

|
حمداً خالداً لولي النعم حيث أسعدني بالقيام بنشر هذا
السفر القيم في الملأ الثقافي الديني بهذه الصورة الرائعة. ولرواد الفضيلة الذين
وازرونا في انجاز هذا المشروع المقدّس شكر متواصل.
الشيخ
محمد الآخوندى
|
|
كتاب الروضة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
١ ـ محمد بن يعقوب
الكليني قال حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن حفص المؤذن ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن سنان ، عن
إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر
فيها وتعاهدها والعمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة
نظروا فيها قال وحدثني الحسن بن محمد ، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي ، عن
القاسم بن الربيع الصحاف ، عن إسماعيل بن مخلد السراج ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليهالسلام إلى أصحابه :
______________________________________________________
الحمد لله وسلام
على عباده الذين اصطفى محمّد وآله خيرة الورى.
أمّا بعد : فهذا
هو المجلّد الثاني عشر من كتاب مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول تأليف أفقر
عباد الله إلى رحمة ربّه الغنيّ محمد باقر بن محمد تقي عفي عنهما بالنبي وآله
الطاهرين.
كتاب
الروضة
قوله
: « محمد بن يعقوب » كلام أحد رواة الكليني النعماني أو الصفواني أو غيرهما.
الحديث
الأول : رواه بثلاثة
أسانيد أولها مجهول. وثانيها ضعيف عند القوم بابن سنان وعندي معتبر.
وقوله
: « محمد بن إسماعيل » معطوف على ابن فضال لأن إبراهيم بن هاشم من
__________________
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
) أما بعد فاسألوا ربكم
العافية وعليكم بالدعة والوقار والسكينة وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه
الصالحون قبلكم وعليكم بمجاملة أهل الباطل تحملوا الضيم منهم وإياكم ومماظتهم
دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام فإنه لا
بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا
بها فيما بينكم وبينهم فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم
المنكر ولو لا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوا بكم وما في صدورهم من العداوة
والبغضاء أكثر مما يبدون لكم مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا
تأتلف لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم
يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شيء
وحيلهم وسواس بعضهم إلى
______________________________________________________
رواته ، والسند
الثالث ضعيف ، وقائل ـ حدثني ـ فيه أيضا إبراهيم والمجموع في قوة مجهول كالحسن.
قوله
عليهالسلام : « وعليكم بالدعة » إلخ الدعة : الخفض والسكون والراحة أي ترك الحركات
والأفعال التي توجب الضرر في دولة الباطل ، والوقار : الرزانة والحلم « والسكينة » إما سكون الجوارح وترك التسرع والعجلة في الأمور ، أو سكون
القلب بالإيمان ، وعدم تزلزله بمضلات الفتن ، والوقار أيضا يحتمل ذلك.
قوله
عليهالسلام : « وعليكم بمجاملة » في بعض النسخ بالجيم أي المعاملة بالجميل وفي بعضها بالحاء
المهملة ، ولعله بمعنى الحمل بمشقة وتكلف كالتحمل و « الضيم » الظلم ، والمماظة : المنازعة.
قوله
عليهالسلام : « بالتقية » متعلق بقوله : « دينوا » أي اعملوا بالتقية ، واعبدوا الله
بعبادة التقية إذا أنتم جالستموهم وخالفتموهم ، فإنه لا يمكنكم ترك مخالطتهم.
قوله
عليهالسلام : « وحيلهم وسواس » إلخ. لعل المراد أن حيلتكم في دفع ضررهم
__________________
بعض فإن أعداء
الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم
إلا من خير.
وإياكم أن تزلقوا
ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكرهه
الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به فإن زلق اللسان
فيما يكره الله وما ينهى عنه مرداة للعبد عند الله ومقت من الله وصم وعمى وبكم
يورثه الله إياه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله : « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ » يعني لا ينطقون « وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ
فَيَعْتَذِرُونَ » وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه وعليكم بالصمت إلا
فيما ينفعكم الله به من أمر
______________________________________________________
المجاملة والصبر
على أذاهم والتقية ، وهم لا يقدرون على الصبر ولا على صدكم عن الحق فليس لهم حيلة
إلا وسوسة بعضهم إلى بعض في إيذائكم والإغراء بكم ثم اعلم أنه يظهر من بعض النسخ
المصححة أنه قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات وتأخير بعضها
، وفيها قوله : «
ولا صبر لهم على شيء » متصل بقوله : فيما بعد « من أموركم » هكذا : « ولا صبر لهم على شيء من أموركم
تدفعون أنتم السيئة » إلى آخر ما سيأتي ، وهو الصواب ، وسيظهر لك مما سنشير إليه
في كل موضع من مواضع الاختلاف صحة تلك النسخة ، واختلال النسخ المشهورة.
قوله
عليهالسلام : « وإياكم أن تزلقوا » بالزاء المعجمة في القاموس : زلق كفرح ونصر : زل وفلانا
أزله كأزلقه ، وفي بعض النسخ بالذال المعجمة ، وزلاقة اللسان
: زرابته وحدته وطلاقته ، والأول أظهر ، وقول الزور : الكذب.
قوله
عليهالسلام : « مرادة » بغير همز مفعلة من الردى بمعنى الهلاك قوله تعالى : « فَهُمْ لا
يَرْجِعُونَ » في بعض النسخ « لا يَعْقِلُونَ » وكلاهما في سورة البقرة ، والتفسير بالأول أنسب أي لا
يرجعون إلى النطق والكلام ، وقال البيضاوي : أي لا يعودون
إلى الهدي الذي باعوه وضيعوه ، أو عن الضلالة التي اشتروها ، أو فهم متحيرون لا
يدرون
__________________
آخرتكم ويأجركم
عليه وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة
فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما
نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها ولم
يتب إلى الله ولم ينزع عنها وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج
عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له فارغبوا فيما
رغبكم الله فيه وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله
وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه
هاهنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة
الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
______________________________________________________
أيتقدمون أم
يتأخرون وإلى حيث ابتدءوا منه كيف يرجعون ، قوله عليهالسلام « والتقديس » هو والتسبيح مترادفان ، أو متقاربان ، ويمكن حمل التسبيح
على قول سبحان الله ، والتقديس على قول الله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ،
وسائر ما يدل على تنزيهه. تعالى من أن يكون له شريك في الكبرياء أو في العظمة أو
في القوة والحول ، والثناء يشمل الحمد لله وغيره ، قوله : « لا يقدر » على البناء للمجهول أو المعلوم على التنازع ، أي لا يقاس
بغيره ولا يوصف حق وصفه ، ولا يبلغ إلى رفعة شأنه ، كقوله تعالى
« وَما
قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ
» والمراد نعيم الآخرة أو الأعم منه ومن درجات القرب والكمال.
قوله
عليهالسلام : « فاشغلوا » في القاموس : شغله كمنعه
شغلا وبضم وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة.
قوله
عليهالسلام : « ولم ينزع منها » في القاموس : نزع عن الأمر
نزوعا : انتهى عنها.
قوله
عليهالسلام : « إلى ما دعاكم إليه » أي الدعاء ، ويحتمل التعميم قوله « وإياكم أن تشره » في القاموس : شره كفرح :
غلبه حرصه.
قوله
عليهالسلام : « فإنه من انتهك » في النهاية : انتهكوا : أي
بالغوا في خرق محارم الشرع وإتيانها.
__________________
و اعلموا أنه بئس
الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله
في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنة ولذاتها وكرامة أهلها
ويل لأولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوأ حالهم عند ربهم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « بئس الحظ » إلخ ، في القاموس : خطر بباله وعليه يخطره
، ويخطر خطورا : ذكره بعد نسيان ، وأخطره الله تعالى والخطر بالفتح ويحرك : الشرف ، وبالتحريك
: الإشراف على الهلاك ، والسبق : يتراهن عليه ، وقدر الرجل ، وتخاطروا تراهنوا ،
وخاطر بنفسه أشفاها على خطر هلك أو نيل ملك. وقال في النهاية : « فيه لعبد الرحمن خطر أي حظ ونصيب ، ومنه حديث النعمان بن مقرن قال يوم
نهاوند : إن هؤلاء ـ يعني المجوس ـ قد أخطروا لكم رثة ومتاعا وأخطرتم لهم الإسلام
، فنافحوا عن دينكم ، الرثة : رديء المتاع ، يعني أنهم قد شرطوا لكم ذلك ، وجعلوه
رهنا من جانبهم ، وجعلتم رهنكم دينكم أراد أنهم لم يعرضوا للهلاك إلا متاعا يهون
عليهم ، وأنتم عرضتم لهم أعظم الأشياء قدرا وهو الإسلام. أقول : الأظهر أن المراد
بالخطر هو ما يتراهن عليه ، وخاطر الله أي راهنه ، فكأنه جرى مراهنة بين العبد
والرب تعالى ، والسبق الذي يحوزه العبد لذات الدنيا الفانية ، والسبق الذي للرب
تعالى عقاب العبد ، فبئس الحظ والنصيب ، الحظ والسبق الذي يحوزه عند مخاطرته
ومراهنته مع الله بأن يترك طاعته ويرتكب معصيته. ويحتمل على بعد أن يكون الخطر في
الموضعين بمعنى الإشراف على الهلاك ، أو بمعنى الخطور بالبال ، أو على التوزيع
والله يعلم.
قوله
عليهالسلام : « وأخسر كرتهم » الكرة : الرجوع ، والمراد الرجوع إلى الأبدان في الحشر أو
الرجوع إلى الله للحساب.
وقال الله تعالى :
« تِلْكَ
إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ » ونسبة الخسران إلى الكرة والخيبة
__________________
يوم القيامة
استجيروا الله أن يجيركم في مثالهم أبدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا
ولكم إلا به.
فاتقوا الله أيتها
العصابة الناجية إن أتم الله لكم ما أعطاكم به فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم
مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم وحتى تبتلوا في أنفسكم
______________________________________________________
أي الحرمان ـ إلى
الحظ على الإسناد المجازي.
قوله
عليهالسلام : « استجيروا الله » كأنه على الحذف والإيصال ، أي استجيروا بالله وفي بعض
النسخ أن يجريكم وهو الظاهر ، وفي بعضها « أن يجيركم » والمعنى حينئذ استعيذوا من أن يكون إجارته تعالى إياكم على
مثال إجارته لهم ، فإنه لا يجيرهم عن عذابه في الآخرة ، وإنما أجارهم في الدنيا ،
وفي بعض النسخ « من مثالهم » فالمراد استجيروا بالله لأن يجيركم من مثالهم ، أي من
أن تكونوا مثلهم.
قوله
عليهالسلام : « إن أتم الله » لعل المراد اتقوا الله ولا تتركوا التقوى عن الشرك
والمعاصي عند إرادة الله إتمام ما أعطاكم من دين الحق ، ثم بين عليهالسلام الإتمام بأنه إنما يكون بالابتلاء والافتتان وتسليط من يؤذيكم عليكم ،
فالمراد الأمر بالتقوى عند الابتلاء بالفتن ، وذكر فائدة الابتلاء بأنه سبب لتمام
الإيمان ، فلذا يبتليكم ، ويحتمل على بعد أن يكون « أن » بالفتح مخففة أي اتقوا
لإتمام الله تعالى دينكم ويحتمل أن يكون التعليق للنجاة ، أي النجاة إنما يكون بعد
الإتمام ، ولما كان هذا التعليق مشعرا بقلة وقوع هذا الشرط ، بين ذلك بأنه موقوف
على الامتحان ، والتخلص عنه مشكل والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « في أنفسكم » أي بما يرد عليها من الخوف من الأعادي ، والضرب والقطع
والقتل ، أو بالتكليف بالجهاد أيضا ، أو بالأمراض والمتاعب في العبادات أيضا «
وأموالكم » بغصب أعادي الدين
أو بما يصيبه من الآفات أو بتكليف الإنفاق أيضا ، وهذه إشارة إلى قوله تعالى في
أواخر سورة آل عمران « لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ
وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ
وأموالكم وحتى
تسمعوا من أعداء الله « أَذىً
كَثِيراً » فتصبروا وتعركوا بجنوبكم وحتى يستذلوكم ويبغضوكم وحتى
يحملوا [ عليكم ] الضيم فتحملوا منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة وحتى
تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله عز وجل يجترمونه إليكم وحتى يكذبوكم بالحق
ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم ومصداق ذلك كله في كتاب الله
الذي أنزله جبرئيل عليهالسلام على نبيكم ص سمعتم قول الله عز وجل لنبيكم صلىاللهعليهوآله : « فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ
أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ » ثم قال « وَإِنْ
يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا
عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا » فقد كذب نبي الله والرسل من قبله وأوذوا مع التكذيب بالحق فإن سركم أمر الله
فيهم الذي خلقهم له في الأصل [ أصل الخلق ] من الكفر الذي سبق في علم الله أن
يخلقهم له في الأصل
______________________________________________________
تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » .
قوله
عليهالسلام : « وتعركوا بجنوبكم » في القاموس : عركة كهمزة :
يعرك الأذى بجنبه أي يحتمله.
قوله
عليهالسلام : « فتحملوه » على التفعل في القاموس : حمله الأمر
فتحمله « وحتى
تكظموا » في القاموس كظم غيظه يكظمه : رده وحبسه.
قوله
عليهالسلام : « يجترمونه » بالجيم قال في القاموس : اجترم عليهم
وإليهم جريمة : جنى جناية ، وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة ولعله تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « فإن سركم أمر الله فيهم » أقول : في النسخة المصححة التي أومأنا إليها قوله عليهالسلام : فإن سركم » متصل بما سيأتي في آخر الرسالة « أن تكونوا مع نبي الله هكذا «فإن
سركم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم» إلى آخر الرسالة ، وهو الأصوب
، قوله : « الذي سبق في علم الله أول هذا وأمثاله بأن الله كان
يعلم أنهم يكونون كذلك بعد خلقهم باختيارهم فكأنه خلقهم لذلك وقد مر الكلام فيه في
كتاب التوحيد.
__________________
ومن الذين سماهم
الله في كتابه في قوله : وجعلنا منهم « أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ » فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فإنه من يجهل هذا وأشباهه مما افترض الله
عليه في كتابه مما أمر الله به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط
الله فأكبه الله على وجهه في النار.
وقال أيتها
العصابة المرحومة المفلحة إن الله أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من
علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس قد
أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلا لا يسع
أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس
أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم كرامة من الله أكرمهم
بها وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم وهم الذين من سألهم وقد سبق
في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ومن الذين » كأنه معطوف على قوله خلقهم بتقدير جعلهم ، أو على الظرف
بعده بتضمين الجعل.
قوله
عليهالسلام : « فتدبروا » والظاهر أنه جزاء الشرط في قوله « سركم » ويحتمل أن يكون
جزاء الشرط مقدرا ، أي إن سركم فاشكروا أو لا تجزعوا مما يصل منهم إليكم ولعل اسم
الإشارة والضمير راجعة إلى ما يفهم من الكلام السابق من لزوم التقية ، والصبر على
المكاره في الدين ، والرضا بقضائه تعالى فيهم ، وفي أعدائهم وفي القاموس : كبه : قلبه : وصرعه ، كأكبه وكبكبه فأكب وهو لازم متعد.
قوله
عليهالسلام : « إن الله أتم » الظاهر أنه بالتشديد ، وهو بشارة بأن الله يتم هذا الأمر
أي أمر التشيع لخواص الشيعة ، ويحتمل أن يكون بالتخفيف حرف شرط ، وتكون قيدا
للفلاح : أي فلا حكم مشروط بأن يتم الله لكم الأمر ، ولا تضلوا بالفتن على قياس ما
مر قوله : «
من علم الله » أي مما علم الله حقيته.
قوله
عليهالسلام : « أرشدوه » خبر أو جزاء لقوله « من سألهم ».
__________________
الله بإذنه وإلى
جميع سبل الحق وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به
وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة فأولئك
الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر
بسؤالهم وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتى دخلهم الشيطان لأنهم
جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم
القرآن عند الله مؤمنين وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما وجعلوا ما
حرم الله في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم وقد عهد إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله قبل موته فقالوا نحن بعد ما قبض الله عز وجل رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع
عليه رأي الناس بعد ما قبض الله عز وجل رسوله صلىاللهعليهوآله وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفا لله ولرسوله صلىاللهعليهوآله فما أحد أجرأ على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه والله
إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد صلىاللهعليهوآله وبعد موته هل يستطيع أولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ومن سبق » جملة حالية معترضة والفرض أنه ليس كل من يسألهم يرشد ،
ويهتدي بقولهم ، بل من قد سبق في علمه تعالى أنه يصدقهم ، ويتبع أثرهم.
قوله
عليهالسلام : « تحت الأظلة » أي عالم الأرواح قوله « عليهالسلام » : حتى دخلهم الشيطان أي استولى عليهم ، ودخل مجاري صدرهم
واستولى على قلبهم.
قوله
عليهالسلام : « في علم القرآن » أي الذين هم بحسب ما يعلم من علم القرآن مؤمنون متصفون
بصفات الإيمان ، أو المراد المؤمنون بما يعلمون من علم القرآن علما مطابقا لمراد
الله تعالى.
قوله
عليهالسلام : « فذلك » أي ترك سؤال أهل الذكر ، وجعل أهل الإيمان كافرين أصل ترتب
على ذلك سائر أهوائهم وآرائهم.
قوله
عليهالسلام : « ما يستطيع أولئك » إلخ. الظاهر الظاهر أن هذا احتجاج عليهم بأنكم ،
صلىاللهعليهوآله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه فإن قال نعم فقد كذب على الله و
« ضَلَّ
ضَلالاً بَعِيداً » وإن قال لا لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه فقد
أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد قال الله وقوله الحق : « وَما
مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ » وذلك لتعلموا أن الله يطاع ويتبع أمره في حياة محمد صلىاللهعليهوآله وبعد قبض الله محمدا صلىاللهعليهوآله وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمد صلىاللهعليهوآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمد صلىاللهعليهوآله فكذلك لم يكن لأحد من الناس بعد محمد صلىاللهعليهوآله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه ـ وقال دعوا رفع
أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة فإن الناس قد شهروكم بذلك « وَاللهُ الْمُسْتَعانُ
» ولا حول ولا قوة إلا بالله
______________________________________________________
لا تجوزون
الاستبداد بالرأي ومخالفة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأن هذا كفر بين ومخالفة للآيات الصريحة ، فلا بد من أن
تقولوا بعدم جواز ذلك في حياته ، وإذا اعترفوا بذلك يلزمهم أن لا يجوز ذلك بعد
وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لما يظهر من الآية إلا يجوز ترك ما أخذ في حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن ترك ذلك ارتداد عن الدين ، وانقلاب عن الحق ، فقوله عليهالسلام
: « وهو ممن يزعم » أي يلزمه ذلك بما أقر به ، ويصير ممن يزعم ذلك للإقرار بملزومه.
قوله
عليهالسلام : « دعوا رفع أيديكم » اعلم أن رفع اليدين في تكبير الافتتاح لا خلاف في أنه
مطلوب للشارع بين العامة والخاصة ، والمشهور بين الأصحاب الاستحباب ، وذهب السيد
من علمائنا إلى الوجوب ، وأما الرفع في سائر التكبيرات فالمشهور بين الفريقين أيضا
استحبابه ، وقال الثوري وأبو حنيفة وإبراهيم النخعي : لا يرفع يديه إلا عند
الافتتاح ، وذهب السيد إلى الوجوب في جميع التكبيرات ، ولما كان في زمانه عليهالسلام عدم استحباب الرفع أشهر بين العامة فلذا منع الشيعة عن ذلك ، لئلا يشتهروا
بذلك فيعرفوهم به.
__________________
و قال أكثروا من
أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه وقد وعد الله عباده
المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في
الجنة فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله
أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين واعلموا أن الله لم يذكره أحد
من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن
الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله في ظاهر
القرآن وباطنه فإن الله تبارك وتعالى قال في كتابه وقوله الحق « وَذَرُوا ظاهِرَ
الْإِثْمِ وَباطِنَهُ » واعلموا أن ما أمر الله به أن تجتنبوه فقد حرمه واتبعوا آثار رسول الله صلىاللهعليهوآله وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا فإن أضل الناس عند الله
من اتبع هواه ورأيه « بِغَيْرِ
هُدىً مِنَ اللهِ » وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم
فإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « من عباده المؤمنين » أي من أعمالهم.
قوله
عليهالسلام : « إلا ذكره بخيره » أي يقرر ويعد له ثواب ذلك ، أو يذكره في الملإ الأعلى
ويثني عليه ويشكره ، وفي بعض النسخ « بخير » بغير ضمير.
قوله
تعالى : « ظاهِرَ
الْإِثْمِ » ظاهر كلامه عليهالسلام أنه فسر ظاهر الإثم بما تظهر حرمته من ظاهر القرآن ، « وَباطِنَهُ » بما تظهر حرمته من باطنه ، وقال البيضاوي : أي ما يعلن ويسر
، وما بالجوارح وما بالقلب ، وقيل : الزنا في الحوانيت واتخاذ الأخدان ثم اعلم أن ما في القرآن هو « وَذَرُوا ظاهِرَ
الْإِثْمِ » كما في بعض نسخ الكتاب وفي أكثرها « فاجتنبوا » فهو إما نقل
مضمون الآية أو في قرآنهم عليهالسلام كان كذلك.
قوله
: « واعلموا أن ما أمر الله » ظاهره أن أوامر القرآن للوجوب خصوصا ما كان بلفظ الاجتناب ، وكذا نواهيه
للحرمة.
قوله
عليهالسلام : « فإن أحسنتم » بيان لمعنى الإحسان إلى النفس ، بأن المراد فعل الحسنات ،
ويحتمل أن يكون المراد
بقوله : « وأحسنوا إلى أنفسكم » الإحسان إلى الغير كما قيل في قوله تعالى : « وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ » وقوله : « فَسَلِّمُوا
عَلى أَنْفُسِكُمْ »
__________________
لِأَنْفُسِكُمْ
وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها ، وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم وإياكم وسب أعداء
الله حيث يسمعونكم « فَيَسُبُّوا
اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ » وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو إنه من سب
أولياء الله فقد انتهك سب الله ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأولياء الله
فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال أيتها
العصابة الحافظ الله لهم أمرهم عليكم بآثار رسول الله صلىاللهعليهوآله وسنته وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله من بعده وسنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل لأنهم هم
الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم وقد قال أبونا رسول الله صلىاللهعليهوآله المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في
العاقبة من الاجتهاد في البدع واتباع الأهواء ألا إن اتباع
______________________________________________________
فالمعنى فليحسن كل
منكم إلى أخيه ، فإن من أحسن إلى غيره فقد أحسن لنفسه والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « يجمعوا مع ذلك » جواب للأمر أي إنكم إذا جاملتم الناس جمعتم ـ مع الأمن
وعدم حمل الناس على رقابكم بالعمل بطاعة ربكم فيما أمركم به من التقية وفي بعض
النسخ « تجمعون » فيكون حالا عن ضميري الخطاب أي إن اجمعوا طاعة الله مع المجاملة
لا بأن تتابعوهم في المعاصي وتشاركوهم في دينهم ، بل بالعمل بالتقية فيما أمركم
الله فيه بالتقية.
قوله : « حيث يسمعونكم » بفتح الياء أي « يسمعون منكم » بل سبوا أعداء الله في الخلوات ، وفي مجامع
المؤمنين ، ويحتمل أن يقرأ بضم الياء يقال : أسمعه أي شتمه ، أي إن شتموكم لا
تسبوا أئمتهم ، فإنهم يسبون أئمتكم ، ثم فسر عليهالسلام معنى سب الله بأنهم لا يسبون الله ، بل المراد بسب الله سب
أولياء الله ، فإن من سبهم فقد سب الله ، ومن أظلم ممن فعل فعلا يعلم أنه يصير
سببا لسب الله وسب أوليائه فمهلا مهلا » أي لتسكنوا سكونا وأخروا
تأخيرا واتركوا هذه الأمور إلى ظهور دولة الحق.
قوله
عليهالسلام : « أرضى لله » هذا من قبيل المماشاة مع الخصم لترويج الحجة ،
الأهواء واتباع
البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلالة بدعة وكل بدعة في النار ولن ينال شيء من
الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا لأن الصبر والرضا من طاعة الله واعلموا
أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب
وكره
______________________________________________________
أي لو كان ينفع
البدع ويرضى الرحمن به على الفرض المحال كان اتباع السنة أنفع وأرضى وإن قل.
قوله
عليهالسلام : « وكل ضلال بدعة » الغرض بيان التلازم والتساوي بين المفهومين ويظهر منه أن
قسمة البدع بحسب انقسام الأحكام الخمسة كما فعله جماعة من الأصحاب تبعا للمخالفين
ليس على ما ينبغي ، إذ البدعة ما لم يرد في الشرع لا خصوصا ، ولا في ضمن عام.
وما ذكروه من
البدع الواجبة والمستحبة والمكروهة والمباحة هي داخلة في ضمن العمومات ، ولتحقيق
ذلك مقام آخر.
قوله
: « من طاعة الله » أي من شرائط قبول طاعة الله ، ويمكن أن يكون المراد أنهما من جملة الطاعات
ويضم إليه مقدمة خارجة ، وهي أن قبول بعض الطاعات مشروط بالإتيان بسائرها كما قال
تعالى : « إِنَّما
يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » وعلى الوجهين يتم التعليل ، ويمكن أن يوجه أول الكلام بأن المراد لا ينال شيء
من الخير عند الله كما ينبغي ، وعلى وجه الكمال إلا بالإتيان بجميع طاعاته ،
وحينئذ يكون قوله :
«
والصبر والرضى » من قبيل التخصيص بعد التعميم ، وحينئذ ينطبق التعليل أيضا لكنه بعيد.
قوله
عليهالسلام : « فيما صنع الله إليه » في القاموس : صنع إليه
معروفا كمنع صنعا بالضم ، وصنع به صنيعا قبيحا فعله ، انتهى.
فقوله
: « على ما أحب وكره » على سبيل اللف والنشر ، وفي الأخير مما أحب أظهر مما في بعض النسخ « فيما أحب
» كما لا يخفى قوله تعالى
: « وَقُومُوا
لِلَّهِ قانِتِينَ » قيل : المراد القنوت بالمعنى المصطلح ، وقيل المراد « خاشعين » وخاضعين.
__________________
ولن يصنع الله بمن
صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره وعليكم بالمحافظة « عَلَى الصَّلَواتِ
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ » كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم وعليكم
بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له
حاقر ماقت وقد قال أبونا رسول الله صلىاللهعليهوآله أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم واعلموا أن من حقر
أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد
مقتا فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن
الله أمر رسوله صلىاللهعليهوآله بحبهم فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله
ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين.
وإياكم والعظمة
والكبر فإن الكبر رداء الله عز وجل فمن نازع الله رداءه خصمه الله وأذله يوم
القيامة وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإنه من بغى
صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه ومن نصره الله غلب
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « من حقرهم » بالتخفيف كضرب وبالتشديد كلاهما بمعنى الإذلال « والمحقرة
» بفتح الميم والقاف : الذلة.
قوله
عليهالسلام : « أن تحبوهم » بيان للحق قوله عليهالسلام : « وهو من الغاوين في الصحاح الغي : الخيبة والضلال .
قوله
عليهالسلام : « فإن الكبر رداء الله » قال الجزري : في الحديث «
قال الله تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي » ضرب الرداء والإزار مثلا في
انفراده بصفة العظمة والكبرياء ، أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق
مجازا كالرحمة ، وشبههما بالإزار والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء
الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره وردائه أحد ، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن
يشركه فيهما أحد ، انتهى.
قوله
عليهالسلام : « قصمه » أي كسره قوله
عليهالسلام : « وإياكم أن يبغي » في القاموس : بغى عليه بغيا
: علا وظلم ، وعدل عن الحق واستطال وكذب.
__________________
وأصاب الظفر من
الله وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد وإياكم أن تعينوا على مسلم
مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم فإن أبانا رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة وليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول
الله صلىاللهعليهوآله كان يقول إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر
واعتكافه في المسجد الحرام وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه
بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر فإن أبانا رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يقول ليس لمسلم أن يعسر مسلما ومن أنظر معسرا أظله
الله بظله يوم لا ظل إلا ظله
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فإن الكفر أصله الحسد فإن أول الكفر نشأ من إبليس ، وكان باعثه عليه الحسد ،
وأيضا كل أكثر أفراد الكفر ينشأ من حسد من فضله الله وأوجب متابعته.
قوله
عليهالسلام : « أن تعينوا على مسلم » يقال أعانه : أي نصرة وأعان عليه : أي أضر به وأعان على
إضراره.
قوله
عليهالسلام : « وإياكم وإعسار » في القاموس : عسر الغريم
يعسره : طلب منه على عسرة كأعسره.
قوله
عليهالسلام : « أظله الله بظله » أي بظل عرشه أو
بظل رحمته مجازا ، قوله
( عليهالسلام ) :
« وإن
استطعتم » جزاء الشرط محذوف
أي فافعلوا ولا يبعد أن يكون في الأصل ما استطعتم ولعله هو الصواب.
قوله
عليهالسلام : « محرج الإمام » في الصحاح أحرجه إليه :
ألجأه ، وفيه سعى به إلى الوالي إذا وشى به يعني نمه وذمه عنده.
أقول : الظاهر أن
المراد لا تكونوا محرج الإمام ، أي بأن تجعلوه مضطرا إلى شيء لا يرضى به ثم بين عليهالسلام بأن المحرج هو الذي يذم أهل الصلاح عند الإمام ، ويشهد عليهم بفساد ، وهو
كاذب في ذلك فيثبت ذلك بظاهر حكم الشريعة عند الإمام ، فيلزم الإمام أن يلعنهم ،
فإذا لعنهم وهم غير مستحقين لذلك ، تصير اللعنة عليهم
__________________
وإياكم أيتها
العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم وساعة
بعد ساعة فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة
الخير في العاجل والآجل وإنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه
ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب الله لكم
بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولا
كنه فضلها إلا الله رب العالمين.
وقال اتقوا الله
أيتها العصابة وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج الإمام فإن محرج الإمام هو الذي
يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين
لحرمته واعلموا أنه من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج الإمام فإذا فعل ذلك
عند الإمام أحرج الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه المسلمين لفضله الصابرين
على أداء حقه العارفين بحرمته فإذا لعنهم لإحراج أعداء الله الإمام صارت لعنته رحمة
من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسله على أولئك
______________________________________________________
رحمة ، وترجع
اللعنة إلى الواشي الكاذب الذي ألجأ الإمام إلى ذلك. أو المراد أنه ينسب الواشي
إلى أهل الصلاح عند الإمام شيئا بمحضر جماعة يتقي منهم الإمام فيضطر الإمام إلى أن
يلعن من نسب إليه ذلك تقية ويحتمل أن يكون المراد أن محرج الإمام هو من يسعى بأهل
الصلاح إلى أئمة الجور ، ويجعلهم معروفين عند أئمة الجور بالتشيع ، فيلزم أئمة
الحق لرفع الضرر عن أنفسهم وعن أهل الصلاح أن يلعنوهم ويتبرءوا منهم فتصير اللعنة
إلى الساعين وأئمة الجور معا ، وعلى هذا ، المراد بأعداء الله أئمة الجور.
وقوله
عليهالسلام : « إذا فعل ذلك عند الإمام » يؤيد المعنى الأول هذه هي من الوجوه التي خطرت بالبال ،
والله أعلم ومن صدر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قوله
عليهالسلام : « في الصالحين قبل » أي جرت السنة فيهم إن كانوا مقهورين مرعوبين وكذلك تجري في
الصالحين منكم ، أو بأن يلعنهم الناس وتصير اللعنة عليهم رحمة.
واعلموا أيتها
العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل وقال من سره أن يلقى الله وهو
مؤمن حقا حقا فليتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم ويسلم لما
انتهى إليه من فضلهم لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك ، ألم
تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال « فَأُولئِكَ مَعَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له
إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد
اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين « إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ » وإقراض الله « قَرْضاً حَسَناً
» واجتناب الفواحش « ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ » فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله
فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو
عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا ـ وإياكم والإصرار على شيء مما حرم
الله في ظهر القرآن وبطنه وقد قال الله تعالى : « وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ » إلى هاهنا رواية القاسم بن ربيع يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط
الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء فاستغفروا ولم يعودوا
إلى تركه فذلك معنى قول الله : « وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ».
______________________________________________________
قوله
( عليهالسلام ) « في جملة قوله » أي في الفواحش فقوله تعالى : « واجتناب الفواحش » يشمل اجتناب جميع المحرمات.
قوله
عليهالسلام « فمن دان الله » أي عبد الله فيما بينه وبين ربه أي مختفيا ولا ينظر إلى
غيره ولا يلتفت إلى من سواه.
قوله
: « إلى هنا رواية » إلى آخره. أي ما يذكر بعده لم يكن في رواية القاسم بل كان في رواية حفص
وإسماعيل قوله ( عليهالسلام
) : « ملك مقرب » يمكن أن يكون بدل من الخلق وهو الأظهر ، وأن يكون اسم ليس ، أي لا يتوسط ملك
مقرب ، ولا نبي مرسل
__________________
واعلموا أنه إنما
أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك
كل شيء من الخير عنده ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه فإن مات على معصيته
أكبه الله على وجهه في النار.
واعلموا أنه ليس
بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا
طاعتهم له فاجتهدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا و « لا قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللهِ » وقال وعليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم.
واعلموا أن
الإسلام هو التسليم والتسليم هو الإسلام فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام
له ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ
إلى نفسه في الإحسان.
______________________________________________________
ولا غيرهم بين
الخلق وبين الله توسطا مستقلا ، بدون الطاعة بل شفاعتهم وتوسطهم مشروط بقدر من
الطاعة.
قوله
عليهالسلام : « فإن الله ربكم » هو الله القادر القاهر المستجمع لجميع صفات الكمال المستحق
لأشرف العبادات فيلزمكم بذل وسعكم وطاقتكم وفي عبادته قوله ( عليهالسلام
) « هو التسليم » أي انقياد الله في أوامره ونواهيه ، والتسليم لأئمة الحق ومتابعتهم وإذعان ما
يصدر عنهم وإن كان بعيدا عن أفهام الخلق.
قوله
عليهالسلام : « أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان » يقال : بالغ في أمره أي اجتهد ولم يقصر ، وكان الإبلاغ هنا
بمعنى المبالغة وقوله : « إلى نفسه » متعلق بالإحسان أي يبالغ ويجتهد في الإحسان
إلى نفسه هذا هو الظاهر بحسب المعنى.
ويؤيده ما ذكر في
الإساءة وفي تقديم معمول المصدر عليه إشكال ، ويجوز بتأويل كما هو الشائع ، ولعل
التقديم والتأخير من النساخ.
ويحتمل أن يكون
الإبلاغ بمعنى الإيصال أي أراد أن يوصل إلى نفسه أمرا كاملا في الإحسان ، والأول
أظهر ، والشائع في مثل هذا المقام بلغ من المجرد يقال بلغ في الكرم أي حد الكمال
فيه.
وإياكم ومعاصي
الله أن تركبوها فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه
وليس بين الإحسان والإساءة منزلة فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ولأهل الإساءة عند
ربهم النار فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله
أحد من خلقه شيئا لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك فمن سره أن تنفعه شفاعة
الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه ـ واعلموا أن أحدا من خلق الله لم
يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلىاللهعليهوآله ومعصيتهم من معصية الله ولم ينكر لهم فضلا عظم أو صغر.
واعلموا أن
المنكرين هم المكذبون وأن المكذبين هم المنافقون وأن الله عز وجل قال للمنافقين
وقوله الحق « إِنَّ
الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ
نَصِيراً » ولا يفرقن أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ممن أخرجه
الله
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام « ليس يغني عنكم » قال في النهاية أغن عني شرك : أي
أصرفه وكفه ومنه « لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً » » قوله : «
فليطب إلى الله » يقال : طلب إليه أي رغب.
قوله
عليهالسلام : « أن المنكرين هم المكذبون » يحتمل أن يكون المراد بالإنكار عدم الإقرار ، والمعرفة كما
قاله تعالى : « فَعَرَفَهُمْ
وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ » والغرض أن عدم المعرفة أيضا تكذيب ، وأن يكون المراد أن إنكار الأئمة داخل في
التكذيب الذي ذكر الله تعالى في القرآن ، وحكم بكفر من يرتكبه.
قوله عليهالسلام : « ولا يعرفن » كأنه سن باب التفعيل ومفعوله الأول مقدر أي لا يعرف أحد منكم
نفسه أحدا من الناس أي العامة و « من » زائدة لتأكيد النفي أي لا تجعلوا أنفسكم
معروفين عند العامة بالتشيع ، أو المراد لا تعرفوهم دين الحق فإنهم شياطين لا ينفعهم
ذلك ، ويصل ضررهم إليكم ، أو بالتخفيف من المعرفة كناية عن المحجة والمواصلة أي
ينبغي لكم أن لا تعرفوهم فضلا عن أن تحبوهم وتتخذوهم أولياء ، وعلى هذا يحتمل أن
لا يكون « من » زائدة بل ابتدائية أي لا تعرفوا ولا تتعرفوا شيئا منهم فإنهم
يريدون إضلالكم ، وفي بعض النسخ المصححة « لا يفرقن » من
__________________
من صفة الحق ولم
يجعله من أهلها فإن من لم يجعل الله من أهل صفة الحق فأولئك هم شياطين الإنس والجن
وإن لشياطين الإنس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن
يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين
الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب
فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه من قوله : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا
فَتَكُونُونَ سَواءً » ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا فلا
يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم
من أموركم تدفعون أنتم السيئة « بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ » فيما بينكم وبينهم
تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم لا يحل لكم
______________________________________________________
الفرق بمعنى الخوف
أي لا تخافوهم ، فإنهم كالشياطين وإن كيد الشيطان كان ضعيفا.
قوله
عليهالسلام : « فلا يهولنكم » يحتمل معنيين الأول : أن تكون حيلة فاعلا للفعلين ، وتكون
من زائدة لتأكيد النفي ، وقوله
: « من أموركم » متعلقا بالمكر ، يقال : مكره من كذا أو عنه أي احتال أن يرده عنه.
والثاني : أن يكون
يهولنكم ويردنكم بضم اللام والدال على صيغة الجمع أي لا يردنكم شياطين الجن والإنس
عن النصر الرباني ، الذي هو حاصل لكم بسبب الحق الذي خصكم الله به ، من حيلة : أي
بسبب حيلة شياطين الإنس أي بسبب حيلتهم فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ،
وعلى هذا قوله من أموركم ـ كما ذكرنا في الوجه الأول متعلق بالمكر ، أو من سببية
أي جيلهم ناشئة مما يرون من أموركم ، وهذا أحد مواضع الاختلاف بين النسخة التي
أشرنا إليها والنسخ المشهورة وفي تلك النسخة قوله ومكرهم متصل بما مر في أوائل
الرسالة من قوله وحيلهم كما أومأنا إليه هكذا « من حيلة شياطين الإنس ، ومكرهم
وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض » وهو الصواب كما لا يخفى.
قوله
عليهالسلام : « أن تظهروهم » أي لا تطلعوهم كما في بعض النسخ.
__________________
أن تظهروهم على
أصول دين الله فإنهم إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجهدوا على
هلاككم واستقبلوكم بما تكرهون ولم يكن لكم النصفة منهم في دول الفجار فاعرفوا
منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ـ فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم
منزلة أهل الباطل ـ لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل ألم يعرفوا
وجه قول الله في كتابه إذ يقول « أَمْ
نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي
الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ولا تجعلوا الله تبارك وتعالى
« وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلى » وإمامكم ودينكم
الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا فمهلا مهلا يا أهل
الصلاح لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله « ما بِكُمْ مِنْ
نِعْمَةٍ » أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم
وابذلوا مودتكم ونصيحتكم [ لمن وصف صفتكم ] ولا تبتذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم
عليها وبغى [ لـ ] ـكم الغوائل هذا أدبنا أدب الله فخذوا به
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ورفعوه عليكم » لعل المراد بالرفع الإفشاء والإظهار ، أو الرفع إلى
السلطان ، ويحتمل أن يكون المراد أنكم إن علمتموهم شيئا يجعلونه حجة عليكم في
المناظرة ، قوله ( عليهالسلام
) : « ولم يكن لكم » النصف هو بالتحريك العدل : أي إذا آذوكم وترافعتم إلى حكامهم لا يعدلون فيكم
، بل يجورون عليكم.
قوله
عليهالسلام : « عرضة » يقال : هو عرضة للناس بالضم أي لا يزالون يقعون فيه كما في
القاموس أي لا تجعلوا ربكم وإمامكم ودينكم في معرض ذم أهل الباطل ، بأن تعارضوهم
في الدين وهم يعارضونكم بأشياء لا تليق بربكم وإمامكم ودينكم.
قوله
عليهالسلام : « من وصف صفتكم » أي أهل دينكم ، ومن يقول بقولكم ، قوله ( عليهالسلام
) : « وابذلوا مودتكم » أي لأهل دينكم وفي بعض النسخ بعد قوله ونصيحتكم [ لمن وصف
صفتكم ] وهو الظاهر.
قوله
عليهالسلام : « وبغا لكم الغوائل » الغوائل : الدواهي أي طلب لكم البلايا والمصائب والمكاره.
__________________
وتفهموه واعقلوه
ولا تنبذوه وراء ظهوركم ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم طرحتموه ولم تأخذوا
به وإياكم والتجبر على الله واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر
على دين الله فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم « فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ » أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله ولا قوة لنا ولكم
إلا بالله.
وقال عليهالسلام إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره الله
إليه الشر ويباعده عنه ومن كره الله إليه الشر وباعده عنه عافاه الله من الكبر أن
يدخله والجبرية فلانت عريكته وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته
وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم وترك
مقاطعة الناس والخصومات ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء وإن العبد إذا كان الله
خلقه في الأصل [ أصل الخلق ] كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه فإذا حبب
إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر
فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أخذتم به » أمر في صورة الخبر أي خذوا به ، ويحتمل أن يكون اسم
الإشارة في قوله : «
هذا أدبنا » راجعا إلى هذا
الكلام ، ويحتمل إرجاعه إلى ما مر من المواعظ والآداب.
قوله
عليهالسلام : « إلا تجبر على دين الله » لعل المراد أن التجبر على دين الله بترك ما ورد في الدين
ينجر ، إلى التجبر على الله وهو الكفر ، أو المراد بالتجبر على الله التكبر عن
إطاعة أئمة الحق ، أو ترك أوامره تعالى ، والمراد أنه ينجر إلى التجبر على دين
الله والخروج من الدين.
قوله
عليهالسلام : « والجبرية » هي بكسر الجيم والراء ، وسكون الباء وبكسر الباء أيضا
وبفتح الجيم ، وسكون الباء التكبر ، والعريكة الطبيعة.
قوله
عليهالسلام : « خلقه في الأصل » أي علم عند خلقه أنه يصير كافرا ، و « يحبب إليه الشر » كناية عن منع اللطف عقوبة عما فعل من الشرور التي استحق
بها ذلك ، قوله : «
فبعد »
معاصي الله وأبغض
طاعته وأهلها فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر.
سلوا الله العافية
واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن
تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة
عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في
معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته ـ فإن الله أمر بولاية الأئمة
الذين سماهم الله في كتابه في قوله : « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا
» وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم
أئمة الضلالة الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من
آل محمد يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله صلىاللهعليهوآله ليحق عليهم كلمة العذاب وليتم أن تكونوا مع نبي الله محمد صلىاللهعليهوآله والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه
وأتباعهم المؤمنين ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء
والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم وإياكم ومماظة أهل الباطل وعليكم بهدى الصالحين
ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم
لله في العمل بطاعته فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين
قبلكم.
واعلموا أن الله
إذا أراد بعبد خيرا شرح « صَدْرَهُ
لِلْإِسْلامِ » فإذا أعطاه ذلك أنطق
______________________________________________________
ككرم أو بضم الباء
، وعلى الثاني إما بالتنوين أو بالإضافة فيقدر خبره أي كثير.
قوله
عليهالسلام : « وزهرتها » زهرة الدنيا : بهجتها ونضارتها وحسنها ، والغضارة بالفتح : النعمة والسعة والخصب.
قوله
عليهالسلام : « والذين نهى الله » خبره قوله « يعملون » والدول مثلثة : جمع دولة بالضم : وهي الغلبة.
قوله
عليهالسلام : « ليحق » أي ليثبت ويجب ويستقر كلمة العذاب أي حكم الله عليهم
بالشقاوة والكفر واستحقاق العذاب ، وقيل : هو قوله
«
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
» .
__________________
لسانه بالحق وعقد
قلبه عليه فعمل به فإذا جمع الله له ذلك تم له إسلامه وكان عند الله إن مات على
ذلك الحال من المسلمين حقا وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره « ضَيِّقاً حَرَجاً » فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه وإذا لم يعقد قلبه
عليه لم يعطه الله العمل به فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان
عند الله من المنافقين وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد
قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه يوم القيامة فاتقوا الله وسلوه أن يشرح
صدوركم للإسلام وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفيكم وأنتم على ذلك وأن يجعل
منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم و « لا
قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».
ومن سره أن يعلم
أن الله يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا ألم يسمع قول الله عز وجل لنبيه صلىاللهعليهوآله « قُلْ إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ » والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله
لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله ولا والله لا يدع أحد اتباعنا أبدا إلا أبغضنا
ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وليتم أن يكونوا » في بعض النسخ بالياء ، فالمراد الأئمة عليهمالسلام وفي بعضها بالتاء أي أنتم يا معشر الشيعة بما يصل إليكم منهم من الجور
والظلم.
أقول : هذا أيضا
أحد مواضع الاختلاف ، وفي تلك النسخة قوله « وليتم » متصل بقوله عليهالسلام : « أمر الله فيهم » هكذا « ليحق أمر الله فيهم
الذي خلقهم له في الأصل » وهو الظاهر كما لا يخفى.
قوله
عليهالسلام : « يهدي الصالحين » في القاموس : الهدي بضم الهاء وفتح الدال :
الرشاد والدلالة ،
والهدى ويكسر : الطريقة والسيرة.
قوله
عليهالسلام : « وعقد قلبه عليه » على بناء المجهول ويحتمل المعلوم أي أيقنه واعتقد به كأنه
معقود عليه لا يفارقه.
قوله
عليهالسلام : « وأن يجعل منقلبكم » الانقلاب : الرجوع ، والمنقلب بفتح اللام للمصدر وللمكان
معا ، والمراد الرجوع إلى الله تعالى في القيامة ، أي يجعل رجوعكم
__________________
إلا عصى الله ومن
مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ
».
( صحيفة علي بن الحسين عليهالسلام )
( وكلامه في الزهد )
٢ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن محبوب ،
عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة قال ما سمعت بأحد من الناس كان أزهد من علي بن
الحسين عليهالسلام إلا ما بلغني من علي بن أبي طالب عليهالسلام قال أبو حمزة كان الإمام علي بن الحسين عليهالسلام إذا تكلم في الزهد ووعظ أبكى من بحضرته قال أبو حمزة وقرأت
صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين عليهالسلام وكتبت ما فيها ثم أتيت علي بن الحسين ص فعرضت ما فيها عليه
فعرفه وصححه وكان ما فيها « بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » كفانا الله وإياكم كيد الظالمين وبغي الحاسدين وبطش
الجبارين أيها المؤمنون لا يفتننكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا
المائلون إليها المفتتنون بها المقبلون عليها وعلى حطامها الهامد وهشيمها البائد
غدا واحذروا ما حذركم الله منها وازهدوا فيما زهدكم الله فيه منها ولا تركنوا إلى
ما في هذه
______________________________________________________
أو محل رجوعكم
كرجوع الصالحين قبلكم ، أو كمحل رجوعهم.
صحيفة
علي بن الحسين عليهماالسلام وكلامه في الزهد
الحديث
الثاني : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « وعلى حطامها الهامد » الحطام بالضم : المنكسر من الخشب والنبات والهامد : البالي
المسود المتغير ، والهشيم من النبات أيضا ، اليابس المتكسر والبائد : الذاهب المنقطع الهالك ، و « غدا » ظرف للبائد أي عن قريب عنكم أو في القيامة عن كل أحد.
وفي القاموس : ركن إليه كنصر وعلم ومنع ركونا مال وسكن ، وفي النهاية
__________________
الدنيا ركون من
اتخذها دار قرار ومنزل استيطان والله إن لكم مما فيها عليها لدليلا وتنبيها من
تصريف أيامها وتغير انقلابها ومثلاتها وتلاعبها بأهلها إنها لترفع الخميل وتضع
الشريف وتورد أقواما إلى النار غدا ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه إن الأمور
الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مظلمات الفتن وحوادث البدع وسنن الجور وبوائق
الزمان وهيبة السلطان ووسوسة الشيطان لتثبط القلوب عن تنبهها وتذهلها عن موجود
الهدى ومعرفة أهل الحق إلا قليلا ممن عصم الله فليس يعرف تصرف أيامها وتقلب
حالاتها وعاقبة ضرر فتنتها إلا من عصم الله ونهج سبيل الرشد وسلك طريق القصد ثم
استعان على ذلك بالزهد ـ فكرر الفكر واتعظ بالصبر فازدجر وزهد في عاجل بهجة الدنيا
وتجافى عن لذاتها ورغب في دائم نعيم الآخرة وسعى لها سعيها وراقب الموت وشنأ الحياة
مع القوم الظالمين نظر إلى ما في الدنيا بعين نيرة حديدة البصر وأبصر حوادث الفتن
وضلال البدع وجور الملوك الظلمة فلقد لعمري استدبرتم الأمور الماضية في الأيام
الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيما تستدلون به على تجنب الغواة وأهل البدع
والبغي والفساد في الأرض بغير الحق فاسْتَعِينُوا
بِاللهِ وارجعوا إلى طاعة الله
وطاعة من هو أولى بالطاعة ممن اتبع فأطيع.
______________________________________________________
المثلة : بفتح الميم وضم الثاء العقوبة ، والجمع المثلات. وفي
القاموس : خمل ذكره وصوته خمولا خفي.
قوله
عليهالسلام : « لمنتبه » أي لكل من تنبه واتعظ.
قوله
عليهالسلام : « من مظلمات الفتن » وفي بعض النسخ [ من ملمات الفتن ] أي نوازلها ، والبوائق : الدواهي.
قوله
عليهالسلام : « لتثبط » خبر إن وفي القاموس : ثبطه عن الأمر
: عوقه وبطؤ به عنه كثبطه فيهما.
قوله
عليهالسلام : « تذهلها » الذهول : النسيان ، والغفلة وقوله ( عليهالسلام
) : « موجود الهدى » من إضافة الصفة إلى الموصوف.
قوله
عليهالسلام : « ونهج » يقال نهج الطريق: كمنع أي سلكه، والقصد استقامة الطريق
__________________
فالحذر الحذر من
قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله والوقوف بين يديه وتالله ما صدر قوم قط عن
معصية الله إلا إلى عذابه وما آثر قوم قط الدنيا على الآخرة إلا ساء منقلبهم وساء
مصيرهم وما العلم بالله والعمل إلا إلفان مؤتلفان فمن عرف الله خافه وحثه الخوف
على العمل بطاعة الله وإن أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ورغبوا
إليه وقد قال الله : « إِنَّما
يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ » فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله واشتغلوا في هذه الدنيا
بطاعة الله واغتنموا أيامها واسعوا لما فيه نجاتكم غدا من عذاب الله فإن ذلك أقل
للتبعة وأدنى من العذر وأرجى للنجاة فقدموا أمر الله وطاعة من أوجب الله طاعته بين
يدي الأمور كلها ولا تقدموا الأمور الواردة
______________________________________________________
والبهجة : الحسن ،
والتجأ في : البعد والاجتناب.
قوله
عليهالسلام : « سعيها » أي ما هو حقها من السعي إشارة إلى قوله تعالى
: « وَمَنْ
أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها » الآية و « راقب
الموت » أي انتظره ولم
ينسه ، وكان دائما متذكرا لوروده متهيأ له.
قوله
عليهالسلام : « وشنأ الحياة » كمنع وسمع أي أبغضها لكراهة مخالطة الظالمين.
قوله
عليهالسلام : « والانهماك » والانهماك : التمادي في الشيء واللجاج فيه ، وكأنه معطوف
على الفتن ، أي انهمكوا في أشياء فانية ، ودولات باطلة يمكنكم الاستدلال بها ،
وبفنائها على تجنب الغواة ، وعدم الاعتماد على ملكهم وعزهم وفي تحف العقول « والانهماك فيها ما تستدلون » وهو الصواب.
قوله
عليهالسلام : « ممن اتبع فأطيع » أي من كان إطاعة الناس له بمحض إن جماعة من أهل الباطل
اتبعوه وبايعوه كخلفاء الجور.
قوله
عليهالسلام « ما صدر قوم » أي كان رجوعهم إلى الآخرة في حال اشتغالهم بالمعاصي.
قوله
عليهالسلام : « إلفان » بكسر الهمزة وسكون اللام أو على وزن فاعل [ فاعلان ] قوله عليهالسلام
: « الذين عرفوا الله » هي خبر « إن ».
__________________
عليكم من طاعة
الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي الله وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم.
واعلموا أنكم عبيد
الله ونحن معكم يحكم علينا وعليكم سيد حاكم غدا وهو موقفكم ومسائلكم فأعدوا الجواب
قبل الوقوف والمساءلة والعرض على رب العالمين يومئذ « لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ».
واعلموا أن الله
لا يصدق يومئذ كاذبا ولا يكذب صادقا ولا يرد عذر مستحق ولا يعذر غير معذور له
الحجة على خلقه بالرسل والأوصياء بعد الرسل فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا في
إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيها لعل نادما قد ندم فيما فرط بالأمس
في جنب الله وضيع من حقوق الله و « اسْتَغْفِرُوا اللهَ
» و « تُوبُوا
إِلَيْهِ » فإنه « يَقْبَلُ
التَّوْبَةَ » ويعفو عن السيئة « وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ».
وإياكم وصحبة
العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين احذروا فتنتهم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « من طاعة » من ابتدائية ، وقوله عليهالسلام : « من زهرة » بيانية أي لا تقدموا على طاعة الله الأمور التي تحصل لكم
بسبب طاعة الطواغيت ، والأمور هي زهرات الدنيا أي بهجتها ونضارتها وحسنها.
قوله
عليهالسلام : « عذر مستحق » أي لقبول العذر قوله عليهالسلام : « ولا يعذر » كيضرب أي لا يقبل عذر غير معذور.
قوله
عليهالسلام : « واستقبلوا في إصلاح » وفي بعض النسخ « من إصلاح » لعل المراد استقبلوا واستأنفوا
العمل في إصلاح أنفسكم ، ويحتمل أن يكون في بمعنى إلى أي أقبلوا إلى إصلاح أنفسكم
وقوله ( عليهالسلام
) : « لعل نادما على سبيل المماشاة » أي يمكن أن يندم نادم يوم القيامة على ما قصر بالأمس أي
في الدنيا في جنب الله أي في قربه وجواره أو في أمره وطاعته أو مقربي جنابه أعني
الأئمة عليهمالسلام وإطاعتهم كما ورد في الأخبار الكثيرة ، والحاصل إن إمكان
وقوع ذلك الندم كاف في الحذر ، فكيف مع تحققه ، أو لأن بالنسبة إلى كل شخص غير
متحقق ، وفي تحف العقول : « من إصلاح أنفسكم وطاعة الله وطاعة من تولونه فيما لعل
نادما » وهو أظهر.
__________________
وتباعدوا من
ساحتهم واعلموا أنه من خالف أولياء الله ودان بغير دين الله واستبد بأمره دون أمر
ولي الله كان في نار تلتهب تأكل أبدانا قد غابت عنها أرواحها وغلبت عليها شقوتها
فهم موتى لا يجدون حر النار ولو كانوا أحياء لوجدوا مضض حر النار واعتبروا « يا أُولِي الْأَبْصارِ
» واحمدوا الله على ما هداكم واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة
الله إلى غير قدرته « وَسَيَرَى
اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ » ثم « إِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ » فانتفعوا بالعظة وتأدبوا بآداب الصالحين.
٣ ـ أحمد بن محمد
بن أحمد الكوفي وهو العاصمي ، عن عبد الواحد بن الصواف ، عن محمد بن إسماعيل
الهمداني ، عن أبي الحسن موسى عليهالسلام قال كان أمير المؤمنين عليهالسلام يوصي أصحابه ويقول أوصيكم بتقوى الله فإنها غبطة الطالب
الراجي وثقة الهارب اللاجي
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « واستبد » قال في النهاية : وفي حديث علي عليهالسلام : كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا. يقال : استبد بالأمر
يستبد به استبدادا إذا تفرد به دون غيره.
قوله
عليهالسلام : « في نار تلتهب » الظاهر أن المراد أنهم في الدنيا في نار البعد والحرمان
والسخط والخذلان ، لكنهم لما كانوا بمنزلة الأموات لعدم العلم واليقين ، لم
يستشعروا ألم هذه النار ، ولم يدركوها كما قال تعالى : « وَإِنَّ جَهَنَّمَ
لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ » وقال : « أَمْواتٌ
غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ » ويحتمل أن يكون المراد بالنار أسباب دخولها تسمية للسبب باسم المسبب ، و «
المضض » بالتحريك الألم و
« التأدب » تعلم الآداب
وقبولها.
الحديث
الثالث : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « فإنها غبطة » قال الفيروزآبادي : الغبطة بالكسر
: حسن الحال والمسرة ، وقد اغتبط ، والحسد كالغبطة ، وقد غبطه كضربه وسمعه ، وتمنى
نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها انتهى ، والمعنى أن الطالب لثواب الله الراجي
لرحمته يغبط ويتمنى ، ويطلب التقوى والهارب عن عذاب الله اللاجئ إلى الله إنما يثق
بالتقوى
__________________
واستشعروا التقوى
شعارا باطنا واذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طريق النجاة
انظروا في الدنيا نظر الزاهد المفارق لها فإنها تزيل الثاوي الساكن وتفجع المترف
الآمن لا يرجى منها ما تولى فأدبر ولا يدرى ما هو آت منها فينتظر وصل البلاء منها
بالرخاء والبقاء منها إلى فناء فسرورها مشوب بالحزن والبقاء فيها إلى الضعف والوهن
فهي كروضة اعتم مرعاها وأعجبت من يراها عذب شربها طيب
______________________________________________________
لا بالأماني.
قوله
عليهالسلام : « واستشعروا التقوى » الشعار بالكسر وقد يفتح : ما تحت الدثار من اللباس ، وهو
ما يلي شعر الجسد واستشعره لبسه ، وهو كناية عن غاية الملابسة والملازمة ، وكونها
خالصة لله مخفية عن الخلق لا يشوبها رياء كما أن الشعار يكون غالبا مستورا بالدثار
وأشعر عليهالسلام بقوله « شعارا باطنا ».
قوله
عليهالسلام : « تحيوا به أفضل الحياة » إذ حياة القلوب والأرواح بذكر الله وفي بعض النسخ بالباء
الموحدة فيهما من الحبوة وهي العطية.
قوله
عليهالسلام : « فإنها تزيل الثاوي » يقال : ثوى بالمكان إذا أقام فيه.
قوله
عليهالسلام : « وتفجع » إلخ. قال الفيروزآبادي : فجعه كمنعه :
أوجعه كفجعه أو الفجع أن يوجع الإنسان بشيء يكرم عليه فيعدمه.
وقال
أترفته النعمة ، أطغته ، والمترف كمكرم المتروك يصنع ما يشاء لا يمنع والمتنعم لا نمنعه من
تنعمه ، والجبار.
قوله
عليهالسلام : « لا يرجى منها ما تولى » أي أدبر
فقوله : « فأدبر » مبالغة فيه أو أعرض وانقضى زمانه فأدبر ، والحاصل أن ما ذهب منها من العمر
والقوة والشباب والغرة وغيرها لا يرجى رجوعها ولا يدري ولا يعلم أي شيء يأتي بعد
ذلك فينتظر وروده قوله
( عليهالسلام ) : « وصل » على المجهول قوله ( عليهالسلام
) : « إلى الضعف » أي آئل ومنته إليه.
قوله
عليهالسلام : « اعتم مرعاها » اعتم بتشديد الميم ، يقال : اعتم النبت : أي اكتهل [ اكتمل
] وتم طوله وظهر نوره.
__________________
تربها تمج عروقها
الثرى وتنطف فروعها الندى حتى إذا بلغ العشب إبانه واستوى بنانه هاجت ريح تحت
الورق وتفرق ما اتسق فأصبحت كما قال الله : « هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ
عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً » انظروا في الدنيا في كثرة ما يعجبكم وقلة ما ينفعكم
( خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام )
( وهي خطبة الوسيلة )
٤ ـ محمد بن علي
بن معمر ، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي ، عن الحسين بن النضر الفهري ، عن أبي عمرو
الأوزاعي ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد قال دخلت على
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « تمج عروقها الثرى » قال في مصباح اللغة : مج الرجل الماء من فيه مجا من باب
قتل رمى به ، وقال : الثرى : وزان الحصى ندي الأرض والثرى أيضا التراب الندى انتهى.
أقول : إذا حملت
الثرى على الندى ، فالمعنى ظاهر أي يترشح من عروقها الماء لكثرة طراوتها وارتوائها
وإذا حملت على التراب الندى ، فالمعنى تقذف عروقها الماء في الثرى. أو المراد أن
عروقها لقوتها وكثرتها تقذف التراب وتدفعها إلى فوق وترفعها.
قوله
عليهالسلام : « وتنطف فروعها الندى » تنطف كتضرب وتنصر أي تصب ، والمعنى كما مر ، وإبان الشيء بكسر الهمزة وتشديد الباء حينه أي أو أنه ، وقوله : « تحت » بضم الحاء أي يسقط قوله : « هَشِيماً » أي مهشوما مكسورا « تَذْرُوهُ الرِّياحُ » أي تفرقه.
خطبة
لأمير المؤمنين عليهالسلام وهي خطبة الوسيلة
الحديث
الرابع : ضعيف. لكن هذه
الأخبار قوة مبانيه ورفعة معانيها تشهد بصحتها ولا تحتاج إلى سند مع أن هذه الخطبة
من الخطب المشهورة عنه صلوات الله
__________________
أبي جعفر عليهالسلام فقلت يا ابن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها فقال يا جابر ألم
أقفك على معنى اختلافهم من أين اختلفوا ومن أي جهة تفرقوا قلت بلى يا ابن رسول
الله قال فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول
الله صلىاللهعليهوآله في أيامه يا جابر اسمع وع قلت إذا شئت قال اسمع وع وبلغ
حيث انتهت بك راحلتك إن أمير المؤمنين عليهالسلام خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة
______________________________________________________
عليه قوله : « أرمضني » أي أحرقني.
قوله
عليهالسلام : « ألم أقفك » يدل على أنه كان أوقفه سابقا على سبب الاختلاف.
قوله
عليهالسلام : « قلت : إذا شئت » أي إذا شئت أن أسمع تقول فاسمع ، أو « إذا » بالتنوين وشئت
على صيغة المتكلم قوله
عليهالسلام : « منع الأوهام » الظاهر أن المراد ما يشمل العقول أيضا أي منع تقدسه وعلو
شأنه عن أن يصل العقول إلى غير الإذعان بوجوده من معرفة كنه ذاته وصفاته تعالى ، « وحجب العقول أن
تتخيل ذاته » أي كنه ذاته ، إن
كان المراد بالتخيل الارتسام في الخيال كما هو المصطلح ، فالمراد بالتعليل أن
التخيل إنما يكون في المحسوسات والماديات فلو كان تعالى متخيلا كان شبيها بها
مشاكلا لها مشتركا معها في الصفات الإمكانية ، وهو متعال عن ذلك ، ولو كان المراد
الارتسام في العقل كما هو الأظهر أنه تعالى لا يشبه شيئا حتى يكون له ما به
الاشتراك وما به الامتياز ، حتى يتصور بهما ، أو أنه لا يشبه شيئا من الممكنات ،
وهذه الصورة الحاصلة في العقل لافتقارها إلى المحل ، وكون حصولها بعلة ممكنة فكيف
يكون عين حقيقة ذاته تعالى ، أو أنه إذا كان متعقلا كان في كونه متعقلا شبيها بما
يتعقل من الممكنات ، أو أنه لا بد من مناسبة بين العاقل والمعقول ليمكن التعقل ولا
مناسبة ولا مشابهة بينه وبين خلقه.
قوله
( عليهالسلام ) : « بل هو الذي لم
يتفاوت في ذاته » أي ليس بذي أجزاء متفاوتة مختلفة : لا خارجية ولا عقلية كالجنس والفصل ،
ويحتمل أن يكون المراد نفي اختلاف العوارض والتعقل يستلزم ذلك.
رسول الله صلىاللهعليهوآله وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال
إلا وجوده وحجب العقول أن تتخيل ذاته لامتناعها من الشبه والتشاكل بل هو الذي لا
يتفاوت في ذاته ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله فارق الأشياء لا على اختلاف
الأماكن ويكون فيها لا على وجه الممازجة وعلمها لا بأداة لا يكون العلم إلا بها
وليس بينه وبين معلومه علم غيره به كان عالما بمعلومه إن قيل كان فعلى تأويل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ولم يتبعض بتجزية العدد في
كماله » لعله إشارة إلى
نفي زيادة الصفات الموجودة.
قوله
عليهالسلام : « لا على اختلاف الأماكن » وبأن يكون هو في مكان والأشياء في مكان آخر.
قوله
عليهالسلام : « ويكون فيها » أي بالعلم والقدرة والحفظ والتربية لا بالممازجة وعلمها أي
علم الأشياء لا بأداة ، بل بذاته تعالى إذ الافتقار إلى الآلة يوجب الإمكان.
قوله
( عليهالسلام ) : « علم غيره » يحتمل الإضافة والتوصيف ، فعلى الأول : فالمراد أنه لا
يتوسط بينه وبين معلومه علم عالم آخر به ، أي يعلم ذلك العالم وبتعليمه كان الله
تعالى عالما بمعلومه ، ويحتمل أن يكون المراد نفي ما ذهب إليه جماعة من الحكماء
بأن علمه تعالى بحصول الصور في العقول والنفوس الفلكية ، وحضورهما عنده تعالى ،
وأما على الثاني : فالمراد أن ذاته المقدسة كافية للعلم ولا يحتاج إلى علم أي صورة
علمية غيره ، أي غير ذاته تعالى بهذه الصورة العلمية ، وبارتسامها كان عالما
بمعلومه كما في الممكنات.
قوله
عليهالسلام : « إن قيل كان » إلخ أي ليس كونه موجودا في الأول عبارة عن مقارنته للزمان
أزلا لحدوث الزمان ، بل بمعنى أن ليس لوجوده ابتداء ، أو أنه تعالى ليس بزماني
وكان يدل على الزمانية فتأويله أن معنى كونه أزلا أن وجوده يمتنع عليه العدم ، وفي
الفقرة الثانية لعل المعنى الأخير متعين ، ويحتمل أن يكون المراد أنه إن قيل : كان
فليس كونه من قبيل كون الممكنات لحدوثها ،
__________________
أزلية الوجود وإن
قيل لم يزل فعلى تأويل نفي العدم فسبحانه وتعالى عن قول من عبد سواه واتخذ إلها
غيره علوا كبيرا.
نحمده بالحمد الذي
ارتضاه من خلقه وأوجب قبوله على نفسه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل ، خف ميزان ترفعان منه وثقل
ميزان توضعان فيه وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار والجواز على الصراط
وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة أكثروا من الصلاة على نبيكم « إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
______________________________________________________
فإن في العرف يفهم
من الكون الحدوث ، بل معناه أزلية وجوده تعالى ، وإن قيل لم يزل فليس على ما يطلق
في الممكنات ، يقولون لم يزل هو كذلك ، ويعنون به الكون على هذه الحال مدة حياتهم
أو مدة طويلة ، بل معناه نفي العدم أبدا ، أو المعنى أنه إذا قيل : في الممكنات لم
يزل فمعناه استمرار وجودهم ، مع طريان أنحاء العدم والتغير والتبدل عليهم ، ومعنى
لم يزل في حقه تعالى نفي جميع أنحاء العدم والتغيرات عنه ، وقد ورد هذا المعنى في
تفسير آخريته تعالى في الخبر ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد في المقامين نفي تعقل
كنه وجوده تعالى ، وكيفية كونه أي إن قيل : كان أو لم يزل فمعناه نفي العدم عنه
أزلا وأبدا ، وأما تعقل كنه ذلك فلا يمكن للبشر ، هذه هي الوجوه التي خطرت بالبال
والله أعلم وحججه عليهمالسلام.
قوله
عليهالسلام : « ترفعان القول » أي لا ترتفع قول من الأقوال الحسنة إليه تعالى إلا
بمقارنتهما ، وبالإقرار بهما ، والتكلم بهما يوجب تضاعف الأعمال أو الإذعان بهما
يوجب ترتب الثواب على الأعمال والثواب لا يكون إلا مضاعفا ، ويحتمل أن يكون المراد
أشهد شهادة خاصة مقرونة بالشرائط ، حتى يترتب عليها رفع القول ومضاعفة العمل.
قوله
عليهالسلام : « وبالصلاة » أي على النبي وآله ،
صَلُّوا
عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » صلىاللهعليهوآلهوسلم تسليما أيها الناس إنه لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا
معقل أحرز من الورع ولا شفيع أنجح من التوبة ولا لباس أجمل من العافية ولا وقاية
أمنع من السلامة ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقناعة ولا كنز أغنى من القنوع
ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة والرغبة مفتاح التعب
والاحتكار مطية
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام « أعز من التقوى » العز ، خلاف الذل والعزة أيضا القلة وندرة الوجود ، ويكون
بمعنى الغلبة ، والعزيز الغالب ، ولا يخفى مناسبة جميع المعاني وإن احتاج الأخير
إلى تكلف.
قوله
: « ولا معقل » المعقل بالكسر : الملجإ والحصن والورع ، أمنع الحصون وأحرزها عن وساوس
الشياطين في الدنيا ، وعن عذاب الله في الآخرة.
قوله
عليهالسلام : « ولا شفيع أنجح » النجح والنجاح : الظفر بالحوائج أي لا يظفر الإنسان بشفاعة
شفيع بالنجاة من العذاب كما يظفر بالتوبة.
قوله
عليهالسلام : « ولا لباس أجمل من العافية » الجمال الحسن والبهاء والزينة ، والعافية من البلايا
والسلامة من الكفر والشرك والمعاصي أو بالعكس ، ويحتمل التعميم فيهما.
قوله
عليهالسلام : « من الرضا بالقناعة » في نهج البلاغة من الرضا بالقوت.
قوله
عليهالسلام : « ولا كنز أغنى » لعل اسم التفضيل هنا مشتق من الغناء بالفتح ممدودا ، بمعنى
النفع أي أنفع أو من غني بالمكان أي أقام أي أثبت أو يقال : نسبة الغناء إلى الكنز
إسناد مجازي والمراد غنى صاحب الكنز.
قوله
عليهالسلام : « ومن اقتصر » إلخ قال الجوهري : البلغة : ما يتبلغ به من العيش وتبلغ بكذا اكتفى به فإضافة البلغة إلى الكفاف للتوضيح. وقال ابن ميثم : أي البلغة التي تكف عن الناس.
__________________
النصب والحسد آفة
الدين والحرص داع إلى التقحم في الذنوب وهو داعي الحرمان والبغي سائق إلى الحين
والشره جامع لمساوي العيوب رب طمع خائب وأمل كاذب ورجاء يؤدي إلى الحرمان وتجارة
تئول إلى الخسران ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفضحات
النوائب وبئست القلادة الذنب للمؤمن أيها الناس إنه لا كنز أنفع من العلم ولا عز
أرفع من الحلم ولا حسب أبلغ من
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فقد انتظم الراحة » أي مع الراحة في سلك أو في سلك الراحة فالنصب على
التقديرين برفع الخافض ، ويقال : طعنه فانتظمه أي اختله في رمحه فيحتمل أن يكون
المراد أنه اصطاد الراحة وانتظمها في سهمه.
قوله
عليهالسلام : « وتبوأ خفض الدعة » الخفض والدعة متقاربان في المعنى ، وكلاهما بمعنى السكون ، وأن يكون الإضافة للمبالغة ، أي اتخذ غاية السكون والراحة أي مع منزلا
لنفسه ، قوله عليهالسلام
: « والرغبة » أي إلى الدنيا.
قوله
عليهالسلام : « والاحتكار مطية النصب » الاحتكار جمع المال وحبسه. والنصب بالتحريك : التعب ، قيل
: المراد أن الاحتكار كمطية يتعب ركوبها ، والأظهر أن المراد أنه مركوب للتعب
يركبها ، فإذا أقبل الاحتكار إليك أقبل راكبه معه ، أو أنه يسهل وصول المتاعب إليك
كما أن المركب يسهل وصول الراكب إلى مقصوده قوله عليهالسلام : « إلى التقحم » التقحم الدخول في الأمر من غير روية ، وهو أي التقحم في
الذنوب داعي الحرمان ، وعن السعادات والخيرات ، أو الرزق الحلال المقدر فإن بقدر
ما يتصرف من الحرام يقاص منه من الرزق الحلال كما ورد في الأخبار ويحتمل إرجاع
الضمير إلى الحرص أيضا لكنه بعيد.
قوله
عليهالسلام : « والبغي » إلخ البغي الظلم والاستطالة ، ومجاوزة الحد ، والحين بالفتح : الهلاك والشره غلبة الحرص.
قوله
عليهالسلام : « ولا حسب أبلغ » أي أكمل من الأدب بحسب الشرف الذي يكون من جهة الانتساب
بالآباء ، والآداب الحسنة تشرف الإنسان بالانتساب بالآباء
__________________
الأدب ولا نصب
أوضع من الغضب ولا جمال أزين من العقل ولا سوأة أسوأ من الكذب ولا حافظ أحفظ من
الصمت ولا غائب أقرب من الموت.
أيها الناس إنه من
نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره ومن رضي برزق الله لم يأسف على ما في يد غيره
ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها ومن هتك حجاب غيره انكشف
عورات بيته ومن نسي زلله استعظم زلل غيره ومن أعجب برأيه ضل ومن استغنى بعقله زل
ومن تكبر على الناس ذل ومن سفه على الناس شتم ومن خالط الأنذال حقر ومن حمل ما لا
يطيق عجز.
أيها الناس إنه لا
مال هو أعود من العقل ولا فقر هو أشد من الجهل ولا واعظ هو أبلغ من النصح ولا عقل
كالتدبير ولا عبادة كالتفكر ولا مظاهرة
______________________________________________________
العقلانية التي
توسطوا في الحياة المعنوية بالإيمان والعلوم والكمالات.
قوله
عليهالسلام : « ولا نصب » بالصاد في أكثر النسخ أي التعب الذي يتفرع على الغضب من
أخس المتاعب ، إذ لا ثمرة له ولا داعي إليه إلا عدم تملك النفس ، وفي بعض النسخ
بالسين أي نسب صاحب الغضب الذي يغضب على الناس بشرافته نسبا ، أوضع الأنساب في الكلام تقدير والظاهر أنه تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « ولا سوءة » السوءة : الخلة القبيحة.
قوله
عليهالسلام : « من نظر في عيب نفسه » اشتغل عن عيب غيره إما لكثرة ما يظهر عليه من عيوب نفسه
فيحزنه ذلك ، أو يشتغل بدفعها فلا يتوجه إلى عيوب غيره أو لأنه يظهر عليه من عيوب
نفسه ما هو أشنع مما يرى في غيره ، فلا يعظم عنده عيب غيره ولا يعيبهم عليها لما
يرى في نفسه.
قوله
: « ومن خالط الأنذال » النذل : الخسيس من الناس المحتقر في جميع أحواله ، أي ذوي الأخلاق الدنية.
قوله
عليهالسلام : « أعود » أي أنفع.
قوله
عليهالسلام : « ولا واعظ » لعل المراد أن من ينصح الناس ولا يغشهم ويأمرهم
__________________
أوثق من المشاورة
ولا وحشة أشد من العجب ولا ورع كالكف عن المحارم ولا حلم كالصبر والصمت.
أيها الناس في
الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه شاهد يخبر عن الضمير حاكم يفصل بين الخطاب وناطق
يرد به الجواب وشافع يدرك به الحاجة وواصف يعرف به الأشياء وأمير يأمر بالحسن
وواعظ ينهى عن القبيح ومعز تسكن به
______________________________________________________
بما يصلحهم يتعظ
هو أيضا بما يعظ غيره ، فذاك واعظه ، أو من يعظ رجلا على وجه النصح يؤثر فيه ، وإن
لم يبالغ في ذلك ولم يطل الكلام ، ومن لم يكن غرضه النصح لا يؤثر كثيرا ، وإن أكثر
وأطنب فيما يناسب المقام.
قوله
عليهالسلام : « ولا عقل كالتدبير » التدبير النظر في عواقب الأمور ، ويطلق غالبا في الأخبار
على تدبير أمر المعاش والاقتصاد فيه ، والمظاهرة : المعاونة.
قوله
عليهالسلام : « ولا وحشة أشد من العجب » العجب : إعجاب المرء بنفسه وبفضائله وأعماله ، وهو موجب
لتحقير الناس فيحترز عن مخالطة عامتهم لذلك ، وموجب للترفع والتطاول عليهم ، فيصير
سببا لوحشة الناس عنه ، وأيضا يستلزم عدم إصلاح معائبه وتدارك ما فات منه فتنقطع
عنه مواد رحمة الله ولطفه وهدايته فينفرد عن ربه وعن الخلق ، فلا وحشة أوحش منه.
قوله
عليهالسلام : « ولا ورع » إلخ هذا لبيان أن الورع عن المحارم مقدم على الورع عن
الشبهات والمكروهات ، فإن أكثر الناس يتنزهون عن كثير من المكروهات لإظهار الورع ،
ولا يبالون بارتكاب أكثر المحرمات.
قوله
عليهالسلام : « ولا حلم » بضم الحاء بمعنى العقل ، ويحتمل الكسر أيضا وفي بعض النسخ
« ولا حكم » أي ولا حكمة.
قوله
عليهالسلام : « يفضل بين الخطاب » أي يميز الحق من الباطل ، قوله : « ومعز » من التعزية بمعنى التسلية.
الأحزان وحاضر
تجلى به الضغائن ومونق تلتذ به الأسماع.
أيها الناس إنه لا
خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل.
واعلموا أيها
الناس أنه من لم يملك لسانه يندم ومن لا يعلم يجهل ومن لا يتحلم لا يحلم ومن لا
يرتدع لا يعقل ومن لا يعلم يهن ومن يهن لا يوقر ومن لا يوقر
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وحاضر تجلى به الضغائن » الضغينة الحقد أقول : هكذا فيما عندنا من النسخ ، ولعل
المراد أنه حاضر دائم الحضور يجلي به الضغائن عن النفس ويدفع به الخصوم ، ولا
يحتاج إلى عدة ومدة بخلاف سائر ما تجلى به الضغائن ، من المحاربات والمغالبات ،
ويمكن أن يكون المراد رفع ضغينة الخصم بلين الكلام واللطف ، ويحتمل أن يكون المراد
بالحاضر : القوم والجماعة.
كما قال في
النهاية : في حديث عمرو بن سلمة الجرمي « كنا بحاضر يمر بنا الناس
» الحاضر : القوم النزول على ماء يقيمون به ، ولا يرحلون عنه ، وقال في المغرب : الحاضر والحاضرة : الذين حضروا الدار التي بها مجتمعهم ، وفي تحف العقول « وحامد ».
قوله
عليهالسلام : « ومن لا يعلم يجهل » إن قرأ يعلم محمد صيغة المجرد فيمكن أن يقرأ الفعلان على
المعلوم ، والمراد بالجهل حينئذ مقابل العقل ، أي من لا يكون عالما لا يكون عاقلا
، أو المراد بالعلم الكامل منه أي ما دون كمال العلم مراتب الجهل ، ويمكن أن يقرأ
« يجهل » على المجهول أي العلم سبب لرفعة الذكر ، ومن لا يعلم يكون مجهولا خامل
الذكر ويمكن أن يقرأ يعلم من باب التفعيل ، إما على صيغة المعلوم أي تعليم العلم
سبب لوفوره ، وتركه سبب لزواله ، أو على المجهول ، أي طريق العلم التعلم ، فمن لا
يتعلم يكون جاهلا والله يعلم.
قوله
عليهالسلام : « ومن لا يتحلم لا يحلم » أي لا يحصل ملكة الحلم إلا بالتحلم أي
__________________
يتوبخ ومن يكتسب
مالا من غير حقه يصرفه في غير أجره ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم ومن لم يعط
قاعدا منع قائما ومن يطلب العز بغير حق يذل ومن يغلب بالجور يغلب ومن عاند الحق
لزمه الوهن ومن تفقه وقر ومن تكبر حقر ومن لا يحسن لا يحمد
______________________________________________________
تكلف الحلم بمشقة.
قوله
عليهالسلام : « ومن لا يرتدع لا يعقل » أي من لا ينزجر عن القبائح بنصح الناصحين لا يكون عاقلا أو
لا يكمل عقله ، أو لا يعقل قبح القبائح ، ومن كان كذلك يهينه الناس ويعدونه هينا ،
ومن كان كذلك لا يوقرونه ، وإذا لم يوقروه يوبخونه على أفعاله.
قوله
عليهالسلام : « في غير أجره » أي فيما لا يؤجر عليه في الدنيا والآخرة.
قوله
عليهالسلام : « ومن لا يدع وهو محمود » أي من لا يترك القبيح بالنصح ، أو بالتفكر والتنبه يدعه
إما بزجر زاجر أو بالموت ولا يحمد بهذا الترك.
قوله
عليهالسلام : « ومن لم يعط قاعدا منع قائما » الفعل الثاني على صيغة المجهول ويمكن أن يكون الأول أيضا
على المجهول ، أي من لم يأته رزقه بلا طلب وكد لم ينفعه الطلب والسعي ، فالقيام
كناية عن الطلب والسعي ، والقعود عن تركهما كذا ذكره ابن أبي الحديد . أقول : ويحتمل وجوها أخر : الأول : أن يكون المراد من لم يعطه الناس مع عدم
السؤال لم يعطوه إذا سأل ، وقام عند غيره للسؤال.
الثاني : أن يقرأ
الفعل الأول على صيغة المعلوم ، أي من لم يعط السؤال والمحتاجين في حالكونه قاعدا
يقوم عنده الناس ، ويسألونه يبتلي بأن يفتقر إلى السؤال غيره فيقوم بين يديه ،
ويسأله ولا يعطيه ، وهو عندي أظهر الوجوه.
الثالث : أن يكون
قاعدا مفعول الإعطاء أي من لم يعط قاعدا زمنا محتاجا ابتلي بسؤال الناس مع الحرمان
وفيه بعد.
قوله
عليهالسلام : « ومن تكبر » أي عن طلب الفقه بقرينة المقابلة أو الأعم.
__________________
أيها الناس إن
المنية قبل الدنية والتجلد قبل التبلد والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر وغض
البصر خير من كثير من النظر والدهر يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا
كان عليك فاصبر فبكليهما تمتحن [ وفي نسخة وكلاهما سيختبر ].
أيها الناس أعجب
ما في الإنسان قلبه وله مواد من الحكمة وأضداد من
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « إن المنية قبل الدنية » الدنيئة مهموزا ، وقد يخفف النقيصة والحالة الخسيسة أي
ينبغي تحمل الموت ، والمنية قبل أن تنتهي الحال إلى الدنية كما إذا أرادك العدو
فتترك الجهاد وتصير له أسيرا فالجهاد والموت قبله أفضل من تركه إلى أن يرد عليك
الدنيئة ، وقيل : المراد أن المنية متقدم وخير من الدنية ، فالمراد القبلية في
الشرف ، وفيه بعد ، ويؤيد أحد المعنيين ما في نسخ نهج البلاغة « المنية ولا الدنية » كما يقولون : النار ، ولا العار ، وقيل : المراد أن
المنية ينبغي أن يكون قبل الموت الاضطراري الذي هو الدنية ، لقوله : « موتوا قبل
أن تموتوا ، ومنهم من قرأ المنية بالتخفيف بمعنى الأمنية أي ينبغي أن تكون المني
قبل العجز عن تحصيلها ، وما ذكرنا أو لا هو الظاهر كما لا يخفى.
قوله
عليهالسلام : « والتجلد قبل التبلد » التبلد : التردد والتحير والعجز والتجلد ضده أي ينبغي أن
يكون السعي في الطاعات قبل العجز والتحير ، وكذا الحساب ينبغي أن يكون في الدنيا ، أي محاسبة النفس قبل حلول العقاب في الآخرة.
قوله
عليهالسلام : « والقبر خير من الفقر » أي الافتقار إلى الناس ، لا قلة المال ، فإنه ممدوح.
قوله
عليهالسلام : « وغض البصر » وفي بعض النسخ « وعمى البصر » ولعله أظهر.
قوله
عليهالسلام : « فلا تبطر » البطر الطغيان عند النعمة.
قوله
عليهالسلام : « وله مواد من الحكمة » إلخ. قال ابن أبي الحديد : ليست الأمور التي عدها شرحا للكلام المجمل المتقدم ، وإن ظن قوم أنه أراد
ذلك ، ألا ترى أن
__________________
خلافها فإن سنح له
الرجاء أذله الطمع وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص وإن ملكه اليأس قتله الأسف وإن
عرض له الغضب اشتد به الغيظ وإن أسعد بالرضى
______________________________________________________
الأمور التي عدها عليهالسلام ليس فيها شيء من باب الحكمة وخلافها ، بل هو كلام مستأنف إنما هو بيان أن كل
شيء مما يتعلق بالقلب يلزمه لازم آخر انتهى. ولا يخفى ضعفه ، بل الظاهر أنه شرح ،
ويمكن أن يوجه بوجهين. أحدهما : أن يكون المراد بمواد الحكمة العدل والتوسط في
الأمور الذي هو الكمال ، وكل إفراط وتفريط داخل في الأضداد التي هي من الرذائل
الخلقية ، وبين عليهالسلام الأضداد ونفاها ، ليعلم أن الحكمة هي الوسط بينهما.
قال : الأشياء
إنما تعرف بأضدادها ، والثاني : أن يحمل في كل منها أحد المذكورين على ما هو
الكمال.
والآخر على إفراطه
المذموم ، ففي الأول : الرجاء إنما وضع في النفس ليرجو الإنسان من فضله تعالى ما
لا يضر في دنياه وآخرته ، فإذا سنح له رجاء ينجر إلى الإفراط فيطمع فيما لا حاجة
له إليه في دنياه ، وممن لا ينبغي الطمع منه من المخلوقين العاجزين فيحصل فيه
رذيلة الحرص. وقد يترك الرجاء رأسا فينتهي إلى اليأس من روح الله فيموت أسفا على
ما فات منه لفقد رجاء التدارك من فضله تعالى فعلى الأول الرجاء هو القدر الباطل
منه ، وعلى الثاني المراد الوسط الممدوح ، والثاني هنا أظهر.
قوله
عليهالسلام : « وإن أسعد بالرضا » وفي نهج البلاغة « إن أسعده الرضا
» وعلى الأول تكون الملكة المحمودة الحالة المتوسطة التي هي عدم الإفراط في الرضا
، وعدم التفريط بالغضب وهي المسمى بالعدل ، ورعاية الحق في الأمور ، بأن لا يدعوه
رضاه [ مرضات ] عن أحد ولا سخطه [ والسخيمة ] عن آخر إلى الخروج عن الإنصاف والعدل
، فإن أسعده الرضا الذي هو المطلوب نسي أن يتحفظ ويربط نفسه على الحق ، فيطغى رضاه
عن أخيه في الدين أو قرابته وحميمه إلى أن يرتكب خلاف الحق لأجله ، وكذا الغض [
الغضب ] عن
__________________
نسي التحفظ وإن
ناله الخوف شغله الحذر وإن اتسع له الأمن استلبته العزة [ وفي نسخة أخذته العزة ]
وإن جددت له نعمة أخذته العزة وإن أفاد مالا أطغاه الغنى وإن عضته فاقة شغله
البلاء [ وفي نسخة جهده البكاء ] وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع وإن أجهده الجوع قعد
به الضعف وإن أفرط في الشبع كظته البطنة فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد.
أيها الناس إنه من
فل ذل ومن جاد ساد ومن كثر ماله رأس ومن كثر حلمه
______________________________________________________
خلاف الحق داخل في
العدل ممدوح ، وإفراطه ينتهي إلى الحمية والعصبية ، وعلى الثاني يكون الغرض بيان
الرضا والغضب الممدوحين والمذمومين وكذلك في سائر الفقرات.
قوله
عليهالسلام : « شغله الحذر » أي شغله شدة الخوف عن العمل لرفع ما يخاف منه فينجر إلى
اليأس ، أو المراد شغله عن الحذر ، الخوف من مخاوف الدنيا والمراد يشغله الحذر عن
مخاوف الدنيا عن العمل للآخرة ، ولعل الأخير أظهر ، والعزة : الاغترار والغفلة ، أو العزة : التكبر والغلبة ، وعلى
الثاني يومئ إلى قوله تعالى : « أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ » .
قوله
عليهالسلام : « وإن عضته » العض المسك بالأسنان ، وفي بعض النسخ بالظاء المعجمة ، وعظ
الزمان والحرب شدتهما وفي النهج بالضاد وهو أظهر.
قوله
عليهالسلام : « كظته البطنة » قال الجوهري : الكظة بالكسر :
شيء يعتري الإنسان عن الامتلاء من الطعام ، يقال كظة كظا وكظني هذا الأمر أي جهدني
من الكرب ، وقال : البطنة : الكظة.
قوله
عليهالسلام : « من قل ذل » أي من قل في الإحسان والجود أو في كل ما هو كمال إما في
الآخرة أو في الدنيا ، فهو ذليل ، أو من قل أعوانه ذل.
قوله
عليهالسلام : « ومن كثر ماله رأس » بفتح الهمزة أي هو رئيس للقوم.
__________________
نبل ومن أفكر في
ذات الله تزندق ومن أكثر من شيء عرف به ومن كثر مزاحه استخف به ومن كثر ضحكه ذهبت
هيبته فسد حسب من ليس له أدب إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال ليس من جالس
الجاهل بذي معقول من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال لن ينجو من الموت غني بماله
ولا فقير لإقلاله.
أيها الناس لو أن
الموت يشترى لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الأبلج واللئيم الملهوج
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ومن كثر حلمه نبل » النبالة : الفضل والشرف ، والفعل نبل بضم الباء.
قوله
عليهالسلام : « ومن أفكر » إلخ. أفكر في الشيء وفكر فيه وتفكر ، بمعنى وتزندق أي صار
زنديقا ويطلق الزنديق على الثنوي وعلى المنكر للصانع وعلى كل ملحد كافر.
قوله
عليهالسلام : « بذي معقول » قال الجوهري : عقل يعقل عقلا
ومعقولا أيضا وهو مصدر ، وقال سيبويه : هو صفة ، وكان يقول إن المصدر لا يأتي على
وزن مفعول البتة ، ويتأول المعقول فيقول كأنه عقل له شيء أي حبس وأيد وشدد.
قوله
عليهالسلام : « لقيل وقال » قال الفيروزآبادي : القول في الخير
، والقال والقيل والقالة في الشر أو القول مصدر ، والقال والقيل : اسمان له ،
والقال الابتداء ، والقيل بالكسر الجواب.
قوله
عليهالسلام : « لو أن الموت يشتري » إلخ ، الأبلج الوجه : مشرقه ، والأبلج هو الذي قد وضح ما
بين حاجبيه فلم يقترنا ، وهذه من علامات اليمن والبركة والكرم في المشهور ،
والملهوج لم يأت في اللغة ، واللهج بالشيء الولوع به ، وهو لازم. نعم قال الجوهري : شواء ملهوج بضم الميم وفتح اللام والواو إذا لم ينضج ، وهو لا يناسب المقام
إلا بتكلف ، والظاهر أن المراد به الحريص ، ويمكن أن يوجه حاصل هذا الكلام بوجوه.
__________________
أيها الناس إن
للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس
إلى الحذر من الخطر وللقلوب خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى وفي التجارب علم
مستأنف والاعتبار يقود إلى الرشاد وكفاك
______________________________________________________
الأول : أن يكون
المراد أنه لو كان الموت مما يمكن أن يشتري لاشتراه الكريم لشدة حرصه في الكرم
وقلة بضاعته ، كما هو الغالب في أصحاب الكرم ، فلا يجد ما يجود به وهو محزون دائما
لذلك ، ويتمنى الموت ويشتريه إن وجده ، واللئيم يشتريه لأنه لا يحصل له ما هو
مقتضى حرصه ، وقد ينقص من ماله شيء بالضرورة وهو مخالف لسجيته ، ويرى الناس في
نعمه فيحسدهم عليها ، فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه.
الثاني : أن يكون
المراد أنه يشتري الكريم لنفسه ليتخلص منه البائع ، واللئيم لأنه حريص على جمع
جميع الأشياء حتى الموت.
الثالث : أن يقال
: أنه يشتري الكريم ليرفع الموت من بين الخلق ، واللئيم ليميت جميعهم ويستبد
بأموالهم ، قوله عليهالسلام
: « عن مدرجة » قال الجوهري : المدرجة : المذهب والمسلك ، والحاصل أن
للقلوب شواهد مما يفيض عليها من أنوار حكمة الله ، أو مما جبلها الله عليه من
معرفة الحق أو مما يشاهده ويعتبر به في عالم الخلق تجري تلك الشواهد ، وتخرج
الأنفس عن مسالك أهل التقصير في العبادة إلى منازل المتعبدين ودرجات المقربين.
قوله
عليهالسلام : « وفطنة الفهم » يحتمل أن يكون مبتدأ وخبره قوله : « ما يدعو » بأن تكون ما موصولة ، أو يكون مع خبره ما مطرفا فتنحسب
عليه كلمة « إن » أي إن فطنة الفهم هي ما يدعو النفس إلى الحذر من مخاطرات الآخرة
لا مجرد فهمها مع عدم العمل بها. ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله « شواهد » أي إن للقلوب فطنة الفهم للمواعظ ما دام يدعو النفس أو
مقدار ما يدعو النفس إلى الحذر والله أعلم.
