبقة واحدة ملّاك متعدّدة وتساووا في البيّنة أو اليمين أو الوصف أو عدمها ، والمراد بالسبب : سبب قبول القول وهو ملكيّة الأرض السابقة. والمراد بالتقسيم بحسب السبب أنّهم إن شاركوا في الملك بالسويّة قسم عليهم كذلك ، وإلّا فبحسب حصصهم ، فلمالك الثلث الثلث ، والنصف النصف ، وهكذا.

قوله : سببا.

كأن يقول : سبب ادّعائي أنّ البائع الذي باع هذا الملك منّي ومن شريكي شرطنا معه أنّه لو كان فيه كنز كان لنا ولم يكن له مدخليّة فيه.

قوله : وإلّا الجميع.

أي : وإن لم يذكر سببا أو ذكر سببا لا يقتضي التشريك سلّم إليه الجميع.

قوله : وحصّة الباقي.

أي : على الأوّل.

قوله : ومثله.

أي : مثل الكنز الموجود في أرض مملوكة في الاحكام المذكورة ، لا في كونه كنزا ، بل إذا اختصّ بالواجد كان من المكاسب.

قوله : في جوف دابّة.

يعنى : أنّه إذا لم يكن في ملك غيره ولو سابقا كان للواجد ، وإن كان فإن اعترف به المالك كان له وإلّا عرف من قبله ، فإن لم يعرف أحد منهم فهو للواجد أيضا ، أو لقطة بالتفصيل المتقدّم.


قوله : ولو سمكة مملوكة بغير الحيازة.

المراد بغير الحيازة : الاشتراء أو الاتهاب أو نحوهما.

وتوضيح المقام : أنّ الدابّة التي يوجد في جوفها شي‌ء إمّا غير السمكة أو السمكة ، فإن كانت غير السمكة فحكمها ما ذكر مطلقا. وأمّا السمكة ففرق بينها وبين سائر الدواب في أنّها قد تصير مملوكة بالحيازة وقد تكون مملوكة بغير الحيازة :

أمّا الأوّل : فحكمه غير حكم سائر الدواب عند الأكثر ؛ إذ لا حيازة في سائر الدواب ، وحكمه ما ذكره الشارح : « أمّا بها » إلى آخره وحاصله أنّه يكون الموجود في بطنها لواجده مطلقا سواء كان مالكها أو غيره.

وأمّا الثاني أي : ما كانت مملوكة بغير الحيازة من اشتراء أو اتهاب أو نحوهما ، فاختلفوا في أنّه هل حكمها حكم سائر الدواب أو لا؟ ففرّق بعضهم بينها وبين السائر ، وحكم بأنّها أيضا كالمملوك بالحيازة كان الموجود في جوفها للواجد أيضا من غير تعريف ، بخلاف سائر الدواب ؛ فإنّه يجب فيها تعريف المالك السابق ، واستند الفارق بأنّ الحال تشهد في سائر الدواب بابتلاعها ما في تملك البائع أو الواهب أو مثلهما ، وفي السمك بالخلاف.

وقول الشارح : « ولو سمكة مملوكة بغير الحيازة » إشارة إلى الردّ على هذا الفارق أي :يجب على الواجد في جوف السمكة المملوكة بغير الحيازة ما يجب على الواجد في جوف سائر الدواب.

وقوله : « أمّا بها » إشارة إلى بيان الفرق بين السمكة المملوكة بالحيازة وبين سائر الدواب كما عليه الأكثر ، وحاصله أنّ الواجد في جوف السمكة المملوكة بالحيازة لا يعرف مالكها ، بل يحوزه ولو لم يكن مالكا.

ثمّ لا يخفى أنّ بناء الأكثر فيما ذكروا إنّما هو على أنّه لا يتحقّق الحيازة في غير السمكة من الدواب.

ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّ سائر الدواب أيضا كما تكون مملوكة في الأصل كالفرس ونحوها قد تكون من الدواب الوحشية التي تملك بالحيازة ، فلا يتوجّه قصد تملّكها إلى


تملك ما لا يعلمه في بطنها ، بل السمكة أيضا قد تكون مملوكة بالأصل كما لو كانت في ماء محصور مملوك للبائع بحيث يكون منشؤها فيه ، فتكون كالدابّة.

قوله : بالدينار.

« اللام » في الدينار للعهد ، وكذا المثقال أي : المراد بالدينار المذكور : المثقال المعهود أي : من الذهب كما في غير هذا الدينار من الدنانير.

قوله : وفي الاكتفاء بمائتي درهم.

أي : عينا أو قيمة إن خالفت قيمتها قيمة العشرين دينارا.

قوله : صحيح البزنطي عن الرضا عليه‌السلام

هو ما قال : أنّه سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز. فقال عليه‌السلام : « ما يجب الزكاة منه في مثله ففيه الخمس ». (١)

قوله : منه في مثله.

الضمير في قوله : « منه » راجع إلى « الكنز » ، وفي « مثله » إلى الموصول ، ولفظة « من » بيانية ، وهي يبيّن الموصول أي : ما يجب [ من ] الكنز في مثله الزكاة يجب فيه الخمس.

قوله : وصحيح البزنطى دالّ.

هذا غير ما ذكره أوّلا ، وهو أنّه قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عمّا أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء. قال : « ليس فيه شي‌ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا ». (٢)

قوله : كما مر.

بقوله : « مع قطعه بالاكتفاء بها في المعدن ».

قوله : مع أنّ الرواية هنا لا تدلّ عليه.

التقييد بقوله : « هنا » ؛ لأنّ صحيح البزنطي في الكنز لعمومه كان يدلّ على أنّ البلوغ بمائتي درهم في حكم عشرين دينارا ، بخلاف هذا الصحيح ؛ فإنّه خاص.

قوله : ولا نصاب له.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٥.


الضمير المجرور راجع إلى « المعدن » وكذا الضمير في قوله : « فيه ».

قوله : استنادا إلى رواية قاصرة.

هي رواية محمّد بن عليّ بن أبى عبد الله عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟فقال : « إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس ». (١)

وقصورها إنّما هو من حيث السند ، لجهل محمّد بن على.

قوله : بالتشبيه هنا.

وذلك لأنّ معنى قوله : « كالغوص » أنّ أبا الصلاح اعتبر فيه الدينار ، كما هو معتبر في الغوص ، لا أنّه اعتبره فيه ، كما اعتبره في الغوص.

قوله : وآلة الغوص.

أي : تلف الآلة وأرش الآلة إن كانت بحيث نقصت قيمته بسبب الغوص.

قوله : مطلقا.

أي : سواء أخرج أحد الثلاثة دفعة أو دفعات ، فقوله : « ويعتبر النصاب بعدها » لا تعلّق له بما تقدّم ، بل هو من متعلّقات ما بعده الذي يذكره بقوله : « ولا يعتبر » إلى آخره أي : اعتبار النصاب بعد المئونة مطلق من غير اشتراط اتّحاد الإخراج في الثلاثة.

ويمكن أن يكون المراد بقوله : « مطلقا » أي : سواء كانت المئونة ممّا تقدّمت على حصول أحد الثلاثة أو تأخّرت. ويكون قوله : « ويعتبر النصاب » ثابتا إلى قوله : « في ظاهر الأصحاب » [ وقوله « في ظاهر الأصحاب ] مسألة على حدة ، والمراد باتحاد الإخراج : أن يخرج قدر النصاب دفعة واحدة ، والمراد بقصد الإعراض : الإعراض عن الإخراج حينئذ وإن قصد الإخراج بعد ذلك أو الإعراض عن الإخراج مطلقا.

قوله : اتحاد النوع.

أي : في كلّ من هذه الثلاثة حتّى لو اشتمل أحدها على نوعين فصاعدا كالذهب والفضّة ، ولم يبلغ النصاب إلّا المجموع لم يجب الخمس وجهان.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٤٩٣.


قوله : جماعة.

أي : في أحد الثلاثة.

قوله : مئونته.

أي : مئونة المشترك ، أو النصيب.

قوله : وإن تضمّن بعض الأخبار.

أي : بعض مطلق الأخبار ، لا بعض أخبار هذا الباب ؛ لانحصار ما ورد فيه بالخبر المتضمّن للشراء ، وهو صحيح أبي عبيدة الحذاء قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس ». (١)

قوله : حيث يصح بيعها.

اعلم أن الأراضي المفتوحة عنوة لجميع المسلمين بعد إخراج خمسها واختلفوا في جواز بيعها وعدمه.

فظاهر التهذيب ، والجامع ليحيى بن سعيد ، والدروس جواز بيعها مطلقا. وقيل : يجوز بيعها في مصالح العسكر.

وكذا يجوز من أرباب الخمس إذا أخذوا منها شيئا على هذا الوجه ، فيصحّ لهم بيع ما يأخذونه منها على جهة الخمس.

وقيل : لا يصح بيع غير حصّة أرباب الخمس إلّا بتبعيّة الآثار.

إذا عرفت ذلك فقوله : « حيث يصحّ بيعها » يحتمل أن يكون معناها : إذا قلنا بصحّة بيعها ، ويحتمل أن يكون المراد : في كلّ مكان قلنا بصحّة بيعها كما من أرباب الخمس ، أو في مصالح العسكر على القول به. وأمّا على القول بعدم جواز بيع غير حصّة أرباب الخمس مطلقا ، فيكون غير حصّتهم خارجة عمّا نحن فيه ، فالمراد بالتقييد : بيان أنّ دخول الأراضي المفتوحة عنوة فيما نحن فيه إنّما هو على بعض الأقوال ، أو بعض الصور.

أمّا ما حمله بعضهم بأنّ المراد بقوله : « حيث يصحّ بيعها » كأن يباع بتبعيّة الآثار ؛ ففيه : أن الأرض حينئذ لا تملك بتبعيّة الآثار ، بل يحصل لمالك الآثار الأحقّية بالتصرف فلا يتعلّق بها البيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٥٠٥.


والتأويل بإخراج خمس الأولوية بالتصرف أي : استحقاق التصرف في خمس الأرض ومرجعه إلى اجرة بقاء الآثار في خمسها بعيد.

قوله : عملا بالإطلاق.

تعليل لقوله : « وسواء اعدت » إلى آخره أو مع قوله سابقا : « وسواء كانت » إلى آخره. والمراد بالإطلاق إطلاق الأرض في الخبر.

قوله : وعلى ما اخترناه.

أي : على ما اخترناه من تعميم الأرض للبستان والدار ، فطريق معرفة الخمس من الأرض في البستان والدار مع كونهما مشغولين بالبناء والأشجار وعدم وجوب الخمس فيما عدا الأرض ؛ أن تقوّم الأرض مشغولة بما فيها من البناء والأشجار بأجرة من أرباب البناء والأشجار لمالك الأرض.

والحاصل : أنّه لما كان المخرج خمس الأرض ، دون ما يشغلها ، فتجب قيمة الأرض ، ثمّ لما كانت الأرض مشغولة بالبناء أو الأشجار ، وكانت قيمتها تتفاوت بالشغل وعدمه غالبا ، وكذا تتفاوت قيمة أجزاء الأرض بحسب وجود الشاغل فيها وعدمه ، ولم يكن الشاغل من مال مالك خمس الأرض ، فتجب قيمة الأرض حال كونها مشغولة بالبناء.

ثمّ لمّا كانت للارض المشغولة بمال الغير اجرة للمالك وتتفاوت القيمة بضمّ الاجرة وعدمه تجب القيمة مع ملاحظة اجرة للمالك.

وعلى هذا فاللازم تقويم الأرض حالكونها مشغولة بالبناء أو الاشجار بأن يكون لمن يملك الارض ومنه ربّ الخمس اجرة من جهة اشتغال الارض بالبناء او الشجر ثمّ بعد التقويم فيتخيّر الحاكم فيها أيضا كغيرها من الأراضي من أخذ عين الأرض بالقيمة المذكورة ومن اجرتها.

ولا يتوهّم أنّه إذا جاز الأخذ من عين الارض فلا فائدة في تقويم الأرض مشغولة بالبناء ، بل يمكن أخذ خمس الأرض من غير تقويم ؛ وذلك لأنّه لمّا كان مال ربّ الخمس :

هو خمس الأرض المشغولة بالبناء مع الاجرة ، فيتفاوت أجزاء الأرض ، فإنّ المشغول منها قيمته غير الخالي ، والمشغول ببناء عال ضروري قيمته غير المشغول بالبناء الدون.


فقوله : « مشغولة » حال عن المرفوع في « تقوّم » ، وقوله : « بما فيها » متعلّق بمشغولة ، وقوله : « باجرة » متعلّق بمشغولة أي : مشغولة بالاجرة أي : شغلا مصاحبا أو ملاصقا للاجرة لا مجانا وقد يقال : إنّه متعلّق بتقوّم.

قوله : والارتفاع.

أي : المحصول والانتفاع في كلّ سنة.

قوله : ولا حول هنا.

أي : لا يعتبر حول ، لا وجوبا كما في الزكاة ، ولا جوازا كما في خمس أرباح المكاسب حيث يجوز التأخير فيها حولا ، لتحصيل العلم بما يزيد عن مئونة السنة.

قوله : وجوبها.

أي : وجوب النية على الآخذ عن الآخذ ، لا عن الذمّي أي : عن نفسه لا نيابة عن الذمّي.

قوله : على أنّها فسخ.

أي : الإقالة فسخ عندنا ، فكأنّ البيع لم يقع ، فيسقط الخمس. والضمير في قوله : « حينه » راجع إلى « البيع » يعني : وإن احتمل السقوط بناء على كون الإقالة فسخا لكن لما كان الخمس ثابتا من حين البيع ، فيجب استصحابه ، لعدم العلم بالمزيل ، واحتماله غير كاف. ويحتمل رجوعه إلى الفسخ ، ويكون الفسخ أيضا اسما لقوله : « كان » يعني : لكن لما كان الفسخ من حين الفسخ لا فسخا من الأوّل ـ أي : من حين البيع ـ وكان الخمس ثابتا قبله ، فيجب استصحابه.

قوله : على وجوبه.

أي : وجوب الخمس في هذه الأرض.

قوله : بأنّه.

أي : كلّ واحد من الثلاثة.

قوله : تحت العموم.

أي : تحت عموم الآية والأخبار الدالة على وجوب الخمس في الفوائد والاكتسابات.


قوله : في السبب.

أي : سبب وجوب الخمس في هذه الثلاثة وهو كونه من المكاسب والشك في السبب يوجب الشك في المسبب.

قوله : لظهور كونها.

أي : لظهور كون الثلاثة غنيمة بالمعنى الأعم من الغنيمة المذكورة أوّلا : « وهي ما يحوزه المسلمون » إلى آخره وإذا كانت من الغنيمة بالمعنى الأعم ، فتلحق بالمكاسب في وجوب الخمس فيها ؛ لأن وجوبه فيها لأجل كونه غنيمة بالمعنى الأعم.

وقوله : « إذ لا يشترط » تعليل لظهور كونها من الغنيمة ، والضمير في قوله : « فيها » راجع إلى الغنيمة ، وفي قوله : « حصوله » إلى المغتنم وكذا في قوله : « منه ».

وقد يجعل التعليل للّحوق بالمكاسب ، والضمير الأوّل راجعا إلى المكاسب والأخيران إلى المكسوب ، وليس كذلك بل المرجع ما ذكرنا.

قوله : المتوقّفة على القبول.

أي : المتوقّف لزومها كالهبة ، أو انتقالها كالهدية.

قوله : فأظهر.

أي : كونها من الغنيمة ، أو لحوقها بالمكاسب فأظهر.

قوله : ومن ثمّ يجب حيث يجب.

أي : لأجل كون القبول فيها اكتسابا ، يجب القبول حيث يجب الاكتساب ، كالاكتساب للنفقة الواجبة وينتفي وجوب القبول حيث ينتفي وجوب الاكتساب.

قوله : ما يرشد إلى الوجوب فيها.

أي : في الثلاثة. وهذه الصحيحة طويلة ، وموضع الارشاد منها قوله عليه‌السلام بعد ذكر الخمس في بعض الأموال ونفيه عن بعضها : « فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عامّ » إلى أن قال : « فالغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ، ولا ابن » إلى آخر الحديث.


فالجائزة تشمل الهدية ، والهبة ، والميراث مذكور بنفسه ، ولكن هذا الخبر مخصوص بالجائزة الخطيرة والميراث الذي لا يحتسب ، فمراده بارشاده إلى الوجوب فيها : الوجوب فيها في الجملة ، أو وجوبه فيها أجمع ولو بضميمة ، وهي عدم القول بالفصل ، وإن ناقش فيه هنا بعض المتأخرين.

قوله : أو لكونه.

عطف على قوله : « تخصيص » أي : ذكره لكونه إلى آخره ، فالأوّل بناء على جعل العنبر أخص مطلقا من الغوص وتخصيصه بالذكر للنصّ عليه بخصوصه. والثاني بناء على جعله أعمّ من وجه منه.

قوله : كما سلف.

أي : لما سلف ، أو على ما سلف من أنّ المفهوم من الغوص الأخذ من تحت الماء. أو هذا الكلام كما سلف من الكلام في تحقيق الغوص. أو فلا يكون غوصا كما تقدّمه ممّا يدخل فيه مفهوم الغوص. ( كذا )

قوله : لعموم الأدلّة.

أي : أدلّة وجوب الخمس في الغنائم من غير تخصيص بغنيمة بالغة حد النصاب.

قوله : على ما أوجب إخراجه لها منه.

أي : إخراج المفيد للأدلّة عن العموم وتخصيصها ببعض الأفراد ، أو إخراجه للغنيمة المذكورة في الأدلّة عن العموم وتخصيصها بغنيمة بلغت حد النصاب ، والمآل واحد. والضمير المنصوب في قوله : « فإنّه » أيضا راجع إلى المفيد. والمنصوب في « ذكرها » إلى « الغنيمة » ، أو الثلاثة : الغنيمة والغوص والعنبر ؛ فإنّ الثلاثة مذكورة في كلامه. والمراد : أنّ المفيد ذكرها في مقام بيان وجوب الخمس فيها مجرّدة عن الحجّة على وجوبه فيها حتّى ينظر أنّها هل توجب إخراج الأدلّة العامّة عن عمومها أم لا؟

قوله : للرواية عن الكاظم عليه‌السلام.

هي رواية محمّد بن على المتقدّمة.


قوله : فيه.

أي : في الغوص

قوله : وكذا كلّ ما الى آخره

أي : يكون بحكم المكاسب. ولا يخفى أنّه على هذا تنتفي فائدة اعتبار النصاب ؛ إذ على هذا يجب في الأقل منه الخمس أيضا باعتبار كونه من المكاسب.

قوله : وغيرهم.

إمّا عطف على العيال أو على الواجبي النفقة.

قوله : مقتصدا.

على صيغة المفعول حال عن المئونة ، أو على صيغة الفاعل على أن يكون حالا عن الضمير المضاف إليه المئونة بتأويله إلى الفاعل ، أو عن فاعل « الإخراج » أو « الإنفاق » المحذوف.

قوله : بحسب اللائق من حاله.

ينبغي أن يزاد : وبقدر الحاجة ؛ فإنّه أيضا يعتبر ، وإن زادت على اللائق ، ويمكن إدخالها فيه.

قوله : وإن قتر له (١).

أي : حسب له ما نقص على أن يكون « حسب » المقدّر جزاء للشرط. ويمكن أن يكون الجزاء « له » من غير تقدير « حسب » أي : كان له ما نقص من غير إخراج شي‌ء منه عوضا عن الخمس.

ومنهم من استشكل في الثاني بناء على [ أنّ المستثنى ] صرف المئونة فيما أنفق.

قوله : المئونة هنا.

التقييد بقوله : « هنا » ؛ لأنّ التبرعات ليست من المئونة في الفقير الذي يأخذ الزكاة والخمس وسائر وجوه أرباب الفقر المعتبر فيه عدم تملّك قوت السنة.

__________________

(١) يظهر من الحاشية أنّ نسخة المحشي ـ ره ـ كانت خالية عن كلمة « حسب » قبل « له ».


قوله : او يصانع به.

أي : يقرّر عطاءه إيّاه ؛ لدفع ظلمه.

قوله : تزويج ودابّة.

ظاهر هذا الكلام اعتبار مئونة التزويج مطلقا ، سواء كان تزويج الرجل نفسه مرأة واحدة أو متعدّدة مع الحاجة إلى المتعدّدة أو عدمها ، أو تزويج الامرأة نفسها برجل ، أو تزويج رجل لابنته ، والابن مع الواحدة أو المتعدّدة ، وتزويج الولد الصغير والكبير ، والذكر والانثى.

وقد يستشكل في بعض الأفراد ، وقد يخص بالتزويج المضطر عليه أو اللائق بحاله ، وهو حسن.

قوله : وحجّ واجب إن استطاع إلى آخره

أي : مئونة حجّ واجب. والتوضيح أنّ المكتسب الذي حصل له الاستطاعة إمّا يستطيع بالاكتساب في عام واحد ، أو في أعوام متعدّدة. ففي الأوّل يكون عام الاستطاعة هو عام الاكتساب. وفي الثاني يكون العام الأخير هو عام الاستطاعة ، دون الأعوام السابقة. وعلى الأوّل : ليس في ما اكتسبه خمس ، ويجب عليه الحج بما اكتسب ، إلّا إذا زاد ما اكتسبه عن مئونة الحج. وعلى الثاني : لا خمس فيما اكتسبه في العام الأخير الذي هو عام الاستطاعة ، إلّا إذا زاد عن مئونته.

وأمّا ما اكتسبه في الأعوام السابقة وفضل عن مئونته ومئونة عياله ، فيجب فيه الخمس.

فقوله : « إن استطاع عام الاكتساب » إشارة إلى حكم الأوّل ، وقوله : « وإلّا وجب » إلى آخره إشارة إلى حكم الثاني يعني : ومن المئونة التي يجب الخمس بعدها مئونة حجّ واجب إن كانت الاستطاعة في عام الاكتساب واتحد العامان ، وإلّا أي : وإن لم يكن عام الاستطاعة هو عام الاكتساب ، بل استطاع في أعوام متعدّدة بجمع فضلات الأعوام من المئونة وجب الخمس في الفضلات عن المئونة السابقة عن عام الاستطاعة ، دون فضلة عام الاستطاعة ، بل هي يصرف في مئونة الحج.


ويمكن أن يكون مراده بالاستطاعة هنا : حصول الرفقة وأمن الطريق وأمثالهما ، وبالاكتساب : كسب مئونة الحج وبيانه أنّ المكتسب الذي اكتسب مئونة الحج إمّا يمكن له الحج في عام الاكتساب أي : حصل له الرفقة وتخلية السرب أو لا ، بل يحصل له هذه الاستطاعة بعد عام الاكتساب ، فعلى الأوّل لا خمس فيما اكتسب ، بل يصرف في مئونة الحج. وعلى الثاني يجب عليه الخمس فيما اكتسبه في العام السابق على عام الاستطاعة فيكون قوله : « إن استطاع عام الاكتساب » إشارة إلى الأوّل وما بعده إشارة إلى الثاني.

وهاهنا احتمال ثالث لكلام الشارح بيانه : أنّ المكتسب الذي استطاع إمّا متّحد عام استطاعته وعام اكتسابه ، بأن يكون أوّل عام اكتسابه هو عام استطاعته من غير أن يكتسب سابقا ، وحينئذ فيجب عليه الحج من ذلك المال ، ولا خمس فيه ، إلّا إذا زاد عن مئونته ففي الزائد الخمس ، أو لا يتّحد عام استطاعته وعام اكتسابه ، بل كان يكتسب سابقا ويزيد من مئونته شي‌ء وكان يخرج خمسه ، ويفضل له شي‌ء آخر ثمّ استطاع من اكتساب عام لاحق ، وحينئذ فيحتمل أن يجب الحج من الفضلات السابقة عن عام الاستطاعة التي أخرج خمسها ، ويجب إخراج خمس ما اكتسبه في عام الاستطاعة ، أو يجوز أن يحجّ مما اكتسبه في هذا العام ، فلا خمس فيه.

وحاصله يرجع إلى أنّه إذا كان له مال يجب فيه الخمس ومال لا خمس فيه فهل مئونة الحج من الأوّل حتّى لا يجب الخمس أصلا؟ أو من الثاني ، فيخرج خمس الأوّل؟

فيكون مراد الشارح من قوله : « إن استطاع عام الاكتساب » بيان الصورة الاولى ، ومما بعده : بيان حكم الصورة الثانية ، وترجيح الاحتمال الأوّل فيهما ، ويكون فاعل « وجب » « الحج » لا « الخمس ». ويكون المراد بالفضلات : الفاضل عن المئونة وعن الخمس في الأعوام السابقة ، فتأمل.

قوله : وسفر الطاعة كذلك.

عطف « سفر الطاعة » على ما تقدّم من باب عطف العام على الخاص ، أو بتقدير مضاف أي : سائر سفر الطاعة كذلك أي : كالحج الواجب فمن المئونة مئونته إن سافر عام الاكتساب ، وإلّا وجب الخمس في الفضلات السابقة على عام المسافرة.


قوله : من المئونة.

المراد أنّ الدين الذي يؤدّى من المئونة ما كان حصول الدين متقدّما على حول الاكتساب أو مقارنا له وأدّى الدين حول الاكتساب لا أن يماطل حتى خرج حوله. وأمّا الدين المتأخر فليس من المئونة ، بل يجب الخمس ، وذلك كما إذا اكتسب في حول ولم يخرج خمسه ثمّ جعل له في حول آخر دين ، فأدّاه من هذا المال ، فانّه لا يسقط الخمس ، فلا يحسب من مئونة حول الاكتساب ، بل يجب فيه الخمس ، فالدين المتقدم والمقارن احتراز عن مثل ذلك.

قوله : ولا يجبر التالف.

يعني : إذا كان له مال مخمّس ، أو مال لا خمس فيه ، وحصل له غنيمة أو ربح ، وتلف من ماله الأوّل شي‌ء فهل يجبر التالف من ماله بهذه الغنيمة أو الربح الحاصل ويخرج الخمس ممّا زاد إن زاد أم لا يجبر ، بل يخرج خمس الجميع وإن كان الربح في عام التلف أو التلف في عام الربح ، أي يتّحد عاماهما؟

فاختار الشارح الثاني ، وذلك كما إذا كان له ألف دينار من مال خمّسه ، أو لم يجب فيه خمس ، فحصل له خمسمائة دينار ربحا وتلف أربعمائة دينار من ماله الأوّل فهل يجب خمس خمسمائة أو خمس مائة؟ ومختار الشارح وجوب خمس خمسمائة.

قوله : بربحها في الحول.

« في الحول » متعلّق بربحها ، و « اللام » في الحول للعهد أي : بالربح الحاصل في حول الخسران. والمطلوب أنّه إذا اتجر في حول وخسر في بعض التجارة وربح في بعضها ، أو خسر في تجارة وربح في تجارة اخرى في هذا الحول فهل يجبر الخسران بالربح ، ثمّ يخرج الخمس من الباقي ، أو يجب إخراج الخمس من مجموع الربح؟

وفي الجبر وجه قطع به في الدروس ، ومنهم من يفرق بين التجارة الواحدة والتجارتين وهو حسن.

قوله : أو منهما بالنسبة.

كما إذا كانت المئونة مائة ، وربح الكسب مائتين ، والمال الآخر الذي لا خمس فيه


ثلاثمائة ـ مثلا ـ فيبسط المئونة عليهما أخماسا ، فيسقط من الربح خمسه ويخمس الباقي ، وهو مائة وستّون.

قوله : وفي الأوسط قوّة.

لأنّه ظاهر الأخبار والفتاوى وربما يقال : الاعتبار بالقصد ، فإن قصد إخراج المئونة من الربح أخذ منه ، وإن قصد من الآخر فكذلك ، وان لم يقصد أو قصد ثمّ نسي قسّمها بالنسبة.

قوله : ولو زاد إلى آخره

يعني : لو زاد الربح بعد تخميسه أي : بعد إخراج خمسه زيادة متصلة.

ويجوز أن تكون الزيادة فاعل « زاد » أي : زاد زيادة متّصلة كان يسمن الشاة أو ينمي الشجر ، أو منفصلة كان يولد الشاة ويثمر الشجر وجب خمس الزائد بعد المئونة كما يجب خمسه أي : الزيادة ممّا لا خمس في أصله كالميراث والصدقة كان يولد الشاة المنتقلة بالارث ؛ فإنّه يجب خمس الولد.

وقوله : « سواء أخرج الخمس » إلى آخره متعلّق بقوله : « وجب الخمس في الزائد » ولا تعلّق له بقوله : « كما يجب » إلى آخره إذ المفروض فيه أنّه لا خمس فيه أوّلا.

وفائدة هذا التعميم دفع توهّم أنّه إذا أخرج الخمس من العين فيكون الباقي خالص ماله ، ونماؤه تابع له ، بخلاف ما إذا أخرجه من القيمة ، ولا يخفى أنّه ليس وجه لهذا التوهّم.

قوله : ومبدؤها ظهور الربح.

أي : مبدأ السنة. والمراد بظهور الربح إما حصوله أو إنشاء ( كذا ) حصوله وظهور آثاره. وقد يبتدأ السنة من حين الشروع في التكسّب ، وعلى هذا فيكون الأرباح الحاصلة بعدها من الحاصلة في أثناء الحول ، وعلى الأوّل يكون لكلّ ربح سنة على حدة كما يأتي.

وقد يقال حينئذ أيضا بضمّ بعض الأرباح إلى بعض.

قوله : ويتخيّر إلى آخره

يعنى : لا يجب عليه الصبر في إخراج الخمس إلى تمام الحول ، ولا التعجيل في


إخراجه من الأرباح ، بل يتخيّر بين تعجيل إخراج خمس ما يعلم زيادته من الأرباح على المئونة بحسب العادة ، والصبر به إلى تمام حوله.

قوله : لا لأنّ الحول إلى آخره

غرضه أنّ تجويز التأخير إلى تمام الحول ليس لاعتبار الحول فيه حتّى يكون التعجيل تقديما كما في الزكاة ، والضمير المجرور في قوله : « فيه » راجع إلى « الإخراج » ، بل لأنّ وجوب الخمس بعد المئونة العادية ، وكثيرا ما يتفاوت المئونة وتختلف ؛ لأنه ربما ولد له الأولاد وتزوّج الزوجات ، وانهدمت داره ، وقهر عليه ظالم وغير ذلك ، فالتأخير لاحتمال زيادة المئونة على المعتاد ونقصانها عنه ، فإنّها ـ أي : المئونة ـ في صورة تعجيل الإخراج تخمينيّة لا تحقيقيّة ، فالتأخير أحوط للمالك في صورة الزيادة وللمستحق في صورة النقصان. كذا قيل في توجيه ذكر النقصان.

ولا يخفى أنّه لو نقصت المئونة يمكن الإيصال إلى المستحق بعده أيضا ، فلا احتياط له في التأخير والظاهر أنّ ذكره لأجل مقابلة الزيادة.

قوله : نعم توزع إلى آخره

توضيحه : أنّه إذا حصل ربح في أوّل الحول ، ثمّ حصل ربح آخر بعد ستّة أشهر فبقيت من الحول الأوّل ستّة أشهر ومضت منه ستّة ، فالستّة الماضية مختصّة بالربح الأوّل ، والستّة الباقية مشتركة بين الربحين ؛ لأنها النصف الآخر من حول الأوّل والنصف الأوّل من الثانى ، ويبقى للربح الثاني ستّة أشهر اخرى مختصّة به بعد هذه الستّة الباقية ، فالمئونة في الستّة الاولى من الربح الأوّل خاصّة قطعا ، وفي الستّة الثانية المشتركة توزع على الربحين ، وفي الستّة الثالثة تختصّ بالربح الثاني. والمراد بالتوزيع في الستّة المشتركة : أنّه يحسب المئونة عليهما بالنسبة ، فإذا كانت المئونة فيها عشرين والربح الأوّل خمسة ، والثاني خمسة عشر ، يحسب الربع من الأوّل ، وثلاثة أرباع من الثانية.

وفائدة التوزيع في الستّة المشتركة : أنّه لو وجب صرف المئونة فيها من الربح الثاني خاصّة يجب إخراج خمس الباقي من الأوّل ، لو وفى الثاني بمئونة هذه الستة أشهر ، ولو وجب صرفها من الربح الأوّل خاصّة يجب إخراج خمس الثاني لو علم زيادته من مئونة الستّة أشهر الثالثة.


وفائدة اختصاص الثاني بالستّة أشهر الثالثة وجوب الخمس من الأوّل لو زاد على الستّة الثانية.

هذا ثمّ قوله : « في المدّة » متعلّق بالمئونة ، والضمير في « بينه » راجع إلى « كلّ خارج ». وقوله : « عليهما » متعلّق بقوله : « توزّع » أي : توزّع مئونة المدّة المشتركة بين الربح الخارج وبين ما سبق عليه من الربح عليهما ، والمستتر في « يختص » راجع إلى ما يرجع إليه ضمير « بينه ».

والمراد بالباقي : الباقي من حول الخارج ثانيا أي : يختص الربح الثاني بمئونة الباقي من الحول ، وهكذا أي : وهكذا إذا زاد الربح على الاثنين كما إذا تجدّد ثالث فصاعدا.

قوله : والوجوب.

يشير بهذا إلى الفرق بين الأرباح وغيرها ، ومراده : أنّ الحول وإن كان منفيا في الجميع إلّا أنّ بين الأرباح وغيرها فرقا من أنّه يجوز فيها التأخير ، فيكون وجوب الإخراج موسّعا ، ولا يجوز في غيرها ، فيكون مضيّقا.

قوله : على المشهور.

مقابل المشهور ما نقله في المنتهى عن بعض أصحابنا من : أنّ الخمس يقسم خمسة أقسام بجعل سهم الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله : بظاهر الآية.

وهي قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ). (١) وإنّما قال : « بظاهر الآية » لا صريحها ؛ لاحتمال أن يكون قوله تعالى : ( وَلِلرَّسُولِ ) إلى آخره تفصيلا وبيانا لقوله :( فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ) ، بل جعل بعضهم هو الظاهر من نظمها.

قوله : وصريح الرواية.

بل الروايات كمرسلة حمّاد بن عيسى ، عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام : « ويقسم الخمس بينهم على ستة أقسام ». (٢) ومرفوع أحمد بن محمّد : « فأمّا الخمس فيقسم على ستّة

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٥١٣ ، وفيه : « ستّة أسهم ».


أقسام » (١).

قوله : للامام عليه‌السلام.

أي : بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو المراد بالإمام : ما يعمّ النبي أيضا ، ويطلق كثيرا على هذا المعنى.

قوله : فيه.

أي : في هذا السهم ، أو المصروف إليهم ، أو نصف الخمس ، أو ما ذكر ، أو ما اخذ ، ونحو ذلك.

قوله : على سبيل التتمّة.

أي : تتمّة لمئونتهم.

قوله : ما يراه.

أي : يذهب إليه ويختاره فتوى ، أو حسب ما يراه مصلحة من بسط على جميع الأصناف الثلاثة الباقية وغيره.

قوله : أن يستودعه.

أي : يقبله وديعة ، ليكون وديعة عنده للإمام. وكان الأولى أن يقول : يودعه له ؛ فإنّ « أودع » ضدّ جاء بمعنى : إعطاء الوديعة وقبولها ، فأمّا الاستيداع فإنّما هو بمعنى الإيداع ، إلّا أن يقرأ على صيغة المجهول أي : يعطاه وديعة.

قوله : وهكذا.

أي : هكذا يفعله المودع الثاني والثالث ما دام الإمام غائبا حتّى إذا ظهر ، دفع إليه.

قوله : أو يحفظ.

لفظة « أو » يحتمل الترديد والتخيير والتقسيم : فعلى الأوّل يكون المصنّف متردّدا بين قولي : « وجوب التحفّظ » و « وجوب الصرف إلى الفقيه ». وعلى الثاني يكون مختاره أحد الأمرين. وعلى الثالث يكون الواجب أصالة هو الصرف إلى الفقيه ومع التعذّر الحفظ ، ويكون المعنى : أنّه إن تمكّن من الفقيه فعليه أن يدفعه إليه أو يستأمره فيما يفعله به ، وإلّا وجب عليه حفظه إلى أن يظهر الامام ، أو يتمكّن من الفقيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٥١٥ ، وفيه أيضا : « ستّة أسهم ».


قوله : مطلقا.

أي : سواء وجد الحاكم الشرعي أم لا ، أو سواء كان زمان الحضور أو الغيبة وقد يقال : سواء كان فريقه ( كذا ) أو تتمّة ، وعلى هذا فيكون الضمير في « إخراجه » راجعا إلى الخمس مطلقا لا إلى هذا السهم.

قوله : منه.

الضمير راجع إلى الخمس ، أو إلى هذا السهم. وكذا الضمير في قوله : « فريقه » أي : لغير من يستحقّه على رأي الفقيه.

قوله : الثلاثة مطلقا.

أي : من نصف الإمام ونصف سائر الأصناف ، أو في زمان الحضور والغيبة.

قوله : وثمنها ومهر الزوجة.

يعني : يجوز شراء الامة من الأرباح ولا يجب خمس ثمنها. وكذا يجوز ، اصداق المرأة منها كذلك. ولا يخفى أنّ هذا راجع إلى المؤن كما صرّح به في المسالك حيث اقتصر في تفسير المناكح على الأوّل وهو السراري المغنومة. ثمّ قال :

« وربما فسرت بالزوجات والسراري التي يشتريها من كسبه الذي يجب فيه الخمس ؛ فإنّه حينئذ لا بجب إخراج خمس الثمن والمهر. وهذا التفسير راجع إلى المئونة المستثناة. وقد تقدّم الكلام فيها ، وأنّه مشروط بحصول الشراء والتزويج في عام الربح ، وكون ذلك لائقا بحاله ». انتهى.

ولذلك أيضا قيل : « ينبغى جعل (١) هذا المهر مما فيه حقّهم من نحو المعادن والكنوز لا من الأرباح ». وقيل أيضا : « يحتمل أن لا يشترط اللياقة بحاله ما لم يؤدّ إلى الإسراف »

وفي الدروس : « والأقرب أنّ مهور النساء من المباح وإن تعدّدت ؛ لرواية سالم ما لم يؤدّ إلى الاسراف كإكثار التزويج والتفريق ».

قوله : ومن الثاني ثمن المسكن منها أيضا.

أي : من الأرباح. ولا يخفى أنّ ذلك أيضا راجع الى المئونة المستثناة.

__________________

(١) فى الاصل : حمل.


وفي بعض حواشي القواعد : « أنّ للمساكن تفسيرات : الأوّل مسكن يغنم من الكفار ، فيجوز تملّكه ولا يجب إخراج الخمس منه. الثاني : المسكن في الأرض المختصة بالإمام كرءوس الجبال. الثالث : مطلق المسكن كما لو حصل مكتسب من ربح تجارة أو زراعة أو صناعة ، فإنّه يخرج منه الخمس بعد المئونة التي من جملتها دار السكنى ». انتهى.

وقال في المسالك :

« والمراد بالمساكن ما يتّخذه من الأرض المختصّة به كالمملوك بغير قتال ، ورءوس الجبال وهو مبنيّ على عدم إباحة مطلق الانفال حال الغيبة. وفسرت أيضا بما يشتريه من المساكن بمال يجب فيه الخمس كالمكاسب ، وهو راجع إلى المئونة أيضا ».

قوله : الشراء ممّن لا يعتقد الخمس.

أي : شراء ما فيه الخمس ، فيعلم أنّه لم يخرجه.

قوله : ونحو ذلك.

كشراء ما غنم بغير إذن الامام مع اختصاصه به ، وشراء غيره من الأنفال ، فلا يجب على المشتري إخراج الخمس ؛ قال ابن إدريس : « والمراد بالمتاجر أن يشتري الانسان ما فيه حقوقهم ويتجر في ذلك. ولا يتوهّم متوهّم أنّه إذا ربح فى ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس ».

وفي بعض حواشي القواعد :

« وللمتاجر تفسيرات : الأوّل : ما يشترى من الغنائم الحربية حال الغيبة ، فإنّها بأسرها أو بعضها للإمام وهي مباحة لنا ، لا بمعنى إسقاط الخمس من مكتسبها ، بل عن أصلها. الثاني ما يكتسب من الأرضين والأشجار المختصّة به ، ولو الحق هذا بالمكاسب المطلقة كان أقوى. الثالث : ما يشترى ممّن لا يخرج الخمس استحلالا أو اعتقادا لتحريمه ، فإنّه يباح التصرّف فيه ، وإن كان بعضها للإمام ودونه ». انتهى.

قوله : وتركه.

أي : ترك الاستثناء هنا إمّا اختصارا ، أو لأجل اختيار الترك وعدم الاستثناء ؛ لانّه ـ أي :


ترك الاستثناء ـ قول جماعة من الأصحاب منهم ابن الجنيد وأبو الصلاح.

ويمكن أن يكون الوجه في تركه : أنّ كلام المصنّف هنا في قسمة الخمس الواجب وبيان مصرف أقسامه ، وإذا كان معفوا في هذه الأشياء فلا خمس فيها لينقسم ويذكر مصارفه.

قوله : والظاهر الأول.

أي : تركه اختصارا.

قوله : على الوجه.

أي : المنقطع به في غير بلده وإن كان غنيا في بلده ، فيعطى ما يوصله إلى بلده.

قوله : دون الام.

أي : خاصّة.

قوله : ويدلّ على الأوّل.

أي : على اشتراط الانتساب إلى هاشم بالأب استعمال أهل اللغة ؛ فإنّه لا يستعملون الانتساب إلى شخص إلّا إذا كان من جهة الأب ، فلا يقال : « تميمي » إلّا لمن انتسب إلى تميم بالأب ، ولا « حارثي » إلّا لمن انتسب إلى حارث بالأب. قال الشاعر :

بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

قوله : وما خالفه.

جواب عمّا يعترض على الاختصاص بالمنتسب بالأب أنّه قد استعمل الولد والابن والانتساب في المنتسب بالام كما يأتي. وضمير « خالفه » راجع إلى الاستعمال ، وحاصله [ أنّ ] الاستعمال المخالف المذكور محمول على المجاز ؛ إذ لا خلاف في كون هذا الاستعمال بالنسبة إلى المنتسب بالأب حقيقة ، فلو كان المخالف له أيضا حقيقة لزم الاشتراك والمجاز خير من الاشتراك إذا تعارضا كما حقّق في الاصول.

واعترض عليه : بأنّ الاستعمال المخالف هاهنا على سبيل الحقيقة لا يستلزم الاشتراك اللفظي ؛ لجواز أن يكون استعمال الابن ـ مثلا ـ في ولد الابن والبنت على سبيل الاشتراك المعنوي ، وكون المجاز خيرا منه ممنوع ، والمسلّم كونه خيرا من


الاشتراك اللفظي.

قوله : ما يدلّ عليه.

هو قوله عليه‌السلام في مرسلة حمّاد بن عيسى : « من كانت أمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقة تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‌ء ؛ لأن الله تعالى يقول : ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ). (١)

قوله : وعلى الثاني.

أي : خروج المطّلبى.

قوله : مضافا إلى ما دلّ على عدمه من الأخبار.

كما في مرسلة حمّاد بن عيسى عن الكاظم عليه‌السلام ، وفيها : « وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين ذكرهم الله فقال : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ). وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والانثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد ». (٢) وغير ذلك من الأخبار.

قوله : واستضعافا.

إمّا مفعول مطلق أي : استضعف استضعافا ، أو عطف على « مضافا » مع كونه مفعولا لأجله أي : يدلّ عليه الأصل لإضافة ما دلّ على عدمه ولاستضعاف ما استدلّوا به إذ لولاه لم يكن بالأصل عبرة ، أو مفعول له لمقدّر أي : وقلنا بذلك استضعافا ، أو عطف على محل « ما دلّ » أي : مضافا إلى استضعاف ما استدلّ به القائل.

منها أي : من الأخبار. قصوره أي : قصور ما استدلّ عن الدلالة ، وهو إمّا مفعول معه للاستضعاف أو الاستدلال ، أو عطف على الاستضعاف بمعنى : وبقصوره ، أو مضافا إلى قصوره.

وما استدلّ به موثّقة زرارة قال : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٥١٤. والآية فى الاحزاب : ٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٩ / ٥١٣. والآية فى الشعراء : ٢١٤.


صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ». (١)

ووجه استضعافه : إمّا لكون بعض رواته غير إمامى ؛ فإنّ مثله ضعيف عند الشارح ، أو لمعارضته لأخبار كثيرة أصح وأقوى منها.

وقصور دلالته : لما ذكروه من احتمال كون عطف المطّلبي على الهاشمي من باب التخصيص بعد التعميم ، على أن يكون المراد بالمطّلبي : المنسوب إلى عبد المطلب ، لا إلى المطّلب ، والتخصيص لكون بني عبد المطلب أحقّ بايفاء حقّهم ؛ لوقوع الظلم عليهم أكثر.

كذا قيل.

قوله : خصوصا مع وجود المعارض.

وذلك لأنّ الأصل في قولهم : « الأصل في الإطلاق الحقيقة » بمعنى : الراجح ، وكيف يبقى الرجحان مع وجود المعارض مما تقدم من أدلّة الاختصاص باولاد الابن ، فيكون الأصل ممنوعا.

قوله : بيناه.

أي : هذا القول مستندا وجوابا.

قوله : شركاء الامام.

أي : في الخمس ، وهم الأصناف الثلاثة.

قوله : في غير من نص إلى آخره

كالعامل ونحوه.

قوله : والفاضل له.

أي : للامام. والمعوز ـ أي : ضيق الخمس وقصوره ـ عليه أيضا. وهذا إنما يتمّ مع اعتبار الحاجة إذ لولاه لما كان الفاضل له.

قوله : فإذا انتفت الحاجة إلى آخره

هذا من تتمة الدليل الثاني أي : إذا كان الامام قسمه بينهم على قدر حاجتهم وكان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٢٧٧.


الفاضل له ، فيعلم أنّ نصيبهم بقدر الحاجة ، وإلّا لم يكن الفاضل للامام ، فإذا انتفت الحاجة ينتفي النصيب.

ويمكن بعيدا أن يكون تفريعا على مفاد الدليلين أي : إذا كان الخمس عوضا عن الزكاة المعتبر فيه الفقر ، وكان الامام يعطي بقدر الحاجة ، فإذا انتفى الحاجة من اليتامى انتفى نصيبهم.

قوله : انتفى النصيب وفيه نظر بيّن.

أي : في هذا القول ، أو : وفي كلّ من الدليلين

أمّا في الأوّل : فلعدم لزوم تساوي العوض والمعوّض عنه من كلّ وجه على أنّ الزكاة لا تختص بالمحاويج.

وأمّا في الثاني : فامّا أوّلا ؛ فلمنعه لأنّه قد وقع الخلاف فيه. وأمّا ثانيا فلانّ قدر حاجتهم أعمّ من الفقر المتنازع فيه. وأمّا ثالثا فلان من المعلوم أنّه حكم مخصوص بالامام إذ ليس الفاضل لغيره ، ولا المعوز عليه.

قوله : ولو سلّم عدمه.

أي : عدم اقتضائها المغايرة التامة ، نظرا إلى أنّها ـ أي الآية ـ لا تقتضي المباينة ـ أي :مباينة اليتامى للمساكين ، إذ وقع التعبير فيها بالعطف ، وهو إنّما يقتضي مغايرة ما ولو بين الأعم والأخص.

فيحتمل أن يكون اليتامى أعمّ من الفقراء وغيره ، ولكونه جمعا محلّى بالعموم يجب إبقاؤه عليه حتّى يظهر المخصّص ، فعند عدم المخصّص يبقى العموم ـ أي : عموم اليتامى ـ بحاله. فقوله : « فعند عدم المخصّص » جواب للشرط ، والكلام في قوّة أن يقال : فإن قيل :إن اريد بالمغايرة المباينة فاقتضاؤها ممنوع ، وإن اريد ما يعمّها والخصوص سلّمناه ولا يجدي ، قلنا من رأس : إنّ اليتامى تعم الفقراء وغيرهم.

قوله : على الوجه.

يحتمل أن يكون متعلقا بالوصول ، وبالتعذّر وبالفقر وبالجميع.

قوله : وظاهرهم.


أي : ظاهر الأصحاب هنا أي : في ابن السبيل عدم الخلاف فيه ، أي : في فقره في بلد التسليم أي : في اشتراط فقره فيه فهو الدليل على اشتراطه ، وإلّا أي : وإن لم يكن عدم الخلاف كان احتمال عدم الاشتراط قائما فيه إذ كان دليل عدم الاشتراط في اليتيم وهو كونه قسيما للفقراء في الآية آتيا فيه ـ أي : في ابن السبيل ـ أيضا ؛ لأنّه أيضا جعل قسيما للفقراء فيها ، ولكن عدم الخلاف في اشتراط فقره يمنع من جريان الدليل فيه ، ولا يكفي إطلاق ابن السبيل عليه في الدلالة على اشتراط الفقر ، لأنّ المراد به المنقطع به السفر سواء كان انقطاعه لفقره أو لغيره.

وقد يقال : إنّه لو قطع النظر عن عدم الخلاف هنا ، لا يتأتّى دليل اليتيم فيه أيضا ؛ لأنّ المتبادر من المسكين الفقير مطلقا ، لا الذي عرضه الفقر في السفر خاصّة ، فالفقير في السفر الغني في الحضر يكون قسيما للمسكين أيضا.

ثمّ إنّ منهم من منع ما ذكره الشارح من أنّ ظاهرهم عدم الخلاف في اشتراط الفقر هنا ، لاطلاق كلام المبسوط والسرائر والجامع لابن سعيد : أنّ اليتيم وابن السبيل يستحقّان مع الغنى والفقر جميعا فيحتمل أن لا يشترطوا فيه شيئا من الفقر.

قوله : بغير خلاف مع وجوده.

متعلّق بقوله : « لاعتباره » والضمير المجرور راجع إلى « المؤمن » أو « الايمان » أي :لاعتبار الايمان فى الزكاة بغير خلاف مع وجود المستحقّ المؤمن ، او مع وجود الايمان في المستحقّين.

وتقييد « عدم الخلاف » بقوله : مع وجوده ؛ لوقوع الخلاف في أنّ مع عدم وجود المؤمن من المستحقّين هل يعطى الزكاة لغير أهل الولاية؟

ويمكن أن يكون معنى قوله : « مع وجوده » أي : مع وجود الايمان في المزكي يعني : أنّه لا خلاف في اعتبار الايمان في الزكاة إذا كان المزكّي مؤمنا ، ووقع الخلاف في انّه هل يجوز أن يؤدّي المخالف الزكاة إلى أهل نحلته أو لا؟

قوله : وفيهما نظر.

أي : في الدليلين.


أمّا وجه النظر في الاوّل : فهو منع مساواة العوض والمعوّض من كلّ وجه.

وأما في الثانى : فهو منع كونه صلة وموادّة ، [ و ] إنما يكون كذلك لو كان صدقة أو متبرعا وليس كذلك ، بل هو حقّ قرره الله سبحانه لقرابة النبي مع أنّ حرمة موادّة المخالف وصلته ممنوع ، غاية الأمر أنّه غير مستحبّ أو مكروه ، وهما لا يمنعان جواز الاعطاء.

قوله : وأمّا الأنفال.

الأنفال جمع نفل ـ بالتحريك والسكون ـ وهو في اللغة ـ كما نقل عن الأزهري (١) ـ ما كان زيادة عن الأصل. سمّيت صلاة التطوع نافلة لأنها زائدة على الفرض. وقال تعالى : ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ) (٢) أي : زيادة على ما سأل.

والمراد هنا : ما ذكره بقوله : المال الزائد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخره

قوله : بعده.

متعلّق بالامام. وقوله : « على قبيلهما » متعلّق بالزائد أي : المال المختص بالنبي أو الامام بعده زائدا على سائر شركائهما في الخمس الذين هم قبيلهما لكونهم من بنى هاشم وأو قبيلهما في الخمس ، فالأنفال زيادة لهما على سائر الشركاء الذين هم قبيلهما.

والغرض من تعريف الأنفال بالزائد مع جواز أن يقال : هو المال المختص ؛ للاشارة إلى مناسبة المعنى الاصطلاحي للمعنى اللغوي.

قوله : بالآية.

الآية هي قوله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) (٣).

قوله : ومنه.

أي : من جهة كونه زيادة عن قبيله أو مأخوذا عن هذا المعنى الذي هو الزيادة أو لأجله سمّى ما اختص به النبي والامام نفلا ؛ لانّه زيادة من الله له خاصّة.

قوله : التي لا يعرف.

يمكن أن تكون الصفة احترازية وأن تكون توضيحيّة. فعلى الأوّل يكون المراد

__________________

(١) فى الاصل : الزهري.

(٢) الأنبياء : ٧٢.

(٣) الانفال : ١.


بأرض الموات ما يقال لها الموات عرفا ، وتكون الصفة للاحتراز عن الموات التي يعرف مالكها فإنّها باقية على ملكه. وعلى الثاني : يكون تفسيرا للموات المراد هنا ، أي : المراد بالموات التي لا يعرف لها مالك سواء كانت مواتا عرفا أم لا.

قوله : مع المد.

متعلّق بقوله : « فتحها » أي : الفتح مع المد. وقوله : « المفتوح » إمّا صفة للتحريك مجازا في الإسناد ؛ لكونه صفة متعلّقه وهو المتحرك ، أو صفة لأجمة ( كذا ).

والمراد بنحو القصب : سائر الأشجار. والتقييد بقوله : « في غير الأرض المملوكة » لان المملوكة منها لا تخرج بذلك عن الملكيّة.

قوله : والمرجع فيهما الى العرف.

الحوالة فيهما الى العرف ، لأنّه يحصل الاشتباه فيهما باعتبار ما يقرب منهما وحواليهما وحواشيهما والحاصل أنّ في معرفة منتهى رأس الجبال وبطن الوادي وحدودهما يجب الرجوع الى العرف. ويمكن ان يكون المراد في مطلقهما باعتبار حصول الاشتباه في بعض الأوقات في كون مكان واديا أو جبلا.

قوله : وغيرهما.

من نبات وسمك وكنز ، وبناء وماء ونحوها.

قوله : وذلك في غير أرضه المختصّة به.

المشار إليه بقوله : « ذلك » الآجام وبطون الأودية ورءوس الجبال يعني : أنّ نفلية هذه الثلاثة إنّما هي إذا كانت في غير أرض الامام المختصّة به. وأمّا إذا كانت في أرض مختصّة به فهو يكون للامام بتبعيّة الأرض لا لأجل كونها أنفالا كما يختصّ كلّ مالك أرض بما كان فيها من آجام أو بطن واد أو معدن أو نحوها.

قوله : وقطائعهم.

عطف القطائع على الصوافي إمّا من باب عطف الخاص على العام باعتبار دفع توهّم اختصاص العام بغيره وهذا على أن يكون المراد بالصوافي : كلّ ما اصطفوه لأنفسهم سواء كان من القطائع أي : الأراضي المصطفاة أو غيرها.

أو من باب عطف الشي‌ء على مباينه ، وهذا على أن يكون المراد بالصوافي : ما اصطفوه


من المنقولات ويكون المراد من القطائع ما اصطفوه من الأراضي.

والضمير في قوله : « ضابطه » راجع إلى هذا القسم من الأنفال أو إلى الصافي ، وهذا إنّما يصحّ مع كون الصوافي أعم من القطائع فإنّه أخذ في الضابط غير المنقول أيضا.

قوله : أو مسالم.

أي : معاهد بشرط عدم انقراضهما فلو غصبه ملك الكفار عن أحدهما وانقرض كان نفل الامام أيضا.

قوله : فاقد الوارث.

« اللام » في الوارث إما للعهد ، والمراد : الوارث المعهود وهو الوارث الخاص ـ أي : من عدا الامام فيكون قول الشارح : « الخاص » بيانا للمعهود ، أو للجنس ويكون تقييد الشارح للاحتراز.

قوله : كذلك.

أي : وارث من فقد الوارث الخاص الذي غير الامام

قوله : والغنيمة.

المراد الغنيمة في قتال بغير إذنه كما قيّد به الأصحاب والرواية المرسلة التي أشار إليها الشارح.

قوله : على المشهور.

يحتمل أن يكون متعلّقا بالتغنيم أي : كون ما غنم بغير إذن الامام من الأنفال في الغيبة والحضور على المشهور فيكون مقابله اختصاص ذلك بحال الحضور.

ويمكن أن يكون متعلقا بكون ذلك من الأنفال مطلقا ولا ينافي كون ذلك مشهورا قوله : « إلّا أنّه لا قائل بخلافها » إذ عدم القول بالخلاف أعمّ من السكوت والتردد فيكون مقابل المشهور سكوت بعضهم عن المسألة كما نقل عن المفيد وسلّار ، وتردد بعضهم كما هو ظاهر النافع ، بل نقل عن المنتهى تقوية مساواة ما يغنم بغير إذن الامام لما يغنم بإذنه.

قوله : رواية مرسلة.

الرواية المرسلة هي ما رواه الشيخ عن العباس الوراق ، عن رجل سماه عن أبي


عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، فإذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس ». (١)

قوله : مباحة.

أي : للشيعة خاصّة كما صرّح به الأصحاب ونطقت به الروايات.

قوله : وقيل مطلقا كغيره.

أي : لا يختص بالفقراء بل يصحّ التصرف فيه مطلقا للفقراء وغيرهم كغير ميراث من لا وارث له من الأنفال. فقوله : « مطلقا » حال من محذوف يدل عليه ما سبق.

قوله : وأمّا المعادن.

المراد بالمعادن الظاهرة : ما لا يفتقر في ظهورها إلى عمل كالملح ، والكحل والنفط والموميا ، وبالباطنة : خلافها ، كالذهب والفضة.

والتخصيص بما في غير أرضه ؛ لأنّ ما كان منها في أرضه فهو له عليه‌السلام وحكمه حكم الأنفال ، فلا يحلّ للناس الّا ما إذن له الامام لشيعته عليه‌السلام.

ولا يخفى أنّ كون الناس شرعا في المعادن التي في غير أرض الامام والأرض المملوكة بناء على [ عدم ] كون الأرض الموات للامام كما صرح به بعضهم ، وإلّا لما بقي معدن كان الناس فيه شرعا ، أو يكون المعادن التي في الأرض الموات مخصوصة بهذا الحكم مع كون الأرض للامام.

قوله : شرع على الأصح.

أي : سواء. والمراد : أنّ الناس فيها سواء أصالة لا من جهة إذن الامام ، بخلاف الأنفال فإن الناس فيها وإن كانوا شرعا إلّا أنّه من جهة إذن الامام ولذا يختصّ بشيعته ؛ إذ الإذن مختصّ بهم ، بل يمكن أن يقال : إنّ الناس ليس في الأنفال شرعا ؛ لأنّ المراد بالناس جميع أفرادهم فيشتمل الشيعة وغيرهم ، ولا يباح لغير الشيعة.

قوله : من غير تفصيل.

بأن ما كان في أرضه مختصّ به ، وما كان في غير أرضه فالناس فيه سواء.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٥٢٩.



كتاب الصوم

قوله : وهو الكف نهارا.

اورد عليه : بأنّ متناول المفطرات سهوا صائم مع عدم الكف.

واجيب : بأن المتبادر عن الكف : الكف عن تعمّد التناول أو يعمّ الكف بحيث يتناول الحقيقي والحكمي.

قوله : كما سيأتي.

أي : في قوله : « ووقته من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية ».

قوله : المعتاد منهما.

أي : من الأكل والشرب. والمراد بالأكل المعتاد ما كان مأكوله معتاد الأكل كالخبز ومثله ، وكذا الشرب ، وغير المعتاد كأكل الفحم ومثله.

ويمكن أن يراد به : ما كان نفس الأكل والشرب معتادين كأن يشرب من الفم ويأكل منه وغير المعتاد أن يدخل شي‌ء في جوفه من ثقبة حادثة في صدره مثلا.

قوله : على أصحّ القولين.

مقابل الأصح عدم وجوب الكف عن الجماع في بعض المذكورات.

بيان ذلك : أن الفروج أربعة : فرجا المرأة ، ودبر الغلام ، وفرج البهيمة ، لعدم الفرق بين فرجيها. أمّا قبل المرأة فلا خلاف فى وجوب الكف عن جماعه. وأمّا دبرها فادعى الاجماع على وجوب الكف عن جماعه جماعة ، ولكن يظهر من المحقّق في الشرائع والنافع الخلاف فيه حيث جعله في الأوّل أظهر ، وفي الثاني أشهر. وأمّا دبر الغلام ففي الخلاف نقل الاجماع على إفساده الصوم ، وظاهر النافع والشرائع والمعتبر التردّد. وأمّا


فرج البهيمة فالمشهور الافساد وذهب ابن إدريس والفاضلان في الشرائع والتذكرة والمنتهى والتحرير والتلخيص إلى العدم.

ومن ذلك ظهر أنّه كان الأولى أن يقول : « على أصح الأقوال ».

قوله : الأحكام الآتية.

من وجوب القضاء والكفّارة ، أو القضاء فقط.

قوله : وفي حكمه.

أي : في حكم الاستمناء ، الثلاثة لمعتاده أي : معتاد الإمناء ، معه أي : مع أحد الثلاثة أو مع حصول الإمناء. فعلى الأوّل يكون المراد بكونه في حكمه : أنّ مع حصول الامناء يفسد الصوم لا بمطلق النظر والاستمتاع والتخيل كما في الاستمناء. ويكون مرجع الضمير في « حكمه » إلى مطلق الاستمناء. وعلى الثاني يكون المراد بكونه في حكمه : أنّه يفسد الصوم ويكون المرجع الاستمناء المعرف ، وهو طلب الامناء مع حصوله.

قوله : المتعدّي إلى الحلق.

يجوز كون المتعدّي صفة للغبار وللايصال. وعلى الأوّل المراد بالمتعدي إمّا المتعدّي عن الاعتدال أو عن العادة أي : الغليظ بالنسبة إلى الغبار الذي لا يخلو عنه الهواء عادة وإن لم يسم غبارا عرفا فيكون المراد بالغليظ في قوله : « غليظا أم لا » الغليظ عرفا. أو المتعدي إلى الحلق ، وعلى الأخير يكون قوله : « إلى الحلق » متعلقا بالمتعدّي وعلى الأولين يكون متعلقا بالايصال.

وفي عدول المصنّف عن الوصول إلى الايصال إيهام عدم وجوب الاحتراز عنه ، وأنّه لا يفسد الصوم بتمكينه من الوصول إلى الحلق ، ويمكن إدخاله في الايصال أيضا ولعلّه اختاره احترازا عن الوصول بلا اختيار وليكون صريحا في فعل المكلّف كسائر ما اعتبر الكف عنه.

قوله : بمحلّل.

متعلّق بالايصال أو بالغبار. و « الباء » للملابسة أو المصاحبة أي : إيصالا أو غبارا ملابسا أو مصاحبا بمحلّل كالدقيق. وقوله : « وغيره » عطف على محلّل.


قوله : لا وجه له.

علّل فقد الوجه له في المسالك بأنّ المتعدّي إلى الحلق نوع من المتناولات وإن كان غير معتاد ، فيحرم ويفسد الصوم سواء في ذلك الغليظ والرقيق.

قوله : سواء نوى

أي : سواء نوى الغسل في غير الليل أم لا ، بل تعمد البقاء على الجنابة دائما ، ولم يكن فيه نيّة الغسل أصلا. أو سواء نوى الغسل في الليل لكنّه توانى إلى أن طلع الفجر أم لا بل لم يقصد في الليل ، بل قصده في النهار. أو سواء تقدّم على الفجر نيّة الغسل بل وبعض أجزائه ولكن لم يكمله حتّى طلع أو لا فإنّ الجنابة لا تزول إلّا بتمام الغسل.

فمن تعمّد البقاء عليها إلى أن لم يبق إلى الفجر إلّا مقدار النيّة أو بعض أجزاء الغسل فهو متعمّد للبقاء عليها إلى الفجر.

قوله : وإن نوى الغسل.

أي : نوى أن ينتبه ليغسل. والفرق بين هذا وما قبله أنّ ما قبله هو أن يبقى على الجنابة إلى الفجر عامدا مع النوم بعد انتباهتين أو بدونه ، من غير نيّة الغسل أو مع نيّته ولكن توانى في الغسل وهو أيضا في حكم البقاء عمدا لأن التواني لا يسقط الوجوب بخلاف ذلك فإنّه أعمّ من ذلك أي : سواء نوى الغسل ولم يتوان ، بل غلبه النوم ، أو لم ينو فبينهما عموم وخصوص من وجه ، فإنّ الأوّل عامّ من جهة النوم وعدمه ، وخاص من جهة التعمد فى البقاء. والثاني عام من جهة التعمد وخاص من جهة النوم ، وقد يراد بالثاني : ما كان بنيّة الغسل وعلى هذا فيكون الثاني مبائنا للاول.

ثمّ لا يخفى أنّه على ما قيد الشارح الكف به بقوله : « نهارا » يختل الكلام من جهة الأخيرين إذ لا معنى للكف نهارا عن البقاء ليلا على الجنابة أو عن معاودة النوم جنبا في الليل.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إنّ المراد : أن يكف نهارا عن كونه بحيث يبقى في الليل على الجنابة ، أو يعاود النوم بمعنى : أن يجعل نفسه بحيث يكون في النهار خاليا عن وصف البقاء على الجنابة أو معاودة النوم في الليل. غاية الأمر أن اتّصافه بالنهار بهذه الصفة وحصول هذا الكف له يتوقّف على أمر في الليل.


قوله : كذلك.

أي : معاودا فيه بعد انتباهتين.

قوله : فيكفر.

بصيغة المعلوم على بيان الشارح حيث ضم معه قوله : « من لم يكفّ » وأمّا في عبارة المصنّف فيمكن كونه بصيغة المجهول أيضا أي : توقع التكفير أو يكفر الاخلال بالكفّ ، وكذا الفعلان الآخران.

قوله : اختيارا.

ظرف أي : حال الاختيار ، أو حال عن فاعل لم يكفّ بمعنى : مختارا.

قوله : أو في شهر رمضان.

لفظة « أو » إمّا للتقسيم أو الترديد. فعلى الأوّل يكون عطف « شهر رمضان » مع وجوبه على « صوم واجب » من باب عطف الخاص على العام ، ويكون المعنى : يكفّر من لم يكفّ في مطلق الصوم الواجب المتعيّن ، وفي خصوص شهر رمضان مع وجوبه. وعلى الثاني يكون اشارة إلى اختلاف القولين يعني : يكفّر من لم يكفّ في مطلق الصوم الواجب المتعيّن كما هو أحد القولين ، أو في شهر رمضان خاصّة كما هو القول الآخر.

والضمير في « وجوبه » راجع إلى « الصوم » أي : مع وجوب صوم شهر رمضان ، أو إلى « شهر رمضان » بتقدير « صوم » والمآل واحد ، والتقييد به لخروج المسافر والمريض وأمثالهما.

وقوله : بقرينة المقام.

يحتمل وجوها أربعة :

أحدها : أن يتعلّق بقوله : « من لم يكفّ » أي : تخصيصنا التكفير بمن لم يكفّ أي :

الفاعل ، بقرينة المقام.

وثانيها : أن يتعلّق بالصوم الواجب وشهر رمضان مع وجوبه أي : تخصيصنا تكفير من لم يكفّ بالصوم المذكور بقرينة المقام ، فإنّ القضاء المعطوف على التكفير دليل عليه.


وثالثها : أن يتعلّق بقوله : « مع وجوبه » أي : تقييد شهر رمضان بهذا القيد بقرينة المقام.

ورابعها : أن يتعلّق بقوله : « في شهر رمضان مع وجوبه » على أن يكون لفظة « أو » للترديد يعني : أنّه يحتمل أن يكون التكفير في مطلق الصوم الواجب المتعيّن ، وهو لا يحتاج إلى قرينة ؛ لأنّه مقتضى الإطلاق ، وأن يكون في خصوص شهر رمضان ، ويفهم التخصيص من قرينة المقام ؛ لأن شهر رمضان أسبق إلى الذهن في مقام الصوم.

قوله : مع الكفّارة.

قيّد به ؛ لئلّا يتوهّم إرادة التقسيم وأنّه يكفر في بعض الصور ويقضي في بعض.

قوله : المؤدي إلى فعل أحدها.

أي : أحد السبعة. قيّد به ؛ لأنّه قد يتحقّق الإخلال بالكف من دون الفعل بالغفلة من العزم والتوطين على الامتناع ، أو مع العزم على الإفطار من دون فعل المفطر ؛ أو لأنّ المعروف في الإخلال أن يضاف إلى الفعل حتّى يكون محصّله الترك ، والمراد هنا : الإخلال بالترك الذي محصله الفعل. فنصّ على ذلك مبالغة في دفع التوهّم والتنصيص على المقصود.

قوله : ودخل في التعمّد.

أي : دخل في المتعمّد ، أو دخل في التعمد فعل الجاهل. ووجه الدخول : أنّ المراد بتعمّد الاخلال : التعمد إلى فعل المخل ، ولا شك أنّ الجاهل متعمّد للفعل وإن لم يكن متعمّدا للاخلال. ويمكن أن يكون المراد بالدخول : الدخول شرعا ، وهو أنسب بحكمه بخروج الناسي ؛ لأنّه يشمل ناسي الصوم المتعمّد للفعل أيضا. والمراد بالجهل بالتحريم والافساد أن يكون جاهلا بهما معا أو بالتفريق.

قوله : وهو المروي

رواه زرارة وأبو بصير قالا جميعا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان ، وأتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أن ذلك حلال له. قال : ليس [ عليه ] شي‌ء. (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٥٣.


قوله : ولو بالتخويف.

أي : من قتل أو ضرب ، أو شتم. وغير التخويف ما إذا لم يباشره بنفسه ، بل وجر في حلقه ، أو اكره حتّى ارتفع القصد عنه حتّى كأنّه ليس مباشرا بنفسه.

قوله : هو عادتهم.

من ذكر تعريف الشي‌ء أوّلا ثمّ بيان أحكامه.

قوله : كما لا يخفى

فإنّه هو الكفّ المشروط بالنيّة نهارا كاملا.

قوله : تجوّز فيه ببيان أحكامه.

الضمير في قوله « فيه » راجع إلى ما ذكر ، وفي « أحكامه » إلى الصوم والمعنى : أنّه ارتكب التجوّز فيما ذكر بإرادة بيان أحكامه ، وعدم إرادة التعريف. والمراد بالتجوّز هنا :التجاوز من الظاهر إلى خلافه ، وإلّا فالعبارة المذكورة ليست مجازا في هذا المعنى من شي‌ء.

قوله : وأمّا دخله.

المراد بالدخل : البحث والنظر. وضميره راجع إلى ما ذكره أو إلى التعريف ، أو إلى الصوم ، والاضافة إليه إضافة المصدر إلى المفعول أي : الدخل في ما ذكره ، أو في التعريف ، أو في الصوم ، من حيث جعل الصوم ، أو جعل المصنّف الصوم كفّا والحال أنّه أمر عدمي فقابل للتأويل.

والتوضيح : أنّهم أوردوا على جعل الصوم كفا بأنّ الصوم تكليف ، والتكليف يجب أن يكون أمرا وجوديّا ، والكفّ أمر عدمي ويستحيل التكليف به.

وأجابوا عنه : بأنّ الكف فيه مؤوّل بامر وجوديّ ، وهو إرادة العزم على الضد أي :ضدّ فعل هذه الأفعال وهو الترك ، أو توطين النفس على الضد الذي هو الترك ، والمراد بالتوطين : ما يتبع العزم من الفعل القلبي الذي هو منع النفس عن الفعل ، بل قد يمنع كون الكف هنا عدميا ، وإنّما الكفّ العدمي هو الكفّ اللازم الذي بمعنى : الامتناع ، دون المتعدي الذي بمعنى : المنع.


قوله : وبه يتحقق معنى الإخلال به.

أي : بهذا التأويل يتحقّق معنى الإخلال بالصوم ؛ إذ لا يقع الاخلال إلّا بالفعل ؛ لأنّه من أفعال الجوارح.

قوله : وإنّما اقتصر على الكف إلى آخره

هذا اعتذار للمصنّف من حيث إنّه ذكر الكفّ المحتاج إلى التأويل دون أحد الأفعال. وحاصله أنّه اقتصر على الكف ، ولم يذكر الفعل مراعاة لمعنى الصوم اللغوي فإنّه في اللغة هو الإمساك الذي هو أيضا ترك وكفّ ، فأراد أن لا يكثر النقل عن المعنى اللغوي بل يكون المعنى العرفي امساكا مخصوصا.

قوله : ليلا.

يحتمل أن يكون ظرفا للعود حتّى يخرج عود الجنب إلى النوم في النهار. وأن يكون ظرفا للغسل حتّى يخرج نيّة الغسل بعد طلوع الفجر.

قوله : ولا بدّ.

أي : ولا بدّ في عدم وجوب الكفّارة والاختصاص بالقضاء مع النيّة للغسل ، وكون النوم بعد انتباهة واحدة.

قوله : ولا احتمله.

أي : من جهة اخرى غير العادة.

قوله : أوّل نومه.

أي : ابتداء نومه ثانيا ، لا نومه الأوّل. والمراد بكونه من أوّل نومه كمتعمّد البقاء : أنّه ـ يكون عليه الإثم إن استمرّ نائما إلى الفجر [ و ] كان عليه القضاء والكفارة جميعا.

قوله : بشرطيه.

الضمير في قوله : « بشرطيه » راجع إلى ما يستفاد من قوله : « لا شي‌ء » وهو عدم وجوب القضاء والكفّارة أي : بشرطي عدم الوجوب وهما عدم الانتباه ونيّة الغسل.

والمراد بالنومة الاولى : أوّل نومة يكون بعد العلم بالجنابة ، فليس النوم الذي فيه الجنابة إن احتلم النومة الاولى ؛ إذ لا يشترط في عدم وجوب القضاء والكفّارة فيه شرط أصلا.


قوله : دفعة واحدة عرفية.

احتراز عمّا [ لو ] غمس بعض رأسه ، ثمّ أخرجه وغمس بعضا آخر ، فإنّه ليس داخلا فى الحكم ، ولا يخفى أنّه يلزم على هذا القيد أنّه لو غمس رأسه أجمع بالتأنّي والتدريج من دون إخراج البعض بحيث لا يصدق عليه الغمس دفعة واحدة عرفية لم يكن داخلا في الحكم مع أنّه داخل فيه قطعا.

وتوجيهه : بأنّ بعد اغتماس الجميع يصدق عليه أنّ جميع رأسه مغموس في آن واحد. أي : دفعة عرفية ليس بجيد إذ ليس يصدق عليه أنّه غمس دفعة واحدة عرفيّة ، فإنّه لم يتحقّق الغمس دفعة عرفيّة وإن كان المجموع مغموسا في الماء في آن واحد بعد الغمس بالتدريج.

قوله : متعمّدا.

يحتمل التعلّق بالثلاثة ، ويحتمل التعلق بالارتماس خاصّة. وقد يقال : إنّه لا يحتمل التعلّق إلّا به ؛ لأنّه يفهم التعمّد من الأوّلين ، فإن المفهوم من العود إلى النوم أن يكون باختياره ، لا بأن يغلب عليه ، وكذا المفهوم من الاحتقان ؛ فإنّه لا يكون إلّا باختيار المحتقن ؛ فإنّه إن اكره به ، أو كان لا يشعر به لا يقال : إنّه احتقن ، وإن قيل : إنّه حقن ، بخلاف الارتماس والانغماس في الماء ، فلا يفهم منه ذلك لغة ولا عرفا. وفيه بعد تسليم ما ذكر :أنّ المراد بالتعمّد ما يشمل تذكر الصوم ، فإنّ من ارتمس عمدا ناسيا لصومه لم يكن عليه قضاء ، وعلى هذا فيمكن العود والاحتقان سهوا أيضا بأن لا يتذكّر الصوم.

قوله : في غسل مشروع.

لا يخفى أنّه لا فائدة في التقييد بالمشروع ؛ لأنّ الغسل لا يكون إلّا مشروعا. وكأنّ النكتة في ذكره الإشارة إلى كونه عبادة حتّى يظهر الوجه في بطلانه للنهي فان النهي في العبادة موجب للفساد.

قوله : للنهي.

اعترض عليه : بأنّ النهي يوجب الفساد إذا تعلّق بجزء العبادة أو شرطها ، ورمس الرأس دفعة ليس جزءا للغسل ، ولا شرطه ، وإنّما جزؤه إيصاله الماء إلى الرأس. ولا


شبهة في أنّ كلّ جزء من أجزاء الرأس فرض فرمسه في الماء مباح ، وإنّما الحرام جمع الكل فيه ، وهو ليس من جزء الغسل ، ولا شرطه.

وفيه : أنّ جمع الكل فيه وإن لم يكن جزءا لمطلق الغسل ، ولكنّه جزء أو شرط للغسل الارتماسي ؛ لوجوب الرمس دفعة فيه ، وكما أنّ مطلق الغسل عبادة ، فكذا الغسل الارتماسي أيضا ، فتعلّق النهي بالجزء أو الشرط ، فيفسد.

قوله : ولو نسي.

أي : نسي الارتماس بأن يرتمس لا عن شعور ، أو نسي الصوم ، أو نسي الحرمة.

قوله : ممكنة.

أقول : يستفاد من تقييده بقوله : « ممكنة » زيادة على ما ذكره الشارح بقوله : « واحترز » إلى آخره أنّه يحب القضاء مع المراعاة إذا لم تبلغ إلى غاية ما يمكن ، وهو كذلك.

قوله : للفجر أو الليل.

الأوّل إذا كان مستصحب الليل ، والثاني إذا كان مستصحب النهار.

قوله : حصوله.

أي : حصول الليل. وحصوله في الأوّل ـ أي : من دون مراعاة للفجر ـ بمعنى البقاء ، وفي الثاني ـ أي : من دون مراعاة الليل ـ بمعنى الحدوث والدخول.

قوله : سواء كان مستصحب الليل.

أي : كان المتناول والمستصحب ـ بكسر الحاء ـ أي : المتمسك بالاستصحاب. والمراد به هنا : أن يكون من شأنه استصحاب الليل ، أو استصحاب النهار أي : الحكم ببقائهما عند الشك أو الظن ، وإن لم يحكم به في الثاني أي : النهار ؛ إذ الحكم به مناف لتناول المفطر.

ويحتمل أن يكون المراد بالاستصحاب : المعنى اللغوي ، دون العرفي أي : سواء كان قبل التناول في صحبة الليل ، أو في صحبة النهار.

قوله : واكتفى عن قيد ظنّ الليل إلى آخره

أي : في الصورتين. أعني : استصحاب الليل أو النهار.

وقد يتوهّم إمكان اسناد الاكتفاء عنه إلى قوله : « من دون مراعاة » لأنّه إذا علم الفجر أو


النهار فلا معنى للمراعاة. وفيه : أنّه إذا شك فيهما أو ظن الفجر والنهار يمكن المراعاة أيضا ، ولكن لا يصدق الخطأ حينئذ.

لا يقال : إنّه على هذا يكون قوله : « خطأ » مخلّا لا خراجه صورة الشك والظن بالفجر أو النهار.

لأنا نقول : إنّ حكمهما يعلم من باب الأولويّة ، أو أنّه يجب إخراجهما عن هذا الحكم أي : وجوب القضاء خاصّة ؛ لأنّه فيهما تجب الكفارة أيضا.

قوله : واحترز بالمراعاة الممكنة إلى آخره

كون المراعاة الممكنة احترازا عمّا ذكره يمكن أن يكون من باب التمسك بمفهوم الشرط ، ومن باب التمسك بمفهوم الوصف ، كما لا يخفى. ولا يخفى أيضا أنّ انتفاء الوصف هاهنا وإن استلزم انتفاء أصل الموصوف إلّا أنّ علّة الحكم أي : عدم وجوب القضاء لمّا كان هو انتفاء الوصف استند الحكم والاحتراز إليه فقط.

قوله : كذلك.

أي : مع ظنّ الليل ، أو من دون مراعاة ممكنة.

قوله : حيث.

قيد للأخيرين.

قوله : بظنّه.

لانسداد باب العلم.

قوله : ويفهم.

أقول : فهم ذلك إنّما هو من باب مفهوم الشرط ، فإنّ حرف الشرط المتقدّمة داخلة على قوله : « تناول » لمكان العطف فيصير مفهوم الكلام أنّه لو لم يتناول المفطر من دون المراعاة لا قضاء عليه ، وذلك أعمّ من أنّ تناوله مع المراعاة أو لم يتناوله مطلقا.

قوله : في الثاني.

أي : فيما إذا كان مستصحب النهار مع خطأ الظنّ الحاصل بالمراعاة.

قوله : وبخلافه في الثاني.


عطف على قوله : « باعتضاده » والضمير المجرور راجع إلى الاعتضاد أي : فارقا بينهما ، بتحقق خلاف اعتضاد الظن بالأصل وهو تضعيف ظنّه به ، أو عدم اعتضاده. أو عطف على قوله : « بالأصل » بتجريد الاعتضاد عن معنى التقوية والتأييد ، وملاحظة مجرّد المقارنة. والضمير حينئذ يكون راجعا إلى « الأصل ». أو « الواو » استئنافية والمعنى : والظنّ بالأمر أو الأصل بخلاف ما ذكر في الثانى.

قوله : والفاضلان.

قيل : المراد العلّامة وفخر المحقّقين ، والظاهر أنّه المحقّق والعلّامة.

قوله : استنادا إلى أخبار إلى آخره.

كرواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ، ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت ، وفي السماء غيم ، فأفطر ثمّ إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب. فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه ». (١)

ورواية زيد الشحام عنه عليه‌السلام عن رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان وأنّ الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب ، فافطر ، ثمّ إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب. فقال : « تمّ صومه ولا يقضيه ». (٢)

وصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضي صومك. وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا ». (٣)

ورواية زرارة عنه عليه‌السلام قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فافطر ، ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك قال : « ليس عليه قضاء ». (٤)

ثمّ وجه قصور دلالة الأخبار باعتبار أنّه يمكن [ أن يكون ] الظنّ المأخوذ فيها حاصلا بعد المراعاة فلا يدلّ على المقصود. ويمكن أن يكون معني قوله : « تقصر عن الدلالة »

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٢٣.


تقصر عن كونها دليلا وذلك لضعف الأوّلين وعدم دلالة الثالث لوجهين : أحدهما : أنّ مقتضى قوله : « إذا غاب القرص » حصول القطع به فيخرج به عن محل النزاع. وثانيهما : أنّه يمكن أن يكون معنى قوله : « مضى صومك » ذهب صومك أي : بطل. واشتمال الخبر الاخير على ما لا يقول به [ أحد ] فإنّ في أوّله : قال سالت أبا جعفر عليه‌السلام عن وقت افطار الصائم. قال : « حين يبدو ثلاثة أنجم » هذا ، ثمّ إنّ قوله : « مع تقصيره في المراعاة » يمكن أن يكون قيدا لقصور الدلالة ، وحينئذ يصير المعنى أظهر ، ويكون المعنى : استنادا إلى أخبار تقصر عن الدلالة على المطلوب في صورة التقصير في المراعاة أو أخبار تقصر عن كونها أدلّة في هذه الصورة.

ووجه التقييد على الأوّل ظاهر. وأمّا على الثاني ، فلانّ من شرط كون الخبر دليلا عدم المعارض المساوي أو الأقوى وهذه الأخبار في صورة التقصير في المراعاة معارضة مع غيرها من الأخبار.

ويمكن أن يكون قوله : « مع تقصيره » إلى آخره علاوة على قصور الأخبار عن الدلالة ، ويكون المعنى : أنّ القول المذكور مستند إلى أخبار قاصرة عن الدلالة مضافا إلى تقصير المفطر في محل النزاع في المراعاة ، فتشمله أدلّة وجوب القضاء عند التقصير أيضا ويجب عليه القضاء.

قوله : وجوب القضاء.

أي : حكمه السابق على القيل ووجه اقتضائه : إطلاقه في الحكم. وقوله : « وإن ظنّ » أي : ظنّ الليل بعدم طلوع الفجر ، أو بغروب الشمس.

قوله : وظاهر القائلين.

بالحكم السابق ، وهم المصنّف وموافقوه ، أو القائلين بصيغة التثنية أي : القائل بوجوب القضاء ـ وهو المصنّف ومن تابعه ـ والقائل بعدم وجوبه وهو الشيخ والفاضلان.

قوله : مطلقا.

استصحب الليل أو النهار ، ظنّ الطلوع أو الغروب أو شكّ ، أمكن المراعاة أم لا ، مع الظلمة الموهمة وبدونها.


قوله : والقدرة على تحصيل العلم.

يجوز أن يكون عطفا تفسيريا للمراعاة ويجوز أن يكون المراد بالمراعاة أعمّ من أن يراعي لتحصيل العلم أو الظن ويكون القدرة على تحصيل العلم قيدا آخر.

قوله : في القسم الثاني.

أي : قسم استصحاب النهار. وتخصيص الاشكال به ؛ لمخالفة ظنّه للاصل ، بخلاف القسم الأول ، كما مر.

قوله : وذلك يقتضي بحسب الاصول الشرعية إلى آخره.

بيان ذلك : أنّ مقتضى العقل ، بل الاستقراء أنّ كلّ من ارتكب حراما فعليه كفّارة من صدقة ، أو صوم ، أو حدّ ، أو قصاص ، أو تعزير ، أو استغفار أو غيرها. ومقتضى الأخبار العديدة أنّ من أفطر في نهار يجب صومه عمدا تجب عليه الكفّارة ولكون العقل أيضا من أدلّة الشرع وكذا استقراء احكام الشرع ، يكون الحاكم بالكفّارة الشرع. والمراد بالاصول :القواعد الكلّية ، وبالشرعية : المستنبطة من أدلّة الشرع. فمراده بالاصول الشرعية :القاعدتان المذكورتان المستنبطتان إحداهما من العقل والاستقراء والاخرى من الأخبار. ويكون قوله : « وذلك » إشارة إلى كلّ من تحريم التناول ووقوع الإفطار فى نهار يجب صومه عمدا.

وظهر ممّا ذكرنا وجه تعليل وجوب الكفّارة بتحريم التناول أيضا. وظهر أنّ كلّا من قوله : « لتحريم التناول » إلى آخره وقوله : « ووقوعه » إلى آخره. علّة برأسها للاشكال في عدم وجوب الكفّارة.

قوله : للإذن المذكور.

أي : المذكور بقوله : « بناء على أصالة عدم الدخول » فإنّ الإذن الحاصل من الأصل أيضا إذن شرعي لقوله عليه‌السلام في أخبار متكثرة : « لا تنقض اليقين إلا بيقين مثله ».

قوله : وأمّا وجوب الكفّارة على القول المحكي فأوضح.

هذه العبارة تحتمل وجوها.

أحدها : أن يكون المراد بالقول المحكي : ما ذكر المصنّف بقوله : « قيل » ويكون المعنى :


وأمّا حال وجوب الكفارة في القسم الثاني على القول المحكي ـ وهو عدم وجوب القضاء على المفطر للظلمة ـ فأوضح ، فانّه إذا لم يكن عليه قضاء فأولى أن لا تكون عليه كفّارة.

وثانيها : أن يكون الوجوب في قوله : « أمّا وجوب الكفّارة » بمعنى السقوط كما يقال في قوله تعالى : ( فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها ) (١) ولكنّه بعيد.

وثالثها : أن يكون المراد بالقول المحكي صورة المسألة وهي أن يفطر للظلمة الموهمة من غير مراعاة ، بل استنادا إلى مجرّد الظلمة ، ويكون المعنى : أنّ وجوب الكفّارة في هذه الصورة أولى من وجوبها لتقليد الغير ، أو ظنّ آخر يكون أقوى من الظنّ الحاصل من الاستناد إلى مجرّد الظلمة.

ورابعها : أن يكون المراد بالقول المحكي ما ذكر أيضا ، ويكون المعنى : أنّ صورة هذه المسألة مخصوصة بمستصحب النهار بخصوصه ، ووجوب الكفّارة فيه واضح ، بخلاف ما ذكره المصنّف ؛ فإنّه يشمله بإطلاقه فوجوب الكفّارة إنّما هو في بعض أفراده.

وخامسها : أن يكون المراد بالقول المحكي ما حكاه نفسه عن الدروس بقوله : « وفي الدروس استقرب القضاء » حيث أوجب القضاء في القسم الثاني مع المراعاة ، فيكون المعنى : أنّه إذا وجب القضاء مع المراعاة فوجوب الكفارة بدونها أوضح منه ، إذا لم يجب القضاء معها.

قوله : واعلم أنّ المصنّف.

اعلم أنّ مراد الشارح اعتذار المصنّف في جمعه بين لفظي « الوهم » و « الظن » في نقل قول الشيخ والفاضلين. وتوضيح ما ذكره : أنّ المصنّف نقل قولهم حال كونه جامعا في النقل بين لفظي « الوهم » و « الظن » ، فيفهم منه اتّحادهما معنى ، مع أن فيه محذورين :

أحدهما : مخالفته المشهور حيث فسّروا الوهم بغير ما فسّروا به الظن.

وثانيهما : مخالفته لعبارات القوم حيث جعلوا الوهم قسيما للظن وأوجبوا في الأوّل القضاء خاصّة ، وفي الثاني لم يوجبوا شيئا.

__________________

(١) الحج : ٣٦.


وتوضيح اعتذاره : أن جمعه في نقل كلام القائلين بالقول المذكور ؛ للتنبيه والإشارة إلى أنّ مراد القوم من الوهم الواقع في كلامهم أيضا الظن أي : كما أنّ مرادهم من لفظ « الظن » معناه كذلك مرادهم من لفظة الوهم معنى الظن ، فيكون قوله أيضا قيد الوهم. وإنّما حمل مرادهم على ذلك ؛ لأنّه لا يجوز الإفطار مع الوهم قطعا ، وإذا لم يجز يلزم منه وجوب الكفّارة أيضا مع أنّهم لم يحكموا به.

وتوضيحه : أنّ حكمهم بوجوب القضاء خاصّة وعدم وجوب الكفّارة يقتضي جواز الإفطار وإن فسد به الصوم كما في تناول مستصحب الليل والمريض والمسافر ؛ لأنّ الإفطار كلّما لا يجوز يوجب الكفّارة أيضا ، فلو كان الوهم في كلامهم باقيا على معناه يقتضي جواز الإفطار معه ؛ لعدم حكمهم بالكفّارة ، مع أنّه لا يجوز الإفطار مع ظنّ عدم الدخول أي : مع الوهم قطعا ، وإذا لم يجز يلزم وجوب الكفّارة أيضا ؛ فإنّ الاقتصار على القضاء خاصّة إنّما هو في صورة حصول الظن وظهور المخالفة لا مطلقا ، وإن حصل الوهم أيضا.

ولا يخفى انّه بهذا وإن ظهر توجيه ما فعله المصنّف من الجمع بين الوهم والظن واندفع المحذور من كلام القوم حيث يظهر من كلامهم عدم وجوب الكفّارة في صورة الإفطار مع الوهم ، إلّا أنّه يلزم حينئذ محذوران آخران :

أحدهما يرد عليهم : وهو الذي ذكره الشارح بقوله : « لكن بقي في كلامهم » إلى آخره.

والآخر يرد على المصنّف وهو أنّه إذا كان المراد من الوهم في كلامهم أيضا هو الظن ، فلا يخلو إمّا أن يكون المراد من الظنّين معنى واحدا ، أو يكون لكلّ منهما معنى غير معنى الآخر كما ذكره الشارح ، فإن كان المراد هو الأوّل مع أنّه لا يصح يرد أنّه لا وجه لنسبة المصنّف القول بعدم وجوب القضاء حينئذ إليهم مع أنّهم حكموا تارة بوجوبه فما علّة الترجيح؟

وإن كان المراد هو الثاني يرد : أنّه يكون حينئذ للقول المذكور فردان لكلّ منهما حكم مخالف للآخر ، فلا وجه لجمعهما وجعل حكمهما واحدا وهو عدم القضاء ، إلّا أن يقال : إنّه ليس جمعا بين الفردين ، بل ذكر أحدهما وذكر الظن لتفسير الوهم ؛ مع أنّ اختلاف


الفردين في الحكم عند غير الشيخ والفاضلان ( كذا ) أمّا عندهم فلا اختلاف في حكمهما لعدم وجوب القضاء عندهما في شي‌ء منهما ، وظنّي أن إبقاء الوهم في كلامهم على معناه وتوجيه ما يرد عليهم : بأنّ عدم ذكرهم وجوب الكفّارة لا يوجب حكمهم بعدم وجوبها ، أولى ممّا ذكر ، وعليك بالتتبع والتدبّر في كلماتهم وعباراتهم ، فإنّه يظهر للمتتبّع ما لا يظهر لغيره.

قوله : وراجحه الظن.

أي : راجح الاعتقاد حتّى يكون من باب ( جرد قطيفة ) أو راجح الوهم أي : راجح هذا المرجوح.

قوله : عباراتهم.

أي : عبارات القوم ، لا عبارة الشيخ والفاضلان. وكذا قوله : « في نقل كلامهم » أي : كلام القوم ، وتفسيرهم بالظلمة الموهمة ، وذلك لأنّ في كلام الشيخ والفاضلان لم يقع هذا التفصيل بل حكموا بعدم وجوب القضاء مطلقا ، نعم وقع ذلك في عبارات غيرهم ( وإن يصحّ [ في ] قول الشيخ والفاضلان أنّ عباراتهم أيضا هي الظلمة الموهمة ) (١).

قوله : لأنّه أحد معانيه لغة.

قد نصّ في الصحاح والقاموس على أنّ توهمت بمعنى : ظننت. وأيضا قد نصّ جمهور اللغويين على أنّ الوهم ما يقع في الخلد. ومنه يقال : ذهب إليه وهمي ، وهو يشمل الظن.

قوله : الفرق بين مسألتين.

لا يخفى ما في العبارة من المسامحة والمساهلة ؛ فإنّ المسئول عنه هاهنا هو الفرق بين موضوعي المسألتين كما يشير إليه قوله : « إلّا أن يفرق بين مراتب الظن » لا بين المسألتين ، لحصول الفرق بينهما باختلاف محموليهما. فتأمّل.

قوله : حيث حكموا.

أي : وحكموا بالافساد مع الوهم. وبما ذكرنا في معنى قول الشارح : « وعباراتهم وقعت » يندفع ما يتوهّم هنا من أنّ الشيخ والفاضلين لم يفرقا بين المسألتين ، بل حكموا فيهما بعدم القضاء.

__________________

(١) العبارة الواقعة بين ( ) سقيمة ظاهرا.


ووجه الدفع : أن المراد : فرق القوم ، لا الشيخ والفاضلان ، وهما لم يفرّقا.

قوله : وبهذا المعنى صرّح بعضهم.

أي : بالفرق بين مراتب الظن أو بإرادة المرتبة الضعيفة من الوهم ، والقوية من الظن.

قوله : وفي بعض تحقيقات المصنّف.

هذا إشارة إلى فرق آخر بين الوهم والظن ، مع إرادة الظن من الوهم.

قوله : وهو مع غرابته.

أي : غرابته بحسب اللغة والاصطلاح ؛ فإنّه لم يقل أحد بذلك ، ولا شاهد له من عقل أو نقل. وقد يدفع الغرابة : بأنّه ليس إلّا الحمل على اختلاف مراتب الظن ، فإنّ ما حصل من أمارة شرعية ظنّ قوي شرعا ، وما حصل من غيرها ضعيف.

ولا يخفى ما فيه ، فانّ قوّة الظن وضعفه لا دخل له بكون الأمارة شرعية أو غير شرعية ، وإن كان له دخل في الاعتبار وعدمه ، ولكن الاعتبار وعدمه غير قوّة الظن وضعفه.

قوله : لا يفرّق فيه بين الأسباب.

فيه منع ظاهر.

قوله : وأنّ الصواب العطف بعد سواء إلى آخره

يمكن أن يجاب عنه : بأنّه قد صرّح جمع من النحاة بأنّ « همزة » التسوية يجوز حذفها ، وقد حكي عن بعض القراء أنّه قرأ : سواء عليهم أنذرتهم بهمزة واحدة. (١) وأنّها إذا حذفت جاز الإتيان بـ « أو ».

قال نجم الأئمة :

ويجوز بعد سواء ، ولا أبالي أن نأتي بـ « أو » مجردا عن الهمزة نحو : سواء عليّ قمت أو قعدت ، ولا أبالي قمت أو قعدت بتقدير حرف الشرط. ثمّ قال : وقال أبو علي : لا يجوز « أو » بعد سواء مثل : سواء عليّ قمت أو قعدت. قال : لأنّه يكون المعنى سواء عليّ أحدهما ولا يجوز ذلك.

ويرد عليه : أنّ معنى « أم » أيضا : أحد الشيئين أو الأشياء. فيكون معنى سواء عليّ أقمت أم قعدت : سواء علي أيّهما فعلت. أي الذي فعلت من الأمرين لتجرد أي عن معنى

__________________

(١) البقرة : ٦.


الاستفهام. وهذا أيضا ظاهر الفساد ، وإنّما لزمه ذلك في « أو » وفي « أم » ؛ لأنّه جعل « سواء » خبرا مقدّما ما بعده مبتدأ والوجه كما ذكرنا أن يكون « سواء » خبر مبتدأ محذوف ساد مسدّ جواب الشرط. (١)

قوله : همزة التسوية.

هي الهمزة الداخلة على جملة صحّ حلول المصدر محلّها كما يصحّ أن يقال : ( سواء عليهم الانذار وعدمه ) ، ( وسواء علينا جزعنا وصبرنا ) ، ( سواء عليهم دعوتكم وصمتكم ).

قوله : إلى حلقه.

يفهم منه أنّه لو رجع شي‌ء منه إلى المعدة قبل الوصول إلى الحلق لا توجب الكفّارة وهو كذلك بل لو رجع الجميع قبل الوصول إليه ، لا يوجب القضاء أيضا.

قوله : ويشكل إلى آخره.

لا يخفى أنّ الشارح قد بيّن الإشكال بالترديد بين القادر على المراعاة وغير القادر. ويمكن بيانه بتقدير آخر أيضا : بأن يردّد بين إفادة قول المخبر الظن وعدم افادته له ، وإن كان مآل التقريرين واحدا بأن يقال : إن قول المخبر إمّا لا يفيد الظن أو يفيده ، فعلى الأوّل تجب الكفّارة أيضا قطعا مطلقا سواء كان المفطر قادرا على المراعاة أو لا. وعلى الثاني فإن لم يكن قادرا على المراعاة لا يجب القضاء أيضا ، وإلّا فكالأوّل. ثمّ لا يخفى أنّ الاشكال الذي ذكره الشارح إنّما هو على أصل الحكم ، ويرد إشكال آخر على ذكر المصنّف هذا الحكم بعد قوله : « أو تناول المفطر » إلى آخره وهو : أن المراد بالإخبار بدخول الليل ليس مطلق الاخبار ، وإن لم يحصل منه الظن أصلا ؛ لأنّه لا يقول أحد بعدم وجوب الكفّارة حينئذ ، بل المراد به ما يحصل منه الظن بالمخبر عنه ، وحينئذ فإن كان المراد بالافطار : الافطار بعد المراعاة أو مع إمكان المراعاة ينافي مفهوم قوله : « أو تناول من دون مراعاة ممكنة » كما لا يخفى. وإن كان المراد حينئذ : الإفطار مع الظن الحاصل من الاخبار من دون مراعاة ممكنة ، فيكون فردا ممّا دلّ عليه قوله : « أو تناول من دون مراعاة

__________________

(١) شرح الرضى في بحث « أم ». ج ٢ / ٣٧٦ طبع دار الكتب العلمية.


ممكنة فأخطأ ». فلا وجه لإفراده بالذكر هنا ثانيا ، وكثير من الأصحاب الذين أفردوا ذكر حكم من أفطر للإخبار لم يذكروا حكم من أفطر تعويلا على الظن على سبيل العموم ، وإنّما ذكروا حكم من أفطر للظلمة الموهمة خاصّة.

هذا ، ويمكن أن يقال في وجه إفراده بالذكر هنا : أنّ الظن الحاصل من الاخبار لما كان كثيرا ما من أقوى الظنون شرعا كما إذا حصل من إخبار العدل والعدلين وهو حجّة شرعيّة فيمكن توهّم عدم وجوب القضاء فيه ، ومع ذلك نفى بعضهم أيضا وجوب القضاء عمّن أفطر تعويلا على إخبار العدلين من دون مراعاة ممكنة وإن أثبته في غيره من الظنون. ومنهم المحقّق الثاني حيث حكم بأنّه لو شهد بالغروب عدلان ، ثمّ بان كذبهما ، فلا شي‌ء على المفطر وإن كان ممّن لا يجوز له التقليد ، فكان التصريح بحكمه وعدم الاكتفاء باندراجه تحت العام أولى وأدخل في دفع التوهّم.

قوله : إن كان ممّن يسوغ تقليده له.

أي : يتعبّد بقوله وإخباره شرعا كالعدل والعدلين. ولو كان الشارح يقول مكان قوله هذا قولنا : ممّن يفيد إخباره الظنّ له كان أولى ، لعدم وجوب القضاء على من لم يتمكّن من المراعاة بالافطار تعويلا على إخبار كلّ من يفيد إخباره الظن ، وإن لم يتعبد بقوله شرعا ؛ لأنّه متعبّد بظنّه كما نبّه عليه الشارح بقوله سابقا : « واحترز بالمراعاة الممكنة » إلى آخره

ويمكن توجيه بأن يقال : إنّ المراد ممّن يسوغ تقليده له : أنّه كلّ من يفيد إخباره الظن ؛ فإنّه حينئذ يسوغ تقليده له.

قوله : حال من الأمرين.

أي : حال مقدّرة فإنّ ظهوره بعد الأمرين. ويجوز جعله معطوفا عليهما وعلى مقدّر نحو : فأخطأ.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان المخبر ممّن يسوغ للمخبر تقليده أولا. أو سواء كان المخبر بعدم الطلوع حجّه شرعية أو لا. ولا يمكن أن يكون له تعميما للقادر على المراعاة وغير القادر ؛ لأنّ أحد جزئي الحكم ـ وهو وجوب القضاء ـ لا يجري في غير القادر وإن جرى فيه جزؤه الآخر ، وهو عدم وجوب الكفّارة.


قوله : لاستناده.

الضمير راجع إلى التناول. وهذا علّة لأحد جزئي الحكم ـ وهو عدم وجوب الكفّارة ـ ولم يذكر علّة الجزء الآخر ؛ لوضوحها وتقدّمها وعدم كون المطلوب ذكرها هنا كما لا يخفى.

قوله : فرق في الثاني.

لا وجه لتقييد الفرق بقوله : « في الثاني » ؛ إذ فرّق بعضهم في الأوّل بينهما أيضا ، كما صرّح به صاحب المدارك وغيره. إلّا أن يقال : إنّه لم ينقل إلى الشارح القول بالفرق في الأوّل.

قوله : وإلّا.

أي : إن ظهرت الموافقة.

قوله : جاهلا بجواز التعويل.

قيل : الأولى أن يقول : جاهلا بعدم جواز التعويل.

أقول : يمكن أن يقال : إنّ الجهل بأحد الطرفين يستلزم الجهل بالطرف الآخر أيضا ؛ فإنّه لو علم جواز التعويل ـ مثلا ـ لا يقال : إنّه جاهل بعدم جواز التعويل وإذا كان كذلك فذكر كل منهما يغني عن ذكر الآخر ، ولا مرجّح لتخصيص الذكر بأحدهما.

هذا ، وأمّا حكم من علم جواز التعويل ، وإن لم يكن مطابقا للواقع ، فيعلم بالأولويّة. ويمكن أن يقال أيضا : الجهل بجواز التعويل شاملا له أيضا بناء على أنّ العلم يرادف اليقين ، فيشترط فيه المطابقة للواقع. وعلى هذا يظهر مرجّح لاختيار قوله : « جواز التعويل » على عدم جوازه ؛ فإنّه لا يصحّ حينئذ أن يقول « جاهلا بعدم جواز التعويل » فإنّه ليس غير مطابق للواقع ، وإرادة عدم الاعتقاد الجازم منه يوجب عدم ظهور حكم العالم بجواز التعويل.

قوله : بقرينة قوله : أو غلام.

أقول : لا يخفى أنّ قوله : « أو غلام » إنّما يصير قرينة على أنّ المراد بالمرأة المحرّمة لو ثبت من دليل خارجي كالاجماع أو غيره أنّ حكم المحرّم مطلقا يغاير حكم غير المحرّم ،


فيظهر حينئذ من عطف « الغلام » على المرأة أنّ المراد بها : المحرّمة ، وإلّا لزم اشتراك المحلّلة مع المحرّمة في الحكم ، وهو خلاف المفروض.

وهذا ليس بثابت ، ولم يدّعه أحد بل ذهب بعضهم إلى عدم وجوب القضاء في شي‌ء من المحرّمة وغيره بل يظهر من إطلاق كلام بعضهم اشتراك المحلّلة مع المحرّمة في وجوب القضاء ، فجعل العطف قرينة على التعيين لا وجه له.

ولو قيل بانعقاد الإجماع على عدم وجوب القضاء في المحلّلة مع كونه ممّا لم يثبت لا يفيد ، لأنّ القرينة حينئذ يكون هو الإجماع ، دون العطف. وكذا لو قيل : إن النهي الموجب للفساد إنّما هو في المحرّمة دون المحلّلة ؛ فإنّ القرينة حينئذ يكون ذلك ، لا العطف.

قوله : مع الاعتياد.

يمكن أن يقال : إنّ النظر مع الاعتياد لا ينفكّ عن القصد ؛ فإنّه كيف يتصوّر أنّ أحدا يتعمّد النظر ويعلم أنّ من عادته الامناء عقيب النظر ، ومع ذلك لم يقصده ، فإنّ القصد إلى الإمناء ليس شيئا وراء فعل ما يعلم أنّه موجب للإمناء عادة عمدا ، وإمكان التخلّف عقلا لا يفيد في المسائل الشرعيّة.

قوله : فأقلّ مراتبه.

أي : مراتب النهي.

وفيه منع ظاهر ؛ فإنّ اقل مراتبه التحريم دون الفساد ، كيف ، مع أنّ النهي تعلّق بأمر خارج من العبادة ، وهو لا يوجب الفساد أصلا ، ولو أوجب ذلك الفساد لفسد بالنظر من غير توقّف على الإمناء ؛ إذ المحرّم هو النظر دون الامناء حيث وقع بلا قصد ولا اعتياد.

قوله : لأنّه.

أي : التحريم أعمّ من الافساد.

قوله : كالتناول.

لا يخفى أنّ المثال بالتناول والجماع ليس بمناسب ؛ لأنّ الإمساك عنهما وعن نظائرهما هو معنى الصوم ، فإذا لم يتحقّق لم يتحقّق الصوم من غير حاجة إلى النص.


قوله : بالعود.

أي : العود إلى الإيلاج بعد نزع كلّ ثلاثة (١).

قوله : وإن اتحد الجنس أيضا.

أي : كما أنّ الكفّارة تتكرّر مع تخلل التكفير وإن اتحد الجنس.

قوله : والوقت.

أي : اليوم ، أو الوقت فيه عرفا.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان وطئا ، أو غيره ، تغاير الجنس أو اتحد ، تخلّل التكفير أم لا ، اختلف الايام أم لا.

قوله : لتعدّد المسبب إلّا ما نصّ فيه.

أي : إلّا السبب الذي نصّ فيه على تداخل مسبّبه مع مسبب سبب آخر. أو إلّا المسبّب الذي نصّ فيه على تداخله مع مسبب آخر ، أو إلّا تعدّد السبب الذي نصّ في ذلك التعدّد على تداخل المسبّبات. والأخير بعيد.

قوله : وهو منفي هنا.

لا يخفى أنّه لو كان النص على التداخل فيما نحن فيه موجودا لم يوجب عدم التكرّر مطلقا ، بل يلزم التكرّر أيضا مع تخلّل التكفير ، لأنّ التداخل إنّما يتصوّر في صورة تأخّر المسبّب عن جميع الاسباب التي يتداخل مسبّباتها ، فلو تقدّم على بعضها لا يمكن أن يكون مسببا لها أيضا. فمراد الشارح : أنّ التكرّر المطلق متّجه ؛ لانتفاء النص على التداخل ، لا أنّه لو وجد لكان عدم التكرّر المطلق متّجها ، وإن اتّجه عدم التكرّر في بعض الصور.

قوله : ولو لوحظ زوال الصوم بفساده.

يدلّ كلام الشارح على أنّ السبب الأوّل سبب للفساد ، والفساد سبب للزوال ، مع أنّ زوال الصوم ليس أمرا مغايرا لفساده بل كلّ منهما عين الآخر.

__________________

(١) كذا والظاهر انها تصحيف « الآلة »


وتوجيهه أن يقال : إن فساد الصوم وزواله وإن كانا متحدين في الخارج ونفس الأمر ، إلّا أن الحكم بالزوال إنّما هو بواسطة الحكم بالفساد ، فإنّ ما يدلّ عليه الأخبار هو أنّ السبب الأوّل مفسد للصوم ، لا أنّه مزيل له ، وبعد الحكم بفساده يحكم العقل بزواله أيضا ، لأنّ الفاسد ليس صوما.

قوله : لزم عدم تكرّرها.

إذ لا افساد بالثاني. ثمّ لا يخفى أنّه لا بدّ في لزوم عدم التكرّر من ضمّ مقدّمة اخرى وهي أن يكون تأثير السبب لأجل الصيام ، لا لأجل وقوعه في نهار شهر رمضان على من يجب عليه الصيام ، وكانّه تركها اتكالا على الوضوح.

قوله : وله وجه.

أي : لعدم التكرّر مطلقا ، أو لملاحظة زوال الصوم بفساده بالسبب الأوّل.

قوله : والواسطة.

أي : الواسطة التي ذكرها المصنّف ، وهي الواسطة بين الإثبات المطلق وهو تكرّرها مطلقا ، والنفي المطلق وهو عدم تكرّرها في اليوم الواحد مطلقا.

قوله : على الواطئ.

لا يخفى أنّ الصواب الموطوءة أو الوطء بدل الواطئ. ويمكن التوجيه بتكلّف.

قوله : كإكراه الأمة.

إضافة الإكراه إلى الأمة والأجنبية إضافة إلى المفعول ، وإلى الأجنبي إضافة إلى الفاعل ، والضمير في قوله : « لهما » راجع إلى الزوج والزوجة. وفي قوله : « له » الى الزوج وقوله : « ولا يتحمّل » بصيغة المجهول والمعنى : أنّه ليس يتحمّل في غير ما ذكر كإكراه الرجل لأمته أو لأجنبية ، فلا يتحمل الرجل كفّارتهما ، وكإكراه الأجنبي للرجل والمرأة على الجماع ، فلا يتحمّل الأجنبي عنهما أو عن أحدهما ، وكإكراه الزوجة للزوج فلا تتحمّل عنه.

وقيل : إنّ الضمير في « لهما » راجع إلى الأجنبية والأجنبي ، وإضافة الاكراه إلى الأمة إضافة إلى المفعول وإلى الاجنبية والأجنبي إضافة إلى الفاعل والمعنى : أنّه ليس يتحمّل


في غير ما ذكر كإكراه السيّد للامة وإكراه الأجنبية والأجنبي للاجنبيّة والأجنبي بأن يكون إكراه الأجنبية للاجنبي وإكراه الأجنبي للأجنبية فلا تتحمّل المرأة في الأوّل والرجل في الثاني.

وذلك بعيد مع أنّه غير ملائم لمرجع الضمير في قوله : « له ».

وقيل : إنّ الضمير في « لهما » راجع إلى الأجنبية والأجنبي ، وإضافة الاكراه إلى الأجنبي فقط إضافة إلى الفاعل حتّى يكون بيانا لحكم الواطئ للغلام أيضا.

وفيه مع ما مر : أنّه يستلزم تكرار حكم إكراه الأجنبي للأجنبيّة.

قوله : فقد لا تثبت إلى آخره

توضيحه : أنّ [ تشريع ] الكفّارة إنّما هو لأجل تخفيف الذنب ، وقد يبلغ الذنب في الشدّة مبلغا لا يؤثّر الكفّارة في تخفيفه ، بل وقد لا يرضى الشارع بتخفيفه لغلظته وشدّته ، بل هو ممّا ينتقم الله منه كتكرار الصيد في إحرام الحج ؛ فإنّه لو تكرّر الصيد خطأ تتكرّر الكفّارة ، بخلاف ما لو تكرّر عمدا ؛ فإنّه لا يتكرّر مع كونه أفحش ، بل ينتقم الله منه ، كما قال سبحانه : ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) ـ إلى قوله : ـ ( وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ ) (١)

قوله : في حالة واحدة.

أي : في صورة واحدة كالوطء الواحد. وقوله : « ابتداء واستدامة » ليس فيه لفّ ونشر لا مرتبا ولا غير مرتّب ، بل بيان لكيفيّة الاجتماع والمراد : أنّ كيفيّة الاجتماع أن يكون أحدهما ابتداء سواء كان الاكراه أو المطاوعة والآخر استدامة.

فالأوّل كما إذا اكره على الدخول ، ثمّ أمكن له النزع ، ولم ينزع ، والثاني كما إذا طاوعته في الدخول ولم يمكن لها النزع بعده وإن أرادت وحكمه على الأوّل : أنّه يتحمّل عنها الزوج الكفّارة والتعزير للإدخال لأجل الاكراه ويكفّر ويعزر لنفسه أيضا ، وليس عليها للدخول شي‌ء ولكنّها لمّا أمكن لها النزع ولم تنزع تكفّر لنفسها أيضا ؛ لأجل الاستدامة ولكنّ الزوج لا يكفّر ثانيا مطلقا ، لكون الفعل وطئا واحدا.

__________________

(١) المائدة : ٩٥.


وعلى الثاني : لا يتحمّل الزوج للإدخال لأجل المطاوعة وتكفّر المرأة لنفسها ، والرجل لنفسه. وأمّا للاستدامة فلا شي‌ء لأجلها على الزوجة أصلا للإكراه. وأمّا على الزوج فعلى القول بعدم تكرر الكفّارة بتكرّر الفعل مطلقا لا كفّارة عليه عنها أيضا. وعلى القول بتكرّرها مطلقا أو مع تكرّر الوطء يحتمل عدم لزوم كفارة اخرى عليه عنها ؛ لاتّحاد السبب ، وتكفيره أولا.

ويحتمل لزومها عليه عنها لصدق إكراهه لها على الوطء وهذا هو المراد من قوله :« فيلزمه حكمه ويلزمها حكمها » أي يلزم الإكراه حكم الاكراه والمطاوعة حكم المطاوعة.

القول في شروطه

قوله : أي : شروط وجوب الصوم.

الفرق بينهما هنا عموم وخصوص من وجه ، فإن التكليف شرط الوجوب ، وليس شرط الصحّة على القول بكون عبادات الصبي شرعيّة والنيّة من شروط الصحّة على القول بكونها شرطا وليس من شرط الوجوب ، والخلوّ من الحيض شرط لهما.

قوله : فبحكم العاقل في الوجوب.

يعنى : أنّه يعاقب على تركه ويجب عليه قضاؤه وإن لم يصح منه إذا صام سكران.

قوله : والسفر.

لا يخفى أنّ الخلوّ من السفر ليس شرطا للوجوب المطلق عند المصنّف لقوله بأنّه يصحّ في النذر المقيّد بالسفر ، بل يكون على هذا شرطا لوجوب بعض أفراد الصيام.

قوله : ونحوهما.

كمن يمرّ بوطنه في أثناء السفر ، أو من لا مقصد له.

قوله : ففي معنى المقيم.

يعني : أنّه يمكن إدخال انتفاء نحو ذلك في مفهوم السفر ؛ إذ لا يطلق عليهم المسافر في عرف الشرع ، بخلاف نحو الأوّلين ، لإطلاقه عليهما ، فالمصنّف إنّما أعرض عن التنصيص على الثاني ؛ لدخوله في مفهومه ، وعلى الأوّل ؛ لظهوره وتبادر الذهن إليه ، لما مرّ في الصلاة.


ويزيد في ظهور المراد أن يجعل « اللام » في الثلاثة للعهد وإشارة الى ما تقدّم في كتاب الصلاة.

قوله : ويعلم منه أنّ صوم المميّز صحيح.

معلوميّة ذلك إنّما هي مع ضمّ ضميمة وهي أصالة عدم اشتراط التكليف في الصحّة ، أو أنّه لو كان التكليف شرطا للصحّة لكان ذكره كما ذكره في شروط الوجوب ، أو أنّ طريقة الفقهاء أنّهم يذكرون الشرائط وما لا يذكرونه فليس شرطا وانما قلنا ان معلومية ذلك مع احدى هذه المقدمات لان مجرد اشتراط الصحة بالتمييز لا يدلّ على عدم الاشتراط بشي‌ء آخر كما أنه يشترط فيه الخلوّ عن الحيض والنفاس أيضا.

قوله : فيكون شرعيا

أى مطلوبا وجوبا أو ندبا ، أو منسوبا إليه بأن امر به وجوبا أو ندبا.

والحاصل : أنّه يكون متعلّقا للحكم الشرعي. ووجه التفريع : أنّ الصحّة في العبادات هي موافقة الفعل للمأمور به ، فإذا كان صحيحا يكون مأمورا به ، والمأمور به إمّا واجب أو مندوب.

قوله : ويمكن الفرق إلى آخره

أي : بين الصحّة والشرعية : بأنّ الصحّة ليست من الأحكام الشرعية بل من الأحكام الوضعية ، ولا يلزم في الأحكام الوضعية كونها تكليفية أي : واجبة أو مندوبة فلا يقتضي الشرعية ، وإن فسّرت بموافقة أمر الشارع ؛ لجواز التعميم في الأمر بشموله للامر التكليفي والتمريني ، أو للأمر بلا واسطة أو بواسطة الولي ، أو فسرت بمسقط للقضاء بمعنى : أنّه لا يثبت بعده قضاء أو أنّه بحيث لو كان له قضاء لأسقطه.

قوله : والأولى كونه تمرينيا إلى آخره

إذ لا يفهم من الشرعي ، إلّا أن يكون الشارع كلّف به ، وهاهنا ليس كذلك.

قوله : ويمكن معه إلى آخره.

أي : مع كونه تمرينيّا ، لا شرعيّا. وقوله : « كما ذكرناه » إشارة إلى ما ذكره من أنّ الصحّة من أحكام الوضع فلا تقتضي الشرعية.


قوله : حيث نفى الأمرين.

أي : الصحّة والشرعيّة.

قوله : وأمّا المجنون فينتفيان في حقّه.

أي : الصحّة والشرعيّة. أمّا الشرعية فانتفاؤها ظاهر. وأمّا انتفاء الصحّة فإلى دليله أشار بقوله : « لانتفاء التمييز والتمرين فرعه » يعني : أنّ الصحّة لا تتحقّق إلّا في ضمن التمرينيّة أو الشرعيّة ، وانتفاء الثانية ظاهر هنا ، فلو كان صومه صحيحا لكان تمرينيّا وهو أيضا منتف لتوقّف التمرين على التمييز ، وهو منتف وإنما قلنا بأنّ فاعل قوله « ينتفيان » الصحّة والشرعية دون التمرينيّة والشرعية ، أو التمرينيّة والصحّة كما هو الظاهر من تعليله لانتفائهما في حقّه بقوله : « لانتفاء التمييز والتمرين فرعه » ؛ لأنّ الظاهر أنّ فاعل « ينتفيان » هو الأمران المذكوران بقوله : « نفى الأمرين » وظاهر أنّ الأمرين اللذين نفاهما بعضهم في حقّ الصبي هو الصحّة والشرعية ، إذ لم يقل بنفي التمرينية في حق الصبي ، إلّا من قال بثبوت الشرعية.

قوله : يعتبر فيها.

أي : في الصحّة وفي بعض النسخ : « فيهما » أي : في الحيض والنفاس اللذين يعتبر الخلوّ عنهما.

والضمير في « بعده » راجع إلى « الخلو » أو إلى كلّ واحد من الحيض والنفاس.

قوله : فكان عليه إلى آخره.

اعلم أنّ كلا من الحيض والنفاس يطلق تارة على نفس الدم ، وتارة على الحالة الحادثة من خروج الدم المزيلة ( المزالة ظ ) بالغسل. وعلى هذا فيمكن توجيه كلام المصنّف : بأنّ مراده منهما في شرط الوجوب : هو الأوّل ومراده من الضمير الراجع إليهما في شرط الصحّة في قوله : « والخلو منهما » هو الثاني ، حتّى يكون من باب الاستخدام.

قوله : أن يذكره.

أي : يذكر اعتبار الغسل بعده فيهما.

قوله : إذ الخلوّ منهما لا يقتضيه.


أي : لا يقتضي الغسل ، أو اعتباره. والضمير المجرور في قوله : « فيه » راجع إلى « شرط الوجوب » يعني : أنّ المراد بالحيض والنفاس المذكورين في شرط الوجوب ، نفس الدم ، دون الحدث الباقي قبل الغسل لوجوب الصوم على المنقطعة الدم التي لم تغتسل بعد.

والحاصل : أنّ قوله : « كما لا يقتضيه » إلى آخره دفع لما يمكن أن يقال من : أنّ الحيض والنفاس كما يطلقان على الدمين ، يطلقان على الحدثين الباقيين إلى الاغتسال ، فلم لا يجوز أن يراد أيّهما ليدلّ على الاشتراط بالاغتسال أيضا.

وحاصل الدفع : أنّه لا يجوز أن يراد أيّهما فإنّهما مذكوران في شرط الوجوب وشرطه إنّما هو الخلو عن الدمين ؛ لا الطهارة بالغسل.

ويمكن ردّه : بارتكاب الاستخدام في الكلام كما مر.

قوله : من الغسل النهاري.

توضيح المقام : أنّ اشتراط صحّة صوم المستحاضة بالغسل إنما يتصوّر على أقسام :

الأوّل : أن يكون الاشتراط مختصّا بالغسل النهاري بالنسبة إلى اليوم الحاضر أي : يكون الغسل النهاري لكل يوم شرطا في صحّة صوم هذا اليوم حتّى لو تركت الأغسال النهارية التي قبل هذا اليوم والليلية مطلقا أي : غسل الليلة الماضية والمستقبلة لم يضر بصومها في هذا اليوم.

الثاني : أن يكون مطلق الغسل سواء كان نهاريّا ، أو ليليّا شرطا في صحة صومها ، لكن بالنسبة إلى اليوم المستقبل ـ أي : اليوم المتأخّر عن الغسل ـ حتّى لو فعلت الأغسال النهارية والليلية ليوم صحّ صوم اليوم المتأخّر عن هذا اليوم ، وإن تركت الأغسال النهارية والليلية لهذا اليوم الحاضر ، ولو تركت الأغسال النهارية أو الليلية من اليوم السابق بطل صومها في هذا اليوم ، وإن فعلت أغساله النهارية والليلية.

الثالث : أن يكون مطلق الغسل شرطا في صحّة صومها بالنسبة إلى اليوم المطلق أي : الحاضر والمستقبل بمعنى : أن يكون صحّة صوم كلّ يوم مشروطا بالإتيان بالأغسال النهارية والليلية لهذا اليوم ولسابقه ، حتّى لو تركت في يوم غسله نهاريا أو ليليّا ، أو تركت غسل يوم سابقه نهاريا أو ليليّا بطل صوم هذا اليوم.


الرابع : أن يكون غسل كلّ يوم مطلقا نهاريا وليليّا شرطا في صحّة صوم هذا اليوم الحاضر ، دون المستقبل حتّى لو فعلت الأغسال النهارية والليلية ليوم صحّ صوم هذا اليوم ، وإن تركت الأغسال النهارية والليلية لسابقه.

الخامس : أن يكون الأغسال النهارية والليلية لليوم الماضي ، والنهارية لليوم الحاضر ، شرطا في صحّة اليوم الحاضر حتّى لو فعلت أغسال اليوم السابق مطلقا والأغسال النهارية لليوم الحاضر صحّ صومها ، وإلّا فلا. ويتصوّر هنا أقسام اخر ، ولكن لا شك في أنها ليست محطّا للخلاف ، ولا مدخليّة لها في تغير الحكم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ كلام المصنّف لمّا كان مطلقا محتملا لكلّ قسم من هذه الأقسام فبينها الشارح على سبيل الاحتمال. فقوله : « من الغسل النهاري وإن كان واحدا بالنسبة إلى الصوم الحاضر » إشارة إلى القسم الأول. وقوله : « أو مطلق الغسل بالنسبة إلى المقبل » إشارة إلى الثاني. وقوله : « ويمكن » إلى آخره إشارة إلى الثالث.

وأمّا القسمان الأخيران فلم يذكرهما الشارح مع أنّهما محتملان ويمكن إدراج الخامس في قوله : « أو مطلق الغسل بالنسبة إلى المقبل » أيضا ، فإنّه لو اشترط مطلق الغسل في صحّة صوم المقبل يمكن أن يقال ببطلان صوم اليوم الذي تركت غسلا من أغساله النهارية ؛ إذ بترك غسل الصبح يبطل صوم الجزء المقبل من هذا اليوم ، فيبطل صومه ، وكذا لو ترك غسل الظهر ، ويبطل صوم الجزء الواقع بعد ضيق وقت الغسل من هذا اليوم ؛ لكونه مقبلا بالنسبة إلى هذا الغسل.

وأمّا قوله : « وإن كان واحدا » يمكن أن يكون لإدخال الاستحاضة المتوسطة بناء على القول بالتثليث ، وأن يكون بيانا لحكم اليوم الذي حصلت الاستحاضة بعد صلاة الصبح ، وانقطعت بعدها حيث لا يجب في هذا النهار إلّا غسلا واحدا.

قوله : نظرا إلى إطلاق النص.

هو صحيح عليّ بن مهزيار قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت ، فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟


فكتب عليه‌السلام : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك ». (١) فإنّه اعم من أن تترك جميع ما عليها من الأغسال وأن تترك بعضها أيّ بعض كان.

قوله : والأوّل أجود.

أي : اشتراط صحّة صوم اليوم الحاضر بالأغسال النهارية بهذا اليوم. وقوله : « لأنّ العشاءين » إلى قوله : « نعم هو شرط » بيان لكونه أجود من القول الثالث. وقوله : « ويدخل في غسل الصبح » بيان لكونه أجود من الثاني ، وتأخيره لاقتضاء نسق التعبير وانتظام العبارة مع الاختصار لذلك.

وتوضيح تعليله للأجوديّة : أنّ الاحتمال الثالث يقتضي اشتراط صحّة صوم كلّ يوم بغسل الليلة المستقبلة ، وهو لا يجب إلّا بعد انقضاء اليوم ، فلا معنى لكونه شرطا في صحّته. نعم يمكن القول باشتراط صحّة صوم اليوم الآتي بغسل الليلة الماضية كما هو مقتضى الاحتمال الثاني ، ولكن تركها أيضا لا يوجب بطلان صوم اليوم الآتي كما يوجبه هذا الاحتمال ، لأنّ الأغسال تتداخل. فإذا تركت غسل ليلة يدخل في غسل الصبح ، فيصحّ صوم هذا اليوم ، وإن تركت غسل الليلة الماضية فتكون الأغسال النهارية لكلّ يوم كافية في صحّة صوم هذا اليوم كما هو مقتضى الاحتمال الأوّل ، فهو الأجود.

قوله : فلا يكون شرطا في صحّته.

أي : صحّة صومه ؛ لعدم عهد شرط متأخّر عن المشروط لا يحصل [ الا ] بعد انقضائه.

قوله : في دم المتعة.

الأولى أن يقول : في بدل دم المتعة والبدنة حتّى يكون البدل مضافا إلى كليهما ، فإنّ الصوم بدل عن دم المتعة إذا تركها المتمتّع أي : عن الهدي. والتقييد بالمتعة ؛ لاختصاص هذا الحكم بالمتمتّع دون المفرد والقارن.

وقوله : « بالنسبة إلى الثلاثة » بيان لأنّ الصوم الذي يجب في دم المتعة لا يصحّ جميعه من المسافر ؛ فإنّه عشرة أيّام يجب صوم ثلاثة منها في أيّام الحج وإن كان مسافرا ، وسبعة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤٩.


اخرى بعد الرجوع إلى الوطن كما قال الله سبحانه : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ) (١).

قوله : عامدا.

فإنّه يجب عليه نحر بدنة ، فإذا لم يقدر عليها يجب عليه صيام ثمانية عشر يوما بدلها.

قوله : وإن كان النذر في حال السفر.

لمّا كان دلالة النذر في حال السفر وإن كان مطلقا على قصد الإتيان بالمنذور فى السفر أيضا أظهر من دلالة إطلاقه في حال الحضر ، فيكون احتياجه في حال السفر إلى القيد لصحّة الصوم أخفى وأقل ، لتوهّم أن حال السفر يكفي قرينة على التقييد به ، فيكون كالتصريح به ، أظهره بقوله : « وإن كان النذر في حال السفر » أي : يصحّ النذر بشرط القيد ، وإن كان النذر في حال السفر.

ومن هذا يظهر أنّ تأخير قوله : « وإن كان » من قوله : « لا إذا أطلق » أولى وأنسب.

قوله : إلّا أنّه لا بدّ من تخصيصه به إلى آخره

يعنى : أنّ الإطلاق وإن كان يتناول السفر أيضا ، إلّا أنّه لا يكفي في صحّة الصوم في السفر ، بل لا بدّ من تخصيص السفر بالقصد حين النذر إمّا منفردا أو منضمّا مع الحضر.

قوله : لذلك.

علّة للاكتفاء أي : اكتفى بالإطلاق ؛ لأجل تناول الإطلاق للسفر.

قوله : وعدم ما يصلح للتخصيص.

يظهر من قوله : « وعدم ما يصلح » أنّ المخصّص موجود ، لكنّه غير صالح للتخصيص ، وهو كذلك ، فإنّه ورد في الفقه الرضوي ما يدلّ عليه ، وهو قوله عليه‌السلام : « ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض ولا السنة ولا التطوع إلّا الصوم الذي ذكرناه في أوّل الباب من صوم كفّارة المحرم » (٢) إلى آخره.

وعدم صلاحيته للتخصيص ، لعدم ثبوته من الرضا عليه‌السلام. ومن هنا ظهر ضعف ما قيل : إنّه لا مخصّص أصلا.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) مستدرك الوسائل : ٧ / ٣٨١.


قوله : ولكن يشدّد.

المراد من التشديد : أنّه إنما يكون في الصبي ، دون الصبية ؛ لوجوبه عليها في التسع على المشهور.

قوله : لأنّ الغرض إلى آخره

بيانه : أنّ صوم الصبي وإن كان تمرينيا ، إلّا أنّه [ صورته ] لكون صورة العبادة لا بدّ فيه من الإتيان بجميع ما يتمّ به الصوم ومنه النيّة كما أنّ صلاته التمرينيّة لا تتمّ بدون الركوع والسجود ، فيكون إتيانه بالصوم التمريني موقوفا على النيّة ، ولا يتصور نيّة العبادة إلّا بالوجوب أو الندب ، فلا بدّ له من نيّة أحدهما ، ولما لم يكن صومه شرعيّا ولم يكن الغرض منه العقاب على الترك ، ولا الثواب على الفعل حتّى يتّصف بأحدهما ، بل كان تمرينيّا غير متصف بشي‌ء منهما تخيّر في النيّة بينهما ، لعدم دليل على تعيين أحدهما. وظهر من ذلك أنّ نيّته أيضا تمرينيّة أي : لاجل التمرين على النيّة فلا تنافي بين حكم الشارح بأنّه ينوي أحدهما ، وبين ما سبق من أنّ صومه ليس شرعيّا ، مع أنّ وجوبه أو ندبه يقتضي شرعيّته هذا.

ووجه أولويّة نيّة الندب : هو قوّة مشابهة صومه بالمندوب الشرعي حيث ينتفي العقاب علي الترك فيهما وليس لازما.

قوله : فيكفي فيه اشتباه الحال.

ويلزم منه أنّه لا يتّبع ظنّه فيه ؛ لأن اتباع الظن فيه أن يصوم مع ظنّ عدم الضرر ، ولا يصوم مع عدم هذا الظن وإن كان الحال مشتبها ، مع أنّه يصوم مع الاشتباه أيضا ، ووجوب الصوم مع ظنّ عدم الضرر لا يكفي في صدق عدم الاتباع.

قوله : والمرجع في الظن.

أي : الظنّ الذي يرجع إليه هو الظن الذي يجده المكلّف من نفسه ، ولو كان وجدانه له بالتجربة وغيرها. والعبارة لا تخلو عن شي‌ء.

قوله : في الضرر بين كونه.

الضرر يطلق تارة ويراد به المعنى المصدري أي : حصول ما يتضرّر به واخرى يراد به نفس ما يتضرّر به. والمراد به هنا : هو الأوّل ... زيادة المرض وغيرها علّة له.


وأمّا على المعنى الثاني فلا يصح ؛ لكون الزيادة وغيرها نفس الضرر حينئذ ، والمراد بزيادة المرض أعمّ من أن يكون في الكم بأن يحصل مرض آخر ، أو بالكيف : بأن يشتدّ المرض الأول.

هذا ، والظاهر أنّ عطف قوله : « وشدة الألم » على قوله : « زيادة المرض » من قبيل عطف الخاص على العام ؛ لأنّ زيادة المرض أعمّ من أن يكون لشدّة الألم كزيادة الصداع والرمد ، وأن يكون بدونها كزيادة الحمّى ومرض الاستسقاء. وعلى هذا فيكون المراد :نفي التفرقة بينهما وبين بطء البرء ، وقوله : « بحيث لا يتحمّل » قيد للعام والخاص معا. ولو أخّر هذا القيد عن بطء البرء أيضا لكان أولى ، إلّا أن يقال : إنّ البطء الذي لا يعتدّ به عرفا لا يسمى بطء شرعا ، ويبعد حصول الظن (١) به غالبا.

قوله : فلو تكلّفه مع ظن الضرر قضى.

وكذا لو لم يتكلّفه ، وإنّما لم يذكر الأخير ، واكتفى بالأول ؛ لظهور القضاء في الأخير ، ولأنّ الأوّل هو الفرد الأخفى ؛ لاحتمال أن يكون الإفطار رخصة لا عزيمة كما توهّمه بعض العامّة ، ولورود رواية بخلافه ظاهرا ، وهي رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل صام رمضان وهو مريض. قال : « يتمّ صومه ولا يعيد ».

قوله : ففيه ما مر.

أي : في بحث اشتراط نية الوجه في الوضوء وغيره حيث بيّن أنّه لا دليل على وجوب ما عدا القربة في النيّة. وأمّا المميّزات فيجب حين اشتراك الفعل ، ولا اشتراك في الوضوء حتّى في الوجوب والندب ؛ لانّه في وقت العبادة الواجبة المشروطة به لا يكون إلّا واجبا ، وبدونه ينتفي.

وبيانه هنا : إنّا نقول : إنّ نيّة الوجه إنّما هي لتميّز الفعل في أنّه واجب أو مندوب ، وهذا إنّما يحتاج إليه في صورة الاشتراك ، ولا اشتراك في الصوم ؛ لأنّ الزمان إمّا أن يجب فيه الصوم بالأصالة كشهر رمضان ، أو بالعارض كالنذر المعيّن أو لا. ففي الأوّل ليس إلّا واجبا ، وفي الثاني ليس إلّا مستحبّا ، فلا حاجة إلى قصد الوجه من وجوب أو ندب في يوم

__________________

(١) حصول الضرر. ظ.


واحد ؛ لعدم المشاركة. ولكن يمكن تصوّر الاشتراك في بعض أيّام غير شهر رمضان كما إذا كانت ذمّته مشغولة بصوم واجب من الواجبات الموسعة ، فكلّ يوم يريد صيامه يحتمل إرادة الصوم الواجب والمستحب ، فيصحّ الحكم بالاحتياج إلى نيّة الوجه ، ولكن هذا لا يمكن في شهر رمضان ، فلا يمكن وقوعه إلّا على وجه الوجوب ، ولهذا قال : « خصوصا في شهر رمضان ».

قوله : اغتفرت.

أي : اغتفرت المقارنة ، أو اغتفرت النية غير مقارنة لوجوب ذلك فيها.

قوله : إلّا بعد الوقوع.

وإذا لم يعلم ذلك فلا يمكن العلم عادة بالآن المتصل بالطلوع قبله لتوقع النيّة فيه ، فلو اعتبرت المقارنة لزم وقوع النية بعد الطلوع ، وذلك ـ أي : الوقوع بعده ـ غير المقارنة المعتبرة في مطلق النيّة ؛ فإنها إيصال آخرها بأوّل الفعل.

ويمكن أن يقال : إنّ الأمر وإن كان كذلك ، لكن فرض المسألة على تقدير وقوع المقارنة المعتبرة وإن كان بعيدا ، وأيضا غاية ما لزم أن لا يمكن للمكلّف إيقاع المقارنة قصدا ، وهو لا ينفي اتفاقها.

قوله : وظاهر الأصحاب.

هذا إشارة إلى دفع ما ذكره تعليلا لمن تحتّم إيقاعها ليلا من تعذّر المقارنة.

