مقدمة

للدكتور إبراهيم مدكور



مقدمة

للدكتور ابراهيم مدكور

يدعو المحسوس إلى اللامحسوس ، والظاهر إلى الخفى ، والواقعى إلى المثالى. ولم يقنع المرء يوما بالوقوف عند أقرب هذين الطرفين منالا ، بل أبى إلا أن يعانق الطرف الآخر ، أو يتوهم أنه يفعل. فتفلسف منذ القدم ، واستمر فى فلسفته إلى اليوم ، وسيتفلسف دائما. وكانت الفلسفة قديما جماع المعرفة كلها ، فلم يكن ثمة فاصل بينها وبين العلم. ثم أخذت العلوم تستقل شيئا فشيئا ، فتحدد موضوعها ، ورسم منهجها ، ووضعت قوانينها. وظن أنها باستقلالها هذا لن تدع للفلسفة مجالا ، إلا أنها خلّفت وراءها مشاكل لا يقوى علم بعينه على حلها. فإذا كانت قد عرضت للأسباب القريبة والمباشرة ، فإنها لم توضح الأسباب البعيدة وغير المباشرة. وإذا كانت قد عنيت بالعلل المادية والفاعلية ، فإنها لم تكشف عن العلل الروحية والغائية. واضطلعت بذلك كله دراسة خاصة ، سميت الفلسفة العامة أو الميتافزيقى.

وقد أضحت الميتافزيقى وكأنها حاجة ماسة وضرورة لازمة ، لا مجرد خرافة. يخلقها العلماء بأنفسهم ، ويغذونها بغذائهم. ومن أخص خصائص الفكر المعاصر أن العلم يختلط فيه بالفلسفة مرة أخرى اختلاطا كبيرا ، فالفلاسفة علماء ، والعلماء فلاسفة. وفى عصر الذرة الذي نعيش فيه يجاوز العلم المادة إلى ما وراءها ، فيخترق حجب الأثير ، ويعيش فى اللامحسوس ، ويبحث عن مدركات ما وراء الحس. ويرى بعض أئمة علم الطبيعة المعاصرين أن حقائق الكون لا يمكن أن تفسر تفسيرا تاما إلا إن قلنا بوجود خالق حكيم ، وبذا انتهى العالم والفيلسوف إلى غاية واحدة ، وإن تعددت مناهجهما واختلفت مبادئهما.


( ا ) ميتافزيقى أرسطو

ولا نزاع فى أن أرسطو هو أول من وضع دعائم الميتافزيقى. حدد موضوعها ، وذهب إلى أن هناك علما يدرس الوجود من حيث هو ، ويرمى إلى معرفة الشىء فى ذاته والعلل الأولى والغائية ، ويسلم بوجود جواهر غير محسوسة. ووقف عليه كتابا من أدق كتبه وأعمقهما ، وأجلها وأخطرها ، ويمكن أن يعدّ بحق خاتمة مذهبه ، وهو ما يسمى « بالميتافزيقى ». وواضح أن هذا الكتاب يدخل فى مجموعة كتب الخاصة ( esoter ques ) التي كان يتداولها تلاميذه فيما بينهم ، وقد أهداه فعلا لأوديم رئيس المدرسة المشائية من بعده. فلم يكن معدّا للجماهير وعامة القراء. ولعله لم يتسع له الوقت لمراجعته ونشره نشرا منتظما أثناء حياته ، وبقى مجهولا حتى القرن الأول للميلاد (١).

ومن هنا أثيرت شكوك مختلفة حوله ، فشك فى نسبته إليه ، واختلف فى موضوعه ، بل وفى اسمه ، وساعد على هذه الشكوك أن ديوجين اللائرسى أغفل ذكره فى فهرسه المشهور لمصنفات أرسطو (٢). وفيه قطعا خلط وتناقض ، لأنه لم يكن الكتاب المنتهى المحكم التأليف ، وما أشبهه بالمذكرات أو الرسائل المنفصلة ، وإن التقت فى أغلبها عند هدف واحد. وقد تكون فيه أجزاء ليست من وضع المعلم الأول ، وإنما أضافها تلاميذه من بعده متأثرين فيها بروحه ومنهجه. ولكن لا نزاع فى أن غالبيته من صنعه ، وأضحت نسبته إليه بعيدة عن الشك كل البعد ، فأسلوبه واضح فيه ، وكتبه الأخرى تحيل عليه كما يحيل هو عليها (٣). وإذا كان ديوجين قد أهمله ، فإن مؤرخين آخرين أشاروا إليه إشارة صريحة (٤) ، وربما كان هذا الإهمال راجعا إلى أن عنوانه لم يكن واضحا أمامه لكثرة ما أطلق عليه من أسماء. وتعاقب الباحثون فى التاريخ القديم فى الشرح والتعليق عليه ، أمثال : نيقولا الدمشقى ، والاسكندر الأفروديسى ، وثامسطيوس.

__________________

(١)J. Trioot, La Metaphysique d' Aristote, Paris ١٠٤٠, p. II ـ III

(٢)O. Hamelin, Le Systeme d' Aristote, Paris ١٩٣١. p. ٣٣.

(٣)W. D. Rom, Aristotle's Metaphysics, Oxford ١٩٢٤, V. I, p. XIW

(٤) Hamoline ,Le Systeme d'Arislote .p .٣٣ .


( ب ) نقله إلى اللغة العربية

إن كتاب « الميتافزيقى » لأرسطو أثر خالد ، وضع فى أثينا ، ثم تدارسه ورثة الثقافة اليونانية من البيزنطيين ، والاسكندريين ، والعرب ، ومسيحى الشرق من نساطرة ويعاقبة ، ومسيحى الغرب ، واستمرت دراسته إلى اليوم. وقد نقل قديما إلى لغات عدة ، كاللاتينية والسريانية والعربية والعبرية. وكان طبيعيا أن يعنى المسلمون بترجمته ، لأن موضوعه يتصل اتصالا وثيقا بدراساتهم الكلامية ، فضلا عن عنايتهم بترجمة مؤلفات أرسطو جميعها. وتضافر على تعريبه عدد غير قليل من المترجمين الممتازين كإسحاق بن حنين ، أو المتوسطين كاسطاث (١) ، نقلوه عن السريانية أحيانا وعن اليونانية أحيانا أخرى ، وعلى النحو الذي وصلهم به. ونحن نعلم أنه ينقسم إلى أربع عشرة مقالة مرتبة على حسب حروف الهجاء اليونانية كما يلى : ( A ,a ,B ,i ,A ,E ,Z ,H ,O .I ,K ,A ,M ,N , ) ، ويظهر أن العرب لم يصلهم من ذلك إلا اثنتا عشرة مقالة ، فغابت عنهم M ,N ، وإن كان ابن النديم يشير إلى أن الأخيرة قد توجد باليونانية بتفسير الاسكندر (٢) ، إلا أن الفارابى وابن رشد يهملانهما معا (٣). هذا إلى أنهم عكسوا الترتيب المألوف ، فقدّموا الألف الصغرى على الألف الكبرى وخلطوا بينهما نوعا ، وما علّق عليه ابن رشد من الألف الكبرى ليس إلا النصف الأخير من الأصل اليونانى (٤).

ولم يقفوا عند ترجمة الكتاب وحده ، بل جدّوا فى البحث عن شروحه ، لأنهم أدركوا ما فيه من غموض وتعقيد ، ولم يجدوا منها إلاّ شرحين لمقالة اللام ، أحدهما تام لثامسطيوس ، والآخر ناقص للاسكندر الأفروديسى (٥) ، وكم يأسف الفارابى لأن شرح الأخير لكتاب

__________________

(١) القفطى ، تاريخ الحكماء ، ليبسيك ١٣٢٠ ه‍ ، ص ٤١ ـ ٤٢.

(٢) ابن النديم ، الفهرست ، القاهرة ١٣٤٨ ه‍ ، ص ٣٥٢.

(٣) الفارابى ، فى أغراض الحكيم فى كل مقالة من الكتاب الموسوم بالحروف ، لبدن ١٨٩٥ ، ص ٣٨ ؛ ابن رشد ، تفسير ما بعد الطبيعة ، بيروت ١٩٤٨ ، ج VII.

(٤) .M .B .uyges ,Notice ,Boyrouth ١٩٥٢ ,p .XVIII .

(٥) ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٥٢ ؛ القفطى ، تاريخ الحكماء ، ص ٤١ ـ ٤٢.


« ما بعد الطبيعة » كله لم يصل إلى العالم العربى (١). وقد عنى المسلمون عناية خاصة بمقالة اللام ، فترجموها غير مرة (٢) ، ورحبوا بما وقفوا عليه من شروحها ، وخاصة شرح ثامسطيوس الذي فتح الباب فسيحا أمامهم للتوفيق بين الفلسفة والدين (٣). وربما عدّوها عمدة الكتاب جميعه ، لأنها تنصب على البارئ وصفاته الذي يعتبر الموضوع الأساسى للميتافزيقى ، وبذا يصبح ما بعد الطبيعة وعلم التوحيد شيئا واحدا (٤).

وما إن ترجم إلى العربية حتى أخذ مفكرو الإسلام يتدارسونه ويتأثرون به ، وفى رسائل الكندى الفلسفية التي نشرت أخيرا صدى له (٥) ، ولكن نخطئ كل الخطأ إن زعمنا أن هناك صلة مباشرة بينه وبين رسالته المهداة إلى المعتصم والتي عنوانها « فى الفلسفة الأولى » ، فهى ليست ترجمة له ولا تلخيصا مطلقا ، ولا تلتقى معه فى موضوعه وإن رددت بعض ما جاء فيه من آراء ونظريات (٦).