__________________
أدبا لنفسك ما
تكرهه لغيرك وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه لقد خاطر من استغنى برأيه
والتدبر قبل العمل فإنه يؤمنك من الندم ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطإ
ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول ومن حصن شهوته فقد صان قدره ومن أمسك لسانه
أمنه قومه ونال حاجته وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال والأيام توضح لك السرائر
الكامنة وليس في البرق الخاطف مستمتع
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « والعقول » تزجر وتنهى أي عن خواطر الهوى.
قوله
عليهالسلام : « ما تكرهه لغيرك » وفي نهج البلاغة « اجتناب ما تكرهه
» وهو المراد ، أو المعنى كفاك مؤدبا لنفسك ملاحظة ما تكرهه لغيرك والتأمل فيها.
قوله
عليهالسلام : « مثل الذي لك عليه » أي ينبغي أن تفعل به ما تأمل وترجو منه.
قوله
عليهالسلام : « لقد خاطر » في الأخبار الآخر « خاطر بنفسه » وهو مراد هيهنا ، قال
الجوهري : الخطر : الإشراف على الهلاك ، يقال : خاطر بنفسه.
قوله
عليهالسلام : « والتدبر قبل العمل » أي يجب أن يكون التدبر قبل العمل ليؤمن من الندم بعده.
قوله
عليهالسلام : « من استقبل وجوه الآراء » أي استشار الناس وأقبل نحو آرائهم وتفكر فيها ولا يبادر
بالرد أو تفكر في كل أمر ليقبل إليه الآراء والأفكار.
قوله
عليهالسلام : « عدلت رأيه العقول » أي حكم العقول بعدالة رأيه وصوابه.
قوله
عليهالسلام : « أمنه قومه » بالفتح أي أمن قومه من شره أو بالمد له أمن من شر قومه أو
علا قومه أمينا ونال الحاجة التي توهم حصولنا في إطلاق اللسان.
قوله
عليهالسلام : « وليس في البرق الخاطف » إلخ. لعل المراد أنه لا ينفعك ما يقرع سمعك من العلوم
النادرة كالبرق الخاطف ، بل ينبغي أن تواظب على سماع المواعظ وتستضيء دائما بأنوار
الحكم لتخرجك من ظلم الجهالات ، ويحتمل أن يكون المراد لا ينفع سماع العلم مع
الانغماس في ظلمات المعاصي والذنوب.
__________________
لمن يخوض في
الظلمة ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة وأشرف الغنى ترك المنى
والصبر جنة من الفاقة والحرص علامة الفقر والبخل جلباب المسكنة والمودة قرابة
مستفادة ووصول معدم خير من جاف مكثر والموعظة كهف لمن وعاها ومن أطلق طرفه كثر
أسفه وقد أوجب الدهر شكره على من نال سؤله وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو
إحسان ومن ضاق خلقه مله أهله ومن نال
______________________________________________________
قوله
: « والصبر » أي على الفقر أو
مطلقا قوله : «
جلباب المسكنة » قال الفيروزآبادي : الجلباب كسرداب وسنمار : القميص وثوب واسع للمرأة دون
الملحفة أو ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار.
قوله
عليهالسلام : « قرابة مستفادة » أي استفدتها بالمودة.
قوله
عليهالسلام : « ووصول معدم » أي من يصل الناس بحسن الخلق والمودة مع فقره ، خير ممن
يكثر في العطاء وهو
جاف أي سيئ الخلق
غليظ ، وفي الفقيه مكان مكثر « مثر » يعني ذا ثروة من المال ، فالمعنى أن الفقير
المتودد خير من الغني المتجافي ، وعبارة الكتاب أيضا يحتمل ذلك.
قوله
: « ومن أطلق طرفه » الطرف بسكون الراء والعين وبالتحريك اللسان والخبر يحتملهما كما لا يخفى.
قوله
عليهالسلام : « وقد أوجب الدهر شكره » أي يجب شكر المنعم سواء كان هو سبحانه أو غيره ، ويحتمل أن
يكون كناية عن قلة نيل السؤال في الدهر.
قوله
: « وقل ما ينصفك اللسان » أي إذا مدحت أحدا لا ينصفك اللسان بل يطري ويتجاوز عن حده ، وإذا سخطت على
أحد تذمه أكثر مما هو فيه ، والزائد مما يستحقه أو أنه في
مدح الناس وشكرهم يقصر ، وهو في ذمهم يفرط ، والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « من نال استطال » النيل : إصابة السيء ، وفي القاموس : رجل نال جواد أو كثير
النائل ونال ينال نائلا ونيلا ونال : ما أكثر نائله فالمعنى من أصاب ملكا أو عزا
__________________
استطال وقل ما
تصدقك الأمنية والتواضع يكسوك المهابة وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق كم من عاكف
على ذنبه في آخر أيام عمره ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه وانح القصد من
القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن وفي خلاف النفس رشدك من عرف الأيام لم
يغفل عن الاستعداد ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل أكلة غصصا لا تنال نعمة إلا
بزوال أخرى ولكل ذي رمق قوت
______________________________________________________
أو مالا أو علما
أو غيرها من أسباب الشرف ، يلزمه غالبا الفخر والاستطالة ، فحذف المفعول للإبهام
والتعميم ، أو المراد أن الجود والكرم غالبا يوجبان الفخر والمن والاستطالة.
قوله
عليهالسلام : « وقل ما تصدقك » على المجرد أي في الغالب أمنيتك كاذبة فيما تعدك.
قوله
عليهالسلام : « كم من عاكف » إلخ. أي من ينبغي الحذر عن الذنوب في جميع الأوقات لاحتمال
كل وقت أن يكون آخر عمره وهو لا يعلم.
قوله
عليهالسلام : « وانح القصد » أي اقصد الوسط العدل من القول ، وجانب التعدي والإفراط
والتفريط ، ليخف عليك المؤن ، فإن من قال جورا أو ادعى أمرا باطلا يشتد عليه الأمر
لعدم إمكان إثباته.
قوله
عليهالسلام : « وإن مع كل جرعة شرقا » الشرق والغصة اعتراض الشيء في الحلق ، وعدم إساغته ،
والأول يطلق في المشروبات ، والثاني في المأكولات غالبا.
قوله
عليهالسلام : « لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى » قال ابن ميثم : فإن نعمها لا
تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع انتهى.
أقول : ظاهر أن
عادة الدنيا أن نعمها متناوبة ، فإن من ليس له مال يكون آمنا صحيحا غالبا ، وإذا
حصل له الغنى يكون خائفا أو مريضا لا ينتفع بما له ، بل كل حالة من جهة نعمة ، ومن
جهة بلاء كالمرض ، فإنه نعمة لتكفيره السيئات ، فإذا ورد عليه نعمة الصحة زالت تلك
النعمة الحاصلة بالبلاء.
__________________
ولكل حبة آكل وأنت
قوت الموت.
اعلموا أيها الناس
أنه من مشى على وجه الأرض فإنه يصير إلى بطنها والليل والنهار يتنازعان [ يتسارعان
] في هدم الأعمار.
يا أيها الناس كفر
النعمة لؤم وصحبة الجاهل شؤم إن من الكرم لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان
وإفشاء السلام إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم ليس كل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ولكل ذي رمق » وفي بعض النسخ « ولكل رمق » الرمق محركة : منه الحياة ، أي
لكل ذي حياة قوت مقرر أو لكل قدر من الحياة قوت مقدر ، فلا ينفع الحرص في طلبه ،
ولا ينبغي ارتكاب الإثم في تحصيله ، ولكل حبة آكل ، قدر الله تعالى أن يأكلها ،
فإن قدر أن تأكلها تصل إليك بلا تعب ، وإن قدر أن يأكلها غيرك فلا ينفع تعبك في
تحصيلها ، مع أنك قوت الموت ، وتموت البتة فلأي شيء تجمع ما لا تحتاج إليه.
قوله
عليهالسلام : « يتنازعان » أي كأنهما لسرعة انقضائهما وتواليهما يتسارعان في هدم
الأعمار ويتسارعان يريد كل منهما أن يسبق صاحبه في ذلك.
قوله
عليهالسلام : « كفر النعمة لؤم » اللؤم بالضم مهموزا : ضد الكرم ، واللوم بالفتح غير مهموز
: العذل والملامة ، والعبارة تحتملهما وإن كان الأول أنسب والشؤم بالضم مهموزا :
ضد اليمن.
قوله
عليهالسلام : « إن من الكرم » أي الجود أو الكرامة.
قوله
عليهالسلام : « ومن العبادة إظهار اللسان » في أكثر النسخ بالمعجمة بالإضافة إلى المفعول أو الفاعل ،
والمراد ما يظهره اللسان من المواعظ والنصائح والمداراة مع الخلق ولين الكلام معهم
، وفي بعضها بالطاء المهملة أي تطهير اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش
وأمثالها.
قوله
عليهالسلام : « ليس كل طالب يصيب » الغرض ترك الحرص في طلب الأمور الدنيوية فإنه ليس كل ما
يطلب يدرك ، ولا كل غائب يرجع إليك.
طالب يصيب ولا كل
غائب يئوب لا ترغب فيمن زهد فيك رب بعيد هو أقرب من قريب سل عن الرفيق قبل الطريق
وعن الجار قبل الدار ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل استر عورة أخيك كما
تعلمها فيك اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك من غضب على من لا يقدر على ضره طال
حزنه وعذب نفسه من خاف ربه كف ظلمه [ من خاف ربه كفي عذابه ] ومن لم يزغ في كلامه
أظهر فخره ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة إن من الفساد إضاعة الزاد
ما أصغر المصيبة
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لا ترغب فيمن زهد فيك » أو لا تطلب صحبة من لا يريد صحبتك ويتنفر عنك من أبناء
الدنيا ، ويمكن أن يكون المراد ترك الدنيا ، أن يكون المراد ترك الدنيا فإنها تفر
عن كل من رغب إليها.
قوله
عليهالسلام : « رب بعيد هو أقرب من قريب » إذ كثير من الأمور التي يعدها الإنسان بعيدا عنه كالموت
والمصائب بل بعض النعم أيضا قريب منه وهو لا يعلم حتى يرد عليه ، وكذا رب أمر يظنه
قريبا منه ولا يأتيه وإن بذل جهده في تحصيله.
قوله
عليهالسلام : « أدركه المقيل » أي النوم والاستراحة في القائلة وهي نصف النهار ، فكذا من
أسرع في سفر الآخرة يدرك الراحة بعد انتهاء السفر.
قوله
عليهالسلام : « استر عورة أخيك » أي عيوبه « كما تعلمها فيك » وتسترها على نفسك ، وتبغض من يفشيها عليك ، ولعل هتكك سر
أخيك يوجب هتك سرك.
قوله
عليهالسلام : « من لم يرع » بالمهملة من رعى يرعى أي عدم الرعاية في الكلام يوجب إظهار
الفخر ويمكن أن يكون بضم الراء من الروع بمعنى الخوف ، وفي بعض النسخ بالمعجمة
يقال : « كلام مرغ » إذا لم يفصح عن المعنى فالمراد أن انتظام الكلام والفصاحة فيه
إظهار للفخر والكمال ، فيكون مدحا لازما ، وفي أمالي الصدوق « ره » « من لم يرع في
كلامه أظهر هجره » والهجر : الفحش وكثرة الكلام فيما لا ينبغي ولعله أظهر.
قوله
عليهالسلام : « إضاعة الزاد » أي الإسراف فيه وصرفه في غير مصارفه.
__________________
مع عظم الفاقة غدا
هيهات هيهات وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب فما أقرب الراحة من
التعب والبؤس من النعيم وما شر بشر بعده الجنة وما خير بخير بعده النار وكل نعيم
دون الجنة محقور وكل بلاء دون النار عافية وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر تصفية
العمل أشد من العمل وتخليص النية من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد هيهات
لو لا التقى لكنت أدهى العرب
______________________________________________________
قوله
: « مع عظم الفاقة غدا » أي في القيامة إلى أجر المصيبة.
قوله
عليهالسلام : « وما تناكرتم » أي ليس تناكركم وتباغضكم إلا لذنوبكم إذ لا منازعة في
الطاعات ، ويحتمل أن يراد بالذنوب الأخلاق الذميمة التي هي ذنوب القلب ، وتورث التناكر
كالحسد والكبر والحقد وحب الدنيا ، ويحتمل أن يكون المراد بالتناكر الجهل بالحق
وفضل الطاعات.
قال الفيروزآبادي : تناكر : تجاهل والقوم تعادوا وتناكره جهله.
قوله
عليهالسلام : « فما أقرب الراحة » أي في الذنوب والمعاصي من التعب في الآخرة أو المراد سرعة
تقلب أحوال الدنيا.
قوله
عليهالسلام : « كل نعيم دون الجنة » أي غيرها أو عندها أي بالنسبة إليها وكذا في الفقرة
الثانية.
قوله
عليهالسلام : « وعند تصحيح الضمائر » أي إذا أراد الإنسان تصحيح ضميره عن النيات الفاسدة
والأخلاق الذميمة تبدو له العيوب الكبيرة العظيمة الكامنة في النفس والأخلاق
الذميمة الجليلة التي خفيت عليه تحت أستار الغفلات.
قوله
عليهالسلام : « من طول الجهاد » أي المجاهدة مع الأعادي الظاهرة أو السعي في الطاعات.
قوله
عليهالسلام : « لكنت أدهى العرب » الدهى : الفكر وجودة الرأي والمراد هنا المكر والحيل
الباطلة.
__________________
أيها الناس إن
الله تعالى وعد نبيه محمدا صلىاللهعليهوآله الوسيلة ووعده الحق « وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ » ألا وإن الوسيلة على درج الجنة وذروة ذوائب الزلفة ونهاية
غاية الأمنية لها ألف مرقاة ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام
وهو ما بين مرقاة درة إلى مرقاة جوهرة إلى مرقاة زبرجدة إلى مرقاة لؤلؤة إلى مرقاة
ياقوتة إلى مرقاة زمردة إلى مرقاة مرجانة إلى مرقاة كافور إلى مرقاة عنبر إلى
مرقاة يلنجوج إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة غمام إلى مرقاة هواء إلى مرقاة نور قد أنافت
على كل الجنان ورسول الله صلىاللهعليهوآله يومئذ قاعد عليها مرتد بريطتين ريطة من رحمة الله وريطة من
نور الله عليه تاج
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وذروة ذوائب الزلفة » قال الجوهري : ذرى الشيء بالضم أعاليه ، الواحدة ذروة وذروة
أيضا بالضم وهي أعلى السنام ، وقال الفيروزآبادي :
الذؤابة : الناصية
أو منبتها من الرأس وشعر في أعلى ناصية الفرس ، ومن العز والشرف ومن كل شيء أعلاه انتهى.
أقول : المراد
أعلى أعالي درجات القرب ، والغاية : النهاية ، وقد تطلق على المسافة أي منتهى نهايات
الأماني التي تنتهي إليها أماني الخلق ، أو منتهى مسافتها الممتدة الطويلة المدى ،
والحضر بالضم : العدو ، أي مائة عام بقدر عدو الفرس الجواد أي النجيب الكثير
العدو.
قوله
عليهالسلام : « ما بين مرقاة درة » هي اللؤلؤة العظيمة ، ولعل المراد منها نوع من اللؤلؤة نوع
آخر ، وليست الدرة في رواية ابن سنان ورواية أبي سعيد الخدري في وصف الوسيلة كما
ذكرهما الصدوق « ره » ، والمراد بالجوهر نوع آخر غير ما ذكرنا كالبلور
مثلا ، و « يلنجوج
» عود البخور.
قوله
عليهالسلام : « قد أنافت » أي ارتفعت وأشرفت.
قوله
عليهالسلام : « بريطتين » الريطة بفتح الراء : كل ثوب رقيق لين ، والإكليل شبه عصابة تزين بالجواهر ، يزين به التاج ، والمراد بتاج النبوة التاج الذي يكسى
__________________
النبوة وإكليل
الرسالة قد أشرق بنوره الموقف وأنا يومئذ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته وعلي
ريطتان ريطة من أرجوان النور وريطة من كافور والرسل والأنبياء قد وقفوا على
المراقي وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة لا
يرانا ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا وعن يمين
الوسيلة عن يمين الرسول صلىاللهعليهوآله غمامة بسطة البصر يأتي منها النداء يا أهل الموقف طوبى لمن
أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي العربي ومن كفر فالنار موعده وعن يسار الوسيلة عن
يسار الرسول صلىاللهعليهوآله ظلة يأتي منها النداء يا أهل الموقف طوبى لمن أحب الوصي
وآمن بالنبي الأمي والذي له الملك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من
لقي خالقه بالإخلاص لهما والاقتدار بنجومهما ـ فأيقنوا
______________________________________________________
لأجل النبوة أو هو
علامة النبوة وكذا إكليل الرسالة.
قوله
عليهالسلام : « من أرجوان النور » هو معرب أرغوان ، ويطلق على كل لون يشبهه « وأعلام الأزمنة » الأوصياء وسائر الأئمة صلوات الله عليهم.
قوله
عليهالسلام : « بهت » أي تحير من العجب. قوله عليهالسلام : « بسطة البصر » أي قدر مد البصر.
قوله
: « طوبى لمن أحب الوصي » قال الجزري : فيه « فطوبى للغرباء » طوبى : اسم الجنة ، وقيل : هي
شجرة فيها ، وأصلها : فعلى من الطيب ، فلما ضمت الطاء انقلبت الياء واوا. وفيه :
طوبى للشام ، المراد بها هيهنا فعلى من الطيب انتهى.
أقول : ورد في
أخبارنا المتواترة أن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام وفي دار كل مؤمن غصن منها.
قوله
عليهالسلام : « ظلمة » وفي بعض النسخ ظلة وهي أظهر وهي بالضم السحاب ، وما أظلك
من شجر وغيرها ، قوله
: « ولا نال الروح » الروح بالفتح : الراحة والرحمة.
قوله
عليهالسلام : « والاقتداء بنجومهما » أي الأئمة من أولادهما أو آثارهما وعلومهما.
__________________
يا أهل ولاية الله
ببياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم « عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ
» ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه
وأعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون وما من رسول
سلف ولا نبي مضى إلا وقد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من بعده ومبشرا برسول الله
صلىاللهعليهوآله ـ وموصيا قومه باتباعه ومحليه عند قومه ليعرفوه بصفته
وليتبعوه على شريعته ولئلا يضلوا فيه من بعده فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الإعذار
والإنذار عن بينة وتعيين حجة فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من الأنبياء ولئن
أصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل
ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلىاللهعليهوآله لأن الله ختم به الإنذار والإعذار وقطع به الاحتجاج والعذر
بينه وبين خلقه وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به ولا
قربة إليه إلا بطاعته وقال في محكم كتابه : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ
وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » فقرن طاعته بطاعته
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ومحليه » أي يذكر حليته ووصفه وفضائله يقال : حلاه تحلية أي نعته
ووصفه.
قوله
عليهالسلام : « عن بينة » أي بعد بينة « فعن » تكون بمعنى « بعد » أو معرضا عن بينة.
قوله
عليهالسلام : « لأن الله حسم » أي قطع ، وفي بعض النسخ « ختم » قوله عليهالسلام«
ومهيمنه » أي شاهده قوله تعالى : « فَما
أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً
» أي تحفظ عليهم أعمالهم
وتحاسبهم عليها « فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا
الْحِسابُ » أو حفيظا تسأل عن أعمالهم وتعاقب عليها ، بل إنما عليك البلاغ المبين.
قوله
عليهالسلام : « فكان ذلك » أي ما بين في هذه الآية من وجوب طاعته.
__________________
ومعصيته بمعصيته
فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه وشاهدا له على من اتبعه وعصاه وبين ذلك في غير
موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في
تصديقه والقبول بدعوته : « قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » فاتباعه ص محبة الله ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنة وفي التولي
عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار وذلك قوله « وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ
مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ » يعني الجحود به والعصيان له فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده وقتل بيدي
أضداده وأفنى بسيفي جحاده وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين وسيفه على
المجرمين وشد بي أزر رسوله وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني
بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته فقال ص وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصت بهم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وشاهدا » أي حجة وبرهانا.
قوله
عليهالسلام : « ورضاه » معطوف على محبة الله و « غفران الذنوب » عطف بيان له ، أو بدل أي اتباعه يوجب رضى الله الذي هو
غفران الذنوب ، أو رضاه مبتدأ وضميره راجع إلى الرسول وغفران الذنوب خبره ،
والأخير أظهر.
قوله
عليهالسلام : « محادة الله » المحادة : المخالفة والمنازعة. قوله عليهالسلام
: « والبعد » هو مبتدأ « ومسكن النار » على صيغة اسم الفاعل خبره.
قوله
عليهالسلام : « وجعلني زلفة » الزلفة بالضم القرب والمنزلة ، أي جعلني وسيلة قرب
المؤمنين.
قوله
عليهالسلام : « وشد بي أزر رسوله » قال الجوهري : الأزر : القوة
، وقوله تعالى « اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي » أي ظهري.
قوله
: « وحباني بأحكامه » في النهاية : يقال : حباه كذا وبكذا : إذا أعطاه ، والحباء : العطية.
قوله
عليهالسلام : « وقد حشده » يقال : حشد القوم : أي اجتمعوا وكان فيه
__________________
المحافل.
أيها الناس إن
عليا مني كهارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول إذ
عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه كما كان هارون أخا موسى لأبيه وأمه ولا كنت نبيا
فاقتضى نبوة ولكن كان ذلك منه استخلافا لي كما استخلف موسى هارون عليهالسلام حيث يقول « اخْلُفْنِي
فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ » وقوله عليهالسلام حين تكلمت طائفة فقالت نحن موالي رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى حجة الوداع ثم صار إلى غدير خم فأمر فأصلح له شبه
المنبر ثم علاه وأخذ بعضدي حتى رئي بياض إبطيه رافعا صوته قائلا في محفله من كنت
مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فكانت على ولايتي ولاية الله
وعلى عداوتي عداوة الله وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ
دِيناً » فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره وأنزل الله تبارك وتعالى اختصاصا
لي وتكرما نحلنيه وإعظاما وتفصيلا من رسول الله صلىاللهعليهوآله منحنيه وهو قوله تعالى : « ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ
______________________________________________________
حذفا وإيصالا أي
حشدوا عنده ، أو معه أو له.
قوله
عليهالسلام : « وأنغصت بهم المحافل » أي تضيقت بهم قال الفيروزآبادي : منزل غاص بالقوم : ممتلئ وأغص علينا الأرض ضيقها ، وقال : المحفل كمجلس : المجتمع.
قوله
عليهالسلام : « عن الله » الظاهر تعلقه بقوله : « عقل » أي فهموا عن ربهم بتوسط الرسول أو بتوفيق ربهم ، ويحتمل
تعلقه بالنطق وهو بعيد ، وعقل عن الله شائع في الأخبار. قوله : « فاقتضى » على صيغة المتكلم أو الغائب أي فاقتضى كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نبوة.
قوله
عليهالسلام : « فأصلح » وفي بعض النسخ [ فاصطلح ] بمعناه ، ولعله تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « وأنزل الله » إلى آخره يحتمل وجهين :
الأول : أن يكون
المراد إنزال الآية السابقة ، فالمراد بقوله عليهالسلام وهو قوله
__________________
مَوْلاهُمُ
الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ » في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني
الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالة فلبئس ما عليه
وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا يتلاعنان في دورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه
يقول لقرينه إذا التقيا « يا
لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ
______________________________________________________
أن المولى الذي
أثبت لي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو بالمعنى الذي أثبته الله لنفسه ، في قوله
«
مَوْلاهُمُ الْحَقِّ » أي السيد المطاع ، والأولى بالنفس والمال. والثاني : أن يكون
المراد إنزال الآية اللاحقة بأن يكون مولاهم مبتدأ ، والحق خبره ، ويكون المراد
بالمولى أمير المؤمنين عليهالسلام كما ورد به بعض الأخبار في تفسيرها ، ويكون في قراءة أهل
البيت عليهمالسلام الحق بالرفع ، ويمكن توجيهه على القراءة المشهورة التي هي
بالجر أيضا بهذا المعنى ، بأن يكون مولاهم بدل اشتمال للجلالة ، والرد إليه تعالى
يكون على المجاز ، والمعنى الرد إلى حججه للحساب ، وقد شاع أن الملوك ينسبون إلى
أنفسهم ما يرتكبه خدمهم كما ورد في تفسير قوله تعالى : « إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ » أنهم عليهمالسلام قالوا : إلينا إياب الخلق ، وعلينا حسابهم ، والحق خلاف
الباطل ، والثابت الباقي ، وقيل : هو بمعنى المحق.
قوله
عليهالسلام : « في مناقب » متعلق بأول الكلام أي قائلا في محفلة هذا في جملة مناقب ،
ويمكن أن يقرأ « في » بالتشديد ومناقب بالضم بأن يكون مبتدأ والظرف خبره.
قوله
عليهالسلام : « ولئن تقمصها » يقال : تقمص القميص أي لبسه ، والضمير راجع إلى الخلافة أي
لبسوها كالقميص.
قوله
عليهالسلام : « واعتقداها » أي حفظاها وشداها على أنفسهما أو اعتقدا وظنا أنها لهما ،
قال الجوهري : اعتقد ضيعة ومالا أي اقتناهما واعتقد كذا بقلبه.
قوله
عليهالسلام : « يتلاعنان في دورهما » أي في نار البرزخ ونار الخلد أقول
__________________
الْمَشْرِقَيْنِ
فَبِئْسَ الْقَرِينُ » فيجيبه الأشقى على رثوثة يا ليتني لم أتخذك خليلا لقد أضللتني
« عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً » فأنا الذكر الذي عنه ضل والسبيل الذي عنه مال والإيمان الذي
به كفر والقرآن الذي إياه هجر والدين الذي به كذب والصراط الذي عنه نكب ولئن رتعا
في الحطام المنصرم والغرور المنقطع وكانا منه « عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ » لهما على شر ورود في أخيب وفود وألعن مورود يتصارخان
باللعنة ويتناعقان بالحسرة ما لهما من راحة ولا عن عذابهما
______________________________________________________
ظاهر هذه الفقرات
أن هذه الخطبة كانت بعد انقضاء دولتهما ووصولهما إلى عذاب الله وهو ينافي ما مر في
أول الخبر أنها كانت بعد سبعة أيام من وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيحمل على أنها إخبار عما يكون من حالهما بعد ذهابهما إلى
عذاب الله « يقول
لقرينة » أي أبو بكر لعمر
، والأشقى هو عمر ، والرثوثة : البذاذة وسوء الحال ، وقد ورد في الأخبار أن المراد « بغلان » في الآية أبو بكر ، والذكر هو ولاية علي عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « والحطام » الحطام المتسكر من الخشب ، والحشيش والنبات ويشبه به
الدنيا ، لعدم ثباتها وكونها مشوبة بما يكدرها.
قوله
عليهالسلام : « لهما » في موضع جزاء الشرط ، واللام لجواب القسم المقدس قوله عليهالسلام
: « في أخيب وفود » الوفود : الورود ، وجمع الوافد ، والمراد هنا الثاني ، قوله عليهالسلام
: « وألعن مورود » والظاهر أن « ألعن » هنا مشتق من المبني للمفعول على خلاف القياس كأعذر وأشهر
وأعرف : أي يدخلون في قوم مورود عليهم هم أكثر الناس استحقاقا للعن ، ويحتمل أن
يكون مشتقا من المبني للفاعل أي القوم الذين هم يردون عليهم يلعنونهم أشد اللعن.
قوله
عليهالسلام : « ويتناعقان » النعيق : صوت الغراب ، والصوت الذي يزجر به الغنم وقد شاع
في عرف العرب والعجم تشبيه الصوت الذي يصدر عند غاية الشدة بصوت البهائم.
__________________
من مندوحة إن
القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان يقيمون لها المناسك وينصبون لها العتائر
ويتخذون لها القربان ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « من مندوحة » المندوحة السعة.
قوله
عليهالسلام : « وسدنة أوثان » قال الجوهري : السادن : خادم
الكعبة وبيت الأصنام ، والجمع السدنة.
قوله
عليهالسلام : « يقيمون لها المناسك » أي الذبائح والقرابين ويحتمل مناسك الحج وسائر العبادات
أيضا.
قوله
عليهالسلام : « وينصبون لها العتائر » قال في النهاية : وفيه على كل
مسلم أضحاة وعتيرة كان الرجل من العرب ينذر النذر ، يقول إذا كان كذا وكذا ، أو
بلغ شاءه كذا ، فعليه أن يذبح من كل عشرة منها في رجب كذا ، وكانوا يسمونها
العتائر ، وقد عتر يعتر عترا إذا ذبح العتيرة ، وهكذا كان في صدر الإسلام وأوله ثم
نسخ ، وقد تكرر ذكرها في الحديث ، قال الخطابي : العتيرة تفسيرها في الحديث أنها
شاة تذبح في رجب ، وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ، ويليق بحكم الدين وأما العتيرة
التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام فيصب دمها على
رأسها.
قوله
عليهالسلام : « ويجعلون لها البحيرة » قال الشيخ الطبرسي « ره » : البحيرة
الناقة إذا نتجت خمسة أبطن ، فإن كان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي شقوها ، وحرموا
ركوبها ، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى ، ولو لقيها المعيي لم يركبها ، والسائبة ما
كانوا يسيبونه كان الرجل يقول إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة ،
فكانت كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها ، وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال : هو سائبة
ولا عقل بينهما ولا ميراث ، وكانوا يسيبونهما لطواغيتهم ، ولسدنة الأصنام والوصيلة في الغنم كانت الشاة إذا ولدت أنثى ، فهي لهم وإذا ولدت
ذكرا ذبحوه لآلهتهم ، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر
لآلهتهم. والحامي : هو
__________________
والحام ويستقسمون
بالأزلام عامهين عن الله عز ذكره حائرين عن الرشاد مهطعين إلى البعاد وقد « اسْتَحْوَذَ
عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ » وغمرتهم سوداء الجاهلية ورضعوها جهالة و
______________________________________________________
الفحل إذا أنتجت
من صلبه عشرة أبطن ، قالوا : قد حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ، ولا يمنع من
ماء ولا مرعى انتهى ، وقد ذكر المفسرون واللغويون لكل منها معاني أخرى لا طائل في
ذكرها.
قوله
عليهالسلام : « ويستقسمون بالأزلام » قال الشيخ الطبرسي « ره » : هي قداح
كانت لهم مكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي ، وعلى بعضها غفل ،
فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة ما يقسم له بالأزلام مما لم يقسم له بالأزلام
، وقيل : هو الميسر وقسمتهم الجزور على القداح العشرة فالقذ له سهم والتوأم له
سهمان ، والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم ، والحلس له خمسة أسهم ،
والرقيب له ستة أسهم ، والمعلى له سبعة أسهم والسفيح والمنيح والوعد لا أنصباء لها
وكانوا يدفعون القداح إلى رجل يقسمها ، وكان ثمن الجزور على من لم يخرج هذه
الثلاثة التي لا أنصباء لها ، وهو القمار الذي حرمه الله تعالى ، وقيل هو الشطرنج
والنرد.
قوله
عليهالسلام : « عامهين عن الله » قال الجزري : العمة في البصيرة كالعمى في البصر.
قوله
عليهالسلام : « مهطعين إلى العباد » يقال : أقطع في عدوه أي أسرع أي سرعين إلى ما يبعدهم عن
الله ، وعن الحق والرشاد.
قوله
عليهالسلام : « قد استحوذ » قال الجوهري : استحوذ عليه الشيطان أي غلب وهذا جاء بالواو
على أصله كما جاء استروح واستصوب ، وقال أبو زيد : هذا الباب كله يجوز أن يتكلم به
على الأصل تقول العرب استصاب واستصوب ، واستجاب واستجوب ، وهو قياس مطرد عندهم .
قوله
عليهالسلام : « وغمرتهم سوداء الجاهلية » لعلمه من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف أي الجاهلية السوداء ،
ويشبه الجهل والكفر والضلال بالسواد ، ويحتمل أن يكون
__________________
انفطموها ضلالة
فأخرجنا الله إليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة وأسفر بنا عن الحجب نورا لمن اقتبسه
وفضلا لمن اتبعه وتأييدا لمن صدقه فتبوءوا العز بعد الذلة والكثرة بعد القلة
وهابتهم القلوب والأبصار وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة
وكرامة ميسورة وأمن بعد خوف وجمع بعد كوف وأضاءت بنا مفاخر
______________________________________________________
السوداء كناية عن
البدع المظلمة أو الملل الباطلة المضلة مضافة إلى الجاهلية.
قوله
عليهالسلام : « ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة » أي كانوا في صغرهم وكبرهم في الجهالة والضلالة أو أنها
تمكنت الضلالة والجهالة فيهم كأنهما كانتا غذاء هم الذي اشتد عليهم عظمهم ، ونبت
عليه لحمهم أو أنهم جاهلون في كل أمر شرعوا فيه ضالون عند إقلاعهم عنه ، أي مبنى
كل أمورهم على الجهل والضلال ، وفي بعض النسخ وانتظموها ضلالة ، فالضمير راجع إلى
الجهالة أي انتظموا مع الجهالة في سلك ، أو الضمير مبهم يفسره قوله ضلالة ، أي
صاروا ضلالة ولعله تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « وأسفر بنا عن الحجب » إلى آخره. أي ظهر بسببنا كاشفا عن حجب الغيب التي أحاطت
بنا فقوله :
نورا مفعول للأسفار ،
والمراد أنه أظهر بكل منا نورا ، والمراد بالنور ذواتهم عليهمالسلام على سبيل التجريد من قبيل لقيت بزيد أسدا أو علومهم وبركاتهم وآثارهم ،
ويحتمل أن يكون المراد بالنور الرسول ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلى الأخير يحتمل أن يكون الباء للمعية ، ويحتمل أن
يكون الباء للتعدية إذ الغالب أن الأسفار يستعمل لازما بمعنى الإضاءة فقوله نورا ،
حال وإنما أفرد للإشعار بأنهم نور واحد تنزيلا للجميع منزلة شخص واحد.
قوله
عليهالسلام : « فتبوءوا العز بعد الذلة » أي اسكنوا واستقروا في العز.
قوله
عليهالسلام : « أهل نعمة مذكورة » أي يذكرها الناس على وجه التعظيم.
قوله
عليهالسلام : « وكرامة ميسورة » أي حصلت بهم بالسير قوله : « بعد كوف » أي تفرق وتقطع قال الفيروزآبادي : كوفت الأديم : قطعته.
__________________
معد بن عدنان
وأولجناهم باب الهدى وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الإيمان وفلجوا بنا في
العالمين وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين من حام مجاهد ومصل قانت ومعتكف زاهد
يظهرون الأمانة ويأتون المثابة حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه صلىاللهعليهوآله ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة إلى أن رجعوا
على الأعقاب وانتكصوا على الأدبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب
وفلوا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « معد بن عدنان » هو أبو العرب أي ظهر بنا فخر العرب وعزهم عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « وأولجناهم » أي أدخلناهم قوله : « دار السلام » أي الجنة لسلامة من من يدخلها عن الآفات أو بيت السلامة
والأمن في الدنيا.
قوله
عليهالسلام : « وأشملناهم » أي ألبسناهم وأعطيناهم.
قوله
عليهالسلام : « وفلجوا » الفلج الظفر والفوز.
قوله
عليهالسلام : « من حام » أي من يحمى الدين بالجهاد.
قوله
عليهالسلام : « ويأتون المثابة » أي الكعبة لقوله تعالى : « وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ
» أي مرجعا لهم أو محلا لتحصيل الثواب.
قوله
عليهالسلام : « إلا كلحة من خفقة » اللمح سرعة الإبصار والخفقة النفسة والاضطراب ، ويقال :
خفق السراب أي اضطرب ولمع ، والحاصل المبالغة في سرعة ارتدادهم عن الدين بعد فوت
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ووميض البرق لمعانه.
قوله
عليهالسلام : « وانتكصوا » أي رجعوا قهقرى.
قوله
عليهالسلام : « وطلبوا بالأوتار » الأوتار جمع وتر بالكسر ، وهي الجناية أي طلبوا دعاء من
قتل من الكفار بسيف أمير المؤمنين وسائر المؤمنين وطلبوا تدارك ما وصل من الرسول
إلى عشائرهم في أهل بيته.
قوله
عليهالسلام : « وأظهروا الكتائب » هي جمع كتيبة بمعنى الجيش أي رتبوا الجيوش لغزاء أهل بيت
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إن خالفوهم.
قوله
عليهالسلام : « وردموا الباب » والردم السد سدوا باب بيت الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
الديار وغيروا
آثار رسول الله صلىاللهعليهوآله ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بمستخلفه
بديلا « اتَّخَذُوهُ
وَكانُوا ظالِمِينَ » وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله
صلىاللهعليهوآله ممن اختار رسول الله صلىاللهعليهوآله لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري
الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف ألا وإن أول شهادة زور وقعت في
______________________________________________________
كناية عن منع
إتيان الناس إلى باب بيته ورجوعهم إلى أهل بيته.
قوله
عليهالسلام : « وفلوا » بالفاء واللام المشددة أي كسروا إشارة إلى ما فعله قنفذ
بأمر عمر أو كناية عن السعي في تزلزل بنيانهم ، وبذل الجهد في خذلانهم وفي بعض
النسخ بالقاف أي أبغضوا داره وأظهروا عداوة صاحب البيت.
قوله
عليهالسلام : « وبعدوا » من أنواره أي علومه وأحكامه أو الأئمة المنشعبين عن نوره.
قوله
عليهالسلام : « من المهاجري الأنصاري » أي المنسوب إلى طائفة المهاجرين الداخل في الأنصار ، لنصرة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم معهم ، وفي بعض النسخ من مهاجر الأنصاري فيكون بفتح الجيم
مصدرا في الموضعين وهو أظهر.
قوله
عليهالسلام : « ناموس هاشم » أي صاحب أسرار الله وأسرار الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من بني هاشم ، قال الفيروزآبادي : الناموس : صاحب
السر المطلع على باطن أمرك ، أو صاحب سر الخير ، وجبرئيل عليهالسلام والحاذق ومن يلطف مدخله ، وقال الجزري : في حديث المبعث
« أنه ليأتيه الناموس الأكبر » الناموس : صاحب سر الملك ، وقيل الناموس : صاحب سر
الخير ، والجاسوس صاحب سر الشر ، وأراد به جبرئيل ، لأن الله تعالى خصه بالوحي
والغيب اللذين لا يطلع عليهما غيره.
قوله
عليهالسلام : « ألا وإن أول شهادة زور » إلخ ، لم أر دعواهم النص على أبي بكر في غير هذا الخبر ،
وهو غريب.
قوله
عليهالسلام : « عن قليل يجدون غب ما يعملون » عن : هنا بمعنى بعد كما صرح به الفيروزآبادي ، والغب
بالكسر : عاقبة الشيء.
__________________
الإسلام شهادتهم
أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلىاللهعليهوآله فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مضى ولم يستخلف فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام وعن قليل يجدون غب ماعلمون
وسيجدون التالون غب ما أسسه الأولون ولئن كانوا في مندوحة من المهل وشفاء من الأجل
وسعة من المنقلب واستدراج من الغرور وسكون من الحال وإدراك من الأمل فقد أمهل الله
عز وجل شداد بن عاد وثمود بن عبود وبلعم بن باعور وأسبغ عليهم « نِعَمَهُ ظاهِرَةً
وَباطِنَةً » وأمدهم بالأموال والأعمار وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا
آلاء الله وليعرفوا الإهابة له والإنابة إليه ولينتهوا عن الاستكبار فلما بلغوا
المدة واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم فمنهم من حصب « وَمِنْهُمْ مَنْ
أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ » ومنهم من أحرقته الظلة ومنهم من أودته الرجفة ومنهم من
أردته الخسفة « فَما كانَ
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ولئن كانوا في مندوحة من المهل » أي سعة من المهلة.
قوله
عليهالسلام : « وشفاء » أي قليل قوله
عليهالسلام « : وسعة من المنقلب » أي الانقلاب والرجوع إلى الله بالموت.
قوله
عليهالسلام : « وثمود بن عبود » عبود كتنور وثمود اسم قوم صالح النبي عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « وليعترفوا الإهابة له » الإهابة لعلها ، بمعنى الهيبة والمخافة وما وجدته فيما
عندي من كتب اللغة.
قوله
عليهالسلام : « فلما بلغوا المدة » أي آخرها.
قوله
عليهالسلام : « واستتموا الأكلة » أي الرزق المقدر لهم.
قوله
عليهالسلام : « فمنهم من حصب » على البناء للمفعول من المجرد أي رمي بالحصباء ، وهي الحصى
من السماء. والظلة : السحاب ، وفي بعض النسخ الظلمة قوله عليهالسلام
: « ومنهم من أودته الرجفة » أي أهلكته الزلزلة.
قوله
عليهالسلام : « ومنهم من أردته الخسفة » أي أهلكته الخسف والسوخ في الأرض كقارون.
اللهُ
لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » ألا وإن لكل أجل كتابا فإذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوى إليه الظالمون
وآل إليه الأخسرون لهربت إلى الله عز وجل مما هم عليه مقيمون وإليه صائرون ألا
وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون وكباب حطة في بني إسرائيل وكسفينة نوح في
قوم نوح إني النبأ العظيم والصديق الأكبر وعن قليل ستعلمون ما توعدون وهل هي إلا
كلعقة الآكل ومذقة الشارب وخفقة الوسنان ثم تلزمهم المعرات خزيا في الدنيا « وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا
اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ » فما جزاء من تنكب محجته وأنكر حجته وخالف هداته وحاد عن
نوره واقتحم في ظلمه واستبدل بالماء السراب وبالنعيم العذاب وبالفوز الشقاء
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ » أي مكتوب كتب فيه ذلك الأجل فإذا بلغ الكتاب أجله يحتمل أن
يكون بدلا من الكتاب ، أي إذا بلغ أجل الكتاب ، وأن يكون كتاب مفعولا ، أي إذا بلغ
الأجل والعمر الحد الذي كتب في الكتاب ، ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب الكتاب
الذي فيه جميع تقديرات الشخص ، فإذا تحقق جميع ما قدر عليه وبلغ الأجل الذي هو آخر
التقادير.
قوله
عليهالسلام : « فلو كشف لك عما هوى » أي نزل إليه الظالمون بعد انقضاء آجالهم وموتهم.
قوله
عليهالسلام : « وهل هي » أي دنياهم وما يتمتعون فيها في سرعة انقضائها وقلة تمتعهم
بها إلا كلعقة لعقها آكل بإصبعه مرة أو كشربة شربها جرعة ، أو كنعسة نعسها
والوسنان أي النائم الذي لم يستغرق في النوم ، والمعرة : الإثم والأذى والغرم والدية والجناية ، وتلزمهم على باب
الأفعال « والمعرات » فاعله ، وخزيا أو جزاء على اختلاف النسخ مفعوله ، ويحتمل أن
يكون على بناء المجرد ، ويكون جزاء مفعولا لأجله.
قوله
عليهالسلام : « من تنكب محجته » أي عدله عن طريقه الواضح.
قوله
عليهالسلام : « وحاد » أي مال.
__________________
وبالسراء الضراء
وبالسعة الضنك إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه فليوقنوا بالوعد على حقيقته وليستيقنوا
بما يوعدون يوم تأتي « الصَّيْحَةَ
بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا
الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً » إلى آخر السورة
( خطبة الطالوتية )
٥ ـ محمد بن علي
بن معمر ، عن محمد بن علي قال حدثنا عبد الله بن أيوب الأشعري ، عن عمرو الأوزاعي
، عن عمرو بن شمر ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الهيثم بن التيهان أن أمير المؤمنين عليهالسلام خطب الناس بالمدينة فقال الحمد لله الذي لا إله إلا هو كان حيا بلا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « واقتحم » الاقتحام الدخول في الأرض من غير روية.
قوله
عليهالسلام : « إلا جزاء » استثناء من النفي المفهوم من قوله : « فما جزاء ».
خطبة
الطالوتية
الحديث
الخامس : ضعيف. على
مصطلح القوم لكن بلاغة الكلام ، وغرابة الأسلوب والنظام تأبى عن صدوره عن غير
الإمام عليهالسلام ، وإنما سميت بالطالوتية لذكره فيها.
قوله
عليهالسلام : « كان حيا بلا كيف » أي بلا الحياة زائدة يتكيف بها ، ولا كيفية من الكيفيات
التي تتبع الحياة في المخلوقين ، بل حياته علمه وقدرته وهما غير زائدتين على ذاته.
قوله
عليهالسلام : « ولم يكن له كان » الظاهر أن « كان » اسم « لم يكن » لأنه لما قال عليهالسلام « كان » أو هم العبارة زمانا ، فنفى عليهالسلام ذلك ، بأنه كان بلا زمان ، أو لأن الكون يتبادر منه الحدوث
عرفا ، ويخترع الوهم للكون مبدأ نفي عليهالسلام ذلك بأن وجوده تعالى أزلي لا يمكن أن يقال حدث في ذلك
الزمان ، فالمراد بكان على التقديرين ما يفهم ويتبادر أو يتوهم منه.
__________________
كيف ولم يكن له
كان ولا كان لكانه كيف ولا كان له أين ولا كان في شيء ولا كان على شيء ولا ابتدع
لكانه مكانا ولا قوي بعد ما كون شيئا ولا كان ضعيفا قبل أن يكون شيئا ولا كان
مستوحشا قبل أن يبتدع شيئا ولا يشبه شيئا ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه ولا
يكون خلوا منه بعد ذهابه كان إلها حيا بلا حياة ومالكا قبل أن
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ولا كان لكانه » يحتمل أن يكون المراد لكونه ، ويكون القلب على لغة أبي
الحرث بن كعب حيث جوز قلب الواو والياء الساكنتين أيضا مع انفتاح ما قبلهما ألفا
أي ليس له وجود زائد يتكيف به الذات أو ليس وجوده كوجود الممكنات مقرونا بالكيفيات
، ويؤيده ما رواه في كتاب التوحيد في خبر شبيه بصدر هذه الخطبة عن أبي جعفر عليهالسلام : « كان لم يزل حيا بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كون كيف ولا
كان له أين ، ولا كان في شيء ولا كان على شيء ولا ابتدع لكونه [ لكانه ] مكانا إلى
آخر الخبر. ويحتمل أن يكون من الأفعال الناقصة ، والمعنى أنه ليس بزماني أو ليس
وجوده مقرونا بالكيفيات المتغيرة الزائدة. وإدخال اللام والإضافة بتأويل الجملة
مفردا ، أي هذا اللفظ كقولك لزيد قائم معنى.
قوله
عليهالسلام : « ولا كان له أين » أي مكان ، ولا كان في شيء لا كون الجزئي في الكلي ، ولا
كون الجزء في الكل ، ولا كون الحال في المحل ولا كون المتمكن في المكان.
قوله
عليهالسلام : « ولا كان على شيء » هو نفي المكان العرفي كالسرير ، كما أن الأول كان لنفي
المكان الذي هو مصطلح المتكلمين والحكماء.
قوله
عليهالسلام : « ولا ابتدع لكانه مكانا » يجري فيه ما ذكرنا من الوجهين وفيما نقلنا من الخبر سابقا
« لمكانة » أي ليكون مكانا له أو لمنزلته أو لمكانة بالتنوين.
قوله
عليهالسلام : « ولا كان خلوا عن الملك قبل إنشائه » الملك بالضم والكسر يكون بمعنى السلطنة والمالكية والعظمة
، وبمعنى ما يملك ، والضم في الأول أشهر فيحتمل أن يكون المراد عند ذكره وعند
إرجاع الضمير إليه معا هو الأول ، أي كان سلطانا
__________________
ينشئ شيئا ومالكا
بعد إنشائه للكون وليس يكون لله كيف ولا أين ولا حد يعرف ولا شيء يشبهه ولا يهرم
لطول بقائه ولا يضعف لذعرة ولا يخاف كما تخاف خليقته من شيء ولكن سميع بغير سمع
وبصير بغير بصر وقوي بغير قوة من خلقه لا تدركه حدق الناظرين ولا يحيط بسمعه سمع
السامعين إذا أراد شيئا كان بلا مشورة ولا
______________________________________________________
عظيما قبل خلق
السلاطين وسلطنتهم وعظمتهم ، ويحتمل أن يكون المراد عند ذكره المعنى الأول ، وعند
إرجاع الضمير إليه المعنى الثاني على طريقة الاستخدام ، وهو أظهر معنى ، ويحتمل أن
يكون الضمير راجعا إلى الله بالإضافة إلى الفاعل أي قبل إنشائه الأشياء ، لكنه لا
يناسب الفقرة الثانية كما لا يخفى ، والحاصل على التقادير إن سلطنته تعالى ليس
لخلق الأشياء لغناه عنها ، وعدم تقويه بها بل بقدرته على خلقها ، وخلق أضعاف
أضعافها ، وهذه القدرة لا تنفك عنه تعالى ، وفيه رد على القائلين بالقدم ، ودلالة
هذه الفقرات على الحدوث ظاهرة.
قوله
عليهالسلام : « بلا حياة » أي بذاته.
قوله
عليهالسلام : « ولا حد » أي من الحدود الجسمية يوصف ويعرف بها ، أو من الحدود
العقلية المركبة من الجنس والفصل ليعرف به ، إذ كنه الأشياء يعرف بحدودها كما هو
المشهور ، ففيه استدلال على عدم إمكان معرفة كنهه تعالى ، والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « ولا يضعف » وفي بعض النسخ « ولا يصعق » قال الجوهري : صعق الرجل أي غشي عليه ، والذعر بالضم : الخوف ، وبالتحريك : الدهش.
قوله
عليهالسلام : « بغير قوة من خلقه » أي بأن يتقوى بمخلوقاته كما يتقوى المملوك بجيوشهم وحراسهم
[ وخزائنهم ] أو بغير قوة زائدة قائمة به ، وهذه القوة تكون مخلوقة له فيكون
محتاجا إلى مخلوق ممكن ، وهو ينافي وجوب الوجود.
قوله
عليهالسلام : « حدق الناظرين » قال الجوهري : حدقة العين :
سوادها الأعظم والجمع حدق وحداق.
قوله
: « ولا يحيط بسمعه » كأنه مصدر مضاف إلى المفعول ، والمعنى أنه تعالى
__________________
مظاهرة ولا مخابرة
ولا يسأل أحدا عن شيء من خلقه أراده « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ».
وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله « بِالْهُدى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
» فبلغ الرسالة وأنهج الدلالة صلىاللهعليهوآله.
أيها الأمة التي
خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء
غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه
______________________________________________________
ليس من المسموعات
، كما أن الفقرة السابقة دلت على أنه ليس من المبصرات ، ويمكن أن يراد أنه لا يحيط
سمع جميع السامعين بمسموعاته.
قوله
عليهالسلام : « ولا مظاهرة » أي معاونة ، قوله عليهالسلام : « ولا مخابرة » المخابرة في اللغة المزارعة على النصف ، ولعل المراد نفي
المشاركة أي لم يشاركه أحد في الخلق ، ويحتمل أن يكون مشتقا من الخبر بمعنى العلم
أو الاختبار.
قوله
عليهالسلام : « أرسله بالهدي » أي بالحجج والبينات والدلائل والبراهين « وَدِينِ الْحَقِّ
» وهو الإسلام وما تضمنه من الشرائع « لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ » والضمير في ليظهره للدين الحق ، أي ليعلى دين الإسلام على
جميع الأديان بالحجة والغلبة والقهر لها ، أو للرسول أي يجعله غالبا على جميع أهل
الأديان وورد في أخبارنا أنه يكون تمام هذه الوعد عند قيام القائم عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « وأنهج الدلالة » أي أوضحها.
قوله
عليهالسلام : « وضربت في عشواء غوائها » وفي بعض النسخ « غوايتها » وهو أصوب ، والضرب في الأرض
السير فيها ، والعشواء بالفتح : ممدودا الظلمة ، والناقة التي لا تبصر أمامها فهي
تخبط بيديها كل شيء ، ركب فلان العشواء إذا خبط أمره ويقال : أيضا خبط خبط عشواء ،
والظاهر أن المراد هنا الظلمة ، أي سارت الأمة في ظلمة غوايتها وضلالتها ، وإن كان
بالمعنى الثاني فيحتمل أن يكون في بمعنى على
والطريق الواضح
فتنكبته أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء
بعذوبته وادخرتم الخير من موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت
بكم السبل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام فأكلتم رغدا وما عال فيكم عائل ولا
ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم
______________________________________________________
أي سار راكبا على
عشواء غوايتها.
قوله
عليهالسلام : « فصدعت » وفي بعض النسخ « فصدت » والصد : المنع ، ويقال : صدع عنه
أي صرفه.
قوله
عليهالسلام : « فلق الحبة » أي شقها. وأخرج منها أنواع النبات « وبرأ النسمة » أي خلق ذوات الأرواح ، والتخصيص بهذين لأنهما عدة
المخلوقات المحسوسة المشاهدة ، ويظهر آثار الصنع فيهما أكثر من غيرهما.
قوله
عليهالسلام : « لو اقتبستم العلم من معدنه » يقال اقتبست النار والعلم أي استفدته ، وشربتم الحكم بعذوبته ، شبه العلم والإيمان بالماء لكونهما سببين للحياة المعنوي
، وعذوبته خلوصه عن التحريفات والبدع والجهالات.
قوله
: « وسلكتم من الحق نهجه » قال الفيروزآبادي : النهج : الطريق الواضح كالمنهج ، والمنهاج وأنهج وضح
وأوضح ونهج كمنع وضح وأوضح ، والطريق سلكه واستنهج الطريق سار نهجا كأنهج ، وفي بعض النسخ « لنهجت بكم السبيل » أي وضحت لكم أو بسببكم أي كنتم هداة
للخلق ، وفي بعضها لتنهجت وهو قريب مما سبق ، أي اتضحت وفي بعضها لابتهجت ،
والابتهاج : السرور أي كانت سبل الحق راضية عنكم مسرورة بكم ، حيث سلكتموها حق
سلوكها.
قوله
عليهالسلام : « وأضاء » يتعدى ولا يتعدى وكلاهما مناسب.
قوله
عليهالسلام : « فأكلتم رغدا » قال الجوهري : عيشة رغد ورغد
أي واسعة طيبة.
قوله
عليهالسلام : « وما عال » يقال : عال يعيل عيلة وعيولا إذا افتقر.
__________________
سبيل الظلام
فأظلمت عليكم دنياكم برحبها وسدت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم
فأفتيتم في دين الله بغير علم واتبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم
فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الأمر سألتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم
بعينه فكيف وقد تركتموه ـ ونبذتموه وخالفتموه رويدا عما قليل تحصدون جميع ما زرعتم
وتجدون وخيم ما اجترمتم وما اجتلبتم والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد علمتم أني
صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم
ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم فعن قليل رويدا ينزل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أو معاهد » بفتح الهاء أي من هو في عهد وأمان كأهل الذمة.
قوله
عليهالسلام : « دنياكم برحبها » دنياكم : فاعل أظلمت ، والرحب : بالضم السعة أي مع سعتها.
قوله
عليهالسلام : « فكيف وقد تركتموه » أي كيف ينفعكم هذا الإقرار والإذعان وقد تركتم متابعة
قائله ، أو كيف تقولون هذا مع أنه مخالف لأفعالكم؟ والضمائر إما راجعة إلى الإمام
أو إلى علمه ، ورويدا : أي مهلا.
قوله
عليهالسلام : « عما قليل » أي بعد زمان قليل ، وما زائدة ، لتوكيد معنى القلة أو نكرة
موصوفة.
قوله
عليهالسلام : « وخيم ما اجترمتم » قال في النهاية : يقال هذا الأمر
وخيم العاقبة : أي ثقيل رديء والاجترام : اكتساب الجرم والذنب ، والاجتلاب : جلب الشيء إلى النفس وفي بعض النسخ « اجتنيتم » من
اجتناء الثمرة ، أو بمعنى كسب الجرم والجناية ، والأخير أنسب لكنه لم يرد في
اللغة.
قوله
عليهالسلام : « صاحبكم » أي أمامكم والذي به أمرتم أي بمتابعته.
قوله
عليهالسلام : « وخيرة » بكسر الخاء وفتح الياء وسكونها أي مختار ربكم من بين سائر
الخلق بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قوله
عليهالسلام : « ولسان نوركم » المراد بالنور إما الرسول ، أو الهداية والعلم أو
__________________
بكم ما وعدتم وما
نزل بالأمم قبلكم وسيسألكم الله عز وجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عز وجل
غدا تصيرون أما والله لو كان لي عدة أصحاب طالوت أو عدة أهل بدر وهم أعداؤكم
لضربتكم بالسيف حتى تئولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق فكان أرتق للفتق وآخذ بالرفق
اللهم فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين.
قال ثم خرج من
المسجد فمر بصيرة فيها نحو من ثلاثين شاة فقال والله لو أن لي رجالا ينصحون لله عز
وجل ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان عن ملكه.
______________________________________________________
نور الأنوار
تعالى.
قوله
عليهالسلام : « عدة أصحاب طالوت » أي الذين لم يشربوا الماء وحضروا لجهاد جالوت ، وروي عن
الصادق عليهالسلام أنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر ، فكلمة « أو »
بمعنى الواو للتفسير.
قوله
عليهالسلام : « وهم أعداؤكم » أي لم يكونوا مثلكم منافقين ، بل كانوا ناصرين للحق محبين
له معاندين لكم لكفركم ، وفي بعض النسخ وهم أعدادكم ولم أعرف له معنى ، ولعله كان
أعدادهم أي أصحاب بدر كانوا بعدد أصحاب طالوت ، وإنما كررت للتوضيح فصحف.
قوله
: « حتى تؤولوا » أي ترجعوا وتنيبوا من الإنابة ، وهي الرجوع ، وفي بعض النسخ وتنبأوا على
البناء للمفعول ، أي تخبروا بالصدق ، وتذعنوا به.
قوله
عليهالسلام : « فكان ارتق للفتق » الفتق : الشق والرتق ضده ، أي كان تنسد الخلال والفرج التي
حدثت في الدين ، وكان الأخذ بالرفق واللطف للناس أكثر.
قوله
عليهالسلام : « فمر بصيرة » الصيرة بالكسر : حظيرة الغنم.
قوله
عليهالسلام : « لأزلت ابن أكلة الذبان » وفي بعض النسخ « الذباب » بكسر الذال وتشديد الياء جمع
الذباب ، والمراد به أبو بكر ، ولعله إشارة إلى واقعة كذلك كان اشتهر بها ، ويحتمل
أن يكون كناية عن دناءة أصله ورداءة نسبه وحسبه.
__________________
قال فلما أمسى
بايعه ثلاثمائة وستون رجلا على الموت فقال لهم أمير المؤمنين عليهالسلام اغدوا بنا إلى أحجار الزيت محلقين وحلق أمير المؤمنين عليهالسلام فما وافى من القوم محلقا إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر
وجاء سلمان في آخر القوم فرفع يده إلى السماء فقال : اللهم إن القوم استضعفوني كما
استضعفت بنو إسرائيل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « على الموت » أي على أن يلتزموا الموت ويقتلوا في نصرة ، وقال
الفيروزآبادي : أحجار
الزيت موضع بالمدينة.
قوله
عليهالسلام : « أما والبيت والمفضي إلى البيت » قال الجوهري : الفضاء :
الساحة وما اتسع من الأرض ، يقال أفضيت : إذا خرج إلى الفضاء ، وأفضيت إلى فلان
بسري وأفضى الرجل إلى امرأته باشرها ، وأفضى بيده إلى الأرض إذا مسها بباطن راحته
في سجوده انتهى.
فيحتمل أن يكون
المراد القسم بمن يدخل في الفضاء أي الصحراء متوجها إلى البيت أي الحاج والمعتمر.
أو من يفضي إسراره إلى البيت أي إلى ربه ، ويدعو الله عند البيت. أو من يفضي الناس
إلى البيت ويوصلهم إليه ، وهو الله تعالى. أو على صيغة المفعول أي الحاج الواصلين
إلى البيت ، أو على بناء الفاعل أيضا من الإفضاء بمعنى مس الأرض بالراحة ، أي
المسلمين بأحجار البيت ، أو من يفضي إلى الأرض بالسجود في أطراف الأرض متوجها إلى
البيت.
وقال في النهاية : في حديث دعائه للنابغة « لا يفضي الله فاك » ومعناه أن لا يجعله فضاء لا سن
فيه ، والفضاء : الخالي الفارغ الواسع من الأرض انتهى : فيحتمل أن يكون المراد من
جعل من أربعة جوانب فضاء غير معمور إلى البيت ليشق على الناس قطعها ، فيكثر ثوابهم
وهو الله تعالى.
قوله
عليهالسلام : « والخفاف إلى التجمير » التجمير : رمي الجمار ، والخفاف إما جمع الخف ، أي خف
الإنسان إذ خف البعير لا يجمع على خفاف ، بل على أخفاف ، والمراد أثر الخفاف وأثر
أقدام الماشين إلى التجمير. أو جمع الخفيف أي السائرين بخفة وشوق
__________________
هارون اللهم فإِنَّكَ
تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عليك شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا
فِي السَّماءِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، أما والبيت والمفضي إلى البيت وفي نسخة والمزدلفة والخفاف إلى التجمير
لو لا عهد عهده إلي النبي الأمي صلىاللهعليهوآله لأوردت المخالفين خليج المنية ولأرسلت عليهم شآبيب صواعق
الموت وعن قليل سيعلمون.
٦ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه قال كنت عند أبي عبد الله
عليهالسلام إذ دخل عليه أبو بصير وقد خفره النفس فلما أخذ مجلسه قال
له أبو عبد الله عليهالسلام يا أبا محمد ما هذا النفس العالي فقال جعلت فداك يا ابن
رسول الله كبر سني ودق عظمي واقترب أجلي مع أنني لست أدري ما أرد عليه من أمر
آخرتي فقال أبو عبد الله عليهالسلام يا أبا محمد وإنك لتقول هذا قال جعلت فداك وكيف لا أقول
هذا فقال يا أبا محمد أما علمت أن الله تعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول
قال قلت جعلت فداك فكيف يكرم الشباب
______________________________________________________
إلى التجمير ،
وفيه دلالة على جواز الحلف بشعائر الله وحرماته ، وقد مر الكلام فيه في كتاب
الأيمان.
قوله
عليهالسلام : « لو لا عهد عهده » وهو ما ورد في الأخبار المتواترة أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أوصى إليه عليهالسلام أنك إن لم تجد ناصرا فوادعهم وصالحهم حتى تجد أعوانا وأيضا
نزل كتاب من السماء مختوم بخواتيم بعدة الأئمة كان يعمل كل منهم بما يخصه .
قوله
عليهالسلام : « خليج المنية » والخليج : شعبة من البحر والنهر ، والمنية : الموت
والشآبيب جمع شؤبوب بالضم مهموزا ، وهو الدفعة من المطر وغيره.
الحديث
السادس : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « وقد حفزه النفس » قال الجزري : الحفز الحث
والإعجال ومنه حديث أبي بكرة إنه دب إلى الصف راكعا وقد حفزه النفس ».
قوله
عليهالسلام : « يكرم الشباب منكم » الشباب بالفتح جمع شاب ، وقال الفيروزآبادي : الكهل : من وخطه الشيب ، ورأيت له بجالة ، أو من جاوز الثلاثين
أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين .
__________________
ويستحيي من الكهول
فقال يكرم الله الشباب أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم قال قلت جعلت فداك
هذا لنا خاصة أم لأهل التوحيد قال فقال لا والله إلا لكم خاصة دون العالم قال قلت
جعلت فداك فإنا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت له
الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم قال فقال أبو عبد الله عليهالسلام الرافضة قال قلت نعم قال لا والله ما هم سموكم ولكن الله سماكم به أما علمت
يا أبا محمد أن سبعين رجلا من بني إسرائيل رفضوا فرعون وقومه لما استبان لهم
ضلالهم فلحقوا بموسى عليهالسلام لما استبان لهم هداه فسموا في عسكر موسى الرافضة لأنهم
رفضوا فرعون وكانوا أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم حبا لموسى وهارون وذريتهما عليهالسلام فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليهالسلام أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد سميتهم به
ونحلتهم إياه فأثبت موسى عليهالسلام الاسم لهم ثم ذخر الله عز وجل لكم هذا الاسم حتى نحلكموه
يا أبا محمد رفضوا الخير ورفضتم الشر افترق الناس كل فرقة وتشعبوا كل شعبة
فانشعبتم مع أهل بيت نبيكم ص وذهبتم حيث ذهبوا واخترتم من اختار الله لكم وأردتم
من أراد الله فأبشروا ثم أبشروا فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم
والمتجاوز عن مسيئكم من لم يأت الله عز وجل بما أنتم عليه يوم القيامة لم يتقبل
منه حسنة ولم يتجاوز له عن سيئة يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني ـ فقال
يا أبا محمد إن لله عز وجل ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح
الورق في أوان سقوطه وذلك قوله عز وجل : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق يا أبا محمد فهل سررتك
قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وقد نبزنا نبزا » النبز بالتحريك : اللقب ، والنبز بالتسكين المصدر ، يقال :
نبزه ونبزه نبزا أي لقبه.
قوله
عليهالسلام : « فأبشروا » قال الجوهري : يقال : بشرته
بمولود ، فأبشر إبشارا
__________________
اللهَ
عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما
بَدَّلُوا تَبْدِيلاً » إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا
ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره : « وَما وَجَدْنا
لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ » يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا محمد لقد ذكركم
الله في كتابه فقال « إِخْواناً
عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ » والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال
يا أبا محمد : « الْأَخِلاَّءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ » والله ما أراد بهذا غيركم يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال
يا أبا محمد لقد ذكرنا الله عز وجل وشيعتنا وعدونا في آية من كتابه فقال عز وجل :
« هَلْ
يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ
أُولُوا الْأَلْبابِ » فنحن « الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ » وعدونا « الَّذِينَ
لا يَعْلَمُونَ » وشيعتنا هم « أُولُوا الْأَلْبابِ » يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني فقال يا أبا
محمد والله ما استثنى الله عز وجل بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا
أمير المؤمنين عليهالسلام وشيعته فقال في كتابه وقوله الحق : « يَوْمَ لا يُغْنِي
مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ » يعني بذلك عليا عليهالسلام وشيعته يا أبا محمد فهل سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال
يا أبا محمد لقد ذكركم الله تعالى في كتابه إذ يقول : « يا عِبادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » والله ما أراد بهذا غيركم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت
______________________________________________________
قوله
تعالى : « فَمِنْهُمْ
مَنْ قَضى نَحْبَهُ » النحب : المدة وو الوقت ، يقال قضى فلان نحبه : إذا مات ،
كذا ذكره الجوهري .
قوله
تعالى : « أَسْرَفُوا
عَلى أَنْفُسِهِمْ » أي أفرطوا في الجناية عليها بالإسراف
__________________
جعلت فداك زدني
فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال « إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ
» والله ما أراد بهذا إلا الأئمة عليهمالسلام وشيعتهم فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك زدني
فقال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال « فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » فرسول الله صلىاللهعليهوآله في الآية النبيون ونحن في هذا الموضع الصديقون والشهداء
وأنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز وجل يا أبا محمد فهل سررتك قال
قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله إذ حكى عن عدوكم في النار
بقوله : « وَقالُوا
ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ
سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ » والله ما عنى ولا أراد بهذا غيركم صرتم
______________________________________________________
في المعاصي.
قوله
تعالى : « لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ » بالنسبة إلى الشيعة عدم سلطانه بمعنى أنه لا يمكنه أن
يخرجهم من دينهم الحق أو يمكنهم دفعه بالاستعاذة والتوسل به تعالى.
قوله
عليهالسلام : « فتسموا » قال في القاموس : تسمى بكذا : انتسب أي كونوا من أهل الصلاح وانتسبوا إليه قوله تعالى : « وَقالُوا » أي المخالفون « ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ
مِنَ الْأَشْرارِ » أي الشيعة « أَتَّخَذْناهُمْ » صفة أخرى لـ « رجالا » وقرأ الحجازيان وابن عامر وعاصم
بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم ، وتأنيب لها في الاستسخار منهم ، وقرأ
نافع وحمزة والكسائي « سِخْرِيًّا
» بالضم « أَمْ
زاغَتْ » أي مالت « عَنْهُمُ
الْأَبْصارُ » فلا نراهم « وأم » معادل لـ « ما لنا لا نرى » على أن
المراد نفي رؤيتهم لغيبتهم أي ليسوا هيهنا أم زاغت عنه أبصارنا ، أو لاتخذناهم على
القراءة الثانية بمعنى أي الأمرين فعلنا بهم الاستسخار منهم أم تحقيرهم ، فإن رفع الأبصار كناية عنه على معنى إنكارهما على أنفسهم أو منقطعة ، والمراد الدلالة
على أن
__________________
عند أهل هذا
العالم شرار الناس وأنتم والله في الجنة تحبرون وفي النار تطلبون يا أبا محمد فهل
سررتك قال قلت جعلت فداك زدني قال يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة ولا
تذكر أهلها بخير إلا وهي فينا وفي شيعتنا وما من آية نزلت تذكر أهلها بشر ولا تسوق
إلى النار إلا وهي في عدونا ومن خالفنا فهل سررتك يا أبا محمد قال قلت جعلت فداك
زدني فقال يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا وسائر الناس من ذلك
برآء يا أبا محمد فهل سررتك وفي رواية أخرى فقال حسبي
( حديث أبي عبد الله عليهالسلام )
( مع المنصور في موكبه )
٧ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير
جميعا ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن حمران قال قال أبو عبد الله عليهالسلام وذكر هؤلاء عنده وسوء حال الشيعة عندهم فقال إني سرت مع أبي جعفر المنصور وهو
في موكبه وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل وأنا على حمار إلى جانبه فقال لي
يا أبا عبد الله قد كان فينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من
العز
______________________________________________________
استرذالهم ،
والاستسخار منهم كان كزيغ أبصارهم وقصور أنظارهم على رثاثة حالهم كذا ذكره
البيضاوي.
قوله
عليهالسلام : « في الجنة تحبرون » قال الجوهري قال تعالى
: « فَهُمْ
فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ » أي ينعمون ويكرمون ويسرون.
قوله
عليهالسلام : « براء » بكسر الباء ككرام ، وفي بعض النسخ « برآء » كفقهاء ،
وكلاهما جمع بريء.
حديث
أبي عبد الله عليهالسلام مع المنصور في موكبه
الحديث
السابع : حسن.
قوله
عليهالسلام : « وهو في موكبه » الموكب جماعة الفرسان ، قوله « فتغرينا »
__________________
ولا تخبر الناس
أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم قال فقلت ومن رفع هذا إليك عني
فقد كذب فقال لي أتحلف على ما تقول قال فقلت إن الناس سحرة يعني يحبون أن يفسدوا
قلبك علي فلا تمكنهم من سمعك فإنا إليك أحوج منك إلينا فقال لي تذكر يوم سألتك هل
لنا ملك فقلت نعم طويل عريض شديد فلا تزالون في مهلة من أمركم وفسحة من دنياكم حتى
تصيبوا منا دما حراما في شهر حرام في بلد حرام فعرفت أنه قد حفظ الحديث فقلت لعل
الله عز وجل أن يكفيك فإني لم أخصك بهذا وإنما هو حديث رويته ثم لعل غيرك من أهل
بيتك يتولى ذلك فسكت عني فلما رجعت إلى منزلي أتاني بعض موالينا فقال جعلت فداك
والله لقد رأيتك في موكب أبي جعفر
______________________________________________________
الإغراء : التحريص
على الشر ، يقال : أغريت الكلب بالصيد.
قوله
عليهالسلام : « ومن رفع هذا إليك » أي حكاه عني على وجه المرافعة والإضرار.
قوله
عليهالسلام : « إن الناس سحرة » قال الجزري : فيه « إن من
البيان لسحرا » أي منه ما يصرف قلوب السامعين ، وإن كان غير حق ، والسحر في كلامهم
صرف الشيء عن وجهه.
أقول : وفي بعض
النسخ « شجرة بغي » مكان ، سحرة يعني.
قوله
عليهالسلام : « وفسحة » بالضم أي سعة.
قوله
عليهالسلام : « حتى يصيبوا منا » إلخ. لعل المراد دم رجل من السادات ، وأولاد الأئمة سفكوها
عند انقضاء دولتهم.
ويحتمل أن يكون
مراده عليهالسلام هذا الملعون خاصة ودولته ، والمراد بسفك الدم القتل ، ولو بالسم مجازا والبلد الحرام مدينة الرسول ، صلىاللهعليهوآله فإن هذا الملعون سمه على ما روي ولم يبق بعده عليهالسلام إلا قليلا.
__________________
وأنت على حمار وهو
على فرس وقد أشرف عليك يكلمك كأنك تحته فقلت بيني وبين نفسي هذا حجة الله على
الخلق وصاحب هذا الأمر الذي يقتدى به وهذا الآخر يعمل بالجور ويقتل أولاد الأنبياء
ويسفك الدماء في الأرض بما لا يحب الله وهو في موكبه وأنت على حمار فدخلني من ذلك
شك حتى خفت على ديني ونفسي قال فقلت لو رأيت من كان حولي وبين يدي ومن خلفي وعن
يميني وعن شمالي من الملائكة لاحتقرته واحتقرت ما هو فيه فقال الآن سكن قلبي ثم
قال إلى متى هؤلاء يملكون أو متى الراحة منهم فقلت أليس تعلم أن لكل شيء مدة قال
بلى فقلت هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان أسرع من طرفة العين إنك لو تعلم
حالهم عند الله عز وجل وكيف هي كنت لهم أشد بغضا ولو جهدت أو جهد أهل الأرض أن
يدخلوهم في أشد ما هم فيهم من الإثم لم يقدروا فلا يستفزنك الشيطان فإن العزة لله
« وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ » ألا تعلم أن من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف
هو غدا في زمرتنا فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد
ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ
كما ينكفئ الماء ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق ورأيت الشر ظاهرا لا
ينهى عنه ويعذر أصحابه ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء
ورأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله ورأيت الفاسق يكذب ولا يرد عليه كذبه وفريته
ورأيت الصغير يستحقر بالكبير ورأيت الأرحام قد تقطعت ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك
منه ولا يرد عليه قوله ورأيت الغلام يعطي ما تعطي المرأة ورأيت النساء
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أو متى الراحة » الترديد من الراوي.
قوله
عليهالسلام : « أن هذا الأمر » أي انقضاء دولتهم أو ظهور دولة الحق.
قوله
عليهالسلام:«فلا يستفزنك الشيطان» قال الجوهري :استفزه الخوف أي
استخفه.
قوله
عليهالسلام : « في زمرتنا » الزمرة : الجماعة من الناس.
قوله
عليهالسلام : « قد انكفأ » إلخ ، أي انقلب يقال : كفأت الإناء : أي قلبته.
قوله
عليهالسلام : « يعذر أصحابه » على البناء للمجهول ، أي يعدونهم معذورين في ما هم فيه من
الشر والفساد.
قوله
: « يمتدح بالفسق » أي يفتخر ويطلب المدح ، قال الفيروزآبادي : امتدح
__________________
يتزوجن النساء
ورأيت الثناء قد كثر ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله فلا ينهى ولا يؤخذ
على يديه ورأيت الناظر يتعوذ بالله مما يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ورأيت الجار
يؤذي جاره وليس له مانع ورأيت الكافر فرحا لما يرى في المؤمن مرحا لما يرى في
الأرض من الفساد ورأيت الخمور تشرب علانية ويجتمع عليها من لا يخاف الله عز وجل
ورأيت الآمر بالمعروف ذليلا ورأيت الفاسق فيما لا يحب الله قويا محمودا ورأيت
أصحاب الآيات يحتقرون ويحتقر من يحبهم ورأيت سبيل الخير منقطعا وسبيل الشر مسلوكا
ورأيت بيت الله قد عطل ويؤمر بتركه ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ورأيت الرجال
يتسمنون للرجال والنساء للنساء ورأيت الرجل معيشته من دبره ومعيشة المرأة من فرجها
ورأيت النساء يتخذن المجالس كما يتخذها الرجال ورأيت التأنيث في ولد العباس قد ظهر
وأظهروا الخضاب وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها وأعطوا
______________________________________________________
تكلف أن يمدح
وافتخر وتشبع بما ليس عنده.
قوله
: « مرحا » المرح بالتحريك :
شدة الفرح والنشاط ، وقد مرح بالكسر فهو مرح.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت أصحاب الآيات » أي العلامات والمعجزات أو الذين نزلت فيهم الآيات ، وهم
الأئمة أو المفسرين ، والقراء وفي بعض النسخ أصحاب الآثار وهم المحدثون.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الرجال يتسمنون » أي يستعملون الأغذية والأدوية للسمن ليعمل معهم القبيح ،
قال في النهاية فيه : « يكون في آخر الزمان قوم يتسمنون » أي يتكثرون بما
ليس عندهم ، ويدعون ما ليس لهم من الشرف ، وقيل : أراد جمعهم الأموال ، وقيل يحبون
التوسع في المأكل والمشارب ، وهي أسباب السمن ، ومنه الحديث الآخر « ويظهر فيهم
السمن » وفيه « ويل للمسمنات يوم القيامة » من فترة في العظام » أي اللاتي يستعملن
السمنة ، وهو دواء يتسمن به النساء انتهى.
قوله
عليهالسلام : « وأظهروا الخضاب » أي خضاب اليد والرجل ، إذ خضاب
__________________
الرجال الأموال
على فروجهم وتنوفس في الرجل وتغاير عليه الرجال وكان صاحب المال أعز من المؤمن
وكان الربا ظاهرا لا يعير وكان الزنا تمتدح به النساء ورأيت المرأة تصانع زوجها
على نكاح الرجال ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن ورأيت
المؤمن محزونا محتقرا ذليلا ورأيت البدع والزنا قد ظهر ورأيت الناس يعتدون بشاهد
الزور ورأيت الحرام يحلل ورأيت الحلال يحرم ورأيت الدين بالرأي وعطل الكتاب
وأحكامه ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله ورأيت المؤمن لا يستطيع أن
ينكر إلا بقلبه ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عز وجل ورأيت الولاة
يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير ورأيت الولاة يرتشون في الحكم ورأيت الولاية
قبالة لمن زاد ورأيت ذوات الأرحام ينكحن ويكتفى بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة
وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و
______________________________________________________
الشعر ممدوح
للرجال مستحب ، وقد ورد خبر آخر أيضا يدل على كراهة خضاب اليد للرجال.
قوله
عليهالسلام : « وأعطوا الرجال الأموال على فروجهم » أي أعطي ولد العباس الناس أموالا ليطؤوهم أو المراد أنهم
يعطون السلاطين والحكام الأموال لأجل فروجهم أو فروج نسائهم للدياثة ، ويمكن أن
يقرأ الرجال بالرفع وأعطوا على المعلوم أو المجهول من باب أكلوني البراغيث والأول
أظهر.
قوله
عليهالسلام : « وتنوفس في الرجل » التنافس : الرغبة في الشيء والإفراد به ، والمنافسة :
المغالبة على الشيء وهي المراد هيهنا.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت المرأة تصانع زوجها » المصانعة : الرشوة والمداهنة ، والمراد إما المصانعة لترك
الرجال ، أو للاشتغال بهم لتشتغل هي بالنساء أو تصانعه لمعاشرتها الرجال ، قوله « يعتدون » من الاعتداد أو الاعتداء.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الليل لا يستخفى به » أي لا ينتظرون للمعاصي دخول الليل ليستتروا به ، بل
يعملونها في النهار علانية.
__________________
ماله ورأيت الرجل
يعير على إتيان النساء ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور يعلم ذلك ويقيم
عليه ورأيت المرأة تقهر زوجها وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها ورأيت الرجل يكري
امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب ورأيت الأيمان بالله عز وجل كثيرة
على الزور ورأيت القمار قد ظهر ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع ورأيت النساء
يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحدا ولا
يجترئ أحد على منعها ورأيت الشريف يستذله الذي يخاف سلطانه ورأيت أقرب الناس من
الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته ورأيت
الزور من القول يتنافس فيه ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس
استماع الباطل ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه ورأيت الحدود قد عطلت وعمل
فيها بالأهواء ورأيت المساجد قد زخرفت ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب
ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة ورأيت البغي قد فشا ورأيت الغيبة تستملح و
______________________________________________________
قوله
: « ورأيت الولاية قبالة » أي يزيدون المال ويأخذون الولايات ، قال الجزري : في حديث ابن عباس « إياكم والقبالات فإنها صغار وفضلها ربا » هو أن يتقبل
بخراج أو جباية أكثر مما أعطى ، وفي بعض النسخ [ لمن زاد ] وفي بعضها [ لمن أراد ]
قوله عليهالسلام
: « على الزور » أي على الكذب قوله
: « يمر بها » على المجهول أو على المعلوم بتقدير.
قوله
عليهالسلام : « يزور » أي ينسب إلى الزور والكذب ، قوله عليهالسلام « ورأيت الزور من
القول » قال في النهاية : الزور : الكذب والباطل والتهمة.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت المساجد قد زخرفت » الزخرفة النقش بالذهب ، والمشهور بين الأصحاب الحرمة ،
وأطلق جماعة من الأصحاب تحريم النقش مطلقا ، لأن ذلك بدعة ، وفيه إشكال.
قوله
عليهالسلام : « تستملح » قال الفيروزآبادي : استملحه عده
مليحا.
__________________
يبشر بها الناس
بعضهم بعضا ورأيت طلب الحج والجهاد لغير الله ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن
ورأيت الخراب قد أديل من العمران ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان
ورأيت سفك الدماء يستخف بها ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث
اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور ورأيت الصلاة قد استخف بها ورأيت الرجل عنده المال
الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه ورأيت الميت ينبش من قبره ويؤذى وتباع أكفانه ورأيت
الهرج قد كثر ورأيت الرجل يمسي نشوان ويصبح سكران لا يهتم بما الناس فيه ورأيت
البهائم تنكح ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضا ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع
وليس عليه شيء من ثيابه ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم
ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه ورأيت المصلي إنما يصلي ليراه الناس ورأيت الفقيه
يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة ورأيت الناس مع من غلب ورأيت طالب الحلال
يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم ورأيت
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ويبشر بها الناس » كما هو الشائع في زماننا يقول بعضهم لبعض أتيتك بغيبة
مليحة حسنة ، فيستبشر السامع نعوذ بالله منها.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الخراب قد أديل من العمران » الأدلة : الغلبة ، ويقال : أدالنا الله من عدونا أي غلبنا
عليهم ، ولعل المراد كثرة الخراب وقلة العمران.
قوله
عليهالسلام : « ويسند إليه الأمور » أي توكل إليه الولايات.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الميت » لعل بيع الأكفان بيان للإيذاء أي يخرج من قبره لكفنه ،
ويحتمل أن يكون المراد إخراجه وضربه وحرقه لمن له عليه دين مثلا.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الهرج » أي الفتنة والفساد قوله عليهالسلام : « ورأيت الرجل » أي السلطان أو الأعم « يمسي نشوان » أي سكران وقد يطلق على مبدء السكر.
قوله
عليهالسلام : « وليس عليه شيء من ثيابه » لكثرة السارقين والمختلسين.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت السحت » أي المكاسب المحرمة.
الحرمين يعمل
فيهما بما لا يحب الله لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ورأيت
المعازف ظاهرة في الحرمين ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع ورأيت الناس ينظر بعضهم
إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور ورأيت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد ورأيت
الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد ورأيت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما
كان ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطى على الضحك
به ويرحم لغير وجه الله ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد ورأيت الناس
يتسافدون كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من الناس ورأيت الرجل ينفق
الكثير في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله ورأيت العقوق قد ظهر واستخف
بالوالدين وكانا من أسوإ الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفتري عليهما ورأيت
النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى ورأيت ابن
الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما ورأيت الرجل إذا مر به يوم
ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب
مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ورأيت السلطان يحتكر الطعام
ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور ورأيت الخمر
يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ورأيت المعازف » أي الملاهي كالعود والطنبور ونحوهما.
قوله
عليهالسلام : « كما يتسافد البهائم » أي جهرة في الطرق والشوارع ، والسفاد : نزو الذكر على
الأنثى.
قوله
عليهالسلام : « وضيعة » أي خسران ونقص.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الخمر يتداوى بها » يدل على عدم جواز التداوي بالخمر كما يدل عليه كثير من
الأخبار وذهب إليه جماعة من العلماء الأخيار.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت رياح المنافقين » تطلق الريح على الغلبة والقوة ، والرحمة والنصرة والدولة
والنفس ، والكل محتمل ، والأخير أظهر كناية عن كثرة تكلمهم
__________________
بها ورأيت الناس
قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به ورأيت رياح
المنافقين وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك ورأيت الأذان بالأجر والصلاة
بالأجر ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله ـ مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم
أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا
يشان بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك لا يعاقب ويعذر بسكره ورأيت من أكل
أموال اليتامى يحمد بصلاحه ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ورأيت الولاة
يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله
يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل
القائل بما يأمر ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد
بها وجه الله ويعطى لطلب الناس ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم لا يبالون بما
أكلوا وما نكحوا ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر
واطلب إلى الله عز وجل النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عز وجل وإنما يمهلهم
لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل
بهم العذاب وكنت فيهم عجلت
______________________________________________________
وقبول لهم.
قوله
عليهالسلام : « ولا يشان » من الشين أي العيب أي لا يعاب أو من الشأن بالهمز بمعنى
القصد أي لا يقصد لأن ينهى عنه.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الميراث » أي ميراث اليتيم بأن يولوا عليها خائنا يأكل بعضها ويعطيهم
بعضها ، أو يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما يأخذون منه من الرشوة.
قوله
عليهالسلام : « ورأيت الصدقة بالشفاعة » أي لا يتصدقون إلا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا
لوجه الله أو يعطون لطلب الناس وإبرامهم.
قوله
عليهالسلام : « لا يبالون بما أكلوا » أي من حرام أو حلال.
إلى رحمة الله وإن
أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عز وجل واعلم أن « اللهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » وأن « رَحْمَتَ
اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».
( حديث موسى عليهالسلام )
٨ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال إن موسى عليهالسلام ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته :
يا موسى لا يطول
في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد.
يا موسى كن كمسرتي
فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب جديد القلب تخفى
على أهل الأرض وتعرف في أهل السماء حلس البيوت مصباح الليل واقنت بين يدي قنوت
الصابرين وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه واستعن بي على ذلك
فإني نعم العون ونعم المستعان.
يا موسى إني أنا
الله فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك
على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب
______________________________________________________
الحديث
الثامن : مرفوع مجهول
موقوف.
قوله
تعالى : « كن خلق الثياب » الخلق محركة البالي ، قوله
تعالى : « حلس البيوت » قال الجوهري : أحلاس البيوت : ما يبسط تحت الحر من الثياب ، وفي الحديث
« كن حلس بيتك » أي لا تبرح ، وفي القاموس : الحلس بالكسر ويحرك.
قوله
تعالى : « مصباح الليل » أي بأن تقوم وتنور بنور العبادة ليلك كالمصباح قوله تعالى : « واقنت » القنوت : الخضوع أو الدعاء في الصلاة.
قوله
تعالى : « واستعن بي على ذلك » أي على العدو أو على الهرب منه.
قوله
تعالى : « وكل لي داخرون » الدخور : الصغار والذل.
قوله
عليهالسلام : « فاتهم نفسك على نفسك » فإن الإنسان كثيرا ما يختدع من
__________________
الصالحين.
يا موسى اغسل
واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.
يا موسى كن إمامهم
في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا
وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في الأولين وبما هو كائن في الآخرين أوصيك.
يا موسى وصية
الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون
والمحراب ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك أنه
مؤمن مهيمن على الكتب كلها وأنه راكع
______________________________________________________
نفسه بأن لا يرى
مساويه : بل يراها محاسن ، ويكمن فيه كثير من الصفات الذميمة وهو غافل عنها.
قوله
تعالى : « فيما يتشاجرون » التشاجر : التنازع والتخالف.
قوله
تعالى : « وصية الشفيق » الشفقة : الخوف وحرص الناصح على صلاح المنصوح ، والشفيق والمشفق مترادفان أتى
بهما للتأكيد.
قوله
تعالى : « بابن البتول » البتل : القطع ، وإنما سميت مريم عليهاالسلام بالبتول لانقطاعها من الأزواج ، أو من الخلق إلى الله
تعالى « صاحب
الأتان » الأتان : بالفتح
الحمارة « والبرنس
» بالضم قلنسوة
طويلة ، وكان النساك يلبسونها في صدر الإسلام ، والمراد بالزيتون والزيت الثمرة المعروفة ودهنها ، لأنه عليهالسلام كان يأكلهما ، أو نزلتا له في المائدة من السماء ، أو المراد بالزيتون مسجد
دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي أعطاه الله بلاد الشام وبالزيت الدهن
الذي روي أنه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة ، والمحراب أي
لزومه وكثرة العبادة فيه.
قوله
تعالى : « الطيب » أي من الذنوب «
الطاهر » من كل دنس وخلق
سيئ « المطهر » من الجهل ، وكل شين وعيب.
قوله
تعالى : « فمثله » المثل بالتحريك الصفة ، قوله
تعالى : « أنه مؤمن » أي بجميع
ساجد راغب راهب
إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل وقلة من المال
اسمه أحمد محمد الأمين من الباقين من ثلة الأولين الماضين يؤمن بالكتب كلها ويصدق
جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين
على حقائقه لهم ساعات موقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته فبه
فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك.
يا موسى إنه أمي
وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته
به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه
ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون وحبه لي حسنة فأنا معه
______________________________________________________
الأنبياء والكتب
كما هو حق الإيمان ، أو يؤمن الناس من ضره ولا يؤذيهم « مهيمن » أي مشاهد أو مؤتمن.
قوله
تعالى : « وأنصاره قوم آخرون » أي ليسوا من قومه وعشيرته ، والأذل : الضيق والشدة به.
قوله
تعالى : « من ثلة الأولين » الثلة بالضم الجماعة من الناس ، أي أنه من سلالة أشارف الأنبياء وبقيتهم.
قوله
: « مباركة » أي يبارك ويزاد
عليهم العلم والرحمة.
قوله تعالى : «
نافلة » أي يؤدون الصلاة زائدة على ما وجبت عليهم ، وفي بعض النسخ [ نافلته ] والنافلة : الغنيمة والعطية ، فالضمير راجع إما إلى العبد
أو إلى السيد.
قوله
تعالى : « إنه أمي » أي من قوم لا يكتبون ولا يقرءون أو من أم القرى وهي مكة.
قوله
تعالى : « يبارك فيما وضع يده عليه » البركة من معجزاته صلىاللهعليهوآلهوسلم المتواترة وقد وقع ذلك في مواقع لا تحصى حيث وضع يده على
ماء قليل أو طعام قليل أو أشبع وأروى بهما خلقا كثيرا ، أو مال قليل فأعطى منه
كثيرا وقد أوردناها في أبواب معجزاته صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتاب بحار الأنوار .
__________________
وأنا من حزبه وهو
من حزبي وحزبهم الغالبون فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ولأعبدن بكل
مكان ولأنزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء « لِما فِي الصُّدُورِ » من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه
وملائكتي.
يا موسى أنت عبدي
وأنا إلهك لا تستذل الحقير الفقير ولا تغبط الغني بشيء يسير وكن عند ذكري خاشعا
وعند تلاوته برحمتي طامعا وأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع
______________________________________________________
قوله
: « به أفتح الساعة » الباء للملابسة والغرض اتصال أمته ودولته ، ونبوته بقيام الساعة.
قوله
: « وبأمته أختم مفاتيح الدنيا » هي ما يفتح بها على صاحبها شيء من قتال أو عبادة أو تعلم ،
والمراد أن هذه المفاتيح تنتهي بانقضاء أمته كأنها وضعت في كيس وختم عليها ، ويحتمل
أن يكون الختم كناية عن التمام والكمال فإن الشيء بعد الكمال يختم عليه ، ويمكن أن
يكون المراد أن ما فتح لغيرهم يختم بهم.
قوله
تعالى : « أن لا يدرسوا » يقال درسته الريح : أي محت أثره أي لا يمحو اسمه.
قوله
« وحبه لي » أي خالصا لوجهي
حسنة عظيمة قوله تعالى
: « وأنا من حزبه » أي أنصره وأعينه.
قوله
تعالى : « فتمت كلماتي » أي تقديراتي و
« لأظهرن » بيان لما قدر له
، أو المراد بالكلمات الأنبياء والحجج أي به وبأوصيائه تتم حججي.
قوله
تعالى : « ولأنزلن عليه قرآنا » أي كتابا جامعا لجميع العلوم فرقانا أي فارقا بين الحق والباطل.
قوله
: « ولا تغبط الغني بشيء يسير » أي لا تتمن ما أعطيت الأغنياء من الدنيا وإن كان كثيرا ، فإن متاع الدنيا
كلها يسير حقير.
قوله
: « وكن عند ذكري » أي تلاوة التوراة أو الأعم.
قوله
تعالى : « وأسمعني لذاذة التوراة » أي صوتها اللذيذ أو التذاذك بها ، قال
حزين اطمئن عند
ذكري وذكر بي من يطمئن إلي واعبدني ولا تشرك بي شيئا وتحر مسرتي إني أنا السيد
الكبير إني خلقتك من نطفة « مِنْ
ماءٍ مَهِينٍ » من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة فكانت بشرا فأنا
صانعها خلقا فتبارك وجهي وتقدس صنيعي ليس كمثلي شيء وأنا الحي الدائم الذي لا أزول.
يا موسى كن إذا
دعوتني خائفا مشفقا وجلا عفر وجهك لي في التراب واسجد لي
______________________________________________________
الجوهري : لذذت
الشيء بالكسر لذاذا ولذاذة أي وجدته لذيذا.