وحاصله منع أنّ المقارنة المعتبرة ما ذكر مطلقا ، بل إنّما هي في الفعل الذي لم يستغرق للزمان المعيّن كصلاة الظهر ، وأمّا الفعل المستغرق فظاهر الأصحاب أنّ النيّة تكون بعد تحقق الفعل أو تحقّق وجود الزمان لا قبله أي : لا يشترط وقوعها قبله مقارنة حقيقية ؛ لتعذّر القبلية الكذائية.

قوله : بمعنى أن.

هذا التفسير ؛ لئلّا يتوهّم أنّ المعنى أنّ المعنى أنّ له التأخير إليه اختيارا.

قوله : عنه.

أي : عن عند ذكرها.


قوله : قبله.

الضمير المجرور راجع إلى « قبل الزوال » ، لا إلى الزوال ؛ فإنّ المراد بقبل الزوال في قوله : « فيجوز تجديدها قبل الزوال » كلّ زمان قبله أي : يجوز تجديدها في كلّ زمان قبل الزوال ، وإن تركها قبل هذا الزمان عمدا.

قوله : كذلك.

أي : يجوز تجديدها فيه قبل الزوال ، لا بعده ويمتد وقتها إليه.

قوله : وقيل : بامتدادها فيه إلى آخره

أي : امتداد النيّة أي : وقتها فيه ـ أي : في صوم النافلة ـ إلى المغرب. والظاهر أنّ مراد القائل بذلك ـ كما صرّح به في المبسوط ـ أنّه يجوز تجديدها إلى أن يبقى من النهار مقدار ما يبقى زمان بعدها يمكن أن يكون صوما ، فأمّا إذا كان انتهاء النيّة مع انتهاء النهار ، فلا صوم بعده على حال إذ لا نهار حتّى ينوي صومه.

قوله : استنادا إلى أنّه.

متعلّق بقوله : « والمشهور بين القدماء » وتعليل له ، لا بقوله : « ووافقهم » ؛ وذلك لأنّ المحقّق في المعتبر نقل هذا الدليل عن القدماء وردّه حيث قال بعد نقل هذا الدليل : « واعلم أنّ هذا الاحتجاج لا يتمشّى على اصولنا ؛ لأنّه قياس محض ، لكن علم الهدى يدّعي على ذلك الإجماع وكذا الشيخ أبو جعفر ، والأولى تجديدها لكلّ يوم في ليله ». انتهى.

وقوله : « والأولى » يدلّ على صحّة ما نسبه إليه الشارح من موافقته للقدماء فما ردّ على الشارح من انّ المحقّق لم يوافقهم في المعتبر ضعيف. (١)

وكذا العلّامة في المختلف ردّ هذا الدليل حيث قال بعد نقل هذا القول وهذا الدليل عن القدماء :

وهذا قول ضعيف ؛ لأنّا نمنع وحدة حرمته ولا شكّ في أنّ صوم كلّ يوم مستقل بنفسه قائم بذاته ، لا تعلّق له باليوم الذي بعده ، وتتعدّد الكفارة بتعدّد إفطار أيامه. ثمّ إنّه قياس محض ، مع قيام الفارق بين الأصل والفرع. فإنّ اليوم الواحد عبادة واحدة ، وانقسامها

__________________

(١) عبارت تصحيح قياسى شد.


بانقسام أجزاء زمانها لا يوجب تعدّدها كالصلاة التي يكفي في إيقاعها النية الواحدة من اوّلها ولا توجب لكل فعل نيّة على حدة ، بخلاف الأيّام المتعدّدة ، فإنّها عبادات متغايرة ، ولا تعلّق لبعضها ببعض ، ولا يبطل بعضها ببطلان بعض ، فظهر الفرق. (١) انتهى.

وممّا نقلنا ظهر أنّ العلّامة لم يوافقهم أيضا في المختلف في القول ، نعم وافقهم فيه في التبصرة والتلخيص.

قوله : والأوّل.

أي : المذهب الأول المذكور بقوله : « لكل ليلة » أو نفس « ايقاعها لكل ليلة » كما يشعر به كلام الشارح.

قوله : وبه.

الظاهر أنّ الضمير المجرور راجع إلى كون الأوّل اولى ، لا إلى الاجتزاء بالواحدة ؛ لأنّ ما صرّح به في شرح الارشاد هو الأوّل حيث قال فيه : « ولا شك أنّ التجديد أولى ».

قوله : في الكتابين.

الدروس والبيان.

قوله : لأن جعله عبادة واحدة.

يعني : أنّ مبنى الاجتزاء بنية واحدة كما عرفت جعل صوم الشهر عبادة واحدة ، وإذا كان عبادة واحدة يكون كلّ يوم جزءا من أجزاء هذه العبادة ، فتجديد النية لكل ليلة يستلزم جواز تفريق نيّة العبادة الواحدة على أجزائها بمعنى : أن ينوي لكلّ جزء نيّة على حدة من غير أن ينوي للمجموع ، وهذا لا يجتمع مع كونه عبادة واحدة ؛ لأنّ مقتضى العبادة الواحدة النيّة للمجموع وعدم جواز تفريق النيّة على الأجزاء كما أنّه لا يجوز أن ينوي لكلّ ركعة من ركعات الصلاة بنيّة على حدة.

قوله : خصوصا عند المصنّف ، فإنّه قطع إلى آخره.

يعني : المصنّف لأجل قطعه بعدم جواز التفريق على أعضاء الوضوء مع كونه ممّا يقبل الاتحاد والتعدّد يلزمه عدم جواز تفريق النيّة هنا ، بخلاف من لم يقطع بذلك ، فإنّه يحتمل

__________________

(١) المختلف ٣ / ٢٤٤.


أن يكون فارقا بين العبادات بقبول الاتّحاد والتعدّد وعدمه ، فيجوز له أن يختار التفريق هنا ؛ لكونه ممّا يقبل الاتحاد والتعدّد.

قوله : وإن نوى الاستباحة المطلقة إلى آخره.

أي : كما أنّ فيما نحن فيه كذلك ، فإنّ النيّة تختصّ بكلّ يوم بخصوصه.

والمراد بنيّة الاستباحة المطلقة هنا : أن ينوي عند غسل كلّ عضو استباحة الصلاة من دون تقييد بذلك العضو ، وبنية الاستباحة لذلك العضو : أن ينوي عند كل عضو رفع الحدث عن ذلك العضو واستباحة الدخول في الصلاة لذلك العضو.

وإنّما جعل عدم الجواز في الثاني أظهر وأولى بقوله : « فضلا » ؛ لأنّ الحدث والاستباحة حالتان واحدتان لا تقبلان التجزي ، فلا معنى لرفع الحدث عن هذا العضو أو الاستباحة له ، بخلاف الرفع المطلق والاستباحة المطلقة ؛ فإنّه لمّا كان لغسل كلّ عضو مدخليّة في الرفع والاستباحة لا بعد في أن ينوي في غسل كل عضو الرفع المطلق والاستباحة المطلقة.

ويشعر بما ذكرنا كلام المصنف في الذكرى حيث قال :

ولتفريق النيّة صور : الأوّل : أن يفرد كلّ عضو أو بعضه بنيّة تامّة ، فيمكن الصحّة ؛ لانّ أجزاء العامّة يقتضي أجزاء الخاصّة ؛ لأنّها أقوى دلالة. ووجه المنع : أنّه عبادة واحدة متّصلة فلا يفرد بعضها عن بعض وللقطع بأنّ صاحب الشرع لم يفعل ذلك. الثانية : أن ينوي عند كلّ عضو رفع الحدث عن ذلك العضو ، أو عنه ، وعن عضو آخر ، فالبطلان هاهنا أولى ؛ لأنّ حكم الحدث يرجع هنا إلى الجملة ، فارتفاعه مقصود عنها ، وهو غير منوي. ويحتمل الصحة لتوهّم السريان إليها. الثالثة : لو نوى في ابتداء الوضوء رفع الحدث عن الأعضاء الأربعة ففيه الوجهان. والأقرب البطلان لما قلناه وعلى السريان يصح. وينسحب البحث لو نوى استباحة الصلاة بعضو عضو. (١)

قوله : وجعل بعضها ممّا يقبل الاتحاد والتعدد.

يعني : جعل العبادات على قسمين : قسم لا يقبل التعدد ، بل يكون واحدا إذ لا يكون له

__________________

(١) الذكرى ١ / ١١٧.


أجزاء متفاصلة حسّا كصوم يوم. وقسم يقبل الاتّحاد والتعدّد معا. أي : يكون ذا أجزاء متفاصلة حسّا ، فيكون له جهتان : جهة الاتحاد ـ وهي جهة هيئته التركيبيّة ـ وجهة التعدّد ، و [ هي ] جهة تفاصل الأجزاء حسا.

وإنّما جعل مجوّز تفريق النيّة في الوضوء ممّن فرّق بين العبادات ؛ إذ لو لم يكن منهم وكان ممّن جعل العبادات بأسرها قسما واحدا ، وهو ممّا لا يقبل التعدد ؛ لما جوّز تفريق النيّة فيه ، إذ التفريق إنّما يكون في المتعدّد ، ولذا لم يجوز أحد تفريق النيّة على أجزاء اليوم.

قوله : يأتي عنده هنا الجواز.

لأنّ مجموع شهر رمضان يكون على هذا من البعض الذي يقبل الاتّحاد والتعدد ، فيجوز التفريق باعتبار تعدّده.

قوله : لأنّها تناسب الاحتياط.

يعني : أنّ أولوية فعل إنّما تكون إذا ناسب الاحتياط ؛ لأنّه إنّما يكون أولى لو كان أحوط أو أفضل ، وإنّما يكون أفضل إذا لم يخرج عن الاحتياط [ والاحتياط ] منفي هنا ؛ لجواز أن يكون المجموع عبادة واحدة لا يجوز تفريق نيتها على أجزائها ، بل احتاج الكل إلى نيّة واحدة له ، والنيّات المتفرّقة هنا غير مشتملة على نيّة الكل.

نعم الاحتياط هنا الجمع بين نيّة المجموع والنيّة لكلّ يوم بأن ينوي أوّلا لمجموع الشهر ، ثمّ ينوي في كلّ ليلة ليومها.

قوله : ومثله إلى آخره

الضمير في « مثله » راجع إلى « النظر » أو إلى « الجمع » أو إلى « الاحتياط » أو « هذا الكلام » وقوله : « لو أراد » متعلق بقوله : « يأتي ».

والتوضيح : أنّ في نيّة الأغسال الثلاثة للميّت قولان : أحدهما : وجوب تعدّد النيّة بتعدّد الغسل. والثاني : الاجتزاء بنيّة واحدة للاغسال الثلاثة فعلى الأوّل لا يكون مثل ما نحن فيه ، لأنّ التعدّد فيه حينئذ على سبيل اللزوم والوجوب ، دون الأولوية والاحتياط.


وأما على الثاني فلعدم وجوب تعدّد النيّة يمكن أن ينوي متعدّدا على سبيل الاحتياط فلو أراد أحد الاحتياط بالتعدّد يأتي مثل النظر المذكور ، أو الكلام المذكور ، أو مثل الجمع المذكور ، أو الاحتياط المذكور أي : ... أنّه يقال له : إنّ الاحتياط ليس في التعدّد فقط ، لعدم اشتمال نيّة كلّ غسل لنيّة المجموع بل الاحتياط الجمع بين النيّتين.

ويحتمل أن يكون المستتر في « أراد » راجعا إلى المصنّف ويكون المراد : أنّ المصنّف لو أراد بلفظ الاجتزاء الاحتياط بالتعدّد كما هو الظاهر من لفظ الاجتزاء يجري مثل الكلام المذكور أيضا.

ثمّ إنّ قوله : « لكلّ غسل » ليس متعلّقا بالتعدّد ؛ إذ لا تتعدّد النيّة لكلّ غسل ، بل تتعدّد لمجموع الأغسال وإنّما هو متعلّق بمحذوف [ و ] المعنى بتعدّدها الحاصل بالنيّة لكلّ غسل.

والضمير في قوله : « فإنّه » راجع إلى الاحتياط ، و « الفاء » للتعليل ، والكلام تعليل لاتيان مثله لو أراد الاحتياط بالتعدّد.

ولا يخفى أنّ في قوله : « ثمّ النيّة للآخرين » تنبيها على أنّ نيّة المجموع تجزي عن النيّة للغسل الأوّل وصوم اليوم الاول حتّى إنّه لا حاجة إلى نيّة اخرى له على القول بعدم إجزاء النيّة الواحدة كما نصّ عليه في المسالك ، قال : « لو قلنا بعدم إجزاء النيّة الواحدة للشهر ، ففعلها أجزأت لاوّل يوم ». انتهى.

وعلى هذا يكون مراده من قوله سابقا : « والنيّة لكلّ يوم » أي : لكلّ يوم غير الأوّل ، ويكون قوله هنا قرينة عليه ويحتمل أن يكون اختصاص النيّة بالاخرى مختصّا بالغسل دون الصوم ، فإنّه يجمع فيه بين نيّة المجموع والنيّة لكلّ يوم من جميع أيام الشهر.

ويكون وجه التفرقة أنّه لما كان يجب في غير الصوم مقارنة النيّة لأوّل الفعل ، فلا يمكن فيه الجمع بين نيّة المجموع والنيّة لكلّ من الثلاثة ؛ إذ لو نوى المجموع في الأوّل ، ونوى للأوّل أيضا تكون إحدى النيّتين لاغية ؛ لعدم حصول المقارنة فيها ، بخلاف الصوم ؛ فإنّ تمام الليل ظرف للنيّة ، فيصح الاتيان بنيّتين ، فتأمّل.

قوله : شهر رمضان.


زيادة الشهر إمّا للتنبيه على عدم جواز أن يقال رمضان مجرّدا عن الشهر ، لكون المجموع هو العلم كما قيل ويوافقه ما في بعض الأخبار من النهي عن ذلك معلّلا بأنّ رمضان من أسماء الله. أو للتنبيه على أنّ عدم الاشتراط إنّما هو في الشهر ، لا في صومه المقضي ، فقد يطلق عليه صوم رمضان أيضا.

قوله : التعيين.

أي : لما ينويه من الصوم.

قوله : ولو بحسب الأصل.

احتراز عمّا تعيين بالفرض كالنذر المعيّن ، وتضيّق وقت القضاء أو النذر.

قوله : ولغيره.

فلا بدّ فيه من تعيّن الصوم ، وإلّا تقع العبادة مجهولة ، وهي باطلة ، وتعيينه إنّما هو بالقصد ، دون غيره.

والضمير في قوله : « له » و « لغيره » راجع إلى « ما عدا ». وتوجيهه : أنّ لفظة « ما عدا » وإن عمّ جميع أفراد الصوم الذي هو غير شهر رمضان ، إلّا أنّ عمومها له عموم أفرادي ، لا مجموعي ، فمعنى قوله : « ويشترط فيما عدا » : أنّ في كلّ فرد من أفراد الصيام الذي هو ما عدا شهر رمضان. فيكون معنى قوله : « لصلاحيّة الزمان له ولغيره » أنّ الزمان يصلح لكلّ فرد من أفراد ما عدا رمضان ، ولغير هذا الفرد من أفراده ، وإرجاع الضميرين إلى « الصوم » وان كان اظهر وأليق بقوله : « لتعيّنه شرعا للصوم » الا انه لا يصح معه التعليل الا ان يرجع الى « الصوم المنوي » ، ويكون المعنى : لصلاحيته للصوم المنوي ولغيره من أقسام الصوم ، فتأمّل.

قوله : لتعيّنه شرعا للصوم.

وإذا كان معيّنا للصوم فيجب صومه أبدا فلا يصلح لوقوع صوم غير ما عيّن له فيه في الواقع ونفس الأمر ، فلا يمكن اشتراكه لصوم شهر رمضان ولغيره.

والحاصل : أنّه لا بدّ في صحّة الصوم من تعيينه إمّا في الواقع ونفس الأمر ، أو بمعيّن وهو القصد ، وشهر رمضان صومه متعيّن في الواقع ، فلا يحتاج إلى التعيين بخلاف غيره.


قوله : في حكم الشارع به.

أي : بصومه المعيّن ، فيعيّن في الواقع ، فلا يحتاج إلى معيّن.

قوله : ورجّحه في البيان.

قال في البيان : « وأجرى المرتضى النذر المعيّن مجرى رمضان ، ويلزم مثله في العهد المعيّن ، واليمين المعيّنة ، وأنكره الشيخ وهو الأولى » ( كذا ).

ولا يخفى أنّ ظاهر هذا الكلام ترجيح خلاف ما ذكره الشارح ، إلّا أن يرجع الضمير في قوله : « وهو الأولى » إلى الاجراء ، أو يفهم من لفظ « الأولى ».

قوله : وإنّما يكتفى.

لا يخفى أنّ التعيّن الذي لا يحتاج معه إلى القصد هو التعيّن النافي للشركة ، وهو أن يكون الزمان بحيث يصلح لوقوع هذا الصوم فيه ولا يصلح لوقوع غيره فيه ، ومجرّد صلاحيّة وقوع صومه فيه لا يكفي في عدم الاحتياج إلى التعيين القصدي لصلاحيّته لوقوع صوم آخر فيه أيضا.

وعلى هذا نقول : إنّ مراده من تعيّن مطلق المندوب في جميع الأيّام شرعا إن كان أنّه يصلح لوقوعه فيه ، فلا ريب فيه ، ولكنّه لا يكفى في نفي الشركة لصلاحية وقوع غيره فيه أيضا كالنذر الغير المعيّن وصوم القضاء والكفّارة ، بل الصوم المندوب أيضا يختلف ، فيحتمل أن يكون صوم التقرب أو صوم الحاجة.

أو مراده : أنّه يصلح لوقوعه فيه ولا يصلح لوقوع غيره فيه ، فهو ممنوع ، ووجهه ظاهر. وبذلك ظهر أنّ الندب المعين أيضا لا يلحق بشهر رمضان ؛ لأنّ الندب وإن كان معيّنا ، ولكنّه لعدم منعه النقيض لا ينفي الشركة ، فيصلح أن يقع في أيام البيض ـ مثلا ـ صوم القضاء أو النذر والكفّارة أو الحاجة أو غيرها.

قوله : وإلّا بطل فيهما.

أي : بطل الصومان : صوم رمضان الغير المنوي ، وصوم غير رمضان المنوي. هذا إذا كان في الحضر ، وأمّا إذا كان مسافرا فلا معنى لبطلان الصومين ، إذ لا يصوم لرمضان فيه حتّى يبطل ، بل يبطل فيه الصوم المنوي كما هو الحق ، وقوله : « عدم وقوع غيره فيه » يدلّ عليه.


قوله : لعدم نيّة المطلوب شرعا.

هذا دليل على بطلان صوم شهر رمضان. وقوله : « عدم وقوع غيره فيه » ، دليل على بطلان المنوي.

واورد على الأوّل : بأنّ المطلوب ، وهو صوم رمضان ، يكفي في نيّته نيّة الإمساك مع التقرّب ، ولا يعتبر فيه نيّة خصوصية كونه صوم رمضان ، وهذا القدر من النية حاصل في ضمن نيّة الغير ، وما زاد لغو لا عبرة به ، فكانت نيّة المطلوب حاصلة.

واجيب عنه بوجوه متعدّدة لا يخلو كلّ منها عن شي‌ء.

والأصح في الجواب أن يقال : إنّه وإن يكفي في نيّة المطلوب قصد الإمساك مع التقرب ولكن اذا كان متعلّق التقرب هو مطلق الامساك حتّى ينصرف إلى المطلوب ، وأمّا إذا كان التقرب لأجل الإمساك المخصوص الغير الشرعي يبطل التقرب ، لكون متعلّقه وهو الامساك المخصوص بدعة ، فلا تقرب فيه ، وإذا بطل التقرّب يبطل النيّة أيضا.

هذا ويمكن أن يستدلّ على الثاني أيضا : بأنّ الأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه ، وقد أمر بصوم رمضان ، فيكون غيره ـ وهو المنوي ـ منهيّا عنه ، والنهي في العبادات يستلزم الفساد.

ولكن هذا الدليل يجري في الحاضر دون المسافر.

قوله : كصوم آخر شعبان.

أي : يظن أنّه آخر شعبان ، وظهر بعده أنّه أوّل شهر رمضان.

قوله : أو النسيان.

أي : نسيان كون اليوم من رمضان.

قوله : وإن لم يثبت.

أي : لم يثبت الهلال ، أو الصوم ، أو وجوبه.

قوله : برؤيته مطلقا.

متعلّق بقوله : « يعلم » أي : يعلم بشهادة عدلين مطلقا ، سواء كان في السماء علّة أم لا ، وسواء كانا من البلد أو خارجه.


وقيل : لا بدّ من خمسين من البلد مع الصحو والشاهدان لا يكفيان إلّا من خارج البلد.

قوله : أو شياع برؤيته.

« الباء » إمّا للإلصاق أو بمعنى : « في » وعلى التقديرين يكون قوله : « برؤيته » صفة للشياع أي : شياع ملصق برؤيته ، أو شياع حاصل في رؤيته. ويمكن ان يكون من جهة تضمين الشياع معنى الشهادة عدي بـ « الباء ».

قوله : ولا يشترط حكم الحاكم.

أي : ليس في ثبوت الهلال ، أو وجوب الصوم في حقّ من علم بالهلال برؤية ، أو شياع ، أو من علم بالشياع ، أو سمع الشاهدين مشروطا بحكم الحاكم به ، بل يجب على العالم ، أو سامع الشهادة الصوم ، وإن لم يثبت الشياع ولا عدالة الشاهدين عند الحاكم.

قوله : في أوّله.

أي : أوّل رمضان.

قوله : اكتفى به.

أي : بالشاهد الواحد في أوّل رمضان.

قوله : نعم يثبت.

أي : نعم يلزم على قول سلّار أن يثبت هلال شوّال بالنسبة إلى الإفطار بمضي ثلاثين يوما منه أي : من رمضان المحكوم به بشهادة واحد تبعا لرمضان ، وإلّا لزم الحكم بكون رمضان أحد أو ثلاثين يوما وصومها بنيّة رمضان ، وإن لم يثبت شوال أصالة من غير تبعيّة لرمضان بشهادة الواحد.

قوله : استنادا إلى رواية.

هي رواية أبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت : كم يجزي في رؤية الهلال؟فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا يؤدّ (١) بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : قد رأيته وقال الآخرون : لم نره. إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزي في رؤية الهلال إذا لم تكن في السماء علّة أقل من شهادة

__________________

(١) فلا تؤدّوا.


خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر ». (١)

ودلّت على اشتراط الخمسين مع الصحو رواية اخرى أيضا. وإفراد الشارح للرواية إمّا لإرادة الجنس أو لأنّ غير رواية أبي أيّوب ليس بصحيحة ، فالاستناد حقيقة إلى هذه الرواية فقط.

قوله : للتهمة.

علّة لتوقّف الشياع عليهم ، يعني : أنّ الرواية حملت على صورة عدم العلم بعدالة الخمسين ، ولا بعدالة اثنين منهم ، فلا يمكن الاكتفاء إلّا بالشياع ، والشياع هنا متوقّف على الخمسين ، لوجود التهمة ، حيث إنّ مناط الشياع هو حصول العلم ، أو الظن المتاخم له ، وذلك يتفاوت بتفاوت الامور الخارجية ، ومنها كون المخبرين في محل التهمة وعدمه ، فإنّه حينئذ قد لا يحصل من إخبار جماعة الشياع مع حصوله عن إخبارهم لو لا التهمة ، ففي موضع التهمة يحتاج حصول الشياع إلى جماعة أكثر.

وقوله : « لأنّ الواحد » إلى آخره تعليل للتهمة.

قوله : بالجدول.

أي : بالحساب المثبت في جداول الزيجات والتقاويم.

قوله : مبتدئا.

إمّا بصيغة المفعول مسندا إلى قوله : « بالتام » أو قوله : « من المحرم » وبصيغة الفاعل (٢) مسندا إلى العد أو العادّ المفهوم منه.

قوله : لعدم.

تعليل لقوله : « لا عبرة بالجدول ». والضمير في قوله : « ثبوته » راجع إلى الجدول ، أو إلى عدّ شهر تامّا وشهر ناقصا.

قوله : بل ثبوت ما ينافيه.

أي : شرعا وما ينافيه الأخبار الناصّة على تعليق الصيام والافطار بالرؤية كرواية

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٩.

(٢) فى الاصل : المفعول.


إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في كتاب علي عليه‌السلام : « صم لرؤيته وأفطر لرؤيته ، وإيّاك والشك والظن! فإن خفي عليكم فاتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين ». (١)

قوله : ومخالفته مع الشرع.

أي : زيادة على مخالفته للشرع.

قوله : لاحتياج تقييده إلى آخره.

بيان ذلك أنّ المنجّمين لمّا أخذوا الشهر من اجتماع النيّرين إلى الاجتماع في درجة واحدة من درجات فلك البروج ، وكان ما بين الاجتماعين تسعة وعشرين يوما واثنتي عشرة ساعة ، وأربعا وأربعين دقيقة وكان الكسر زائدا على نصف اليوم بأربع وأربعين دقيقة ، وكان من دأبهم رفع الكسر واحدا إذا زاد على النصف وإسقاطه إذا نقص عنه ، وكان في الشهر الأوّل الكسر زائدا جعلوه ثلاثين ، فيكون المحرّم ثلاثين تامّا ، ويكون ما زادوا على الشهر الأوّل إحدى عشرة ساعة وست عشرة دقيقة ، نقصوه من الشهر الثاني فبقي تسعة وعشرون يوما ، وساعة واحدة ، وثمان وعشرون دقيقة ، وكان الكسر أقلّ من النصف ، فأسقطوه ، وجعلوا الشهر تسعة وعشرين يوما ، ويزيد بهم ساعة وثمان وعشرون دقيقة ، يزيدونه على الشهر الثالث ، فيصير تسعة وعشرين يوما ، وأربع عشرة ساعة ، واثنتي عشرة دقيقة فيجعلونه ثلاثين ، ويكون ما زادوا عليه تسع ساعات وثمانا وأربعين دقيقة ، ينقصونه من الشهر الرابع ، وهكذا إلى أن تتمّ السنة ، فتصير الشهور الأوتار كلّها ثلاثين ثلاثين والأشفاع كلّها تسعة وعشرين تسعة وعشرين ، إلى أن تكمل السنة.

ويصير ذو الحجّة تسعة وعشرين يوما ، وثمان ساعات وثماني وأربعين دقيقة وكذا في السنة الثانية. وإذا زادوا الكسر الحاصل في السنة الاولى مع الحاصل في السنة الثانية يصير ذو الحجّة في الثانية تسعة وعشرين يوما وسبع عشرة ساعات وستّا وثلاثين دقيقة ، فيجعلونه ثلاثين وهكذا.

ففي كلّ ثلاثين سنة يزيد من الكسور الحاصلة في السنين أحد عشر يوما يزيدون كلّ يوم منها على ذي حجّة على ما يجمعه قولهم : بهز ( ٢ و ٥ و ٧ ) يجوح ( ١٠ و ١٣ و ١٦ و

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٥٥.


١٨ ) أ د وط ( ٢١ و ٢٤ و ٢٦ و ٢٩ ) أو بهز ، يجمح ( ١٠ و ١٣ و ١٥ و ١٨ ) ، ١ د وط (١) على ما يقتضيه الرفع والإسقاط ، ويسمّى السني التي يكون ذو الحجة فيها تاما بالسني الكبيسة.

ولا شكّ أنّه على هذا لا يكون في السني الكبيسة شهر تامّا وشهر ناقصا ، بل يتوالى فيها ثلاثة أشهر كلّ منها ثلاثون يوما : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، فجعلهم شهرا تامّا وشهرا ناقصا مخالف للحساب أيضا.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّهم وإن عدّوا في السنة ابتداء شهرا ناقصا وشهرا تامّا ، ولكن السني الكبيسة وغيرها مضبوطة عندهم ، وصرّحوا بأنّ ذي الحجة فيها تامّة فالشهور كلّها معلوم الحكم عندهم من التمام والنقصان ولا سيّما رمضان ؛ فإنّه لا يعتريه على هذا الحساب نقصان ، وكذا شعبان ، فإنّه لا يكون عليه إلّا ناقصا ، فلا حاجة في هذا الحكم الذي كلامنا فيه إلى التقييد بغير الكبيسة.

ولو فرض الاحتياج إليه ، فإنّما المحتاج إليه هو الشارح حيث أطلق ، وأمّا أهل الحساب وأرباب الجداول فلا بحث عليهم ، ولا مخالفة لهم مع الحساب ، لانضباط الكبيسة وغيرها عندهم ، فلا يوجب اضطرابا في الضابطة. نعم يرد عليهم أنّه مع مخالفته للشرع مخالف للرؤية وهم يعترفون به ، وأنّه ليس إلّا مجرّد اعتبار من عند أنفسهم.

قوله : على عدّ خمسة من هلال الماضي.

أي : عدّ خمسة من أيام الاسبوع من هلال رمضان الماضي ، وجعل اليوم الخامس اوّل رمضان الحاضر.

قوله : وآخر ناقصا مطلقا.

أي : في جميع السنة من غير تخصيص بشعبان ورمضان.

قوله : وعلى عدّ تسعة وخمسين إلى آخره.

وعلى هذا يكون واحد من شهري رجب وشعبان ناقصا ، وإن لم يتعيّن.

قوله : مع غمّة الشهور.

__________________

(١) راجع ما ذكره المحقّق الشعرانى فى حاشيته على الوافى : ٧ / ٢٧.


الغمّة يجوز في « غينها » الحركات الثلاث ، فبالضم إمّا بمعنى : المبهم ، وتكون الإضافة بيانية ، أو بمعنى الظلمة ، فالاضافة لاميّة.

والفتح من قولهم : « ليلة غمّة » إذا لم ترفيها القمر ، تكون الاضافة بيانيّة أو لاميّة وبالكسر بمعنى : ثابتة اللبس ، فتكون الإضافة لامية.

قوله : مقيّدا.

حال عن المصنّف.

قوله : وهو موافق للعادة.

في عجائب المخلوقات للقزوينى : وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة وكان صحيحا.

قوله : وبه روايات.

منها : رواية عمران الزعفراني ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السماء تطبق علينا بالعراق اليوم واليومين والثلاثة ، فأيّ يوم نصوم؟ قال : « انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية ، وصم يوم الخامس ». (١)

ومنها : مرسلة الصدوق ، عنه عليه‌السلام قال : « إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم ، فعدّ في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيّام وصم يوم الخامس ». (٢)

ومنها : رواية محمّد بن عثمان عن بعض مشايخه عنه عليه‌السلام قال : صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أوّل ». (٣) إلى غير ذلك

ثمّ إن هذه الروايات كما ترى تدلّ على اعتبار الخمسة مطلقا ، من غير تقييد بغير الكبيسة ، ولكن الموافق للعادة هو التقييد كما صرّح به غير واحد من الأصحاب.

وعلى هذا فينبغي أن يرجع الضمير في قوله : « وهو » و « به » إلى اعتبار الخمسة فى الجملة ؛ إذ لو رجع إلى اعتبارها مطلقا لم يوافق العادة ، ولو رجع إلى اعتبارها بغير الكبيسة لم يكن به روايات ، وإن دلّت عليه رواية واحدة ، هي ما رواه السياري قال : كتب محمّد بن الفرج إلى العسكري عليه‌السلام ، يسأله عمّا روي من الحساب في الصوم عن آبائك في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٤.

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٣.


عدّ خمسة أيّام بين أوّل السنة الماضية والسنة الثانية التي تأتى. فكتب : « صحيح ، ولكن عدّ في كلّ أربع سنين خمسا ، وفي السنة الخامسة ستّا في ما بين الأوّل والحادث ، وما سوى ذلك ، فإنّما هو خمسة خمسة ». قال السياري : وهذه من جهة الكبيسة. [ قال : قد حسبه اصحابنا فوجدوه صحيحا ] قال : وكتب إليه محمّد بن الفرج : هذا الحساب لا يتهيّأ لكلّ انسان أن يعمل عليه ، إنّما هذا لمن يعرف السنين ، ومن يعلم متى كانت السنة الكبيسة ، ثمّ يصحّ له هلال شهر رمضان أوّل ليلة ، فإذا صحّ الهلال لليلة وعرف السنين ، صحّ ذلك ان شاء الله. (١)

ومع ذلك هذه الرواية لا توافق الكبيسة المتعارفة.

قوله : وفيما زاد.

أي : في العد ثلاثين في ما زاد الغمّ على شهرين نظر : من تعارض الأصل وهو استصحاب الشهر السابق وأصالة عدم حدوث الشهر اللاحق وأصالة البراءة من الصوم ، مع الظاهر وهو عدم جريان العادة بتماميّة ثلاثة شهور فصاعدا متوالية.

قوله : وظاهر الاصول.

فإنّ الظاهر إنّما يرجّح إذا بلغ من الظهور بحيث يفيد العلم ، فإن القاعدة أنّه لا ينقض اليقين إلّا بيقين مثله.

قوله : والعلو.

أي : علوّ الهلال عن الافق. والمراد بعدم العبرة بالعلو : أنّه لا يحكم بمجرّد ذلك بكون الهلال لليلتين.

قوله : إلى بعد العشاء.

أي : بعد وقت العشاء ، وهو ذهاب الشفق الغربي.

قوله : والانتفاخ.

يجوز بـ « الجيم » و « الحاء » المعجمة.

قوله : حتّى رؤي بسببه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٨٣.


أي : بسبب عظم جرمه ، فلا يحكم حينئذ بكون اليوم الذي رئي فيه أوّل الشهر وليله الليلة الثانية وفيه إشارة إلى أنّه لا اعتبار بالرؤية قبل الزوال كما اعتبرها جماعة.

قوله : أو رئي رأس الظلّ فيه.

أي : رئي رأس ظل الشاخص أي : منتهى ظلّه في الهلال. وفي قوله : « فيه » ارتكاب استخدام ؛ لأنّ المراد بالهلال في المرجع : نوره الواقع على الارض. والمراد أنّه وإن كان تشخيص رأس الظل في نور الهلال في الليلة الاولى مخالفا للعادة حيث إنّ المعهود من الشاخص أنّه يكون مخروطيّا ، فيكون رأسه دقيقا ، وظل رأسه الذي هو رأس ظلّه ضعيفا ، فيستبعد تشخيصه في الليلة الاولى لا عبرة في جعل الليلة التي يرى فيه رأس الظل ليلة غير الاولى خلافا للمقنع حيث حكم بأنّها حينئذ يكون الليلة الثالثة. (١)

قوله : بكونه لليلة الماضية.

أي : بكون الهلال من الليلة الماضية أي : تكون الليلة الماضية ليلة أوّل الشهر.

قوله : والخفاء ليلتين في الحكم به بعدهما.

المراد بالخفاء كونه تحت الشعاع أي : لا عبرة بخفاء القمر ليلتين من آخر شهر بحيث لا يري في الصبح في الحكم بالهلال بعد الليلة الثانية. والمراد : أنّه إذا خفي القمر في ليلتين ولم يظهر أصلا ، لا يوجب ذلك أن يحكم بكون الليلة الثالثة أوّل الشهر الذي بعده.

قوله : أي : يتحرى.

والمعنى : أنّه يقصد شهرا يغلب على ظنّه أنّه رمضان. ولا فرق في ذلك بين أن غمّ عليه تمام الشهر أو بعضه.

قوله : فإن وافق.

أي : إن وافق ما صامه شهر رمضان ، أو ظهر أنّ الشهر الذي صامه متأخّر عن شهر رمضان كلّا أو بعضا ، أو استمر الاشتباه ، أجزأ.

أمّا في صورة التوافق أو استمرار الاشتباه فظاهر. وأمّا في صورة التأخّر ؛ فلانّه حينئذ كالقضاء لرمضان ولا بدّ أن يقيّد في صورة التأخّر أن يفصل عنه بيوم أيضا ، وإلّا أعاد في

__________________

(١) المقنع : ٥٨.


يوم واحد هو عيد الفطر.

قوله : ظهر التقدّم.

أي : كلّا أو بعضا أعاد المتقدّم.

قوله : في وجوب الكفّارة.

وذلك إن لم يبين تقدّمه على رمضان ، وإلّا كان فيه الخلاف الواقع في أنّ من فعل موجبا للكفّارة ثمّ سقط فرض الصوم عنه بحيض ، أو مرض ، هل عليه الكفّارة أم لا؟ وكذا إن يبيّن تأخّره عنه كان في وجوب كفّارة الإفطار في رمضان أو كفّارة الإفطار في قضائها وجهان.

قوله : متابعته.

أي : جعل صومه متتابعا لا يفطر في يوم منه.

قوله : لو لم ير الهلال.

أي : في الطرف الآخر سواء لم ير في الأوّل أيضا أم رأى فيه. وأمّا إذا رأى الهلال في الآخر فيجب عليه الإفطار سواء تمّ ثلاثون ، أو تسعة وعشرون ، أو أقل.

نعم يجب عليه في الأخير قضاء ما قلّ إلى تسعة وعشرين ، أو إلى الثلاثين ، والأوّل أظهر.

قوله : بين الشهرين.

أي : في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا لا أزيد ولا أنقص ، وإلّا كان أحد الشهرين غير رمضان يقينا.

قوله : الفجر الثاني.

لا بدّ أن يستثني من ذلك الجماع ، فيجب الإمساك عنه ، قبل طلوع الفجر إذا لم يتسع الزمان له وللاغتسال ، لبطلان الصوم بتعمّد البقاء على الجنابة.

قوله : عشرا سابقة.

صفة للنية المدلول عليها بقوله : « نوى » أي : نيّة سابقة على الدخول في البلد أو مقارنة له ، أو لاحقة ، ولكن بشرط كونها قبل الزوال ، فإن لحقت النيّة بعد الزوال يجب الافطار و


إن كان دخول البلد قبل الزوال ؛ لأنّه مسافر ما لم ينو الإقامة.

قوله : في بلده.

متعلّق بالأذان. أي : الأذان الواقع في بلده ، أو في بلد نوى فيه الإقامة قبل القدوم ، أو قبل الرؤية أو السماع ، وكذا إن كانت النيّة مقارنة للرؤية أو السماع.

أمّا لو نوى بعده فيتحقّق القدوم من حين النيّة ؛ لأنّه قبلها مسافر شرعا.

قوله : صحّته.

أي : صحّة الصوم فيما كان شرطا للصحة كالجميع ووجوبه فيما كان شرطا للوجوب كغير الكافر.

قوله : بعده.

أي : بعد زوال العذر [ وعدم تناول ] المفطر.

قوله : لا يسمّى صوما.

أى : شرعا.

قوله : وغيرهما.

من تقيّة ، وشيخوخة ، وحيض ، ونفاس والخوف على ولده ونحو ذلك.

قوله : كالمرتد.

« الكاف » زائدة أو بمعناها ، والفرد الآخر المرتدة.

قوله : في الكلّية.

أي : الكلّية المذكورة بقوله : « ويقضيه كلّ تارك له ».

قوله : تقييدها.

أي : تقييد الكليّة.

قوله : فإن الفدية.

ويمكن أن يعتذر للمصنّف عمّا سوى الأخير : بأن المتبادر من قوله : « يقضيه » ، وكذا [ كلّ ] فعل يسند إلى المكلّف اشتراطه بالتمكّن المعتبر شرعا وهو مفقود فيهم ، بل يمكن ذلك في الأخير أيضا حيث إنّ وقت قضاء كلّ رمضان ما بينه وبين الرمضان الآتي.

قوله : عبد الله بن سنان.


رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من أفطر شيئا من رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا ، فهو أفضل ، وإن قضاه متفرقا فحسن ». (١) وبمعناها روايات اخر أيضا. (٢)

قوله : ورواية عمّار.

هو عمّار بن موسى الساباطي. والرواية أنّه قال : سألته عن الرجل تكون عليه أيّام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : « إن كان عليه يومان ، فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة ، فليفطر بينهما أيّاما ، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيّام متوالية ، وإن كان عليه ثمانية أيّام أو عشرة أفطر بينهما يوما ». (٣)

ووجه قصورها عن مقاومة الصحيحة : ضعف سندها ، ومخالفتها للاصل ، وللشهرة بين الأصحاب.

مسائل

الاولى

قوله : من نسي غسل الجنابة.

أي : غسل الجنابة الحاصلة في الليل حتّى يدخل النهار أو الجنابة الحاصلة في النهار إلى أن يدخل النهار اللاحق له الآتي بعده.

قوله : وإنّما الخلاف.

يعني : أنّ الخلاف الذي يدلّ عليه قوله : في الأشهر. مختصّ بالصوم. فالمراد : أنّ الأشهر القضاء فيهما معا ، لا في كلّ منهما.

قوله : من حيث.

هذا وجه صحّة الصوم وعدم وجوب القضاء.

قوله : فهنا أولى.

أي كون الصوم صحيحا هنا أولى ، والأولويّة من وجهين :

أحدهما : أنّ النوم جنبا أعمّ من أن يتذكر الجنابة ، فإذا صحّ مع التذكّر وإن كان في وقت

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٤١.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٤٠ ـ ٣٤٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٤١.


دون وقت ، فيصحّ مع عدمه في جميع الأوقات بطريق أولى.

وثانيهما : أنّه إذا صحّ مع تعمّد الترك في وقت ، وإن كان طول النهار يصحّ مع عدم تعمّد الترك في آن بطريق أولى ولكن لا يجري الوجه الأخير فيما إذا نسي الغسل في الليل وتذكّر أوّل النهار واغتسل.

قوله : صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام.

وهي أنّه قال : سألته عن رجل أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتّى يخرج رمضان. قال : « عليه الصلاة والصيام ». (١)

وقوله : « غيرها » أي : غير هذه الصحيحة من رواية وغيرها. أمّا الرواية فرواية الحلبي أيضا قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان ، فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان. قال : « عليه أن يقضي الصلاة والصوم ». (٢) وبمضمونهما روايتان اخريان رواهما [ غيره ].

امّا غيرها فما استدلّ عليه في المختلف : بأنّه أخلّ بشرط الصوم ، وهو الطهارة من الجنابة في أوّل النهار ، مع علمه بالحدث ، فعليه القضاء ، والنسيان عذر في سقوط الإثم والكفّارة ، لا القضاء ، وبأنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، وبالقياس على قضاء الصلاة.

ولا يخفى ضعف الوجوه الثلاثة.

قوله : ومقتضى الإطلاق.

أي : إطلاق كلام المصنّف ، لا إطلاق الأخبار ، لظهورها في الأيام ؛ لقوله ؛ « حتّى خرج شهر رمضان ». ويمكن أن يريد إطلاق الأخبار أيضا حيث إنّ قوله : « أجنب ولم يغتسل حتّى خرج » يشمل بإطلاقه ما لو أجنب ليلة أوّل الشهر وأثنائه وآخره.

قوله : ويشكل الفرق إلى آخره

أي : يشكل الفرق على هذا المذهب في الناسى ، وهو القول بوجوب القضاء بينه أي :بين وجوب قضاء الناسي للجنابة ، وبين ما ذكر ـ بصيغة المجهول ـ فيكون إشارة إلى ما ذكره الشارح بقوله : « وأمّا النومة الاولى فلا شي‌ء فيها » أو بصيغة المعلوم ويكون الفاعل

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢٥٨ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة ٢ / ٢٥٨.


المصنّف ، ويكون المراد بالذكر أعمّ من الصريحي والاقتضائي حيث إنّ المصنّف وإن لم يذكر ذلك صريحا إلّا أنّ تخصيصه القضاء بالعود بعد انتباهة يقتضي عدمه لو لم يعد بعد انتباهة.

وليس المراد بالفرق الذي استشكل فيه : الفرق بين المسألتين ؛ لأنّ الفرق بينهما واضح من حيث إنّ أحدهما حكم الناسي ، والآخر حكم النائم ، بل المراد بالفرق : الفرق شرعا بين حكمهما.

والحاصل : أنّ الناسي والنائم متّحدان في عدم كونهما مكلّفين ، فلا يفرق بينهما عقلا ، فما وجه التفرقة بينهما في الحكم.

والضمير في قوله : « من نام [ فيه ] » راجع إلى شهر رمضان ، والمراد ليلته بقرينة قوله :« أصبح ». والمراد بقوله : « أصبح » أي : أصبح جنبا.

ويمكن أن يكون المراد بالفرق المستشكل فيه : الفرق بين المسألتين أيضا ، ولو في مورد واحد.

بيان ذلك : أنّ الناسي للغسل ، الواجب عليه القضاء ، أعمّ من أن ينام أم لا ، والنائم الذي لا يجب عليه القضاء ، أعمّ من ينسى الغسل أم لا ، فيكون بين موضوع المسألتين عموم وخصوص من وجه ، ومحل اجتماعهما الناسي النائم ، فمقتضى ما ذكر سابقا عدم وجوب القضاء عليه ، ومقتضى ما ذكرها هنا وجوب القضاء ، مع أنّه لا فرق بينهما في هذا المورد.

قوله : وعلى هذا.

أي : على القول بوجوب القضاء.

قوله : بينه.

أي : بين وجوب قضاء من نسي.

قوله : وربما جمع بينهما.

أي : بين الحكمين. وحاصل الجمع : أنّ الناسي في المسألة الأخيرة يبقى على إطلاقه. ولكن يرتكب التخصيص في النائم ، ويخصّص بمن علم بالجنابة وعزم على الغسل ، فلا يشمل الناسي ، ويكون بين المسألتين تناف ، ولا يكون مورد اجتماع. هذا إذا كان


المراد بالفرق المستشكل فيه ما ذكر ثانيا.

وأمّا إذا كان المراد : الإشكال في التفرقة بين حكم الناسي والنائم ، فتوضيح الجمع : أنّ النائم على قسمين : نائم عالم عازم ، ونائم غير عالم وغير عازم ، والمشابه للناسي ، بل المتحد معه هو الثاني ، فلا يظهر فرق في حكمهما ، بخلاف الأوّل ؛ فإنّه من حيث عزمه على الغسل يكون اولى بالعفو من الناسي ، فيختصّ حكم النائم بالقسم الأوّل ويظهر الفرق.

وعلى هذا يكون قوله : « بحمل هذا على الناسي » تبعا لقوله : « وتخصيص ذلك بالنائم » ؛ لأنّه مستدرك حينئذ ، بخلاف ما إذا كان المراد بالفرق ما ذكرنا ثانيا ، وبالجمع ما ذكرنا أوّلا ، فإنّه حينئذ تكون محتاجا إليه كما لا يخفى.

وعلم بما ذكر أن معنى قوله : « عالما » أي : عالما بالجنابة و « عازما » أي : عازما على الغسل ، « فضعف » ـ بالتشديد ـ ويكون فاعله التخصيص ، أو بالتخفيف. « حكمه » أي :حكم الجنب أو جنابته ، أو حكم تركه الغسل بسبب العزم على الغسل ، فإنّه بمنزلة الممتثل ؛ لأجل العزم ، فيستحقّ العفو عن القضاء.

هذا ، ثمّ إنّه اورد على ذلك بأنّ العزم إنّما كان قبل النوم ، وربما كان قبل النسيان أيضا ، وأمّا حالتا النوم والنسيان فلا يظهر فرق بينهما.

واجيب : بأنّه لمّا كان عازما قبل النوم وسوغ له النوم إرفاقا به ، وليس حال النوم مظنّة للتذكير عفي عنه ، فلم يوجب عليه القضاء وأمّا الناسي ، فحال نسيانه مظنّة للتذكير ، وهو بمنزلة المفرط في عدم التذكير ، فلا ينفعه العزم السابق.

وإلى هذا أشار المصنّف في شرح الإرشاد حيث قال :

النائم ليس بناس ، وقد ابيح له النوم أوّل مرّة إرفاقا ، وليس النوم مظنة التذكير ، وإباحته تستلزم إباحة ما ترتّب عليه ـ إلى أن قال ـ : أمّا الناسي ؛ فإنّه مع تفطّنه في مظنّة التذكير وعدم تذكيره مع طول الزمان لا يكون إلّا بتفريطه ، فافترقا ، انتهى.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه ان اريد أنّ الناسي حال نسيانه مظنّة للتذكّر ـ أي : مع نسيانه ـ فهو باطل ، وإن اريد أنّه مظنّة للتذكّر بأن يرتفع نسيانه ، فكذا النائم مظنّة للتذكر بأن


يستيقظ.

قوله : أو حمله على ما عدا اليوم الأوّل.

أي : حمل الحكم بالقضاء في الناسي على ما عدا اليوم الأوّل من أيّام الجنابة ، فلا يجب قضاء اليوم الأوّل من أيّام جنابته المنسيّة ، وحينئذ لا يكون تناف بين هذا وبين ما سبق ، ولا يكون فرق بينهما أيضا في الحكم ، وذلك لأنّ المعتاد الغالب أنّ في يوم وليلتين يتحقّق نومتان ، فيكون في النوم الثاني ممّن عاد بعد انتباهة واحدة ، وقد عرفت أنّ النائم أيضا يقضي لو عاد بعد انتباهة واحدة.

ولا يخفى أنّ هذا الحمل وإن كان مفيدا بالنظر إلى الغالب ، ولكن قد يكون النسيان على نحو لا يفيد هذا الحمل كما إذا لم ينم المحتلم في ليلة إلى نهار اليوم الثاني ، أو لم ينم إلّا نومة واحدة.

ويمكن أن يقرأ ما عدا النوم الأوّل ـ أي : بالنون ـ أي : بحمل الناسي على ناسي الغسل فيما عدا النوم الأوّل وحينئذ أيضا يرفع التنافي.

ثمّ لا يخفى أنّ هذا الحمل على الوجهين إنّما يناسب إذا كان الاستشكال في الفرق بالمعنى الثاني الذي ذكرنا ، دون الأوّل كما لا يخفى.

وكذا قوله : « ولكن لا يدفع إطلاقهم » أي : لا يدفع هذا الحمل مقتضى إطلاقهم في الناسي ، والكلام إنّما هو فيه ، وإنّما هو جمع بحكم آخر غير الحكم الإطلاقي.

قوله : لأحد النصّين.

أي : لشي‌ء من النصّين.

والمراد بهما : إمّا نصّ الأصحاب في المسألتين ـ وحينئذ لا إشكال ـ وإمّا نصّ الأخبار ، ويشكل حينئذ : بأنّه لم ينصّ في خبر على العزم على الغسل ، إلّا أن يحمل ما تضمّن من الأخبار أنّه نام متعمّدا على تعمّد الغسل.

قوله : ويمكن الجمع أيضا.

حاصل هذا الجمع الفرق بين اليوم الواحد وبين جميع الشهر ، فيقضي الصوم إن نسي الغسل في الجميع ، دون اليوم الواحد ، فأصل الجمع ما ذكره بقوله : « فيفرق » إلى آخره. وقوله : « مضمون هذه الرواية » سند الجمع ، ومعنى العبارة : أنّه يمكن الجمع بأنّ مضمون


[ هذه ] الرواية لمّا كان مختصّا بالنسيان حتّى خرج الشهر فيفرّق بين اليوم والجميع. والمراد بهذه الرواية إمّا رواية الحلبي المتقدّمة ، أو رواية النسيان مطلقا ، وإن تعدّدت.

والفرق بين هذا الجمع والجمع الثاني : أنّ هذا يختصّ بالقضاء وبجميع الشهر ، والجمع الثاني بما عدا اليوم الأوّل. وهذا موافق للرواية ، بخلاف الثاني.

ولكن لا يخفى أنّ ما أورده على الثاني بقوله : « ولكن لا يدفع إطلاقهم » وارد على هذا أيضا.

قوله : عملا بمنطوقها.

أي : اقتصارا عليه من غير تعدّ إلى الأبعاض. والضمير راجع إلى الرواية ، وهذا إذا كان الضمير ضمير التأنيث ، وفي أكثر النسخ « بمنطوقهما » بضمير التثنية ، والمرجع حينئذ إمّا صحيحة الحلبي وغيرها ، أو اليوم والجميع حيث إنّ روايات النائم ظاهرة أو صريحة في قضاء اليوم ، وروايات الناسي ظاهرة في قضاء الجميع.

قوله : لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى.

أي : اشتراك قضاء الجميع وقضاء الأبعاض في المعنى ؛ لأنّ قضاء الجميع هو بعينه قضاء الأبعاض الذي منه قضاء اليوم الواحد إن لم يكن فهم قضاء الأبعاض أولى حيث إنّ قضاء الجميع لا يكون إلّا مع قضاء البعض ، بخلاف قضاء البعض ، فدلالة قضاء الجميع على قضاء البعض قطعيّة ، وعلى قضاء الجميع ظنّية ؛ لأنّها بالإطلاق أو العموم.

ويمكن أن يكون المراد من قوله : « لاشتراكهما في المعنى » اشتراك الجميع والأبعاض في المعنى الموجب للقضاء ، وهو شمول النصّ والفتوى فإنّ قوله في الرواية : « رجل أجنب في شهر رمضان ، فنسي أن يغتسل حتّى خرج » يشمل ما لو أجنب في الليلة الأخيرة أيضا.

وقوله : « إن لم يكن أولى » ؛ لأنّ دلالة الرواية على البعض قطعية ، بل ظاهرة في البعض حيث إنّه يستبعد أن يجنب في الليلة الاولى ونسي حتّى يخرج الشهر.

قوله : وما في معناها.

من القرب ، والظهور ، ونحو ذلك. وقوله : « بذلك » إشارة إلى الإشكال المذكور ، أي :


إيذانا بذلك الإشكال. وقوله : « فقد ردّه ابن إدريس والمحقّق لهذا » تأييد لما ذكره. وقوله :« أو لغيره » عطف على « إيذانا » أي : نسبه إلى الشهرة إمّا للإيذان بذلك الإشكال كما ردّه لأجل ذلك المحقّق وابن إدريس ، أو لغير الإيذان بذلك من الأدلّة.

قوله : يعود إلى الزمان إلى آخره

وذلك لأنّ الظرف هنا يفهم من المظروف ؛ لأجل انضمام قوله : « بين الزوال » ؛ فإنّ نحو قولك : « بينك وبين الزوال » يفهم منه عرفا بين الزمان الذي أنت فيه حين التكلّم. ويمكن أن يكون راجعا إلى التكلّم بحذف مضاف ، أو بين زمانه ، والمفاد واحد.

قوله : ظرفية زمانية.

ولكن الزمان الذي يدلّ عليه لفظة « ما » غير الزمان الذي هو مرجع الضمير ، بل هو الزمان الذي بين الزمان المرجع والزوال ، وهو ظرف التخيّر.

قوله : أي : يتخيّر في المدّة التي بينه إلى آخره

الزمان الذي تدلّ عليه لفظة « المدّة » هو المدلول عليه بلفظة « ما » والذي يدلّ عليه لفظ « الحال » هو مرجع الضمير. ومعنى قوله : « حال حكمنا عليه بالتخيير » أي : بالتخيير في المدّة التي بينه وبين الزوال لا بالتخيير في الحال ، وإنّما خصّ التخيير بالمدّة التي بينه وبين الزوال ، مع أنّه يتخيّر من الفجر إلى تلك المدّة أيضا لو كانت بعد الفجر ؛ لأنّه لا معنى للحكم بالتخيير في الإفطار في الزمان الماضي ، ولا في آن الحكم وإن كان مخيّرا قبل ذلك.

قوله : بينيّة.

أي : بينيّة صالحة للحكم بالتخيير ، وإلّا فإنّه إذا كان بعد الزوال تتحقّق البينية أيضا.

قوله : فيه.

أي : في الزوال.

قوله : إذ لا مدّة.

أي : لا مدّة من المدّة المخيّر فيها.

قوله : تخييره ما بين الفجر والزوال.


لا يخفى أنّ هذا المعنى مفهوم من الكلام على التقدير الأوّل أيضا ؛ لأنّه إذا كان المكلّف في أوّل الفجر يصدق أنّه يتخيّر ما بينه وما بين الزوال.

قوله : بدخول [ شهر ].

أي : بإشرافه على الدخول ، أو قرب دخوله.

قوله : قبل فعله.

متعلّق بقوله : « الوفاة » ، دون « ظن » أي : ظنّ تحقّق الوفاة قبل القضاء في يوم آخر غير اليوم الذي يريد افطاره.

قوله : لكن لا كفّارة.

أي : لا كفّارة فيما لو تضيق الوقت بسبب الإفطار وإن كان آثما ووجب الفدية.

قوله : مع تأخيره.

متعلّق بقوله : « وجبت » أو حال عن « الفدية » ، والتقييد به ؛ لأنّه لا تجب الفدية مع ترك القضاء فيما لو ظنّ الفوت ، وفات أيضا.

قوله : فلا تحريم فيه.

أصلا ، ولا اختصاص للتخيير بينه وبين الزوال ، بل يتخيّر تمام اليوم ، بل لا معنى للتخيير ؛ لأنّه إنّما يطلق فيما كان تحريم في وقت أيضا.

قوله : والكفّارة.

أي : وصوم الكفّارة.

قوله : ولو تعيّن.

أي : تعيّن الواجب ، كالنذر المعيّن أو الاستيجار في يوم معيّن.

قوله : أو إشباعه.

أي : قدر إشباعه.

قوله : المضي فيه.

أي : في الصوم. والحاصل : أنّه إذا أفسد القضاء بعد الزوال يجب عليه الإمساك إلى الغروب. ففي ضمير « فيه » نوع استخدام حيث أراد الإمساك.


قوله : كاصله.

أي : إمّا مطلقا ، أو مع تخلل التكفير ، أو اختلاف الجنس ، أو في الجماع خاصّة كما مرّ.

المسألة الثانية

قوله : في اصحّ الاقوال فيهما.

أي : في النذر والعهد. ومقابل الأصح فيهما القول بأنّ كفّارتهما كفّارة يمين. وقول آخر بأنّ كفّارتهما كفّارة ظهار. وفي النذر قول آخر بأنّها كفّارة الإفطار ، فإن لم يقدر فكفّارة اليمين. وفي العهد قول آخر بأن كفّارته كفارة قتل الخطأ.

قوله : مرتّبة.

يعني : أنّ الواجب أوّلا عتق رقبة ، فإن لم يقدر فصيام شهرين ، فإن لم يقدر فإطعام ستّين مسكينا.

قوله : أي : أفسد صومه.

فائدة هذا التفسير دفع توهّم أنّ المراد بالافطار الافطار في الغروب حيث إنّ الإفطار يطلق على الخروج من الصوم مطلقا سواء كان وقت الإفطار أم لا.

قوله : وغبار ما لا يجوز تناوله.

عطف على « مال الغير ». وإضافة « الغبار » إلى الموصول بمعنى : من ، أي : الغبار الذي هو بعض ما لا يجوز تناوله كغبار التراب. فغير المحرّم : الغبار الذي هو بعض ما يجوز تناوله كغبار الدقيق.

وأمّا الغبار المرتفع ممّا يجوز تناوله فليس مطلقا حلالا كغبار التراب المرتفع من الحنطة ، وإن سمّي عرفا « غبار الحنطة ».

قوله : إذا صارت في الفم.

يعنى : لا إذا نزلت من الدماغ من غير وصول إلى الفم ، وحدّه ما تعدّى من مخرج « الخاء » المعجمة. وقد يقال : إنّه ما تعدّى مخرج « الحاء » المهملة ، والأوّل أصح.

قوله : للرواية الصحيحة إلى آخره.

هي التي رواها عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : قلت : يا ابن رسول


الله! قد روي عن آبائك عليهم‌السلام فيمن جامع في شهر رمضان ، أو أفطر فيه ثلاث كفّارات ، وروي عنهم أيضا كفّارة واحدة ، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال : « بهما جميعا ، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث : عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالا او أفطر على حلال فعليه كفّارة واحدة ... ». (١)

قوله : وتقييدها.

أي : تقييد النصوص المطلقة بغير من افطر على محرّم طريق الجمع بينها وبين الرواية المتقدّمة وما بمضمونها. وقد يجمع بينهما أيضا بحمل الرواية على الاستحباب.

المسألة الثالثة

قوله : المرض الذي أفطر معه.

لعلّ التقييد بذلك ، للاحتراز عمّا لو برأ عن المرض الذي أفطر معه في رمضان وطرأ بلا فاصلة يوم مرض آخر غيره ، فيمكن وجوب القضاء حينئذ.

قوله : والمروي.

قد روي ذلك في عدّة أخبار كحسن محمّد بن مسلم عن الصادقين عليهم‌السلام قال : سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتّى أدركه شهر رمضان آخر. فقالا : « إن كان قد برأ ثمّ توانى قبل أن يدركه الصوم الآخر صام الذي أدركه ، وتصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وإن كان [ لم يزل ] مريضا حتّى أدركه شهر رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأوّل لكلّ يوم مدا على المسكين ، وليس عليه قضاؤه ». (٢)

وبمضمونه صحيحة زرارة وغيرها. (٣)

قوله : وقيل : بالجمع.

أي : بين الفدية والقضاء ؛ للاحتياط جمعا بين القولين وبين الأخبار والآية.

قوله : وهما نادران.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٣٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٣٥.


لا شك في ندرة الثانى ؛ إذ لم ينقل إلّا عن ابن الجنيد. وأمّا الأوّل فالحكم بندرته بعيد ، إذ قال به ابن أبي عقيل ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، والشيخ في الخلاف ، وحكي عن الصدوق وأبي الصلاح ، وقوّاه العلّامة في المنتهى ، وقطع به في التحرير.

قوله : وعلى المشهور لا تتكرّر الفدية.

أي : لا تتكرّر فدية رمضان واحد بتكرّر سني استمرار المرض ، فلو استمرّ مرضه ثلاث سنين لم يفد عن رمضان الأوّل الا فدية واحدة ، ولا يفدي له لأجل استمرار المرض في السنة الثانية أيضا ، وكذا الثالثة ، وهكذا.

وفيما ذكره ردّ على ما نقل عن التذكرة من أنّه خالف في ذلك وقال بأنّه يفدي عن الرمضان الأوّل بتكرّر سني الاستمرار.

قوله : ولا فرق بين رمضان واحد.

يعني : أنّه لا فرق في وجوب الفدية بين ما إذا استمرّ المرض بحيث ترك عنه قضاء رمضان واحد أو أكثر ، فلو استمرّ المرض إلى الثالث يجب الفداء عن الثاني أيضا كما كان يجب عن الأوّل وإن لم تتكرّر فدية الأوّل. وفيما ذكره ردّ على عليّ بن بابويه في رسالته ، وابنه في المقنع.

قوله : مستحقّ الزكاة لحاجته.

لا مستحقّها للعمل ، والتأليف ، والرق ، ونحوها ، فيعطى المسكين قطعا. وأمّا ابن السبيل والغارم ، فقد وقع الخلاف فيه من حيث تنصيص الأخبار على المسكين ، وكذا الآية ، [ و ] من حيث إنّهما [ مسكينان ] إذا لم يتمكّنا من الاستدانة ولا الأخذ من الزكاة. وكلام الشارح يحتمل الأمرين حيث إن المتبادر من الاستحقاق للحاجة أن يكون لحاجته في نفسه ، لا لانقطاع في سفر ، أو غرم ، وحيث إنّه يصحّ إطلاق المحتاج عليهما لغة.

وفي قوله : « وإن اتّحد » ردّ على ظاهر المقنعة حيث ذهب إلى وجوب التعدّد أي :

يعطي فدية يوم مسكينا ، فلا يجوز إعطاء فدية ثلاثين يوما مسكينا واحدا.

قوله : وكذا كلّ فدية.

أي : في باب الصوم. كما صرّح به في المسالك ، وشرح الارشاد.


قوله : كالسفر المستمر.

ومثله الملفق من السفر والمرض ، أو مع الحيض ، ونحو ذلك.

قوله : أجودهما وجوب الكفّارة.

يعني : أجود الوجهين المذكورين وهما تعدي حكم المرض إلى غيره وعدم التعدي.

ولا يخفى أنّ ما استجوده من الوجهين هو الوجه الثاني أي : عدم التعدّي ، وذلك لأن المرض والسفر وغيرهما من الأعذار مشتركان في وجوب الكفّارة أو استحبابها على اختلاف القولين إذا أخّر القضاء لا لعذر والقضاء بعد رمضان اللاحق ، ولا كلام في ذلك ، وإنّما الكلام في التأخير لدوام العذر واستمراره ، فالمشهور في المرض سقوط القضاء ووجوب الفدية. واستجود الشارح وجوب القضاء في غير المرض بقوله : « ووجوب القضاء مع دوامه ».

والمراد من الكفّارة التي ذكرها : هي كفّارة التأخير ، وهي التي يذكرها المصنّف بعد ذلك بقوله : « فدى وقضى ». ويجب القضاء مضافا إلى الكفّارة أيضا ، وإنّما لم يذكره ؛ لظهوره ، أو لإشعار لفظ « الكفّارة » عليه ، حيث إنّه يؤذن بالاثم ولا يسقط القضاء معه ، وكأنّه الوجه في تعبيره بالكفّارة مع إطلاق الفدية عليه في بعض العبارات.

ثمّ إنّه بما ذكرنا ظهر أنّ في كلام الشارح زيادة لا يحتاج إليها ، وهو إما قوله : « وجوب الكفّارة مع التأخير لا لعذر » أو قوله : « المستمرّ » الذي جعله وصفا للسفر ، وذلك لأنّ الكلام إمّا في تعدّي حكم المرض المستمر إلى غيره من الأعذار المستمرّة ، فيكون قوله :« وجوب الكفارة » إلى آخره زائدا ، بل كان عليه أن يقول : أجودهما وجوب القضاء ؛ لأنّ التأخير لا لعذر إنّما هو إذا لم يستمرّ العذر أو الكلام في تعدي حكم المرض مطلقا إلى غيره من الأعذار مطلقا ، وحينئذ فيكون لفظ « المستمرّ » زائدا.

ويمكن أن يكون معنى قوله : « مع التأخير لا لعذر » أي : مع التأخير في القضاء لا لعذر في قطع السفر ، لا في القضاء ، ووجوب القضاء مع دوام العذر في قطع السفر ، وحينئذ فلا يكون شي‌ء زائدا ولكن لا يلائم ذلك قوله : « وجهان » إلّا أن يقال : الوجهان : التعدّي مطلقا والتفصيل المذكور.


قوله : بأن لم يعزم عليه في ذلك.

هذا بيان للتهاون. وتوضيح المقام : أنّ من لم يستمر مرضه إلى رمضان اللاحق وبرأ بينهما ولم يقض بينهما ما فاته ، لا يخلو عن صور ، لأنّه إمّا غير عازم للفعل في سعة الوقت ، أو عازم له فيها. والأوّل على قسمين ؛ لأنّه إمّا عازم على الترك ، أو غير عازم على شي‌ء من الترك والفعل وعلى التقديرين : إما يكون تركه للقضاء في ضيق الوقت ؛ لبقاء عدم عزمه على الفعل واستمراره من غير عروض مانع ، أو يكون لأجل عروض عذر بعد ذلك منعه من القضاء والثاني وهو العازم على الفعل في سعة الوقت أيضا على قسمين ؛ لأنّه اما يرجع عن عزمه عند ضيق الوقت ، ويعزم على الترك أو لا يرجع بل يبقى على عزمه على الفعل في أواخر أزمنة السعة المتصلة بأوائل الضيق ، ولكن يعرض له مانع عند الضيق من الفعل.

فهذه ستّ صور يكون المكلّف في خمس منها متهاونا ، وهي الخمسة الاولى ، ويكون في واحدة غير متهاون ، فإلى الأربعة الاولى من الخمسة أشار بقوله : « لم يعزم عليه في ذلك الوقت » أي : وقت البرء ، كالذي يكون مع السعة سواء كان عازما على الترك أيضا أم لا. وسواء عرض مانع عند ضيق الوقت أو لا.

وإلى الخامس منها أشار بقوله : « أو عزم في السعة » إلى آخره

وأمّا السادس ـ وهو صورة عدم التهاون ـ فهو الذي ذكره في تفسير قوله : « ولو لم يتهاون » بقوله : « بأن عزم » إلى آخره

وهاهنا صورة اخرى أيضا للتهاون ، وهي أن يبرأ عند الضيق ، ولم يفعل ، ويمكن إدراجها في قوله « بأن لم يعزم » أيضا بل إدراجها هو السبب في التعبير في قوله : « في ذلك الوقت » دون السعة فالمعنى : بأن لم يعزم حين البرء سواء كان الوقت مضيقا أم لا ، ومع عدم التضيق سواء كان عازما على الترك ، أو غير عازم على شي‌ء من الطرفين وسواء عرض مانع عند الضيق أم لا.

ثمّ إنّه على ما ذكرنا كان قوله « في السعة » متعلّقا بقوله « أو عزم » ، وقوله « في ذلك الوقت » متعلّقا بـ « لم يعزم ». ويحتمل أن يكون قوله : « في السعة » متعلّقا بكلّ من قوله : « لم


يعزم » و « أو عزم » ويكون فرض العزم على العدم حين الضيق على فرض عدم العزم في السعة مبنيّا على لزومه ، إلّا عند عروض النسيان ، أو عذر ؛ إذ لا يتصور مع عدمها في الضيق ، إلّا العزم على الفعل ، أو الترك.

ولكن لا يخفى أنّه على ذلك تخرج الصورة السابعة عن كلام الشارح كما هو ظاهر.

قوله : عرض له.

أي : عرض في السعة ، واستمر إلى رمضان اللاحق.

قوله : عليه أم لا.

أي : على القضاء ، أو على عدم الفعل والحاصل : أنّ التفصيل الذي ذكره المصنّف غير قوي.

قوله : على أصله.

من عدم العمل بالخبر الواحد.

قوله : وهو ضعيف.

أي : الاكتفاء ، أو أصله.

المسألة الرابعة

قوله : إذا تمكن من القضاء.

يعني : إذا تمكّن المريض بقرينة ما تقدّم في المسألة السابقة ، وليس المراد : إذا تمكّن من أفطر مطلقا ؛ إذ يأتي الكلام في المسافر.

قوله : مع بلوغه عند موته.

متعلّق بقوله : « قضى » أي : قضى الأكبر مع بلوغ الأكبر عند موت المريض ، أو موت المتمكّن من القضاء ، أو موت الوالد.

قوله : اشتركوا فيه.

أي : في وجوب القضاء. ومقابل الأقوى هنا قول ابن إدريس حيث قال : « والذي تقتضيه الأدلّة ويجب تحصيله في هذه الفتيا أنّه لا يجب على واحد منهم قضاء ذلك ، لأنّ الأصل براءة الذمة والاجماع غير منعقد على ذلك.


قوله : فيقسّط عليهم بالسوية.

وهل يجب التقسيط حتّى إذا رضي واحد بقضاء الكل لم يسقط عن الباقين أو لا؟ فيه قولان.

قوله : فإن انكسر منه شي‌ء.

أي : من القضاء او الصوم او التقسيط. وانكسار الشي‌ء كأن يكون عليه ثلاثة ايام وكان الولي اثنين. فكفرض الكفاية ـ أي : هو فرض كفائي ـ كسائر أفراد فرض الكفاية. و « الكاف » زائدة.

قوله : ولو اختصّ أحدهم.

أي : كان أحد ولده الذكور بالغا ، والاخر أكبر سنّا كأن يكون لأحدهم خمس عشرة سنة إلّا شهرا ، ولم يحتلم بعد ، وللآخر أربع عشرة سنة واحتلم ، أو انبت شعر العانة.

قوله : بالوصف.

أي : لم يكن له ولد ذكر ، او كان وكان مجنونا أو صغيرا.

قوله : على باقي الأولياء.

أي : للأولياء في الميراث. يعني : الورثة الاولى.

قوله : فيما خالف الأصل.

هو التحمّل عن الغير ، أو مطلق الوجوب ؛ فإن الأصل عدم كلّ منهما.

قوله : وللتعليل.

أي : تعليل وجوب القضاء في كلام الأصحاب بأنّ وجوب القضاء على أكبر أولاد الذكور ، إنّما هو في مقابل الحبوة التي له ، ولا شكّ أنّه لا يحبى غيره ، فلا وجوب عليه أيضا.

قوله : من مراتب.

متعلّق بالولي : أي الولي من مراتب الإرث مطلقا ذكرا كان أم انثى ، ولكن بالترتيب كما يأتي.

قوله : ويقدّم الأكبر من ذكورهم


يريد بذلك : أنّ الوجوب على الولي المطلق أيضا على الترتيب. وقد اختلف كلمات الأصحاب في بيان الترتيب وجملة القول في ذلك : أنّ الترتيب يكون بين الطبقات المرتّبة في الارث وبين الأكبر وغيره وبين الرجال والإناث ، فالمعتبر من الترتيب هنا أقسام. يحتمل أن يكون الأوّل فقط أو الثاني أو الثالث كذلك ، ويحتمل أن يكون المعتبر اثنين منها وأن يكون الثلاثة جميعا ، ثمّ على تقدير التعدّد ـ أي : اعتبار الاثنين أو الثلاثة ـ يتكثّر الاحتمالات باعتبار تقديم كلّ من الاثنين أو الثلاثة أو تأخيره. ـ مثلا ـ إذا اعتبر الترتيب بين الطبقات والأكبر ، فهل تقدّم الطبقات أو الأكبر؟

فعلى الأوّل يجب أوّلا تقديم الطبقة الاولى مطلقا ، ثمّ الأكبر منها ، فإذا انتفت الطبقة الاولى مطلقا اعتبرت الطبقة الثانية وعلى الثاني يجب أوّلا تقديم الأكبر حتّى لو كان في الطبقة الثانية من هو اكبر من الاولى يقدّم ، ثمّ يقدّم الأكبر من الاولى ، وهكذا.

وظاهر عبارة الشارح اعتبار الترتيب بين الثلاثة ، وتقديم الذكور على الإناث مطلقا ، ثمّ الأكبر كذلك ، ثمّ الطبقات ، فيجب على الذكور أوّلا ، وعلى أكبرهم ثانيا ، وعلى الطبقة الاولى ثمّ الثانية ثمّ الثالثة وهكذا ثالثا فلو كان أكبر الذكور في الطبقة الأخيرة تقدّم على الطبقة الاولى.

قوله : منه.

أي : من الصوم.

قوله : خلاف أقربه.

أي : الأقرب فيه ـ أي : في القضاء عن المسافر ـ أو أقرب الخلاف أي : القولين المتخالفين.

قوله : كالمريض.

أي : كما يراعى التمكّن من القضاء في المريض.

قوله : لإطلاق النص.

وهو خبر أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان ، او طمثت ، أو سافرت ، فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : « أمّا الطمث


والمرض فلا ، وأمّا السفر فنعم ». (١) وبمضمونه أخبار اخر. (٢)

قوله : وتمكّنه من الأداء.

عطف على قوله : « لإطلاق النص ». والتمكّن ؛ لأنّ السفر من فعله ، فيتمكّن من الإقامة والأداء.

قوله : بخلاف المريض.

فإنّه لا يتمكّن من الأداء ، لكون المرض مما غلب عليه.

قوله : هو ممنوع.

أي : التمكّن من الأداء مطلقا ممنوع ، فالمنع إنّما هو على إطلاقه.

قوله : ما فاتهما على الوجه السابق.

أي : في المريض والسفر.

قوله : في كثير من الأحكام.

وذلك يوجب أن يغلب على الظن مساواتهما له هاهنا ؛ لأنّ المظنون إلحاق الشي‌ء بما كثر.

قوله : في المرأة أولى.

الفرق بين الأولي والأقوى أنّه يطلق الأولى على ما لم يثبت تعيينه شرعا ، ولكن يناسب الاحتياط أو ثبت استحبابه. والأقوى على ما اقتضاه الدليل الشرعى.

ووجه الأولويّة في المرأة : أنّ اخبار وجوب القضاء مختصّة بالرجل ، ولكن دلّ كثير من الأخبار على مشروعيّته عنها المحتملة للوجوب والاستحباب ، فالمناسب للاحتياط أو المندوب القضاء عنها. وأمّا العبد فهو داخل في إطلاقات وجوب القضاء عن الرجل وعموماته ، والأصل بقاء العام على عمومه ما لم يثبت المخصّص ، ولا مخصّص هنا ، فالأقوى وجوبه عنه.

قوله : ما اختاره.

من اختصاص القضاء باكبر الولد الذكور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٢٩.


قوله : فقده.

أي : فقد الذكر.

قوله : أو لم يجب عليه.

أي : على الولي بأن لا يكون ذكرا ، أو كان ولم يكن من الأولاد ، أو كان ولم يكن بالوصف المتقدّم.

قوله : من التركة.

التقييد بذلك ؛ لدفع توهّم أنّه يتصدّق من الثلث. فالمعنى أنّه يتصدّق من أصل التركة.

قوله : في المشهور.

يحتمل أن يكون متعلّقا بكلّ من التصدّق وكونه بمد ، ومتعلّقا بكليهما ؛ فإنّ فيهما خلافا.

قوله : حيث.

متعلّق بقوله : « سقطت » أي : سقطت مع الوصية ، حيث يقضى الصوم عن الموصي لأجل الوصيّة بأن يكون وصيته نافذة أو خارجة من الثلث ، أو أجازتها الورثة.

قوله : في الشهرين.

أي : في قضاء الشهرين عن الميّت إذا وجب عليه.

قوله : عن آخر.

بمثل ما ذكر.

قوله : عن الولي بالاقتصار.

يريد أنّه ليس عزيمة ، فيجوز للولي قضاء الشهرين أيضا. واحتمل بعضهم أن يكون ذلك عزيمة لا تخفيفا ورخصة.

قوله : في سندها ضعف.

وهي رواية الوشاء عن الرضا عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علّة ، فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأوّل ، ويقضي الثاني ». (١)

ووجه ضعف سندها : أنّ فيه سهل بن زياد الآدمي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٣٣٥.


قوله : به.

أي : بالتخيير.

قوله : واجبين تعيينا.

أي : يكونان من الواجبات المعيّنة ، أو من الواجبات المخيّرة. وفيه إشارة إلى الرد على ما قاله ابن إدريس : من أنّه لا يجوز في المخيّر إلّا صومهما جميعا ، أو التصدّق عنهما جميعا ؛ لأنّه لا يجوز في المخيّر التلفيق بين فردين من أفراد المخيّر أي : جنسين منه ، والصوم والصدقة جنسان منه.

وردّ : بأنّ الصدقة هنا فداء عن الصوم ، دون الذي هو من أفراد المخيّر المتحقّق مع إطعام ستّين مسكينا.

قوله : غير الشهرين.

من الناقص عنهما والزائد عليهما.

المسألة الخامسة

قوله : عليه القصر.

المراد بالقصر هنا : قصر الصوم ، وكذا فيما يأتي.

قوله : جاهلا.

وأمّا الجهل ببعض خصوصيّات الحكم ، ففي كونه كالجهل بأصل الحكم وعدمه وجهان.

قوله : لتقصيره.

إذ النسيان لا يكون غالبا ألّا؟ لأجل عدم المبالاة بالمنسي والمداهنة فيه.

قوله : يناسب حكمها.

الإضافة للعهد. أي : والحكم الذي يناسب الحكم المذكور للصلاة من الإعادة في الوقت وعدمها في خارجه فيه ـ أي : في الصوم ـ عدم الإعادة لفوات وقته ، لأنّ المفروض من نسي الحكم وصام تمام اليوم ، فإذا تمّ اليوم ففات الوقت.

قوله : ومنع تقصير الناسي.


عطف على الفوات ، وإشارة إلى دفع ما ذكره دليلا على الإعادة بقوله : « لتقصيره في التحفّظ ».

قوله : ولرفع الحكم.

في الحديث المتّفق عليه.

قوله : للرواية.

وهي : الصحيحة عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت ». (١)

ورواية سماعة عنه عليه‌السلام : « ليس يفرق التقصير والإفطار ، فمن قصر فليفطر ». (٢) وغيرهما (٣).

قوله : بعض الأصحاب.

المراد ببعض الأصحاب الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن حمزة و « بعض الموارد » :هو ما إذا كانت المسافة أربعة فراسخ ، ولم يرد الرجوع ليومه فقد قالا فيه بتحتّم الصوم ، والتخيير في الصلاة بين القصر والاتمام ، إلّا أنّ ابن حمزة شرط في التخيير إرادة الرجوع من الغد.

قوله : يتجاوز الحدّين.

أي : ظهور الجدران وسماع الأذان.

قوله : وإلّا أتم.

بـ « التاء » المثنّاة ، والمعنى ظاهر. وفي بعض النسخ ـ بالثاء المثلثة ـ والمعنى حينئذ :

أنّه إذا لم يخرج قبل الزوال بالحيثيّة المذكورة أثم لو أفطر.

قوله : على أصحّ الأقوال.

يحتمل تعلّقه بقصر الصلاة حيث إنّ في قصر الصلاة إذا خرج بعد الزوال أقوال ـ كما مرّ في بحث الصلاة ـ ويحتمل تعلّقه بأصل مسألة الصوم ؛ فإنّ فيها أيضا أقوالا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ١٨٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ / ١٨٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٠ / ١٨٤.


قوله : ولا اعتبار إلى آخره

إشارة إلى الرد على الشيخ في النهاية حيث اعتبر في الصوم والإفطار التبييت لنيّة السفر ليلا وعدمه وقال :

إذا خرج الرجل إلى السفر بعد طلوع الفجر أي وقت كان من النهار ، وكان قد بيّت بنيّة السفر من الليل وجب عليه الإفطار وإن لم يكن قد بيت بنيّته من الليل ثمّ خرج بعد طلوع الفجر كان عليه إتمام ذلك اليوم وليس عليه قضاء وإن خرج قبل طلوع الفجر وجب عليه الإفطار على كلّ حال وكان عليه القضاء ومتى بيّت بنيّة السفر من الليل ولم يتحقّق له الخروج إلّا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقيّة النهار ، وعليه القضاء.

ونحوه في الاقتصاد والجمل ، ووافقه جمع آخر من الأصحاب أيضا.

المسألة السادسة

قوله : تجب حينئذ الفدية.

أي : حين وجوب القضاء ، أو حين قدرتهما على القضاء أي : كما أنّه يجب القضاء ، هل تجب الفدية أيضا؟

قوله : ثمّ إن قدرا على القضاء.

أي : الشيخ والشيخة في صورة الطاقة مع المشقّة الشديدة لا مطلقا ؛ لتصريحه في صورة العجز بأنّه لا قضاء ، ولدلالة قوله : « والأجود حينئذ » إلى آخره على ذلك.

ولا يتوهّم أنّ في هذا تكرارا لما سبق من قوله : « وإلّا فلو فرض قدرتهما » إلى آخره ، لأنّ ما تقدّم إنّما ذكره توجيها للعبارة ، والآن يريد تفصيل المسألة على ما هو المختار عنده.

قوله : بقاء الفدية.

أي : بقاء وجوب الفدية ، أو بقاؤها على وجوبها.

قوله : لإمكان الجمع.

أي : بينها وبين القضاء ، لعدم التنافي كما تجمع كفارة الإفطار لا لعذر مع القضاء.

قوله : ولجواز.


هذا جواب لما يمكن أن يقال : إنّ الفدية هنا بدل عن القضاء ، أو الصوم أداء وقضاء جميعا ، ولذا يكتفي به من لا قضاء عليه ، ولا يجوز الجمع بين البدل والمبدل ، فإذا وجب القضاء سقطت الفدية.

وحاصل الجواب : أنّ كونها بدلا عن القضاء خاصّة ، أو مع الأداء ممنوع لجواز أن تكون عوضا عن الإفطار أي : المفطر من باب إطلاق المصدر بمعنى اسم المفعول كالخلق بمعنى المخلوق ، والمفطر هو الصوم الأدائي الفائت ، أو المراد بالإفطار الأداء الفائت بالإفطار من باب التوسّع أو المراد بالعوض الخير والتكفير كما هو الشائع المتعارف ، كما يقال لمن خالف وعدا في ليلة عد ليلة اخرى عوض خلف وعدتك وهذا هو السر في التعبير في الأوّل بالعوض ، وفي الثاني بالبدل.

ويمكن أن يكون السرّ ما ذكره الراغب من : « أنّ البدل أعمّ من العوض ، فإنّ العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأوّل ، والتبديل قد يقال للتغيير مطلقا وإن لم تأت ببدله (١) » والقضاء لم يكن واجبا أوّلا ، فيصح جعل الفدية بدله بخلاف الأداء ، فإنّه كان واجبا ، فيكون عوضه.

ويمكن أن يكون السرّ اشتهار العوض في عوض ما فات بلا اختيار ، والأداء كذلك ، والبدل شائع في البدل الاختياري كخصال الكفّارة ، والكلام هنا في كم يتمكّن من القضاء.

قوله : لا يروي.

أي : لا يروي أصلا ، وبحسب العادة ، بل يطلب الماء أكثر مما يعتاد طلبه. ثمّ إن هذا معنى ذي العطاش. وأمّا التقييد بقوله : « لا يتمكّن من ترك شرب الماء طول النهار » أي :

أصلا وإلّا مع مشقّة شديدة لا تتحمّل عادة ، فإنّما هو لبيان المراد منه في هذا المقام ، فإنّه قد يكون المرء غير متمكّن من تركه كذلك ، ولكن لا يكون ذا العطاش بمعناه المتعارف ، وقد يتمكّن من تركه كذلك ويكون ذا العطاش.

قوله : المأيوس من برئه.

قال الشيخ علي في حاشية الشرائع : « ويثبت اليأس من برئه بقول طبيبين عارفين ». و

__________________

(١) المفردات : ٣٩.


يمكن ثبوته بقول الواحد. وقوله : « كذلك » خبر للمبتدإ أي : ذو العطاش. وقوله : « يسقط عنه القضاء » إلى آخره تفسير لقوله : « كذلك ».

قوله : وإنّما ذكره هنا.

أي : ذكر البرء وحكمه في ذي العطاش ، دون الشيخين ، لإمكان البرء هنا عادة ، فينبغي بيان حكمه.

قوله : بتقريب ما تقدّم.

من قوله : « والأصل بقاء الفدية ، لإمكان الجمع » إلى آخره.

قوله : هنا.

أي : في هذا الكتاب.

قوله : كالمريض.

أي : كالمريض بغيره من الأمراض ، وإلّا فالعطاش أيضا مرض. وقوله : « من غير فدية » بيان لوجه الشبه. وهذا هو الفارق بين ما يرجى زواله وما لا يرجى وإن برئ بعد ، فإنّهما حينئذ متشاركان في وجوب القضاء ، ولكن مع الفدية في الثاني ، وبدونها في الأوّل.

قوله : وتجب الفدية.

أي : إنّما تجب الفدية مع المشقة ، لا أنّ معها تجب الفدية خاصّة بدون القضاء إن قدر عليه ؛ لأن الشيخين كان يجب عليهما القضاء مع القدرة في صورة المشقّة.

المسألة السابعة

قوله : الحامل المقرب.

التخصيص بالمقرب أي : المقرب من وضع الحمل ، وبقليلة اللبن مع إمكان الخوف على الولد في غيرهما أيضا ، لاختصاص العذر غالبا وعادة وتحقق الخوف كذلك فيهما ، ولمتابعة النص ، فإنّ النصّ الوارد في الحامل والمرضع مقيّد بالوصفين.

قوله : مع القطع بوجوبه.

أي : مع قطع المصنّف بوجوبه في الدروس ، أو مع كونه ممّا ينبغي أن يقطع فيه ، وليس المراد : الكناية عن نفي الخلاف ؛ لأنّ علي بن بابويه وسلّار نصّا على نفي القضاء فيه ، و


الصدوق وعلم الهدى لم يتعرضا لذكر القضاء.

وقوله : « لظهوره » علّة لعدم الذكر. وقوله : « حيث إنّ عذرهما » علّة للظهور أي :عذرهما آئل إلى الزوال البتّة ، فلا تزيدان عن المريض بسقوط الأداء والقضاء جميعا ؛ فإنّ المريض ربما يستمرّ مرضه بخلافهما. وفيه : أنّ الاستمرار المسقط للقضاء هنا هو الاستمرار إلى رمضان آخر ، وعذر المرضعة أيضا ممّا يمكن استمراره إلى رمضان آخر.

ويمكن أن يقال : إنّ المصنّف لم يتعرّض للقضاء لاغناء ما أسلفه من قوله : « ويقضيه كلّ تارك له عمدا أو سهوا أو لعذر » عنه ، وإنّما تعرض له في ذي العطاش ؛ لخفائه أو للإشارة إلى تقسيم العطاش إلى المرجوّ الزوال وغيره.

قوله : وفى بعض النسخ وتعيدان بدل وتفديان.

قيل : والظاهر أنّه سهو من الناسخ ؛ لأنّ الإعادة لا تتصوّرها هنا.

ووجّه : بأنّه يحرم عليهما تناول الزائد عن الضرورة ، وإذا لم يتناولا الزائد فهما بحكم الصائم ، فإذا قضيا فقد اعادتا الصوم.

وقد تكلّف بعضهم وقال : يمكن أن يكون تعيدان من الإعادة بمعنى : إفادة الفائدة ، فيكون بمعنى : تفديان. وأن يكون تعتدّان ـ بالفوقانية المثناة بعد العين وتشديد الدال ـ من الاعتداد أي : تعتدّان بيوم فطرهما (١) صوما فلا نقصان ، ويكون فيه إشارة إلى عدم تعدّيهما عن الضرورة.

قوله : « لأنّ الفدية لا تستفاد » إلى آخره

إضافة الاستنباط إلى اللفظ بمعنى : « من » أي : الاستنباط الحاصل من اللفظ يعني : أن الاستنباط اللفظي إذا لم يذكر قوله : « تفيدان » لا يفيد وجوب الفدية ، مع أنّها واجبة ، بخلاف القضاء ؛ فإنّه إذا لم يكن مذكورا يستنبط من اللفظ لدلالة العذرين عليه ؛ لكونهما آئلين إلى الزوال كما مر. والأوضح أن يكون المذكور ما يكون الاحتياج إليه أكثر ، ولا يكون مستنبطا من اللفظ ، هذا ، مع أنّ ما مرّ من المصنّف من الحكم بالقضاء على كلّ ذي عذر يكفي عن ذكره ثانيا.

__________________

(١) عبارت تصحيح قياسى شد.


قوله : ولا فرق في ذلك.

يحتمل أن يكون المشار إليه بذلك إفطار الحامل المقرب والمرضعة وفدائهما ، ولا يكون لهذا تعلّق بالخوف على النفس أي : لا فرق في وجوب إفطارهما وفدائهما بين الخوف لجوع وعطش. ويمكن أن يكون جميع ما ذكر من الحكم من إفطار الحامل والمرضعة وفدائهما وإفطار الخائفة على نفسها وقضائها ، أي : لا فرق في شي‌ء من الحكمين بين الخوف لجوع أو عطش.

والأوّل أنسب بقوله : « ولا في المرتضع » إلى آخره وعلى التقديرين يمكن أن يكون « اللام » في قوله : « لجوع » للتعليل ، وأن يكون للتعدية. فعلى الأوّل يكون المعنى : ولا فرق فى ذلك بين كون الخوف على الولد أو على النفس لأجل جوع الحاملة أو المرضعة أو عطسهما الموجب لسقط الولد أو تلفه أو لهلاكة نفسها.

وعلى الثاني يكون المعنى : ولا فرق في ذلك بين خوف جوع الولد ، أو عطشه المؤدّي إلى تضرّره بنفس الجوع والعطش ، أو جوع المرأة ، أو عطشها المؤدي إلى هلاكها.

قوله : متبرّعا.

تذكيرها باعتبار لفظ « الغير ».

قوله : أو آخذا مثلها.

أي : من الاجرة إن كانت مستأجرة. ولا بدّ من تقييد الحكم بامتناع الإفطار حينئذ بأن كانت هي المستأجرة للغير ، وجاز لها ذلك ، أو رضي المستأجر باستيجاره غيرها ، ولكن لا حاجة حينئذ إلى التقييد بالمثل أو الأنقص ، بل لو رضي المستأجر باستيجاره غيرها بأزيد أيضا ، لا يجوز لها الإفطار ظاهرا.

قوله : والفدية.

مبتدأ ، خبره قوله : « من مالهما ». أي : الفدية الواجبة في افطار الحامل والمرضعة تكون من مالهما وإن كان لهما زوج وكان الولد المحمول أو المرتضع للزوج ، فإنّه لا تجب الفدية حينئذ أيضا على الزوج.

قوله : والحكم بافطارهما.


هذه مسألة اخرى من متعلّقات مسألة إفطار الحامل والمرضعة.

وحاصلها : أنّ إفطارهما ليس رخصة حتّى يجوز لهما تركه والصوم ، بل عزيمة يجب عليهما الإفطار. ولما كان قول المصنّف : « تفطران وتفديان » خبرا محتملا لارادة مجرّد الإباحة الذي هو الرخصة فبيّن ذلك بقوله : « وحكم المصنّف بافطارهما وإن كان بعنوان الخبر ، لكنّه خبر معناه الأمر المفيد للوجوب لا مجرّد الإباحة ».

وقوله : « لدفعه الضرر » تعليل لكون معناه الأمر. والضمير راجع إلى الحكم أو الإفطار يعني : أنّ هذا الحكم أو الإفطار ممّا يدفع به الضرر عن الولد ، ودفع الضرر واجب ، فهذا الحكم أو الإفطار إنّما هو على سبيل الوجوب فيكون الخبر بمعنى الأمر المفيد للوجوب.

قوله : ولا يجب صوم النافلة بشروعه فيه.

لا يخفى أنّه لا وجه لجعل هذا مع مسألة الحامل والمرضعة مسألة واحدة.

قوله : ببعض الواجب.

إضافة « البعض » إلى « الواجب » إمّا بيانيّة أي مخصوص ببعض العمل الذي هو العمل الواجب ويمكن أن يكون بمعنى « من » أي : ببعض الواجبات. ويكون وجه التخصيص بالبعض من الواجبات ؛ لجواز قطع الواجب أيضا لبعض الأعذار كما لا يخفى.

قوله : للرواية المصرّحة بوجوبه إلى آخره.

هي رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام : أنّ عليّا عليه‌السلام قال : « الصائم تطوّعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم ». (١)

قوله : المحمولة على تأكّد الاستحباب.

أقول : لا يخفى أنّ قصور سند الرواية عن إثبات الإيجاب إنّما يوجب إثبات الاستحباب بناء على القاعدة المشهورة من المسامحة في أدلة المستحبات ، وجريانها فيما يدلّ على الإيجاب متنا ويقصر سنده لأنّه يدلّ على مطلق الرجحان مع زيادة هي المنع من النقيض ، ولكن الأوّل لا يحتاج ثبوته إلى صحّة السند ، للمسامحة المذكورة بخلاف الثاني ، فمجرّد الرجحان بدون المنع من النقيض الذي هو معنى الاستحباب يكون

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ١٩.


ثابتا وعلى هذا فلا تكون الرواية محمولة على الاستحباب ، بل تكون باقية على ما تدلّ عليه من الوجوب ، ولكن لا يثبت منها إلّا أحد جزئي معنى الوجوب. فالتعبير بالمحمولة لمشابهة ذلك مع الحمل على الاستحباب.

وبما ذكرنا ظهر أيضا أنّه لا مدخليّة لقصور السند في الحمل على تأكّد الاستحباب ، وإن صرّح في المتن بالوجوب ، بل ما يوجبه هو ثبوت مجرّد الاستحباب.

قوله : الطاعة به.

أي : بالإفطار لاجابة دعاء المؤمن ، وعدم ردّ قوله ونحوه : كإدخال السرور عليه ، أو حكم الشارع بكون الافطار أفضل لا بمجرّد الأكل ، لأنّ الإفطار حينئذ يكون عبادة وترتّب الثواب عليها يتوقّف على النيّة ؛ لأنّ الأعمال بالنيات.

وذكر ذلك ؛ لتنبيه المفطرين حيث إن أكثرهم لا يخطر ببالهم ذلك ، وليس منظورهم إلّا الأكل ونحوه ، والتنبيه على أنّ ذلك إنّما يتوقّف عليه حصول الثواب ، لا الفضل ولا كراهة المضي على الصوم.

المسألة الثامنة

قوله : النذر المطلق.

أي : المطلق عن التتابع ، لا المطلق في مقابل المعين ، إذ قد يكون مطلقا بهذا المعنى ويجب فيه التتابع لنذره متتابعا.

قوله : طروء العذر.

عطف على الوفاة أي : ظنّ طروء العذر كما أن يظنّ طروء الشيخوخة ، أو العطاش الدائمي ، أو المرض المزمن. وربما كان العذر انقضاء الزمان الذي وسع فيه الصوم المنذور كأن نذر يومين في هذه السنة ـ مثلا ـ ولم يبق منها غير يومين.

قوله : مطلقا.

قيد للواجب أي : سواء كان متتابعا أم لا.

قوله : وهو قول قوي.

لأنّ القضاء واجب برأسه ، فلا يجب فيه التتابع إلّا بدليل.

قوله : وجوب متابعته.


أي : متابعة ما كان أصله متتابعا من المنذور ؛ لأنّه كما أنّ الصوم منذور كذلك التتابع منذور ، فكما يجب تحصيل الصوم بالقضاء يجب تحصيل التتابع أيضا.

وفيه : أنّ المنذور إذا فات وقته انحلّ النذر ؛ لانتفاء متعلّقه ، ولو لم يكن دليل على قضائه لم يجب ، فالقضاء واجب برأسه إنّما وجب بأمر جديد ، ولا دليل على وجوب تحصيل التتابع فيه.

قوله : وإن كان بدل النعامة.

فيه ردّ على المفيد ، والسيد ، وسلّار حيث أوجبوا في بدله التتابع ، ولم ينقل لهم مستند.

قوله : الهدي.

أي : السبعة من العشرة فيه.

قوله : كالثلاثة.

أي : كالثلاثة من العشرة الواجبة قبل الرجوع إلى الوطن أي : كما أنّه تجب المتابعة فيها قالوا بوجوبها في السبعة أيضا ، وهذا يؤذن بالاجماع على وجوب التتابع في الثلاثة.

قوله : رواية حسنة.

هي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى صلوات الله عليه قال : « سألته عن صوم ثلاثة أيّام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينهما؟ ». قال : « يصوم الثلاثة ولا يفرق بينها ، والسبعة لا يفرق بينها ، ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا ». (١)

وكون الرواية حسنة ؛ لأنّ في طريقها محمّد بن أحمد العلوي ، ولم ينص على توثيقه في كتب الرجال. والعلّامة في حجّ المنتهى والتذكرة وصف الرواية بالصحّة ، ووصفها في المختلف بالحسن.

قوله : لعذر.

متعلّق بقوله : « اخل » بصيغة المجهول ، أو المعلوم.

قوله : بنى عند زواله.

أي : بنى علي ما صام ولا يجب الاستئناف.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٨٣.


قوله : مطلقا.

أي : سواء كان الإخلال بالمتابعة لعذر أو لا لعذر.

قوله : وثلاثة المتعة.

أي : الثلاثة التي من جملة العشرة في بدل دم المتعة. وقوله : « حيث لا يكون الفاصل » إلى آخره قيد لثلاثة المتعة. والمراد : أنّ في ثلاثة المتعة يجب الاستئناف مع الإخلال بالتتابع مطلقا ، إلّا في موضع واحد ، وهو ما إذا صام يومين الثامن والتاسع من ذي الحجّة ، ثمّ فصل بيوم العيد ؛ فإنّه لا يستأنف الثلاثة بل يصوم واحدا بعد أيام التشريق.

وأمّا في غير هذا الموضع فيستأنف ، ولو كان الفاصل العيد بعد اليوم الواحد.

قوله : ولا له.

أي : كلّما أخلّ بالمتابعة لا لعذر يستأنف صومه.

قوله : الشهرين المتتابعين كفّارة.

حال عن الشهرين. ولفظة « الواو » بمعنى : « أو ». والضمير في قوله : « في معناه » راجع إلى النذر ، والمراد بما في معناه : العهد واليمين.

قوله : وفي الشهر الواجب.

هذا هو الموضع الثاني من المواضع الثلاثة.

قوله : أو [ في ] كفّارة.

أي : كفّارة واجبة على عبد حيث إنّ الكفّارة عليه نصف ما على الحر.

قوله : سواء علم ابتداء.

أي : ابتداء صومه بوقوع العيد بعد اليومين أم لا بأن نسي ذلك أو غفل ، أو بأن يبني أوّل الشهر على مضيّ ثلاثين يوما من ذي القعدة ، لأجل عدم ثبوت رؤية الهلال أوّلا ، ثمّ بعد ما صام يوما أو يومين يثبت بعدلين أو بشياع كون ذى القعدة تسعة وعشرين يوما.

ثمّ في هذا التعميم إشارة الى الرد على ما نقله في المسالك عن بعض الأصحاب ، وصرّح به الشيخ علي في حاشية الشرائع من : أنّ البناء مشروط بما لو ظهر العيد وكان ظنّه


يقتضي خلافه ، وإلا استأنف.

قوله : فإنّ التتابع.

هذا تفريع على قوله : « إلّا في ثلاثة مواضع » ، أو تفصيل لكيفيّة سقوط التتابع. والمراد بالأوّلين : الشهران المتتابعان والشهر المتتابع ، وبالباقي : الباقي بعد صيام شهر ويوم وبعد صيام خمسة عشر يوما ، وبالثالث : صوم يومين في دم المتعة ، والباقي فيه : اليوم الثالث. يعني : أن التتابع في الأولين يسقط في الباقي مطلقا أي : من غير تحديد ، فيجوز له تأخير الباقي فيهما متى شاء ، وأمّا في الثالث ، فيسقط تتابع اليوم الثالث إلى انقضاء أيّام التشريق. أمّا بعده فلا يجوز التأخير عنه ، بل تجب المبادرة إليه.

ومن هذا ظهر أنّ المراد بالتتابع هنا : المبادرة والمسارعة في التتابع من المبادرة ( كذا ) ، وإلّا فأصل التتابع المعهود سقط في الثالث أيضا.

المسألة التاسعة

قوله : وشبهه.

ممّا لا تنفصل أجزاؤه ، ولا طعم له حتّى يتعدى إلى الحلق.

قوله : وزق الطائر.

زرق الطائر : إطعامه كما يطعم الطائر فرخه. والمراد : إمّا إطعام خصوص الطائر ، فالاضافة حينئذ إضافة المصدر إلى المفعول أو المراد : مثل إطعام الطائر ، فالإضافة من باب إضافة المصدر إلى المفعول كما في قولك : « ضربته ضرب زيد » أي : مثل ضربه.

قوله : وخصوصا.

أي : هو مخصوص بالنص ، أو الكراهة فيه آكد.

قوله : روي استحبابه للصائم.

أي : روى الحسن بن راشد قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صام تطيب بالطيب ويقول :« الطيب تحفة الصائم ». (١) وفي الخصال كان أبو عبد الله الحسين بن علي عليهما‌السلام إذا صام

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٩٢.


يتطيب بالطيب ، ويقول « الطيب تحفة الصائم ». (١)

قوله : بالجامد.

وأمّا المائع فقد عرفت تحريمه.

قوله : وقيل : يجب [ القضاء ] عليهما.

القائل هو سلّار وأبو الصلاح ، وهما وإن لم يصرحا إلّا في المرأة ولكنّه جعل من المعلوم الحاق الخنثى بها ، وهو مشكل ، ثمّ الأندر منه قول ابن زهرة وابن البراج بوجوب القضاء والكفّارة معا.

قوله : الممسوح كذلك.

لا يخفى أنّ المعهود من الممسوح ممسوح الخصيتين ، وهو لا يؤثّر في قرب المنفذ إلى الجوف ، بل هو كغيره في غير حال الانتشار. فالظاهر أنّ المراد بالخصي الممسوح هنا المجبوب الذكر أو الذكر والخصيتين جميعا لا ممسوح الخصيتين خاصّة.

وليس لأحد أن [ يقول ] المنفذ في المرأة أوسع ؛ فإنّه ممنوع في البكر. ولو سلّم فلا يجدي ضيق المنفذ إلّا قلّة ما ينفذ فيه من الماء ، بل عسى أن يكون الشفران في المرأة ممّا يمنع الماء من النفوذ ، ولا شفرين للخصي ، إلّا أنّ عند الجلوس لا ينفع الشفران غالبا.

قوله : تبريدا.

أي : من بلّ الثوب على الجسد.

قوله : أن يصمّ.

بـ « الميم » المشدّدة بعد « الصاد » المضمومة من ( صمّ يصمّ ) أو يصم بـ « الصاد » المكسورة من الاصمام وعلى التقديرين يكون عطف البصر وسائر الجوارح على السمع من باب التغليب ، أو حذف فعل تدلّ عليه قرينة المقام ، وهو « يعمي » و « يكف ».

أو بـ « الياء » الساكنة بعد « الصاد » المكسورة من ( أصام يصيم ) من الصوم. قيل : ولم أظفر به من اللغة ، نعم جوّز الأخفش أظنّ وأحسب مثل أعلم ، واستظهر منه بعض شراح المفصل أنّ التعدية بالهمزة عنده قياس ، و « الباء » في قوله : ( بطاعة الله ) بمعنى : « عن » أي :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ / ٩٦.


إلّا عن طاعة الله أو بتقدير الاشتغال

أي : إلّا عن الاشتغال بطاعة الله.

المسألة العاشرة



كتاب الحج

الفصل الأوّل

قوله : الحج.

في الحج لغتان الفتح والكسر. وقيل : « الفتح المصدر ، والكسر الاسم ».

قوله : في شرائطه.

أي : شرائط وجوب الحج ، أو استحبابه ، أو صحته ، وكذا أسباب وجوبه أو صحته.

والمراد بالشرط : ما لا يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم ، وبالسبب : ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. ولمّا كان الكلام هنا في الشرائط والأسباب الشرعيّة فالشرط ما صرّح الشارع باستلزام عدمه العدم ، والسبب ما صرّح باستلزام وجوده الوجود ، وإن قد يتخلّف الوجود لفقد شرط ثبت شرطيته من دليل آخر.

ووجه جعله حينئذ سببا (١) إطلاق الشارع باستلزام وجوده الوجود ، فإنّ بعد تصريحه بذلك لا ( كذا ) يصير ذلك أصلا يصحّ إطلاق السبب عليه ، وإن قد يخرج عن الأصل بدليل مخرج. فالسبب هنا للوجوب : الاستطاعة والنذر وشبهه والاستيجار والإفساد حيث ورد في الظواهر وجوب الحج معها فالشارع جعل وجودها مستلزما لوجود الوجوب ، وصار ذلك أصلا ، حتّى أنّه لو لم يثبت عدم الوجوب على العبد ـ مثلا ـ لم يقل به.

والشرط : البلوغ إلى آخر ما ذكره بعده ، فإنّه لم يرد حديث وآية مصرّحة بأنّه يجب الحج على البالغ ـ مثلا ـ مطلقا ، أو الحر كذلك ، ولكن ورد أنّه لا يجب على عادمهما ،

__________________

(١) فى الاصل : شرطا.


فرتّب الشارع عدم الوجوب على عدمهما ، والأصل دلّ على عدم ترتّب الوجود على وجودهما ، فصار ذلك أصلا. ولكون الاستطاعة وما بعدها سببا ، والبلوغ وما بعده شرطا قال المصنّف : « ويجب الحج بالاستطاعة » إلى أن قال : « وشرط وجوبه البلوغ ».

قوله : بالإجماع.

متعلّق بقوله : « على الفور » لا وجوب الحج على المستطيع ؛ لعدم اختصاص الإجماع على وجوبه بالفرقة المحقّة.

قوله : والمراد بالفورية.

لما كان الظاهر من الفورية وجوب المبادرة بعد الاستطاعة بلا فصل مع الإمكان ، وكان لازمه أنّه لو استطاع أحد في شهر المحرم ـ مثلا ـ يجب عليه الحج بلا فصل ، وأيضا كان مقتضى فوريته في العام الأوّل كونه وقتا له ، فيصير قضاء بالتأخير ، وأيضا كلّ واجب فوري إذا اخّر لا يكون بعده واجبا فورا ، بيّن أنّ المراد بالفورية وجوب الحج في العام الأوّل في وقت الحج ، وإن فصل بينه وبين الاستطاعة ، لا ما هو الظاهر منها ، وأنّ الفورية هنا لا تقتضي صيرورته قضاء بالتأخير فيه ؛ وأنّ الحج بعد التأخير لا يخرج عن الفورية بعده ، بل يكون في العام اللاحق أيضا فوريا.

قوله : في أوّل عام.

إضافة الأوّل إلى العام من باب « جرد قطيفة » أي : العام الأوّل من الاستطاعة ، لا أوّل العام ؛ لعدم وجوبه قطعا.

قوله : الاستطاعة.

الاستطاعة في الأخبار مفسرة بالزاد والراحلة. وفي بعضها بالحج به ، وهو أيضا بمعنى : الزاد والراحلة ، وأما إمكان المسير وتخلية السرب وإن كانا شرطين في الوجوب ، ولكنّهما غير مرادين من الاستطاعة ، ولذا عطف الفقهاء إمكان المسير ونحوه على الاستطاعة.

فلا يرد : أنّ الاستطاعة مستلزمة للإمكان ، فلا معنى للتقييد بقوله : « مع الإمكان »

قوله : كذلك.


أي : في أوّل الاستطاعة.

قوله : في استقراره.

أي : في استقرار الحج في ذمّته ووجوبه عليه ، وإن زالت الاستطاعة بعده كما أنّ المؤخّر للحج في العام الأوّل كذلك. وأمّا من يقول بعدم وجوب السير مع اوليها وإن أمكن ، يقول بأنّه لو اتّفق عدم إدراكه مع التالية بشرط احتمال الإدراك أوّلا ، فلا يستقرّ الحج في ذمّته ، ولو زالت الاستطاعة بعده لا إثم عليه ، ولا يجب عليه حج.

قوله : بأصل الشرع.

أي : من غير سبب عارض للوجوب كالنذر وشبهه.

قوله : والاستيجار.

سواء كان واجبا على المنوب أم لا.

قوله : فيتعدّد.

الضمير راجع إلى الحج الواجب بالعارض مطلقا. و « الفاء » تفريع على قوله : « وقد يجب ».

قوله : متكلّفا.

متعلّق بقوله : « ويستحب » وحال عمّن يستحبّ له.

قوله : والزاد والراحلة.

الشرط كلّ واحد منهما ، وإن كان مجموعهما سببا ، فلا ينافي ذلك جعل الاستطاعة سببا ، وتفسيره بالزاد والراحلة كما ذكرنا. ويمكن أن يكون السبب هو الاستطاعة بمعنى اجتماع جميع الشرائط ، وإن كان المراد بها في قوله : « أوّل عام الاستطاعة » : الزاد والراحلة فقط.

قوله : بما يناسب قوّة وضعفا.

الجار متعلّق بالراحلة. والمراد بالقوّة والضعف : قوّة الراكب وضعفه ؛ فإنّه قد يكون قويا فيمكن له ركوب القتب ، وقد يكون ضعيفا لا يتمكّن من القرار عليه ، بل لا بدّ له من المحمل.

ويمكن أن يراد : قوّة المركوب وضعفه؛فإنّه قدتكون المسافة بعيدة والراكب جسيما ،


فلا يتحمّله الحمار ، ويحتاج إلى جمل ، أو فرس ، وقد لا يكون كذلك فيكفي الحمار.

وقوله : « لا شرفا وضعة » ردّ على التذكرة حيث اعتبر المناسبة في الشرف والضعة ، فمن كان من شأنه ركوب الفرس والجمل لعلوّ منصبه لا يستطيع بالقدرة على الحمار. وإنّما ردّ عليه ؛ لتصريح الأحاديث بعدم اعتباره.

ويحتمل بعيدا تعلّق الجار بالزاد والراحلة معا ، فإنّ من الزاد ما لا يصلح قوتا للضعيف ويكفي للقوي.

قوله : فيما يفتقر.

متعلّق باشتراط الزاد والراحلة معا كما صرّحوا به. قال في الشرائع : « وهما يعتبران لمن يفتقر إلى قطع المسافة ». (١) ويشعر به قوله : « للسؤال » أيضا ؛ لأنّه إنّما يكون للزاد غالبا.

قوله : ويستثنى له.

والضمير للمستطيع والمراد باستثناء ما ذكر : أنّه لا يصرف في الحج ولا يدخل في الاستطاعة.

قوله : كمّا وكيفا ، عينا أو قيمة.

الأوّلان متعلّقان باللائقة. والثانية بقوله : « يستثنى » يعني يستثنى ما ذكر بقدر يليق بحاله بحسب الكم والكيف معا ، فمن احتاج إلى ثوبين يستثنيان له ، ومن احتاج إلى ثلاثة أثواب تستثنى له ، وهكذا. وكيفيّة الثوب أيضا كذلك بحسب شأن الشخص ، ويستثنى هذه الامور باعيانها أو قيمتها ، فإن كان مالكها يستثنى أعيانها ، وإن لم يملكها وملك قيمتها يستثنى قيمتها.

ولكون المستثنى اللائق في الكم والكيف عطفهما بـ « الواو » ولكونه واحدا من العين أو القيمة عطفهما بـ « أو ».

قوله : بالصحّة.

المراد بالصحّة : انتفاء المرض الذي يتضرّر معه بالركوب أو يحصل المشقّة الشديدة

__________________

(١) الشرائع ١ / ٢٥٢.


فيه ، وأمّا المرض الذي يتمكّن معه من الركوب ، ولا يتضرّر به فليس مانعا.

قوله : وإن وجب.

ويترتب عليه إثمه بالإخلال.

قوله : وشرط مباشرته.

أي : شرط صحّة مباشرة الحج بأن يأتي بنفسه المناسك مع الإسلام التمييز ، فيصحّ من المميّز مباشرة أفعاله وإن احتاج أوّلا إلى أن أذن الولي في المباشرة ، بخلاف غير المميّز ؛ فإنّه لا يباشرها بنفسه ، بل يحرم الولي عنها إلى آخر ما ذكره.

قوله : وما في حكمه.

لفظة « الواو » بمعنى : « أو ». والضمير للإسلام أي : ما في حكم الإسلام. والغرض :دخول أطفال المسلمين والمجنونين منهم.

قوله : ويحرم الولي.

المراد بإحرام الولي عنه نيّته لجعلهما محرمين ، لأنّه يأتي بنفسه بلوازم الإحرام أيضا.

قوله : لأنّه يجعلهما.

هذا تعليل لصحّة إحرام الولي عن غير المميّز مع كونه محرما أيضا حيث إنّه يوجب إحرامه بحجتين ظاهرا ، وهو غير جائز وتوضيح العلّة ، أنّه وإن نوى الإحرام ، لكنّه لا ينوي إحرامه بنفسه ، بل ينوي إحرامهما ، فهو يجعلهما محرمين. وقوله : « لا نائبا عنهما » أي : لا يجعل نفسه نائبا عنهما. فقوله : « نائبا » مفعول لفعل محذوف يدلّ عليه قوله :« يجعلهما ».

قوله : بهذا.

المشار إليه هو المولّى عليه.

قوله : مواجها له.

الضمير المجرور في « له » راجع إلى الولى. وقوله : « مواجها » معطوف على « حاضرا » بحذف العاطف ، ويمكن أن يكون قوله : « مواجها » حالا عن الولي ، ويكون الضمير للمولّى عليه.


قوله : وإلّا لبّى.

بصيغة المعلوم أي : لبّى الولي عنه. وأمّا بصيغة المجهول حتّى يكون المراد : التلبية عنه ، ولو عن غير الولي ، فجوازه غير معلوم ؛ لعدم ثبوت جواز الاستنابة فيها هنا.

قوله : تروكه.

أي : تروك الإحرام.

قوله : وإذا طاف به.

أي : أراد الطواف به.

قوله : وحمله.

الحمل هنا مستعمل في معنيين : أحدهما : التحمل له بأن يجعله على كتفه ونحوه ، وثانيهما : البعث. والمعنى : أن الولي حمل الطفل أي يحتمله ويجعله حملا على نفسه أو يحمله على المشي أي : يبعثه عليه بأن يأمره بالمشي في مشي معه. وقوله : « أو ساق به » أي : يسوقه أو يقوده. والمراد : أنّه أو يحمله على دابّة فيسوقها ، أو يقودها ، ولا يجوز له أمر المولّى عليه بسوق الدابّة بنفسه. والضمير المجرور في قوله : « أو استناب فيه » أي : في طواف الطفل ، لا بأن يطوف النائب عنه ، بل بأن يطوف به كما كان الولي يطوف. ويمكن إرجاع الضمير إلى كلّ من الحمل والسوق والقود بل هو الأظهر.

قوله : نقص سنّه عن ستّ.

وأمّا [ من ] بلغ ست سنين فتصح منه الصلاة كما مرّ في كتاب الصلاة أنّه يؤمر بالصلاة ، وصلاته تمرينيّة ، فلو فعلها لم تكن صورة الصلاة ، بل تكون صلاة.

قوله : فله.

أي : للولي.

قوله : فله الرجوع.

أي : للمولى الرجوع في الإذن قبل تلبّس العبد بالإحرام ، وأمّا بعده فلا. وهذا ردّ على الشيخ حيث قال : « إنّه يصحّ إحرامه وللسيّد أن يحلله ». ثمّ لو رجع المولى قبل التلبس ولم يعلم العبد حتّى أحرم ، فالأقوى وجوب الاستمرار لدخوله دخولا مشروعا ، فكان


رجوع الولي كرجوع الموكّل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل.

قوله : من إطلاقه.

أي : إطلاق المصنّف. والمراد من إطلاقه قوله : « ويستحبّ تكراره ولفاقد الشرائط » حيث أطلق الاستحباب لمطلق فاقد الشرائط ، و [ من ] لم يكرّره الشاملين للولد ، ولم يقيّده بشرط إذن الأب أو الأبوين.

قوله : على إذن الأب والأبوين.

الترديد بين الأب والأبوين باعتبار اختلاف القولين ؛ فإنّ منهم من قال باشتراط إذن الأبوين.

قوله : لم يستلزم.

أي : الحج.

قوله : صحيحا.

بأن يأذن المولى والولي.

قوله : بعد ذلك.

أي : بعد البلوغ والإفاقة.

قوله : فبتلبسه به.

لما مر من أنّ العبد بعد التلبس بإذن المولى يجب عليه الحج ، ولا يجوز للمولى الرجوع في الإذن.

قوله : فالإجزاء فيه أوضح.

وذلك ؛ لأنّ من يقول بعدم الإجزاء متمسك بأنّ ما تقدّم على الكمال وقع مندوبا ، والأصل عدم إجزاء الواجب عن المندوب (١) ، فربما اتى بأفعال كثيرة قبل أحد الموقفين أو قبل المشعر خاصّة ، وهي تكون في غير العبد مندوبة أيضا ، وفيه واجبة ، إلّا التلبّس ، فإذا أجزاء افعال كثيرة مندوبة عن الواجب ، فإجزاء الواجب عنه أو مجرّد التلبس المندوب أوضح.

قوله : له سابقا.

__________________

(١) والاصل عدم اجزاء المندوب عن الواجب. ظ


أي : سابقا على الكمال الذي هو العتق والإفاقة والبلوغ ولاحقا عليه ، أو في الأفعال السابقة على الكمال واللاحقة عليه ، ثمّ إنّهم اختلفوا في الاستطاعة سابقا أنّه هل يعتبر حصولها من الميقات أو من البلد؟ وقيل : يكفي حصولها من حين التكليف به.

قوله : لأنّ الكمال الحاصل.

أي : العتق والبلوغ والإفاقة أحد شرائط الوجوب ، فالاجزاء الذي صرّح به الفقهاء وورد في الأخبار هو الاجزاء من جهته ، وذلك لا يقتضي الإجزاء من جهة سائر الشرائط لو لم تكن حاصلة.

قوله : بعدم اشتراطها فيه للسابق أمّا اللاحق الى آخره

أي : عدم اشتراط الاستطاعة في العبد للسابق من أفعال الحج على العتق. وأمّا الأفعال اللاحقة فيعتبر الاستطاعة فيها قطعا.

والتذكير في السابق والتأنيث في اللاحق (١) باعتبار أنّ السابق قد يكون فعلا واحدا ، بخلاف اللاحقة ، فإنّه لمّا يشترط أن يكون قبل أحد الموقفين تكون أفعالا عديدة ؛ لتعدّد المناسك الواقعة بعده. ويمكن أن يكون المعنى : الاستطاعة اللاحقة.

قوله : ولزوم تعليق الواجب.

هذا تعليل لعدم كفاية مجرّده ، وحاصله : أنّه لو كفى مجرّد البذل في وجوب الحج لزم كون الواجب معلّقا بالجائز حيث إنّ الوجوب معلّق بالاستطاعة ، والاستطاعة هنا ليست بلازمة بل جائزة ، فيلزم وجوب الحج بالاستطاعة الجائزة.

وحاصل دفعه : أنّ الواجب المطلق لا يعلّق بالجائز بمعنى أن يكون شي‌ء واجبا [ معلّقا ] بأمر جائز مطلقا ، ولو زال ذلك الجائز. أمّا الواجب المشروط بأن يكون وجوبه مشروطا ببقاء الجائز ، فلا امتناع فيه ؛ لسقوط الوجوب بانتفاء الجائز ، فإنّ من حصل له الزاد والراحلة وأمكن السير يجب عليه الحج مع أنّ ذهاب المال والمنع من السير أمر ممكن جائز والوجوب معهما ثابت إجماعا ، وإن سقط بعد انتفائهما.

قوله : إجماعا.

__________________

(١) كان فى نسخة المؤلف : اللاحقة.


قيد للثابت أو المسقطة.

قوله : الوجوب بالبذل.

يعني : إن كان المبذول بقدر ما يحجّ به خاصّة وكان المبذول له ذا دين ، أو احتاج إلى المستثنيات يجب عليه الحج ، ولا يمنع دينه وعدم وجود المستثنيات عن وجوبه.

قوله : لو بذل له ما يكمل الاستطاعة.

يعني : أنّه لو كان له مال غير واف بالاستطاعة وبذل له ما يكمل له الاستطاعة اشترط زيادة جميع ما كان له أوّلا وما بذل له عن الدين والمستثنيات بقدر ما يحجّ به.

وإطلاقه يشمل ما لو لم يكن ماله أوّلا بقدر الدين والمستثنيات أيضا ، وهو كذلك والسرّ : أنّ ما بذل له لا يفي بالاستطاعة ، فلا يجب الحج به ، وما كان له أوّلا أيضا يجوز صرفه في الدين والمستثنيات فلا يجب به ولكن زيادة الجميع شرط في الوجوب ، لا أن يجوز له صرف ما بذل له في الدين والمستثنيات مطلقا ؛ إذ قد يكون البذل مشروطا بأن يحجّ به.

قوله : وكذا لو وهب.

يعني : مثل ما لو بذل له ما يكمل الاستطاعة في اشتراط زيادة الدين والمستثنيات. أمّا شرط الحج به أي : بالموهوب فهو كالمبذول في أنّه لا يمنع إلّا إذا كان الموهوب ما يكمل الاستطاعة.

وقوله : « فيجب » تفريع على كونه كالمبذول أيضا. ويمكن أن يكون قوله : « وكذا لو وهب » عطفا على قوله : « فلو بذل لها اثمانهما » أي : لا يجب قبول الهبة المطلقة ، وحينئذ فقوله : « فيجب » تفصيل لكونه كالمبذول.

قوله : خلافا.

فقال : لا يجب قبول هبتهما.

قوله : بين البذل والهبة.

الظاهر أنّ المراد الفرق بينهما في الدروس حيث أوجب الحجّ بالبذل دون الهبة. أو المراد : الفرق بينهما بأن أجمعوا على الوجوب بالبذل ووقع الخلاف في الهبة.


وتوضيح الفرق : أنّ النصوص بعمومها تدلّ على الوجوب بالبذل والهبة ، ولكن في البذل لا معارض لها حتّى يتأتّى فيه الخلاف ، بخلاف الهبة ، فإنّ كونها اكتسابا وهو غير واجب للحج ؛ لأنّه واجب مشروط وتحصيل ما يتوقّف عليه الواجب المشروط غير واجب معارض له ، فيتأتّى فيه الخلاف باعتبار تفاوت الآراء في ترجيحات المتعارضين.

هذا إذا كان قوله : « وكذا لو وهب مالا » عطفا على قوله : « نعم لو بذل له ». وأمّا لو كان معطوفا على قوله : « لو بذل له أثمانهما » فيكون فرق آخر بين البذل والهبة ، وهو وجوب قبول البذل المطلق إذا كان عين الزاد والراحلة دون الهبة المطلقة كذلك.

ووجه الفرق حينئذ : أنّ الوارد في النصوص هو عرض الحج المخصوص ظاهرا بعين الزاد والراحلة لأجل الحج ، فيجب كلّما كان كذلك ومنه بذل العين للحج وهبتها له. وأمّا بذل العين وهبتها مطلقة فلا يدلّ عليهما تلك النصوص وتكون خارجة. ولكن البذل لعدم كونه اكتسابا إذا تحقّق يتحقّق معه الاستطاعة من غير احتياج إلى كسب من المبذول له ، فيجب قبوله بإطلاقات الاستطاعة ، بخلاف الهبة ، فإنّها لمّا كانت اكتسابا وهو غير واجب للحج لا يكون قبولها واجبا.

قوله : البذل ) الواجب.

أي : الواجب قبوله.

قوله : والمراد بها.

الضمير للمئونة التي يدلّ عليها قوله : « ما يمون ».

قوله : بحسب حاله ) لهم.

يعني : الاقتصاد بما يقتضيه حال هذا الشخص للعيال ، لا حال هذا الشخص لنفسه ، فيعتبر في ثوب الخادم ما يقتضيه حال هذا الشخص لخادمه ، لا لنفسه.

قوله : وهو ممنوع.

أي : كون الاستطاعة شرطا ممنوع ؛ لأنّ المسلّم أنّها شرط في وجوب الحج مباشرة ، لا استنابة. ويمكن بعيدا أن يكون المراد : منع فقد الاستطاعة حيث إنّ الاستطاعة مختلفة ،

__________________

(١) هكذا كانت عبارة شرح اللمعة في نسخة المحشّي ره.

(٢) هكذا كانت عبارة شرح اللمعة في نسخة المحشّي ره.


فهي لمثل ما نحن فيه التمكّن من الاستنابة.

قوله : بالاستطاعة.

القيد هنا ليس للاحتراز ، بل لأنّ محل الخلاف الوجوب بالاستطاعة ، وأمّا في الوجوب بالنذر وأمثاله فلا خلاف في عدم اشتراط ذلك.

قوله : من صناعة أو حرفة أو بضاعة أو ضيعة.

الفرق بين الصناعة والحرفة : أنّ الصناعة هي الملكة الحاصلة من التمرّن على العمل كالكتابة والخياطة ، والحرفة ما يكتسب ممّا لا يفتقر إلى ذلك كالاحتطاب والاحتشاش ، والبضاعة مال التجارة والضيعة الاملاك.

قوله : لرواية أبي الربيع إلى آخره.

متن الرواية هكذا : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله ( عزوجل ) ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فقال : « ما يقول الناس »؟ قال : فقلت له : الزاد والراحلة قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « قد سئل أبو جعفر عن هذا. فقال : « هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغنون به عن الناس ، فينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذا ، فقيل له : فما السبيل؟ قال : فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلّا على من يملك مائتي درهم ». (١)

ووجه عدم دلالتها على مطلوبهم ظاهر.

قوله : الخوف على البضع.

وهو خوف مجامعته ، والخوف على العرض : الخوف على أن يعاب أي : فعل به ما يوجب العيب وإن لم يكن مجامعة.

قوله : ومع الحاجة إليه.

أي : ومع الحاجة إلى المحرم ، يشترط في وجوب الحج على المرأة سفر المحرم معها ، ولا يجب على المحرم إجابة المرأة إلى السفر تبرّعا ، ولا باجرة ، وللمحرم طلب الاجرة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١١ / ٣٧.


فيكون الاجرة جزءا من استطاعة المرأة حينئذ.

قوله : لو اعترفت نفعه.

أي : نفع الزوج اعترافها حيث يمنع من الحج ، فيسقط عنها المسافرة ومئونتها ، وينتفع الزوج ببضعها والتمتع منها ، فلا يكون إنكارها مسموعا بمجرّده ، بل يضم معه اليمين ، لأنّه حقيقة إنكار لما فيه منفعة الغير ، وفي الانكار تضرر به فيكون كسائر الدعاوي ويتوجّه اليمين على المنكر.

قوله : وله حينئذ منعها.

أي : حين فقد شاهد الحال ، والبيّنة إذا كان محقّا في الواقع.

قوله : في الدروس غيره.

أي : لم يذكر غير العشرين ، بل خصّه بالذكر.

قوله : في الحل.

بأن يخرج من الحرم بعد الدخول فيه لأمر.

قوله : كما لو مات.

مثال للموت محلا.

قوله : في إحرام الحج أم العمرة.

متعلّق بقوله : « مات » أي : سواء مات في إحرام الحج بأن يكون حجّه قرانا أو إفرادا ، أو بأن يفرغ عن أفعال العمرة وأحرم بالحج ، أو في إحرام العمرة بأن يكون حجّة تمتّعا وأحرم أوّلا بالعمرة ، أو بأن يفرغ عن أعمال الحج في غير التمتّع ، وأحرم بالعمرة المفردة.

قوله : جميع أفعال الحج.

فيه ردّ على من قال بالاستقرار بمضي زمان يتمكّن فيه من أداء الأركان خاصّة. ومن قال به بمضي زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم.

قوله : من بلده.

الظاهر من بلده بلد استيطانه ، وقيل : بلد موته ، وقيل : بلد يساره.

قوله : يراد بها الجنس.


حتّى تشمل الواحد والمتعدّد.

قوله : عن اجرته.

متعلّق بقوله : « زاد » ، والضمير المجرور فيه للحج. وقوله : « من الميقات » متعلّق بمرجع الضمير. و « من الثلث » متعلّق بالخروج. وقوله : « إجماعا » متعلّق بقوله : « يتعيّن » أي : يتعيّن الوفاء بما عيّنه بشرط أن يكون غير اجرة الحج من الميقات خارجا من ثلث ماله ، واما إذا لم يخرج ، فلا إجماع على الخروج.

قوله : ووجوب سلوكها.

مبتدأ ، خبره قوله : « يندفع ». وقوله : « فيجب » تفريع على وجوب السلوك وتوقّفه على مئونته ، والضمير في « توقّفه » للسلوك ، وكذا في « مئونته » على النسخ التي فيها الضمير. وفي « قضائها » للمقدّمة أو الطريق. وفي قوله : « عنه » للميّت.

وقوله : « ووجوب » دليل للقائلين بوجوب القضاء عن البلد ، وتوضيحه : أن السلوك واجب من باب المقدمة ، وهو موقوف على المئونة ، فتكون المئونة أيضا واجبة على المتوفى ، ويتعلّق الوجوب بها حال حياته ، فيكون هذا أيضا دينا كسائر الديون ، فيجب أداؤها بأن يقضى عنها.

قوله : إذا لم تكن مقصودة.

هذا احتراز عن مثل الوضوء والغسل ممّا امر به أصالة في الشرع أيضا.

قوله : لا تجب.

هذا مبني على منع وجوب مقدّمة الواجب ، ويمكن أن يكون المراد : أنّه ليس واجبا مطلقا على ما هو الحق من أنّ مقدّمة الواجب مشروط بشرط التوقف ، فإذا زال التوقّف سقط الوجوب.

قوله : ذاهلا.

أي : ذاهلا في سفره ، بأن لا يشعر بأنّه يسافر بأن يركب في منزل قريب من مكّة ولا يشعر بأنّه يسافر ، بل يكون قلبه مشغولا بفكر آخر. أو المراد : الذهول عن الحج. والفرق بينه وبين قوله : « لا بنيّته » : أنّ المراد منه أن يكون شاعرا بالسفر ، ولكن لم يكن له مقصود كأن يهرب من منزله ، أو يضطر في أمره فيخرج عن بيته من غير أن يقصد في سفره أمرا


بالقسر والقهر ومثل ذلك.

قوله : لغيره.

أي : لغير الحج ، وأمّا إذا آجر للحج فيجب عليه الحج لغيره ، ولا يجزئ عن نفسه.

قوله : الغرامة.

الظاهر أنّ المراد منه [ عدم ] الاجتزاء عمن تسكع بأن يستدين ويحج ؛ فإنّه لا يجزي عن الحج ؛ لأنّه لا يستطيع بعد الوصول إلى ميقات الحج أيضا ، وذلك مبني على أنّ الدين مطلقا يمنع عن وجوب الحج إذا لم يكن له مانع به زائدا عن مئونة الحج.

قوله : حمل هذه.

أي : الروايات الأربع.

قوله : هذا الخبر.

أي : الرواية المتقدّمة. والمراد بغيره أي : غيره من الروايات الأربع.

قوله : سندها.

أي : سند الغير ، والتأنيث باعتبار كونه ثلاثة.

قوله : وهنا جعله.

أي : في هذا الكتاب جعله ظاهر الرواية المستفاد منه أنّه رواية واحدة ، مع أنّ الموجود منها أربع.

قوله : لأنّ ماله.

ضمير « ماله » و « إليه » راجع إلى الموصي. ويمكن أن يكون المراد : قوله : « ماله ».

قوله : وكذا لو لم يمكن.

أي : وكذا يجب استنابة الحج من الميقات لو لم يمكن الاستنابة ـ بعد فوات البلد فيما إذا وفت التركة بالاستنابة منه ، أو بعد فوات طريق يسع التركة من هذا الطريق فيما إذا لم يف (١) بالبلد ، ولكن وسع من الطريق ـ إلّا من الميقات والمراد بعدم الإمكان : عدمه من جهة الموانع الخارجية. والمراد بالموصول : الطريق. والمستتر في قوله : « يسع » للتركة أو

__________________

(١) فى الاصل : اذا يفى.


المال. والضمير المجرور في « منه » للموصول.

وملخص المراد : أنّه إذا وفت التركة بالاستنابة عن البلد ، ولكن فات البلد أي : انقضى وقت الاستنابة عنه ، أو لم يحصل النائب فيه ، ولم يمكن الاستنابة حينئذ إلّا من الميقات ، فتجب الاستنابة منه ، وكذا إذا لم يف التركة بالبلد ، ولكن وفت من بعض المنازل ، دون الميقات كالكوفة مثلا وفات ما يفي المال به مثل : أن ينقضي وقته ، أو لم يتمكّن منه من جهة اخرى ، ولم يمكن إلّا من الميقات تجب الاستنابة منه ، وإن كان المال واسعا لغيره أيضا.

قوله : ولو عيّن كونها.

أي : كون الاستنابة. والضمير المنصوب في « يسعه » إما للحج أو لقوله : « كونها ». والضمير المجرور في « منه » للبلد والمراد : أنّه لو أوصى بالاستنابة من البلد صريحا يكون أولى بتعيين الحجّ البلدي ممّا أوصى بمال يسع الحجّ البلدي ؛ لأنّه ليس نصّا فيه ، لجواز أن يريد إعطاء مال كثير للنائب من الميقات بأن يكون رجلا عالما فاضلا.

قوله : ويعتبر الزائد.

أي : الزائد من القدر اللازم في الميقاتي.

قوله : إن لم نوجبه إلى آخره.

أي : إن لم نقل بوجوب القضاء من البلد ابتداء كما هو مدلول الروايات الأربع.

قوله : وحيث يتعذّر.

على القول بوجوب القضاء منه كما هو الأقوى عند الشارح.

قوله : ولو من البلد حيث.

يعنى : يجب ولو بالاستنابة من البلد. ويحتمل بعيدا أن يكون المراد : يجب الأزيد ، ولو كان أزيد من البلد أيضا.

قوله : والآية.

المراد بالآية : قوله سبحانه : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) (١) إلى آخره حيث إنّه قرّر في

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.


الاصول أنّ الأمر يدلّ على إجزاء الاتيان بالمأمور به ، وقد أتى به.

والخبر ما روي عن الباقر عليه‌السلام : « من كان مؤمنا فحجّ ، ثمّ أصابته فتنة فكفر ثمّ تاب يحسب له كلّ عمل صالح ، ولا يبطل منه شي‌ء » (١)

وقد يقال : المراد بالآية : قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) (٢) ولا بأس به.

قوله : لآية الاحباط.

آية الاحباط قوله تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) (٣) والآية المثبتة للكفر بعد الإيمان وعكسه قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ). (٤) وقوله :« لأنّ المسلم لا يكفر » مضمون الحديث وهو استدلال للقائل بالاعادة ، وتوضيحه : أنّ المسلم لا يكفر ، فإذا كفر يعلم أنّه لم يكن مسلما قبل ذلك ، فلا يكون حجّه صحيحا ؛ لكون الاسلام شرط الصحّة.

وقوله : « باشتراط » جواب للدليل الأوّل أي : آية الاحباط والضمير فيه للإحباط ، وفي « عليه » للكفر. والمراد بالموافاة : الموت أي : يشترط الاحباط بالموت على الكفر ؛ وذلك لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ) (٥)

وقوله : « ومنع عدم كفره » أي : كفر المسلم ؛ جواب عن الدليل الثاني.

قوله : يعتبر استدامته حكما.

كالنية والاحرام. وقوله : « كالإحرام » مثال لما يعتبر استدامته حيث إنّه أيضا نيّة. و

قوله : « فيبني عليه » تفريع على « كذا بعضه » والضمير المجرور للبعض.