أما الفارابى فقد خلف لنا رسالة دقيقة تبين « أغراض الحكيم فى كل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف » ، ويلاحظ فيها بحق أن هدف الكتاب وموضوعه غير واضحين (٧) ، لذلك يستعرض مقالاته مقالة مقالة ، ملخصا ما اشتملت عليه (٨). وعنده أن ما بعد الطبيعة أو العلم الإلهى علم كلى ينظر فى الشىء العام لجميع الموجودات كالوجود ، والوحدة والقوة والفعل ، والمتقدم والمتأخر ، والعلم الكلى أسمى دون نزاع من

__________________

(١) الفارابى ، فى أغراض الحكيم ، ص ٣٤.

(٢) ابن النديم ، الفهرست ، ص ٣٥٢.

(٣) عبد الرحمن بدوى ، أرسطو عند العرب ، الجزء الأول ، القاهرة ١٩٤٧ ، ص (١٩) ـ (٢٢).

(٤) الفارابى ، فى أغراض الحكيم ، ص ٣٤.

(٥) أحمد فؤاد الأهواني ، كتاب الكندى إلى المعتصم بالله فى الفلسفة الأولى ، القاهرة ١٩٤٨ ؛ محمد عبد الهادى أبو ريده ، رسائل الكندى الفلسفية ، القاهرة ١٩٥٠.

(٦) المصدر السابق ، ص ٨٠ (١٢) ـ ٨٠ (١٨).

(٧) الفارابى ، فى أغراض الحكيم ، ص ٣٤.

(٨) المصدر السابق ، ص ٣٦ ـ ٣٨.


العلوم الجزئية (١). ويعترف ابن سينا أنه قرأ كتاب « الميتافزيقى » لأرسطو غير مرة دون أن يخرج منه بطائل ، حتى خيل إليه أنه لا سبيل إلى فهمه ، وما إن وقعت فى يديه رسالة الفارابى هذه حتى انجلى المبهم ، وكشف الغامض (٢).

( ج ) إلهيات ابن سينا

هى الجملة الأخيرة من جمل « الشفاء » الأربع ، وتنصب أولا وبالذات على الفلسفة الأولى ، وإن كانت تعالج بجانبها شيئا من السياسة والأخلاق. وقد عوّل ابن سينا فيها كثيرا على « ميتافزيقى » أرسطو ، ولكنها دون نزاع أدق ترتيبا ، وأكثر انسجاما ، وأوضح هدفا ، وأجلى عبارة. هذا إلى أنها لم تقف عند آراء أرسطو وحدها ، بل ضمت إليها آراء أخرى تتعارض معها كل المعارضة ، وعرضت لمشاكل إسلامية كالإمامة والنبوة ، وما كان لفيلسوف اليونان أن يلمّ بها. ومرت سريعا على التسلسل التاريخي للآراء والنظريات الذي عنى به أرسطو عناية خاصة ، ووقف عنده فى أكثر من مقالة ، وسنلقى نظرة سريعة على أهم ما جاء فى « الإلهيات ».

١ ـ موادها :

تقع « الإلهيات » فى عشر مقالات متفاوتة الحجم والأهمية ، وقد شئنا أن نخرجها فى مجلدين تيسيرا للتداول ، وفى كل مجلد خمس مقالات. والمقالة الأولى أشبه ما يكون بمقدمة عامة تحدد موضوع البحث ، وتبين الأسماء التي أطلقت عليه ، والصلة بينه وبين العلوم الأخرى ، وتوضح منزلته ومنفعته (٣). وفيها شىء مما جاء فى A ,a ,l ، وإن اختلفت عنها اختلافا بيّنا.

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٣٥ ـ ٣٦ ؛ الفارابى ، إحصاء العلوم ( تحقيق الدكتور عثمان أمين ) ، القاهرة ١٩٤٩ ، ص ٩٩ ـ ١٠١.

(٢) القفطى ، تاريخ الحكماء ، ص ٤١٥ ـ ٤١٦.

(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، القاهرة ١٩٦٠ ، ج ١ ، ص ٣ ـ ٥٤.


ويقف ابن سينا المقالة الثانية على الجوهر ، فيعرّفه ، ويبين أقسامه ، وخصائص كل قسم ، والارتباط بين المادة والصورة (١). وهى بهذا تلتقى نوعا ما مع ما جاء فى H ,Z ، وإن التزمت طريقة عرض أوضح ، وسلمت من التكرار الملحوظ فى « ميتافزيقى » أرسطو.

وتنصب المقالة الثالثة على نظرية المقولات ، فتشرح الواحد والكثير ، والكم والكيف ، وتعنى خاصة ببيان أن العدد كم ، وأن العلم عرض (٢) ، إلى غير ذلك من المسائل التي وردت فى مقالتى L ,I ، ومرت بنا فى كتاب « المقولات » من منطق « الشفاء » (٣). وتعد هذه المقالة ، مع المقالتين الخامسة والتاسعة ، من أطول أجزاء الكتاب.

والمقالة الرابعة متممة إلى حد ما لسابقتها ، لأنها تعالج التقابل ، فتعرض للمتقدم والمتأخر ، والقوة والفعل ، والتام والناقص (٤). وبذا تلم شعث أمور أثارها أرسطو فى أكثر من مقالة ، مثل O ,I.

وتدور المقالة الخامسة حول نظرية الحد ، على نحو ما يلحظ فى Z ، فتفرّق بين الكلى والجزئى ، والجنس والنوع ، والفصل والخاصة ، والحد التام والناقص (٥) ، وتعيد أمورا سبق لابن سينا أن درسها فى كتاب « البرهان » (٦). وتشرح كيفية وجود الأمور العامة ، فتعرض نظرية الوجود الثلاثى للكليات التي سبق له أن بحثها فى « المدخل » (٧).

فيبدو إذن فى هذا المجلد أن الميتافزيقى تختلط بالمنطق ، لأن البحث فى مبادئ الجوهر يقول إلى البحث فى مبادئ البرهان. ولن نقف عند المسائل المنطقية التي سبق

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٥٧ ـ ٨٩

(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٩٣ ـ ١٦٠

(٣) ابن سينا ، المقولات ، القاهرة ١٩٥٩

(٤) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ١٦٣ ـ ١٩١

(٥) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٩٥ ـ ٢٥٢

(٦) ابن سينا ، البرهان ، القاهرة ١٩٥٦ ، ص ٢٦١ ـ ٣٢٩

(٧) ابن سينا ، المدخل ، القاهرة ١٩٥٢ ، ص ٦٥ ـ ٧٢


معالجتها فى منطق « الشفاء » ، وسنبرز فقط وجهة نظر ابن سينا فى بعض المشاكل الميتافزيقى كالجوهر ، والمادة ، والصورة.

وللميتافزيقى صلة أيضا بالطبيعيات ، وتبدو هذه الصلة بوضوح فى المجلد الثاني من « الإلهيات » ، فتبحث المقالة السادسة نظرية العلل فى عمق وتفصيل ، بادئة بالعلل الفاعلية ، وواقفة طويلا عند العلل الصورية والغائية (١) ، وقد عرض أرسطو لهذه النظرية فى عدة مقالات ، وخاصة فى H ، ولكن ابن سينا يفصل القول فيها أكثر مما فعل المعلم الأول متأثرا بالشراح السابقين ، ومستعينا بدراساته الطبيعية.

وتعتبر المقالة السابعة أصغر مقالة فى « الإلهيات » (٢) ، وهى مقصورة على مناقشة آراء السابقين المعارضين لأرسطو من أفلاطونيين وفيثاغوريين. وبذا وقف ابن سينا بهذا الخلاف المذهبى والتدرج التاريخي عند أضيق حدوده.

أما المقالة الثامنة فموقوفة على المبدأ الأول وصفاته (٣) ، وتلتقى التقاء تاما مع مقالة A التي تعتبر فى نظر مفكرى الإسلام عمدة الميتافزيقى. ولم يبالوا مطلقا بما يؤخذ عليها من قلة الانسجام أو ضعف الصلة بينها وبين المقالات الأخرى ، ومن أجلها سموا البحث كله بالعلم الإلهى.

وتعالج المقالة التاسعة الصلة بين الله والعالم ، فتكمّل المقالة السابقة ، وتشرح نظرية الصدور (٤) ، وهى نظرية أفلوطينية تتعارض مع آراء أرسطو المقررة من القول بقدم العالم وإنكار خلقه. وإذا كان الكون كله صادرا عن الله ، فلا بد لنا أن نبين كيفية دخول الشر فى القضاء الإلهى ، ونشرح نظرية العناية (٥). ويختم ابن سينا هذه المقالة يبحث فى المعاد (٦) ، وما كان أجدره أن يؤخره إلى المقالة التالية.

__________________

(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٢٥٧ ـ ٣٠٠.

(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٣٠٣ ـ ٣٢٤.

(٣) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٣٢٧ ـ ٣٧٠.

(٤) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٣٩٣ ـ ٤١٤.

(٥) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤١٤ ـ ٤٢٣.

(٦) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٢٣ ـ ٤٣٢.