قوله
: « اطمأن » عند ذكري
الاطمئنان : السكون والمراد طمأنينة القلب عما يزعجه من الشكوك والشبهات ودواعي الشهوات.
قوله
: « وتحر » التحري : الطلب قوله تعالى : « مِنْ ماءٍ مَهِينٍ
» المهين : الحقير والقليل والضعيف.
قوله
: « ممشوجة » أي مخلوطة من
أنواع ، والمراد إني خلقتك من نطفة وأصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة
الأرض وهو آدم عليهالسلام وأخذت طينته من جميع وجه الأرض المشتملة على ألوان وأنواع
مختلفة كما روي عن أمير المؤمنين عليهالسلام أن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يأتيه من أديم الأرض أي
وجهها بأربع طينات ، طينة بيضاء وطينة حمراء وطينة غبراء وطينة سوداء ، وذلك من
سهلها وحزنها. الخبر ، وفي خبر ابن سلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سأله عن آدم لم سمي آدم عليهالسلام؟ قال : لأنه خلق من طين الأرض وأديمها. قال : فآدم خلق من
الطين كله أو من طين واحد؟ قال : بل من الطين كله. ولو خلق من طين واحد لما عرف
الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة قال : فلهم في الدنيا مثل؟ قال : التراب
فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر ، وفيه أزرق وفيه عذب ، وفيه
ملح ، وفيه خشن ، وفيه لين ، وفيه أصهب فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن ،
وفيهم أبيض ، وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود وهو على ألوان التراب. تمام الخبر ،
ويحتمل أن يكون المراد التراب الذي يذر في النطفة في الرحم على ما ورد به الأخبار.
__________________
بمكارم بدنك واقنت
بين يدي في القيام وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل واحي بتوراتي أيام الحياة
وعلم الجهال محامدي وذكرهم آلائي ونعمتي وقل لهم لا يتمادون في غي ما هم فيه فإن
أخذي أليم شديد.
يا موسى إذا انقطع
حبلك مني لم يتصل بحبل غيري فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير ذم نفسك
فهي أولى بالذم ولا تتطاول بكتابي على بني إسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا
وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.
يا موسى متى ما
دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ما كان منك السماء تسبح لي وجلا والملائكة من
مخافتي مشفقون والأرض تسبح لي طمعا وكل الخلق يسبحون لي داخرون ثم عليك بالصلاة
الصلاة فإنها مني بمكان ولها عندي عهد
______________________________________________________
قوله
تعالى : « واحي بتوراتي » أي حصل الحياة المعنوية التي هي بالعلم واليقين بالتوراة وقرأتها والعمل بها
أو كن ملازما لها في مدة الحياة ، ويمكن أن يقرأ على باب الأفعال.
قوله
تعالى : « لا يتمادون » التمادي : بلوغ المدى والغاية ، والغي الضلالة أي لا يبالغوا في الغي الحاصل مما هم فيه من
الجهالة ، وسائر الصفات الذميمة وتخصيص النهي بالتمادي ، لعله لبيان أن الدخول في
الغي ينجر لا محالة إلى التمادي ، فالمراد النهي عن مطلق الدخول ، أو المراد
الإقلاع عن الغي الذي هم فيه ، وعدم تماديهم فيه.
قوله
تعالى : « إذا انقطع حبلك » أي قوتك ووصلتك مني لم ينفعك التوصل والتقوى بغيري.
قوله
تعالى : « ولا تتطاول » التطاول : الترافع والاستعلاء وقوله تعالى « بهذا » راجع إلى الكتاب.
قوله
تعالى : « السماء » تسبح أي تنقاد ، أو تدل على عظمتي وجلالي ، أو المراد أهل السماء.
قوله
تعالى : « بمكان » أي مكانة ومنزلة رفيعة.
وثيق وألحق بها ما
هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي.
واقرن مع ذلك صلة
الأرحام فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها
العباد ولها عندي سلطان في معاد الآخرة وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك
أفعل بمن ضيع أمري.
يا موسى أكرم
السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ملائكة
الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مواساتك فيما خولتك واخشع لي بالتضرع
واهتف لي بولولة الكتاب واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل
وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الأولين.
يا موسى لا تنسني
على كل حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة
الذنوب الأرض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة وعصياني
______________________________________________________
قوله
تعالى : « ما هو منها » أي لاشتراط قبول الصلاة بالزكاة كأنها جزء منها.
قوله
تعالى : « من طيب المال » أي الحلال أو من أشرف المال.
قوله
تعالى : « ولها عندي سلطان » أي للرحم عندي سلطنة أقبل شفاعتها لمن وصلها وعلى من قطعها.
قوله
تعالى : « لمن ضيع أمري » كل أمر من أوامري.
قوله
تعالى : « كيف مواساتك فيما خولتك » قال في النهاية : المواساة :
المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق ، وقال : التخويل :
التمليك.
قوله
تعالى : « بولولة الكتاب » الولولة : رفع الصوت بالبكاء والصياح.
قوله
تعالى : « وكيف يخفى على ما مني مبتدأة » إذ يحكم العقل بديهة أن. خالق شيء عالم به وبخواصه وأحكامه
، وتنزيله على ما قالته الحكماء من أن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول بعيد.
__________________
شقاء الثقلين وأنا
الرحمن الرحيم رحمان كل زمان آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك
بعد الملوك وملكي دائم قائم لا يزول ولا يخفى علي شيء في الأرض ولا في السماء وكيف
يخفى علي ما مني مبتدؤه وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة.
يا موسى اجعلني
حرزك وضع عندي كنزك من الصالحات وخفني ولا تخف غيري إلي المصير.
يا موسى ارحم من
هو أسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار
الحطب.
يا موسى إن ابني
آدم تواضعا في منزلة لينالا بها من فضلي ورحمتي فقَرَّبا
قُرْباناً ولا أقبل إلا من المتقين
فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الأخ والوزير.
يا موسى ضع الكبر
ودع الفخر واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات.
يا موسى عجل التوبة
وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ولا ترج غيري اتخذني جنة للشدائد
وحصنا لملمات الأمور
______________________________________________________
قوله
تعالى : « في منزلة » أي في عبادة واحدة ، وهي القربان ، أو كانا بحسب الظاهر في درجة ومنزلة
واحدة.
قوله
تعالى : « والوزير » هو معطوف على الصاحب أي كيف تثق بالصاحب والوزير بعد صدور مثل هذه الخيانة من
الأخ الذي هو ألصق منهما ، قوله تعالى : « لملمات الأمور » أي نوازلها.
قوله
تعالى : « كيف تخشع » إلخ حاصله : أن الركون إلى الدنيا والميل إليها واتخاذها وطنا ومأوى ينافي
الخشوع لله تعالى ، إذ الركون ملزوم لعدم رجاء الآخرة ، إذ من يرجو الآخرة رجاء
صادقا ويعرف حقيقة ما فيها يحقر الدنيا في جنب نعم الآخرة ، ولا يتوجه إليها وعدم
الرجاء ملزوم لعدم الإيمان بالله ورسوله وبالدار الآخرة ، وعدم الإيمان ملزوم لعدم
النظر في فضل الله تعالى ونعمه عليه ، وعدم
يا موسى كيف تخشع
لي خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه
وهي لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت
بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين.
يا موسى نافس في
الخير أهله فإن الخير كاسمه ودع الشر لكل مفتون.
يا موسى اجعل
لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ولا تتبع الخطايا فتندم
فإن الخطايا موعدها النار.
يا موسى أطب
الكلام لأهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك.
يا موسى الموت
يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين
______________________________________________________
النظر في ذلك
ملزوم لعدم الخشوع ، إذ الخشوع إنما يحصل يتذكر نعمه تعالى ، وتوقع إحسانه وفضله
وانتظار رحمته ، واستجلاب نعمته في الدنيا والآخرة بالدعاء والتضرع والبكاء.
قوله
تعالى : « فإن الخير » المراد أن الخير لما دل بحسب أصل معناه في اللغة على الأفضلية وما يطلق عليه
في العرف والشرع من الأعمال الحسنة هي خير الأعمال فالخير كاسمه ، أي إطلاق هذا
الاسم على تلك الأمور على الاستحقاق ، والمعنى المصطلح مطابق للمدلول اللغوي ، أو
المراد أن الخير لما كان كل أحد يستحسنه إذا سمعه فهو حسن واقعا ، وحسنه حسن
واقعي. والحاصل : أن ما يحكم به عقول عامة الناس في ذلك مطابق للواقع ، ويحتمل أن
يكون المراد باسمه ذكره بين الناس ، أي إن الخير ينفع في الآخرة كما يصير سببا
لرفعة الذكر في الدنيا.
قوله
تعالى : « اجعل لسانك من وراء قلبك » أي كلما أردت أن تتكلم به فابدأ أولا باستعمال القلب
والعقل فيه ، والتفكر في أنه هل ينفعك التكلم به ثم تكلم به ، فيكون اللسان بعد
القلب ووراءه ويمر الكلام أولا بالقلب ثم باللسان ، ويحتمل أن يكون المراد لا
تتكلم بما لا يعتقده قلبك ويحتمل الأعم.
يا موسى ما أريد
به وجهي فكثير قليله وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك
فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن
الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شيء فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع
لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها وكل عامل يعمل على بصيرة
ومثال فكن مرتادا لنفسك يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر
المبطلون.
يا موسى ألق كفيك
ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم
القادرين.
يا موسى سلني من
فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما
عندي لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى.
يا موسى طب نفسا
عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها ما لك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها
بالخير فإنها له نعم الدار.
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « واتخذهم لغيبك إخوانا » أي اتخذهم إخوانا ليحفظوك في غيبتك بأن لا يذكروك في غيبتك
بسوء ، ويدفعوا عنك الغيبة ويكونوا ناصحين لك عند ما تغيب عنهم ، ويحتمل أن يكون
المراد بالغيب القيامة لغيبتها عن الحس ، وفي بعض النسخ [ لعيبك ] بالعين المهملة
أي لستر معائبك.
قوله
تعالى : « وجد معهم » أي ابذل معهم غاية السعي في الطاعة ، وقوله تعالى : « يجدون » حال عن الضمير المجرور.
قوله
تعالى : « طويله قصير » أي لسرعة انقضائه «
وقصيره طويل » لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه.
قوله
تعالى : « وكل عامل » أي كل من يعمل ما هو حق العمل إنما يكون عمله على بصيرة ويقين وعلم بكيفية
العمل وحقيته ، وما يعمل له وعلى مثال يتمثله في الذهن من الثمرة المقصودة لعمله ،
أو على مثال من سبقه من العالمين والمقربين ،
يا موسى ما آمرك
به فاسمع ومهما أراه فاصنع خذ حقائق التوراة إلى صدرك وتيقظ بها في ساعات الليل
والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير.
______________________________________________________
ويحتمل أن يكون
المراد بالعامل أعم ممن يعمل لحق أو باطل ، فقوله تعالى
« عَلى
بَصِيرَةٍ » المراد به أعم مما هو باليقين أو بالجهل المركب ، والمراد
بالمثال أعم من المضي على سبيل أهل الحق ، وطريق أهل الضلال ، ويحتمل أن يكون
الواو في قوله : «
ومثال » بمعنى أو أي كل
عامل إما يعمل على بصيرة في الحق أو على مثال من سبق على وجه الضلال ، فاختر لنفسك
أيهما أخرى وأولى و
« الارتياد » : الطلب و « المبطلون » الذين يتبعون الباطل أو يبطلون أعمالهم بترك شرائطها أو
فعل ما يحبطها.
قوله
تعالى : « ألق كفيك » أي في السجود على الأرض أو عند القيام بمعنى إرسالها.
قوله
تعالى « من فضلي ورحمتي » يطلق الفضل غالبا على النعم الدنيوية ، والرحمة على المثوبات الأخروية.
قوله
تعالى : « كيف رغبتك » أي رجاؤك وشوقك إلى ما تطلبه ، ثم قوي الله تعالى رجاءه بأن لكل عامل جزاء ،
ولا ينبغي أن ييأس الكفور أيضا فإنه أيضا قد يجزى بما سعى.
قوله
تعالى : « عن الدنيا » أي معرضا عنها أو بالإعراض عنها ، والانطواء عنها : الاجتناب والإعراض عنها ، يقال : طوى كشحه عني : أي أعرض
مهاجرا.
قوله
تعالى : « ومهما أراه فاصنع » أي كل وقت أرى وأعلم ما آمرك حسنا فافعل فيه أي أفعل الأوامر في أوقاتها التي
أمرتك بأدائها فيها ، أو المراد أفعلها في كل وقت ، فإني أراه في كل حين أو كل شيء
أراه لك خيرا فافعل.
قوله
تعالى : « وتيقظ بها » أي كن متيقظا متنبها متذكرا بحقائق التوراة في جميع الساعات أو أترك النوم
لتلاوتها في ساعات الليل والنهار.
يا موسى أبناء
الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه والمؤمن من زينت له الآخرة
فهو ينظر إليها ما يفتر قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فادلجته بالأسحار كفعل
الراكب السائق إلى غايته يظل كئيبا ويمسي حزينا فطوبى له لو قد كشف الغطاء ما ذا
يعاين من السرور.
______________________________________________________
قوله
تعالى : « ولا تمكن أبناء الدنيا » أي لا تخطرهم ببالك ولا تشغل قلبك بالتفكر فيهم ، وفيما هم
فيه من نعيم الدنيا ، فإنه إذا اعتدت ذلك ومكنت الشيطان من نفسك فيه يصير صدرك
وكرا لذكرهم ، ولا يمكنك إخراج حب أطوارهم عن صدرك ، فيصير ذلك سببا لرغبتك إلى
دنياهم ، فتصير إلى مأواهم ، ويحتمل أن يكون المراد عدم الإصغاء إلى كلام
المفتونين بالدنيا الذاكرين لها فيجعلون الصدر وكرا لكلامهم الذي يوجب الافتتان
بالدنيا.
قوله
: « ما يفتر » كلمة « ما » نافية ، وضمير شهوتها راجع إلى الآخرة.
قوله
تعالى : « فأدلجته » الإدلاج : السير بالليل وظاهر العبارة أنه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير
بالليل ، ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي : الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح : السير من أول الليل ، وقد أدلجوا فإن
ساروا من آخره فأدلجوا بالتشديد انتهى. ويمكن أن يكون على الحذف والإيصال أي أدلجت
الشهوة معه ، وسيرته بالأسحار كالراكب الذي يسابق قرنه إلى الغاية التي يتسابقان
إليها ، والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة ، والقرب والحب والوصال أو الموت وهو
أظهر.
قوله
تعالى : « يظل كئيبا » الكآبة : الغم وسوء الحال والانكسار من الحزن والمعنى أنه يكون في نهاره
مغموما وفي ليله محزونا لطلب الآخرة ، ولما فاته من الطاعات ولكن لو كشف له الغطاء
حتى يرى ما أعد له في الآخرة يحصل له من السرور ما لا يحصى.
__________________
يا موسى الدنيا
نطفة ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة
لم تبق وبلعسة لم تدم وكذلك فكن كما أمرتك وكل أمري رشاد.
يا موسى إذا رأيت
الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت لي عقوبته وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار
الصالحين ولا تكن جبارا ظلوما ولا تكن للظالمين قرينا.
يا موسى ما عمر
وإن طال يذم آخره وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته يا موسى صرخ الكتاب إليك
صراخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون
______________________________________________________
قوله
تعالى : « الدنيا نطفة » أي ماء قليل مكدر ، قال في القاموس : النطفة بالضم : الماء الصافي قل أو كثر
، أو قليل ماء يبقى في دلو أو قربة ، أي الدنيا شيء
قليل لا يصلح نعمتها لحقارتها أن تكون ثوابا للمؤمن ، ولا بلائها وشدتها لقلتها أن
تكون عذابا وانتقاما من فاجر ، و
« اللعقة » بالفتح ما تلعقه
وتلحسه بإصبعك أو بلسانك مرة واحدة ، و « اللعس » بالفتح العض ، والمراد هنا ما يقطعه بأسنانه من شيء مأكول
مرة واحدة.
قوله
تعالى : « ما عمر وإن طال » إلخ. في بعض النسخ « وإن طال يدوم آخره » وهو ظاهر ، وفي بعضها « وإن طال ما
يذم آخره » أو ليس عمر بذم آخره ، ويكون آخره مذموما محسوبا من العمر ، وعلى هذا
كان الأظهر عمرا بالنصب بأن يكون خبر ما ، واسمه ما يذم ، وفي بعض النسخ « يذم » بدون كلمة « ما » فيحتمل أن تكون كلمة « ما » استفهامية أي
أي شيء عمر يذم آخره وإن طال ، أو نافيته بتقدير الخير ، أي ليس عمر يذم آخره بعمر
، وعلى الأول يحتمل أن تكون كلمتا « ما » كلتاهما نافيتين ، أي لا يكون عمر لا يذم
آخره بالانقطاع والفناء.
قوله
تعالى : « وما ضرك ما زوى عنك » أي أخذ منك ونقص من العمر أو الأعم إذا حمدت مغبته أي عاقبته أي كانت عاقبته محمودة.
قوله
تعالى : « فكيف ترقد » أي تنام قوله : «
ومن دون هذا » أي أقل من هذا
__________________
أم كيف يجد قوم
لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة ومن دون هذا
يجزع الصديقون.
يا موسى مر عبادي
يدعوني على ما كان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين مجيب المضطرين وأكشف السوء
وأبدل الزمان وآتي بالرخاء وأشكر اليسير وأثيب الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم
العزيز القدير فمن لجأ إليك وانضوى إليك من الخاطئين فقل أهلا وسهلا يا رحب الفناء
بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك
فضله وقل لهم فليسألوني من فضلي ورحمتي فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل
العظيم.
طوبى لك يا موسى
كهف الخاطئين وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين إنك
______________________________________________________
لتذكار الذي صرح
وصاح به الكتاب ، يكفي لجزع الصديقين ، أي الكاملين في تصديق الأنبياء.
قوله
تعالى : « على ما كان » أي لأي أمر كان سواء كان حقيرا أو خطيرا.
قوله
تعالى : « وأثيب الكثير » صفة للمصدر المحذوف أي أثيب الثواب الكثير ، من قبيل رجعت القهقرى أو أثيب
على العمل الكثير.
قوله
تعالى : « انضوى إليك » قال الجزري : فيه « ضوى إليه المسلمون » أي مالوا ، يقال : ضوى إليه
ضيا وضويا وانضوى إليه ويقال ضواه إليه وأضواه.
قوله
: « أهلا » أي صادفت أهلا لا
غرباء ، ووطأت سهلا لا حزنا.
قوله
تعالى : « يا رحب الفناء » الرحب : الواسع وفناء الدار ككساء : ما اتسع من أمامها أي يا من فناؤه الذي
نزل به رحب ، وقوله «
بفناء » متعلق بمقدر أي
نزلت بفناء ، وفي كتاب تحف العقول « يا رحب الفناء
، نزلت بفناء رب العالمين » وهو الأصوب ، وليس في ذلك الكتاب بعد قوله ـ العظيم. قوله ـ طوبى لك يا
موسى ـ فيكون ـ قوله ـ كهف الخاطئين إلى آخره من أوصافه تعالى.
قوله
: « بما ليس منك مبتدأة » أي لا تتكبر على العباد بما أعطاكه غيرك.
__________________
مني بالمكان الرضي
فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق وكن كما أمرتك أطع أمري ولا تستطل على عبادي
بما ليس منك مبتداه وتقرب إلي فإني منك قريب فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله
إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني فأعطيك وأن تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله
وعلي تمام تنزيله.
يا موسى انظر إلى
الأرض فإنها عن قريب قبرك وارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما وابك
على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب والمهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها
ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد حتى أديل منه المظلوم.
يا موسى إن الحسنة
عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك لا تشرك بي لا يحل لك أن تشرك بي قارب وسدد
وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي النادم على
______________________________________________________
قوله
تعالى : « فإن فوقك فيها ملكا عظيما » بفتح الميم وكسر اللام أي العظيم تعالى شأنه ، نسبته إلى
السماء ، لأن ثوابه وجنته وتقديراته وعجائب صنعه فيها ، أو بضم الميم وسكون اللام
أي ملك السماء ملك عظيم يستدل. بها على عظمة مالكها وصانعها.
قوله
تعالى : « وتخوف العطب » هو بالتحريك : الهلاك.
قوله
تعالى : « رصيد » أي رقيب منتظر لجزائه ، وفي تحف العقول « بمرصد ».
قوله
تعالى : « حتى أديل منه المظلوم » أي أغلب المظلوم عليه.
قوله
تعالى : « ومن السيئة الواحدة الهلاك » المراد أن الله تعالى يعطي للحسنة عشرة أضعافها ، ويجازي
بالسيئة واحدة ، ومع ذلك أكثر الناس يهلكون بفعل السيئات ، بأن يزيد سيئاتهم على
عشرة أمثال حسناتهم ، كما ورد في الخبر ، ويل لمن غلب
آحاده أعشاره.
قوله
تعالى : « قارب وسدد » قال في النهاية : وفيه « سددوا وقاربوا » أي اقتصدوا
__________________
ما قدمت يداه فإن
سواد الليل يمحوه النهار وكذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة الليل تأتي على ضوء
النهار وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها.
٩ ـ علي بن محمد
عمن ذكره ، عن محمد بن الحسين وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد الكندي جميعا ، عن
أحمد بن الحسن الميثمي ، عن رجل من أصحابه قال قرأت جوابا من أبي عبد الله عليهالسلام إلى رجل من أصحابه أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فإن الله قد ضمن لمن اتقاه
أن يحوله عما يكره إلى ما يحب « وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة
من ذنبه فإن الله عز وجل لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله.
______________________________________________________
في الأمور كلها ،
واتركوا الغلو فيها ، والتقصير يقال : قارب فلان في الأمور إذا اقتصد ، وقال : في السين والدال فيه « قاربوا » وسددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد
والاستقامة ، وهو القصد في الأمر والعدل فيه.
قوله
تعالى : « وعشوة » بالعين المهملة مفتوحة وهي ما بين أول الليل إلى ربعه ، أو مضمومة وهي ظلمة
الليل أو بالمعجمة مثلثة أي غطاء الليل بالإضافة البيانية.
الحديث
التاسع : مرسل.
قوله
عليهالسلام : « يخاف على العباد من ذنوبهم » يخاف على المعلوم أي يعلم قبح ذنوب العباد ويحكم بكونهم في
معرض العقاب ، ويغفل عن ذنوب نفسه ولا يخاف العقوبة على ما يعلم منها ، ويمكن أن
يقرأ على البناء للمفعول أي له ذنوب يخاف على الناس العقوبة بذنوبه ، وهو آمن ،
لكن يأبى منه إفراد الضمائر في الفقرة الثانية.
قوله
عليهالسلام : « لا يخدع عن جنته » أي لا يمكن دخول الجنة بالخدعة ، بل بالطاعة الواقعية.
__________________
١٠ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن عيثم بن أشيم ، عن معاوية بن
عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خرج النبي صلىاللهعليهوآله ذات يوم وهو مستبشر يضحك سرورا فقال له الناس أضحك الله
سنك يا رسول الله وزادك سرورا فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله ألا
وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى إن جبرئيل أتاني
فأقرأني من ربي السلام وقال يا محمد إن الله عز وجل اختار من بني هاشم سبعة لم
يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي أنت يا رسول الله سيد النبيين وعلي
بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط وحمزة عمك سيد
الشهداء وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء ومنكم القائم
يصلي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض من ذرية علي وفاطمة من ولد
الحسين عليهالسلام.
١١ ـ سهل بن زياد
، عن محمد بن سليمان الديلمي المصري ، عن أبيه ، عن أبي
______________________________________________________
الحديث
العاشر : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « سبعة لم يخلق مثلهم » لعل هذا الخبر لما كان مشهورا بين العامة كما رويته
بأسانيد من طرقهم في كتاب بحار الأنوار ، ذكره عليهالسلام للاحتجاج عليهم وإن لم يكن ذكره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله : « لا يخلق مثلهم فيمن بقي » من سوى الأئمة عليهمالسلام مع أن سائر الأئمة لما كانوا متشعبين من أنوار هؤلاء
المذكورين من الأئمة ، وأنهم من نور واحد ، فكأنهم مذكورون معهم ، وتخصيص القائم
بالذكر لخفائه وكثرة الاختلاف والشبهة فيه عليهالسلام ، وقيل : المراد الموجودين في ذلك الزمان ، وأسقطت فاطمة عليهاالسلام من الرواية ، وقوله
عليهالسلام : « وفيكم القائم عليهالسلام
» كلام مستأنف ولا
يخفى ما فيه.
الحديث
الحادي عشر : ضعيف.
وفي النسخ هنا « المصري » وفي رجال الشيخ « البصري » وذكر ابن داود محمد بن سليمان
النصري بالنون وعده مغايرا للديلمي.
__________________
بصير ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال قلت له قول الله عز وجل : « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ
عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ » قال فقال إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول الله صلىاللهعليهوآله هو الناطق بالكتاب قال الله عز وجل ـ هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق قال قلت
جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا فقال هكذا والله نزل به جبرئيل على محمد صلىاللهعليهوآله ولكنه فيما حرف من كتاب الله
١٢ ـ جماعة ، عن
سهل ، عن محمد ، عن أبيه ، عن أبي محمد ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سألته عن قول الله عز وجل : « وَالشَّمْسِ وَضُحاها » قال الشمس رسول الله صلىاللهعليهوآله به أوضح الله عز وجل للناس دينهم قال قلت « الْقَمَرِ إِذا تَلاها
» قال ذاك أمير المؤمنين عليهالسلام تلا رسول الله صلىاللهعليهوآله ونفثه بالعلم نفثا قال قلت « وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » قال ذاك أئمة
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ » الظاهر أنه عليهالسلام قرأ ينطق على البناء للمفعول ، وكان يقرأ بعض مشايخنا رضياللهعنه « عليكم » بتشديد الياء المضمومة والأول أظهر.
الحديث
الثاني عشر : ضعيف.
قوله
: « عن أبي محمد » هو أبو بصير ، لأنه روي عن علي بن إبراهيم هذا الخبر ، عن أبيه ، عن سليمان
الديلمي ، عن أبي بصير.
قوله
عليهالسلام : « الشمس رسول الله » وعلى هذا يكون « ضحاها » أي ضوؤها أو غاية ارتفاعها عبارة عن دينه وعلمه وارتفاع
ملته ، وانتفاع الناس بهدايته.
قوله
عليهالسلام : « ونفثه بالعلم » نفثا النفث : النفخ بالفم والضمير المرفوع ، راجع إلى
الرسول والمنصوب إلى أمير المؤمنين والمراد ما أسر إليه من العلوم ، ولعل فيه بيان
سر [ لتشبيهه ] عليهالسلام بالقمر إذ نور القمر مستفاد من الشمس ، فكذلك علوم أمير
المؤمنين وكمالاته مقتبسة من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قوله
تعالى : « وَاللَّيْلِ
إِذا يَغْشاها » قيل : الضمير راجع إلى الشمس ، وقيل : إلى الآفاق أو الأرض
المعلومتين بقرينة المقام ، ولما كانت الشمس على هذا التأويل كناية عن الرسول ،
والليل عن أئمة الجور ، فعلى الأول المراد أنهم ستروا وغطوا
__________________
الجور الذين
استبدوا بالأمر دون آل الرسول صلىاللهعليهوآله وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله
بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال « وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها » قال قلت « وَالنَّهارِ
إِذا جَلاَّها » قال ذلك الإمام من ذرية فاطمة عليهاالسلام يسأل عن دين رسول الله صلىاللهعليهوآله فيجليه لمن سأله فحكى الله عز وجل قوله فقال « وَالنَّهارِ إِذا
جَلاَّها ».
١٣ ـ سهل ، عن
محمد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قلت « هَلْ
أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال يغشاهم القائم بالسيف قال قلت « وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ » قال خاضعة لا تطيق الامتناع قال قلت « عامِلَةٌ » قال عملت بغير ما أنزل الله قال قلت « ناصِبَةٌ » قال نصبت غير ولاة الأمر قال قلت :
« تَصْلى
ناراً حامِيَةً » قال
______________________________________________________
بظلمة جهلهم
وجورهم ضوء شمس الرسالة ، ودينها وعلمهما ، وعلى الأخيرين المراد أنه أظلمت الآفاق
أو الأرض بسواد جهلهم وظلمهم ، ولعل الأول أظهر من الخبر ، والقسم لعله على سبيل
التهكم.
قوله
تعالى : « وَالنَّهارِ
إِذا جَلاَّها » أي جلي الشمس ، فإنها تتجلى إذا انبسط النهار والأئمة يجلون
ضوء شمس الرسالة ، وعلومها وآثارها ، وقال بعض المفسرين : إن الضمير راجع إلى
الظلمة أو الدنيا أو الأرض ، وإن لم يجز ذكرها للعلم بها ، والأول أظهر من الخبر.
الحديث
الثالث عشر : ضعيف ، ومحمد وهو ابن سليمان الديلمي.
قوله
: « هَلْ
أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ » قال البيضاوي الداهية : التي
تغشى الناس بشدائدها ، يعني يوم القيامة أو النار من قوله تعالى : « تَغْشى وُجُوهَهُمُ
النَّارُ » أقول : المراد على تأويله عليهالسلام الداهية : الحادثة ، للمخالفين عند قيام القائم عليهالسلام.
قوله
: « وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ » إلخ قال البيضاوي : أي ذليلة تعمل
ما تتعب فيه كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل والصعود والهبوط في
تلالها ووهادها أو عملت ونصبت في أعمال لا تنفعها يومئذ ، « تَصْلى ناراً » تدخلها وقرأ أبو عمرو ويعقوب وأبو بكر تصلى من أصلاه الله ،
وقرئ تصلى بالتشديد
__________________
تصلى نار الحرب في
الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم.
١٤ ـ سهل ، عن
محمد ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام قوله تبارك وتعالى : « وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا
يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ
لا يَعْلَمُونَ » قال فقال لي يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية قال قلت إن المشركين يزعمون
ويحلفون لرسول الله صلىاللهعليهوآله أن الله لا يبعث الموتى قال فقال تبا لمن قال هذا سلهم هل
كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى قال قلت جعلت فداك فأوجدنيه قال فقال
لي يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على
عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث فلان وفلان وفلان من
قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما أكذبكم
هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء
______________________________________________________
للمبالغة
« حامِيَةً » متناهية في الحر ، انتهى. وتفسيره عليهالسلام واضح.
الحديث
الرابع عشر : ضعيف.
قوله
تعالى : « جَهْدَ أَيْمانِهِمْ » قال البيضاوي : جهد الأيمان أغلظها وهو في الأصل مصدر ،
ونصبه على الحال على تقدير « وَأَقْسَمُوا
بِاللهِ » يجهدون جهد أيمانهم فحذف الفعل ، وأقيم المصدر مقامه ولذلك
ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا « بَلى » ، أي يبعثهم « وَعْداً » مصدر مؤكد لنفسه ، وهو ما دل عليه بلى ، فإن يبعث موعد من
الله « عَلَيْهِ » إنجازه ، لامتناع الخلف في وعده أو لأن البعث مقتضى حكمته « حَقًّا » صفة أخرى للوعد « وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ »
أنهم يبعثون ، إما لعدم
علمهم ، بأنه من الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها ، وإما لقصور نظرهم على المألوف
، فيتوهمون امتناعه .
قوله
عليهالسلام : « تبا لمن قال هذا » قال الجوهري : تقول تبا لفلان
تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا وخسرانا ، قوله : « فأوجدنيه » في القاموس
__________________
ولا يعيشون إلى
يوم القيامة قال فحكى الله قولهم فقال « وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا
يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ ».
١٥ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن بدر بن الخليل الأسدي
قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول في قول الله عز وجل « فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها
يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » قال إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم فيقول لهم
الروم لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل
بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الأمان والصلح فيقول أصحاب القائم لا نفعل حتى تدفعوا
إلينا من قبلكم منا قال فيدفعونهم إليهم فذلك قوله : « لا تَرْكُضُوا
______________________________________________________
أوجد فلانا مطلوبه
أظفره به.
قوله
: « قباع سيوفهم على عواتقهم » قال الجوهري : قبيعة السيف ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد ، وقال
العاتق : موضع الرداء من المنكب.
الحديث
الخامس عشر : مجهول.
قال البيضاوي : « فَلَمَّا
أَحَسُّوا بَأْسَنا » فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس ، « إِذا هُمْ مِنْها
يَرْكُضُونَ » أي يهربون مسرعين راكضين دوابهم أو مشبهين بهم من فرط
إسراعهم « لا
تَرْكُضُوا » على إرادة القول ، أي قيل لهم استهزاء : لا تركضوا إما
بلسان الحال أو المقال ، والقائل ملك أو من ثم من المؤمنين
«
وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ » من التنعم والتلذذ ، والإتراف : إبطار النعمة ، « وَمَساكِنِكُمْ » التي كانت لكم « لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » غدا عن أعمالكم أو تعذبون فإن السؤال من مقدمات العذاب أو
تقصدون للسؤال ، والتشاور في المهام والنوازل « قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لما رأوا العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم « فَما زالَتْ تِلْكَ
دَعْواهُمْ » فما زالوا يرددون ذلك ، وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه
يدعو الويل ويقول : يا ويل تعال فهذا أوانك ، وكل من « تلك » و « دعواهم » يحتمل
الاسمية والخبرية « حَتَّى
__________________
وَارْجِعُوا
إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » قال يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال فيقولون « يا وَيْلَنا إِنَّا
كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً
خامِدِينَ » بالسيف.
( رسالة أبي جعفر عليهالسلام إلى سعد الخير )
١٦ ـ محمد بن يحيى
، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع والحسين
بن محمد الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، عن يزيد بن
______________________________________________________
جَعَلْناهُمْ
حَصِيداً » « مثل الحصيد وهو النبت المحصود ، ولذلك لم يجمع » « خامِدِينَ » ميتين من خمدت النار ، وهو مع حصيدا بمنزلة المفعول الثاني
، كقولك : جعلته حلوا حامضا إذ المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد ، والخمود أو
صفة له أو حال من ضميره.
قوله
: « يسألهم الكنوز » أي الأموال التي كنزوها ودفنوها في الأرض مع أنه أعلم بتلك الكنوز ، لكن
يسألهم ليكون أشد عليهم.
قوله : « وهو سعيد
بن عبد الملك » الظاهر أن قوله : « وهو سعيد » إلخ كان مكتوبا على الهامش لبيان
نسب سعد الخير ، وكان سعدا فصحف السعيد أو كان اسمه سعيدا ، وسعد الخير لقيه
فأدخلته النساخ في المتن كما سيأتي ذكره من كتاب الاختصاص ، وعلى تقدير كونه جزء
الخبر فالظاهر أن الضمير راجع إلى الهارب إلى الشام أعني رئيس الهاربين.
رسالة
أبي جعفر عليهالسلام إلى سعد الخير
الحديث
السادس عشر :
السعد الأول :
صحيح على الظاهر ، لتوثيق العلامة لحمزة بن بزيع ، وإن كان ما يظن أن يكون مأخذه
ضعيفا ، لكن في رواية حمزة عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام
__________________
عبد الله عمن حدثه
قال كتب أبو جعفر عليهالسلام إلى سعد الخير :
« بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف
والغنيمة في المنقلب إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلي
بالتقوى عنه عماه وجهله وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من
الصاعقة وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك ولهم إخوان على تلك
الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات لما بلغهم في
الكتاب من المثلات حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل
______________________________________________________
إشكال ، لأن الشيخ
في الرجال عده من رجال الرضا عليهالسلام ، ولم يذكر روايته عن الجواد عليهالسلام ، وروى الكشي ما يدل على أنه لم يدرك زمانه عليهالسلام حيث قال : ذكر بين يدي الرضا حمزة بن بزيع فترحم عليه ، فقيل له : كان يقول
بموسى فترحم عليه ساعة الخبر ، فيحتمل أن يكون أبو جعفر هو الأول عليهالسلام ففي هذا السند أيضا إرسال ويؤيده ما رواه المفيد « ره » في كتاب الاختصاص بإسناده عن أبي حمزة الثمالي قال : دخل سعد بن عبد الملك ـ وكان أبو جعفر عليهالسلام يسميه سعد الخير ، وهو من ولد عبد العزيز بن مروان ـ على أبي جعفر عليهالسلام فبينا ينشج كما تنشج النساء قال فقال له أبو جعفر : ما يبكيك يا سعد؟
قال : وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن فقال له : لست منهم أنت
أموي منا أهل البيت أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم : « فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي » والسند الثاني : مرسل.
قوله
عليهالسلام : « ما عزب عنه عقله » قال الجوهري : عزب عني فلان
يعزب ، ويعزب أي بعد وغاب وعزب عن فلان حلمه.
قوله
عليهالسلام : « ونجت تلك العصب » هي جمع عصبة بالضم ، وهي من الرجال والخيل ، والطير ما بين
العشرة إلى الأربعين.
قوله
عليهالسلام : « ولهم إخوان » أي في هذه الأمة أو في هذا الزمان.
قوله
عليهالسلام : « من الالتذاذ بالشهوات » الظاهر أن لفظة « من » بيانية ، ويحتمل
__________________
الحمد وذموا
أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما
غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما يضل من لم
يقبل منه هداه ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات دعا عباده في الكتاب
إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله « الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
ما أَنْزَلَ اللهُ » و « كَتَبَ
عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » فسبقت قبل الغضب فتمت « صِدْقاً
______________________________________________________
الابتدائية ، أي
الطغيان الحاصل من الالتذاذ ، وفي بعض النسخ « من الإيراد بالشهوات » ولعل المراد
إيراد الأنفس على المهالك بسبب الشهوات.
قوله
: « من المثلات » بفتح الميم وضم الثاء أي العقوبات قوله « رضاه » أي ما يرضيه من الطاعات.
قوله
عليهالسلام : « من التوبة بتبديل الحسنات » الظاهر أن الباء تعليلية أي جعل أهل السيئات قادرين على
التوبة ، متمكنين منها ، لأن يبدلوا بها سيئاتهم حسنات أو لأن يبدل الله سيئاتهم
حسنات ، ويحتمل أن تكون « من » سببية ، والباء بمعنى من أي مكنهم من تبديل سيئاتهم
بالتوبة ، وهو إشارة إلى قوله تعالى « فَأُوْلئِكَ
يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ » والتبديل إما بأن يمحو سوابق معاصيهم بالتوبة ، ويثبت مكانها لواحق طاعاتهم
أو يبدل ملكة المعصية في النفس ، بملكة الطاعة ، وقيل : بأن يوفقه لأضداد ما سلف
منه أو بأن يثبت له مكان كل سيئة حسنة ، وبهذا المعنى الأخير ورد بعض أخبارنا .
قوله
عليهالسلام : « ولم يمنع دعاء عباده » أي يمنعهم عن الدعاء.
قوله
عليهالسلام : « فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله » لعل المراد المجبرة المنكرين لما تقدم.
قوله
عليهالسلام : « كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ » أي ألزمها على نفسه.
قوله
: « فتمت » أي الرحمة أي
كتابتها والوعد بها وتقديرها كما قال « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ
رَبِّكَ » وفسرت بتقديرات الله تعالى ومواعيده.
__________________
وَعَدْلاً
» فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه وذلك من علم اليقين
وعلم التقوى وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين
تولوه وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه
والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب
أن ولوه الذين لا يعلمون فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وذلك من علم اليقين » من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة أي ما سبق من العلم بعدله
تعالى ورأفته ورحمته ، هو من العلم المتيقن الذي لا شك فيه ، وهو علم التقوى ، أي
علم يتقى به من عذاب الله إذ من لم يقل به فهو كافر مستحق لعذابه تعالى ، أو هو
العلم الذي يبعث النفس على التقوى ، أو يحصل من التقوى ، قوله « وكل أمة » مبتدأ وقوله
« قد رفع الله » خبره.
قوله
عليهالسلام : « وولاهم عدوهم حين تولوه » الضمير المنصوب في قوله « تولوه » راجع إلى العدو يقال
ولاه : أي جعله واليا ، وتولاه أي اتخذوه وليا. أي سلط عليهم عدوهم ، حين اتخذوه
وليهم ، وخلي بينه وبينهم كما أنهم بايعوا بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدر الإسلام من ليس بأهله ، ومن هو عدوهم في الدنيا
والآخرة فوكلهم الله إليهم وخلي بينهم ، وبين هؤلاء المضلين ، وفيه إشارة إلى قوله
تعالى « وَمَنْ
يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ
سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى » أي نجعله واليا لما تولى من الضلال. ونخلي بينه وبين ما
اختاره « وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ».
قوله
عليهالسلام : « وحرفوا حدوده » أي أحكامه وأولوها بآرائهم.
قوله
: « وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه » إلخ. أي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه ، والحاكم به الذين
لا يعلمونه.
قوله
: « فأوردوهم الهوى » أي ما يحكم به أهواؤهم «
وصدورهم » أي أرجعوهم إلى
الردى والهلاك.
قوله
: « وغيروا عرى الدين » أي ما يتمسك به من أحكام الدين وشرائعه.
__________________
الدين ثم ورثوه في
السفه والصبا فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون ،
فبِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ولاية الناس بعد ولاية الله وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا
الناس بعد رضا الله فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة
معجبون مفتونون فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل « ذِكْرى لِلْعابِدِينَ » إن نبيا من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثم يعصي الله تبارك
وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثم لا ينجيه إلا
الاعتراف والتوبة فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه
« فَما
رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ » ثم اعرف
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ثم ورثوه » أي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل ، أو صبي غير عاقل ،
قال الجوهري : يقال : صبي بين الصبا والصباء ، إذا فتحت الصاد مددت وإذا كسرت قصرت.
قوله
عليهالسلام : « بعد أمر الله » أي صدوره أو الاطلاع عليه أو تركه ، والورود والصدور
كنايتان عن الإتيان ، للسؤال والأخذ والرجوع بالقبول.
قوله
عليهالسلام : « ولاية الناس » هو المخصوص بالذم.
قوله
عليهالسلام : « معجبون » بفتح الجيم أي يعجبهم أعمالهم.
قوله
عليهالسلام : « ثم يعصي الله » أي يترك الأولى والأفضل وإطلاق العصيان عليه مجاز لكونه في
درجة كمالهم ، بمنزلة العصيان.
قوله
عليهالسلام : « فاعرف أشباه الأحبار والرهبان » أي الذين كانوا يتشبهون بالأحبار والرهبان من الأمم
السالفة ، ولم يكونوا منهم ضالين مبتدعين كتموا الكتاب وأحكامه وحرفوه وأولوه
بآرائهم.
قوله
عليهالسلام : « فهم مع السادة والكبرة » الكبرة بكسر الكاف وسكون الباء والكبر بالضم : جمع الأكبر
أي هم مع أهل السيادة والعظمة والدولة في الدنيا ، وفي بعض النسخ الكثرة وهو أظهر.
__________________
أشباههم من هذه
الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده فهم مع السادة والكبرة ـ فإذا تفرقت
قادة الأهواء ـ كانوا مع أكثرهم دنيا و « ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » لا يزالون كذلك في
طبع وطمع لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير يصبر منهم العلماء على
الأذى والتعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا
النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه فبئس ما يصنعون لأن الله
تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وذلِكَ مَبْلَغُهُمْ
مِنَ الْعِلْمِ » إشارة إلى قوله
تعالى : « فَأَعْرِضْ
عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ
مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » أي أمر الدنيا أو كونها تسمية مبلغهم من العلم ، لا يتجاوزه علمهم ، وما في
الخبر يحتمل أن يكون المراد به « هذا ما بلغوه بسبب علمهم » أي لم يحصل سوى ذلك من
العلم.
قوله
عليهالسلام : « في طبع » قال الجزري : الطبع بالسكون
: الختم ، وبالتحريك : الدنس ، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف ، يقال : طبع
السيف يطبع طبعا ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من القبائح ،
ومنه الحديث « أعوذ بالله من طمع يهدى إلى طبع » أي يؤدى إلى شين أو عيب.
قوله
عليهالسلام : « يعيبون على العلماء بالتكليف » أي بسبب أنهم يكلفونهم الطاعات والعدول عن الباطل ، أو
يكلفون الخلق ويدعونهم إلى الحق.
قوله
عليهالسلام : « والعلماء في أنفسهم خانة » هي جمع خائن أي والحال أن العلماء المحقين خائنون إن كتموه
وتركوا نصيحتهم.
قوله
عليهالسلام : « إن رأوا » إلخ يحتمل أن يكون جزاؤه فبئس ما يصنعون ، ويكون مجموع
جملة الشرط والجزاء تأكيدا للجملة السابقة ، وبيانا لها ، ولذا ترك العاطف بينهما
، ويحتمل أن يكون هذا الشرط بيانا لكتمان النصيحة ، وتفسيرا له ، ويكون قوله : « فبئس ما
يصنعون » جزاء لشرط محذوف
، أي إن فعلوا ذلك فبئس ما يصنعون
__________________
يأمروا بالمعروف
وبما أمروا به وأن ينهوا عما نهوا عنه وأن يتعاونوا « عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » ولا يتعاونوا « عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ » فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا طغت ـ وإن
علموا الحق الذي تركوا قالوا خالفت وإن اعتزلوهم قالوا فارقت وإن قالوا هاتوا
برهانكم على ما تحدثون قالوا نافقت وإن أطاعوهم قالوا عصت الله عز وجل
______________________________________________________
ويحتمل أن يكون «
ورأوا » بيانا لقوله « ويعيبون على العلماء » وتعليلا له ، ويكون ضمير الفاعل
راجعا إلى أشباه الأحبار أي إنهم يعيبون على العلماء تكليفهم الخلق بالطاعات ،
لكونه خلاف طريقتهم ، فإنهم إن رأوا تائها أي متحيرا ضالا عن سبيل الحق لا يهدونه
والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « فالعلماء من الجهال » أي علماء الحق من أشباه الأحبار أو من أتباعهم الضالين ،
ويحتمل أن يكون المراد علماء السوء من أتباعهم ، لكن تطبيق الفقرات عليه ، يحتاج
إلى تكلف.
قوله
عليهالسلام : « في جهد » بالفتح أي مشقة « وجهاد » بالكسر أي مجاهدة ، وسعي واهتمام « إن وعظت » العلماء ، « قالوا طغت » أي جاوزوا الحد في ذلك وبالغوا أكثر مما ينبغي أو حصل لهم
الطغيان ، بسبب علمهم وعملهم فيعيبون الناس أو يدعون الرئاسة « وإن علموا » الجهال «
الحق » الذي تركه الجهال
، قالوا : « خالفت » أي كبراءنا أو عامة الناس لشيوع الباطل بينهم ، وعلى
الاحتمال الثاني المراد إن علم علماء سوء الجهال شيئا من الحق الذي يتركه أنفسهم ،
قالت الجهال لهم : خالفت في قولك فعلك ، « وإن اعتزلوهم قالوا : فارقت » الجماعة.
قوله
عليهالسلام : « قالوا نافقت » أي أظهرت خلافنا ولم تعتقد لحقية ما نحن عليه.
قوله
عليهالسلام : « وإن أطاعوهم قالوا : عصيت الله » ليس في بعض النسخ المصححة « قالوا » والظاهر أنه زيد من
النساخ ، والمعنى أنه لا يمكنهم إطاعة هؤلاء ، لأنها
فهلك جهال فيما لا
يعلمون أميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف ويكذبون به عند التحريف فلا
ينكرون أولئك أشباه الأحبار والرهبان قادة في الهوى سادة في الردى وآخرون منهم
جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى يقولون ما كان الناس
يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا تركهم رسول الله
______________________________________________________
معصية الله تعالى
، وعلى نسخة [ قالوا ] لعل المراد أنهم يقولون : عصيت الله بزعمك حيث عملت بما لم
تعتقده ، كما أن المخالفين لعنهم الله يشنعون في التقية علينا وعلى أئمتنا عليهمالسلام.
قوله
عليهالسلام : « أميون فيما يتلون » أي إنهم كالأميين لعدم علمهم بمعاني الكتاب والأمي من لا
يحسن الخط والكتابة.
قوله
: « يصدقون بالكتاب » أي بألفاظه عند تعريف الخلق ألفاظه ، ويكذبون بالكتاب عند تحريف معانيه ، إذ تحريف معناه تكذيب للمعنى
المراد به ، فقوله يصدقون ويكذبون من باب التفعيل على البناء للفاعل ، وقوله ينكرون على البناء للمفعول ، أي لا ينكر تكذيبهم عليهم أحد ،
ويحتمل العكس بأن يكون الأولان على البناء للمفعول ، والثالث على البناء للفاعل ،
أي لا يمكنهم إنكار ذلك لظهور تحريفهم ، وعلى الاحتمال الأول يمكن أن يقرأ الفعلان
بالتخفيف أيضا ، والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « يقولون ما كان الناس يعرفون هذا » إلخ. هذا يحتمل وجوها : الأول : أن يكون هذا إشارة إلى
الاختلاف الذي حدث بين الأمة ، أي لم يكن هذا الاختلاف بين الأمة في زمن الرسول ما
كان الناس يدرونه ، وإنما حدث هذا بعده ، فيعرفون أن الاختلاف ليس بحق ، لكن لا
يعرفون الحق من بينهما فتحيروا ، فيكون.
قوله
: « وصدقوا » بالتخفيف من
كلامه غير محكي عنهم ، بل تصديقا لهم فيما قالوا من أن الاختلاف مبتدع ، ويحتمل أن
يكون « ولا
يدرون » أيضا من كلامه عليهالسلام أي لا يدري هؤلاء المتحيرون الحق ما هو بين هذا الاختلاف الذي اعترفوا بكونه
صلىاللهعليهوآله على البيضاء ليلها من نهارها لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل
فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف فلما غشي الناس ظلمة خطاياهم صاروا إمامين داع
إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان
أوليائه و
______________________________________________________
مبتدعا.
الثاني : أن يكون
هذا إشارة إلى ما ابتدعه المخالفون ، كخلافة أبي بكر مثلا ، أي يقولون لم يحدث هذه
الأمور في عصر الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإنما ابتدعت بعده وعلى هذا الاحتمال يمكن أن يقرأ صدقوا
بالتخفيف كما مروا بالتشديد أيضا ، وعلى الثاني فقوله : « تركهم » : إما مصدر مفعول للتصديق ، أي صدقوا أن الرسول تركهم على
الأمر الواضح ، وإما فعل ، أي مع اعترافهم بكون هذه الأمور بدعة صدقوا بها تصديقا
مشوبا بالشك ، فيكون قوله : « تركهم » كلامه عليهالسلام للرد عليهم.
الثالث : أن يكون
هذا إشارة إلى مذهب أهل الحق ، أي سبب عدم إطاعتهم للحق هو أنهم يقولون إن الناس
في الزمان السابق كان أكثرهم على خلاف هذا الرأي ، ولا يدرون حقيته فنحن تبع لهم
كما قال الكفار « إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ » وصدقوا بالتشديد ، وتركهم على صيغة المصدر فهذا رد عليهم بأنهم يصدقون بأن
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أوضح لهم السبيل ، وأقام لهم الخليفة ، وأوضح لهم الحجة ،
ومع ذلك يتبعون أسلافهم في الضلالة ، أو بيان لأحد طرفي شكهم وأحد سببي تحيرهم.
الرابع : أن يكون
اسم الإشارة إشارة إلى خليفتهم الباطل ، وبدعهم الفاسدة ويكون الكلام مسوقا على
الاستفهام الإنكاري ، أي إن الناس هل كانوا لا يعرفون حقية هذه الخليفة وكانوا
ينصبونه.
قوله عليهالسلام : « وصدقوا » يكون ردا عليهم.
قوله
عليهالسلام : « على البيضاء » أي على الملة البينة الواضحة الممتازة « ليلها من نهارها » أي باطلها من حقها.
__________________
كثر خيله ورجله
وشارك في المال والولد من أشركه فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة ونطق أولياء الله
بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل
وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه فاعرف هذا
الصنف وصنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء والزمهم حتى تردأ هلك ، فإِنَّ
الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ.
لى هاهنا رواية
الحسين وفي رواية محمد بن يحيى زيادة
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وكثر خيله ورجله » الخيل : جماعة الفرسان ، والرجل : المشاة أي أعوانه القوية
والضعيفة.
قوله
عليهالسلام : « من أشركه » أي الشيطان باتباعه ، وعدم الاستعاذة منه.
قوله
عليهالسلام : « وتخاذل » أي تركوا نصرة الحق ، وفي بعض النسخ « تخادن » من الخدن ،
وهو الصديق وتهادن من المهادنة بمعنى المصالحة ، وفي بعض النسخ و « تهاون »
أي عن نصرة الحق ، وهذا أنسب بالتخاذل ، كما أن التهادن أنسب بالتخادن.
قوله
: « مع فلان » يعني أبا بكر.
قوله
عليهالسلام : « حتى ترد أهلك » أي في الآخرة من الأنبياء والأئمة والمؤمنين وأشار عليهالسلام بذلك إلى تفسير خسران أهليهم في الآية وأن المراد خسران مرافقة هؤلاء في
القيامة ، وفي الجنة وشفاعتهم.
قوله عليهالسلام : « فإن كان دونهم
بلاء » أي كان عندهم
ابتلاء وامتحان للخلق من مظلوميتهم ومغلوبيتهم ، فلا تجعل ذلك دليلا على عدم
حقيتهم ، ولا تحقرهم بذلك ، فإن ذلك علامة حقيتهم ، وعما قليل تنقضي بلاياهم ، ثم
تصير وتنقلب تلك البلايا إلى رخاء لا يوصف في الآخرة ، أو في الدنيا عند قيام
القائم عليهالسلام و
« العسف » الظلم و « الخسف » كناية عن الخمول وعدم الذكر.
قوله
عليهالسلام : « ثم اعلم أن إخوان الثقة » تحريص على تحصيل الإخوان في الله
لهم علم بالطريق
فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن كان دونهم عسف من أهل العسف وخسف ودونهم
بلايا تنقضي ـ ثم تصير إلى رخاء ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولو لا
أن تذهب بك الظنون عني لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق
كتمتها ولكني أتقيك وأستبقيك وليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوى والحلم
لباس العالم فلا تعرين منه والسلام.
( رسالة منه عليهالسلام إليه أيضا )
١٧ ـ محمد بن يحيى
، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع قال كتب
أبو جعفر عليهالسلام إلى سعد الخير « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
» أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه
وطاعة من رضا الله رضاه فقلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته تعجب أن
رضا الله وطاعته ونصيحته لا تقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء أخلاء
______________________________________________________
الموثوق بهم
وبأخوتهم.
قوله
: « ولو لا أن تذهب بك الظنون عني » أي يصير ظنك السيء بي سببا لانحرافك عني ، وعدم إصغائك إلى
بعد ذلك ، وكأنه عليهالسلام كان يعلم أنه لا يقبل صريح الحق دفعة ، فأراد أن يقربه من
الحق شيئا فشيئا لئلا ينفر عن الحق وأهله ، قوله : « في مكان التقوى » أي في محل التقية.
رسالة
أيضا منه إليه
الحديث
السابع عشر : صحيح على
الظاهر.
قوله
عليهالسلام : « ما كانت نفسك مرتهنة » بفتح الهاء أي مرهونة ، والأنفس مرهونة عند الله بما لله
عليها من الحقوق والطاعات ، وترك المعاصي فإذا عمل بما يجب عليه وترك ما نهى عنه ،
فقد فك رهانها وإلا فيؤخذ منها بتعذيبها كما أن صاحب الدين
من الناس قد
اتخذهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات وكان يقال لا يكون المؤمن مؤمنا
حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار ولو لا أن يصيبك من
______________________________________________________
يأخذ من الرهن حقه
كما قال تعالى « كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ
أَصْحابَ الْيَمِينِ » فإنهم فكوا رهانها.
قوله عليهالسلام : « فعجب » أي كون رضى الله وطاعته منحصرة في هؤلاء القوم الذين يستحقرهم
الناس محل للتعجب يستبعده الناس ، وتأبى عنه أوهامهم وعقولهم الفاسدة التي ألفت
بالدنيا وزينتها ، وفي بعض النسخ [ بعجب ] بضم العين ، فيكون متعلقا بالترك أي إن
تركته بسبب الإعجاب بالنفس والتكبر عن قبول الحق وإطاعة أهله قال الفيروزآبادي :
العجب بالضم : الزهو والكبر ، وفي بعضها[ تعجب ] على صيغة الخطاب وعلى هذا كأنه كان تعجب في نفسه أو أظهر
تعجبه في رسالته فرد عليهالسلام ذلك عليه ، قوله : « ونصيحته » أي نصح عبادة أو طاعته مجازا.
قوله
عليهالسلام : « في عباد غرباء » الغربة عبارة عن قلة الأعوان وقلة الموافقين لهم فيما هم
فيه من دين الحق ، كما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « إن الإسلام بدأ غريبا فطوبى للغرباء ».
قوله
عليهالسلام : « أخلاء من الناس » الإخلاء : جمع خلو بالكسر ، وهو الخالي عن الشيء ويكون
بمعنى المنفرد ، ويقال : أخلاء إذا انفرد أي هم أخلاء من أخلاق عامة الناس
وأطوارهم الباطلة أو منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم.
قوله
عليهالسلام : « لما يرمونهم به من المنكرات » أي يتخذهم الناس سخرية واستهزاء بسبب ما يرميهم الناس
ويتهمهم به من المنكرات التي هم براء منها ، أو من أشياء يزعمونها من المناكير ،
وليست بها ، ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل راجعا إلى العباد المحقين أي إنما يتخذون
هؤلاء العباد سخريا لأنهم ينسبونهم إلى المنكرات أي يبينون أن أفعالهم وأديانهم
منكرة وينهونهم عنها.
قوله
عليهالسلام : « وكان يقال » أي يقول النبي وأهل هذا البيت عليهمالسلام وهذا رد
__________________
البلاء مثل الذي
أصابنا فتجعل « فِتْنَةَ
النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ » وأعيذك بالله وإيانا من ذلك لقربت على بعد منزلتك واعلم
رحمك الله أنه لا تنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس ولا ولايته إلا بمعاداتهم
وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون
______________________________________________________
للعجب والاستبعاد.
قوله
عليهالسلام : « مثل الذي أصابنا » أي من أذى الخلق وتحقيرهم واستهزائهم.
قوله
عليهالسلام : « فتجعل فتنة الناس كعذاب الله » الفتنة هنا البلية ، والأذى أي تجعل أذى الناس كعذاب الله
في الضرر وتساوي بينهما ، فتختار عذاب الله بالرجوع عن الحق للاحتراز عن ضررهم ،
وهو إشارة إلى قوله تعالى : « وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ » أي بأن عذبهم الكفرة على الإيمان.« جَعَلَ فِتْنَةَ
النَّاسِ » أي ما يصيبهم من أذيتهم في الصرف عن الإيمان
« كَعَذابِ
اللهِ » في الصرف عن الكفر.
قوله
عليهالسلام : « لقربت » جزاء الشرط وهو إما بتشديد الراء على صيغة المتكلم المعلوم
أي لجعلتك قريبا من الحق مع غاية بعدك عنه ، أو على صيغة المخاطب المجهول أو
بتخفيف الراء إما بصيغة المتكلم أي لقربت إليك ببيان الحق والتصريح به ، أو بصيغة
الخطاب أي لصرت قريبا بما ألقي إليك من الحق.
قوله
عليهالسلام : « وفوت ذلك » أي ما يفوتك بسبب معاداة الناس قليل حقير بالنظر إلى ما
تدركه من المنافع الأخروية من الله ، فقوله عليهالسلام
: « لدرك » علة للقلة
والحقارة.
قوله
عليهالسلام : « ذلك » ثانيا إما راجع إلى الثواب المعلوم بقرينة المقام ، أو إلى
ما رجع إليه اسم الإشارة أولا أي عوضه ، وجزاء تركه.
قوله
: « لقوم يعلمون » أي لا يعلم حقيقة هذه الحقارة وذلك الشرف إلا العالمون بضعة الدنيا ودناءة
منزلتها وحقارتها ، والعارفون برفعته درجات الآخرة وشرفها.
__________________
يا أخي إن الله عز
وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون معهم
على الأذى يجيبون داعي الله ويدعون إلى الله فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة
رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة إنهم يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرن بنور الله
من العمى كم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من تائه ضال قد هدوه يبذلون دماءهم دون
هلكة العباد وما أحسن أثرهم على العباد وأقبح آثار العباد عليهم.
١٨ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن أبي بصير قال بينا
رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله إن فيك شبها من عيسى ابن مريم ولو لا أن تقول فيك طوائف من
أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملإ من الناس إلا
أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الأعرابيان والمغيرة بن
شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « في كل من الرسل » أي في أمة كل من الرسل أو لكل منهم بأن يكون « في » بمعنى
اللام ، قوله : «
يصبرون معهم » أي مع الأمة وبينهم أو مع الرسل.
قوله
عليهالسلام : « دون هلكة العباد » أي عند أشرافهم على الهلاك لئلا يهلكوا.
قوله
عليهالسلام : « ما أحسن أثرهم » أي ما يصل منهم إلى العباد وأثر الشيء بقيته وما يحصل
منه.% الحديث
الثامن عشر : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « إن فيك شبها من عيسى بن مريم عليهالسلام » لزهده وعبادته وافتراق الناس فيه ثلاث فرق ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لو لا أن تقول
فيك » إلخ. أي لو لا
تحقق هذا الأمر وكون قولي سببا لزيادة رسوخ الناس في هذا الباطل لقلت.
قوله
عليهالسلام : « فغضب الأعرابيان » أي أبو بكر وعمر إذ هما لم يهاجرا إلى الإسلام ، وكانا على
كفرهما وكان إسلامهما نفاقا وهجرهما شقاقا فهم داخلون ، في
ابن مريم فأنزل
الله على نبيه صلىاللهعليهوآله فقال : « وَلَمَّا
ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا أَآلِهَتُنا
خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ
______________________________________________________
قوله تعالى : « الْأَعْرابُ أَشَدُّ
كُفْراً وَنِفاقاً » .
قوله
عليهالسلام : « فأنزل الله على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم » إلخ. ولنذكر ما قاله المفسرون في الآية ، ثم لنرجع إلى
الخبر « ولما
ضرب ابن مريم مثلا » أي ضربه ابن الزبعرى لما جادل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله تعالى : « إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ
حَصَبُ جَهَنَّمَ » أو غيره بأن قال : النصارى أهل كتاب ، وهم يعبدون عيسى ،
ويزعمون أنه ابن الله ، والملائكة أولى بذلك ، وعلى قوله : « وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » أو أن محمدا يريد أن نعبده كما عبد المسيح « إِذا قَوْمُكَ » قريش « مِنْهُ
» من هذا المثل « يَصِدُّونَ » يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم صار ملزما به ، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالضم من
الصدود أي يصدون من الحق ، ويعرفون عنه ، وقيل : هما لغتان نحو بعكف ويعكف وقالوا
« آلِهَتُنا
خَيْرٌ أَمْ هُوَ » أي آلهتنا خير عندك أم عيسى ، فإن كان في النار ، فلتكن
آلهتنا معه ، أو آلهتنا الملائكة خير أم عيسى ، فإن جاز أن يعبد ويكون ابن الله
كانت آلهتنا أولى بذلك ، أو آلهتنا خير أم محمد ، فنعبده وندع آلهتنا
« ما
ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً » ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق
من الباطل « بَلْ هُمْ
قَوْمٌ خَصِمُونَ » شداد الخصومة ، حراص على اللجاج « إِنْ هُوَ إِلاَّ
عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ » بالنبوة ، « وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » أمرا عجيبا ، كالمثل السائر لبني إسرائيل ، وهو كالجواب
المزيح لتلك الشبهة « وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ » لولدنا منكم يا رجال كما ولدنا عيسى من غير أب أو لجعلنا
بدلكم « مَلائِكَةً
فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » يخلفونكم في الأرض ، والمعنى أن حال عيسى وإن كانت عجيبة ،
فإنه تعالى قادر على ما هو أعجب من ذلك ، وأن الملائكة مثلكم من حيث إنها ذوات
ممكنة ، يحتمل خلقها توليدا كما جاز خلقها إبداعا فمن أين لهم استحقاق الألوهية والانتساب إلى الله سبحانه ، كذا فسرها البيضاوي .
__________________
هُوَ
إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ
وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ » يعني من بني هاشم « مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ » قال فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال « اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ
عِنْدِكَ » أن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل « فَأَمْطِرْ
______________________________________________________
وروى علي بن
إبراهيم عن أبيه عن وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن
أبي الأعز عن سلمان الفارسي قال : بينما رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم جالس في أصحابه إذ قال إنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن
مريم ، فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليكون هو الداخل ، فدخل علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال الرجل لبعض أصحابه : أما رضي محمد أن فضل عليا علينا حتى يشبهه بعيسى بن
مريم ، والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه ، فأنزل الله في ذلك
المجلس ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون : فحرفوها « يصدون » وقالوا « آلِهَتُنا خَيْرٌ
أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ » عليا « إِنْ هُوَ إِلاَّ
عَبْدٌ » إن علي إلا عبد « أَنْعَمْنا عَلَيْهِ
وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » فمحا اسمه عن هذا الموضع ، ثم ذكر الله خطر أمير المؤمنين ،
فقال « وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا
تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » يعني أمير المؤمنين عليهالسلام فهذا الخبر المروي من رجال العامة يؤيد التفسير الوارد في
هذا الخبر ويبينه ، وعلى هذا فيكون المراد بقوله
« ما ضَرَبُوهُ
لَكَ » تفضيل الآلهة فإنه تشبيه مع تفضيل ، وقوله
«
وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ » أي شبيها بنبي بني إسرائيل ، وهو عيسى عليهالسلام وقوله : « وَلَوْ
نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ » أي من بني هاشم « مَلائِكَةً » أي أئمة كالملائكة في التقدس والطهارة ، والعصمة « فِي الْأَرْضِ
يَخْلُفُونَ » أي يكونوا خلفاء في الأرض ولعل كلمة « لو » استعمل على هذا
التفسير مقام « إذا » أي متى تعلقت مشيتنا وأردنا ، نجعل في الأرض منهم خلفاء.
قوله
: « هرقلا بعد هرقل » بكسر الهاء والقاف اسم ملك الروم أي ملكا بعد ملك ، وكأنه عبر عنهم هكذا كفرا
وعنادا وإظهارا لبطلانهم قوله
تعالى : « وَما
__________________
عَلَيْنا
حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ » فأنزل الله عليه مقالة الحارث ونزلت هذه الآية « وَما كانَ اللهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ » ثم قال له يا ابن عمرو إما تبت وإما رحلت فقال يا محمد بل
تجعل لسائر قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم فقال له
النبي صلىاللهعليهوآله ليس ذلك إلي ذلك إلى الله تبارك وتعالى فقال يا محمد قلبي
ما يتابعني على التوبة ولكن أرحل عنك فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة
أتته جندلة فرضخت هامته ثم أتى الوحي إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال « سَأَلَ
سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ » بولاية علي « لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ
» قال قلت جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا فقال هكذا والله
______________________________________________________
كانَ
اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » يحتمل أن يكون المراد ترك عذاب الاستئصال ببركته صلىاللهعليهوآلهوسلم : فلا ينافي ورود هذا العذاب عليه.
ويحتمل أن يكون
المراد بأول الآية نفي عذاب الاستئصال ، وبقوله : « وَما كانَ اللهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » نفي العذاب الوارد على الأشخاص ، فلذا أمره صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتوبة لرفعه ، فلما لم يتب نزل عليه.
قوله
: « جندلة » أي حجارة.
قوله عليهالسلام : « فرضت » وفي بعض النسخ فرضخت والرض : الدق ، والرضخ ، الكسر والدق.
قوله
تعالى : « سَأَلَ
سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ » أي دعا داع به بمعنى استدعائه ، ولذلك عدي الفعل بالباء قال
البيضاوي : السائل نضر بن الحرث ، فإنه قال
« إِنْ كانَ
هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً » وأبو جهل فإنه قال : « فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ » سأله استهزاء : أو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم استعجل بعذابهم. قوله تعالى : « ذِي الْمَعارِجِ » أي ذي المصاعد ، وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب
والعمل الصالح ، أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم ، أو في دار ثوابهم أو مراتب
الملائكة أو في السماوات ، فإن الملائكة يعرجون فيها.
__________________
نزل بها جبرئيل
على محمد صلىاللهعليهوآله وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمة عليهاالسلام فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله لمن حوله من المنافقين انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما
استفتح به قال الله عز وجل : « وَاسْتَفْتَحُوا
وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ » .
١٩ ـ محمد بن يحيى
، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن محمد بن مسلم ، عن
أبي جعفر عليهالسلام في قوله عز وجل : « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِما
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « إنا لا نقرؤها هكذا » كأنه سقط من بين الآية شيء ، وقد روي هذا الخبر في الأصول
عن محمد بن سليمان بسند آخر هكذا علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن
خالد ، عن محمد بن سليمان ، عن أبيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله تعالى : « سَأَلَ
سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ » بولاية علي « لَيْسَ لَهُ دافِعٌ » ثم قال : هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
قوله
تعالى : « وَاسْتَفْتَحُوا
» ظاهر الخبر أن المراد بالاستفتاح استفتاح العذاب وقال
البيضاوي : أي سألوا من الله الفتح على أعدائهم أو القضاء بينهم
وبين أعاديهم من الفتاحة كقوله « رَبَّنَا افْتَحْ
بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ » .
الحديث
التاسع عشر : صحيح.
قوله
تعالى : « ظَهَرَ
الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »
قال البيضاوي : كالقحط
والموتان ، وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات ، وكثرة المضار أو الضلالة والظلم ،
وقيل :
المراد بالبحر :
قرى السواحل ، وقرى البحور « بِما كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ » بشؤم معاصيهم أو بكسبهم إياه ، وقيل : ظهر الفساد في البر
بقتل قابيل أخاه ، وفي البحر بأن جلندا كان
« يَأْخُذُ
كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً » انتهى.
وقال البغوي :
أراد بالبر البوادي والمفاوز ، وبالبحر المدائن والقرى التي على المياه الجارية ،
قال عكرمة : تسمى العرب المصر بحرا ، وقال عطية البر ظهر الأرض والبحر هو البحر
المعروف ، وقلة المطر كما تؤثر في البر تؤثر في البحر ، فتخلوا أجواف الأصداف ،
لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ، ويفتح فاه فما وقع فيه من المطر
صار لؤلؤا ، وقال ابن عباس ومجاهد وضحاك : كانت
__________________
كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ » قال ذاك والله حين قالت الأنصار : « منا أمير ومنكم أمير ».
٢٠ ـ وعنه ، عن
محمد بن علي ، عن ابن مسكان ، عن ميسر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قلت قول الله عز وجل : « وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ
إِصْلاحِها » قال فقال يا ميسر إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله عز وجل
بنبيه صلىاللهعليهوآله فقال « وَلا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ».
______________________________________________________
الأرض خضرة مؤنقة
لا يأتي الرجل شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا ، وكان لا يقصد
الأسد البقر ولا الغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء
البحر ملحا ، وقصد الحيوان بعضها بعضا .
قوله
: « حين قالت الأنصار » إلخ. لعل. المراد غصب الخلافة ، أو قول هذه الكلمة القبيحة وتركهم خليفة
الرسول ، وصار ترك خليفة الحق سببا للضلال الساري في البر والبحر ، أي المحيط
بجميع العالم ، وبسبب عدم استيلاء أهل الحق والعدل فشى الجور في البراري والبحار
بالظلم ، والغصب والنهب ، وبسبب استيلاء أهل الباطل منعت بركات السماء والأرض عن
العباد كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « بنا يفتح الله وبنا يختم الله وبنا يمحو ما يشاء ،
وبنا يثبت ، وبنا يدفع الزمان الكلب وبنا ينزل الغيث ، فلا يغرنكم بالله الغرور ،
ما أنزلت السماء قطرة من ماء منذ حبسه الله عز وجل ، ولو قد قام قائمنا لأنزلت
السماء قطرها ، ولا خرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد ، واصطلحت
السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على
النبات وعلى رأسها زبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه .
الحديث
العشرون : صحيح على
الظاهر ، إذ الظاهر أن محمد
بن علي هو ابن محبوب ،
ويحتمل أبا سمينة فيكون ضعيفا.
قوله
عليهالسلام : « كانت فاسدة » أي بالكفر والجهل والضلال والظلم والجور.
__________________
( خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام )
٢١ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عثمان ، عن سليم بن قيس
الهلالي قال خطب أمير المؤمنين عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلىاللهعليهوآله ثم قال :
ألا إن أخوف ما
أخاف عليكم خلتان اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول
الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل
واحدة بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ـ فإن اليوم عمل
ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل وإنما بدء وقوع الفتن
______________________________________________________
خطبة
لأمير المؤمنين عليهالسلام
الحديث
الحادي والعشرون :
الخبر مختلف فيه
بسليم ، وعلى هذه النسخة لعل فيه إرسالا إذ لم يعهد برواية إبراهيم بن عثمان وهو
أبو أيوب الخراز عن سليم ، وقد مر مثل هذا السند مرارا عن إبراهيم بن عمر اليماني
عن أبان بن أبي عياش عن سليم ، ولعله سقط من النساخ ، فالخبر ضعيف على المشهور ،
لكن عندي معتبر ، لوجوه ذكرها محمد بن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره.
قوله
عليهالسلام : « إن أخوف » مشتق من المبني للمفعول على خلاف القياس كأشهر.
قوله
عليهالسلام : « عمل » قال ابن ميثم قائم مقام الخبر
من قبيل استعمال المضاف إليه مقام المضاف أي اليوم يوم عمل أو وقت عمل.
قوله
عليهالسلام : « قد ترحلت » قال الفيروزآبادي : ارتحل القوم عن
المكان انتقلوا كترحلوا شبه عليهالسلام انقضاء العمر شيئا فشيئا ونقص لذاتها بترحلها وإدبارها ،
وقرب الموت يوما فيوما بترحلها وإقبالها.
قوله
عليهالسلام : « إنما بدء وقوع الفتن » إلخ ، قد مر في كتاب العقل هذا الجزء
__________________
من أهواء تتبع
وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم الله يتولى فيها رجال رجالا ألا إن الحق لو خلص لم يكن
اختلاف ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى لكنه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث
فيمزجان فيجللان معا فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من
الله الحسنى إني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم
فيها الكبير يجري الناس عليها ويتخذونها سنة فإذا غير منها شيء قيل قد غيرت السنة
وقد أتى الناس منكرا ثم تشتد البلية وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار
الحطب وكما تدق الرحى بثفالها ويتفقهون
______________________________________________________
من الخبر بسند
صحيح عن الباقر عليهالسلام ، وفيه « أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ،
وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ».
قوله
عليهالسلام : « من هذا ضغث » الضغث : ملأ الكف من الشجر والحشيش والشماريخ ، قوله : « فيجليان » وفيما مر فيجيئان معا فهنالك استحوذ
الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى » وهو الأظهر ، وعلى ما في هذا الخبر لعل المراد نجا الذين
قال الله فيهم « سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى » أي سبقت لهم في علم الله وقضائه ومشيته الخصلة الحسنى ،
وهي السعادة أو التوفيق للطاعة أو البشرى بالجنة أو العاقبة الحسنى.
قوله
عليهالسلام : « لبستم » كذا في بعض النسخ وهو ظاهر ، وفي بعضها « ألبستم » على
بناء المجهول من الأفعال وهو أظهر وفي أكثرها « ألبستكم » فيحتمل المعلوم والمجهول
بتكلف إما لفظا وإما معنى.
قوله
عليهالسلام « يربو فيها الصغير » قال الفيروزآبادي : ربا ربوا كعلو ورباء زاد ونما ، والغرض بيان كثرة امتدادها ، قوله : « وقد أتى الناس منكرا » لعله داخل تحت القول ويحتمل العدم.
قوله
عليهالسلام : « وكما تدق الرحى بثقالها » في أكثر النسخ بالقاف ولعله تصحيف والظاهر الفاء قال
الجزري : وفي حديث علي عليهالسلام : « وتدقهم الفتن دق الرحى
__________________
لغير الله
ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل
بيته وخاصته وشيعته فقال قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيرين لسنته ولو حملت الناس على تركها وحولتها
إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين
عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليهالسلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله ورددت فدكا إلى ورثة فاطمة عليهاالسلام ورددت صاع رسول الله صلىاللهعليهوآله كما كان وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلىاللهعليهوآله لأقوام لم تمض لهم ولم
تنفذ ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد ورددت قضايا من الجور قضي بها
ونزعت نساء تحت رجال بغير حق فرددتهن إلى أزواجهن
______________________________________________________
بثقالها » الثقال
بالكسر : جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل ثقالا
بها والمعنى أنها تدقهم دق الرحى للحب إذا كانت مثقلة ، ولا تثفل إلا عند الطحن ،
وقال الفيروزآبادي : وقول زهير بثقالها أي على ثقالها أي حال كونها طاحنة
لأنهم لا يثقلونها إلا إذا طحنت انتهى.
وعلى ما في أكثر
النسخ لعل المراد مع ثقالها أي إذا كانت معها ما يثقلها من الحبوب ، فيكون أيضا
كناية عن كونها طاحنة.
قوله
عليهالسلام : « أو قليل » أي لا يبقى معي إلا قليل.
قوله
عليهالسلام : « لو أمرت بمقام إبراهيم » إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي
وضعه فيه رسول الله إلى موضع كان فيه في الجاهلية ، رواه الخاصة والعامة .
قوله
: « ونزعت نساء » إلخ ، كالمطلقات ثلاثا في مجلس واحد وغيرها مما خالفوا فيه حكم الله.
__________________
واستقبلت بهن
الحكم في الفروج والأحكام وسبيت ذراري بني تغلب ورددت ما قسم من أرض خيبر ومحوت
دواوين العطايا وأعطيت كما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وسبيت ذراري بني تغلب » لأن عمر رفع عنهم الجزية فهم ليسوا بأهل ذمة فيحل سبي
ذراريهم كما روي عن الرضا عليهالسلام أنه قال : « إن بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا
من قبول الجزية ، وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفا فخشي أن
يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك » .
وقال محيي السنة :
روي أن عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما
يؤدي العجم ، ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة ، فقال عمر : هذا
فرض الله على المسلمين ، قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم
على أن ضعف عليهم الصدقة.
قوله
: « ومحوت دواوين العطايا » أي التي بنيت على التفضيل بين المسلمين في أزمن الثلاثة.
قوله
عليهالسلام : « ولم أجعلها دولة » قال الجزري : في حديث أشراط
الساعة « إذا كان المغنم دولا » جمع دولة بالضم ، وهو ما يتداول من المال ، فيكون
لقوم دون قوم.
قوله
عليهالسلام : « وألقيت المساحة » إشارة إلى ما عده الخاصة والعامة من بدع عمر أنه قال ،
ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم ، نأخذها من أرباب الأملاك فبعث إلى
البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج ، فأخذ من العراق يوما يليها ما كان أخذه
منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا ، وقفيزا من أصناف الحبوب ، وأخذ من مصر
ونواحيها دينارا وأردبا عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية.
وقد روى محيي
السنة وغيره عن علمائهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم« أنه قال : منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مدها
ودينارها ، ومنعت مصر إردبها و
__________________
يعطي بالسوية ولم
أجعلها دولة بين الأغنياء وألقيت المساحة وسويت بين المناكح وأنفذت خمس الرسول كما
أنزل الله عز وجل وفرضه ورددت مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى ما كان عليه وسددت ما فتح فيه من الأبواب وفتحت ما سد
منه وحرمت المسح على الخفين وحددت على النبيذ وأمرت بإحلال المتعتين وأمرت
بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات وألزمت الناس الجهر ببِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في مسجده ممن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أخرجه
______________________________________________________
دينارها » والأردب لأهل مصر أربعة وستون منا ، وفسره أكثرهم بأنه قد محي ذلك شريعة الإسلام
، وكان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى
الكتب المبسوطة التي دونها أصحابنا لذلك ، كالشافي للسيد المرتضى وعسى الله أن
يوفقنا لبسط الكلام في بدع أهل الكفر والجور في شرح كتاب الحجة.
قوله
عليهالسلام : « وسويت بين المناكح » بأن يزوج الشريف والوضيع كما فعله رسول الله صلىاللهعليهوآله وزوج بنت عمه مقداد.
قوله
عليهالسلام : « وأمرت بإحلال المتعتين » أي متعة النساء ومتعة الحج اللتين حرمهما عمر.
قوله
عليهالسلام : « خمس تكبيرات » أي لا أربعا كما ابتدعته العامة.
قوله
عليهالسلام : « وألزمت الناس » إلخ. يدل ظاهرا على وجوب الجهر بالبسملة مطلقا وإن أمكن
حمله على تأكد الاستحباب.
قوله
عليهالسلام : « وأخرجت » إلخ. ويحتمل أن يكون المراد إخراج جسدي الملعونين الذين
دفنا في بيته بغير إذنه ، مع أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأذن لهما لخوخة في مسجده ،
وإدخال جسد فاطمة عليهاالسلام ودفنها عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو رفع الجدار من بين قبريهما.
ويحتمل أن يكون
المراد إدخال من كان ملازما لمسجد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في
__________________
وأدخلت من أخرج
بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ممن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أدخله وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنة ـ
وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها
وشرائعها ومواضعها ورددت أهل نجران إلى مواضعهم ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى
كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله إذا لتفرقوا عني والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في
شهر رمضان إلا في
______________________________________________________
حياته كعمار
وأضرابه ، وإخراج من أخرجه الرسول صلىاللهعليهوآله من المطرودين ، ويمكن أن يكون تأكيدا لما مر من فتح
الأبواب وسدها.
قوله
عليهالسلام : « ورددت أهل نجران إلى مواضعهم » لم أظفر إلى الآن بكيفية إخراجهم وسببه وبمن أخرجهم.
قوله
عليهالسلام : « ورددت سبايا فارس » لعل المراد الاسترداد ممن اصطفاهم وأخذ زائدا من حظه.
قوله
عليهالسلام : « ما لقيت » من كلام مستأنف للتعجب.
قوله
عليهالسلام : « وأعطيت » رجوع إلى الكلام السابق ، ولعل التأخير من الرواة.
قوله
تعالى : « إِنْ
كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ » هذه من تتمة آية الخمس حيث قال تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما
غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ
وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ
وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » قال : البيضاوي : « إِنْ
كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ » متعلق بمحذوف دل عليه
« وَاعْلَمُوا » أي إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء
فسلموه إليهم ، واقتنعوا بالأخماس الأربعة الباقية ، فإن العلم المتعلق بالعمل إذا
أمر به لم يرد منه العلم المجرد ، لأنه مقصود بالعرض ، والمقصود بالذات هو العمل ،
« وَما
أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا » محمد من الآيات والملائكة والنصر
« يَوْمَ
الْفُرْقانِ » يوم
__________________
فريضة وأعلمتهم أن
اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممن يقاتل معي يا أهل الإسلام غيرت
سنة عمر ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوعا ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب
عسكري ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار
وأعطيت من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل :« إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما
أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ » فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله صلىاللهعليهوآله فقال تعالى « فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » فينا خاصة : « كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ
مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا
اللهَ » في ظلم آل محمد « إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ » لمن ظلمهم رحمة منه لنا وغنى أغنانا الله به ووصى به نبيه صلىاللهعليهوآله ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا أكرم الله رسوله صلىاللهعليهوآله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس فكذبوا الله وكذبوا رسوله وجحدوا
كتاب الله الناطق بحقنا ومنعونا فرضا فرضه الله لنا ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما
لقينا بعد نبينا صلىاللهعليهوآله « وَاللهُ
الْمُسْتَعانُ » على من ظلمنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
______________________________________________________
بدر ، فإنه فرق
فيه بين الحق والباطل « يَوْمَ
الْتَقَى الْجَمْعانِ » المسلمون والكفار.
أقول : لعل نزول
حكم الخمس كان في غزاة بدر ، « وَما
أَنْزَلْنا » إشارة إليه كما يظهر من بعض الأخبار ، وفسر عليهالسلام ذي القربى بالأئمة عليهمالسلام كما دلت عليه الأخبار المستفيضة ، وعليه انعقد إجماع
الشيعة.
قوله
تعالى : « لِكَيْلا
يَكُونَ دُولَةً » هذه تتمة لآية أخرى ، ورد في فيئهم عليهالسلام حيث قال : « ما أَفاءَ
اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي
الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ » أي الفيء الذي هو حق الإمام عليهالسلام « دُولَةً
بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ » الدولة بالضم : ما يتداوله الأغنياء ، وتدور بينهم كما كان
في الجاهلية.
قوله
: « رحمة لنا » أي فرض الخمس والفيء لنا رحمة منه لنا ، وليغنينا بهما عن أوساخ أيدي الناس.
__________________
( خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام )
٢٢ ـ أحمد بن محمد
الكوفي ، عن جعفر بن عبد الله المحمدي ، عن أبي روح فرج بن قرة ، عن جعفر بن عبد
الله ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال خطب أمير المؤمنين عليهالسلام بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال
أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر
كسر عظم من الأمم إلا بعد أزل وبلاء أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب
واستدبرتم من خطب معتبر
______________________________________________________
الحديث
الثاني والعشرون : ضعيف قوله : «
لم يقصم » أي لم يكسر « جباري دهر إلا من
بعد تمهيل » أي تأخير « ورخاء » أي نعمة وسعة عيش ، « ولم يجبر كسر عظم من الأمم » أي يدفع الجبابرة ، واستيلاء أهل الحق عليهم ، وفي نهج
البلاغة « ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزل وبلاء » الأزل : الضيق والشدة ، « أيها الناس في دون ما استقبلتم من خطب واستدبرتم
من خطب ، معتبر » الخطب : الشأن والأمر.
ويحتمل أن يكون
المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من استيلاء الكفرة ، أولا وغلبة الحق وأهله ثانيا ،
وانقضاء دولة الظالمين ونصرة الله رسوله على الكافرين ، والمراد بما استقبلوه ما
ورد عليهم بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الفتن ، واستبداد أهل الجهالة والضلالة بأمور المسلمين
بلا نصر من رسول رب العالمين ، وكثرة خطائهم في أحكام الدين ، ثم انقضاء دولتهم ،
وما وقع بعد ذلك من الحروب ، والفتن كل ذلك محل للاعتبار لمن عقل وفهم ، وميز الحق
عن الباطل فإن زمان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وغزواته ومصالحته ومهادنته مع المشركين كانت منطبقة على
أحوال أمير المؤمنين عليهالسلام من وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى شهادته عليهالسلام.
ويحتمل أن يكون
المراد بما يستقبل وما يستدبر شيئا واحدا ، فإن ما يستقبل قبل وروده يستدبر بعد
مضيه ، والمراد التفكر في انقلاب أحوال الدنيا. وسرعة
__________________
وما كل ذي قلب
بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم
النظر فيه ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه كانوا على سنة من آل فرعون
أهل « جَنَّاتٍ
وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ » ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر
والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله
______________________________________________________
زوالها وكثرة
الفتن فيها فيحث هذا التفكر العاقل اللبيب على ترك الأغراض الدنيوية والسعي لما
يوجب حصول السعادات الأخروية. ويحتمل على بعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما
أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة ، وعذاب الآخرة ومثوباتها ، وبما استدبروه
ما مضى من أيام عمرهم وما ظهر لهم من آثار فناء الدنيا وحقارتها ، وقلة بقائها ، « وما كل ذي قلب بلبيب
» أي عاقل ، « ولا كل ذي سمع بسميع
» أي يفهم الحق
ويؤثر فيه ويعمل به ، «
ولا كل ذي ناظر عين ببصير » أي يبصر الحق ويعتبر بما يرى ، وينتفع بما يشاهد ، وليس لفظ « عين » في نسخ
النهج ، وفي بعض نسخ الكتاب « عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم » أي يهمكم وينفعكم ،
وفي بعض النسخ « يعينكم
النظر فيه » الظاهر أنه بدل
اشتمال لقوله : « فيما يعينكم » ويحتمل أن يكون فاعلا لقوله يعينكم ، بتقدير النظر
قبل الظرف أيضا « ثم
انظروا إلى عرصات » قال الفيروزآبادي : العرصة كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء ، والجمع
عراص وعرصات « من قد
أقاده الله بعلمه » يقال : أقاده خيلا أي أعطاه ليقودها ، ولعل المراد من مكنه الله من الملك بأن
خلى بينه وبين اختياره ، ولم يمسك يده عما أراده بعلمه وحكمته أي بما يقتضيه علمه
من عدم إجبارهم على الطاعات وترك المنهيات.
ويحتمل أن يكون من
القود والقصاص ، ويؤيده أن في بعض النسخ بعمله بتقديم الميم على اللام ، فالضمير
راجع إلى الموصول «
كانوا على سنة » أي طريقة وحالة مشبهة ، ومأخوذة من آل فرعون من الظلم والكفر والطغيان ، أو
من الرفاهية والنعمة كما قال : « مِنْ
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ » فعلى الأول : حال ، وعلى
__________________
مخلدون « وَلِلَّهِ عاقِبَةُ
الْأُمُورِ ».
فيا عجبا وما لي
لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون
بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم
ما أنكروا ـ وكل امرئ منهم إمام نفسه آخذ منها فيما
______________________________________________________
الثاني : بدل ، من
قوله على سنة ، أو عطف بيان له «
ثم انظروا بما ختم الله لهم » الباء بمعنى في أو إلى أو زائدة ، أو صلة للختم قدم عليه ، أي انظروا بأي شيء
ختم لهم بعد النضرة. والسرور والأمر والنهي ، النضرة : الحسن والرونق « ولمن صبر منكم
العاقبة في الجنان والله مخلدون » قوله : « مخلدون » خبر لمبتدء محذوف ، والجملة مبينة ،
ومؤكدة للجملة السابقة ، يسأل عن عاقبتهم فيقال : هم والله مخلدون في الجنان
، « وَلِلَّهِ
عاقِبَةُ الْأُمُورِ » أي مرجعها إلى حكمه كما قيل أو عاقبة الدولة ، والملك والعز لله ولمن طلب رضاه
كما هو الأنسب بالمقام « فيا عجبا » بغير تنوين وأصله فيا عجبا ثم قلبوا الياء ألفا ، فإن وقفت
قلت يا عجباه ، أي يا عجبي أقبل فهذا أوانك ، أو بالتنوين أي يا قوم أعجبوا عجبا
أو أعجب عجبا ، والأول أشهر وأظهر « وما لي لا أعجب من خطإ
هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها » الظرف الأخير إما متعلق بالاختلاف أو بالخطإ أو بهما على
التنازع ، وقوله : « على اختلاف حججها » أي مذاهبها أو طرقها أو دلائلها على
مذاهبهم الباطلة أو على الحق ، مع عدولهم عنها « لا يعتقون أثر نبي » وفي بعض
النسخ « لا يقتصون » من قولهم اقتص أثره أي تتبعه « ولا يقتدون بعمل وصي » يعني نفسه عليهالسلام ولا يؤمنون بغيب ، أي بأمر غائب عن الحس ، مما أخبر به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الجنة والنار وغيرهما « ولا يعفون عن عيب » بكسر العين وتشديد الفاء من العفة ، وبسكون العين وتخفيف
الفاء من العفو ، أي عن عيوب الناس « المعروف فيهم ما عرفوا
، والمنكر عندهم ما أنكروا » أي المعروف والخبر عندهم يعرفونه ، ويعدونه معروفا ، ويستحسنونه بعقولهم
الناقصة ، وإن كان منكرا في نفس الأمر ، والمراد أن المعروف والمنكر تابعان
لإراداتهم وميولهم
يرى بعرى وثيقات
وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا ولن يزدادوا
إلا بعدا من الله عز وجل أنس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث
النبي الأمي ص ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض أهل حسرات
وكهوف شبهات وأهل عشوات وضلالة وريبة من
______________________________________________________
الطبيعية ، فما
أنكرته طباعهم كان هو المنكر بينهم ، وإن كان معروفا في الشريعة ، وما اقتضته
طباعهم ومالت إليه شهواتهم كان هو المعروف بينهم ، وإن علموا أنه منكر في الذين « وكل امرء منهم إمام
نفسه » وفي نهج البلاغة
هكذا : « مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ، كان
كل امرئ منهم إمام نفسه » «
أخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات » أي يظنون أنهم تمسكوا بدلائل وبراهين فيما يدعون من الأمور
الباطلة « وأسباب
محكمات » أي زعموا أنهم
تعلقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسلون بهم من أئمة الجور « فلا يزالون بجور ، ولم يزدادوا إلا خطأ لا
ينالون تقربا » أي إلى ربهم «
ولن يزدادوا إلا بعدا من الله » لخطائهم في أديانهم وأعمالهم آنس بعضهم ببعض « على صيغة المصدر ويحتمل الفعل والفقرة التالية يؤيد الأول
» وتصديق
بعضهم لبعض « وفي بعض النسخ
» وتصدق « أي يعطي بعضهم صدقاتهم بعضا ولعله تصحيف » كل ذلك ، وحشة مما ورث النبي الأمي صلىاللهعليهوآلهوسلم « أي يفعلون كل ذلك لوحشتهم ونفرتهم عن العلوم التي ورثها النبي لأهل بيته
والأمي : نسبة إلى أم القرى ، أو لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يتعلم الخط والقراءة ، وإن كان عالما بهما بإلهامه
تعالى » ونفورا
مما أدى إليهم من إخبار فاطر السماوات والأرض « أي خالقهما ، ومبدعهما » أهل حسرات « بعد الموت وفي القيامة » وكهوف شبهات « أي تأدى إليهم الشبهات لأنهم يقبلون إليها ويقتلون بها ،
وفي بعض النسخ » وكفر وشبهات « فيكونان معطوفين على حسرات » وأهل عشوات « قال الجوهري : العشوة أن يركب
أمرا على غير بيات ، ويقال أخذت عليهم بالعشوة ، أي بالسواد من الليل » وضلالة وريبة « أي شك »
من
__________________
وكله الله إلى
نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه فما أشبه هؤلاء
بأنعام قد غاب عنها رعاؤها ووا أسفى من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف
يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع
المؤملة الفتح من غير جهته كل حزب منهم آخذ منه بغصن أينما مال الغصن مال معه مع
أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع
______________________________________________________
وكله
الله إلى نفسه ورأيه » أي بسبب إعراضه عن الحق ، وتركه لأهله « فهو مأمون عند من يجهله » و « غير المتهم عند من لا
يعرفه » خبر للموصول ،
والغرض بيان أن حسن ظن الناس والعوام بهم إنما هو لجهلهم بضلالتهم وجهالتهم ،
ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمة من قد ذمهم سابقا ، لا أنفسهم « فما أشبه هؤلاء » أي هذه الفرق الضالة المختلفة « بإنعام قد غاب عنها
رعاؤها » هي جمع الراعي « ووا أسفا من فعلات
شيعتي » أي من تتبعني
اليوم ظاهرا « من بعد
قرب مودتها اليوم » ظرف للقرب « كيف
يستذل بعدي بعضها بعضا » كما تفرقوا عن أئمة الحق ، وتوسلوا بأئمة الجور« وكيف يقتل بعضها بعضا المتشتتة غدا عن الأصل
» أي هم الذين
يتفرقون عن أئمة الحق ولا ينصرونهم « النازلة بالفرع » أي يتعلقون بالأغصان ، والفروع التي لا ينفع التعلق بها
بدون التشبث بالأصل كما أنهم بعد تفرقهم عن الأئمة عليهمالسلام تبعوا كل من ادعى حقا ، وإن لم يكن محقا ، كمختار وأبي
مسلم ، وزيد ويحيى ، ومحمد ، وإبراهيم ، وغيرهم « المؤملة الفتح من غير جهته » أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح ، إذ صاروا بعد
خروجهم مغلوبين مقتولين ، أو من غير الجهة التي أمروا بالاستفتاح منها ، فإنه كان
خروجهم بغير إذن الأئمة عليهمالسلام معصية
« كل حزب منهم آخذ بغصن ، أين ما مال الغصن مال معه » أي لتفرقهم عن أئمة الحق صاروا شعبا شتى كل منهم آخذ بغصن
من أغصان شجرة الحق بزعمهم ، ممن يدعي الانتساب إلى أهل البيت عليهمالسلام مع تركهم الأصل «
مع أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء » أي هؤلاء الأحزاب المتشتتة « لشر يوم لبني أمية »
قزع الخريف يؤلف
الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم
كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه قارة فلم يثبت
______________________________________________________
إشارة إلى
اجتماعهم على أبي مسلم الخراساني لدفع بني أمية ، وقد ظفروا بذلك ، لكن دفعوا
لفاسد بالأفسد وسلطوا أولاد العباس على أئمة الحق « كما يجمع قزع الخريف ، يؤلف الله بينهم ثم
يجعلهم ركاما كركام السحاب » في نهج البلاغة « كما تجتمع » قال الجزري في حديث الاستسقاء « وما في السماء قرعة » أي قطعة من الغيم وجمعها قزع ،
ومنه حد على « فتجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف » أي قطع السحاب المتفرقة ،
وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء ، والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ،
ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك ، وقال : الركام : السحاب
المتراكب بعضه فوق بعض.