قوله : من القيد.

أي : القيد الذي ذكره المصنّف وهو قوله : « إلّا أن يخلّ بركن ».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ١٢٥ مع تلخيص

(٢) سورة الزلزال : ٧.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) النساء : ١٣٧.

(٥) البقرة : ٢١٧.


قوله : بمعناه عنده.

الضمير الأوّل للقران ، والثاني للمخالف. يعني : ومن الإخلال بالركن الحج قرانا بمعنى القران عند المخالفين وعلى هذا فقوله : « لا المخالفة » عطف على « حجّه قرانا ».

ويحتمل أن يكون الضمير الأوّل للإخلال بالركن ، والثاني للمصنّف يعني : ومن الإخلال بالركن حجه قرانا بمعنى الإخلال بالركن عند المصنّف وهو الإخلال بالركن عندنا ، لا لأجل المخالفة في نوع الواجب. وعلى هذا يكون قوله : « لا المخالفة » عطفا على قوله : « بمعناه عنده » ولكن المراد : هو الأوّل.

قوله : في نوع الواجب.

بان حجّ قرانا عندنا من وجب التمتّع عليه.

قوله : وهل الحكم إلى آخره

الظاهر أنّه يظهر الفائدة في ترتّب الثواب وعدمه ، فعلى كونها صحيحة يترتّب عليها الثواب ، لا على كونها مسقطة.

قوله : إسقاطا.

أي : لإسقاط الواجب.

قوله : كإسلام الكافر.

أي : الكافر الأصلي ، حيث إنّ الإسلام مسقط لما ترك في حال الكفر من الواجبات.

قوله : المقتضي.

صفة للاشتراط.

قوله : بأخبار.

عطف على قوله : « بناء ».

القول في حجّ الاسباب

قوله : في النوع والوصف.

المراد بالنوع : الأنواع الثلاثة من التمتّع ، والقران ، والإفراد. والمراد بالوصف : أن يكون ماشيا ، أو راكبا ، أو حافيا وقوله : « فيتعيّن الأوّل » أي : النوع مطلقا أي : أيّ نوع كان. و


ذلك ؛ لثبوت مشروعيّة الجميع. والمراد بالثاني : الوصف وقوله : « إن كان مشروعا » أي :ثبت جواز هذا الوصف شرعا كالمشي والركوب ، ولا ينعقد إن لم يكن جائزا كالحفاء حيث إنّه يصرّح صحيحة أبي عبيدة بعدم انعقاد نذره. (١)

والحاصل : أنّ الأنواع الثلاثة كلّها مشروعة جائزة ، بخلاف الأوصاف ؛ فإنّ منها ما هو مشروع ، ومنها ما لا يشرع ، فلا ينعقد إلّا الأوّل ، ولا يحتاج إلى راجحية هذا الوصف أيضا ؛ لأنّ رجحان موصوفه كاف حيث إنّ الموصوف بهذا الوصف يكون من أحد أفراد الراجح فينعقد نذره.

قوله : وإلّا كان مراعى.

أي : الوجوب بالنذر ، ويكون موقوفا على حصول الاستطاعة.

قوله : هنا على الأقوى.

التقييد بقوله : « هنا » باعتبار قوله : « على الأقوى » حيث إنّ في غير هذا الموضع لا يجب تحصيلها إجماعا.

قوله : أو بمغايرها.

أي : يكون مقيدا بمغاير هذه السنة مثل : أن ينذر حجة بعد مضي سنتين في السنة الثالثة ، وحصلت الاستطاعة في السنة الثانية.

قوله : حجّة النذر.

أي : يصرف حجّة المقدم على المنذور ، لا أنّه تجب المبادرة إلى المنذور حتّى ينافي الإطلاق.

ووجه تقديم المنذور هنا : أنّه لمّا اشتغلت ذمّته بالمنذور بعد الاستطاعة الشرعيّة ، فبمجرّد حصول الاستطاعة ينصرف إلى المنذور ؛ لأنّه واجب يعلّق عليه على هذا القول فلا تبقى استطاعة لحجّ الإسلام.

قوله : النذر عقلية.

أي : لا يشترط في النذر الاستطاعة الشرعيّة من الزاد والراحلة ومئونة العيال ، بل

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ / ٨٦.


اللازم فيه الاستطاعة العقلية أي : كونه بحيث يتمكّن من الاتيان بالمنذور كيفما كان ولو متسكّعا أو مديونا أو بصرف المستثنيات. وهذا ردّ على الدروس باشتراط الاستطاعة الشرعية.

وقوله : « فيتفرع عليه ما سبق » أي : وإذا كان المعتبر الاستطاعة العقلية فيتفرع عليه ما سبق من قوله : « ثمّ إن كان مستطيعا » إلى آخر الأحكام ، ولا يتفرع عليه ما فرع على قول الدروس.

قوله : من الركوب أم لا على الأقوى.

ووجهه ما مر من أنّ الحج على هذا الوجه لا ريب في رجحانه ، وإن كان غيره أرجح منه ، وذلك كاف في انعقاد نذره ؛ إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه.

وقوله : « على الأقوى » إشارة إلى خلاف العلّامة ، وولده ؛ فإن الأوّل قال في القواعد :« بأنّه لو نذر الحج ماشيا ، وقلنا بكون المشي أفضل انعقد نذره ، وإلّا فلا ». والثاني قال في الإيضاح : « إنّه ينعقد أصل النذر. وهل يلزم القيد مع القدرة فيه قولان ».

قوله : ومبدؤه.

أي : مبدأ المشي ، أو الركوب الواجب.

قوله : إلّا أن يدلّ على غيره.

أي : يدلّ العرف على غيره ، أو يدلّ دليل مطلقا ، فحذف الدليل لقوله : « يدل عليه » أو يقرأ « يدلّ » بالبناء للمفعول أي : إلّا أن يدل أي : يقام دليل على غيره. وعلى التقادير فيتبع ذلك.

قوله : لدلالة الحال.

المراد بالحال : قول الناذر ماشيا ؛ فإنّه حال عن فاعل أحجّ ، فيكون المعنى : أحجّ حال كوني ماشيا في الحج ، وإنّما يصدق بتلبّسه بالحج فيمشي في أوّل الأفعال.

أو المراد بالحال ، حال الناذر حيث إنّ الغالب أن بلد الناذر بعيد لا يتحمل المشي منه. وهو بعيد.

قوله : ويقوم في المعبر.

المراد به : السفينة ومثلها : يعني : أنّ الناذر ماشيا إذا اضطر إلى ركوب السفينة ، فيقوم


فيها ولا يجلس وقوله : « وجوبا » متعلّق بقوله : « يقوم ».

قوله : إلى رواية.

الرواية ما رواه السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام : « أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن رجل نذرأن يمشي إلى البيت فمرّ إلى المعبرقال:فليقم في المعبرقائما حتى يجوز ». (١)

وقوله : « عنه » متعلّق بقوله : « تقصر » ، والضمير المجرور فيه للوجوب أي : عن إثباته.

قوله : وهو أولى خروجا.

فإنّ الخروج من الخلاف هو مقتضى الاحتياط. وقوله : « تساهلا » يعني : لأجل وقوع التساهل في أدلّة الاستحباب ، فيصلح لإثباته الخبر الضعيف.

قوله : فإذا تعذّر أحدهما.

يعني : حركة الرجلين. وقوله : « مشترك » خبر لقوله : « وتوجيهه ». يعني : هذا التوجيه مشترك بين القيام وحركة الرجلين ؛ لأنّ انتفاء الفائدة إن كان صالحا لرفع الوجوب ، فهي منتفية فيهما ، وإلّا ففعلهما معا بغير الفائدة ممكن ، فلا وجه لإيجاب أحدهما ، دون الآخر.

قوله : قضى ماشيا.

يعني : قضى الحج ماشيا ولو في صورة الركوب في البعض لعدم صدق الحجّ ماشيا ، فأخلّ بالصفة التي هي المشي.

قوله : كفّارة بسببه.

يعني : إن كان سبب الوجوب النذر ، يجب كفارة النذر ، وإن كان السبب ، اليمين ، يجب كفّارة اليمين وهكذا.

قوله : فالقضاء بمعنى الفعل.

إمّا مجازا ، أو باعتبار المعنى اللغوي.

قوله : واليأس من القدرة.

عطف على الإطلاق ، وهو شرط فيه يعني : أنّه يركب مع الإطلاق إذا كان مأيوسا عن القدرة ، ولو كان يأسه بضيق الوقت ؛ لأجل ظنّ الوفاة. والفرد الأظهر ما إذا أشرف على الكبر المانع عن الحج بعده ، وأمثال ذلك. وقوله : « وإلّا » أي : وإن لم يتحقّق اليأس من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ / ٩٢.


القدرة على المشي توقّع الإمكان.

قوله : أو نذرهما.

أي : نذر الحج والمشي ، لا على معنى جعل المشي قيدا لازما يعني : لا إذا نذر أن يحج مع صفة المشي بحيث لا يريد إلّا الحج الذي يكون مع المشي ؛ فإنّه إذا كان كذلك يسقط الحج مع العجز عن المشي.

ولا يخفى أنّ هذا المعنى هو الظاهر من الحج ماشيا ؛ ولذا قال صاحب المدارك : « إنّ المفهوم من نذر الحج ماشيا إيجاب الحج على هذا الوجه المخصوص بمعنى : كون المشي شرطا في الحج ، وذلك لا يستلزم نذر مطلق الحج كما أنّ من نذر صلاة في موضع معيّن لا يكون ناذرا لمطلق الصلاة ».

قوله : مع التمكّن منه.

قيد لقوله : « حجّ واجب في ذلك العام » أي : ويشترط خلوّ ذمّته من حجّ واجب في ذلك العام يتمكّن من ذلك الحج الواجب ولو بالمشي.

وهو احتراز عن حجّ واجب في ذلك العام ، ولكن لا يتمكّن منه بأن لا يقدر على المشي ولم يكن له مال يحصل به الراحلة ؛ فإنّه حينئذ يجوز له أن يصير نائبا ويأخذ الاجرة ويركب ويسافر إلى الحج.

وقوله : « حيث لا يشترط فيه الاستطاعة » قيد لقوله : « ولو مشيا » أي : يشترط الخلوّ عن الحجّ الواجب الذي يتمكّن منه ولو بالمشي فيما لا يشترط فيه الاستطاعة ، وأمّا فيما يشترط فيه فلا يكفي التمكّن بالمشي ولا يمنع من النيابة ، إذ ما لم يكن له الزاد والراحلة حينئذ لا يجب عليه الحج.

وقوله : « كالمستقر » مثال للحجّ الواجب الذي يجب مع التمكّن من المشي أيضا.

قوله : ولا مشغول الذمّة به.

أي : بحجّ واجب مع التمكّن منه ، ولو بالمشي.

قوله : ولو كان في عام.

أي : ذلك الحجّ الواجب. وضمير « بعده » لعام النيابة ، وقوله : « كمن نذره كذلك ». أي :


في العام البعد.

قوله : وكذا المعيّن.

أي : وكذا يصحّ النيابة في النذر المعيّن الواقع في عام النيابة حيث يعجز عن الحجّ النذري ولو بالمشي ؛ فإنّ عجزه يوجب سقوط وجوب المنذور في ذلك العام وإن بقي في ذمّته إلى أن يتمكّن.

قوله : لكن يراعى.

استدراك عن قوله : « وكذا المعيّن » أي : يجوز النيابة حينئذ ، ولكن يراعى في جوازها ضيق الوقت.

قوله : فلو استؤجر كذلك.

أي : في ضيق الوقت بحيث لا يحتمل عادة تجدّد الاستطاعة.

قوله : غير المؤمن عنه.

أي : عن المؤمن بأن ينوب غير المؤمن عن المؤمن. وقوله : « قولا » متعلّق بقوله :

« حكى ».

قوله : عن المخالف مطلقا.

أي : سواء كان كافرا أم لا.

قوله : للأب ، لا للام.

عطف على قوله : « للأب ». أي : يكون الجدّ للأب ، دون الجد للام ، فلا يصحّ النيابة عنه مع عدم إيمانه.

قوله : بعض الاصحاب مطلقا.

ناصبيا كان أم غيره ، أبا كان أم غيره.

قوله : ولو اقتصر.

يعنى : من غير قصد النيابة.

قوله : لأن ذلك يستلزم النيابة.

أي : تعيين المنوب. وفي الاستلزام تأمّل ؛ لإمكان الحج عن الغير بدون النيابة


كالمتبرّع ، إلّا أن يجعل ذلك أيضا نيابة كما يشعر به كلام الشارح فيما يأتي.

قوله : أو لغوب.

اللغوب : هو الضعف ، والنصب والتعب بمعنى واحد كما في الصحاح.

قوله : إن كانت مشغولة.

أي : إن كانت ذمّة المنوب عنه. والتقييد به لخروج ما إذا كان نائبا في الحج المندوب ، فإنّه لا إبراء للمنوب عنه حينئذ ؛ إذ لا اشتغال له.

قوله : البعدية بعدهما الى آخره.

الضمير في « بعدهما » للإحرام ودخول الحرم ، وفي « بعده » للإحرام وكذا في « حالته » وفي « منه » للموت وقوله : « وأولوية الموت » جواب سؤال مقدّر وهو أنّه : إذا ظهر براءة ذمّة النائب والمنوب بالموت حالة الإحرام ظهر براءة الذمة أيضا بعد الإحرام بالطريق الأولى ، لانّ مدّة اشتغاله بالحجّ واتيانه بافعاله في الثانية ازيد من الاولى فلا حاجة إلى ذكره.

فأجاب عنه : بمنع الأولوية ؛ لاحتمال أن يكون للتلبس بالإحرام دخل فيها ، فلا بدّ على ذلك من الإشعار به على حدة ، ولا يكفي ذكر أحدهما.

ويحتمل بعيدا أن يجعل قول المصنف محرما حال عن دخول الحرم أي : لو مات بعد دخوله محرما فيشملهما.

قوله : بالنسبة.

أي : بنسبته إلى تمام العمل ، فإن كان نصفه استعيد نصف الاجرة ، وهكذا.

قوله : استحق بنسبته.

أي : استحق من الاجرة بنسبة الإحرام إلى بقيّة الافعال. ولا يخفى أنّ الصواب أن يقول : إلى جميع الأعمال كما في سائر الكتب ؛ فإنّ المنسوب إليه هو الجميع ، دون البقيّة. وما يستحقّه على النسبة إلى الجميع ( كذا ) منه على النسبة إلى البقية ، وكذا في قوله : « في الاخيرين بنسبة ما قطع » إلى آخره ويمكن التوجيه بتكلّف.

قوله : استحق أجرة ....


أي : بالنسبة ، لا مطلقا ، كما يوهمه ظاهر العبارة.

قوله : فبنسبته.

يمكن أن يكون الضمير للباقي ، ويتعلّق قوله : « بنسبته » إلى « استعيد » أي : استعيد بنسبة الباقي إلى الجميع. ويمكن أن يكون للذهاب والاحرام بتأويلهما إلى ما فعل ، ويتعلق المجرور بقوله : « استحق ».

قوله : ففى الأولين.

أي : الاستيجار على الحج خاصّة ، أو مطلقا.

قوله : إلى ما بقي من المستأجر.

وهو في الثالث تتمّة أفعال الحج ، وفي الرابع هي والعود.

قوله : إلى المجموع منه.

أي : من الذهاب ، لا ممّا فعل منه ، لأنّه قد لم يتمّ الذهاب ، فلا ينتسب ما فعل إليه وإلى افعال الحج والعود ؛ لأنّ ما بقي من الذهاب أيضا داخل في المستأجر عليه.

قوله : قيد في تعيّن الطريق.

خبر مبتدأ محذوف هو « هذا القيد » أي : مع الغرض. وقوله : « بالتعيين » متعلّق بقوله « تعيّن ». وقوله : « بمعنى » تفسير لكونه قيدا فيه ، والضمير المنصوب في « أنّه » للطريق ، والمجرور في « به » للتعيين ، وفي « لتخصيصه » للطريق أيضا ، وكذا في « مشقّته » و « بعده ».

قوله : حيث يكون داخلا.

قيد للمشقّة والبعد. والمستتر في « يكون » للطريق المشتمل عليهما يعني : أنّ من الغرض المقتضي للتخصيص حيث يكون الطريق المتضمّن لهما داخلا في الإجارة ( كذا ) استلزامهما إلى آخره

وقوله : « لاستلزامهما » متعلّق بدخوله في الاجارة. أي : يكون ما فيه المشقّة والبعد داخلا في الإجارة لاستلزام المشقّة والبعد لزيادة الثواب.

وقوله : « أو بعد مسافة الاحرام » عطف على قوله : « وبعده » اي « كبعد مسافة الاحرام » حيث إنّ الميقات في بعض الطرق أبعد إلى مكة من ميقات بعض آخر.

قوله : فمع انتفائه.


أي : انتفاء الغرض كما في الحجّ المندوب.

قوله : أو تساوي.

عطف على نذر مطلق ، والمعطوف هو مضاف محذوف أي : الواجب عند تساوي إلى آخره والمعنى : او كالواجب عند تساوي منزلي المنوب في الإقامة. وقوله : « في الاقامة » متعلّق بالتساوي.

والحاصل : أنّ من كان له منزلان أحدهما بمكّة والاخر في الآفاق ، فإنّه إن غلب اقامته في أحدهما يجب عليه فرض أهل هذا المنزل من التمتّع أو القران أو الإفراد ، وإن تساوت إقامته فيهما ، فيتخيّر بين الانواع ، فالواجب على هذا القسم ليس متعيّنا.

قوله : لكن يشكل ذلك.

أي : تقييد جميع ما شرط عليه بتعلّق الغرض ؛ فإنّه إذا جعل القيد لما شرط عليه مطلقا لزم جواز العدول عن الميقات إذا لم يتعلّق به غرض ، وهو مشكل حيث إنّ الجميع أطلقوا تعينه.

قوله : ولا معه.

أي : لا مع الجواز.

قوله : بنسبة الحج.

أي : نسبة اجرة الحج ، فحذف المضاف اي المبلغ المسمّى لجميع الحج والطريق ، ويسقط اجرة ما تركه من الطريق الذي عين في النيابة ، ولا يأخذ شيئا للطريق الغير المعيّن الذي سلكه.

قوله : الرجوع عليه.

أي : برجوع المستأجر على الأجير بالتفاوت بين الطريقين أي : يأخذ التفاوت بينهما منه.

قوله : وكذا القول.

أي : مثل العدول إلى غير المعيّن من الطريق لا مع الجواز القول في الميقات ، فيسقط اجرة ما تركه من الميقات ، ولا يأخذ للميقات الذي أحرم منه شيئا ويستحقّ بنسبة الحج


الى المسمّى للجميع.

قوله : ممّن يجوز له.

متعلّق بقوله : « مع الإذن ». وقوله : « فيها » أي : في الاستنابة.

قوله : في ذلك.

أي : في الاذن في الاستنابة.

قوله : أو بما يدل عليه.

عطف على قوله : « ليحجّ مطلقا بنفسه أو بغيره » يعني : أو يستأجره بعقد يدلّ على الحجّ المطلق ، أو عطف على « أن يستأجر » على أن يكون المجرور متعلّقا بمحذوف هو : أن يقرن ومثله يعني : ان المراد : أن يقرن بما يدلّ عليه. ويحتمل العطف على قوله : « بنفسه » ويكون المعنى : فيحجّ عنه مطلقا مقيّدا بنفسه أو بغيره ، أو بما يدلّ عليه أي : على إطلاق النفس والغير.

قوله : ولا يحج.

أي : حجّا واحدا.

قوله : صحّ السابق.

لاستحقاق السابق منافعه تلك السنة لأجل الحج ، فلا يجوز صرفها في غيره.

قوله : أوجباه معا.

أي : يتلفّظا بتلفّظ الإيجاب معا.

قوله : ومثله ما لو استأجراه.

أي : مثل الاستيجار لعام واحد استيجار هما مطلقا ـ أي : من غير تقييد بالعام الواحد ـ لاقتضاء كلّ واحد منهما التعجيل.

وفيه : أنّ اقتضاء التعجيل إنّما هو مع الامكان ، ولذا أفتى جماعة بالصحّة ، وحكموا بتخيير الأجير في البدأة بأيّهما شاء ، وحكم بعضهم بالقرعة.

قوله : أمّا لو اختلف زمان الإيقاع.

يعني : زمان إيقاع الحج بأن يستأجره أحدهما بالإيقاع في هذا العام ، والآخر في العام


الذي بعده صحّ الحج ، وإن اتفق العقدان زمانا بأن أوجبا في آن واحد وقبلهما إلّا مع فوريّة المتأخّر بأن ينذر أقرب أعوام الإمكان أو نقول بوجوب فورية استنابة حجّة الإسلام ، وأمكن الاستنابة ممّن يوقعه قبل ما استؤجر عليه ، فيبطل أي : المتأخّر خاصة.

قوله : تقبل النيابة.

أي : يثبت جواز النيابة فيها شرعا.

قوله : ولو عن أن يطاف.

هذا إشارة إلى أنّه لو أمكن أن يحمل به ويطاف ، أو يسعى ، لا يجوز الاستنابة ، وإنما خصّ بهما ولم يذكر ركعتي الطواف والرمي ؛ لعدم تصوّر الصلاة به والرمي به.

قوله : الحيض به.

أي : بالعجز.

قوله : بعدولها.

أي : الحائض.

قوله : غير النوع.

فيعدل المتمتّع إلى الإفراد.

قوله : إكماله كذلك.(١)

أي : إكمال النوع الذي يثبت به كذلك أي : حائضا ، وأمّا إذا أمكن إكماله حائضا كما إذا فرغت عن الأعمال التي تنافيها الحيض ، فلا تعدل ، بل تكمل النوع. ويحتمل إرجاع الضمير إلى الحج ، ويجعل قوله : « كذلك » إشارة إلى النوع والمآل واحد.

قوله : ويحتسب لهما.

أي : للحامل والمحمول.

قوله : للحمل لا في طوافه.

أي : مقيّدا بكونه لا في طوافه. والضمير في « يستأجره » و « طوافه » للأجير. والمراد أنّه إذا استأجره للحمل لا في طوافه لا يحتسب للأجير ، لأنّ هذا الطواف لا يكون طوافا له ، وكذا اذا استأجره مطلقا.

__________________

(١) فى شرح اللمعة : لذلك.


وقوله : « لأنّ الحركة » علّة لعدم الاحتساب مع الاستيجار للحمل مطلقا.

قوله : على الشرط الأوّل.

أي : الحمل لا في طوافه.

قوله : موجبها.

مفعول للفعل. والضمير للكفّارة أي : فعله ما يوجب الكفّارة.

قوله : اللاحق به.

« الباء » للسببية ، والضمير للسبب ، أو « الباء » للإلصاق ، والضمير للأجير.

قوله : بناء على أنّ الاولى فرضه.

إشارة إلى القولين المشهورين في أنّ المفسد للحج إذا قضاء كما يجب عليه ، فهل تكون الاولى فرضه نظرا إلى أنّ مع الإفساد يجب عليه إتمام العمل أيضا ، فيكون هو الفرض الصحيح [ و ] تسميته فاسدا مجاز ، والثانية عقوبة للعمل الذي أوجب الإفساد. أو بالعكس يعني : أنّ أمره بالإتمام عقوبة ، والقضاء فرضه.

فإن قلنا بالأوّل فقد برئت ذمّة المستأجر ، وأجزأ ما فعل عن المستأجر عليه ، سواء كان الإجارة في هذا العام المعيّن أو مطلقا وقلنا بوجوب التعجيل مع الاطلاق ، لحصول الحجّ فى هذا المعين وعدم ترك التعجيل.

وأمّا لو قلنا بالثاني فلا يبرأ ذمّته على التعيين ؛ لأنّه لم يفعل الفرض في العام المعيّن الذي استؤجر فيه. وأمّا بعده فليس داخلا في الإجارة ، وكذا على الإطلاق والقول بالتعجيل ؛ لأنّه ترك التعجيل ، فيكون الإجزاء عن فرضه ، وتملك الاجرة بناء على القول بأنّ الاولى فرضه والثانية عقوبة.

قوله : والتأخير.

عطف على « الاخلال » أي : عدم الإخلال ( التأخير ظ ) في المطلق يعني : أنّ تملّك الاجرة على البناء على أنّ الأولى فرضه ، لأجل أنّ الحج إن كان في العام المعين فقد أتى به ، وإن كان مطلقا فلم يؤخره وأتى بمحض التعجيل ، فيستحقّ الاجرة.

قوله : بالمشروط.


وهو الحج في العام المعين.

قوله : كان كتأخير المطلق.

إنّما قال : « كتأخير المطلق » مع أنّه بناء على ذلك يكون عين تأخير المطلق ، لأجل أنّه لأجل إتيانه بالحجّ الفاسد معجلا يكون له نوع تعجيل ، فكأنّه ليس نفس التأخير. ولو قال :كتأخير المعيّن ، كان أظهر.

قوله : غريبا.

أي : تفصيلا غريبا.

قوله : عن الاعتبارين.

أي : اعتبار كون الاولى فرضه والثانية عقوبة وعكسه.

قوله : ولكنّه.

أي : هذا التفصيل. وهذا توجيه لتفصيل العلّامة وبيانه : أنّهم يقولون : إنّ الإفساد أيضا سبب مستقل لوجوب الحج ثانيا ، وعلى هذا فعلى القول بكون الاولى عقوبة فاسدة ، فلا يكون حجّا عن المنوب ، وإفسادها أوجب حجّا على النائب نفسه ، وهو غير الإجارة وهو الذي يفعله في السنة الثانية ، ويبقى ذمّته مشغولة بالحجّ الثاني ، فيأتي به في السنة الثالثة.

قوله : وعلى جعلها.

أي : جعل الثانية الفرض والاولى فاسدة وغير موجبة لحجّ آخر على النائب نفسه ينوي الثانية عن المنوب.

قوله : وعلى الرواية.

أي : على مدلولها الذي هو كون الاولى فرضا. والمستتر في « يكون » للثانية ، والمجرور في « عنه » للنائب يعني : أنّه على كون الأولى فرضا ، فهي تكون عن المنوب ، فينبغي أن يكون الثانية للنائب نفسه وجبت عليه شرعا عقوبة. ووجه احتمال كونها عن المنوب ؛ لأنّها لأجل إفساد الاولى ، فهي كالتتمّة منها.

قوله : تبرّعا.


أي : حجّا تبرّعيا يعني : حجّا مندوبا.

قوله : لصحّة حجّ الفاسق.

يعني : أنّ المانع عن استنابة الفاسق ليس فساد حجّه حتّى لا يمكن استنابته في حج مطلقا ، بل المانع عدم قبول خبره ، فلا مانع فيما ليس بواجب ؛ إذ غايته أنّه يكذب ولم يحجّ ، ولا ضرر فيه حيث ليس بواجب.

قوله : وان وجب عليه.

أي : على المنوب عنه استنابة غير الفاسق.

قوله : والزيارة [ المتوقفة ].

صفة للعبادات.

قوله : للفعل المخصوص.

أي : الفعل الذي شرط على النائب أن يفعله.

قوله : في أقلّ مراتبها.

متعلّق بقوله : « استجمع » ، والضمير للشرائط أي : استجمع أقلّ مراتب شرائط النيابة ، فإنّ ما يبذل يتفاوت بالنسبة إلى الأشخاص.

قوله : اقل منها.

أي : من اجرة المثل.

قوله : فمن الأصل.

أي : يحسب الواجب من الأصل ، لا الجميع إذا كان بعضه واجبا.

قوله : وإلّا اعتبرت.

أي : وإن زاد على اجرة المثل في الواجب.

قوله : ثمّ يستأجر غيره بالقدر الى آخره.

الضمير في « غيره » للنائب المعيّن. و « اللام » في « القدر » للعهد أي : القدر المعيّن. والضمير في « تخصيصه » للنائب وفي « به » للقدر ، أو بالعكس.

وقوله : « وإلّا » أي : وإن علم إرادة تخصيصه به فبأجرة المثل أي : فيستأجر الغير بها. و


المستتر في « لم يزد » لاجرة المثل. والضمير في « عنه » للقدر.

وجملة قوله : « أو يعلم إرادته » إلى آخره ، عطف على جملة يدل عليها قوله : « يستأجر غيره بالقدر » وهي قوله : « يعلم عدم إرادة هذا النائب خاصّة » ؛ إذ ظاهر أنّ استيجار الغير لا يكون إلّا في هذه الصورة.

ويمكن أن يكون عطفا على جملة : « يستأجر غيره بالقدر إن لم يعلم إرادة تخصيصه به » ، والضمير في « إرادته » للنائب. والمستتر في قوله : « فيسقط » للاستيجار. والضمير في « بامتناعه » للنائب. وقوله : « بالقدر » متعلّق بالاستيجار المستتر في « يسقط » وقوله :« أو مطلقا » عطف على القدر. والمراد أنّه إذا امتنع النائب المعين طلبا للزيادة لم تجب إجابته في الزيادة ، وإذا لم يجب ذلك فيستأجر غيره بهذا القدر ، إن لم يعلم إرادة تخصيص هذا النائب بهذا القدر أو تخصيص هذا القدر بهذا النائب. وإن علم ذلك فيستأجر الغير باجرة المثل إن لم تزد الاجرة عن هذا القدر ، فإن زاد عنها يستأجر بهذا القدر أيضا ، أو يعلم إرادة هذا النائب خاصّة ، فيسقط الاستيجار بالقدر بامتناعه هذا القدر ، فيستأجر باجرة المثل. هذا إذا لم يعلم إرادة هذا القدر خاصّة أو يسقط الاستيجار مطلقا إن علم إرادة هذا القدر خاصّة. ويمكن أن يكون الترديد باعتبار قسمي الامتناع يعني : يسقط بالقدر بامتناعه إن امتنع عن القدر ، ويسقط مطلقا إن امتنع مطلقا.

قوله : ولو عيّن النائب خاصّة.

أي : دون القدر.

قوله : مثل من يحج.

وهو من استجمع شرائط النيابة في أقلّ مراتبها.

قوله : أجرة مثله.

أي : أجرة مثل هذا النائب وإن كان أكثر من اجرة مثل من يحج مجزيا.

قوله : فان امتنع منه.

أي : من الحج باجرة المثل وطلب الزيادة ، أو امتنع من الحج مطلقا ولو بالزيادة عن اجرة المثل.

قوله : التخصيص.


أي : بهذا النائب.

قوله : وقصر.

أي : ما عيّن لكل سنة عن حجّها.

قوله : كمّل من الثانية.

بتشديد « الميم » ماض مجهول من التكميل. والمستتر فيه هو المستتر في « قصر » أي :القدر المعيّن للتكميل لكلّ سنة ، وقوله : « ما يتمم » مفعول له ؛ لأنّه هنا بمعنى : « أعطى » ؛ لتجريده عن معنى التتميم اللازم أي : اعطي ما يتمّم اجرة المثل.

قوله : ولو بجزء.

متعلّق بقوله : « يتمّم » أي : ولو يتمّم ببعض ما للثانية أو للثالثة. و « صرف الباقي » تتمة من قوله : « ولو بجزء » يعني : إذا تمّم بجزء من السنة التي بعدها يصرف الباقي من تلك السنة وهو الزائد عن الجزء مع ما بعده أي : ما للسنة التي بعدها كذلك أي : مكمّلا بما بعده ، وهكذا.

قوله : على الأمرين.

أي : العود إلى الورثة والصرف في وجوه البر.

قوله : عنه به.

أي : عن الغير بالمعين.

قوله : من اثنين.

متعلّق بمحذوف ، وهو صفة لمفعول مطلق محذوف أي : حجّا استؤجر من اثنين بأن يحج كل واحد حجّة.

قوله : الواجب عليه عنه.

الضمير في « عليه » وكذا « عنه » في المواضع الثلاثة للانسان ، والمستتر في « يستأجر » للودعي ، وكذا ضمير « هو ».

قوله : والخبر.

أي : قوله : « يستأجر ».

قوله : أنّ البعض.


أي : بعض الورثة يؤدّي الواجب على مورثه تبرّعا.

ووجه الاستيذان عنه مع عدم وفاء نصيبه ؛ لأن الوارث مخيّر في جهات الأداء ، فلعلّه يريد الأداء من غير هذا المال.

قوله : وإلّا سقط.

أي : وإن لم يمكن الاستيذان سقط الاستيذان ، ويستأجر من غير إذن.

قوله : احداهما نذر.

والاخرى حجّة الإسلام.

قوله : إذ الأصح أنهما.

لا يخفى أنّ خروج حجّة الاسلام عن الأصل موضع وفاق ، فقوله : « الأصح أنهما من الأصل » باعتبار أحد فردي التثنية.

قوله : في المرض.

أي : في مرض الموت بأن ينذر ثمّ يموت ، فإنّه لا يجب عليه حينئذ ، لتوقّفه على برئه.

قوله : تحاصّتا فيه.

أي : تحاصّت الحجّتان في المال أي : يقسّم المال بينهما وحينئذ فإن قصرت الحصّة أي : حصّة كلّ منهما عن إخراج الحجّة الكاملة أي : المشتملة على الحج والعمرة بأقلّ ما يمكن أن يستأجر ، ولكن وسع الحج بدون العمرة ، أو العمرة بدون الحج أي : حصّة كل منهما ، صرف ذلك فيه.

فإن قصر ما لكلّ منهما عنهما أي : عن الحج أو العمرة لكلّ منهما ، ولكن وسع أحدهما كاملا ـ أي : أحد الحجّين ـ ففيه أوجه ، ولو وسع المال للحج خاصّة لإحدى الحجين أو العمرة كذلك ، ففيه الأوجه ، ولو لم يسع أحدهما أي : الحج أو العمرة من إحدى الحجتين أيضا فالقولان وهما : العود إلى الورثة ، أو الصرف في البر.

وأمّا الوجهان الآخران فغير آتيان حينئذ ؛ لعدم وفائه بشي‌ء.

قوله : أو الحق.

مثل الغصب والقرض. والمراد بالحقّ الثاني : الحقّ الواجب إخراجه من الحجّ والزكاة


وغيرهما.

قوله : وبعضهم.

أي : علم بعضهم ببعض أي : علم كل منهم بحال البعض الآخر من أنّ عنده الوديعة.

قوله : بالتفصيل.

متعلّق بقوله : « تعيّن ». و « اللام » فيه للعهد ، وإشارة إلى التفصيل المذكور في الودعى. ويمكن أن يكون التفصيل إشارة إلى ما ذكره بقوله : « وزعت اجرة الحجّة » إلى آخره. ويكون المراد بالعالم : الجنس يعني : تعيّن على العالم ، فإن كان واحدا يخرج عمّا في يده ، وإن كان متعددا يوزع عليهم بنسبة ما في أيديهم ، أو أخرجها بعضهم بإذن الباقين.

قوله : سقط من وديعة كل منهم.

هذا أيضا مع الاجتهاد ، وإلّا فمقتضى ما ذكره عدم سقوط ما عدا الواحدة والضمير المنصوب في « يخصّه » راجع إلى كلّ منهم. وقوله : « تحلّلوا » أي : يصيروا محلا. والمعنى :أنّه يسقط من وديعة كل منهم ما تكون اجرة له إلى ذلك الوقت ، فمن قطع نصف الطريق تسقط من وديعته ما يكون اجرته ، ومن قطع الثلث تسقط اجرته ، ومن أتى ببعض أفعال الحج تسقط اجرته ، ومن أتى ببعض أكثر يزيد اجرته وهكذا. ويمكن أن يكون المراد بالاجرة : الواحدة الموزعة كما يأتي بأن يحسب اجرة واحدة للجميع إلى هذا الوقت وتوزع عليهم ويسقط بالنسبة وعلى هذا فيختصّ ذلك بما إذا كان لا مع الاجتهاد.

قوله : عالمين بعضهم.

أي : عالمين بحال بعض من أنّه أيضا حجّ.

قوله : وسقط من وديعة كلّ واحد.

يعني : أنّه إذا حجّوا جميعا دفعة بأن يحرموا دفعة ، فإن الإحرام هو المناط في تقدم الحج وتأخّره يحسب اجرة واحدة وتوزع على الجميع بنسبة ودائعهم ، ويسقط من وديعة كلّ منهم ما يصير مخصوصا به ويغرم الباقي من المال مثلا : إذا كانوا ثلاثة ، وكان عند واحد عشرون ، وعند الآخر ثلاثون ، وعند الثالث خمسون ، وحجّوا جميعا دفعة ، وكان اجرة الحجّة الواحدة خمسين ، فهو نصف مجموع الودائع ، فيسقط من وديعة كلّ منهم


نصفه ويغرم الباقي.

قوله : قهرا على الوارث إليه.

قوله : على الوارث متعلّق بالقهر. وقوله : « إليه » بالولاية.

قوله : ما سبق.

من أنّ ولاية إخراج ذلك عليه.

الفصل الثاني في أنواع الحجّ

قوله : مع ارتباط عمرته.

وجه الارتباط : أنّه يجب الإتيان بعمرته وحجّه معا في أشهر الحج ، بخلاف عمرة الباقيين ؛ فإنّه يجوز ايقاعها في غير أشهر الحج. وأيضا لو نذر أحد حجّ التمتع يجب عليه العمرة والحجّ معا ، بخلاف نذر الباقيين ؛ فإنّ المشهور عدم وجوب العمرة إلّا مع نذرها أيضا.

ولا يخفى أنّ هذا الوجه للتسمية أنسب بأحد معنييه الذي هو التلذذ. وهنا وجه آخر ذكروه يناسب الانتفاع ، وهو أنّ المتمتّع يحرم ميقاتا ( كذا ) لأنّه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج إلى أن يخرج إلى أدنى الحل ، فيحرم بالعمرة منه ، وإذا تمتّع استغنى عن الخروج ؛ لأنّه يحرم بالحج من جوف مكّة.

قوله : فإنّها مفردة.

كان الملائم لقوله : « يقدّم عمرته » أنّ يقول هنا : « فإنّها مؤخرة » ولكن لمّا صار في عرف المتشرعة بحيث يتبادر من العمرة المفردة المؤخّرة لتأخّرها البتة ( كذا ) جاز إرادة المؤخّرة منها واستعمال المفردة وإرادة المؤخّرة.

وقوله : « بنيّته » الضمير فيها راجع إلى الإفراد أي : بنية الافراد. وفي بعض النسخ « بتة » بمعنى : القطع. أي : مفردة قطعا والبتة. وفي بعض آخر « بتية » منسوب إلى البت أي : قطعيّة.

قوله : والتلبية.

[ التلبية ] أو الهدي بالنسبة الى الاحرام كتكبيرة الإحرام بالنسبة إلى الصلاة ، فكما إذا كبّر يعقد الصلاة ويدخل فيه ، فكذا إذا لبّى أو أشعر الهدي أو قلّده يدخل في الإحرام و


ينعقد. والمراد بقوله : « بين الهدي » أي : بين إشعار الهدي أو تقليده كما يأتي.

وقوله : « والافراد » عطف على القران ، والضمير المجرور في « بها » للتلبية يعني : وينفرد الافراد بالتلبية أي : باختصاص عقده بها.

قوله : والعمرة.

أي : ينوي نيّة واحدة للحج والعمرة في الابتداء ، فيجعلهما فعلا واحدا لا يحل الا بتمام أفعالهما.

قوله : مطلقا.

أي : سواء كان الحجّ الأوّل أو الثاني أو الثالث ، وهكذا ، والحاصل : أنّه سواء حجّ تمتّعا قبله أو لا. ويحتمل أن يكون مطلقا تعميما للناذر المطلق والندبي.

قوله : عملا بظاهر الآية.

الآية : قوله تعالى : ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) إلى قوله :( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١).

والروايات كثيرة منها : صحيحة علي بن جعفر قال : « قلت لأخي موسى بن جعفر عليهم‌السلام لأهل مكّة أن يتمتعوا في الحج إلى العمرة؟ فقال ، لا يصلح أن يتمتعوا ؛ لقول الله ـ عزوجل ـ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٢).

وإنّما جعل الآية ظاهرة ؛ لأنها تدلّ بمفهومها على أنّ الحاضر ليس له ذلك ، والمفهوم ليس من الصريح.

قوله : استثناء من عدم جواز العدول مطلقا.

هذا إشارة إلى جواز العدول عند المصنّف بلا ضرورة في الجملة كما يأتي ؛ فإنّه حكم بجواز عدول المفرد في الأثناء إلى التمتّع ولو كان واجبه الافراد. والمعنى : أنّ قوله :« لضرورة » استثناء عن عدم جواز العدول مطلقا أي : سواء كان متمتعا أو غيره بمعنى : أنّ عدم الجواز المطلق ليس إلّا مع الضرورة. وأمّا جواز العدول في الجملة فهو قد يكون

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) وسائل الشيعة ١١ / ٢٥٩


بلا ضرورة أيضا.

ويمكن أن يكون قوله : « مطلقا » إشارة إلى الابتداء والأثناء أي : جواز العدول في الابتداء والأثناء لا يكون إلّا مع الضرورة وإن جاز في الأثناء العدول من الإفراد إلى التمتّع.

قوله : ويتحقق ضرورة المتمتّع.

أي : ضرورته المجوّزة للعدول بأن يخاف حصول الحيض متقدّما على طواف العمرة حتّى لا يمكن الطواف حيث لا يجوز له دخوله المسجد الحرام للطواف ، فلو خاف الحيض ، ولكن بعد الطواف فلا ضرورة ؛ إذ لا مانع حينئذ.

وكذا تكون الضرورة إذا خاف الحيض مقدّما على الطواف بحيث يفوت اختياري عرفة ، فلو خافه ، ولكن علم أنّه يطهر في وقت يمكن له الطواف وإدراك اختياري عرفة لا ضرورة كما إذا علم أنّه يطهر في أوّل يوم عرفة. وقوله : « أو التخلّف » عطف على « الحيض » أي : وتتحقق الضرورة بخوف التخلّف عن الرفقة إلى عرفة حيث يحتاج إلى الرفقة ، وذلك كما إذا خرج الرفقة أوّل يوم عرفة إلى عرفة وعلم أنّه لو أتى بأفعال العمرة يتخلّف عنهم ، فيجوز له العدول إلى الإفراد.

قوله : وخوفه من دخول مكّة إلى آخره.

عطف على قوله : « خوف الحيض » يعني : تتحقّق ضرورة المتمتّع بخوفه من دخول مكّة قبل الوقوف كما لو كان له عدوّ فيها يعلم استمراره أقلّا إلى العيد ؛ فإنّه حينئذ لا يمكنه الطواف للعمرة والسعي لها والإحرام بالحج. « قبل الوقوف لا بعده » أي : لا تتحقّق الضرورة بالخوف بعد الوقوف ؛ لأنّه يتمّ عمرته ويحرم بالحج ، ويقف بالمشاعر ويبقى طوافه وسعيه للعمرة ويجوز له الاستنابة فيهما مع بقاء المانع طول ذي الحجّة.

ويمكن بعيدا أن يكون المراد بقوله : « لا بعده » أي : تتحقّق الضرورة بأن خاف الدخول قبل الوقوف ، ولا يخاف بعده ، فإنّه يعدل إلى حجّ الإفراد ويقف المشاعر ، ثمّ يدخل مكّة ؛ لرفع المانع حينئذ ، ويأتي بباقي أفعال الحجّ والعمرة.

مسائل



[ كتاب القضاء ]

قوله : أي : الحكم بين الناس.

تفسير القضاء بالحكم تفسير بالمعنى اللغوي على ما يظهر من المسالك وغيره. وإنّما فسره بذلك مع إطلاقه في اللغة على معان اخر أيضا كالإمضاء ، والإتمام ، والفراغ ؛ لكونه أقرب جميع المعاني إلى معناه الشرعي.

ولكن يخدشه حينئذ : أنّ المعنى اللغوي ليس هو الحكم بين الناس ، بل هو الحكم من غير قيد ، فلا يلائمه التقييد ، إلّا أن يوجّه بأن الظرف ليس قيدا للمعنى ، بل لمّا كان الكلام في قوله : « كتاب القضاء بين الناس » بقرينة المقام فقال : القضاء بين الناس هو الحكم بين الناس ، فبين الناس بيان لأمر مقدّر معلوم بقرينة المقام.

وأمّا جعله بيانا للمعنى الشرعي ، فلا يتمّ بوجه من الوجوه ؛ لتطرّق النقوض الكثيرة عليه طردا أو عكسا كالنقض بالفتوى ، وبحقوق الله ، والحكم بغير الوجه الشرعي ، وغير ذلك.

ثمّ معنى الحكم بين الناس : هو رفع النزاع الواقع بين الناس بالحكم ، فهو من باب التضمين حيث إنّ الحكم يتضمّن رفع النزاع لا محالة كما أنّ الصلح بين الناس رفع النزاع بالصلح.

ويقال للحكم بين الناس : محاكمة بينهم أيضا ؛ لأنّ المتخاصمين لرجوعهما إلى الحاكم يجعل كلّ منهما الحاكم مقام نفسه ، فهو لا محالة يحكم لأحد بإثبات وللآخر بنفي ، فكأنّه حكم هذا على هذا ، وهذا على هذا ، فيتحقق معنى المفاعلة.


ثمّ إنّهم عرّفوه شرعا بتعريفات غير خالية عن النقض. وهو في عرف الشرع يستعمل في معنيين :

أحدهما : الحكم الخاص بين الناس على نحو مخصوص.

والآخر : ولاية ذلك الحكم وهو المعبّر عنه في العرف بالحكومة وهو المناسب لما يقولون من أنّ وظيفة القاضي أن ينادي كذا ، ويأخذ كاتبا كذا ، ومترجما كذا ، إلى آخر ما قالوا.

قوله : وهو واجب كفاية.

أي : هو في الأصل كذلك ، لأنّ المطلوب منه تحقّق هذه الماهيّة من أي شخص كان ممّن يصلح له كما هو شأن الواجبات الكفائية.

فلا يرد : أنّهم صرّحوا بوجوبه عينا على من انحصر الصلاحيّة فيه ، فإن المراد : الكفاية الاصلية الغير المنافية للعينيّة العارضة بالانحصار.

قوله : في حقّ الصالحين.

المراد بالصالحين له : العالمون بالأحكام ، العادلون وإن لم ينصبه الإمام بعد في حال الحضور أي : الصالحون للقضاء ولو احتاج فعليته إلى أمر آخر ، فلا خدشة في الاستثناء من حيث إنّ مع الحضور لا يصلح له إلّا الإمام أو نائبه الخاص ، فالمراد : أنّه يجب على العالمين العادلين كفاية ، وإن احتاج القيام به إلى شرط آخر واجب التحصيل ، فيجب تحصيل شرطه أيضا كما في صلاة الميّت بالنسبة إلى إذن الولى.

فإن قيل : لا يخلو في حال الحضور إمّا أذن الإمام لأحد أو لم يأذن ، فعلى الأوّل يجب عينا ، وعلى الثاني يحرم ، فأين الواجب الكفائي حتى يصحّ الاستثناء فيه.

قلنا : حال الحضور لا يخلو عن خمس صور ؛ لأنّ الصالح إمّا واحد ، أو متعدّد. وعلى الأوّل فإمّا يعيّنه الإمام ، أو لا يعيّنه لعدم اطّلاعه على صلاحيته. وأمّا عدم تعيينه مع علمه بالصلاحيّة فلا يمكن تحقّقه ؛ إذ يجب التعيين حينئذ على الإمام ، ولا يترك الواجب عليه. وعلى الثاني فإمّا يعيّن الامام واحدا بعينه منهم فهو أيضا يدلّ على عدم صلاحيّة الغير [ لان الامام ] لا يوجب ما لا يجب كما ذكره المحقّق ؛ ردّا على قول الشيخ في الخلاف ، فإذا


عيّن واحدا يعلم عدم صلاحيّة الغير ، أو يعيّن واحدا لا بعينه ، أو لا يعيّن أحدا لعدم الاطلاع بحالهم أمّا عدم التعيين مع الاطلاع ، فلا يمكن لما مرّ من استلزامه ترك الامام للواجب.

فهذه خمس صور يخرج الثلاثة الاولى عن محل الكلام ؛ لأنّ الكلام فيما إذا لم يعرض ما يجعله واجبا عينا ، وفي الثلاثة الاولى يجب على الصالح عينا ، فبقيت الاخريان ، ويجب فيهما كفاية امّا على الرابعة فظاهر ؛ لطلب الإمام من واحد لا بعينه. وأمّا على الخامسة ؛ فلأنّ الواجب عليهم كفاية القضاء بجميع شرائطه التي منها إذن الإمام ، فيجب عليهم كفاية إعلام الإمام بحالهم ونصبه واحدا منهم.

قوله : فيلزمه إلى آخره.

هذا تفريع على ما يفهم من قوله : « وهو واجب » إلى قوله : « أو نائبه » مع انضمام مقدمات مطوية ظاهرة أي : لمّا كان القضاء واجبا وكان مع الحضور وظيفة الإمام أو نائبه ولم يمكن للامام إجراء الحكم في جميع النواحي وتوقّف النيابة على نصب الإمام وإذنه ، فيلزم على الإمام إلى آخره.

قوله : على من عيّنه.

أي : عيّنه الإمام للنيابة أو للقضاء. وسبب وجوب الإجابة إمّا أنّ امتثال أمر الإمام واجب مطلقا كما قاله الشيخ في الخلاف ، أو لأنّ إلزامه وايجابه يدلّ على أنّ غيره إمّا غير صالح ، أو مانع عن نصبه ؛ لأنّ الإمام لا يوجب ما لا يجب.

وهنا قول آخر ذكره في المسالك وهو : أنّه لا يجب حينئذ القبول على من عيّنه ، وهو غير صحيح ؛ لما ذكره المحقّق.

قوله : ولو لم يعيّن وجبت كفاية.

يعني : لو أذن لواحد لا بعينه ولم يعيّن أحدهم وجبت الإجابة كفاية. وهنا قسم آخر مرّت الإشارة إليه ، وهو : أن لم يعيّن ولم يأذن لأحدهم أيضا ؛ لعدم الاطلاع ويجب حينئذ القضاء كفاية بمعنى : السعي في طلب شرطه الذي هو إذن الإمام كما يجب على من يصلح لصلاة الميّت تحصيل الإذن من الولي.


قوله : تعيّنت عليه.

أي : تعيّنت الإجابة.

فإن قلت : إن أراد أنّه [ إن ] طلب من جماعة من غير تعيين وكان الأهل منهم واحدا تعينت الاجابة على الأهل كما هو الظاهر من قوله : « تعيّنت الإجابة » ؛ لأنّ الإجابة لا تكون إلّا بعد الطلب يلزم خطأ الإمام حيث طلب من جماعة ليسوا بأهل إلّا واحدا منهم ، وهو غير جائز. وإن أراد أنّه إذا كان هناك واحد لم يعلمه الإمام تعينت الإجابة عليه بأن يطلب من الإمام حتّى يطلب الإمام منه ، فيجيب هو ، فهو القسم الآتي بقوله : « ولو لم يعلم ».

قلنا : المراد : الأوّل ويمكن أن يكون طلب الإمام ...

قوله : أهلا.

أي : للاجابة ، أو للنيابة ، أو للقضاء. والمعنى واحد.

قوله : ولو لم يعلم به الإمام

أي : بهذا الوجه أو بكونه اهلا.

قوله : لزمه الطلب.

أي : طلب النيابة أو القضاء.

قوله : وفي استحبابه مع التعدّد عينا إلى آخره.

يتصوّر ذلك في صور :

إحداها : إذا كان هناك جماعة صالحون ، لم يعلم بهم الإمام ، فيقال : هل يستحبّ لكلّ منهم الطلب عينا كما يجب على الكل كفاية أو لا ، بل ينحصر الحكم في الوجوب الكفائي؟

وثانيتهما : أن يكون هناك قاض منصوب وكان جماعة صالحون أيضا ، فيقال هل يستحب لكلّ الطلب عينا ، حتّى ينصبه عند الاحتياج ، فيتعرض بذلك الطلب بصورة الاحتياج. ذكر هذه الصورة في المسالك. (١)

__________________

(١) راجع المسالك ٢ / ٣٥٣ الطبع الحجري.


وثالثتها : أن يكون هناك قاض منصوب ، فطلب الشريك معه ، على القول بجوازه ، وأمّا مع التعدّد وعلم الإمام وعدم وجود قاض منصوب ، فقيل : لا يمكن استحباب الطلب ؛ لأنّ الإمام لا يترك الواجب حتّى يحتاج إلى طلبه ، بل يلزم عليه نصبه فورا ».

وفيه : أنّه يمكن أن يقال : إنّه ليس فوريا حقيقيا ، فلا ينافي الطلب حينئذ مع أنّه قد يعلم الإمام عدم الحاجة فورا.

ثمّ المراد من المستحب العيني : هو نفس الطلب. وأمّا أصل القضاء فهو قبل إذن الإمام حرام ، وبعده واجب ووجه الاستحباب : أن القضاء أمر له أجر عظيم شرعا ، وطلب ما فيه الأجر يوجب الأجر أيضا.

وقيل : لا يستحب ؛ لما فيه من الخطر ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لابن سمرة : « انك إن اعطيت الأمارة عن مسألة وكلت (١) إليها ، وإن اعطيت من غير مسألة اعنت عليها ». (٢)

قوله : مع الوثوق من نفسه.

قد يقال بزيادة هذا القيد ؛ لأنّ الكلام في الاستحباب على من كان أهلا وصالحا للقضاء والوثوق من نفسه شرط في الأهليّة والصلاحيّة ، فإنّ من شرائطه العدالة ، وهي موجبة للوثوق من نفسه.

وجوابه : أنّ الوثوق من نفسه ليس شرطا في القضاء ؛ ولذا ينفذ قضاء غير الواثق بنفسه إذا طابق الواقع ، نعم يشترط في التحاكم إلى القاضي وثوق الغير به ، وإلّا لم ينفذ قضاؤه. غاية الأمر أنّه يجب على غير الواثق بنفسه عدم الجور والميل وقهر نفسه عليه ، لا أنّ الوثوق شرط في القضاء ، ولو سلّم كونه شرطا فإنّما هو من الشرائط المقدورة التي يجب على المكلّف تحصيلها كالوضوء ، فلا يتوقّف التكليف بالمشروط وجوبا ، أو استحبابا على وجود الشرط ، فيمكن استحباب الطلب لغير الواثق بنفسه بأن يستحبّ له تحصيل الوثوق به أيضا كما لا يخفى.

قوله : بالقيام به.

أي : بالقضاء. والمراد : القيام على الوجه الصحيح الشرعي.

__________________

(١) وكلتها.

(٢) المسالك ٢ / ٣٥٣.


قوله : والإيمان.

أي : بالمعنى الأخص ، وهو الاعتقاد بالاصول الخمسة.

قوله : والاجتهاد.

جعله من الشرائط إنّما هو على اصطلاح القدماء ، من إطلاق الفقيه على العالم ببرهة من الأحكام ولو تقليدا وأمّا على اختصاصه بالمجتهد ، فيكون الاجتهاد عين الفقاهة المذكورة ، دون شرطها.

قوله : ويتحقّق.

أي : يتحقّق الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، لا فيها وفي اصولها ؛ لأنّ الاصول بكلّ من المعنيين معدودة في المقدّمات ، ولا معنى لكون الشي‌ء مقدّمة لنفسه.

قوله : والأصول الأربعة.

عطف على المقدّمات. أي : بمعرفة الاصول الأربعة ، وإنّما أخرجها عن المقدّمات ؛ لأنّها أدلّة للأحكام ، ودليل الشي‌ء لا يسمّى مقدّمة لذلك الشي‌ء ، وإنّما المقدّمة ما يتوقّف الاستدلال بالدليل عليه. والمراد بمعرفة الكتاب والسنّة وأخويهما : معرفة الآيات والأحاديث وتمييزها عن غيرهما ، وفهم معانيهما ، ومعرفة مواقع الإجماع ، ومعرفة دليل العقل على ما يفصله الشارح.

فلا يرد : أنّ الاصول الأربعة داخلة في الاصول المعدودة من المقدّمات ؛ لأنّ الداخلة فيها هي معرفة حجّية هذه الأربعة ، دون ما ذكرناه كما لا يخفى.

... معرفة دليل العقل من الأصل والاستصحاب ، على أنّها داخلة مطلقا في معرفة الاصول ، وسيصرّح الشارح بذلك.

قوله : من صفات الجلال والإكرام.

صفات الجلال : السلبية ، وصفات الإكرام : الثبوتية ، وبعبارة اخرى : الجلالية والجمالية.

قوله : وعدله وحكمته.

العدل ، من صفات الجلال ؛ لأنّه سلب الظلم عنه ، والحكمة من صفات الإكرام ، فالعطف من باب عطف الخاص والعام ، ذكرهما لكثرة مدخليّتهما في معرفة الأحكام.


ويمكن أنّ المراد بالصفات الجلالية والإكرامية : الصفات الثمان الثبوتية ، والسبع السلبية المعهودتين المشهورتين ، فزاد الحكمة والعدل أيضا على الخمسة عشر ؛ لكثرة مدخليتهما في فقه الأحكام. والمراد بالحكمة : الإتقان وملاحظة المصالح والمفاسد.

قوله : ويتحقّق الحجّة به.

أي : بخبرهم.

قوله : والتصديق بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى آخره.

لا يخفى ان التصديق بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحوال الآخرة لا مدخلية له في الاجتهاد ، وكذا معرفة بعض من الصفات الجلالية والإكرامية.

قوله : ومن الاصول.

عطف على قوله : « ومن الكلام ». أي : والمعتبر من الاصول ما يعرف به أدلّة الأحكام أي : مدلولات أدلّتها ولا يخفى أنّ مثل هذا الكلام يتعارف استعماله في مقام لم يعتبر جميعه ، بل اعتبر بعضه ، كما في علم الكلام ، مع أنّ المعتبر من الاصول معرفة جميعه ؛ لتوقّف استنباط الأحكام عليها ؛ لأنّ الاصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام كما عرّفوه به ، فما لم يستنبط منه الحكم لا يكون اصولا ، ويدلّ على ذلك أيضا قوله : « وغيرها ممّا اشتملت عليه مقاصده ».

قوله : مشترك بين سائر المكلّفين.

لا يخفى أن اشتراك ما يتوقّف عليه من الكلام بين المجتهد وباقي المكلّفين لا ينفي كونه من شرائط التفقّه أيضا ؛ إذ قد يكون شرطا لامور كثيرة كالوضوء والغسل ، فما يتوقّف عليه منه يمكن أن يكون شرطا للإيمان وللاجتهاد كيف ، ولو قطع النظر عن كونه مكلّفا ترى أنّ أصل الاجتهاد من حيث هو اجتهاد موقوف على كثير من المسائل الكلاميّة ، ولا يمكن حصوله بدونه.

قوله : أدلّة الأحكام.

أي : من حيث دلالتها على الأحكام ، لا معرفتها بنفسها ؛ لأنّها داخلة في معرفة الاصول الأربعة.


قوله : مقاصده.

أي : مقاصد الاصول. وتذكير الضمير باعتبار ملاحظة معنى العلم ، أو بتقدير العلم أي :علم الاصول.

قوله : ولا يعتبر الاستقصاء فيه.

قد يقال : إن الضمير المجرور إمّا راجع إلى كلّ واحد من النحو والتصريف أو إلى الموصول في قوله : « ما يختلف المعنى ». فعلى الأوّل يلزم أن يستفاد ذلك من قوله : « ومن النحو » إلى آخره بل لا يصح قوله : « بل يكفي الوسط » ؛ إذ يمكن أن يكون ما يختلف المعنى باختلافه أكثر من الوسط.

وعلى الثاني يرد : أنّ الوجه التام إمّا يكون ممّا يختلف المعنى باختلافه أولا ، فعلى الأوّل يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التام. وعلى الثاني يكون معلوما من قوله : « ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه » ، فلا حاجة إلى ذكره.

والجواب : أنّ الضمير راجع إلى الموصول ، ولا يرد ما ذكر ؛ لأنّ الوجه التام ليس أمرا مغايرا لما يختلف المعنى باختلافه ، بل هو كيفيّة لمعرفته ، فإنّ معرفته يمكن على أنحاء ، فقد تكون مع تتبّع وتحقيق وتفكّر تامّة ، وقد تكون بالناقص منها.

ثمّ الضمير المجرور في قوله : « منه » راجع إلى الاستقصاء.

قوله : إمّا بحفظها.

المراد بحفظها : حفظها بألفاظها من ظهر القلب أو في كتاب. والمراد بفهم مقتضاها :ضبط حاصلها يعني : يلزم إمّا حفظ نفس الآيات ليرجع إليها متى شاء ، أو استخراج مضمون كلّ منها وضبطه في موضع ليرجع إليه متى شاء ، وليس المراد بفهم المقتضى : فهم الآيات ؛ لأنّه لازم في صورة الحفظ أيضا ، فلا يصحّ جعله قسيما له ، بل المراد ما ذكرنا من ضبط مدلول كلّ آية ، وما يثبت منه من الأحكام ، ولمّا كان ذلك موقوفا على الفهم عبر بالفهم ؛ ولذا أخّر قوله : « ليرجع إليها متى شاء » ؛ فإنّه لا معنى للرجوع إلى فهم المقتضى ، بل المعنى : أنّه يرجع إلى ما يستنبطه من المقتضيات المفهومة.

قوله : كان عاصيا فاسقا لأنّ ذلك كبيرة عندنا.


لما كان الفسق لا يتحقّق إلّا بفعل الكبيرة أو بالاصرار على الصغيرة ، ومقتضى إطلاق كلام المصنّف تحقّق الفسق بالعدول إلى قضاة الجور مطلقا ، ولو لم يكن مع الإصرار علّله بأنّه كبيرة عندنا.

وقوله : « ففي مقبولة عمر بن حنظلة » تعليل وبيان لكونه كبيرة. ووجه دلالتها على كونه كبيرة : أنّ الكبيرة عندنا ما أوعد الله تعالى عليه مطلقا أو في كتابه الكريم ، وقد أوعد سبحانه فيه على أخذ السحت وعدم الكفر بالطاغوت حيث أمر بالكفر به ، والأمر بالشي‌ء نهي عن ضدّه ، والمقبولة تدلّ على كون ما يؤخذ بحكمه سحتا ، وكون القاضي طاغوتا ، فيكون أخذ ما حكم به والتحاكم إليه المنافي للكفر به ممّا أوعد الله تعالى عليه ، فيكون كبيرة.

قوله : وتثبت ولاية القاضي إلى آخره.

اعلم أنّه لما كان مقتضى قواعدنا حرمة العمل بالظن ، إلّا فيما دلّ عليه الدليل ، فيكون ثبوت ولاية القاضي بالشياع على ما فسّره الشارح من كونه مفيدا للظن مختصّا بالولايات التي امتنع تحصيل العلم بالولاية فيها.

وأمّا فيما أمكن فلا. نعم من فسر الشياع باخبار جماعة لا يجمعهم داعية التواطؤ عادة ، ويحصل بقولهم العلم بمضمون خبرهم يصح له القول بثبوت الولاية به في جميع الولايات.

قوله : ولا يثبت بالواحد

القول بعدم ثبوتها بقوله ولا بالواحد وإن شهدت له القرائن ليس صحيحا على إطلاقه لأنّ القرينة إن أفادت العلم القطعي ، فلا وجه لعدم قبول قوله ، فالظاهر أنّ مرادهم من القرينة : القرينة المفيدة للظن.

قوله : ويمكن دخول إلى آخره.

إذ لا يحصل عليه النسيان ، إلّا بحصول اختلال في القوى الباطنية ومثل ذلك ليس بكامل.

قوله : وليس دخول الثاني.


هذا إشارة إلى اعتراض على المصنّف ، فإنّه لم يذكر ثلاثة من الشروط ، ووجّه عدم ذكر الأوّل بإدخاله في شرط الكمال ، وعدم ذكر الثاني بعدم اعتباره ؛ لكون اعتباره محلّ الخلاف ، بقي الثالث ، فأشار بقوله : « وليس » إلى آخره ، الى أنّه لا يقبل التوجيه ؛ إذ ليس اعتباره محل الخلاف حتّى احتمل عدم اعتباره ، وإدخاله في الكمال لا يلائم عدم إدخاله البصر والكتابة ؛ إذ دخوله فيه ليس أولى من دخولهما فيه ، وإنّما اقتصر بذكر ردّ إدخاله في الكمال ، دون عدم اعتباره ؛ لأنّ عدم إمكانه ( كذا ) ظهر من قوله : « على خلاف في الأخير » حيث يدلّ على أنّه لا خلاف في اعتبار الثاني.

قوله : في الكلام معهما.

أي : كمّا وكيفا : بأن يساوي مقدار الكلام معهما ، فلا يتكلّم مع أحدهما أزيد ممّا يتكلّم مع الآخر ، إلّا مع الضرورة ، وتساوي كيفيّة التكلّم من الرفق وضدّه. والمراد بتسوية السلام عليهما التسوية في نفس السلام بأن يسلّم عليهما معا ، ولا يسلّم على واحد منهما ، وفي كيفيّة السلام بأن لا يزيد لأحدهما شيئا في السلام من قوله : « ورحمة الله وبركاته » ، وكذا في التسوية في ردّ السلام.

والمراد بالتسوية في النظر : في مقدار النظر وكيفيّته من تحديد النظر وضدّه. وقوله :« والقيام » عطف على « الإذن فى الدخول » أي : يسوي بينهما في القيام لهما تعظيما ، فإن قام لأحدهما قام للآخر أيضا ، وفي قدر القيام. والمراد بالتسوية في المجلس : أن لا يرفع أحدهما على الآخر ولا يختص أحدهما بالشرف في المقام ، كالمقام القريب من القاضي وأمثال ذلك.

قوله : التسوية بينهما مستحبّة.

أي : فيما عدا ما يجب لذاته كالإنصاف لهما ، والعدل في الحكم ، وأمّا فيما يجب في نفسه فلا خلاف في وجوب التسوية بينهما.

قوله : كقربه إلى آخره

يمكن أن يكون القرب مثالا للرفع الصوري واليمين للمعنوي على اللف والنشر ؛ فإنّ علوّ المجلس صورة في الغالب يكون بالقرب من أشرف أهل المجلس.


ويمكن أن يكونا معا مثالا للرفع المعنوي ذكره لخفائه ، والمراد بالرفع الصوري : أن يكون مجلس المسلم عاليا ، ومجلس الكافر خافضا ، أو يكون مجلس المسلم في مكان أنظف وأحسن من مكان الكافر ، وكيف كان فقوله : « كما جلس » مثال للقرب من القاضي.

قوله : لكن هنا يقدّم.

يعني : أنّ تزاحم الطلبة والمستفتين ، وإن كان مثل تزاحم الخصوم في وجوب تقديم المبادر ، والقرعة مع الجهل ، ولكن فرق بينهما في المبادرة الموجبة للتقديم ، فإنّها في الخصوم المبادرة في التكلم بالدعوى ، وهنا في المجي‌ء دون التكلّم بطلب الدرس والاستفتاء.

قوله : ويكره تخصيص أحدهما.

أي : يكره تخصيص أحدهما بهذا الخطاب الخاص ، وهو قوله : « ليتكلّم المدعي منكما » وإن خصّ الآخر بهذا المقدار من الخطاب بكلام آخر ، فلا يتوهّم منافاة حكمه هنا بالكراهة لحكمه بوجوب التسوية بينهما في الكلام.

ويمكن التوجيه أيضا : بأنّ هذا الخطاب ؛ لاشتماله على ما يرجع إليها ليس حقيقة إلّا تكلما معهما ، وإن خصّ النظر حين مخاطبته بأحدهما ، فالمراد بتخصيص الخطاب :تخصيص صورة المخاطبة التي هي التوجيه ، دون نفس الخطاب ، فلا تنافي حينئذ وجوب التسوية في النظر ؛ لجواز اختصاص الأخير بالنظر في غير هذا الخطاب.

قوله : وتلقين احد الخصمين.

كأن يدعي بطريق الاحتمال فيلقنه الدعوى بالجزم حتّى تسمع دعواه اجماعا ، أو ادعي عليه قرض ، واراد الجواب بالوفاء ، فيعلمه الإنكار ؛ لئلّا يلزمه البيّنة بالاعتراف أو نحو ذلك.

قوله : فإن وضح الحكم.

سواء كان هو ثبوت الحق ، أو مطالبة البينة ، أو الحلف ، أو غيرها.

قوله : قبل الحكم.

ظاهر إطلاقه يشمل ما لو ثبت استحقاق أحدهما ولم [ يحكم ] بعد ، وحينئذ ينافي ما


سيأتي من كراهة الشفاعة في إسقاط الحق ؛ فإنّ الصلح لا يكون إلّا مع إسقاط شي‌ء ، فلا بدّ إمّا من تقييد إطلاقه بقبل ثبوت الحق وإن وضح الحكم من اليمين أو طلب البيّنة ، أو يقدر مضاف أي : قبل وضوح الحكم.

قوله : ويتخذ حاجبا.

الحاجب هو الذي لا يدخل أحد على القاضي إلّا برضاه ، وقوله : لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إشارة إلى ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ولي شيئا من امور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم احتجب الله تعالى دون حاجته وفاقته وفقره. » (١)

القول فى كيفية الحكم

قوله : هو الذي يترك إلى آخره.

أي : يترك على الحالة الثابتة قبل الدعوى لو ترك الخصومة ، أو يترك لو ترك الخصومة من غير ترتّب أثر على خصومته.

فلا يرد : أنّ المدّعى عليه أيضا لو خلّى المدّعى به ، وترك الخصومة يترك ؛ فإنّه يترك مع تغيّر في الحالة السابقة وهو تخلية المدّعى به ، ويترتب على الخصومة التخلية.

قوله : وهو.

ويمكن أن يكون الضمير راجعا إلى « المدعي » وإلى الموصول.

قوله : من يخالف قوله الأصل.

المخالفة للأصل كما إذا ادعى اشتغال ذمّة غيره بحقّ له ، أو بيع ، أو إجازة ، أو نكاح ، أو عتق ، أو أمثالها ، والمخالفة للظاهر كما إذا ادعى عينا كائنة في يد غيره ؛ فإنّ الظاهر من التصرّف الملكيّة ومثل ذلك ، وإنّما نسبه إلى القيل ؛ إذ قد يكون قول كلّ من المدّعي والمدعى عليه مخالفا للأصل كما إذا ادعى الزوج عقد التمتع ، والزوجة الزوجيّة ، وقد يكون قول المدّعى عليه مخالفا للظاهر كما إذا ادّعت الزوجة الصداق والزوج أنكره من الأصل.

قوله : انفساخ النكاح.

__________________

(١) مسالك الأفهام : ٢ / ٢٨٨ طبع دار الهدى الحجري.


فلو سكت الزوج وترك الخصومة لم تبق الحالة السابقة على الدعوى ، وهي استمرار النكاح ، ويترتّب على خصومة الزوجة أثر هو انفساخ النكاح كما ذكرنا في بيان معنى التعريف.

وحاصله : أنّ معنى لو ترك ترك ، وخلي وسكوته أن لم يترتّب على ترك الخصومة وسكوته أثر غير متحقّق قبل الدعوى ، لا أنّه ترك وخلي مطلقا ، وإلّا فكلّ من المدعيين كذلك. ولا يتوهّم أنّ عدم ترك الزوج هنا لأجل أنّ بعد الانفساخ يطلب منه الصداق ؛ لأنّه لها مطالبته لو لم ينفسخ أيضا ، ولأنّ الزوجة أيضا لو سكتت واستمر النكاح يطلب منها الحقوق التي يجب للزوج على الزوجة.

قوله : بحليته.

الحلية بكسر « الحاء » المهملة ، ثم « الياء » المنقوطة بنقطتين من تحت بعد « اللام « الصفة » أي : يقنع الحاكم بصفته ، فيكتب صفة المقرّ من طوله وقصره ، وبياضه وسواده ، ونحو ذلك من الأوصاف التي يؤمن معها التزوير.

قوله : وإن وجب عليه السعي.

ولا يخفى أن وجوب السعي عليه يستلزم جواز تكليفه التكسب ، بل وجوبه من باب الأمر بالمعروف الذي هو واجب.

قوله : باشره.

أي : باشر الوفاء.

قوله : وإن قصد دفع التهمة.

لأنّ دفع التهمة في أمثال هذه المواضع غير لازمة ، وأدلّة وجوب الاتقاء عن مواضع التهمة مخصوصة بغير هذه المواضع ؛ فإنّ في القضاء مع الشهود أيضا قد يكون موضع التهمة ، وأيضا شهادة الشاهد كثيرا ما تكون محلّ التهمة للشاهد مع أنّ أداءه الشهادة واجبة مطلقا.

قوله : ووجه المنع.

أي : وجه منع جواز القضاء إذا شهد عدلان بحكمه ولم يتذكّر ، وحاصل الوجه : أنّ


شهادة العدلين لا تفيد غير الظن ، وجواز العمل بالظن إنّما هو مع عدم إمكان العلم وسدّ بابه ، وفي هذا الموضع يمكن الرجوع إلى العلم ، لأنّه فعله أي : الحكم الأوّل فعل هذا القاضي ، ويمكن لكلّ أحد تحصيل العلم بفعله.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه يمكن نسيان الواقعة وعدم تذكّرها بحيث لم يمكن له العلم ، فإنّ التذكّر ليس أمرا اختياريا ، ولذا جعل الشهيد الأوّل أقوى.

وقوله : « بخلاف شهادتهما » جواب للقائل بالمنع ، عن القياس على جواز قضاء غير هذا الحاكم بشهادة العدلين على حكمه ، فينفذ الغير حكم هذا بالشهادة.

وحاصل الجواب : أنّه لا يمكن للغير تحصيل العلم بحكم هذا الحاكم ، فيجوز العمل بالظن.

وقوله : « تنزيلا لكلّ باب » إلى آخره إشارة إلى ما ذكرنا من أنّ مع إمكان العلم لا يكفي الظن ، ومع عدم إمكانه وإمكان الظن يكتفى به ؛ لانسداد باب العلم.

قوله : فلو تبرع المنكر به أو استحلفه إلى آخره.

لا يقال : إنّ شهادة الحال تحكم بمطالبة المدّعي حيث إنّه أحضره إلى الترافع ؛ لأنّه ربما تعلّق غرضه بعدم سقوط الدعوى ، بل بقائها إلى وقت آخر إمّا ليتذكّر البيّنة ، أو ليتحرى وقتا صالحا لليمين أو غير ذلك.

قوله : كان حقّا

أي : الحلف ، لا الايقاع.

قوله : على الوجه.

بأن يطلب المدّعي ويأذن الحاكم.

قوله : وإن بقي الحق في ذمّته.

أي : في نفس الأمر لو كان كاذبا ، بل يجب عليه فيما بينه وبين الله تعالى التخلّص من حقّ المدّعي.

قوله : وقيل : تسمع بيّنته.

وهنا قول رابع منقول عن المفيد وابن حمزة والقاضي وهو : السماع ما لم يشترط الحالف سقوط الحق باليمين.


قوله : أو وصيّا.

سواء كان وصيّ اليتيم وادّعى له ، أو وصي الميت في صرف جزء من ماله في خمس أو زكاة أو حجّ أو نحو ذلك ممّا لا مستحق له بخصوصه إذا أنكره الورثة ، وادعى الوصي عليهم.

قوله : أو يقضي بنكوله.

عطف على يحلف أي : يحبس إلى أن يرضى بالحلف ، أو يقضى بالنكول ودفع الحق إلى المدّعي إذا حصل اليأس عن حلفه.

قوله : في هذا المجلس

أي : ليس له استئناف الدعوى في هذا المجلس الذي وقع فيه الواقع قطعا ، وكذا ليس له الاستئناف في غير هذا المجلس أيضا.

وقيل : له تجديد الدعوى في غير هذا المجلس.

قوله : لا يقف.

أي : لا يقف الحاكم أي : لا يجعل موقوفا عزم الغريم على الإقرار عن الإقرار. فقوله :« عن الإقرار » متعلّق بقوله : « لا يقف » ، وحذف قوله : « على الإقرار » لدلالته عليه.

قوله : بحدّ الله تعالى.

متعلّق بالمقر. وقوله : « بالكف » متعلّق بقوله : « يعرّض ».

قوله : بالإشارة.

متعلّق بالجواب. وقوله : « بمترجمين » متعلق بقوله : « المفيدة » أي : أمره بالجواب بالإشارة التي أفادت اليقين ، ولو كانت إفادته بواسطة مترجمين عدلين ، وذلك لأنّه يختلف فهم الإشارة بالنسبة إلى الاشخاص فقد يفهم أحد من الإشارة ما لا يفهمه غيره سيّما إذا كان مراقبا له مطّلعا على كيفيات إشاراته.

وعلى هذا فيكون « بالاشارة » إلى آخره من أحكام الأخرس ، وأمّا الأطرش فتكون كيفية التوصل إلى معرفة جوابه مسكوتا عنه ، لظهورها ؛ فإنّه يحتاج إلى رفع الصوت.

ويمكن أن يكون كلّ من الإشارة وقوله : « مترجمين » متعلّقا بالمعرفة ، وأن يكون


متعلّقا بالتوصّل ، والمعنى واحد. ويمكن على الأخير أن يكون بيانا لكيفية التوصّل إلى المعرفة في الأطرش والأخرس معا حيث إن الصمم قد يصل إلى حد لا يسمع شيئا ، ويحتاج تفهيمه إلى الإشارة كما شاهدنا في جماعة ، والاحتياج إلى المترجمين العدلين حينئذ ؛ لأنّه قد يختلف الفهم من الإشارة ، فلو لم يكونا عدلين لاحتمل أن يكون إشارتهما إلى الأخرس بما يتضمّن التدليس [ مثل ] أن يشيرا إليه بما هو يعتاد ( كذا ) أن يفهم خلاف المطلوب وإن كانت ظاهرة عند غيره فيه.

القول في اليمين

قوله : وأسمائه الخاصّة.

المراد بأسمائه الخاصّة ما لا يطلق إلّا عليه سبحانه كالرحمن ، والرحيم ، والخالق ، لا بمثل : العالم والنافع إلّا بانضمامه مع ما يكون مختصّا به ، كما يدلّ عليه قوله بعد ذلك :الرحمن الرحيم ، الطالب الغالب ، إلى آخره

وعطف « الأسماء » على قوله : « بالله » إمّا عطف تفسيري يفسر الحلف بالله : بأنّه الحلف بأسمائه المختصّة حيث إنّه لا يعبّر عن الذات إلّا بالأسماء أو من عطف العام على الخاص حيث إن لفظة « الله » أيضا من الأسماء ، أو يقدّر مضاف أي : وسائر أسمائه الخاصّة ، أو المراد من الحلف بالله : الحلف بالذات المقدّسة من غير الاسم كما أن يصرّح بلفظة « الذات » ، ويقال : « بذات الله » ، أو يجي‌ء بوصف دالّ على الذات ، كأن يقال : بالذي لا إله إلّا هو أو بالذي خلق كلّ شي‌ء وأمثال ذلك. فالمراد : أنّ الحلف يجب أن يكون بما يدلّ على تلك الذات المقدّسة من غير شائبة اشتراك ، ولو لم يكن ما يعبّر به عنها من أسمائه الخاصة ، أو باسمائه الخاصّة الدالة على الذات.

فلا يرد : أنّ الحلف بالأسماء أيضا حلف بالذات ؛ لأنّ المراد منها المسمّى.

قوله : ولو اضاف الى آخره

حيث إنّه يعتقد أنّ النور إله ، فيحتمل إرادته من الجلالة [ حين ] الحلف بها حيث إنّه موافق لاصطلاحه ، فلا يكون حالفا بالله تعالى ، فلا بدّ بأن يضمّ ما يزيل ذلك الاحتمال عن اللفظ على اصطلاح الحالف.


قوله : على الحلف بالأب.

كأن يقال : بالله الذي هو أب عيسى أو أب عزير أو يقال : بالله الذي ابنه عيسى أو ابنه عزير ونحو ذلك كأن يقال : بالله الذي ختم النبوّة على موسى أو على عيسى وغير ذلك.

قوله : كالمجوس.

لا يقال : إنّ المجوس لا ينكرون الله سبحانه ، بل ينكرون بعض أوصافه كخلق النور والظلمة حيث إن معتقدهم ان النور إله ، والظلمة إله ، فلا يصحّ جعله مثالا للكفار المنكرين له تعالى.

لأنّا نقول : إنّ المراد بالله تعالى ليس كلّ ما يطلق عليه الإله ، بل الذات المعيّنة المعهودة المستجمعة لجميع الصفات الكماليّة ، ولا شك أنّه غير الظلمة والنور ، فالحلف بأحدهما ليس حلفا بالله سبحانه ؛ إذ الحلف بالله سبحانه لا كلفة به عليهم حيث إنّه لا يعتقدونه ، فهم منكرون لله سبحانه ، وإن لم ينكروا إلها آخر.

قوله : وينبغي التغليظ إلى آخره

أي : ينبغي للحاكم تغليظ اليمين التي يلقنها الحالف بسبب القول أي يقول قولا غليظا. وجعل « الباء » زائدة لا يلائم قوله : « والزمان والمكان » كما لا يخفى.

ثمّ إن استحباب التغليظ مختص بالحاكم ، دون الحالف ، بل قيل : إنّ التخفيف من جانبه أولى. وعلى هذا فلو امتنع الحالف من الإجابة إلى التغليظ لم يجبر ، ولم يتحقّق بامتناعه نكول.

قوله : بخصوصه.

متعلّق بقوله : « الحلف عليه ».

قوله : لأن ذلك.

أي : فعل الغير كما إذا ادّعى على وارث أنّ مورثه باع هذا الشي‌ء منّي ، وهو أنكره ، وردّ اليمين على المدّعي ، فهو يحلف على القطع في بيع المورث ، وكما إذا ادّعى قبض وكيل المنكر للمبيع ، أو الوديعة ، أو غيرهما وأنكره ، وردّ اليمين.

قوله : فكفاه الحلف


وقد يقال : لو فرض إمكان العلم به كما إذا كانت الدعوى متعلّقة بزمان مخصوص ، أو مكان كذلك ، وهو يعلم كذب المدعي فيهما حلف على البتّ أيضا لا على نفي العلم.

القول في الشاهد واليمين

قوله : تخصيص بعد التعميم.

لأنّ القرض هو المال الذي استقرضه أحد عن غيره ، واستقرّ في ذمّته بعنوان الاستقراض ، والدين مطلق الحقوق الماليّة الثابتة في الذمّة ، وإن كان لأجل ثمن مبيع أو مال إجارة ، أو دية جناية ، أو نحو ذلك.

ثمّ الدين والقرض مثالان لما كان الدعوى مالا حيث إنّهما يطلقان على المال المستقرّ في الذمّة ، والبواقي أمثلة لما كان المقصود منها المال ولم يكن نفسه مالا أي : لدعوى كان المقصود منها المال.

فإنّ الموصول في قوله : « كلّ ما » بمعنى : الدعوى ، ودعوى الغصب ، إلى آخره. كذلك ؛ فإنّ الغصب وأخواته ليست أموالا ، بل المقصود من دعواها المال ، ولو جعل الدين والقرض بمعناهما المصدريين كانا أيضا مثالين لما كان المقصود منه المال ، ولا يكون مثال الأوّل مذكورا ؛ لظهوره.

ثمّ المراد بالموصول في قوله : « كلّ ما » كما ذكرنا : « الدعوى » ، والمعنى : وهو كل دعوى كان مالا أي : دعوى مال ، أو دعوى كان المقصود منه المال كدعوى الدين والقرض ، ودعوى الغصب إلى آخره.

فلا يرد : أنّ ظاهر العبارة حيث مثّل لما كان المقصود منه المال بالغصب : أنّ المقصود منه المال ، بل المقصود من دعواه المال ، وكذا الجناية ليس المقصود منه المال ، فافهم.

قوله : وكذا الجائفة.

الجائفة : هي الجراحة التي تبلغ الجوف من أيّ الجهات كانت. والمأمومة هي التي تصل إلى أمّ الرأس وهي الخريطة الجامعة للدماغ ، والمنقلة : هي التي تحوج إلى نقل العظام من موضع إلى غيره. وقوله : « لما في إيجابها » إلى آخره ، تعليل لكون المقصود منها مالا ، ولما يفهم من سياق الكلام من أنّه لا قصاص فيها بل فيها الدية خاصّة أي : وكون المقصود


من هذه الثلاثة والأربعة بانضمام كسر العظام أيضا مالا ؛ لا قصاصا لما في إيجابها القصاص على تقدير العمد من التغرير أي لو أوجبت هذه الامور القصاص على تقدير العمد لزم التغرير ؛ فإنّه لا بدّ في القصاص من المساواة مع الجناية.

وكسر العظم على نحو كسر الجاني غير ممكن عادة أو متعسّر ؛ إذ ربّما يتعدّى ، وكذا الثلاثة الأخيرة.

والتقييد بقوله : « على تقدير العمد » ؛ لأجل أنّها لو أوجبت قصاصا لكان على هذا التقدير ، وأمّا على تقدير الخطأ فمقتضى القاعدة عدم القصاص أيضا ، فلا يحتاج في نفيه إلى التعليل.

قوله : فينبغي القطع بثبوت المال.

أي : ينبغي القطع بثبوت المال الذي يتضمّنه دعوى الخلع بالشاهد واليمين ، وإن لم يثبت بهما ما انضمّ معه من دعوى إزالة قيد النكاح.

قوله : لأنّ مضمون الدعوى.

لا يخفى أنّ الرجعة وإن كان مضمونها إثبات حقّ الزوجيّة وخرجت النفقة عن حقيقتها ، إلّا أنّه إذا كانت المدّعي المرأة تتضمّن دعوى النفقة أيضا ، وإن انضم إليها أمر آخر فينبغي القطع بثبوت النفقة بالشاهد واليمين.

والحاصل : أن الرجعة كالخلع بعينه ، فلا وجه للتفصيل فيه ، وعدمه فيها ، بل لا بدّ إمّا من التفصيل فيهما أو عدمه فيهما.

ويمكن التفرقة بين الرجعة والخلع بأنّ النفقة من لوازم الرجعة المترتّبة عليها شرعا ولا تتوقّف صحّتها على النفقة ، فيمكن دعوى الرجعة مع عدم الالتفات إلى النفقة ، بل مع عدم دعواها إذا كانت المرأة جاهلة بوجوب النفقة ، بل قد يتخلّف النفقة عن الرجعة كما في صورة النشوز ، بخلاف الخلع ؛ فإنّ صحّته موقوفة على الفدية ، ودعوى الخلع لا تسمع إلّا إذا ادعى الخلع الصحيح ، فدعواه مستلزمة لدعواها قطعا.

قوله : والتدبير والاستيلاد.

لا يخفى أنّ إتيان البحث في دعوى التدبير والاستيلاد إنّما هو إذا كانت الدعوى على


الوارث حيث إنّ التدبير والاستيلاد يوجبان زوال ملكيّة المدبّر والمستولدة عن الوارث ، وأمّا المولى فلا يزول ملكيّته قطعا ، وإن لم يجز له بيع المستولدة ، بل لا يمكن دعوى التدبير مع المولى ، حيث يجوز له الرجوع متى شاء.

وأمّا الاستيلاد فيمكن الدعوى معه كما إذا ادعت الأمة العلوق بعد دخولها في ملكه وادعى المولى قبله.

ومن هذا يظهر أن المعنى المراد بقوله : « والتدبير والاستيلاد » أي : دعواهما الدعوى مع الوارث.

قوله : ولو فرض.

أي : حين رجوع المدّعي. والحاصل : أنّه إذا تحقّق شروط ثلاثة أمكن ضمان الشاهد تسلم الشاهد ، ورجوعه مع رجوع المدّعي ، لا إذا لم يرجع أيضا ؛ لأنّه لا وجه حينئذ ، لجواز تضمين المدّعي للجميع الذي أشار إليه بقوله : « فيتخيّر المالك في التضمين » ، ولأنّ رجوع الشاهد لا يثبت إلّا غرامته النصف ، وأمّا النصف الآخر فهو ثابت بيمين المدّعي ، فيكف يستحقّه المدّعى عليه برجوع الشاهد.

قوله : تسلم الشاهد المال.

قد يكون ابتداء أي : من المدعى عليه ، وقد يكون بعد تسلّم المدّعي ، والترتّب إنما يكون في الثاني. أمّا في الأوّل فلا ترتّب ، بل وقعت يده على المغصوب ، ولو اريد ذلك يجب تجريد الترتّب عن معنى التعاقب.

قوله : فان ادعى بعده.

أي : بعد الحضور.

قوله : أقام به البيّنة ، وإلّا احلف.

أي : وإن لم تكن له البينة ، فهو استثناء من محذوف يدلّ عليه الكلام ، ويمكن أن يكون استثناء عن قوله : « أقام ». أي : وإن لم يقم البيّنة احلف المدّعي.

قوله : ومحلّه.

أي : محلّ القضاء على الغائب.


قوله : على الغائب احتياط.

أي : احتياط لحقوق الناس ، وحفظ لها عن التضييع ؛ فإنّه لو لم يقض على الغائب لأمكن للمدّعى عليه الغلبة بحيث لم يمكن إحضاره ، إذا كانت الدعوى جليلة فيضيع حقّ المدّعي. وأمّا احتمال كون الحق مع المدّعى عليه فهو منجبر ببقائه على حجته.

قوله : وتجب اليمين.

أي : في القضاء على الغائب.

قوله : ويسلّم المال.

عطف على قوله : « فلا يمين عليه » يعني : أنّه لو كان المدّعي وكيلا أو وليا فلم يمكن إحلافه لا يسلّم المال إليه إلّا بكفيل بخلاف ما لو كان المدّعي لنفسه ؛ فإنّه يسلّم إليه المال بلا كفيل بعد اليمين.

وقوله : « إلى أن يحضر » بيان لانتهاء هذه الكفالة ، ومتعلّق بقوله : « كفيل ». والمراد بالمالك من يدّعى له أي : يسلّم المال إلى المدّعي مع كفيل إلى زمان حضور موكّله إن كان وكيلا ، أو كماله وبلوغه إن كان وليا وكانت الدعوى للمولّى عليه.

وقوله : « ويحلف » عطف على كلّ من قوله : « يحضر » أو « يكمل » أي : انتهاء مدّة الكفالة حضور المالك أو كماله وحلفه ، فإذا حضر أو كمل وحلف يبرأ الكفيل.

وقوله : « ما دام المدّعى عليه غائبا » يحتمل ثلاثة أوجه :

الأوّل ـ وهو الأظهر ـ : أن يكون متعلّقا بقوله : « بكفيل إلى أن يحضر » ويكون تقييدا لما ذكره من انتهاء مدّة الكفالة. يعني أنّ كفالة الكفيل إلى زمان الحضور أو الكمال والحلف وكون ذلك انتهاء كفالته إنّما هو ما دام كون المدّعى عليه غائبا وأما لو حضر المدعى عليه قبل حضور المالك أو كماله ، فليس انتهاء الكفالة ما ذكر ؛ لأنّ المدّعى عليه إما يعترف فيبرأ الكفيل ، أو يدّعى قضاء أو إبراء ، فيجب على الوكيل أو الولي ردّ المال ؛ إذ لم يثبت كونه حقّا للموكّل أو المولّى عليه بعد.

وثانيها : أن يكون متعلّقا بقوله : « ويحلف » حيث انّ حلف المدّعي على الغائب إنّما هو مختصّ بزمان غيبة المدّعى عليه حتّى إنّه لو لم يحلف إلى حضوره لم يحلف بعد [ ه ] من جهة الدعوى السابقة ، فقيّده بذلك لبيان الواقع.


وثالثها ـ وهو أبعدها ـ : أن يكون متعلّقا بقوله : « وتجب اليمين » ، والمعنى ظاهر.

وهاهنا وجه رابع أيضا ، وهو : أن يكون قوله : « ويحلف » جملة استينافية ، وقوله : « ما دام » متعلّقا به أي : يحلف المدّعي بالحلف المشار إليه بقوله : « وتجب اليمين » ما دام المدّعى عليه غائبا ، وحينئذ يكون منتهى الكفالة حضور المالك ، أو كماله من غير حاجة إلى حلفه أي : حضوره أو كماله منتهى الكفالة مطلقا ؛ لأنه إما يحلف المالك فيبرأ الكفيل ، أو لا يحلف ، فيجب على المتسلّم ردّ المال فينتهي الكفالة.

قوله : فى العلة المومى إليها.

اعلم أنّ العلة في النص هكذا : لأنا لا ندري لعلّه قد وفاه ببيّنة لا نعلم موضعها ، أو بغير بينة قبل الموت ، فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البيّنة. وبهذا يظهر الوجه في قوله :« المومى إليها » لا المصرّح بها ، فإنّ العلّة المذكورة ليست عين ما ذكره الشارح ، بل يؤمي إليها ويشعر بها وإنّما لم يقل بمشاركتهم في العلّة المصرّح بها ولم يذكرها لعدم تصورها في حقّ الطفل ، بل أكثر المجانين لعدم امكان الوفاء في حقّهما.

قوله : وفيه نظر.

أي : في أصل الحكم وإلحاق المذكورين بالميّت ، لا في كونه من باب اتحاد الطريق ، دون القياس ؛ إذ فقد النص لا مدخلية له في ذلك.

قوله : الابراء منه.

أي : من الدين ، وغيره أي : غير الإبراء كالهبة والايفاء وغيرهما.

قوله : على نفي استحقاق الآخر.

أي : لما في يده ـ أي : يد الحالف ـ لا المجموع ولا لما في يد الآخر ؛ لأنّ كلا منهما منكر بالنسبة إلى ما في يده ، وأمّا بالنسبة الى ما في يد الآخر فمدّع ، فلا يتوجّه عليه فيه يمين إلّا مع الرد ، أو النكول ، وهو اليمين الإثباتي.

قوله : فإن كانت يمينه إلى آخره.

« الفاء » للتفصيل أي : تفصيل صورة حلف أحدهما ونكول الآخر. فإنّها تتصوّر على وجهين ؛ لأنّه إما يكون الناكل هو الذي بدأ الحاكم بالأمر بحلفه ، أو يكون هو الذي أخّره فعلى الأوّل تكون يمين الحالف بعد نكول صاحبه ، وحينئذ يكون على الحالف يمينان :


أحدهما : اليمين المتوجّهة عليه أوّلا ، وهي اليمين على النفي ؛ لأنّ توجهها عليه لأجل كونه منكرا كما عرفت فيحلف.

وثانيهما : اليمين التي يردها عليه الحاكم ؛ لأجل نكول صاحبه ، وهي اليمين الإثباتية لما في يد الناكل.

ويمكن جمعهما في يمين واحدة ؛ لتحقّق نكول صاحبه قبل حلفه على النفي ، فيعلم الحاكم بأنّ عليه الحلف على النفي والإثبات معا ، فيجمعهما في يمين واحدة ، وهذه الصورة هي التي أشار إليها بقوله : « فإن كانت يمينه بعد نكول صاحبه ».

وعلى الثاني : تكون يمين الحالف قبل نكول صاحبه ، فلا يعلم الحاكم أوّلا إلّا توجه اليمين على النفي عليه ، فلا يمكنه حلفه على الإثبات أيضا ، نعم بعد إتمام حلفه وتوجّه اليمين إلى صاحبه ونكوله وردّ الحاكم اليمين عليه يعلم الحاكم بأنّ عليه اليمين على الإثبات أيضا ، فيحلّفه لأجله ، ولذا يفتقر حينئذ إلى يمين نفيية أوّلا ، وإثباتية ثانيا ، وهذا هو الذي ذكره بقوله ( قدس‌سره ) : « وإلّا افتقر إلى يمين اخرى ».

قوله : بما في يد صاحبه.

أي : النصف وذلك لأنّه إذا كانت في يد اثنين ولم يعلم القدر المتشبث لكلّ منهما فيه يحكم بكون ما في يد كلّ منهما نصفه كما يأتي.

ثمّ لا يخفى أنّه لكون النصف الذي في يد كلّ منهما مشاعا ليس تصريحه بذلك لترتّب فائدة على ذلك ، بل للإشارة إلى دليل الحكم وبيان الواقع ، وهو أنّه يحكم للمدعي ببيّنته فكلّ منهما مدّع بالنسبة إلى ما في يد صاحبه ، فبيّنته مثبتة لما في يد صاحبه ، فيستحقّه.

قوله : ولو خرجا

أي : لو خرج المتداعيان عن العين بأن كانت في يد ثالث ، فذو اليد منهما من صدّقه من تكون العين بيده تامّة ، وهو الثالث.

وقوله : « مع اليمين » أي : يمين ذي اليد ، وهو الذي صدقه الثالث ، وهذه اليمين إنما تكون على النفي. والظرف ليس شرطا لقوله : « فذو اليد » كما يوهمه ظاهر العبارة ؛ إذ كونه ذا اليد إنّما هو ثبت بمجرّد تصديق الثالث من غير اشتراطه بيمين ، بل هو شرط لما يشعر به بكونه ذا اليد من القضاء بها له.


قوله : وعلى المصدّق.

ولكن ذلك مشروط بأن يدّعي الآخر بأنّها له ، لا لمن صدقه.

قوله : إن ادّعيا علمه.

أي : ادّعى كلّ منهما علمه بأنّه له. وفائدة هذه الدعوى عليه ليست القضاء بالعين لأحدهما لو اعترف له ؛ لأنّ إقراره الأوّل يمنع عن نفوذه ، بل الفائدة غرامته لمن اعترف له ثانيا.

وكذا تظهر فائدتها لو نكل عن الحلف لهما ، وترك ( ردّ ظ ) اليمين عليهما ؛ فإنّه يغرم النصف للحالف منهما إن حلف أحدهما ، ويغرم لكلّ منهما النصف لو حلفا معا.

قوله : « ولو أنكرهما قدّم قوله بيمينه ».

سواء ادعاها لنفسه أم لا ، ولا يجب عليه نسبة الملك إلى نفسه ، أو إلى أحد معيّن.

قوله : فهي لذي البيّنة مع يمينه.

قيل : يشكل هذا في صورة تصديق أحدهما خاصّة بأنّه ذو اليد كما ذكر أوّلا ، فكيف يحكم بالبيّنة مع اليمين ؛ لأنّ ذا البيّنة إن كان المصدّق له ، وهو ذو اليد ، فوظيفته اليمين ، وبيّنته لغو ، وإن كان الآخر فتكفي بيّنته ؛ لأنّه خارج فوظيفته البيّنة ، ولا احتياج له إلى اليمين ، إلّا أن يقال : قوله : « جميع هذه الصور » إشارة إلى الصورة الأخيرة من تصديقهما أو إنكارهما وحلفهما ونكولهما ، وكذا قوله : « لو أقاماها » ؛ إذ على تقدير أحدهما خاصّة ، وصيرورته ذي اليد يرجع [ الى ] المسألة الآتية من تشبث أحدهما ، ويأتي فيها الخلاف ، وترجيح الداخل والخارج ، فتأمّل.

ويمكن دفع الإشكال : بأنّ ذا اليد في صورة تصديق أحدهما ليس ذا اليد حقيقة كما صرّحوا به ، بل هو في حكم ذي اليد ، وحينئذ فنقول :

أوّلا : إن ذا البيّنة هو المصدّق له ، وكون بيّنته لغوا لا ينافي الحكم بأنّه له مع يمينه ، ولا إشكال ؛ لأن الحكم كذلك في الواقع غاية الأمر أنّه لا احتياج له إلى البينة.

وثانيا : أنّه هو الآخر ، ولا يلزم أن لا تكون عليه يمين ؛ لأنّه إنّما هو إذا كان خصمه ذا اليد حقيقة ، لا حكما.


قوله : ولو تشبّث أحدهما إلى آخره.

قال بعض المحشّين : « ذكر هذا الحكم هنا بلا خلاف ، وكذا كثير من الأصحاب ، مع أنّهم نقلوا الخلاف في مسألة تعارض البيّنتين في أنّه هل يرجّح بيّنة الداخل وهو المتشبّث أو الخارج من غير ترجيح.

ولا يخفى أنّ من قال بترجيح بيّنة المتشبث على تقدير تعارض بيّنة الآخر من غير يمين بمحض أنّه رجّح بيّنته بأنّه ذو اليد ، فلا بدّ له من الحكم باعتبار بينته على تقدير عدم معارض له بطريق أولى ». انتهى [ ما ذكره السلطان في حاشيته على شرح اللمعة ]

ولا يخفى أنّ ما ذكروه هنا من عدم اعتبار بيّنة المتشبث مرادهم : أنّه لا يوجب سقوط ما ثبت عليه بالإجماع والأخبار من ليمين فاعتبارها بمعنى سقوط اليمين عنه ، وأمّا عند تعارض البينتين فبيّنة الخارج مسقطة ليمين المتشبّث قطعا ، فلا وجه لعدم اعتبار بيّنته ، فإنّ معارضها هو اليمين ، وهي قد اسقطت.

والحاصل : أنّ الوجه في عدم اعتبار بيّنة المتشبث هو ثبوت اليمين عليه ، فإذا اسقطت عنه ، فلا وجه لعدم اعتبارها ، وأمّا بينة الخارج فلم يثبت كونها لاغية لبيّنة المتشبث ، ولو سلّم إيجابها لإلغائها فتكون كيمين المتشبث ، فلا وجه لحكم هذا الفاضل لأولوية اعتبار بيّنة المتشبّث عند عدم تعارضها مع بيّنة الخارج.

قوله : فيرجع إلى آخره.

إمّا لأجل تعارضهما وتساقطهما فتبقى اليد بلا معارض ، أو لأجل أنّ اليد كالبيّنة ، وذو الحجّتين مقدم على الحجّة الواحدة.

قوله : دون العكس لمصادقته.

هذا تعليل لقوله : « من دون العكس » أي : لا يحلف مدّعي الكل للآخر ، فيقتسمان نصفين ؛ لأنّ النصف له بتصديق مدّعي النصف ، فلا يحتاج في القضاء له به إلى يمين ، بخلاف مدّعي النصف ؛ فإنّ مدّعي الكل لا يصدقه فلا بدّ في القضاء له به من اليمين.

قوله : والفرق ان كلّ جزء إلى آخره.

الصواب في التفرقة أن يقال : إنّه سيأتي في كلام الشارح أنّ النصف حين الاشاعة في


يد مدّعي النصف ، وسنذكر وجهه. ووجه تخصيصه بصورة الإشاعة أنّ مدعي الكل خارج بالنسبة إلى النصف ، ولا شك أنّ الحكم حينئذ أن يكون النصف لمدعيه مع يمينه. وأمّا حين التعيين فلا يمكن أن يكون مدّعي الكل خارجا بالنسبة إلى النصف الأخير غير متشبث به ؛ لأنّه يخرج المسألة حينئذ عن المتنازع فيه ؛ إذ لو فرض تشبّث مدّعي الكل بالنصف فقط لكان بنصفه المعيّن ، ولا نزاع فيه ، والنصف المتنازع فيه لا يكون متشبّثا به وعلى هذا فيكون كلّ من المتداعين متشبّثا بالنصف المتنازع فيه ، فيكون من باب الدعوى على عين تكون في أيديهما ، وهي النصف المتنازع فيه ، وقد مرّ أنّ الحكم فيه حلفهما واقتسامهما سويّة ، فعليهما الحلف في المتنازع فيه الذي تشبثا به ، وهو النصف وتقسيمه سويّة ، ويلزمه أن يكون لمدّعي النصف الربع.

والحاصل : أنّ بناء الفرق على ما سيأتي من أنّ في صورة الإشاعة تكون اليد في النصف لمدّعي النصف ، وفي صورة التعيين لهما.

وممّا ذكرنا ظهر ضعف ما ذكره بعض المحشين من : عدم التفرقة بين الصورتين ، وإن كان ما ذكره من عدم صلاحيّة الفرق الذي ذكره الشارح للتفرقة صحيحا.

قوله : فهي للخارج على القول بترجيح بيّنته.

أي : الخارج بالنسبة إلى المدّعى به ، وهو النصف ، وإنّما جعل خارجا بالنسبة إليه ؛ لأنّ النصف في يد مدّعي النصف.

والسرّ فيه : أنّ المفروض أنّ كلا منهما يتشبث بالمجموع ، وإن كانت الدعوى على النصف المشاع ، ولا يصحّ تعيّن القدر المتشبث لكلّ منهما.

وإنّما قلنا : إنّ كلا منهما متشبث بالمجموع ؛ لأنّ المفروض أنّ العين في يدهما والمدّعى به مشاع ، فلا يعلم القدر المتشبّث لكلّ منهما ، فيحكم بالتساوي كما هو القاعدة عند عدم المعيّن ، وذلك بخلاف ما إذا كان المتنازع فيها معيّنا ، فإنّ في يد مدّعي النصف حينئذ الربع ؛ لأنّه لاعترافه بكون النصف المعيّن للآخر وتعيينه يحكم بعدم تصرّفه فيه ، لوجوب حمل تصرّفات المسلم على المباح ، فلا تكون يده عليه ، ولأنّ المفروض أنّ كلا منهما يتشبث بالمدّعى به ، وأنّه النصف الآخر فلا بدّ من كون يدهما عليه ؛ ولعدم تعيّن ما


في يد كلّ منهما من هذا النصف يحكم بالتنصيف فيه. ومن هذا ظهر الفرق بين كون النصف المتنازع فيه معيّنا ، أو مشاعا.

ولتوضيح ذلك وما تقدّم نقول : إنّه لا شكّ في أنّ كون شخص ذا يد على أمر يترتّب عليه أحكام كتوجّه اليمين إليه عند الدعوى وغير ذلك ، وكذا كونه ذا يد على أيّ قدر من هذا المال ، وعلى هذا فإذا وجدنا زيدا وعمروا مثلا متردّدين في بيت داخلين فيه خارجين عنه ، وبالجملة متصرفين فيه بأنواع التصرف وأردنا تعيين ذي اليد منهما ، أو تعيين القدر المتصرّف لكلّ منهما فعلينا أن نحكم بأنّ كلا منهما ذو يد على النصف ، فيحكم بذلك ، ولا ينقض ذلك الحكم إلّا بناقض شرعي.

فلو فرضنا بعد حكمنا بذلك دعواهما في ذلك البيت بأن يدّعي كلا منهما جميعه ، أو واحد جميعه والآخر نصفه ، فنقول : إنّه لم يثبت أنّ محض الدعوى ناقض للحكم المذكور ، فيحكم ببقائه ، ويجري القضاء في الدعوى على مقتضاه من حلف كلّ منهما على نفي استحقاق الآخر في ما يده عليه ، وهو النصف إذا كانت الدعوى على النصفين ، وحلف مدّعي النصف على نفي استحقاق الآخر فقط إذا كانت على النصف.

فنقول : إنّا حكمنا أنّ كلا منهما ذو يد على النصف المشاع ، فمدّعي الكل ذو يد على النصف المعيّن بالإشاعة ، ولم يثبت الناقض. وأمّا مدّعي النصف المعيّن فإقراره بأن النصف الآخر لخصمه نفى استحقاقه فيه ، فيبقى النصف الآخر بينهما ويدهما عليه بالإشاعة ، فيحلف كلّ منهما ، ويقتسمان بالسويّة ، فافهم ذلك ؛ فإنّه دقيق جدّا.

قوله : ويقضى لمن خرج.

أي : يقضى لمن خرج له القرعة مع يمينه.

قوله : الملك بها سابقا.

لأنّ البيّنتين متعارضتان في القدر المشترك ، وتتساقطان ، وتبقى البيّنة القديمة في الزمان السابق على القدر المشترك بلا معارض ، فيثبت لها الملك فيه ، فيستصحب.

قوله : لقوته وتحقّقه.

أي : قوّة الملك في دلالته على استحقاق المالك للمدّعى به بالنسبة إلى دلالة اليد على


استحقاق ذي اليد له ؛ لأنّ دلالة الملك عليه قطعيّة لاستلزام الملك له ، ودلالة اليد ظاهرة ؛ لاجتماعها مع عدم الملكيّة أيضا كالغصب والإجارة والعارية وغيرها.

وقوله : « وتحقّقه » معطوف على « قوّته ». والضمير راجع إلى « الملك » أي : ولتحقّق الملك أي : الملك المطلق الذي هو جزء ملكية من شهد له به ، حيث إنّ الكلّي جزء للجزئي معلوم التحقّق الآن ، بخلاف اليد ، فإنّه غير متحقّق لجواز أن يكون مال ولم تكن لأحد يد عليه ، فشهادة الملك لأحدهما تكون راجحة على شهادة اليد للآخر ضرورة أنّ تحقّق جزء المشهود به مؤكّدة مرجّحة ، ومؤيدة للشهادة به ، فإنّه إذا أخبر مخبر بأنّ زيدا وعمروا معا في البصرة في اليوم الفلاني ، وآخر بأنّهما في الكوفة فيه ، فتحقّق كون عمرو في هذا اليوم في البصرة ؛ فإنّه مرجّح لخبر المخبر الأوّل ، وكون زيد وعمرو معا فيه ، وكذا إذا أخبر شخص بأنّ الشبح المرئي حجر ، والآخر أنّه انسان فتحقّق حيوانيّته ، فإنه مرجّح ومؤيّد لكونه انسانا.

القول في القسمة

قوله : ويلزمها ويتقدر.

أي : الإجبار يلزم القسمة ، ولا يجوز لأحد الشريكين نقضها بدون رضا الآخر. وذلك بخلاف البيع ، فإنّه وإن دخله الإكراه ، ولكن له خيار الفسخ بعد زوال إكراهه كما سيصرّح به المصنّف والشارح في بحث البيع.

ولا يخفى أنّه سيأتي في كلام الشارح في ذلك البحث أنّ البيع أيضا يدخله الإجبار ويلزمه في مواضع كثيرة كإجبار الحاكم على البيع لوفاء الدين ، ونفقة الواجب ، وغيرها ممّا سيأتي فلا فرق بينهما من هذه الجهة ؛ إذ ظاهر أنّ المراد بدخول الاجبار في القسمة ليس دخولها فيها كلية بل في بعض المواضع ويمكن ان يقال انّ المراد : أنّ الإجبار يدخل القسمة لذاتها ، ومن حيث هي هي ، فإنّه يجوز فيها بمجرّد طلب أحد الشريكين لها وفقد المانع ، بخلاف دخوله في البيع ؛ فإنّه عارضي لأجل عروض بعض المجوّزات ، ولذا لا يجبر بمحض طلب أحد المتبايعين بدون حصول الشرائط.


واعلم أنّه لا يخلو إمّا أن يكون مجموع قوله : « ويدخلها الإجبار » و « يلزمها » دليلا واحدا ، أو يكون قوله : « ويلزمها » دليلا على حدة ، وعلى التقديرين : إمّا يكون المراد بالإجبار : الاجبار المجوّز شرعا ، أو الأعم. وعلى التقادير : إمّا يكون المراد بدخول الإجبار دخوله بالذات ، لا لجهة عارضية كما ذكرنا ، أو الأعم.

فهذه ثمانية احتمالات لا تخلو عن الخدشة على كلّ تقدير منها :

أمّا على تقدير كون المجموع دليلا واحدا وإرادة الاجبار الشرعي الذاتي ، فلزيادة قوله : « ويلزمها » ؛ لعدم تحقّق الإجبار الشرعي الذاتي في البيع.

وأمّا على تقدير الوحدة وإرادة الشرعي الأعم من الذاتي ، فلتحقّقه في البيع أيضا.

وأمّا على تقدير الوحدة وإرادة الإجبار الأعم ، فلتحقّقه في البيع ذاتا وعرضا ، وعدم لزومه في القسمة أيضا.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الإجبار الشرعي الذاتي ، فلما مر في الأوّل.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الشرعي الأعم ؛ فلما مرّ في الثاني.

وأمّا على تقدير التعدّد وإرادة الاجبار الأعم ؛ فلما مرّ في الثالث والرابع ، فتأمل.

قوله : للشريك بها.

أي : لمن كان شريكا في الملك مطلقا ، لا لهذا الشريك الذي اقتسم معه ؛ إذ لا معنى للشفعة في حقّه. ثمّ ثبوت الشفعة للشريك الآخر يتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يكون نصيبه مفروزا وقلنا بثبوت الشفعة في المفروز وفي ما كان الشريك أزيد من اثنين أيضا.

وثانيها : أن يكون أحد الشركاء الثلاث غائبا عند القسمة ، وقسّم الحاكم إجبارا ، وهذا أيضا إنما يتمّ على القول بثبوت الشفعة في أكثر من اثنين.

وثالثها : أن يكون غير الشريكين شريكا مع أحدهما في طريق ، أو نهر. وهذا يصحّ مع اشتراط عدم الزيادة أيضا.

ورابعها : أن تكون الشفعة للجار على القول بثبوتها بالجوار أيضا كما يقول بعض العامّة.


قوله : لاستلزامه المعاوضة.

أي : استلزام الرد ، ورود المعاوضة على جزء من المال المقسوم ، وهو الجزء الذي يقابل العوض سواء كان جزءا صوريّا كما إذا كان العوض لأجل زيادة عين نصيب أحد الشريكين ، أو جزءا معنويا كما إذا كان لأجل زيادة وصفه.

فلفظة « من » في قوله : « من مقابله » بيانية ، ويحتمل التبعيضية أيضا : بأن يراد بالمقابل :مجموع نصيب أحد الشريكين ، فإنّه يقابل العوض باعتبار المالك.

والضمير في قوله : « وهو غير لازم » راجع إلى « المعاوضة » باعتبار كونها لازم الرد يعني : والإجبار على المعاوضة غير لازم.

قوله : عدا الثالث في السيف.

المراد بالثالث : عدم الانتفاع به منفردا. والضمير المنصوب في قوله : « فإنّه » راجع إلى « السيف ». ويمكن أن يكون ضمير شأن والضمير المجرور في قوله : « بقسمته » وكذا في « غيره » راجع إلى « السيف ».

وقوله : « بقسمته » يمكن أن يكون بـ « التاء » المثناة الفوقانية ؛ مصدرا ، وب « الياء » المثناة التحتانية تثنية ، والمعنى واحد ، وحاصل المعنى : أنّ الضرر في هذه المذكورات يمكن اعتباره بجميع المعاني الأربعة المذكورة إلّا عدم الانتفاع به منفردا ؛ فإنّه لا يمكن اعتباره في السيف ؛ لأنّ السيف يمكن الانتفاع بنصفيه ، أو مع تقسيمه غالبا ؛ إذ قد يكون نصيب بعض الشركاء قليلا بقدر لا يمكن الانتفاع به.

قوله : وإذا عدّلت السهام.

المراد بالتعديل بالأجزاء : تميّز الأجزاء المتساوية عينا ، فلا يرد : أنّ التعديل بالأجزاء يكون في مختلفة الأجزاء : بأن يعدل بأن يزيد على الجزء الأدنى وينقص من الأعلى ؛ فإن هذا تعديل بالقيمة ؛ إذ قيمة الجزء الأدنى مع الزيادة مساوية للأعلى مع النقص ، لا عينه.

وقوله « كيلا » وما عطف عليه تمييز للتعديل ويتعلّق بقوله : « عدلت » ، وقوله : « بعدد الانصباء » أيضا متعلّق به.

قوله : كالأرض والحيوان.


إنّ التمثيل بهما من جهة الغلبة ؛ فإنّ الغالب أن أجزاء الأراضي سيّما الدور وأفراد الحيوانات مختلفة ، وإلّا فيمكن أن يكون الأرض متساوية الأجزاء فعدّلت بالذراع ، والحيوانات فعدّلت بالعدد.

قوله : مع التراضي الموجبة.

صفة للقسمة المقيّدة أي : القسمة مع التراضي.

قوله : اتّفقت السهام.

كالعين المشتركة بين اثنين ، أو ثلاث ، أو أربع ، أو أزيد ، على التساوي ، فالمراد باتّفاق السهام : تساوي أقدارها.

قوله : على أقلّ السهام.

فلو كان لأحد الشريكين ثلث العين ، وللآخر ثلثاه يقسم على ثلاثة أسهم ، ولو كان لأحدهم الربع وللآخر الثلث ، وللثالث الباقي يقسم أربعة أسهم ( كذا ) ، وهكذا ، والمراد بجعل أوّل لها : أن يقرّر جزء منها نصيب أوّل من يخرج اسمه.

قوله : من التفريق.

أي : تفريق سهام من له الأكثر ؛ فإنّه لو كتب أسماء السهام وجعل للشركاء أوّلا فيمكن أن يخرج أوّلا ربع مثلا فيما قسّم على الأرباع لمن له ثلاثة أرباع ، ثمّ يخرج ثانيا ربع آخر غير متّصل بالربع الأوّل ، فيتضرّر مالك ثلاثة أرباع بذلك ، بل قد يكون تفريق أرباعه بحيث لا يمكنه الانتفاع.

قوله : وأكمل نصيبه.

يعني : لو كان من خرج اسمه أوّلا من الشركاء نصيبه أزيد من الأقلّ الذي قسّم السهام عليه يعطى باقي نصيبه ممّا يتّصل بالأوّل من غير احتياج إلى إخراج اسمه ثانيا ؛ لئلّا يتفرّق سهامه.

قوله : إن كانوا أكثر من اثنين.

فإنّه لو كانا اثنين لم يحتج إلى الإخراج ثانيا ؛ لأنّ الباقي يكون له لا محالة. والحاصل :

أنّه يخرج الرقاع إلى أن يبقى واحد من الشركاء فهو لا يحتاج إلى إخراج رقعته.


قوله : بالسويّة.

متعلّق بقوله : « معيّن » أي : بعض كان تعيينه بالسويّة أي : كان ما دخل منه في نصيب أحد المتقاسمين مساويا لما دخل في نصيب الآخر.

وقوله : « لا يخل » صفة موضحة لبعض معيّن بالسويّة. وقوله : « بالتعديل » متعلّق بقوله :« لا يخل ». والمراد : أنّه ظهر بعد القسمة أنّ البعض المعيّن من المقسوم ملك لغير المتقاسمين ، وكان تعيين ذلك البعض بالسوية بينهما ، بحيث لا يخلّ إخراج ذلك البعض وانتزاعه منهما بالتعديل الواقع بينهما ، كأن يقسم بين شريكين بنصفين ، ثمّ ظهر أن ربعه المعيّن ملك الغير ، وكان نصف هذا الربع داخلا في نصيب أحد المتقاسمين ، والنصف الآخر داخلا في نصيب الآخر ، فإذا اخرج ذلك البعض المعيّن يبقى في يد كلّ منهما الربع ( كذا ) ، فلم يختل التعديل ، بخلاف ما إذا لم يكن ذلك البعض المعيّن مساويا في السهام بالنسبة كأن ظهر أنّ ثلث الربع المذكور داخل في حصّة أحدهما ، وثلثيه في حصّة الآخر ، وحينئذ فبعد إخراجه يكون الباقي لأحدهما زائدا عن حصّته وحصّة الآخر ناقصا ويحتاج إلى الرجوع إلى الأوّل.


كتاب الشهادات

الفصل الأوّل

قوله : والمراد حينئذ.

أي : حين بلوغ العشر ، والاجتماع على المباح ، وعدم التفرّق في الشهادة على الجراح. وذكر ذلك ؛ لئلّا يتوهّم أن ذكر الشرائط المذكورة دالّ على أنّه ليس غيرها من الشرائط ، [ معتبرا ] فالمعنى : أنّ المراد حينئذ : أيّ مع هذه الشرائط أن اشتراط البلوغ منتف ، دون غيره من الشرائط الآتية ، بل هي باقية ومعتبرة فيما نحن فيه.

قوله : ولكن روي.

استدرك عن ما يفهم من اشتراط مطابقة بعض الشهود لبعض من أنّه ان لم يطابق ترد شهادة الجميع.

قوله : والتهجّم على الدماء.

هذا ردّ لما روي من الأخذ بأوّل قولهم ، « والتهجم » مبتدأ ، خبره قوله : « ليس بجيّد ». والمراد من الدماء : ما يشمل قصاص الجروح أيضا. يعني : روي الأخذ بأوّل قولهم ، ولكنّه فيما إذا كان أوّل قولهم دالّا على وجوب القصاص ، لا ينبغي الأخذ به ؛ لأنّ التهجّم في غير محلّ الوفاق على الدماء ليس بجيّد ، وأمّا في محلّ الوفاق ، كما إذا كانت الشهادات متطابقة فلا كلام.

قوله : تنبيه عليه.

أي : على اعتبار صورة الأفعال ؛ إذ لو لم يعتبر ذلك ولم يقدح في قبول شهادتهم ارتكاب صورة الحرام لم يكن وجه لاشتراط الاجتماع على المباح.


ويمكن إرجاع الضمير المجرور إلى عدم الدليل على اعتبار صورة الأفعال حيث إنّه لو اعتبرت صورة الأفعال في عدالة الصبي ، وكان العادل من الصبيان من ارتكب صورة أفعال العدول من المكلّفين ؛ لأغنى ذكر العدالة عن اشتراط اجتماعهم على المباح. وأيضا لم يكن وجه لاشتراط اجتماعهم على المباح ، بل كان اللازم اشتراط عدم صدور حرام منهم ، لا مجتمعا ولا منفردا.

قوله : ويضعّف.

أي : يضعّف قول العلّامة بقبول شهادة المستور والفاسق من المسلم ؛ بانّ شهادة غير العادل مطلقا مردود ، فيجب عدم قبوله إلّا في محلّ الوفاق ، وهو الذمي فتعميمه والقول به في غير محل الوفاق وهو الفاسق المسلم غير جائز.

قوله : أقرب منها إلى سبعين وسبعة.

أي : أقرب من حيث الدليل إلى سبعين ، كما في بعض الأخبار ، وإلى سبعة كما في بعض آخر ، لا من حيث العدد.

قوله : من الذنب.

لفظة « من » بيانية للموصول في قوله : « ما دون » ، والتقييد به لصدق ما دون الكبيرة على غير الذنب أصلا ، وليست ببعضية حتّى يكون المجرور متعلّقا بالكبيرة.

قوله : كالمواظبة على نوع أو أنواع.

الظاهر أن المراد من المداومة على الأنواع : أن يداوم على كلّ نوع منها ؛ فإنّ المداومة عليها بأن يفعل كلّ نوع منها مرّة أو مرّتين لا يسمّى مداومة على الأنواع ، بل على جنس الصغائر ، وقد اختلف فيها أيضا أنّها هل هي إصرار أم لا؟ وقد يفسر الإصرار بالإكثار أيضا ، وهو أعمّ من المواظبة.

وممّا ذكرنا تظهر النكتة في ذكره المواظبة على سبيل التمثيل ، والعزم على سبيل الحمل والتخصيص ؛ فإنّ الإصرار الحكمي مختصّ بالعزم ، ولا يتصوّر غيره ، بخلاف الفعلي ، فإنّه اختلف فيه : فمنهم من فسره بالإكثار ، ومنهم من فسّره بالمداومة. ثم اختلفوا في الإكثار والمداومة على الجنس ، وهكذا ، وكلّ ذلك إصرار فعلي.


قوله : بعد وقوعه.

أي : وقوع الفعل. والسرّ في جعل العزم على الفعل ثانيا من الإصرار ، مع أن نفس الفعل ثانيا من غير زيادة لا يوجبه ، أنّ العزم غالبا يكون مستمرا في آنات متتالية ، والعزم في كل آن في حكم الفعل ، فيتحقق نوع مداومة وإصرار ، بخلاف نفس الفعل ثانيا ، فإنّه لم يصدر إلّا فعل واحد.

قوله : يقتضي الشهادة المشاركة.

أي : كان مقتضى شهادته شركته في المشهود به. وهذا احتراز عمّا إذا لم يكن مقتضاها المشاركة ، وإن كانت شهادة في المشترك ، كما إذا ادّعى شريكه جزءا مشاعا من المال المشترك على خصم له ، فشهد الشريك الآخر بصدق دعواه ؛ فإنها تقبل وإن كانت في المال المشترك ؛ إذ مقتضاها ليست مشاركة.

ويمكن أن يقال : إن تلك الشهادة أيضا ليست في المال المشترك ؛ لأنّ الجزء الذي يدّعيه ليس مشتركا فيكون القيد توضيحيّا.

قوله : فى متعلّق وصيّته.

إضافة الوصيّة إلى الضمير إضافة المصدر إلى المفعول ؛ فإنّ الوصيّة على مصطلح الفقهاء : مصدر متعدّ ، فإنّه في مصطلحهم : تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة أو تسليط على تصرّف بعدها.

قوله : ولا يقدح في ذلك.

أي : يتوقّف عدم قبول شهادة الوصي على ثبوت وصايته ، فلا يقدح في قبولها محض دعوى الوصي الوصاية ، ولا دعواه مع انضمام شهادة من لا تثبت الوصاية بشهادته كفاسق ؛ لأنّ المانع من قبول شهادته ليس دعواه الوصاية وما يشبهها ، بل ثبوت وصايته التي هي الولاية الموجبة للتهمة.

وقوله : « بادخال المال » متعلّق بالتهمة. أي : بإرادة إدخال المال تحت الولاية ؛ فإن الوصاية توجب إدخال المال الموصى به تحت اختيار الوصي.

قوله : على القول بملكه.


أي : ملك العبد. والتقييد به ؛ لأنّه على القول بعدم ملكه وكون المال للمولى ، لا تتصوّر الشهادة للعبد ، بل تكون للمولى نفسه. والضمير في قوله : « عليه » راجع إلى « العبد » ، ويمكن إرجاعه إلى الملك أيضا على نوع استخدام.

قوله : ويمكن اعتباره.

أي : يمكن اعتبار الأخير في النفع بمعنى : أنّه كما يمكن اعتبار الأخير وجعله من باب دفع الضرر ، كذلك يمكن اعتباره وجعله من باب جلب النفع. وذلك ؛ لأنّه يريد بتلك الشهادة تقليل الغرماء ووصول المال إليه أكثر ، وهو من باب النفع ، دون دفع الضرر ؛ لأنّ الفرق بينهما : أن جلب النفع هو طلب ما ليس في يده ، ودفع الضرر : هو حفظ ما في يده ، ولا شكّ أن كون الأخير من باب الأوّل ممكن ، ووجه جعله من باب دفع الضرر أن قبل شهادة الشهود على دين آخر قد تعلّق حقّه بالمال ، فكأنّه صار في يده ، فيجرح الشهود لحفظه ما في حكم ما في يده ، فتأمّل.

قوله : على الموصي والموكّل.

أي : في متعلّق الوصية والتوكيل.

قوله : ولا يقدح مطلق التهمة.

بل لا بدّ أن يكون على النحو المذكور وهو : أن يجر إليه بشهادته نفعا أو يدفع عنه بها ضرّا ، والمراد بجرّ النفع : جرّه شرعا أي : يعود إليه النفع شرعا. وكذا المراد : أن يكون موجب النفع هو الشهادة بحيث يعود إليه بسبب الشهادة ، فلو توقّف العود على امور اخر يمكن تحقّقها وعدمه لا يكون تهمة.

وأمّا شهادة الصديق ، فهي لمحض الصداقة ، ولا نفع يجلب بها آجلا وعاجلا. وأمّا شهادة الوارث ، فهي يجلب نفعا عاجلا موقوفا على امور كبقاء المال على ملكيّة المورث إلى موته ، وغير ذلك. ومن هذا القبيل شهادة [ من ] ينتفع بمال غيره لأجل الصداقة ؛ فإنّه ليس نفعا عائدا بحكم الشرع.

قوله : إذا لم يكونوا مأخوذين.

يعني : أنّ قبول شهادة الرفقاء على اللصوص مشروط بشرطين :


أحدهما : إذا لم يكن الرفقاء مأخوذين في أيدي اللصوص ، فلو كانوا مأخوذين أيضا لم تقبل شهادتهم ، لأجل العداوة ، أو كونهم شركاء في بعض الحقوق ، ولو في محض الأخذ.

ثانيهما : أنّه لو أخذت اللصوص من مالهم شيئا لم يتعرضوا لذكره في الشهادة ، بل اقتصروا على ذكر ما اخذ من سائر القافلة.

وقوله : « لهم » حال عن الموصول أي : ما أخذ حال كونه لهم. ووجه العدول عن قوله :« منهم » إلى قوله : « لهم » ؛ ليشمل ما لو اخذ مالهم الذي كان عند غيرهم من الرفقاء.

قوله : وتمنع العداوة الدنيوية.

أي : عن قبول الشهادة على العدو ، لا له ، فتقبل له ، وكذا لغيره وعليه ، إلّا إذا كانت تتضمّن فسقا كأن يغتابه ، أو يقذفه ، أو مثل ذلك ، فلا تقبل مطلقا.

قوله : دون العكس مطلقا.

إمّا قيد لقوله : « غير مانعة » ، وتكون العلّة معترضة بين المعلول وقيده. والمعنى : فإنّ العداوة الدينيّة غير مانعة من القبول مطلقا ، سواء كانت الشهادة على العدو أو له. أو المعنى : أنّها غير مانعة على سبيل الإطلاق وإن كانت مانعة في الجملة ، كما منع عن قبول شهادة أهل الأديان على المسلم ، وإن قلنا بعدالتهم ، كما ذهب إليه بعض أصحابنا.

وإمّا قيد لأهل الأديان أي : سواء كانوا مسلمين أم كفّارا. وإمّا قيد لقوله : « دون العكس » أي : لا تقبل شهادة أهل الأديان على المؤمن مطلقا سواء كانوا مسلمين أم كفّارا ، وإمّا قبولها في الوصيّة ففرد نادر ، ومع ذلك مرّ ذكره.

وأمّا قيد للعكس أي : دون العكس على سبيل الإطلاق ، وإن كان العكس في الجملة أيضا كما في الوصية.

قوله : للتهمة.

قيل : « إنّ التهمة غير ظاهرة ، خصوصا إذا كان جاهلا ، فإنّا نجد كثيرا من يشهد قبل الاستشهاد من غير ميل إلى إثبات المشهود به ، بل قد يكون إلى عدمه أميل ، فردّ شهادة العدل بمجرّد ذلك مشكل ».


واجيب : بأنّ التهمة ظاهرة مع التبرّع غالبا وإن أمكن فرض عدمها فيما فرضه من صورة الجهل وغيرها ؛ ولذا أطبق الأصحاب على عدّه تهمة ، ولعلّ مرادهم : الغالب ، دون ما فرض من الصورة النادرة ، كيف لا؟ ولو كان مرادهم عدّه تهمة مطلقا لزم مخالفة ما ذكروه للوجدان جدّا.

وهذا أظهر قرينة على إرادتهم من محل المنع ما أوجب التبرع التهمة كما هو الغالب ، دون غيره ، وإنّما أطلقوا اتكالا منهم على فهمه من تعليلهم المنع بالتهمة.

قوله : في غيرها.

أي : غير الشهادة التي تبرع بإقامتها ، أو غير الواقعة المدلول عليها بقرينة المقام ، أو غير الدعوى التي شهد فيها.

قوله : ولو اشترك الحق كالعتق.

لا يخفى أنّ الوجه في كون العتق مشتركا : أنّه يشترط فيه القربة ، ويملك المعتق ـ بالفتح ـ رقبته. فمن الجهة الاولى يكون حقّا لله سبحانه ، ومن الجهة الثانية حقّا للعبد ، فيكون مشتركا.

وأمّا السرقة فالظاهر أنّ المراد بها حدّها ، دون نفسها ؛ لأنّ نفسها مما اشتمل على الأمرين أي : الحق المشترك ، والحق المختصّ بالناس. ووجه اشتراك حدّها : أنّه مأمور به من جانب الله سبحانه فيكون حقّه ، وشرّعه لاضراره بالغير ، فيكون للغير أيضا حظّ فيه.

وأمّا العفو عن القصاص ، فوجه كونها حقّا لله شرعيّته فيه ، لقوله : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ‌ءٌ ) (١). ووجه كونه حقّا للناس ظاهر.

وأمّا الطلاق والخلع ، فلم يظهر لي وجه لكونه حقّا مشتركا ، بل الظاهر اختصاصه بحقّ الناس ، مع أنّه سيأتي في بحث الشهادة على الشهادة ما يصرّح بأنّ الطلاق من حقوق الناس المختصّة ، بل العتق أيضا.

قوله : أو سماعا.

الظاهر أنّه مفعول مطلق لفعل محذوف ، وهو قوله : « أن يسمع ». أي : أو أن يسمع سماعا.

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.


قوله : ويثبت بالاستفاضة.

المقصود من هذه المسألة أنّ الأمور المذكورة لا يحتاج الشاهد فيها إلى الرؤية والسماع بخصوص ما يشهد به ، بل يكفي فيها الاستفاضة ، فيجوز للشاهد الشهادة بها مع الاستفاضة ، وليس المقصود هنا أنّها تثبت بالاستفاضة عند الحاكم ، وإن كان كذلك في الواقع.

والحاصل : أنّ المراد هنا : بيان مستند الشهادة ، لا مستند الحكم.

واعلم أنّ تخصيص هذه الامور بالثبوت بالاستفاضة ، دون غيرها ، إنّما هو بناء على عدم كفاية مطلق العلم في مستند الشهادة ، بل لا بدّ من الرؤية أو سماع المشهود به ، إن كان قولا ـ كما هو المشهور عند الأصحاب ـ بل قال بعضهم : « إنّ ظاهر كلمة الاصحاب الإطباق على الحكم المذكور ». فاستثنى من الحكم هذه الامور بكفاية الاستفاضة فيها ، أو بناء على كفاية مطلق العلم في الشهادة ، ولكن المراد بالاستفاضة فيها أعم ممّا يفيد العلم أو الظن المتاخم للعلم أو الظن مطلقا ، كما قال به جماعة. فيكون تخصيص هذه الامور من جهة عدم اشتراط العلم فى الشهادة بها ، بل يكفي الظن الحاصل من الاستفاضة.

نعم من يقول بكفاية مطلق العلم في مستند الشهادة مطلقا ، وبأنّ الاستفاضة المثبتة لهذه الامور هي المفيدة للعلم ، يشكل عليه تخصيص هذه الامور ، ولعلّه لا يخصّص ، وإنّما هو بناء على احد الوجهين المذكورين.

قوله : والمشهور.

خلاف المشهور : أنّه لا يثبت بها إلا النسب خاصة وهو قول ابن الجنيد.

وأنه لا يثبت بها الموت ، استوجهه بعضهم. وقد يزاد العدالة والرق أيضا.

قوله : ويكفي إلى آخره.

لا يخفى أنّ هذه العبارة يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون عطفا تفسيريا لقوله : « ويثبت بالاستفاضة » وبيانا له ، وعلى هذا يكون قوله « على قول » متعلّقا بالثبوت بالاستفاضة وكفاية المتاخمة ، ويكون المعنى :


وتثبت هذه الامور بالاستفاضة ويكفي فيها المتاخمة على قول ، والقول الآخر : أنّه لا تثبت بالاستفاضة ، بل يشترط فيها حصول العلم.

وثانيهما : أن يكون جملة مستأنفة ، ويكون « على قول » متعلّقا بقوله : « ويكفي » ويكون المعنى : وتثبت هذه الامور بالاستفاضة قطعا ، ولكن لا يشترط الاستفاضة القطعيّة ، بل يكفي المتاخمة على قول.

والأوّل أنسب بقول الشارح : « والمراد بها : شياع الخبر » إلى آخره. حيث فسّر الاستفاضة بالمفيد للظن. وكذا هو يؤكّده قول الشارح : « وعلى المختار » كما يأتي ، ولا ينافيه قول الشارح : « وقيل : يشترط أن يحصل العلم » حيث يدلّ على أن القول الآخر اشتراط حصول العلم من الاستفاضة ؛ إذ يحتمل أن يكون هذا قولا مقابلا للثبوت بالاستفاضة ، لا لاشتراط الاستفاضة القطعية ، بل هو الظاهر لأنّ ( من ظ ) القول الثالث الذي ذكره بقوله : « وقيل : يكفي مطلق الظن حتّى لو سمع » إلى آخره ، فإنه لا شكّ أن السماع من الشاهدين ليس استفاضة.

قوله : صار متحملا.

أي : صار السامع متحمّلا للشهادة ، ويكون شاهد أصل من غير حاجة إلى الشهادة بالشهادة حتّى يكون شاهد فرع.

قوله : وعلى المختار.

المراد بالمختار : ثبوت الامور المذكورة بالاستفاضة حيث اختاره بقوله : « قوي » على أن يكون « على قول » متعلّقا بمجموع قوله : « ويثبت بالاستفاضة » و « يكفي المتاخمة ». وليس المراد به : كفاية الاستفاضة الظنية وعدم اشتراط الاستفاضة القطعيّة على أن تكون الاستفاضة على قسمين ؛ إذ لا يكون حينئذ وجه لتخصيص عدم الاشتراط بالمختار ، بل لا يشترط على القول باشتراط حصول القطع من الاستفاضة أيضا ؛ لامكان إفادة العلم أيضا من نقائضها. فالمراد : أنّه على المختار من ثبوت الامور المذكورة بالاستفاضة لا يشترط العدالة إلى آخره.

وأمّا على القول بعدم الثبوت بها فلا تثبت إلّا بالبينة ، فيشترط فيها هذه الشرائط.


قوله : من نقائضها.