وفى الحق أن المقالة العاشرة والأخيرة تنصب على دراسات دينية ، بل وإسلامية ، فتعرض للوحى والإلهام (١) ، والأولياء والأنبياء والملائكة (٢) ، كما تعرض للعبادات ومنفعتها فى الدنيا والآخرة (٣). ثم تنتقل إلى بعض المشاكل الاجتماعية والأخلاقية (٤) ، وتعالجها من وجهة نظر الإسلام مبينة شرائط الخليفة والإمام،وما يجب لهما من طاعة (٥).

٢ ـ موضوعها :

لكل علم موضوعه الخاص ، وموضوع العلم الإلهى هو الموجود من حيث هو موجود (٦). والبحث عن الموجود يقتضى البحث عن أسبابه القصوى ، عن مسبب الأسباب ومبدأ المبادئ ، عن المفارقات للمادة أصلا (٧). فموضوعه أشرف الموضوعات ، وهو بهذا أشرف العلوم ، بل إن العلوم كلها تعتمد عليه ، وتستمد منه يقينها وقوتها (٨) ، وهو يلتقى معها فى أنه يحصّل كمال النفس الإنسانية ، ويهيئها للسعادة الأخروية.

وقد أطلقوا عليه اسم « الفلسفة الأولى » ، لأنه العلم بأول الأمور فى الوجود ، وأول الأمور فى العموم. ويسمونه « الحكمة » ، لأنه أفضل علم بأفضل معلوم ، أفضل علم لأنه علم اليقين ، وأفضل معلوم لأنه ينصب على البارئ جلّ شأنه والأسباب التي من بعده. ويسمونه كذلك « العلم الالهى » ، لأنه معرفة الله ومعرفة الأمور المفارقة للمادة فى الحد والوجود (٩). ويسمونه أخيرا « ما بعد الطبيعة » ، وليس المراد بالطبيعة هنا القوة التي هى مبدأ الحركة والسكون ، بل يراد بها جملة الأشياء الحادثة عن المادة الجسمانية بما فيها

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٣٥ ـ ٤٤١.

(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٤١ ـ ٤٤٣.

(٣) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٤٣ ـ ٤٤٦.

(٤) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٤٧ ـ ٤٥١.

(٥) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٥.

(٦) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٠ ـ ١٢.

(٧) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٤ ـ ٦.

(٨) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧ ـ ١٨.

(٩) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٥.


من قوى وأعراض (١) ، وربما يكون ابن سينا أميل إلى تعديل هذه التسمية وجعلها « ما قبل الطبيعة » (٢).

وهو بهذا كله يشير إلى مشكلة تاريخية ، وإن لم يقف عندها طويلا ، ونعنى بها هل وضع أرسطو اسما لكتابه الذي يعرف اليوم باسم « الميتافزيقى »؟ ومن الثابت أنه أطلق على المادة الواردة فيه اسم « الفلسفة الأولى » ، أما التسميات الأخرى فمتأخرة عنه ، « ككتاب الحروف » ، أخذا بالرموز التي استعملها أرسطو للدلالة على مقالاته. وقد عرفت هذه التسمية فى العالم العربى ، ورددها الفارابى ، ولكن لم يكن حظها هنا بأعظم منه فى العالم اللاتينى. وأطلق عليه أيضا اسم « الميتافزيقى » ، وهى تسمية نجدها لأول مرة عند نيقولا الدمشقى ، وقد أخذها عن أندرونيقوس الذي لاحظ فيها الترتيب المكانى لكتب أرسطو كما قرر الاسكندر الأفروديسى ، لا الدلالة الموضوعية للبحث كما ذهب سمبليقوس (٣).

ويوم أن ترجم العرب هذه التسمية خلّطوا فيها ، فقالوا « ما دون الطبيعة » ، و « ما فوق الطبيعة » (٤) ، ثم عدلوا عنها وقالوا « ما بعد الطبيعة ». واستقر هذا الاسم برغم ما شاء ابن سينا أن يدخله عليه من تعديل ، وزاده استقرارا استعمال ابن رشد له فى شروحه الطويلة والمختصرة.

ويعتبر الفارابى أول فلاسفة الإسلام الذين أبرزوا الجانب الأثولوجى فى الدراسات الميتافزيقية ، معتمدا فى ذلك على أرسطو نفسه ، فإن مقالة اللام دراسة أثولوجية واضحة. وقد جاراه ابن سينا ، وأطلق على الميتافزيقى عامة اسم « الإلهيات » ، وفى هذا الإطلاق ضرب من التوسع والتغليب ، وبالتالى إهمال لأجزاء هامة من الفلسفة الأولى. وكأنما شاء

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢١.

(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٢٢.

(٣)Ross, AristOTle's MeTaphysics, t. I, p. XXXII; Hamelin, ouvr. cit, p. ٣٣

(٤) ابن أبى أصيبعة ، عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ، كنجسبرج ١٨٨٤ ، ج ١ ، ص ٤٠٢ ؛ أحمد فؤاد الأهواني ، كتاب الكندى إلى المعتصم بالله فى الفلسفة الأولى ، القاهرة ١٩٤٨ ، ص ٥٧ ـ ٦١.


ابن سينا وأستاذه أن يعارضا فى غير جدوى « علم الكلام » الذي استمسكت به الفرق والمدارس المعاصرة ، وآثرت المدارس الإسلامية المتأخرة « علم العقائد » أو « علم التوحيد » ، أو « ما بعد الطبيعة » إن نحت منحى فلسفيا خالصا.

لم يعرض ابن سينا مطلقا فى « إلهياته » لنسبة « كتاب الميتافزيقى » إلى أرسطو ، تلك النسبة التي كانت موضع أخذ ورد ، لم يعرض لها لأنه لم يعن كثيرا بالأصول التاريخية ، هذا إلى أنه لم يخامره أى شك فى صحتها.

٣ ـ الجوهر :

إذا كان موضوع الميتافزيقى هو الموجود ، فإن الجوهر يعد من أهم أبوابها ، لأنه أساس الموجودات ، يوجد بنفسه ولا يقوّم بغيره. يقوّم العرض ولا يتقوّم به ، ويسبق الأعراض كلها فى الوجود (١). والجوهر جسمية وغير جسمية ، والجوهر الجسمانى ما كان ذا كيفيات ثابتة ، أو ما اتسم بصورة معينة (٢). والجواهر غير الجسمية إما جزء جسم كالمادة والصورة ، أو مفارقة للجسم مطلقا كالنفس والعقل (٣). وبقدر ما يتوسع ابن سينا هنا فى الجواهر الجسمية وأجزاء الجسم ، يهمل تماما الجواهر المفارقة ، وكأنما يؤخرها إلى المقالتين الثامنة والتاسعة حيث يعرض للمبدإ الأول والعقول والنفوس الفلكية.

ولسنا فى حاجة أن نشير إلى أنه يردد أفكارا أرسطية ، وإن كان يهمل الجواهر الثانية التي يراها ألصق بالمنطق منها بالميتافزيقى. والواقع أن فكرة الجوهر عند أرسطو لا تخلو من تناقض ، فالجوهر الحقيقى عنده هو المفرد ، ما يحس وما يرى ، وما لا يوجد فى موضوع بحال (٤). ثم هو فى الوقت نفسه صورة مجردة صالحة لأن تصدق على موجودات أخرى ، وهذه الصورة أقرب ما يكون إلى المثل الأفلاطونية. وليس بيسير أن نقول

__________________

(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ٥٧ ـ ٥٨.

(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٦٠ ـ ٦٣.

(٣) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٦٠.

(٤) Aristote .Metapk .Z .٣ .


بجوهر يكون تارة مفردا ، وأخرى صورة مجردة. وقد شاء ابن سينا أن يخرج من هذا المأزق بالتعويل على قسمة الجواهر إلى جسمية ومفارقة ، وطبيعة كل من النوعين تختلف عن الأخرى تمام الاختلاف ، وليس بينها من جامع إلا أن كلا منهما يقوم بنفسه ، وهذا جامع منطقى أكثر منه ميتافزيقى. والجواهر المفارقة التي يعتد بها ابن سينا الاعتداد كله تقرّبه من الأفلاطونية بقدر ما تبعده عن الأرسطية.

٤ ـ المادة والصورة :

يتكون كل جوهر جسمى من مادة وصورة ، ولا يمكن أن توجد إحداهما بالفعل بمعزل عن الأخرى (١). ذلك لأن الوجود ثمرة تلاقيهما ، وما المادة إلا استعداد وتهيؤ للقبول ووجود بالقوة ، والصورة تحصيل وتحقيق بالفعل (٢). وإذن لا وجود للمادة الجسمية إلا بوجود الصورة ، ولا وجود للصورة الجسمية إلا بوجود المادة (٣). فهما متلازمتان ، وتوهم مادة جسمية بمعزل عن الصورة خروج بها من عالم الوجود الفعلى (٤). ومع هذا ليست المادة والصورة من مقولة المضاف بحيث لا يعقل أحدهما إلا بالقياس إلى الآخر ، إذ أنا نعقل كثيرا من الصور الجسمية ، ويعز علينا أن نثبت لها مادة (٥).

غير أن الصور ليست كلها جسمية ، فهناك صور مفارقة للمادة لا تتصل بها مطلقا (٦). والصورة المادية نفسها أقدم من وجود المادة الجسمية ، يمنحها « واهب الصور » ، فيتم الوجود (٧). ولا يسترسل ابن سينا فى هذا هنا ، ملاحظا أنه سيعرض له على شكل أظهر فى مواضع أخرى (٨).

__________________

(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ٧٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ٧٤.

(٣) المصدر السابق ، ص ٧٩.

(٤) المصدر السابق ، ص ٧٧.