أقول : نسبة هذا التأليف
إليه تعالى مع أنه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك
وتمكينهم من أسبابه ، وتركهم واختيارهم بتأليفهم ، وحثهم عليه ، ومثل هذا كثير في
الآيات والأخبار « ثم يفتح
لهم أبوابا يسئلون من مستثارهم ، كسيل الجنتين سيل العرم ، حيث بعث عليه فأرة فلم
يثبت عليه أكمة » فتح الأبواب كناية عما هيئ لهم من أسبابهم ، وما سنح لهم من تدابيرهم المصيبة
، ومن اجتماعهم وعدم تخاذلهم ، والمستثار موضع ثوراتهم ، أي هيجانهم ووثبهم
ونهوضهم ، وشبه عليهالسلام تسلط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلط الله على أهل سبأ
بعد إتمام النعمة عليهم ، لكفرانهم وعصيانهم ، كما قال تعالى : « لَقَدْ
كانَ لِسَبَإٍ » لأولاد سبأ بن يسحب بن يعرب بن قحطان
« فِي
مَسْكَنِهِمْ » في موضع سكناهم ، وهو باليمن يقال له مأرب
« آيَةٌ » علامة دالة على وجود الصانع المختار ، وأنه قادر على ما يشاء
« جَنَّتانِ
» بدل من آية ، أو خبر محذوف تقديره الآية جنتان « عَنْ يَمِينٍ
وَشِمالٍ » جماعة عن يمين بلدهم ، وجماعة عن شماله ، كل واحدة منهما في
تقاربهما وتضايقها كأنه جنة واحدة ، أو بستانا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وعن
شماله
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
« كُلُوا مِنْ رِزْقِ
رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ » حكاية لما قال لهم نبيهم أو لسان الحال أو دلالة بأنهم
كانوا أحقاء بأن يقال لهم ذلك « بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ
وَرَبٌّ غَفُورٌ » استئناف للدلالة على موجب الشكر
«
فَأَعْرَضُوا » عن الشكر « فَأَرْسَلْنا
عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ » سيل الأمر العرم : أي الصعب من عرم الرجل فهو عارم إذا شرس خلقه وصعب ، أو
المطر الشديد أو الجرد أضاف إليه لأنه نقب عليهم سكرا ضربت لهم بلقيس ، كما رواه
البغوي « أن بلقيس لما ملكت سبأ كانوا يقتتلون على ماء واديهم ،
وكان يأتيهم السيل من بعيد ، فيؤذيهم سدت بلقيس ما بين الجبلين ، بسد فيه أبواب
بعضها فوق بعض ، وجعلت بركة لها اثني عشر مخرجا كعدد أنهارهم التي يسقون بها بساتينهم
، وإذا استغنوا سدوها فإذا جاء السيل احتبس وراء السد ، فأخصبت بلادهم وكثرت
نعمتهم ، حتى قيل : إن المرأة كانت تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير بين
تلك الشجر فيمتلي المكتل مما يتساقط فيه من الثمر ، وكان الرجل يمر ببلدهم في
ثيابه القمل فتموت القمل كلها من طيب الهواء ».
وقال علي بن
إبراهيم : كانت لهم جنات عن يمين ، وشمال مسيرة عشرة أيام ، فمن يمر لا تقع عليه
الشمس من التفافها ، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون ، فلم
ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ ، وهي الفأرة الكبيرة فكانت تقلع الصخرة التي
لا يستقلها الرجل ، وترمي به فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال
الجرذ تقلع الحجر حتى خرب ذلك السد ، فلم يشعروا حتى غشيهم السيل ، وخرب بلادهم
وقلع أشجارهم وقيل العرم : اسم للمسناة التي عقدت سكرا ، على أنه جمع
عرمة ، وهي الحجارة المركومة ، وقيل اسم واد جاء السيل من قبله « وَبَدَّلْناهُمْ
بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ » أي ثمر بشع وقيل : الأراك أو كل شجر لا شوك له
« وَأَثْلٍ
وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ » والأثل : هو الطرفاء فعلى ما في الكتاب من قوله : « حيث بعث
عليه فأرة » إشارة إلى ما فسر ، وضمير
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
« عليه » إما راجع
إلى السيل فعلى تعليلية أو إلى العرم ، إذا فسر بالسد وفي بعض النسخ نقب بالنون
والقاف والباء الموحدة فقوله فأرة مرفوع بالفاعلية ، وفي نهج البلاغة كسيل الجنتين حيث لم تسلم عليه فأرة ، ولم تثبت له أكمة. والفأرة : الجبل
الصغير ، والأكمة هي الموضع الذي يكون أشد ارتفاعا مما حوله ، وهو غليظ لا يبلغ أن
يكون حجرا ، أو التل من حجارة واحدة أو هي دون الجبال. والحاصل : بيان شدة السيل
المشبه به بأنه أحاط بالجبال ، وذهب بالتلال ولم يمنعه شيء « ولم يرد سننه رص
طود » السنن : الطريق
والرص : التصاق الأجزاء بعضها ببعض ، والطود : الجبل أي لم يرد طريقه طود مرصوص ،
أي جبل اشتد التصاق أجزائه بعضها ببعض ، وفي النهج بعد ذلك : ولا حداب أرض هي جمع
حدبة ، وهي المكان المرتفع ، ولما بين عليهالسلام شدة المشبه به أخذ في بيان شدة المشبه فقال : « يذعذعهم الله في
بطون أو دية » الذعذعة بالذالين المعجمتين ، والعينين المهملتين : التفريق أي يفرقهم الله
في السيل متوجهين إلى البلاد
« ثم يسلكهم « يَنابِيعَ فِي
الْأَرْضِ » » من ألفاظ القرآن أي كما أن الله
تعالى ينزل الماء من السماء فيستكن في أعماق الأرض ثم يظهره ينابيع إلى ظاهرها
كذلك هؤلاء يفرقهم الله في بطون الأودية ، وغوامض الأغوار ثم يظهرهم بعد الاختفاء
، كذا ذكره ابن أبي الحديد ، والأظهر أنه بيان لاستيلائهم على البلاد وتفرقهم فيها
وظهورهم في كل البلاد ، وحصول أعوانهم من سائر العباد فكما أن مياه الأنهار
ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كل البلاد وتكثر
أعوانهم في جميع الأقطار ، وكل ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه « يأخذ بهم من قوم » أي بني أمية « حقوق قوم » أي أهل البيت عليهمالسلام للانتقام من أعدائهم ، وإن لم يصل إليهم « ويمكن لقوم » أي لبني العباس « لديار قوم » أي بني أمية وفي بعض النسخ [ ويمكن لهم قوما ديار قوم ]
وفي النهج « ويمكن لقوم في ديار قوم » والمال واحد
__________________
الْأَرْضِ
» يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم
تشريدا لبني أمية ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي
الجنادل من إرم ويملأ منهم بطنان الزيتون فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن
ذلك وكأني
______________________________________________________
في الكل » تشريدا
لبني أمية.
ولكيلا
يغتصبوا ما غصبوا « التشريد : التفريق والطرد » والاغتصاب بمعنى الغصب ، ولعل المراد أن الغرض
من استيلاء هؤلاء ليس إلا تفريق بني أمية ودفع ظلمهم « يضعضع الله بهم ركنا » قال الفيروزآبادي : ضعضعه : هدمه حتى الأرض أي يهدم الله بهم ركنا وثيقا عظيما هو أساس دولة بني أمية « وينقض بهم طي
الجنادل من إرم » الجنادل : جمع جندل وهو ما يقله الرجل من الحجارة ، أي ينقض الله ويكسر بهم
البنيان التي طويت ، وبنيت بالجنادل والأحجار من بلاد إرم ، وهي دمشق والشام ، إذ
كان مستقر ملكهم في أكثر الأزمان تلك البلاد لا سيما زمانه عليهالسلام.
قال الفيروزآبادي
: إرم ذات العماد : دمشق أو الإسكندرية ، أو موضع بفارس ، وفي بعض النسخ [ على الجنادل ] « ويملأ منهم بطنان الزيتون » قال الجزري : فيه « ينادي
مناد من بطنان العرش » أي من وسطه ، وقيل : من أصله ، وقيل : البطنان جمع بطن :
وهو الغامض من الأرض ، يريد من دواخل العرش.
وقال الفيروزآبادي
: الزيتون : مسجد دمشق أو جبال الشام ، وبلد بالصين ، والمعنى إن الله يملأ منهم
وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام ، والغرض من الفقرتين بيان استيلاء هؤلاء القوم
على بني أمية في وسط ديارهم والظفر عليهم في محل استقرارهم ، وأنه لا ينفعهم بناء
ولا حصن في التحرز منهم «
فو الذي فلق الحبة » فأخرج منها أنواع النبات «
وبرء النسمة » أي أصناف ذوي الحياة «
ليكونن ذلك وكأني أسمع صهيل خيلهم » الصهيل : كأمير صوت الفرس « وطمطمة رجالهم » قال الفيروزآبادي رجل طمطم ، وطمطمي بكسرهما وطمطماني
بالضم : في لسانه عجمة ، وقال الجزري في
__________________
أسمع صهيل خيلهم
وطمطمة رجالهم وايم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما
تذوب الألية على النار من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج
ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء
وليس لأحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعا.
أيها الناس إن
المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق
______________________________________________________
صفة قريش « ليس
فيهم طمطمانية حمير » شبه كلام حمير لما فيه من الألفاظ المنكرة بكلام العجم يقال
رجل أعجم طمطمي وقد طمطم في كلامه وأشار عليهالسلام بذلك إلى أن أكثر عسكرهم من العجم ، لأن عسكر أبي مسلم كان من خراسان « وأيم الله ليذوبن ما
في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار » الظاهر أن هذا أيضا من تتمة بيان انقراض ملك بنو أمية ،
وسرعة زواله ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني عباس « من مات منهم مات
ضالا وإلى الله تعالى يقضي منهم من درج » وفي النسخ يفضي بالفاء ، أي يوصل ، وبالقاف بمعنى القضاء
والمحاكمة أو الإنهاء والإيصال كما في قوله تعالى : « وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ » ودرج الرجل أي مشى ودرج أيضا بمعنى مات ، ويقال : درج القوم أي انقرضوا ،
والظاهر أن المراد به هنا الموت ، أي من مات ضالا وأمره إلى الله يعذبه كيف يشاء ،
ويحتمل المشي أيضا أي من بقي منهم فعاقبة الفناء ، والله يقضي فيه يعلمه « ويتوب الله عز وجل
على من تاب » أي من أعوانهم
وأحزابهم « ولعل
الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء » إشارة إلى زمان القائم عليهالسلام «
وليس لأحد على الله عز وجل الخيرة بل لله الخيرة والأمر جميعا » أي ليس لأحد أن يشير بأمر على الله إن هذا خير ينبغي أن
تفعله ، بل له أن يختار من الأمور ما يشاء بعلمه ، وله الأمر يأمر بما يشاء في
جميع الأشياء « أيها
الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير » أي فلا تصدقوا كل مدع ولا تتبعوه ، ولو لم تتخاذلوا عن مر
الحق ، أي
__________________
ولم تهنوا عن
توهين الباطل لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة
وإزوائها عن أهلها لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى بن عمران عليهالسلام ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو
قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على السلطان الداعي إلى
الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى
______________________________________________________
الحق الذي هو مر
أو خالص الحق فإنه مر واتباعه صعب ، وفي النهج : عن نصر الحق « ولم تهنوا عن توهين
الباطل » أي لم تضعفوا عن
تحقير الباطل وأضعافه ، «
لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم » وفي النهج : لم يطمع فيكم « ولم يقومن قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة » أي كسرها
« وإزوائها عن أهلها » يقال زوى الشيء عنه : أي صرفه ونحاه ، ولم أظفر بهذا البناء فيما اطلعت عليه
من كتب اللغة « لكن تهتم
كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى » أي كما تاهوا في خارج المصر أربعين سنة ، يتيهون ويتحيرون
في الأرض ، ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم ، وتركهم الجهاد ، فكذا أصحابه تحيروا في
أديانهم وأعمالهم لما لم ينصروه ولم يعينوه على عدوه كما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : لتركبن سنين من كان قبلكم حذو النعل بالنعل
والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه. وفي النهج : ولكنكم تهتم متاه بني إسرائيل ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما
تاهت بنو إسرائيل. يحتمل أن يكون المراد بالمشبه به هنا تحير قوم موسى بعده في دينهم ويمكن أن
يراد به تحيرهم في الأرض في حياته عليهالسلام كالسابق ، وعلى التقديرين المراد بالمضاعفة إما المضاعفة
بحسب الشدة ، وكثرة الحيرة ، أو بحسب الزمان ، فإن حيرتهم كانت أربعين سنة والناس
إلى الآن متحيرون تائهون في أديانهم وأحكامهم « ولعمري أن لو قد استكملتم مدة سلطان بني أمية
لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة ، أي الداعي إلى بني عباس « وأحييتم الباطل » أي مرة ثانية « وخلفتم الحق وراء
ظهوركم » أي متابعة أئمة أهل البيت عليهمالسلام «
وقطعتم
__________________
من أهل بدر ووصلتم
الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب
الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب
______________________________________________________
الأدنى
من أهل بدر » أي الأدنين إلى
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم نسبا الناصرين له في غزوة بدر وهي أعز غزوات الإسلام ،
يعني نفسه وأولاده صلوات الله عليهم « ووصلتم إلا بعد من أبناء الحرب لرسول الله » أي أولاد العباس ، فإنهم كانوا أبعد نسبا عن الرسول من أهل
البيت عليهمالسلام ، وكان جدهم العباس ممن حارب الرسول صلىاللهعليهوآله في غزوة بدر ، حتى أسر.
«
ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم » أي لو ذهب ملك بني العباس ، لدنى التمحيص للجزاء أي قرب قيام القائم والتمحيص الابتلاء والاختبار ، أي
يبتلي الناس ويختبرون بقيامه عليهالسلام ليجزي الكافرين ، ويعذبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة
بهم.
ويمكن أن يكون
المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا ، وقرب الوعد أي وعد الفرج ، وانقضت المدة أي قرب انقضاء مدة دولة أهل الباطل « وبدا لكم النجم ذو
الذنب » وهو من علامات
ظهور القائم عليهالسلام ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ذات ذنب ظهرت في سنة تسع
وثلاثين وثمانمائة هجرية ، والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت
تطلع وتغيب معه لا تفارقه ، ثم بعد مدة ظهر أن لها حركة خاصة بطيئة فيما بين
المغرب والشمال ، وكان يصغر جرمها ويضعف ضوؤها بالتدريج حتى انمحت بعد ثمانية أشهر
تقريبا ، وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة ، قدر ذراع ، لكن قوله عليهالسلام
: « من قبل المشرق » يأبى عنه إلا بتكلف ، وقد ظهر في زماننا في سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة
فيما بين القبلة والمشرق ، ومكث أشهرا ثم ظهر أول الليل في جانب المشرق وقد ضعف ثم
بعد أيام انمحى ، وكانت له حركة على التوالي لا على نظام معلوم ،
من قبل المشرق
ولاح لكم القمر المنير فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع
المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلىاللهعليهوآله فتداويتم من العمى والصمم والبكم وكفيتم مئونة الطلب
والتعسف ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ولا
______________________________________________________
وتطبيق ما في
الخبر عليه يحتاج إلى تكلف آخر أيضا « ولاح لكم القمر المنير » لعل المراد ظهور قمر آخر أو شيء شبيه بالقمر في السماء ،
أو كناية عن القائم عليهالسلام ويؤيد الأخير ما رواه المفيد « ره » في إرشاده مرسلا عن
مسعدة ، وفيه وأشرق لكم قمركم كملاء شهر ، وكليلة تم « فإذا كان
ذلك فراجعوا التوبة » أي ارجعوا إلى التوبة أو إلى الله بالتوبة ، واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق ، أي المهدي عليهالسلام إذ مكة شرقية بالنسبة إلى المدينة ، أو لأن اجتماع العساكر
عليه وتوجهه إلى فتح البلاد إنما يكون من الكوفة ، وهي شرقية بالنسبة إلى الحرمين
، ولا يبعد أن يكون ذكر المشرق ترشيحا للاستعارة أي القمر الطالع من مشرقه ،
ويحتمل على بعد أن يكون إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه « سلك بكم مناهج
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي بعض النسخ [ منهاج ] كما في النهج » فتداويتم من العمى
والصمم والبكم « أي ليفيض الله تعالى به عليهالسلام وبمتابعته نور الإيمان على جوارحكم ، فترون الحق ،
وتسمعونه وتقبلونه ، وتنطقون به »
وكفيتم به مؤنة الطلب والتعسف « التعسف هنا الظلم ، أي لا تحتاجون في زمانه عليهالسلام إلى طلب الرزق ، والظلم على الناس لأخذ أموالهم » ونبذتم الثقل الفادح
عن الأعناق « يقال : فدحه
الدين ، أي أثقله ، أي طرحتم الديون المثقلة ، ومظالم العباد ، أو إطاعة أهل الجور
وظلمهم عليكم عن أعناقكم ، »
ولا يبعد الله « أي في ذلك الزمان أو مطلقا » إلا من أبي « عن طاعته عليهالسلام أو طاعة الله ، » وظلم « على نفسه ، وعلى الناس » واعتسف « أي مال عن طريق الحق إلى غيره ، » أو ظلم على غيره ، « وأخذ ما ليس له » من الأموال والحقوق والولايات ،
__________________
يبعد الله إلا من
أبى وظلم واعتسف وأخذ ما ليس له « وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » .
( خطبة لأمير المؤمنين عليهالسلام )
٢٣ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ويعقوب السراج ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام أن أمير المؤمنين عليهالسلام لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال الحمد لله الذي
علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله
______________________________________________________
« وَسَيَعْلَمُ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ » عند انقلابهم ورجوعهم بعد الموت إلى الله.
الحديث
الثالث والعشرون : حسن.
قوله
عليهالسلام : « علا فاستعلى » الاستعلاء هنا مبالغة في العلو ، أي علا عن رتبة المخلوقين
، فاستعلى عن التشبه بصفاتهم أو كان عاليا بالذات والصفات ، فأظهر وبين علوه
بالإيجاد أو طلب علوه من العباد ، بأن يخضعوا عنده ويعبدوه ، وعلى الأخيرين يكون
الاستفعال للطلب بتقدير أو تجوز.
قوله
عليهالسلام : « ودنى فتعالى » أي دنى من كل شيء ، فتعالى أن يكون في مكان إذ لا يمكن
للمكاني الدنو من كل شيء ، أو دنوة دنو علم وقدرة وإيجاد وتربية وهو عين علوه
وشرافته ورفعته ، فليس دنوة دنوا منافيا للعلو بل مؤيد له ، ويحتمل في الفقرتين أن
يكون الفاء بمعنى الواو أي علا وكثر علاوة ، ودنى وتعالى أن يكون دنوة كدنو
المخلوقين.
قوله
عليهالسلام : « وارتفع فوق كل منظر » المنظر : النظر ، والموضع المرتفع ، وكلما نظرت إليه فسرك
أو ساءك ، والمراد أنه تعالى ارتفع عن كل محل يمكن أن ينظر إليه أي ليس بمرئي ولا
مكاني ، أو ارتفع عن كل نظر ، فلا يمكن لبصر الخلق النظر إليه ، أو ارتفع عن محال
النظر والفكر ، فلا يحصل في وهم ولا خيال ولا عقل
__________________
إلا الله وحده لا
شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدقا
للرسل الأولين وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.
أما بعد أيها
الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله جل ذكره ـ عناق
بنت آدم وأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا [ من الأرض ] في جريب وكان
لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين فسلط الله عز وجل عليها أسدا
كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل
أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان ـ وأهلك فرعون وقد قتل عثمان ألا وإن بليتكم
______________________________________________________
ويحتمل معنى دقيقا
بأن يكون المراد بالارتفاع فوقه الكون عليه ، والتمكن فيه مجازا أي ظهر لك في كل
ما نظرت إليه بقدرته وصنعه وحكمته.
قوله
عليهالسلام : « خاتم النبيين » بفتح التاء وكسرها أي آخرهم.
قوله
عليهالسلام : « فإن البغي » أي الظلم والفساد والاستطالة.
قوله
عليهالسلام : « وإن أول من بغى » كأنها كانت مقدمة على قابيل.
قوله
عليهالسلام : « وأول قتيل قتله الله » أي بالعذاب.
قوله
عليهالسلام : « في جريب » لعل المراد أنها كانت تملأ مجموع الجريب بعرضها وتحتها ،
وفي تفسير علي بن إبراهيم « وكان مجلسها في الأرض موضع جريب » وفيما رواه ابن ميثم
بتغيير ما : « كان مجلسها من الأرض جريبا » .
قوله
عليهالسلام : « مثل المنجلين » المنجل : كمنبر ما يحصد به.
قوله
عليهالسلام : « وأمات هامان » أي عمر
« وأهلك فرعون » يعني أبا بكر ويحتمل العكس ، ويدل على أن المراد هذان الأشقيان.
قوله
عليهالسلام : « وقد قتل عثمان » ويمكن أن يقرأ قتل على بناء المعلوم والمجهول ، والأول
أنسب بما تقدم. قوله عليهالسلام
: « ألا وإن بليتكم » أي ابتلاؤكم وامتحانكم بالفتن.
__________________
قد عادت كهيئتها
يوم بعث الله نبيه صلىاللهعليهوآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن
سوطة القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لتبلبلن بلبلة » البلبلة : الاختلاط ، وتبلبلت الألسن أي اختلطت وقال ابن ميثم :
وكنى بهما عما يوقع بهم بنو أمية وغيرهم من أمراء الجور من الهموم المزعجة ، وخلط
بعضهم ببعض ورفع أراذلهم وحط أكابرهم عما يستحق كل من المراتب ، وقال الجزري : فيه دنت الزلازل والبلابل هي الهموم والأحزان وبلبلة الصدر وسواسه ، ومنه
الحديث إنما عذابها في الدنيا البلابل والفتن ، يعني هذه الأمة ومنه خطبة علي :
لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة انتهى والأظهر أن المراد اختلاطهم واختلاف أحوالهم
ودرجاتهم في الدين ، بحسب ما يعرض لهم من الفتن.
قوله
عليهالسلام : « ولتغربلن غربلة » والظاهر أنها مأخوذة من الغربال ، الذي يغربل به الدقيق ،
ويجوز أن تكون من قولهم غربلت اللحم أي قطعته ، فعلى الأول الظاهر أن المراد تميز
جيدهم من رديئهم ، ومؤمنهم من منافقهم ، وصالحهم من طالحهم بالفتن التي تعرض لهم ،
كما أن في الغربال يتميز اللب من النخالة ، وقيل : المراد خلطهم ، لأن غربلة
الدقيق تستلزم خلط بعضه ببعض.
وقال ابن ميثم : هو كناية عن التقاط آحادهم وقصدهم بالأذى والقتل كما فعل بكثير من الصحابة
والتابعين ،. ولا يخفى ما فيه ، وعلى الثاني فلعل المراد تفريقهم وقطع بعضهم عن
بعض.
قوله
عليهالسلام : « ولتساطن سوطة القدر » قال الجزري : ساط القدر
بالمسوط ، وهو خشية يحرك بها ما فيها ليختلط ، ومنه حديث علي ( رضياللهعنه ) : « لتساطن سوط القدر ».
قوله
عليهالسلام : « حتى يعود أسفلكم أعلاكم » أي كفاركم مؤمنين ، وفجاركم
__________________
سابقون كانوا
قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة ولا كذبت كذبة ولقد نبئت
بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها
فتقحمت بهم في النار ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا
______________________________________________________
متفقين ، وبالعكس
، أو ذليلكم عزيزا ، وعزيزكم ذليلا ، موافقا لبعض الاحتمالات السابقة.
قوله
عليهالسلام : « وليسبقن سابقون كانوا قصروا » يعني عليهالسلام به قوما قصروا في أول الأمر في نصرته ، ثم نصروه واتبعوه ،
أو قوما قصروا في نصرة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وأعانوه صلوات الله عليه.
قوله
عليهالسلام : « وليقصرن سابقون كانوا سبقوا » يجري فيه الاحتمالان السابقان والأول فيهما أظهر كطلحة
والزبير وأضرابهما ، حيث كانوا عند غصب الخلافة يدعون أنهم من أعوانه صلوات الله
عليه وعند البيعة أيضا ابتدءوا بالبيعة ، وكان مطلوبهم الدنيا ، فلما لم يتيسر لهم
كانوا أول من خالفه وحاربه.
قوله
عليهالسلام : « والله ما كتمت وشمة » أي كلمة مما أخبرني به الرسول في هذه الواقعة ، أو مما
أمرت بأخباره مطلقا ، ويمكن أن يقرأ على البناء للمجهول أي لم يكتم عني رسول الله
شيئا ، والأول أظهر.
قال الجزري : وفي حديث علي : والله ما كتمت وشمة أي كلمة انتهى وقد سبق هذا الجزء من
الخبر في كتاب الحجة ، وفيه « وسمة » بالسين المهملة ، أي ما كتمت علامة تدل على
سبيل الحق ، ولكن عميتم عنها ولا يخفى لطف ضم الكتم مع الوسمة ، إذ الكتم بالتحريك
نبت يخلط بالوسمة يختضب به.
قوله
عليهالسلام : « ولقد نبئت بهذا المقام » أي أنبأني الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بهذه البيعة وبنقض هؤلاء بيعتي.
قوله
عليهالسلام : « خيل شمس » هو بالضم جمع شموس ، وهي الدابة تمنع ظهرها ولا تطيع
راكبها ، وهو مقابل الذلول فشبه عليهالسلام الخطايا بخيل صعاب إذا ركبها
__________________
أزمتها فأوردتهم
الجنة وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم « ادْخُلُوها بِسَلامٍ
آمِنِينَ » ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه
نوبة إلا بنبي يبعث ألا ولا نبي بعد محمد صلىاللهعليهوآله أشرف منه « عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ
______________________________________________________
الناس ، ولا
يستطيعون منعها ، عن أن توردهم المهالك ، « والتقوى بمطاياه ذلل » مطيعة منقادة
أزمتها بيد ركابها ، يوجهونها حيث ما يريدون.
قوله
عليهالسلام « : وأعطوا أزمتها » على البناء للمفعول أي أعطاهم من أركبهم أزمتها ، ويحتمل
أن يقرأ على البناء للفاعل ، أي أعطي الركاب أزمة المطايا إليها فهن لكونهن ذللا
لا يخرجن عن طريق الحق ، إلى أن يوصلن ، ركابهن إلى الجنة والتقحم : الدخول في الشيء مبادرة عن غير تأمل ، قوله تعالى
: « بِسَلامٍ » أي سالمين من العذاب أو مسلما عليكم « آمِنِينَ » من الآفة والزوال.
قوله
عليهالسلام : « لم أشركه فيه » أي في الخلافة ولم أهب كله له أو لم أهب جرم هذا الغصب له.
قوله
عليهالسلام : « ومن ليست له توبة إلا بنبي يبعث » أي لا يعلم قبول توبة من فعل مثل هذا الأمر القبيح وأضل
هذه الجماعات الكثيرة ، إلا بنبي يبعث فيخبره بقبول توبته ، وفي بعض النسخ نوبة أي
ليست له نوبة في الخلافة إلا بنبي يبعث فيخبر عن الله أن له حصة في الخلافة ، وفي
أكثر النسخ إلا نبي بدون الباء ، فالمراد بالتوبة ما يوجب قبولها أي ليس له سبب
قبول توبة إلا بنبي ولعله من تصحيف النساخ.
قوله
عليهالسلام : « أشرف منه » أي بسبب غصبه الخلافة.
قوله
عليهالسلام : « على شفا جرف » قال الجوهري : شفا كل شيء
جرفه قال الله تعالى « وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ » وقال : والجرف والجرف مثل عسر وعسر : ما تجرفته السيول وأكلته
من الأرض ومنه قوله تعالى « عَلى شَفا جُرُفٍ
هارٍ » وقال : هار الجرف يهور هورا وهؤورا فهو هائر ، ويقال : أيضا جرف
هار خفضوه في موضع
__________________
فَانْهارَ
بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ » حق وباطل ولكل أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق
فلربما ولعل ولقلما أدبر شيء فأقبل ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء وما علي إلا
الجهد وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي
______________________________________________________
الرفع ، وأرادوا
هائر ، وقال : هائر وهو مقلوب من الثلاثي إلى الرباعي كما قلبوا شائك السلاح شاكي
السلاح ، وهورته فتهور وأنهار أي الهدم.
قوله
عليهالسلام : « حق وباطل » أي في الدنيا أو هنا أو بين الناس حق وباطل.
قوله
عليهالسلام : « فلئن أمر الباطل » أي كثر قال الفيروزآبادي : أمر كفرح أمرا وأمرة : كثر.
قوله
عليهالسلام : « فلقديما فعل » أي فو الله لقد فعل الباطل ذلك في قديم الأيام أي ليس كثرة
الباطل ببديع ، حتى تستغرب أو يستدل بها على حقية أهله.
قوله
عليهالسلام : « ولئن قل الحق فلربما » أي فو الله كثيرا يكون الحق كذلك « ولعل » أي لا ينبغي أن
يؤيس من الحق لقلته ، فلعله يعود كثيرا ، بعد قلته وعزيزا بعد ذلته.
قوله
عليهالسلام : « ولقلما أدبر شيء فأقبل » لعل المراد أنه إذا أقبل الحق وأدبر الباطل فهو لا يرجع ،
إذ رجوع الباطل بعد إدباره قليل. أو المراد بيان أن رجوع الحق إلينا بعد الأدبار
أمر غريب ، يفعله الله بفضله ولطفه وحكمته ، أو المراد بيان أنه لا يرجع عن قريب ،
بل إنما يكون في زمان القائم عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « ولئن رد إليكم أمركم » أي في هذا الزمان.
قوله
عليهالسلام : « وما علي إلا الجهد » أي بذل الطاقة ، قال الجوهري : الجهد والجهد : الطاقة ، وقرئ « وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ » و ( جهدهم » قال الفراء : الجهد بالضم الطاقة ، والجهد بالفتح من قولك أجهد
جهدك في هذا الأمر أي أبلغ غايتك ، ولا يقال أجهد جهدك والجهد : المشقة.
قوله
عليهالسلام : « أن تكونوا على فترة » قال في النهاية : في حديث ابن
مسعود
__________________
غير محمودي الرأي
ولو أشاء لقلت « عَفَا
اللهُ عَمَّا سَلَفَ » سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه ويله لو قص
جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له شغل عن الجنة والنار أمامه ثلاثة واثنان خمسة ليس
لهم سادس ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله
______________________________________________________
« إنه مرض فبكى ،
فقال : إنما أبكي لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني في حال اجتهاد » أي في حال
سكون وتقليل من العبادات والمجاهدات ، والفترة في غير هذا ما بين الرسولين من رسل
الله تعالى من الزمان ، الذي انقطعت فيه الرسالة انتهى ، فالمعنى أخشى أن تكونوا
على فترة وسكون وفتور عن نصرة الحق ، وأن تكونوا كأناس كانوا بين النبيين ، لا
يظهر فيهم الحق ، ويشتبه عليهم الأمور.
قوله
عليهالسلام : « ملتم عني ميلة » أي في أول الأمر بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قوله
عليهالسلام : « ولو أشاء لقلت » أي بينت بطلان الرجلين الذين اتبعتموهما وكفرهما ، لكن لا
يقتضيه مصلحة الحال.
قوله
عليهالسلام : « عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ » أي لمن تاب في هذا الزمان.
قوله
عليهالسلام : « كان خيرا له قص الجناحين » كناية عن منعه ورفع استيلائه وقبض يده عن أموال المسلمين
ودمائهم وفروجهم ، «
وقطع رأسه » كناية عن قطع ما
هو بمنزلة رأسه من الخلافة ، أو المراد قتله ابتداء قبل ارتكاب هذه الأمور.
قوله
عليهالسلام : « شغل » أي بالدنيا عن تحصيل الجنة ، والحال أن النار كانت أمامه ،
فكان ينبغي أن لا يشتغل مع هذا بشيء آخر سوى تحصيل الجنة ، والتخلص من النار.
قوله
عليهالسلام : « ثلاثة واثنان » الحاصل أن أحوال المخلوقين المكلفين تدور على خمسة ، وإنما
فصل الثلاثة عن الاثنين لأنهم من المقربين المعصومين الناجين من غير شك ، فلم
يخلطهم بمن سواهم ، الأول : ملك أعطاه الله جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة
ومعنى.
والثاني : « نبي أخذ الله بضبعيه
» الضبع بسكون
الباء : وسط العضد ، وقيل : هو
بضبعيه وساع مجتهد
وطالب يرجو ومقصر في النار اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها
يأتي الكتاب وآثار النبوة هلك من ادعى و « خابَ مَنِ افْتَرى » إن الله أدب هذه الأمة بالسيف والسوط وليس لأحد عند الإمام
فيهما هوادة
______________________________________________________
ما تحت الإبط ، أي
رفعه الله بقدرته وعصمته من بين الخلق واختاره وقربه ، كأنه أخذ بعضده وقربه إليه
، ويحتمل أن يكون كناية عن رفع يده وأخذها عن المعاصي بعصمته ، وأن يكون كناية عن
تقويته ، والأول أظهر.
والثالث : ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده ، والمراد إما الأوصياء عليهمالسلام أو أتباعهم الخلص ، فالأوصياء داخلون في الثاني على سبيل التغليب ، أو المراد
بالثالث أعم منها.
والرابع : عابد
طالب للآخرة بشيء من السعي مع صحة إيمانه ، وبذلك يرجو فضل ربه.
والخامس : مقصر ضال عن الحق كافر فهو في النار.
قوله
عليهالسلام : « اليمين والشمال مضلة » أي كلما خرج عن الحق فهو ضلال أو المراد باليمين ما يكون
بسبب الطاعات والبدع فيها ، وباليسار ما يكون بسبب المعاصي.
قوله
عليهالسلام : « عليها يأتي الكتاب » أي على هذه الجادة أتى كتاب الله وحث على سلوكها ، وفي بعض
النسخ [ ما في الكتاب ] وفي نسخ نهج البلاغة « باقي الكتاب »
ولعل المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس.
قوله
: « هلك » أي من ادعى مرتبة
ليس بأهل لها كالإمامة.
قوله
: « وليس لأحد عند الإمام فيها هوادة » قال الجزري : فيه : « لا
تأخذه في الله هوادة » أي لا يسكن عند وجوب حدود الله ، ولا يحابي فيها أحدا ، والهوادة
: السكون والرخصة والمحاباة انتهى.
__________________
فاستتروا في
بيوتكم « وَأَصْلِحُوا
ذاتَ بَيْنِكُمْ » والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحق هلك.
( حديث علي بن الحسين عليهالسلام )
٢٤ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هلال بن عطية ، عن أبي حمزة ،
عن علي بن الحسين عليهالسلام قال كان يقول إن أحبكم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « والتوبة من ورائكم » قال ابن ميثم : تنبيه للعصاة
على الرجوع إلى التوبة عن الجري في ميدان المعصية ، واقتفاء أثر الشيطان ، وكونها
وراء ، لأن الجواذب الإلهية إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتى أعرض عنها
، والتفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من الندم على المعصية ، والتوجه إلى
القبلة الحقيقية ، فإنه يصدق عليه أن التوبة وراؤه ، أي وراء عقليا ، وهو أولى من
قول من قال من المفسرين إن « ورائكم » بمعنى « أمامكم ».
قوله
عليهالسلام : « من أبدي صفحته للحق هلك » قال في النهاية : صفحة كل شيء :
وجهه وناحيته ، أقول : المراد مواجهة الحق ومقابلته ومعارضته ، فالمراد بالهلاك
الهلاك في الدنيا والآخرة. أو المراد إبداء الوجه للخصوم ومعارضتهم لإظهار الحق في
كل مكان وموطن من غير تقية ورعاية مصلحة ، فيكون مذموما ، والهلاك بالمعنى الذي
سبق ، ويؤيد هذا.
قوله
عليهالسلام : « واستتروا في بيوتكم » أو المراد معارضة أهل الباطل على الوجه المأمور به ،
والمراد بالهلاك مقاساة المشاق والمفاسد والمضار من جهال الناس ، ويؤيده ما في نسخ
نهج البلاغة « هلك عند جهلة الناس ».
الحديث
الرابع والعشرون : حديث علي بن الحسين عليهالسلام : مجهول. وفي الفقيه مالك بن عطية ، وهو الظاهر فيكون
صحيحا.
__________________
إلى الله عز وجل
أحسنكم عملا وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة وإن أنجاكم من
عذاب الله أشدكم خشية لله وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا وإن أرضاكم عند الله
أسبغكم على عياله وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله.
٢٥ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن عمر الصيقل ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن
عبد الله بن سليمان ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام ليأتين على الناس زمان يظرف فيه الفاجر ويقرب فيه الماجن
ويضعف فيه
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أعظمكم فيما عند الله رغبة » أي علامة عظم الرغبة وكثرة الرجاء كثرة العمل ، ويكذب من
يدعي الرجاء ولا يعمل.
الحديث
الخامس والعشرون : ضعيف.
في نهج البلاغة هكذا : قال عليهالسلام : يأتي على الناس زمان لا يقرب فيه إلا الماحل ولا يظرف
فيه إلا الفاجر ، ولا يضعف فيه إلا المنصف ، يعدون الصدقة فيه غرما ، وصلة الرحم
منا ، والعبادة استطالة على الناس ، فعند ذلك يكون السلطان بمشورة الإماء ، وإمارة
الصبيان.
قوله
عليهالسلام : « يظرف فيه الفاجر » في بعض نسخ الكتاب ، وأكثر نسخ النهج بالظاء المعجمة ، أي
يعد الفاجر ظريفا ، من الظرافة بمعنى الكياسة ، وفي أكثر نسخ الكتاب وفي بعض نسخ
النهج « بالطاء المهملة » من الطريف ضد التألد ، وهو الأمر المستطرف الذي يعده
الناس حسنا لأن الناس راغبون إلى المستحدثات ، أي يعده الناس طريفا ، ويميلون إليه
، أو على البناء للمفعول من باب الأفعال من قولك أطرفت فلانا إذا أعطيته ما لم
يعطه أحد قبلك أي يهبون الطرف للفاجرين.
قوله
عليهالسلام : « ويقرب فيه الماجن » كذا في أكثر النسخ وبعض نسخ النهج ، قال الجوهري : المجون
: أن لا يبالي الإنسان ما صنع ، وقد مجن بالفتح يمجن فهو ماجن ، وقال الفيروزآبادي : الماجن : من لا يبالي قولا ولا فعلا ، وفي بعض النسخ
__________________
المنصف قال فقيل
له متى ذاك يا أمير المؤمنين فقال إذا اتخذت الأمانة مغنما والزكاة مغرما والعبادة
استطالة والصلة منا قال فقيل متى ذلك يا أمير المؤمنين فقال إذا تسلطن النساء
وسلطن الإماء وأمر الصبيان.
٢٦ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن جعفر العقبي رفعه قال
خطب أمير المؤمنين عليهالسلام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن آدم لم يلد
عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار ولكن الله خول بعضكم بعضا فمن كان له بلاء فصبر
في الخير فلا يمن به على الله عز وجل ألا وقد حضر شيء ونحن مسوون فيه بين الأسود
والأحمر فقال مروان لطلحة والزبير ـ ما أراد بهذا غيركما قال
______________________________________________________
كما في أكثر نسخ
النهج [ الماحل ] قال الجوهري : المحل : المكر والكيد يقال : محل به إذا سعى به
إلى السلطان ، فهو ماحل ومحول .
قوله
عليهالسلام : « ويضعف فيه المنصف » قال ابن ميثم : أي إذا رأوا إنسانا عنده ورع وإنصاف في
معاملة الناس عدوه ضعيفا ، ونسبوه إلى الوهن والرخاوة أو يستصغرون عقله ، ويعدونه
ضعيف العقل كأنه تارك حق ينبغي له أن يأخذه.
الحديث
السادس والعشرون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « ولكن الله خول » قال الجزري : في حديث العبيد : هم إخوانكم وخولكم جعلهم
الله تحت أيديكم ، الخول : حشم الرجل وأتباعه وأحدهم خائل وقد يكون واحدا ويقع على
العبد والأمة ، وهو مأخوذ من التخويل : التمليك ، وقيل : من الرعاية.
قوله
عليهالسلام : « فمن كان له بلاء » أي نعمة ومال ، فصير في الخير أي جعله في مصارف الخبر ،
وفي أكثر النسخ « فصبر » بالباء أي من كان له نعمة على الإسلام بأن صبر على الشدائد
في سبل الخير ، كالجهاد والفقر وأذى الأعادي فلا يمن به على الله ، بل الله يمن
عليه ، لكن يعطيه الله أجره في الآخرة والغرض أنه لا ينبغي أن يطلب الإنسان بسبب
أعماله فضلا في القسم التي حكم الله فيها ، أن يقسم بالسوية بين المسلمين ، بل
ينبغي أن يرضى بقسم الله.
__________________
فأعطى كل واحد
ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة
دنانير فقال الأنصاري يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواء
فقال إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا.
(
حديث النبي صلىاللهعليهوآله حين عرضت عليه الخيل )
٢٧ ـ أبو علي
الأشعري ، عن محمد بن سالم وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن أحمد بن النضر
ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن الحسين بن أبي قتادة جميعا ، عن عمرو
بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله لعرض الخيل فمر بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر لعن الله صاحب
هذا القبر فو الله إن كان ليصد عن سبيل الله ويكذب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال خالد ابنه بل لعن الله أبا قحافة فو الله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل
العدو فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا فألقى رسول الله صلىاللهعليهوآله خطام راحلته على غاربها ـ ثم قال إذا أنتم تناولتم المشركين فعموا ولا تخصوا
______________________________________________________
قوله
: « أعتقه » يحتمل التكلم
والخطاب ، قوله « على
ولد إسحاق » لعل العبد كان من
بني إسرائيل كما هو الأغلب فيهم ، ويحتمل أن يكون المراد عدم الفضل في القسمة ، لا
مطلقا مع أنه لا استبعاد في أن لا يكون بينهما فضل مطلقا إلا بالفضائل.
الحديث
السابع والعشرون : حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين عرضت عليه الخيل ضعيف.
وعلي
بن إبراهيم ومحمد بن يحيى كلاهما معطوفان على أبي علي الأشعري.
قوله
: « أهونهما على العشيرة » أي من يكون فقده وموته أهون وأسهل على عشيرته ولا يبالون بموته.
قوله
عليهالسلام : « على غاربها » الغارب ما بين السنام والعنق ، وكأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ألقاه
فيغضب ولده ثم وقف
فعرضت عليه الخيل فمر به فرس فقال عيينة بن حصن إن من أمر هذا الفرس كيت وكيت فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله ذرنا فأنا أعلم بالخيل منك فقال عيينة وأنا أعلم بالرجال
منك فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى ظهر الدم في وجهه فقال له فأي الرجال أفضل فقال عيينة
بن حصن رجال يكونون بنجد يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم ثم
يضربون بها قدما قدما فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله كذبت بل رجال أهل اليمن أفضل الإيمان يماني والحكمة يمانية
ولو لا الهجرة لكنت امرأ
______________________________________________________
للغضب لأن يسير
البعير.
قوله
: « على كواثب خيولهم » قال الجزري فيه : « يضعون رماحهم على كواثب خيولهم » الكواثب : جمع
كاثبة وهي من الفرس مجتمع كتفيه قدام السرج.
قوله
: « يضربون بها قدما » قال الفيروزآبادي : معنى قدما بضم الدال : لم يعرج ولم ينثن.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الإيمان يماني » قال الجزري : فيه الإيمان
يمان والحكمة
يمانية ، إنما قال ذلك ،
لأن الإيمان بدأ من مكة. وهي من تهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : الكعبة
اليمانية ، وقيل : إنه قال هذا القول للأنصار ، لأنهم يمانون ، وهم نصروا الإيمان
والمؤمنين وآووهم ، فنسب الإيمان إليهم.
وقال الجوهري :
اليمن بلاد للعرب ، والنسبة إليها يمني ، ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب ،
فلا يجتمعان. قال سيبويه : وبعضهم يقول : يماني بالتشديد وقال في محيي السنة : هذا ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وحسن
قبولهم إياه.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « لو لا الهجرة » لعل المراد لو لا أني هجرت عن مكة لكنت اليوم من أهل اليمن
، إذ مكة منها ، أو المراد أنه لو لا أن المدينة كانت أولا دار هجرتي واخترتها
بأمر الله لاتخذت اليمن وطنا ، أو المراد أنه لو لا أن الهجرة أشرف
__________________
من أهل اليمن
الجفاء والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ـ ربيعة ومضر من حيث يطلع
______________________________________________________
لعددت نفسي من
الأنصار ، ويؤيد الأخير ما رواه الطبرسي في مجمع البيان في قصة حنين « أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : فو الذي نفسي بيده لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت
الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ولو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار إلى آخر
الخبر.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « إن الجفاء
والقسوة » قال الجزري : فيه « إن
الجفاء والقسوة في الفدادين » الفدادون بالتشديد : الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، واحدهم. فداد
يقال : فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته ، وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل :
هم الجمالون ، والبقارون والحمارون والرعيان ، وقيل : إنما هو الفدادين مخففا ،
واحدها فدان مشددا ، وهو البقر التي يحرث بها وأهلها أهل جفاء وقسوة.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « أصحاب الوبر » أي أهل البواري ، فإن بيوتهم يتخذونها منه.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « من حيث يطلع قرن
الشمس » قال الجوهري :
قرن الشمس أعلاها ، وأول ما يبدو منها في الطلوع ، لعل المراد أهل البواري من
هاتين القبيلتين الكائنتين في مطلع الشمس أي في شرقي المدينة .
وروي في محيي السنة بإسناده عن عقبة بن عمر « وقال : أشار رسول الله صلىاللهعليهوآله بيده نحو اليمن ، فقال : الإيمان يمان ، هيهنا إلا أن القسوة وغلظ القلوب في
الفدادين عند أصول أذناب الإبل ، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر » وبإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل
الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم ، وبإسناده عن ابن عمر أنه قال : رأيت رسول الله ، يشير إلى المشرق ويقول :
إن الفتنة هيهنا ، إن الفتنة هنا من حيث يطلع قرن الشيطان. وقال النووي : قرنا
الشيطان قبل المشرق ، أي جمعاه المغويان اللذان يغريهما بإضلال الناس وقيل :
شيعتاه من
__________________
قرن الشمس ومذحج
أكثر قبيل يدخلون الجنة وحضرموت خير من عامر بن صعصعة وروى بعضهم خير من الحارث بن
معاوية وبجيلة خير من رعل وذكوان وإن يهلك لحيان فلا أبالي ثم قال لعن الله الملوك
الأربعة جمدا ومخوسا ومشرحا وأبضعة وأختهم العمردة لعن الله المحلل والمحلل له
______________________________________________________
الكفار ، يريد
مزيد تسلطه في المشرق ، وكان ذلك في عهده صلىاللهعليهوآله ، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق ، وهو فيما بين ذلك
منشأ الفتن العظيمة ، ومثار الترك العاتية . انتهى ، ولا
يبعد أن يكون في هذا الخبر أيضا قرن الشيطان فصحف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومذحج » كمسجد أبو قبيلة من اليمن ، وقال : حضرموت اسم بلد وقبيلة أيضا ، وقال : عامر بن صعصعة أبو قبيلة ، وهو عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن
هوازن. وفي القاموس : بجيلة كسفينة : حي باليمن من معد ، وقال : رعل وذكوان قبيلتان من سليم ، وقال : لحيان أبو قبيلة ، وقال : مخوس كمنبر : ومشرح
، وجمد ، وأبضعة : بنو معديكرب ، الملوك الأربعة الذين لعنهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولعن أختهم العمردة ، وفدوا مع الأشعث ، فأسلموا ثم. ارتدوا فقتلوا يوم
النجير ، فقالت نائحتهم يا عين بكي لي الملوك الأربعة .
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لعن الله المحلل
والمحلل له » قال في النهاية : وفيه « لعن الله المحلل والمحلل له » وفي رواية المحل والمحل له ، وفي حديث
بعض الصحابة « لا أوتي بحال ولا محلل إلا رجمتهما » جعل الزمخشري هذا الأخير حديثا
لا أثرا ، وفي هذه اللفظة ثلاث لغات : حللت وأحللت وحللت ، فعلى الأولى جاء الحديث
الأول يقال : حلل فهو محلل ومحلل له ، وعلى الثانية جاء الثاني : تقول أحل فهو محل
ومحل له ، وعلى الثالثة جاء الثالث تقول حللت فأنا حال ، وهو محلول له ، وقيل أراد
بقوله لا أوتي بحال : أي بذي إحلال مثل قولهم ريح لاقح أي ذات إلقاح ، والمعنى في
الجميع : هو أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا فيتزوجها رجل آخر على شريطة أن يطلقها بعد
وطئها ، لتحل لزوجها الأول ، وقيل : سمي محللا بقصده إلى التحليل كما
__________________
ومن يوالي غير
مواليه ومن ادعى نسبا لا يعرف والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء
بالرجال ومن أحدث حدثا في الإسلام أو آوى
______________________________________________________
يسمى مشتريا إذا
قصد الشراء . انتهى ، وقال الطيبي في شرح المشكاة : وإنما لعن لأنه هتك
مروة وقلة حية وخسة نفس ، وهو بالنسبة إلى المحلل له ظاهر ، وأما المحلل فإنه
كالتيس يعير نفسه بالوطء لغرض الغير.
أقول : مع
الاشتراط ذهب أكثر العامة إلى بطلان النكاح ، فلذا فسروا التحليل بقصد التحليل ،
ولا يبعد القول بالبطلان على أصول أصحابنا أيضا ، ثم اعلم أنه يمكن أن يحمل هذا
الكلام على معنى آخر غير ما حملوه عليه ، بأن يكون المراد النسيء في الأشهر الحرم.
قال الزمخشري :
كان جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية ، وكان يقوم على جمل في الموسم ،
فيقول بأعلى صوته إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ، ثم يقوم في القابل فيقول
: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم ، فحرموه .
وقال علي بن
إبراهيم : كان رجل من كنانة يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلين من طيئ
وخثعم في شهر المحرم وأنسأته ، وحرمت بدله صفر ، فإذا كان العام المقبل يقول : قد
أحللت صفر أو أنسأته ، وحرمت بدله شهر المحرم انتهى .
ولعل هذا أوفق
بروايات أصحابنا وأصولهم ، ويحتمل أن يكون المراد مطلق تحليل ما حرم الله.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « ومن يوالي غير
مواليه » فسر أكثر العامة
بالانتساب إلى غير من انتسب إليه من ذي نسب ، أو معتق ، وبعضهم خصه بولاء العتق
فقط ، وهو هنا أنسب ، لعطف. من ادعى نسبا عليه ، وفسر في أخبارنا بالانتساب إلى غير أئمة الحق
وتركهم واتخاذ غيرهم أئمة ، قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يعرف » يحتمل البناء للفاعل والمفعول.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والمتشبهين من
الرجال بالنساء » بأن يلبس الثياب المختصة بهن ، ويتزين بما يختصهن ، وبالعكس والمشهور بين
علمائنا الحرمة فيهما.
__________________
محدثا ومن قتل غير
قاتله أو ضرب غير ضاربه ومن لعن أبويه فقال رجل يا رسول الله أيوجد رجل يلعن أبويه
فقال نعم يلعن آباء الرجال وأمهاتهم فيلعنون أبويه لعن الله رعلا وذكوان وعضلا
ولحيان والمجذمين من أسد وغطفان وأبا سفيان بن حرب وشهبلا ذا الأسنان وابني مليكة
بن جزيم ومروان وهوذة وهونة.
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ومن أحدث حدثا » إلخ. أي بدعة أو أمرا منكرا ، وورد في بعض الأخبار تفسيره
بالقتل ، قال الجزري : في حديث المدينة « من أحدث فيها حدثا ، أو آوى محدثا »
الحدث : الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة ، والمحدث يروي
بكسر الدال وفتحها على البناء للفاعل أو المفعول فمعنى الكسر : من نصر جانيا أو
آواه وأجاره من خصمه ، وحال بينه وبين أن يقتص منه ، والفتح : هو الأمر المبتدع
نفسه ، ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به ، والصبر عليه فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر
فاعلها ، ولم ينكرها عليه فقد آواه.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن قتل غير
قاتله » أي غير مريد قتله
أو غير قاتل من هو ولي دمه ، فكأنما قتل نفسه.
قوله
عليهالسلام : « أو ضرب غير ضاربه » أي مريد ضربه أو من يضربه.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن لعن أبويه » لعن النبي صلىاللهعليهوآله هيهنا أبا بكر فإنه ـ لعنه الله ـ تسبب إلى اللعن لأبيه
كما مر .
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وعضلا » هو بالتحريك أبو قبيلة ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والمجذمين » لعل المراد المنسوبين إلى الجذيمة ، ولعل أسدا وغطفان
كلتيهما منسوبتان إليها.
قال الجوهري : جذيمة قبيلة من عبد القيس ينسب إليهم جذمي بالتحريك ، وكذلك إلى جذيمة أسد
، وقال الفيروزآبادي : غطفان محركة حي من قيس ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وشهبلا » بالشين المعجمة والباء الموحدة وفي بعض النسخ بالسين
المهملة والياء المثناة ، ولعله اسم رجل وكذا ما ذكر بعده إلى آخر الخبر.
__________________
٢٨ ـ علي بن
إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إن مولى لأمير المؤمنين عليهالسلام سأله مالا فقال يخرج عطائي فأقاسمك هو فقال لا أكتفي وخرج
إلى معاوية فوصله فكتب إلى أمير المؤمنين عليهالسلام يخبره بما أصاب من المال فكتب إليه أمير المؤمنين عليهالسلام أما بعد فإن ما في يدك من المال قد كان له أهل قبلك وهو صائر إلى أهله بعدك
وإنما لك منه ما مهدت لنفسك فآثر نفسك على صلاح ولدك فإنما أنت جامع لأحد رجلين
إما رجل عمل فيه بطاعة الله فسعد بما شقيت وإما رجل عمل فيه بمعصية الله فشقي بما
جمعت له وليس من هذين أحد بأهل أن تؤثره على نفسك ولا تبرد له على ظهرك فارج لمن
مضى رحمة الله وثق لمن بقي برزق الله.
( كلام علي بن الحسين عليهماالسلام )
٢٩ ـ حدثني محمد
بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن الحسن بن
محبوب ، عن عبد الله بن غالب الأسدي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال كان علي بن
الحسين عليهالسلام يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ويرغبهم في أعمال الآخرة بهذا
الكلام في كل جمعة في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله وحفظ عنه وكتب كان يقول أيها الناس اتقوا الله واعلموا
أنكم إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ في
______________________________________________________
الحديث
الثامن والعشرون : مرسل.
قوله
: « فأقاسمك هو » الظاهر فأقاسمكه ، ولعله تصحيف.
قوله
: « فلا تبرد » قال الجوهري : يقال : ما برد لك على فلان أي ما ثبت ووجب. انتهى ، أي
لا تثبت له وزرا على ظهرك ، وفي بعض نسخ نهج البلاغة وتحمل له على ظهرك ، وفي بعض النسخ ولا تحمل له على ظهرك.
قوله
عليهالسلام : « فارج لمن مضى » أي من أولادك.
كلام
علي بن الحسين عليهماالسلام الحديث التاسع
والعشرون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « فتجد كل نفس » إلى آخره إشارة
إلى قوله تعالى : « يَوْمَ تَجِدُ
__________________
هذه الدنيا « مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً
وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً
بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ » ويحك يا ابن آدم الغافل وليس بمغفول عنه.
يا ابن آدم إن
أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ويوشك أن يدركك وكأن قد أوفيت أجلك
وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيدا فرد إليك فيه روحك واقتحم عليك فيه ملكان ـ ناكر
ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك ألا وإن أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن
نبيك الذي أرسل إليك وعن دينك الذي كنت تدين به وعن كتابك الذي كنت تتلوه وعن
إمامك الذي كنت تتولاه ثم عن عمرك فيما كنت أفنيته ومالك من أين اكتسبته وفيما أنت
أنفقته فخذ حذرك وانظر لنفسك وأعد الجواب قبل الامتحان والمساءلة والاختبار فإن تك
______________________________________________________
كُلُّ
نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ
أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ
وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ » قال البيضاوي « يوم » منصوب بتود ، أي تتمنى كل نفس يوم
تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك
اليوم وهو له أمدا بعيدا ، أو بمضمر نحو « أذكر » وتود حال من الضمير في عملت ، أو
خبر لما عملت من سوء ، وتجد مقصور على ما عملت من خير ، ولا تكون ما شرطية لارتفاع
تود. وقرئ ودت وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه
حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة أقول : الخبر
ينفى الوجه الأول.
قوله
عليهالسلام : « حثيثا » أي سريعا.
قوله
عليهالسلام : « كان قد أوفيت » مخفف كان أو هو من الأفعال الناقصة.
قوله
عليهالسلام : « ثم عن عمرك » إلى آخره يدل على أنه يسأل عن الأعمال أيضا في القبر وقد
سبق الكلام فيه في كتاب الجنائز.
قوله
عليهالسلام : « فخذ حذرك » قال الزمخشري في قوله تعالى :
« خُذُوا
حِذْرَكُمْ »
__________________
مؤمنا عارفا بدينك
متبعا للصادقين مواليا لأولياء الله لقاك الله حجتك وأنطق لسانك بالصواب وأحسنت
الجواب وبشرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان
وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجتك وعييت عن الجواب وبشرت بالنار واستقبلتك
ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.
واعلم يا ابن آدم
أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة « ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ
يَوْمٌ مَشْهُودٌ » يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين ذلك يوم
______________________________________________________
الحذر والحذر
بمعنى كالأثر والأثر يقال : أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من الخوف كأنه جعل الحذر آلته
التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه.
قوله
عليهالسلام : « لقاك الله حجتك » أي يرسلها إليك قبال وجهك كناية عن التلقين والإفهام
والإلهام ، قال الفيروزآبادي : لقاه الشيء : ألقاه
إليه.
قوله
عليهالسلام : « بالروح » قال الفيروزآبادي : الروح بالفتح :
الراحة والرحمة ونسيم الريح.
قوله
عليهالسلام : « تلجلج لسانك » قال الجوهري : اللجلجة
والتلجلج : التردد في الكلام.
قوله
عليهالسلام : « ودحضت حجتك » قال الفيروزآبادي : ودحضت الحجة
دحوضا : بطلت.
قوله
عليهالسلام : « وعييت » أي عجزت.
قوله
عليهالسلام : « بنزل من حميم » النزل بضمتين : ما هيئ للضيف قبل أن ينزل عليه ، أطلق هنا
على سبيل التهكم ، والحميم : الشراب المغلي في قدور جهنم ، و « تصلية جحيم » إما بإدخال نار البرزخ أو بشارة نار الخلد.
قوله
عليهالسلام : « وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ » أي مشهود فيه ، يشهد ويحضر فيه الخلائق
__________________
يُنْفَخُ
فِي الصُّورِ » وتبعثر فيه القبور وذلك يوم الآزفة « إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى
الْحَناجِرِ كاظِمِينَ » وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ولا يؤخذ من أحد فدية ولا تقبل
من أحد معذرة ولا لأحد فيه مستقبل توبة ليس إلا الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات
فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ومن كان من المؤمنين
عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.
فاحذروا أيها
الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها وحذركموها في كتابه الصادق
والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين
إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول « إِنَّ الَّذِينَ
اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ
مُبْصِرُونَ »
______________________________________________________
للحساب أو يشهد
فيه على الخلائق بما عملوا.
قوله
عليهالسلام : « وتبعثر فيه القبور » قال الجوهري : يقال : بعثرت
الشيء وبعثرته إذا استخرجته وكشفته. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى : « بُعْثِرَ ما فِي
الْقُبُورِ » أثير وأخرج وقال تقول : بعثرت حوضي : أي هدمته وجعلت أسفله أعلاه.
قوله
عليهالسلام : « وذلك يوم الآزفة » سميت القيامة بها لأزوفها : أي لقربها
« إِذِ
الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ » فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم ، فلا تعود فيتروحوا
فلا تخرج فيستريحوا « كاظِمِينَ » على الغم حال من أصحاب القلوب على المعنى ، لأنه على
الإضافة أو منها ومن ضميرها في لدي وجمعه كذلك ، لأن الكظم من أفعال العقلاء كقوله
تعالى : « فَظَلَّتْ
أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ». قوله
عليهالسلام : « لا تقبل من أحد معذرة » أي عذر ليس صاحبه فيه صادقا أو توبة.
قوله
عليهالسلام : « من الذنوب والمعاصي » بيان للموصول بعده ، أو الموصول بدل من الذنوب ، قوله تعالى : « طائِفٌ » قال البيضاوي : أي لمة منه وهو اسم فاعل من طاف
__________________
وأشعروا قلوبكم
خوف الله وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من
شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين
المائلين إلى زهرة الدنيا الذين مكروا السيئات فإن الله يقول في محكم كتابه : « أَفَأَمِنَ الَّذِينَ
مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ
الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما
هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ » فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض
ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب والله لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم فإن
السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل
القرى قبلكم حيث قال « وَكَمْ
قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً » وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول « وَأَنْشَأْنا بَعْدَها
قَوْماً آخَرِينَ » فقال عز وجل « فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها
يَرْكُضُونَ » يعني يهربون قال « لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما
أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ » فلما أتاهم العذاب « قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ
______________________________________________________
يطوف ، كأنها طافت
بهم ودارت حولهم فلم تقدر أن تؤثر فيهم ، أو من طاف بهم الخيال يطيف طيفا .
قوله
عليهالسلام : « وأشعروا » الشعار : الثوب الملاصق للجلد والشعر ، أي اجعلوا خوف الله
شعار قلوبكم ملازما لها غير مفارق عنها ، قوله تعالى : « أَفَأَمِنَ
الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ » أي المكراة السيئات ، وهم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء ،
أو الذين مكروا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وراموا صد أصحابه عن الإيمان « أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ » كما خسف بقارون ، أو « يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا
يَشْعُرُونَ » بغتة من جانب السماء كما فعل بقوم لوط « أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي
تَقَلُّبِهِمْ » أي متقلبين في معائشهم ومتاجرهم « فَما هُمْ
بِمُعْجِزِينَ » لله عما أراد بهم « أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ » على مخافة بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا « فيأتيهم العذاب
» وهم متخوفون ، أو على تنقص شيئا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم ، حتى يهلكوا من
تخوفته إذا انتقصته قوله
تعالى : « فَلَمَّا
__________________
حَتَّى
جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ » وايم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم ثم رجع القول من الله في
الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل « وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ
رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو
يقول « وَنَضَعُ
الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ
كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ » .
اعلموا عباد الله
أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين و
______________________________________________________
أَحَسُّوا
بَأْسَنا » مر تفسيرها في الحديث الخامس عشر قوله تعالى : « وَلَئِنْ
مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ » قال البيضاوي : أي أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما
في النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء ، والبناء الدال على
المرة « من عذاب ربك » من الذي ينذرون به ليقولن « يا
وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم قوله تعالى
: « وَنَضَعُ الْمَوازِينَ
الْقِسْطَ » قال البيضاوي : أي العدل يوزن بها صحائف الأعمال ، وقيل :
وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي ، والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ،
وإفراد القسط ، لأنه مصدر وصف به للمبالغة « لِيَوْمِ الْقِيامَةِ » لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك جئت لخمس خلون
من الشهر « فَلا
تُظْلَمُ » فلا تنقص « نَفْسٌ شَيْئاً » من حقه أو لا تظلم شيئا من الظلم ، « وَإِنْ كانَ مِثْقالَ
حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » أي وإن كان العمل أو الظلم مثقال حبة ورفع نافع ـ مثقال
حبة ـ على كان التامة « أَتَيْنا
بِها » أحضرناها ، والضمير للمثقال ، وتأنيثه لإضافته إلى الحبة «
وَكَفى
بِنا حاسِبِينَ » إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا .
قوله
عليهالسلام : « لا تنصب لهم الموازين » لا ينافي ذلك معاقبتهم على سيئات أعمالهم ، وكونهم مكلفين
بالفروع ، وإذ يعاملهم الله بعلمه ، وإنما يوضع الموازين للمسلمين تشريفا لهم ، أو
لأنهم لما كانوا مطيعين في أصول الدين ، أو بعضها يوضع لهم
__________________
إنما يحشرون « إِلى جَهَنَّمَ
زُمَراً » وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام.
فاتقوا الله عباد
الله واعلموا أن الله عز وجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم
يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم
فيها « أَيُّهُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً » لآخرته وايم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرف الآيات لقوم
يعقلون و « لا قُوَّةَ
إِلاَّ بِاللهِ ».
فازهدوا فيما
زهدكم الله عز وجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق : «
إِنَّما
مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ
نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ
الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ
عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ
تَغْنَ
______________________________________________________
الميزان ، لئلا
يزعم زاعم أنهم ظلموا في عقوبتهم.
قوله
عليهالسلام : « زمرا » قال الفيروزآبادي الزمرة بالضم :
الفوج ، والجماعة في تفرقة ، والجمع زمر.
قوله
عليهالسلام : « زهرة الدنيا » أي بهجتها ونضارتها وحسنها.
قوله
عليهالسلام : « وصرف الآيات » قال الفيروزآبادي : تصريف الآيات تبيينها .
قوله عليهالسلام : « فإن الله يقول » إلى آخره. قال البيضاوي : « إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا » حالها العجيبة في سرعة تقضيها وذهاب نعيمها بعد إقبالها
واغترار الناس بها « كَماءٍ
أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ » فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا « مِمَّا يَأْكُلُ
النَّاسُ وَالْأَنْعامُ » من الزروع والبقول والحشيش « حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها
وَازَّيَّنَتْ » بأصناف النبات وإشكالها وألوانها المختلفة كعروس أخذت من
ألوان الثياب والزينة « فتزينت بها وازينت : أصله تزينت فأدغم وقد قرئ على الأصل
وازينت على أفعلت من غير إعلال كأغيلت ، والمعنى صارت ذات زينة ، وازيانت كابياضت
« وَظَنَّ
أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها » متمكنون من حصدها ورفع غلتها « أَتاها أَمْرُنا » ضرب زرعها ما يحتاجه « لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها » جعلنا زرعها « حَصِيداً » شبيها بما حصد من أصله « كَأَنْ لَمْ تَغْنَ » كان لم يغن زرعها أي لم تنبت ،
__________________
بِالْأَمْسِ
كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فكونوا عباد الله من القوم الذين يتفكرون ولا تركنوا إلى الدنيا فإن الله عز
وجل قال لمحمد صلىاللهعليهوآله : « وَلا تَرْكَنُوا إِلَى
الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ » ولا تركنوا إلى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان
فإنها دار بلغة ومنزل قلعة ودار عمل فتزودوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرق أيامها
وقبل الإذن من الله في خرابها فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة وابتدأها وهو ولي
ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزود التقوى والزهد فيها جعلنا الله وإياكم
من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا الراغبين لآجل ثواب الآخرة فإنما نحن به
وله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
______________________________________________________
والمضاف محذوف في
الموضعين للمبالغة ، وقرأ بالياء على الأصل « بِالْأَمْسِ » لا فيما قبله ، وهو مثل في الوقت القريب ، والممثل به مضمون
الحكاية ، وهو زوال خضرة النبات فجأة وذهابه حطاما بعد ما كان غضا ، والتف وزين
الأرض حتى طمع فيه أهله وظنوا أنه قد سلم من الحوائج ، لا الماء ، وإن وليه حرف التشبيه ، لأنه من التشبيه المركب « كَذلِكَ نُفَصِّلُ
الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ » فإنهم المنتفعون به .
قوله
: « وَلا
تَرْكَنُوا » قال الفيروزآبادي : ركن إليه كنصر
وعلم ومنع ركونا : مال وسكن.
قوله
عليهالسلام : « دار بلغة » البلغة بالضم : ما يتبلغ به من العيش أي دار ينبغي أن
يكتفي فيها بقدر الكفاية أو ينبغي أن يؤخذ منها ما يبلغ به إلى نعيم الآخرة
ودرجاتها ، وقال الجوهري : هذا
منزل قلعة أي ليس بمستوطن
ومجلس قلعة إذا كان صاحبه يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة ، ويقال أيضا : هم على
قلعة أي على رحلة.
قوله
عليهالسلام : « فإنما نحن به وله » الظاهر أن الضمير راجع إلى ثواب الآخرة أي نحن متلبسون به
كناية عن قربه ، وله أي خلقنا وكلفنا لأجله ، ويحتمل إرجاع
__________________
( حديث الشيخ مع الباقر عليهالسلام )
٣٠ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن عمار قال حدثني رجل من
أصحابنا ، عن الحكم بن عتيبة قال بينا أنا مع أبي جعفر عليهالسلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال
السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ثم سكت فقال أبو جعفر عليهالسلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال
السلام عليكم ثم سكت حتى أجابه القوم جميعا وردوا عليهالسلام ثم أقبل بوجهه على أبي جعفر عليهالسلام ثم قال يا ابن رسول الله أدنني منك جعلني الله فداك فو
الله إني لأحبكم وأحب من يحبكم وو الله ما أحبكم وأحب من يحبكم لطمع في دنيا و [
الله ] إني لأبغض عدوكم وأبرأ منه وو الله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه
والله إني لأحل حلالكم وأحرم حرامكم وأنتظر أمركم فهل ترجو لي جعلني الله فداك
فقال أبو جعفر عليهالسلام إلي إلي حتى أقعده إلى جنبه ثم قال أيها الشيخ إن أبي علي
بن الحسين عليهالسلام أتاه رجل فسأله عن مثل الذي سألتني عنه فقال له أبي عليهالسلام إن تمت ترد على رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ويبرد
فؤادك وتقر عينك وتستقبل بالروح
______________________________________________________
الضمير إلى الله
تعالى أي نحن موجودون به ، وباستعانته تعالى ، وينبغي أن نخلص أعمالنا له تعالى ،
والأول أظهر.
الحديث
الثلاثون حديث الشيخ مع
الباقر عليهالسلام : حديث الشيخ مع الباقر عليهالسلام ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « والبيت غاص » قال الجوهري : المنزل غاص بالقوم : أي ممتلئ بهم ، قوله « عنزة » العنزة بالتحريك : أطول من العصا وأقصر من الرمح ، قوله :
« لوتر » الوتر : الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب
أو سبي.
قوله
: « إلى إلى » أي أقبل أو أقرب إلى.
قوله
عليهالسلام : « ويثلج قلبك » أي يطمئن قلبك وتفرح فؤادك ، وتسر عينك ،
والريحان مع
الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا وأهوى بيده إلى حلقه وإن تعش ترى ما يقر الله
به عينك وتكون معنا في السنام الأعلى فقال الشيخ كيف قلت يا أبا جعفر فأعاد عليه
الكلام فقال الشيخ الله أكبر يا أبا جعفر إن أنا مت أرد على رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهالسلام وتقر عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل بالروح والريحان
مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا وإن أعش أرى ما يقر الله به عيني
فأكون معكم في السنام الأعلى ثم أقبل الشيخ ينتحب ينشج ها ها ها حتى لصق بالأرض
وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ وأقبل أبو جعفر عليهالسلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها ثم رفع الشيخ رأسه فقال لأبي
جعفر عليهالسلام يا ابن رسول الله ناولني
______________________________________________________
والعرب تعبر عن
الراحة ، والفرح والسرور بالبرد ، قال الفيروزآبادي : ثلجت نفسي كنصر وفرح : اطمأنت كأثلجت ، وقال : عيش بارد هنيء ، وقال الجزري : فيه « ول حارها
من تولى قارها » جعل الحر كناية عن الشر والشدة ، والبرد كناية عن الخير والهين ،
وقال الجوهري : قرت
عينه : تقر وتقر نقيض
سخنت ، وأقر الله عينه : أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى
تبرد ولا تسخن ، فللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة.
قوله
عليهالسلام : « وإن تعش ترى ما تقر به عينك » أي في ظهور دولتهم عليهمالسلام.
قوله
عليهالسلام : « وتكون معنا في السنام الأعلى » أي في أعلى درجات الجنان ، قال الجزري : سنام كل شيء أعلاه.
قوله
عليهالسلام : « ينتحب » قال الجوهري : النحيب رفع الصوت بالبكاء ، والانتحاب مثله ، وقال : نشج الباكي ينشج نشجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب .
قوله
عليهالسلام : « من حماليق عينيه » قال الفيروزآبادي : حملاق : العين
بالضم والكسر وكعصفور : باطن أجفانها الذي تسود بالكحل ، أو ما غطته الأجفان من
بياض المقلة ، أو باطن الجفن الأحمر الذي إذا قلب للكحل بدت حمرته ، أو ما لزم
بالعين من موضع
__________________
يدك جعلني الله
فداك فناوله يده فقبلها ووضعها على عينيه وخده ثم حسر عن بطنه وصدره ثم قام فقال :
السلام عليكم وأقبل أبو جعفر عليهالسلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثم أقبل بوجهه على القوم فقال من
أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فقال الحكم بن عتيبة لم أر مأتما
قط يشبه ذلك المجلس.
( قصة صاحب الزيت )
٣١ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال كان رجل يبيع الزيت وكان يحب رسول الله صلىاللهعليهوآله حبا شديدا كان إذا أراد أن يذهب في حاجته لم يمض حتى ينظر
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد عرف ذلك منه فإذا جاء تطاول له حتى ينظر إليه حتى إذا
كانت ذات يوم دخل عليه فتطاول له رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نظر إليه ثم مضى في حاجته فلم يكن بأسرع من أن رجع
فلما رآه رسول الله صلىاللهعليهوآله قد فعل ذلك أشار إليه بيده اجلس فجلس بين يديه فقال ما لك
فعلت اليوم شيئا
______________________________________________________
الكحل من باطن ،
جمعه حماليق.
قوله
عليهالسلام : « ثم حسر » أي كشف الشيخ الثوب عن بطنه وصدره ، فوضع يده عليهالسلام عليهما للتيمن والبركة والتخلص من العذاب.
قوله
: « لم أر مأتما » أي لكثرة بكاء الناس.
الحديث
الحادي والثلاثون : مرسل.
قوله
عليهالسلام : « قد عرف » على المعلوم أي الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو على المجهول أي صار بذلك معروفا بين الناس.
قوله
عليهالسلام : « تطاول » أي كان إذا جاء هذا الرجل تطاول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ورفع رأسه ومد عنقه من بين الناس ليراه الرجل.
لم تكن تفعله قبل
ذلك فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لغشي قلبي شيء من ذكرك حتى ما استطعت
أن أمضي في حاجتي حتى رجعت إليك فدعا له وقال له خيرا ثم مكث رسول الله صلىاللهعليهوآله أياما لا يراه فلما فقده سأل عنه فقيل يا رسول الله ما رأيناه منذ أيام
فانتعل رسول الله صلىاللهعليهوآله وانتعل معه أصحابه وانطلق حتى أتوا سوق الزيت فإذا دكان
الرجل ليس فيه أحد فسأل عنه جيرته فقالوا يا رسول الله مات ولقد كان عندنا أمينا
صدوقا إلا أنه قد كان فيه خصلة قال وما هي قالوا كان يرهق يعنون يتبع النساء فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله : رحمه الله والله لقد كان يحبني حبا لو كان نخاسا لغفر الله له.
٣٢ ـ علي بن محمد
، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن ميسر قال دخلت على أبي عبد
الله عليهالسلام فقال كيف أصحابك فقلت جعلت فداك لنحن عندهم أشر من اليهود
والنصارى والمجوس والذين أشركوا قال وكان متكئا فاستوى جالسا ثم قال كيف قلت قلت
والله لنحن عندهم أشر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا فقال أما والله لا
تدخل النار منكم اثنان لا والله ولا واحد والله إنكم الذين قال الله عز وجل : « وَقالُوا ما لَنا لا
نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا
أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ
» ثم قال طلبوكم والله في النار فما وجدوا منكم أحدا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لغشي » قال الجوهري : غشيه شيء :
جاءه والمعنى أنه ورد على قلبي شيء من ذكرك وحبك حتى تركت حاجتي ورجعت إليك.
قوله
: « كان يرهق » قال الفيروزآبادي : رهقه كفرح : غشيه ولحقه أو دنا منه ، سواء أخذه أو لم
يأخذه ، والرهق محركة : ركوب الشر والظلم ، وغشيان المحارم ، وكعظم الموصوف بالرهق
ومن يظن به السوء ، قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لو كان نخاسا
لغفر الله له » فيه ذم عظيم للنخاس ، ولعل المراد من يبيع الأحرار عمدا.
الحديث
الثاني والثلاثون : موثق على الظاهر ، وقد مر تفسيره في خبر
أبي بصير.
__________________
( وصية النبي صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليهالسلام )
٣٣ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا
عبد الله عليهالسلام يقول كان في وصية النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام أن قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ثم قال اللهم
أعنه أما الأولى فالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا والثانية الورع ولا تجترئ على
خيانة أبدا والثالثة الخوف من الله عز ذكره كأنك تراه والرابعة كثرة البكاء من
خشية الله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة والخامسة بذلك مالك ودمك دون دينك
والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي أما الصلاة فالخمسون ركعة وأما الصيام
فثلاثة أيام في الشهر ـ الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره وأما
الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الزوال
وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بتلاوة
______________________________________________________
الحديث
الثالث والثلاثون : صحيح.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « أوصيك في نفسك » أي هذه أمور تتعلق بنفسك لا بمعاشرة الناس.
قوله
عليهالسلام : « دون دينك » أي عند حفظ دينك أو غيره.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فجهدك » أي كلما تطيقه وتقدر عليه.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وعليك بصلاة
الزوال » الظاهر أن المراد
نافلة الزوال قوله صلىاللهعليهوآله : « وعليك برفع يديك » أي في التكبيرات ، والمراد بتقليبها إما ردهما بعد الرفع أو تقليبهما في أحوال الصلاة بأن
يضعهما في كل حال على ما ينبغي أن تكونا عليه ، ويحتمل أن يكون المراد رفعهما في
القنوت ، وتقليبهما بالتضرع والتبتل
القرآن على كل حال
وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما وعليك بالسواك عند كل وضوء وعليك بمحاسن
الأخلاق فاركبها ومساوي الأخلاق فاجتنبها فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك.
٣٤ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن
المغيرة قال حدثني جعفر بن إبراهيم [ بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار ]
، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله حسب المرء دينه ومروءته وعقله وشرفه وجماله وكرمه تقواه.
٣٥ ـ عنهم ، عن
سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة وثعلبة بن ميمون وغالب بن
عثمان وهارون بن مسلم ، عن بريد بن معاوية قال كنت عند أبي جعفر عليهالسلام في فسطاط له بمنى فنظر إلى زياد الأسود منقلع الرجل
______________________________________________________
والابتهال كما مر
في كتاب الدعاء ، قوله
صلىاللهعليهوآله : « وعليك بالسواك
عند كل وضوء » يدل ظاهرا على أنه من مستحبات الوضوء.
الحديث
الرابع والثلاثون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « حسب المرء دينه » قال الجوهري : الحسب : ما
يعده الإنسان من مفاخر آبائه ، ويقال : حسبه دينه ، ويقال : ماله ، انتهى. والحاصل
: إن الشرف إنما هو بالدين وكماله ، لا بمفاخر الآباء ، وشرافة الأجداد.
قوله
عليهالسلام : « ومروءته وعقله وشرفه » المروءة مهموزا بضم الميم والراء : الإنسانية مشتق من
المرء وقد يخفف بالقلب والإدغام ، أي الإنسانية والعقل إنما يظهران بالتقوى ،
والشرف والجمال : أي الحسن ، والكرم : أي الكرامة عند الله إنما تكون بالتقوى ، ويحتمل أن يكون
« الواو » في قوله ـ وعقله ـ زيد من النساخ ، وفي بعض النسخ « وعقله » مقدم على
قوله « ومروته » فيحتمل أن يكون معطوفا على دينه.
الحديث
الخامس والثلاثون : ضعيف.
قوله
: « منقطع الرجلين
» أي انقطع بعض
أجزائهما عن بعض ، ولعله كان
__________________
فرثى له فقال له
ما لرجليك هكذا قال جئت على بكر لي نضو فكنت أمشي عنه عامة الطريق فرثى له وقال له
عند ذلك زياد إني ألم بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة
وتجلى عني فقال أبو جعفر عليهالسلام وهل الدين إلا الحب قال الله تعالى : « حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ » وقال « إِنْ
كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » وقال « يُحِبُّونَ
مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ » إن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال يا رسول الله أحب المصلين ولا أصلي وأحب الصوامين ولا
أصوم فقال له رسول الله أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت وقال ما تبغون وما تريدون
أما إنها لو كان فزعة من السماء فزع كل قوم إلى مأمنهم وفزعنا إلى نبينا وفزعتم
إلينا.
٣٦ ـ سهل ، عن ابن
فضال ، عن علي بن عقبة وعبد الله بن بكير ، عن سعيد بن يسار قال سمعت أبا عبد الله
عليهالسلام يقول الحمد لله صارت فرقة مرجئة وصارت فرقة
______________________________________________________
متقطع الرجلين
بالتاء.
قوله
: « فرثا » قال الجوهري : رثى له : أي رق له ، قوله
: « على بكر لي نضو » قال الجوهري : البكر : الفتى من الإبل ، وقال : النضو بالكسر : البعير
المهزول.
قوله
: « إني ألم » قال الجوهري : الإلمام : النزول ، وقد ألم به أي نزل به ، وألم الرجل
من اللمم ، وهو صغار الذنوب.
قوله
: « وتجلى عني » أي ارتفع وانكشف عني الهم الحاصل بسبب ذلك الظن.
قوله
: « ولا أصلي » لعل المراد النوافل.
الحديث
السادس والثلاثون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « مرجئة » الإرجاء : التأخير ، وقد يطلق المرجئة على كل من أخر أمير
المؤمنين عليهالسلام عن مرتبته إلى الرابع ، وقال الجزري : هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون ، أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما لا ينفع
مع الكفر طاعة ، سموا مرجئة
__________________
حرورية وصارت فرقة
قدرية وسميتم الترابية وشيعة علي أما والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له ورسوله
صلىاللهعليهوآله وآل رسول الله عليهمالسلام وشيعة آل رسول الله صلىاللهعليهوآله وما الناس إلا هم كان علي عليهالسلام أفضل الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله وأولى الناس بالناس حتى قالها ثلاثا.
٣٧ ـ عنه ، عن ابن
فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن عبد الحميد الواسطي ، عن أبي
جعفر عليهالسلام قال قلت له أصلحك الله لقد تركنا أسواقنا انتظارا
______________________________________________________
لاعتقادهم أن الله
تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي أي أخره عنهم ، والمرجئة تهمز ولا تهمز ، وكلاهما بمعنى
التأخير.
قوله
عليهالسلام : « حرورية » قال الجزري : الحرورية :
طائفة من الخوارج ، نسبوا إلى حروراء بالمد والقصر ، وهو موضع قريب من الكوفة ،
كان أول مجتمعهم ، وتحكيمهم فيها وهم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي كرم الله وجهه.
قوله
عليهالسلام : « قدرية » قد تطلق القدرية على القائلين بقدرة العبد واستقلاله ، وأن
لا مدخل لله في أفعال العباد بوجه وهم أكثر المعتزلة ، وقد تطلق على الأشاعرة
القائلين بضد ذلك ، وأن أفعال العباد مخلوقة لله ، وتقع بتقديره تعالى بلا مدخلية
لقدرة العبد ذلك ، والأول أكثر استعمالا في أخبارنا وهما باطلان ، والواسطة التي
هي الأمر بين الأمرين هي الحق وقد مر تحقيق ذلك في
كتاب التوحيد.
قوله
عليهالسلام : « ما هو إلا الله » أي ليس الحق والعارف بالحق إلا الله ، ورسوله والأئمة
وشيعتهم.
الحديث
السابع والثلاثون : ضعيف.
قوله
: « لقد تركنا أسواقنا » كانوا عليهمالسلام أبهموا الأمر على شيعتهم لصلاحهم ، وعدم يأسهم فكانوا
يرجون أن يكون ظهور الإيمان وغلبة الحق ، والخروج بالسيف على يد غير الإمام الثاني
عشر ، وكانوا منتظرين لذلك ، ولعله كان ترك الأسواق إما لتهيئهم للحرب ، واشتغالهم
بما يورث ممارستهم في ذلك ، أو لقوة رجائهم وتقريبهم هذا الأمر فكانوا تركوا
التجارات لظنهم أنهم لا يحتاجون
__________________
لهذا الأمر حتى
ليوشك الرجل منا أن يسأل في يده فقال يا [ أبا ] عبد الحميد أترى من حبس نفسه على
الله لا يجعل الله له مخرجا بلى والله ليجعلن الله له مخرجا رحم الله عبدا أحيا
أمرنا قلت أصلحك الله إن هؤلاء المرجئة يقولون ما علينا أن نكون على الذي نحن عليه
حتى إذا جاء ما تقولون كنا نحن وأنتم سواء فقال يا عبد الحميد صدقوا من تاب تاب
الله عليه ومن أسر نفاقا فلا يرغم الله إلا بأنفه ومن أظهر أمرنا أهرق الله دمه
يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصاب شاته قال قلت فنحن يومئذ والناس فيه سواء
قال لا أنتم يومئذ سنام الأرض وحكامها لا يسعنا في ديننا إلا ذلك قلت فإن مت قبل
أن أدرك القائم عليهالسلام قال إن القائل منكم إذا قال إن أدركت قائم آل محمد نصرته
كالمقارع معه بسيفه والشهادة معه شهادتان
______________________________________________________
بعد ظهور الحق إلى
ذلك ، أو لاهتمامهم بطلب العلم ، وهداية الخلق وعدم اعتنائهم بالتجارة ، رجاء لما
ذكر.
قوله
عليهالسلام : « على الله » أي على إطاعة أمر الله أو في طاعته متوكلا عليه ، ويحتمل
أن تكون « على » بمعنى اللام ، أي حبس نفسه لله وطاعته.
قوله
: « ومن أظهر أمرنا » أي من ترك التقية في هذا الزمان ، وأظهر التشيع عند المخالفين ، يمكنهم الله
من قتله مع كونه على الإسلام بتركه أمر الله في التقية ، ويحتمل أن يكون المراد من
ادعى الإمامة بغير حق ، وخرج بغير إذن الإمام.
قوله
عليهالسلام : « سنام الأرض » المرتفع من كل شيء والمراد رفعتهم ودولتهم وعزتهم.
قوله
عليهالسلام : « لا يسعنا » أي لا يجوز لنا في ديننا إلا أن نفضلكم بسبق إيمانكم على
غيركم.
قوله
عليهالسلام : « كالمقارع معه » قال الجوهري : قرع رأسه
بالعصا : ضربه ومقارعة الأبطال : قرع بعضهم بعضا.
قوله
عليهالسلام : « والشهادة معه شهادتان » يحتمل أن يكون المراد أن للتمني
__________________
٣٨ ـ عنه ، عن
الحسن بن علي ، عن عبد الله بن الوليد الكندي قال دخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام في زمن مروان فقال من أنتم فقلنا من أهل الكوفة فقال ما من بلدة من البلدان
أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ولا سيما هذه العصابة إن الله جل ذكره هداكم لأمر
جهله الناس وأحببتمونا وأبغضنا الناس واتبعتمونا وخالفنا الناس وصدقتمونا وكذبنا
الناس فأحياكم الله محيانا وأماتكم [ الله ] مماتنا فأشهد على أبي أنه كان يقول ما
بين أحدكم وبين أن يرى ما يقر الله به عينه وأن يغتبط إلا أن تبلغ نفسه هذه وأهوى
بيده إلى حلقه وقد قال الله عز وجل في كتابه « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ
وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً » فنحن ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآله.
٣٩ ـ حميد بن زياد
، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن عديس ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي الصباح
قال سمعت كلاما يروى عن النبي صلىاللهعليهوآله وعن علي عليهالسلام وعن ابن مسعود فعرضته على أبي عبد الله عليهالسلام فقال هذا قول رسول الله صلىاللهعليهوآله أعرفه قال
______________________________________________________
ثواب شهادة واحدة
، ولمن أدركها ثواب شهادتين ، وأن يكون المراد أن للتمني ثواب الشهادة معه ،
وللشهادة معه ثواب شهادتين ، مع غيره فللمتمني ثواب شهادتين.
الحديث
الثامن والثلاثون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « ولا سيما هذه العصابة » لعل المراد بالمحب أعم من الشيعة أي محبنا في الكوفة أكثر
من غيرها ، وفضل عدد الشيعة فيها على غيرها أكثر من فضل عدد المحب.
قوله
عليهالسلام : « وأن يغتبط » الاغتباط : السرور وحسن الحال والتبهج بالحال الحسنة.
الحديث
التاسع والثلاثون : مجهول ، ورواه الصدوق في أماليه بسند حسن.
هكذا حدثنا أبي عن
علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن أبي الصباح الكناني قال : قلت للصادق
جعفر بن محمد عليهماالسلام : أخبرني عن هذا القول قول من هو؟ وذكر هذا الخبر مع
زيادات ، وقال في آخره : قال : فقال لي الصادق
__________________
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره وأكيس الكيس التقى وأحمق الحمق
الفجور وشر الروي روي الكذب وشر الأمور محدثاتها وأعمى العمى عمى القلب وشر
الندامة ندامة يوم القيامة وأعظم الخطايا عند الله لسان الكذاب وشر الكسب كسب
الربا وشر المآكل أكل مال اليتيم وأحسن الزينة زينة الرجل هدي
______________________________________________________
جعفر بن محمد : « هذا قول رسول الله » ورواه في الفقيه أيضا بسند حسن
هكذا قوله صلىاللهعليهوآله : « الشقي من شقي في بطن أمه » أي الشقي هو من علم الله أنه يكون في عاقبة أمره شقيا ،
وإن كان بحسب ظاهر أحواله في أكثر عمره عند الناس سعيدا ، قوله صلىاللهعليهوآله : « وأكيس الكيس التقي » الظاهر أنهما مصدران ، وإسناد الكيس إلى الكياسة إسناد
مجازي ، ويمكن أن يقرأ الكيس بتشديد الياء ، وكذا التقي بتشديد الياء على وزن فعل
، أي أكيس الأكياس المتقي ، والأول أظهر بقرينة الفقرة الثانية.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « أعمى العمى » ظاهره بناء اسم التفضيل من العيوب الظاهرة ، وهو خلاف
القياس ، وهو يستقيم على غير جهة التفضيل أيضا كما لا يخفى ، وإن بعد ، وأما
الأحمق فيصح بناء التفضيل منه ، لأنه من العيوب الباطنة.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وشر الروي روي
الكذب » لعله من الروية
بمعنى التفكر أو من الرواية ، والروي : الشرب التام كما ذكره الفيروزآبادي ، أي شر الارتواء الارتواء من الكذب ، وكثرة سماعه ، وفي كتابي الصدوق وشر الرواية رواية الكذب وهو أظهر ، وفي روايات العامة شر الروايا روايا
الكذب ، قال الجزري : في حديث عبد الله « شر الروايا روايا الكذب » هي جمع
روية ، وهو ما يروي الإنسان في نفسه من القول والفعل ، أي يزور ويفكر ، وأصلها
الهمزة. يقال : روأت في الأمر وقيل : هي جمع راوية للرجل الكثير الرواية ، والهاء
للمبالغة ، وقيل : جمع رواية أي الذين يروون الكذب ، أو تكثر رواياتهم فيه.