الجار متعلّق باستفادته على أكثر النسخ. وأمّا على بعض النسخ الذي تكون الإفادة مكان « الاستفادة » فمتعلق « بالإمكان » لا « بالإفادة » ؛ لأنّه متعدّ ، وإضافة الإفادة إلى الضمير إضافة المصدر إلى المفعول. والضمير فى « نقائضها » راجع إلى العدالة » وما عطف عليها على سبيل الاستخدام بأن يراد منها : العادل ، والحر ، والذكر. أو يقدّر محذوف أي :من أصحاب نقائضها والمتّصف بها ، والمعنى : لأنّه يمكن من خبر نقائض العادل وأخويها أي : خبر الفاسق والعبد والانثى إفادة الظن ، أو يمكن من خبر المتّصف بنقائضها ذلك.

قوله : لا في السبب.

وتظهر الفائدة في ترجيحه على مدّع آخر ادّعى السبب أيضا.

الفصل الثاني في تفصيل الحقوق

قوله : ولو أفرد هذين.

أي : لو أفرد الرجم والجلد عن القسم الأوّل ، وهو ما يثبت بأربعة رجال. وقوله : « وجعل الزنا » الذي هو القدر المشترك بينهما قسما ثانيا كان انسب لاختلاف حاله بالنسبة إلى القسم الأول ؛ لأن الأوّلين اللذين هما من القسم الأوّل أي : اللواط والسحق ـ وكونهما أوّلين بالنسبة إلى قسمي الزنا المذكورين ثانيا ـ لا يثبتان إلّا بأربعة رجال خاصّة ، والزنا تثبت بهم ، وبمن ذكر من ثلاثة رجال وامرأتين ، ورجلين وأربع نسوة ، فحاله مختلفة بالنسبة إلى حالهما ، وهما من القسم الأوّل ، فحاله مختلفة بالنسبة إلى القسم الأوّل.

قوله : ألحقها المصنّف.

الظاهر أنّ حكمه بإلحاق المصنّف هذه الأربعة فى حقوق الله ، لأجل ذكره إيّاها في أثنائها حيث إنّ المقدّم عليها الردّة والقذف والشرب وحدّ السرقة ، وهي من حقوق الله ، وكذا الإسلام المتأخّر عنها.

ويشهد بأن حكمه بالإلحاق من هذه الجهة ما يذكره بعد ذلك : « وبهذا يظهر أن الهلال » إلى آخره ، فإنه لا يظهر ذلك ، الا من ذكر الهلال في تلو حقوق الناس.


قوله : وهذا الضابط.

أي : الضابط الذي ذكره بعض الاصحاب لا يدخل الزكاة والخمس والنذر والكفّارة في هذا القسم ، لأنّها إمّا ليست من حقوق الآدمي ، أو يكون من حقوقه المالية ، فيخرج هذه الأربعة عن هذا القسم.

ويمكن أن يكون المراد بالضابط بعض الأصحاب أي : لا يدخل هذا البعض تلك الاربعة في هذا القسم ، إذ ضابطته توجب خروجها ، [ و ] على التقديرين يكون قوله هذا بيانا لمخالفة هذا الضابط مع ما ذكره المصنّف.

وأمّا إرادة البعض من الضابط وجعل الأربعة داخلة في الضابطة ، وجعل هذا الكلام بحثا مع الضابط كما وقع من بعض المحشّين فخطأ.

قوله : والعمد

عطف على القتل لا على الخطأ أي : جناية العمد. وقوله : « المشتمل » صفة للعمد. والمراد : العمد الذي يشتمل قصاصه على التغرير بالنفس ، أي لو اريد القصاص لاحتمل هلاكة النفس ، فالمعنى : المشتمل قصاصه على التغرير بالنفس ، واحترز به عمّا ليس كذلك ؛ فإن فيه الدية.

قوله : وهذا الفرد.

أي الوصية له بالمال خارج عن الضابط المذكور لهذا القسم بقوله : « وضابطه : ما يعسر اطلاع الرجال عليه » فإنّ اطّلاعهم على الوصية ليس بمتعسر.

قوله : ليترتّب عليه باقي أحكامه.

تعليل لحسن الإفراد ، وقوله : « فانّه يختص » إلى آخره ، تعليل لقوله : « باقي أحكامه » وبيان لأنّ له أحكاما اخر باقية. والمراد : أنّه لو أفرد هذا القسم ورتّب عليه جميع أحكامه كان حسنا.

قوله : لا بدونه.

لا يخفى أنّه يستباح له مع جهله بالوصية ، وبكذب المرأة أيضا. نعم لو علم بكذب المرأة وجهل الوصية لم يكن الجميع مستباحا له.


قوله : وكذا القول فيما لا يثبت إلى آخره.

لفظة : « ما » بمعنى : « من » ، والمضاف إليها محذوف أي : ومثل القول في المرأة الواحدة سائر من لا يثبت بشهادته الجميع كالمرأتين وثلاث امرأة والرجل على القول بالثبوت به ، في أنه ليس له تضعيف المال ليصير ما أوصى به ثابتا بشهادته.

وأمّا إبقاء لفظة « ما » بمعناها ، وجعل عائدها المستتر في « لا يثبت » وجعل « الجميع » بدلا عن المستتر ، أو جعل « اللام » في « الجميع » عوضا عن الضمير المحذوف العائد إلى ما لا يثبت جميعه ، فإن كان محتملا لفظا بل هو الظاهر ، إلّا أنّه لا يصح معنى ؛ لأنّه إنّما يصحّ لو كان لشي‌ء غير الوصية مثل هذا الحكم أي : لا يثبت ببعض الشهود الجميع ويثبت بعضه حتّى يصحّ أن يقال : « وكذا القول » ، أى : مثل الوصية في سائر ما لا يثبت ، إلى آخره.

فله : ومنها ما يثبت بالنساء إلى آخره.

أي : يمكن إثباته بهنّ لا أنه لا يثبت بغيرهنّ. وقوله : « خاصة » قيد للمنضمّات ، لا للنساء. والمعنى : يمكن إثباته بالنساء المنضمّات ، دون المنفردات ، وليس المعنى : يثبت بالنساء دون غيرهنّ ؛ فإنّه قد صرّح سابقا أنّ الديون والأموال تثبت بالرجلين أيضا ، فيصحّ قول الشارح : « وهذا الفرد داخل في القسم الثالث ». ولو كان المراد : أنّه لا يثبت بغير النساء لم يكن داخلا في الثالث.

قوله : إلى الرجال فيه صريحا.

الضمير المجرور في قوله : « فيه » يحتمل أن يكون راجعا الى هذا القسم ، وأن يكون راجعا إلى « الثالث ».

فعلى الأوّل يكون الجار والمجرور متعلقا بقوله : « ليعلم » أي : ليحصل العلم في هذا القسم باحتياج النساء المذكورات في القسم الثالث إلى الرجال.

وعلى الثاني : يكون متعلقا بالاحتياج اي : يعلم احتياج النساء في القسم الثالث إلى الرجال.

قوله : فلو عكس المعتذر.

أي : كان يقول : وإنّما افرد ليعلم عدم [ احتياج ] النساء إلى الرجال مطلقا ، بل يكفي


النساء مع اليمين. ولكن لا يخفى أنّ إطلاق الانضمام لا يفيد هذه الفائدة ، بل يحتاج إلى التصريح.

قوله : ولقد كان إبداله إلى آخره.

الضمير في « إبداله » راجع إلى هذا القسم. وقوله : « ما أشرنا إليه من الأقسام » إشارة إلى ما ذكره سابقا بقوله : « ولو أفرد هذين من القسم الأوّل وجعل الزنا قسما برأسه ».

وقوله : « التي أدرجها » صفة للأقسام ، والمدرج فيه محذوف. وقوله : « وإدراجه » عطف على « إبداله ». والضمير فيه أيضا راجع إلى هذا القسم. وضمير « هو » ضمير الفصل و « العماد » راجع إلى كلّ من الإبدال والإدراج ، وفائدته : التأكيد واختصاص الأولوّية بذلك.

والمعنى : ولقد كان إبدال هذا القسم ببعض الأقسام التي أدرجها في القسم الأوّل ، وإدراج هذا القسم في الثالث بأن يجعل أحد الأقسام الخمسة ما يثبت بأربعة رجال ، وثلاثة وامرأتين ، ورجلين وأربع نسوة ، وهو الزنا ، أولى ممّا فعله.

الفصل الثالث في الشهادة على الشهادة

قوله : كالطلاق والنسب.

لا يخفى أنّ قول المصنّف فيما بعد ذلك : « أو مشتركا كالسرقة » يدلّ على أنّ المراد بحقوق الناس هنا : الحقوق المختصة بالناس ، فإنّ المشتركة منها قد حكم بعدم ثبوتها على خلاف ، ويلزمه كون الطلاق والعتق من الحقوق المختصّة بالناس ، وهذا ينافي ما سبق من الشارح من جعله الطلاق والعتق من الحقوق المشتركة كما ذكرنا.

قوله : هذا وما بعده.

مبتدأ خبره قوله : « من أفراد الحقوق التي » إلى آخره. على أن تكون لفظة « من » تبعيضية ، ولكن يرد حينئذ : أنّ ممّا يذكر ما بعده الوصية له ، وهي من الحقوق المالية.

ويمكن أن يكون خبر هذا قوله : « رتبها » وتكون لفظة « من » بيانية للموصول أي عيوب النساء وما بعده ممّا ليس مالا كغير الوصية له مرتّبة مشوشة. والمراد بالترتيب المشوش : أنّه ليس على الترتيب الموافق للضابطة.


قوله : كالزنا.

المراد بالزنا : هو حدّ الزنا بغير ذات البعل ؛ لأنّ نفس الزنا مشتمل على الأمرين ، وحدّ الزنا بذات البعل مشترك بين الله وبين العبد كحدّ السرقة.

قوله : كالسرقة والقذف.

أي : كحدّهما. وأمّا نفس السرقة فهي مما اشتمل على الأمرين أي : على الحقّين ، لا من الحقوق المشتركة ، والفرق بين المشترك والمشتمل على الأمرين : أنّ الأوّل حقّ واحد ؛ وأمر وحداني مشترك بينهما ، والثاني يشتمل على أمرين كلّ واحد لواحد ؛ ولذا يحكم في الثاني بالافتراق ، فيثبت احد الحقّين دون الآخر ، بخلاف الأوّل ؛ فإنّ الخلاف فيه في ترجيح أحد الحقّين على الآخر ؛ إذ لا يمكن ثبوت أمر واحد من جهة ، وعدم ثبوته من جهة أخرى.

قوله : فبقي ضابطة محلّ الشهادة إلى آخره.

« ضابطة » فاعل « بقي » و « ما ليس بحدّ » حال ملازمة عن الفاعل ، و « الفاء » في قوله :« فبقي » للتفريع ، والجملة متفرعة على ما ذكره سابقا من قوله : « بل ضابطه » إلى آخره مع ما ذكره هاهنا من ترجيح عدم ثبوت الحقّ المشترك ؛ فإنّه لما ذكر أوّلا أنّ الضابط كلّ ما لم يكن عقوبة لله مختصة به مع تردّد في المشترك ، ثمّ رجّح هنا أنّه ما لم يكن عقوبة مشتركة أيضا ، فثبت أن غير العقوبة المشتركة والمختصّة بالله محلّ الشهادة على الشهادة ، وغير ذلك ما ليس بحدّ من الحقوق ، لأنّ كلّ حدّ عقوبة إمّا مختصّة بالله ، أو مشتركة ، وكلّ عقوبة مختصّة أو مشتركة حدّ.

قوله : افتقر إلى إضافة.

أي : احتاج كلام المصنّف ، وهو قوله : « فيثبت بالشهادة » إلى إضافة الشهادة الاخرى على الشهادة المذكورة بأن يقال بالشهادة على الشهادة ، كما فعله الشارح ليصير من أمثلة المبحث ؛ فإنّ المبحث مبحث الشهادة على الشهادة ، لا الشهادة فقط.

قوله : فالحكم كذلك.

أي : ثبت نشر الحرمة ، لا الحد ، لكنّه ليس من أحكام هذا المبحث ، بل من أحكام القسم


السابق. والصواب : من أحكام الفصل السابق حيث حكم فيه : بأنّ مثل الوكالة والوصية والعفو عن القصاص وأمثالها من حقوق الآدميين التي ليست ما لا يثبت برجلين ، والإقرار بالزنا منه ، ولكن حدّه لا يثبت بهما ، بل لا بدّ من أربعة رجال.

قوله : بل يجوز أن يكون الأصل.

أي : يجوز أن يكون أحد الأصلين فرعا للأصل الآخر ، فتثبت شهادة الاصل الآخر بشهادة هذا الأصل الذي هو فرع بالنسبة إليه مع فرع آخر غير الأصلين. والحاصل : أنّه يجوز شهادة أحد الأصلين مع الفرع الآخر على شهادة الأصل الآخر.

قوله : لأن شهادة الفرع إلى آخره.

توضيح الدليل : أن الأصل في الشهادة ثبوتها بالرجال دون النساء كما صرّحوا به ، فلا يثبت بشهادة النساء إلّا ما دلّ عليه دليل مثل كثير من المواضع المتقدّمة ، فلو كان الشهادة على الشهادة مثبتة لما شهد به الأصل ، لكانت النساء فرعا في كلّ ما ثبت فيه شهادة النساء من المواضع المذكورة ؛ لدلالة الدليل على ثبوتها بالنساء. أمّا لو كانت الشهادة على الشهادة مثبتة لشهادة الأصل ، فلا تكون النساء فرعا أي : لا يجوز كونهنّ فرعا إذا لم يثبت قبول شهادة النساء في ثبوت شهادة الأصل ، وإن ثبت فيما شهد به الأصل.

قوله : وإن سمعاهما

أي : سمع الفرعان الأصلين أنّهما يشهدان من غير أن يقولا للفرعين : اشهدا.

قوله : وإن لم تكن

فإنّها إن كانت عند الحاكم جازت الشهادة عليها قطعا ؛ لأنّ العدل لا يتصدى لإقامة الشهادة عند الحاكم إلّا بعد تحقّق المشهود به عنده ، ولا يتسامح به أبدا.

قوله : لأن العدل لا يتسامح.

فإن قيل : إن لم يكن التسامح عصيانا وذنبا ، فلا مانع للعدل منه في صورة ذكر الأصل السبب ، وإن كان عصيانا فلا يوجب اعتياده رفع معصيته فلا يرتكبه العدل عند عدم ذكر الأصل السبب أيضا.

قلنا : يمكن أن يكون عصيانا عند ذكر السبب ؛ لعدم اعتياده حينئذ ، ولا يكون عصيانا


عند عدم ذكره ، لاعتياده ، فإنّ للاعتياد وعدمه مدخلية في العصيان وعدمه فى أمثال هذه المواضع ؛ لانّه فيما اعتيد التسامح به يعلم كلّ أحد سمعه أنّه من باب المسامحة ، فلا يلزم كذب ولا تدليس ، بخلاف ما إذا لم يعتد ؛ فإنّ السامع يفهم عدم المسامحة ، فيلزم التدليس ، فلا يرتكبه العدل.

ومن هذا القبيل الألفاظ الشائعة في غير معانيها الحقيقية ؛ فإنه يجوز للعدل استعمالها في المعنى المجازي بدون القرينة في الشهادة ، ولا يلزم تدليس ، بخلاف ما لم يكن شائعا.

الفصل الرابع في الرجوع عن الشهادة

قوله : عند فوات محلّه.

الظرف متعلّق بقوله : « بدل » ، لا بقوله : « ممكن ». والضمير المجرور في قوله : « محلّه » راجع إلى القصاص أي : لأنّ الدية بدل عن القصاص عند فوات محلّ القصاص وعدم إمكانه ، وممكنة أيضا فلا بدّ من الانتقال إليها.

قوله : والعبارة تدلّ بإطلاقها.

يحتمل أن يكون العبارة الدالّة بإطلاقها قوله : « وإن كان بعده لا ينتقض ». وأن يكون قوله : « ولو كانت على قتل ، أو رجم » ، أو قطع أو جرح ثمّ رجعوا واعترفوا » فإنّه يدلّ على الاقتصاص من الشاهد بعد الرجوع مطلقا ، وهو لا يكون إلّا مع الاستيفاء عن المشهود عليه.

قوله : وإن كان حدّا.

جعله فردا خفيّا بالنسبة إلى المال لا بالنسبة إلى القتل ، والرجم ، والقطع. ويمكن أن يكون المراد بالحد : ما يشمل هذه الثلاثة أيضا ، فإنّه قد يطلق عليه.

قوله : أو خلاف المشهور.

مرفوع معطوف على جملة : « إمّا ليس بجيّد ». والمراد : أنّ مذهب المصنّف إمّا موافق لمذهبه ، أو مذهبه الاستيفاء مطلقا ، وحينئذ فالإطلاق خلاف المشهور.

قوله : واتّفق موته بالحدّ.


لما كان المذكورات القتل والرجم المستلزم للقتل غالبا ، والقطع والجرح والحدّ ، وكان الاقتصاص من غير الحد منها مجوّزا ، فلم يحتج في غيره إلى قيد. وأمّا الحد نفسه فلا يقتص منه ؛ إذ لم يثبت من الشرع حدّ قصاصي ، فالاقتصاص منه مقيّد بما إذا صار سببا للموت ، فلذا صرّح فيه بأنّ الاقتصاص فيه إذا اتّفق الموت به.

قوله : وردّ على كلّ واحد.

أي : وردّ الولي على ورثة كلّ واحد من المقتص منهم ما زاد عن جناية كلّ واحد ؛ فإنّه لو كان الشهود اثنين كانت جناية كلّ منهما نصفا ، فيرد على ورثة كلّ منهما نصف دية الانسان ، ولو كانوا أربعة ـ كما في الشهادة على الزنا ـ كانت جناية كلّ منهم ربعا ، فيرد على ورثة كل منهم ثلاثة أرباع الدية ، وإذا اقتص عن بعضهم كما أن يقتص عن واحد من الشاهدين ردّ الولي على ورثته نصف الدية ، ويردّ الشاهد الآخر على الولي النصف أيضا. هذا فيما إذا كان الاقتصاص بالقتل ، وأمّا إذا كان بالقطع أو الجرح ، ففي الأوّل يردّ نصف دية المقطوع أو المجروح ، وفي الثاني ثلاثة أرباعه ، وهكذا.

قوله : ثمّ رجعا.

أي : فتزوجت المطلقة بزوج آخر.

قوله : ترد إلى الأوّل.

أي ترد الزوجة إلى الزوج الأوّل ، ولكنّه لا يقربها حتّى تنقضي عدّتها.

قوله : ويغرمان.

أي : الشاهدان المهر للثاني فيعطيانه ، وهو يعطيه الزوجة إن لم يعطها أوّلا.

قوله : رواية حسنة.

الرواية هكذا : في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها ، فاعتدت المرأة ، وتزوّجت ، ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم ، فزعم أنّه لم يطلقها ، وأكذب نفسه أحد الشاهدين. [ قال أي : أبو جعفر عليه‌السلام ] : « لا سبيل للأخير عليها ، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع ويرد على الأخير ويفرق بينهما » (١). الحديث.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٧ / ٣٣١.


وقوله : « حملت » ردّ لاستناد هذه الرواية يعني : أنّها ليست باقية على إطلاقها من شمولها صورة كون التزويج بعد الحكم أيضا ، كما هو مذهب الشيخ في النهاية ، بل محمولة على تزويجها قبل الحكم.

ووجه حمل الرواية على ما ذكر : ما مرّ من عدم انتقاض حكم الحاكم ، فلو كان تزويجها بعد حكم الحاكم بسبب الشهادة لم يقبل الرجوع عن الشهادة ويبقى زوجة للأخير.

قوله : لاستقرار المهر في ذمّته به.

أي : بالدخول. والمراد أنّه لا يغرم الشاهدان شيئا إن كان ما وقع من شهادتهما وتزويجها بعد دخول الزوج الأوّل ؛ لأن الغرم ليس للزوج الثاني قطعا ، لأنّ الزوجة له لأجل الحكم ، فلا تفويت عليه ، وإنما الغرم لو يتصوّر ، فإنّما يكون للزوج الأوّل ، ولا غرم له أيضا ؛ لأنّ سبب الغرم إمّا تفويت تمام المهر الذي يجب عليه لها ، أو تفويت البضع منها ، وشي‌ء منهما لا يوجب الغرم.

أمّا المهر ، فلأنه استقرّ بذمّته بسبب الدخول ، فهو في مقابل الدخول ، فلم يفوت الشاهدان شيئا عليه ، ولم يصير اسبابا لوجوب المهر عليه ، حتّى يكونا مفوّتين له.

وأمّا البضع ؛ فلأنّه لا يغرم ؛ إذ تفويته لا يوجب الضمان إجماعا ، وقول المصنّف : « لا غرم » يشمل نفي الغرم للثاني والأوّل ، ولما كان عدم الغرم للثاني ظاهرا غير محتاج إلى بيان خصّصه الشارح بنفيه للأوّل.

قوله : والا لحجر إلى آخره.

إثبات لعدم تضمين البضع بالتفويت. يعنى : وإن لم يكن كذلك ، وكان البضع مضمونا ، لكان كالمال فيلزم تضمينه كلّما يضمن المال ، ولازمه حجر المريض الذي يموت في مرضه عن الطلاق ؛ لأن الطلاق يفوت البضع ، فكما أنّ المريض إذا فوت مالا منه يضمنه فيما تسلّط عليه من ماله ـ وهو الثلث ـ وما زاد عنه لا يقبل على المشهور من إخراج المنجزات من الثلث ، فيلزم أنّ البضع أيضا يكون كذلك ، ويمنع المريض عن تفويته بالطلاق ، إلّا إذا خرج ما يقابله من ثلث ماله ، وليس كذلك ، بل له الطلاق مطلقا.


فقوله : « حجر » إمّا بمعنى : اورد الحجر ، و « الباء » في قوله : « بالطلاق » بمعنى : « في » كما في قوله تعالى : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ) (١) يعني : وإلّا لاورد الحجر على المريض في الطلاق. وإمّا يكون « على » بمعنى : « من » كما في قوله تعالى : ( إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ ). (٢)و « الباء » في قوله : « بالطلاق » زائدة نحو : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ). (٣) أي : وإلّا لمنع من المريض الطلاق ، أو « على » زائدة و « الباء » بمعنى : « من » كما في قوله تعالى : ( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ ) (٤) أي : وإلا لمنع المريض من الطلاق.

قوله : ولأنه لا يضمن له.

الضمير المنصوب للشأن ، والمجرور راجع إلى « البضع » و « اللام » زائدة ؛ أو للزوج والفعل إما مبني للفاعل ، أو المفعول أي : لا يضمن البضع القاتل لو قتل الزوجة مع تفويته البضع على الزوج.

وقوله : « أو قتلت نفسها » أي : لا يضمن الزوجة لو قتلت نفسها بأن يجب تأدية ما يقابل البضع من مالها.

قوله : أو حرمت.

بالتشديد. أي : حرّمت الزوجة نكاحها أي : وطئها على الزوج بإيقاع رضاع. ويمكن أن يكون النكاح بمعنى العقد أيضا ، والمراد بتحريمه أي : جعله بحيث ينفسخ أي : تحريم بقائه.

قوله : بخلافه.

أي : بخلاف ثبوت المهر.

قوله : كالآخر.

أي : كالقول الآخر ، وهو الذي نقله عن الشيخ في النهاية ، لمعارضة الرواية أي :

__________________

(١) القمر : ٣٤.

(٢) المطففين : ٢.

(٣) البقرة : ١٩٥.

(٤) الإنسان : ٦.


لمعارضة الرواية المعتبرة لما يدلّ على هذا القول الأخير من أدلّة عدم جواز نقض الحكم ، أو لما يدلّ على هذا القول بخصوصه ، والمراد من الرواية المعتبرة هي الحسنة المتقدمة.

قوله : لتقصيره بترك الرجعة.

يظهر من تعليله العدم بالتقصير اختصاص احتمال العدم بصورة تقصيره ، فلو فرض عدمه لجهل الزوج بالحال ، أو عذر لا يصدق معه تقصير تعيّن الاحتمال الأوّل ، وهو الإلحاق بالبائن ؛ لصدق التفويت حينئذ.

ومن هذا يظهر أنّه لو زاد بعد قوله : « فلو شهدا بالرجعي » قوله : « مع علم الزوج بالحال وتمكّنه من الرجوع » كان أجود ، وإن كان يمكن استفادته من سياق عبارته.

قوله : كعلم الحاكم به.

أي : علم الحاكم الاخر غير الحاكم بشهادتهما ، كما إذا رفع مدّعي تزوير الشاهدين دعواه التزوير إلى حاكم آخر يعلم بذلك ، وينقض حكم الحاكم الأوّل ، وإنّما قلنا : إنّ المراد بالحاكم : الحاكم الآخر ؛ لعدم صحّة إرادة الحاكم بشهادتهما ؛ لأن المراد بعلمه : إمّا علمه الحاصل ابتداء ، فلا معنى لقوله : « نقض الحكم » ؛ إذ لا يتصوّر حينئذ حكم حتّى ينقض. وإمّا علمه المتجدّد بعد الحكم ، وحينئذ لا وجه للتمثيل أي : قوله : « كعلم الحاكم » ؛ لأنّ المراد بالقاطع ليس إلا القاطع للحاكم ، فهو عين علمه ، فلا معنى للتمثيل.

قوله : ولا بشهادة غيرهما.

يجب أن يكون مراده بشهادة غيرهما : شهادة الغير بخلاف ما شهدا به ، لا شهادته بالتزوير ؛ لأنّ هذا ليس من باب التعارض ، بل هو من باب الجرح الذي يثبت بالشاهدين ، وإنّما التعارض فيما إذا شهد الغير مخالفا لما شهدا به.

قوله : لأنّه تعارض.

الفرق بين ثبوت التزوير والرجوع حتى صار الأوّل مجوزا لنقض الحكم ، دون الثاني ، أنّ الرجوع لم يثبت منه كون الشهادة الاولى على الزور ليترتّب عليه الأحكام الثابتة لشهادة الزور ، بل يتردّد بين صدق الاولى أو الثانية ، فلا يقطع بخطإ الحاكم ، وعدم تحقّق موجبه ، بخلاف ثبوت التزوير ؛ فإنّه يقطع معه بعدم تحقّق موجب الحكم وكونه خطأ.


قوله : وكذا يلزمهم.

يمكن أن يكون من الإلزام أي : يلزمهم الحاكم ؛ وأن يكون من اللزوم أي : يصير لازما عليهم ، والمراد : أنّه يلزمهم غرامة كلّ ما فات من قصاص ، أودية ، أو قطع ، أو جرح ، أو غير ذلك.

قوله : أمر زائد.

أي : أمر زائد يوجب التعزير أو التشهير ، وإلا حصل منه الغلط في الأول بالشهادة ، وهو أمر زائد.


كتاب الوقف

قوله : الناظر فيها.

أي : في الجهة العامّة. والمراد به : من نصبه الإمام أو الحاكم للنظر على تلك الجهة العامّة.

قوله : ومنه يظهر.

أي : من قول المصنّف ووجه ظهوره : إطلاق مفهوم الشرط فيه ، فإن مفهومه : لو لم يمت قبل القبض لم يبطل مطلقا.

قوله : لا اللزوم.

عطف على « الصحّة » ، لا على عدم الصحّة أي : ذلك ليس من مقتضى عدم اللزوم ؛ فإن مقتضاه الانفساخ ، دون البطلان.

والحاصل : أنّ الحكم بالبطلان بدون القبض قبل الموت يدلّ على أنّ القبض شرط عدم البطلان ، فيكون بدونه باطلا وقوله : « كما صرّح » تشبيه في إرادة الصحّة من اللزوم ؛ لأنّه هو الذي صرّح في الدروس ؛ ولذا عطف عليه قوله : « واحتمل » إلى آخره حتّى يبيّن ذلك أي : احتمل إرادة ما ذكر ـ وهو الصحّة ـ من اللزوم ، من كلام بعض الأصحاب في هبة الدروس.

قوله : لأنها كالجزء.

إنما قال : « كالجزء » لأنّهما لو كانا جزءين حقيقيين لانتفى الكلّ بانتفائهما ، مع أنّه ليس كذلك ؛ إذ لا ينتفي التسمية بالحيوان بانتفاء شي‌ء منهما لا حقيقة ولا عرفا ، وأيضا لا يقال في العرف للحيوان الفاقد لهما : إنه ناقص.


قوله : والأقوى.

مقابل الأقوى البطلان ، كما حكاه جماعة عن بعضهم ، وإن لم يسموا له قائلا.

قوله : إلى الواقف.

إن كان حيّا ، أو وارثه إن كان ميتا.

قوله : قبيل.

كما إذا وقفه على العلماء ـ مثلا ـ وكان نفسه أيضا عالما حين الوقف ، أو صار عالما بعده.

قوله : أو شرط.

عطف على قوله : « وقفه ».

قوله : والمشهور.

مقابل المشهور : البطلان رأسا.

قوله : وإن كان قبلها.

أي : كان الموت قبل الحاجة. والوجه فيه دلالة روايتين صحيحتين عليه ، وإلّا فمقتضى القواعد عدم الرجوع قبل الحاجة.

قوله : في ربعه.

لأنّ الجمع يحمل على أقلّه ، وهو ثلاثة ، وهم مع نفسه أربعة ، فيبطل في ربعه ، واحتمال النصف ؛ لعطف « الفقراء » على نفسه ، فيكون نفسه في مقابل الفقراء أجمع ، فلكلّ نصف. واحتمال البطلان ؛ لأجل أن التبعيض مخالف للمقصود.

قوله : لعدم الانتفاع.

[ المراد ] أنّه لا يتحقّق فيه هذا الوصف أي : الانتفاع به مع قيامه الذي هو شرط في الوقف كما يأتي. ثمّ عدم هذا الوصف إما لعدم إمكان البقاء كما في المنفعة ، أو لعدم إمكان الانتفاع كما في الثلاثة ؛ فإنّه لا انتفاع في المنفعة ، ولا في الدين ، ولا في المبهم ؛ إذ لا ينتفع إلّا من المعيّن.


وقوله : « وعدم وجوده خارجا » دليل آخر ، وتعليل لعدم الصحّة في الثلاثة. وقوله :« والمقبوض » إلى آخره دفع لتوهم أن الدين إذا قبض ، والمبهم إذا عيّن يمكن الانتفاع به ، مع بقائه ويوجد في الخارج.

وحاصل دفعه : أنّ المقبوض والمعيّن بعد الوقف غير ما وقف ، أو غير الدين والمبهم ، فليسا وقفين.

قوله : أن يراد به الأعم.

لا يخفى أنّ إرادة الأعم ليست سوى إرادة الأوّل ، فتأمّل.

قوله : وإن ذكر بعض تفصيله.

وهو القسم الثاني أي : ما لا يملك وإن صلح له ، يذكره بقوله : « ولو وقف ما لا يملكه » إلى آخره.

قوله : ولو كان مزروعا إلى آخره.

أي : ولو كان الريحان مزروعا صحّ. والظاهر أنّ المراد بالمزروع منه : ما كان باقيا في الأرض ثابتا ، وبالأوّل : ما لم يكن كذلك أي : كان مقلوعا.

والفرق : أنّ الأوّل لا ينتفع به ، إلّا قليلا ؛ لأنّ الريحان إذا قلع من الأرض يفسد سريعا ، بخلاف الكائن في الأرض.

قوله : قابل للنقل.

هو وصف للعقد بحال متعلّقه ، وهو محلّه أي : محلّه قابل للنقل من ملك مالكه ، فاذا جاز النقل صحّ كما في المبيع ( البيع ).

قوله : لأنّ الوقف فكّ ملك في كثير من موارده.

وهو ما لا يحتاج فيه إلى القبول. وهذا دفع لما سبق من أنّ المحل قابل للنقل أي : إنّ المحلّ وإن كان قابلا للنقل ، وكانت الإجازة كافية في النقل ، إلّا أنّ الوقف ليس نقل ملك من شخص إلى آخر ، بل هو في كثير من الموارد فك ملك ، ولم يثبت تأثير عبارة الغير فيه كما ثبت في النقل. وحاصله يرجع إلى جعل القياس المستفاد من قوله : « قابل للنقل » قياسا مع الفارق.


قوله : لعدم صحّة التقرّب.

وأمّا نيّة المجيز لها حين الإجازة فغير نافعة إمّا لاشتراط المقارنة بالصيغة ، وهو في الفرض مفقود ، أو لأنّ تأثير نيّته لها بعدها وإفادتها للصحّة حينئذ غير معلومة ، فالأصل بقاء الملكية.

قوله : كقبض المبيع.

أي : المبيع المشاع

قوله : مطلقا.

أي سواء كان منقولا أو غير منقول.

قوله : في متن الصيغة.

التقييد بذلك ، لأنّه لا يجوز ذلك بعد الصيغة ؛ لأنّ بعدها ليس له الاختيار في ذلك ، بل يكون النظر للحاكم ، أو الموقوف عليه.

قوله : في المشروط له.

يحتمل أن يكون مراده بالمشروط له أعمّ من نفسه ومن غيره ؛ فإنّه قد ذهب بعضهم إلى اشتراط العدالة في نفسه أيضا. ويحتمل أن يكون المراد به الغير حيث إنّه مما ادّعي الاتفاق عليه.

قوله : إن كان مشروطا.

يعني : إن كان العود مشروطا من الواقف ، لا أن يكون النظر مشروطا منه ، لأنه [ لا ] يكون حينئذ للشرط فائدة بل يكون لغوا كما لا يخفى.

قوله : فى معنى التوكيل.

لا يخفى ما في هذا الدليل ؛ فإنّ كونه في معنى التوكيل لا يقتضي أن يترتّب عليه جميع أحكام التوكيل ، وإلّا لزم أن يبطل النظارة بموت الواقف ؛ لأنّ التوكيل يبطل بموت الموكّل ، فالصواب أن يعلّل بالأصل.

قوله : وليس للواقف عزل المشروط.

أي : المشروط توليته ونظارته.


قوله : لأنّه جرى.

يستفاد من التعليل أنّه لو لم يجر أوّلا بالغبطة يكون له الفسخ بل ينفسخ ، بل يكون باطلا أولا ، وهو كذلك.

قوله : فيتعيّن عليه.

أي : إذا زادت الأجرة ، أو ظهر طالب بالزيادة. وأمّا إذا لم يكن كذلك ، فلا يتعين عليه الفسخ في زمن الخيار ، وإن جاز له.

قوله : وإلّا فله اجرة المثل.

يشكل ذلك فيما إذا لم يشترط له شي‌ء ، بل ظهر قصد الواقف عدم أجرة للناظر.

شرط الواقف لا يجوز تصرفه. وإن قيل : يلزم أن يكون على ما شرط ( كذا ).

ولو جاز له أخذ الاجرة حينئذ يلزم جواز أخذها لو كان ما شرط الواقف أقل من الاجرة أيضا مع أنّه ليس كذلك.

قوله : ويجعله من الطبقة الاولى.

قال بعض المحشين : « إن قلت : ينبغي أن يقول : ويجعله الطبقة الاولى بحذف « من » قلت : الطبقة الاولى زيد وما يتجدّد من ولده ، فإذا وقف مثلا على ولده المعدومين ثمّ إذا وجدوا كان أبوهم مشاركا لهم ... طبقة واحدة ». انتهى.

ولا يخفى أنّ ما ذكره المحشّي لا يلائم المثال الذي ذكره الشارح ؛ لأنّ ظاهره أنّه ...

عليه فقط ، ومع ذلك فكون المعدوم على فرض المحشي بعض الطبقة الاولى ممنوع.

فالصواب أن يقال : إن بعضية المعدوم باعتبار تعدّد جنس الطبقة الاولى في الموقوفات. والمعنى : ويجعله من أقسام هذا الجنس ؛ فإنّ الطبقة الاولى كثيرة باعتبار كثرة الموقوفات ، والمعدوم حينئذ يكون قسما منها.

قوله : وإن أخره.

أي : إن أخّره عن الابتداء سواء أخّره عن الجميع حتّى يكون منقطع الآخر ، أو عن البعض حتّى يكون منقطع الوسط.


قوله : وإنما أفاد تخصيصه.

يعني : أنّ غاية ما ثبت من التخصيص بالمتعلّق تخصيص الوقف ببعض مصالحهم ، وهو المصلحة الحاصلة من جهة المسجد ومثله ، وذلك أي : التخصيص بالبعض لا ينافي الصحّة ، وإنّما المنافي لها هو الوقف على ما لا يصح تملّكه ، أو ذلك أي ، التخصيص بمتعلّق يفيد التخصيص بمصالح المسلمين لا ينافي الصحّة ، وإن كان ذلك المتعلّق ممّا لا يصلح تملّكه.

قوله : لأنّ الوقف على كنائسهم.

هذا تعليل لاستلزام ذلك جواز الوقف على البيع والكنائس. وقوله : « للفرق » تعليل لعدم ورود ذلك.

وتوضيح الإيراد والجواب : أنّه لما ذكر أنّ الوقف على المساجد وقف على بعض مصالح المسلمين الذين يجوز الوقف على مصالحهم ، وكانت أهل الذمّة أيضا ممّن يجوز الوقف على مصالحهم كان يرد حينئذ أنّ اللازم من ذلك جواز الوقف على البيع والكنائس أيضا ؛ لأنّه وقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذين يجوز الوقف على مصالحهم ، فأجاب : بأنّه لا يرد ذلك ؛ لأنّ الوقف على المصالح قد يحرم من جهة اخرى مثل : كون المصلحة محرّمة ، فالمصالح إمّا مصلحة طاعة أو مصلحة معصية فيجوز الأوّل ، ولا يجوز الثاني ، والوقف على بعض مصالح المسلمين الذي هو المسجد من الأوّل ، والوقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذي هو البيع والكنائس [ من الثاني ] لأنّ البيع والكنائس ممّا يرتكب فيها العبادات المحرّمة.

والحاصل : أنّ جواز الوقف على مصالح المسلمين يستلزم جواز الوقف على مصالح أهل الذمة إذا لم يكن فرق بين المصلحتين من جهة اخرى ، وهو هنا موجود ؛ لأنّ مصلحة المسلمين هنا مصلحة طاعة ومصلحة أهل الذمّة هنا مصلحة معصية ؛ ولذا لا يجوز الوقف على بعض مصالح المسلمين الذي كان معصية كالوقف على الزنا ويجوز الوقف على بعض مصالح أهل الذمّة الذي كان غير معصية كوقف عين ليشربوا ماءها ، ووقف دابّة ليركبوا عليها لتحصيل معاشهم وأمثالهما.


قوله : وما يترتّب.

وجه الترتّب : أنّهم إذا انتفعوا بالوقف من حيث الحاجة ، فيشتغلون بشرب الخمر وسائر المحرمات ، بخلاف ما إذا كانوا محتاجين ، فيذهبون إلى تحصيل حاجتهم ، ويشغلون عن الامور المحرمة. أو الوجه أنّ الوقف عليهم إعانة على معاشهم ، وبقاؤهم ومعاشهم يستلزمان شرب الخمر ومثله ، فيكون الوقف عليهم إعانة على هذه المحرّمات ؛ لأنّ الإعانة على الملزوم إعانة على اللازم.

قوله : لا مستحلّا.

متعلّق بقوله : « لم يصلّ » وفائدته بعد قوله : « اعتقد الصلاة » أنّ اعتقاد الصلاة إليها أعمّ من اعتقاد وجوب الصلاة وحرمة تركها ؛ لجواز أن يستحل أحد ترك الصلاة ، ولكن يعتقد أنّه لو وجب صلاة لوجب إلى القبلة ، أو يعتقد استحباب الصلاة ، ولكن أوجبها إلى القبلة وجوبا شرطيا ، أو يعتقد وجوب الصلاة إلى القبلة شرعا ، ولكن استحلّ تركها لنفسه كما عن بعض المتصوّفة المدعين للوصول إلى مرتبة سقط معها العبادة عنهم.

قوله : وقيل : يختص بالمؤمن.

القائل باختصاص المسلمين بالمؤمنين يقول باختصاصهم بهم عند كون الواقف منهم ؛ عملا بشهادة الحال لا مطلقا.

قوله : أي : اتبعه.

أي : كان بناء مذهبه على متابعته ، وإن عصى في الأعمال ككثير من فساق الشيعة.

قوله : والجارودية.

تخصيص الجارودية من فرق الزيديّة ، لأنّ من سواهم من فرق الزيدية لا يقولون باختصاص الخلافة بعلي عليه‌السلام ، بل يقولون بامامة الشيخين أيضا ، وإن اختلفوا في غيرهما كالصالحية ، والسليمانية ، والبترية من الزيدية ، والشيعة من هذه الطوائف هم الجارودية فقط.

قوله : الزيدية.

هم القائلون بإمامة علي بن الحسين عليه‌السلام ومن خرج من ولد فاطمة عليها‌السلام عالما زاهدا


شجاعا داعيا إلى نفسه بالسيف ، ولذا قالوا بإمامة زيد ، دون أبيه علي عليه‌السلام ؛ لعدم قيامه بالسيف.

قوله : الإسماعيلية.

الإسماعيلية : كلّ من قال بامامة إسماعيل بن جعفر الصادق. والملاحدة من الإسماعيلية هم الذين استباحوا وتركوا الأحكام الشرعية ، وقالوا بالإباحة ، وهم أكثر تابعي حسن الصباح.

قوله : والواقفية.

الواقفية : هم الذين وقفوا في الإمامة على موسى بن جعفر عليه‌السلام وينكرون موته ، ويدّعون أنّه قائم الأئمة عليهم‌السلام ، وسمّوا في بعض الأخبار بحمير الشيعة ، وفي آخر منها بالكلاب الممطورة.

والفطحيّة هم القائلون بإمامة الأفطح عبد الله بن جعفر بن محمّد ، وسمّي بذلك لأنّ كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : إنّه أفطح الرجلين. وقيل : إنّما سموا أفطحيّة لأنّهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له : عبد الله فطيح.

وغيرهم كالناوسية الواقفين على جعفر بن محمّد نسبوا إلى رجل يقال له ناووس. وقيل : إلى قرية يقال لها ذلك.

والكيسانية : القائلين بامامة محمّد بن الحنفية بعد الحسين عليه‌السلام وهم أصحاب مختار بن أبي عبيدة وغير ذلك.

قوله : وربما قيل بأن ذلك إلى آخره.

أي : قيل بأنّ انصراف الشيعة إلى جميع هذه الطوائف إذا كان الواقف من غير الشيعة خارجا من جميعهم ، وأمّا لو كان من الشيعة فينصرف إلى أهل نحلته ، فوقف الاثني عشري إلى الاثني عشرية ، والجارودي إلى الجارودية وهكذا.

وقد يقال : بأن هذا إنما هو في الأزمنة القديمة ، وأما في زماننا وما ضاهاه صارت الشيعة حقيقة في الاثني عشرية خاصة ، بل لا يكاد يخطر ببال أحد صدق الشيعة على غيرهم من الفرق الباقية ، ولو بالمجاز.


قوله : يستوي فيه الذكور والإناث.

أي : استحقاقا. وأمّا قدرا فيذكره بقوله : « وإن اختلفوا بالذكورية والانوثية ». ثمّ إنّ ظاهر كلامهم عدم الفرق في استواء الذكور والإناث فيما إذا أتى باللفظ الحقيقة في الذكور كالهاشميين والعلويين أو أتى بغيره.

المسألة الثالثة

قوله : ومن خالف إلى آخره.

أي : من خالف قول المصنّف في هذا الكتاب من دخول أولاد الأولاد في الأولاد وقال بعدم دخولهم فيه فرض مسألة دخول أولاد البنين والبنات فيما لو وقف على أولاده وقال :إذا وقف على أولاد أولاده اشترك أولاد البنين والبنات واشتراكهم بالسوية ، فانّه حينئذ أي : حين فرض المسألة الوقف على أولاد الأولاد يدخل أولاد البنين والبنات بغير اشكال.

والحاصل : أن المسألة التي ذكرها المصنّف هنا من دخول أولاد البنين والبنات في الوقف على الأولاد ، إنّما يصحّ على قول من قال إنّ الأولاد تشمل أولاد الأولاد ، وأمّا من لم يقل بذلك ، فلا يصحّ هذا الحكم عنده ، ولكنّه يصحّ في الوقف على أولاد الأولاد ، فهو فرض المسألة ذلك ، وحكم باشتراكه حينئذ بين أولاد البنين والبنات ، وهو لا إشكال فيه ؛ لشمول أولاد الأولاد أولاد البنين والبنات قطعا.



كتاب المتاجر

قوله : وهو ما يكتسب به.

قد خلط الشارح هنا بين الموضوع بالمعنى اللغوي ـ الذي هو عبارة عن محل الشي‌ء وهو هنا : محل أصل التجارة ـ وبين الموضوع العرفي الذي هو عبارة عن موضوع العلم أي : ما يبحث فيه عن عوارضه ، والموضوع هنا بالمعنى الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ موضوع علم التجارة هو نفس التجارة ، لا ما يكتسب به ؛ فإنّ البحث عنه في علم التجارة باعتبار كونه موضوعا للتكسب أيضا ، وعروض الأحكام الشرعية له بواسطته ، فالبحث عنه هنا لأجل كونه موضوعا لغويا للموضوع العرفي ، لا لكونه موضوعا عرفيا ، والظاهر أنّ نظر الشارح إلى أنّ البحث يقع عنه في علم التجارة ، وإن كان بواسطته ، ولأجل ذلك يصحّ جعله موضوعا عرفيا ، فتأمّل.

قوله : وأجزاؤها

عطف « الأجزاء » على « الميتة » بناء على ما هو الظاهر من أنّ المراد بالميتة مجموعها من حيث إنّها مجموع.

ويمكن أن يريد بالميتة مسلوب الحياة ممّا تحلّه منها فيشمل الجملة والأجزاء والمبانة من الحي.

ويكون كلام الشارح من قبيل عطف الخاص على العام ؛ لكونه أخفى من العام في الحكم وكون العام أظهر في إطلاق الميتة عليه.

قوله : مع طهارة أصله بحسب ذاته.

أي : طهارة الحيوان الذي هذه الأجزاء أجزاؤها بحسب ذاته ، وإن عرضه النجاسة بسبب الموت.


فالمراد بالأصل : هو ذو الاجزاء.

والحاصل : أنّ ما لا تحلّه الحياة من الأجزاء إنّما يجوز بيعها لو كانت من الحيوان الطاهر حين حياته ، فلو كانت من نجس العين كالكلب والخنزير لا يجوز التكسّب بها.

قوله : على الترجيع المطرب.

يحتمل أن يكون المطرب صفة للترجيع ، وأن يكون صفة للصوت.

قوله : وإن لم يطرب.

كأنّ الوجه في التخصيص بعدم الإطراب وعدم تعرضه لعدم الترجيع : أنّ ما لا ترجيع فيه لا يسمّى في العرف غناء.

قوله : إذا لم تتكلّم بباطل.

لا يخفى أنّ التكلم بالباطل والعمل بالملاهي وإسماع الصوت للاجانب محرّمات مستقلّة ، فمع اشتمال الغناء في الأعراس عليها لا يوجب حرمة الغناء بنفسها ، بل إنّما يحرم هذه الامور من حيث هي هي.

قوله : بالشعر.

وأمّا بغير الشعر ، ففي الحضور سبّ ، وفي الغيبة غيبة.

قوله : أو عن ظهر القلب

إنّما عطف قوله : « أو عن ظهر القلب » بلفظة « أو » الدالّة على منع الجمع مع أنّ الحفظ عن التلف وعن ظهر القلب كليهما محرّمان ، كما صرّح في المسالك ، احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي.

ولا يخفى أنّه على القول بجوازه كما هو الحق يكون الأولى العطف بـ « الواو » وإرادة المعنيين من الحفظ حتى يكون أضبط للمقصود.

قوله : من أهلهما.

الضمير إما راجع إلى إثبات الحق ونقض الباطل أو إلى قوله : « النقض لها أو الحجّة على أهلها » والمعنى واحد.


قوله : وتعلّم السحر.

السحر في اللغة : صرف الشي‌ء عن وجهه ، ومناسبته مع المعنى الاصطلاحي ظاهرة.

قوله : إلى علامات وأمارات.

لا بدّ من تقييد العلامات والأمارات بكونها في بدن انسان ليخرج الاستناد إلى القرائن والإشارات الخارجيّة كالإسناد في إلحاق النسب بشخص بمشاهدة مباشرته في وقت يظن معها عقد النطفة مع عدم ظنّ مباشرة غيره وأمثال ذلك.

وقوله : « يترتّب عليها » صفة للعلامات والأمارات. والمراد بالترتّب : الترتّب الظاهري ، أو الحاصل من التجربة أي : علامات وأمارات من شأنها أن يترتّب عليها إلحاق نسب ونحوه ، كالحكم بالصفات الباطنيّة ، والأخلاق النفسانية ، بالعلامات الظاهرية.

قوله : وإنّما يحرم إذا رتب عليه.

لا يخفى أنّ الاستناد إمّا يكون في الحكم بالترتّب أو في العلم أي : الجزم بها ، فبعد تعريف القيافة بالاستناد لا يناسب هذا الشرط ؛ لأنّه لا ينفك عن القيافة حينئذ ، اللهم إلّا أن يقال : إنّ الاستناد أعمّ من أن يكون في الحكم ، أو العلم ، أو الظن ، وإن كان ضعيفا.

ولا شك أنّ الاستناد إليها في حصول الظن من دون حكم ولا جزم لا يحرم ؛ لأنّ حصوله ليس اختياريا ، ولكن صحّة استعمال الاستناد في مثل ذلك محلّ تأمّل وكلام. أو يقال : إنّ الحكم بالترتّب قد يكون غير محرّم كما إذا ألحقه بمن هو منسوب إليه شرعا أيضا.

قوله : حتّى اللعب بالخاتم إلى آخره.

إما عطف على القمار بالآلات وهو الأظهر أي : يحرم القمار حتّى اللعب بالخاتم.

ويشكل حينئذ : بأنّ الخاتم والجوز والبيض ليست من الآلات المعدّة للقمار لأنّ الظاهر من الآلات المعدّة أن يكون السبب في وضعها هو القمار كالنرد ، والشطرنج ، والأربعة عشر ، وليست الخاتم وأخواه وأمثالها من هذا القبيل ، إلّا ان يقال : انّ المراد بالمعدّة ليس هو المعدّة له بخصوصه ، بل المراد : القابلة المستعدّة له أو ... للقمار فيها وإن كانت لها فوائد اخر.


وإما عطف على الآلات أي : يحرم القمار بالآلات المعدّة له حتى باللعب بالخاتم ومثله ، ويكون إطلاق الآلة على اللعب على سبيل التجوّز.

قوله : وإن وقع من غير المكلّف إلى آخره.

قد اشتبه معنى هذه العبارة على بعضهم ، فجعل قوله : « وإن وقع » ابتداء الكلام وقوله :« فيجب » جزاء للشرط ، و « لو قبضه » عطفا على « إن وقع » فقال : إنّ المعنى : إن وقع من غير مكلّف أي : كان هو المقبوض منه ، وقبضه المكلّف. وهو سهو محض ، بل لفظة « إن » في قوله : « إن وقع » وصلية. وقوله : « فيجب » تفريع على قوله : « ولايملك ». وقوله : « لو قبضه » ابتداء الكلام والمعنى : ويحرم القمار ولا يملك ما يترتّب عليه ، وإن كان واقعا من غير المكلّف ، فإذا لم يملك فيجب ردّ ما يترتب عليه على مالكه ، ولمّا كان الوجوب حكما شرعيّا لا يخاطب به إلّا المكلّفون ، فيشكل الحكم بوجوب الرد في صورة كون القابض غير المكلّف ، إذ لا معنى للوجوب في حقّه ، فبين حكمه بقوله : « ولو قبضه » إلى آخره.

قوله : إلى أن يبلغ القامة.

إنّما قيّد به ؛ لأنّه في مقام بيان المندوب من أفعال الموتى ، والحفر زيادة على قدر القامة ليس مندوبا.

قوله : من مكان زائد.

لا يخفى أنّ متعلّق الزيادة هاهنا محذوف أي : مكان زائد في الشرافة كالنقل إلى المشاهد المشرفة ، أو في المسافة فقط ، كالنقل إلى خارج البلد إذا لم يكن له شرف.

وتقدير الأوّل هاهنا أنسب ؛ لأنّه في مقام بيان المندوبات حيث قال : « ولو اشتملت هذه الأفعال على مندوب ». ولا شك أنّ المندوب هو النقل إلى مكان زائد شرفا ، لا مسافة مطلقا.

قوله : وما يتوقّف.

عطف على قوله : « الواجب من التكليف ». أي : والاجرة على تعليم ما يتوقّف عليه الواجب.


لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فشرّ ( كذا ) الناس.

لفظة « فاء » ( كذا ) هنا للسببية. أي : وبسبب كراهة بيع الرقيق في الواقع ورد في الحديث : « أنّ شرّ الناس من باع الناس ». فبيّن السبب الظاهري للكراهية ، وهو الرواية ، مع الإشعار بأنّ الكراهة الواقعية سبب لهذا الحكم الظاهري.

الفصل الثاني في عقد البيع

قوله : وهذا كما هو تعريف للعقد.

اعلم أنّ توضيح المقام يتوقّف على بيان أمرين :

الأوّل : أنّهم اختلفوا في أنّ البيع هل هو أثر العقد المخصوص أي : انتقال الملك ، أو نفس العقد المخصوص؟ فذهب المصنّف وجماعة إلى أنّه نفس العقد.

الثاني : أنّه إذا كان البيع نفس العقد يكون البيع أخص مطلقا من العقد ؛ لأنّ العقد يكون لنقل الملك وتحليل البضع والتوكيل والمضاربة وغيرها.

وإضافة العامّ المطلق إلى الخاص يمكن أن تكون لاميّة ، وإن لم يصح التصريح بـ « اللام » فيها ، بل يكون المراد : إفادة الاختصاص الذي هو مدلول « اللام » كما في « يوم الأحد » و « بلدة بغداد » و « علم الفقه » و « شجرة الاراك ».

ويمكن أن تكون بيانية بناء على كفاية صلاحيّة حمل المضاف على المضاف إليه في صحّة الإضافة البيانية.

وأمّا على اشتراط كون النسبة بينهما عموما من وجه ، أو كون المضاف إليه اسما للجنس الذي منه المضاف ، كما هو المشهور بين النحاة ، فلا تصح البيانية في إضافة العام المطلق ، بل لا بدّ أن تكون لاميّة.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ مراد الشارح : أنّ البيع لو كان هو الأثر لكان التعريف هنا مخصوصا للعقد المخصوص ، ولم يكن صالحا للبيع نفسه ، ولكن لمّا كان مذهب المصنّف أنّ البيع هو نفس العقد المخصوص ، وتعريف أحدهما حينئذ يصلح أن يكون تعريفا للآخر أيضا ، بل يكون تعريفهما واحدا في الحقيقة ، فمراد المصنّف يمكن أن يكون بيان تعريف


العقد المخصوص فقط ، وإن كان التعريف في نفسه صالحا للبيع نفسه أيضا ، وأن يكون مراده تعريفهما معا.

فالأوّل إنما يكون على أن يرجع الضمير إلى « العقد » كما هو الظاهر المتبادر من الضمير الواقع بعد المضاف والمضاف إليه المذكور لبيان التعريف ولذا قال أوّلا : أي : عقد البيع.

والثاني على أن يرجع الضمير إلى « البيع ».

وهذان الاحتمالان مبنيان على أن تكون الاضافة « لاميّة » حتّى يتحقّق التغاير بين المضاف والمضاف إليه ، ولم يمكن جمعهما في تعريف واحد.

والثالث على أن تكون الإضافة « بيانية » بناء على الاكتفاء فيها بصلاحيّة الحمل فقط ، فيكون كلّ منهما عين الآخر أي : يكون المضاف مع قيد الإضافة عين المضاف إليه ، فالضمير إلى أيّهما يرجع يكون التعريف لهما معا ؛ للاتّحاد المفهوم من صحّة الحمل.

فإلى الأوّل أشار الشارح بقوله : « وهذا كما هو تعريف للعقد ». وإلى الثاني بقوله : « ويمكن أن يكون الضمير ». وإلى الثالث بقوله : « وأن يكون إضافة البيع » إلى آخره.

وقد يجعل قوله : « وأن يكون إضافة بيانيّة » من تتمّة الاحتمالات ( كذا ) الثاني ، ويقال :إنّ المراد : أن يعود الضمير إلى « البيع » نفسه في صورة كون الإضافة « بيانية » حيث إن المناسب لقوله : « في عقد البيع وآدابه » كون التعريف لعقد البيع ، أو ما كان عليه.

ويخدشه : أنّ كونه من تتمّة الاحتمال الثاني لا يجامع مع لفظة « أن » في قوله : « وأن يكون ».

قوله : وبقي فيه دخول عقد الإجارة.

قال بعض المحشين : « هذا مناف لجعل اللفظ جنسا بعيدا لدخوله في القريب فيرد على التعريف المذكور هاهنا ». انتهى.

ويمكن التوجيه : بأنّ المراد بالجنس البعيد والقريب ليس ما هو مصطلح المنطقيين ، بل المراد القريب والبعيد من حيث شدّة الملائمة مع المعرف وقلّتها ، ولا شك أنّ ملائمة الايجاب والقبول مع البيع أشد من ملائمة اللفظ ، حيث إنّه لا عقد الّا وفيه الإيجاب والقبول ، بخلاف اللفظ.


قوله : كاشفة عن صحّة العقد.

صحّة العقد عبارة عن ترتّب الأثر عليه ، والمراد بالأثر هنا : الانتقال الاعم من المتزلزل أو الانتقال اللازم ، والمراد بكون الإجازة كاشفة عن صحّة العقد بأحد المعنيين :أنّ العقد حين إيقاعه صار موجبا لأحد الانتقالين ، وترتّب عليه هذا الأثر في الواقع ونفس الأمر ، ولكن لم يكن ذلك مكشوفا عندنا معلوما لنا ، فلمّا تحقّقت الإجازة علمنا بذلك وبأنّ أحد الانتقالين كان متحقّقا عند وقوع العقد ، وإن لم يتحقّق الإجازة نعلم فساد العقد أوّلا.

فإن قيل :

إن لم يتوقّف ترتّب أحد الانتقالين على الإجازة ، فيحصل العلم به عند وقوع العقد ، ولم تكن الإجازة كاشفة ، وإن توقّف عليها وكان مشروطا بها ، فلا معنى لحصول أحد الانتقالين قبل تحقّق الشرط وحصوله.

قلنا :

الإجازة شرط في ترتّب الأثر ، ويتوقّف الترتّب واقعا عليها ، ولكن لا على وجودها عند العقد ، بل على وجودها في وقت ما عند العقد [ أو ] بعده.

والحاصل : أنّه يتوقّف تأثير العقد على وجود الإجازة ، ولكن لا بمعنى أنّه يتوقّف على وجودها الفعلي حتّى أنّه متى لم توجد لم يؤثّر ، بل على وجودها ولو في وقت آخر ، فلو كان العقد في الواقع بحيث يتعقّبه الإجازة بعد مدّة يكون ناقلا وسببا تامّا ، وإن كان في الواقع بحيث لم يتعقّبه الإجازة يكون فاسدا.

وعلى هذا فإذا وقع العقد فهو لا يخلو في الواقع إمّا متعقّبا للإجازة ، أو غير متعقّب له فعلى الأوّل يكون في الواقع ناقلا من حين العقد وإن لم يعلم به. وعلى الثاني يكون فاسدا وإن لم يعلم به.

وإذا تحقّقت الإجازة علمنا أنّه كان في الواقع متعقّبا لها وصحيحا ، فمرادهم عن قولهم : « السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائطه التي منها رضا المالك » : أنّ العقد المشروط بهذا الشرط المتضمّن لحصوله ولو في وقت ، سبب ناقل ؛ لا أنّ العقد المشروط


بهذه الشروط المتضمّن لحصوله حين العقد هو السبب الناقل وبذلك يظهر مراد الشارح ممّا ذكره بقوله : « لأنّ السبب الناقل » إلى آخر الدليل ؛ فإنّ مراده : أنّ السبب الناقل هو العقد المشروط بشرائطه ، وكلّها كانت حاصلة ـ أي : معلوم الحصول ـ حين العقد ، إلّا رضا المالك ؛ فإنّ وجوده في وقت ، ولو بعد العقد من الشرائط أيضا ، ولكنّه ليس بمعلوم الحصول ولا عدمه ؛ إذ لعلّه يحصل بعد ذلك ، وهو كاف في تأثير العقد حينئذ ، فإذا حصل الشرط ـ أي : علم حصوله ـ علم عمل السبب التام الذي كان حاصلا قبل ذلك ، وهو العقد ، وإن لم يعلم تماميته إلّا بعد علمنا بالإجازة ، وحينئذ فلا يرد على الشارح ما أورده المحشون في هذا المقام.

قوله : وأمّا ما قابل الثمن إلى آخره.

المراد بالثمن : ما دفعه المشتري إلى البائع الفضولي ، وبالقيمة : ما يأخذه المالك من المشتري عوضا من العين التالفة. والمراد بما قابل الثمن من القيمة : هو القدر الذي يساوى الثمن من هذه القيمة. والمراد بالعوض : هو الثمن الذي يرجع به المشتري إلى البائع وأخذه منه ، وبالمعوّض : هو ما قابل الثمن من القيمة.

والتوضيح : أنّه لمّا حكم المصنّف برجوع المشتري إلى البائع بالثمن وبكلّ ما اغترم الذي هو غير الثمن وكان ممّا اغترم ما يأخذه منه المالك عوضا عن المبيع التالف ، فكان يوهم ذلك أنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن ، وبجميع ما أخذه المالك من القيمة.

فدفع ذلك التوهّم : بأنّ مراده ممّا اغترم من القيمة غير ما قابل الثمن ؛ لأنّه حكم بأنّه يرجع إلى الثمن وبعد رجوعه به ، فلو رجع بما قابله أيضا يلزم الجمع بين العوض والمعوّض.

ثمّ المناقشة بأنّ جعل الثمن عوضا غير موجّه ، مردودة : بأنّ الثمن لمّا كان عوضا عن المبيع ، وكذا ما قابله الثمن من القيمة ، بل مجموع القيمة يصحّ بهذا الاعتبار جعله عوضا منه حيث إنّ القيمة بمنزلة المبيع.

وقد يجعل العوض ، المبيع التالف حيث ان تلفه لا اثر له في رفع رجوعه إليه. وفيه أنّ اللازم حينئذ هو الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن لأنّه عوض المبيع ، دون ما قابل


الثمن ؛ لأنّه ليس عوضه ، نعم لو كان مراد الشارح أنّه لا يرجع بالثمن ولا بما قابل الثمن وعلّله بذلك لكان له وجه ، وليس كذلك ؛ لأنّ الرجوع بالثمن في الجملة إجماعي.

قوله : كما لو تلفت العين.

أي : العين التي يشتريها من مالكها ؛ فإنّها مضمونة عليه ، ولو كان البيع فاسدا ، ولا يرجع إلى البائع بالثمن مطلقا.

قوله : وفيه أنّ ضمانه

توضيحه : أنّ القائل قال : « إنّ المشتري دخل في البيع على أن تكون العين مضمونة عليه يعني : أنّه أخذها على أنّه لو تلفت كانت تالفة من ماله ، كما هو شأن المبيع ، من غير رجوع إلى البائع ، فلا يرجع إليه بالمثل أو القيمة بعد التلف ».

وردّه الشارح : بأنّ قدومه على الضمان إنّما على ضمان التلف بمعنى : أنّها إن تلفت تكون من ماله ، وهاهنا ضمان آخر ، وهو : ضمانه للمثل أو القيمة ودفعه إلى المالك ، والمشتري إنّما قدم على الضمان الأوّل ، دون الثاني ، بل مغرور فيه من البائع بكون المجموع ، أي : مجموع المبيع المركّب ممّا قابل الثمن ومن الزائد ، له بالثمن ، فيجوز له الرجوع بالقيمة ، ولكن لما لم يجز الرجوع بما قابل ؛ لما مر ، فيختصّ الرجوع بالزائد ، ويكون بمنزلة ما يرجع المشتري على البائع به مع حصول نفع له كسكنى الدار ، مع أنّه دخل في البيع على أن يكون كلّ ذلك مضمونا عليه ، بل الرجوع في الزائد أولى ؛ لعدم حصول نفع له في مقابلته ، « فالزائد » تتمة لقوله : « فيه » إلى آخره وتفريع عليه. ولفظة « الواو » في قوله : « وقد حصل » حالية والكلام في قوّة : أنّ ضمانه للمثل أو القيمة غير الضمان الذي دخل عليه [ ورجوعه عليه ] بالقيمة بمنزلة ما رجع به عليه وقد حصل له في مقابلته نفع ، ولكن ما قابل الثمن منها خارج بدليل ، فيبقى الزائد بمنزلته.

والحاصل : أنّه لمّا علمت أنّ المشتري لم يدخل على ضمان المثل أو القيمة ، فيكون المثل أو القيمة المركّبة ممّا قابل الثمن والزائد بمنزلة ما رجع عليه به مع حصول النفع حيث لم يقدم على ضمان ما اغترم فيه ، بل هنا أولى ، ولكن لقيام [ الدليل ] على عدم الرجوع بما قابل الثمن يبقى الزائد على هذا الحكم ، ولذا خصّه بالذكر.


قوله : ولم يجز المالك.

أي : لم يصرّح بالإجازة إلى أن يردّه.

فلا يرد ما ذكره بعض المحشّين من : أنّه لا يصحّ قول الشارح : « ووقف » ، إلى آخره ، بعد قول المصنّف : « ولم يجز المالك ».

قوله : وبحكم الحاكم المقاص.

أي : بحكم الحاكم ، المقاص في صحّة العقد منه ، أو في كونه قائما مقام المالك في صحّته منه.

ثمّ المراد بالعقد : إن كان الإيجاب والقبول اللفظيين ، فالمعنى : وبحكمه المقاص في الجملة أي : في بعض الصور ، وهو ما إذا باع المأخوذ من غيره ، وقلنا بعدم تملّك غير جنس حقّه بالأخذ بنيّة البيع من الغير ، وأمّا في باقي الصور ، فلا عقد بهذا المعنى حتّى يكون المقاص بحكم الحاكم في صحّته منه. وإن كان كلّ ما يترتّب عليه انتقال الملك من شخص إلى آخر ، فالمعنى وبحكمه المقاص مطلقا ، والوجه ظاهر.

قوله : عنده في الأشهر.

الظرف متعلّق بقوله : « المقبولة ». والضمير راجع إلى الحاكم أي : المقبولة عند الحاكم الموجود. والتقييد به ؛ للاحتراز عن البيّنة المقبولة عند حاكم آخر غير موجود ، وغير المقبولة عند الحاكم الموجود ؛ فإنّ من شرائط قبول البيّنة العدالة وهي مختلف فيها عند الحكّام ، بل وقع الخلاف في شرائطه الاخرى أيضا.

قوله : على نقب جدار.

الأولى تقييده بما إذا كان الجدار أو القفل ممّن عليه الحق ؛ فإنّه إذا توقّف على نقب جدار الغير ، فالظاهر عدم الجواز والضمان.

قوله : ولو تلف من المأخوذ.

لا يخفى أنّ تلف المأخوذ قبل التملّك إنّما يتصوّر فيما إذا أخذ من غير جنس حقّه بنيّة بيعه من غيره لو قلنا بأنّ هذه النيّة لا توجب تملكه بنفسه كما هو الظاهر ، بل هو المناسب لجعل المقاص بحكم الحاكم في صحّة عقده ؛ فإنّه لو تملّك بالنية لكان مالكا ،


وإنّما قلنا : إنّ تلفه قبل التملّك إنّما يتصوّر في هذه الصورة خاصّة ، دون غيرها ؛ لأنّه إذا كان المأخوذ من جنس حقّه وكفى في التملّك النيّة ، فيملك بمجرّد الأخذ لو نوى التقاص ، ولو لم ينوه لكان ضامنا قطعا بلا خلاف ؛ لتصرّفه في مال الغير من دون جهة شرعية ، وكذا لو أخذ من غير جنس حقّه بنيّة أخذه لنفسه.

قوله : وفي حكم بيعه منه إلى آخره.

أي : في حكم بيع المسلم من الكافر إجارة الكافر للمسلم إجارة واقعة على عينه بأن يؤاجر الكافر رقبة المسلم إلى سنة أو شهر ـ مثلا ـ وينقل جميع منافع رقبته إليه ، فلا يصحّ تلك الإجارة ، لا الإجارة الواقعة على ذمّة المسلم أي : ليست هي في حكم البيع ، بل هي يصحّ بأن يستأجره بأن يعمل له عملا خاصا ، فإنّه يصحّ ، ويبقى العمل في ذمّته كما لو استدان المسلم من الكافر ؛ فإنّه جائز ، وإن اشتغل ذمّته بحقّ الكافر.

هنا مسائل

المسألة الثانية

قوله : ويضعّف بأنّ الغاية إلى آخره.

هذا تضعيف للدليل الثاني المذكور بقول : « وكون الشرط التسليم ». وقوله : « والموجب للضميمة » إلى آخره ، تضعيف للدليل الأوّل يعني : أنّ دلالة النص على إيجاب الضميمة مع صدق الإباق إنّما هو للعجز عن تحصيله ، فإذا لم يعجز يكون خارجا عن النص.

قوله : لو لم يعلم بإباقه.

يعني : ولا يتخيّر المشتري في فسخ بيع المجموع حتّى الضميمة لو لم يعلم بإباق العبد ؛ لأنّ الضميمة بيع على حدة حينئذ ، وإنّما كان مخيّرا في فسخ بيعها عند عدم القدرة على تسلّمه.

وقد يقال : إنّ المعنى : ولا يتخيّر في فسخ بيع العبد من حيث الجهل بالإباق إن لم يعلم بإباقه ، وإن تخيّر من حيث العيب.

وهذا وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه لا مدخل له في بيان أحكام الضميمة ، والشارح إنّما هو في بيانها لا بيان أحكام العبد.


قوله : لأنّ ذلك يصير بمنزلة ضمائم.

و « يصير » إمّا من باب المجرّد ، وحينئذ فيكون المشار إليه بقوله : « ذلك » الضميمة المتمولة إذا وزعت على كلّ واحد ، ... ، ويكون المفعول حينئذ محذوفا ، فالمشار إليه قوله :« كونها متمولة » أي : كونها كذلك يصيّر الضميمة بمنزلة الضمائم.

المسألة الثالثة

قوله : لا يمكن الانتفاع إلى آخره.

أي : في الجهة المقصودة من وقفه وهي أمران :

أحدهما :

المصلحة الموقوف عليها الخاصّة أي : ما اعدّ له كالافتراش في الحصير.

وثانيهما :

ما في ضمن الاولى ، وهي المصلحة الموقوف عليها مطلقا ؛ فإن المصلحة الخاصّة تتضمّن المطلقة.

والظاهر من الجهة المقصودة ، وإن كان هو الأوّل ، فيحمل قوله : « مطلقا » على الأعم من القليل والكثير ، إلّا أنّه ينافي قوله : ولا يمكن صرفهما الى آخره فالمعنى لا يمكن في الجهة المقصودة من وقفه وهي المصلحة الموقوف عليها مطلقا سواء كانت المصلحة خاصّة أو غيرها.

قوله : فتوى.

مضافة إلى قوله : « واحد » أي : فتوى شخص واحد.

المسألة الثامنة

قوله : ويختلف باختلافه إلى آخره.

عطف على قوله : « يتغيّر » والضمير في قوله : « باختلافه » للمدّة بتأويل الزمان. وقوله :« زيادة ونقصانا » متعلّق بقوله : « يختلف » لا بقوله : « باختلافه » أي : بشرط أن لا يمضي مدّة يزيد المبيع فيها ، أو ينقص كالحيوان يسمن أو يهزل والفاكهة ينقص وزنا أو ينمو إذا كانت في اصلها.


قوله : ويختلف.(١)

مستأنف. والمستتر فيه للمدّة ، والضمير في « اختلافه » للمبيع. ويحتمل أن يكون قوله :« زيادة ونقصانا » متعلّقا بقوله : « يختلف » أيضا أي : وذلك المدّة يختلف زيادة ونقصانا باختلاف المبيع ، ففي بعضه يتغيّر بيوم ، وفي بعضه لا يتغيّر بعشرة أيّام وهكذا ، ولكن هذا لا يلائم ما في بعض النسخ من عطف النقصان على الزيادة بلفظة « أو » ولا تقديم هذه الجملة على التمثيل بالفاكهة وغيرها كما لا يخفى.

قوله : ان ظهر زائدا.

أي : ظهر الوصف زائدا على ما كان حال المشاهدة.

قوله : بهذه الصفة.

لأنّه يدّعي عدم تغيّر وصف المبيع في حال البيع عمّا كان عليه حال المشاهدة ، ولازمه أنّ وصف المبيع هو ما كان حال المشاهدة ، وعلم به المشتري ، فهو يكون مدّعيا.

قوله : ولأنّ الأصل إلى آخره.

وذلك ؛ لأنّ حقّه بعد المبايعة عوض الثمن الذي رضي به وهو لم يكن بيده أوّلا ، بل كان بيده الثمن ، فالأصل عدم وصول عوض ثمنه الذي رضي به بيده إلى أن يعلم ، ولم يعلم أنّ هذا المبيع هو العوض الذي رضي به.

قوله : ولأصالة بقاء يده.

أي : بقاء تسلّطه على الثمن ؛ فإنّه كان قبل المبايعة مسلّطا على الثمن ، ويرفع التسلّط بلزوم البيع اللازم لعدم التغيّر ، والأصل عدم رفع تسلّطه ، للتغيّر الموجب للخيار.

قوله : لعين ما ذكر في المشتري.

أي : الأدلّة الثلاثة : أمّا الأوّل ، فظاهر. وأمّا الثاني ؛ فلأن حقّه هو ثمن المبيع ولا محالة يكون جزء من الثمن في مقابل الزيادة ، فما يقابل الزيادة من الثمن حقّه ، وهو لم يكن واصلا إليه قبل البيع ، والأصل عدم وصوله إليه. وأمّا الثالث ؛ فلأن الأصل بقاء يده على المثمن.

__________________

(١) هر دو حاشيه بر يك جمله است اما با يكديگر متفاوتند.


المسألة الحادية عشرة

قوله : لا يجوز بيع سمك الى آخره.

المراد عدم الجواز إذا لم يكن محصورا مشاهدا ، وأمّا مع الحصر والمشاهدة فلا خلاف في جوازه كما صرّح به بعضهم ، وإطلاق العبارة إنّما هو لأجل أن الغالب عدم الحصر والمشاهدة.

المسألة الثالثة عشرة

قوله : مع وزنه معه.

يجوز ارجاع أوّل الضميرين إلى المبيع والثاني إلى الظرف ، ويجوز عكسه أيضا والأوّل أولى.

قوله : واسقط ما جرت العادة إلى آخره.

أي : اسقط من المبيع قدر ما جرت العادة بإسقاطه مقابلا للظرف وبإزائه ، ثمّ يدفع عن الثاني إلى البائع ، وذلك كما يتعارف الآن أنّه يسقط لجلد السمن من كلّ عشرة واحدا.

قوله : لم يجز اسقاط ما يزيد.

لما كان الاسقاط من جانب المشتري ، فلا احتياج إلى بيان تراضيه ، بل الأمر بيده ، ولذا خصّ إسقاط ما يزيد بالذكر.

قوله : مغاير للمظروف.

أي : لعين المظروف ، وإن لم يكن مغايرا لنوعه ، والتخصيص بالمغاير ؛ لأنّ جعل بعض المظروف ثمنا للظرف يتوقّف على انتقال المظروف إلى المشترى ، وهو يتوقّف على تحقّق المبايعة الموقوف على تعيين المبيع الموقوف على الإسقاط.

قوله : بمقدار كلّ منهما.

لا يخفى أنّه يشكل فيما إذا لم يكن الظرف من الموزون كالجلد ؛ فإنّه حينئذ يجهل وزن الموزون ، ولا اعتبار بوزن الظرف ؛ لكونه غير موزون.

القول في الآداب

قوله : بالتفقّه.


يمكن أن يقال : إن كون التفقّه هو معرفة الأحكام بالاستدلال عرف طار ، وهو غير عرف زمان المعصوم ، بل يحمل فيه على معناه اللغوي ، وهو معرفة الأحكام بأي نحو كان ، فيشمل معرفتها بالتقليد أيضا.

قوله : ترك الزيادة في السلعة.

أي : يستحبّ ترك الزيادة في قيمة السلعة وقت نداء المنادي الذي هو المشتري بقيمة.

والحاصل : أنّه إذا كانت سلعة في معرض البيع ، فنادى مناد أنا أشتريها بالقيمة الفلانية ، فيكره لغيره أن يزيد في القيمة حتّى يسكت ذلك المنادي ولم يرض البائع بما نادى به ، من الثمن ، وحينئذ فلا كراهة.

وتقييد السكوت بعدم رضى البائع ممّا لا بدّ منه لتحقّق الكراهة مع رضاه ، صرّح بذلك العلّامة كما نقل عنه في الدروس. وليس المراد أنّه يستحب ترك الزيادة وقت نداء المنادي الذي هو البائع ؛ لأنّه لا كراهة حينئذ ؛ لأنّ البائع حينئذ يطلب الزيادة ، وسيأتي أنّ مع طلبه الزيادة لا كراهة في الزيادة ، وأيضا لا وجه لارتفاع الكراهة بالسكوت حينئذ.

وأما قول الشارح من الدلال فظاهره أنّه حمل النداء على نداء البائع ؛ لأنّه ينادي على البيع ، لا على الشراء.

ويمكن أن يقال : إنّ المراد بالدلال : من يدلّ البائع على ما يشتريه المشتري من الثمن يعني : أنّه إذا نادى الدلّال بما يشتريه المشتري حتّى يستعلم رضى البائع وعدمه ، فتكره الزيادة حتّى يسكت ذلك المنادي ، ولم يرض البائع.

فإن قلت : إنّ ما ذكرت لا يلائم ما سيأتي من تخصيص الكراهة بما بعد التراضي أو قربه ؛ فإنّ وقت نداء المنادي بالثمن لا يعلم رضى البائع ولا قربه.

قلنا : قول الشارح بعد قول المصنّف : « بعد التراضي ، أو قربه » : « فلو ظهر له ما يدلّ على عدمه فلا كراهة » إشارة إلى أنّ المناط في ارتفاع الكراهة هو ظهور ما يدلّ على عدم الرضا ، فلو لم يظهر من البائع شي‌ء ، وكان الرضا محتملا ، فتكون الكراهة باقية ، لا أنّ المناط في الكراهة هو ظهور ما يدلّ على الرضا أو قربه ، فتأمّل.


قوله : في سوم أخيه.

أي : سواء كان دخوله مع الزيادة ، أو بدونها ، فيكون هذا أعمّ من السادس عشر على ما ذكرنا ، وله جهة خصوصية أيضا ، لاختصاصه بأخيه المؤمن ، وعموم السادس عشر.

قوله : زيادة عنه.

لا يخفى أنّه لا يشترط في صدق دخول السوم بذل الزيادة.

قوله : لإعانته له.

لا يخفى أنّ المكروه هو طلب الترك والإجابة إنّما تكون بعده ، فلا تكون إعانة عليه ، لأنّ الإعانة إنما تكون لو كانت الإجابة قبل الطلب ، وكان باعثا على الطلب وليس كذلك.

هذا مع أنّ إجابة الطلب المكروه قد يكون مستحبّا كالسؤال ، فإنّه مكروه مع أنّ ردّ السائل أيضا مكروه ، واعطاؤه مستحبّ.

قوله : والأقوى تحريمه.

ظاهر هذه العبارة يشعر بأنّ الحكرة التي كرهها المصنّف هي التي حرّمها الشارح ، وأنّ قول المصنّف في الحكرة ليس بقويّ ، مع أنّه لا اختلاف بين قوليهما هاهنا أصلا ؛ لأنّه إنّما يتحقّق المخالفة إذا كان قول المصنّف : « وترك الحكرة » باقيا على عمومه أي : يكون مراده : أنّه يستحبّ ترك الحكرة مطلقا سواء احتاج الناس أم لا ، وحينئذ فيكون قول الشارح : « والأقوى تحريمه » في موقعه ، ولكن قول المصنّف : « ولو لم يوجد غيره وجب البيع » يخصّص الحكرة المكروهة بما إذا اوجد باذل غيره كما ذكره الشارح ، وحينئذ لا يكون الناس محتاجا إليه ، فيكون قول المصنّف موافقا مع قول الشارح ، ولا تكون بينهما مخالفة ، فلا يكون قوله : « والأقوى تحريمه » في موقعه.

قوله : يؤمر بالنزول.

نعم لو لم ينزل مع الأمر بالنزول ، فلا بدّ من التسعير عليه ، كما لا يخفى.

الفصل الثالث في بيع الحيوان

قوله : لا حائلا.

عطف على قوله : « مجهضا » [ أي ] بأن لا يقوم حائلا. وقوله : « للاختلاف » تعليل لعدم


تقويمه حائلا أي : لاختلاف الحائل والمجهض في القيمة ؛ لكون الإجهاض نوع مرض.

وأيضا الإجهاض هو المطابق للواقع ، لأنها مجهض لا حائل.

قوله : على الأصح.

مقابل الأصح قول الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، والقاضي ، وهو أنّه إذا ابتاع جزءا معيّنا يكون شريكا مع البائع بنسبة قيمة المبتاع إلى قيمة المبيع ، فلو ابتاع رأس شاة وقوّم الشاة بعشرة ورأسها بواحدة كان المشتري شريكا بالعشر.

قوله : عملا بظاهر الآية.

هي قوله سبحانه : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (١) فإن الشي‌ء المنفي قدرته عليه يشمل نحو التملّك أيضا ؛ فإنّه أيضا شي‌ء ، والنكرة فى سياق النفي تفيد العموم ، فالتملّك يكون تبعيّا.

وقد يستدلّ أيضا بقوله سبحانه : ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ ) (٢) الآية ، وفي دلالتها نظر.

قوله : فاضل الضريبة.

هي فعيلة بمعنى : المفعول والمراد بها : ما يؤدي العبد إلى سيّده من الخراج المقدّر عليه.

الفصل الخامس في الصرف

قوله : وهو بيع الأثمان.

إنّما يسميان بالأثمان لكونهما ثمنا في أكثر البيوع ، وعوضا عن الاشياء ، ومقارنتها بـ « باء » العوض غالبا والمراد بهما هنا : هما مطلقا سواء كانا مسكوكين أم لا ، وإنّما سمي هذا البيع بالصرف ؛ لأنّ الصرف لغة : الصوت ، وهذه المعاملة تشمل على الصوت عند تقليب الأثمان في البيع والشراء. كذا قيل.

قوله : بدل التحويل والتوكيل صريحا الى آخره.

والتوكيل عطف على « الشراء » والفصل بقوله : « بدل التحويل » بين المعطوف والمعطوف عليه ؛ لكون الشراء خاصّة بدلا عن التحويل.

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) الروم : ٢٨.


وقوله : « صريحا » : حال عن « العدول » أي : حال كون عدوله صريحا في ذكر القبض حيث قال : « بوكالته في القبض » ، وحينئذ يكون قوله : « والرضا » عطفا على « القبض » ويمكن أن يكون صريحا حالا عن « التوكيل » أي : حال كون توكيله صريحا في التوكيل في القبض ، وحينئذ يكون « الرضا » عطفا على « التوكيل ».

قوله : في الجنس الواحد.

أي : الجنس الواحد منهما ـ أي : من الأثمان ـ والمراد بالجنس الواحد : أن يبيع الذهب بالذهب ، أو الفضة بالفضة مع التفاضل ، وأمّا في المختلف منهما جنسا كذهب بفضة وبالعكس فيجوز التفاضل بشرط التقابض قبل التفرق.

قوله : يصلح ثمنا له.

المراد أن يكون متمولا أي : يصدق عليه المال.

قوله : عرفا.

متعلّق بقوله : « يراد » لا « صحيح » أي : جرى العرف بأن يراد من النصف النصف الصحيح ، وكذا قوله : « نطقا ».

قوله : على الأوّل.

أي : على أن لا يراد النصف الصحيح عرفا أو نطقا. وقوله : « فلو باعه » أي : لو باعه شيئا آخر غير ما باعه أوّلا بنصف دينار.

الفصل السادس في السلف

قوله : وهو بيع مضمون في الذمّة.

يظهر من هذا أنّ السلف من البائع ، وهو خلاف المصطلح ، كما يدلّ عليه كون قول المشتري : « أسلفت ، وأسلمت » ، بل السلف من المشتري ، ولذا جعل الجنس في البائع وغيره الابتياع ، دون البيع.

ويحتمل أن يكون المراد بالبيع : عقده أي : الإيجاب والقبول الدالّان على نقل الملك ، فلا يكون السلف بالمعنى المصدري.

ثمّ قوله : « مضمون في الذمّة » فصل يخرج به بيع الأعيان الحاضرة ، ويشمل ما لو بيع


شي‌ء حالّا بالوصف ، ويخرج ذلك بقوله : « إلى أجل ». وقوله : « معلوم » في الموضعين وكذا : « مضبوط » و « مقبوض » و « بصيغة خاصّة » بيان لشرائط السلف.

قوله : يعتبر فيها سواء.

هذا ردّ على بعضهم حيث جعل الضابط فيما يجوز السلم فيه من الجواهر ما يطلب للتداوي ، دون التزيين ، وقد يجعل الضابطة ما يباع بالوزن ، ولا يعتبر فيه الأوصاف الكثيرة عرفا ، وقد يجعل ما يكون وزنه سدس دينار.

قوله : أو ما يعمّ الثمن.

عطف على « المسلم فيه ». والمراد : أنّ مرجع الضمير في تقديره إمّا خصوص المسلم فيه ، أو ما يعمّه ويعمّ الثمن أيضا مثل كلّ من العوضين.

وظاهر كلام الأكثر اختصاص ذلك بالمسلم فيه ، وأمّا الثمن فقد يكتفى فيه بالمشاهدة أيضا ، كما في البيع المطلق ، ويصرّح به الشارح في آخر المسألة أيضا.

قوله : والعدد في المعدود.

وفي ذلك خلاف للشيخ والعلّامة في التذكرة ، فحكما بعدم كفاية التقدير بالعدد مطلقا.

قوله : كالصنف.

التقييد بالصنف الخاص ؛ لأنّه شرط جواز السلف فيهما ، لأنّ قلة التفاوت تكون في الصنف ، وله مدخليّة في قلّته. كذا قيل.

ولا يخفى أنّه يمكن أن يكون التقييد به لمدخليّته في قلّة التفاوت أيضا ؛ فإنّ أصناف الجوز واللوز مختلفة في الصغر والكبر ، فلو لم يعيّن الصنف الخاص ، يمكن حصول التفاوت الكثير في الوزن.

قوله : الاعتبارات المذكورة.

أي الكيل ، والوزن ، والعدد.

قوله : إن اريد موضوعه.

هذا الشرط ؛ لدفع توهّم التناقض بين كلام المصنّف هذا ، وكلامه الذي يذكر بعد ذلك


بقوله : « والأقرب جوازه حالّا » حيث يفهم منه أنّه لا يشترط تعيين الأجل ، فقيّد الشارح هذا الحكم ـ أي : اشتراط تعيين الأجل ـ بما إذا اريد من السلم موضوعه أي : الذي وضع له السلم اصطلاحا ـ وهو البيع بأجل ، وأمّا إذا أراد كلّ من المتبايعين منه معناه المجازي الّذي هو مطلق البيع ، فلا يشترط فيه ذلك.

قوله : مع قصد السلم.

أي : قصد معنى السلم شرعا من غير قصد المجازية ، أو قصد البيع المطلق بأنّ يقصد من قوله : « أسلمتك » إيجاد السلم. والمراد بالإطلاق في قوله : « بل مع الإطلاق » : أن لا يتفطّن بإرادة السلم الشرعي ، أو البيع المطلق ، بل إرادة النقل.

قوله : يرشد إليه التعليل والجواب.

التعليل هو المذكور بقوله : « ووجه القرب ». والجواب هو المذكور بقوله : « واجيب بتسليمه ».

قوله : ولو انعكس إلى آخره.

لا يخفى أنّ معنى قوله سابقا : « ولو عيّن غلّة بلد لم يكف وجوده في غيره » : أنّه لو عيّن غلّة بلد لم يوجد فيه ، ووجد في غيره ، وعكس هذا إذا عيّن غلّة بلد وجد فيه ولم يوجد في غيره. ومعناه : أنّه عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه ، فمراده من قوله : « لو انعكس » : العكس المذكور.

وقوله : « بأنّ عيّن [ غلّة ] غيره » بيان لهذا العكس أي : بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه. قوله : « مع لزوم التسليم به » ليس جزءا لبيان معنى العكس ، بل هو قيد آخر أي :لو انعكس بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه أي : بلد وجد فيه ومع ذلك شرط التسليم فيه ـ أي : في بلد لم يوجد فيه ، لا في ذلك الغير الذي وجد فيه ـ مع شرطه نقله إلى بلد التسليم ، فالوجه الصحّة ؛ فإنّ عدم وجوده في بلد التسليم غير معتبر ، بل المعتبر بلد المسلم فيه ، والمفروض وجوده فيه. نعم قد يبطل ذلك من جهة اخرى ، وإن لم يبطل من جهة عدم وجود الغلّة في بلد التسليم ، وهي الإطلاق بالنسبة إلى الشرط الأخير ، وهو شرط نقله إليه ؛ لأنّه لا بدّ في السلم من القدرة على التسليم عند حلوله في محلّه ، وبدون شرط النقل لا يجب النقل قبل الحلول ، ولا يمكن التسليم بعده بدون النقل ، فليبطل.


فمعنى العبارة : لو عيّن غلّة بلد لم يوجد فيه ووجد في غيره بطل ولو انعكس بأن عيّن غلّة غير بلد لم يوجد فيه أي : غلّة بلد وجد فيه ، ومع ذلك لزم التسليم في بلد لم يوجد فيه [ ل ] شرط النقل إليه ؛ صحّ ، وإن بطل بدون الشرط الأخير من جهة عدم وجوب النقل ، لا من جهة عدم وجود الغلّة فيه.

قوله : والفرق.

أي : الفرق بين هذا العكس وبين أصله : أنّ بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر خارج عن حقيقة السلم ، فلا يشترط وجود الغلّة فيه ، والمعتبر وجود الغلّة في بلد المسلم فيه ، والمفروض وجوده فيه ، هكذا ينبغي أن يفهم كما فهمه سلطان العلماء أيضا. وقد حصل الخبط في فهم هذا المقام لجماعة من المحشين.

قوله : قسطه من الثمن.

لفظة « من » تبعيضية. والمجرور متعلّق بالحالّ الذي هو مرجع الضمير في « قسطه ». وإضافة القسط إلى الضمير بمعنى : « اللام » أى : جهالة قسط الحالّ من الثمن أي : القسط الذي للحالّ الذي هو بعض الثمن. والمراد بالقسط الذي للحالّ : القسط للمبيع الذي يختص بالحالّ ، ووقع بإزائه.

الفصل السابع في اقسام البيع

قوله : ويخبر.

عطف على « لا يقوّم ». أي : لا يجوز في المرابحة تقويم أبعاض جملة المبيع بتقسيط الثمن عليها ، والإخبار بما يقتضيه التقسيط ، وإن كانت الأبعاض متساوية جنسا ، فإذا اشترى مائة ثوب من جنس واحد بوصف واحد بمائة درهم لا يجوز له أن يقوّم عشرة منها بعشرة دراهم ويخبر عنه ؛ إذ قد تكون للجملة خصوصيّة ليست في البعض.

وقوله : « أو أخبر » عطف على قوله : « كانت » أي : وإن أخبر بالحال أيضا ؛ لأنّه لا يكون حينئذ من الإخبار برأس المال ، فلا يكون مرابحة ، كما صرّح به الشيخ علي في شرح القواعد ، وإن جاز أصل ذلك العمل.


والحاصل : أنّ حصول المرابحة لا يكون مع ذلك ، وإن أخبر بالحال أيضا وإن لم يأثم لإخباره بالحال ، فيكون المعنى : ولا يقوّم في المرابحة من حيث إنّها مرابحة الأبعاض ، وإن أخبر بالحال.

وقد يجعل لفظة « أو » في قوله : « أو أخبر بالحال » بمعنى : « إلّا أن » حتى يكون المعنى :لا يقوّم كذلك ، إلّا أن يخبر بالحال. ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّه ليس في مقام بيان ما يجوز من البيع وما لا يجوز ، بل في مقام ما يتحقّق به المرابحة. والعجب! أنّه لمّا وقع في القواعد لفظة « إلّا أن يخبر » تصدّى المحقّق الشيخ علي توجيهه تارة : بأنّ إطلاق المرابحة عليه حينئذ مجاز للمشابهة ، واخرى بتقدير جملة وجعل المعنى : إلّا أن يخبر بالحال ، ولا يصيّره من المرابحة ، ووقعت لفظة « أو » هنا في موقعها فتصدى للتوجيه إلى ما [ لا ] يحتاج إلى التوجيه.

قوله : من غلامه الحر.

التقييد بالحر ؛ لأنّه لا يتصوّر شراء الشخص شيئا من عبده.

الفصل الثامن في الربا

قوله : في الربا بالقصر.

الربا في اللغة : الزيادة. وشرعا يطلق على معنيين : أحدهما : زيادة مخصوصة ، وهي زيادة أحد العوضين المتماثلين إلى آخر ما يأتي. والآخر : بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع ، أو في العادة بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة مطلقا ، وإن لم يكونا مقدّرين بالأمرين.

قوله : وضابط الجنس هنا.

احترز بهذا القيد عن الجنس المنطقي. وقوله : « ما دخل تحت اللفظ الخاص » أي :دخل تحت مدلوله. ولا يخفى أنّ المراد باللفظ الخاص إن كان اللفظ المعين فيلزم الربا في بيع أحد المتجانسين بالجنس المنطقي مع الزيادة أيضا ؛ لدخولهما تحت مدلول لفظ جنسهما كالفاكهة ـ مثلا ـ بل الجسم في الجميع ، وإن كان المراد اللفظ المختصّ بالمتجانسين ، فإن كان المراد أعمّ من الخاصّ الإضافي والحقيقي ، للزم المحذور


المذكور ، وإن كان المراد الخاصّ الحقيقي لزم عدم الربا بين أفراد نوع واحد إن كان لبعض أفراده لفظ خاص.

إلّا أن يقال : إنّ المراد بالدخول تحت اللفظ : أن يكون من أفراده أي : يكون هذا المدلول نوعا لها ؛ ولذا قال المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد : « إن المراد باللفظ الخاص : ما يكون مفهومه نوعا منطقيا بالإضافة إلى ما تحته ».

قوله : لدلالة الأخبار الصحيحة إلى آخره.

الفرق بين مدلول الأخبار الصحيحة وبين مدلول هذا البعض حيث خصّه بالذكر : أنّ الأخبار الصحيحة تدلّ على اتّحادهما جنسا ، وهو أعمّ من أن يكونا معا صنفين من جنس آخر غيرهما ، وأن تكون الحنطة من الشعير ، وأن يكون الشعير من الحنطة وذلك البعض يدلّ على الأخير فقط.

قوله : إلى اختلافهما صورة.

لعلّ المراد بالصورة : الصورة النوعية المتحقّقة في الأشكال المختلفة ، وبالشكل : هو خصوص الهيئة الخاصة مثلا : الحنطة لها صورة نوعيّة موجودة في جميع أفراد الحنطة ، وإن كان بعضها أكبر من بعض ، وبعضها أطول ، وهكذا ولكلّ فرد شكل خاصّ به لا يوجد في غيره من أفراد الحنطة. والمراد بالإدراك : بلوغ أوان الحصاد وبالحس : اللمس حيث إنّ الحنطة ألين لمسا من الشعير.

قوله : للرواية المخصّصة.

هذا تعليل لقوله : « لا يثبت » أي : وقيل : لا يثبت للرواية المخصصة للذمّي عن عمومات حرمة الربا كما خصّصت الرواية غير الذمّي من أصناف الكفّار عن العمومات. والرواية المخصّصة إشارة إلى الرواية المرسلة ، وفيها : « ليس بين المسلم والذمي ربا ».

قوله : ولا يضر إلى آخره.

هذا دفع لما يمكن أن يتوهم من تحقّق الربا فيما إذا بيع قدر من حنطة ـ مثلا ـ بمثل هذا القدر من الحنطة ، وكان في أحدهما يسير من التبن أو الزوان ، فيلزم زيادة الحنطة الخالصة عن الحنطة الممزوجة بالتبن والزوان ، فإنّه إذا وضع التبن والزوان عنه تبقى


الحنطة أقل من القدر المبيع ، وكذا إذا كان التبن والزوان في الحنطتين ، ولكن كان ما في أحدهما أكثر ، فإن قدر الحنطة الخالصة فيه أقلّ من الحنطة في عوضه ، وقوله : « لأنّ ذلك » دفع لهذا التوهّم ، وحاصله : أنّ أقلية أحد الحنطتين عن الآخر بهذا القدر مع جبر نقصانه ممّا لا ينفك عنه غالبا غير قادح في تماثل الجنسين ومساواتهما ، بل هذا القدر اليسير أيضا يعد من الحنطة عرفا ، فيتساويان قدرا ، وهذا مراده من إطلاق المثلية. وكذا لو وضع هذا القدر لا يقدح في المساواة عرفا ، وهذا مراده من إطلاق المساواة. والضمير في قوله :« زيادة عنه » راجع إلى قوله : « الآخر » وقوله : « زيادة » حال عن عقد التبن.

فإن قيل : لا وجه لهذا التوهم أصلا لانه سيأتي أنّه يتخلّص من الربا بالضميمة ، غاية الأمر أنّ اليسير من التبن والزوان يكون ضميمة إلى الناقص.

قلنا : لا يصلح هذا للضميمة ؛ لأنّ شرط الضميمة ـ كما مر سابقا ـ أن تكون مما يصلح كونه مالا ومبيعا ، وهذا ليس كذلك.

قوله : وحصول التفاوت.

مبتدأ ، وخبره قوله : « لا يقدح ». وقوله : « توزيع الثمن » عطف على المقابلة. وهذا ردّ على بعض العامّة حيث منع عن بيع جنسين ربويّين بأحدهما مع الزيادة كمدّ تمر ودرهم بمدّين. ووجه منعه : ما ذكره الشارح من حصول التفاوت عند المقابلة وتوزيع الثمن.

وحاصله : إذا قوبل أجزاء المبيع أجزاء الثمن ، وقوّم كلّ منها بالآخر ربما حصلت الزيادة الموجبة للربا ، مثلا في المثال المذكور إذا فرضنا أنّ الدرهم قيمة مدّ ونصف من التمر ، فيكون المبيع مدّين ونصف مدّ تمر ، ومدّ ونصف قيمة الدرهم ، فالدرهم ثلاثة أخماس المبيع ، ويقابله ثلاثة أخماس الثمن ، وهو مدّ وخمس مدّ ، ويبقى خمسا الثمن ، وهو أربعة أخماس المد في مقابل مدّ ، وذلك ربا.

وقوله : « على بعض الوجوه » إشارة إلى أنّه قد لا يحصل التفاوت ، كما إذا كان قيمة الدرهم مدّا من التمر. وظهر ممّا ذكرنا أنّ قوله : « وحصول التفاوت » إشارة إلى ردّ قول المخالف في المسألة المذكورة في المتن ، لا في المسألة التي ذكرها الشارح من أنّه لا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع.


قوله : لحصوله.

أي : حصول التفاوت بسبب التقسيط.

والحاصل : أنّ هذا التفاوت إنّما هو مقتضى التقسيط ، لا البيع ؛ فإنّ البيع إنّما هو المجموع بالمجموع ، فلا يلزم علينا التقسيط ، ولا نحتاج إليه حتى يلزم الزيادة.

قوله : قبل القبض.

أي الذي جرى العقد عليه بخصوصه. والتقييد به ؛ لأجل أنّه لو لم يكن كذلك لم يتفاوت الحال بتلف الدرهم ؛ لأنّ المبيع لا يكون حينئذ هذا لمعين. والتقييد بقبل القبض ؛ لأنّ ضمان البائع إنّما هو في هذه الصورة وأمّا بعد القبض فلا ضمان عليه.

قوله : في مقابله.

أي : مقابل التالف. والغرض أن يكون بحيث إذا استرد مقابل التالف أوجب الزيادة المفتضية إلى الربا في البيع ، كما لو كان المبيع مدّا ودرهما بمدّين ونصف ، وكان كلّ مدّ بدرهم ، فإذا تلف الدرهم يسترد مدّ من الثمن فيبقى مدّ ونصف منه في مقابل مدّ ، وهو الربا ، بخلاف ما إذا لم يكن في مقابله ما يوجب ذلك كما إذا بيع مدّ ودرهم بمدّين ، وكان كلّ مد بدرهم ، فإذا تلف الدرهم بقى مدّ بإزاء مدّ ، فالباقي وهو يقابل نصف الثمن وهو مدّ أيضا ، ولا يلزم ربا.

قوله : والبطلان في مخالف التالف.

عطف على قوله : « بطلان البيع » أي : احتمل البطلان في مقابل التالف خاصّة ، لا في مجموع البيع ، ولا بدّ أن يقيّد هذا بما إذا اشتمل كلّ من العوضين على جنسين كما يشعر به قوله : « لأنّ كلا من الجنسين » إلى آخره. والمراد : أنّه إذا بيع مدّ ودرهم معيّن بمدّين ونصف درهم ـ مثلا ـ فتلف الدرهم احتمل بطلان بيع الدرهم التالف ومخالفه من الثمن ـ أي :المدّين ـ ويبقى بيع المد المبيع ونصف الدرهم صحيحا ؛ لأنّ كلا من المتجانسين يقابل بما يخالفه في الثمن كما صرّح المصنّف به بقوله : « ويصرف كل إلى مخالفه » فكان المدّان بإزاء الدرهم ، فإذا تلف الدرهم بطل البيع في المدّين ، وكان نصف الدرهم بإزاء المد ، فيكون صحيحا ، وقوله : « والمصحّح لأصل البيع » إشارة إلى ذلك. أي : هذا القول هو


الموافق لمصحّح أصل البيع ، أو هذا القول مصحّح أصل البيع ، فإنّ مصحّحه كان صرف كل جنس إلى ما يقابله ، وهذا القول أيضا مبني عليه.

الفصل التاسع في الخيار

قوله : بعض أفراد الحقيقة.

الحقيقة هنا إمّا بالمعنى المصطلح. أي : اللفظ المستعمل فيما وضع له أو بمعنى الماهيّة والطبيعة ، فعلى الأوّل : تكون إضافة « بعض أفراد » إليها بيانيّة ، ويكون المتجوّز فيه أي : ما اطلق عليه اللفظ مجازا محذوفا ، ويكون المعنى إمّا تجوّزا في إطلاق لفظ بعض أفراد خيار المجلس الذي هو الحقيقة على غيره ، فيكون المراد ببعض أفراد الحقيقة خيار موضع الجلوس ، أي : اطلق لفظ خيار المجلس الذي هو موضوع لبعض أفراد خيار المجلس وهو موضع الجلوس على سائر الافراد تجوّزا.

وعلى الثاني : تكون الإضافة « لامية » ويكون المتجوّز فيه هو المذكور أي : تجوزا في إطلاق بعض أفراد حقيقة خيار المجلس ، وهو غير موضع الجلوس ، فإنّ إطلاق هذا الفرد أي : إطلاق اللفظ عليه مجازي.

خيار الشرط

قوله : متصلا.

حال عن الأجل. والمراد : ابتداء الأجل. أي : حال كون ابتدائه متصلا بالعقد بأن يبيع في أوّل شهر بشرط أن يكون الخيار لأحدهما منه إلى آخر الشهر ، أو منفصلا عن العقد بأن يبيع في أوّل شهر بأن يكون له الخيار من ثالث الشهر ـ مثلا ـ إلى آخره وحينئذ فإن تفرّقا من المجلس قبل الثالث يصير العقد لازما بعد التفرّق وقبل الثالث ، وإذا دخل اليوم الثالث يصير جائزا لأجل الشرط ، وأمّا قبل التفرّق فيكون جائزا لأجل خيار المجلس.

والضمير في « تأخره » راجع إلى « الأجل » أي : ابتدائه.

وقد يجعل قوله : « متصلا » حالا للشرط أي : سواء كان شرط الخيار متّصلا بالعقد ، أو منفصلا عنه. وهو غير صحيح ؛ لعدم العبرة بهذا الشرط.

قوله : عنهما ، أو عن أحدهما.


متعلّقان بالاشتراط ، لا الأجنبي أي : يجوز اشتراط الخيار لأجنبي عن جانبهما بأن يكون له خيار الفسخ عنهما ، أو عن المشتري خاصّة ، أو البائع كذلك. وكذا في قوله :« لأجنبي مع أحدهما عنه » أي : ويجوز اشتراط الخيار لأجنبي مع أحد المتبايعين سواء كان خيار الأجنبي عن هذا الذي له الخيار أو عن الآخر.

قوله : فلا اختيار له.

تفريع على كونه تحكيما ، لا توكيلا. أي : وإذا كان تحكيما فلا خيار للمتحكّم أي : من جعل عنه مع الأجنبي بخلاف ما لو كان توكيلا ؛ لأنّ لازم التوكيل أن يكون الخيار للوكيل والموكّل معا.

قوله : فلا يلزم المستأمر الاختيار.

هذه العبارة تحتمل وجوها :

الأوّل :

أن يكون المستأمر بالفتح ، وكذا المستأمر الأوّل ، ويكون هذا تفريعا على قوله : « وإن سكت فالأقرب اللزوم » يعني : أنه إذا عرفت أنه إن سكت المستأمر ـ بالفتح ـ يلزم العقد تعلم أنه لا يلزم عليه اختيار أحد الأمرين من الفسخ والإجازة ، أو الأمر بالفسخ والإجازة يعني : أنه لا يصير العقد بعدم اختياره معطلا ، بل لو سكت أيضا يؤثّر أثرا ، وهو اللزوم الذي هو مقتضى العقد.

الثاني :

مثل ما مر ، إلّا أن المراد بالاختيار : اختيار اللزوم يعني : إذا عرفت أن مع السكوت أيضا يلزم ، فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ اختيار اللزوم في حصوله ، بل قد يحصل بدونه أيضا.

الثالث :

أن يكون المستأمر بالكسر في الموضعين ، ويكون تفريعا على قوله : « وإن سكت » أيضا يعني : فإن قال المستأمر ـ بالكسر ـ : ( فسخت ) أو ( أجزت ) بعد أمر المستأمر ـ بالفتح ـ فذاك ، وإن سكت بأن لم يستأمر ، أو استأمر ولم يقبل الاستئمار ، فالأقرب اللزوم ، فلا يلزم المستأمر ـ بالكسر ـ اختيار ما أمره المستأمر ـ بالفتح ـ مطلقا ، بل يجوز له السكوت.


الرابع :

ما مر ، إلّا أنّ المراد بالاختيار : اختيار اللزوم بعد أمر المستشار ، بل يلزم بدونه أيضا بأن يسكت.

ورجّح الشارح أحد الاحتمالين الأوّلين حيث قال : « فإن اللزوم المنفي » إلى آخره.

كما يأتي بيانه.

ورجّح بعض المحشّين أحد الأخيرين معلّلا : بأنّ المستأمر ـ بالفتح ـ لم يكن له الاختيار حتّى ينفى لزومه عنه ، بل كان له الأمر والرأي.

ولا يخفى ما فيه

أمّا أوّلا :

فلأنّ معنى الاختيار لا يجب أن يكون اختيار الفسخ أو الا مضاء بنفسه ، بل اختيار الأمر بأحدهما إذ اختيار أحدهما بالأمر به أيضا اختيار ، فإنّ الاختيار تارة يكون بأن يقول : « فسخت » أو « أمضيت » واخرى بأن يقول : « افسخ » أو « أمض ».

وأمّا ثانيا ؛

فلأنّ الكلام بعد في أنه هل للمستأمر ـ بالفتح ـ اختيار الفسخ أو الإمضاء أم لا؟وبحث الشارح مع المصنّف ، أنّ الظاهر من كلامه ذلك ، فهو غير موافق لكلام الأصحاب.

فلا يجوز توجيه كلام المصنّف بوجه معلّلا : بأنّه ليس للمستأمر ـ بالفتح ـ اختيار الأمرين.

قوله : لكن دلالة ظاهر العبارة إلى آخره.

حيث إن الظاهر في كلّ عبارة عدم التقدير ، وعلى جعل المستأمر ـ بالكسر ـ يجب تقدير قوله : ( بعد أمر المستأمر ـ بالفتح ـ ) كما مر. وأيضا الظاهر من تفريع قوله : « فإن قال المستأمر » على قوله : « واشتراط المؤامرة » ذلك كما لا يخفى.

وقوله : « خصوصا بقرينة قوله : فلا يلزم الاختيار » بناء على حمل قوله هذا على أحد الاحتمالين الأوّلين وعلّله بقوله : « لأنّ اللزوم » إلى آخره ، يعني : أنّ قوله : « فلا يلزم الاختيار » معناه : فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ الاختيار ؛ لأنّ اللزوم المنفي ليس إلّا عنه.


وأمّا المستأمر ـ بالكسر ـ فلا يمكن نفي اللزوم عنه ؛ إذ يلزم عليه اختيار اللزوم عند أمر المستشار باللزوم ، ولو سكت أيضا فيجب أن يكون بقصد اختيار اللزوم ؛ إذ ليس حينئذ غير ذلك بمقتضى العقد ، فالاختيار عليه لازم في الجملة ، فلا يصحّ نفيه عنه ، فيجب أن يكون معنى قوله : « فلا يلزم » أي : فلا يلزم المستأمر ـ بالفتح ـ وإذا كان مفعول « فلا يلزم » هو المستأمر ـ بالفتح ـ فيكون المستأمر الأوّل أيضا كذلك ؛ لظهور اتحادهما.

ومراد الشارح بمن جعل له المؤامرة : هو المستأمر بالفتح.

قوله : وكذا كلّ من جعل له الخيار.

التشبيه إمّا فيما ذكره بقوله : « فإن قال فسخت » إلى آخره. أو فيما ذكره بقوله : « فلا يلزم الاختيار ». والمعنى على الأوّل واضح كما ذكره أخيرا ، وأمّا على الثاني ، فإنّما يصحّ على أحد الاحتمالين الأوّلين لقوله : « فلا يلزم الاختيار » ، دون الأخيرين ويكون المعنى على أحد الأوّلين أنه : وكذا كل من جعل له الخيار لا يلزم عليه اختيار أحد الأمرين ، أو لا يلزم في لزوم البيع اختياره اللزوم.

وأما على الأخيرين ، فلا يظهر له معنى محصّل ؛ إذ معنى المشبه به يكون : فلا يلزم المستأمر ـ بالكسر ـ اختيار ما أمره المستأمر ـ بالفتح ـ ولا مستأمر في المشبه حتّى يصح التشبيه. وهذا أيضا أحد وجوه ما رجّحه الشارح.

ثمّ قول الشارح : « فإن المجعول له » تعليل لكون قول المصنّف هذا قرينة على كون المستأمر بالفتح ، يعني : أن تشبيه كلّ من جعل له الخيار بما سبق يدلّ على أنه أيضا له الخيار والمجعول له الخيار هنا في المؤامرة الأجنبي ؛ لأنّ الأمر بيده ، لا المشروط له ؛ لأنّه ليس أمر بيده ، وإن حصل له الخيار بعد أمر الأجنبي والظاهر ممن جعل له الخيار أن يكون الأمر بيده واختياره.

خيار ما يفسد ليومه

قوله : ولكن يشكل إلى آخره.

يمكن دفع الإشكال بأن يقال : إن المراد باليوم في الرواية وكذا في كلام المصنّف هو :مجموع النهار والليل ، وهذا الإطلاق شائع حتّى أنه قال بعضهم : إنّ مقابل الليل هو النهار ، وأمّا اليوم فهو المجموع ، ولذا يقابل الليل بالنهار ولم يقابل في موضع باليوم.


فعلى هذا فالمعنى : ما يفسد في يوم بليلته أي : مجموع النهار والليل ، فإذا دخل الليل ، ولم يجئ بالثمن وابقاؤه أوجب الضرر ثبت الخيار ، فيرجع ما ذكره هنا وما في الرواية إلى ما في الدروس ، ولا يكون فيه خروج عن النص.

نعم يبقى الكلام فيما يفسد في النهار ، فلا يكون حكمه مذكورا ، وكأنّ التخصيص في الرواية ؛ لعدم تحقّق شي‌ء يكون كذلك ، أو ندرته ، بل الأشياء التي أثبتوا فيها هذا الخيار إنّما هي ممّا يفسد بمضيّ الليل عليها كاللحم والخضروات فلا إشكال.

قوله : وإن خرج عن مدلول النص الدال على هذا الحكم إلى آخره.

لا يخفى أن مراده بالخروج عن مدلول النص إن كان أنّ النص الدال على هذا الحكم لا يشمل هذا ، فهو صحيح لاختصاصه بما يفسد في يوم بليلة. وإن كان المراد : انّ النص يدلّ على خلافه ، فهو لا يصحّ ؛ لأنّ اختصاص النص بذكر حكم لشي‌ء لا يدلّ على عدم ثبوت هذا الحكم لغيره ، فيرجع في الغير إلى دليل آخر كخبر الضرار فيما نحن فيه.

وعلى هذا يظهر ما في قول الشارح « لقصوره » تعليلا لاتّجاه ما ذكر ، فإنّ هذا التعليل انّما يصح في مقام يخالف مدلول النص ؛ ويقال : إنه لم يعمل به لقصوره لا في مقام لم يشمل عليه النص.

ويمكن التوجيه بأن يقال : إن مراده : أنّ قصور النص موجب لعدم صحّة التمسّك به فيما اشتمل عليه أيضا فإذا قال بالحكم الذي اشتمل عليه ، فمعلوم أنّه ليس لهذا النص ، بل لخبر الضرار ومثله ، وهو يشمل غيره أيضا مما ذكر ، فالتعدّي إليه متّجه.

خيار الغبن

قوله : في المبيع المغبون فيه.

أى : المغبون فيه البائع أو المشتري. فالأوّل كما إذا باع ما قيمته عشرة بخمسة. والثاني كما إذا باعه بعشرين.

فلا يرد : أن تخصيص المبيع المغبون فيه ينافي ما سيأتي من أنّ المغبون إمّا البائع أو المشتري حيث انّه خصّ المبيع بالمغبون فيه ، فالمشتري مغبون أيضا ، وتخصيص المغبون فيه بالمبيع إمّا لأجل أنه يظهر منه حكم الثمن المغبون فيه أيضا وأقسامه ، وكذا حكم ما لو


كان الغبن فيهما وأقسامه بالمقايسة إليها ، أو لأنّ الغبن إنّما يكون منحصرا بالغبن فى المبيع ، وكلما يكون الغبن في الثمن أيضا ، فالغبن في المبيع.

بيان ذلك : أنّك إذا بعت ثوبا بمائة ، فغبن البائع إنما يكون بكون قيمته أزيد ، وغبن المشتري إنّما يكون بكون قيمته أنقص ، ولا غبن في المائة ، ولو كان فيها غبن أيضا فباعتبار كونها أزيد أو أنقص من قيمة الثمن ، فالغبن في الثوب. وكذا إذا بعت ثوبا بفرس ، فإذا ظهر قيمته انقص من الثوب فالغبن في الثوب المبيع للبائع ، وإن ظهر قيمته أزيد من الثوب ، فالغبن في الثوب [ للمشتري ].

قوله : إمّا أن يزول المانع من الرد إلى آخره.

المراد بالمانع من الرد : هو جميع أنواع التصرّف المذكور بقوله : « إما أن يخرج عن الملك » إلى آخره. دون خصوص ما ذكره بقوله : « أو يمنع من الرد » كما توهّم.

قوله : أو هما.

لا يخفى أنه لا يتصور كونها معا مغبونين ؛ لأنّ غبن البائع هو كون قيمة المبيع أزيد ممّا باعه أي : كون الثمن أنقص من القيمة ، وغبن المشتري هو كون قيمته أنقص مما اشتراه أي :كون الثمن أزيد وهما ممّا لا يمكن أن يجتمعا.

فإن قيل : إذا باع الثوب بفرس وظنّ المشتري أن قيمة الثوب مائة والبائع أن قيمة الفرس مائة فظهر أن قيمة الثوب خمسون وقيمة الفرس سبعون فكلّ منهما مغبون.

قلنا : الغبن لا يحصل بسبب الظن ، بل بالقيمة الواقعية. ففي المثال ، المغبون صاحب الفرس خاصّة حيث إنّ قيمة فرسه أزيد بعشرين ، وأمّا صاحب الثوب فلا غبن له أصلا.

فإن قيل : إذا باع الثوب بمائة وأخذ عوضها فرسا ، فظهر قيمة الفرس خمسين وقيمة الثوب سبعين فكلّ منهما مغبون.

قلنا : هذا ليس بيعا واحدا ، بل بيع ومعاوضة ، ففي البيع المغبون المشتري ، وفي المعاوضة البائع ؛ ولذا لو فسخ البائع المعاوضة ولم يفسخ المشتري البيع يلزمه المائة.

قوله : ومضروبها يزيد عن مائتي مسألة.

طريق ضربها : أن تضرب أقسام المتصرف فيه وهي الثلاثة المذكورة بقوله : « إمّا أن


يكون في المبيع أو في ثمنه ، أو فيهما » في أقسام التصرّف وهي الثلاثة عشر المذكورة بقوله : ثمّ إما أن يخرج عن الملك » إلى قوله : « أو لا يوجب شيئا من ذلك » فيحصل تسعة وثلاثون.

ثمّ يضرب هذه الأقسام في أقسام زوال المانع الثلاثة ، فيحصل مائة وسبعة عشر. ثمّ يضرب الحاصل في أقسام المغبون الثلاثة ، فيحصل ثلاثمائة وواحد وخمسون.

واعلم أنه قد اضطربت أفهامهم في تعيين حاصل الضرب هنا فكلّ قال بشي‌ء ولكلّ وجه. وهم بين من لم يعتبر في الضرب الاتّحاد في الحكم ، والاختلاف فيه وبين من اعتبره.

أما الأوّل :

فمنهم من قال : إنه ثلاثمائة وواحد وخمسون. ووجه هذا : أنه جعل المراد في قوله : « إما أن يزول المانع من الرد » شاملا لجميع ما سبق من أنواع التصرّف ، وعلى هذا فيكون أقسام المتصرّف فيه ثلاثة ، وأقسام التصرف ثلاثة عشر ، وأقسام زوال المانع أيضا ثلاثة ، وكذا أقسام المغبون ، فيضرب ثلاثة عشر أقسام التصرف في الثلاثة أقسام المتصرّف فيه يحصل تسعة وثلاثون ، فيضرب الحاصل في أقسام زوال المانع الثلاثة يحصل مائة وسبعة عشر ، ويضرب الحاصل في أقسام المغبون الثلاثة يحصل ثلاثمائة وواحد وخمسون.

ومنهم من قال : « إنه مائة وخمسة وثلاثون ». وهذا جعل المراد من المانع هو ما ذكره أوّلا بقوله : « أو يمنع من الرد » فيكون واحد من أقسام التصرف على ثلاثة أقسام ، والبواقي غير منقسمة إلى هذه الأقسام ، فيكون مجموع أقسام التصرف مع ملاحظة أقسام زوال المانع في واحد منها خمسة عشر ، تضرب في أقسام المتصرف فيه ، يحصل خمسة وأربعون والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وخمسة وثلاثون.

ومنهم من قال : « انه مائة وواحد وسبعون ». وهذا جعل المراد بالمانع من الرد :الخروج عن الملك ، أو المنع من الرد كالاستيلاد أو الإجارة ، دون البواقي حيث إن مع واحد من هذه الثلاثة لا يمكن الرد ، بخلاف البواقي ، وعلى هذا فيضرب أقسام زوال المانع الثلاثة في ثلاثة من أقسام التصرف يحصل تسعة وينضم معها العشرة الاخرى منها يحصل


تسعة عشر يضرب فى ثلاثة اقسام المتصرف فيه يحصل سبعة وخمسون ، يضرب في ثلاثة أقسام المغبون ، يحصل مائة وواحد وسبعون.

ومنهم من قال : « إنّه مائة وثلاثة وخمسون ». وهذا جعل المراد بالمانع في قوله : « امّا أن يزول المانع » هو الاستيلاد خاصّة ، وجعل أقسام النقصان أيضا ثلاثة كأقسام الزيادة ، فتكون أقسام التصرف خمسة عشر ، ومع ملاحظة أقسام زوال المانع سبعة عشر يضرب في ثلاثة أقسام المتصرف فيه يحصل واحد وخمسون ، والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وثلاثة وخمسون.

ومنهم من قال : « إنه مائة وأربعة عشر ». وهذا جعل المانع من الرد أحد أقسام الثلاثة الاول من أقسام التصرف ، فتكون أقسامه مع ملاحظة أقسام زوال المانع تسعة عشر يضرب في أقسام المتصرف فيه ، يحصل سبعة وخمسون ، ويضرب الحاصل في اثنين من أقسام المغبون بإسقاط واحد منها وهو الأخير ، لامتناعه كما مر يحصل مائة وأربعة عشر.

وممّا ذكر يعلم أنه يمكن جعل حاصل الضرب أربعمائة وخمسة بجعل أقسام النقصان ثلاثة كما مر ، فتكون أقسام التصرف خمسة عشر يضرب في ثلاثة التصرف تحصل خمسة وأربعون ، يضرب في ثلاثة أقسام زوال المانع يحصل مائة وخمسة وثلاثون يضرب في ثلاثة أقسام المغبون يحصل أربعمائة وخمسة.

وجعله مائتين وسبعين بإسقاط الأخير من أقسام المغبون حينئذ.

وجعله مائة وتسعة وثمانين بجعل أقسام التصرف خمسة عشر وتخصيص أقسام زوال المانع بالثلاثة الاول ، فتكون أقسامه مع أقسام زوال المانع واحدا وعشرين يضرب في ثلاثة أقسام التصرف ، والحاصل في أقسام المغبون يحصل مائة وتسعة وثمانون.

وجعله مائة وستة وعشرين باسقاط الأخير من أقسام المغبون حينئذ.

وجعله مائة واثنين بتخصيص زوال المانع بالاستيلاد حينئذ.

وأما الثاني ، وهو من يعتبر في الضرب ملاحظة الحكم فيجعل ما يتّحد حكمه من الأقسام قسما واحدا :


فمنهم من جعل الأقسام ثلاثمائة وعشرين. ومنهم من جعلها ثلاثمائة وأحدا وعشرين ، ومنهم من جعلها مائتين وخمسة وعشرين ، ومنهم من جعلها خمسة وأربعين. ولكلّ وجه.

ويمكن الزيادة والنقصان أيضا ، كما لا يخفى على من تأمّل.

ثم انه قد يزيد أقسام التصرف أيضا بملاحظة ما سيذكره الشارح من البيع بالخيار والسكنى المطلقة فيدرجان في أقسام التصرّف أيضا ، وعلى هذا فيمكن جعل حاصل الضرب أربعمائة وتسعة وخمسين ، وجعله مائتين وسبعين ، وجعله ثلاثمائة وستة ، وجعله مائة وثمانية وثلاثين.

ولو ادرج مع ذلك ما يستفاد من كلام الشارح من تقسيم الزيادة الحكمية إلى ما يوجب زيادة القيمة وما لا يوجبه يمكن جعل الأقسام أربعمائة وستة وثمانين وثلاثمائة وأربعة وعشرين ومائتين وستة عشر ، ومائة وأربعة وعشرين ومائة وثمانين ، ومائة وعشرين. وبعد جعل أقسام النقصان واحدا يتصوّر صور اخرى أيضا لا يخفى على الماهر.

قوله : بغيرها إلى آخره.

أي : بغيرها عينا لا جنسا بقرينة جعل المساوي والأردإ والأجود من أقسامه حيث انه جعلها أولا أيضا من أقسام الممتزج بالمثل ، وأيضا قوله : « ولو مزجها بغير الجنس » أيضا قرينة عليه.

خيار العيب

قوله : يعتبر فيه ذلك.

أي : الخيار. أي : خلقة أكثر النوع الذي يباع ، فيعتبر فيه خيار العيب.

وقوله : « ذاتا أو صفة » قيدان لقوله « خلقة أكثر النوع » كما أن « عينا وصفة » في كلام المصنّف قيدان للزيادة في الخلقة والنقصان ، فلا تكرار ، وأما جعلهما قيدين لقوله :« ذلك » فبناء على جعل « ذلك » إشارة إلى الخلقة الأصلية ، ولا بأس به أيضا.


قوله : فضلا من المساواة.

متعلق بقوله : « أم زادها » دون مجموع انقص قيمته أم زادها.

قوله : مثل نسبة التفاوت بين القيمتين.

فيه حذف ظاهر ، وهو قوله : « إلى قيمة الصحيح ». وهذا الحذف شائع في هذا المقام ، كما في القواعد أيضا.

قوله : ذلك من الثمن.

متعلق بقوله : « والأرش ». أي : للمشتري الخيار بين ردّ المبيع وبين الأرش من الثمن.

ويحتمل أن يكون متعلقا بالمثل والمراد به : ما يماثل ، أي : الأرش ما يماثل من الثمن نسبة التفاوت بين القيمتين ، وقول الشارح : « فيؤخذ ذلك » يناسب الاول.

قوله : بمائة أو أزيد.

فالتقويم بالمائة ، مثال لما يحيط بالثمن ، وبالأزيد مثال لما يزيد عليه.

قوله : بخمسة وعشرين.

لان نسبة خمسة وعشرين إلى الخمسين الذي هو الثمن مثل نسبة الخمسين الذي هو التفاوت بين القيمتين إلى قيمة الصحيح التي هي المائة.

ولا يخفى أن المراد بالمثال في قوله : « يرجع في المثال » ما إذا قوم الصحيح بالمائة ، لا الأزيد ، لأن الأرش حينئذ يزيد عن الخمسة والعشرين.

قوله : اخذت قيمة واحدة.

المراد بقيمة واحدة : قيمة خارجة عن جميع القيم المختلفة. والمراد : بنسبتها متساوية بالنسبة إلى الجميع ليس أن تكون نسبتها إلى الجميع واحدة كأن تكون ضعف كلّ منها ؛ لاستحالة ذلك ، بل المراد من تساوي نسبتها إلى الجميع أن لا تكون أقرب إلى بعض من بعض آخر وأرجح بالنسبة إليه ، بل يكون قربها ومناسبتها للجميع واحدا.

فالمراد بالنسبة ليس النسبة الاصطلاحية ، بل مجرد المناسبة والقرب ، فإذا قوّم واحد بخمسين وآخر بمائة يؤخذ في [ خمسة و ] سبعين وقربه إلى الخمسين ومناسبته له كقربه إلى المائة ومناسبته لها ، إذ يختلف عن كلّ منهما بخمسة وعشرين.


وأما النسبة الاصطلاحية ، فيجب أن يقال : اخذت قيمة واحدة نسبتها إلى الجميع ـ أي : المجموع ـ كنسبة الواحد إلى عدد تلك القيم.

قوله : وطريقه.

أي : وطريق أخذ الأرش ، لا أخذ تلك القيمة الواحدة ؛ فإنه قد علم بقوله : « وضابطه ».

واعلم أنه قد علم مما ذكر سابقا في أخذ الأرش ، طريق أخذ الأرش هنا أيضا بعد أخذ القيمة ، فانه إذا اخذت قيمة الصحيح عند التعدّد على الطريق المذكور ، وكذا المعيب ، يؤخذ التفاوت بين القيمتين ، وينسب إلى قيمة الصحيح ويؤخذ من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة التفاوت إلى قيمة الصحيح.

ولكن كان هذا محتاجا إلى أخذ القيمة المتساوية النسبة أولا ، ثم أخذ الأرش. وغرضهم من وضع الطريقين اللذين يذكرهما الشارح لأخذ الأرش أن يأخذوه بطريق يتحقق في ضمنه أخذ القيمة أيضا من غير احتياج إلى أخذ القيمة أولا ، ثم أخذ الأرش ، ومآل الطريقين واحد وهو راجع إلى الطريق المعلوم مما ذكر سابقا.

فهاهنا ثلاثة طرق لأخذ الأرش :

أحدها :

ما علم سابقا مما ذكره الشارح والمصنّف.

وثانيها :

ما ذكره الشارح بقوله : « أن تجمع القيم الصحيحة ».

وثالثها :

ما ذكره بقوله : « وينسب » إلى آخره ولا يحتاج في الطريقين الأخيرين إلى أخذ القيمة أولا ، بل يحصل ذلك في ضمن أخذ الأرش.

وتوضيح الطريق الاول منهما : أنه يجمع القيم الصحيحة على حدة ، ويجمع القيم المعيبة أيضا على حدة ، وينسب إحداهما إلى الاخرى أي : يؤخذ التفاوت بينهما ، ثمّ يؤخذ من الثمن بتلك النسبة أي : بنسبة التفاوت إلى الصحيح.

وتوضيح الطريق الثاني منهما : أن ينسب معيب كلّ قيمة إلى صحيحها ، ويؤخذ قدر


النسبة أي التفاوت بينهما ويجمع ، وينسب المجموع الى المجتمع من الصحيحين ، ويؤخذ من [ الثمن ] بنسبتها.

وعلى هذا فالمراد من قوله في الطريق الأوّل : « وتنسب إحداهما إلى الاخرى » لازمه ، وهو تحصيل التفاوت بينهما وأخذه والمراد من قوله : « ويؤخذ بتلك النسبة » : هو معناه الشائع بينهم في هذا المقام كما مرّ في قول الشارح : « ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة »

والمراد من قوله في الطريق الثاني : « ويجمع قدر النسبة » : أيضا لازمه أي : يجمع التفاوت بين كلّ قيمة معيب وصحيحها. والمراد من قوله : « يؤخذ من المجتمع بنسبتها » :أنه يؤخذ من المجتمع من مجموع الصحيحين بنسبة قدر النسبة المجموعة أي : ينسب مجموع قدر النسبة ـ أي : التفاوتين ـ إلى مجموع الصحيحين. ولما كان تتمة العمل وهي الأخذ من الثمن بهذه النسبة معلوما مذكورا مكررا تركها.

والملخص أنه إذا تعدّدت القيم يمكن أخذ الأرش بثلاث طرق متحدة مآل كلّ منها مع الآخر ومع ما إذا اتّحدت القيمة.

أحدها :

أن يؤخذ القيمة المنتزعة من مجموع القيم ، ويؤخذ الأرش بالطريق المتقدم أي : بنسبة التفاوت إلى الصحيح وأخذ مثله من الثمن.

وثانيها :

أن لا يؤخذ القيمة المنتزعة ، بل تجمع القيم [ الصحيحة ] ، ثم المعيبة ، ويؤخذ الأرش بالطريق المتقدّم أي : بنسبة تفاوت مجموع المعيبين والصحيحين إلى مجموع الصحيحين ، وأخذ مثله من الثمن.

وثالثها :

أن لا تؤخذ المنتزعة ، ولا تجمع الصحيحة والمعيبة ، بل ينسب كلّ معيب إلى صحيحها ، ويؤخذ الأرش بالطريق المقدّم أي : بجمع مجموع ما يكون من التفاوت ونسبته إلى مجموع الصحيحة ، وأخذ مثلها من الثمن.


فالتفاوت بين الطرق في كيفية تحصيل التفاوت بين المعيب والصحيح ، لا غير. وعلى هذا يتّحد جميع الطرق الثلاثة في جميع المواضع ، ولا يختلف أصلا كما سنذكر.

وأما ما ذكره الشارح من حصول التفاوت بين الطريقين الأخيرين في بعض الأوقات ، فهو ناش عن الغفلة عن المراد في الطريق الأخير.

قوله : وقيل : ينسب إلى آخره.

قد علم توضيح العبارة على ما حملنا هذه الطريقة عليه. وأما الشارح فقد حمل قوله :

« ويجمع قدر النسبة » على أنه بعد نسبة كل قيمة معيب إلى صحيحها يجمع قدر النسبة من الثمن ويؤخذ من المجتمع من هذه التفاوتات المنسوبة إلى الثمن بنسبة عدد القيم أي :بنسبة الواحد إلى عدد القيم فيجمع في المثال الآتي السدس وثلاثة أثمان من الثمن ، ويؤخذ نصفه.

ولا يخفى عدم مدخليّة ذلك في الأرش.

قوله : كما لو قالت إحدى البيّنتين.

طريق أخذ الأرش على هذا على الطريق المستفاد مما ذكره سابقا أن يجمع اثنا عشر مع الثمانية يحصل عشرون فينصف ، وهو القيمة الصحيحة ، ثمّ يجمع العشر مع الخمسة يحصل خمسة عشر فينصف ، وهو القيمة المعيبة.

والتفاوت بين النصفين ربع النصف الذي هو قيمة الصحيح أي : اثنين ونصف فيؤخذ ربع الثمن.

قوله : فالتفاوت بين القيمتين

هذا إشارة إلى طريق [ أخذ ] الأرش بالطريق الأوّل الذي ذكره الشارح من الطريقين. حاصله : أنه يجمع الصحيحان يحصل عشرون ، والمعيبان يحصل خمسة عشر ، ويؤخذ التفاوت بينهما من غير تنصيف. والتفاوت هو ربع الصحيحين يؤخذ مثله من الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريق السابق.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى طريق أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين اللذين ذكرهما


الشارح. وحاصله على ما ذكرنا : أنه تنسب احدى المعيبتين ـ وهي العشرة ـ إلى صحيحتها ، وهي اثنا عشر ، والتفاوت سدس الصحيحة هنا وهو اثنان ، ثم ينسب الاخرى إلى الاخرى ، والتفاوت ثلاثة أثمان الصحيحة هنا ، وهي ثلاثة [ ثمّ ] يجمع سدس اثني عشر وثلاثة أثمان الثمانية أي : خمسة ، وينسب إلى مجموع الصحيحتين وهو العشرون ، يحصل الربع ، فيؤخذ مثله من الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريقين السابقين ، وبناء الشارح على أنه يؤخذ السدس وثلاثة أثمان من الثمن.

قوله : ومجموع ذلك من الاثني عشر.

أي : الاثني عشر الذي هو الثمن المفروض بقوله : « لو كان كذلك » لا الاثني عشر الذي هو إحدى قيمتي الصحيح

قوله : ولو كانت ثلاثا.

طريق أخذ الأرش في هذا المثال على الطريق السابق المستفاد وأخذ القيمة أن تجمع القيم الصحيحة ، فيحصل ثلاثون ، فيؤخذ ثلثه ، وهو عشرة ، ثمّ تجمع المعيبة ، فيحصل أربعة وعشرون ، فيؤخذ ثلثه وهو ثمانية ، والتفاوت بين الحاصل من قيمة الصحيحة والحاصل من المعيبة خمس الصحيحة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : والتفاوت ستّة.

هذا إشارة إلى طريق أخذ الأرش بالطريق الأوّل من الطريقين. وحاصله : أنه تجمع القيمة الصحيحة ، فيحصل ثلاثون ، والمعيبة فيحصل أربعة وعشرون ، ويؤخذ التفاوت بينهما وهو خمس مجموع الصحيحة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين ، وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب الاثنا عشر إحدى القيم الصحيحة إلى العشرة إحدى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي :سدس الاثني عشر ، وهو اثنان ، ثمّ ينسب العشرة إحدى الصحيحة إلى الثمانية إحدى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي : خمس العشرة ، وهو أيضا اثنان ، ثم ينسب الثمانية إحدى الصحيحة إلى المعيبة ، ويؤخذ التفاوت أي : ربع الثمانية ، وهو أيضا اثنان. ثمّ يجمع مجموع


ما به التفاوت فيحصل ستّة ، ينسب إلى مجموع قيم الصحيحة ، وهو ثلاثون ، يكون خمسة ، فيؤخذ خمس الثمن.

قوله : فطريقته تنصيف المعيبتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش في هذا المثال بالطريق السابق أي : الطريق الأوّل من الطرق الثلاثة التي ذكرناها.

قوله : أو تجمع المعيبتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش في المثال بالطريق الثاني منها أي : الطريق الأوّل من الطريقين اللذين ذكرهما الشارح. ووجه تضعيف الصحيحة حينئذ أنه لما كانت اللازم على أصل القاعدة وهى أخذ القيمة المنتزعة أن ينسب نصف المعيبتين إلى الصحيحة ، ونسبة نصف الشي‌ء إلى شي‌ء كنسبة نفس الشي‌ء الأوّل إلى ضعف الشي‌ء الثاني ، فإذا لم ينصف المعيبتان يلزم تضعيف الصحيحة ، ثمّ النسبة.

قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين ، وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب أحد المعيبتين وهي العشرة إلى الاثني عشر قيمة الصحيحة ، فيحصل التفاوت سدس اثني عشر ، وهو اثنان ، ثمّ ينسب المعيبة الاخرى وهي الستّة إلى الاثني عشر الصحيحة ، فيحصل التفاوت نصف اثني عشر ، وهو الستّة ، ويجمع التفاوتان تحصل ثمانية ينسب إلى ضعف الصحيحة ، وهو أربعة وعشرون ، يكون ثلاثة ، فيؤخذ ثلث الثمن ، وهو بعينه الحاصل من الطريقين الأوّلين.