(٥) المصدر السابق ، ص ٨٠.

(٦) المصدر السابق ، ص ٨٧ ـ ٨٨.

(٧) المصدر السابق ، ص ٨٩.

(٨) المصدر السابق.


وهو بهذا يفترق على كل حال عن أرسطو ، فبينما يقول الأخير بالمادة والصورة ليفسر التغير فى عالم قديم أزلى ، إذا بالأول يستخدم الفرض نفسه ليفسر الخلق الذي جاء به القرآن. وما الوجود إلا اتصال المادة بصورتها ، والعدم انفصالها عنها. والصور موجودة أزلا فى العقل الفعّال الذي يعطيها فيتحقق الكون ، ويسلبها فيحدث الفساد (١). وبذا نخرج من غموض المادة الأرسطية إلى هيولى وعناصر أزلية ، يشكلها ويصورها العقل الفعّال على مقتضى الحكمة.

وكانت فكرة الخلق هذه من بين الأفكار التي قرّبت ابن سينا من فلسفة القرون الوسطى المسيحية ، لأنها ترمى إلى التوفيق بين الدين والفلسفة. ومع هذا لم ترض كثيرين فى الشرق والغرب ، لأن هذا الخلق الأزلى يكاد يكون صوريا ، ولا يدع للبارئ المبدع مجالا يعتد به.

وفى مقابلة ابن سينا بين المادة والصورة مقابلة واضحة ما أثار مشكلة مبدأ الفردية ( Principe d`individuation ) ، تلك المشكلة المدرسية الخالصة. هل أساس فردية الموجود وتشخصه مادته أو صورته؟ لعل ابن سينا أميل ـ برغم ما زعمه جيوم دوفرنى ـ إلى القول مع دونس اسكوت بأنه الصورة ، فى حين أن القديس توماس يقول بالمادة. ومهما يكن من أمر فهذه المشكلة لم تستوقف فلاسفة الإسلام بقدر ما استوقفت فلاسفة الغرب.

٥ ـ القوة والفعل :

تطلق القوة على مقدرة الحيوان على الحركة وإحداث أفعال مختلفة ، وهى بهذا فاعلية. وتطلق أيضا على مدى تحمله ومقاومته إذا ما اشتد عليه العمل أو أصيب بأذى بحيث لا ينفعل ، فهى انفعالية (٢). وفى كلتا الحالين قد تكون مجرد استعداد وتهيؤ ، فتصبح مبدأ تغير ووسيلة للانتقال من حال إلى أخرى (٣). والقوى نطقية تستلزم عقلا وتخيلا

__________________

(١) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٤١٠ ـ ٤١٤.

(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧٠.

(٣) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ١٧١.


كالمفكرة والمتخيلة لدى الإنسان ، وغير نطقية لا إرادة فيها ولا اختيار ، ومن أمثلتها الطبيعة التي تعتبر قوة بأوسع معنى (١). ومن القوى ما هو قريب ينتقل إلى الفعل فورا ، وما هو بعيد يتم انتقاله فى مرحلة طويلة (٢). ومنها ما هو بالطبع والفطرة ، ومنها ما يكتسب بالعادة والصناعة (٣).

ومن الفلاسفة من يزعم أن القوة لا توجد إلاّ متى وجد الفعل ، فالقاعد ليس فى جبلته أن يقوم ما لم يقم ، والخشب ليس من شأنه أن يصنع بابا ما لم يصنع. وهذا زعم خاطئ ، ومؤداه استحالة الوجود ، لأن كل حادث ـ قبل كونه ـ لا بد أن يكون ممكن الوجود ، وإلا امتنع وجوده. وهذا الإمكان وجود بالقوة ، وتهيؤ للوجود بالفعل (٤). وفى شىء من التهكم يلاحظ ابن سينا أن هذا الزعم يؤدى بأصحابه إلى العمى ، لأنهم إن فقدوا الإبصار بالقوة فلن يروا إلاّ مرة واحدة بالفعل ، ثم لا يرون بعدها شيئا (٥).

وهو فى هذا يناقش ، على نحو ما صنع أرسطو ، رجال المدرسة الميغارية ، وإن لم يصرح باسمهم ، وكل ما يشير إليه أنهم جماعة عاصروا أرسطو وعاشوا بعده (٦). ثم يذكر اسما غريبا هو « غاريقو » (٧) ، وأغلب الظن أنه تعريب محرف لكلمة وقع فيه المترجمون الأول ، فانا نجد الكلمة نفسها فى النص العربى لترجمة « الميتافزيقى » الذي علق عليه ابن رشد (٨) ، وكثيرا ما خلّط هؤلاء المترجمون فى الأسماء اليونانية حين عرّبوها.

والقوة والفعل متقابلان : الأولى نقص والثاني كمال ، وإذا كان العالم الأرضى يخالطه الشر فما ذاك إلاّ لأنه عالم القوة. أما العالم السماوى فعالم الفعل الدائم ، ولا سبيل

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٢) المصدر السابق ، ص ١٧٥.

(٣) المصدر السابق ، ص ١٧٦.

(٤) المصدر السابق ، ص ١٧٨ ـ ١٨٢.

(٥) المصدر السابق ، ص ١٧٧.

(٦) المصدر السابق ، ص ١٧٦.

(٧) المصدر السابق.

(٨) ابن رشد ، تفسير ما بعد الطبيعة ، تحقيق بويج ، بيروت ١٩٥٢ ، ج ٤ ص ٢٢٢٤.


للشر إليه (١). والفعل سابق على القوة عقلا لأنها تستلزمه فى التصور ، وسابق عليها واقعا لأنها تستلزمه فى الوجود ولا تتحول بدونه. وباختصار ما هو بالفعل أزلى أبدى ، وما هو بالقوة حادث ولا بقاء له.

وواضح أن هذا الفصل يلتقى تمام الالتقاء مع مقالةO من « الميتافزيقى ». ويبدو منه أن ابن سينا فهم فكرة القوة والفعل الأرسطية على وجهها ، وتبين أنها ترمى هى الأخرى إلى تفسير التغير ، كفكرة المادة والصورة. والجديد فيها أنها تتفادى الطفرة والانتقال المفاجئ ، فالتغير عند ابن سينا وأرسطو يسير سيرا مطردا من طرف إلى آخر ، من مجرد استعداد إلى تحقق بالفعل ، والبنّاء لا يبنى إلا أن كان عنده استعداد للبناء ، والوجود ليس إلاّ خروجا من عالم القوة إلى عالم الفعل. غير أن ابن سينا يبرز الجانب العلوى لفكرة الفعل ، ويربطها أكثر من الفيلسوف اليونانى بعالم السماوات ، عالم الأزلية والأبدية ، وهذا يتسق مع نظام الكون الذي تصوّره.

٦ ـ نظرية العلل :

وقف عليها ابن سينا مقالة بأكملها ، وعرضها فى وضوح وترتيب ملحوظين. وإذا كان قد أخذ فيها عن أرسطو ، فإنه أضاف إليه مادة جديدة ، وفصّل القول فيها بدرجة لا تلحظ لدى المعلم الأول. ونحابها منحى يتفق مع الأهداف الرئيسية لمذهبه ، فبرزت لديه الفاعلية إلى جانب الصورية ، وطغت الغائية على الآلية.

وعنده أن العلل أربعة : عنصر أو مادة ، وصورة ، وفاعل ، وغاية. ويراد بالعنصرية أو المادية جزء من قوام الشىء هو ما يكون بالقوة ، وبالصورة جزء من قوام الشىء هو ما يكون بالفعل ، وبالفاعلية ما يفيد وجودا مباينا لذاته ، وبالغائية ما يحصل من أجلها وجود مباين لها (٢). ولا يمكن أن تكون العلل إلا أربعا ، لأن السبب إما أن يكون داخلا فى قوام المسبب وجزءا من وجوده ، أولا. فإن كان داخلا فى قوامه فهو ما يحقق وجوده بالقوة ،

__________________

(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ١ ، ص ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٥٧.


أو تلك هى الهيولى ، وما يحقق وجوده بالفعل ، وتلك هى الصورة. وإذا لم يكن داخلا فى قوامه فهو إمّا من أجله يوجد السبب ، وتلك هى الغاية ، أو يكون له شأن فى وجوده دون أن يكون داخلا فى قوامه ، وتلك هى الفاعلية. وقد تعدّ هذه العلل خمسا ، على اعتبار أن العنصر من حيث هو هيولى عامة ، ومن حيث دخوله فى موجود معين هيولى خاصة ، وهذا تكرار فى الواقع (١).

والعنصرية استعداد لقبول شىء كاستعداد اللوح للكتابة ، والخشب لأن يكون سريرا ، والآحاد لأن تكون عددا (٢). وكل عنصر من حيث هو عنصر له القبول فقط ، وأما حصول الصورة فله من غيره (٣). وانتقال العنصر من حال القوة قد يتم دون تركيب فيسمى موضوعا بالقياس إلى ما هو فيه ، أو بتركيب فيسمى أسطقسا ، وهو أصغر ما ينتهى إليه القاسم فى القسمة (٤).

ويقال صورة لكل ما يصلح أن يفعل ، وبهذا المعنى تشمل الجواهر المفارقة. ويقال أيضا على كل ما تتقوّم به المادة وتكمل ، فتنشأ عنها الحركات والأعراض المختلفة. وتقال أخيرا على نوع الشىء وفصله وجنسه (٥). وبذا استوعب ابن سينا مختلف المعانى التي ذهب إليها أرسطو فى مدلول الصورة ، وجعلها تواجه نظريتى التغير والمعرفة ، بل وعالم اللامتغير.