قوله
: « وشر الخطايا
» الحمل للمبالغة ،
وفي الفقيه : وشر المخطئين ، وهو أظهر ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وشر الكسب كسب
الزنا » وفي الكتابين « الربا » بالراء المهملة والباء.
__________________
حسن مع إيمان
وأملك أمره به وقوام خواتيمه ومن يتبع السمعة يسمع الله به
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وأحسن الزينة
زينة الرجل » إلى آخره قوله :
زينة الرجل بدل أو عطف بيان للزينة ، والهدى السيرة والطريقة ، وقوله : « وأملك أمره به » معطوف على أحسن الزينة أي الهدى الحسن أملك الأمور له
فيفكه عن أسر الشرور ، والشهوات ، وهو سبب لقوام خواتيم أموره وصلاحها ، ويحتمل أن
يكون الواو في قوله :
« وقوام » زيدت من النساخ ، وفي الكتابين « أحسن زينة الرجل السكينة مع الإيمان ومن يتبع السمعة يسمع إلى آخره ».
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن يتبع السمعة
يسمع الله به » في أكثر نسخ الفقيه ومن يتبع الشمعة يشمع الله به ، وفي الأمالي كما هنا ،
قال الجزري : فيه « من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه » وفي
رواية أسامع خلقه ، يقال : سمعت بالرجل تسميعا وتسمعة إذا شهرته ، ونددت به وسامع
: اسم فاعل من سمع وأسامع : جمع أسمع ، وأسمع : جمع قلة لسمع ، وسمع فلان بعمله إذ
أظهره ليسمع ، فمن رواه سامع خلقه بالرفع جعله من صفة الله تعالى أي سمع الله الذي
هو سامع خلقه به الناس ، ومن رواه أسامع أراد أن الله تعالى يسمع به أسامع خلقه
يوم القيمة ، وقيل : أراد من سمع الناس بعمله ، سمعه الله وأراه ثوابه من غير أن
يعطيه ، وقيل : من أراد بعمله الناس أسمعه الله تعالى الناس ، وكان ذلك ثوابه.
وقيل : أراد أن من
يفعل فعلا صالحا في السر ثم يظهره ليسمعه الناس ، ويحمد عليه فإن الله تعالى يسمع
به ، ويظهر إلى الناس غرضه ، وأن عمله لم يكن خالصا ، وقيل : يريد من نسب إلى نفسه
عملا صالحا لم يفعله ، وادعى خيرا لم يصنعه ، فإن الله تعالى يفضحه ويظهر كذبه ،
وقال الطيبي : ومن نصب سامع يريد سمع الله به من كان له سمع من خلقه. وقال في
النهاية فيه « من يتبع المشمعة يشمع الله به » المشمعة : المزاح
والضحك ، أراد من استهزأ بالناس أصاره الله تعالى إلى حالة يعبث به ، ويستهزأ منه
فيها. وقال الجوهري : المشمعة اللعب والمزاح ، وقد شمع يشمع
__________________
الكذبة ومن يتول
الدنيا يعجز عنها ومن يعرف البلاء يصبر عليه ومن لا يعرفه ينكل والريب كفر ومن
يستكبر يضعه الله ومن يطع الشيطان يعص الله ومن يعص الله يعذبه الله ومن يشكر
يزيده الله ومن يصبر على الرزية يعنه الله ومن يتوكل على الله فحسبه الله لا
تسخطوا الله برضا أحد من خلقه ولا تقربوا إلى أحد من الخلق تتباعدوا من الله فإن
الله عز وجل ليس بينه وبين أحد من الخلق شيء يعطيه به خيرا ولا يدفع به عنه شرا
إلا بطاعته واتباع مرضاته وإن طاعة الله نجاح من كل خير يبتغى ونجاة من كل شر يتقى
وإن الله عز ذكره يعصم من أطاعه ولا يعتصم به من عصاه ولا يجد الهارب
______________________________________________________
شمعا وشموعا
ومشمعة وفي الحديث « من تتبع المشمعة » أي من عبث بالناس أصاره الله إلى حالة يعبث
به فيها.
أقول : لا يخفى
عليك توجيه النسختين بعد ما نقلنا. قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن يتولى الدنيا
يعجز عنها » أي لا يمكن لأحد
تحصيل ما هو مطلوبه من الدنيا.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن يعرف البلاء
» أي فوائده
ومنافعه وفضله وثوابه ، وفي الكتابين « من لا يعرفه ينكره » والإنكار ضد المعرفة ،
أي لا يرضى به ويعده منكرا غير معروف ، وفي نسخ الكتاب « ينكل » والنكول الجبن
والامتناع.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « والريب كفر » أي الارتياب في أصول الدين وترك اليقين فيها كفر كالجحود
والإنكار.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يزيد الله » فعلى الأول كلمة « من » موصولة وعلى الثاني شرطية.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يعنه الله » في الأمالي يغيثه الله ، قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « تتباعدوا من الله
» أي لا تتقربوا
إلى الخلق بمعصية الله فيصير سببا للبعد عن قربه ورحمته وفي الكتابين يتباعد من
الله وهو أظهر.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ليس بينه وبين
أحد من الخلق شيء » أي عهد وسبب ووسيلة.
قوله
: « نجاح من كل خير » كلمة « من » ليست في الكتابين ، ولعلها زيدت من النساخ ولا يخفى توجيهها.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ولا يعتصم به » وفي الكتابين « ولا يعتصم منه » وهو الأصوب
من الله عز وجل
مهربا وإن أمر الله نازل ولو كره الخلائق وكل ما هو آت قريب ـ ما شاء الله كان وما
لم يشأ لم يكن ، فتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
٤٠ ـ وبهذا
الإسناد ، عن أبان ، عن يعقوب بن شعيب أنه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عز وجل : « كانَ النَّاسُ أُمَّةً
واحِدَةً » فقال كان الناس قبل نوح أمة ضلال فبدا لله فبعث المرسلين
وليس كما يقولون لم يزل وكذبوا يفرق الله في ليلة القدر ما كان من شدة أو رخاء أو
مطر بقدر ما يشاء الله عز وجل أن يقدر إلى مثلها من قابل.
( حديث البحر مع الشمس )
٤١ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن
الحكم بن المستورد ، عن علي بن الحسين عليهالسلام قال إن من
______________________________________________________
أي لا يتأنى من
عصاه أن يعصم ويحفظ نفسه عن عذاب الله بغيره ، وعلى ما في الكتاب لعل المراد أن
العاصي قد قطع سبب العصمة بينه وبين الله فلا يعصمه الله من الشرور في الدنيا
والآخرة.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وكلما هو آت » أي من الموت والعذاب وسائر ما قدره الله تعالى.
الحديث
الأربعون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « وليس كما يقولون لم يزل » أي ليس الأمر كما يقولون إن الله تعالى قدر الأمور في
الأزل ، وقد فرغ منها ، فلا يتغير تقديراته تعالى ، بل لله البداء فيما كتب في لوح
المحو والإثبات ، كما قال « يَمْحُوا
اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » وقد مضى تحقيق ذلك في كتاب التوحيد .
الحديث
الحادي والأربعون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « إن من الأقوات » أي أسبابها ، وفي الفقيه « الآيات » وهو أظهر.
__________________
الأقوات التي
قدرها الله للناس مما يحتاجون إليه البحر الذي خلقه الله عز وجل بين السماء والأرض
قال وإن الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك كله على
الفلك ثم وكل بالفلك ملكا ومعه سبعون ألف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه دارت
الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله عز وجل فيها
ليومها وليلتها فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله تبارك وتعالى أن يستعتبهم بآية
من آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر
والنجوم والكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوه عن مجاريه قال
فيزيلونه فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك قال : فيطمس ضوؤها ويتغير
لونها فإذا أراد الله عز وجل أن يعظم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحب الله
أن يخوف خلقه بالآية قال وذلك عند انكساف الشمس قال وكذلك يفعل بالقمر قال فإذا
أراد الله أن يجليها أو يردها إلى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك أن يرد الفلك
إلى مجراه فيرد الفلك فترجع الشمس إلى مجراها قال فتخرج من الماء وهي كدرة قال
والقمر مثل ذلك قال ثم قال علي بن الحسين عليهالسلام أما إنه
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « قدر فيها » أي عليها ومحاذيا لها ، أو جعلها بحيث يمكن أن تجري
الكواكب فيها عند الحاجة.
قوله
عليهالسلام : « وقدر ذلك كله » أي الحركات.
قوله
عليهالسلام : « أن يستعتبهم » لعله مأخوذ من العتب ، بمعنى الوجدة والغضب أي يظهر عليهم
غضبه ، ولكن الاستعتاب في اللغة بمعنى الرضا ، وطلب الرضا وكلاهما غير مناسبين في
المقام.
قوله
عليهالسلام : « طمست الشمس » أي كلها أو أكثرها بحسب ما يراه في تأديبهم من المصلحة.
قوله
عليهالسلام : « وهي كدرة » أي بعد ما كانت كدرة أو تبقى فيها كدورة قليلة بعد الخروج
أيضا في زمان قليل.
لا يفزع لهما ولا
يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا فإذا كان كذلك فافزعوا إلى الله عز وجل
ثم ارجعوا إليه.
٤٢ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن سليمان ، عن الفضل بن إسماعيل الهاشمي ، عن أبيه
قال شكوت إلى أبي عبد الله عليهالسلام ما ألقى من أهل بيتي من
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « إلا من كان من شيعتنا » لإيمانهم بهذا وإلا فأكثر الخلق يسندونهما إلى حركات
الأفلاك فلا يرهبون لهما.
أقول : التسليم في
أمثال هذا الخبر من صعاب الأخبار علامة المؤمنين التابعين للأئمة الأبرار إذ نفيها
إنما يكون للاعتماد على أفواههم القاصرة وعقولهم الناقصة أو لتقليد جمع من ملحدة
الفلاسفة في عدم تجويز الخرق والالتئام على الفلك ، وعدم الاختلاف في حركات
الأفلاك ، وعدم تجويز الحركة المستقيمة عليها وأمثالها ، ولم يثبتوها إلا بشبهات
واهية ، وخرافات فاسدة ، والتشبث بتلك الأصول يستلزم إنكار كثير من الآيات
والأخبار ، وردها فإن الآيات الكثيرة ناطقة بقطع حركات الأفلاك وطيها وخرقها ، وانكساف
الشمس والقمر في جميع يوم القيامة ووقوفها عن الحركة ، وأما استبعاد الوهم مما حصل
لهم بالتجربة من كون الانكساف عند حيلولة القمر والانخساف عند حيلولة الأرض فلا
ينافي أن يكون وقوعها في ذلك البحر عند هاتين الحالتين ، على أنه يمكن أن يجمع
بينهما بوجه آخر ذكره الصدوق « ره » في الفقيه ، حيث قال : إن
الذي يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شيء ،
وإنما يجب الفزع فيه إلى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة. انتهى. ويؤيد
كلامه ما روي من الكسوف والخسوف في يوم عاشوراء وليلتها ، وورد أيضا في
الأخبار أن من علامات قيام القائم عليهالسلام كسوف وخسوف في غير زمانهما ، وعند ذلك يختل ، وينقطع حساب
المنجمين والله يعلم.
الحديث
الثاني والأربعون : ضعيف.
__________________
استخفافهم بالدين
فقال يا إسماعيل لا تنكر ذلك من أهل بيتك فإن الله تبارك وتعالى جعل لكل أهل بيت
حجة يحتج بها على أهل بيته في القيامة فيقال لهم ألم تروا فلانا فيكم ألم تروا
هديه فيكم ألم تروا صلاته فيكم ألم تروا دينه فهلا اقتديتم به فيكون حجة عليهم في
القيامة.
٤٣ ـ عنه ، عن
أبيه ، عن محمد بن عثيم النخاس ، عن معاوية بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إن الرجل منكم ليكون في المحلة فيحتج الله عز وجل يوم القيامة على
جيرانه [ به ] فيقال لهم ألم يكن فلان بينكم ألم تسمعوا كلامه ألم تسمعوا بكاءه في
الليل فيكون حجة الله عليهم.
٤٤ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي مريم ،
عن أبي جعفر عليهالسلام قال سألته عن قول الله عز وجل : « وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ
طَيْراً أَبابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ »
قال كان طير ساف جاءهم من قبل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لا تنكر ذلك » أي لا تتعرض لهم بما يوجب استخفافهم بك وإهانتهم إياك ،
فإن كونك فيهم ومشاهدتهم أطوارك حجة عليهم ، أو المراد لا تسأم ولا تضجر من دعوتهم
، فإنك في القيامة حجة عليهم ، فيكون ذلك تسلية له وتحريصا على هدايته لهم ، أو
المراد محض التسلية ورفع الاستبعاد من وقوعه بينهم ، وابتلائه بهم ، وبيان أن
الحكمة في ذلك كونه حجة عليهم ، والأول أظهر.
الحديث
الثالث والأربعون : مجهول « وعيثم » في بعض النسخ بتقديم الثاء المثلثة على الياء كما في كتب
الرجال ، وفي بعضها بتأخيرها ، وعلى التقديرين هو مجهول الحال.
الحديث
الرابع والأربعون : صحيح.
قوله
تعالى : « طَيْراً
أَبابِيلَ » قال البيضاوي : أبابيل : أي
جماعات جمع إبالة ، وهي الحزمة الكبيرة شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها وقيل
: لا واحد لها كعباديد ، وشماطيط « تَرْمِيهِمْ
بِحِجارَةٍ » وقرأ بالياء على تذكير الطير ، لأنه اسم جمع أو إسناده إلى
ضمير ربك « مِنْ
سِجِّيلٍ » من طين متحجر معرب ( سنگ كل )
__________________
البحر رءوسها
كأمثال رءوس السباع وأظفارها كأظفار السباع من الطير مع كل طائر ثلاثة أحجار في
رجليه حجران وفي منقاره حجر فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم فقتلهم بها وما كان
قبل ذلك رئي شيء من الجدري ولا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده قال ومن
أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضرموت وهو واد دون اليمن أرسل الله عليهم
سيلا فغرقهم أجمعين قال وما رئي في ذلك الوادي ماء قط قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة
قال فلذلك سمي حضرموت حين ماتوا فيه
______________________________________________________
وقيل : من السجل ،
وهو الدلو الكبير أو الإسجال ، وهو الإرسال ، أو من السجل ، ومعناه من جملة العذاب
المكتوب المدون.
قوله
عليهالسلام : « كان طير ساف » بتشديد الفاء من المضاعف أو بتخفيفها من المعتل قال الجزري
: أسف الطائر إذا دنا من الأرض ، وقال الجوهري : سفا يسفو سفوا أسرع في المشي ، وفي الطيران. قوله : « كأمثال رؤوس السباع » أي من الطير بقرينة ذكر المنقار.
قوله
عليهالسلام : « حتى جدرت أجسادهم » قال الفيروزآبادي : الجدر : خروج
الجدري بضم الجيم وفتحها القروح في البدن تنفط وتقيح ، وقد جدر وحدر كعني ويشدد
وهو مجدور ومجدر.
أقول : ظاهر الخبر
أنها ضربت على كل رجل أحجارا كثيرة حتى جدرت أجسادهم وظاهر غيره من الأخبار
والتواريخ إنما ضربت على كل رجل حصاة واحدة ماتوا بها ، ويمكن أن يكون تجدر
أجسادهم من حصاة واحدة تصيبهم من حر تحدثه في أجسادهم.
قوله
عليهالسلام : « فلذلك » سمي حضرموت أي لأنه حضر موتهم في ذلك الوادي.
قال الفيروزآبادي : حضر موت وتضم الميم ، بلد وقبيلة : ويقال : هذا حضر موت ويضاف فيقال حضر
موت بضم الراء ، وإن شئت لا تنون الثاني.
__________________
٤٥ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن بكير وثعلبة بن ميمون
وعلي بن عقبة ، عن زرارة ، عن عبد الملك قال وقع بين أبي جعفر وبين ولد الحسن عليهالسلام كلام فبلغني ذلك فدخلت على أبي جعفر عليهالسلام فذهبت أتكلم فقال لي مه لا تدخل فيما بيننا فإنما مثلنا
ومثل بني عمنا كمثل رجل كان في بني إسرائيل كانت له ابنتان فزوج إحداهما من رجل
زراع وزوج الأخرى من رجل فخار ثم زارهما فبدأ بامرأة الزراع فقال لها كيف حالكم
فقالت قد زرع زوجي زرعا كثيرا فإن أرسل الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالا ثم
مضى إلى امرأة الفخار فقال لها كيف حالكم فقالت قد عمل زوجي فخارا كثيرا فإن أمسك
الله السماء فنحن أحسن بني إسرائيل حالا فانصرف وهو يقول اللهم أنت لهما وكذلك نحن.
٤٦ ـ محمد ، عن
أحمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن ذريح قال سمعت
______________________________________________________
الحديث
الخامس والأربعون : حسن أو موثق.
قوله
: « فإن أرسل الله السماء » قال الجوهري : السماء : المطر قال الشاعر :
إذا سقط السماء
بأرض قوم
|
|
رعيناه وإن
كانوا غضابا
|
قوله
عليهالسلام : « وقد عمل زوجي فخارا » الفخار في الأول بمعنى عامل الخزف وهنا بمعنى الخزف. قال
الفيروزآبادي : الفخارة كجبانة : الجرة : والجمع الفخار أو هو الخزف.
قوله
: « أنت لهما » أي المقدر لهما تختار لكل منهما ما يصلحهما ، ولا أشفع لأحدهما لأنك أعلم
بصلاحهما ، ولا أرجح أحدهما على الآخر.
قوله
عليهالسلام : « وكذلك نحن » أي ليس لكم أن تحاكموا بيننا لأن الخصمين كليهما من أولاد
الرسول ، ويلزمكما احترامهما لذلك ، فليس لكم أن تدخلوا بينهم فيما فيه يختصمون
كما أن ذلك الرجل لم يرجح جانب أحد صهريه ووكل أمرهما إلى الله تعالى.
الحديث
السادس والأربعون : صحيح.
__________________
أبا عبد الله عليهالسلام يعوذ بعض ولده ويقول عزمت عليك يا ريح ويا وجع كائنا ما كنت بالعزيمة التي
عزم بها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهالسلام رسول رسول الله صلىاللهعليهوآله
______________________________________________________
قوله
: « عزمت عليك » قال الجوهري : ويقال : أيضا عزمت عليك بمعنى أقسمت عليك.
قوله
عليهالسلام : « كائن ما كنت » لعله خبر مبتدإ محذوف ، والجملة حال والظاهر كائنا كما في
بعض النسخ.
قوله
عليهالسلام : « على جن وادي الصبرة » لعل هذا إشارة إلى ما رواه الشيخ المفيد في إرشاده بإسناده عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى بني المصطلق جنب عن الطريق فأدركه الليل ونزل بقرب واد
وعر فلما كان في آخر الليل هبط جبرئيل عليه يخبره أن طائفة من كفار الجن قد
استبطنوا الوادي ، يريدون كيده عليهالسلام وإيقاع الشر بأصحابه عند سلوكهم إياه ، فدعا أمير المؤمنين
عليهالسلام فقال له : اذهب إلى هذا الوادي فسيعرض لك من أعداء الله
الجن من يريدك ، فادفعه بالقوة التي أعطاك الله وتحصن منهم بأسماء الله عز وجل
التي خصك بعلمها ، وأنفذ معه مائة رجل من أخلاط الناس ، وقال لهم : كونوا معه
وامتثلوا أمره ، فتوجه أمير المؤمنين عليهالسلام إلى الوادي فلما قرب من شفيره أمر المائة الذين صحبوه أن
يقفوا بقرب الشفير ، ولا يحدثوا شيئا حتى يؤذن لهم ثم تقدم ، فوقف على شفير الوادي
وتعوذ بالله من أعدائه ، وسمى الله عز اسمه ، وأومأ إلى القوم الذين تبعوه أن
يتقربوا منه فقربوا وكان بينه وبينهم فرجة مسافتها غلوة ، ثم رام الهبوط إلى
الوادي فاعترضت ريح عاصف كاد أن تقع القوم على وجوههم
لشدتها ، ولم تثبت أقدامهم على الأرض من هول الخصم ، ومن هول ما لحقهم فصاح أمير
المؤمنين عليهالسلام أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، وصي رسول الله وابن
عمه اثبتوا إن شئتم فظهر للقوم أشخاص على صور الزط يخيل في أيديهم شعل النيران ،
قد اطمأنوا وأطافوا بجنبات الوادي ، فتوغل
__________________
على جن وادي
الصبرة فأجابوا وأطاعوا لما أجبت وأطعت وخرجت عن ابني فلان ابن ابنتي فلانة الساعة
الساعة.
٤٧ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من يتفقد يفقد ومن لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز ومن قرض
الناس قرضوه ومن تركهم لم يتركوه قيل :
______________________________________________________
أمير المؤمنين عليهالسلام بطن الوادي ، وهو يتلو القرآن ويومئ بسيفه يمينا وشمالا فما لبثت الأشخاص حتى
صارت كالدخان الأسود ، وكبر أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثم صعد من حيث هبط ، فقام مع القوم الذين اتبعوه حتى
أسفر الموضع عما اعتراه ، فقال له أصحاب رسول الله : ما لقيت يا أبا الحسن فلقد
كدنا أن نهلك خوفا وأشفقنا عليك مما لحقنا فقال عليهالسلام لهم : إنه لما
تراءى إلى العدو جهرت فيهم بأسماء الله فتضاءلوا وعلمت ما حل بهم من الجزع. فتوغلت
الوادي غير خائف منهم ولو بقوا على هيئاتهم لأتيت على آخرهم ، وقد كفى الله كيدهم
وكفى المؤمنين شرهم ، وسيسبقني بقيتهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤمنون به ، وانصرف أمير المؤمنين عليهالسلام بمن معه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأخبره الخبر فسري عنه ، ودعا له بخير ، وقال له : قد سبقك
يا علي من أخافه الله بك وأسلم وقبلت إسلامه ، ثم ارتحل بجماعة المسلمين ، حتى
قطعوا الوادي آمنين غير خائفين ، وهذا الحديث قد روته العامة كما روته الخاصة ،
ولم يتناكروا شيئا انتهى.
الحديث
السابع والأربعون : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من يتفقد يفقد » قال الجزري : حديث أبي
الدرداء « من يتفقد يفقد » أي من يتفقد أحوال الناس ويتعرفها فإنه لا يجد ما يرضيه
لأن الخير في الناس قليل انتهى. ويحتمل أن يكون المراد تفقد موضع الصديق قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومن قرض الناس قرضوه » قال الفيروزآبادي : قرضه يقرضه : قطعه ، وجازاه كقارضة وقال الجزري : ومنه حديث أبي الدرداء « إن قارضت الناس قارضوك » أي إن
__________________
فأصنع ما ذا يا
رسول الله قال أقرضهم من عرضك ليوم فقرك.
٤٨ ـ عنه ، عن
أحمد ، عن البرقي ، عن محمد بن يحيى ، عن حماد بن عثمان قال بينا موسى بن عيسى في
داره التي في المسعى يشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى عليهالسلام مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن هياج رجلا من همدان منقطعا إليه أن يتعلق
بلجامه ويدعي البغلة فأتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة فثنى أبو الحسن عليهالسلام رجله فنزل عنها وقال لغلمانه خذوا سرجها وادفعوها إليه فقال والسرج أيضا لي
فقال أبو الحسن عليهالسلام كذبت عندنا البينة بأنه سرج محمد بن علي وأما البغلة فإنا
اشتريناها منذ قريب وأنت أعلم وما قلت.
٤٩ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن محمد بن مرازم ، عن أبيه قال خرجنا مع أبي عبد الله عليهالسلام حيث خرج من عند أبي جعفر المنصور من الحيرة فخرج ساعة أذن له و
______________________________________________________
ساببتهم ونلت منهم
سبوك ونالوا منك ، ومنه حديثه الآخر « أقرض من عرضك ليوم فقرك » أي إذا نال أحد من عرضك فلا تجازه ولكن اجعله قرضا في ذمته
لتأخذه منه يوم حاجتك إليه أي يوم القيامة .
الحديث
الثامن والأربعون : صحيح.
قوله
: « منقطعا إليه » أي إلى هذا الموالي الشقي.
قوله
: « ويدعى البغلة » أي كذبا وافتراء لإيذائه عليهالسلام قوله
: « فثنى » الثني : العطف
والميل.
قوله
عليهالسلام : « وأما البغلة » إلخ لعله عليهالسلام معلم البغلة مع علمه عليهالسلام بكذب المدعي إما صونا لعرضه عن الترافع إلى الوالي أو دفعا
لليمين ، أو تعليما ليتأسى به الناس فيما لم يعلموا كذب المدعي احتياطا واستحبابا.
الحديث
التاسع والأربعون : صحيح.
قوله
: « من الحيرة » هي بلدة كانت بقرب الكوفة ، قوله : « وانتهى إلى السالحين » رجل سالح : معه سلاح.
__________________
انتهى إلى
السالحين في أول الليل فعرض له عاشر كان يكون في السالحين في أول الليل فقال له لا
أدعك أن تجوز فألح عليه وطلب إليه فأبى إباء وأنا ومصادف معه فقال له مصادف جعلت
فداك إنما هذا كلب قد آذاك وأخاف أن يردك وما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر وأنا
ومرازم أتأذن لنا أن نضرب عنقه ثم نطرحه في النهر فقال كف يا مصادف فلم يزل يطلب
إليه حتى ذهب من الليل أكثره فأذن له فمضى فقال يا مرازم هذا خير أم الذي قلتماه
قلت هذا جعلت فداك فقال إن الرجل يخرج من الذل الصغير فيدخله ذلك في الذل الكبير.
٥٠ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن حفص بن أبي عائشة قال بعث أبو عبد الله عليهالسلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد الله عليهالسلام على أثره لما أبطأ عليه فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه
حتى انتبه فلما انتبه قال له أبو عبد الله عليهالسلام يا فلان والله ما ذاك لك تنام الليل والنهار لك الليل ولنا
منك النهار.
٥١ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن حسان ، عن أبي علي
______________________________________________________
قوله
: « في السالحين أول الليل » أي الذين يدورون في أول الليل من أهل السلاح ، كذا قيل. والأصوب أن السالحين
في الموضعين اسم موضع ، قال في المغرب : السالحون :
موضع على أربعة فراسخ من بغداد إلى المغرب ، وأما السلحون فهي مدينة باليمن. وقول الجوهري ـ سيلحون قرية ، والعامة تقول سالحون ـ فيه
نظر.
قوله
: « وما أدري ما يكون من أمر أبي جعفر » أي إن ردوك إلى الخليفة الفاسق في هذا الوقت لا ندري ما
يصنع بك ، وأنا ومرازم معك ونقوى على دفعه.
الحديث
الخمسون : مجهول.
ويدل على أن الليل
حق للمماليك ، ينبغي أن لا يتعرض لهم فيه. والنهار حق الموالي لا يجوز لهم ترك
خدمتهم فيه.
الحديث
الحادي والخمسون : مجهول.
__________________
قال سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام يقول لا تذكروا سرنا بخلاف علانيتنا ولا علانيتنا بخلاف
سرنا حسبكم أن تقولوا ما نقول وتصمتوا عما نصمت إنكم قد رأيتم أن الله عز وجل لم
يجعل لأحد من الناس في خلافنا خيرا إن الله عز وجل يقول « فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ » .
( حديث الطبيب )
٥٢ ـ محمد ، عن
أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال موسى عليهالسلام يا رب من أين الداء قال مني قال فالشفاء قال مني قال فما
يصنع عبادك بالمعالج قال يطيب بأنفسهم فيومئذ سمي المعالج الطبيب.
______________________________________________________
قوله
: « لا تذكروا سرنا » أي لا تذكروا من أحوالنا عند الناس ما نخفيه عنهم ، إما تقية وإما لعدم
احتمالهم ذلك لضعف عقولهم ، أو لا تغلوا فينا ولا تثبتوا لنا ما يأبى عنه ظواهر
أحوالنا كالربوبية.
حديث
الطبيب
الحديث
الثاني والخمسون : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « يطيب بأنفسهم » في بعض النسخ بالباء الموحدة وفي بعضها بالياء المثناة من
تحت ، قال الفيروزآبادي : طب : تأنى للأمور وتلطف أي إنما سموا بالطبيب لرفع الهم عن نفوس المرضى بالرفق ولطف التدبير ، وليس
شفاء الإبداء منهم ، وأما على الثاني فليس المراد أن مبدأ اشتقاق الطبيب الطيب
والتطييب. فإن أحدهما من المضاعف ، والآخر من المعتل بل المراد أن تسميتهم بالطبيب
ليست بسبب تداوي الأبدان عن الأمراض ، بل لتداوي النفوس عن الهموم والأحزان فتطيب
بذلك ، قال الفيروزآبادي : الطب مثلثة الطاء : علاج الجسم والنفس انتهى على أنه
يمكن أن يكون هذا مبينا على الاشتقاق الكبير.
__________________
٥٣ ـ عنه ، عن
أحمد ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن أبي أيوب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ما من داء إلا وهو سارع إلى الجسد ـ ينتظر متى يؤمر به فيأخذه وفي رواية
أخرى إلا الحمى فإنها ترد ورودا.
٥٤ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن داود بن
زربي قال مرضت بالمدينة مرضا شديدا فبلغ ذلك أبا عبد الله عليهالسلام فكتب إلي قد بلغني علتك فاشتر صاعا من بر ثم استلق على قفاك وانثره على صدرك
كيفما انتثر وقل اللهم إني أسألك باسمك الذي إذا سألك به المضطر كشفت ما به من ضر
ومكنت له في الأرض وجعلته خليفتك على خلقك أن تصلي على محمد وعلى أهل بيته
______________________________________________________
الحديث
الثالث والخمسون : موثق.
قوله
عليهالسلام : « إلا وهو شارع إلى الجسد » أي له طريق إليه من قولهم شرعت الباب إلى الطريق أي أنفذته
إليه ، ولعل المراد أن غالب الأدواء لها مادة في الجسد تشتد ذلك حتى ترد عليه بإذن
الله بخلاف الحمى ، فإنها قد ترد بغير مادة بل بالأسباب الخارجة كورود هواء بارد
أو حار عليه مثلا.
الحديث
الرابع والخمسون : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « فاشتر » لعل الأمر به لعلمه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه ليس مالكا له ، والأولى أن يشتري هذا المقدار عند
إرادة ذلك ، وإن كان حاضرا عنده ، قوله : « وانثره على صدرك » يدل على أنه يلزم أن يتولى ذلك بنفسه.
قوله
عليهالسلام : « إذا سألك به المضطر » إشارة إلى قوله تعالى : « أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ
وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ » بأن ورثهم سكناها والتصرف فيها ممن قبلهم ، وإما جعلهم خلفاء على الخلق كما
ورد في الدعاء ، فلعله من حيث أن لكل إنسان خلافة على أهله ، وما ملكه الله ، وعلى
أعضائه وجوارحه وقواه ، وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن
بن علي بن فضال عن صالح بن
__________________
وأن تعافيني من
علتي ثم استو جالسا واجمع البر من حولك وقل مثل ذلك واقسمه مدا مدا لكل مسكين وقل
مثل ذلك قال داود ففعلت مثل ذلك فكأنما نشطت من عقال وقد فعله غير واحد فانتفع به.
( حديث الحوت على أي شيء هو )
٥٥ ـ محمد ، عن
أحمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سألته عن الأرض على أي شيء هي قال هي على حوت قلت فالحوت على أي شيء هو
قال على الماء قلت فالماء على أي شيء هو قال على صخرة قلت فعلى أي شيء الصخرة قال
على قرن ثور أملس قلت فعلى أي شيء الثور قال على الثرى قلت فعلى أي شيء الثرى فقال
هيهات عند ذلك ضل علم العلماء.
______________________________________________________
عقبة عن أبي عبد
الله عليهالسلام أنه قال : « نزلت في القائم عليهالسلام هو والله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين ودعا الله
فأجابه ويكشف السوء ، ويجعله خليفة في الأرض » وهذا التفسير أنسب بالدعاء كما لا
يخفى ، قوله : «
فكأنما نشطت من عقال » قال الجزري :
في حديث السحر «
فكأنما أنشط من عقال » أي حل وقد تكرر في الحديث وكثيرا ما يجيء في الرواية «
كأنما نشط من عقال » أي حل وقد تكرر في الحديث وكثيرا ما يجيء في الرواية « كأنما
نشط من عقال » وليس بصحيح ، يقال : نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها ،
أقول : لما كان هذا في كلام الراوي لا نحتاج إلى تصحيحه وتوجيهه.
الحديث
الخامس والخمسون : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « على ثور أملس » أي صحيح الظهر.
قوله
عليهالسلام : « على الثرى » هي التراب الندى.
قوله
عليهالسلام : « عند ذلك ضل علم العلماء » لعل المراد إنا لم نؤمر ببيانه للخلق.
__________________
٥٦ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلام قال إن الله عز وجل خلق الأرض ثم أرسل عليها الماء المالح أربعين صباحا
والماء العذب أربعين صباحا حتى إذا التقت واختلطت أخذ بيده قبضة فعركها عركا شديدا
جميعا ثم فرقها فرقتين فخرج من كل واحدة منهما عنق مثل عنق الذر فأخذ عنق إلى
الجنة وعنق إلى النار.
( حديث الأحلام والحجة على أهل ذلك الزمان )
٥٧ ـ بعض أصحابنا
، عن علي بن العباس ، عن الحسن بن عبد الرحمن ، عن
______________________________________________________
الحديث
السادس والخمسون : حسن.
قوله
عليهالسلام : « أخذ بيده » أي بيد من أمره من الملائكة أو بقدرته.
قوله
عليهالسلام : « جميعا » أي الطينتين معا من غير أن يفرقهما قبل العرك ، والعرك : الدلك.
قوله
عليهالسلام : « ثم فرقها فرقتين » قال الفاضل الأسترآبادي : يعني أمر الله تعالى الحصة التي كانت مبلولة بالماء العذب أن تفارق الحصة
التي كانت مبلولة بالماء المالح ، وأن يصير كل واحدة منهما قطعا صغارا في هيئة
الذر ، ليكون كل قطعة بدنا لروح مخصوصة من الأرواح التي قالوا يوم الميثاق بلى في
جواب قوله تعالى : « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ » ويكون القطع الحاصلة من الحصة المبلولة بالماء العذب أبدانا
لأرواح ثبتت طاعتهم في ذلك اليوم ، والقطع الحاصلة من الحصة المبلولة بالماء
المالح أبدانا لأرواح ثبتت معصيتهم في ذلك اليوم ، ويفهم من أحاديثهم عليهمالسلام أن جعله تعالى الأبدان في هيئة الذر وقع مرتين مرة قبل خلق آدم عليهالسلام ، ومرة بعد خلقه انتهى.
أقول : أشبعنا
الكلام في أمثال تلك الأخبار في كتاب الكفر والإيمان .
الحديث
السابع والخمسون : مجهول.
__________________
أبي الحسن عليهالسلام قال إن الأحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق وإنما حدثت فقلت وما العلة في
ذلك فقال إن الله عز ذكره بعث رسولا إلى أهل زمانه فدعاهم إلى عبادة الله وطاعته
فقالوا إن فعلنا ذلك فما لنا فو الله ما أنت بأكثرنا مالا ولا بأعزنا عشيرة فقال
إن أطعتموني أدخلكم الله الجنة وإن عصيتموني أدخلكم الله النار فقالوا وما الجنة
والنار فوصف لهم ذلك فقالوا متى نصير إلى ذلك فقال إذا متم فقالوا لقد رأينا
أمواتنا صاروا عظاما ورفاتا فازدادوا له تكذيبا وبه استخفافا فأحدث الله عز وجل
فيهم الأحلام فأتوه فأخبروه بما رأوا وما أنكروا من ذلك فقال إن الله عز وجل أراد
أن يحتج عليكم بهذا هكذا تكون أرواحكم إذا متم وإن بليت أبدانكم تصير الأرواح إلى
عقاب حتى تبعث الأبدان.
٥٨ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سمعته يقول رأي المؤمن ورؤياه في آخر الزمان على سبعين جزءا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ورفاقا » قال الجزري : الرفات : كلما
دق وكسر.
قوله
عليهالسلام : « وما أنكروا من ذلك » أي استغرابهم ذلك أو ما أصابوا من المنكر والعذاب في النوم
أو ما أنكروا أولا من عذاب البرزخ ، والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « هكذا تكون أرواحكم » أي كما أن في النوم تتألم أرواحكم بما لم يظهر أثره على
أجسادكم ولا يطلع من ينظر إليكم عليه ، فكذلك نعيم البرزخ وعذابه ، وقد تقدم
الكلام فيه في كتاب الجنائز الحديث
الثامن والخمسون : حسن.
قوله
عليهالسلام : « رأى المؤمن ورؤياه » لما غيب الله في آخر الزمان عن الناس حجتهم تفضل عليهم
وأعطاهم رأيا قويا في استنباط الأحكام الشرعية مما وصل إليهم من أئمتهم عليهمالسلام ، ولما حجب عنهم الوحي وخزانة أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد مما كان لغيرهم ،
ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل حدوثها ، وقيل إنما يكون هذا في زمان القائم عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « على سبعين جزء » لعل المراد أن للنبوة أجزاء كثيرة سبعون
__________________
من أجزاء النبوة.
٥٩ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد ، عن الرضا عليهالسلام قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا أصبح قال لأصحابه هل من مبشرات يعني به الرؤيا.
٦٠ ـ عنهم ، عن
أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال رجل لرسول الله صلىاللهعليهوآله في قول الله عز وجل : « لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ
______________________________________________________
منها ، من قبل
الرأي ، أي الاستنباط اليقيني لا الاجتهاد والتظني ، والرؤيا الصادقة فهذا المعنى
الحاصل لأهل آخر الزمان على نحو تلك السبعين ومشابه لها ، وإن كان في النبي أقوى ،
ويحتمل أن يكون المراد على نحو بعض أجزاء السبعين كما ورد أن الرؤيا الصادقة جزء
من سبعين جزء من النبوة ، وروى العامة بأسانيدهم عن أنس
عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة
وأربعين جزء من النبوة ، قال : محيي السنة أراد تحقيق أمر الرؤيا وتأكده ، وإنما
كانت جزء من النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم ، وقيل : إنما جزء من أجزاء علم
النبوة وعلم النبوة باق ، والنبوة غير باقية ، أو أراد به أنها كالنبوة في الحكم
بالصحة ، وهو معنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ذهبت النبوة وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة يراها المؤمن
أو يرى له .
وقيل : معناه إن
مدة الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان ثلاثا وعشرين سنة وكان ستة أشهر منها في أول الأمر
يوحى إليه في النوم ، فكان مدة وحيه في النوم جزء من ستة وأربعين جزء من جملة أيام
الوحي ، ورووا أيضا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « أنه قال : في آخر الزمان لم يكد رؤيا المؤمن يكذب » .
الحديث
التاسع والخمسون : صحيح.
وروى العامة
بإسنادهم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول : لم يبق من النبوة إلا المبشرات
، قالوا : وما المبشرات؟ قال : الرؤيا الصالحة .
الحديث
الستون : ضعيف.
__________________
الدُّنْيا
» قال هي الرؤيا الحسنة يرى المؤمن فيبشر بها في دنياه.
٦١ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعد بن أبي خلف ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال الرؤيا على ثلاثة وجوه بشارة من الله للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث
أحلام.
٦٢ ـ عدة من
أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن درست بن أبي
منصور ، عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام جعلت فداك
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « هي الرؤيا الحسنة » وظاهر رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد الله « أنها هي
البشارة عند الموت » ولا تنافي بينهما ، فإن كلا منهما بشارة في الدنيا وقيل
: البشرى في الحياة الدنيا هي ما بشرهم الله تعالى به في القرآن على الأعمال
الصالحة.
وروى محيي السنة بإسناده عن عبادة بن الصامت « قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن قوله تعالى « لَهُمُ
الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » قال : هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له ».
الحديث
الحادي والستون : حسن.
قوله
عليهالسلام : « وتحذير من الشيطان » أي يحذر ويخوف من الأعمال الصالحة ويحتمل أن يكون المراد
الرؤيا الهائلة المخوفة ، ويحتمل أن يكون « تحزين من الشيطان » بالنون ، فصحف
لقوله تعالى « إِنَّمَا النَّجْوى
مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا
» وروى محيي السنة وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال الرؤيا ثلاثة رؤيا
بشرى من الله ، ورؤيا : مما يحدث به الرجل نفسه ، ورؤيا : من تحزين الشيطان .
قوله
عليهالسلام : « وأضغاث أحلام » الحلم : ما يراه النائم في نومه ، والضغث فما جمع من أخلاط
النبات ، وأضغاث الأحلام : الرؤيا المختلطة التي تركبها المتخيلة ، ولا أصل لها ،
وليس من الله ولا من الشيطان.
الحديث
الثاني والستون : ضعيف.
__________________
الرؤيا الصادقة
والكاذبة مخرجهما من موضع واحد قال صدقت أما الكاذبة المختلفة فإن الرجل يراها في
أول ليلة في سلطان المردة الفسقة وإنما هي شيء يخيل إلى الرجل وهي كاذبة مخالفة لا
خير فيها وأما الصادقة إذا رآها بعد الثلثين من الليل مع حلول
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « مخرجهما من موضع واحد » لعل المراد ارتسامهما في محل واحد ، وأن علتهما معا
الارتسام ، لكن علة الارتسام فيهما مختلفة ، وقيل : يعني إن كليهما صور علمية
يخلقهما الله تعالى في قلب عباده بأسباب روحانية ، أو شيطانية أو طبيعية.
قوله
عليهالسلام : « في سلطان المردة والفسقة » أي في أول الليل يستولي على الإنسان شهوات ما رآه في
النهار ، وكثرت في ذهنه الصور الخيالية ، واختلطت بعضها ببعض وبسبب كثرة مزاولة
الأمور الدنيوية بعد عن ربه ، وغلبت عليه القوي النفسانية والطبيعية ، فبسبب هذه
الأمور تبعد عنه ملائكة الرحمن ، وتستولي عليه جنود الشيطان فإذا كان وقت السحر
سكنت قواه ونزلت عنه ما اعتراه من الخيالات الشهوانية ، فأقبل عليه مولاه بالفضل
والإحسان ، وأرسل عليه ملائكته ليدفعوا عنه أحزاب الشيطان. فلذا أمر الله تعالى في
ذلك الوقت بعبادته ومناجاته وقال : « إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً
وَأَقْوَمُ قِيلاً » فما يراه في الحالة الأولى فهو من التسويلات والتخييلات الشيطانية ، ومن
الوساوس النفسانية ، وما يراه في الحالة الثانية فهو من الإفاضات الرحمانية بتوسط
الملائكة الروحانية.
ثم ذكر عليهالسلام علة تخلف بعض الرؤيا مع كونها في السحر ، فقال : إنه إما بسبب جنابة أو حدث أو
غفلة عن ذكر الله تعالى فإنها توجب البعد عن الله واستيلاء الشيطان.
ولما كان أمر
الرؤيا وصدقها وكذبها مما اختلفت فيه أقاويل الناس فلا بأس
__________________
الملائكة وذلك قبل
السحر فهي صادقة لا تخلف إن شاء الله إلا أن يكون جنبا أو ينام
______________________________________________________
أن نذكر هيهنا بعض
أقوال المتكلمين والحكماء ، ثم نبين ما ظهر لنا فيه من أخبار أئمة الأنام. فأما
الحكماء : فقد بنوا ذلك على ما أسسوه من انطباع صور الجزئيات في النفوس المنطبعة
الفلكية ، وصور الكليات في العقول المجردة ، وقالوا : إن النفس في حالة النوم قد
تتصل بتلك المبادئ العالية ، فتحصل لها بعض العلوم الحقة الواقعة ، فهذه هي الرؤيا
الصادقة ، وقد يركب المتخيلة بعض الصور المخزونة في الخيال ببعض ، فهذه هي الرؤيا
الكاذبة.
وقال بعضهم : إن
للنفوس الإنسانية اطلاعا على الغيب في حال المنام ، وليس لأحد من الناس إلا وقد
جرب ذلك من نفسه تجارب أوجبته التصديق ، وليس ذلك بسبب الفكر ، وإن الفكر في حال
اليقظة التي هو فيها أمكن ، يقصر عن تحصيل مثل ذلك ، فكيف كان في حال النوم ، بل
بسبب أن النفوس الإنسانية لها مناسبة الجنسية إلى المبادئ العالية المنتقشة بجميع
ما كان وما سيكون وما هو كائن في الحال ولها أن تتصل بها اتصالا روحانيا ، وأن
تنتقش بما هو مرتسم فيها لأن اشتغال النفس ببعض أفاعيلها يمنعها عن الاشتغال بغير
تلك الأفاعيل ، وليس لنا سبيل إلى إزالة عوائق النفس بالكلية عن الانتقاش بما في
المبادئ العالية ، لأن أحد العائقين هو اشتغال النفس بالبدن ، ولا يمكن لنا إزالة
هذا العائق بالكلية ما دام البدن صالحا لتدبيرها ، إلا أنه قد يسكن أحد الشاغلين
في حالة النوم فإن الروح ينتشر إلى ظاهر البدن بواسطة الشرائين وينصب إلى الحواس
الظاهرة حالة الانتشار ويحصل الإدراك بها وهذه الحالة هي اليقظة ، فتشتغل النفس
بتلك الإدراكات ، فإذا انحبس الروح إلى الباطن تعطلت هذه الحواس ، وهذه الحالة هي
النوم وبتعطلها يخف أحد شواغل النفس عن الاتصال بالمبادئ العالية والانتقاش ببعض
ما فيها فيتصل حينئذ بتلك المبادئ اتصالا روحانيا ويرتسم في النفس بعض ما انتقش في
تلك المبادئ مما استعدت هي لأن تكون منتقشة به كالمرايا إذا حوذي بعضها ببعض ما
يتسع له مما انتقش في البعض
على غير طهور ولم
يذكر الله عز وجل حقيقة ذكره فإنها تختلف وتبطئ على صاحبها
______________________________________________________
الآخر والقوة
المتخيلة جبلت محاكية لما يرد عليها ، فتحاكى تلك المعاني المنتقشة في النفس بصور
جزئية ، مناسبة لها ثم تصير تلك الصور الجزئية في الحس المشترك فتصير مشاهدة وهذه
هي الرؤيا الصادقة.
ثم إن الصور التي
تركبها القوة المتخيلة إن كانت شديدة المناسبة لتلك المعاني المنطبعة في النفس ،
حتى لا يكون بين المعاني التي أدركتها النفس وبين الصور التي ركبتها القوة
المتخيلة تفاوت إلا في الكلية والجزئية كانت الرؤيا غنية عن التعبير ، وإن لم تكن
شديدة المناسبة إلا أنه مع ذلك تكون بينهما مناسبة بوجه ما كانت الرؤيا محتاجة إلى
التعبير ، وهو أن يرجع من الصورة التي في الخيال إلى المعنى الذي صورته المتخيلة
بتلك الصورة ، وأما إذا لم تكن بين المعنى الذي أدركته النفس وبين الصورة التي
ركبتها القوة المتخيلة مناسبة أصلا لكثرة انتقالات المتخيلة من صورة إلى صورة لا
تناسب المعنى الذي أدركته النفس أصلا ، فهذه الرؤيا من قبيل أضغاث الأحلام ، ولهذا
قالوا : لا اعتماد على رؤيا الشاعر والكاذب ، لأن قوتهما المتخيلة قد تعودت
الانتقالات الكاذبة الباطلة انتهى. ولا يخفى أن هذا رجم بالغيب ، وتقول بالظن
والريب ولم يستند إلى دليل وبرهان ، ولا إلى مشاهدة وعيان ، ولا إلى وحي إلهي مع
ابتنائه على العقول والنفوس الفلكية اللتين نفتهما الشريعة المقدسة.
وقال المازري في
شرح قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان » : مذهب أهل
السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في
قلب اليقظان ، وهو سبحانه تعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه النوم واليقظة ، فإذا خلق
هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور آخر يخلقها في ثاني الحال أو كان قد
خلقها ، فإذا خلق في قلب النائم الطيران وليس بطائر
.................................................................................................
______________________________________________________
فأكثر ما فيه أنه
اعتقد أمرا على خلاف ما هو ، فيكون ذلك الاعتقاد علما على غيره كما يكون خلق الله
تعالى الغيم علما على المطر ، والجميع خلق الله تعالى ، ولكن يخلق الرؤيا
والاعتقادات التي جعلها علما على ما يسر بغير حضرة الشيطان وخلق ما هو علم على ما
يضر بحضرة الشيطان فنسب إلى الشيطان مجازا لحضوره عندها ، وإن كان لا فعل له
حقيقة.
وقال محيي السنة :
ليس كلما يراه الإنسان صحيحا ويجوز تعبيره ، بل الصحيح ما كان من الله يأتيك به
ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها ، وهي على
أنواع : قد تكون من فعل الشيطان ، يلعب بالإنسان أو يريه ما يحزنه ، وله مكائد
يحزن بها بني آدم كما قال تعالى : « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ
لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا » ومن لعب الشيطان به الاحتلام الذي يوجب الغسل ، فلا يكون له تأويل ، وقد يكون
من حديث النفس كما يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر ، والعاشق يرى
معشوقه ونحوه ، وقد تكون من مزاج الطبيعة كمن غلب عليه الدم يرى الفصد والحجامة
والحمرة والرعاف والرياحين والمزامير والنشاط ونحوه ، ومن غلب عليه الصفراء يرى
النار والشمع والسراج والأشياء الصفر ، والطيران في الهواء ونحوه ، ومن غلب عليه
السوداء يرى الظلمة والسواد والأشياء السود وصيد الوحش ، والأهوال والأموات
والقبور والمواضع الخربة ، وكونه في مضيق لا منفذ له ، أو تحت ثقل ونحوه ، ومن غلب
عليه البلغم يرى البياض والمياه والأنداء والثلج والوحل ،
فلا تأويل لشيء منها.
وقال السيد
المرتضى « ره » في كتاب الغرر والدرر في جواب سائل
سأله ما القول في المنامات أصحيحة هي أم باطلة؟ ومن فعل من هي؟ وما وجه صحتها في
الأكثر؟ وما وجه الإنزال عند رؤية المباشرة في المنام ، وإن كان فيها صحيح وباطل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فما السبيل إلى
تمييز أحدهما من الآخر؟
الجواب : أعلم أن
النائم غير كامل العقل ، لأن النوم ضرب من السهو ، والسهو ينفى العلوم ، ولهذا
يعتقد النائم الاعتقادات الباطلة ، لنقصان عقله وفقد علومه ، وجميع المنامات إنما
هي اعتقادات يبتدئ بها النائم في نفسه ، ولا يجوز أن تكون من فعل غيره فيه ، لأن
من عداه من المحدثين سواء كانوا بشرا أو ملائكة أو جنى أجسام ، والجسم لا يقدر أن
يفعل في غيره اعتقادا ابتداء ، بل ولا شيئا من الأجناس على هذا الوجه ، وإنما يفعل
ذلك في نفسه على سبيل الابتداء ، وإنما قلنا أنه لا يفعل في غيره جنس الاعتقادات
متولدا ، لأن الذي يعدي الفعل من محل القدرة إلى غيرها من الأسباب إنما هو
الاعتمادات ، وليس في جنس الاعتمادات ما يولد الاعتقادات ، ولهذا لو اعتمد أحدنا
على قلب غيره الدهر الطويل ما تولد فيه شيء من الاعتقادات وقد بين ذلك وشرح في
مواضع كثيرة ، والقديم تعالى هو القادر أن يفعل في قلوبنا ابتداء من غير سبب أجناس
الاعتقادات ، ولا يجوز أن يفعل في قلب النائم اعتقادا لأن أكثر اعتقادات النائم
جهل ويتأول الشيء على خلاف ما هو به ، لأنه يعتقد أنه يرى ويمشي وأنه راكب وعلى
صفات كثيرة ، وكل ذلك على خلاف ما هو به ، وهو تعالى لا يفعل الجهل ، فلم يبق إلا
أن الاعتقادات كلها من جهة النائم.
وقد ذكر في
المقالات : أن المعروف ـ بصالح قبة كان يذهب إلى أن ما يراه النائم في منامه على
الحقيقة ، وهذا جهل منه ، يضاهي جهل السوفسطائية ، لأن النائم يرى أن رأسه مقطوع ،
وأنه قد مات وأنه قد صعد إلى السماء ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك كله ، وإذا جاز عند
صالح هذا أن يعتقد اليقظان في السراب أنه ماء. وفي المردي إذا كان في الماء أنه مكسور ، وهو على الحقيقة صحيح ، لضرب من الشبهة واللبس
، فإلا جاز ذلك في النائم ، وهو من الكمال أبعد ، ومن النقص أقرب.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وينبغي أن يقسم ما
يتخيل النائم أنه يراه إلى أقسام ثلاثة منها : ما يكون من غير سبب يقتضيه ، ولا
داع يدعو إليه اعتقادا مبتدأ ومنها : ما يكون من وسواس الشيطان يفعل في داخل سمعه
كلاما خفيا يتضمن أشياء مخصوصة فيعتقد النائم إذا سمع ذلك الكلام أنه يراه ، فقد
نجد كثيرا من النيام يسمعون حديث من يتحدث بالقرب منهم ، فيعتقدون أنهم يرون ذلك
الحديث في منامهم ، ومنها : ما يكون سببه والداعي إليه خاطرا يفعله الله تعالى أو
يأمر بعض الملائكة بفعله ، ومعنى هذا الخاطر أن يكون كلاما يفعل في داخل السمع
فيعتقد النائم أيضا أنه ما يتضمن ذلك الكلام والمنامات الداعية إلى الخير والصلاح
في الدين ، يجب أن تكون إلى هذا الوجه مصروفة ، كما أن ما يقتضي الشر منها الأولى
أن تكون إلى وسواس الشيطان مصروفة ، وقد يجوز على هذا فيما يراه النائم في منامه
ثم يصح ذلك حتى يراه في يقظته على حد ما يراه في منامه ، وفي كل منام يصح تأويله
أن يكون سبب صحته أن الله تعالى يفعل كلاما في سمعه لضرب من المصلحة بأن شيئا يكون
أو قد كان على بعض الصفات ، فيعتقد النائم أن الذي يسمعه هو يراه ، فإذا صح تأويله
على ما يراه. فما ذكرناه إن لم يكن مما يجوز أن تتفق فيه الصحة اتفاقا فإن في
المنامات ما يجوز أن يصح بالاتفاق ، وما يضيق فيه مجال نسبته إلى الاتفاق ، فهذا
الذي ذكرناه يمكن أن يكون وجها فيه.
فإن قيل : أليس قد
قال أبو علي الجبائي في بعض كلامه في المنامات : إن الطبائع لا يجوز أن تكون مؤثرة
فيها ، لأن الطبائع لا يجوز على المذاهب الصحيحة أن تؤثر في شيء ، وأنه غير ممتنع
مع ذلك أن يكون بعض المأكل يكثر عندها المنامات بالعادة ، كما أن فيها ما يكثر
عنده بالعادة تخييل الإنسان ـ وهو مستيقظ ـ ما لا أصل له. قلنا : قد قال ذلك أبو
علي وهو خطأ ، لأن تأثيرات المأكل بمجرى العادة على المذاهب الصحيحة إذا لم تكن
مضافة إلى الطبائع ، فهو من فعل
.................................................................................................
______________________________________________________
الله تعالى ، فكيف
نضيف التخيل الباطل والاعتقادات الفاسدة إلى فعل الله تعالى ، فأما المستيقظ الذي
استشهد به فالكلام فيه والكلام في النائم واحد ، ولا يجوز أن نضيف التخيل الباطل
إلى فعل الله تعالى في نائم ولا يقظان ، فأما ما يتخيل من الفاسد وهو غير نائم فلا
بد من أن يكون ناقص العقل في الحال ، وفاقد التميز بسهو وما يجري مجراه فيبتدئ
اعتقادا لا أصل له ، كما قلناه في النائم.
فإن قيل : فما
قولكم في منامات الأنبياء وما السبب في صحتها حتى عد ما يرونه في المنام ، مضاهيا
لما يسمعونه من الوحي ، قلنا : الأخبار الواردة بهذا الجنس غير مقطوع على صحتها
ولا هي مما توجب العلم ، وقد يمكن أن يكون الله تعالى أعلم النبي بوحي يسمعه من
الملك على الوجه الموجب للعلم ، إني سأريك في منامك في وقت كذا ما يجب أن تعمل
عليه فيقطع على صحته من هذا الوجه ، لا بمجرد رؤيته له في المنام ، وعلى هذا الوجه
يحمل منام إبراهيم عليهالسلام في ذبح ابنه ، ولو لا ما أشرنا إليه كيف كان يقطع إبراهيم عليهالسلام بأنه متعبد بذبح ولده.
فإن قيل : فما
تأويل ما يروى عنه عليهالسلام من قوله : « من رآني فقد رآني فإن الشيطان لا يتخيل بي »
وقد علمنا أن المحق والمبطل والمؤمن والكافر قد يرون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في النوم ، ويخبر كل واحد منهم عنه بضد ما يخبر به الآخر ، فكيف يكون رائيا
له في الحقيقة ، مع هذا.
قلنا : هذا خبر
واحد ضعيف من أضعف أخبار الآحاد ، ولا معمول على مثل ذلك ، على أنه يمكن مع تسليم
صحته أن يكون المراد به : من رآني في اليقظة فقد رآني على الحقيقة ، لأن الشيطان
لا يتمثل بي لليقظان ، فقد قيل : إن الشيطان ربما تمثلت بصورة البشر ، وهذا
التشبيه أشبه بظاهر ألفاظ الخبر ، لأنه قال : « من رآني فقد رآني » فأثبت غيره
رائيا له ونفسه مرئية ، وفي النوم لا رأيي له في الحقيقة ولا مرئي : وإنما ذلك في
اليقظة ، ولو حملناه على النوم لكان تقدير الكلام
.................................................................................................
______________________________________________________
من اعتقد أنه
يراني في منامه ، وإن كان غير راء له على الحقيقة فهو في الحكم كأنه قد رآني ،
وهذا عدول عن ظاهر لفظ الخبر ، وتبديل لصيغته ، وهذا الذي رتبناه في المنامات
وقسمناه أسد تحقيقا من كل شيء قيل في أسباب المنامات.
وما سطر في ذلك
معروف غير محصل ولا محقق ، فأما ما يهذي به الفلاسفة في هذا الباب فهو مما يضحك
الثكلى ، لأنهم ينسبون ما صح من المنامات لما أعيتهم الحيل في ذكر سببه إلى أن
النفس اطلعت إلى عالمها فأشرفت على ما يكون ، وهذا الذي يذهبون إليه في حقيقة
النفس غير مفهوم ، ولا مضبوط ، فكيف إذا أضيف إليه الاطلاع على عالمها ، وما هذا
الاطلاع وإلى أي شيء يشيرون بعالم النفس ، ولم يجب أن تعرف الكائنات عند هذا
الاطلاع ، فكل هذا زخرفة ومخرقة وتهاويل ، لا يتحصل منها شيء ، وقول صالح قبة ـ مع
أنه تجاهل محض أقرب إلى أن يكون مفهوما من قول الفلاسفة انتهى كلامه قدس الله
روحه.
ولنكتف بذكر هذه
الأقوال ولا نشتغل إلى نقدها وتفصيلها ، ولا إلى ردها وتحصيلها ، لأن ذلك مما يؤدي
إلى التطويل الخارج عن المقصود في الكتاب.
ولنذكر ما ظهر لنا
في هذا الباب من الأخبار المنتهية إلى الأئمة الأخيار عليهمالسلام ، فهو أن الرؤيا تستند إلى أمور شتى فمنها : أن للروح في حالة النوم حركة إلى
السماء إما بنفسها بناء على تجسمها كما هو الظاهر من الأخبار ، أو بتعلقها بجسد
مثالي إن قلنا به في حال الحياة أيضا بأن يكون للروح جسدان أصلي ومثالي يشتد
تعلقها في حال اليقظة بهذا الجسد الأصلي ، ويضعف تعلقها بالآخر ، وينعكس الأمر في
حال النوم أو بتوجهها وإقبالها إلى عالم الأرواح بعد ضعف نعلقها بالجسد بنفسها من
غير جسد مثالي.
وعلى تقدير التجسم
أيضا يحتمل ذلك كما يومئ إليه بعض الأخبار بأن يكون حركتها كناية عن إعراضها عن
هذا الجسد وإقبالها إلى عالم آخر ، وتوجهها إلى
.................................................................................................
______________________________________________________
نشأة أخرى.
وبعد حركتها بأي
معنى كانت ترى أشياء في الملكوت الأعلى وتطالع بعض الألواح التي أثبتت فيها
التقديرات ، فإن كان لها صفاء ولعينها ضياء يرى الأشياء كما أثبتت فلا يحتاج رؤياه
إلى تعبير ، وإن استدلت على عين قلبه أغطية أرماد التعلقات الجسمانية والشهوات
النفسانية فيرى الأشياء بصور شبيهة لها ، كما أن ضعيف البصر ومؤف العين يرى
الأشياء على غير ما هي عليه.
والعارف بعلته
يعرف أن هذه الصورة المشبهة التي اشتبهت عليه صورة لأي شيء فهذا شأن المعبر العارف
بداء كل شخص وعلته ، ويمكن أيضا أن يظهر الله علة الأشياء في تلك الحالة بصور
يناسبها لمصالح كثيرة ، كما أن الإنسان قد يرى المال في نومه بصورة حية ، وقد يرى
الدراهم بصورة عذرة ليعرف أنهما يضران ، وهما مستقذران واقعا ، فينبغي أن يتحرز
عنهما ويتجنبهما ، وقد ترى في الهواء أشياء فهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقة لها.
ويحتمل أن يكون
المراد بما يراه في الهواء ما أنس به من الأمور المألوفة والشهوات ، والخيالات
الباطلة.
ويدل على هذين
النوعين ما رواه الصدوق في أماليه عن أبيه عن سعد
عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ومحمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن محمد
بن القاسم النوفلي قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام المؤمن قد يرى الرؤيا فتكون كما رآها ، وربما رأى الرؤيا
فلا يكون شيئا؟ فقال : إن المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى
السماء ، فكلما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التقدير والتدبير فهو الحق
، وكلما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام فقلت له : وتصعد روح المؤمن إلى السماء قال
: نعم قلت : حتى لا يبقى منها شيء في بدنه. فقال : لا لو خرجت كلها حتى لا تبقى
منها شيء إذا لمات ، فقلت : فكيف تخرج؟
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فقال : أما ترى
الشمس في السماء في موضعها وضوءها وشعاعها في الأرض فكذلك الروح أصلها في البدن ،
وحركتها ممدودة » وروي أيضا عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن بعض
أصحابه عن زكريا بن يحيى عن معاوية بن عمار عن أبي جعفر عليهالسلام« قال : إن العباد إذا ناموا خرجت أرواحهم إلى السماء ، فما رأت الروح في
السماء فهو الحق ، فما رأت في الهواء فهو الأضغاث ألا وإن الأرواح جنود مجندة فما
تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، فإذا كانت الروح في السماء تعارفت
وتباغضت ، فإذا تعارفت في السماء تعارفت في الأرض ، وإذا تباغضت في السماء تباغضت
في الأرض ».
وروي أيضا عن أبيه عن سعد عن محمد بن الحسين عن عيسى بن عبد الله عن أبي عبد الله
بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن علي عليهالسلام « قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل ينام فيرى الرؤيا
فربما كانت حقا ، وربما كانت باطلا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا علي ما من عبد ينام إلا عرج بروحه إلى رب العالمين ،
فما رأى عند رب العالمين فهو حق ، ثم إذا أمر الله العزيز الجبار برد روحه إلى
جسده فصارت الروح بين السماء والأرض فما رأته فهو أضغاث أحلام ».
ومنها : ما هو
بسبب إفاضة الله تعالى عليه في منامه ، إما بتوسط الملائكة أو بدونه كما يومئ إليه
خبر أبي بصير وخبر سعد بن أبي خلف .
ومنها : ما هو
بسبب وساوس الشياطين واستيلائهم عليه بسبب المعاصي التي عملها في اليقظة ، أو
الطاعات التي تركها أو الكثافات والنجاسات الظاهرية والباطنية التي لوث نفسه.
كما رواه الصدوق
في أماليه عن أبيه بإسناده عن علي بن الحكم عن أبان ابن عثمان عن
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن
أبي جعفر قال : سمعته يقول : إن لإبليس شيطانا يقال له هزع ،
__________________
( حديث الرياح )
٦٣ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب وهشام بن سالم ،
عن أبي بصير قال سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرياح الأربع
الشمال والجنوب والصبا والدبور وقلت إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة والجنوب
من النار فقال إن لله عز وجل جنودا من رياح يعذب بها من يشاء ممن عصاه ولكل ريح
منها ملك موكل بها فإذا أراد الله عز وجل أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى
الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها
______________________________________________________
يملأ المشرق
والمغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام.
وروى البرقي في
كتاب المحاسن عن أبيه عن صفوان عن داود عن أخيه عن عبد الله « قال :
بعثني إنسان إلى أبي عبد الله زعم أنه يفزع في منامه من امرأة تأتيه قال : فصحت
حتى سمع الجيران ، فقال أبو عبد الله : اذهب فقل : إنك لا تؤدي الزكاة قال : بلى
والله إني لأؤديها ، فقال : قل له إن كنت تؤديها لا تؤديها إلى أهلها ».
ويدل عليه أيضا
خبر أبي بصير وخبر سعد بن أبي خلف.
ومنها : ما هو
بسبب ما بقي في ذهنه من الخيالات الواهية والأمور الباطلة ويومئ إليه خبر سعد وغيره ، وتفصيل الكلام في ذلك يقتضي مقاما آخر وقد أوردنا الكلام فيه مفصلا
في كتاب بحار الأنوار .
الحديث
الثالث والستون : صحيح.
قوله
: « الشمال » قال الفيروزآبادي
: الشمال بالفتح ويكسر : الريح التي تهب من قبل الحجر أو
ما استقبلك عن يمينك ، وأنت مستقبل ، والصحيح أنه ما مهبه بين مطلع الشمس وبنات
نعش أو من مطلع النعش إلى مسقط النسر الطائر ، ويكون اسما وصفة ، وقال : الجنوب : ريح تخالف الشمال مهبه من مطلع
__________________
قال فيأمرها الملك
فيهيج كما يهيج الأسد المغضب قال ولكل ريح منهن اسم أما تسمع قوله تعالى : « كَذَّبَتْ عادٌ
فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً
فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ » وقال « الرِّيحَ
الْعَقِيمَ » وقال « رِيحٌ
فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ » وقال « فَأَصابَها
إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ » وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها
______________________________________________________
سهيل إلى مطلع
الثريا ، وقال : الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش ، وقال : الدبور : ريح تقابل الصبا.
وقال الشهيد « ره
» في الذكرى : الجنوب : محلها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتداليين ،
والصبا : محلها ما بين مطلع الشمس إلى الجدي ، والشمال :
محلها من الجدي
إلى مغرب الشمس في الاعتدال ، والدبور : محلها من مغرب الشمس إلى سهيل ، قوله تعالى
: « وَنُذُرِ » أي إنذار أتى لهم بالعذاب قبل نزولها أو لمن بعدهم في
تعذيبهم « إِنَّا
أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً » أي باردا أو شديد الهبوب « فِي يَوْمِ نَحْسٍ » أي شؤم « مُسْتَمِرٍّ
» استمر شؤمه ، أو استمر عليهم حتى أهلكتهم ، أو على جميعهم
كبيرهم وصغيرهم ، فلم يبق منهم أحدا ، أو اشتد مرارته ، أو استمرت نحوسته بعدهم ،
وفسر في بعض الأخبار بيوم الأربعاء ، وفي بعضها بأربعاء لا يدور .
قوله
عليهالسلام : « وقال : الريح العقيم » إشارة إلى قوله تعالى : « وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ
الرِّيحَ الْعَقِيمَ » وإنما سماها عقيما ، لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم ، أو لأنها
لا تتضمن منفعة ، وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء ، كما قيل : قوله تعالى : « فَأَصابَها إِعْصارٌ » قال الجوهري : الأعصار : ريح
تهب تثير الغبار إلى السماء كأنه عمود ، قال تعالى : « فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ » ويقال : هي ريح تثير سحابا ذات رعد وبرق.
__________________
من عصاه قال ولله
عز ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ينشرها بين يدي رحمته منها ما يهيج السحاب للمطر
ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ورياح تعصر السحاب فتمطره بإذن الله ومنها
رياح مما عدد الله في الكتاب فأما الرياح الأربع الشمال والجنوب والصبا والدبور
فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها فإذا أراد الله أن يهب شمالا أمر الملك الذي
اسمه الشمال فيهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح
الشمال حيث يريد الله من البر والبحر وإذا أراد الله أن يبعث جنوبا أمر الملك الذي
اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت ريح
الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله وإذا أراد الله أن يبعث ريح الصبا أمر الملك
الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه فتفرقت
ريح الصبا حيث يريد الله جل وعز في البر والبحر وإذا أراد الله أن يبعث دبورا أمر
الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن الشامي فضرب بجناحه
فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر ثم قال أبو جعفر عليهالسلام أما تسمع لقوله ريح الشمال
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لواقح » إشارة إلى قوله تعالى : « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ » قال البيضاوي : أي حوامل ، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر
بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم أو ملقحات للشجر أو السحاب ، ونظيره
الطوائح بمعنى المطيحات في قوله : ومختبط مما تطيح الطوائح ، قوله : « بَيْنَ يَدَيْ
رَحْمَتِهِ » أي المطر.
قوله
عليهالسلام : « فتفرقت ريح الشمال » لا يتوهم أنه يلزم من ذلك أن يكون مهب جميع الرياح جهة
القبلة ، لأنه لعظمة الملك وجناحه يمكن أن يحرك رأس جناحه بأي موضع أراد ويرسلها
بأي جهة أمر بالإرسال إليها ، وإنما أمر بالقيام على الكعبة لشرافتها وكونها محل
رحماته تعالى ومصدرها.
قوله
عليهالسلام : « أما تسمع لقوله » أي لقول القائل ، وكأنه عليهالسلام استدل بهذه العبارة الشائعة على ما ذكره من أنها أسماء
الملائكة ، إذ الظاهر من الإضافة كونها
__________________
وريح الجنوب وريح
الدبور وريح الصبا إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها.
٦٤ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي
جعفر عليهالسلام قال إن لله عز وجل رياح رحمة ورياح عذاب فإن شاء الله أن
يجعل العذاب من الرياح رحمة فعل قال ولن يجعل الرحمة من الريح عذابا قال وذلك أنه
لم يرحم قوما قط أطاعوه وكانت طاعتهم إياه وبالا عليهم إلا من بعد تحولهم عن طاعته
قال كذلك فعل بقوم يونس لما آمنوا رحمهمالله بعد ما كان قدر عليهم العذاب وقضاه ثم تداركهم برحمته فجعل
العذاب المقدر عليهم رحمة فصرفه عنهم وقد أنزله عليهم وغشيهم وذلك لما آمنوا ـ به
وتضرعوا إليه قال وأما الريح العقيم
______________________________________________________
لامية ، والبيانية
نادرة ، وإن كان القائلون لا يعرفون هذا المعنى ، لكنهم سمعوا ممن تقدمهم ، وهكذا
إلى أن ينتهي إلى من أطلق ذلك على وجه المعرفة.
الحديث
الرابع والستون : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « إلا من بعد تحولهم » لعل المراد أن الله تعالى لما أمر بإرسال رياح غضب ثم
تحولوا إلى طاعته ، يحول عذابه عليهم رحمة ، كما فعل بقوم يونس ، وإذا قدر وقضاء
وأمر بهبوب رياح رحمة ، ثم تحولوا عن طاعته إلى معصيته ، فإنه لا يرجع في هبته ،
ولا يقلب تلك الرياح عليهم عذابا ، إلا أن يأمر بإنشاء أمر آخر بعد تحولهم وإرسال
ريح أخرى بعد طغيانهم.
وأما قصة قوم يونس
فروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل قال : قال لي
أبو عبد الله عليهالسلام : « ما رد الله العذاب إلا عن قوم يونس ، وكان يونس يدعوهم
إلى الإسلام فأبوا ذلك ، فهم أن يدعو عليهم ، وكان فيهم رجلان عابد وعالم ، وكان
اسم أحدهما مليخا والآخر اسمه روبيل فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم ،
وكان العالم ينهاه ، ويقول : لا تدع عليهم ، فإن الله يستجيب لك ولا يحب هلاك
عباده ، فقبل قول العابد ، ولم يقبل من العالم فدعا عليهم فأوحى الله إليه يأتيهم
العذاب في سنة كذا وكذا في شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، فلما
__________________
فإنها ريح عذاب لا
تلقح شيئا من الأرحام ولا شيئا من النبات وهي ريح تخرج من تحت الأرضين السبع وما
خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزان أن يخرجوا منها
على مقدار سعة الخاتم قال فعتت على الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا
منها على قوم عاد قال فضج الخزان إلى الله عز وجل من ذلك فقالوا ربنا إنها قد عتت
عن أمرنا إنا نخاف أن تهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك قال فبعث الله عز وجل
إليها جبرئيل عليهالسلام فاستقبلها بجناحيه فردها إلى موضعها وقال لها اخرجي على ما
أمرت به قال فخرجت على ما أمرت به وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم.
______________________________________________________
قرب الوقت خرج
يونس من بينهم مع العابد ، وبقي العالم فيها ، فلما كان في ذلك اليوم نزل العذاب
فقال العالم لهم : يا قوم افزعوا إلى الله فلعله يرحمكم ويرد العذاب عنكم ، فقالوا
: كيف نصنع قال : أخرجوا إلى المفازة وفرقوا بين النساء والأولاد وبين الإبل
وأولادها وبين البقر وأولادها ، وبين الغنم وأولادها ، ثم ابكوا وادعوا فذهبوا
وفعلوا ذلك وضجوا وبكوا فرحمهم الله وصرف عنهم العذاب ، وفرق العذاب على الجبال ، وقد كان نزل
وقرب منهم ، فأقبل يونس لينظر كيف أهلكهم الله ، فرأى الزارعين يزرعون في أرضهم ،
قال لهم : ما فعل قوم يونس؟ فقالوا له ولم يعرفوه : إن يونس دعا عليهم ، فاستجاب
الله له ونزل العذاب عليهم ، فاجتمعوا وبكوا فدعوا فرحمهم
الله وصرف ذلك عنهم ، وفرق
العذاب على الجبال. فهم إذا يطلبون يونس ليؤمنوا به ، فغضب يونس عليهالسلام ، ومر على وجهه مغاضبا به كما حكى الله ، حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا
سفينة قد شحنت وأرادوا أن يدفعوها فسألهم يونس أن يحملوه ، فحملوه ، فلما توسطوا
البحر بعث الله حوتا عظيما فجنس عليهم السفينة ، فنظر إليه يونس ففزع ، فصار إلى
مؤخر السفينة فدار إليه الحوت وفتح فاه فجزع أهل السفينة فقالوا : فينا عاص
فتساهموا فخرج سهم يونس ، وهو قول الله عز وجل
« فَساهَمَ
فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » فأخرجوه والقوة في البحر فالتقمه الحوت
__________________
٦٥ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر الحمد لله ومن كثرت همومه
فعليه بالاستغفار ومن ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم ينفي عنه الفقر وقال فقد النبي صلىاللهعليهوآله رجلا من الأنصار فقال ما غيبك عنا فقال الفقر يا رسول الله
وطول السقم فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ألا أعلمك كلاما إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم فقال بلى
يا رسول الله فقال إذا أصبحت وأمسيت فقل : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي
العظيم ] توكلت « عَلَى
الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ » و « الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً » فقال الرجل فو الله ما قلته إلا ثلاثة أيام حتى ذهب عني
الفقر والسقم.
٦٦ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول لأبي جعفر الأحول وأنا أسمع أتيت
______________________________________________________
ومر به في الماء »
وقد أوردنا القصة بتمامها بروايات مختلفة في كتاب بحار الأنوار .
الحديث
الخامس والستون : ضعيف على المشهور.
قوله
تعالى : « وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ » أي ولي يواليه من أجل مذلة ليدفعها بموالاته قوله تعالى : « وَكَبِّرْهُ
تَكْبِيراً » في الآية معطوفا على القول ، والمخاطب به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويشكل نظمه هيهنا مع الجمل السابقة فيحتمل أن يكون معطوفا على الجمل
السابقة ، بأن يكون خبر مبتدإ محذوف بتأويل مقول في حقه ، أو يكون خطابا عاما لكل
من يستحق الخطاب ، لبيان أنه يستحق من كل أحد أن يصفه بالكبرياء ، ويمكن أن يقرأ
على صيغة الماضي أي كبره كل شيء تكبيرا ، ولا يبعد أن يكون في الأصل وأكبره تكبيرا
على صيغة المتكلم ، فصحفه النساخ ليكون موافقا للقرآن.
الحديث
السادس الستون : صحيح.
__________________
البصرة فقال نعم
قال كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه قال والله إنهم لقليل ولقد
فعلوا وإن ذلك لقليل فقال عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير ، ثم قال ما يقول أهل
البصرة في هذه الآية : « قُلْ
لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » قلت جعلت فداك إنهم يقولون إنها لأقارب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسين
أصحاب الكساء عليهمالسلام.
( حديث أهل الشام )
٦٧ ـ عنه ، عن
أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن داود ، عن محمد بن عطية قال جاء
رجل إلى أبي جعفر عليهالسلام من أهل الشام من علمائهم فقال يا أبا جعفر جئت أسألك عن
مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كل
صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر فقال له أبو جعفر عليهالسلام ما ذاك قال فإني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه فإن بعض من سألته قال
القدر وقال بعضهم القلم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « في أهل البيت » أقول : قد وردت الأخبار المستفيضة في نزول هذه الآية فيهم عليهالسلام ، وقد روتها العامة أيضا في كتبهم بأسانيد وقد مرت في شرح كتاب الحجة ، وقال البيضاوي ، روي أنها لما
نزلت قيل : يا رسول الله من قرابتك من هؤلاء قال : علي وفاطمة وابناهما.
الحديث
السابع والستون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « عن أول ما خلق الله من خلقه » اعلم أن الأخبار اختلفت في تعيين أول المخلوقات فأكثر
الأخبار يدل على أنه الماء كهذا الخبر ، والخبر الذي بعده ، لكن لا يدل الخبر
الآتي على تقدمه على العرش ، ونقل عن ناليس الملطي الإسكندراني وهو من مشاهير
الحكماء القدماء ، أنه قال بعد أن وحد الصانع ونزهة : لكنه أبدع العنصر الذي فيه
صور الموجودات والمعلومات كلها ، وهو المبدع الأول ، وهو
__________________
وقال بعضهم الروح
فقال أبو جعفر عليهالسلام ما قالوا شيئا ، أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء
غيره وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزه وذلك قوله « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا
يَصِفُونَ » وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم
يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه ولكنه كان إذ لا شيء
غيره وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب
كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه وخلق الريح من الماء
______________________________________________________
الماء ، ومنه
أنواع الجواهر كلها من السماء والأرض وما بينهما ، وذكر أن من جمود الماء تكونت
الأرض ، ومن انحلاله تكون الهواء ، ومن صفوته تكونت النار ومن الدخان والأبخرة
تكونت السماء ، وقيل : جوهر تكون منه الماء كما نقل أنه جاء في السفر الأول من
التوراة أن مبدأ الخلق جوهر خلقه الله تعالى ، ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت
أجزاؤه فصارت ماء فثار من الماء بخار كالدخان ، فخلق منه السماوات ، وظهر على وجه
الماء مثل زبد البحر ، فخلق منه الأرض ، ثم أرساها بالجبال.
وذكر علي بن
إبراهيم في تفسيره قوله تعالى : « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » قال : وذلك في مبدء الخلق إن الرب تعالى خلق الهواء ، ثم خلق القلم ، فأمره
أن يجري فقال : يا رب بما أجري فقال : بما هو كائن ثم خلق الظلمة من الهواء ، وخلق
النور من الهواء ، وخلق الماء من الهواء ، وخلق العرش من الهواء ، وخلق العقيم من
الهواء وهو الريح الشديد ، وخلق النار من الهواء ، وخلق الخلق كلهم من هذه الستة
التي خلقت من الهواء. والظاهر أنه أخذه من خبر ، لكن لا يعارض الأخبار المسندة ،
وعلى تقدير صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الإضافي بالنسبة إلى
الأجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق ، فإن الهواء ليس منها ، ولذلك
أنكر طائفة وجوده.
__________________
ثم سلط الريح على
الماء فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور فخلق من
ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثم
طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار
من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية
ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله : « السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها
وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها » قال ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها
______________________________________________________
ويدل على تقدم خلق
الماء على الهواء وعلى المخلوقات طرا سوى العرش ، والملائكة ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الصلت الهروي « قال : سأل المأمون أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن قول الله عز وجل : « وَهُوَ الَّذِي
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً » فقال : إن الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات
والأرض ، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها ، وبالعرش والماء على الله عز وجل ثم جعل
عرشه على الماء ، ليظهر بذلك قدرته للملائكة ، فتعلم أنه على كل شيء قدير ، ثم رفع
العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السماوات السبع ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام
، وهو مستولي على عرشه ، وكان قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل
خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء ، فتستدل بحدوث ما
يحدث على الله تعالى ذكره ». وروى الصدوق في كتاب عيون
أخبار الرضا عليهالسلام بإسناده عن الحسين بن علي قال : كان علي بن أبي طالب عليهالسلام بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال يا أمير المؤمنين : إني
أسألك عن أشياء فقال : أخبرني عن أول ما خلق الله؟ فقال : النور ، وروي في بعض
الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : أول ما خلق الله نوري ، وفي بعضها : أول ما خلق
الله روحي ، وروى الكليني وغيره بأسانيدهم عن أبي عبد الله أنه قال : إن الله خلق
العقل ، وهو أول خلق من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الروحانيين عن
يمين العرش من نوره ، فالخبر الأخير لا يدل على تقدم العقل على جميع الموجودات
، بل على خلق الروحانيين ، ويمكن أن يكون خلقها متأخرا عن خلق الماء والهواء ،
وأما الخبران الآخران فيمكن حملهما على الأولية الإضافية والجمع بينهما ظاهر ،
لجواز اتحادهما ويمكن حمل أخبار الماء على الأولية الإضافية أيضا بأن يكون خلق
الروحانيين مقدما على خلق الماء ، والأول أظهر ويؤيده ما سننقله من خبر الأبرش وقد
فصلنا الكلام في هذا المراد في كتاب بحار الأنوار في كتاب العقل وكتاب السماء
والعالم .
قوله : « فإن بعض من سألته قال القدر » لعل هذا القائل زعم أن تقديره تعالى جوهر ، ويحتمل أن يكون
مراده بالقدر اللوح المثبت فيه تقديرات الأمور ، وفي توحيد الصدوق « القدرة » وهو مبني على قول من قال بزيادة صفاته تعالى وأنها مخلوقة له.
قوله
: وقال بعضهم : « القلم » أقول : وقد ورد ذلك في بعض أخبارنا أيضا رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن
أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « أول ما خلق الله القلم ، فقال له اكتب فكتب ما كان
وما هو كائن إلى يوم القيامة » ولعل المراد الأولية بالإضافة إلى جنسه من الملائكة
، أو بعض المخلوقات وغيرهم ، ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم أيضا عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال : سألته عن ن والقلم؟ قال : إن الله خلق القلم من شجرة في الجنة يقال
لها الخلد ، ثم قال : لنهر في الجنة كن مدادا فجمد النهر وكان أشد بياضا من الثلج
وأحلى من الشهد ، ثم قال للقلم : اكتب ، قال : يا رب وما اكتب؟ قال : اكتب ما كان
وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فكتب القلم في ورق أشد بياضا من الفضة وأصفى من
الياقوت ، ثم طواه فجعله في ركن العرش ، ثم ختم على فم القلم ، فلم ينطق بعد ولا
ينطق أبدا فهو الكتاب المكنون الذي منه النسخ كلها أو لستم عربا ، فكيف لا تعرفون
معنى الكلام ، وأحدكم يقول لصاحبه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
انسخ ذلك الكتاب
أو ليس ينسخ من كتاب آخر من الأصل وهو قوله « إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
» .
وروى الصدوق في
كتبه مثل هذا الخبر بأسانيد أخر ، وروى العياشي أيضا بإسناد آخر
مثله ، فظهر أن أوليته وإضافيته لتقدم الجنة وغيرها عليه ، وفي التوحيد « وقال بعضهم العلم » وهو أيضا مبني على ما مر.
قوله
عليهالسلام : « ولا أحد كان قبل عزه » أي لم تكن قبل عزه
أحد يكون عزه به واستدل عليه بقوله
: « رب العزة » إذ هو يدل على أنه تعالى سبب كل عزة ، فلو كان عزه بغيره كان ذلك الغير رب
العزة ، وفي التوحيد « وكان عزيزا ولا عز » لأنه كان قبل عزه وذلك.
قوله عليهالسلام : إلخ ولعل المراد أنه كان غالبا وعزيزا قبل أن يظهر عزه
وغلبته على الأشياء بخلقها ، ولذا قال : « رب العزة » إذ فعلية العزة وظهورها مسبب
عنه ، قوله : «
ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء » أي لو كان كما تقوله الحكماء كل حادث مسبوق بمادة ، فلا
يتحقق شيء يكون أول الأشياء من الحوادث فيلزم وجود قديم سوى الله تعالى ، وهو محال
، وفي التوحيد « وكان خالقا ولا مخلوق » فأول شيء خلقه من
خلقه الشيء الذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء ، فقال السائل فالشيء خلقه من شيء
أو من لا شيء ، فقال : خلق الشيء لا من شيء كان قبله ولو خلق الشيء من شيء إذا لم
يكن له انقطاع ، ولعل هذه الزوائد سقطت من نساخ الكتاب ، ولا يخفى صراحة هذا الخبر
في حدوث العالم بالمعنى الذي اتفق عليه المليون ، لا بالحدوث الذاتي الذي تأوله
الملحدون.
قوله
: « فجعل نسب كل شيء إلى الماء » بأن خلق جميعها منه لآيات قال : « وَجَعَلْنا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مِنَ
الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ » لأنه ظاهرا مختص بذوي الحياة ، ولا يشمل كل شيء.
قوله
عليهالسلام : « فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء » يدل على أن الأرض مخلوق من زبد البحر ، وقد دلت عليه أخبار
كثيرة ، منها ما رواه الصدوق في خبر الشامي « أنه سأل أمير
المؤمنين مم خلقت الأرض؟ قال : من زبد الماء » وروى علي بن
إبراهيم في تفسيره أنه قال أبو عبد الله عليهالسلام لأبرش الكلبي : « يا أبرش هو كما وصف نفسه كان عرشه على الماء ، والماء على
الهواء ، والهواء لا يحد ، ولم يكن يومئذ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات ،
فلما أراد أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا
واحدا فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحى الأرض من تحته ، فقال
الله تبارك وتعالى : « أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي
بِبَكَّةَ مُبارَكاً » وفي تفسير علي بن إبراهيم فسلط العقيم على الماء فضربته فأكثرت الموج والزبد
، وجعل يثور دخانه في الهواء ، فلما بلغ الوقت الذي أراد : قال للزبد : اجمد فجمد
، وقال للموج : اجمد فجمد ، فجعل الزبد أرضا وجعل الموج جبالا رواسي للأرض . قوله عليهالسلام
: « حتى ثار من الماء دخان » يدل على أن السماوات خلقت من الدخان كما هو ظاهر قوله تعالى : « ثُمَّ اسْتَوى إِلَى
السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ » ويدل عليه خبر الأبرش حيث قال له أبو عبد الله عليهالسلام : ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء ، فلما أراد أن يخلق
السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه
دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء ، وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس
والقمر ، فأجراهما في الفلك وكانت السماء خضراء
__________________
فوضعها فوق الأرض
ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره
______________________________________________________
على لون الماء
الأخضر ، وكانت الأرض غبراء على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ،
ولم تكن للأرض أبواب وهو النبت ولم تقطر السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر ،
والأرض بالنبات وذلك قوله عز وجل « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما ».
فقال الأبرش :
والله ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال
: وأنا أشهد أنك ابن نبي الله ثلاث مرات ، ولعل مراده عليهالسلام بقوله : « من غير نار » كون ارتفاع الدخان بعد خمود النار أو المراد أنه لم
يرتفع مع الدخان أجزاء نارية ، قوله
تعالى : « السَّماءُ
بَناها » .
قال البيضاوي : ثم
بين البناء فقال : « رَفَعَ
سَمْكَها » أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو
رفيعا « فَسَوَّاها » فعدلها أو فجعلها مستوية أو فتممها بما يتم به كمالها من
الكواكب والتداوير وغيرها ، من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه « وَأَغْطَشَ لَيْلَها » أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم ، وإنما أضافه إليها
لأنه يحدث بحركتها « وَأَخْرَجَ ضُحاها » وأبرز ضوء شمسها كقوله تعالى « وَالشَّمْسِ وَضُحاها » يريد النهار « وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » بسطها ومهدها.
للسكنى .
قوله
عليهالسلام : « ولا شمس ولا قمر » أي لم يكن لها في أول خلقها شمس ولا قمر ولا نجوم ، ولذا
« رَفَعَ
سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها » فكان حصول هذه الأمور لها بعد خلقها ، وكانت في بدو خلقها
قبل رفعها ووضعها وترتيبها خالية عن جميع ذلك.
قوله
عليهالسلام : « ثم نسب الخليقتين » أي رتبهما في الوضع ، وجعل إحداهما
__________________
« وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » يقول بسطها فقال له الشامي يا أبا جعفر قول الله تعالى :
______________________________________________________
فوق الأخرى ، أو
بين نسبة خلقهما في كتابه بقوله « وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » فبين أن دحو الأرض بعد رفع السماء ، ولنذكر هنا وجه الجمع
بين الآيات التي وردت في تقدم خلق الأرض على السماء وتأخره ، إذ زعم بعض الملاحدة
أن فيها تناقضا.
فأما الآيات
الواردة في ذلك فالأولى منها قوله تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي
خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ
الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ
فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَوى
إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ
كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ
» والثانية قوله تعالى
« هُوَ
الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ
فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » فهاتان الآيتان تدلان على أن خلق الأرض قبل السماء ، والثالثة قوله تعالى
: « أَأَنْتُمْ
أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ
لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها
ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها » وظاهرها تأخر خلق الأرض عن السماء.
وأجيب عن هذا
الإشكال بوجهين : أحدهما : إن خلق الأرض قبل السماء ، إلا أن دحوها متأخر عن خلق
السماء واستشكل بوجهين :
الأول : إن الأرض
جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية ، فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق
السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء.
والثاني : إن
الآية الثانية تدل على أن خلق الأرض وخلق كل ما فيها مقدم خلق السماء ، وخلق
الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وأجيب عن الأول :
بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها والمناقشة في إطلاق خلق الأرض على
إيجادها غير مدحوة ، مناقشة لفظية وعن الثاني بأن قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » يقتضي تقدم خلق السماء على دحو الأرض ، ولا يقتضي تقدم
تسوية السماء على دحو الأرض فجاز أن تكون تسوية السماء متأخرة عن دحو الأرض ،
فيكون خلق الأرض قبل خلق السماء ، وخلق السماء قبل دحو الأرض ، ودحو الأرض قبل
تسوية السماء فارتفع التنافي.
ويرد عليه : أن
الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض ، والثانية تقتضي تقدم خلق
الأرض بما فيها عن تسويتها سبع سماوات وخلق ما في الأرض قبل دحوها مستبعد.
ويمكن أن يجاب :
بأن المراد بالخلق في الثانية التقدير ، وهو شائع في العرف واللغة أو بأن المراد
بخلق ما في الأرض خلق موادها كما أن خلق الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك ، فتكون
تسوية السماء متقدمة على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة ، وهذا الخبر ، أو
بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة وبين تسويتها سبع سماوات كما في الثانية
، وحينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو الأرض وتسويتها سبعا متأخرة عنه ، ولعل
هذا أوفق في الجمع.
أو بأن يقال :
الفاء في قوله تعالى : « فَسَوَّاها
» بمعنى ثم ، والمشار إليه بذلك في قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » هو بناء السماء وخلقها ، لا مجموع ما ذكر قبله ، أو بأن
يقال : كلمة ثم في الثانية للترتيب الذكري ، وتقديم خلق ما في الأرض في معرض
الامتنان لمزيد الاختصاص ، فيكون خلق ما في الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر ،
وتسوية السماء متقدمة عليه وعلى دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة ، لكن هذا لا
يخلو عن نوع منافرة لظاهر الآية الأولى ، وقد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح
الحديث السابع عشر بعد المائة.
« أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما » فقال له أبو جعفر عليهالسلام فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقا ملتزقتين ملتصقتين ففتقت
إحداهما من الأخرى فقال نعم فقال أبو جعفر عليهالسلام استغفر ربك فإن قول الله جل وعز « كانَتا رَتْقاً » يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا
تنبت الحب فلما خلق الله تبارك
______________________________________________________
وقال البيضاوي :
كلمة ثم في آيتي البقرة والسجدة أي الأولى والثانية لتفاوت ما بين الخلقين ، وفضل
خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى : « ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا » لا للتراخي في المدة ، فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ
ذلِكَ دَحاها » فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن
خلق السماء وتسويتها ، إلا أن يستأنف بدحاها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل عليه
« أَأَنْتُمْ
أَشَدُّ خَلْقاً » مثل تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك ، لكنه خلاف الظاهر انتهى.
والوجه الثاني :
مما قد أجيب به عن أصل الإشكال أن يقال كلمة بعد في الآية الثالثة ليست لتأخر
الزمان ، إنما هو على جهة تعداد النعم والأذكار لها ، كما يقول القائل أليس قد
أعطيتك وفعلت بك كذا وكذا ، وبعد ذلك خلطتك ، وربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ
متأخرا بحسب الزمان ، لأنه لم يكن الغرض الإخبار عن الأوقات والأزمنة ، بل المراد
ذكر النعم والتنبيه عليها وربما اقتضت الحال إيراد الكلام على هذا الوجه.
قوله
تعالى : « أَوَلَمْ
يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا » قال البيضاوي : أي أو لم يعلموا وقرأ ابن كثير بغير واو
« أَنَّ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً » ذات رتق أو مرتوقتين ، وهو الضم والالتحام أي كانتا شيئا
واحدا ، وحقيقة متحدة ففتقنا هما بالتنويع والتميز أو كانت السماوات واحدة ففتقت
بالتحريكات المختلفة ، حتى صارت أفلاكا وكانت الأرضون واحدة ، فجعلت باختلاف
كيفيتها وأحوالها طبقات أو أقاليم.
__________________
وتعالى الخلق « وَبَثَّ فِيها مِنْ
كُلِّ دَابَّةٍ » فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب فقال الشامي أشهد أنك
من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم.
٦٨ ـ محمد ، عن
أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم والحجال ، عن
العلاء ، عن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر عليهالسلام كان كل شيء ماء « وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نارا ثم أمر النار فخمدت
فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السماوات من ذلك الدخان وخلق الأرض من الرماد ثم
اختصم الماء والنار والريح فقال الماء أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند
الله الأكبر وقالت النار أنا جند الله الأكبر فأوحى الله عز وجل إلى الريح أنت
______________________________________________________
وقيل : كانتا بحيث
لا فرجة بينهما ففرج ، وقيل : كانتا رتقا لا تمطر ، ولا تنبت ففتقناهما بالمطر
والنبات ، فيكون المراد بالسماوات سماء الدنيا وجمعها باعتبار الآفاق أو السماوات
بأسرها ، على أن لها مدخلا في الأمطار ، والكفرة وإن لم يعلموا ذلك فهم متمكنون من
العلم به نظرا ، فإن الفتق عارض يفتقر إلى مؤثر واجب ابتداء أو بواسطة أو استفسارا
من العلماء ومطالعة الكتب ، وإنما قال : كانتا ولم يقل كن لأن المراد جماعة
السماوات ، وجماعة الأرض انتهى.
أقول : يظهر من
بعض خطب أمير المؤمنين أن المراد بالفتق جعل الفرج بين كل منهما ، حيث قال : « ثم
فتق ما بين السماوات العلى فملأهن هن أطوارا من ملائكته » لكنه ليس بصريح في كونه تفسيرا لهذه الآية.
الحديث
الثامن والستون : صحيح.
قوله
عليهالسلام :
وخلق الأرض من الرماد ، لعل المراد أن بقية الأرض التي حصلت بعد الدحو كانت مادتها الدخان ، ويحتمل أيضا
أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الأخر مادة بعيدة للأرض بأن يكون الرماد حصل من
الزبد ، ومن الرماد تكونت الأرض ، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد ،
فجمد الزبد بذلك المزج وتصلب.
__________________
جندي الأكبر.
( حديث الجنان والنوق )
٦٩ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن إسحاق المدني ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله سئل عن قول الله عز وجل : « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى
الرَّحْمنِ وَفْداً » فقال يا علي إن الوفد لا يكونون إلا ركبانا أولئك رجال اتقوا الله فأحبهم
الله واختصهم ورضي أعمالهم فسماهم المتقين ثم قال له يا علي أما والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة إنهم ليخرجون من قبورهم وإن الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز
عليها رحائل الذهب مكللة بالدر والياقوت وجلائلها الإستبرق والسندس
______________________________________________________
الحديث
التاسع والستون : حديث الجنان والنوق : مجهول.
قوله
تعالى : « وَفْداً
» أي وافدين ، عليه ، كما تفد الوفاد على الملوك ، منتظرين
لكرامتهم ، وإنعامهم قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من نوق العز » النوق بالضم : جمع ناقة أي النوق التي يعز من يركب عليها ،
أي نسبت إلى عزه تعالى لرفعتها ، وظهور قدرة الله فيها ، أو هي عزيزة في نفسها.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « رحائل الذهب » كأنه جمع رحالة ككتابة ، وهي السرج أو من جلود لا خشب فيه
، يتخذ للركض الشديد ، قوله
صلىاللهعليهوآله : « مكللة » أي محفوفة مزينة.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وجلائلها » كأنه كان جلالها بالكسر جمع جل بالضم ، كما هو في تفسير
علي بن إبراهيم « وجلائل » إنما هو جمع جليلة بمعنى الثمام : ويمكن أن يكون جليلة بمعنى الجل أيضا ، أو يكون جمع جمع ، والإستبرق : الديباج الغليظ فارسي معرب. والسندس : الديباج الرقيق.
__________________
وخطمها جدل
الأرجوان تطير بهم إلى المحشر مع كل رجل منهم ألف ملك من قدامه وعن يمينه وعن
شماله يزفونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم وعلى باب الجنة شجرة إن
الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال
فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر وذلك قول
الله عز وجل : « وَسَقاهُمْ
رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً » من تلك العين المطهرة قال ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار
الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبدا قال ثم يوقف بهم قدام العرش
وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبدا قال فيقول الجبار جل ذكره
للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق فقد سبق
رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات قال
فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب الملائكة
الحلقة ضربة
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « جدل الأرجوان » قال الجوهري : يقال جدلت الحبل أجد له جدلا : أي فتلته
فتلا محكما ، وقال : الأرجوان صبغ أحمر شديد الحمرة. قال :
أبو عبيد وهو الذي
يقال له النشاستج ، قال : والبهرمان دونه ، ويقال : أيضا الأرجوان معرب ، وهو
بالفارسية أرغوان ، وكل لون يشبهه فهو أرجوان ، والخطم بضمتين جمع خطام بالكسر : وهو الزمام ، أي أزمتها من حبل
مفتول أرغواني.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يزفونهم زفا » أي يذهبون بهم على غاية الكرامة كما يزف العروس إلى زوجها
، أو يسرعون بهم.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ثم يوقف بهم » ظاهره أنهم يردون أولا باب الجنة ثم إلى الموقف ثم يرجعون
إلى الجنة.
__________________
فتصر صريرا يبلغ
صوت صريرها كل حوراء أعدها الله عز وجل لأوليائه في الجنان فيتباشرن بهم إذا سمعن
صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض قد جاءنا أولياء الله فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة
وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا
إليكم ويقول لهن أولياء الله مثل ذلك ـ فقال علي عليهالسلام يا رسول الله أخبرنا عن قول الله جل وعز « غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها
غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ » بما ذا بنيت يا رسول الله فقال يا علي تلك غرف بناها الله
عز وجل لأوليائه بالدر والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة
منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض
من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والكافور والعنبر وذلك قول الله عز
وجل : « وَفُرُشٍ
مَرْفُوعَةٍ » إذا أدخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة ألبس
حلل الذهب والفضة والياقوت والدر المنظوم في الإكليل
______________________________________________________
قوله
: « والآدميين » يظهر منه سبق دخول النساء على دخول الرجال ، ولعله أيضا لكرامة الرجال ،
ليتهيأن لهم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « غرف مبنية » في القراءات المشهورة
« غُرَفٌ
مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ » ولعلها كانت في قراءة أهل البيت عليهمالسلام ، هكذا
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«
محبوكة » قال الفيروزآبادي
: الحبك : الشد والأحكام. وتحسين أثر الصنعة في الثوب ، يحبكه وحبكه كأحبكه فهو حبيك
ومحبوك ، والتحبيك : التوثيق والتخطيط .
قوله
تعالى : « وَفُرُشٍ
مَرْفُوعَةٍ » فسرها عليهالسلام بنضد بعضها فوق بعض ، كما ذكره أكثر المفسرين ، وقيل :
المراد رفيعة القدر ، وقيل : هي كناية عن النساء وارتفاعها هو كونها على الأرائك.
__________________
تحت التاج قال
وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ
والياقوت الأحمر فذلك قوله عز وجل « يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ
وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ » فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقر لولي الله جل وعز
منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنئه بكرامة الله عز وجل إياه
فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف مكانك فإن ولي الله قد اتكأ على أريكته
وزوجته الحوراء تهيأ له فاصبر لولي الله قال فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها
تمشي مقبلة وحولها وصائفها وعليها سبعون حلة
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « بألوان مختلفة » قيل : كأنه إشارة إلى أن التحتاني يسع كل الغرفة والذي
فوقه لا يسع كلها ، بل يظهر من جوانبها لون التحتاني ، وعلى هذا القياس.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والياقوت » مبتدأ والإكليل بالكسر : شبه عصابة تزين بالجواهر.
قوله
: « اهتز » أي تحرك واستبشر.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من الوصفاء » قال الفيروزآبادي : الوصيف كأمير : الخادم والخادمة ،
والجمع وصفاء كالوصيفة ، والجمع وصائف .
قوله
: « مكانك » أي ألزم مكانك.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « على أريكته » قال الفيروزآبادي : الأريكة كسفينة : سرير في حجلة أو كل
ما يتكأ عليه من سرير ، ومنصة وفراش ، أو سرير منجد مزين في قبة أو بيت ، فإذا لم
يكن فيه سرير فهو حجلة .
قوله
صلىاللهعليهوآله : « تهيأ له » على صيغة المضارع بحذف إحدى التائين.
__________________
منسوجة بالياقوت
واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب
مكللتان بالياقوت واللؤلؤ شراكهما ياقوت أحمر فإذا دنت من ولي الله فهم أن يقوم
إليها شوقا فتقول له يا ولي الله ليس هذا يوم تعب ولا نصب فلا تقم أنا لك وأنت لي
قال فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملها ولا تمله قال فإذا فتر
بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر
وسطها لوح صفحته درة مكتوب فيها أنت يا ولي الله حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك إليك
تناهت نفسي وإلي تناهت نفسك ثم يبعث الله إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوجونه
بالحوراء قال فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه
استأذن لنا على ولي الله فإن الله بعثنا إليه نهنئه فيقول لهم الملك حتى أقول
للحاجب فيعلمه بمكانكم قال فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان
حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين
تبارك وتعالى ليهنئوا ولي الله وقد سألوني أن آذن لهم عليه فيقول الحاجب إنه ليعظم
علي أن أستأذن لأحد على ولي الله وهو
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هي من مسك وعنبر
» لعل المراد أن
أصل تلك الثياب من نوع من المسك والعنبر ، يمكن نسجها ولبسها أو من شيء عطرة
كالمسك والعنبر لكنها نظمت ونسجت بالياقوت واللؤلؤ ، وفي تفسير علي بن إبراهيم
صبغن بمسك وعنبر.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وشراكهما » هو ككتاب سير النعل.
قوله
: « تناهت نفسي » التناهي : بلوغ النهاية أي بلغت محبتي وشوقي إليك إلى النهاية ، وفي بعض
النسخ تاقت في الموضعين أي اشتاقت ، وهو أظهر قوله :
عز
وجل « وَدانِيَةً » قال البيضاوي : حال أو صفة أخرى معطوفة على ما قبلها ،
مع زوجته الحوراء
قال وبين الحاجب وبين ولي الله جنتان قال فيدخل الحاجب إلى القيم فيقول له إن على
باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزة يهنئون ولي الله فاستأذن لهم فيتقدم القيم إلى
الخدام فيقول لهم إن رسل الجبار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم الله يهنئون
ولي الله فأعلموه بمكانهم قال فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي الله وهو
في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكل به ـ فإذا أذن للملائكة
بالدخول على ولي الله فتح كل ملك بابه الموكل به قال فيدخل القيم كل ملك من باب من
أبواب الغرفة قال فيبلغونه رسالة الجبار جل وعز وذلك قول الله تعالى : « وَالْمَلائِكَةُ
يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ » من أبواب الغرفة « سَلامٌ عَلَيْكُمْ » إلى آخر الآية قال وذلك قوله جل
وعز : « وَإِذا
رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » يعني بذلك ولي الله وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير إن
الملائكة من رسل الله عز ذكره يستأذنون [ في الدخول ] عليه فلا يدخلون عليه إلا
بإذنه فلذلك الملك العظيم الكبير قال والأنهار تجري من تحت مساكنهم وذلك قول الله
عز وجل « تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ » والثمار دانية منهم وهو قوله عز وجل : « وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُها تَذْلِيلاً » من قربها منهم يتناول المؤمن من النوع
______________________________________________________
أو عطف على جنة ،
أي وجنة أخرى دانية ، عنى أنهم وعدوا جنتين كقوله تعالى : « وَلِمَنْ خافَ مَقامَ
رَبِّهِ جَنَّتانِ » وقرأت بالرفع على أنها خبر ظلالها ، والجملة حال أو صفة ، «
وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُها تَذْلِيلاً » معطوف على ما قبله أو حال من دانية ، وتذليل القطوف أن تجعل
سهلة التناول ، ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا .
وقال الطبرسي (ره)
: « وَدانِيَةً
عَلَيْهِمْ ظِلالُها » يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم ، وقيل : إن ظلال
الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا « وَذُلِّلَتْ
قُطُوفُها تَذْلِيلاً » أي وسخرت وسهل أخذ ثمارها تسخيرا ، إن قام ارتفعت
__________________
الذي يشتهيه من
الثمار بفيه وهو متكئ وإن الأنواع من الفاكهة ليقلن لولي الله يا ولي الله كلني
قبل أن تأكل هذا قبلي قال وليس من مؤمن في الجنة إلا وله جنان كثيرة معروشات وغير
معروشات « وَأَنْهارٌ
مِنْ خَمْرٍ » وأنهار من ماء و « أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ » و « أَنْهارٌ
مِنْ عَسَلٍ » فإذا دعا ولي الله بغذائه أتي بما تشتهي نفسه عند طلبه
الغذاء من غير أن يسمي شهوته قال ثم يتخلى مع إخوانه ويزور بعضهم بعضا ويتنعمون في
جناتهم في « ظِلٍّ
مَمْدُودٍ » في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وأطيب من ذلك لكل
مؤمن سبعون زوجة حوراء وأربع نسوة من الآدميين والمؤمن ساعة مع الحوراء وساعة مع
الآدمية وساعة يخلو بنفسه على الأرائك متكئا ينظر بعضهم إلى بعض وإن المؤمن ليغشاه
شعاع نور وهو على أريكته ويقول لخدامه ما هذا الشعاع اللامع لعل الجبار لحظني
فيقول له خدامه قدوس قدوس جل جلال الله بل هذه حوراء من نسائك ممن لم تدخل بها بعد
قد أشرفت عليك من خيمتها شوقا إليك وقد تعرضت لك وأحبت لقاءك فلما أن رأتك متكئا
على سريرك تبسمت نحوك شوقا إليك فالشعاع الذي رأيت والنور الذي غشيك هو من بياض
ثغرها وصفائه ونقائه ورقته قال فيقول ولي الله ائذنوا لها فتنزل إلي فيبتدر إليها
ألف وصيف وألف وصيفة يبشرونها بذلك فتنزل إليه من خيمتها وعليها سبعون حلة منسوجة
بالذهب والفضة مكللة بالدر والياقوت والزبرجد صبغهن المسك والعنبر بألوان مختلفة
يرى مخ ساقها من وراء سبعين حلة طولها سبعون
______________________________________________________
بقدره وإن قعد
نزلت عليه حتى ينالها ، وإن اضطجع تدلت حتى تنالها يده .
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ومعروشات » أي مرفوعات على ما يحملها ، وغير معروشات أي ملقيات على
وجه الأرض قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لعل الجبار لحظني » لعل مراده أنه أفاض علي من أنواره فتقديس الخدام ، إما لما
يوهمه ظاهر كلامه ، أو أنه أراد نوعا من اللحظ المعنوي ، لا يناسب رفعة شأنه
تعالى.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « يرى مخ ساقها » روي في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم
__________________
ذراعا وعرض ما بين
منكبيها عشرة أذرع فإذا دنت من ولي الله أقبل الخدام بصحائف الذهب والفضة فيها
الدر والياقوت والزبرجد فينثرونها عليها ثم يعانقها وتعانقه فلا يمل ولا تمل.
قال ثم قال أبو
جعفر عليهالسلام أما الجنان المذكورة في الكتاب فإنهن جنة عدن وجنة الفردوس
وجنة نعيم وجنة المأوى قال وإن لله عز وجل جنانا محفوفة بهذه الجنان وإن المؤمن
ليكون له من الجنان ما أحب واشتهى يتنعم فيهن كيف يشاء وإذا أراد المؤمن شيئا أو
اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد أن يقول سبحانك اللهم فإذا قالها تبادرت إليه
الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به وذلك قول الله عز وجل : « دَعْواهُمْ فِيها
سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ » يعني الخدام قال « وَآخِرُ
دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » يعني بذلك عند ما يقضون من لذاتهم
______________________________________________________
أنه سأل زنديق أبا
عبد الله عن مسائل وكان فيما سأل أخبرني عن الحوراء كيف تلبس سبعين حلة ، ويرى
زوجها مخ ساقها من وراء حللها وبدنها ، فقال عليهالسلام : نعم كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره
قيد رمح .
قوله
تعالى : « سُبْحانَكَ
اللهُمَ » قال أمين الدين الطبرسي : يقولون ذلك لا على وجه العبادة ،
لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح ، وقيل : إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء
يشتهونه قالوا « سُبْحانَكَ اللهُمَ » فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم ، وإذا قضوا منه
الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين ، فيطير الطير حيا ، كما كان ، فيكون مفتتح
كلامهم في كل شيء التسبيح ، ومختتم كلامهم التحميد ، ويكون التسبيح في الجنة بدل
التسمية في الدنيا عن ابن جريح « وَتَحِيَّتُهُمْ
فِيها سَلامٌ » أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام ، وقيل : معناه
تحية بعضهم لبعض فيها سلام ، أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون : سلام عليكم
، أي سلمتم من الآفات والمكاره التي ابتلي بها أهل النار « وَآخِرُ دَعْواهُمْ
أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ».
__________________
من الجماع والطعام
والشراب يحمدون الله عز وجل عند فراغتهم وأما قوله « أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ » قال يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله عز
وجل : « فَواكِهُ
وَهُمْ مُكْرَمُونَ » قال فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا أكرموا به.
٧٠ ـ الحسين بن
محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير قال
قيل لأبي جعفر عليهالسلام وأنا عنده إن سالم بن أبي حفصة وأصحابه يروون عنك أنك تكلم
على سبعين وجها لك منها المخرج فقال ما يريد سالم مني
______________________________________________________
ليس المراد أن ذلك
يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلمون بعده بشيء ، بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم
في كل ما ذكروه عن الحسن والجبائي انتهى ، و «
الدعوى » في تفسيره عليهالسلام : بمعنى الدعاء ، أي طلب ما يشتهون ، وفسره البيضاوي بالدعاء أيضا لكن لا بهذا المعنى ، قوله تعالى : « أُولئِكَ لَهُمْ
رِزْقٌ مَعْلُومٌ » قال البيضاوي : أي معلوم خصائصه من الدوام ، وتمحض اللذة ،
ولذلك فسره بقوله
« فَواكِهُ » فإن الفاكهة ما يقصد للتلذذ ، دون التغذي ، والقوت بالعكس ،
وأهل الجنة لما أعيدوا على خلقة محكمة محفوظة عن التحلل كانت أرزاقهم فواكه خالصة
« وَهُمْ
مُكْرَمُونَ » في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال لا كما عليه رزق الدنيا
. انتهى ، ولا يخفى أن تفسيره عليهالسلام للمعلوم أظهر وأشد انطباقا على اللفظ.
الحديث
السبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « على سبعين وجها » أي على وجه المصلحة والتقية.
قوله
عليهالسلام : « ما يريد سالم مني » الظاهر أن سالما كان يروي هذا على سبيل الذم والإنكار ،
فقال عليهالسلام : ما يريد سالم مني فقد أريته المعجزات الباهرات ، أيريد
__________________
أيريد أن أجيء
بالملائكة والله ما جاءت بهذا النبيون ولقد قال إبراهيم عليهالسلام : « إِنِّي سَقِيمٌ » وما كان سقيما وما كذب ولقد قال إبراهيم عليهالسلام « بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا »
______________________________________________________
أن أجيء بالملائكة
يشهدون لي حتى يصدقني ، والله لم يأت النبيون مع كثرة احتياجهم إلى ظهور الأمر
ووفور المعجزات بمثل هذا ، فلأي شيء لا يصدق بإمامتي ، ولا يصدقني في كل ما أقول :
ثم أجاب عليهالسلام عما توهم سالم من كون هذا النوع من الكلام فيه شوب كذب لا
يليق بالإمام ، بأن مثل هذا صدر عن النبيين ، وليس هذا بكذب ولا قبيح ، بل واجب في
كثير من مقامات الضرورة والمصلحة مثل قوله : « إِنِّي سَقِيمٌ » فإنه عليهالسلام قال هذا على جهة المصلحة ، وأراد معنى آخر غير ما فهموه من
كلامه ، والمشهور أنه عليهالسلام نظر نظرة في النجوم فراعى مواقعها واتصالاتها أو علمها أو
كتابها ولا منع مع أن قصده إبهامهم ، وذلك حين سألوه أن يعبد معهم ، وقال : إني
سقيم أراهم أنه استدل بها ـ لأنهم كانوا منجمين ـ على أنه مشارف للسقم ، لئلا
يخرجوه إلى معبدهم فإنه كان أغلب أسقامهم الطاعون ، وكانوا يخافون العدوي ، أو
أراد إني سقيم القلب لكفركم ، أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجا قل من يخلو منه ،
أو بصدد الموت ، ومنه المثل كفى بالسلامة داء ، وكذا. قوله عليهالسلام : « بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ » وقد قيل فيه وجوه.
قال البيضاوي :
أسند الفعل إليه تجوزا لأن غيظه لما رأى من زيادة تعظيمهم له تسبب لمباشرته إياه ،
أو تقريرا لنفيه مع الاستهزاء ، والتكبيت على أسلوب تعريضي كما لو قال لك من لا
يحسن الخط فيما كتبته بخط رشيق أأنت كتبت هذا؟ فقلت : بل كتبته ، أو حكاية لما
يلزم من مذهبهم جوازه ، وقيل إنه في المعنى متعلق بقوله : « إِنْ كانُوا
يَنْطِقُونَ » وما
__________________
وما فعله وما كذب
ولقد قال يوسف عليهالسلام : « أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » والله ما كانوا سارقين وما كذب.
______________________________________________________
بينهما اعتراض ،
أو إلى ضمير فتى أو إبراهيم ، وقوله : « كَبِيرُهُمْ هذا » مبتدأ وخبر ولذا وقف على فعله ، وأما قول يوسف عليهالسلام « إِنَّكُمْ
لَسارِقُونَ » فقال الشيخ الطبرسي : قيل : إنما قال ذلك بعض من فقد الصاع
من قوم يوسف من غير أمره ، ولم يعلم بما أمر به يوسف من جعل الصاع في رحالهم عن
الجبائي ، وقيل إن يوسف أمر المنادي أن ينادي به ، ولم يرد سرقة الصاع وإنما عنى
به أنكم سرقتم يوسف من أبيه ، وألقيتموه في الجب عن أبي مسلم ، وقيل : إن الكلام
يجوز أن يكون خارجا مخرج الاستفهام ، كأنه قال أإنكم لسارقون؟ فأسقطت الهمزة انتهى ، وقد روى الصدوق في كتاب معاني الأخبار عن أبيه عن محمد بن يحيى عن
محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن صالح بن سعيد عن رجل من أصحابنا عن
أبي عبد الله قال : سألته عن قول الله تعالى في قصة إبراهيم عليهالسلام « قالَ بَلْ فَعَلَهُ
كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » قال : ما فعله كبيرهم ، وما كذب إبراهيم عليهالسلام فقلت وكيف ذاك؟ قال : إنما قال إبراهيم عليهالسلام
«
فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ » إن نطقوا فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم
شيئا. فما نطقوا وما كذب إبراهيم عليهالسلام فقلت قوله عز وجل في يوسف عليهالسلام ، « أَيَّتُهَا الْعِيرُ
إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ » قال : إنهم سرقوا يوسف من أبيه ، ألا ترى أنه قال لهم حين
قال « ما ذا تَفْقِدُونَ
» قالُوا « نَفْقِدُ
صُواعَ الْمَلِكِ » ولم يقل سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه
فقلت : قوله : « إِنِّي
سَقِيمٌ » قال : ما كان إبراهيم سقيما وما كذب ، إنما عنى سقيما في
دينه مرتادا . وقد روي أنه عنى بقوله إني سقيم إني سأسقم ، وكل ميت سقيم
، وقد
__________________
( حديث أبي بصير مع المرأة )
٧١ ـ أبان ، عن
أبي بصير قال كنت جالسا عند أبي عبد الله عليهالسلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن
عليه فقال أبو عبد الله عليهالسلام أيسرك أن تسمع كلامها قال فقلت نعم قال فأذن لها قال
وأجلسني معه على الطنفسة قال ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة فسألته عنهما فقال
لها توليهما قالت فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما قال نعم قالت فإن هذا
الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النواء يأمرني بولايتهما فأيهما
خير وأحب إليك قال هذا والله أحب إلي من كثير النواء وأصحابه إن هذا تخاصم فيقول «
وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ
______________________________________________________
قال الله تعالى
لنبيه صلىاللهعليهوآله : « إِنَّكَ
مَيِّتٌ » أي إنك ستموت ، وقد روي أنه عنى سقيم بما يفعل بالحسين بن علي صلوات الله عليهما.
الحديث
الحادي والسبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « على الطنفسة » قال الجزري : الطنفسة هي بكسر الطاء والفاء وبضمهما وبكسر
الطاء وفتح الفاء : البساط الذي له خمل رقيق .
قوله
عليهالسلام : « هذا والله أحب إلى » أمرها أولا بولاية أبي بكر وعمر تقية ثم لما بلغت في
السؤال أثبت عليهالسلام لعنهما كناية بأن لم يتعرض لقول الرجلين الذين سألت عنهما
، بل قال هذا أي أبو بصير أحب إلى من كثير النواء ، لأن كلامه موجه يقول إن كثير
النواء يفتي ويحكم بين الناس بغير الحق ، ويثبت بالآيات كفره وظلمه وفسقه ، فأشار عليهالسلام في كلامه هذا ضمنا إلى كفر الملعونين ووجوب البراءة منهما بوجهين.
الأول : أن
محبوبية أبي بصير يستلزم صدقه في أمره بالبراءة منهما.
__________________
اللهُ
فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ » « وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » « وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » .
٧٢ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر
بن أبان ، عن عبد الحميد الوابشي ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال
______________________________________________________
والثاني : إن
العلة التي بها أثبت كفر النواء مشترك بينه وبينهما ، فبها تثبت أيضا كفرهما
وظلمهما وفسقهما ، وهذا نوع من معاريض الكلام التي أشار أبو جعفر عليهالسلام إليها في الخبر السابق.
ويحتمل أن يكون
مراده عليهالسلام أن قول هذا أحب إلى لأنه يستدل على كفر أبي بكر وعمر بهذه
الآيات ويخاصم في ذلك كثيرا ويغلب عليه ويخصمه ، لكنه عليهالسلام أدى ذلك بعبارة يكون له منها المخرج بالحمل على المعنى الأولى عند الضرورة.
وقال الفاضل
الأسترآبادي : معناه أن أبا بصير يخاصم علماء العامة من جهتنا بهذه الآيات الشريفة
، وملخص خصومته أن هذه الآيات صريحة في أن من أفتى في واقعة بغير ما أنزل الله
فيها كافر ظالم فاسق ، فعلم من ذلك أن لله تعالى في الأرض دائما رجلا عالما بما
أنزله الله في كل واقعة ، ومن المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما
أنزله الله في كل واقعة ، ومن المعلوم أن أرباب الاجتهادات الظنية غير عالمين بما
أنزله الله في كل واقعة ، ومن ثم تقع بينهم الاختلافات في الفتاوى والأحكام ،
فتعين أن يكون في الأرض دائما رجل لم يكن حكمه من باب الاجتهاد ، بل يكون من باب
الوحي في كل واقعة ، وباتفاق الخصمين غير الأئمة الاثني عشر عليهمالسلام لم يعلم ما أنزله الله في كل واقعة ، فتعين أن يكون منصوبين من عنده تعالى
لأجل الإفتاء والحكم ، والحدود ، وغير ذلك .
الحديث
الثاني والسبعون : مجهول.
__________________
قلت له إن لنا
جارا ينتهك المحارم كلها حتى إنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها فقال سبحان الله وأعظم
ذلك ألا أخبركم بمن هو شر منه قلت بلى قال الناصب لنا شر منه أما إنه ليس من عبد
يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا
أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب وإن المؤمن
ليشفع لجاره وما له حسنة فيقول يا رب جاري كان يكف عني الأذى فيشفع فيه فيقول الله
تبارك وتعالى أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة وما له من حسنة وإن أدنى
المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا فعند ذلك يقول أهل النار : « فَما لَنا مِنْ
شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »
.
٧٣ ـ محمد بن يحيى
، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة ، عن أبي
هارون ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال لنفر عنده وأنا حاضر ما لكم تستخفون بنا قال فقام
إليه رجل من خراسان فقال معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك فقال بلى إنك
أحد من استخف بي فقال معاذ لوجه الله
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ينتهك المحارم » الانتهاك : المبالغة في أخذ الشيء وإتيانه ، أي يبالغ في
خرق محارم الشرع ، وإتيانها.
قوله
: « وأعظم ذلك » أي عد فعل هذا الرجل عظيما وتعجب منه.
قوله
عليهالسلام : « وماله حسنة » أي سوى العقائد الحقة ، ويدل على ثبوت الشفاعة للمؤمنين
أيضا كما تدل عليه كثير من الأخبار .
الحديث
الثالث والسبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « معاذ لوجه الله » المعاذ بفتح الميم : مصدر بمعنى التعوذ والالتجاء أي أمرنا
وشأننا تعوذ بالله من هذا ، فاللام بمعنى الباء.
ويحتمل أن يكون في
الكلام تقدير ، أي نتعوذ بالله خالصا لوجهه من أن نستخف بك.
__________________
أن أستخف بك فقال
له ويحك أولم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك احملني قدر ميل فقد والله
أعييت والله ما رفعت به رأسا ولقد استخففت به ومن استخف بمؤمن فينا استخف وضيع
حرمة الله عز وجل.
٧٤ ـ الحسين بن
محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن الله عز وجل من علينا بأن عرفنا توحيده ثم من علينا بأن
أقررنا ـ بمحمد صلىاللهعليهوآله بالرسالة ثم اختصنا بحبكم أهل البيت نتولاكم ونتبرأ من
عدوكم وإنما نريد بذلك خلاص أنفسنا من النار قال ورققت فبكيت فقال أبو عبد الله عليهالسلام سلني فو الله لا تسألني عن شيء إلا أخبرتك به قال فقال له عبد الملك بن أعين
ما سمعته قالها لمخلوق قبلك قال قلت خبرني عن الرجلين قال ظلمانا حقنا في كتاب
الله عز وجل ومنعا فاطمة ص ميراثها من أبيها وجرى ظلمهما إلى اليوم قال وأشار إلى
خلفه ونبذا كتاب الله وراء ظهورهما.
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ما رفعت به رأسا » كناية عن عدم التوجه إليه والاعتناء بقوله.
قوله
عليهالسلام : « فبنا استخف » هذا نوع من الاستخفاف يستلزمه ارتكاب الكبائر وترك الفرائض
والإخلال بتعظيم ما عظمه الله ولا ينتهي إلى حد الكفر بالله.
الحديث
الرابع والسبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « إلا أخبرتك » أي لا أتقيك لعلمي بإخلاصك وصدقك.
قوله
: « قال : فقال له عبد الملك » أي قال أبان : قال عبد الملك لعبد الرحمن عند ما كان يروي لنا الحديث بعد
وصوله إلى هذا الموضع : ما سمعت الصادق عليهالسلام ، قال مثل هذا الكلام لغيرك ، وإنما خصك به تشريفا
وإكراما.
قوله
: « وأشار » أي أشار عليهالسلام بيده إلى خلفه لبيان كيفية النبذ والطرح وراء ظهورهما ، وهو كناية عن الإعراض
عن الكتاب وترك العمل به.
٧٥ ـ وبهذا
الإسناد ، عن أبان ، عن عقبة بن بشير الأسدي ، عن الكميت بن زيد الأسدي قال دخلت
على أبي جعفر عليهالسلام فقال والله يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه ولكن لك
ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لحسان بن ثابت لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنا قال قلت
خبرني عن الرجلين قال فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال والله يا كميت ما أهريق
محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حله ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما.
٧٦ ـ وبهذا
الإسناد ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي العباس المكي قال
سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول إن عمر لقي عليا ص فقال له أنت الذي تقرأ هذه الآية :
« بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ » وتعرض بي وبصاحبي قال فقال له :
______________________________________________________
الحديث
الخامس والسبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « معك روح القدس » يدل على أن روح القدس ينفث أحيانا في أرواح غير المعصومين عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « ما ذببت عنا » أي رفعت بمدحك عنا استخفاف الجاحدين ، وفيه إشعار برجوع
حسان عن ذلك كما نقل عنه.
قوله
عليهالسلام : « محجمة » المحجمة بالكسر : ما يحجم به أي قدر ما يملأها من الدم أي
كل قليل وكثير أهريق من الدم ظلما فهو بسبب ظلمهما أولا ، وقلب الحجر عن الحجر
كناية عن وضع الأشياء في غير مواضعها ، وتغيير الأحكام الشرعية وإحداث الأمور
المبتدعة.
الحديث
السادس والسبعون : ضعيف.
قوله
تعالى : « بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ » أي أيكم الذي فتن بالجنون ، والباء مزيدة أو بأيكم الجنون ،
على أن المفتون مصدر كالمعقول والمجلود ، أي بأي الفريقين منكم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الجنون أبفريق
المؤمنين أو بفريق الكافرين؟ أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم ، كذا ذكره
البيضاوي .
أقول : تعريضه عليهالسلام بهما لنزول الآية فيهما ، حيث نسبا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الجنون ، حيث قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمير المؤمنين ما قال ، كما رواه محمد بن عباس بن علي
ابن مروان البزاز عن حسن بن محمد عن يوسف بن كليب عن خالد عن حفص ، عن عمرو ابن
حنان عن أبي أيوب الأنصاري قال : « لما أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيد علي عليهالسلام فرفعها ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، قال أناس :
إنما افتتن بابن عمه ، فنزلت الآية « فَسَتُبْصِرُ
وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » .
وروى أمين الدين
الطبرسي عن أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن الضحاك بن مزاحم قال : لما رأت قريش
تقديم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا عليهالسلام وإعظامه له ، نالوا من علي ، وقالوا : قد افتتن به محمد صلىاللهعليهوآله ، فأنزل الله تعالى : « ن وَالْقَلَمِ » إلى قوله : « بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ » وهم النفر الذين قالوا ما قالوا .
وروى الصدوق عن
حسان الجمال « قال : حملت أبا عبد الله عليهالسلام من المدينة إلى مكة فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في
ميسرة المسجد فقال : ذاك موضع قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، ثم نظر إلى الجانب
الآخر فقال : ذاك موضع فسطاط المنافقين عمر وأبي بكر وسالم مولى أبي حنيفة وأبي
عبيدة بن الجراح فلما رأوه رافعا يده قال بعضهم : انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما
عينا مجنون ، فنزل جبرئيل بهذه الآية « وَإِنْ يَكادُ
الَّذِينَ كَفَرُوا » الآية ويحتمل أن يكون
__________________
أفلا أخبرك بآية
نزلت في بني أمية : « فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحامَكُمْ » فقال كذبت بنو أمية أوصل للرحم منك ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وبني عدي
وبني أمية.
٧٧ ـ وبهذا
الإسناد ، عن أبان بن عثمان ، عن الحارث النصري قال سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عز وجل « الَّذِينَ
بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً » قال ما تقولون في ذلك
______________________________________________________
التعريض بأنه عليهالسلام كان يقرأ هذا عليهم ، لبيان نظير مورد الآية أي سيعلمون بعد موتهم ، أنهم
المجانين حيث فعلوا ما يستحقون به عذاب الأبد أم أنا؟ قوله تعالى : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ » أي فهل يتوقع منكم « إِنْ تَوَلَّيْتُمْ » أمور الناس وتأمرتم عليهم أو أعرضتم وتوليتم عن الإسلام « أَنْ تُفْسِدُوا فِي
الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » تناحرا على الولاية وتجاذبا لها أو رجوعا إلى ما كنتم عليه
في الجاهلية من التغاور والمقاتلة مع الأقارب ، والمعنى أنهم لضعفهم في الدين
وحرصهم على الدنيا أحقاء بأن يتوقع ذلك من عرف حالهم ، ويقول لهم : هل عسيتم وهذا
على لغة أهل الحجاز ، فإن بني تميم لا يلحقون به الضمير وخبره أن تفسدوا ، وإن
توليتم اعتراض ، كذا ذكره البيضاوي ، وقد وردت أخبار
كثيرة في نزول تلك الآية في بني أمية لعنهم الله.
وروى محمد بن
العباس بإسناده عن ابن عباس أنه قال : نزلت هذه الآية في بني هاشم وبني أمية .
الحديث
السابع والسبعون : ضعيف.
قوله
تعالى : « بَدَّلُوا
نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً ». قال البيضاوي : أي شكر نعمته كفرا
__________________
قلت نقول هم
الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة قال ثم قال هي والله قريش قاطبة إن الله
تبارك وتعالى خاطب نبيه صلىاللهعليهوآله فقال إني فضلت قريشا على العرب وأتممت عليهم نعمتي وبعثت
إليهم رسولي فبدلوا نعمتي كفرا « وَأَحَلُّوا
قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ».
______________________________________________________
بأن وضعوه مكانه ،
أو بدلوا نفس النعمة كفرا ، فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين
الكفر بدلها ـ ثم قال ـ وعن عمرو على هم الأفجران من قريش بنو المغيرة وبنو أمية ،
أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين
«
وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ » الذين شايعوهم في الكفر
« دارَ
الْبَوارِ » دار الهلاك بحملهم على الكفر .
أقول : قد ورد في
الأخبار الكثيرة أن نعمة الله محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم
فإنهم أعظم نعم الله على الخلق ، وببركتهم وصل جميع النعم الدنيوية والأخروية
إليهم ـ والكفر أعداؤهم ، فإنه منهم نشأ جميع أنواع الكفر والفساد في الأرض ،
فأكثر الأمة اختاروا الكفر بدل الإيمان والنعمة العظمى.
قوله
عليهالسلام : « هم الأفجران من قريش » روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن
عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : سألته عن
قول الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا
نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً » قال : نزلت في الأفجرين من قريش بني أمية وبني المغيرة ،
فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين . ويمكن الجمع بحمل هذه الرواية على أنها ابتداء نزلت فيهما ثم جرت في غيرهما
ممن فعل مثل فعالهما ، أو إنهما العمدة في ذلك ، فلا ينافي دخول غيرهم أيضا فيها ،
وبنو المغيرة هم أولاد المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي وقد آذوا رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيرا ، لكن أكثرهم قتلوا وأسروا في غزاة بدر ، وآذى من
بقي منهم بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم أهل بيته عليهمالسلام كخالد بن الوليد ، وممن قتل
__________________
٧٨ ـ وبهذا
الإسناد ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهالسلام أنهما قالا إن الناس لما كذبوا برسول الله صلىاللهعليهوآله هم الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه
بقوله « فَتَوَلَّ
عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ » ثم بدا له فرحم المؤمنين ثم قال لنبيه صلىاللهعليهوآله : « وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » .
٧٩ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة
الحذاء ، عن ثوير بن أبي فاختة قال سمعت علي بن الحسين عليهالسلام يحدث في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ قال حدثني أبي أنه سمع أباه ـ علي بن أبي طالب عليهالسلام يحدث الناس قال إذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى الناس من حفرهم
______________________________________________________
منهم في بدر أبو
جهل عمرو بن هشام بن المغيرة ، والعاص بن هاشم بن المغيرة خال عمر ، وأبو قيس بن
الوليد أخو خالد ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ،
وممن أسر منهم في بدر خالد بن حسام بن المغيرة ، وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ،
والوليد بن الوليد بن المغيرة.
الحديث
الثامن والسبعون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « فما سواه » أي هالكون وحكم بهلاكهم ، أو فما سواه من أهل البيت.
قوله
عليهالسلام : « ثم بدا له » هذا الخبر يدل على أن آخر الآية ناسخ لأولها ، والمشهور
بين المفسرين أن المراد بالتولي الإعراض عن مجادلتهم ومنازعتهم بعد تكرر الدعوة
عليهم والاقتصار على التذكير والموعظة : « فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » أي من قدر الله إيمانه أو من آمن ، فإنه يزداد بصيرة.
الحديث
التاسع والسبعون : ضعيف.
__________________
عزلا بهما جردا مردا في صعيد واحد يسوقهم النور وتجمعهم الظلمة حتى يقفوا على عقبة
المحشر فيركب بعضهم بعضا ويزدحمون دونها فيمنعون من المضي فتشتد أنفاسهم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « غرلا » قال الجزري : فيه « يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلا
» الغرل : جمع الأغرل وهو الأقلف والغرلة : القلفة .
قوله
عليهالسلام : « بهما » قال الجزري : فيه « يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما
» البهم جمع بهيم ، وهو في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه يعني ليس فيهم شيء
من العاهات والأعراض التي تكون في الدنيا كالعمى والعور والعرج ، وغير ذلك وإنما
هي أجساد مصححة لخلود الأبد في الجنة أو النار.
وقال بعضهم : في
تمام الحديث : قيل : وما البهم؟ قال : ليس معهم شيء يعني من أعراض الدنيا ، وهذا
لا يخالف الأول من حيث المعنى .
أقول : وفي أكثر
نسخ الكتاب « مهلا » ولعل المراد تأنيهم وتأخرهم وحيرتهم والظاهر أنه تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « جردا مردا » قال الجزري : في صفته صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أنه أجرد الأجرد : الذي ليس على بدنه شعر ، ومنه
الحديث أهل الجنة جرد مزد انتهى ومرد بالضم جمع أمرد ، وهو الشاب الذي لم ينبت
لحيته.
قوله
عليهالسلام : « يسوقهم النور » ويجمعهم الظلمة يحتمل وجوها : الأول أن
__________________
ويكثر عرقهم وتضيق
بهم أمورهم ويشتد ضجيجهم وترتفع أصواتهم قال وهو أول هول من أهوال يوم القيامة قال
فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكا من
الملائكة فينادي فيهم يا معشر الخلائق أنصتوا و
______________________________________________________
يكون المراد أن من
خلفهم نور يسوقهم ، لكن ممشاهم في الظلمة ، أو تحيط بهم الظلمة في مواقفهم.
ويؤيده ما روته
العامة بإسنادهم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : يحشر معهم النار يبيت معهم حيث باتوا ، ويقيل
معهم حيث قالوا ، ويصبح معهم حيث أصبحوا ، ويمسي معهم حيث أمسوا .
وفي رواية أخرى ـ في
ذكر أشراط الساعة ـ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنه قال : وآخر ذلك نار يخرج من قعر عدن يرحل الناس ،
وفي رواية تطرد الناس إلى محشرهم .
والثاني : أن يكون
المراد بالنور الملائكة أي تسوقهم الملائكة وهم في الظلمة.
والثالث : أن يكون
المراد أنه إذا حصل لهم نور يمشون فيه ، وإذا أحاطت بهم الظلمة يتحيرون ويقفون.
قوله
عليهالسلام : « ويشتد ضجيجهم » أي صياحهم وأصواتهم.
قوله
عليهالسلام : « في ظلال من الملائكة » يمكن أن يكون إشراف الله تعالى كناية عن توجهه إلى
محاسبتهم ، فالإشراف في حقه تعالى مجاز وفي الملائكة حقيقة.
ويحتمل أن يكون ـ في
ـ سببية أي يشرف عليهم بسبب إرسال طائفة كثيرة من الملائكة يظلون الناس فوق
رؤوسهم.
ويحتمل أيضا أن
يكون المراد بالإشراف أمر الملك بالنداء أي يأمر ملكا
__________________
استمعوا منادي
الجبار قال فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم قال فتنكسر أصواتهم عند ذلك وتخشع أبصارهم
وتضطرب فرائصهم وتفزع قلوبهم ويرفعون رءوسهم إلى ناحية الصوت « مُهْطِعِينَ إِلَى
الدَّاعِ » قال فعند ذلك يقول الكافر : « هذا يَوْمٌ عَسِرٌ » قال فيشرف الجبار عز وجل الحكم العدل عليهم فيقول « أَنَا اللهُ لا إِلهَ
إِلاَّ أَنَا » الحكم العدل الذي لا يجور اليوم أحكم بينكم بعدلي وقسطي لا
يظلم اليوم عندي أحد اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه ولصاحب المظلمة بالمظلمة
بالقصاص من الحسنات والسيئات وأثيب على الهبات ولا يجوز هذه العقبة اليوم عندي
ظالم ولأحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها صاحبها وأثيبه عليها وآخذ له بها عند الحساب
فتلازموا أيها الخلائق واطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا وأنا شاهد لكم
عليهم وكفى بي شهيدا.
قال فيتعارفون
ويتلازمون فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه
______________________________________________________
في ظلال من
الملائكة.
قوله
عليهالسلام : « فرائصهم » قال الفيروزآبادي : الفريص أوداج العنق ، والفريصة واحدته
، واللحمة بين الجنب والكتف ولا تزال ترعد .
قوله
عليهالسلام : « مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ » أي يمدون أعناقهم لسماع صوته ، قال الجوهري : أهطع : إذا مد
عنقه ، وصوب رأسه وأهطع في عدوه أسرع .
قوله
تعالى : « وأثيب على الهبات » أي أثيب وأجزي من
وهب في هذا اليوم مظلمته لمن ظلمه.
قوله
تعالى : « إلا مظلمة يهبها صاحبها » وفي أكثر النسخ لصاحبها ، ولعله من النساخ ، وعليه فالمراد
بصاحب المظلمة الظالم ، وضمير الفاعل في قوله يهبها راجع إلى أحد.
قوله
تعالى : « وآخذ له بها » عطف على جملة ، ولا يجوز أي إن لم يهب
__________________
بها قال فيمكثون
ما شاء الله فيشتد حالهم ويكثر عرقهم ويشتد غمهم وترتفع أصواتهم بضجيج شديد
فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهلها قال ويطلع الله عز وجل على جهدهم فينادي
مناد من عند الله تبارك وتعالى يسمع آخرهم كما يسمع أولهم يا معشر الخلائق أنصتوا
لداعي الله تبارك وتعالى واسمعوا إن الله تبارك وتعالى يقول [ لكم ] أنا الوهاب إن
أحببتم أن تواهبوا فتواهبوا وإن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم قال فيفرحون بذلك
لشدة جهدهم وضيق مسلكهم وتزاحمهم قال فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلصوا مما هم
فيه ويبقى بعضهم فيقول يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها قال فينادي مناد من تلقاء
العرش أين رضوان خازن الجنان جنان الفردوس قال فيأمره الله عز وجل أن يطلع من الفردوس
قصرا من فضة بما فيه من الأبنية والخدم قال فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصائف
والخدم قال فينادي مناد من عند الله تبارك وتعالى يا معشر الخلائق ارفعوا رءوسكم
فانظروا إلى هذا القصر قال فيرفعون رءوسهم فكلهم يتمناه قال فينادي مناد من عند
الله تعالى يا معشر الخلائق هذا لكل من عفا عن مؤمن قال فيعفون كلهم إلا القليل
قال فيقول الله عز وجل لا يجوز إلى جنتي اليوم ظالم ولا يجوز إلى ناري اليوم ظالم
ولأحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب أيها الخلائق استعدوا
للحساب قال ثم يخلى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يكرد بعضهم بعضا حتى ينتهوا إلى
العرصة والجبار تبارك وتعالى على
______________________________________________________
آخذ له بها عند
الحساب.
قوله
عليهالسلام : « أن يطلع » من باب الأفعال أي يظهره لهم.
قوله
عليهالسلام : « في حفافة القصر » أي جوانبه وأطرافه ، قال الجزري : وفيه ظلل الله ، مكان
البيت غمامة ، فكانت حفاف البيت أي محدقة به ، وحفافا الجبل : جانباه .
قوله
عليهالسلام : « يكرد بعضهم بعضا » الكرد : الطرد والدفع.
__________________
العرش قد نشرت
الدواوين ونصبت الموازين وأحضر النبيون والشهداء وهم الأئمة يشهد كل إمام على أهل
عالمه بأنه قد قام فيهم بأمر الله عز وجل ودعاهم إلى سبيل الله قال فقال له رجل من
قريش يا ابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة أي شيء يأخذ
من الكافر وهو من أهل النار قال فقال له علي بن الحسين عليهالسلام يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر فيعذب الكافر بها مع عذابه
بكفره عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة.
قال فقال له
القرشي فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف تؤخذ مظلمته من المسلم قال يؤخذ
للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم فتزاد على حسنات المظلوم قال فقال له
القرشي فإن لم يكن للظالم حسنات قال إن لم يكن للظالم حسنات فإن للمظلوم سيئات
يؤخذ من سيئات المظلوم فتزاد على سيئات الظالم.
٨٠ ـ أبو علي
الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ،
عن أبي أمية يوسف بن ثابت بن أبي سعيدة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنهم قالوا حين دخلوا عليه إنما أحببناكم لقرابتكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله ولما أوجب الله عز وجل من حقكم ما أحببناكم للدنيا نصيبها منكم إلا لوجه الله
والدار الآخرة وليصلح لامرئ منا دينه فقال أبو عبد الله عليهالسلام صدقتم صدقتم ثم قال من أحبنا كان معنا ـ أو جاء معنا يوم القيامة هكذا ثم جمع
بين السبابتين ثم قال والله لو أن رجلا صام النهار
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « والجبار تبارك وتعالى على العرش » أي على عرش العظمة والجلال أو مستولي على العرش أي يأتي
أمره من قبل العرش.
الحديث
الثمانون : موثق.
قوله
: « وليصلح لامرء » أي لكل امرء.
قوله
: « أو جاء معنا » الترديد من الراوي.
قوله
: « بين السبابتين » يحتمل أن يكون المراد السبابة والوسطى على سبيل
وقام الليل ثم لقي
الله عز وجل بغير ولايتنا أهل البيت للقيه وهو عنه غير راض أو ساخط عليه ثم قال
وذلك قول الله عز وجل : « وَما
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا
بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا
يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ
إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ
أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ
______________________________________________________
التغليب.
قوله
: « أو ساخط » الترديد من الراوي.
قوله
تعالى : « وَما
مَنَعَهُمْ » قال أمين الدين الطبرسي أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أي أن
يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله وبرسوله ، وذلك مما يحبط الأعمال ويمنع من
استحقاق الثواب عليها « وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ
كُسالى » أي متثاقلين والمعنى لم يؤدوها على الوجه الذي أمروا أن
يؤدوها على ذلك الوجه « وَلا
يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ » لذلك لأنهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر بالإسلام ،
لا لابتغاء مرضات الله تعالى ، وفي هذا دلالة على أن الكفار مخاطبون بالشرائع ،
لأنه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة والزكاة ، ولو لا وجوبهما عليهم لم يذموا بتركهما
« فَلا
تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ » الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد جميع المؤمنين ، وقيل : يريد لا تعجبك أيها
السامع أي لا تأخذ بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين ، وكثرة أولادهم
ولا تنظر إليهم بعين الإعجاب « إِنَّما
يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا » قد ذكر في معناه وجوه.
أحدهما : أن فيه
تقديما وتأخيرا ، أي لا يسرك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله
ليعذبهم بها في الآخرة عن ابن عباس وقتادة ، فيكون الظرف على هذا متعلقا بأموالهم
وأولادهم ، ومثله قوله تعالى : « فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ
ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ
كافِرُونَ
» ثم قال وكذلك الإيمان لا يضر معه العمل وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل
______________________________________________________
فَانْظُرْ
ما ذا يَرْجِعُونَ » والتقدير فألقه إليهم ، فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم.
وثانيها : إن
معناه إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف وأمرهم
بالإنفاق في الزكاة والغزو فيؤدونها على كره منهم ومشقة إذ لا يرجون به ثوابا في
الآخرة ، فيكون ذلك عذابا لهم عن الحسن والبلخي.
وثالثها : إن
معناه إنما يريد الله ليعذبهم في الدنيا بسببي الأولاد ، وغنيمة الأموال عند تمكن
المؤمنين من أخذها ، وغنمها فيتحسرون عليها ، ويكون ذلك جزاء على كفرهم عن
الجبائي.
ورابعها : إن
المراد يعذبهم بجمعها وحفظها وحبها ، والبخل بها والحزن عليها وكل هذا عذاب ،
وكذلك خروجهم عنها بالموت ، لأنهم يفارقونها ولا يدرون إلى ما ذا يصيرون.
وخامسها : إن
معناه إنما يريد الله ليعذبهم بحفظها ، والمصائب فيها مع حرمان المنفعة بها ، عن
ابن زيد ، واللام في قوله : « لِيُعَذِّبَهُمْ
» يحتمل أن تكون العاقبة بمعنى أن ويحتمل أن يكون لام العاقبة
والتقدير إنما يريد الله أن يملي لهم فيها ليعذبهم « وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ » أي تهلك وتذهب بالموت « وَهُمْ كافِرُونَ » جملة في موضع الحال ، أي حالكونهم كافرين والإرادة تعلقت
بزهوق أنفسهم لا بالكفر ، وهذا كما تقول أريد أن أضربه وهو عاص ، فالإرادة تعلقت
بالضرب لا بالعصيان .
قوله
عليهالسلام : « لا يضر معه العمل » أي بحيث يصير سببا لخلوده في النار أو لعدم استحقاق
الشفاعة والرحمة.
قوله
عليهالسلام : « لا ينفع معه العمل » أي نفعا يوجب خلاصه عن العذاب أو استحقاقه للشفاعة
والمغفرة.
ويحتمل أن يكون
المراد بالعمل هنا العبادات لاشتراطها بالإيمان.
__________________
ثم قال إن تكونوا
وحدانيين فقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له وكان أول من استجاب له
علي بن أبي طالب عليهالسلام وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
٨١ ـ علي بن
إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس قال قال أبو عبد الله عليهالسلام لعباد بن كثير البصري الصوفي ويحك يا عباد غرك أن عف بطنك وفرجك إن الله عز
وجل يقول في كتابه « يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمالَكُمْ » اعلم أنه لا يتقبل الله منك شيئا حتى تقول قولا عدلا.
٨٢ ـ يونس ، عن
علي بن شجرة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال لله عز وجل في بلاده خمس حرم حرمة رسول الله صلىاللهعليهوآله وحرمة آل رسول الله صلىاللهعليهوآله وحرمة كتاب الله
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أن تكونوا وحدانيين » أي منفردين في هذا الأمر لا يشارككم فيه الناس ، فقد كان
رسول الله في كثير من الأزمنة متفردا بالحق ما كان معه إلا قليل.
قوله
عليهالسلام : وقد قال : أي عند استجابته له في أول الأمر.
الحديث
الحادي والثمانون : صحيح ظاهرا.
لكن فيه شائبة
إرسال إذ الظاهر أنه يونس بن عبد الرحمن ولم تعهد روايته عن الصادق عليهالسلام ، ويحتمل على بعد أن يكون ابن يعقوب فيكون الخبر موثقا لكن رواية محمد بن
عيسى عنه غير معهودة.
قوله
عليهالسلام : « حتى تقول قولا عدلا » فسر عليهالسلام القول السديد بالاعتقاد الصحيح ولما كان هذا الصوفي
المبتدع منحرفا عن ناحية أهل البيت عليهمالسلام غير قائل بإمامتهم نبهه عليهالسلام على أنه لا ينفعه أعماله مع تلك العقيدة ، فإن قبول
الأعمال مشروط بصحة العقائد.
الحديث
الثاني والثمانون : صحيح.
والحرمة : ما يجب احترامه وإكرامه على الخلق لوجهه تعالى
عز وجل وحرمة كعبة
الله وحرمة المؤمن.
٨٣ ـ عدة من
أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن محمد بن القاسم ، عن علي بن
المغيرة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال سمعته يقول إذا بلغ المؤمن أربعين سنة آمنه الله من
الأدواء الثلاثة البرص والجذام والجنون فإذا بلغ الخمسين خفف الله عز وجل حسابه
فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء فإذا بلغ
الثمانين أمر الله عز وجل بإثبات حسناته وإلقاء سيئاته فإذا بلغ التسعين غفر الله
تبارك وتعالى له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وكتب أسير الله في أرضه وفي رواية أخرى
فإذا بلغ المائة فذلك أرذل العمر.
٨٤ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن داود ، عن سيف ، عن أبي بصير
قال قال أبو عبد الله عليهالسلام إن العبد لفي فسحة من أمره ما بينه وبين أربعين سنة فإذا
بلغ أربعين سنة أوحى الله عز وجل إلى ملكيه قد عمرت عبدي هذا عمرا فغلظا وشددا
وتحفظا واكتبا عليه قليل عمله وكثيره وصغيره وكبيره.
٨٥ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الوباء يكون في ناحية المصر فيتحول
______________________________________________________
الحديث
الثالث والثمانون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « آمنه الله من الأدواء الثلاثة » لعل هذا محمول على الغالب ، أو مخصوص بالمؤمن الكامل.
قوله
عليهالسلام : « فذلك أرذل العمر » أي أخسه ، يعني سن الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان
القوة والعقل وحده بعض المفسرين بخمس وتسعين ، وبعضهم بخمس وسبعين.
الحديث
الرابع والثمانون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « لفي فسحة » أي في سعة من عفو الله وغفرانه.
الحديث
الخامس والثمانون : حسن.
الرجل إلى ناحية
أخرى أو يكون في مصر فيخرج منه إلى غيره فقال لا بأس إنما نهى رسول الله صلىاللهعليهوآله عن ذلك لمكان ربيئة كانت بحيال العدو فوقع فيهم الوباء فهربوا منه فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله الفار منه كالفار من الزحف كراهية أن يخلو مراكزهم.
٨٦ ـ علي ، عن
أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي مالك الحضرمي ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه التفكر في الوسوسة في
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لمكان ربيئة » على وزن فعيلة بالهمز وهي العين ، والطليعة الذي ينظر
للقوم لئلا يدهمهم عدو ، وفي أكثر النسخ « الربية » وهو تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « أن يخلو مراكزهم » قال الجوهري : مركز الرجل : موضعه.
الحديث
السادس والثمانون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « التفكر في الوسوسة في الخلق » الظاهر أن المراد التفكر فيما يحصل في نفس الإنسان من
الوساوس في خالق الأشياء وكيفية خلقها وخلق أعمال العباد والتفكر في الحكمة في خلق
بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس ، وحصول شك بسببها.
كما رواه المؤلف
عن محمد بن حمران « قال : سألت أبا عبد الله عن الوسوسة فقال : لا شيء فيها
تقول : لا إله إلا الله ».
وروي عن جميل بن
دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : قلت له : إنه يقع في قلبي أمر عظيم فقال قل لا إله
إلا الله » فقال جميل : فكلما وقع في قلبي شيء ، قلت لا إله إلا الله فذهب عني.
وروي عن محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله : هلكت ، فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : أتاك الخبيث فقال لك من خلقك؟ فقلت : الله ، فقال لك : الله من خلقه؟ فقال
: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا ، فقال
__________________
الخلق والطيرة
والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده
______________________________________________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ذاك والله محض الإيمان » قال ابن أبي عمير : فحدثت بذلك عبد ـ الرحمن بن
الحجاج فقال : حدثني أبو عبد الله عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما عني بقوله هذا « والله محض الإيمان » خوفه أن يكون قد
هلك ، حيث عرض له ذلك في قلبه.
وقد روت العامة في
صحاحهم « أنه سئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، عن الوسوسة فقال : تلك محض الإيمان » وفي رواية أخرى
يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا وكذا حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغ فليستعذ
بالله وبنبيه ، وقيل : المراد بالخلق المخلوقات ، وبالتفكر فيهم بالوسوسة التفكر ،
وحديث النفس بعيوبهم وتفتيش أحوالهم والأول أصوب كما عرفت. لكن يؤيد الثاني ما
سننقله عن الجزري.
قوله
عليهالسلام : « والطيرة » قال الجوهري : الطيرة مثال العنبة : هو ما يتشاءم به من
الفال الرديء.
وفي الحديث « إنه
كان يحب الفال ، ويكره الطيرة » وقال الجزري : وفيه « لا عدوى ولا طيرة » الطيرة بكسر
الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن : هي التشاؤم بالشيء ، وهو مصدر تطير يقال : تطير
طيرة وتخير خيرة ، ولم يجيء من المصادر ، هكذا غيرهما ، وأصله فيما يقال : التطير
بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما.
وكان ذلك يصدهم عن
مقاصدهم ، فنفاه الشرع ، وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو
دفع ضر ، وقد تكرر ذكرها في الحديث اسما وفعلا. ومنه الحديث ثلاث لا يسلم أحد منهن
الطيرة والحسد والطن. قيل فما
__________________
٨٧ ـ محمد بن يحيى
، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد الجوهري ، عن
علي بن أبي حمزة ، عن أبي إبراهيم عليهالسلام قال قال لي إني لموعوك منذ سبعة أشهر ولقد وعك ابني اثني
عشر شهرا وهي تضاعف علينا أشعرت أنها لا تأخذ في الجسد كله وربما أخذت في أعلى
الجسد ولم تأخذ في أسفله وربما أخذت في أسفله ولم تأخذ في أعلى الجسد كله قلت جعلت
فداك إن أذنت لي حدثتك
______________________________________________________
نصنع؟ قال : إذا
تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق » انتهى. أقول : فالمراد بها هاهنا إما انفعال النفس عن ما يتشاءم به ، أو
تأثيرها واقعا ، وحصول مقتضاها ، ويظهر من الأخبار أنها إنما تؤثر مع تأثر النفس
بها ، وعدم التوكل على الله.
قوله
عليهالسلام : « والحسد » ظاهره أن الحسد المركوز في الخاطر إذا لم يظهره الإنسان
ليس بمعصية. وإلا فلا يمكن اتصاف الأنبياء به ، ويمكن أن يكون المراد به ما يعم
الغبطة ، وقيل : المراد أن الناس يحسدونهم ، وكذا في الأوليين وظواهر الأخبار تأبى
عنه كما لا يخفى.
الحديث
السابع والثمانون : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « إني لموعوك » قال الجزري : الوعك : الحمى ، وقيل ألمها. وقد وعكه المرض
فهو موعوك .
قوله
عليهالسلام : « أشعرت على البناء » للمجهول أو على صيغة الخطاب المعلوم مع همزة الاستفهام ، أي
هل أحسست بذلك ، ولعل مراده عليهالسلام أن الحرارة قد تظهر آثارها في أعالي الجسد ، وقد تظهر في
أسافلها.
__________________
بحديث عن أبي بصير
عن جدك أنه كان إذا وعك استعان بالماء البارد فيكون له ثوبان ثوب في الماء البارد
وثوب على جسده يراوح بينهما ثم ينادي حتى يسمع صوته على باب الدار يا فاطمة بنت
محمد فقال صدقت قلت جعلت فداك فما وجدتم للحمى عندكم دواء فقال ما وجدنا لها عندنا
دواء إلا الدعاء والماء البارد إني اشتكيت فأرسل إلي محمد بن إبراهيم بطبيب له
فجاءني بدواء فيه قيء فأبيت أن أشربه لأني إذا قيئت زال كل مفصل مني.
٨٨ ـ الحسين بن
محمد الأشعري ، عن محمد بن إسحاق الأشعري ، عن بكر بن محمد الأزدي قال قال أبو عبد
الله عليهالسلام حم رسول الله صلىاللهعليهوآله فأتاه جبرئيل عليهالسلام فعوذه فقال بسم الله أرقيك يا محمد وبسم الله أشفيك وبسم
الله من كل داء يعييك بسم الله
______________________________________________________
قوله
: « ثم ينادي » لعل نداءه عليهالسلام كان لاستشفائه بها صلى الله عليها.
قوله
عليهالسلام : « قيئت » على البناء للمجهول من باب التفعيل ، يقال : قاء الرجل
وقياه غيره ، قوله عليهالسلام
« زال كل مفصل مني » أي لا أقدر لكثرة الضعف على القيء.
أقول : هذا الخبر
يدل : على أن بيان كيفية المرض ومدته وشدته ليس بشكاية.
الحديث
الثامن والثمانون : مجهول.
لكن الظاهر [ أنه
] أحمد بن إسحاق ، إذ هو يروي عن بكر بن محمد كثيرا ، فالخبر صحيح على الظاهر ،
ويؤيده أن الحميري ، رواه في قرب الإسناد ، عن أحمد بن
إسحاق عن بكر بن محمد ، قوله
: « بسم الله أرقيك » قال في المصباح المنير : رقيته أرقيه رقيا من باب رمي عوذته بالله.
قوله
: « وبسم الله من كل داء يعنيك » أي أعيذك أو أرقيك أو أشفيك من كل داء.
__________________
والله شافيك بسم
الله خذها فلتهنيك « بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ » لتبرأن بإذن الله قال بكر وسألته عن رقية الحمى فحدثني بهذا.
٨٩ ـ أبو علي
الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من قال « بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثلاث مرات كفاه الله
عز وجل تسعة وتسعين نوعا من أنواع البلاء أيسرهن الخنق.
٩٠ ـ حميد بن زياد
، عن الحسن بن محمد الكندي ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان بن عثمان ، عن
نعمان الرازي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال انهزم الناس يوم
______________________________________________________
قال في النهاية : فيه « أتاه جبرئيل فقال : بسم الله أرقيك من كل داء يعنيك » أي يقصدك يقال
: عنيت فلانا عنيا إذا قصدته ، وقيل : معناه من كل داء يشغلك ، يقال : هذا أمر لا
يعنيني ، أي لا يشغلني ويهمني انتهى. وفي بعض النسخ يعييك من الإعياء.
قوله
عليهالسلام : « بِمَواقِعِ النُّجُومِ » أي بمساقطها وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها ،
والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره ، أو بمنازلها ومجاريها ، وقيل النجوم
القرآن ، ومواقعها أوقات نزولها.
قوله
: « عن رقية الحمى » قال الجزري : الرقية : العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة ، كالحمى
والصرع وغير ذلك من الآفات.
الحديث
التاسع والثمانون : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أيسرهن الخنق » أي الموت بالخناق.
الحديث
التسعون : مجهول.
__________________
أحد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فغضب غضبا شديدا قال وكان إذا غضب انحدر عن جبينه مثل اللؤلؤ من العرق قال
فنظر فإذا علي عليهالسلام إلى جنبه فقال له الحق ببني أبيك مع من انهزم عن رسول الله
فقال يا رسول الله لي بك أسوة قال فاكفني هؤلاء فحمل فضرب أول من لقي منهم فقال
جبرئيل عليهالسلام إن هذه لهي المواساة يا محمد فقال إنه مني وأنا منه فقال
جبرئيل عليهالسلام وأنا منكما يا محمد فقال أبو عبد الله عليهالسلام
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « لي بك أسوة » قال في المصباح : الأسوة بكسر
الهمزة وضمها : القدوة ، وتأسيت به اقتديت ، وآسيته بنفسي بالمد سويته ، ويجوز
إبدال الهمزة واوا في لغة اليمن ، فيقال : واسيته.
أقول : مضمون تلك
الرواية من المشهورات بين الخاصة والعامة ، قال ابن أبي الحديد : روى أبو عمر ومحمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب ورواه أيضا
محمد بن حبيب في أماليه أن رسول الله لما فر معظم أصحابه عنه يوم أحد كثرت عليه
كتائب المشركين وقصدته كتيبة من بني كنانة ، ثم من بني عبد مناف بن كنانة فيها بنو سفيان بن عويف وهم خالد بن ثعلب وأبو الشعثاء بن سفيان وأبو الحمراء بن سفيان وغراب بن سفيان فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ، يا علي اكفني هذه الكتيبة ، فحمل عليها وإنها لتقارب خمسين فارسا ، وهو عليهالسلام راجل فما زال يضربها بالسيف فتفرق عنه ثم تجتمع
عليه ، هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة وتمام العشرة منها ممن لا
يعرف بأسمائهم فقال جبرئيل عليهالسلام لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن هذه المواساة ، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا
الفتى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : وما يمنعه وهو مني وأنا منه : فقال جبرئيل : وأنا منكما
، قال : وسمع
__________________
فنظر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى جبرئيل عليهالسلام على كرسي من ذهب بين السماء والأرض وهو يقول لا سيف إلا ذو
الفقار ولا فتى إلا علي.
٩١ ـ حميد بن زياد
، عن عبيد الله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمد بن زياد بن
عيسى بياع السابري ، عن أبان بن عثمان قال حدثني فضيل البرجمي قال كنت بمكة وخالد
بن عبد الله أمير وكان في المسجد عند زمزم فقال ادعوا لي قتادة قال فجاء شيخ أحمر
الرأس واللحية فدنوت لأسمع فقال خالد يا قتادة أخبرني بأكرم وقعة كانت في العرب
وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب فقال أصلح الله الأمير أخبرك
بأكرم وقعة كانت في العرب وأعز وقعة كانت في العرب وأذل وقعة كانت في العرب واحدة
قال خالد ويحك واحدة قال نعم أصلح الله
______________________________________________________
ذلك اليوم صوت من
قبل السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا « لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى
إلا علي » فسئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عنه فقال هذا جبرئيل عليهالسلام » قلت : وقد روى
هذا الخبر جماعة من المحدثين ، وهو من الأخبار المشهورة ، ووقفت عليه في بعض نسخ
مغازي محمد بن إسحاق ، ورأيت بعضها خاليا عنه ، وسألت شيخي عبد الوهاب بن سكينة عن
هذا الخبر ، فقال : خبر صحيح ، فقلت له : فما بال الصحاح لم تشتمل عليه ، قال : أو
كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح؟ كم قد أهمل جامعوا الصحاح من الأخبار
الصحيحة. انتهى كلامه.
الحديث
الحادي والتسعون : ضعيف.
قوله
: « ادعوا لي قتادة » هو من أكابر محدثي العامة من تابعي العامة البصرة ، روي عن أنس وأبي الطفيل وسعد بن المسيب والحسن البصري ، قوله : « إن كان في
العرب يومئذ من هو أعز منهم » لعله لعنه الله حملته الحمية والكفر على أن يتعصب للمشركين بأنهم لم يذلوا
بقتل هؤلاء ، بل كان فيهم أعز منهم ، أو غرضه الحمية لأبي سفيان وسائر بني أمية ،
وخالد بن الوليد فإنهم
__________________
الأمير قال أخبرني
قال بدر قال وكيف ذا قال إن بدرا أكرم وقعة كانت في العرب بها أكرم الله عز وجل
الإسلام وأهله وهي أعز وقعة كانت في العرب بها أعز الله الإسلام وأهله وهي أذل
وقعة كانت في العرب فلما قتلت قريش يومئذ ذلت العرب فقال له خالد كذبت لعمر الله
إن كان في العرب يومئذ من هو أعز منهم ويلك يا قتادة أخبرني ببعض أشعارهم قال خرج
أبو جهل يومئذ وقد أعلم ليرى مكانه وعليه عمامة حمراء وبيده ترس مذهب وهو يقول :
ما تنقم الحرب
الشموس مني
|
|
بازل عامين حديث
السن
|
لمثل هذا ولدتني
أمي
|
______________________________________________________
كانوا يومئذ بين
المشركين ، ويحتمل أن يكون مراده أن غلبة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
وهو سيد العرب كان
يكفي لعزهم ولم يذلوا بفقد هؤلاء.
قوله
: « وقد أعلم » أي جعل لنفسه أو لفرسه علامة يعلم بها ، قال الفيروزآبادي : أعلم الفرس : أي
علق عليه صوفا ملونا في الحرب ونفسه وسمها بسيماء الحرب كعلمها. وقال الجوهري : أعلم الفارس جعل لنفسه علامة الشجعان ، فهو معلم. قوله : «
ما تنقم » إلى آخره ، قال
الجوهري : نقمت على الرجل أنقم بالكسر فأنا ناقم إذا عتبت عليه ، يقال : ما نقمت
منه إلا الإحسان .
وقال الكسائي :
نقمت بالكسر لغة ، ونقمت الأمر أيضا ونقمته إذا كرهته وانتقم الله منه أي عاقبه ،
وقال : شمس الفرس
شموسا وشماسا أي منع ظهره ،
وهو فرس شموس وبه شماس ورجل شموس صعب الخلق.
__________________
فقال كذب عدو الله
إن كان ابن أخي لأفرس منه يعني خالد بن الوليد وكانت أمه قشيرية ويلك يا قتادة من
الذي يقول أوفي بميعادي وأحمي عن حسب فقال أصلح الله الأمير ليس هذا يومئذ هذا يوم
أحد خرج طلحة بن أبي طلحة وهو ينادي من
______________________________________________________
وقال الفيروزآبادي
: نقم منه كضرب وعلم وانتقم : عاقبه .
أقول : الظاهر أن
كلمة « ما » للاستفهام ، ويحتمل على بعد أن تكون نافية ، وما لهما واحد ، أي لا
يقدر عليها بسهولة ، ولا تطيع المرء فيما يريد منها أن تنتقم مني أو أن تعييني أو
تظهر عيبي.
قوله
: « بازل عامين حديث السن » الظاهر أنهما حالان عن الضمير المجرور في قوله مني.
وقد روي هذا عن
أمير المؤمنين أيضا هكذا
قد عرف الحرب
العوان أني
|
|
بازل عامين حديث
السن
|
سنحنح الليل
كأني جني
|
|
أستقبل الحرب
بكل فن
|
معي سلاحي ومعي
مجني
|
|
و صارم يذهب كل
ضغن
|
أمض به كل عدو
عني
|
|
لمثل هذا ولدتني
أمي
|
وقال الجزري :
ومنه حديث علي بن أبي طالب « بازل عامين حديث السن » البازل من الإبل ، الذي تم
لها ثمان سنين ودخل في التاسعة ، وحينئذ يطلع نابه وتكمل قوته ، ثم يقال له بعد
ذلك : بازل عام وبازل عامين يقول : أنا مستجمع الشباب مستكمل القوة. .
قوله
عليهالسلام : « وكانت أمه قشيرية » أي لذلك قال ابن
أخي ، لأن خالدا كانت أمه من قبيلته ، والأصوب ما في بعض النسخ قسيرية ، لأن خالد
بن عبد الله مشهور
__________________
يبارز فلم يخرج
إليه أحد فقال إنكم تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونحن نجهزكم بأسيافنا
إلى الجنة فليبرزن إلي رجل يجهزني بسيفه إلى النار وأجهزه بسيفي إلى الجنة فخرج
إليه علي بن أبي طالب عليهالسلام وهو يقول :
أنا ابن ذي
الحوضين عبد المطلب
|
|
و هاشم المطعم
في العام السغب
|
أوفي بميعادي
وأحمي عن حسب
|
فقال خالد لعنه
الله كذب لعمري والله أبو تراب ما كان كذلك فقال الشيخ أيها الأمير ائذن لي في
الانصراف قال فقام الشيخ يفرج الناس بيده وخرج وهو يقول زنديق ورب الكعبة زنديق
ورب الكعبة.
______________________________________________________
بالقسري كما مر في
صدر الحديث أيضا.
قوله
: « إنكم تجهزونا » التجهيز إعداد ما يحتاج إليه المسافر أو العروس أو الميت ، ويحتمل أن يكون من
قولهم أجهز على الجريح أي أثبت قتله وأسرعه وتمم عليه.
قوله
عليهالسلام : « أنا ابن ذي الحوضين » يعني اللتين صنعهما عبد المطلب عند زمزم لسقاية الحاج.
قوله
عليهالسلام : « في العام السغب » الظاهر أنه بكسر الغين أي عام القحط والمجاعة : قال
الفيروزآبادي : سغب كفرح ونصر : جاع أو لا يكون إلا مع تعب ، فهو ساغب وسغبان
وسغب.
قوله
عليهالسلام : « أو في بميعادي » أي مع الرسول في نصرة.
قوله
عليهالسلام : « وأحمي عن حسب » أدفع العار عن أحسابي ، وأحساب آبائي ، ويحتمل على بعد أن
يقرأ بكسر السين أي عن ذي حسب هو الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
( حديث آدم عليهالسلام مع الشجرة )
٩٢ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليهالسلام أن لا يقرب هذه الشجرة فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها نسي
فأكل منها وهو قول الله عز وجل
______________________________________________________
حديث
آدم عليهالسلام مع
الشجرة
الحديث
الثاني والتسعون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « نسي فأكل منها » اعلم أن أقوى شبه المخطئين لأنبياء الله الظواهر الدالة
على عصيان آدم وحملوها على ظواهرها بناء على أصلهم من عدم وجوب عصمة الأنبياء عليهمالسلام ، وضبط القول في ذلك أن الاختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة.
أحدها : ما يقع في
باب العقائد ، وثانيها : ما يقع في التبليغ ، وثالثها : ما يقع في الأحكام والفتيا
، ورابعها : في أفعالهم وسيرهم ، أما الكفر والضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأمة
على عصمتهم عنهما قبل النبوة وبعدها ، غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم
الذنب ، وكل ذنب عندهم كفر ، فلزمهم تجويز الكفر عليهم ، بل يحكى عنهم أنهم قالوا
: يجوز أن يبعث الله نبيا علم أنه يكفر بعد نبوته ، وأما النوع الثاني وهو ما
يتعلق بالتبليغ ، فقد اتفقت الأمة بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم
عن الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمدا وسهوا ، إلا القاضي أبا بكر فإنه جوز
ما كان من ذلك على سبيل النسيان ، وفلتأت اللسان.
وأما النوع الثالث
: وهو ما يتعلق بالفتياء ، فأجمعوا على أنه لا يجوز خطاؤهم فيه عمدا وسهوا إلا شر
ذمة قليلة من العامة.
.................................................................................................
______________________________________________________
وأما النوع الرابع
: وهو الذي يقع في أفعالهم فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال.
الأول : مذهب
أصحابنا الإمامية وهو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة ، ولا عمدا ولا
نسيانا ولا لخطأ في التأويل ، ولا للإسهاء من الله تعالى ، ولم يخالف فيه إلا
الصدوق وشيخه محمد بن الحسن الوليد رحمهما الله تعالى ، فإنهما جوزا الإسهاء ، لا
السهو الذي يكون من الشيطان ، وكذا القول في الأئمة الطاهرين.
الثاني : أنه لا
يجوز عليهم الكبائر ، ويجوز عليهم الصغائر إلا الصغائر الخسيسة المنفرة كسرقة حبة
ولقمة ، وكل ما ينسب فاعله إلا الدناءة والضعة ، وهذا قول أكثر المعتزلة.
الثالث : أنه لا
يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة على جهة التأويل أو السهو وهو قول أبي على
الجبائي.
الرابع : أنه لا
يقع منهم الذنب إلا على جهة السهو والخطإ ، لكنهم مأخوذون بما يقع منهم سهوا وإن
كان موضوعا عن أمتهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم ، وكثرة دلالتهم وإنهم يقدرون من
التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم وهو قول النظام وجعفر بن مبشر ومن تبعهما.
الخامس : أنه يجوز
عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا وخطأ ، وهو قول الحشوية وكثير من أصحاب الحديث
من العامة ، ثم اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال : الأول : أنه من وقت
ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه وهو مذهب أصحابنا الإمامية.
الثاني : أنه من
حين بلوغهم ، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوة
.................................................................................................
______________________________________________________
وهو مذهب كثير من
المعتزلة.
الثالث : أنه وقت
النبوة ، وأما قبله فيجوز صدور المعصية عنهم ، وهو قول أكثر الأشاعرة ، ومنهم
الفخر الرازي ، وبه قال أبو هذيل وأبو علي الجبائي من المعتزلة.
إذا عرفت هذا
فاعلم أن العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمة عليهمالسلام عن كل ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوة وبعدها قول أئمتنا « سلام الله عليهم »
بذلك ، المعلوم لنا قطعا بإجماع أصحابنا مع تأيده بالنصوص المتظافرة ، حتى صار ذلك
من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية. وقد استدل عليه أصحابنا بالدلائل العقلية وقد
أوردنا بعضها في شرح كتاب الحجة ، ومن أراد تفصيل القول في ذلك فليرجع إلى كتاب الشافي وكتاب تنزيه الأنبياء وغيرهما من كتب أصحابنا.
والجواب مجملا :
عما استدل به المخطئون من إطلاق لفظ العصيان والذنب فيما صدر عن آدم عليهالسلام هو أنه لما قام الدليل على عصمتهم نحمل هذه الألفاظ على ترك لمستحب والأولى ،
أو فعل المكروه مجازا ، والنكتة فيه كون ترك الأولى ومخالفة الأمر الندبي وارتكاب
النهي التنزيهي منهم ، مما يعظم موقعه لعلو درجتهم وارتفاع شأنهم ، وأما النسيان
الوارد في هذه الآية فقد ذكر جماعة من المفسرين أن المراد به الترك ، وقد ورد في
كثير من الأخبار أيضا.
منها ما رواه علي
بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن المفضل بن
صالح عن جابر عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله « وَلَقَدْ عَهِدْنا
إِلى آدَمَ »
__________________
« وَلَقَدْ عَهِدْنا
إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً » فلما أكل آدم عليهالسلام من الشجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم وولد
له قابيل وأخته توأم ثم إن آدم عليهالسلام أمر هابيل وقابيل أن يقربا قربانا وكان هابيل صاحب غنم
وكان قابيل صاحب زرع فقرب هابيل كبشا من أفاضل غنمه وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق
فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول الله عز وجل : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ
نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ
أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ » إلى آخر الآية وكان القربان تأكله النار فعمد قابيل إلى
النار فبنى لها بيتا وهو أول من بنى بيوت النار فقال لأعبدن هذه النار حتى تتقبل
مني قرباني ثم إن إبليس لعنه الله أتاه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق
فقال له يا قابيل قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك وإنك إن تركته يكون له عقب
يفتخرون على عقبك ويقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه فاقتله كيلا يكون له عقب
يفتخرون على عقبك فقتله فلما رجع قابيل إلى آدم عليهالسلام قال له يا قابيل أين هابيل فقال اطلبه حيث قربنا القربان
فانطلق آدم عليهالسلام فوجد هابيل قتيلا فقال آدم عليهالسلام لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل وبكى آدم عليهالسلام على هابيل أربعين ليلة ثم إن آدم سأل ربه ولدا فولد له غلام فسماه هبة الله
لأن الله عز وجل وهبه له وأخته توأم.
______________________________________________________
الآية ، قال : عهد
إليه في محمد والأئمة من بعده ، فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا وأنهم سموا
أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد وأوصيائه من بعده والقائم عليهالسلام وسيرته ، فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك.
وقال الجزري وأصل
النسيان الترك . وقال البيضاوي : « وَلَقَدْ عَهِدْنا
إِلى آدَمَ » ولقد أمرناه يقال : تقدم الملك إليه أوعز إليه وعزم عليه
وعهد إليه إذا أمره ، واللام جواب قسم محذوف « مِنْ قَبْلُ » هذا الزمان « فَنَسِيَ » العهد ، ولم
__________________
فلما انقضت نبوة
آدم عليهالسلام واستكمل أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا آدم قد انقضت
نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم
وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك عند هبة الله فإني لن أقطع العلم والإيمان
والاسم الأكبر وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلا
وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح
وبشر آدم بنوح عليهالسلام فقال إن الله تبارك وتعالى باعث نبيا اسمه نوح وإنه يدعو
إلى الله عز ذكره ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان وكان بين آدم وبين نوح عليهالسلام عشرة آباء أنبياء وأوصياء كلهم وأوصى آدم عليهالسلام إلى هبة الله أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق
به فإنه ينجو من الغرق ثم إن آدم عليهالسلام مرض المرضة التي مات فيها فأرسل هبة الله وقال له إن لقيت
جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه مني السلام وقل له يا جبرئيل إن أبي يستهديك
من ثمار الجنة فقال له جبرئيل يا هبة الله إن أباك قد قبض وإنا نزلنا للصلاة عليه
فارجع فرجع فوجد آدم عليهالسلام قد قبض فأراه جبرئيل كيف يغسله فغسله حتى إذا بلغ الصلاة
عليه قال هبة الله يا جبرئيل تقدم فصل على آدم فقال له جبرئيل إن الله عز وجل
أمرنا أن نسجد لأبيك آدم وهو في الجنة فليس لنا أن نؤم شيئا من ولده فتقدم هبة
الله فصلى على أبيه
______________________________________________________
يعن به حتى غفلة أو ترك ما وصى به من الاحتراز عن الشجرة
« وَلَمْ
نَجِدْ لَهُ عَزْماً » تصميم رأي وثبات على الأمر إذ لو كان ذا عزم وتصلب لم يزله
الشيطان ، ولم يستطع تغريره ، انتهى. قوله تعالى : « قد قضيت » على صيغة الخطاب المعلوم أو على صيغة الغيبة المجهول
والأول أظهر ، وكذا الفعل الثاني يجري فيه الاحتمالان قوله تعالى : « والاسم
الأكبر » أي الأسماء
العظام أو كتب الأنبياء وعلومهم كما فسر به في خبر تقدم في كتاب الحجة .
__________________
وجبرئيل خلفه
وجنود الملائكة وكبر عليه ثلاثين تكبيرة فأمر جبرئيل عليهالسلام فرفع خمسا وعشرين تكبيرة والسنة اليوم فينا خمس تكبيرات
وقد كان يكبر على أهل بدر تسعا وسبعا ثم إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل فقال
يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا وهو العلم
الذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على
عقبي فيقولون نحن أبناء الذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فإنك إن أظهرت
من العلم الذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل فلبث هبة الله والعقب
منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث النبوة وآثار علم
النبوة حتى بعث الله نوحا عليهالسلام وظهرت وصية هبة الله حين نظروا في وصية آدم عليهالسلام فوجدوا نوحا عليهالسلام نبيا قد بشر به آدم عليهالسلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه وقد كان آدم عليهالسلام وصى هبة الله أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يوم عيدهم فيتعاهدون
نوحا وزمانه الذي يخرج فيه وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآله وإنما عرفوا نوحا بالعلم
الذي عندهم وهو قول الله عز وجل : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ » إلى آخر الآية وكان من بين آدم
ونوح من الأنبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فرفع خمسا وعشرين تكبيرة » أي وجوبه ، أو عموم مشروعيته فلا ينافي ما فعله الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض الموارد ، لبعض الخصوصيات ، ويحتمل أن يكون السبع والتسع للتشريك في
الصلاة لجنازة أخرى أحضرت بعد الرابعة أو بعد الثانية.
قوله
عليهالسلام : « أن يتعاهد » التعاهد المحافظة ، وتجديد العهد والمواظبة ، وأما أولها
كي لا تندرس ولا تنسى.
قوله
عليهالسلام : « فيتعاهدون » أي المؤمنون بعضهم مع بعض مستخفين من قابيل وأتباعه.
قوله
عليهالسلام : « من الأنبياء » أي كثير منهم أو جماعة منهم.
__________________
سمي من استعلن من
الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وهو قول الله عز وجل ـ « وَرُسُلاً قَدْ
قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ » يعني لم أسم المستخفين كما سميت المستعلنين من الأنبياء عليهمالسلام.
فمكث نوح عليهالسلام في قومه « أَلْفَ
سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً » لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء عليهمالسلام الذين كانوا بينه وبين آدم عليهالسلام وذلك قول الله عز وجل : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ » يعني من كان بينه وبين آدم عليهالسلام إلى أن انتهى إلى قوله عز وجل : « وَإِنَّ رَبَّكَ
لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ » ثم إن نوحا ع لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى الله عز وجل إليه أن يا
نوح قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر
وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك فإني لن أقطعها كما لم أقطعها من
بيوتات الأنبياء عليهمالسلام التي بينك وبين آدم عليهالسلام ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي
ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر وبشر نوح ساما بهود عليهالسلام وكان فيما بين نوح وهود من الأنبياء عليهمالسلام وقال نوح إن الله باعث نبيا يقال له هود وإنه يدعو قومه
إلى الله عز وجل فيكذبونه والله عز وجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به
وليتبعه فإن الله عز وجل ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح عليهالسلام ابنه ساما أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذ عيدا لهم
فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر ومواريث العلم وآثار علم
النبوة ـ فوجدوا هودا نبيا عليهالسلام وقد بشر به أبوهم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فإن الله ينجيه » أي هودا أو من اتبعه ، قوله : « لنجعلها » في بعض النسخ بصيغة الغيبة وهو الأظهر ، وفي أكثرها بصيغة
المتكلم أي هديناه لتعيين الخليفة لنجعل الخلافة في أهل بيته.
قوله
: « وأمن العقب » وفي بعض النسخ و « أمر » أي أمر هودا العقب بتعاهد الوصية لإبراهيم.
__________________
نوح عليهالسلام فآمنوا به واتبعوه وصدقوه فنجوا من عذاب الريح وهو قول الله عز وجل : « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ
هُوداً » وقوله عز وجل « كَذَّبَتْ
عادٌ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ » وقال تبارك وتعالى « وَوَصَّى
بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ » وقوله « وَوَهَبْنا
لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا » لنجعلها في أهل بيته : « وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ » لنجعلها في أهل بيته فآمن العقب من ذرية الأنبياء عليهمالسلام من كان قبل إبراهيم لإبراهيم عليهالسلام وكان بين إبراهيم وهود من الأنبياء ص وهو قول الله عز وجل :
« وَما
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ » وقوله عز ذكره : « فَآمَنَ
لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي » وقوله عز وجل « وَإِبْراهِيمَ
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ » فجرى بين كل نبيين عشرة أنبياء وتسعة وثمانية أنبياء كلهم أنبياء وجرى لكل
نبي ما جرى لنوح ص وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ص حتى انتهت إلى يوسف
بن يعقوب عليهالسلام ثم صارت من بعد يوسف في أسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى عليهالسلام فكان بين يوسف وبين موسى من الأنبياء عليهمالسلام فأرسل الله موسى وهارون عليهالسلام إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل الرسل « تَتْرا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : وهو قوله تعالى
« وَما
قَوْمُ لُوطٍ » ظاهره أنه لبيان أنه قد كان بين هود وإبراهيم أنبياء ومنهم
لوط عليهالسلام وهو مخالف لغيره من الأخبار الدالة على أن لوطا عليهالسلام كان بعثته بعد بعثة إبراهيم عليهالسلام وكان معاصرا له ، ويحتمل أن يكون الغرض الإشارة إلى الآيات
الدالة على بعثة إبراهيم عليهالسلام ومن آمن به من الأنبياء وغيرهم.
قوله
عليهالسلام : « وجرى لكل نبي ما جرى لنوح » أي الوصية والأمر بتعاهدها وكتمانها.
قوله
عليهالسلام : « ثم أرسل الرسل تترى » أي متواترين واحدا بعد واحد من الوتر وهو الفرد والتاء بدل
من الواو ، كتولج ، والألف للتأنيث ، لأن الرسل جماعة قوله
__________________
كُلَّ
ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً
وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ » وكانت بنو إسرائيل تقتل نبيا واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتى
أنه كان ربما قتلوا في اليوم الواحد سبعين نبيا ويقوم سوق قتلهم آخر النهار فلما
نزلت التوراة على موسى عليهالسلام بشر بمحمد صلىاللهعليهوآله وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى يوشع بن
نون عليهالسلام وهو فتاه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه فلم تزل الأنبياء
تبشر بمحمد صلىاللهعليهوآله حتى بعث الله تبارك وتعالى المسيح عيسى ابن مريم فبشر
بمحمد صلىاللهعليهوآله وذلك قوله تعالى : « يَجِدُونَهُ » يعني اليهود والنصارى : « مَكْتُوباً » يعني صفة محمد صلىاللهعليهوآله « عِنْدَهُمْ
» يعني « فِي
التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ » وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي
اسْمُهُ أَحْمَدُ » وبشر موسى وعيسى بمحمد صلىاللهعليهوآله كما بشر
______________________________________________________
تعالى
: « فَأَتْبَعْنا
بَعْضَهُمْ بَعْضاً » أي في الإهلاك قوله تعالى : « وَجَعَلْناهُمْ
أَحادِيثَ » لم يبق منهم إلا حكايات يسمر بها ، وهو اسم جمع للحديث أو
جمع أحدوثة ، وهو ما يتحدث به تلهيا وتعجبا.
قوله
عليهالسلام : « واثنان قائمان » أي نبيان ولا ينصرانه تقية ، أو لعدم قدرتهم على ذلك ، أو
رجلان من القوم واقفان ، فلا يزجرانه لعدم مبالاتهم.