قوله : فإن شئت جمعتهما.

أي : الصحيحتين والمعيبتين بتضعيف المعيبة. وهذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الأول من الطريقين. وحاصله : أن يجمع الصحيحتان يحصل ثمانية عشر ويضعف المعيبة يحصل اثنا عشر ، ويؤخذ التفاوت وهو الثلث.

قوله : أو أخذت نصف الصحيحتين.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الأوّل من الثلاثة.


قوله : وعلى الثاني.

هذا إشارة إلى أخذ الأرش بالطريق الثاني من الطريقين. وحاصله على ما ذكرنا : أن ينسب الستّة المعيبة إلى الثمانية الصحيحة ويؤخذ التفاوت وهو ربع الثمانية اثنان ثم ينسب الستة المعيبة إلى [ الثمانية الصحيحة ويؤخذ التفاوت ، ] (١) وهو ربع الثمانية وخمسا العشرة. أي : ستّة ينسب إلى مجموع الصحيحتين ، وهو ثمانية عشر يحصل الثلث ، فيؤخذ من الثمن.

قوله : وهو ينقص عن الثلث بنصف خمس.

يعني : أن الثمن والخمس المنسوبين إلى الثمن المفروض هنا ، وهو اثنا عشر ، ينقص عن الثلث أى الثلث المعهود ، وهو ثلث اثني عشر ، بنصف خمس الواحد ، لا أن الثمن والخمس لكلّ عدد ينقص عن ثلثه بنصف خمسه ، أو نصف خمس الواحد ؛ إذ ليس كذلك كما لا يخفى.

قوله : وما تقدّم.

أي : تقدّم في بحث خيار الحيوان ، وما تقدّم إشارة إلى ما ذكره بقوله : « ولو قصد به الاستخبار » إلى اخر ما ذكره في هذا البحث.

قوله : ولو رضي البائع

أي : فيما لو حدث عيب مضمون على المشتري.

قوله : وفي حكمه.

أي : في حكم ما ذكر من التصرف وحدوث العيب مع إيجابه المنع من الرد. أو في حكم حدوث العيب حيث إنّ تبعّض الصفقة والشركة أيضا عيب ، والضمير المجرور في قوله :« ظهر فيه » راجع إلى المبيع المدلول عليه بقوله : اشترى ، أو الى الصفقة باعتبار كونها مبيعا. ثمّ لا فرق في ظهور العيب في كل من أفراد الصفقة ، أو في بعضها ، الموجود كان ذلك البعض أو التالف.

قوله : وأولى بالمنع من التفرق.

__________________

(١) الصحيح [ العشرة الصحيحة وهو خمسا العشرة أربعة ، ثمّ يجمع التفاوتان ] فلا تغفل.


يعني : أولى بأن يمنع من تفرق المتشاركين في الصفقة بأن يحكم لأحدهما بالرد ، وللأخير بالأرش ، أو السقوط. أو من تفرق الصفقة بأن يأخذ أحد المشاركين حصة منها مع الأرش ، أو بدونه عند الإسقاط ، ويردّ الآخر حصّته. وقوله : « الوارث » خبر لقوله :« أولى ». أي : الوارث عن واحد إذا كان متعدّدا أولى بالمنع من التفرّق ممّا إذا كان المشتري نفسه متعدّدا.

والمراد : أنه إذا اشترى شخص صفقة واحدة أو متعدّدة ، ثم مات ، وانتقلت إلى الوارث المتعدّد ، وظهر فيها عيب ، وامتنع بعض الورثة عن الرد ، وأراد بعضهم الرد ، فمنع ذلك البعض عن الرد أولى من منعه إذا كان نفسه مشتريا مع غيره.

قوله : لأنّ التعدّد طارئ.

تعليل لأولوية المنع. وبيانه : أنه إذا كان الشريكان مشتريين بنفسهما يمنع أحدهما عن الرد بامتناع الآخر مع أنّ المشتري كان متعدّدا أولا ، فيحتمل كون حصّة كلّ منهما مبيعا منفردا فيتعدّد المبيعان ، وكذا البيع ، فيحتمل عدم سقوط ردّ أحدهما بامتناع الآخر ولذا قال بعض الفقهاء بجواز ردّ أحدهما أيضا حينئذ مستدلا بذلك ، بخلاف ما لو انتقل إلى المتعدّد من المورث الواحد ، فإن المبيع والمشتري كان أوّلا واحدا وطرأ التعدّد بعد العقد وهو لا يوجب تعدّد المبيع والبيع قطعا.

قوله : غير مقيّد بالأرش.

فإنّه لو قيّده بالأرش يسقط الرد خاصّة ، لا هما معا.

قوله : وأولى منه.

أي : من الرضا. ووجه الأولويّة : أنّ دلالة الرضا على سقوط الرد والأرش التزامية ، ودلالة إسقاط الخيار صريحة.

قوله : على أصحّ القولين.

مقابل الأصح قول ابن الجنيد ، وابن البراج بعدم السقوط بالبراءة عن عيب [ غير ] معيّن.

قوله : ولا فرق.

أي : في سقوط الخيار ببراءة البائع.


قوله : حيث تكون مضمونة على البائع.

قيد للمتجدّدة ، والتقييد به ؛ لأنّ ما يتجدّد وليس مضمونا على البائع ، لا يوجب خيارا ، حتى ينفع البراءة منه.

قوله : لأنّ الخيار بها إلى آخره.

الضمير المجرور راجع إلى « المتجدّدة » والمراد بالسبب : سبب الخيار. وقوله :« حينئذ » أي : حين العقد. وغرضه من هذا التعليل دفع ما يقال من : أنه كيف تصح البراءة حين العقد من المتجدّدة ، مع أنها غير موجودة حال العقد ، فلا معنى للبراءة عنها ، فإنّ البراءة إنما تكون عن شي‌ء موجود.

وحاصل التعليل : أن الغير الموجود حين العقد هو سبب الخيار الذي هو العيب ؛ فانه لم يوجد بعد ، فلا يضمنه حينئذ ، ولكن الخيار يثبت بأصل العقد حين العقد أي : يلزم العقد أن له الخيار لو وجد سببه ، فالخيار المقيّد يحصل له بأصل العقد [ و ] إن لم يحصل له الخيار المطلق.

خيار التدليس

قوله : ومنه اشتراط صفة.

أي : من التدليس أن يشترط اتّصاف المبيع بصفة ، فعلم فقدانها فيه. والتصريح به ؛ لأجل خفاء كونه من التدليس. حيث إن الظاهر أن يعمل أمر يشتبه بسببه الواقع.

وقوله : « سواء كان من البائع أم المشتري » أي : سواء كان الاشتراط من البائع في المبيع ، أم من المشتري في الثمن ، أو سواء كان من البائع في المبيع أم من المشتري فيه ، بأن يبتاعه بشرط صفة لم تكن فيه ، وسكت البائع عن بيان فقدانها فيه.

قوله : أو توهّمها المشتري.

يعني : أو توهّم المشترى صفة موجودة فيه كمالا ذاتيا وإن لم يشترط البائع كونها كمالا ذاتيا وقوله : « كتحمير الوجه » مثال للصفة المتوهّمة كمالا أي : كالحمرة الحاصلة بالتحمير ، واتصال الشعر الحاصل بالوصل ، وإلّا فنفس التحمير والوصل لا يصلحان مثالين للصفة ، ولا للتوهّم.


ويمكن أن يكون المعتبر توهمها بعمل من البائع كتحمير الوجه حتى يكون التحمير والوصل مثالين للعمل.

قوله : والواقع ليس بعيب.

أي : الحالة الواقعية الحاصلة بدون التحمير والوصل ليست بعيب ، بل فوات أمر زائد على أصل الخلقة ، وهو حمرة الوجه وطول الشعر.

ولا بدّ من التقييد بما إذا لم يكن الواقع نقصا عن أصل الخلقة كما إذا كانت الأمة أسمر ، فحمر وجهها. أمّا إذا كان نقصا كما إذا كان أصفر اللون بسبب عارض ، فيكون عيبا وله الأرش.

قوله : بل يحتمل ثبوتهما.

أي : ثبوت الرد والأرش المخيّر فيهما ؛ [ وقوله ] « لما ذكرناه » إشارة الى ما ذكره من أنّ البكارة مقتضى الطبيعة وفواتها نقص.

قوله : وإنما يثبت الحكم إلى آخره.

وهو الرد والارش.

قوله : قد تذهب.

أي : بعد البيع.

قوله : وغيرهما.

كحمل ثقيل أو سقطة.

قوله : ترتب الحكم.

حيث ان العيب المتجدد فيهما مضمون على البائع ؛

قوله : لجواز تعلّق غرضه.

مثل أن يكون المشتري عاجزا عن وطئ البكر.

قوله : وكذا التصرية.

أصله من الصري. يقال : صرى الماء زمانا في ظهره أي : احتبس فيه. وقوله : « وكذا التصرية » أي : كتحمير الوجه ووصل الشعر ، فيوجب الرد لو فعل ذلك وإن لم يشترط.


قوله : عادة.

متعلّق بقوله : « اتفقت » أي : اتفقت عادة ، فلا يضر النقصان القليل.

قوله : وإن اختلفت.

أي : اختلفت مع السابقة على البيع.

قوله : يثبت الخيار.

لا يخفى أنّ بعد ثبوت الخيار بنقصان بعض الحلبات عن الاولى في الثلاثة ، فلو زاد في الثلاثة بعد النقصان لا تظهر فائدة [ في ] التأخير إثبات الخيار إلى بعد الثلاثة. وأيضا يظهر من إطلاق العبارة أنّه لو نقصت حلبة واحدة في الثلاثة عن الاولى يثبت الخيار ، ولو زاد بعدها مستمرا ، وهذا بعيد جدّا ؛ لأنّ الظاهر حينئذ عدم استناد تغيّر اللبن في تلك الحلبة الواحدة إلى التصرية ، بل إلى العلف ، أو المكان ، أو الشرب ، أو غير ذلك.

ويظهر من كلام العلّامة : أنّه لا أثر للنقصان في اليوم الثاني ما لم يستمر إلى الثالث ، بل يظهر من كلام بعض آخر أيضا : أن اللازم النقصان في الثلاثة.

ويمكن توجيه كلام الشارح أيضا بأن يقال : « في الثلاثة » في قوله : « ولو زاد بعدها في الثلاثة » ليس متعلّقا بقوله : « زاد » بل بالناقصة التي هي مرجع الضمير في قوله : « بعدها » أي : وإن زاد اللبن بعد الحلبة الناقصة في الثلاثة. ويحمل الزيادة على البعض على كونها بعد الثلاثة ، ولكنّه خلاف ظاهرها.

قوله : بلا فصل.

متعلّق بقوله : « بعد الثلاثة » وقوله : « على الفور » متعلّق بقوله : « ثبت ».

قوله : ولو ثبت ... بالإقرار ، أو البيّنة.

لا يخفى أنّ الفرق بين ثبوت التصرية بالإقرار أو البيّنة وبين ثبوتها بالاختيار بعد اشتراط النقصان في الخيار بالثبوت بالبينة والإقرار على القول بعدم اشتراط استمرار النقصان إلى تمام الثلاثة كما هو ظاهر عبارة الشارح ، يكون في مجرد وقت الخيار فعلى الاختبار يكون الخيار بعد الثلاثة ، وعلى البينة والإقرار يكون مدّة الثلاثة.


وأمّا على القول باشتراط الاستمرار والنقصان في الاختبار ، فيكون نفس اشتراط الاستمرار فرقا آخر أيضا.

قوله : ويشكل بإطلاق توقّفه على الاختبار ثلاثة.

أي : يشكل جعل خيار التصرية بالثلاثة خيار الحيوان بإطلاق توقّفه أي : ذكر توقّف خيار التصرية على الاختبار ثلاثة ، فلا يحصل إلّا بعد الاختبار الغير الحاصل إلّا بعد الثلاثة ، فلا يجامع خيار التصرية الثلاثة اي لا يتحقّق في ظرف الثلاثة لأنّه لا يثبت بدون اختبار الثلاثة ، وخيار الحيوان إنّما يكون في ظرف الثلاثة.

وظهر ممّا قلنا أنّ المراد بالإطلاق : الذكر لا الإطلاق الاصطلاحي المقابل للتقييد.

ويمكن أن يراد به : الإطلاق المصطلح ، ويكون المراد : إطلاق الثلاثة من غير تقييد بجزء منها أي : لم يقيّد الثلاثة والاختبار بجزء منها حتّى يتحقّق الخيار في ظرف الثلاثة أيضا.

قوله : والحكم بكونه إلى آخره.

أي : رفع الإشكال : بأن يحكم بكون المشتري مخيّرا بالتصرية في آخر جزء من الثلاثة حتّى يجامع الخيار الثلاثة أيضا كخيار الحيوان يوجب ارتكاب المجاز في لفظ « الثلاثة » حيث اطلقت الثلاثة التي هي حقيقة في تمامها على ما سوى آخر جزء منها.

هذا ، مع [ أنّ ] ذلك أيضا لا يوجب رفع الإشكال ؛ لأنّ خيار الحيوان في مجموع الثلاثة ، وهذا يكون في آخر جزء منها ، فلا يتّحدان.

خيار الاشتراط

قوله : ويصحّ اشتراط سائغ في العقد.

أي : يصحّ أن يشترط في العقد أمر سائغ. فقوله : « سائغ » بالجر لا بالرفع كما قيل ؛ إذ على الرفع يكون صفة للاشتراط ، فيصير المعنى : ويجوز اشتراط متّصف بجواز اشتراطه ، وهذا إثبات الشي‌ء لنفسه ، أو يكون معناه : والاشتراط الجائز جائز.

فإن قلت : لا ضير في ذلك ، لأنّه يكون المعنى : والاشتراط الجائز جائز في العقد.


لأنا نقول : الاشتراط لا يكون إلّا في العقد ، فمعنى الاشتراط الجائز الاشتراط الجائز في العقد.

ثمّ قوله : « في العقد » يكون متعلّقا بقوله : « يصح » ، لا بقوله : « سائغ » ؛ إذ لو تعلّق بسائغ يكون المعنى : ويجوز أن يشترط في العقد شرط جائز في العقد ، هذا كلام لغو.

قوله : او يمنع منه الكتاب والسنّة.

لفظة « الواو » بمعنى : « أو ». والضمير المجرور راجع إلى الاشتراط أي : يمنع من اشتراطه الكتاب والسنّة ، سواء كان نفس المشروط أيضا ممنوعا كشرب الخمر والسرقة ، أو كان نفسه جائزا ، ولكن لم يجز اشتراطه كالشروط المنافية لمقتضى العقد كعدم التصرّف في المبيع ، أو عدم وطء الأمة المبتاعة.

قوله : وجعل ذلك.

قيل : المشار إليه عدم الجهالة ، وعدم منع الكتاب والسنّة.

ولا يخفى أنّ الشرط المجهول أمر سائغ ، ولكنّه لا يصحّ في العقد ، فلا يكون قيد « السائغ » مغنيا عن قيد « عدم الجهالة » ، فلا يصحّ جعل ذلك إشارة إليه ، بل هو إشارة إلى الأخير خاصة.

نعم لو قرئ « سائغ » ـ بالضم ـ حتّى يكون صفة للاشتراط لكان مغنيا عن عدم الجهالة أيضا ؛ لأنّ اشتراط المجهول غير سائغ ، ولكن قد عرفت أنه مجرور بحذف المضاف.

نعم ، يكون قيد منع الكتاب والسنة على جعل الضمير المجرور راجعا إلى الاشتراط مغنيا عن قيد عدم الجهالة ، ولا محذور فيه ؛ لجواز إغناء اللاحق عن السابق. ثمّ كون قيد « السائغ » مغنيا عن قيد « منع الكتاب والسنّة » إنّما هو على إرجاع الضمير إلى المشروط ، وأما على ما ذكرنا من إرجاعه إلى الاشتراط لا يكون مغنيا عنه ؛ لجواز أن يكون أمر سائغا ، ومنع من اشتراطه الكتاب والسنّة كما مر ، فبناء الشارح على الاحتمال الأوّل ، ولكن الظاهر أنّ بناء المصنّف على الثاني.


ثمّ قوله : « متكلّف » ـ بفتح اللام ـ خبر للجعل أي : متكلّف فيه. وفي بعض النسخ :« تكلّف » وهو أظهر.

قوله : شرط وطء البائع إيّاها.

إظهار قوله : « شرط » هنا دون سابقه ؛ لئلّا يتوهّم عطف وطء البائع على وطء الأمة.

قوله : فيما بعد.

احتراز عن اشتراط كونها حاملا حال البيع ؛ فإنّه جائز ؛ لكونه أمرا واقعا إذ كان ويمكن تحصيل العلم به ولو بعد مدّة.

قوله : إلى أوان السنبل.

لا يخفى أنّ جهالة اشتراط التبقية إلى أوان السنبل من وجهين : أحدهما : من جهة صدق السنبل حيث إنّه يطلق على ما بلغ أوّله إلى أوان الحصاد. وثانيهما : من جهة أوان بلوغ السنبل.

وقوله : « يحمل على المتعارف من البلوغ » يحتمل الأمرين ، ولكن لا يخفى أنّ كون المتعارف من أوان البلوغ منضبطا محل نظر ؛ لتفاوت الشيئين ( كذا ) بحسب شدّة حرارة الهواء وخفّتها ، وتقديم الزرع وتأخيره في وقت بلوغ السنبل ، نعم ينضبط أوانه في تمثيل ( كذا ) أوائل الصيف ـ مثلا ـ وهذا لا يرفع الجهالة.

قوله : فإذا بطل يجهل الثمن.

قيل : لا وجه لكون الثمن مجهولا ؛ فإنّ الباقي والمجموع المركب منه ومن الشرط الباطل معلومان ، نعم لم يسلم الثمن بتمامه.

أقول : اعلم أنّ الشرط تارة يكون جزءا من المبيع كأن يشترط في العقد أن يعمل البائع للمشتري عملا بلا اجرة ، واخرى جزءا من الثمن كما يشترط عمل المشتري للبائع. فعلى الأوّل : إذا بطل الشرط بطل جزء من المبيع ويلزمه بطلان جزء غير معلوم من الثمن ، فيصير الثمن مجهولا.

وعلى الثاني : يبطل جزء معلوم من الثمن ، ولا يلزم جهل الثمن ونظر الشارح إلى الأوّل ، ونظر الباحث إلى الثاني.


ويمكن أن يراد بالثمن : أحد العوضين مطلقا كما يطلق ، وحينئذ يصحّ الحكم بجهل الثمن في الصورتين ، ولا يكون للبحث مجال.

قوله : كشرط الوكالة في العقد.

متعلّق بالشرط. ويمكن تعلّقه بالوكالة أي : شرط الوكالة في عقد ، والمراد بشرط الوكالة : أن يشترط في العقد كونه وكيلا ، لا أن يشترط أن يوكّله بعد ذلك ؛ لاحتياجه حينئذ إلى صيغة اخرى بعد العقد.

ثمّ شرط الوكالة تارة يكون مع تعيين مدّة الوكالة كأن يشترط كونه وكيلا إلى شهر ، واخرى بدون التعيين ، وفي الأوّل لا يجوز له العزل بعد العقد ، وأما في الثاني فيجوز والمراد بشرط الوكالة في المثال : هو الأوّل خاصّة ، فلا يرد ما قيل من : أنّ الوكالة ممّا يمكن عزل الوكيل بعد العقد ، غاية الأمر تحقّق أصل الوكالة بالعقد ، فيكون ممّا يجوز الاخلال به بعد العقد ، ولا يتحقّق فرق بينه وبين القسم الآخر ، ويلزم منه كون هذا التفصيل من المصنّف غير مختاره في هذا الكتاب.

بل في عدم الفرق في صورة عدم تعيين هذه الوكالة أيضا نظر ؛ لأنّ العزل الطارئ بعد العقد هو أمر آخر سوى أصل الوكالة ، فجوازه لا يوجب جواز الاخلال بأصل المشروط من حيث هو مشروط ، ومقتضى جواز الإخلال به عدم لزوم أصل الوكالة بالعقد لا بقائها ، فتأمل.

خيار الشركة

قوله : فيصير.

تفريع على البقاء خاصّة.

قوله : لمناسبته إلى آخره.

بيان لعلاقة المجاز ، والمراد : أنّ العلاقة هي المناسبة ـ أي : المشابهة ـ في نقص المبيع.

غاية الأمر أنّ النقص في العيب بحسب أصل الخلقة وليس بحسبه في الشركة.

وقوله : « في نقص المبيع » بيان لوجه المشابهة. وقوله : « بسبب الشركة » بيان لعلّة نقص المبيع هاهنا ، وليس تتميما وجزءا لوجه المشابهة ، فإن النقص في العيب ليس بسبب الشركة.


قوله : بفوات وصف.

يحتمل تعلّقه بقوله : « فكان » أي : كان بسبب فوات وصف كالعيب ، وتعلّقه بالعيب أي :كان كالعيب الكائن بفوات وصف والثاني أولى وأظهر.

خيار تعذر التسليم

قوله : ظنّا.

حال عن فاعل « اشترى ». والمصدر بمعنى الفاعل. والتقييد به ؛ لأنّه لو علم عدم إمكان التسليم ، بل ولو ظنّه لم يكن له خيار.

قوله : ونحو ذلك.

يمكن أن يكون المشار إليه كلّا من الطائر والعبد والدابة أي : ونحو الطائر والعبد والدابة المذكورات ، فيكون التشبيه في المثال. ويمكن أن يكون المشار إليه كلّا من الإباق والشرد وعدم العود ، فيكون المراد ؛ ونحو ذلك من موجبات العجز كأن يغصب أحدها ولم يمكن تخليصه ، أو فقد بحيث لم يظهر ، وغير ذلك.

قوله : ولما لم ينزل ذلك إلى آخره.

لا يخفى ما في تعليل الجبر بالتخيير بعدم التنزيل منزلة التلف ؛ فإنّ عدم التنزيل منزلة التلف ليس علّة للجبر بالتخيير ، بل هو علّة لعدم بطلان البيع ، والجبر بالتخيير معلول لحصول الضرر.

والتوجيه : أنّ المعنى : أنه لما أوجب تعذّر التسليم الضرر ولم ينزل منزلة التلف جبر بالتخيير خاصة من دون بطلان البيع. ففي كلّ من الشرط والجزاء مقدّمة مقدرة معلومة بقرينة المقام ، بل بدلالة كلّ من المقدّمتين المذكورتين فيهما على المحذوفة ؛ فإنّه يفهم من قوله : « لم ينزل منزلة التلف » أنّ فيه ما يوجب توهم ذلك ومن « الجبر بالتخيير » أنّ البيع لم يبطل. والمقدّمة المذكورة في الشرط علّة للمطويّة في الجزاء ، والمطوية في الشرط علّة للمذكورة في الجزاء.

والسر في هذا التعبير : أنّه أراد الإشارة الى علّة التخيير مع دفع توهّم أنّه يشبه التلف ، فيوجب بطلان البيع ، وبيان علّة انّه لم يوجب البطلان ، وذكر الجميع يوجب الإطناب ، وكان الأهم دفع التوهّم ، فصرّح به على نحو مشعر بالعلّة أيضا كما ذكرنا.


الفصل العاشر

[ الحكم ] الثاني في القبض

قوله : وفي المعتبر كيله.

أي : فيما يكون له اعتبار مخصوص لرفع الجهالة ، والاعتبار المخصوص الذي اعتبروه منحصر بالكيل والوزن والعدّ ، فيكون المعنى : وفي المعتبر أي : في المكيل والموزون والمعدود : كيله ، ووزنه ، وعدّه.

قوله : والمعدود نقله.

أي : نقل المشتري إيّاه ، فإنّه هو القبض ، لا نقل البائع ؛ فإنّه ليس قبضا ، ولا إقباضا وتسليما ؛ لأنّهما إدخال المبيع في يد المشتري ، ونقل البائع لا يستلزمه وإن ترتّب عليه في بعض الحالات.

قوله : ينتقل الضمان.

أي : الضمان الذي كان متعلّقا بالبائع قبل البيع والقبض وهو عبارة عن كون المبيع بحيث لو تلف كان محسوبا من ماله ، فإنّه ينتقل بعد القبض الى المشتري ، يعني : لو تلف يكون حينئذ من ماله ، وخسرانه عليه.

قوله : فمن البائع مطلقا.

سواء كان التلف من الله ، أو من البائع ، أو من الأجنبي ، وأما من المشتري فهو بمنزلة القبض ، فلا يرد أنّه لا يصحّ الإطلاق.

ثمّ إنّهم ذكروا في تصحيح كون الضمان على البائع مع كون المبيع مال المشتري أنه يقدر دخوله في ملك البائع قبل التلف بأقلّ زمان ، ويكون التلف كاشفا عنه كدخول الدية في ملك الميّت ، ودخول العبد في ملك المعتق عنه ، والصداق في ملك المصدق عنه.

قوله : هذا إذا كان إلى آخره.

أي : فسخ التلف للبيع من حينه ، لا كون الضمان على البائع ؛ لأنّه إذا كان التلف من البائع أو الأجنبي يكون الضمان على البائع أيضا ، إلّا أنه يتفاوت مع التلف من الله في جواز مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة.


قوله : وأولى بتحقّق القبض.

وجه الأولويّة : أنّ الرضا في يد البائع إنما هو مع إمكان القبض ، فهو في حكم ما أودعه عنده باختياره ، وأما الرضا في يد الغاصب فلعدم إمكان الرد ليس باختياره ، ولا شكّ أنّ كونه في يد البائع حينئذ يكون بإذنه ، بخلاف يد الغاصب. والابقاء مع الإذن أقرب إلى القبض من الإبقاء بدونه وإن رضي.

ومن هذا ظهر أنّ الرضا في يد البائع مع عدم إمكان القبض بأن لا يعطيه أيضا ، ككونه في يد الغاصب. ومراد الشارح : الرضا بكونه في يد البائع مع إمكان الرد.

قوله : بمنزلة النقص الداخل.

أي : الداخل على المبيع. ووجه كونه بمنزلة النقص الداخل عليه : أنّ النقص الداخل عليه أعمّ من أن يكون في العين أو في الوصف ، وترتّب المنفعة عليه في مدّة كونه في يد الغاصب وصف للمبيع ، وقد نقص قبل القبض.

وقد يعلّل ضمانه : بأنّه نقص على نفس المبيع ؛ لأنّ المبيع ليس هو العين فقط ، بل هي وتوابعها التي منها منفعة مدّة كونه في يد الغاصب ومنعه ظاهر.

قوله : حضر الاعتبار.

أي : الكيل ، أو الوزن ، أو العدد المعتبر في المكيل والموزون والمعدود.

الثالث في ما يدخل في المبيع

قوله : والضابط

أي : يرجع فيه إليهما ، بمعنى أنّ كلا منهما المرجع في الجملة ، فاللغة إذا لم يكن فيه عرف ، وإلّا العرف.

قوله : وكذا يراعى الشرع.

إنما لم يذكره المصنّف ، إذ ليس في المبيع ما كانت له حقيقة شرعية كما لا يخفى ، وإن أمكن تحقّقها في غير المبيع ممّا يتعلّق بالعقد.

قوله : ثمّ ان اتفقت.

أي : اتّفقت الثلاثة : اللغة والشرع والعرف. والمراد باتفاقها : أن لا يكون للفظ سوى


المعنى اللغوي ، فيتكلّم في الشرع والعرف أيضا بمتابعة اللغة ، لا أن يكون فيه النقل العرفي ، أو الشرعي ، أو هما ، ويطابق مع اللغة ، كما قيل ؛ إذ مع التطابق لا يكون نقل.

قوله : ثمّ اللغوي.

عطف على « العرفي » أي : ثمّ يقدّم اللغوي والمراد بتقديمه : ما هو لازم التقديم أي :يرجع إليه ، وإلّا فمع الانحصار في اللغوي لا معنى للتقديم. ومعنى قوله : « قدّم الشرعي » إلى آخره : أنه إن كانت الثلاثة موجودة يقدّم الشرعي ، وكذا لو وجد اثنان أحدهما الشرعي. وإن لم يوجد الشرعي ، ووجد العرفي واللغوي يقدّم العرفي ، وإلّا يرجع إلى اللغة وكذا لو وجدت الثلاثة ولم يمكن الحمل على الشرعي ، واحتمل الباقيان يقدّم العرفي ، وإن لم يمكن الحمل على العرفي أيضا يقدّم اللغوي.

وعلى هذا فيمكن تحقّق تقديم اللغوي أيضا على غيره أي : الرجوع إليه مع عدم الانحصار.

ثمّ إنّ الرجوع إلى أحد الثلاثة إذا لم يلتفت البائع والمشتري إلى جزئيّات المبيع وأجزائه وتوابعه ، أو وقع بينهما التنازع في المقصود ، وإلّا فالمرجع مقصودهم ؛ فإنّ العقود تابعة للقصود.

والوجه في الرجوع إلى الثلاثة عند عدم الالتفات أو التنازع : أنّ الظاهر الغالب من حالهما تكلّمهما بعرفهما وبدون العرف أو الشرع باللغة كما هو المتعارف في المحاورات. وعلى هذا فمع وجود العرف العام أو الخاص لهما يشكل الرجوع إلى الحقيقة الشرعية ، بل الظاهر الرجوع إلى العرف. وأما تقديم الشرعيّة في كلام الشارح ، فإنّما هو لأجل أنه عرفه.

والحاصل أنه لا إشكال في الرجوع إلى احد الثلاثة مع الانحصار ، ولا في تقديم العرف العام على كلّ من اللغة والشرع ، بل ولا في تقديم العرف الخاص للبائع والمشتري على كلّ منهما ، وإنّما الإشكال في ترجيح اللغة والشرع إذا لم يطابق عرف الشرع عرفا ما ، وكذا في ترجيح كل من العرف العام والخاص لهما على الآخر ، وهذا لا يظهر حكمه من العبارة. وكذا يشكل فيما إذا تعارض العرف الخاص للبائع مع الخاص للمشترى ، ولا يبعد الحكم ببطلان البيع هنا حيث إنّ الظاهر من كلّ منهما إرادة عرفه.


قوله : ويدخل فيه الطريق والشرب.

لا شك في دخول الطريق. وأمّا في دخول الشرب نظر حيث إنه مختلف باختلاف البلاد ، فإنّ منها ما يباع كلّ من البستان والماء على حدة ، فاللازم الرجوع إلى عرف البلد.

قوله : والعريش

العريش : شي‌ء يعمل من الخشب وغيره يشبه السقف يلقى عليه قضبان شجر العنب.

قوله : وكذا ما اشتمل عليه.

أي : كالكرم إذا باعه بلفظه ، غير الكرم إذا باعه بلفظه أيضا كاشجار اللوز مثلا ، ويمكن أن يكون المعنى : وكذا أي : كالأرض والعريض وغيرهما ممّا ذكر ما اشتمل البستان عليه من الأشجار غير الكرم ؛ فإنّه إذا باع بلفظه « الكرم » يرجع في دخوله أيضا إلى العرف.

قوله : إلّا أن ينفرد الأعلى عادة.

بأن يكون له طريق مستقلّ ومرافق على حدة ، وإن كان أسفله داخلا في محوّطة الدار.

ووجه التخصيص بالأعلى : أنّ الأسفل إن انفرد عادة لا يكون داخلا في محوطة الدار التي باعها ، بخلاف الأعلى ، فإنّه يمكن دخوله فيها مع الانفراد العادي.

قوله : وفي المنفصلة.

المراد : المنفصلة مع كونها بالفعل أبوابا لبيت معيّن يغلق ويفتح كأبواب الدكاكين دون المنفصلة التي اعدّت للاتصال ، أو لجعلها أبوابا لبيت ، ولم يجعل بعد ، فإنّها خارجة قطعا.

قوله : فيمنعان.

أمّا منع المشتري ؛ فلإيجاب سقيه اضرار البائع. وأما منع البائع ؛ فلايجابه اضرار المشتري.

قوله : ويشكل تقديم المشتري إلى آخره.

يحتمل أن يكون المراد بالمشتري الذي كلامه فيه ومفروض المسألة ، أي مشتري الأصل ، وأن يكون المراد به : مطلق المشتري ، كما هو مقتضى إطلاق كلام المصنّف. فعلى الأوّل : يكون الضمير في قوله : « يوجب » راجعا إلى السقي المتقدّم ذكره أو على عدمه المدلول عليه بقرينة المقام حيث يكون النقص بسببه ، ويكون المعنى : يشكل تقديم


مصلحة مشتري الأصل فيما إذا أمكن الجمع بين الحقّين ، وهو ما إذا اوجب سقي البائع نقصا في الأصل يحيط بقيمة الثمرة التي يتلف كلّها بقرينة قوله : « ضمانه لقيمة الثمرة » مع تركه فإنه لو فرض تقديم مصلحة المشتري يدخل الضرر على البائع فقط ولو فرض تقديم البائع بلا ضمان يدخل الضرر على المشتري ، فينبغي تقديم مصلحة البائع مع الحكم بضمانه بقدر ماله ، وهو قيمة الثمرة ، دون الزائد ؛ لأنّه لا يغرم زيادة عن ماله ، فدخل على كلّ منهما الضرر من وجه.

وعلى هذا يبقى سؤالان :

أحدهما :

أنّ الجمع بين الحقين كما يمكن بتقديم البائع يمكن بتقديم المشتري بأن يقدّم مصلحته مع ضمانه لقيمة الثمرة.

وجوابه :

أنّ كثيرا ما يتعلّق غرض بالعين نفسه ، وهو الظاهر من ترك البائع الثمرة لنفسه وعدم بيعه ، وإلّا فكان يحصّل قيمته له بالبيع ، فمع تقديم مصلحته يبقى لكلّ منهما العين ويحصل الضرر على كل منهما من وجه ومع تقديم مصلحة المشتري وان يحصل الضرر لكل منهما أيضا إلّا أنّ عين الثمرة التي يتعلّق الغرض ببقائها كثيرا تتلف.

وثانيهما :

أنّ الجمع بين الحقّين كما يمكن في صورة كون نقصان الأصل محيطا بقيمة الثمرة وزيادة ، يمكن في صورة كونه مساويا لها أو ناقصا عنها بأن يضمن البائع قيمة الثمرة في الأوّل أو الناقص عنها في الثاني.

وجوابه :

أنّ ذلك ليس جمعا بين الحقّين ، لعدم دخول ضرر على المشتري أصلا.

ولو قلت :

يضمن البائع بأقلّ ممّا دخل على المشتري من الضرر.

قلنا :


لا مرجع لتعيين ذلك الأقل ، فلا يمكن الحكم به ، بخل ما إذا كان نقص الأصل زائدا عن قيمة الثمرة ، فإنّ الزائد غير مضمون على البائع قطعا ، فيمكن تعيين قيمة الثمرة لأجل ذلك ، حيث إنه أقدم على ضرر المشتري ، فكان عليه ضمان ما أدخل عليه من الضرر ، ولكن لم يضمن الزائد ؛ إذ لا غرامة زيادة على المال.

وعلى الثاني أي : جعل المراد من المشتري ، مطلق المشتري سواء كان مشتري الأصل أو الثمرة ، يكون الضمير في قوله : « يوجب راجعا إلى تقديم المشتري ويكون المقصود اعتذارا لنفسه حيث خصّص المشتري في كلام المصنّف على مشتري الأصل ، مع إطلاق كلامه ، أو ، مشترى للمصنّف حيث فرض الكلام في بيع الأصل.

ومنه علم أنّ مراده من المشتري ، مشتري الأصل. ويكون المعنى : ويشكل تقديم قول المشتري مطلقا ؛ ولذا خصّصناه ، أو خصّصه المصنّف بمشتري الأصل ، وذلك لأنّه إذا كان المشتري مشتري الثمرة ، وأوجب تقديم مصلحته نقصان الأصل بزيادة عن قيمة الثمرة لا وجه لتقديم مصلحته ؛ لإمكان الجمع بين الحقين بتقديم مصلحة بائع الثمرة ، و [ عدم ] سقيه الأصل ، وضمانه قيمة الثمرة ، فالمشتري وإن لم يدخل عليه ضرر ، ولكن تلفت عين ثمرته التي يتعلّق الغرض ببقائها كثيرا ، والبائع وإن دخل عليه الضرر بضمانه للمشتري ، ولكن يبقى عليه.

والسؤالان المتقدمان جاريان هنا أيضا

واما جوابهما فغير جار ، ومنه يعلم اولوية التوجيه الاول.

[ الحكم ] الرابع في اختلافهما

قوله : ومستنده رواية مرسلة.

وهي : ما روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال في الرجل يبيع الشي‌ء ، فيقول المشتري : هو بكذا وكذا ، بأقلّ ممّا قال البائع قال : « القول قول البائع مع يمينه إذا كان الشي‌ء قائما بعينه ». (١)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ / ٥٩.


وحكم المشتري مفهوم من مفهومه.

وفيه نظر ؛ لأنّ المستفاد من المفهوم : أنه إذا لم يكن الشي‌ء قائما لم يكن القول قول البائع ، وهو أعمّ من كون القول قول المشتري.

ودفعه بأن الأمر لا يخلو من كون القول قول أحدهما ، فإذا لم يكن القول قول البائع ، كان قول المشتري مردود باحتمال بطلان البيع مع يمينهما ، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

واستدلّوا على المطلوب أيضا : بأنّ المشتري مع قيام العين يدّعي تملّكها وانتقالها إليه بما يدّعيه من العوض ، والبائع ينكره ، وأما مع التلف فالبائع يدّعي على المشتري مالا في ذمّته وهو ينكره.

واعترض على كلّ منهما بوجوه وتحقيقه موكول على الكتب الاستدلالية.

قوله : لأنّ كلّا منهما.

هذا تعليل لتحالفهما. وأما علّة بطلان البيع فهي أنّه مع التحالف ينفى كلّ من دعوى البائع والمشتري بيمين صاحبه ، فيبقى الثمن مجهولا ، فيبطل البيع.

قوله : لتشخّص.

متعلّق بكلّ من المدّعي والمنكر

قوله : في شرحه.

الضمير راجع إلى شيخه أي : في شرحه ، ولكون شرحه منحصرا ومعهودا لم يذكر المشروح ، فالإضافة للعهد. ويمكن إرجاع الضمير إلى القواعد. والمراد : قواعد العلامة ، فيكون فيه استخدام.

قوله : العلّة الموجبة للحكم.

العلّة الموجبة للحكم بحلف المشتري مع التلف ، هو ما مرّ من أنّ البائع يدّعي مالا في ذمّته وهو ينكره ، ومع بقاء العين ، ولو مع الانتقال لا يدعي ذلك ، بل يدّعي عدم تملّكه لها بما ادعاه ، فلم يجز له نقله ، ويكون النقل باطلا.

وأما جعل العلّة الخروج عن حدّ الانتفاع بالنسبة إلى المشتري ، فمنظور فيه ؛ لمنع كون ذلك علّة الحكم ، بخلاف ما ذكرناه ، فإنّهم عللوه به.


قوله : ولو اختلفا في تعجيله.

بأن يقول البائع : الثمن معجّل بعدم اشتراط التأجيل ، ويقول المشتري اشترط التأجيل. أمّا لو قال البائع : شرطنا التعجيل لاثبات الخيار على القول به في الشرط ، وأنكره المشتري ، فالمقدّم قول المشتري مع يمينه.

قوله : عن البائع.

متعلّق بكلّ من الرهن والضمين والمراد : الرهن والضمين على الدرك كما صرّح في شرح القواعد أو على نفس المبيع إذا كان سلفا فيقول المشتري : شرطنا أن نأخذ الرهن من البائع على درك المبيع وأخذ الضامن عنه وأنكره البائع.

قوله : لأصالة عدم ذلك.

أصالة العدم في الاختلاف في شرط الرهن والضمين ظاهرة ، وكذا في الاختلاف في التعجيل بأن يقول المشتري : شرطنا التأجيل. وأما في الاختلاف في قدر الأجل ، فالمراد :أصالة عدم الأجل المتأخّر ؛ لاتّفاقهما معا على الأجل الأقل ، فالزائد منفي بالأصل.

قوله : ومعينا كهذا الثوب.

هذا مثال للمعيّن. وأما المطلق فكما إذا قال : بعتك ثوبا بألف فيقول : بل ثوبين بألف.

قوله : وإلا قوي التحالف.

أي : فيما إذا تضمن الاختلاف في الثمن. ولا يخفى أن للاختلاف حينئذ صورتين :

أحدهما :

أن يقول المشتري : بل هو والآخر بألفين على أن يكون الألفان على المجموع من غير بيان ثمن كلّ واحد.

وثانيهما :

أن يقول المشتري : بل هو والآخر كلّ واحد بألف ، وحينئذ يتحقّق القدر المشترك ؛ إذ كلّ من البائع والمشتري معترف ببيع واحد بألف. وكذا إذا كان المبيع مثليا كأن يقول :بعتك منا من الحنطة بدرهم وهو يقول : بل منين بدرهمين. والظاهر حينئذ تقديم قول البائع أيضا.


قوله : ولا جامعة بينهما.

عطف على قوله : « لا على إثبات » أي : ولا يحلف يمينا جامعة بين النفي والإثبات أي :نفي ما يدّعيه الآخر واثبات ما يدعيه نفسه ، ولا دعوى جامعة بينهما. بأن يدّعي كل منهما أمرا يكون بعضا ممّا يدعيه الآخر أيضا وفائدة هذا القيد صحّة تفريع قوله : « فإذا حلفا انفسخ العقد » ؛ فإنّه لو كان بينهما دعوى جامعة لم ينفسخ العقد ؛ لثبوته في القدر الجامع.

قوله : ثمّ إذا حلف البائع إلى آخره.

المراد : في صورة الاختلاف في تعيين المبيع وتحالف كلّ منهما. والمعنى : أنّ حين دعوى البائع : بعتك هذا الثوب الابيض فقال المشتري : بل هذا الأسود يجب حلفهما معا ، فإذا حلف البائع على نفي ما يدعيه المشتري من الثوب الأسود بقي الأسود على ملك البائع إذ لم يكن له معارض سوى دعوى المشتري ، وهي قد بطلت باليمين ، فيكون باقيا على ملك البائع.

وعلى هذا فإن كان الثوب في يد البائع ، فهو ملكه في يده ، وإن كان في يد المشتري له انتزاعه وأخذه منه. هذا حكم الثوب الأسود. وأما الأبيض الذي كان يدّعي البائع بيعه ، فنفيه عن المشتري موقوف على حلفه ، فإذا حلف المشتري على نفي ما يدعيه البائع من بيع الابيض ، فيبطل دعوى البائع بالنسبة إلى مطالبة ثمنه أما عين الثوب الأبيض فلا يجوز للبائع المعترف ببيعه أخذه من يد المشتري لو كان بيده.

فقوله : « وكان الثوب » أي : الأبيض في يد المشتري لم يكن للبائع مطالبته بالثوب الأبيض ؛ لأنّ البائع لا يدّعيه ، بل يعترف ببيعه وإن كان هذا الثوب في يد البائع نفسه لم يكن له التصرّف فيه ظاهرا لاعترافه بكونه للمشتري ، وإن جاز التصرّف واقعا لو كان البائع كاذبا في دعواه ، وحينئذ فللبائع ثمنه في ذمّة المشتري واقعا لو كان البائع صادقا ، لكن لا يحكم به بحسب ظاهر الشرع. ولازمه أنه إن كان البائع قد قبض الثمن من المشتري ردّه عليه ؛ لأنّه الحكم الظاهري ، فيبقى في الواقع ذمّة المشتري مشغولة مع صدق البائع.


وحينئذ فللبائع أخذ الثوب من المشتري بالتقاص عن الثمن الذي ردّه عليه ، وإن لم يكن الثمن مقبوضا ، وكان في ذمّة المشتري ، فللبائع أيضا أخذ الثوب الأبيض تقاصا ؛ فإن ساوى قيمة الثوب الثمن فهو وإن زادت فيبقى الزائد عند البائع مالا لا يدعيه أحد ظاهرا ، وإن كان من المشتري في الواقع على تقدير صدق البائع.

هذا شرح كلام الشارح ، وفيه نظر من وجهين :

أحدهما :

أنّ اعتراف البائع إنّما كان ببيع الثوب الأبيض ، لا بانّه ملك المشتري مطلقا ، وقد حكم الشارح بانفساخ البيع بالتحالف ، فما فائدة اعترافه بالبيع بعد انفساخه حتى لم يكن للبائع مطالبته به ولا التصرف فيه.

وثانيهما :

أنّ البائع كما اعترف ببيع الثوب الأبيض كذلك المشتري اعترف بالثمن وانتقاله إلى البائع لو كان البائع قبضه ، واشتغال ذمّة المشتري به لو لم يقبضه البائع ، فيكون حكمه حكم الثوب الأبيض الذي اعترف ببيعه البائع ، فما وجه قوله : « فإن كان قد قبض الثمن ردّ على المشتري »؟.

ويمكن الجواب عنهما :

أما عن الأوّل :

فبأنّ انفساخ العقد إنما هو بعد التحالف. ويحتمل أن يكون كلام الشارح مختصّا بما قبل التحالف ؛ فإنّه عيّن أوّلا البادئ منهما باليمين ، ثمّ فصّل حكم البادئ بقوله : ثمّ إذا حلف البائع أوّلا فحكمه أنه ينتفي بحلف البائع دعوى المشتري وبمجرّده يبطل دعوى المشتري ، ويأخذ الثوب الأسود عنه.

وإذا حلف المشتري أوّلا ، لكونه هو البادئ بالدعوى عليه فبمجرد حلفه يبطل تسلّط البائع عليه ، ولكن لا يبطل مقتضى اعترافه ، فليس للبائع مطالبة الثوب الأبيض ، ولا التصرف فيه ، وإنّما هو بعد وقوع التحالف.


أما عن الثاني : فبأنا نسلّم أنّ حكم الثمن بالنسبة إلى المشتري حكم الثوب الأبيض بالنسبة إلى البائع ، فليس له أخذه من البائع أوّلا قبل انفساخ العقد ، ولم يحكم الشارح بجواز أخذه منه بل قال بأنّ على البائع ردّه ، وإن لم يجز للمشتري مطالبته ، وكان الثوب الأبيض أيضا كذا ، فإنّه لم يمكن للبائع مطالبته وأمّا المشتري فكان عليه ردّه ، فتأمّل.

[ الحكم ] الخامس في الكيل والوزن

قوله : استعمالا وإطلاقا.

المراد بغلبة الاستعمال : غلبة دورانه بين الناس ، ولو بضم القرائن. والمراد بغلبة الإطلاق : أنّ الاسم يغلب على واحد بحيث لو لم تكن قرينة على التعيين سبق هو إلى الذهن ، وإن كان غيره أكثر استعمالا كما يتّفق في كثير من البلاد مثل : وقر الحطب في هذه البلاد ؛ فإنّ غلبة استعماله في حمل الدابة بلغ ما بلغ ، وإطلاقه إنّما على ما كان عشرين منا بالمن الشاهي.

قوله : لذلك المبيع.

متعلّق بالمعتاد.

قوله : فإن اختلفا في ذلك.

أي : اختلف الاستعمال والإطلاق من حيث الغلبة في ذلك أي : في كلّ واحد ممّا ذكر من الكيل والوزن والنقد بأن يغلب الاستعمال في كيل ـ مثلا ـ والإطلاق في كيل آخر ، وكذا الوزن والنقد.

والمعنى : فإن اختلف الاستعمال والإطلاق في ذلك ـ أي : في كونه أغلب ـ لا بمعنى :أن يكون أحدهما أغلب دون الآخر ؛ لأن الحكم حينئذ واضح ، بل بمعنى : أن تكون أغلبية أحدهما في كيل ـ مثلا ـ وأغلبية الآخر في كيل آخر ، أو المعنى : إن اختلف الكيل والوزن في ذلك أي : في غلبة الاستعمال والإطلاق أي : اختلف كلّ منهما في ذلك بأن يكون لكيل غلبة الاستعمال ، ولآخر غلبة الإطلاق.

والأخير خلاف الظاهر فإنّ المتبادر من قولنا : « اختلف الكيل والوزن » أن يكون للكيل ـ مثلا ـ غلبة الاستعمال ، وللوزن غلبة الإطلاق وهذا ليس مرادا ، بل المراد


حينئذ : وإن كان اختلف كلّ من الكيل والوزن ، هذا مع أنّه يوجب عدم التعرّض للنقد ، والاقتصار على ما ذكره المصنّف.

قوله : فإن تساوت.

أي : تساوت الغلبة بالنسبة إلى الكيلين والوزنين ، أو النقدين بمعنى : أن لا يكون أحدهما أغلب في الاستعمال ولا في الإطلاق ، بل كان غلبة الاستعمال والإطلاق في أحدهما مثلها في الآخر. والمراد من الاستعمال في قوله : « في الاستعمال » : ما يعمّ الإطلاق أيضا ، واقتصر على الاستعمال على سبيل المثال وظهور حكم الإطلاق أيضا منه.

وتقييد المبيع بالخاص ؛ لأنّ التساوي فيه هو موجب عدم الترجيح ، فهذا احتراز عمّا إذا تساوت الغلبة في مطلق المبيع ، دون المبيع الخاص كأن يغلب أحد الكيلين في مبيع والآخر في آخر وإن تساوت الغلبة ، ولكن يرجع في كلّ مبيع إلى الغالب فيه.

قوله : كلام الأصحاب أنه لا يجمع بينهما.

أي : كلامهم هذا ، وهو أنّه لا يجمع بينهما لواحد.

وقوله : « لواحد » أي : لدلّال واحد. وهو آخر كلام الأصحاب وقوله : « عليه » متعلّق بالحمل. وقوله : « لأنّه » تعليل لقوله : « لا يتّجه ». والضمير المجرور في قوله : « به » راجع إلى قول الأصحاب أنه لا يجمع بينهما لواحد ، والضمير في « جوازه » راجع إلى تولّي الطرفين. والضمير المنصوب في قوله : « المراد أنه » راجع إلى الدلال.

ولفظة « إن » في قوله : « وإن أمره البائع » وصلية ، والضمير فيه أيضا للدلال.

والمقصود من الكلام الرد على المصنّف في الدروس حيث قال : « ولو منعنا من توليته الطرفين امتنع أخذ اجرتين ، وعليه يحمل كلام الأصحاب : أنّه لا يجمع بينهما لواحد ». انتهى.

وحاصل الكلام : أنه لو منعنا من تولّي واحد طرفي العقد امتنع لدلّال واحد أخذ اجرتين حيث يمتنع منه عملان ولكن ما قاله الأصحاب من : « أنه لا يجمع بين الاجرتين دلّال واحد » ليس محمولا على ذلك ؛ لأنه قد ذكره من يقول بجواز تولّي طرفي العقد لواحد.


وعلى هذا فالمراد من قولهم هذا : أن الدلال الواحد لا يجمع بين الاجرتين لعمل واحد هو بيع واحد ، وإن توقّف على أمرين : الإيجاب الذي أمره البائع ، والقبول الذي أمره المشتري ؛ فإن هذا أمر واحد عرفا ، بل له اجرة واحدة على البائع والمشتري.

قوله : إلّا بتفريط.

لما كان معنى التفريط عرفا هو : التقصير والمساهلة في المحافظة فإبقاؤه على معناه يوجب عدم ضمان الدلال لو تعدّى عن الحد شرعا بأن يضع المتاع وأتلفه بقصده واختياره فأراد الشارح توجيه كلام المصنّف فقال : إن المراد بالتفريط ليس هو التقصير وحده ، بل المراد به ما يشمل التعدي عن الحد الواجب شرعا أيضا.

وقوله : « مجازا » مصدر ميمى بقرينة قوله : « أو اشتراكا » ومتعلّق بالإرادة أي : حال كون تلك الإرادة ـ أي : الاستعمال ـ تجوزا أو اشتراكا أي : استعمالا للفظ المشترك في المعنيين وقوله : اشتراكا مصدر بمعنى المفعول بقرينة قوله : « مجازا ». وهما حالان عن التفريط مع هذه الإرادة مجازا فيما يشمل أو مشتركا. والمراد بالمجاز والاشتراك هنا :عموم المجاز وعموم الاشتراك بقرينة قوله : « ما يشمل » ، ويحتمل إرادة نفس المجاز والمشترك بجعل الموصول هو المعنيان معا ، لا واحدا يشملهما والترديد بين المجازية والاشتراك ؛ لأجل ما في كتب اللغة من تفسير التفريط بالمعنيين معا ، فيحتمل التجوّز والاشتراك.

خاتمة في الاقالة

قوله : سواء وقعت بلفظ الفسخ أم الإقالة.

ردّ على بعض الشافعية حيث فرّق بينهما ، فخصّ الخلاف بما إذا ذكرت بلفظة « الإقالة » دون « الفسخ ».

قوله : في حقّ المتعاقدين إلى آخره.

هذا ردّ على أبى حنيفة وأبي يوسف القاضي حيث إنّهما يقولان بأنّ الإقالة فسخ في حقّ المتعاقدين ، لا بيع ، فلا يترتّب عليه لوازم البيع من خيار الغبن وغيره ، ولكنه بيع في حقّ الشفيع بمعنى : أنه يترتّب عليه آثار البيع بالنسبة إليه فله أخذ ما فسخه أحد الشريكين بعد ابتياعه من ثالث بسبب الشفعة.


وقوله « إذ لا شفعة هنا » تعليل لكونه فسخا في الشفيع ، أو تعليل لتفسيره الشفيع بالشريك أي : إنّما المراد بالشفع الشريك ؛ إذ لا شفعة هنا. وإنما اطلق الشفيع على الشريك ، لصيرورته شفيعا في بعض الأوقات ، أو لأنّه من له الشفعة مع تحقّق شرائطها.

قوله : أمّا المنفصل.

أي : المتجدّد بعد البيع قبل الإقالة. ولفظة « إن » في قوله : « وإن كان حملا » وصلية وقوله : « لم ينفصل » صفة لقوله : « حملا ». وأراد الحمل الحادث بعد البيع ، دون مطلقه ، وإن كان حاصلا حاله ؛ لأنّه حينئذ جزء المبيع.

قوله : من غير فصل يعتدّ به.

أي : حال كون صدور أحد اللفظين من كلّ المتعاقدين معا أي : في زمان واحد بأن يتلفّظا معا دفعة واحدة بلفظة ( تفاسخنا ) أو بلفظة ( تقايلنا ) ، أو متلاحقين بأن يتلفّظ أحدهما به بعد الآخر ، ولكن يشترط أن يكون حينئذ من غير فصل يعتدّ به عرفا.


كتاب الدين

قوله : قيل : والسرّ فيه.

اعلم أنّ الوجهين اللذين ذكرهما سرّا إنما يصلحان سرّ الزيادة ثواب القرض على الصدقة وامّا تعيين الزيادة على النحو المذكور فلا ، فهما سرّان لنفس الزيادة.

ويمكن أن يكونا سرّين للزيادة والتعيين معا بأن يكون الوجه الأوّل سرّا للزيادة والثاني للتعيين. ووجه دلالة الثاني على التعيين على ما قيل : أنّ القرض والصدقة مشتركان في كونهما إعانة المحتاج ، فلا بدّ من تساويهما ثوابا ولكون القرض يعود فيقرض ثانية يكون القرض الواحد لأوله إلى قرضين ، وكونه في قرضهما كصدقتين والصدقتان ثوابهما عشرون ، فالقرض الواحد أيضا لأجل عوده واقتراضه يكون عشرين ، إلّا أن واحدا منه يعود في الأوّل ، وواحدا في الثاني فيبقى ثمانية عشر.

فإن قلت :

فعلى هذا يلزم زيادة ثواب القرض عن ثمانية عشر ؛ إذ يعود ثانيا ، فيقرض ثالثا.

قلت :

لعلّ الوجه في الاقتصار على المرّتين إنّما هو أنّ اقتراض ما أقرض أوّلا وعاد يقع متكرّرا ، بخلاف المرّة الثالثة ؛ فإنها وإن احتملت ، بل وقعت ، ولكن ليست ظاهرة بحيث يترتّب عليها الحكم قبل وقوعها وبناء الأحكام على الغالب. أو لأنّ المرّة الثالثة مال الثانية ، والرابعة مال الثالثة ، وهكذا.

ثمّ انّه اورد على الوجه الأوّل : بأنّ الناس مكلّفون بالظاهر ؛ فإذا كان المتصدّق عليه محتاجا ظاهرا يكون كالصدقة. وفيه : أن معنى كون التكليف بالظاهر : أنّه يحصل الامتثال


بالإتيان بما هو الظاهر ، ويسقط التكليف ، لا أن ثواب الظاهر المطابق للواقع [ مطابق ] لما لا يعلم أنه مطابق له أو لا ، بل ثواب المطابق [ للواقع اكثر ] ، فإنّه ورد أن للمصيب أجرين ، وللمخطئ أجرا واحدا.

قوله : أمّا إفادته الملك.

أي : الملك اللازم أو المتزلزل الموجب لاختصاص المقترض بنمائه المنفصل لو رجع المقرض قبل تلف العين على اختلاف القولين كما يأتي.

ومعنى قوله : « على صحّة القرض » أي : على وقوع القرض الصحيح ، لا بمعنى مشروعيّته وجوازه شرعا ؛ فإنّه يترتّب عليه صحّة الملك ، دون الملك نفسه.

قوله : استنادا إلى رواية إلى آخره.

الرواية هي : صحيحة يعقوب بن شعيب قال : سألت أبا عبد الله ( عليه‌السلام ) عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلّة ، فيأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسها قال :« لا بأس » (١). والطازج الخالص ، والغلّة غيره.

ووجه عدم دلالتها على مطلوبهم ما ذكره الشارح : « وظاهرها ـ أي : ظاهر الرواية ـ إعطاء الزائد الصحيح بدون الشرط » إذ لم يذكر فيه شرط ، والأصل عدمه.

قوله : اقترض بكرا فردّ بازلا رباعيا.

البكر بفتح « الباء » وضمها الفتيّ من الإبل بمنزلة الغلام من الناس كما في النهاية.

وفي القاموس : أنّه ولد الناقة وفيه أيضا البكر المرأة والناقة إذا ولدتا بطنا واحدا.

والبازل من الإبل الذي تمّ ثماني سنين ودخل في التاسعة ، وحينئذ يطلع نابه وتكمل قوته. ذكره في النهاية (٢).

وفي القاموس : بزل ناب البعير بزلا وبزولا طلع ، جمل وناقة بازل وبزول جمعه بزّل كركّع وكتب وبوازل ، وذلك في تاسع سنيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٢.

(٢) راجع النهاية : بزل وبكر.


وفي القاموس أيضا : الرباعية كثمانية السن التي بين الثنيّة والناب. ويقال للذي يلقيها رباع كثمان ، فإذا نصبت ـ أي : الرباع ـ اتممت وقلت : ركبت برذونا رباعيا (١)

قوله : على وجه يرتفع عنه الحجر في المال.

هذا لا يلائم ما ذكره من تعميم الكامل على وجه يشمل القابل أيضا باضافة المصدر إلى الفاعل والقابل ؛ لأنّ المحجور عليه لأجل الفلس لا يمنع من الاقتراض ، وإن منع من الإقراض.

ويمكن التوجيه : بأنّ « اللام » في قوله : « في المال » للعهد أي : الذي هو مورد القرض ، أو الاقتراض ، وحينئذ فلا يصدق على المفلس المقترض لمال أنه محجور عليه في هذا المال ، ويصدق على المفلس المقرض أنه محجور عليه فيه.

ويمكن التوجيه أيضا بأن يقال المراد بقوله : يرتفع عنه الحجر في المال : أنه لم يكن محجورا عليه في المال ولو في الجملة والمفلس أيضا كذلك ؛ إذ ليس محجورا عليه في مطلق التصرف في المال ؛ إذ يجوز له قبول الهبة وأمثاله.

فإن قلت :

فيلزم أن يصح اقتراضه مع أنه لا يصح.

قلنا :

لا نسلّم أنّه لا يصح ، بل يصحّ بإذن الغرماء والحاكم ، فهو صحيح بالشرط ، بخلاف مثل الطفل والمجنون ؛ فإن اقتراضهما لا يصح مطلقا ، ولا يتصوّر في حقّهما.

قوله : وإن ملّكناه.

وتظهر الفائدة في النماء المنفصل المتخلل بين طلب المالك وبين القرض ؛ فإنّه للمقرض على القول بتوقّف الملك على التصرّف ، وللمقترض على القول بحصوله بالقبض ، وإن وجب دفع العين مع بقائها وطلب المالك إيّاها.

قوله : بأن يحيل كلّ منهما.

أي : من الشريكين المقرضين. والمراد بصاحبه : أحد المقترضين. والضمير في قوله :

__________________

(١) القاموس : ٣ / ٢٧ ، ربع.


« بحصته » راجع إلى المحيل. وصاحبه الثاني منصوب على المفعوليّة ، وهو مفعول ثان لقوله : « يحيل » أو مفعول لقوله : « اعطاءها ». وعلى التقديرين لا بدّ من تقدير صاحبه أيضا والمراد به : الشريك الآخر المقرض أيضا. والضمير فيه يحتمل أن يكون راجعا إلى المحيل ، وإلى صاحبه الأوّل.

ولتوضيح المعنى يفرض أن زيدا وعمرا أقرضا مائة دينار بكرا وخالدا بالسوية ، فيريدان القسمة ، فالمعنى على جعل صاحبه الثاني مفعولا ثانيا وإرجاع الضمير في صاحبه الثاني إلى صاحبه الأوّل : فيحيل زيد بكرا الذي هو صاحبه باعتبار تعلّق حوالته عليه بخمسين دينارا التي يريد أن يعطيها لعمرو ، عمرا الذي هو صاحب بكر باعتبار اختصاصه به بعد الحوالة ، فيقبل عمرو الذي هو المحال.

وعلى إرجاع الضمير إلى المحيل : فيحيل زيد بكرا الذي هو صاحبه بخمسين دينارا عمرا الذي هو صاحب زيد باعتبار اشتراكهما في الإقراض.

وعلى جعل صاحبه الثاني مفعول الإعطاء يكون المحتال محذوفا ، ويكون المعنى :فيحيل عمرو بكرا بخمسين دينارا الّتي يريد أن يعطيها زيدا والمحتال أيضا زيد ، ولكنّه محذوف مقدّر.

ويمكن أن يراد بصاحبه الأوّل الشريك الآخر وبصاحبه الثاني أحد المقترضين أيضا.

ثمّ على التقادير يمكن أن يكون فاعل الاعطاء المحيل وأن يكون صاحبه الأوّل والأخير اظهر.

ثمّ فائدة التقييد بقوله : « التي يريد اعطاءها » تظهر فيما لو لم يتساو الشريكان في المال كما فرض في المثال المذكور أن ستّين من المائة مال زيد وأربعين مال عمرو ، فإنّ زيدا لا يحيل جميع حصّته التي هي ستّون عمرا ، بل بحصته التي اعطاها عمرا ، وهي أربعون.

قوله : بناء على صحّة الحوالة من البري‌ء.

المراد بالبري‌ء : أحد الشريكين المقرضين ، وهو زيد في المثال المتقدّم ، فإنّه بري‌ء من حق لعمرو.


وقد جعل بعضهم المراد بالبري‌ء : المديون المحال عليه عند كون الدين مؤجّلا وتكون لفظة « من » حينئذ بمعنى « على » كما قالوا في قوله تعالى : ( وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ ) (١).

ولا يخفى ما فيه من التخصيص الذي لا يستفاد من الكلام أصلا ، وكأنّه لأجل ما رأى من الاختلاف الواقع في أنّ الحوالة على البري‌ء هل هي صحيحة أم لا؟ وتوهّم عدم الخلاف في صحّة الحوالة من البري‌ء ، مع أنّهم تكلّموا فيه أيضا ، فمنهم من أرجعه إلى الوكالة.

ويدلّ على أنّ المراد ما ذكرنا ما ذكره المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد حيث بنى الحوالة الاولى خاصّة على صحة الحوالة من البري‌ء. فإنّه على ما قلنا يكون المحيل الأوّل بريئا عن حقّ المحتال ، ولكن بعد الحوالة يصير المحتال مشغول الذمّة بحقّ المحيل ، فيصح حوالته الثانية ، بخلاف ما لو اريد من البري‌ء أحد المديونين باعتبار التأجيل ، فإنّ المديون الآخر حينئذ بري‌ء أيضا ، فلا يختصّ البناء بالحوالة الاولى.

قوله : وكذا لو اصطلحا إلى آخره

أي : اصطلح الشريكان المقرضان على ما في ذمم المقترضين ببعض ، كأن يصلح زيد مع عمرو ماله في ذمّة بكر بما لعمرو في ذمّة خالد في المثال المتقدّم.

قوله : من المديون.

متعلّق بقوله : « بيعه ». وفيه ردّ على ابن إدريس كما يأتي.

قوله : ولا يمنع.

أي : في صورة كونه مؤجّلا.

قوله : بمقتضى تعلّق « الباء » به.

« الباء » في قوله : « بمقتضى » للسببية. والضمير المجرور راجع إلى العوض أو الدين. وقوله : « بمقتضى » متعلّق بقوله : « ما كان عوضا » إلى آخره وسبب له. والمراد : أنّ الدين الممنوع من كونه عوضا ما كان عوضا مع كونه دينا ؛ لأنّه مقتضى تعلّق « الباء » بالعوض أو العين.

__________________

(١) الأنبياء : ٧٧.


فإنّ معنى النهي عن بيع الدين بالدين أو الكالي بالكالي : أن يكون مدخول الباء الذي هو العوض دينا وكالئا حين العقد أي : يصير الدين والكالي عوضا حال اتّصافه بكونه دينا أو كالئا مثل أن يكون لأحد دين مؤجّل على غيره ، فباعه بعوض دين مؤجّل للمشتري على غيره أيضا.

وأمّا فيما نحن فيه فيباع الدين بشي‌ء مضمون على البائع مشروط تأجيله في ضمن هذا العقد ، فصيرورته دينا إنّما هي بعد العقد ، ولا يكون دينا قبله ، ولا حاله ، فلا يكون مدخول « الباء » العوضية دينا حال صيرورته عوضا.

قوله : فيقصد أنّ الثمن بقي في ذمّته دينا.

يعني : يقصد من هذا القول أنه بقي دينا بعد البيع ، لا أنه كان دينا حال البيع فمعنى قولهم : باعه ماله بالدين أنه باعه بما بقي دينا ، لا بما كان دينا.

قوله : على رواية محمّد بن الفضيل إلى آخره

الرواية رواها محمّد بن أحمد عن محمّد بن عيسى عن محمد بن الفضيل قال : قلت للرضا عليه‌السلام رجل اشترى دينا على رجل ، ثمّ ذهب إلى صاحب الدين فقال له : ادفع إليّ ما لفلان عليك ، فقد اشتريته منه. فكيف يكون القضاء في ذلك؟ قال : « يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين ، ويبرأ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه » (١).

والرواية الاخرى رواها أبو حمزة الثمالي عن الباقر ( عليه‌السلام ) قال : سألته عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشترى منه بعرض ، ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدين ، فقال له : أعطني ما لفلان عليك ، فإني قد اشتريته منه ، كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : « يرد عليه الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشتراه به من الرجل الذي له الدين » (٢).

ووجه دلالته الثانية : أن الضمير في قوله : « اشتراه » راجع إلى الدين. والضمير المجرور في « به » راجع إلى ماله ، فيكون المعنى : يرد ماله الذي اشترى الدين بهذا المال ، فاللازم دفع ما دفعه المشتري.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٤٨ ، والتهذيب : ٦ / ١٩١ ، وملاذ الاخيار : ٩ / ٥٠٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٤٧.


ووجه أصرحيّة الاولى : أنه يمكن في الثانية أن يرجع الضمير المنصوب إلى ماله والمجرور إلى العرض الذي ذكره بقوله : « اشترى منه بعرض » فيكون المعنى : يرد المديون على المشتري ماله الذي اشتراه ـ أي : هذا المال ـ بالعرض وماله الذي اشتراه هو ما في ذمّة المديون ، فيجب دفعه.

قوله : وعمل بمضمونها الشيخ.

تكون « الواو » عاطفة ، والجملة معطوفة على الجملة التعليلية الاولى ، ويكون هذا أيضا علّة للاقتصار أي : لأنّ الاولى أصرح ولأنّ الشيخ وجماعة عمل بمضمونها.

فإن قلت : مع تفاوت المضمونين يكون العمل بمضمونهما معا.

قلت : لعلّ المراد بالعمل بمضمونها : الاستدلال بها بخصوصها.

ويمكن ان تكون « الواو » استينافية ، ويكون المقصود نقل الأقوال وإفراد الضمير لكون الاولى خاصّة مذكورة في كلام المصنّف ، ولكونها أصرح.

قوله : وحمل على الضمان.

أي : حمل المستند على الضمان أي : اريد من الشراء الواقع فيه الضمان. أو حمل الشراء فيه على الضمان ، فالمشتري هو الضامن بإذن من عليه الحق. فمعنى اشتريته منه في الرواية : أني دفعت ما في ذمّتك أقل من الدين ، ولما ليس للضامن أن يأخذ من المضمون عنه زيادة عمّا دفع ، فيكون له حينئذ قيمة ما دفع ويبرأ المديون من جميع ماله.

وقوله : « لشبهه » تعليل لصحة الحمل المجازي يعني : أنّ الضمان مشابه للبيع في المعاوضة حيث إنّ المضمون له عوّض ما في ذمّة المديون بما أدّاه الضامن.

قوله : فيكون الدفع مأذونا فيه للبائع.

اورد على هذا الحمل : بأنّه لا يناسبه الرواية ؛ لأنّ مقتضى هذا الحمل أنّ ما زاد عن المدفوع لمالكه ، والرواية صريحة في براءة من عليه المال من جميع ما بقي عليه.

أقول :

يمكن التوجيه بأن يقال : إن مقتضى الحمل كون ما زاد للمالك لو لا ابراؤه ومعنى قوله :« ويبقى الباقي لمالكه » : أنه مال له ، فإن شاء أبرأ ، وإن شاء أخذ. ومبنى الرواية على أن


أخذ المالك من الضامن أقلّ من الدين قرينة على أنه أبرأ المديون من الزائد ، أو هي محمولة على ذلك.

قوله : لو وقع صلحا.

أي : صالح المقرض ما في ذمّة المديون من غيره اغتفر وجوب مراعاة شروط الصرف ، فلا تجب ، لاختصاصه بالبيع. وهذا بناء على أنّ الصلح ليس فرعا للبيع وأنّ الربا جار في جميع المعاوضات.

قوله : لبقاء ذمّته.

أي : حياته المستلزمة لتحقّق ذمّته في الخارج ، بخلاف الميّت ؛ فإنّه لا ذمة له.

فإن قيل :

بقاء الذمّة لا يوجب أثرا لجريان ما ذكر للفرق في المفلس أيضا بأن يقال : إن منع الغرماء من التصرّف إلى أن يحل يتضررون ، وإن لم يمنعوا يتضرّر صاحب الدين المؤجّل.

قلنا :

إنّ الميّت لما لم يكن له ذمّة لا يتعلّق حقّ صاحب الدين بذمّته ، ولا بذمّة الوارث ؛ لعدم اشتغالها ، ولا يمكن عدم تعلّق حقّه بشي‌ء ، فيتعلّق بالمال ، فله حقّ فيه ، فيكون في المال حقّان : حقّ الورثة وحقّ صاحب الدين ، فمنع واحد منهما موجب لتضرر الآخر مع تعلّق حقّ كلّ منهما به ، بخلاف المفلس ؛ فإنّ بقاء ذمّته يمنع من تعلّق حقّ صاحب الدين المؤجّل بالمال ، فلا يكون له حقّ فيه ، فلا يؤثّر تضرّره وعدم تضرّره.

ومن هذا ظهر أنّ مراد الشارح تضرر الورثة أو صاحب الدين مع تعلّق حقّهما معا به. وأشار إلى هذا القيد الأخير بقوله : « لبقاء ذمّته » واندفع ما يتوهّم من عدم مناسبة قوله :« لبقاء ذمّته » تعليلا لمخالفة المفلس مع الميّت ، فيما ذكره فرقا من تضرّر الوارث أو صاحب الدين.

قوله : وإن ظهرت.

كأن يأخذ نفقته من رأس ماله ، لا من حرفة ونحوها ، وذكره للاشارة إلى خلاف الشافعي فيه ؛ فإنّه أوجب الحجر بظهور أمارات الفلس إذا اجتمعت سائر الشرائط.


قوله : وعمّ.

أي : عمّ الحجر حينئذ للملتمسين وغيرهم من الغرماء فيقسم المال بين الجميع ، ولا يختص بالملتمسين خاصة.

قوله : في الوسط.

إفراد الوسط بالذكر لبيان أنّ الأول [ والاخير ] غير مقيّدين بخلاف الوسط. فالمعنى : أنّ الأوّلين ( كذا ) يعتبران فيهما ما يليق بحاله مطلقا ، وفي الوسط ما يليق إذا كان شريفا محتاجا إلى الخادم أو عاجزا ، لا مطلقا.

قوله : عن ذلك.

أي : ما يليق بحاله.

قوله : تلف.

قيد لقوله : « يلزم ذمّته » وقوله : « يتبع » عطف على « يلزم » بحذف حرف العطف. وتقييد لزوم ذمته بالتلف ؛ لأنّه لو لم يتلف كان مال مالكه كما يصرح به الشارح.



كتاب الرهن

قوله : لا بمجرد الكتابة.

فيه ردّ على العلّامة حيث إن الظاهر منه في القواعد الاكتفاء بمجرّد الكتابة.

قوله : للغرر

أي : لزوم الغرر على المالك ؛ لاحتمال أن يرهنه على أضعاف قيمته أو على جنس أو موصوف بوصف متعذر أداؤه ، أو إلى مدّة تزيد على عمره الطبيعى ، إلى غير ذلك ، ولا غرر أعظم من ذلك.

قوله : بمثله.

متعلّق بقوله : « يضمن » أي : يضمن بمثله.

قوله : كما يصح.

متعلّق بقوله : « ويصحّ رهن الأرض » أي : يصحّ رهنها كما يصحّ بيعها.

قوله : بحيث لا يتعذّر.

بيان لقوله : « محصورا » يعني : يكون محصورا بهذه المثابة أي : لا يتعذّر قبضه عادة ، ويمكن العلم به ، وإلّا فمطلق المحصورية غير كاف ، بل هو حاصل مطلقا. ففائدة القيد بيان قدر المحصورية والمراد منها.

وأيضا بيان على أنّ المراد بالمحصور ليس المحصور عددا ، بل المراد : كونه محاطا عليه في مكان محدود بالنحو المذكور ؛ لأنّه الموجب لعدم تعذّر القبض دون الحصر العددي ؛ لإمكان كونه محصورا بالعدد ويكون في غدير عظيم لا يمكن قبضه. ويمكن أن يكون قوله : « بحيث » بيانا لقوله : « محصورا » و « مشاهدا » باللف والنشر المرتّب بأن يكون « لا يتعذّر قبضه » بيانا لقوله : « محصورا » وفائدته ما ذكر.


وقوله : « ويمكن العلم به » بيانا لكونه مشاهدا وفائدته التنبيه على أنّ المراد بالمشاهدة إمكان العلم به وجودا وقدرا لا العلم به بالفعل.

قوله : أو العبد.

عطف على « المصحف ».

قوله : لاقتضائه الاستيلاء.

أي : اقتضاء رهن المصحف والعبد. وفاعل الاستيلاء الكافر. والضمير في « عليهما » راجع إلى المصحف والعبد. وقوله : « السبيل » عطف على « الاستيلاء ». وقوله : « على بعض الوجوه » متعلّق بكلّ من الاستيلاء والسبيل حيث إنّه لا يستولي عليهما ولا يحصل له السبيل إليهما من جميع الوجوه ، لعدم جواز اتلافهما له ، ولا ....

والمراد بنحو البيع : المصالحة عليهما وإجارتهما حتى يستوفي دينه.

قوله : للمسلم.

متعلّق بقوله : « لم يشترط » لا « بيعه ».

قوله : لأنّه.

تعليل لجواز الرهن المستفاد من قوله : « إلّا أن يوضعا ».

قوله : ويصحّ الرهن في زمن الخيار إلى آخره

اعلم أنّ الكلام في الرهن في المعاملة الخيارية يحتمل وجوها ؛ لأنّ المراد إمّا رهن ما فيه الخيار من المبيع ، أو رهن شي‌ء آخر على ثمنه. وعلى الأوّل إمّا يكون الرهن البائع أو المشتري. وعلى تقدير كون الراهن المشتري : إمّا يرهنه عند البائع لأجل ثمنه أو عند غيره لدين له عليه ، فهذه صور أربع : رهن البائع للمبيع مع الخيار ، ورهن المشتري له عند غير البائع ، ورهنه له عنده لثمنه ، ورهن شي‌ء آخر عند البائع على الثمن.

أما الأوّل فليس المراد قطعا ، ولا يحتمله العبارة ، وحكمه واضح ؛ لأنّ الخيار إن لم يكن للبائع لا يجوز له رهن المبيع ، وإن كان له جاز ، فيكون فسخا. فيبقى الاحتمالات الثلاثة الاخر. وظاهر عبارة المصنّف هو الثاني والثالث.

أي : رهن المشتري المبيع سواء كان عند غير البائع أو عنده. وظهوره من وجوه ثلاثة.


أحدها :

قوله : « وإن كان الخيار للبائع » لانّه يصلح فردا خفيّا لمسألة جواز رهن المبيع ؛ لكونه مؤثّرا في تزلزل المبيع في يد المشتري ، وأمّا مسألة جواز الرهن على الثمن فالفرد الخفي ، هو ما كان الخيار للمشتري ؛ لعدم لزوم رهن على المشتري ، وخيار البائع لا دخل له في ذلك.

وثانيها :

التعليل المذكور بقوله : « لانتقال المبيع » فإنّ انتقاله يصلح تعليلا لجواز رهنه. وأما الرهن على الثمن فالتعليل المناسب له ما ذكره الشارح بقوله : « لثبوت الثمن في الذمة ».

وثالثها :

إنّ الكلام هنا في المرهون ، لا الحقّ الذي يرهن عليه ؛ فإنّه سيأتي.

وأمّا ظاهر كلام الشارح فهو الرابع ، (١) وظهوره من وجهين :

أحدهما :

التعليل المذكور بقوله : « لثبوت الثمن في الذمّة ، وإن لم يكن مستقرّا » ، فإنّه لا مناسبة له ظاهرا مع جواز رهن المبيع ؛ ولذا يصحّ رهنه ، ولو لم يثبت الثمن في الذمّة ، كما إذا أدّاه حال البيع.

وثانيهما :

قوله : « لا يصح الرهن على الثمن » وهو صريح فيما ذكر.

وعلى هذا فلا يلائم كلام الشارح مراد المصنّف ؛ ولذا اعترض عليه بعض المدققين ، وقد تصدى بعض المحشّين لدفع المخالفة ، فحمل مراد المصنّف على الصورة الثالثة خاصة أي : رهن المبيع على الثمن عند البائع.

وعلى هذا فلا ينافيه قوله : « لثبوت الثمن في الذمّة » بل يحتاج إليه ؛ لأنّ رهن المبيع على شي‌ء يتوقّف على ثبوته في ذمّته ، فكان الحكم محتاجا إلى دليلين : أحدهما على

__________________

(١) فى الاصل : الثالث.


جواز رهن المبيع ، وثانيهما على جواز رهنه على الثمن ، ولما كان الأوّل مذكورا في كلام المصنّف اكتفى الشارح بذكر الثاني خاصة.

وكذا قوله : « لا يصح الرهن على الثمن » ؛ لأن المراد : رهن المبيع على الثمن ، وجعل قول المصنّف : « وإن كان الخيار للبائع » أنسب لذلك حيث إنه فيه خفاء آخر أيضا حيث إنّ قبول البائع للمبيع رهنا يوهم تعرّضه لإبطال حقّه ، وهو خياره.

ووجه تخصيص الشارح برهن المبيع عند البائع على الثمن مع إطلاق كلام المصنّف ؛ لأنّ رهنه عند غيره إبطال للمشتري لحقّه ، ولذا عبّر الشارح بما عبّر للتنبيه على ذلك.

المسألة الخامسة

قوله : صارت مستولدة.

أي : صارت الأمة من المستولدات الشرعية مع الإحبال ، فيتعلّق بها حكم أمّهات الأولاد ، وليست زانية ، ولا الراهن بزان حتّى لا تكون مستولدة شرعا ، لأنّها لم تخرج عن ملكه بالرهن.

قوله : وفصّل ثالث.

هذا قول الشيخ في الخلاف.

المسألة السادسة

قوله : والحوالة به.

بالرفع [ عطف ] على ضمان الغير له.

المسألة الثامنة

قوله : لزوم العقد.

اللام في العقد للعهد الذكري أي : مقتضى لزوم عقد الرهن ؛ لأنّه عقد متعلّق بحقّ من الحقوق الماليّة منقول إلى المرتهن ، فلزومه موجب لانتقاله إليه انتقالا لازما ، وكلّ حق لازم للمورث مالي ينتقل إلى ورثته.

قوله : بهما.

« الباء » بمعنى : « في » نحو قوله : « نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ». (١)

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.


المسألة التاسعة

قوله : من حقّ المرتهن.

أي : من حقّه من الدين وذلك إشارة إلى ردّ ما روي فى رواية شاذة متروكة من « أنّه لو تلف بغير تفريط يقع التقاص بين قيمته وبين الدين ».

قوله : فإن تعدّى.

هذا تفريع على الاستثناء المذكور بقوله : « إلّا بتعدّ أو بتفريط » ، وتمهيد مقدّمة لقول المصنّف : « فيلزم » ولا تعلّق له بقوله : « ولا يسقط » إلى آخره.

قوله : وإن كانت مضمونة.

المراد بكون العين مضمونة : أنّه يجب عليه ردّها إلى الراهن مع فكّ الرهن أو المراد :أنّها تصير مضمونة بالقيمة اذا فرّط فيها ، لا أنها مضمونة حين بقائها بالقيمة. فلا تنافي بين قوله هذا وبين قوله : فيما بعد : « قبل التفريط غير مضمون » ؛ فإنّ المراد منه : أنّه غير مضمون بالقيمة.

قوله : وبأنّ المطالبة لا دخل لها إلى آخره.

هذا ردّ للثالث. وتوضيحه : أنّ ما يصلح أن يكون وجها لضمان أعلى القيم من يوم التلف الى حين الحكم هو أنّ سبب ضمانه للقيمة استحقاق مطالبة القيمة وهو لا يتحقق الا بعد التلف وهو باق من حينه الى حين الحكم فله المطالبة حين القيمة الأعلى بها فيستحقّها ويضمنها المرتهن.

فردّه : بأنّ استحقاق المطالبة لم يصر سببا للضمان في القيمى ، بل سبب ضمان القيمي هو مجرّد التلف ، نعم سبب ضمان القيمة في المثلي المطالبة وتعذّر المثل ، فيلزمه قيمة وقت المطالبة ؛ لكونها سببا للضمان فيه.

ومن هذا ظهر أنّ المراد بالمطالبة في قوله : « وبأنّ المطالبة لا دخل لها » : استحقاق المطالبة ، دون نفسها ؛ لأنّ السبب لو كان نفسها عند القائل بالخلاف ـ أي : المستدل ـ للزم الحكم بضمان قيمة وقت الأداء كما سنذكره في المثلي.


ويمكن أن يكون المراد : نفسها. ويكون المعنى : المطالبة لا دخل لها حتّى يصير استحقاقها سببا لضمان القيمة ، والمراد بالمطالبة المذكورة بعد هذا في ضمان المثلي : هو نفسها ؛ لأنّها توجب القيمة وقت الأداء. وأما استحقاق المطالبة فهو موجب لأعلى القيم من يوم الإعواز إلى يوم الأداء.

المسألة العاشرة

قوله : وللقرينة.

وهي وجود الدين حيث أقرّ به ؛ فإنه قرينة على تحقّق الرهن ، وكون المختلف فيه رهنا.

قوله : ضعف المقابل يمنع من تخصيص الآخر.

هذا ردّ لدليل المفصّل المذكور بقوله : « جمعا بين الأخبار » فإنّ الجمع على ما ذكره المفصّل هو بأن يخصّص الرواية الصحيحة الدالّة على حلف المالك بصورة إنكاره لمعارضة الرواية الضعيفة ، ويخصص الرواية الضعيفة الدالة على حلف الممسك بصورة إقرار المالك.

وحاصل الرد : أن تخصيص الاولى ببعض صور الثانية إنّما هو إذا تصلح الثانية للمعارضة. ولكنّها ضعيفة ، فالمراد بالمقابل : هو الرواية الضعيفة ، وبالآخر : هو الصحيحة.

قوله : حلف الراهن خاصّة.

وجهه : أنّ الراهن منكر لرهن الجارية ومدّع لرهن العبد والمرتهن بالعكس ، ولكن لا يمين على المرتهن في إنكاره رهن العبد ؛ لأنّه لو كان حقّا أيضا بطل بإنكاره ، فلا يترتّب فائدة على اليمين ، فيبقى المرتهن مدّعيا محضا والراهن مدّعيا ومنكرا ، أما من جهة كونه مدّعيا فلا بيّنة عليه لما عرفت من بطلان دعواه في العبد بإنكار المرتهن ، فيبطلان معا.

قوله : ولو كان الرهن.

« اللام » في الرهن للعهد. أي : الرهن الذي اختلفا في العين المرهونة بها فيه. والمراد : أنّ ما تقدّم من حلف الراهن وبطلان العقد في صورة الاختلاف في العين إنّما يكون إذا لم يكن الرهن مشروطا في عقد لازم ، وإلّا فيتحالفان.


قوله : لأنّ انكار المرتهن إلى آخره

توضيح المقام : أنّه إذا اشترطا الرهن في العقد فيكون الرهن حقّا للراهن أيضا ، ولا يختصّ بالمرتهن ؛ لأنّه لكونه شرطا في البيع يكون كالجزء من الثمن ، ولما لم يكن الرهن بدون المرهون واحتاج إلى متعلّق فلا بدّ من تعيينه في ضمن العقد اللازم أيضا ، فرجع الاختلاف فيه إلى أنّ جزء الثمن رهن العبد أو الجارية ، ولا شك أن تعيين جزء الثمن ليس حقّا لواحد منهما ، بل تعلّق به حقّهما معا ، فلا يبطل بإنكار واحد منهما ، فيكون كلّ منهما مدّعيا ومنكرا.

وأيضا لو سمعت هنا دعوى المرتهن عدم رهن العبد وأوجب إنكاره إبطاله ، والراهن أيضا ينكر رهن الجارية يلزم أن يحكم بعدم وفاء الراهن بالشرط ، وعدم أدائه جزء الثمن ، والزم بأدائه من دون بيّنة ولا يمين ، وهو باطل.

المسألة الثانية عشرة

قوله : والبائع المرتهن.

« البائع » مبتدأ خبره « المرتهن » يعني : المتولي للبيع المرتهن.

وقوله : « والغالب موافق لمراده » عطف على قوله : « وكيلا » من باب عطف الجملة على المفرد. وجملة : « أو رجع إلى الحق » عطف على جملة : « والغالب موافق لمراده ».

والمراد من الحق : البيع بالنقد الغالب ؛ لأنّه الحق شرعا : والمعنى : أنه يتولّى المرتهن البيع إن كان وكيلا ، وكان النقد الغالب هو الموافق لمراده ، أو لم يكن ولكن قبله ورجع إليه ، وأما إذا لم يكن وكيلا ، أو كان ولم يكن النقد الغالب موافقا لمراده [ و ] لم يقبل البيع بالنقد الغالب فالبائع الحاكم.

قوله : وعنى به المتباينين.

كلام الشارح أقحمه في كلام الدروس لبيان معنى قول الدروس « أحدهما » أي : عنى بقوله : « أحدهما » أحد المتباينين من النقدين. وقوله : « أسهل » أيضا من كلام الدروس ، وخبر لقوله : « كان ».



كتاب الحجر

قوله : لا مطلق الاصطلاح.

عطف على قوله : « بحيث يكون ».

قوله : وعن ابن عباس ( رضي‌الله‌عنه ).

يحتمل أن يكون ذلك مؤيّدا لقول معتبر العدالة حيث إنّ الغالب أنّ الأوصاف الثلاثة لا يجامع الفسق سيّما [ العقل ] ، وأن يكون مضعّفا له حيث إنه أطلق ولم يذكر العدالة ويحتمل أن يكون ذكره لبيان أنّ هذا أيضا قول ثالث في الرشد.

قوله : فوّض إليه البيع والشراء.

لما كان تفويض البيع والشراء إليه موقوفا على تمكينه من التصرّف في المال وهو موقوفا على العلم بالرشد ، وهو على الاختبار ، وأيضا إن كانت صحّة البيع والشراء موقوفة على الرشد ، وهو لا يعلم إلّا بعد تكرّر الفعل مرّة ( كذا ) فكان يرد : أنّ مع ذلك كيف يفوّض حينئذ إليه البيع والشراء.

فسّر البيع والشراء بما ذكر يعني : أنّ المراد بالبيع والشراء المفوضان ليس ... لعدم تصوّرهما منه ، بل تفويض المماكسة فيهما إليه أي : التكلّم في مقدّماتهما.

و « الواو » في قوله : « ويراعى » حالية أي : تفويض المماكسة إليه حال كونه مراعى ـ أي : مراقبا ـ فيراقبه الولي ويطّلع على حاله إلى أن يتمّ مقدّمات البيع ، ثمّ بعد تمامها يتولّى نفس البيع ، أو الشراء الولي نفسه إن شاء ، ولا يكفي تولية المولى عليه مع إذن الولي ، لأنّ محل الاختبار قبل البلوغ كما يأتي ، ولا يقع البيع من غير البالغ ، ولو أذنه الولي.


قوله : ويكمل عقله.

عطف تفسيري لقوله : « يفيق ». والمراد بالإفاقة : رفع الجنون وإن كان سفيها خفيف العقل بعده. والمراد بكمال العقل : رفع ذلك أيضا.

قوله : إلى دليل.

أي : دليل خاصّ في كل موضع ، بل يثبت بالدليل العام ولايته عموما والتخلّف في بعض الموارد كما في الصغير والمجنون والسفيه الذي لم يسبق رشده إنّما هو بالدليل.

قوله : عليه.

الضمير راجع إلى « السفه » والجار متعلّق بالحجر و « رفعه » عطف على الحجر والضمير « فيه » للحجر ، و « على حكمه » متعلّق بالتوقّف ، والضمير فيه للحاكم أيضا.

قوله : ورفعه على حكمه.

لا يخفى أنّ في توقّف الحجر على السفه ورفعه على حكم الحاكم أقوال كما يأتي بعضها :

الأول : توقفهما عليه معا.

ثانيها : توقف الحجر عليه ، دون رفعه ، فيزول بزوال السفه.

وثالثها : عكسه أي : ثبوت الحجر بمجرّد السفه وتوقّف الرفع على الحكم.

ورابعها : عدم التوقّف على الحكم مطلقا.

ومبنى الدليل على القول الأوّل ، ولا يتمّ على سائر الأقوال ، ومع ذلك ففي تماميّته على الأوّل نظر أيضا ؛ إذ لا ملازمة بين توقّف الثبوت والرفع على الحكم وكون النظارة للحاكم.

قوله : أو حابى.

وهي المفاعلة من الحبوة ، وهي العطية. والمراد : أن يبيع بأقلّ من القيمة ، أو يوجر بأقلّ من اجرة المثل ؛ فإنّ ذلك إعطاء للزائد.

وذكر البيع والإجارة على التمثيل ، وإلّا فلا يختصّ بهما ، فمثلهما ما لو حاباه في الشراء أو المصالحة أو الهبة المعوضة أو غيرها.


قوله : فله الرجوع مطلقا.

أي : الرجوع إلى السفيه بأخذه من وليه مال السفيه ، فلو لم يكن للسفيه مال انتظر اليسر.

قوله : لا يترتب عليها حكم ويكون قابضا.

فلا يؤثّر في جواز القبض بدون إذن المالك الاوّل.

قوله : وفي إيداعه.

المراد بالإيداع والإعارة والاجارة حال السفه ، فلو تحقّقت هذه الامور قبله وحصل التلف بعده من فعل السفيه ضمن قطعا.

قوله : قبل السفه.

التقييد بقبل السفه ؛ لما يأتي من عدم انعقاد نذر متعلّق بمال حال السفه.

قوله : من كسب يجبر.

اورد على صورة التمكّن من اكتساب الزائد بأنّ ما يكتسبه مال ، فيتعلّق الحجر به في الزائد على نفقة الحضر. واجيب : بأنّه قبل الاكتساب لم يكن مالا وبعده لكونه في السفر يكون محتاجا إلى زيادة النفقة ، ولا حجر فيما يحتاج إليه.

وقد يجاب أيضا : بأنّ الاكتساب غير واجب على السفيه ، وليس للولي قهره عليه ، فلا يلزم من صرف ما يحصل به إتلاف لشي‌ء من المال الذي تعلّق به الحجر.

وفيه نظر ظاهر.

قوله : تعيّنه.

أي : تعيّن المال.

لا يقال : إنّه يمكن أن يراعى في الانفاذ مع التعيّن أيضا الرشد بأن يتصدّق بالمال المعين حال الرشد ، فلا فرق بينه وبين المطلق.

لأنّا نقول : إنه إذا كان معيّنا يتعلّق به حكم النذر حال النذر ، وهذا أيضا نوع تصرّف ، ولو حصل التصدّق حال الرشد ، بخلاف المطلق ؛ فإنّه لم يتعلّق حكم النذر بشي‌ء من ماله معيّنا حتّى يكون تصرفا فيه.



كتاب الضمان

قوله : من البري‌ء.

متعلّق بالتعهّد. أي : تعهّدا ناشئا من البري‌ء. وقوله : « من مال » متعلّق بالبري‌ء قوله : « لما ضمنه » متعلّق بمماثل وقوله : « للمضمون عنه » متعلّق بالبري‌ء ، لا بقوله : « ضمنه ».

وفائدة قوله : « مماثل لما ضمنه » إدخال تعهّد المشغول ذمّته بغير المماثل ؛ فإنّه ضمان ؛ إذ ليس بحوالة بناء على اشتراطها بشغل ذمّة المحال عليه بما أحال به.

وقوله : « للمضمون عنه » إدخال ما لو اشتغلت ذمّته لغيره ؛ فإنّه لا يمنع ضمانه عنه ، ولو جعل « للمضمون عنه » ، متعلّقا بضمنه لورد ذلك.

قوله : بالمصدر.

المراد بالمصدر : إما الضمان أو التعهّد ، وباسم الفاعل : البري‌ء.

فإن قلت : التعهّد يدلّ على المتعهّد ، والبري‌ء على الشخص لا على الضامن.

قلت : المراد بالضامن هذا الشخص الذي ينتقل إلى ذمّته المال سواء سمّي ضامنا أو متعهّدا ، أو بريئا ، والإتيان بلفظ الضامن لصدقه عليه أيضا ، لا خصوص الضامن من حيث إنّه مدلول عليه بهذا اللفظ.

قوله : لا في مال المولى.

أي : في ماله الذي غير ذمّة العبد ، وإلّا فذمّة العبد أيضا من مال المولى.

قوله : فلا يدلّ على الخاص.

اورد عليه : بأنّه إذا كان الضمان أعمّ من كلّ منهما ، فكان ذمّة العبد أيضا خاصّا ، فلا يدلّ الأعم عليه أيضا.


وجوابه :

أنّها وإن كانت خاصّة أيضا ، إلّا أنّها أرجح من سائر الأفراد ، لوقوع الضمان من العبد الذي هو صاحب الذمّة ، ولأنّها أيضا مال للمولى ، فلو دلّ الأعم على مال المولى دلّ عليها أيضا ، ولو دلّ على ذمة فهي ، وأمّا دلالته على المال الذي غير الذمّة فلا وجه له.

قوله : من الضمان الذي يستعقب الأداء.

يعني : أنّ المعهود من الضمان أنه الذي يتعقّبه الاداء ، وهو لا يكون إلّا بتعلقه بكسبه ؛ لأنه لولاه فإمّا يتبع العتق ، أو يتعلّق بمال المولى غير كسبه ، أو بمال غير المولى.

والأوّل غير متعقّب للأداء ؛ لأنّه فرع العتق الذي هو خلاف الاصل والظاهر ، والمحتاج إلى الكسب بعده أيضا ؛ إذ مجرّد العتق لا يوجب إمكان الأداء ؛ لاحتياجه إلى المال. والثاني باطل لايجابه ضمان المولى وهو منتف ، وبطلان الثالث ظاهر.

قوله : كما لو شرطه.

أي : مثله في عدم تعلّقه بذمّة العبد وعدم اتباعه العتق ، لا أنّه مثله في أنّه يجب الوفاء من مطلق مال المولى.

قوله : بنسبه.

وإن شرط تميزه بشخصه كما يصرّح به بعد ذلك.

قوله : وكون الخصومة حينئذ إلى آخره.

هذا دليل على أنّه لا يلزم الضامن ما يحلف عليه المضمون له بردّ اليمين من المضمون عنه. والمراد : أنّ خصومة المضمون له حينئذ مع الضامن والمضمون عنه معا ؛ لأنّ على المضمون عنه التعيين ، وعلى الضامن الأداء ، فالنزاع وحلف المضمون له بردّ المضمون عنه إنّما هو قاطع النزاع مع المضمون عنه الذي هو أحد خصميه ، فلا يلزم بسببه شي‌ء على الضامن الذي هو خصمه الآخر.

وقد يجعل قوله : « كون الخصومة » عطفا على قوله : « نفوذ الإقرار » ليكون مدخولا للعدم ويكون المعنى : وعدم كون الخصومة مع الضامن والمضمون عنه بل مع الضامن وحده ، فلا يلزمه ما ثبت بمنازعته مع المضمون عنه ، فينتفي الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ المضمون عنه لا مدخليّة له في الخصومة حينئذ.


وفيه : منع عدم مدخليته لما عرفت مع أنه يفسد الكلام حينئذ لأنّه يفهم منه أنه لو كان الخصومة مع الضامن والمضمون عنه يلزمه ما يثبت بمنازعة غيره.

قوله : أن يريد به.

أي : بالغريم. وذلك إذا أراد من المستحقّ قدر الحق كما مر.

وأمّا إذا كان المستحق بالكسر وكان المراد به : المضمون له ، فيكون المراد بالغريم :

المضمون عنه وحده ، وإلّا لزم التكرار.

قوله : ويريد بالعلم به الإحاطة.

« الواو » للاستيناف. وهذا ابتداء كلام مهّده لقول المصنّف : « بل تميّزهما » يعني : أن المراد بالعلم به المنفي اشتراطه الاحاطة بمعرفة حاله ونسبه ، لا مطلق العلم حتّى التميز بالشخص ؛ فإنّه لازم.

وليس عطفا على قوله : « يريد به » ؛ لأنّ المراد بالعلم ذلك مطلقا سواء اريد بالغريم الأعم أو الأخص. ولا ينافي ما ذكرنا قوله : « لسهولة الاقتضاء » حيث وصف المضمون له الذي هو أحد فردي الغريم على الاحتمال الثاني ، كما لا يخفى.

قوله : لسهولة الاقتضاء.

متعلّق بقوله : « أو وصف » أي : يعرف وصفه لسهولة الاقتضاء حيث إنّ لها مدخلية تامّة في قبول الضمان عنه.

قوله : أي : المستحق والغريم.

سواء كان المستحق بالكسر والمراد بالغريم : المضمون عنه ، أو المستحق بالفتح ، والمراد بالغريم : المضمون له والمضمون عنه معا.

قوله : أما الحق.

أي : اما اشتراط توجه القصد إلى الحق. وهذا بناء على جعل المستحق بالفتح ، حتى يكون الحق داخلا في قوله : « تميزهما » أيضا.

والمراد بتميّز الحق : نوع تميّز له كجميع ما في الذمّة ، أو ثلثه ، أو ربعه ، أو غير ذلك فلا ينافي ما سبق من الشارح : « أنه لو ضمن ما في ذمّته صحّ » حيث إنّه لم يتميّز ، لأنّه أيضا متميّز من حيث دلالته على ضمان جميع ما في الذمّة.


قوله : ويشكل.

يمكن أن يكون المستحق بالفتح ـ أي : الحق ـ والمراد بالغريم : المضمون له ، وعلى هذا فلا دلالة لكلام المصنّف على اشتراط تميّز المضمون عنه ، فيندفع عنه الإشكال.

قوله : ضمان.

خبر لقوله : « عليّ » والمقول هو : « عليّ ضمان » ولفظه ليس جزءا للمقول ، بل هو من الشارح يعني : أنه قيل : إذا قال الضامن : « عليّ » فهو ضمان منه ، إذا تحقّق سائر شرائطه من تعيين أنه ضمان المال وعمّن هو كأن يقول : عليّ مالك في ذمّة فلان ولا يقدح احتمال كون المراد عليّ السعي أو المساعدة أو نحوهما ؛ لاقتضاء « علي » الالتزام.

قوله : أمّا ضمانه عليّ فكاف.

أي : ذلك كاف قطعا من غير ترديد كما كان لفظة « عليّ » محل الترديد ، ولذا نسبه إلى القيل.

ووجه كفايته : أنّ مع ضميمة « ضمانه » ينتفي احتمال إرادته أنّ عليّ السعي أو المساعدة أو نحوهما ، ولكن يشترط التصريح بالمال لخروج الكفالة.

قوله : لأنّ حقه إلى آخره.

لما كان قوله : « وقيل يكفي رضاه » متضمّنا لجزءين : أحدهما : اشتراط الرضا ، وثانيهما : كفايته وعدم الاحتياج إلى القبول ، فقوله : « لأنّ حقه » علّة للجزء الأوّل. وقوله « ولكن لا يعتبر القبول » علّة للجزء الثاني.

قوله : لما روي إلى آخره.

موضع الاستدلال ليس مجرّد ما ذكره الشارح ، بل تمام الرواية ، وهو أنه بعد ضمانه ( عليه‌السلام ) صلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه حيث [ انه ] مطلق غير مقيّد بالسؤال عن الغريم أنه هل رضي بضمانه أم لا؟ ولو اشترط رضاه لسأل.

وفيه : أن عدم مطالبة الغريم بعد ضمانه دليل على رضاه مع أنه ثبت في الاصول أن الفعل المثبت لا يعمّ جميع أقسامه وجهاته.


قوله : وإن أذن في الأداء.

أي : أذن في الأداء بعد الضمان كما صرح بذلك في بحث الكفالة حيث قال فيه في بيان الفرق بين الكفيل والضامن في أنّ الأوّل يرجع بمجرّد الإذن في الأداء ، دون الثاني :« بخلاف الضامن ؛ لانتقال المال إلى ذمّته بالضمان فلا ينفعه بعده الإذن في الأداء ؛ لأنّه كإذن البري‌ء للمديون في أداء دينه. انتهى ».

وعلى هذا يظهر توضيح التعليل الذي ذكره بقوله : « لأنّه متبرّع » إلى آخره يعني : أن الضامن حينئذ متبرّع بالضمان حيث إنّه كان قبل الإذن ، والضمان هو الذي يوجب النقل للمال من ذمّة المديون ، فبالضمان برئت ذمّته ، واشتغلت ذمّة الضامن ، فلا يفيد الإذن الحاصل بعده ؛ لأنّه إذن للمديون بأداء ذمّته ممّن ليس عليه دين.

قوله : في كل موضع يبطل.

اورد على طرده ما لو ضمن عهدة الثمن قبل قبضه ، وظهر بطلان البيع رأسا ، فإنه لا رجوع على الضمان حينئذ.

ولا يخفى ما فيه ، فإنّ المصنّف صرّح بأن المال المضمون ما جاز أخذ الرهن عليه ، ولا يجوز أخذ الرهن على ما لم يستقر في الذمّة ، والثمن قبل قبضه غير مستقرّ في الذمّة ، فكيف يتصوّر الضمان فيه؟

قوله : كالاستحقاق للمبيع إلى آخره.

اورد عليه : بأن الاستحقاق للمبيع المعيّن أي : ظهور كونه مستحقّا للغير ، لا يبطل البيع من رأس.

ولا يخفى ما فيه ؛ لأنّه قد مرّ في أوائل كتاب التجارة أنّ الإجازة كاشفة عن صحّة العقد أولا ، فعدم الإجازة كاشف عن بطلانه أولا ، أي : حين الضمان فكيف لا يبطل من رأس؟ فإن المراد بالبطلان من رأس : كونه باطلا حين الضمان ، وهذا أيضا كذلك ، نعم لو أجاز المالك يكون كاشفا عن صحّته ، وهو غير المفروض كما صرّح به الشارح.

هذا إذا قلنا : إن الاجازة كاشفة ، ولو جعلناها ناقلة ، أو قلنا ببطلان البيع الفضولي مطلقا ، فالأمر أظهر.


قوله : من بناء.

والمراد : ضمان أرش المقلوع ، واجرة الأرض التي يأخذها المالك عن المشتري.

قوله : ظهورها.

أي : ظهور الأرض.

قوله : لأنه ثابت عليه.

أي : ضمان الأرش على البائع ثابت بنفس العقد بمعنى أنّه بحيث يجب عليه الأرش لو ظهر مستحقّا للغير وأخذ الغير الأرش ، لا أنّ الأرش ثابت بنفس العقد ، فلا ينافي ذلك ما ذكره الشارح بقوله : « عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال الضمان ».

فإن المراد به : أنّ الأرش غير ثابت حال الضمان بعقد الضمان ، وإن كان الضمان اللازم للبيع ثابتا بنفس عقد البيع.

قوله : ضمانه إلى آخره.

أي : صحّة ضمانه بعقد أي ، ضمان الأرش لأجل كونه بائعا ، لا يوجب صحّة ضمانه بعقد الضمان ؛ فإنّ للضمان بعقده شرائط ليست للضمان الحاصل بعقد البيع.

قوله : بعقده.

أي : عقد الضمان.

قوله : والموجود من العيب.

يعني : أنّ الموجود من العيب حين العقد لم يكن موجبا للزوم تعيّن الأرش حتى يثبت في الذمّة أولا ، بل كان موجبا للتخيير بين الأرش والرد.

قوله : فلم يتعيّن الأرش.

أي : لم يتعيّن الأرش قبل الضمان حتّى يكون مستقرّا في الذمّة حاله ويصحّ ، وإنّما تعيّن بعد الضمان بسبب العلم واختيار الأرش ، فلم يكن ثابتا في الذمّة حال الضمان.


كتاب الحوالة

قوله : وهي التعهّد بالمال.

لا يخفى أنّه إنّما يصلح تعريفا لقبول الحوالة. وأما نفس الحوالة فقد عرّفه في الشرائع :

بأنّه تحويل المال من ذمّة إلى ذمّة. وفي القواعد : أنه عقد شرع لتحويل المال من ذمّة إلى ذمّة اخرى. وهما أنسب وأصح ممّا ذكره المصنّف.

قوله : أشبه بالضمان.

أي : أشبه بالضمان من الحوالة على غير [ البري‌ء ] ، فانّه أيضا شبيه بالضمان من جهة انتقال المال من ذمّة إلى اخرى ، ولكن هذا أشبه به حيث إنّه لا يشترط في الضمان الاشتغال.

أو المراد : أنّ هذا أشبه من سائر أفراد الحوالة بالضمان ، فالمعنى على الأوّل : أن شباهته بالضمان أكثر من شباهته بسائر أقسام الحوالة وعلى الثاني : أنّ شباهته بالضمان أكثر من شباهة سائر أقسام الحوالة به.

قوله : ولكنّها لا تخرج بهذا الشبه من أصل الحوالة.

لأنّ كونه حوالة إنّما هو من جهة عمل المديون الذي هو التحويل ، وهو متحقّق وبهذا يفترق عن الضمان ، فإنّ في الضمان لا يشترط صدور عمل من المضمون عنه ، بل ولا رضاه ولا تميّزه ، بخلاف الحوالة ؛ فإنّه عمل صادر من المحيل ، ولا يتحقّق بدون رضاه.

قوله : ودينه.

إضافة الدين إلى الضمير بمعنى : « اللام » ولا يخفى أنّ هذا الدليل لا يجري في الحوالة على البري‌ء ؛ إذ ليس للمحيل دين عليه.


قوله : من جملتها.

الأولى أن يقول : ( من جملته ) ؛ لأنّ الدين مال ، لا من جهات القضاء ، نعم حوالته من جهاته ولعلّه المراد ، واكتفى عن التصريح به بقرينة المقام.

قوله : فلا يلزمه.

الضمير المنصوب إمّا راجع إلى المحيل أو المحتال. فعلى الأوّل يمكن أن يكون المراد باللزوم : الجواز تجوّزا أي : فلا يجوز له ذلك. أو المراد : الثبوت والتحقّق ويقدر مضاف لقوله : « نقله » أي : فلا يثبت له جواز نقله إلى آخره.

وعلى الثاني يكون المعنى : فلا يلزم المحتال قبول النقل المتحقّق بغير رضاه.

قوله : نعم لو كانا مختلفين.

لا يخفى أن هذا لا يلائم ما ذكره المصنّف في التعريف حيث قال : « من المشغول بمثله » فإنّ المستفاد منه : أنّ التعهّد من المشغول بغير مثله ليس حوالة. والمستفاد من قول الشارح هذا أنه حوالة. وجعل قوله : « بمثله » متعلّقا بالتعهد ، واريد قبول المحيل مثل مال المحتال ، ولو لم يشغل ذمّته به ، وإن كان ممكنا ولكنّه بعيد.

ولكن سيصرّح الشارح بصحّة الحوالة على المشغول بغير المثل أيضا.

قوله : عندنا.

متعلّق بالضمان. وإشارة إلى خلاف العامّة حيث يجعلون الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة.

قوله : بأن يضمن الضامن آخر.

الضامن متعلّق بقوله : « يضمن » وآخر فاعل له.

قوله : وقد تظهر الفائدة في ضمان الحالّ إلى آخره.

وذلك كما إذا كان للمضمون له دين على مضمون عنه حالا ، وأراد جعله مؤجلا على وجه اللزوم ، فيضمن ثالث مؤجلا ، فيبرأ حينئذ المضمون عنه عن الدين الحالّ ، ويستقلّ الضامن بالمؤجّل ، ثم يضمن المضمون عنه عن الضامن بالمؤجّل ، فيلزم الأجل ، وكذا عكسه بأن يكون الدين مؤجّلا واراد حلوله لازما فيضمن ثالث حالا والمضمون عنه عن الثالث كذلك ، فيلزم الحلول.


قوله : لئلّا يصير.

فإنّه يخرج المسألة حينئذ عن المتنازع فيه ، وإن جاز ذلك أيضا.

قوله : حيث منع منه.

أي : من التكافل. ووجه زيادة الارتفاق : أنه إذا تكافلا وضمن كلّ واحد من المتكافلين ما على صاحبه أوّلا ، فيتسلّط المحتال على الرجوع لكلّ منهما في مجموع الحق ، فيكون أقرب إلى الوصول ممّا كان أوّلا ؛ لأنّ المجموع أوّلا كان في ذمّة المحيل ، وهو شخص واحد ، والآن يكون المجموع في ذمّة شخصين اذ كلّ واحد منهما مشغول ذمّته بالمجموع ، وإن برئت بأداء الآخر.

ولا شك أن ما في ذمة شخصين أقرب إلى الوصول عمّا في ذمّة الواحد ؛ فإنّه إذا فلس أحدهما ، أو مات بقي الآخر ، فيكون أرفق ممّا كان أوّلا ، وهذا ممتنع في الحوالة.

ولا يخفي أنّ هذا لو صحّ لمنع من أصل الحوالة على الاثنين ، وإن لم يتكافلا ؛ لأنّ تعلّق مال على اثنين أسهل وصولا ممّا إذا تعلّق بالواحد.

فإن قلت :

لعلّ ذلك الواحد الذي هو المحيل متّصف بوصف يساوي الاثنين في سهولة القضاء.

قلنا :

مع أنه غير مطّرد يجري في التكافل أيضا ؛ إذ لعلّ تعلّق المال على كلّ من الشخصين لا يوجب اطراد أقربيّته إلى الوصول ممّا إذا تعلّق بالواحد ؛ إذ لعل ذلك الواحد أملأ وأحسن قضاء من الاثنين.

ثمّ لا يخفى أنّ تعلّق كلّ المال بكلّ من الاثنين إنّما هو على مذهب من يجعل الضمان ضمّ ذمّة إلى آخر ، وأمّا على مذهبنا فلا ، كما صرّح به الشارح.

قوله : عملا بالظاهر.

تعليل لقوله : « دون الحوالة ». والمراد بالظاهر ؛ الظاهر المتقدّم ، وهو كون المحال عليه مشغول الذمّة ، وهذا الظهور لمّا لم يكن في الضمان احتمل الفرق.



كتاب الكفالة

قوله : وحبس ظالم.

التقييد بالظالم ، للاحتراز عن حبس الحاكم ؛ فإنّه لما كان بحقّ لم يمنعه من استيفاء حقّه ؛ إذ يمكن إحضاره ومطالبته بالحقّين ، ثمّ حبسه بهما.

قوله : في المكان المعيّن.

عطف على قوله : « تاما » أي : يبرأ بتسليمه في المكان المعيّن مع التعيين في العقد ، وفي بلد العقد مع الإطلاق وعدم التعيين.

قوله : وقيل : يتعيّن إلزامه.

هذا القول مقابل القول المصنّف حيث قال : « للمستحق طلب حبسه حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه ». فأثبت التخيير للكفيل ، ولو مع إمكان الإحضار ، وهذا القول أنّ مع الإمكان يلزم بالإحضار إذا طلبه المستحق أي : المكفول له مطلقا سواء أمكن أداؤه أم لا.

قوله : ومستند الحكمين إلى آخره.

الروايتان :

إحداهما :

ما رواه الشيخ عن أبي العباس قال : سألته عن الرجل يكفل بنفس الرجل إلى أجل ، فإن لم يأت به فعليه كذا وكذا درهما ، قال : « إذا جاء به إلى أجل فليس عليه مال ، وهو كفيل بنفسه أبدا ، إلّا أن يبدأ بالدراهم ، فان بدأ بالدراهم فهو له ضامن إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجل » (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٣٢.


وثانيهما :

ما رواه عنه أيضا : قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه‌السلام ) : رجل كفل لرجل بنفس رجل فقال : إن جئت به ، وإلّا فعلي خمسمائة درهم. قال : « عليه نفسه ، ولا شي‌ء عليه من الدراهم » فإن قال : علي خمسمائة إن لم أدفعه إليه. فقال : « يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه » (١).

وقد ذكروا في بيان التفرقة وجوها :

أحدها :

أنه إذا قدّم الشرط فيكون بادئا بالكفالة ، فيلزمه ، والشرط في الأخير لا يترتّب عليه شي‌ء ، نعم إذا أحضره فلما لم يطلب المستحق المال حينئذ قالوا ان عليه المال إن لم يحضره.

وثانيها :

أنه إذا قدّم الشرط فيصير كفيلا ، والجزاء المتعقّب له الدالّ على الضمان لا يترتّب عليه أثر لكونه مشروطا ، فلا يصحّ الكفالة فيه ، دون الضمان ، وأمّا إذا قدّم الضمان فيبطل الشرط المتعقّب له الدالّ على الكفالة لبراءة ذمّة المكفول بالضمان ولا يوجب فساد الضمان ؛ لأنّ الشرط جي‌ء به بعد الضمان الصحيح ، فلا يوجب إبطاله ، بل يبطل الشرط خاصّة.

وهذا قريب من الأوّل.

وثالثها :

أن يحمل المال في الصورة الاولى على غير ما على المديون ، وفي الثانية على ما عليه ، ففي الاوّل لا يصحّ الضمان ، فتبقى الكفالة صحيحة ، وفي الثاني يصحّ الضمان.

ورابعها :

أن المراد في الصورتين أن يقول القول المذكور بعد الكفالة ، فيصح الكفالة في الاولى ويبطل القول لكونه ضمانا بالشرط ، ويصحّ الضمان في الثانية ؛ لأنّ الشرط لكونه واقعا عقيب الضمان لا يبطله ، بل يبطل الشرط خاصّة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٣٢.


وهذا أيضا قريب من الأوّلين.

ويمكن توجيه الروايتين بما لا يحتاج إلى هذه التكلّفات ، ولم يدلّ على هذه التفرقة التي ذكروها :

بأنّ الخبر الأوّل معناه : أنّه إذا كفل رجل بنفس رجل وشرط في العقد أنه ان لم يأت به كان عليه كذا ، فعليه الكفالة ، دون المال. وقوله : « إلّا أن يبدأ » إلى آخره بيان لحكم آخر أي : إلّا إذا لم يكفل أوّلا بل بدأ بالدراهم التي على ذمّة المديون وضمنها من غير تكفل ، فهو حينئذ ضامن للدراهم إن لم يأت المديون بالدراهم إلى الاجل الذي ضمن إليه الضامن.

وتذكير الضميرين المجرورين إمّا باعتبار المبتدأ به ، أو بتأويل الدراهم بالمال.

وأمّا الخبر الثاني ، فمعناه : أنه إذا كفل رجل بنفس رجل فعليه إحضاره ، وليس عليه شي‌ء آخر ، وحيث اشترط في العقد أنه عليه خمسمائة درهم إن لم يحضره ، كان عليه الخمسمائة إن لم يحضره. والمقصود بقوله : « عليه نفسه وليس عليه شي‌ء من الدراهم » أنّه لم يلزم عليه بسبب الكفالة سوى نفسه ، فإن قال : عليّ خمسمائة إن لم أدفعه لزم عليه الخمسمائة بسبب الشرط على تقدير عدم الإتيان.

فبيّن أوّلا ما هو لازم عليه مطلقا ، وثانيا ما لزم عليه على تقدير الشرط وذلك نظير ما إذا سأل سائل ، فقال : إذا نذر رجل الحج في هذه السنة ، ثمّ نذر أن يتصدّق بألف دينار إن لم يحج فيها ما ذا يجب عليه؟ فاجاب بانّه ليس عليه واجب سوى الحجّ ويلزم عليه التصدق بالالف ان لم يحجّ فى هذه السنة.

وهذا التوجيه أقلّ تكلّفا من سائر التوجيهات ، وحينئذ لا يصلحان مستندين للحكم الذي ذكروه كما لا يخفى.

قوله : وعلى ما اخترناه.

أي : فيما قال : « وقيل يتعين الزامه باحضاره » إلى آخره ثمّ قال : « وهو قوي ». والمراد :أنّ حكم الكفالة على مختار المصنّف ما ذكرناه بقولنا : « فيلزمه إحضاره أو أداء ما عليه » بالتخيير ، وأمّا على ما اخترناه فيلزمه إحضاره أوّلا من غير تخيير ، وإنّما عليه أداء ما عليه مع تعذّر إحضاره.


قوله : وتعذّر استيفاء.

أي : استيفائه من الغريم.

قوله : كالسلم.

أي : كما ذكروا فيه الخلاف ، فالمماثلة في المنفي.

قوله : حالة الكفالة.

فائدة التقييد التفرقة بين قوله هذا وبين ما سيأتي من قوله : « وكذا لو قال الكفيل » إلى آخره فإنّه أيضا دعوى عدم الحق ، فبيّن الشارح أنّ المراد هنا : دعوى عدم الحق أوّلا حال الكفالة حتّى تكون الكفالة فاسدة من الأصل ، وفيما يأتي دعوى سقوط الحق ، فخرج الكفيل عن الكفالة.

قوله : فيقدّم قول مدّعى الصحّة.

لا وجه ظاهرا للحكم هنا بتقديم قول مدّعي الصحّة بناء على أصالتها ، مع معارضتها بأصالة البراءة ، والحكم سابقا بتساقط أصل الصحّة وأصل البراءة في الحوالة على القول باشتراطها باشتغال الذمّة إذا ادّعى المحال عليه البراءة وفساد الحوالة كما مر ، وما يتراءى من الفرق بأنّ في الحوالة كان المحال عليه يدّعي براءة ذمّة نفسه ، والكفيل يدّعي براءة ذمّة الغير وهو المكفول له ، لا يصلح للتفرقة لجريان أصل البراءة فيه.

وكذا ما يتراءى : من أنّ في الحوالة كان يدّعى البراءة من المال والكفيل يدّعي البراءة من مطلق الحق والوجوب المدّعى ، وكذا التفرقة بأن الظاهر أنّ الكفيل لا يكفل إلّا مع وجود دعوى على المكفول فإنّه قد تقدّم أنّ الظاهر في الحوالة أيضا وجود مال على المحال عليه.

نعم يمكن التفرقة بأشدّية الظهور هنا ، بل لا يبعد دعوى العلم ، حيث إنّه لا يتصوّر الكفالة إلّا مع ادّعاء على المكفول وهو كاف في صحّة الكفالة ، وإن لم يثبت المدّعى به.

قوله : كما مر.

أي : على النحو الذي مرّ من الإلزام بنفس الحق إن كان ممّا يمكن أداؤه ، أو ببدله إن لم يمكن أداؤه.


ويمكن أن يكون إشارة الى ما مرّ في الضمان من أنه يلزمه ما تقوم به البيّنة أنّه كان لازما حال الضمان ، لا ما يتجدّد فيلزم هنا أيضا ما تقوم به البيّنة بلزومه حال الكفالة ، لا ما تجدّد.

قوله : وإن لزمت تلك بالعرض.

أي : وإن لزمت دعوى المكفول البراءة دعوى الكفيل بطلان الكفالة بالعرض ؛ فإنّ مقصوده براءة نفسه ، لا إبطال كفالة الكفيل ، نعم هو لازمه.

قوله : والمال بحاله.

أي : دعوى المال بحاله ، أو المال بحاله من عدم سقوط الدعوى به.

قوله : لا يبرأ.

أي : لا يحكم ببراءة المكفول منه ، لا أنّه يحكم بعدم براءته ؛ إذ المفروض عدم ثبوت اشتغال ذمّة المكفول.

قوله : وقيل : لا يبرأ.

القائل الشيخ وجماعة ، ومستندهم استصحاب اشتغال الذمّة.

قوله : ولو تكفّل.

أي : كان المكفول واحدا والمكفول له اثنين.

قوله : لأنّ العقد الواحد هنا.

فإنّه إذا كان بمنزلة عقدين يجب عليه تسليمان كلّ منهما مقتضى عقد ؛ إذ كلّ كفالة يقتضي تسليما ، بخلاف ما لو كان عقدا واحدا ، فإن مقتضاه حينئذ تسليم واحد ، وهو يتحقّق بالتسليم إلى أحدهما.

فإن قيل :

التسليم الواحد الذي هو مقتضى العقد الواحد يجب أن يكون على النحو المقرّر في العقد ، وهو هنا تسليمه إليهما معا.

قلنا :

هذا إنّما هو إذا كان مقصود المكفولين التسليم بهذا النحو ، أما لو كان مقصود كلّ منهما


التسليم إليه كما هو ظاهر مفروض المسألة ، فلا يكون شي‌ء من التسليمين مشروطا بكونه مع الآخر ، فلا يجب التسليم الواحد بهذا النحو.

قوله : بخلاف السابق.

أي : إذا تكفّل اثنان بواحد ؛ فإنّه ليس بمنزلة عقدين ؛ لأنّ مقصود المكفول له الإحضار الذي [ يقتضي ] التسليم الواحد فلا يكون إلّا عقدا واحدا ، فلو كان عقدين ، لكان مقتضاه تسليمين ، ونقطع بأنّه ليس مقصودا للمكفول له بل غرضه التسليم الواحد الحاصل من أيّهما كان.

قوله : على الوجه المصحّح.

متعلّق بقوله : « وحمل اللفظ » والضمير في « حصوله » راجع إلى « الوجه المصحّح ». وقوله : « أصالة البراءة » [ عطف ] على « [ الشك فى ] حصوله ». وقوله « من مقتضى العقد » متعلّق بالبراءة ، وقوله : « غير جيّد » خبر لقوله : « وحمل اللفظ ».

قوله : لو قصد الجزء بعينه.

أي : لو قصد من الجزءين الجملة اتّجهت الصحّة كما أنّه لو قصد منهما نفس الجزء بعينه دون الجملة ، كان كقصد الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه من الكبد والقلب ، وغيرهما ، وسيأتي حكمه بقوله : « وأما ما لا تبقى الحياة بدونه » فمعنى العبارة أي : مع قصد الجزء بعينه حكمه كحكم قصد الجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه ، وحكم ذلك هو الذي يذكره بقوله : « وأما ما لا تبقى الحياة » إلى آخره.


كتاب الصلح

قوله : والإنكار عندنا.

إشارة إلى ما ذهب إليه الشافعي من منع الصلح مع الإنكار ، لأجل أنّه عارض على ما لم يثبت له.

وكذا قوله : « مع سبق نزاع ولا معه » ردّ على ما ذهب إليه بعض العامّة من اشتراط سبق النزاع فيه.

قوله : عينا كان أم دينا.

العين كما إن ادّعى المدّعي عينا في يد المنكر ، أو دينا عليه ، فصالحا بعين معيّنة أوّلا ، أو بشي‌ء في ذمّة المنكر كمائة درهم ، فيدفعه المنكر إلى المدّعي.

والدين كما إذا كان للمنكر على المدّعي دينا ، فادّعى المدعي على المنكر عينا ، فصالحا على الدين الذي له على المدّعي ، فإنّه أيضا لا يوجب حلية الدين ، وبراءة ذمّته.

والتصريح به ؛ لأجل ما يتوهّم من أنّه في صورة الدين يكون إبراء ، فيستباح. وليس المراد بالدين : ما إذا ادّعى عينا على المنكر فصالحا ببعضه ودفعه ؛ لأنّ المدفوع حينئذ أيضا يكون عينا.

وذكر الأكثر الدين فيما إذا كان الدافع هو المدّعي بأن يدّعي دينا على المنكر ، فأنكره ، فصالحه ببعضه فقالوا : لا يبرأ المنكر إذا كان مبطلا. وذكر الشارح ما إذا كان الدافع هو المنكر ؛ إذ يعلم حال ما إذا كان الدافع المدّعي بالمقايسة.

قوله : حتّى لو صالح عن العين بمال.

يعنى : لو صالح المدّعي المبطل عن العين التي يدّعيها باطلا بعوض مال أقلّ من قيمة


العين بأن يدفع مالا إلى المنكر ويأخذ العين ، وكانت قيمة العين أزيد من المال ، تكون العين حراما عليه بأجمعها ، ولا يستثنى للمدّعي من تلك العين ما يقابل المال بأن يكون ما يقابله منها حلالا عليه ، بل جميعها حرام ؛ لفساد المعاوضة في الواقع.

وأمّا المنكر فليس ما أخذه من المال حراما عليه ؛ إذ دفعه إليه مالكه باختياره.

قوله : صحّة الصلح.

أي : في نفس الأمر أيضا. وأمّا في الظاهر فيصح مع عدم القرينة أيضا.

قوله : ومثله ما لو توجّهت الدعوى بالتهمة.

أي : ومثل ما لو وجد بخط مورثه في كون الدعوى مستندة إلى القرينة ، فيصحّ الصلح ، ما إذا توجّهت دعوى المدّعي إلى المنكر بسبب التهمة ، أي : بسبب وجود ما يتّهم به المنكر ، كما إذا وجد عنده بعض ماله المسروق ، وإن لم يكن المنكر سارقا في الواقع ، ولكن لم يعلم به المدّعي.

وقوله : « لأنّ اليمين حقّ » إلى آخره دليل على صحّة الصلح واقعا في الموضعين أي :فيما لو وجد بخط المورث ، وفيما إذا اتّهم المنكر يعني : أنّه وإن فرض أنّه لم يكن حقّ على المنكر في الواقع ، ولكن لعدم علم المدّعي براءته ووجود القرينة على اشتغاله يكون له حلفه ، واليمين أيضا حقّ للمدّعي على المنكر ، في مقابل ما يدفعه ، ويصحّ الصلح لإسقاطه ، فلا يكون ما يدفعه المنكر بلا مقابل [ بل ] مقابل اليمين.

قوله : وفسّر بصلح المنكر.

أي : وفسّر أيضا الحديث بصلح المنكر على بعض المدّعى بأن يدفعه إلى المدّعي ، أو يمسكه ، أو بصلحه على منفعة المدّعى بأن يكون المنفعة له والعين للمدّعي ، أو بالعكس ، أو بصلحه على بدله بأن يعطي بدل المدّعى شيئا إلى المدّعي ، أو يأخذه منه ويدفع المبدل إليه.

ثمّ معنى الحديث على هذا التفسير : أنّ كلّ صلح جائز حلال واقعا وظاهرا ، إلّا ما أحل ظاهرا حراما واقعيا ، وحرّم ظاهرا حلالا واقعيا بأن يعلم أحد المتصالحين كذبه في الواقع ؛ فإنّ الصلح حينئذ لا يحلّ له ما أخذ وإن أحلّ ظاهرا ولا يحرم ما دفع باطلا ، فإنّ له تقاصه مع إمكانه ، وإن حرم عليه ظاهرا.


قوله : كان عقدا جائزا.

الجواز هنا بالمعنى الأعم الشامل للازم أيضا.

قوله : وتفريع اللزوم.

يعني : أنّ تفريع قوله : « يلزم » بما تقدّم من قوله : « إنّه جائز » حيث قال : « فيلزم » فأتى بـ « الفاء » التفريعية غير حسن ؛ لأنّ ما تقدّم أعمّ من اللزوم ؛ لأنّه الجواز ، والجواز أعمّ من اللزوم.

والمراد كما مرّ الجواز بالمعنى الأعم ، دون الأخص المقابل للزوم.

قوله : ويمكن التفاته.

يعني : أنّه ليس تفريعا على الجواز المتقدّم ، بل على شي‌ء مقدّر التفت إليه وهو أنّه عقد ، ففرّع عليه ذلك حيث إنّه مقتضى العقدية.

قوله : فيلحقه حكم ما لحق به.

أي : فيلحق الصلح حكم ما لحق به ، فإذا لحق بالبيع يلحقه أحكامه من خيار المجلس وحكم الصرف وغيرها ، وإذا لحق بالإجارة يلحقه أحكامها من لزوم تعيين المدّة وغيره ، وهكذا.

ثمّ إن قوله : « فيلحقه » يمكن أن يكون تفريعا على افادته فائدتها ، ويكون متمّما للمستند أي : استنادا إلى أنّه يفيد فائدتها ، ويلزمه أن يلحقه حكم ما لحق به وإذا كان كذلك فيكون فرعا لما لحق به.

ويمكن أن يكون تفريعا على قوله : « فجعله فرع البيع » أو على المنفي في قوله :« لا فرع البيع والهبة ». والمعنى ظاهر على التقديرين.

قوله : ولو اصطلح الشريكان.

وذلك كما أن يشرك زيد وعمرو بألف لكلّ خمسمائة ، فإذا انقضت الشركة يصلح زيد ماله في مجموع مال الشركة بخمسمائة ، فيكون الباقي لعمرو مساويا كان لرأس ماله ، أو أزيد ، أو أنقص.

قوله : لكنّ المجوّز.


يعني : أنّ مجوّز هذا الصلح ـ أي : بالزيادة ـ لا يقول باختصاص الربا بالبيع ، فيرد عليه ذلك.

المسألة الاولى

قوله : ويشكل إذا ادّعى الثاني.

قد ذكر الشارح الفرق بين المعيّن والمشاع في باب القضاء ، ونحن أوضحناه وحققناه فيه بما لا مزيد عليه.

قوله : واحترز بالتلف.

لمّا كان قول المصنّف : « وتلف أحدهما » عطفا على قوله : « وامتزجا » فيقيّد بما قيّد به ؛ لكون المعطوف في حكم المعطوف عليه ، فيكون معنى قوله : « وتلف أحدهما » أي : وتلف لا بتفريط ، فيكون هو أيضا مقيدا بـ « لا عن تفريط ».

ويحتمل أن يكون نظر الشارح إلى أنّه لا مدخليّة للتفريط وعدمه في الامتزاج أصلا ، ولا يختلف حكم بسببه ، فيكون قوله : « لا بتفريط » متعلّقا بقوله : « وتلف » خاصة مقدّما على متعلّقه ، وإن كان في صحّة ذلك القول نظر.

المسألة الثانية

قوله : جاعلا له.

قوله : « له » متعلّق بقوله : « جاعلا » لا « عوضا » أي : يصحّ ذلك الصلح حال كونه جاعلا لذلك الإجراء عوضا لشي‌ء صالحا عليه ، أو موردا أي : صالحا عليه بشي‌ء آخر.

قوله : بأن يقدّر مجراه طولا إلى آخره.

لا يخفى أنّ الصلح على إجراء الماء على سطح شخص أو ساحته على قسمين :

أحدهما : أن يصالح على جزء من ذلك السطح أو الساحة. أي : وقع الصلح على المحل بأن يملكه المصالح وإن كان لأجل إجراء الماء عليه ، فيكون المصالح عليه حينئذ حقيقة هو نفس المحل ، ولا شك في وجوب تعيين ذلك المحل طولا وعرضا ، وإلّا لكان المصالح عليه مجهولا وأمّا العمق فقال : إنّه لا يشترط تعيينه لأنّه يملك الملك حينئذ ، ومن ملك ملكا يملكه إلى تخوم الأرض ، فلو لم يعينوه ينصرف إلى ذلك.


وثانيهما : أن يصالح على هذه المنفعة أي : إجراء الماء على الأرض بأن يكون المحل ملكا لمالكه الأوّل ، ولكن ملك المصالح منفعة إجراء الماء عليه ، فيكون المصالح عليه حينئذ هو منفعة إجراء الماء ، دون المحل ، ويجب حينئذ تعيين المصالح عليه أيضا ، ولكن تعيينه لا ينحصر في تعيين المحل ، بل يمكن بتعيين الماء الذي يجري بأن يصالح على إجراء قدر معيّن من الماء من غير تعرّض لتعيين المحل ، ولا شك بارتفاع الجهالة حينئذ. ويمكن أيضا تعيين المصالح عليه بتعيين المحل بأن يصالح على إجراء الماء على محلّ معيّن ، ولا شك في وجوب التعيين حينئذ عرضا وطولا وعمقا ، إذ لا يملك المحل حينئذ حتى يملكه إلى تخوم الأرض ، بل يتفاوت المصالح عليه بتفاوت العمق.

وصريح كلام الشارح أنّه حمل كلام المصنّف على الأوّل.

ويرد عليه حينئذ : أنّ قوله : « لكن ينبغي مشاهدة الماء » ليس في محلّه ؛ لأنّه بعد ما وقع الصلح على المجرى المعيّن يتعين المصالح عليه ، ويلزم على المصالح له إجراء ما يسعه ، وهذا غير محتاج إلى التعيين.

هذا مع أنّ في حكمه بعدم اعتبار تعيين العمق أيضا كلاما ؛ لأنّ تملّك من ملك شيئا قراره إنّما هو إذا لم يعيّن قدر القرار بتصريح ، أو قرينة جارية ، فلو باع أحد ـ مثلا ـ غيره ملكا معيّنا طولا وعرضا وعمقا إلى حدّ معين جاز ، وفي صلح المجرى من السطح تتحقّق القرينة على أنّه لم يصالح المحل من السطح إلى تخوم الأرض مطلقا ، بل مراده.

لا ينفذ كثيرا في السطح ، فالواجب التعيين عمقا حينئذ أيضا إذا وقع الصلح على المحل.

قوله : بكبر ما وقع.

يعني : لو كان الماء الذي وقع الصلح على إجرائه من ساحته أو سطحه ماء مطر كأن يصالحا على أن يصيب أو يجري ماء مطر سطحه على ساحة ذلك أو سطحه ، يختلف ذلك بكبر المحلّ الذي يقع عليه المطر ، ثمّ يجري الى المحلّ المصالح عليه ، وصغره ، فمعرفته تحصل بمعرفة ذلك المحلّ الذي يقع عليه المطر أوّلا.

قوله : فعلى مالكهما.

لا يخفى أن ظاهر كلام الشارح أن المراد بمالكهما : هو المالك الأوّل لا من ملك بعد


الصلح ؛ لأنّه هو مالك السطح ويشعر به التعليل بقوله : « لتوقّف الحق عليه ». وعلى هذا فيكون الساقية ومحلّ إجراء الماء ملكا للمالك الأوّل وهذا ينافي ما ذكره الشارح أولا من وقوع الصلح على المحل ؛ لأن مقتضاه كون الساقية ومحلّ جريان الماء من السطح ملكا للمصالح ، ولا يجب على المالك الأوّل حينئذ الاصلاح ؛ لكونه ملكا للغير.

نعم هذا الحكم يصحّ على القسم الثاني من القسمين اللذين ذكرناهما في الصلح على إجراء الماء.

المسألة الثالثة

قوله : وقيل : تكون إلى آخره.

القائل ابن الجنيد.

قوله : كالجدار وأولى.

وجه الأولوية : أنّ الجدار كان موضوعا على ملكه ، وهو نوع تعلّق ، بخلاف السقف ، فإنّه موضوع على ما هو موضوع له في ملكه.

قوله : كالأزج الذي لا يعقل.