والفاعل ما يفيد شيئا آخر وجودا ليس له من ذاته ، وليس بلازم أن يكون مؤثرا بالفعل بل قد يكون مفعوله معدوما ، ثم يعرض له ما يصير معه فاعلا (٦). وقد يظن أن الشىء إنما يحتاج إلى العلة الفاعلة فى حدوثه ، فإن وجد استغنى عنها ، وإذن هى لمجرد الحدوث ولا بد لها أن تسبق المعلول ، ولا داعى لأن تصاحبه. وهذا ظن باطل ، لأن الوجود بعد الحدوث إن كان بالذات فلا يحتاج إلى علة خارجة عنها ، وإن كان بغير الذات فإنه

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٥٨.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢٨١.

(٤) المصدر السابق ، ص ٢٨٠.

(٥) المصدر السابق ، ص ٢٨٢.

(٦) المصدر السابق ، ص ٢٥٩.


لا يتحقق ولا يبقى إلاّ بالعلة التي أحدثته (١). وفى حديث ابن سينا عن الفاعلية ما يؤذن بأنه يستمسك بالآلية ، ولو فى عالم الطبيعة على الأقل ، ولكنه لا يلبث أن يردها إلى غائبة مفرطة.

والغاية ما لأجله يكون الشىء ، وقد تكون فى نفس الفاعل كالفرح بالغلبة ، أو خارجة عنه كمن يفعل شيئا ليرضى به غيره. ومن الغايات التشبه بشيء آخر ، والمتشبّه به من حيث هو متشوّق إليه غاية ، والتشبه نفسه غاية (٢). والعلة الغائية مسببة لوجود العلل الأخرى ، وهى سابقة عليها فى الذهن والوجود ، فهى علة العلل (٣). وإثباتا لهذا يستعرض ابن سينا العلل الأخرى علة علة ، محاولا ردها إلى الغائية (٤). وفى هذا ما يبعده عن أرسطو الذي يرد العلل إلى الهيولى والصورة اللتين يتكون منهما الشىء ويعلم بهما ، والفاعل إنما يفعل على حسب صورته ، والغاية مرتسمة أيضا فى صورة المحرك يقصد إليها (٥). وطبيعى أن يعتد ابن سينا بالغائية اعتدادا أوضح من فيلسوف اليونان ، لأن عالمه كله يخضع للمبدإ الأول غاية الغاية ، وهو أشبه ما يكون « بمملكه غايات » إن صح أن نستعمل هنا التعبير الكانتى. والقول بالغائية لا ينفى الاتفاق أو الصدفة. لأن هذه غاية خفية وغير محددة (٦). ولا عبث فى الكون مطلقا ، بل كل ما فيه يسير حسب نظام ثابت ، وتدبّره حكمة أزلية (٧).

والعلل الحقيقية موجودة مع معلولها ، أما المتقدمة عليه فهى علل بالعرض. والعلل متناهية مهما تلاحقت ، بحيث تنتهى إلى علة العلل التي هى علة فى ذاتها ، وليست معلولا لشىء آخر. والعلة الكاملة هى التي تعطى الوجود وتبقى عليه ، ويسمى هذا « إبداعا » ،

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٦١ ـ ٢٦٢.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٨٣.

(٣) المصدر السابق ، ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٤) المصدر السابق ، ص ٢٩٤ ـ ٢٩٨.

(٥) Aristote ,Met ,٨٨ ;Phys .II ,٨ ,١٩٩ s .

(٦) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٢٨٤.

(٧) المصدر السابق ، ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.


لأنه « أيس » بعد « ليس » مطلق (١). وقد يطلق الإبداع على معان أخرى ، وأوضحها الخلق ابتداء من غير مادة سابقة ، وأسمى صوره ما لم يكن بعلة متوسطة ، وإنما يصدر عن العلة الأولى مباشرة (٢). وهنا تظهر ناحية يتميز بها ابن سينا ، وهى حرصه على دقة المصطلحات الفلسفية ، فيحدد معنى الإبداع ، ويلجأ إلى لفظين جديدين يحرص عليهما ويعتز بهما ، ويستعملهما للدلالة على الوجود والعدم ، وهما « الأيس والليس ». وقد استلفتا نظر الخليل بن أحمد اللغوى المشهور من قبل ، وهو ذو نزعة فلسفية معروفة (٣).

وتعتبر العلل الأربعة مبادئ للعلوم عامة ، وإن لم تتوفر فيها بنسبة واحدة. فهى على اختلافها من أسس العلم الطبيعى ، والعلل المادية والصورية دعامة العلم الرياضى ، وعلى الفاعلية والغائية يقوم العلم الإلهى (٤).

٧ ـ المبدأ الأول :

سبق لنا أن أشرنا إلى أن العلل متناهية ، تنتهى عند علة أولى هى علة العلل ومبدأ الكل ، وليست معلولة لشىء آخر. وتسمى العلة التامة ، لأن جميع الأشياء توجد من أجلها ، وهى لا توجد من أجل شىء (٥). فالمبدأ الأول واجب الوجود بذاته ، وما عداه ممكن يستمد الوجود منه ، هو مبدأ لأنه يصدر عنه كل شىء ، وأول لأنه سابق أزلا على كل وجود (٦). وهو تام الوجود ، لأنه واجب الوجود بذاته ، ولذاته ، وكل وجود فائض من وجوده (٧).

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٢) المصدر السابق ، ص ٢٦٧.

(٣) الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، القاهرة ١٣٤٤ ه‍ ، ج ٢ ص ١٥٠.

(٤) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٢٩٨ ـ ٣٠٠.

(٥) المصدر السابق ، ص ٣٢٧ ـ ٣٤١.

(٦) المصدر السابق ، ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

(٧) المصدر السابق ، ص ٣٥٥.


والمبدأ الأول واحد من جميع الوجوه ، واحد فى ذاته ، واحد فى صفاته. فلا شريك له ، ولا ندّ ، ولا ضد. برئ من المادة وعلاقاتها ، فلا كمّ له ، ولا كيف ، ولا أين ، ولا متى. وإذن لا جنس له ، ولا فصل ، ولا نوع ، ولا حد ، ولا ماهية. ولا برهان عليه أيضا ، لأنه برهان نفسه ، وبرهان كل شىء سواه. ويمكن أن يقال إنه جوهر ، بل هو الجوهر الحق فى الواقع ، إذ لا يوجد فى موضوع بحال ، ولكن الأولى ألا يطلق عليه هذا اللفظ (١).

وهو خير محض ، لأنه وجود تام ، والوجود خير دائما ، ومصدر الخيرات والكمالات كلها (٢). مبرأ من كل عيب ونقص ، فهو جمال وكمال وبهاء ، بل هو غاية فى كل ذلك ، ومصدر الكمال والبهاء فى كل شيء (٣). هو الحق المطلق الذي لا يرقى إليه أى شك ، والاعتقاد بوجوده جازم صادق (٤). يعشق ذاته التي هى مبدأ كل نظام ، فهو عاشق ومعشوق فى آن واحد ، إلا أن عشقه لا حركة فيه ولا انفعال (٥).

وأخيرا هو عقل محض يعقل ذاته ، فهو عاقل ومعقول ، وليس فى ذلك تعدد البتة لأنه ينصب على شىء واحد (٦). وهو فى عقله لذاته يعقل أنه مبدأ كل شىء ، فيعقل الموجودات جميعها على نحو كلى لا تشوبه شائبة التغير ولا يختلط بالزمن (٧). وكثرة المعقولات لا تؤدى إلى كثرة فى ذاته ، لأن تكثرها إنما يتم بعد انفصالها عنه (٨). يعقل الأسباب فيعقل مسبباتها ، وبذا يحيط علمه بكل شىء ، « لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السماوات ولا فى الأرض » (٩).

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٣٤٤ ـ ٣٥٤.

(٢) المصدر السابق ، ص ٣٥٦.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٥٦ ، ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

(٤) المصدر السابق ، ص ٣٥٦.

(٥) المصدر السابق ، ص ٣٦٣.

(٦) المصدر السابق ، ص ٣٥٧.

(٧) المصدر السابق ، ص ٣٥٩.

(٨) المصدر السابق ، ص ٣٥٩ ، ٣٦٠ ـ ٣٦٢.

(٩) المصدر السابق ، ص ٣٥٩.