قوله
عليهالسلام : « ويقوم سوق قتلهم آخر النهار » الظاهر سوق « بقلهم » كما روي في غيره أي كانوا لا يبالون
بذلك ، بحيث كان يقوم بعد قتل سبعين نبيا جميع أسواقهم حتى سوق بقلهم إلى آخر
النهار ، وعلى ما في أكثر النسخ ، لعل المراد أن السوق الذي قتلوا فيه كان قائما
إلى آخر النهار ، لعدم اعتنائهم بذلك ، أو المراد أنه ربما كان يمتد زمان قتلهم
إلى آخر النهار ، أو ربما يأخذون في قتلهم آخر النهار فيقتلون في هذا الزمان
القليل مثل هذا العدد الكثير ، وعلى الأخيرين يكون القتل كناية عن المعركة التي
أقاموها لقتلهم ، ولا يخفى بعدهما.
قوله
عليهالسلام : « يعني في التوراة » الظاهر أن قوله : « يعني » زيد من النساخ.
__________________
الأنبياء عليهمالسلام بعضهم ببعض حتى بلغت محمدا صلىاللهعليهوآله فلما قضى محمد صلىاللهعليهوآله نبوته واستكملت أيامه أوحى الله تبارك وتعالى إليه يا محمد
قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر
وميراث العلم وآثار علم النبوة في أهل بيتك عند علي بن أبي طالب عليهالسلام فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من
العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم
وذلك قول الله تبارك وتعالى : « إِنَّ
اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى
الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » وإن الله تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلا ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا
إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ـ ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له قل كذا وكذا
فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره فقص إليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم
أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « حتى بلغت » أي سلسلة الأنبياء أو النبوة أو البشارة ، قوله عليهالسلام
: « وذلك قول الله » أي آل إبراهيم هم آل محمد عليهمالسلام ، وهم الذرية التي بعضها من بعض وقد وردت به الأخبار
المستفيضة عنهم عليهالسلام.
قوله
عليهالسلام : « وإن الله لم يجعل العلم جهلا » أي لم يجعل العلم مبنيا على الجهل بأن يكون أمر الحجة
مجهولا لا يعلمه الناس ، ولا بينة لهم. أو لم يجعل العلم مخلوطا بالجهل ، بل لا بد
أن يكون العالم عالما بجميع ما يحتاج إليه الخلق ، ولا يكون اختيار مثله إلا منه
تعالى ، وقيل : المراد إن الله تعالى لم يبين أحكامه على ظنون الخلق ، وإلا لكان
العلم جهلا ، إذ الظن قد يكون باطلا فيكون جهلا لعدم مطابقته للواقع ، وأمر عباده
باتباع العلم ، واليقين المطابق للواقع.
قوله
تعالى : « ولقد آتينا » أقول في القرآن « فَقَدْ آتَيْنا » في سورة النساء ولعله من النساخ
وأما ما سيأتي من قوله « ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكم والنبوة »
فليس في القرآن أصلا فهو أيضا إما من الرواة أو في قرآنهم عليهمالسلام كان على هذا
__________________
والإخوان والذرية
التي « بَعْضُها
مِنْ بَعْضٍ » فذلك قوله جل وعز « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ
وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأما
الملك العظيم فهم الأئمة [ الهداة ] من الصفوة وكل هؤلاء من الذرية التي « بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » والعلماء الذين جعل الله فيهم البقية وفيهم العاقبة وحفظ
الميثاق حتى تنقضي الدنيا والعلماء ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة فهذا شأن
الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة
أمر الله عز وجل واستنباط علم الله وأهل آثار علم الله من الذرية التي « بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » من الصفوة بعد الأنبياء عليهمالسلام من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء فمن اعتصم بالفضل
انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر الله عز وجل وأهل استنباط علمه في غير
الصفوة من بيوتات الأنبياء عليهمالسلام فقد خالف أمر
______________________________________________________
الوجه أيضا ، قوله : عليهالسلام
« جعل الله فيهم البقية » أي بقية علو الأنبياء وآثارهم ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى قوله تعالى : « بَقِيَّتُ اللهِ
خَيْرٌ لَكُمْ » وفسرت في الأخبار الكثيرة بالأئمة عليهمالسلام ، قوله
: « وفيهم العاقبة » كما قال تعالى : « وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » .
قوله
عليهالسلام : « والعلماء ولولاة الأمر » لعل قوله « والعلماء » معطوف على العاقبة « وقوله وللهداة » معطوف على قوله « لولاة الأمر » وفي بعض النسخ و « للعلماء
» وهو أظهر وفي إكمال الدين وغيره هكذا « فهم العلماء وولاة الأمر وأهل استنباط
العلم والهداة » وهو أصوب.
قوله
عليهالسلام : « فهذا شأن الفضل » بضم الفاء وتشديد الضاد المفتوحة جمع فاضل كخلص وغيب.
__________________
الله عز وجل وجعل
الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين « بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ » عز وجل وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على
الله ورسوله ورغبوا عن وصيه عليهالسلام وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى
فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة إنما الحجة في آل إبراهيم عليهالسلام لقول الله عز وجل : ولقد « آتَيْنا
آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ » والحكم والنبوة « وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » فالحجة الأنبياء عليهمالسلام وأهل بيوتات الأنبياء عليهمالسلام حتى تقوم الساعة لأن كتاب الله ينطق بذلك وصية الله « بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » التي وضعها على الناس فقال عز وجل « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ
اللهُ أَنْ تُرْفَعَ » وهي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى فهذا بيان عروة الإيمان
التي نجا بها من نجا قبلكم وبها ينجو من يتبع الأئمة وقال الله عز وجل في كتابه « وَنُوحاً هَدَيْنا
مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ
وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى
وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ
وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ وَمِنْ آبائِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها
بِكافِرِينَ » فإنه وكل بالفضل
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « والمتكلفين » عطف على الجهال ، أي جعل المتكلفين ولاة أمر الله.
قوله
عليهالسلام : « وصية الله » أي هذه الأمور المذكورة سابقا وصية من الله أخذها كل إمام
ونبي عمن قبله ، ووجب على الناس قبولها ، وقوله : « فقال عز وجل » بيان لما ينطق به الكتاب ، فقوله وصية الله مرفوع خبر
مبتدإ محذوف ، ويحتمل أن يكون منصوبا حالا عن اسم الإشارة ، وفي إكمال الدين هكذا
« ووصية الله جرت بذلك في العقب من البيوت التي رفعها الله تعالى على الناس ، فقال
» إلى آخر ما في المتن ولعله أظهر.
قوله
عليهالسلام : « فإنه وكل بالفضل » يحتمل أن يقرأ وكل بالتخفيف ، ويكون
__________________
من أهل بيته والإخوان
والذرية وهو قول الله تبارك وتعالى إن تكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالإيمان
الذي أرسلتك به فلا يكفرون به أبدا ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك
من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم
ولا زور ولا بطر ولا رياء فهذا بيان ما ينتهي إليه أمر هذه الأمة إن الله جل وعز
طهر أهل بيت نبيه عليهمالسلام وسألهم أجر المودة وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصياءه
وأحباءه ثابتة بعده في أمته فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع الله عز وجل
ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه فإياه فتقبلوا وبه فاستمسكوا تنجوا به
وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم
______________________________________________________
الباء بمعنى أي
وكل الإيمان والعلم إلى الأفاضل من أهل بيته ، وبالتشديد على سبيل القلب أو بتخفيف
الفضل ، فيكون قوله من
أهل بيته مفعولا لقوله وكل
أي وكل جماعة من أهل بيته بالفضل ، وهو العلم والإيمان ، وإنما احتجنا إلى هذه
التكلفات ، لأن الظاهر من كلامه عليهالسلام بعد ذلك أنه عليهالسلام فسر القوم بالأئمة ولعل الباء في قوله بالفضل من زيادة
النساخ.
قوله
عليهالسلام : « من أهل بيتك » هو مبتدأ وخبره. قوله عليهالسلام : « علماء أمتك » وفي إكمال الدين هكذا « وجعلت أهل بيتك بعدك أعلم أمتك » قوله عليهالسلام
: « وسألهم أجر المودة » كان فيه حذفا وإيصالا أي سأل لهم وفي إكمال الدين « وجعل لهم أجر المودة » فلا يحتاج إلى تكلف.
قوله
عليهالسلام : « وطريق ربكم » كأنه معطوف على الحجة ، أي يكون لكم طريق إلى ربكم في
الدنيا أو الطريق الموصل إلى الجنة في الآخرة ، ويحتمل أن يكون خبر مبتدإ محذوف أي
هم طريق ربكم ، وفي إكمال الدين هكذا « وتكون لكم به
حجة يوم القيامة ، والفوز فإنهم صلة ما بينكم وبين ربكم ، ولا تصل الولاية إلى
الله
__________________
جل وعز ولا تصل
ولاية إلى الله عز وجل إلا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه
ومن يأت الله عز وجل بغير ما أمره كان حقا على الله عز وجل أن يذله وأن يعذبه.
٩٣ ـ عدة من
أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة ثابت بن
دينار الثمالي وأبي منصور ، عن أبي الربيع قال حججنا مع أبي جعفر عليهالسلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك وكان معه نافع مولى عمر بن
الخطاب فنظر نافع إلى أبي جعفر عليهالسلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع يا أمير
المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس فقال هذا نبي أهل الكوفة هذا محمد بن علي
فقال اشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي
قال فاذهب إليه وسله لعلك تخجله فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على أبي
جعفر عليهالسلام فقال يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور
والفرقان وقد عرفت حلالها وحرامها وقد جئت أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو
وصي نبي أو ابن نبي قال فرفع أبو جعفر عليهالسلام رأسه فقال سل عما بدا لك فقال أخبرني كم بين عيسى وبين
______________________________________________________
إلا بهم.
قوله
عليهالسلام : « لا تصل ولاية إلى الله إلا بهم » لعل المراد أنه لا يقبل ولاية الله إلا بولايتهم أو لا يصل
ولاية إلى الله ، إلا إذا تعلقت بهم فلا يقبل إلا ولايتهم.
الحديث
الثالث والتسعون : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « وكان معه نافع » بن سرجس مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب كان ديلميا وهو من
التابعين المدنيين والعامة رووا عنه أخبارا كثيرة ومعظم رواياته عن ابن عمرو هو من
الثقات عندهم وكان ناصبيا خبيثا معاندا لأهل البيت ويظهر من أخبارنا أنه كان يميل
إلى رأي الخوارج كما يدل عليه هذا الخبر أيضا.
قوله
: « قد تداك عليه الناس » أي ازدحموا.
محمد صلىاللهعليهوآله من سنة قال أخبرك بقولي أو بقولك قال أخبرني بالقولين جميعا قال أما في قولي
فخمسمائة سنة وأما في قولك فستمائة سنة قال فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه : « وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً
يُعْبَدُونَ » من الذي سأل محمد صلىاللهعليهوآله وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة قال فتلا أبو جعفر
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « أما في قولي فخمسمائة سنة » أقول : هذا هو الذي دلت عليه أكثر أخبارنا في قدر زمان
الفترة.
وقد روى الصدوق في
كتاب إكمال الدين عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن يعقوب بن يزيد عن محمد
بن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان بين عيسى وبين محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خمسمائة عام » وهذا هو الصحيح.
وروي عن إسماعيل
بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « أنه قال كانت الفترة بين عيسى وبين محمد أربعمائة سنة
وثمانين سنة » وهذا الخبر وإن كان عاميا يمكن حمله على أنه لم يحسب فيه بعض زمان
الفترة منها لقرب العهد بعيسى ، وأما العامة فقد اختلفوا فيه على أقوال : فقيل :
ستمائة سنة ، عن الحسن ، وقتادة وقيل : خمسمائة وستون سنة ، عن قتادة في رواية
أخرى ، وقيل : أربعمائة وبضع وستون سنة ، عن الضحاك وقيل : خمسمائة وشيء ، عن ابن
عباس ، وقيل : كان بين ميلاد عيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خمسمائة وتسع وستون سنة ، وكان بعد عيسى أربعة من الرسل
فكان من تلك المدة مائة وأربع وثلاثون سنة نبوة ، وسائرها فترة عن الكلبي ، قوله تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ
أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا » ذكر أكثر المفسرين أن المراد
__________________
عليهالسلام هذه الآية « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا
حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا » فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالى ـ محمدا صلىاللهعليهوآله حيث أسرى به إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين
والمرسلين ثم أمر جبرئيل عليهالسلام فأذن شفعا وأقام شفعا وقال في أذانه حي على خير العمل ثم
تقدم محمد صلىاللهعليهوآله فصلى بالقوم فلما انصرف قال لهم على ما تشهدون وما كنتم
تعبدون قالوا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله أخذ على ذلك
عهودنا ومواثيقنا فقال نافع صدقت يا أبا جعفر فأخبرني عن قول الله عز وجل : « أَوَلَمْ يَرَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما » قال إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماوات رتقا لا
تمطر شيئا وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا فلما أن تاب الله عز وجل على آدم عليهالسلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها ثم أمر الأرض فأنبتت
الأشجار
______________________________________________________
السؤال عن أممهم
وعلماء دينهم ، ولا يخفى انطباق ما ورد في الخبر وعدم احتياجه إلى التكلف.
قوله
عليهالسلام : « وأقام شفعا » يدل على تكرار
التهليل في آخر الإقامة كما يدل عليه بعض الأخبار ، ويمكن حمله على أن المراد كون
أكثره شفعا ردا على بعض العامة القائلين بأن فصولها كلها وتر.
قوله
عليهالسلام : « فتفطرت بالغمام » التفطر التشقق أي تشققت السماء بسبب الغمام ، أو عنه بأن
يكون الباء بمعنى عن ، وظاهره أن الغمام أو لا نزل من السماء ونظيره ما قاله تعالى
في وصف يوم القيامة « وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ
وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً » ويحتمل أن يكون المراد بالغمام المطر مجازا.
قوله
عليهالسلام : « فأرخت عزاليها » قال في مصباح اللغة العزلاء وزان
حمراء
__________________
وأثمرت الثمار
وتفهقت بالأنهار فكان ذلك رتقها وهذا فتقها قال نافع صدقت يا ابن رسول الله
فأخبرني عن قول الله عز وجل : « يَوْمَ
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ » أي أرض تبدل يومئذ فقال أبو جعفر عليهالسلام أرض تبقى خبزة يأكلون منها
______________________________________________________
فم المزادة الأسفل
: والجمع العزالي بفتح اللام وكسرها وأرسلت السماء عز إليها إشارة إلى شدة وقع
المطر على التشبيه ، بنزوله عن أفواه المزادات.
قوله
عليهالسلام : « وتفقهت » قال الفيروزآبادي : فهق الإناء كفرح فهقا ويحرك امتلأ ، وفي أكثر النسخ وتقيهت ، ولعل المراد أنها فتحت أفواهها لكن كان القياس
تفوهت ولعله تصحيف.
قوله
عليهالسلام « أرضا بيضاء خبزة » رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن محبوب عن
الثمالي عن أبي الربيع وفيه فقال أبو جعفر عليهالسلام : « بخبزة بيضاء يأكلون منها حتى يفرغ الله من حساب
الخلائق »
أقول : هذا
التفسير ورد في أخبار كثيرة منها ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال : « حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد
الحرام متكئا على يد سالم مولاه ، ومحمد بن علي بن الحسين جالس في المسجد ، فقال
له سالم : يا أمير مؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين فقال له هشام : المفتون به
أهل العراق؟ قال : نعم ، قال : اذهب إليه فقل له يقول لك أمير المؤمنين : ما الذي
يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ فقال أبو جعفر عليهالسلام : يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي فيها أنهار منفجرة يأكلون ويشربون حتى
يفرغ من الحساب ، قال : فرأى هشام أنه قد ظفر به ، فقال : الله
__________________
حتى يفرغ الله عز
وجل من الحساب فقال نافع إنهم عن الأكل لمشغولون فقال أبو جعفر عليهالسلام أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار فقال نافع بل إذ هم في النار قال فو الله
ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم ودعوا بالشراب فسقوا الحميم قال صدقت يا
ابن رسول الله ولقد بقيت مسألة واحدة قال وما هي قال أخبرني عن الله تبارك وتعالى أكبر
: اذهب إليه فقل له : ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال له أبو جعفر عليهالسلام : هم في النار أشغل ولم يشغلوا عن أن قالوا : « أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » فسكت هشام لا يرجع جوابا.
وروى البرقي في
كتاب المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام عن زرارة أنه سأل أبرش الكلبي
أبا جعفر عن ذلك؟ فأجاب نحوا مما في الكتاب.
وروي أيضا عن أبيه عن القاسم بن عروة عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال : سألت أبا
جعفر عن قول الله تعالى « يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ » قال : تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ الناس من الحساب ، فقال له :
قائل إنهم لفي شغل يومئذ عن الأكل والشرب ، قال : إن الله خلق ابن آدم أجوف فلا بد
له من الطعام والشراب أهم أشد شغلا يومئذ أم من في النار؟ فقد استغاثوا والله يقول
: « وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ
كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ » وروى العياشي في تفسيره عن عبد
الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله ، وروي بسند آخر سؤال الأبرش عن أبي جعفر عليهالسلام.
______________________________________________________
متى كان قال ويلك
متى لم يكن حتى أخبرك متى كان سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ « صاحِبَةً وَلا وَلَداً
» ثم قال يا نافع أخبرني عما أسألك عنه قال وما هو قال ما
تقول في أصحاب النهروان فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد
______________________________________________________
وروي عن زرارة عن
أبي جعفر قال : سألته عن قول الله « يَوْمَ تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ » قال تبدل خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب قال
الله « ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ
الطَّعامَ » . وروي عن ثوير بن أبي فاختة عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال : « « تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
غَيْرَ الْأَرْضِ » يعني بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال
ولا نبات كما دحاها أول مرة » فيمكن أن يحمل هذا الخبر على التقية أو على أن هذا بيان
حال غير أرض المحشر من سائر أجزاء الأرض.
وروى الشيخ في
التهذيب عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن داود بن فرقد عن رجل عن
سعيد بن أبي الخطيب « أن أبا عبد الله عليهالسلام قال لابن أبي ليلى : ما تقول إذا جيء بأرض من فضة وسماوات
من فضة ثم أخذ رسول الله بيدك فأوقفك بين يدي ربك ، وقال : يا رب إن هذا قضى بغير
ما قضيت » تمام الخبر. ويمكن حمله على أنه عليهالسلام قال ذلك موافقا لما كان يعتقده ابن أبي ليلي إلزاما عليه ،
أو على أن هذا مختص بجماعة من المجرمين يعذبون بذلك ، هذا ما ورد في أخبارنا.
وأما العامة فقد رووا عن أمير المؤمنين أنهما تبدلان أرضا من فضة ، وسماء من ذهب ، وعن
ابن مسعود وأنس يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها
__________________
ارتددت وإن قلت
إنه قتلهم باطلا فقد كفرت قال فولى من عنده وهو يقول أنت والله أعلم الناس حقا حقا
فأتى هشاما فقال له ما صنعت قال دعني من كلامك هذا والله أعلم الناس حقا حقا وهو
ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله حقا ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبيا.
______________________________________________________
أحد خطيئة ، وعن
ابن عباس هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها ، ورووا عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « إنه قال « تُبَدَّلُ
الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ » فتبسط : وتمد مد الأديم العكاظي « لا تَرى فِيها عِوَجاً
وَلا أَمْتاً » ».
قوله
: « أخبرني متى لم يكن » الظاهر أن السائل سأل عن
ابتداء وجوده تعالى فأجاب عليهالسلام بأن ابتداء الوجود إنما يكون لمن كان له عدم قبل الوجود ،
والله تعالى أزلي لا يجوز عليه العدم ، أو أنه سأل عن مدة زمان وجوده ، فأجاب عليهالسلام بأنه ليس لوجوده نهاية في الأزل ، وإلا كان معدوما قبلها.
قوله
عليهالسلام : « ما تقول في أصحاب النهروان » أراد عليهالسلام الاحتجاج عليه فيما كان يعتقده من رأي الخوارج ، فقال : إن
قلت : إن الخوارج قتلهم أمير المؤمنين عليهالسلام بحق فقد ارتددت ورجعت عن مذهبك ، وإن قلت : إن قتلهم كان
باطلا فقد نسبت البطلان والقتل بغير حق إلى علي عليهالسلام وكفرت بذلك. وكان هذا منه عليهالسلام أخذا في الاحتجاج ، وأراد أن يثبت بالبرهان عليه كفره بهذه
العقيدة ، فلم يقف ليتم عليه الحجة ، إما لعلمه بأنه عليهالسلام يغلب عليه في الحجة ، ويفتضح بذلك ، أو لأنه كان لا يظهر
هذا الرأي لكل أحد وكان يخفيه فخاف أن يشتهر بذلك ويكفره الناس ، ويحتمل أن يكون
غرضه عليهالسلام الاحتجاج عليه بأن عامة المسلمين يحكمون بكفره بذلك ، سوى
شذاذ من الخوارج حتى الخليفة الذي أذعن ظاهرا بحقيته ، فإنهم لم يكونوا يخطئون
أمير المؤمنين عليهالسلام ظاهرا في قتال الخوارج.
( حديث نصراني الشام مع الباقر عليهالسلام )
٩٤ ـ عنه ، عن
إسماعيل بن أبان ، عن عمر بن عبد الله الثقفي قال أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر
عليهالسلام من المدينة إلى الشام فأنزله منه وكان يقعد مع الناس في
مجالسهم فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه إذ نظر إلى النصارى يدخلون في
جبل هناك فقال ما لهؤلاء ألهم عيد اليوم فقالوا لا يا ابن رسول الله ولكنهم يأتون
عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم فيخرجونه فيسألونه عما يريدون وعما
يكون في عامهم فقال أبو جعفر عليهالسلام وله علم فقالوا هو من أعلم الناس قد أدرك أصحاب الحواريين
من أصحاب عيسى عليهالسلام قال فهل نذهب إليه قالوا ذاك إليك يا ابن رسول الله قال
فقنع أبو جعفر عليهالسلام رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه فاختلطوا بالناس حتى أتوا
الجبل
______________________________________________________
حديث
نصراني الشام مع الباقر عليهالسلام
الحديث
الرابع والتسعون : مجهول.
وضمير عنه راجع إلى أحمد بن محمد بن خالد.
ورواه علي بن
إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن أبان مثله بأدنى تغيير ، ورواه السيد ابن طاوس في
كتاب أمان الأخطار عن كتاب دلائل النبوة لمحمد بن جرير الطبري الإمامي بإسناده عن
الصادق عليهالسلام في خبر طويل مشتمل على معجزات كثيرة منه عليهالسلام وأورده الراوندي أيضا في كتاب الخرائج والجرائح ، وقد أوردناها جميعا في كتاب
بحار الأنوار في أبواب تاريخ الباقر عليهالسلام.
قوله
: « فأنزله معه » أي في بيته أو المراد أنه أجلسه معه على سريره ، ويؤيده أن في التفسير وكان
ينزله معه ، وفي أمان الأخطار لما دخل عليه ، قال له : إلى يا محمد فصعد أبي إلى
السرير وأنا أتبعه فلما دنى من هشام قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه.
قوله
: « فقنع أبو جعفر » عليهالسلام ولعله عليهالسلام إنما فعل ذلك لئلا يعرفوه ، قوله
__________________
فقعد أبو جعفر عليهالسلام وسط النصارى هو وأصحابه وأخرج النصارى بساطا ثم وضعوا الوسائد ثم دخلوا
فأخرجوه ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى ثم قصد إلى أبي جعفر عليهالسلام فقال يا شيخ أمنا أنت أم من الأمة المرحومة فقال أبو جعفر عليهالسلام بل من الأمة المرحومة فقال أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم فقال لست من جهالهم
فقال النصراني أسألك أم تسألني فقال أبو جعفر عليهالسلام سلني فقال النصراني يا معشر النصارى رجل من أمة محمد يقول
سلني إن هذا لمليء بالمسائل ثم قال يا عبد الله أخبرني عن ساعة ما هي من الليل ولا
من النهار أي ساعة هي فقال أبو جعفر عليهالسلام ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقال النصراني فإذا لم
تكن من ساعات الليل ولا من ساعات النهار فمن أي الساعات هي فقال أبو جعفر عليهالسلام من ساعات الجنة وفيها تفيق مرضانا فقال النصراني فأسألك أم تسألني فقال أبو
جعفر عليهالسلام سلني فقال النصراني يا معشر النصارى إن هذا لمليء بالمسائل
أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون
______________________________________________________
« ثم ربطوا عينيه » لعلهم ربطوا حاجبيه فوق عينيه كما في الخرائج فرأينا شيخا
سقط حاجباه على عينيه من الكبر وفي أمان الأخطار قد شد حاجبيه بحريرة صفراء ويحتمل
أن يكون المراد ربط أشفار عينيه فوقهما لتنفتحا أو ربط ثوب شفيف على عينيه بحيث لا
يمنع رؤيته من تحته ، لئلا يضره نور الشمس لاعتياده بالظلمة والأول أظهر معنى وإن
كان تطبيق اللفظ عليه يحتاج إلى تقدير وتكلف ، قوله : « لمليء » أي جدير بأن يسأل عنه.
قوله
عليهالسلام « ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس » هذا لا ينافي ما نقله العلامة وغيره من إجماع الشيعة على
كونها من ساعات النهار ، لأن الظاهر أن المراد بهذا الخبر إنها ساعة لا تشبه شيئا
من ساعات الليل والنهار ، بل هي شبيهة بساعات الجنة ، وإنما جعلها الله في الدنيا
ليعرفوا بها طيب هواء الجنة ولطافتها واعتدالها على أنه يحتمل أن يكون عليهالسلام أجاب السائل على ما يوافق غرضه واعتقاده ومصطلحه.
أعطني مثلهم في
الدنيا فقال أبو جعفر عليهالسلام هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط فقال
النصراني ألم تقل ما أنا من علمائهم فقال أبو جعفر عليهالسلام إنما قلت لك ما أنا من جهالهم فقال النصراني فأسألك أو
تسألني فقال أبو جعفر عليهالسلام سلني فقال يا معشر النصارى والله لأسألنه عن مسألة يرتطم
فيها كما يرتطم الحمار في الوحل فقال له سل فقال أخبرني عن رجل دنا من امرأته
فحملت باثنين حملتهما جميعا في ساعة واحدة وولدتهما في ساعة واحدة وماتا في ساعة
واحدة ودفنا في قبر واحد عاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش الآخر خمسين سنة من هما
فقال أبو جعفر عليهالسلام عزير وعزرة كانا حملت أمهما بهما على ما وصفت ووضعتهما على
ما وصفت وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة ثم أمات الله تبارك وتعالى عزيرا مائة سنة
ثم بعث وعاش مع عزرة هذه الخمسين سنة وماتا كلاهما في ساعة واحدة فقال النصراني يا
معشر النصارى ما رأيت بعيني قط أعلم من هذا الرجل لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام
ردوني قال فردوه إلى كهفه ورجع النصارى مع أبي جعفر عليهالسلام
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام « هذه الخمسين سنة » أي تتمة الخمسين ، وفي التفسير كان عمل أمهما على ما وصفت
، ووضعتهما على ما وصفت ، وعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة ثم أمات الله عزيرا مائة سنة
، وبقي عزرة يحيى ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة ، وفي أمان الأخطار
إنه عاش قبل موته خمسا وعشرين سنة ، وبعده أيضا مثل ذلك ، وفي الخرائج بعد ذلك فخر
الشيخ مغشيا عليه ، فقام أبي وخرجنا من الدير فخرج إلينا جماعة من الدير ، وقالوا
: يدعوك شيخنا فقال أبي : ما لي بشيخكم من حاجة ، فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا
، فرجعوا ثم جاءوا به وأجلس بين يدي أبي. فقال : ما اسمك؟ قال : محمد قال : أنت
محمد النبي؟ قال : لا أنا ابن ابنته ، قال : ما اسم أمه قال : أمي فاطمة ، قال :
من كان أبوك؟ قال : اسمه علي قال : أنت ابن إليا بالعبرانية؟ وعلي بالعربية قال :
نعم ، قال ابن شبر أو شبير؟ قال إني ابن بشير قال الشيخ : أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأن محمدا
( حديث أبي الحسن موسى عليهالسلام )
٩٥ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور الخزاعي ، عن
علي بن سويد ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن
عمه حمزة بن بزيع ، عن علي بن سويد والحسن بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن
إسماعيل بن مهران ، عن محمد بن منصور ، عن علي بن سويد قال كتبت إلى أبي الحسن
موسى عليهالسلام وهو في الحبس كتابا أسأله عن حاله وعن مسائل كثيرة فاحتبس
الجواب علي أشهرا ثم أجابني بجواب هذه نسخته « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب
المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه
______________________________________________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الحديث
الخامس والتسعون : رواه بثلاثة أسانيد في الأول ضعف ، والثاني حسن كالصحيح ، وفي الثالث ضعف
أو جهالة ، لكن مجموع الأسانيد لتقوي بعضها ببعض في قوة الصحيح ، ورواه الصدوق
بسند صحيح.
قوله
: « بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين » أي أبصار قلوب المؤمنين وإدراكهم للمعارف الربانية إنما هو
بما جعل فيها من نوره وأفاض عليها بقدرته وتجلى عليها من عظمته.
قوله
عليهالسلام : « وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون » أي نوره ودوام ظهوره صار سببا لإنكار الجاهلين لأن وجود
الشيء بعد عدمه وعدمه بعد وجوده سبب لعلم القاصرين ، بإسناد ما يعدم عند عدمه إليه
، كما أن الشمس لو لم يكن لها غروب لأنكر الجاهل كون نور العالم بالشمس ، فلما صار
الهواء بعد غروبها مظلما حكم بكون النور منها فكذلك شمس عالم الوجود ، لاستمرار
إفاضته ، وبقاء ذلك النظام المستمر به ، يقول الجاهل لعل هذا الصنع حدث بلا صانع ،
وهذا النظام بلا مدبر ، وكذا عظمته منعت العقول عن الإحاطة به ، فتحيروا فيه
وأثبتوا له
الجاهلون وبعظمته
ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان
المتضادة فمصيب ومخطئ وضال ومهتد وسميع وأصم وبصير وأعمى حيران فالحمد لله الذي
عرف ووصف دينه محمد صلىاللهعليهوآله أما بعد
______________________________________________________
ما لا يليق بذاته
وصفاته تعالى ، ويحتمل أن يكون المراد أن كثرة النور تمنع عن إدراك القاصرين ،
وفرط الظهور يغلب على مدارك العاجزين ، فكما أن الخفاش لضعف بصره لا ينتفع بنور
الشمس فكذا الأذهان القاصرة لضعفها نوره الباهر يغلب عليها فلا تحيط به.
وبعبارة أخرى :
لما كان تعالى في غاية الرفعة والنور والعظمة والجلال ، والجاهلون في نهاية
الانحطاط والنقص والعجز ، فلذا بعدوا عن معرفته لعدم المناسبة فأنكروه وحصل بينهم
وبينه تعالى بون بعيد ، فجحدوه فضعف بصيرتهم حجبهم عن أنوار جلاله ونقصهم منعهم عن
إدراك كماله.
قوله
عليهالسلام : « وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات » إلى آخره ـ وهذه الفقرة قريبة في المال من الفقرة السابقة
، والحاصل أن عظمته ونوره وظهوره دعت العباد إلى الإقبال إلى جنابه ، لكن لفرط
نوره وعظمته وجلاله ، ووفور جهلهم وقصورهم وعجزهم صاروا حيارى ، فيما يتوسلون به
إليه من الأعمال والأديان ، فمنهم مصيب برشده ، ومنهم مخطئ بغيه فكل منهم يطلبونه
، لكن كثير منهم أخطأ والسبيل ، وضلوا عن قصد الطريق ، فهم يسعون على خلاف جهة
الحق عامهين ، ويتوسلون بما يبعدهم عن المراد جاهلين.
قوله
عليهالسلام : « عرف ووصف دينه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم » كذا في بعض النسخ فقوله عرف بتخفيف الراء أي عرف محمد دينه
ووصفه ، وفي بعض النسخ عز ووصف أي عز هو تعالى ووصف للخلق دينه محمد ، وفي بعض
النسخ محمدا بالنصب فعرف بتشديد الراء والأول أظهر وأصوب.
فإنك امرؤ أنزلك
الله من آل محمد بمنزلة خاصة وحفظ مودة ما استرعاك من دينه وما ألهمك من رشدك
وبصرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم وبردك الأمور إليهم كتبت تسألني عن أمور كنت منها
في تقية ومن كتمانها في سعة فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان
العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم رأيت أن أفسر لك ما
سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم فاتق الله عز
ذكره وخص لذلك الأمر أهله واحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشا عليهم
بإفشاء ما استودعتك وإظهار ما استكتمتك ولن تفعل إن شاء الله إن أول ما أنهي إليك
أني أنعى إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « وحفظ مودة » كأنه معطوف على قوله : « منزلة » أي جعلك تحفظ مودة أمر استرعاك ، وهو دينه ، ويمكن أن يقرأ
حفظ على صيغة الماضي ، ليكون معطوفا على قوله : « أنزلك ».
قوله
عليهالسلام : « كنت منها » على صيغة المتكلم.
قوله
: « وجاء سلطان ذي السلطان » أي كنت أتقي هذه الظلمة في أن أكتب جوابك ، لكن في تلك الأيام دنى أجلي
وانقضت أيامي ولا يلزمني الآن التقية وجاء سلطان الله فلا أخاف من سلطانهم.
قوله
عليهالسلام : « المذمومة إلى أهلها » لعل المراد أنها مذمومة بما يصل منها إلى أهلها الذين
ركنوا إليها كما يقال استذم إليه أي فعل ما يذمه على فعله ويحتمل أن تكون إلى
بمعنى اللام ، أو بمعنى عند ، أي إنما هي لهم بئست الدار ، وأما للصالحين فنعمت
الدار فإن فيها يتزودون لدار القوام.
قوله
عليهالسلام : « أو حارشا عليهم » التحريش : الإغراء على الضرر والحرش الصيد ، ويطلق على
الخديعة ، والمعنى الأول هنا أنسب ، ولعل الحرش أيضا جاء بهذا
المعنى وإن لم يذكر فيما عندنا من كتب اللغة.
__________________
ولا شاك فيما هو
كائن مما قد قضى الله عز وجل وحتم فاستمسك بعروة الدين آل محمد والعروة الوثقى
الوصي بعد الوصي والمسالمة لهم والرضا بما قالوا ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك
ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم وتدري ما
خانوا أماناتهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولاة الأمر منهم
فانصرفوا عنهم فأذاقهم « اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ » وسألت عن رجلين اغتصبا رجلا مالا كان ينفقه على الفقراء
والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى
حملاه إياه كرها فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك
كفرا فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عز وجل كلامه وهزئا برسوله صلىاللهعليهوآله وهما الكافران عليهما « لَعْنَةُ
اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » والله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من
حالتيهما وما ازدادا إلا شكا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « ولا شاك » بالتخفيف من الشكاية أو بالتشديد أي لا أشك في وقوع ما قضى
وقدر ، بل أعلمه يقينا أو لا أشك في خيريته.
قوله
عليهالسلام : « وسألت عن رجلين » يعني أبا بكر وعمر عليهما اللعنة « اغتصبا رجلا » يعني أمير المؤمنين عليهالسلام «
مالا » يعني الخلافة وما
يتبعها من الأموال والغنائم والولايات والأحكام؟.
قوله
عليهالسلام : « حتى حملاه إياه » لعل المراد تكليفه عليهالسلام بالبيعة ، فإن معناه أن يحمل الخلافة التي هي حقه على ظهره
، ويسلمها إليهم في منازلهم ، ويحتمل أن يكون المراد تكليفهم إياه عليهالسلام حمل ما كانوا يعجزون عنه من أعباء الخلافة من حل المشكلات ، ورد الشبهات وفصل
القضايا التي أشكلت عليهم.
قوله
: « أيبلغان بذلك كفرا » استفهام من تتمة نقل كلام السائل ، وقوله :
« فلعمري » ابتداء الجواب ، وفي بعض النسخ [ ليبلغان ] باللام
المفتوحة ، أي والله ليكفران بذلك ، فهذا ابتداء الجواب ، قوله عليهالسلام
: « منذ خروجهما من جاهليتهما »
كانا خداعين
مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام وسألت عمن
حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر فأولئك أهل الردة
الأولى من هذه الأمة فعليهم « لَعْنَةُ
اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » وسألت عن مبلغ علمنا وهو على ثلاثة وجوه ماض وغابر وحادث ـ فأما
الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب ونقر في الأسماع وهو
أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا محمد صلىاللهعليهوآله وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم فأما أمهات
أولادهم فهن عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي وطلاق
______________________________________________________
أي ظاهرا وفي بعض
النسخ [ حالتيهما ] أي خروجهما عن حالتي الكفر الصريح إلى النفاق الذي هو أشد
الكفر والشقاق قوله عليهالسلام
: « منهم عارف ومنكر » أي ومنهم منكر ، والمراد بالعارف من علم حقيقته عليهالسلام ، وترك نصره كفرا وعنادا وبالمنكر من ضل. لجهالته فظنهم
محقين في ذلك ، ويحتمل أن يكون المراد بالعارف العارفين العاجزين عن نصره كسلمان
وأبي ذر والمقداد ، فقوله عليهالسلام « فأولئك » على هذا راجع إلى المنكرين.
قوله
عليهالسلام : « أهل الردة الأولى » أي هم أول المرتدين من هذه الأمة.
قوله
عليهالسلام : « ماض » أي علم ما مضى من الأمور « وغابر » أي علم ما سيأتي ، « وحادث » أي ما يحدث لهم في كل ساعة من العلوم الفائضة منه تعالى
عليهم ، بتوسط الملك وبدونه ، وقد سبق شرحه وتفسيره في كتاب الحجة .
قوله
عليهالسلام : « ولا نبي بعد نبينا » ، أي لا يتوهم أن إلقاء الملك مستلزم للنبوة بل يكون للأئمة عليهمالسلام ، ولا نبوة بعد نبينا وله عليهالسلام : «
فهن عواهر » أي زواني لأن تلك
السبايا لما سبين بغير إذن الإمام فكلهن أو خمسهن للإمام ، ولم يرخص الإمام لغير
الشيعة في وطئهن فوطئ المخالفين لهن زناء وهم زناة وهن عواهر.
قوله
عليهالسلام : « نكاح بغير ولي » أي نكاحهم للإماء نكاح بغير ولي ، لأن أولياءهن
__________________
في غير عدة وأما
من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه وسألت عن الزكاة فيهم فما كان
من الزكاة فأنتم أحق به لأنا قد حللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان وسألت عن
الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف فإذا
______________________________________________________
وملاكهن الأئمة عليهمالسلام ، ويحتمل أن يكون إخبارا عما كان قضاتهم يفعلون بادعاء الولاية الشرعية من
نكاح غير البالغات ، ولعله أظهر لأن السؤال عنه وقع بعد السؤال عن الإماء.
قوله
عليهالسلام : « وطلاق بغير عدة » أي طلاقهم طلاق في غير الزمان الذي يمكن فيه إنشاء العدة ،
أي طهر غير المواقعة ، مع أنه تعالى قال : « فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا
الْعِدَّةَ » .
قوله
عليهالسلام : « فقد أحللنا ذلك لكم » أي لفقراء الشيعة لا لفقراء المخالفين وهو موافق للمشهور
بين الأصحاب ، وقد سبق القول فيه ، ويدل ظاهرا على عدم اشتراط العدالة في المستحق
، ويحتمل أن يكون المراد سقوط الزكاة عند فقدان المستحق من أهل الحق بأن يكون السائل
سأل عن ما إذا لم يجد المستحق من الشيعة ، ولا يبعد أن يكون المراد بالزكاة الخمس
عبر بها عنه تقية.
قوله
عليهالسلام : « وسألت عن الضعفاء » أي المستضعفين المرجون لأمر الله ، فقال :
« من لم
ترفع إليه حجة » أي دليل وبرهان ، أو ما يوجب عليهم حجة ، وإن كان محض العلم بالاختلاف ، فإنه
يحكم حينئذ عقلهم بلزوم التجسس حتى يظهر عليهم الحق في ذلك ، فإن لم يفعلوا فقد
ثبتت عليهم الحجة.
قوله
عليهالسلام : « ولم يعرف الاختلاف » أي أصلا أو على وجه الكمال بأن عرف أن بين الأمة اختلافا
لكن ظن أن ذلك اختلاف يسير ، وكلهم على الحق كما هو شأن كثير من ضعفاء المخالفين ،
الذين ليس لهم عصبية في الدين ولا يبغضون
__________________
عرف الاختلاف فليس
بضعيف وسألت عن الشهادات لهم فأقم الشهادة لله عز وجل ولو على نفسك والوالدين
والأقربين فيما بينك وبينهم فإن خفت على أخيك ضيما فلا وادع إلى شرائط الله عز
ذكره بمعرفتنا من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك
عنا ونسب إلينا هذا باطل وإن كنت تعرف منا خلافه ـ
______________________________________________________
المؤمنين ، ويحبون
الأئمة ولا يتبرءون من أعدائهم ، وقد مر تحقيق ذلك في شرح كتاب الإيمان والكفر .
قوله
عليهالسلام : « فيما بينك وبينهم » لعل المراد أنه وإن كانت الشهادة فيما بينك وبينهم ولم
يعلم بها أحد يلزمك أيضا إقامتها ، ويدل ظاهرا على جواز إقامة الشهادة عند
المخالفين وقضاة الجور ، وقيل : المراد بقوله : « فيما بينك وبينهم » أنه لا يلزمك
إقامة الشهادة عند قضاتهم ، بل يلزمك إظهار الحق فيما بينك وبينهم ولا يخفى بعده.
قوله
عليهالسلام : « وإن خفت على أخيك ضيما » أي ظلما بأن كان يعلم مثلا أن المدعى عليه معسر ، ويعلم
أنه مع شهادته يجبره الحاكم على أدائه فلا يلزم إقامة تلك الشهادة.
قوله
عليهالسلام : « وادع إلى شرائط الله تعالى بمعرفتنا » أي إلى الشرائط التي اشترطها الله على الناس بسبب معرفة
الأئمة من ولايتهم ومحبتهم وإطاعتهم ، والتبري من أعدائهم ومخالفيهم ، ويحتمل أن
يكون المراد بالشرائط الوعد والوعيد والتأكيد والتهديد الذي ورد في أصل المعرفة
وتركها.
قوله
عليهالسلام : « ولا تحصن بحصن رياء » أي لا تتحصن من ملامة الخلق بحصن الأعمال الريائية ، وفي
بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناء » فالمراد به النهي عن ارتكاب الزنا بأبلغ وجه وفيه
بعد.
__________________
فإنك لا تدري لما
قلناه وعلى أي وجه وصفناه آمن بما أخبرك ولا تفش ما استكتمناك من خبرك إن من واجب
حق أخيك أن لا تكتمه شيئا تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ولا تحقد عليه وإن أساء وأجب
دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك وعده في
مرضه ليس من أخلاق المؤمنين الغش ولا الأذى ولا الخيانة ولا الكبر ولا الخنا ولا
الفحش ولا الأمر به فإذا رأيت المشوه الأعرابي في
______________________________________________________
ويمكن أن يقرأ
زناء بالتشديد ، أي هؤلاء المرتكبين للزناء بغصب حقوق أهل البيت عليهمالسلام ، وفي بعض النسخ « ولا تحضر حصن زناد آل محمد عليهمالسلام » الزناد جمع الزند وهو العود الذي يقدح به النار ، وزند
تزنيدا كذب وعاقب فوق حقه فالمعنى لا تحضر حصنا ، توقد فيه نار الفتنة على أهل
البيت عليهمالسلام.
ولعل الكل تصحيف قوله عليهالسلام
: « إن كان أقرب إليه منك » ، لعل المراد بالعدو العدو في الدين من أهل الباطل المضلين ، ويحتمل الأعم
أيضا وإن كان ذلك العدو أقرب إليه منك في النسب ، فلا تكله إليه ، ويحتمل أن يكون
ـ كان ـ تامة أي وإن وجد من هو أقرب إليه منك ويقدر على نصره فلا تكله إليه ،
وانصره بنفسك.
قوله
عليهالسلام : « آمر به » أي ليس تلك من أخلاق المؤمنين لآمر بها أن توقعوها بالنسبة
إلى المخالفين ، أو آمر بتركها وإفراد الضمير باعتبار إرجاعه إلى كل واحد ولعل فيه
تصحيفا وفي بعض النسخ « ولا الأمر به » قوله عليهالسلام : « في جحفل » هو كجعفر الجيش الكبير ، ويقال : كتيبة جرارة أي ثقيلة السير لكثرتها ، ويمكن أن يكون المراد بالأعرابي
السفياني ، وقد يطلق الأعرابي على من يسكن البادية من العجم أيضا ، ويمكن أن يكون
المراد إشارة إلى هلاكو.
جحفل جرار فانتظر
فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله
عز وجل بالمجرمين فقد فسرت لك جملا مجملا وصلى الله على محمد وآله الأخيار.
( حديث نادر )
٩٦ ـ حميد بن زياد
، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن محمد بن أيوب وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ،
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال أتى أبو ذر رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال يا رسول الله إني قد اجتويت المدينة أفتأذن لي أن
أخرج أنا وابن أخي إلى مزينة فنكون بها فقال إني أخشى أن يغير عليك خيل من العرب
فيقتل ابن أخيك فتأتيني شعثا فتقوم بين يدي متكئا
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فإذا انكسفت الشمس » إشارة إلى الانكسار في غير زمانه الذي هو من علامات ظهور
القائم عليهالسلام.
حديث
نادر
الحديث
السادس والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح.
قوله
: « اجتويت المدينة » قال الجوهري : اجتويت البلد : إذا كرهت المقام به .
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « شعثا » بكسر العين قال الفيروزآبادي : انشعث محركة انتشار الأمر .
__________________
على عصاك فتقول
قتل ابن أخي وأخذ السرح فقال يا رسول الله بل لا يكون إلا خيرا إن شاء الله فأذن
له رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرج هو وابن أخيه وامرأته فلم يلبث هناك إلا يسيرا حتى
غارت خيل لبني فزارة فيها عيينة بن حصن فأخذت السرح وقتل ابن أخيه وأخذت امرأته من
بني غفار وأقبل أبو ذر يشتد حتى وقف بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وبه طعنة جائفة فاعتمد على عصاه وقال صدق الله ورسوله أخذ السرح وقتل ابن أخي
وقمت بين يديك على عصاي فصاح رسول الله صلىاللهعليهوآله في المسلمين فخرجوا في الطلب فردوا السرح وقتلوا نفرا من
المشركين.
٩٧ ـ أبان ، عن
أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليهالسلام نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد فأقبل سيل فحال
بينه وبين أصحابه
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وأخذ السرح » السرح بالفتح الماشية.
قوله
: « لا يكون إلا خيرا » أي لا يكون الأمر شيئا إلا خيرا لعله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينهه عن الخروج ، وإنما أخبر بوقوع ذلك ، واحتمل أبو ذر
أن لا يكون ذلك من التقديرات الحتمية ، أو اختار خير الآخرة بتحمل مشاق الدنيا ،
والصبر عليها لو كان في بدو إسلامه ، ولما يكمل في الإيمان واليقين ومعرفة كمال
سيد المرسلين ، والأول أنسب برفعة شأنه.
قوله
: « يشتد » أي يعدو ويسرع في
المشي ، قوله : «
وبه طعنة جائفة » أي بلغت جوفه.
الحديث
السابع والتسعون : حسن أو موثق كالصحيح ، وهو معطوف على السند السابق.
وهذه الواقعة من
المشهورات بين الخاصة ، ورواه الواقدي في تفسير قوله
__________________
فرآه رجل من
المشركين والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل فقال رجل من
المشركين لقومه أنا أقتل محمدا فجاء وشد على رسول الله صلىاللهعليهوآله بالسيف ثم قال من ينجيك مني يا محمد فقال ربي وربك فنسفه جبرئيل عليهالسلام عن فرسه فسقط على ظهره فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخذ السيف وجلس على صدره وقال من ينجيك مني يا غورث فقال
جودك وكرمك يا محمد فتركه فقام وهو يقول والله لأنت
______________________________________________________
تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى
اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ » إن رسول الله غزا جمعا من بني ذبيان ومحارب بذي أمر ، فتحصنوا برءوس الجبال
ونزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحيث يراهم ، فذهب لحاجته فأصابه مطر فبل ثوبه فنشره على
شجرة واضطجع تحته والأعراب ينظرون إليه ، فجاء سيدهم دعثور بن الحرث حتى وقف على
رأسه بالسيف مشهورا ، فقال : يا محمد من يمنعك مني اليوم؟ فقال : الله ، فدفع
جبرئيل عليهالسلام في صدره ووقع السيف من يده فأخذه رسول الله وقام على رأسه
، وقال من يمنعك مني اليوم ، فقال : لا أحد وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله فنزلت الآية.
وروى ابن شهرآشوب
عن الثمالي نحوا من ذلك ، وزاد في آخره فسئل بعد انصرافه عن حاله؟ فقال : نظرت إلى
رجل طويل أبيض دفع في صدري فعرفت أنه ملك ويقال أنه أسلم وجعل يدعو قومه إلى
الإسلام.
قوله
عليهالسلام : « وشد » قال الجوهري : شد عليه في الحرب يشد شدا أي حمل عليه قوله عليهالسلام
: « فنسفه » أي قلعه.
قوله
صلىاللهعليهوآله : « يا غورث » هذا كان اسم ذلك الرجل ، قال الفيروزآبادي
__________________
خير مني وأكرم.
٩٨ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد [ وعلي بن محمد ، عن القاسم بن محمد ] ، عن
سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا وما عليك إن لم يثن الناس عليك وما
عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى : إن أمير
المؤمنين عليهالسلام كان يقول لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين رجل يزداد فيها
كل يوم إحسانا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة فو الله أن لو سجد حتى
ينقطع عنقه ما قبل الله عز وجل منه عملا إلا بولايتنا أهل البيت ألا ومن عرف حقنا
أو رجا الثواب بنا ورضي بقوته نصف مد كل يوم وما يستر به عورته وما أكن به رأسه
وهم مع ذلك والله خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عز وجل
حيث يقول « وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ
______________________________________________________
غورث بن الحارث :
سل سيف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليفتك به فرماه الله تعالى بزلخة بين كتفيه .
الحديث
الثامن والتسعون : ضعيف.
قوله
: « ورجل يتدارك منيته » المنية الموت ، والمراد تدارك أمر منيته ، والتهيئة لنزوله ، ويحتمل أن تكون
منصوبة بنزع الخافض أي يتدارك ذنوبه لمنيته ، وقد مر هذا الجزء من الخبر في كتاب
الإيمان والكفر ، وكان فيه « يتدارك سيئته بالتوبة ».
قوله
عليهالسلام : « وأنى له » لعل الضمير راجع إلى المخالفين المعهودين.
قوله
عليهالسلام : « ألا ومن عرف حقنا » كان الخبر مقدر أي هو ناج ، أو نحوه ويحتمل أن يكون قوله عليهالسلام
« ودوا » خبرا لكنه بعيد.
قوله
عليهالسلام : « وما أكن به رأسه » أي ستره وصانه عن الحر والبرد.
قوله
عليهالسلام : « ودوا أنه حظهم » أي هم راضون بما قدر لهم من التقتير في
__________________
ما
آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » ما الذي أتوا به أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية وهم في ذلك خائفون أن
لا يقبل منهم وليس والله خوفهم خوف شك فيما هم فيه من إصابة الدين ولكنهم خافوا أن
يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.
ثم قال إن قدرت أن
لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي
ولا تتصنع ولا تداهن
______________________________________________________
الدنيا ، ولا
يريدن أكثر من ذلك حذرا من أن يصير سببا لطغيانهم ، قوله تعالى :
« يُؤْتُونَ
ما آتَوْا » قال مجمع البيان : أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقة
وقيل : أعمال البر كلها « وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ » أي خائفة عن قتادة ، وقال الحسن : المؤمن جمع إحسانا وشفقة
، والمنافق جمع إساءة وأمنا.
وقال أبو عبد الله
عليهالسلام : معناه خائفة أن لا يقبل منهم ، وفي رواية أخرى يؤتي ما
آتى وهو خائف راج ، وقيل : إن في الكلام حذفا وإضمارا وتأويله قلوبهم وجلة أن لا
يقبل منهم ، لعلمهم « أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ » أي لأنهم يوقنون بأنهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا
يقبل منهم ، وإنما يخافون ذلك لأنهم لا يأمنون التفريط .
قوله
: « إن قدرت أن لا تخرج » أي لغير ما يلزم الخروج له ، كطلب المعاش وأداء الجمعات والجماعات وطلب العلم
، وتشييع الجنائز وعيادة المرضى كما يقتضيه الجمع بين الأخبار.
قوله
عليهالسلام : « فإن عليك في خروجك » أي يلزمك عند الخروج كف النفس عن هذه الأشياء ليتيسر
أسبابها بخلاف ما إذا كنت في بيتك ، فإنه لا يتيسر غالبا أسبابها لك فلا يلزمك
التكلف في تركها.
قوله
عليهالسلام : « ولا تتصنع » كأنه تأكيد لقوله : « ولا ترائي » ويحتمل أن يكون
__________________
ثم قال نعم صومعة
المسلم بيته يكف فيه بصره ولسانه ونفسه وفرجه إن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب
المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه ومن ذهب يرى أن له على الآخر
فضلا فهو من المستكبرين فقلت له إنما يرى أن له عليه فضلا بالعافية إذا رآه مرتكبا
للمعاصي فقال هيهات هيهات فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف محاسب أما
تلوت قصة سحرة موسى عليهالسلام
ثم قال كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون
بثناء الناس عليه ثم قال إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد
ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.
______________________________________________________
المراد بالتصنع
التزين للناس ، والإسراف في اللباس ، قال الفيروزآبادي : التصنع تكلف حسن السمت
والتزين.
قوله
عليهالسلام : « نعم صومعة المسلم بيته » الصومعة : معابد النصارى أو مطلق المعابد.
قوله
عليهالسلام : « أن من عرف » فضل النعمة وأن المنعم به هو الله تعالى فهو شاكر داخل في
قوله تعالى : « لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » فيستوجب المزيد منه تعالى.
قوله
عليهالسلام : « بالعافية » أي من المعاصي.
قوله
عليهالسلام : « وكم من مستدرج » قال الفيروزآبادي : استدرجه خدعه ،
واستدراج الله تعالى العبد أنه كلما جدد خطيئة جدد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن
يأخذه قليلا قليلا ولا يباغته ، وفي بعض النسخ « بستر الله » بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالياء.
قوله
عليهالسلام : « صاحب سلطان » أي سلطنته.
قوله
عليهالسلام : « وصاحب هوى » أي رأي مبتدع اتبع فيه هواه بغير هدى
__________________
ثم تلا « قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ » ثم قال يا حفص الحب أفضل من الخوف ثم قال والله ما أحب الله من أحب الدنيا
ووالى غيرنا ومن عرف حقنا وأحبنا فقد أحب الله تبارك وتعالى فبكى رجل فقال أتبكي
لو أن أهل السماوات والأرض كلهم اجتمعوا يتضرعون إلى الله عز وجل أن ينجيك من
النار ويدخلك الجنة لم يشفعوا فيك [ ثم كان لك قلب حي لكنت أخوف الناس لله عز وجل
في تلك الحال ] ثم قال له يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا يا حفص قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من خاف الله كل لسانه.
ثم قال بينا موسى
بن عمران عليهالسلام يعظ أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه
يا موسى قل له لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك.
ثم قال مر موسى بن
عمران عليهالسلام برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على
حاله فقال له موسى عليهالسلام لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك فأوحى الله عز وجل إليه يا
موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب.
______________________________________________________
من الله.
قوله
عليهالسلام : « فبكى رجل » هو كان مخالفا غير موال للأئمة عليهمالسلام ، فلذا قال له عليهالسلام : إنه لا ينفعه شفاعة الشافعين ، لعدم كونه على دين الحق.
قوله
عليهالسلام : « كن ذنبا » أي تابعا لأهل الحق ، ولا تكن رأسا أي متبوعا لأهل الباطل.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « كل لسانه » أي عن غير ما ينفعه ، قوله تعالى : « ولكن اشرح لي عن قلبك » الشرح : الكشف والفتح أي أظهر لي ما كتمته من المساوي في
قلبك ليعرفك الناس ، والغرض توبيخه بما ستره في جوفه من المساوي ، ويظهر للناس من
محاسن الأخلاق ، أو المراد اجعل قلبك طاهرا من الأدناس لأراها كذلك ، قوله تعالى : « عما
أكره » لعل المراد الدين
الفاسد ويحتمل الأعمال أيضا.
__________________
( حديث رسول الله صلىاللهعليهوآله )
٩٩ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وغيره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال ما كان شيء أحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله من أن يظل جائعا خائفا في الله.
١٠٠ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن
ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن سعيد بن عمرو الجعفي ، عن محمد بن مسلم قال دخلت
على أبي جعفر عليهالسلام ذات يوم وهو يأكل متكئا ـ قال وقد كان يبلغنا أن ذلك يكره
فجعلت أنظر إليه فدعاني إلى طعامه فلما فرغ قال يا محمد لعلك ترى أن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما رأته عين وهو يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه قال ثم رد على
نفسه فقال لا والله ما رأته عين يأكل وهو متكئ من أن بعثه الله إلى أن قبضه ثم قال
يا محمد لعلك ترى أنه شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية من أن بعثه الله إلى أن
قبضه ثم رد على نفسه ثم قال لا والله ما شبع من خبز البر ثلاثة أيام متوالية منذ
بعثه الله إلى أن قبضه أما إني لا أقول إنه كان لا يجد لقد كان يجيز الرجل الواحد
بالمائة
______________________________________________________
الحديث
التاسع والتسعون : حسن.
قوله
عليهالسلام : « يظل جائعا » قال الفيروزآبادي : ظل نهاره يفعل كذا وليله سمع في الشعر
يظل بالفتح ، وفي بعض النسخ « يصل » من الصلة والإحسان.
الحديث
المائة : مجهول.
قوله
: « وهو يأكل متكئا » لعله كان فعله عليهالسلام إما لبيان الجواز أو لعذر وضعف.
قوله
عليهالسلام : « ولقد كان يجيز » من الجائزة بمعنى العطية.
__________________
من الإبل فلو أراد
أن يأكل لأكل ولقد أتاه جبرئيل عليهالسلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره من غير أن ينقصه الله
تبارك وتعالى مما أعد الله له يوم القيامة شيئا فيختار التواضع لربه جل وعز وما
سئل شيئا قط فيقول لا إن كان أعطى وإن لم يكن قال يكون وما أعطى على الله شيئا قط
إلا سلم ذلك إليه حتى إن كان ليعطي الرجل الجنة فيسلم الله ذلك له ثم تناولني بيده
وقال وإن كان صاحبكم ليجلس جلسة العبد ويأكل إكلة العبد ويطعم الناس خبز البر
واللحم ويرجع إلى أهله فيأكل الخبز والزيت وإن كان ليشتري القميص السنبلاني ثم
يخير غلامه خيرهما ثم
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « قال : يكون » أي يحصل بعد ذلك فنعطيك.
قوله
عليهالسلام : « وما أعطى على الله » أي معتمدا ومتوكلا على الله ، ويحتمل أن تكون « على »
بمعنى « عن » أي عنه ، ومن قبله تعالى.
قوله
: « ثم تناولني بيده » وفي كثير من النسخ « من يناوله بيده » فلعله بيان وتفسير ، أو بدل لقوله ذلك
، أو الباء السببية فيه مقدرة ، أي يسلم ذلك له بأن يبعث إليه من يعطيه بيده ،
ولعله تصحيف.
قوله
عليهالسلام : « وإن كان صاحبكم » يعني أمير المؤمنين عليهالسلام وإن مخففة.
قوله
عليهالسلام : « ليجلس جلسة العبد » يظهر من بعض الأخبار أن المراد بها الجثو على الركبتين ،
وب « أكلة
العبد » الأكل على الحضيض
من غير أن يجلس على فرش مختص به ، أو من غير خوان يضع الطعام عليه.
قوله
عليهالسلام : « القميص السنبلاني » قال الفيروزآبادي : قميص سنبلاني
سابغ الطول أو منسوب إلى بلد بالروم ، وفي أمالي الصدوق بسند آخر عنه عليهالسلام « القميصين السنبلانيين » وهو أظهر.
__________________
يلبس الباقي فإذا
جاز أصابعه قطعه وإذا جاز كعبه حذفه وما ورد عليه أمران قط كلاهما لله رضا إلا أخذ
بأشدهما على بدنه ولقد ولي الناس خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على
لبنة ولا أقطع قطيعة ولا أورث بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه
أراد أن يبتاع لأهله بها خادما وما أطاق أحد عمله وإن كان علي بن الحسين عليهالسلام لينظر في الكتاب من كتب علي عليهالسلام فيضرب به الأرض ويقول من يطيق هذا.
١٠١ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حماد بن عثمان قال
حدثني علي بن المغيرة قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إن جبرئيل عليهالسلام أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فخيره وأشار عليه بالتواضع وكان له ناصحا فكان رسول
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « فإذا جاز أصابعه قطعه » إلى آخره لأنه عليهالسلام كان لا يحب الفضول في الثوب وكانت من علامات الكبر قوله عليهالسلام
: « ولا أقطع قطيعة » أي لنفسه وأهله أو مطلقا بأن يكون الإقطاع من خصائص الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « في الكتاب من كتب علي عليهالسلام
» أي من كتب سيره
وتواريخه أو من كتب أعماله التي كان يعمل بها.
الحديث
الحادي والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « وأشار عليه » أي جبرئيل عليهالسلام قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « في الرفيق الأعلى
» أي أحب أن أكون
في الرفيق الأعلى ، قال الجزري : في حديث الدعاء « وألحقني بالرفيق الأعلى »
الرفيق : جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين ، وهو اسم جاء على فعيل ، ومعناه
الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع ، ومنه قوله تعالى : « وَحَسُنَ أُولئِكَ
رَفِيقاً » وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى ، أي بالله
__________________
الله صلىاللهعليهوآله يأكل إكلة العبد ويجلس جلسة العبد تواضعا لله تبارك وتعالى ثم أتاه عند الموت
بمفاتيح خزائن الدنيا فقال هذه مفاتيح خزائن الدنيا بعث بها إليك ربك ليكون لك ما
أقلت الأرض من غير أن ينقصك شيئا فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله في الرفيق الأعلى.
١٠٢ ـ سهل بن زياد
، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عبد المؤمن الأنصاري ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله عرضت علي بطحاء مكة ذهبا فقلت يا رب لا ولكن أشبع يوما
وأجوع يوما فإذا شبعت حمدتك وشكرتك وإذا جعت دعوتك وذكرتك.
( حديث عيسى ابن مريم عليهماالسلام )
١٠٣ ـ علي بن إبراهيم
، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم عليهمالسلام قال فيما وعظ الله عز وجل به عيسى عليهالسلام
______________________________________________________
تعالى يقال : الله
رفيق بعباده من الرفق والرأفة ، فهو فعيل بمعنى فاعل. ومنه حديث عائشة ، سمعته
يقول عند موته : بل الرفيق الأعلى ، وذلك أنه خير بين البقاء في الدنيا وبين ما
عند الله ، فاختار ما عند الله .
الحديث
الثاني والمائة : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « عرضت على بطحاء
مكة ذهبا » البطحاء : مسيل
واسع فيه دقاق الحصى ، أي قيل له : إن أردت نجعل لك تلك البطحاء مملوءة من الذهب
أو نجعل أرضها وحصاها ذهبا أو جعلت له كذلك ، فلما لم يرد عاد إلى ما كان عليه.
الحديث
الثالث والمائة : حديث عيسى بن مريم حسن أو موثق. إلا أن الظاهر أن فيه إرسالا.
ورواه الصدوق : في أماليه ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله
__________________
يا عيسى أنا ربك
ورب آبائك اسمي واحد وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شيء وكل شيء من صنعي وكل إلي
راجعون.
يا عيسى أنت
المسيح بأمري وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني وأنت تحيي الموتى بكلامي فكن
إلي راغبا ومني راهبا ولن تجد مني ملجأ إلا إلي.
يا عيسى أوصيك
وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحريك مني المسرة فبوركت كبيرا
وبوركت صغيرا حيث ما كنت أشهد أنك
______________________________________________________
ابن جعفر الحميري
عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن علي بن أسباط عن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام ، فالخبر موثق على الأظهر ، وهو يؤيد الإرسال هيهنا.
قوله
تعالى : « أنت المسيح بأمري » قال الجزري : قد تكرر فيه ذكر المسيح عليهالسلام فسمي به ، لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا بريء وقيل :
لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها ، وقيل : المسيح. الصديق ، وقيل : هو بالعبرانية
مشيحا فعرب .
قوله
تعالى : « أوصيك وصية المتحنن » التحنن : الترحم واللطف والحاصل أني أوصيك وقد أحسنت إليك برحمتي وربيتك في درجات
الكمال بلطفي « حتى حقت
» أي ثبتت ووجبت لك
ولايتي ومحبتي بسبب أنك تطلب مسرتي ، ولا تفعل إلا ما هو موجب لرضاي ، ففي قوله : « مني » التفات ، وفي الأمالي « حين حقت » قوله تعالى : «
فبوركت كبيرا » البركة النمو والزيادة أي زيد في علمك وقربك وكمالك في صغرك وكبرك ، أو جعلتك
ذا بركة في صغرك وكبرك ، فإنه عليهالسلام ، كانت إحدى معجزاته البركة في يده ولسانه بإحياء الموتى
وإبراء ذوي العاهات ، وتكثير القليل من الطعام والشراب.
__________________
عبدي ابن أمتي
أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك وتقرب إلي بالنوافل وتوكل علي أكفك ولا
توكل على غيري فآخذ لك.
يا عيسى اصبر على
البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى.
يا عيسى أحي ذكري
بلسانك وليكن ودي في قلبك.
يا عيسى تيقظ في
ساعات الغفلة واحكم لي لطيف الحكمة.
يا عيسى كن راغبا
راهبا وأمت قلبك بالخشية.
يا عيسى راع الليل
لتحري مسرتي وأظمئ نهارك ليوم حاجتك عندي.
يا عيسى نافس في
الخير جهدك ـ تعرف بالخير حيثما توجهت
______________________________________________________
قوله
تعالى : « أنزلني من نفسك كهمك » أي اجعلني قريبا منك أو اتخذني قريبا منك كقرب همك ، وما
يخطر ببالك منك ، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك.
قوله
تعالى : « واجعل ذكري لمعادك » أي اذكرني ليكون ذخيرة لمعادك.
قوله
تعالى : « ولا تول غيري » أي لا تتخذ غيري ولي أمرك ، أو لا تجعل حبك لغيري فأخذلك ، أي أترك نصرك.
قوله
تعالى : « وكن كمسرتي فيك » أي كن كما يسرني أن تكون عليه.
قوله
تعالى : « وأحكم لي لطيف الحكمة » أي أتقن لطائف الحكمة وبينها للخلق خالصا لوجهي ، وفي
الأمالي « وأحكم لي بلطيف الحكمة » أي اقض واحكم بين الخلق بما علمتك من لطائف
الحكمة.
قوله
تعالى : « وأمت قلبك » أي شهوات قلبك أو قلبك عن الشهوات.
قوله
تعالى : « نافس بالخير » قال الجزري : المنافسة : الرغبة في الشيء
__________________
يا عيسى احكم في
عبادي بنصحي وقم فيهم بعدلي فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان.
يا عيسى لا تكن
جليسا لكل مفتون.
يا عيسى حقا أقول
ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ولا خشعت لي إلا رجت ثوابي فأشهد أنها آمنة من عقابي
ما لم تبدل أو تغير سنتي.
يا عيسى ابن البكر
البتول ابك على نفسك بكاء من ودع الأهل وقلى الدنيا وتركها لأهلها وصارت رغبته
فيما عند إلهه.
______________________________________________________
والانفراد به وهو
من الشيء النفيس الجيد في نوعه. ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه .
قوله
تعالى : « جهدك » أي بقدر وسعك وطاقتك لتكون معروفا بالخير حيث توجهت.
قوله
تعالى : « بنصحي » أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم أو كما أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم.
قوله
تعالى : « بعدلي » أي بالحكم العدل الذي جعلت لهم.
قوله
تعالى : « فقد أنزلته » أي العدل أو الكتاب المشتمل عليه.
قوله
تعالى : « لكل مفتون » أي بالدنيا وزخارفها.
قوله
تعالى : « البتول » قال الفيروزآبادي : البتول : المنقطعة عن الرجال ومريم العذراء وفاطمة بنت
سيد المرسلين عليهماالسلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الأمة فضلا ودينا وحسبا ،
والمنقطعة عن الدنيا إلى الله .
قوله
تعالى : « وقلى الدنيا » أي أبغضها.
__________________
يا عيسى كن مع ذلك
تلين الكلام وتفشي السلام يقظان إذا نامت عيون الأبرار حذرا للمعاد والزلازل
الشداد وأهوال يوم القيامة حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال.
يا عيسى اكحل عينك
بميل الحزن إذا ضحك البطالون.
يا عيسى كن خاشعا
صابرا فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون.
يا عيسى رح من
الدنيا يوما فيوما وذق لما قد ذهب طعمه فحقا أقول ما أنت إلا بساعتك ويومك فرح من
الدنيا ببلغة وليكفك الخشن الجشب فقد رأيت إلى
______________________________________________________
قوله
تعالى : « كن مع ذلك » أي لا يكن زهدك سببا لنفرتك عن الخلق وسوء الخلق معهم ، بل كن مع الزهد تلين
الكلام مع كل أحد ، وتفشي السلام إلى كل من تلقاه.
قوله
تعالى : « إذا نامت عيون الأبرار » فكيف الأشرار.
قوله
تعالى : « حذرا » بفتح الذال ليكون مفعولا لأجله ، أو بكسر الذال أي كن حذرا.
قوله
تعالى : « بميل الحزن » في بعض النسخ بملمول بضم الميمين بمعناه.
قوله
تعالى : « رح من الدنيا يوما فيوما » أي اقطع كل يوم عنك شيئا من تعلقات الدنيا حتى لا يصعب
عليك مفارقتها عند أجلك ، فإن الموت الاختياري أسهل من الموت الاضطراري وأنفع.
قوله
تعالى : « وذق لما قد ذهب طعمه » وفي الأمالي « ما قد ذهب » أي لا تتبع اللذات وأقنع
بالأشياء البشعة التي ذهب طعمه ، ويحتمل أن يكون كناية عن الاعتبار بفناء الدنيا
وعدم بقاء لذاتها لكنه بعيد.
قوله
تعالى : « ما أنت إلا بساعتك » أي لا تعلم وجودك وبقائك بعد تلك الساعة وهذا اليوم فاغتنمها.
قوله
تعالى : « فزح من الدنيا ببلغة » أي اترك واكتف بالبلاغ والكفاف
ما تصير ومكتوب ما
أخذت وكيف أتلفت.
يا عيسى إنك مسئول
فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم.
يا عيسى ابك على
نفسك في الخلوات وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات وأسمعني لذاذة نطقك بذكري فإن
صنيعي إليك حسن.
يا عيسى كم من أمة
قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.
يا عيسى ارفق
بالضعيف وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني فإني منك
______________________________________________________
أو كن بحيث إذا
فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة ، ويحتمل أن يكون المراد بالبلغة ما
يبلغ الإنسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة.
قوله
عليهالسلام : « وليكفك الخشن » أي من الثياب « الجشب » أي من الطعام أو من الثياب أيضا ، قال الجوهري ، طعام جشب
ومجشوب : أي غليظ ، ويقال : هو الذي لا إدام معه ، والجشيب من الثياب الغليظ .
قوله
تعالى : « فقد رأيت إلى ما يصير » بالياء أي الثوب والطعام فإن مصير الأول إلى البلى ،
والثاني إلى القذارة والأذى ، أو بالتاء أي بذلك تصير إلى البلاء.
قوله
تعالى : « كرحمتي إياك » الكاف للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها وقدرها ، أو للتعليل أي لرحمتي
إياك.
قوله
تعالى : « إلى مواقيت الصلوات » أي مواضعها ، وفي الأمالي « مواضع الصلوات ».
قوله
تعالى : « وأسمعني لذاذة نطقك » أي نطقك اللذيذ ، أو التذاذك بذكري كما مر في حديث موسى.
قوله
تعالى : « وارفع طرفك الكليل » قال الجزري : طرف كليل : إذا لم
__________________
قريب ولا تدعني
إلا متضرعا إلي وهمك هما واحدا فإنك متى تدعني كذلك أجبك.
يا عيسى إني لم
أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ولا عقابا لمن انتقمت منه.
يا عيسى إنك تفنى
وأنا أبقى ومني رزقك وعندي ميقات أجلك وإلي إيابك وعلي حسابك فسلني ولا تسأل غيري
فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة.
يا عيسى ما أكثر
البشر وأقل عدد من صبر الأشجار كثيرة وطيبها قليل فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق
ثمرها.
يا عيسى لا يغرنك
المتمرد علي بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري ٠ ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ثم يرجع
إلى ما كان عليه فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجى
ولا دوني ملجأ أين يهرب من سمائي وأرضي.
يا عيسى قل لظلمة
بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ـ والأصنام
______________________________________________________
يحقق المنظور به.
أي لا تحدق النظر إلى السماء حياء ، بل انظر بتخشع ، ويحتمل أن يكون وصف الطرف
بالكلال لبيان عجز قوي المخلوقين.
قوله
تعالى : « وهمك هما واحدا » أي اجعل همك هما واحدا ، ولا تجعل همك إلا هما واحدا ، وفي الأمالي « هم
واحد » وهو أظهر.
قوله
تعالى : « وإلى إيابك » بكسر الهمزة أي رجوعك.
قوله
تعالى : « حتى تذوق ثمرها » أي لا تغتر بحسن ظواهر الخلق حتى تختبرهم ، وتظهر لك مكنونات أديانهم ونياتهم
وأخلاقهم.
قوله
تعالى : « والسحت تحت أحضانكم » وفي بعض النسخ أقدامكم ، والحضن ما دون الإبط إلى الكشح ، وهو كناية عن ضبط الحرام وحفظه وعدم رده إلى أهله.
__________________
في بيوتكم فإني
آليت أن أجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.
يا عيسى كم أطيل
النظر وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها
قلوبهم يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين.
يا عيسى ليكن
لسانك في السر والعلانية واحدا وكذلك فليكن قلبك وبصرك واطو قلبك ولسانك عن
المحارم وكف بصرك عما لا خير فيه فكم من ناظر نظرة
______________________________________________________
قوله
تعالى : « والأصنام في بيوتكم » لعل المراد بالأصنام ، الدنانير والدراهم والذخائر التي أحرزوها في بيوتهم
ولا يؤدون حق الله منها ويتركون طاعة الله فيما أمر فيها ، فكأنهم عبدوها ، كما
ورد في الخبر « ملعون من عبد الدينار والدرهم ».
قوله
تعالى : « وأجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم » أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من أمر دنياهم موجبة
لبعدهم عن رحمتي ، واستدراج مني لهم ، وهو موجب لمزيد طغيانهم.
قوله
تعالى : « حتى يتفرقوا » أي عن الدعاء أو بالموت.
قوله
تعالى : « كم أطيل » وفي الأمالي « كم أجمل ».
قوله
تعالى : « لا تعيها » أي لا تحفظها وترعاها بالعمل بها.
قوله
تعالى : « يتحببون بي » أي بإظهار محبتي وعبادتي يطلبون محبة المؤمنين لهم ، وفي بعض النسخ [ يتحببون
بقربي ].
قوله
تعالى : « وكذلك فليكن قلبك وبصرك » أي لا تظهر من قلبك ونظرك عند الناس خلاف ما في قلبك وما
تفعله في خلواتك ، قوله
تعالى : « وكف بصرك » وفي الأمالي « وغض طرفك » بسكون الراء.
قد زرعت في قلبه
شهوة ووردت به موارد حياض الهلكة.
يا عيسى كن رحيما
مترحما وكن كما تشاء أن يكون العباد لك وأكثر ذكرك الموت ومفارقة الأهلين ولا تله
فإن اللهو يفسد صاحبه ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد واذكرني بالصالحات حتى أذكرك.
يا عيسى تب إلي
بعد الذنب وذكر بي الأوابين وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ومرهم يدعوني معك وإياك
ودعوة المظلوم فإني آليت على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول وأن أجيبه
ولو بعد حين.
يا عيسى اعلم أن
صاحب السوء يعدي وقرين السوء يردي واعلم من تقارن
______________________________________________________
قوله
تعالى : « موارد حياض الهلكة » الإضافة إما بيانية إلى الموارد التي هي حياض الهلاك ، أو لامية بأن يكون
المراد بالموارد أطراف تلك الحياض وفي الأمالي « موارد الهلكة ».
قوله
تعالى : « كن رحيما مترحما » الرحم رقة القلب والترحم إعمالها وإظهارها ، وفي الأمالي « وكن للعباد كما
تشاء ».
قوله
تعالى : « ولا تله » أي لا ترتكب ما يلهى ويوجب الغفلة عن الله تعالى.
قوله
تعالى : « واذكرني بالصالحات » أي بالأعمال الصالحة فإنها مسببة عن ذكره تعالى ، وذكره تعالى إثابته أو ذكره
في الملإ الأعلى بخير.
قوله
تعالى : « وذكر بي الأوابين » الأوبة : الرجوع أي الذين يرجعون إلى الله بالتوبة والأعمال الصالحة.
قوله
تعالى : « إن صاحب السوء يعدى » من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، والسوء بالفتح ، وقيل يجوز الضم أي
المصاحب الشرير السيء الخلق يعدى أي تؤثر أخلاقه فيمن صحبه ، يقال أعداه الداء
يعديه إعداء ، وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء.
قوله
تعالى : « وقرين السوء يردي » أي يهلك من يقارنه.
واختر لنفسك
إخوانا من المؤمنين.
يا عيسى تب إلي
فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم الراحمين اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل
أن لا يعمل لها غيرك واعبدني ليوم « كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ » فيه أجزي بالحسنة أضعافها وإن السيئة توبق صاحبها فامهد
لنفسك في مهلة ونافس في العمل الصالح فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار.
يا عيسى ازهد في
الفاني المنقطع وطأ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم « هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ
مِنْ أَحَدٍ » وخذ موعظتك منهم واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين.
يا عيسى قل لمن
تمرد علي بالعصيان وعمل بالإدهان ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع
الهالكين طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت
______________________________________________________
قوله
تعالى : « في مهلة من أجلك » أي في زمان عمرك الذي أمهل وأخر فيه أجلك ، وقد يطلق الأجل على العمر ، فكلمة
من بيانية ، قبل أن لا تقدر على العمل بعد الوفاة ، وفي الأمالي « قبل أن لا يعمل
لها غيرك ».
قوله
تعالى : « وهم مجارون » قال الجوهري : أجاره الله من العذاب أنقذه .
قوله
تعالى : « وطأ رسوم » أي امش على آثار منازل من كان قبلك « وادعهم هل تحس منهم من أحد » أي هل تشعر بأحد منهم وتراه أو تسمع صوتهم ، كما قال تعالى
: « وَكَمْ
أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ
تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً » والركز : الصوت الخفي.
قوله
تعالى : « وعمل بالإدهان » قال الفيروزآبادي : المداهنة خلاف ما تغمر كالأدهان ، ولعل المراد هنا
المداهنة في الدين ، وترك النهي عن المنكر.
قوله
تعالى : « سيصطلم » قال الجوهري : الاصطلام الاستئصال.
__________________
بأدب إلهك الذي
يتحنن عليك ترحما وبدأك بالنعم منه تكرما وكان لك في الشدائد لا تعصه يا عيسى فإنه
لا يحل لك عصيانه قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين.
يا عيسى ما أكرمت
خليقة بمثل ديني ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي.
يا عيسى اغسل
بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن فإنك إلي راجع.
يا عيسى أعطيتك ما
أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به عليها لتكون من
الهالكين.
يا عيسى تزين
بالدين وحب المساكين وامش على الأرض هونا وصل على
______________________________________________________
قوله
تعالى : « إن أخذت بأدب إلهك » أي بالآداب التي أمرك بها إلهك أو تتخلق بأخلاق ربك ، وقال الجوهري : تحنن عليه : ترحم .
قوله
تعالى : « ما أكرمت خليقة بمثل ديني » أي بشيء مثل ديني ، وضمير عليها راجع إلى الخليفة ، والظاهر أن المراد بالرحمة الجنة ، ويحتمل المغفرة.
قوله
تعالى : « فيضا » أي كثيرا واسعا ، وفيه استعارة مكنية « والتكدير » ترشيح إذ الفيض يطلق على كثرة الماء وسيلانه ، والظاهر أن
الغرض بهذا الخطاب أمة عيسى عليهالسلام كما ورد في القرآن آيات كثيرة المخاطب بها الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد بها أمته كقوله تعالى « لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » وأضرابها.
قوله
تعالى : « تزين بالدين » أي بآثاره وأعماله وأخلاقه فإنها زينة المتقين ومن أحسن زينتهم حب المساكين
والمعاشرة معهم.
قوله
تعالى : « هَوْناً
» قال الجوهري : الهون :
السكينة والوقار ، وفلان
__________________
البقاع فكلها طاهر.
يا عيسى شمر فكل
ما هو آت قريب واقرأ كتابي وأنت طاهر وأسمعني منك صوتا حزينا.
يا عيسى لا خير في
لذاذة لا تدوم وعيش من صاحبه يزول يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لأوليائي
الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون
ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون
دار لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين
فإنها أمنية المتمنين حسنة المنظر طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع
آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي بها بدلا ولا تحويلا كذلك أفعل بالمتقين.
يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات
لهب ونار ذات أغلال وأنكال
______________________________________________________
يمشي على الأرض
هونا.
قوله
تعالى : « وصل على البقاع » هذا خلاف ما هو المشهور من أن جواز الصلاة في كل البقاع من خصائص نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل كان يلزمهم الصلاة في بيعهم وكنا يسهم ، فيمكن أن يكون هذا الحكم فيهم
مختصا بالفرائض أو بغيره عليهالسلام من أمته.
قوله
تعالى : « شمر فكل ما هو آت قريب » قال الفيروزآبادي : شمر وشمر وانشمر وتشمر مر جادا أو
مختالا ، وتشمر للأمر ، تهيأ انتهى أي جد واجتهد في العبادة ، فإن الموت آت لا محالة ،
وكل ما هو آت قريب.
قوله
تعالى : « وزهقت نفسك » أي هلكت واضمحلت ، قوله
تعالى : « مع آبائك » أي تكون أو طوبى لك مع آبائك.
قوله
تعالى : « وأنكال » قال الفيروزآبادي : النكل بالكسر القيد الشديد
__________________
لا يدخلها روح ولا
يخرج منها غم أبدا قطع كقطع الليل المظلم من ينج منها يفز ولن ينجو منها من كان من
الهالكين هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكل فظ غليظ وكل مختال فخور.
يا عيسى بئست الدار
لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا.
يا عيسى كن حيث ما
كنت مراقبا لي واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي وأني صورتك وإلى الأرض
أهبطتك.
يا عيسى لا يصلح
لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد وكذلك الأذهان.
______________________________________________________
والجمع أنكال أو
قيد من نار. قوله
تعالى : « قطع كقطع الليل المظلم » أي ليس لنارها نور. قوله تعالى : « والعتاة » قال الفيروزآبادي : عتا عتوا :
استكبر وجاوز الحد فهو عات ، وقال : الفظ : الغليظ الجانب. السيء الخلق ، الخشن الكلام ، وقال : رجل مختال : متكبر.
قوله
تعالى : « بئست الدار » أي النار « لمن ركن
» أي مال إليها
بارتكاب الفسوق.
قوله
تعالى : « فكن بي » أي بمعونتي خبيرا بعيوب نفسك ، أو كن عالما بي وبرحمتي ونعمتي ، وعقوبتي حتى
لا تغلبك نفسك ولا تخدعك.
قوله تعالى : « من
إقبالي » أي تنتظر فضلي وإحساني ، وتخاف عقوبتي وتعلم أني مطلع على سرائر أمرك.
قوله
تعالى : « لا يصلح لسانان في فم واحد » أي بأن تقول في حضور القوم كلاما ، وفي غيبتهم كلاما آخر ،
أو تمزج القول الحق بالباطل ، والطاعة من
__________________
يا عيسى لا
تستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا وافطم نفسك عن الشهوات
______________________________________________________
القول بالمعصية.
قوله
تعالى : « ولا قلبان » في صدور واحد أي لا تجتمع محبة الله ومحبة غيره من المال والجاه ، وزخارف
الدنيا وشهواتها في قلب واحد ، فلا يتصور الجمع بينهما إلا بأن يكون لك قلبان وهو
محال كما قال تعالى : « ما
جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ » .
قوله
تعالى : « وكذلك الأذهان » أي لا يجتمع شيئان متضادان في ذهن واحد ، كالتوجه إلى الدنيا ، والتوجه إلى
الله ، والتوكل عليه والتوكل على الخلق ونحو ذلك ، ويحتمل أن يكون ذكر اللسان
والقلب تمهيدا لبيان الأخير ، أي كما لا يمكن أن يكون في فم لسانان ، وفي صدر
قلبان ، فكذا لا يجوز أن يكون في ذهن واحد ، خيالان متضادان يصيران منشأين لأمور
مختلفة متباينة.
قوله
تعالى : « لا تستيقظن عاصيا » أي لا تتوجه إلى تيقظ الغير ، والحال أنك عاص ، بل ابدأ بإصلاح نفسك قبل
إصلاح غيرك ، وكذا الفقرة الثانية ، هذا إذا ورد الفعلان متعديين ، لكن أكثر
اللغويين ذكروا البناء الأول لازما ، ولم يذكروا البناء الثاني فيحتمل أن يكون
المراد لا تستيقظ استيقاظا لا يردعك عن المعاصي ، ولا استنباها مخلوطا باللهو
والغفلة ، أو لا يكن استيقاظك وتنبهك عند الموت بعد العصيان واللهو ، ويحتمل أن
يكون الأول لازما والثاني متعديا ، فيكون المعنى أتم وأكمل فتأمل.
قوله
تعالى : « وافطم » أي اقطع « نفسك عن
الشهوات الموبقات » أي المهلكات.
__________________
الموبقات وكل شهوة
تباعدك مني فاهجرها واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين فكن مني على حذر واعلم أن
دنياك مؤديتك إلي وأني آخذك بعلمي فكن ذليل النفس عند ذكري خاشع القلب حين تذكرني
يقظان عند نوم الغافلين.
يا عيسى هذه
نصيحتي إياك وموعظتي لك فخذها مني وإني رب العالمين.
يا عيسى إذا صبر
عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي وكنت عنده حين يدعوني وكفى بي منتقما ممن عصاني
أين يهرب مني الظالمون.
يا عيسى أطب
الكلام وكن حيثما كنت عالما متعلما.
يا عيسى أفض
بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي وتمسك بوصيتي.
______________________________________________________
قوله
تعالى : « مؤديتك إلى » أي تردك الدنيا إلى بالموت وأعاقبك بما عملت من معاصيك.
قوله
تعالى : « في جنبي » أي في قربي أو طاعتي ، قال الشيخ الطبرسي في قوله تعالى : « يا حَسْرَتى عَلى ما
فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ » : الجنب القرب ، أي يا حسرتا على ما فرطت في قرب الله وجواره ، وفلان يعيش في
جنب فلان أي في قربه وجواره ومنه. قوله تعالى : « الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ » وقال البيضاوي : أي في جانبه ، أي في حقه وهو طاعته ، قال سابق البريري :
أما تتقين الله
في جنب وامق
|
|
له كبد حري عليك
تقطع
|
وقيل في ذاته على
تقدير مضاف كالطاعة ، وقيل : في قربه من قوله تعالى : « وَالصَّاحِبِ
بِالْجَنْبِ ».
قوله
تعالى : « وأفض » من الإفضاء بمعنى الإيصال ، أو من الإفاضة بمعنى
__________________
فإن فيها شفاء
للقلوب.
يا عيسى لا تأمن
إذا مكرت مكري ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري.
يا عيسى حاسب نفسك
بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين.
يا عيسى كنت خلقا
بكلامي ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل الأمين من ملائكتي حتى قمت على
الأرض حيا تمشي كل ذلك في سابق علمي.
يا عيسى زكريا
بمنزلة أبيك وكفيل أمك إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقا ونظيرك يحيى من خلقي
وهبته لأمه بعد الكبر من غير قوة بها أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني ويظهر فيك
قدرتي أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم
______________________________________________________
الاندفاع والإسراع
في السير أي أقبل إلى بسبب حسناتك أو معها.
قوله
تعالى : « بالرجوع إلى » أي بسبب أن مرجعك إلى.
قوله
تعالى : « ثواب ما عمله العاملون » أي مثله.
قوله
تعالى : « خلقتك بكلامي » أي بلفظ كن من غير والد.
قوله
تعالى : « كل ذلك في سابق علمي » أي كان جميع ذلك في علمي السابق وتقديري ، وفعلتها للحكم
التي علمته فيها.
قوله
تعالى : « ونظيرك يحيى » أي في الزهد والعبادة وسائر الكمالات أو في تولده من شيخ كبير يئس من الولد ،
فكأنه أيضا خلق من غير والد.
قوله
تعالى : « من غير قوة بها » أي من غير قوة كانت بها تقوى بتلك القوة على تحصيل الولد ، أي كانت كبيرة
يائسة لا تستعد بحسب القوي البشرية عادة لتولده منها.
قوله
تعالى : « أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني » أي عظمتي وقدرتي على
خوفا مني.
يا عيسى تيقظ ولا
تيأس من روحي وسبحني مع من يسبحني وبطيب الكلام فقدسني.
يا عيسى كيف يكفر
العباد بي ونواصيهم في قبضتي وتقلبهم في أرضي يجهلون نعمتي ويتولون عدوي وكذلك
يهلك الكافرون.
يا عيسى إن الدنيا
سجن منتن الريح وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون وإياك والدنيا فكل
نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل.
يا عيسى ابغني عند
وسادك تجدني وادعني وأنت لي محب فإني أسمع
______________________________________________________
قوله
تعالى : « نواصيهم في قبضتي » الأخذ بالناصية بين العرب كناية عن القهر والقدرة ، لأن من أخذ بناصية غيره
فقد قهره وأذله ، ولا يستطيع الامتناع مما يريده منه ، كما قال تعالى : « ما مِنْ دَابَّةٍ
إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها » قوله تعالى
: « وتقلبهم » أي تصرفهم في الأمور وتحولهم من حال إلى حال.
قوله
تعالى : « وحسن فيها » أي زين للناس فيها ما قد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون ، وذبح
بعضهم بعضا لأجلها ، قال الفيروزآبادي : تذابحوا : ذبح بعضهم بعضا ، وفي الأمالي « منتن الريح وخشن وفيها ما قد ترى ».
قوله
تعالى : « ابغني عند وسادك » أي أطلبني وتقرب إلى عند ما تتكى على وسادك للنوم بذكري ، « تجدني » لك حافظا في نومك أو قريبا منك مجيبا
__________________
السامعين أستجيب
للداعين إذا دعوني.
يا عيسى خفني وخوف
بي عبادي لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون.
يا عيسى ارهبني
رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه فكل هذا أنا خلقته « فَإِيَّايَ
فَارْهَبُونِ ».
يا عيسى إن الملك
لي وبيدي وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين.
يا عيسى إني إذا
غضبت عليك لم ينفعك رضا من رضي عنك وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين.
يا عيسى اذكرني في
نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين.
______________________________________________________
قوله
تعالى : « فإني أسمع السامعين » فينبغي أن تحب من كان كذلك ، أو إن لم استجب لأحد فإنما هو لعدم المحبة ،
وإلا فأنا أسمع السامعين ، والأول أظهر قوله تعالى : « فلا يهلكوا » أي إن هلكوا وضلوا وأصروا على المعاصي يكون بعد إتمام
الحجة عليهم.
قوله
تعالى : « أذكرك في نفسي » أي أفيض عليك من رحماتي الخاصة من غير أن يطلع عليها غيري.
قوله
تعالى : « أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين » الملأ : الإشراف والعلية
يا عيسى ادعني
دعاء الغريق الحزين الذي ليس له مغيث.
يا عيسى لا تحلف بي
كاذبا فيهتز عرشي غضبا الدنيا قصيرة العمر طويلة الأمل وعندي دار خير مما تجمعون.
يا عيسى كيف أنتم
صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال
كنتم بها عاملين.
يا عيسى قل لظلمة
بني إسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم أبي تغترون أم علي تجترءون تطيبون بالطيب
لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون.
يا عيسى قل لهم
قلموا أظفاركم من كسب الحرام وأصموا أسماعكم عن ذكر
______________________________________________________
أو الجماعة ،
والمراد ملأ الملائكة المقربين ، والذكر في ذلك الملأ بالثناء عليه والمباهاة به
أو إثابته بمشهد منهم ، وخيرية ذلك الملأ وفضله على ملإ الآدميين لكون جميعهم
معصومين مطهرين ، لا ينافي كون نادر من الآدميين أشرف منهم مع أنه يحتمل أن يكون
المراد بملإ الآدميين الملأ الذي لم يدخل فيه الأنبياء والصديقون.
قوله
تعالى : « فيهتز » أي يتحرك غضبا.
قوله
تعالى : « بسرائر » بدل من قوله بالحق.
قوله
تعالى : « قلموا أظفاركم » كناية عن قبض اليد عن الحرام.
قوله
تعالى : « عن ذكر الخنى » أي الفحش في القول.
قوله
تعالى : « فإني لست أريد ضرركم » وفي بعض النسخ « صرركم » بالصاد المهملة من قولهم صر صريرا
أي صوت وصاح شديدا قاله في القاموس ، وفي بعضها «
صوركم » كما روي إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أجسادكم ولكنه ينظر إلى
قلوبكم ونياتكم.
__________________
الخنا وأقبلوا علي
بقلوبكم فإني لست أريد صوركم.