المراد بالأزج هنا ما يقال له حينئذ : « الرف » وهو غالبا يكون بإخراج بعض أجزاء الجدار عن سمت وجهه الذي في البيت كان يدخل فيه خشاب يخرج رأسها عن وجه البيت ، أو يخرج نفس جزء الجدار بأن بني جزء منه أغلظ وجزء أرق قبل اتمام الجدار لا يبنى على تلك الأجزاء ، ويعقد عليها الرف ويكون للعقد التي يبنى من الجص أو الآجر ، أو نحوهما.

فقوله : « لاحتياجه » متعلّق بـ « لا يعقل ». والضمير فيه راجع إلى الأزج. والمراد ببعض الأجزاء : بعض أجزاء الجدار ، وأجزاء شي‌ء يدخل فيه. والمراد بسمت وجه الجدار :سمته الذي داخل البيت. وقوله : « قبل انتهائه » متعلّق بالإخراج ، والضمير فيه راجع إلى « الجدار ». وقوله : « ليكون » متعلّق بالاخراج ، والمستتر فيه راجع إلى بعض الأجزاء. والمراد بالعقد : ما يحمل عليه من الجص أو الأجزاء ( الآجر ظ ) ، أو الخشب ؛ ليحصل الرف.

وقوله : « فيحصل به الترصيف » متفرّع على ما ذكره بعد قوله : « لاحتياجه » إلى آخره.


والضمير المجرور في « به » إلى ما ذكر من الإخراج والحمل أي : يحصل بما ذكر ، والترصيف دخول آلات البناء بعضها في بعض. والمراد بالسقف في قوله : « بين السقف » هو الأزج ، دون سقف البيت ؛ إذ لم يحصل الترصيف معه. وقوله : « فهو لصاحب السفل » جواب لقوله : « وأمّا ما لا يمكن ».

المسألة الرابعة

قوله : لأنّ النزاع.

هذا تعليل لما ذكره من أنّ المراد بالمسلك هنا : مجموع الصحن.

وفيما ذكره تعليلا نظر ؛ إذ يمكن أن يتنازعا في مسلك في الجملة ، أو معيّن لا يزيد عن قدر ما يسلك بأن يقول كلّ منهما : إنّ جميع المسلك مختصّ بي ، وتسلكه أنت بإذني ، فيكون على الآخر الحلف حينئذ ، وعدم المنازعة حينئذ إنّما هو في اليد خاصّة دون الملكيّة ، وهو لا يوجب عدم الحلف.

ومن هذا يظهر أنّه يمكن إرجاع الضمير إلى « المسلك » أيضا ، فيحلف الأوّل على قدر ما يسلكه ، والثاني على الزائد عليه سواء كان مساويا لما يسلكه الأوّل بأن يشتركا في السلوك عن جميع المسلك ، أو زائدا عليه أو ناقصا عنه بأن يحتاج أحدهما إلى زيادة مسلك.

قوله : كون المسلك بينهما.

لا يخفى أنّ الظاهر من نقل هذا الكلام أنّه حمل قول المصنّف هنا : « حلف صاحب الغرف في قدر ما يسلكه » على أنّه يختص بما يتصرّف فيه من المسلك ، ويسلكه من غير شركة للآخر.

ولا يخفى أنّ هذا إنّما يتصوّر فيما إذا كان المسلك ممّا يختصّ سلوكه بالأوّل ، ولم يسلكه الآخر مطلقا ، وإلّا فلا وجه لاختصاص الأوّل ، وحينئذ لا يكون موضوع المسألة متّحدا مع مسألة الدروس ؛ لأنّ المفروض فيها كما صرّح به اشتراكهما في السلوك والتصرّف ، فلا يكون ما رجّحه في الدروس من هذه المسألة. ويمكن أن يحمل قول المصنّف هنا على أنّ الأوّل يختصّ بقدر ما يسلكه مشاعا ، وعلى هذا يمكن اتّحاد موضوع المسألتين ، ويكون قوله هنا بعينه مختاره في الدروس.


وبالجملة الظاهر من الشارح أنّه جعل موضوع المسألة هنا متّحدا مع موضوعها في الدروس ، فظنّ تغاير المختار فيهما ، وهو غير جيّد.

قوله : في صدر الصحن.

المراد بصدر الصحن كما صرّح به المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد نهايته في السعة ، وهو آخر خطته في الجهة المقابلة للباب.

قوله : ولو كان المرقى.

بأن يكون للظهر طريق من خارج الخان ويكون فيه مرقى منه نزل إلى البيوت العليا.

قوله : بما مرّ في السقف.

من قوله : « إنّ مورد القرعة المحلّ الذي لا يحتمل [ اشتراكه ] بين المتنازعين » إلى آخره.

قوله : بوضع الأسفل آلاته تحته.

أي : تحت الخزانة. أي : إذا كان الخزانة فضاء أيضا بأن يكون الخزانة غير متصلة بالأرض كما يقع كثيرا ووضع صاحب الأسفل آلاته فيها لا يوجب ذلك تحقّق يد في الخزانة. وفيه نظر ؛ لأنّه الخزانة كما هو هواء الملك الأعلى كذلك هو هواء الملك الأسفل أيضا.

المسألة الخامسة

قوله : لثبوت اليد.

الجدار المتنازع فيه إن كان في موضع علم كونه كلّه أو بعضه ملكا لأحدهما ، فهو ذو يد عليه كما صرّحوا به ، فيقدّم على غيره إمّا مطلقا ، أو مع عدم جهة اخرى لإثبات يد الآخر.

المسألة السادسة

قوله : الروازن.

جمع روزن. وهو يطلق على ثلاثة : الطاق مطلقا ، والطاق المفتوح إلى جهة العلو لضوء المكان ، والثقبة المفتوحة لضوء المكان مطلقا طاقا كانت أو غيره.


والطاق يطلق تارة على مطلق ما عطف من الجدار مائلا إلى العلو ، واخرى على ما عطف لضوء المكان من معلّقاته أيضا وقع إليه درجاته.

قوله : لو تنازعا في الخص.

يعني : أنّه إذا كان خصّ ، وتنازعا فيه ، يحكم باليد لمن إليه معاقد القمط.



كتاب الشركة

قوله : ورمي سهم مثبت.

الظاهر أنّ المراد بالسهم المثبت : السهم المثبت في القوس. والتقييد به ؛ للاحتراز عن رمي السهم من غير إثباته في قوس ؛ فإنّه لا يتصوّر وقوعه من اثنين اشتراكا ، بخلاف السهم المثبت ، فإنّه يمكن رميه من اثنين بأن يمسك أحدهما القوس ويرمي الآخر ، أو يجرّان معا حبل القوس ونحوه.

قوله : على الأقوى.

غير الأقوى قول ابن الجنيد حيث قال : « إن لم يعمل بنيّة الوكالة أيضا ، لو عمل بنيّة صاحبه أيضا لم يشتركا ». فقوله : « على الأقوى » راجع إلى الجميع.

قوله : قد توجب الاشتراك.

هذا بحث على المصنّف حيث قال : « أو حيازة دفعة » فإن المستفاد منه أنّ الحيازة دفعة توجب الاشتراك في المحاز مطلقا ، وأنّ غير الدفعة لا توجبه.

وتوضيح البحث : أنّه بعد ما عرفت أنّه لو حاز كلّ واحد شيئا من المباح منفردا اختصّ به ، وأنّه لو حاز كلّ واحد بنيّة الوكالة في تملك النصف اشتركا ، تعلم أنّه قد يتحقق الاشتراك بسبب الحيازة ، [ وقد لا يتحقّق ] فالأوّل : كما إذا رمى أحدهما بنية الوكالة في النصف ، ثمّ رمى آخر بعده أيضا كذلك ، ووقع السهمان على صيد واحد واصطيد بسببهما معا.

والثاني : كما اذا رمى الاول بنية الانفراد والثاني في النصف أيضا كذلك دفعة ، ووقعا على صيد واحد ، فاصطيد ، فوقعت الحيازة دفعة ، ولم يمكن الاشتراك بسبب الحيازة ، وإن اشتركا بسبب آخر ، وهو عدم امتياز مقصود أحدهما على الآخر ، فتأمّل.


قوله : أو تساوي الفارسين فيه.

أي : في العنان إذا تساويا في سير فرسهما ، فإنّه يكون عناناهما حينئذ متساويين غير سابق أحدهما على الآخر.

قوله : ليكون بعضه له.

أي : بعض الربح.

قوله : يتساويان في الربح.

يعني : إذا أطلقا في الشركة ولم يعيّنا قدر الربح ، أو شرطا ذلك. وأمّا لو شرطا خلاف ذلك فتبطل الشركة عند المصنّف كما يأتي.

قوله : أن الربح بينهما.

وكذا الخسران ، ولم يذكره ، لدلالة ما تقدّم عليه.

قوله : متساويا.

خبر لكان محذوف ، أو حال من المال ، وكذا قوله : « متفاوتا ».

قوله : إذ لا يلزم من اختلاف الربح إلى آخره.

تعليل لقوله « أدل على المقصود » يعنى : لا يلزم من اختلاف الربح مع اختلاف المالين المذكور بقوله : « ولو اختلفا اختلف » كون اختلاف الربح مع اختلاف المالين على نسبة اختلاف المالين لتحقّق اختلاف الربح مع عدم كونه على النسبة ، كما إذا كان رأس مال أحدهما مائة ، والآخر مائتين ، وحصل الربح عشرة ، فأخذ الأوّل ستّة ، والثاني أربعة ، أو بالعكس فاختلفا في الربح ، ولكنّه ليس على نسبة اختلاف المالين.

قوله : أو غير اختلاف.

عطف على قوله : « غير التساوي » ولفظة « أو » إمّا بمعنى : « الواو » حيث إنّ مرجع الضمير في قول المصنّف : « غيرهما » غير التساوي والاختلاف معا ، أو أتى بلفظة « أو » تنبيها على أنّه لا يمكن شرط الغيرين معا ، بل المتحقّق في كلّ حال واحد منها. ثمّ إضافة « الاختلاف » إلى قوله : « استحقاقهما » يمكن أن تكون بمعنى : « من » اى الاختلاف الناشئ من استحقاقهما ، أو بمعنى : « في » أي : الاختلاف الذي في استحقاقهما ، أو بمعنى :


« اللام » أي : الاختلاف المخصوص باستحقاقهما. والمراد على التقادير : أنّهما شرطا غير الاختلاف الذي يقتضيه اختلاف المالين ويستحقّانه.

ولا يخفى أنّ المذكور فى كلام القوم هنا هو « الربح » فقط ، ولم أعثر على تصريح بأنّهما لو شرطا غيرهما في الخسران ، فيحتمل أن يكون كالربح تركوه لوضوحه بالمقايسة ، وأن يكون البطلان فيه اتّفاقيا ، حتّى أنّ من يقول بالصحّة في الربح لم يقل بها في الخسران ، بل يقول ببطلان الشرط ، وصحّة الشركة ، فينصرف إلى ما ينصرف إليه عند الإطلاق من كون الربح على نسبة المال.

قوله : بمعنى الإذن في التصرّف.

يعني : أنّ الباطل هو الشركة بهذا المعنى ؛ فإنّ الشركة تطلق تارة على امتزاج المالين ، واخرى على عقد موجب لإذن كلّ من الشريكين في التصرّف في المال المشترك.

ولا شك أنّه لا يبطل بذلك الشركة بالمعنى الأوّل ؛ لأنّ الامتزاج لا يبطل إلّا بالتقسيم ، فما يبطل هو الشركة بمعنى الإذن.

قوله : وإلّا اتّجه.

وفي الكفاية ، نفى الخلاف عنه.

قوله : على المأذون.

بحسب المكان والزمان والكيفية.

قوله : المأذون له.

بخلاف غير المأذون له ، فإنّه غاصب بالنسبة إليه.

قوله : وما يتم به صلاحه.

عطف على حفظه.

قوله : لو ادّعاه بتفريط.

الظاهر أنّ المستتر في « ادّعاه » راجع على الشريك الآخر أي : المدّعي للمال دون المدعى عليه فيه الذي يدّعي التلف ، والبارز فيه راجع إلى « التلف ».


وقوله : « بتفريط » متعلّق بمرجع الضمير أي : التلف. وقوله : « وغيره » عطف على جملة « ادعاه بتفريط » ، والضمير فيه راجع إلى « ادعاء التفريط ».

وينكر ذلك هذا التلف ، فيحلف على انتفاء التلف بالتفريط ، وكذا لو كان غير ادّعاء التلف بالتفريط ، وهو ما إذا ادّعى عدم التلف. وإنّما حملناه على ذلك ؛ إذ لا وجه لادّعاء من في يده التلف بتفريطه. ويمكن أن يكون المراد ذلك ، فيكون المستتر راجعا إلى « الحالف » و « غيره » عطفا على « التفريط » وضميره راجعا إليه أيضا. ويكون المراد : أنّه لو ادّعى التلف بتفريط من نفسه وتقصير وأراد الغرامة ، وادّعى الآخر عدم التلف ، وأراد أخذ عين المال المشترك. ويكون التصريح به لاجل دفع توهّم أنّه إذا أقر بالتفريط يخرج عن كونه أمينا ، فلا يقبل يمينه.

قوله : فكذا الاستيفاء.

مرجع هذا الاستدلال إلى قياس الاستيفاء على الإبراء والمصالحة بجامع ابراء ذمّة الغريم في جميع الصور.

قوله : وعلى المشهور.

المطلوب من هذا الكلام أنّ مراد المصنّف من قوله : « شاركه الآخر » ، وكذا كلّ من يقول باشتراك ليس أنّه يشاركه وجوبا حتى لم يمكن له مطالبة الغريم ، بل المراد : أنّه يجوز له مشاركته وإن لم يرض القابض.

قوله : على التقديرين.

أي : تقديري الإجازة والرد.

أمّا على تقدير الاجازة ؛ فلانّه أخذ مال الغير بغير إذنه ، وعلى اليد ما أخذت. وأمّا على تقدير الرد ؛ فلانّه يصير ملكا له ، فتلفه منه ، وإطلاق الضمان على مثل هذا شائع كما يقولون : « ما يضمن صحيحه يضمن فاسده ».

قوله : وأولى منه الصلح.

للفرار عن الخلافات الواقعة في بيع الدين.


قوله : فيما قبضه الآخر.

سواء كان حقّه أيضا مؤجّلا أم لا.

قوله : وإن كان لواحد.

أي : كان البيع لشخص واحد أي : كان المشتري منهما واحدا.

قوله : من المشتركين.

لفظة « من » تبعيضية. أي : المشتري الذي هو أحد المشتركين.

قوله : شراء شي‌ء.

أي : ولو كان أدّى العوض من المال المشترك

قوله : والاشتراك لا يعيّن.

أي : مجرّد الاشتراك في مال لا يوجب تعيّن التصرّف فيه بأنّه تصرف من جهة الشريكين معا ، حتّى إذا أدّاه عوضا عمّا شراه يدلّ على أنّه شراه لهما معا ؛ إذ يمكن أن يتصرّف أحدهما فيه بقصد حصّته ، وإن لم يلزم ، بل لا بدّ من القصد في تعيين جهة التصرّف.



كتاب المضاربة

قوله : ومنه : قارض إلى آخره.

هذا الكلام يحتمل معان :

أحدها : أن يكون المراد : أنّه ساو الناس في المعاشرة والمخالطة ما دام هم يساوونك ولا يريدون الزيادة والتسلّط عليك ، ولا تتركهم ، فإنّك إن تركت الناس [ و ] لم تعاشرهم ولم تخالطهم لم يتركوك ، بل يقعون فيك ويغتابونك مطلقا ، فساوهم ودار معهم وعاشرهم بالمساواة ، إلّا إذا أرادوا الزيادة عليك ، فاتركهم حينئذ ، وإن لم يتركوك حينئذ أيضا ، ولكن تحمّل زيادتهم وتسلّطهم أشد من غيبتهم ووقوعهم فيك.

وثانيها : أن يكون المراد : ساوهم ما داموا يساوونك ، فإن تركتهم في هذه الحالة ولم تعاشرهم أصلا لم يتركوك ؛ إذ يعلمون أنّه لا عذر لك في ترك مخالطتهم.

وثالثها : أن يكون المراد : ساوهم ما داموا يساوونك ، فإن تركت مساواتهم حينئذ وأردت الزيادة عليهم لم يتركوك ويغتابوك أو لم يتركوك مسلطا عليهم ، بل يضعوك ويذلوك.

قوله : ولا في الأجل.

عطف على قوله : « بذلك » أي : ولا تصير لازمة في الأجل أي : في ظرف المدّة التي بين العقد والأجل.

قوله : أو نوعا خاصّا.

أي : نوعا من بعض التصرّفات كنوع خاصّ من البيع ، أو من الشركاء ، كأن يقول : بشرط أن يشتري المتاع الفلاني إلى سنة كذا ، أو تبيع من زيد إلى شهر ، وأمثال ذلك.


قوله : والمشهور.

« الواو » حالية. والغرض بحث على المصنّف يعني : أنّه يفهم من تشريك المصنّف تساوي الشرطين في الصحّة ، والحال أنّ المشهور أنّ الشرط الأوّل مبطل للعقد.

لا يقال : إنّه يفهم من التشريك عدم الصحّة في الأمرين مع أنّه الظاهر من قوله : « ولا يصح ».

لأنّا نقول : إنّ قوله بعده « ولكن الأجل يثمر المنع » صريح في صحّة اشتراط الأجل ، فلا بدّ أن يكون مراده من لا يصح : عدم اللزوم مع الصحّة.

قوله : لكان التصرف باطلا.

وكان البيع لرب المال لتبعيته للمال ، والترديد بين البطلان ، والإيقاف للترديد في صحّة الفضولي وعدمها ، فالأوّل مبني على الثانى ، والثاني على الأوّل.

قوله : وله الاستيجار.

ولو لم يستأجر عليه وباشر العمل بنفسه ، ففي استحقاقه الاجرة مع قصدها وعدمه وجهان : الوجه الاستحقاق خصوصا على القول بأنّ للوكيل في البيع أن يبيع من نفسه ، وفي الشراء أن يشتري من نفسه ، فيكون للوكيل في الاستيجار أن يستأجر نفسه.

قوله : وآلات.

أي : آلات المأكول والمشروب كالأواني المحتاج إليها ، وآلات المركوب كالسرج واللجام ، وأمثالهما.

قوله : قبل فساده.

أي : فساد ما بقي ، فإن لم يعد إلى سفر قبل فساده يجب الرد إلى التجارة معيّنا.

قوله : منه.

أي : وإن ربح كانت من الربح.

قوله : أتمّ الصلاة.

لكونه كثير السفر ، أو نوى الإقامة ، أو دخل في ملكه على القول بكفاية مطلق الملك في إتمام الصلاة.


قوله : أن يخرج.

أي : يخرج عرفا كأن يتوطّن في بلد سافر إليه ويأخذه وطنا بحيث يقال في العرف : إنّه متوطن فيه ، أو يزيد السفر عمّا يحتاج إليه في التجارة سواء كان بالمكث في بلد واحد ، أو بالمسافرة إلى بلد آخر.

قوله : وهو ما اشتمل.

أي : السفر الشرعي ما اشتمل على المسافة الشرعية فـ « اللام » في « المسافة » للعهد.

قوله : أن يصدق.

أي : يصدق وصف المسافر في الأوّل ، ووصف السفر المحتاج إليه التجارة في الثاني.

قوله : واحترز بكمال النفقة.

يعنى : أضاف المصنّف الكمال بالنفقة ؛ ليحترز به عن القدر الزائد في السفر عن نفقة الحضر يعني : لئلّا يتوهّم أنّ المراد بنفقة السفر هو القدر الزائد على الحضر كما يوهمه التعليق بالسفر. وإنّما احترز به ؛ لأنّه كان محلّا للتوهّم حيث قد قيل : إنّه لا ينفق في السفر من مال التجارة سوى القدر الزائد. فـ « الفاء » في قوله : « فقد قيل » للتعليل.

قوله : لا يشترط حصول ربح.

غرض الشارح من هذا الكلام بيان أنّه ليس مراد المصنّف من قوله : « وينفق من أصل المال » : أنّه يكون منه مطلقا ولو حصل الربح ، بل المراد التنبيه بأنّه قبل حصول الربح ينفق من أصل المال ، وإن أنفق من الربح بعد حصوله.

قوله : يجوز بغيره.

أي : يجوز كلّ من الاشتراء والبيع بغير ما ذكر من النسيئة وغير نقد البلد كالعرض وغير ثمن المثل.

قوله : نقصان يتسامح.

أي : نقصان البيع بثمن المثل بقدر يتسامح به عادة ، والزيادة في الشراء كذلك ، ولم يذكره ؛ لظهوره بالمقايسة. ويمكن أن يكون المراد بالنقصان : ما يشمل الزيادة في الشراء


أيضا أي الخسران بربّ المال ، فإنّه يشمل نقص البيع عن ثمن المثل أو زيادة الشراء عليه ، وهو بعيد.

ولا يخفى أنّ بعد التسامح به عادة يكون هو ثمن المثل ، فلا يكون استثناء.

قوله : بعين المال.

لأنّ الغرض من المضاربة الاسترباح بالمال ، وهو يتوقّف على الاشتراء به ، والمراد بالاشتراء بالذمّة : الاشتراء لا بشي‌ء معيّن سواء كان نقدا ـ أي : حالّا ـ أو نسيئة. فلا يتوهّم أنّ ذكر ذلك بعد قوله : « وليشتر نقدا » تكرار ؛ فإنّ النقد مقابل النسيئة ، والذمّة مقابل العين.

قوله : أمّا لو تجاوز بالعين الى آخره.

المراد بالتجاوز بالعين : الاشتراء بغير المال ، وبالمثل : الاشتراء بغير ثمن المثل ، وبالنقد : الاشتراء بغير نقد البلد ، فـ « اللام » فيها للعهد الذكري.

قوله : ولو انفسخ.

اعلم أنّ صور المسألة اثنتان وثلاثون ؛ لأنّه إذا انفسخ عقد المضاربة فإمّا يكون فسخه من المالك ، أو من العامل ، أو منهما ، أو من غير جهتهما كعروض ما يقتضي الانفساخ من موت ، أو جنون ، أو نحوهما. وعلى التقادير إمّا يكون المال كلّه ناضّا ، أو بقدر رأس المال ، أو بجميعه عروضا ، أو ببعضه بحيث لا يكون الناضّ بقدر رأس المال ، وعلى جميع التقادير إمّا أن يكون قد ظهر ربح إمّا بالفعل أو بالقوّة كوجود من يشتري بزيادة عن القيمة أو لا فالمصنّف أشار بقوله : « ولو فسخ المالك » إلى آخره الى حكم أربع صور منها ، وهي ما كان الفسخ من المالك ولم يظهر ربح سواء كان المال كلّه ناضّا أو بقدر رأس المال أو بجميعه عروضا أو ببعضه ، بقيت ثمان وعشرون صورة اخرى.

ذكر الشارح أربعة منها بقوله : « وإلّا فله حصّته » إلى آخره ، وهي ما كان الفسخ من المالك وظهر الربح مطلقا.

بقيت أربع وعشرون ذكر الشارح ستّ عشرة منها بقوله : « ولو انفسخ العقد » إلى آخره. وهي ما إذا كان المال ناضا أو قدر رأس المال ، أو بجميعه عروضا ، أو ببعضه ، وعلى


التقادير سواء ظهر الربح أم لا ، فحكم في الجميع بعدم الاجرة وبالحصّة من الربح في صورة ظهوره. بقيت ثمان صور لم يشر إلى حكمها ، ويمكن إدراج أربعة منها في قول المصنّف : « ولو فسخ المالك » فإنّه أعمّ من أن يكون العامل أيضا فاسخا أم لا ، وأربعة اخرى في قول الشارح ، وإلّا فله حصّته.

قوله : مأخذهما إلى آخره.

فيه لفّ ونشر مشوّش ، فإنّ « انصراف الإذن » إلى آخره ، مأخذ الثاني أي إلحاقه بالعالم و « من كون الشرط » إلى آخره ، مأخذ الصحة والعتق أي : الشرط الذي هو المقصود من هذه المعاملة ـ وهو الاسترباح ـ إنّما هو بحسب الظاهر ، واشتراء العبد الذي لا يعلم انعتاقه بالشراء ، مظنّة الاسترباح ظاهرا ، وإن لم يكن كذلك في الواقع.

قوله : لعدم كونه.

أي : عدم كون هذا الشراء متعلّق الإذن في المضاربة والاشتراك في الربح ؛ لأنّ متعلّق ذلك ما كان فيه ربح ، ولا يتصوّر في هذا الشراء ، لايجابه العتق.

قوله : ويحتمل ثبوت الحصّة.

أي : يحتمل في صورة ظهور الربح ثبوت حصّة الربح للعامل ، فيشترك في العبد. ولكن هذا إذا قلنا بأنّ العامل يملك الحصّة من الربح بمجرّد ظهوره ، وأمّا إذا قلنا باشتراطه بالانضاض فلا ؛ إذ لا إنضاض هاهنا.

قوله : إن قلنا بالسراية في العتق القهري.

يعني : إذا قلنا بثبوت الحصّة للعامل ، فيسري العتق عليه أي : يسري عتق حصّة المالك في حصّة العامل أيضا فينعتق حصته ؛ إن كان المالك وهو رب المال موسرا ، فيؤدى قيمة حصّة العامل عليه ، ولكن هذا الحكم إذا قلنا بالسراية في العتق القهري مطلقا سواء كان سبب العتق باختيار من الشريك الذي يعتق عليه كما إذا شرى حصّة من أبيه أو بدون اختياره كما إذا انتقل إليه حصّة من أبيه بالميراث ، أو قلنا بالسراية في العتق القهري الذي كان سببه اختيار الشريك ، وإن لم نقل بها فيه بالإطلاق ، فإنّه على القولين يعتق حصّة


العامل فيما نحن فيه ؛ لأنّ العتق على المالك قهري وسببه باختياره أيضا حيث يأذن في شراء أبيه.

ولكن لو لم نقل بالسراية في العتق القهري مطلقا ، فلا يسري العتق إلى حصّة العامل هنا. ثمّ إنّ الشريك الذي اختار السبب هنا هو ربّ المال.

قوله : لصحيحة محمّد بن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام.

في رجل دفع إليه رجل ألف درهم مضاربة ، فاشترى أباه ، وهو لا يعلم. قال : « يقوّم ، فإن زاد درهما واحدا اعتق واستسعي في مال الرجل ». (١) وفيها أطلق الحكم بالاستسعاء من غير سؤال عن حال العامل هل هو موسر أم معسر ، وترك الاستفصال دليل العموم كما ثبت في الاصول.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٦.


كتاب الوديعة

قوله : بالذات.

أي : يكون المقصود بالذات الاستنابة في الحفظ ، لا أن يكون المقصود أمرا آخر ، وإن استلزم الاستنابة في الحفظ أيضا.

قوله : ثمّ الاستنابة.

الغرض من هذا الكلام اعتراض على المصنّف حيث عرّف الوديعة بالاستنابة.

قوله : وإن اكتفينا.

لفظة « إن » وصلية. يعني : أنّ الوديعة هي الاستنابة وقبولها ولو كان فعليّا لا قوليا.

قوله : وكأنّ التعريف لما كان لعقدها كما علم من مذهب المصنّف.

هذا توجيه من جانب المصنّف وتوضيحه : أنّ التعاريف المذكورة لهذه الامور تارة تكون لنفس العقد كما يقال في البيع : إنّه العقد المشتمل على الإيجاب والقبول ، واخرى للأثر المترتب عليه كما يقال : البيع هو نقل المال بعوض وقد علم في ابتداء تعريف البيع وغيره أنّ مذهب المصنّف أنّ التعاريف للعقود ، فهذا التعريف أيضا يكون للعقد ، والعقد حقيقة هو اللفظ ، أو ما في حكمه من الإشارة.

ولما لم يعتبر في عقد الوديعة القبول اللفظي ، فيكون المعتبر في عقدها هو الإيجاب خاصّة ؛ لأنّه وإن توقّف تماميّته على القبول ، ولكن لما لم يشترط القبول اللفظي ، والمعتبر في العقد هو اللفظ ، فالمعتبر في عقد الوديعة الإيجاب خاصّة. والضمير في قوله :« منه » راجع إلى « عقدها » لا إلى مطلق العقد.

قوله : دخولها.


أي : دخول الوديعة. وفيه ارتكاب استخدام ؛ لأنّ المراد بالوديعة المتقدّمة : هو الاستنابة والعقد ، وبالوديعة في المرجع هو الشي‌ء المستودع ، فإنّه يطلق عليه الوديعة أيضا.

قوله : فبه.

« الباء » بمعنى : « مع » أي : فبالايجاب أولى في الدخول في الضمان والالتزام بالحفظ.

قوله : وأمّا الإيجاب فقد يحصل بالطرح إلى آخره.

غرضه من هذا الكلام دفع لما يتوهّم حيث إنّه فهم ممّا سبق أنّ الوديعة هي الاستنابة التي هي مجرّد الإيجاب ، وأنّ المعتبر من الوديعة هو الإيجاب فكان قوله : « لم تصر وديعة » مظنّة لتوهّم أنّ الطرح لا يكفي في الإيجاب أيضا حتّى لو قبلها بعده لم يتمّ الوديعة.

فدفع ذلك بأنّ الإيجاب قد يحصل بالطرح ، وإنّما لا تحصل الوديعة المركّبة من الإيجاب والقبول.

قوله : وفي الثاني.

أي : في صورة الاقتصار على مجرد الطرح لا تصير وديعة أي : ايجاب وديعة أو عقد الوديعة حيث إنّ المعتبر منه الإيجاب أيضا ، أو لا تصير وديعة أي : استنابة.

قوله : في الثاني يجب.

أي : في القبول الفعلي.

قوله : وفي الأوّل.

أي : في الطرح مع ضمّ ما يدلّ على الإيداع.

قوله : فقوله فلا يجب.

هذا تفريع على ما سبق من التفصيل في الطرح والإكراه. و « قوله » مبتدأ خبره « مطلق » وقوله : « في الثاني » المراد منه صورة الإكراه ، وقوله : « من حيث الوديعة » متعلّق بقوله : « مطلق » ، وقوله : « ومع عدم القبول والقبض » عطف على قوله : « مطلق » والمراد بالأوّل : صورة الطرح يعني : إذا عرفت أنّ مع الإكراه لا يجب الحفظ ولو مع القبض ومع


الطرح لا يجب الحفظ ، إلّا إذا قبل أو قبض ، فقول المصنّف : « فلا يجب حفظها » المذكور بعد « الطرح والإكراه » مطلق بالنسبة إلى الإكراه من حيث الوديعة أي : لا يجب الحفظ من جهة الوديعة مع الإكراه مطلقا ، قبضها أو لم يقبض ، قبلها أو لم يقبل ، وإن وجب الحفظ من غير جهة الوديعة حينئذ كما في صورة الاضطرار. وغير مطلق ، بل مقيّد منضمّ مع قيد عدم القبول والقبض بالنسبة إلى الطرح حيث عرفت أنّه حينئذ يجب الحفظ مع القبول أو القبض. وفي بعض النسخ « مطلقا » مكان قوله : « مطلق » فيكون حالا عن « قوله » وخبره يكون قوله : « من حيث الوديعة » ويكون قوله : « ومع عدم القبول » عطفا على قوله :

« من حيث الوديعة » والمعنى : وإذا عرفت ما فصل فقول المصنّف : « لا يجب حفظها حالكونه مطلقا في الثاني » إنّما هو من جهة الوديعة ، وفي الثاني إنّما هو مع عدم القبول والقبض أي : لا يجب الحفظ مطلقا مع عدمهما.

قوله : فلا يجب عليه حفظها.

ويلزمه أنّه لا يضمنه لو أهمل في الحفظ ، نعم إذا وضع يده عليها بعد زوال الإكراه مختارا ، فإنّه يجب عليه حينئذ الحفظ باليد الجديدة ، وإن لم يجب بالإكراه.

وقوله : « مطلقا » إشارة إلى ما مرّ في الطرح من أنّ مع القبض يجب عليه الحفظ ، فيكون المعنى : فلا يجب مع الإكراه حفظها ، قبضها أو لا.

وقد يقال : إنّه اشارة إلى ما مرّ في الطرح من أنّ مع القبض قد يجب الحفظ لأمر آخر. فالمعنى : مع الإكراه لا يجب الحفظ لا للوديعة ، ولا لأمر آخر ، وذلك مناف لما يأتي من أنّ مع الإكراه قد يجب الحفظ أيضا في صورة الاضطرار.

وكذا قوله : « مطلق من حيث الوديعة » يشعر بأنّه ليس مطلقا من حيثيّة اخرى.

قوله : وبذلك يظهر.

أي : ممّا ذكر من قوله : « وكذا من بعده » إلى آخره. فذلك إشارة إلى التقسيم الذي ذكره.

ووجه ظهور عدم المنافاة : أنّه علم أنّ وجوب الحفظ ؛ [ ليس ] لأجل كونه مستودعا حتّى يرد أنّه إذا لم يجب الاستيداع ولم يلزم ، كيف يلزم ما يترتّب عليه ، بل هو أعمّ من أن يكون بسبب الوديعة.


قوله : أو فتح الكيس المختوم إلى آخره.

فيضمن ولو لم يأخذ منه شيئا ، وكذا لو تلف لا لأجل فتحه ، بل لأمر آخر لا دخل له بالفتح أصلا.

والوجه فيه حينئذ : أنّه بالفتح صار متصرّفا فيه تصرّفا غير مأذون من المالك ، فيكون ضامنا لو تلف بأيّ وجه كان.

قوله : من الدفع.

أي : دفع الظالم من الوديعة.

قوله : وأمّا أخذ المال.

أي : أخذ الظالم المال من المستودع عوضا عن الوديعة.

قوله : لم يجب بذله مطلقا.

أي : سواء استوعب ما أخذ من ماله الوديعة أم لم يستوعب.

قوله : فأخذ الجميع.

أي : أخذ الظالم جميع المال المستودع.

قوله : ولو أمكن حفظها.

أي : لو أمكن حفظ الوديعة عن الظالم باستتار نفسه عن الظالم ، وصيرورته مخفيا وجب الاستتار.

قوله : أو يد وارثه.

أي : ويبقى في يد وارث المستودع إن مات ، أو وليه إن جنّ ، أو يده بعد صحّته إن جنّ وافيق ، ولم يتصرّفه وليّ على تقدير عروض ذلك للمستودع.

قوله : إلّا ببيّنة.

يعني : يكون على الودعي البيّنة ، ولو لم يكن له بيّنة فاليمين على المالك ، فلا يقبل قوله بمجرّد يمينه.

قوله : وقد يقبل قوله إلى آخره.

أي : يقبل مع يمينه ، وليس اليمين على المالك.


قوله : وإن كان كسبا.

أي : وإن كان ذلك المال الذي للغير في يد الصبي والمجنون مكتسبا للصبي والمجنون من قمار قامره الصبي والمجنون مع الغير ، وكسبه منه ، فالكاسب هو الصبي والمجنون ، وكونه فردا خفيا ؛ لما فيه من اطّلاع ذلك الغير الذي هو المالك ، بل إذنه وإعطائه بنفسه.

ويمكن أن يكون المستتر في « كان » راجعا إلى « الأخذ » المدلول عليه بقوله : « وما يؤخذ » أي : وإن كان الأخذ من الصبي والمجنون مكتسبا للآخذ من قمار قامره الآخذ مع الصبي والمجنون.

والأوّل هو الأظهر كما يدلّ عليه كلامه في المسالك ، ولأنّه لا يظهر وجه على الثاني للتخصيص بمال الغير ، وأيضا [ لا ] يكون حينئذ فردا خفيّا.

قوله : نسيانا.

أي : على غفلة من أنّه صبي أو مجنون ولا يجوز التسلّم منه ، ومن دون التفات إلى ذلك ، فإذا التفت تكون في يده أمانة شرعيّة.

قوله : مع ظهور المالك.

التقييد بذلك ؛ لأنّه بدون ظهور المالك لا يجب ردّها إلى أحد ، ولا بينة ولا يمين ، فهي ليست من القسمين المذكورين للامانة ، بل لها حكم على حدة مذكورة في بابها.

قوله : وهو ممنوع.

أي : الطريق الاولى ممنوع ، لما مرّ من اختلاف الأغراض. فهذا تسليم لصحّة القياس بالطريق الأولى ، ومنع للأولوية هنا. وقوله : « هو قياس باطل » ردّ لأصل القياس حيث إنّه قياس المساواة ، فقوله : « باطل » صفة احترازية. وهذا هو الوجه في المنع في الأوّل والإبطال في الثاني.

قوله : ويمكن شمول كلامه.

أي : كلام المصنّف ، وهو قوله : « إلّا أن يخاف تلفها ». ووجه الشمول : إطلاق كلامه حيث لم يقيّد بالمساوي أو الأعلى. وقوله : « كما يشمل المنع » أي : المنع في كلامه الأوّل ، وهو قوله : « اقتصر المستودع عليه » المنع من الأعلى فالمنع فاعل قوله : « يشمل » ، والمفعول مقدّر يدلّ عليه الفاعل.


ويمكن أن يكون « المنع » مفعولا ، والفاعل هو كلام المصنّف ، ويكون فيه استخدام حيث إنّ المراد بكلامه المذكور كلامه أخيرا ، وبالمرجع غيره.

وقوله : « يشمل أيضا » أي : ويشمل كلامه في الموضعين ما إذا نهاه صريحا عن النقل إلى غير المكان الذي عيّنه وما إذا لم ينهه صريحا ، بل اقتصر على مجرّد التعيين ؛ فإنّه لا يجوز النقل في الصورتين في الموضع الأوّل ، ويجوز النقل فيهما في الموضع الثاني. والضمير في « عدمه » راجع إلى « النهي » و « عدمه » معطوف على « ما لو نهاه ».

قوله : أو الموضوع.

عطف على المقفّل.

قوله : في المراح.

أي : المراح المضبوط بالغلق.

قوله : أو المحفوظ بنظر المستودع.

يعني : في الثلاثة. أي : يجب إما كون الصندوق مقفلا ، والاصطبل والمراح مضبوطين بالغلق ، أو كونها محفوظا بسبب نظر المستودع وإن لم يكن مقفّلا أو مضبوطا بالغلق بأن يحضر المستودع عندها ، ويكون متوجّها لها حافظا إيّاها.

قوله : لما ذكر.

متعلّق بقوله : « حرزا » والمراد بما ذكر : الثوب ، والنقد ، والدابّة ، والشاة.

قوله : وقد يفتقر إلى أمر آخر.

أي : وقد يفتقر الحرز أو ما ذكر مضافا إلى هذه الثلاثة إلى أمر آخر زائد عليها كالاصطبل المضبوط بالغلق ، فإنّه قد يكون مظنّة كسر الغلق ، فيحتاج إلى شي‌ء آخر رافع لهذه المظنّة. وقوله : « أو يقوم غيرها » أي : وقد لا يجب هذه الثلاثة ، بل يقوم غيرها مقامها كما أن يضع الدابة في بيت السكنى وأمثاله.

قوله : بين من يملكه.

الموصول في الأوّل عبارة عن المستودع ، وفي الثاني عبارة عن المودع. ويمكن أن يكون المراد به : المستودع أيضا ، ويكون قوله : « يعلم » مبنيا للمفعول. والمراد : أنّه لا فرق


في وجوب الحفظ بين أن يكون المستودع مالكا للحرز أو لا. ولا بين علم المودع بأنّ المستودع مالك للحرز أو قادر على تحصيله أو لا ، فلو أودعه دابّة مع علمه بأنّه لا اصطبل له أو [ ما ] لا مع علمه بأنّه لا صندوق له ، ونحو ذلك لم يكن عذرا.

قوله : وإن ادّعيا.

أي : وإن ادّعى الطفل والمجنون فيما إذا كان المال لغيرهما إذن ذلك الغير المالك لهما في إيداع المال عند الغير. ووجه عدم الفرق : أنّ دعواهما غير مسموعة ، ولا يترتّب عليها أثر.

قوله : لا نقلها.

عطف على « رفع يده ».

قوله : والمعتبر في السعي القصد.

أي : السعي المتوسط ، ولا تجب الزيادة عليه بالتعجيل كأن يعدو في السير وإن قدر عليه.

قوله : كالعقلي

خبر لقوله : « والعذر الشرعي » أي : العذر الشرعي والعادي كالعذر العقلي وهو ما يستحيل معه الردّ عقلا ، فإنّه عذر قطعا.

قوله : وإن كان المودع.

هذا ردّ على أبي الصلاح ؛ فإنّه قال : « إذا كان المودع حربيا وجب على المودع أن يؤدّي ما عنده من وديعته إلى سلطان الاسلام ».

قوله : للأمر بأداء الأمانة.

المراد الأمر بها في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ). (١)

قوله : « فلم أدع شيئا ».

أي : لم أترك شيئا من النقائص ، والصفات الخسيسة إلّا نسبته إليه.

قوله : ولو لزوجته أو ثقة.

__________________

(١) النساء : ٥٨.


نبّه بذلك على خلاف بعض العامّة حيث جوّز له إيداع زوجته. وقوله : « ولو زوجة » فيما بعد تنبيه على خلاف جماعة اخرى منهم حيث جوّزوا الاستنابة بالزوجة. وقوله :« ولدا » على خلاف بعضهم أيضا حيث جوّز إيداع من عليه نفقته.

قوله : في سائر الأوقات.

السائر هنا إمّا بمعنى : الجميع أي : في جميع الأوقات كما مرّ سابقا من أنّ السائر يستعمل بهذا المعنى أو المراد : سائر الأوقات التي ليس له التصرف ، فإنّ الاشتراك في التصرّف قد يكون بأن يتصرّف هو في وقت ، والشريك في وقت آخر ، فيكون المراد من سائر الأوقات : أوقات تصرّف الشريك.

قوله : فترك وأخذها معه.

أي : ترك كلا من الإيصال إلى المالك أو وكيله ، أو الإيداع ، وأخذ الوديعة مع نفسه وسافر بها.

قوله : واضطر إلى السفر فلا ضمان.

أي : واضطر أن يسافر بأن يلزم عليه السفر لضرورة. وفي بعض النسخ : « أو اضطر ». ومقتضاه حينئذ أنّه إن اضطرّ إلى السفر ولو لم يتعذّر جميع ما تقدّم ، ولم يخف عليها في البلد يجوز المسافرة بها ، وهو مشكل ويمكن أن يكون المراد حينئذ أنّه اضطرّ إلى السفر بالوديعة ، أي : يلزم عليه المسافرة بها بأن يعلم أنّه لو لم يسافر بها وأودعها إلى عدل أو غيره في البلد يأخذها ظالم قطعا ، ويتخلّص لو سافر بها ، وإن لم يكن السفر ضروريا لنفسه.

قوله : بل قد يجب.

لفظة « قد » إمّا للتحقيق وإن كان مدخولها مضارعا ؛ فإنّه مستعمل ، أو للتقليل والمراد ليس حين الاضطرار المذكور ، بل المراد : أنّه قد يجب مطلقا ، وهو حين الاضطرار المذكور. أو المراد أنّه حين الاضطرار أيضا ليس واجبا مطلقا ؛ إذ قد يحتاج إلى نفقة وكراية وغير ذلك من ماله ، فلا يجب عليه صرف ماله ، فيجب إذا لم يحتج إلى هذه الامور ، فتأمّل.


قوله : وفي السفر.

عطف على قوله : « في تعذّر ». « والعرفي » خبر المعتبر أي : المعتبر في السفر العرفي.

قوله : في مثله.

أي : في مثل التردّد إلى حدود البلد ، أو في مثل ما قصر عنه.

قوله : ما لو أودعه.

الضمير في « أودعه » راجع إلى المستودع. وقوله : « مسافرا » حال عنه أي : لو أودع المالك المال المستودع حال كون المستودع مسافرا.

قوله : منتجعا.

أي : من الذين لا يستقرّ في مكان ، بل يتردّد في المنازل لطلب الماء والكلاء. وانتجع أي : طلب الكلاء في موضعه.

قوله : في الحيوان مطلقا.

سواء أمره المالك ، أو نهاه ، أو أطلق.

قوله : ذو روح.

وسقيه وعلفه من حقوق الله سبحانه ، لا من حقوق الآدمي ، فلا يسقط بيمين الآدمي.

قوله : بتركه كغيره.

أي : كغير ذلك ممّا يجب في نفسه ، لا من حيث الوديعة ؛ لوجوب حفظ ما غاب مالكه من باب الإعانة على البر.

قوله : قوله فيها.

أي : في نية الرجوع. وفي بعض النسخ : « فيهما » بالتثنية ، والضمير للانفاق ، ونيّة الرجوع.

قوله : بالمعروف.

متعلّق بالقدر المقبول أي : قبل في القدر بالمتعارف.

قوله : وكذا القول.

أي : توصل إلى استيذانه أيضا وإرضائه بالانفاق ، وإن تعذّر رفع أمره إلى الحاكم إلى آخره فليس عليه السعي في الاستيذان.


قوله : للريح.

متعلّق بالنشر. أي : نشره عند الريح إذا احتاج إليه ، أو نشره لهبوب الريح عليه.

قوله : العلف والسقي.

معطوفان على النقل.

قوله : على الركوب.

متعلّق بالتوقّف أي : يجب الركوب.

قوله : لذلك.

أي : لا للحفظ والوقاية عن الفساد.

قوله : وليرد الوديعة حيث يؤمر به ، أو يريده هو.

الغرض من هذا الكلام بيان من يرد إليه الوديعة ، لا بيان وجوب الرد ، فلا تكرار فيه مع قوله : أوّلا : « ويجب اعادة الوديعة ». والضمير المجرور في « به » راجع إلى الرد ، وكذا الضمير المنصوب في « يريده ». والمرفوع فيه راجع إلى المستودع ، وكذا ضمير « هو ».

والمراد : أنّه يجب إذا أمره المالك ، أو وكيله ، أو يريد المستودع الرد حيث إنّه عقد جائز.

قوله : المتناول وكالته مثل ذلك.

أي : ردّ الوديعة إليه ، فهو احتراز عن الوكيل الخاص بغير ذلك ، وشامل للوكيل الخاص بذلك ، والعام. وقوله : « مخيّر » خبر مبتدأ محذوف أي : والمستودع مخير في الرد إلى المالك وإلى الوكيل.

قوله : لا بدونها (١).

عطف على قوله : « عند الضرورة ». والضمير فيه راجع إلى « الضرورة ». يعني : لا يجوز الدفع إلى الحاكم بدون الضرورة ؛ لأن الحاكم لا ولاية له على من له وكيل ، والودعي أي :المستودع بمنزلة الوكيل ، فما دام لا ضرورة له في الرد لا يكون الحاكم وليّا ، فلا يجوز الرد فيه ، بخلاف حالة الضرورة ؛ فإنّ الوكيل الذي هو الودعي ، لا يمكنه الحفظ حينئذ ، فيكون المالك كمن لا وكيل لحفظه.

__________________

(١) لا بدونه. خ.


وقد يتوهّم أنّ الضمير راجع إلى « التعذّر » ومنشأ التوهّم ملاحظة التعليل والغفلة عن قوله : « والودعي بمنزلته ».

قوله : إلى التستّر.

أي : تستّر الودعي وخفائه في مكان. ومراده : أمّا لا مطلق التستّر ، بل التستّر المنافي لرعاية الوديعة ، فلو أمكن رعايتها مع التستّر كأن كان شي‌ء خفيف يمكن استصحابه ، فلا يدفعه إلى الحاكم.

قوله : قبل حلفه ضمن.

أي : ضمن المستودع ، ويجب عليه الرد ، ولو تلف بدون تفريطه ؛ لأنّه خرج عن كونه أمينا بالإنكار والجحود للوديعة ، ولأنّه بإنكاره اعترف بأنّ يده عليها ليست بنيابة عن المالك ، فلا يكون أمينه.

قوله : لإنكاره الاول الى آخره.

المراد بإنكاره الأوّل : الإنكار المطلق المذكور بقوله : « ولو أنكر الوديعة » وقوله : « كقوله » بيان للتأويل أي : يقول بعد الإنكار المطلق مرادي أنّه ليس لك عندي إلى آخره. فيقبل قوله مع اليمين حينئذ ، ولا يخرج عن الأمانة كما إذا قال أوّلا بهذا القول من غير سبق إنكار مطلق مؤوّل إلى ذلك.

قوله : بأنّه ليس مأخذ القبول.

يعني : يضعف تقديم قول المالك بأنّ الأمانة ليس مأخذ قبول قول الودعي وسببه هنا حتّى يصير زوالها سببا لعدم القبول ، بل المأخذ للقبول أصالة عدم الزيادة وهي باقية بحالها لا تزول بتفريطه ،

قوله : وإلّا فالى الاهل.

يعني : يسلم حصّة من له الأهلية إلى الأهل ، وحصّة الناقص عن الأهلية إلى وارثه.

قوله : كما سلف.

إشارة إلى ما مرّ من أنّ حكم الأمانة الشرعية وجوب المبادرة إلى ردّها ، فإنّ بموت المودع يصير المال أمانة شرعيّة كما مر.


قوله : سواء علم الوارث.

فيه ردّ على بعض الشافعية حيث قال : « إنّ مع أهليّة الوارث وعلمه بالوديعة لا يجب الرد إلّا بعد الطلب ».

ونفى عنه البأس في التذكرة. واستوجهه في المسالك إلّا أنّه قال : « إنّه لم يتحقّق به قائل منا ».

قوله : ولا يبرأ.

أي : لا يبرأ عن الضمان.

قوله : ونحوه.

أي : نحو الترك غير مقفّل ، أو نحو التقفيل ثانيا.

قوله : أو يبرئه من الضمان.

فعل مضارع من الابراء عطف على قوله : « أو يجدّد له الاستيمان ». ويمكن بعيدا أن يكون مصدرا ويكون عطفا على « ايداعه » والضمير فيه راجعا إلى الغاصب.

قوله : بكلّ وجه.

متعلّق بقوله : « مدّعيا » أي : وإن كان مدّعيا بجميع وجوه المدّعي بأن يكون قوله مخالفا للأصل والظاهر ، وترك لو ترك الخصومة. وهذه الوجوه الثلاثة هي وجوه المدّعي المذكورة في أوّل كتاب القضاء ، ويمكن أن يكون المراد بقوله : « مدّعيا بكلّ وجه » أي :لا يكون لقوله جهة إنكار كما في بعض المدّعين الذي يتوجّه إليه اليمين لكونه منكرا من جهة.

قوله : إذا ادّعى ردّها.

أي : قبول قول المستودع إذا كان من ائتمنه وهو المودع حيّا وحاضرا ، وادّعى الرد عليه. أمّا لو ادّعى الرد على غير من أودعه وائتمنه وانتقلت [ منه ] الوديعة إليه كوارث من ائتمنه بعد موته فلا يقبل قوله ، بل هو يكون كغير المستودع من الامناء الشرعيّة.

وقد مرّ أنّ الأمين بالأمانة الشرعية لا يقبل قوله ، بل يطلب منه البيّنة ؛ لأصالة عدم الرد. وقوله : « وهو لم يأتمنه » إلى آخره تتمّة للدليل أي الأصل عدم الرد مع عدم وجود


مقتض للخروج عن الأصل ، فإنّ المقتضي له هو استيمان المالك ، والمالك حينئذ هو الوارث ، وهو أي الوارث لم يأتمن المستودع حتّى يكلف تصديقه ، بل ائتمنه مورثه ، فلا يكلّف الوارث بتصديق المستودع ، بل يحكم عليهما بمقتضى قواعد الحكم في المدّعي والمنكر.



كتاب العارية

قوله : غالبا.

احتراز عن الشاة المستعارة للحلب كما يأتي ، فإنّه ينتفع فيها باللبن مع أنّه عين لا منفعة.

قوله : بل لو استفيد رضاه.

متعلّق بالايجاب ، دون القبول. والضمير في « رضاه » راجع إلى المعير.

قوله : ومثله.

أي : مثل كل من الكتابة والإشارة.

قوله : أو فرش لضيفه إلى آخره.

أي : كان الفرش مخصوصا به ، فلو دخل الضيف بيته وجلس على الفرش المبسوطة لم يكن إعارة ؛ لأنّه لم يقصد بها انتفاع شخص بعينه ، بل جواز جلوسه عليها حينئذ بالاذن بالفحوى.

قوله : واكتفى في التذكرة.

أي : اكتفى فى تحقّق الإيجاب ، أو في استفادة الرضا بمجرّد حسن ظنّ الصديق بصديقه المالك ، ولو لم يحصل من الصديق لفظ ولا فعل دالّ على الرضا.

قوله : وينبغي تقييده.

أي : تقييد الاكتفاء بحسن الظن ، أو تقييد جواز الانتفاع المذكور.

وقوله : « ممّا يتناوله » خبر للكون. وقوله : « بجواز الأكل » متعلّق بالإذن. ولفظة « الباء »


فيه بمعنى : « في » نحو : ( نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ) ، (١) أو متعلّق بالوارد ، و « الباء » بمعناها. وضمير « بيته » راجع إلى الصديق. وقوله : « بمفهوم الموافقة » متعلّق بقوله : « يتناوله ». وقوله : « وتعدّيه » عطف على قوله : « تقييده » والضمير فيه راجع إلى جواز الانتفاع أو الاكتفاء بحسن الظن. وقوله : « لا مطلق حسن الظن » عطف على « تعدّيه » و « تقييده » معا.

وقوله : « لعدم الدليل » تعليل لقوله : « لا مطلق حسن الظن ».

وقوله : « إذ المساوي » بيان « لعدم الدليل ». والمراد : أنّ ما ذكره في التذكرة من « جواز انتفاع الصديق بمتاع صديقه ، والاكتفاء فيه بحسن الظن » لا يتمّ بإطلاقه ، بل ينبغي تقييده بكون منفعته التي ينتفع بها من المنافع التي يتناولها الآية المذكورة بمفهوم الموافقة بأن تكون المنفعة أقل من الأكل المأذون فيه ، حتّى يثبت جوازه بالقياس بالطريق الأولى ، الذي هو مفهوم الموافقة وتدلّ على جوازه الآية ، وخرج بها عن عموم النهي عن تناول مال الغير والانتفاع به. وكذا ينبغي تعدّيه أي : تعدّي جواز الانتفاع إلى الأرحام المذكورة في الآية ، فلا يتعدّى إلى غيرهم ، ولا يكفي مطلق حسن الظن ، ولو بالانتفاع الذي كان مساويا للأكل أو أضعف منه من حيث الظن بالرضا. وكذا لا يكفي مطلق حسن الظن ولو بغير الأشخاص المذكورة في الآية ، وإن كان مساويا لهم في ظن رضاه أو أضعف لعدم الدليل على الجواز المطلق مع النهي عن التصرّف في مال الغير ، إذ لا دليل إلّا الآية ، وهي مختصّة بالأكل والأشخاص المخصوصة. نعم يجوز التعدّي إلى الأقوى في حسن الظن به بالقياس بالطريق الأولى ، وهو حجّة. وأمّا إلى المساوي فلا يجوز ؛ لأنّه قياس باطل يمتنع الاستدلال به عندنا. والأضعف من جهة حسن الظن ممتنع بالطريق الأولى يعني : إذا كان المساوي ممتنعا ، فالأضعف ممتنع بالطريق الأولى.

ويمكن بعيدا أن يكون قوله : « بطريق أولى » متعلّقا بكون محذوف. ويكون المراد : أنّ القياس إمّا قياس مساواة ، أو قياس بطريق أولى ؛ لبداهة بطلان غيرهما ، والمساوي قياس لا نقول به ، والأضعف ممتنع كونه بطريق أولى. وعدم كونه مساويا أيضا ظاهر ، فلا دليل في المساوي والأضعف.

__________________

(١) آل عمران : ١٢٣.


قوله : لمال نفسه ووليه.

عطف على « نفسه » أي : مال وليه. ويجوز عطفه على الصبي أيضا أي : إعارة ولي الصبي مال الصبي.

قوله : في تحقّق هذا العقد.

التخصيص بهذا العقد ، لما عرفت في البيع من أنّ عقد الصبي فيه لا عبرة به ، وإن أذن له الولي.

والسرّ في الكفاية هنا على ما ذكره في المسالك وغيره أنّ العارية لما كانت جائزة ولا تختص بلفظ ، بل كلّ ما دلّ على رضا المعير كاف فيها ، والمعير هنا هو الولي ، فكان إذنه للصبي بمنزلة الإيجاب ، فالعبرة حينئذ بإذنه ، لا بعبارة الصبي.

قوله : في الهدية.

أي : الهدية التي أهداها الولي لغيره فجاء الصبي بها وقال : إن وليّي أرسلها ، وكذا إذا أخبر بإذن وليه لأحد في دخول الدار ، وقوله : « بالقرائن » متعلّق بقوله : « يقبل ».

قوله : أو لانتفاع.

عطف على قوله : « بأن يكون » أي : من وجود المصلحة فيها لانتفاع الصبي إلى آخره.

قوله : ولو رجع قبله.

أي : قبل الطم.

قوله : قد وضع.

أي : وضع في القبر من غير أن يطم ، فيجب إخراجه.

قوله : فمئونة الحفر.

أي : إذا رجع المعير بعد الحفر وقبل الدفن فمئونة الحفر على ولي الميّت من ماله ، لا من مال الميّت ؛ لقدومه على ذلك حيث يعلم أنّ له الرجوع متى شاء ، إلّا أن يتعذّر على الولي غير هذا الموضع المستعار من المواضع التي لا يزيد عوضه عنه ـ أي : عن عوض حفره ـ فإنّه حينئذ يقوى كون المئونة من مال الميّت ؛ لعدم تقصير الولي.

قوله : طمّه للإذن.


أي : لا يلزم الولي بعد رجوع المعير طمّ الأرض التي حفرها لإذن المعير.

قوله : رقّع به.

أي : وصل به ثقب سفينته ومواضع خللها ، ودخل في البحر ، وكان بحيث لو نزع اللوح غرقت السفينة.

قوله : ضمن الأرض.

فلو تلفت ، ولو بغير تفريطه كأن يستغرقها الماء ونحوه يجب عليه [ الغرامة ].

قوله : لعدم استقرار ملكه.

قيل : إن اريد بالملك الغير المستقر موضع الغرس والبناء ، فهو ليس ملكا له ، بل هو عارية ، وإن اريد أصل الشجر والبناء فهو ملك مستقر.

قلت : المراد جزء من المبيع ، وهو هيئته الصورية الموجبة لاختلاف القيمة ، فإنّها أيضا جزء من المبيع ، يختلف الثمن باختلافها ، فإنّ آلات البناء حال كونها بناء لها هيئة صورية يشتريها المشتري وهي ملك غير مستقر ، اذ برجوع المعير يجب على المستعير قلع البناء والشجر ، فتنتفي الهيئة.

قوله : وهو غير مانع.

هذا ردّ على قول القيل.

قوله : لو اتّفقا.

أي : المعير والمستعير على بيع العارية التي هي ملك المعير ، وما فيها من ملك المستعير.

قوله : فيقسط على أرض مشغولة به.

« الفاء » للتفصيل يفصل كيفيّة التوزيع ، فالمستتر فيه للثمن ، والضمير المجرور في « به » لكلّ من الغرس أو البناء.

وقوله : « على وجه الإعارة » متعلّق بمشغولة. وقوله : « مستحق القلع » إمّا صفة لمرجع الضمير في « به » أي : بناء أو غرس مستحقّ القلع ، أو صفة بعد صفة للأرض من باب الوصف بحال المتعلّق أي : أرض مالكها مستحقّ بقلع ما فيها.


وقوله : « بالأرش » متعلّق بالقلع أي : مستحقّ القلع مع الأرش بأن يعطي القالع الذي هو مالك الأرض إلى المستعير تفاوت ما بين قيمة شجره حالكونه مغروسا ، وحالكونه مقلوعا ، فإنّ وجوب الأرش عليه يوجب نقص قيمة أرضه ، وكلّ من « الابقاء » و « التملّك » عطف على القلع.

وقوله : « بالاجرة » متعلّق بالإبقاء. والمراد : الاجرة التي يأخذها المالك من المستعير :لأجل بقاء شجره ـ مثلا ـ فيه بعد الرجوع من الإعارة. وقوله : « بالقيمة » متعلّق بالتملّك يعني : أو المستحقّ للتملّك بأن يقبل المعير الشجر أو البناء ـ مثلا ـ ويشتريه من المستعير بقيمته.

وقوله : « مع التراضي » متعلّق بكلّ من القلع والإبقاء والتملّك ، حيث إنّها تتوقّف على رضاهما معا.

قوله : وعلى ما فيها.

عطف على قوله : « على أرض » ، والضمير للأرض. والمراد بما فيها : الغرس أو البناء. وقوله : « مستحقّ القلع » إمّا وصف لمرجع الضمير نفسه ، أو وصف بحال متعلّقه. والمراد بأحد الوجوه : الوجوه الثلاثة المذكورة من القلع بالأرش أو الإبقاء بالاجرة ، أو التملّك بالقيمة.

قوله : ولو من جهة الإطلاق.

متعلّق بقوله : « مأذون فيه ». أي : ولو كان إذنه في هذا الفعل الموجب للنقص من جهة إذنه في الاستعمال المطلق من غير تقييد بخصوص هذا الاستعمال ، فإنّ عدم الضمان حينئذ أظهر.

قوله : وتقييده بالنقص إلى آخره.

إضافة التقييد إلى الضمير إمّا إضافة إلى الفاعل أي : تقييد المصنّف الاستعمال بالنقص ، أو إضافة إلى المفعول أي : تقييد الاستعمال بالنقص ، والتقييد بالنقص لأجل اختصاصه عدم الضمان به حيث قال : « ولو نقصت ». ولفظة « قد » يمكن أن تكون تحقيقيّة ، وأن تكون تقليلية. والتقليل باعتبار خفاء إفهامه ويفهم من الإفهام.


والضمير في « به » راجع إلى « الاستعمال » يعني : أن تخصيص الاستعمال بالنقص مفهم لأنّها لو تلفت كان المستعير ضامنا لها.

قوله : للاستعمال المتلف.

متعلّق بعدم تناول الإذن.

قوله : فيضمنها آخر حالات التقويم.

المراد : بيان أنّه على القول بالضمان مع الاستعمال المتلف وفإذا اختلف قيمته من يوم الإعارة إلى يوم التلف فالمضمون أيّ واحد من القيم.

وحاصله أنّ المضمون هو قيمته في آخر حالة له قيمة سواء كانت قيمته في هذه الحالة أعلى القيم أو أنقصها ، فلو كانت قيمته أوّلا ثلاثة ، ثمّ اثنين ، ثمّ واحدا ، ثمّ تلف كان عليه الواحد ، ولو انعكس كان عليه الثلاثة. ولا تفاوت في ذلك ما كان نقص القيمة بسبب السوق أو بسبب نقص العين بالاستعمال ؛ إذ عرفت أنّه غير ضامن للنقص الاستعمالي.

قوله : عملا بالشرط المأمور.

أي : قوله عليه‌السلام « [ المؤمنون ] عند شروطهم ».

قوله : استنادا إلى الجمع أيضا.

توضيح المقام ـ كما في المسالك أيضا ـ : أنّ النصوص هاهنا بين ثلاثة أقسام.

أحدها : ما يدلّ على عدم الضمان في العارية مطلقا من غير تقييد كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « ليس على مستعير عارية ضمان ». (١)

وثانيها : ما يدلّ على استثناء مطلق الذهب والفضّة كحسنة زرارة عنه عليه‌السلام قال :قلت : العارية مضمونة؟ فقال : « جميع ما استعرته [ فتوى ] فلا يلزمك [ تواه ] إلّا الذهب والفضة ، فإنّهما يلزمان ». (٢)

وثالثها : ما يدلّ على استثناء الدراهم والدنانير كصحيحة ابن مسكان : « لا يضمن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٣.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٦.


العارية إلّا أن يكون اشترط فيها ضمان ، إلّا الدنانير ، فإنّها مضمونة ». (١) وفي حسنة عبد الملك : « إلّا الدراهم ». (٢)

فمن قال بالقول الأوّل قال : إنّ القسم الثاني من الأخبار خاصّ ، والقسم الاول عام ، ويجب تخصيص العام بالخاص ، فخرج مطلق الذهب والفضّة ، والقسم الثالث فرد من القسم الثاني متّحد معه في الحكم ، فلا ينافيه ، فهو تصريح للحكم في بعض أفراده.

ومن قال بالثاني قال : يجب حمل العام على الخاص ، والقسم الثاني أعم من الثالث ، فيحمل عليه ، ويراد منه مطلق النقدين ، ولكونه أخصّ من القسم الأوّل يخصّصه ، فالجمع بتخصيص العامّ الأوّل بالعامّ الثاني ، وحمل العام الثاني على الخاص الثالث.

قوله : وتقدير منفعة الإنفاق.

اعلم أنّ التقدير أحد الأحكام الوضعية وعرّفه الاصوليون بأنّه تقدير الموجود معدوما ، أو بالعكس ، لتصحيح حكم شرعي.

وهاهنا يقدّر المعدوم موجودا لتصحيح العارية ، فإنّ العارية الشرعيّة لا تكون إلّا لمنفعة ، ولما لم يتصوّر في استعارة النقدين منفعة إلّا منفعة الإنفاق ، ولكنّها معدومة في الاستعارة ؛ إذ هي عقد ثمرته جواز التصرّف بالانتفاع مع بقاء العين ، والانفاق يوجب تلف العين ، فيقدّر حينئذ هذه المنفعة فيها لتصحيح الاستعارة ، ولا شكّ أنّ هذا التقدير حكم بغير الواقع ؛ لأنّ الواقع هو عدم الإذن في الإنفاق كما هو مقتضى الإعارة ، فتقديره حكم بغير الواقع.

قوله : بأمر ظاهر أم خفي.

هذا ردّ على بعضهم حيث فرّق بين دعوى التلف بأمر ظاهر كالحرق والغرق ، أو خفي كالسرق ، فقال : يقبل قوله في الثانى ، دون الأوّل.

قوله : بخلاف الودعي.

فإنّه قد مرّ أنّه إنّما قبضه لمصلحة المالك.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٧.


قوله : لما تقدّم.

من إمكان صدقه ، فلو لم يقبل لزم تخليده الحبس.

قوله : أو في المباح.

عطف على قوله : « في غيره » أي : وكما جلس في الملك المباح ، فاتفق له التظلل بشجر غيره.

قوله : يضمن العين.

أمّا ضمان العين فظاهر. وأمّا ضمان المنفعة ، فلانّ بإعارته ثانيا بطلت الإعارة الاولى ، ورجعت المنفعة إلى المالك.

قوله : لم يرجع على الثاني.

أي : لم يرجع المستعير الأوّل على الثاني إذا كان الثاني جاهلا بأنّه مال الغير ، إلّا أن يكون العارية الثانية مضمونة على المستعير الثاني بأن أخذها من الأوّل بشرط الضمان [ فحينئذ ] يرجع المستعير الأوّل على الثاني بعوض العين خاصّة ، دون المنافع. أمّا الرجوع بعوض العين ، فلاشتراط الضمان ، وأمّا عدم الرجوع بالمنافع ؛ فلتغرير الأوّل له.

قوله : ولو كان عالما.

يعني : لو كان المستعير الثاني عالما بأنّه مال الغير استقر الضمان عليه ببدل العين والمنافع ، فيرجع الأوّل عليه.

قوله : وإن رجع.

يعني : إن رجع المالك على المستعير الثاني رجع الثاني على الأوّل بما لا يرجع الأوّل على الثاني في الصورة الاولى ؛ وهي ما لو رجع المالك على الأوّل ، ففي صورة الجهل مع عدم اشتراط الضمان يرجع الثاني على الأوّل بالعين والمنافع أجمع ، ومع اشتراط الضمان يرجع بالمنافع خاصّة ، وفي صورة العلم لا يرجع بشي‌ء منهما.

والوجه في الكل ظاهر. وقوله : « لغروره » متعلّق بقوله : « لا يرجع عليه » أو بقوله :« رجع على الأوّل ».

قوله : فلا يعقل إسقاطه.


تفريع على كونهما من أسباب الضمان يعني : أنّه إذا كان التعدّي أو التفريط من أسباب الضمان ، ولا يوجد المسبّب قبل وجود السبب ، فلا يقع الضمان قبل وجود التعدّي أو التفريط ، ولا يعقل الإسقاط قبل الوقوع. والضمير المجرور في « وقوعه » إمّا راجع إلى الضمان أو إلى كلّ من التعدّي والتفريط.

قوله : بغير عوض على خلاف الأصل.

أي : كونها بغير عوض على خلاف الأصل ، دون مطلق الملكيّة ؛ لاتّفاقهما على تحقّقها.

قوله : من خصوص ما ادّعاه.

أي : خصوصية الاجرة المعيّنة ، لا مطلق الاجرة بعد استيفاء منفعة ملك الغير المستلزم لتعلّق عوضها على ذمّته.

قوله : ما يدّعى كونها.

عطف على قوله : « مدّة » يعني : أو بعد انقضاء مدّة يدّعى كونها مدّة الإجارة. وذكر ذلك ؛ لادخال ما إذا ادّعى المالك إجارتها في مدّة قليلة ليس لها إجارة عادة كنصف يوم ـ مثلا ـ فإنّه وإن لم يكن لها اجرة بحسب العادة ، ولكن إذا وقع العقد فيها باجرة يتعلّق بها الاجرة الموسومة في العقد ، فإذا ادعاها المالك لا يرتفع النزاع بمجرد حلف الراكب على نفي الاجارة.

ولا يخفى أنّ فيه نظرا ظاهرا ؛ إذ لو لم تكن لها اجرة في هذا الزمان ، فينتفي الاجرة بحلف الراكب على نفي الإجارة ولو ادعى المالك الإجارة فيها.



كتاب المزارعة

قوله : بفعل أحدهما.

« الباء » سببيّة يبيّن بها سبب نسبة الفعل الذي هو الزرع إليهما مع عدم كون الزرع منهما يعني : أنّ نسبته إليهما بسبب فعل أحدهما وطلب الآخر الفعل ، فكأنّ الآخر لذلك الطلب أيضا فاعل كما في المضاربة ؛ فإنّ الضرب في الأرض كان من أحدهما ، ولكن سمّيت مضاربة باعتبار طلب الآخر أيضا.

قوله : فإنّها بالذات على الاصول.

أي : اصول الزرع والأشجار يعني : أنّ المقصود بالذات فيها وقوع المعاملة عليها ، ويتعلّق السقي بها ، وإن يسقى الأرض ويتصرّف فيها بالتبعيّة.

قوله : أو الأعم.

عطف على الزراعة. أي : وخرج بالحصّة إجارة الأرض لخصوص الزراعة ، أو للأعم منها ومن البناء وغيره ؛ [ وقوله ] « إذ لا تصحّ » علّة للخروج أي : لا تصحّ الإجارة مطلقا بحصّة من الحاصل.

قوله : في العمل مقامه والّا استاجر الى آخره.

أي : وإن لم يقم الوارث مقامه بأن [ كان ] الوارث ممّن لا يصلح للإقامة كالصغير والمجنون والغائب ، استأجر الحاكم أحدا على العمل من مال العامل الميّت ، أو استأجره على شي‌ء ممّا يخرج من حصّة الميّت أي : يؤدي وجه الاجارة من هذا المال إن لم يكن له مال آخر. فقوله : « على ما يخرج » عطف على « من ماله ». ويمكن أن يكون المراد من قوله : « على ما يخرج من حصته » أنّه يستأجره على تمام ذلك بأن يعامل مع أحد بأن


يكون حصّة الميّت له ، واستعمال الاستيجار حينئذ يكون تجوّزا ولا تكون لفظة « أو » حينئذ للتخيير ، بل للتقسيم ، فيستأجر من ماله إذا كان ذلك أنفع للوارث عادة ، ويستأجر على ما يخرج من حصّته ، إذا كان هذا أنفع.

قوله : أو لهما.

أي : أو لهما الباقي. ونبّه بقوله : « وإن كان البذر » إلى آخره على خلاف الشيخ وجماعة حيث جوّزوا استثناء البذر وجعله لأحدهما.

وقوله : « سواء كان » إلى آخره دفع لما قد يتوهّم من استدلال بعض المانعين من أنّه لعلّه لم يخرج من الزراعة شي‌ء زائد على ما شرط لأحدهما ، فيبقى الآخر بلا نصيب ؛ فإنّه يتوهّم انّه لو علم خروج الزائد صحّ.

قوله : ويكون قراره مشروطا.

يعني : أنّه يكون قرار ذلك الشي‌ء الذي شرط مشروطا بسلامة الزراعة ، فلو تلفت الزراعة ، لا يجب على من شرط عليه ان يؤدّي ما شرط. ولو تلف البعض من الزراعة سقط من الشرط ـ أي : من ذلك الشي‌ء ـ بحسابه ، فلو تلف ثلث الزراعة ـ مثلا ـ يسقط ثلث ذلك الشي‌ء ، وهكذا.

قوله : فعلى العامل الاجرة.

أي : اجرة الأرض على الزارع إن لم يرض بالقلع ، ورضي المالك بالبقاء مع الاجرة.

قوله : أو الزيادة.

عطف على « الغيوث » أي : تسقيها زيادة ماء شط غالبا كما في النيل حيث إنّ المعتاد فيه أنّه يزيد ماؤه بحيث يسقي الزرع بقدر الكفاية ، فينقص.

قوله : بعوض لم يسلم له.

المستتر في « لم يسلم » راجع إلى العوض. والمجرور في « له » إلى الغير ، وفي « زواله » إلى « الانتفاع » وفي « اختياره » إلى العامل.

قوله : أو بذل المالك ما شاء.

عطف على « زرع ». والمستتر في « شرط » مبنيا للمفعول للبذل ، والمجرور في


« عليه » للمالك يعني : وإذا اطلق المزارعة وشرط على المالك أن يبذل البذر بذل ما شاء من البذور.

قوله : بالأقوى.

المراد بالأقوى : ما كان أشدّ ضررا بالأرض كما في المسالك ، فإنّ الزرع القوي يكون ضرره على الأرض أكثر.

قوله : أم غيره.

المراد بغيره : ما كان راجعا إلى الامور الخارجية كقدر معيّن من البذر ، أو في زمان معيّن ، وكالزرع بالمسحاة أو بالعوامل ، أو غير ذلك.

قوله : لذلك.

متعلّق بالفسخ. أي : الفسخ لذلك الاستيفاء.

قوله : ولما شرط عليه.

إمّا عطف على الضمير في « مثلها » ، والضمير المجرور في « عليه » لصاحب الأرض ، و « من الآخرين » بيان للموصول. والمراد بالآخرين : العمل والعوامل يعني : على الزارع لصاحب الأرض اجرة المثل للأرض ، ولما شرط لصاحب الأرض من العمل والعوامل من أحدهما ، أو كليهما ، أو بعض منهما ، أو من أحدهما.

وإمّا عطف على « صاحب الأرض » لا (١) البواقي كما ذكر.

قوله : ويجوز لصاحب الأرض.

الضمير المنصوب في « يخصّه » له أيضا. وقوله : « تخمينا » متعلّق بقوله : « يقدر ». والمستتر المرفوع في « يقبله » لصاحب الأرض أيضا. والبارز المنصوب فيه للزارع. و « الباء » في قوله : « به » زائدة. والضمير المجرور فيه للموصول في « ما يخصّه ».

و « الباء » في بحبّ للعوض. والمجرور في « منه » للزرع. وقوله : « بما خرصه به » كالبدل « لحب ». والموصول بمعنى المقدار. والمرفوع المستتر في « خرصه » لصاحب الأرض ، والمنصوب « البارز » للزارع ، أو الحصّة. والمجرور في « به » للمقدار. والمعنى : أن

__________________

(١) والبواقى. ظ.


يقدّر صاحب الأرض ما يخصّه بالتخمين ، ويقبل صاحب الأرض الزارع ما يخصّه بعوض حب ، ولو من هذا الزرع بمقدار خرص صاحب الأرض الزارع بهذا المقدار.

ويحتمل أن يكون « الباء » في قوله : « بما خرصه » سببيّة ، ولفظة « ما » مصدرية ، ويكون حينئذ الضمير المجرور في قوله : « به » في الأوّل أي : بعد قوله : « يقبّله » للمقدار المدلول عليه بقوله : « يقدّر ». ويكون المعنى : ويقبّل صاحب الأرض الزارع هذا المقدار بعوض الحب بسبب خرصه به. والأوّل أظهر.

قوله : إن كانت بيعا أو صلحا.

يحتمل أن يكون مرجع الضمير في « كانت » هذه المعاملة وأن يكون المرجع « المحاقلة ». فعلى الأوّل يكون المعنى : أنّ هذه المعاملة إن كانت بيعا أو صلحا تكون مستثناة من المحاقلة التي إمّا بيع أو صلح ، وأمّا إذا وقعت بالتقبيل ، فلا تحتاج إلى الاستثناء ؛ إذ لا تكون من المحاقلة في شي‌ء.

وعلى الثاني يكون المعنى : وهذه المعاملة مستثناة من المحاقلة إن كانت المحاقلة بيعا أو صلحا ، ووقعت هذه المعاملة أيضا بلفظ البيع أو الصلح.

وأمّا إذا لم تكن المحاقلة منهما ، فلا يحتاج إلى استثناء أصلا سواء وقعت المعاملة بالتقبيل ، أو بالبيع ، أو الصلح.


كتاب المساقاة

قوله : في أصل الشرعيّة.

أي : فيما هو أصل شرعيّة هذا العقد وما هو أصلها نخل الحجاز.

قوله : مخصّصا.

وصف لقوله : « وصفا » أي : جعله مخصّصا للاصول المذكورة في موضع البحث ، واحترز به عن الاصول الغير الثابتة وهي الاصول التي لا تبقى كالخضراوات.

قوله : كما مرّ في المزارعة.

أي : كما مرّ القول بالاكتفاء بالقبول الفعلي في المزارعة. وهذا إشارة إلى ما ذكره فيها بقوله : « فيقبل الزارع لفظا على الأقوى » حيث إنّ قوله : « على الأقوى » يدلّ على وجود القول بعدم لزوم القبول اللفظي.

قوله : بالقول الكاشف.

أي : غالبا.

قوله : على الوديّ.

بفتح « الواو » وكسر « الدال » المهملة ، و « الياء » المشدّدة ما يسمّى بالفارسية « نهال ».

قوله : أو المغروس.

أي : كان بدو غرسه ، ولم ينفذ بعد اصوله في الأرض ، ولم يعلق بها.

قوله : والمغارسة.

الظاهر أنّ الفرق بين هذا وبين الأوّل أي : المساقاة على ودىّ غير المغروس : أنّ الأوّل إنّما هو ما إذا كان الوديّ مشخصا معيّنا فيقع العقد عليه بأن يغرسه ، والثاني أعمّ منه وممّا


يعقد على غرس شجر ولو لم يعيّن وديّة ، أو الثاني مخصوص بغير المعيّن. أو المراد بالأوّل ما وقع المساقاة على وديّ بأن يغرسه المالك ثمّ يساقي العامل ، وبالثاني أن يكون الغرس من العامل.

قوله : وبقي القطن.

عطف على قوله : « تعدّدت ». أي : وإن بقي القطن أي : الشجرة.

قوله : هذه المعاملة.

أي : أصل المساقاة وجهالة العوض ؛ لأنّ ما يجعل للعامل من حصّة الثمرة ليس قدره معلوما.

قوله : ومثله أغصان الشجر المضرّ.

اعلم أنّ الأغصان اللازمة إزالتها على قسمين :

أحدهما : ما هي من فضول الشجرة مضرة به وثمره ، ويعلم زيادتها قبل ظهور الثمرة أيضا ، فهي مانعة عن وفور الثمرة ، وعن [ نموّ ] الشجر ، وأمثالهما.

وثانيهما : ما ليست من الفضول ، ولا تضر بالشجر ، ولا تمنع وفور الثمر ، ولكنّها مانعة عن وصول الشمس أو الهواء إلى بعض الأثمار مضرّة به ، يعلم ذلك بعد ظهور الثمر ، فهي غير مضرّة بالشجر ، ولا من فضوله ، ولكنّها مانعة من صلاح بعض الثمار.

فالمراد بالأغصان المضرّة هاهنا : هو القسم الأوّل ، والمراد بها فيما سيأتي من قوله :« بازالة ما يضرّها من الأغصان » هو القسم الثاني.

قوله : ومقدّماته.

احترز عن غير المتكرّرة [ في ] كل سنة كحفر الأنهار ، واتساعها ، وحفر الآبار وعمل الدولاب ونحوها ؛ فإنّها على المالك.

قوله : ولقاطها.

بالفتح والكسر في « اللام ».

قوله : والثلث من الرطب.

أي : أو الثلث من النوع الفلاني من الرطب.


قوله : إذا علماها.

المراد : أن يعلما مقدار الأنواع تخمينا كأن علما مثلا أنّ نصف البستان عنب ، ونصفه رطب ، وذلك لأنّهما لو لم يعلما قد يحصل الغرر كما أن شرطا النصف من العنب والعشر من الرطب ، فظهر أنّ أكثر البستان كثلاثة أرباعه مثلا رطب وربعه عنب ، فوقع أقلّ الجزءين الذي هو العشر لأكثر الجنسين الذي هو الرطب ، فيقع الغرر على العامل.

قوله : الفائت.

صفة لقوله : « عمله ».

قوله : شيئا.

مفعول لقوله « يخسر ».

قوله : ولم يكن الفساد بشرط عدم الحصة.

« الباء » في قوله : « بشرط » للسببية يعني : أنّه لم يكن فساد العقد بسبب شرط عدم حصّة للعامل في ضمن العقد حيث إنّ هذا الشرط يوجب فساد عقد المساقاة ، فلو كان فساده لأجل ذلك لم يكن للعامل اجرة أيضا.

قوله : إلّا كونه.

الضمير في « كونه » راجع إلى المالك. وكذا المستتر في « لم يرض » والمرفوع المستتر في « يعطيه ». والبارز المنصوب فيه للعامل ، وكذا المستتر في « يرضى » والبارز المجرور في « منه » راجع إلى « المالك » أيضا.

والمراد بالآخر : ما يشترط مساقاته في ضمن عقد المساقاة الاولى.

قوله : يظهر مع ضعفه.

المستتر في « يظهر » راجع إلى « الوجه ». والمراد بما ذكر في وجه الصحّة : ما ذكره مانعا ، وبيان عدم صلاحيّته.

قوله : فإنّما يتمّ مع كون البذر إلى آخره

لا يخفى أنّه يرد مثل ذلك على الفرق الأوّل أيضا ؛ إذ عمل الأرض وإن كان غير مقصود في المزارعة ، ولكن العمل في البذر مقصود فيها ، فلو كان البذر من المالك ، والنماء أيضا


تابع له ، فيلزم التسليط على مال الغير ، ولا يفيد اشتراك الزارع في النماء أيضا ، بخلاف المساقاة ، فإنّ العامل لا يشترك في الاصول ؛ لأنّ الزارع وإن كان شريكا في النماء ولكن حصّته ليست مفروزة ، فالتسليط عليها يوجب التسليط على حصّة المالك أيضا بدون اذنه.

ويظهر من المسالك في تصحيح هذه التفرقة : أنّ مبنى المساقاة أن يكون المعاملة على اصول مملوكة للمالك ، بخلاف المزارعة ؛ فإنّ مبناها في الأصل على المعاملة على الأرض ، والأصل في باقي اللوازم من البذر وغيره أن يكون على العامل ، فإنّهم عرّفوها :بأنّها المعاملة على الأرض ، وهذا لا يقتضي أزيد من ذلك ، فعاملوا في المزارعة بما هو مقتضى أصله ، ولم يلتفتوا إلى بعض الصور الخارجة عن مقتضى الأصل ، وكذا عاملوا في المساقاة على مقتضى الأصل. ولا يخفى أنّه لو تمّ ذلك لأوجب صحّة الفرق الثاني أيضا ، وكان اللازم عدم الالتفات إلى صورة كون البذر للمالك.

قوله : ومع ذلك فإنّ العقد إلى آخره

لمّا ردّ الفرق المذكور : بأنّه يتمّ مع كون البذر للعامل ، دون غيره ، وفرضوا المسألة أعم ، وكان لقائل أن يقول : إنّ فرضهم المسألة أعم لا يصير حجّة ، بل اللازم متابعة ما يدلّ عليه الفارق ، ضمّ قوله : « ومع ذلك » لبيان أنّ الدليل أيضا يرشد ويقرر ما فرضوه. فالمشار إليه في قوله : « ذلك » هو كون المسألة مفروضة أعمّ يعني : أنّ الفرق المذكور لا يتمّ مع كون البذر من المالك. والحاصل : أنّ مفروض المسألة يعمّه ، ومع ذلك الفرض هو مقتضى الدليل أيضا ، فإن العقد اللازم يوجب الحصّة. فلا يمكن اختصاص المسألة بصورة كون البذر من العامل ، وعدم الاعتناء إلى فرضهم. وعلى هذا فيكون قوله : « ومع ذلك » تتميما للبحث الأوّل على الفرض المذكور.

ويمكن أن يجعل بحثا برأسه ، ويكون المشار إليه في « ذلك » هو عدم التمامية كلّية ويكون المراد : أن هذا الفرق مع أنّه يتمّ في بعض الصور دون بعض يرد عليه شي‌ء آخر وهو : أنّ النماء وإن كان تابعا للأصل ، والأصل كان للمالك في المساقاة مطلقا ، و


في المزارعة في بعض الصور إلّا أنّ العقد اللازم [ يوجب ] نقل الحصّة المخصوصة إلى كلّ منهما ، وللعامل نقل حصّته إلى من شاء مطلقا فلا يفيد تبعيّة النماء للأصل في التفرقة.

ولكن على هذا التوجيه لا بد أن يحمل قوله : « وإن لم يكن البذر منه » وكذا قوله :« حين المزارعة » وكذا قوله : « على الأرض ، والعمل والعوامل والبذر » على التمثيل ، وترك ذكر المساقاة قياسا على المزارعة. والأوّل أظهر.

قوله : شرط الوجوب.

أي : شرط وجوب الزكاة عليه ، وهو ـ أي شرط وجوبها عليه ـ تعلّق الوجوب بالزكاة حال كون النصاب في ملكه.

قوله : قبل تعلّق الوجوب.

متعلّق بقوله : « ثمرة أو زرعا ». أي : ثمرة أو زرعا كائنا قبل تعلّق وجوب الزكاة به.

قوله : ملكها كذلك.

أي : قبل تعلّق الوجوب.



كتاب الاجارة

... حيث إنّه يكفي في الإجارة ضبط المنفعة بالمدّة مع أنّها مجهولة كيفيّة وقدرا غالبا ، وأيضا المشهور عدم خيار الغبن في الإجارة وتحقّقه في البيع.

قول : بهذا الإمكان.

المصدر بمعنى الفاعل. أي : بهذا الممكن وهو الجواز ، لا أنّه أفتى بالإمكان ، فإنّه ليس فتوى بل تردّد.

قوله : له بتقصيره.

ينبغي أن يجعل « الباء » في قوله : « بتقصيره » بمعنى : « في » أي : مع التهمة له في تقصيره وتفريطه أي : يكون في التقصير متهما بعداوة ، أو تطميع ، أو أمثال ذلك ليصحّ الاستثناء مع قوله : « أو مع قيام البيّنة على تفريطه ».



كتاب الوكالة

قوله : بالذات.

متعلّق بالاستنابة. والمراد : أنّ الوكالة هي ما كانت دالّة على الاستنابة بالذات ، وكانت هي المقصودة بالذات حتى لا يرد مثل القراض والمزارعة والمساقاة ، فإنّها أيضا استنابة ، لكنّها ليست مقصودة بالذات مدلولة عليها كذلك ، بل المقصود بالذات أمر آخر وإن تضمن الاستنابة أيضا.

قوله : لا استنابة.

لأنّ من شرط الاستنابة أن يكون ما حصل للنائب بالاستنابة حاصلا للمنوب عنه أيضا حال كون النائب نائبا.

قوله : على نهج الألفاظ.

أي : بصيغة الماضي ، بل يصحّ بالجملة الاسميّة والفعلية غير الماضي.

قوله : بالإذن.

يتعلّق بصحّة التصرّف.

قوله : كون الفاسد.

هذا منشأ الصحّة.

قوله : ولأنّ الوكالة.

هذا أيضا دليل صحّة التصرّف.

قوله : وأنّ الوكالة ليست أمرا.

هذا منشأ عدم صحّة التصرّف.


قوله : لأنّ العقود.

هذا تعليل لما يستفاد التزاما من قوله : « وإن كان في معنى التعليق » وهو أنّ التعليق لا يصحّ مع كونه مفيدا لما يفيد المنجّز المشروط.

قوله : وإن أفاد فائدتها.

أي : أفاده هو بدونها فائدة العقود المتلقاة.

قوله : واحد منهما.

أي : من الموكّل والوكيل ، فلو مات الموكل لم يجز للوكيل التصرّف ، ولو مات الوكيل لم ينتقل الوكالة إلى ورثته.

قوله : من التوكيل فيه.

توجيهه : أنّ الوكالة لما كانت من العقود الجائزة ، فلا يفيد التوكيل في وقت ثبوت الوكالة بعده إلى زمان معيّن أو إلى زمان العزل ، بل يستفاد وكالة الوكيل في كلّ زمان من استصحاب رضاه ، فالوكالة في كل آن ناشئة ومسبّبة من رضاه المستصحب ، لا من التوكيل الأوّل ، وإن كان هو أيضا كجزء السبب ، فكان الموكّل في كلّ آن منشئ التوكيل ، فمنعه من مباشرة الفعل يمنع من هذا التوكيل ، لا من التوكيل الواقع قبل الحجر.

قوله : كوكيل الوكيل.

لمّا كان الوكيل بحيث لم يمكن فيه اشتراط العدالة ؛ لأنّ الموكّل إن وكّله صار وكيلا عادلا كان أم لا ، وإن قال : أنت وكيلى بشرط عدالتك بطلت الوكالة ، فأراد بيان ما يمكن فيه اشتراط العدالة فمثل بوكيل الوكيل. والمراد اذن الموكّل لوكيله توكيل عدل ، ووكيل الولي حيث إنّه يشترط فيه العدالة شرعا.

قوله : يقبل.

صفة لقوله : « وديعة ». ذكرها لبيان كونها فردا خفيّا كما تدلّ عليه « إن » الوصلية ، فإنّها بقبول قوله في ردّها أبعد عن الاحتياج إلى الإشهاد من غيرها.

قوله : وإن كان صادقا.

متعلّق بقوله : « فله دفعها بالإشهاد ». أي : له ذلك لأجل دفع اليمين ، وإن كان صادقا في يمينه لو لم يشهد وحلف.


قوله : ولا فرق في ذلك.

أي : [ في ] إنّ له الدفع بالاشهاد بين أن يكون طالب الحق الذي يريد الدافع الإشهاد عليه ، من يكون له على الحق الذي يطلبه بيّنه وبين غيره أي : من لا يكون له بيّنة.

والتصريح بعدم الفرق ؛ لأجل دفع توهّم أنّه إذا لم تكن للطالب بيّنة على كون حقّه عند الدافع ، فلا يمكنه الإثبات لو أنكر بعد الأخذ ، وليس له شاهد ، فلا يضر عدم الاشهاد للدافع أيضا. و « لما ذكرناه » إشارة إلى الاقتصار على اليمين.

قوله : في الوديعة.

الوديعة هنا بمعنى : الإيداع.

قوله : لا يفيد ضمانه.

فلا يفيد الاشهاد عليه كثير فائدة ؛ إذ لو أراد الإنكار على الاشهاد يدّعي الرد ، فلا يتوجّه عليه إلّا اليمين كما أنّه مع الاشهاد كذلك.

قوله : فيما لو كانت الوكالة إلى آخره

يعني : أنّه إذا شرط في عقد لازم أن يوكّل أحدهما الآخر في أمر مضى وقته حين النزاع كأن يشترط أن يوكّله في بيع دار له ـ مثلا ـ في هذا الشهر ، فتنازعا بعد انقضاء الشهر فقال الموكّل : وكلتك بعد العقد وحصل الشرط وأنت ما بعت الدار وأهملت في العمل بمقتضى التوكيل [ وقال الوكيل ] ما وكلتني ، فلم يحصل الشرط فالعقد متزلزل ولي الفسخ. وفائدة تقييد الأمر بما لا يتلافى حين النزاع ، الاحتراز عمّا لو اشترطا التوكيل في بيع الدار ـ مثلا ـ مطلقا فان حين النزاع وإنكار الوكيل يكون للموكّل أن يقول : وكلتك الآن فحصل الشرط.

قوله : فإنّ اليمين سبيل.

هذه العبارة تحتمل معنيين :

أحدهما : أنّ السبيل المنفي في الآية على المحسنين مخصوص قطعا ، والعام المخصّص ليس بحجّة. وحينئذ يرد عليه ما أورده الشارح في الحاشية من أنّ التخصيص في بعض الأفراد لا ينفي الحجيّة في الباقي عند المحققين.


وثانيهما : أنّ السبيل المنفي مخصوص بغير هذا الموضع قطعا ؛ إذ ثبت السبيل فيه ؛ لأنّه إمّا يضمن مع حلف الموكّل أو يحلف الوكيل بنفسه ، والحلف أيضا سبيل ، كما أنّ ضمانه سبيل ، فالسبيل ثابت قطعا.

غاية الأمر وقع الخلاف في تعيين السبيل أنّه هل هو الضمان مع حلف الموكّل ؛ أو هو حلف الوكيل. فلا يرد اعتراض الشارح.

قوله : ضعيف السند.

هذا يمكن أن يكون كالشاهد لضعف السند أي : لو كان صحيحا مع موافقته لعمل الأكثر لم يقع عنه عدول ، ولم يحصل في المسألة خلاف ، مع أنّه وقع الخلاف فيه ، فيعلم أنّ الخبر ليس بصحيح.

ويمكن أن يكون تحقيقا من الشارح على حدة ، وغرضه بيان أنّه لو لم يكن الخبر ضعيفا لزم اختيار مضمونه وما كنت أعدل عنه.

قوله : حسب ما ضمن.

الظاهر أنّ المراد بقوله : « حسب ما ضمن » أي : يضمن بحساب ما ضمن ، فإن ضمن الكل يلزمه النصف وإن ضمن النصف يلزمه الربع وهكذا.

وأمّا ما توهّم هنا من : أنّ المفروض أنّه لا يثبت المهر على الزوج ظاهرا ، فضمان الوكيل ضمان ما لم يجب ، وهو فاسد.

فمدفوع : بأنّ الوكيل لادّعائه الوكالة يدّعي الوجوب على الزوج ، فهو يدّعي ضمان ما يجب ، وإن لم يكن الوجوب ظاهرا علينا ، وهو غير لازم في صحّة الضمان.


كتاب الشفعة

قوله : نعم يمكن.

لا يخفى أنّه لو جعلت لفظة « في » سببية كما في الحديث : « عذبت في هرّة حبستها » ، يدفع النقض من غير حاجة إلى القيدين المذكورين ؛ لانّ الاستحقاق في البيع ليست بسبب الشركة ، بخلاف الشفعة ، وأيضا يندفع النقض باستحقاق أحد الشركاء الحصّة المبيعة بسبب الإرث ونحوه ، فإنّه وارد مع التقييد الأوّل أيضا.

وكذا يندفع استحقاق أحدهم الحصّة المبيعة بسبب وصيته له قبل قبوله ، فإنّه وارد مع التقييد بالثاني أيضا ، إذ لم يتحقّق الملك قبل القبول.

قوله : لأنّ استحقاق التملّك.

فإن استحقاق الملك إنّما يكون بعد حصول التملك ، بخلاف التملّك وفي الحصّة المبيعة للمستحق استحقاق للملك لحصول التملّك ، بخلاف الشفعة فإنّ فيها استحقاق التملّك دون الملك ؛ إذ لا ملك إلّا بعد التملك.

قوله : الا أن يرضى الشفيع.

صرّح في القاموس بمجي‌ء « رضي » متعدّيا فقال : رضيته فهو مرضو. وعلى هذا فيمكن أن يكون الشفيع مفعولا وفاعله المشتري أي : يرضى المشتري الشفيع. ويمكن أن يكون من الإرضاء ، ويكون الشفيع فاعلا ، والمفعول وهو المشتري محذوفا. ويمكن أن يكون « الباء » محذوفا أي : يرضى بالشفيع ، ويكون قوله : « بكونه » بدلا. ويمكن أن يكون المعنى : إلّا أن يرضى الشفيع بعد طلب المشتري والتماسه بكونه في ذمّته حيث إنّ البقاء على ذمّته أيضا موقوف على رضاه. وعلى هذه التقادير لا حاجة إلى ارتكاب التجوز البعيد الذي ذكره الشارح ، أو الحمل على السهو.


قوله : لما ذكرناه.

من أنّه جبر لقهر المشتري ، فلا يفيد رضى الشفيع الحقيقي ، بل الجابر لقهر المشتري هو رضاه. ويمكن أن يكون قوله : « ما ذكرنا » إشارة إلى قوله : « لأنّ الحق في ذلك للمشتري » والمآل واحد.

قوله : بقدره.

أي : بقدر الثمن.

قوله : ولو قال أخذته.

أي : الشقص بهما كان الثمن.

قوله : للغرر.

متعلّق بقوله : « لغى ».

قوله : ويغتفر.

أي : لا ينافي ذلك الفورية ، ويغتفر التأخير بقدر ما ذكر.

قوله : عوّضه عنه.

الضمير [ المنصوب ] في قوله : « عوّضه » إمّا راجع إلى البائع أي : أعطاه عوضا وإمّا راجع إلى المشتري أي : أخذه منه عوضا ، كما في قوله : « أبرأه » وإمّا راجع إلى الثمن أي : أبدله. والضمير في قوله [ عنه ] راجع إلى الثمن الكثير على الاولين ، وإلى الكثير خاصة على الثالث.

قوله : استحقاق ملكه.

الضمير يمكن أن يكون راجعا إلى المشتري ، وإلى الشفيع ، وإلى الشقص. فعلى الأوّل الإضافة بمعنى « اللام ». وعلى الثاني من باب الإضافة إلى الفاعل. وعلى الثالث من باب الإضافة إلى المفعول.

قوله : جميع ما سبق.

أي : جميع ما ذكره المعتذر حيث إنّه يكون حينئذ له دعوى على الشفيع ، ويدعي شيئا في ذمّته ، ويدّعي استحقاقه الأكثر على الشفيع ويطلب تغريمه إيّاه.


كتاب السبق والرماية

قوله : وأطلق السبق.

أي : أطلق المصنّف السبق على ما يعمّ الرمي حيث قال : « ينعقد السبق على الخيل والبغال والحمير ، وعلى السيف والسهم والحراب » تبعا للنصّ المتقدّم حيث قال : « لا سبق إلّا في نصل » ومن باب التغليب ، فغلب اسم الرهان على الخيل والبغال والحمير ، عليه وعلى الرهان بالسيف وأخويه.

قوله : نفي المصدر.

فإنّه [ ان ] نفي المصدر تعلّق النفي بأصل الفعل ولمّا لم يكن النفي على حقيقته أي :

الإخبار ، يكون المراد به النهي فيكون العمل منهيا عنه ، فيحرم.

قوله : تعلّق غرض صحيح بها.

كما إذا كان الغرض بالسبق بالمصارعة التمرّن فيها حيث إنّه ينجر الأمر إليها في القتال ، فيسلم العالم بها عن العدو ، وكذلك السفن ؛ فإنّه كثيرا ما يقع الحرب في البحر ، والطير أيضا يمكن فيه الاحتياج اذ كثيرا ما يحتاج إلى الطير في الحروب لحمل الكتب ، واستعلام أحوال العدو ، فيحتاج إلى معرفة السابق منها ، ومثله السبق بالأقدام والعدو.

قوله : فاحتمال الأمرين.

جواب للشرط يعني : لو قلنا بعدم ثبوت رواية الفتح واحتمل السكون والفتح معا فاحتمالهما يسقط الدلالة على منع أصل العمل ؛ لأنّ المنع [ فرع ] السكون ، وهو غير ثابت. والأصل عدم المنع ، فتبقى أصالة الجواز خالية عن المعارضة ؛ لقيام الاحتمال.

قوله : لعموم قوله تعالى.


وجه الدلالة : أنّ الآية والحديث يدلّان على لزوم كلّ عقد وشرط ، وهذا أيضا عقد وشرط ، فيكون لازما ، وقد سبق أن كلّ عقد لازم يفتقر إلى إيجاب وقبول ، فهو اكتفى عن الكبرى بما سبق ، وعن الصغرى بذكر سنده.

قوله : على ما لا يوثق بحصوله.

وذلك لأنّ العوض إنّما هو على السبق. ويحتمل أن لا يكون لأحدهما سبق ، بل تساويا ، فلا وثوق بحصول ما يبذل العوض عليه.

قوله : وهو موضع النزاع.

لأنّ من يجعله جعالة يقول بعدم احتياجه إلى لفظ ، فلا يكون عقدا.

قوله : لزوما وجوازا.

متعلّقان إمّا بقوله : « بمقتضاه » أو بقوله : « العمل » يعني : من حيث اللزوم والجواز. والمراد أنّ الوفاء بالعقد هو العمل بما يقتضيه من حيث اللزوم والجواز بأن يعمل به بنوع اللزوم إن كان لازما ، وبنوع الجواز إن كان جائزا ، لا أنّه هو العمل بمقتضاه لزوما.

قوله : العمل بمقتضاه دائما.

لا يقال : هذا لا يصلح ردّا لما ذكره المستدل من أنّ الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوما وجوازا ؛ لأنّ معناه أيضا العمل بمقتضاه من حيث اللزوم والجواز دائما ، فلا يردّه قوله : « والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه دائما ».

لأنّا نقول : إنّ معنى العمل بمقتضاه جوازا أن يترك في بعض الأوقات مقتضى العقد أي :يكون مقتضاه ترك العمل به أحيانا فيصح ردّه : بأنّ معنى الوفاء العمل بمقتضاه دائما. هذا إذا تعلّق « لزوما » و « جوازا » بالمقتضى ، وأمّا إذا تعلّق بالعمل ، فيكون المعنى : يجوز العمل بمقتضاه ، ويجوز تركه ويكون وجه الرد حينئذ أوضح.

وقوله : « وخروج العقد الجائز » ردّ لقوله : « وإلّا لوجب الوفاء » يعني ، أنّ عدم وجوب الوفاء بالعقود الجائزة وخروجها من باب تخصيص العام حيث إن العقود في الحديث ( كذا ) عامّ ، فيشمل جميع العقود ، ثم وقع التخصيص في بعضها فيبقى العموم حجّة في الباقي.


قوله : نعم بقي الشك في كونه عقدا.

إشارة إلى ورود ما ذكره المستدل بقوله : « الأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحقّقه وهو موضع النزاع » يعني : أنّ هذا الدليل باق بحاله.

واورد عليه : بأنّه لا خلاف في كونه عقدا ، وإنّما الخلاف في جوازه ولزومه.

وفيه : أنّ القائل بكونه جعالة يقول بعدم اشتراط القول فيه ، فلا يكون عقدا أيضا ، لأنّ العقد لا يكون بدون القول. نعم ، يرد : أنّه وإن بقي الشك في كونه عقدا ، إلّا أنّه لا شك في كونه شرطا فتبقى دلالة الحديث بحاله.

قوله : وإنّما يعتبر تعيينه لو شرط.

يعنى : أنّه قال في التذكرة : « إنّ العوض ليس بشرط في هذا العقد حتّى يشترط تعيين العوض في صحّته ، بل يمكن انعقاده بدون العوض ، نعم لو شرط العوض ، فحينئذ يعتبر تعيينه ، لئلّا يجهل الشرط ».

قوله : أحرز ماله.

الضمير في « أحرز ماله » راجع إلى السابق أو الباذل. وفي قوله : « كان » إلى السابق. وفي قوله : « غيره » إلى « الباذل ». والمستتر في « احرزه » إلى الغير ، والبارز إلى المال.

قوله : سواء كان الإمام أم غيره.

ردّ على بعض العامّة حيث منع من بذل غير الإمام.

قوله : بالشرط في عقده.

الجار والمجرور متعلّق بقوله : « يدخل » والضمير في « عقده » راجع إلى الرهان المدلول عليه بقوله : « المتراهنين ».

قوله : وبه سمّي محلّلا.

« الباء » سببيّة ، والضمير لقوله : « شرط » أي : بسبب كونه شرطا سمي محلّلا.

قوله : لأنّهما بإخراج السبق متنافران.

تعليل لقوله : « فيجري دابّته بينهما ، أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق ». لأنّ شرعيّة دخوله بينهما لأجل قطع التنافر ، فلا بدّ من قربه منهما. والمراد بكونه بينهما : كونه معهما حيث كأنه يقحم نفسه فيهما.


قوله : وهو العوض إن شرطاه أو مطلقا.

يعني : إن شرطاه يلزم تقدير العوض عند من يقول بعدم لزوم العوض كما نقله عن التذكرة ، واستحسنه ، ويلزم التقدير مطلقا أي : بدون الشرط عند المصنّف ومن يقول باشتراط العوض في هذا العقد وعدم صحّته بدونه. ثمّ ذكر تقدير الخطر هنا مع أنّه ذكر أوّلا تعيين العوض ؛ لأنّه كان في الأوّل في موقع بيان شرائط مطلق السبق الشامل للسبق والرمي ، وهنا يبين شرائط السبق خاصّة كما يذكر بعد ذلك شرائط الرمي ، ويعدّ منها تعيين السبق أي : العوض أيضا ، فهو كان أوّلا في بيان شرائط الأعم. ولما كان يحتمل أن يكون اشتراط تعيين العوض في الأعم باعتبار بعض أفراده صرّح به في كلّ فرد أيضا ، مع ما في التصريح ثانيا من التنبيه على أنّ العوض فى السبق يسمّى خطرا وفى الرمي سبقا ، مع أنّه يمكن أن يكون مراد المصنّف من قوله سابقا : « وتعيين العوض » تعيين من يعطي العوض ، لا قدرا وجنسا ووصفا كما يشعر به قوله : « ويجوز كونه منهما » إلى آخره ويكون المراد هنا : تقدير القدر والجنس والوصف.


كتاب الجعالة

قوله : لا يقتضي صحّة العقد.

لما كان قول المصنّف : « يثبت بالرد اجرة المثل » من تتمّة تفصيل الدليل على صحّة العقد حيث قال : إذ العلم بالعوض غير شرط مطلقا بل تفصيله أنّه مع الإرادة يذكر ، وبدونها ثبت اجرة المثل ، فذكر الشارح أنّ هذا لا تقتضي صحّة العقد ، فإنّ عدم اشتراط العلم بالعوض مع ثبوت اجرة المثل غير مقتض للصحّة ، بل ظاهر في الفساد.

قوله : كما لو استدعاه.

لا يخفى ما في هذه العبارة فإن الشارح جعل لقول المصنف : « وإلّا يثبت اجرة المثل » فردين : أحدهما : ما لم يذكر فيه العوض. والآخر : ما ذكر فيه ولم يعيّن. ثمّ استشكل فيهما بما ذكره ثمّ استشهد بما لو استدعاه من غير تعيين عوض ؛ فإن جعلنا عدم تعيينه أعمّ من أن يذكر العوض يكون فردا منه.

ويمكن التوجيه بأنّ مراده من المستشهد له ما لم يكن بلفظ الاستدعاء ... ومن الشاهد ما كان فيه استدعاء حيث إنّه أبعد من كونه عقدا ، ويدلّ على ذلك قوله : « لا تنحصر في لفظ ».

ويمكن أيضا أن يكون الاستشكال مخصوصا بما إذا ذكر العوض حيث إنّ العقد يختصّ به ، ويكون الشاهد هو الفرد الآخر.

والأوّل أظهر.

قوله : بخلاف العامل ... ومن عدم القصد.

أي : قصد العامل حيث إنّ غير المميز والمجنون لا قصد لهما ، ويشترط في صحّة العقد قصد المتعاقدين.


قوله : وهذا في الحقيقة لا يخرج إلى آخره.

هذا اعتراض على المصنّف. وحاصله : أنّ وجوب اجرة المسمّى بالنسبة إلى الماضي لا يوجب كون العقد لازما بالنسبة إلى ما مضى ، ولا يخرج العقد عن كونه جائزا مطلقا حيث إنّ مستند المصنّف وموافقيه في اللزوم بالنسبة ، هو لزوم المسمّى بالنسبة.

وقوله : « فإن المراد » إلى آخره ، تعليل لعدم إيجاب لزوم المسمّى بالنسبة للزوم العقد بالنسبة. وبيانه : أنّ العقد الجائز هو ما يصحّ فسخه ، وهذا العقد أيضا يصحّ فسخه ، فيكون جائزا مطلقا.

وما يتوهّم كونه مانعا لصحّة الفسخ وهو ثبوت العوض بالنسبة لا ينافي الجواز كما بعد تمام العمل.

أقول : لا يخفى أنّ معني فسخ العقد إبطال مقتضاه والرجوع إلى ما يجب لو لا هذا العقد ، فلو كان العقد منفسخا بالنسبة إلى ما مضى لزم اجرة المثل له أيضا ، لأنّ بعد فسخ العقد بالنسبة إليه لا وجه للزوم العوض ، بل نقول : المراد بالعقد اللازم : هو ما يلزم الإتيان بمقتضاه ، والمقتضى بالنسبة إليه.

وأمّا قوله : « كما أنّها بعد تمام العمل » ففيه : أنّه إن اريد أنّه بعد تمام العمل أيضا من العقود الجائزة في هذا الزمان يعني : أنّه يجوز فسخه بعد التمام والرجوع إلى اجرة المثل فممنوع. وإن اريد أنّه من العقود الجائزة بمعنى : أنّه من العقود التي يجوز فسخه حين إمكان الفسخ أي : قبل تمام العمل ، فنسلّم جوازه بهذا المعنى ، ولا يفيد له.

قوله : اشكل ذلك.

أي : كونه من العقود الجائزة مطلقا ، أو بالنسبة إلى ما بقي على اختلاف القولين.

قوله : وإن قصد العامل.

متعلّق بقوله : « تبرّع ». أي : عالما بأنّ هذا العمل وإن كان مع قصد العامل العوض تبرّع.

قوله : مالكه إليه.

أي الى مالكه.


كتاب الوصايا

الفصل الاوّل

قوله : الوقف والهبة.

فإنّ فيه تمليك المنفعة دون العين.

قوله : كالثمرة المتجدّدة.

أي : المتجدّدة بعد الوصية. وفي التقييد بها احتراز عن الوصية بالثمرة الموجودة ؛ فإنها تمليك عين موجود بالفعل.

قوله : والولاية.

عطف على « الانفاذ » وقد يتوهّم كونها معطوفة على الوصيّة ، وهو خطأ محض كما لا يخفى.

قوله : ببعدية الموت.

إضافة « البعدية » إلى « الموت » من قبيل إضافة المصدر إلى المفعول أي : بعديّة التمليك والتسليط الموت.

قوله : وينتقض في عكسه بالوصية.

يمكن أن يجاب عن جميع الانتقاضات المذكورة : أمّا عن غير التدبير فبكونها تسليطا على التصرّف.

أمّا الوصيّة بالعتق ؛ فإنّها تسليط لمن اوصي إليه على التصرف في المملوك ؛ لأنّ عتقه إيّاه تصرّف منه فيه.


وأمّا الوصية بالإبراء ؛ فلأنّ ما في ذمّة المديون مال للموصي لا يجوز لغيره التصرف فيه ، إلّا بتسليطه إيّاه ، والابراء نوع تصرّف ، فالوصيّة به نوع تسليط على التصرّف.

وأمّا الوقف ؛ فلأنّ الموقوف مال للموصي ، ووقفه تصرّف فيه ، وكذا التجارة في مال المضاربة ، والعمل فيما وقع فيه المساقاة.

وأمّا عن التدبير ؛ فبأن الحق أنّه ليس بوصيّة كما ذهب إليه جمع ، بل هو ايقاع مستقل ، لكنّه بمنزلة الوصيّة في الأحكام من نفوذه من الثلث وجواز الرجوع فيه.

قوله : وبوقف المسجد.

إضافة « الوقف » إلى المسجد يمكن أن تكون بمعنى « اللام » أي : وقف الشي‌ء لمنفعة المسجد ، وأن تكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول ، ويكون إطلاق المسجد على الموقوف من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه.

قوله : وإن أفادا إلى آخره.

مراده : أن قوله : « الوصية تمليك » يدلّ على أنّ التمليك حقيقة المعرف ، وتمليك الحصّة من الربح والثمرة لازم للمضاربة والمساقاة مستفاد منهما ، وحقيقتهما ليست تمليكا لهما ، فمعنى قوله : « وإن أفادا » إلى آخره ، أنّ المضاربة والمساقاة وإن كانا ملزومين لتمليك الحصة من الربح والثمرة ، إلّا أنّه غير حقيقتهما ، والظاهر من التعريف أن التمليك حقيقة المعرف.

قوله : وقد لا يحصل ربح إلى آخره.

وفيه أنّ عدم حصول الربح أو الثمرة لا يستلزم انتفاء التمليك ؛ لأنّ التمليك أعمّ من التمليك المنجز والمعلّق على امر ولو لا تعميمه لزم انتقاض الحد بالوصية بالثمرة المتجدّدة ؛ لأنّها أيضا قد لا تحصل ، فيلزم انتفاء التمليك.

وأيضا لو لم يكن التمليك أعم من المنجز والمعلّق لزم أن لا تكون إجارة عين في مدّة معيّنة تمليكا للمنفعة في هذه المدّة مطلقا ؛ لجواز سلب المنفعة.

قوله : لأنّها أعمّ ممّا بعد الوفاة إلى آخره.

اعلم أنّه ليس المراد بالموصول في قوله : « ممّا بعد الوفاة » ، العموم ، وهو ظاهر ، و


لا الصيغة الثانية كما يوهمه ظاهر العبارة ؛ إذ لا معنى محصل له كما لا يخفى على المتأمّل.

بل المراد منه : هو التمليك الذي هو مقتضى الصيغة ، ولا بدّ حينئذ من تقدير حيثية بأن يقال : إن معنى قوله : « لأنّها » إلى آخره ، أي : لأنّ الصيغة الثانية من حيث المقتضى الذي هو التمليك أعم من التمليك الواقع بعد الوفاة. واعلم أنّ المشار إليه في قوله : « كون ذلك بعد الوفاة » هو الموصول المذكور أي : مقتضى الصيغة الاولى كون التمليك بعد الوفاة.

قوله : ونحو ذلك.

كاعطوا فلانا كذا أو جعلت له كذا بعد وفاتى.

قوله : واستفيد من افتقارها إلى آخره.

يمكن أن يكون الافتقار مفهوما من قول الشارح : « وإنّما يفتقر إليه » إلى آخره. وأن يكون مفهوما من قول المصنّف : « وايجابها » إلى آخره ، حيث إنّه لا إيجاب ولا قبول لما لا يفتقر إليه.

ودلالة هذا الافتقار على كونها من جملة العقود ظاهرة ، فإن كلّ ما يحتاج إلى إيجاب وقبول فهو عقد ، ولكن لا يخفى أنّ الحكم بكونها مطلقا من جملة العقود بعد حكمه أوّلا بأنّ بعض أفرادها لا يحتاج إلى القبول ، بل لا يمكن فيه القبول كالوصية للفقراء والفقهاء والمسجد ليس بجيّد.

قوله : والموصى له كذلك إلى آخره.

أي : ما دام كان الموصى له حيّا.

والحاصل : أنّ العقد الجائز هو ما جاز لكلّ واحد من المتعاقدين الرجوع في كلّ وقت شاء وأراد من أيّام حياته [ فيدلّ ] جواز رجوع الموصي ما دام حياته ، وكذا جواز رجوع الموصى له ما دام حياته أي : في كلّ وقت أراد وإن مضت مدّة كثيرة من وفاة الموصي ما لم يقبل بعد الوفاة ، على أنّ الوصية من العقود الجائزة.

ولقائل أن يقول : إنّ هذا إنّما يصحّ على مذهب من جوّز القبول حين حياة الموصي ، وأمّا على ما هو المشهور من اشتراط كون القبول متأخّرا عن حياته ، فلا يصحّ ذلك ؛ لأنّ العقد لا يتحقّق إلّا بتحقّق الايجاب والقبول معا ، ولا يتحقّق القبول على هذا إلّا بعد


الوفاة ، ومتى تحقّق القبول بعد الوفاة لا يجوز الرجوع ، فمتى تحقّق العقد لا يجوز الرجوع ، فيكون من العقود اللازمة مطلقا. وجواز رجوع الموصي ما دام حيّا إنّما هو لأجل عدم تحقّق العقد ؛ لعدم تحقّق القبول ، لا لعدم كون العقد لازما ، فلا يستفاد من جواز الرجوع كون العقد جائزا على هذا القول مطلقا.

قوله : وقد تلحق باللازمة إلى آخره.

قد يجعل قوله : « على بعض الوجوه » متعلّقا باللازمة ، وليس كذلك ، بل هو متعلّق بالفعل كما لا يخفى.

والمراد بالقيود : القيود السابقة كقوله : « ما لم يقبل بعد الوفاة » فإنّه يدلّ على عدم جواز الرجوع بعد القبول بعد الوفاة ، فتكون من العقود اللازمة حينئذ.

ويمكن أن يراد بالقيود : القيود الآتية في كلام المصنّف حيث يقول : « وإن ردّ بعد القبول لم تبطل » وإطلاق القيد عليه ، لكون الوصية مطلقة شاملة لما يقبل بعد الوفاة ، أو قبلها ، ولا يتحقّق فيه قبول ، فكلّ من هذه الامور قيد لها تصير به مقيّدة. فتأمّل.

قوله : ولمّا كان الغالب عليها حكم الجواز إلى آخره.

توضيح الكلام على وجه يكشف النقاب عن وجه المرام يحتاج إلى تمهيد مقدّمة وهي : أنّ كلّ عقد لازم بالذات يلزمه أمران : أحدهما : كون القبول لفظيّا ، والآخر كونه مقارنا للإيجاب ، كما علم ذلك بالتتبع والاستقراء ، ودلّ عليه أصالة عدم اللزوم إلّا فيما تحقّق فيه الأمران ، أو عرضه اللزوم بسبب خارجي ، وكلّ عقد جائز بالذات لا يشترط فيه شي‌ء منهما.

والمراد بكون العقد لازما بالذات : أن يكون نفس الإيجاب والقبول موجبا للّزوم من دون مدخليّة شي‌ء آخر ، وإن أمكن عروض الجواز له والمراد بكونه جائزا بالذات : أن لا يوجب نفس الإيجاب والقبول لزوما أصلا وإن أمكن عروض اللزوم له بأمر خارجي.

والتقييد بالذات فيهما ؛ لئلّا ينتقض الأوّل بمثل الإجارة التي اشترط فيها الخيار لكلّ من الموجر والمستأجر في تمام مدّة الإجارة ؛ فإنّه يشترط فيها اللفظيّة والمقارنة ، مع أنّه يجوز لكلّ من المتعاقدين الرجوع ، ولكنّه بسبب خارجي هو شرط الخيار. ولئلّا ينتقض


الثاني بمثل الشركة المشروطة في ضمن العقد اللازم ؛ فإنها تصير لازمة مع عدم اشتراط اللفظيّة والمقارنة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مطلق الوصية لما كانت جائزة في بعض الأوقات ، ولازمة في بعض ، ومع ذلك اجري عليه حكم الجائز مطلقا ، وقالوا بعدم اشتراط شي‌ء من الأمرين ، فاعتذروا له بوجهين :

أحدهما : أنّ أصل الوصيّة من العقود الجائزة ، وصيرورتها لازمة في بعض الأوقات عارضية يعرض لها اللزوم بأمر خارجي ، هو وقوع القبول بعد فوت الموصي.

وثانيهما : ما ذكره الشارح ، ومآله أيضا يرجع إلى الأوّل ، وهو وقوع القبول بعد فوت الموصي ، وهو أن مطلق الوصية لما كانت جائزة في بعض ولازمة في بعض ، فلا محالة يكون أحد الأمرين عارضيا ؛ إذ لا يكون عقد واحد من حيث ذاته لازما في بعض وجائزا في بعض ولمّا كان تعيينه غير معلوم ، وكان الغالب على الوصية هو حكم الجواز بسبب كون أكثر أفرادها من العقود الجائزة ويلحق الشي‌ء بالأعمّ الأغلب ، الحق مطلق الوصيّة بالعقود الجائزة ، ولم يشترط فيها القبول اللفظي ومقارنته للإيجاب. وبهذا يظهر توضيح العبارة واندفع ما يمكن أن يقال من أنّ غلبة حكم الجواز لا يوجب عدم اشتراط شي‌ء من الأمرين مطلقا ، بل كان اللازم اشتراطهما فيما كان لازما من أفراد الوصية ، وعدمه فيما لم يكن كذلك منها ، فتأمّل.

قوله : ومقارنته للوفاة.

يمكن أن يكون المقارنة معطوفة على المجرور في قوله : « بتأخّره » وحينئذ يكون المفعول محذوفا ، وأن تكون معطوفة على المفعول أي : « تأخّر » ، ويكون المتعلّق للفعل محذوفا. وهذا أظهر.

والمراد على التقديرين : أن يكون بعد الوفاة ، فيحمل المتأخّر على مضي زمان من الوفاة ، والمقارنة على الاتّصال للزمان بالموت.

قوله : والأوّل أوفق بمذهب المصنّف إلى آخره.

الوجه في ذلك أنّ المصنّف لما كان مذهبه أنّه يجوز القبول في حال الحياة ، فيمكن


مقارنة القبول للإيجاب ، بخلاف المذهب المشهور ، فإنّه لا يمكن فيه هذه المقارنة ، بل لا بدّ أن يحمل التأخّر والمقارنة بناء عليه على التأخّر من الحياة والمقارنة للوفاة.

ثمّ النكتة في الإتيان بـ « الباء » في قوله : « أوفق بمذهب المصنّف » ، وب « اللام » في قوله :« والثاني للمشهور » كأنّه للإشارة إلى أنّ الثاني أيضا يوافق مذهب المصنّف ، إلّا أنّ الأوّل أوفق ، والأوّل لا يوافق مذهب المشهور أصلا. فأتى بالثاني في « اللام » ليعلم أنّ المقدّر هو الموافق ، دون الأوفق المشعر بموافقة الأوّل أيضا ؛ فإنّ متعلّق الموافق مدخول « اللام » ، ومتعلّق الأوفق مدخول « الباء » فافهم.

قوله : ومستنده رواية.

وهي رواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام قال : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى لآخر ، والموصى له غائب ، فتوفي الذي أوصى له قبل الموصي. قال : الوصيّة لوارث الذي أوصى له ، إلّا أن يرجع في وصيته قبل موته ». (١)

ووجه كون دلالتها على المطلوب بالإطلاق : أنّ المطلوب إنّما هو كون موت الموصى له قبل القبول ، فهو مقيّد بتقدّم الموت على القبول ، والمذكور في الرواية هو مجرّد الموت من غير تقييد بكونه مقدّما على القبول أو مؤخّرا عنه ، فتكون دلالتها على المطلوب بالإطلاق.

ولكن لا يخفى أن هذا إنّما يصحّ على مذهب المصنّف حيث يقول بجواز تقدّم القبول على موت الموصي. وأمّا على المذهب المشهور ـ أي : عدم جواز تقدّم القبول على موته ـ فلا يصحّ ذلك ؛ لتصريح الرواية بتقدّم موت الموصى له على موت الموصي ، فيكون موته قبل القبول لا محالة ، فتكون دلالة الرواية على المطلوب بالتنصيص ، دون الإطلاق ؛ ولهذا قال المحقّق الشيخ علي : « إنّها نصّ في الباب ».

ويمكن أن يكون مراده من كون دلالتها بالإطلاق : أنّها مطلقة من حيث تعلّق غرض الموصي بالمورث وعدمه ، فإنّ المطلوب انتقال حق القبول إلى الوارث مطلقا سواء علم عدم تعلّق غرضه بالمورث أم لا ، ودلالة الرواية على ذلك لأجل إطلاقها ، وإلّا فيمكن أن تكون مقيّدة في الواقع بما إذا علم عدم تعلّق غرضه بالمورث.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٣٤ ، مع تلخيص.


قوله : ويمكن الجمع به إلى آخره.

وبهذا القول يمكن الجمع بين الأخبار الدالة على الانتقال إلى الوارث مطلقا كرواية محمّد بن قيس والدالّة على بطلان الوصيّة كصحيحة محمّد بن مسلم (١) ، وموثّقة منصور بن حازم (٢) : بأن يحمل الثاني على ما إذا كان غرض الموصي متعلّقا بالمورث أي :الموصى له. والأول على ما إذا لم يتعلّق به.

وقوله : « لو وجب » إشارة إلى أنّه لا حاجة إلى هذا الجمع ؛ لأنّ الجمع إنّما يكون بعد المعارضة ، ولا تعارض هنا ؛ لضعف الرواية الاولى بمحمّد بن قيس المشترك بين الثقة وغيرها. وهذه الإشارة هو فائدة الشرط.

فلا يرد : أنّ مفهومه أنّه لو لم يجب الجمع لم يمكن هذا الجمع ، مع أنّه ممكن سواء وجب أم لا.

قوله : واستلزامه الترجيح من غير مرجّح إن اريد من البعض.

أي : واستلزام القبول الترجيح من غير مرجّح إن اريد القبول من البعض.

ولا يخفى أنّ لقائل أن يقول : إرادة القبول من البعض إنّما يستلزم الترجيح من غير مرجّح لو اريد من بعض معيّن بأن يقال : إنّه يلزم القبول من هذا البعض المعيّن ، فيكون حينئذ ترجيحا من غير مرجّح ، وأمّا إن اريد من بعض منهم أيّ بعض اتفق بمعنى : أنّه يلزم قبول بعض من الجميع من غير تعيين ، وإن تعيّن بعد القبول من دون إرادة هذا البعض أو ذاك ، فلا يلزم ترجيح بلا مرجّح أصلا ؛ إذ لم يرجّح بعض ، بل نسبة الإرادة إلى كلّ بعض على السواء ، وذلك كما في الواجب الكفائي ، فإنّه اريد من بعض من غير تعيين ولا يلزم ترجيح بلا مرجّح. على أنّه يمكن لنا أن نلتزم إرادة القبول من بعض معين في الجملة ، مع عدم لزوم الترجيح من غير مرجّح بأن نقول : إنّه اريد من البعض الذي يمكن قبولهم بسهولة ولا يتعذّر منهم ، والمرجّح فيهم سهولة القبول وعدم التعذّر.

قوله : لا ناقل له.

الظاهر لزوم ارتكاب الاستخدام هنا ، لأنّ الضمير المجرور راجع إلى الملك ، والمراد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٣٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٣٥.


بالملك في قوله : « سبق الملك » هو معناه المصدري أي : المالكية ؛ إذ لا محصل لغيره. وفي الضمير هو معنى المفعول ، وهو المملوك أي : الموصى به عينا كان أو منفعة ؛ إذ المصطلح المتعارف هو إضافة النقل إلى المملوك ، دون المالكيّة ؛ إذ يقال : « نقل العين » ، ولا يقال : « نقل المالكية ».

هذا على ما يقتضيه الظاهر ، وأمّا بعد تدقيق النظر فيعلم أنّه لا حاجة إلى الاستخدام ؛ لأنّ وصف الأعيان والمنافع بالانتقال إنّما هو في الحقيقة ( كذا ) ، بل المنقول بعض أوصافها ومتعلّقاتها ، كمالكيّتها ، وإباحة التصرف فيها ، والانتفاع بها ، وأمثالها ، فيصح إضافة النقل إلى المالكيّة أيضا ، ولا استخدام.

نعم وصف المالكيّة ونحوها بالانتقال أيضا إنّما هو على سبيل التجوّز من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يشابهه ، لأنّ المالكيّة ونحوها من مقولة الأعراض ، ويستحيل انتقال العرض ، بل هو في الحقيقة إزالة وصف من موضوع ومحل ، وإحداثه في موضوع ومحلّ آخر ، ولمشابهة ذلك الإزالة والإحداث للنقل سمّي مجازا.

قوله : وانتقال ماله عنه.

عطف على « خروجه » ، فهو تعليل لأنّ الميّت لا يملك.

فإن قلت : إنّ إثبات وجود العام بوجود الخاص ، وإن كان صحيحا ، ولكنّه لا يصحّ نفي وجود العام بانتفاء وجود الخاص كما أنّ الأمر في إثبات الخاص ونفيه على عكس ذلك ، فنفي [ المالكية المطلقة بنفي ] مالكيته لماله وانتقال ماله عنه غير صحيح.

قلنا : هذا وإن كان صحيحا في نفسه ، ولكن يمكن أن يكون لوجود الخاص أولويّة بالنسبة إلى بعض المواضع عن سائر أفراد العام بحيث يحصل الظن بانتفاء سائر الأفراد بالطريق الأولى لو حصل العلم بانتفاء هذا الخاص.

وفي مثل هذا المقام يجوز الاستدلال في نفي العام بانتفاء الخاص ، سيّما إذا كان المقام ممّا يكتفى فيه بالظن ، وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ لأنّ مالكيّة الميّت لماله السابق [ و ] إن كانت خاصّة بالنظر إلى المالكيّة المطلقة ، ولكن لا شك أنّ وجود هذه المالكيّة المخصوصة أولى وأحق بالنسبة إلى كلّ أحد من وجود سائر أفراد المالكيّة فإذا انتفت


هذه ، فينتفي غيرها بالطريق الأولى ، فيصحّ نفي المالكيّة المطلقة بانتفاء هذا الفرد المخصوص.

ولكن لا يخفى أنّه يرد شي‌ء آخر على كلام الشارح وهو : أنّه وإن صحّ التمسك في نفي العام بانتفاء الخاصّ على ما ذكرنا ، ولكنّه إنّما يفيد إذا كان المراد منحصرا ابتداء في نفي العام ، وأمّا إذا كان نفي العام دليلا وتعليلا لنفي خاص مخصوص ، فلا يصح إثبات نفى العام بنفي هذا الخاص ، أو ما يشمله ، وإن كان انتفاء العام أولى من انتفائه.

وهاهنا قد تمسّك الشارح في نفي مالكيّة الميّت للموصى به الذي هو مال الميت بنفي المالكيّة المطلقة ، وفى نفي المالكيّة المطلقة بانتفاء مالكيته لماله الذي يشمل الموصى به أيضا ، فلا يصحّ التعليل ، فتأمّل.

قوله : وسبيل الاحتياط.

لا يقال : إنّه إذا أوصى صبي بوصيّة فكما أنّ العمل بها مخالف لسبيل الاحتياط ، فكذا ترك العمل بها أيضا مخالف له ، بل لا فرق بينهما أيضا ، لأنّ في الأوّل كما يحتمل منع المالك ، وهو وارث الصبي عن ملكه ، فكذا في الثاني سيّما [ إذا ] كانت الوصية لشخص أو أشخاص ، بل يمكن أن يقال : إن ارتكاب خلاف الاحتياط في ترك العمل بالوصية أشدّ.

لأنا نقول : إنّ هذا إنّما يصحّ لو كان عنوان المسألة أنّه إذا أوصى صبي فهل يجب العمل بوصيته أم لا ، وليس كذلك ، بل عنوانها أنّ الوصيّة المقرّرة في الشريعة ، جوازه هل يختصّ بالبالغ أم يجوز للصبيّ أيضا شرعا؟ ولا شك أنّ القول بعدم الجواز أوفق للاحتياط ، إذ لو قلنا بعدم جوازها له لا يلزم محذور سوى احتمال ترك الصبي الوصية التي هي فعل مستحب ، ولو قلنا بجوازها له ، فيترتّب عليه وجوب العمل بوصيّته لو أوصى بشي‌ء ، فيلزم منع الوارث ممّا يحتمل عدم جواز منعه عنه ، فتأمّل.

قوله : ورفع القلم.

أي : رفع قلم التكليف وقلم الأحكام الشرعية عن المجنون والسكران كما هو صريح الحديث والقول بجواز وصيتها لما كان موجبا للقول باستحبابها لهما لكونها من الأفعال المستحبّة ، والاستحباب أيضا حكم شرعي يوجب ثبوت القلم الشرعي لهما أيضا ، فرفعه


يستلزم رفعه ، بل لو كانت الوصية من الامور المباحة الشرعية أيضا لكان رفع القلم عنهما أيضا موجبا لعدم كونها مباحة شرعيّة لهما أيضا ؛ لأنّ الإباحة الشرعيّة حكم شرعي فلا يتّصف بها إلّا أفعال المكلّفين ، والاباحة التي يتصف بها أفعال الصبيان والمجانين ، فإنّما هي إباحة عقلية لا شرعيّة كما بيّنا ذلك في كتبنا الاصولية.

قوله : بعد ما أحدث في نفسه إلى آخره.

لفظة « ما » يحتمل أن تكون موصولة ، أو مصدرية ، أو توقيتية. فعلى الأوّل تكون لفظة « من » لبيان الموصول ، وعلى الثانيين تكون لفظة « من » إمّا زائدة أو لبيان الجنس كما في قوله تعالى : ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) (١) وكونها بعد لفظة « بعد » يؤكّد الأخير.

والمراد بالقتل : إمّا ما كان موجبا للقتل غير الجراحة كشرب السموم القاتلة ونحوه ، أو يكون المراد منه : أعمّ ممّا ذكر ومن الجراحة ، ولكن يكون المراد من الجراحة المندرجة تحته : ما كانت أقرب إلى موت المجروح من الجراحة المذكورة أوّلا.

وكيف كان فاستعمال لفظة القتل هاهنا من باب إطلاق اسم المسبّب على السبب ، أو من باب مجاز المشارفة. ولفظة « لعل » هاهنا للتعليل كما في قوله تعالى : ( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ). (٢)

والمراد : أنّه لو كان إحداثه الجراحة أو القتل في نفسه لأجل أن يموت لم يجز وصيّته ، وأمّا إذا كان إحداثه له ، لا لأجل ذلك بل كان خطأ أو سهوا ، أو لغرض آخر وإن انجرّ إلى الموت جاز وصيّته ، ولم يمنع كما هو فتوى القوم.

قوله : والمعيّن.

المراد بالمعيّن هنا : ما ليس جزء مشاعا في الشركة حتّى يدخل فيه جزء من العبد أيضا ، وإن كان مشاعا من معيّن كنصف دار أو فرس أو نحوهما.

قوله : ويحتمل اختصاصه.

الضمير في « اختصاصه » راجع إلى الحكم المفهوم من الكلام ، أو إلى صرف الوصية إلى العتق. والمراد بالأوّل : المال المشاع. ومرجع الضمير في قوله : « لشيوعه » هو « الموصى

__________________

(١) البقرة : ١٠٦.

(٢) طه : ٤٤.


به » أو « المال » في قوله : « وإن زاد المال » وفي قوله : « هو » العبد وفي « جملته » جميع المال. والمستتر في قوله : « فيكون » هو الوصية.

وحاصل الكلام : أنّ الوصية إذا كانت بجزء مشاع من التركة كالثلث ـ مثلا ـ يكون الموصى به للعبد شائعا في جميع التركة ، والعبد أيضا من جملة التركة ، فالموصي أوصى بجزء من نفس العبد للعبد ، ولما لم يمكن مالكية أحد لنفسه ، بل يعتق لو ملك نفسه ، أو جزء من نفسه ، فكان الموصي أوصى بعتق جزء من العبد. وهذا صحيح وفاقا ، فيعتق هذا الجزء منه بموت الموصي ، ويسري في الباقى ، فيصير أهلا للمالكيّة فتصحّ الوصية له ، ويملك الموصى به ، ويدفع ثمن باقيه منه.

وهذا بخلاف ما إذا كانت الوصية بجزء معيّن ، فإنّ عتق العبد أو جزء منه تبديل للوصية ، وعمل بخلاف مقتضاها ، فلا يجوز ، وتنفيذ الوصية بالعين محال ، لامتناع تملّك العبد ، لعموم « لا وصيّة لمملوك » فيبطل الوصيّة من رأسها.

وفي هذه التفرقة نظر ليس هنا موضع ذكره.

قوله : إلى رواية ضعيفة.

الرواية هي ما رواه الحسن بن صالح بن حي ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله. فقال : « يقوّم المملوك بقيمة عادلة ، ثمّ ينظر ما ثلث الميّت ، فإن كان أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعي العبد في ربع القيمة وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد اعتق العبد [ الى آخر الحديث ] ». (١)

ووجه ضعفها : أمّا أوّلا فمن حيث السند ؛ لاشتماله على الحسن المذكور. وأمّا ثانيا ، فمن حيث الدلالة ؛ لأنّهم إنّما تمسّكوا بمفهوم الشرط فيها في قوله : « فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع قيمة العبد ». وهو إن تمّ لدلّ على عدم الاستسعاء إذا كان الثلث أقل من قيمة العبد [ بزيادة على الربع ] ، وهم لا يقولون به.

والتحديد بالضعف لا دليل عليه ، على أنّا نمنع كون المفهوم ذلك ، بل المفهوم عدم كون الاستسعاء في ربع القيمة إن كان الثلث أقل بزيادة على الربع ، ونحن نقول بموجبه ، ودعواهم عدم الاستسعاء حينئذ مطلقا لا عدم الاستسعاء على هذا الوجه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٤١٢.