هذه هى فكرة الألوهية عند ابن سينا ، وتقوم على أساسيين واضحين هما التوحيد والتنزيه ، فتلتقى دون نزاع مع العقيدة الإسلامية. وفيها عناصر أرسطية ظاهرة ، فالمبدأ الأول عند ابن سينا ، كالمحرك الأول عند أرسطو ، ليس جسميا بحال ، لأنه فعل دائم ، والمادة ليست إلا قوة. وهو أيضا عقل يعقل نفسه ، وهنا نجد لدى الفيلسوفين ألفاظا وعبارات تكاد تتكرر بنصها. إلا أن فيلسوف الإسلام لا يلبث أن يبتعد عن فيلسوف اليونان ، ليقترب من عقيدته على نحو ما صورها معاصروه ومن سبقوه من فلاسفة ومتكلمين.فيرى أن المبدأ الأول واجب الوجود بذاته ، وليست بنا حاجة إلى البرهنة على وجوده ، وبذا يسلم من برهان الحركة المضنى الذي عوّل عليه أرسطو فى الجزء الثامن من « السماع الطبيعى » ، وعاد إليه فى « ما بعد الطبيعة ». ويحاول على نحو ما صنع ثامسطيوس من قبل ، فى شرحه « لمقالة اللام » ، أن يبسط علم الله ويخرج به عن دائرة ذاته ، لأنه ، وهو يعقل ذاته ، يعقل عن طريقها كل شىء (١). وهذا ما لم يقصد إليه أرسطو الذي حرص على أن يعزل إلهه عن عالم التغير والمادة عزلا يكاد يكون تاما (٢). على أن هذا التأويل لا يرضى المتكلمين ، وخاصة الغزالى الذي حمل على الفلاسفة حملة عنيفة ، لأنهم قصروا علم الله على الكليات ، وهو الذي يحيط بكل شىء. وكأنما كان ابن سينا يتوقع هذه الحملة ، لذا شاء أن يستخلص من العلم بالكليات علما بالجزئيات. ذلك لأن الأول يعلم الأسباب ، ويعلم ضرورة ما يترتب عليها ، فيكون مدركا للامور الجزئية من حيث هى كلية (٣). ولكن هل يسمى هذا علما بالجزئيات حقيقة؟

٨ ـ الصدور :

لا يقف ابن سينا عند المحرّك الذي يحرّك دون أن يتحرك ، ويقصد إلى إثبات أن الله علة فاعلة لا مجرد غاية وهدف ، فيقول بالصدور ليبين الصلة بين الله والعالم ، ويفسر الخلق والإبداع. وما دام واجب الوجود عقلا محضا ، فهو يعقل ذاته ، ويعقل ضرورة

__________________

(١) عبد الرحمن بدوى ، أرسطو عند العرب ، ج ١ ، « من شرح ثامسطيوس لحرف اللام » ، ص ٢٠.

(٢) Ross ,Aristotle ,London ١٨٨٠ ,p .١٨٣ .

(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٣٦٠.


صدور الكل عنه ، فتعقله علة للوجود ، وأول موجود صدر عنه هو العقل الأول ، وهو ممكن بذاته ، واجب الوجود بغيره. ولا يمكن أن يصدر عنه إلاّ جوهر مفارق واحد ، لأنه هو نفسه واحد من كل الجهات. وعند العقل الأول تبدأ الكثرة : فبتعقله لواجب الوجود يصدر عنه العقل الثاني ، وبتعقله لذاته من ناحية أنه واجب الوجود بغيره تفيض عنه نفس فلكية ، ومن ناحية أنه ممكن الوجود يفيض عنه الفلك الأقصى. وهكذا حتى نصل إلى العقل العاشر ، أو العقل الفعّال الذي يدبّر عالم الأرض. وتصدر عنه الهيولى الأولى وصورها المختلفة ، بما فيها النفوس البشرية ، ولذا سمى « واهب الصور » (١).

وإنما كانت العقول عشرة تبعا لعدد الأفلاك ، على حسب ما قرره بطليموس فى كتاب « المجسطى ». حقا إن أرسطو يصعد بها إلى نحو ٥٥ ، ولكن النظريات الفلكية التي جاءت بعده أدق وأضبط (٢). فهناك عشرة عقول ، منها تسعة لعالم السماوات وواحد لعالم الأرض ، وإلى جانبها تسع نفوس فلكية. وهذه العقول تفسر الحركة والتغير ، كما تفسر الوجود والصلة بين الله والعالم. فهى مصدر حركة الأفلاك ، لأنها قوة غير متناهية. وإذا كان لكل فلك نفس خاصة به ، فإنما تستمد قوتها من عقل الفلك نفسه (٣). ونستطيع بهذا أن نفسر عبارات وردت على لسان المعلم الأول ، وفيها ما يؤذن بالتناقض ، وهى « أن الفلك متحرك بطبعه » ، أو « أنه متحرك بالنفس » ، أو « أنه متحرك بقوة غير متناهية » (٤). وتتحرك العقول والنفوس الفلكية بعامل الشوق والتشبه بالأسمى. وبما أنها كلها تعشق واجب الوجود ، فالحركة والتغير مردهما فى آخر الأمر إليه (٥).

والعالم مخلوق من عدم ، ولكنه قديم ، « كان الله وخلق » ، لا أنه « كان ثم خلق ». لأن القول بحدوث العالم ، على نحو ما تصوره « أحداث المتفلسفة الإسلامية » ، يؤذن بطروء التغير على الله ، وهذا محال (٦). ويظهر أن ابن سينا يشير هنا إلى بعض معاصريه ،

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٤٠٢ ـ ٤٠٨.

(٢) المصدر السابق ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق ، ص ٣٨٦ ـ ٣٩٤.

(٤) المصدر السابق ، ص ٣٩٢.

(٥) المصدر السابق ، ص ٣٩٣.

(٦) المصدر السابق ، ص ٣٧٦ ـ ٣٨٠.


أمثال أبى القاسم الكرمانى (١) ، وينعتهم « بالمعطلة » ، لأن قولهم بحدوث العالم يؤدى إلى تعطيل وجود واجب الوجود قبل أن يوجد العالم (٢). فالله علة فاعلة خلاقة ، خلقت العالم قبل الزمان ، وبقى متوقفا عليها إلى النهاية.

والقول بخلق العالم يلتقى مع تعاليم الإسلام ، بقدر ما يبتعد عن الأرسطية ، ولا سيما وهو على ذلك النحو من الصدور الذي يرجع إلى أصل أفلوطينى واضح. غير أن هذا الخلق يكاد يكون صوريا ، لأنه لا يدع مجالا للحرية والاختيار ، ويخضع الخالق جل شأنه للضرورة ونظام الكون العام. وبذا لا يرضى المعتزلة ولا الأشاعرة الذين يرون أن الله حر ، يخلق أو لا يخلق كما يشاء ، « إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ». وابن سينا الحريص على التوحيد يغدق على العقول المفارقة صفات تكاد تختلط بها مع واجب الوجود ، وتنتهى إلى تعدد لم يرده. والواقع أن العقول العشرة نظرية متهافتة ، وهى فى أساسها فلكية طبيعية ، وازداد تهافتها باستخدامها فى الإلهيات. وقد انقضى الزمن الذي كانت تفسر فيه حركات الأفلاك تفسيرا غيبيا أسطوريا ، بعد أن اكتشف نيوتن قانون الجذب العام.

٩ ـ العناية :

فى الكون آيات عجيبة وحكم باهرة لا يمكن أن تصدر اتفاقا ، وإنما جاءت وليدة تدبير محكم ونظام دقيق ، وهذا ما نسميه العناية. ويراد بها علم الله الأزلى بنظام الخير والكمال ، وصدور العالم عنه وفق ذلك وعلى أكمل وجه ممكن (٣) ، ولكن هل معنى هذا إلا سبيل للشر إلى هذا العالم؟ استمسك بهذا قوم ، وأنكره آخرون.

ولا يجد ابن سينا بدا من التسليم بوجود الشر ، وكيف لا وهو يراه بعينه ، ويسمعه بأذنه. ويذهب إلى أن الشرور متنوعة : فمنها الأمراض والآلام ، ومنها الذنوب والمعاصى ،

__________________

(١) محمد ثابت الفندى ، الكتاب الذهبى للهرجان الألفي لذكرى ابن سينا ، القاهرة ١٩٥٢ ، ص ٢٠٤.

(٢) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٣٨٠.

(٣) المصدر السابق ، ص ٤١٤ ـ ٤١٥.


ومنها القحط والجدب (١). وكم يذكرنا هذا بتلك القسمة الثلاثية التي قال بها ليبنتز بعده بنحو سبعة قرون ، وتقوم على تقسيم الشرور إلى ثلاثة أقسام : طبيعية ، وأخلاقية ، وميتافزيقية (٢).

وإذا كان الشر موجودا ، فكيف نوفّق بينه وبين عناية الله وخيرية العالم؟ هذا ما أجهد ابن سينا نفسه فى توضيحه ، ملاحظا أن هذه الشرور لا تتنافى مع العناية فى شىء.ذلك لأنها طفيفة وجزئية ، فلا توجد إلا فيما تحت فلك القمر ، أما عالم السماوات فخير كله ، ولا جدال فى أن عالم الأرض أصغر بكثير من عالم السماء. على أن الشرور الأرضية نفسها محدودة ، فهى لا تصيب إلاّ أشخاصا وفى أوقات معينة ، فى حين أن الأنواع محفوظة والفرد لا أهمية له بجانب النوع (٣). وهناك شرور ظاهرية ، أو إن شئت نسبية ، ليست شرا فى ذاتها ، كالجهل بالفلسفة أو الهندسة يكون شرا بالنسبة لأناس ، ولا ضير فيه على آخرين (٤) ، وكالنار تكون شرا إن أحرقت الناسك الفقير ، وخيرا إن ساعدت على نضج الطعام (٥). وهناك شرور صغيرة توصل إلى خير محقق ، وتقى من شر أعظم ، وكثيرا ما تحدثوا عن أخف الضررين وأهون الشرين ، دون أن يتعارض هذا مع كمال الكون وصلاحه (٦). ووجود هذه الشرور لا يعنى أنها غير مرادة ، فإن الحكمة فيها واضحة والمصلحة منها ظاهرة ، ولا غضاضة مطلقا من دخول الشر فى القضاء الإلهى (٧). ولن يحول دخوله دون القول بخيرية العالم ، لأن أكثريته فى جانب الخير ، وليس فى الإمكان أبدع مما كان (٨).