يا عيسى افرح
بالحسنة فإنها لي رضا وابك على السيئة فإنها شين وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه
بغيرك وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الأيسر وتقرب إلي بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين.
يا عيسى ذل لأهل
الحسنة وشاركهم فيها وكن عليهم شهيدا وقل لظلمة بني إسرائيل يا أخدان السوء
والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير.
يا عيسى قل لظلمة
بني إسرائيل الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك تهجرون أتتكم براءتي أم لديكم أمان
من عذابي أم تعرضون لعقوبتي فبي حلفت لأتركنكم مثلا للغابرين
______________________________________________________
قوله
تعالى : « فإنها شين » أي عيب قبيح.
قوله
تعالى : « وإن لطم » أي ذلك الغير.
قوله
تعالى : « يا أخدان السوء » قال الفيروزآبادي : الخدن بالكسر وكأمير الصاحب ، ومن يخادنك في كل أمر ظاهر
وباطن ، فيحتمل أن يكون من قبيل إضافة الموصوف إلى الصفة ، كما هو الشائع في مثله
، وأن يكون المراد أنهم محبون للسوء مخادنون له ، ولعل قوله والجلساء بهذا أوفق
وأنسب ، فإن الضمير راجع إلى السوء فيكون السوء بضم السين.
قوله
تعالى : « الحكمة تبكي » استناد البكاء إلى الحكمة مجازي ، لأنها سببه ويمكن أن يكون بتقدير مضاف أي
أهل الحكمة ، ويمكن أيضا أن تقرأ تبكي من باب الأفعال.
قوله
تعالى : « تهجرون » من الهجر وهو الهزء وقبيح الكلام.
قوله
تعالى : « مثلا للغابرين » الغابر : الماضي والباقي ، والمراد به هنا الثاني
__________________
ثم أوصيك يا ابن
مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر
المشرق بالنور الطاهر القلب الشديد البأس الحيي المتكرم فإنه رحمة للعالمين وسيد
ولد آدم يوم يلقاني أكرم السابقين علي وأقرب المرسلين مني العربي الأمين الديان
بديني الصابر في ذاتي المجاهد المشركين بيده عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم
أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه وأن ينصروه.
قال عيسى عليهالسلام إلهي من هو حتى أرضيه فلك الرضا قال هو محمد رسول الله إلى الناس كافة أقربهم
مني منزلة وأحضرهم شفاعة طوبى له من نبي وطوبى لأمته إن هم لقوني على سبيله يحمده
أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء أمين ميمون
______________________________________________________
أي أهلككم وأجعل
هلاككم مثلا يمثل به ، ويذكر ويعتبر به من يأتي بعدكم قوله تعالى : « يوم
يلقاني » أي يظهر سيادته
في ذلك اليوم ، ويحتمل تعلقه بما بعده.
قوله
تعالى : « الديان بديني » الديان : القهار والحاكم والقاضي يقال : ديّنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا ،
أي يقهرهم على الدخول في دين الله ، أو يحكم بينهم بحكم الله ، أو يتعبد الله بدين
الحق من دان بمعنى عبد.
قوله
تعالى : « أن تخبر » بدل اشتمال من قوله : « سيد المرسلين » وفي الأمالي « يا عيسى آمرك أن تخبر به » وفيه « قال عيسى : الهي من هو؟ قال : يا عيسى
أرضه فلك الرضا ، قال : اللهم رضيت ، فمن هو؟ قال : محمد رسول الله » قوله تعالى : «
وأحضرهم شفاعة » أي شفاعته حاضرة مهيأة لكل من يستحقها. وفي الأمالي « وأوجبهم عندي شفاعة »
وهو أظهر.
قوله
تعالى : « إذ هم لقوني » وفي الأمالي « إن هم لقوني » وهو أظهر.
__________________
طيب مطيب خير
الباقين عندي يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها وأخرجت الأرض زهرتها
حتى يروا البركة وأبارك لهم فيما وضع يده عليه كثير الأزواج قليل الأولاد يسكن بكة
موضع أساس إبراهيم.
يا عيسى دينه الحنيفية
وقبلته يمانية وهو من حزبي وأنا معه فطوبى له ثم طوبى
______________________________________________________
قوله
تعالى : « طيب » أي خلق من طينة طيبة مقدسة ، « مطيب » أي من النقائص والرذائل.
قوله
تعالى : « وأبارك لهم » هذه المعجزة من متواترات معجزاته حيث وضع يده على طعام قليل وأشبع به خلقا
كثيرا في مواطن كثيرة ، وعلى ماء قليل ، وأروى به جماعة جمة في مواضع عديدة.
قوله
تعالى : « يسكن بكة » قال الفيروزآبادي : بكة : خرقه ومزقه وفسخه وفلانا زاحمه أو زحمه ضد ورد
نخوته ووضعه وعنقه دقها ، ومنه بكة لمكة أو لما بين جبليها ، أو للمطاف لدقها
أعناق الجبابرة ، أو لازدحام الناس بها.
قوله
تعالى : « دينه الحنيفية » قال الجزري : الحنيف هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه ، والحنيف عند
العرب من كان على دين إبراهيم عليهالسلام وأصل الحنف الميل ، ومنه الحديث « بعثت بالحنيفية السمحة »
انتهى وقيل : المراد الملة المائلة عن الشدة إلى السهولة.
قوله
تعالى : « وقبلته يمانية » قال الجزري : فيه « الإيمان يمان ، والحكمة
__________________
له له الكوثر
والمقام الأكبر في جنات عدن يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيدا له حوض أكبر من بكة إلى
مطلع الشمس « مِنْ
رَحِيقٍ مَخْتُومٍ » فيه آنية مثل نجوم السماء
______________________________________________________
يمانية » إنما قال
ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة ، وهي من تهامة ، وتهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال
الكعبة اليمانية.
قوله
تعالى : « ويقبض شهيدا » يدل على أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مات شهيدا كما رواه الصفار في كتاب بصائر الدرجات عن
إبراهيم بن هاشم عن جعفر بن محمد عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال سمت اليهودية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذراع ، قال : وكان رسول الله يحب الذراع والكتف ، ويكره
الورك لقربها من المبال ، قال : لما أتى بالشواء أكل من الذراع ، وكان يحبها فأكل
ما شاء الله ثم قال الذراع : يا رسول الله إني مسموم فتركه ، وما زال ينتقض به سمه
حتى مات صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقال ابن شهرآشوب
في كتاب المناقب : روي أنه أكل من الشاة المسمومة مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشر بن البراء بن معرور ومات من ساعته ، ودخلت أمه على النبي عند وفاته ،
فقال : يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت مع ابنك تعاودني والآن قطعت أبهري .
قوله
تعالى : « له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس » أي عرضه أكثر من هذه المسافة البعيدة ، ويحتمل أن يكون
المفضل عليه مقدرا ، ويكون المذكور تحديدا له أي له حوض أكبر الحياض عرضه من مكة
إلى منتهى الأرض من جانب المشرق وفي الأمالي « أبعد من مكة
إلى مطلع الشمس » وهو يؤيد المعنى الأول.
قوله
تعالى : « مِنْ
رَحِيقٍ مَخْتُومٍ » أي من جنسه ، قال الجزري : الرحيق
__________________
وأكواب مثل مدر
الأرض عذب فيه من كل شراب وطعم كل ثمار في الجنة من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا
وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة بينك وبينه يوافق سره علانيته وقوله فعله
لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به دينه الجهاد في عسر ويسر تنقاد له البلاد ويخضع
له صاحب الروم على دين إبراهيم يسمي عند الطعام ويفشي السلام ويصلي والناس نيام له
كل يوم خمس صلوات متواليات ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ويفتتح بالتكبير
ويختتم بالتسليم ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ويخشع لي قلبه
ورأسه النور في صدره والحق على لسانه وهو على الحق حيثما كان أصله يتيم ضال برهة
من زمانه عما يراد به تنام عيناه
______________________________________________________
من أسماء الخمر.
يريد خمر الجنة ، والمختوم المصون الذي لم يبتذل لأجل ختامه.
قوله
تعالى : « وأكواب » قال الفيروزآبادي : الكوب بالضم كوز لا عروة له أو لا خرطوم له ، والجمع أكواب.
قوله
تعالى : « على دين إبراهيم عليهالسلام » أي هو على دين إبراهيم أو يخضع له أو لأنه على دين إبراهيم عليهالسلام.
قوله
تعالى : « بالشعار » قال الجزري : في الحديث ، أن شعار أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الغزو يا منصور أمت أي علامتهم التي كانوا يتعارفون بها في الحرب انتهى
إنما شبه الأذان بالشعار ، لأنه أيضا شعار لمحاربة النفس والشيطان ، وهي الجهاد
الأكبر.
قوله
تعالى : « أصله يتيم » أي بلا أب أو بلا نظير أو متفرد عن الخلق « ضال برهة » أي طائفة من زمانه عما يراد به أي الوحي والبعثة ، أو ضال
من بين قومه
__________________
ولا ينام قلبه له
الشفاعة وعلى أمته تقوم الساعة ويدي « فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما
يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ » عليه أوفيت له بالجنة فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه
ولا يحرفوا سنته وأن يقرءوه السلام فإن له في المقام شأنا من الشأن
______________________________________________________
لا يعرفونه
بالنبوة ، فكأنه ضل عنهم ثم وجدوه ، كما روى الصدوق بإسناده عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام قال : قال الله تعالى لنبيه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم« أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى » يقول ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس « وَوَجَدَكَ ضَالًّا » يعني عند قومك « فَهَدى » أي هداهم إلى معرفتك « وَوَجَدَكَ عائِلاً
فَأَغْنى » يقول أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا » وروي في العلل بإسناده عن ابن عباس قال : سئل عن قول الله « أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً فَآوى » قال : إنما سمي يتيما لأنه لم يكن له نظير على وجه الأرض
من الأولين والآخرين ، فقال تعالى ممتنا عليه : « أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً » أي وحيدا لا نظير لك « فَآوى » إليك الناس وعرفهم فضلك حتى عرفوك « وَوَجَدَكَ ضَالًّا »
يقول منسوبا عند قومك إلى
الضلالة فهداهم بمعرفتك « وَوَجَدَكَ عائِلاً » يقول : فقيرا عند قومك يقولون لا مال لك ، فأغناك الله
بمال خديجة ثم زادك من فضله ، فجعل دعاءك مستجابا حتى لو دعوت على حجر أن يجعله
الله لك ذهبا لنقل عينه إلى مرادك ، وأتاك بالطعام حيث لا طعام ، وأتاك بالماء حيث
لا ماء ، وأعانك بالملائكة حيث لا مغيث ، فأظفرك بهم على أعدائك.
قد روى علي بن
إبراهيم في تفسيره عن علي بن الحسين عن أحمد بن أبي
__________________
يا عيسى كل ما
يقربك مني فقد دللتك عليه وكل ما يباعدك مني فقد نهيتك عنه فارتد لنفسك.
يا عيسى إن الدنيا
حلوة وإنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذرتك وخذ منها ما أعطيتك عفوا.
يا عيسى انظر في
عملك نظر العبد المذنب الخاطئ ولا تنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب كن فيها زاهدا ولا
ترغب فيها فتعطب.
يا عيسى اعقل
وتفكر وانظر في نواحي الأرض « كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ».
يا عيسى كل وصفي
لك نصيحة وكل قولي لك حق وأنا الحق المبين فحقا
______________________________________________________
عبد الله عن أبيه
عن خالد بن يزيد عن أبي الهيثم عن زرارة عن الإمامين عليهمالسلام في قول الله تعالى
« أَلَمْ
يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى » أي فآوى إليك الناس
«
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى » أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتى عرفوك
«
وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى » أي وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك ، قال علي بن إبراهيم :
اليتيم الذي لا مثل له ولذلك سميت الدرة اليتيمة لأنه لا مثل لها ، ووجدك عائلا
فأغناك بالوحي ، لا تسأل عن شيء أحدا « وَوَجَدَكَ ضَالًّا » في يوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك.
قوله
تعالى : « فارتد لنفسك » الارتياد : الطلب أي اطلب لنفسك ما هو خير لك.
قوله
تعالى : « عفوا » أي فضلا وإحسانا أو حلالا طيبا ، قال الفيروزآبادي العفو : أحل المال وأطيبه وخيار الشيء وأجوده ، والفضل والمعروف.
قوله
تعالى : « بمنزلة الرب » أي النظر في أعمال الغير ومحاسبتها شأن الرب لا شأن العبد.
قوله
تعالى : « كن فيها » أي في النظرة في عمل الغير أو في أعمال الغير أو في
__________________
أقول لئن أنت
عصيتني بعد أن أنبأتك ما لك من دوني ولي ولا نصير.
يا عيسى أذل قلبك
بالخشية وانظر إلى من هو أسفل منك ولا تنظر إلى من هو فوقك واعلم أن رأس كل خطيئة
وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها.
يا عيسى أطب لي
قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي كن في ذلك حيا ولا تكن
ميتا.
يا عيسى « لا تُشْرِكْ بِي
شَيْئاً » وكن مني على حذر ولا تغتر بالصحة وتغبط نفسك
______________________________________________________
الدنيا لظهورها
بقرينة المقام.
قوله
تعالى : « أو ذنب » لعل الترديد من الراوي أو منه تعالى بأن يكون المراد بالخطيئة الكبيرة ،
وبالذنب الصغيرة.
قوله
تعالى : « أطب لي قلبك » أي اجعل قلبك طيبة عن الأخلاق الذميمة ، والنيات الفاسدة. وحب الدنيا
وزخارفها ، لمحبتي ومعرفتي ، أو خالصا لوجهي وفي الأمالي : « أطب بي قلبك » أي كن محبا لي راضيا عني ، أو أجعل قلبك راضيا عني ، يقال
: طابت نفسه بكذا أي رضيها وأحبها.
قوله
تعالى : « ولا تغتر بالنصيحة » أي لا تنخدع عن النفس والشيطان بترك النصيحة أو لو لا تغفل بنصح غيرك عن نصح
نفسك ، أو لا تعرض نفسك للهلكة بترك النصيحة وفي الأمالي : « لا تغتر بالصحة » وهو
أظهر.
قوله
تعالى : « ولا تغبط نفسك » الظاهر أنه بالباء المشددة يقال غبطهم أي حملهم على الغبطة أي لا تجعل نفسك في أمور الدنيا بحيث يغبطها الناس أو لا تجعل نفسك بحيث تغبط
الناس على ما في أيديهم ، والأول أظهر ، ويمكن أن يقرأ
__________________
فإن الدنيا كفيء
زائل وما أقبل منها كما أدبر فنافس في الصالحات جهدك وكن مع الحق حيثما كان وإن
قطعت وأحرقت بالنار فلا تكفر بي بعد المعرفة « فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ » فإن الشيء يكون مع الشيء.
يا عيسى صب لي
الدموع من عينيك واخشع لي بقلبك.
يا عيسى استغث بي
في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين وأجيب المضطرين وأنا أرحم الراحمين.
١٠٤ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن عنبسة ، عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم
أحدا فيقول بعضهم لبعض « ما
لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ
سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ » قال وذلك قول الله عز وجل : « إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ » يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا.
( حديث إبليس )
١٠٥ ـ أبو علي
الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن يعقوب بن شعيب قال قال لي أبو
عبد الله عليهالسلام من أشد الناس عليكم قال قلت جعلت فداك كل قال أتدري مم ذاك
يا يعقوب قال قلت لا أدري جعلت فداك قال إن
______________________________________________________
بالتخفيف ونفسك
بالرفع.
قوله
تعالى : « فإن الشيء يكون مع الشيء » أي لكل عمل جزاء ، وكل شيء يكون مع ما يجانسه ، فلا تجلس
مع الجاهلين ، تكن منهم ، وليست هذه الفقرة في الأمالي.
الحديث
الرابع والمائة : ضعيف وقد سبق مثله.
الحديث
الخامس والمائة : صحيح ، ومضمونه معلوم.
__________________
إبليس دعاهم
فأجابوه وأمرهم فأطاعوه ودعاكم فلم تجيبوه وأمركم فلم تطيعوه فأغرى بكم الناس.
١٠٦ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إذا رأى الرجل ما يكره في منامه فليتحول عن شقه الذي كان عليه نائما
وليقل « إِنَّمَا
النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ
شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ » ثم ليقل عذت بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده
الصالحون من شر ما رأيت ومن شر الشيطان الرجيم.
١٠٧ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن
هارون بن منصور العبدي ، عن أبي الورد ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لفاطمة عليهاالسلام في رؤياها التي رأتها قولي أعوذ بما عاذت به
______________________________________________________
الحديث
السادس والمائة : حسن.
قوله
تعالى : « إِنَّمَا
النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ » النجوى السر ، ويظهر من ذكر هذه الآية في هذا المقام وما
سننقله عن علي بن إبراهيم أن المراد بالنجوى الرؤيا الهائلة الموحشة ، ولعله إنما
أطلق عليها لأنها نجوى ، ومسارة من الشيطان.
الحديث
السابع والمائة : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « في رؤياها التي رأتها » إشارة إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كان سبب نزول هذه الآية أن فاطمة سلام الله عليها رأت في منامها أن
رسول الله هم أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم من المدينة
، فخرجوا
__________________
ملائكة الله
المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شر ما رأيت في ليلتي هذه
______________________________________________________
حتى جاوزوا من
حيطان المدينة ، فعرض لهم طريقان فأخذ رسول الله ذات اليمين حتى انتهى إلى موضع
فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شاة كبراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها
فلما أكلوا ماتوا في مكانهم فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله بذلك
فلما أصبحت جاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بحمار فأركب عليه فاطمة وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن
والحسين عليهمالسلام من المدينة كما رأت فاطمة عليهاالسلام في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان ،
فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات اليمين كما رأت فاطمة عليهاالسلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شاة كما رأت فاطمة عليهاالسلام فأمر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة عليهاالسلام وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى وقف عليها وهي تبكي فقال : ما شأنك يا بنية؟ قالت : يا رسول الله رأيت
كذا وكذا في نومي ، وقد فعلت أنت كما رأيته فتنحيت عنكم فلا أراكم تموتون ، فقام
رسول الله صلىاللهعليهوآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه ، فنزل عليه جبرئيل فقال : يا
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا شيطان يقال له : « الدهان » وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به ، فأمر
جبرئيل عليهالسلام فجاء به إلى رسول الله فقال له : أنت أريت فاطمة هذه
الرؤيا؟ فقال : نعم يا محمد فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع ، ثم قال
جبرئيل لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : قل يا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا رأيت في منامك شيئا تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين
فليقل : « أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياء الله المرسلون وعباده
الصالحون من شر ما رأيت من رؤياي ويقرأ الحمد والمعوذتين ، وقل هو الله أحد ،
ويتفل عن يساره ثلاث تفلات ، فإنه لا يضره ما
__________________
أن يصيبني منه سوء
أو شيء أكرهه ثم انقلبي عن يسارك ثلاث مرات.
( حديث محاسبة النفس )
١٠٨ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه وعلي بن محمد جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود
المنقري ، عن حفص بن غياث قال قال أبو عبد الله عليهالسلام إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئا إلا أعطاه فلييأس من
الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا من عند الله عز ذكره فإذا علم الله عز وجل ذلك من
قلبه لم يسأله شيئا إلا أعطاه ـ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها فإن للقيامة
خمسين موقفا كل موقف مقداره ألف سنة ثم تلا « فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِمَّا تَعُدُّونَ » .
١٠٩ ـ وبهذا
الإسناد ، عن حفص ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو أن حجرا زال عن
جبل يوم السبت لرده الله عز ذكره إلى موضعه ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها
يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليهالسلام.
______________________________________________________
رأى وأنزل الله
على رسوله « إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ » الآية.
قوله
عليهالسلام « انقلبي عن يسارك » الظاهر أنه كان « ثم اتفلي عن يسارك » ثلاث مرات كما يدل
عليه ما نقلنا آنفا ، وعليه لعل المراد الانقلاب عن اليمين إلى اليسار ثلاث مرات ،
بأن ينقلب أولا إلى اليسار ، ثم إلى اليمين ، ثم إلى اليسار ، وهكذا ويحتمل أن
يكون متعلقا بالقول فقط أي يقوله ثلاث مرات ثم ينقلب ، وقيل : المراد أنه ينقلب
شيئا فشيئا ، وقليلا قليلا عن اليمين إلى اليسار في ثلاث دفعات.
الحديث
الثامن والمائة : ضعيف.
الحديث
التاسع والمائة : ضعيف.
__________________
١١٠ ـ وبهذا
الإسناد ، عن حفص ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال مثل الناس يوم القيامة إذا قاموا لرب العالمين مثل
السهم في القرب ليس له من الأرض إلا موضع قدمه كالسهم في الكنانة لا يقدر أن يزول
هاهنا ولا هاهنا.
١١١ ـ وبهذا
الإسناد ، عن حفص قال رأيت أبا عبد الله عليهالسلام يتخلل بساتين الكوفة فانتهى إلى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع
وسجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثم قال يا
أبا حفص إنها والله النخلة التي قال الله جل وعز لمريم عليهاالسلام « وَهُزِّي
إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا » .
١١٢ ـ حفص ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال قال عيسى عليهالسلام اشتدت مئونة الدنيا ومئونة الآخرة أما مئونة الدنيا فإنك
لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجرا قد سبقك إليها وأما مئونة الآخرة فإنك لا
تجد أعوانا يعينونك عليها.
______________________________________________________
الحديث
العاشر والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « في القرب » أي في قرب كل منهم بالآخر ، وفي بعض النسخ « في القرن »
قال في النهاية : القرن بالتحريك : جعبة من جلود تشق ، ويجعل فيها النشاب ، ومنه
الحديث « الناس يوم القيامة كالنبل في القرن » أي مجتمعون مثلها .
الحديث
الحادي عشر والمائة : صحيح.
قوله
عليهالسلام « في سجوده » أي في كل سجدة أو في جميعها ، والأول أظهر ، وهذا الخبر
مؤيد لما ورد من الأخبار من أن عيسى عليهالسلام ولد بشاطئ الفرات ، وما اشتهر بين المؤرخين من كون سكناها
في بيت المقدس ، لا ينافي ذلك لجواز أن يكون الله أجاءها عند المخاض إلى هذا
المكان بطي الأرض ثم أرجعها إلى بيت المقدس.
الحديث
الثاني عشر والمائة : ضعيف.
__________________
١١٣ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن يونس بن عمار قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول أيما مؤمن شكا حاجته وضره إلى كافر أو إلى من يخالفه على دينه فكأنما
شكا الله عز وجل إلى عدو من أعداء الله وأيما رجل مؤمن شكا حاجته وضره إلى مؤمن
مثله كانت شكواه إلى الله عز وجل.
١١٤ ـ ابن محبوب ،
عن جميل بن صالح ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إن الله عز وجل أوحى إلى سليمان بن داود ع أن آية موتك أن شجرة تخرج من
بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوما فإذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت
من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولى سليمان مدبرا إلى محرابه
فقام فيه متكئا على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجن والإنس يخدمونه ويسعون
في أمره كما كانوا وهم يظنون أنه حي لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتى دبت
الأرضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخر سليمان إلى الأرض أفلا تسمع لقوله عز وجل
: « فَلَمَّا
خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا
______________________________________________________
الحديث
الثالث عشر والمائة : مجهول.
ويدل على جواز
الشكاية إلى المؤمن وإن كان الأولى تركها.
الحديث
الرابع عشر والمائة : صحيح.
قوله
عليهالسلام « فأكلت منسأته » أي عصاه.
قوله
تعالى : « تَبَيَّنَتِ
الْجِنُ » روى علي بن إبراهيم وغيره أن الآية إنما نزلت هكذا « تبينت
الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين » وذلك أن الإنس
كانوا يقولون إن الجن يعلمون الغيب ، فلما سقط سليمان على وجهه علم الإنس أن لو كان
الجن يعلمون الغيب لم يعملوا سنة لسليمان ، وهو ميت ، ويتوهمونه حيا .
وقال الزمخشري :
في قراءة أبي تبينت الإنس ، وفي قراءة ابن مسعود « تبينت
__________________
يَعْلَمُونَ
الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ »
١١٥ ـ ابن محبوب ،
عن جميل بن صالح ، عن سدير ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال أخبرني جابر بن عبد الله أن المشركين كانوا إذا مروا
برسول الله حول البيت طأطأ أحدهم ظهره ورأسه هكذا وغطى رأسه بثوبه لا يراه رسول
الله صلىاللهعليهوآله فأنزل الله عز وجل : « أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ
لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما
______________________________________________________
الإنس أن الجن لو
كانوا يعلمون الغيب « وأما على القراءة المشهورة فقيل معناه علمت الجن بعد ما
التبس عليهم أنهم لا يعلمون الغيب ، وقيل : أي علمت عامة الجن وضعفاؤهم أن رؤساءهم
لا يعلمون الغيب ، وقيل المعنى : ظهرت الجن ، وأن بما في خبره بدل منه » أي ظهر أن
الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا ما لبثوا في العذاب المهين.
الحديث
الخامس عشر والمائة : حسن.
قوله
تعالى : « أَلا
إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ » لا يخفى أن تفسيره أشد انطباقا على اللفظ ، مما ذكره أكثر
المفسرين.
قال البيضاوي : أي
يثنونها عن الحق وينحرفون عنه ، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي أو يؤلون
ظهورهم « لِيَسْتَخْفُوا
مِنْهُ » أي من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه ، قيل إنها
نزلت في طائفة من المشركين ، قالوا : إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابها وطوينا
صدورنا على عداوة محمد صلىاللهعليهوآله كيف يعلم؟ وقيل : نزلت في المنافقين ، وفيه نظر إذ الآية
مكية ، والنفاق حدث بالمدينة « أَلا حِينَ
يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ » أي إلا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم « يَعْلَمُ ما
يُسِرُّونَ » في
__________________
يُسِرُّونَ
وَما يُعْلِنُونَ » .
( إن الله خلق الجنة قبل أن يخلق النار )
١١٦ ـ ابن محبوب ،
عن أبي جعفر الأحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال إن الله عز وجل خلق الجنة قبل أن يخلق النار وخلق الطاعة قبل أن يخلق
المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشر وخلق الأرض قبل السماء وخلق
الحياة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة.
١١٧ ـ عنه ، عن
عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول إن الله خلق الخير يوم الأحد وما كان ليخلق الشر قبل
الخير وفي يوم الأحد والإثنين خلق الأرضين وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء وخلق
السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس وخلق أقواتها
______________________________________________________
قلوبهم « وَما يُعْلِنُونَ » بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم ، فكيف يخفى عليه ما
عسى يظهرونه .
الحديث
السادس عشر والمائة : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « وخلق الطاعة » أي قدرها قبل المعصية وتقديرها ، وكذا في الفقرتين بعدها ،
والخلق بمعنى التقدير شائع ، ولعل المراد بخلق الشر خلق ما يترتب عليه شر ، وإن
كان إيجاده خيرا وصلاحا.
الحديث
السابع عشر والمائة : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « وما كان ليخلق الشر قبل الخير » الغرض أن ابتداء خلق الجميع يوم الأحد : إذ خيريته تعالى
تقتضي أن لا يقدم خلق الشر على خلق الخير ، وابتداء خلق الخير كان يوم الأحد ، فلم
يخلق قبله شيء.
أقول : في هذا
الخبر فوائد الأولى : تفصيل ما ذكره تعالى مجملا في عدة مواضع من خلق السماوات
والأرض في ستة أيام.
وروى العامة أيضا
عن مجاهد أن الله ابتدأ بخلق الأرض والسماوات يوم
__________________
يوم الجمعة وذلك
قوله عز وجل : « خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ » .
______________________________________________________
الأحد والاثنين
والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ، فاجتمع له الخلق ، وتم يوم الجمعة ، فلذلك
سمي جمعة ، ولا شك في أنه تعالى كان قادرا على خلقها لحظة وإنما
خلقها هكذا تدريجا لمصالح كثيرة لا نعلمها على حقيقتها.
وقيل : لأن ترتيب
الحوادث على إنشاء شيء بعد شيء يدل على كون فاعله عالما مدبرا يصرفه على اختياره :
ويجريه على مشيته.
ويؤيده ما رواه
الصدوق في العيون والعلل بإسناده عن أبي الصلت الهروي عن الرضا عليهالسلام أنه قال : « ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وهو مستول على عرشه وكان
قادرا على أن يخلقها في طرفة عين ، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ، ليظهر
للملائكة ما يخلقه منها شيئا بعد شيء فتستدل بحدوث ما يحدث ، على الله تعالى ذكره
» وقيل : إنه سبحانه علم خلقه الثبت والرفق في الأمور ، روي ذلك عن سعيد بن جبير.
الثانية إن الزمان
ليس بمقدار حركه الفلك كما زعمت الفلاسفة وإلا فلا معنى للتقدير بالأيام قبل وجود
الفلك ، والقول بأنه يحتمل أن يكون تقديره بحركة العرش أو الكرسي مثلا ـ ويكون خلق
السماوات السبع والأرضين في ستة أيام يخالف أصولهم بوجوه شتى.
منها لزوم الخلاء
، ويخالف هذا الخبر وغيره من الأخبار الدالة على أول الموجودات كما مر ، مع أن
الظاهر من الأخبار والآيات كون السماوات الدائرات سبعة ، والعرش والكرسي مربعان
ثابتان غير متحركان.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الثالثة : أنهم
اختلفوا في أنه تعالى أي شيء أراد باليوم مع أن اليوم المصطلح لا يتحقق إلا بطلوع
الشمس وغروبها ، ولم تكن في ابتداء الخلق شمس ولا قمر ، فقيل : المراد في ستة
أوقات ، كذا ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره حيث قال في تفسير قوله تعالى : « فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ*
» أي في ستة أوقات ، وقال في قوله تعالى : « فِي يَوْمَيْنِ » أي في وقتين ، ابتداء الخلق وانقضاؤه ، وقيل : المراد في
مقدار ستة أيام ، وهذا الوجه أنسب بلفظ الآية وأوفق بهذا الخبر ، كما لا يخفى.
الرابعة : فيه
تفسير قوله تعالى : « قُلْ
أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ » أي في وقتين ابتداء الخلق وانقضاؤه ، فعلى تفسيره عليهالسلام أن مقدار يومين وافق بعد خلق الشمس والقمر. وتسمية الأيام يوم الأحد
والاثنين.
قال البيضاوي : أي في مقدار يومين أو بنوبتين ، وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون ،
ولعل المراد بالأرض ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها في يومين أنه
خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها صارت أنواعا ، وكفرهم به إلحادهم في ذاته
وصفاته « وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً » ولا يصح أن يكون له ند [ ذلك ] الذي خلق الأرض في يومين «
رب العالمين » خالق جميع ما يوجد من الممكنات ، ومربيها
« وَجَعَلَ
فِيها رَواسِيَ » استئناف غير معطوف على خلق للفصل بما هو خارج عن الصلة
« مِنْ
فَوْقِها » مرتفعة عليها ، ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار ،
وتكون منافعها معرضة للطلاب « وَبارَكَ فِيها » وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النباتات والحيوانات
« وَقَدَّرَ
فِيها أَقْواتَها » أقوات أهلها بأن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عين لكل نوع ما
يصلحه ويعيش به ، أو أقواتا تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها ، وقرئ
« وقسم فيها أقواتها في أربعة أيام » في تتمة أربعة أيام كقولك سرت من البصرة إلى
بغداد في عشرة أيام وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما ، ولعلة قال ذلك ، ولم يقل في
يومين للإشعار باتصالهما باليومين الأولين والتصريح على الفذلكة.
أقول : الأظهر من
هذا الخبر أن المراد بتقدير الأقوات خلق النباتات والثمار والحبوب التي هي أقوات
الحيوانات ، ويحتمل أن يكون الخلق في الخبر بمعنى التقدير أي جعلها مهيأة لأن ينبت
منها أرزاق العباد « سَواءً » أي استوت سواء بمعنى استواء ، والجملة صفة أيام وتدل عليه
قراءة يعقوب بالجر وقيل : حال من الضمير في أقواتها أو فيها ، وقرئ بالرفع على هي
سواء « لِلسَّائِلِينَ » متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض ،
وما فيها أو بقدر ، أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها
« ثُمَّ
اسْتَوى إِلَى السَّماءِ » قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجها
لا يلوي على غيره ، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقين ، لا للتراخي في المدة لقوله
«
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها » ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها «
وَهِيَ
دُخانٌ » أمر ظلماني ، ولعله أراد به مادتها والأجزاء المصغرة التي
ركبت منها « فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً
أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ » فخلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن ، والضمير للسماء على
المعنى أو مبهم ، وسبع سماوات حال على الأول وتميز على الثاني
« فِي
يَوْمَيْنِ » قيل : خلق السماوات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم
الجمعة هذا بعض كلام البيضاوي في تفسير هذه الآية أوردناه ليتضح به معنى الخبر وقد سبق منا بعض الكلام فيها وبقي هيهنا إشكال
وهو أن مدلول الخبر ينافي ظاهر الآية من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
جهتين.
الأولى : إن ظاهر
الآية أن خلق أقوات الأرض وتقديرها كان في يومين ، والخبر يدل على أنه خلق أقوات
الأرض في يوم وأقوات السماء في يوم.
والثانية : إن
ظاهر الآية تقدم يومئ خلق الأقوات على يومي خلق السماوات والخبر يدل على تأخر أحد
يومي خلق الأقوات عنهما ، ويمكن أن يجاب عن الأولى بأن المراد بخلق أقوات السماء
خلق أسباب أقوات أهل الأرض الكائنة في السماء من المطر والثلج والألواح التي يقدر
فيها الأقوات ، والملائكة الموكلين بها ويؤيده أن ليس لأهل السماء قوت وطعام وشراب
، ففي يوم واحد قدر الأسباب الأرضية لأقوات أهل الأرض وفي يوم آخر قدر الأسباب
السماوية لها ، وفي الآية نسبهما إلى الأرض لكونهما لأهلها وفي الخبر فصل ذلك
لبيان اختلاف موضع التقديرين ، وعلى الثانية بنحو مما ذكره البيضاوي ، بأن لا تكون
لفظة « ثم » للترتيب والتراخي في المدة.
ومن غرائب ما سنح
لي أني لما كتبت شرح هذا الخبر اضطجعت فرأيت فيما يرى النائم أني أتفكر في هذه
الآية فخطر ببالي في تلك الحالة أنه يحتمل أن يكون المراد بأربعة أيام تمامها لا
تتمتها ، ويكون خلق السماوات أيضا من جملة تقدير أرزاق أهل الأرض فإنها من جملة
الأسباب ومحال بعض الأسباب كالملائكة العاملة والألواح المنقوشة. والشمس والقمر
والنجوم المؤثرة بكيفياتها كالحرارة والبرودة في الثمار والنباتات ، ويكون لفظة «
ثم » في قوله تعالى « ثُمَّ اسْتَوى » للترتيب في الأخبار لتفصيل ذلك الإجمال ، بأن يومين من تلك
الأربعة كانا مصروفين في خلق السماوات ، والآخرين في خلق سائر الأسباب ، ولو لا
أنه سنح لي في هذه الحال لم أجسر على إثبات هذا الاحتمال وإن لم يقصر عما ذكره
المفسرون وبه يندفع الإشكال والله تعالى يعلم حقائق كلامه وحججه عليهمالسلام.
١١٨ ـ ابن محبوب ،
عن حنان وعلي بن رئاب ، عن زرارة قال قلت له قوله عز وجل : « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ
صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ
خَلْفِهِمْ
______________________________________________________
الحديث
الثامن عشر والمائة : صحيح.
قوله
تعالى « لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ » قال البيضاوي أي أترصد بهم كما يقعد القطاع للسابلة
« صِراطَكَ
الْمُسْتَقِيمَ » طريق الإسلام ونصبه على الظرف. كقوله :
لدن بهز الكف
يعسل متنه
|
|
فيه ، كما عسل
الطريق الثعلب
|
وقيل : تقديره «
على صراطك » كقولك ضرب زيد الظهر والبطن « ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ
وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » أي من جميع الجهات الأربع مثل قصده إياهم بالتسويل والإضلال
من أي وجه يمكنه بإتيان العدو من الجهات الأربع ، ولذلك لم يقل من فوقهم ومن تحت
أرجلهم وقيل : لم يقل من فوقهم ، لأن الرحمة تنزل منه ولم يقل من تحتهم ، لأن
الإتيان منه يوحش.
وعن ابن عباس
« مِنْ
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ » من قبل الآخرة ، و
« مِنْ
خَلْفِهِمْ » من قبل الدنيا « وَعَنْ أَيْمانِهِمْ
وَعَنْ شَمائِلِهِمْ » من جهة حسناتهم وسيئاتهم ، ويحتمل أن يقال : من بين أيديهم
من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز عنه ، ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون ،
وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة أن يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ، ولكن لم يفعلوا
لعدم تيقظهم واحتياطهم ، وإنما عدي الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء ، لأنه منهما
متوجه إليهم ، وإلى الآخرين بحرف المجاوزة فإن الآتي منهما كالمنحرف عنهم المار
على عرضهم ونظيره قولهم
__________________
وَعَنْ
أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » قال فقال أبو جعفر عليهالسلام يا زرارة إنه إنما صمد لك ولأصحابك فأما الآخرون فقد فرغ
منهم.
١١٩ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد جميعا ، عن النضر بن
سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن بدر بن الوليد
الخثعمي قال دخل يحيى بن سابور على أبي عبد الله عليهالسلام ليودعه فقال له أبو عبد الله عليهالسلام أما والله إنكم لعلى الحق وإن من خالفكم لعلى غير الحق
والله ما أشك لكم في الجنة وإني لأرجو أن يقر الله لأعينكم عن قريب.
______________________________________________________
جلست عن يمينه « وَلا تَجِدُ
أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ » مطيعين وإنما قاله ظنا لقوله : [ تعالى ] « وَلَقَدْ صَدَّقَ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ » لما رأى فيهم مبدأ الشر متعددا ، ومبدأ الخير واحدا ، وقيل
: سمعه من الملائكة .
قوله
عليهالسلام : « إنما صمد لك ولأصحابك » أي معظم ترصده إنما هو لمن تبع دين الحق ، لعلمه بأنهم
ينتفعون بأعمالهم وأديانهم فيريد أن يضلهم إما عن دينهم ، وإما عن أعمالهم. فأما
الآخرون أي المخالفون ، فلا يترصد لهم ، لأنه أضلهم عن دينهم ، فقد فرغ من أمرهم
لأنهم لضلالتهم لا ينتفعون بما يعملون من الطاعات ، بل هي موجبة لشدة نصبهم وتعبهم
في الدنيا ووفور عذابهم في الآخرة.
الحديث
التاسع عشر والمائة : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « أن يقر الله بأعينكم » قال الفيروزآبادي : يقال أقر الله عينه وبعينه .
قوله
عليهالسلام : « إلى قريب » أي عند الموت أو عند قيام القائم.
__________________
١٢٠ ـ يحيى الحلبي
، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال قلت جعلت فداك أرأيت الراد علي هذا
الأمر فهو كالراد عليكم فقال يا أبا محمد من رد عليك هذا الأمر فهو كالراد على
رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلى الله تبارك وتعالى يا أبا محمد إن الميت منكم على هذا
الأمر شهيد قال قلت وإن مات على فراشه قال إي والله وإن مات على فراشه حي عند ربه
يرزق.
١٢١ ـ يحيى الحلبي
، عن عبد الله بن مسكان ، عن حبيب قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول أما والله ما أحد من الناس أحب إلي منكم وإن الناس سلكوا سبلا شتى فمنهم
من أخذ برأيه ومنهم من اتبع هواه ومنهم من اتبع الرواية وإنكم أخذتم بأمر له أصل
فعليكم بالورع والاجتهاد واشهدوا الجنائز وعودوا المرضى واحضروا مع قومكم في
مساجدهم للصلاة أما يستحيي الرجل منكم أن يعرف جاره حقه ولا يعرف حق جاره.
١٢٢ ـ عنه ، عن
ابن مسكان ، عن مالك الجهني قال قال لي أبو عبد الله عليهالسلام يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفوا
وتدخلوا الجنة
______________________________________________________
الحديث
العشرون والمائة : صحيح.
قوله
عليهالسلام : « حي عند ربه يرزق » أي له من الثواب ما أعده الله للشهداء حيث قال ( تعالى ) :
« وَلا
تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » الآية .
الحديث
الحادي والعشرون والمائة : مجهول.
قوله
عليهالسلام : « أن يعرف جاره حقه » أي من العامة أو الأعم.
الحديث
الثاني والعشرون والمائة : حسن.
قوله
عليهالسلام : « وتكفوا » أي عن المعاصي أو عن الناس بالتقية.
__________________
يا مالك إنه ليس
من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن
كان على مثل حالكم يا مالك إن الميت والله منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب
بسيفه في سبيل الله.
١٢٣ ـ يحيى الحلبي
، عن بشير الكناسي قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول وصلتم وقطع الناس وأحببتم وأبغض الناس وعرفتم وأنكر
الناس وهو الحق إن الله اتخذ محمدا صلىاللهعليهوآله عبدا قبل أن يتخذه نبيا وإن عليا عليهالسلام كان عبدا ناصحا لله عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه إن حقنا في كتاب
الله بين لنا صفو الأموال ولنا الأنفال وإنا قوم فرض الله عز وجل طاعتنا وإنكم
تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية عليكم بالطاعة فقد
رأيتم أصحاب علي عليهالسلام ثم قال إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال في مرضه الذي توفي فيه ادعوا لي خليلي فأرسلتا إلى
أبويهما فلما جاءا أعرض بوجهه ثم قال
______________________________________________________
الحديث
الثالث والعشرون والمائة : مجهول.
ويمكن أن يعد حسنا
لأن هذا الخبر يدل على مدح بشير.
قوله
عليهالسلام : « إن الله اتخذ محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم عبدا » أي عبدا كاملا في العبودية مطيعا لله في جميع أموره ، ولذا
لم ينسب الله تعالى بالعبودية أحدا إلى نفسه إلا مقربي جنابه من الأنبياء
والأوصياء كما قال : « سُبْحانَ
الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ » وقال : « عَبْداً
مِنْ عِبادِنا » وقال : إلى « عَبْدَنا داوُدَ » ومثله كثير ، والغرض أن هذا الكمال الذي كان حاصلا لنبينا قبل بعثته ونبوته ،
قد كان لعلي عليهالسلام وكان في جميع الكمالات مشاركا مع الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى النبوة فقد أخذتم بولاية من هو هكذا.
قوله
عليهالسلام : « لنا صفو المال » أي صفايا الغنيمة.
قوله
عليهالسلام : « فقد رأيتم أصحاب علي عليهالسلام
» أي المطيعين له
أو المخالفين له
__________________
ادعوا لي خليلي
فقالا قد رآنا لو أرادنا لكلمنا فأرسلتا إلى علي عليهالسلام فلما جاء أكب عليه يحدثه ويحدثه حتى إذا فرغ لقياه فقالا
ما حدثك فقال حدثني بألف باب من العلم يفتح كل باب إلى ألف باب.
١٢٤ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن موسى بن عمر بن
بزيع قال قلت للرضا عليهالسلام إن الناس رووا أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان يفعل قال فقال
نعم فأنا أفعله كثيرا فافعله ثم قال لي أما إنه أرزق لك.
١٢٥ ـ سهل بن زياد
، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن
الأول عليهالسلام قال قلت له جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء
الذي أكرهه فأسأله عن ذلك فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات فقال لي يا محمد كذب
سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة
______________________________________________________
أو الأعم.
قوله
عليهالسلام : « أكب عليه » قال الفيروزآبادي : أكب عليه : أقبل ولزم .
قوله
عليهالسلام : « ألف باب » أي ألف نوع أو ألف قاعدة من القواعد الكلية التي تستنبط من
كل قاعدة منها ألف قاعدة أخرى ، والأول أظهر.
الحديث
الرابع والعشرون والمائة : ضعيف.
ويدل على استحباب
الرجوع في غير الطريق الذي أخذ فيه ، وأنه موجب لمزيد الرزق.
الحديث
الخامس والعشرون والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « خمسون قسامة » أي خمسون رجلا يشهدون ويقسمون عليه ،
__________________
وقال لك قولا
فصدقه وكذبهم لا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم به مروءته فتكون من الذين قال
الله في كتابه : « إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ » .
( حديث من ولد في الإسلام )
١٢٦ ـ سهل بن زياد
، عن يعقوب بن يزيد ، عن عبد ربه بن رافع ، عن الحباب بن موسى ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال من ولد في الإسلام حرا فهو عربي ومن كان له عهد فخفر في عهده فهو مولى
لرسول الله صلىاللهعليهوآله ومن دخل في الإسلام طوعا فهو
______________________________________________________
ولعل هذا مختص بما
إذا كان فيما يتعلق بنفسه من غيبته أو الإزراء به ، ونحو ذلك فإذا أنكرها واعتذر
إليه يلزمه أن يقبل عذره ، ولا يؤاخذه بما بلغه عنه ، ويحتمل التعميم أيضا فإن
الثبوت عند الحاكم بعدلين أو أربعة وإجراء الحد عليه لا ينافي أن يكون غير الحاكم
مكلفا باستتار ما ثبت عنده من أخيه ، من الفسوق التي كان مستترا بها ، والإذاعة
الإفشاء ، والشين : العيب ، والفاحشة : الذنب أو ما يشتد قبحه من الذنوب.
حديث
من ولد في الإسلام
الحديث
السادس والعشرون والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « من ولد في الإسلام حرا فهو عربي » أي الأخبار الواردة في مدح العرب تشتمل كل من ولد في
الإسلام حرا وكان على دين الحق ولو كان من العجم ، لورود كثير من الأخبار أنهم يحشرون بلسان العرب ، وإن كان على غير دين الحق
يحشر بلسان العجم وإن كان من العرب.
قوله
عليهالسلام : « ومن كان له عهد فخفر » يقال : خفر به خفرا وخفورا أي نقض
__________________
مهاجر.
١٢٧ ـ علي بن
إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآله من أصبح وأمسى وعنده ثلاث فقد تمت عليه النعمة في الدنيا
من أصبح وأمسى معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه فإن كانت عنده الرابعة
فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة وهو الإسلام.
١٢٨ ـ عنه ، عن
هارون بن مسلم ، عن مسعدة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام [ ، عن أبيه عليهالسلام ]
______________________________________________________
عهده والخفر أيضا
الإجارة والمنع وحفظ الأمان ، وعلى التقديرين أقيم علة الجزاء هنا مقامه ، أي من
كان له عهد وأمان وذمة من قبل أحد من المسلمين فروعي أمانه فقد روعي أمان حليف
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أو معتقه أو من آمنه ، لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم حكم بحفظ أمانه وأعتقه من القتل فهو
مولاه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن نقض عهده فقد نقض عهد مولى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه مولاه.
قوله
عليهالسلام : « ومن دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر » أي في هذا الزمان الذي ارتفع حكم الهجرة ، أو أنه مطلقا في
حكم المهاجر في وفور ثوابه ، ولزوم احترامه.
الحديث
السابع والعشرون والمائة : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من أصبح وأمسى
معافى » بيان للجملة
السابقة وبدل عنها ومفسر لها ، قال الجزري : فيه « من أصبح آمنا في سربه معافى في
بدنه » يقال : فلان آمن
في سربه بالكسر : أي في
نفسه ، وفلان واسع السرب : أي رخي البال ، ويروى بالفتح ، وهو المسلك والطريق ،
يقال : خل له سربه أي طريقه .
الحديث
الثامن والعشرون والمائة : ضعيف.
__________________
أنه قال لرجل وقد
كلمه بكلام كثير فقال أيها الرجل تحتقر الكلام وتستصغره اعلم أن الله عز وجل لم
يبعث رسله حيث بعثها ومعها ذهب ولا فضة ولكن بعثها بالكلام وإنما عرف الله جل وعز
نفسه إلى خلقه بالكلام والدلالات عليه والأعلام.
١٢٩ ـ وبهذا
الإسناد قال قال النبي صلىاللهعليهوآله ما خلق الله جل وعز خلقا إلا وقد أمر عليه آخر يغلبه فيه
وذلك أن الله تبارك وتعالى لما خلق البحار السفلى فخرت وزخرت وقالت أي شيء يغلبني
فخلق الأرض فسطحها على ظهرها فذلت ثم قال إن الأرض فخرت وقالت أي شيء يغلبني فخلق
الجبال فأثبتها على ظهرها أوتادا من أن تميد بما عليها فذلت الأرض واستقرت ثم إن
الجبال فخرت على الأرض فشمخت واستطالت وقالت أي شيء يغلبني فخلق الحديد فقطعها
فقرت الجبال
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « تحتقر الكلام » لعل السائل لم يعرف قدر نعمة الكلام ، وما إفاضة عليهالسلام عليه من الحكم والمعارف فنبهه عليهالسلام بفضيلة الكلام ورفعة شأنه ، وأن عمدة معجزات الأنبياء بيان
المعارف الإلهية والعلوم الدينية ، وبه يعرف الله تعالى ويستدل عليه.
الحديث
التاسع والعشرون والمائة : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فخرت وزخرت » قال الفيروزآبادي : زخر البحر كمنع زخرا وزخورا وتزخر :
طمى وتملأ ، والوادي مد جدا وارتفع ، والنبات طال ، والرجل بما عنده فخر .
أقول : يحتمل أن
تكون هذه الجمل جرت على سبيل الاستعارة التمثيلية لبيان أن ما سوى الحق تعالى
مغلوب مقهور عن غيره ، والله تعالى هو الغالب القاهر لجميع من سواه.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أوتادا من أن
تميد بما عليها » إشارة إلى ما ذكره الله تعالى
__________________
وذلت ثم إن الحديد
فخرت على الجبال وقال أي شيء يغلبني فخلق النار
______________________________________________________
في مواضع من
القرآن الكريم منها قوله تعالى : « وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ
بِكُمْ » قال المبرد : أي منع الأرض أن تميد ، وقيل : أي كراهة أن تميد ، ومنها قوله
تعالى « وَالْجِبالَ أَوْتاداً » وقال بعض المفسرين : الميد الاضطراب في الجهات الثلاث ، وقيل : إن الأرض كانت
تميد وترجف رجوف السقف بالوطء ، فثقلها الله بالجبال الرواسي ، ليمنع من رجوفها ،
ورووا عن ابن عباس أنه قال : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ
السفينة ، فأرساها الله تعالى بالجبال ، تم إنهم اختلفوا في أنه لم صارت الجبال
سببا لسكون الأرض؟ على أقوال ، وذكروا لذلك وجوها ولنذكر بعضها.
الأول : ما ذكره
الفخر الرازي في تفسيره : أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميد من جانب
إلى جانب وتضطرب ، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء ، فكذلك
لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت ، فخلق الله تعالى عليها هذه
الجبال ووتدها بها ، فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال ، ثم قال : لقائل أن
يقول : هذا يشكل من وجوه.
الأول : إن هذا
المعلل إما أن يقول : بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول : ليست بطباعها ، بل
واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها ، فعلى التقدير الأول نقول : لا شك أن الأرض
أثقل من الماء والأثقل يغوص في الماء ولا يبقى طافيا عليه ، فامتنع أن يقال إنها
كانت تميد وتضطرب بخلاف السفينة ، فإنها متخذة من الخشب وفي داخل الخشب تجويفات
غير مملوءة فلذلك تميد وتضطرب
__________________
فأذابت الحديد فذل
الحديد ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت أي
______________________________________________________
على وجه الماء ،
فإذا أرسيت بالأجسام الثقلية استقرت وسكنت ، فظهر الفرق.
وأما على التقدير
الثاني وهو أن يقال : ليس للأرض والماء طبائع توجب الثقل والرسوب والأرض إنما تنزل
لأن الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك وإنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء
العادة ليس هيهنا طبيعة للأرض ولا للماء توجب حالة مخصوصة ، فنقول : على هذا
التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون ، وعلة كونها مائدة
مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة ، فيفسد القول بأن الله خلق الجبال
لتبقى الأرض ساكنة ، فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين.
الإشكال الثاني :
أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن
تميد وتميل من جانب إلى جانب ، وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه
واقفا ، فنقول : فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز المخصوص ، فإن قلت : إن طبيعته
توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين ، فحينئذ يفسد القول بأن الأرض إنما وقفت بسبب أن
الله أرساها بالجبال ، وإن قلت إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله
أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص ، فنقول : فلم لا تقول مثله في سكون الأرض
وحينئذ يفسد هذا التعليل أيضا.
الإشكال الثالث :
أن مجموع الأرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته ويضطرب على وجه البحر المحيط لم
تظهر تلك الحالة للناس ، فإن قيل : أليس أن الأرض تحركها البخارات المحتقنة في
داخلها عند الزلازل ، وتظهر تلك الحركات للناس؟ قلنا : تلك البخارات احتقنت في
داخل قطعة صغيرة من الأرض فلما حصلت الحركة في تلك القطعة ، ظهرت تلك الحركة ، فإن
ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلاج عضو من بدن الإنسان ، أما لو
تحركت كلية الأرض
شيء يغلبني فخلق
الماء فأطفأها فذلت ثم إن الماء فخر وزخر وقال أي شيء
______________________________________________________
لم تظهر ، ألا ترى
أن الساكن في سفينة لا يحس بحركة كلية السفينة ، وإن كانت على أسرع الوجوه وأقواها
انتهى كلامه.
ويمكن أن يجاب
عنها أما عن الإشكال الأول : فبأن يختار أنها طالبة بطبعها للمركز ، لكن إذا كانت
خفيفة كان الماء يحركها بأمواجه حركة قسرية ويزيلها عن مكانها الطبيعي بسهولة ،
فكانت تميد وتضطرب بأهلها وتغوص قطعة منها ، وتخرج قطعة منها ولما إرسالها الله
تعالى بالجبال وأثقلها قاومت الماء وأمواجها بثقلها ، فكانت كالأوتاد مثبتة لها.
ومنه يظهر الجواب
عن الإشكال الثاني على أن توقف إرساء الأرض بالجبال على سكون الماء في حيز معين
ممنوع.
وأما عن الإشكال
الثالث فبأن يقال : ليس الامتنان بمجرد عدم ظهور حركة الأرض حتى يقال إنه على
تقدير حركتها بكليتها لا يظهر للناس ، بل بخروج البقاع عن الماء وعدم غرقها بحركة
الأرض وميدانها بأهلها ، على أن الظاهر أن الحركة التي لا تحس إنما هي إذا كانت في
جهة مخصوصة ، وعلى وضع واحد كحركة وضعية مستمرة أو حركة أينية على جهة واحدة كحركة
السفينة إذا كانت سائرة من غير اضطراب ، وأما إذا تحركت في جهات مختلفة واضطربت
فيحس بها كحركة السفينة عند تلاطم البحر واضطرابه : وهذا هو الفرق بين حالة
الزلزلة وبين حركة الأرض في الظهور وعدمه ، فإنا لو فرضنا قطعة منها سائرة غير
مضطربة في سيرها لما أحس بها ، كما لا يحس بحركة كلها ، بل باضطراب الحركة وكونها
في جهات مختلفة تحس الحركة ، سواء كان محلها كل الأرض أو بعضها.
الوجه الثاني : ما
ذكره الفاضل المقدم ذكره في تفسيره ، واختاره حيث قال
__________________
يغلبني فخلق الريح
فحركت أمواجه وأثارت ما في قعره وحبسته عن مجاريه فذل
______________________________________________________
والذي عندي في هذا
الموضع المشكل أن يقال : إنه ثبت بالدلائل اليقينية ، أن الأرض كرة ، وأن هذه
الجبال على سطح هذه الكرة جارية مجرى خشونات وتضريسات تحصل على وجه هذه الكرة إذا
ثبت هذا فنقول : إذا فرضنا أن هذه الخشونات ما كانت حاصلة ، بل كانت الأرض كرة
حقيقية خالية عن هذه الخشونات والتضريسات لصارت بحيث تتحرك بالاستدارة بأدنى سبب
لأن الجرم البسيط المستدير وإن لم يجب كونه متحركا بالاستدارة عقلا ، إلا أنه
بأدنى سبب تتحرك على هذا الوجه وأما إذا حصل على سطح كرة الأرض هذه الجبال وكانت
كالخشونات الواقعة على الكرة فكل واحد من هذه الجبال إنما يتوجه بطبعه إلى مركز
العالم ، وتوجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم ، وقوته الشديدة يكون
جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة ، فكان تخليق هذه الجبال على
الأرض كالأوتاد المغروزة في الكرة المانعة لها من الحركة المستديرة ، وكانت مانعة
للأرض عن الميد والميل والاضطراب ، بمعنى أنها منعت الأرض عن الحركة المستديرة ،
فهذا ما وصل إليه خاطري في هذا الباب والله أعلم انتهى.
واعترض عليه بعض
الأذكياء من المعاصرين بأن كلامه لا يخلو عن تشويش واضطراب والذي يظهر من أوائل
كلامه هو أنه جعل المناط في استقرار الأرض الخشونات والتضريسات من حيث أنها خشونات
وتضريسات ، وذلك إما لممانعة الأجزاء المائية الملاصقة لتلك التضريسات ، لاستلزام
حركة الأرض زوالها من مواضعها ، وحينئذ يكون علة السكون هي الجبال الموجودة في
الماء لا ما خلقت في الربع المكشوف من الأرض.
ولعله خلاف الظاهر
في معرض الامتنان بخلق الجبال وهو خلاف الظاهر من قوله تعالى : « وَجَعَلَ فِيها
رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها » والقول بأن ما في الماء أيضا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فوقها فلعل المراد
تلك الجبال لا يخلو عن بعد ، مع أنها ربما كانت معاونة لحركة الأرض كما إذا تحركت
كرة الماء بتموجها بأجمعها أو تموج أبعاضها المقاربة لتلك الخشونات ، وإنما
يمانعها عن الحركة أحيانا عند حركة أبعاضها.
وإما لممانعة
الأجزاء الهوائية المقاربة للجبال الكائنة على الربع الظاهر ، فكانت الأوتاد مثبتة
لها في الهواء مانعة عن تحريك الماء بتموجه إياها ، كما يمانع الجبال المخلوقة في
الماء عن تحريك الرياح إياها ، وحينئذ يكون وجود الجبال في كل منهما معاونا لحركة
الأرض في بعض الصور معاوقا عنها في بعضها ، ولا مدخل حينئذ لثقل الجبال ، وتركبها
في سكون الأرض واستقرارها.
والذي يظهر من
قوله : لأن الجرم البسيط إلى آخره ، هو أن البساطة توجب حركة الأرض ، إما
بانفرادها أو بمشاركة عدم الخشونة ، ولعله استند في ذلك إلى أن البسيط تتساوى نسبة
أجزائه إلى أجزاء المكان ، وإنما الطبيعة تقتضي انطباق مركز الثقل من الأرض على
مركز العالم على أي وضع كان ، والماء لا يقوى على إخراج الكرة عن مكانها ، نعم
يحركها بالحركة المستديرة بخلاف المركب ، فإنه ربما كان بعض أجزائه مقتضيا لوضع
خاص كمحاذاة أحد القطبين مثلا حتى تكون الفائدة تحصل بتركب بعض أجزاء الأرض ، وإن
لم يكن هناك جبل وارتفاع فلا يكون الامتنان بخلق الجبل من حيث أنه جبل ، بل من حيث
أنه مركب إلا على تقدير كون المراد أن المقتضي للسكون هو الحالة المركبة من التركب
والتضريس.
والظاهر أنه من
وصف الجبال بالشامخات في الآية مدخلية ارتفاعها في هذا المعنى ، إلا أن يكون الوصف
لترتب فوائد أخر عليها ، وحينئذ لا مدخل لثقل الجبال في سكون الأرض كما يظهر من
قوله أخيرا : فكل واحد من هذه الجبال
.................................................................................................
______________________________________________________
إنما يتوجه بطبعه
إلى مركز العالم ، وتوجه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم ، وقوته الشديدة
يكون جاريا مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض عن الاستدارة ، ومع ذلك لا ينفع في نفي
الحركة المشرقية والمغربية بل يؤيدها.
ويمكن أن يكون
مراده أن العلة هي المجموع المركب من الأمور الثلاثة ولعله جعل الطبيعة الأرضية
كافية في استقرارها في مكانها وإنما احتاج إلى المانع عن حركتها بالاستدارة حركة
وضعية ولذا قال أخيرا : وكانت مانعة للأرض عن الميد والاضطراب ، بمعنى أنها منعت
الأرض عن الحركة المستديرة.
الوجه الثالث : ما
يخطر بالبال وهو أن يكون مدخلية الجبال لعدم اضطراب الأرض بسبب اشتباكها واتصال
بعضها ببعض في أعماق الأرض بحيث تمنعها عن تفتت أجزائها وتفرقها ، فهي بمنزلة
الأوتاد المغروزة المثبتة في الأبواب المركبة من قطع الخشب الكثيرة بحيث تصير سببا
لالتصاق بعضها ببعض وعدم تفرقها ، وهذا معلوم ظاهر لمن حفر الآبار في الأرض فإنها
تنتهي عند المبالغة في حفرها إلى الأحجار الصلبة.
الوجه الرابع : ما
ذكره بعض المتعسفين من أنه لما كانت فائدة الوتد أن يحفظ الموتود في بعض المواضع
عن الحركة والاضطراب حتى يكون قارا ساكنا وكان من لوازم ذلك السكون في بعض الأشياء
صحة الاستقرار على ذلك والتصرف عليه ، وكان من فائدة وجود الجبال والتضريسات
الموجودة في وجه الأرض أن لا تكون مغمورة بالماء ، ليحصل للحيوان الاستقرار
والتصرف عليها ، لا جرم كان بين الأوتاد والجبال الخارجة من الماء في الأرض اشتراك
في كونهما مستلزمين لصحة الاستقرار ، مانعين من عدمه ، لا جرم حسنت نسبة الإيتاد
إلى الصخور والجبال ،
.................................................................................................
______________________________________________________
وأما إشعاره
بالميدان فلان الحيوان كما يكون صادقا عليه أنه غير مستقر على الأرض بسبب انغمارها
في الماء لو لم يوجد الجبال كذلك يصدق على الأرض أنها غير مستقرة تحته ومضطربة
بالنسبة إليه ، فثبت حينئذ أنه لو لا وجود الجبال في سطح الأرض لكانت مضطربة
ومائدة بالنسبة إلى الحيوان ، لعدم تمكنه من الاستقرار عليها.
الوجه الخامس : أن
يكون المراد بالجبال والرواسي الأنبياء والأولياء والعلماء ، وبالأرض الدنيا ، أما
وجه التجوز الجبال عن الأنبياء والعلماء فلان الجبال لما كانت على
غاية من الثبات والاستقرار مانعة لما يكون تحتها من الحركة والاضطراب عاصمة لما
يلتجئ إليها من الحيوان عما يوجب له الهرب ، فيسكن بذلك اضطرابه وقلقلته ، أشبهت
الأوتاد من بعض هذه الجهات ، ثم لما كانت الأنبياء والعلماء هم السبب في انتظام
أمور الدنيا وعدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالأوتاد للأرض ، فلا جرم صحت استعارة
لفظ الجبال لهم ، ولذلك في العرف يقال : فلان جبل منيع يأوي إليه كل ملهوف إذا كان
يرجع إليه في المهمات والحوائج ، والعلماء أوتاد الله في الأرض.
الوجه السادس : أن
يكون المقصود من جعل الجبال كالأوتاد في الأرض أن يهتدي بها إلى طرقها والمقاصد
فيها ، فلا تميد جهاتها المشتبهة بأهلها ، ولا تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم
ومقاصدهم ، وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها بعض المتعسفين ، وهذا دأبه في أكثر الآيات
والأخبار حيث يأولها بلا ضرورة داعية ، وعلة مانعة عن القول بظاهرها ، وهل هذا إلا
اجتراء على مالك يوم الدين ، وافتراء على حجج رب العالمين. الوجه السابع : أن يقال
: المراد بالأرض قطعاتها وبقاعها لا مجموع كرة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأرض ، ويكون
الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها ، إما
لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى ، أو لغير ذلك من الأسباب التي
يعلمها مبدعها ومنشؤها ، وهذا وجه قريب ، ويؤيده ما روي في أخبار كثيرة أن ذا
القرنين لما انتهى إلى السد جاوزه ، فدخل الظلمات ، فإذا هو بملك قائم على جبل
طوله خمسمائة ذراع ، فقال له ذو القرنين : من أنت؟ فقال : أنا ملك من ملائكة
الرحمن ، موكل بهذا الجبل فليس من جبل خلقه الله عز وجل إلا وله عرق إلى هذا الجبل
، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينة أوحى إلى فزلزلتها ، وإنما أطنبنا الكلام
في هذا المقام ، وخرجنا عما كنا بصدده من الاختصار التام ، لأنه من مزال الأقدام
وقد ماد وتحير فيه كثير من الأعلام.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « زفرت وشهقت » بفتح الهاء والقاف ، قال الجوهري : الزفير اغتراق النفس
للشدة ، والزفير أول صوت الحمار ، والشهيق آخره ، لأن الزفير إدخال النفس ،
والشهيق إخراجه ، وقد زفر يزفر ، قال الفيروزآبادي : زفر النار : سمع لتوقدها صوت .
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ثم إن الماء فخر
وزخر » لعل المراد
بالماء هاهنا المياه التي أسكنت في الأرض وخلقت على وجهها ، ولذا قيد صلىاللهعليهوآلهوسلم « الماء » في أول الخبر بالبحار السفلى ، وغلبة الأرض إنما هي عليها دون
المياه الظاهرة ، فلا ينافي تأخر خلق هذا الماء عن كثير من الأشياء تقدم خلق أصل
الماء وحقيقته على غيره من سائر الأشياء.
__________________
الماء ثم إن الريح
فخرت وعصفت وأرخت أذيالها وقالت أي شيء يغلبني فخلق الإنسان فبنى واحتال واتخذ ما
يستتر به من الريح وغيرها فذلت الريح ثم إن الإنسان طغى وقال من أشد مني قوة فخلق
الله له الموت فقهره فذل الإنسان ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله عز وجل لا
تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ثم لا أحييك أبدا فترجى أو
تخاف وقال أيضا والحلم يغلب الغضب والرحمة تغلب السخط والصدقة تغلب الخطيئة ثم قال
أبو عبد الله عليهالسلام ما أشبه هذا مما قد يغلب غيره.
١٣٠ ـ عنه ، عن
هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال إن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال له يا رسول الله أوصني فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله فهل أنت مستوص إن أنا أوصيتك حتى قال له ذلك ثلاثا وفي كلها يقول له الرجل
نعم يا رسول الله فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله فإني أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبر عاقبته فإن يك رشدا
فامضه وإن يك غيا فانته عنه.
______________________________________________________
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وعصفت » أي اشتدت قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « وأرخت أذيالها » أي رفعتها وحركتها تبخترا وتكبرا ، وهذا من أحسن
الاستعارات.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فترجو أو تخاف » أي لا أحييك فتكون حياتك رجاء لأهل النار وخوفا لأهل الجنة
، وذبح الموت لعل المراد به ذبح شيء مسمى بهذا الاسم ليعرف الفريقان رفع الموت
عنهما على المشاهدة والعيان ، إن لم نقل بتجسم الأعراض في تلك النشأة لبعده عن طور
العقل.
الحديث
الثلاثون والمائة : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فهل أنت مستوص » أي تقبل وصيتي وتعمل بها.
__________________
١٣١ ـ وبهذا
الإسناد أن النبي صلىاللهعليهوآله قال ارحموا عزيزا ذل وغنيا افتقر وعالما ضاع في زمان جهال.
١٣٢ ـ وبهذا
الإسناد قال سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول لأصحابه يوما
لا تطعنوا في عيوب من أقبل إليكم بمودته ولا توقفوه على سيئة يخضع لها فإنها ليست
من أخلاق رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا من أخلاق أوليائه قال وقال أبو عبد الله عليهالسلام إن خير ما ورث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال فإن المال يذهب والأدب يبقى
قال مسعدة يعني بالأدب العلم قال وقال أبو عبد الله عليهالسلام إن أجلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على
يوم موتك فقيل له وما تلك الاستعانة قال تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه قال وكتب أبو
عبد الله عليهالسلام إلى رجل « بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » أما بعد فإن
______________________________________________________
الحديث
الحادي والثلاثون والمائة : ضعيف.
الحديث
الثاني والثلاثون والمائة : ضعيف.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا تطعنوا » أي لا تجسسوا عيوب من أقبل عليكم بمودته ، وأظهر محبته لكم
ولا تفشوها ، قال الجزري : فيه « لا يكون المؤمن طعانا » أي وقاعا في أعراض الناس
بالذم والغيبة ونحوهما وهو فعال من طعن فيه ، وعليه بالقول يطعن ـ بالضم والفتح ـ إذا
عابه .
قوله
عليهالسلام : « ولا توقفوه » أي لا تطلعوه على سيئة اطلعتم عليها منه ، فيعلم اطلاعكم
عليها فيخضع ، ويذل لها أو لا توقفوه في مقام الجزاء والعقاب ، والأول أظهر.
قوله
عليهالسلام : « فاجعل أحدهما لأدبك » لعل المراد لعلمك على ما مر تفسيره
__________________
المنافق لا يرغب
فيما قد سعد به المؤمنون والسعيد يتعظ بموعظة التقوى وإن كان يراد بالموعظة غيره.
١٣٣ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط قال أخبرني بعض أصحابنا ، عن محمد بن مسلم
قال قال أبو جعفر عليهالسلام يا ابن مسلم الناس أهل رياء غيركم وذلكم أنكم أخفيتم ما
يحب الله عز وجل وأظهرتم ما يحب الناس والناس أظهروا ما يسخط الله عز وجل وأخفوا
ما يحبه الله يا ابن مسلم إن الله تبارك وتعالى رأف بكم فجعل
______________________________________________________
أي تتعلم في أحد
اليومين آداب الوصية ، وتستعملها في اليوم الآخر ، ويحتمل أن يكون المراد استعمال
الآداب الحسنة في الوصية في اليوم الأول ، والاشتغال بمقدمات الموت في اليوم
الثاني.
الحديث
الثالث والثلاثون والمائة : مرسل.
قوله
عليهالسلام : « الناس أهل رياء غيركم » لعل مراده بيان الفرق بين ما يفعله الشيعة من إظهار
الموافقة مع أهل الباطل تقية ، وبين ما يفعله المخالفون من إنكار حقية أئمة الحق
مع علمهم بها لطمع الدنيا ، بأن الشيعة اعتقدوا الحق وأظهروا خلافه ، في مقام
التقية إطاعة لأمره تعالى ، فلذا عبر عنه بما يحب الناس ، والمخالفين مع اعتقادهم
بالحق أنكروه على وجه يوجب سخط الله عنادا وكفرا وطمعا في الدنيا ، فلذا عبر عنه
بما يسخط الله ، فيكون الفرق بينهما في جهة الإظهار ، وكيفيته فقط ، ويمكن أن
يستنبط من العبارة الفرق بين الإخفائين أيضا بأن يكون المراد بقوله : « أخفيتم ما
يحب الله» إخفاءه أي إخفاء
دين الحق في مقام التقية ، وبقوله
: « ما يحبه الله » ثانيا ما يحب الله إظهاره ، أي أخفوه في غير مقام التقية ،
ولذا غير الكلام بإيراد الضمير في الثاني ، وعدم إيراده في الأول وإنما سمي فعلهم
رياء ، لأن حقيقة الرياء إيقاع العمل لغير الله ، وفعلهم كذلك بخلاف إظهار الشيعة
خلاف ما يضمرون ، فإنه لله ولا طاعة أمره.
المتعة عوضا لكم
عن الأشربة.
١٣٤ ـ عدة من
أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن معمر بن خلاد قال قال لي أبو الحسن الرضا عليهالسلام قال لي المأمون يا أبا الحسن لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي
قد فسدت علينا قال قلت له يا أمير المؤمنين إن وفيت لي وفيت لك إنما دخلت في هذا
الأمر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى ولا أولي ولا أعزل وما زادني هذا
الأمر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق
والمغرب ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز مني وما كان بها أحد
منهم يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له قال فقال لي أفي لك.
١٣٥ ـ علي بن
إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال قال النبي صلىاللهعليهوآله حق على المسلم إذا أراد سفرا أن يعلم إخوانه وحق على
إخوانه إذا قدم أن يأتوه.
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « عوضا عن الأشربة » أي كما أنهم يتلذذون بالفقاع والأنبذة التي هم يستحلونها
وأنتم تحرمونها ولا تنتفعون بها ، فكذلك المتعة أنتم تتلذذون بها وهم لاعتقادهم
حرمتها لا ينتفعون ولا يتلذذون بها ، : وفي بعض النسخ صحف بالأسرية بالسين المهملة
والياء المثناة من تحت جمع السرية أي إنكم لفقركم لا تقدرون على التسري فجعل الله
لكم المتعة عوضا عنهن ، وفي سائر كتب الحديث كما ذكرنا أولا ، وهو الظاهر من وجوه
كما لا يخفى.
الحديث
الرابع والثلاثون والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « في هذا الأمر الذي دخلت فيه » أي ولاية العهد.
قوله
عليهالسلام : « في سكك المدينة » أي في طرقها.
الحديث
الخامس والثلاثون والمائة : ضعيف على المشهور.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « حق » أي ثابت ولازم ، وحمل على الاستحباب.
١٣٦ ـ وبهذا
الإسناد قال قال النبي صلىاللهعليهوآله خلتان كثير من الناس فيهما مفتون الصحة والفراغ.
١٣٧ ـ وبهذا
الإسناد قال قال أمير المؤمنين عليهالسلام من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن ومن كتم سره
كانت الخيرة في يده.
١٣٨ ـ الحسين بن
محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن شاذان ، عن أبي الحسن
موسى عليهالسلام قال قال لي أبي إن في الجنة نهرا يقال له جعفر على شاطئه
الأيمن درة بيضاء فيها ألف قصر في كل قصر ألف قصر ـ لمحمد وآل محمد صلىاللهعليهوآله وعلى شاطئه الأيسر درة.
صفراء فيها ألف
قصر في كل قصر ألف قصر ـ لإبراهيم وآل إبراهيم عليهالسلام.
١٣٩ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال ما التقت فئتان قط من أهل الباطل إلا كان النصر
______________________________________________________
الحديث
السادس والثلاثون والمائة : ضعيف على المشهور.
قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : « فيهما مفتون » أي ممتحن من الفتنة بمعنى الاختبار والامتحان أي يمتحن
الله تعالى بهما خلقه ليراهم كيف يشكرونه فيهما والفراغ : قلة الأشغال أو فراغ
البال عن الهموم والأحزان ، ويحتمل أن يكون من الفتنة بمعنى الضلالة أو الإثم أو
العذاب أي صار كثير من الناس بسببها ضالين أو آثمين أو معذبين ، وفي بعض النسخ «
مغبون » من الغبن بمعنى الخسران.
الحديث
السابع والثلاثون والمائة : ضعيف على المشهور.
الحديث
الثامن والثلاثون والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « على شاطئه الأيمن » شاطئ النهر بالهمز جانبه وطرفه.
الحديث
التاسع والثلاثون والمائة : صحيح.
مع أحسنهما بقية
على أهل الإسلام.
١٤٠ ـ عنه ، عن
أحمد ، عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال جبلت القلوب على حب من ينفعها وبغض من أضر بها.
١٤١ ـ محمد بن أبي
عبد الله ، عن موسى بن عمران ، عن عمه الحسين بن عيسى بن عبد الله ، عن علي بن
جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى عليهالسلام قال أخذ أبي بيدي ثم قال يا بني إن أبي محمد بن علي عليهالسلام أخذ بيدي كما أخذت بيدك وقال إن أبي علي بن الحسين عليهالسلام أخذ بيدي وقال يا بني افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد
أصبت موضعه وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى
يسارك فاعتذر إليك فاقبل عذره.
______________________________________________________
قوله
عليهالسلام : « مع أحسنهما بقية » أي رعاية وحفظا للإسلام من قولك أبقيت على فلان إذا رعيت
عليه ورحمته ، ومنه قوله تعالى : « أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ
فِي الْأَرْضِ » والحاصل أن رعاية الدين والإسلام سبب للنصرة والغلبة ، كما قيل : إن الملك
والملة توأمان.
الحديث
الأربعون والمائة : ضعيف.
قوله
عليهالسلام : « جبلت القلوب » أي خلقت وطبعت ، والغرض التحريص على إيصال النفع إلى الناس
لجلب مودتهم ، والتحذير عن الإضرار لدفع بغضهم.
الحديث
الحادي والأربعون والمائة : مجهول.
ومحمد بن أبي عبد
الله ، هو محمد بن جعفر بن عون الأسدي كما يظهر من تتبع كتب الصدوق وغيرهما.
قوله
: « كنت أنت من أهله » أي تكون من أهل الخير وتصير بذلك داخلا فيهم ، أو أنت أهل لأن تحسن إلى كل
أحد.
__________________
١٤٢ ـ محمد بن
يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم
والحجال ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال قال لي أبو جعفر عليهالسلام كان كل شيء ماء « وَكانَ
عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » فأمر الله عز ذكره الماء فاضطرم نارا ثم أمر النار فخمدت
فارتفع من خمودها دخان فخلق الله عز وجل السماوات من ذلك الدخان وخلق الله عز وجل
الأرض من الرماد ثم اختصم الماء والنار والريح فقال الماء أنا جند الله الأكبر
وقالت النار أنا جند الله الأكبر وقالت الريح أنا جند الله الأكبر فأوحى الله عز
وجل إلى الريح أنت جندي الأكبر.
______________________________________________________
الحديث
الثاني والأربعون والمائة : صحيح.
وقد مر بعينه سندا
ومتنا في الثامن والستين.
إلى هنا تم الجزء
الخامس والعشرون بحمد الله تبارك وتعالى من هذه الطبعة النفيسة حسب تجزئتنا وقد
بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته مع النسخة المخطوطة فنشكر الله تعالى على ما
وفقنا لذلك ويتلوه الجزء السادس والعشرون وأوله حديث زينب العطارة وهو الحديث
الثالث والأربعون والمائة من الكتاب إن شاء الله تعالى وكان الفراغ منه في يوم
الثلاثين من شهر جمادى الثانية سنة ١٤٠٩ والحمد لله رب العالمين وصلى الله على
محمد وآله الطاهرين.
الشيخ علي الآخوندي
فهرست ما في هذا المجلد
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٥
|
رسالة أبي عبد
الله عليهالسلام إلى أصحابه
|
١
|
٢٩
|
صحيفة علي بن
الحسين عليهالسلام وكلامه في الزهد
|
٢
|
٣٣
|
وصية أمير
المؤمنين عليهالسلام لأصحابه
|
٣
|
٣٥
|
خطبة لأمير
المؤمنين عليهالسلام وهي خطبة الوسيلة
|
٤
|
٧٠
|
خطبة الطالوتية
|
٥
|
٧٨
|
مقامات الشيعة
وفضائلهم
|
٦
|
٨٢
|
حديث أبي عبد
الله عليهالسلام مع المنصور في موكبه
|
٧
|
٩١
|
حديث موسى عليهالسلام
|
٨
|
١٠٦
|
وصية وموعظة
لإبي عبد الله الصادق عليهالسلام
|
٩
|
١٠٧
|
إن الله تعالى
اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم
|
١٠
|
١٠٧
|
معنى قوله تعالى
« هذا كتابنا ينطق
عليكم بالحق »
|
١١
|
١٠٨
|
تأويل قوله
تعالى « والشمس وضحاها »
|
١٢
|
١٠٩
|
تفسير سورة
الغاشية بقيام القائم عليهالسلام
|
١٣
|
١١٠
|
تأويل قوله
تعالى « وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من
يموت »
|
١٤
|
١١١
|
ما يفعله القائم
عليهالسلام مع بني أمية
|
١٥
|
١١٢
|
رسالة أبي جعفر عليهالسلام إلى سعد الخير
|
١٦
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
١٢٢
|
رسالة منه عليهالسلام إليه أيضا
|
١٧
|
١٢٥
|
في علي عليهالسلام شبه من عيسى عليهالسلام
|
١٨
|
١٢٩
|
تأويل قوله
تعالى « ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت »
|
١٩
|
١٣٠
|
تفسير قوله
تعالى « ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها »
|
٢٠
|
١٣١
|
خطبة لأمير
المؤمنين عليهالسلام في التحذير من اتباع الهوى وطول الأمل
|
٢١
|
١٣٨
|
خطبة لأمير
المؤمنين عليهالسلام في معاتبة الأمة ووعيد بني أمية
|
٢٢
|
١٥١
|
خطبة لأمير
المؤمنين عليهالسلام لما بويع بعد مقتل عثمان
|
٢٣
|
١٥٩
|
حديث علي بن
الحسين عليهالسلام وفيه حث على التقوى
|
٢٤
|
١٦٠
|
علائم آخر
الزمان أو اشراط الساعة
|
٢٥
|
١٦١
|
خطبة أمير
المؤمنين عليهالسلام في تسويته بين المسلمين في تقسيم بيت المال
|
٢٦
|
١٦٢
|
حديث النبي صلىاللهعليهوآله حين عرضت عليه النخيل
|
٢٧
|
١٦٨
|
نصيحة أمير
المؤمنين عليهالسلام لمولى له فر منه إلى معاوية
|
٢٨
|
١٦٨
|
كلام علي بن
الحسين عليهالسلام
|
٢٩
|
١٧٦
|
حديث الشيخ مع
الباقر عليهالسلام
|
٣٠
|
١٧٨
|
قصة صاحب الزيت
|
٣١
|
١٧٩
|
فضل الشيعة
وتأويل قوله تعالى « ما لنا لا نرى رجالا »
|
٣٢
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
١٨٠
|
وصية النبي صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليهالسلام
|
٣٣
|
١٨١
|
ميزان فضيلة
الرجل ، وحسبه وشرفع وجماله
|
٣٤
|
١٨١
|
الدين هو الحب
وأنت مع من أحببت
|
٣٥
|
١٨٢
|
فضل أهل البيت عليهالسلام وشيعتهم وإن عليا عليهالسلام أفضل الناس بعد النبي صلىاللهعليهوآله
|
٣٦
|
١٨٣
|
ثواب إحياء
أمرهم وانتظار فرجهم عليهالسلام
|
٣٧
|
١٨٥
|
فضل صحب أهل
البيت عليهالسلام
|
٣٨
|
١٨٥
|
الشقي من شقي في
بطن أمه والسعيد من وعظ بغيره
|
٣٩
|
١٨٩
|
تفسير قوله
تعالى « كان النَّاس أمة واحدة »
|
٤٠
|
١٨٩
|
حديث البحر مع
الشمس
|
٤١
|
١٩١
|
لكل أهل بيت حجة
يحتج الله بها يوم القيامة
|
٤٢
|
١٩١
|
لكل أهل بيت حجة
يحتج الله بها يوم القيامة
|
٤٣
|
١٩٢
|
تفسير قوله
تعالى« وأرسل
عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل
»
|
٤٤
|
١٩٤
|
قصة الذي صاهر
زراعا وفخارا
|
٤٥
|
١٩٤
|
عوذة للصادق عليهالسلام للريح والوجع
|
٤٦
|
١٩٦
|
حديث نبوي صلىاللهعليهوآله فيه وصية نافعة
|
٤٧
|
١٩٧
|
مؤامرة موسى بن
عيسى على أبي الحسن موسى عليهالسلام
|
٤٨
|
١٩٧
|
تعريض العاشر
لابي عبد الله عليهالسلام وسلوكه معه
|
٤٩
|
١٩٨
|
كيفية معاشرة
أبي عبد الله عليهالسلام مع غلامه
|
٥٠
|
١٩٨
|
لم يجعل الله في
خلاف أهل البيت عليهالسلام خيرا
|
٥١
|
١٩٩
|
حديث الطبيب
|
٥٢
|
٢٠٠
|
في أن غالب
الأدواء له مادة في الجسد
|
٥٣
|
٢٠٠
|
الاستشفاء بالبر
وكيفيته
|
٥٤
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٢٠١
|
حديث الحوت على
أي شيء هو
|
٥٥
|
٢٠٢
|
خلق الأرض
وإرسال الماء المالح إليها وأصل الخلق
|
٥٦
|
٢٠٢
|
حديث الأحلام
والحجة على أهل ذلك الزمان
|
٥٧
|
٢٠٣
|
رؤيا المؤمن في
آخر الزمان على سبعين جزءا من أجزاء النبوة
|
٥٨
|
٢٠٤
|
سؤال النبي صلىاللهعليهوآله هل من مبشرات
|
٥٩
|
٢٠٤
|
تفسير قوله
تعالى « لهم البشرى في الحياة »
|
٦٠
|
٢٠٥
|
الرؤيا على
ثلاثة وجوه
|
٦١
|
٢٠٥
|
الرؤيا الصادقة
والكاذبة مخرجهما من موضع واحد
|
٦٢
|
٢١٦
|
حديث الرياح وهي
أربعة : أقسام الشمال والجنوب والصبا والدبور
|
٦٣
|
٢٢١
|
دعاء رسول الله صلىاللهعليهوآله لدفع الفقر والسقم
|
٦٤
|
٢٢١
|
في معنى ذوي
القربى
|
٦٥
|
٢٢٢
|
حديث أهل الشام
|
٦٦
|
٢٣٢
|
في أن الله
تعالى خلق الماء ثم خلق الأشياء من الماء
|
٦٧
|
٢٣٣
|
حديث الجنان
والنوق
|
٦٩
|
٢٤١
|
إنهم عليهالسلام يتكلمون على سبعين وجه
|
٧٠
|
٢٤٤
|
حديث أبي بصير
مع المرأة
|
٧١
|
٢٤٥
|
الناصب لأهل
البيت عليهالسلام شر من تارك الصلاة
|
٧٢
|
٢٤٦
|
من استخف بمؤمن
فيهم ، ومن ذب عنهم عليهالسلام
|
٧٣
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٢٤٧
|
مظلومية أهل
البيت عليهالسلام
|
٧٤
|
٢٤٨
|
مدح لحسان بن
ثابت وذم بعض الصحابة
|
٧٥
|
٢٤٨
|
مقالة عمر لعلي
بن أبي طالب عليهالسلام في بني أمية
|
٧٦
|
٢٥٠
|
في تفسير قوله
تعالى « الذين بدلوا نعمت الله كفرا »
|
٧٧
|
٢٥٢
|
في تفسير قوله
تعالى « فتول عنهم فما أنت بملوم »
|
٧٨
|
٢٥٢
|
في أهوال يوم
القيامة وبعث الخلائق
|
٧٩
|
٢٥٧
|
من أحب أهل
البيت عليهالسلام كان معهم يوم القيامة
|
٨٠
|
٢٦٠
|
رد على من زعم
أن الكمال كله في عفة البطن والفرج
|
٨١
|
٢٦٠
|
إن لله عز وجل
في بلاده خمس حرم
|
٨٢
|
٢٦١
|
إذا بلغ المؤمن
أربعين سنة
|
٨٣
|
٢٦١
|
إن المؤمن في
وسعة من غفران الله تعالى حتى إذا بلغ الأربعين
|
٨٤
|
٢٦١
|
في جواز الفرار
من الوباء
|
٨٥
|
٢٦٢
|
معنى التفكر في
الوسوسة في الخلق
|
٨٦
|
٢٦٤
|
معالجة الحمى
بالماء البارد والدعاء
|
٨٧
|
٢٦٥
|
دعاء ورقية
للحمى
|
٨٨
|
٢٦٦
|
دعاء الخنق
وغيرها
|
٨٩
|
٢٦٦
|
غزوة أحد
ومواساة أمير المؤمنين عليهالسلام مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
|
٩٠
|
٢٦٨
|
غزوة بدر أكرم
وأعز وقعة كانت في العرب
|
٩١
|
٢٧٢
|
حديث آدم عليهالسلام مع الشجرة
|
٩٢
|
٢٧٥
|
قصة قابيل
وهابيل وهبة الله
|
٩٢
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٢٧٧
|
قصة قابيل وهبة
الله
|
٩٢
|
٢٧٨
|
قصة نوح عليهالسلام
|
٩٢
|
٢٧٩
|
في بيان بعث
الرسل وتربيته
|
٩٢
|
٢٨١
|
جعل النبي صلىاللهعليهوآله آثار علم النبوة عنه علي عليهالسلام
|
٩٢
|
٢٨٣
|
المخصوصون
بالعلم واستنباطه
|
٩٢
|
٢٨٣
|
الأنبياء وأهل
بيوتاتهم عليهمالسلام هم الحجة على الخلق
|
٩٢
|
٢٨٥
|
فيما جرى بين
نافع مولى عمر الخطاب وأبي جعفر عليهالسلام
|
٩٣
|
٢٩٢
|
حديث نصراني
الشام مع الباقر عليهالسلام
|
٩٤
|
٢٩٥
|
حديث أبي الحسن
موسى عليهالسلام
|
٩٥
|
٣٠٣
|
حديث أبي ذر مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
|
٩٦
|
٣٠٤
|
غزوة ذات الرقاع
وقصة دعثور بن الحرث مع النبي صلىاللهعليهوآله
|
٩٧
|
٣٠٦
|
لا يقبل الله
تعالى عملا إلا بولاية أهل البيت عليهالسلام
|
٩٨
|
٣٠٩
|
من خاف الله كل
لسانه
|
٩٨
|
٣١٠
|
أحب الأشياء عند
رسول الله صلىاللهعليهوآله
|
٩٩
|
٣١٠
|
في زهد النبي صلىاللهعليهوآله وأدبه وزهد علي عليهالسلام
|
١٠٠
|
٣١٢
|
شدة زهده
وتواضعه عليهالسلام
|
١٠١
|
٣١٢
|
في زهد النبي صلىاللهعليهوآله وتواضعه أيضا
|
١٠٢
|
٣١٣
|
حديث عيسى ابن
مريم عليهالسلام
|
١٠٣
|
٣٤٠
|
معنى قوله تعالى
« إن ذلك لحقٌّ تخاصم أهل النَّار »
|
١٠٤
|
٣٤٠
|
حديث إبليس
|
١٠٥
|
٣٤١
|
إذا رأى الرجل
ما يكره في نومه
|
١٠٦
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٣٤١
|
دعاء علمه رسول
الله صلىاللهعليهوآله فاطمة عليهالسلام في رؤيا التي رأتها
|
١٠٧
|
٣٤٣
|
حديث محاسبة
النفس
|
١٠٨
|
٣٤٣
|
يوم السبت ويوم
الثلاثاء
|
١٠٩
|
٣٤٤
|
مثل الناس يوم
القيامة
|
١١٠
|
٣٤٤
|
حديث حفص وسجود
أبي عبد الله عليهالسلام
|
١١١
|
٣٤٤
|
في مذمة الدنيا
|
١١٢
|
٣٤٥
|
في ذم شكاية
المؤمن حاجته عند الكافر
|
١١٣
|
٣٤٥
|
فيما أوحى الله
عز وجل إلى سليمان بن داود عليهالسلام
|
١١٤
|
٣٤٦
|
حديث المشركين
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
|
١١٥
|
٣٤٧
|
إن الله خلق
الجنة قبل أن يخلق النار
|
١١٦
|
٣٤٧
|
في تفسير قوله
تعالى « خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة
أيَّام »
|
١١٧
|
٣٥٢
|
في مدح زرارة بن
أعين وأصحابه
|
١١٨
|
٣٥٣
|
فضل الشيعة ومدح
يحيى بن سابور
|
١١٩
|
٣٥٤
|
فضل الشيعة
|
١٢٠
|
٣٥٣
|
فضل الشيعة
ووصية أبي عبد الله عليهالسلام لهم
|
١٢١
|
٣٥٤
|
فضل الشيعة وذم
مخالفهم
|
١٢٢
|
٣٥٥
|
في أن عليا عليهالسلام كان مشاركا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في جميع الكمالات
|
١٢٣
|
٣٥٦
|
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا ذهب من طريق رجع من غيره
|
١٢٤
|
٣٥٦
|
تكذيب المغتاب
وحمل فعل المؤمن على أحسنه
|
١٢٥
|
٣٥٧
|
حديث من ولد في
الإسلام
|
١٢٦
|
رقم الصفحة
|
العنوان
|
عدد الأحاديث
|
٣٥٨
|
من أصبح وعنده
ثلاث فقد ثبت عليه النعمة
|
١٢٧
|
٣٥٨
|
فضيلة الكلام
ورفعة شأنه
|
١٢٨
|
٣٥٩
|
ما خلق الله عز
وجل خلقا إلا وقد أمر عليه آخر تغلبه
|
١٢٩
|
٣٦٨
|
وصية رسول الله صلىاللهعليهوآله لرجل استوصاه
|
١٣٠
|
٣٦٩
|
ارحموا عزيزا ذل
|
١٣١
|
٣٦٩
|
نهى عن تجسس
عيوب من كان أقبل إلينا بمودته
|
١٣٢
|
٣٦٩
|
خير ما ورث
الآباء للأبناء الأدب
|
١٣٢
|
٣٦٩
|
كتاب أبي عبد
الله عليهالسلام إلى رجل في صفة المنافق والسعيد
|
١٣٢
|
٣٧٠
|
جعل المتعة
للإمامية عوضا من الأشربة
|
١٣٣
|
٣٧١
|
ما اشترط الرضا عليهالسلام في قبوله لولاية العهد
|
١٣٤
|
٣٧١
|
بعض حقوق المسلم
مع إخوانه
|
١٣٥
|
٣٧٢
|
نعمتان مجهولتان
والناس فيها مفتون
|
١٣٦
|
٣٧٢
|
النهي عن تعريض
الإنسان نفسه للتهمة
|
١٣٧
|
٣٧٢
|
صفة نهر في
الجنة يقال له جعفر
|
١٣٨
|
٣٧٢
|
النصر مع من
أحسن الرعاية والحفظ لإسلام
|
١٣٩
|
٣٧٣
|
ما جعلت عليه
القلوب
|
١٤٠
|
٣٧٣
|
فعل الخير إلى
كل من طلبه
|
١٤١
|
٣٧٤
|
كان كل شيء ماء
وكان عرشه تعالى على الماء
|
١٤٢
|
|