قوله : من عرف بنسبه عادة.

الضمير المجرور راجع إلى الموصي. والمستتر في « عرف » إلى الموصول. ويحتمل العكس.

وقوله : « عادة » قيد للنسب أو المعرفة.

قوله : لتناول الاسم لهما إلى آخره.

أي : يصدق اسم المولى على العتيق والمعتق ، وصلاحيّته لاستعماله فيهما وإطلاقه عليهما.

ولا يخفى أنّ مراد المصنّف من قوله : « يحمل على العتيق والمعتق » : إمّا أنّه يحمل عليهما جميعا ويصرف الوصية فيهما معا ، كما هو ظاهر العبارة ، أو مراده : أنّه يحمل على أحدهما على سبيل التخيير بمعنى : أنّ اللفظ يصلح لكليهما فيصحّ أن يصرف الوصية في أيّهما اتفق ، ولا يجب الصرف في واحد معين منهما خاصّة.

وعلى الأوّل فليس قول الشارح : « لتناول الاسم لهما » في موقعه ؛ لأنّ تناول الاسم لهما معا بدون ضمّ إفادة العموم لا يوجب حمله عليهما معا كما أنّ اسم الرقبة متناول للمؤمنة والكافرة ، ولا يوجب ذلك حملها عليهما عند الإطلاق ، ولا يصحّ أن يراد من التناول : الشمول باعتبار الجمعيّة ؛ لإيجابه اتحاد الدليلين.

وعلى الثاني فليس قوله : « ولأنّ الجمع المضاف » إلى آخره صحيحا كما لا يخفى.

والصواب أن يجعل الدليل الأوّل جزء للثاني حتّى يثبت بالجزء الأوّل صلاحيّة الاسم المفرد لهما معا ، وبالجزء الثاني إفادة جمعه للعموم.

قوله : على معنييه مجاز.

بل يمكن القول بالبطلان عند بعض من يقول بكون حمل المشترك على معنييه حقيقيا أيضا ؛ لأنّ القائلين بكون استعماله فيهما حقيقة بين قائل ( كذا ) بأنّه عند عدم القرينة ظاهر فيهما معا ، فيجب الحمل عليهما على ما يقتضيه القرينة.

ولا شك أنّ عند الطائفة الأخيرة تكون لفظة « الموالى » حينئذ مجملا وباجماله تبطل الوصية.


قوله : مطلقا.

أي : سواء كانا متساويين ، أو كون الفقراء أسوأ حالا ، أو بالعكس. والمراد بقوله : « هنا » الوصية لأحدهما.

الفصل الثاني فى متعلق الوصية

قوله : لتطابق اللغة.

التعليل للتعميم الذي ذكره المصنّف بقوله : « جمع قلّة كان » إلى آخره وحاصله : أنّه لا يفرق في الحمل على الثلاثة بين جمعي القلّة والكثرة ؛ لأنّ اللفظ إذا كان له حقيقتان من الحقائق الأربع ، فقيل : إنّه يحمل على الشرعيّة ، ثمّ على العرفيّة العامّة ، ثمّ على الخاصّة ، ثمّ على اللغويّة. وقيل : بتقديم اللغوية على غير الشرعيّة ، والجمع ليست له حقيقة شرعيّة وحقيقته العرفية العامة واللغوية هي الثلاثة فصاعدا سواء كان جمع قلة أو كثرة.

فعلى القولين يجب عدم الفرق بين الجمعين لتطابق اللغة والعرف العام. وأمّا استعمال جمع الكثرة فيما فوق العشرة فلا نسلّم أنّه على سبيل الحقيقة ، بل هو استعمال طار على أصل الوضع اللغوي أعني : كون أقل الجمع مطلقا ثلاثة ولم يبلغ ذلك حدّ الحقيقة ؛ ليتحقق النقل.

ولو سلّم كونه حقيقة ، فهو ليس إلّا في العرف الخاص ـ أعني : اصطلاح النحاة ـ وأمّا أهل الاستعمالات العرفية والمحاورات العامية فلا يعرفون هذا الاستعمال ، ولا شعور لهم به.

ولا شك أنّ العرفية العامّة مقدّمة على الخاصّة ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المتكلّم من أهل هذا العرف الخاص ، أو لا ؛ لدخوله في أهل العرف العام قطعا.

نعم لو كان للفظ حقيقتين ( كذا ) عرفيتين خاصّتين ، فيحمل على الحقيقي في عرف المتكلّم. هذا ثمّ إنّ علّة حمل مطلق الجمع على الثلاثة دون الأقل ؛ لأن صدقة على الأقل إنّما هو بالمجاز ، فلا يصار إليه إلّا مع القرينة ودون الأكثر ؛ لعدم اليقين بالزائد ؛ للشك في إرادته ، واللفظ لا يقتضيه ، والأصل براءة الذمّة.


قوله : ولا فرق في ذلك إلى آخره.

توضيح المقام : أنّه إذا أوصى بصيغة الجمع فإمّا أن يكون بصيغة جمع القلّة أو جمع الكثرة ، وعلى التقديرين : فإمّا يقدّر للوصية ما لا أو لا ، فالصور أربع. فإن أوصى بصيغة جمع القلّة أجزأت الثلاثة سواء قدّر لها مالا بأن يقول : اعتقوا عنّي أعبدا بالف أولا ، بأن يقول : اعتقوا عني اعبدا فلو أمكن في الاولى شراء ثلاثة نفيسة من الأعبد بألف ، أو أربعة خسيسة به تخيّر. وإن أوصى بجمع الكثرة فإمّا أن يطلق أو يقيّد بمقدار من المال ، فإن أطلق أجزأ الثلاثة ؛ لأنّها أقلّ محتملات الجمع ، وإن قيّد بمقدار من المال كأن يقول : اعتقوا عبيدا عنّي بألف فإمّا أن لا يصلح الألف إلّا لأقل الجمع بأن يشتري الخسيس فيقتصر عليه ، أو يصلح لشراء ما يوافق جمع الكثرة بأن يشتري خسيسه وما يوافق الأقل منه. فذهب العلّامة في القواعد في هذه الصورة إلى وجوب شراء الموافق لجمع الكثرة ولا يجوز للوارث إلّا شراء الخسيس ، واستدل : بأنّ جمع الكثرة لما فوق العشرة ، وتعيين قدر المال مع احتماله الزائد مؤكّد لمفاد الجمع ، ودليل على إرادة الزائد ، بل قال بوجوب شراء أكثر ما يصلح له ، وإن كان أقل ممّا يوافق جمع الكثرة ؛ لوجوب التوصل إلى ما يقرب الحقيقة مهما أمكن. فقول الشارح : « ولا فرق » إلى آخره إشارة إلى الرد على العلّامة ، وإبطال هذه التفرقة. ووجهه : أنّ استعمال جمع الكثرة فيما فوق العشرة إن كان حقيقة ، فيجب أن لا يفرق إذا أوصى بصيغة جمع الكثرة بين ما إذا قدّر للوصية مالا ، وعدمه في وجوب تحرّي ما زاد على الثلاثة وإن لم يكن حقيقة فيجب أن لا يصار إليه ، إلّا مع القرينة الصارفة ، وصلاحيّة المال له بعد صلاحيته لما دونه أيضا ليست قرينة دالّة على إرادة ما فوق العشرة أصلا.

قوله : من جميع التركة ثلثه.

لفظة « من » إمّا تبعيضية ـ أي : الفاضل عن الدين الذي هو بعض جميع التركة ـ أو بيانية يبين الموصول في الفاضل أي : الفاضل عن الدين الذي هو جميع التركة ، فعلى الأوّل يكون المراد بجميع التركة : جميع ما خلفه قبل أداء الدين. وعلى الثاني ينظر إلى أن ما قابل الدين ليس حقيقة من التركة.


وقوله : « ثلثه » إمّا مجرور بدلا عن الفاضل ، فالضمير فيه للفاضل ، أو مرفوع نائبا لفاعل عتق والضمير للمملوك. والشارح حمله على الأخير كما يدلّ عليه : « إن لم يزد على المملوك » أي : لم يزد الفاضل عليه.

قوله : هو الاكتفاء بعتق أيّ عدد إلى آخره.

لا يخفى ما في العبارة من القصور والمسامحة بيان ذلك : أنّه قد ظهر من تمثيل الشارح بقوله : « كثلاثة » أنّ المراد بالعدد المبهم : ما كان معدوده مبهما ، لا أصل العدد ، فإنّ إبهام أصل العدد أن لا يعين مقداره ، ولا شك أنّ الثلاثة ليست من هذا القبيل. وعلى هذا فلا معنى للقول بأن المتبادر من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أيّ عدد كان من الجميع ، وتجويز الاكتفاء به. نعم لو كان العدد مبهما بأن لم يعيّن الموصي الثلاثة ولا الأربعة ـ مثلا ـ ولا غيرهما يكون له وجه. على أنّ الظاهر أنّه يجب حينئذ الاكتفاء بأقل ما يصلح له اللفظ ، فإن كان ممّا يصلح للواحد وغيره يكتفى به ، وهكذا.

ويمكن [ ان يكون ] مراده بالعدد هنا أيضا : المعدود ، فيكون المراد بقوله : « الاكتفاء بأيّ عدد » الاكتفاء بأيّ معدود بهذا العدد أي : أيّ ثلاثة ـ مثلا ـ وكأنّ الشارح حمل أيضا لفظ العدد في قول المصنّف : « أو عدد مبهم » على هذا المعنى ، وإلّا فلا معنى لتمثيله بالثلاثة ؛ لتعيين أصل العدد فيها.

قوله : أو بغيره اتبع لفظه الأخير.

يعني : لا يلاحظ الترتيب الذكري ، بل يتبع ما قاله أخيرا من قوله : « ابدءوا بالأخير ». فيبدأ بما أمر بالابتداء به سواء كان الأخير ، أو غيره ، لأنّ قوله هذا بمنزله نسخ ما يستفاد من الوصية الاولى. وفي حكم التصريح بالبدء بالأخير ، أو بغيره ما إذا كانت قرينة دالّة على أنّ [ نظر ] الموصي البدأة بغير ما بدأ به. ثمّ بعد البدأة بالأخير لو بقي من الشك شي‌ء فالظاهر وجوب البدأة بالأوّل ذكرا فالأوّل وملاحظة الترتيب الذكري.

قوله : بأن ذكر الجميع دفعة إلى آخره.

قد يتوهّم تحقّق الترتيب هاهنا أيضا حيث إنّ زيدا في قوله : اعطوا زيدا وعمروا وبكرا مائة مقدّم على عمرو ، وعمرو على بكر ؛ وهو خطأ ؛ لأنّ المراد بالترتيب الذكري


المتّبع : هو الترتيب في الوصية بأن يقدّم وصيّة على اخرى لا الترتيب في الذكر مطلقا ، وتقديم وصيّة على اخرى إنّما يتحقّق بعد تعقيب وصيّة بوصيّة غيرها ، ولا يتحقّق هنا وصية إلّا بعد تمام الكلام ، فزيد في القول المذكور وإن كان مقدّما على عمرو ولكن لم يتمّ الوصية له ، وهي إنّما تتمّ بعد قوله : « مائة » فلا ترتيب في الوصية أصلا ، بل إنّما يقع الوصية للجميع دفعة واحدة.

قوله : وبطل من كلّ وصيّة بحسابها.

أي : بعض من كلّ وصيّة بحساب هذه الوصية بمعنى : أنّه يلاحظ كلّ وصية مع غيرها من الوصايا ، وتبطل منها بقدر كانت نسبته إلى ما بطل من غيرها كنسبتها إليه ، فما كان من الوصايا نصف الوصية الاخرى يبطل منه نصف ما بطل منها ، وما كان ثلثا يبطل منه ثلث ما بطل منها ، وما كان مساويا لها يبطل منه بقدر ما بطل منها ، فإذا قال : اعطوا زيدا وعمروا وبكرا وخالدا مائة بالسوية وكان ثلثه خمسين يبطل من كلّ منهم اثنا عشر ونصف ، وإذا قال : اعطوا زيدا خمسة ، وعمروا عشرة ، وبكرا خمسة عشر ، ولا تقدّموا واحدا منهم على آخر وكان الثلث عشرين بطل من زيد نصف ما بطل من عمرو ، ومن عمرو ثلثا ما بطل من بكر ، كما أنّ الوصية لزيد نصف الوصية لعمرو ، والوصية لعمرو ثلثا الوصية لبكر.

هذا ، ولك أن تنسب الزائد من الثلث إلى مجموع الثلث والزائد ثلث المجموع ، فينقص من زيد ثلث خمسة ، ومن عمرو ثلث عشرة ، ومن بكر ثلث خمسة عشر.

ومآل هذا مع الأوّل واحد ، ولكنّه أسهل ، ويمكن تنزيل كلام الشارح عليه مع تكلّف ، فتأمّل.

قوله : واشتبه الأوّل.

أي : علم تحقّق الترتيب ونسي كيفيته.

ولا يخفى أنّ الصور المتصوّرة حينئذ ثلاث ؛ فإنّه إمّا لا يعلم كيفيّة الترتيب أصلا أي :لا يعلم شي‌ء من الأوّل والثاني والثالث وهكذا حتّى لا يبقى إلّا واحدا ، أو يعلم الترتيب في بعض الوصايا ونسي في بعض. وحينئذ فإمّا يعلم الأوّل ، والنسيان إنما هو في غيره ،


كما إذا علم الأوّل واشتبه الثاني بالثالث أو غيره ، وحينئذ يحتاج إلى القرعة فيما وقع الاشتباه ، أو لا يعلم الأوّل ووقع الاشتباه بينه وبين غيره من الوصايا كالثاني أو الثالث أو غيرهما ، وحينئذ يحتاج [ الى ] القرعة في إخراج الأوّل.

وقول الشارح : « واشتبه الأوّل اقرع » يبيّن حكم الصور الثلاث ؛ فإنّه ليس المراد بالأوّل فيه : أوّل جميع الوصايا ، بل الأوّل من المشتبهين كما في قوله : الأوّل فالأوّل ففي الصورة الأولى ـ مثلا ـ اشتبه أوّلا أوّل جميع الوصايا ، فإذا اخرج بالقرعة ، يكون المشتبه أوّل البواقي ، وهكذا ، ويقرع في الجميع.

قوله : ويشكل إلى آخره.

توضيح مراد الشارح : أنّ ظاهر القوم في صورة اشتباه الترتيب وعدمه أنّه يجب التقديم بالقرعة. وهذا يشكل بأنّ القرعة لإخراج المشكل ، والمشكل هنا هو أنّه هل يتحقّق الترتيب أم لا ؛ لاحتمال عدمه ، وإخراج هذا المشكل لم يحصل بالقرعة ، فقوله :« ولم يحصل » أي : لم يحصل إخراج المشكل.

ثمّ أراد بيان طريق لا يرد عليه هذا الإشكال فقال : « فينبغي الإخراج » إلى آخره أي :فيجب أوّلا إخراج القرعة على الترتيب وعدمه بأن يقرع أوّلا على أنّه هل وقع الترتيب أم لا ، فإن خرج الترتيب بالقرعة يجب التقديم بقرعة اخرى لا أن يحكم بالتقديم بالقرعة أوّلا ؛ لاحتمال أن يكون غير مرتّب ، فيكون حينئذ تقديم كلّ واحد منهم خرج بالقرعة ظلما ؛ فإنّه اذا اقرع فلا محالة يخرج واحد منهم مقدّما ، ولاحتمال عدم الترتيب في الواقع يكون تقديمه ظلما.

قوله : لشمول اسمه.

المراد بكون اسمه شاملا لهما : كونهما جزءين من مسمّاه بالعرف. والحكم بشموله لهما على الإطلاق محل تأمّل ؛ لأنّ الوصية إمّا بسيف معيّن أو غير معيّن ، وعلى الأوّل إمّا يكون السيف الموصى به في غمده أو لا ، وعلى الأخير إمّا يكون له غمد وحلية أم لا ، وعلى الثاني إما ان يكون للموصي سيف أم لا يكون ، وعلى الأوّل إمّا يتّحد أو يتعدّد ، وعلى الأخير إما يكون للجميع غمد وحلية أم لا. فهذه صور يختلف فيها شمول الاسم و


عدمه عرفا ؛ فإنّ في بعضها يحكم العرف بشمول الاسم للغمد والحلية ، وفي بعضها يحكم بعدم شموله ، وفي بعضها لا يحكم بالشمول ولا بعدم الشمول.

بل يمكن أن يقال بعدم شمول الاسم لهما مطلقا ، وأمّا دخولهما في بعض الصور فإنّما هو بالقرائن الخارجية ، وإن أمكن القول بالشمول مطلقا ، وكون خروجهما في بعض الصور إنّما هو بالقرائن ، إلّا أنّ الأوّل أظهر ، كما لا يخفى على المتأمّل ، وبالجملة فالظاهر تفاوت الدخول وعدمه بتفاوت الشمول وعدمه.

الفصل الرابع في الوصاية

قوله : قسمة المال.

أي : قسمة المال الذي لهما التصرف بينهما بأن يختصّ كلّ منهما بالتصرف في طائفة من المال.


كتاب النكاح

قوله : مستحبّ مؤكّد لمن يمكنه فعله.

مقتضى الإطلاق أنّه مستحب سواء اشتاق إليه أم لا ، كما هو المشهور ، ويقتضيه العمومات. وقيل : [ يختصّ ] استحبابه بالاوّل. وإنّما اضاف قوله : « فعله » مع أنّ نفسه فعل ، فيكفي أن يقول : لمن يمكنه أي : النكاح ؛ للإشارة إلى ردّ قول ابن حمزة ؛ فإنّه اشترط في استحبابه إمكان تهيئة أسبابه ولوازمه والقدرة على اهبته. والتوضيح : أنّه لا شك في اشتراط القدرة على أصل النكاح أي : إيقاعه بوجود امرأة راضية به ، والقدرة على الإيجاب والقبول بنفسهما أو توكيلهما ، وقد اختلفوا في اشتراط الاقتدار على اهبة النكاح ، فصرّح جماعة منهم المحقّق الشيخ علي بعدم اشتراطه ، وقال ابن حمزة باشتراطه.

ولما كان إمكان النكاح محتملا للأمرين ، وإن كان ظاهرا في الأوّل ، فدفع توهّم إرادة الثاني باضافة فعله أي : إيقاعه ، وتكون الاضافة الى المفعول أو تكون بيانية وتكون النكتة في زيادة المضاف دفع التوهم المذكور ويمكن بعيدا ان تكون الاضافة بمعنى ؛ « اللام » وتكون زيادته ؛ لاختيار مذهب ابن حمزة أي : يستحبّ لمن يمكنه الفعل الذي للنكاح اي يتبعه ويلزمه عادة أي : تهيئة أسبابه والوصول إلى مقتضاه.

قوله : ولا يخاف الوقوع بتركه في محرّم.

أطلق المحرّم ولم يختص بالزنا كما فعله جمع آخر ؛ ليشمل مثل اللواط والاستمناء باليد ونحوهما. و « الباء » في قوله « بتركه » سببيّة أي ؛ لا يخاف الوقوع بسبب الترك. وأمّا خوف الوقوع بسبب آخر كشقاوة النفس ونحوها ، ولو كانت له زوجة ، فلا يوجب وجوبه.


ويحتمل أن تكون « الباء » بمعنى « مع » ، وتستفاد السببيّة أيضا من التعليق عليه حيث إنّه مشعر بالعلّية. وعلى التقديرين يمكن تعلّق المجرور بقوله : « ولا يخاف » ، وبقوله :« الوقوع » والمفاد واحد.

قوله : قال الله تعالى : ( فَانْكِحُوا ).(١)

ذكر الآيتين لبيان الاستحباب دون الوجوب بقرينة قوله فيما بعد ؛ « وأقلّ الأمر الاستحباب » ، صدر الآية : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وذيلها ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ). المعنى ـ والله أعلم ـ : إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء ، بل تجوروا عليهن ليتمهن وضعفهن ، فزوّجوا غيرهنّ ممّا طاب لكم من النساء اللاتي لا تقدرون على عدم العدل لعشيرتهن وآبائهنّ ونحوها ، فتعدلوا بينهنّ ولا تقصروا في حقّهنّ من المهر والنفقة وغيرهما. روي أنّهم كانوا إذا وجدوا يتيمة ذات مال وجمال تزوجوها ، فربّما يجتمع عند واحد منهم عدّة منهنّ فيقصرون فيما هو واجب عليهم فنزلت الآية ، ثمّ قال الله تعالى : فإن كان لكم قوّة وخفتم أن لا تعدلوا في غير اليتامى أيضا فاكتفوا بالواحدة من النساء أو بما ملكت أيمانكم اللاتي لا حقوق لهنّ.

وقد ورد في الآية وجه آخر وهو أنّه روي أنهم لما سمعوا عظم أمر اليتامى كانوا يتحرجون عنهم ذكورا واناثا وعن التصرّف في أموالهم خوفا من عقاب الله سبحانه ، ولكن كانوا لا يتحرزون عن الجور في امور النساء من عدم التعديل والتقصير في المهر والنفقة ، فنزلت هذه الآية أي : إن كنتم بهذه المثابة وخفتم من عقاب الله وتحرجتم عن اليتامى لذلك فينبغي أن تتحرزوا في امور النساء أيضا ، فانكحوا منهنّ ما تقدرون على أداء حقوقهن من اللاتي تطيب لكم وتميلوا إليهنّ بهذا العدد ، وإن خفتم في ذلك العدد أيضا فاكتفوا بالواحدة.

وقيل : كانوا يتحرجون من اليتامى ، ولا يتحرجون من الزنا ، فنزلت الآية.

__________________

(١) النساء : ٣.


وإنما لم يذكر الواحدة قبل قوله : « مثنى » ؛ لأنّ المقام مقام التعديل ، أو لأنّها كانت معلومة مرخّصة فيها ، والمطلوب من الآية ترخيص التعدّد.

ثمّ اعلم أنّ التعبير عنهنّ بـ « ما » للاشارة إلى قلّة عقولهنّ. وأنّ قوله : مثنى وثلاث ورباع منصوبات على الحال من مفعول « فانكحوا » أى ؛ حالكونهنّ معدودات بهذا العدد ثنتين ثنتين ، أو ثلاثا ثلاثا ، أو أربعا أربعا ، فهذه الألفاظ الثلاثة معدولات منها ، .. والخطاب للجمع أي : خذوا كلّ واحد منكم ثنتين أو ثلاثا أو أربعا ، أو مختلفا كما يقال : اقسموا هذا المال اثنتين اثنتين ، ثلاثة ثلاثة ، أربعة أربعة ، ويراد قسمة المال على الوجه المذكور سواء كانت القسمة متفقة أو مختلفة.

قوله : وانكحوا الايامى منكم إلى آخره.

الأيامى جمع الأيّم ، وأصله أيائم ، فقدّم وأخّر كيتامى جمع يتيم. والأيّم من الرجل :

من لا امرأة له ومن المرأة من لا زوج لها بكرا أو ثيبا. وأحد مفعولي « انكحوا » محذوف أي انكحوا الأيامى من الرجال منكم النساء ومن النساء الرجال. أو المعنى : وانكحوا الايامى منكم من الرجال والنساء بعضهم من بعض. والمراد هنا ؛ الأيّم من الأحرار والحرائر بقرينة ما بعده من الأمر بتزويج الصالحين من العباد والإماء ، وإنّما خصّ الصالحين ؛ لشدّة الاهتمام بشأنهم ، وللترغيب إلى الصلاح ، فإنّهم إن رأوا أمر الأولياء بتزويج الصالحين يميلون إلى الصلاح.

قوله : وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب.

تتميم لدلالة الآيتين على استحباب النكاح. وهنا إشكالات ثلاثة :

الأوّل : أنّ المراد إما أنّ أقلّ مراتب الأمر في الاستعمال الاستحباب ، أو أقلّ المراتب التي اختلف فيها في كونه حقيقة الامر الاستحباب ، وشي‌ء منهما ليس كذلك ؛ إذ استعمال الأمر في الاباحة والرخصة والإرشاد كثير غاية الكثرة ، والقول بكونه حقيقة في الإباحة أيضا موجود ، وهي أدنى من الاستحباب ، فلا يكون الاستحباب أقل المراتب.

الثاني : أنّ كونه أقلّ المراتب لا يفيد في إثبات الاستحباب ؛ إذ لا يقول أحد بوجوب حمل اللفظ على أقلّ المراتب ، بل الواجب حمله على الحقيقة سواء كانت الأقل أو الأكثر ،


والحقيقة هنا هي الأكثر الذي هو الوجوب ، نعم يحسن الحمل على أقلّ المراتب ، لو تردد المعنى الحقيقي بين المرتبتين ، والثابت حينئذ أيضا هو مطلق الرجحان ، دون الاستحباب.

والثالث : أنّ الأمر في الآية الاولى ليس محمولا على أقلّ مراتبه الذي هو الاستحباب لعدم استحباب مثنى وثلاث ورباع ، فالأمر فيها للرخصة والإرشاد. وفي الثانية للأولياء ، فلا يفيد المطلوب.

ويمكن دفع الأوّل : بأن المراد : أقلّ مراتب الأوامر الواردة في الشرع وبحسب عرف الشارع أو المتشرّعة ؛ فإنّ من يقول بكون الأمر حقيقة في الاباحة ونحوها إنّما يقول بحسب اللغة ، وأمّا في الشرع فهم يقولون بكونه حقيقة في أحد الطلبين ، ولم يقل بغيره أحد إلّا شاذ لا يعبأ بقوله. فالمعنى ؛ أن أقلّ مراتب الأمر شرعا الاستحباب ، أو المعنى : أنّ أقل ما يحمل عليه الأوامر الشرعية بلا قرينة الاستحباب.

ودفع الثاني : بأنّ الحمل على الحقيقة إنّما هو مع عدم تعذرها ، وأمّا معه فيحمل على المجاز المعيّن إن كان واحدا ، أو كانت عليه قرينة معيّنة ، وعلى الأقل بدون الأمرين ، والحقيقة هنا متعذّرة للإجماع على عدم الوجوب ، فيحمل على أقل المراتب شرعا ، وهو الاستحباب. ويمكن أن يكون مراده من الاستحباب : معناه اللغوي أي ؛ مطلق الرجحان ، دون الاصطلاحى ، وهو الندب ، ويكون الاستدلال لاثبات الرجحان في مقابل من ينفيه ، فالمعنى هو راجح للأمر الذي لا ينقص عن إفادة الرجحان قطعا ؛ لأنّه أقل المراتب ، ويشترك فيه الاستحباب والوجوب.

ودفع الثالث : بمنع عدم استحباب تعدّد الزوجات ، وإذا استحبّ المتعدّد استحبّت الواحدة بالطريق الأولى ، أو المراد بالأمر فيها : الأمر المقدّر في قوله : « فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة » ، ويتم المطلوب من الآية الثانية بعدم القول بالفصل.

قوله : بين المسلمين.

قيّد به لشهرة أفضلية تركه بين النصارى.

قوله : محقّق.


ذكره بعد قوله : « مشهور » ؛ لئلا يتوهم كونه من باب « رب شهرة لا أصل لها »

قوله : أو الباقي.

هذا الترديد [ ليس في ] عبارة الحديث المروي في الكافي ، ولعلّه كان متردّدا في لفظ الحديث ، أو أشار إلى ورود اللفظين في حديثين.

قوله : وهو من أعظم الفوائد إلى آخره.

أي : أعظم ما يحصل منه الفوائد الدينية بعد الإسلام أي الاسلام أعظم منه ، أو النكاح بعد الإسلام من أعظم الفوائد ، لا مطلق النكاح.

قوله : بطريق أهل البيت.

هذه الرواية رواها الكليني باسناده المتصل عن أبى عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام قال :

« قال رسول الله ». الحديث. والرواية اللاحقة لها رواه أيضا باسناده المتصل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ، وإنّما زاد في الاولى قوله : « بطريق أهل البيت » دون الثانية ، مع أنّها أيضا روي عن أبى جعفر ، وكذا الرواية السابقة عليهما التي ذكرها بقوله : « رواه في الكافي » فإنّها أيضا مروية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ». لأنّ الاولى مروية عن الصادق عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرواها أهل البيت متصلا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بخلاف السابقة واللاحقة ؛ فإنّهما مرويتان عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيحتمل أن يكون روايتهما بواسطة رواية الصحابة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله : وانشفه أرحاما وادرشي أخلافا

يقال : نشف الثوب العرق والحوض الماء إذا شربه ، ولعلّ نشف كناية عن قلّة رطوبة فرجها ، وشدّة قبوله النطفة. والدر اللبن إذا كثر وسال. والأخلاف جمع خلف ـ بالكسر ـ وهو الضرع. وأفتخ شي‌ء أرحاما بالخاء المعجمة أي : ألين وأنعم. ذكره في السرائر ، ويمكن أن يكون بـ « الحاء » المهملة ، ويكون كناية عن أوسعيّتها لقبول النطف. ويمكن أن يكون الاخلاف جمع خلف بفتح « الخاء » و « اللام » بمعنى : الولد أي : أكثر ولدا. ويمكن أن يكون بـ « القاف » أي : أنفع أخلاقا وأحسنها. وقوله : « أطيب شي‌ء أفواها » يمكن ان يكون كناية عن حسن الكلام ؛ لحياء البكر وبعدها عن الكلمات الخشنة القبيحة ، وهو أولى من


الحمل على الظاهر ؛ لأنّه لا يلائم المشاهدة والعيان والتجربة. وهاهنا سؤال وهو : أنّه ما النكتة في إضمار المضاف إليه في قوله : « أنشفه » وإظهاره في جميع ما قبله وما بعده؟ ولبيانها نقول : إنّ الحديث في الكافي هكذا : عن أبى عبد الله ، انّه قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوجوا الأبكار ؛ فإنهنّ أطيب شي‌ء أفواها ». وفي حديث آخر : « وأنشفه ارحاما وادر شي‌ء اخلافا وافتح شي‌ء أرحاما أما علمتم أنّي أباهي بكم الامم » الحديث. والظاهر أنّ قوله : « أنشفه أرحاما » جزء من حديث أقحمه ثقة الإسلام بين ذلك الحديث ، وهو كان إمّا مضمرا ، أو نقله هكذا بالمعنى ، والباقي من تتمّة الحديث الأوّل ، فنقل الشارح ما في الكافي بألفاظه ، فتأمّل.

قوله : العفيفة عن الزنا.

التقييد بذلك ؛ لإخراج العفة عن الزوج فإن « العف » في اللغة : مطلق الكف.

قوله : أي : ما من شأنها.

المشار إليه هو الولادة المستفادة من لفظ « الولود ».

قوله : محبنطئا.

بـ « الحاء » و « الطاء » المهملتين ، وتقديم « الباء » الموحدة على « النون » بهمز ، ولا بهمز : هو المتعصّب الممتلئ غيظا المستبطئ للشي‌ء. وقيل : هو الممتنع امتناع طلبة ، لا امتناع إباء.

قوله : « انكحوا الأكفاء ».

هذا يصلح دليلا لإرادة المؤمن من الكفؤ حيث إنّ غير المؤمن ليس كفؤا للمؤمن ، والمؤمن كفؤ للمؤمن. وقوله : « واختاروا لنطفكم » أي : اطلبوا الخير ، يصلح دليلا لإرادة الصالح المؤمن.

قوله : ولا يقتصر على الجمال والثروة.

إنّما زاد قوله : « يقتصر » ؛ للإشارة إلى عدم البأس بعدم الاقتصار ، واختيار ذات المال أو الجمال العفيفة مثلا.

قوله : خضراء الدمن.


بكسر « الدال » المهملة ، وفتح « الميم » جمع دمنة « بكسر الدال ، وسكون الميم ». هي : ما يلبّده الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها في مراتعها ، فربما ينبت فيها السنبل الحسن النضير.

قوله : وكل إلى ذلك.

أي : إلى ذلك المال والجمال. وهو كناية عن عدم توفيق الله سبحانه إيّاه بالتمتع من جمالها ، والانتفاع بمالها ، فلا يحسنها في نظره.

قوله : رزقه الله الجمال.

أي : يجعلها في نظره حسنة جميلة ، فيتمتّع منها على نحو تمتعه من الجميلة ، أو يبدّل وجهها جميلا ، أو المعنى : أنّه إذا كان طالبا لذات مال وجمال وكله إلى طلبه ، ولأجل ذلك يتفق اختياره على من لا جمال له ولا مال ، وإذا كان طالبا لذات دين يتّفق اختياره على الجميلة الملية.

قوله : والدعاء بعدهما بالخيرة.

ضمير التثنية للركعتين ، « والدعاء » عطف بيان للاستخارة ؛ لأنّه مضمّن لها ، ولذا اكتفى في الرواية بالركعتين والدعاء من غير ذكر الاستخارة. ويحتمل أن يكون الضمير للصلاة والاستخارة ، ويكون مراده من الاستخارة نحو قوله : اللهم إني استخيرك في عافية. ويكون مستنده في الاستخارة العمومات الواردة فيها ، لا خصوص الرواية الواردة في النكاح.

قوله : بضم « الخاء ».

احترز به عن الخطبة ـ بالكسر ـ وهي التماس قبول المرأة التزويج ؛ فإنّها ليست من المستحبّات ، بل من المقدمات التي لا بدّ منها.

قوله : وأقلّها الحمد لله.

أي : في خطبة النكاح ، لتصريح مولانا سيد الساجدين عليه‌السلام.

قوله : لأنّ الله تعالى جعل الليل سكنا.

السكن : ما يسكن إليه ، أي : يرجع إليه في السكون والاطمينان. والمراد : أنّ الليل لما كان سكنا ، والنساء أيضا كذلك ، فاقتضت المناسبة أن يكون تزويجهنّ في الليل ، أو أنّه


سبحانه لمّا جعل الليل سكنا ، فينبغي للناس أن يتّخذوه سكنا ، ويجعلوا سكونهم واطمينانهم فيه ، وأن يحدثوا أسباب السكون والاطمينان وبواعثها التي منها التزويج فيه.

قوله : صلى ركعتين قبله.

أي : قبل الدخول. ولما لم يجب كون الإتيان بجزاء الشرط في زمان حدوث الشرط ، بل يدل الشرطية على وجوب كون الجزاء بعد تحقّق الشرط ، سواء كان في حاله أو بعده ، كما لو قيل : إذا جاء زيد فاكرمه فإنّه يجب الإكرام بعد المجي‌ء مطلقا ، لا في حال المجي‌ء ، فلم يستفد من العبارة ، الا وجوب كون الصلاة بعد إرادة الدخول من غير تعيين وقتها من كونه بعد الدخول أو قبله ، فزاد الشارح قوله ؛ « قبله » لبيان أن الصلاة بعد الإرادة وقبل الدخول.

قوله : بعد أن يمجّد الله.

ظرف لقوله : « دعا » لا للصلاة والدعاء. وعلى هذا فالتمجيد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الركعتين وقبل الدعاء.

قوله : بعد الطهارة.

لا يحضرني نكتة لزيادة قوله : « بعد الطهارة » في صلاة المرأة ، دون الرجل ، مع أنّهما قبل الدخول ، وصرّح بتوضئهما في الرواية.

قوله : بمعنى ما دعاه.

إنّما أقحم لفظ بمعنى للإشارة إلى اختلاف الدعاء في تأنيث الضمائر وتذكيرها.

قوله : « زفّوا نساءكم ليلا وأطعموا ضحى ».

الزفاف : إهداء العرائس إلى الزوج. والمراد بالإطعام : الإطعام لوليمة العرس.

قوله : ما بين نزعتيها.

بـ « النون » المفتوحة و « الزاي » المنقوطة المفتوحة أيضا : وهما البياضان المكتنفان بالناصية.

قوله : وفي أمانتك أخذتها.

لفظ « في » إمّا للتعليل أي : لأجل أنّها كانت أمانة منك في خزانة التقدير أخذتها ، أو


للمصاحبة أي : مع أمانتك أخذتها. والمراد بالأمانة ما أشار إليه في رواية عبد الرحمن بن أعين قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا أراد الرجل أن يتزوّج المرأة فليقل : اقررت بالميثاق الذي أخذ الله إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ». (١) وهذا إشارة إلى قوله تعالى « فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ». (٢) فالمراد ؛ أنّه أخذتها مصاحبا لقبول أمانتك وميثاقك. والمراد : بكلماتك التي جعلتها محلّلة من ألفاظ عقد النكاح أو بواسطة كلماتك الواردة في كتابك الآمرة بالنكاح ، والمجوزة له ، استحللت فرجها.

قوله : دائما عند الدخول بها وبعده.

المراد بقوله : « دائما » أي : في الجماع الأوّل وفي غيره الذي يكون حال الدخول. وقوله : « عند الدخول وبعده » تفسير لقوله : « دائما »

ويحتمل أن يكون حكما آخر أى ؛ يستحبّ التسمية في الجماع دائما أي : في كلّ جماع مرّتين عند الدخول في الفرج وبعده ، ولكن الظاهر هو [ الاول ].

قوله : السّوي.

المراد بالسّوي : الخالي عن النقص في الخلقة.

قوله : تأسّيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخره.

لا يخفى أنّ المستفاد من الأخبار أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لم عند التزويج وهو مدلول قوله : « من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج » فلا يناسب ذلك تعليلا لقول المصنّف : « وليولم عند الزفاف »

قوله : فقد أولم على جملة من نسائه.

لفظ « على » إمّا بمعنى « اللام » أي : لتزويج جملة من نسائه ، أو بمعنى : « مع » أي : مع تزويجهنّ. أو بمعنى : « في » أي : في تزويجهنّ ، أو للاستعلاء المجازي حيث إنّه لما كان بعد تزويجهنّ [ او لم ] ، فكأنّه واقع عليه.

قوله : أوّل يوم حقّ إلى آخره.

أي : من الحقوق الثابتة التي لا ينبغي تركه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١١٧.

(٢) البقرة : ٢٢٩.


قوله : والثاني معروف.

أي : برّ واكرام وإحسان زائد على الحقّ الثابت.

قوله : وأخذه بشاهد الحال.

المراد بالأخذ : حمله إلى بيته زائدا على الاكل أو بدونه. والظاهر أنّه لا خلاف في جواز الأكل بشهادة الحال بذلك ، وانما الكلام في الأخذ والحمل ؛ ولذا جعل الشارح قوله :« بشاهد الحال » متعلّقا بالأخذ فقط ، وجعل « الباء » بمعنى « مع » أي : يجوز الأكل مطلقا والأخذ بشرط شهادة الحال بالإذن فيه ، والّا لا يجوز.

قوله : ويكره الجماع مطلقا.

سواء كان الدخول الأوّل الذي هو الزفاف أو غيره.

قوله : يتولّد حينئذ.

أي : يتكوّن حين زوال يوم الخميس.

قوله : الشفق الأحمر.

هو الحمرة التي يرتفع عند غروب الشمس من المشرق ، وبزوالها عن نصف النهار يتحقّق المغرب عند جماعة من الفقهاء ، والتقييد بالأحمر ؛ للاحتراز عن البياض الغربي. والمراد بذهابه : غروبه.

قوله : لوروده معه.

أي : ورود ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس مع الغروب حتّى يذهب الشفق في الخبر. والخبر هو صحيحة سالم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال : « نعم بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ». إلى آخر الحديث. (١) وإنّما حمل الشارح « الشفق » على « الأحمر » مع أنّه مطلق في الحديث ؛ لأنّ المراد بالشفق حيث يطلق في الأحاديث هو الأحمر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٢٥.


قوله : وعاريا.

الظاهر أنّ المراد : كون الزوج عاريا ؛ لانّه الذي ورد النهي عنه في رواية الصدوق عن أبي عبد الله. وهي : ما رواه عن أبى عبد الله عليه‌السلام : فقال : اجامع وأنا عريان؟ فقال ؛ « لا ، ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها ». (١)

قوله : قال عليه‌السلام يكره ان يغشى الرجل إلى آخره.

لا يخفى أنّ هذا الحديث لا يدلّ على ارتفاع الكراهة بالوضوء ، وإنما يدلّ على ارتفاعها بالغسل خاصّة ، فلا يدلّ على تمام المطلوب ، ولذا اكتفى جمع من الفقهاء بالغسل فقط.

قوله : ولا تكره معاودة الجماع.

أي : الجماع بعد الجماع. والغرض : أنّ الكراهة مختصة بالجماع بعد الاحتلام دون الجماع.

قوله : بحيث لا يرى العورة.

لأنّه لو رآها الناظر لحرم كشف العورة ، ولا يخفى أن ظاهر العبارة تحريم الجماع حينئذ ؛ وهو غير ظاهر إذ لا يلزم من حرمة كشف العورة حرمة الجماع ؛ ولذا لا يحرم إخراج البول لو كشف العورة له عند ناظر ينظر إليها.

قوله : ما أفلح أبدا إلى آخره.

الضمير المستتر في قوله : « كان » و « كانت » يحتمل الرجوع إلى الصبي المستيقظ ، وكذا في « أفلح » ، صرّح بذلك الاحتمال في المسالك وغيره. ويحتمل أن يكون راجعا إلى الولد الحاصل من هذا الجماع بقرينة المقام. ويؤيد ذلك الاحتمال ما رواه في طب الأئمة عن جابر ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : « إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك ». قلت : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة الشنعة؟ قال « لا ، فإنّك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق والفجور ». (٢)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢٥ / ١٢٠ نقلا عن التهذيب.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١٣٤.


قوله : فإنّ ذلك يورث الزنا.

الاحتمالان المتقدّمان في الخبر الأوّل جاريان هنا أيضا ، فالمراد : إمّا زنا الصبي أو الولد.

قوله : يشعر به الخبر الأوّل.

وجه الإشعار التقييد فيه بالرؤية وسماع الكلام والنفس ، فإنّه لو لا كونه مميّزا مدركا لهذه الأحوال لم يكن وجه للتقييد بها.

قوله : وحرّمه بعض الأصحاب.

وهو ابن حمزة. والضمير « للنظر » إلى الفرج مطلقا ؛ لأنّه الذي حرّمه لا إلى خصوص باطن الفرج ، أو حال الجماع.

قوله : قال الصادق عليه‌السلام : « اتقوا الكلام » إلى آخره.

لا يخفى أنّ الحديثين للذين ذكرهما خال عن استثناء ذكر الله فهما دليلان لبعض المطلوب ، وهو المستثنى منه ، والدليل على الاستثناء مثل قولهم عليهم‌السلام : « ذكر الله حسن على كل حال » ، وما ورد من بعض الأدعية حين الجماع.

قوله : ففي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى آخره.

لا يخفى أنّ المستفاد منها شدّة كراهة تكلّم الرجل كثيرا ، لا مطلقا ، فالدليل أخصّ من المدّعى ، مع أنّ في دلالة نهي على عليه‌السلام حين خطابه على شدّة الكراهة في خصوص الرجل نظرا ظاهرا.

قوله : وليلة الخسوف ويوم الكسوف.

التخصيص بليلة الخسوف ويوم الكسوف مع أنّه قد يحصل الخسوف في اليوم والكسوف في الليلة كما إذا انخسف القمر في أواخر النهار وغرب منخسفا ، أو طلع كذلك وكما إذا انكسفت الشمس آخر النهار وغربت منكسفا بحيث علم بقاء انكسافها في بعض الليل ؛ لورود الخبر كذلك. ولعلّه إمّا لشيوع كون الخسوف المعلوم في الليل والكسوف المعلوم في النهار ، أو لاختصاص الحكم بليلة الخسوف ويوم الكسوف ، دون العكس.

قوله : عطف على أوّل ، لا على المستثنى.


لعموم الأخبار على كراهة النصف من كلّ شهر ، واختصاص الاستثناء فيها بأوّل شهر رمضان ، ولأنّه لا يستقيم العطف على المستثنى ؛ لأنّه إما يكون عطفا على المضاف المقدّر أي : أوّل ليلة من شهر رمضان ، ولا يصح الاستثناء حينئذ ؛ إذ لا يستثنى النصف من أوّل الليلة ، أو على المضاف إليه أي : شهر رمضان ، ولم يذكر حكما لنصف الشهر حتّى يصحّ استثناء نصف شهر رمضان. وهذه هي النكتة في تأخير النصف عن المستثنى ، دون تقديمه ؛ إذ التقديم كان يحتمل استثناء شهر رمضان من جهة الأوّل والنصف ، مع أنّه ليس كذلك ، ولا يتوهم مع التأخير رجوع الاستثناء على المستثنى ؛ لما ذكر.

قوله : ألا ترى أنّ المجنون إلى آخره.

يحتمل أن يكون قوله : « ألا ترى » إلى آخره ، بيانا لعلّة خروج الولد مجنونا يعني : أنّه لما كان أكثر أوقات صرع المجنون أوّل الشهر ووسطه وآخره ، ويكون لهذه الأوقات تأثير في الجنون يخرج الولد المتكوّن في هذه الأوقات مجنونا. ويحتمل أن يكون ذلك معلولا لخروج الولد المتكوّن في هذه الأوقات ؛ لأنّها أوقات استقرار نطفته الذي له مدخليّة تامّة في تأثير مقتضياته في مثل هذه الأوقات. فعلى الأوّل تكون لفظة الواو في قوله : « ووسطه وآخره » للجمعية. وعلى الثاني تكون بمعنى : « أو » لأنّ العلّة التي هي استقرار النطفة لا تكون الا في واحد من هذه الأوقات ؛

قوله : لقول الله عزوجل : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ) إلى آخره.(١)

قد يستشكل في تعليل الإمام استحباب الجماع في أوّل ليلة من شهر رمضان : بأنّ التحليل لا يدلّ على الاستحباب ، فإن كلّ مباح أيضا حلال ، وبأنّ ليلة النصف من رمضان أيضا ليلة الصيام مع أنّه مكروه ، فكيف التوفيق؟ ويمكن دفع الأوّل : بأنّه يمكن أن يكون ...

قوله : للنهي عنه عن الكاظم عليه‌السلام إلى آخره.

هو في رواية اسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام قال : قلت له : الرجل معه أهله في السفر لا يجد الماء أيأتي أهله؟ قال : « ما احب أن يفعل ذلك إلّا أن يخاف على نفسه ». (٢) والمراد من خوفه على نفسه ؛ خوفه عليها بترك الجماع من حصول مرض ، ونحوه. والمراد

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ١١٠ ، نقلا عن التهذيب.


بالنهي هنا : التكريه المستفاد من قوله : « ما احب أن يفعل » مجازا ، فإنّه كما يطلق صيغة النهي على المكروه مجازا كذلك يصحّ استعمال لفظه فيه. والضمير في قوله : « عنه » للجماع في السفر. وفي « منه » يحتمل أن يكون للجماع في السفر ، وأن يكون للمنهي عنه المدلول عليه بقوله : « للنهي » ، وأن يكون للنهي حيث إنّ النهي لدلالته على الدوام يقبل الاستثناء. والمضاف لقوله : « خوفه » مقدّر ؛ لأنّ المستثنى هو حال الخوف ، دون نفسه.

قوله : وإن لم يستأذنها.

ردّ على مالك حيث جوّز مع الاستيذان عن الزوجة.

قوله : فانّه مستام [ كما ورد في الخبر ]

« اللام » في الخبر للجنس الصادق على الواحد ؛ فإنّ كلا من المستام والأخذ بأغلى الثمن ورد في خبر على حدة ، فالأوّل في خبر غياث عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام أنّه سئل في رجل ينظر إلى محاسن المرأة يريد أن يتزوجها. قال : « لا بأس ، إنّما هو مستام ». (١)

والثاني في خبر عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد أن يتزوج امرأة ، أينظر إلى شعرها؟ قال : « نعم يريد أن يشتريها بأغلى الثمن ». (٢)

والمستام من السوم الذي في المبايعة. يقال : سمت بالسلعة ، وساومت ، واستمت بها وعليها ، [ غاليت واستمته ايّاها وعليها ] سألته سومها (٣) وهي في معرض شرائي والمراد بأغلى الثمن صرفه عمره في كسوتها ونفقتها. وقوله : « فإنّه مستام » علّة لكونه في معرض الغرر. وفي جعله علّة له دون تجويز النظر كما هو [ في ] الخبر إشارة إلى توجيه التعليل في الخبر حيث إنّ الاستيام والأخذ بأغلى الثمن لا يصلحان علّتين لتجويز النظر إلّا بواسطة انتفاء الغرر به.

قوله : إلى الزندين.

متعلّق بالظاهر والباطن. والزند موصل الذراع من الكف.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٨٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٨٩.

(٣) القاموس : ٤ / ١٣٣.


قوله : نظره كذلك.

أي : النظر [ إلى ] الرجل الذي يريد نكاحها مختصّا بالوجه والكفّين قائما وماشيا.

قوله : مرسلا.

يحتمل أن يكون حالا عن الرواية ، فيكون اسم مفعول ، وأن يكون حالا عن الراوي فيكون اسما للفاعل ، وقوله : « عن الصادق عليه‌السلام ». متعلّق بالرواية ، دون الإرسال.

قوله : وهي مواضع الزينة.

الوجه يزيّن العين فيه بالكحل والوسمة ، والاذن يزين بالقرط ، والرقبة تزين بالقلادة ، والكف يزين بالخاتم والخضاب ، والزند يزيّن بالسوار ، والقدم يزيّن بالخلخال. وروى علي بن إبراهيم في كتاب تفسيره في تفسير الزينة : « إنها الثياب ، والكحل ، والخاتم ، وخضاب الكف والسوار » ثمّ قال : « هذا زينة الناس ، وأمّا زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها ، والدملج وما دونه ـ والدملج ما يشدّ في العضد ـ والخلخال وما أسفل منه ». (١)

وقوله : « إذا لم يكن متلذذا » متعلّق بجواز النظر ، وهو أيضا تتمّة الحديث.

قوله : وغيره.

هو ضعف الراوي ؛ فإنّ بعض رواتها ضعيف. أو المراد بغيره : إجمال متنها حيث إنّه وقع الخلاف في معنى المحاسن : فقيل ؛ إنّه الوجه والكفان. وقيل : هما مع القدمين. وقيل : كلّ الجسد إلّا العورتين. ولا شك أنّ الإجمال يمنع من العمل بالرواية. ثمّ إنّ على الشارح هنا مؤاخذة ، وهي أنّ جواز النظر إلى الشعر والمحاسن كما ورد فى رواية عبد الله بن الفضل كذلك ورد في روايتي عبد الله بن سنان ، وغياث المتقدّمين ، فما وجه تخصيص الرواية؟

وتفريقهما في الروايتين لا يدل على أنّ المصنّف أراد تلك الرواية.

قوله : ويشترط العلم.

أي : يشترط في جواز النظر إلى الوجه والكفّين.

قوله : والتحريم.

أي : تحريم النكاح مؤبّدا كالمطلقة تسعا ، أو المزنيّ بها حين تزوجها ، أو حال النظر كاخت الزوجة.

__________________

(١) تفسير القمّى : ٤٥٥ ، الطبع الحجرى الوزيرى وليس فيه تفسير الدملج.


قوله : فلا يجوز الاستنابة فيه.

أي : استنابة الرجل ، وأمّا استنابة المرأة فجائزة إجماعا ، بل مستحبّة مع تعذّر نظره كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله : وأن لا يكون بريبة.

أي : مع ريبة ، والمراد بالريبة خوف الوقوع في المحرّم.

قوله : أن يستفيد بالنظر.

أي : يستحصل.

قوله : قبله.

أي : قبل النظر. وينبغي أن يقيّد أيضا بعدم احتمال التبدّل والتغير. أو المراد بحالها :حالها حينئذ.

قوله : لم يصح.

أي : لم يصح الحكم بجواز النظر. أو المعنى : لم يجز ؛ فإن الصحّة تستعمل بمعنى الجواز.

أو يراد بالصحّة معناه اللغوى أي : لم يكن نظرا صحيحا خاليا عن العيب والفساد.

قوله : وهو حسن.

أي : بحسب الاعتبار (١) العقلي ، وإن لم يكن حسنا بحسب إطلاق النص.

قوله : وأن يكون الباعث.

قال بعض المحشين : أي : يشترط أن يكون الباعث على النظر إرادة التزويج بأن يريد التزويج أوّلا ، ثم ينظر ، دون العكس ، وهو أن يكون النظر باعثا على التزويج كأن يقصد أنّه إذا نظرها وأعجبته يتزوّجها. قال : فقال الشارح : « هذا ليس بجيّد ؛ لأن المعتبر قصد التزويج » ، وفي صورة يريد التزويج أوّلا ثمّ ينظر يتساوى مع العكس في عدم التزويج مع عدم الرضا بها بعد النظر ، وكذا إذا اعجبته في الصورتين.

أقول : إنّه فهم من العكس أن لا يكون النظر باعثا على العزم والجزم على التزويج وإن أراده قبل النظر وقصده يعني : يشترط أن يكون أوّلا عازما جزما على التزويج لا أن يجزم

__________________

(١) فى الاصل : بحسب الاعتقاد بالاعتبار.


عليه بواسطة النظر والإعجاب. ولا يخفى أنّ هذا ممّا لا يقول به أحد ؛ إذ لو كان عازما جازما فما فائدة النظر وهل فائدته إلّا أن يجزم بسببه ، بل مراد المشترط أنّ جواز النظر وإباحته مشروط بأن ينظر لإرادة التزويج ، فتكون إرادته باعثة على النظر. فلو لم تكن له إرادة أصلا ونظر إليها ، وإذا نظر اعجبته فأراد تزويجها لم يكن ذلك النظر مباحا ، وإن جامع إرادة التزويج حال النظر ، إذ باعثه لم يكن إرادة التزويج. وردّ الشارح ليس على العكس ؛ لأنّه صحيح ، بل على جزئه الأوّل ، وهو كون الباعث على النظر إرادة التزويج يعني : أنّ اشتراط ذلك ليس بجيّد ، بل متى أراد نكاحها يجوز نظره إليها ، وإن لم يكن الباعث على النظر إرادة التزويج ، بل نظر إليها لما سمع من حسنها وجمالها ، أو استقامة قدّها ، أو نحو ذلك ، فالمعنى : أنّ المعتبر في تجويز النظر قصد التزويج قبل النظر كيف كان الباعث على النظر. ويمكن أن يكون الشارح حمل الشرط على معنى آخر ، وهو أن يكون مراد المشترط : أنّه يشترط في جواز النظر أن تكون إرادة التزويج باعثا عليه ، ولم يكن عكس ذلك بأن ينظر إليها بعد تلك الإرادة ثانيا ، فردّه بأنّ هذا ليس بجيّد ؛ لأنّ المعتبر في تجويز النظر قصد التزويج قبله ، وإن كان الباعث على ذلك القصد نظر آخر.

قوله : أمة الغير.

قيّد به ؛ لأنّه يجوز نظره إلى أمة نفسه لشهوة أيضا ، فيعلم أنّ المراد أمة الغير.

قوله : بطريق أولى.

متعلّق بقوله : « غيرها من الكفّار » فإنّه إذا جاز النظر إلى الذمّية التي لهم أمان يجوز النظر إلى غيرهم بالطريق الأولى.

قوله : لمنافاته لحكمة النكاح.

لا يخفى أنّ في منافاة مطلق العزل لحكمة النكاح نظرا ظاهرا ؛ إذ لو لم يعزل مرّة أو مرارا ، وتحقّق الاستيلاد يتحقّق حكمة النكاح ، ولا تثبت حرمة العزل بعده ، ولا في الحامل والعقيم واليائسة.

قوله : المرجوح الذي لا يمنع إلى آخره.

المراد بالمرجوح : مطلوب الترك. والمراد بالنقيض نقيض الترك أي : مطلوب الترك الذي لا يمنع من ترك تركه.


قوله : فلا تصلح حجّة للمنع.

« الفاء » في قوله : « فلا تصلح » للاستيناف ، وهذه جملة مستأنفة ، وليس من تتمّة ما قبلها ؛ لأنّ ما قبلها إنّما هو لبيان عدم الحرمة وإثبات الكراهة ، وهو قد يثبت بما ذكر ، وتمّ المطلوب.

قوله : على تقدير الحقيقة.

اعلم أنّ في لفظ « الكراهة » على تقدير كونه حقيقة [ في ] التحريم ثلاثة احتمالات :كونه حقيقة في التحريم خاصّة وكونه حقيقة فيهما بالاشتراك اللفظي ، وكونه حقيقة فيهما بالاشتراك المعنوي. ولمّا ادّعى أوّلا كونه حقيقة في المرجوح الذي لا يمنع من النقيض انتفى الاحتمال الأوّل ، ولم يبق إلّا الأخيران ، فيصحّ تفريع الاشتراك على كونه حقيقة في التحريم ، والمراد به : الاشتراك اللفظي أو المعنوي.

قوله : من دلالة التحريم.

هو من باب إضافة المصدر إلى المفعول.

قوله : أي : للمرأة خاصّة.

أي : من دون اشتراك الرجل الذي هو الوالد.

قوله : وكذا يكره لها العزل.

والمراد بعزلها : إمّا جذب نفسها حتّى يفرغ مني الرجل خارج الفرج ، أو جذب نفسها هي بانزالها قبل إنزال الرجل حتّى يخرج منيها ، ولم يحصل منه الولد ، والأوّل أظهر.

قوله : مقتضى الدليل الأوّل.

وهو المنافاة للحكمة ، والدليل الثاني هو ما ذكره بقوله : « فلا تصلح حجة للمنع » أي :الصحيحة المذكورة.

قوله : لو قلنا به منه.

أي : بتحريم العزل من الزوج. فلفظة « من » متعلّقة بالعزل المقدّر. وإنّما خصّ احتمال التحريم بما إذا قلنا به من الزوج ، للإجماع المركّب ، فإنّ كلّ من نفى التحريم عن الزوج نفاه من الزوجة أيضا.


قوله : والأخبار خالية عنه.

هذا أيضا من تتمّة الدليل على التحريم ؛ أي : مقتضى الدليل الأوّل ذلك والأخبار الواردة في العزل الدالّة كلّها على جوازه خالية عن عزل المرأة ، فيبقى الدليل الاوّل بلا معارض.

قوله : ومثله القول في دية النطفة.

أي : مثل العزل منها. فإن قلنا بكراهته تكون الدية مستحبّة ، وان قلنا بحرمته [ فهى واجبة ] (١) فالمماثلة في مجرّد اللزوم وعدمه ، وإن كان في المشبّه به في الترك ، وفي المشبّه في الفعل. أو مثل التحريم القول في دية النطفة في أنه يرد فيها أنّها هل تجب ، لو قلنا بوجوبها في عزل الرجل.

قوله : ففي سقوطها وجهان.

أحدهما : السقوط مطلقا. والثاني : السقوط مع العود بالتطليق أو التعذّر ، ولمّا كان قيد الوجه الثاني مجملا بينه بقوله : « فإن طلقها الثاني ». وليس المراد بالوجهين : السقوط المطلق وعدمه كذلك حتّى يكون قوله : « فإن طلّقها » من تتمّة الأوّل ، لأنّ الوجه الثاني حينئذ يكون مغنيا مما ذكره : « مع احتمال وجوبها على المفضي مطلقا ».

قوله : وفي الأمة الوجهان.

هذه العبارة تحتمل وجهين :

أحدهما : أنّ في الأمة من جهة ثبوت التحريم والإنفاق من حيث الإفضاء وجهين :ثبوت الحكم بالتحريم والإنفاق من حيث الإفضاء ، وإن وجب من حيث إنّها أمته [ أيضا ] ، وعدمه وهي أولى بالتحريم والإنفاق من الأجنبية ؛ لكونها أقرب إلى موضع النص الذي هو الزوجة من الأجنبية ، فالتحريم فيها أولى. والمراد بقوله : « ويقوى الإشكال في الإنفاق » قوّته بالنسبة إلى الإشكال في الإنفاق من حيث الإفضاء قبل العتق ، وهو لا ينافي في عدم الإشكال في الإنفاق من حيث إنّها مملوكته.

__________________

(١) فى الاصل : مستحبّة.


وثانيهما : أنّ في الأمة وجهين في تحريمها دون الإنفاق ؛ لأنه واجب البتة كالزوجة إذا لم يطلقها. ويقوى الإشكال في انفاقها في صورة العتق كأن يشكل في الزوجة حين الطلاق ، والإشكال هنا أقوى ؛ لخروجه من موضع النص. فعلى الأوّل تكون قوّة الإشكال هنا بالنسبة إلى اشكال الإنفاق من حيث الإفضاء قبل العتق. وعلى الثاني تكون بالنسبة إلى إشكال الإنفاق على الزوجة بعد الطلاق.

قوله : في الجميع.

أي : في الزوجة ، والأجنبية ، وقبل التسع وبعدها ، وبالوطء وغيره.

قوله : ليلا.

لا يخفى أن الليل كان داخلا في معنى طرق ، لأنّ الطروق هو الإتيان بالليل ، فانسلخ هنا عن جزء معناه مجازا.

قوله : وقيّده.

أي : قيّد الكراهة ، أو السفر ، أو الطروق.

قوله : وقد ورد بهما القرآن.

أي : بالتزويج والنكاح. أي : ورد فيه استعمالهما في العقد ، فيكونان حقيقتين فيه ؛ لأنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة وإن كانا حقيقتين ينعقد بهما النكاح ؛ لانعقاده بكلّ ما كان حقيقة فيه.

قوله : لكونه حقيقة في المنقطع.

أي : لأنّه إذا استعمل في المنقطع يكون حقيقة بالاتفاق. والمراد : أنّه حقيقة باعتبار الأمر الكلّي الذي يكون المنقطع فردا منه ، فليس المراد ؛ أنّه حقيقة في المنقطع من حيث الخصوصية حتّى ينافيه قوله : « فيكون حقيقة في القدر المشترك ».

والمستتر في « توقف » ، للمنقطع. والضمير في قوله : « معه » للأخير أي : وإن توقّف المنقطع مع هذا اللفظ على الأجل أيضا.

ويحتمل كون المستتر للأخير ، والضمير لكونه حقيقة أي : وإن توقّف صحة الأخير في المنقطع ، مع كونه حقيقة فيه على ذكر الأجل.


والأوّل أظهر. والمراد بأحدهما : أحد الأوّلين. والضمير في « فيه » للمنقطع ، وفي « ميّزه » لأحدهما ، وفي « به » للأجل.

والتشبيه في كون الاستعمال حقيقة يعني : كما أنّه لو عبّر بأحدهما وميّز بالأجل يكون حقيقة ولا ينافي الاحتياج إلى المميز ، لكون الاستعمال حقيقيا كذلك في الأخير لا ينافيه التوقّف على ذكر الأجل. والمراد بأصل اللفظ ؛ لفظ الأخير. وبالنوعين : الدوام والانقطاع. والجملة تفريع على مجموع كونه حقيقة في المنقطع ، وتوقّفه على ذكر الأجل. ومعنى الاستدلال والتفريع هكذا : يكتفى بهذا اللفظ ؛ لأنّه من الألفاظ الحقيقية للنكاح ؛ لأنّه إذا استعمل في المنقطع يكون حقيقة بالاتّفاق ، وإن توقف صرفه إليه إلى ذكر الأجل ، فيعلم أنّ اللفظ صالح للنوعين ؛ إذ يعلم من استعماله في المنقطع حقيقة صلاحيته له ، ومن توقّف الصرف إليه إلى ذكر الأجل عدم اختصاصه به ، والّا لم يحتج إلى القرينة ، فيكون صالحا لغير المنقطع أيضا وهو الدائم فيكون صالحا للاستعمال في النوعين حقيقة. ومثل ذلك يكون للقدر المشترك بينهما ، وينصرف إلى أحد الفردين بذكر الأجل وعدمه.

قوله : لأنّه حقيقة في المنقطع شرعا إلى آخره.

هذه العبارة تحتمل معنيين :

أحدهما : أنّه حقيقة في المنقطع بخصوصه ؛ لا من حيث الفردية شرعا فيلزم أن يكون مجازا في الدائم مطلقا أي : من حيث الخصوصية ومن حيث الفردية حذرا من الاشتراك اللفظي بين النوعين على الأوّل ، وبين المنقطع والقدر المشترك على الثاني ؛ فإن المجاز خير من الاشتراك.

وثانيهما : أنه حقيقة في المنقطع شرعا وهو في نفسه وإن احتمل أن يكون من حيث الخصوصية حتّى يكون مجازا في الدائم مطلقا ، ومن حيث الفردية حتّى يصح استعماله فى الدائم حقيقة أيضا ، ويكون حقيقة ، الّا أنّ أولوية المجاز من الاشتراك مطلقا ، المعنوي واللفظي يدلّ على كونه حقيقة من حيث الخصوصية ، ومجازا في الدائم مطلقا وعدم صحّة استعماله فيه حقيقة ، لا من حيث الخصوصية ولا من حيث الفردية ؛ إذ على الأوّل يلزم الاشتراك اللفظي ، وعلى الثاني المعنوي.


قوله : ولا يكفي ما يدلّ بالمجاز.

دفع لاعتراض مقدّر ، وهو أنّه يكفي اعتباره مجازا ؛ فإنّه أيضا ممّا يصحّ استعماله. فدفعه : بقوله : « حذرا من عدم الانحصار ». وهو أيضا يحتمل معنيين :

أحدهما : الحذر من عدم انحصار المعنى المجازي ، فإنّه متعدّد ، فلا يتعيّن النكاح الدائم الذي هو المقصود.

وثانيهما : الحذر من عدم انحصار اللفظ المجازي في « متعتك » ، فيلزم جواز إيقاع العقد بكلّ لفظ مجازي ، مع أنّهم لا يقولون به.

ويمكن ردّ الأوّل ؛ بإمكان التعيين بالقرينة ، إلّا إذا كان المراد انعقاده بمجرّد « متعتك ». وردّ الثاني : بأنّه وإن لزم جواز العقد بكل مجاز ، إلّا أنّه خرج ما خرج بالدليل ، فلا يتعدى إلى ما لم يخرجه الدليل.

قوله : وما روي من جواز مثله في المتعة إلى آخره.

الروايات بذلك كثيرة في المتعة ، منها : ما رواه أبان بن تغلب. قال : سألت أبا عبد الله كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : « تقول : اتزوجك متعة على كتاب الله كذا وكذا يوما » إلى أن قال : « فإذا قالت : نعم ، فهي امرأتك ». قلت : فإني استحيي أن أذكر شرط الأيّام. قال : « هو أضرّ عليك ». قلت : وكيف؟ قال : « إنّك ان لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة وكانت وارثة ». الحديث. (١)

وإنّما قال الشارح : « مثله » أي : مثل « اتزوّجك » ، مع أنّ المروي هو بعينه « اتزوّجك » ؛ لأنّ المذكور « أتزوّجك » مطلقا من دون قيد المتعة ، والمروي : « اتزوجك متعة ». والمقيّد غير المطلق ، نعم يتماثلان في المستقبلية. ويمكن أن يكون المراد بقوله : « مثله » : مثله في عدم الماضوية ، وتكون الرواية إشارة إلى جميع روايات المتعة حيث إنّه ورد في بعضها بلفظ الأمر أيضا قال : « تقول زوجيني نفسك ، وهي تقول : نعم ». (٢)

قوله : ليس صريحا فيه مع مخالفته للقواعد إلى آخره.

الضمير المجرور إمّا للعقد الدائم ، أو لجواز مثله. فالمراد على الأوّل : أنّ ما روي في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢١ / ٤٣ و ٤٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢١ / ٤٤ ، وليست فيه الجملة الاخيرة.


المتعة ليس صريحا في العقد الدائم ، فيحتمل جوازه في المتعة ، دون الدائم. وعلى الثاني ؛ أن ما روي ليس صريحا في الجواز ؛ لما ذكره المحقّق الشيخ علي في شرحه على القواعد قال :

ولا دلالة فيها ؛ لأنّه إن كان المراد صيرورته امرأته بهذا اللفظ لزم صحّة المتعة بدون الإيجاب ؛ لأن « نعم » في جواب القبول لا يكون إيجابا. وإن كان المراد بلفظ آخر وهذا حكاية عنه ، فلا دلالة على أن ذلك اللفظ بصيغة المستقبل. انتهى.

والضمير في مخالفته لما روي. والقواعد الّتي تخالفها الرواية :

إحداها : ما أشار إليه المحقّق المذكور من لزوم الصحّة بدون الايجاب.

وثانيها : ما ورد في آخر الرواية من أنّ بدون ذكر الأيّام يصير تزويج مقام وعقد دوام ؛ فإنّه يخالف القاعدة المشهورة من أنّ العقود تابعة للقصود.

قوله : أنّ الإيجاب من المرأة.

لا يخفى أنّ هذا لا يتمّ فيما إذا وكّل المرأة في العقد. وصرّح في شرح القواعد بأنّ بقاء جواز التقديم مع الوكيل والولي طرد للباب.

قوله : ومن ثمّ ادّعى.

المدّعي هو الشيخ في المبسوط.

قوله : وهو حينئذ في معنى الإيجاب إلى آخره.

أي : يكون معنى قوله : « تزوّجت » جعلت نفسي زوجا ، و « نكحت » جعلت نفسي ناكحا ، لا قبول زوجية الزوجة أو منكوحيّتها.

قوله : بل أولى.

لأنّ أمر الفروج أشد من غيرها.

قوله : أن يقام مقامه.

الضمير إمّا للعربي ، أو للمترادف حيث إنّ الترادف يكون بين اللفظين أي : يصحّ أن يقام المترادف مقام المترادف.


قوله : إلى فهم المتعاقدين.

قد يتوهّم أنّ الصحيح أن يقول : الغرض إيصال أحد المتعاقدين المعاني المقصودة إلى فهم الآخر ؛ لأنّ المتكلّم لا يوصل المعنى إلى فهمه.

وفيه ؛ أنّ معنى إيصال المتكلّم المعنى إلى نفسه : إرادته من اللفظ وتصويره وقصده بواسطة اللفظ ، فيصحّ أن يقال : غرضه إيصاله إلى فهمه وفهم الآخر ، مع أنّه يمكن أن يكون المراد : أنّ غرض الشارع من بناء الصيغة [ ايصال ] المعاني إلى فهمهما ، لا غرض أحد المتعاقدين.

قوله : وهما ممنوعان.

أي : التعليلان. أمّا الأوّل : فإمّا لمنع كون اللغتين المختلفتين من قبيل المترادف ، لأنّ الظاهر من المترادفين ما كانا من لغة واحدة ، وإمّا لمنع صحّة قيام أحد المترادفين مقام الآخر.

وأمّا الثاني : فلمنع أنّ الغرض إيصال المعاني المقصودة فقط ؛ لجواز أن يكون الغرض إيصال المعاني بلفظ خاص كما في تكبيرة الإحرام وسائر أذكار الصلاة.

قوله : واعتبر ثالث.

كون ذلك ثالثا باعتبار أنّ الأوّل اشتراط العربيّة مطلقا صحيحة كانت أو غير صحيحة. والمراد بالملحون ما كان الغلط فيه في الاعراب وبالمحرف ما كان في الحروف.

قوله : ويسقط مع العجز عنه.

أي يسقط العربي او يسقط الصحيح مع العجز عنه والظاهر هو الاول والضمير في قوله :« به » راجع إلى العجز بالرخصة في غير العربي.

قوله : ويعتبر في العاقد الكمال.

أي : فيمن يجري الصيغة سواء كان زوجا ، أو زوجة ، أو وكيلا لأحدهما أو وليا له.

والمراد بالكمال ؛ البلوغ والعقل.

قوله : وخصّه بالذكر.

أي : خصّ السكران بالذكر ، ولم يذكر الصبي ولا المجنون.


قوله : على ردّ ما روي.

هو ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ ، فسكرت ، فزوجت نفسها رجلا في سكرها ، ثمّ أفاقت ، فأنكرت ، ثمّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه ، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج أحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر ، ولا سبيل للزوج عليها؟ فقال عليه‌السلام : « إذا قامت بعد ما أفاقت فهو رضا منها » قلت : ويجوز ذلك التزويج عليها؟ قال « نعم ». (١)

قوله : أو دخل بها إلى آخره.

عطف على قوله : « زوّجت » والضمير في : « أقرته » إمّا للدخول أو الزوج. ويحتمل بعيدا أن يكون عطفا على قوله : « أفاقت » والضمير المنصوب حينئذ يمكن أن يكون للتزويج أيضا. ثمّ صريح هذه العبارة كعبارة النافع أيضا : أن الدخول وتقريره أيضا مروي مع أنّه ليس في الرواية المذكورة الصحيحة عنه عين ولا أثر له ، ولم نعثر على رواية اخرى متضمّنة له ، مع أنّ ظاهر قوله أنّه في هذه الرواية الصحيحة ، ولا يحضرني حينئذ توجيه للعبارة. والله أعلم.

قوله : إيجابا وقبولا.

إن قلنا بأنّ الإيجاب ما كان من جانب الزوجة أو يجب كونه منها يكون قوله : « إيجابا وقبولا » متعلّقا بقوله : « عن غيرها ». وإن قلنا بأنّه لا يختصّ بها يكون متعلقا به وبما قبله.

قوله : مطلقا.

أي : في الرشيدة وغيرها ؛ لئلّا يتوهّم أن قوله : « في نكاح الرشيدة » متعلّق بالشاهدين أيضا ، فلا يجوز نكاح غير الرشيدة بدون الشاهدين.

وإنّما قيّد بـ « الدائم » مع أنّه لا يشترط في المتعة أيضا لمكان قوله : « وإن كانا أفضل » فإنّه قرينة على إرادة المصنّف النكاح الدائم ؛ لعدم أفضلية الشاهدين في المتعة.

قوله : اشترطهما فيه.

الضمير المجرور للنكاح الدائم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٤.


قوله : بالإشارة.

المراد : أعمّ من الإشارة الخارجية ، أو الذهنية ، فتشمل ما إذا انتفت الامور الثلاثة في الخارج ، ولكن يعيّن في ذهنهما وقصدهما كأن يقول : انكحت بنتي وأراد البنت المعينة.

قوله : وإن عيّن في نفسه.

أي : عيّن الأب الزوجة في نفسه. ويجب أن يكون الزوج أيضا عالما بتعيين الزوجة عند الأب في نفسه ، والا لم يكن لاختلافه في المعقود عليها معنى ، ثمّ اختلافهما في المعقود عليها يتصوّر على ثلاثة وجوه.

أحدها : أن لا يعيّنها الزوج في نفسه ، وقبل ما عيّنه الأب ، ولكن قال بعد النكاح : أنت قصدت الصغرى مثلا وصارت هي زوجتي. وقال الأب : بل أنا قصدت الكبرى ، فوقع قبولك عليها.

وثانيها : أنّ يعيّنها الزوج في نفسه أيضا ، وادّعى أنّ مقصودي ومقصودك الصغرى.

وقال الأب : مقصودي ومقصودك الكبرى. والاختلاف على هذين الوجهين بمعنى التنازع.

وثالثها : أن عيّن كلّ منهما في نفسه ، ولكن كان المعيّن مختلفا ، فعيّن الأب الكبرى ، والزوج الصغرى ، فيكون الاختلاف حينئذ بمعنى التغاير.

قوله : وفيها على تقدير قبول.

أي : ومذكور في الرواية على تقدير قبول قول الأب. وهو تقدير ان كان الزوج رآهنّ أنّ على الأب فيما بينه إلى آخره.

ومتن الرواية هكذا : قال : سألته عن رجل كنّ له ثلاث بنات ، فزوج إحداهنّ رجلا ، ولم يسم التي زوّج للزوج ولا للشهود ، وقد كان الزوج فرض لها صداقا ، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج وبلغ الزوج أنّها الكبرى ، فقال الزوج : إنّما تزوجت منك الصغيرة من بناتك. فقال الباقر عليه‌السلام : « إن كان الزوج رآهنّ ، ولم يسمّ له واحدة منهنّ فالقول في ذلك قول الأب ، وعلى الأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى ان


يزوجها ايّاه عند عقدة النكاح وان كان الزوج لم يرهنّ كلّهن ، ولم يسم له واحدة منهنّ عند عقدة النكاح ، فالنكاح باطل ». (١)

قوله : بينه وبين الله تعالى.

يعني : أنّ الأب إذا قدّم قوله ، وحلف ، لم تصر التي حلف عليها زوجة له في الواقع لو لم يكن ينوها ، بل يجب عليه تسليم من نواها. وإنّما ذكر الشارح هذا الجزء من الرواية ، دون باقيها ؛ لأنّ الباقي هو مضمون ما ذكره المصنّف ، ولكن لم يذكر هذا الجزء ، فيحتمل أن يتوهّم أنّ مع الحلف يصير المحلوف عليها زوجة للزوج ، فذكر هذا الجزء ؛ لدفع ذلك التوهم.

قوله : بأنّه إذا لم يسم للزوج واحدة منهنّ إلى آخره.

قد عرفت أنّ المفروض علم الزوج بالتعيين عند الأب ، والّا فلا معنى لاختلافه في المعقود عليها. وعلى هذا فلا أثر لعدم التسمية في البطلان أصلا ، ولذا لا يحكم بالبطلان في صورة الاختلاف بأحد الوجهين الأوّلين. وأمّا على الوجه الأخير ، وإن حكم بالبطلان ؛ ولكن لا لأجل عدم التسمية للزوج ، بل اختلاف المقصودين ، وتغاير محلّ الإيجاب والقبول.

قوله : لما تقدّم.

إشارة إلى ما ذكره بقوله : « لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معيّن » ؛ فإنّه إذا لم يسم للزوج واحدة منهنّ ، فتكون الزوجة غير معيّنة عند الزوج ، فلا يكون محلّ القبول معيّنا ، ولا يكفي تعيين محلّ الإيجاب ؛ لوجوب اتّحاد مورد الإيجاب والقبول ، فإذا كان المحلّ للقبول غير معيّن وهو مبطل للعقد ، يكون العقد باطلا.

قوله : والرواية مطلقة.

الظاهر أن قوله : « اعمّ من عدمه » منتهى الإشكال. وقوله : « والرواية » ابتداء تحقيق له. وحاصله : أنّ الرواية الواردة في المقام مطلقة بالنسبة إلى الرضا وعدمه ، وهو موجب للحكم المذكور فيها مطلقا ، والرؤية غير شرط في الصحّة ، وهو موجب لعدم اعتبار

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٥ ، مع اختلاف يسير.


الرواية مطلقا وطرح الرواية ، وتخصيص الرواية بصورة الرضا ، وإن أوجب تنزيلها على محلّ صحيح ، ولكنّه لا دليل عليه ، فاللازم أحد الأوّلين إمّا متابعة إطلاق النص أو متابعة اصول المذهب. وإنّما جعلنا قوله : « الرواية » مبتدأ الكلام ، دون تتمّة الإشكال ؛ إذ لا مدخلية لقوله : « والرؤية غير شرط في الصحّة » في الإشكال أصلا ، بل لا يلائمه ، وإنّما هو يناسب ما بعده من تفريع قوله : « العمل » إلى آخره على ذلك.

قوله : قبول قول الأب مطلقا.

أي : سواء رآهنّ الزوج أم لا. وقوله : « أن الاختلاف في فعله » تعليل لتقديم قول الأب. وقوله : « وأنّ نظر الزوجة » إلى آخره تعليل لقوله : « مطلقا ».

قوله : ولا فرق بين كون النكاح بمهر المثل وعدمه.

أي : النكاح الذي يريده البنت ، وعضل عنه الأب.

قوله : ولا خيار له معه.

أي : مع المولى ، أو مع تزويج المولى.

قوله : إجباره عليه مطلقا.

أي : عبدا كان أو أمة ، صغيرا أو كبيرا. وفيه ردّ على ما نقله يحيى بن سعيد في الجامع حيث قال : « وقيل : ليس له إجباره » يعني : العبد الكبير.

قوله : ولو تحرّر بعضه.

لا يخفى أنّه يأتي هذا الحكم من المصنّف بعينه في آخر المسألة السابعة ، فلا وجه لذكره هنا.

قوله : على الصغير مطلقا.

أي : سواء كان خاليا عن الأب والجد أو لا.

قوله : اختار المصنّف هنا انتفاءها مطلقا.

الظاهر أنّه استفاده من التفصيل حيث فصّل حكم ولاية القرابة ، والملك والحكومة والوصية ، فاثبت الاولى للصغيرة ، دون الاخر ، والتفصيل قاطع للشركة.

قوله : مع التنصيص أو مطلقا.


وجه ترديده : أنّ المصنّف في شرح الإرشاد نقل أوّلا القول بثبوت الولاية مع التنصيص عن الشيخ في الخلاف ، ثمّ قال : « واختاره المصنّف في المختلف ». ثمّ قال : « بل ظاهر مذهبه ـ أي : المختلف ـ أن الوصي مطلقا يتولّاه ». ثمّ ذكر كلاما فقال : « والمختار مذهبه في المختلف ». انتهى.

فلما نسب أوّلا إلى المصنّف اختيار التفصيل ، ثمّ قال ثانيا : أن ظاهر مذهبه الإطلاق.

فيتردّد أنّ مذهبه الذي اختار بقوله : « والمختار مذهبه في المختلف ». أيّ منهما.

قوله : وقبله العلامة في المختلف.

أي : اختار الجواز مع التنصيص ، أو مطلقا قبل المصنّف ومقدّما عليه العلّامة في المختلف.

قوله : لأنّ تصرفات الوصي منوطة بالغبطة.

أي : تصرّفاته دائرة مدار الغبطة ، فكلّ ما كان غبطة الصغير يجوز ، وما لم يكن لم يجز ولازمه جواز نكاحه إذا كان غبطة ، وللمانع منع الإناطة والدوران فنقول : كلّ ما يجوز فيه التصرف له يجب أن يكون غبطة ، ولا عكس ، بأن كلّ ما كان غبطة يجوز فيه تصرّفه.

قوله : لعموم فمن بدّله.

الظاهر أنّ مراده من العموم : العموم الإطلاقي الحاصل للوصية من الضمير البارز في « بدّله » ؛ فإنّه بإطلاقه يشمل وصيّة المال ووصية النكاح.

ويمكن أن يكون المراد : العموم الاستغراقي الحاصل لـ « من » الموصولة ، فإنّه بعمومه يشمل من بدّل وصيّة النكاح أيضا من الصغيرين بعد كبرهما ، ولا يخفى أنّ في كلّ من العمومين نظرا ظاهرا.

قوله : وذكر الأخ غير مناف.

[ دفع ] دخل مقدّر تقديره ؛ أنّ ذكر الأخ مع الوصي ينافي إرادة ولي النكاح من الذي بيده عقدة النكاح ؛ إذ الأخ ليس ولي النكاح إجماعا.

ودفعه : بأنّ الأخ ليس باقيا على إطلاقه ، بل هو مقيّد بالأخ الذي كان وصيّا بأن يرجع ضمير « إليه » في قوله : « يوصى إليه » إلى كلّ واحد من الرجل والأخ ، فلا يعلم المنافاة ، وهو


حسن. ولكن الرواية بعد « الرجل يوصى إليه » ذكر وكيل المرأة في المال أيضا ، وهو أيضا ليس ولي النكاح قطعا. وتخصيصه بالوكيل في النكاح أيضا ليس بأولى من ارتكاب تجوّز في الذي بيده عقدة النكاح ، أو تقييد في الرجل الوصي بكونه جدّا أو حاكما.

قوله : ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى آخره.

عطف على قوله : « ولرواية أبي بصير ». أي : ولانّ الحاجة قد تدعو إلى نكاح الولي للصغير ؛ لتعذّر تحصيل كفوه كلّما يراد النكاح او يراد تحصيل الكفو ، فلو لم يزوّج حينئذ يمكن أن يبقى بلا كفو ، فيحمل ( كذا ) بتزويجه. وقوله : « حيث يراد » إمّا ظرف للتعذّر أو لتحصيل الكفو.

قوله : خصوصا مع التصريح بالولاية فيه.

أي : مع تصريح الموصي بولاية الوصي في النكاح. وهذا متعلّق بقوله : « وهو حسن » يعني الجواز مع التنصيص أو مطلقا حسن ، فله الولاية المذكورة خصوصا مع التنصيص حيث إنّه يجري فيه جميع هذه الأدلّة مع الزيادة ، وهو ما ذكروه من أنّ الوصية بالنكاح كالوصية في المال ، فاذا نفذت فيه تنفذ فيه أيضا ، ومن أنّ بعد التنصيص تنتقل الولاية من الموصي إلى الوصي ، فلا تنقطع الولاية حتّى يحتاج عودها إلى دليل.

مسائل

المسألة الاولى

قوله : فيجوز إخلاؤه عنه.

الضمير في قوله : « عدمه » وفي « فيه » للصداق ، دون الذكر.

قوله : فاشتراط الخيار فيه إلى آخره.

تفريع على جواز الإخلاء واشتراط العدم ، يعني : إذا جاز العقد بدون الصداق ، فلا يكون الصداق من لوازمه ، ولا من جزء حقيقته فلا يكون شرط الخيار منافيا لمقتضى العقد ، اذ المنافي له ما كان إمّا مخالفا لذاته أو للوازمه. وهذا ليس شيئا منهما ، وإذا لم يكن منافيا لمقتضى العقد ، فلا يكون مخصّصا من عموم « المؤمنون عند شروطهم » ؛ إذ لم يخرج


من عمومه إلّا أربعة إجماعا : الشرط المخالف للكتاب والسنّة ، أو المحلّل للحرام ، والمحرّم للحلال ، أو المؤدّي إلى جهالة أحد العوضين ، أو المنافي لمقتضى العقد. وعدم كون شرط هذا الخيار من الثلاثة الاول ظاهر. فلو توهّم عدم الجواز لكان للأخير ؛ وإذ عرفت أنّه ليس منه أيضا ، فيكون باقيا تحت العموم.

قوله : ولا يجوز اشتراطه في العقد.

بمعنى ؛ أن يشترط خيار فسخه لعقد النكاح.

قوله : لأنّه ملحق بضروب العبادات.

وذلك ؛ لوقوع الأمر به : فقال سبحانه وتعالى : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (١) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تناكحوا تناسلوا » (٢) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « النكاح سنّتي » (٣) ثمّ إذا كان من العبادات لم يقبل الشرط ؛ للإجماع.

قوله : بأنّ الواقع شي‌ء واحد.

وذلك ؛ لأنّ ذكر الثاني يجعل الأوّل مشروطا ومقيّدا.

قوله : ركنان بمثابة الثمن والمثمن.

الظاهر أنّ قوله : « بمثابة الثمن والمثمن » وصف احترازي لقوله : « ركنان » أي : الزوجان الركنان اللذان بمثابة الثمن والمثمن ، لا الركنان اللذان بمنزلة البائع والمشتري ؛ لأنّ كما أنّ البيع الذي هو مبدأ الاشتقاق يتعلّق بالثمن والمثمن ، دون البائع والمشتري كذا التزويج يتعلّق بالزوج والزوجة. وعلى هذا فكما لا بدّ من تسمية الثمن والمثمن بالاسم ، أو الإشارة ، أو الوصف الرافع للجهالة ؛ للإجماع ، ولتعيين متعلّق المبدأ فكذا في الزوجين في النكاح.

قوله : ولأن البيع يرد على المال.

توجيه هذا الفرق : أنّ البيع لما كان واردا على المال ؛ لأنّه المبيع ، وهو قابل للنقل من شخص [ الى ] آخر ، فيمكن تصحيحه بالبيع للوكيل بقول البائع : بعتك ؛ إذ يمكن أن ينتقل

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) عوالى اللئالى : ٢ / ١٢٥.

(٣) المسالك : ١ / ٤٣٠ ، وعوالى اللئالى : ٢ / ٢٦١.


المبيع بذلك إلى الوكيل ، ثمّ يقول الوكيل : قبلت لموكّلي فينتقل منه إلى الموكّل بمعنى : أن يجعل الشارع القبول له موجبا للنقل منه إليه إذا انتقل ( كذا ) بقصد الوكيل الابتياع له نقله منه إليه ، بخلاف النكاح ؛ فإنّه لعدم قبول النقل لا يتمشّى فيه هذا الاحتمال ، فلا يصحّ التزويج للوكيل. بل يمكن أن يكون الحكم في البيع كذلك مطلقا ، فينتقل من البائع إلى الوكيل ومنه إلى الموكّل ؛ ولذا لو أنكر الموكّل التوكيل وانتفى الانتقال إليه يحكم ببقاء الانتقال إلى الوكيل ولا يحكم بفساد البيع ، بخلاف النكاح. ولا يخفى أنّ الغرض من إبداء هذه الوجوه للفرق ليس بيان دليل الحكمين ، بل الغرض ابداء النكتة ، ولو بالاحتمال ، للحكمين ، فيكفي مجرّد الاحتمال.

قوله : ولأن الغرض في الأموال إلى آخره.

يعنى : أنّ الغرض الكلّي في العقود المتعلّقة بالأموال لما كان تحصيل الأعواض من ايّ مشتركان ، دون خصوص البيع بالشخص المعيّن ، فلم يكن ذكر المبتاع معتنى به. ولما كان الغرض في النكاح خصوص الأشخاص غالبا ، فكان ذكر المتزوّج معتنى به فناسب ذلك عدم اشتراط تسمية خصوص المبتاع في الاوّل واشتراط تسميته في الثاني.

أو المراد : أنّه لما كان كذلك فلم يكن خصوص المبتاع منظورا للبائع ، فكأنّه يبيعه بمن اشتراه ، ويتعيّن المشتري بقبول المبتاع ، فإن قبل لنفسه يكون هو المبتاع ، وإن قبل لموكله يكون هو المبتاع.

قوله : ولأنّ البيع يتعلّق بالمخاطب.

يعني ؛ أنّ البيع عرفا وفي الإطلاقات العرفية يتعلّق بالمخاطب غالبا ، لا لمن له العقد واقعا كما يشاهد في أولياء الصغار ، والأوصياء ، والامناء ، والمتولّين لامور شخص وأمناء التجار في البلاد ، فيقال : إنّ فلانا باع المتاع الفلاني لزيد وإن كان ولي صغير ، أو أمين تاجر ، أو متولي امور شخص ، ولا يقال : باعه لمن اشتري له بذلك الواسطة غالبا ، بخلاف النكاح ؛ فإنّه لا يتعلّق عرفا ، ولا يقال : الناكح ، إلّا لمن له في الواقع أبدا. فناسب ذلك عدم المضايقة شرعا في عدم ذكر من له العقد واقعا في البيع ونحوه والمضايقة فيه في النكاح.

قوله : ومن ثمّ لو قال زوّجتها من زيد.


يعني : أنّه لما كان متعلّق النكاح حقيقة من له العقد ، دون المخاطب ، لو ذكر من له العقد دون المخاطب وقال : « زوّجتها من زيد » وقبله المخاطب الذي هو الوكيل صحّ النكاح ويحنث لو حلف أن لا ينكح ؛ لأنّه يصير بذلك ناكحا عرفا ، وإن لم يكن مخاطبا ، بخلاف ما لو حلف أن لا يشتري فاشترى له أحد شيئا ، لا بإذنه لا يقال عرفا : انّه اشترى شيئا بل يقال : اشترى وكيله.

والظاهر أنّ الاستشهاد إنّما بالحنث مع قبول الوكيل في النكاح وعدمه في البيع لا بصحّة هذا النكاح ، دون البيع إذ الظاهر أيضا صحّة البيع لو قال : بعته من زيد فقبل له وكيله. وأمّا ذكر الفقرة الاولى ، وهي قوله : « فقبل له وكيله صحّ » من متمّمات الحنث ، حيث إنّه يتوقف على صحّة النكاح فقال : إنّه إذا قال كذا صحّ ، وحنث لو كان معه حلف ، لا أن تكون الصحّة أيضا مستشهدا بها ؛ ولذا لم يذكر عدم الصحّة في البيع مع أنّه لو كان لكان ينبغي ذكره ولم يذكر المحقّق الشيخ علي الفقرة الاولى أصلا.

قوله : وفي بعض هذه الوجوه نظر.

ذكر هذه الوجوه بأجمعها المحقّق الشيخ علي في شرح القواعد. ولو كان المطلوب منها بيان علّة حكمنا بلزوم [ ذكر ] الموكّل في النكاح ، دون البيع ، وتفرقنا بينهما ، فالأمر كما ذكره الشارح من كون أكثر تلك الوجوه منظورا فيه ؛ لعدم صلاحيّته لها. وأمّا على ما ذكرنا من أنّها ابداء نكات وجه لتفرقة الشارح وبيان احتمالات ومناسبات للفرق ، فيمكن تصحيح الجميع كما ذكرنا.

قوله : ممّن شئت أو ولو من نفسك.

عموم الأوّل بالنسبة إلى الزوج وغيره على السواء ، وعموم الثاني بالنسبة إلى غيره وبالنسبة الى الزوج تنصيص.

قوله : على الأقوى.

إمّا متعلّق بقوله : « فيصح » وله حينئذ احتمالان : أحدهما : أن يراد بقوله « حينئذ » أي : حين الخصوصية على الأقوى. وثانيهما : أن يراد به : حين العموم أو الخصوصية أي :يصحّ في الصورتين على الأقوى.


وإمّا متعلق بالثلاثة أي : لا يزوّجها مع الإطلاق ، ويزوجها مع العموم ، ومع الخصوص كلّ ذلك على الأقوى ، وهذا أنسب بقوله : « أمّا الأول فلكذا ، وأمّا الثاني فلكذا » إلى آخره.

قوله : لأنّ المتبادر أنّ الوكيل غير الزوجين.

الظاهر أنّ المراد أنّ المتبادر من خصوص مادّة لفظ « الوكيل » هو غير الزوجين ، فإذا قال [ وكّلتك ] يستفاد أنّه ليس زوجا ولا يريد تزويجه.

أو المراد : أنّ المتبادر من الوكيل الثابت ولايته واختياره هو غير الزوجين ، فلا يثبت من الأخبار جواز توكيل الزوج. والمراد من التعليل الأوّل المذكور بقوله : « فلأنّ المفهوم » ؛ أنّ المتبادر من قوله : أذنت أو وكلت أو غير ذلك ممّا يفيد الإذن ، إرادة تزويج الغير ؛ لأنّ الشائع من الإذن لشخص والأكثري فيه ذلك ؛ وينصرف المطلق إلى الشائع. فهذا التعليل مبني على دعوى التبادر من الإذن للغير بأىّ لفظ وقع الاذن. ومبنى التعليل الثاني على التبادر من لفظ التوكيل ، أو على عدم ثبوت توكيل الزوج من عمومات التوكيل أو إطلاقاته. هذا على ما في بعض النسخ من عطف قوله : « ولأنّ المتبادر » ، وأمّا على ما في أكثر النسخ من سقوط لفظة « الواو » فلا يكون تعليلين ، ويكون قوله : « لأنّ » علّة لكون المفهوم من الإطلاق تزويجها بالغير يعني : أنّ معنى الإذن للغير توكيله. والمتبادر من الوكيل غير الزوجين ، فالمفهوم من إطلاق الإذن التزويج بالغير.

قوله : فلأنّ العام ناص إلى آخره.

وذلك ؛ لأنّ العام موضوع لجميع الأفراد ، فكلّ فرد داخل في مدلوله ، وهو في قوّة هذا الفرد إلى آخر جميع الأفراد ، بخلاف المطلق ؛ فإنّه موضوع للماهيّة ، فلا يدلّ على شي‌ء من الأفراد ، وإنّما يثبت الحكم للأفراد ، بواسطة أصالة عدم التقييد بفرد خاص.

قوله : وفيه نظر.

أي : في التعليل بذلك التفرقة ؛ لأن خصوصية العام إن كانت مسلّمة فإنّما هي فيما سلّم عموم اللفظ بالنسبة إليه ، والعموم هنا بالنسبة إلى الزوج ممنوع ؛ لتبادر غيره ، فيكون مخصوصا بالغير.

أو وجه النظر ؛ أنّ الخصوصية في العام ممنوعة ، بل غايته الظهور ، وهو في المطلق أيضا


حاصل. غاية الأمر : أنّ الظهور في الأوّل للوضع ، وفي الثاني للأصل ، ومجرّد ذلك لا يصلح وجها للفرق.

قوله : فلانتفاء المانع مع النص.

يعني : أنّ المانع كان هو فهم غير الزوج من إطلاق الإذن والوكيل ، ومع التنصيص بخصوص الزوج ينتفي هذا المانع قطعا.

قوله : إلى رواية عمّار.

هي موثّقة ، وهي : أنّه سئل عن امرأة تكون في أهل بيت ، فتكره أن يعلم بها أهلها ، أيحلّ لها أن توكّل رجلا يريد أن يتزوّجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجى قال :« لا ». الحديث. (١)

قوله : وأنّه يصير موجبا قابلا.

عطف على قوله : « رواية » [ أي ] واستنادا إلى أنّه يصير شخص واحد موجبا قابلا.

قوله : بضعف الرواية.

أي : سندا ودلالة. أمّا سندا ؛ فلأنّ عمار فطحي المذهب ، وإن كان موثقا. وأمّا دلالة ؛ فلانّه لا دلالة لها على التنصيص ؛ إذ قالت : وكلتك وهو أعمّ من أن يكون وكيلا في التزويج لنفسه ، وإرادته التزويج لا يدلّ على إرادتها أيضا من قولها : وكلتك.

قوله : أي : وإن كان مولّى عليه.

أي : وإن كان الولد مولّى عليه للوكيل بأن يكون صغيرا.

المسألة الثانية

قوله : لو ادّعى زوجية امرأة.

أي : غير مزوجة بالغير ، والّا لم يحكم بالعقد بمجرّد اعترافها.

قوله : لانحصار الحق فيهما.

أي : في حقّهما ؛ إذ انحصار ذي الحق فيهما ، فالمضاف مقدّر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٨٨.


قوله : وتوارثا بالزوجية.

ولا يسمع إنكار سائر ورثة أحدهما لو أنكر لأنّ إقرارهما مثبت للزوجيّة ظاهرا ، كالنكاح واقعا ، نعم لو ادّعى أمرا حسبة كحرمة أحدهما على الآخر برضاع أو مصاهرة أو النكاح في عدة أو نحوها ، وأثبته يسمع وينتفي التوارث.

قوله : بين كونهما.

ردّ على الشافعي في أحد قوليه حيث حكم بمطالبة البلديين بالبيّنة وعدم ثبوت النكاح من دونها.

قوله : قضي عليه به.

أي : باعترافه أي : بمقتضاه ، أو بالعقد أي : بلوازمه الثابتة في حقّه.

قوله : وأمّها إلى آخره.

يعني : إن كان المعترف ، أو المدّعي رجلا.

قوله : وليس لها مطالبته.

وكذا ليس لأحد آخر إجباره على أدائه ؛ لأنّه حقّ آدمي ، فيتوقّف الإجبار على مطالبة ذي الحق ، وهو [ يتوقف ] على تسلّطه على المطالبة ، وكذا ليس لوارث الزوجة بعد موتها مطالبته ؛ إذ ما ينتقل إليهم هو حق المورث ، ولم يكن له حقّ بإنكاره.

قوله : مع نكول الآخر.

الظاهر أنّ المراد بالنكول : ترك الحلف ، سواء كان بمجرّد ردّها إلى المدّعي ، أو الامتناع من الحلف ، فردّه الحاكم إليه فيشمل الصورتين.

قوله : الممتنع على تقدير الاعتراف.

الظرف متعلّق بالممتنع أي : الممتنع على تقدير اعتراف الزوجة بالزوجيّة ، والتزويج الممتنع حينئذ مثل تزويج اختها ، وبنتها ، وأمها ، ونحوهن.

قوله : في الجملة.

أي : حقّ ما ، وهو ثبوت الزوجية ، لو رجعت من الإنكار إلى الاعتراف. فالمراد بفي الجملة : في بعض الصور ، أو الاحتمالات. أو المراد : أنّ ثبوت الزوجية يتوقّف على


اعتراف الزوجين ، وقد اعترف أحدهما ، ونفى الآخر ، فتحقّق أحد شطريه ، وعلى هذا يكون المراد بفي الجملة جزء من مقتضيها. أو المراد به : حقّ تعلّق باعتبار دعوى الزوجية من سماع دعواه ، ولزوم جوابه عليها والحكم بمقتضى الجواب.

قوله : وكون تزويجها.

أي : تزويج المرأة بزوج آخر قبل الحلف يمنع من نفوذ إقرارها في حقّ الزوج الأوّل ، لو اعترفت به أي : بادّعاء الزوجية أي بالتزويج الأوّل.

قوله : ومن عدم ثبوته.

عطف على قوله : « من تعلق » ، وهما متعلّقان بالنظر أي النظر الحاصل من تعلّق حق الزوجية ، فليس لها التزويج ، ومن عدم ثبوت حق الزوجية ، أو عدم ثبوت التزويج الأوّل ، فلها التزويج ، وهذا هو الأقوى.

قوله : ثمّ إن استمرت الزوجة.

أي : بعد تزويجها بغيره أو مطلقا ، فالحكم واضح ، وهو أنّه لا تسلّط له عليها إلّا اليمين.

قوله : لم يسمع بالنسبة إلى حقوق الزوجية.

أي : بالنسبة إلى حقوق الزوج الثاني الثابتة على الزوجة بالتزويج الثاني ، فلا تخرج عن بيته بغير إذنه ، وللزوج الثاني مجامعتها ، وأمرها ، ونهيها بما للأزواج على الزوجات.

قوله : وفي سماعه إلى آخره.

أي : في سماع اعترافها. وقوله : « في حقوقها » [ أي ] على الثاني من المهر والنفقة والقسم قوّة ؛ إذ لا مانع من السماع والقبول ، فيحكم بعدم استحقاقها المهر والمسمّى والنفقة والقسم من الزوج الثاني.

قوله : فإن ادّعت.

أي : إن ادّعت بعد رجوعها عن إنكار زوجية الأوّل ، واعترافها بزوجيته ، أنها كانت عالمة متذكرة بالعقد للزوج الأوّل حال دخول الثاني بها ، فلا مهر لها على الزوج الثاني على الظاهر ، وإن لم يكن كذلك واقعا لو كانت كاذبة في تلك الدعوى وإنّما قال حال دخول الثاني ، لا حال العقد له ؛ إذ لو علمت حال العقد ونسيت حال الدخول لم تكن بغيا ،


بل أوجب مهر المثل أيضا ، ولو علمت حال الدخول ، دون حال العقد كان بغيّا ، فالمناط حال الدخول ، دون العقد.

قوله : للشبهة.

أي : لأنّ الدخول حينئذ يكون دخولا بشبهة بزعمها الحلّية باعتبار النسيان ، والدخول بالشبهة يوجب مهر المثل. ويمكن أنّ المراد : أنّه يقبل ادعاء التذكر بعده ، ويحكم بمهر المثل للشبهة المأمور بدرء الحدود بها بقوله عليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات » حيث إنّه لو لم يسمع دعواها ذلك لكانت زانية واجبا عليها الحد ، فيسمع دعواها ؛ لأجل حصول الشبهة ، ولذلك يثبت لها مهر المثل.

قوله : ويرثها الزوج.

أي : الزوج الثاني ؛ لاستصحاب حكم التوارث الثابت قبل اعترافها ، وعدم ثبوت نفوذ اعترافها في حقوق الزوج.

قوله : وفي إرث الأوّل.

أي : إرث الزوج الأوّل ممّا يبقى من تركتها ، بعد وضع نصيب الزوج وإنّما قيّد بقوله :« بعد نصيب الثاني » ؛ إذ لا ينفذ إقرارها في حقّ الثاني أصلا ، فلا ينقص من نصيبه شي‌ء ، بل يأخذ نصيبه من الباقي ، أي : يأخذ جميع نصيبه من جميع التركة من الباقي.

فلو كانت التركة ثمانية يأخذ الأوّل الربع اثنين ، ويبقى ستّة ، ويأخذ الثاني أيضا من الستّة اثنين أو يرث من الباقي بقدر حصّته ، فيأخذ من الستّة واحدا ونصفا ، ولكن الثاني لا وجه له ؛ إذ لو ثبت إرث للزوج الأوّل لكان ربع مجموع التركة ، لا ربع الباقي من نصيب الزوج الثاني ، فالظاهر أن المراد هو الأوّل ، [ و ] يلزم حينئذ عدم بقاء شي‌ء لسائر الورثة ، لو لم يكن لها ولد ؛ إذ يأخذ كلّ منهما نصف التركة.

والحق عدم توريث الأوّل ؛ لأن التوريث فرع الزوجية ، ولم يثبت ذلك من إقرارها ، وإنّما يثبت الحقوق الاخر المختصّة بها.

والحاصل : أن التوارث مسبب للزوجية ، فإذا لم تكن الزوجة مزوّجة للثاني وأقرت تثبت الزوجية باعتراف الزوجين ، ولازمها التوارث ، بخلاف ما إذا كانت مزوّجة ؛ فإنّ


اعترافها لا يؤثّر في ثبوت زوجيّة الأوّل التي هي سبب التوارث أصلا. وما يؤثر فيه من عدم تسلّطها على مطالبة المهر من الثاني ونحوه ليس سببا للتوارث.

قوله : وهو غير مناف.

أي : وتوريث الزوج الثاني غير مناف لنفوذ ذلك الإقرار ، أو نفوذ الإقرار في حقّ نفسها غير مناف لشي‌ء من حقوق الزوج الثاني حتّى يمنع ذلك من نفوذه. والحق عدم توريث الزوج الأوّل ؛ إذ الثابت من الشرع توريث الزوج ، ولم يثبت زوجيّته بمجرّد تصديقها.

المسألة الثالثة

قوله : لو ادّعى زوجيّة امرأة.

اعلم أن المسائل المهمّة الواقعة في تنازع الزوجين ثمان ؛ لأنّه إمّا يدّعي رجل بلا مانع زوجيّة امرأة بلا مانع ، أو بالعكس. فهاتان مسألتان ذكر المصنف إحداهما سابقا بقوله : « لو ادّعى زوجية امرأة فصدّقته » إلى آخره.

وأهمل ذكر الثانية ؛ لوضوح حكمها بالمقايسة إلى ما ذكر. أو يدّعى رجل بلا مانع زوجيّة امرأة لها مانع كالزوجية ، أو بالعكس أي : تدّعي امرأة مزوّجة زوجية رجل آخر ، فهاتان أيضا مسألتان ، ويظهر بعض أحكامهما ممّا ذكره الشارح بقوله : « وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها ».

أو يدّعي رجل له زوجة زوجيّة اختها أو بالعكس أي : تدّعي امرأة خالية عن المانع زوجيّة رجل له مانع من تزويجها كأن تدّعي امرأة زوجية رجل مزوّج باختها. وهاتان المسألتان غير مذكورتين في الكتاب.

وفي جميع هذه المسائل الستّ يكون الدعوى واحدة ، وكلّ من المدّعي والمنكر واحدا. وقد يتعدّد الدعوى والمدّعي والمنكر بحيث لا يمكن جمع الدعويين ، والعمل بمقتضاهما ، وهو أيضا مسألتان.

إحداهما : أن تدّعي امرأة زوجيّة رجل ، ورجل آخر زوجيتها ، فالمرأة مدّعية بالنسبة إلى الرجل الأوّل ، ومنكرة بالنسبة إلى الرجل الثاني.


وثانيتهما : أن يدّعي رجل زوجيّة امرأة وامرأة اخرى لا يجتمع مع الامرأة الاولى زوجية. والاولى غير مذكور هنا. والثانية هي المنوية بقوله : « لو ادّعى زوجية امرأة وادعت اختها » إلى آخره. وإنّما خصّها بالذكر ؛ لأنّ أكثر أحكام هذه المسائل إنّما يظهر من القواعد الكلّية المقرّرة في كتاب القضاء ، فلا يحتاج إلى الذكر ، الّا ما كان مخصوصا بدليل تخلف لأجله عن القاعدة ، كهذه المسألة حيث ورد فيه رواية متضمّنة لترجيح إحدى البيّنتين بالدخول بالمدّعية. وذلك مخالف للقواعد المقرّرة ، أو ما كان فيها مخصوصا بخلاف لم يقع ذلك الخلاف في غيره من نظائره كمسألة ادّعاء زوجيّة امرأة حيث إنّه وقع الخلاف في جواز تزويج هذه الامرأة قبل الحلف وطيّ الدعوى ولم يقع ذلك الخلاف في نظائرها فللمنكر في سائر الدعاوي التصرف في المدعى به كيف شاء قبل طيّ الدعوى إجماعا ؛ ولذا استشهد به الشارح بقوله : « كما يصحّ تصرّف المنكر » إلى آخره.

وكمسألة ادّعاء زوجية المزوّجة التى ذكرها الفقهاء في هذا المقام حيث إنّه وقع الخلاف في أنّه إذا لم يكن للمدّعي بيّنة فهل ينقطع دعواه ، أو يتوقّف على الحلف. وقد أجمعوا في غيرها بالتوقّف على الحلف. وممّا ذكرنا ظهر سرّ ذكر الفقهاء بعض مسائل التنازع في التزويج هنا دون بعض آخر.

ثمّ لا يخفى أنّ مفروض هذه المسألة التي ذكرها المصنّف أن تكون المرأة الّتي يدّعي الرجل زوجيّتها ، واختها زوجيّته منكرة لزوجيّته ، وأمّا [ اذا ] لم تكن منكرة ، فهي مسألة اخرى من المسائل الثمان المذكورة ، ولا يجري فيها جميع الأحكام المذكورة لذلك ؛ ولذلك قال : « ادعت زوجيّة امرأة » حيث إنّ في مقابل الادّعاء الإنكار ، وقد صرّح بذلك في النصّ الوارد في المسألة أيضا.

قوله : ودعواه زوجيّة الاخت متعلّق بها.

دفع لتوهم [ عدم ] كونه منكرا. وبيانه : أن هنا دعويين : إحداهما : دعوى الاخت الزوجية والرجل في هذه الدعوى منكر ، والحلف لها. وثانيتهما : دعوى الرجل زوجيّة المرأة ، وهذه دعوى اخرى غير ما حلف لقطعها ، فمعنى قوله : « ودعواه » إلى آخره ؛ أنّ دعوى الرجل زوجيّة اخت هذه الاخت المدّعية متعلّق بالاخت أي : اخت المدّعية ، لا بالمدّعية ، وهو أمر آخر غير تلك الدعوى.


قوله : ويشكل تقديم قوله.

يعني : أنّ مقتضى قول المصنّف حلف الرجل تقديم قوله مع حلفه مطلقا ، سواء دخل بهذه الاخت المدّعية قبل هذه الدعوى أم لا.

وهذا مشكل ؛ لأنّه ورد في النص أنّ دخوله بها مرجّح للمدّعية فيما سيأتي من تعارض البيّنتين حيث إنّه دلّ على ترجيح بيّنتها ، فإذا كان مرجّحا لبيّنتها يكون مرجّحا لها ، ويلزمه تقديم قولها ، وهي رواية الزهري في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوجها بوليّ وشهود ، وأنكرت المرأة ذلك ، وأقامت اخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوجها بوليّ وشهود ولم يوقتا وقتا ، فكتب عليه‌السلام : أنّ البيّنة بيّنة الزوج ؛ ولا تقبل بيّنة المرأة ؛ لأنّ الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد اختها فساد هذا النكاح ، فلا تصدق ولا تقبل بيّنتها ، إلّا بوقت قبل وقتها ، أو بدخول بها. (١)

قوله : ويمكن أن يقال.

دفع هذا الإشكال المذكور : يعني : أن هنا أي : فيما نحن فيه مع الدخول بالمدعية تعارض الأصل والظاهر ؛ لأنّ الأصل عدم زوجيّة المدعية للرجل ، والظاهر من الدخول تحقّق الزوجيّة ، إذ الظاهر أن لا يكون زنا ؛ لأنّ الظاهر من حال المسلم عدم فعله المعصية ، وظهور أفعال المسلمين على الصحّة ، ولا شبهة لأنّها فرد نادر ، والمشكوك فيه يلحق بالأعم الأغلب ، فيرجّح الأصل على الظاهر ، كما هو الحق والقاعدة ، إلّا إذا ضمّ مع الظاهر شي‌ء آخر يرجحه على الأصل من نصّ أو إجماع ، وهنا ليس كذلك.

و [ قوله : ] خلافه أي : خلاف ترجيح الأصل على الظاهر فيما ارتكب فيه خلافه أي : فيما سيأتي ، حيث إنّ مقتضى تعارض البينتين تساقطهما ، والعمل بمقتضى أصالة عدم الزوجية ، وخولف فيه فقدّم قولها بالبيّنة والدخول ؛ لظهوره في الزوجيّة إنّما خرج عن تحت قاعدة ترجيح الأصل بالنص ، وهو منفي هنا ؛ لأنّ النص ورد في تعارض البينتين ، فيمكن اختصاص ترجيح الظاهر على الأصل بصورة تعارض البينتين.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٠ / ٢٩٩.


قوله : فإن أقامت بيّنة.

أي : إن أقامت بيّنة ولم يقمها الرجل.

قوله : فالعقد على الاخت.

أي : اخت الاخت المدّعية.

قوله : ويشكل أيضا.

كما كان يشكل تقديم قوله بالحلف. وقوله : « مع معارضة » متعلّق بقوله : « ويشكل » أي : يشكل في صورة معارضة دخوله بالمدّعية. وقوله : « لما سيأتي » تعليل للإشكال أي : قوله : « مرجح » بصيغة المفعول أي : لأجل ما سيأتي من أنّ الدخول مرجّح على البيّنة أي : بيّنة المدّعي.

ويمكن أن يقرأ بصيغة الفاعل. والمعنى : أنّ الدخول مرجّح على تقدير البيّنة. وقوله :

« مع ذلك » تعليل آخر للإشكال أي : ومع ما ذكر ، فالرجل مكذب بفعله الذي هو الدخول بها لبيّنته ، لأنّ فعله يدلّ على تزويجه إيّاها.

قوله : إلّا أن يقال.

أي : في دفع الإشكال أنّ ذلك أي : كون الدخول مرجّحا على البيّنة هنا أمر على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل عدم التزويج ، والتعليل الآخر ضعيف ؛ لمنع كون الدخول تكذيبا للدعوى ، بل هو أعمّ منه ؛ لجواز كونه شبهة ، أو زنا ، فلا يستدعي كون المدّعية زوجة وعدم كون الاخت الاخرى زوجة ، وعلى هذا فيقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النص الذي هو صورة تعارض البيّنتين.

قوله : ولا يخفى منافرة لفظ الآخر لذلك.

أي : لإرادة ذي البيّنة من الآخر ؛ لأنّ الآخر انّما يطلق على الطرف المقابل للمذكور ، والمذكور هنا من حكم له ، وهو نفس ذي البيّنة.

وقد يوجّه : بأنّه يمكن أن يقال : إنّ الظرف متعلّق باليمين ، لا بالتوجّه ولا يكون من يتوجه إليه اليمين مذكورا ، بل يعلم بالقرينة. والمراد : أنّه يتوجّه اليمين ، [ على من ] هو غير مذكور ، وهو ذو البيّنة.


ويحتمل أن يكون « على الآخر » متعلقا باليمين أو بالتوجّه ، والمراد بالآخر الادعاء الآخر يعني : أنّ بعد إقامة المدّعية البيّنة على ادّعائها وطيّ دعواها ، أو إقامة الرجل البيّنة على ادعائه يتوجّه اليمين على الادّعاء الآخر ؛ لأنّ المفروض انتفاء البيّنة الّا في طرفه ؛ فإنّه قد صرّح في المسألة بوجود ادّعائين ، فبعد طيّ أحد هما بالبيّنة يتوجّه اليمين على الادّعاء الآخر.

وإنّما قال : « الأقرب » ؛ دفعا لتوهّم أنّ بيّنة أحد الادّعاءين تستلزم انتفاء الآخر ولا يترتّب على اليمين حينئذ فائدة. فقال : الأقرب توجّه اليمين على الادعاء الآخر ، ولا يكفي بينة الادّعاء الآخر لرفعه لجواز تقدّم العقد على الاخر كما ذكره المصنّف.

وعلى هذا يكون مراد المصنّف طيّ الدعويين ، ويكون هذا اليمين هي التي ذكرها الأصحاب ، ويندفع عنه ما ذكره الشارح بقوله : « واليمين في هذين الموضعين لم ينبّه عليه أحد من الأصحاب » وكذا المنافرة التي ذكرها. والظاهر أنّ ما ذكرنا مراد المصنّف ، لا غير.

قوله : عملا بالقاعدة.

وهي : أنّ اليمين الراجعة إلى نفي قول انّما يكون على عدم العلم.

قوله : بالعقد على الاخت.

أي : اخت المدّعية.

قوله : فيحتمل عدم ثبوتها لذلك.

قيل : أي : لخلوّ النص. وعلى هذا فيكون الصواب إسقاط لفظة « الواو » في قوله : « ولئلّا يلزم » ؛ إذ دلالة خلوّ النص على عدم الثبوت إنّما هي لأجل عدم لزوم تأخير البيان ، والّا فلا دلالة عليه ، وأيضا عدم لزوم تأخير البيان ليس شي‌ء آخر وراء خلوّ النص ، والأولى أن يجعل قوله : « لذلك » إشارة إلى عدم تنبيه أحد من الأصحاب عليه ، وقوله : « لئلّا يلزم » دليلا آخر متفرّعا على خلوّ النص ، فيكون المعنى : فيحتمل [ عدم ] ثبوتها لعدم ذكر أحد من الأصحاب.

قوله : ولئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب ، أو عن وقت الحاجة.


حيث إنّ النص خال عنه. ثمّ الترديد بين وقت الخطاب ووقت الحاجة لأجل أنّ النص المتضمّن للحكم يحتمل أن لا يكون [ وروده ] وقت الحاجة ، بل يكون السؤال فيه فرضيّا ، ويحتمل أن يكون وروده وقت الحاجة إلى المسألة. فعلى الأوّل يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب وعلى الثاني عن وقت الحاجة.

ولكن يخدشه حينئذ : أنّ عدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب قول مرغوب عنه ، لم يقل به الأكثر ، ولا الشارح ، فبناء التعليل على ما يحتمله عليل. والأولى أن يحمل على لزوم الأمرين باعتبار ما قيل من : أنّ الظاهر في كلّ خطاب أن يكون وقت الحاجة ، فيتّحد وقت الخطاب والحاجة ، ولكن الأوّل مثبت للمطلوب عند من يقول بعدم جواز التأخير عن وقت الخطاب. والثاني عند من يقول بعدم جوازه عن وقت الحاجة ، فترديده باعتبار تعدّد سبب البطلان.

لا يقال (١) : إنّ من يقول بعدم جواز التأخير عن وقت الخطاب لعدم جوازه يسند الحكم إليه من غير حاجة إلى التعدّي إلى وقت الحاجة.

قوله : وعلى التقادير الستّة.

واحد منها أن تكونا مطلقتين ، وثلاثة من المؤرختين ، واثنان منها : أن تكون إحداهما مطلقة ؛ لأنّ المطلقة امّا بيّنته أو بيّنتها.

قوله : مضافة إلى ستّة سابقة.

أي : حال كون هذه الاثني عشر منضمّة مع ستّة سابقة ، وهي ما إذا لم تكن لهما بيّنة ، أو كانت لها ، أو كانت له ، وعلى التقادير الثلاثة إمّا يكون قد دخل بالمدّعية أولا.

ووجه نسبته هذه الستّة إلى السابق مع أنّه لم يذكر في السابق الدخول وعدمه : شمول إطلاق ما ذكر لكلّ منها أيضا.

قوله : معها.

أرجع الشارح الضمير إلى الاخت المدّعية. ويمكن إرجاعها إلى « بيّنته » أيضا أي : إلّا أن يكون مع بيّنته مرجّح لبيّنتها.

__________________

(١) فلا يقال. ظ.


قوله : وهي الستّة المجامعة للدخول مطلقا.

أي : سواء تقدّم تاريخها أولا.

قوله : من قدّمت بينته بغير سبق التاريخ.

وهو في تسع صور من الصور الاثنتي عشرة ، فإن تقدّم البيّنة مع سبق التاريخ إنّما هو في ثلاث : [ سبق ] بيّنة الزوجة مع الدخول وبدونه ، وسبق بيّنة الزوج مع عدم الدخول. وأمّا معه فلا يقدّم السابق.

قوله : حيث تكونان متّفقتين.

قد يقال : إنّ التعليل أخصّ من المدّعى ؛ لأنّ المراد بالمتفقتين : إمّا خصوص المتّفقتين في التاريخ فيثبت الحكم في صورتين من التسع هي صورتا الاتّفاق في التاريخ مع الدخول وعدمه ، أو المتّفقتين في الإطلاق أو التاريخ ، فثبت الحكم في أربع صور ، ولا يفيد لخمس اخرى هي صورة تاريخ الزوج خاصّة ، أو الزوجة كذلك مع الدخول وعدمه وصورة سبق تاريخ الزوج مع الدخول.

وقد يوجه : بأنّ المراد بالمتّفقتين : المتفقتان بحسب عدم السبق ، وإذا كان أحدهما مورخا ، دون الآخر ، والتقارن فيكون كما لم يعلم التاريخ ، فتكونان متّفقتين في عدم التاريخ.

ويرد عليه : أنّ صورة سبق تاريخ الزوج مع الدخول ليس كذلك ، مع أنّه يقدم بيّنتها ، فلا يصحّ التساقط. فإن قيل : حينئذ وإن لم يتحقّق الاتّفاق بحسب انتفاء السبق ، ولكن يتحقّق بحسب انتفاء المرجّح ، لأن بيّنة الزوج وإن كانت سابقة بحسب التاريخ ، فترجّح ، ولكن الدخول يرجح بيّنة الزوجة ، فيتفقان. وفيه : أنّه على هذا يلزم عدم التساقط في صورة إطلاقهما ، أو اتّفاقهما في التاريخ مع الدخول ، لأنّ الدخول إن كان موجبا للرجحان بحيث ساوى لأجله المتأخّر مع المتقدّم ، فيكون ما ضمّ معه في الصورتين راجحا ، فلا وجه للتساقط.

أقول : في أكثر النسخ المصححة « حيث يكونان متفقين » بالتذكير ، وهو الصحيح والمراد منهما : طرفا الدعوى يعني : منشأه الحكم بتساقط البيّنتين في كلّ موضع يكونان


متّفقين في كونهما مدعيين أو منكرين بأن يكون لكلّ منهما جهة دعوى وجهة إنكار ؛ فإنّه إذا لم يكونا كذلك ، بل كان أحدهما مدّعيا محضا ، والآخر منكرا كذلك ؛ لم يحكم أحد بتساقط البينتين ، بل إنّما يقدّم بيّنة الخارج أو الداخل على اختلاف القولين ، فالحكم بالتساقط إنّما هو إذا كانا متّفقين في كونهما مدعيين كما فيما نحن فيه.

قوله : خصوصا المرأة ؛ لأنّها مدّعية محضة.

فإنّه إذا تساقطت البينتان يبقى المورد بلا دليل ، فلو كان مع أحدهما أصل يكون الأولى الرجوع إليه والأصل هنا مع الزوج ؛ لأنّه مدّع في معنى المنكر ، ومنكر في معنى المدّعي ، فكان لتقديم قوله وجه ، بخلاف المرأة ؛ لأنّها مدّعية محضة قبولها مخالف للأصل بالمرّة.

قوله : وخصوصا إذا كان المرجّح لها الدخول.

ليست الخصوصية لإخراج فرد ليست له تلك الخصوصية ، بل لبيان الواقع كما يقال : خلقك الله سبحانه ، فيجب عليك اطاعته خصوصا إذا كان هو رازقك.

ومرجعه إلى التخصيص من بين أفراد فرضية لم تكن كذلك. والمعنى : خصوصا أنّ المرجّح هو الدخول.

فلا يرد : أنّ تقديم قول المرأة كان في سبع صور : واحدة منها مع سبق التاريخ ، وهي خارجة عن هذا المورد. والستّ الباقية صور الدخول جميعا ، فليس غيرها حتّى يختص هذه بالخصوصية.

وهاهنا إيراد آخر وهو : أنّ « خصوصا » إنّما يستعمل في مورد يكون ما بعده أولى بالحكم من غيره من الأفراد الواقعية أو الفرضية ، وهنا ليس كذلك ؛ إذ احتمال اليمين بدون الدخول أولى منه معه ، لأنّ بدونه تكون بيّنتها خالية عن المرجّح مطلقا ، فيكون أولى باليمين عمّا إذا كان يرجّحه الدخول.

ودفعه : أنّ المراد ليس أولويّة ما إذا كان المرجّح الدخول ، باليمين عمّا لم يكن له هذا المرجّح ، بل المراد : أولويّته باليمين عمّا كان له مرجّح آخر بسبق التاريخ ، أو موافقة الأصل ونحوهما ، فالمعنى : أنّ البيّنتين يتساقطان مع الاتّفاق ، فلا بدّ من اليمين ، وإن ترجّح إحدى البيّنتين خصوصا إذا كان المرجّح لها الدخول الّذي لا ينفي الاحتمال.


قوله : بتقديم بيّنته مع عدم الأمرين.

أي : الدخول أو سبق التاريخ. إنّما خصّ إطلاق النص بذلك ، ولم يذكر إطلاقه بتقديم بيّنتها مع أحد الأمرين ؛ لأنّ استدلاله ليس بالإطلاق فقط ، بل ليس إطلاق حقيقة ، وإنّما هو خلوّ النص عنه ، بل استدلّ به بضميمة عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جار في صور تقديم بيّنتها ؛ لأنّ المسئول عنه في النص هو عدم التوقيت والدخول ولذا حكم الإمام بتقديم بيّنته في صورة السؤال.

وأمّا قوله عليه‌السلام : « ولا تقبل بيّنتها إلّا بوقت أو الدخول بها » فهو ليس مسئولا عنه ، وإنّما هو حكم ذكره الامام عليه‌السلام تطفّلا ، وفرضا ، فلا يعلم أنّه وقت الحاجة إليه ، بل لم يكن حينئذ وقتها ، فلا يتمّ الإطلاق بالنسبة إلى بيّنتها ، هذا.

وأمّا أخصية الدليل عن المدّعى حيث إنّه انتفاء اليمين في الصور التسع ، والدليل حينئذ يدلّ على انتفائها في خمس من الصور ، فغير ضائرة ؛ لأنّ المطلوب يتمّ باتّحاد طريق المسألتين ، والإجماع المركّب ، فإنّ موجب اليمين في الجميع واحد ، فإذا انتفت في بعضها بالنص تنتفي في الجميع.

قوله : خصوصا مع جريان الحكم إلى آخره.

وجه الخصوصية : أنّه لو كان الحكم في النص موافقا للأصل لكان النص والأصل مقتضيا لانتفاء اليمين ، بخلاف ما إذا كان الحكم مخالفا له ؛ فإنّ الأصل الذي هو وجوب الاقتصار على موضع اليقين يوجب اليمين ، فيكون عدم المنافاة أظهر.

قوله : أحدهما تقديم بيّنته مع أنّه مدّع.

وكلّ مدّع يكون قوله مخالفا للأصل ؛ لأنّ الأصل عدم تحقّق مدّعاه ، فيكون تقديم بيّنته مخالفا للأصل. أو المعنى مع أنّه مدّع أيضا كما أنّ الاخت مدّعية ، فكلاهما متساويان من هذه الحيثية ، فتقديم أحدهما مخالف للأصل ؛ إذ الأصل إمّا تقديم بيّنة الداخل أو الخارج على اختلاف القولين ، وإذا كانا معا مدّعيين ، لا يتحقّق خارج ولا داخل.

قوله : لأنّه منكر.


لا يتوهّم تنافي ذلك لقوله سابقا « مع أنّه مدّع » ؛ لأنّ الكلام فيما سبق إنّما هو كان في قبول بيّنته ، وهو فيما شهد له البيّنة ، وهو زوجيّة اخت المدّعية مدّع ، والكلام هنا في الحلف للمرأة المدّعية ، وهو في مقابلها منكر ، فحكمه حلف.

المسألة الرابعة

قوله : أو ملّكه إيّاها بعد شرائها له.

أي : أو ملّك السيّد العبد الأمة بعد شراء العبد الأمة للمولى.

قوله : بعدم ملكه.

أي : بعدم تملّك العبد لشي‌ء.

قوله : لبطلان الشراء والتمليك.

إذ بعد القول بعدم تملّك العبد لا يكون إذن المولى له في شرائه لنفسه نافعا ولا تمليكه إيّاه ، فيبطلان معا.

قوله : على ملك البائع ، أو السيّد.

الأوّل في صورة الإذن في الشراء لنفسه اذ يكون الشراء باطلا ، فيبقى على ملك البائع. والثاني في صورة التمليك ؛ إذ لا يتملّكها العبد ، فتكون باقية على ملكيّة السيّد الذي اشتراها له.

قوله : واستباح بضعها إلى آخره.

إمّا عطف على قوله : « بطل العقد » ، أو على قوله : « اشترى الحر » وقوله : « استباح » امّا لازم وفاعله « بضعها » أو متعدّ وفاعله « العبد » ، أو « الحر ». ومفعوله : « بضعها ». وكونه عطفا على « بطل » ومتعديا أقرب.

المسألة الخامسة

قوله : ولا الوكيل.

أي : المطلق. وأمّا المقيّد ، فيجب عليه اتباع القيد ، ولو كان القيد كون المهر بأقلّ من مهر المثل.


قوله : فيتخيّر كل منهما.

أي : من الصغيرة في المسألة الاولى ، والطفل في الثانية.

قوله : بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي.

قيل : كما إذا زوّج بغير الكفو.

وفيه : أنّ التزويج بغير الكفو حرام ، فإنّ غير الكفو هو الكافرة والكافر أو مع المخالف أيضا والتزويج به غير منعقد ، فلا معنى للتشبيه الدال على ثبوت الخيار. نعم قد يراد من غير الكفو : المعسر الغير القادر على الإنفاق ، ويقال بثبوته لو زوّجت به جهلا ، ولا يمكن أن يراد ذلك هنا ؛ إذ لو كان هذا ممّن لا يقتضيه الإذن الشرعي لكان من به أحد العيوب أيضا كذلك ، لثبوت الخيار فيه أيضا.

والتحقيق أنّه لا يظهر للمشبّه الذي يثبت الخيار فيه مصداق ؛ لأنّ المراد بمن لا يقتضيه :إمّا من لم يثبت إذنه ، وإن لم يثبت المنع أيضا ، أو من ثبت المنع شرعا منه.

وعلى التقديرين فالمراد إمّا من لا يقتضيه الإذن الشرعي في خصوص نكاح الولي ، أو في مطلق النكاح. فإن كان المراد أحد الثلاثة [ الاول ] ، فليس له مصداق ؛ إذ ليس هنا شخص لم يثبت من الشارع الإذن في نكاحه ، ولا المنع منه خصوصا من كان عدم الثبوت فيه مخصوصا بالأولياء ، وإن كان الأخير فمصداقه كثير كالكافر وسائر المحرّمات ، ولكن لا معنى للخيار معه ، بل يقع النكاح فاسدا من أصله. وفي كثير من النسخ المصحّحة سقطت لفظة « كما » وكأنّه الصحيح.

ويكون قوله : « لو زوّج » بيانا للشرط المقدّر لقول المصنّف : « فيتخيّر ». ويكون المراد بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي : من ذكره المصنّف ممّن به أحد العيوب ، أو بأقلّ من مهر المثل ، ولا يكون خدشة في العبارة.

قوله : فمتى لم يكن ماضيا.

أي : متى لم يكن المسمّى ماضيا أي : لازما كان لها فسخ العقد أيضا ؛ لأنّه إذا لم يكن المسمّى ماضيا ففسخ المسمّى وضمّ معه غيره يكون المجموع غير ما وقع به التراضي ، فيكون كالفضولي ، فيكون له فسخه ، فلا تكون في الكلام مصادرة على المطلوب من جهة


جعله خيار فسخ العقد مرتّبا على عدم مضي المسمّى مع أنّه عين المطلوب ؛ إذ الخلاف فيما إذا كانت مخيّرة في المهر.

ووجه عدم المصادرة : أن خيار الفسخ ليس مرتّبا على عدم مضي المهر وحده ، بل عليه وعلى ما تقدّمه من أنّ التراضي إنّما وقع على العقد المشتمل على المسمّى ، نعم لو أرجع المستتر في قوله : « لم يكن » إلى العقد ـ كما قد يتوهّم ـ كان عين المصادرة على المطلوب.

قوله : لعدم مدخليّة المهر إلى آخره.

وإذا لم تكن له مدخلية فيها ، فيعلم عدم ارتباط بينهما ، فلا يلزم من التخيير في أحدهما التخيير في الآخر ، وبهذا التقرير يندفع ما قد يتوهّم من أنّ عدم المدخلية في الصحّة والفساد لا يقتضي عدم المدخلية في اللزوم وعدمه.

قوله : وقيل : ليس لها خيار مطلقا.

أي : لا في المهر ، ولا في العقد.

قوله : وعلى القول بتخيّرها يثبت لها مهر المثل.

أي : لو اختارت فسخ المهر لا بمجرّد التخيير وإن لم تفسخ المسمّى بعد.

قوله : من التزامه بحكم العقد.

لأنّ كلّ من رضي بعقد يرضى بكلّ ما يترتّب عليه من الأحكام ويلتزمه. ومن أحكام عقد الولي عليها بأقلّ من مهر المثل ثبوت الخيار لها وثبوت مهر المثل مع فسخها ، فهو قد التزم بذلك الحكم.

ولا يخفى أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان الزوج عالما بثبوت الخيار لها حينئذ. وأمّا مع جهله فلا التزام ، إلّا أن يقال : إنّه لا يلزم العلم تفصيلا ؛ ولذا لا يختار الزوج لو جهل بوجوب الإنفاق عليه.

قوله : أو غير ذلك.

أي : غير المثالين ، كما أن ظنّ أو علم حصول منافع اخر لها من هذا الزوج ، أو يتوقّف وصول مال مفقود له على هذا الزوج ، أو كان على الزوج شي‌ء منه أنكره ، ولا يتوصل إليه إلّا بذلك.


قوله : ولو اشتمل على الأمرين.

أي : على ما دون مهر المثل وعلى التزويج بغير الكفو أو المعيب ، فلها التخيير في كلّ منهما ، فله فسخ المسمّى ، دون اصل العقد ، وله فسخ العقد ؛ لعدم الكفاءة ، أو المراد بالأمرين : الخيار من جانب الطفل ومن جانب الزوجة.

المسألة السادسة

قوله : ووليه الذي له مباشرة العقد.

التقييد لخروج الأولياء الذين ليس لهم ذلك كالوصي على الصغيرين ، والحاكم بالنسبة إليهما ، والأب والجد للمجنون المنفصل جنونه عن البلوغ ونحو ذلك.

قوله : وإن لم نقل به في غيره.

أي : بهذا الحكم أو بالصّحة موقوفا في غير النكاح.

قوله : لئلّا يلزم من صحّته إلى آخره.

فإنّه لو صحّ من غير معقود عنه ، أو وليه لكان موقوفا على الإجازة إجماعا ، فيكون السبب العقد والإجازة ، فلا يكون سببا بنفسه ، مع أنّه بنفسه سبب. هذا خلف. وهذا الخلف إنّما لزم من صحّته عن [ غير ] المعقود عنه ، فيكون ذلك باطلا.

قوله : والأوّل عين المتنازع.

إذ لا نسلّم كون العقد سببا بنفسه ، بل هو السبب مع رضا المعقود عنه ، أو إجازته.

قوله : والثاني ممنوع.

أي : كون الرضا شرطا للعقد ، بل إنّما هو شرط للزوم ، وهو متقدّم عليه ، أو [ وجوب ] كون الشرط متقدّما ممنوع ، لم لا يضر أن يكون بعض الشروط متأخّرا.

المسألة السابعة

قوله : لا يجوز نكاح الأمة.

النكاح هنا بمعنى : الوطء. ويكون المراد بعدم الجواز هو معناه. وتكون لفظة « في » في


قوله : « في الدائم والمنقطع » للسببية ، أي : لا يجوز وطؤها بسبب النكاح الدائم ، أو المنقطع ، ويراد بالنكاح المقدّر : هو العقد. وإن كان بمعنى العقد يكون المراد بعدم الجواز : عدم الإمضاء واللزوم كما في قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ».

اذ نفس العقد بدون إذن المالك ليس حراما قطعا ؛ لجواز الفضولي ، ولفظة « في » حينئذ إمّا تكون زائدة للتأكيد كما جوّزه الفارسي ويكون « الدائم والمنقطع » بدلا عن النكاح ، أو تكون بمعنى : « من » أي : لا يجوز العقد مطلقا من دائمه ومنقطعه ، كما يقال : لا تهن الناس من المؤمن والكافر. ويكون التعليل بقوله : « لقبح التصرف في ملك الغير حينئذ » باعتبار لازم اللزوم ، وإلّا فاصل اللزوم ، لا يقع ( كذا ) لذلك التعليل يعني : لا يلزم ؛ إذ لزومه يستلزم جواز الوطء بدون الإذن أيضا ، وهو تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

قوله : فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ.

وجه دلالته : إمّا من جهة مفهوم الوصف حيث إنّ المعنى ؛ فانكحوهنّ نكاحا منضمّا بإذن أهلهنّ فيدلّ بمفهوم الوصف على عدم جواز النكاح بدونه ، أو لأجل انضمام الأصل حيث إن الأصل عدم ترتّب الأثر على النكاح الّا ما أخرجه الدليل ، والآية لم تخرج إلّا النكاح بإذن الأهل ، والأوّل أولى.