__________________

(١) المصدر السابق ، ص ٤١٥.

(٢) Leibnitz ,Theodicee ,I Partio .٢١ .

(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المصدر السابق ، ص ٤٢٠.

(٦) المصدر السابق ، ص ٤١٨.

(٧) المصدر السابق ، ص ٤٢١.

(٨) المصدر السابق ، ص ٤٢٠ ؛ جميل صليبا ، الكتاب الذهبى ، ص ١٩٠ ـ ١٩٩.


نستطيع إذن أن نعد ابن سينا بين المتفائلين ، أمثال سقراط وأفلاطون والرواقيين من القدامى أو ليبنتز وفولتير من المحدثين. وقد عاش فى جو لم تفقد فيه مشكلة الصلاح والأصلح كل ما كان لها من صدى ، بعد أن رددها المعتزلة فى حماس وقوة قبله بنحو قرن أو يزيد. واتصل بالغنوصية المزدكية والمانوية التي جعلت من الخير والشر مبدأين أساسيين لفلسفتها وعقيدتها. ومع هذا يأبى ابن سينا إلا أن يربط نظريته فى العناية بأرسطو والمشائية ، وكأنه ينحو فى ذلك منحى الاسكندر الأفروديسى الذي عزّ عليه أن تكون هذه النظرية من صنع الرواقيين وحدهم. حقا إن المعلم الأول حرص على أن يخضع الكون لشىء من النظام والغاية ، وردد أن الله والطبيعة لا يعملان شيئا عبثا ، ولكن فكرة الألوهية عنده لا تتسع لمعنى العناية.

ومهما يكن من أمر فابن سينا يردّ ـ كليبنتز ـ الخير والشر إلى الله ، ولا يرى فى صدور الشر عنه نقصا ، لأن ما هو شر فى ذاته خير بالنسبة لجملة العالم. ولكن أليس فى هذا تحديد لقدرة البارئ جل شأنه؟ يظهر أن القائلين بنظرية الصدور فاتهم جميعا أن يضعوا القدرة الإلهية فى مكانها اللائق بها. ومن جهة أخرى ، أما كان فى الإمكان أن يخلق العالم ولا شرور فيه؟ يضع ابن سينا هذا السؤال ، ولا يجد جوابا عليه إلا أن النظام الأكمل للكون يقتضى وجود هذه الشرور (١).

( د ) الإلهيات فى العالم العربى

سبق لنا أن عرضنا لأثر كتاب « الشفاء » فى العالم العربى ، وبيّنا أنه كان دعامة قوية من دعائم الفكر الإسلامى العلمى والفلسفى منذ القرن الخامس إلى القرن الرابع عشر للهجرة (٢). وإذا وقفنا عند « الإلهيات » خاصة ، وجدنا أنه كان من أشد أقسامه تأثيرا ، لأنه يدور حول مشاكل شغلت الأذهان وكانت أساس البحث فيما سمى بعلوم المعقول.

__________________

(١) ابن سينا ، الإلهيات ، ص ٤٢٢.

(٢) إبراهيم مدكور ، المدخل ، القاهرة ١٩٥٢ ، مقدمة ، ص (٢٨).


ففى حياة ابن سينا كان تلاميذه يتذاكرونه ، وفى مقدمتهم الجوزجانى وبهمنيار ، وتابعهم فى ذلك تلاميذهم كاللوكرى والغيلانى من رجال القرن الخامس الهجرى ، والسرخسى والنيسابورى من رجال القرن السادس (١). وهنا تتصل السلسلة بنصير الدين الطوسى الذي يعد تلميذا مخلصا لابن سينا ، وإن تأخر عنه بنحو قرنين ونصف ، وقد وقف من « إلهياته » موقف الشارح والمدافع.

وإلى جانب هؤلاء نجد مفكرين عظيمين من مفكرى الإسلام فى القرن الخامس للهجرة تعاصرا وتلاقيا فى كثير فى اتجاهاتهما ، ونعنى بهما الغزالى والشهرستانى ، قرءا « الإلهيات » وألما به إلماما دقيقا ، وأدركا ما فيه من مواطن الضعف. ويكاد الغزالى يركّز حملته على الفلاسفة ـ فى شخص ابن سينا خاصة ـ حول البارئ وصفاته وصلته بمخلوقاته ، فلا يرتضى فكرة الألوهية على نحو ما صوّروها ، وينكر نظرية الصدور وقدم العالم (٢). والشهرستانى ، حين يفصل القول فى حدوث العالم واستحالة قدمه ، يحكى على لسان ابن سينا آراء استمد أغلبها من « الإلهيات » (٣). ويجئ ابن رشد فى القرن السادس ، فيختم سلسلة كبار الفلاسفة الإسلاميين ، وفى « تفسيره لما بعد الطبيعة » يرجع لابن سينا رجوعه إلى المشائيين الآخرين ، ويعرض آراءه المختلفة (٤).

وفى العصور الأخيرة ، يمكننا أن نشير إلى النسفى والإيجى والتفتازانى الذين كانت مؤلفاتهم عمدة البحث النظرى ، وقد أخذوا بدورهم عن « الإلهيات » ، وتأثروا به كثيرا. وإذا كانت الدراسات الكلامية هدف هؤلاء جميعا ، فلا غرابة فى أن يرجعوا إلى كتاب ابن سينا وهو فى صميم العلم الإلهى ، مؤيدين كانوا أو معارضين ، وفى فلسفتهم الدينية صدى واضح له.

__________________

(١) محمود الخضيرى ، الكتاب الذهبى ، ص ٥٣ ـ ٥٩.

(٢) الغزالى ، تهافت الفلاسفة ، بيروت ١٩٢٧ ، ص ٢٣ ـ ٧٨ ، ٧٩ ـ ١٣٢.

(٣) الشهرستاني ، نهاية الاقدام ، لندن ١٩٣٤ ، ص ٢٥ ـ ٢٩ ، ٣٣ ـ ٣٥ ، ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٤) ابن رشد ، تفسير ما بعد الطبيعة ، ج ٣ ، ص ١٤٩٨.


( هـ ) الإلهيات فى العالم اللاتينى (١)

لم يقف أثر هذا الكتاب عند الشرق ، بل امتد إلى الغرب ، وكان فى مقدمة أجزاء « الشفاء » التي عنى الغربيون بترجمتها. وقد عرضنا من قبل لهذه الترجمة ، وأشرنا إلى أن طليطلة كانت مقرها الأول ، وأنها بدأت فى تاريخ مبكر ، فى الربع الأخير من القرن الثاني عشر. وعوّل فيها على الأسبانية الدارجة ، القشتالية ، فكان يترجم من العربية إليها ، ومنها إلى اللاتينية تحت إشراف جند سالينوس ورعايته (٢).

وما إن تزجم كتاب « الإلهيات » ، أو « الميتافزيقى » كما كانوا يسمونه ، إلى اللاتينية حتى اخذ فى نسخه والمسارعة إلى اقتنائه ، وانتشر فى الأوساط الثقافية الأوروبية المختلفة ، كمونبليه ، وباريس ، وأكسفورد ، وكولونى. وعنى مفكر والغرب بدرسه وتفهمه ، لأنه يشرح أرسطو ويكمّله ، وينقّحه خاصة من الناحية الدينية ، ويلتقى مع آراء ألفوها من قبل لدى القديس أوغسطين ، ويواجه مشاكل كانوا يبحثون عن حلها. ونستطيع أن نقول إن فلسفة ابن سينا مثلت فى الغرب بجزءين من أجزاء « الشفاء » ، هما « كتاب النفس » و « الإلهيات » ، وقد وصلا فى القرن الثالث عشر إلى منزلة لم يسم إليها أى جزء آخر ، بل ولا أى كتاب فلسفى عربى.

وكان أثر « الإلهيات » عميقا إلى حدّ أنه كان كثير الورود على الأقلام ، واستخدمت بكثرة بعض تعبيراته وتعاريفه. ووضعت كتب اعتمد فيها على كثير من نصوصه ، ومن أخصها « De Fluxu entis­ ، وذلك الكتاب المنحول الذي يأخذ عن ابن سينا دون أن يصرح دائما باسمه (٣). وأثار كتاب « الإلهيات » حركة فكرية اشتد فيها الأخذ والرد وهى ما سميت بالأوغسطينية السينوية أو مذهب ابن سينا اللاتينى (٤).

__________________

(١) عوّلنا فى هذا على بحث مستفيض للأب قنواتى لم يتسع له المجال هنا ، وعنوانه :

L'Influence de la Metaphysique d'Aviceonne dans POccident latin

. وسينشر قريبا.

(٢) إبراهيم مدكور ، المدخل ، مقدمة ، ص (٣١) ـ (٣٢).

(٣)Edite par R. de Vaux dans, Notes et textes sur L'auicennieme latix

(٤) R .de Vaux l'auicennisme latin ,Paris ١٩٣٤ .


وتأثر به مؤيدوه ومعارضوه على السواء ، ويكفى أن نشير إلى مثلين اثنين : روجر بيكون ، والقديس توماس الأكوينى.

فأما الأول فمن أعرف مفكرى القرن الثالث عشر بحياة ابن سينا ومؤلفاته ، وكان معجبا به الإعجاب كله إلى حد أنه كان يعدّه خير شارح لأرسطو والممثل الحق للفكر العربى (١). وراقه من « الإلهيات » أنه يقول بالبعث والسعادة الأخروية ، ويسلم بالملائكة. وشاء أن يطلق على البابا لقب « خليفة الله فى أرضه » (٢) ، على نحو ما صورت المقالة العاشرة من « الإلهيات » الخليفة فى الإسلام (٣).