قوله : عن علي بن المغيرة.

لا يخفى أنّ هذه الرواية رواها سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام تارة بلا واسطة واخرى بواسطة داود بن فرقد ، وثالثة بواسطة عليّ بن المغيرة ، ومتون الأسناد الثلاثة مختلفة ، وكلّها على الجواز دالّة ، فتخصيص الشارح الرواية التي ذكرها المصنّف بإحداها مع كونها أضعف دلالة من الاخريين ؛ لاحتمال رجوع ضمير « إذنها » إلى الأمة كأنّه لتعبير المصنّف بالرواية المشعرة بضعف الحديث حيث إنّ السندين الآخرين صحيحان ، فلما عبّر بالرواية دون الصحيحة حملها الشارح على ذلك السند.

قوله : وإن كانت صحيحة.

أي : وإن فرض كونها صحيحة ، والّا فالسند المذكور غير صحيح.

قوله : جريا على قاعدته.

وهي العمل بخبر الواحد الصحيح مطلقا.


قوله : صحّ.

أي : صحّ النكاح ؛ لأنّ هذا النكاح يتضمّن امورا ثلاثة : أصل النكاح ومهر المثل أو ما عيّن والزائد والإذن حاصل في أصله ، ومهر المثل ، أو ما عيّن مقتضاه أيضا ، والزائد وإن لم يكن مقتضى له إلّا أنّه في ذمّة العبد ؛ فلا يحتاج إلى إذن ، وليس شي‌ء آخر يوجب الشك في صحّة النكاح.

أو المعنى : صحّ ما زاد ؛ لأنّه متفرّع على النكاح ومهر المثل أو ما عيّن ، والنكاح صحيح ؛ لأنّه مأذون فيه ، وكذا مهر المثل أو ما عيّن ؛ لأنّه أيضا من مقتضى النكاح ، والزائد في ذمّة العبد ، فلا وجه لعدم الصحّة.

ومن ذلك ظهر فائدة قوله في التعليل : « وهو يقتضي مهر المثل على المولى أو ما عيّنه »

قوله : وقيل ؛ يجب ذلك في كسبه.

أي : كسب العبد. ولفظة « في » إمّا للظرفية كما يقال : تجب الزكاة في مال زيد أي : ما يجب إخراجه للزكاة داخل في ماله وهو ظرفه ، فما يجب من المهر ، والنفقة ظرفه كسب العبد ، فيكون الكسب ظرفا للمشار إليه ، لا للوجوب ، أو لفظة « في » بمعنى : « من » أي : يجب كون ذلك بعضا ممّا يكتسبه ، أو ناشئا منه ، أو يجب أداؤه منه ، فكأنّه يجب عليه على التقادير ، ويجب عليه [ أي على ] إمّا المولى أو العبد ، فالمعنى على الأوّل : يجب على المولى ذلك حال كونه من كسب العبد بأن يخلي العبد وكسبه حتّى يؤدّي منه. وعلى الثاني : يجب على العبد في كسبه بأن يكسب ويؤدي.

قوله : فإن أطلقها.

أي : أطلق المولى الزوجة تخيّر العبد ما يليق به ، لأنّه ما ينصرف إليه الإطلاق.

المسألة الثامنة

قوله : على تقدير إجازته.

متعلّق بقوله : « قسطه » أي : قسطه على هذا التقدير.


قوله : بمعنى أن الباعث على الإجازة ليس هو الإرث.

يمكن أن يكون المراد بالإجازة : هو التلفّظ بلفظ « أجزت » وأن يكون المراد : الإجازة الحقيقية. أي : مدلول لفظ « أجزت » فعلى الأول يكون المعنى : أن يحلف على أنّه ليس الباعث على التلفظ بهذا اللفظ محض الإرث من غير أن يقصد مدلوله ، ويريد معناه الحقيقي ، بل أراد مدلوله وقصده وأنشأ حصول الإذن في النكاح سواء كان المقصود بالذات من هذه الإجازة : النكاح ، وكان الارث تبعيّا قسريا ، أو كان المقصود بالذات منها حصول الإرث ، وعلى الثاني يكون المعنى أن يحلف على أنّ الباعث على إيجاد الإجازة الحقيقية ليس هو الإرث ، بل المقصود بالذات ، والباعث عليها هو الرضا بالتزويج وإن لزمه الإرث قسرا.

وعلى هذا يجب أن لا يكون مقصوده الأصلي هو الإرث ، سواء كان مقصودا تبعا أو لم يكن مقصودا أصلا ، والمناسب لقوله : « بل لو كان حيّا لرضي بتزويجه » هذا المعنى الثاني.

قوله : وزوّج الآخر الفضولي.

أي : الصغير الآخر ، لا الطرف الآخر بقرينة قوله : « بعد بلوغه ».

قوله : واحلف بعد بلوغه كذلك.

أي : على عدم سببيّة الإرث في الإجازة.

قوله : للزوم العقد هنا من الطرف الآخر.

أي : لزومه في نفسه وابتداء. وهذا أقرب إلى الثبوت مما لم يكن لازما أوّلا ولزم بالاجازة ، فلا يرد : أنّ في الأوّل أيضا كان الطرف الآخر لازما بسبب الإجازة.

قوله : من حيث توقّف الإرث على اليمين.

هذا بيان لكون الحكم على خلاف الأصل. يعني : أنّ ذلك من حيث توقّف الإرث على اليمين ، وهو أمر على خلاف الأصل ؛ لأنّ تعلّق اليمين أمر شرعي توقيفي والأصل عدم تعلّقها. ومن حيث ظهور التهمة في الإجازة ؛ فإنّها في محلّ التهمة ، فالأصل عدم قبولها ؛ لأصالة عدم تحقّق الإجازة ، فيكون التوريث مخالفا للأصل على [ كل ] حال.

أمّا مع اليمين ، فلأصالة عدم تعلّقها. وأمّا بدونها ؛ فلأصالة عدم تحقق الإجازة. وقوله


« فيحكم » تفريع على كون الحكم على خلاف الأصل أي : وإذ عرفت كون الحكم بالتوريث في أيّ حال مستلزما لخلاف الأصل ، فيحكم في غير المنصوص ببطلان العقد المستلزم لعدم التوريث.

قوله : ولا بعد في تبعض الحكم وإن تنافى الأصلان.

المراد بالحكم : الزوجية. والمراد ببعضه : بعض مقتضاه دون بعض ، كثبوت المهر ، دون الإرث. والمراد بالأصلين : أصلا هذين البعضين أي : مبناهما. فإنّ مبنى الأوّل على ثبوت الزوجية ، ومبنى الثاني على عدم ثبوتها ، وهما متنافيان.

قوله : وينبغي هنا.

أي : فيما إذا كان المتأخّر هو الزوج والمهر بقدر الميراث.

وقيل : « أي : فيما انتفت التهمة » وهو ليس بجيّد ؛ إذ لا يكون حينئذ وجه للاحتراز بقوله : « إن لم يتعلّق غرض » إلى آخره ؛ إذ انتفاء التهمة لا يكون إلّا مع [ انتفاء ] هذا التعلّق.

قوله : أو يخاف امتناعه.

عطف على النفي أي : أو لم يخف امتناعه من أدائه أو هربه ، فحيث إنّه قد يكون المهر أزيد من الميراث ، ولا يتعلّق غرض بأعيان التركة ، ومع ذلك لا تنتفي التهمة ؛ لاحتمال أن يكون غرضه من الإجازة أن يأخذ الإرث ولا يؤدّي المهر ، أو يهرب ، فيكون في إجازته متّهما أيضا في أنّ غرضه أن يرث ، فيحلف على أنّه ليس غرضه مجرّد الإرث ومن ذلك التقرير يظهر فساد ما ذكره بعض المحشّين من : « أنّ اليمين المذكور لا ينفع في دفع هذا الخوف ، نعم ينفع في دفع قصده ذلك الامتناع في حال الإجازة ؛ لأنّه جلب نفع » انتهى. وذلك ؛ لأنّ الغرض من اليمين ليس دفع ذلك الخوف ، بل الغرض إثبات أن الإجازة ليست للإرث ، وكان يتوقّف العلم بذلك على انتفاء التهمة أو اليمين ، فكلّ موضع انتفت التهمة لا يمين.

وقد مثّل له بما إذا كان المهر بقدر الإرث ، ولكن شرط في كونه من هذا الموضع أن لا يخاف امتناعه ، فإن خيف ذلك تكون التهمة باقية ، فيجب الحلف على عدم سببيّة الإرث للإجازة ، فيحلف عليه ، ولو كان غرضه الامتناع حال الإجازة ، فإنّه قد تخيّر لامر


آخر ، كما إذا كانت الزوجة علوية ، فأراد صهرية الرسول والبتول ، فيتخيّر لنفس الزوجيّة ، ولكن يقصد أن لا يؤدّي المهر أو يهرب منه.

قوله : ومع ذلك.

أي : ما ذكرنا من أنّ التهمة الموجبة لليمين لا يتأتى في جميع الموارد كما إذا كان المتأخّر هو الزوج ، فالموجود في الرواية الدالة على اليمين أيضا هو موت الزوج وتحليف الزوجة. وعلى هذا فهي أي : الرواية غير منافية لما ذكرنا من عدم توجّه اليمين إلى الزوج.

الفصل الثالث

قوله : ويترتّب على ذلك.

أي : على ما ذكر المصنّف من الحكمين من تحريم أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ، وأولاد المرضعة نسبا على أبي المرتضع.

مسائل عشرون

المسألة الاولى

قوله : واستحالة الترجيح.

هذا ليس تتمّة للدليل الأوّل ؛ لأنّه كاف في اثبات المطلوب ؛ لأن بعد النهي عن العقد الجامع وفساد المعاملة بالنهي ، يكون العقد الجامع فاسدا ، ولا يحتاج ذلك الى تتمّة ، بل هو دليل آخر ، تقريره : أنّه لا يمكن الحكم بصحّة العقدين اجماعا بل ضرورة ، ولا بأحدهما معيّنا ؛ لاستحالة الترجيح ، فتعيّن البطلان.

ولم يذكر استحالة الحكم بصحّتهما ؛ لبداهته وظهوره.

الفصل السادس في المهر

قوله : على كتاب الله وسنّة نبيّه الى آخره.

لا يخفى أنّ الرجوع الى مهر السنّة ـ أي : خمسمائة درهم ـ انّما هو لو كان المراد بقول الناكح : « على كتاب الله وسنّة نبيّه » كون المهر كذلك ؛ وامّا لو كان المراد بهما : كون التزويج كذلك حيث انّ كلّ نكاح مندوب إليه ، بل جائز على كتاب الله وسنّة نبيّه ،


فلا يرجع الى خمسمائة درهم ، بل الظاهر أنّ الرجوع حينئذ الى مهر المثل اذ لم يسم مهر حينئذ في العقد أصلا.

قوله : فيعتبر تقديره الى آخره.

الظاهر أنّه تفريع على قول المصنّف : « ويجوز جعل تعليم القرآن مهرا » ، فانّه قد ظهر من فحوى كلام المصنّف سابقا حيث قال : « ويكفي فيه المشاهدة عن اعتباره » أنّ ما يجوز جعله مهرا يلزم فيه إما المشاهدة أو الاعتبار. والمشاهدة غير ممكنة هنا ، وكذا الاعتبار المتعارف من الكيل والوزن والعدّ ، فكانّه قيل : اذا جاز جعله مهرا فبم يكون اعتبار تقديره ؛ فقال الشارح : « فيعتبر » الى آخره.

قوله : والمرجع الى آخره.

أي : المرجع في القدر الذي يصدق عليها بسبب هذا القدر من القرآن أنّها مستقلّة في التلاوة استقلالا معتبرا في الأحكام أي : يصدق مع تعليمه تعليم شي‌ء من القرآن الى العرف أي : العرف يعيّن هذا القدر من القرآن. وليس كلّ قدر بحيث يصدق عليها بسبب استقلالها بتلاوته أنها مستقلّة في تلاوة القرآن.

وفائدة ذلك انّما تظهر فيما يذكره عقيب ذلك ؛ فانه اذا علّمها شيئا من القرآن ، ثمّ نسيته قبل تعليم ما بعده يبرأ ذمّته من تعليم ما نسيت ؛ لصدق التعليم عليها ، فحينئذ لا بدّ في براءة الذمّة عمّا نسيت صدق التعليم العرفي للقرآن عليه.

مسائل عشر

المسألة الاولى

قوله : فان تعقّبه.

هذا تفريع على قوله « الصداق يملك بأجمعه » ؛ فانّه لو لم تملك الزوجة الصداق بأجمعه بالعقد لكان الزوج شريكا لها قبل الدخول ، وليس يملكه حين الطلاق قبل الدخول ، بل كان سابقا عليه ، فتملكه النصف متفرّع على تملّكه للجميع بالعقد.

قوله : وان وجده تالفا.


أخذ نصف المثل أو القيمة ان وجده تالفا انّما هو اذا كان الزوج قد دفع المهر إليها قبل الطلاق ، والّا فلا وجه له ، بل ينعكس الأمر أي : تأخذ الزوجة نصف المثل أو القيمة عن الزوج ، وكأنه أهمل التفصيل اتّكالا على الظهور.

المسألة الرابعة

قوله : أو يشترط عليها.

الظاهر كما قيل أنّ هذا الشرط ليس من مقتضى النكاح ، ولا فرق بينه وبين ما جعله خارجا عنه ، إلّا أن يقال في توجيهه : إن المراد بمقتضى عقد النكاح أعمّ من أن يكون عقد النكاح موجبا له كالشرطين الأوّلين ، أو لم يكن موجبا له ، بل كان حكما لازما من أحكام النكاح مختصّا به ، فانّ من أحكام النكاح جواز الزيادة الى الأربع ، وهذا الحكم لازم له غير منفك عنه ، بخلاف تأجيل المهر أو تعجيله ؛ فانّ شيئا منهما ليس لازما للنكاح ولا حكما من أحكامه ، ولا مختصا به ، لوجود التأجيل والتعجيل في غيره أيضا.

وحاصل الفرق : أنّ الأوّل ممّا جعله الشارع من أحكامه ومن لوازمه ، دون الثاني ، فانّ الناكح إنّما أتى به فيه.

المسألة الخامسة

قوله : كان لها نصف اجرة.

فانّه ليس المسمّى حينئذ باطلا حتى يرجع بمهر المثل ، بل بمنزلة التالف في يد الزوج ، فيرجع عليه بقيمته.

قوله : لعدم امكان تعليمها الى آخره.

اذ التنصيف وغيره من النسب من شأن المحسوسات الجسمية ، فلا يتّصف به الصنائع ، نعم يتصف الصنائع بالشدة والضعف والاحسنية وضدها ، وهذه من الكيفيات ، فلا ينتقص بها الصنعة ، ولا يزيد حتّى يصدق عليها بسببها النصف وغيره ، نعم لا يبعد أن يقال : اذا أصدق تعليم صنعتين كان اجرتهما متساويتين يجب عليه تعليم واحد منهما بعد الطلاق قبل الدخول.

المسألة السادسة


قوله : ورجع بنصف المسمّى.

ليس المراد برجوعه بنصف المسمّى : رجوعه بنصف عين المسمّى ؛ لأنّها صارت ملكا له بسبب المعاوضة ، بل المراد هنا : رجوعه بمثله أو قيمته.

قوله : لأنّه الواجب بالطلاق.

أى : لأنّ نصف المسمّى هو الواجب بالطلاق ، لا نصف العوض ؛ اذ قال سبحانه : « فنصف ما فرضتم » والمفروض هو المسمّى.

المسألة الثامنة

قوله : فيجبرهما الحاكم الى آخره.

هذا تفريع على ما ذكر من أنّ النكاح في معنى المعاوضة ولكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم [ فللزوجة الامتناع عن التمكين ] حتّى تقبض المهر وللزوج امساك المهر حتّى يدخل ، فكيف التوفيق اذا تنازعا.

ففرّع عليه انّه اذا كان لهما الامتناع ، فيكون طريق الجمع التقابض معا بأن يجبرهما الحاكم : أمّا الزوج فبوضع الصداق على يد عدل. وأمّا الزوجة فبالتمكين بأن يأمرها به واذا مكنت سلم العدل الصداق إليها.

وليس هذا فى الحقيقة في معنى اقباض المهر أوّلا ؛ لأنّ الوضع عند العدل لكونه عدلا في حكم الوضع عند الزوج على تقدير امتناع الزوجة بعد الوضع ، وفي حكم الوضع عند الزوجة على تقدير تسليمها البضع.

وفي قوله : « ان لم يدفع إليها » اشارة الى ان اجبار الحاكم انّما يكون على تقدير امتناع كلّ من الطرفين من التسليم ، وان دفع إليها المهر فلا احتياج الى اجبار الحاكم ؛ لأنّه رضي بالتسليم ابتداء. ثمّ انّ طريق الجمع لا ينحصر في اجبار الحاكم ، بل يحصل بتراضيهما بالوضع في يد عدل أو يد من يتّفقان عليه أيضا.

وقيل وجه آخر في طريق الجمع : وهو أنّه يجبر الزوج على تسليم الصداق أوّلا ، فإذا سلّم سلّمت نفسها والفرق أن فائت المال يستدرك دون البضع.

وفيه : أنّ الزوجة اذا سلّمت البضع ، فهي تستحقّ المال ، فهي بمنزلة فائت المال أيضا.


قوله : عينا كان المهر الى آخره.

العين يطلق تارة ويراد به : ما يقابل الدين ، وحينئذ فالمراد به التعيين أي : ما لا يصدق الّا على شي‌ء واحد شخصي. وتارة اخرى ، ويراد به : ما يقابل المنفعة سواء كان متعيّنا أو لا ، بل كان في الذمّة. وحينئذ فالمراد به : هو الأجسام سواء كانت دينا أو لا. والمراد بقوله : « عينا » هنا : هو المعنى الثاني.


كتاب الميراث

قوله : استحقاق انسان الى آخره.

لو قلنا بصدق الانسان على الميّت أيضا لم يرد نقض. وأمّا ان خصصناه بالحي كما هو الظاهر ، لانتقض التعريف بما يستحقّه المفقود الذي لا يعلم حياته ولا موته ، وما يستحقّه الغريق والمهدوم عليه ، وقد يرد النقض بالحمل أيضا. ويمكن دفعه : بأنّ الحمل لا يستحق شيئا الّا بعد انفصاله حيّا ، وأمّا قبله فالمال متربّص به ، ولو عمّ الانسان بأن يقال حقيقة أو حكما لا ندفع الجميع.

وكذا يلزم تعميم الموت بالحقيقي والحكمي ، والّا لانتقض بالمرتد الفطري ، وان لم يقتل. والمراد بالسبب : هو السبب العرفي في هذا المقام ، دون مطلق السبب. والمراد بالشي‌ء : أعمّ من الحقوق المالية وغيرها ، فيدخل فيه الشفعة والقصاص ونحوهما. ويخرج بقيد النسب والسبب ، الوصيّة لذوي الأنساب والأسباب. وبالقيد الأخير : الوقف المرتّب على طائفة ، ثمّ على أولادهم ، وهكذا ؛ فانّه يصدق في المرتبة الثانية أنّه استحقاق انسان شيئا بموت آخر بنسب أو سبب ، الّا أنه ليس الاستحقاق بأصل الشرع ، بل بسبب عروض الوقف كذلك حتّى أنه لو وقف مرتّبا على طائفة ، ثم على جيرانهم ـ مثلا ـ لانتقل إليهم ، فالاستحقاق هنا ليس بسبب النسب والسبب ، ولذا اكتفى جمع بأحد هذين القيدين.

قوله : فهو بمعناه.

فيه : انّ التفرقة بين الفريضة والارث انّما هو من وجهين : أحدهما : باعتبار التقدير وعدمه. وثانيهما : باعتبار الاشتمال للحقوق المالية وغيرها والاختصاص بالمالية ، فانّ


الارث عام ، والفريضة مختصّة بالمالية ، فبعد إرادة المفروض بالاجمال ، وان ساوى الارث والفريضة من هذه الجهة ، ولكن يبقى الفرق بينهما من الجهة الثانية.

قوله : وهو ثلاث مراتب.

اعلم أنّ الفقهاء جعلوا الانساب مراتب باعتبار الاجتماع والافتراق في الارث ، والتباين والتناسب في جهة النسبة.

وبيان ذلك : أنّه لمّا تتبعوا تفاصيل الأدلّة رأوا أنّ جميع الأنسباء لا يجتمعون في الارث ، بل يمنع بعضهم بعضا ، ثم رأوا أنّ بعض من يمنع بعضا يجامع آخر أيضا كالأولاد الذين يمنعون أولاد الأولاد والاخوة ـ مثلا ـ ويجامعون الأبوين.

ورأوا أن البعض الذي يمنعه هذا البعض على قسمين :

قسم لا يمنعه البعض الذي يجامع الأوّل كاولاد الأولاد ؛ فانّه يمنعهم الأولاد ، ولا يمنعهم الأبوان اللذان يجتمعان مع الأولاد ، ويمنع سائر من يمنعه الأولاد.

وقسم يمنعه أيضا كالاخوة والأجداد حيث يمنعهم الأولاد والأبوان معا.

وأيضا رأوا أن الأنسباء امّا متّحدون في جهة النسبة أو متباينون. والأول امّا لا يجامع بعضه من يمنعه البعض الآخر كأولاد حيث انهم متّحدون في جهة النسبة ، ولا يجامع أولاد الأولاد من يمنعه الأولاد من المرتبة الثانية والثالثة ، أو يجامع كالأجداد والآباء حيث يجامع الأجداد مع الاخوة اللذين يمنعهم الآباء ، فجعلوا كل نسبتين متباينين في جهة النسبة يجامعان في الارث ، مع من يجامع أحدهما مع من يمنعه الآخر. وان لم يجتمعا فى الارث فى طبقة واحدة ، فجعلوا الآباء والأولاد المتباينين في جهة النسبة منضما مع أولاد الأولاد الذين يجامعون الأبوين ، ويمنعون سائر من يمنعه الآباء والأولاد في طبقة واحدة. وكذا جعلوا أولاد الأولاد المتّحدين في جهة النسبة ، ولا يجتمع أحدهما مع يمنعه الآخر في طبقة واحدة.

وبتقرير آخر : الأنسباء امّا متناسبون في جهة النسبة كالآباء والأجداد ، وكذا الأولاد وأولاد الأولاد ، وكذا الأعمام والأخوال ، أو متباينون كالآباء والأولاد ، والاخوة والأجداد.

والأوّلون امّا يجامع بعضهم بعض من لا يجامع الآخر كالآباء يجتمعون مع الأولاد


الذين لا يجتمعون مع [ اولاد ] الأولاد ، أولا كأولاد الأولاد حيث لا يجامعون من لا يجامع الأولاد.

والآخرون اما يجتمعون في الارث كالآباء والأولاد ، أو لا كالآباء والاخوة والأجداد والأولاد ، فجعلوا كل نسبتين متناسبتين لا يجتمع أحدهما مع من يمنعه الآخر ، كالأولاد وأولاد الأولاد ، والاخوة وأولاد الاخوة ، والأعمام والأخوال وأولادهم ، أو متباينين مجتمعين فى الارث في طبقة واحدة ، ولأجل ذلك حصل للنسب طبقات ثلاث. ومن هذا ظهرت الضابطة في ضبط الطبقات والوجه في جمع المتناسبين في الطبقة على الطريق المعروف.

ودفع ما يقال : من أنّهم ان جعلوا الضابطة الاتحاد في جهة النسبة فيلزم تعدّد طبقة الآباء ، والأولاد ، والاخوة والأجداد ؛ وان جعلوا الاجتماع في الارث فيلزم تعدّد طبقة الأولاد مع أولاد الأولاد.

ثمّ اعلم أنه لمّا كان في كلّ مرتبة وطبقة أنسباء متفرّقون باعتبار النسبة جعلوا كلّ طائفة متّحدة فيها صنفا واحدا ، وباعتبار ذلك حصل للنسب خمسة اصناف يشمل المرتبة الاولى على صنفين اصل محصور وهو الابوان وفرع غير محصور وهو الأولاد ، وكذلك الثانية ، وصنفاها غير محصورين عروجا ونزولا وهما الاخوة والأجداد ، ولا تشمل الثالثة الّا على واحد غير محصور.

ثمّ لمّا كان أنسباء كلّ صنف متفاوتة باعتبار القرب والبعد الى الميّت جعلوا كلّ طائفة متساوية قربا وبعدا درجة واحدة ، فحصل للنسب درجات ، وهي غير محصورة ، الّا أنّ للصنف الأوّل من الاولى درجة واحدة وقد يجعل الطبقات أكثر بجعل الأعمام والأخوال وأولادهم طبقة ثالثة وأعمام كلّ من الأبوين وأخواله وأولادهم رابعة ، وأعمام كلّ من الجدين وأخواله وأولاده خامسة ، وهكذا فيتصاعد الطبقات الى غير النهاية.

قوله : لعدم اطلاق اسم.

أي : حقيقة. وأمّا مجازا فيطلق الإخوة على أولادهم. وهذا التعليل إنّما يصحّ بناء على ما اختاره من صدق اسم الاولاد حقيقة على أولادهم ، والّا فلا يكون فرق بين أولاد الأولاد ، وأولاد الاخوة.


قوله : ولو قيل : وان نزلوا.

يمكن أن يقال : إنّه اذا قيل : وان نزلوا ؛ يكون ذلك قرينة على إرادة التجوّز ، فيدخلون ، الّا أن يقال : انّ دخولهم بهذا النحو انّما يصحّ على القول بجواز استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي معا وأمّا على القول بعدم الجواز ـ كما هو الحق ـ فلا يصح.

قوله : من الجانبين.

متعلّق بالسبب ، دون الزوجية أي : والزوجية من الأسباب من الجانبين ، فيرث الزوج من الزوجة وبالعكس ؛ اذ لا معنى للزوجيّة من الجانبين.

قوله : على الخلاف.

أي : الخلاف في أنّه هل يشترط في سببية الزوجية الغير الدائمة شرط الارث أم لا ، لا الخلاف في اشتراط دوام العقد أو شرط الارث كما هو ظاهر العبارة.

قوله : تضاعيف الكتاب.

أي : تضاعيف كتاب الميراث ، وغير كتاب الميراث من الكتب الآتية.

قوله : ومن ثمّ أدخلهما.

أي : أدخل الأبوين اذا كانا معهنّ في قسم الحجب حيث قال : « وكذا يحجب الولد الأبوين » فإنّه شامل لهما أيضا ، والاستثناء الواقع بعده لا يخرجهما.

قوله : وكذا اللعان.

أي : انتفاء اللعان في الاخوة بأن يكون الأب نفاهم عن نفسه ، ولا عن مع أمّهم.

قوله : لو كانوا غرقى.

يعني : لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان وأخ آخر. وقوله : « من حيث » الى آخره بيان علّة الحجب يعني : ان فرض تقدّم موت كلّ واحد منهما يوجب حياة الآخر ، فيتحقّق حياة الأخوين الحاجبين : أحدهما الأخ الحي والآخر المفروض حياته فيحجبان.

وقوله : « ومن عدم القطع » بيان علّة عدم الحجب يعني : أنه لا قطع بوجود أحد الغريقين بعد الآخر ؛ لجواز موتهما معا في آن واحد. وقوله : « والارث حكم شرعي » دفع لما يمكن أن يقال من : أنّ هذا ينافي ما ثبت من إرث أحد الغريقين عن الآخر ؛ فانّه


يستدعي حياة أحدهما بعد الآخر لا محالة فلا يكون موتهما معا. ودفعه : أنّ إرث أحدهما عن الآخر إنّما هو حكم شرعي تعبّدي ولا يدل على حياة أحدهما ، واطّراد الحكم بالحياة.

الفصل الثاني

قوله : سواء كان منه.

أي : من هذا الزوج.

قوله : ذكر في الموضعين.

أي : في الاخت للأبوين والاخت للأب ، وانما لم يقل : في المواضع ، مع أنّ البنت أيضا كذلك ؛ لأن قيد الواحدة فيها يغني عنه ؛ فانّ الواحدة بمعنى المنفردة.

ويحتمل أن يكون مراده من الموضعين : البنت والاخت مطلقا حيث انّه جعل البنت والاخت عند ذكر الآيات موضعين ، فيكون « اللام » في « الموضعين » للعهد ، وهذا أنسب لما سيأتي في البنتين والاختين حيث خصّ بالموضعين أيضا ، مع أنّ البنتين خال عن قيد الوحدة.

القول في ميراث الاجداد

المسألة السادسة

قوله : يدخل النقص عليه.

أي : على ذلك المعارض ؛ لأنّ فرض الأبوين مع الولد غير فرضهما مع عدم الولد.

والحاصل : أنّ النقص كما يدخل على البنت كذلك يدخل على الأبوين ، ففي صورة الزيادة لو ورد على البنت ، دون الأبوين لزم الترجيح بلا مرجّح ، بخلاف كلالة الام ، فان النقص لا يدخل عليها أصلا.

المسألة السابعة

قوله : من المساواة والتفضيل.

المساواة في صورة اجتماع الجد مع الأخ ، أو الجدّة مع الاخت للأب. والتفضيل في


صورة اجتماع الجد مع الاخت ، أو الجدّة مع الأخ ، أو اجتماع الأخ أو الاخت للأب مع الجد والجدّة أو كليهما للام والاستحقاق بالقرابة عند اجتماع كلالة الأب مع الجد أو الجدّة للأب ؛ فانّ الكلالة حينئذ ترث بالقرابة دون الفرض ، وان كانت اختا أو اختين.

والظاهر أن قوله : « ما فصل » مراده : التفصيل في كتب القوم ، أو فيما سبق وما يأتي ، لا أنّه فصل سابقا ؛ اذ لم يذكر سابقا الّا بعض صور المساواة ، وان فهم بعض صور التفضيل أيضا ضمنا حيث صرّح بأنّ لجدودة الام الثلث مع جدودة الأب. وقال أوّلا : إنّ المال بين الجد للأب والأخ له نصفان ، فيكون الأخ في حكم الجد للأب ، فاذا اجتمع هو أيضا مع جدودة الام يكون له الثلثان.

والاستثناء في قوله : « الّا أن يكون » الى آخره استثناء عمّا يجتمع كلالة الأب مع مطلق الجد. والمراد من المستثنى : صورة لم يكن جد أو جدّة لأب ، بل اجتمعت الكلالة مع الجد أو الجدّة للام ؛ لأنّ في الصورة الاولى لا يرث الكلالة بالفرض ، بل بالقرابة وان كانت اختا واحدة أو اختين.

المسألة العاشرة

قوله : وعددهم ستّة.

وذلك لأنّهم يقتسمون للذكر ضعف الانثى ، فالجد اثنان ، والأخ اثنان ، وكلّ من الجدة والاخت واحدة ، هذه ستّة.

المسألة الحادية عشرة

قوله : في الاولى أربعة.

أي : للميّت أب وأمّ : ولكلّ منهما أب وأمّ. والحاصل من ضرب الأربعة في الاثنين ثمانية ، ولكلّ من هذه الثمانية أب وأم ، وحاصل ضرب الثمانية فى الاثنين ستّة عشر ، وهكذا. والنصف من كلّ درجة ذكور والنصف اناث ، والوجه ظاهر.

ولكن قد جرت عادة الفقهاء بالبحث من الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية اذا اجتمعوا ، لا غير ؛ لبعد وقوعها ، ولظهور الحكم بعد الاحاطة بهذه الثمانية في الجميع.

قوله : هذا هو المشهور.


اعلم أنّه لا خلاف في أنّ ثلثي التركة لأقرباء أب الميت وثلثها لأقرباء أمّه أوّلا ، ولا خلاف أيضا في أنّ ثلثي أقرباء الأب ينقسم بينهم أثلاثا ، فثلثاه لاقرباء أب أبيه ، ولا خلاف أيضا في ان ثلثي اقرباء أبيه ينقسم اثلاثا فثلثاه لاب أب ابيه وثلثه لام أب أبيه ، وانّما الخلاف في ثلث الثلثين الذي لأقرباء أمّ أبيه ، وفي ثلث التركة الذي للأقرباء الأربعة التي من أمّ الميّت فالمشهور كما ذكره أنّ ثلث الثلثين ينقسم بالتفاوت للذكر مثل حظ الانثيين ، وثلث التركة ينقسم بين أقرباء الميّت بالسوية.

وخالف المصري في المقامين ، فقال : « انّ ثلث الثلثين ينقسم بالسويّة وثلث التركة بين أقرباء أم الميّت أوّلا أثلاثا ، فالثلث لأقرباء أمّ الام سويّة ، والثلثان لأقرباء أبيها كذلك »

وخالف البرزهي فى المقام الثاني فقط ، فقال : « انّ ثلث التركة ينقسم بين اقرباء أم الميّت أوّلا أثلاثا ، فالثلث لأقرباء أمّ الام والثلثان لأقرباء أبيها ، ولكن ينقسم ذلك الثلثان أيضا أثلاثا » فهو في ذلك مخالف للمصري أيضا.

والأقوى عندى في المقام الأوّل هو القول المشهور ، وفي المقام الثاني انّ الثلث ينقسم أوّلا بين أقرباء أم الميت أثلاثا كما ذكره المصري والبرزهي ، والثلثان اللذان لأقرباء أبيها ينقسم أيضا أثلاثا كما ذكره البرزهي ، وكذا في الثلث الذي لأقرباء أمّها. فالمسألة عندنا من سبعة وعشرين. والوجه فيما ذكرنا مذكور في كتبنا الاستدلالية.

قوله : من لاحظ الامومة الى آخره

فالأوّل ـ أي : من لاحظ الامومة في جميع أجداد الام ـ الشيخ ؛ فانّه قال باقتسام الجميع سوية ؛ لأنّ جميع أجداد الام يتقربون الى الميّت بواسطة أم ، فلاحظ أمّ الميّت.

والثاني البرزهي ؛ فانّه اعتبر الأصل أي : أم الأجداد أو أباهم دون أم الميت ، فانّه قال بقسمة الأجداد الأربعة للام أثلاثا ، فلجدّي أمّه لأبيها الثلثان ؛ لأنّ الأصل أب ، ويقتسمون بالتفاوت ، ولجدّي أمه لامّها الثلث ، ويقتسمون سوية ؛ لأنّ الأصل أم.

والثالث : المصري ، فانّه قال بقسمة الأجداد الأربعة للام أثلاثا ، فاعتبر أب الأجداد وأمّهم ، ثم قال بقسمة كلّ من قرابتي الأب والام بالسوية ، ومن هذه الجهة اعتبر أم الميت ،


فهو اعتبر الجهتين معا. فاعتبر جهة الأصل في قسمة الأجداد أثلاثا ، واعتبر جهة أمّ الميّت في قسمة كلّ من القرابتين بالسوية.

ولا يخفى أنّ هذه الملاحظة ، وان وافقت مذاهبهم في كيفيّة تقسيم أجداد الامّ الأربعة ، ولكنّها لا يوافق الجميع في تقسيم أجداد الأب للذكر مثل حظّ الانثيين أوّلا من غير التقسيم أثلاثا ، ثمّ على النحو المذكور ؛ لأنّه مقتضى ملاحظة الابوّة فى جميع أجداد الأب ، وعلى مذهب البرزهي يقتضي تقسيم قرابة الام من أجداد الأب على السوية ؛ لأن الأصل أمّ مع أنّه لا يقتسم.

وقد وجّه هذه العبارة بأنواع اخر أيضا. فقيل : « ان المراد بالأصل : أمّ الميّت » وجعل الثاني اشارة الى مذهب الشيخ والأوّل إلى مذهب البرزهي ، والثالث إلى مذهب المصري.

وهذا بناء على جعل الامومة جمعا. وقد يجعل الأخير اشارة الى مذهب البرزهي ، ولا يكاد يصح.

القول في ميراث الاعمام

قوله : وهم أولو الأرحام.

يعني : وهم الذين يرثون لأجل كونهم اولي الأرحام فيصحّ التعليل بقوله : « اذ لم يرد » أو هم المقصودون باولى الأرحام في الآية ، والّا فأصل كونهم أولي الأرحام لا يحتاج الى دليل. ثمّ معنى قوله : « وهم أولو الأرحام » : أنّهم أيضا منهم ، لا أن اولي الارحام مختصّون بهم ؛ لأنّ إرث الأب عند عدم الولد وارث الأجداد ، بل أولاد الكلالة أيضا يثبت بهذه الآية ، فهؤلاء أيضا داخلون في اولي الأرحام.

مسائل : المسألة الاولى

قوله : بالسوية.

هذا مذهب العلّامة وبعض آخر. وقال في الكفاية : « لا أعرف فيه خلافا ». وذهب الفضل بن شاذان ، والصدوق ، والشيخ في النهاية ، وصاحب الغنية ( كذا ) اجماع الإمامية ، وهو الحق.

قوله : مع تساويهما.


أي : كانوا جميعا من أعمام الميّت ، فلو كانت قرابة الأب وحده عمّ الميّت ، وقرابة الأبوين عمّ أبيه ـ مثلا ـ لا تسقط قرابة الأب بقرابة الأبوين ، بل الأمر بالعكس.

المسألة الرابعة

قوله : لأنّ الأخوال يرثون.

لا يخفى أن جعل الأخوال بمنزلة الاخت ، والأعمام بمنزلة الأخ لا وجه له ، فان نسبة الخؤولة والعمومة الى الاخت والأخ كنسبتهم إلى الميّت نفسه ولو صحّ أيضا ، فدلالته على ما ذكر ، وصحّة الاحتجاج به على المطلوب غير واضحة ؛ لأن مطلق الاخت ليس لها الثلث ، فالصحيح جعل الأخوال بمنزلة الام ، والأعمام بمنزلة الأب كما صرّح به في الحديث الآتي ولو لا أنّ التنزيل المذكور مذكور في غير هذا الكتاب أيضا كالمسالك والكفاية لوجب حمله على غلط الناسخ ، الّا أن يحمل الاخت على اخت الأخوال التي هي أمّ الميّت ، والأخ على أخ الأعمام الذي هو أب الميّت.

قوله : ومقابل الأصح قول ابن ابي عقيل.

وإليه ذهب الديلمى ، والمفيد ، والكيدري ، وابن زهرة ، والمصري. ثمّ انّ هؤلاء جعلوا العمّ بمنزلة الأخ للأب ، فيكون له المال ، لا النصف ، نعم جعلوه للعمّة.

المسألة الخامسة

قوله : لأنّ الثلث الى آخره

هذا حجّة القول الثالث. أما القول الأوّل وهو أنّ للخال للام سدس الأصل ، فهي أن النقص لا يدخل على المتقرّب بالام ، فيكون له نصيبه لو لا أحد الزوجين.

وفيه : أنّه ان اريد بالمتقرّب بالام : المتقرب بام الميّت ، فعدم دخول النقص عليه مسلّم ، ولكن هذه النسبة ثابتة لمطلق الخؤولة من غير اختصاص له بالخال للام ، فيتساوى الجميع. وان اريد به المتقرّب بامّ أمّ الميت حتّى يكون الخال للام بمنزلة الجدّة للام والخال للأب بمنزلة الجدّ له ، فلا دليل على عدم دخول النقص عليه ، بل يدخل عليه ؛ لأنّ الجدّ والجدّة للام ينقسمان المال بعد نصيب أحد الزوجين على التساوي كما مر.

وحجّة القول الثاني : أنّ للمتقرّب بالامّ من الخؤولة سدس نصيب الخؤولة مع الوحدة
وثلثه مع التعدد. وفيه : أنّ ذلك ممنوع ، ولا دليل عليه وأخذه سدس الأصل أو ثلثه عند عدم أحد الزوجين للاجماع ، وهو يحتمل أن يكون على [ أنّ ] له سدس الأصل مطلقا ، أو يكون مخصوصا بصورة عدم وجود أحد الزوجين.

وعلى هذا فنقول : إنّ مقتضى قاعدة « كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّبه » (١) أن ينزل المتقرّب بالام بمنزلة أم الام ؛ لأنّها الرحم الذي يجرّبه ، والمتقرّب بالأب بمنزلة أب الأب ، وهما يقتسمان بعضها (٢) بالسوية ، فهاهنا أيضا كذلك.

المسألة السادسة

قوله : وثمانية عشر.

وذلك ؛ لأن الثلثين ينقسم أثلاثا ، فالمخرج ثلاثة ، ثمّ ينقسم ثلث الثلثين على اثنين ، وثلثاه على ثلاثة ، وبين الثلاثة والاثنين تباين يضرب أحدهما في الآخر ، فيحصل ستّة يضرب في الثلاثة الاولى يحصل ثمانية عشر.

المسألة الثامنة

قوله : والفرق الى آخره.

فيه أوّلا : أنّ ميراث الأعمام والأخوال وان كان ثابتا بعموم الآية ، ولكن ميراث الأجداد والاخوة للأب أيضا كذلك ؛ فانّه ليس في الكتاب العزيز بيان حكمهما أيضا ، فلا وجه لقوله : « فان كل واحد ثبت بخصوصه » ، وان اريد الأعم من الثبوت في الكتاب والسنّة ، فميراث كلّ من الأعمام والأخوال أيضا ثابت في السنّة.

فان قيل : المراد : خصوص الكتاب ، والجدّ ثابت فيه أيضا للتنصيص بارث الأب والام ، وهما يصدقان على الجد والجدّة.

قلنا : الصدق ممنوع ، مع أنّ المنصوص في الكتاب إرث الأب إذا كان هناك ولد ، وأمّا في صورة عدم الولد فلا نصّ على إرثه ، بل النصّ مخصوص بالام حيث قال سبحانه : « فان لم يكن له ولد فلامه الثلث » مع أنّ حكمه سبحانه بارث الأبوين مع الولد قرينة على تخصيصهما بالأب والام الحقيقيتين ، اذ لا يرث الجدّ والجدّة مع الولد.

__________________

(١) الوسائل : ٢٦ / ١٨٨.

(٢) كذا. ولعلّ الصحيح : بينهما.


فان قيل : نصّ في الكتاب بارث الاخوة ، وعيّن مقدار ارثهم ، ولمّا كان الجد والجدّة يرثان مع الاخوة فيعلم أنّ الباقي لهم.

قلنا : انّ هذا ليس اثباتا لارث الجد والجدّة بالخصوص ، مع أنّ المنصوص في الكتاب حكم الاخوة للام فقط ، والاخت والأخوات للأب أيضا.

قد حكموا جميعا بأنّ الجدّ والجدّة للام يشاركون الاخوة لها في نصيبهم المنصوص ، فلا يكون للجد والجدة.

وثانيا : أنّ قاعدة تقديم الأقرب غير مختصة بما ثبت بأنّه أولو الأرحام ، بل يجري فيما ثبت بالخصوص أيضا ، فانّ إرث كلّ من البنات والاخوة ثابت بخصوصه ، مع أنّ البنات يقدّ من لقاعدة تقديم الأقرب فالأقرب.

وثالثا : أنّه لو سلّم جميع ذلك ، فنقول : انّ إرث أولاد الاخوة لم يثبت بالكتاب.

فان قيل : نعم ، ولكن يثبت إرث الاخوة ، ويثبت في السنّة أن كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّبه (١). قلنا : هذا بعينه جار في جانب الأعمام والأخوال أيضا.

المسألة التاسعة

قوله : لو جامعه غيره الى آخره

أي : غيره ممّن هو مساو له في السببين ، اذ لو كان أقرب منه فيهما لم يرث ، أو السببين باعتبار شي‌ء من سببيّته ، ولو كان أقرب منه في أحدهما فيرث بالسبب الذي ليس معه ، وهو أقرب منه فيه ، ولا يرث بالسبب الآخر ، ثمّ انّه قيّد بمجامعة غيره لأنّه لو لم يكن غيره فالمال كلّه له ، ولا يترتّب أثر على اجتماع [ السببين ] اذ المفروض انحصار الوارث فيه ، فالمال كلّه له بأحد السببين ، أو بعضه بسبب وبعضه بآخر.

قوله : كمعتق هو ضامن جريرة.

اذا اجتمع مع معتق آخر ، أو ضامن جريرة آخر ، كما اذا كان عبد لموليين ، فاعتقاه معا ، أو ضمن شخصان لجريرة شخص.

فلا يرد ما يتوهّم من : أنّ الزوج المعتق أو الضامن للجريرة لا يجامع وارثا آخر في مرتبته.

__________________

(١) الوسائل : ٢٦ / ١٨٨.


القول في ميراث الازواج

[ قوله : وهو حمل بعيد ] بل ليس بصحيح. أمّا حقيقة فظاهر. وأمّا مجازا ؛ فلعدم ظهور علاقة من العلائق المعتبرة فيه.

قوله : واختصاصها بدفع القيمة الى آخره

الظاهر منه أنّه يدفع [ إليها ] كمال الثمن من القيمة وظاهر كلام جماعة ، بل صريحه أنّه يدفع إليها نصف من القيمة اذا كانتا اثنتين وثلثاه ، اذا كانت غير ذات الولد اثنتين ، وهكذا.

والظاهر على فرض هذا التفصيل ـ أي : الفرق بين ذات الولد وغيرها ـ وجوب دفع كمال ثمن القيمة ، وعدم اختصاص ذات الولد بالدفع ، بل يعطيه جميع الورثة ، أو غير ذات الولد.

قوله : دون سائر الورثة.

أي : يختصّ دفع القيمة بالزوجة ذات ولد منه التي أخذت العين ، دون سائر الورثة ، فبأخذ العين الممنوعة منها تدفع قيمتها الى غير ذات ولد منه.

وظاهر العبارة أنّها تدفع مجموع الثمن ، وظاهر الأصحاب انها تدفع بقدر الحصّة ، تأمّل.

قوله : فهو كالدين.

اعلم أنّ الضمير راجع الى القيمة ، دون الدفع اذ لا معنى لكون دفعها كالدين ، وتذكيره باعتبار تأويلها الى المدفوع أو المأخوذ ، وأمّا الضمير المجرور في قوله : « فيه » فالمناسب ارجاعه الى الدفع ؛ لأنّه الذي لا يفرق فيه بين الصورتين ، الّا أنّه لا يلائم ظاهر العبارة ، حيث انّ الظاهر اتّحاد المرجعين.

ويمكن أن يرجع هو أيضا الى القيمة ، ويكون المراد : أنّه لا يفرّق في القيمة في الصورتين بأن تكون في صورة عدم بذل الوارث واجب الدفع وفي صورة البذل غير واجب الدفع. والمراد ببذل الوارث العين : بذله من غير تخيير للزوجة بين قبولها وأخذ القيمة ـ أي امتناعه منها ـ اذ لا كلام في جواز التخيير ، وعلى هذا فالمراد من امتناعه من القيمة : امتناعه منها مع عدم بذله العين.


ثمّ انّ ما ذكره هنا ردّ على جماعة ذهبوا الى أنّ اعطاء الورثة للقيمة انّما هو [ على ] سبيل الرخصة ، دون الوجوب والحقّ ما ذكروه ؛ لأنّه المستفاد من الأخبار كما لا يخفى على الناظر فيها.

قوله : بذل الوارث

[ اي ] في صورة عدم اجتماعها مع ذات الولد. وأمّا في صورة الاجتماع فالدفع مختص بذات الولد ، فلا معنى لقوله : « ولا بين امتناعه من القيمة وعدمه » الى آخره. فاذا اجتمعت مع ذات الولد فامتنعت من دفع القيمة ، فكامتناع الوارث في جميع ما ذكره. ويمكن تعميم الوارث ليشمل في صورة الاجتماع الزوجة أيضا.

قوله : في رواية ابن اذينة.

وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن اذينة في النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع (١).

قوله : الا ان الفرق تقليلا لتخصيص آية الارث.

لا يخفى أنّه وان كان في الفرق تقليل لتخصيص الآية ؛ الّا أنّه يوجب تخصيصها ، وتخصيص روايات الحرمان أيضا ، وأولويّته من ارتكاب التخصيص به ( كذا ) لا بدّ من ارتكابه ، ولا وجه لتقليله. وما ذكره من ذهاب الأكثر الى الفرق مع أنّه ليس بحجّة ممنوع ؛ فانّ عدم الفرق مذهب المفيد ، والسيد ، والشيخ ، وأبي الصلاح ، وابن ادريس ، وابن زهرة ، والمحقّق في النافع ، واختاره جماعة من المتأخرين عن الشارح أيضا. وفي الخلاف والسرائر دعوى الاجماع عليه.

قوله : عنها الاعتداد.

أي : اعتداد الوفاة دون الباقية. فتعتد الباقية عدة الوفاة دونها ؛ لما ذكر.

قوله : وانسحاب.

عطف على « القرعة » أي : في هذه الصور وجهان : أحدهما : القرعة. الثاني : انسحاب الحكم السابق من تقسيم ثلاثة أرباع الربع ، أو الثمن بين الباقيات التي اشتبهت المطلقة فيهنّ.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٦ / ٢١٣.


قوله : باثنتين بين الاثنتين.

متعلّق بيقسم أي : يقسم نصيب المشتبه بين الاثنين في الصورة الاولى التي أشار إليها بقوله : « فان اشتبهت بواحدة » ويقسم بين الثلاث في الصورة الثانية التي أشار إليها بقوله : « ان اشتبهت باثنتين » ويكون التقسيم بين الاثنين والثلاث بالسوية ، فهو أيضا متعلّق بيقسم ، تدبّر.

الفصل الثالث في الولاء

قوله : وفيهما معا نظر.

أي : في نسبة هذا القول الى المفيد ، ونسبة الاستحسان الى المحقّق معا نظر. والظاهر أنّ مراده : أنّ النظر انّما هو في المجموع من حيث المجموع باعتبار أحد جزأيه الذي هو النسبة الى المفيد ، والّا فكلام المحقّق صريح في الاستحسان. قال في الشرائع : « ولو عدم المنعم ، قال ابن بابويه يكون الولاء للأولاد الذكور والاناث ، وهو حسن ».

قوله : فضامن الجريرة.

اعلم أنّ عقد ضمان الجريرة كان ثابتا في زمان الجاهلية يتوارثون به ، ويقدّمون الضامن على الأقارب ، فاقرّهم الله تعالى في صدر الاسلام ، ثمّ نسخ بالاسلام والهجرة ، فكان الميراث للمسلم المهاجر ، فاذا كان للمسلم ولد لم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده ثمّ نسخ ذلك أيضا بالتوارث بالرحم والقرابة ، ولكن بقي الارث بضمان الجريرة عندنا معاشر الامامية على بعض الوجوه ـ كما ذكره المصنّف ـ وعند الشافعي انّ الارث بضمان الجريرة منسوخ مطلقا.

قوله : ولا يتعدى الحكم الضامن.

أي : لا يتعدّى من الضامن الى غيره من ورثته وأقاربه وادّعى في الغنية الاجماع على ذلك وان حكي عن ظاهر المقنعة الخلاف فيه حيث سوى بين هذا الولاء وولاء العتق في جميع الأحكام الثابتة له ، وحجّته غير واضحة ، مع مخالفة قوله للأصل.

قوله : ولو تجدّد للمضمون وارث.

اعلم أنّ تجدّد الوارث للمضمون يمكن أن يكون بأن تزوّج بعده وولد له أولاد ، و


يمكن أن يحصل له معتق بأن يكون اسلام المضمون طارئا ، ثمّ يكفر بعد العقد ، ويلتحق بدار الحرب ، ويسترق ، فيعتقه مولاه فيكون المعتق وارثا له.

قوله : لفقد شرط الصحّة.

أي : صحّة الضامنية ، لا صحّة الضمان ؛ فانّه لو كان شرطا لصحّة الضمان لما يقدح طارئا. وأمّا الضامنية كالمالكية التي شرطها كون المملوك مما يصحّ مملوكيته ـ مثلا ـ فلو عرض له بعد المبايعة ما ينافيه كطريان العتق على العبد ـ مثلا ـ زالت المالكيّة.

قوله : على الأصح.

مقابل الأصح قول ابن الجنيد ، والشيخ في الاستبصار ، وهو : أنّه لبيت المال الذي مصرفه مصالح المسلمين.

ويمكن أن يقال : إنّ مرادهما بيت مال الامام أيضا لما ذكره جماعة من شيوع اطلاق بيت المال وإرادة بيت مال الامام ، ويشير إليه كلام الشيخ في الخلاف هنا حيث قال : « ميراث من لا وارث له ينتقل الى بيت المال وهو الامام خاصّة.

الفصل الرابع

المسألة الاولى

قوله : فمن حيث ينبعث.

الظاهر ـ وقائله اعلم ـ ان خرج منهما جميعا من غير سبق لأحدهما ، فينظر أنّه من أيّهما يسترسل أي : يكون في أيّهما الدفع والفوران ومن أيّهما التقاطر والخروج بالرفق.

قال في القاموس : « بعثه كمنعه : ارسله فانبعث ». وقيل : إنّ المراد منه أن يحكم مع التساوي في السبق على المنقطع أخيرا لأن المراد من الانبعاث : الاسترسال ، وظاهر أنّ المنقطع أخيرا أشدّ استرسالا وادرارا ؛ لكون الخروج منه أكثر زمانا.

ولا يخفى ما فيه.

قوله : وهو هنا كذلك.

أي : وتوريث نصف النصيبين هنا كذلك أي : هو كقسمة ما يقع التنازع فيه بين الخصمين مع تساويهما ؛ اذ الضمير راجع الى الموصول ـ أي : ما يقع فيه التنازع هنا


كذلك أي : يتساوى الخصمان بالنسبة إليه. وعلى التقديرين فالوجه في كون توريث نصف النصيبين كذلك ، أو ما يقع فيه التنازع : أنّه لا نزاع في أنّه يرث نصيب الانثى ، فهو غير المتنازع فيه والزائد منه الى نصيب الذكر هو المتنازع فيه ، فيرث نصفه ، وهو توريث نصف النصيبين. مثلا : اذا كانت التركة اثني عشر ، والوارث ذكر وخنثى ، فللذكر ستّة قطعا ، وللخنثى أربعة كذلك ، بقي اثنان وقع التنازع فيه فينصف ، ويعطى الخنثى نصفه ، وهو واحد ، وهو توريث نصف النصيبين ؛ لأن معنى توريث نصف النصيبين : أنّه يفرض تارة ذكرا ، فيلاحظ نصيبه حينئذ ، واخرى انثى ويلاحظ نصيبه حينئذ أيضا ، فينصف ، ولا شك أنّه لو كان في المفروض ذكرا كان له ستّة ونصفها ثلاثة ، ولو كان انثى كان له أربعة ونصفها اثنان ، ومجموع الثلاثة والاثنين خمسة.

المسألة الثانية

قوله : لخلوّ باقي الأخبار عنه.

وفيه نظر ؛ لأنّ جميع الأخبار يتضمّن الأمر به ، وان اختلفت بحسب الاجمال أو الاطلاق ، والتفصيل ، فان أراد بالدعاء عند القرعة جنسه المناسب للقرعة ، فجميع الأخبار للأمر به متضمّنة ، فكيف يقول : الأخبار عنه خالية؟

وان أراد به الكيفيّة المرسومة في رواية الفضيل ، فلا يقدح خلوّ باقي الأخبار عنها بعد تضمّنها الأمر بمطلق الدعاء ، والأصل يقتضي حملها عليها ، وهو أرجح من الحمل على الاستحباب ؛ ولذا أمر به ابن ادريس في السرائر والمحقّق في الشرائع ، والعلّامة في القواعد والتحرير ، وان اختلفت عباراتهم بحسب الاجمال والتفصيل بنحو ما في الرواية المذكورة.


كتاب الحدود

قوله : ويتحقّق الاكراه على الزنا فى الرجل ... كما يدرأ عن المرأة بالاكراه لها.

اعلم أنّه لا نزاع في انّه لو تحقّق الاكراه في حقّ الرجل يدرأ عنه الحدّ وفي انّ الاكراه مطلقا يوجب درأه وانما النزاع في أنّ الاكراه هل يتحقّق في حق الرجل أم لا.

ولم يقل أحد بكون الاكراه موجبا للدرء عن المرأة ، دون الرجل فلا يناسب الاحتجاج على درء الحد عن الرجل مع تحقّق الاكراه بقوله : « لاشتراكهما » المشعر بالفرق بين الرجل والمرأة مع تحقّق الاكراه فيهما ، بل كان الأصوب الاحتجاج على تحقّق الاكراه في الرجل وعلى إيجاب مطلق الاكراه درء الحد كما في المسالك وغيره.

قوله : غير مقدورة.

أى : غير مقدورة للرجل حتّى ينبعث القوى بعد اكراهه ، بل هو موقوفة على ميل نفساني ، ولا يتحقّق بالاكراه ، فلا يمكن اكراهه على حصول الشهوة التي يتوقّف الزنا عليها.

قوله : كله غالبا.

أي : على الشهوة وانتشار العضو وانبعاث القوى ؛ فانّه قد يتغيّب الحشفة من جهة انتشار العضو الحاصل بسبب غير الشهوة ، وانبعاث القوى ، بل قد يحصل من غير انتشار العضو أيضا.

والضمير في قوله : « توقفه » راجع الى الكل. وكذا في قوله : « منه » أي : توقّف غيبوبة الحشفة على ذلك كلّه ممنوع ، لو سلّم توقّف ذلك كله على الاختيار ، وسلم منع الخوف من حصول الكل.


قوله : انعتاقه.

الانعتاق إما قبل الاقرار ، وكونه في حكم التصديق واضح. ولكن اشتراط الحرية يكفي عنه ، وإمّا بعده وكونه في حكم التصديق محل نظر ؛ لبطلان الاقرار أوّلا فلا يصحّ بعده. نعم الانعتاق المقارن للاقرار لا يبعد أن يكون في حكم التصديق.

قوله : بالاقرار.

متعلق بالحد ، دون النفي.

قوله : في حالة الجنون.

وكذا اذا وقع الاقرار حال الكمال بالزنا حال الجنون. ولكن هذا خارج بقيد العقل في التعريف ، ولا مدخلية بهذا المقام.

قوله : تعدّد مجالس الاقرار.

الظاهر أنّ المراد بالمجالس : مجلس المقر كما يظهر من تمسّكهم بخبر ماعز فلا يشترط تعدّد مجلس الحاكم اتفاقا.

قوله : تأخّر البيان.

ان اريد تأخّر البيان عن وقت الحاجة فهو ممنوع ، وان اريد تأخّره عن وقت الخطاب فعدم جوازه غير مسلّم.

قوله : كغيره.

يحتمل أن يكون قيدا لقوله : « المفهمة يقينا » أي : كما أنّ غير الاخرس يجب أن يكون اقراره مفهما يقينا وان كان لفظا. ويحتمل أن يكون قيدا لقوله : « اشارة الأخرس » أي : تكفي اشارة الأخرس المفهمة يقينا كما تكفي اشارة غير الأخرس اذا كانت كذلك. والأخير أنسب بالعبارة حيث انّ الملائم مع الأوّل أن يقول : « كغيرها » أي : غير الاشارة.

قوله : ولو لو يفهمها الحاكم.

عدم فهم الحاكم امّا بغفلته عنها وعدم التفاته إليها ، وامّا بكونه أعمى على القول بجواز كون الحاكم أعمى.


قوله : الّا أنّ الأوّل أقوى.

وجه كونه أقوى على ما سيذكره في بحث القذف وذكره في المسالك : هو دلالة ظاهر اللفظ على زنا المرأة ، وأنّ الأصل عدم الشبهة والاكراه. ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل قال لامرأته : يا زانية أنا زنيت بك. قال : « عليه حد واحد لقذفه ايّاها ». (١)

وفي الكل نظر : أمّا الأوّل ؛ فلمنع دلالة ظاهر اللفظ ، فان بعد ثبوت امكان انفكاك زنا الرجل [ عن ] زنا المرأة فلا وجه لدلالة نسبته [ الى ] احدهما على [ زنا ] الآخر.

وأمّا الأصل ؛ فلمعارضته بأصالة عدم زنا المرأة ، وعدم رضاها بها ، وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ادرءوا الحدود بالشبهات ».

وأما الثالث ؛ فلأنّه يمكن أن يكون حدّ القذف لأجل قوله : يا زانية لا قوله : أنا زنيت بك ، بل القول الأوّل موجب للحد قطعا ... إليه يقينا.

ثمّ ان مراده من الاتجاه : أنّ هذا القول له وجه ، وأن كان غيره أقوى ؛ لوجود دليل يعارض هذا الوجه.

وقوله : عملا بالعموم

تعليل لما يدلّ عليه الاستثناء ، وهو أنّه يدرأ عنه الحد ، ويسمع دعواه. ثمّ المراد بالعموم هنا ليس العموم المتعارف بل كون مدلول اللفظ أعمّ ، فيشمل المطلق أيضا. وهذا الاستعمال شائع.

قوله : وقد روي الى آخره.

قيل : نقل هذه الرواية لتأييد ما جعله أقوى حيث حكم عليه‌السلام بحدّين مع أنها نسبت الفجور الى الرجل دون نفسها.

وفيها : أنّ الظاهر من الرواية أنّ فجورها نفسها ثابت حيث قال : « اذا سألت الفاجرة » (٢) فأحد الحدين وهو حدّ نفسها ليس لقوله : « فلان » بعد السؤال عمّن فجر بك ، بل لثبوت فجورها ، وكونها فاجرة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٩٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٧٦.


قوله : لأن الله تعالى سمى من قذف.

هذا تعليل لما يفهم من قوله : « للفرية » وهو تسمية هذه الشهادة فرية أي : كذبا ، مع امكان صدقهم فالمعنى : سمّي فرية ؛ لأنّ الله تعالى سمّى من لم يأت بتمام الشهداء كاذبا وقال : ( لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ ) (١) ووصفه سبحانه اياهم بالكاذبين لكونهم في حكمهم من وجوب عدم قبول قولهم.

قوله : ويخرج.

التقييد بقوله : « يخرج » لأجل أنّ الغالب في المجامعة كذلك ، والا فيكفي الشهادة بالدخول فقط ، ويتحقّق الزنا به.

قوله : في شهادتهم المعاينة.

لا يخفى أنّ الشهود عند عدم ذكر المعاينة على الوجه المتقدّم أي : كالميل في المكحلة اذا شهدوا بالزنا ولم يذكروا المعاينة [ حدّوا ] وأمّا اذا شهدوا بالفعل أي بفعل عاينوه منه كالجلوس بين الرجلين ، وحلّ الازار ، والصاق بدنه ببدنها ـ مثلا ـ فلا يحدّون ، بل يعزر المشهود عليه ؛ لثبوت ذلك الفعل منه. صرح به في المسالك.

ثمّ انّ حدّهم اذا شهدوا بالزنا ؛ لأنّ المفهوم منه هو هذا العمل ، وعدم قبول الشهادة به كأنّه تعبّدي.

وأمّا ما في المسالك من : أن عدم قبوله ؛ لأنّ الزنا قد يطلق على ما دون الجماع ؛ فلعلّ مرادهم ما دونه ، فكيف يحدّون ، مع أنّ الحدود تدرأ بالشبهات. فتأمّل. (٢)

قوله : بأحد الثلاثة.

أي : لو ذكر الشهود أحد الثلاثة ، يلزم عدم اختلافهم. واذا قيّد أحدهم بأحدها فهل يلزم في الثبوت تقييد الباقين أيضا أم لا؟

الظاهر لا ؛ لاطلاق الأخبار ، وأصالة عدم الاشتراط ، وعدم صلاحيّة تقييد أحدهم لايجاب تقييد الباقين.

__________________

(١) سورة النور : ١٣.

(٢) لعل الصحيح : ففيه تأمّل.


قوله : في اشتراط.

أي : اشتراط حضورهم في مجلس الحكم دفعة. ووجه أولوية الحد هنا : أنّه اذا حدّوا ولم يكن حضورهم في مجلس الحكم دفعة ، وان اجتمعوا حال اقامة الشهادة ، فحدّهم فيها اذا تلاحقوا حال الشهادة اولى ؛ اذ حينئذ مع أنّهم لم يحضروا دفعة لم يجتمعوا حال الشهادة.

قوله : إمّا مطلقا.

الأوّل على القول الأوّل ، والثاني على الثاني.

الحد على الزاني

اقسام ثمانية

احدها

قوله : للعموم.

أي : عموم روايات قتل الذمّي الزاني بمسلمة. ولا يخفى أنّها وان كانت عامّة ، ولكنها تخصّص بحديث درء الحد للشبهات. وأيضا عمومها ليس بأظهر من عموم رواية قتل الزاني بذات محرم فكما يخصّص هذه فكذلك تلك.

قوله : أفحش.

لا يخفى أنّ افحشية الفعل وقوّة التحريم لا يدلان على ثبوت القتل ، اذ لعلّه لأجل علّة اخرى سوى الحرمة والفحش ، مع أنّ في كونه أفحش وأقوى تحريما نظرا.

قوله : ولا يلحق به المرأة لو اكرهته.

أي : بالزاني مكرها ، لا بالرجل فى المواضع الثلاثة ؛ لأن الالحاق في الأوّلين ان كان لم يتوقّف على اكراه المرأة للرجل. ولا يخفى أنّ تقديم ذلك على قول المصنّف : « ولا يعتبر الاحصان » أولى وأنسب.

وثانيها

قوله : أوّل النهار.


يمكن أن يكون ذلك على سبيل الحقيقة. وأن يكون كناية عن التمكّن منه والقدرة عليه في كلّ وقت شاء وأراد من الأوقات التي تصلح لذلك.

قوله : بحيث غابت الحشفة.

ليس هذا بيانا وتفسيرا لقوله : « معلومة » ، بل تقييد زائد أي : اصابة كانت بهذه الحيثية.

قوله : أحدها الاصابة أي : الوطء قبلا الى آخره.

ليس مراده : أنّ معنى الاصابة عرفا أو لغة هو ذلك أي : الوطء في القبل على وجه يوجب الغسل والّا لتناقض ذلك ما سيصرّح به بعد ذلك بقوله : « واعلم أنّ الاصابة أعمّ ممّا يعتبر منها ، وكذا الفرج ». بل مراده : أن مراد المصنّف من الاصابة ذلك ، وان لم يكن هذا معناها لغة ، ويكون الأولى التصريح به ومن هذا يظهر أنّه لو ترك القبل في تفسير الإصابة ، وفسّر الفرج بذلك كان أولى وأنسب.

قوله : مجنونا.

حال عن فاعل وطء ، لا مفعول له.

قوله : والّا لبطل الحصر المستفاد من الآية.

لا يخفى أنّ دخول التحليل فى ملك اليمين في الآية لقرينة خارجيّة ، أو لاستلزام عدمه بطلان الحصر لا يوجب دخوله فيه في سائر المواضع ؛ فانّه لو دخل فيه لكان على سبيل التجوّز قطعا ، ويقتصر فيه على مواضع القرينة ، دون غيرها من المواضع ، سيّما مع كون الحكم الثابت في موضع ملك اليمين مخالفا للأصل.

قوله : دون مسافة القصر وأزيد.

هذا اشارة الى ردّ ما ورد في بعض الأخبار الشاذّة من أنّ عدم الاحصان انّما هو اذا حصل البعد بقدر مسافة القصر ، كما في مرفوعة محمّد بن الحسين قال : « الحدّ في السفر الذي ان زنى لم يرجم اذا كان محصنا؟ قال : اذا قصر وأفطر ». (١) وبمضمونها رواية اخرى.

قوله : وأمّا التمكّن من الوطء.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٧٤.


يعني : وأمّا التمكّن من الوطء بحيث يغدو عليه ويروح انّما يعتبر في تعريف احصان الرجل فقط ، ولا يعتبر في تعريف احصان المرأة لان المرأة لا تتمكّن من الوطء متى شاءت ؛ لأنّ الأمر بيد غيرها ، والحق له في ذلك غالبا. وعلى هذا فلا بدّ من مراعاة هذا الاختصاص في تعريف المرأة المحصنة أيضا اي كما انّه لا بدّ من مراعاة بلوغها وعقلها وحرّيتها في تعريفها كذلك لا بدّ من مراعاة ذلك أيضا مع انّ المماثلة ينبئ عن عدم الاختصاص. ويمكن ان يكون المراد بل هو الاظهر ان البلوغ كما يعتبر في الواطي لتحقق احصان المرأة والعقل يعتبر في الموطوءة فقط لتمكن بحيث يغدو عليه ويروح انما يعتبر في احصان المرأة في حقّ الرجل خاصّة اي يتحقّق احصان المرأة اذا كان زوجها متمكنا من الوطء غدوا ورواحا ولا يعتبر تمكن المرأة. وعلى هذا فلا بدّ من مراعاة هذا التمكّن اى تمكن الواطئ في تعريف احصان المرأة أيضا كما لا بدّ من مراعاة سائر القيود فيقال في تعريفها : المصابة حرّة عاقلة بالغة من زوج بالغ دائم في التمكّن بحيث يغدو عليه ويروح في القبل بما يوجب الغسل.

قوله : بحيث تجعل بدله بنوع الى آخره.

يريد أنّه كما أنّ الكلام حمل على أنّ بما ذكر في الرجل تصير المرأة محصنة ، أي : اذا كان واطأها متّصفا بما ذكر تكون المرأة محصنة يمكن أن يحمل على أنّ بما ذكر تصير المرأة محصنة أي إذا كانت المرأة متّصفة بهذه الصفات تكون محصنة ، فتجعل المرأة بدلا عن الرجل في التعريف ، ويبقى باقي الصفات بحالها ، فتكون المحصنة : المصابة البالغة العاقلة الحرّة المملوكة فرجها بالعقد الدائم المتمكن زوجها من الغدو عليه والرواح ، أو المصابة البالغة الحرة المالكة فرج زوجها بالعقد الدائم المتمكّن الى آخره. والتكلّف اشارة الى ما في تأويل قوله : « مملوكا » الى آخره.

قوله لأنّها في حكم الزوجة.

والمطلّق متمكّن منها في كلّ وقت بالمراجعة. وأمّا عدم تمكّن الزوجة من المراجعة فلا يقدح في احصانها كما لا يقدح عدم تمكّنها من الوطء في احصان الغير المطلقة. وهذا هو المراد من قوله : « وان لم تتمكّن هي » الى آخره.


قوله : وكذا يعتبر وطء المملوك

اي كما انّه يعتبر وطء جديد في البائنة كذلك في المملوك اذا اعتق ، فانّه لا يكفي الوطء الواقع في الرقّية في احصان الرجل والمرأة حينئذ ، وان كان كافيا في احصان الرجل الرقّية ، بل لا بدّ من وطء جديد ، بالعقد الدائم بعد العتق.

قوله : حين جمع للمرأة بينهما.

وهى شراحة. جلّدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، فقيل له : اتّحدها حدّين فأجاب عليه‌السلام : « حددتها » الى آخره. (١)

قوله : ليتحقّق فائدته.

أي : فائدة الجلد ، وهي العمل بكتاب الله ، والجمع بين الأدلّة ، فلو بدأ بالرجم لم يحصل تلك الفائدة ؛ لأنّ بالرجم يموت غالبا فلا يمكن الجلد ، فلا يحصل الجمع بين الأدلّة. ويمكن أن يراد بالفائدة : قوّة الزجر ؛ فانّ الأضعف لا يؤثر بعد الأقوى ، فلا يؤثر الجلد بعد الرجم.

قوله : وان كان التأخير أقوى في الزجر.

يمكن أن يكون قوله : « وان كان » اشارة الى استحباب التأخير حيث انّ قوّة الزجر مطلوبة هنا ؛ ولذا يجمع. فيكون المعنى : وان كان التأخير موجبا لقوّة الزجر فيستحب. ويمكن أن يكون اشارة الى ردّ من استدلّ على وجوب التأخير بكونه أقوى في الزجر ؛ لأنّ قوة الزجر لا تصلح لدفع الأصل ، حيث لا دليل على اعتباره بهذا القدر.

قوله : وقد روي أنّ عليا.(٢)

يمكن أن يكون ذكر الرواية لأجل تأييد ما اختاره من عدم وجود الصبر حتّى يبرأ الجلد ؛ فانّ الغالب أنّ الجلد لا يبرأ في يوم واحد. ويمكن أن يكون تأييدا للاستحباب المشار إليه بقوله : « وان كان التأخير أقوى في الزجر » على كونه اشارة إليه ، أو اشارة الى ردّ من استدلّ على وجوب التأخير بهذه الرواية على كون قوله : « وان كان » الى آخره أيضا ردّ على من تمسّك بقوّة الزجر ، فيكون المعنى : ولا يجب التأخير ، وان كان اقوى

__________________

(١) المختلف : ٩ / ١٤٩ ، والخلاف : ٢ / ٤٣٩ ، طبع ١٣٨٣ ق.

(٢) المختلف : ٩ / ١٤٩.


في الزجر ، وان روي أيضا عن علي عليه‌السلام ؛ فانّ الرواية لضعف سندها وفقد دلالتها على الوجوب لا يصلح لدفع الأصل.

قوله : ويمكن جعل ذلك الى آخره.

أي : جعل دفن المرأة الى الصدر والرجل الى الحقو. وقوله : « لتأدي » الى آخره ، دليل على أحد جزأي الاستحباب ، وهو عدم المنع من النقيض ، وقوله : « وروى سماعة » (١) دليل على الجزء الآخر ، وهو طلب الفعل. وعدم ثبوت الوجوب بها ؛ لعدم صحّة سندها.

ومنهم من جعل « ذلك » اشارة الى أصل الدفن ، وهو بعيد كما لا يخفى. وقوله بعد ذلك « وجوبا واستحبابا » ينافيه ؛ لدلالته على أنّ الوجوب والاستحباب المتقدّم ، في الكيفية ، لأنّها المغياة دون أصل الدفن.

قوله : عدم اشتراط الاصابة.

أي : الاصابة في عدم الاعادة.

قوله : وفي هذه الوجوه نظر.

أمّا في الاطلاق ؛ فلمنعه. وأمّا في الثاني ؛ فلأنّ الرجوع عن الاقرار انما يفيد لو لم يتمّ الأربعة وبدونه لا يوضع في الحفيرة ، أو لأنّ الفرار أعمّ من الرجوع ، والمنزلة تحتاج الى دليل. وأمّا في الثالث : فلأنّ الحد مبني على الزجر ، دون التخفيف ، وانّما التخفيف قبل ثبوته ، وبعده فلا تخفيف.

قوله : وينزجر من يشاهده ممّن أتى مثل ذلك.

وفائدة انزجاره امّا كفّه عن الاقرار ، أو حصول [ خوف ] من الله في نفسه حيث أتى بعمل يستحقّ مثل هذا الزجر.

قوله : وقيل ، والقائل ابن ادريس

يحتمل أن يكون هذا مقابلا لقوله : « وينبغي اعلام الناس » فيكون المعنى : وينبغي اعلام الناس أي : يستحبّ ليحضر طائفة. وقيل : يجب حضور طائفة فيجب إعلامهم. وهو المناسب للاستدلال للاستحباب بالآية ، كالوجوب. وكذا يؤيّده قول الشارح بعد ذلك : « يجب حضورها أو يستحب ».

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٩.


ويحتمل أن لا يكون كذلك فيكون « قيل » قولا مقابلا لقول من يقول بعدم وجوب حضور طائفة ويكون استحباب اعلام الناس اتفاقيا حيث انّ اعلام الناس غير اعلام الطائفة عرفا ، بل هذا الأخير هو مقصود المصنّف كما لا يخفى على من تتبّع كتب القوم.

قوله : لأنّه أقل الطائفة.

كما نقل عن الفراء بناء على كونها بمعنى القطعة من الشي‌ء. ولقوله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ) (١) بدليل قوله تعالى : ( فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ). ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في الآية : « الطائفة واحد » ، وقد روي ذلك في التبيان والمجمع عن الباقر عليه‌السلام. (٢)

قوله : فيحمل الأمر المطلق على أقلّه.

توصيف الأمر بالمطلق من باب توصيف الشي‌ء بحال متعلّقه ؛ لأنّ المطلق حقيقة هو الطائفة التي يتعلّق الأمر بحضورها ، دون الأمر ، والضمير في « أقلّه » راجع الى المطلق. ويمكن أن يراد بالأمر هو الطائفة بناء على أنّه قد يراد به الشي‌ء ، فيكون المعنى ، فيحمل الشي‌ء المطلق أي الطائفة.

قوله : ووجهه غير واضح.

واستدلّ له بالاحتياط ؛ لاشتمال العشرة على جميع ما قيل هنا.

قوله : والأجود الرجوع الى العرف.

لا وجه لذلك بعد مخالفة العرف للّغة ؛ لأصالة تأخّر الحادث ، نعم لو ثبت موافقة عرف الشارع لعرف زمان الشارح لكان ما ذكره صحيحا.

قوله : للنهي عنه الى آخره.

في أخبار كثيرة ففي الصحيح وما يقرب منه وغيرها : « لا يقيم الحد من لله تعالى عليه حدّ ، فمن كان لله تعالى عليه مثل ماله عليها فلا يقيم عليها الحد ». (٣) وفي

__________________

(١) الحجرات : ٩.

(٢) مجمع البيان : ٤ / ١٢٤. الوسائل : ٢٨ / ٩٣ ، عن الباقر عليه‌السلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام قال : الطائفة واحد.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٣.


الصحيح المروي في تفسير علي بن ابراهيم ، والمرفوع : « لا يقيم حدود الله من في عنقه حدّ » (١). وفي مرسلة ابن أبي عمير : « من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف ». (٢) ونحوهما خبران (٣) آخران.

قوله : القول المحكي على وجه التحريم.

المراد بالقول المحكي : « عدم رجم من لله في قبله حد ». وقوله : « على وجه التحريم » خبر للمصدر. والضمير في « حكايته » راجع الى المحكي ، و « قولا » متعلّق بالحكاية أي :لحكايته على سبيل القول حيث قال : « قيل ». ومؤذنا حال عن الحكاية ، وقوله : « اذ لا يتّجه » دليل لكون الحكاية قولا ، ظاهرا في كون القول المحكي على وجه التحريم.

ووجه عدم اتّجاه التوقّف في الكراهة : عدم القول بالإباحة ومراده بالكراهة : هو طلب الترك المتحقّق في ضمن التحريم أيضا ، والّا فالتوقّف في الكراهة بالمعنى الأخص ممكن. ولما كان قوله : « لا يرجم » مختصا بطلب الترك ، ولا يدلّ على عدم النهي من النقيض ، فلو لم يرد منه التحريم لزم التوقّف في الكراهة بالمعنى الأعم ، وهو غير متّجه.

قوله : صنفا.

مع أنّ توصيف الحد بالمثل يدلّ على الاتحاد الصنفى ؛ اذ على إرادة الاعم يكون الوصف توضيحيا ، وعلى الاتحاد الصنفي يكون احترازيا ، والتأسيس أولى من التأكيد.

قوله : مع احتمال إرادة ما هو أعم.

ويؤكّد هذا الاحتمال آخر هذا الحديث من انصراف الناس ما خلا أمير المؤمنين والحسنين عليهم‌السلام ، فانّه يستبعد غاية الاستبعاد أن يكون على الجميع مثل حدّ الامرأة المرجومة.

قوله : ويظهر من الخبر الثاني.

لا يخفى أنّه لا دلالة لرجوع الناس وانصرافهم على عدم الفرق شرعا ؛ اذ لعلّهم لا يعلمون أنّ التوبة توجب سقوط الحد ، ولا استبعاد فيه ؛ لأنّ هذه المسألة ليست ممّا تعمّ به

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٥٥ و ٥٦.


البلوى حتّى يعلمها كلّ أحد ، ولو علموا فلا حجيّة في فعلهم ؛ اذ لا اجماع قطعا ؛ لخروج المعصوم قطعا ، ولا تقرير من الامام على فعلهم ؛ لأنّه انّما هو لو كان الامام عالما بفعلهم ما يوجب الحد وتحقّق التوبة لهم أو لبعضهم.

وثالثها

قوله : ولأن الزنا بالنسبة إليها تام.

لأنّ زنا المرأة لا يشترط فيها عقل الزانى. والمفروض أنّها محصنة أيضا ، فيجب الحد تامّا. ويمكن أن يكون المراد بتمام الزنا بالنسبة إليها حصول كمال اللذة لها ، ولكنّه بعيد على أنّه لا يصلح دليلا شرعيّا لثبوت الحكم.

قوله : بخلاف زنا العاقل.

هذا متعلّق بقول المصنّف : « ولو زنا بها المجنون فعليها الحد تامّا ». [ أي ] في زنا المجنون عليها الحد ، بخلاف زنا العاقل بالمجنونة ؛ فانّه ليس على العاقل الحد تاما على المشهور للنص والأصل.

وقد يقال بتعلّقه بقوله : « تام » أي : لأن الزنا بالنسبة إليها تامّ ، بخلاف زنا العاقل بالمجنونة ؛ فانّ الزنا حينئذ بالنسبة الى العاقل ليس بتامّ ؛ لدلالة الشهرة. والنص والأصل انّما يدلّان على عدم تماميّة الحد ، دون عدم تماميّة الزنا ، بل الزنا بالنسبة الى العاقل هنا أيضا تامّ ، وان اشتهر عدم تمامية الحد للنص.

قوله : مع عدم سلامة سندها.

هذا مع أنّها معارضة بأخبار كثيرة عامّة وخاصّة ، أقوى سندا وأكثر اعتضادا مثل حديث رفع القلم عن المجنون ، وبه استدلّ امير المؤمنين عليه‌السلام على عمر حين أمر بحدّ المجنونة وخصوصية المورد مدفوعة بعموم التعليل.

قوله : أدوارا أو لغيره.

فيكون حال الفعل عاقلا زائلا عنه الجنون. والمراد بغيره : حصول الافاقة له في هذا الآن وان لم يكن أدوارا

قوله : لقوله تعالى.


لا يخفى أنّه لا دلالة للآية ؛ اذ المراد بعدم أخذ الرأفة هو التخفيف عمّا يثبت شرعا ، فما لم يثبت الشدّة لم يكن تركها رأفة ، نعم يدلّ عليه ما في الموثّق من أنّ حدّ الزاني كأشدّ ما يكون من الحدود. (١) وفيما كتب مولانا الرضا لمحمّد بن سنان : « وعلّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته الزنا واستلذاذ الجسد كلّه به ». (٢) ويدلّ بعض أخبار اخر أيضا.

قوله : سواء في ذلك الذكر.

لا يخفى أنّ ظاهر هذه العبارة يدلّ على أنّ تلك التسوية مصرّح بها في الرواية ، وليس كذلك. وكأنّ مراده : أنّ التسوية لأجل لفظ الزاني من غير تخصيص بالذكر والانثى.

وفيه أيضا نظر يأتي.

قوله : والأجود الأوّل لما ذكرناه.

لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يمنع الثوب من ايصال شي‌ء من ألم الضرب ، كما هو ظاهر المبسوط ، وصريح السرائر ؛ تحصيلا لفائدة الجلد ، وعملا بما دلّ على ضربه ؛ فانّه لا يتحقّق الضرب الّا بعد امساس الألم.

قوله : والرواية ضعيفة.

هذا مع أنّ في الأخبار ما يدلّ على سترها كما ورد في امرأة أقرّت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام بالفجور قال : فحفر لها حفيرة في الرحبة وخاط عليها ثوبا جديدا ، وادخلها الحفيرة. (٣) وروي أيضا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر فشدّ على الجهنية ثيابها ، ثمّ رجمت. (٤)

قوله : والرواية ضعيفة السند.

هذا مع أن في دلالتها أيضا تأمّلا ؛ لأنّه مختصّ بالرجل لظاهر الصيغة ، وإرادة الجنس منه بحيث يشمل الزانية ... مجاز يحتاج الى القرينة ، وهي مفقودة ، بل الأخبار الدالّة على ستر المرأة قرائن منفصلة على خلافه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٩٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٠٧.

(٤) راجع جواهر الكلام : ٤١ / ٣٦١.


ورابعها

قوله : وان لم يملك.

أي البضع.

قوله : لاطلاق الحكم على البكر.

أي : اطلاق الحكم في الحديث على البكر ، كما في النبوي : « البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيّب بالثيّب جلد مائة ، ثمّ الرجم ». (١)

قوله : والّا لزم تأخير البيان.

استثناء عن قوله : « فلا يتخصّص » أي : فلا يخصّص ؛ لأنّه لو تخصّص لكان لمخصص مؤخّر ؛ لفقد المقارن ، وتأخير المخصّص يوجب تأخير البيان ؛ لأنّ التخصيص بيان.

ولا يخفى أنّ اللازم منه هو تأخير البيان عن وقت الخطاب ، والذي اتّفقوا على بطلانه هو تأخير البيان عن وقت الحاجة ، دون وقت الخطاب والّا لزم بطلان التخصيص بالمخصّصات المنفصلة ، مع أنّها أكثر من أن تحصى.

قوله : والقائل الشيخ ( رحمه‌الله ).

وهو مختار صاحب الجامع ، والغنية والاصباح ، وظاهر المقنع ، والمقنعة ، والمراسم ، والوسيلة بل ادّعى عليه في التحرير الشهرة ، واختاره فيه ، وفى المختلف ، وصاحب الايضاح والمختصر. وذهب الى الأوّل الشيخ في المبسوط ، والخلاف ، وابن ادريس وابن عقيل ، وابن الجنيد ، والحلبي وأكثر المتأخرين وظاهر السرائر وصريح الخلاف كونه مجمعا عليه بين الطائفة.

قوله : وهما اللذان قد أملكا الى آخره.

في بعض نسخ الرواية الاولى : « والذي قد أملك ولم يدخل بها ». (٢) وعلى هذا فلا تشمل تلك الرواية على نفي المرأة.

__________________

(١) كتاب النفي والتغريب للطبسي ص ١٤٩ نقلا عن صحيح مسلم وغيره ، وعوالي اللئالى ٢ / ١٥٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٦٣.


قوله : وفي الثانية.(١)

هذا مع أنّ في دلالتها أيضا ضعفا ؛ اذ يحتمل أن يكون تفسير البكر والبكرة فيها عن الراوي ، دون الامام.

قوله : وان انتفت.

أي : فائدة الجزّ ، وهي الاهانة والزجر ؛ فانّهما منفيان فى غير المربّي. والتقييد بقوله : « ظاهرا » لامكان ترتّب فائدة واقعية غير معلومة لنا على جزّ مطلق شعر الرأس سواء كان مربيا أم غيره.

قوله : بل مطلق وطنه.

أي : سواء كان مصرا ، أم قرية ، أو بادية ، أو يكون هذا الترقّي للاشارة الى وجوب النفي عن جميع الأوطان اذا كانت متعدّدة.

قوله : حتّى يكمل ثانيا على ما سبق.

أي : يكمل العام الأوّل ثانيا وقوله : « على ما سبق » متعلّق بقوله : « اعيد » أي : اعيد على ما سبق من كون الاعادة الى بلد يصدق عليه اسم الغربة سواء كان قريبا أو بعيدا ، أو متعلّق بقوله : « يكمل » أي : يكمل على النحو الذي سبق أي : عاما هلاليا.

ويمكن أن يكون ما سبق عبارة عمّا سبق من أيام الغربة ، فيكون « يكمل » بمعنى : ضيف أي : يضيف ما نقص على ما سبق ثانيا. وقوله : « وان طال الفصل » أي : ان طال الفصل بين الاعادة وبين التغريب الأول بأن لا يطّلع الحاكم على اعادته. ويمكن أن يكون قوله : « ثانيا » صفة لموصوف محذوف أي : حتى يكمل عاما ثانيا على ما سبق من أيّام الغربة ، ويكون المراد من قوله : « وان طال الفصل » حينئذ : انّه وان طال الفصل بين أيام الحد والتغريب الأوّل وبين هذا التغريب.

وفي بعض النسخ « بانيا » بالباء الموحدة التحتانية ، و « النون » و « الياء » والمعنى حينئذ واضح أي : يتمّ العام الأول بضم ما سبق على ما يأتي.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٦٢.


وخامسها

قوله : وكان هذا كلّ الواجب.

اذ لو وجب غيره ، لزم تأخير البيان. وفيه نظر مرّ في نظيره.

وقوله : « لا قائل بالفرق ».

أي : بين الأمة والعبد ، والأولى الاستدلال في هذه المطالب بالأخبار المستفيضة الصريحة الواردة في المقام منها : الصحيح : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في العبيد اذا زنى أحدهم أن يجلد خمسين جلدة ، وان كان مسلما أو كافرا ، وأن لا يرجم ولا ينفى. (١)

ومنها : في الأمة تزني قال : تجلد نصف الحد كان لها زوج أو لم يكن لها زوج. (٢)

ومنها : اذا زنى العبد والأمة ، وهما محصنان ، فليس عليهما الرجم ، انّما عليهما الضرب خمسين ، نصف الحدّ. (٣) والمراد بالضرب : ضرب السوط الذي هو الجلد.

هذا ، وممّا يدلّ على نفى التغريب في العبد والأمة أنّه اضرار بالسيّد ، وأيضا هذه الامور للتشديد ، والمملوك اعتاد الانتقال من بلد الى آخر.

قوله : بذلك على نفي التغريب.

أي : بعدم ثبوت الجزّ والتغريب على الأمة.

قوله : على الأمة نصفها.

بأن تغرب نصف المدّة التي تغرب فيها الحرّة.

وسادسها

قوله : لا يبلغ القتل.

فانّه اذا كان الحد القتل ، فيقتل المبعض أيضا ؛ اذ لا فرق في موجبات القتل من الزنا بين الحر والعبد.

وسابعها

قوله : الضغث.

يعني : أنّ الضغث ، وان كان في الأصل اسما بمعنى الحزمة من الشي‌ء ، ولكن المراد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٣٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١١٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٣٤.


هنا : المعنى المصدري مجازا بقرينة المقابلة مع الأقسام الستّة المتقدّمة ؛ فانّها مصادر أفعال ، فكذا هنا ، فالمراد به هنا : القبض على المشتمل على العدد وضربه دفعة.

تتمّة

قوله : لإمكان عود البكارة.

فان قيل : انّ بين عدم حدّ المرأة وعدم حدّ الشهود لإمكان عود البكارة تناقضا ؛ لأنّ عدم حدّ المرأة ؛ لأجل تعارض شهادة النساء مع شهادة الرجال ، وهذا التعارض انّما يكون اذا لم يجتمع البكارة مع الزنا. وأمّا مع امكان اجتماعهما بعود البكارة ، فلا تعارض ، واستند عدم حدّ الشهود بامكان الاجتماع ، فلا يكون بين الشهادتين تعارض ، فلا بدّ امّا من القول بعدم امكان عود البكارة فيحدّ الشهود أو بامكانه ، فيحدّ المرأة ؛ لعدم منافاة شهادة النساء مع زناها حينئذ.

قلنا : انّ امكان عود البكارة وان كان ممكنا ، ولكنّه خلاف الظاهر ، ومن الامور النادرة الوقوع ، والاحتمال المخالف للظاهر والنادر الوقوع صالح لدرء الحدود كما عرفت من نظائره صورا كثيرة. ولكن لا يحمل عليه الواقعة ما لم يكن عليه دليل ، سيما اذا كان حمل الواقعة عليه موجبا لثبوت حد لهذا الاحتمال يصلح لدرء الحد عن الشهود ، ولكن لا يحمل عليه شهادة النساء ؛ لايجابه ثبوت الحد على المرأة.

هذا ثمّ لا يخفى أنّ بعض المتأخّرين استدلّ على سقوط الحد عن الشهود بتعارض الشهادات ، واحتمال صدق كلّ منهما وكذب الآخر وهو خطأ ؛ لأن احتمال الصدق لا يدفع حدّ القذف ، والّا لم يحد أكثر ما حكموا بحدّه للقذف ، بل يدفعه اثبات ما ادعاه فالتعارض انّما هو صالح لدفع الحد عن المرأة فقط كما فعله الشارح.

نعم يرد هذا على الشارح أيضا على ما في بعض النسخ من قوله : « ولإمكان عود البكارة » بـ « واو » العطف.

قوله : في الأوّل للتعارض.

أي : لتعارض الشهادات في الأوّل أي : في الشهادة على كونها رتقاء ؛ فانّه كما يمكن صدق الرجال يمكن صدق النساء أيضا ، فيتعارضان ، بخلاف الشهادة على الجب ؛ فانّه


أمر يمكن مشاهدته ولا يشهد عليه في صورة عدم وجوده ، وليس أمرا مخفيا ، فلا يحتمل كذب الشاهدين عليه وهذا انّما يناسب النسخ التي عطف فيها قوله : « لامكان عود البكارة » على « تعارض الشهادة » حتى يكون تعارضها دليلا لسقوط حد الشهود أيضا ، وعلى النسخ الاخرى فيمكن ان يحمل قوله للتعارض على تعارض الاحتمالات فيكون المراد : امكان تجدّد الرتق للمرأة ، بخلاف الجب ؛ فانّ المفروض أنّهم يشهدون على كونه مجبوبا في زمان شهادة الزنا ، والّا فهو خارج عن البحث.

قوله : ومن افتضّ بكرا باصبعه.

الظاهر أنّ التخصيص بالاصبع من باب التمثيل ، والّا فكلّ ما يوجب الافتضاض بشرط أن لا يوجب الجراحة فهو في حكم الاصبع ، ولذا قال جماعة : « ولو باصبعه ».

ولا يخفى أنّه لا فرق في المفتضّ بين أن يكون رجلا أو امرأة.

قوله : لأنّه موجب الجناية.

الضمير راجع الى الأرش ، والموجب بفتح الجيم.

قوله : وهذا الحكم.

أي : حكم لزوم مهر النساء في الحرّة ، وعشر القيمة في الأمة عرضيّ ؛ لأن المقصود بالذات في هذا الباب بيان الحدود ، دون الحقوق اللازمة في المال بل المناسب بيانه في هذا الباب بيان ما في هذا العمل من التعزير.

قوله : الى تسعة وتسعين.

ونقل عن الشيخ الى سبعة وتسعين. و [ أظهر ] الأقوال أوّلها حملا للحد في الصحيح على التعزير ؛ لعدم ثبوت الحقيقة فيه ، وتأويلا للصحيحة الاخرى ؛ لعدم عامل بتعيين الثمانين.

الفصل الثانى في اللواط

قوله : فيقتل حيث يقتل

يمكن تصحيح العبارة بوجوه ثلاثة :


الأوّل بأن يقرأ : فيقتل حيث يقبل ، فالأوّل من القتل ، والثاني من القبول ، ويكون المعنى أنّه فيقتل العبد حيث يقبل الشهادة أي : يتحقق الشهادة بشرائطها.

والثاني : فيقتل حيث يقتل بأن يكون كلاهما من القتل أي : فيقتل العبد بالشهادة كما يقتل الحر بها او فيقتل بالشهادة حيث يجب القتل

والثالث : فيقبل حيث يقبل بان يكون كلاهما من القبول والمعنى فيقبل الشهادة على العبد حيثما يقبل فيه الشهادة على الحقوق مع تحقّق شرائط الشهادة. أمّا عكس الأوّل فلا معنى له.

قوله : غلاما بشهوة.

احترز بقيد « الشهوة » عما يكون برأفة ، أو صداقة دنياوية ، أو عادة عرفية ؛ فانّه لا حرج في ذلك ، ولا اثم كما صرّح به ابن ادريس. ويدلّ عليه الأصل مع التقيد في الروايات بالشهوة. ويؤيّده عموم ما روي من استحباب تقبيل القادم من مكّة. ولا فرق في الغلام بين الصغير والكبير ، والمحرم والأجنبي ، ولا فرق أيضا في أن يكون التقبيل من الرجل أو المرأة.

قوله : فيما بين الحدّين.

التقييد بقوله : « فيما بين الحدّين » لأنّ كلّ عدد بينهما منوط برأي الحاكم من جميع الوجوه ، فان أراد اقتصر عليه ، وان أراد قلّة ينقص عنه ، وان شاء يتجاوز ، بخلاف الحدّين ؛ فان الثلاثين ممّا يجب الاتيان به قطعا ، فليس له النقص ، والتسعة والتسعين وان جاز له النقص عليه ، الّا أنّه ليس له التجاوز ، فلكل منهما جهة حتمية ، وان كانت جهة اختيار أيضا بخلاف ما بين الحدّين ؛ فانّه ليس فيه جهة تحتّم ، فالرجوع فيه الى رأي الحاكم مطلقا ، ثمّ كون ذلك طريق الجمع مع امكانه بوجه آخر لوجود الشاهد عليه ، وهو الشهرة بل الاجماع المنقول ، ثمّ طريقة الجمع بأن يراد من الأوّل أكثر ما يضربان ، ومن الثاني : أقلّه.

قوله : فيحمل على الجلد جمعا.


أي : جمعا بينه وبين ما دلّ [ على ] أنّ فيه الجلد كالموثّق « السّحاقة تجلد ». (١) والمرسل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : « السحق في النساء كاللواط في الرجال ، ولكن فيه جلد مائة ». (٢)

ولا يخفى أنّه وان أمكن الجمع بحمل هاتين الروايتين على غير المحصنة أيضا. الّا أن ما ذكره الشارح أرجح ؛ لموافقته لعمل الأكثر ، بل عامّة من تأخّر.

وأمّا ما في الاحتجاج عن القائم عليه‌السلام : « وأمّا اذا ساحقت ، فيجب عليها الرجم » (٣) فلقصور سنده لا يوجب علما ولا عملا. نعم في الصحيح في امرأة موطوءة ساحقت جارية فحملت الجارية : « أنّه ترجم المرأة ؛ لأنّها محصنة ». (٤) ويمكن تخصيصه بمورده ، وان لم يلائمه التعليل.

قوله : وقيل : تقتلان في الثالثة.

يمكن أن يكون المراد بالثالثة : المرة الثالثة من الفعل. وأن يكون : المرة الثالثة التي حدّ قبلها مرّتين ، ولكن المصرح به في كلامهم هو المعنى الأول.

والقائل بهذا الحكم ـ أي : القتل في الثالثة ـ ابن ادريس في السرائر. وقال الشيخ في النهاية : « إنّهما يقتلان في الرابعة ». ويدلّ عليه خبر يشمل على احكام مخالفة للإجماع وذلك مع ضعف سنده يمنع عن العمل به.

قوله : لأنّه مخلوق من مائه الى آخره.

المراد : انّ المقتضي للالحاق ، وهو الخلق من الماء الموجب لصدق الولد عرفا ولغة موجود ، والمانع عنه مفقود ؛ لأنّ المانع الثابت مانعيّته ليس الّا الزنا والسحق منه لغة وعرفا ، فيشمله اطلاق ما دلّ على أحكام الولد من حرمة التناكح ، وثبوت التوارث ، مع أنّ الأوّل ثابت في ولد الزنا اتفاقا ، فهاهنا أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٥.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٨ / ٨٦.

(٣) الاحتجاج ( بتحقيق السيد محمد باقر الخرسان ) : ٤٦٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٨.


وما يتوهّم كونه مانعا من انتفاء الفراش غير صالح للمانعية ؛ اذ لم يثبت اشتراط الفراش ، ولذا يحكم بإلحاق ولد الشبهة. نعم يمكن التردّد في شمول الإطلاقات نحو المقام ؛ لعدم تبادر منه ، ورجوع المطلق الى الفرد الشائع ، وشمولها لولد الشبهة ، مع كونه أظهر ممّا نحن فيه للاجماع فلا يصلح قرينة على التعميم بناء على كونه منه أيضا ؛ لاحتمال كون الاجماع دليلا مستقلّا على الشمول ، لا قرينة على الدخول تحت الاطلاق ، الّا أنّ وجود الرواية الصحيحة الدالّة على الالحاق بالرجل ، كما يأتي ، يدفع هذا التردّد. ثمّ انّه قد يمنع كونه مخلوقا من مائه ؛ لاحتمال كونه من ماء الزوجة ، وهو توهّم فاسد ؛ اذ لا يحصل الولد من ماء الانثيين ، بل يشترط وجود ماء الذكر وليس غير هذا بالفرض.

قوله : ولا بالبكر على الأقوى.

لا وجه للتفرقة بين الرجل والبكر على ما ذكر من الدليل ؛ لأنّ الصدق العرفي وانتفاء المانع الشرعي الثابت مانعيّته متحقّق في البكر أيضا ، ولا مانع الّا التردّد في شمول اطلاقات احكام الولد لمثل ذلك ، وهو بعينه جار في حق الرجل.

فالحق عدم التفرقة بينهما من هذه الجهة ، كما صرّح به بعضهم. نعم التفرقة بينهما حاصلة من جهة اخرى ، وهي دلالة الخبر الصحيح على الالحاق بالرجل ، وعدم دليل على الالحاق بالبكر ، والخبر الصحيح هو ما روي من أنّه يعمد الى المرأة فيؤخذ منها مهر الجارية البكر في اوّل وهلة ؛ لأنّ الولد لا يخرج منها حتّى تشق فتذهب عذرتها ، ثم ترجم المرأة ، لأنّها محصنة ، وينتظر بالجارية حتّى تضع ما في بطنها ، ويرد الولد الى أبيه صاحب النطفة ، ثم تجلد الجارية الحد. (١) واشتمالها على رجم الموطوءة غير ضائر ؛ لأنّ خروج بعض الرواية عن الحجيّة بدليل خارج ، لا يوجب خروجها عنها ، مع احتمال القول برجم المحصنة هنا خاصّة.

قوله : استنادا الى رواية ضعيفة السند.

قد ذكرنا رواية صحيحة دالة على رجم الموطوءة. وبمعناها أخبار اخر كان بعضها صحيح ، وأمّا صحّة أخبار عدم الرجم ، ففي محل المنع ، ولذا قيل : ان دعوى الشارح

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٦٨ ، و ١٦٩.


ضعف سند رواية الرجم مع الاحصان ، وصحّة ما دلّ على عدمه مطلقا ؛ غريبة ، بل الأمر بالعكس.

قوله : والقائل الشيخ ( رحمه‌الله ).

واختاره جماعة اخرى ، وادّعى عليه في الغنية والانتصار الاجماع. ونسبه بعض آخر الى المشهور.

قوله : لمدّة نفيه.

اعلم أنّه ورد في فقه الرضا : أنّ المراد بالنفي عن البلد حبسه سنة أو يتوب (١) ، ولكن لا يعدل به لضعف سنده عن ظاهر الرواية المتقدّمة.

قوله : الّا مع العذر المانع.

كبرء المريض ، أو وضع الحبلى ، أو اجتماع الناس ، ومثلها.

قوله : ولا شفاعة في اسقاطه.

ويدلّ على عدم الشفاعة قوله تعالى : ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ ) (٢) والشفاعة لا تنفك عن الرأفة ، والآية وان كانت في الزاني والزانية ، الّا أنّها تدلّ على تمام المطلوب بعدم القول بالفصل ، مع أنّ هذا الحكم كعدم الكفالة والتأخير ممّا لا خلاف فيه.

الفصل الثالث في القذف

قوله : للأب خاصّة.

تظهر الفائدة في الاسقاط ، فلو أسقط الأب الحدّ سقط وان لم يسقطه الولد ، وكذلك في البواقي.

قوله : فالظاهر القذف للأبوين.

لا يخفى أنّ الظاهر عدم ثبوت القذف بالنسبة إلى شي‌ء من الأب والام في مثل : ولدت من الزنا. أمّا الام ؛ فلاحتمال الشبهة من جانبها ، أو الاكراه ، وأمّا الأب فلعدم تعين الزاني حينئذ لأنّه لا يدلّ على انّ أبه الشرعي زان ، بل غاية ما يدلّ عليه أنّه من ماء الرجل الزاني ،

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٣١٠.

(٢) النور : ٢.


وهو ليس بمعيّن ، فيكون مثل قوله : زنا رجل ولا يثبت بمثل ذلك الحد ، مع أنّ احتمال الشبهة والاكراه فيه أيضا قائم.

وأمّا ما استدلّ به القائل بأنّ القذف لهما من أنّ تولّده بهما ، وقد نسب التولد الى الزنا ؛ ففيه : أن كون التولّد منهما لا يصير سببا لان لا يصح نسبة التولد الى الزنا بزنا احدهما فانّه لو زنا احدهما فيصدق ان التولد من الزنا. وأمّا ما ذكره من أنّه الظاهر عرفا ، فهو في حيّز المنع.

قوله : مدلول.

نائب الفاعل للمنسوب. وقوله : « من الأفعال » بيان للمدلول. وضمير « هو » راجع الى المدلول. ولا يخفى أنّ المدلول على ما ذكره هو أنّه قواد على زوجته ، أو غيرها من أرحامه ، والمنسوب إليه هذا المدلول هو الشخص المواجه بهذه الألفاظ أي : القائد ، وليس هذا المدلول قذفا ، لأنّه كما عرفه به الشارح ، هو الرمي بالزنا ، أو اللواط ، وأمّا الرمي بالقيادة ، فليس من القذف ، وان كان شتما يوجب التعزير ، فلا وجه لايجاب الحد بذلك ، وكذا لا يثبت بهذا اللفظ الحد للزوجة ، والقيادة على الزوجة لا تستلزم وقوع الزنا منها ، وهذا ظاهر. ولم يستعمل هذه الألفاظ في معنى دال على الرمي بالزنا أو اللواط في عرف أصلا ، فلا حدّ فيها أصلا ، وان أوجب التعزير على كثير من الاصطلاحات.

قوله : مدلول هذه الألفاظ من الأفعال.

بيانه : أنّ دلالة اللفظ على معنى امّا بالعرف الخاص ، أو اللغة ، أو العرف العام ، ونسبة اللغة والعرف العام الى الجميع على السواء ، ولكن العرف الخاص يتفاوت بالنسبة الى الطوائف ، فيمكن افادته بالنسبة الى طائفة معنى ، دون طائفة اخرى ، ولكن اذا كان موضوعا في اللغة ، أو في العرف العام فيفيد ذلك المعنى عند كلّ أحد. وعلى هذا فلمّا كانت هذه الألفاظ غير موضوعة لغة ، ولا في العرف العام ، فيمكن عدم افادته القذف في عرف طائفة فيكون قوله : « نظرا » علّة لعدم الافادة أي : لقوله : « لم تفد ».

ولكن فيه أنّ اختلاف [ العرف ] الخاص واللغة ممكن ، والعرف الخاص يقدّم حينئذ على الأشهر ، وحينئذ فلا يصير عدم الوضع اللغوي سببا لعدم الافادة في عرفه ، لإمكان عدم الافادة في عرفه ، ولو كانت في اللغة موضوعة لذلك المعنى. فتأمّل.


قوله : والتعريض بالقذف.

اعلم أنّ الظاهر المتبادر من التعريض أن لا يكون المعرض له معنى اللفظ ، لا احد احتمالاته ولا معناه التضمّني ، ولا الالتزامى ، بل كان معناه غيره ، ويراد به المعرض له ، مفهما ايّاه بالقرائن الحاليّة أو المقاليّة. مثل : يا ولد الحلال أو يا حلال بن حلال وأمثالهما.

ولا شك أن أحد احتمالات الحرام الزنا ، وقد سبق من المصنّف : « أن قوله : ولدت من الزنا قذف » ، فيكون أحد احتمالات « هو ولد حرام » أنّه ولد زنا فلا يكون تعريضا. فالظاهر أنّ هذا مثال للتأذّي وما عطف عليه مثال للتعريض.

وامّا قوله لزوجته : « لم أجدك عذراء » فهو أيضا تعريض ، لأنّ الزنا ليس أحد معاني هذا اللفظ ، بل أحد أسبابه.

قوله : فانّه تعريض بكونها.

الظاهر أنّ كونه تعريضا لأجل عدم كون القذف معناه ، ولا أحد احتمالاته ، بل كونه تعريضا لما ذكرنا من عدم كونه موضوعا له ، وفهمه منه بالقرائن الخارجيّة ، بل الزنا أحد أسبابه كما لا يخفى.

ثمّ لا يخفى أنّ ايجاب هذا القول للتعزير انّما هو اذا أراد وهن الزوجة ، وكان في مقام الايذاء لها لا مطلقا ، كما صرّح ابن ادريس ، ومن الأصحاب من قال بايجابه الحد ، لدلالة خصوص رواية عليه.

قوله : وكذا يعزّر بكلّ الى آخره.

لا خلاف في ذلك بين الأصحاب ، بل نقل عليه الاجماع في المعتبر ، والنصوص المستفيضة العامّة أو الخاصة ببعض الأمثله دالّة عليه ، كما في الخبر عن رجل قال لآخر : يا فاسق. فقال : « لا حدّ عليه ، بل يعزّر ». (١) وفي آخر : « اذا قال الرجل أنت مخنّث ( خبيث خ ل ) وأنت خنزير فليس فيه حدّ ، ولكن فيه موعظة وبعض العقوبة ». (٢)

وفي ثالث : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل دعا آخر : ابن المجنون. فقال الآخر : أنت

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.


ابن المجنون فأمر الأوّل أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، وقال له : اعلم أنّه مستعقب مثلها عشرين. فلمّا جلده أعطى المجلود السوط ، فجلده. (١)

وفي رابع : شكا رجل الى أمير المؤمنين عليه‌السلام من قال له : احتلمت بامّك فقال عليه‌السلام : « سنوجعه ضربا وجيعا حتّى لا يؤذي المسلمين فضربه ضربا وجيعا ». (٢)

ويستفاد منه الحكم عموما أيضا وفي خبرين أنّه عليه‌السلام كان يعزّر في الهجاء ، (٣) فلا اشكال في الحكم مطلقا.

قوله : لم يكن له حرمة.

هذا صريح قول مولانا الصادق عليه‌السلام في ما روى عنه أنّه قال : « اذا جاهر الفاسق بفسقه ، فلا حرمة له ، ولا غيبة » (٤) فالضمير المجرور راجع الى المتظاهر بالفسق ، والمراد بالحرمة ؛ الاحترام. ويحتمل أن يكون راجعا الى القول بما يكرهه ، والمراد بالحرمة : الحكم المقابل للواجب.

قوله : فيشترط شروطه.

أي : طريق النهي عن المنكر ، فيشترط فيه شروطه من تجويز التأثير ، والاذن الخاص أو العام على قول ، وغيرهما

قوله : فيعزّر الصبي خاصة.

قيد للتعزير أي : لا حدّ فيه. وينبغي تقييد الصبي بكونه مميّزا ، والّا فتعزيره قبيح عقلا ، وكذا شرعا. ويمكن التوجيه : بأن القذف لا يتحقق في غير المميّز ، لأنّ المعرفة بمعنى اللفظ والقصد الى القذف يشترط فيه ، ولا يتحققان في غير المميّز غالبا.

وقيل : ينبغي تقييد تعزير الصبي والمجنون بكونه ممّن يرجى منه الكف به ، ولا بأس به.

ولا يخفى أنّه لا نصّ هناك يدلّ على تعزيرهما. واستدلّوا عليه : بأنّ فيه جسم مادة الفساد ، وهو الأصل في شرعيّة الحدود والتعزيرات.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢١٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٤.

(٤) وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٨٩.


قوله : ويظهر من اقترانهنّ.

وجه الظهور : أنّه لو لا أنّ المراد بها الزنا لما كان وجه للتقييد بالمحصنات ؛ اذ لا عذاب على المحصنات من حيث انهنّ محصنات ، حيث ان التعليق بالوصف مشعر بعلية وصف الزنا.

ويمكن هذا اذا اريد بالاحصان : الاحصان الذي يكون في الرجم. وأمّا لو قيل : انّ المراد بالمحصنات : هو الأحرار كما فسر به الشارح فيما بعد لما ظهر منه ما ذكره.

قوله : والمحصنات من النساء.

قد يفسر المحصنات في الآية الثانية بالعفائف. وقوله : « غير مسافحات » أي : غير مجاهرات بالسفاح ، فسّره البيضاوي ، والاستشهاد بها هاهنا بناء على تفسيرها بالزوجات.

قوله : والمحصنات من المؤمنات.

وقد يطلق أيضا على اجتماع القيود الثمانية التي ذكرها في الرجم.

قوله : ووجهه عموم الأدلّة.

المراد بالأدلّة : أدلّة تعزير قاذف غير المحصن كما في الخبر : من افترى على أهل الذمة وأهل الكتاب قال : « لا ، ولكن يعزّر ». (١) وبإطلاقهما يشمل المتظاهر وغيره ، والمورد وان كان مخصوصا ، الّا أنّه يعمّ بالأولويّة وعدم القول بالفصل.

وفي خبر آخر : « كلّ بالغ من ذكر أو انثى افترى على صغير أو كبير ، أو ذكر أو انثى ، أو مسلم أو كافر ، أو حرّ أو مملوك فعليه حد الفرية ». (٢) والمراد بالحد أعمّ من التعزير ، كما لا يخفى.

قوله : في أهل الريب.

لا يخفى أنّ الظاهر من أهل الريب أهل الشك والشبهة في الدين فلا يصدق على المتظاهر بالفسق. نعم في بعض النسخ : في أهل الذنب. وعلى هذا فيتم الاستدلال.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٠٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٨٦.


ويمكن الاستدلال بالرواية : « لو اتيت برجل قد قذف عبدا مسلما بالزنا ، لا نعلم منه الّا خيرا ، لضربته الحد حدّ الحر الّا سوطا » (١) حيث قيد بقوله : « لا نعلم » الى آخره.

قوله : فلا حدّ.

أي : فلا حدّ له لو واجهه بما يوجب [ الحدّ ] لكونه كافرا.

قوله : من هذه للتأويل.

وجه التأويل في هذه العبارة : أنّ المراد بقوله : « وورثها الكافر » ؛ أنّه كان بحيث يرثها لو كان مسلما ، والمراد بقوله : « فلا حدّ » : أنّه لا حدّ للكافر ، وان كان للامام حيث انّه وارث من لا وارث له ، فيرث الحدّ وليس له العفو كما ادعى عليه الاجماع في الغنية وغيره.

قوله : بحمل الأولى الى آخره.

توضيح المقام : أنّه لا تعارض بين الجزءين الأولين من الخبرين ولا بين الأخيرين منهما ، لاتحاد حكم الأوّلين وكذا الأخيرين. وانّما التعارض بين الأوّل من كلّ منهما والأخير من الآخر. والتعارض بالعموم والخصوص من وجه ، ولا ترجيح حتّى يعمل في مادة الاجتماع بالراجح مطلقا ، فيعمل في أحد المتعارضين وهو أوّل الأوّل وآخر الآخر بآخر الآخر ، وفي ثانيهما وهو آخر الأوّل وأوّل الآخر بآخر الأوّل ؛ ليحصل الجمع بينهما فيكون معنى أوّل الأوّل : رجل افترى على قوم جماعة بلفظ واحد ان أتوا به مجتمعين ضرب حدّا واحدا.

ويكون معنى أوّل الآخر : رجل قذف قوما جميعا ، وجاءوا به مجتمعين الى آخره. وبعد ذلك الجمع وان لم يكن حاجة الى تخصيص كلّ من الجزءين الأخيرين بما خصّ بهما الأوّلان ، ولكن لعطفهما على الأوّلين يلزمه تخصيصهما أيضا لوجوب اتحاد حكم المتعاطفين.

ومن هذا يظهر وجه ما ذكره الشارح من حمل الاولى على ما كان بلفظ واحد مطلقا. والثانية على ما جاءوا به مجتمعين مع عدم الحاجة الى هذا الحمل في الجزءين الأخيرين.

ومن هذا يظهر أيضا وجه كون قول ابن الجنيد عكسا لذلك ؛ فانّه عمل في أوّل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ١٧٨.


المتعارضين بأوّل الأوّل ، وفي ثانيهما بأوّل الآخر ، فيكون عمل ابن الجنيد في مادّة الاجتماع بعكس ما ذكره الشارح. ثم انّه لمّا وجب اتحاد حكم المتعاطفين يلزمه حمل الاولى بغير اللفظ الواحد ، والثانية بغير المجتمعين.

ومن هذا يظهر وجه آخر لكون قول ابن الجنيد عكسا أيضا ، ويكون المراد : أنّ حمل ابن الجنيد على عكس الحمل الذي ذكره الشارح. ويمكن أن يكون المراد بالعكس : العكس في الحكم أيضا ويكون المراد أنّه حكم بعكس ما حكم به المصنّف ؛ فانّ المصنّف حكم في صورة تعدّد اللفظ بتعدّد الحد مطلقا. وقال بالتفصيل في صورة اتّحاده [ وعدم ] تعدّد اللفظ.

قوله : والظاهر أنّ قوله فيه جماعة الى آخره.

اعلم أنّه يمكن أن يكون المراد بقوله ، اجتماعهم في الفرية بمعنى قذفهم بكلمة واحدة. وعلى هذا فلا يكون القذف في الخبر أعمّ من المتّحد لفظا والمتعدّد ، بل يختصّ بالأوّل ، ويكون التعارض بينه وبين الخبر الآخر بالعموم والخصوص مطلقا ، فيجب حمل المطلق ، وهو الأخير على المقيّد وهو الأوّل.

مسائل

قوله : ومن ثمّ أطلق.

أي : من جهة أنّ عدم الفرق أصح القولين ولا يخفى أنّ المصنّف صرّح قبل ذلك بالتردّد في ذلك ، فلعلّ اطلاقه هناك لأجل أنّه بيّن التردد ، بل هو كذلك ، لا لأجل أنّ عدم الفرق أصحّ القولين عنده.

قوله : ومقتضى العبارة الى آخره

يريد أنّ المفهوم من هذه العبارة اعتبار الاقرار في ثبوت ما يوجب التعزير مرّتين مطلقا ، مع أنّه حكم فيما سبق بأنّ المقرّ باللواط دون الأربع الشامل للمرّة يعزّر ، فبين الحكمين تناف.

أقول : لا تنافي بين الحكمين ؛ لأنّ المراد هنا أنّ موجب التعزير لا يثبت الّا بالاقرار مرّتين ، ولا يعزّر لأجل ذلك الّا بعد الاقرار مرّتين والمراد فيما سبق : أنّ المقر باللواط و


لو مرّة يعزّر لأجل ذلك الاقرار ، لا لأجل ثبوت ما يوجب التعزير عليه ، وبينهما بون بعيد.

قوله : الّا مع اتحاد الصيغة الى آخره.

أي : معه لا يتعدّد الحد مطلقا ، بل يتعدّد اذا تفرقوا في المطالبة.

ولا يخفى أنّ المراد بتكرّر القذف : تكريره لفظا ، فلو قال لجماعة : يا زناة لم يكن القذف متكرّرا وان تعدّد المقذوف ، بخلاف ما لو قال لكلّ منهم : يا زاني ، فانّه تكرّر للقذف ، ويتكرّر الحد بتكرّره.

ومن هذا يظهر ما في قوله : « الّا مع اتحاد الصيغة كما مر ». اذ ما مرّ أنّه يتعدّد الحد لو تفرقوا في المطالبة ، فيكون المعنى : إلّا مع اتّحاد الصيغة ، فإنّ التعدّد حينئذ ليس مطلقا ، بل في صورة التفرّق فىّ المطالبة ، ولا خفاء في أنّ التعدّد حينئذ ليس لتكرّر القذف بل لتعدّد المقذوف ، فلا تعدّد للتكرّر في صورة اتّحاد الصيغة مطلقا وان تعدّد لتعدّد المقذوف.

ويمكن أن يكون مراده بقوله : « الّا مع اتحاد الصيغة » أنّه لا يتعدّد حينئذ مطلقا ، ولكن لا يكون وجه لقوله : « كما مر » ، كما لا يخفى.

قوله : وبلعان الزوجة

اضافة « اللعان » الى « الزوجة » اضافة المصدر الى المفعول أي : لعان الزوج الزوجة وأمّا لعان الزوجة الزوج فهو مسقط للحد عن الزوجة ، دون الزوج.

قوله : لكن هل يسقط الى آخره.

لا يخفى أنّ لفظة « يسقط » انّما يصح استعمالها فيما اذا ثبت وسقط ، ولا كلام في أنّه لا تعزير قبل الأربعة ، بل انّما يقول بثبوته ؛ لأجل سقوط الحد. [ قوله ] : « لأنّ الواجب » هذا علّة لاحتمال السقوط ، لا للخصوصية المذكورة بقوله : « خصوصا في الأخيرين » لعدم اختصاص الدليل المذكور بهما ، وأمّا الخصوصية فوجهها ظاهر خارجا.

أمّا السقوط عند العفو ؛ فلأنّ الظاهر من العفو عن الحدّ العفو عن التعزير أيضا ، فيسقط ، وأمّا عند اللعان ؛ فلأنّ اللعان موجب لدرء العذاب اللازم بسبب هذا اللفظ ، فلا يكون بسببه عذاب بعد اللعان ، بخلاف البيّنة والتصديق.


قوله : لأنّ قيام البيّنة.

المراد أنّ قيام البيّنة والاقرار لا يجوّز القذف ، ولم يتحقّق ما يصلح لدفع التعزير ، بخلاف الأخير ، فان العفو واللعان وان لم يجوّزا القذف أيضا ، الّا أنهما صالحان لدفع التعزير لما مرّ من أنّ الظاهر من العفو عن الحد العفو عن التعزير أيضا ، وأنّ اللعان لدرء العذاب اللازم من هذا اللفظ الشامل للحد والتعزير.

قوله : تعزير عبده.

الاضافة بمعنى : « اللام » أي : التعزير الذي هو لعبده وأمته أي حقّهما.

قوله : سواء كان التأديب لقذف الى آخره.

تأديب المملوك للقذف اذا قذف غير المحصن.

قوله : فلا يبلغ أقلّه وهو خمسة وسبعون.

لا خلاف في أنّ نهاية التعزير في جانب النقصان موكول الى نظر الامام ، ولا في أنّه في جانب النهاية لا يصل الى حدّ الزنا ، ولكن وقع الخلاف فيما عدا ذلك الى أقوال.

أحدها : ما اختاره المصنّف من أنّه يجب أن لا يبلغ هذا الحد المخصوص.

وثانيها : أنّه يجب أن لا يبلغ حد الزنا مطلقا ، ففي الحر من سوط الى تسعة وتسعين ، وفي العبد الى تسعة وأربعين.

وثالثها : ما يظهر من بعضهم الميل إليه ، وهو أن لا يبلغ حدّ القذف مطلقا ولكن صرّح بأنّه ليس به قائل.

قوله : وسابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

سواء كان الساب رجلا أو امرأة ، مسلما أو كافرا ، ويدل عل حكم الكافر بخصوصه ، بل المرأة ، ما روي عن على عليه‌السلام ؛ « أنّ يهودية كانت تشتم النبي وتقع فيه ، فخنقها رجل حتّى ماتت ، فأبطل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دمها ». (١)

قوله : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فيّ ».

بتشديد « الياء » يعني أنّ الناس كلّهم في حقي اذا سمعوا من يشتمني اسوة أي : قدوة و

__________________

(١) جواهر الكلام : ٤١ / ٤٣٩ ، نقلا عن سنن النسائى.


امام ، فلا يحتاج أحد الى أن يرفع ذلك الى السلطان ، بل يجري الحكم هو بنفسه [ قوله : ] سواء أي : الكلّ في ذلك على السواء من غير ترجيح لبعضهم على بعض.

قوله : وهو اشارة الى خوف الضرر.

فانّ المراد من قوله : « وما الف رجل » الى آخره ، أنّه لا يقابل دم ألف رجل منهم أي : من ناصبي على دم رجل من الشيعة ، فلا يجوز قتل الناصبي بالنصب اذا خيف به قتل رجل من الشيعة.

قوله : وفي الحاق باقي الأنبياء عليهم‌السلام

وفي الغنية ادّعاء الاجماع عليه ولكن روي عن علي عليه‌السلام أنّه لا اوتى برجل يذكر أن داود صادف المرأة ، الّا جلدته مائة وستّين ، فان جلد الناس ثمانون ، وجلد الأنبياء مائة وستون (١) ولكنّه ضعيف السند.

وبالجملة الظاهر الالحاق في وجوب القتل. وأمّا في عدم الاحتياج الى اذن الامام والحاكم فمحلّ نظر.

قوله : ويمكن اختصاص الحكم بها

يعني من بين البنات فلا يردان قاذف أمّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مرتدّ قطعا كما يأتي.

قوله : أو في صدقه.

قد يتوهّم لغوية العطف ؛ لأنّ الشك في النبوة يستلزم الشك فى الصدق.

أقول : المراد بالصدق : الصدق في بعض الاحكام ، فيمكن الاذعان بالنبوّة والشك في الصدق في حكم بناء على تجويز صدور الكبائر عن الأنبياء أو الصغائر فقط مع عدّ الكذب منها كما يقوله العامّة.

قوله : لأنّ الكفر اعظم من السحر.

فاذا لم يقتل بالأعظم لم يقتل بالأدون بالطريق الأولى. وقوله : « ولأن السحر » الى آخره يعني : أن كلّ سحر شرك وكلّ ساحر مشرك ، فيكون بمنزلة الارتداد ، ولا شك أن ايجاب الارتداد للقتل انّما هو في المسلم ، دون غيره.

__________________

(١) جواهر الكلام : ٤١ / ٤٣٧ ، نقلا عن المبسوط.


قوله : انّ سابّ الامام كذلك.

أي : كالنّبي في وجوب قتله ، وان تاب ، لا في أصل وجوب القتل ، فانّ هذا الحكم قد سبق. فلا يرد ما توهّم من أنّ هذا تكرار ؛ اذ سبق أن ساب أحد الائمة عليه‌السلام أيضا يقتل.

الفصل الرابع في الشرب

قوله : وان لم يسكر بعض الناس.

السكر ـ على قول ـ : حالة يحصل منها اختلال الكلام المنظوم ، وظهور السرّ المكتوم. وعلى آخر : ما يغير العقل ، ويحصل معه سرور وقوّة النفس في غالب المتناولين. أمّا ما يغيّر العقل لا غير ، فهو المرقد اذا حصل معه تغيّب الحواس ، والّا فهو المفسد للعقل كما في البنج والشوكران.

قوله : وخروج مزاجه.

مع بقاء الاسم كالخمر والنقيع أو النبيذ أو غيرهما ، فلو خرج عن تحت المسمّى فلا يحرم. والخروج عن حدّ الاعتدال يدلّ على ذلك ؛ اذ الخروج عن حدّه عبارة عن عدم بقاء الشي‌ء على ما هو عليه من الأوصاف واللوازم. وهذا انما يصحّ اذا كان الباقي هو هذا الشي‌ء ولكن سلب منه وصفه. أمّا اذا لم يكن الباقي هذا الشي‌ء وكان شيئا آخر ولم يكن فيه وصف الشي‌ء الأوّل فليس خارجا عن حدّ الاعتدال.

قوله : عندنا بمنزلة الخمر.

أي : في جميع الأحكام. ومنها ؛ الحرمة ، فيكون حراما ، فلا مصادرة على المطلوب كما قد يتوهّم.

قوله : اذا لم يذهب ثلثاه به.

هل المعتبر ذهاب الثلثين كيلا أم وزنا؟ الأمران محتملان. والموافق للاستصحاب هو الثاني.

قوله : وهي مطهرة.

بالبناء للمفعول أي : تلك الحقيقة الاخرى ، وهي الخل مطهرة فاذا انقلب العصير إليه يصير طاهرا ، ولا يمكن العمل باستصحاب النجاسة ؛ لأنّه اذا لم يتيقن النقيض وطهارة الخل يقينية.


وقوله بعد ذلك : « مع الشك في كون مثل ذلك مطهرا » هو أيضا بالبناء للمفعول ، والمراد بمثل ذلك حقيقة الدبسية الحاصلة قبل ذهاب الثلثين.

والحاصل : أنّ في الاولى انقلب العصير الى ما يقطع كونه طاهرا فلا يمكن استصحاب النجاسة. وفي الصورة الثانية انقلب الى ما شك في طهارته فتكون النجاسة اليقينيّة مستصحبة.

فيندفع ما يتوهّم وروده هنا من أنّ الانقلاب في الصورتين حاصلة ، فكيف يستصحب النجاسة في احداهما ، دون الاخرى؟

أقول : ومع ذلك يرد عليه : أنّ من شرط امكان الاستصحاب عدم تغيّر الموضوع ، لأنّ موضوع النجاسة هو العصير ، فلا يصحّ الاستصحاب ، ثمّ بأصالة طهارة تلك الحقيقة الحادثة أي : مثل ذلك الدبس يدفع الشك في النجاسة فتأمّل.

قوله : مع الشك في كون مثل ذلك الى آخره.

فان قيل : كيف يشك في كون مثل ذلك الخل [ مطهّرا ] مع أنّه ان كان المناط في طهارة الخل الاطلاقات ، فهي موجودة في الدبس أيضا ، وان كان المناط خصوص [ الدليل ] على طهارة مثل هذا الخل ، فهو غير موجود ، فما الفارق بينهما؟

قلنا : قوله : « مع أنّه فرض نادر » اشارة الى بيان الفرق. وتوضيحه : أنّ المناط الاطلاقات ، ولكن الاطلاقات منصرفة الى الفرد الشائع ومثل هذا الدبس فرد نادر ، فلا يشمله الإطلاقات ، بخلاف مثل هذا الخل ، بل لا يبعد أن يقال : أكثر افراد الخل من هذا القبيل كما لا يخفى.

قوله : على الأشهر.

بل صريح الغنية ، وظاهر التهذيب ، والسرائر ، والشرائع ، والتحرير الاجماع عليه.

قوله : لرواية ابي بصير وبريد بن معاوية.

أمّا رواية أبي بصير ، فهي أنّه قال : قلت له كيف كان يجلد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : « كان يضرب بالنعال ويزيد كلّما اتي بالشارب ، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف ذلك


على ثمانين [ أشار بذلك عليّ عليه‌السلام على عمر ] فرضي بها » (١).

وأمّا رواة بريد ، فهي ؛ أنّه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان في كتاب علي عليه‌السلام : يضرب شارب الخمر ثمانين. الحديث (٢)

وهما بإطلاقهما يشملان العبد أيضا.

واما رواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام فلم اظفر بها.

نعم روى هو عن الباقر عليه‌السلام انّه قال « قال علي عليه‌السلام : إنّ الرجل اذا شرب الخمر سكر ، واذا سكر هذى ، واذا هذى افترى ، فاجلدوه حدّ المفتري ». (٣) وقد تقدّم أنّ حدّ المفتري ثمانون ، ولا فرق بين العبد والحر.

ثم انّ هاهنا روايات اخرى دالة على المساواة بخصوصها منها : ما روي عن أبي بصير ، قال : « كان امير المؤمنين عليه‌السلام يجلد الحر والعبد ، واليهودي والنصراني في الخمر والنبيذ ثمانين ». الحديث. (٤)

ومنها ما روي عنه أيضا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان علي عليه‌السلام يجلد الحرّ والعبد ، واليهودي والنصراني في الخمر ثمانين ». (٥)

وانما حملنا رواية أبي بصير في كلام الشارح على ما ذكرناه أوّلا ، دون الأخيرة المروية عن الصادق عليه‌السلام أيضا لمكان قوله فيما يأتي : « وانّ خبر التنصيف أوضح [ لأنه أوضح ] ممّا ذكر أوّلا ، دون الأخيرة ومن هذا تظهر قوّة القول بالمساواة حيث انجبرت الروايات الدالّة عليها بالشهرة ، والاجماع المنقول مع مساواتها لخبر التنصيف في وضوح الدلالة.

قوله : لرواية ابي بكر الحضرمي.

وممّا يضعّف هذه الرواية أنّه لم يعمل بجميع ما تدلّ عليه أحد ؛ فانّ الصدوق ، وان قال

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٢١.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٢٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٢٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٢٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٢٨.


بتنصيف حدّ العبد في الخمر ؛ الّا أنه قال به في القذف أيضا والرواية تتضمن الحد الكامل للعبد في القذف وفي المشهور وان كان حد القذف كاملا ، الّا أنّ حدّ الخمر أيضا كذلك.

قوله : ومن في معناه.

يمكن أن يكون المراد بمن في معناه : شارب الفقاع ، والنبيذ ، وغير الخمر من المسكرات بناء على أنّ حرف التعريف في « الشارب » للعهد أي : شارب الخمر أو شارب الفقاع بناء على أنّ المعهود شارب المسكر ، أو المراد بالشارب شارب المائعات المتقدّمة المحرّمة ، وبمن في معناه آكل مثل الحشيشة.

قوله : للأخبار الصحيحة الكثيرة الصريحة في ذلك بخصوصه.

كصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من شرب الخمر فاجلدوه ، فان عاد فاجلدوه ، فان عاد الثالثة فاقتلوه ». (١)

ومثلها : صحيحة محمد بن مسلم ، (٢) والحذاء ، (٣) وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا اتي بشارب الخمر ضربه ، ثم إن اتي به ثانية ضربه ، واذا اتي به ثالثة ضرب عنقه » (٤) الى غير ذلك من الأخبار المتكثرة.

الفصل الخامس في السرقة

هذا آخر ما وجد من تعليقاته. أعلى الله درجاته. والحمد لوليّه ، والصلاة على نبيّه ، وعلى أوصيائه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٣٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٣٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٢٣٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٨ / ٣٣٤.


فهرست مطالب

کتاب الطهاره

١١

الفصل الثالث في کيفيه الصلاه

٢١٣

مسايل: الاولى

٩٤

الفصل الرابع في باقي مستحباتها

٢٢٠

المساله الثانيه

١٠٤

الفصل الخامس في التروک

٢٢١

المساله الثالثه

١١٠

الفصل السادس في بقيه الصلوات

٢٢١

النجاسات

١١٠

الفصل السابع ف بيان احکام الخلل

٢٢٥

المطهرات

١٤١

مسايل سبع

٢٢٥

في الوضوء

١٤٦

الفصل الثامن ف القضاء

٢٣٠

في الغسل

١٥٥

الفصل التاسع ف صلاه الخوف

٢٣١

في الحيض

١٥٥

الفصل العاشر ف صلاه المسافر

٢٣٥

في الاستحاضه

١٥٧

الفصل الحاد عشر ف الجماعه

٢٣٨

في النفاس

١٥٨

کتاب الزکاه

٢٤٧

في غسل المس للميت

١٥٨

الفصل الاول

٢٤٧

ف احکام الاموات

١٥٩

الفصل الثان

٢٨٣

ف التيمم

١٨٢

الفصل الثالث

٢٨٨

کتاب الصلاه

١٩٣

الفصل الرابع ف زکاه الفطره

٣١٤

الفصل الاول

١٩٣

كتاب الخمس

٣٢٥

الفصل الثاني في شروطها

١٩٧

الاول الوقت

١٩٧

الثاني في القبله

٢٠٥

الثالث ستر العوره

٢٠٥

في مبطلات الصلاه

٢٠٧


کتاب الصوم

٣٦١

الفصل العاشر

٥٩٥

كتاب الحج

٤٤٥

ف القبض

٥٩٥

الفصل الاول

٤٤٥

كتاب الدين

٦٠٩

الصل الثاني في انواع الحج

٤٧٩

كتاب الرهن

٦١٩

كتاب القضاء

٤٨٣

كتاب الحجر

٦٢٧

کتاب الشهادات

٥١٥

كتاب الضمان

٦٣١

الفصل الاول

٥١٥

كتاب الحوالة

٦٣٧

الفصل الثان ف تفصيل الحقوق

٥٢٣

كتاب الكفالة

٦٤١

الفصل الثالث ف الشهاده عل الشهاده

٥٢٦

كتاب الصلح

٦٤٧

الفصل الرابع ف الرجوع عن الشهاده

٥٢٩

كتاب الشركة

٦٥٧

کتاب الوقف

٥٣٥

كتاب المضاربة

٦٦٣

کتاب المتاجر

٥٤٥

كتاب الوديعة

٦٦٩

الفصل الأول

٥٤٥

كتاب العارية

٦٨٣

الفصل الثان ف عقد البيع

٥٤٩

كتاب المزارعة

٦٩٣

الفصل الثالث ف بيع الحيوان

٥٦٠

كتاب المساقاة

٦٩٧

الفصل الرابع

٥٦٠

كتاب الاجارة

٧٠٣

الفصل الخامس ف الصرف

٥٦١

كتاب الوكالة

٧٠٥

الفصل السادس ف السلف

٥٦٢

كتاب الشفعة

٧٠٩

الفصل السابع ف اقسام البيع

٥٦٥

كتاب السبق والرماية

٧١١

الفصل الثامن ف الربا

٥٦٦

كتاب الجعالة

٧١٥

الفصل التاسع ف الخيار

٥٧٠

كتاب الوصايا

٧١٧

الفصل الاول

٧١٧

الفصل الثاني في متعلق الوصية

٧٢٩

الفصل الثالث

٧٢٩


صالفصل الرابع ف الوصايه

٧٣٤

الفصل الاول

٧٩٥

کتاب النکاح

٧٣٥

الفصل الثاني

٧٩٩

مسائل

٧٦٤

الفصل الثالث والولاء

٨٠٨

المساله الاول

٧٦٤

الفصل الرابع

٨٠٩

المساله الثانيه

٧٦٩

كتاب الحدود

٨١١

المساله الثالثه

٧٧٣

الفصل الاول

٨١١

المساله الرابعه

٧٨٢

الفصل الثاني في اللواط

٨٢٨

المساله الخامسه

٧٨٢

الفصل الثالث في القذف

٨٣٢

المساله السادسه

٧٨٥

الفصل الرابع في الشرب

٨٤٢

المساله السابعه

٧٨٥

الفصل الخامس في السرقة

٨٤٥

المساله الثامنه

٧٨٧

في المطهر

٧٩٠

كتاب الميراث

٧٩٥

الحاشية على الروضة البهيّة

المؤلف:
الصفحات: 848