وأما الثاني فيظهر أنه كان سينويا فى البداية ، ثم تحوّل إلى معارض فيما بعد ، ونقد القديس أوغسطين لا لشىء إلاّ لأن فى آرائه شبها وصلة بالآراء السينوية (٤). ومع هذا كان يتحدث عن ابن سينا دائما باحترام وتقدير ، فلم يقل عنه قط ما قال عن ابن رشد من أنه كان مشوها للحقائق. وأخذ عنه أشياء مختلفة ، بنصها أو بشيء من التعديل ، كالقول بالصور الجسمية ، وقسمة الشرور إلى أنواع ثلاثة ، وأن الله لا جنس له ، وأن وجوده وذاته شىء واحد ، وأنه واجب الوجود بذاته. ويكاد يدور نقده حول المسائل التي تتعارض مع التعاليم الدينية ، كالعلم الإلهى وقصره على الكليات ، ونظرية الصدور وتعارضها مع قدرة الله وحرية الفرد. وهنا يلتقى القديس توماس فى الغرب بحجة الإسلام الغزالى فى الشرق ، ويردد اعتراضات شبيهة بما ورد فى « تهافت الفلاسفة ».

وما إن جاء القرن الرابع عشر حتى بدأ المذهب الرشدى يطغى على المذهب السينوى ، ولكن لم يخفت صوت ابن سينا على كل حال ، وبقى يردد فى هذا القرن والقرنين التاليين. وقد قيل باتصال تاريخى ، أو فكرى على الأقل ، بين بعض النظريات السينوية ونظريات لديكارت وبسكال. ومنذ القرن الماضى عنى أتباع القديس توماس بالبحث عن مصادر

__________________

(١) R .de Vaux Notes et textes p .٦٨ .

(٢) Notes et textes op .cit .

(٣) ابن سينا ، الإلهيات ، ج ٢ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٤.

(٤)E. Gilson, Pourquoi St. Thomas a critique St. Augustin, Archiues, Tome I, Paris ١٠٢٦.


تفكيره لدى ابن سينا ، إلى جانب عناية المستشرقين بالفيلسوف الإسلامى. وكان العيد الألفي لذكراه فرصة مواتية لإثارة مشاكل ودراسات مختلفة حوله فى الغرب لا تقل عما أثير فى الشرق ، وكان « للإلهيات » من تلك الدراسات حظ أوفر.

فى كل هذا ما يشهد بأن « الإلهيات » كتاب ذو غاية وأثر وتاريخ. فأما غايته فهى التوفيق بين الفلسفة والدين ، ولتحقيق ذلك وضع ابن سينا مبادئ لم يبتكرها جميعا ، ولكنه عرف كيف ينسّقها ويلائم بينها ، بحيث أضحت فى ثوبها الجديد من صنعه وتأليفه. وقدّر لها أن تبقى دعائم للفلسفة الإلهية عدة قرون.

وأما أثره فيرجع إلى أنه كتب بلغة عصره وروحه ، فصادف هوى وسدّ حاجة ، ونفذ إلى المدارس المختلفة المؤيدة والمعارضة. ففى الشرق نجد الغزالى يأخذ عنه فى الوقت الذي يحمل عليه حملة قاسية ، وفى الغرب لم تمنع معارضة القديس توماس له من أن يتأثر به. ولم يقف أثره عند المدارس الإسلامية والمسيحية ، بل امتد إلى المدارس اليهودية ، وكان بعض مفكرى اليهود فى القرون الوسطى منه بمثابة التلاميذ والأتباع.

وأما تاريخه فيصعد إلى أثينا فى أوجها الفكرى ، ويمر بالاسكندرية ، وينتهى إلى بغداد. ثم ينتقل إلى طليطلة ، ومنها إلى باريس وأكسفورد ، وله أصداء فى التفكير المعاصر. يصدر عن « ميتافزيقى » أرسطو أولا ، ولكنه يعدّلها وينقّحها فى ضوء ما جاء به الشراح المتأخرون ، وما أملته عليه بيئته وعقيدته. واستطاع بهذا أن يتآخى مع فلسفات دينية مختلفة شرقية وغربية. قد يكون فى اقترانه بأرسطو ما ساعد على ذيوعه وامتداد أثره ، ولكنه استطاع بنفسه أن يبعث فى الغرب إبان القرن الثالث عشر مذهبا سينويا اقترب من أوغسطين وأفلاطون بقدر ما ابتعد عن أرسطو والمشائية. ولا يزال الباحثون يكشفون فيه عن نواح تربطه بمثل ديكارت ، أو تقربه من مثل برجسون ، ويأبى مفكرو القوقاز اليوم إلا أن يعقدوا نسبا بينه وبين المادية الجدلية.

ونحن على يقين من أن نشر كتاب « الإلهيات » سيغذى هذه الدراسات المتصلة. وقد عكف على تحقيقه أربعة من أصدقاء ابن سينا ودارسيه ، وهم الأب جورج شحاته


قنواتى ، والأساتذة محمد يوسف موسى ، وسليمان دنيا ، وسعيد زائد. وقد قضوا فى ذلك عدة سنوات ، وعوّلوا على طائفة مختارة من المخطوطات. وكم كانوا يودون أن يكون بين أيديهم نص محقق لترجمة « الإلهيات » اللاتينية ، ولكن أبطأ الزمن بعض الشىء بالآنسة دالفرنى التي اضطلعت بذلك. ولم يسعهم إلا أن يلجئوا لنسخة من تلك النسخ المأخوذة عن طبعة البندقيةH ، التي عوّل عليها الأستاذ محمود الخضيرى فيما عرض من فهرس للمصطلحات (١). وإنى إذ أقدم ثمرة مجهودهم الطويل ، أحرص على أن أسجل لهم خالص الشكر والتقدير.

ابراهيم مدكور

__________________

(١) Auicnna Metaphysica ,N .Y .١٩٤٨ .


المخطوطات التي قام عليها التحقيق

(١) الشفاء طبعة طهران ، ورمزه ط

(٢) هامش طبعة طهران ، ورمزه طا

(٣) بخيت ( الأزهر ) ٣٣١ ورمزه ب

(٤) بخيت ( هامش ) ورمزه بخ

(٥) دار الكتب المصرية ١٤٤ ورمزه ج

(٦) دار الكتب المصرية ٨٩٤ ورمزه د

(٧) دار الكتب المصرية ٨٢٦ ورمزه ص

(٨) المتحف البريطانى ٧٥٠٠ ورمزه م

وجميع المخطوطات قد وصفت عند تحقيق مدخل الشفاء لابن سينا ، عدا مخطوط ( ج ) ومخطوط ( ص ) ، وها هو وصفهما :

فأما ج فهو : ١٤٤ حكمة

٢٠*١١ سم

المكتوب ٢ / ١ ١٢*٢ / ١ ٥ سم

خط فارسى جيد منقط غير مضبوط

١٧ سطرا بالصفحة

هوامش فى كثير من الصفحات

حلية مذهبة ومنقوشة فى أول صفحة ، وتحتها البسملة بالحبر الأحمر.

ونص الصفحة الأولى محلى بالذهب والنقوش ، ومجدول بالذهب.

وأوله : الفن الثالث عشر من كتاب الشفاء تصنيف الشيخ الرئيس ، المقالة الأولى ، فصل فى ابتداء طلب موضوع العلم « الفلسفة الأولى » لتتبين إنيته فى العلوم وإذ ....


وآخره :

..... الحكمة النظرية فقد سعد ، ومن فاز مع ذلك بالخواص النبوية فيكاد أن يصير ربا إنسانيا ، أو كاد أن تحل عبادته بعد الله ، وكاد أن يفوض إليه أمور عباد الله ، وهو سلطان العالم الأرضى وخليفة الله فيه.

تم بحث الالهى من كتاب الشفاء

والحمد لله

رب العالمين

كاتبه العبد الضعيف الجانى ابن

شمس الدين عماد الدين محمود

الكرمانى

فى سنة ٦٨٤

وأما ص فهو ٨٢٦ فلسفة

٢ / ١ ٢١*٢١ سم حجم الكتاب

١٤*٢ / ١ ٥ سم المساحة المكتوبة

١٥٧ ورقة

خط نسخى جميل منقط غير مضبوط

٢١ سطرا بالصفحة

هوامش عديدة بخط فارسى ( فى بعض الصفحات ).

أرقام الفصول مكتوبة بالحبر الأحمر.

أوله : الفن الثالث عشر من كتاب الشفاء عشر مقولات.

المقالة الأولى فصل فى ابتداء طلب موضوع الفلسفة الأولى ، لتتبين إنيته فى العلوم إذ ....


وآخره : ... فقد سعد ، ومن فاز مع ذلك بالخواص النبوية كاد أن يصير بها ربا إنسانيا ، وكاد أن تحل عبادته بعد الله تعالى وهو السلطان العالم فى الأرض وخليفة الله فيه.

تم بالخير وقع الفراغ من مشقة كتابته

يوم الأربعاء خامس عشر من شهر

شوّال سنة اربع وثمانين وألف

هجرية على يد الفقير الحقير صفر الكرمانى

اللهم اغفر ذنوبه بحق محمد وآله

وأولاده أجمعين.

الشفاء الإلهيّات - -١

المؤلف:
الصفحات: 33